تكملة تاريخ الطبري

المقدسي، محمد بن عبد الملك

كتاب تكملة الطبري

كتاب تَكْمِلَة الطَّبَرِيّ =

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اما بعد الْحَمد الله الَّذِي وفقنا لهدايته ووهب لنا التَّمَسُّك بِشَرِيعَتِهِ وَالصَّلَاة على نبيه مُحَمَّد الَّذِي اخْتَارَهُ لرسالته وفضله بنبوءته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالدُّعَاء لمن الدُّنْيَا مهناة بمصادفة سُلْطَانه والفضائل مستفيدة من تيامن احسانه والدهر مفتخر بِحُصُول عنانه فِي يَدَيْهِ ومثوله فِي جملَة العبيد لَدَيْهِ سيدنَا ومولانا الامام المستظهر بِاللَّه امير الْمُؤمنِينَ لَا زَالَ سُلْطَانه باذخ الْمَكَان راسخ الاركان وايامه رفيعة الْعِمَاد منيعة الْبِلَاد ليؤرخ من مناقبها مَالا تتَعَلَّق النُّجُوم باذياله وتقصر عين الزَّمَان عَن شِمَاله فان علم التَّارِيخ رغب فِي الِاطِّلَاع عَلَيْهِ سادة الامم والقبائل واهل المحامد والفضائل الائمة من ولد الْعَبَّاس رضوَان الله عَلَيْهِم وهى الاسرة الطاهرة والدوحة الزاهرة هداة الاعلام وشموس الاسلام وَكَانُوا اكثر الْخلق رِوَايَة لمن تقدمهم واثار من كَانَ قبلهم فَمَا كَانَ فِي ذَلِك من استقامة فى الاحوال كَانَ بِالنعَم مذكرا وَمَا شاهدوا فِيهِ من الاختلال كَانَ منبها ومنذرا وَقد روى ان رجلا سَالَ سعيد بن الْمسيب رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَقَالَ رايت رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي مَنَامِي (3 / 4) فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا ان الله بعث نبيه - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بشيرا وَنَذِيرا فَمن كَانَ على خير بشره وامره بِالزِّيَادَةِ وَمن كَانَ شَرّ حذره وامره بِالتَّوْبَةِ والاطلاع فِي اخبار النَّاس مرْآة النَّاظر تصدق عَن المحاسن والمقابح ويهذب ذَوي البصائر والقرائح وَبهَا يذكر الله تَعَالَى من عباده مَا يرَاهُ اهلا لذكره ومستوجبا لكريم ثَوَابه واجره هُنَا الْمَنْصُور رضى الله عَنهُ وَهُوَ باذل الائمة وكافل الامة قَالَ لاصحابه الْمُلُوك اربعة مُعَاوِيَة وَكَفاهُ زياده (1) وعبد الملك وَكَفاهُ حجاجا وَهِشَام وَكَفاهُ موَالِيه وانا وَلَا كَافِي لي واجماله لذَلِك استنهاض مِنْهُ لَهُم على معرفَة اخبارهم وَهَذَا الْمهْدي رَحمَه الله عَلَيْهِ لما حج فِي سنة سِتِّينَ وَمِائَة جعل ينظر الى بِنَاء

الوليدبن عبد الملك وَاخْبَرْ اصحابه بسيرته فِي بنائِهِ وان النَّاس لهجوا فِي ايامه بِالْبِنَاءِ وَشرح لَهُم امور بني امية حَتَّى اخبرهم باحتجاج الْوَلِيد بن يزِيد على هِشَام حِين انكر عَلَيْهِ الاسراف فِي ثمن عمَامَته فَقَالَ لَهُ انت ابتعت جَارِيَة باضعاف ذَلِك لاخس اطرافك فَمَا تنكر من ابتياعي هَذِه لاكرم اطرافي وَاخْبَرْ عَن عمر بن عبد العزيز رَحمَه الله قَالَ لَو كنت فِي قتلة الْحُسَيْن بن عَليّ عَلَيْهِمَا السَّلَام ثمَّ امرت بِدُخُول الْجنَّة لم افْعَل حَيَاء ان تقع عَيْني فِي عين مُحَمَّد - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهَذَا الْهَادِي (1) رضوَان الله عَلَيْهِ اخبر عَن السندي بن شاهك قَالَ كنت مَعَه بجرجان فَسمع بَين بساتينها صَوت رجل يتَغَنَّى فامر باحضاره فَقلت لَهُ مَا اشبه قصَّة هَذَا الجائي بِقصَّة صَاحب سُلَيْمَان بن عبد الملك فَقَالَ وَمَا ذَاك فَقلت خرج سُلَيْمَان فِي منزه لَهُ مَعَ حرمه فَسمع صَوت رجل يتَغَنَّى فَدَعَا صَاحب شرطته وَقَالَ عَليّ بِصَاحِب الصَّوْت فاتى بِهِ فَقَالَ لَهُ مَا حملك على الْغناء وانت على الْقرب منى وبجانب حرمي اما علمت ان الْفرس يصهل فتستفاي (2) لَهُ الرماك (3) وان الْحمار ليعشر فتودق لَهُ الاتن وان اليبس (4) ليهب فتزعج لَهُ الْغنم وان الرجل يُغني فتغتلم (5) الْمَرْأَة يَا غُلَام جبه فجبه فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَام الْمقبل رَجَعَ سُلَيْمَان الى ذَلِك الْمنزل فَذكر الرجل وَمَا صنع بِهِ فَقَالَ لصَاحب شرطته عَليّ بِالرجلِ الَّذِي جببته ان كَانَ حَيا فاتاه بِهِ فَقَالَ لَهُ اما بِعْت فوفيناك واما وهبت فكافيناك فَمَا دَعَاهُ الرجل الا باسمه وَقَالَ يَا سُلَيْمَان قطعت نسلي وَذَهَبت بِمَاء وَجْهي وحرمتني لذتي ثمَّ تَقول اما بِعْت واما وهبت لَا وَالله حَتَّى اقف بَين يَدي الله عز وَجل (6) فَقَالَ الْهَادِي لصَاحب الشرطة لَا تعرض للرجل وَكَانَ الرشيد رضوَان الله عَلَيْهِ فِي بعض اسفاره وَقد نزل الثَّلج فاذاه فَقَالَ لَهُ بعض اصحابه الى مَتى سهرك يَا امير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ اسْكُتْ للرعية الْمَنَام وعلينا الْقيام وَلَا بُد لِلرَّاعِي من حراسة الاغنام وَقد روى قطن بن وهب عَن ابيه ان عمر بن الْخطاب امير الْمُؤمنِينَ رضى الله عَنهُ انه (7) اجتاز فِي بعض اسفاره على صَاحب غنم فَقَالَ يَا ذَا الرجل ان كل

رَاع مسؤول عَن رَعيته واني رايت فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ عشبا امثل من موضعك ثمَّ اثنى عل عمر رضى الله عَنهُ وَذكر سيرته يَقُول الشَّاعِر فِيهِ ... غضِبت لغضبتك القواطع والقنا ... لما نهضت لنصرة الاسلام نَامُوا فِي كنف لعدلك وَاسع ... وسهرت تحرس غَفلَة النّوم ... وَلَو تتبعت امثال هَذَا لاطلت وَلم ار اجْمَعْ لهَذَا الْعلم من كتاب مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ فرايت ان اضيف إِلَيْهِ مجموعا عولت فِيهِ على مَا نقلته من تصانيف المؤرخين وتاليف الْمُحَقِّقين كالصولي والتنوخي والخطيب ابي بكر احْمَد بن ثَابت الْمُحدث وابي اسحاق الصابي واولاده وَابْن سِنَان وَغير هؤلاؤ واضفت الى ذَلِك مَا حفظته من شعر الشُّعَرَاء وحكايات الْعلمَاء وَتشهد بِالْحَال واختصرته بجهدي ولخصته بِحَسب طاقتي واقتصرت فِيهِ على الامور الْمَشْهُورَة والاحوال السائرة الماثورة وختمته ببيعة سيدنَا ومولانا الامام المستظهر بِاللَّه امير الْمُؤمنِينَ الَّذِي قضى حق الله فِي بريته وارتسم امْرَهْ فِي رَعيته فَمن نظر فِي فضائله داوى فكره العليل وشحذ طبعه الكليل وَمَا من اُحْدُ اوتي ذخيرة تَحْصِيل وبصيرة راي اصيل يبدع فِي تدوين مناقبه وَلَا يغرب فِي اثبات فضائله وَمن قصر فِي جمعهَا فَلهُ فِي انعام المتامل لذَلِك مجَال يَحْرُسهُ عَن الم التقريع وثقته بفصح النَّاظر تغني عَن التبذل والمعاذير فالرغبة الى الله تَعَالَى فِي ان يمد ظلال ايامه الَّتِى بهَا اعتدل المائل وارتدع الْجَاهِل وامن السابل وَقصر المتطاول وان يَجْعَل لَهُ من سيدنَا ومولانا عُمْدَة الدّين عضدا ينوء بقوتها ويدا يَسْطُوا ببسطتها وان يبلغهُ مِنْهُ قاصية الايثار وبنيله مِنْهُ غَايَة الِاخْتِيَار وتبديد اعدائه تَحت الذلة وَالصغَار والخيبة والخسار لَا يعتصمون بعصمة الا اباح الله حوزتها وَلَا يعتضدون بفرقة الا شتت الله كلمتها وَمن نظر فِي عَزمَات سيدنَا ومولانا الامام المستظهر بِاللَّه امير الْمُؤمنِينَ رضوَان الله عَلَيْهِ وعَلى ابائه الطاهرين وابنائه الاكرمين علم انها تاتي بِمَا لم يقرع الاسماع من قبلهَا وَلَا عثر فِي السّير بِمِثْلِهَا وَتحقّق انها ابعد مجدا وان كَانَت اقْربْ عهدا وارفع عمادا وان كَانَت احدث ميلادا فحفظ الله على الدُّنْيَا سياسته على اهلها حسن رافته حَتَّى تضع لَهُ الدُّنْيَا خدودها ضارعة وتستجب لامره سامعة طَائِعَة انه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ بمنه ولطفه وَلما ختم ابْن جرير تَارِيخه (1) سنة اثْنَيْنِ وثلاثمائة وَهِي السّنة السَّابِعَة من خلَافَة المقتدر بِاللَّه رضى الله عَنهُ واشار الى الامور اشارة خُفْيَة رايت ان ابتدي بخلافته وَوقت بيعَته وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

خلافة المقتدر بالله

خلَافَة المقتدر بِاللَّه (1) مُدَّة خلَافَة المقتدر بِاللَّه ابي الْفضل جَعْفَر بن المعتضد بِاللَّه اربعة وَعِشْرُونَ سنة وَعشرَة ايام ومولده لثمان بَقينَ من شهر رَمَضَان سنة اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ 895 وَلم يل الْخلَافَة اصغر سنة مِنْهُ (2) وَليهَا وَسنة ثَلَاث عشرَة سنة وشهرا وَاحِدًا وَعِشْرُونَ يَوْمًا بُويِعَ (3) لَهُ لما مَاتَ المكتفي (4) بِاللَّه ابو احْمَد الْعَبَّاس بن الْحسن وَكَانَ قد مَال الى تَقْرِير الامر لعبد الله بن المعتز بمشورة ابي عبد الله مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْجراح فَثنى رايه عَن ذَلِك ابْن الْفُرَات وَقَالَ ان ابْن المعتز يخبر نعم اصحاب السُّلْطَان وَيعرف اسرارهم وذخائرهم وَقد خالط النَّاس وَفهم امورهم فعينه ممتدة الى مَا فِي ايديهم وان كَانَ جَعْفَر بن المعتضد بِاللَّه صغبرا فانت تديره فقرر ذَلِك فِي نَفسه وَلما مَاتَ المكتفي بِاللَّه (5) انفذ الْوَزير الْعَبَّاس بن الْحسن بصافي الحرمي الى دَار ابْن طَاهِر والمقتدر بِاللَّه فاحدره الى دَار الْخلَافَة واجتازت الحراقة (6) على دَار الْوَزير فامر الْوَزير غلمانه فَنَادوا الملاحين بِالدُّخُولِ ليغير زيه فَظن صافي ان ذَلِك لتغير راي فِيهِ فَجرد سَيْفه على الملاح وامره ان لَا يعرج على مَكَان غير دَار الْخلَافَة (7) وبويع حِينَئِذٍ على صَلَاة الاستخارة واطال الدُّعَاء وَكَانَ الْعَبَّاس بن الْحسن قد عول على ان ينصب فِي الْخلَافَة ابا عبد الله بن الْمُعْتَمد على الله أَو ابا الْخَيْر بن المتَوَكل على الله فماتا مختلسين

سنة ست وتسعين ومائتين

سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ قد ذكرت ميل ابي عبد الله مُحَمَّد بن دَاوُد بن الْجراح صَاحب الدِّيوَان الى ابْن المعتز فَلَمَّا لم يجد عِنْد الْوَزير مَا يُريدهُ عدل الى الْحسن بن حمدَان فاشار عَلَيْهِ بالمعاضدة على فسخ (1) امْر المقتدر بِاللَّه وتمهيد حَال ابْن المعتز وبادر الْحُسَيْن (2) بن حمدَان الى الْوَزير الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَقد ركب من دَاره بدرب عمار عِنْد الثريا الى بستانه الْمَعْرُوف ببستان الْورْد عِنْد مقسم المَاء فاعترضه بِالسَّيْفِ فَقتله وَقتل مَعَه فاتكا المعتضدي وَكَانَ المقتدر بِاللَّه قد ركب لمشاهدة اجراء الْخَيل فَسمع الضجة فبادر الى الدَّار وَكَانَ الْحُسَيْن قد قصد للفتك بِهِ واغلقت الابواب دونه فَانْصَرف الى المخرم وَجلسَ فِي دَار سُلَيْمَان بن وهب وَعبر اليه ابْن المعتز وَكَانَ نزل بداره على الصراة وَحضر ارباب الدولة من الْكتاب والقواد ولاقضاة فَبَايعُوهُ ولقبوه المرتضى بِاللَّه واستخفى ابْن الْفُرَات واستوزر ابْن المعتز ابْن الْجراح وَمضى ابْن حمدَان الى دَار الْخلَافَة فقابله (3) الخدم والغلمان على سورها ودفعوه وَكَانَ مَعَ المقتدر بِاللَّه غَرِيب الْحَال (4) ومونس الْخَادِم الَّذِي لقبه بالمظفر ومونس الخازن وَلما جن اللَّيْل مضى ابْن حمدَان باهله وَمَاله واصعد الى الْموصل واصعد غَرِيب الْخَال ومونس المظفر فِي الزبازب الى المخرم فهرب النَّاس من عِنْد ابْن المعتز وَخرج وَحده واستجار بِابْن الْجَصَّاص واستتر عَليّ بن عِيسَى وَابْن الْجراح عِنْد بقلى فاخرجهما الْعَامَّة وسبوهما وسلموهما إِلَى خَادِم اجتاز بهم فحملهما على بغل وَقتل مونس المظفر جَمِيع من بَايع ابْن المعتز غير عَليّ بن عِيسَى وَابْن عبدون والقاضى مُحَمَّد بن خلف بن وَكِيع وانفذ المقتدر بِاللَّه مونسا الخازن لطلب ابْن الْفُرَات وَكَانَ قد استتر عِنْد جِيرَانه فَكَتَمُوهُ امْرَهْ فَحلف لَهُم ان السُّلْطَان يُرِيد ان يستوزره فاظهروه وَحمله الى الْخَلِيفَة فولاه وزارته

ونم خَادِم (1) لِابْنِ الْجَصَّاص بِخَبَر ابْن المعتز الى صافي الحرمي فكبس عَلَيْهِ واخذه واخذ ابْن الْجَصَّاص مَعَه فصودر على اموال جمة وسال ابْن الْفُرَات فِيهِ واستنقذ ابْن الْفُرَات عَليّ بن عِيسَى وَمُحَمّد بن وَكِيع القاضى وَابْن عبدون وَنفى ابْن عبدون الى الاهواز وَنفى عليا بن عِيسَى الى وَاسِط فَلَمَّا حصلا بالموضوعين قرر سوسن مَعَ المقتدر بِاللَّه احضار ابْن عبدون وتوليته الوزارة فَلَمَّا حصل بواسط بلغ ذَلِك ابْن الْفُرَات فاغرى المقتدر سوسن حَتَّى قَتله وانفد الى عبدون من صادره واعتقله وَكتب عَليّ بن عِيسَى الى ابْن الْفُرَات يساله (2) ابعاده الى مَكَّة ليزول (3) عَنهُ التهم فَفعل وَسَار اليها على طَرِيق الْبَصْرَة وَظهر موت ابْن المعتز (4) فَسلم الى اهله مَيتا (5) وَكَانَ ابْن الْجراح مستترا وعزم ابْن الْفُرَات على التَّوَصُّل الى الصفح عَنهُ واتاه رجل برقعته فامره بالاستتار حَتَّى يدبر طَرِيق الْعَفو عَن جرمه الْعَظِيم واعلمه ان صافي الحرمي يعاديه فَلم يصبر ابْن الْجراح فتتبعت امْرَأَة نَصْرَانِيَّة كَانَت تحمل رقاعة فاخذ وَحمل الى مونس فَقتله واتى ابْن الْفُرَات رجل فاخبره انه يعرف مَكَانَهُ فَقَالَ ان كَانَ هَذَا صَحِيحا فلك الف دِينَار والا عوقبت لكذبك الف سَوط فرضى وامر ابْن الْفُرَات حاجبا لَهُ بمراسلته ليبعد عَن الْمَكَان الَّذِي هُوَ فِيهِ مستتر فَلَمَّا علم انه قد تَركه وَمضى الى غَيره انفذ بالساعي بِهِ مَعَ صَاحب الشرطة فَلم يجدوه فامر ابْن الْفُرَات بِضَرْب السَّاعِي مِائَتي سَوط واشهاره والنداء على نَفسه وَهَذَا جَزَاء من يسْعَى بِالْبَاطِلِ ثمَّ امْر لَهُ بِمِائَتي دِينَار ونفاه الى الْبَصْرَة سرا وَقَالَ لَو لم افْعَل هَذَا بِهِ سعى لي الى الْخَلِيفَة بانني توانيت فِي امْرَهْ واما ابو عمر القاضى فَسَأَلَ فِيهِ ابوه يُوسُف بن يَعْقُوب القاضى فاحترم لكبر سنه وادى عَنهُ مائَة الف دِينَار على ان يلازم منزله وانفذ الْخَلِيفَة بالقسم بن سيماء وابي الهيجاء (6) بن حمدَان لمحاربة اخيه الْحُسَيْن

ابْن حمدَان فهزمهما ودبر ابْن الْفُرَات حَتَّى كتب لَهُ امانا وولاه قُم وَفِي هَذِه السّنة قلد يُوسُف ابْن ابي الساج اعمال اذربيجان وارمينية على ان يحمل بعد اعطاء الْجند والنفقات مائَة وَعشْرين الف دِينَار فِي السّنة وَقدم بارس غُلَام اسماعيل بن احْمَد صَاحب خُرَاسَان فِي اربعة الاف تركيا مفارقا لصَاحبه فقلد ديار (1) ربيعَة وَكَانَ للوزير الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن ابْن كنيته ابو جَعْفَر واسْمه مُحَمَّد فَمضى بعد قتل ابيه الى بخارا واقام عِنْد الْمُلُوك السامانية وَمن شعره ... لَئِن اصبحت مَنْبُوذًا ... باطراف خُرَاسَان ومجفوا نبت عَن ... لَذَّة التغميض اجفاني (2) ... ومحمولا على الصعبة ... من اعراض سُلْطَان ومخصوصا بحرمان ... من الاعيان اعياني ومكلوما باظفار ... ومكدوما باسنان وملقى بَين اخفاف ... واظلاف توطاني وَمَا دنى الى حق (3) هُوَ عني عطفه ثَانِي سوى اني ارى فِي الْفضل ... فَردا لَيْسَ لي ثَانِي كَانَ الْمجد اذ اكشفه ... عني كَانَ غطاني ساسترفد صبري ... انه من خير اعواني واستنجد عزمي ... انه والحزم سيان وانضو الْهم من قلبِي ... وان أنضيت حثماني وانجو انتجاي ان ... قَضَاء الله نجاني الى ارضى الَّتِي ارضى ... وترضينى وترضاني فان سلمنى الله ... وبالصنع تولاني واوطاني اوطاني ... واعطاني اعطاني واخلى ذرعي الدَّهْر ... وخلاني وخلاني فَانِي لَا اجد الْعود ... مَا عَاد الجديدان ...

وقال بعض الشعراء في العباس بن الحسين وقد ساء خلقه بعلو سنه يا ابا احمد لا تحسن بايامك ظنا فاحذر الدهر فكم اهلك املاكا فافنى كم راينا من وزير صار في الاجداث رهنا اين من كنت تراهم درجوا قرنا فقرنا فتجنب مركب الكبر وقل

.. الى الغربة حَتَّى ... تغرب الشَّمْس مَعَ (1) بشرفان فان غَدَتْ لَهَا يَوْمًا ... فسجاني فسجاني وللموت الْوَحْي الاحمر ... القاني القاني ... وَقَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَقد سَاءَ خلقه بعلو سنه ... يَا ابا احْمَد لَا تحسن ... بايامك ظنا فاحذر الدَّهْر فكم ... اهلك املاكا فافنى (2) ... كم راينا من وَزِير ... صَار فِي الاجداث رهنا ايْنَ من كنت تراهم ... درجوا قرنا فقرنا فتجنب مركب الْكبر ... وَقل للنَّاس حسنا رُبمَا امسى بعزل ... من باصباح يهنى وقبيح بمطاع الامر ... الا يتاني ارتك النَّاس وايامك ... فيهم تتمنى ... قَالَ جحظة اضقت مرّة اضاقة شَدِيدَة فَجَلَست مَعَ الملاح ومعى طنبوري وانحدرت حَتَّى دَار الوزارة بالمخرم والوزير اذ ذَاك الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَالسَّمَاء متغيمة والستائر مَنْصُوبَة وَالْمَاء زَائِد على نَيف وَعشْرين ذِرَاعا فامرت الملاح فَشد السميرية (3) فِي الروشن وغنيته ... عللاني بجامة وبطاس ... قهوة من ذخاير الشماس سقياني فقد صرفت صروف ... الدَّهْر عني بدولة الْعَبَّاس ملك ينثر الثمين من الدّرّ ... بالفاظه على القرطاس ... فامر بِي فاصعدت وامر لي بالفي دِينَار سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ فِيهَا انفذ طريف (4) السبكري مقلد فَارس مَعَ كَاتبه الْفضل عبد الرحمن ابْن جَعْفَر الشرازي طَاهِرا وَيَعْقُوب بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن اللَّيْث الصفار وَكَانَ قد امرهما ثمَّ عزم طريف السبكري على الْخلاف فانفذ اليه ابْن الْفُرَات مونسا مصالحة على عشرَة الاف الف دِرْهَم فَلم يرض بذلك ابْن الْفُرَات وانفذ اليه جَيْشًا وَمَعَهُ مُحَمَّد بن جَعْفَر

سنة ثمان وتسعين ومائتين

العبرتاني فواقعوا طريف السبكري على بَاب شيراز فهزموه الى سجستان فَأسرهُ احْمَد بن اسماعيل واسر مَعَه بعض بنى عَمْرو بن اللَّيْث وانفذهما الى بَغْدَاد وَتُوفِّي العبرتاني (1) (بِفَارِس فقلد مَكَانَهُ عبد الله بن ابراهيم المسمعي وفيهَا غرقت فَاطِمَة القهرمانة فِي طيارها تَحت الجسر فِي يَوْم ريح عاصف فَحَضَرَ صهرها بنى (2) بن النفيس جنازتها وَجعلت السيدة مَكَانهَا ام مُوسَى سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ فِيهَا اعتل صافي الحرمي (3) ووهب دَاره بقصر عِيسَى لغلامه قَاسم وابراه من كل امْر وَمَات فَحمل الى ابْن الْفُرَات من مَاله مائَة وَعِشْرُونَ الف دِينَار وَسَبْعمائة منْطقَة ذَهَبا وَفِضة فحملها ابْن الْفُرَات الى المقتدر بِاللَّه فاقره مرتبَة استاذه وَولى غَرِيب الْخَال مَا كَانَ يتقلده صافي من الثغور الشامية وَفِي هَذِه السّنة مَاتَ المظفر بن حَامِد امير الْيمن وَحمل الى مَكَّة فَدفن بهَا وَكَانَ ملاحظ قد انفذه الْخَلِيفَة مدَدا فَتَوَلّى مَكَانَهُ وَفِي هَذِه السّنة توفّي احْمَد بن ابي عَوْف وشارعه فِي الْجَانِب الغربي مَعْرُوف وَكَانَ اُحْدُ الْعُدُول وَتُوفِّي وسنه نَيف وَثَمَانُونَ سنة وَقَالَ اصابني هم لم اعرف سَببه فِي بعض الايام فَخرجت الى بُسْتَان لي على نهر عِيسَى فاجتاز بِي ركابي ثمَّ وقف فِي ظلّ شَجَرَة فتقدمت لَهُ بِمَا ياكله لانني رايته والجوع غَالب عَلَيْهِ فاكل ثمَّ نَام فاخذت الْكيس الَّذِي فِيهِ كتبه فاذا فِيهِ كتاب التُّجَّار من الرقة الى اصدقائهم بِبَغْدَاد ومعارفهم يامرونهم بشرَاء كل زَيْت بِبَغْدَاد ويخبرونهم انه مَعْدُوم عِنْدهم فبادرت وامرت وكلائي بابتياع مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ من الزَّيْت فابتيع الى اخر النَّهَار بِعشْرَة الاف دِينَار وَكنت قد وعدت الركابي بدينارين ان اقام ليلته عِنْدِي وَلم اعرفه السَّبَب وَلم يبت بِبَغْدَاد زَيْت لغيري فَلَمَّا اصبحت سرحت الركابي وانتشر الَّذين وصلت الْكتب اليهم فِي طلب الزين فَلم يجدوه فاربحوني فِي كل دِرْهَم درهما فَعلمت انه انما كَانَ خروجي الى الْبُسْتَان لاحوز عشرَة الاف دِينَار من غير مشقة

وَفِي هَذِه السّنة توفّي مُحَمَّد بن دَاوُد الاصبهاني الْفَقِيه (1) صَاحب الْكتاب الْمَعْرُوف بالزهرة (2) حكى الشَّيْخ ابو اسحاق الشِّيرَازِيّ فِي كتاب الْفُقَهَاء عَن القاضى ابي الطّيب الطَّبَرِيّ عَن ابي الْعَبَّاس الخضري قَالَ كنت جَالِسا عِنْد ابْن دَاوُد فَاتَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت مَا تَقول فِي رجل لَهُ زَوْجَة لَا هُوَ ممسكها وَلَا هُوَ مُطلقهَا فَقَالَ ابو بكر قد اخْتلف اهل الْعلم فِي ذَلِك فَقَالَ قَائِلُونَ يُؤمر بِالصبرِ والاحتساب وَيبْعَث على الطّلب والاكتساب وقائلون يُؤمر بالانفاق وَلَا يحمل على الطَّلَاق فَلم تفهم الْمَرْأَة فاعادت مسئلتها فَقَالَ يَا هَذِه قد اجبتك الى مسئلتك وارشدتك الى طلبتك وَلست بسُلْطَان فامضى وَلَا زوج فارضى وَلَا قَاض فاقضى فَذَهَبت الْمَرْأَة وَلم تعرف مَا قَوْله وَلما مَاتَ ابوه قَالَ الشَّيْخ ابو اسحاق فِي كتاب الْفُقَهَاء كَانَ يحضر مجْلِس دَاوُد اربعمائة صَاحب طيلسان احْتضرَ فَجَلَسَ مُحَمَّد مَكَانَهُ فاستصغره النَّاس فسالوه عَن حد السكر فَقَالَ مبادر حد السكر ان تعزب عَنهُ الهموم وان يبوح من سره المكتوم فَعَلمُوا نجابته حِينَئِذٍ (3) وَكَانَ يهوى مُحَمَّد بن جَامع ولاجله صنف كتاب الزهرة وَكَانَ مُحَمَّد بن جَامع من احسن النَّاس واكثرهم مَالا وَلَا يعرف معشوق كَانَ ينْفق الاموال على عاشق الا ابْن جَامع مَعَ ابْن دَاوُد قَالَ الْخَطِيب فِي تَارِيخه (4) وَخرج ابْن جَامع من الْحمام فاخذ الْمرْآة فَنظر الى وَجهه فغطاه وَركب الى ابْن دَاوُد فَلَمَّا رَآهُ مغطى الْوَجْه قَالَ لَهُ مَا الْخَبَر وَخَافَ ان يكون قد لحقته آفَة فَقَالَ رايت وجهى فِي الْمرْآة فغطيته واحببت ان لَا يرَاهُ اُحْدُ قبلك فغشى على مُحَمَّد بن دَاوُد وَحضر ابْن دَاوُد وَابْن سُرَيج مجْلِس ابي عمر القاضى فتكلما فِي مسئلة الْعود فَقَالَ ابْن سُرَيج عَلَيْك بِكِتَاب الزهرة فَقَالَ ابو (5) دَاوُد أبكتاب الزهرة تعيرني وانا اقول فِيهِ

سنة تسع وتسعين ومائتين

.. اكرر فِي روض المحاسن وَجهه (1) وامنع نَفسِي ان تنَال المحرما (2) ... وينطق سري عَن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي رده لتكلما رايت الْهوى دَعْوَى من النَّاس كلهم ... فَمَا ان ارى حبا صَحِيحا مُسلما ... فَقَالَ ابْن سُرَيج اَوْ عَليّ مفخر بِهَذَا القَوْل وانا الَّذِي اقول ... ومساهر بالغنج من لحظاته ... قد بت امنعه لذيذ سباته ضنا (3) لحسن حَدِيثه وعتابه ... واكرر اللحظات فِي وجناته حَتَّى اذا مَا الصُّبْح لَاحَ عموده ... ولى بِخَاتم ربه وبراته ... فَقَالَ ابْن دَاوُد لابي عمر ايد الله القاضى قد اقر بِالْبَيْتِ وَادّعى الْبَرَاءَة فَمَا توجبه قَالَ ابْن سُرَيج من مذهبي ان الْمقر اذا اقر اقرارا وناطه بِصفة كَانَ اقراره موكلا الى الصّفة فَقَالَ ابْن دَاوُد للشَّافِعِيّ فِي هَذِه المسئلة قَولَانِ فَقَالَ ابْن سُرَيج فَهَذَا القَوْل الَّذِي قلته اخْتِيَاري السَّاعَة سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ فِيهَا قبض ابْن الْفُرَات (4) وهتكت حرمه ونهبت دوره (5) ودور اسبابه فَكَانَ صَاحب الشرطة مونس الخازن الْمَعْرُوف بالفحل تَحت يَده تِسْعَة الاف فَارس وراجل واذا كثر النهب وَعظم الْخطب يركب فيسكن المنتهبون عِنْد ركُوبه ويعودون الى النهب عِنْد نُزُوله ودام ذَلِك ثَلَاثَة ايام بلياليها وتقلد بعده ابو عَليّ مُحَمَّد بن عبيد بن يحيى بن خاقَان الوزارة وَكَانَ ابو عَليّ (6) يتقلد ديوَان الضّيَاع بعد وَفَاة ابيه فِي وزارة الْحسن بن مخلد وَكَانَت ام مُوسَى القهرمانية تعنى بِابْني ابي الْبَغْل فولى ابا الْحسن مِنْهُمَا اصبهان وَولى الآخر الصُّلْح وَالْمبَارك وَكَانَ ابْن الْفُرَات قد نفى ابا الْهَيْثَم الْعَبَّاس بن ثوابة الى الْموصل لِقَرَابَتِهِ من ابْن عبدون فاستدعاه ابْن الخاقاني وقلده مصادره بني الْفُرَات فاسرف فِي الْمَكْرُوه بهم وَغلب على الاحوال

سنة ثلاثمائة

وَكَانَ فِي احوال الخاقاني تنَاقض وَكَانَ يتَقرَّب الى الْعَامَّة فانحدر يَوْمًا فِي زبزبه الى دَار السُّلْطَان فراى جمَاعَة من الملاحين يصلونَ على دجلة فَصَعدَ وَصلى مَعَهم وَولى ابْنه عرض الْكتب على الْخَلِيفَة (1) وَكَانَ مدمنا للشُّرْب ففسدت الامور بذلك وَكَانَ اولاده وَكتابه مرتفقون من الْعمَّال بِمَا يولونهم بِهِ الولايات ثمَّ يعزلونهم اذا راوا مطمعا فَاجْتمع بحلوان فِي خَان بهَا سَبْعَة عُمَّال ولاهم فِي عشْرين يَوْمًا مَاء الْكُوفَة وَكَانَ اذا ساله انسان حَاجَة قَالَ نعم وكرامة ودق صَدره وَكتب الى بعض الْعمَّال الزم وفقك الله الْمِنْهَاج وَاحْذَرْ عواقب الاعوجاج واحمل مَا امكن من الدَّجَاج فَحمل الْعَامِل دجاجا كثيرا وَقَالَ هَذَا دَجَاج وفره بركَة السجع سنة ثَلَاثمِائَة طَالب القواد الخاقاني باستحقاقهم فقصر وَاعْتذر فعزم المقتدر بِاللَّه على رد ابْن الْفُرَات فاشار مونس ان يولي عَليّ بن عِيسَى وَذكر ديانته وثقته وَقَالَ يقبح ان يعلم النَّاس ان الضَّرُورَة قادت الى ابْن الْفُرَات للطمع فِي مَاله فامر المقتدر الخاقاني ان يُكَاتب عَليّ بن عِيسَى بالحضور واظهر لَهُ الايثار لاستنابته لَهُ فَكَانَ الخاقاني يَقُول قد استدعيت على بن عِيسَى لينوب عَن عبد الله ابنى فِي الدَّوَاوِين ثمَّ ركب الى دَار السُّلْطَان فَقبض عَلَيْهِ وعَلى اسبابه سنة احدى وثلاثمائة قدم فِيهَا عَليّ بن عِيسَى من مَكَّة فقلده المقتدر وزارته وخلع عَلَيْهِ وَسلم الخاقاني اليه فصادره واسبابه مصادرة قريبَة وصان حرم الخاقاني وَاعْتمد على عَليّ بن عِيسَى مَا اشْتهر عَنهُ من افاضة الْمَعْرُوف وَعمارَة الثغور والجوامع والمارستانات فِي سَائِر الاوقات ورد الْمَظَالِم بهَا وَكتب فِي ذَلِك كتابا اوله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (2) سَبِيل مَا يرفعهُ اليك كل وَاحِد من المتظلمين قبل النوروز من مظلمته ويدعى انه تلف بالافة من غَلَّته ان تعتمد فِي كشف حَاله على اوثق ثقاتك واصدق كفاتك حَتَّى يَصح لَك امْرَهْ فتزيل الظُّلم عَنهُ وترفعه وتضع الانصاف مَوْضِعه وَتحْتَسب من الْمَظَالِم بِمَا يُوجب الْوُقُوف عَلَيْهِ حَسبه وتستوفى الْخراج بعده من غير مُحَابَاة للاقوياء وَلَا حيف على الضُّعَفَاء واعمل بِمَا رسم لَك مَا يظْهر ويذيع ويشتهر ويشيع وَيكون الْعدْل بِهِ على الرّعية كَامِلا وللانصاف لجميعهم شَامِلًا ان شَاءَ الله

وساس عَليّ بن عِيسَى الدُّنْيَا السياسة الْمَشْهُورَة الَّتِى عمرت الْبِلَاد حَتَّى قَالَ لَهُ ابْن الْفُرَات لما ناظره قد اسقطت من مَال امير الْمُؤمنِينَ خَمْسمِائَة الف دِينَار فِي السّنة فَقَالَ لم استكثر هَذَا الْمِقْدَار فِي جنب مَا حططته عَن امير الْمُؤمنِينَ من الاوزار لانني حططت المكس بِمَكَّة والتكلمة (1) بِفَارِس وجباية الْخُمُور بديار ربيعَة وَلَكِن انْظُر الى نفقاتي ونفقاتك وضياعي وضياعك فاسكته وزادت فِي ايامه الْعِمَارَة وتضاعفت الزِّرَاعَة حِين كتب اليه عَامله ان قوما (2) ببادوريا لَا يودون الْخراج فان امرت عاقبناهم فَكتب اليه ان الْخراج دين وَلَا يجب فِيمَن امْتنع من اداء (3) الدّين غير الْمُلَازمَة فَلَا يَتَعَدَّ (4) ذَاك الى غَيره وَالسَّلَام وَمِمَّا اسْتحْسنَ من افعال الخاقاني بعد عَزله ان قوما زوروا عَلَيْهِ باطلاقات ومساحات فانفذ بهَا عَليّ بن عِيسَى يساله عَنْهَا ليمضى مِنْهَا مَا اعْترف بِهِ فصادفه الرَّسُول يُصَلِّي فَلَمَّا راى ابْنه يتامل التوقيعات قطع صلَاته وَقَالَ هَذِه توقيعاتي صَحِيحَة والوزير يرى رايه فيمضى مَا آثر مِنْهَا ويعرض عَليّ مَا مَا احب مِنْهَا والتفت الى ابْنه حِين خرج الرَّسُول فَقَالَ اردت أَن تتبغض الى النَّاس فنكون السَّبَب فِي رد مَا تضمنته ويتنزه عَليّ بن عِيسَى من ذَلِك فَلم لَا نتحبب بالاعتراف بهَا فان امضاها حمدنا وان ردهَا عذرنا (5) وَقصد القواد عَليّ بن عِيسَى باسقاطه الزِّيَادَات الَّتِى زَادهَا ابْن الْفُرَات ووقعوا فِيهِ وثلبوه وَفِي هَذِه السّنة خلع على الامير ابي الْعَبَّاس بن المقتدر وَهُوَ الَّذِي ولي الْخلَافَة ولقب بالراضي واستخلف لَهُ مونس وفيهَا انفذ عَليّ بن احْمَد الرَّاسِبِي (6) الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج وَقد قبض عَلَيْهِ بالسوس فشهر على جمل بِبَغْدَاد وصلب وَهُوَ حَيّ وَظهر عَنهُ بانه ادّعى انه الله وَمَات الرَّاسِبِي بعد قَلِيل فاخذ السُّلْطَان من مَاله الف الف دِينَار (7)

سنة اثنين وثلاثمائة

وفيهَا ورد الْخَبَر بَان اسماعيل بن احْمَد صَاحب خُرَاسَان قَتله غلمانه على شاطىء نهر بَلخ وَقَامَ ابْنه ابو الْحسن نصر (1) مقَامه وانفذ اليه الْخَلِيفَة عَهده وفيهَا ورد الْخَبَر با خَادِمًا صقلابيا لابي سعيد الجنانبي (2) قَتله وَخرج فَلم يزل يَسْتَدْعِي قائدا قائدا ويقتله حَتَّى قتل جمَاعَة (3) فَفطن بِهِ النِّسَاء فصحن بالامر فَقَامَ ابو طَاهِر سُلَيْمَان بن الْحسن مقَام ابيه واتى القرامطه فِي هَذِه السّنة الْبَصْرَة (4) فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا وَالنَّاس فِي صَلَاة الْجُمُعَة فَقتلُوا الموكلين بِالْبَابِ وَمن خرج اليهم من المطوعة وَبلغ الْخَبَر امير الْبَصْرَة مُحَمَّد بن اسحاق بن ينداحيق (5) فغلق الابواب (6) سنة اثْنَيْنِ وثلاثمائة ورد فِيهَا كتاب ابي الْحسن نصر بن احْمَد صَاحب خُرَاسَان بانه وَاقع عَمه اسحاق واسره وَفِي هَذِه السّنة خرج مونس الى مصر وَضم اليه عَليّ بن عِيسَى اخاه عبد الرحمن وقلده كِتَابَته وَذَلِكَ عِنْد سماعهم قرب الْخَارِج بالقيروان وواقعه مونس فَانْهَزَمَ من بَين يَدَيْهِ وَهَذَا الْخَارِج ذكر الصولي عَن اصحاب النّسَب انه عبيد الله بن عبد الله بن سَالم من اهل عَسْكَر مكرم وجده سَالم قَتله الْمهْدي رضوَان الله عَلَيْهِ على الزندقة وانفذ ابا عبد الله الصُّوفِي الى الْمغرب فارى النَّاس زهدا وَعبادَة وطرد زِيَادَة الله ابْن عبد الله ابْن الاغلب واتاه عبيد الله فَقَالَ الى هَذَا ادعوكم فَلَمَّا ظهر عبيد الله شرب الْخمر تبرا الصُّوفِي مِنْهُ فَدس عَلَيْهِ عبيد الله من قَتله وَملك بِلَاد الْمغرب فَهَزَمَهُ مونس وَتصدق المقتدر بِاللَّه عِنْد هزيمته باموال كَثِيرَة

وَفِي هَذِه السّنة صودر ابْن الْجَصَّاص قَالَ الصولي وجد لَهُ بداره بسوق يحيى خَمْسمِائَة سفط من مَتَاع مصر وَوجد فِيهَا جرار خضر وقماقم مدفونة فِيهَا دَنَانِير واخذ مِنْهُ الف الف دِينَار (1) قَالَ الصولي وَحَضَرت مَجْلِسا جرى فِيهِ بَين ابْن الْجَصَّاص وابراهيم بن احْمَد المادراني (2) حلف فَقَالَ ابراهيم مائَة الف دِينَار من مَالِي صَدَقَة لقد ابطلت فِي الَّذِي حكيته عني فَقَالَ ابْن الْجَصَّاص قفيز دَنَانِير من مَالِي صَدَقَة انني صَادِق وانك مُبْطل فَقَالَ ابْن المادراني من جهلك انك لَا تعلم ان مائَة الف اكثر من قفيز فَانْصَرَفت الى ابي بكر بن ابي حَامِد فاخبرته فَقَالَ نعتبر هَذَا فَاحْضُرْ كجلة (3) فملاها دَنَانِير ثمَّ وَزنهَا فَكَانَت اربعة الاف فَنَظَرْنَا فاذا القفيز سته وَتسْعُونَ الف دِينَار كَمَا قَالَ المادراني وَكَانَ ابْن الْجَصَّاص قد انفذ لَهُ من مصر مائَة عدل خيشا وَفِي كل عدل الف دِينَار فاخذت ايام نكبته وَتركت بِحَالِهَا وَلما اطلق سَالَ فِيهَا فَردَّتْ عَلَيْهِ فاخذ المَال مِنْهَا وَكَانَ اذا ضَاقَ صَدره اخْرُج جواهرايساوي خمسين الف دِينَار وَتَركه فِي صينية ذهب ويلعب بِهِ فَلَمَّا قبض عَلَيْهِ وكبست دَاره كَانَ الْجَوْهَر فِي حجرَة فَرمى بِهِ الى الْبُسْتَان فَوَقع بَين شَجَرَة فَلَمَّا اطلق فتش عَلَيْهِ فِي الْبُسْتَان وَقد جف نبته وشجره وَهُوَ بِحَالهِ وَفِي هَذِه السّنة ختن اولاد الْخَلِيفَة (3) ونثر عَلَيْهِم خَمْسَة الاف دِينَار وَمِائَة الف دِرْهَم وَبَلغت نَفَقَة الطُّهْر سِتّمائَة الف دِينَار وادخلوا الى الْمكتب وَكَانَ مؤدبهم ابو اسحاق ابراهيم بن السّري الزّجاج (5) وَفِي هَذِه السّنة غزا أفسن الافشيني فاسر مائَة وَخمسين بطريقا والفي فَارس وَفِي ذِي الْقعدَة خلع عَليّ ابي الهيجاء بن حمدَان وقلد الْموصل واعمالها وفيهَا مَاتَت بِدعَة جَارِيَة عريب (6) وَكَانَ اسحاق بن ايوب قد ضمن لابي الْحسن

سنة ثلاث وثلاثمائة

عَليّ بن يحيى المنجم عشْرين الف دِينَار ان باعتها عريب مِنْهُ بِمِائَة الف دِينَار فجَاء وخاطبها فاستدعت بِدعَة وخيرتها بَين الْمقَام وَالْبيع فَاخْتَارَتْ الْمقَام فاعتقتها وَلم يملكهَا قطّ رجل (1) وَفِي هَذِه السّنة توفّي ابو بكر جَعْفَر بن مُحَمَّد الغرياني وَهُوَ مِمَّن طوف شرقا وغربا لسَمَاع الحَدِيث واستقبل لما قدم بَغْدَاد بالطيارات والزبازب واملى بشارع الْمنَار بِبَاب الْكُوفَة فحزر فِي مَجْلِسه ثَلَاثُونَ الْفَا يكْتب مِنْهُم عشرَة الاف وَكَانَ فِي مَجْلِسه ثَلَاثمِائَة وَسِتَّة عشر يستلمون ومولده سنة سبع ومايتين وَدفن بالشونيزي وَفِي هَذِه السّنة توفّي احْمَد بن عبد العزيز بن طوما الْهَاشِمِي نقيب العباسيين وَولى مَكَانَهُ ابْنه مُحَمَّد وَتُوفِّي هُوَ ابْن اثْنَيْنِ وَتِسْعين سنة وَسمعت ان لَهُ عقبا بالحاذانية ذبابه (2) البطيحه سنة ثَلَاث وثلاثمائة فِيهَا اطلق طريف السبكري من الْحَبْس وخلع عَلَيْهِ خلع الرِّضَا وَوَقع طَرِيق فِي سوق النجارين بِبَاب الشَّام وَاحْتَرَقَ وطار الشرار فاحرق ستارة جَامع الْمَدِينَة وَعصى الْحُسَيْن بن حمدَان وَاجْتمعَ مَعَه ثَلَاثُونَ الف رجل من الْعَرَب وَهزمَ رائقا الْكَبِير واقام بازاء جَزِيرَة ابْن عمر وَورد مونس من مصر وَقد استدعاه عَليّ بن عِيسَى لحرمه فَانْهَزَمَ اصحاب الْحُسَيْن واسره مونس وادخله الى بَغْدَاد وَمَعَهُ ابْنه عبد الوهاب فصلبه حَيا على نقنق (3) على ظهر فيل وَنَقله ابْنه على جمل والامير ابو الْعَبَّاس والوزير عَليّ بن عِيسَى ومونس وابو الهيجاء بن حمدَان وابراهيم بن حمدَان يَسِيرُونَ بَين يَدَيْهِ وَحبس عِنْد زَيْدَانَ (4) القهرمانة وَقبض بعد ذَلِك على ابي الهيجاء واخوته وَطلب الْجند الزِّيَادَة فزيد الْفَارِس ثَلَاثَة دَنَانِير والراجل خَمْسَة عشر قيراطا (5)

سنة اربع وثلاثمائة

وَفِي هَذِه السّنة توفّي ابو عَليّ الجبائي (1) ومولده سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ ابو عَليّ شيخ الْمُعْتَزلَة (2) فِي زَمَانه وَمَات بعسكر مكرم وَحمل الى منزله بجبا وَلما احْتضرَ قَالَ اصحابه من يلقنه التَّوْبَة فَلم يتجاسر اُحْدُ على ذَلِك اعظاما لَهُ فَقَالَ اصغرهم سنا انا القنه وَتقدم وَقَرَأَ {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون} 3 فَفتح ابو عَليّ عَيْنَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اني تائب اليك من كل قَول نصرته كَانَ الصَّوَاب عنْدك غَيره واشتبه عَليّ امْرَهْ فَقَالَ من حَضَره لَو كَانَ (4) عَليّ ذَنْب غير هَذَا لذكره وَكَانَ يذهب الى ان حكم النُّجُوم صَحِيح على وَجه وَهُوَ انه يجوز ان يكون الله تَعَالَى اجرى الْعَادة اذا صَار الْكَوْكَب الْفُلَانِيّ الَّذِي جعله الله تَعَالَى وخلقه سَعْدا الى الْموضع الْفُلَانِيّ وَكَانَ كَذَا وَكَانَ يُنكر على المنجمين ان الْكَوَاكِب تفعل بأنفسها ذَلِك فاجتاز بعسكر مكرم على دَار سمع فِيهَا صَيْحَة لاجل امْرَأَة تَلد فَقَالَ ان صَحَّ مَا تَقوله المنجمون فَهَذَا الْمَوْلُود ذُو عاهة فَخرجت امْرَأَة فسالت ابا عَليّ الدُّخُول وان يحنك الْمَوْلُود وَيُؤذن فِي اذنه فَفعل فاذا بِهِ احنف (5) سنة ارْبَعْ وثلاثمائة فِي فصل الصَّيف فزع النَّاس من شىء من الْحَيَوَان يُسمى الزبزب (6) ذكرُوا انهم كَانُوا يرونه على السطوح لَيْلًا وَرُبمَا قطع يَد النَّائِم وثدي النائمة فَكَانُوا يضْربُونَ بالهواوين ليفزعوه وارتجت بَغْدَاد فِي الْجَانِبَيْنِ لذَلِك وَعمل النَّاس لاولادهم مكابا (7) من سعف يكبونها عَلَيْهِم (8) وَفِي هَذِه السّنة قبض على عَليّ بن عِيسَى وعَلى اهله وصودر اخوه عبيد الله بن عَليّ على سِتِّينَ الف دِينَار وصودر اخوه ابراهيم بن عِيسَى على خمسين الف دِينَار وَسَأَلَ ان يُؤذن لَهُ فِي الْمقَام بدير العاقول (9) فاجيب الى ذَلِك

والزم ابو بكر مُحَمَّد بن عبد الله الشَّافِعِي اربعة الاف دِينَار وشفع القَاضِي ابو عَمْرو مِنْهُ فاطلق بعد ادائها وَتمّ ذَلِك عَلَيْهِم فِي وزارة ابي الْحُسَيْن بن الْفُرَات الثَّانِيَة وَظهر ابو عَليّ بن مقلة من استتاره وَكَانَ استتاره فِي ايام الخاقاني وَعلي بن عِيسَى واختص بِابْن الْفُرَات وَتَوَلَّى كِتَابَة السيدة والامراء اولاد المقتدر بِاللَّه وَكَانَ يُوسُف بن ابي الساج قد قَاطع على اعمال ابهرا وزنجان والري وقزوين واستبد بِالْمَالِ واظهر ان عَليّ بن عِيسَى كَاتبه بذلك وانفذ اليه لوائين وخلعا فانكر عَليّ بن عِيسَى وَقد عنفه ابْن الْفُرَات على ذَلِك وَقَالَ اللِّوَاء وَالْخلْع وَالْكتاب (1) على حامله وكاتبه وَلَا من كتم ذَلِك فانفذ المقتدر خاقَان المفلحي لمحاربته فَهَزَمَهُ يُوسُف وَشهر اصحابه بِالريِّ وَقدم مونس من الثغر فانفذه المقتدر بِاللَّه لحربه فواصل ابْن ابي الساج الْمُكَاتبَة بِالرِّضَا والسوال فِي المقاطعة عَمَّا بِيَدِهِ من الاعمال وان يُؤَدِّي فِي كل سنة سَبْعمِائة الف دِينَار فَلم تقع اجابة فَسَار من الرّيّ الى اذربيجان وَركب الاشد وَحَارب مونسا فَهَزَمَهُ وَمضى مونس الى زنجان وَقتل من اصحابه وقواده عدَّة وانفذ ابْن ابي الساج يطْلب الصُّلْح ومونس لَا يجِيبه وَلَو اراد يُوسُف اسره لتم وَلكنه ابقى عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ فِي الْمحرم سنة سبع وثلاثمائة فِي ايام حَامِد بن الْعَبَّاس واقعه مونس باردبيل (2) واستؤسر يُوسُف مجروحا وَحمل الى بَغْدَاد فِي شهر ربيع الاخر وَشهر على الفالج (3) وَهُوَ جمل لَهُ سنامان يشهر عَلَيْهِ الْخَوَارِج على السُّلْطَان وَترك على راسه برنس والقراء يقراون بَين يَدَيْهِ والجيش وَرَاءه وَحبس عِنْد زَيْدَانَ القهرمانة (4) وخلع على مونس وطوق وسور وَزيد فِي ارزاق اصحابه وَلما انكفأ مونس الى بَغْدَاد استولى سبك غُلَام يُوسُف على الاعمال فانفذ اليه

سنة خمس وثلاثمائة

مونس قائدا الفارقي (1) لحربه فَهَزَمَهُ (2) وسال سبك ان يقاطع على الاعمال فاجيب واتصلت الْعَدَاوَة بَين ابْن الْفُرَات وَبَين الْحَاجِب نصر القشوري وشفيع المقتدري (3) وَكَانَ ابْن الْفُرَات قد قلد ابْن مقلة كِتَابَة نصر فاستوحش ابْن مقلة من ابْن الْفُرَات فاطعمه صَاحبه وَابْن الْحوَاري فِي تقلد الوزارة وَكَانَ يهدي اليهما اخبار ابْن الْفُرَات سنة خمس وثلاثمائة فِيهَا مَاتَ طريف السبكري بعد اطلاقه من الْحَبْس وفيهَا اطلق ابو الهيجاء (4) واخوته وخلع عَلَيْهِم وفيهَا مَاتَ غَرِيب الْخَال خَال (5) المقتدر بِاللَّه وَعقد لِابْنِهِ مَكَانَهُ وَحضر ابْن الْفُرَات جنَازَته بداره بالنجمي وفيهَا قلد ابو عَمْرو قَضَاء الْحَرَمَيْنِ سنة سِتّ وثلاثمائة فِي هَذِه السّنة تاخرت ارزاق الْجند وَاحْتج ابْن الْفُرَات بَان المَال صرف فِي نَفَقَة الْجَيْش الَّذِي جهزه لمحاربة ابْن ابي الساج فَقبض عَلَيْهِ (6) فَكَانَت وزارته هَذِه (7) سنة وَخَمْسَة اشهر وَتِسْعَة عشر يَوْمًا وَدخل على جحظاة بعض اصدقائه فَقَالَ لَهُ مَا تتمنى فَقَالَ لم يبْق لي مني غير نكبات الوزراء فَقَالَ لَهُ قد نكب ابْن الْفُرَات فَقَالَ جحظة ... احسن من قهوة مُعتقة ... تخانها فِي انائها ذَهَبا من كف مقدودة منعمة ... تقسم فِينَا الحاظها الوصبا ومسمع نَهَضَ السرُور اذا ... رَجَعَ فِيمَا تَقول اَوْ ضربا ونعمة قوم ازالها قدر ... لم يحظ حر فِيهَا بِمَا طلبا ... وزارة حَامِد بن الْعَبَّاس كَانَ حَامِد يَسْتَدْعِي قسيم الْجَوْهَرِي خَادِم السيدة اذا خرج الى وَاسِط لمشارفة

اعمالهابها ويلاطفه فَعَاد من عِنْده وَقد نكب ابْن الْفُرَات فاشار بِهِ فَوَافَقَ ذَلِك مشورة ابْن الْحوَاري (1) ايضا فوصل وَقد كُوتِبَ الى بَغْدَاد فِي الْيَوْم الرَّابِع من الْقَبْض على ابْن الْفُرَات وَكَانَ (2) لَهُ اربعمائة غُلَام يحملون السِّلَاح وعدة حجاب تجرى مجْرى القواد واشا رابن الْحوَاري عَلَيْهِ بِطَلَب عَليّ بن عِيسَى ومساءلة المقتدر بِاللَّه فِيهِ ليخلفه على الدَّوَاوِين فَفعل فَقَالَ المقتدر بِاللَّه مَا احسب عَليّ بن عِيسَى يرضى ان يكون تَابعا بعد ان كَانَ متبوعا فَقَالَ حَامِد (3) انا اعامل الوزراء مُنْذُ ايام النَّاصِر لدين الله فَمَا رايت اعْفُ من عَليّ بن عِيسَى وَلَا اكبر نفسا مِنْهُ وَلم لَا يستجيب لخلافة الوزارة وانما الْكَاتِب كالخياط يخيط يَوْمًا ثوبا قِيمَته الف دِينَار ويخيط يَوْمًا ثوبا قِيمَته عشرَة دَرَاهِم فَضَحِك مِنْهُ من سمع قَوْله وعيب بِهَذَا وازدري عَلَيْهِ ان ام مُوسَى القهرمانة خرجت اليه برقعة من الْخَلِيفَة فقراها ووضعها بَين يَدَيْهِ واخذ يتحدث حَدِيث شقّ الفرن المنبجر ايام النَّاصِر لدين الله بواسط وام مُوسَى مستعجلة بِالْجَوَابِ وَلم يجب الى ان استوفى حَدِيث الشق وحكايته مَعهَا فِي قَوْله لَهَا التقطي واحذري ان تغلطي مَشْهُورَة (4) وَكتب ابو الْحسن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن ثوابة عَن المقتدر بِاللَّه كتابا الى اصحاب الاطراف يذكر فِيهِ وزارة حَامِد اوله اما بعد فان احْمَد الامور مَا عَم صَلَاحه ومنفعته وَخير التَّدْبِير مَا رُجي سداده واصابته وازكى الاعمال مَا وصل الى الكافة بمنه وبركته وافضل الاكوان مَا كَانَ اتِّبَاع الْحق سَبيله عَادَته وخلع المقتدر بِاللَّه على عَليّ بن عِيسَى وانفذ بِهِ مَعَ صَاحب نصر الْحَاجِب وشفيع المقتدري الى دَار حَامِد على اعمال المملكة وَكتب اليه عَليّ بن عِيسَى فِي بعض الايام رقْعَة خاطبه فِيهَا بِعَبْدِهِ فانكر ذَلِك حَامِد وَقَالَ لست اقْرَأ لَهُ رقْعَة اذا خاطبني بِهَذَا بل يخاطبني بِمثل مَا اخاطبه بِهِ وَكَانَ يكْتب كل وَاحِد مِنْهُمَا الى صَاحبه اسْمه وَاسم ابيه وشكر لَهُ عَليّ بن عِيسَى هَذَا الْفِعْل وَسَقَطت منزلَة حَامِد وَتفرد عَليّ بالامور وَقيل فيهمَا قَالَ ابْن بسام ... يَا ابْن الْفُرَات تعزى ... قد صَار امرك آيَة ... لما عزلت حصلنا ... على وَزِير بدايه ...

سنة سبع وثلاثمائة

وَضمن عَليّ ابْن عِيسَى الْحُسَيْن بن احْمَد المادراني اعمال مصر وَالشَّام بِثَلَاثَة الاف الف دِينَار فاوصله الى المقتدر بِاللَّه فَخلع عَلَيْهِ وشخص الى عمله وَقدم عَليّ بن احْمَد بن بسطَام (1) من مصر فولاه اعمال فَارس قَالَ ابو الْفضل الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وَزِير معز الدولة رايت ابا الْقسم بن سَام (2) وَقد دخل الينا فَارس عَاملا وَمَعَهُ اثقال لم ير مثلهَا ورايت فِي جملَة اثقاله اربعين نجيبا موقرة اسرة مشبكة ذكرُوا انه يستعملها فِي الطرقات للمجلس وَالْتمس يَوْمًا سجادة للصَّلَاة بِعَينهَا وَكَانَ يالفها ففتشت رزم الْفرش فَكَانَ فِيهَا نَحْو اربعمائة سجادة وَلما تبين ابْن حَامِد ان مَنْزِلَته قد وهبت اسْتَأْذن فِي الانحدار الى وَاسِط فاذن الْخَلِيفَة لَهُ وَلَيْسَ لَهُ من الوزارة غير الِاسْم (3) واقطع المقتدر بِاللَّه ابْنه ابا الْعَبَّاس دَار حَامِد بالمخرم فانتقل حَامِد الى دَاره فِي بَاب الْبَصْرَة وَلما انحدر حَامِد اسْتخْلف مَكَانَهُ صهره ابا الْحُسَيْن مُحَمَّد بن بسطَام وابا الْقسم الكلوذاني فظهرت كِفَايَة الكلوذاني وتقلد ابو الهيجاء بن حمدَان طَرِيق خُرَاسَان سنة سبع وثلاثمائة ضجت الْعَامَّة من الغلاء وكسروا المنابر وَقَطعُوا الصَّلَاة واحرقوا الجسور (4) وقصدوا دَار الرّوم ونهبوها فانفذ المقتدر بِمن قبض عَليّ عدَّة مِنْهُم واستدعى حامدا لبيع الغلات الَّتِي لَهُ بِبَغْدَاد فاصعد وبعاعها وَنقص فِي كل كرّ خَمْسَة دَنَانِير وَركب هَارُون بن غَرِيب وابراهيم بن بطحا الْمُحْتَسب الى قطيعه ام جَعْفَر فسعروا الْكر الدَّقِيق بِخَمْسِينَ دِينَارا فرضى النَّاس وَسَكنُوا وانحل السّعر سنة ثَمَان وثلاثمائة ورد الْخَبَر بحركة الْخَارِج بالقيروان الى مصر فَاخْرُج مونس الى هُنَاكَ وَدخل صَاحب السَّنَد بَغْدَاد فَاسْلَمْ على يَدي المقتدر بِاللَّه

سنة تسع وثلاثمائة

وَفِي هَذِه السّنة خلع على ابي الهيجاء (1) وقلد الدينور وتحركت الاسعار فِيهَا فَافْتتنَ بَغْدَاد لذَلِك وَبرد الْهَوَاء فِي تموز فَنزل النَّاس من السطوح وتدثروا بالاكيسة واللحف سنة تسع وثلاثمائة قُرِئت الْكتب على المنابر بهزيمة المغربي (2) واستباحة عسكره ولقب مونس المظفر وخلع على مُحَمَّد بن نصر الْحَاجِب وقلد اعمال المعاون بالموصل وَعقد لَهُ لِوَاء وَخرج الى هُنَاكَ وهدمت دَار عَليّ بن الجهشيار بِبَغْدَاد فِي عَرصَة (3) بَاب الطاق وَكَانَ هَذَا الْبَاب علما بِبَغْدَاد فِي الْحسن والعلو وَبني مَوْضِعه مستغل (4) وَعقد لمونس المظفر على مصر وَالشَّام وخلع على ابو الهيجاء بن حمدَان وقلدا اعمال المعاون بِالْكُوفَةِ وَطَرِيق مَكَّة وكبس سَبْعَة من اللُّصُوص دَار ابْن ابي عِيسَى الصَّيْرَفِي واخذوا مِنْهُ ثَلَاثِينَ الف دِينَار ثمَّ عرفُوا بعد ايام فَقتلُوا واسترد مِنْهُم نيفا وَعشْرين الْفَا وَفِي شَوَّال دخل مونس المظفر بَغْدَاد قادما من مصر فَتَلقاهُ الامير ابو الْعَبَّاس ابْن المقتدر وخلع عَلَيْهِ وطوق وسور على مائَة واثني عشر قائدا من قواده وانفذ ابْن ملاحظ عقد على الْيمن وخلع ودعا المقتدر فِي يَوْم اللاثنين لثمان بَقينَ من ذى الْقعدَة لمونس المظفر وَنصر الْحَاجِب وخلع على مونس خلع منادمة وَسَأَلَ فِي امْر اللَّيْث بن عَليّ وطاهر بن مُحَمَّد بن عَمْرو ابْن اللَّيْث ويوسف بن ابي الساج فوهبوا لَهُ وَفِي هَذِه السّنة اهدى الْوَزير حَامِد بن الْعَبَّاس الى المقتدر الْبُسْتَان الْمَعْرُوف بالناعورة اتّفق على بنائِهِ مائَة الف دِينَار وفرشه باللبود الخراسانية (5) وَبَلغت زِيَادَة دجلة فِي بِلِسَان ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا

وانْتهى الى حَامِد ابْن الْعَبَّاس امْر الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج (1) وانه قد موه على جمَاعَة من الخدم والحشم والحجاب وعَلى خدم نصر وانهم يذكرُونَ عَنهُ انه يحيى الْمَوْتَى وان الْجِنّ يَخْدمه واحضر السمري (2) الْكَاتِب وَرجل هاشمي مَعَ جمَاعَة من اصحاب الحلاج واعترفوا بَان الحلاج يَدعِي النبوءة وانهم صدقوه وكذبهم الحلاج وَقَالَ انما انا رجل اكثر الصَّلَاة وَالصَّوْم وَفعل الْخَيْر (3) استحضر حَامِد بن الْعَبَّاس القاضى ابا عمر (4) وابا جَعْفَر بن البهلول فاستفتاهما فِي امْرَهْ فذكرا انهما لَا يفتيان فِي امْرَهْ بشىء وَلَا يجوز ان يقبل قَول من واجهه بِمَا واجهه الا بِبَيِّنَة اَوْ باقرار مِنْهُ وتقرب الى الله تَعَالَى بكشف امْرَهْ رجل يعرف بدباس (5) تبع الحلاج ثمَّ فَارقه والحلاج مُقيم عِنْد نصر القشوري مكرم هُنَاكَ ودافع عَنهُ نصر اشد مدافعه وَكَانَ يعْتَقد فِيهِ أجمل اعْتِقَاد فَتكلم عَليّ بن عِيسَى فَقَالَ لَهُ الحلاج فِيمَا بَينه وَبَينه قف حَيْثُ انْتَهَيْت وَإِلَّا قلبت الأَرْض عَلَيْك فعزم حِينَئِذٍ عَليّ بن عِيسَى على مناظرته (6) وَحَضَرت بنت السمري فَذكرت ان اباها اهداها الى سُلَيْمَان بن الحلاج وَهُوَ بنيسابور وَكَانَت امراة حَسَنَة الْوَجْه عذبة الْكَلَام جَيِّدَة الالفاظ وَقَالَ لَهَا الحلاج (7) مَتى انكرت من ابنى شَيْئا فصومي يَوْمًا واقعدي الى اخره على سطحك وافطري على ملح ورماد واستقبلي (8) واذكري مَا كرهت مِنْهُ فَانِي اسْمَع وارى وحكت ان ابْنة الحلاج امرتها بِالسُّجُود لَهُ وَقَالَت هَذَا اله (9) الارض واكثرت فِي الاخبار عَنهُ بِمَا شاكل ذَلِك

وَحكى حَامِد انه قبض على الحلاج بدور الرَّاسِبِي (1) فَادّعى تَارَة الصّلاح وَادّعى اخرى انه الْمهْدي ثمَّ قَالَ لَهُ كَيفَ صرت اله بعد هَذَا وَكَانَ السمري فِي جملَة من قبض عَلَيْهِ من اصحابه فَقَالَ لَهُ حَامِد مَا الَّذِي حداك على تَصْدِيقه قَالَ خرجت مَعَه الى الصطخر فِي الشتَاء فعرفته محبتي للخيار فَضرب بِيَدِهِ الى سفح جبل فَاخْرُج من الثَّلج خيارة خضراء فَدَفعهَا الي فَقَالَ حَامِد أفأكلتها قَالَ نعم قَالَ كذبت با ابْن الف زَانِيَة فِي مائَة الف زَانِيَة اوجعوا فكه فَضَربهُ الغلمان وَهُوَ يَصِيح من هَذَا خفنا وَحدث حَامِد انه شَاهد مِمَّن يَدعِي النيرنجيات (2) انه كَانَ يخرج الْفَاكِهَة واذا حصلت فِي يَد الانسان صَارَت بعرا وَمن جملَة من قبض عَلَيْهِ انسان هاشمي كَانَ يكنى بَابي بكر فكناه الحلاج بَابي مغيث حَيْثُ كَانَ يمرض اصحابه ويراعيهم وَقبض على مُحَمَّد بن عَليّ بن القنائي (3) واخذ من دَاره سفط مختوم فِيهِ قَوَارِير فِيهَا بَوْل الحلاج ورجيعه اخذه ليستشفي بِهِ وَكَانَ الحلاج اذا حضر لَا يزِيد على قَوْله لَا اله الا انت عملت سوءا اَوْ ظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي فانه لَا يغْفر الذُّنُوب الا انت وظفر من كتب الحلاج بِكِتَاب فِيهِ اذا اراد الانسان الْحَج فليفرد بَيْتا فِي دَاره طَاهِرا وَيَطوف بِهِ سبعا وَيجمع ثَلَاثِينَ يَتِيما وَيعْمل لَهُم مَا يُمكنهُ من الطَّعَام ويخدمهم بِنَفسِهِ ويكسوهم وَيدْفَع الى كل وَاحِد سَبْعَة دَرَاهِم فان ذَلِك يقوم مقَام الْحَج فَالْتَفت القَاضِي ابو عمر الى الحلاج وَقَالَ من ايْنَ لَك هَذَا قَالَ من كتاب الاخلاص لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ فَقَالَ ابو عمر (4) كذبت يَا حَلَال الدَّم قد جَمعنَا (5) بِكِتَاب الاخلاص بِمَكَّة (6) مَا فِيهِ مَا ذكرت فَقَالَ حَامِد لابي عمر (7) اكْتُبْ هَذَا فتشاغل عَنهُ بِكَلَام الحلاج وَاقْبَلْ حَامِد يُطَالب ابا عمر بِالْكتاب وَهُوَ متشاغل

بِالْخِطَابِ حَتَّى قدم حَامِد الدواءة من بَين يَدَيْهِ الى ابي عمر والح عَلَيْهِ الحاحا لم يُمكنهُ الدّفع فَكتب باحلال دَمه وَكتب من حضر الْمجْلس وَلما تبين الحلاج الصُّورَة قَالَ طهري (1) حمى وَدمِي حرَام وَمَا يحل لكم ان تهنكوا منى مَا لم يبحه الاسلام وكتبي مَوْجُودَة فِي الوراقين على مَذْهَب اهل السّنة (2) وانفذ حَامِد بالفتيا والمحضر الى المقتدر فَلم يخرج جوابهما (3) فَلم يجد بدا من نصْرَة نَفسه فَكتب الى المقتدر اذا اهمل امْر الحلاج بعد افتاء الْفُقَهَاء باباحة دَمه افْتتن النَّاس بِهِ فَوَقع المقتدر اذا افتى الْفُقَهَاء بقتْله فادفعه الى مُحَمَّد بن عبد الصمد صَاحب الشرطة ومره ان يضْربهُ الف سَوط فان تلف والا ضرب عُنُقه والحلاج يستطلع الى الاخبار فَلَمَّا اخبر ان ابْن عبد الصمد عِنْد الْوَزير فَقَالَ هلكنا وَالله واخرج يَوْم الثُّلَاثَاء لست بَقينَ من ذِي الْقعدَة الى رحبة الجسر (4) وَقد اجْتمع من الْعَامَّة امم كَثِيرَة فَضرب ألف سَوط فَمَا تاوه وَلَا استعفى وَقطعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ وحز راسه واحرقت جثته وَنصب راسه يَوْمَيْنِ على الجسر وَحمل الى خُرَاسَان فطيف بِهِ وزادت دجلة زِيَادَة عَظِيمَة فَادّعى اصحابه ان ذَلِك لأجل مَا لَقِي فِيهَا من رماد جثته وَادّعى قوم من اصحابه انهم راوه رَاكِبًا حمارا فِي طَرِيق النهروان (5) وَقَالَ لَهُم انما حولت دَابَّة فِي صُورَتي وَلست الْمَقْتُول كَمَا ظن هَؤُلَاءِ الْبَقر (6) وَكَانَ نصر الْحَاجِب يَقُول انما قتل ظلما

هبني ادعيت باني مدنف سقم فما لمضجع جنبي كله حسك هجر يسوء ووصل لا اسر به مالي يدور بما لا اشتهي الفلك فكلما زاد دمعي زادني قلقا كانني شمعة تبكي فتنسبك

وَمن شعر الحلاج ... وَمَا وجدت لقلبي رَاحَة ابدا ... وَكَيف ذَاك وَقد هييت للكدري ... لقد ركبت على التَّغْرِير وَاعجَبا ... مِمَّن يُرِيد النجا فِي المسلك الْخطر كانني بَين امواج تقلبني ... مُقَلِّب بَين اصعاد ومنحدر الْحزن فِي مهجتي وَالنَّار فِي كَبِدِي ... والدمع يشْهد لي فاستشهدوا بصرى ... وَمن شعره ... الكاس سهل لي الشكوى فبحت بكم (2) وَمَا على الكاس من شرابها دَرك هبني ادعيت باني مدنف سقم ... فَمَا لمضجع جَنْبي كُله حسك هجر يسوء وَوصل لَا اسر بِهِ ... مَالِي يَدُور بِمَا لَا اشتهي الْفلك فَكلما زَاد دمعي زادني قلقا ... كانني شمعة تبْكي فتنسبك (3) وَمن شعره ... النَّفس بالشىء الممنع مولعه ... الحادثات اصولها متفرعه وَالنَّفس للشىء البعيدمريدة (4) والنف للشىء الْقَرِيب مضيعة كل يحاول حِيلَة يَرْجُو بهَا ... دفع الْمضرَّة واجتلاب الْمَنْفَعَة (5) وَله ... كل بلَاء عَليّ مني ... فليتني قد اخذت عني (6) اردت مني اختبار سري ... وَقد علمت المُرَاد مني وَلَيْسَ لي فِي سواك حَظّ ... فَكيف مَا شِئْت فاختبرني ... وَفِي الصُّوفِيَّة من يدعى ان الحلاج كوشف حَتَّى عرف السِّرّ وَعرف سر السِّرّ وَقد ادّعى ذَلِك لنَفسِهِ فِي قَوْله ... مواجيد اهل الْحق تصدق عَن وجدي ... واسرار اهل السِّرّ مكشوفة عِنْدِي (7)

وَله ... الله يعلم مَا فِي النَّفس جارحة ... الا وذكرك فِيهَا نيل مَا فِيهَا (1) وَلَا تنفست الا كنت فِي نَفسِي ... تجْرِي بك الرّوح منى فِي مجاريها ان كنت للعين مذ فارقتها نظرت ... الى سواك فخانتها مآقيها وان كَانَت النَّفس بعد الْبعد آلفة ... خلقا عداك فَلَا نَالَتْ امانيها ... وَحكى (2) انه قَالَ الهي انك تتودد الى من يُؤْذِيك فَكيف لَا تتودد الى من يُؤْذى فِيك وانشد ... نَظَرِي بدؤ علتي ... وَيْح قلبِي وَمَا جنى يَا معِين الضنى عَليّ ... اعني على الضنى ... وَكَانَ ابْن نصر القشوري قد مرض فوصف لَهُ طَبِيب تفاحة فَلم تُوجد فاومأ الحلاج بِيَدِهِ الى الْهَوَاء (4) واعطاهم تفاحة فعجبوا من ذَلِك وَقَالُوا من ايْنَ لَك هَذِه قَالَ من الْجنَّة فَقَالَ لَهُ بعض من حضر ان فَاكِهَة الْجنَّة غير متغيرة وَهَذِه فِيهَا دودة قَالَ لانها خرجت من دَار الْبَقَاء الى دَار الفناء فَحل بهَا جُزْء من الْبلَاء فاستحسنوا جَوَابه اكثر من فعله ويحكون ان الشبلي دخل الى السجْن فَوَجَدَهُ جَالِسا يخط فِي التُّرَاب فَجَلَسَ بَين يَدَيْهِ حَتَّى ضجر فَرفع طرفه الى السَّمَاء وَقَالَ الاهي لكل حق حَقِيقَة وَلكُل خلق طَريقَة وَلكُل عهد وَثِيقَة ثمَّ قَالَ يَا شبلي من اخذه مَوْلَاهُ عَن نَفسه ثمَّ اوصله الى بِسَاط انسه كَيفَ ترَاهُ فَقَالَ الشبلي وَكَيف ذَاك قَالَ ياخذه عَن نَفسه ثمَّ يردهُ على قلبه فَهُوَ عَن نَفسه مَأْخُوذ وَعَن قلبه مَرْدُود فَأَخذه عَن نَفسه تَعْذِيب ورده إِلَى قلبه تقريب وطوبى (5) لنَفس كَانَت لَهُ طَائِعَة وشموس الْحَقِيقَة فِي قلوبها طالعة ثمَّ انشد ... طلعت شمس من احبك لَيْلًا ... فاستضاءت فَمَا لَهَا من غرُوب ان شمس النَّهَار تطلع بِاللَّيْلِ ... وشمس الْقُلُوب لَيْسَ تغيب (6) ويذكرون انه سمى الحلاج لانه اطلع على سر الْقُلُوب وَكَانَ يخرج لب الْكَلَام كَمَا يخرج الحلاج لب الْقطن بالحلج

وَقيل كَانَ يفعل بواسط بدكان حلاج فَمضى الحلاج فِي حَاجَة وَرجع فَوجدَ الْقطن محلوجا من كنرته فَسَماهُ الحلاج وَفِي الصُّوفِيَّة من يقبله وَيَقُول انه كَانَ يعرف اسْم الله الاعظم وَمِنْهُم من يردهُ وَيَقُول كَانَ مموها ويذكرون ان الشبلي انفذ اليه بفاطمة النيسابورية وَقد قطعت يَده فَقَالَ لَهَا قولي لَهُ ان الله ائتمنك على سر من اسراره فاذاعته فاذاقك حر (1) الْحَدِيد فان اجابك فاحفظي جَوَابه ثمَّ سليه عَن التصوف مَا هُوَ فَلَمَّا جَاءَت انشأ يَقُول ... تجاسرت فكاشفتك (2) لما غلب الصَّبْر وَمَا احسن فِي مثلك ... ان ينتهك السّتْر وان عنفني النَّاس ... فَفِي وَجهك لي عذر كَانَ الْبَدْر مُحْتَاج ... الى وَجهك يَا بدر ... (3) وَهَذَا الشّعْر للحسين بن الضَّحَّاك الخليع الْبَاهِلِيّ ثمَّ قَالَ لَهَا امضى الى ابي بكر وَقَوْلِي لَهُ يَا شبلي وَالله مَا اذعت لَهُ سرا فَقَالَت لَهُ مَا التصوف فَقَالَ مَا انا فِيهِ وَالله مَا فرقت بَين نعْمَة وبلواه (4) سَاعَة قطّ فَجَاءَت الى الشبلي واعادت اليه فَقَالَ يَا معشر النَّاس الْجَواب الاول لكم وَالثَّانِي لي وَذكروا انه لما قطعت يَده وَرجله صَاح وَقَالَ ... وَحُرْمَة الود الَّذِي لم يكن ... يطْمع فِي افساده الدَّهْر مَا نالني عِنْد هجوم البلا ... باس وَله مسنى الضّر مَا قد لي عُضْو وَلَا مفصل ... الا فِيهِ لكم ذكر ... (5) وَكتب بعض الصُّوفِيَّة على جذع الحلاج ... ليكن صدرك للاسرار ... م حصنا لَا يرام ... انما ينْطق بالسر ... ة ويفشيه الئآم ... (6)

سنة عشر وثلاثمائة

سنة عشر وثلاثمائة فِي الْمحرم اطلق يُوسُف بن ابي الساج وَحمل اليه مَال (1) وخلع وَحكي انه انْزِلْ فِي دَار دِينَار وانه انفذ الى مونس المظفر يَسْتَدْعِي مِنْهُ انفاذ ابي بكر بن الادمي (2) الْقَارِي فتمنع ابو بكر وَقَالَ انني قرات بَين يَدَيْهِ يَوْم شهر وَكَذَلِكَ اخذ رَبك اذا اخذ الْقرى وَهِي ظالمة ورايته يبكي فاظنه حقد عَليّ ذَلِك فَقَالَ لَهُ مونس لَا تخف فانني شريكك فِي جائزته فَمضى اليه وجلا فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ وَقد افيضت عَلَيْهِ الْخلْع وَالنَّاس بِحَضْرَتِهِ والغلمان وقُوف على راسه قَالَ لَهُم هاتوا كرسيا لابي بكر فاتوه بِهِ وَقَالَ اقرا فَاسْتَفْتَحَ وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الْملك ائْتُونِي بِهِ أستخلصه لنَفْسي} فَقَالَ لَا اريد هَذَا بل اريد ان تقرا بَين يَدي مَا كنت تقراه يَوْم شهرت فَامْتنعَ ثمَّ قرا حِين الزمه {وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى وَهِي ظالمة} فَبكى ثمَّ قَالَ هَذِه الاية كَانَت سَببا لتوبتي من كل مَحْظُور وَلَو امكنني ترك خدمَة السُّلْطَان لتركتها وامر لَهُ بِمَال جزيل وَطيب كثير وَحضر يُوسُف دَار الْخَلِيفَة بسواد وَوصل اليه فَقبل الْبسَاط وخلع عَلَيْهِ وَحمل على فرس بمركب ذهب وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس ثامن الْمحرم وَجلسَ المقتدر يَوْم السبت وَعقد لَهُ على اعمال الصَّلَاة والمعاون وَالْخَرَاج بِالريِّ (5) وَالْجِبَال واذربيجان وزينت لَهُ دَار السُّلْطَان يَوْمئِذٍ فَركب مَعَه مونس ومفلح وَنصر والقواد واستكتب ابا عبد الله مُحَمَّد بن خلف النيرماني (6) وَقرر ان يحمل الى السُّلْطَان فِي كل سنة خَمْسمِائَة الف دِينَار وخلع (7) على طَاهِر وَيَعْقُوب بن مُحَمَّد بن عمر بن اللَّيْث الصفار وعَلى اللَّيْث ابْن عَليّ وَابْنه خلع الرضى وَقدم أَخ لنصر الحاجبمن بلد الرّوم وَأسلم فَخلع عَلَيْهِ وتوالت الْفتُوح على الْمُسلمين برا وبحرا فقرئت الْكتب على المنابر لذَلِك وَفِي جُمَادَى الاولى تقلد نازوك الشرطة بِبَغْدَاد وعزل ابْن عبد الصَّمد (8)

واملك ابو عمر القَاضِي مسرور المحفلي ببنت المظفر بن نصر الدَّاعِي وَمُحَمّد بن ياقوت بابنة رائق الْكَبِير بِحَضْرَة المقتدر وَحكى انه خطب خطْبَة طَوِيلَة تعجب النَّاس من حسنها وَلما فرغ مِنْهَا وَقد حمي الْحر وَتَعَالَى النَّهَار قيل لَهُ (1) ضجر الْخَلِيفَة بِالْجُلُوسِ فَخَطب خطْبَة اوجزها بكلمتين وَعقد النِّكَاح فَنَهَضَ المقتدر مبادرا لشدَّة الْحر وَوَقع فعل ابي عمر عِنْده الطف موقع والتفت الى صَاحب الدِّيوَان فَقَالَ يَنْبَغِي ان يُزَاد ابو عمر فر رزقه واتى (2) عَلَيْهِ فَعَاد صَاحب الدِّيوَان الى دَاره فَقَالَ لمن حَضَره من خاصته قد جرى لابي عمر كل جميل من الْخَلِيفَة وَقد تقدم بِالزِّيَادَةِ فِي رزقه قَالَ صَاحب الْحِكَايَة وَكَانَ ابو عمر زجل (3) صديقي فدعتني نَفسِي الى التَّقَرُّب بذلك اليه فَجِئْته فانكر مجيئي فِي وَقت خلوته فَحَدَّثته بِالْحَدِيثِ على شَرحه فَدَعَا للخليفة وَقَالَ لَا عدمتك فاستقللت شكره وانصرفت فولد لي فكرا معمى بِأَن فِي وَجهه من التَّعَجُّب مني وندمت ندما شَدِيدا وَقلت سر السُّلْطَان افشاه لي من هُوَ احظى عِنْدِي من وزيره ذكره الرجل لانسه بِي بادرت باخراجه ان رَاح ابو عمر وشكره فَعلم انه من فعلي مَا صُورَتي فَرَجَعت وَدخلت بِغَيْر اذن فَلَمَّا وَقع ناظره عَليّ قَالَ يَا فلَان وَلَا حرف فَكَانهُ (4) فشكرته وانصرفت وَفِي جُمَادَى الاخيرة خلع على ابي الهيجاء بن حمدَان وطوق وسور وانفذ (5) الْحُسَيْن بن احْمَد المادراني (6) من مصر هَدِيَّة وفيهَا بغلة مَعهَا فَلَو وَغُلَام طَوِيل اللِّسَان يلْحق طرف انفه وَدخل مُحَمَّد بن نصر الْحَاجِب قادما من قاليقلا فِي شهر رَمَضَان وَقد فتح عَلَيْهِ

سنة احدى عشرة وثلاثمائة

وَفِيه قبض على ام مُوسَى القهرمانة واختها (1) ام مُحَمَّد واخيها ابي بكر احْمَد بن الْعَبَّاس لانها زوجت بنت اخيها (2) ابي بكر (3) من (4) ابي الْعَبَّاس بن مُحَمَّد ابْن اسحاق بن المتَوَكل (5) على الله وَكَانَت لَهُ نعم عَظِيمَة وَكَانَ لعَلي بن عِيسَى صديقا واسرفت فِي الاموال الَّتِى نثرتها والدعوات الَّتِي عملتها حَتَّى دعت اهل المملكة ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَقَالَت لَهَا السيدة انك قد دبرت ان يصير صهرك خَليفَة وسلمتها الى ثمل القهرمانة وَهِي مَوْصُوفَة بِالشَّرِّ وَكَانَت قهرمانة احْمَد بن عبد العزيز بن ابي دلف فاستخرجت مِنْهَا الف الف دِينَار (6) وَبَلغت زِيَادَة دجلة ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا وَنصف وَورد الْخَبَر انه انبثق بواسط سَبْعَة عشر بثقا (7) اكثرها الف ذِرَاع واصغرها مِائَتَا ذِرَاع وغرق من امهات الْقرى الفان (8) وثلاثمائة قَرْيَة وَحج نصر الْحَاجِب فقلد ابْن ملاحظ الْحَرَمَيْنِ وَصرف عَنْهُمَا نزار بن مُحَمَّد سنة احدى عشرَة وثلاثمائة فِي صفر مَاتَ ابو النَّجْم بدر الحمامي بشيرازوكان يتَوَلَّى اعمال الْحَرْب والمعاون لفارس وكرمان وَدفن بشيزار ثمَّ نبش وَحمل الى بَغْدَاد واضطرب الْجند لمَوْته بِفَارِس فَكتب عَليّ بن عِيسَى الى ابي عبد الله بن جَعْفَر بن الْقسم الْكَرْخِي بضبط تِلْكَ الْبلدَانِ فضبطها واستمال الْجند وخلع على مونس المظفر وَعقد لَهُ على غزَاة الصائفة وَكَانَ ابو الهيجاء بن حمدَان قد خلع عَلَيْهِ لولاية فَارس وكرمان ثمَّ عدل عَنهُ الى ابراهيم بن عبد الله المسمعي فقلد ذَاك وعقدت الْكُوفَة وَطَرِيق مَكَّة على وَرْقَاء بن مُحَمَّد وَفِي شهر ربيع الآخر صرف حَامِد بن الْعَبَّاس عَن الوزارة وَعلي بن عِيسَى عَن الدَّوَاوِين وَكَانَت وزارة حَامِد ارْبَعْ سِنِين وَعشرَة اشهر واربعة وَعشْرين يَوْمًا

وَكَثُرت عَدَاوَة النَّاس لحامد لاسقاطه لارزاقهم ونقصا لَهُ (1) فَكَانَ ذَلِك سَبَب عَزله وَكَانَ عَليّ بن عِيسَى يكْتب ليطالب جهبذ الْوَزير اسعده بِكَذَا فَسقط بذلك وَجرى بَين مُفْلِح وَبَين حَامِد مناكرة فَقَالَ حَامِد قد صَحَّ عزمي على ابتياع مائَة اسود اقودهم واسمي كل وَاحِد مِنْهُم مفلحا وَكَانَ المقتدر يَسْتَدْعِي ابْن الْفُرَات ويشاوره وَهُوَ مَحْبُوس وَاتفقَ انه أنفذ الى المقتدر وَسَأَلَهُ ان يقْرضهُ الف دِينَار اثْنَا عشر الف دِينَار فاجابه الى ذَلِك حَيَاء من رده مَعَ مَا اخذ من امواله فَلَمَّا اخذ ابْن الْفُرَات المَال جَاءَ بِهِ الى المقتدر فافرغه بَين يَدَيْهِ وَقَالَ يَا امير الْمُؤمنِينَ مَا تَقول فِي رجل يسترزق فِي كل شهر هَذَا فاستعظم المقتدر ذَلِك وَقَالَ وَمن الرجل فَقَالَ ابْن الْحوَاري هَذَا سوى مَا يصله من الْمَنَافِع ويناله من الْفَوَائِد ورد ابْن الْفُرَات الدَّنَانِير وسعى مُفْلِح لتقليد ابْن الْفُرَات الوزارة واعتقل عَليّ بن عِيسَى وَسلم الى زَيْدَانَ القهرمانة وخلع على ابْن الْفُرَات تَقْلِيد الوزارة الثَّالِثَة وعَلى ابْنه واخيه وجلسوا فِي دُورهمْ بسوق الْعَطش التهنئة وَسَأَلَ ان يُعَاد الى دَاره بالمخرم (2) وَكَانَت قد اقطعت للامير ابي الْعَبَّاس فاذن لَهُ المقتدر فِي ذَلِك وَقبض ابْن الْفُرَات على جمَاعَة من اسباب عَليّ بن عِيسَى فيهم ابْن مقلة واشير على ابْن الْحوَاري بالاستتار وَقيل لَهُ ان المقتدر لم يطو عَنْك وزارة ابْن الْفُرَات الا لتغير راي فِيك فَقَالَ لَا انكب نَفسِي وَستر حرمه ثمَّ قبض ابْن الْفُرَات على ابْن الْحوَاري وَقبض على صهره مُحَمَّد بن خلف النيرماني (3) وتوسط ابْن قرَابَة حَاله فصادره على سَبْعمِائة الف دِينَار وصادر ابا الْحُسَيْن بن بسطَام صهر حَامِد على مِائَتي الف دِينَار وَشرط المقتدر على ابْن الْفُرَات ان لَا ينكب حامدا وان يناظره على مَا عَلَيْهِ فناظره بِمحضر الْكتاب والقضاة وَقَالَ المقتدر انه خدمني وَلم يَأْخُذ رزقا وَشرط عَليّ ان لَا اسلمه لمكروه فاضطره ابْن الْفُرَات الى قَرَار حَامِد على وَاسِط وَكَانَ يتَأَوَّل عَلَيْهِ تَأْوِيلا ديوانيا وَكَانَ حَامِد يُطَالب بِمَا حَسبه من الْفِقْه (4) على البثوق فِي ايام الخاقاني وَهِي مِائَتَان

وَخَمْسُونَ الف دِينَار فَكَانَت تتاخر الْمُطَالبَة جَدِيدَة الضَّمَان ولانه شَرط انه يحْسب ذَلِك من مَاله لَا من مَال السُّلْطَان فقلد ابْن الْفُرَات اعمال الصُّلْح ابا الْعلَا مُحَمَّد بن عَليّ البزوفري وقلد ابا سهل اسماعيل بن عَليّ النوبختي اعمال الْمُبَارك وَجعل الى كل وَاحِد مُطَالبَة حَامِد فَأَما ابو سهل فَكَانَ يخلط الْمُطَالبَة بِرِفْق وَكَانَ البزوفري يسْتَعْمل ضد ذَلِك فَكَانَ حَامِد يَقْصِدهُ الى دَاره فر رِدَاء ونعل حَذْو مَعَ هَيْبَة حَامِد الْعَظِيمَة ومنزلته الجسيمة مُنْذُ سِتِّينَ سنة فَلم ينفع ذَلِك فِي البزوفري بل زَاد عَلَيْهِ انه ابْتَاعَ ضياعات سلطانية بنواحي الجامدة فِي ايام الخاقاني بِخَمْسِمِائَة الف دِينَار وَابْن الْفُرَات يحمل البزوفري على مَا يعتمده وَكَاتب ابْن الْفُرَات ان حامدا مُمْتَنع من اداء مَا عَلَيْهِ مَعَ ميل اهل الْبَلَد اليه واحتواء يَده على اربعمائة غُلَام لكل وَاحِد مِنْهُم غلْمَان وَسَبْعمائة راجل فاجابه ابْن الْفُرَات ان المقتدر قد تقدم الى مُفْلِح بالانحدار فِي جَيش للقبض على حَامِد فاظهر البزوفري الْكتاب قبل وُصُول الْقَوْم فَحِينَئِذٍ اصْعَدْ حَامِد فِي سَائِر جَيْشه وَكتابه وغلمانه وَضربت البوقات يَوْم خُرُوجه وَخرج اصحابه بَعضهم فِي المَاء وَبَعْضهمْ على الطَّرِيق وَلم يقدر البزوفري على مَنعه فكاتب على اجنحة الطُّيُور بِالْحَال فانفذ المقتدر نازوك الى الْمَدَائِن للقبض عَلَيْهِ فاخذ ناوزك مَا وجده لَهُ فاستتر حَامِد وَجَاء اُحْدُ الجهابذة فتقرب الى المقتدر بِمِائَة الف دِينَار لحامد عِنْده وارجف النَّاس بِبَغْدَاد ان المقتدر امْر حامدا بالاستتار ليقْبض على ابْن الْفُرَات ويعيده الى مرتبته فاستتر آل ابْن الْفُرَات واسبابه غير الْوَزير وَكَانَت سَعَادَة حَامِد قد تناهت فَصَارَ الى دَار المقتدر وَعَلِيهِ ثِيَاب الرهبان وَمَعَهُ مونس خادمه فَصَعدَ الى دَار الحجبة فَقَالَ لَهُ نصر لم جِئْت الى هَا هُنَا وَلم يقم لَهُ وَاعْتذر بانه تَحت سخط الْخَلِيفَة وَقَالَ المفلح الاسود وَهُوَ الَّذِي يتَوَلَّى الاسْتِئْذَان على الْخَلِيفَة انه تَحت رَحْمَة (1) وَمثلك من أَزَال متعانية وَقَالَ حَامِد لمفلح تَقول لمولانا امير الْمُؤمنِينَ عَنى ايثاري

الاعتقال فِي الدَّار كَمَا اعتقل عَليّ بن عِيسَى واناظر بِحَضْرَة الْفُقَهَاء والقضاة والقواد وامكن من اسْتِيفَاء حججي وَمَا يجب عَليّ من مَال (1) فَقَالَت السيدة لَا يضر ان يعتقل فِي الدَّار ويحفظ نَفسه فَقَالَ مُفْلِح ان فعل هَذَا لم يتم لِابْنِ الْفُرَات عمل وَبَطلَت الاعمال فَقَالَ المقتدر صدقت وامره بانفاذ حَامِد الى ابْن الْفُرَات فَبعد جهد مكنه مُفْلِح من تغير زيه وَقَالَ لَا احمله الا فِي زِيّ الرهبان وَهَذَا الصُّوف الَّذِي عَلَيْهِ حَتَّى تشفع فِيهِ نصر وانفذه مَعَ الرنداق (2) الْحَاجِب فَلَمَّا دخل عَليّ بن الْفُرَات اسْمَع حامدا الْمَكْرُوه وَقَالَ لَهُ جِئْت بهَا طائية وَكَانَ الطَّائِي قد ضمن اسماعيل بن بلبل من النَّاصِر لدين الله واتاه فِي زِيّ الرهبان فسلمه الى اسماعيل بن بلبل فعامله باصناف المكاره واخذ مِنْهُ مَالا عَظِيما وامر ابْن الْفُرَات قهرمان دَاره (3) بَان يفرد لَهُ دَار اخيه يفرشها فرشا لَيْلًا وان يحضر بَين يَدَيْهِ مَا يختاره من الطَّعَام وَيقطع لَهُ مَا يُؤثر من الْكسْوَة واستخدم لَهُ خادمين اعجميين وَدخل اليه كل من عَامله بالمكاره فوبخوه فَقَالَ قد اكثرتم وانا اجمل الْجَواب ان كَانَ مَا استعملته من الاحوال الَّتِى وصفتموها جميلَة الْعَاقِبَة قد امرت لي خيرا فاستعملوا مثله وزيدوا عَلَيْهِ وان كَانَ قبيحا وَهُوَ الَّذِي بلغ هَذِه الْغَايَة فتجنبوه فان السعيد من وعظ بِغَيْرِهِ فَقَالَ ابْن الْفُرَات لما بلغه ذَلِك مَا ادْفَعْ شهامته وَلكنه وَلكنه رجل من اهل النَّار يقدم على الدِّمَاء ومكاره النَّاس وَمثل هَذِه الْحِكَايَة حِكَايَة زَيْنَب بنت سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس قَالَت كنت عِنْد الخيزران فَدخلت جَارِيَة وَقَالَت بِالْبَابِ امْرَأَة لَهَا جمال وخلقه حَسَنَة وَلَيْسَ وَرَاء مَا هِيَ عَلَيْهِ من سوء الْحَال غَايَة تستأذن عَلَيْك وَقد سالتها عَن اسْمهَا فامتنعت ان تُخبرنِي فَقَالَت الخيزران مَا تُرِيدُ فَقلت اذني لَهَا فَلَنْ تعدمي ثَوابًا فَدخلت امْرَأَة من اجمل النِّسَاء واكملهن لَا تتوارى بشىء وَقَالَت انا مزنة امْرَأَة مَرْوَان بن مُحَمَّد الاموي فَقلت لَهَا لَا حَيا الله وَلَا قرب الْحَمد الله الَّذِي ازال نِعْمَتك وهتك سترك تذكرين يَا عدَّة الله حِين اتاك عَجَائِز اهلي يسالنك ان تكملي صَاحبك فِي الاذن فِي دفن ابراهيم الامام فَوَثَبت عَلَيْهِنَّ فاسمعتهن وامرت باخراجهن على الْجِهَة الَّتِى أخرجن عَلَيْهَا

قَالَت فَضَحكت فَمَا الدَّار احسن من ثغرها وَعلا صَوتهَا بالقهقهة ثمَّ قَالَت اي بنت عمي اي شىء اعجبك من حسن صنع الله بِي على العقوق حَتَّى اردت ان تتاسي مِنْهُ اني فعلت مَا فعلت بَاهل بَيْتك واسلمني الله اليك ذليلة فقيرة فَكَانَ هَذَا مِقْدَار شكرك الله على مَا اولاك فِي ثمَّ قَالَت السَّلَام عَلَيْكُم وَوَلَّتْ فصاحت بهَا الخيزران انك عَليّ اسْتَأْذَنت وَالِي قصدت فَمَا ذَنبي فَرَجَعت وَقَالَت لعمري لقد صدقت يَا اخيه وان مِمَّا ردني اليك مَا انا عَلَيْهِ من الضّر والجهد فَقَامَتْ الخيزران تعانقها وامرت بهَا الى الْحمام وخلعت عَلَيْهَا وَجَاء الْمهْدي فاخبر بِالْحَال فسر بذلك وَكَثُرت انعامه عَلَيْهَا وافرد لَهَا مَقْصُورَة من مقاصير حرمه واقر حَامِد بِمِائَتي الف دِينَار وَلم يقر بغَيْرهَا وسلمت مِنْهُ وَضرب المحسن مونس خَادِم حَامِد فاقر باربعين الف دِينَار دَفنهَا فِي دَاره بِالْمَدِينَةِ فَحملت وصودر مونس الْفَحْل حَاجِب حَامِد على عشْرين ألف دِينَار وصودر مُحَمَّد بن عبد الله النضراني (1) صَاحبه وَالْحسن بن عَليّ الخصيب كَاتبه على ثَمَانِينَ الف دِينَار وَاسْتعْمل الخصيب مَعَ حَامِد من المكاشفة مالم يَسْتَعْمِلهُ كَاتب مَعَ صَاحب فَرد ابْن الْفُرَات عَلَيْهِ مَا صادره بِهِ لذَلِك واشخص ابْن الْفُرَات الْفُقَهَاء والقضاة وَالْكتاب فيهم النُّعْمَان بن عبد الله وَكَانَ قد تَابَ من عمل السُّلْطَان فَحَضَرَ بطيلسان وناظره ابْن الْفُرَات مناظرة طَالَتْ كَانَ عمد (2) ابْن الْفُرَات ان قَالَ لَهُ الضَّمَان الَّذِي ضمنته من الخاقاني سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ لَا يمضيه الْفُقَهَاء وَالْكتاب لانه ضَمَان مَجْهُول وضمنت اثمان غلات لم تزرع فَقَالَ لَهُ حَامِد فقد علمت بِي كَذَلِك حِين ضمنتني اعمال بالصدقات والضياع بِالْبَصْرَةِ وكور دجلة فَقَالَ ابْن الْفُرَات الْغلَّة بِالْبَصْرَةِ يسيرَة وانما ضمنت الثَّمَرَة فَقَالَ حَامِد فَمن احل بيع الثَّمَرَة قبل ادراكها وحضره فِي الزَّرْع فَقَالَ المحسن لحامد هَذَا الكلوذاني كاتبك وَكتابه يشْهدُونَ عَلَيْك بِمَا اقتطعته فَقَالَ هَؤُلَاءِ كتاب الْوَزير الْآن (3) هَوَاهُ ولزمت الْفُرَات حججه حَتَّى قَالَ لَهُ حَامِد لم امضيت ضماني فِي وزارتك

الثَّانِيَة فَقَالَ ابْن الْفُرَات لهَذَا نقلني امير الْمُؤمنِينَ الى حَبسه وَذكر حَامِد حجَجًا كَانَت فِي يَده فَقَالَ ابْن الْفُرَات انا فتشت صناديقك فَلم اجد فِيهَا مَا ذكرت وانا الْمُقدم باحضارها وتفتيشها فَقَالَ حَامِد افتسشتها بعد ان فتشها الْوَزير وَقَبضهَا نازوك وَفتح اقفالها فَخَجِلَ ابْن الْفُرَات وتعجب النَّاس من اسْتِيفَاء حَامِد الْحجَّة فَاخْرُج ابْن الْفُرَات عملا وجده فِي صناديق غَرِيب غُلَام حَامِد وَهَذَا الْغُلَام كَانَ يتَوَلَّى بيع غلات حَامِد وَحمل ذَلِك سَهوا لَان حامدا كَانَ يجمع حسباناته ويغرقها فِي دجلة فَرَأى انه قد بيع غلات تِلْكَ السّنة سوى القضيم بِخَمْسِمِائَة الف دِينَار ونيف واربعين الف دِينَار فَبَان الْفضل وَظهر التضاعف مَعَ كَون الاسعار رخيضة فِي تِلْكَ السّنة وعالية فِيمَا بعْدهَا وَقَالَ حَامِد لِابْنِ الْفُرَات انني اكرم الْوَزير عَن إسماع ابْنه جَوَاب مَا يَشْتمنِي فَحلف ابْن الْفُرَات براس الْخَلِيفَة ان لم يمسك ابْنه استعفى الْخَلِيفَة (1) فِي هَذِه الْقِصَّة فامسك المحسن حِينَئِذٍ واعيد حَامِد الى محبسه وطولب بِالْمَالِ فاقام على انه لَا مَال عِنْده وانه قد بَاعَ ضيَاعه وَبَاعَ دَاره من نازوك بِمَدِينَة السّلم بِاثْنَيْ عشر الف دِينَار وَبَاعَ خدمه وَبَاعَ اخصهم بِهِ من نازوك بِثَلَاثِينَ الف دِينَار فَالْتَفت الْخَادِم الى نازوك وَقَالَ لَهُ لَا تستضع بِي فَلَا تبتاعني فَلم يقبل مِنْهُ فابتاعه فَلَمَّا كَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة شرب الْخَادِم زرنيخا فَمَاتَ من ليلته وخلا ابْن الْفُرَات بحامد وَقَالَ ان اخبرت باموالك صنتك عَن مكاره ابْني ووليتك فَارِسًا وَحلف لَهُ على ذَلِك فاقر بدفائنه فِي بلاليع بواسط وقدرها خَمْسمِائَة الف دِينَار وثلاثمائة الف عِنْد قوم من الْعُدُول واقر بقماش لَهُ عِنْد ابْن شابدة وَابْن المنتاب واسحاق بن ايوب وَعلي بن فرج بثلاثمائة الف دِينَار فَعرف المقتدر ذَلِك وَقَالَ لَهُ ابْن الْفُرَات قد اقر بذلك عفوا من غير مَكْرُوه وَمَا زَالَ ابْن الْفُرَات مكرما لحامد يلْبسهُ لين الثِّيَاب ويطعمه هني الطَّعَام الى ان توصل المحسن على يَدي مُفْلِح الى المقتدر ان يتَقَدَّم الى ابيه باستخلافه فاستخلفه على كره من الاب لذَلِك وخلع المقتدر عَلَيْهِ وَصَارَ الى دَاره فَمضى اليه الْكتاب والعمال للتهنئة فسقطوا من دَرَجه سَاج صعدوا عَلَيْهَا من زبازبهم فلحقتهم الْعِلَل لذَلِك وَضمن حَامِد الْخَمْسمِائَةِ الف دِينَار واحضره فطالبه فَقَالَ لم يبْق غير ضياعي

وانا اوكل فِي بيعهَا فامر بصفعه فصفع خمسين صفعة واحدره الى وَاسِط مَعَ خَادِم وَعشرَة فرسَان وَذَلِكَ فِي عَاشر شهر رَمَضَان سنة احدى عشرَة وثلاثمائة وشاع بِبَغْدَاد ان حامدا اشْتهى بيضًا فَطرح لَهُ الْخَادِم فِيهِ سما فاكله فَلحقه ذرب وَدخل واسطا وَهُوَ مثخن فَقَامَ اكثر من مائَة مجْلِس فاراد البزوفري (1) الِاسْتِظْهَار لنَفسِهِ فَاحْضُرْ القَاضِي وشهوده وَكتب ان حامدا وصل الى وَاسِط فتسلمه البزوفري وَهُوَ عليل من ذرب وان تلف من ذَلِك فانما مَاتَ حتف انفه فَلَمَّا دخل الشُّهُود وَقد قرر مَعَ حَامِد الاشهاد على نَفسه قَالَ لَهُم ان ابْن الْفُرَات الْكَافِر الْفَاجِر المجاهر بالرفض وبغض بنى الْعَبَّاس رَحْمَة الله عَلَيْهِم عاهدني وَحلف بِالطَّلَاق وايمان الْبيعَة على ان اقررت باموالي لم يسلمني ابْنه (2) وصانني على الْمَكْرُوه وولاني فَلَمَّا اقررت سلمني الى ابْنه فعذبني ودفعني الى خادمه فسقاني بيضًا مسموما وَلَا صنع للبزوفري فِي دمي الى وقتنا هَذَا وَلكنه لعنة الله كفر احساني وَنسي اصطناعي فاغرى ابْن الْفُرَات بِي وسعى على دمي ثمَّ اخذ قِطْعَة من اموالي وَجعل يحشوها فِي الْمسَاوِر البرنون (3) ويبتاع الْوَاحِدَة مِنْهَا بِخَمْسَة دَرَاهِم وفيهَا امتعة تَسَاوِي ثَلَاثَة الاف دِينَار فَاشْهَدُوا على مَا شرحته وَتبين البزوفري انه قد اخطأ وَكتب ابْن بطحا صَاحب الْخَبَر بواسط الى ابْن الْفُرَات بِالْحَال فشق عَلَيْهِ وَتُوفِّي حَامِد (4) فِي دَار البزوفري لَيْلَة الْخَمِيس لثلاث عشرَة خلت من شهر رَمَضَان سنة احدى عشرَة وثلاثمائة وَغسل وكفن وَصلى عَلَيْهِ القاضى وَالشُّهُود بواسط واخذ مِنْهُ ابْن الْفُرَات الف الف وثلاثمائة الف دِينَار وَقبض المحسن عَليّ ابي احْمَد مُحَمَّد بن منتاب الوَاسِطِيّ صَاحب حَامِد فصادره على مائَة الف دِينَار وَحكى التنوخي عَن بعض الْكتاب قَالَ حضرت مائدة حَامِد بن الْعَبَّاس وَعَلَيْهَا عشرُون نفسا وَكنت اسْمَع انه ينْفق على مائدته مِائَتي دِينَار فاستقللت مَا رايت ثمَّ خرجت فرايت فِي الدَّار نيفا وَثَلَاثِينَ مائدة مَنْصُوبَة على كل وَاحِدَة ثَلَاثُونَ نفسا وكل

مائدة مثل الْمَائِدَة الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا حَتَّى البوارد والحلوى وَكَانَ لَا يَسْتَدْعِي أحدا إِلَى طَعَامه بل يقدم إِلَى كل قوم فِي أماكنهم وَكَانَت الموائد فِي الدهاليز وَكَانَ يقدم لكل من يحضر جديا فَيكون الجداء بِعَدَد النَّاس وَيرْفَع مَا بَقِي فتقسمه الغلمان وَقَالَ حَامِد إِنَّمَا فعلت هَذَا لأنني حضرت قبل علو أَمْرِي عَليّ مائدة بعض أصدقائي وَقدم عَلَيْهَا جدي فعولت على أكل كليته فَسَبَقَنِي رجل فَأكلهَا فاعتقدت فِي الْحَال أَن وسع الله عَليّ أَن أجعَل جداء بِعَدَد الْحَاضِرين وَركب حَامِد وَهُوَ عَامل وَاسِط إِلَى بُسْتَان لَهُ فَرَأى فِي طَرِيقه دَارا محترقة وشيخا يبكي وَحَوله نسَاء وصبيان على مثل حَاله فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل هَذَا رجل تَاجر احترقت دَاره فافتقر وأفلت بِنَفسِهِ وَعِيَاله على هَذِه الصُّورَة فَوَجَمَ سَاعَة ثمَّ قَالَ فلَان الْوَكِيل فجَاء فَقَالَ اريد ان اندبك لأمر ان عملته كَمَا اريد فعلت بك وصنعت وَذكر جميلا وَإِن تجاوزت فِيهِ رسمي فعلت بك وصعنت وَذكر قبيحا فَقَالَ مر بامرك فَقَالَ ترى هَذَا الشَّيْخ قد الْمَنِيّ قلبِي لَهُ وَقد تنغصت عَليّ نزهتي بِسَبَبِهِ وَمَا تسمح نَفسِي بالتوجه إِ 1 لى بستاني إِلَّا بعد ان تضمن لي اني إِذا عدت العشية من النزهة وجدت الشَّيْخ فِي دَاره وَهِي كَمَا كَانَت مَبْنِيَّة مجصصة نظيفة وفيهَا الْفرس والصفر وَالْمَتَاع من صنوفه وصنوف الْآلَات مثل مَا كَانَ فِيهَا وعَلى جَمِيع عِيَاله من كسْوَة الشتَاء والصيف مثل مَا كَانَ لَهُم قَالَ الشَّيْخ فَتقدم إِلَى الْخَادِم ان يُطلق مَا اريده وَإِلَى صَاحب المعونه ان يقف معي ويحضر كل مَا اريده من الصناع فَتقدم حَامِد بذلك وَكَانَ الزَّمَان صيفا فَاحْضُرْ اصناف الروزجاية والبنائين فَكَانُوا ينقضون بَيْتا ويطرحون فِيهِ من يبنه وَقيل لصَاحب الدَّار اكْتُبْ جَمِيع مَا ذهب مِنْك فَكتب حَتَّى المكنسة والمقدحة واحضر جَمِيع ذَلِك وَصليت الْعَصْر وَقد سقفت الدَّار كلهَا وجصصت وغلقت الابواب وَلم يبْق إِلَّا الْبيَاض والطوانيق فانفذ إِلَى خامد وَسَأَلَهُ التوفق فِي الْبُسْتَان وان لَا يركب مِنْهُ إِلَى ان يُصَلِّي العشا الاخيرة وَقد بيضت الدارت وكنست وفشت وَلبس الشَّيْخ وَعِيَاله الثِّيَاب وَدفعت اليهم الصناديق والخزانة مَمْلُوءَة بالامتعة. واجتاز حَامِد وَالنَّاس مجتمعون لَهُ كانه نَهَار فِي يَوْم عيد فضجوا بِالدُّعَاءِ لَهُ فَتقدم الى الجهبد بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم يَدْفَعهَا إِلَيْهِ يزيدها فِي بضاعته وَسَار حَامِد إِلَى

وَفِي السّنة توفّي ابو إِسْحَاق ابرهم ابْن السّري الزّجاج صَاحب الْمعَانِي وَكَانَ يخرط الزّجاج فاتى الْمبرد وَكَانَ يعلم لَك وَاحِد باجرة على قدر معيشته وَقَالَ لَهُ اني اكسب فِي كل يَوْم درهما ودانقين واني اعطيك درهما ان تعلمت اَوْ لم اتعلم حَتَّى يفرق الْمَوْت بَيْننَا وآخذ مِنْك قَالَ قد رضيت قَالَ وانفذ اليه بَنو مارمة من الصراة يطْلبُونَ مؤدبا لاولادهم فانفذني اليهم وَكنت اوجه اليه فِي كل شهر ثَلَاثِينَ درهما وَطلب عبيد الله بن سُلَيْمَان مِنْهُ مؤدبا لِابْنِهِ الْقسم فَقَالَ اعرف مؤدب بَين مارمة فَكتب غليه عبيد الله فاستنزلهم عني وادبت الْقسم فَكنت اقول لَهُ ان ابلغك الله مبلغ ابيك تُعْطِينِي عشْرين ألف دِينَار فَيَقُول لي نعم فَمَا مَضَت الا سنُون حَتَّى ولي الوزارة وانا على ملازمته فَقَالَ لي بِالْيَوْمِ الثَّالِث مَا اراك ذَكرتني بِالنذرِ فَقلت لَا احْتَاجَ مَعَ رِعَايَة الْوَزير الي اذكار خَادِم وَاجِب الْحق فَقَالَ انه المعتضد وَلَوْلَا مَا تعاظمني ان ادْفَعْ ذَلِك فِي مَكَان وَاحِد وَلَكِنِّي اخاف ان يصير لي حَدِيثا فَخذه مفترقا فَقلت افْعَل فَقَالَ اجْلِسْ وَخذ رقاع اصحاب الْحَوَائِج الْكِبَار وَلَا تمْتَنع من مساءلتي فِي شَيْء فَكنت اقول ضمن لي فِي هَذِه الْقِصَّة كَذَا فَكَانَ يَقُول غبنت فاستزد الْقَوْم فَحصل عِنْدِي عشرُون الف دِينَار فَقَالَ حصل عنْدك مَال النّذر قلت لَا فَلَمَّا حصل عِنْدِي عشرُون الف دِينَار فَقَالَ حصل عنْدك مَال النّذر قلت لَا فَلَمَّا حصل ضعفة اخبرته فَوَقع لى خازنة بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار فأخذتها وامتنعت ان اعْرِض عَلَيْهِ شَيْء فَلَمَّا كَانَ من غَد جِئْته فَأَوْمأ الي هَات مَا مَعَك فَقلت مَا اخذت رقْعَة لن النّذر قد وَقع الْوَفَاء بِهِ وَلم ادر كَيفَ اقع من الْوَزير فَقَالَ سُبْحَانَ الله اتراني كنت اقْطَعْ عَنْك شَيْئا قد صَار لَك بِهِ عَادَة وَصَارَ لَك بِهِ عِنْد النَّاس منزلَة وغدو وراواح إِلَى بَابي فتظن النَّاس ان انْقِطَاعه لتغير رتبتك اعْرِض عَليّ رسمك وَخذ بِلَا حِسَاب فَكنت اعْرِض عَلَيْهِ إِلَى ان مَاتَ

وَحدث وَالِدي (1) رَحمَه الله قَالَ اُخْبُرْنَا القَاضِي ابو الطّيب قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن طَلْحَة الردادي (2) قَالَ حَدثنِي القاضى مُحَمَّد بن احْمَد بن المخرم (3) انه جرى بَين الزّجاج وَبَين الْمَعْرُوف بمسينة (4) وَكَانَ من اهل الْعلم شَرّ فاتصل ونسجه ابليس واحكمه حَتَّى خرج ابراهيم الى حد السَّفه فَقَالَ مينه ... ابي الزّجاج الاشتم عرضى ... لينفعه فآثمه وضره واقسم صَادِقا مَا كَانَ حر ... ليطلق لَفْظَة فِي شتم حره وَلَو اني كررت لفر منى ... وَلَكِن للمنون عَلَيْهِ (5) كره فاصبح قد وَقَاه الله شري ... ليَوْم لَا وَقَاه الله شَره ... فَلَمَّا اتَّصل هَذَا بالزجاج قَصده رَاجِلا حَتَّى اعتذر وساله الصفح وَورد الْخَبَر بِدُخُول ابي طَاهِر سُلَيْمَان بن الْحسن الجنابي (6) الْبَصْرَة سحر يَوْم الِاثْنَيْنِ لخمس بَقينَ من شهر ربيع الآخر سنة احدى عشرَة وَثَلَاث مائَة فِي الف وَسَبْعمائة رجل وانه وصل اليهم بسلاليم (7) نصبها على سورها وَقتل الحراس وَطرح بَين كل مصراعين حمل رمل وحصى وَقتل سبك المفلحي امير الْبَصْرَة واحرق المربد (8) وَبَعض الْجَامِع وَمَسْجِد قبر طَلْحَة رضى الله عَنهُ وَلم يعرض للقرى وحاربه اهل الْبَصْرَة عشرَة ايام بالكلأ وهربوا مِنْهُ فَطرح فيهم السَّيْف وغرق مِنْهُم الْكثير واقام (9) بهَا سَبْعَة عشر يَوْمًا يحمل على جماله اموالهم وَسَار الى بَلَده وَادّعى ابْن الْفُرَات سَمِعت عَليّ بن عِيسَى يعنف ابا عبد الله حِين حَلَفت ان استغلال ضيعتك بواسط عشرَة الاف دِينَار وَقد وجد بهَا فِي حِسَاب الهماني انه يرْتَفع فِيهَا

ثَلَاثِينَ الْفَا دِينَار فَقَالَ البريدي تاسيت بسيدنا حِين خلف لِابْنِ الْفُرَات ان استغلال ضيعته الصافية عشرُون الف دِينَار واستغلالها خَمْسُونَ الْفَا وَعلم انه مَعَ ديانته لَو لم يعلم ان الْبَقِيَّة مُبَاحَة عِنْد من يخافه لما حلف فَكَانهُ القم عليا حجرا وَامْتنع المقتدر من تَسْلِيم عَليّ بن عِيسَى الى ابْن الْفُرَات واراد حفظ نَفسه فَادى ثمن دَار كَانَت لَهُ بالجانب الغربي فِي سويقة ابي الْوُرُود سَبْعَة الاف دِينَار وَقَالَ للمحسن مَا يمكنني اداء مصادرتي فِي اعتقالي فالبسه جُبَّة صوف وصفعه فَقَامَ عِنْد ذَلِك نازوك وَقَالَ لَا احضر كروه من قبلت يَده السنين الْكثير ة فَلَمَّا علم ابْن الْفُرَات بِفعل ابْنه لم يشك ان الْخَلِيفَة يُنكر ذَلِك فبادر وَكتب الى الْخَلِيفَة فساله فِي عَليّ بن عِيسَى وَقَالَ هُوَ من مَشَايِخ الْكتاب وعرفه خدمته فَخرج خطّ المقتدر بَان الصَّوَاب مَا فعله المحسن وانه قد شفعه فِيهِ وَحل قيوده واشار زَيْدَانَ القهرمانة على ابْن الْفُرَات بِتَسْلِيمِهِ الى شَفِيع والا تسلمه الْخَلِيفَة فاستدعى وَسلمهُ اليه فَخرج وَقد اقيمت صَلَاة الْمغرب فَقدم عَليّ فصلى النَّاس فِي الْمَسْجِد الَّذِي على دجلة وَمضى مَعَ شَفِيع فَجَلَسَ فِي صدر طياره (1) وَجلسَ شَفِيع بَين يَدَيْهِ واسعف ابْن الْفُرَات وَابْنه عليا فِي مصادرته وَحمل اليه ابو الهيجاء بن حمدَان عشرَة لاف دِينَار فَردهَا فَحلف ابو الهيجاء انها لَا رجعت الى ملكه ففرقت فِي الطالبين (2) والفقراء وبذل لَهُ شَفِيع اموالا فابى من قبُولهَا وَقَالَ لَا اجْمَعْ عَلَيْكُم مؤنتي ومعونتي وَلما صعد دَرَجَة شَفِيع مد شَفِيع يَده فاتكأ عَلَيْهَا وَلما قبض على ابْن الْفُرَات جعل يرجف فَقَالَ لَهُ لم لم تُعْطِينِي يدك كَمَا اعطيتها عليا فَقَالَ لَان عليا اتَّقى لله مِنْك وَلما ادى عَليّ مصادرته اذن المقتدر لِابْنِ الْفُرَات فِي ابعاده الى مَكَّة فاستاجر لَهُ جمالا واعطاه نَفَقَة وانفذ مَعَه ابْن الكثواني صَاحبه فاراد قتل عَليّ فَبلغ ذَلِك اهل مَكَّة فَهموا بقتل ابْن الكوثاني فَمنع عَليّ مِنْهُ وَحفظه وصادر ابْن الْفُرَات جَمِيع اسباب عَليّ مِنْهُم ابْن مقلة وَالشَّافِعِيّ وَلما لم يجد على

النُّعْمَان بن عبد الله الَّذِي تَابَ من التَّصَرُّف سَبِيلا فِي المصادرة وَامْتنع من الْولَايَة احدره الى وَاسِط وَقبض البزوفري عَلَيْهِ من جَامعهَا لما راى من اكرام اهل الْبَلَد لَهُ واخذ مِنْهُ سَبْعَة الاف دِينَار وَنفى ابْن الْحوَاري الى الابلة وخنق بالمنارة بعد ان عذب ثمَّ نبشه اهله وَحمل الى بَغْدَاد وصادر المحسن ابا الْحسن عَليّ بن مَأْمُون الاسكافي على مائَة الف دِينَار (1) وصادر المادرانيين حِين قدمُوا من مصر على الف وَسَبْعمائة دِينَار وَنفى ابْن مقلة الى الْبَصْرَة وَقدم مونس المظفر من الْغَزْو وَقد فتح عَلَيْهِ فاخبر ابْن الْفُرَات مَا تمّ على الْعمَّال مِنْهُم فسعى بِهِ الى المقتدر فَقَالَ لَهُ مَا شىء احب الي من مقامك بِبَغْدَاد لاني اجْمَعْ بَين الانس بقربك والتبرك برايك وَالصَّوَاب ان تقيم بالرقة فتتوسط الاعمال وتستحث على المَال فَعلم مونس (2) ان ذَلِك من عمل ابْن الْفُرَات فاجاب اليه وسال فِي المادارنيين فاطلقا وَنفذ فِي ذِي الْقعدَة وَشرع ابْن الْفُرَات فِي السّعَايَة بنصر القشوري وشفيع المقتدري فالتجا نصر الى السيدة فَقَالَت للمقتدر ان ابْن الْفُرَات ابعد عَنْك مونسا وَهُوَ سَيْفك وَقد حل لَهُ ابعاد حاجبك (3) وَاتفقَ انه وجد على سطح دَار السِّرّ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء لخمس خلون من محرم سنة اثْنَتَيْ عشرَة وثلاثمائة رجلا اعجميا وَاقِفًا عَلَيْهِ ثِيَاب ديبقى وتحتها قَمِيص صوف وَمَعَهُ محبرة واقلام وورق وحبل قيل انه دخل مَعَ الصناع وبقى اياما وعطش فَخرج لطلب المَاء فظفر بِهِ وَسُئِلَ عَن حَاله فَقَالَ لَا اخاطب اُحْدُ غير صَاحب الدَّار فَقَالَ لَهُ ابْن الْفُرَات اخبرني عَن حالك فَقَالَ لَا اخاطب غير الْخَلِيفَة فَضرب وَهُوَ يَقُول ندانم (4) حَتَّى قتل بالعقوبة (5) وخاطب ابْن الْفُرَات نصر الْحَاجِب (6) بِحَضْرَة المقتدر وَقَالَ كَيفَ ترْضى بِهَذَا الامير الْمُؤمنِينَ وَمَا يجوز ان ترْضى بِهِ لنَفسك وَمَا سمعنَا ان هَذَا تمّ على خَليفَة

سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة

قطّ وَهَذَا الرجل صَاحب احْمَد بن صعلوك (1) الَّذِي قتل ابْن ابي الساج واما ان يكون قد دسسته ليفتك بامير الْمُؤمنِينَ لتخوفك على نَفسك مِنْهُ وعداوتك لِابْنِ ابي الساج وصداقتك لاحمد بن عَليّ فَقَالَ لَهُ نصر لَيْت شعري ادبر على امير الْمُؤمنِينَ لانه اخذ اموالي ونكبني وهتك حرمي وحبسني عشر سنسن وَلم يزل امْر نصر يضعف والسيدة مدافعه عَنهُ وَكَانَ يُوسُف بن ابي (2) الساج حِين قلد اعمال الرّيّ قتل بهَا احْمَد بن عَليّ اخا الصعلوك وانفذ بِرَأْسِهِ الى مَدِينَة السّلم ولليلتين خلتا من شعْبَان قُرِئت الْكتب على المنابر بِمَدِينَة السّلم بِفَتْح مونس المظفر فِي بلد الرّوم وامر فِيهِ المقتدر بِرَفْع الْمَوَارِيث الحشرية كَمَا فعل ذَلِك المعتضد بِاللَّه رَحمَه الله (3) سنة اثْنَتَيْ عشرَة وثلاثمائة ورد الْخَبَر بَان ابا طَاهِر بن ابي سعيد الجنابي (4) ورد الهبير لتلقى حَاج سنة احدى عشرَة وثلاثمائة فِي رجوعهم فاوقع بقافلة بغدادية واقام بَقِيَّة القوافل بَعيدا فَلَمَّا فنيت ازوادهم (5) ارتحلوا فاشار ابو الهيجاء بن حمدَان واليه طَرِيق (6) الْكُوفَة وَطَرِيق مَكَّة ان يعدل بهم الى وَادي الْقرى فامتنعوا وَسَارُوا فَسَار مَعَهم مخاطرا حَتَّى بلغ الهبير فَلَقِيَهُمْ ابو طَاهِر فَقتل مِنْهُم خلقا واسر ابا الهيجاء وَاحْمَدْ بن بدر عَم السيدة ام المقتدر وَجَمَاعَة من خدم السُّلْطَان وَحرمه وَسَار ابو طَاهِر الى هجر وسنه اذا ذاط سبع عشرَة سنة وَمَات من استاسره بالحفاء والعطش فنال اهل بَغْدَاد منالا عَظِيما وَخرج النِّسَاء منشرات الشُّعُور مسودات الْوُجُوه فِي الْجَانِبَيْنِ فانضاف اليهن من حرم الَّذين نكبهم ابْن الْفُرَات فانبسط لِسَان نصر عَلَيْهِ واشار على المقتدر بمكاتبة مونس ورجمت الْعَامَّة طيار ابْن الْفُرَات وامتنعوا من الصَّلَوَات فِي الْجَمَاعَات وانفذ المقتدر (7) بياقوت وابنيه مُحَمَّد والمظفر الى الْكُوفَة وَرَجَعُوا حِين علمُوا انصراف القرمطي الى بَلَده

وَجمع المقتدر بِاللَّه ابْن الْفُرَات وَنصر وامرهما بالتظافر وَقدم مونس الى بَغْدَاد فَركب اليه ابْن الْفُرَات وَلم تجر لَهُ عَادَة بذلك فَخرج مونس الى بَاب دَاره وساله ان ينْصَرف فَلم يفعل وَصعد اليه من طياره حَتَّى هنأه بمقدمه وَخرج مَعَه مونس حَتَّى نزل الطيار وانفذ المقتدر بنازوك وبليق فهجما (1) على ابْن الْفُرَات وَهُوَ فِي دَار حرمه فاخرجاه حاسرا فاعطاه نازوك رِدَاء قصب (2) فَقَالَ لَهُ مونس الْآن تخاطبني بالاستاذ وبالامس نفيتني الى الرقة والمطر يصب على راسي ثمَّ تذكر لامير الْمُؤمنِينَ سعيي فِي فَسَاد مَمْلَكَته ورجمت الْعَامَّة طيار مونس لكَون ابْن الْفُرَات فِيهِ وَسلم الى نصر وَقبض على وَلَده واسبابه فَكَانَت مُدَّة ابْن الْفُرَات فِي هَذِه الوزارة الثَّالِثَة عشرَة اشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا واجمع وُجُوه القواد فَقَالُوا ان حبس ابْن الْفُرَات فِي دَار الْخلَافَة خرجنَا باسرنا فَسلم الى شَفِيع واعتقل عِنْده واشار مونس بتوليه ابي الْقسم عبد الله بن مُحَمَّد بن عبيد الله الخاقاني فانفذ ابْن الْفُرَات الى المقتدر بِمِائَة ونيف وَسِتِّينَ الف دِينَار وَقَالَ لشفيع فعلت ذَلِك حَتَّى لَا يُوهم الخاقاني للمقتدر انه استخرجها قَالَ الْجمل (3) كَاتب شَفِيع وَلم ار قلبا اقوى من قلب ابْن الْفُرَات سالني من قلد الْخَلِيفَة وزارته فَقلت الخاقاني فَقَالَ الْخَلِيفَة نكب وَلم انكب انا وسالني عَمَّن اسْتخْلف فِي الدَّوَاوِين فَقلت فِي ديوَان السوَاد ابْن حَفْص فَقَالَ الْقدر رمى بحجرة وَسميت لَهُ جمَاعَة فَقَالَ لقد ايد الله هَذَا الْوَزير بالكفاءة واقر ابْن الْفُرَات بِمِائَة وَخمسين الف دِينَار اخرى وطولب بالمكاره فَلم يستجب بِمَال وَكَانَ لَا يستجيب بمكروه وانفذ الى الخاقاني ايها الْوَزير لست غرا جَاهِلا فتحتال عَليّ وانا قَادر على مَال اذا كتب الْخَلِيفَة الي امانا على نَفسِي لافديها بِالْمَالِ وَيشْهد عَلَيْهِ الْقُضَاة فِيهِ فَقَالَ الخاقاني لَو قدرت على ذَلِك فعلت وَلَكِن ان تَكَلَّمت عاداني خَواص الدولة ورد الْخَلِيفَة امْرَهْ الى هَارُون بن غَرِيب فاخذ يداريه وَقَالَ لَهُ انت اعرف بالامور

وان الوزراء لَا يلاجون الْخُلَفَاء فَلم يزل بِهِ حَتَّى اخذ خطه بالفي الف دِينَار يعجل مِنْهَا الرّبع وان يُطلق لَهُ بيع ضيَاعه واذن لَهُ فِي احضار دواءة ليكتب الى من يرى اَوْ ان ينفذ الى دَار شَفِيع اللولوي وَيُطلق الكلوذاني ليتصرف فِي امواله وَكَانَت حماة (1) المحسن لِخُرُوجِهِ فِي زِيّ النسا الى مَقَابِر قُرَيْش فامست لَيْلَة عَن الْمصير الى الكرخ فَصَارَت الى منزل امْرَأَة اخبرتها ان مَعهَا بِنْتا لم تتَزَوَّج وَسَأَلت ان تفرد لَهَا بَيْتا فَفعلت وخلع المحسن ثِيَابه فَجَاءَت جَارِيَة سَوْدَاء بسراج فَوَضَعته فِي الضفة فرات المحسن فاخبرت مولاتها فابصرت وَكَانَت مولاتها زَوْجَة مُحَمَّد بن نصر وَكيل عَليّ بن عِيسَى مَاتَ حِين طلبه المحسن من الْفَزع فمضت امْرَأَة الى دَار السُّلْطَان وشرحت الصُّورَة لنصر فاركب نازوك وَقبض عَلَيْهِ وَضربت الدبادب لاجل الظفر بِهِ عِنْد انتصاف اللَّيْل فَظن النَّاس ان القرمطي قد كسر (2) بَغْدَاد وَحمل الى دَار مستخرج يعرف بِابْن بعدسر فِي المخرم بدار الوزارة فاجرى عَلَيْهِ المكاره واخذ خطه بِثَلَاثَة الاف الف دِينَار ثمَّ ابتلع رقعته واقام على الِامْتِنَاع من كتب شىء فَضرب بالد بابيس على راسه وعذب واحضر ابْن الْفُرَات مجْلِس الخاقاني فناظره اشد مناظرة فلج ابْن الْفُرَات فِيهَا فَقَالَ لَهُ الخاقاني انك استغللت ضياعك الَّتِى استغلها عَليّ بن عِيسَى ارْبَعْ مائَة الف دِينَار وَقَالَ كَانَ ذَلِك بعمارتي الْبِلَاد واعتمادي مَا جلب الرّيع ونوظر فِيمَن قَتله ابْنه وَقيل لَهُ انت قَتلتهمْ فَقَالَ هَذَا غير حكم الله قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} 3 {وَالنَّبِيّ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ لرجل مَعَه ابْنه لَا يجني عَلَيْك وَلَا تجنى عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا فان ابْني لم يُبَاشر قتلا وَلَا سفك دَمًا واجاب مونس حِين قَالَ اخرجتني من بَغْدَاد فَقَالَ انما اخرجك مَوْلَاك حِين كتب الي يشكو مَا يلاقيه من تبسط وفتحك الْبلدَانِ بالمؤن الغليظة واعلاقك اياها بِسوء التَّدْبِير وَسَأَلَ احضار سفط فِيهِ الْمُهِمَّات فَاحْضُرْ وَطلب الرقعة فَوجدت فاخذها مونس وَحملهَا الى المقتدر بِاللَّه واقراه الرقعة فَزَاد غيظه وامر بضربه فَضرب خمس دُرَر فَقَط وَسلم ابْنه الى نازوك فضربا حَتَّى تودت لحومهما وَحمل الخاقاني القواد على خلع الطَّاعَة ان حملا الى دَار الْخَلِيفَة وَلما توقف الخاقاني فِي قَتلهمَا وَقَالَ لست ادخل فِي سفك الدِّمَاء وَلَا اسهل على الْخُلَفَاء قتل خواصهم وَحمل إِلَى ابْن الْفُرَات مَا بفطر عَلَيْهِ فَقَالَ رايت اخي ابا الْعَبَّاس فِي الْمَنَام يَقُول

افطارك عندنَا وَمَا اخبرني بِشَيْء الا وَصَحَّ وانا مقتول فَاخْرُج القواد توقع المقتدر الى نازوك بِضَرْب اعناقهما فَقَالَ هَذَا امْر عَظِيم لَا اعْمَلْ فِيهِ بتوقع فشافهه المقتدر بذلك وَجَاء نازوك فامر السودَان فَضربُوا عنق المحسن واتى براسه الى ابيه فجزع وَقَالَ يَا ابا مَنْصُور رَاجع امير الؤمنين فان عِنْدِي اموالا جمة فَقَالَ لَهُ جلّ الامر عَن هَذَا وامر بِهِ فَضرب عُنُقه وَحمل راسه وراس ابْنه الى المقتدر بِاللَّه فامر بتغريقهما وَكَانَ سنّ الْحسن بن الْفُرَات يَوْم قتل احدى وَسبعين سنة وشهورا وَسن ابْنه ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة وَقَول الشوحي (1) كَانَ من عَادَة ابْن الْفُرَات ان يَقُول لكل من يخاطبه بَارك الله فِيك وَلم يكن يُفَارق هَذِه اللَّفْظَة وَكَانَ عَليّ بن عِيسَى يَقُول فِي كَلَامه وَال والك فَكَانَ النَّاس يَقُولُونَ لَو لم يكن بَين الرجلَيْن الا مَا بَين الْكَلَامَيْنِ من الخشونة واللطف لَكَانَ من اعظم فرق وَيُقَال ان عَليّ بن عِيسَى خَاطب الراضي يَوْمًا بوال وَكَانَ ابْن الْفُرَات اذا ولي غلا معذاذ الشمع والكاغط (2) لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله لَهما فَيعرف النَّاس ولَايَته لغلائهما قَالَ الصولي ابو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن الْحسن بن الْفُرَات من قَرْيَة يُقَال لَهَا بايك (3) قريبَة من صريفين وَكَانَ ابوه مُحَمَّد بن مُوسَى (4) تولى اعمالا جليلة واكبر اولاده ابو الْعَبَّاس احْمَد وابو عبد الله وابو عِيسَى من خِيَار الْمُسلمين والزهاد جاور بِمَكَّة وواصل بهَا الصَّوْم وَالصَّلَاة وَمَات فِي وزارة اخيه وَقد ذكرنَا اسر القرمطي لالفي رجل وَمِائَتَيْنِ وَعشْرين وَخَمْسمِائة امْرَأَة فاطلق نهم ابا الهيجاء وَاحْمَدْ بن بدر عَم السيدة وانفذ رسلًا يسال ان بفرج لَهُ عَن الْبَصْرَة والاهواز فَلم تقع اجابة وَكَانَ سُلَيْمَان بن الْحسن بن مخلد وابو عَليّ بن مقلة وابو الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد

ابْن ابي الْبَغْل معتقلين بشراز فاطلقهم ابو عبد الله الْكَرْخِي حِين وقف على مثل ابْن الْفُرَات فَكتب ابْن ابي الْبَغْل على جَانب تقويمه وَفِي هَذَا الْيَوْم ولد احْمَد بن يحيى وَله احدى وَثَمَانُونَ سنة وَاتفقَ ان سُلَيْمَان هرب فِي زِيّ الفيوجي (1) فَاشْتَدَّ الامر على الخاقاني وارجف لَهُ بالوزارة وَدخل بَغْدَاد مستترا وَصَارَ ابْن مقلة الى الاهواز واجرى لَهُ فِي كل شهر مِائَتي دِينَار واذن لَهُ فِي الْمصير الى بَغْدَاد وَسَأَلَ مُوسَى فِي عَليّ بن عِيسَى فكوتب صَاحب الْيمن بانفاذه الى مَكَّة وَحمل اليه كسْوَة ومالا نَحْو خمسين الف دِينَار وَلما وَصلهَا قَلّدهُ الخاقاني الاشراف على الشَّام ومصر وَتَوَلَّى ابو الْعَبَّاس بن الخصيبي اسْتِخْرَاج سَبْعمِائة الف دِينَار من زَوْجَة المحسن وشغب الْجند على الخاقاني فَلم يكن عِنْده مَا يَدْفَعهُ اليهم وَبَقِي شهورا لَا يركب الى الموكب وَكَانَ مونس بواسط واشار عِنْد قدومه بعلي بن عِيسَى واشارت السيدة وَالْخَالَة بَابي الْعَبَّاس بن الخصيبي وَهُوَ احْمَد بن عبد الله فولاه المقتدر وَقبض على الخاقاني وَكَانَت وزارته سنة وَسِتَّة اشهر وزارة ابي الْعَبَّاس الخصيبي (2) استحضره المقتدر يَوْم الْخَمِيس لاحدى عشرَة لَيْلَة خلت من شهر رَمَضَان فقلده وخلع عَلَيْهِ وَكَانَ قبل كَاتب القهرمانة واستكتب مَكَانَهُ ابا يُوسُف عبد الرحمن بن مُحَمَّد وَكَانَ تَائِبًا من الْعَمَل فَسَماهُ النَّاس الْمُرْتَد واستدرك اموالا كَانَ الخصيبي اضاعها فَتَنَكَّرت القهرمانة الخصيبي (3) وضاعت الامور بوزارته حِين كَانَ موصلا للشُّرْب لَيْلًا وَنَهَارًا ويبيت مخمورا فصادر الخاقاني على مِائَتي الف وَخمسين الف دِينَار وصادر جَعْفَر بن الْقسم الْكَرْخِي على مائَة وَخمسين الف دِينَار وَتوجه جَعْفَر بن وَرْقَاء الشَّيْبَانِيّ بالحاح فِي الف من بني عَمه وَكَانَ فِي القوافل الَّذين

سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة

يندرقون الْحَاج سِتَّة الاف رجل فَلَقِيَهُمْ الجنابي فَهَزَمَهُمْ بِالْعقبَةِ وولوا الى الْكُوفَة فَخرج قواد السُّلْطَان فَهَزَمَهُمْ واقام بِالْكُوفَةِ (1) سِتَّة ايام وَحمل مِنْهَا اربعة الاف ثوب وشى وثلاثمائة رِوَايَة زَيْت وَانْصَرف الى بَلَده واضطرب النَّاس بِبَغْدَاد وَعبر اهل الغربي مِنْهَا الى الْجَانِب الشَّرْقِي واتى مُوسَى الْكُوفَة فاستخلف عَلَيْهَا ياقوتا وَسَار مونس الى وَاسِط وقرئت الْكتب بِفَتْح ابْن ابي الساج طبرستان ووردت خريطة الْمَوْسِم لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بَقِيَّة من ذِي الْحجَّة بَان النَّحْر كَانَ بِمَكَّة يَوْم الثُّلَاثَاء وَنحر النَّاس بِبَغْدَاد يومالااثنين وَحج عَليّ بن عِيسَى وَمَا ورد مَكَّة من مصر سنة ثَلَاث عشرَة وثلاثمائة فِيهَا فتح ابراهيم المسمعي نَاحيَة القفص (3) واسر مِنْهُم خَمْسَة الاف رجل وَحَملهمْ الى فَارس وَكَثُرت الارطاب بِبَغْدَاد حَتَّى عمِلُوا مِنْهَا التمور وجهزوا بذلك الى الْبَصْرَة فنسبوا الى الْبَغي واتى القرمطي النجف فَخرج مونس اليه فَانْصَرف من بَين يَدَيْهِ وفيهَا مَاتَ الخاقافي وفيهَا دخل الرّوم ملطية وَفِي هَذِه السّنة توفّي ابو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن بشار الزَّاهِد وقبره ظَاهر بِالْعقبَةِ عِنْد النجمي يتْرك بِهِ وَكَانَ الْقَادِر بِاللَّه رضى الله عَنهُ يزوره دَائِما وَقَالَ فِي بعض الايام انى لاعرف رجلا مَا تكلم مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة بِكَلِمَة يعْتَذر مِنْهَا فَعلم الْحَاضِرُونَ انه اراد نَفسه وَجَاءَت امْرَأَة فَقَالَت ان ابْني قد غَابَ وَقد طَالَتْ غيبته فَقَالَ لَهَا عَلَيْك بِالصبرِ فظنت انه يامرها باكل الصَّبْر وَكَانَت عِنْدهَا برنية مملوة صبرا فمضت

سنة اربع عشرة وثلاثمائة

واكلت نصفهَا فِي مُدَّة على مرَارَة من الْعَيْش وَشدَّة من الْحَال ثمَّ رجعت اليه فشكت اليه غيبته فَقَالَ لَهَا عَلَيْك بِالصبرِ فَقَالَت قد وفى من البرنية قَالَ لَهَا واكلتيه قَالَت نعم قَالَ اذهبي فابنك قد ورد فَرَجَعت الى منزلهَا فَوجدت ابْنهَا هُنَاكَ وَسمع ابْن بشار من تَاج المقتدر بِاللَّه غناء فَلَمَّا اصبح قَالَ هَذَا الامام وَلَا يمكننا الانكار على الامام وَلَكِن ننتقل فَبلغ ذَلِك المقتدر بِاللَّه فانفذ اليه ايها الشَّيْخ لَا تنزعج فتزعجنا وَنحن اولى بالانتقال مِنْك فَكَانَ هَذَا من عمل خَادِم وَقد ادبناه وصرفناه عَن دَارنَا وَلنْ ترى بعْدهَا وَلَا تسمع مَا تَركه سنة ارْبَعْ عشرَة وثلاثمائة فِيهَا مَاتَ الخاقاني (1) وَدخل الرّوم ملطية فاخربوا سورها واقاموا سِتَّة عشر يَوْمًا فَدخل اهلها مستغيثين وَبلغ اهل مَكَّة مصير القرمطي نحوهم فنقلوا حرمهم واموالهم واستدعي ابْن ابي الساج الى وَاسِط وقلد اعمال الْمشرق وكناه الْخَلِيفَة بَابي الْقسم يتكنى بذلك على جَمِيع القواد الا على الْوَزير ومونس المظفر وَحمل اليه المقتدر خلعا سلطانية وخيلا بمراكب ذهب وطيبا وسلاحا ودعي الى الرّيّ وَاضْرِبْ امْر الخصيبي (2) لاحدى عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْقعدَة واشار مونس بعلي بن عِيسَى فاستدعى المقتدر ابا الْقسم عبد الله (3) ابْن مُحَمَّد الكلواذي استخلفة لعَلي (4) واستحضر سَلامَة الطولوني فَتقدم اليه بالنفوذ فِي الْبَريَّة الى دمشق ليحضر عليا وَظهر فِي ذَلِك الْيَوْم ابْن مقلة وَجَمَاعَة من الْكتاب وسلموا على الكلوذاني وتمكنت هَيْبَة عَليّ بن عِيسَى فِي الصُّدُور ووصلت حمول من الْبلدَانِ مَشى بهَا الكلوذاني الامور واطلقت فِي شهر رَمَضَان ام سوسى الهاشمية من حَبسهَا والزمت منزلهَا وَلم يحجّ اُحْدُ من الْعرَاق

سنة خمس عشرة وثلاثمائة وزارة علي بن عيسى الثانية

سنة خمس عشرَة وثلاثمائة وزارة عَليّ بن عِيسَى الثَّانِيَة فِي صفر وصل عَليّ بن عِيسَى الى بَغْدَاد وانفذ اليه المقتدر فِي ليلته فرشا وثيابا بِعشْرين (1) الف دِينَار وخلع عَلَيْهِ وَسَار من الْغَد بَين يَدَيْهِ كَافَّة القواد الى دَار (2) بِبَاب الْبُسْتَان (3) فَاعْتقد الْعَفو عَن من اساء اليه واشتغل بِالْعَمَلِ لَيْلًا وَنَهَارًا فاستقامت الامور وَكَانَ الى عبد الله البريدي الضّيَاع الْخَاصَّة ضمانا (4) واقطاع الوزارة (5) الى ابي يُوسُف اخيه الْخراج برا هُرْمُز (6) واحضر عَليّ بن عِيسَى الخصيبي وناظره مناظرة جميلَة (7) واخذ خطه باربعين الف دِينَار وَمَات ابراهيم المسمعي بالنوبندجان (8) فقلد عَليّ بن عِيسَى مَكَانَهُ ياقوتا وقلد ابا طَاهِر مُحَمَّد بن عبد الصمد كرمان وقلد اعملا الاهواز ابا الْحسن احْمَد بن مُحَمَّد بن مانبداذ (9) فَقَالَ ابو عبد الله البريدي تقلد هولاء هَذِه الاعمال وتقصر باخي ابي يُوسُف على بن مهرمز وَبِي على ضيَاع الوزراء وَكَانَ قد كتب لَهُ بذلك منشورا خُذ يَا بني هَذَا الْكتاب فَمثل عَلَيْهِ فِي الْكتاب فان لطلبي (1) صَوتا تسمعه بعد ايام وانفذ ابو عبد الله البريدي اخاه ابا الْحُسَيْن الى الحضرة لما بلغه اضْطِرَاب امْر عَليّ بن عِيسَى وَقَالَ لَهُ اضمن اعمال الاهواز اذا ولي الوزارة من يترفق فان عليا عفيف

فَلَمَّا ولي ابْن مقلة الوزارة اعطاه عشْرين الف دِينَار حَتَّى ولاه الاهواز ثمَّ صرفه بَابي مُحَمَّد الْحُسَيْن بن احْمَد المادراني (1) فَبَان من تخلفه (2) مَا صَار بِهِ حَدِيثا واخذ عَلَيْهِ البريدي الطرقان فَكَانَ كل كتاب يَكْتُبهُ يُؤْخَذ فَمَا قري لَهُ كتاب مُنْذُ دخل الاهواز الى ان خرج عَنْهَا فَصَرفهُ ابو عَليّ بَابي عبد الله البريدي واعترف باحترازه بَطل (3) المادراني وَكَانَ اقطاع الوزراء مائَة وَسبعين الف دِينَار بعد نفقاتهم فَلم ياخذ ذَلِك عَليّ بن عِيسَى وَقَالَ ضيعتي تكفيني وَدخل الرّوم شميشاط وَضرب ملكهم فِي الْجَامِع النواقيس وَوَقعت وَحْشَة بَين المقتدر بِاللَّه ومونس سَببهَا انه حكى لَهُ ان المقتدر تقدم الى خَواص خدمه بِحَفر زبية تغطي بالقصب فاذا اجتازه مونس وَقع فِيهَا فَهَلَك فَامْتنعَ من المضى الى دَار السُّلْطَان وَركب اليه القواد فيهم عبد الله بن حمدَان وخواته وَقَالَ لَهُ عبد الله (4) ابْن حمدَان نُقَاتِل بَين يَديك ايها الاستاذ حَتَّى تنْبت لحيتك فكاتبه المقتدر بِاللَّه على يَدي نسيم الشرابي على بطلَان ذَلِك فجَاء وَقبل الارض وَحلف لَهُ المقتدر على صفاء نِيَّته وامره بِالْخرُوجِ الى الرّوم فَخرج وشيعه الامير ابو الْعَبَّاس (5) وَعلي بن عِيسَى وَنصر الْحَاجِب وَهَارُون بن غَرِيب وَفِي هَذِه السّنة كَانَ ظُهُور الديلم لما خرج ابْن ابي الساج عَن الرّيّ غلب عَلَيْهَا ليلى بن النُّعْمَان ثمَّ مَا كَانَ بن كَاكِيّ وَدخل هَذَا الرجل (6) فِي طَاعَة صَاحب خُرَاسَان وَغلب بعده اسفار بن شيرويه وَكَانَ مزداويج (7) اُحْدُ قواده فَلَمَّا ظلم اسفار اهل قزوين خرج رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ مستغيثين الى مصلى داعين الله عَلَيْهِ فَخرج عَلَيْهِ مزداويج فَهَزَمَهُ فالجأه مزداويج حِين راى اثار حوافر الْفرس فَدخل عَلَيْهِ فاحتز راسه وَعَاد الى قزوين وَوَعدهمْ الْجَمِيل واظهر الْخَوْف من دُعَائِهِمْ ثمَّ ان مرداويج (8) تغلب على الرّيّ واصبهان واساء السِّيرَة باصبهان

حَاجِبه وعظمت وهيبته وَجلسَ على سَرِير ذهب وَكَانَ ينقص (1) الاتراك وَكَانَ يَقُول (2) انا سُلَيْمَان وَهَؤُلَاء الشَّيَاطِين وَكَانَ اذا سَار انْفَرد عَنهُ عسكره خوفًا مِنْهُ فاشتق (3) الْعَسْكَر شيخ على دَابَّة وَقَالَ زَاد امْر هَذَا الْكَافِر وَالْيَوْم تكفونه (4) وياخذه الله اليه قبل ان تصرم النَّهَار فدهشوا واتبعوه فَلم يجدوه وَعَاد مزداويج الى دَاره فَنزع ثِيَابه وَدخل الْحمام واطال فهجم عَلَيْهِ الاتراك فَقَاتلهُمْ بكرنيب فضَّة فحزوا راسه بعد ان شَقوا بَطْنه وظنوا انهم قَتَلُوهُ فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ ثَانِيًا راوه قد رد حَشْو بَطْنه وامسكها بِيَدِهِ وَكسر جامه الْحمام وهم بِالْخرُوجِ وَقبض ابْن ابي الساج على كَاتبه ابي عبد الله بن خلف البرقاني (5) لما عرف سعايته بِهِ وَسلمهُ الى كَاتبه حسن بن هَارُون (6) وَقَيده واخذ خطه بست مائَة الف دِينَار وَكَاتب المقتدر ابْن ابي الساج لِحَرْب القرمطي لما عرف خُرُوجه من هجر لثلاث بَقينَ من شهر رَمَضَان واطلق لَهُ من بَيت مَال الْخَاصَّة فِيمَا ينْصَرف الى علوفه بَين وَاسِط والكوفة فَحمل ذَلِك اليه سَلامَة الطولوني وامر عَليّ بن عِيسَى عُمَّال الْكُوفَة باعداد الْميرَة لِابْنِ ابي الساج وَسَار ابْن ابي الساج من وَاسِط طَالبا الْكُوفَة لليلة بقيت من شهر رَمَضَان واطلق ابو طَاهِر القرمطي اسارى الْحَاج وَوصل الْكُوفَة فاخذ مَا اعد ليوسف وَهُوَ مائَة كرّ دَقِيقًا والف كرّ شَعِيرًا ووافى يُوسُف الْكُوفَة بعد وُصُول ابي طَاهِر اليها بِيَوْم وَكَانَ قد (7) تقَارب عَسْكَر ابْن ابي الساج وعسكر أبي طَاهِر فِي يَوْم ضباب واحس (8) بِهِ ابو طَاهِر وكف عَنهُ فَالْتَقوا يَوْم السبت لتسْع خلون من شَوَّال على بَاب الْكُوفَة فاحتقر ابْن ابي الساج عَسْكَر ابي طَاهِر وازرى عَلَيْهِم وَتقدم يكْتب كتاب الْفَتْح قبل اللِّقَاء تهاونا بامره والتفت ابو طَاهِر الى رَفِيق لَهُ وَقد سمع صَوت البوقات والدبادب وَكَانَت عَظِيمَة جدا فَقَالَ مَا هَذَا الزجل (9) فَقَالَ لَهُ صاحيه فشل فَقَالَ اجل

وعبي ابْن ابي الساج رِجَاله وَكَانَ الْقِتَال من ضحى النَّهَار الى غرُوب الشَّمْس فَثَبت يُوسُف ثباتا حسنا وجرح من اصحاب ابي طَاهِر بالنشاب خلق وَكَانَ ابو طَاهِر فِي عمارية مَعَ مِائَتي فَارس من اصحابه فَنزل حِينَئِذٍ وَركب فَسَار وَحمل بِنَفسِهِ وَحمل بِنَفسِهِ وَحمل يُوسُف بِنَفسِهِ واشتبكت الْحَرْب فاسر يُوسُف بن ابي الساج بعد ان ضرب على جنبه ضَرْبَة وَقد اجْتهد بِهِ اصحابه فِي الِانْصِرَاف فابى وَقتل من اصحابه خلق وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ وَحمل يُوسُف بن عَسْكَر ابي طَاهِر فَضرب لَهُ خيمة وفرشت ووكل بِهِ واستدعى بطبيب يعرف بِابْن السبعي (1) ليعالجه فَقَالَ قد جمد الدَّم على وَجهه واريد مَاء حارا قَالَ فَلم اجد عِنْدهم مَا اسخن فِيهِ المَاء فَغسله بِالْمَاءِ الْبَارِد وعالجه قَالَ الطَّبِيب وسألني يُوسُف عَن اسْمِي واهلي فاخبرته فَوَجَدته بهم عَارِفًا ايام تقلده الْكُوفَة فعجبت من فهمه وَقلة اكتراثه بِمَا هُوَ فِيهِ وَلما وصل الْخَبَر بَغْدَاد دخل النَّاس كابة عَظِيمَة وعولوا على على الانحدار الى وَاسِط ثمَّ ورد الْخَبَر بَان ابا طَاهِر رَحل يَوْم الثُّلَاثَاء لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من شَوَّال قَاصِدا عين التَّمْر فاستأجر عَليّ بن عِيسَى خَمْسمِائَة سميرية وَجعل فِيهَا الف رجل وانفذ بالطيارات والشذات (2) وحولها الى الْفُرَات واقعد فِيهَا الحجرية لمنع القرمطي من عبور الْفُرَات وَتقدم الى القواد بِالْمَسِيرِ الى الانبار لحفظها فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة راى اهل الانبار خيل ابي طَاهِر مقبلة فِي الْجَانِب الغربي فَقطعُوا الجسر وَعبر ابو طَاهِر فِي مائَة رجل ونشبت الْحَرْب بَينه وَبَين اصحاب السُّلْطَان وَعقد الجسر وحالف (3) سَواد الَّذين فِي السفن الى الجسر فاحرقوه فبقى ابو طَاهِر فِي الْجَانِب الشَّرْقِي وَعَسْكَره وسواده فِي الغربي وحالت السفن بَينهمَا وَورد الْخَبَر الى بَغْدَاد بقتل ابي طَاهِر القواد فَخرج نصر الْحَاجِب وَمَعَهُ الحجرية والرجالة من بَغْدَاد من القواد وَبَين يَدَيْهِ علم (4) الْخلَافَة وَمَعَهُ ابو الهيجاء عبد الله (5) بن حمدَان واخوته فَاجْتمع مَعَ نصر مَا يزِيد على الاربعين الف رجل فَنزل على قنطرة النَّهر الْمَعْرُوف

بزبارا بِنَاحِيَة عقرقوف على فرسخين وَلحق بِهِ مُوسَى واشار ابو الهيجاء على نصر الْحَاجِب وعَلى مونس بِقطع نهر (1) زبارا والح عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَلَمَّا رَاه متثاقلا عَن قبُول رايه قَالَ لَهُ ايها الاستاذ اقطعها واقطع لحيتي مَعهَا فقطعها حِينَئِذٍ وَصَارَ ابو طَاهِر وَمن مَعَه من اصحابه فِي الْجَانِب الشرقى من الْفُرَات قَاصِدين نهر زبارا فَلَمَّا صَار على فَرسَخ وَاحِد من عَسْكَر السُّلْطَان اخر يَوْم الِاثْنَيْنِ لعشر خلون من ذِي الْقعدَة بَات مَوْضِعه وباكر الْمسير الى القنطرة فَوَجَدَهَا مَقْطُوعَة وَتقدم اُحْدُ رِجَاله وَكَانَ (2) اسود يُقَال لَهُ صبح فَمَا زَالَ النشاب ياخذه حَتَّى صَار كالقنفد وَهُوَ مقدم فراى القنظرة مَقْطُوعَة فَرجع وَلما علم (3) اصحاب ابي طَاهِر ان النَّهر لَا يحيض (4) عَادوا الْقَهْقَرِي من غير ان يولوا ظهْرهمْ وعادوا الى الانبار وَلم يَجْسُر اُحْدُ على اتباعهم وَكَانَ الراي فِيمَا اشار بِهِ ابو الهيجاء من قطع القنطرة ولولاها لعبر القرمطي غير مستهول لجمع اصحاب السُّلْطَان وطمع مونس المظفر فِي سوَاده وتخليص ابْن ابي سَاج من اقياده فانفذ بليق (5) حَاجِبه وَجَمَاعَة من القواد وَسِتَّة الاف من غلْمَان يُوسُف فَبلغ ذَلِك ابا طَاهِر فَانْفَرد من اصحابه مَاشِيا وَعبر فِي زورق صياد وَدفع اليه الف دِينَار فَاجْتمع مَعَ قومه فَلم يثبت لَهُ بليق وبصر ابو طَاهِر (6) بِابْن ابي الساج وَقد خرج من الْخَيْمَة لما ناداه غلمانه فَقَالَ لَهُ القرمطي طعمت فِي تخليصهم لَك وامر بِهِ فَضربت عُنُقه واعناق من كَانَ مَعَه من الاسرى واحتال ابو طَاهِر فِي عبور اصحابه من الْجَانِب الشَّرْقِي الى الْجَانِب الغربي وَكَانَ مَعَ ابي طَاهِر سَبْعمِائة فَارس وثمان مائَة راجل وَتقدم عَليّ بن عِيسَى الى نازوك بالطوف بِبَغْدَاد لَيْلًا وَنَهَارًا لِكَثْرَة العيارين واباح دم من ظهر مِنْهُم وَنقل النَّاس امتعتهم الى مَنَازِلهمْ خوفًا مِنْهُم واكترى وُجُوه النَّاس السفن

سنة ست عشرة وثلاثمائة

وَقصد القرمطي هيتا وَبهَا هَارُون بن غَرِيب وَسَعِيد بن حمدَان فَقَاتلا من علا سورها بالمنجنيقات بعد ان قتلوا من اصحابه عدَّة فسكنت نفوس من بِبَغْدَاد وَتصدق المقتدر (1) بِمِائَة الف دِرْهَم وبادر عَليّ بن عِيسَى الى المقتدر بِاللَّه وَقَالَ لَهُ انما جمع الْخُلَفَاء الاموال ليقمعوا بهَا الاعداء وَلم تلْحق الْمُسلمين مضرَّة كهذه من هَذَا الْكَافِر الَّذِي اوقع بالحاج سنة اثْنَتَيْ وَعشرَة وثلاثمائة وَلم يبْق فِي بَيت مَال الْخَاصَّة شىء فَاتق الله يَا امير الْمُؤمنِينَ وخاطب السيدة حَتَّى تطلق مَا عِنْدهَا من مَال اذخرته (2) لشديدة فَهَذِهِ امها (3) وان لم يكن هُنَاكَ شىء فَالْحق خُرَاسَان فَدخل الى السيدة فاعطته خمس مائَة الف دِينَار وَكَانَ فِي بَيت مَال الْخَاصَّة مثلهَا وَاخْبَرْ عَليّ بن عِيسَى بِحَال رجل شيرازي يُكَاتب القرمطي واتباعه فاحضره فاقر انه من اصحابه لم يتبعهُ الا لحق رَآهُ مَعَه وَقَالَ لَهُ لسنا كالرافضة الحمقا الَّذين يدعونَ اماما منتظرا وامامنا فلَان بن فلَان بن اسماعيل بن جَعْفَر فامر بِهِ فحبس بعد الضَّرْب فَامْتنعَ فِي حَبسه من الطَّعَام وَالشرَاب فَمَاتَ بعد ثَلَاثَة ايام وَكتب القرمطي الى مونس كتابا فِي اخره ... قُولُوا لمونسكم باراح كن انسا ... واستتبع الراح سرنايا (4) ومزمارا وَقد تثلت عَن شوق تقاذف بِي ... بَيْتا من الشّعْر للماضين قد سارا نزوركم لَا نواخذكم بجفوتكم ... ان الْكَرِيم اذا لم يستزر زارا وَلَا نَكُون كانتم فِي تخلفكم ... من عالج الشوق لم يستبعد الدَّار ... وَله اشعار كَثِيرَة تركناها لشياعتها سنة سِتّ عشرَة وثلاثمائة دخل مونس المظفر بَغْدَاد وَبعده (5) نصر وَندب مونس لِلْخُرُوجِ الى الرقة لما وصل الْخَبَر باستيلاء القرمطي على الرحبة حَربًا وَقَتله اهلها

وهبت الاعراب ابا طَاهِر حَتَّى كَانُوا يتطايرون عِنْد سَماع ذكره وَجعل على كل بَيت (1) مِنْهُم دِينَارا (2) بعد ان نهبهم وعاود القرمطي هيتا فَلم يقدر عَلَيْهَا فاتى الْكُوفَة وَجَاء الى قصر ابْن هبرة (3) فَاخْرُج اليه نصر فَحم نصر حمى شَدِيدَة حادة فَسَار مَعَ ذَلِك الى شورا (4) وَبَينه وَبَين القرمطي نهرها فاستخلف على الجيس احْمَد بن كيفلغ وانفذ مَعَه الْجَيْش وَانْصَرف القرمطي من غير لِقَاء واشتدت عِلّة نصر 05) وجف لِسَانه من شدَّة الْحمى فاعيد الى بَغْدَاد فَمَاتَ فِي الطَّرِيق فِي عمارية (6) فانفذ المقتدر على الْجَيْش هَارُون بن غَرِيب فَدخل بهم بَغْدَاد واقام عَليّ بن عِيسَى حِين راى تنكر الامور على الاستعفا من الوزارة والمقتدر يجبله ويستوقفه حَتَّى اعفاه (7) واستوزر المقتدر ابا عَليّ بن مقلة ضَرُورَة وَذَلِكَ بمشورة نصر فَلَمَّا كَانَ فِي النّصْف من شهر ربيع الاول انفذ المقتدر هَارُون بن غَرِيب وَمَعَهُ ابو جغفر بن شيرزاد للقبض على عَليّ بن عِيسَى فاستحي هَارُون من لقاءئه بذلك فانفذ ابا جَعْفَر فَوَجَدَهُ مستعدا قد لبس خفا وعمامة وطيلسانا واستصحب مُصحفا ومقراضا وسال هَارُون صِيَانة حُرْمَة فَفعل وَحمله مَعَ اخيه ابي عَليّ (8) الى دَار السُّلْطَان فاعتلقه فِي دَار زَيْدَانَ (9) القهرمانة (10) وَكَانَت وزارته هَذِه سنة واربعة اشهر ويومين وزارة ابي عَليّ بن مقلة وَقد كَانَ مُحَمَّد بن خلف النيرماني (11) بذل فِي الوزارة ثَلَاثمِائَة الف دِينَار فَلم

تقبل مِنْهُ لما عرف مِنْهُ الْجَهْل بِالْكِتَابَةِ والتهور فِي الافعال واحضر ابْن مقلة يَوْم الْخَمِيس سادس عشر ربيع الاول وقلد الوزارة وَوصل الى الْخَلِيفَة وخلع عَلَيْهِ وَحمل اليه طَعَاما على الْعَادة الَّتِى جرت للوزراء اذا خلع عَلَيْهِم ودس نصر الْحَاجِب عَليّ بن عِيسَى من (1) ادّعى مُكَاتبَته القرمطي على يَده وَذَلِكَ لعداوة بَينه وَبَينه ولممايلة عَلَيْهِ لمونس وعزم الْخَلِيفَة على ضرب عَليّ بن عِيسَى بالسياط على بَاب الْعَامَّة فوقفت السيدة على بطلَان الامر فازالت من نفس المقتدر تَصْدِيق ذَلِك وثنته عَن رايه فِي معاقبته وَاتفقَ لِابْنِ مقلة مَا مَشى بِهِ الامور انفاذه البريدي لَهُ وَكَانَ بَينهمَا مَوَدَّة سفاتجا بثلاثمائة الف دِينَار وَغير ذَلِك من وُجُوه اخر وتغاير سواس نازوك (2) وسواس هَارُون بن غَرِيب (3) على غُلَام امرد فَوَقع الْحَرْب بَينهم فاخذ نازوك وسواس هَارُون وحبسهم فَصَارَ اصحاب هَارُون الى مجْلِس الشرطة وضربوا خَليفَة (4) نازوك واخذوا اصحابه فَلم يُنكر ذَلِك المقتدر فَجمع نازوك رِجَاله وزحف الى دَار هَارُون فَقتل من اصحابه قوما وَوَقعت الْحَرْب فجَاء ابْن مقلة ومفلح الاسود فاديا رِسَالَة اليهما عَن المقتدر حَتَّى كفا واقام مونس فِي دَاره مستوحشا فاظهر ان ذَلِك لمَرض فِي سَاقه وَصَارَ اليه هَارُون لابسا دراعة فاصطلحا واقام هَارُون ببستان النجمي قَاصِدا للبعد من الْفِتَن فَكتب اصحاب مونس اليه وَهُوَ بالرقة بَان الامر قد تمّ لهارون فِي امرة الامراء فاسرع الى بَغْدَاد وَلم ينحدر الى المقتدر وَصعد (5) اليه الامير ابو الْعَبَّاس (6) والوزير ابو عَليّ (7) فسلما عَلَيْهِ وَقدم عَلَيْهِ ابو الهيجاء من الْجَبَل وقلد احْمَد بن نصر الْجُبَّة واخذ مِنْهُ سِتِّينَ الف دِينَار وَذَلِكَ فِي شهر رَمَضَان وَصرف فِي ذِي الْحجَّة وَقبض ابْن مقلة على ابي مُحَمَّد عبد الله كَاتب نصر والزمه خمسين الف دِينَار

سنة سبع عشرة وثلاثمائة

سنة سبع عشرَة وثلاثمائة فِي يَوْم السبت ثَالِث (1) الْمحرم خرج مونس الى بَاب الشماسية وَخرج الْجَيْش مَعَه وَعبر اليه نازوك فِي اصحابه وَخرج اليه ابو الهيجاء وَسَائِر القواد ثمَّ انتقلوا الى الْمصلى وشحن المقتدر دَاره بهَارُون بن غَرِيب وَاحْمَدْ بن كيغلغ والحجرية والرجالة المصافية فَمَا كَانَ اخر النَّهَار حَتَّى مضوا الى مونس وارسل مونس المقتدر بَان الْجَيْش عَاتب بِمَا يصير الى الخدم وَالْحرم ودخولهم فِي الرَّأْي وهم مطالبون باخراجهم عَن الدَّار فاجابه المقتدر برقعه طَوِيلَة فِيهَا امتعنى الله بك وَلَا اخلاني مِنْك وَلَا اراني سوءا فِيك تاملت الْحَال الَّتِى خرج اولياؤنا وصنائعنا وشيعتنا اليها وتمسكوا بهَا واقاموا عَلَيْهَا فوجدتهم لم يُرِيدُوا الا صِيَانة نَفسِي وَوَلَدي واعزاز امري وملكي بَارك الله عَلَيْهِم واحسن اليهم واعانني على صَالح مَا انويه لَهُم واما انت يَا ابا الْحسن المظفر لَا خلونا مِنْك فشيخي وكبيري وَمن لَا ازول وَلَا احول عَن الْميل اليه والتوفر عَلَيْهِ والتحقق بِهِ اعْترض مَا بَيْننَا هَذَا الْحَادِث لَو لم يعْتَرض وانتقض هَذَا الامر الَّذِي لحقنا اَوْ لم ينْتَقض وارجو ان لَا تشك فِي ذَلِك ان صدفت نَفسك (2) وحاسبتها وازلت الظنون السَّبَبِيَّة عَنْهَا ادام الله حراستها وَمَا وَالَّذِي ذكره اصحابنا من امْر الْحرم والخدم قَول اذا تبينوه حق تبينه وتصفحوه حق تصفحه علمُوا انه قَول جَاف وَالْبَغي فِيهِ على غير مستتر وَلَا خَافَ ولأيثاري موافقتهم واتباعي مصلحتهم (3) اجبتهم الى المتيسر (4) فِي امْر هَذِه الطَّبَقَة واتقدم بِقَبض اقطاعاتهم وحظر (5) تسويغاتهم واخرج من تجوز اخراجه من دَاري وَلَا اطلق اللباقين الدُّخُول فِي تدبيري ورايي واوعز بمكاتبة الْعمَّال فِي اسْتِيفَاء حق بَيت المَال من ضياعهم الصَّحِيحَة الْملك دون مَا يُقَال انه قد (6) لابسه الريب وَالشَّكّ وَانْظُر لنَفْسي فِي امْر الْخَاصَّة والعامة وابلغ فِي انصافها والاحسان اليها الْغَايَة واما انتم فمعظم نعمكم منى وَمَا كنت لاعود عَلَيْكُم فِي شىء سمحت بِهِ ورايته فِي وقته واراه الان زهيدا فِي جنب استحقاقكم وانا بتثميره اولى وبتوفيره احرى

ونازوك فلست ادري لاي شىء عتب وَلَا لاي حَال استوحش واضطرب فَمَا غيرت لَهُ حَاله وَلَا حزت لَهُ مَالا وعبد الله بن حمدَان فَالَّذِي احفظه صرفه عَن الدينور وتهيى اعادته اليها ان كَانَ رَاغِبًا فِيهَا وَمَا عِنْدِي لَهُ ولنازوك والعصاة كلهَا الا التجاوز والاتقاء وَبعد هَذَا وَقَبله فلي فِي اعناقكم بيعَة وَقد وكدتموها على انفسكم دفْعَة بعد اخرى وَمن بايعني فانما بَايع الله سُبْحَانَهُ وَمن نكث فانما نكث عهد الله ولي عنْدكُمْ ايضا نعم واياد وعندكم صنائع وعوارف امل ان تعترفوا بهَا وتلتزموها وتشكروها فان راجعتم الى مَنَازِلكُمْ واستوطنتموها وكنتم بِمَنْزِلَة من لم يبرح من مَوْضِعه وَلم يات بِمَا يعود بتشعث مَحَله وموقعه وان انتم الا مكاشفة وَمُخَالفَة فقد وليتكُمْ مَا توليتم واغمدت سَيفي عَنْكُم ولجات فِي نصرتي ومعونتي الى الله سُبْحَانَهُ وَلم اسْلَمْ الْحق الَّذِي جعله الله تَعَالَى لي واقتديت بعثمان بن عَفَّان رضى الله عَنهُ حِين لم يخرج من دَاره وَلم يسلم حَقه لما خذله عَامَّة ثقافته وانصاره وَالله تَعَالَى بَصِير بالعباد والظالمين بالمرصاد (1) وَلما وقف مونس ونازوك وابو الهيجاء على الرقعة طالبوه باخراج هَارُون فاخرجه من يَوْمه الاى الثغور الاشامية والجزرية وَعَاد مونس والجيش الى بَغْدَاد فِي يَوْم عَاشُورَاء وزحفوا الى دَار السُّلْطَان فهرب المظفر بن ياقوت والخدم والحجاب وَابْن مقلة فَاخْرُج المقتدر والدته وخالته وَحرمه لَيْلًا الى دَار مونس فَدخل حِينَئِذٍ من قطربل الى بَغْدَاد مستترا واصعد نازوك بغلامه مونس الى دَار ابْن طَاهِر فَفتح لَهُ كافور الْمُوكل بهَا وَسلم اليه مُحَمَّد بن المعتضد بِاللَّه واحرق فِي طَرِيقه دَار هَارُون وبويع مُحَمَّد بالخلافة بَايعه مونس والقواد ولقب القاهر بِاللَّه وقلد ابا عَليّ بن مقلة وزارة القاهر واخرد مونس عَليّ بن عِيسَى بن عيس من دَار السُّلْطَان فاطلقه إِلَى منزلَة وقلد نازوك الحجبة والشرطة واضاف الى اعمال ابي الهيجاء اعمالا كَثِيرَة وَمضى بني بن نَفِيس بعد ان وَقع النهب فِي دَار السُّلْطَان الى تربة السيدة بالرصافة فَوجدَ لَهَا هُنَاكَ سِتّمائَة الف دِينَار

واشهد المقتدر على نَفسه بِالْخلْعِ الْقُضَاة واخذ القَاضِي ابو عمر (1) الْكتاب فَلم يطلع عَلَيْهِ احدا فَكَانَ هَذَا من اقوى ذرائعه عِنْد المقتدر لما عَاد الى الْخلَافَة وَسكن النهب عِنْد ولَايَة القاهر وَجلسَ ابْن مقلة بَين يَدَيْهِ وَكتب بخلافته الى الافاق وَتقدم الى نازوك بقلع خيم الرجالة وَالْمَنْع للحجرية من دُخُول الدَّار فاضطربوا فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر الْمحرم بكر النَّاس الى دَار الْخلَافَة لانه يَوْم الْمركب (2) وَحضر الْخلق والعسكر باسره وطالبوا بالرزق والبيعة وَلم ينحدر مونس المظفر يَوْمئِذٍ وهجمت الرحالة تُرِيدُ الصحن التسعيني وَكَانَ نازوك نهى اصحابه عَن معارضتهم اشفاقا من الْفِتْنَة فقاربوا القاهر بِالسِّلَاحِ وَكَانَ جَالِسا فِي الرواق بَين يَدَيْهِ ابْن مقلة ونازوك وابو الهيجاء فانفذ بنازوك ليردهم وَهُوَ مخمور قد شرب ليلته فقصدوه بِالسِّلَاحِ فهرب مِنْهُم فطمعوا فِيهِ وانْتهى بِهِ الْهَرَب الى بَاب كَانَ قد سَده خوفًا من الدُّخُول مِنْهُ فَكَانَ منيته عِنْده فَقَتَلُوهُ وصاحوا مقتدر يامنصور فهرب كل من فِي الدَّار وصلبوا نازوك عجيبا الْخَادِم على خشب الستارة وبادر الخدم الى ابواب الدَّار فغلقوها لانهم خدم المقتدر وصنائعه وبادر ابو الهيجاء الْخُرُوج فصاح القاهر بِهِ تسلمني يَا ابا الهيجاء فاخذته الحمية فَقَالَ لَا وَالله لَا اسلمك وَعَاد ابو الهيجاء وَيَده فِي القاهر الى دَار السَّلَام وَقصد الروشن فَوجدَ الرجالة منتظرين فَنزل ابو الهيجاء مَعَه وَقَالَ لَهُ وتربه حمدَان لَا فارقتك يَا مولَايَ اَوْ اقْتُل دُونك وَمضى ابو اليهجاء الى الفردوس وَنزل سوَاده ومنطقته واعطى ذَلِك غُلَامه واخذ جُبَّة صوف مصرية عَلَيْهِ وَركب دَابَّة غُلَامه وَمضى الى بَاب النوبى فَوجدَ الْجَيْش وَرَاءه وَهُوَ مغلق فَعَاد الى الْقَاهِرَة وَقَالَ هَذَا امْر من السَّمَاء قد حمل راس نازوك الى هُنَاكَ ودخلا من حَيْثُ خرجا واتيا دَار الأترجة وتاخر عَنْهُمَا فائق وَجه الْقَصعَة واشار على الخدم بقتل ابي الهيجاء وَذكرهمْ عداوته الى المقتدر فاتوه بقسي ودبابيس فَجرد سَيْفه وَنزع جبته وَحمل عَلَيْهِم فاجفلوا مِنْهُ ورموه ضَرُورَة ورماه اُحْدُ الحجرية بنشابة

وَهُوَ يُنَادي يال تغلب الْقَتْل (1) بَين الْحِيطَان ايْنَ الْكُمَيْت بن (2) الدهما فَرَمَاهُ خمار جونة (3) بسهمين احدهما نظم فَخذيهِ والاخر مَا بترقوته فَانْتزع السِّهَام وَمضى الى بَيت فَسقط فِيهِ قبل ان يصل اليه فبادره اسود فَضرب يَده فقطعها واخذ سَيْفه وغشية (8143) اسود اخر فحز راسه وَامْتنع المقتدر وَهُوَ بدار ابْن طَاهِر من الْمُضِيّ الى دَار السُّلْطَان وَخَافَ ان تكون حِيلَة عَلَيْهِ فَحَمَلُوهُ على رقابهم الى الطيار فَلَمَّا حصل فِي دَار الْخلَافَة (4) سَالَ عَن ابي الهيجاء فَقيل لَهُ هُوَ فِي الاترجة فَكتب لَهُ امانا بِخَطِّهِ وَقَالَ لبَعض الخدم وَيلك بَادر بِهِ لانتم عَلَيْهِ امْرَهْ فَلَمَّا حصل الْخَادِم فِي الطَّرِيق تَلقاهُ خَادِم اخر براسه فَعَاد الى المقتدر فَعَزاهُ عَنهُ فظهرت كابته وَقَالَ وَيلك من قَتله فغمزه مُفْلِح الاسود فَقَالَ لاادري فكرر انا الله وانا اليه رَاجِعُون وَظهر من حزنه عَلَيْهِ امْر عَظِيم وَكَانَ ابو الهيجاء فِي الشجَاعَة بِمَنْزِلَة كَبِيرَة حكت عَنهُ احدا حظاياه انه كَانَ يواقعها فِي سفر فجَاء السَّبع الى بَاب مضربه فَجرد سَيْفه وَحمل عَلَيْهِ واتاها براسه وَعَاد الى الْحَال الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا لم فقتر شَهْوَته وَلم تكل الته واتى المقتدر بالقاهر واستدناه وَقبل جَبينه والقاهر يَقُول نَفسِي نَفسِي يَا امير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ لَا ذَنْب لَك لانك اكرهت ووحق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاجرى عَلَيْك سوء مني ابدا فاطمان وَشهر بِبَغْدَاد راس نازوك وابي الهيجاء وَنُودِيَ عَلَيْهِمَا هَذَا جَزَاء من كفر نعْمَة مَوْلَاهُ وَعَاد ابم مقلة الى الوزارة وَكتب باعادة الْخلَافَة الى المقتدر وَحكي ان بدر بن الهيم القَاضِي ركب لتهنئة رُجُوع الْخلَافَة الى المقتدر بِاللَّه وَقَالَ لِابْنِ مقلة بَين ركبتي هَذِه وركبة ركبتها مائَة سنة لانني ركبت للتعزية بوفاة المامون سنة سبع عشرَة (8244) وَمِائَتَيْنِ (832) مَعَ ابي وَقد ركبت الْيَوْم للتهنئة بِعُود المقتدر سنة سبع عشرَة وثلاثمائة (929) وَتُوفِّي بدر بعد ايام وَسنة مائَة واثنتا عشرَة سنة

وجددت الْبيعَة على النَّاس فاطلق للفرسان زِيَادَة ثَلَاثَة دَنَانِير فِي الشَّهْر وللرجال زِيَادَة دِينَار ونفذت الاموال فِي عطياتهم حَتَّى بِيعَتْ الالات وَالْكِسْوَة واشهد المقتدر بِاللَّه على نَفسه بتوكيل عَليّ بن الْعَبَّاس النوبختي فِي بيع الضّيَاع وَحضر عَليّ بن عِيسَى فَقَامَ اليه ابْن مقلة وَشَاهد البيع فَانْتهى الى بيع ضيَاع جِبْرِيل وَالِد بختيشوع وَقد بِيعَتْ بِثمن نزر فَقَالَ لَا اله الا الله حَدثنِي شَيخنَا ابو الْقسم عِيسَى ابْن دَاوُد يَعْنِي اباه ان المتَوَكل رَحمَه الله لما غضب على بختيشوع انفذ لاحصاء مَا فِي دَاره فَوجدَ فِي خزانَة كسوته وعقة فِيهَا ثمن ضيَاعه مبلغ ذَلِك بضعَة عشرَة الاف الف دِرْهَم وخلع المقتدر على ابْن مقلة وكناه وقلد ابا عمر قَضَاء الْقُضَاة وَكتب عَهده واوقع فِي هَذِه السّنة القرمطي الحجيج فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَقتل امير مَكَّة (2) وَقلع الْحجر الاسود وسلبت الْبَيْت واصعد رجلا من اصحابه ليقلع الْمِيزَاب فتردى فَهَلَك وَطرح الْقَتْلَى بزمزم والقى من بَقِي فِي الْمَسْجِد واخذ الاموال وَحمل الْحجر الى بَلَده (3) قَالَ المقتدر قَالَ لي عقيل بن عِصَام الْعقيلِيّ بقرية الروذه من الدجيل حَدثنِي ابي انه راى ابا طَاهِر وَبَين يَدَيْهِ خَمْسُونَ يضْربُونَ الرّقاب فَقتل من الحجيج نَحْو عشرَة الاف (8344) وَهُوَ يَقُول ... لوكان هَذَا الْبَيْت بيتالربنا ... لصب علينا النَّار من فَوْقنَا صبا وانا تركنَا بَين زَمْزَم والصفا ... جنائزلاتبغي سوى كسبها رَبًّا (4) لَعنه الله واتباعه لعنا وبيلا واتى اهل مَكَّة على من عِنْدهم من الْحجَّاج فَقَتَلُوهُمْ وسلبوهم وقلد ابْنا وائق شرطة بَغْدَاد مَكَان نازوك وَورد ياقوت من فَارس فَخلع المقتدر عَلَيْهِ وعَلى ابْنه المظفر وَولي مَكَانَهُ نجح الطولوني بقارس وكرمان

وعزل ياقوت وَجعل الاشراف بهَا لِابْنِ ابي مُسلم (1) وَانْحَدَرَ بعد ذَلِك مونس الى المقتدر فَخلع عَلَيْهِ ونادمه وساله فِي ام مُوسَى الهاشمية وَفِي ام دستنبوية فاجيب ووصلت سَبْعَة الاف دِينَار ورتب على بن عِيسَى فِي الْمَظَالِم وَجعلت الدَّوَاوِين اليه وفيهَا فتح هَارُون بن غَرِيب شهرزور وطالبهم بخراج عشْرين سنة عصوا فِيهَا وصالحوه على سَبْعَة وَثَلَاثِينَ الف دِينَار ومائتي الف دِرْهَم وفيهَا رتب الحجرية على ابْن مقلة وضربه بالدبابيس فافلت مِنْهُم وفيهَا ملك اصحاب مَا كَانَ الديلمي قاسان سنة ثَمَانِي عشرَة وثلاثمائة (2) زَاد امْر الرِّجَال (3) وَكثر تسحبهم وادلالهم بانهم كانوالسبب فِي عود المقتدر الى دَاره وطالب الفرسان بِالْمَالِ فاحتج عَلَيْهِم السُّلْطَان بانه يصرف الى الرجل (3) فِي كل شهر مائَة وَثَلَاثِينَ الف (8445) دِينَار وَركبت الفرسان مَعَ مُحَمَّد بن ياقوت فطردوهم واوقع بالسودان بِبَاب عمار وَحرق دُورهمْ فهربت الرِّجَال الى وَاسِط وَرَئِيسهمْ نصر السَّاجِي فغلبوا عَلَيْهَا فانحدر مونس فاوقع بهم فَلم ترْتَفع لَهُم راية بعد ذَلِك وَكَانَ بَين مُحَمَّد بن ياقوت ومونس تبَاعد فَلَمَّا يَله مونس ابْن مقلة عَادَاهُ بالانضمام اليه وَقبض على الْوَزير سُلَيْمَان بن الْحسن حِين عرفت اضافته وَكَثُرت المطالبات لَهُ فَكَانَت مُدَّة وزارته سنة وشهرين (4) وزارة ابي الْقسم عبد الله بن مُحَمَّد الكلوذاني (5) كَانَت فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع رَجَب واقرضه ابْن قرَابَة مِائَتي الف دِينَار بربج دِرْهَم فِي كل دِينَار وَملك مزداويج (6) الْجَبَل باسره الى حلوان وَانْهَزَمَ هَارُون بن غَرِيب الى دير العاقول

وَاسْتَأْمَنَ يشكرى الدليمي الى هَارُون وَهُوَ من اصحاب اسفار وَانْهَزَمَ بانزامه وصادر شكرا (1) اهل نهاوند فِي اسبوع على ثَلَاثَة آلَاف الف دِرْهَم وانبث (2) الاخبار وصادر اهل الكرج وَملك اصبهان وَكَانَ بهَا احْمَد بن كيغلغ فَخرج هَارِبا فِي ثَلَاثِينَ نفسا فَكَانَ لاحمد من الِاتِّفَاق العجيب ان لشكري تبعة الى قَرْيَة فعاون اهلها احْمَد وتقارب احْمَد ولشكري فَضَربهُ احْمَد ضربه قدمت مغفرتة وخوذته وَنزلت فِي راسه فَقتلته وَانْهَزَمَ اصحابه وَسن احْمَد يَوْمئِذٍ سَبْعُونَ (8545) سنة وَركب الكلوذاني فِي طيارة فرجمه قوم من الْجند طلبُوا ارزاقهم فَجعل ذَلِك سَببا لاغلاق بَابه وَولي بعده الْحُسَيْن بن الْقسم الْكَرْخِي وزارة الْكَرْخِي كَانَ بِبَغْدَاد رجل يعرف بالدانيالي يظْهر كتبا عتقا وينسبها الى دانيال النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام ويودع تِلْكَ الْكتب اسماء قوم (3) وحلاهم فَاسْتَوَى جاهه وَقَامَت سوقه بَين اهل الدولة وَعند القَاضِي ابي عمر وَابْنه (4) وَذكر المفلح (5) الاسود انه من ولد جَعْفَر ابْن ابي طَالب فنفق بذلك عَلَيْهِ واخذ مِنْهُ مَالا كثيرا واشار عَلَيْهِ ابْن زنجا باثبات صفة الْحُسَيْن بن الْقسم وَذكر الجدري الَّذِي فِي وَجهه والعلامات (6) الَّتِي فِي شفته الْعليا فَكتب ذَلِك وانه ان وزر للثامن (7) عشر من ولد الْعَبَّاس واستقامت (8) اموره فَعمل دفترا وَذكر ذَلِك فِي تضاعيفه وعتقته فِي التِّبْن وَجعله تَحت خفَّة ومشي عَلَيْهِ حَتَّى اصفر وَعتق قَالَ ابْن زنجي فلولا معرفتي من عمله لَهُ لم اشك فِي انه قديم وَحمله الى مُفْلِح فعرضه على المقتدر فَقَالَ لَهُ اتعرف (9) هَذِه الصّفة لمن قَالَ لَا اعرفها الا للحسين بن الْقسم قَالَ فاستدعه وشاوره قَالَ ابْن زنجي ثمَّ ان الدانيالي طالبني بالمكافأة فَقلت حَتَّى يتم الامر

فَلَمَّا ولي الْحُسَيْن الوزارة ولاه الْحِسْبَة واجرى لَهُ مِائَتي دِينَار فِي الشَّهْر وسعى لَهُ بليق (1) فِي الوزارة وتقلدها يَوْم الْجُمُعَة لليلتين بَقِيَتَا من شهر رَمَضَان فتشاغل (8646) عَن الْجُلُوس بالتهنئة لجمع الاموال الَّتِي يحْتَاج اليها فِي نَفَقَة الْعِيد وَصَارَ اليه عَليّ بن عِيسَى وهنأه وَكَانَت دمنه تَعْنِي بامر الْحُسَيْن فَكَانَت توصل رقاعة وَكَانَت حظية عِنْد المقتدر فَكَانَ يخدمها ويخدم ابْنهَا الامير ابا احْمَد اسحاق فِي كل يؤم بِمِائَة دِينَار واختص بِهِ بَنو البريدي وابو بكر بن قرَابَة واقرضه اموالا بِرِبْح دِرْهَم فِي الدِّينَار واختص بِهِ جَعْفَر بن وَرْقَاء فقلد ابا عبد الله مُحَمَّد بن خلف النيرماني (2) اعمال الْحَرْب وَالْخَرَاج والضياع يحلوان وَغَيرهَا من مَاء الْكُوفَة وَلبس القباء وَالسيف والمنطقة وَتسَمى بالامارة وَسَأَلَ فِي اخراج عَليّ بن عِيسَى الى مصر فدافع عَنهُ مونس وَقَالَ انه شيخ نرْجِع (3) الى رايه حَتَّى احدرة الى الصافية وبتدأ مونس فِي الإستحاش وَبلغ الْحُسَيْن ان مونسا عَليّ كبسه لَيْلًا فَكَانَ ينْتَقل فِي كل لَيْلَة الى مَكَان خوفًا مِنْهُ وراسل مونس المقتدر فِي صرف الْحُسَيْن عَن الوزارة فاجابه وسعلى الْحُسَيْن بمونس وَقَالَ المقتدر انه قد عزم على ان يخرج الامير ابا الْعَبَّاس الى الشَّام ويقرر لَهُ الْخلَافَة وَكتب الْحُسَيْن الى هَارُون بن غَرِيب وَهُوَ بدير العاقول يَأْمُرهُ بالمبادرة (4) فاستوحش مونس واظهر الْغَضَب وَسَار فِي اصحابه الى الْموصل وَجَاء بشرى (5) خَادِم شَفِيع برسالة الى المقتدر فشتمه الْحُسَيْن وَشتم صَاحبه وضربه بالمقارع واخذ خطة بثلاثمائة الف دِينَار وَوَقع الْحُسَيْن بِقَبض املاك مونس وضياع اسبابه وافرد لَهُ ديوانا سَمَّاهُ ديوَان الْمُخَالفين (8746) وزاذ مَحل الْحُسَيْن من المقتدر فَكَانَ ينفذ لَهُ الطَّعَام من بَين يَدَيْهِ ولقبه عميد الدولة وامر بِذكر لقبه على الدَّنَانِير

وقلد ابا يُوسُف مُحَمَّد بن يَعْقُوب البريدي (1) الْبَصْرَة وَالْقِيَام بنفقتها فَتقدم الى الْكتاب باخراج خراج الْبَصْرَة فاخرجوه من صَلَاة الْفجْر الى عتمة يَوْمه فَاحْضُرْ البريدي وَوَافَقَهُ على ذَلِك واخذ خطة بِالْقيامِ بِمَال الاولياء بِالْبَصْرَةِ وان ترَتّب لحفظ السُّور زِيَادَة على من عَلَيْهِ الف رجل وان يحمل بعد النَّفَقَات سبعين الف دِينَار وَحمل الْخط الى الْوَزير متبجحا بِهِ فَلم يَقع من الْوَزير بموقع وَظن انه وبخه بذلك وَعرف المقتدر فَوَقع موقعه عِنْده وَغلط على الْحُسَيْن فخافه الْفضل بن جَعْفَر فاستتر مِنْهُ عِنْد ابْن قرَابَة فقلد الْحُسَيْن الدِّيوَان ابا الْقَاسِم الكلوذاني وجد ابو الْفَتْح فِي طلب الوزارة وصودر ابْن مقلة عِنْد بعد مونس عَن مِائَتي الف دِينَار واراد الْحُسَيْن مصادرة عَليّ بن عِيسَى وَهُوَ بالصافية مُقيم فَمنع مِنْهُ هَارُون بن غَرِيب وَكَانَ بدير العاقول وَوصل هَارُون الى دَار السُّلْطَان فلقي المقتدر وَسَأَلَهُ فِي ابْن مقلة فحط عَنهُ خمسين الف دِينَار فَانْصَرف الى دَاره فقصده الْوَزير وابنا رايق وَمُحَمّد بن ياقوت ومفلح وشفيع 2 واخذ ابْن مقلة فِي استماحه النَّاس ففضل لَهُ عَن الَّذِي صودر عَلَيْهِ عشرُون الف دِينَار فَابْتَاعَ بهَا ضيَاعًا وَقفهَا على الطالبين وَكَانَ ابتاعها باسم عبد الله بن عَليّ الْمقري (2) وَقبض المقتدر على ابي احْمَد بن المكتفي وَمُحَمّد بن المعتضد (8847) فاعتمد السيدة مُرَاعَاة مُحَمَّد وأهدت اليه الْجَوَارِي وراعته فِي نَفَقَته واعتقلا بدار السُّلْطَان واشتدت الاضاقة بالحسين فَبَاعَ ضيَاعًا بخمسائة الف دِينَار واستسلف من مَال سنة عشْرين وثلاثمائة (932) قبل افتتحاحها فاخبر هَارُون (3) حَالَة المقتدر فَكتب للخصيبي امانا فَظهر فخوطب بالوزارة فَذكر ان الْحُسَيْن استسلف من مَال سنة عشْرين قِطْعَة (4) وافرة وانه لايغر السُّلْطَان من نَفسه فولاه ديوَان الازمة واجرى لَهُ ولكتابه الف دِينَار وَسَبْعمائة دِينَار فِي كل شهر واقر الْحُسَيْن على الوزارة وخلع عَلَيْهِ ليزول الارجاف عَنهُ وَاجْتمعَ الْحُسَيْن والخصيبي فاخذ الْحُسَيْن يعانزة (5) والخصبي مُمْسك فَلَمَّا بلغ

ذَلِك المقتدر انحل امْر الْحُسَيْن عِنْده فَقبض عَلَيْهِ فَكَانَت وزارته سَبْعَة اشهر (1) وزارة ابي الْفَتْح الْفضل بن جَعْفَر خلع عَلَيْهِ لليلتين بَقِيَتَا من شهر ربيع الاخر وصادر الْحُسَيْن فِي نوب اخذ مِنْهُ فِي احدها اربعين الف دِينَار ثمَّ ابعده الى الْبَصْرَة واقام لَهُ فِي كل شهر خَمْسَة آلَاف دِرْهَم وانفذ مزداويج رَسُولا يسْأَل ان يقاطع عَن الاعمال فاجيب وتكفل هَارُون بن غَرِيب بامره وَكتب لَهُ الْعَهْد وانفذ اليه اللِّوَاء وَالْخلْع وَمَشى الْوَزير ابو الْفَتْح الامور بِمِائَة الف دِينَار الزمت للبريدي وَنفى ابْن مقلة الى شيراز وَمَات ابو عمر القَاضِي فأغرى ابو بكر بن قرَابَة بورثته وَقَالَ للمقتدر هَا هُنَا من (8947) يُعْطي مائَة الف دِينَار لقَضَاء الْقُضَاة فأنفذ المقتدر بكاتب الى ابي الْحُسَيْن مَعَه وعرفه الْحَال فَأتوهُ وَهُوَ فِي العزاء فأمسكوه فَقَالَ ابْن قرَابَة مَا لهَذَا حَضَرنَا قُم مَعنا حَتَّى نخلوا فَنَهَضَ وَاسْتوْفى عَلَيْهِ ابْن قرَابَة الْخطاب فَقَالَ ابْن (2) الْحُسَيْن ان نعمنا من امير الْمُؤمنِينَ واسأله ان يمهلنا يَوْمه فَلَمَّا كَانَ بالْعَشي وَكَانَ شهر رَمَضَان مضى الى دَار ابْن قرَابَة فَدخل والمائدة بَين يَدَيْهِ وَعِنْده البريديون فَأكل قَاصِدا لاستكفاء شَره وَقَالَ قد جئْتُك مستسلما اليك وتدبرني بِمَا ترى وَقرب مِنْهُ البريديون وَقَالُوا متوجعين لَهُ عندنَا ثَلَاثَة الاف دِينَار نعينك بهَا واستصوبوا قَصده لِابْنِ قرَابَة فَقَالَ لَهُ ابْن قرَابَة امْضِ مصاحبا وَتعطف عَلَيْهِ المقتدر بِاللَّه وعاونه (3) البريديون واخوانه فقلده قَضَاء الْقُضَاة وَوصف المقتدر لِابْنِ قرَابَة ماهو فِيهِ من الاضاقة فَقَالَ لَهُ لم لَا يعاونك ابْن خَالك هَارُون بن غَرِيب وَعِنْده آزاج (4) مَمْلُوءَة دَنَانِير فَقَالَ هَارُون لَو كنت املك شَيْئا لما بخلت بِهِ عَن امير الْمُؤمنِينَ لَان سلامتي معقودة بسلامته وَلَكِن مَعَ ابْن قرَابَة من المَال مالايحتاج اليه وانا استخرج لَك مِنْهُ خمس مائَة الف دِينَار فَقَالَ اذْهَبْ فتسلمه فَقبض عَلَيْهِ وَجرى عَلَيْهِ من الْمَكْرُوه مَا اشفى بِهِ عَن التّلف حَتَّى قتل المقتدر بِاللَّه فخلص

وَحكى ابْن سِنَان ان ابْن قرَابَة كَانَ صديقا لابيه فَدخل عَلَيْهِ بعد مَا صودر فَقَالَ لَهُ خلطت حَتَّى صودرت وَقد حصل لي الان مَا يرْتَفع مِنْهُ عشرُون الف دِينَار فِي السّنة خَالِصَة لي لي من الاملاك مَا لَيْسَ لأحد مثله وَمن الالات والفرش والمخروط والصيني والجوهر مَا لَيْسَ لَاحَدَّ وَكَذَلِكَ من الرَّقِيق والخدم والغلمان والكراع وَمَعِي ثَلَاثمِائَة الف دِينَار صَامت لَا احْتَاجَ اليها وبيني وَبَين ابْن مقلة مَوَدَّة وَهُوَ مقدم من فَارس وزيرا فَهَل ترى لي ترك التَّخْلِيط وَلُزُوم رب النِّعْمَة واصلاحها فَقَالَ لَهُ ابْن (1) سِنَان (2) مَا رَأَيْت أعجب من امرك انما يسْأَل عَن الامر الْخَفي واما عَن الْوَاضِح الْجَلِيّ فكلا وَبعد اعقبك فَائِدَة واثمرك صلاحا فلازمه والا فَكف عَنهُ وايضا فان الانسان يكد ليحصل لَهُ بعض مَا حصل لَك وَقد اتاك هَذَا وادعا فاشكر الله وتمتع بنعمتك الَّتِى انْعمْ الله سُبْحَانَهُ بهَا عَلَيْك فَقَالَ صدقت وَنَصَحْت وَلَكِن لي نفس مشومة لَا تصبر وسأعود مَا كنت فِيهِ فَلَمَّا خرج ابْن سِنَان من عِنْده قَالَ لَا يَمُوت ابْن قرَابَة الا فَقِيرا اَوْ مقتولا وَلما ورد مونس وَكَانَ هَارُون بن غَرِيب قد وكل بِهِ غلْمَان وَقَيده وامرهم باخراجه الى وَاسِط فَقتل المقتدر بِاللَّه رَحمَه الله فِي ذَلِك الْيَوْم فهرب الموكلون بِهِ وَبَقِي مَعَه خادمان وَكَانَ ابْن قرَابَة اشتراهما لهارون فتعطفا عَلَيْهِ وصارا بِهِ الى الفرضة (3) وادخلاه مَسْجِدا بهَا واحضرا حدادا فَكسر قيوده وَمَشى الى منزله بسويقة غَالب ووهبا لَهُ خَمْسمِائَة دِينَار ثمَّ اداه التَّخْلِيط الى ان قبض عَلَيْهِ القاهر فازال نعْمَته وَقبض املاكه وهدمت دَاره واراد قَتله فَزَالَ امْر القاهر فَعَاد الى تخليطه وَمضى الى البريدي (4) لما خالفوا السُّلْطَان وَمضى الى معز الدولة من نهر ديالي وصودر حَتَّى لم يبْق لَهُ بَقِيَّة واضطر الى ان خدم نَاصِر الدولة فِي كل شهر بِمِائَة دِينَار وَكَانَ ينْفق امثالها وَمَات بالموصل وَفِي ذِي الْحجَّة من هَذِه السّنة عقد المقتدر لابي الْعَلَاء سعيد بن حمدَان على الْموصل وديار ربيعَة وَفِي هَذِه السّنة توفّي ابو الْقسم الْبَلْخِي الْمُتَكَلّم (5) صَاحب المقالات وَالتَّفْسِير ببلخ

وفيسنة عشْرين وثلاثمائة كَاتب الْحُسَيْن بن الْقسم دَاوُد وَسَعِيد ابْني حمدَان وَالْحسن (1) بن عبد الله بن حمدَان بمحاربة مونس فَامْتنعَ دَاوُد من لِقَاء مونس لانه لم يزل محسنا اليه فَمَا زَالَ بِهِ اهله حَتَّى لقِيه وَقَالَ هَذِه تغسل مَا فعله الْحُسَيْن بن حمدَان وابو الهيجاء فَكَانَ يَقُول وَالله اني اخاف ان يجي سهم نجار فَيَقَع فِي حلقي فَيَقْتُلنِي فَكَانَ حَاله كَذَلِك قتل وَحده بِسَهْم وَكَانَ بَنو حمدَان فِي ثَلَاثِينَ الْفَا ومونس فِي ثَمَانمِائَة رجل فَانْهَزَمُوا وتعجب مونس من محاربة دَاوُد لَهُ وَكَانَ يَقُول يَا قوم فِي حجري ختن ولي عَلَيْهِ من الْحُقُوق مَا لَيْسَ لابيه وَملك مونس اموال بنى حمدَان وَاسْتولى على الْموصل وَكثر خُرُوج النَّاس اليه وَلما اقام بهَا تِسْعَة اشهر حمله من خرج اليه على الانحدار الى الحضرة وَبلغ الْجند بهَا انحداره فشغبوا وطالبوا بارزاقهم فاطلق لَهُم المقتدر ذَلِك واخرج مضرب الدَّم الى بَاب الشماسية وتراجعت طلائع المقتدر وَبهَا سعيد بن حمدَان وَمُحَمّد بن ياقوت ومونس الورقاني (2) واجتهد المقتدر بهَارُون ان يخرج للحرب وَجَاء مُحَمَّد بن ياقوت والوزير الْفضل بن جَعْفَر الى المقتدر ومعهما ابْن رائق ومفلح وَقَالُوا ان الرِّجَال لَا تقَاتل الا بِالْمَالِ وسالوه فِي مِائَتي الف دِينَار من جِهَته وجهة والدته فَقَالَ لَيْسَ الى ذَلِك وَجه وَتقدم باصلاح الشذآت والطيارات لينحدر (3) هُوَ وَحرمه الى وَاسِط فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن ياقوت اتَّقِ الله يَا امير الْمُؤمنِينَ وَلَا تسلم بَغْدَاد بِغَيْر حَرْب وان رجال مونس ان رأوك احجموا عَن الْقِتَال فَقَالَ لَهُ انت وَالله رَسُول ابليس وَركب المقتدر وَمَعَهُ هَارُون بن غَرِيب وَمُحَمّد بن ياقوت وَسَائِر القواد وَعَلِيهِ الْبردَة وَبِيَدِهِ الْقَضِيب وَبَين يَدَيْهِ ابْنه الامير ابو عَليّ والانصار حافون بِهِ مَعَهم الْمَصَاحِف منشورة والقراء يقراون الْقُرْآن وَكثر الدُّعَاء لَهُ واصعد الى الشماسية ووقف على مَوضِع عَال واشتبكت الْحَرْب ومونس بالراشدية لم يحضرها وَثَبت هَارُون وَمُحَمّد (4) وَصَارَ

ابو الْعَلَاء سعيد بن حمدَان برسالتهما الى المقتدر يسألانه الْحُضُور ليشاهده اصحاب مونس فيستأمنون فَلم يجبهُ وَتَتَابَعَتْ رسلهما حَتَّى كَانَ اخرهم مُحَمَّد بن احْمَد القراريطي كَاتب هَارُون وَهُوَ لَا يُجِيبهُمْ ووقف على ظهر دَابَّته ووراءه الْوَزير ابو الْفَتْح ومفلح وخواص غلمانه فَلَمَّا الحوا عَلَيْهِ وَقَالُوا ان الغلمان يؤثرون رُؤْيَة امير الْمُؤمنِينَ فَمضى حِينَئِذٍ كَارِهًا الْمُضِيّ وَمَعَهُ مُفْلِح وتخلف عَنهُ الْوَزير فَلَمَّا قَارب دجلة انهزم اصحابه قبل وصولهم واستؤسر احْمَد بن كيغلغ وَجَمَاعَة القواد وَآخر من ثَبت مُحَمَّد بن ياقوت وَلَقي المقتدر عَليّ بن بليق (2) فترجل لَهُ وَقبل الارض بَين يَدَيْهِ ووافى البربر من اصحاب مونس فاحاطوا بالمقتدر وضربه رجل مِنْهُم ضَرْبَة فَسقط مِنْهَا وَقَالَ وَيحكم اني الْخَلِيفَة فَقَالُوا فلك نطلب واضجعوه وذبحه احدهم بِالسَّيْفِ وَطرح اُحْدُ اصحابه نَفسه عَلَيْهِ فذبح ايضا وَرفع (3) راسه على خَشَبَة وسلب ثِيَابه حَتَّى مر بِهِ اكار فستره بحشيش وحفر لَهُ وَدَفنه وَعفى اثره (4) وَنزل عَليّ بن بليق (3) وابوه فِي الْمضَارب وانفذ الى دَار السُّلْطَان من يحفظها وَانْحَدَرَ مونس الى الشماسية فَبَاتَ بهَا وَمضى عبد الواحد بن المقتدر ومفلح وَهَارُون وَمُحَمّد (5) وابناء رائق على ظهر خيولهم الى الميدان وَكَانَ مَا فعله مونس من ضرب وَجه المقتدر بِالسَّيْفِ سَببا لجرأة الاعداء على الْخُلَفَاء وَكَانَت مُدَّة وزارة ابي الْفَتْح لأمير الْمُؤمنِينَ المقتدر بِاللَّه رَحمَه الله خَمْسَة اشهر وَعشْرين يَوْمًا وَلما حمل رَأس المقتدر الى مونس بَكَى وَقَالَ وَالله لَنَقْتُلَنَّ كلنا وَالصَّوَاب ان نرتب مَكَانَهُ ابْنه ابا الْعَبَّاس فتسخو نفس جدته السيدة باخراج المَال فَثنى رَأْيهمْ ابو يَعْقُوب اسحاق بن يَعْقُوب (6) النوبختي (7) وَقَالَ الصَّوَاب ان توَلّوا القاهر مُحَمَّد بن المعتضد بِاللَّه مِقْدَارًا استقامة امْرَهْ مَعَه فَكَانَ الامر على خلاف مَا حسب

خلافة القاهر بالله ابو منصور بن المعتضد

خلَافَة القاهر بِاللَّه ابو مَنْصُور بن المعتضد (1) كَانَت سنة وَسِتَّة اشهر وَخَمْسَة ايام امهِ تسمى قبُول وَسبب خِلَافَته انه حمل الى مونس مُحَمَّد بن المكتفي بِاللَّه فخاطبه فِي تولي الْخلَافَة فَامْتنعَ وَقَالَ عمي احق بِالْأَمر فخاطب عَمه القاهر فَأجَاب وَحلف لمونس والقواد وَبَايَعُوهُ وَبَايَعَهُ الْقُضَاة وَذَلِكَ سحر يَوْم الْخَمِيس لليلتين بَقِيَتَا من شَوَّال واشار مونس ان يستوزر لَهُ عَليّ بن عِيسَى فَقَالَ بليق (2) وَابْنه على الْحَال الْحَاضِرَة لَا يَقْتَضِي ذَلِك لانها تحْتَاج الى سمح الْكَفّ وَاسع الاخلاق وَابْن مقلة (3) فَرضِي مونس بذلك واستخلفوا لَهُ الكلوذاني وَكَتَبُوا الى ياقوت بِحمْلِهِ عَاجلا وَانْحَدَرَ القاهر الى دَار الْخلَافَة واستدعى مونس بعلي بن عِيسَى من الصافية فأوصله الى القاهر فخاطبه بِكُل جميل وَكَانَت وَالِدَة المقتدر فِي عِلّة عَظِيمَة من فَسَاد مزاج واستسقاء وَلما وقفت على حَال ابْنهَا فامتنعت من الاكل حَتَّى كَادَت تتْلف فرفق بهَا حَتَّى اغتذت بِيَسِير من خبز وملح (4) فاحضرها القاهر وقررها بِالْمَالِ باللين تراة وبالخشونة اخرى فَقَالَت لَو كَانَ عِنْدِي مَال مَا اسلمت وَلَدي للْقَتْل وتجرعت بِفِرَاقِهِ الثكل وَمَا لي غير صناديق فِيهَا صياغات وَثيَاب وَطيب (5) فعلقها فِي حَبل البرادة (6) بفرد رجلهَا وتناولها بِالضَّرْبِ بِيَدِهِ فِي الْمَوَاضِع الغامضة

من بدنهَا وَلم يذكر احسانها اليه وَقت اعتقال المقتدر اياه وضربها اكثر من مائَة مقرعة وَلما أوقع الْمَكْرُوه بهَا لم يجد زِيَادَة على مَا اعْترفت بِهِ طَوْعًا وأحذ مَا وجد لَهَا فاذا هِيَ صناديق فِيهَا مَا قِيمَته مائَة الف وَثَلَاثُونَ الف دِينَار وتماثيل كافور قيمتهَا ثَلَاثمِائَة الف دِرْهَم فَرفع ذَلِك الى الكلوذاني وبليق وامرهما بِحمْلِهِ الى مونس ليصرف فِي مَال الْبيعَة وصودر جَمِيع اسباب المقتدر وصادر الْفضل بن جَعْفَر على عشْرين الف دِينَار فَقَالَ مونس انا اؤديها عَنهُ وَحل القاهر مَا وقفته السيدة على الْحَرَمَيْنِ والثغور وَاشْترى ذَلِك اصحاب مونس بِخَمْسِمِائَة الف دِينَار وزارة ابْن مقلة وَقدم ابْن مقلة (1) من شيراز يَوْم النَّحْر وَاخْتَارَ لنَفسِهِ لِقَاء القاهر لَيْلًا بطالع الجدي وَقَالَ فِيهِ اُحْدُ السعدين وخلع عَلَيْهِ من الْغَد خلع الوزارة وَصَارَ الى دَار مونس المظفر فَسلم عَلَيْهِ وَانْصَرف الى دَاره وَحضر النَّاس للتهنئة وَأَتَاهُ عَليّ بن عِيسَى فَلم يقم لَهُ فاستقبح النَّاس فعله وَصَارَ اليه ابْن قرَابَة (2) وعاود تخليطه وَظَهَرت دمنة وَالِدَة الامير اسحاق بِأَمَان كتبه القاهر لَهَا وبذلت عَن وَلَدهَا عشْرين الف دِينَار وَوجد اولاد المقتدر فِي دَار عَليّ بن بليق (3) وَظهر شَفِيع المقتدري بِأَمَان وَقرر عَلَيْهِ خَمْسُونَ الف دِينَار وَكَانَ مَمْلُوكا لمونس فَحلف ان لَا بُد من بَيْعه فَنُوديَ عَلَيْهِ فَبلغ ثمنه سبعين دِينَارا فابتاعه الكلوذاني باسم القاهر وَشهد الشُّهُود فِي الْعَهْد

سنة احدى وعشرين وثلاثمائة

سنة احدى وَعشْرين وثلاثمائة (1) قبض ابْن مقلة على جمَاعَة من الْعمَّال مِنْهُم النوبختي اسحاق بن اسماعيل وَعلي الكلوذاني وعتب عَلَيْهِ انه لم يراع اهله وَقت غيبته واخذ خطه بِمِائَتي الف دِينَار وَسلمهُ الى ابي بكر بن قرَابَة وَقبض على بني البريدي وَضمن اعمالهم (2) مُحَمَّد بن خلف النيرماني (3) بِزِيَادَة ثَلَاثمِائَة الف دِينَار وَضمن لَهُ ابْن قرَابَة ان يصادرهم على سِتّمائَة الف دِينَار وَلم يزل ابو عبد الله البريدي يُدَارِي مُحَمَّد بن خلف ويعرفه انه يعْمل بَين يَدَيْهِ فرفه من بَين اخوته (4) وتوصل ابو عبد الله حَتَّى ضمنه ابْن قرَابَة وَأطلق وَمضى البريدي الى ابْن مقلة وَقَالَ عرفت من ابْن خلف انه يطْلب الوزارة فأنفذ خدمه وحجابه للقبض عَلَيْهِ فَهَزَمَهُمْ مُحَمَّد بن خلف وحصلهم فِي بَيت وأقفل عَلَيْهِم بَابه وتسور السطوح وهرب فَلم يظْهر الا بعد عزل ابْن مقلة وَمضى البريدي الى الاهواز بتوسط ابْن قرَابَة حَاله وَكَانَ ابْن مقلة يعادي ابا الْخطاب ابْن ابي الْعَبَّاس بن الْفُرَات فَلم يجد للقبض عَلَيْهِ طَرِيقا (5) لانه ترك التَّصَرُّف مُنْذُ عشْرين سنة وَلزِمَ منزله وقنع بِدُخُول ضيعته وَكَانَ ابْن مقلة استسعفه ايام نكبته فَاعْتَذر بالاضافة وَلم يستعفه فَظهر (6) ابو الْخطاب اولاده ودعا اولاد ابْن مقلة فعادوا الى ابيهم واخبروه بزينته فَتَركه حَتَّى قَصده للسلام فَقبض عَلَيْهِ وطالبه بثلاثمائة الف دِينَار فَقَالَ بِمَ يحْتَج عَليّ الْوَزير وَقد تركت التَّصَرُّف من عشْرين سنة وَفِي حَال تصرفي كنت الزم الصِّحَّة ولي على الْوَزير حُقُوق مثله لَا ينساها وَلَوْلَا تحجينه لي لقد كنت اظهر خُطُوطًا لَهُ عِنْدِي قبل هَذِه الْحَال وَمَا اريد من رعايتها الا السَّلامَة وان كَانَ يعْتَقد انني ورثت من ابي مَالا فاننا كُنَّا جمَاعَة اولاد وَلَو كَانَ شىء لتقاسمناه

فَقَالَ ابْن مقلة للخصيبي عاقبه فَعُوقِبَ فَلم يذعن فَقَالَ اضربوا عُنُقه فَقَالَ للسياف وجهني الى الْقبْلَة وَأخذ يتَشَهَّد فَقَالَ مونس وَقد بلغه الْخَبَر اي طَرِيق لَك على رجل لم يعْمل مُنْذُ سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وتوسط امْرَهْ على عشرَة الاف دِينَار وَصَرفه الى منزله وتوسط ابْن شيرزاد حَال هَارُون بن غَرِيب على مصادرة بثلاثمائة الف دِينَار وعنى بِهِ مونس المظفر فَقبلت مصادرته وقلدا اعمال مَاء الْكُوفَة وماسبذان وَكَانَ هَارُون بواسط ففارقه عبد الواحد ابْن المقتدر وَمُحَمّد بن ياقوت وابناء رايق وسرور ومفلح وقصدوا السوس واخربوا الْبِلَاد فِي طريقهم وَأَقَامُوا بسوق الاهواز فنفذ لحربهم بليق (1) وَانْحَدَرَ بدر الخرشني فِي المَاء وكوتب احْمَد بن نصر القشوري وَهُوَ يتقلد الْبَصْرَة للمسير مَعَه فَلَمَّا تحصلت الجيوش بواسط تغير أَصْحَاب ابْن ياقوت (2) عَلَيْهِ وَصَاحب البريدي بليق وَضمن تستر عسكره وَعمل بالاهواز كل عَظِيم من المصادرات واخذ الامتعة وأتى بعده البريدي فَعمل كعمله وَقَالَ ابو عبد الله البريدي لما رَأَيْت انحلال امْر بليق (1) هَمَمْت بالتغلب وَصَارَ بَين مُحَمَّد بن ياقوت وبليق نهر فَحلف بليق لمُحَمد بَان لَا يَنَالهُ من جِهَته سوء اذا عبر اليه فَعبر اليه مُحَمَّد فِي غُلَام وَاحِد وَانْفَرَدَ وَحلف كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه فاصطلحا على ان يَسِيرا الى الحضرة وَيكون بَينهمَا منزل وَأَشَارَ البريدي عَليّ ابْن الطَّبَرِيّ كَاتب بليق (3) بَان يُخَاطب استاذه فِي الْقَبْض على مُحَمَّد فَلَمَّا خاطبه قَالَ مَا كنت لاخفر (4) امانتي وَخلف بليق بتستر (5) البريدي فَعمل بهَا كل قَبِيح ورحل ابْن ياقوت وَتَبعهُ بليق الى مَدِينَة السّلم فَلَمَّا دخل بليق خلع القاهر عَلَيْهِ وطوفه وسوره واطلق املاك ابْن رائق وَمُحَمّد بن ياقوت ومفلح وسرور

وبيعت دَار الوزارة بالمخرم وَكَانَت قَدِيما لِسُلَيْمَان بن وهب وذرعها اكثر من ثَلَاث مائَة الف ذِرَاع وَقطعت وَصرف ثمنهَا فِي مَال الْبيعَة للقاهر بِاللَّه وَورد الْخَبَر من مصر بِمَوْت تكين الْخَاصَّة واشار ابْن مقلة بانفاذ عَليّ بن عِيسَى فَجَاءَهُ لَيْلًا واستشفع الى كرمه بِهِ وعرفه كبر سنه فاعفاه عَن الشخوص لما تذلل لَهُ وهم بتقبيل يَده فَمَنعه من ذَلِك وَورد كتاب مُحَمَّد بن تكين يخْطب مَكَان ابيه فَأُجِيب اليه فشغب الْجند عَلَيْهِ بِمصْر وهزموه وانحرف ابْن مقلة عَن مُحَمَّد بن ياقوت وَمكن فِي قلب مونس المظفر ويلبق وَعلي ابْنه انه فِي تَدْبِير عَلَيْهِم (1) مَعَ القاهر عَلَيْهِم وان رَسُوله فِي ذَلِك عِيسَى الطَّبِيب فَوجه مونس بعلي بن بليق الى دَار الْخلَافَة وهجم غلمانه على عِيسَى الطَّبِيب فَأَخَذُوهُ من بَين يَدي القاهر ونفاه مونس من وقته الى الْموصل واستتر مُحَمَّد بن ياقوت ووكل مونس بدار القاهر وَأمر بتفتيش كل من يدْخل اليها حَتَّى فتش لَبَنًا مَعَ اُحْدُ الْجَوَارِي وَخَافَ ان تكون فِيهِ رقْعَة واخذ المحبوسين فِيهَا (2) وَسلم وَالِدَة المقتدر الى وَالِدَة عَليّ ابْن بليق فأقامت عِنْدهَا مرهفة عشرَة ايام وَمَاتَتْ بعد ذَلِك وحملت الى التربة بالرصافة فدفنت بهَا وَبَاعَ ابْن مقلة الضّيَاع والاملاك السُّلْطَانِيَّة لتَمام مَال الْبيعَة بألفي الف وَأَرْبَعمِائَة الف دِينَار وَتقدم بِالْقَبْضِ على الْبر بهاري وَرَئِيس (3) الْحَنَابِلَة (4) فهرب وَقبض على جمَاعَة من كبار اصحابه ونفاهم الى الْبَصْرَة قَالَ بعض اهل الْعلم خرجنَا فِي يَوْم مطير مَعَ جَنَازَة ابْن هَاشم عبد السلام بن مُحَمَّد بن عبد (5) الْوَهَّاب الجبائي (6) الى بَاب الْبُسْتَان فاذا نَحن بِجنَازَة مَعهَا

جمَاعَة فَقلت جَنَازَة من هَذِه (1) فَقَالُوا جَنَازَة ابي بكر بن دُرَيْد (2) فبكينا على الْكَلَام والادب وَذَلِكَ فِي سنة احدى وَعشْرين وثلاثمائة فاما ابو هَاشم فبينه وَبَين (3) اثْنَا عشر سنة وَله الْكتب الْمَشْهُورَة (4) فِي الْكَلَام وَفِي الرَّد على ابْن الراوندي والملحدة قَالَ الْخَطِيب (5) ساله بعض اصحابه عَن مسالة فاجابه فَقَالَ يَا ابا هَاشم الصاحي بمرضع رجْلي السَّكْرَان اعرف من السَّكْرَان بِموضع رجْلي نَفسه يَعْنِي ان الْعَالم بِمَا يُحسنهُ الْجَاهِل من الْجَاهِل بِقدر مَا يحسن واما ابو بكر بن دُرَيْد فَهُوَ صَاحب كتاب كتاب الجمهرة (6) وعو أشعر الْعلمَاء (7) وَمن شعره الْمَقْصُورَة (8) نقلت من خطّ التَّمِيمِي لَهُ ... أعَاد من اجلك لَا من ضنى ... وَسَائِر العواد اشراكي وَلست اشكوك الى عَائِد ... اخاف ان اشكو الى شاكي (9) وَله ... وحمراء قبل المزج صفراء بعده اتت بَين ثوبي نرجش (10) وشقائق حكت وجنة المعشوق صرفا فسلطوا ... عَلَيْهَا مزاجا فاكتسبت لون عاشق (11) وَمن شعره ... كل يَوْم يروعني بالتجني ... من اراه مَكَان روحي مني ...

.. مشبه للهلال والظبي والغصن ... بِوَجْه ومقلة وَتثني جمع الله شَهْوَة الْخلق فِيهِ ... فَهُوَ فِي الْحسن غَايَة المتمني امن الْعدْل ان ارق ويجفو م ... ني واشتاقه وَيصير عني (1) وَفِي هَذِه السّنة تمّ تَدْبِير القاهر على مونس وانعكس مَا دبره مَعَ ابْن مقلة من الْقَبْض على القاهر وَذَلِكَ انه لما عومل بِمَا ذَكرْنَاهُ وضيق عَلَيْهِ التَّضْيِيق الَّذِي شرحناه راسل الساجية وضربهم على مونس وبليق وَضمن لَهُم الضمانات الْكَثِيرَة وَكَانَت اخْتِيَار قهرمانة القاهر تخرج من الدَّار وتتوصل الى ان تمْضِي لَيْلًا الى جَعْفَر مُحَمَّد بن الْقيم بن عبيد الله وتشاوره فِي امور القاهر وعزم ابْن مقلة وبليق وابو الْحسن بن هَارُون على خلع القاهر وتولية ابي احْمَد بن المكتفي بِاللَّه فاشار عَلَيْهِم مونس بالتمهل وامرهم بالتلبث الى ان ينبسط القاهر ثمَّ يقبضون عَلَيْهِ فاتفق لبليق ان خادمه صدمه فِي المبدان صدمة اعتل فِيهَا وبادر ابْن مقلة بمكاتبة القاهر يُعلمهُ ان القرمطي قد وافى الْكُوفَة وَقد قررت انا ومونس مَعَ عَليّ بن بليق الْخُرُوج اليه وأمرناه بلقاء امير الْمُؤمنِينَ فِي ليلتنا هَذِه وَكَانَ قصدهم انه اذا وصل اليه قبض عَلَيْهِ وَاتبع الرقعة بِأُخْرَى مُتَضَمّن الْحَال فاستراب القاهر وَخَافَ ان تكون حِيلَة ونم الْخَبَر اليه من جِهَة طريف السبكري (2) فَلَمَّا كَانَ بعد الْعَصْر حضر ابْن بليق منتبذا وَمَعَهُ عدد بسير من غلمانه كَانَ الظَّاهِر قد ارسل الساجية يحضروا بِالسِّلَاحِ وشتموا عليا وَعمِلُوا على الْقَبْض عَلَيْهِ فحامى غلمانه عَنهُ وَطرح نَفسه من الروشن الى الطيار وَعبر من ليلته الى الْجَانِب الغربي (4) واستتر من ليلته واستتر ابْن مقلة وَابْن قرَابَة وَانْحَدَرَ بليق ليعتذر لِابْنِهِ فَقبض عَلَيْهِ القاهر وراسل مونسا واعلمه الْحَال وساله فِي الْحُضُور فَاعْتَذر بثقل الْحَرَكَة فعاوده فِي السُّؤَال فِي الْحُضُور فاستقبح لَهُ طريف السبكري التَّأَخُّر فَلَمَّا حصل فِي دَار السُّلْطَان قبض عَلَيْهِ فَكَانَت وزارة ابْن مقلة للقاهر تِسْعَة اشهر وَثَلَاثَة ايام

وزارة ابي جَعْفَر مُحَمَّد بن الْقسم بن عبيد الله وَوجه القاهر الى ابي جَعْفَر مُحَمَّد بن الْقسم بن عبيد الله فَاسْتَحْضرهُ فِي مستهل شعْبَان وقلده وزارته وخلع عَلَيْهِ يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شعْبَان خلع الوزارة وَوجه القاهر من يَوْمه من استقدم عِيسَى المتطبب من الْموصل وانفذ الى دَار ابْن مقلة بِبَاب الْبُسْتَان فَطرح فِيهَا النَّار وَظهر مُحَمَّد بن ياقوت وَصَارَ الى دَار السُّلْطَان وخدم فِي الحجبة ثمَّ علم كَرَاهِيَة طريف والساجية والحجرية لَهُ فاحتال فِي الْهَرَب واستتر وَانْحَدَرَ الى ابيه بِفَارِس وَجلسَ بزِي الصُّوفِيَّة (1) فِي المَاء وَركب الْبَحْر ووافى مهروبان وَجَاء لَيْلًا الى ارجان فَنزل على ابي الْعَبَّاس بن دِينَار وأنفذ اليه ابوه مَالا وَكِسْوَة وتلاحق بِهِ اصحابه وقلده (2) القاهر كور الاهواز ثمَّ اصبهان واستحجب القاهر سَلامَة الطولوني وقلد ابا الْعَبَّاس احْمَد بن (3) خاقَان الشرطة بجانبي بَغْدَاد وَأخذ القاهر ابا احْمَد بن المكتفي من دَار عبد الله بن الْفَتْح فسد عَلَيْهِ بَاب بَيت وَعرف باستتار عَليّ بن بليق فِي دَار فانفذ من كبسها فاستتر فِي تنور فاطبق عَلَيْهِ غطاؤه فَتَأَخر بعض الرِّجَال عَن اصحابه حِين لم يجدوه واتى الى التَّنور ففتحه وَظن ان فِيهِ خبْزًا يَابسا فَلَمَّا رَآهُ صَاح فَعَاد (4) اصحابه فاخذوه وَضرب بَين يَدي القاهر وادى عشرَة آلَاف دِينَار وحبسه وَقبض الْوَزير ابو جَعْفَر على اخيه الْحُسَيْن بعد ان امنه ونفاه الى الرقة وَقَالَ انه يعْتَقد مَذْهَب ابْن ابي العزاقر ثمَّ ان رجال مونس وبليق شغبوا وقصدوا دَار الْوَزير ابي جَعْفَر فاحرقوا روشنه وتفدم القاهر بِذبح عَليّ بن بليق وانفذه الى ابيه فَلَمَّا رَآهُ بَكَى ثمَّ ذبح بليق وانفذ راسيهما الى مونس فَلَمَّا رآهما لعن قاتلهما فذبح كَمَا تذبح الشَّاة وَأخرج الرؤوس فِي ثَلَاث طسوت حَتَّى شَاهدهَا النَّاس واعيدت الى خزانَة الرؤوس كَمَا جرت الْعَادة (5) وَكَانَ وزن راس مونس بعد تَفْرِيغ دماغه سِتَّة ارطال وَسَهل القاهر امْر ابْن مقلة حِين اخذ من الاستتار فاطلقه

وَقبض الْوَزير (1) على ابي جَعْفَر بن شيرزاد (2) وَأخذ خطه بِعشْرين الف دِينَار وكبس على بني البريدي فَلم يوجدوا وأحضر القاهر عَليّ بن عِيسَى وقلده واسطا وَسَقَى الْفُرَات وَقبض القاهر على الْوَزير مُحَمَّد بن الْقسم (3) فَكَانَت وزارته ثَلَاث اشهر وَاثنا عشر يَوْمًا واخذ من دَاره ابو يُوسُف البريدي واستدعى القاهر عبد الوهاب بن عبيد الله الخاقاني واسحاق بن عَليّ القناني (4) على ان يولي احدهما الوزارة وَجلسَ القواد بَين ايديهما فَخرجت رِسَالَة بِالْقَبْضِ عَلَيْهِمَا وادخالهما المطبق (5) ثمَّ وَجه (6) الى سُلَيْمَان بن الْحسن واستحضره للوزارة فَحَضَرَ وتلقاه القواد وقبلوا يَده وَوجه بِمن قبض عَلَيْهِ وحبسه ثمَّ وَجه الى الْفضل بن جَعْفَر واستدعاه ليستوزره فاستتر ثمَّ استدعى الخصيبي وخلع عَلَيْهِ وَكتب للبريديين امانا بعد ان صادر ابا يُوسُف على اثْنَي عشر الف الف دِرْهَم وَلما اتاه عبد الله عاتبه وَقَالَ لَهُ شمت ام اخي وَهِي امي (7) وحقوقي عَلَيْك توجب صيانتها عَن الذّكر الْقَبِيح فَقَالَ لَهُ دع مَا مضى (8) فانني لم املك نَفسِي وَقد وصفتك لأمير الْمُؤمنِينَ وَلَا بُد من الفي الف دِرْهَم فَقَالَ ابو عبد الله لقد اعتبتني (9) ايها الْوَزير وأحسنت التلاقي فَقَالَ بحياتي عَلَيْك اكْتُبْ خطك بِهَذَا الْمبلغ فَكتب بِهِ خطه وَانْصَرف وَانْحَدَرَ البريدي الى وَاسِط وعقدها القاهر غليه بِثَلَاثَة عشر الف دِرْهَم واتاها وَبهَا عَليّ بن عِيسَى وَقد عمرها وَقَالَ عِيسَى المتطبب للبريدي ان القاهر يُرِيد الْقَبْض عَلَيْك فاستتر وَلم يظْهر حَتَّى خلع القاهر

وزارة الخصيبي وَكَانَ ابْن مقلة يراسل الساجية والحجرية فِي استتاره ويضريهم على القاهر وَكَانَ الْحسن بن هَارُون يلقاهم لَيْلًا بزِي السوآل وَفِي يَده زبيل حَتَّى تمت لَهُ الْحِيلَة وبذل لمنجم (1) كَانَ يخْدم سِيمَا مِائَتي دِينَار حَتَّى قَالَ لَهُ من طَرِيق النُّجُوم انه يخَاف عَلَيْهِ من القاهر وَبلغ الْخَبَر باستيلاء اصحاب ابْن رائق على الاهواز وَبلغ الخصيبي مَا عول عَلَيْهِ الحجرية والساجية من قصد دَار السُّلْطَان فانفذ عِيسَى المتطبب (2) الى القاهر ليخبره بِالْحَال فَوَجَدَهُ نَائِما مخمورا واجتهد فِي انباهه فَلم ينتبه لشدَّة سكره فَقَامَ سِيمَا بهم وركبوا مَعَه الى دَار السُّلْطَان ورتب على كل بَاب من ابوابها جمَاعَة من الحجرية والساجية وَأمرهمْ بالهجوم فِي وَقت عينه وهجم من بَاب الْعَامَّة فَوقف بِهِ وَدخل اصحابه فَخرج الخصيبي فِي زِيّ امْرَأَة واستتر وَانْحَدَرَ سَلامَة الى مشرعة الساج واستتر وَلما علم القاهر بِالْحَال انتبه من سكره وأفاق وهرب الى سطح حمام فِي دور الْحرم وَوَقع فِي ايديهم خَادِم صَغِير فضربوه بالدبابيس (3) حَتَّى دلهم على مَوْضِعه فاخذوه وعَلى راسه منديل ديبقي وَبِيَدِهِ سيف مُجَرّد واجتهدوا بِهِ فِي النُّزُول اليهم وَقَالُوا نَحن عبيدك وَمَا نُرِيد غير التَّوَثُّق لأنفسنا وَهُوَ مُمْتَنع حَتَّى فَوق اليه احدهم سَهْما فَنزل وقبضوا عَلَيْهِ ضحوة يَوْم الاربعاء لست خلون من جُمَادَى الاخيرة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة وَأتوا الى محبس طريف السبكري فكسروا قَيده وحبسوا القاهر مَكَانَهُ ووكلوا بِهِ

وظفروا بزيرك خادمه وَعِيسَى المتطبب وَاخْتِيَار (1) القهرمانة وَاسْتَدَلُّوا على الْموضع الَّذِي فِيهِ ابو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن المقتدر فدلهم على مَكَانَهُ خَادِم (2) فوجدوه ووالدته معتقلين ففتحوا عَنْهُمَا وَوَقع النهب بِبَغْدَاد

خلافة الراضى بالله ابي العباس محمد بن المقتدر رحمه الله

خلَافَة الراضى (1) بِاللَّه ابي الْعَبَّاس (2) مُحَمَّد بن المقتدر رَحمَه الله وامه ظلوم وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته سِتّ سِنِين وَعشرَة اشهر وَعشرَة ايام اجلسه الساجية والحجرية على السرير وَبَايع لَهُ القواد (3) وَبدر الخرشني ولقب بالراضي بِاللَّه واستحضر عَليّ بن عِيسَى وأخاه عبد الرحمان وشاورهما فَعرفهُ ابو الْحسن ان سَبيله ان يعْقد لِوَاء نَفسه (4) على رسم الْخُلَفَاء فَفعل ذَلِك واستحفظ باللواء فِي الخزانة وتسلم خَاتم الْخلَافَة وَهُوَ خَاتم فضَّة وفصه حَدِيد صيني عَلَيْهِ مَكْتُوب ثَلَاثَة اسطر مُحَمَّد رَسُول الله وأنفذ الى القاهر بِمن طَالبه تَسْلِيم خَاتمه اليه وَكَانَ فصه ياقوتا احمر وَعَلِيهِ منقوش بِاللَّه مُحَمَّد الامام القاهر بِاللَّه امير الْمُؤمنِينَ يَثِق فَأمر ان يسلم الى نقاش حاذق فمحاه (5) وَمضى القَاضِي ابو الْحُسَيْن (6) وَالْقَاضِي ابو مُحَمَّد الْحسن بن عبد الله بن ابي الشَّوَارِب فَامْتنعَ أَن يخلع نَفسه فَقَالَ عَليّ بن عِيسَى اخلعوه فان افعاله مَشْهُورَة واعماله مَعْرُوفَة وسمل فِي تِلْكَ اللَّيْلَة واخذ الْبيعَة للراضي عَليّ بن عِيسَى واخوه وسال الراضي عَليّ بن عِيسَى

ان يتقلد الوزارة فاستعفاه وَقَالَ اني لَا أَفِي بالامر واشار بِابْن مقلة وَكَانَ مستترا وَكتب لَهُ امانا فَظهر وزارة ابْن مقلة وَمضى النَّاس اليه وَهُوَ فِي دَار ابْن عَبدُوس الجهشياري فهنوه وخلع عَلَيْهِ خلع الوزارة وَظهر من الاستتار مُفْلِح الاسود خَادِم المقتدر وسرور وفلفل (1) وَالْحُسَيْن بن هَارُون وابو بكر بن قرَابَة وصاروا الى ابي عَليّ وهنوه وَقَالَ ابْن مقلة لما اتاه النَّاس كنت مستترا فِي دَار ابي الْفضل بن ماري النَّصْرَانِي فسعى بِي القاهر قبل زَوَال امْرَهْ بشهرين وَعرف موضعي واني لجالس وَقد مضى نصف اللَّيْل اتحدث مَعَ ابْن ماري اخبرتنا زَوجته ان الشَّارِع قد امْتَلَأَ بالمشاعل والشمع والفرسان فطار عَقْلِي وأدخلني ابْن ماري بَيت تبن وكبست الدَّار وفتشوها ودخلوا بَيت التِّبْن وفتشوه بِأَيْدِيهِم فَلم اشك انني مَأْخُوذ وعهدت وعاهدت الله تَعَالَى على انه ان نجاني من يَد القاهر بِاللَّه ان انْزعْ عَن ذنُوب كَثِيرَة وانني ان تقلدت الوزارة آمَنت المستترين واطلقت ضيَاع المنكوبين ووقفت وقوفا على الطالبين فَمَا استممت نذري حَتَّى خرج الْقَوْم وانتقلت الى مَكَان آخر وَمَا نزع من الْخلْع حَتَّى وَفِي بِالنذرِ وَكتب ابْن ثوابة فِي خلع القاهر كتابا قرىء على المنابر واطلق ابْن مقلة المحبسين وقلد الراضي بِاللَّه الشرطة بِبَغْدَاد بدر الخرشني وَكَانَ زيرك القاهري قد اجمل عشرَة الراضي وَقت اعتقاله فكافأه (3) بِأَن قَلّدهُ امْر حرمه وأكرمه وَسلم ابْن مقلة عِيسَى المتطبب الى بني البريدي فاخذوا مِنْهُ ثَلَاثِينَ الف دِينَار ارتفق بهَا مِنْهُم وردوه على ابْن مقلة وَقَالُوا انه قد امْتنع من اداء شىء وَلم يعْتَرف القاهر بشىء سوى خمسين الف دِينَار ففرقها الراضي فِي الْجند وقلد ابْن مقلة ابا الْفَتْح الْفضل بن جَعْفَر (3) خِلَافَته على سَائِر الاعمال

وقلد ابا عبد الله البريدي خوزستان وقلد اخوته الْبَصْرَة والسوس وجنديسابور وكور دجلة وبادوريا والانبار وبهرير وقطربل ومسكن وَكتب الى عَليّ بن خلف بن طياب باقراره على فَارس وكرمان وقلد الْحسن بن هَارُون مَا قَلّدهُ عَليّ بن عِيسَى من اعمال وَاسِط بِمِائَة الف كرّ شعير وَعشرَة الاف كرّ أرز أَرْبَعمِائَة كرّ سمسم والف الف واربعمائة الف دِرْهَم وقلد القراريطي كِتَابَة ابْن ياقوت الزِّمَام وديوان الْفُرَات فسفر حِينَئِذٍ لصَاحبه مُحَمَّد بن ياقوت فِي الحجبة وَحمل الى سيماء خَمْسَة عشر الف دِينَار حَتَّى عرف الراضي بِاللَّه انهم لَا يُرِيدُونَ غير مُحَمَّد بن ياقوت وانفق هَذَا الْوَجْه بحجه على القواد مائَة الف وَعشْرين الف دِينَار فغاظ ابْن مقلة لانه استدعى ابْن رائق وَهُوَ بالباسيان لذَلِك وَلم يُمكنهُ تغيره فَلَمَّا صَار ابْن رائق بِالْمَدَائِنِ امْرَهْ الراضي بالانحدار الى وَاسِط واضافها الى اعماله بِالْبَصْرَةِ وَغَيرهَا وَكَانَ ابْن ياقوت برامهرمز (1) عَازِمًا على التَّوَجُّه الى اصبهان فكوتب بالاصعاد فَالتقى ابْن ياقوت فِي (2) طياره وَابْن رائق فِي حديديه (3) فَسلم كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه ايماء من غير قيام وتلقى ابْن ياقوت الحجرية والساجية وَدخل على الراضي فَخلع عَلَيْهِ وقلده الحجبة وَصَارَ اليه النَّاس الى دَاره بالزاهر وَلم يقم لَاحَدَّ الا لِابْنِ مقلة ولعلي بن عِيسَى وَاسْتولى ابْن ياقوت على الامر وَحصل ابْن مقلة مَعَ كَاتبه القراريطي متعطلا واخذ الخطوط البريديين بِمِائَة الف دِينَار وَكَانَ هَارُون بن غَرِيب بالدينور فَعرف الْحَال بَينهمَا وَهِي على عشرَة فراسخ من بَغْدَاد عَازِمًا على ان يتقلد الْجَيْش فكره النَّاس ذَلِك واستحضر ابْن ياقوت ابْن شيرزاد واوصله الى الراضي بِاللَّه حَتَّى حمله رِسَالَة اليه يَأْمُرهُ بِالرُّجُوعِ الى الدينور فَمضى وَمَعَهُ القراريطي فَالتقى بِهِ بجسر النهروان فَلم يقبل قَالَ وَمن جعل ابْن

ياقوت احق بالرئاسة (1) منى وَقد كَانَ يجلس بَين يَدي وانا نسيب امير الْمُؤمنِينَ وَقَالَ للقراريطي لَوْلَا انك رَسُول لقتلتك فانصرفا (2) الى بَغْدَاد واستخرج هَارُون اموال طَرِيق خُرَاسَان فعسف الرّعية وظلمهم وَسَار ابْن ياقوت فِي الْحِين الى (3) فنزلها وانفذ ابْن شيرزاد (4) برسالة جميلَة وَعرض عَلَيْهِ تسييب الاموال على النهروانات فَلم يقبل وَمضى كثير من الْجند الى هَارُون مستأمنين وَاشْتَدَّ الْقِتَال وَابْن ياقوت يقرا فِي مصحف ويسبح وَهُوَ فِي عدد قَلِيل حَتَّى انهزم اصحابه وَنهب سوَاده وَبلغ هَارُون ان مُحَمَّدًا قد عبر قنطرة نهر بَين (5) فبادر وَحده ليأسره فقطر بِهِ فرسه فَسقط عَنهُ فِي ساقية فَلحقه غُلَام (6) ابيه يمن الغربي فَضَربهُ ضَرْبَة عَظِيمَة وبادر غُلَام اسود فذبحه وَرفع رَأسه فَتفرق اصحابه وَنهب الحجرية والساجية سوادهم وامر ابْن ياقوت بكفينه (7) وَدفن بهرس (8) من غير ان يصلى عَلَيْهِ وَدخل بَغْدَاد وَبَين يَدَيْهِ رَأسه ورؤوس اصحابه فَأمر الراضي بنصبهما على بَاب الْعَامَّة ثمَّ ان وَالِدَة الراضي سَأَلت ان تحمل جثته ويدفن رَأسه فِي تربته بقصر عِيسَى فأجابها الى ذَلِك وَأخذ ابْن مقلة لِابْنِهِ ابي الفتع امانا من الراضي وَقطع امْرَهْ على ثَلَاثِينَ الف دِينَار وَفِي رَجَب هَذِه السّنة مَاتَ ابو جَعْفَر السجري الْحَاجِب وَبلغ من السن مائَة واربعين سنة قَالَ ابْن سِنَان وراسه صَحِيح الْحَواس وَالْبَصَر منتصب الظّهْر ملزز الاعضاء بِغَيْر معاون وَقَالَ لَهُ عَليّ بن عِيسَى انما قطعت مَالك لكذبك فِي سنك فَقَالَ ايها الْوَزير استدع الجرائد من سر من رأى فانك تَجِد اسْمِي فِيهَا وَاسم من (9) قبلي وبعدي فَوجدَ الامر كَمَا قَالَ وَقَالَ ابْن ابي دَاوُد السجسْتانِي اعرفه واهله

وهم معمرون وَحكي انه يذكر دُخُول هرثمة وَهُوَ فِي مكتب وَأَرَادَ الراضي تَوْلِيَة مُحَمَّد بن الْحسن بن ابي الشَّوَارِب الْقَضَاء بِمَدِينَة المنصورة كَمَا كَانَ يتَوَلَّى ذَلِك ابوه فشفع مُحَمَّد بن ياقوت فِي امْر ابي الْحسن حَتَّى لم يُغير (1) عَلَيْهِ وَكتب عَهده حَتَّى زَالَ الارجاف عَنهُ وَضمن ابو يُوسُف البريدي اعمال وَاسِط وَالصُّلْح وَالْمبَارك واستخلف عَلَيْهَا الْحُسَيْن بن عَليّ النوبختني وَكَانَ يتقلدها لهارون ابْن غَرِيب وَكَانَ عفيفا خَبِيرا بالاعمال وَكَانَ ابْن مقلة قد احدر الخصيبي وَسليمَان بن الْحسن الى الْبَصْرَة وَأمر البريدي بنفيهما فِي الْبَحْر فخف بهما لَيْلَة فكادا يغرقان وأيسا من الْحَيَاة فَقَالَ الخصيبي اللَّهُمَّ انني استغفرك من كل ذَنْب وخطيئة واتوب اليك من معاودة مَعَاصِيك الا من مَكْرُوه ابي عَليّ بن مقلة ان قدرت عَلَيْهِ جازبته عَن لَيْلَتي هَذِه وَمَا حل بِي مِنْهُ فِيهَا وتناهيت فِي الاساءة اليه فَقَالَ سُلَيْمَان وَفِي هَذَا الْموضع وانت معاين للهلاك تَقول هَذَا فَقَالَ مَا كنت لاخادع رَبِّي وَلما وصلا الى عمان عدل بالخصيبي الى سرنديب فَعرف سُلَيْمَان بن الْحسن بن وجيه خَيره فامره برده الى عمان وَلما عزل الراضي ابْن مقلة وَولى عبد الرحمان بن عِيسَى ضمن الخصيبي ابْن مقلة فَلَمَّا رَآهُ تلفت نَفسه فاسمعه الخصيبي نِهَايَة مَا كره وَسلمهُ الى الدستواني وَكَانَ لِابْنِ مقلة اليه اساءة لانه سلمه الى ابْن البريدي حَتَّى ان الوى نعْمَته فَعمل الدستواني بِابْن مقلة صنوف المكاره وَجَاء ابو بكر بن قرَابَة فضمن عَنهُ مائَة الف دِينَار وَألْفي دِينَار وَدفعت الضَّرُورَة الى ان وزن قرَابَة المَال من عِنْده وَفِي هَذِه السّنة ظَهرت حَال ابْن ابي العزاقر (2) وَكَانَ يَدعِي ان اللاهوت قد حل فِيهِ وَكَانَ قد استتر عِنْد بختيشوع بن يحيى المتطبب وتتبع حَتَّى قتل وَقتل جمَاعَة صدقوه

سنة ثَلَاث وَعشْرين وثلاثمائة فِي صفر مَاتَ ابو عبد الله ابراهيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة بن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة ابْن حبيب بن الْمُهلب بن ابي صفرَة الْأَزْدِيّ النَّحْوِيّ الْمَعْرُوف بنفطويه (1) ومولده سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ وَصلى عَلَيْهِ ابو مُحَمَّد البربهاري وَمن شعره ... اسْتغْفر الله مِمَّا يعلم الله ... ان الشقي لمن لم يرحم الله هبه اجاوزني (2) عَن كل مظْلمَة ... واحسرتا (3) من حيائي حِين القاه ... وَله ... أَهْوى الملاح واهوى ان اجالسهم ... وَلَيْسَ لي فِي حرَام مِنْهُم وطرا وَهَكَذَا الْحبّ لَا اتيان مَعْصِيّة ... لَا خير فِي لَذَّة من بعْدهَا سقر ... واجتاز (4) عَليّ بن بقلي (5) فَقَالَ (6) كَيفَ الطَّرِيق الى درب الراسين فَالْتَفت الى جَار لَهُ فَقَالَ فعل الله بغلامي وصنع قَالَ وَكَيف قَالَ جعل السلق تَحت البقل فِي اسفل البنيكة (7) حَتَّى اصفع هَذَا العاض بظر امهِ فَتَركه ابْن عَرَفَة وَانْصَرف وَلم يجبهُ بشىء وَفِي هَذَا الشَّهْر صرف عبد الرحمان بن عِيسَى عَن الدَّوَاوِين واحضر ابْن مقلة ابْن شنبوذ وَقَالَ لَهُ بَلغنِي انك تقْرَأ حروفا فِي الْقُرْآن بِخِلَاف مَا فِي الْمُصحف وَكَانَ ذَلِك بِحَضْرَة ابْن مُجَاهِد واهل الْقُرْآن فاعترف بِقِرَاءَة مَا عزي اليه من الْحُرُوف مِنْهَا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فامضوا الى ذكر الله (8) وَاغْلُظْ للوزير وللجماعة فِي الْكَلَام وَنصر مَا عزي اليه فَأمر بِهِ ابْن مقلة فَضرب فَدَعَا عَلَيْهِ بتشتيت الشمل وَقطع الْيَد ودعا على ابْن مُجَاهِد بثكل الْوَلَد وعَلى الضَّارِب لَهُ بالنَّار فشوهد قطع يَد ابْن مقلة وثكل ابْن مُجَاهِد وَلَده

ثمَّ انه استتيب عَن قِرَاءَة الْحُرُوف فَتَابَ مِنْهَا ودعا الْأَئِمَّة فِي الْجَوَامِع لِابْنِ ياقوت فَأنْكر ذَلِك الراضي وصرفهم وَقرر ابْن مقلة مَعَ الراضي الْقَبْض على مُحَمَّد بن ياقوت لما غلب على الامور وَانْفَرَدَ بجباية الاموال وتضمين الاعمال فَلَمَّا دخل ابْن ياقوت دَار الْخلَافَة عدل بِهِ الى حجرَة فَقبض عَلَيْهِ وعَلى كَاتبه القراريطي ونهبت دَار القراريطي وَحده وتقلد الحجبة ذكى مولى الراضي واخذ خطّ القراريطي بِخَمْسِمِائَة الف دِينَار وَكَانَ ياقوت بواسط فَلَمَّا علم الْقَبْض على ابنيه انحدر الى السوس فكاتبه ابْن مقلة بالمصير الى فَارس لفتحها وَكَانَ عَليّ بن بويه قد تغلب عَلَيْهَا وَهَذِه حَال الامير ابي الْحُسَيْن عَليّ ابْن بويه (1) الملقب بعد عماد الدولة لقبه بِهَذَا اللقب المستكفي بِاللَّه عِنْد وُصُول اخيه الامير ابْن الْحُسَيْن اليه (2) هُوَ اُحْدُ قواد مزداويج بن زيار الديلمي فأنفذه ليستحث لَهُ مَالا فِي الكرج فاتاها فاخذ مِنْهَا خَمْسمِائَة الف دِرْهَم وَصَارَ الى هَمدَان فَفَتحهَا عنْوَة وَقتل كثيرا من اهلها ثمَّ صَار الى اصبهان فَتَركهَا عَلَيْهِ المظفر بن ياقوت مسالما وَلم يلبث بهَا عَليّ بن بويه حَتَّى اخرجه مِنْهَا اصحاب مزداويج فَصَارَ الى ارجان وَكَاتب ياقوت وخاطبه بالامارة وساله ان يقبله وَكَانَ قد استخرج من ارجان مِائَتي الف دِينَار وَوجد كنوزا كَثِيرَة واشتدت شوكته وَصَارَ فِي الف وَخرج اليه ياقوت فِي بضع عشرَة الاف من الغلمان الحجرية وَغَيرهم فساله عَليّ بن بويه ان يفرج لَهُ عَن الطَّرِيق لينصرف الى بَاب السُّلْطَان فَمَنعه وطمع فِيهِ لقلَّة عدده وَمَا مَعَه من المَال ولقيه على بَاب اصطخر وَنصر ياقوت فِي يَوْمَيْنِ عَلَيْهِ وواقعه فِي الْيَوْم الثَّالِث وَهُوَ يَوْم الْخَمِيس لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من جُمَادَى الاخيرة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة (933) وَحمل ابو الْحُسَيْن احْمَد بن بويه معز الدولة فِي ثَلَاثِينَ رجلا على ياقوت حَملَة صَادِقَة فَهزمَ ياقوت الى شيراز وَلم يصدق بهزيمته بل ظَنّهَا مكيدة حَتَّى عرف ذَلِك فِي آخر النَّهَار 0 فَمضى وَرَاءه واقام على فَرسَخ من شيراز وَدخل معز الدولة شيراز فِي ثَمَانِينَ من الديلم فَقتل من السودَان الْفَا ونادى فِي اصحاب ياقوت فَخَرجُوا 0

واتى ياقوت الاهواز وَلما ملك عماد الدولة شيراز طَالبه اصحابه بِالْمَالِ وَكَانَ مملقا فخاف من فَسَاد امْرَهْ فاستلقى على ظَهره فِي مجْلِس من دَار ياقوت وخلا فِيهِ مفكرا فَرَأى حَيَّة قد خرجت من سقف مِنْهُ إِلَى سفق فخاف ان تسْقط عَلَيْهِ إِذا نَام فامر الفراشين بالصعود فوجدوا غرفَة بَين سقفين فامرهم بفتحا فوجدوا بهَا صناديق فِيهَا خَمْسمِائَة الف دِينَار فَقَوِيت نَفسه واستدعى خياطا اطروشا ليخيط لَهُ ثيابًا وَكَانَ الْخياط مَوْصُوفا بالحذق وَكَانَ يخْدم ياقوت فَلَمَّا خاطبه فِي تقطيع الثِّيَاب حلف فِي الْجَواب انه لَا وَدِيعَة عِنْده سوى اثْنَي عشرَة صندوقا لَا يدْرِي مَا فِيهَا فَعجب فَوجه بِمن حملهَا وَعجب من الْحَال (2) وَكَاتب الراضي بِاللَّه يساله ان يقاطعه على فَارس بِثمَانِيَة الاف الف دِرْهَم فاجيب وأنفذ اليه ابْن مقلة ابا الْحُسَيْن بن ابراهيم الْمَالِكِي الْكَاتِب وَمَعَهُ خلع ولواء وَأمره ابْن مقلة ان لَا يسلم ذَلِك اليه الا عِنْد تَعْجِيل المَال فَلَمَّا قاربه تَلقاهُ على فَرسَخ واخذ مِنْهُ الْخلْع فلبسها وَدخل شيراز واللواء بَين يَدَيْهِ وَلم يدْفع الى الْمَالِكِي شَيْئا وَمَات بشيراز فَحمل تابوته الى بَغْدَاد فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وثلاثمائة ووافى عَليّ بن خلف بن طيار بَغْدَاد فَقبض عَلَيْهِ ابْن مقلة وصادره على ثَلَاثمِائَة الف دِينَار وأنفذ اليه بِأبي الْحسن احْمَد بن مُحَمَّد بن مَيْمُون صَاحب بَيت المَال وَقَالَ لَهُ يَقُول الْوَزير لَك عِنْدِي مائَة الف دِينَار فحطها من الْجُمْلَة واكتب الْخط بِالْبَاقِي فَقَالَ عَليّ بن خلف من اي جِهَة هَذَا الدّين فَعَاد ابْن مَيْمُون فَقَالَ لَهُ يَقُول لَك الْوَزير تذكر وانا بشيراز وَقد سَأَلتك على ابي طَالب بدر بن عَليّ النوبندجاني من خراجة خَمْسمِائَة الف دِرْهَم فامتنعت وعاودتك وَقلت ان حططتها عوضتك عَنْهَا مائَة الف دِينَار فَفعلت ولزمني ضماني لَك وَصَارَ دينا لَك عَليّ وَهَذَا وَقت الْقَضَاء وَقد السُّلْطَان ياقوت الاهواز وَصَارَ كَاتبه ابو عبد الله البريدي وأنفذ اخاه ابا الْحُسَيْن للنيابة عَن ياقوت واخيه بالحضرة وَكَانَ مَعَ عماد الدولة ابو سعيد النَّصْرَانِي الرَّازِيّ يكْتب لَهُ وَضمن شيراز مِنْهُ ابو الْفضل الْعَبَّاس بن فسانحس وانْتهى الى مزداويج خبر عَليّ فَقَامَتْ قِيَامَته وأنفذ اصبهلار عسكره شيرز بن ليلى فِي الفين وَأَرْبَعمِائَة من الديلم الى الاهواز فَقطع ياقوت قنطرة نهر اريق

واقاموا بازاء ياموت اربعين يَوْمًا لَا يُمكنهُم العبور ثمَّ عبروا على اطواف بنهر المسرقان فهرب البريدي وَأهل الاهواز الى الْبَصْرَة وأتى ياقوت واسطا فَأخْرج لَهُ مُحَمَّد بن رائق عَن غربيها فَنزل فِيهِ وَأقَام عَليّ بن بويه عماد الدولة الْخطْبَة لمزداويج وأنفذ اليه الرهون على طَاعَته فسكنه بذلك فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك اتاهم الْخَبَر بِأَن مزداويج فِي شهر ربيع الاول سنة ثَلَاث وَعشْرين وثلاثمائة قَتَلُوهُ فِي (1) الْحمام بأصبهان وَحمل تابوته (2) الى الرّيّ وَمَشى الديلم والختل (3) حوله حُفَاة اربعة فراسخ ووفى رِجَاله لاخيه وشكمير فولاهم من غير عَطاء فَلَمَّا عرف شيزر بن ليلى خلو أَصْبَهَان سا راليها وأتى الرّيّ فَبَايع وشمكير واستوزر ابْن وهبان القصباني وَكَانَ يَبِيع الْقصب بِالْبَصْرَةِ وَصَارَ فِي جملَة ابْن الْخَال فتنقلت بِهِ الْحَال الى ان قَلّدهُ هَمدَان وَاسْتَأْمَنَ الى مزدوايج عَن هزيمَة هَارُون فَعَفَا عَنهُ ونفق عَلَيْهِ وَجعل اليه كور الاهواز وَقَالَ لَهُ قد جعلت اليك الفي دِينَار فِي كل شهر فان اديت الامانة استوزرتك ونصبت الرَّايَات بَين يَديك وشرهت لمعدتك الْعَظِيمَة وكركرتك الْكَبِيرَة والحلاوات بخوزستان كثير فَلَا شقن بَطْنك بِهَذِهِ الدشني العريضة فَقَالَ لَهُ ستعلم ايها الامير نصحي وأمانتي وَكَانَت هَذِه الْفِتَن (4) نعْمَة على البريدي (5) لانه حصل من الاموال مَا لم يُحَاسب عَلَيْهِ وَحصل ابو عبد الله وابو يُوسُف اربعة الاف دِينَار خرجا بهَا على السُّلْطَان وَأبْعد ابْن مقلة خلقا من الْجند عِنْد ضيق الاموال وأحالهم على البريدي فصاروا اليه فقبلهم وأضافهم الى غُلَامه اقبال فَاجْتمع مَعَه ثَلَاثَة الاف رجل وَخرج توقيع الراضي بِاللَّه فِي جُمَادَى الاولى بتلقيب ابي الْحسن عَليّ بن الْوَزير ابي عَليّ بن مقلة بالوزير وَسنة اذ ذَاك ثَمَانِي عشرَة سنة وان يكون النَّاظر فِي الامور صغيرها وكبيرها وخلع عَلَيْهِ خلع الوزارة وَطرح لَهُ مصلى فِي مجْلِس ابيه

وَركب بدر الخرشني صَاحب الشرطة فَنَادَى بِبَغْدَاد ان لَا يجْتَمع من اصحاب ابي مُحَمَّد البربهاري نفسان واستتر البربهاري وَخرج من الراضي توقيع (1) طَوِيل فِي معناهم وَكَانَت حَال البربهاري قد زَادَت بِبَغْدَاد حَتَّى انه اجتاز الْجَانِب الغربي فعطس فشمته اصحابه فارتفعت ضجتهم حَتَّى سَمعهَا الْخَلِيفَة فِي الْوَقْت وَهُوَ فِي روشنه فَسَالَ عَن الْحَال فَأخْبر بهَا فاستهولها واصحابه يذكرُونَ عَنهُ صلاحا كثيرا وأضداده يذكرُونَ خلاف ذَلِك حَتَّى حكوا عَنهُ انه حمل فِي درج مقفول لَهُ منطر (2) بَعرَة وَجَاء الى بزاز فِي الكرخ فَقَالَ هَذِه بقرة جمل ام الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رضى الله عَنْهَا واريد ان ارهنها عنْدك على الف دِينَار فَاعْتَذر الرجل فَتَركه فَلَمَّا كَانَ من الْغَد اجتاز عَلَيْهِ فَصَعدَ وَقبل لحيته وَقَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام يقبلهَا فَتَركه اصحابه امرد وحكاياتهم فِي امثال هَذَا عَنهُ كَثِيرَة سعيد (3) بن حمدَان فِي ضَمَان الْموصل وديار ربيعَة سرا وَمضى اليها فِي خمسين غُلَاما فَقبض عَلَيْهِ حِين وصل اليها ابْن اخيه ابو مُحَمَّد الْحسن بن عبد الله وَقَتله فَأنْكر ذَلِك الراضي فَأمر ابْن مقلة بِالْخرُوجِ اليه فأظهر ابْن مقلة ان عَليّ بن عِيسَى هُوَ الَّذِي كَاتبه حَتَّى عصى وصادر عليا على خمسين الف دِينَار وَأخرجه الى الصافية واستخلف ابْن مقلة ابْنه بالحضرة وَصَارَ الى الْموصل فَتَركهَا ابو مُحَمَّد ورحل الى بلد الزَّوْرَاء (4) فاستخرج ابْن مقلة مَال الْبَلَد (5) واستسلف من التُّجَّار على غلاته فَحصل مَعَه اربعمائة الف دِينَار فبذل سهل بن هَاشم كَاتب ابي مُحَمَّد بن (6) حمدَان للوزير ابي الْحُسَيْن ابْن الْوَزير ابي عَليّ عشرَة الاف دِينَار حَتَّى كَاتب اباه ان الامور بالحضرة مضطربة فانزعج واستخلف على الْموصل عَليّ بن خلف بن طياب (7) وَانْصَرف الى بَغْدَاد

وَخرج اليه الامير ابو الْفضل متلقيا وَلَقي الراضي وخدمه فَخلع عَلَيْهِ وعَلى ابْنه وَقبض على جَعْفَر بن المكتفي حِين بَلغهُمْ انه دَعَا الى نَفسه وَنهب منزله وَأخذ لَهُ مَال جزيل وَكَانَت دَاره قَرِيبا من الزَّاهِر وَمِمَّنْ اسْتَجَابَ لَهُ يانس المرفقي وَكَانَ نزل بقصر عِيسَى فأبعد الى قنسرين والعوصم وَجعل اليه اعمالها وَفِي شهر رَمَضَان توالى وُقُوع الْحَرِيق بالكرخ مِنْهَا فِي صف التوزيين (1) اصيب بِهِ خلق من التُّجَّار فعوضهم الراضي مَالا وَكَانَ الْعقار لقوم من الهاشميين فَأَعْطَاهُمْ عشرَة الاف دِينَار وَاحْتَرَقَ ثَمَانِيَة واربعون صفا من اسواقها طرح النَّار قوم من الحنبلية حِين قبض بدر الخرشني على رجل من اصحاب البربهاري يعرف بالدلا وَاحْتَرَقَ خلق من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَوَقع حريق ثَالِث احْتَرَقَ فِيهِ الحدادون والصيارف والعطارون وَقبض الْوَزير ابو الْحُسَيْن بن مقلة على ابي الْحُسَيْن البريدي فتوسط بَينهمَا ابو عبد الله مُحَمَّد بن عَبدُوس فصادره على خمسين الف دِينَار يُسَلِّمهَا بالاهواز وَمضى مَعَه الْكُوفِي لياخذها فَلم يسلم اليه شَيْئا وَكَانَ الْكُوفِي يجمل عشرته وَيَقُول اقمت مَعَه غير متصرف وَلَا دَاخل تَحت تبعه سنة وَحصل لي مِنْهُ خَمْسَة وَثَلَاثُونَ الف دِينَار وتقلدت هُنَاكَ امْر ابْن رائق وكفيت امْر ابْن مقلة وَكَاتب ابْن مقلة البريدي كتابا يَقُول فِيهِ ويل للكوفي انفذته ليصلحك لي فافسدك عَليّ وَالله لاقطعن يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وأتى ابو مُحَمَّد بن حمدَان الى الْموصل وَبهَا اصحاب السُّلْطَان وعَلى حربها ماكرد الْكرْدِي فهزموه ثمَّ هَزَمَهُمْ وَكتب يسال الصفح وَيقوم بِمَال الضَّمَان فَأُجِيب الى ذَلِك وَلم يسْتَوْف التُّجَّار الغلات الَّتِى ناعمهم (2) اياها ابْن مقلة فتظلموا فأحالهم على عُمَّال السوَاد بِبَعْض اموالهم وباعهم بِالْبَاقِي ضيَاعًا سلطانية فَلم تحصل من سفرته حِينَئِذٍ فَائِدَة وهرب من دَار الْوَزير ابي عَليّ القراريطي وَقبض على ابي يُوسُف عبد الرحمان بن مُحَمَّد بن دارة بسوق الْعَطش وصودر على خمسين الف دِينَار

وَمَات مُحَمَّد (1) بن ياقوت فِي الْحَبْس وَأخرج الى الْقُضَاة فشاهدوه وَسلم الى اهله وَبَاعَ الْوَزير ضيَاعه واملاكه وغلا السّعر بِبَغْدَاد حَتَّى بلغ الْكر من الْحِنْطَة مائَة وَعشْرين دِينَارا وَالشعِير تسعين دِينَارا وَمَات ابو عبد الله مُحَمَّد بن خلف النيرماني بالاعمال الَّتِى استولى عَلَيْهَا مزداويج وَكَانَ قد انفذ اليها وَاقْبَلْ غلْمَان مزداويج (2) متقدمهم بجكم الى جسر النهروان فَأمروا بِدُخُول الحضرة وعسكروا بالمصلى واضطرب الحجرية لذَلِك فكاتبهم ابْن رائق وَهُوَ يتقلد اعمال المعاون بواسط وَالْبَصْرَة فانحدروا اليه فأسنى لَهُم الرزق وَجعل متقدمهم بجكم الرائقي وأتته الاعراب والقرامطة فقبلهم واستفحل امْرَهْ سنة ارْبَعْ وَعشْرين وثلاثمائة فِي شهر ربيع الاول مَاتَ الامير هَارُون بن المقتدر بِاللَّه واغتم عَلَيْهِ الراضي (3) غما شَدِيدا واتهم بختيشوع بانه افسد تَدْبيره فنفاه الى الانبار ثمَّ سَالَتْ فِيهِ السيدة فَأَعَادَهُ وَأطلق المظفر بن ياقوت من الْحَبْس وقلد ابْن مقلة مُحَمَّد بن طغج الاخشيد اعمال مصر مَعَ مَا اليه من الشَّام وعزل عَن مصر احْمَد بن كيغلغ وَقطع ابْن رائق مَال وَاسِط وَالْبَصْرَة وَاحْتج باجتماع الْجَيْش عِنْده وَلما خرج المظفر بن ياقوت من الْحَبْس عول على التشفي من ابْن مقلة وَكَانَ قد حلف لَهُ على صفاء النِّيَّة واعتضد ابْن مقلة ببدر الخرشني وأوحش المظفر للساجية والحجرية فَصَارَت كلمتهم وَاحِدَة وَأَحْدَقُوا بدار السُّلْطَان وضربوا الخيم وَكَانَ المظفر يظْهر للوزير انه مُجْتَهد فِي الصُّلْح فَحلف لَهُم وحلفوا لَهُ ولبدر الخرشني

ودبر ابْن مقلة انحدار الراضي الى وَاسِط مظْهرا انه يقْصد الاهواز حَتَّى يقبض على ابْن رائق فَأخذ مَعَه القَاضِي ابا الْحُسَيْن ليسمع الرسَالَة (1) من الْخَلِيفَة وَسَأَلَهُ ان (2) يتَقَدَّم بهَا الى ابْن رائق فَلَمَّا حصل فِي دهليز الصحن التسعيني شغب عَلَيْهِ المظفر بن ياقوت مَعَ الحجرية وقبضوا عَلَيْهِ وَعرفُوا الراضي انه الْمُفْسد الاحوال وسألوه ان يستوزر غَيره وَذكروا عَليّ بن عِيسَى فَامْتنعَ فَاسْتَشَارَهُ الراضي فاشار باخيه عبد الرحمان فانفذ الراضي بالمظفر ابْن ياقوت الى عبد الرحمان فَأحْضرهُ وزارة عبد الرحمن بن عِيسَى للراضي بِاللَّه خلع عَلَيْهِ لاربع عشرَة لَيْلَة بقيت من جُمَادَى الاولى وَسَار الْجَيْش مَعَه الى دَاره واحرقوا دَار ابْن مقلة واستتر اولاده وَحكي ان ابْن مقلة لما شرع فِي بِنَاء دَاره بالزاهر جمع لَهُ المنجمون حَتَّى اخْتَارُوا وقتا لبنائه وَوضع اساسه بَين الْمغرب وعشاء الاخرة فَكتب اليه بَعضهم ... قل لِابْنِ مقلة مهلا لَا تكن عجلا ... واصبر فانك فِي اضغاث احلام تبني بانقاض دور النَّاس مُجْتَهدا ... دَارا ستنقض ايضا بعد ايام مَا زلت تخْتَار سعد المشترين (3) لَهَا ... فَلم توق بِهِ من نحس إبهرام ان الْقرَان وبطليموس مَا اجْتمعَا ... فِي حَال نقض وَلَا فِي حَال ابارم ... وَجرى على ابْن مقلة من المكاره مَا يطول شَرحه وَضرب بالمقارع وَأخذ خطه بِأَلف الف دِينَار وَكَانَ بِهِ ضيق النَّفس لَان الدستواني دهقه على صَدره قَالَ ثَابت بن سِنَان دخلت اليه لاجل مرض اصابه فرايته مطروحا على حَصِير خلق على بَارِية وَهُوَ عُرْيَان بسراويل وَمن رَأسه الى اطراف اصابعه كلون الباذنجان فَقلت انه مُحْتَاج الى الفصد فَقَالَ الخصيبي يحْتَاج ان يلْحقهُ كد فِي الْمُطَالبَة فَقلت ان لم يفصد تلف وان فصد ولحقه مَكْرُوه تلف فكاتبه الخصيبي ان كنت تظن ان الفصد يرفهك فبئس مَا تظن ثمَّ قَالَ افصدوه ورفهوه الْيَوْم ففصد وَهُوَ يتَوَقَّع الْمَكْرُوه فاتفق للخصيبي مَا احوجه للاستتار فَكفى ابْن مقلة امْرَهْ

وَحضر (1) ابْن قرَابَة وتوسط امْرَهْ وَضَمنَهُ حمله الى دَاره وَأطْلقهُ بعد أَيَّام وأنفذه الى ابيه وكرهت الحجرية مقَام بدر الخرشني بالحضرة فَصَرفهُ الراضي عَن الشرطة وقلده (2) باصبهان وَفَارِس فاستعفى عبد الرحمان بن عِيسَى من الوزارة حِين عجز عَن تمشية الامور فَقبض عَلَيْهِ الراضي فِي رَجَب وَقبض على اخيه عَليّ بن عِيسَى وصادر عليا على مائَة الف دِينَار ادى مِنْهَا تسعين الْفَا وصادر عبد الرحمان على سعبين الف ادى مِنْهَا ثَلَاثِينَ ولليلة بقيت من شعْبَان توفّي ابو بكر مُحَمَّد بن مُوسَى بن مُجَاهِد (3) وَدفن عِنْد دَاره بسوق الْعَطش وَكَانَ مولده سنة خمس واربعين وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ ابو الْفضل الزُّهْرِيّ انتبه ابي فِي اللَّيْلَة الَّتِي مَاتَ فِيهَا ابو بكر بن مُجَاهِد الْمقري فَقَالَ يَا بني ترى من مَاتَ اللَّيْلَة فَانِي رَأَيْت فِي مَنَامِي كَأَن قَائِلا يَقُول قد مَاتَ اللَّيْلَة مقوم وَحي الله مُنْذُ خمسين سنة فَلَمَّا اصبحنا واذا بِابْن مُجَاهِد قد مَاتَ ونقلت من خطّ رَئِيس الرؤساء ابي الْحسن بن حَاجِب النُّعْمَان كَانَ ابْن مُجَاهِد اذا ختم اُحْدُ عِنْده الْقُرْآن عمل دَعْوَة فختم اُحْدُ اولاد النجارين فَعمل دَعْوَة فَحَضَرَ ابو بكر واصحابه وَحضر الصُّوفِيَّة والقوالون فَلَمَّا قا رب ثلث اللَّيْل استدعى ابو بكر بن مُجَاهِد ازاره فطرحه على كتفه وَقَالَ امْضِي فِي حَاجَة وأعود فَلَا يَتبعني اُحْدُ قَالَ فعجبنا من خُرُوجه فِي ذَلِك الْوَقْت وظننا انه انكر سوء ادب ومكثنا منكرين فَلَمَّا كَانَ بعد ساعتين وافى وَعَاد الانبساط فسالناه عَن نهضته فَقَالَ اصدقكم نظرت فاذا انا فِي طيبَة وَلَذَّة وَذكرت ان بيني وَبَين فلَان الضَّرِير مقة وَشر ففكرت انني فِي هَذِه اللَّذَّة وان ذَاك وَاقِف بَين يَدي الله عز وَجل يتهجد وَلم احب ان اكون بِهَذِهِ الصّفة وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال من ثقل الْقلب فَخفت من الله تَعَالَى ففصدته وَدخلت دَاره فَقبلت راسه واصلحت بيني وَبَينه فأمنت استحكامه وعدت الى مَا نَحن عَلَيْهِ وَأَنا طيب الْقلب وَفِي شهر رَمَضَان ورد الْخَبَر بقتل ياقوت بعسكر مكرم وَدفن بهَا وَذَلِكَ ان جنده شغبوا عَلَيْهِ وَمن جُمْلَتهمْ ثَلَاثَة الاف اسود وَانْصَرف عَنهُ طَاهِر الجيلي فِي ثَمَانِيَة رجال الى الكرج وكبسه عَليّ بن بلقويه فقلل رِجَاله وَنَجَا طَاهِر بِنَفسِهِ واستأسر

كَاتبه ابا جَعْفَر الصَّيْمَرِيّ وَكَانَ سَبَب اقباله واتصاله بمعز الدولة فكاتب ياقوت البريدي وَهُوَ بالاهواز يعرفهُ الصُّورَة فَقَالَ البريدي انا كاتبك ومدبر امرك وَالصَّوَاب ان تنفذ بِالرِّجَالِ حَتَّى اقرر مَعَهم الْحَال فَتقدم اليهم بالمصير فاستعولهم البريدي فانقطعوا اليه فَسَار ياقوت اليه فِي ثَلَاثمِائَة رجل لِئَلَّا يستوحش ويلقاه البريدي فِي السوَاد الاعظم وترجل لَهُ وَقبل الارض ووقف على رَأسه على سماطه وَقَالَ الْجند انما وافى ياقوت ليقْبض علينا وَقد وَافق البريدي على ذَلِك فَقَالَ لَهُ البريدي اخْرُج ايها الامير والا قتلنَا جَمِيعًا فَخرج الى تستر وَسبب لَهُ البريدي على عاملها خمسين الف دِينَار فَقَالَ لياقوت مونس مَوْلَاهُ ايها الامير إِن البريدي يحز مفاصلنا ويسخر منا وَأَنت مغتر (1) بِهِ وَقد أفسد رجالك وقوادك وَقد اتَّصَلت كتب الحجرية اليك وَلَيْسَ لَهُم شيخ سواك فَلَو دخلت بَغْدَاد فَأول من يطيعك مُحَمَّد بن رائق بِالضَّرُورَةِ ولانك نَظِير ابيه والا فَاخْرُج الى الاهواز فاطرد البريدي عَنْهَا فانت فِي خمس مائَة كَهُوَ (2) فِي عشرَة الاف ومعك خَمْسَة الاف وانت انت وَقد قَالَ عَدوك عَليّ بن بويه لَو كَانَ فِي عسكرك مائَة مثلك مَا قاومناك فَقَالَ افكر فِي هَذَا فَخرج مونس مغضبا فِي ثَلَاثَة الاف ووافى عَسْكَر مكرم وَقَالَ انا لَا اعصي مولَايَ فانه اشتراني ورباني واصطنعني وَلَكِنِّي افْتَحْ الاهواز واسلمها اليه فَمَا اسْتَقر مونس بعسكر مكرم ثَلَاث سَاعَات حَتَّى وافى كتاب ياقوت اليه يحذرهُ كفر نعمه وَكَانَ الْكتاب مَعَ شيخ مقدم يُقَال لَهُ دَرك وَكَانَت السن قد اخذت مِنْهُ وَحضر مَعَه خَادِم مُغفل يُقَال لَهُ ابو النمر فَقَالَ لمونس مَوْلَاك قبض على ابنيه وهما درتان فَلم يسْتَحل ان يَعْصِي مَوْلَاهُ وَلم يحارب لاجلهما وَلَا طَالب بهما واستفتى الْفُقَهَاء فأفتوه انه لَا يحل لَهُ ان يحارب الامام افأنت تَعْصِي مَوْلَاك اما تخَاف ان تخذل فِي هَذِه الْحَرْب فتخسر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَأَقَامَ مونس لما اخذه العذل والتأنيب حَتَّى وافى ياقوت وَاجْتمعَ مَعَه ووافى عَسْكَر البريدي فخيموا فِي صحراخان (3) طوق ومتقدمهم ابو جَعْفَر الْجمال غُلَام البريدي فَقَالَ ياقوت لمونس ان السُّلْطَان لنا بِالنِّيَّةِ الَّتِى عرفتها وَلَا مَوضِع لنا نأويه غير

هَذَا الْبَلَد وَالْحَرب سِجَال وان حاربنا هَذَا الرجل وانهزمنا كُنَّا بَين الْقَتْلَى فَيُقَال قد كفر نعْمَة مَوْلَاهُ فألعن اَوْ بَين الاسارى وان ينفذنا الى الحضرة فنشهر بهَا وَالْوَجْه المداراة وان نعود الى تستر والجبل فان صَحَّ لنا بهَا امْر والا لحقنا خُرَاسَان وشاع كَلَامه فضعف نفوس اصحابه وطالت الايام (1) وَاسْتَأْمَنَ من عسكره الى البريدي خلق حَتَّى بَقِي ياقوت فِي الف رجل وَكَانَ مونس يبكر اليه وَيَقُول يَا مولَايَ مضى اصحابنا فَيَقُول وَأي خير فِي من لَا يصلح لنا فَلَمَّا علم البريدي من نَفسه الْقُوَّة راسل ياقوتا بِالْقَاضِي ابي الْقَاسِم التنوخي وأعلمه انه على الْعَهْد وانه كَاتبه وان الامارة لَا تصلح لَهُ وَسَأَلَهُ ان يعود الى تستر وان يُزَوّج ابْنَته من ابي الْعَبَّاس احْمَد بن ياقوت فَقبل ياقوت الرسَالَة وانعقد الصهر ورحل الى تستر ووافاه ابْنه المظفر بهَا واخبره ان الراضي قد من عَلَيْهِ بِنَفسِهِ واشار عَلَيْهِ بالاصعاد اليه وَالْمقَام بدير العاقول وان راي الحجرية مبادرين اليه وان كرهه السُّلْطَان تولى الْموصل وديار ربيعَة وان منع من ذَلِك قصد الشَّام فَحلف (2) ابْنه ابْنه (3) فَاسْتَأْذن ابْنه ان يكون بعسكر مكرم فَأذن لَهُ وَاسْتَأْمَنَ البريدي وَجَاء ياقوت الى الْعَسْكَر فَنزل عِنْد نهر جارود فظهرت الطَّلَائِع من عَسْكَر ابي جَعْفَر الْجمال وَبَيت ياقوت فِي الف رجل فاعي من بازائه وهم اضعاف عدته وكادوا ينهزمون فَظهر كمين البريدي فِي ثَلَاثَة الاف رجل فابلس ياقوت وَقَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم فَرمى بِنَفسِهِ من دَابَّته وَبَقِي بسراويل وقميص شيزي وَأَوَى الى بَاب رِبَاط يعرف برباط الْحُسَيْن بن زِيَاد (4) وَلَو دخله لجَاز ان يسلم وَجلسَ وغطى وَجهه وَجعل يسْأَل ويوهم انه رجل من ارباب النعم متصدق (5) فركض اليه قوم من البربر اصحاب (6) من البريدي فكشفوا وَجهه وحزوا راسه حِين عرفوه وَحَمَلُوهُ الى الْجمال (7) فَأطلق طائرا الى البريدي بالْخبر فَأمر ان

يجمع بَين رَأسه وجثته ويدفن بالموضع الَّذِي قتل فِيهِ وَيعرف بَين الساقيتين وَلم يجد لَهُ غير اثْنَي عشر الف دِينَار وَوجد فِي صناديقه كتب الحجرية اليه من بَغْدَاد ليراشوه وانفذ البريدي ابْنه المظفر الى الحضرة وَكَانَت (1) نفس ابي عبد الله البريدي ضَعِيفَة فقواها اخوه ابو يُوسُف حَتَّى شهر نَفسه بالعصيان وَكَانَت نَفَقَة مائدته فِي كل يَوْم الف دِرْهَم وَكَانَ غلمانه خَمْسَة وَكسوته متوسطة وَلم يتسر الا بِثَلَاث جواري وَلم تكن لَهُ زَوْجَة غير وَالِدَة ابْنه ابي الْقسم وَكَانَت صلَاته للجند خَاصَّة وَلم يُعْط شَاعِرًا وَلَا طَارِقًا شَيْئا وصادر ابو جَعْفَر الْكَرْخِي ابْن مقلة بعد مصادرة عبد الرحمان بن عِيسَى على مائَة الف دِينَار ادى مِنْهَا ابْن قرَابَة عَنهُ خَمْسَة واربعين الف دِينَار وَلم يعد اليه الْعِوَض (2) ورد الْوَزير ابو جَعْفَر الْكَرْخِي الى ابي عَليّ بن مقلة الاشراف على اعمال الضّيَاع وَالْخَرَاج لسقي الْفُرَات واجرى عَلَيْهِ فِي كل شهر الف دِينَار وَقبض على ابي عبد الله مُحَمَّد بن عَبدُوس الجهشياري وصادره على مِائَتي الف دِينَار ادى مِنْهَا مائَة الف وَكَانَ الْكَرْخِي غير ناهض بالوزارة وَكَانَ فِيهِ ابطاء فِي الْكِتَابَة وَالْقِرَاءَة فَلَمَّا نقصت هَيئته واحتف الْمُطَالبَة لَهُ بالاموال وَقد تغلب الْخَوَارِج (3) على الاعمال فاستتر بعد ثَلَاثَة ايام من تقلده الوزارة وَكَانَ استتاره يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من شَوَّال (4) فَاسْتَحْضر الراضي ابا الْقسم سُلَيْمَان بن الْحسن (5) عَاشر شَوَّال وخاطبه فِي الوزارة وخلع عَلَيْهِ فَكَانَ فِي التجبر مثل ابي جَعْفَر فَدفعت الراضي الضَّرُورَة الى ان راسل ابا بكر بن رائق فِي الْقدوم وتقلد الامارة (6) ورئاسة الْجَيْش وان يخْطب لَهُ على المنابر بكنى وانفذ اليه بِالْخلْعِ واللواء مَعَ الخدم وَانْحَدَرَ اليه اصحاب الدَّوَاوِين وَجَمِيع قواد الساجية فَلَمَّا حصلوا بواسط قبض على الْحسن بن هَارُون وعَلى الساجية وحبسهم فِي المطامير وَنهب رحلهم وَخرج من بَغْدَاد مِنْهُم حِين بَلغهُمْ الْخَبَر الى الشَّام

سنة خمس وعشرين وثلاثمائة

وأصعد ابْن رائق الى بَغْدَاد فِي الْعشْرين من ذِي الْحجَّة مَعَه بجكم (1) والاتراك والديلم والقرامطة وَضرب لَهُ الراضي مَضْرُوبا فِي الحلبة وَوصل الى بَغْدَاد لخمس بَقينَ من ذِي الْحجَّة وَوصل الى الراضي وَمَعَهُ بجكم (1) ورؤساء اصحابه وَصَارَت مرتبته فَوق الْوَزير وخلع عَلَيْهِ وَصَارَ فِي الْخلْع الى مضربه بالحلبة وَحمل اليه من دَار السُّلْطَان الطَّعَام وَالشرَاب والفواكه وَكَانَت الحجرية قد ضربوا الخيم متوكلين بِالدَّار (2) وَأمرهمْ بالانصراف فعطل امْر الوزارة وَلم يكن الى الْوَزير غير حُضُور الموكب بِالسَّوَادِ وَالسيف والمنطقة وني هَذِه السّنة ملك ابو عَليّ بن الياس وَهُوَ من الصغد كرمان وصفت لَهُ وزالت المنازعات سنة خمس وَعشْرين وثلاثمائة انحدر ابْن رائق (3) مَعَ الراضي لمراسلة البريدي فِي عشر من الْمحرم وَكَانَت عدَّة الْحجاب فِي دَار السُّلْطَان اربعمائة وَثَمَانِينَ حاجبا فاقتصر ابْن رائق على سِتِّينَ وَأسْقط البَاقِينَ وَأسْقط من الحجرية خلقا فحاربوه فَهَزَمَهُمْ وَأسر بَعضهم وَأمر صَاحب شرطته لولو بِقَبض اموالهم واحراق دُورهمْ وَتقدم بقتل (4) من حَبسهم من الساجية عَنهُ وَكَانَ مُدبر امْر رائق ابا عبد الله النوبختي فاعتل بعد مصاحبته بِثَلَاثَة اشهر فاستكتب مَكَانَهُ ابا عبد الله الْكُوفِي وقلق البريدي لما نزل الراضي وَابْن رائق باذبين (5) وراسل بِأَن يحمل فِي كل سنة ثَلَاثمِائَة الف وَسِتِّينَ الف دِينَار وان يسلم الْجَيْش الى جَعْفَر بن وَرْقَاء حَتَّى يحملهم الى فَارس وَكَانَ اخوه ابو الْحُسَيْن وامه بِبَغْدَاد فانحدرا الى وَاسِط فَخلع عَلَيْهِمَا واحدرا اليه وَمضى مَعَ جَعْفَر بن وَرْقَاء فَلَمَّا لبس البريدي الْخلْع الَّتِى صَحِبت جَعْفَر وَسَار بَين يَدَيْهِ الْعَسْكَر وَكَانَ لبسه لِلْخلعِ بِجَامِع الاهواز فَلَمَّا رأى طَاعَة الْجند لَهُ ادهش ذَلِك

جعفرا وولاهم البريدي عَلَيْهِ حَتَّى طالبوه بِالْمَالِ فَاسْتَجَارَ جَعْفَر بالبريدي حَتَّى اعادة الى الحضرة واصعد الراضي وَابْن رائق الى بَغْدَاد وَكَانَ الْمُتَوَلِي لِلْبَصْرَةِ مُحَمَّد بن يزْدَاد واستوحش ابو (1) الْحسن بن عبد السّلم واشار عَلَيْهِ بالتغلب على الْبَصْرَة فَبنى ابو عبد الله مائَة قِطْعَة من الة المَاء واتاه اهل الْبَصْرَة فِي جمع عَظِيم للتهنئة بِالْولَايَةِ فقربهم واكرمهم وَقَالَ قد اطلع ابْن عبد السّلم على نيتي الجميلة فِيكُم واني قد اعددت الة المَاء انفذ مِنْهَا الجيوش لاحسن بلدكم من القرامطة وانما ضمنت (2) الْبَصْرَة من السُّلْطَان لظلم ابْن رائق لكم وَكَانَ ابْن رائق قد امْتنع من اجابة ابي يُوسُف البريدي الى ضَمَان الْبَصْرَة وبذل فِيهَا اربعة الاف الف دِرْهَم وَمَا زَالَ بِهِ الْكُوفِي وَابْن مقَاتل حَتَّى ضمنه اياها وَقد ازلت عَنْكُم يَا اهل الْبَصْرَة الشرطة والماصير والشرك (3) وتحملت ذَلِك من مَالِي وَكتب توقيعا بخطة برفعها عَنْهُم وسيبلغ ابْن رائق فعلي بكم فيعاديني وَمَا ابالي وَلَو عاداني اخواني فِي صلاحكم واني لارجوا الْمَغْفِرَة بازالة الرسوم الجائرة عَنْكُم وان عزم ابْن رائق على رد ذَلِك فاين السواعد القوية والا كف الَّتِي حَارَبت عَليّ بن ابي طَالب (12967) عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا فَكرت فِي مكاشفته فَمَتَى رام ابْن رائق ذَلِك فاضربوا وَجهه بِالسَّيْفِ وانا من وَرَائِكُمْ يَا اهل الْبَصْرَة لقد فشلتم ايْنَ يومكم مَعَ ابْن الاشعث (5) ايْنَ يومكم ع ابراهيم ابْن مُحَمَّد (6) اني عبد الله بن حسن بن حسن مَتى اخذكم ضيم فصبرتم ثمَّ هَذَا عسكري سَائِر مَعكُمْ فلتكن أمالكم ممتدة وقلوبكم قَوِيَّة وَوَقع للنَّفَقَة على الْجَامِع بالفي دِينَار وَوَقع لَهُم بتَخْفِيف معاملاتهم بالف الف دِرْهَم وَانْصَرفُوا وَقد صَارُوا سيوفهم (7)

وسير البريدي (1) اقبالا غُلَامه فِي الفي رجل وَتقدم اليهم ان يقيموا بحصن مهْدي الى ان ياتيهم اقبال واتصل الْخَبَر بِابْن يزْدَاد فَقَامَتْ قِيَامَته وَلما وصل الراضي وَابْن رائق الى بَغْدَاد قلد ابْن رائق بجكم (2) الشرطة وانزله فِي دَار مُحَمَّد بن خلف النيرماني على دجلة وقلد القَاضِي ابا الْحُسَيْن عمر بن مُحَمَّد (3) قَضَاء الْقُضَاة واثبت ابْن رائق من الحجرية الفي رجل وامرهم بِالْمَسِيرِ الى الْجَبَل فَلَمَّا صَارُوا بالهزوان (4) اجْمَعْ رايهم على الْمُضِيّ الى الاهواز فقبلهم البريدي وأضعف ارزاقهم واأظهر للسُّلْطَان وَابْن رائق انه لم تكن لَهُ قدرَة بدفعهم وغلبت على الدُّنْيَا الطوائف فَصَارَت وَاسِط وَالْبَصْرَة والاهزاز فِي يَد البريدي وَفَارِس فِي يَد على بن بوية (5) وكرمان فِي يَد ابي عَليّ بن (6) الياس والري واصبهان والجبل فِي يَد ركن الدولة ابي عَليّ (7) بن بوية وشكمير والموصل (8) وديار ربيعَة وديار بكر فِي يَد بني حمدَان ومصر وَالشَّام فِي يَد مُحَمَّد بن طغج وَالْمغْرب وافريقية فِي يَد ابي تَمِيم (9) والاندلس فِي يَد الاموي (10) وخراسان فِي يَد نصر بن (11) احْمَد (3068) وطبرستان وجرجان فِي يَد الديلم واليمامة (12) والبحرين فِي يَد ابي طَاهِر (12) الجناني (14) وَلم يبْق فِي يَد الراضي وَابْن رائق غير السوَاد (15)

وبلغ ابن رائق ما خاطب به البريدي اهل البصرة فاتاهم الكوفي وقال له اكتب اليه انني انكرت قبولك للحجرية فاما رددتهم واما طردتهم واما من انفذت به من اصحابك الى البصرة فانما فعلت ذلك لحفظها من القرامطة وقد كفينا امرهم ونفذوا الى بلادهم

وَكَانَ بدر الخرشني بديار مصر فَضَاقَ مَالهَا عَن رِجَاله فانحدر عَنْهَا وَحصل بهيت فقصد تِلْكَ الديار سيف الدولة فغلب عَلَيْهَا وَقبض ابو عبد الله احْمَد بن عَليّ الْكُوفِي على ابي مُحَمَّد بن شيرزاد وصادره على مائَة وَعشْرين الف دِينَار ووافى ابو طَاهِر القرمطي الى الْكُوفَة وفخرج ابْن رائق من بَغْدَاد لثلاث خلون من جمادي الاولى وَنزل بُسْتَان ابْن ابي الشَّوَارِب بالياسرية (1) وراسل ابا طَاهِر وَقرر مَعَه ان يحمل اليه فِي كل سنة اذا دخل فِي الطَّاعَة طَعَاما ومالا قدره مائَة وَعِشْرُونَ الف دِينَار وَسَار ابو اطاهر الى بَلَده وَسَار وَسَار ابْن رائق الى وَاسِط وَقد جاهر البريدي بِالْخِلَافِ عزل الراضي سُلَيْمَان بن الْحسن عَن وزارته وَكَانَت مدَّتهَا عشرَة اشهر وَثَلَاثَة ايام واشار ابْن رائق على الراضي باستيزار ابي الْفَتْح الْفضل بن جَعْفَر بن الْفُرَات وَكَانَ بِالشَّام فستقدمه واستعتبه وزارة ابي الْفضل (2) بن الْفُرَات للراضي بِاللَّه كَانَت عِنْد قدومه من الشَّام لست خلون من شَوَّال فَقيل لِابْنِ مقلة القه فَقَالَ ... فَقلت لَهَا لَا عداك الصَّوَاب ... وان كَانَ قَوْلك الا سديدا ... امثلي تطاوعه نَفسه ... على ان يرى خاضعا مستزيدا ... (13168) وَبلغ ابْن رائق مَا خَاطب بِهِ البريدي اهل الْبَصْرَة فاتاهم الْكُوفِي وَقَالَ لَهُ اكْتُبْ اليه انني انكرت قبولك للحجرية فاما رددتهم واما طردتهم واما من انفذت بِهِ من اصحابك الى الْبَصْرَة فانما فعلت ذَلِك لحفظها من القرامطة وَقد كفينا امرهم ونفذوا الى بِلَادهمْ وَكَانَ قصد ابْن رائق المغالطة وان لَا يكاشفه بالعداوة فَكَانَ جَوَاب البريدي ان اصحابه يتمسكون الحجرية لقربى بَينهم وانه (4) وان ابعدهم أوحسن للْجَمِيع لكنه يقطع ارزاقهم حَتَّى يتصرفوا وَكَانَ اصحاب البريدي الَّذين انفذهم مَعَ اقبال غُلَامه قد وَقعت بَينهم وَبَين اصحاب

مُحَمَّد بن يزْدَاد وتكين (1) الصغدي شحنه (2) الْبَصْرَة حَرْب بنهر الامير انهزم فِيهَا اصحاب ابْن رائق وانهزموا ثَانِيَة بسكرابان على فراسخ من الابلة وَدخل اقبال الْبَصْرَة وَخرج عَنْهَا مُحَمَّد بن يزْدَاد سالكا طَرِيق الْبر الى الْكُوفَة واصعد مِنْهَا تكين (3) ونيال الصغدي فِي المَاء الى وَاسِط وانفذ ابْن رائق وَقد عظم عِنْده الامر ابا عَمْرو والعاقولي برسالة البريدي (4) تَتَضَمَّن وَعدا ووعيدا فَكَانَ جَوَابه انه لايمكنه رد اصحابه عَن الْبَصْرَة لَان اهلها قد تمسكوا بهم وَلَكِن البصريون قد استوحشوا من مُحَمَّد بن يزْدَاد لما عاملهم بِهِ من سوء السِّيرَة فَكَانُوا يظنون عِنْد البريدي خيرا فراوا مِنْهُ مَا تمنوا يَوْمًا من ايام ابْن رائق فاستدعى ابْن رائق بَدْرًا الخرشني من هيت فَخلع عَلَيْهِ خلعا سلطانية وعول ابْن رائق على طرد الْكُوفِي وَقَالَ: ظَنَنْت إِنِّي انالف بِهِ البريدي فحسبي من ذنُوبه شؤمه عَليّ 2 وعول على اعادة الْحُسَيْن بن عَليّ النونختي وَقَالَ اوجه شفعائه عِنْدِي بركته على دَوْلَتِي فَقَالَ ابْن مقَاتل لاذنب للكوفي فِي هَذَا وَلَا فَائِدَة فِي استعادة الْحُسَيْن بن عَليّ وَهُوَ سقيم طريح وانت ذَاكر قولي لَك احفظ الْبَصْرَة فَقلت ان تكين (1) ونيال ليحفظانها فَاحْضُرْ الْكُوفِي واستخلفه على موالاته ومعاداة البريدي وخلع ابْن رائق على بِحكم (6) وسيرة وانفذ بعده بدر الخرشني الى الاهواز وانفذ مَعَهُمَا ابْن ابي عدنان الرَّاسِبِي ومشيرا ودليلا وامر احْمَد بن نصر القشوري بالْمقَام بالجامدة وامر بِحكم ان يسير الى الْبَصْرَة فَيصير البريدي بَينه وَبَين بدر وبادر بِحكم وَلم ينْتَظر بَدْرًا وَسَار فِي ثَلَاثمِائَة غُلَام اتراكا فَلَقِيَهُ ابو جَعْفَر الْجمال (7) فِي عشرَة الاف رجل باتم الة واكمل سلَاح وفانهزموا (8) من بَين يَدي بجكم

واراد ان ينْفَرد بِالْفَتْح دون بدر فَلَمَّا اتى أَبُو ابي جَعْفَر اللريدي قَامَ فلكمه وَقَالَ ظَنَنْت انك تحارب ياقوتا وَقد ادبر بلقاء الاتراك بسودان بَاب عمار والمولدين وَضم اليه ثَلَاثَة آلَاف (1) فَقَالَ ابو جَعْفَر قد تمكنت هَيْبَة الاتراك فِي قُلُوب اصحابنا وستعلم حَالهم فَطرح بجكم نَفسه فِي المَاء بتستر فَانْهَزَمَ اصحاب البريدي بِغَيْر قتال فَخرج ابو عبد الله وَمَعَهُ اخوه فِي طيارة وحملوا مَعَهم ثَلَاثمِائَة الف دِينَار كَانَت فِي خزانتهم فَغَرقُوا بالنهروان (2) فارجهم الغواصون واخرج لبجكم بعض (3) المَال فَقَالَ ابو عبد الله (13369) وَالله مَا نجونا بِصَالح اعمالنا من الْغَرق وَلَكِن لصاعقة يريدها الله تَعَالَى بِهَذِهِ الدُّنْيَا وَقَالَ لَهُ اخوه ابو يُوسُف وَيحك مَا تدع التطايب فِي كل حَال وَدخل بجكم (4) الاهواز وَكتب ابْن رائق بِالْفَتْح وَلما وصل ابو عبد الله الى الابلة وَمَعَهُ اخواه انفذ اقبالا غُلَامه الى مطارا واقام هُوَ واخواه (5) فِي طياراتهم واعدوا ثَلَاثَة مراكب للهرب خوفًا من ان تتمّ (6) على اقبال من عَسْكَر الجامدة بمطايا (7) مَا تمّ على ابي جَعْفَر بالسوس فَاخْرُج البريدي ابا الْحُسَيْن بن عبد السّلم لمعاضدة اقبال فَانْهَزَمَ اصحاب ابْن رائق ومتقدمهم احْمَد بن نصر القشوري وَأسر برغوت غُلَام ابْن رائق فَأَطْلقهُ البريدي وَكتب مَعَه كتابا يستعطف فِيهِ ابْن رائق وَدخل البريديون (8) الْبَصْرَة فاطمأنوا وَلم يُمكن بجكم (9) ان يسير الى الْبَصْرَة لخلوها (10) من آلَة المَاء وَعَاد بدر الخرشني الى وَاسِط فانفذه ابْن رائق فِي الطيارات الى الْبَصْرَة للحرب وانفذ ابا الْعَبَّاس احْمَد بن خاقَان الى الْمدَار (11) فَلَقِيَهُ اصحاب البريدي فأسروه وَحَمَلُوهُ اليه فَأَطْلقهُ واستحلفه ان لايعود الى حربه

فَلَمَّا اتَّصَلت الْهَزِيمَة بِابْن رائق سَار من وَاسِط الى الْبَصْرَة على الظّهْر لِلنِّصْفِ من شَوَّال وَكتب الى بجكم (1) ان يلْحق بِهِ بعسكر ابي جغفر وانفذ بدر الى ابْن عمر (2) وانفذ البريدي غُلَامه اقبال بِوَاسِطَة فَحصل بدر فِي الكلة وَحصل اقبال بالرصافة لما ملك بدر الكلا (3) هرب البريدي الى جَزِيرَة اوال وَخرج الْجند والعامة لدفع بدر وافى ابْن رائق (13470) وبجكم (4) الى عَسْكَر ابي جَعْفَر ضحوة النَّهَار من يَوْم وُرُود بدر الكلا وَعبر ابْن رائق وبجكم (1) دجلة الْبَصْرَة وتبعهما احْمَد بن نصر فَرَأَوْا من الْعَامَّة مَا بهرهم حَتَّى رجموا طيارا احْمَد فغرقوه وهرب ابو عبد الله من جَزِيرَة اوال الى فَارس واستجار بعماد الدولة (5) فانفذ مَعَه اخوه معز الدولة (6) ووردت الاخبار بذلك فَتقدم ابْن رائق الى بجكم (1) بالانصراف الى الاهواز ليحميها فَقَالَ لست احارب الديلم الا بعد ان تحصل لي امارة الاهواز فضمنه اياها بِمِائَة وَثَلَاثِينَ الف دِينَار مَحْمُولَة واقطعه اقطاعا بِخَمْسِينَ الف دِينَار وَنفذ وَمن عَجِيب الِاتِّفَاق ان طَاهِرا (7) الْجبلي (8) قصد ابْن رائق الى وَاسِط مستأمنا فَلم يجده فانحدر اليه الى عَسْكَر ابي جَعْفَر فَتَلقاهُ كتاب جَارِيَته وَابْنه انهما حصلا فِي يدا ابي عبد الله البريدي بِفَارِس فأكرمها فَعِنْدَ ذَلِك سَار طَاهِر فِي مِائَتي رجل وَتَبعهُ عَسْكَر البريدي فِي المَاء فَانْهَزَمَ بدر الى وَاسِط وَانْهَزَمَ ابْن رائق الى الاهواز فاشير على بجكم (1) بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَلم يفعل واقام عِنْده مكرما حَتَّى وافاه فاتك غُلَامه من وَاسِط فَرجع مَعَه اليها وَخلف بِحكم بالاهواز وَخلف ابو عبد الله البريدي عِنْد عماد الدولة ابْنه ابا الْحُسَيْن مُحَمَّد وابا جَعْفَر الْفَيَّاض رهينة وَسَار مَعَ ابي الْحُسَيْن معز الدولة الى الاهواز فَلَمَّا نزلُوا ارجان خرج بجكم لحربهم فَعَاد بعد ثَلَاثَة ايام مُنْهَزِمًا وَسبب انهزامه ان الْمَطَر اتَّصل (13570) اياما كَثِيرَة فَمنع الاتراك ان يرموا بالنشاب فَعَاد بجكم وَقطع فنطرة نهر اريق (11)

ورتب عَلَيْهَا جمَاعَة فَكَانَت المنازلة بَين معز الدولة وَبينهمْ ثَلَاثَة عشريوما (1) وَعبر معز الدولة فِي خَمْسَة نفر فِي سميرية فَهزمَ من كَانَ هُنَاكَ من اصحاب بجكم (2) فَعِنْدَ ذَلِك قبض بجكم على وُجُوه اهل الاهواز فيهم ابْن ابي عَلان وَيحيى بن سعيد السُّوسِي وَسَار بعسكره الى وَاسِط وَكَاتب ابْن رائق وَهُوَ بهَا ان كَانَ عِنْده مائَة (3) الف دِينَار يفرقها فِي عسكره (4) فَالْوَجْه ان يُقيم والا فَالصَّوَاب ان يصعد الى بَغْدَاد فَعِنْدَ ذَلِك اصْعَدْ وطالب بجكم حِين دخل واسطا من اعتقله من اهل الاهواز بِخَمْسِينَ الف دِينَار فَقَالَ ابو (5) زَكَرِيَّا يحيى بن سعيد السُّوسِي اردت ان اخبر مَا فِي نَفسه من طلب الْعرَاق فراسلته على لِسَان الْمُوكل بِي ايها الامير انت طَالب للْملك معول على خدمَة الْخلَافَة تطالب 06) قوما منكرين (7) فِي بِلَاد غربَة وَلَقَد حمي فِي امسنا طست وَجعل على بطن سهل بن قطين الْيَهُودِيّ (8) افما تعلم انه اذا سمع هَذَا عَنْك اوحش الا باعد مِنْك وَمَا تذكر (9) انكارك على ابْن رائق أيحاشه اهل الْبَصْرَة واهل بَغْدَاد وَقد حملت نَفسك على مثل مَا كَانَ يعْمل مزداويج بِأَهْل الْجَبَل وبغداد هِيَ دَار الخلاقة (10) لَا تحْتَمل هَذِه الاخلاق فَلَمَّا سمع بِهَذَا الْكَلَام رق وَأمر بِحل قيودنا واستعقل يحيى بن سعيد السُّوسِي وَأطْلقهُ فشفع فِي البَاقِينَ وَكَانَ طَاهِر الجيلي (11) قد (13671) فَارق الامير عماد الدولة بارجان فَكتب الى اخيه معز الدولة ان يُطَالب ابا عبد الله البريدي فَكتب البريدي لى اخيه ابي يُوسُف بالبقبض عَلَيْهِ وانفاذه الى فَارس فَفعل ذَلِك وَوصل معز الدولة الاهواز وَنزل البريدي دَار ابي عَليّ المسرقان ووافاه اهل الاهواز داعين مهنين وَكَانَ البريدي (12) بحمي الرّبع فَدخل عَلَيْهِ يوحنا الطَّبِيب وَكَانَ حاذقا فَقَالَ لَهُ مَا تُشِير عَليّ قَالَ ان تخلط وعني بذلك فِي المأكولات لترمى بالاخلاط فَقَالَ اعظم مِمَّا خلط يَا ابا زَكَرِيَّا لايكون قد ارهجت مَا بَين فَارس

والحضرة فان اقنعك هَذَا والا ملت الى الْجَانِب الاخر وارهجتها الى خُرَاسَان 3 وَسبب معز الدولة عَليّ البريدي بعد ان قَامَ مَعَه خَمْسَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا بمخمسة الاف الف دِرْهَم باحضار عسكره لينفذهم الى الامير ركن الدولة باصبهان فَاحْضُرْ اربعة الاف رجل وَقَالَ لمعز الدولة (1) ان اقاموا بالاهوازر بِمَا جرى بَينهم وَبَين الديلم فتنه وَالْوَجْه ان انفذهم مَعَ صَاحِبي ابي جَعْفَر الْجمال للسوس فامره بذلك ثمَّ طَالبه ان يحضر رجال المَاء الى حسن مهْدي ليشاهدهم فَيَنْفُذهُمْ الى وَاسِط فاستوحش البريدي وَقَالَ هَكَذَا عملت بياقوت فلولم اتعلم الا من قصتي لكفاني وَكَانَ الديلم يهنئونه (2) ويزعجونه من مَنَامه وَهُوَ مَحْمُوم وَكَانَ الامير ابو الْحُسَيْن بن بوية يكرمونه (3) وابو عَليّ الْعَارِض الْكَاتِب يجلس بَين يَدَيْهِ ويخاطبه بسيدنا فَأَما بَقِيَّة (13771) القواد من الديلم فَكَانَ عِنْدهم بمنزله دنية وهرب البريدي من ابْن بوية (4) فِي المَاء الى الباسيان وَتَبعهُ جَيْشه وكاتبه البريدي انه يضمن مِنْهُ الاهواز فِي كل سنة بِثمَانِيَة عشر الف الف دِرْهَم فاجابه الامير ابو الْحُسَيْن الى هَذَا وراسله البريدي بِالْقَاضِي ابي الْقسم التنوخي وابي عَليّ الْعَارِض ان نَفسه لَا تطيب بِقرب دَاره مِنْهُ وَاسْتقر الامر ان يحمل الى معز الدولة ثَلَاثِينَ الف دِينَار لنفقة الطَّرِيق فاجاب الى ذَلِك معز الدولة فانفذ البريدي مِنْهَا سِتَّة عشر الْفَا مَعَ التوخي فاحتسبه معز الدولة على الْبَاقِي ثمَّ اطلقه وَقَالَ دلان للامير ابي الْحُسَيْن وَهُوَ كَاتب جَيش معز الدولة وَكَانَ الصَّيْمَرِيّ من اتِّبَاعه (5) فَقَالَ لَهُ (1) ان البريدي قد سلك مَعَك طَريقَة مَعَ ياقوت وغرضه ابعادك الى السوس واستحكمت الوحشه بَين معز الدولة والبريدي وانفذ بجمكا (6) قائدا من قوادة فِي الفي رجل من الاكراد والاعراب فغلبوا على السوس وجنديسابور واقام البريدي ببنات ادار (7) غَالِبا على اسافل الاهواز وَبَقِي معز الدولة لَا يملك غير عَسْكَر مكرم وَقد احفاط بِهِ الاعداء من كل جَانب واضطرب عسكره وفارقوه

حَتَّى اتبعهم وترضاهم وَكَاتب عماد الدولة بالصورة فانفذ اليه الساربان (1) وَكَانَ شجاعا فِي ثَلَاثمِائَة ديلمي وَخَمْسمِائة الف دِرْهَم وَكَانَ ابو عَليّ الْعَارِض معتقلا بَين يَدي البريدي واتهم معز الدولة انه واطأه على مَا فعله وَكَانَ يبغض الْعَارِض لِأَنَّهُ شَاهده وَزِير مَا كَانَ الديلمي وَكَانَ بِحكم مَمْلُوكه فَطَلَبه مِنْهُ مَا كَانَ صَاحبه فأهداه فَعِنْدَ وُصُول الرِّجَال وَالْمَال انفذ معز الدولة الصَّيْمَرِيّ الى السوس عَاملا عَلَيْهَا وانفذ ثَلَاثمِائَة رجل الى بَنَات ادر (3) فهرب البريدي الى الْبَصْرَة فحصلت الاهواز بيد الامير ابي الْحُسَيْن وَحصل البريدي بِالْبَصْرَةِ وَاسْتقر بجكم بواسط واقام ابْن رائق بِبَغْدَاد وَهُوَ الَّذِي وضع المأصير بِبَغْدَاد وَمَا كَانَت سَمِعت بالضرائب من قبله وَحكي بجكم ان ابْن مقَاتل قَالَ لِابْنِ رائق اخطأت حِين قلدت بجكم الاهواز لانه اذا حصل بهَا نازعك (4) فِي امرك وَقد عرفت مُنَازعَة البريدي لَك وهم اصحاب دراريع قَالَ بَلغنِي ذَلِك فاخذت معي عشرَة الاف دِينَار وجئته لَيْلًا وَقد نَام النَّاس فَقلت فِي مُهِمّ لم يعلم بِهِ اُحْدُ وَلَوْلَا ان الترجمان مُحَمَّد بن نيال يخبر عني مَا استصحبته وَقد توقف الامير عَن تقليدي للاهواز واسألك ان تَأْخُذ هَذِه الْعشْرَة الاف دِينَار وتمضي عزمه فِيمَا نَوَاه فَلَمَّا رأى الدَّنَانِير مَال اليها وَكَانَ ذَلِك سَبَب ولايتي سنة سِتّ وَعشْرين وثلاثمائة لما ورد ابْن رائق بَغْدَاد اطمعه الْوَزير ابو الْفضل فِي اموال مصر وَالشَّام وَزوج ابْنه ابا الْقسم بِابْنِهِ ابْن رائق وَزوج ابْن رائق ابْنه بِابْنِهِ طغج ز وَخرج الْوَزير ابو الضل الى الشَّام واستخلف بالحضرة ابا بكر البقري فَلَمَّا بلغ هيت ضعف امْرَهْ وَقَوي امْر ابي عبد الله الْكُوفِي وقلد ابْن رائق اعمال الاهواز فَدَعَاهُ بجكم الى كتابتة فاجابه (13972) وسفر ابو جَعْفَر بن شيرزاد (5) فِي الصُّلْح بَين ابْن (6) رائق والبريدي (7) وَأخذ خطّ الراضي بِالرِّضَا عَنْهُم وَقطعت لَهُم الْخلْع على ان يقيموا الْخطْبَة بِالْبَصْرَةِ لِابْنِ رائق

وان يفتحوا الاهواز وان يحملوا ثَلَاثِينَ الف دِينَار وأطلقت ضياعهم بالحضرة وَبلغ ذَلِك بِحكم (1) فجزع لهَذَا الصُّلْح وَأَشَارَ عَلَيْهِ يحيى بن سعيد السُّوسِي بِحَرب البريدي فأنفذ اليه البريدي ابا جَعْفَر الْجمال (22) فَالْتَقَيَا بشابرزان (3) فَانْهَزَمَ الْجمال وانفذ يُعَاتب البريدي وَيَقُول لَهُ حنيت على نَفسك باستجلاب الديلم اولا وبمظافرة ابْن رائق ثَانِيًا وانا اعاهدك ان اوليك واسطا اذا ملكت الحضرة فَسجدَ البريدي لما بلغته رسَالَته شكرا لله تَعَالَى وَوصل رَسُوله بِثَلَاثَة الاف دِينَار وَحلف بِمحضر من القَاضِي ابي الْقسم التنوخي وَالْقَاضِي ابي الْقسم بن عبد الْوَاحِد بِالْوَفَاءِ لبجكم وَكَانَ ابْن مقله يسْأَل ابْن مقَاتل والكوفي فِي رد ضيَاعه فيمطلونه فَكتب الى بجكم وَالِي اخي مزداوج يطعمهما فِي الحضرة وَكَاتب الراضي بِاللَّه يُشِير بِالْقَبْضِ على ابْن رائق وتوليه بجكم وَكَاتب الى بجكم ان الراضي قد اسْتَجَابَ لذَلِك وَظن ابْن مقله انه قد توثق من الراضي وبذل لَهُ اسْتِخْرَاج ثَلَاثَة الاف الف دِينَار ان قلدوه الوزارة فواقعه (4) على ان ينحدر اليه سرا الى ان يتم التَّدْبِير على ابْن رائق فَركب من دَاره فِي سوق الْعَطش فِي طيلسان وَسَار الى الازج (5) ببان الْبُسْتَان فانحدر فِي سميرية لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لليلة بقيت من شهر رَمَضَان وتعمد تِلْكَ اللَّيْلَة ان يكون (4073) الْقَمَر تَحت الشعاع وَذَلِكَ يخْتَار للامور المستورة فَلَمَّا وصل الى دَار السُّلْطَان لم يوصله الراضي واعتقله فِي حجرَة وَبعث ابي الْحسن سعيد بن سنجلا الى ابْن رائق واخبره بِمَا جرى وَأظْهر للنَّاس حَالَة رَابِع عشر شَوَّال واستفتى الْفُقَهَاء فِي حَالَة وعرفهم مَا كَاتب بِهِ بجكم فَيُقَال ان القَاضِي ابا الْحُسَيْن عمر بن مُحَمَّد افتى بِقطع يَده لانه سعى فِي الارض فَسَادًا فامر الراضي باخراجه الى دهليز التسعيني وَحضر فاتك حاب ابْن رائق والقواد فَقطعت يَده الْيُمْنَى (6) ورد الى محبسه من دَار السُّلْطَان وامر الراضي بمداواته فَكَانَ ينوح على يَده وَيَقُول يَد قد خدمت بهَا الْخُلَفَاء ثَلَاث دفعات وَكتب بهَا الْقُرْآن دفعتين تقطع كَمَا

تقطع ايدي اللُّصُوص ثمَّ قَالَ ان المحنه قد تشبهت (1) وَهِي توديني الى التّلف وتمتل ... اذا مَا مَاتَ بعضك فابك بَعْضًا ... فان (2) الشئ من بعض قريب ... (3) وَقطع لِسَانه لما قرب بجكم (4) الحضرة وَمَات فَدفن فِي دَار السُّلْطَان ثمَّ طلبه اهله فنبش وَسلم اليهم (5) ثمَّ نبشه زَوجته الدينارية فدفنته بدارها بغلة صافي فنبش بعد مَوته ثَلَاث دفعات فَهَذَا عجب (6) وَابْن انه (7) انه مَاتَ وزر لثلاث خلفاء وَابْن الْفُرَات وزر لخليفة وَاحِد ثَلَاث دفعات وَابْن مقلة وزر ثَلَاث دفعات لثلاث خلفاء وَدفن بعد مَوته ثَلَاث دفنات (14173) وُصُول بجكم الى الحضرة وتفرده بالامرة وَلما وافى بجكم دبالي (8) انهزم ابْن رائق بعد ان فتح من النهروان بثقا 9) الى ديالي ليكْثر مَاؤُهُ فَعبر اصحابه سباحة وَصَارَ ابْن رائق الى عكبرا واستتر الْكُوفِي (10) وَابْن مقَاتل (11) وَوصل بجكم الى الراضي ثَانِي عشر ذِي الْقعدَة فَخلع عَلَيْهِ والطالع الْعَقْرَب وَسَار بِالْخلْعِ الى مضربه بديالي وانقض جَيش ابْن رائق عَنهُ فَدخل بَغْدَاد واستتر وخ 4 لع على بجكم دفعتين بعد ذَلِك وَمضى الى دَار مونس بسوق الثُّلَاثَاء وَهِي الَّتِي كَانَ ينزلها ابْن رائق فنزلها فَكَانَت امارة ابْن رائق (12) سنة وَعشرَة اشهر وَسِتَّة عشر يَوْمًا وَمُدَّة كِتَابَة الْكُوفِي لَهُ وتدبيره المملكة تِسْعَة عشر شهرا وَثَمَانِية ايام

قَالَ ابو سعيد السُّوسِي (1) قَالَ لي بجكم بِحَضْرَة اصحابه معي خَمْسُونَ الف دِينَار لَا احْتَاجَ اليها فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك قَالَ لي (2) تَدْرِي كم كَانَ معي ذَلِك الْيَوْم قلت لَا قَالَ كَانَ معي خَمْسُونَ الف دِرْهَم (3) فَقلت اتراك لم تثق بِي فَكنت تطلعني على الْحَال فَقَالَ لَو اطلعتك ضعفت نَفسك وَضعف كلامك وعولت عَلَيْك فِي رِسَالَة فعجبت من دهائه وَمَات ابو عبد الله النونجتي بعلة السل وظفر الراضي بِأبي عبد الله الْكُوفِي فَسَأَلَهُ فِيهِ ابو الْحسن سعيد بن سنجلا حَتَّى صادره عَليّ اربعين الف دِينَار واقر الراضي الْوَزير ابا الْفَتْح على الوزارة وَهُوَ بِمصْر وَفِي شهر رَمَضَان انفذ (14274) ملك الرّوم كتابا بالرومية يتَضَمَّن سُؤال الراضي الْفِدَاء (4) وَكَانَت التَّرْجَمَة بِالْعَرَبِيَّةِ مكتوبه بِالْفِضَّةِ (5) وانفذ مَعَ الْكتاب (6) هَدِيَّة جليلة فَأجَاب ابْن ثَوَابه عَن الْكتاب وَفِي آخِره وَقد اسعفكم امير الْمُؤمنِينَ بِمَا احببتم من هديتكم ورد الرسائل بِمَا سنح من مروئتكم صِيَانة لكم عَن الاحتشام ورفعا عنْدكُمْ من الاغتنام وخاطبه ملك الرّوم بالشريف الْبَهِي ضَابِط سُلْطَان الْمُسلمين وخاطبهم الراضي برؤساء الرّوم سنة سبع وَعشْرين وثلاثمائة واخر الْحسن بن عبد الله بن حمدَان (7) مَال ضَمَان الْموصل فَصَارَ الراضي الى تكريت وانفذ بجكم (8) الى الْموصل فَلَقِيَهُ زواريق (9) فِيهَا هَدِيَّة ابْن حمدَان

فَأَخذهَا بجكم (1) وَعبر فِيهَا جَيْشه الى الْجَانِب الغربي وَسَار فَالتقى هُوَ وَابْن حمدَان بالكحيل (2) فَانْهَزَمَ (3) اصحاب بجكم واستؤسر ابو حَامِد الطَّالقَانِي ثمَّ حمل بجكم بِنَفسِهِ على ابْن حمدَان (4) حَملَة صَادِقَة فَانْهَزَمَ ابْن حمدَان رَابِع الْمحرم وَمضى الى آمد (5) وَاتبعهُ بجكم الى نَصِيبين فَسَار حِينَئِذٍ الراضي فِي المَاء الى الْموصل وَانْصَرف عَنهُ من تكريت القرامطة الَّذين تبعوه الى بَغْدَاد مغضبين لتأخر ارزاقهم فَظهر ابْن رائق من استتارة (6) وانضموا اليه وَكتب الراضي حِين بلغته الصُّورَة الى بجكم فاستخلف على اصحابه وجاءاليه الى الْموصل فَجرى بَين اصحابه وَبَين اهلها فتْنَة فَركب وَوضع فِيهَا السَّيْف (13474) وأحرق مَوَاضِع فِي الْبَلَد وَرجع الْحسن بن عبد الله بن حمدَان الى نَصِيبين وَانْصَرف عَنْهَا من خَلفه بجكم بهَا فاخذ اصحاب بجكم يَتَسَلَّلُونَ من الْموصل الى بَغْدَاد وينضمون الى ابْن رائق فَزَاد فِي قلق بجكم وَلم يعرف ذَلِك ابْن حمدَان فَأطلق ابا حَامِد الطَّالقَانِي وَسَأَلَهُ ان يسْعَى فِي الصُّلْح وبذل لَهُ الف الف دِرْهَم فَاسْتَأْذن بجكم الراضي فِي ذَلِك فَأذن لَهُ فِي امضائه فَرد الطَّالقَانِي وابا الْحُسَيْن ابْن ابي الشَّوَارِب وانفذ مَعَهُمَا باللواء وَالْخلْع وصاهر بجكم ابا مُحَمَّد بن حمدَان وانفذ ابْن رائق ابا جَعْفَر بن شيرزاد (7) الى بجكم يلْتَمس الصُّلْح وَانْحَدَرَ الراضي وبجكم الى بَغْدَاد بعد ان راسلا ابْن رائق بقاضي القضاه ابي الْحُسَيْن (8) فِي تَمام الصُّلْح وولوه طَرِيق الْفُرَات وجنديسابور (9) وديار مُضر والعواصم فَسَار اليها قبل وصولهم وَبلغ الراضي ان عيد الصَّمد بن المكتفي راسل ابْن رائق ان يتقلد الْخلَافَة فَقبض عَلَيْهِ وَيُقَال قَتله.

وهي قصيدة طويلة اخرها في سبيل الاسلام خير سبيل محو رسم الاسلام والتوحيد لايسرن غافل بعد هذا بوليد ولا يرع لفقيد فاستهلي يا عين بالدمع سحا وقليل ان تذرفي وتجودي

وَفِي جمادي مَاتَ الْوَزير ابو الْفَتْح الْفضل بن جَعْفَر ابْن الْفُرَات بالرملة وَدفن هُنَاكَ وَشرع ابْن شيرزاد فِي الصُّلْح بَين بجكم (1) والبريدي ثمَّ ضمن البريدي (2) اعمال وَاسِط بستمائة الف دِينَار وزارة البريدي ابي عبد الله للراضي بِاللَّه فَلَمَّا مَاتَ الْوَزير ابو الْفَتْح شرع ابْن شيرزاد للبريدي فِي الوزارة فانفذ اليه الراضي بقاضي الْقُضَاة ابي الْحُسَيْن فَامْتنعَ من (14475) تقلدها ثمَّ اسْتَجَابَ لذَلِك ووليها فِي رَجَب وَخَلفه ابو بكر مُحَمَّد بن عَليّ النقري (3) بالحضرة كَمَا كَانَ ابْن الْفُرَات (4) وَلما تقلد البريدي الوزارة قَالَ فِيهَا ابو الْفرج الاصفهاني قصيدة اولها (5) يَا سَمَاء اسقطي وَيَا ارْض ميدي ... قد تولى الوزارة ابْن البريدي جلّ خطب وَجل امْر عضال ... وبداء اشاب رَأس الْوَلِيد هد ركن الاسلام وانهتك الْملك ... ومحت اثاره فَهُوَ مودي اختلقت بهجة الزَّمَان كماأخ ... لق طول الزَّمَان وشى البرود يالقومي لحر صَدْرِي وعولي ... وعليلي وقلبي المعمود حِين سَار الْخَمِيس يَوْم خَمِيس ... فِي البريدي فِي ثِيَاب سود سودت أوجه الوري وعلتهم ... اذ علته بذلة وهمود قد حباه بهَا الامام اصطفاء (6) واعتمادا مِنْهُ بِغَيْر عميد خلع تخلع الْعلي والواء ... عقدَة حل عُرْوَة الْمَعْقُود كَانَ اولى من لبسه خلع الْملك ... بغل يسوده وقيود ... وَهِي قصيدة طَوِيلَة اخرها ... فِي سَبِيل الاسلام خير سَبِيل ... محو رسم الاسلام والتوحيد لايسرن غافل بعد هَذَا ... بوليد وَلَا يرع لفقيد فاستهلي يَا عين بالدمع سَحا ... وَقَلِيل ان تذرفي وتجودي ...

وَحكي ان البريدي ابو عبد الله قَالَ لندمائه من فِيكُم يحفظ قصيدة الاصفهاني الَّتِي هجاني بهَا فانكروا مَعَ مَعْرفَتهَا فَقَالَ بحقي عَلَيْكُم (14575) انشدوني اياها فَقَالَ احدهم اما مَعَ قسمك فَنعم فَلَمَّا بلغ الى قَوْله (1) وَكَانَ اُحْدُ قواد بجكم (2) ابراهيم بن احْمَد اخو نصربن احْمَد صَاحب خُرَاسَان فقلده بجكم الشرطة بِبَغْدَاد وَعمل ابراهيم لبجكم دَعْوَة جمع طباخي دَار الْخلَافَة لَهَا وانفق فِيهَا زِيَادَة على عشْرين الف دِينَار سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة فِي مستهل الْمحرم ورد خبر بِأَن أَبَا الْحسن عَليّ بن عبد الله بن حمدَان اوقع بالدمستق وهزمه وَفِي آخِره تزوج بجكم سارة بنت الْوَزير ابي عبد الله البريدي (3) بِحَضْرَة الراضي وَالصَّدَاق مائَة (4) الف دِرْهَم وَكَانَ جَيش البريدي قد قتل قائدين من الديلم فاستنجد معز الدولة اخاه ركن الدولة وَكَانَ مُقيما باصطخر (5) فَأَتَاهُ طاويا للمنازل فوصل الى وَاسِط فِي عشرَة ايام والبريدي مُقيم بغربيها فانحدر لحربه بجكم مَعَ الراضي فَانْصَرف عَنْهَا وَمضى من فوره الى اصبهان فَفَتحهَا فَعَاد عِنْد مضيه الراضي وبجكم الى بَغْدَاد وَفِي رَجَب قتل طريف السبكري طرسوس (6) وَفِي شعْبَان توفّي قَاضِي الْقُضَاة ابو الْحُسَيْن (7) فتوسط ابو عبد الله بن ابي مُوسَى الْهَاشِمِي امْر ابْنه ابي نصر (8) على عشْرين الف دِينَار حَتَّى ولي مَكَانَهُ

وقد ضاق صدري فدعونا له وانصرفنا

روى الْخَطِيب عَن القَاضِي ابي الطّيب قَالَ سَمِعت ابا الْفرج الْمعَافى بن زَكَرِيَّا الحريري يَقُول كنت احضر مجْلِس ابي الْحُسَيْن بن ابي عمر يَوْم النّظر فَحَضَرت (14676) انا وَأهل الْعلم فَدخل اعرابي لَهُ حَاجَة فَجَلَسَ فجَاء غراب فَقعدَ على نَخْلَة فِي الدَّار وَصَاح وطار فَقَالَ الاعرابي هَذَا الْغُرَاب يَقُول ان صَاحب هَذِه الدَّار يَمُوت بعد سَبْعَة ايام قَالَ فصحنا عَلَيْهِ وزبرناه فَقَامَ وَانْصَرف. وَاحْتبسَ خُرُوج ابي الْحُسَيْن فاذا بِهِ قد خرج الينا الْغُلَام وَقَالَ القَاضِي يستدعيكم فقمنا فَدَخَلْنَا فاذا بِهِ متغير اللَّوْن منكسف البال مُغْتَم فَقَالَ اعلموا اني احدثكم بشئ قد شغل قلبِي وَهُوَ اني رَأَيْت البارحة فِي الْمَنَام شخصا وَهُوَ يَقُول ... منَازِل آل حَمَّاد بن زيد ... على اهليك وَالنعَم السَّلَام ... وَقد ضَاقَ صَدْرِي فدعونا لَهُ وانصرفنا فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم السَّابِع من ذَلِك الْيَوْم دفن رَحمَه الله وانفذ الي عَليّ بن عِيسَى الْوَزير بِمَال فِي بعض نكباته وَكتب اليه ... وتركي مواساتي اخلاي فِي الَّذِي ... تنَال يَدي ظلم لَهُ وعقوق واني لاستحي من الله ان ارى ... بِعَين اتساع وَالصديق مضيق ... وَتُوفِّي فِي هَذَا الشَّهْر ابو بكر بن الانباري (2) معلم اولاد الراضي بِاللَّه وَمن جملَة تصانيفه كتاب الزَّاهِر (39 وَكَانَ يحفظ مائَة وَعشْرين تَفْسِير لِلْقُرْآنِ وَلم يمل بشاقط (4) من دفتر وَقَالَ اني احفظ ثَلَاثَة عشر صندوقا كتبا وَفِي شهر رَمَضَان مَاتَ ابو بشر بن يُونُس القناني (5) النَّصْرَانِي وَهُوَ الَّذِي فسر كتاب الْمنطق وَفِيه خرج بِحكم (6) (14776) الى الْجَبَل فَلَمَّا بلغ قرميسين بلغه ان البريدي قد طمع فِي بَغْدَاد وَكَانَ طمعه لاجل دفائن فِي دَاره فَعَاد بجكم (6) حِينَئِذٍ وَقد استأمن اليه خلق من الديلم وَكَانَ قد امد البريدي قبل ذَلِك بِخمْس مائَة رجل وانفذ مَعَهم ابا زَكَرِيَّا السُّوسِي

فَلَمَّا عرف البريدي رُجُوعه الى بَغْدَاد ابلس وانفذ الى السُّوسِي فَاسْتَحْضرهُ فَظن انه يُرِيد الْقَبْض عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ احب ان تصعد الى بجكم (1) فتزيل الوحشة من صَدره وَهَذِه اذني فَخذهَا وبعني فَانِي لَا اعْدِلْ عَن رايك وَقد رتبت لَك طيارا وَخمسين غُلَاما لخدمتك قَالَ فَقبلت الارض بَين يَدَيْهِ وسرت فَمَا عاودت ذهني الا نعم الصُّلْح (2) وَنَدم البريدي على انفاذه بِي وَسقط عَلَيْهِ طَائِر يعرفهُ تعويل بجكم على قَصده وتضمن اغراؤه بِي فَكَانَ ذَلِك من كفياة الله تَعَالَى لي ووصلت دير العاقول وَبهَا احْمَد بن نصر القشوري وَلَقِيت بجكم بالزعفرانيه وَاجْتَهَدت بِهِ فِي صلح البريدي فَأبى وانحدرت مَعَه. وَقبض على ابْن شيرزاد لِأَنَّهُ اشار عَلَيْهِ بمصارهرة البريدي وأزال اسْم البريدي عَن الوزارة فَكَانَت وزارته سنة واربعة اشهر واربعة عشر يَوْمًا وأوقع اسْمهَا على ابي الْقسم سُلَيْمَان بن الْحسن وزارة ابي الْقسم سُلَيْمَان بن الْحسن وخلع عَلَيْهِ وَانْحَدَرَ بجكم بعد ان ضبط الطَّرِيق مِمَّن ينشر خَبره فَوَقع عَليّ حديدية طائرة فَأَخذه واذابه كتاب كاتبة (14877) يعرف اخاه انحداره وَسَائِر اسراره فأحضر الْكَاتِب وَأَوْقفهُ فَلم يجْحَد فَرمى بِهِ الزوينيات (3) حَتَّى قتل وَرمى بِهِ فِي (4) المَاء وَانْحَدَرَ فَوجدَ البريدي قد انحدر عَنْهَا وَفِي ذِي الْحجَّة ورد بَان رائق اوقع بَابي (59 نصر بن طغج اخي الاخشيد فَانْهَزَمَ اصحاب ابي نصر بعد ان قتل وكفنه (6) ابْن رائق وانفذه فِي تَابُوت الى اخيه واستأسر قواده وانفذ مَعَ التابوت ابْنه ابا مُزَاحم (7) بن رائق وَكتب مَعَه يعزيه وَيعْتَذر

وَيَقُول مَا اردت قَتله وَقد انفذت ابْني لتقيده بِهِ فَتلقى الاخشيد فعله بالجميل وخلع على ابْنه ورده الى ابيه واصطلحا على ان يفرج ابْن رائق للاخشيد عَن الرمله وَيكون بَاقِي الشَّام (1) لِابْنِ رائق وَيحمل اليه الاخشيد فِي كل سنة مائَة واربعين الف دِينَار وَكَانَ بدر بن عمار الاسدي الطبرستاني يتقلد حَرْب طبرية لِابْنِ رائق وهوالذي مدحه المتنبي بقصائد عدَّة (2) وَعَاد ابو نصر مُحَمَّد بن ينَال الترجمان من الْجَبَل مُنْهَزِمًا من الديلم فانفذ بِحكم من وَاسِط بِمن ضربه فِي منزله بالمقارع وَقَيده ثمَّ رَضِي عَنهُ وَانْحَدَرَ ابو عبد الله الْكُوفِي إِلَى وسط واستقرت لَهُ كِتَابَة بجكم فَكَانَت كِتَابَة ابْن شيرذاد تِسْعَة عشر شهرا وَثَلَاثَة عشر يَوْمًا والتقى ركن الدولة بو شمكير وَانْهَزَمَ الْفَرِيقَانِ ركن الدولة الى اصفهان و (4) وشمكير الى الرّيّ وفيهَا مَاتَ جستان وفيهَا توفّي ابو عبد الله القمي الْوَزير لركن الدولة وتقلد مَكَانَهُ ابو (14977) الْفضل ابْن العميد (5) سنة تسع (6) وَعشْرين وثلاثمائة فِيهَا صادر بجكم ابْن شيرزاد وَقَالَ اردت ان اعْلَم ايسارة فَقلت ان عِنْدِي مائَة الف دِينَار اريد ايداعك اياها فَمَا ارتاع وحملتها اليه وطلبتها بعد مُدَّة فَكَانَ يحملهَا تفاريق فَقلت مَا السَّبَب فِي هَذَا فَقَالَ انني لَا آمن غير اختي وَلَا تقوى على حمل المَال دفْعَة وَاحِدَة فَقبض على اخته وَبلغ بِالْقَبْضِ عَلَيْهَا مَا اراده من مَاله وَفِي لَيْلَة النّصْف من شهر ربيع الاول مَا الراضي بِاللَّه (7) وَقد انكسف الْقَمَر جُمُعَة وَكَانَ مَوته بعلة الاسْتِسْقَاء (8) وَكَانَ الراض رَحمَه الله سَمحا شَاعِرًا سخيا اديبا (9) وَمن شعره يرثي اباه المقتدر رَحمَه الله

.. بنفسي ثرى ضاجعت فِي تربة البلا ... لقد ضم مِنْك الْغَيْث وَاللَّيْث والبدرا ... فلوا ان حَيا كَانَ قبرا لمَيت ... لصيرت احشائي لاعظمه قبرا وَلَو ان عمري كَانَ طوع مشيئتي ... وساعدني الْمِقْدَار قاسمته العمرا (2) وَحكي الْخَطِيب فِي تَارِيخه (3) قَالَ كتب الراضي الى اخيه المتقي وَقد جرى بَينهمَا شَيْء فِي الْكتب انا معترف لَك بالعبودية (4) وَالْمولى يعْفُو وَقد قَالَ الشَّاعِر ... با ذَا الَّذِي يغْضب من غير شئ ... اعتب فعتباك حبيب الي انت على انك لي ظَالِم ... اعز خلف الله كل (5) عَليّ ...

(15078) خلَافَة المقي لله وَهُوَ ابو اسحاق ابراهيم بن المقتدر بِاللَّه امهِ رُومِية وَكَانَت خِلَافَته ثَلَاث سِنِين وَاحِد عشر شهرا (2) ورد كتاب كتاب بجكم (3) لما بلغه موت الراضي بِاللَّه رَحمَه الله عَلَيْهِ على ابي عبد الله الْكُوفِي يَأْمُرهُ ان يجمع كل (4) من كَانَ يتقلد الوزارة بالحضرة واصحاب الدَّوَاوِين والقضاة والفهاء والعلويين والعباسيين ووجوه الْبَلَد ويحضرهم الى ابي الْقسم سُلَيْمَان بن الْحسن وينصبون للخلافة من يحمدوه فَلَمَّا اجْتَمعُوا قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الْعَزِيز الْهَاشِمِي يكون الْخطاب سرا فَخَلا الْكُوفِي فِي بَيت وَجعل الرجل وَالرجلَانِ يدخلَانِ اليه فَيَقُول لَهما قد وصف لنا ابراهيم بن المقتدر بِاللَّه فيظنان ان ذَلِك عَن امْر ورد من بجكم فِي مَعْنَاهُ فَيَقُولَانِ هُوَ لذَلِك اهل فَاحْضُرْ الى دَار بجكم وَعقد لَهُ الامر ولقب المتقي لله وَحمل الى بجكم من دَار الْخلَافَة قبل تقلد المتقي فرشاه وآلات اخْتَارَهَا (5) وانفذ المتقي لله عِنْد بيعَته مَعَ ابي الْعَبَّاس الاصفهاني (6) خلعا ولواء الى بجكم وخلع على سَلامَة الطولوني وقلده حَجَبته وَأقر ابا الْقسم سُلَيْمَان بن الْحسن على الوزارة وَورد الْخَبَر بِدُخُول ابْن عَليّ بن (15178) مُحْتَاج (7) فِي جَيش خُرَاسَان الى الرّيّ وَقَتله مَا كَانَ الديلمي صَاحب جرجان وحاصر بهَا حَتَّى تَركهَا وَمضى الى سَارِيَة فاستولى ابو عَليّ على جرجان وتعاضد ابو عَليّ وركن الدولة على محاربة وشمكير حِين اعتضد بِمَا كَانَ والتقى

الْفَرِيقَانِ واظهر مَا كَانَ شجاعة شَدِيدَة فَأَتَاهُ سهم عَابِر فنفذ فِي خوذته وطلع من قَفاهُ فَسقط مَيتا وافلت وشمكير بعد ان اسر اكثر اصحابه وَحمل ابْن مُحْتَاج من رُؤُوس الْقَتْلَى سِتَّة الاف راس الى خُرَاسَان فيهم رَأس ماكان وَجلسَ ابو عَليّ بن مُحْتَاج للعزاء (1) واظهر الْحزن عَلَيْهِ وَقَالَ الْحسن بن الفيروزان (2) ابْن عَم مَا كَانَ ان وشمكير اسلمه وَكَانَ الْحسن شجاعا وَقصد ابْن مُحْتَاج فَقتله (3) وَقصد وشمكير فَكَانَ بَينهمَا حَرْب على بَاب سَارِيَة (4) ايام ثمَّ ورد على ابي عَليّ وفاه صَاحبه نصر ابْن احْمَد (5) فَصَالح وشمكير واخذ ابْنه (6) رهينة وَانْحَدَرَ مَعَه الْحسن بن الفيروزان (7) وحقد عَلَيْهِ كَيفَ لم يستخلفه على حَرْب وشمكير وانتهز غرته (8) حِين قاربا خُرَاسَان فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَأَفلَت مِنْهُ وَقتل صَاحبه وانتهب سوَاده واستاد ابْن (9) وشمكير وَعَاد الى جرجان فملكها فَصَالحه الْحسن ورد عَلَيْهِ ابْنه ثمَّ ان ركن الدولة قصد الرّيّ وَحَارب وشمكير فَهَزَمَهُ وَاسْتَأْمَنَ اليه اكثر رِجَاله وَصَارَ بعد انهزامه الى خُرَاسَان وَتزَوج ركن الدولة بنت الْحسن وَهِي وَالِدَة فَخر الدولة وَفِي هَذِه السّنة فرغ من بِنَاء (15279) مَسْجِد براثا (10) وَجمع فِيهِ وفيهَا ابْتَدَأَ الغلاء بِبَغْدَاد وَبلغ الْكر من الدَّقِيق مائَة وَسِتِّينَ دِينَار (11) وَكثر الْمَوْت حَتَّى كَانَ يدْفن الْجَمَاعَة من غير غسل وَلَا صَلَاة وَظهر من قوم فيهم دين وَصدقَة على الاحياء وتكفين الْمَوْتَى وَظهر من آخَرين فجور ومنكرات وَكَانَ عَليّ بن عِيسَى والبقري (12) يكفنان النَّاس على ابواب دورهما

وَسَقَطت الْقبَّة الخضراء الَّتِي هِيَ هِيَ قبَّة الْمَنْصُور الْمَعْرُوفَة بقبة الشُّعَرَاء (1) ونكب الْكُوفِي هَارُون الْيَهُودِيّ جهبذ بن شيرزاد وَبَقِي عَلَيْهِ من مصادرته سِتُّونَ الف دِينَار فاخذت دَاره وَكَانَت قَدِيما لابراهيم بن احْمَد المادراني راكبة دجلة والصراة وفيهَا بُسْتَان ابي الْفضل الشِّيرَازِيّ وَدَار المرتضي وَحمل هَذَا الْيَهُودِيّ الى بجكم (2) بواسط فَضرب بَين يَدَيْهِ بالدبابيس حَتَّى مَاتَ واظهر بجكم الْعدْل بواسط وَبنى دَار ضِيَافَة وَعمل البيمارستان بِبَغْدَاد (3) وَخرجت الشتوة جَمِيعهَا بِغَيْر مطر وانبثق نهر الدفيل (4) ونهر بوا (5) فَلم يتلاقيا حَتَّى خرجت (6) بادوريا بضع عشرَة سنة وانفذ البريدي جَيْشًا الى المذار (7) فانفذ بجكم بتوزون فَهَزَمَهُمْ بعد ان كسروه وَجلسَ فِي رَجَب الْمَعْرُوف بِغُلَام القَاضِي بِجَامِع الرصافة وقص على مَذَاهِب اهل الْعدْل وَاجْتمعَ اليه النَّاس ونصبت القباب بِبَاب الطاق والرصافة لزوار الحائر (8) على ساكنه السّلم وَتُوفِّي البربهاري (9) مستترا وَدفن فِي تربة نصر القشوري وَانْحَدَرَ بجكم حِين بلغه (13579) كسر توزون اولا وَلم يبلغهُ كَسره لاصحاب البريدي وتمم (10) وَقد عرف الْغناء عَن حُضُوره فَلَمَّا بلغ نهر جور شَره الى اموال اكراد هُنَاكَ وقصدهم متهاونا بهم فِي عدد يسير من غلمانه فِي قَمِيص فهرب الاكراد من بَين يَدَيْهِ واستدار احدهم من وَرَائه من غير ان يعرفهُ فطعنه بِالرُّمْحِ فِي خاصرته

فَقتله (1) وَذَلِكَ بَين الطّيب (2) والمذار يَوْم الاربعاء لتسْع بَقينَ من رَجَب 3 وَكَانَ البريديون قد عمِلُوا على الْهَرَب فومافاهم من عسكره (3) الف وَخَمْسمِائة ديلمي فقبلوهم وَعَاد تكينك بالاتراك الى بَغْدَاد فنزلوا النجمي واظهروا طَاعَة المتقي ز وصادر احْمَد (4) بَين مَيْمُون قَدِيما يدبر الامور والكوفي من قبله (5) فَكَانَت امارة بجكم (6) سنتَيْن وَثَمَانِية اشهر وَتِسْعَة ايام وَكِتَابَة الْكُوفِي لَهُ خَمْسَة اشهر وَثَمَانِية عشر يَوْمًا وَكَانَ بجكم يدْفن امواله وَحده فتتبع اُحْدُ غلمانه اثره وَاسْتدلَّ على مَوضِع المَال وَدلّ المتقي على ذَلِك فاستخرج مَالا عظميا وَدفع التُّرَاب الى الحفارين فَلم يقنعوا فَأمر بِغسْلِهِ فاخرجوا من التُّرَاب سِتَّة وَثَلَاثِينَ الف دِرْهَم قَالَ ثَابت بن سِنَان قَالَ بجكم قلت الصَّوَاب ان ادفن فِي الصَّحرَاء فربنا حيل بيني وَبَين دَاري وَكَانَ النَّاس يشنعون انني اقْتُل من يدْفن معي وَمَا كنت افْعَل ذَلِك بل كنت اخذ المَال فِي الصناديق واترك مَعهَا الرِّجَال الَّذين اثق بهم واحملهم فِيهَا مقفلا عَلَيْهِم (15480) على البغال واقود بنفسي القطار وَافْتَحْ عَن الرِّجَال وَلَا يَدْرُونَ ايْنَ هم من الارض واذا دفنُوا أعدتهم على هَذِه الصّفة و (7) قدم الترجمان من وَاسِط فأقره المتقي لله على الشرطة بِبَغْدَاد و2 اصْعَدْ البريديون الى وَاسِط فِي سَبْعَة الاف رجل فانفذ اليهم المتقي الى وَاسِط ثَمَانِيَة وَخمسين الف دِينَار وامرهم بالْمقَام بواسطه فَلم تقنعهم وَفرق المتقي فِي الاتراك ارْبَعْ مائَة الف دِينَار واصعد البريدي من وَاسِط الى بَغْدَاد (8) فَلَمَّا قرب اضْطَرَبَتْ الاتراك

البجكمية (1) وَسَار بَعضهم الى الْموصل واستامن بَعضهم اليه واستتر الْكُوفِي وانتقل كثير من ارباب النعم واشار بعض اصحاب عَليّ بن عِيسَى عَلَيْهِ بالاصعاد الى الْموصل فاستاجر سفنا ليصعد فِيهَا رحْلَة بِمِائَتي دِينَار ثمَّ استدعى صَاحبه فَقَالَ ايهرب مَخْلُوق الى مَخْلُوق اصرف الدَّنَانِير فِي الصَّدَقَة وَانْحَدَرَ البريدي حِين قرب فَتَلقاهُ واكرمه وَمنعه ان يخرج من طيارة وانتقل (2) اليهم وشكر بره وَدخل البريدي بَغْدَاد وَمَعَهُ اخوه ابو الْحُسَيْن فابنه ابو الْقسم وابو جَعْفَر بن شيرزاد لليلتين خلتا من شهر رَمَضَان وانزلوا الشفيعي (3) وَكَانَ مَعَه من الزبازب والطيارات والحديديات والشذآت مَالا يُحْصى وتلقاه الْوَزير ابو الْحُسَيْن ابْن مَيْمُون وَالْكتاب والعمال والقضاة وانفذ المتقي يعرفهُ انسه بِقُرْبِهِ وَحمل اليه الطَّعَام والهدايا عدَّة لَيَال وَكَانَ ابْن مَيْمُون (15580) والبريدي يُخَاطب كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه بالوزارة ثمَّ انْفَرد بهَا البريدي خَاصَّة فَكَانَت وزارة ابْن مَيْمُون شهرا وَثَلَاثَة ايام ثمَّ قبض عَلَيْهِ واحدره الى الْبَصْرَة فَمَاتَ بهَا 3 فاستكتب المتقي لله على خَاص امْرَهْ ابا الْعَبَّاس احْمَد بن عبد الله الاصبهاني وَلم يلتق البريدي بالمتقي وَمضى اليه الامير ابو مَنْصُور بن المتقي لله بالنجمي ليسلم عَلَيْهِ فَلبس البريدي ثِيَاب سوَادَة وتلقاه فِي احسن زِيّ ونثر عَلَيْهِ الدَّنَانِير 3 وارسل المتقي على يَد القَاضِي احْمَد بن عبد الله بن اسحاق الْخرقِيّ وابي الْعَبَّاس الاصبهاني يُطَالِبهُ بِحمْل المَال فَقَالَ للْقَاضِي انصحه (4) وعرفه خبر المعتز والمهتدي بِاللَّه ان خليته (5) مَعَ الاولياء ليطلبن نَفسه فَلَا يجدهَا فَكَانَ الْجَواب ان حمل اليه خَمْسمِائَة الف دِينَار فوهب للخرقي مِنْهَا خَمْسَة الاف دِينَار بعد مائَة وَخمسين الف دِينَار 06) 3 وَكَانَ البريدي يامر عسكره بالتشغيب على الْخَلِيفَة فَرَجَعت المكيدة عَلَيْهِ حَتَّى شغبوا

وَاجْتمعَ الديلم فرأسوا على انفسهم كورنكج (1) بن الفاراضي الديلمي بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وقصدوا البريدي وَهُوَ بالنجمي وعاونهم الْعَامَّة فَقطع البريدي الجسر وَوَقعت الْحَرْب فِي المَاء وَثَبت (2) الْعَامَّة باسباب البريدي فِي الْجَانِب الغربي فهرب ابْنه واخوه فِي المَاء الى وَاسِط ونهبت دَاره ودور قواده وَحمل بعض مَا حمل اليه المتقي من المَال واستتر ابْن شيرزاد فنهبت دَاره (15681) ودور قواده وَظهر سَلامَة الطولوني وَبدر الخرشني ز وهرب البريدي من بَغْدَاد امارة كورنكج (1) وحصلت الامارة لكورنكج ثَانِي شَوَّال وَلَقي المتقي فِي ثالثه فقلده امير (3) الامراء وَعقد لَهُ اللِّوَاء وخلع عَلَيْهِ ودبر الامر عَليّ بن عِيسَى واخوه عبد الرحمان بن عِيسَى (4) من غير تَسْمِيَة بوزارة (5) وغرق الامير ابو شُجَاع كورنكج تكينك (6) خَامِس شَوَّال وَاجْتمعت الْعَامَّة يَوْم الْجُمُعَة وتظلموا من نزُول الديلم فِي دُورهمْ وَكسرهَا الْمِنْبَر وَمنعُوا من اقامة الصَّلَاة وَقتل بَينهم وَبَين الديلم جمَاعَة فَلَمَّا كَانَ بعد تِسْعَة ايام من نظر عَليّ بن عِيسَى اتوزر المتقي ابا اسحاق مُحَمَّد ابْن احْمَد الاسكافي الْمَعْرُوف بالقراريطي واخرج الامير كورنكج اصبهان الديلمي الى وَاسِط ليحارب البريدي وَظهر ابْن سنجلا وقريبه (7) عَليّ بن يَعْقُوب من استتارهما فَقبض القراريطي عَلَيْهِمَا حِين صَارا اليه وصادرهما بعد مَكْرُوه شَدِيد على مائَة وَخمسين الف دِينَار وَبلغ ابْن رائق (8) قتل بجكم (9) فَسَار من الشَّام

وَلم يقبل ابو مُحَمَّد بن حمدَان من صَار اليه من اصحاب بجكم (1) مثل توزون صيغون (2) ونفذوا الى ابْن رائق فَكتب اليه المتقي يستدعيه الى الحضرة فَسَار من دمشق وَعَاد اصبهان الى بَغْدَاد وَحمل ابو مُحَمَّد بن حمدَان الى ابْن رائق مائَة الف دِينَار وَقبض كورنكج (3) على (15781) القراريطي فَكَانَت مُدَّة وزارته ثَلَاثَة واربعين يَوْمًا وقلد الوزارة ابا جغفر مُحَمَّد بن الْقسم الْكَرْخِي وخلع المتقي عَلَيْهِ وحطب بَنو البريدي بِوَاسِطَة وَالْبَصْرَة لِابْنِ رائق 3 فَلَمَّا قرب ابْن رائق من بَغْدَاد خرج اليه كرونكج وانْتهى الى عكبرا واتصلت الْحَرْب بَينهمَا ثمَّ دخل ابْن (4) مقَاتل وَمَعَهُ قِطْعَة من الْجَيْش وَبعده ابْن رائق وَعبر من النجمي الى دَار السُّلْطَان وسال المتقي الرّكُوب مَعَه فَركب مَعَه الى الشماسية وانحدرا فِي المَاء وَدخل المتقي دَار الْخلَافَة وَعبر ابْن رائق الى النجمي وَوصل كورنكج واصحابه الى بَغْدَاد متهاربين (5) بِابْن رائق وَجعلُوا يَقُولُونَ ايْنَ نزلت الْقَافِلَة الشامية واتى كورنج دَار السُّلْطَان فدافع عَنْهَا لولو وَبدر الخرشني وَعمل ابْن رائق على الرُّجُوع الى الشَّام وانفذ سوَاده وَاتفقَ حُصُول ابْن رائق فِي سميريات بدجلة ليعبر فصادفهم كورنكج فراشقوا بالزوينات والنشاب وَصَاحب الْعَامَّة فهرب كورنكج وَرَمَاهُمْ الْعَامَّة بالستر والاجر فَانْهَزَمَ اصحابه واستتر هُوَ وَظهر الْكُوفِي الى الْخدمَة ابْن رائق وَقتل ابْن رائق اربعمائة ديلمي صبرا اعطاهم الامان وَلم يسلم مِنْهُم غير رجل وَاحِد (6) وَقع بَين القتلي وَرمي بِهِ مَعَهم الى دجله وعاش مُدَّة طَوِيلَة وَقتل جمَاعَة من قوادهم وَانْهَزَمَ بَعضهم فَبَاتُوا بخان (7) بجسر النهروان فَسقط عَلَيْهِم فهلكوا

وخلع المتقي على ابْن رائق لاربع (1) بَقينَ من ذِي الْحجَّة وطوقه وسوره وَعقد لَهُ اللِّوَاء وقلده امْرَهْ الامراء (15882) والزم الْكَرْخِي (2) بَيته فَكَانَ وزارته ثَلَاثَة وَخمسين يَوْمًا واطلق القراريطي الى منزله وزادت الْفُرَات فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من ايار زِيَادَة غرقت هيت وَسقط سورها وغرقت محَال بَغْدَاد وهجمت القنطرتين بالصراة وَسَقَطت الدّور الَّتِي عَلَيْهَا وَفِي هَذِه السّنة (3) قلد القَاضِي ابو الْحُسَيْن احْمَد بن عبيد الله الْخرقِيّ الْقَضَاء بِمصْر والحرمين وخلع عَلَيْهِ سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة انحدر ابْن رائق فِي عَاشر الْمحرم الى ة وَاسِط حِين اخر عَنهُ البريدي مَا ضمنه فهرب عِنْد قربه مِنْهَا البريدي الى الْبَصْرَة وانفذ اليه مائَة وَسبعين الف دِينَار وَضمن حمل سِتّمائَة الف دِينَار فِي السّنة 3 فاصعد ابْن رائق الى بَغْدَاد وانفذ صَاحب خُرَاسَان الى الملقي الله هَديا من غلْمَان اتراك وَطيب وخيل على يَدي ابي الْعَبَّاس بن شَقِيق (4) وانفذ مَعَه براس مَا كَانَ فعهر بِبَغْدَاد فِي دجلة وشغب توزن والاتراك على ابْن رائق وَسَارُوا الى البريدي فقوي بهم ولقوه بواسط وكوتب البريدي من الحضرة بالوزارة واستخلف لَهُ ابْن شيرزاد (5) ثمَّ عول على الاصعاد الى الحضرة فَركب المتقي وَابْنه وَابْن رائق بَين ايديهم الْمَصَاحِف المنشورة واستفروا (6) الْعَامَّة وَلعن بَنو البريدي على المنابرة واصعد ابو الْحُسَيْن (7) البريدي الى بَغْدَاد فِي جَيش اخيه فاستامن اليه قرامطة ابْن رائق

وَعمل ابْن رائق على التحصن بدار السُّلْطَان (1) ونصبت العرادات (2) على سورها واستنهض الْعَامَّة فَكَانَ ذَلِك سَببا للفتن واحرقوا نهر طابق (15982) وكبسوا الْمنَازل لَيْلًا وَنَهَارًا واشتبكت الْحَرْب بَين ابي الْحُسَيْن البريدي وَابْن رائق فِي المَاء واشتدت الْحَرْب فِي حادي عشر من جمادي الاخرة وَملك الديلم من اصحاب البريدي دَار السُّلْطَان فَخرج وَابْنه هاربين ومضوا الى (3) بَاب الشماسية فلحق بهم ابْن رائق واصعدوا الى الْموصل فِيهَا وَقيد كورنكج (4) وَحده الى اخيه فَكَانَ اخر الْعَهْد بِهِ وَكَانَ القاهر مَحْبُوسًا فَتَركه (5) الموكلون بِهِ (6) فَخرج فَرُئِيَ وَهُوَ يتَصَدَّق بسوق الثُّلَاثَاء فَبلغ ذَلِك البريدي فانفذ بِمن اقامه واجرى لَهُ ني كل يَوْم خَمْسَة دَرَاهِم وَنزل البريدي دَار مونس وقلد توزون الشرطة فَلَمَّا وَليهَا سكنت الْفِتْنَة واخذا ابو الْحُسَيْن حرم توزن وعيالات القواد رهينة وانفذهم الى اخيه وغلت الاسعار وظلم البريدي النَّاس وافتتح الْخراج فِي اذار وافتتح الْجِزْيَة (7) واخذ الاقوياء بالضعفاء وَقرر على الحنلة وَسَائِر المكيلات من كل كرّ سبعين درهما وَقبض على خَمْسمِائَة كرّ وَردت للتجار من الْكُوفَة وَادّعى انها لِلْحسنِ بن هَارُون فقلد النَّاحِيَة وهرب خجخج الى المتقي لله وتخالف توزون ونوشتكين (8) والاتراك على كبس ابي الْحُسَيْن البريدي فعذر نوشتكين (9) بتوزون ونمى الْخَبَر الى ابي الْحُسَيْن فتحرز واحضر الديلم فاستظهر بهم

وَقصد توزون دَار ابي الْحُسَيْن وغلقت الابواب دونه وانكشف لتوزون غدر نوشتكين بِهِ (1) فلعنه وَانْصَرف ضحوة نَهَار يَوْم الاثلاثاء وَمضى مَعَه قِطْعَة وافره من الاتراك الى الْموصل وَقَالَت الْعَامَّة البريدي (16083) فقوي ابْن حمدَان بتوزون وبالاتراك وَعمل على الانحدار مَعَ المتقي لله الى بَغْدَاد وَبلغ ذَلِك البريدي فَكتب الى اخيه يستمده فامده بِجَمَاعَة من الديلم والقواد واخرج ابو الْحُسَيْن مضربه الى بَاب الشماسية واظهر انه يحارب ابْن حمدَان وَذَلِكَ بعد ان قتل ابْن حمدَان ابْن رائق وَكَانَ سَبَب قَتله ان ابْن حمدَان كَانَ بشرقي الْموصل وَابْن رائق والمتقي بغربيها فَمَا زَالَت المراسلات بَينهم حَتَّى توثق بَعضهم من بعض وَحَتَّى انس بهم (3) فَعبر الامير ابو مَنْصُور بن المتقي لله مَعَه ابْن رائق (4) يَوْم الِاثْنَيْنِ لتسْع بَقينَ من رَجَب الى ابْن حمدَان فَلَقِيَهُمْ اجمل لِقَاء ونثر على الامير الدَّنَانِير فَلَمَّا اراد الِانْصِرَاف ركب الامير ابو مَنْصُور وَقدم فرس ابْن رائق ليركب من دَاخل المضرب فامسكه ابو مُحَمَّد بن حمدَان وَقَالَ تقيم عِنْدِي الْيَوْم لنتحدث فان بَيْننَا مَا نتجاراه فَقَالَ لَهُ ابْن رائق امْضِي فِي خدمَة الامير واعود فالح عَلَيْهِ ابْن حمدَان الحاجا استراب بِهِ ابْن رائق نجذب كمة من يَده حَتَّى تخرق وَكَانَت رجله فِي الركاب فشب بِهِ الْفرس فَوَقع وَقَامَ ليركب فصاح ابو مُحَمَّد لِغِلْمَانِهِ وَيْلكُمْ لَا يفوتكم فَقَتَلُوهُ وانفذ للمتقي لله ان ابْن رائق اراد ان يغتاله فَرد عَلَيْهِ المتقي انه الموثوق بِهِ وَعبر الى المتقي فَخلع عَلَيْهِ وَعقد لَهُ لِوَاء ولقبه نَاصِر الدولة وَجعله امير الامراء وكناه وَذَلِكَ مستهل شعْبَان وخلع على اخيه على وعَلى ابي عبد الله الْحُسَيْن بن سعيد بن حمدَان وَكتب الى القراريطي بتقليد (16183) الوزارة 3 وَلما قَارب المتقي بَغْدَاد وهرب ابو الْحُسَيْن البريدي عَنْهَا الى وَاسِط وَدخل المتقي وناصر الدولة واخوه الشفيعي (5) وَلَقي القراريطي المتقي لله وناصر الدولة

يقولها فيا ان الخليفة لم يمسك سيفه حتى ابتلاك فكنت عين الصارم فاذا تتوج كنت درة تاجه واذا تختم كنت فص الخاتم

وتقلد ابو الْوَفَاء بتوزون الشرطة وخلع المتقي على القراريطي خلع الوزارة لَيْلَتَيْنِ خلتا من ذِي الْقعدَة وخلع بعد ذَلِك (1) على نَاصِر الدولة واخيه وطوقهما وسورهما واتاهم الْخَبَر ان البريدي على قصد بَغْدَاد فَعبر حِينَئِذٍ المتقي وناصر الدولة الى الْجَانِب الغربي وَسَار ابو الْحسن عَليّ بن عبد الله بن حمدَان فِي الْجَيْش إِلَى الْكَيْل ولقيهم البريدي بهَا وَمَعَهُ ابْن شيرزاد وَابْن قرَابَة فِي الديلم وجيش عَظِيم فَكَانَت الْوَقْعَة مستهل ذِي الْحجَّة يَوْم الاربعاء وَيَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة وَمَعَ ابْن حمدَان توزون وخجخ والاتراك فَانْهَزَمَ على واصحابه الى الْمَدَائِن وفردهم نَاصِر الدولة الى الْكَيْل فَانْهَزَمَ حِينَئِذٍ البريدي واستؤسر من اصحابه يانس وَجَمَاعَة (2) من قواد البريدي وَعَاد الى وَاسِط واستامن الى ابْن حمدَان مُحَمَّد بن ينَال الترجمان وَجَمَاعَة من قواد البريدي وَعَاد مُنْهَزِمًا مفلولا وَانْحَدَرَ سيف الدولة الى وَاسِط فَوجدَ البريديين قد انحدروا مِنْهَا فاقام بهَا وَدخل نَاصِر الدولة يَوْم الْجُمُعَة لثاني عشر لَيْلَة بقيت من ذِي الْحجَّة بَغْدَاد وَبَين يَدَيْهِ يانس غُلَام البريدي واصحابه مشهرين على روؤسهم البرانس وَسَار فِي الْجَانِب الدانب الغربي الى دَار عَمه ابي الْوَلِيد سُلَيْمَان بن حمدَان وَهِي بِالْقربِ من الجسر ولاجل هَذَا لقب (16284) المتقي لله ابا الْحسن عَليّ بن حمدَان بِسيف الدولة وَكتب فِي ذَلِك ابْن ثَوَابه كتاب وَالْأَجَل هَذَا يَقُول المتنبي فِي قصيدته فِي سيف الدولة ... انا مِنْك بَين مَكَارِم وفضائل (3) وَمن ارتياحك فِي غمام دَائِم ... يَقُولهَا فيا ... ان الْخَلِيفَة لم يمسك (4) سَيْفه ... حَتَّى ابتلاك فَكنت عين الصارم فاذا تتوج كنت درة تاجه ... واذا تختم كنت فص الْخَاتم ... قَالَ ابو الْفَتْح يُقَال فص وفص وَالْفَتْح اكثر ... واذا انتضاك على العدي فِي معرك ... هَلَكُوا وَضَاقَتْ كَفه بالقايم ...

وَظهر الْكُوفِي لناصر الدولة وخدمه واخذ ابو زَكَرِيَّا السُّوسِي لِابْنِ مقَاتل امانا (1) وَشرط ان اسْتَقر مَا بنيه وَبَين نَاصِر الدولة تمم الظُّهُور والا عَاد الى استثارة فَلَمَّا عَاد لم يتمش بَينهمَا امْر فَقَالَ لَهُ (2) عد الى استتارك فَقَالَ ابْن مقَاتل لم اجد عهدا (3) واذا شِئْت فعلت فَضَجَّ نَاصِر الدولة من ذَلِك وَعلم انها حِيلَة وَقعت عَلَيْهِ فصحح امْرَهْ على مائَة وَثَلَاثِينَ الف دِينَار وعَلى ان ينفذ جَيْشًا الى حلب ليفتحها وَصَحَّ لَهُ خمسين الف دِينَار وَنظر نَاصِر الدولة فِي امْر النَّقْد وطالب بتصفية الْعين وَالْوَرق وَضرب دَنَانِير سَمَّاهَا الابريزية (4) وَبيع الدِّينَار مِنْهَا بِثَلَاثَة عشر درهما بعد ان كَانَ عشرَة وَكتب ابْن ثَوَابه عَن المكتفي فِي ذَلِك كتابا وَفِي هَذِه السّنة توفّي ابو الْحسن عَليّ بن اسماعيل بن بشر الاشعري الْمُتَكَلّم (5) وَولد سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ [837] (16384) وَدفن فِي مشرعة الروايا فِي تربة الى جَانبهَا مَسْجِد وبالقرب مِنْهَا حمام على يسَار الْمَار من السُّوق الى دجلة اخبر بذلك الْخَطِيب (6) عَن ابْن برهَان وعمرها ابو سعيد الصُّوفِي فِي زَمَاننَا سنة احدى وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة ورد الْخَبَر بَان الامير معز الدولة (7) وافي من الاهواز الى عَسْكَر ابي جغفر بازاء نهر معقل (8) واظهر ان السُّلْطَان كَاتبه حَتَّى يحارب البريدي فاقام مُدَّة يحاربهم ثمَّ عَاد الى الاهواز وَورد الْخَبَر بورود الرّوم قريب من نَصِيبين فَسبوا واحرقوا وَضرب نَاصِر الدولة ابا عَليّ هَارُون بن عبد الْعَزِيز الاوار حَتَّى على ضعف

جِسْمه سَبْعمِائة مقرعة وصادره على عشْرين الف دِينَار وَكَانَ يكْتب لِابْنِ مقَاتل وصادر حماعة من اسبابه وَعمل لدار عَمه ابو الْوَلِيد (1) فِي دجلة انفق عَلَيْهَا مَالا وَزوج ابْنَته عدوية من الامير ابي مَنْصُور ابْن المتقي ووكل فِي العقد ابا عبد الله بن ابي مُوسَى (2) الْهَاشِمِي وَكَانَ الْخَطِيب (3) ابو الْحسن الْخرقِيّ فلحن فِي خطبَته وتمم العقد ابْن ابي مُوسَى على صدَاق خَمْسمِائَة الف دِرْهَم وتعجيل مائَة الف دِينَار وَقبض القراريطي على جمَاعَة من الْكتاب وصادرهم وَقبض على ابي الْقسم بن زنجي فَامْتنعَ من الْغَدَاء اياما وَبَقِي لايتكلم فجمله الى منزله خوفًا عَلَيْهِ من حَادِثَة فِي اعتقاله وظنه انه يَمُوت من يَوْمه ووكل بِهِ فِي منزله فدبر امْرَهْ واستتر وَقبض على (16485) ابي الْفَتْح بن داهرالعامل وَكَانَ يُوسع على الْمُكَلّفين الموكلين ويسقيهم الشَّرَاب فاطعمهم يَوْمًا قطايفا مبنجا فَقَامَ وهرب واحدث القراريطي سوما فِي الظُّلم فَلم يمهله الله تَعَالَى فَعبر الى دَار نَاصِر الدولة فَقبض عَلَيْهِ وعَلى اصحابه فَكَانَت وزارته ثَمَانِيَة اشهر وَسِتَّة وَعشْرين يَوْمًا وَفِي جمادي الاولى هرب قِطْعَة من الْجَيْش الى البريدي واغاث الله تَعَالَى الضُّعَفَاء عِنْد تعذر الخبرز بجراد اسود (4) فَبيع كل خمسين رطلا بدرهم (5) وزارة ابي الْعَبَّاس الاصفهاني وَلما قبض نَاصِر الدولة على القراريطي جعل الوزارة الى ابي الْعَبَّاس احْمَد بن عبد الله الاصفهاني وخلع عَلَيْهِ المتقي خلع الوزارة وَلبس القباء وَالسيف والمنطقة وابو عبد الله الْكُوفِي الْمُدبر للامور وصادر القراريطي على خَمْسمِائَة الف دِرْهَم وَحمل إِلَى دَار ابْن أبي مُوسَى الْهَاشِمِي وَكَانَ نَاصِر الدولة ينظر فِي احوال النَّاس كَمَا (6) ينظر اصحاب الشَّرْط وتقام الْحُدُود بَين يَدَيْهِ

وَصَارَ عدل صَاحب بجكم بعده الى ابْن رائق وَبعده الى نَاصِر الدولة فقلده الرحبة وَاسْتولى عَلَيْهَا وَكثر اتِّبَاعه فانفذ نَاصِر الدولة ببدر الخرشني لحربه فَلَمَّا صَار بدر بالدالية توقف عَن الْمسير الى عدل وَكَاتب الاخشيد مُحَمَّد بن طغج وَهُوَ بِدِمَشْق يستاذنه فِي الْمسير اليه فاذن لَهُ وانفذ اليه الْقرب وَالْجمال والروايا فسلك بدر الْبَريَّة وَوصل دمشق فقلده (16585) الاخشيد المعاون بهَا وَجعلت الرحبة واعمال الْفُرَات لعدل وعاملة ابو عَليّ النوبختي ز وَحصل لعدل من المصادرات الفي الف دِرْهَم فاتسعت يَده وَكثر رِجَاله وَاقْبَلْ الديلم والاتراك يقصدونه من بَغْدَاد فِي المرقعات فَخلع عَلَيْهِم وتمت على عدل الْحِيلَة من سهلون كَاتب نَاصِر الدولة لانه اراد الْمُضِيّ الى يانس المونسي بالرقة فَمَنعه عدل من ذَلِك فَقَالَ لَهُ سهلون قد كثر اتباعك وَلَا يَفِي بمؤونتكم مافي يَديك وانا اكْتُبْ عَن نَاصِر الدولة الى يانس بِتَسْلِيم الرقة اليك فَتَبِعَهُ على ذَلِك وبلغا الخانوقة (2) فَقَالَ لَهُ سهلون الراي ان اتقدمك اليه فَطلب مِنْهُ رهينة فَقَالَ ان راك وَقد اخذت رحلي (3) فطن فَتَركه فَلَمَّا حصل بالرقة مَعَ يانس كَاتبا بني نمير فَلَمَّا عرف عدل الصُّورَة سَار الى نَصِيبين فَلَقِيَهُ الْحُسَيْن بن سعيد بن حمدَان فاستامن اصحاب عدل الى الْحُسَيْن فاسره وَابْنه وسلمهما وانفذهما الى نَاصِر الدولة وَشهر هما على جملين وَحصل سيف الدولة بواسط ودافعه اخوه نَاصِر الدولة بِحمْل المَال وَكَانَ توزون (4) وجوجوح (5) يسيئان الادب عَلَيْهِ فَضَاقَ ذرعا بتحكمها فانفذ اليه نَاصِر الدولة ابا عبد الله الْكُوفِي فِي الفي الف دِرْهَم وَخمسين ألف دِينَار فَلَمَّا وصل الى وَاسِط قَامَ توزون وجوجوح الى الْكُوفِي فشتماه وأسمعاه مَكْرُوها فخبأه سيف الدولة فِي بَيت وَقَالَ اما تستحيان مني فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا الاحد أخر شعْبَان كبس (16686) الاتراك سيف الدولة واحرقوا سوَاده فهرب وَلزِمَ نَهَار يُقَال لَهُ الجازور فاداه الى قَرْيَة تعرف ببرقة وَلزِمَ الْبَريَّة حَتَّى وصل الى بَغْدَاد واتبعوه فرسخا

وَعَاد توزون وجوجوح الى معسكرهما وَوصل الْكُوفِي الى بَغْدَاد لليلتين خلتا من شهر رَمَضَان وَلَقي نَاصِر الدولة وعرفه الصُّورَة فاصعد الى الشماسية وَركب المتقي لله ليه فساله لتوقف عَن الْخُرُوج من بَغْدَاد ونهبت دَاره رَابِع شهر رَمَضَان وافلت يانس غُلَام البريدي وَعَاد الى صَاحبه فاستتر الْكُوفِي وَابْن مقَاتل وَخرج الديلم الى الْمُصَلِّي وَضبط الاتراك الَّذين بِالْبَلَدِ بَغْدَاد ثمَّ عَاد الديلم وبهر الامور والقرايطي وانعقدت الرِّئَاسَة بِوَاسِطَة لتوزون بعد مُنَازعَة من جوجوح (1) لَهُ ثمَّ تظاهرا (2) وَكَانَت مُدَّة وُقُوع اسْم الوزارة على ابي الْعَبَّاس الاصفهاني احدا وَخمسين يَوْمًا وَمُدَّة امارة نَاصِر الجولة ابي مُحَمَّد الْحسن (3) عبد الله بن حمدَان ثَلَاثَة عشر شهرا وَثَلَاثَة ايام وَتقدم توزون الى جوجوح بالانحدار الى نهر ابان ورد البريدي عَن وَاسِط ان قَصدهَا ووافي رَسُول البريدي عِيسَى بن نصر الى توزون يهنئه بالامارة ويساله ان يضمنهُ اعمال وَاسِط ويعرفه ان الراي ان يعجل الى الحضرة وَيخرج ابْن حمدَان عَنْهَا فاجابه ان عسكري عَسْكَر بجكم (4) الَّذين جربت واذا اسْتَقَرَّتْ الامور تكلمنا فِي الضَّمَان (16786) وَاتبعهُ جاسوسا يعرفهُ مَا يجْرِي بَينه وَبَين جوجوح فَعَاد الجاسوس وعرفه ان جوجوح على الاستئمان الى البريدي فَسَار اليه توزون (5) فِي ثَانِي عشر شهر رَمَضَان فِي مائَة من الاتراك فكبسه فِي فرَاشه فَلَمَّا احس بِهِ ركب دابه النّوبَة واخذ لتا وَدفع عَن نَفسه (6) ثمَّ اخذ بعد سَاعَة وَحمله توزون الى وَاسِط فسمله فِي دَار عبد الله بن يُونُس

وزارة ابي الْحُسَيْن بن مقلة وَلما انْصَرف نَاصِر الدولة (1) من بَغْدَاد قلد المتقي وزارته ابا الْحُسَيْن عَليّ بن مُحَمَّد بن مقلة وخلع عَلَيْهِ فِي حادي عشر شهر رَمَضَان وَعَاد سيف الدولة الى بَغْدَاد (2) فَلَمَّا بلغ جرجرايا عرف سيف الدولة ذَلِك فاصعد عَن بَاب حَرْب لسبع بَقينَ من شهر رَمَضَان وَنزل دَار مونس ولثلاث بَقينَ من شهر رَمَضَان دخل البريدي واسطا فاحرق وَنهب واحتوى على الغلات امارة توزون واقام توزون فَخلع عَلَيْهِ المتقي وقلده امْرَهْ الامراء وَعقد لَهُ لِوَاء فاسرف بِالْخلْعِ الى دَار مونس واستكتب ابا جَعْفَر الْكَرْخِي وَقبض على جمَاعَة من التُّجَّار وطالبهم بِمَال وَقبض على ابي بكر مُحَمَّد الْحسن بن عبد الْعَزِيز الْهَاشِمِي 2 واستتر مِنْهُ ابْن ابي مُوسَى الْهَاشِمِي لتحققه بناصر الدولة (16887) وَكَانَ قد اسرع عِنْد هزيمَة سيف الدولة غُلَاما خظيا (3) عِنْد سيف الدولة فاطلقه ووهبه لسيف الدولة وَبَعثه اليه حِين حصل بِبَغْدَاد اذ تحسن (4) هَذَا الْفِعْل من نَاصِر الدولة وسيفها حَتَّى قَالَ نَاصِر الدولة قد قلدت توزون الحضرة واستخلفته هُنَاكَ فسكنت نَفسه حِينَئِذٍ وغلا السّعر بِبَغْدَاد حَتَّى بيع اربعة ارطال بدرهم وَوجه بالديلم الى قطيعه ام جَعْفَر فكبسوا الدكاكين واخذوا من الدَّقِيق وقر زورقين عظيمين وواثبهم الْعَامَّة وَانْحَدَرَ ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة وَخلف بِبَغْدَاد الترجمان وخطب ابْن مقلة كِتَابه توزون لِعَمِّهِ ابي عبد الله وانفذ اليه هَدِيَّة مِنْهَا عشرُون ثوبا دبيقيا وَعِشْرُونَ رِدَاء قصبا وطيبا وَذَلِكَ بعد ان اتستكتب توزون القراديطي وَصرف النونختي فَلم يجب توزون الى ذَلِك وَقَالَ لَا يحسن بِي صرفه بعد ثَلَاثَة ايام من استخدامي لَهُ

ووافاه بواسط ابْن شيرزاد من الْبَصْرَة فَتَلقاهُ توزون فِي دجلة وسر بِهِ وَقَالَ يَا ابا جَعْفَر كملت امارتي وَهَذَا خَاتمِي فَخذه ودبرني بامرك فانت ابي فَقبل ابو جَعْفَر يَده فَانْصَرف ابْن شيرزاد الى دَار الصُّوفِي فنزلها وانفذ ابا الْحُسَيْن طازاذ الى الحضرة لِخَلْعِهِ وانفذ مَعَه صافيا غُلَام توزون فِي خمسين غُلَاما ليقوى يَده وامره بِالْقَبْضِ على الراريطي ويسلمه الى ابْن مقله ومطالبته بالعشرين الف دِينَار وَكَانَ السَّبَب تخلص ابْن سيرزاد (16987) من البريدي ان يُوسُف بن وجيه (1) صَاحب عمان وافي الْبَصْرَة فِي ذِي الْحجَّة فِي المراكب والشذءات وَغلب على الابلة فهرب ابْن شيرزاد وطازاذ وابو عُثْمَان سعيد بن ابراهيم كَاتب بدر الخرشني وَانْصَرف يُوسُف وَقد قَارب ان يملك الْبَصْرَة حَتَّى اتى البريدي بفلاح يعرف بالزياري (2) فَقَالَ انا احْرِقْ مراكبه وَكَانَت بِاللَّيْلِ يشد بَعْضهَا الى بعض كالجسر فِي عرض دجلة فاعتمد الزباري (2) الى زورقين فملأهما زعفا (3) واضرمها نَارا وارسلها فَوَقَعت على المراكب فاشتغلت وتقطعت واحرق من فِيهَا وانتهب النَّاس مِنْهَا مَالا عَظِيما وهرب يُوسُف على وَجهه واستشعر ابْن مقلة الْخَوْف من ابْن شيرزاد واوقع بَين المتقي وتوزون وَقَالَ قد عزم على ان ياخذ مِنْك خَمْسمِائَة الف دِينَار كَمَا اخذ البريدي وَقَالَ هَذِه بَقِيَّة تَرِكَة بجكم (4) ووافى ابْن شيرزاد الحضرة فِي ثَلَاثمِائَة غُلَام وَوصل الى المتقي واشار عَلَيْهِ ابْن مقلة والترجمان بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَلم يفعل وَفِي شهررمضان ورد الْخَبَر بِمَوْت نصر بن احْمَد (5) صَاحب خُرَاسَان وترتب ابْنه نوح فِي مَوْضِعه واتصلت الْفِتَن بِبَغْدَاد فانتقل كثير من تجارها مَعَ الْحَاج الى مصر وَالشَّام وَورد من ملك الرّوم كتاب يلْتَمس فِيهِ منديلا بِبيعِهِ الرها وَذكر ان عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام مسح بِهِ وَجه وانه حصلت صُورَة وَجهه فِيهِ وانه ان انفذ اليه اطلق الاسرى (17088) فاستامر ابْن مقلة المتقي فامره باحضار النَّاس فَاسْتَحْضر عَليّ بن عِيسَى وَالْفُقَهَاء والقضاة فَقَالَ بعض من حضر هَذَا المنديل مُنْذُ

الدَّهْر الطَّوِيل فِي الْبيعَة وَلم يلتمسه ملك من الْمُلُوك وَفِي دَفعه غَضَاضَة على الْمُسلمين وهم احق بمنديل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ عَليّ بن عِيسَى خلاص الْمُسلمين الاسر اوجب فامر المتقي بِتَسْلِيم المنديل وان يخلص بِهِ الاسرى وَكتب بذلك عَنهُ سنة اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وافى ابة عبد الله الْحُسَيْن بن سعيد بن حمدَان الى بَاب حَرْب فِي جَيش كثير فَخرج اليه (1) المتقي لله وَحرمه وَولده وَابْن مقلة وابو نصر مُحَمَّد بن ينَال الترجمان وَخرج مَعَه الْعمَّال وَالْوُجُوه وسلامة الطولوني وابو زَكَرِيَّا السُّوسِي وابو مُحَمَّد المادراني والقراريطي وابو عبد الله الموسوي 2 وَغَيرهم واستتر ابْن شيرزاد وَنهب اقبال غُلَامه بعض خَزَائِن المتقي وَظهر ابْن شيرزاد من استتاره وَوصل سيف الدولة الى تكريت لاربع خلون من شهر ربيع الاول فَتَلقاهُ الامير ابو مَنْصُور وَصَارَ مَعَه الى المتقي لله واشار بالاصعاد الى الْموصل فَامْتنعَ وَقَالَ لم توافقوني على هَذَا وانفذ توزون حِين بلغه الْخَبَر مُوسَى بن سيمان فِي الف رجل فَنزل بالشماسية وَعقد توزون واسطا على البريدي واصعد فوصل بَغْدَاد عَاشر ربيع الاول فَعِنْدَ ذَلِك انفذ المتقي حرمه الى الْموصل (17188) وَانْحَدَرَ اليه نَاصِر الدولة فِي بني نمير وَبني كلاب وَبني اِسْعَدْ فَتَلقاهُ المتقي وَسَار توزون اليهم الى قصر الجص (2) ودامت الْحَرْب فِيهِ بَين سيف الدولة وَبَين توزون ثَلَاثَة ايام فَانْهَزَمَ سيف الدولة حِينَئِذٍ واصعد مَعَه اخوه نَاصِر الدولة وَنهب اعرابهما سوادهما وَملك توزون تكريت فشغب عَلَيْهَا اتراكه وَلحق بَعضهم بناصر الدولة فانحدر حِينَئِذٍ توزون الى بَغْدَاد وانفذ بِابْن ابي مُوسَى فِي الصُّلْح بَينه وَبَين نَاصِر الدولة وَانْحَدَرَ سيف الدولة من الْموصل وَمَعَهُ الْجَيْش للقاء توزون وَكَانَ توزون قد زوج ابْنَته من ابي عبد الله البريدي وَسَار توزون الى حَرْبِيّ (3) فَالْتَقَيَا اول شعْبَان فَانْهَزَمَ سيف الدولة وَسَار الى

الْموصل فَعِنْدَ ذَلِك خرج اخوه نَاصِر الدولة والمتقي لله وَسَائِر من مَعَهم الى نصيين وَخرج توزون وَرَاءَهُمْ الى الْموصل وَمَعَهُ ابْن شيرزاد فاستخرج مِنْهَا مائَة الف دِينَار وللنامي يذكر وقْعَة سيف الدولة بتوزون ... على رماحك نصر الله قد نزلا ... فاسال بِهِ يَوْم تلقاك العدى (1) الاسلا ان ضل سَعْدا على مسراك مطلعة ... فقد دَعَتْهُ العدى المريخ اَوْ زحلا وَيفتح الله اسباب السَّمَاء الى ... نصر يظل بِهِ توزون قد خذلا يَا نَاصِر الدّين ان الدّين فِي وزر ... ومؤئل الْملك ان الْملك قد والا هاني صنائعك الْحسنى ابا حسن ... والت لمن قد بغاك العثر والزللا ... وَسَار المتقي لله الى الرقة فِي حرمه وَولده وَوَصلهَا اول (17289) يَوْم من شهر رَمَضَان وانفذ من هُنَاكَ بَابي زَكَرِيَّا (2) السُّوسِي الى توزون وَقَالَ قل لَهُ قد اوحشتني الظنون السَّيئَة من البريديين وَعرفت انك وهم يَد وَاحِدَة وَقد عَفا الله عَمَّا سلف فان اثرت رضائي فَصَالح نَاصِر الدولة وارجع الى الحضرة فان الامور تستقيم لَك برضائي عَنْك فَقَالَ ابو سعيد (2) يَا امير الْمُؤمنِينَ اني اخافه على نَفسِي فَقَالَ اذا قصدت الصّلاح كفيت فَقلت لَهُ فان لم يتم الصُّلْح اعود الى وطني قَالَ قد اذنت لَك فَقبلت يَده فَلَمَّا جِئْت الْموصل هم الاتراك بِي وارتاب توزون بوصولي فَقلت ايها الامير قد كنت اسفر بَيْنك وَبَين ابْن رائق فَهَل عَرفتنِي الا مُسْتَقِيمًا قَالَ صدقت فَقلت انا رجل سني وارى طَاعَة الْخَلِيفَة وَخرجت مَعَه احتسابا لااطلب الدُّنْيَا وَقد انفذني رَسُولا وانتم اولادي ربيتكم وارى الصُّلْح فاشار عَلَيْهِ ابْن شيرزاد ذَلِك ووردت الاخبار بمجىء معز الدولة الى وَاسِط فاحب توزون اتمام الصُّلْح وَحصل لِابْنِ شيرزاد مِائَتَا الف دِينَار وَعقد الْبَلَد على نَاصِر الدولة ثَلَاث سِنِين كل سنة بِثَلَاثَة الاف الف وسِتمِائَة الف دِرْهَم وَدخل توزون بَغْدَاد وَظهر بِبَغْدَاد لص يعرف بِابْن حمدي (3) فَكَانَ يعْمل للعملات وَوَافَقَهُ ابْن شيرزاد بعد ان خلع عَلَيْهِ على خَمْسَة عشر الف دِينَار فَكَانَ يودي الروزات (4) بهَا اولا اولا

وَكَانَ ابو يُوسُف البريدي قد استوحش من اخيه فَقَالَ قد حصل لاخي ابي (17389) عبد الله من وَاسِط ثَمَانِيَة الاف الف دِينَار بذر فِيهَا فَصَارَ فِي بعض الايام الى دارابي عبد الله من وَاسِط فَتَلقاهُ الغلمان وقتلوه (1) وَورد الْخَبَر بَان نَافِعًا غُلَام يُوسُف بن وجيه صَاحب غان قتل مَوْلَاهُ وَملك مَكَانَهُ وَدخل الرّوم راس (2) عين وَسبوا من اهلها ثَلَاثَة الاف انسان وضع ابْن شيرزاد على سَائِر مَدَائِن بَغْدَاد ضَربته وَعم الغلأ وَصَارَ مَا كَانَ يُسَاوِي فِي ايام المقتدر رَحمَه الله دِينَارا يُسَاوِي درهما وَفِي جمادي الاخرة قبض ابو الْعَبَّاس الديلمي خَليفَة توزون على الشرطة بِبَغْدَاد على ابْن حمدَان اللص ووسطه فخف عَن النَّاس بعض المكارة بقتْله وَفِي رَجَب مَاتَ ابو الْقسم سُلَيْمَان بن الْحسن بن مخلد (3) وَقد قَالُوا مَرْيَم بنت الْحسن بن مخلد ابوها وَزِير تقلد الوزارة ثَلَاث دفعات وَزوجهَا الْقسم بن عبيد الله وَزِير المعتضد والمكتفي واخوها سُلَيْمَان بن الْحسن بن مخلد تقلد الوزارة للمقتدر والراضي والمتقي وحموها عبيد الله بن سُلَيْمَان وَزِير المعتضد وَابْنهَا ابو عَليّ الْحسن بن الْقسم بن عبيد الله وزر للمقتدر بِاللَّه وَقد تقدم قَول النَّاس امراة يحل لَهَا ان تضع قناعها بَين يَدي اثْنَي عشر خَليفَة كل لَهَا لمحرم (4) وَهِي عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة ابوها يزِيد وجدهَا مُعَاوِيَة واخوها مُعَاوِيَة بن يزِيد وَزوجهَا عبد الْملك بن مَرْوَان وابو زَوجهَا مَرْوَان بن الحكم وَابْنهَا يزِيد (17490) (5) بن عبد الْملك وَبَنُو زَوجهَا الْوَلِيد وَسليمَان وَهِشَام وَابْن ابْنهَا الْوَلِيد بن يزِيد وَابْن ابْن زَوجهَا يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك واخوه ابراهيم بن الْوَلِيد الَّذِي خلع واصعد معز الدولة من وَاسِط على وعد من البريدي فِي نصرته فَلم يفوا وَانْحَدَرَ اليه توزون فَالْتَقَيَا (6) (حسبن) (7) بقباب حميد ودامت الْحَرْب بَينهم

بضعَة عشر يَوْمًا وَكَانَ توزون يتاخر كل يَوْم وَكثر الْقَتْلَى فِي الْجَانِبَيْنِ وَعبر توزون ديالي (1) وَاسْتولى على زواريق معز الدولة فضاقت عَلَيْهِ الْميرَة فَصَارَ الى جسر النهروان وَعبر اليه توزون فِي الف عَرَبِيّ (2) وَخَمْسمِائة تركي على غَفلَة واخذ سوَاده وَقتل من اصحابه خلقا واسر آخَرين فِي جُمْلَتهمْ ابْن الاطروش الْمَعْرُوف بالداعي الْعلوِي (3) وابو بكر بن قرَابَة وَكَانَ قد وافى مَعَ الديلم فصودر على عشْرين الف دِينَار وشغل توزون عَن اتباعهم مَا عاوده من الصرع (5) وَنَجَا معز الدولة والصيمري وَنَفر يسير باسوأ حَال وَاللَّيْلَة بقيت من شَوَّال (5) ورد الْخَبَر بِمَوْت ابي طَاهِر سُلَيْمَان بن الْحُسَيْن الهجري (6) بالجدري فِي منزله بهجر فِي شهر رَمَضَان وَصَارَ الامر لاخوته وَكَانَ ابْن سنبر يعادي الْمَعْرُوف بَابي حَفْص الشَّرِيك واحضر رجلا اصبهانيا فكشف لَهُ دفائن واسرارا كَانَ ابو سعيد كشفها لِابْنِ سنبر وَحده من غير ان يعلم ابْنه ابا طَاهِر بذلك وَقَالَ الاصبهاني (7) امْضِ الى ابي طَاهِر وعرفه ان اباه (8) كَانَ يَدْعُو اليك وعرفه الاسرار فَلَمَّا اتاه خَبره اعْتقد صدقه (17590) وَقَامَ بَين يَدَيْهِ وَسلم الامر اليه فَتمكن وَقتل ابا حَفْص وَكَانَ اذا قَالَ لابي طَاهِر ان فلَانا قد مرض مَعْنَاهُ شكّ فِي دينهم فظهره قَتله ابو طَاهِر وَلَو كَانَ اخوه فخاف ابو طَاهِر على نَفسه مِنْهُ وَقَالَ قد وَقع لي فِي امْرَهْ شُبْهَة وَلَيْسَ بِالرجلِ الَّذِي يعرف الضمائر وَيحيى الاموات وَقَالَ ان امي عليلة وغطاها بازار فَلَمَّا جَاءَ اليها الاصبهاني قَالَ هَذِه عليلة لاتبرأ فطهروها أَي اقتلوها فَجَلَست الام فَقَالَ لَهُ ابو طَاهِر واخوته انت كَذَّاب وقتلوه وَكَانَ لَهُ (9) سَبْعَة من الوزراء اكبرهم ابْن سنبر (10)

وَكَانَ لابي طَاهِر اخوان (1) ابو الْقسم سعيد بن الْحسن وابو الْعَبَّاس الْفضل بن الْحسن وَكَانَ امرهم وَاحِدًا فَكَانُوا اذا ارادوا حَالا خَرجُوا الى الصَّحرَاء وَاتَّفَقُوا على (2) مَا يعْملُونَ فاذا انصرفوا تمموا مَا عولوا عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُم اخ (3) متشاغلا باللذات لايدخل مَعَهم فِي امورهم وَفِي هَذِه السّنة توفّي ابو عبد الله البريدي (4) بحمى حادة مكثت بِهِ سَبْعَة ايام وَكَانَ بَين قَتله لاخيه وَبَين مؤته ثَمَانِيَة اشهر وانتصب ابو الْحُسَيْن مَكَان اخيه فاستطال على اصحابه فَمضى يانس الى ابي الْقسم ابْن مولات (5) واخذ مِنْهُ ثَلَاثمِائَة الف دِينَار ففرقها فِي الديلم حَتَّى عقدوا لَهُ الرِّئَاسَة وكبسوا أَبَا الْحُسَيْن بمسماران فَخرج من تَحت ليلته وتنكر وَمضى الى الجعفرية وَمضى الى الهجري فَقبله واقام عِنْده شهرا وَسَار مَعَه اخو (6) ابي طَاهِر وَلم يتمكنوا (17691) من دُخُول الْبَلَد فسفروا بَين ابي الْحُسَيْن وَبَين عَمه فِي الصُّلْح وسالوه ان يُؤمنهُ فَاخْتَارَ الاصعاد الى بَغْدَاد وَكَانَ من حَالَة مَا ياتي ذكره وَاجْتمعَ لشكرستان (7) الديلمي ويانس على الايقاع بَابي الْقسم فَلَمَّا خرج يانس من عِنْد الْقَائِد اتبعهُ بزوبين (8) فِي اللَّيْل فَسلم مِنْهُ وَصَارَ الى خراب فاواه وَكَانَ ابو الْقسم معولا على الْهَرَب حِين بلغه مَا هما بِهِ واستتر لشكرستان حِين علم سَلامَة يانس وعولج يانس حَتَّى برِئ وصادره ابو الْقسم على مائَة الف دِينَار وتلقاه الى عمان فَلَمَّا صَار فِي الحديدي قَتله غلْمَان ابي الْقسم وَتمكن ابو الْقسم من الرِّئَاسَة وَخرج فِي هَذِه السّنة عَسْكَر الروسية الى اذربيجان وفتحوا برذعة وملكوها وَسبوا اهلها فَجمع الْمَرْزُبَان بن مُحَمَّد (9) عسكره واتته المطوعة حَتَّى صَار فِي مِائَتي الف رجل فَلم يقاومهم وَكَانَ اميرهم يركب حمارا

وَكَمن لَهُم الْمَرْزُبَان كمينا وهرب من بَين ايديهم وسال النَّاس الْعود فَلم يعد اُحْدُ مَعَه لما تمكن لَهُم فِي النُّفُوس من الهيبة فَعَاد وَحده وطالبا للشَّهَادَة فاستحي خلق من الديلم وعادوا مَعَه فَقتل اميرهم وَسَبْعمائة مِنْهُم والجأهم الى حصن وَوَقع فِي الروسية الوباء حِين اكلوا الْفَاكِهَة وَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم اذا مَاتَ كفن بِمَالِه وسلاحه ودفنت زَوجته مَعَه وَغُلَامه ان كَانَ يُحِبهُ واخرج الْمُسلمُونَ لما مضوا من قُبُورهم (17791) اموالا وحملوا على ظُهُورهمْ الاموال والجواهر واحرقوا مَا عدا ذَلِك وَسَاقُوا النِّسَاء وَالصبيان ومضوا الى سفن لَهُم وَاجْتمعَ خَمْسَة مِنْهُم فِي بُسْتَان ببرذعة (1) فيهم امرد وَمَعَهُمْ نسْوَة من سبي الْمُسلمين فاحاط بهم الْمُسلمُونَ وَاجْتمعَ قوم من الديلم عَلَيْهِم وَلم يصل الى وَاحِد مِنْهُم حَتَّى قتلوا من الْمُسلمين اعدادا وَلم يتَمَكَّن من وَاحِد مِنْهُم اسرا وَكَانَ الامر آخر من بَقِي مِنْهُم فَقتل نَفسه وَظهر للمتقي لله من بني حمدَان ضجر (2) بمقامه عِنْدهم فانفذ بالْحسنِ بن هَارُون وابي عبد الله بن ابي مُوسَى الى توزون فِي الصُّلْح فَتلقى ذَلِك باحسن لِقَاء وَحلف لَهُ وَلابْن مقلة بِمحضر من النَّاس (3) سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة اتى الاخشيد حَلبًا فاستولى عَلَيْهَا وَانْصَرف عَنْهَا ابو عبد الله الْحُسَيْن بن سعيد بن حمدَان الى الرقة فَلم يوصله المتقي وغلق ابواب الْبَلَد دونه فَمضى الى سيف الدولة وَهُوَ بحران واتى الاخشيد الى الرقة فخدم المتقي ووقف بَين يَدَيْهِ وَمَشى قداحه حِين ركب فامره بالركوب فَلم يفعل وَحمل اليه اموالا وَحمل الى ابْن مقلة عشْرين الف دِينَار وَلم يدع كَاتبا وَلَا حاجبا الا بره واجتهد بالمتقي ان يسير مَعَه إِلَى مصر وَالشَّام فَلم يفعل وَأَشَارَ عَلَيْهِ بالْمقَام مَكَانَهُ فَلم يقبل وَانْحَدَرَ المتقي الى (17892) هيث فَأَقَامَ بهَا وانفذ بِالْقَاضِي الْخرقِيّ حَتَّى

جدد على توزون الايمان والعهود والمواثيق بعد ان لقب توزون بالمظفر وَخرج توزون الى السندية (1) فَلَمَّا وَصلهَا المتقي ترجل لَهُ وَقبل الارض بَين يَدَيْهِ ووكل بِهِ وبالوزير وارتجت الدُّنْيَا بِفِعْلِهِ ثمَّ سمله (2) وَكَانَ المتقي يتاله (3) وَيُصلي ويصوم كثيرا وَلم يشرب النَّبِيذ قطّ وَكَانَ فِيهِ وَفَاء وقناعة وَلم يتحظ (4) غير جَارِيَته الَّتِي كَانَ يتحظاها قبل الْخلَافَة وَلما تمكن استوزر كَاتبه ابْن مَيْمُون قَدِيما وَلم يغدر باحد وَكَانَ بر النَّفس حسن الْوَجْه وهرب وَعِنْده الف الف دِينَار اخذها من بجكم (5) وَلم يحسن التَّدْبِير وَلم ينهب دَار خَليفَة قبله قَالَ ثَابت بن سِنَان وحَدثني ابو الْعَبَّاس التَّمِيمِي الرَّازِيّ (6) وَكَانَ خصيصا بتوزون ان ابرهيم (7) الديلمي سالني الْمصير الى دَعوته وَكَانَ ينزل بدار القراريطي فجئتها وَهِي مفروشة فَلَمَّا جَلَست قَالَ اعْلَم اني خطبت الى قوم وتجملت عِنْده بَان ادعيت ان لي منزلَة من الامير فَقَالَت لي (8) الْمَرْأَة اذا كنت بِهَذِهِ المنزله فَانِي ادلك على شَيْء يعم صَلَاحه الامة وينفعك عِنْد الامير فَقلت مَا هُوَ قَالَت فَإِن هَذَا الْخَلِيفَة المتقي قد عاداكم وعاديتموه واجتهد فِي هلاككم ببني حمدَان وَبني بوية فَلم يتم لَهُ مَا اراد ولايجوز ان يصفو لكم وَهَا هُنَا رجل من ولد الْخُلَفَاء يرجع الى دين وَرجله فَهَل لكم أَن تنصبوه للخلافة (17992) ويثر (9) اموالا عَظِيمَة وأطالت الْكَلَام فهوستني فَعلمت ان محلي لايبلغ الى مثل ذَلِك وكرهت أَنِّي اكذب نَفسِي فِي ادِّعَاء المنزله الَّتِي ذكرتها فاطمعتها فِي ذَلِك بك وَقد اطلعتك عَلَيْهِ فَقلت اريد ان اسْمَع كَلَام الْمَرْأَة فجاءتني بِامْرَأَة تَتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ والفارسية من اهل شيراز جزلة شهمة فهمة فخاطبتني نَحْو مَا خاطبتني بِهِ فَقلت لَهَا (10) اريد

ان القي الرجل فاتتني بِهِ فِي خف وازار من دَار ابْن طَاهِر (1) عرفتي انه عبد الله بن المكتفي بِاللَّه (2) فَرَأَيْت رجلا حصيفا ورأيته يمِيل الى التَّشَيُّع ورأيته عَارِفًا بامر الدُّنْيَا وَضمن سِتّمائَة الف دِينَار يستخرجها وَيَمْشي بهَا الامر ومائتي الف دِينَار للامير توزون وَقَالَ انا رجل فَقير واعرف هَذِه الاموال عِنْد اقوام عِنْدهم ذخائر الْخلَافَة فصرت الى توزون وَلَقِيت ابا عمرَان مُوسَى بن سُلَيْمَان فاطلعته على الْحَال فَقَالَ اني لَا ادخل فِي هَذِه الامور فَلَمَّا ايسني حلفته على الكتمان واستحلف توزون على الكتمان بالمصحف واخبرته فَطلب الرجل ان يبصره فَقلت بِشَرْط ان تكْتم الْحَال من ابْن شيرزاد (3) وأتى توزون معي الى دَار مُوسَى بن سُلَيْمَان فَلَقِيَهُ هُنَاكَ وخاطبه وَبَايَعَهُ فَلَمَّا وصل المتقي لله الى السندية ولقيه توزون قلت لَهُ ان كنت عزمت على أَمَام ذَلِك الامر فافعله الان فانه ان دخل بَغْدَاد تعذر عَلَيْك الامر فَوكل بِهِ وَكَانَت الْمَرْأَة الَّتِي سفرت للمستكفي (18093) الْمَعْرُوفَة بِعلم (4) الشيرازية حماة ابي احْمَد الْفضل (5) الشِّيرَازِيّ وَصَارَت فهرمانة المستكفي (6) واستولت على الامور وَكَانَ سمل المتقي وخلعه فِي صفر

خلَافَة المستكفي بِاللَّه ابي الْقسم عبيد الله بن المكتفي بِاللَّه بن المعتضد بِاللَّه امهِ رُومِية اسْمهَا غُصْن (1) ولي الْخلَافَة وَسنة يَوْمئِذٍ احدى واربعون سنة وَسَبْعَة ايام وَكَانَ فِي سنّ الْمَنْصُور يَوْم ولي وَكَانَت خِلَافَته سنة واربعة اشهر (2) فقلد ابا الْفرج مُحَمَّد بن عَليّ السرمزراي (3) الوزارة وَلم يكن اليه غير اسْم الوزارة وابو جَعْفَر بن شيرزاد النَّاظر فِي الامور وخلع على توزون وطوقه وسوره وَوضع على راسه التَّاج المرصع بجوهر وَجلسَ بَين يَدي المستكفي بِاللَّه على كرْسِي فِي شهر ربيع الاول تقلد القَاضِي ابو عبد الله مُحَمَّد بن عيشى الْمَعْرُوف بِابْن ابي مُوسَى الضَّرِير الْقَضَاء بالجانب الشَّرْقِي من بَغْدَاد وتقلد ابو الْحسن مُحَمَّد بن الْحسن بن ابي الشَّوَارِب الْقَضَاء فِي الْجَانِب الغربي مِنْهَا وَطلب المستكفي بِاللَّه الْفضل بن المقتدر طلبا شَدِيدا فاستتر مِنْهُ فَأمر بهدم دَاره الَّتِي على دجلة بدار ابْن طَاهِر فهدمت فَلم يبْق مِنْهَا غير المسناة وَمَا زَالَ فِي ايام المستكفي (18193) مستترا فَلَمَّا هدم دَاره قَالَ عَليّ بن عِيسَى الْيَوْم بَايع لَهُ بِولَايَة الْعَهْد وَقد ذكرنَا حَال ابي عِيسَى البريدي وهربه من ابي الْقسم ابْن اخيه فورد الحضرة بعد مَا امنه ابو الْقسم وَاخْتَارَ الاصعاد اليها فوصلها فِي شهر ربيع الاول وَلَقي توزون وَنزل دَار طازاذ (4) الَّتِي كَانَت بقصر فرج على دجلة وسعى فِي ضَمَان الْبَصْرَة اذا سير مَعَه توزون جَيْشًا (5) وأوصله توزون الى المستكفي فَخلع عَلَيْهِ خلعا سلطانية وَسَار الْجَيْش مَعَه الى دَاره فَبلغ ذَلِك ابْن اخيه فانفذ اليه توزون مَالا اقره بِهِ على عمله

وَبلغ ابْن شيرزاد ان ابا الْحُسَيْن يحطب كِتَابه توزون فتوصل الى الْقَبْض عَلَيْهِ وَضرب بدار صافي مولى توزون ضربا مبرحا وقرض لحم فَخذيهِ بِالْمَقَارِيضِ وانتزعت اظفاره وَكَانَ ابو عبد الله مُحَمَّد (1) بن ابي مُوسَى اخذ ايام نَاصِر الدولة فَتْوَى الْفُقَهَاء باحلال دم ابي الْحُسَيْن فأظهرها فِي هَذَا الْوَقْت فَلَمَّا كَانَ فِي اخر ذِي الْحجَّة جلس المستكفي واحضر الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء واحضر البريدي وَبسط النطع وجرد السَّيْف وَحضر ابو عبد الله مُحَمَّد بن ابي مُوسَى يقْرَأ مَا افتى بِهِ وَاحِد وَاحِد من اباحة دَمه على رُؤُوس الاشهاد وابو الْحُسَيْن يسمع ذَلِك وَرَأسه مشدود فَأمر المستكفي بِضَرْب عُنُقه من غير ان يحْتَج لنَفسِهِ بِحجَّة وَأخذ رَأسه وطيف بِهِ فِي بَغْدَاد ورد الى دَار السُّلْطَان وصلبت جثته على بَاب الْخَاصَّة (18294) على دجلة فِي الْموضع الَّذِي كَانَ حديدية مشدودا جته (2) فَكَانَ هَذَا خَاتِمَة امور الثَّلَاثَة وعقبى مَا ارتكبوه من الظُّلم واهله وَمن الْبلَاء كُله وَمضى سيف الدولة الى حلب بعد انصراف ابي بكر مُحَمَّد بن طغج الاخشيد وَبهَا يانس فَتَركهَا وَمضى الى الاخشيد وتسلم سيف الدولة حَلبًا وَفِي شهر ربيع الاول كَانَ لسيف الدولة وقْعَة مَعَ الرّوم رزق الظفر فهيا واطلق توزون ابا الْحُسَيْن ابْن مقلة بعد ان صادره على ثَلَاثِينَ الف دِينَار ثمَّ قبض على ابي الْفرج السرمزاري (3) وصادره على ثَلَاثمِائَة الف دِرْهَم فَكَانَ وُقُوع اسْم الوزارة عَلَيْهِ اثْنَيْنِ واربعين يَوْمًا وَخرج القاهر الى جَامع الْمَنْصُور ملتفا فِي قطن يتَصَدَّق وَرَآهُ ابْن ابي مُوسَى (4) فَمَنعه بالرفق واعطاه خَمْسمِائَة دِرْهَم وَقصد القاهر بذلك التشنيع وانفذت الى ابي الْقسم البريدي الْخلْع وَذَلِكَ فِي جمادي الاخيرة وعزم المستكفي على الْخُرُوج مَعَ توزون حِين اخر نَاصِر الدولة المَال فسفر ابو الْقسم ابْن مكرم كَاتب نَاصِر الدولة فِي الصُّلْح وَحمل مَالا تقرر واخذ ابْن شيرزاد خطوط النَّاس بِمَال الضَّمَان فَدخل اليه ابو الْقسم عِيسَى بن عَليّ ابْن عِيسَى فَقَالَ اكْتُبْ عَن والدك بِأَلف دِينَار فَكتب وَمضى الى ابيه فَأدى خَمْسمِائَة

وَركب الى ابْن شيرزاد فَخرج اليه ابو زَكَرِيَّا السُّوسِي وطازاذ معتذرين فَقَالَ عَليّ بن عِيسَى اني اريد ان القاه وَلَا اخاطبه فِي الْبَقِيَّة فَمضى وعادا اليه و (1) قَالَا انه (18394) يستحي من لقائك فَانْصَرف عَليّ بن عِيسَى كئيبا من المذلة (2) اكثر من كآبته بالعزم وَكَانَ هُوَ الَّذِي اصْطنع ابْن شيرزاد وَخرج تكين الشيرزادي صَاحب توزون الى جَزِيرَة بني غبر وَعَاد الى جسر سَابُور وامر اصحابه بالتقدم الى وَاسِط واجلس فِي بُسْتَان يشرب (3) فأحاط بِهِ عَسْكَر البريدي فاسروه وَحَمَلُوهُ الى الْبَصْرَة وَفِي رَجَب دخل ابو جَعْفَر الصَّيْمَرِيّ (4) واسطا ودخلها معز الدولة وَلما علم انحدار توزون اليه مَعَ المستكفي بِاللَّه انْصَرف عَنْهَا وارصل توزون البريدي فَأطلق تكينا وَضَمنَهُ (5) واسطا واصعد المستكفي وتوزون الى (6) بَغْدَاد وَورد كتاب نوح صَاحب خُرَاسَان بفتحه جرجان وطبرستان وَكَانَ بهَا الْحسن ابْن الفيروزان الديلمي وَملك الرّيّ وَانْصَرف ركن الدولة الى اصبهان وَنزل نوح بنيسابور وَورد الْخَبَر بانهزام سيف الدولة من الاخشيد واتباعهم لَهُ الى الرقة وَذَلِكَ بعد ان اخذ مِنْهُم حَلبًا وَملك دمشق واسر مِنْهُم الفي رجل ثمَّ انْصَرف عَنهُ اصحابه فَكَانَت هزيمته سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فِي الْمحرم خرج ابْن شيرزاد الى هيت فَصَالحه ابو المرجا (7) عَمْرو بن كُلْثُوم مقدمها على ثَمَانمِائَة الف وَخمسين الف دِرْهَم يُسْقِطهَا على اهل الْبَلَد واقام الأخذها فورد عَلَيْهِ الْخَبَر بوفاة توزون (18495) فِي ثَانِي عشر الْمحرم وانه دفن بتربة يانس الموفقي

وَكَانَت امارة ابي الوفا توزون (1) سنتَيْن واربعة اشهر وَسَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا كتب لَهُ ابْن شيرزاد سنتَيْن وشهرا فعقد الْعَسْكَر الامارة الابْن شيرزاد وَانْحَدَرَ عَن هيت وَخلف بهَا غُلَامه اقبالا فقبلوه وَحلف لَهُ المستكفي بِحَضْرَة الْقُضَاة والعدول والعسكر وانفذ ابْن ابي مُوسَى الى نَاصِر الدولة فَعَاد من عِنْده بِخَمْسِمِائَة الف دِرْهَم ودقيق فَلم يكن لَهَا موقع لغلاء السّعر وانتشار الامر وقسط ابْن شيرزادعلى الْكتاب والعمال والتجار ارزاق الْجند وَكَانَ فِي الْبَلَد ساعيان يعرفان بهاروت وماروت يسعيان اليه بِمن عِنْده قوت لِعِيَالِهِ فَيَأْخذهُ فَصَارَ الْبَلَد محاصرا بِهَذَا الْفِعْل وبالضرائب الَّتِي قررها وَانْقطع الجلب وَكَانَ من جملَة مَا صادر ابو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الْعَزِيز الْهَاشِمِي اخذ مِنْهُ عشرَة الاف دِينَار وَقبض المستكفي على القَاضِي ابْن (2) ابي الشَّوَارِب ونفاه الى سر من رأى وَقسم اعماله فولي الشرفية ابا طَاهِر مُحَمَّد بن احْمَد بن نصر وَولي الْمَدِينَة أباالسائب عَتبه ابْن عبيد الله (2) وَكَانَ الى ابي عبد الله بن ابي مُوسَى الْهَاشِمِي الْقَضَاء بالجانب الشَّرْقِي فَدخل عَلَيْهِ اللُّصُوص فِي شهر ربيع الاخر فَأخذُوا امواله وقتلوه فولي ابو السَّائِب مَكَانَهُ وَورد الْخَبَر بِوُقُوع الصُّلْح من سيف الدولة والاخشيد وَسلم اليه سيف الدولة حَلبًا وانطاكية (18595) فَتزَوج ابْنة اخيه عبيد الله بن طغج وتوسط ذَلِك الْحسن بن طَاهِر الْعلوِي فَقَالَ النامي يمدح سيف الدولة ... فَتى قسم الايام بَين سيوفه ... وَبَين طريفات المكارم والتلد فسود يَوْمًا بالعجاج وبالقنا ... وبيض يَوْمًا بالفضائل وَالْمجد سرى ابْن طغج فِي ثَلَاثِينَ جحفلا ... واحجامه فِي الزَّحْف عَن فَارس فَرد وَكَانَت لسيف الدولة الْعَزْم عَادَة ... اذاكر القى الْبيض حدا على حد ايا سائلي عَن يَوْمه اسْمَع فانه ... حَدِيث الْمَعَالِي قصه قصَص الْجهد وَقَالَت لَهُ الهيجاء فِي صدر سَيْفه ... وَقد نهدت من صدر غير الشرى نهد كانك من صغن (4) ودرعك من تَقِيّ ... طرفك من رَأْي وَسيف من حقد فاظمأتهم وَالْمَاء معترض لَهُم ... واستقيتهم مَاء على قصب الْهِنْد ...

.. الم تَرَ فرعونا ومُوسَى تنَازعا ... فغودرت العقبى لذِي الْحق لَا الحشد فغرقه فِي الْبَحْر فَاجْعَلْ فويقها ... لتغريقه كالبحر وامدده بِالْمدِّ فَلَو حئت ثمدا ناصبا ورفدته ... بجودك فاض الْبَحْر من ذَلِك الثمد (1) وَورد الْخَبَر بِمَوْت ابي عبد الله الْكُوفِي بحلب وَقد تقدّمت اخباره وَورد الْخَبَر بوصول الامير ابي الْحسن معز الدولة الى باجسرى (2) وَكَانَ ابْن شيرزاد (3) قد اسْتخْلف بواسط ينَال كوشا (4) فَدخل فِي طَاعَته فاستتر ابْن شيرزاد حِينَئِذٍ فَكَانَت امارته ثَلَاثَة اشهر وَخَمْسَة ايام 3 واستتر المستكفي حَتَّى خرج الاتراك مُصْعِدِينَ الى الْموصل فَظهر حِينَئِذٍ واتاه ابو مُحَمَّد المهلبي (5) فخدمه (18696) عَن معز الدولة فِي حادي عشر جمادي الاولى وَنزل بالشماسية وانفذ اليه المستكفي هَدَايَا (6) وَوصل اليه بعد ثَلَاثَة ايام فَخلع عَلَيْهِ وطوقه وَعقد لَهُ اللِّوَاء وقلده الامارة ووقف بَين يَدي الْخَلِيفَة واخذت عَلَيْهِ الْبيعَة وَحلف لَهُ بايمان الْبيعَة وعَلى ان يضون ابا احْمَد الشيرزادي (7) وحماته علم القهرمانة وللقاضي ابي السَّائِب ولودلد ابْن مُوسَى (8) ولابي الْعَبَّاس بن خاقَان (9) الْحَاجِب ثمَّ اسْتخْلف المستكفي الامير ابا الْحُسَيْن ولاخوته ثمَّ ساله فِي امْر ابْن شيرزاد فَأَمنهُ وَحلف لَهُ وَلبس الْخلْع ولقب معز الدولة وكني ولقب اخوه ابو الْحسن عَليّ عماد الدولة ولقب اخوه ابو عَليّ ركن الدولة وَضربت القابهم على الدَّنَانِير (10) وَانْصَرف الى دَار مونس فنزلها وَمن جملَة دَار مونس الْمدرسَة النظامية (11) الْيَوْم وَظهر ابْن شيرزاد وَلَقي معز الدولة وَقرر المستكفي فِي كل يَوْم خمسين الف دِرْهَم لنفقته (12)

وَكتب ابو عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ بن مقلة الى معز الدولة رقْعَة يخْطب فِيهَا كِتَابَته وَكَانَ قدولاها ابْن شيرزاد فَلم يؤثره عَلَيْهِ وَقبض على ابي عبد الله وعملت علم القهرمانة دَعْوَة عَظِيمَة احضرتها الديلم فَقيل لمعز الدولة انها فعلت ذَلِك لتأْخذ (1) الْبيعَة عَلَيْهِم للمستكفي وعرفوه انها هِيَ السَّبَب فِي ولَايَته فسَاء ظَنّه وَانْحَدَرَ الى دَار الْخلَافَة كَمَا جرت عَادَته وَانْحَدَرَ مَعَه الصَّيْمَرِيّ وَابْن شيرزاد ووقفا (18796) فِي مَرَاتِبهمْ وَكَانَ ابو احْمَد الشِّيرَازِيّ وَولد ابْن ابي مُوسَى واقفين وَدخل معز الدولة فَقبل الارض وَجلسَ على كرْسِي فأوصل رَسُول البريدي وَتقدم نفسان (2) الى المستكفي فَظن انهما يُريدَان تَقْبِيل يَده فَمدَّهَا فجذباه وطرحاه الى الارض وحملاه الى دَار معز الدولة مَاشِيا وقبضوا على ابْن ابي مُوسَى وعَلى علم ونهبت الدَّار قَالَ ابْن البهلول كُنَّا اذا كلمنا المستكفي (3) وجدنَا كَلَامه كَلَام العيارين وَكَانَ جلدا بعيد الْغَوْر (4) وَالْحِيلَة وَكَانَ يلْعَب قبل الْخلَافَة بالطيور وَيَرْمِي بالبندق وَيخرج الى الْبَسَاتِين للفرجة واللعب وَكَانَ لاينفق عَلَيْهِ من الْجَوَارِي غير السودَان وَلَا يعاشر غير الرِّجَال وعزم معز الدولة على ان يُبَايع ابا الْحسن مُحَمَّد بن يحيى الزيدي الْعلوِي فَمَنعه الصَّيْمَرِيّ من ذَاك وَقَالَ اذا بايعته اسْتَقر (5) عَلَيْك اهل خُرَاسَان وعوام الْبلدَانِ وأطاعه الديلم ورفضوك وقبلوا امْرَهْ فِيك وبنوا الْعَبَّاس قوم منصورون تعتل دولتهم مرّة وَتَصِح مرَارًا وتمرض تَارَة وتستقل اطوار لَان اصلها ثَابت وبنيانها (6) راسخ فَعدل معز الدولة عَن تعويله واحدر ابا الْقسم الْفضل بن المقتدر بِاللَّه من دَار ابْن طَاهِر الى دَار الْخلَافَة

خلَافَة الْمُطِيع لله ابي الْقسم الْفضل بن المقتدر (1) كَانَت تِسْعَة (18897) وَعشْرين سنة واربعة اشهر (2) بُويِعَ لَهُ يَوْم الْخَمِيس لثمان بَقينَ من جمادي الْآخِرَة امهِ تدعى مشغلة (3) وَتوفيت فِي مستهل ذِي الْحجَّة سنة خمس واربعين وثلاثمائة (956) بَايعه معز الدولة وحدر المستكفي اليه فَسلم عَلَيْهِ بالخلافة وَأشْهد على نَفسه بِالْخلْعِ وسمل واعتقل عِنْده وَقَامَ ابْن شيرزاد بتدبير الامير واستكتب على خَاص امْرَهْ (4) ابا الْحسن طازاذ ابْن عَسى النَّصْرَانِي واستحجب (5) ابا الْعَبَّاس بن خاقَان وانشأ ابو الْعَبَّاس بن ثوابة يذكر بيعَته كتابا الى الافاق وَأقَام معز الدولة لنفقته فِي كل يَوْم الفي دِرْهَم (6) وَركب معز الدولة بَين يَدَيْهِ والجيش وَرَاءه الى بَاب الشماسية وَعَاد فِي المَاء الى دَار الْخلَافَة وَصرف ابْن نصر عَن الْقَضَاء بالجانب الغربي وَأعَاد ابْن ابي الشَّوَارِب وصادر ابْن شيرزاد ابْن ابي مُوسَى وَعلم القهرمانة على اربعين الف دِينَار وَقطع لسانها وَسلمهَا الى الْمُطِيع لله وَلم يُعَارض ابا احْمَد الشيرزاي لقديم مودته وَلما استولى ابْن شيرزاد على الامور قَالَ ابو الْفرج بن ابي هِشَام بِأَيّ شئ نفق عَلَيْك وَمَا يصلح لكتابة الانشاء وَلَا لجباية الْخراج وانما تولى ديوَان النَّفَقَات (7) وَكتب لِابْنِ الْخَال تَارَة وَقد سَأَلَك المستكفي عَزله بعد ان سَأَلَك فِيهِ فَلم تجب فَقَالَ لما رَأَيْت عظم لحيته (8) قلت لَئِن يكون هَذَا قطانا اولى من ان يكون (18997)

كَاتبا وَلَكِن رايته قد ملك بَغْدَاد وَاسْتولى على الْخلَافَة وَصَارَ لي نظيرا فاردت ان احطه من منزله بعد اخرى حَتَّى اجْعَلْهُ كَاتبا لَاحَدَّ قوادي وَورد نَاصِر الدولة والاتراك مَعَه الى سر من رأى ووافى ابو العطاف بن عبد الله بن حمدَان (1) اخو نَاصِر الدولة وَنزل بَاب قطربل وَظهر لَهُ ابْن شيرزاد وَجَمَاعَة من الْعَجم وَكَانَ معز الدولة قد اصْعَدْ وَمَعَهُ الْمُطِيع الى نَاصِر الدولة فتركهم نَاصِر الدولة وَانْحَدَرَ فِي الْجَانِب الشَّرْقِي وَنزل مُقَابل قطربل فنهب الديلم تكريت وسر من رأى وانحدروا وَمَعَهُمْ الْمُطِيع لله الى بَغْدَاد وَمَعَ نَاصِر الدولة الاتراك وَقد جعلهم على مقدمته مَعَ ابي عبد الله الْحُسَيْن بن سعيد بن حمدَان وَكَانَ يخْطب فِي اعماله للمستكفي وَهُوَ مخلوع وَنزل معز الدولة فِي قطيعة ام جَعْفَر وَانْزِلْ الْمُطِيع لله فِي دير النَّصَارَى وَقد استولى نَاصِر الدولة على السفن وَجعلهَا بالجانب الشرق فلحق النَّاس بالجانب الغربي مجاعَة شَدِيدَة وَكَانَت الاسعار بالشرقي رخيصة والقرامطة من اصحاب نَاصِر الدولة يعبرون ويجولون بَين الديلم وَبَين الغلات فَابْتَاعَ وَكيل معز الدولة لَهُ كرّ دَقِيق بعد الْجهد بِعشْرين الف دِرْهَم وَكَانَ ابْن شيرزاد قد اثْبتْ خلقا من العيارين ليحاربوا مَعَ نَاصِر الدولة فظفر (2) بكافور خَادِم معز الدولة فشهره فظفر معز الدولة بَابي الْحُسَيْن (3) بن شيرزاد فصلبه حَيا فَأطلق ابو جَعْفَر (19098) الْخَادِم فحط معز الدولة اخاه وَكَانَ جَعْفَر بن وَرْقَاء (4) معز الدولة فَقَالَ لقد سَمِعت ان رجلا يعد بِأَلف رجل فَلم اصدق حَتَّى رَأَيْت نَاصِر الدولة (5) وَقد عبر بصافي التوزوني لكبس معز الدولة فانفذ اليه بِي وبأبي جَعْفَر الصَّيْمَرِيّ وباسفهدرست فَرَأَيْت اسفهردست وَقد خزمهم وَبنى معز الدولة فِي الحدق (6) نيفا وَخمسين زبزبا وَعبر فِيهَا فَانْهَزَمَ نَاصِر الدولة وَملك الديلم الْجَانِب الشَّرْقِي سلخ ذِي الْحجَّة سحر يو م السبت وطرحوا النَّار فِي المخرم ونهبوا بَاب الطاق وسوق يحيى وهرب النَّاس لما اودعوه قُلُوب الديلم من السب فَخَرجُوا حُفَاة فِي الْحر وطلبوا عكبرا فماتوا فِي الطَّرِيق

قَالَ بَعضهم رَأَيْت امْرَأَة تَقول انا بنت ابْن قرَابَة (1) وَمَعِي حلي وجواهر تزيد على الف دِينَار فَمن يَأْخُذهَا ويسقيني شربة مَاء فَمَا اجابها اُحْدُ وَمَاتَتْ وَمَا فتشها اُحْدُ لشغل كل انسان بِنَفسِهِ وامر معز الدولة بِرَفْع السَّيْف والكف من النهب وَلما وصل نَاصِر الدولة إِلَى عكبرا وَمَعَهُ الاتراك وَابْن شيرزاد انفذب ابي بكر بن قرَابَة وَطلب الصُّلْح فتم ذَلِك وَعرف الاتراك الْحَال فَهموا بالوثوب بناصر الدولة فهرب الى الْموصل وَقصد عيار خيمة نَاصِر الدولة بِبَاب الشماسية لَيْلًا فطفى الشمعة وَأَرَادَ ان يضع السكين فِي حلقه وَهُوَ نَائِم فوضعها فِي المخدة وَظن انه قَتله وَمضى الى معز الدولة فاخبره فَقَالَ هَذَا لايؤمن وَدفعه الى الصَّيْمَرِيّ (19198) وَقَتله وَأكل النَّاس فِي يَوْم الغلاء النَّوَى وَالْميتَة وَكَانَ يُؤْخَذ البزر قطونا وَيضْرب بِالْمَاءِ ويبسط على طابق حَدِيد ويوقد تَحْتَهُ النَّار ويؤكل فَمَاتَ النَّاس بِأَكْلِهِ وَكَانَ الْوَاحِد يَصِيح الْجُوع وَيَمُوت وَوجدت امْرَأَة (2) قد شَوَتْ صَبيا حَيا فقتلت وانحل السّعر عِنْد دُخُول الغلات وَنظر (3) السيمري (4) فِيمَا كَانَ ينظر فِيهِ ابْن شيرزاد فاستخلف لَهُ ابا عبد الله ابْن مقلة فَقبض على ابي زَكَرِيَّا السُّوسِي وَالْحسن بن هَارُون فشتمها فَقَالَ السيمري (4) لم يكن غرضك غير التشفي مِنْهُمَا وَأطلق معز الدولة ابا زَكَرِيَّا السُّوسِي وَلم يلْزمه شئ وألزم الْحسن بن هَارُون خمسين الف دِينَار وعزل ابْن مقلة وَانْفَرَدَ الصَّيْمَرِيّ بالامر واقطع اصحابه ضيَاع السُّلْطَان وضياع ابْن شيرزاد وضياع المستترين وَفِي شعْبَان انبثق الْبَحْر بثق الْخَالِص والنهروان وَفِي ذِي الْحجَّة مَاتَ الاخشيد ابو بكر مُحَمَّد (5) بن طغج (6) بِدِمَشْق وتقلد مَكَانَهُ ابْنه ابو الْقسم (7)

وَغلب كافور على الامر وَكَانَ ابْن طغج جَبَانًا شَدِيد التيقظ فِي حروبه وَكَانَ جَيْشه يحتوي على اربعمائة رجل وَكَانَ لَهُ خَمْسَة الاف مَمْلُوك يحرسونه بِاللَّيْلِ بالنوبة كل نوبَة الْفَا مَمْلُوك ويوكل بِجَانِب خيمته الخدم ثمَّ لَا يَثِق بعد ذَلِك فيمضي الى خيم الفراشين فينام قَالَ التنوخي لقب الراضي ابا بكر مُحَمَّد بن طغج امير مصر بالاخشيد وَسبب ذَلِك انه فرغاني وكل ملك بفرغانه يدعى اخشيد كَمَا تدعوا الرّوم ملكهَا (19299) ب 4 قَيْصر وَالْفرس بكسرى وشاها بشاه والمسلمون بأمير الْمُؤمنِينَ وَملك اشروسنة يسمونه الافشين وَملك خوارزم خوارزم شاه وَملك التّرْك خاقَان وَملك جرجان صول (1) وَملك اذربيجان اصبهيذ (2) وَملك طبرسان يدعى سالان (3) وابو بكر بن الاخشيد على مَذْهَب الجبائي كَانَ جده يدعى بِحَضْرَة المعتضد الاخشيد ولقب على ابْنه بذلك وَهُوَ من اولاد الْمُلُوك بفرغانة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة توفّي هَذِه السّنة عَليّ بن عِيسَى بن دَاوُد بن الْجراح (4) وَزِير المقتدر بِاللَّه رحمهمَا الله وَهُوَ من دور قنى قَالَ ابو سهل بن زِيَاد الْقطَّان كنت مَعَه لما نفي الى مَكَّة فَدَخَلْنَا هَا فِي حرشديد وَقد كَاد (5) يتْلف فَطَافَ وسعى وَجَاء فألقي نَفسه وَهُوَ كالميت من الْحر والتعب وقلق قلقا شَدِيدا وَقَالَ اشتهي على الله شربة مَاء مثلوج فَقلت سيدنَا ايده الله يعلم ان هَذَا مِمَّا لايوجد بِهَذَا الْمَكَان فَقَالَ هُوَ كَمَا قلت وَلَكِن نَفسِي ضَاقَتْ عَن ستر هَذَا القَوْل فاسترحت (6) الى المنى قَالَ وَخرجت من عِنْده فَرَجَعت الى الْمَسْجِد الْحَرَام فَمَا استقررت فِيهِ حَتَّى نشأت سَحَابَة وكثفت وَبَرقَتْ ورعدت رعدا شَدِيدا مُتَّصِلا ثمَّ جَاءَ مطر شَدِيد وَبرد كثير فبادرت الى الغلمان وَقلت اجْمَعُوا فجمعنا شَيْئا كثيرا وملائنا مِنْهُ جرارا فَلَمَّا كَانَ وَقت الْمغرب وَقد حَان افطاره جِئْته بذلك وَقلت انت مقبل (19399)

والنكبة ستزول وَمن عَلَامَات الاقبال انك طلبت مَاء ثلج وَهَذَا مَا طلبته فَأخذ يسْقِي كل من فِي الْمَسْجِد من المجاورين والصوفية السويق بالشكر (1) والبلح وَلم يشرب حَتَّى مضى قِطْعَة من اللَّيْل وَقد شربوا اجْمَعْ فَقَالَ الْحَمد لله لَيْتَني كنت تمنيت الْمَغْفِرَة بَدَلا من الثَّلج فلعلي كنت اجاب وَلم ازل بِهِ حَتَّى شرب ومدحه بعض الشُّعَرَاء فَقَالَ فِيهِ ... بحسبك اني لَا ارى لَك عائبا ... سوى حَاسِد والحاسدون كثير وانك مثل الْغَيْث اما سَحَابَة ... فمزن واما مَاؤُهُ فطهور ... قَالَ ابْن كَامِل القَاضِي سَمِعت عَليّ بن عِيسَى يَقُول كسبت سَبْعمِائة الف دِينَار اخرجت مِنْهَا فِي وُجُوه الْبر سِتّمائَة وَثَمَانِينَ الْفَا وَحكى هِلَال بن المحسن قَالَ قَالَ ابو عَليّ بن مَحْفُوظ لما ورد معز الدولة وابو جَعْفَر الصَّيْمَرِيّ مَعَه الى بَغْدَاد اراد ابو الْحسن عَليّ بن عِيسَى الرّكُوب اليه وَقَضَاء حَقه فاتفق انه نزل الى دَاره ليجلس فِي سميرية وابو جَعْفَر مجتاز فِي طيارة وانا واخي وابو الْحسن طازاذ بن عِيسَى مَعَه فَقَالَ لنا من هَذَا فَقُلْنَا الْوَزير ابو الْحسن عَليّ بن عِيسَى فَقَالَ لأبي الْحسن طازاذ قدم بِنَا اليه فَاسْأَلْهُ ان ينزل مَعنا فِي الطيار فَقَرَّبْنَا مِنْهُ وَسلمنَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ ابو الْحسن طازاذ الى ايْنَ توجه سيدنَا فَقَالَ اشار فتياننا بلقاء الامير الْوَارِد وَقَضَاء حَقه فَعلمت على ذَلِك فَقَالَ لَهُ فَينْتَقل سيدنَا الى الطيار فانه اولى فَامْتنعَ وَلم يزل يُرَاجِعهُ وَكَانَ مَعَه ابْنه ابو نصر فخاطبه حَتَّى فعل وَسَهل (194100) عَلَيْهِ ذَلِك وَنزل فَقَامَ لَهُ ابو جَعْفَر الصَّيْمَرِيّ عَن مَوْضِعه وَقد وصانا ان لانعرفه اياه وَكَانَ ابو نصر عرفه واراد ان يشْعر اباه فَلم يَدعه طَاعَة لأبي جَعْفَر وسرنا مُصْعِدِينَ ووصلنا الى معسكر معز الدولة بِبَاب الشماسية وَقدم الطيار الى المشرعة فَقَالَ ابو جَعْفَر رأبي الْحسن تجْلِس يَا سيدنَا بمكانك حَتَّى اصْعَدْ الى الامير واعرفه خبرك واوذنه بحضورك فَقَالَ لَهُ لَك اطال الله بَقَاءَك عِنْد الامير اثرة وَبِه وانسه قَالَ نعم وَصعد فَلَمَّا صعد قَالَ ابو نصر لِأَبِيهِ هَذَا الاستاذ ابو جَعْفَر الصَّيْمَرِيّ فارتاع وَقَالَ لَهُ الا اعلمتني ذَلِك لاوفي للرجل حَقه قَالَ مَنَعَنِي اصحابنا وَأَقْبل على طازاذ فَقَالَ لَهُ لَا احسن الله حزاءك كَذَا يفعل النَّاس فَقَالَ وَالله يَا سيدنَا مَا فعلت مَا فعلته الا لِأَن الاستاذ امرني بِهِ وَلم تمكني الْمُخَالفَة لَهُ فَقَالَ

انا لله وانا اليه رَاجِعُون ووجم وجوما شَدِيدا ثمَّ قَالَ من هَذَانِ أعزهما الله واشار الي والى اخي فَقَالَ طازاذ ابناء مَحْفُوظ فاستثبته وَقَالَ الَّذِي كَانَ يصحب جَعْفَر بن الْفُرَات قَالَ نعم فَقَالَ قد كَانَ جَعْفَر من الْعمَّال الظلمَة وَلما صعد الصَّيْمَرِيّ الى معز الدولة وجده على شراب وَلم يقل لَهُ شَيْئا وَعَاد الى عَليّ بن عِيسَى فَنَهَضَ لَهُ وأعظمه وَقَالَ لَهُ قد جنى عَليّ اصحابنا فِي كتماني مَوضِع الاستاذ حَتَّى كَانَ من تقصيري فِي قَضَاء حَقه مالم اعْتَمدهُ (1) وانا اعتذر اليه ادام الله عزه من ذَلِك فَقَالَ فعل الله بك يَا سيدنَا وصنع وَأي تَقْصِير جرى (195100) فَالْتَفت الى طازاذ فَقَالَ الم اوصك بترك اعلامه امري فَقَالَ ابو نصر وَلَده (2) اعلمه وَقد حصلت بَين العتب ايها الاستاذ مِنْك وَمِنْه وَقَالَ لَهُ ابو جَعْفَر الامير على حَال لايجوز لِقَاء مثلك عَلَيْهَا وَهُوَ يعْتَذر من تَأَخّر الِاجْتِمَاع باعتراض مَا اعْترض مِنْهَا واذا تكلّف سيدنَا الْعود فِي غَدَاة غَد لقِيه ووفاه من الْحق مَا يجب ان يُوفيه اياه والطيار يباكر بَابه وَانْصَرف ابو الْحسن وَعَاد ابو جَعْفَر الى معز الدولة فَقَالَ لَهُ وافي عَليّ بن عِيسَى للقائك وخدمتك فاعتذرت اليه عَنْك بأنك على نَبِيذ وَلم يجز ان يراك عَلَيْهِ فَقَالَ من عَليّ بن عِيسَى فَقَالَ وَزِير المقتدر بِاللَّه قَالَ ذَلِك الْعَظِيم قَالَ نعم قَالَ ماوجب ان ترده فَانِي كنت اقوم الى مجْلِس اخر والقاه فِيهِ فَقَالَ مَا كَانَ يحسن ان يشم مِنْك رَائِحَة شراب وَفِي غَد يباكرك فَقَالَ معز الدولة فَكيف اعامله وَمَا الَّذِي اقول لَهُ فَقَالَ لَهُ الصَّيْمَرِيّ تنزعج لَهُ بعض الانزعاج وترفع مَجْلِسه وتعطيه مخدة من مخادك وَتقول لَهُ مَا زلت مشتاقا الى لقائك ومتشوقا للاجتماع مَعَك وَأُرِيد ان تُشِير عَليّ فِي تَدْبِير الامور وَعمارَة الْبِلَاد بِمَا يكون الصَّوَاب فِيهِ عنْدك وَجَاء ابو الْحسن عَليّ بن عِيسَى من غَد وَدخل على معز الدولة فوفاه من الاجلال والاكرام اكثر مِمَّا وَافقه عَلَيْهِ ابو جَعْفَر وَأَعْطَاهُ مخده دسته فقبلها ابو الْحسن وَقَالَ لَهُ مَا يُقَال لمثله فَقَالَ لَهُ معز الدولة كُنَّا نسْمع بك فيعظم عندنَا امرك وَيكثر فِي نفوسنا ذكرك (196101) وَقد شاهدت مِنْك الان مَا كنت مؤثرا واليه متطلعا وَالدُّنْيَا خراب والامور على مَا ترَاهُ من الانتشار فأشر عَليّ بِمَا عنْدك فِي اصلاح ذَلِك فَقَالَ لَهُ ابو الْحسن هَذِه النِّيَّة مِنْك ايها الامير دَاعِيَة الى الْخَيْر ومسهلة للنجح وَطَرِيق الْعِمَارَة ودرور الْمَادَّة واستقامة امْر الْجند والرعية وَالْعدْل وَالَّذِي اهلك

الدُّنْيَا واذهب الاموال واخرج الممالك عَن يَد السُّلْطَان خلَافَة وانما يَتَأَتَّى الصّلاح وتطرد الاغراض بالولاة الموفقين والاعوان المناصحين وَحدثنَا عمر بن شبة قَالَ حَدثنَا فلَان وَذكر الاسناد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه قَالَ اذا اراد الله بوال خيرا قبض لَهُ وَزِير صدق ان غفل اذكره وَا ن رقض ايقظه (1) وَقد وفْق الله للاصير من هَذَا الاستاذ وَأَشَارَ لأبي جَعْفَر من تمت فِيهِ اسباب الْكِفَايَة وَبَانَتْ فِيهِ شَوَاهِد المخالصة ويوشك ان يجْرِي الْخَيْر على يَده ويتأتى المُرَاد بِحسن تَدْبيره فتراجع ابو جَعْفَر عَن (2) وَتوقف عَن تَفْسِير هَذَا القَوْل لمعز الدولة وفطن معز الدولة ان توقفه لأمر كره ذكره فَقَالَ لأبي سهل الْعَارِض انْظُر مَا يَقُول ففسر لَهُ تَفْسِيرا لم يفهم عَنهُ وَلَا استوفى القَوْل فِيهِ وتلجلج فِي ذكر رجال الحَدِيث حَتَّى استفهم معز الدولة اسماءهم وَقَالَ هَؤُلَاءِ اصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ابو الْحسن لَا هَؤُلَاءِ رجال نقلوا لنا الحَدِيث عَنهُ ثمَّ عَاد ابو جَعْفَر الى التَّرْجَمَة بَينهمَا وَقَالَ البو الْحسن وَمن اولى مَا نظر فِيهِ الامير وَقدمه سد هَذِه البثوق الَّتِي هِيَ اصل الْفساد (197101) وخراب السوَاد فَقَالَ وَقد نذرت لله عِنْد حضوري فِي هَذ الحضرة الا اقدم شَيْئا على ذَلِك وَلَو نفقت فِيهِ جَمِيع مَا املك قَالَ اذن يحسن الله عونك وَبِذَلِك لَك كل صَعب ويسهل كل مُرَاد بَين يَديك فَلَمَّا انْقَضى القَوْل بَينهمَا فِي ذَاك قَالَ معز الدولة اذكر حوائجك لاتقدم فِيهَا بِمَا اقضي بِهِ حَقك قَالَ الْحَاجة الْحَاضِرَة هِيَ الى الله تَعَالَى فِي ان يُطِيل بَقَاءَك ويديم علاك وَمَتى عرضت من بعد حَاجَة اليك كَانَ الْمعول فِيهَا عَلَيْك قَالَ لَا بُد من ان تذكر شَيْئا قَالَ حراسة منازلي فانها تشْتَمل على عدد كثير من بَنِينَ وَبَنَات وعجائز وَأهل وأقارب وَأَتْبَاع واصحاب قَالَ هَذَا اقل مَا افعله ونهض ابو الْحسن وشيعه ابو جَعْفَر وَمَشى الغلمان بَين يَدَيْهِ وَتُوفِّي ابو الْحسن بعد عبور معز الدولة وهزيمته نَاصِر الدولة بِيَوْم فَمضى ابو عمرَان مُوسَى ابْن قتاد وَكَانَ مَعَه مِائَتَا رجل من الديلم فَنزل داوه وَركب الصميري اليها وَقد فرغ من تَجْهِيزه وَوضع فِي تابوته فصلى عَلَيْهِ وَقَالَ لمُوسَى اخْرُج من هَذِه الدَّار فَمَا يجوز نزولك فِيهَا فَقَالَ لَا اخْرُج فَقَالَ لاامكنك مِنْهَا فَقَالَ لااقبل مِنْك قَالَ اذا لم تقبل اكرهتك وتنابذا بالْقَوْل تنابذا تولدت مِنْهُ فتنه وَاجْتمعَ الى مُوسَى اصحابه وَالِي ابي جَعْفَر آخَرُونَ

وَعرف معز الدولة ذَاك فبادر لاطفاء النائرة وَقَالَ للصيمري لَيْسَ هَذَا وَقت ذَاك قَالَ بلَى ايها الامير هَذَا وقته وَمَتى افتتحنا امرنا بِسُقُوط هيبتنا اسْتمرّ ذَلِك وَبعد (198102) تلاقيه وازداد الامر من بعد وَهنا والطمع استحكما فَأخذ معز الدولة بيد مُوسَى بن قتاد فَأخْرجهُ مَعَه وَقَالَ لَهُ يكون نزولك فِي الدَّار الَّتِي انزلها وَلَا يفْتَتح (1) امْر بِمَا بقبح من انزعاج اولاد هَذَا الشَّيْخ المهشور ذكره فِي الدُّنْيَا وَعِيَاله عَن مَنَازِلهمْ واوطانهم وَبقيت دور ابي الْحسن على وَلَده ودور ابْن (2) اخيه ابي عَليّ بن عبد الرحمان عَلَيْهِ فِي حَيَاته بِفعل ابي جَعْفَر مَا فعله 3 وَكَانَ عَليّ بن عِيسَى لَا يخل بِالْجمعِ وَلما حبس كَانَ يلبس ثِيَابه وَيتَوَضَّأ وَيقوم ليخرج فَيردهُ الموكلون فيرفع يَدَيْهِ الى السَّمَاء وَيَقُول اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَكَانَ لايفارق الدراعة وَلَا يتْرك الْوَقار فِي خلواته وَحكي ابْنه ابو الْقسم انه كَانَ يرْتَفع لِأَبِيهِ من ضيَاعه فِي كل سنة عِنْد الاعتزال والعطلة بعد مَا ينْصَرف فِي نفقاته وَمَا كَانَ يصرفهُ الى بني هَاشم وَأَوْلَاد الْمُهَاجِرين والانصار فان رسومهم عَلَيْهِ كَانَت نيفا وَأَرْبَعين الف دِينَار فَكَانَ الْحَاصِل بعد هَذَا كُله وَهُوَ يلْزم منزله ثَلَاثِينَ الف دِينَار وَكَانَ حَاصِل ابْن الْفُرَات من ضيَاعه اذا تعطل الف الف دِينَار واذا وزر اضعفت وَفِي هَذِه السّنة تمت امارة معز الدولة ابي الْحُسَيْن فَكَانَت امارته بِبَغْدَاد احدى وَعشْرين سنة وَأحد عشر شهرا ويومين وَذَلِكَ لما بعد نَاصِر الدولة والاتراك وَابْن شيرزاد الى الْموصل واستخلف الْمُطِيع لله وَمضى الى دَار الْخلَافَة وتقلد ابو احْمَد الشِّيرَازِيّ كِتَابَته (199102) وتسلم الْخَلِيفَة من معز الدولة اقطاعا بِمِائَتي الف دِينَار وَكَانَ ابو الْحُسَيْن عَليّ بن مُحَمَّد بن مقلة يواصل معز الدولة فِي ايام الْحصار بالهدايا والاخبار فَلَمَّا عبر الى الْجَانِب الشَّرْقِي حمى دَاره بهَا واستخدمه فَأخذ فِي المصادرات للتجار وَالشُّهُود فصادف اُحْدُ الْعَامَّة معز الدولة منصرفا مُنْفَردا نصف النَّهَار فَعرفهُ مَا النَّاس فِيهِ من الجزف (3) فَتقدم بِصَرْف ابْن مقلة

واحترقت دور ابْن شيرزاد ودور اسبابه واخيه وصودر على مائَة وَثَمَانِينَ الف دِرْهَم وقلد معز الدولة الْمعز (1) الشرطة ابا الْعَبَّاس بن خاقَان وَورد الْخَبَر باستيلاء ركن الدولة ابي عَليّ على الرّيّ والجبل وَاجْتمعَ رَأْي الاتراك على الايقاع بناصر الدولة فَاسْتَجَارَ بِأم ملهم (2) حَتَّى امرت وَلَدهَا بتسييره فَسَار وَمَعَهُ ابْن شيرزاد الى مرج جُهَيْنَة فَلَمَّا امن سمل ابْن شيرزاد وَأمرت الاتراك على نفوسها تكين الشيرزاذي وَانْفَرَدَ عَنْهُم ينَال كوساه (3) ولولو واستأمنا الى معز الدولة وَغلب تكين والاتراك على الْموصل وَمضى الى سنجار وَرَأى نَاصِر الدولة فانجده معز الدولة باسفهدوست (4) والصيمري والتقيا بتكين بالحديثة فِي جمادي الاخرة واستوسر تكين وَانْهَزَمَ اصحابه وَسَار الصَّيْمَرِيّ مَعَ نَاصِر الدولة الى الْموصل وَدخل على الصَّيْمَرِيّ خيمته وَلم يعد اليه فَقَالَ لما دَخَلتهَا عَلَيْهِ علمت اني قد اخطأت فبادرت بالانصراف وَنَدم الصَّيْمَرِيّ عِنْد خُرُوج نَاصِر الدولة على ترك الْقَبْض عَلَيْهِ وَسلم الى الصَّيْمَرِيّ (200103) ابْن شيرزاد وَضمن لَهُ طازاذ وابو سعيد بن وهب النَّصْرَانِي الْكَاتِب وَهُوَ الْكَاتِب الَّذِي مدحه ابْن نَبَاته خمسين الف دِينَار على ان يطلقهَا (5) فَلم يفعل وَسلمهَا (6) الى الصَّيْمَرِيّ وَكَانَ الصَّيْمَرِيّ مراعيا لطازاذ وانفذ مَعَهم تكين الشيرزاذي مسمولا وانفذ ابْنه هبة الله بن نَاصِر الدولة رهينة فَلَمَّا وصلوا اطلق معز الدولة تكينا واقطعه اقطاعا بِأَرْبَعِينَ الف دِرْهَم وَكتب ابو عبد الله بن ثَوَابه (7) عَن الْمُطِيع لله كتابا بِالْفَتْح الى عماد الدولة مِنْهُ فَلم يسفر العجاج الا عَن قَتِيل مُرْسل اَوْ غريق معجل اَوْ جريح معطل اَوْ اسير مكبل

اَوْ مستأمن مُحَصل اَوْ حقيبة ملأها الله بِلَا تَعب اَوْ غنيمَة افاءها (1) الله بِلَا نصب وَكَانَ مَعَ نَاصِر الدولة قَائِد يُقَال لَهُ ابراهيم بن احْمَد وَأَخُوهُ صَاحب خُرَاسَان فَقتل ابْن اخيه نوح بن نصر بن احْمَد بعض اقارب ابي عَليّ بن مُحْتَاج فكاتبه ابو عَليّ بن مُحْتَاج واستعانه على محاربة ابْن اخيه فَفَارَقَ نَاصِر الدولة بتكريت (2) فِي سبعين غُلَاما فانفذ اليه نَاصِر الدولة وخلع الْخَلِيفَة ولواءه مَعَ جوجوخ التركي المسمول ولقبه وَمضى ابراهيم مَعَ ابْن مُحْتَاج فهزما نوحًا وَملك ابراهيم ثمَّ وَقعت الوحشة بَين ابي عَليّ فَمضى ابراهيم مستأمنا الى ابْن اخيه وَمضى ابو عَليّ الى بِلَاد الصغد وانتبهت رجال ابْن شيرزاذ ان الصَّيْمَرِيّ صرفه وطالبه بالاموال فاستخلف (201103) الصَّيْمَرِيّ بالحضرة طازاذ وَانْحَدَرَ فواقع اصحاب ابي الْقسم البريدي فَأسر خلقا مِنْهُم وَفِي هَذِه السّنة صرف ابو الْحسن مُحَمَّد (3) بن ابي الشَّوَارِب عَن الْقَضَاء الْجَانِب الغربي وأضيف الى عمل القَاضِي ابْن الْحسن مُحَمَّد بن صَالح الْهَاشِمِي (4) وَفِي النّصْف من شعْبَان من هَذِه السّنة خرجت الْعَامَّة لزيارة قبر الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام (5) وعقدت القباب بِبَاب الطاق وَورد الْخَبَر ان سيف الدولة قبض على القراريطي واستكتب بعده ابا عبد الله ابْن فَهد الْموصِلِي (6) وَفِي هَذِه السّنة انْقَطَعت قنطرة دهما بأسرها

سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فِي صفر انحدر الْمُطِيع لله ومعز الدولة لمحاربة ابْن البريدي (1) وسارا من وَاسِط فِي الْبَريَّة الى الْبَصْرَة وانفذ الصَّيْمَرِيّ ومُوسَى قباد (2) فدخلا دَار البريدي لمسماران 3 ورحل الْخَلِيفَة ومعز الدولة فاستأمن اليه عَسْكَر البريدي بالدرهمية وهرب ابو الْقسم الى هجر وَقبض معز الدولة على امواله وقواده وأحرق سفنه وَلما استولى على الْبَصْرَة قصد اخاه عماد الدولة بارجان وَكَانَ يقف بَين يَدَيْهِ وَاتفقَ وُصُوله من عِنْده ووصول الصَّيْمَرِيّ والخليفة الى بَغْدَاد فِي خَامِس عشر من شَوَّال وَورد الْخَبَر بَان نوحًا صَاحب خُرَاسَان عَاد الى بخارا وسمل عَمه ابراهيم وَصَارَ اليه ابْن مُحْتَاج فِي الامان وَلما ورد الْمُطِيع لله من الْبَصْرَة وَكَانَ فِي صحبته ابو السَّائِب فولاه قَضَاء (202104) الْقُضَاة وَصرف ابْن ام شُبَّان وَلم يرتزق ابو السَّائِب واستخلف ابا بشر (3) عمر بن اكثم وَورد الْخَبَر بَان ركن الدولة فتح طبرستان وجرجان وَهزمَ وشمكير بن زيار واستاسر من اصحابه مائَة وَثَلَاثَة عشر قائدا وَفِي ذِي الْقعدَة ضمن روزنهان الديلمي السوَاد والضرائب بِعشْرَة الاف الف دِرْهَم واستكتب على ذَلِك ابْن سنجلا وَضمن الصَّيْمَرِيّ اعمال وَاسِط واستكتب عَلَيْهَا ابا الْحسن طازاذ وَفِي ذِي (4) الْحجَّة خلع معز الدولة على هبة الله بن نَاصِر الدولة الَّذِي كَانَ رهينة عِنْده وانفذه مَعَ ابْن قرَابَة الى ابيه سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة (5) ورد الْخَبَر بانهزام سيف الدولة من الرّوم واستيلائهم على مرعش وَدخل ابو الْقسم البريدي بَغْدَاد فِي الامان فاقطعه معز الدولة اقطاعا بنهر الْملك بِمِائَة وَعشْرين الف دِرْهَم واعاد عَلَيْهِ ضيعته المعروفه بفروخاباذ من بادوريا وانزله فِي الدَّار الْمَعْرُوفَة بالموزة بمشرعة الساج محتاطا عَلَيْهِ

وَقبض على ابْن اسفهدوست 01) لانه اشار على معز الدولة بمبايعة ابي عبد الله بن الدَّاعِي فَقَالَ الصَّيْمَرِيّ انه قصد ان يوليه الامارة اذا صَار الامر اليه فَكَانَ ذَلِك سَببا لاعتقاله برامهرمز وَمَات بقلعتها معتقلا وانفذ الصَّيْمَرِيّ وروزنهان الى هيت فقبضا على ابي المرجا عَمْرو بن كُلْثُوم واعتقل بِبَغْدَاد وَأخر نَاصِر الدولة المَال الَّذِي صولح (203104) عَلَيْهِ من معز الدولة فَخرج معز الدولة طَالبا لَهُ الى نَصِيبين وأتى سيف الدولة اخاه نَاصِر الدولة معاونا لَهُ وسفر ابْن قرَابَة فِي الصُّلْح على ان يخْطب نَاصِر الدولة لعماد الدولة ولمعز الدولة ولابنة بختيار وان يحمل ابْنه رهينة وَيُؤَدِّي ثَمَانِيَة الاف الف دِرْهَم فِي السّنة فتم ذَلِك وَقَالَ ابو الطّيب المتنبي يذكر انجاد سيف الدولة لِأَخِيهِ فِي قصيدة مدحه بهَا (2) ان السَّعَادَة فِيمَا انت فَاعله ... وفقت مرتحلا اَوْ غير مرتحل اجْرِ (3) الْجِيَاد على مَا انت (4) مجريها ... وَخذ بِنَفْسِك فِي اخلاقك الاول ينظرن من مقل ادمى احجتها ... قرع الفوارس بالعسالة الذبل فَلَا هجمت بهَا الا على ظفر ... وَلَا وصلت بهَا الا الى امل ... وَاسْتولى اصحاب ركن الدولة على اذربيجان وخلت الرّيّ مِنْهُم فقصدها ابْن قراتكين فانفذ معز الدولة لَهُ لسبكتكين وَمَعَهُ القرامطة واكثر الْجَيْش وأمده بروزبهان (5) معاونه لاخيه ركن الدولة وَفِي ثَانِي شهر رَمَضَان وَهُوَ الْخَامِس من اذار بلغت زِيَادَة دجلة احدى (6) وَعشْرين ذِرَاعا وَثلثا فغرقت الضّيَاع والدور

سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة

سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فِي شهر ربيع الاول مَاتَ ابو مُحَمَّد الْحسن بن احْمَد المادراني الْكَاتِب وَفِيه انحدر الصَّيْمَرِيّ لمحاربة عمرَان بن شاهين وَهَذَا عمرَان (204105) من اهل الجامدة (1) جنى بهَا جِنَايَة فهرب من الْعَامِل واقام بَين الْقصب يصيد السّمك ثمَّ تلصص وَاجْتمعَ مَعَه جمَاعَة من الصيادين واستامن الى البريدي فقلوه الجامة والاهواز فَمَا زَالَ امْرَهْ يقوى وَلما انحدر الصَّيْمَرِيّ لقتاله هرب من بَين يَدَيْهِ فاستأسر الصَّيْمَرِيّ اهله واولاده وَلم يبْق غير استيلائه على البطيحة فورد الْخَبَر بِمَوْت عماد الدولة بشيراز فكاتب معز الدولة الصَّيْمَرِيّ بالمبادرة الى هُنَاكَ فَترك حَرْب عمرَان وَتوجه وَكَانَ ركن الدولة قد وافى اخاه عماد الدولة وسلما فَارس الى ابي شُجَاع فناخسره ابْن ركن الدولة الملقب بعد ذَلِك عضد الدولة وانفذ الصَّيْمَرِيّ بِأبي الْفضل الْعَبَّاس فسانحس فقلده معز الدولة الدَّوَاوِين ووافى سبكتكين والجيش من الرّيّ وَعَاد الصَّيْمَرِيّ من شيراز وعاود محاربة عمرَان فَمَاتَ بالمرموني (2) من اعمال الجامدة وَكَانَ الصَّيْمَرِيّ يحْسد المهلبي على تَخْصِيصه وأدبه فَكَانَ اذا جلس مَعَه على الطَّعَام رأى كَلَامه وفصاحته فيأمر الفراشين بِعَيْنِه فيطرحون المرقة على ثِيَابه فَكَانَ المهلبي منغصا بِهِ وَكَانَ يستصحب مَعَ غُلَامه دَائِما ثيابًا يُغير بهَا مَا عَلَيْهِ وَكَانَ فِي الصَّيْمَرِيّ شجاعة وَقُوَّة نفس وَهُوَ الَّذِي فتح الْجَانِب الشرق لمعز الدولة لَان الديلم لم يقدم على العبور فَلَمَّا رَأَوْا كَاتبا قد تقدمهم انفوا وَقَالَ القَاضِي ابو حَامِد المروروني كنت وَاقِفًا بَين يَدي معز الدولة فَقَالَ للصيمري (205105) اريد خَمْسمِائَة الف دِرْهَم لمهم فَقَالَ من ايْنَ ودخلك لايفي بخرجك فَقَالَ السَّاعَة احبسك فِي الكنيف حَتَّى يحضر مَا طلبته فَقَالَ اذا حبستني فِي الكنيف خريت لَك بقرة وضربتها دَرَاهِم فَضَحِك مِنْهُ وَأمْسك وَلما خرج الصَّيْمَرِيّ فِي هَذَا الْوَجْه اسْتخْلف ابا مُحَمَّد المهلبي فَلَمَّا علم نفَاقه

على معز الدولة اطلق لسنانه فِيهِ فَكَانَ ابو مُحَمَّد قد تَيَقّن انه يهلكه (1) على يَد الصَّيْمَرِيّ فانفذ الى مُعَسْكَره طيورا واوقف من يكْتب عَلَيْهَا اخباره فَأَتَاهُ البراج بطير قد ابتل بِالْمَاءِ بِكِتَاب لم يقف عَلَيْهِ فَقَالَ للصابيء تلطف فِي قِرَاءَته فقرأه بعد جهد فاذا فِيهِ هَلَاك الصَّيْمَرِيّ فَدخل الى معز الدولة وَعَزاهُ وَجلسَ للعزاء بِهِ وترشح للوزارة ابو عَليّ الطَّبَرِيّ وَهُوَ عَامل للاهواز قَالَ التنوخي من اعظم المصادرات مصادرة معز الدولة لابي عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ صادره على خَمْسمِائَة الف دِينَار فَلَمَّا مَاتَ الصَّيْمَرِيّ طمع فِي الوزارة وبذل فِيهَا مَالا عَظِيما قدم مِنْهُ اول نوبه ثَلَاثمِائَة الف دِينَار فَلم يبن عَلَيْهِ خُرُوجهَا فَأَخذهَا مِنْهُ وقلد المهلبي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فِي هَذِه السّنة رد القرامطة الْحجر الاسود الى مَكَّة وَكَانَ بجكم (2) قد بذل لَهُم ان ردُّوهُ خمسين الف دِينَار فَلم يُجِيبُوهُ وَكَانَ بَين قلعة ورده اثْنَان وَعِشْرُونَ سنة (3) وَفِي هَذِه السّنة كَانَت وزارة ابي مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد بن هَارُون المهلبي لمعز الدولة (206106) خلع عَلَيْهِ معز الدولة القباء وَالسيف والمنطقة وَسَار سبكتكين بَين يَدَيْهِ الى دَار الْخلَافَة فَخلع عَلَيْهِ السوَاد وَالسيف والمنطقة وَكَانَ المهلبي ثقيل الْبدن وَمَشى فِي صحون الْخلَافَة (4) وَقد اثقله مَا عَلَيْهِ من اللبَاس فَسقط بَين يَدي الْمُطِيع لله عِنْد دُخُوله من ذَلِك وَمن شدَّة الْحر وَوَقع على ظَهره فأقيم وَظن من مَعَه انه يحضر (5) بِمَا جرى فَتكلم وَأحسن وَأطَال فِي (6) الشُّكْر وَالْقَوْل وتمثل بِأَبْيَات فتعجب النَّاس من بديهته وَركب الى دَاره وَمَعَهُ جَمِيع الْجَيْش وحجاب الْخلَافَة وداره هِيَ الدَّار الْمَعْرُوفَة بالمرشد ونزلها السُّلْطَان (7) ركن الدولة فِي سنة سبع وَأَرْبَعين واربعمائة (8) (1055) عِنْد دُخُوله بَغْدَاد ونقضها

وقال فيه من اخرى ورب اذم في ركاكة رايه وفي قوله أي الرجال المهذب تكلم والنعمان شمس سمائه وكل مليك عند نعمان كوكب ولو ابصرت عيناه شخصك مرة لابصر منه شمسه وهو غيهب

موفق خَادِم الْقَائِم بِأَمْر الله رضوَان الله عَلَيْهِ فِي سنة خمس وَخمسين واربعمائة (1063) وَبنى بالتها (1) حجرَة للطيور بِبَاب النوبي وعمرها سعد الدولة الكهوراني (2) فِي سنة تسعين واربعمائة (1096) وَلما قتل وقفتها زَوجته نقد (3) مَا كَانَ نقض مَا بَقِي فِي الدّور الشاطبية بِبَاب الطاق وَمَا امتدت يَده من قصر بني الْمَأْمُون رَضِي الله عَنهُ ثمَّ نزلها قوام الدولة كريغا فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين واربعمائة (1099) ثمَّ خلت بعد خُرُوجه وَقَالَ ابو نصر عبد الْعَزِيز عمر بن نَبَاته السَّعْدِيّ يمدح المهلبي بقصائد مِنْهَا ... دع بَين اثوابي وَبَين وِسَادِي ... شخصا يصد فوارسي وجيادي ... وَقَالَ فِيهِ من اخرى (207106) وَرب اذم فِي ركاكة رايه ... وَفِي قَوْله أَي الرِّجَال الْمُهَذّب تكلم والنعمان شمس سمائه ... وكل مليك عِنْد نعْمَان كَوْكَب وَلَو ابصرت عَيناهُ شخصك مرّة ... لابصر مِنْهُ شمسه وَهُوَ غيهب ... وفيهَا ... كفى وزراء الْملك فِي النَّاس مفخرا ... بانك مِنْهُم حِين تعزى وتنسب كَمَا قد كفى الابطال بَأْسا ونجدة ... بَان قيل مِنْهُم فِي الْهياج الْمُهلب ... وَانْحَدَرَ المهلبي وروزهان (4) لمحاربة عمرَان فهزمهما واستأسر قوادهما وَمضى المهلبي الى الْبَصْرَة وَكَاتب سيف الدولة الْخَلِيفَة يَسْتَأْذِنهُ فِي الْغَزْو فَأذن لَهُ فاوغل فِي بِلَاد الرّوم وسبى وافتتح حصونا وَعَاد فِي ثَلَاثِينَ الْفَا فَأخذ عَلَيْهِ الرّوم الدَّرْب فَلم يفلت الا فِي عدد يسير (5) وَقَالَ المتنبي قصيدة مِنْهَا (6) قل للدمستق ان الْمُسلمين لكم ... خانوا الامير فجازاهم بِمَا صَنَعُوا ...

سنة اربعين وثلاثمائة فِيهَا تمّ الصُّلْح بَين عمرَان ومعز الدولة وقلده البطائح واطلق عِيَاله الماسورين واطلق القواد (1) وَورد الْخَبَر بمعاودة ابْن قراتكين (2) حَرْب ركن الدولة بعد انهزامه ودخوله ركن الدولة الرّيّ بعد ان تقابلا سَبْعَة ايام وواصل ابْن قراتكين الشّرْب اياما فَمَاتَ فَجْأَة (3) وَكفى ركن الدولة خطبه بعد مَا حل بِهِ وبعسكره من الْبلَاء بحصارة وَورد ابْن وجبة صَاحب عمان الْبَصْرَة فقاتله المهلبي (208107) واخذ مِنْهُ خَمْسَة مراكب وهزمه وَوصل المهلبي الى بَغْدَاد وَمَعَهُ الاسارى والمراكب (4) وفيهَا مَاتَ ابو الْقسم الكلوذاني بعد الْفقر وَقد مَضَت اخباره وفيهَا مَاتَ ابو الْحسن عبيد الله بن الْحُسَيْن الْكَرْخِي امام الصحاب ابي حنيفَة (5) قَالَ الْخَطِيب (6) كَانَ مَعَ غزارة علمه وَكَثْرَة رِوَايَته عَظِيم الْعِبَادَة كثير الصَّلَاة صبورا على الْفقر وَالْحَاجة عزوفا عَمَّا فِي أَيدي النَّاس وَلما اصابه الفالج فِي اخر عمره حَضَره اصحابه (7) فَقَالُوا هَذَا مرض يحْتَاج الى نَفَقَة وعلاج وَهُوَ مقل وَيجب ان لانبذله الى النَّاس ونكتب الى سيف (8) الدولة فنطلب مِنْهُ مَا ننفق عَلَيْهِ فَفَعَلُوا أحسن ابو الْحسن بماهم عَلَيْهِ فَسَأَلَ عَن ذَلِك فاخبر بِهِ فَبكى وَقَالَ اللَّهُمَّ لاتجعل رِزْقِي الا من حَيْثُ عودتني فَمَاتَ قبل ان يحمل اليه (9) سيف الدولة شَيْئا ثمَّ ورد كتاب سيف الدولة وَمَعَهُ عشرَة الاف دِرْهَم ووعد ان يمده بأمثالها فَتصدق اصحابه بهَا وَمَات لَيْلَة النّصْف من شعْبَان من هَذِه السّنة ومولده سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ (873)

سنة احدى واربعين وثلاثمائة

وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي ابو تَمام الْحسن بن مُحَمَّد الْهَاشِمِي الزيني (1) وَكَانَ من اصحابه بحذاء مَسْجده فِي درب أبي زيد على نهر الواسطين (2) وَقد بَقِي من مَسْجده الْيَوْم قِطْعَة من حَائِط الْقبْلَة يعرف الْيَوْم بمقلع ابْن صابر قَالَ التونخي كَانَ ابو زُهَيْر الجنابي الْفَقِيه ورعا عَارِفًا بِمذهب ابي حنيفَة فَدخل بَغْدَاد فَبَلغهُ اخبار ابي الْحسن الْكَرْخِي فِي ورعه فَلَقِيَهُ فَقَالَ يَا ابا الْحسن بَلغنِي انك تَأْخُذ من السُّلْطَان رزقا فِي الْفُقَهَاء قَالَ نعم قَالَ وَمثلك فِي علمك وَدينك يفعل هَذَا قَالَ لَهُ ابو الْحسن اَوْ لَيْسَ قد اخذ الْحسن الْبَصْرِيّ فِي زَمَنه وَفُلَان وَفُلَان فعدد خلقا من الصَّالِحين الْفُقَهَاء مِمَّن اخذ من بني امية فَقَالَ ابو زُهَيْر ذهَاب هَذَا عَلَيْك اطرف (3) بَنو امية كَانَت مصائبهم فِي اديانهم وجباياتهم الاموال سليمَة لم يظلموا فِي الْعشْر وَلَا الْخراج فَكَانَ الْفُقَهَاء يَأْخُذُونَ مِنْهُم الاموال مَعَ سلامتها وَهَؤُلَاء الامراء الَّذين تَأْخُذ مِنْهُم اموالهم فَاسِدَة مَعَ اديانهم وجبايتهم لَهَا بالظلم والغشم فَسكت ابو الْحسن وَلم يَأْخُذ شَيْئا الى ان مَاتَ سنة احدى واربعين وثلاثمائة ورد الْخَبَر بِدُخُول الرّوم سروج واحراقهم مساجدها وَسبي اهلها وفيهَا بنى سيف الدولة مرعشا فَقَالَ ابو الطّيب المتنبي يمدحه بقصيدة ... فَدَيْنَاك من ربع وان زدتنا كرما (4) يَقُول فِيهَا ... هَنِيئًا لهَذَا (5) الثغر رايك فيهم ... وايك (6) حزب الله صرت لَهُ حزبا فَيوم (7) لخيل تطرد الرّوم عَنْهُم ... ويما لجود (8) تطرد الْفقر والجدبا سراياك تترى والدمستق هارب ... واصحابه قَتْلَى وامواله نهبى اتى مرعشا يستقرب العَبْد مُقبلا ... وادبر اذ اقبلت يستبعد القربا وَهل رد عَنهُ باللقان وفوقه ... صُدُور العاولي والمطهمة القبا ...

.. ارى كلنا يَبْغِي (1) لسعيه (2) حَرِيصًا عَلَيْهَا مستهاما بهَا صبا فحب الجبان النَّفس اورده البقا ... وهب الشجاع الْحَرْب (3) اورده الحربا ومختلف الرزقان وَالْفِعْل وَاحِد ... الى ان يرى احسان هَذَا لذا ذَنبا كفى عجبا ان يعجب النَّاس انه ... اتى مرعشا تَبًّا لاربابها (4) نسبا وَمَا الْفرق مَا بَين الانام بِعَيْنِه ... اذا حذر الْمَحْذُور واستصعب الصعبا لامر اعدته الْخلَافَة للعدى ... وسمته دون الْعَالم الصارم العضبا ... سنة اثْنَيْنِ واربعين وثلاثمائة ورد (5) الْخَبَر فِي شهر ربيع الاخر بغزاة سيف الدولة وغنيمته واسره (6) لقسطنطين بن الدمستق فَقَالَ النامي (7) يمدحه بقصيدة مِنْهَا ... وَمن جمع الفخرين فَخر ربيعَة ... وفخر ابي الهيجاء كَانَ بِلَا ند يمر عَلَيْك الْحول سَيْفك فِي الطلا ... وطرفك مَا بَين الشكيمة واللبد ويمضي عَلَيْك الدَّهْر فعلك للعلى ... وقولك للتقوى وكفك للرفد بنى الاصفر اصْفَرَّتْ وُجُوه حماتكم ... وَقد ردهَا فِي الْبيض تحمر فِي الرَّد فَلم تَرَ يَوْمًا مثلك الْخَيل فَارِسًا ... اجْرِ لخيل فِي الْجِهَاد على الْجهد وَقد سَار فِي الرّوم الدمستق بَاغِيا ... لَهُ سَاعَة نكراء فِي نوب نكد فتسقى دم الاكباد وَهِي على ظمى ... وتخترم الاعمار وَهِي على حقد اذا حبست فِي حد سَيْفك سخطها ... توثب اَوْ تلقى الظبي مُطلق الْحَد وَكَمن قسطنطين تَحت صليبه ... وَمد القنا من فَوق ارعن مُعْتَد كانك قد قدمت جندا لهزمها ... وَقد سرت فِي جند وحزمك فِي جند واسلم قسطنطين للاسر بردس (9) وَولى وَفد خدته فوهاء فِي الخد ... وَقَالَ ابو الطّيب قصيدة ليَالِي بعد الظاعنين شكول (8)

قال ابن جني اثار افتعل من الثار وأصله اتثأر فابدلت التاء ثاء لتوافقهما في الشدة وقرب مخرجهما وقال قيس ثارت عديا والحطيم فلم اضع وصية اشياخ جعلت ازاءها

فِيهَا ... وَمَا قيل سيف الدولة اثار عاشق ... وَلَا طلبت عِنْد الظلام ذحول (1) قَالَ ابْن جني اثار افتعل من الثار وَأَصله اتثأر فابدلت التَّاء ثاء 8 لتوافقهما فِي الشدَّة وَقرب مخرجهما وَقَالَ قيس (2) ثارت عديا والحطيم فَلم اضع ... وَصِيَّة (3) اشياخ جعلت ازاءها (4) والذحول (1) جمع ذحل وَهُوَ الثار فِيهَا ... على قلب قسطنطين مِنْهُ تعجب ... وان كَانَ فِي سَاقيه مِنْهُ كبول لَعَلَّك يَوْمًا يَا دمستق عَائِد فَهَل (5) هارب مِمَّا اليه يؤول (6) ... نجوت باحدى مهجتيك جريحة وخلفت احدى مهجتيك تسيل اغركم طول الجيوش وعرضها ... عَليّ شروب للجيوش اكول ... وَورد الْخَبَر بِمَوْت ابي الْفضل الْعَبَّاس بن فسانحس بِالْبَصْرَةِ وَسنة سبع وَسَبْعُونَ سنة وَحمل تابوته الى الْكُوفَة وتقلد الدِّيوَان بعده ابْنه ابو الْفرج مُحَمَّد وَورد الْخَبَر بِتمَام الصُّلْح بَين ركن الدولة وَبَين ابي عَليّ بن مُحْتَاج بعد حروب جرت بَينهمَا على بَاب الرّيّ ومنازلة ثَلَاثَة اشهر وَانْصَرف ابْن مُحْتَاج الى خُرَاسَان وركن الدولة الى الرّيّ (7) وَفِي شَوَّال مَاتَ ابو عبد الله (8) بن فَهد الْموصِلِي وَفِي هَذِه السّنة مَاتَت بِدعَة الصَّغِيرَة الْمَعْرُوفَة بالحمدونية عَن اثْنَيْنِ وَتِسْعين سنة

سنة ثلاث واربعين وثلاثمائة

سنة ثَلَاث واربعين وثلاثمائة فِي هَذِه السّنة ورد رَسُول ابي عَليّ بن مُحْتَاج الى معز الدولة فأوصله الى الْخَلِيفَة وَذَلِكَ بعد موت نوح بن نصر فعقد لابي عَليّ على خُرَاسَان وَسلم اليه الْعَهْد وَالْخلْع وَضم اليه ابا بكر بن ابي عَمْرو الشرابي واقام الْخطْبَة للمطيع فِي هَذِه السّنة وَلم تكن قد اقيمت لَهُ بِبِلَاد خُرَاسَان الى هَذِه الْغَايَة وَبلغ الْخَبَر بِمَوْت مُوسَى قَتَادَة (1) فانحدر المهلبي لحيازة تركته وَكَانَت عَظِيمَة وَفِي مستهل شعْبَان ورد الْخَبَر بوقعة كَانَت بَين الدمستق وَبَين سيف الدولة بِالْحَدَثِ وَقتل سيف الدولة خلقا من اصحاب الدمستق واسر ابْن ابْنه (2) وصهره وبطارقته وَبنى الْحَدث بعد ان اخربوها وَقَالَ السّري ذكرا اخرابهم لَهَا (3) ان يشتك (4) الْحَدث الْحَسْنَاء حَادِثَة ... يسْعَى (5) بهَا حاين مِنْهُم ومغرور فانها نشوة ولت عذوبتها ... وخر ذُو التَّاج عَنْهَا وَهُوَ مخمور سينقض (6) الْوتر من اعدائه ملك ... عدوه حَيْثُ كَانَ الدَّهْر مقهور (7) ... فحاذروا (8) وزرا مِنْهُ وَهل وزر ... وَالسيف فِي يَد سيف الله مَشْهُور ... وَقَالَ ابو الطّيب قصيدته ... ذِي الْمَعَالِي فليعلون من تَعَالَى (9) هَكَذَا هَكَذَا والا فَلَا لَا (10) قَالَ ابْن جنى يُرِيد انهم بعثوا سيف الدولة على اتمام بنائِهِ واعلائه فَكَانُوا سَبَب ذَلِك يَقُول فِيهَا ... قصدُوا هدم سورها فبنوه ... واتوا كي يقصروه فطالا واستجروا مكايد الْحَرْب حَتَّى ... تركوها لَهُم عَلَيْهِ (11) وبالا ...

سنة اربع واربعين وثلاثمائة

.. رب امْر اتاك لَا تحمد الفعال ... فِيهِ وتحمد الافعالا ... قَالَ ابْن جني الفعال الهراب والافعال انهزامهم ... وقسي رميت مِنْهَا (1) فَردَّتْ ... فِي الْقُلُوب الرُّمَاة عَنْك النصالا اخذوا الطّرق يقطعون بهَا الر ... سل فَكَانَ انقطاعهم (2) ارسالا وهم الْبَحْر ذُو الغوارب الا ... انه صَار عِنْد بحرك آلا ... الغوارب الامواج وَفِي شَوَّال مَاتَ ابو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْقسم الْكَرْخِي وَعرض لمعز الدولة مرض فِي احليله وَهُوَ الانعاظ (3) الدَّائِم وَورد الْخَبَر بِدُخُول ركن الدولة وَابْن مُحْتَاج جرجان وَمضى وشمكير هَارِبا الى خُرَاسَان سنة ارْبَعْ واربعين وثلاثمائة عقد معز الدولة لِابْنِهِ بختيار الرِّئَاسَة وارجف على معز الدولة عِنْد عمرَان فاجتاز بِهِ مائَة الف دِينَار قد حملت من الاهواز وامثالها للتجار فَأَخذهَا فانفذ معز الدولة الكوكبي (4) نقيب الطالبيين (5) برسالته فِي اطلاق مَاله واموال التُّجَّار فَرد مَا يتَعَلَّق بمعز الدولة وَمَضَت امتعة التُّجَّار وَفِي هَذِه السّنة سد معز الدولة فوهة نهر الرفيل وسد بثق النهروانات وحفر للخالص فحوله وَشرع فِي سد يَثِق الروبانية ببادوريا وَفِي رَجَب ورد الْخَبَر بِمَوْت ابي عَليّ بن مُحْتَاج بِالريِّ فِي وباء حدث بِالْبَلَدِ وَورد رَسُول ابي الفوارس عبد الملك بن نوح فعقد الْخَلِيفَة لَهُ على خُرَاسَان وَانْحَدَرَ روزبهان (6) فِي شهر رَمَضَان لقِتَال عمرَان وَجَاء المهلبي الى زاوطا لمعاونته

سنة خمس واربعين وثلاثمائة

سنة خمس واربعين وثلاثمائة ترك روزبهان محاربة عمرَان وَمضى الى الاهواز عَاصِيا واستكتب ابا عبد الله الجويمي وَاسْتَأْمَنَ اليه رجال المهلبي وَكَانَ روزبهان من صنائع معز الدولة لانه رقاه الى هَذِه الْمنزلَة وَكَانَ يتبع مُوسَى وَقَتَادَة فاضطرب الديلم على معز الدولة واظهروا مَا فِي نُفُوسهم وَانْصَرف المهلبي الى الابلة وَانْحَدَرَ معز الدولة والمطيع لله وهم نَاصِر الدولة بالانحدار الى بَغْدَاد وَأَخذهَا فوصلها سبكتكين فَلم يقدم وواقع معز الدولة روزبهان بقنطرة اريق (1) سلخ شهر رَمَضَان وقاتله بالاتراك وَلم يَثِق بالديلم فَأسرهُ (2) واصعد بِهِ الى بَغْدَاد فِي زبزب فَكثر دُعَاء الْعَامَّة على روزبهان ورجموه بالاجر واشار عَلَيْهِ مُسَافر باتلافه وَعلم معز الدولة ان الديلم على اخذه وَكره قَتله لَان معز الدولة كَانَ يكره الدِّمَاء وَلم يكن متسرعا الى اراقتها ثمَّ اخرجه لَيْلًا الى الانايتين تَحت الْبَلَد فغرقه وَكَانَ اخو (3) روزبهان قد عصى بِفَارِس فظفر بِهِ هُنَاكَ وَدخل الْخَلِيفَة دَاره فِي مستهل ذِي الْقعدَة بعد وُصُول معز الدولة وَمَات فِي هَذَا الْيَوْم ابو عبد الله الْحُسَيْن بن احْمَد الموسوي وفيهَا مَاتَ ابو عمر الزَّاهِد غُلَام ثَعْلَب وَجوز الْعَالم جنَازَته فِي الكرخ فَوَقَعت الْفِتْنَة لاجلها وَحكى ابو عمر قَالَ كَانَ سَبَب انفرادي فِي هَذِه الخربة انني اخذت كتاب سِيبَوَيْهٍ وتوجهت لاقرأه على الْمبرد فَسمِعت الشبلي يقص فِي الْجَامِع وانشد فِي قصصه قد ... نادت الدُّنْيَا على اهلها ... لَو ان فِي الْعَالم من يسمع كم واثق بالعمر واريته ... وجامع فرقت مَا يجمع ... وَوجدت بِخَط التَّمِيمِي قَالَ عَاد ابو عمر مَرِيضا فَلم يجده فَكتب على بَابه ... واعجب شَيْء سمعنَا بِهِ ... مَرِيض يُعَاد فَلَا يُوجد ... وَحكى رَئِيس الرؤساء ابو الْحسن بن صَاحب النُّعْمَان قَالَ مضيت مَعَ ابي الى ابي عمر فَلَمَّا دَخَلنَا عَلَيْهِ قَالَ تأجروا فَأخذ كل وَاحِد منا اجرة وَجلسَ عَلَيْهَا ثمَّ أَخذ

سنة ست واربعين وثلاثمائة

ابي يعْتَذر من تَأَخره عَنهُ فَقَالَ يَا ابا الْحُسَيْن كم تعتذر اما علمت ان الصّديق لَا يُحَاسب وان الْعَدو لَا يُحَاسب ثمَّ قَالَ يَا ابا الْحُسَيْن ان ابْن عبيد الله كَانَ يبرني وَأَرَادَ منى الْخُرُوج الى الْكُوفَة لتعليم وَلَده برزق سناة لي فَلم افْعَل فَغَضب وَقطع مَا كَانَ يعطيني اما علمت يَا ابا الْحسن ان رِزْقِي على من اذا غضب لم يقطع قَالَ وَطَالَ الحَدِيث وودعه ابي وانصرفنا سنة سِتّ واربعين وثلاثمائة خرج ابو الْحُسَيْن بن مقلة الى كربلاء (1) للزيارة وَبِه فالج فَمَاتَ فِي طَرِيقه واعيد الى دَاره وَدفن بمربعة ابي عبد الله وفيهَا تزوج بختيار بابنة سبكتكين بِحَضْرَة الْخَلِيفَة سنة سبع واربعين وثلاثمائة وَورد الْخَبَر ان الرّوم نهبوا سَواد ميافارقين وَقتلُوا نَادرا غُلَام سيف الدولة وانهم غلبوا على سميساط وأحرقوها وان سيف الدولة افلت مِنْهُم فِي عدد يسير وأسروا اهله وقرابته وَأخر نَاصِر الدولة الى ميافارقين نَاصِر الدولة خمل المَال عَن معز الدولة فَسَار إِلَى نَصِيبين وَرَاءه وَبعد وانفذ معز الدولة بسبر مردي وَهُوَ حدث فِي خَمْسمِائَة من الديلم الى سنجاب فهرب مِنْهُ ابو المرجا جَابر وَهبة الله ابْنا نَاصِر الدولة ان لَا ينفذهُ فَلم يقبل مِنْهُ فَقَالَ ... طِفْل يرق المَاء فِي ... وجناته وينض عوده (1) ... ويكاد من شبه العذاري ... مِنْهُ ان تبدو نهوده جَعَلُوهُ قَائِد عَسْكَر ... ضَاعَ الرعيل وَمن يَقُودهُ ... وَقَالَ السّري الْمَعْرُوف بالرفاء يمدح ابا المرجا

.. الله اكبر فرق السَّيْف العدا ... فتفرقت أَيدي سبا اخبارها (1) ... لَا تجبر الايام كسر عِصَابَة ... كسرت وذل لجَابِر (2) جبارها رحلت فَكَانَ الى السيوف رحيلها ... وثوت فَكَانَ الى السيوف مزارها (3) ... علم الاعاجم ان وَقع سُيُوفكُمْ ... نَار تشب وانتم اعصارها من ذَا ينازعكم كريمات العلى ... وَهِي البروج وانتم اقمارها الْحَرْب تعلم انكم آسادها ... والارض تشهد (4) انكم امطارها فِي (5) وقْعَة لَك عزها وسناؤها ... وعَلى عَدوك عارها (6) وشنارها عمرت دِيَارك من قُبُور مُلُوكهَا (7) وخلت من الانس الْمُقِيم ديارها ... وَلابْن الْحجَّاج (8) فِي ذَلِك ... لله يَا سير مردى يَوْم حجار ... حِين دعَاك الى ذِي لبدة ضار سرى اليك وجنح اللَّيْل منسدل ... بجحفل مثل جنح اللَّيْل جرار وصبحتك جيوش الله معلمة ... من كلا اغلب ماضي الْعَزْم مغوار يَأْبَى لَهُ الضيم ان الضيم منقصة (9) انف حمي وجاش غير خوار لما سما لَك فِي الهيجاء مُنْفَردا ... بمرهف الْقد ماضي الْحَد بتار عضب المهزة لَا يبتز رونقه ... يَوْم الكريهة الا نفس جَبَّار لَقِيتُم غير انكاس وَلَا عزل ... وَلَا تكول على الهيجاء اغمار لما رأى الْعِزّ فِي ايراد مهجته ... مضى فأوردها من غير احدار لَيْث يكر اذا كروا وان لجأوا ... الى الْفِرَار رَأَوْهُ غير فرار ابى النُّزُول على حكم نزلت بِهِ ... فَمَا انثنى بعد اقبال لادبار حَتَّى هوى تَحت ايدي الْخَيل يخبطه ... فِي سَائل من دم الاوداج موار ثاو بسنجار لَا يَغْدُو اذا ظعن ... الغادون عَنْهَا وَلَا يسري مَعَ الساري (10)

.. يَا آل احْمَد ايها هَكَذَا ابدا ... صونوا الْحَرِيم وحوطوا حوزة الدَّار واصلوا بِنَار الردى من دون شحنكم (1) وَالْحر بالنَّار اولى مِنْهُ بالعار لَا ترهبوهم فان الْقَوْم اكثرهم ... من حزتموهم لِئَامًا يَوْم سنجار لله ذَلِك من يَوْم اعاد لكم ... يَا شيعَة الله فيهم يَوْم ذِي قار كروا فان صدو الْخَيل عابسة ... يحملن كل رحيب الصَّدْر كرار يحملن اسدا بخفان مواطنها ... مِنْهَا الهصور وَمِنْهَا المشبل الضاري ... فَأَما حَال نَاصِر الدولة فانه توجه من مبافارقين الى حلب قَاصِدا لاخيه سيف الدولة وَاسْتَأْمَنَ اكثر جَيْشه واخوه ابو زُهَيْر الى معز الدولة وَأكْرم سيف الدولة اخاه وَنزع خفه بِيَدِهِ (2) وتوسط الْحَال بَين معز الدولة وَبَين اخيه على مَا تقرر ضمنه وَقَالَ السّري يذكر ذَلِك لسيف الدولة (3) رأى من اخيه الشَّام اكرم شيعَة ... وأصدق برق فِي المحول يشام ارى الخائن الْمَغْرُور قَامَ (4) بأرضكم ... كَأَن المنايا الْحمر عَنهُ تنام (5) ... فطورا لكم فِي الْعَيْش رحب منَازِل ... وطورا لكم بَين السيوف رجام (6) ... وَأَنْتُم على اكباد قوم حرارة ... وَبرد على اكبادنا وَسَلام ... وَرجع معز الدولة بِضَمَان سيف الدولة الى الْموصل وتقرر مَعَه دفع الفي الف وسِتمِائَة الف دِرْهَم واطلاق المأسورين من اصحابه فَلَمَّا سَار بَين المونسية وادرمة (7) وَذَلِكَ فِي ثَالِث ذِي الْحجَّة وَهُوَ الْخَامِس عشر من شباط هبت ريح مغرب بَارِدَة فَتلف من عسكره ثَمَان مائَة رجل وَلحق معز الدولة الغشي من الْبرد مَعَ كَثْرَة مَا عَلَيْهِ من الْخَزّ والوبر وَقلع الْعَسْكَر سقوف ادرمة (7) وأبوابها فأوقدوها وَأطلق لَهُم معز الدولة ثَلَاث الاف دِرْهَم عوضا (8) عَمَّا اخذ من الْخشب

سنة ثمان واربعين وثلاثمائة

سنة ثَمَان واربعين وثلاثمائة فِي هَذِه السّنة وافى ابو اسحاق القراريطي من مصر مَعَ الْحَاج فِي شهر ربيع الاول توفّي ابو بكر مُحَمَّد بن بن الادمي الْقَارِي (1) قَالَ درة (2) الصُّوفِي كنت بائتا بكلواذي على سطح عَال فَلَمَّا هدى اللَّيْل قلت (3) لاصلي فَسمِعت صَوتا ضَعِيفا يجىء من بعد فأصغيت اليه وتأملته شَدِيدا فاذا صَوت ابي بكر (4) الادمي فقدرته منحدرا فِي دجلة فَلم اجد الصَّوْت يقرب وَلَا يزدْ على ذَلِك الْقدر سَاعَة ثمَّ انْقَطع فشككت فِي الامر وَصليت ونمت فبكرت فَدخلت بَغْدَاد بعد ساعتين من النَّهَار وَكنت مجتازا فِي السميرية (5) فاذا بَابي بكر الادمي ينزل الى الشط من دَار ابي عبد الله الموساي (6) الْعلوِي الَّتِى بِقرب قرضة جَعْفَر على دجلة فَصَعدت اليه وَسَأَلته عَن خَبره فَأَخْبرنِي بسلامته فَقلت ايْنَ بت البارحة فَقَالَ فِي هَذِه الدَّار فَقلت قَرَأت النّوبَة الْفُلَانِيَّة قَالَ نعم قبل (7) نصف اللَّيْل فَعلمت انه الْوَقْت الَّذِي سَمِعت فِيهِ صَوته بكلواذى فعجبت من ذَلِك عجبا شَدِيدا بَان فِي لَهُ (8) فَقَالَ مَالك فَأَخْبَرته قَالَ فاحكها للنَّاس عني فَأَنا احكيها دَائِما وَقَالَ ابو جَعْفَر عبد الله بن اسماعيل (9) الامام رَأَيْت ابا بكر الادمي فِي النّوم بعد مديدة من وَفَاته فَقلت مَا فعل الله بك فَقَالَ اوقفني بَين يَدَيْهِ وقاسيت شَدِيدا وامورا صعبة قلت لَهُ فَتلك اللَّيَالِي والمواقف وَالْقُرْآن فَقَالَ مَا كَانَ شىء اضر عَليّ مِنْهَا لانها كَانَت للدنيا قلت لَهُ فالى اي شىء انْتهى امرك قَالَ قَالَ لي الله تَعَالَى آلَيْت على نَفسِي ان لَا اعذب ابناء اليمانين (10) وَكَانَ ابو بكر محبوبا إِلَى النَّاس فَقَالَ كسبت بِالْقُرْآنِ ثَلَاثمِائَة الف دِينَار وَحكي قَالَ لما ولد ابْني (11) ابو عبد الله قَالَ جِئْت الى مونس المظفر وحدثته

الحَدِيث فوهب لي دَنَانِير كَثِيرَة فَلَمَّا كَانَ بعد مُدَّة سَأَلَني فَقَالَ يَا ابا بكر أيش خبر الصَّبِي الْمَوْلُود فَقلت قد احْتَاجَ الى الْقَمِيص ايها الاستاذ وَهُوَ عُرْيَان فاستدعى الخازن وَقَالَ احضر مَا عنْدك من الْخرق فجَاء بِأَكْثَرَ من عشْرين كارة (1) من الْقصب والديبقي والديباج والعتابى فَقَالَ للخازن اعطه من كل شىء الرّبع فَأَعْطَانِي مَا حمله جمَاعَة من الحمالين وَبعث الْبَاقِي عَن كسْوَة ابْني وَأَهلي بِتِسْعَة الاف دِرْهَم وقبر ابي بكر عِنْد قبر عمر الزَّاهِد فِي الصّفة الَّتِى تقَابل قبر مَعْرُوف الْكَرْخِي (2) رَحمَه الله وَفِي هَذِه السّنة كثر موت الْفجأَة بالطاعون فَجَلَسَ اُحْدُ الْقُضَاة بسواده فِي الْجَامِع ليحكم فَمَاتَ وافتض رجل بكرا فَمَاتَ على صدرها وَكَانَ كافور الاخشيدي قد ولى شبيب بن جرير الْعقلِيّ (3) عمان والبلقاء فعلت منزلتهة واشتدت شوكته وغزا الْعَرَب وتتجمعت عَلَيْهِ فعصى على كافور واخذ دمشق وَسَار اليها فِي عشرَة الاف فَخر عَن فرسه مَيتا فَفِي ذَلِك يَقُول المتنبي يمدح كافورا ... عَدوك مَذْمُوم بِكُل لِسَان ... وَلَو كَانَ من اعدائك القمران (4) قَالَ ابْن جني هَذَا مدح وَيحْتَمل ان يكون هجاء بَان يَجعله مستخلفا سَاقِطا والساقط لَا يعاديه الا مثله وَخرج عَن ذَلِك يَقُول ... وَللَّه سر فِي علاك وانما ... كَلَام العدى ضرب من الهذيان ... يَقُول فِيهَا ... برغم شبيب فَارق السَّيْف كَفه ... وَكَانَا على العلات يصطحبان اتته المنايا فِي طَرِيق خقية ... على كل سمع حوله وعيان وَلَو سلكت طَرِيق السِّلَاح لردها ... بطول يَمِين واتساع جنان تقصده الْمِقْدَار بَين صحابه ... على ثِقَة من دره وامان وَهل ينفع الْجَيْش الْكثير التفافه ... على غير مَنْصُور وَغير معَان ... وَفِي هَذِه السّنة خلع الْمُطِيع لله على بختيار وقلده امرة الامراء ولقبه عز الدولة وَعقد لابي عَليّ بن الياس على كرمان وَتزَوج عز الدولة بنته فِي رَجَب

وَفِي رَجَب مَاتَت سريرة الرائقية (1) اشْتَرَاهَا ابْن رائق من ابْنة ابْن حمدون بِثَلَاثَة عشر الف دِينَار وَكَانَت مولدة سمراء حَسَنَة الْغناء وَلما قتل ابْن رائق تزَوجهَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن حمدَان وَحكى التنوخي ان المهلبي دَعَاهَا وَأظْهر من التجمل مَا اعياه فِي مجالسه وسماطه وتبخر بِمَا زَاد على الْحَد فَقَالَت لَهُ جَارِيَته تجني اننى اراك هود اتزانك حَتَّى ونيت بك فَقَالَ لَهَا وَيحك ان هَذِه قد نشات فِي نعْمَة تستصغر فِيهَا نعم ملكنا فَمَا اريد ان تزري علينا اذا خرجت وَفِي شعْبَان مَاتَ ابو عَليّ عبد الرحمان بن عِيسَى بن دَاوُد بن الْجراح وَزِير الراضي بِاللَّه وَحكى ابو مُحَمَّد جَعْفَر بن وَرْقَاء قَالَ دخلت على ابي جَعْفَر الْكَرْخِي بعد تَقْلِيده للوزارة صارفا عَنْهَا لابي عَليّ بن عبد الرحمان بن عِيسَى وَقد كَانَ الراضي بِاللَّه حلف على ان لاينقع من عبد الرحمان بَاقِل من مائَة الف دِينَار وراعاه الْكَرْخِي لحقوق اخيه وانكشف لَهُ ان جَمِيع مَا يملكهُ عشرَة الاف دِينَار فَعدل الى ان قسط تقسيطا على النَّاس بدا فِيهِ بِنَفسِهِ وَالْتزم ثَلَاثمِائَة الف دِرْهَم قَالَ ابو مُحَمَّد فَدخلت على الْوَزير فَسلم الى الدرج وخاطبني فِي الْتِزَام شىء فَقلت يدعني الْوَزير ادبر الامر فَقطعت الخطوط وكتبت صمن لمولانا امير الْمُؤمنِينَ اطال الله بَقَاءَهُ جَعْفَر بن وَرْقَاء ان يصحح لَهُ لمن يامره بتصحيح ذَلِك عِنْده عَن عبد الرحمان بن عِيسَى مائَة الف دِينَار واخذه اي وَقت امْرَهْ بتصحيحها وَقلت للوزير انفذها مَعَ رَسُول عَاقل ينظر مَا يجْرِي فَعَاد الْخَادِم الَّذِي انفذه وَقَالَ استدعاني الْخَلِيفَة حِين عرض عَلَيْهِ الْحَاجِب الْخط فَدخلت وَهُوَ جَالس على كرْسِي كالمغتاظ وَفِي يَده الرقعة مخرقة فَقَالَ من عِنْد مَوْلَاك فَقلت وَلم اجسر على كذبه جَعْفَر بن وَرْقَاء فَقَالَ لَهُ يَا اعرابي اردت ان ترى النَّاس ان نَفسك تتسع لَا تغرم غمر لَا حُرْمَة لَهُ وَهُوَ خادمي مَا ضَاقَتْ نَفسِي عَن تَركه عَلَيْهِ فتظهر بذلك انك اكرم مني وَالله لَا كَانَ هَذَا قل لمولاك اطلق عبد الرحمان وَترد خطّ هَذَا الاعرابي الجلف واني اكفر عَن يَمِيني وَرمى بالرقعة مخرقة قَالَ فَقلت للكرخي كَيفَ رأى الْوَزير رَأْيِي وَالله مَا اعتمدت الا ان يَقع فِي نَفسه مثل هَذَا فيفعل مَا فعله لعلمي بجودة عقله وكرم نَفسه وَلَو جرى الامر بِخِلَاف ذَلِك لوزنت جَمِيع مَا املكه واستسمحت الْوَزير وَالنَّاس بعده حَتَّى اقوم بتصحيح المَال فاطلق ابو عَليّ الى منزله

وان فؤادي لافتقاد اسيره لعان بأيدي الحادثات رهين لعل زمانا بالمسرة ينثني وعطفه دهر باللقاء تكون فأشكوا ويشكو ما بقلبي وقلبه كلانا على نجوى اخيه امين اذا غير البعد الهوى فهوى ابي حصين منيع في الفؤاد حصين

وَفِي هَذِه السّنة ورد الْخَبَر بَان الرّوم خذلهم الله اسروا مُحَمَّد بن نَاصِر الدولة من نواحي حلب واسروا ابا الْهَيْثَم ابْن القَاضِي ابي حُصَيْن بن عبد الملك بن بدر (1) بن الْهَيْثَم وغلمانه من سَواد حران فَكتب ابو فراس الى ابيه ... ايا رَاكِبًا نَحْو الجزيرة جسرة ... عذافرة ان الحَدِيث شجون (2) ... تحمل إِلَى القَاضِي سلامي وَقل لَهُ ... إِلَّا ان قلبِي مذ حزنت حَزِين وان فُؤَادِي لافتقاد اسيره ... لعان (3) بأيدي الحادثات رهين لَعَلَّ زَمَانا بالمسرة ينثني ... وَعطفه دهر باللقاء تكون فأشكوا ويشكو مَا بقلبي وَقَلبه ... كِلَانَا على نجوى اخيه امين اذا غير الْبعد الْهوى فهوى ابي ... حُصَيْن منيع فِي الْفُؤَاد حُصَيْن ... سنة تسع واربعين (4) وثلاثمائة وَورد الْخَبَر بغلاء السّعر بالموصل وبلوغ الْكر من الْحِنْطَة بهَا الْفَا ومائتي دِرْهَم فهرب النَّاس عَنْهَا الى بَغْدَاد وَالشَّام وَفِي هَذِه السّنة انحدر أَبُو احْمَد الشِّيرَازِيّ كَاتب المستكفي بِاللَّه الى شيراز فَقبله عضد الدولة واقطع ابْنه ابا الْفضل مائَة الف دِرْهَم وحصن بِهِ وَورد الْخَبَر بَان نجا غُلَام سيف الدولة وَاقع الرّوم وَقتل مِنْهُم عدَّة وافرة وان سيف الدولة غزافي جمع كثير فاثر فِي بلد الرّوم وَفتح حصونا كَثِيرَة وانْتهى الى خراشنة فَأخذ عَلَيْهِ الرّوم المضائق والردوب فخلص فِي ثَلَاث مائَة من اصحابه بعد جهد وَمضى بَاقِي اصحابه قَتْلَى واسرى وَأَشَارَ عَلَيْهِ اهل طرسوس بترك الْخُرُوج فَلم يقبل فأصيب (5) وَورد الْخَبَر بَان ابا نصر بن المكتفي بِاللَّه (6) ظهر بِنَاحِيَة ارمينية (7) وتلقب المستجير بِاللَّه وَلبس الصُّوف وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر وَغلب على اذربيجان فَسَار اليه ابْن سالار فَأسرهُ وَفِي مستهل شهر رَمَضَان ورد تَابُوت ابي عبد الله ابْن ثوابة من الْقصر وَكَانَ قد

سنة خمسين وثلاثمائة

احيل بحاريه (1) عَلَيْهَا فَمَاتَ هُنَاكَ وتقلد ديوَان الرسائل ابو إِسْحَاق الصابي وَفِي ذِي الْحجَّة مَاتَ ابو الْقسم البريدي (2) بِبَغْدَاد وصودر ابو السَّائِب قَاضِي الْقُضَاة على مائَة الف دِرْهَم سنة خمسين وثلاثمائة وَفِي هَذِه السّنة بنى معز الدولة دَاره (3) بقصر فرج عَن بُسْتَان الصَّيْمَرِيّ وَهدم مَا جاورها من العقارات وابتاعها من اهلها وَكَانَ ابو الْعَبَّاس بن مكرم وابو الْقسم بن حسان العدلان وكيليه فِي ذَلِك وَقلع الابواب الْحَدِيد الَّتِى على مَدِينَة الْمَنْصُور وَالَّتِي بالرصافة ونقلها اليها وَنقض قُصُور الْخلَافَة بسر من راى وَنزل فِي المسنات سِتا وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَلَزِمَه على بنائها ثَلَاثَة عشر الف الف دِرْهَم وَكَانَ الْمُتَوَلِي للْبِنَاء ابو الْفرج ابْن فسا نحس وفيهَا مَاتَ ابو الْحسن احْمَد بن الْفضل بن عبد الملك الْهَاشِمِي وتقلد ابْنه مَا كَانَ اليه من الصَّلَاة ونقابة العابسيين وَفِي الْمحرم مَاتَ القَاضِي ابو بكر بن كَامِل (4) عَن سبعين سنة وَفِي شعْبَان ابتدىء بِبِنَاء المغيض بنهر الرفيل (5) تولى ابناه (6) ابو بكر بن الْحلَبِي وَفِي هَذِه السّنة توفّي ابو السَّائِب عتبَة بن عبيد الله (7) قَاضِي الْقُضَاة وَلابْن سكرة (8) فِيهِ قصائد تجنبت اثباتها وسفر ارسلان الجامدار لابي الْعَبَّاس بن ابي الشَّوَارِب (9) فِي قَضَاء الْقُضَاة وَقرر عَلَيْهِ مِائَتي الف دِرْهَم فِي كل سنة وَامْتنع الْخَلِيفَة من تَقْلِيده فقلده معز الدولة

سنة احدى وخمسين وثلاثمائة

وَورد الْخَبَر بِأَن ابا بكر بن مقَاتل توفّي بِمصْر وَهُوَ يتقلد اعمال الْخراج بهَا وَوجد لَهُ مَدْفُونا فِي دَاره ثَلَاثمِائَة الف دِينَار وَورد الْخَبَر بِأَن نجا غُلَام سيف الدولة دخل بلد الرّوم واسر وغنم وسبى خَمْسمِائَة الف اتى بعهم فِي السلَاسِل وقطر (1) فرس عبد الملك بن نوح (2) بِهِ فَمَاتَ وَولي مَكَانَهُ اخوه مَنْصُور ابْن نوح وَفِي اخر ذِي الْحجَّة انحدر عز الدولة الى الْمُطِيع لله وَوصل اليه ابْن سالار صَاحب اذربيجان حَتَّى عقد لَهُ وَسلم اليه العقد مَعَ خلع سلطانية سنة احدى وَخمسين وثلاثمائة وَورد الْخَبَر بِأَن اهل زربة (3) دخلُوا فِي امان الرّوم وانهم غدروا بهم فَقَتَلُوهُمْ وَقَطعُوا مِنْهَا اربعين الف نَخْلَة واعاد سيف الدولة بناءها بعد ذَلِك وأتى الرّوم منبجا وَكَانَ فِيهَا ابو فراس بن ابي الْعَلَاء بن حمدَان مُتَوَلِّيًا لَهَا فأسروه فَقَالَ فِي أسره اشعارا كَثِيرَة مِنْهَا (4) ارث لصب بك (5) قد زِدْته ... على بقايا (6) اسره اسرا قد عدم الدُّنْيَا ولذاتها ... لكنه 2 لم يعْدم الصبرا فَهُوَ اسير الْجِسْم فِي بَلْدَة ... وَهُوَ اسير الْقلب فِي اخرى ... وَكتب الى امهِ (7) فِيمَا امتا لَا تعدمي الصَّبْر انه ... الى الْخَيْر والنجح الْقَرِيب رَسُول وَيَا امتا لَا تحبطي الاجر انه ... على قدر الصَّبْر الْجَمِيل جزيل اما لَك فِي ذَات النطاقين اسوة ... بِمَكَّة وَالْحَرب الْعوَان تجول (8)

.. اراد ابْنهَا اخذ الامان فَلم تجب ... وَتعلم علما انه لقتيل تأسي كَفاك الله مَا تحذرينه ... فقد غال هَذَا النَّاس قبلك غول وكوني كَمَا كَانَت بِأحد صَفِيَّة ... وَلم يشف مِنْهَا بالبكاء غليل وَلَو رد يَوْمًا حَمْزَة الْخَيْر حزنها ... اذا لعلتها (1) رنة وعويل لقِيت نُجُوم اللَّيْل (2) وَهِي صوارم ... وخضت سَواد اللَّيْل (2) وَهُوَ وحول (3) ... وَلم ارع للنَّفس الْكَرِيمَة حُرْمَة ... عَشِيَّة لم يعْطف عَليّ حليل (4) ... وَمَا لم يردهُ (5) الله فَهُوَ ممزق ... وَمن لم يعز الله فَهُوَ ذليل وَمَا لم يردهُ الله فِي الامر كُله ... فَلَيْسَ لمخلوق اليه سَبِيل ... ووافى الدمستق الى حلب وَمَعَهُ ابْن اخت الْملك وَلم يعلم سيف الدولة بِخَبَرِهِ وَخرج عِنْد علمه وحاربه قَلِيلا فَقتل جَمِيع اولاد دَاوُود بن حمدَان وَابْن الْحُسَيْن بن حمدَان وَانْهَزَمَ سيف الدولة فِي نفر يسير وظفر الدمستق بداره وَهِي خَارج مَدِينَة حلب (6) فَوجدَ لسيف الدولة فِيهَا ثَلَاثمِائَة وَتِسْعين بدرة دَرَاهِم والف واربعمائة بغل فَأخذ الْجَمِيع وَأخذ لَهُ من السِّلَاح مَا يُجَاوز الْحَد وأحرق الدَّار وَملك الربض وقاتله اهل حلب من وَرَاء سورهم فَسَقَطت ثلمة على قوم (7) فقتلتهم وَقَاتل عَلَيْهَا اهل الْبَلَد واجتمعوا بِاللَّيْلِ وبنوها وَانْصَرف الرّوم عَنْهُم فانتهب رجال الشرطة منَازِل النَّاس وأمتعة التُّجَّار فَمَضَوْا لحربهم فَلَمَّا خلا السُّور صعد الرّوم وفتحوا الابواب وَوَضَعُوا السَّيْف وَكَانَ فِي حلب (8) عِنْد الْمُسلمين الف وَمِائَتَا اسير من الرّوم فأطلقوهم وَسبوا بضعَة عشر الف صبي وصبية وَأخذُوا من الاموال مَا يحد وضربوا الْبَاقِي بالنَّار وَأقَام الرّوم بهَا تِسْعَة أَيَّام وَكَانَ عَسْكَرهمْ مِائَتي الف وَثَلَاثِينَ الف رجل بالجواشن وَكَانَ مَعَهم ثَلَاثُونَ الف صانع للهدم وتطريق الطّرق (9) واربعة آلَاف بغل عَلَيْهَا الحسك الْحَدِيد (10) يخندقون بِهِ على عَسْكَرهمْ 2

وَقَالَ ابْن اخت ملكهم لَا ابرح اَوْ افْتَحْ القلعة وَصعد الى مدرجها فَرَمَاهُ ديلمي بحشت (1) فِي صَدره فأنفذه وَسَار مُتَقَدم الرّوم الى بَلَده عِنْد ذَلِك وَلم يتَعَرَّض للسواد وامر اهله بعمارته وَوَعدهمْ بِالْعودِ اليهم وَفِي جُمَادَى الاخرة مَاتَ دعْلج بن احْمَد بن دعْلج (2) الْمُحدث الْعدْل وَله خَان بسويقة غَالب عِنْد قبر ابْن سُرَيج وقف على اصحاب الشَّافِعِي رَحمَه الله الى الْيَوْم وعمره نظام الْملك رَحمَه الله وَقد اطلق لَهُ مائَة دِينَار فِي اول نوبَة دَخلهَا حِين مضى إِلَيْهِ اصحاب ابي رَحمَه الله وأعلموه مقَام 6 هم بِهِ واستشفعوا بِصُحْبَتِهِ وَحكي ابْن نصر فِي كتاب الْمُفَاوضَة قَالَ انزلني الشَّيْخ ابو الْحسن الْعلوِي الْحَنَفِيّ الدَّار الْمَعْرُوفَة بدعلج فِي درب ابي خلف بازاء دَاره فَقلت لَهُ لم ازل اسْمَع النَّاس يعظمون شَأْن هَذِه الدَّار وَمَا اجدها كَمَا وصفت فَقَالَ لي كَانَ دعْلج فِي هَذِه الدَّار وَكَانَ شَاهدا ومحدثا وعظيم الْحَال مُوسِرًا وَكَانَ الْمُطِيع لله قد اودع ابا عبد الله بن ابي مُوسَى الْهَاشِمِي عشرَة الآف دِينَار قبل افضاء الْخلَافَة اليه فتصرف فِيهَا وأنفقها وأدل بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فِي طلبَهَا فَلَمَّا ولي الْخلَافَة طَالبه بهَا فوعده بحملها وَرجع الى منزله وَشرع فِي بيع شىء من املاكه وثماره فَتعذر فألح الْمُطِيع بالمطالبة بالوديعة فَاعْتَذر بِأَنَّهَا مخبوءة لَا يقدر عَلَيْهَا الا بعد ثَلَاثَة ايام فَانْظُرْهُ فَلَمَّا حضر وَقت الْوَعْد قلق وَلم ينم وَلم يتَّجه لَهُ وَجه وَخَافَ ان يحرق بِهِ وَلم يعود بثلم جاهه فَركب فِي بَقِيَّة اللَّيْل بِغَيْر غُلَام وَترك رَأس البغلة تمشي حَيْثُ شَاءَت فأفضت بِهِ الى قطيعة الرّبيع فَدَخلَهَا وَعطف الى درب ابي خلف فاذا دعْلج قد خرج وَفِي يَده سَمَكَة فَتَأَمّله فَقَالَ لَهُ خير فَقَالَ لَا فَقَالَ ابا الله انْزِلْ فَنزل وَدخل دَاره وقص قصَّته فَقَالَ لَا بَأْس اي نقد كَانَت الدَّنَانِير فَقَالَ النَّقْد الْفُلَانِيّ فَقَالَ يَا غُلَام اغلق الْبَاب وَحط مَا عنْدك من الْعين واجلس مَعَ الشريف وانتقد النَّوْع الْفُلَانِيّ الى ان ارْجع من الْحمام فَلَمَّا عَاد كَانَ الْغُلَام قد انتقد الْقدر فَجَعلهَا فِي اكياس وأنفذها مَعَ غلمانه ثمَّ قَالَ اكْتُبْ خطك فِي دفتري فَكتبت خطي بذلك الى مُدَّة اربعة اشهر وانصرفت

سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة

واستدعيت الضرف (1) الَّتِى كَانَت دَنَانِير الْمُطِيع فِيهِ فنقلتها اليه وختمتها بالاسريحات (2) الَّتِى كَانَت عَلَيْهِ فَأَتَانِي رَسُول الْمُطِيع فَحملت المَال وَوَضَعته بَين يَدَيْهِ وَقلت ان رأى امير الْمُؤمنِينَ ان يتَقَدَّم بوزنه فَقَالَ مَا افْعَل ذَلِك وَهِي تَحت ختمي فَخفت ان يتَأَمَّل الْخَتْم فعجلت الى كَسره وَحلفت بنعمته لَا بُد مِمَّا تزنه فوزن وَاتفقَ انه دخل من ضيعتي ثَلَاثَة وآلآف دِينَار قبل الاجل فَحَضَرت عِنْد دعْلج ودفعتها اليه فَقَالَ لَا اله الا الله ايها الشريف بِمَا استحققت مِنْك هَذَا ارتجعه قبل الْمدَّة فَأَكُون كذابا فَأَمْسَكت الدَّنَانِير حَتَّى تكاملت فِي وَقتهَا وَفِيه خلع معز الدولة على ابي الْفرج مُحَمَّد بن الْعَبَّاس (3) وقلده كِتَابَة عز الدولة مُضَافا الى مَا اليه من الدِّيوَان وَفِي ذِي الْقعدَة مَاتَ ابو عبد الله مُحَمَّد (4) بن ابي مُوسَى الْهَاشِمِي وَمَات بعده ابو بكر النقاش (5) صَاحب شِفَاء الصُّدُور فِي تَفْسِير الْقُرْآن (6) وَفِيه لقب عضد الدولة بِهَذَا اللقب (7) سنة اثْنَيْنِ وَخمسين وثلاثمائة فِي هَذِه السّنة خرج النِّسَاء منتشرات الشُّعُور مسودات الْوُجُوه يلطمن فِي الشوارع يَوْم عَاشُورَاء على الْحُسَيْن رضى الله عَنهُ وغلقت الاسواق (8) وَفِي جُمَادَى الاخرة خرج المهلبي لفتح عمان وَورد الْخَبَر بغزاة سيف الدولة لنواحي ملطية وغنيمته فَقَالَ الببغا (9) بمدحه بقصيدة مِنْهَا

.. رد (1) الدمستق دون منظره ... خبر تضيق بشرحه الْكتب ناجته عَنْك الْبيض من بعد ... نصحا وأنفذ جَيْشه الرعب ولى وَلَو احببت حِين نجا ... ادراكه لم ينجه الْهَرَب يَا كالي الاسلام يَحْرُسهُ ... من ان يخالج حَقه الريب ان كنت ترْضى ان يطيعك (2) مَا ... سجدوا لَهُ سجدت لَك الصلب ... وَفِي رَجَب عزل ابْن ابي الشَّوَارِب عَن الْقَضَاء وَقد ذكر انه ضمنه فَكَانَ النظار يحيلون عَلَيْهِ بمشاهرة الساسة والنفاطين فَكَانُوا يجيئونه ويشدون نعَالهمْ على بَابه ويدخلون يطالبونه كَمَا يَفْعَلُونَ بضامن الماخور فَأتى ابو عبد الله بن الدَّاعِي الْعلوِي معز الدولة وَقَالَ لَهُ رَأَيْت فِي الْمَنَام جدي عليا رضى الله عَنهُ وَهُوَ يَقُول لَك احب ان تقطعني مَا على الْقَضَاء وتأمر بازالته قَالَ قد فعلت وَلابْن سكرة فِي ابْن ابي الشَّوَارِب ... نوب تنوبك بالنوائب ... وعجائب فَوق الْعَجَائِب وغرائب مَوْصُولَة ... فِي كل يَوْم فِي الغرائب مِمَّا جنى قَاضِي الْقَضَاء ... حدندل بن ابي الشَّوَارِب قَاض تولى بالصبوح ... وبالطبول وبالدبادب ومناديان يناديان ... عَلَيْهِ فِي وسط الْكَوَاكِب هَذَا الَّذِي ضمن الْقَضَاء ... مَعَ الْفروج بِغَيْر وَاجِب هَذَا قدار (3) زَمَاننَا ... وأخو المثالب والمعائب ... وَلما عزل ابْن ابي الشَّوَارِب تقلد ابو بشر عمر بن اكثم (4) الْقَضَاء بِغَيْر رزق وَقد ذكرنَا خُرُوج المهلبي قَاصِدا عمان (5) وَلما بلغ الابلة تضجر خدمه بسلوك الْبَحْر ومفارقة نعمهم بِبَغْدَاد فَسَموهُ ظنا مِنْهُم ان حَالهم تبقى عَلَيْهِم فنشبت بِهِ الْمنية وَعَاد الى زاوطا (6) فِي محفة يتناوبها الرِّجَال وَمَات بهَا فِي آخر شعْبَان قَالَ التنوخي مضيت فِي اول يَوْم من شهر رَمَضَان لتهنئة ابي الْغَنَائِم الْفضل بن المهلبي وَأَبوهُ فِي الطَّرِيق لم يَأْتِ الْخَبَر بِمَوْتِهِ وَهُوَ جَالس بداره على الصراة فِي دست وَدخل عَلَيْهِ صهره ابو الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن وابو الْفرج مُحَمَّد بن الْعَبَّاس فَمَا

تحرّك لَهما فجَاء خَادِم لابي الْفضل فسارره بشىء فَقَالَ قُم يَا ابا الْغَنَائِم فقد طَلَبك مَوْلَانَا معز الدولة وَقد مَاتَ ابوك فَقَامَ ابو الْغَنَائِم باكيا فَقُلْنَا الان كَانَا بيد يَدَيْهِ وَهُوَ السَّاعَة ذليل بيد ايديهما وَختم ابو الْفضل على دَار المهلبي وعَلى امواله وعَلى تجني جَارِيَته وَكَانَ المهلبي قد اضطنع ابا الْعَلَاء عِيسَى بن الْحسن بن ايزونا (1) النَّصْرَانِي الْكَاتِب واستكتبه على خَاصَّة وأطلعه على اموال وذخائر دَفنهَا فَأخذ ابو الْعَلَاء فِي جملَة المأخوذين وعوقب اشد عُقُوبَة وَضرب ابرح ضرب وَهُوَ لَا يقر بشىء وَلَا يعْتَرف بذخيرة فَعدل ابو الْفضل (2) وابو الْفرج (3) الى تجني (4) فَأمر بِضَرْب ابْنهَا ابي الْغَنَائِم بَين يَديهَا فَبكى من عرفهَا من الَّذِي تمّ عَلَيْهَا وَقَالَت لَهُم ان مولَايَ المهلبي فعل هَذَا بِي حِين استدعى آلَات الْعقُوبَة لزوجة ابي عَليّ الطَّبَرِيّ لما قبض عَلَيْهَا بعد وَفَاته ثمَّ قَالَت احضروني ابا الْعَلَاء بن ابزونا فأحضروه وَحمل فِي سبينية (5) بَين اربعة فراشين فَطرح بَين يَديهَا فَجعلت تسأله عَن شىء (6) وَهُوَ يخبرها بمكانه حَتَّى كَانَ فِي جملَة ذَلِك ثَلَاثُونَ الف دِينَار فَقَالَ لَهُ من حضر وَيلك السِّت من الادميين تقتل هَذَا الْقَتْل ويفضي حالك الى التّلف وانت لَا تعترف فَقَالَ يَا سُبْحَانَ الله اكون ابْن ابزونا والطبيب الفصاد على الطَّرِيق بدانق وَنصف دانق يأخذني الْوَزير ابو مُحَمَّد ويصطنعني ويجعلني كَاتب سره واعرف بخدمته وأطلع النَّاس على ذخيرة ذخرها لوَلَده وَالله مَا كنت لأَفْعَل هَذَا وَلَو هَلَكت فَاسْتحْسن فعله وَكَانَ ذَلِك سَببا لاطلاقه وَتقدم بذلك عِنْد ابي الْفضل وابي الْفرج وَابْن بَقِيَّة وَتُوفِّي سنة تسع وَسِتِّينَ وثلاثمائة فِي ايام عضد الدولة ومولد المهلبي بِالْبَصْرَةِ سنة احدى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ (7) وَكَانَ ظريفا اديبا وَمن شعره

.. وصل الْكتاب طَلِيعَة الْوَصْل ... وذخيرة (8) الافضال وَالْفضل فشكرته شكر الْفَقِير اذا ... اغناه رب الْمجد بالبذل وحفظته حفظ الاسير وَقد ... ورد الامان لَهُ من الْقَتْل ... وَله ... وحياة الْهوى وَمر التجني ... وبخط العذار فِي صحن خَدّه لأذيبن وجنتيه بلحظي ... مثل مَا قد اذاب قلبِي بصده ... قَالَ التنوخي وشاهدت المهلبي وَقد اشْترى لَهُ ورد بِأَلف دِينَار فِي ثَلَاثَة أَيَّام فَشرب عَلَيْهِ وأنهبه قَالَ ابو حَيَّان كَانَ المهلبي يطرب على اصطناع الرِّجَال كَمَا يطرب سامع الْغناء على الستائر ويرتاح لذَلِك كَمَا يرتاح مدير الكأس على العشائر وَقَالَ لأكونن فِي دولة الديلم اول مَذْكُور اذ فَاتَنِي ان اكون فِي دولة بني الْعَبَّاس رَحْمَة الله عَلَيْهِم اخر مَذْكُور فَمن نوه بِهِ ابو الْفضل الشِّيرَازِيّ وابو عبد الله البقري (2) وابو مَعْرُوف القَاضِي وابو اسحاق الصابي وابو الْعَلَاء صاعد وَابْن جَعْفَر صاصب الدِّيوَان وَغَيرهم كَأبي تَمام الزَّيْنَبِي (3) وَابْن مريعة وابي حَامِد المورودي وابي عبد الله الْبَصْرِيّ وابي سعيد السيرافي وَابْن درسْتوَيْه وَالسري والخالدي الى من لَا يُحْصى كَثْرَة وَكَانَ ابو الْفرج الاصبهاني (4) يؤاكله وَكَانَ اقذر النَّاس فأفرد لَهُ المهلبي مائدة يجلس عَلَيْهَا وَحده فَقَالَ يهجوه ... ابعين مفتقر اليك رَأَيْتنِي ... بعد الْغنى فرميتني من حالق لست الملوم انا الملوم لأنني ... املت للاحسان غير الْخَالِق ... وَقَالَ ابْن الْحجَّاج يرثي المهلبي ... يَا معشر الشُّعَرَاء دَعْوَة موجع ... لَا يرتجى فرج (5) السلو لَدَيْهِ عزوا القوافي بالوزير فانها ... تبْكي دَمًا بعد الدُّمُوع عَلَيْهِ مَاتَ الَّذِي امسى الثَّنَاء وَرَاءه ... وَجَمِيل عَفْو الله بَين يَدَيْهِ ...

سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة

.. هدم الزَّمَان بِمَوْتِهِ الْحصن الَّذِي ... كُنَّا نفر من الزَّمَان اليه وتضاءلت همم المكارم والعلى ... وَأنْبت حَبل الْمجد من طَرفَيْهِ ولتعلمن بَنو بويه انما ... فجعت بِهِ ايام آل بويه ... قَالَ التنوخي قَالَ المهلبي لما عزم معز الدولة على انفاذي الى عمان طرقني امْر عَظِيم فَبت بليلة مَا بت فِي عمري مثلهَا لَا فِي فقري وَلَا فِي صغر حَالي وَمَا زلت اطلب شَيْئا اتسلى بِهِ عَمَّا دهمني فَلم اجد الا اني ذكرت اني كنت حصلت ايام صباي بسيراف لما خرجت اليها هَارِبا فَعرفت هُنَاكَ قوما اولوني جميلا وحصلت لَهُم على ايادي ففكرت وَقلت لعَلي اذا قصدت تِلْكَ الْبِلَاد ان اجدهم اَوْ يعضهم اَوْ اعقابهن فأكافئهم على تِلْكَ الأيادي فَلَمَّا ذكرت هَذَا تسليت عَن الْمُصِيبَة بِالْخرُوجِ وَسَهل على ووطنت نَفسِي عَلَيْهِ وَدفن المهلبي (1) بالنوبختية (2) بمقابر قُرَيْش وَجعل معز الدولة ابا الْفضل الشِّيرَازِيّ (3) وابا الْفرج بن فسا نحس (4) المدبرين للامور من غير تَسْمِيَة لوَاحِد مِنْهُمَا بوزارة وَفِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشر ذِي الْحجَّة وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي تسميه الشِّيعَة غديرخم (5) اشعلت النيرَان فِي الاسواق وَلم تغلق الدكاكين كَمَا يعْمل فِي الاعياد وَضربت الدبادب والبوقات وَبكر المتشيعون الى مَقَابِر قُرَيْش وصلوا هُنَاكَ سنة ثَلَاث وَخمسين وثلاثمائة استهدى القرامطة (6) فِي هَذِه السّنة من سيف الدولة حديدا فَقلع ابواب الرقة وسد مَكَانهَا وَأخذ كل حَدِيد بديار مُضر حَتَّى صنجات (7) البقالين والباعة واحدره فِي الْفُرَات الى هيت وَحمله مِنْهَا الى الْبَريَّة (8) وَأخذ نَاصِر الدولة المَال عَن معز الدولة فأصعد الى الْموصل وَمضى نَاصِر الدولة الى ميافارقين فَسَار وَرَاءه الى نَصِيبين واستخلف على الْموصل سبكتكين فَسَار ابو

تغلب بن نَاصِر الدولة واخوته لحربه فَهَزَمَهُمْ سبكتكين فأحرقوا زبازب معز الدولة بالموصل واسروا الاتراك وَصعد (2) ابو أَحْمد الطَّوِيل غُلَام مُوسَى قيادة (3) وَكَانَ قد ضمن الاهواز وأصعد مِنْهَا ليفسخ ضَمَانه وَأخذ بَنو حمدَان كرَاع معز الدولة وسلاحه وَمَا وجدوه من مَاله فَأقبل معز الدولة الى برقعيد (4) فَأَتَاهُ حمدَان بن نَاصِر الدولة مستأمنا وَأَتَاهُ ابو الهيجاء حَرْب بن ابي الْعَلَاء بن حمدَان مستامنا ايضا وأتى معز الدولة الْموصل وَاسْتَأْمَنَ اليه المهيا (5) وَالْمُسَيب غُلَاما ابي تغلب فَخلع عَلَيْهِمَا وطوقهما وسورهما واتاه ابو الْحسن عَليّ بن عَمْرو بن مَيْمُون وَرهن نَفسه عِنْده على سِتَّة الآف ألف ومائتي الف دِرْهَم واطلاق الاساري فَرَحل حِينَئِذٍ وَمَعَهُ ابْن عَمْرو الى الحديثة واتاه الاسارى وَالْمَال بهَا فانحدر الى بَغْدَاد وَفِي هَذِه السّنة خرج ابو عبد الله مُحَمَّد بن الْقسم (6) الْمَعْرُوف بِابْن الدَّاعِي الحسني الى بلد الديلم وَورد الْخَبَر الى بَغْدَاد سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة فَلَزِمَ الْكَرْخِي الْحَنْبَلِيّ (7) وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْفِقْه وَقَرَأَ الْكَلَام على ابي عبد الله الْبَصْرِيّ ومنشأه بطبرستان وَكَانَ يُجيب فِي الفتاوي احسن جَوَاب وألزمه معز الدولة النّظر فِي نقابة الطالبيين بِبَغْدَاد سنة تسع وَأَرْبَعين وثلاثمائة فَفعل مجبرا وَعمر وقوفهم وساله معز الدولة عَن طَلْحَة وَالزُّبَيْر فَقَالَ هما من اهل الْجنَّة لَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشرهما بِالْجنَّةِ وَكَانَ المهلبي يخافه فَوضع عَلَيْهِ مَوْضُوعَات مِنْهَا انه كَانَ يَأْخُذ الْبيعَة على الديلم وَبلغ من اجلال معز الدولة لَهُ انه دخل عَلَيْهِ وَهُوَ مَرِيض فَقبل يَده استشفاء بهَا

وَلما غَابَ معز الدولة فِي هَذِه السفرة الى نَصِيبين اسْتخْلف (1) ابْنه عز الدولة بِبَغْدَاد فَدخل ابْن الدَّاعِي فخاطبه بعض اصحاب عز الدولة فِي معنى علوي خطأ (2) اومى عَلَيْهِ فامتعض ابو عبد الله من ذَلِك وَخرج مغضبا وَكَانَ ينزل بدار على دجلة بِبَاب الشّعير فرتب قوما مَعَهم بالجانب الشَّرْقِي وَأظْهر انه مَرِيض وَخرج مضختفيا وَمَعَهُ ابْنه الاكبر وَخلف اولاده وَعِيَاله وَزَوجته بِبَغْدَاد وَنعمته وَكلما تحويه دَاره وَلم يستصحب غير جُبَّة صوف بَيْضَاء وسيفا ومصحفا وسلك طَرِيق شهرزور وَمضى الى هوسم وسمه علوي هُنَاكَ قَامَ بعده وَكَانَت وَفَاته سنة تسع وَخمسين وثلاثمائة وَأقَام الدمستق على المصيصة ثَلَاثَة اشهر وَوَقع الوباء فِي اصحابه فَأتى المستنفرون سيف الدولة فَسَار مَعَهم وَهُوَ مَرِيض فولى الدمستق وَكَانَ المتنبي بالعراق فَكتب اليه جَوَاب كِتَابه ورد عَلَيْهِ ... فهمت الْكتاب ابر الْكتب ... فسمعا لأمر امير الْعَرَب (3) ... وغر الدمستق قَول العداة ... بِأَن عليا ثقيل وصب وَقد علمت خيله انه ... اذا هم وَهُوَ عليل ركب اتاهم بأوسع من ارضهم ... طوال السبيب قصار العسب تغيب الشواهق فِي جَيْشه ... وتبدو ضغارا اذا لم تغب فغرق مدنهم بالجيوش ... وأخفت اصواتهم باللجب ... سنة ارْبَعْ وَخمسين وثلاثمائة فِيهَا قتل غلْمَان سيف الدولة بِحَضْرَتِهِ نجا غُلَامه فَغشيَ على سيف الدولة لذَلِك فَأمرت زَوجته بنت ابي الْعَلَاء سعيد بن حمدَان برمي نجا من قصرهَا (4) وَلما أَفَاق قتل قتلته وَبلغ الْخَبَر أَبَا فراس فَكتب اليه وَهُوَ مأسور شعرًا ... مَا زلت تسْعَى بجد ... برغم شانيك مقبل (5) ترى لنَفسك امرا ... وَمَا يرى الله افضل ...

سنة خمس وخمسين وثلاثمائة

وأوصل معز الدولة ابا أَحْمد خلف بن ابي جَعْفَر بن يانوا (1) الى الْخَلِيفَة فقلده سجستان وخلع عَلَيْهِ وَعقد لَهُ لِوَاء وفيهَا دخل ملك الرّوم المصيصة وسَاق من اهلها مِائَتي الف انسان وَأعْطى اهر طرسوس الامان وَأمرهمْ بالانتقال عَنْهَا الى اي بلد اخْتَارُوا وَمَعَهُمْ من اموالهم مَا شاؤوا فَفَعَلُوا (2) وحماهم الى انطاكية وَجعل جَامع طرسوس اصطبلا وأحرق الْمِنْبَر وَتقدم لعمارة الْبَلَد واستخلف عَلَيْهِ بطريقا فِي خمسين الْفَا وَفِي جُمَادَى الاخرة قلد معز الدولة ابا حمد الموسى نقابة الطالبيين باسرهم سوى ابي الْحُسَيْن بن ابي الطّيب وَولده فانهم استعفوه فأعفاهم ورد اليه امارة الْحَاج سنة خمس وَخمسين وثلاثمائة فِيهَا لقب الْخَلِيفَة الحبشي بن معز الدولة سَنَد الدولة وَانْحَدَرَ معز الدولة لمحاربة عمرَان وَانْحَدَرَ الى الابلة فِي دَار البريدي بشاطيء (3) عمان وَبنى الشذوات والمراكب وأوفاه نَافِع الاسود مولى يُوسُف بن وجيه مستأمنا فَقبله وأنفذ ابا الْفرج مُحَمَّد بن الْعَبَّاس مَعَ نَافِع فِي مائَة مركب فَلَمَّا صَار بسيراف وافاه جَيش عضد الدولة فِي مراكب وشذاءات نجدة لِعَمِّهِ معز الدولة وَملك ابو الْفرج عمان وأحرق لأَهْلهَا تِسْعَة وَتِسْعين مركبا وأصعد معز الدولة الى بَغْدَاد واستخلف على قتال عمرَان ابا الْفضل الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن الشِّيرَازِيّ فَأخذ فِي سد الانهار واستخلف على وَاسِط سبكتكين وَفِي رَجَب فَادى سيف الدولة الرّوم وارتجع ابا فراس مِنْهُم فَقَالَ الببغاء يمدحه ... مَا المَال الا مَا افاد ثَنَاء (4) مَا الْعِزّ الا مَا ثنى الاعداء شحت على الدُّنْيَا الْمُلُوك وعافها ... من لم يطع فِي حفظهَا الاهواء بَاعَ الَّذِي يفنى بِمَا أبقى لَهُ ... ذكرا اذا دجت الخطوب اضاء فليهن سيف الدولة الشّرف الَّذِي ... لَو كَانَ مرأبا لَكَانَ سَمَاء ...

.. وطهارة الْخلق الَّذِي لَو لم يكن ... عرضا من الاعراض كَانَ المَاء ورجاحة الْحلم الَّذِي لَو حل ... بالهضبات من رضوى ثناه هباء بدر تحققت البدور بِأَنَّهَا ... لَيست وان كملت لَهُ اكفاء القى اليه الدَّهْر صَعب قيادة ... فاستخدم الايام فِيمَا استاء الحقق الآمال بِالْكَرمِ الَّذِي ... احيى العفاة وبخل الكرماء شكر الاله من اهتمامك بِالْهدى ... مَا زَاد باهر نوره استعلاء راعيته وَسوَاك فِي سنة الْهوى ... مَا ذاد عَنهُ ليسيفك الاعداء وفديت من اسر الْعَدو معاشرا لولاك معاشرا ... لولاك مَا عرفُوا الزَّمَان فدَاء كَانُوا عبيد نداك ثمَّ شريتهم ... فَغَدوْا عبيدك نعْمَة وَشِرَاء والاسر احدى الْميتَتَيْنِ وطالما ... خلدوا بِهِ فأعدتهم احياء وضمنت نفس ابي فراس للعلى ... اذ مِنْهُ اصبحت النُّفُوس برَاء مَا كَانَ الا الْبَدْر طَال سراره ... ثمَّ انجلى وَقد استتم بهاء يَوْم غَدا فِيهِ سماحك يعْتَقد م ... الاسرى ومنك يأسر الامراء خصت بَنو حمدَان مِنْهُ بِنِعْمَة ... عَمت بِفَضْلِك تغلب الغلباء ... وَقَالَ ابْن نباتة (1) يمدحه بقصيدة مِنْهَا ... نطيع الله فِي خوض المنايا ... وَسيف الدولة الْملك الجليلا اذا طلبت مُلُوكهمْ الينا ... دُخُول الْحَرْب زدناهم دُخُولا فداؤك من فديت من البرايا ... وان كَانُوا لَان تفدى قَلِيلا فَأَنت خلقتهمْ خلقا جَدِيدا ... وصيرت السماح بهم كَفِيلا تزيد بحسنه الدُّنْيَا ضِيَاء ... وأبصار الْمُلُوك بِهِ كلولا اذا مَا جِئْت والاملاك جمعا ... غَدَوْت نباهة وغدوا خمولا احقهم ببذل المَال فِينَا ... فَتى يُمْسِي لمهجته بذولا وأولاهم بِأَن يُمْسِي جوادا ... فَتى يهب الرغائب والعقول ... ا ... تريك بنانه فِي كل يَوْم ... طعانا محييا وندى قتولا وفضلا يَسْتَفِيد الدَّهْر مِنْهُ ... كريم الطَّبْع والخلق الجميلا ... وَورد الْخَبَر بِأَن ركن الدولة ملك الطرم (2) وَمضى وهسودان (3) منصرفا عَنْهَا فَقَالَ المتنبي يمدح عضد الدولة (4)

يقول فيها نلت وما نلت من مضرة وهسودان ما زال رايه الفاسد

.. ازائر يَا خيال ام عَائِد ... ام عِنْد مَوْلَاك انني رَاقِد ... يَقُول فِيهَا ... نلْت وَمَا نلْت من مضرَّة ... وهسودان مَا زَالَ رايه الْفَاسِد ... مَعْنَاهُ انه جنى على نَفسه الشَّرّ بتعرضه لقتالكم ... يبْدَأ من كَيده بغايته ... وانما الْحَرْب غَايَة الكايد ... مَعْنَاهُ انه من سَبيله ان لَا يحارب الا مُضْطَرّا والكائد الَّذِي يَبْغِي الغوائل وَالشَّر ... مَاذَا على من اتى يحاربكم ... قدم مَا اخْتَار لَو اتى وَافد بِلَا سلَاح سوى رجائكم ... ففاز بالنصر وانثنى رَاشد وليت قومِي فنَاء عسكره ... وَلم يكن (1) دانيا وَلَا شَاهد وَلم يغب غَائِب خَلِيفَته ... جَيش ابيه وجده الصاعد ... وَقدم ابو الْفرج بن فسا نحس من عمان فَقَالَ ابْن نباتة يمدحه بقصيدة طَوِيلَة مِنْهَا ... لعمري لقد اهدى النَّصِيحَة مرّة ... لال عمان خير حاف وناعل وناشدهم بِاللَّه حَتَّى تقطعت ... عرى القَوْل وانحلت عُقُود الْوَسَائِل فَلَمَّا رَآهُمْ لاتثوب حلومهم ... رماهم بأمثال القسي العواطل فَركب اغصان الْمنية فيهم ... رواء الاعالي ظاميات الاسافل سريت لَهُم لَيْلًا تحول نجومه ... وهمك فِي اعجازه غير حَائِل كَأَنَّك اذ جردت رَأْيك فيهم ... طلعت عَلَيْهِم فِي القنا والقنابل (2) ... دنا الْحق حَتَّى ناله كل طَالب ... وَكَانَ بَعيدا من يَد المتناول وَأصْبح شَمل النَّاس بعد تبدد ... ينظم فِي سلك من الْحق عَادل ... سنة سِتّ وَخمسين وثلاثمائة فِيهَا قصد معز الدولة عمرَان بن شاهين وَأبي ان يقبل مِنْهُ مَالا وان يقنع الا بِحُضُور بساطه فاعتل من ضرب ذرب لحقه واستخلف على عسكره سكتكين وَرجع الى بَغْدَاد وعهد الى ابْنه عز الدولة (3) وَأظْهر التَّوْبَة وأحضر ابا عبد الله الْبَصْرِيّ وَتَابَ على يَده وَكَانَ مَعَ ابي عبد الله صَاحبه ابو الْقسم الوَاسِطِيّ فَكَانَا اذا حضر وَقت الصَّلَاة

خرجا من الدَّار وصليا فِي مَسْجِد على بَابهَا فَسَأَلَهُمَا عَن السَّبَب فِي خروجهما فَقَالَ ابو عبد الله ان الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة عِنْدِي لَا تصح وساله عَن عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ وَعَن الصَّحَابَة رضوَان الله عَنْهُم فَذكر ابو عبد الله سابقتهم وان عليا زوج عمر ابْنَته ام كُلْثُوم رضى الله عَنْهُم فاستعظم ذَلِك وَقَالَ مَا سَمِعت هَذَا قطّ وَتصدق معز الدولة (1) باكثر مَاله وَأعْتق مماليكه ورد شَيْئا كثيرا من المطالم وَتُوفِّي فِي شهر ربيع الآخر وَقَالَ ابو الْحُسَيْن بن الشيبة الْعلوِي بَيْنَمَا انا فِي دَاري على دجلة بمشرعة الْقصب وَكَانَت لَيْلَة مظْلمَة وَالسَّمَاء متغيمة وَقد اشْتَدَّ الرَّعْد القاصف ولمعان الْبَرْق الخاطف وَلم تمض سَاعَة من اللَّيْل حَتَّى هطلت السَّمَاء بعظيم السَّيْل فَخرجت الى الروشن لانظر الى السَّمَاء واسمع وَقع الْمَطَر على المَاء فَانِي لواقف اذ سَمِعت صَوت الْهَاتِف يَقُول لما بلغت ابا الْحُسَيْن مُرَاد نَفسك فِي الطّلب وامنت من حدث اللَّيَالِي واحتجبت عَن النوب مدت اليك يَد الردى فَأخذت من بَيت (2) الذَّهَب ... فَأَرختْ الْوَقْت وَكَانَ لأَرْبَع سَاعَات مَضَت من لَيْلَة الثُّلَاثَاء سَابِع عشر شهر ربيع الاول (3) ثمَّ اتَّصل الوابل فحبس النَّاس اياما فِي الْمنَازل فَلَمَّا انقشع الْغَمَام وانتشر النَّاس شاع الْخَبَر بَان معز الدولة توفّي فِي الك السَّاعَة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة ومولد معز الدولة سنة ثَلَاث وثلاثمائة (4) وَمن آثاره سد بثق الرومانية (5) وَعمل المعيض بالسندية (6) وسد البثق بالنهروان واسقط الْمَوَارِيث الحشرية وَأمر بردهَا الى ذَوي الارحام وَتَسْلِيم مَا لَا مُسْتَحقّ لَهُ الى الْقُضَاة ليصرفوه فِي مصَالح الْمُسلمين وَكَانَ قد سَالَ الْمُطِيع لله ان يطوف فِي دَار الْخلَافَة فَشرط عَلَيْهِ ان لَا يخترق الدَّار الا فِي نفسين وَتقدم الى شَاهد خادمه وَابْن ابي عَمْرو حَاجِبه ان يمشيا بَين يَدَيْهِ

فَدخل معز الدولة وَمَعَهُ الصَّيْمَرِيّ وحاجبه ابو الْحسن الْخُرَاسَانِي فَقَالَ لَهُ الصَّيْمَرِيّ بِالْفَارِسِيَّةِ واصحاب الْخَلِيفَة لَا يعرفونها فِي اي مَوضِع انت حَتَّى تسترسل اما تعلم انه قد فتك فِي هَذِه الدَّار بِأَلف امير ووزير الْيَسْ لَو وقف لنا عشرَة من الخدم فِي هَذِه الممرات الضيقة لأخذونا فَقَالَ صدقت وان رَجعْنَا السَّاعَة علم اننا قد فزعنا وخفنا وضعفت هيبتنا فَقَالَ الصَّيْمَرِيّ ادن مني فان مائَة من الخدم لَا يقاومونني فَانْتَهوا الى دَار فِيهَا صنم من صَخْر على صُورَة امْرَأَة وبيد يَديهَا اصنام صغَار فَسَالَ عَنْهَا فَقيل هَذَا حمل من بلد من بلدان الْهِنْد وَقد فتح فِي ايام المقتدر رَحمَه الله وَكَانَ يعبد هُنَاكَ فَقَالَ لَو كَانَ مَكَانَهُ جَارِيَة لاشتريتها بِمِائَة الف ديار على قلَّة رغبتي فِي الْجَوَارِي وَأُرِيد ان اطلبه من الْخَلِيفَة فَمَنعه الصَّيْمَرِيّ وَمَا رَجَعَ الى معز الدولة عقله حَتَّى رَجَعَ الى طياره وَقَالَ قد رَأَيْت محبتي للخليفة وثقتي بِهِ وَلَو اراد بِنَا سوءا لَكنا الْيَوْم فِي قَبضته وَتصدق بِعشْرَة الاف دِرْهَم شكرا لله على سَلَامَته وَفِي هَذِه السّنة قتل ابو الطّيب المتنبي (1) وَكَانَ عِنْد عضد الدولة بشيراز فودعه بقصيدته الَّتِى نعا فِيهَا نَفسه وَقَالَ فِيهَا اشياء لم يقل فِي عَقبهَا ان شَاءَ الله مِنْهَا ... اذا التوديع اعْرِض قَالَ قلبِي ... عَلَيْك الصمت لَا صاحبت فاكا (2) ... وَكم دون الثوبة (3) من حَزِين ... يَقُول لَهُ قدومي ذَا بذاكا فَلَو سرنا وَفِي تشرين خمس ... رأوني قبل ان يرووا (4) السماكا ... قَالَ ابْن جني بَالغ وبغى فِي ذكر السرعة لِأَن السماك يطلع لخمس يخلون من تشرين الاول اي كنت اسبقه الى الْكُوفَة بالطلوع عَلَيْهِم ... وَمَا انا غيرسهم فِي هَوَاء ... يعود وَلم يجد فِيهِ امتساكا ... يَعْنِي فِي سرعَة الاوبة وَلما قَالَ ... واني شِئْت يَا طرقي فكوني ... اذاة اَوْ نجاة اَوْ هَلَاكًا ...

قَالَ عضد الدولة يُوشك ان تكون منيته فِي طَرِيقه وَعَاد وَقد اوقره مَالا وَلما بلغ همانيا (1) مُقَابل دير العاقول خرج عَلَيْهِ فاتك بن ابي الْجَهْل الاسدي فقاتل المتنبي قتالا شَدِيدا وَقتل وَأَصْحَابه وَأخذ مَاله وَقَالَ ابو احْمَد العسكري يُجيب ابْن هَارُون وَقد رثى المتنبي ... يَا شقوة المتنبي مَا اتيح لَهُ ... بعد الْكَرَامَة من ذل وَمن هون تقضي منيته فِي ارْض مضيعة ... ويستباح ويرثيه ابْن هَارُون انى لأرثي لَهُ مِمَّا رثاه بِهِ ... قَول رَكِيك وَشعر غير مَوْزُون لَو كَانَ يسمع شعرًا وَقد رثا بِهِ ... لقام من قَبره فِي زِيّ مَجْنُون ... وَقَالَ ابو الْحسن مُحَمَّد بن يحيى الزيدي الْعلوِي وَأقَام بعسكر مكرم كَانَ المتنبي ينزل فِي جواري بِالْكُوفَةِ وَهُوَ صبي وابوه يُسمى عبدون السقاء يَسْتَقِي لأهل الْمحلة وَنَشَأ هُوَ محبا للْعلم وَالْأَدب وَصَحب الاعراب بالبادية فجاءنا بعد سِنِين بدويا وَكَانَ لَا يعْتَرف بنسبه وَيَقُول مَتى انتسبت لم آمن ان يأخذني بعض الْعَرَب بطائلة بَينه وَبَين قبيلته وَكَانَ اخوه ضريرا يتَصَدَّق بِبَغْدَاد وَادّعى انه حسيني ثمَّ ادّعى بكلب انه نَبِي فَأَشْرَف على الْقَتْل ثمَّ استتابوه قَالَ التنوخي (2) كنت احب ان أسأَل المتنبي عَن سَبَب لقبه فَكنت استحي لِكَثْرَة من يحضر مَجْلِسه بِبَغْدَاد فَلَمَّا جَاءَ الاهواز مَاضِيا الى فَارس قلت فِي نَفسِي شىء أحب ان اسألك عَنهُ فَقَالَ عَن لقبي قلت نعم فَقَالَ هَذَا شىء كَانَ فِي الحداثة اوجبته صُورَة قَالَ التنوخي فَمَا رَأَيْت فِي (3) دهثمة الف مِنْهَا لانه يحمل الْمَعْنى انه كَانَ نَبيا اذا عمد الْكَذِب اَوْ أَن عِنْده انه كَانَ صَادِقا الا انه اعرف بذلك

امارة عز الدولة ابي المنصور بختيار

امارة عز الدولة ابي الْمَنْصُور بختيار (1) ابْن معز الدولة كَانَت امارته اُحْدُ عشر سنة وشهورا (2) وَكَانَ عز الدولة من احسن النَّاس واشدهم قُوَّة كَانَ يصرع الثور الْجلد بيدَيْهِ من غير حبال وَلَا اعوان يقبض على قوائمه ويطرحه الى الارض حَتَّى يذبح وَكَانَ يقبض على رقبتي غلامين بِيَدِهِ وَهُوَ قَائِم وهما قائمان ويرفعهما من الارض وهما يصيحان ويضطربان وَلَا يمكنهما الْخَلَاص وَكَانَ من قُوَّة الْقلب على أَمر عَظِيم وبارز فِي متصدياته غير اسد وطرقه اسد فِي غَفلَة وثب على كفل فرسه فَضَربهُ بخشبة وقاتله وخلع عَلَيْهِ الْخَلِيفَة وطوقه وسوره وَكتب عَهده وَفِي هَذِه السّنة لحق ابا عَليّ بن الياس عِلّة الفالج وَخَالفهُ اولاده (3) فَملك عضد الدولة كرمان وَمضى ابو عَليّ الى خُرَاسَان فنادم صَاحبهَا وأطعمه فِي ملك الديلم فأنفذ صَاحبه مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بعد سمحور وَمَعَهُ هَدَايَا الى الْحُسَيْن بن الفيروزان والى وشمكير وَجعل الى وشمكير تَدْبِير الْحَبْس (4) وَكَاتب ركن الدولة عضد الدولة يستمده وَكفى وشمكير بِالْمَوْتِ فانه ركب فرسا ادهم حسن الصُّورَة وَنَهَاهُ منجمه على الرّكُوب فعاضه خِنْزِير قد افلت من حَرْبَة رمي بهَا فشب الْفرس ووشمكير غافل فسقك على دماغه فَخرج من انفه دم وَحمل مَيتا وَكتب ابْن العميد فِي ذَلِك كتابا اوله الْحَمد الله الَّذِي اغنى بالوحوش عَن الجيوش وَقَالَ اخذت هَذَا من كتاب كتبه صبي بَين يَدي عَمْرو بن مسْعدَة وَقد

ولدت بقرة آدَمِيًّا فَقَالَ لَهُ عَمْرو اكْتُبْ فِي ذَلِك فَكتب كتابا اوله الْحَمد الله خَالق الانام فِي بطُون الانعام فحسد عَمْرو الصَّبِي وَخَافَ ان يتمم فتسير بلاغته فَأخذ الدرج من يَده واجتهد عز الدولة بسبكتكين ان يخرج الى الْجَيْش لمساعدة عَمه ركن الدولة فَلم يفعل فأنفذ الفتكين وَوصل الى الرّيّ وَقد وَقع الْغناء عَنهُ وَفِي شعْبَان خلع على القَاضِي ابي مُحَمَّد بن مَعْرُوف وَولي الْقَضَاء بالجانب الغربي وخلع على ابْن سيار وقلد الْقَضَاء بالجانب الشَّرْقِي وَفِيه توفّي ابو جَعْفَر هَارُون بن المعتضد بِاللَّه وَفِي ذِي الْحجَّة توفّي مُفْلِح الاسود خَادِم المقتدر بِاللَّه بِمصْر وَفِيه قبض ابو تغلب بن حمدَان على ابيه نَاصِر الدولة حِين كبر وساء خلقه فأنفذ اليه بِالْخلْعِ واللواء من الحضرة وَفِي هَذِه السّنة توفّي كافور الاخشيدي (1) صَاحب مصر قَالَ ابو جَعْفَر مُسلم بن طَاهِر الْعلوِي مَا رَأَيْت اكرم من كافور كنت اسايره يَوْمًا وَهُوَ فِي موكب خَفِيف مؤيد متنزها وَبَين يَدَيْهِ غلمانه وعدة جنائب بمراكب ذهب ورمراكب فضَّة وَخَلفه بغال الموكب والفرش (2) كَمَا تكون الْمُلُوك فَسَقَطت مقرعته من يَده وَلم تَرَهَا ركابيته فَنزلت عَن دَابَّتي واخذتها من الارض ودفعتها اليه فَقَالَ يَا ابا جَعْفَر اعوذ بِاللَّه من بُلُوغ الْغَايَة مَا ظَنَنْت ان الزَّمَان يبلغنِي الى ان تفعل هَذَا ثمَّ وَدعنِي فَلَمَّا سرت الْتفت فاذا خَلْفي البغال كلهَا والجنائب فَقلت مَا هَذَا فَقَالُوا امْر الاستاذ ان يحمل هَذَا اليك فأدخلته دَاري وَكَانَت قِيمَته زِيَادَة على خَمْسَة عشر الف دِينَار وحكاياته عَن المتنبي مَشْهُورَة وَفِي هَذِه السّنة هلك سيف الدولة (3) وَنصب غلمانه ابْنه ابا الْمَعَالِي بحلب وغزا سيف الدولة الرّوم اربعين غَزْوَة لَهُ وَعَلِيهِ وَمن شعره ... تجنى عَليّ الذَّنب والذنب ذَنبه ... وعاتبني ظلما وَفِي جنبه (4) العتب ...

.. وَأعْرض لما صَار قلبِي بكفه ... فَهَلا جفاني حِين كَانَ لي الْقلب اذا برم الْمولى بِخِدْمَة عَبده ... تجنى لَهُ ذَنبا وان لم يكن ذَنْب ... وَكَانَ قد ترك الشّرْب لمواصلة الْحَرْب فوردت مغنية من بَغْدَاد وَلم يكن ابا فراس ان يدعوها قبله فَكتب اليه ... محلك الجوزاء اَوْ ارْفَعْ ... وصدرك الدهناء اَوْ اوسع وقلبك الرحب الَّذِي لم يزل ... للْجدّ والهزل بِهِ مَوضِع رفه بصرع الْعود سمعا غَدا ... قرع العوالي جلّ مَا يسمع (1) فَأمر بِعَمَل (2) الْمجْلس واستدعى بهَا وبالجماعة وَبَلغت الابيات المهلبي فَأمر ان يصاغ لَهَا لحنا وَحكي ان سيف الدولة لما ورد الى بَغْدَاد وَقت توزون اجتاز وَهُوَ رَاكب فرسه وَبِيَدِهِ رمحه وَبَين يَدَيْهِ عبد لَهُ صَغِير وَقصد الفرجة وان لَا يعرف فاجتاز بشارع دَار الرَّقِيق على دور بنى خاقَان وفيهَا فتيَان فَدخل وَسمع وَشرب مَعَهم وهم لَا يعرفونه وخدموه ثمَّ استدعى عِنْد خُرُوجه الدواءة فَكتب رقْعَة وَتركهَا فِيهَا ثمَّ انْصَرف ففتحوا الدواءة فاذا فِي الرقعة الف دِينَار على بعض الصيارف فتعجبوا وحملوا الرقعة وهم يظنونها ساذجة فَأَعْطَاهُمْ الصَّيْرَفِي الدَّنَانِير فِي الْحَال وَالْوَقْت فَسَأَلُوهُ عَن الرجل فَقَالَ ذَاك سيف الدولة بن حمدَان وَقَالَ الببغاء يرثيه بقصيدة مِنْهَا ... حلف المدائح بعْدك التأبين ... عَن اي حَادِثَة يعزى الدّين مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا كيومك مشْهد ... بهر الْعُقُول وَلَا نرَاهُ يكون لم يبْق محذورا فَكل مُصِيبَة ... جلل لَدَيْهِ وكل خطب دون هَب للهدى من بعد فقدك سلوة ... فحراكه مذ غبت عَنهُ سُكُون أبقى نعيك فِي الْقَبَائِل لوعة ... فِيهَا لمنسرب الدُّمُوع معِين اربيعة الْفرس استجدى نجدة ... فسهول عزك بالمصاب حزون كل كَأَنْت اسى وَلَكِن بالحجى (3) يتفاضل المحزون والمحزون ولى بِسيف الدولة الْعِزّ الَّذِي ... كَانَت عَلَيْهِ بِهِ الخطوب تهون ...

سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وزارة ابو الفضل الشيرازي

سنة سبع وَخمسين وثلاثمائة وزارة ابو الْفضل الشِّيرَازِيّ وفيهَا قلد عز الدولة ابا الْفضل الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن الوزارة وخلع عَلَيْهِ وأقطعه اقطاعا بِخَمْسِينَ الف دِينَار وَأظْهر ابو الْفرج الِامْتِنَاع عَن الْعَمَل فألزمه وخلع عَلَيْهِ الدراعة وَقَالَ الْحجَّاج يهنىء ابا الْفضل ... هَذَا لِوَاء الْعلَا وَالْمجد قد رفعا ... والبدر بدر الدجى للتم قد طلعا وَكَانَ بالامس لطخ دون رُؤْيَته ... بالامس فانجاب هَذَا اللطخ ووانقطعا فاليوم اصبح شَمل الْخَوْف مجتمعا ... يشكو الشَّبَاب وَشَمل الامن مجتمعا قد اذعن النَّاس وانقادوا لسيدهم ... فَمن تحرّك مِنْهُم بعْدهَا صفعا فديت من لم اكن بالغمض مكتحلا ... خوفًا عَلَيْهِ وَلَا بالعيش مُنْتَفعا حَتَّى كفى الله مَوْلَانَا وَخيَّب من ... سعي عَلَيْهِ وَفِي ايامه طَمَعا وَمر بِي سائرا فِي موكب لجب ... لَو جلجل الرَّعْد فِي قطريه مَا سمعا مضى عَليّ وقلبي طَائِر جزعا ... اخشى العثار على مولَايَ ان يقعا فليت لي بدرة مِنْهَا مكسرة ... الف وسائرها ضرب كَمَا طبعا حَتَّى اذا مر مجتازا بعسكره ... نثرت مِنْهَا الصِّحَاح الدق والقطعا وَالضَّرْب فِي الْبَيْت عِنْدِي كنت ارفعه ... فانه جَوف بَيْتِي رُبمَا نفعا وَلَو تلوح من مولَايَ لي فرج ... نثرت غَلَّتهَا ثمَّ الصِّحَاح مَعًا لَكِن ابقي لنَفْسي مَا اعيش بِهِ ... فان رِزْقِي مَرْفُوع قد انقطعا ... وَكَانَ الحبشي بن معز الدولة قد تغلب على الْبَصْرَة فانحدر الْوَزير ابو الْفضل الى الاهواز واستخلف ابو الْعَلَاء صاعدا (1) وَكَاتب الحبشي يسكنهُ ويأمره بانفاذ المَال فأنفذ اليه مِائَتي الف دِرْهَم فأنفذها الْوَزير الى عز الدولة ثمَّ ظفر الْوَزير بالحيشي وامنه وأنفذه الى عَمه ركن الدولة واستخلف على الْبَصْرَة الْمَرْزُبَان ابْن عز الدولة وَفِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان مَاتَ المتقي لله ابراهيم بن المقتدر بِاللَّه (2) فِي

ويروى ان المهبلي دخل الى تجني فلما راها تمثل قما انس لا انس اقبالها تميس كغصن سقته الرهم وقد برزت مثل بدر السما سما في العلو علوا وتم على رأسها معجز ازرق وفي جيدها سبحة من برم ولم ترتقب لطلوع الرقيب ولم تحتشم من حضور الحشم

دَاره الَّتِي على دجلة الْمَعْرُوفَة بِابْن كندا حميق وَدفن فِي دَار تحاذيها وَفِي شَوَّال قدم ابو احْمَد الشِّيرَازِيّ من شيراز فَأخْبر ان عضد الدولة توجه الى كرمان لينزعها من يَد اليسع وخطب بنت عز الدولة للأمير ابي الفوارس بن عضد الدولة وَكَانَ الْخَطِيب فِي العقد ابا بكر بن قريعة وَثبتت وكَالَة ابي احْمَد عِنْد ابْن مَعْرُوف من عضد الدولة بِعقد النِّكَاح لِابْنِهِ لصغره وَكتب كتابين من نُسْخَة وَاحِدَة على صدَاق مائَة الف دِينَار وَورد الْخَبَر بوفاة الْحسن بن الفيروزان بالبلاد الَّتِي تغلب عَلَيْهَا من جرجان وَفِي هَذِه السّنة توفّي ابو الْفرج عَليّ بن الْحُسَيْن الاصفهاني صَاحب الاغاني (1) وَهُوَ من ولد مَرْوَان بن مُحَمَّد الاموي ومولده سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلم يعرف (253129) اموي يتشيع سواهُ وَله فِي المهلبي تهنئة بِابْن ولد لَهُ من سَرِيَّة رُومِية ... اِسْعَدْ بمولد اتاك مُبَارَكًا ... كالبدر اشرق جنح ليل مقمر سعد لوقت سَعَادَة جَاءَت بِهِ ... ام حصان من بَنَات الاصفر متبجح فِي ذروتي شرف الورى ... بَين الْمُهلب منتماه وَقَيْصَر شمس الضُّحَى قرنت الى بدر الدجى ... حَتَّى اذا اجْتمعت اتت بالمشتري ... ويروى ان المهبلي دخل الى تجني فَلَمَّا راها تمثل ... قما انس لَا انس اقبالها ... تميس كغصن سقته الرهم وَقد برزت مثل بدر السما ... سما فِي الْعُلُوّ علوا وَتمّ على رَأسهَا معجز (2) ازرق ... وَفِي جيدها سبْحَة من برم وَلم ترتقب لطلوع الرَّقِيب ... وَلم تحتشم من حُضُور الحشم لقد سؤتني بانضمام السرُور ... وأسقمتني يَا شِفَاء السقم بجودك عَن عفر فِي الْكرَى ... وبخلك مسؤولة عَن امم اهذا المزار ام اللازورار ... والمامكم الم اَوْ لم ... فَقَالَت لَهُ تجني تتمثل بِشعر قَائِله وَلَا تزيل شعثة قَالَ وَمن هُوَ قَائِله قَالَت الاصبهاني يمدحك بِهِ وَيَقُول فِيهِ

فأنت العماد ونحن العفاة وانت الرئيس ونحن الخدم فأمر له بمال سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة

.. فداؤك نَفسِي هَذَا الشتَاء ... علينا بسلطانه قد هجم وَلم يبْق من سنتي دِرْهَم ... وَلَا من ثِيَابِي الا رمم يُؤثر فِيهَا نسيم الهوا ... وتخرقها خافيات الْوَهم ... (254130) فَأَنت الْعِمَاد وَنحن العفاة ... وانت الرئيس وَنحن الخدم ... فَأمر لَهُ بِمَال سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة فِي الْمحرم مَاتَ ابو احْمَد الْفضل بن عبد الرحمان بن جَعْفَر الشِّيرَازِيّ وَمن شعره ... اهلا وسهلا بالجبيب الَّذِي ... يصفيني الود وأصفيه محَاسِن النَّاس الَّتِي فرقت ... فيهم غَدَتْ مَجْمُوعَة فِيهِ ... قد وضح الْبَدْر باشراقه ... والغصن غضا بتثنيه افديه احميه وَقلت لَهُ ... من عَبده افديه احميه وَفِي هَذِه السّنة اتى الهجريون عين التَّمْر (1) فتحصن مِنْهُم صنبة الْعَيْنِيّ بشفاثا فَاسْتَاقُوا الْمَوَاشِي وَانْصَرفُوا أَتَى ملك الرّوم طرابلس فاحرق ربضها وَأخذ من بلدان السَّاحِل مائَة الف شَاب وشابة وعزم على قصد بَيت الْمُقَدّس فهاب القرامطة وَقد كَانُوا تنزلوا الشَّام وأوقعوا بِابْن عبد الله بن طغج وَفِي جمادي الاخرة مَاتَ الامير ابو جَعْفَر بن الراضي بِاللَّه وَكَانَ نازلا بالرصافة وَفِيه كثر بِبَغْدَاد موت الْفجأَة وَبلغ الْكر زِيَادَة على تسعين دِينَار وَلم تزد دجلة والفرات والنهروان فِي هَذِه السّنة وَفِي هَذِه السّنة خطب لعضد الدولة بسجستان واستخلف على كرمان ابْنه شيرزيل (255130) وَوجد الاكراد فِي جبل جُلُود الوقيعة بسيل كثيف عزارج (2) مَعْقُود فِيهِ مَال وصياغات ودراهم فِي كل دِرْهَم مِنْهَا خَمْسَة دَرَاهِم وَفِي اُحْدُ وجهيه صُورَة بقرة وعَلى الْوَجْه الاخر صُورَة انسان وَعَلِيهِ كِتَابَة رُومِية وَكَانَ ابو تغلب قد سلم الى اخيه حمدَان الرحبة ثمَّ اساء الى وكلائه فَكتب اليه

حمدَان يحلف بِطَلَاق (1) ابْنة سعيد بن حمدَان وَبِكُل يَمِين انه ان احوجه اسْتَعَانَ عَلَيْهِ بالديلم فان انتصف والا اسْتَعَانَ بالقرامطة فان بلغ غَرضا والا اسْتَعَانَ يملك الرّوم فَكَانَ جَوَاب ذَلِك من ابي تغلب ان قبض ضيَاعه وطرد وكلاءه وانفذ اخاه ابا البركات فَانْتزع الرحبة من يَد حمدَان فَدخل حمدَان بَغْدَاد فِي شهر رَمَضَان وتلقاه عز الدولة وسبكتكين فِي ميدان الاشنان وانزله فِي دَار ابْن رزق الْكَاتِب النَّصْرَانِي وَحمل اليه مائَة وَخمسين الف دِرْهَم وَثَلَاث مائَة ثوب اصنافا من ديباج وعتابي ودبيقي وَثَلَاثِينَ رَأْسا بغالا وخيالا وجمالا وَسبع مراكب ذَهَبا (2) وَكَاتب اخاه يسفر فِي الصُّلْح بَينهم فتم ذَلِك وَلما وَخرج شيعَة عز الدولة وَحمل اليه اكثر مِمَّا حمله اولا عِنْد قدومه وَحكي انه يَوْم دُخُوله صدم سبكتين الْعَجم اُحْدُ القواد فَقتله ورضح فرسه صاعدا فاعتل فَلَمَّا وصل وافاه القَاضِي ابو بكر بن قريعة مُسلما فَقَالَ حَاجِبه ان الامير نَائِم فَعَاد فَلَقِيَهُ انسان فَقَالَ من ايْنَ جَاءَ القَاضِي (256131) فَقَالَ اتانا حمدَان وافدا ولأخيه مباعدا فَقتل قائدا ورضح صاعدا وظل رَاقِدًا وَقَالَ ابْن نَبَاته فِي حمدَان قصيدة مِنْهَا ... اليك صَحِبنَا الْيَوْم ترْعد شمسه ... وحيرة ليل اسود النَّجْم فَاحم ودهرا سمت حيتانه فِي سمائه ... وانجمه فِي بحره المتلاطم الى ص 4 دة ان يستخف عتابنا ... وَمَا الظُّلم فِيهِ غير شكوى الْمَظَالِم تكون بهَا انفاسنا وحديثنا ... مدائح حمدَان المليك القماقم فَتى لم ترق مَاء الشبيبة شعره ... على الخد حَتَّى رام شم المراوم اخو الْحَرْب يثني جيدها وَهُوَ صارم ... وَيسلم مِنْهَا والقنا غير سَالم فَتى لايرى ان الهموم مصائب ... وان سرُور الْعَيْش ضَرْبَة لَازم يؤمل فِي امواله كل آمل ... وَيرْحَم من اسيافه كل رَاحِم اذا السَّيْف لم يسْتَنْزل الْهَام لمعه ... فَمَا هُوَ من آرائه والعزائم ليهنيك جد يفلق الصخر جده ... ويهتك صدر الجحفل المتلاطم وانك لَا تلقى الندى غير باسم ... اليه وَلَا صرف الردى غير حَازِم ... وَسَار حمدَان عَن بَغْدَاد وَخلف حرمه واولاده وشيعة عز الدولة فَلَمَّا وصل الى الرحبة عَاد الْخلف بَينه وَبَين اخيه وانفذ ابو تغلب اخاه ابا البركات فَانْتزع

الرحبة من يَد حمدَان وَسَار حمدَان عَنْهَا فِي الْبر الى تدمر فنفذ زَاده ولحقه عَطش شَدِيد فعاود الرحبة ودخلها من ثلم عرفهَا وَقد ترك ابو البرات اصحابه فِيهَا وأصعد الى الرقة فاستولى حمدَان على ذخائره (257131) وامواله واصحابه فَبلغ ذَلِك ابا البركات فانحدر فَتَلقاهُ حمدَان وعدته قَليلَة وَقَالَ لاصحابه لَا بُد من الصَّبْر فقاتل فنصر وَقتل ابا البركات وانفذه الى اخيه ابي تغلب فِي تَابُوت فَكفن بسل توبه وَاعْتذر بِأَنَّهُ دفع عَن نَفسه بقتْله فَقَالَ ابو تغلب وَالله لألحقنه بِهِ وَلَو ذهب ملكي وَقبض ابو تغلب على اخيه ابي الفوارس مُحَمَّد صَاحب نَصِيبين وَعرف انه وَافق حمدَان على الفتك بِهِ وَلما عرف هبة الله بن نَاصِر الدولة مَا جرى على ابي الفوارس ثار بِهِ المرار وَأنكر فعل ابي تغلب وَكتب الْحُسَيْن بن نَاصِر الدولة الى اخيه ابي تغلب وَهُوَ صَاحب الحديثة يَقُول ان الله قد وفْق الامير فِي افعاله وَنحن وان كُنَّا اخوة فَنحْن عبيد وَلَو امرني بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ لفَعَلت فَقَالَ ابو تغلب هَذَا كتاب من يُرِيد ان يسلم وَانْحَدَرَ حمدَان واخوه ابو طَاهِر ابراهيم الى بَغْدَاد وَكَانَ عز الدولة بواسط فانحدر اليه فتلقاهما وَانْزِلْ حمدَان دَار ابي قُرَّة وَانْزِلْ ابا طَاهِر ابراهيم فِي دَار ابي الْعَبَّاس بن عُرْوَة وَحمل اليهما هَدَايَا كَثِيرَة واصعدا مَعَه الى بَغْدَاد وَفِي شهر رَمَضَان قدم الْوَزير ابو الْفضل الْعَبَّاس بن الْحسن من الاهواز وتلقاه عز الدولة وأصعد إِلَى بَغْدَاد وَفِيه مَاتَ ابو الْحُسَيْن الكوكبي الْعلوِي الَّذِي كَانَ يتقلد نقابة الطالبيين وَفِي ذِي الْقعدَة انحدر ابو اسحاق بن معز الدولة الى دَار (258132) السُّلْطَان وَوصل الى الْمُطِيع لله وَعقد لعضد الدولة على كرمان وانفذ اليه الْخلْع واللواء والطوق والسوارين وَفِيه نقل عز الدولة اباه معز الدولة الى تربة بنيت لَهُ بمقابر قُرَيْش بعد ان كَفنه وطيبه وَمَشى بَين يَدي تابوته الْوَزير ابو الْفضل والرئيس ابو الْفرج والامراء من الديلم والاتراك وَملك الرّوم انطاكية (1) يَوْم النَّحْر

سنة تسع وَخمسين وثلاثمائة فِيهَا فتح الرّوم مناز كردم (1) من اعمال ارمينية بِالسَّيْفِ وَفِي شهر ربيع الاول صرف القَاضِي ابو بكر بن سيار عَن الْقَضَاء فِي حَرِيم دَار الْخلَافَة وتولاه ابو مُحَمَّد بن مَعْرُوف وَفِي هَذِه السّنة اقام ابو الْمَعَالِي بن سيف الدولة الْخطْبَة فِي اعماله واعمال فرعونة (2) للْخَارِج بالمغرب (3) وَفِي آخرهَا قبض على الْوَزير ابْن ابي الْفضل الشِّيرَازِيّ وَتَوَلَّى الوزارة مَكَانَهُ ابو الْفرج مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن فسا نحس وَقَالَ ابْن الْحجَّاج يمدحه ... يَا وزيرا بنوه طلعت انجم العدى صحن خدي لارض نعلك يَا سَيِّدي الفدا بك قَامَت سوق النوالي وَقد اصبحت سدى وَسَمعنَا فِيهَا الندا على الْجُود والندى ... فَأَما ابو الْفضل الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن الشِّيرَازِيّ فمولده بشيراز سنة ثَلَاث وثلاثمائة وَورد مَعَ معز الدولة بَغْدَاد وناب عَن المهلبي وصاهرة على بنته زِينَة من تجني (4) وَكَانَ ذَلِك (259132) سَبَب تقدمه ثمَّ فَسَاد مَا بَينهمَا وَكَانَ وَاسع الْمُرُوءَة والصدر وداره على الصراة ودجلة وَهِي الَّتِي كَانَت بستانا لنقيب النُّقَبَاء الْكَامِل وانتقلت الى الفضلوني وَأنْفق عَلَيْهَا ابو الْفضل زَائِدا على مائَة الف دِينَار ثمَّ احترقت فَأمر عضد الدولة ببسطها بستانا وَعمل دَعْوَة لمعز الدولة وَجعل فِي وسط السماط قصوار 05) من السكر فِيهَا مخانيث وأغاني (6) يغنون ويرقصون وَلَا يشاهدون وَقطع دجلة من فَوق الجسر الى دَار الْخلَافَة بالقلوس (7) الْغِلَاظ وَطرح الْورْد فِيهَا حَتَّى ملأها وغطى دجلة وَلم ينزل بَغْدَاد قيان الا احضره وَذَلِكَ فِي سنة ارْبَعْ وَخمسين وثلاثمائة

فَلَمَّا كَانَ فِي سنة خمس وَخمسين قَالَ لَهُ معز الدولة يَا ابا الْفضل تِلْكَ الدعْوَة فريدة بِلَا اخت فَقَالَ بل هِيَ فِي كل سنة وَعمل دَعْوَة انفق فِيهَا الفي الف دِرْهَم ووهب فِيهَا جواري وغلمانا واتراكا وضياعات واستعد بعد عَملهَا عِنْد الشوائين الف جمل (1) مشوي وَحمل الى ابي الْفضل اصحابه مَا امكنهم من الْهَدَايَا وَكَانَ لِابْنِ الْحجَّاج كميت فَأَرَادَ ان يَقُودهُ ثمَّ خَافَ ان يقبله فَكتب اليه ... وَصَاحب لي امس شاورته ... كَيفَ ترى لي الْيَوْم ان افعلا فَقَالَ قد هَذَا الْكُمَيْت الَّذِي ... قد جمع الْحسن وَقد اكملا فَقلت لَا وَالله لَا قدته ... اخاف يَا احمق ان يقبلا ... وَأما ابو الْفرج مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن فسا نحس فمولده بشيراز (260133) سنة ثَلَاث وثلاثمائة وَورد مَعَ معز الدولة فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وثلاثمائة وابوه من اصحاب النعم الوافرة بِفَارِس صادره عماد الدولة على سِتّمائَة الف دِينَار وَقَالَ اني كسبت مَعَه خمسين الف (2) الف دِرْهَم وَجَاء مَعَ معز الدولة الى بَغْدَاد وولاه الزِّمَام على المهلبي وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وثلاثمائة وتكفل المهلبي بامر ابْنه حَتَّى رد اليه الدِّيوَان سنة سِتِّينَ وثلاثمائة فِي صفر لحقت الْمُطِيع لله سكنة استرخى فِيهَا جَانِبه الايمن وَثقل لِسَانه وَفِيه توفّي ابو الْفضل مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ابْن العميد (3) كَاتب ركن الدولة فاستكتب مَكَانَهُ ابا الْفَتْح ووالده ابو عبد الله العميد (4) كَانَ يكْتب لمزداويج بن زيار ولآخيه وشمكير ورتب ركن الدولة ابا الْفضل بن العميد مَعَ عضد الدولة فهذبه وأدبه ثمَّ تغير عَلَيْهِ فَحلف ان لايقيم بِفَارِس وَمضى الى ركن الدولة وَمَات بِالريِّ وَقدم عَلَيْهِ المتنبي وَهُوَ بارجان فمدحه بقصيدتة الَّتِي اولها (5) باد هَوَاك صبرت ام لم تصبرا ... وبكاك ان لم تجر (6) دمعك اَوْ جرى ...

قال ابن حني أي فكما ان الخط يقوم لقارئه مقام ما تسمعه اذنه فكذلك ما يشاهد من فضلك يقوم مقام خالقك من مبلغ الاعراب اني بعدها شاهدت رسطاليس والاسكندرا ومللت نحر عشارها فأضافني من ينحر البدر النضار اذا قرى وسمعت بطليموس دارس

وَمِنْهَا ... فدعاك حسدك الرئيس وامسكوا ... ودعاك خالقك الرئيس الاكبرا ... (261133) خلفت صفاتك فِي الْعُيُون كَلَامه ... كالخط يمْلَأ مسمعي من ابصرا ... قَالَ ابْن حني أَي فَكَمَا ان الْخط يقوم لقارئه مقَام مَا تسمعه اذنه فَكَذَلِك مَا يُشَاهد من فضلك يقوم مقَام خالقك ... من مبلغ الاعراب اني بعْدهَا ... شاهدت (1) رسطاليس والاسكندرا ومللت نحر عشارها فأضافني ... من ينْحَر الْبَدْر النضار اذا قرى (2) وَسمعت بطليموس دارس كتبه ... متملكا متبديا متحضرا ... أَي جمع الملوكية والبدوية والحضرية وَنصب دارس على الْحَال ... وَلَقِيت كل الفاضلين كانما ... رد الاله نُفُوسهم والا عصرا ... أَي اجْتمع فِي زَمَانه الْفُضَلَاء المتقدمون ... نسقوا لنا نسق الْحساب مقدما ... وأتى فَذَلِك اذ اتيت مُؤَخرا ... أَي مضوا مثل الْحساب الَّذِي يذكر تفاصيله ثمَّ يُقَال فِي الاخير والجميع كَذَا فَلَمَّا جِئْت انت آخِرهم كنت كَأَنَّك جملَة التَّفْصِيل ... ياليت باكيه شجاني دمعها ... نظرت اليك كَمَا نظرت فتعذرا ... شجاني احزنني يَقُول لَيْت من بَكَى لفرا نظر اليك فيعذرني وَنصب فَتعذر على التَّمَنِّي ... وَترى الْفَضِيلَة لَا ترد فَضِيلَة ... الشَّمْس تشرق والسحاب كنهور ... الكنهور الْقطع من السَّحَاب أَي وَترى الْفَضِيلَة فِيك مشرقة غير مَشْكُوك فِيهَا كَمَا ترى الشَّمْس اذا اشرقت والسحاب اذا كثر وَنصب الشَّمْس والسحاب بِفعل مُضْمر تَقْدِيره (262134) ترى بِرُؤْيَة فضائلك الشَّمْس والسحاب وَنصب فَضِيلَة على الْحَال ... انا من جَمِيع النَّاس اطيب منزلا ... وَأسر راحله وأربح متجرا ... وواصله ابْن العميد لهَذِهِ القصيدة بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار

أي لم تدم على حمدنا وجعل الحمد منها جميعا لان كل واحد منا احب لقاء صاحبه وكره فراقه جعلن وداعي واحد لثلاثة جمالك والعلم المرح والمجد

وَقَالَ يودعه من قصيدة (1) تفضلت الايام بِالْجمعِ بَيْننَا ... فَلَمَّا حمدنا لم تدمنا على الْحَمد ... أَي لم تدم على حمدنا وَجعل الْحَمد مِنْهَا جَمِيعًا لَان كل وَاحِد منا احب لِقَاء صَاحبه وَكره فِرَاقه ... جعلن وداعي وَاحِد لثَلَاثَة ... جمالك وَالْعلم المرح وَالْمجد ... المبرح الَّذِي يكْشف حقائق الامور من قَوْلهم برح الْخُلَفَاء أَي انْكَشَفَ الامر ... وَقد كنت ادركت المنى غير انني ... يعيرني اهلي بادراكها وحدي (2) أَي ادركت بلقائك المنى الا ان هلي يعيروني كَيفَ لم اشاركهم فِي ذَلِك ... وكل شريك فِي السرُور بمصبحي ... ارى بعده مَا يرى مثله بعدِي ... أَي كل من يشاركني فِي السرُور بقدومي يرى مَا افدتنيه ... فجد لي بقلب ان رحلت فانني ... مخلف قلبِي عِنْد من فَضله عِنْدِي ... قَالَ ابْن الصابي قيل ان مِمَّا نفق بِهِ ابْن العميد على ركن الدولة أَن ركن الدولة اراد ان يحدث بِنَاء بِالريِّ وَاخْتَارَ لَهُ موضعا وَكَانَت فِيهِ شَجَرَة ذَات استدارة عَظِيمَة وعروق نازلة متشعبة فَقدر لقلعها واخراج عروقها جملَة كَثِيرَة وَلم تقع ثقتة 03) بانها (263134) تستأصل استئصالا قَاطعا فَقَالَ ابْن العميد انا اكفي للامير هَذِه الكلفة واقطع هَذِه الشَّجَرَة بعروقها بِأَهْوَن شَيْء وَفِي اقْربْ امد وَأَقل عدد فاستبعد ذَلِك ركن الدولة وَقَالَ من طَرِيق الازراء افْعَل فاستدعى حِبَالًا وأوتادا وسلك هَذَا السلك الْمَعْرُوف فِي جر الثقيل فَلَمَّا رتب مَا رتبه وَنصب مَا نَصبه اقام نَفرا قَلِيلا حَتَّى مدوا وَمنع ان يقف اُحْدُ على جربان كَثِيرَة من الشَّجَرَة بِحَسب مَا قدره من وشوح (4) اصولها ورسوخ (5) عروقها ووقف ركن الدولة فِي موكبه ينظر فَمَا راعهم الا تزعزع الارض وانفتاحها وانقلاب قِطْعَة كَبِيرَة مِنْهَا وَسُقُوط الشَّجَرَة منسلة بِجَمِيعِ عروقها فتعجب ركن الدولة من ذَلِك واستظرفه واستعظمه وَنظر الى ابي الْفضل بِعَين الْجَلالَة

وَهَذَا امْر لايعظم عِنْد من يعرف الْحِيلَة فِيهِ وَالطَّرِيق الْمَقْصُود اليه وَمن شعر ابْن العميد (1) يذكر حَال حبيب لَهُ بعد ... هبيه كَمَا قَالَ العذول هبيه ... اما آن ان تغضي العواذل فِيهِ دعيه وَلَا ترضي لاتلاف جِسْمه ... افانين ان لم تفنه ستريه اذا (2) اعتلقت كفي خَلِيلًا تعرضت ... لَهُ نوب الايام تسلبنيه (3) وَفِي شهر ربيع الاول وصل ابو الْحسن عَليّ بن عَمْرو بن مَيْمُون (4) وَقد ثبتَتْ وكَالَته عِنْد القَاضِي أبي مُحَمَّد بن مَعْرُوف بن ابي تغلب وَتزَوج لَهُ بنت عز الدولة بختيار (5) وسنها ثَلَاث سِنِين على صدَاق (264135) مائَة الف دِينَار وكنى الْخَلِيفَة ابا تغلب وجدد لَهُ ضَمَان الْموصل وَسَائِر اعماله بديار ربيعَة وَمُضر (6) فِي كل سنة بالف الف ومائتي الف دِرْهَم وَوصل ابْن عَمْرو الى الْمُطِيع لله مَعَ ابي عمر مُحَمَّد بن فسا نحس الخازن حَتَّى سلم اليه الْخلْع لصَاحبه وَالسيف (7) وَانْحَدَرَ الْوَزير ابو الْفرج الى الاهواز فشرع ابو الْفضل الشِّيرَازِيّ فِي الوزارة فتم ذَلِك لَهُ وانفذ عز الدولة بِمن قبض على ابي الْفرج بالاهواز وَقبض على اخيه ابي مُحَمَّد الخازن بِبَغْدَاد واطلق ابا الْفضل من اعتقاله بدار أبي الْفرج فَكَانَت وزارة ابي الْفرج ثَلَاثَة عشر شهرا وَثَلَاثَة ايام وزارة ابي الْفضل الْعَبَّاس بن الْحسن الشِّيرَازِيّ الثَّانِيَة قَالَ انوخي كُنَّا جُلُوسًا فِي دَار ابو الْفضل الثَّانِيَة نَنْتَظِر خُرُوجه حَتَّى يخلع عَلَيْهِ وَكَانَ مَعنا ابْن الْحجَّاج صَاحب السَّفه فِي شعره (8) فأنشدنا مديحا لأبي الْفضل مِنْهُ ... يَا سيدا طلعته لم تزل ... اشهى إِلَى عَيْني من النّوم

في ابيات وقام ابو الفضل يحارب عمران سنة حتى ملك تله فانتقل عمران الى هوكولان

.. لم تظلم الْقَوْم وحاشاك ان ... تنْسب فِي الظُّلم الى الْقَوْم جازيتهم مثل الَّذِي اسلفوا ... فِي الدَّار والمجلس وَالْيَوْم ... وَكَانَ مَعنا ابْن زنجي حَاضرا فأنشدنا ابيات ابْن زُرَيْق (1) انا لَقينَا حِجَابا مِنْك اعرضنا ... فَلَا يكن ذلنا فِيهِ لَك الغرضا فاسمع مقالي وَلَا تغْضب عَليّ فَمَا ... ابغي بنصحك لَا مَالا وَلَا عرضا ... (265135) الشُّكْر يبْقى ويفنى مَا سواهُ فكم ... سواك قد نَالَ ملكا فانقضى وَمضى فِي هَذِه الدَّار فِي هَذَا الرواق على ... هذي الوسادة كَانَ الْعِزّ فانقرضا ... وَهَذِه الابيات قَالَهَا ابو مُحَمَّد بن زُرَيْق وَقد اتى الى بَاب الْكُوفِي وَقد اسْتَكْتَبَهُ بجكم وعزل ابْن شيرزاد وَانْزِلْ الْكُوفِي دَار ابْن طومار بخان ابي زِيَاد وَكَانَت من قبل ديوانا لِابْنِ شيرزاد فجَاء ابْن زُرَيْق 02) فحجب عَن الْكُوفِي فَقَالَ لحاجبه حِين انشده الابيات وَيلك اما كَانَ لَهُ اسوة بِمن دخل وَلَكِنَّك اردت ان يمزق عرضي ويواجهني بِمَا واجهني بِهِ ورفق بِابْن زُرَيْق وَلم يزل بِهِ حَتَّى جلس وَرَضي وَفِي رَجَب تقلد ابْن مَعْرُوف قَضَاء الْقُضَاة وَانْحَدَرَ عز الدولة والوزير ابو الْفضل لمحاربة عمرَان واقام ابو الْفضل لحربه وَلابْن الْحجَّاج فِي ذَلِك وَقد كسر عمرَان عَسْكَر الْوَزير غير مرّة انشدني ذَلِك شرف الْمَعَالِي بن ايوب وَكَانَ احسن الرؤساء محاضرة واجملهم معاشرة وَكم لَهُ الي من مَكَارِم اجزلها وَكم لبيته من مَنَاقِب اثلها ... ان عمرَان مذنشأ النَّصْر فِينَا ... قد صفعنا قَفاهُ حَتَّى عمينا قَالَ قوم حرم من صفعوه ... قلت لابل حرم من يعنينا ... فِي ابيات وَقَامَ ابو الْفضل يحارب عمرَان سنة حَتَّى ملك تله فانتقل عمرَان الى هوكولان (3) وَفِي هَذِه السّنة قبض على ابي قُرَّة بالجامدة وَحمل الى جند يسابور فَمَاتَ تَحت الْمُطَالبَة وَكَانَ قد نقل (266136) الْقبَّة الَّتِي على قبر الْوَزير الْقسم بن عبيد الله وَهِي قبَّة مَشْهُورَة بالشؤم ونصبها على مجْلِس فِي دَاره وَكَانَ الْقسم قد تنوق (4) فِي عَملهَا وَدفن تحتهَا حِين تمت

سنة احدى وَسِتِّينَ وثلاثمائة فِي شهر ربيع الاول خلع على ابي احْمَد مُحَمَّد بن حَفْص بواسط وقلدالديوان مَكَان ابي قُرَّة وَانْحَدَرَ عز الدولة الى الْبَصْرَة وفيهَا مَاتَ ابو الْقسم سعيد بن ابي سعيد الجناني (1) بهجر وَعقد القرامطة لِأَخِيهِ ابي يَعْقُوب وَلم يبْق من اولاد ابي سعيد غَيره وَفِي هَذِه السّنة صَالح ركن الدولة وَابْنه عضد الدولة صَاحب خُرَاسَان على ان يحملا اليه مائَة وَخمسين الف دِينَار وَتزَوج صَاحب خُرَاسَان بنت عضد الدولة وتوسط الامر عَابِد (2) وَفِي شعْبَان قبل ابْن مَعْرُوف شَهَادَة ابي طَالب ابْن الميلوس الْعلوِي وَفِي شهر رَمَضَان توفّي عِيسَى بن المكتفي بِاللَّه وَفِيه توفّي ابو الْغَنَائِم الْفضل بن ابي مُحَمَّد المهلبي بِالْبَصْرَةِ وَحمل تابوته الى بَغْدَاد سنة اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وثلاثمائة (3) خرج الدمستق فِي جموع كَثِيرَة الى بلد الاسلام فَوَطِئَهَا واثر الاثار القبيحة فِيهَا واستباح نَصِيبين واقام بهَا خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا وانفذ اليه ابو تغلب مَالا هادنه بِهِ وأتى المتقيبون (267136) من اهل تِلْكَ الْبِلَاد الى بَغْدَاد وضجوا فِي الْجَامِع وكسروا المنابر وَمنعُوا من الْخطْبَة وصاروا الى دَار الْمُطِيع لله وقلعوا بعض شبابيكها (4) وَكَانَ عز الدولة بِالْكُوفَةِ فَخرج اليه ابو بكر الرَّازِيّ وابو الْحُسَيْن (5) عَليّ بن عِيسَى الرماني وابو مُحَمَّد الداركي (6) وَابْن الدقاق فِي خلق من اهل الْعلم وَالدّين مستنفرين ووبخوه على حَرْب عمرَان بن شاهين وَصرف زَمَانه الى الْقَبْض الى ارباب الدَّوَاوِين وعدوله عَن مصَالح الْمُسلمين فَأدى اجْتِهَاد ابي الْفضل الشِّيرَازِيّ ان قَالَ للمطيع لله يجب ان تُعْطِي مَا تصرفه

فِي نَفَقَة الْمُجَاهدين فَقَالَ الْمُطِيع لله انما يجب عَليّ ذَلِك اذا كنت مَالِكًا لأمري وَكَانَت الدُّنْيَا فِي يَدي فاما ان اكون محصورا لَيْسَ فِي يَدي غير الْقُوت الَّذِي يقصر عَن كفايتي فَمَا يلْزَمنِي غَزْو وَلَا حج وانما لي مِنْكُم الِاسْم على الْمِنْبَر فان اثرتم ان اعتزل اعتزلت (1) وَالْتزم لَهُ بعد ذَلِك اربعمائة الف دِرْهَم بَاعَ بهَا انقاض دَاره وثيابه ثمَّ وصل الْخَبَر بِأَن الدمستق قصد آمد فَخرج اليه واليها هَذَا مرد (2) مولى ابي الهيجاء بن حمدَان وانضم اليه هبة الله بن نَاصِر الدولة وساعدهم اهل الثغور فنصرهم الله تَعَالَى وَكثر الْقَتْل والاسر لاصحاب الدمستق وَأخذ مأسورا وَذَلِكَ فِي ثَانِي شَوَّال وَكَانَ أَكثر (3) السَّبَب فِي خذلان الله تَعَالَى للروم ان هبة الله تَعَالَى متقدمهم فِي مضيق وَقد تقدم عسكره وَلم يتأهب فَكَانَت الْحَال فِي اسره كَمَا وَصفنَا ز (268137) وَكتب ابو تغلب كتابا الى الْمُطِيع لله يُخبرهُ بِالْحَال وَكتب الصابي الْجَواب عَنهُ وَهُوَ مَذْكُور فِي رسائلة (4) 3 وَمَات الدمستق من جراح بِهِ وَفِي شعْبَان قتلت الْعَامَّة والاتراك خمارا صَاحب المعونه بِرَأْس الجسر من الْجَانِب الشَّرْقِي وأحرقوا جسده لانه كَانَ قد قتل رجلا من الْعَوام وَولي مَكَانَهُ الحبشي فَقتل اُحْدُ العيارين فِي سوق النحاسين (5) فثارت الْعَامَّة وقاتلته وانفذ ابو الْفضل الشِّيرَازِيّ حَاجِبه صافي لمعاونة صَاحب الشرطة وَكَانَ صافي (6) يبغض اهل الكرخ فَاحْتَرَقَ النحاسين الى السماكين فَذهب من الاموال مَا عظم قدره واحرق الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الدّور والحمامات وأحصى مَا احْتَرَقَ فَكَانَ سَبْعَة عشر الْفَا وثلاثمائة (7) دكان وثلاثمائة وَعشْرين دَارا اجرة ذَلِك فِي الشَّهْر ثَلَاثَة واربعون الف دِينَار

وَاحْتَرَقَ ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ مَسْجِدا 3 وكلم ابو احْمَد الموسوي لابي الْفضل الشِّيرَازِيّ بِكَلَام كرهه فَصَرفهُ عَن النقابة وَولي ابا مُحَمَّد الْحسن بن احْمَد بن النَّاصِر الْعلوِي وَركب ابو الْفضل الى دَار ابْن حَفْص الَّتِي على بَاب الْبركَة وأحضر التُّجَّار وَطيب قُلُوبهم فَقَالَ لَهُ شيخ مِنْهُم ايها الْوَزير اريتنا قدرتك وَنحن نؤمل من الله تَعَالَى ان يرينا قدرته فِيك فَأمْسك ابو الْفضل وَلم يجبهُ وَركب الى دَاره نزُول الْخَارِج بالمغرب بِمصْر (269137) وَكَانَ جَوْهَر صَاحب الْخَارِج بِمصْر قد اتى مصرا واقام الدعْوَة لصَاحِبهَا وَبنى لَهُ قصره وأتاها ابو تَمِيم معد بن اسماعيل الملقب بالمعز فنزلها (1) وَفِي سادس عشر ذِي الْقعدَة خلع على اسحاق بن معز الدولة من دَار الْخلَافَة بِالسَّيْفِ والمنطقة ورسم بحجبة الْمُطِيع لله على رسم اخيه عز الدولة فِي ايام ابيه ولقب عُمْدَة الدولة وَفِي سادس ذِي الْحجَّة قبض على ابي الْفضل الشِّيرَازِيّ وَقد كثر الدُّعَاء عَلَيْهِ فِي الْمَسَاجِد وَالْبيع وَالْكَنَائِس وَقد ذكرنَا مصادرته للمطيع لله واحراق غُلَامه الكرخ وَمَا بت من المصادرات وَسلم الى الشريف ابي الْحسن مُحَمَّد بن عمر فانفذه الى الْكُوفَة فسقي ذراريح فِي سكنجبين فتقرحت متانته وَمَات من ذَلِك (2) قَالَ ابو حَيَّان (3) قيل لَهُ فِي وزارته الثَّانِيَة كنت قد وعدت من نَفسك ان اعاد الله يدك الى البسطة ورد حالك الى السرُور وَالْغِبْطَة انك تجمل فِي الْمُعَامَلَات وتنسي الْمُقَابلَة وتلقي وليك وعدوك بالاحسان الى هَذَا والكف عَن هَذَا فَكَانَ جَوَابه مَا دلّ على عتوه لانه قَالَ اما سَمِعْتُمْ قَول الله تَعَالَى {وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ} 4 فَمَا لبث بعد هَذَا الْكَلَام الا قَلِيلا حَتَّى اورد وَلم يصدر وَلم ينعش بعد ان عثر وَتَوَلَّى ابْن بَقِيَّة مصادرته فصادره على مائَة الف دِينَار وزارة ابي طَاهِر بن بَقِيَّة لعز الدولة (270138) كناه الْخَلِيفَة وخلع عَلَيْهِ ولقبه الناصح وَكَانَ يخْدم فِي مطبخ (5) معز الدولة حَتَّى خدم ابا الْفضل الشِّيرَازِيّ وَكَانَ وَاسع النَّفس وَكَانَت وظيفته فِي كل

يَوْم الف رَطْل ثلجا (1) وَفِي كل شهر اربعة آلَاف منا شمعا وَكَانَ يفعل كَمَا يفعل وزراء الْخُلَفَاء من الْجُلُوس فِي الدسوت الْكَامِلَة وَيَضَع وَرَاء مَجْلِسه اساطين الشمع وَبَين يَدَيْهِ عدَّة اتوار (2) فِيهَا الموكبيات والثلاثيات وَفِي كل مجْلِس من الدَّار تور فِيهِ ثلاثية وان كَانَ الْمَكَان خَالِيا وَفِي ايدي الفراشين الموكبيات بَين يَدي من يدْخل وَيخرج وَفِي الشتَاء يتْرك بَين يَدَيْهِ كوانين الفحم فِيهَا جمر الغضا وَيتْرك عَلَيْهِ اقطاع الشمع فَكَانَ يشتعل احسن اشتعال وَفِي هَذِه السّنة توفّي القَاضِي ابو حَامِد احْمَد بن عَامر بن بشر المرورودني (3) بِالْبَصْرَةِ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة طُولِبَ ابو مُحَمَّد بن مَعْرُوف ان يسْتَحل بيع دَار ولد ابي الْحسن مُحَمَّد بن ابي عَمْرو الشرابي 04) حَاجِب الْخَلِيفَة وَكَانَ ابوه قد مَاتَ وَالْبَائِع لَهَا وَكيل نَصبه الْمُطِيع لله فَامْتنعَ وأغلق بَابه واستعفى من الْقَضَاء فقلد مَكَانَهُ القَاضِي ابو الْحسن مُحَمَّد ابْن صَالح بن ام شَيبَان الْهَاشِمِي بعد ان امْتنع وَأجَاب على ان لايقبل رزقا وَلَا خلعة وَلَا شَفَاعَة وان يدْفع الى كَاتبه من بَيت مَال السُّلْطَان ثَلَاثمِائَة دِرْهَم والحاجبه مائَة وَخمسين درهما وللقاضي (5) فِي الْفُرُوض على (271138) بَابه مائَة دِرْهَم ولخازن ديوانه (6) واعوانه سِتّمائَة دِرْهَم وان يصل اليهم ذَلِك من الخزانة فَأُجِيب وَركب مَعَه ابْن بَقِيَّة وَالْوُجُوه وتسلم عَهده بِحَضْرَة الْمُطِيع لله فَتَوَلّى انشاءه ابو مَنْصُور احْمَد بن عبيد (7) الله الشِّيرَازِيّ صَاحب ديوَان الرسائل يَوْمئِذٍ وقرى عَهده (8) فِي جَامع الْمَدِينَة وَصرف ابو تَمام الزَّيْنَبِي عَن نقابة العباسيين وآقلدها ابو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد ابْن (9) الْفضل بن عبد الْملك الْهَاشِمِي

وَفِي رَجَب لقب ابو تغلب عدَّة الدولة وَخرج باللقب اليه ابو الْحسن بن عَمْرو كَاتبه وأضاق عز الدولة فانحدر الى الاهواز فَتَنَازَعَ تركي وديلمي فِي معلف بالاهواز فَوَقَعت بَينهم وقْعَة (1) فَقيل أرسلان التركي وَهُوَ لعرجنة (2) وَكَانَ قد ظهر بَين سبكتكين وَعز الدولة فَقبض عز الدولة على الاتراك الَّذين عِنْده وَحل اقطاع سبكتكين بالاهواز وَقبض على عماله ووكلائه فَفعل بِأَصْحَابِهِ بِالْبَصْرَةِ كَذَلِك وَكتب على الاطيار الى اخيه ابي اسحاق وامره ليقْبض على سبكتكين ز فأشاع ابو الْحسن عُمْدَة الدولة ان عز الدولة اخاه قد مَاتَ وَقصد ان يَأْتِيهِ سبكتكين معزيا فَيقبض عَلَيْهِ وَحسب ذَلِك ووردت عَلَيْهِ كتب اصحابه بالشرح وجمعت ام عز الدولة الديلم بِالسِّلَاحِ وَركب سبكتكين الى دَار عُمْدَة الدولة وَهِي دَار مونس فحاربهم يَوْمَيْنِ فاستسلموا وسألوه ان يفرج لَهُم لينحدروا فَفعل وانحدروا وتفرق الديلم بمرقعات (272139) الى عز الدولة وَاسْتولى سبكتكين على اموال عز الدولة وسلاحه وَانْحَدَرَ الْمُطِيع لله فانفذ سبكتكين ورده ونهبت الاتراك دور الديلم ثمَّ نهبوا دور التُّجَّار فافتقر النَّاس وَاعْتَزل الْمُطِيع لله الْخلَافَة وَنَذْكُر سَبَب عَزله (3) وَكَانَ الْمُطِيع لله كَرِيمًا اديبا حكى ابو الْفضل التَّمِيمِي عَن الْمُطِيع لله قَالَ سَمِعت شَيْخي ابْن منيع يَقُول سَمِعت ابا عبد الله احْمَد بن حَنْبَل يَقُول اذا مَاتَ صدقا الرجل ذَلِك ذل

خلَافَة الطايع لله ابي بكر عبد الْكَرِيم بن الْمُطِيع لله (1) كَانَت سبع عشرَة سنة وَثَمَانِية اشهر وَسِتَّة ايام لما وقف سبكتكين على حَال الْمُطِيع لله رَحمَه الله عَلَيْهِ فِي حَال الْعلَّة الَّتِي لحقته وللفالج الَّذِي تَمَادى بِهِ حَتَّى ثقل لِسَانه دعاة الى خلع نَفسه وَجعل الامر الى وَلَده الطائع لله وبويع لَهُ يَوْم الاربعاء لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَلم يتقلد الْخلَافَة من لَهُ اب حَيّ غَيره وَغير ابي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَركب الطائع لله يَوْم بُويِعَ لَهُ وَعَلِيهِ الْبردَة وَقد خلع على سبكتكين وكناه ولقبه نصير (2) الدولة وطوقه وسوره وَسَار سبكتكين بَين يَدَيْهِ وَركب فِي يَوْم الاضحى الى الْمصلى وَصلى بِالنَّاسِ وخطب وخلع على (273139) ابي الْحسن عَليّ بن جَعْفَر كِتَابَته وأصعد عز الدولة من الاهواز الى وَاسِط وَصَارَت بَغْدَاد حزبين فالسنية تنادي بشعار سبكتكين والشيعة تنادي بشعار عز الدولة وواصل عز الدولة استنجاد ركن الدولة وابي تغلب وَعمْرَان بن شاهين سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وثلاثمائة توفّي فِي الْمحرم ابو مَنْصُور اسحاق بن المتقي لله على احدى وَخمسين سنة وَقدم حمدَان بن نَاصِر الدولة على سبكتكين واحدره على مقدمته وأصعد دبيس ابْن عفيف على مُقَدّمَة عز الدولة فَالتقى دبيس بحمدان تَحت جبل فَأسر حمدَان من اصحاب دبيس خلقا وَقتل آخَرين وَاسْتَأْمَنَ بعد ذَلِك الى عز الدولة

وَانْحَدَرَ سبكتكين والاتراك لقِتَال عز الدولة وَانْحَدَرَ الطائع لله وَمَعَهُ ابو الْمُطِيع فَلَمَّا بلغُوا دير العاقول توفّي الْمُطِيع لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لثمان بَقينَ من الْمحرم وتفي (1) سبكتكين بعده لَيْلَة الثُّلَاثَاء لسبع بَقينَ مِنْهُ لذرب ناله فَكَانَت مُدَّة امارته شَهْرَيْن وَثَلَاثَة عشر يومافن فَفِي ذَلِك يَقُول ابْن الْحجَّاج ... اغضوا وَفِي الاحشاء جمر الغضا ... واستقبلوا الْحزن على مَا مضى عجبت من امركم مَا بدا ... حَتَّى تولى معرضًا وانقضى تفسحت دودتكم هَيْبَة ... للصل فِي وَاسِط اذ نضنضا لما سما مَوْلَاهُ فِي حجفل ... اسود كالليل يسد الفضا ... (274140) ولاح برق الْمَوْت من سَيْفه ... وَالْمَوْت من حديه قد اومضا امرضه الْخَوْف وَمن حق من ... ساوره ... الرئبال ان يمرضا وانفتحت ثلمة بَاب استه ... فَلم يزل يسلح حَتَّى قضى يامعشر الاتراك لَا تعرضوا ... عَن قَول من صرح اَوْ عرضا نوحوا وصيحوا يَا قَتِيل الخرا ... قد كنت فِينَا ثِقَة مرتضى ... قَالَ الرئيس ابو الْحسن وجدت بِخَط سَابُور نُسْخَة مَا خَلفه سبكتكين الف الف دِينَار مطيعيه وَعشرَة الاف الف دِرْهَم وَرقا وصندوقان طويلان فيهمَا جَوْهَر وَسِتُّونَ صندوقا طوَالًا مِنْهَا خَمْسُونَ (2) واربعون فِيهَا انية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَخَمْسَة عشر مِنْهَا (3) بلور مُحكم (4) وَثَلَاثُونَ (5) مركب ذهب وَمِنْهَا خَمْسُونَ كل وَاجِد وَزنه الف مِثْقَال وسِتمِائَة مركب فضَّة واربعة الاف ثوب ديباجا مِنْهَا الفان وَخَمْسمِائة تسترية وَخَمْسمِائة رُومِية ملكية وَالْبَاقِي بغدادية و (6) عشرَة الاف رَأس جمالا و (79 ثَلَاثمِائَة غُلَام دارية و (8) اربعون خَادِمًا وَحمل الْمُطِيع لله الى بَغْدَاد وَدفن فِي تربة وَالِده المقتدر بِاللَّه رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا بالرصافة وَصلى عَلَيْهِ ابْن مَعْرُوف وَكبر عَلَيْهِ خمْسا وَدفن سبكتكين بالمخرم

وعقدت الاتراك الامر لفتكين بن مَنْصُور مولى معز الدولة وَعرض عَلَيْهِ الطائع اللقب فَامْتنعَ وَكَانَ يكْتب من ابي مَنْصُور مولى امير الْمُؤمنِينَ وانحدروا الى وَاسِط وَعز الدولة (275140) نَازل بغربيها وأقامت الاتراك بشرقيها وعبروا اليه وقاتلوه واستظهروا عَلَيْهِ اياما كَثِيرَة وبينما حمدَان يقاتلهم مَعَ الديلم رَمَاه تركي بنشابة فَوَقَعت فِي سماخ (1) دَابَّته فقطرت بِهِ فَوَقع فَضَربهُ الاترا ك بالدبابيس حَتَّى انحل وركه واخذوه اسيرا وَكَانَ عز الدولة قد كَاتب ابا تغلب يستدعيه الى بَغْدَاد فاستولى عَلَيْهَا العيارون فَدَخلَهَا ابو تغلب وَقتل مِنْهُم جمَاعَة واخذ مَا وجده الاتراك وَذكر ابو حَيَّان فِي كتاب الامتاع والمؤانسة (2) قَالَ حصل بِبَغْدَاد من العيارين قواد منعُوا المَاء ان يصل الى الكرخ وَكَانَ فيهم قَائِد يعرف بأسود الزّبد لانه كَانَ يأوي قنطرة الزّبد ويستطعم من حضر وَهُوَ عُرْيَان لايتوارى فَلَمَّا فَشَا الْهَرج رأى هَذَا الاسود من هُوَ اضعف مِنْهُ قد اخذ السَّيْف فَطلب سَيْفا وَنهب واغار وَظهر مِنْهُ شَيْطَان فِي مسك انسان وَصَحَّ وَجهه وعذب لَفظه وَحسن جِسْمه وأطاعه رجال فَصَارَ جَانِبه لايرام وحريمه لايضام وَظهر من حسن خلقه مَعَ شَره ولعنه وسفكه الدَّم وهتكه الْحَرِيم وركبوه الْفَوَاحِش وتمرده على ربه القاهر ومالكه الْقَادِر انه اشْترى جَارِيَة بِأَلف دِينَار فَلَمَّا حصلت عِنْده حاول مِنْهَا حَاجته فمنعته فَقَالَ ماتكرهين مني فَقَالَت اكرهك كَمَا انت فَقَالَ مَا تحبين قَالَت ان تبيعني قَالَ اَوْ افْعَل مَعَك خير من ذَلِك وَحملهَا الى مَسْجِد ابْن رغبان (276141) فَأعْتقهَا بَين يَدي القَاضِي ابْن الرقَاق ووهب لَهَا الف دِينَار فَعجب النَّاس من نَفسه وهمته وسماحته وَصَبره على خلَافهَا وَترك مكافأتها على كراهتها ثمَّ صَار فِي جَانب ابي احْمَد الموسوي فحماه وسيره الى الشَّام فَهَلَك بهَا. وَقَالَ ابْن الْحجَّاج يذكر دُخُول ابي تغلب الى بَغْدَاد ... وانت يَا بَغْدَاد قولي فقد ... سَأَلتك الْحق وَلَا تكذبي ارأيت بَدْرًا قطّ فِي تمه ... احسن من وَجه ابي تغلب دُلي عَلَيْهِ اَوْ فهاتيه من ... أَي مَكَان شِئْت اَوْ فاطلبي هَيْهَات هَذَا طلب فَائت ... مُخْتَلف الْمَعْنى فَلَا تتعبي وَكنت قد اخبرت حاشاك يَا ... نظيرة الْجنَّة ان تخربي جائتك من تغلب ساداتها ... وَطَالَ مَا استعجمت فاستعربي ...

مقتدرا عن ذلة المذنب لو نطقت بغداد قالت نعم سبحان من فرج ما حل بي اعاش نحتي بعد ما مات ام في ليلة القدر دعا لي النبي يا عدة الدولة كم دعوة مجابة فيك ولم تحجب

.. فوالذي يعْفُو باحسانه مقتدرا عَن ذلة المذنب لَو نطقت بَغْدَاد قَالَت نعم ... سُبْحَانَ من فرج مَا حل بِي اعاش نحتي (1) بعد مَا مَاتَ ام ... فِي لَيْلَة الْقدر دَعَا لي النَّبِي يَا عدَّة الدولة كم دَعْوَة ... مجابة فِيك وَلم تحجب ... وَلما بلغ الاتراك اسْتِيلَاء ابي تغلب على دُورهمْ وَأَخذه مَا وجد فِيهَا من انقاض وَغَيرهَا اصعدوا مَعَهم الطائع فَلَمَّا قاربوها اصْعَدْ ابو تغلب عَنْهَا فاصعدوا وَرَاءه الانبار وانحدروا وَقد بعد ودخلوا بَغْدَاد وَانْحَدَرَ الضائع إِلَى دَاره وجدد الفتكين (277141) التوثقة على حمدَان بن نَاصِر الدولة ثمَّ اطلقه وخلع عَلَيْهِ وانفذ ركن الدولة جَيش الرّيّ مَعَ ابي الْفَتْح بن العميد وَسَارُوا الى عضد الدولة وَأمر بالنفوذ لمعارضة عز الدولة فَالْتَقوا بارجان وَسَارُوا وَكَانَ اكثر خوفهم ان يتلقاهم الاتراك بباذبين (2) وهم تعبون فكفوا ذَلِك باصعاد الاتراك وَلما وصل عضد الدولة اجْتمع بِهِ بختيار وأصعدوا عَن وَاسِط وَسَار عضد الدولة فِي شَرْقي دجلة وَعز الدولة فِي غربيها فأحضر الطائع الاشراف والقضاة وَأخذ على الاتراك الايمان بِالطَّاعَةِ والمناصحة فِي الثَّبَات والمكافحة وَركب الى بَاب الشماسية وَاسْتقر النَّاس لقِتَال عضد الدولة وَاجْتمعَ من الْعَامَّة اليه الجم الْغَفِير وَكَانَ عز الدولة مَعَ ايثاره لنصرة ابْن عَمه يخَاف من مَجِيئه ومشاهدة نعْمَته وَلما قاربوا بَغْدَاد انحدر الْمُطِيع والفتكين وعبروا ديالي وعسكروا مَا بَينه وَبَين الْمَدَائِن والتقوا بعضد الدولة فَكَانَت للاتراك اولا ثمَّ انْهَزمُوا فغرق مِنْهُم خلق كثير وَاسْتَأْمَنَ اخرون وَدخل بَغْدَاد فِي النّصْف من جمادي الاولى ونزلوا عِنْد بَاب الشماسية ثمَّ رحلوا عِنْد اسفار الصُّبْح وَقد اخذوا عيالاتهم واسبابهم وتبعهم الْخلق الْكثير من اهل بَغْدَاد وانفذ عضد الدولة ونادى بِبَغْدَاد بالتسكين لاهلها وَالْعَفو عَن جنابها (3) وَنزل بِبَاب الشماسية عِنْد دُخُوله

فَلَمَّا وصل خبرهم من تكريت بتشتتهم (278143) نزل عضد الدولة فِي دَار سبكتكين وَنزل عز الدولة دَاره وَهِي دَار المتقي لله وَقَالَ ابْن الْحجَّاج يستعطف عضد الدولة لاهل بَغْدَاد ... يَا ايها الْملك الرؤوف الْمُنعم ... ارْحَمْ فمثلك من يرق وَيرْحَم مولَايَ وصفك كَانَ يعظم عندنَا ... فالان انت اجل مِنْهُ وَأعظم بَغْدَاد كَانَت جنَّة مسكونة ... فِيمَا مضى فالان فَهِيَ جَهَنَّم ... وراسل عضد الدولة الطائع لله بِأبي مُحَمَّد بن مَعْرُوف حَتَّى استعاده وَدخل الى بَغْدَاد فِي حديدي جلس على سطحه وَخرج عضد الدولة فِي طيارة فَتَلقاهُ قَرِيبا من قطيعة ام جَعْفَر وَصعد الحديدي وَقبل الْبسَاط وَيَد الطائع لله وَطرح لَهُ كرْسِي بَين يَدَيْهِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَكَانَ عضد الدولة عَلَيْهِ قبَاء اسود وَسيف ومنطقة وَأَحْدَقَتْ الطيارات والزبازب بالحديدي وانحدروا كَذَلِك الى دَار الْخلَافَة وَكَانَ عضد الدولة تقدم بعمارتها وتطريتها وانفاذ الْفرش والالات اليها وَحمل الى الطائع مَالا وثيابا وطيبا وخطب لَهُ يَوْم الْجُمُعَة عَاشر رَجَب بعد ان قطعت الْخطْبَة لَهُ من عَاشر جمادي الاولى وَلم يخْطب الى هَذِه الْغَايَة لَاحَدَّ وَكتب الصابي عَن عضد الدولة (1) لما ورد امير الْمُؤمنِينَ البردان (2) انْعمْ الاذن لنا فِي تلقية على المَاء فامتثلناه وتقبلناه وتلقانا من عوائد كرمه ونفحات شِيمَة والمخابل الواعدة بجميل (279142) رايه وعواطف انجابه وارعائه مَا كتفنا (3) يَمِينه وشايعنا عزه الى ان وصلنا الى حَضرته البهية شرفها الله فِي الحديدية الَّتِي اسْتَقَلت مِنْهُ بسليل النُّبُوَّة وعقيد الْخلَافَة وَسيد الانام والمستنزل بِوَجْهِهِ در الْغَمَام فتكفأت علينا فِي ظلال نوره ونشره وغمرتنا حميات بفضله وفضيلة (4) وأوسعنا من جميل لقيَاهُ وكريم بجواه مَا وسم بالعز اقال النعم وتضمن الشّرف فِي النَّفس والعقب وتكفل من الْفَوْز فِي الدّين وَالدُّنْيَا بغايات الامل وَكَانَت لنا فِي الْوُصُول اليه والمثول بَين يَدَيْهِ فِي مواقع الحاظة وتوارد أَلْفَاظه مَرَاتِب لم يبلغهَا اُحْدُ فِيمَا سلف وَلم تَجِد الايام بِمِثْلِهَا لمن تقدم

وسرنا فِي خدمته على الْهَيْئَة الَّتِي القي شرفها علينا وحض (1) جمَالهَا مدى الدَّهْر لنا الى ان سَار الى سدة دَار الْخَلِيفَة والسعود تشايعه والميامن تواطئه وطالع الامال يستشرف لَهُ وثغر الاسلام يتبسم اليه فعزم علينا بالانقلاب عَنهُ على ضروب من التشريف لَا مورد بعْدهَا فِي جلال وَلَا موقف وَرَاءَهَا لمَذْهَب فِي جمال واجتلت الاعين عين محَاسِن ذَلِك المنظر وتهادت الالسن من مَنَاقِب ذَلِك المشهد مَا بهت النَّاظر وَعَاد شَمل الاسلام مجموعا ورواق الْعِزّ ممدودا وَصَلَاح الدهماء مأهولا ومدح عضد الدولة ابو نصر بن نَبَاته بقصيدة يذكر فِيهَا الْفَتْح مِنْهَا (280143) فَمَا ذاب شطر الْيَوْم حَتَّى تصافحت ... اسنة ارماح العدى وخدودها واقدم وثابا على الهول خيله ... اذا كملت لَا تقشعر جلودها يُعِيد الى جر الطعان صدورها ... ولايدرك الغايات الا معيدها رميت جباه التّرْك يَوْم لقيتهم ... بشهباء من سر النزال قيودها وكل فَتى تَحت الْعَجَاجَة وكدة ... اذا الْخَيل جالت ميتَة (2) يستجيدها تداركت اطناب الْخلَافَة بَعْدَمَا ... وَهَا سمكها العالي وَمَال عمودها فأعفيت من تدبيرها متكلفا ... يحل بِهِ يَوْم الْحفاظ عقودها وسربلت ايوان الْمَدَائِن بِحجَّة ... اناف بِهِ والحاسدون شهودها هُوَ الْملك الْمَخْلُوق من خطراته ... طريف الْمَعَالِي كلهَا وتليدها مُلُوك بني ساسان تزْعم انه لَهُ حفظت اسرارها وعهودها فتاها ومولاها ووارث مجدها ... وسيدها ان كَانَ رب يسودها قَبيلَة بهْرَام واسرة بهمن ... يُمِيت وَيحيى وعدها ووعيدها على زمن الضَّحَّاك كَانَت عِصَابَة ... ولوعا بهامات الْمُلُوك حديدها اذا سترت غب الحروب جراحها ... اتتها العوالي وَالسُّيُوف تعودها وَلم اك ادري ان اخوتها القنا ... وان الظبي آباؤها وجدودها تفارق فِي رحب الثَّنَاء نفوسها ... وَقد علمت ان الثَّنَاء خلودها فَلَا تجْعَلُوا الاقدار مثل سيوفها ... فقد تسبق الاقدار فِيمَن يكيدها اقول وَقد سلت عَشِيَّة جازر ... ولاذت بهَا اغعمادها تستعيدها اتلك رِقَاب زايلتها رؤوسها ... لقا اَوْ سيوف زايلتها غمودها ... (281143) وَفِي شهر رَمَضَان اعيد ابو تَمام الزيني الى النقابة على العباسيين

واصرف ابو مُحَمَّد عبد الْملك عَنْهَا وامر على الصَّلَاة فِي الْجَوَامِع وأعيد ابْن مَعْرُوف الى قَضَاء الْقُضَاة وَصرف ابْن ام شَيبَان وأعيد ابو احْمَد الموسوي الى نقابة الطالبيين وَمَات ابو الْعَبَّاس احْمَد بن خاقَان المفلحي عَن تسعين سنة وحجب اربعة خلفاء وتقلد المعونة بالحضرة دفعات وزادت الاسعار وعدمت الاقوات وَبيع الْكر من الدَّقِيق بِمِائَة وَخَمْسَة وَسبعين دِينَارا وَكَانَت الدَّرَاهِم اربعة عشر بِدِينَار وَبيع كل ثَلَاثَة ارطال بدرهم (1) وَوَافَقَ عضد الدولة الديلم حَتَّى شغبوا على عز الدولة فَأَرَادَ استصلاحهم فَقَالَ لعضد الدولة تقلد الامر وانفذ حِينَئِذٍ الى دَاره فختم على خزائنها وَتَوَلَّى لَهُ ابْن بَقِيَّة ذَلِك وَقبض على ابي اسحاق وابي طَاهِر اخوي عز الدولة وقرى على الْقُضَاة وَالشُّهُود والاسراف والاماثل بالجامع كتابا يتَضَمَّن استعفاء عز الدولة من النّظر ورد الامر الى عضد الدولة ووعدوا بافاضة الْعدْل واحسان الرّعية وَاخْتَارَ ابْن بَقِيَّة (2) ان يضمن واسطا وتكريت وعكبرا واوانا (3) فاجيب الى ذَلِك وخلع عَلَيْهِ واقطع خَمْسمِائَة الف دِرْهَم فِي كل سنة وَانْحَدَرَ الى وَاسِط وَقد كَانَ عضد الدولة قد عَاهَدَ عمرَان بن شاهين وأعفى ابا تغلب من حمل مَال وَكَانَ بَينهمَا مَوَدَّة قديمَة ومكاتبة وَلما حصل (282144) ابْن بَقِيَّة بواسط خلع الطَّاعَة وعول على انه مَتى قصد التجأ الى نهر الْفضل وأعمال عمرَان فكاتبه عضد الدولة بتسكينة وبذل الامان فِي كِتَابَة فَأَجَابَهُ انني افلت افلات الْمَجْرُوح المكلوم وتخلصت تخلص المصلوب الْمَظْلُوم وَقد حصلت اهلي بَين قوم سيوفهم حداد وَجعلت دون كل وَاحِد مِنْهُم اناسا على الْبُغَاة غِلَاظ شَدَّاد وَقد وجدته اعطى قبلي امانا لقوم قولا واسقطه فعلا فَلم يَفِ بِشَيْء مِنْهُ بل صدق فِي الْجَمِيع عَنهُ فليت شعري أَي الامانات يعطيني أأمان بني شيرزيل وَقد عاهدهم الصَّيْمَرِيّ لَهُ واستعان بهم على سَائِر عساكره بعد وَفَاة عماد الدولة وَحلف لَهُم ايمانا نقض جَمِيعهَا وأبطل سائرها واباد غضراهم وَقلع من فَارس اصولهم ام بني شكرسنان وَقد كَانُوا المهدين لَهُ الدولة والمصلحين لَهُ الْجُمْلَة ام الملوصين وَقد اوردهم بساطة وَأظْهر بتقريبهم سروره واغتباطه فَلَمَّا حصلهم ببلاده وأراضيه قضى فيهم بالغدر اقبح قواضيه

وكانت نفسي تنازعني تقديم ما تأخر وتجاذبني تعجيل ما تأجل فأجبتها بما قاله علي بن محمد البصري العلوي واذا تنازعني اقول لها اصبري موتا يريحك او صعود المنبر ما قد قضى سيكون فاصطبري له ولك الامان من الذي لم يقدر

وَحكى لي ابو الزيان صَاحبه متبجحا انه مابقي مِنْهُم صَاحبه بِأَرْض فَارس الا سِتَّة نفر وَمَا بَقِي من اماناته فَهُوَ اكبرها وأجلها وَهُوَ وُرُوده تَحت الركاب لنصرة ابْن عَمه عَليّ زَعمه فَلَمَّا ورد على تِلْكَ الصُّورَة وَقع التشكك فِيهِ قبل ان يحكم اموره وَأَعْطَاهُ من الايمان والعهود مَا استدعى التائبين بِفِعْلِهِ (283144) واستجلب السّكُون الى مَا اضمره من اغتياله وختله وَعز الدولة ينْسب الى مَا يَأْتِيهِ الى الْجَمِيل ولايستريب بِهِ فِي كثير وَلَا قَلِيل فَلَمَّا سكن اليه وَاعْتمد فِي التَّوَسُّط بَينه وَبَين اوليائه عَلَيْهِ انتهز فرصته واستلب غرته وَاسْتولى على الامور كَأَنَّهُ مَالِكهَا وأنشب مخالبه فِيهَا فَكَأَنَّهُ لم يزل مدبرها وَجعل ارش مسيرَة لمعاونته انتهاك مَحَارمه وتشتيت اصحابه وَحرمه وتناسى افعال معز الدولة لَهُ ولوالده مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة وبذله عَنْهُمَا عَظِيم الاموال ونفيس الاحوال فِي دفع اصحاب خُرَاسَان كل دفْعَة وَكسر عَسَاكِر وشمكير وَالله تَعَالَى يهْلك الظَّالِمين وَيَأْخُذ الباغين ورآى انه مَتى عاجلني ظهر تمويهة وثار بِهِ سَائِر الاولياء وانكشف تَدْبيره فَأسر أَمْرِي فِي نَفسه وَلم يتَمَكَّن من اظهاره فِي وقته فأطمعته كل الاطماع فِي ارْتِفَاع مَا ضمنته من الاموال واعتمدت فِي اموره على من اعطاني الْمقدرَة عَلَيْهَا ولجأت الى كرمة فِي ماعود مِنْهَا حَتَّى قفزت من بَين يَدَيْهِ قفزة يالهفة عَلَيْهَا لَو ادركها وأسفه على مَا تمّ لي فِيهَا وَكنت بحول الله فِي تدبيري كَمَا قَالَ ثَابت الْخُزَاعِيّ ... اذا الْمَرْء لم يحتل وَقد جد جده ... اضاع وقاسى امْرَهْ وَهُوَ مُدبر وَلَكِن اخو الحزم الَّذِي لَيْسَ نازلا ... بِهِ الْخطب الا وَهُوَ للقصد مبصر ... وَكَانَت نَفسِي تنازعني تَقْدِيم مَا تَأَخّر وتجاذبني تَعْجِيل مَا (284145) تأجل فأجبتها بِمَا قَالَه عَليّ بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ الْعلوِي ... واذا تنازعني اقول لَهَا اصْبِرِي ... موتا يريحك اَوْ صعُود الْمِنْبَر مَا قد قضى سَيكون فاصطبري لَهُ ... وَلَك الامان من الَّذِي لم يقدر ... وَقد لقِيت كَافَّة جيوشه وَعَامة اصحابه وَهِي كعدد اهل اُحْدُ كَثْرَة بفتيان كعدد اهل بدر قلَّة فَمَا زلت مَعَهم فِي كل الايام كَمَا قَالَ عَليّ بن مُحَمَّد ايضا ... وانا لتصبح اسيافنا ... اذا مَا انتضين ليَوْم سفوك منابرهن بطُون الاكف ... وأعمادهن رُؤُوس الْمُلُوك ... وانا اعْرِض عَلَيْهِ ضد مَا عرض عَليّ لانه صَحِيح وانا بِهِ ملي وَفِي وَقد آمَنت

عضد الدولة فناخسره بن ركن الدولة ابي عَليّ مولى امير الْمُؤمنِينَ على نَفسه ومماليكه وَمن يخْتَار الْمسير مَعَه من اصحابه بِأَمَان الله وأمان رَسُوله صلى الله وأمان مَوْلَانَا عز الدولة واماني الا يكون سفك دَمًا فِي بِلَادنَا فَالْحكم يجمعه واصحاب القواد ... اَوْ اخذ مَالا من غير وَاجِب فَلَا سَبِيل الى غير رده اَوْ اظلم احدا فِي ممالكنا فَلَا طَرِيق الى الصفح عَنهُ الا بعد الانتصاف للمظلوم مِنْهُ واعتد عضد الدولة باطلاق ابْن بَقِيَّة فِي كِتَابه فَأَجَابَهُ ابْن بَقِيَّة ... فَمَا بقيا عَليّ تركتماني ... وَلَكِن خفتما صرد النبالي (1) وَحصل عضد الدولة من المصادرات الف الف وَتِسْعمِائَة (285145) وَخَمْسُونَ الف دِرْهَم مِنْهَا من ابي عمر بن عمر ادى كَاتب سبكتكين الف الف وَخَمْسمِائة الف دِرْهَم وَمن ابي بكر الاصفهاني الْفَا الف دِرْهَم وَمن ابْن قريعة مائَة الف دِرْهَم وَقبض ابْن بَقِيَّة على من اصحبه عضد الدولة من القواد وَاجْتمعَ والمرزبان بن عز الدولة وَكَانَ بِالْبَصْرَةِ على مكَاتبه ركن الدولة بالاستغاثة من عضد الدولة وابى الْفَتْح بن العميد فوردت كتب ركن الدولة اليهما يأمرهما بالتمسك بمكانهما ويعدهما الْمسير بِنَفسِهِ وَكتب بِمثل ذَلِك الى ابي تغلب فَلَمَّا عرفُوا نِيَّته فِيهِ تجاسروا عَلَيْهِ وأقدمت عَلَيْهِ الْعَامَّة فانفذ بِابْن العميد وَابْن بنْدَار وَقَالَ لَهما قولا لأبي ان انا خرجت من بَغْدَاد انفسدت على الممالك وانا اقاطعه على ثَلَاثِينَ الف الف دِرْهَم فِي كل سنة واقدم مِنْهَا عشرَة الاف الف فَلَمَّا وصلا الى ركن الدولة اراد قَتلهمَا وَسُئِلَ فيهمَا فأوصلهما وَقَالَ عودا اليه وقلا تُرِيدُ ان تمن على بني اخي بِدِرْهَمَيْنِ انفقتهما ومراه بِالْخرُوجِ عَن بَغْدَاد وتسليمها الى عز الدولة فَعَاد ابْن العميد الى عضد الدولة وَحده وعرفه الْحَال فاضطر الى الْخُرُوج عَن بَغْدَاد الى فَارس وافرج عَن عز الدولة واخوته وخلع عَلَيْهِم وثار عَلَيْهِ العيارون والعامة بالاستخفاف والسب (2) وَوَافَقَ ابْن العميد على ان لَا يتَخَلَّف بعده اكثر من ثَلَاثَة ايام (286146) فَلَمَّا خرج طابت بَغْدَاد لِابْنِ العميد وَنزل فِي الدّور على دجلة وحصلت لَهُ الزبازب والاغاني وَكَانَت قد حصلت بَينه وَبَين ابْن بَقِيَّة مَوَدَّة

وَامْتنع ابْن العميد عَن الشّرْب لما قبض عضد الدولة على بختيار فَكتب اليه ابْن الْحجَّاج وَقد شرب ابْن بَقِيَّة ... حَقي على الاستاذ قد وجبا ... فاليه قد اصبحت منتسبا يَا ابْن العميد وَأَنت سيدنَا ... مَا قلتهَا زورا وَلَا كذبا يَا خير اهل الارض كلهم ... اما وَيَا اسرى الْعباد ابا مولَايَ ترك الشّرْب يُنكره ... من كَانَ فِي بَغْدَاد محتسبا ان كَانَ من غم الامير فَلم ... ووزيره بالرطل قد شربا ان الْمُلُوك اذا هم اقْتَتَلُوا ... اصبحت فيهم كلب من غلبا فلذاك اسكر غير مكترث ... والف من خيشومي الذنبا يَا سادتي قد جَاءَنَا رَجَب ... فتفضلوا واستقبلوا رجبا بمدامة لَوْلَا ابوتها ... مَا كنت قطّ اشرف العنبا خمر كَمثل النَّار موقدة ... لم تلق لَا نَارا وَلَا حطبا من قَالَ ان الْمسك يشبهها ... ريحًا فَلَا وَالله مَا كذبا ... وَكَانَ ابْن العميد قد سَأَلَ ابْن الْحجَّاج الْحُضُور عِنْده فَامْتنعَ وَاعْتذر بانقطاعه الى خدمَة عز الدولة فَسَأَلَ عز الدولة حَتَّى انفذه اليه وشغف بِهِ وَقَالَ لَهُ لم تَأَخَّرت عني فَقَالَ لَهُ ابْن الْحجَّاج انني تركت مَا كَانَ عَلَيْهِ اسلافي من الْكِتَابَة وَعدلت الى الشّعْر السخيف الَّذِي هتك ستر (287146) تجملي وفكرت فِي انك مِمَّن لَا يسامى قدره ولايرد امْرَهْ وَنَهْيه واتهمتك بأنك جبلي الاخلاق فظ الْعشْرَة وَلم أَمن من ان لَا انفق عَلَيْك اولا تنْفق انت عَليّ فتذهب قِطْعَة من عمري وَقد تنغص عيشي فَقَالَ لَهُ ابْن العميد فَكيف رَأَيْتنِي قَالَ بالضد مِمَّا اتهمتك فِيهِ فأجعلني فِي حل فَقَالَ لَهُ قد تساوينا لَك عَليّ مثل مَا لي عَلَيْك فانني كنت اقْرَأ اشعارك فأظنك سخيفا قَلِيل الْمُرُوءَة كثير الْعُيُوب حَتَّى شاهدتك فَكنت بِخِلَاف ذَلِك فان احللتني احللتك واعتد ابْن العميد على بختيار بِمَا صنعه مَعَه من ابعاده عضد الدولة فَعرض عَلَيْهِ وزارته فَقَالَ لايمكنني فانني وَأَهلي فِي خدمَة ركن الدولة مُنْذُ خمسين سنة وَهُوَ هَالك فاذا مضى جئْتُك بِقِطْعَة من عسكره وَكَانَ ذَلِك يبلغ عضد الدولة فحنق عَلَيْهِ وَورد ابْن بَقِيَّة بَغْدَاد فِي ذِي الْقعدَة وملا عين ابْن العميد بالهدايا وَقَالَ فِي بعض الايام لابد ان اخلع عَلَيْهِ فَلَمَّا اكل وقعدا على الشّرْب اخذ ابْن بَقِيَّة بِيَدِهِ فرجيه وردا فِي غَايَة الْحسن وَالْجَلالَة ووافى بهَا الى ابْن العميد وَقَالَ صرت يَا

استاذ جامدارك فَانْظُر هَل ترضيني لخدمتك فَطرح الفرجية عَلَيْهِ فاخذ الرِّدَاء مِنْهُ ولبسه وَقصد الفتكين فِي ثَلَاثمِائَة غُلَام دمشق وَكَانَ العيارون قد استولوا عَلَيْهَا فَخرج اليه اشرافها وشيوخها وسلموها اليه فاحسن السِّيرَة وقمع اهل الْفساد (288147) وَقَامَت هيبته وعظمت مَنْزِلَته وَقصد الْعَرَب وابعدهم وَظَهَرت شجاعته وَكَانَ اعور وَكَانَ ابْن الشمشقيق قد جَاءَ فِي الرّوم فَأخذ بِلَاد الثغور وَصَالح اهل دمشق على مَال كثير فَخرج اليه الفتكين وَلعب بَين يَدَيْهِ بِالرُّمْحِ فاعجبته فروسيته ووهب مَا قَرَّرَهُ على اهل دمشق لَهُ فساله ان يهدي لَهُ سلاحه فقاد مَعَ فرسه وسلاحه عشْرين فرسا بتجافيفاتها (1) فَردهَا ابْن الشمشقيق وَلم يقبل غير فرس الفتكين وسلاحه وَحده وَانْصَرف عَنهُ الى جبلة وبيروت ففتحهما عنْوَة وتحصن مِنْهُ اهل انطاكية فاستخلف عَلَيْهَا صاحبا لَهُ فَقطع شَجَرهَا التِّين وَهُوَ يجْرِي مجْرى النّخل بِالْبَصْرَةِ وَفتحت 8 لَهُ بعد ذَلِك وَسَار ابْن الشمشقيق الى قسطنطينية فَمَا بَعدت وَفَاته وَمضى الى الفتكين وَالِده عز الدولة واخواه ابو اسحاق وابو طَاهِر وَابْنه الْمَرْزُبَان بعد قَتله على مَا نشرحه فاولاهم الْجَمِيل واحسن اليهم وقصدته العساكر من مصر متكاثرة وَكَانَ مَا ياتي ذكره فِي السّنة الاتية وَمَا بعْدهَا سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة توفّي الْمعز (2) بِمصْر فِي شهر ربيع الاخر سنة خمس وَسِتِّينَ وَمُدَّة عمره خمس واربعون سنة وَسَبْعَة اشهر ويومان وَمُدَّة نظره ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة وَخَمْسَة اشهر وَسَبْعَة عشر (289147) يَوْمًا مِنْهَا مبصر ثَلَاث سِنِين وَقَامَ ابْنه نزار مقَامه ولقب بالعزيز فكاتب الفتكين بالاستماله فاغلظ فِي جَوَابه وَقَالَ هَذَا بلد اخذته بِالسَّيْفِ (3) وَلَا ادين لَاحَدَّ فِيهِ بِطَاعَة فانفذ اليه

جوهرا فِي عَسَاكِر كَثِيرَة فَدَعَا اهل الْبَلَد وأعلمهم مَا قد اضلهم وانه على مفارقتهم فَقَالُوا ان ارواحنا دُونك وانا باذلون نفوسنا دون نَفسك وَلما حصل جَوْهَر بالرملة كَاتب الفتكين وعرفه انه قد استصحب لَهُ امنا وكتابا بِالْعَفو عَمَّا فرط فِيهِ وخلعا يفيضها عَلَيْهِ واموالا فَأَجَابَهُ الفتكين اجابة مغالط واحال على اهل دمشق فعل جَوْهَر على الْحَرْب وَسَار اليه فَالْتَقَيَا بالشماسية ودامت الْحَرْب واتصلت مُدَّة شَهْرَيْن وَظهر من شجاعة الفكين وغلمانه مَا عظموا بِهِ فِي النُّفُوس وعاضد الفتكين الْحسن بن احْمَد القرمطي واجتمعا فِي خمسين الْفَا فَانْصَرف جَوْهَر الى طبرية وَمِنْهَا الى عسقلان فحاصراه بهَا وقطعا عَنهُ المَاء وَكَانَ جَوْهَر فِي الشجَاعَة مَعْرُوفا فَكَانَ يبارز الفتكين ويعرض عَلَيْهِ الطَّاعَة لصَاحبه فيكاد ان يجِيبه فيعترضهما القرمطي فَلَا يُمكن الفتكين من ذَلِك فاجتمعا يَوْمًا فَقَالَ جَوْهَر قد علمت مَا يجمعني واياك من عظم الدّين وَقد طَالَتْ الْفِتْنَة وَدِمَاء من هلك فِي رقابنا وان لم تجب الى الطَّاعَة فاسالك ان تمن عَليّ بنفسي وباصحابي وتذم لنا وَتَكون قد جمعت بَين (290148) حقن الدِّمَاء واصطناع الْمَعْرُوف فَقَالَ الفتكين انا افْعَل على ان اعلق سَيفي ورمح القرمطي على بَاب عسقلان (1) وَتخرج من تحتهما قَالَ رضيت واخذ خَاتم الفتكين على الْوَفَاء وانفذ اليه جَوْهَر مَالا والطافا فاجتهد القرمطي بالفتكين ان يغدر فَلم يفعل فَخرج وَخرج جَوْهَر وَشرح لصَاحبه الْحَال فامر باخراج المَال واثبات الرِّجَال وَسَار وجوهر على مقدمته واستصحب توابيت آبَائِهِ وَلما عرف الفتكين والقرمطي الْحَال عَاد الى الرملة واحتشد وتقارب العسكران واصطفا لِلْقِتَالِ وجال الفتكين بَين الصفين فَكبر وَحمل وَطعن وَضرب فعلا الْعَزِيز على رابية وعَلى راسه المظلة وَقَالَ لجوهر ارني الفتكين فاراه اياه وَكَانَ على فرس ادهم بتجفاف من مرايا وَعَلِيهِ فزاعنذ (2) اصفر وَهُوَ يطعن تَارَة وَيضْرب باللت اخرى وَالنَّاس يتحامونه فَالْتَفت الْعَزِيز الى ركابي يخْتَص بِهِ وَقَالَ لَهُ امْضِي الى الفتكين وَقل لَهُ انا الْعَزِيز وَقد ازعجتني من سَرِير ملكي واخرجتني لمباشرة الْحَرْب وانا اسامحك بِجَمِيعِ ذَلِك وَلَك عَليّ عهد الله باني اهب لَك الشَّام باسره واجعلك اسلسهار عسكري

فَمضى الركابي واعاد الرسَالَة فَخرج الفتكين بِحَيْثُ يرَاهُ النَّاس وترجل وَقبل الارض مرَارًا ومرغ خديه وَقَالَ قل لمولانا لَو تقدم القَوْل لسارعت فاما الان فَلَيْسَ الا مَا ترى فَعَاد الى الْعَزِيز بِالْجَوَابِ فَقَالَ ارْجع اليه وَقل لَهُ تقرب مني بِحَيْثُ اراك وتراني (291148) فان استحققت ان تضرب وَجْهي بِالسَّيْفِ فافعل فَمضى فَقَالَ الفتكين مَا كنت بِالَّذِي اشاهد طلعته وانابذه الْحَرْب وَقد خرج الامر عَن يَدي وَحمل عِنْد ذَلِك على الميسرة فهزمها وَقتل كثيرا من اهلها فَحمل الْعَزِيز والمظلة على راسه فَانْهَزَمَ الفتكين والقرمطي وَوضع السَّيْف فِي عسكرهما فَقتل مِنْهُ عشْرين الف رجل وَمضى القرمطي هَارِبا وبذل لمن ياتيه بالفتكين مائَة الف دِينَار وَكَانَ الفتكين يمِيل الى المفرج بن دَغْفَل بن الْجراح الطَّائِي ويتمرده لملاحته وشاع ذَلِك عَنهُ فَانْهَزَمَ يطْلب سَاحل الْبَحْر وَمَعَهُ ثَلَاثَة من غلمانه وَبِه جراح وَقد جهده الْعَطش فَلَقِيته سَرِيَّة فِيهَا المفرج فَلَمَّا رَآهُ التمس مِنْهُ مَاء فَسَقَاهُ وَقَالَ لَهُ سيرني الى اهلك فَحَمله الى قَرْيَة تعرف بلبنى (1) واحضر لَهُ مَاء وَفَاكِهَة ووكل بِهِ جمَاعَة وبادر الى الْعَزِيز فاخبره فاعطاه المَال الَّذِي ضمنه وَمضى مَعَه جَوْهَر فتسلمه وَتقدم بِضَرْب مضَارب واحضر كل من حصل فِي الاسر من اصحاب الفتكين فامنهم وكساهم وَجعل كل وَاحِد مِنْهُم فِيمَا كَانَ فِيهِ مَعَه وَوصل الفتكين فَاخْرُج الْعَسْكَر لاستقباله وَهُوَ لايشك انه مقتول فَلَمَّا وصل الى الندبة وراى اصحابه مكرمين وترجل النَّاس لَهُ وَحمل الى دست قد نصب ليجلس فِيهِ رمى بِنَفسِهِ الى الارض والقى عمَامَته وعفر وَبكى بكاء شَدِيدا وَقَالَ لم استحققت هَذَا الابقاء (2) وَامْتنع من الْجُلُوس فِي الدست ووافاه امين الدولة ابو الْحسن (292149) بن عمار وجوهر والخدم على ايديهم الثِّيَاب واعلموه رضى الْعَزِيز عَنهُ والبسوه الْخلْع وَتقدم الى البازيار (3) بِهِ واصحاب

الْجَوَارِح بالمصير الى مضربة وراسله بالركوب الى الصَّيْد تانيسا لَهُ وقاد اليه عدَّة دَوَاب وَعَاد عشَاء واستقبله الفراشون والنفاطون (1) بالمشاعل وَنزل وَركب الْعَزِيز اليه لَيْلًا فَقبل الارض وخاطبه بِمَا سكن مِنْهُ وَجعله حَاجِب حجابة وَعَفا عَن الْحسن بن احْمَد القرمطي واقام بطبرية وَجعل لَهُ سبعين الف دِينَار فِي كل سنة وَتوجه اليه جَوْهَر وقاضي الرملة فاستخلفاه وَمضى الفتكين مَعَ الْعَزِيز الى مصر وَقد استامن اليه اخو عز الدولة وَابْنه فَزَاد فِي اكرام الفتكين وَكَانَ يتكبر على ابي الْفرج يَعْقُوب بن يُوسُف بن كلس وتدرجت الوحشة وامرهما الْعَزِيز بالاصلاح فَلم يفعل الفتكين فَدس عَلَيْهِ ابو الْفرج سما فَقتله وحزن عَلَيْهِ الْعَزِيز وَقبض على ابي الْفرج وَقد اتهمه بقلته نيفا واربعين يَوْمًا واخذ مِنْهُ خسمائة الف دِينَار ووقفت الامور باعتزاله النّظر فاعاده حِين لم يجد مِنْهُ بدا وَتزَوج الطائع بنت عز الدولة 02) على صدَاق مائَة الف دِينَار وخطب ابو بكر ابْن قريعة خطْبَة النِّكَاح وَفِي ذِي الْقعدَة توفّي ابو الْحسن ثَابت بن سِنَان ابْن قصرة الصابي (3) صَاحب التَّارِيخ (4) وَقسم ركن الدولة الممالك بَين اولاده فَجعل لعضد الدولة فَارِسًا وكرمان وارجان ولمؤيد الدولة الرّيّ واصبهان ولفخر الدولة همذان والدينور وَمرض (293149) ركن الدولة فَسَار اليه عدد الدولة وَقبل الارض بَين يَدَيْهِ والتقيا باصبهان وَعمل ابْن العميد دَعْوَة جمع فِيهَا ركن الدولة واولاده الامراء وخاطبهم ركن الدولة بَان عضد الدولة ولي عَهده وخلع ابْن العميد على القواد الف قبَاء والف كسَاء واخذ عز الدولة لسهلان بن مُسَافر خلعا من الطائع ولقبه عَنهُ عصمَة الدولة وانفذها لَهُ وانفذ الى فَخر الدولة مثلهَا فَلم يلبساها وَلم يتلقب سهلان مراقبة لعضد الدولة

سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة توفّي ركن الدولة ابو عَليّ 01) بِالريِّ فِي ثامن عشر الْمحرم وَقَالَ ابو بكر الْخَوَارِزْمِيّ يرثيه (2) احين جرى ملكه فِي الْمُلُوك ... ورد بِهِ الله ملك الْعَجم وَخط الفناء على قَبره ... بِخَط البلا وبنان السقم اذا تمّ امْر بدا نَقصه ... توقع زوالا اذا قيل تمّ ... وأتاها مؤيد الدولة وانفصل عَن أَصْبَهَان وَأقر ابا الْفَتْح بن العميد على مَا كَانَ اليه وَكَانَ يكْتب لَهُ فِي حَيَاة ابيه الصاحب ابو الْقسم مُحَمَّد بن العميد حسده الصاحب وغيظه من قربه ان حمل الْجند على الشغب فحسم مؤيد الدولة الْمَادَّة باعادة الصاحب الى اصبهان وَكَانَ فِي نفس عضد الدولة على ابْن العميد مَا ذَكرْنَاهُ حَتَّى انه كَانَ يَقُول خرجت من بَغْدَاد وانا زُرَيْق الشَّارِب وَابْن العميد خرج ملقبا بِذِي الكفايتين لَان اهل بَغْدَاد كَانُوا يلقبون (294150) عضد الدولة بزريق الشَّارِب ز ونشط ابْن العميد للشُّرْب وتداخله ارتياح فَعمل مَجْلِسا عَظِيما وَشرب بِبَقِيَّة نهارة وَعَامة ليله وَعمل شعرًا وَهُوَ يشرب وَأمر بتلحينه والغناء لَهُ بِهِ فَفعل المغنون ذَلِك وَالشعر ... دَعَوْت المنى ودعوت الْعلَا ... فَمَا اجابا دَعَوْت الْقدح وَقلت لايام شرخ الشَّبَاب ... إِلَيّ فهذله اوان الْفَرح اذا بلغ الْمَرْء (3) اماله ... فَلَيْسَ لَهُ بعْدهَا مقترح ... وَلما غَنِي لَهُ بِشعرِهِ استنفره الطَّرب وَشرب حَتَّى سكر وَقَالَ لِغِلْمَانِهِ غطوا الْمجْلس واتركوه على حَاله حَتَّى نشرب عَلَيْهِ ونصطبح وَقَامَ الى بَيت مَنَامه وباكره رَسُول مؤيد الدولة يستدعيه فَركب وَعِنْده انه يخاطبه على مُهِمّ وَيعود سَرِيعا فَلَمَّا دخل اليه قبض عَلَيْهِ واخذ امواله وَمن شعر ابي الْفَتْح ... يَقُول لي الواشون كَيفَ تحبها ... فَقلت لَهُم بَين المقصر والغالي ...

وترامت به الحال الى قتله

.. وَلَوْلَا حذَارِي مِنْهُم لصدقتهم ... وَقلت هوى لم يهوه قطّ امثالي وَكم من شفيق قَالَ مَا لَك واجما ... فَقلت ابي مَا بِي وتسالني (1) مَالِي ... وترامت بِهِ الْحَال الى قَتله وَحكى ان اباه رَاه وَهُوَ يخْطر خطره انكرها من مشْيَة امثاله فَقَالَ لمن حَضَره اني لاخذه بالادب حَتَّى لانغص عَلَيْهِ عيشة فانه قصير الْعُمر وعمره على مَا يدل عَلَيْهِ نجمه ثَمَان وَعِشْرُونَ سنة هَذَا مَا حَكَاهُ الثعالبي فِي الْيَتِيمَة (2) (295150) وَقَالَ ابْن الْحجَّاج يرثيه من قصيدة ... رويدك ان الْحزن ضربه لَازم ... الا فَليقمْ ناعي البحور الخضارم الا ان هَذَا الْمجد قد ساخ طوده ... فاصبح منهد الذرى والدعائم الا ان بَحر الْجُود قد غاض لجه ... فَمن للقلوب الصاديات الحوائم فيا صَارِمًا فل البلا غرب حَده ... وَكتابه تقرى متون الصوارم مضى جسمك الفاني وخلفت بعده ... معالي تِلْكَ المأثرات الحسائم اخلاي بِالريِّ الَّذِي عهدتهم ... يوفونني حق الصّديق المساهم ... الموا جَمِيعًا اَوْ فُرَادَى بقبره ... وَقُولُوا لَهُ عَن أجدع الانف راغم كظيم وَمَا زَالَ الاسى متحاملا ... على كل موتور السرائر كاظم ايا راحلا عَن قومه غير آيب ... وَيَا غَائِبا عَن اهله غير قادم لمثلك فلتبك الْعُيُون باربع ... وَمَا فائضا بعد الدُّمُوع السواجم وَمَا كنت الا صَارِمًا فل حَده ... باخر مشحوذ الغرارين صارم فَلَا هز هندي سقى دمك الثرى ... عزاهُ (3) الوغا الا باوهن قَائِم وَمِمَّا يسلي الْحزن انك وَارِد ... على فَرح فِي جنَّة الْخلد دَائِم وَلم لَا وَقد قدمت زادا من التقى ... نهضت بِهِ مُسْتَبْشِرًا غير نادم تجئ اذا صحف الْمَظَالِم نشرت ... ببيضاء غفل من سمات الْمَظَالِم ... وَكنت اذا الْفَحْشَاء نادتك معرضًا ... اصم غضيض الطّرف دون الْمَحَارِم 4 - عجبت لمن انحى عَلَيْك بِسَيْفِهِ ... فانحى على غُصْن من البان ناعم اما راعه ذَاك الشَّبَاب وَحسنه فَتُدْرِكهُ فِي الْحَال رقة رَاحِم ... (296151) أَبَا الْفَتْح ياتبى سلوتي عَنْك انني ... جعلت عَلَيْك الْحزن ضَرْبَة لَازم فَمَا قصرت بِي عَن حقوقك وَنِيَّة ... وَلَا اخذتني فِيك لومه لائم ...

و (1) لما بلغ عز الدولة وَفَاة ركن الدولة قَالَ انا ولي عهد عمي ركن الدولة وَحلف لعمران بن شاهين وَتزَوج ابْنَته وَتزَوج ابو مُحَمَّد عمرَان ابْنة عز الدولة وَحضر بَين يَدي الطائع وَحلف لعدة الدولة ابي تغلب فَقَالَ ابْن الْحجَّاج من قصيدة ... انت علمتني المدائح حَتَّى ... صرت فِيهَا مجودا مطبوعا انت واصلتني وَكنت ... على الْبَاب طريدا مُبْعدًا مَمْنُوعًا انت جددت ثوب عزي ... وَقد كَانَ لبيسا مفتتا مرقوعا ملك عين من يعاديه لَا تطعم ... غمضا وَلَا تذوق هجوعا ايا السَّيِّد الَّذِي طَابَ فِي الْمجد ... اصولا كَرِيمَة وفروعا ان يَوْم الْخَمِيس اصبح فِيهِ ... علم الْمجد والعلى مَرْفُوعا رفعت راية الْهدى بيد النَّصْر وخر النِّفَاق فِيهِ صَرِيعًا دولة عزها وعمدتها الْيَوْم ... اضافا الى الجموع الجموعا وصلا الْحَبل بالتصافي فاضحى ... ظهر من يظْهر الْخلاف قطيعا وَله راية اذا ضحك النَّصْر ... اليها تبْكي السيوف نجيعا فِي الجيوش تطبق الارض خيلا ... وسيوفا قواطعا ودروعا ينْصرُونَ الامام خير امام ... لم يكن خالعا وَلَا مخلوعا ورث الامر عَن ابيه بِحَق ... لم يكن مُحدثا وَلَا مصنوعا ... (297151) فَهُوَ مثل الْهلَال فِي الافق نورا ... وعلوا ورفعة وطلوعا وتراني بدرتي اصفع الْحَاسِد فِي اخدعيه صفعا وجيعا لَا احابي وَحقّ من خلق الْجنَّة لَا تَابعا وَلَا متبوعا وَلَو اني حابيتهم كنت نذلا ... سَاقِطا سفلَة خسيسا وضيعا ... فِي رَجَب قبض على ابي الْفرج بن فسانحس وَحمل الى سر من راى وتحرك مَا كَانَ فِي نفس عضد الدولة من قصد الْعرَاق فاستخلف عز الدولة على بَغْدَاد الشريف ابا لحسن مُحَمَّد بن عمر وَخرج مَعَه ابْن بَقِيَّة فزارا مشْهد الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام (2) وَقصد ابْن بَقِيَّة الْكُوفَة وَحده فزار وَاجْتمعَ (3) وَانْحَدَرَ الى وَاسِط وَقَالَ ابْن الْحجَّاج يودعه ... يَا من اليه الامال تخْتَلف ... وَمن عَلَيْهِ الْقُلُوب تنعطف وَمن بَنو عَمه واخوته ... مُلُوك اهل الدُّنْيَا بِهِ شرفوا ...

.. من اسْتَقَلت بَنو بوية بِهِ ... كَمَا اسْتَقَلت بالعاتق الْكَتف مولَايَ صبرا فان سَائِر مَا ... ترَاهُ عَمَّا تحب ينْكَشف وكل مَا تشْتَهي وتؤثره ... ياتي كَمَا تشْتَهي وَلَا يقف وَمن اتانا يَسُوقهُ طمع ... عَنْك بخفي حنين ينْصَرف تثنيه عَن هفوة الشَّبَاب غَدا ... راى بعيد من النَّوَى نصف اولا فعزيه ململمة ... تستر مِنْهَا السيوف والججف وذبل يحكم الطعان لَهَا ... بانها فِي الصُّدُور تنقصف وَشرب ضمر فوارسها ... لَا عزل فَوْقهَا وَلَا عنف ... (298152) هَذَا وَنَفس الامير دُونك للرماة فِي حومة الوغى هدف فانهض بِهِ نحوهم اذا نهضوا ... وازحف اليهم بِهِ اذا زحفوا ... وانت اعلى بني بوية يدا ... وان تساوى الْقَدِيم وَالْخلف كُنْتُم بني اهل بَيت مكرمَة ... تُوصَف مِنْهُم بِمثل مَا وصفوا حَتَّى تلوناكم فَكَانَ لكم ... الْفضل عَلَيْهِم وَالْمجد والشرف والدر جنس لَكِن لَهُ قيم ... فِي الْفضل عِنْد التُّجَّار يخْتَلف وَلَيْسَ يدْرِي مَا فضل فاخرة ... الْمكنون حَتَّى يفتح الصدف يَا من اذا اخلف الْبحار فَفِي ... نداه من كل فَائت خلف يَنْتَظِم الْمَدْح فِيك متزنا ... وَفِي سواك المديح ينزحف (1) ... مولَايَ لما بَعدت فاشتعلت نيران قلبِي وطار بِي الاسف حئتك اعدوا والشوق يعجلني ... اليك يَا دافني وَانْصَرف ... وَسَأَلَ عز الدولة الطائع الانحدار فَأجَاب وَانْحَدَرَ الى وَاسِط فِي عَاشر شعْبَان وَمَعَهُ ابْن مَعْرُوف وَنزل فِي دَار الوزارة بهَا وَسَارُوا الى الاهواز فوصلوها عَاشر شهر رَمَضَان وَكتب عز الدولة عَن الطائع كتابا يدعوا الى الصَّالح وَنفذ بِهِ خَادِم فَقَالَ عضد الدولة للخادم قل لمولانا امير الْمُؤمنِينَ لايمكنني الْجَواب الا اذا مثلت بحضرتك وَلم يجب على الْكتاب وَلما اشرفت (2) الْحَال على الْحَرْب اصْعَدْ الطائع الى بَغْدَاد وَكَانَت الْحَرْب بِنَاحِيَة يُقَال لَهَا مشان (3) من اعمال الباسيان فِي نصف تموز (299152) وَهُوَ يَوْم الاحد

ومن اعجب ما اتفق عليه انه اسر له غلام اسمه باتكين لم يكن يميل

مستهل ذِي الْقعدَة وَكَانَ ديبس بن عفيف الاسدي على مسيرَة عز الدولة فاستامن وَعطف على النهب فنهب وَانْهَزَمَ عز الدولة وَقتل من اصحابه خلق وغرق اخرون على جسر عقدَة بدجيل وَكَانَ حمدَان فِي جملَة المنهزمين وَتَفَرَّقَتْ الْمذَاهب بالمنهزمين فَالْتَقوا بمطاري (1) وَاجْتمعَ عز الدولة وَبِه جراح باخيه عُمْدَة الدولة وَابْن بَقِيَّة بهَا على اسوا حَال وانفذ عمرَان بِابْنِهِ الْحسن وكاتبه وقواده فِي عدَّة سفن الى عز الدولة وانفذ الى وَالِي ابْن بَقِيَّة بِمَال وَثيَاب وانفذ الْمَرْزُبَان بن بختيار الى ابيه بِمثل ذَلِك من الْبَصْرَة وانحدروا الى الْبَصْرَة وَهِي مفتتنة فاراد ابْن بَقِيَّة ان يصلحها فازدادت فَاسِدا واحترقت الاسواق ونهبت الاموال وَورد ابو بكر مُحَمَّد بن عَليّ بن شاهوية صَاحب القرمطة الْكُوفَة فِي الف رجل مِنْهُم واقام الدعْوَة بهَا وبسورا 02) وبالجامعين والنيل لعضد الدولة واشفق بختيار ان يسير عضد الدولة الى وَاسِط فيملكها فتفوته النجَاة فاخترق البطائح فَتَلقاهُ عمرَان فِي عسكره واقام ابْن بَقِيَّة عِنْده ثَلَاثَة ايام وَكَانَ عمرَان قد قَالَ لعز الدولة لما قصد حربه سترى انك تحْتَاج الي وأعاملك من الْجَمِيل بِخِلَاف مَا عاملني بِهِ ابوك من الْقبْح فَعجب النَّاس من هَذَا الِاتِّفَاق واستدعى البصريون من عضد الدولة من يتسلم بدلهم فانفذ ابا الوفا (300153) طَاهِر بن مُحَمَّد فَدَخلَهَا واقام بختيار بواسط وتراجع اليه اصحابه وجنده وَرجع ابْن بَقِيَّة الى ذخيرة لَهُ بهَا واستمال الْجند فرغبوا فِيهِ واثروه على صَاحبه وَقَالَ بعض الْبَصرِيين فِي بختيار ... اقام على الاهواز خمسين لَيْلَة ... يدبر امْر الْملك حَتَّى تذمرا يدبر امرا كَانَ اوله عمى ... واوسطه بلوى وَآخره خسرا ... وَمن اعْجَبْ مَا اتّفق عَلَيْهِ انه اسر لَهُ غُلَام اسْمه (3) باتكين لم يكن يمِيل (4)

اليه فجن عَلَيْهِ وتسلى على ملكه الا عَنهُ وَانْقطع الى الْبكاء وَامْتنع من الْغذَاء واحتجب عَن النَّاس فخف مِيزَانه واستهان بِهِ ابْن بَقِيَّة وانفذ بالشريف ابي احْمَد الموسوي (1) وَالْحَرب قَائِمَة يسال عضد الدولة فِي رد الْغُلَام وبذل فِي فدائه جاريتين عوادتين كَانَ بذل (2) ابو تغلب بن حمدَان فِي احداهما مائَة الف دِرْهَم وَقَالَ لابي احْمَد ان لم يرض عضد الدولة بهما فاعطه هَذَا العقد وَكَانَ فاخرا نَادرا واضمن لَهُ مَا اراد (39 وَلما مضى ابو احْمَد الى عضد الدولة وادى الرسَالَة امْر برد الْغُلَام وَكَانَ قد حمل فِي عدَّة غلْمَان الى ابي الفوارس بن عضد الدولة فاعيد الى عضد الدولة وَلم يكن بَين الْغُلَام وَبَين غَيره من الاسرى فرق فامسكه عِنْده وَقَالَ لابي احْمَد لاانفذه حَتَّى تمْضِي اليه برسائل وتقرر مَعَه الْقَبْض على ابْن بَقِيَّة واضاف اليه ابا سعد برهام ابْن أرشيد الْكَاتِب فَلَمَّا وصلا الى بختيار (301153) وخليا بِهِ اوحش ذَلِك ابْن بَقِيَّة وَكَانَ بختيار ينزل فِي الْجَانِب الغربي وعول ابْن بَقِيَّة على طرد بختيار وان ينْفَرد هُوَ بِالْحَرْبِ فَعدل بختيار الى تسكينه وتلافيه فَلَمَّا كَانَ فِي ذِي الْحجَّة اشار ابراهيم بن اسماعيل وَكَانَ بختيار قد استحجبه بعد ان كَانَ نَقِيبًا بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ اذا عبر اليه فَفعل ذَلِك وانفذ امواله وخزائنه وَوجد لَهُ سِتَّة الاف رَطْل ثلجا كَانَ اعدها لسماط عزم عَليّ اتِّخَاذه للجند وَطلب عز الدولة مِنْهُ شَيْئا قبل الْقَبْض عَلَيْهِ فانفذ اليه ثَلَاثِينَ رطلا فَكَانَت وزارة ابْن بَقِيَّة ارْبَعْ سِنِين وَاحِد عشر يَوْمًا واستخلص عز الدولة ابا الْعَلَاء صاعد بن ثَابت النَّصْرَانِي من مجْلِس (4) ابْن بَقِيَّة وَكتب الى بَغْدَاد على الاطيار بِالْقَبْضِ على اهله فَوَقَعت الْكتب فِي ايديهم فَهَرَبُوا الى بني عقيل (5) بالبادية وَقبض على ابْن بَقِيَّة بمشهد ابْن بهْرَام بن اردشير واعاد مَعَه الشريف ابا احْمَد وَجَرت اقاصيص حَتَّى عَاد اليه باتكين

وَقَالَ ابْن الْحجَّاج يمدح ابا سعد بن بهْرَام ن ابا سعد قد انْكَشَفَ الغطاء ... وأمكننا الْحُضُور كَا نشَاء وزالت رَقَبَة الواشين حَتَّى ... شفي من لوعة الشوق اللِّقَاء بنفسي انت من قمر مُنِير ... لَهُ فِي نَاحيَة ضِيَاء هزمت الْقَوْم امس بِغَيْر حَرْب ... فأمست فِي خفارتك الدِّمَاء ... (302154) وَكَانَ الْقَوْم فِي دَاء وَلَكِن لطفت فصادف الدراء الدَّوَاء بقول مَا خلط بِهِ نفَاقًا ... ورأي لم يكن فِيهِ رِيَاء فاضحوا وَالرِّجَال لكم عبيد ... وامسوا وَالرِّجَال لكم اماء وَلما حصل باتكين بِالْبَصْرَةِ تَوَاتَرَتْ البشائر الى يختيار واظهر من السرُور مالم يعْهَد وَضمن انه اذا رد الْغُلَام عَاد الى بَغْدَاد واظهر الطَّاعَة وامر عضد الدولة أَبَا احْمَد ان لايسلم الْغُلَام حَتَّى يصعد بختيار الى بَغْدَاد وَكَانَ قد ورد عَلَيْهِ عبد الرَّزَّاق وَبدر (1) ابْنا حسنوية فِي الف فَارس لنصرته فَلَمَّا رايا افعاله كَاتبا اباهما بالصورة وعرفاه ضعف رأية واختلال تَدْبيره واصعد وفارقه عبد الرَّزَّاق بجرجرايا 049 واستحي بدر من مُفَارقَته وعادت الرسَالَة اليه بسمل ابْن بَقِيَّة فَفعل وسمل بعده صَاحبه ابْن الرَّاعِي (5) واخذت عَلَيْهِ الايمان بِطَاعَة عضد الدولة واثبات اسْمه على راياته واقامة الْخطْبَة لَهُ فِي كل بلد دخله فَانْصَرف عَنهُ بدر بن حسنوية (3) حِينَئِذٍ وَكَانَ فِي جملَة مَا شَرط عَلَيْهِ عضد الدولة ان يرحل عَن بَغْدَاد الى الشَّام وان لايؤذي ابا تغلب واتى عضد الدولة الاهواز فرتب امورها وَسَار مِنْهَا الى الْبَصْرَة وَقد انْصَرف عَنْهَا الْمَرْزُبَان بن بختيار فَوَجَدَهَا مفتتنة فاصلحها وَضمن أكَابِر اهلها اصاغرهم

(303154) سنة سبع وَسِتِّينَ وثلاثمائة فِي صفر ورد الْخَبَر الى الْكُوفَة بوفاة ابي يَعْقُوب يُوسُف بن الْحسن الجنابي (1) صَاحب هجر فأغلقوا اسواقهم ثَلَاثَة ايام اجلالا لمصيبته ومولده سنة ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وعقدوا الامر لسِتَّة نفر من اهل بَيته اشركوا (2) فِي الامر وَسموا السَّادة وَصَارَ ابو الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يحيى الْعلوِي الى عضد الدولة وَسَار فِي مقدمته الى بَغْدَاد وَسَار عز الدولة عَنْهَا لليلتين بَقِيَتَا من شهر ربيع الاخر وتفرق ديلمة عَنهُ ففرقه انحازوا الى الْحسن ابْن فيلسار (3) وَسَار بهَا الى جسر النهروان وانفذ عضد الدولة بِمن اتاه بِهِ اسيرا وَبِه عدَّة ضربات وفرقه صَارُوا الى عضد الدولة وَفرْقَة ثبتوا مَعَه فَقَالَ ابْن الْحجَّاج فِي خُرُوجه ... فديت قوما سَارُوا وَلَكِن ... سَارُوا على صُورَة خسيسة نُودي عَلَيْهِم كَمَا يُنَادي ... بسوق يحيى على الهريسة كانهم من يهود هطري (4) قد طردوهم من الْكَنِيسَة ... آخر الْجُزْء الاول وتتلوه فِي الثَّانِي مملكة عضد الدولة ابي شُجَاع وَالْحَمْد لله حق حَمده وصلواته على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي وَآله الطاهرين وَسلم تَسْلِيمًا

§1/1