تفسير القرآن الكريم - أسامة سليمان

أسامة سليمان

تفسير سورة نوح

تفسير سورة نوح سورة نوح من أعظم السور التي تحكي لنا جهاد نبي الله نوح مع قومه، إذ مكث فيهم زمناً طويلاً وهو يدعوهم إلى توحيد الله عز وجل، سراً وعلانية، ليلاً ونهاراً، مذكراً لهم بنعمة الله عليهم، فقوبل ذلك بالعناد والإصرار على الكفر، فلما استيئس وظن وتيقن أنهم مصرون على تكذيبهم وعنادهم دعا ربه سبحانه، فاستجاب الله دعاءه فأغرق الكفرة المعاندين وأنجى المؤمنين الصادقين.

مقدمة بين يدي تفسير سورة نوح عليه السلام

مقدمة بين يدي تفسير سورة نوح عليه السلام الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ يفه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فبعد أن انتهينا من سورة المعارج ننتقل إلى سورة نوح، هذا النبي الذي أرسله الله إلى قومه، فدعاهم إلى توحيده، وقد صور لنا القرآن الكريم تلك الدعوة التي قام بها نوح مع قومه، وعلى هذا سنقسم الموضوع إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ثناء الله عز وجل على نوح عليه السلام. القسم الثاني: دعوته لقومه. القسم الثالث: دعاؤه على قومه، واستجابة الله عز وجل له. أولاً: ثناء الله عز وجل على نوح عليه السلام، فقد أثنى الله عليه في كتابه في مواضع عديدة، ففي سورة الإسراء يقول ربنا سبحانه: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:3]، فأثبت الله له صفة العبودية والشكر. يقول الحافظ ابن كثير: والشكر بالقول والقلب والجوارح، وهو أعم من الحمد، وبينهما عموم وخصوص، فالشكر أعم من الحمد؛ لأن الحمد يكون بالقلب وباللسان، بينما الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح، والله يقول: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ:13]. يقول الزمخشري: كان إذا أكل حمد الله، فقال: الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء أجاعني، وإذا شرب حمد الله، وقال: الحمد لله الذي سقاني ولو شاء أظمأني، وإذا لبس حمد الله، وقال: الحمد لله الذي كساني ولو شاء أعراني، فقال الله في وصفه: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:3]، فجوارحه التي أعطاه الله إياها يسخرها في طاعة ربه عز وجل، وهو أول رسول إلى البشر، فإن قال قائل: وآدم؟ قلنا: نعم، لكننا نقول: أول رسول إلى البشر، لأن آدم يوم أن بعث لم يكن على الأرض بشر، بينما نوح يوم أن بعث كان على الأرض بشر، وهذا بنص حديث البخاري، وأثنى الله عليه أيضاً باعتباره أحد أولي العزم من الرسل، ففي الصحيح: (كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلها على توحيد الله عز وجل)، والقرن إما أن يكون جيلاً، وإما أن يكون مائة سنة. وقد دعا قومه إلى التوحيد، لكن القوم حادوا عن عبادة ربهم لأناس صالحين، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح:23] قال: إنها أسماء أناس من الصالحين، لما نسخ العلم -أي: رفع من القوم- عبدوهم من دون الله عز وجل. إذاً: مدخل الشرك للبشرية كان بالمغالاة في الصالحين، لذلك يوم أن نقول: يا قوم لا تغالوا في حبهم للدرجة التي تعبدونهم من دون الله؛ لأن ذلك يجر إلى الشرك والعياذ بالله. أيضاً من ثناء الله عز وجل على نوح: أن الله جعل في ذريته النبوة والكتاب، فقال عنه وعن إبراهيم عليهما السلام: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد:26]، فما من نبي إلا وينتهي نسبه إلى نوح عليه السلام، لأنه أول رسول إلى أهل الأرض. إن دعوة نوح لقومه تصورها هذه السورة وسور أخرى، كسورة هود والأعراف ويونس؛ وقد وردت قصة نوح في أكثر من موضع في كتاب الله عز وجل، والدعوة إلى الله تحتاج إلى جهد وإلى مال؛ لأن أي دعوة بلا مادة لا تستطيع أن تواصل الرسالة، فضلاً عن الحرب التي تواجهها هذه الدعوة من كل قوى الدنيا بأسرها، لكنهم -والله- واهمون؛ لأن دعوة الله عز وجل لن ولم تستطع أي قوة أن تخمدها؛ لأنها نور الله. فسيظهر دين رب العالمين، وانظروا إلى هذه البشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود: (عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب ظهور الملحمة، وظهور الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية ظهور الدجال)، فالحديث يبين أن هناك معركة تسمى بالملحمة،

تفسير قوله تعالى: (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم)

تفسير قوله تعالى: (إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم) قال الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:1 - 7]، أي: وضعوا الثياب على الرءوس. {وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح:7 - 14]. جاء نوح إلى قومه فقال لهم: يا قوم إني لكم نذير أنذركم عذاب ربكم سبحانه، وأحذركم من عذابه في الدنيا والآخرة، وهذا يشير إلى أن دعوة الأنبياء تقوم على الترهيب والترغيب، فرهبهم وخوفهم من عذاب الله. قال تعالى: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [نوح:3]، وهذه وظيفة الأنبياء جميعاً، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، فالكل يشترك في الدعوة إلى توحيد الله وإلى عبادة الله، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا} [النحل:36]، لماذا؟ {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، فكل رسول يأتي إلى قومه يقول لهم: اعبدوا الله العبادة بمعناها الشامل، أي: مع كمال الذل وكمال الحب، كما يقول شيخ الإسلام، فالذي يعبد الله يحب الله، ويذل نفسه لله، ويستقيم على أمره. والعبادة أنواع: قولية، وبدنية، وقلبية، ومالية، وكلها يصرفها المسلم لله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام:162]، أي: ذبحي، {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} [الأنعام:162]، لمن؟ {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]. ولذلك لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن قبل موته بعام واحد، قال له: (يا معاذ إنك قادم على أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: لا إله إلا الله، فإن هم أجابوك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، وإياك ودعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، فبيَّن له منهج الدعوة إلى الله، منهج الدعوة إلى التوحيد بمعناه الشامل، ولذلك أي دعوة تبدأ بدون التوحيد تتخبط يميناً ويساراً، وقد مكث نوح في قومه يدعوهم إلى التوحيد الشامل فترة من الزمن، بينها الله في قوله: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت:14]، فما آمن معه إلا القليل، قال تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40]، والقليل هذا في كل سنة اثنان فقط، إعراض واستكبار وعناد، وهذا يعلمنا أمراً مهماً، ألا وهو: أننا لا نملك القلوب وإنما الذي يملك القلوب هو علام الغيوب، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272]. {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48]، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21 - 22]، فوظيفتنا أن ندعو فقط. {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:17]. فالذي هداه الله يفتح قلبه للإيمان، ولذلك في حديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عمه أبي ط

تفسير قوله تعالى: (رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا)

تفسير قوله تعالى: (رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً) قال الله على لسان نبيه نوح عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح:5]، إذاً فالدعوة لا تقتصر على خطبة على المنبر، أو على موعظة في المسجد، فالدعوة إلى الله عز وجل في كل وقت وفي كل زمان، فالمدرس قبل أن يبدأ الشرح يقول: باسم الله، توكلنا على الله. ثم يحدث الأولاد عن مسألة في العقيدة؛ ليبين لهم العقيدة الصحيحة، ويربط بين النظريات العلمية وبين بعض الأمور الشرعية، وإذا أذن الظهر أمرهم بالإنصات والاستماع للمؤذن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)، وهذا نبي الله يوسف في السجن مظلوم، لأنه رفض الزنا، وهذا دأب مجتمعات الفاحشة، رجل يرفض الزنا مصيره إلى السجن، وبعد أن شهد الشاهد وقامت الأدلة وعرف الزوج الديوث أن زوجته متهمة قال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} [يوسف:29] الله أكبر! يا خيبة الرجال! استغفري، أنت عبرت عن رأيك، أرأيتم الرجل؟ لم يأخذ موقفاً حماسياً أو انفعالياً لعرضه، {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:29]، لم تعملي شيئاً، ثم قالت الزوجة لزوجها عبارة نجدها في مجتمع الفراعنة، فيتخذ القرار فرعون، وتصنع القرار المرأة، ففرق بين صناعة القرار واتخاذ القرار، فالاتخاذ للأكبر، والصناعة للمرأة، ولازم الاستماع لها-: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ} [يوسف:25]، أي: نسجنه، فهي أرادت السجن، فسمعاً وطاعة لها، ولا يستطيع الرجل أن يخالفها؛ لأنها الآمرة، ولذلك سجن يوسف بضع سنين؛ لأنه أبى الفاحشة في مجتمع الفاحشة، وصدق من قال: اثنان لا يشعر بهما كثير من الناس: موت الفقير، وفجور الغني. فالفقير حينما يموت لا يشعر به أحد، والغني حينما يفجر يفجر خلف الأسوار دون أن يراه أحد، لكن مع هذا كله دعا يوسف إلى الله عز وجل وهو في السجن، ولم يظل يائساً قانطاً، وهكذا المسلم داعية إلى الله في السجن، وفي المترو، وفي الأوتوبيس، وفي كل مكان، فالدعوة إلى الله شغله الشاغل، هواؤه، تنفسه، نومه، استيقاظه، حركاته دعوة إلى الله، ولهذا يوم أن يكون هذا هو المنهج ستنجو الأمة بفضل الله عز وجل. فإن سمعت كلمة في المسجد فبلِّغ: (بلغوا عني ولو آية)، فنحن أمة بلاغ ودعوة، والأمر فيها لكل أفرادها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، لماذا؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110]، فلو رأيت تاجراً لا يصلي فقل له: تعال، لماذا لم تصل؟ ادعه بالحسنى، تودد إليه بزيارة، بعيادته إن مرض، عند ذلك سيسمع كلامك، وسيدخل المسجد، وكن كالنخلة يرميها الناس بالحجارة فتعطيهم رطباً جنياً، فهذا هو الداعية الفعال في المجتمع لا الداعية السلبي، قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً} [القصص:23]، يعني: جماعة من الرجال يسقون، {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص:23]، أي: تبعدان عن الحوض بغنمهما، فماذا قال لهما؟ {مَا خَطْبُكُمَا} [القصص:23]، فهذا هو الداعية، ولم يقل: أنا مالي أو غيرها من الألفاظ السلبية، لا، ولذلك حتى لا تغرق السفينة، فنحن نركب سفينة واحدة كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم ركبوا سفينة)، فالسفينة تحمل المصلي وتارك الصلاة، المزكي وتارك الزكاة، المحجبة المنتقبة والمتبرجة المبنطلة، العلماني والسلفي، فتحمل الكل في تيار واحد، (فقال الذين في أسفلها -أي: المتحللين من الشرع-: لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقاً لنحصل على الماء حتى نشرب)، أي: لازلنا نصعد الدور الثاني، فلماذا لا نخرق خرقاً في نصيبنا، (فإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً، وإن تركوهم غرقوا وغرقوا جميعاً)، فيا من تخرقون السفينة سيغرق الجميع، لكن لن نترككم أبداً، وإنما سنأخذ على أيديكم بأمر نبينا صلى الله عليه وسلم، وإن آذيتمونا، وإن أعرضتم وأغلقتم الآذان المنافذ سنقول، ونعلن، ونواصل، فإن الله قال على لسان نوح: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح:5].

تفسير قوله تعالى: (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا)

تفسير قوله تعالى: (فلم يزدهم دعائي إلا فراراً) قال الله تعالى: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} [نوح:6]، نتيجة عكسية، فكلما دعا إلى الله فروا منه. أعتقد لو أن داعية منا جاء من مسافة مائتي كيلو فيرى اثنين فقط يحضرا الدرس لاستنكف عن ذلك، ولربما قال: أنا أحتاج إلى جمهور كبير، وإلى مُكبِّر أصوات، لا يا عبد الله، فواحد فقط يجلس بين يديك ليستمع ادعه، فربما يكون في هذا الرجل الخير دون أن تشعر، ثم قال الله عز وجل: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:7]، دعوتهم لماذا؟ لتغفر لهم، الله أكبر! فإلى ماذا نحن ندعو القوم؟ نحن ندعو القوم إلى الصلاة، الزكاة، الاحتشام والالتزام بالحجاب، عدم أكل الربا، امتثال أوامر الله، عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، فهذه دعاوى لا أحد يطعن فيها إلا من كان في قبله مرض، وصدق الله حينما جاء لوط إلى قومه يدعوهم إلى ترك الفاحشة، وعدم إتيان الذكور من دون الإناث، والمجاهرة بذلك في قارعة الطريق، قالوا: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56]، فالتهمة أنهم يتطهرون، ثم انظر إلى قولهم: {مِنْ قَرْيَتِكُمْ} [النمل:56]، أي: أن البلد بلدنا، وهؤلاء شرذمة وعصبة تخرج عن الشرعية والقانون، وقوله: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود:27]، أي: حفنة قليلة عاطلة لا تقدم ولا تؤخر، وليس لهم رأي، ولا يشكلون شيئاً في المجتمع، فهذه أوصاف وشعارات نجدها في زمننا اليوم، فدائماً وأبداً دعاة الطهارة هم الذين يضطهدون ويُخرجون من مجتمعات المعصية، فاثبت يا مسلم على الطريق، فهذا الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة يدون ويكتب العلم بعد أن تقدم به السن، هذا الإمام الذي ولد ببغداد ومات ببغداد وشيع جنازته ألف ألف رجل، أي: مليون موحد تبعوا جنازة ابن حنبل، وكان يجلس يومها ليحدث الناس في بغداد، مات ابن حنبل سنة (241هـ‍ـ) في عهد الدولة العباسية، وذلك أيام أن كانت بغداد عاصمة للخلافة الإسلامية في عهد الدولة العباسية، واليوم يجتمع الجنرالات الأمريكيون في عقر دار بغداد ليخططوا لأمر: هو من يدفع الفاتورة؟ والذي يدفع الفاتورة معلوم، ولكننا لا نفقه إلا بعد فوات الأوان، ولا نعلم إلا بعد أن تقع المصيبة، قوم لا يفقهون هذا سمت أهل النفاق، أما أهل الإيمان فيعرفون، فيا عبد الله رجل جاء ليعتدي ويسرق بالبلايين، الإحصائية تقول: مائة وتسعة وثلاثين بليون دولار أنفقت على هذه المعركة، لابد من أخذ المقابل، وإلا أكون سفيهاً، أنفق مائة وتسعة وثلاثين بليوناً ولا أحصل على جنيه واحد، فلن أخرج حتى آخذ الفاتورة وفوائد الفاتورة وما بعد الفاتورة، وهذا كلام لا يختلف فيه اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان، ولكن القوم أحياناً لا يفقهون، أو يفقهون ويصرون على عدم الفقه. أقول هذه القول، وأستغفر الله لي ولكم.

تفسير قوله تعالى: (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا)

تفسير قوله تعالى: (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. وبعد: فقال تعالى: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا} [نوح:7]، أي: على كفرهم، {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح:7]، أي: عن الإجابة لدعوة الله عز وجل. ثم قال نوح: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا} [نوح:8]، أي: دعوتهم دعوة علانية، {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح:9]، فكانت الدعوة جهرية وسرية، مستخدماً كل وسائل الدعوة، فردية، جماعية، لكن القوم أعرضوا وأبوا إلا الكفر، والأعجب أنه قد مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعوهم إلى توحيد الله، حتى أوحى الله إليه، {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود:36]، فبعد هذا الوحي تيقن نوح أنه لا استجابة من القوم، عند ذلك دعا على قومه بقوله تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا * رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح:26 - 28]، فقصة نوح طويلة، وفيها من الدروس والعبر ما فيها. وأختم هذا الحديث بالتحذير من كتاب مع الباعة في الأكشاك، يباع على مرأى من الجميع، ويحمل هذه العنوان: (أخطاء ابن تيمية في حق رسول الله وأهل بيته)، ابن تيمية أنا لا أقوم بدعاية للكتاب حتى تشتروه، لا، وإنما يقوم بذلك أهل العلم والتخصص، حتى يردوا على هذا الكتاب، ولا نكون هكذا ككتاب (هرمجدون) الذي أصدره مؤلفه وقال فيه بالحرف الواحد: وسينتصر السفياني في المعركة الثانية، فأين السفياني يا عبد الله؟! إننا لم نره بعد، لكن هذا المؤلف قال: إن حاكم العراق يسمى السفياني وسينتصر ويئول الحكم إلى ولده. فلم نر سفياني، ولم نر ولد السفياني، وعليه فلا داعي أن تعلل النصوص: فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمدادِ. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام وأن تعز المسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، برحمتك يا أرحم الراحمين استجب لدعاء الموحدين. اللهم عليك بأعداء دينك، فإنهم لا يعجزونك. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا، علمنا من القرآن ما جهلنا، ذكرنا من القرآن ما نسينا. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً. نعوذ بك يا رب من قلب لا يخشع، ومن دعوة لا ترفع، ومن عين لا تدمع. نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين. اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم انصر الإسلام في ربوع الأرض يا رب العالمين. اللهم اشدد وطأتك على كل أعداء دينك، اللهم زلزل بهم الأرض، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، شتت يا رب شملهم، فرق يا رب جمعهم. اللهم منزل الكتاب، هازم الأحزاب، مجري السحاب، اهزمهم وانصرنا عليهم، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وأنت حسبنا ونعمل وكيل. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وارزقنا عند الاحتضار شهادة، وارزقنا بعد الموت جنة ونعيماً. ارزقنا الشهادة في سبيلك، اللهم متعنا بالشهادة في سبيلك، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، فإنك على كل شيء قدير. اللهم من أرادنا والإسلام بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام بشر فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت ثمود وفرعون. اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً، وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم.

موقف الإمام أحمد من القائلين بخلق القرآن وصبره وثباته

موقف الإمام أحمد من القائلين بخلق القرآن وصبره وثباته الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: فهناك شريط هو في الحقيقة طيب، وأنا لست طرفاً فيه حتى لا يقول قائل: إن الشريط للشيخ وهو يعمل دعاية، وهو نصيحتي للشباب، هذا الشريط فيه أكثر من عشرة علماء: الشيخ: محمد حسان، والشيخ: أبو إسحاق وغيرهما، يحاورون الشباب في مشاكلهم الاجتماعية بشكل مباشر، فالحقيقة هو عمل طيب، فجزاهم الله عنا وعن الإسلام خيراً. إن قصة نوح عليه السلام فيها من الدروس والعبر ما فيها لأصحاب الدعوات، والبلاء في حياة أصحاب الدعوة مما لا شك فيه، هو مَعْلَمٌ من معالم الطريق، وإن تحدثنا عن سيرة ابن حنبل فسيطول بنا الحديث، إلا أننا من الأهمية أن نتحدث عن سيرتهم؛ وقد قلت: إنه ولد في بغداد ومات فيها في عهد الدولة العباسية، وقد مر على بغداد خلفاء كثر من العباسيين، كـ هارون الرشيد ومن بعده كـ المأمون بن هارون الرشيد، ثم من بعد المأمون المعتصم، ثم الواثق، وهؤلاء هم الذين يهمنا في الموضوع، إذ قد تقرب علماء المعتزلة من المأمون، ودائماً وأبداً حينما تريد أن تؤثر على قرار لابد أن تتقرب إلى من يملك القرار، فعلماء المعتزلة تقربوا إلى المأمون حتى آمن بمعتقدهم، هذا المعتقد الفاسد الذي يقول بخلق القرآن! ومعلوم أن القرآن كلام الله، وكلام الله غير مخلوق؛ لأننا نقول: كل مخلوق يحتاج إلى خالق ومصيره إلى الفناء، وعليه فحينما نقول: إن كلام الله مخلوق، أي: أن الله لم يكن متكلماً ثم تكلم ومآل ذلك إلى الفناء، وهذا الكلام قدح بالله عز وجل. ومن قال: إن القرآن مخلوق فهو زنديق، وهذا قول الإمام أحمد، وصفات الله عز وجل قديمة، وأزلية، وأسماؤه هي ذاته، فلا فرق بين الاسم والذات، لأنك إن قلت: الرحمن الرحيم، فالله هو الرحمن وهو أيضاً الرحيم، وكذلك إذا قلت: المؤمن المهيمن العزيز الجبار الغفار، فالله هو المؤمن والمهيمن والعزيز والجبار والغفار. إذاً: كل الأسماء هي ذاته، فلا فرق بين الأسماء والذات، وهذه نقطة مهمة جداً، وليس كما قالت الجهمية والمعتزلة: إن تعدد الأسماء يعني تعدد الذوات، وهذا يعتبر تشريكاً مع الله، وهو الشرك بذاته، يقول الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء:110]، فالرحمن هو الله، ولا فرق بين الرحمن وبين الله، فأسماؤه هي ذاته، وهذه هي قواعد الأسماء والصفات المهمة جداً. فالمهم أن المعتزلة أقنعوا المأمون بأن القرآن مخلوق، فأرسل المأمون إلى أحمد إمام أهل السنة والجماعة، والذي كان يجتمع في مجلسه الواحد ليس عشرة آلاف أو خمسين ألفاً، بل مائة ألف، والناس تأتي إليه لتأخذ العلم منه، وقد جاء المأمون بعلماء بغداد كلهم فآمنوا كلهم بفكرة خلق القرآن، حتى وصل إلى ابن حنبل الذي قال: كلام ربي غير مخلوق، فقال له من أرسله الخليفة: ارجع عن هذا وإلا قتلناك، فهددوه بالقتل، وظل من حوله يساومونه في أن يقول هذه الكلمة تقية يتقي بها القتل، أو يحاول أن يقولها مكرهاً، وفرق بين إكراه العالم وإكراه المسلم العادي، فيوم أن تُكره أنت لا أحد يمشي خلفك، لكن عند يُكره العالم ويزل فهذه مصيبة عظمى؛ لأن زلة العالم زلة عالم؛ لأن العالم أسوة وقدوة، فـ أحمد لو قال: إن القرآن مخلوق من سيقلده؟ لاشك أن الناس العوام الذين يحضرون الدرس سيقلدونه في هذه الكلمة، فأبى أحمد ذلك. وبينما الإمام أحمد في طريقه إلى المأمون حتى ينفذ فيه إما القول وإما القتل، قال: يا رب اللهم لا تجمع بيني وبين المأمون أبداً، فجاءه الخبر بأن المأمون قد مات! فاستجاب الله لدعائه رحمه الله تعالى، فآل الحكم إلى المعتصم الذي سجن أحمد ثمانية وعشرين شهراً، أي: سنتين وأربعة شهور، حتى إنه كان يربطه في ذيل البغل ويجره في شوارع بغداد، وذلك تمثيلاً به، وأحمد يأبى أن يقولها، ومع ذلك كان يجلد جلداً عظيماً، وفعلوا به ما فعلوا على أن يقول: إن القرآن مخلوق، حتى قال له بعض العلماء: يا أحمد قل: هذا مخلوق وأشر إلى إصبعك تعريضاً، لكن الناس لا تفهم ذلك، فأنا أعرض على نفسي ولا أقصد القرآن حتى أنجو بنفسي من العذاب، لا؛ لأن زلة العالم زلة عالم، وهؤلاء علماء ربانيون، وهذا عالم يصدر فتوى في سبتمبر سنة (89م) يقول فيها: إن فوائد البنوك حلال! وقبل ذلك في نفس العام وفي فبراير تصدر عنه فتوى تقول بحرمة فوائد البنوك، فيا عبد الله! اتق الله فأنت الذي قلت وأنت التي فكرت، وما الذي غير وجهة النظر من فبراير إلى سبتمبر؟! وبعد مرور زمن مات المعتصم، فجاء بعده الواثق العباسي، فأخرج

الابتلاء الذي تعرض له الإمام مالك بن أنس بسبب فتوى عدم وقوع طلاق المكره

الابتلاء الذي تعرض له الإمام مالك بن أنس بسبب فتوى عدم وقوع طلاق المكره إن فتنة العلماء وبلاء العلماء أمر معروف ومعلوم، فلا تجد عالماً من علماء السلف ليس له بلاء، وإنما لابد أن يبتلى، فالإمام مالك قد ابتلي في طلاق المكره، وذلك عندما ولي أمر المدينة والٍ بالإكراه، وفي مجلس للإمام سأل أحدهم الإمام: هل يقع طلاق المكره؟ فالسؤال عن الطلاق، لكن المعنى في بطن الشاعر، فقال مالك: طلاق المكره لا يقع. إذاً: بالقياس بيعة المكره لا تقع، فانتقلت هذه الفتوى ووصلت إلى والي المدينة، فاستدعى الإمام مالكاً رحمه الله تعالى، وطلب منه الرجوع عن هذه الفتوى والقول بوقوع طلاق المكره، وهذه فتوى تسمى بحسب الطلب، فرفض ذلك الإمام مالك رحمه الله، فجلده الوالي جلداً شديداً حتى شلت إحدى يديه، فكان لا يستطيع أن يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وهذا هو السبب في أن مالكاً كان لا يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وهذا كله إن دل فإنما يدل على أن العلم أمانة، وأن الدين أمانة، فإن قلتها مت، وإن لم تقلها مت، فقلها ومت عزيزاً رافع الرأس، وفي الأخير فالبلاء في سيرة السلف متعدد لكن المقام لا يتسع لأكثر من هذا.

الأسئلة

الأسئلة

حكم دخول الصلاة بدون تكبيرة الإحرام

حكم دخول الصلاة بدون تكبيرة الإحرام Q هل يجوز الدخول في الصلاة من غير تكبيرة الإحرام؟ A لا، وعليه فالصلاة باطلة؛ لأن تكبيرة الإحرام ركن من أركانها، قال صلى الله عليه وسلم: (وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، فلا يجوز أن تصلي بدون تكبيرة الإحرام بإجماع أهل العلم.

حكم نسيان المصلي لركن من أركان الصلاة

حكم نسيان المصلي لركن من أركان الصلاة Q ما حكم لو نسي المصلي ركناً من أركان الصلاة؟ A يعيد الصلاة من البداية، ولا يجبر ذلك سجود السهو، وإنما لابد أن يحصل الركن.

حكم إدراك الإمام وهو راكع

حكم إدراك الإمام وهو راكع Q بعض الناس يأتي إلى الصلاة والإمام راكع، فهل يكتفي بتكبيرة واحدة أم لابد من تكبيرتين: تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الإنتقال؟ A من الخطأ الكبير أن يجيء المصلي ويجد القوم ركوعاً، فيركع دون أن يكبر للإحرام، فهذا خطأ فادح يترتب عليه بطلان الصلاة؛ لأنه لابد أن يكبر للإحرام قائماً، ثم يكبر للركوع تكبيرة الانتقال، ولا يجوز أن يجعل تكبيرة الانتقال هي تكبيرة الإحرام.

حكم تغطية المرأة لقدميها في الصلاة

حكم تغطية المرأة لقدميها في الصلاة Q هل تغطية المرأة لقدميها في الصلاة ضروري أم لا؟ A نعم، لما ورد في سنن أبي داود أن المرأة ينبغي عليها أن تغطي ظهور قدميها، والله تعالى أعلم.

حكم انصراف الأستاذ من المدرسة بعد أداء حصته والعودة إليها في وقت الانصراف

حكم انصراف الأستاذ من المدرسة بعد أداء حصته والعودة إليها في وقت الانصراف Q أعمل مدرساً بإحدى المدارس، وأحياناً في بعض الأيام تكون لدي الحصة الأولى فقط، وأكون غير مكلف بأي عمل بعد ذلك، فهل يجوز لي الانصراف، ثم العودة مرة أخرى للمدرسة في موعد الانصراف؟ A لا يجوز لمدرس وقع على عقد عمل من الثامنة إلى الثانية، وعنده الحصة الأولى أو الثانية فقط أن يدرسها وينصرف، وإنما يجلس في المدرسة حتى انتهاء الوقت؛ لأنه ربما قد يحتاجونه بدل أستاذ آخر، وأيضاً هو قد وقع عقداً يسمى عند الفقهاء: عقد حبس وقت، فأنت تحصل على مرتب مقابل وقت وليس مقابل عمل، فأنت مكلف فيه بعمل إن استدعيناك، فمثلاً: أنا درست الحصة الأولى وجلست، وعندي الحصة الرابعة الساعة الواحدة، فأجلس من الساعة العاشرة إلى الواحدة، فربما أكلف بعمل إضافي، ربما تحدث ظروف بالمدرسة إلى غير ذلك، فالعقد حبس وقت، مثله تماماً كرجل يفتح محلاً تجارياً وجاء بشاب يعمل فيه فظل المحل لا يأتيه أحد إلى الساعة الواحدة، فقال الشاب: سأقفل المحل إلى الساعة الواحدة؛ لأنه لا أحد يأتي الصباح، فقال المالك: أنت عليك أن تفتح من الساعة الثامنة، وتجلس، فإن جاء زبون فأهلاً، ولم يأت فأنت لست مسئولاً؛ عملك حبس وقت، والله تعالى أعلم. وهذا بخلاف الإجازات، فالإجازات ورديات بترتيب المدير، وهذه مسألة ثانية.

حكم تعامل الإنسي مع الجني

حكم تعامل الإنسي مع الجني Q هل من الممكن أن يخدم الجن الإنس لصلاحه أو تقواه، كما قال الشيخ ابن عثيمين في القول المفيد؟ A الحقيقة ليس عندي علم بأن هذا قد قاله الشيخ، وإنما حد علمي أنه لا يجوز للإنسي أن يتعامل مع الجن، حتى وإن كان مؤمناً.

حكم قيام الليل جماعة بترتيب مسبق

حكم قيام الليل جماعة بترتيب مسبق Q ما حكم قيام الليل في جماعة، حيث إن البعض قد قال: إن الشيخ ابن باز قد أجاز ذلك؟ A كذاب من نسب هذا إلى الشيخ ابن باز، لأن قيام الليل في جماعة بترتيب وبدعاء سابق بدعة، لما ورد عند البخاري رحمه الله تعالى من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (بت عند خالتي ميمونة فقام النبي يصلي بالليل، فقمت فصليت عن يساره، فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وجعلني عن يمينه)، وابن عباس لم يرتب القيام مع رسول الله، ولم يخبره صلى الله عليه وسلم أنه سيقوم الليلة، إن كنت تصلي منفرداً قدراً وجاء من يصلي خلفك دون ترتيب فلا بأس، أما أن تقول: غداً سنصلي جماعة، فهذا لم يؤثر عن السلف رحمهم الله تعالى، لا في عصر الصحابة ولا في عصر التابعين، وإنما قيام رمضان فقط في جماعة، أما ما سوى رمضان فلم يؤثر عن السلف أنهم دعوا إلى جماعة ثم رتبوا لها، فهذا من الأمور المحدثة التي لا دليل عليها، والبعض قد يقول: ألا تأتون لنصلي ركعتين غداً جماعة وندعو للعراق! فهل النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً: هيا نصلي ركعتين وندعو على قريش؟ أو غداً يوم الخميس الكل يصوم ويدعو لأجل العراق، لا، فكل هذا من الأمور المحدثة، لكن يمكن أن نقول: إن من أوقات الإجابة الدعاء بعد الطاعة، فأطيعوا ربكم بالصلاة، بقراءة القرآن، بالصيام، بالإنفاق ثم ادعوا، وعليه تكون قد فتحت الباب للعبادة، لا أن تجمع الناس على عبادة وأنت مبتدع في ذلك، وإن فعلت ولويت عنق النصوص فقل ما شئت وأنت وشأنك، والله أعلم.

خروج الزوجة من بدعية الدعوة إلى قيام الليل في جماعة بترتيب مسبق

خروج الزوجة من بدعية الدعوة إلى قيام الليل في جماعة بترتيب مسبق Q هل تدخل الزوجة تحت بدعية الدعوة إلى قيام الليل في جماعة بترتيب مسبق؟ A لا، فالزوجة تدعوها وتقول لها: إن شاء الله سنصلي قيام الليل في جماعة، فتقوم أنت وتقوم هي خلفك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله زوجاً قام من الليل وأيقظ زوجته، فإن هي أبت نضح في وجهها الماء)، فالزوجة تبع للزوج، فإن قام يصلي صلت خلفه، لكن إن قال: إن شاء الله يوم الثلاثاء سنصلي في مسجد كذا في المكان الفلاني جماعة لأجل أن تدعو على الله، فهذا بدعة؛ لأنه ما أثر عن السلف أنهم كانوا يجمعون الناس بعد رمضان، فنحن متبعون ولسنا أهل بدعة، والله تعالى أعلم.

حكم زيارة القبور للنساء

حكم زيارة القبور للنساء Q ما حكم زيارة القبور للنساء؟ A جائز، لكن بضوابط شرعية: الأول: ألا تخرج متعطرة. الثاني: ألا تختلط بالرجال. الثالث: ألا تكرر الزيارة. الرابع: ألا تأتي بفعل من أفعال الجاهلية. والأدلة على ذلك كثيرة.

حكم زيارة القبور في الأعياد

حكم زيارة القبور في الأعياد Q ما حكم زيارة القبور في الأعياد؟ A لا يجوز زيارة القبور في الأعياد، سواء للرجال أو للنساء، ومن الجهل أن تجد في القرى أنهم يحتفلون بالعيد مع الأموات، فتجد الأسرة أو العائلة تذهب إلى القبور وتجلس بجوارها، ويأتي الشيخ فيقرأ من بداية سورة (يس) ويعطى مقابل ذلك، وبعض الناس ليس بحافظ قرآن، نسأل الله العافية، وهذه مصيبة من مصائب الدهر، فزيارة القبور في الأعياد لا تجوز.

حكم تجاوز مدة دم الحيض للمرأة التي لها عادة معينة

حكم تجاوز مدة دم الحيض للمرأة التي لها عادة معينة Q زوجة مدة حيضها خمسة أيام، وبعد تركيب شريط أصبح مدة الحيض عشرة أيام، فهل يجوز للزوج أن يجامعها بعد الخمسة الأيام أم لا؟ A إن كان الدم الذي ينزل بعد الخمسة الأيام دم حيض معروف بلونه، معروف بصفاته فلا يجوز لزوجها أن يجامعها، أما إن كان دم استحاضة فيجوز والله تعالى أعلم. والنساء تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: امرأة معتادة، أي: لها عادة شهرية معينة، كخمسة أيام في الشهر. الثاني: امرأة لها مثيلات، يعني: نظيرات من بني جنسها، فتنظر إلى بني جنسها فتمكث قدر المدة التي تمكثها نساء بني جنسها. الثالث: امرأة تنتظر المدة الزمنية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة بنت قيس: (انتظري المدة التي كنتِ تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي).

حكم مرور المرأة بين يدي المصلي

حكم مرور المرأة بين يدي المصلي Q هل مرور المرأة أمام المصلي تقطع الصلاة أم لا؟ وهل إذا وجد إمام يكون سترة للمأمومين ومرر النساء بينهم هل تقطع الصلاة أم لا؟ A هذه المسألة فيها خلاف، قال النبي صلى الله عليه وسلم (يقطع الصلاة: المرأة والحمار، والكلب الأسود)، وفي البخاري (قالت أمنا عائشة: بئسما سويتمونا بالحمار والكلب، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا بين يديه)، يعني: أنها كانت تنام أمامه وهو يصلي، لكن يقول ابن حجر في الفتح: وهذا قياس في غير موضعه؛ لأنها لم تمر، وإنما كانت نائمة، وعليه فالراجح من أقوال العلماء: أن مرور المرأة لا يقطع الصلاة، وإنما يقلل الأجر، والله تعالى أعلم.

حكم التسبيح بالسبحة بعد الصلاة وغيرها

حكم التسبيح بالسبحة بعد الصلاة وغيرها Q ما حكم التسبيح بالمسبحة بعد كل صلاة أو في أي وقت، وهل هي بدعة؟ A المسبحة فيها خلاف، والراجح من أقوال العلماء: أنه لا يجوز أن تستعمل المسبحة بعد الصلاة في الذكر المقيد، يعني: يكون التسبيح بالأصابع، ويجوز أن تستخدم في الذكر المطلق، شريطة ألا تحمل في اليد أثناء السير، وإنما تسبح وتضعها في المكان، وهذا اختيار بعض العلماء، فإذا أردت أن تقول: لا إله إلا الله مائة مرة، فعد المائة وضعها في نفس المكان، والراجح عدم الاستخدام، والعقد على الأصابع وعلى الأنامل أفضل، والله تعالى أعلم، وحديث جويرية فيه ضعف عند بعض العلماء.

حكم الجهاد في العراق

حكم الجهاد في العراق Q تحت راية من الجهاد في العراق: تحت راية صدام، أم حزب البعث الكافر، أم تحت راية الشيعة، أم تحت راية الأكراد، أم تحت راية نصرة المستضعفين ما وجه الإفادة؟ A الجهاد لا يكون فرضاً عينياً إلا في حالتين: الأولى: إذا دخل العدو إلى بلدك، فيصبح الجهاد فرض عين عليك. الثانية: إذا كان للأمة إمام مسلم ودعا إلى الجهاد، فيلزمك أن تخرج. لكن بعض الإخوة يقول: نريد أن نخرج إلى الجهاد في العراق، فهل يجوز لنا ذلك؟ فيا أخي! أين الخليفة الذي تقاتل تحت رايته؟ وأين الراية التي يعقد بها الجهاد؟ وهل أنت على دراية بالأرض؟ وهل تستطيع أن تقاتل في تنظيم أو بشكل تؤثر فيه على العدو؟ لكن بعضهم يذهب وهو لا يعرف سيقاتل تحت راية من؟ ولا سيواجه من؟ ولا يعرف طبيعة الأرض، ولا معه سلاح، لكن قد يقول قائل: الشيخ يثبط الهمم، ويثبط العزائم، ومعلوم أن أمة الإسلام تنتهك! لا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجاهد في مكة مباشرة، وإنما جاهد بعد أن أقام دولة في المدينة ولها خليفة، والجهاد أيضاً له متطلبات، وليس أي شيء يحدث هيا إلى الجهاد، مثل: مسيرة المليون، لا لضرب العراق! وفي آخر النهار رقص وغناء، ثم يا مسلم هل هذا كلام يقوله عاقل؟! ونحن نرى أن خلفنا منكرات كثيرة جداً، ثم ماذا صنعت لنا المظاهرات في قضية فلسطين؟ يا أخي، استح على دمك، ومن منظرك. أيضاً ما يحدث من اختلاط النساء بالرجال في مثل هذه المظاهرات، والأعجب أن تجد من يقول لك: الذي لا يخرج إلى المظاهرة آثم وعاصي! فما هذا الكلام يا مسلم! فاتق الله في دينك، وكفاك تقليداً، فالمظاهرات بدعة أوروبية مستوردة لمص حماس الجماهير المنفعلة انفعالاً عاطفياً، نصف ساعة يظاهر ثم يذهب للنوم، والعراق تحتل من الأمريكان وهو يقول: خلاص يكفي، فقد خرجت في المظاهرة، وهذا مثل بني إسرائيل: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ} [البقرة:246]، أي: نريد القتال، بالروح بالدم، {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا} [البقرة:246]، فأنا أثق في أن هذا الذي يفرط في الصلاة سيفرط في غيرها، وصدق الشاعر إذ يقول: لابد من صنع الرجال ومثله صنع السلاح لا يصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفساح في روضة القرآن في ظل الأحاديث الصحاح شعب بغير عقيدة ورق تذريه الرياح من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح فالذي لا يستجيب لحي على الصلاة في الفجر لا يستجيب لحي على الكفاح في أرض المعركة، فيستيقظ في الساعة العاشرة صباحاً ويريد أن يجاهد! أولاً: جاهد نفسك على صلاة الفجر، جاهد نفسك على ترك القنوات الفضائية الفاضحة، جاهد نفسك على أن تلتزم أسرتك بالحجاب الشرعي، ثم أين سمتك الإسلامي؟ وهل الإسلام شعارات؟! كفانا شعارات وهتافات كاذبة، إنما نريد الالتزام بالعقيدة وبالسمت وبمنهج السلف، وهذه الفرق الضالة أقسم لكم بالله لم نحصد منها إلا العلقم والمر، وهذا مستهدف من قبل الأعداء، والله تعالى أعلم. وإن من هذه الفرق أو الأحزاب الضالة: حزب البعث المعروف بعقيدته، هذا الحزب الذي أسسه النصراني: ميشيل عفلق، وكان من أول تلامذته صدام، وحزب البعث حزب لا يؤمن بالغيبيات، فلا يؤمن إلا بكل ما هو محسوس، ونحن عندما نقول هذا لا نداهن العدو المحتل لأرض المسلمين، وإنما يجب على أهل البلد على اختلاف عقائدهم، فالشيعة إلى جوار أهل السنة يلزمهم الجهاد ضد العدو، والوقوف أمام وجهه بالمرصاد، وكذلك من عقيدته سني والآخر أشعري يلزمهم الاتحاد فيما بينهم والوقوف أمام العدو المحتل، وهذا الكلام لابد أن يكون معلوماً.

حكم الحلف بالطلاق

حكم الحلف بالطلاق Q مع زوجتي مبلغ يخصني، وقد اشترت لابنتها المتزوجة شيئاً دون علمي وإذني، وقبل أن تعطي الشيء لابنتها حلفت بالطلاق لو أن هذا الشيء أعطت ابنتها تكون طالقاً، فخرجت زوجتي إلى بيت أبيها، وكان الحلف أمام والدتي وزوجتي، وقد علمت من ابني الكبير بأن والدتي قد أرسلت الشيء لبنتي، فما رأي الدين في ذلك؟ A الطلاق قضاء وليس إفتاء، أي: أن الطلاق لابد فيه من الزوج والزوجة، لأنه قضاء بين طرفين وليس فتوى وَرَقِية، والله تعالى أعلم.

حرمة الكلام في العلماء

حرمة الكلام في العلماء Q ما حكم الخروج مع بعض الجماعات للتوعية الدينية وسماع الخطب الدينية، والبعض قد يتحدث في بعض المشايخ الكبار عن طريق (الإنترنت) مثل: الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي؟ A ظاهرة سب العلماء ظاهرة سيئة، وأنا لا أدافع عن عالم بعينه، وإنما لابد أن نعلم أن عدم احترام العلماء هو عمل السفهاء؛ لأن لحوم العلماء مسمومة، وهذه مسألة لا تحتاج إلى كلام! وحينما أتعرض لعالم بالسب فهذا معناه أنني أسقط هذا العالم من أعين الناس، لا لشيء؛ وإنما لأنه قد أخطأ في فتوى، وهذا وارد، لكن لي أن أصحح الفتوى دون تجريح، فأقول: قال بعض أهل العلم كذا والصحيح كذا، لا أن أذكره بإثم وأجرح وأطعن، فهذا عمل من لا خلاق عندهم ولا ورع. ولقد اختلف السلف فيما بينهم فما رأينا يوماً هذا يسب في هذا، وإنما كانوا يقولون: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. ففيه رحمة وود، والتجريح ليس سمة طالب العلم الورع، وليس معنى ذلك أنني أسكت عن أشياء وأمور، لا، فهناك أمور أتحدث فيها بجراءة، لكن دون ذكر الأسماء، كان صلى الله عليه وسلم يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا). وصاحب الأمر موجود، فيقولون: إنه كان يعرض حتى لا يسبب حرجاً لأحد، أما أن تصعد على منبر أو أن تكون في جماعة، كما أرسل لي أحد طلبة العلم يقول: أقول لأحد الإخوة: إن هناك درساً للشيخ الفلاني في العزيز بعد الجمعة، فقال: الشيخ سروري! فقلت له ماذا تعني بقولك: سروري؟ فقال: أنا سمعت الكلام هذا من الشيخ الفلاني يقول فيه كذا، حسناً، الشيخ الفلاني يقول ذلك وأنت مالك يا قزم؟ فأنت قزم لا تقدح في العالم، وتنقل كلام العلماء بعضهم لبعض؟! فاتق الله يا مسلم! ولا تقول: الشيخ فلان يقول في الشيخ علان كذا، وهذا يسمى تناطح الأقران، أي: صراع الأقران، وصراع الأقران يطوى ولا يروى، والأقران هم أبناء الجيل الواحد والزمن الواحد، ومعنى تطوى: أي: كأنك لم تسمع شيئاً، ولا يكن ديدنك الشيخ الفلاني قال في الشيخ الفلاني كذا، والشيخ الفلاني رد على الشيخ الفلاني بكذا وهكذا، لا، وإنما اسمع إلى كل إنسان وخذ منه الصواب ورد عليه الخطأ، أما لا تقرأ لفلان، أو لا تسمع لفلان، أو لا تذهب لفلان، فقد حرمت نفسك الكثير والكثير، ومن قال لك: اقرأ كذا ولا تقرأ كذا فقد اتهمك في عقلك؛ لأنه يعرفك أنك لا تميز، ولو تميز سيقول لك: اقرأ وميز، وكذلك القدح في الجماعات، فنقدح في المنهج دون تجريح الأشخاص، ونقول: جماعة كذا عندها خلل في الاعتقاد: والخلل كذا وكذا، والمهم أن هناك أدباً في نقد الرجال ونقد العلماء، لكن لا يمكن بحال أن نقبل أن يسب عالم من العلماء. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. اللهم تقبل منا وارحمنا. آمين آمين. وجزاكم الله خيراً، وتقبل الله منا ومنكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تفسير سورة القلم [1]

تفسير سورة القلم [1] العلماء هم ورثة الأنبياء، والعلم منزلة عظيمة وشرف لصاحبه ورفعة له في الدنيا والآخرة، والعلم يفتقر إلى العمل، فلا بد من العمل بالعلم؛ حتى يثمر العلم في صاحبه، وللعلم آداب ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم حتى ينتفع بعلمه وينفع به الناس، فإن العلم إن لم ينفع صاحبه فإنه يضره، ويكون حجة عليه أمام ربه يوم القيامة.

الإشارة إلى فضل العلم في سورة القلم

الإشارة إلى فضل العلم في سورة القلم الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وما بكم من نعمة فمن الله. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا بعد ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم مع سورة القلم، وسورة القلم هي السورة الثانية في جزء تبارك، وهي سورة مكية، أي: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة؛ لأن معيار التفرقة بين المكي والمدني عند العلماء على الراجح من أقوالهم: أن المكي ما نزل قبل الهجرة وإن نزل خارج مكة، وأن المدني ما نزل بعد الهجرة وإن نزل بمكة، فهي سورة مكية عدد آياتها (52) آية، افتتحها الله عز وجل بقوله: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القلم:1 - 7]. ولقاؤنا هذا مع قول الله سبحانه: {وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1]، أقسم الله سبحانه وتعالى بالقلم لمنزلة العلم، ولمنزلة العلماء، وإشارة إلى فضل القلم الذي به يكتب العلم. قال المفسرون: إما أن يكون القلم هو القلم الذي كتب الأقدار، حيث قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، فكتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. أو القلم هو كل قلم يكتب العلم ويسطره. {وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1] أي: وما يكتبون، إشارة إلى منزلة العلم، ومن ثم حديثنا عن العلم وحقيقته، وفضل العلماء، وحكم طلب العلم، وآداب طلب العلم، وآداب طالب العلم مع نفسه، وآداب طالب العلم مع شيخه، وآداب التلقي لطلب العلم، ثم محاذير ينبغي أن ينتبه إليها طلاب العلم، هذا هو موضوع اللقاء، أسأل الله أن يرزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ونعوذ به من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع.

تعريف العلم لغة واصطلاحا

تعريف العلم لغةً واصطلاحاً العلم لغة عند العلماء: هو إدراك الشيء على حقيقته إدراكاً جازماً. هذا التعريف اللغوي، أما التعريف الاصطلاحي فالعلم: هو العلم بالشيء على حقيقته. هذا هو العلم، وضده الجهل المركب. وتنقسم تلك المصطلحات إلى أنواع أريد أن أشير إليها، إن سئلت متى كان فتح مكة؟ فإن قلت: في العام الثامن؛ لأنك أدركت الشيء على حقيقته، هذا يسمى علماً، فإن قلت: فتح مكة في العام التاسع فهذا جهل مركب وليس جهلاً بسيطاً؛ لأنك أدركت الشيء على غير حقيقته. فإن قلت: لا أدري فهذا جهل بسيط، والجهل البسيط أدنى من الجهل المركب، والجهل المركب في هذا الزمان حدِّث عنه ولا حرج، جهل بغير علم، وقول بغير دليل، وافتراء على الأدلة. فإن قلت: فتح مكة كان في العام الثامن ويحتمل أن يكون في السابع، فكونك أدركت الاحتمال الراجح، ثم ذكرت قولاً مرجوحاً، فهذا ظن. فإن قلت: فتح مكة في العام السابع ويحتمل أن يكون في الثامن، فهذا وهم. فإن قلت: لا أدري ربما يكون في السابع أو الثامن، فهذا شك. إذاً: هناك علم، وهناك جهل مركب، وجهل بسيط، وظن، ووهم، وشك، لا بد أن تفرق بين هذه المصطلحات، وإدراك الشيء على حقيقته هذا هو العلم.

فضل العلم وأهله ونماذج ممن رفع العلم قدرهم

فضل العلم وأهله ونماذج ممن رفع العلم قدرهم قد جاءت الآيات والأحاديث تبين فضل العلم، منها: قول ربنا عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. فالعلم يرفع قدر أصحابه في الدنيا والآخرة، ولنا في ذلك نماذج: أولاً: أنبياء الله ورسله أنعم الله عليهم بالعلم، قال الله في حق آدم: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31]. وقال الله في حق موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص:14]. وقال الله في حق إبراهيم: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم:43]. وخير الأنبياء محمد قال له ربه: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:113]، وقال له ربه: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114]. ثانياً: دخل رجل إلى البصرة فقال: من سيد هذه البلدة؟ من كبيرها؟ قالوا: الحسن البصري قال: بم تقدم عليكم؟ قالوا: احتجنا لعلمه، واستغنى هو عن دنيانا. ولما دخل البخاري إلى نيسابور استقبله أهلها على مراحل من البلدة، ونثروا عليه الدراهم والدنانير ترحيباً بقدومه على بلدتهم، فسألت امرأة ولدها، قالت: يا بني من هذا؟ قال: هذا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، فقالت: يا ولدي هذا هو الملك لا ملك هارون. وقد فرق العلماء بين الكلب المعلم، والكلب الجاهل، فإن أرسلت كلبك المعلم وأتاك بصيد فسم الله وكل شريطة أن تسمي عليه قبل أن ترسله، وإن أرسلت كلبك الجاهل فلا ينبغي أن تأكل من صيده. وهذا الهدهد قال لسليمان كما أخبر الله سبحانه عنه: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل:22]. والنملة وعظت وأرشدت، ونبهت، وأمرت بالمعروف، ونهت عن المنكر، وأحبت لبني جنسها ما تحب لنفسها: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18]. فالعلم يرفع قدر من يحمله؛ لذلك يقول عمر بن الخطاب: تعلموا قبل أن تسودوا، قال البخاري معلقاً: وبعد أن تسودوا. والمقصود بقبل أن تسودوا كما قال ابن حجر: قبل أن تصبحوا سادة، وربما يكون المعنى قبل الزواج؛ لأن الرجل سيد الزوجة، وبعد أن يتزوج يذهب بعض الوقت في الحاجات الزوجية، والإنفاق على الأولاد، فالأوقات تخرج منه رغم إرادته، فتعلّم قبل أن تسود. يعني: قبل أن تكون قائداً، ومن ثم كانوا يطلبون العلم في صغرهم، وكانوا يرحلون لطلب العلم. ونبينا عليه الصلاة والسلام قد جاءت عنه الأحاديث في فضل العلم والتعلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء)، فالعلم ميراث الأنبياء، فيا من أخذت العلم لقد أخذت ميراث الأنبياء، وهو الذي يبقى لك بعد موتك، يقول صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). ويقول ربنا سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28]. ويقول: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9]. ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين). ويقول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة). فطريق الجنة العلم، والمخرج مما نحن فيه من الفتن العلم، ولذلك كان أبو سعيد الخدري إذا رأى رجلاً يطلب العلم، قام إليه قائلاً: مرحباً بوصية رسول الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (مرحباً بطالب العلم)، وقد أفرد الإمام البخاري في صحيحه كتاباً للعلم، فأول كتاب في صحيحه هو كتاب بدء الوحي، ثم كتاب الإيمان، ثم كتاب العلم، ولوقوع هذا الكتاب بهذا الترتيب سبب وحكمة، وهي أن العلم بلا إيمان لا وزن له، والعلم بغير وحي لا قيمة له؛ لأن الدين مداره على الوحي والإيمان؛ لأن الإيمان مفتاح قبول الأعمال، فجعل البخاري العلم بعد بدء الوحي والإيمان، ووضع فيه أبواباً كثيرةً بين فيها آداب طلب العلم، وآداب العلم، وآفات طلب العلم، وفي ذلك قال: لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر. فالعلم يضيع بين الكبر والحياء. وفي الحديث عن علي رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاءً -يعني: كثير المذي-، فمنعني الحياء أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمنزلة

حكم الإقبال على مجالس العلم والإعراض عنها وذكر الأحوال التي تجوز فيها الغيبة

حكم الإقبال على مجالس العلم والإعراض عنها وذكر الأحوال التي تجوز فيها الغيبة كان النبي عليه الصلاة والسلام في مجلس علم، ودخل إلى مسجده ثلاثة نفر: أما الأول فوجد فرجة في حلقة العلم فجلس في الفرجة، لذلك من آداب طلب العلم أن نجلس على هيئة حلق، لا أن نتشرذم ونتبعثر، فوجود صف في الأول وصف في الآخر، وثالث في آخر المسجد ورابع في الخارج هذا منهي عنه، لا بد لطلاب العلم أن يجتمعوا وأن يتقاربوا، كما كان يأمر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه بذلك، فالأول وجد فرجة فجلس فيها، والثاني جلس بعيداً عن حلقة العلم استحياءً، والثالث خرج معرضاً عن حلقة العلم بغير عذر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما الأول أقبل فأقبل الله عليه، وأما الثاني استحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث أعرض فأعرض الله عنه). الإعراض عن مجالس العلم إعراض عن الله، والإقبال عليها إقبال على الله، ربما يقول قائل وقد سمع الحديث، كيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما الثالث أعرض فأعرض الله عنه) والرجل غير موجود، أليست هذه غيبة؟ وهذا كلام يحتاج إلى إجابة، يقول العلامة ابن حجر: وهذه لا تعد من الغيبة؛ لأن الغيبة لا تعد غيبة في ستة مواضع لا بد أن تعرفها، يقول العلماء: القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر ومجاهر فسقاً ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر القدح ليس بغيبة في ستة أحوال: أولاً: متظلم: ظلمك فلان فذهبت تشكوه إلى ولي الأمر أو إلى من بيده الحل والعقد، فتقول: فلان ظلمني، أخذ مالي، فعل بي كذا، ليس في حضوره، فأنت الآن تذكره رغم عدم وجوده، فلا يعد هذا غيبة. ثانياً: ومعرف: ربما تذكر رجلاً فيعجز الناس عن معرفته، تقول: محمد بن أحمد بن علي، فلا أحد يعرفه، فقلت: الأعرج، فعرفه الناس بهذا اللقب، ولكن لا تقل: الأعرج على سبيل السخرية والتعريض، ولكن على سبيل التعريف. ثالثاً: ومحذر: رجل يأكل أمول الناس بالباطل، كلما أخذ مالاً لا يرده، فجاءك يقترض منك مبلغاً، فقلت له: أمهلني وجئت تسأل: يا فلان ما رأيك في معاملة فلان؟ هل إن حذرت منه تكون غيبة؟ لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة التي جاءت وقالت: (يا رسول الله تقدم لخطبتي معاوية وأبو جهم فمن أتزوج؟) والكثير من الناس الآن حينما يسأل عن زوج أو غيره لا يقول الحقيقة وهذا جهل مركب، ليس بسيطاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما معاوية فصعلوك لا مال له -أي: لا يقدر على أعباء الزواج، ولا يتحمل الباءة والإنفاق- فلا تتزوجيه، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه)، يعني: ضراب يضرب النساء كثيراً فلا تتزوجي هذا ولا هذا، فهذه ليست غيبة. رابعاً: مستفت: يطلب الفتوى في مسألة بينه وبين رجل، فيذكر عنه أنه كذا وكذا. خامساً: ومجاهر فسقاً: أي: رجل يجاهر بالمعصية، لا بد أن تحذر منه. سادساً: ومن طلب الإعانة في إزالة منكر: ذهبت إلى ولي الأمر فقلت: إن عند فلان منكراً، فطلبك للإعانة في إزالة المنكر ليس بغيبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (أما الآخر أعرض فأعرض الله عنه) ليست غيبة؛ لأنه يحذر من صنيعه كما قال العلماء.

آداب طالب العلم مع نفسه

آداب طالب العلم مع نفسه ننتقل في عجالة إلى آداب طلب العلم، العلم هو درة في هذا الشرع المطهر، فينبغي أن نتحلى بآدابه، وأن نتخلى عن آفاته، فما هي آداب طلب العلم؟ هناك آداب للطالب في نفسه: أولاً: ينبغي أن يكون مخلصاً في طلبه للعلم. فلا يطلب العلم ليماري به العلماء، وليجادل به السفهاء، وليلفت به أنظار الناس إليه، حتى يقال: العالم العلامة، والبحر الفهامة، والأستاذ كذا وكذا، يسعى للشهرة ولا يسعى لرضا ربه عز وجل، ولذلك من الثلاثة التي تسعر بهم النار: عالم طلب العلم لغير الله، فيدنيه الله ويعرفه نعمه ويقول له: (علمتك العلم فماذا صنعت به؟ يقول: يا رب ما تركت مكاناً إلا وعلمت الناس فيه، فيقول: كذبت، إنما تعلمت العلم وعلمته ليقال عنك: عالم، وقد قيل، خذوه على وجهه إلى النار). إذاً: طالب العلم لا بد أن يفتش في النية، ونية المرء خير من عمله، ولذلك يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات). ثانياً من آداب طالب العلم في نفسه: أن يكون سلفياً، على منهج السلف الصالح. فلا ينتمي إلى فرق الضلال والبدع، ولا إلى جماعات حزبية تدعو إلى العنصرية والبغضاء، وتشيع في الناس التفرقة، وإنما طالب العلم سبيله القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فكن يا طالب العلم من أتباع السلف الصالح على منهج أهل السنة والجماعة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)، فتعرف على منهج أهل السنة، من هم أهل السنة؟ وما هي عقيدتهم أو منهجهم في الخلاف؟ وما هو منهجهم في الاعتقاد؟ وما هو منهجهم في العبادات؟ وما هو منهجهم في دراسة الفقه؟ أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية، فإياك أن تكون مع أهل البدع والأهواء يا طالب العلم. ثالثاً: أن تعرض عن مجالس اللغو. فطالب العلم سمته واضح بين، لا يكون مع البطالين، ولا يجلس على المقاهي، ولا يذهب إلى مباراة، ولا يجلس في مكان لهو وعبث، إنما طالب العلم له سمت ينبغي له أن يتحلى بهذا السمت؛ لأنه محسوب على العلم والعلماء. رابعاً: طالب العلم لا يعرف الكبر إنما يعرف التواضع، وينبذ الخيلاء؛ لأنه كلما ازداد علماً ازداد تواضعاً. وكما قلنا: العلم ثلاثة أشبار، من حصل الشبر الأول تكبر، ومن حصل الشبر الثاني تواضع، ومن حصل الشبر الثالث علم أنه لا يعلم، فلا تكن أبا شبر، وما أكثر أبي شبر، أبو شبر حينما يحصل الشبر الأول يتكبر، إنما العالم كلما ازداد علماً ازداد تواضعاً، فإن سمعت من يقول: أنا أعلم، أنا أفضل، فكبر عليه أربع تكبيرات من غير ركوع ولا سجود؛ لأنه في عداد الأموات، فطالب العلم لا يعرف الكبر؛ لأن الكبر مرض من أمراض القلوب، فلا تنظر إلى الناس كأنهم أدنى منك، وأنهم بعوض، وجرذان، وضفادع، وأنت في برج عالٍ. أين أنت من أصحاب رسول الله؟ هذا عمر -وما أدراك ما عمر - يقول: لو نودي يوم القيامة: كل الناس يدخلون الجنة إلا واحداً، لخشيت أن أكون أنا هو. وأبو بكر يقول: لو كانت إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارج الجنة ما أمنت مكر الله عز وجل. هذا هو الخوف من الله، وخشية حبوط العمل وعدم قبوله، وخوف الرياء والسمعة، وخوف عدم ارتفاع الأعمال إلى الله، طالب العلم وجل خائف يلازم الخشية، يلازم المراقبة، هذا هو طالب العلم، ثم يتأمل فمن تأمل أدرك، ومن ثبت نبت، تثبت على طريق ولو كان وعراً، هذه آداب لطالب العلم في نفسه، وهناك آداب لطالب العلم مع شيخه.

آداب طالب العلم مع شيوخه

آداب طالب العلم مع شيوخه من آداب طلب العلم: أن يطلب العلم على يد شيخ، وهناك أقوام يقولون: ما حاجتنا إلى العلماء، عندنا الآلات الحديثة: السيديهات، الأشرطة، الكتب، لا حاجة لنا إلى العلماء، وما ضاعت الأمة إلا بعد العلم، وما تفرقنا إلا بعد العلم، وهناك من يقول: نبلغ العلم. البلاغ مطلوب، لكن تبلغ بعد أن تعلم، يقول البخاري: باب العلم قبل القول والعمل، فقبل أن تبلغ لا بد أن تعلم ما تبلغ، حتى لا تبلغ جهلاً، فلا بد أن تبدأ بالعلم، فاعلم أنه لا إله إلا الله، فالعلم يسبق القول والعمل. يقولون في أدب طالب العلم مع العلماء: من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه. ومن دخل إلى العلم وحده خرج من العلم وحده. ولا تأخذوا العلم من صحفي، ولا القرآن من مصحفي. كل عالم من علماء السلف كان له شيخ وشيوخ يتعلم على أيديهم، فكان ابن عباس يذهب إلى بيت زيد بن ثابت ليسأله، فينام على باب داره حتى يخرج إليه، أدب مع العلم، فلما تقدم به العمر علم الصحابة أن ذلك الغلام كان أفقههم لدين الله؛ لأنه اجتهد في طلب العلم، ولن تجد عالماً ليس له شيوخ إلا علماء الكتب، وهذه الكتب لا تخرج شيوخاً، الكتاب مطلوب، لكن لا بد من مدارسته على يد شيخ، فالعلم صنعة، وكل صنعة تحتاج إلى صانع، والعالم يسهل لك الطريق. ومن آداب طالب العلم مع شيخه: ألا يكثر عليه في السؤال، وألا يسير أمامه، ولا أن يجلس قبله، وألا يناديه باسمه مجرداً، وإنما يقول يا شيخنا، يا شيخي. أحبتي الكرام! هذه آداب لطالب العلم مع شيخه، وهناك آداب لتلقي العلم من بطون كتب السلف، بحفظ المتون والمختصرات، وأن تبدأ رويداً رويداً، فمن دخل إلى العلم جملة، فقد العلم جملة، كما يقولون. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. من آداب طالب العلم مع شيخه: ألا يذكر عالماً آخر بسوء. يقول ابن عساكر: اعلم وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وأن سنة الله في هتك منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب. فلا يجوز لطالب العلم أن يتتبع عورات العلماء، أو أن يعرض بأسمائهم، نعم ربما يخطئ العالم فلك أن تصوب، ولكن دون تجريح ودون أن تذكر أو تعرض، لذلك كان علماؤنا يحرصون على هذا الأدب، فالأدب مقدم على طلب العلم، فقبل أن تبدأ العلم لا بد أن تتعلم الأدب، ولذلك إخوتي الكرام جاءت الآيات القرآنية تعلمنا هذا المنهج حينما اتبع موسى الخضر، فماذا قال له؟ {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:66]، أدب في الاستئذان، وأدب في الاتباع، وأدب في الطلب. وربنا سبحانه حينما قال لعيسى: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} [المائدة:116]، كان الجواب أن يقول: لم أقل، ولكنه من باب الأدب قال: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة:116]. ويوسف عليه السلام أدباً مع إخوته، وتلطفاً بهم بعد أن عاد إليهم وعرفوه وعرفهم، قال عن فضل ربه عليه: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف:100]، رغم أنهم ما وضعوه في السجن، فلم يذكر الجب وذكر السجن أتدري لماذا؟ لأن ذكر الجب سيستدعي الآلام مع إخوته فيذكرهم بما صنعوه، فذكر السجن ولم يذكر الجب تأدباً وتلطفاً. وسئل العباس عم رسول الله عليه الصلاة والسلام: أأنت أكبر أم رسول الله؟ فمن باب الأدب قال: رسول الله أكبر مني، وأنا أسن من رسول الله، هذا هو الأدب. فطالب العلم ينبغي أن يتعلم الأدب مع شيخه، والأدب في كيفية الطلب، والأدب في التعامل مع الكتاب، والأدب في كيفية تلقي العلم، فهذه آداب هامة نحيلكم فيها إلى كتاب أستاذنا الفاضل بكر أبو زيد في كتابه القيم (حلية طالب العلم) ويوم فقدت الأمة هذه الآداب عمت الفوضى، وساءت الأخلاق وهذا يطعن في ذاك، وذاك يجرح هذا. وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذلك اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، اللهم ارزقنا حسن الأدب، اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً. نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، استر عوراتنا، آمن روعتنا. اللهم نسألك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا. اللهم علمنا القرآن وخلقنا به، وارزقنا حب القرآن، وارزقنا فهم القرآن، وارزقنا عطاء القرآن ونور القرآن. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا. ا

تفسير سورة القلم [2]

تفسير سورة القلم [2] الاختلاف بين الناس سنة من سنن الله الكونية، فالناس إلى يومنا هذا يختلفون في أمور كثيرة، وقد شرع لنا ربنا سبحانه عند الاختلاف أن نتحاكم إلى الشرع، وأن نسلِّم له، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه عند الاختلاف أن يتحاكموا إلى الشرع، وألا يكون هذا الاختلاف سبباً للشقاق والفرقة، وكان يعلمهم الأدب مع المخالف، ويظهر ذلك جلياً في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لكفار قريش حينما كان يدعوهم إلى عبادة الله وحده، فكان صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم مع المخالف، وهكذا يجب على العلماء أن يكونوا؛ لأنهم ورثة الأنبياء.

اختلاف العلماء أسبابه وآدابه

اختلاف العلماء أسبابه وآدابه الحمد لله رب العالمين الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماءٍ مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! مع استكمالنا لتفسير أول آية من سورة القلم، وقد بدأنا بفضل العلم والعلماء، والآداب والآفات التي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها وأن يتخلى عنها، نستكمل هذه الموضوع الهام بعنوان: اختلاف العلماء أسبابه وآدابه. المتأمل في الساحة اليوم يجد أن مرضاً خطيراً قد دب في جسدها، ألا وهو تسفيه البعض للبعض إذا ما اختلفوا في حكم شرعي، والتعريض به، بل الولاء والبراء لشخصه، وهذا ليس من دأب سلفنا الصالح. إن من نعمة الله على هذه الأمة أنها ما اختلفت في أصول دينها، فإن أصولها ثابتة، ومصادرها ثابتة، لم يختلف فيها أحد، وإنما الخلاف وقع في الفرعيات والأحكام الفقهية لأسباب سأبينها بضرب أمثلة لكل سبب، ثم نعقب بالآداب، وهذا هو الأهم بعد معرفة أسباب الخلاف بين العلماء: أن نتعلم آدب الخلاف؛ لأننا الآن إن اختلفنا يمزق بعضنا بعضاً، وهذا ما كان من دأب السلف، كانوا يختلفون، لكن المخالف ما حمل على المخالف له أبداً، وإنما كان يوقره ويقدره، والعلم رحم بين أهله. إن اعتقاد رأي واحد من آراء الفقهاء، ثم المقاتلة عليه وتسفيه المخالف له والطعن فيه، ليس من هدي السلف على الإطلاق.

أسباب اختلاف العلماء

أسباب اختلاف العلماء أحبتي الكرام! العلماء اختلفوا لأسباب ستة أبسطها، ثم نستنبط من الكتاب والسنة ما يؤيد هذا المعنى:

غياب الدليل عند المخالف

غياب الدليل عند المخالف السبب الأول: غياب الدليل عند المخالف: خالفتك؛ لأن الدليل ليس عندي، وأنت عندك الدليل، ومن الأمثلة على ذلك: بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام أول خلاف دب في الأمة على موته، وقد كان الصحابة في حال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجعون إليه في الخلاف، فيحسم الخلاف، ويسألونه عما أشكل فيبين، وأنتم تعلمون ما حدث بين الصديق وبين عمر وبين بعض الصحابة، حتى إن عمر أشهر سيفه وقال: من قال: إن محمداً قد مات لأضربن عنقه، ما مات محمد وإنما ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى بن عمران. اختلفت الآراء حتى ألهم الله الصديق آية نزلت قبل ذلك، فقام الصديق: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال كلمته المأثورة: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]، عند ذلك سلّم الكل لأمر الله، فالدليل مع الصديق واضح. وفي البخاري أيضاً: بعد موت رسول الله عليه الصلاة والسلام اختلفوا في مكان الدفن أين سيدفن؟ قال قائل: يدفن في البقيع، وقال بعضهم: بل نخصه بمكان، واختلفت الآراء حتى جاء الصديق وقال: لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يدفن الأنبياء حيث ماتوا)، وحسمت المسألة بالدليل. وفي صحيح البخاري من حديث عمر رضي الله عنه: لما قدموا أرض الشام فسمعوا أن بها طاعوناً، فقال بعضهم: ندخلها حتى لا نفر من قدر الله، وقال الآخرون: لا، لا بد أن نأخذ بالأسباب ولا ندخل؛ لأن ذلك إلقاء بالنفس إلى التهلكة، حتى جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان في حاجة له، ثم قال لهم: لقد سمعت من رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوا إليها، وإن كنتم بها فلا تخرجوا منها)، وهذا يدل على أنه قد يغيب الدليل عن عالم ويكون عند عالم آخر، ولكن بمجرد وصول الدليل ينبغي في الحال أن نقبله بدون تردد ولا تلكؤ. وهذا كثير للمتتبع للخلاف بين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.

عدم قبول الدليل لوجود ما يعارضه أو لعدم الوثوق به

عدم قبول الدليل لوجود ما يعارضه أو لعدم الوثوق به السبب الثاني: عدم قبول الدليل، بأن يكون عنده دليل لكنه يعارض بدليل أقوى منه، من ذلك: ما حدث بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع فاطمة بنت قيس. وما حدث مع علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما مع سبيعة الأسلمية، كان ابن عباس وعلي يريان أن عدة المرأة التي مات عنها زوجها أطول الأجلين بمعنى إذا مات الزوج والزوجة حامل فعدتها إن وضعت الحمل قبل أربعة أشهر وعشر عليها أن تنتظر إلى تمام الأربعة الأشهر وعشر، وإن وضعت الحمل بعد الأربعة أشهر وعشر عليها أن تنتظر حتى تضع الحمل، يعني: أطول الأجلين، وهذا مخالف تماماً لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث سبيعة في البخاري: أنها نفست بعد موت زوجها بأيام، فأباح لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج؛ لأن الله يقول: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، وهذه الآية مع آية البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234]، حاول ابن عباس وعلي أن يجمعا بين الآيتين بعموم وخصوص، لكن لما جاء الدليل في حديث سبيعة سلما في الحال؛ لأن الدليل حجة في القضية، والدليل واضح الدلالة، بيّن لا شبهة فيه. وفاطمة بنت قيس طلقها زوجها ثلاث طلقات فبانت بينونة كبرى، ثم أرسل لها شعيراً مع وكيله نفقة، فسخطت ذلك الشعير، يعني: كرهته؛ لأنها تريد أكثر من ذلك، فلما وصل الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها ولا سكنى)، بمعنى: المطلقة ثلاث طلقات لا نفقة لها ولا سكنى، إلا إذا كانت حاملاً فينفق عليها حتى تضع الحمل، أو كانت حاضنة، يختلف الأمر، لكن عمر كان يقول: للمطلقة ثلاثاً نفقة وسكنى، ويقول: أنترك ديننا وكتاب ربنا لقول امرأة قد تنسى وقد تصيب. إذاً عدم قبول الدليل ربما يدفع العالم لرده، والصواب كما تعلمون ما ثبت عند البخاري من حديث فاطمة: (أن المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها ولا سكنى)، والإمام النووي بوّب لهذا الحديث باباً.

عدم معرفة المخالف بنسخ الدليل

عدم معرفة المخالف بنسخ الدليل السبب الثالث: عدم معرفة المخالف للنسخ. ومن أمثلة ذلك: تحويل القبلة، حولت القبلة في صلاة الظهر أو العصر، وكان المسلمون يصلون إلى الأقصى، ثم تحولوا إلى المسجد الحرام، نزل النسخ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا إلى المسجد الحرام، وأهل قباء لم يصلهم الخبر إلا في صلاة الفجر يعني: صلوا العصر والمغرب والعشاء إلى المسجد الأقصى وقد نسخت، فهل صلاتهم باطلة؟ لا؛ لأنهم ما علموا بالنسخ، والعلم مناط التكليف. وفي الحديث أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يصلي بجوار علقمة والأسود فكان في الركوع يطبق يديه ويضعهما بين ركبتيه، لا يضع اليد على الركبة، وهذا كان في أول الأمر، ففعل ذلك ابن مسعود أما علقمة والأسود فوضعا أيديهما على الركبتين، فأنكر عليهما، فقالا: أما سمعت يا ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نضع أيدينا على ركبنا عند الركوع؟ فـ ابن مسعود خالفهم؛ لأنه لم يصله النسخ، وهو معذور، فيعذر بعضنا بعضاً فيما يجوز فيه العذر، أما في أمور العقيدة، فلا يطوف رجل بقبر ونقول: يعذر بعضنا بعضاً، هناك أمور كما قال القائل: وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلاف فيه حظ من النظر ويوم أن يخرج أحد على الأمة يريد أن يشق إجماع المسلمين وأن يرد آراء الفقهاء وآراء المفسرين، وما قال أحد على الإطلاق من أهل العلم هذا، وهو لا يحسب على أهل العلم، يكتب تحت عنوان: الإزار والرداء. إن نساءنا اليوم أكثر عفة وحشمة من نساء الصحابة! نطق كفراً والذي نفسي بيده، وكتب فجوراً افقهوا يا علماء الأزهر، افقهوا يا علماء الأمة، أليس لكم عقول؟ ثم يقول: الحجاب معناه التغطية، وليس المقصود تغطية الشعر، وإنما المقصود تغطية فتحة الصدر، النص في الآية لتغطية فتحة الصدر، وما سوى ذلك للمرأة أن تظهر من جسدها ما شاءت، أرأيتم إلى حماقة وسذاجة كهذه؟! هذا لا يعد من أهل العلم أولاً، وليس له دليل، وإنما طفيلي على أهل العلم، أقول: مثل هذا الخلاف يوضع تحت الأحذية في الحال. والخلاف المعتبر خلاف العلماء أمثال: مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة. واختلف الصحابة والتابعون لكن هناك أدباً في الاختلاف، لما رأى علقمة والأسود ابن مسعود يصنع ذلك ما سفهاه وما سباه وما عرضا به، ولما وصله الدليل أخذ به، هكذا العلم رحم بين أهله.

نسيان الدليل

نسيان الدليل السبب الرابع: نسيان الدليل، وجل من لا ينسى، وربما نسيتُ دليلاً وأفتيتُ خطأً في الميكرفون فذكرتُ به فعليّ أن أعود في الحال وأصوب الخطأ، والذين في قلوبهم مرض إذا سمعوا الخطأ أذاعوا في أرجاء البلاد: أخطأ الشيخ لا تسمعوا له؛ لأنه رجل جاهل. يا عبد الله اتق الله في نفسك! أين آداب الخلاف؟ العلماء اختلفوا في أحكام سأذكر كثيراً منها الآن، ولم يسفه بعضهم بعضاً. وقع النسيان للدليل، من ذلك ما حصل بين عمر بن الخطاب وعمار رضي الله عنهما وهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي غزوة من الغزوات كان عمار مع عمر فأجنبا -أصابتهما جنابة- والماء غير موجود، فاجتهد عمار فظن أن رفع الجنابة بالتراب كرفعها بالماء، فتمرغ في التراب كما تتمرغ الدابة يميناً ويساراً، أراد أن يعمم الجسد بالتراب، وأما عمر فكف عن الصلاة؛ لأنه جنب وليس عنده ماء، وما أراد أن يتيمم أبداً، ووصل الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لـ عمار -والحديث في البخاري -: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا)، يعني: تضرب الأرض بيديك ضربة واحدة، وتمسح ببطن اليدين على وجهك فقط ثم تمسح ظاهر الكفين وباطنهما، هذا هو التيمم في حال الجنابة، مرت السنوات وجاءت خلافة عمر فأراد عمار أن يحدث بهذا الحديث، فحدث به فأنكر عمر هذا الحديث، وقال له: كيف تقول بجواز التيمم للجنب؟ قال: يا أمير المؤمنين أما تذكر يوم أن فعلنا كذا وكذا، فذكره بما كان من أمرهما، إن شئت يا أمير المؤمنين لا أحدث بالحديث نزولاً على أمرك فعلت، قال: عمر: بل بلغ يا عمار. إذاً: الذاكر حجة على الناسي كما يقول علماء الأصول.

ضعف الحديث

ضعف الحديث السبب الخامس: أن يكون الحديث ضعيفاً. قد نختلف في تصحيح حديث، عالم يقول: صحيح، وآخر يقول: ضعيف، الذي يقول: صحيح، يعتمده ويعتمد ما ترتب عليه، كأحاديث صلاة التسابيح منهم من صححها، ومنهم من ضعفها، ومنهم من قال بوضعها. أو الاختلاف في الاستنباط، كاختلاف الأحناف مع جمهور الفقهاء في قوله عليه الصلاة والسلام: (ذكاة الجنين ذكاة أمه)، بمعنى: ذبحت مثلاً دابة ووجدت في بطنها جنيناً ميتاً، نزل ميتاً ما حكم هذا الجنين يؤكل أم أنه ميتة لا يجوز؛ لأنه لم يذك؟ فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ذكاة الجنين ذكاة أمه)، يعني: إن ذكى الأم كأنه ذكى الجنين. قال الأحناف: لا، لا بد من تذكية الجنين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد ذكاة الجنين كذكاة أمه. يعني: كما تذكى الأم لا بد أن يذكى الجنين. قلنا لهم: وهل يذبح الجنين بعد موته؟ وهل ينزل منه دم؟ وقوله: (ذكاة الجنين ذكاة أمه)، ليس المعنى كذكاة أمه، هذا استنباط ضعيف من الأحناف. كما استنبطوا أيضاً أنه لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته بعد الموت، وهذا استنباط ضعيف؛ لأن هذا حدث من كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد غسل علي زوجته فاطمة، وغسل أبا بكر زوجته أسماء بنت عميس، وقالت عائشة: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا زوجاته. وهذه حجة في القضية ودليل واضح، فلا ينبغي للمخالف أن يركب رأسه.

فهم الدليل فهما خاطئا

فهم الدليل فهماً خاطئاً السبب السادس من أسباب الخلاف: فهم الدليل فهماً خاطئاً. وهذا كثير، فقد اختلف الفقهاء اختلفوا في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43]، فمنهم من رأى أن مجرد اللمس أن يمس الرجل امرأة سواء كانت زوجة أو غير زوجة أن ذلك ينقض الوضوء، هذا رأي. الرأي الثاني: من مس بشهوة ينقض، ومن مس بغير شهوة لا ينقض. الرأي الثالث: أن المس هنا هو الجماع. وهو الراجح. اختلفوا إلى ثلاثة أقوال باختلاف الأفهام، ونحن نميل مع الرأي الراجح، لكن لا نسفّه الرأي المخالف ونعرّض به، ولذلك لما قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة)، بعد أن عادوا من غزوة الأحزاب، فمنهم من فهم النص أنه لا بد أن يصلي في بني قريظة حتى وإن خرج وقت العصر، وبالفعل غابت الشمس وما صلى العصر إلا بعد غروب الشمس. أما الفريق الثاني فعلموا أن النص له منطوق ومفهوم، فقالوا: النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد أن نصلي في بني قريظة، وإنما أراد أن نبكر بالذهاب، ولا ينبغي أن نؤخر الصلاة عن وقتها -وهو الصواب-، فصلوا في الطريق، فوصل الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر الفريقين على فهمهما، مع أن الصواب مع الفريق الذي صلى في الطريق؛ لأن الصلاة في الوقت محكمة، وهذا قول متشابه، وينبغي أن نحمل المحكم على المتشابه. مثال آخر: رجل أراد أن يتوضأ فلم يجد ماءً فتيمم وصلى، ثم وجد الماء قبل أن يخرج الوقت، كما حصل للصحابة، فمنهم من أعاد الصلاة، ومنهم من اكتفى بصلاة واحدة، فلما وصل الأمر إلى رسول الله قال للذي صلى مرةً واحدةً: (أصبت السنة، وقال للذي أعاد: لك الأجر مرتين) فهذا اختلاف في الأفهام. أيها الإخوة الكرام! قد اختلف العلماء في أحكام كثيرة، لكن لا ينبغي أن نتعصب لرأي واحد، وأن ننكر على المخالف، ولكن العلم عطاء ورزق وفهم، وهذا يجرنا إلى الحديث عن آداب الخلاف، وهذا هو الموضوع الثاني إن شاء الله. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

أدب الخلاف

أدب الخلاف الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. أحبتي الكرام! أعود فأكرر أسباب الخلاف الستة حتى يخرج المستمع وهو على علم بها: أولاً: غياب الدليل عن المخالف. ثانياً: عدم معرفة المخالف بنسخ الدليل. ثالثاً: نسيان الدليل من المخالف. رابعاً: الفهم الخاطئ للدليل. خامساً: الاعتماد على حديث ضعيف، أو أن يكون الاستدلال استدلالاً ضعيفاً. سادساً: رد الدليل لعدم الوثوق به. هذه بعض أسباب اختلاف العلماء إلا أنها أسباب متعددة، جمعها شيخ الإسلام في كتاب يحمل عنوان: رفع الملام عن الأئمة الأعلام. الآن ضاع الأدب، نجد البعض يقف وينسى نفسه فيعرّض بعالم من علماء السلف، ويقول: أخطأ في كذا، وكان حري به أن يقول كذا، ولكنه غفل ووهم، نعم لا بأس أن نقول: إن الرأي الراجح كذا، وغفر الله للمخالف، هذا هو الأدب، فمن الأدب أن نعذره؛ لأنه يقيناً ما وصله الدليل، ويقيناً ما أراد أن يخالف الحق (فإن العالم إذا اجتهد فأصاب له أجران، وإن اجتهد فأخطأ له أجر)، ففي الحالتين هو مأجور أخطأ أم أصاب، لكن العيب كل العيب أن نتتبع زلات العلماء وعثراتهم، وأن نشهر ونعرض بهم، وأن نصم الآذان عن سماع العالم؛ لأجل أنه أخطأ في مسألة، أو جانب الصواب في مسألة، فلا تسمع له، ولا تحضر مجلسه. يرحمك الله اتق الله في نفسك، ما رأينا إماماً منع طلابه من حضور مجلس عالم آخر؛ لأنه خالفه في الرأي، وكان الإمام الشافعي يقول: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. ويقول الإمام مالك: كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم. فمن آداب الخلاف أن تتلقى العلم من المخالف، فـ أبو هريرة تعلّم من شيطان، وهناك فريق يظنون أنهم أعلم أهل الأرض، ويظنون أنهم الأم وما سواهم خارج، ولا يسمعون إلا لأنفسهم، ضلوا -والذي نفسي بيده- وأضلوا، وسيعلمون يوم القيامة -إن شاء الله- ما نقول؛ لأن هذا يخالف منهج السلف. فمثلاً: أنا أرى وجوب إعفاء اللحية، لكن عندما أرى عالماً حليقاً لا أسمع له، وأصد عنه الناس؛ لأنه ارتكب مخالفة بترك واجب، فهذا خطأ، لكن أقم عليه الحجة، وخذ ما عنده من علم، وإلا تكون قد ضيعت الكثير، وغلقت على نفسك الباب، انظر يا عبد الله إلى أبي هريرة يقول: (وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ صدقة الفطر)، أي: أقوم بحراستها. والراجح أن تخرج زكاة الفطر عيناً خلافاً للأحناف في إخراجها نقداً. قال أبو هريرة: (فإذا برجل يحثو من مال الصدقة، فأمسكت بيده، فشكى قلة المال وكثرة العيال وضيق الحال، فتركته رأفة بحاله، ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا هريرة ما صنع أسيرك البارحة؟ فقلت: يا رسول الله شكى كذا وكذا، وأخبرني أنه لن يعود، قال: كذبك وسيعود، وفي اليوم التالي جاء يحثو من المال فأمسكت به فشكى قلة المال وكثرة العيال فتركته، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: كذبك وسيعود، وفي اليوم الثالث قلت: لن أتركك حتى أرفعك إلى رسول الله، قال: اتركني على أن أعلمك -هو يعلم أن هؤلاء يحرصون على العلم-، قال: علمني، قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فلا يزال عليك من الله حافظاً حتى تصبح، فأخبرت رسول الله بما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كذوب)، الكاذب قد يصدق، وصاحب الباطل قد يقول حقاً. قد يقرأ الواحد منا في أحد الكتب فيقول: هذا الكتاب يحرق؛ لأن فيه تأويلاً، وهذا الكتاب يحرق؛ لأن فيه مخالفة، يا عبد الله خذ الحق واترك الباطل، هذا منهج السلف، منهج السلف أن ينقب عن الحق، وكم حرم هؤلاء أنفسهم من خير كثير؛ لأنهم أغلقوا أعينهم وصموا آذانهم إلا ما اعتقدوا فقط. ثم أخبر أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدث منه مع ذلك الرجل، فقال رسول الله: (صدقك وهو كذوب، أتدري من كان معك يا أبا هريرة؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك شيطان)، لما علم أبو هريرة أنه شيطان هل نفذ الوصية أم لم ينفذ؟ فعل ما أمره به أم لم يفعل؟ هل قال: هذا شيطان يعلمني فلن أفعل ما قال؟ يا عبد الله أحياناً صاحب الباطل قد ينطق بالحق، وأحياناً تجد في كتب محظورة حقاً، لكن هذا ليس على إطلاقه، وإنما لمن استطاع أن يفرق بين الحق والباطل، إن كنت عالماً فأقدم وخذ الحق واترك الباطل. أما أن نسمع من يقول: الإمام النووي مؤول لا نقرأ كتبه، وابن حجر أشعري في بعض عقيدته فتحرق كتبه، فلان ضل فأتلفوا كتبه، فهؤلاء أحرقوا المواد العلمية؛ لسوء فهم. وأنبه إلى أمر هام قبل أن نترك هذا المجال فأقول: إن الناس في هذه الإجازة الصيفية تنقسم إلى قسمين: فريق يدعو إلى النار، وفريق يدعو إلى الجنة، فريق يدعو إلى السين

تفسير سورة القلم [3]

تفسير سورة القلم [3] حض الله سبحانه وتعالى في كتابه على حسن الخلق، وكذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم في سنته، وحسن الخلق لا يقتصر على حسن المعاملة مع الخلق وخفض الجناح لهم ولين الكلام معهم، ولكنه أعم من ذلك، وأعظم حسن الخلق حسن العبادة لله بامتثال ما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد إلا بما شرع، وكذلك حسن الخلق مع النبي صلى الله عليه وسلم يكون باتباع سنته وتصديق خبره، وعدم الإحداث في الدين، وعدم التقول عليه ما لم يقل.

منزلة الخلق الحسن في الإسلام

منزلة الخلق الحسن في الإسلام الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، ,وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب، لقاؤنا اليوم بحول الله وفضله وتوفيقه مع قول الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، إننا في زمن انهارت فيه كثير من الأخلاقيات، واختلطت فيه الأوراق، ومن ثم ينبغي علينا أن نبين معنى الخلق، لغة واصطلاحاً، ثم نطرح سؤالاً مؤداه: هل الخلق فطري في الإنسان أم مكتسب؟ ثم نبين حسن الخلق مع الخالق، وحسن الخلق مع المخلوق. لقد جاءت النصوص الشرعية تبين منزلة حسن الخلق، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق). (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بين يديه وقال: يا رسول الله ما الدين؟ قال: حسن الخلق، فجاء عن يمينه فقال: ما الدين؟ قال: حسن الخلق، فجاء عن يساره وقال: ما الدين؟ قال: حسن الخلق، ثم أتاه من ورائه فقال: يا رسول الله ما الدين؟ فالتفت إليه وقال: أما تفقه). وآخر يقول: (يا رسول الله أوصني، قال: لا تغضب). وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض). وحينما ذكر له امرأة كثيرة الصلاة، كثيرة الصيام، كثيرة التهجد لكنها تؤذي جيرانها قال: (هي في النار). أحبتي الكرام! لا ثمرة لطاعتنا إن لم تتصف بحسن الخلق، فالصلاة شرعت لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر. والحج شرع قال ربنا فيه: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197]. والزكاة قال الله في شأنها: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]. ويقول عليه الصلاة والسلام في حق الصيام: (من لم يدع قول الزور أو العمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، لا قيمة لصلاتك، لا قيمة لعبادتك إن لم تتوج بحسن الخلق. حسن الخلق يا عباد الله الذي انهار في زماننا، هناك صلاة، وحفظ للقرآن، لكن أين الخلق الحسن؟ قال رجل للأحنف بن قيس: إن قلت كلمة ستسمع عشراً، فقال له الأحنف: وأنت إن قلت عشراً فلن تسمع واحدة. إنه حسن الخلق الذي علمنا إياه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال لقومه الذين آذوه وأخرجوه، وسبوه، ولعنوه، وطردوه: (ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم قال: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء). وهو القائل أيضاً: (اعف عن من ظلمك، وصل من قطعك)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

تعريف الخلق لغة واصطلاحا

تعريف الخلق لغة واصطلاحاً الخلق لغة: هو الطبع والسجية، واصطلاحاً: هو الصورة الباطنة للمرء، فإن للإنسان صورة ظاهرة تسمى الخَلق، وله صورة باطنة تسمى الخُلقُ، فكما أن الصورة الظاهرة يمكن أن تكون حسنة أو قبيحة، كذلك الصورة الباطنة يمكن أن تكون كذلك. وعرف بعض أهل العلم الخلق بقوله: هو هيئة راسخة ثابتة في النفس تصدر عنه الأفعال بسهولة ويسر. والخلق منه ما هو مكتسب، ومنه ما هو فطري خلق مع الإنسان يوم أن خلقه الله، جاء في البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين -أو خلتين- يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة، قال: يا رسول الله أجبلت عليهما أم تخلقت بهما؟ -أي: هل اكتسبتهما بعد وجودي أم خلقني الله بهما؟ - قال بل: جبلت عليهما). أي: أنك خلقت بهما، وهذا يبين أن الخلق منه ما هو مكتسب، ومنه ما هو فطري، فيه ما هو بالطبع، وفيه ما هو بالتطبع، ودليلنا أن آدم عليه السلام لما أسكنه الله الجنة وأمره أن يأكل من كل ثمارها إلا شجرة واحدة، وسوس له الشيطان، فلما ذاق الشجرة قال الله: {بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف:22]، حينما بدت السوأة أخذ آدم من ورق الجنة يواري سوأته قبل أن يهبط إلى الأرض، علم بذلك أن الحياء في آدم خلق مجبول عليه، يعلم أن انكشاف العورة لا ينبغي، فأخذ يسترها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء)، فإذا ضاع الحياء ضاع الإيمان. إذاً: فالخلق فيه ما هو مكتسب يمكن أن تمرن ولدك على خلق حسن، وفيه ما هو فطري ولد أو خلق مع الإنسان يوم أن خلقه الله عز وجل.

حسن الخلق مع الخالق

حسن الخلق مع الخالق يخطئ الكثير فيفهم أن حسن الخلق مع المخلوق أولاً ثم مع الخالق، وليس كذلك، بل مع الخالق ثم مع المخلوق. أما حسن الخلق مع الخالق فيدور على ثلاثة أركان: الأول: أن تصدق بأخباره. الثاني: أن تتلقى أحكامه بالتنفيذ والتطبيق. الثالث: أن تتلقى أقداره بالرضا والقبول. الأول: أن تتلقى أخباره بالقبول والتصديق. يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (إذا وقعت الذبابة في إناء أحدكم فليغمسها ثم لينزعها؛ فإن في إحدى جناحيها داء والآخر دواء)، فمن حسن الخلق مع هذا النص أن نتلقاه بالقبول والتصديق؛ لأن النص ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما أن الذي رواه هو البخاري. وهناك أقوام من دعاة العقلانية أتباع مدرسة الاعتزال يردون هذا الحديث، والاعتزال وإن لم توجد له فرقة الآن إلا أنه لا يزال يدب في عقول البعض، يقول: كيف أغمس ذبابة؟ أي عقل يقبل هذا؟ هذا كلام باطل، ويرد الأمر على رسول الله، وهذا سوء خلق مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن العقل حاله مع الشرع كحال الضوء مع العين، هل يمكن للعين أن ترى بدون ضوء؟ كذلك العقل لا يرى إلا بنور الوحي، فلا قيمة للعقل إن رد الأوامر الشرعية، وسأذكر نماذج من واقعنا الآن لأتباع المدرسة العقلانية الذين ردوا نصوصاً كثرة من القرآن والسنة بحجة العقل، من ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في البخاري -: (إن موسى عليه السلام جاءه ملك الموت في صورة بشر تسلق عليه الجدار، ففقأ موسى عينه). وفي غزوة شكى الصحابة قلة الماء إلى رسول الله، فوجد عيناً فيها ماء فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده، فثار الماء من بين أصابعه حتى شرب منه ألف وخمسمائة صحابي. ولما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلى، ثم ارتفع إلى السماء السابعة، وفرضت عليه الصلاة وعاد إلى موسى. فهؤلاء بعقولهم العفنة ردوا النصوص الثابتة من الكتاب والسنة، وعقولنا نقدرها ونحترمها، لكن العقل في فهم النص وتوجيهه لا يرده ولا يجحده. وتجد آخر يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقطع الصلاة ثلاثة: الحمار، والمرأة، والكلب الأسود)، أما الحمار والمرأة ففيهما خلاف شديد بين المذاهب للتخصيص، وأما الشاهد من الكلام قوله: لا أرى فرقاً بين الكلب الأسود والأبيض والأحمر، ويرد الحديث بحجة أنه لا فرق بين هذا وذاك، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلب الأسود قال: (الكلب الأسود شيطان). وفي صحيح مسلم (تدنو الشمس يوم القيامة من رءوس العباد على قدر ميل) يقول قائل: الشمس بيننا وبينها ملايين الكيلو مترات، وإذا اقتربت منا سنتيمتر فإنها تحرق الناس؟ فكيف تدنو من رءوسهم يوم القيامة بقدر مسافة ميل؟ وهكذا يردون النصوص الصحيحة بحجة أنها لا تستقيم مع أفهامهم، وهذا سوء خلق مع كتاب الله ومع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند ربه ست خصال: يغفر له من أول دفعة من دم) أول دفعة دم تنزل من جسده يغفر له بها كل ذنوبه. ثانياً: (يأمن من عذاب القبر). ثالثاً: (يأمن من الفزع الأكبر). رابعاً: (يلبس تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها). خامساً: (يتزوج باثنتين وسبعين من الحور العين). سادساً: (يشفع في سبعين من أهل بيته). كتب أحد العقلانيين يتهكم في عموده: كيف نقبل أن يتزوج الواحد باثنتين وسبعين؟ عقولنا لا تقبل ذلك. ويزعم أن هذا لا يستقيم مع عقولنا، وكل النصوص الشرعية عرضوها على عقولهم، فما قبله العقل قبلوه، وما رده العقل ردوه، فاتصفوا بسوء الخلق مع كتاب الله، ومع سنة رسول الله. والعلم المعاصر يثبت الآن بعد تحليل جناحي الذبابة أن في أحد جناحيها داء وفي الجناح الآخر الدواء، ولأننا هدانا الله إلى حسن الخلق، قلنا: نغمس وننزع؛ لأن الذي أمرنا بذلك هو الذي لا ينطق عن الهوى، أما القوم فانتظروا حتى أثبت العلم ذلك، ونحن نقول: أثبت العلم أو لم يثبت فما علينا إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا. إذاً: حسن الخلق مع الخالق أن تتلقى أخباره بالقبول والتصديق. ثانياً: أن نتلقى أحكامه بالتنفيذ والتطبيق في العبادات والمعاملات، برضا وسلامة صدر وانشراح وحب، وهذا حال المؤمن. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر)، {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142]، أما المؤمن إذا صلى الفجر ينتظر حتى الصباح في مصلاه يذكر الله، ويدخلها وهو يستشعر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة). وحينما يخرج الزكاة يخرجها برضا وبحب، ويدعو الله أن يقبل منه، ويرغب أن يزيد من الإنفاق. والصيام مشقة، لكن المؤ

حسن الخلق من المخلوق

حسن الخلق من المخلوق أما حسن الخلق مع المخلوق فهذا موضوع يطول، قال الحسن البصري: حسن الخلق هو كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه. وكف الأذى: أن تكف أذاك عن المسلمين، عن أعراضهم وأموالهم ودمائهم. وفي حجة الوداع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للناس جميعاً: (إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)، هذا هو كف الأذى، فمن منا يكف أذاه عن إخوانه؟ إن كف أذاه عنه في ماله نهش لحمه، وأكل عرضه. جلس قوم عند أحد الصالحين، فقبل أن يأتيهم بالطعام أخذوا يغتابون أخاً لهم في عدم حضوره، فجاء الرجل، وقال: يا قوم لقد كنا قديماً نأكل الخبز قبل اللحم أما أنتم الآن فبدأتم باللحم قبل الخبز، بدأتم بعرض أخيكم. وكف الأذى عن أموال المسلمين ألا تنصب، ولا ترتشي، ولا تحتال، ولا تأخذ مالاً بغير حق، كل هذا من كف الأذى. وأن تكف لسانك عن أعراضهم بالغيبة، وما أدراك ما الغيبة التي نتمضمض بها صباحاً ومساءً أكثر من وضوئنا للصلاة، الغيبة هي: (ذكرك أخاك بما يكره) كما قال النبي عليه الصلاة والسلام. يقول أحد السلف: جاهدت نفسي في الغيبة، فقلت: كلما اغتبت أحداً صمت يوماً، فأجهدني الصيام، فقلت: كلما اغتبت تصدقت بدرهم، فدفعني حب المال إلى ترك الغيبة؛ لأنه كلما أخرج درهماً شعر أنه يخرج ما يحبه. فالشاهد أنه أراد أن يهذب نفسه، أما نحن الآن لا هم لنا، قالوا، قلنا، سمعنا، سمعت، ظنوا وهكذا، بدون بينة ولا دليل، قدح، سب، قذف، تطاول، يا قوم ما شرعت العبادات لذلك، فينبغي كف الأذى في العرض والمال والنفس. أما بذل الندى، فهو الجود والكرم، أن تبذل النفس والمال والجاه، كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، أن تبذل لأخيك، أن تسير معه في حاجته، أن تكون إلى جواره في مصيبته، أن تأخذ على يده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله عرفنا كيف ننصره مظلوماً، فيكف ننصره ظالماً؟ قال: أن تأخذ على يده). أما طلاقة الوجه. ويا ليتنا نضعها في اعتبارنا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة). وقال: (لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، تجد البعض يقابلك ويعبس في وجهك، كأنه يبغضك أكثر من بغضه لأهل الكتاب، وإن ألقى السلام يعبس في وجهك، ويكشر عن جبهته، وكأن بينك وبينه ثأراً، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم في وجوه الناس، وصدق الله سبحانه إذ يقول: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

عدم الغش في البيع من حسن الخلق وبيان خطر النميمة

عدم الغش في البيع من حسن الخلق وبيان خطر النميمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. أيها الإخوة الكرام الأحباب، إن حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان، وعلى العبد أن يدرب نفسه، وأن يجاهدها في هذا الباب. خرج رجل إلى السوق ليبيع عبداً مملوكاً له فقال: غلامي هذا فيه خصال كذا وكذا وظل يمدحه، ثم قال: إلا أنه نمام، والواجب أن يبين البائع عيب السلعة التي يبيعها، ومن الغش أن يخفي العيب، فهذا رجل عنده حسن خلق في البيع، فبين أن في غلامه كذا وكذا، إلا أنه نمام، فقال أحد الناس ممن لا عقل لهم: هذا عيب ضئيل لا وزن له، وأخذه على عيبه، فجاء الغلام إلى سيده وقال له: سيدي إن سيدتي تبغضك، وتدبر لقتلك فتناوم، يعني: اجعل نفسك نائماً وستنظر صدق ما أقول، ثم ذهب إلى سيدته وقال لها: سيدي يريد أن يتزوج عليك، وإن أردت ألا يفعل فخذي شعرة من لحيته وائتيني بها، وأنا أفعل لك أمراً لن يتزوج به عليك، فجاءت المرأة بالليل بالموسى وهوت على رأس زوجها لتأخذ منه شعرة، ففتح الزوج عينه فوجدها تهوي عليه، فجذب الموسى من يدها وطعنها وقتلها، فلما وصل الأمر إلى أهلها اجتمعوا عليه فقتلوه، فدار الحرب بين القبيلتين. انظروا إلى ما حدث من ذنب يسير نظنه، ولكنه ليس يسيراً عند الله، وإنما يمكن لك أن تتجاوزه، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير) أي: ما يعذبان فيه أمر كان من اليسير عليهما أن يتجنباه؛ لأنه قال: (بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله)، وفي رواية: (لا يستبرئ)، وفي رواية: (لا يستنزه). رجل أعمال يسير في الطريق الصحراوي ضاقت به السبل، يركن السيارة ينزل، فإذا به يقضي حاجته على قارعة الطريق، أما تستحي من الله؟ أما تستحي من الناس؟ لا يستتر، ولا يستبرئ ولا يستنزه من بوله. (وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس). قال رجل لـ عمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين فلان يقول في حقك: كذا، فقال له عمر بن عبد العزيز: أيها الرجل إن كنت كاذباً فأنت من الذين قال الله فيهم: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6]، وإن كنت صادقاً، فأنت من الذين قال الله فيهم: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11]، قم، قال: العفو يا أمير المؤمنين. فمن قال لك قال عليك. لو أننا أخذنا هذا المبدأ وسرنا به في حياتنا لاستقامت الحياة، ولعمت راحة الصدور، ولاطمأن البال، ولكننا تركناه فعمت الفوضى التي نعيش فيها الآن، وضاعت الأخلاق، وانهارت القيم، أسأل الله سبحانه أن يحسن أخلاقنا. اللهم حسن أخلاقنا كما حسنت خلقتنا، وحرم وجوهنا على النار. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم طهر ألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، وقلوبنا من النفاق. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم ول أمورنا خيرنا. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، ونسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا، وشفاء صدورنا. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين، اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، وجمد الدماء في عروقهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود، فإنهم لا يعجزونك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تفسير سورة القلم [4]

تفسير سورة القلم [4] الحياء خلق من أخلاق الإسلام، وفطرة فطر الله عليها الإنسان، وهو خلق يحض على مكارم الأخلاق، وهو شعبة من شعب الإيمان، والالتزام بخلق الحياء يقلل من المنكرات في المجتمع، والحياء لا يأتي إلا بخير، وإذا كان يؤدي إلى ترك الواجبات المأمور بها فيترك؛ لأنه لا حياء في السؤال عن أمور الدين.

تعريف الحياء

تعريف الحياء الحمد لله رب العالمين، الذين أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماءٍ مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، فهو مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه كيفما شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه القائل: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) عبده ورسوله. ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام، لا زلنا مع قول الله سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، فأزمتنا أزمة أخلاق، وعباداتنا لا تحقق الغرض منها إلا بالأخلاق، وقد تحدثنا عن مفهوم حسن الخلق، وعن حسن الخلق مع الخالق، وحسن الخلق مع المخلوق، ووضحنا الأمور التي يدور عليها حسن الخلق، وأن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق. وحديثنا اليوم عن خلق سماه النبي صلى الله عليه وسلم: خلق الإسلام، حيث قال: (إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء)، فحديثنا عن الحياء، ومن ثم سيكون عنوان الخطبة: إرشاد الأخلاء إلى منزلة الحياء. ما هو الحياء؟ وما أنواعه؟ كان عند العرب قبل الإسلام حياء، وسنأتي بمقارنة بين مواقف العرب قبل البعثة، وبين مواقف من ينتسبون إلى الإسلام اليوم، ثم نتحدث عن الحياء في القرآن والسنة، ثم نتحدث عن حياء الأنبياء، وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم عن حياء الصحابة وحياء الصحابيات، ثم نختم الحديث بأمور لا ينبغي أن يكون فيها حياء، ثم نذكر من أرض الواقع نماذج على هذه القضايا الهامة. والحياء يعرفه العلماء: بأنه صفة خلقية تبعث على اجتناب الرذائل، وتدفع إلى إعطاء الحق لصاحبه. وبين الحياء والإيمان ارتباط، فكلما زادت مادة الإيمان في القلب زاد الحياء، وكلما قلت مادة الإيمان في القلب قلّ الحياء، لذلك يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان والحياء قرينان، إذا رفع أحدهما رفع الآخر).

أسباب فقدان الحياء الفطري وعاقبته

أسباب فقدان الحياء الفطري وعاقبته إن نزع الحياء من القلب فلا بد أن تعلم أن مادة الإيمان في هذا القلب منعدمة أو ضعيفة، والحياء أصل في فطرة الإنسان، لذلك إذا ما نظرنا إلى واقعنا اليوم نعلم أن البعض منا قد تحلل من الحياء الفطري، فهذا آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بدت له سوأته -وظهور السوأة ينافي الحياء-، فأخذ من ورق الشجرة ليواري به سوأته، وكذلك فعلت حواء، ففهما بالفطرة الغريزية أن ظهور السوأة ينافي الحياء، وانظر يا عبد الله إلى واقعنا فستعلم أن الحياء قد نزع، لا أقول: الحياء الاكتسابي الذي يناله المرء بالتعلم، إنما أصل الحياء قد نزع. فحينما ترى شاباً يقبل فتاة على مرأى من الجميع والحضور، هل نزع الحياء منه أو لم ينزع؟ وحينما ترى ولي أمر يجلس بين أهل بيته، ويفتح ذلك الجهاز الذي يدمر الأخلاق ويحطمها، فإذا بالبطل يقبل البطلة ويحتضنها، والأسرة تنظر إليه، هل نزع الحياء منه أو لم ينزع؟ نزع الحياء. وحينما ترى من تسير عارية الشعر والصدر والذراعين والساقين، أو تلبس بنطالاً يجسد عورتها المغلظة، هل نزع الحياء منها أو لم ينزع؟ وحينما ترى إسهاب المرأة في العبارة، وتغنجها في الكلام مع الرجال. وحينما ترى من يجاهر بالمعصية فلا يستحي من نفسه، ولا من الله ولا من الملائكة، ولا من الناس، فهو يجاهر بالمعاصي عياناً بياناً، هل نزع الحياء منه أم لم ينزع؟ انظر يا عبد الله يوم أن خرجت علينا بعض الصحف بتلك الجريمة البشعة التي قام بها من لا حياء عندهم، حينما اغتصب طبيب أسنان بعض النساء بإعطائهن مخدر، ثم يصورها عارية وهي غائبة عن الوعي، ثم يتاجر في هذه الأفلام ويبيعها، وقد قلنا: إن سبب الجريمة أولاً: غياب التعاليم الشرعية، وأنه لا يجوز للمرأة أن تذهب بدون محرم، وقد أيد هذا الكلام نقيب أطباء الأسنان، فإذا برجل لا حياء عنده يكتب لنقيب الأطباء ويقول: يا نقيب الأطباء قلها صراحة: إنك تريد للنساء ألا يذهبن إلا بمحرم، وهذه الرجعية التي تنادي بها وهذا الجمود والتحجر الذي تريد به أن تعيدنا إلى عصر الظلام. فهذا الرجل الذي نزع منه الحياء يكتب هذا الكلام ليطعن في النبي عليه الصلاة والسلام حينما أمر المرأة ألا تخرج إلا مع محرم، وأن هذه رجعية وتخلف وعودة إلى عصور الظلام، ثم قال: ولا بد لنقيب الأطباء أن ينظر في حاله فربما أثر عليه الأصوليون، وربما لوث فكره بمذاهب المتحجرين، لا بد من إعادة نظر، فنقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، أين الحياء؟ لا حياء مع الخلق ولا مع الخالق.

صور من الحياء الفطري عند العرب قبل الإسلام

صور من الحياء الفطري عند العرب قبل الإسلام كانت العرب قبل الإسلام تعرف خلق الحياء، فقد جاء في كتاب بدء الوحي عند البخاري أن هرقل أرسل إلى أبي سفيان مع بعض أصحابه وكانوا تجاراً بالشام يسألهم عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هرقل داهية، ومحللاً ومدركاً للعبارات، ويربط الأحداث والجمل ويستنبط؛ لذلك قال أبو سفيان: ما رأيت داهية كهذا الأقلف؛ لأنه كان غير مختون. قال لهم هرقل: أيكم أقرب نسباً إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: أنا، واختار القريب نسباً؛ لأنه إن طعن في نسبه فسيطعن في نسبه هو، فقال أبو سفيان: أنا، فقال لترجمانه: قربوه واجعلوا أصحابه خلف ظهره، وقال لأصحابه: إني سائله فإن كذبني فكذبوه، بعد أن أبعدهم عن مواجهته، بحيث إذا كذب في الحديث كذبوه من خلفه، يقول أبو سفيان: وسألني ولولا أني خفت أن يأثروا علي كذباً لكذبت، لولا أني استحييت، قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: إنه لو كذب ما كذبوه؛ لأنهم اشتركوا معاً في بغض النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن أبا سفيان خشي أن يقول الناس بعد أن يرجعوا: إنه كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فـ أبو سفيان استحيا أن يكذب، فكان عندهم حياء. وأبو جهل بعد هجرة النبي عليه الصلاة والسلام قال له قومه: تسور الجدار على أسماء وسلها عن أبيها وعن رسول الله، فقال: يا قوم أتريدون أن يعيرني الناس ويقولون: إن أبا جهل يتسور الجدران على النساء بالليل، الله أكبر! أين حياء أبي جهل ممن يقتحم البيوت ويدخل إلى الحجرات وينظر إلى العورات دون أن يتقي رب البريات؟ أبو جهل ينأى بنفسه أن يعتلي جداراً لينظر إلى امرأة ليس معها أحد، والقرآن الكريم جاء يبين في سورة القصص موقف ابنتي شعيب يقول ربنا سبحانه: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لنا} [القصص:25]. يقول عمر رضي الله عنه: خرجت وقد وضعت كم درعها على وجهها، وهي تحدث رجلاً أجنبياً لا يحل لها أن تحدثه، فلم تكن سلفع، خراجة ولاجة جريئة لا حياء عندها. في الجاهلية وقع البرقع من امرأة أمام مجلس الرجال، ثم ناخت على الأرض بقدميها لتأخذ البرقع بيدها الأخرى، واستحيت من الحضور، أين الحياء في زماننا يا قوم؟

الحياء من صفات الله سبحانه ومن صفات الأنبياء والمؤمنين

الحياء من صفات الله سبحانه ومن صفات الأنبياء والمؤمنين الحياء صفة من صفات رب العالمين، وفي الحديث الصحيح: (إن الله حيي كريم، يستحي أن يرفع الرجل يده إليه فيردهما صفراً خائبتين)، ولذلك ربنا رحيم يحب الرحماء، كريم يحب الكرماء، حيي يحب أصحاب الحياء سبحانه وتعالى. جاء في كتاب العلم عند البخاري باب من اغتسل عرياناً وحده، ومن شدة حياء بعض الصحابة كـ عثمان أنه كان إذا اغتسل بمفرده ما قام وما انتصب، إنما كان يغتسل وهو جالس حياءً من ربه. أما بنو إسرائيل فقد كانوا يغتسلون عرايا مع بعضهم البعض، لكن موسى عليه السلام كان رجلاً حيياً شديد الحياء، كان يغتسل وحده، وكما هو معلوم أن اليهود هم مصدر الإشاعات ومروجوها في الدنيا، فقال بنو إسرائيل: إن موسى لا يغتسل معنا؛ لأن به أدرة -أي: انتفاخ في الخصيتين- وشاع هذا بين بني إسرائيل فآذوه معنوياً، فنزل موسى يوماً يغتسل وحده وقد وضع ملابسه على حجر وبيده عصاه، وخرج بعد أن اغتسل، فإذا بالحجر يأخذ ملابسه ويجري، وهو يسير خلف الحجر ويقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، وبينما هو يجري خلف الحجر مر على قوم من بني إسرائيل؛ فنظروا إليه فإذا به أحسن ما خلق الله، قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب:69]. وقد راعى الإسلام الحياء في مسألة الزواج، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر، قالت عائشة: يا رسول الله إذاً تستحي). أي: أن البكر حينما تسأل: هل تريدين هذا الرجل لك زوجاً، تستحي أن تتكلم، لكن متى كانت تستحي؟ يوم أن كان هناك حياء، أما اليوم فإنها تأتي بالشباب إلى والدها، وتقول: يا أبي أقدم لك بلا فخر زوجي الذي ارتبطت به شئت أم أبيت، فموافقتك لا تقدم ولا تأخر، والحمد لله أنا في الشهر الثالث بالزواج العرفي، وبعض الأمهات تقول لابنتها: إن لم تأتي بزوجك من الجامعة لن تتزوجي أبداً، انصبي الشباك على شاب حددي الهدف، إن أنهيت المرحلة الجامعية دون أن تأتي بفريسة لن تتزوجي، كوني ذكية، ابحثي عن شاب. (قالت عائشة: يا رسول الله البكر تستحي، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام إذنها صماتها). يعني: إذا سكتت فهي في حكم الموافقة، تقول أُمنا عائشة رضي الله عنهما كما عند الحاكم وصححه على شرط الشيخين، وسكت عنه الذهبي: لما دفن الرسول صلى الله عليه وسلم في حجرتي كنت أضع الخمار عن رأسي، فلما دفن أبي كنت أضع الخمار، فلما دفن عمر في حجرتي كنت أشد الخمار على رأسي؛ حياءً من عمر في قبره. الله أكبر! فأين الحياء يا أمة ضاع فيها الحياء؟!!. أما في الأعراس فحدث ولا حرج: عروس تجلس كاشفة الصدر، كاشفة الرأس والذراعين والمفاتن بجوار زوجها الديوث، والجميع ينظر إليهما، والفيديو يصور، والناس تشاهد، أين الحياء؟ ويسلمها زوجها للكوافير، ويتنازل عن رجولته من أول لحظة، وإن أراد أن يدخل قيل له: اخرج لم ننته بعد، سنعطيها لك حينما ننتهي، ويقف الديوث ساعات على باب الكوافير، بدون حياء، وانظروا إلى المصائب التي تعرض علينا آناء الليل وأطراف النهار لنزع الحياء، ممن انعدمت في قلوبهم مادة الحياء، ويريدون أن ينزعوا منا الحياء، لقد أدخلوا الزنا إلى حجرات نومنا عن طريق القنوات الفضائية، ومسابقة ملكات الجمال حتى آخر صيحة، يقول مقدم البرنامج في قناة النيل: نريد أن نقلب مسابقة ملكات الجمال إلى نوع أكثر تقدماً ومسابقة الإغراء، نريد أن نحول الحكم على الجمال إلى إغراء الرجال، فماذا يريدون بمصرنا؟ لا أدري، إذا استمر الحال على هذا يوشك أن تنزل علينا حجارة من السماء، وذلك إذا رأينا العصاة ووافقناهم على ما هم فيه. جاءت أم سليم تقول: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم، إذا رأت الماء، فقالت أم سلمة: أتحتلم المرأة يا رسول الله؟! قال: تربت يداك يا أم سلمة ففيم يكون الشبه)، فلم يمنع أم سليم الحياء أن تتفقه في دين رب العالمين، لذلك هناك أمور لا حياء فيها، سنتحدث عنها في اللقاء الثاني بعد بيان حياء الأنبياء، وحياء الصحابة والصحابيات.

صور من حياء الصحابة

صور من حياء الصحابة جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابنته فاطمة وهي نائمة مع زوجها في فراش واحد، فلما علمت به جذبت اللحاف على رأسها، قال: (يا فاطمة! أنا أبوك)، استحيت من أبيها وهي تنام بجوار زوجها. وجاء في صحيح مسلم: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس يوماً وقد بدا جزء من فخذه، فدخل أبو بكر فظل على حاله، ودخل عمر فظل على جلسته، فلما دخل عثمان عدل النبي صلى الله عليه وسلم من جلسته، وجذب القميص على فخذه، فقالت عائشة: يا رسول الله فعلت كذا وكذا، قال: يا عائشة ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة). فـ عثمان بن عفان هو الذي أعد ثلث جيش العسرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم). وعثمان على عظم منزلته نجد من يكتب عنه في كتبه ويقول: لقد حابى عثمان أقرباءه وقربهم، ولم يعدل في رعيته، ولم يمتثل خطوات السابقين كـ أبي بكر وعمر، فنقول لهذا الكاتب: اخسأ، فأنت تتحدث عن ذي النورين الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (لو كانت لي ثالثة لزوجتها عثمان) من عقيدة أهل السنة في الخلاف بين الصحابة أن نكف عما وقع بينهم من خلاف؛ لأن هؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، خطؤهم مغفور، واجتهادهم مشكور، لسبق إسلامهم، وحسناتهم الماحية، قال الله في حقهم: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119]، يقول ابن حزم وابن الجوزي في زاد المسير: كل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام في الجنة. جاء أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وقال لـ عائشة رضي الله عنها: (إني أريد أن أسألك غير أني أستحي، قالت: سل فإنما أنا أمك، قال: ما تقولين في الرجل يجامع زوجته دون أن ينزل، قالت: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مس الختان الختان وجب الغسل)، الختان الأول ختان الذكر، والختان الثاني ختان الأنثى. إذاً: الأنثى تختن، لكنهم يريدون لها ألا تختتن، أتدري لماذا؟ حتى يرفعوا البقية الباقية من الحياء، يقول ابن القيم: وكان الرجل يعير إن لم تكن أمه مختونة، فيقال له: يا ابن القلفاء، المقصود أن أمك تتطلع إلى الرجال أكثر من غيرها. ومما أثر من كلام النبوة الأولى: (إن لم تستحي فاصنع ما شئت)، يقول ابن القيم: والحديث يحتمل أكثر من معنى: الأول: تهديد ووعيد: (إن لم تستح فاصنع ما شئت)، فمآلك إلى النار، كذلك قول الله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت:40]، هذا كلام بمعنى التهديد. ثانياً: إباحة وأمر، إن لم تستح من الفعل فافعله، يعني: الحاكم على الفعل هو الحياء، فإن لم تستح فاصنع، أما إن استحييت فلا تصنع. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

مواطن ذم الحياء

مواطن ذم الحياء الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. وبعد: فقد جاء في البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل يعظ أخاه في الحياء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعه؛ فإن الحياء من الإيمان)، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). فالحياء كما يحمد في مواطن فإنه يذم في مواطن، فلا حياء في طلب العلم، تقول عائشة رضي الله عنها: رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من الفقه في الدين. وأخرج البخاري في كتاب العلم (باب لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر) حديث عبد الله بن عمر الذي قال فيه: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخرج علينا يوماً، وهو يأكل جماراً) والجمار قلب النخلة، والنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يقرب لأصحابه فهم السؤال، وهذا معناه: أن السائل ينبغي عليه أن يرمز لمن يسأله برمز حتى يوضح له السؤال، فالنبي صلى الله عليه وسلم خرج بجمار ليختبر الأفهام، وهذا من باب تفاوت الأفهام، ولذلك أقول الأصل في السؤال أن يكون مشافهة، فيا ليتنا نأخذ هذا المبدأ في دروسنا، المشافهة هي الأصل، الورقة استثناء؛ لأن الورقة صماء، انظروا إلى الأحاديث والآيات كان الصحابة وغيرهم يسألونه صلى الله عليه وسلم والنبي يجيب، ما كتب أحدهم ورقة أبداً، إنما كان يسأل مباشرة، فهذا الأعرابي يقول: (يا رسول الله متى الساعة؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: أين السائل عن الساعة؟) فالسؤال بالمشافهة يعطي فرصة النظر في حال السائل، والإجابة تختلف باختلاف السائل، وهذا هو أصل، أما الورقة فلا تبين لك حال السائل. لذلك ابن سيرين لما جاءه رجل وقال: يا إمام إني رأيت في المنام أني أؤذن؟ فـ ابن سيرين بعد أن نظر إلى وجهه وبه سمت الصالحين قال: أبشر فستحج بيت الله، قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج:27]. وجاء رجل آخر وقال: يا إمام إني رأيت أني أؤذن؟ وهذا نفس السؤال الأول، لكن الشخص مختلف، فاختلفت الإجابة؛ لأنه نظر إلى وجهه فإذا فيه سمت اللصوص، فقال: أبشر فستسرق وتقطع يدك، يقول تعالى: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف:70]. فكانت إجابات النبي صلى الله عليه وسلم تختلف باختلاف حال السائل، فسائل يقول: (يا رسول الله أوصني، قال: لا تغضب). وآخر يقول: (يا رسول الله أوصني، قال: لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله)، وآخر يقول له: (قل آمنت بالله، ثم استقم). وآخر يقول له: (أطعم الطعام، وأفش السلام، وصل بالليل والناس نيام). كل سائل على حسب حاله، أما الورقة فإنها صماء لا تبين حال السائل، رجل يستفتيك في طلاق قام وهو سريع الطلاقات، يتلفظ بالطلاق مائة مرة في المجلس الواحد، فهذا يحتاج إلى تكدير وتغليظ، يختلف عن حال آخر. قال ابن عمر: (خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جماراً، ثم سأل: إن من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها أخبروني ما هي؟، فوقع الصحابة في شجر البوادي، قال ابن عمر: وكنت أصغر القوم فدار في نفسي أنها النخلة، لكني استحييت أن أتحدث في وجود كبار أصحاب رسول الله)، وإذا قارنا بين حال عبد الله بن عمر وحال بعض طلاب العلم الذين يكونون بين العلماء، فإذا طرحت مسألة إذا به يفتي في حضورهم، ويتحدث في وجودهم، يا عبد الله استح من نفسك، لا تتحدث قبل أن يتحدث العالم، والبعض إن تحدث العالم قاطعه قائلاً: هذا خطأ، لقد قرأت في كتاب كذا، يا رجل استح واعلم كيف تتكلم عند سؤال العالم، فهناك آداب في السؤال، وهناك آداب في طلب العلم ينبغي أن تراعيها، ولذلك ابن عمر استحيا، فعجز الصحابة الحضور عن الإجابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها النخلة)، فقال ابن عمر لأبيه: يا أبي لقد حدثتني نفسي أنها النخلة ومنعني الحياء، قال: يا ولدي لقد كان أحب إلي من كذا وكذا أن تخبر بها رسول الله. أراد البخاري لفقهه العالي في تبويبه أن يبين هذا المعنى فيقول: من استحيا فأمر غيره بالسؤال، يعني ابن عمر استحيا، كان واجب عليه أن يخبر أباه حتى يخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء عن علي يقول: (كنت رجلاً مذاء -أي كثير المذي-، فكنت أغتسل في الشتاء حتى كاد ظهري يتشقق من كثرة الغسل، فأردت أن أسأل رسول الله لكن منعني الحياء)؛ لأنه زوج فاطمة وهي ابنة النبي صلى الله عليه و

تفسير سورة القلم [5]

تفسير سورة القلم [5] شرع الله لعباده شرائع، وحدّ لهم حدوداً، وأوجب عليهم العمل بشرعه، فإن فيه سعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، وإن مما حرمه الله سبحانه الزنا؛ لأن فيه فساد المجتمعات، وانتهاكاً للحرمات والأعراض، وفيه اختلاط الأنساب، فهو جريمة قبيحة، ولذلك حرم الله أسباب هذه الجريمة بدءاً من النظر الذي هو الطريق إلى الفاحشة، ومروراً ببقية الأسباب الموصلة إليه، كالخلوة، والتبرج، وما شرع الله ذلك إلا لمصلحة البشر، وليعيش المجتمع طاهراً نقياً.

تحريم الزنا وأسباب الوقاية منه

تحريم الزنا وأسباب الوقاية منه الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه، وما بكم من نعمة فمن الله. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، بعثه الله سبحانه ليتمم مكارم الأخلاق، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فكأن الغاية من رسالته والهدف من بعثته هي أن يتمم مكارم الأخلاق، ولقد تحدثنا عن الأخلاق وتعريفها عند العلماء، وحسن الخلق مع الخالق، وحسن الخلق مع المخلوق، وعن صفة خلقية ينبغي على المسلم أن يتحلى بها ألا وهي الحياء. وموضوعنا اليوم عن فعل قبيح شاع في زماننا، حرمه الإسلام وحرم الوسائل المؤدية إليه؛ لأن الذين يريدون للأمة أن تميل عن صراط الحق، كما قال سبحانه: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:27]، نشروا تلك الوسائل، حتى عمت تلك الكبيرة، ألا وهي الزنا، أعاذنا الله وإياكم منها. يقرر علماء الأصول قاعدة أصولية يقولون فيها: كل ما أدى إلى الحرام فهو حرام والمعنى: أن الوسائل لها أحكام الغايات، فما أدى إلى الحرام فهو حرام، وكلما ساعد على الحرام يأخذ حكمه، ومن ثم من أجر متجراً أو محلاً لتباع فيه أشرطة الفسق والضلال فدخله حرام، من فصل بنطالاً لامرأة تخرج به سافرة فعمله حرام؛ لأن الله يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]. والإسلام حينما حرم الزنا حرم السبل المؤدية له، ولذلك لقاؤنا اليوم بعنوان: الوسائل الواقية من الزنا. لقد حرم الإسلام الفواحش بصفة عامة، والآيات في ذلك متعددة، يقول ربنا سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف:33]. ويقول سبحانه: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} [البقرة:268]. ويقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور:19]. ويقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]. وجاءت الآيات القرآنية تقرر أن من أعظم الفواحش جريمة الزنا، فكم من أعراض تنتهك بسبب ما وقعنا فيه، وبسبب اجتنابنا لشرع ربنا عز وجل. لقد وضع الإسلام ثلاث عشرة وسيلة ليغلق هذا الباب، نقرؤها جملة ثم نشرحها تفصيلاً، ثم نربطها بالواقع المؤلم: أولاً: أمر بغض البصر. ثانياً: نهى عن التبرج. ثالثاً: نهى عن الاختلاط. رابعاً: حرم الخلوة. خامساً: حرم على المرأة أن تسافر مع غير محرم. سادساً: حرم على المرأة أن تخرج متعطرة. سابعاً: حرم على الرجال مصافحة النساء الأجنبيات. ثامناً: حرم على النساء الخضوع بالقول. تاسعاً: حرم على المرأة أن تنظر إلى المرأة فتصفها لزوجها كأنه يراها. عاشراً: حرم على المرأة أن تمتنع عن فراش زوجها إلا بسبب شرعي. الحادي عشر: حرم على المرأة أن تسير في وسط الطريق كما سنبين. الثاني عشر: حرم الغناء. الثالث عشر: حرم على الرجل أن يحلف أو يقسم على ألا يأتي زوجته أكثر من أربعة أشهر، وهذا يسمى الإيلاء، كما ورد في سورة البقرة. لو أن الأمة راعت هذه الوسائل لعمت الطهارة؛ لأن الحرب على التستر وحجاب المرأة قد أطلت برأسها من أصحاب القلوب المريضة ليل نهار، من طعن في العفاف والطهارة والحجاب وغير ذلك.

غض البصر

غض البصر الوسيلة الأولى التي ينبغي على المسلم والمسلمة أن يراعيها حتى لا يقع في ذلك المستنقع: غض البصر، وقد جاءت في الآيات القرآنية تأمر بغض البصر، يقول ربنا سبحانه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30]، ثم قال ربنا: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31]. والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بغض البصر، كما جاء من حديث جرير بن عبد الله البجلي حينما سأله عن نظر الفجأة؟ قال: (اصرف بصرك). فانظر يا عبد الله إلى ما نحن فيه، هل غض بصره من نظر إلى فيلم هابط يدعو إلى الفاحشة وإلى الدعارة؟ هل غض بصره من نظر إلى مجلة خليعة ترسم على غلافها صورة امرأة عارية؟ هل غض بصره من وقف أمام محل لا يتقي صاحبه الله عز وجل فيعرض صوراً عارية؟ إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بغض أبصارنا عن كل ما يغضب الله، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله لا بد لنا منها، قال: إن كان ولا بد فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)، فهل أدينا حق الطريق يا عباد الله؟ انظروا إلى ما نحن فيه، فقد شرد البصر يميناً ويساراً، وأصبح يدعو إلى تلك الجريمة، فاحذر؛ لأنه جاء في الخبر: (أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس)، كلما نظرت وقع في قلبك فتمنيت فتذكرت فعزمت، فاستدرجك الشيطان. إذاً: فأول الطرق الواقية من الزنا هي غض البصر عما حرم الله.

الحجاب وعدم التبرج

الحجاب وعدم التبرج ثانياً: حرم الإسلام التبرج؛ ليسد هذا الباب، والمتأمل في واقع الأمة يجد أن هناك فريقاً يأمر بالفحشاء والمنكر، ويعلنها حرباً على الحجاب والطهارة والعفاف. ولباس المرأة المسلمة له شروط، شرعها الله لها؛ لأنه الذي خلقها، وهو الذي جعل لها حقوقاً بعد أن كانت المرأة في الجاهلية تقتل، كما قال سبحانه: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9]، بل كانت المرأة تورث، بعد موت زوجها يرثها أولادها، فقد جاء الإسلام ليرفع من قدرها وليعلنها صراحة: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ} [النساء:7]. جاء الإسلام وأوجب على المرأة لباساً ينبغي أن تراعيه بثمانية شروط، إن أردنا أن نطبقها على الواقع سنجد أن الفجوة كبيرة بيننا وبين دين ربنا: أولاً: أن يكون اللباس ساتراً لجميع بدنها. ثانياً: أن يكون فضفاضاً لا يصف. ثالثاً: أن يكون صفيقاً لا يشف. رابعاً: ألا يكون لباس زينة. خامساً: ألا يكون شبيهًا بملابس الرجال. سادساً: ألا يكون شبيهًا بملابس الكافرات. سابعاً: ألا يكون معطراً. ثامناً وأخيراً: ألا يكون لباس شهرة. ثمانية شروط لملابس المرأة المسلمة هيا بنا نسقطها على الواقع: أن يكون ساتراً لجميع بدنها، فهل ما نراه الآن يستر البدن يا عباد الله؟! تخرج المرأة كأنها تدعو إلى الفاحشة، هل ما نراه الآن فضفاضاً لا يصف، فيما يسمونه بالبنطال الذي يجسد العورة ويظهرها؟ وصدق خير الأنام عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أمتي لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا، نساء كاسيات عاريات)، وللعلماء في هذا اللفظ أقوال: منهم من قال: كاسية بنعمة الله عارية من شكرها، ومنهم من قال: كاسية في موضع عارية في موضع آخر، ومنهم من قال: كاسية بملابس وكأنها عارية وهو الواقع الآن، فإن هذه الملابس إنما هي دعوة إلى الفجور وإلى الفحشاء، لذلك لا تعجب مما تسمع عنه كل يوم وكل حين عن زنا المحارم، وعن الزواج العرفي، وتسميته بالزواج ظلم وعدوان وعن الاغتصاب، وعن ضياع الأعراض، لماذا هذا الواقع المؤلم؟ بسبب الدعوة إلى الفاحشة عن طريق المجلات الهابطة، والنساء المتبرجات اللاتي يخرجن ولا يتقين الله عز وجل. لقد وضع الإسلام ثمانية شروط لملابس المرأة التقية العفيفة، فقد نهى الإسلام عن التبرج، فقال ربنا سبحانه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، قال العلماء: يظلم الجاهلية الأولى من يقارنها بجاهلية اليوم في التبرج، فإن تبرج الجاهلية الأولى كانت المرأة فيه تستر جميع بدنها، وتلبس ثوبًا فضفاضاً غير شبيه بملابس الرجال، ولكنها تظهر جزءًا من صدرها ونحرها، فسماه الله: تبرج الجاهلية الأولى، فماذا نقول في تبرج اليوم: هل هو كتبرج الجاهلية؟ بل قد تعدى وفاق تبرج الجاهلية، تجد الرجل يصلي الفجر في جماعة، ويقوم الليل، ويحفظ القرآن، وإذا نظرت إلى بيته تجد البنت أو الزوجة تخرج وليس عليها سمت الالتزام أبداً. فيقال له: إن الذي لا يغار على عرضه ديوث، ولا يدخل الجنة ديوث، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، الإسلام سلوك، الإسلام واقع، الإسلام ليس شعارات، الإسلام ليس هتافات، الإسلام انضباط على شرع رب العالمين سبحانه وتعالى.

عدم الاختلاط

عدم الاختلاط ثالثاً: من التدابير الواقية من الزنا بعد غض البصر والنهي عن التبرج: عدم الاختلاط، ولو أننا نزّلنا ذلك على مجتمعاتنا لعم العفاف والطهارة، ولكن الذين يريدون أن نتبع الشهوات يسعون ليل نهار لأجل إشاعة الفاحشة، لقد حرم الإسلام الاختلاط، فلا ينبغي للمرأة أن تخالط الرجال، فانظر يا عبد الله إلى واقعنا وإلى الاختلاط الذي نعيشه. حينما جاءت ابنتا شعيب إلى الماء لتسقيا غنمهما وجدتا على الماء رجالاً فماذا صنعتا؟ لقد انحرفتا بعيداً عن الرجال، فلما مر موسى: {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23]، أي: لا نسقي حتى ينصرف الرجال؛ لأنه لا يجوز لنا أن نخالط الرجال. الاختلاط الآن في جامعاتنا في مواصلاتنا العامة في كل حياتنا، حتى في مكاتبنا الخاصة، يعني: أن كل أعمال السكرتارية والمحاسبة يستجلب لها أصحاب الأعمال سكرتيرة من الدرجة الأولى، حتى تقابل العملاء، وحتى تجذبهم، نسأل الله العافية.

عدم الخلوة المحرمة

عدم الخلوة المحرمة من التدابير الواقية من الزنا: النهي عن الخلوة المحرمة، حتى لمن يعلم القرآن، فلا يجوز لمعلم القرآن أن يخلو بامرأة لا تحل له، لا يحل لمن يدعي أنه يعالج بالقرآن أن يخلو بامرأة لا تحل له، لا يحل لمدرس يعطي دروساً خصوصية أن يخلو ببنت أو بامرأة لا تحل له، لا يحل لمدير في منصبه أن يغلق الباب بسكرتيرته، فهذه دعوى إلى الفاحشة، لا يحل للمرأة أن تذهب لطبيب بمفردها إلا مع ذي محرم. أقول لكم إخواني: لقد خرجت المرأة بغير ضابط، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما)، فلا يحل لامرأة أن تكون مع رجل إلا مع ذي محرم، ولذلك قال العلماء: يسقط عن المرأة فريضة الحج إن لم تجد محرماً. خرج رجل مع النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة، فأخبره الرجل أن امرأته ذهبت لتحج، أتدرون ماذا صنع معه النبي صلى الله عليه وسلم؟ أمره أن يترك الجهاد ليحج مع امرأته. هذا هو الشرع يا عبد الله، فإن سفر المرأة بدون محرم فتنة، تذهب إلى أسيوط بمفردها، فتركب من الشرقية إلى أسيوط عشر ساعات، وتبيت في القطار، وتجلس شهراً كاملاً مع غير محرم؛ لتتعلم، فأي علم هذا يا عبد الله؟ أي علم الذي يجعلك تجترئ على شرع الله؟ فإذا جاءت بعد أربع سنوات تقول لأبيها: يا أبي تزوجت بفضل الله، وهذا ولدي من زوجي! ونسألك أن تبارك وأن تؤيد، أنت في غفلة يا عبد الله، البنت بعيدة عن متابعتك، إذا خرجت من بيتها استشرفها شيطان، والمرأة عورة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام. تلك الضوابط إخواني تحفظ أخلاق المجتمع: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

عدم السفر بدون محرم أو مع غير ذي محرم

عدم السفر بدون محرم أو مع غير ذي محرم خامساً: السفر بدون محرم أو مع غير ذي محرم، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر يوماً وليله إلا مع ذي محرم)، أي: لا يجوز لها أن تسافر مع غير ذي محرم، أو تسافر بدون محرم، وهذا واقع بيننا، فقد تجلس المرأة في طائرة أو باخرة بجوار ذئب بشري يلين لها الحديث، ويطيب لها القول، ويستدرجها؛ لغياب المحرم عنها.

عدم التعطر خارج البيت وعند غير المحارم

عدم التعطر خارج البيت وعند غير المحارم سادساً: يقول عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة خرجت من بيتها وهي متعطرة)، وما أدراك ما العطور، المرأة في البيت تضع لزوجها الثوم والبصل فيتأذى من الرائحة، وإذا ما أرادت أن تخرج تجلس ساعات أمام المرآة وهو يشاهد ويبارك ويؤيد ويستجلب لها العطور، حتى إذا ما مرت على رجال شموا ريحها، والنبي عليه الصلاة والسلام أمر المرأة إذا تعطرت ألا تشهد معه الصلاة، وأنا أدري أن هناك من يسجل الطعن والسب لهذه الأحاديث ويقول عنها: رجعية، تخلف، تجمد، تحجر، عودة إلى عصور الظلام، فماذا حصدنا من الحريات؟ ضياع الأعراض! حرية كفر لا حرية فكر!. أحبتي الكرام! أمر النبي عليه الصلاة والسلام المرأة إذا تعطرت ألا تشهد معه العشاء الآخرة، لا تصلي العشاء في المسجد طالما أصابت العطر، حتى لا تخرج ويشمها الرجال، وإذا فعلت فقد قال صلى الله عليه وسلم: (فهي زانية)، يعني: تدعو إلى الزنا، ليس معنى أنها زانية واقعاً، ولكنها تدعو إلى الزنا والفجور.

عدم مصافحة المرأة الأجنبية

عدم مصافحة المرأة الأجنبية سابعاً: نهى الإسلام عن مصافحة المرأة الأجنبية، وكل هذه التدابير تقينا من الزنا، والواقع يعكس غير ذلك تماماً، يقول عليه الصلاة والسلام كما في الطبراني وذكره الألباني رحمه الله في صحيح الجامع: (لئن يطعن أحدكم بمخيط في رأسه خير له من أن تمس يده يد امرأة لا تحل له)، فلما جاءت النساء يبايعن النبي عليه الصلاة والسلام بايع الرجال بالمصافحة، وبايع النساء بدون مصافحة، وما مست يد النبي صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا تحل له، وإن كان الإسلام حرم النظر فمن باب أولى يحرم المصافحة، وستجد من يقول: أنا أصافح وقلبي أبيض، فنقول له: هل قلبك أبيض من قلب رسول الله؟ هذا من تلبيس الشيطان، وذاك يصافح ويبتسم، ولا يحل لامرأة مؤمنة أن تعطي يدها لرجل أجنبي بحجة التقدم، وربما ستجد من ينتسبون إلى العلم يصافحون النساء الأجنبيات، ويحضرون حفلات الرقص والغناء. ومما يمرض القلب على واقع الأمة أن رجلاً في أعلى المناصب يقول: لا مانع من إقامة التماثيل للزعماء والرؤساء في الميادين العامة؛ لأنهم أسوة لشبابنا وأسوة لنا، فإذا ما نظر الشباب إليها تأسوا بحياتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لـ علي: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته)، وهذا الرجل يقول: لا بأس أن نقيم التماثيل للزعماء حتى نقتدي بهم، وأنا لا أدري ما معنى إقامة تمثال لكوكب الشرق هل لنقتدي بها في الغناء. وهناك تماثيل في ميادين لأناس ليسوا على الإسلام، و (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب)، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، والنصوص واضحة بينة في تحريم الصور والتماثيل.

عدم خضوع النساء بالقول

عدم خضوع النساء بالقول ثامناً: ترك الخضوع بالقول لقوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]، المرأة عند حديثها مع الرجال ينبغي أن تتحدث للضرورة وفي أضيق الظروف مع عدم الخضوع بالقول.

عدم جواز وصف المرأة غيرها لزوجها

عدم جواز وصف المرأة غيرها لزوجها تاسعاً: لا تصف المرأة المرأة لزوجها، أي: أن تذهب المرأة وتجلس مع امرأة أخرى، ثم تعود إلى بيتها وتصف المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها.

إجابة الزوجة لزوجها إن دعاها إلى فراشه

إجابة الزوجة لزوجها إن دعاها إلى فراشه عاشراً: وهذا مرض خطير: أن النساء ينبغي أن يتعلمن أن طاعة الزوج واجبة طالما ليست في معصية الله، واسمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل دعا زوجته إلى فراشه فتمنعت عليه إلا باتت تلعنها الملائكة)، على نسائنا اليوم أن يتقين الله عز وجل في أنفسهن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا إذا رأى الرجل امرأة فأعجبته ووقعت في نفسه أن يذهب إلى زوجته، فإن الذي معها مثل الذي معها، وقد يرى الرجل امرأة فيذهب إلى زوجته، فتقول: لا، أنا مريضة وغير مستطيعة انصرف، إلى أين ينصرف؟ الله أعلم، نسأل الله العافية، أين هذا الأدب في بيوتنا؟ وأيضاً لا يحل لامرأة أن تصوم صيام نافلة كالإثنين والخميس ويوم عرفة وعاشوراء وأيام البيض إلا بعد أن تستأذن من الزوج، فهل توجد امرأة تقول لزوجها: أتأذن لي أن أصوم غداً؟

عدم مشي النساء في وسط الطريق

عدم مشي النساء في وسط الطريق الحادي عشر: ليس للنساء وسط الطريق إنما لهن جانبا الطريق.

عدم استماع الغناء

عدم استماع الغناء الثاني عشر: حرم الإسلام الغناء وهذا موضوع طويل.

عدم الإيلاء أكثر من أربعة أشهر

عدم الإيلاء أكثر من أربعة أشهر الثالث عشر: لا يحل للرجل أن يحلف بالله أن لا يقترب من زوجته أكثر من أربعة أشهر، يقول ربنا سبحانه: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227]، والمعنى: لا يحل لك أن تحلف أو أن تقسم بالله ألا تقترب من الزوجة أكثر من أربعة أشهر، فإن زادت المدة فللزوجة أن تطلب الطلاق، وإنما قبل الأربعة الأشهر عليك أن تعود مع الكفارة، أما المدة فلا تزيد أبداً، وهذا يشمل من يرحل ويترك الزوجة سنوات؛ ليجمع المال ويرتع في المال، ويترك الأمور سائبة دون ضابط ولا رابط. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

وجوب هجر أماكن المعصية

وجوب هجر أماكن المعصية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فأيها الإخوة الكرام الأحباب! تلك التدابير والوسائل والسبل وضعها الإسلام؛ لأجل أن يغلق أبواب تلك الفاحشة، لذلك قال ربنا سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32]. ومن صفات عباد الرحمن: {وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:68]، وفي الحديث الذي رواه البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم -في الرؤيا التي رآها- رأى أناساً عراةً في تنور واسع من الأسفل، ضيق من الأعلى، تخرج من تحتهم نار وهو يصطرخون، فلما سأل عن ذلك المشهد، قيل له: أولئك هم الزناة)، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)، هناك شباب كثيرون يقول بعضهم: أنا لا أستطيع مفارقة هذه الفاحشة لأن جارتي تطاردني، وصديقتي تلاحقني كلما أردت أن أبتعد، والحل في أمر واحد وهو: اهجر المكان وارحل إلى بلد آخر؛ لأن هجر مكان المعصية أمر واجب عليك، كذلك هجر أصدقاء السوء، أما أن تقول: أريد أن أتوب ولا زالت العلاقة دائمة، ولا زال الاختلاط قائماً، هذا لا يدعو أبداً إلى التوبة، ولذلك جاء في الحديث عند البخاري ومسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين)، والحديث معروف. وخرج علينا الآن من أرباب العلمانية الضالة من يكتب عن هذا الحديث أنه تخاريف، أين حق المجتمع، الرجل قتل مائة نفس ثم يتوب دون أن يأخذ المجتمع الحق منه؟ هذا كلام باطل لوثوا به عقول الشباب، هكذا يقولون عنا، فهل نحن لوثنا عقول الشباب؟ أم عقلك أنت الملوث، أما قرأت في الحديث: (كان فيمن كان قبلكم) أنه يدل على أن هذا كان في شرع من قبلنا، قبل أن تكون هناك دولة ونظام وهيئة تنفيذية وقضائية، ومحاكم كانت مجتمعات بدائية، والحديث يشير إلى سعة رحمة الله عز وجل، فهو يغفر الذنوب جميعاً سبحانه وتعالى. والشاهد من الحديث: أن العالم قال للرجل: ارحل عن القرية الظالمة واذهب إلى قرية صالحة، ذاك هو أول طريق للتوبة: أن ترحل عن مكان السوء والمعاصي. ومن الأمور التي تجلب الفواحش إلى مجتمعاتنا: السفر إلى بلاد الكفر بحجة العمل والتجارة، ماذا ستشاهد في بلاد الكفر؟ هل ستسمع نداء صلاة الفجر؟ هل ستقوم الليل مع إخوانك؟ أم أنك سترى العناق والقبلات، والرجل يواقع المرأة في قارعة الطريق باسم الحرية، في تلك المجتمعات التي نخرها السوس وأوشكت على الهلاك والدمار. اللهم احفظ عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظ يا رب فروجنا، وطهر يا رب عيوننا وأفئدتنا. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً، ونسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، ونسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم اعف عنا، وعلى طاعتك أعنا، ومن شرور خلقك يا رب سلمنا. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وارزقنا عند الاحتضار شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً. اللهم أصلح نساءنا، واحفظ عوراتنا، وطهر قلوبنا. اللهم عليك باليهود ومن والاهم. اللهم من أرادنا والإسلام بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام بشر فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود وفرعون. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وعلمنا منه ما جهلنا، وذكرنا منه ما أنسينا، وارزقنا حب القرآن وارزقنا نور القرآن، وارزقنا حفظ القرآن، وارزقنا فهم القرآن. اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تفسير سورة القلم [6]

تفسير سورة القلم [6] خلق الله عز وجل هذا الكون بنظام دقيق، وحتى تستمر الحياة على ظهر الأرض خلق من كل شيء زوجين، ولكي يستمر النسل البشري شرع للإنسان الزواج، والمرأة خلقت للرجل، وقد سماها الله عز وجل سكناً، والزواج فيه إعفاف للرجل والمرأة، وحفظ للمجتمع من الوقوع في أوحال الرذيلة، فينبغي تيسير أمر الزواج، وعدم المغالاة في المهور.

تيسير الزواج وعدم المغالاة في المهور

تيسير الزواج وعدم المغالاة في المهور الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، يغني فقيراً ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فهو مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء، وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبّت قلوبنا على دينك، واللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا إلى طاعتك. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! في اللقاء السابق تحدثنا عن التدابير والوسائل والطرق التي وضعها الإسلام ليمنع جريمة الزنا قبل وقوعها، من تحريم للنظر الحرام، ومن تحريم للتبرج والخلوة والاختلاط والمصافحة وخروج المرأة متعطرة إلى غير ذلك من الأمور التي بينّاها، وقد جاءتني رسائل متعددة من إخوة أفاضل يريدون أن نستكمل هذا الموضوع الهام، لأنه لا ينبغي أن نضع رءوسنا في التراب، ونترك الأمور تدور حولنا دون أن نصف الداء والدواء، كما بيّنه رب الأرض والسماء. إن المتأمل في ذلك المرض يجد أن المجتمع يقف على حافة الهاوية، والأمر جد لا هزل فيه، تتجاذبه عدة قوى: القوة الأولى: علمانية عفنة ملكت وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة والمرئية، ترى أنه لا داعي أبداً للتمسك بمبادئ الأخلاق والدين والقيم؛ لأنها من ركام الماضي عفا عليها الزمان، ولا بد من تبادل العشيقات وإهدار مبدأ تعدد الزوجات ومتابعة ركب الحضارات. القوة الثانية: قوة تدّعي أن حضارة الغرب هي التي تملك الإنقاذ، وهي التي بيدها مفاتيح التقدّم والرقي. القوة الثالثة: قوة سلبية لا هم لها إلا الدنيا، تجمع المال ولا يعنيها أمر الدين من بعيد أو قريب. القوة الرابعة: قوة مستضعفة تدعو الناس إلى دين ربهم، وتدعوهم إلى التمسك بأخلاق دينهم الحنيف؛ حيث لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فهذه قوى متعددة تتجاذب المجتمع من جميع نواحيه، ولكن لا بد أن نعلم أن النصر والتمكين لعباد الله الموحدين؛ لأن الله سبحانه يقول: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173]؛ ويقول سبحانه: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر:51]. وموضوعنا اليوم هام؛ لأنه يتعلق أيضاً بتلك التدابير والوسائل ألا وهو: تيسير الزواج، وظاهرة المغالاة في المهور، وبحث مسألة تعدّد الزوجات، فهذه من الأمور الهامة التي وضعها الشرع الحنيف؛ ليقطع الباب أو ليغلق الباب على تلك الجريمة. أحبتي الكرام! لقد أعرض الشباب عن الزواج، حتى بلغ سن البعض منهم إلى ما يزيد عن الثلاثين أو الأربعين، وارتفع حد العنوسة عند النساء لأسباب كثيرة، منها: تلك التكاليف الباهضة التي يكبّل بها الشاب عندما يقبل على هذه الخطوة، وكأنهم يضعونه في قفص حديدي ويكبّلونه، وولي الأمر سيسأل بين يدي الله عن ذلك. فإن تيسير المهور أحد الأسباب الهامة لتيسير مسألة الزواج، أتدرون ما كان مهر فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ هل كان مهرها مئات الألوف كما نسمع؟ هل أقيم لها عرس يكلف عشرات الألوف؟ لقد كان مهرها درع علي رضي الله عنه قدمه لها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد زوّج بعض الصحابة على ما معه من القرآن، وقال له: (التمس ولو خاتماً من حديد، قال: حتى خاتم الحديد لا أجده يا رسول الله، قال: ما معك من القرآن؟، قال: سورة كذا وكذا، قال: تزوجها على أن تعلّمها ما معك من القرآن). فانظر إلى الفرق بين واقع الصحابة وبين الواقع المر الذي نعيشه الآن، وللأسف الشديد نجد من بعض من ينتسبون إلى الحركة الإسلامية إذا تقدم شاب لابنته وضع له قائمة تكبله وتقيد حركته، فتنتظر البنت حتى تبلغ الثلاثين بل الأربعين ويرفض أن يزوجها وأن ييسر الأمر، ومن شدّد شدّد الله عليه. ينظر البعض إلى الزواج في مجتمعنا على أنه تقييد للحرية وتكبيل للإرادة، وينبغي له أن يعيش حراً طليقاً. والبعض الآخر ينظر إليه بأنه متعة جسدية شهوانية ينتقل من

معالجة الإسلام لقضية تعدد الزوجات

معالجة الإسلام لقضية تعدد الزوجات عالج الإسلام قضية ارتفاع عدد الإناث عن عدد الذكور، فأباح التعدد بضوابطه التي سنبينها، فإن البعض ينظر إلى التعدد نظرة معكوسة، فيقبل أن يكون للزوج عشيقة، ولا يقبل أن يكون له زوجة أخرى، ويتهم الرجل في دينه إن تزوج بأخرى، إن الإسلام جاء وقد كان العرب يجمع الرجل منهم بين عشر نسوة وأكثر، فالإسلام لم ينشئ التعدد وإنما وضع له ضوابط وحدوداً، ومن الصحابة من أسلم وتحته عشر من النساء فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلق ستًا وأن يمسك أربعاً، وهذا الكلام غريب على أسماعنا، فقد يقول البعض: كيف الزواج بأربع يا شيخ، ونحن الآن في مجتمع ينظر إلى هذه الظاهرة باستغراب؛ لذلك لا بد أن تتعدل النظرة إلى الأمور الشرعية؟ نقول: حينما يزداد عدد النساء عن عدد الرجال كما هو الواقع، فإن المرأة تحتاج إلى رجل، فإن لم تجد رجلاً عن طريق الزواج بحثت عنه بغير ذلك، حتى تتم المعادلة ويتحقق التوازن، فهل الأفضل لمجتمعنا أن يجمع الرجل بين امرأة واثنتين وثلاث بشرط أن يعدل بينهن كما أمره الله، أم يتزوج امرأة ويعدد العشيقات، إنهم يعيبون علينا مسألة تعدد الزوجات، ولا يعيبون على أنفسهم تعدد الأزواج، ففي حضارتهم للمرأة أكثر من رجل، تتنقل من رجل إلى آخر، وهو يفعل ما يشاء، وهي تفعل ما تشاء.

ضوابط ينبغي مراعاتها عند اختيار الزوجة

ضوابط ينبغي مراعاتها عند اختيار الزوجة لقد امتن الله علينا بنعمة الزواج وجعلها آية من آياته فقال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ} [الروم:21]، فالمرأة من جنس الرجل وليست من جنس آخر {أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]. ونبينا عليه الصلاة والسلام بيّن ذلك في أكثر من حديث، ووضع المعايير والضوابط التي ينبغي على الشاب أن يبحث عنها عند بحثه عن زوجة، فمنهم من يفتش عن الجمال فيضع لها شروطاً كشروط بقرة بني إسرائيل: صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، لا فارض ولا بكر، لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها، يضيّق بشروط جمالية ولا يتقي الله، ورب العالمين يقول: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221]، لماذا ذات دين؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري ومسلم والنسائي وأبي داود بيّن أن المرأة تنكح لأربعة أسباب: الجمال، والمال، والحسب، والدين. يقول العلماء: والدين في الحديث واحد صحيح، والمال صفر عن يمين الواحد، يصبح العدد عشرة، والجمال صفر يصبح العدد مائة، والحسب والنسب صفر يصبح العدد ألف، ما قيمة الأصفار إن حذف منها الواحد لا قيمة لها، امرأة بدين لها قيمة، ومن غير دين تربت يداك، أي: وضعت يدك في الوحل والطين يا عبد الله. لذلك أقول لشبابنا: اتقوا الله في أنفسكم، وأقبلوا على المنتقبات المختمرات الملتزمات؛ حتى نفتح الباب ونساعد على الالتزام، لا تقل آخذها مبنطلة متبرجة وإن شاء الله ستلتزم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فاظفر بذات الدين)، ولم يقل: فاظفر بمن ستكون ذات دين، لا بد عند طلبها أن تكون ذات دين كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

شروط الزواج

شروط الزواج الزواج له شروط في الإسلام حتى يقع صحيحاً، أريد أن أبيّنها بياناً شافياً: الشرط الأول: إذن الولي. الشرط الثاني: رضا المرأة. الشرط الثالث: الإيجاب والقبول. الشرط الرابع: الإشهار والشهود. الشرط الخامس: الصداق. وما تم بهذه الشروط فهو زواج، وما تم بسواها فهو زنا، وإن سموه بأسماء لا نعرفها.

إذن الولي

إذن الولي الأول: رضا الولي أو إذنه، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها فزواجها باطل باطل باطل). وجاءت الآيات تبين هذا، قال تعالى: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ} [النساء:25]. وقال شعيب لموسى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:27]. إذاً: لا بد في الزواج من إذن الولي الأب، فإن غاب الأب فالأخ، فإن غاب الأخ فالعم، على حسب الترتيب الشرعي، (والسلطان ولي من لا ولي له)، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، والمرأة التي زوجت نفسها لصديقها في الجامعة بورقة بيضاء، هل أذن لها الولي؟ هل علم بذلك الزواج الولي؟ لقد ضاعت وباعت عرضها وستندم يوماً ما.

رضا المرأة

رضا المرأة الثاني: الرضا بعد إذن الولي فلا بد من رضا المرأة، ويفهم البعض خطأً أن الثيب لها أن تزوج نفسها، وهذا خطأ فادح، ففي البخاري: أن امرأة ثيباً أجبرها الولي على الزواج برجل، فذهبت إلى رسول الله تشكو الولي فخيّرها بين أن يمضي العقد وبين أن يفسخ العقد، فلا بد من رضا المرأة سواءً كانت بكراً أم ثيباً، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الثيب حتى تستأمر)، قالت عائشة: يا رسول الله إذاً تستحي، قال: (إذنها صمتها)، والفرق بين البكر والثيب أن البكر لا تنطق لا تتكلم: هل تريدين هذا الزوج؟ فتصمت؛ لأن عندها حياء في زمن كان فيه حياءً، أما الثيب فتصرّح؛ لأنها تزوجت قبل ذلك، ولذلك لما تزوج جابر رضي الله عنه امرأةً ثيباً ماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا بكراً تداعبها وتداعبك، وتلاعبها وتلاعبك، قال: يا رسول الله مات أبي عبد الله بن عمرو بن حرام). وهو الذي بعد أن مات في غزوة أحد كلمه ربه كفاحاً وقال له: تمن؟ قال: يا رب أتمنى أن أعود إلى الدنيا لأموت ثانية في سبيلك حتى أخبر إخواني بما للشهيد عند الله، فقال الله: لكني قدّرت على العباد أن من مات لا يعود إلى الدنيا، فأنزل الله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]، قال جابر: (وترك لي تسعاً من النسوة، فأردت أن آتيهن بثيب؛ لتقوم على أمورهن وتتعاهد مصالحهن)، عند ذلك أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ما فعل. ولما انفرد عثمان بـ ابن مسعود قال له: يا أبا عبد الرحمن هل لك في امرأة بكر تذكرك بصباك؟ -يعني: هل نزوجك بكراً تعيدك إلى صباك مرة ثانية؟ - قال ابن مسعود: لقد سمعت النبي يقول: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). إذاً: الشرط الثاني: رضا المرأة، فلا بد أن ترضى وأن توافق، فلا يجوز لولي الأمر أن يكرهها على أن تتزوج ممن لا ترضى؛ لذلك شرع الإسلام الخطبة، والخطبة من محاسن شريعتنا، لا يعرف الرجل المرأة في أول ليلة يدخل بها فتكشف عن وجهها فإذا به يرى امرأة ما وقعت في نفسه فينفر منها، أو العكس، (ذهب رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني تزوجت امرأة من الأنصار، قال صلى الله عليه وسلم: هل نظرت إليها؟ قال: لا، قال: عد فانظر إلى وجهها؛ فإن في أعين الأنصار شيئاً)، قال العلماء: أي: ضيق في العين أو حول أو صفاء. لا بد للخاطب أن ينظر إلى من يريدها لنفسه، ولذلك كان محمد بن مسلمة وكثير من الصحابة وجابر كانوا إذا رغب أحدهم في الزواج من امرأة يختفي أحدهم حتى ينظر للمرأة، ليس معنى ينظر إلى سوءاتها، وإنما ينظر إلى مشيتها وإلى طريقة خروجها وإلى ما يمكن له أن يرى في حدود الشرع، فلا يجوز للخاطب أن يرى أكثر من الوجه والكفين فقط؛ لأن الوجه علامة على نضارة المرأة، واليد تشير إلى حسن جسدها، فإن وقعت في نفسه خطبها. كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه). والمرأة لا تخبب على زوجها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من خبب امرأة على زوجها)، كما يفعل البعض الآن، فيقول للمرأة: اطلبي الطلاق منه وأنا أسعدك أيما سعادة، رجل يدخل في حياة امرأة فيخببها على زوجها، والعكس كذلك، فلا يجوز لامرأة أن تفسد الزوج على زوجته، هذه معايير ومبادئ ثابتة في إسلامنا، فأين نحن منها يا عباد الله؟

الإيجاب والقبول

الإيجاب والقبول الشرط الثالث في الزواج: الإيجاب والقبول. اسمع إلى قول الله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ} [القصص:27]، هذا قبول، {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:27]، هذا هو الصداق، لكن انظر إلى الآية فإن فيها لطيفة، يقول الصنعاني: كان في شرع من قبلنا الصداق يعطى للولي، {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي} [القصص:27]، لأبيها، أما في شريعتنا فالصداق يعطى للمرأة: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4]، فلا يجوز للولي أن يأخذ الصداق، وإنما الصداق من حق المرأة: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:4]، القبول والإيجاب بصيغة: زوّجني، ويقول: زوجتك، أو أنكحني، ويقول: أنكحتك.

إشهار الزواج والشهود له

إشهار الزواج والشهود له الشرط الرابع: الإشهار والشهود. النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا زواج إلا بشاهدين، والشهود ينبغي أن يكونوا عدولاً، فهل تارك الصلاة أو ساب الدين عادل؟ أما الآن إذا أردنا أن نزوج فيحضر الشهود بدون ضابط، والله يقول: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2]، {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282]، {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282]، ينبغي أن نبحث عن الشهود العدول، ولا يشترط الزوج ولا الولي على الشهود أن يكتموا العقد فيكون سرياً، لابد من الإشهار به.

الصداق

الصداق الخامس من شروط الزواج: الصداق، وهو حق خالص للمرأة وربما يكون من أبسط الأشياء، فقد تزوج رجل في زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام امرأة بنعلين كصداق لها. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

وجوب الإسراع بتزويج البنت البالغة من الكفء

وجوب الإسراع بتزويج البنت البالغة من الكفء الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فيا أيها الأخ الكريم! كن قدوة في بيتك، زوّج ابنتك مبكراً بدلاً من أن تنتظر بعد خمس عشرة سنة حتى تتخرج أو تحصل على البكالوريوس أو الليسانس، ويا خيبة البكالوريوس أو الليسانس ماذا تصنع لها؟ إنها تريد زوجاً تسكن إليه، لا تريد شهادة تعلقها على الحائط، ويسّر على شباب المسلمين، فإن الله يقول: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32]، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، سل عن الدين لا تسل عن عدد حجرات البيت، وعن وظيفته، وعن دخله، نعم، هذا مطلوب، ولكن الله يرزق من يشاء بغير حساب، والرزق بيد الله سبحانه، فلا تضيق حتى لا يحدث لك كما حدث لذلك الأب الذي كان عنده سبع من البنات، كلما جاء شاب أرهقه وكبله فانصرف عنه الجميع، فوصلن الآن إلى ما فوق الثلاثين، وهو يبحث لهن عن أزواج، هو الذي جر ذلك بيده. فيا عبد الله أسألك بالله أن تتقي الله عز وجل وأن تلتزم شرع رب العالمين. أما موضوع التعدد كشروطه ومحاذيره، وكيف عالجها الإسلام؟ فهذا نفرد له لقاء مع حقوق الزوجين في شريعة الله عز وجل؛ لأهمية هذه الموضوعات. اللهم حصّن فروجنا، وحصن نساءنا، واهد شبابنا، وعليك بأعدائنا. اللهم طهّر ألسنتنا من الكذب، وقلوبنا من النفاق، وأعيننا من الخيانة. اللهم استر عوراتنا، وآمن يا رب روعاتنا، وأمّنا يا رب في بلادنا، وبدّلنا من بعد خوفنا أمناً، ومن بعد ضيقنا فرجاً. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا. اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم مكّن لدينك في الأرض يا رب العالمين، اللهم من أرادنا والإسلام بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام بشر فاجعل كيده في نحره، اللهم عليك بالعلمانيين وبالمنافقين، اللهم عليك بمن يريدون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين يا رب العالمين. اللهم أصلح حالنا فإنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل، وأنت بكل جميل كفيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تفسير سورة القلم [7]

تفسير سورة القلم [7] شرع الله لنا الزواج، وجعل حقوقاً للزوج وحقوقاً للزوجة؛ حتى يعيش الزوجان حياة سعيدة، وهذا من مزايا الدين الإسلامي، فالأسرة هي أصل المجتمع؛ إذا صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم خير الرجال خيرهم لأهله، وكان صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله، وإذا كان الرجل متزوجاً بأكثر من امرأة فقد أوجب الإسلام عليه أن يعدل بينهن في حسن العشرة والنفقة وغير ذلك، ولا جناح عليه في الأمور القلبية.

حقوق الزوجة على زوجها

حقوق الزوجة على زوجها الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سللاة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون. خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فهو مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد. فاللهم يا مثبّت القلوب ثبت قلوبنا على دينك. وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! تحدثنا في اللقاءات السابقة عن التدابير والوسائل والسبل التي وضعها الإسلام ليغلق على الناس تلك الجريمة ألا وهي جريمة الزنا، ومن التدابير والسبل التي ذكرناها: تيسير أمر الزواج، والزواج كما بينا في اللقاء السابق سنة ربانية وحتمية طبيعية؛ لأن الإنسان لا يمكن بحال أن يعيش منعزلاً أو منفرداً بدون زوجة، ولذلك لما خلق الله آدم خلق له حواء، كما قال ربنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1]؛ ليطمئن إليها، ويسكن إليها، وجاءت الأحاديث وأقوال الصحابة تبين ذلك. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: لو لم يبق من حياتي في الدنيا إلا عشرة أيام وكان بي مقدرة على الزواج لتزوجت. وقال عمر لرجل عزف عن الزواج واعتزل النساء: لا يمنعك من الزواج إلا عجز أو فجور. وقال الصديق رضي الله عنه: أيها الناس أطيعوا الله فيما أمركم، ينجز لكم ما وعدكم. كما قال تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32]، والمعنى: أطيعوه في أمر الزواج ينجز لكم ما وعدكم في أمر الغنى. وقد وضع الإسلام كما بينا أسساً لاختيار الزوجة، وأسساً لاختيار الزوج، وكان العرب قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام يقولون: لا تأخذ الأنانة ولا المنّانة ولا الحنّانة ولا الحدّاقة ولا البرّاقة ولا الشدّاقة، ما معنى ذلك؟ الأنانة: كثيرة الشكوى والأنين، كل ساعة تشكو بحق أو بغير حق. أما المنّانة: فهي التي تمنّ على زوجها بمالها أو بحسبها أو بجمالها وتعيره. الحنّانة: التي تحن لغير زوجها. والحدّاقة: التي تنظر إلى كل شيء فتشتهيه، فتكلف الزوج ما لا قبل له به، كلما رأت اشتهت. والبرّاقة: التي يهمها بطنها بمفردها، ولا شأن لها بزوجها ولا أولادها. والشدّاقة: أي الثرثارة كثيرة الكلام. ينتظر الجميع أن نتحدث عن حقوق الزوج وهذا أمر هام، لكني آثرت أن أتحدث اليوم عن حقوق الزوجة، فقبل أن نعرف ما لنا، ينبغي أن نعرف ما علينا، فالجميع يفرط في حقوق زوجته، ثم يطلب ما له من واجبات، وإن فتشت في صحيفته تجد الصحيفة مخازي، تجدها مليئة بالانحراف عما أمر الله، أو عما بين النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك سأبين في هذا اللقاء حق الزوجة على زوجها، وهي سبعة حقوق نذكرها إجمالاً ثم نفصلها، ثم ننزلها على أرض الواقع، وكل إنسان منا مطالب أن يفتش في صحيفته: هل أنا أَفِيْ بحق الزوجة حتى أطالب بحقوقي بعد ذلك، أم أنا مضيع، أضرب الوجه، وأقبح القول، وأمنع النفقة، وأسيء العشرة، ثم بعد ذلك أقول: الحقوق. للزوجة على زوجها سبعة حقوق: الحق الأول: المهر. الثاني: النفقة. الثالث: حسن المعاشرة. الرابع: العدل في حال التعدد، ولنا معه وقفة؛ لأن أعداء الدين يشيرون إلى مسألة التعدد بأنها من مساوئ شريعتنا، فنقول: كلا وألف كلا؛ فإن سليمان بن داود عليه السلام تزوج ما يقرب من ثلاثمائة امرأة، ونبينا عليه الصلاة والسلام من أقل الأنبياء زواجاً، فالجمع بين أكثر من زوجة كان أمراً معتاداً، وانظروا إلى سير الأنبياء واعقدوا مقارنة بين عدد زوجات الأنبياء؛ لتعلموا أن المستشرقين يطعنون في أمر غفلوا عنه. ثم انظروا إلى عادة العرب قبل بعثة النبي عليه ال

المهر

المهر أولاً: المهر، وقد تحدثنا عنه في اللقاء السابق، وخلاصة القول فيه أن الإسلام رفع شأن المرأة وجعل لها ذمة مالية منفصلة، وجعل لها حقوقاً بعد أن كانت المرأة تقتل، وبعد أن كانت تورث كمتاع، وبعد أن كانت المرأة مهيضة الجناح لا اختيار لها، جاء الإسلام ورفع من قدرها، وبين أن لها حقاً في الميراث، وحقاً في الاختيار، وهناك خطأ يقع فيه الكثير بأخذ الأولياء صداق مولياتهم، مع أن الصداق حق للمرأة لا بد أن تملكه، ولا يكون لولي الأمر كما يفعل البعض الآن، وأما إذا تنازلت المرأة عن جزء منه لوليها أو لزوجها فلا بأس، لكن لا بد أن تتملك المهر، قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:4]، فلا بد أن تأخذ المرأة المهر، والإسلام كره المغالاة في المهور، نعم، لم يضع الإسلام حداً للمهر لا أدنى ولا أقصى، ولكن بينا في اللقاء السابق أن المهر إما أن يكون مالاً، وإما أن يكون منفعة مادية أو منفعة معنوية، يعني: يمكن أن يكون المهر ما معك من القرآن، ففي الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة تريد أن تهب نفسها له، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من الصحابة: يا رسول الله إن لم يكن لك بها رغبة فزوجنيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجها على ما معك، قال: لا أملك يا رسول إلا إزاري هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعطها إزارك وأنت لا تملك غيره! التمس ولو خاتماً من حديد، فذهب الرجل ثم رجع وقال: يا رسول الله لم أجد حتى خاتماً من حديد، فقال صلى الله عليه وسلم: ما معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وكذا وكذا، وعدد ما يحفظ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زوجتك إياها على ما معك من كتاب الله). وتزوج رجل امرأة بنعلين. وتزوجت أم سليم أبا طلحة بإسلامه، اشترطت عليه أن يسلم، فالمهر إما أن يكون مالاً وإما أن يكون منفعة مادية أو معنوية، والإسلام نهانا عن المغالاة في المهور التي تكبل الشباب، فيا ليت ولي الأمر يدرك أنه إذا عطل على المرأة الزواج بسبب ثلاجة أو صالون أو سخان أو غسالة فقد عطل حدود الله، وعرض المجتمع للفاحشة، فليتق الله في نفسه، ولييسر حتى ييسّر الله عليه. وبعض الأزواج يأكل المهر، فإن كان المهر مؤخراً أعضلها حتى تتنازل عن المؤخر، أو يجبرها على التنازل عنه ويضيق عليها بعد أن أفضى إليها بما أحل الله له، ويراوغ ويتحايل ويتملص، والله يقول: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:21]، فليتق الله الذين ينتسبون إلى الإسلام، بل أحياناً إلى الالتزام، ويحاولون أن يتملصوا من حقوق المرأة بالمراوغة وبالحيل الشرعية وغير الشرعية، والبعض يجبرها على التوقيع على ورقة، ويقول لها: وقعي على التنازل عن حقك، يا عبد الله أما تتقي الله في نفسك، أما تعلم أنك تأكل في بطنك ناراً، الصداق حق المرأة بما استحللت من فرجها، كما قال ربنا سبحانه.

النفقة

النفقة الحق الثاني للمرأة: النفقة. قال خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام في أكبر تجمع بعد أن بين ما للرجال على النساء قال: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، ومعنى النفقة: أن تنفق على حسب قدرتك: مسكن ملبس خادم أو خادمة إن كانت محتاجة إلى خدمة تعينها، ولذلك انظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام كيف كان في بيته؟ وهو القائل عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي). وجاءته هند زوجة أبي سفيان فقالت: (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح) وبعض الرجال عنده الآلاف المؤلفة والقناطير المقنطرة وفي الإنفاق على الولد والزوجة يقتر تقتيراً. نستطيع أن نقول الآن إن سوق الزواج كسد، وسوق الزنا راج بسببنا، جنينا هذا بأيدينا وحدِّث ولا حرج، ثم قالت: (يا رسول الله غير أني آخذ من ماله دون أن يعلم؟ هل يجوز أن آخذ من مال زوجي لأنفق على نفسي وعلى أولادي؟ قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). والمقصود أن النفقة حق للزوجة، فإن دفعها الزوج وإلا يمكن لها أن تأخذ هذا الحق من ماله، لكن بالمعروف، وأما أن تأخذ من ماله لأجل أن تشتري كماليات، أو تذهب إلى المصيف، فهذا ليس بالمعروف هذا بالباطل، وهكذا لا تأخذ في شراء سلع كمالية، أو الذهاب إلى كوافير، أو شراء حذاء من الأحذية الغالية الثمن، ولكن تأخذ بالمعروف، وفي الحدود المتعارف عليها، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم. فالنفقة واجبة على الزوج، وإذا غضبت الزوجة لا ينبغي لها أن تخرج من بيت الزوج، وإن خرجت إلى بيت أبيها ربما تمكث سنة كاملة دون أن يرسل لها جنيهاً واحداً، وحق نفقتها على الزوج، وهي غير مطلقة، والواجب على الرجل أن يلتزم بالشرع، حتى لو أن هناك خلافاً، فطالما هي في عصمتك فنفقتها عليك أيها الزوج، فيا ليت أن الزوج يخرج مصروفاً شهرياً للزوجة؛ حتى تلين، ولكنه يغيب مدة طويلة ولا يرسل بشيء ولا يتقي الله، ويتناسى حق النفقة للزوجة. كذلك ينبغي على الزوجة ألا تكبل الزوج بنفقات لا طاقة له بها، فقد كانت المرأة من السلف تقول لزوجها في الصباح وهو يخرج إلى طلب الرزق: اتق الله فينا ولا تأتنا برزق من حرام؛ فإنا نصبر على الجوع في الدنيا ولا نصبر على نار جهنم يوم القيامة.

حسن المعاشرة

حسن المعاشرة الحق الثالث: حسن المعاشرة. قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، فمن حسن المعاشرة ألا تضرب وجهاً، والبعض يمسك عصاً غليظة ويضرب بها على رأس المرأة، أو يضربها بقدمه في بطنها، أو يضربها في وجهها، وهذا سوء خلق، وعدم أدب، وهذا رجل لا يحترم نفسه، ولا يعرف الشرع وإن ادعى أنه مسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تضرب الوجه، ولا تسئ القول) , تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته يخصف نعله -يعني: يخيط الحذاء- ويقوم على خدمة أهله)، فمن منا يفعل هذا؟ وأنت لو فعلت هذا للمرأة، فإنها ستحملك على رأسها ذهاباً وإياباً، أما أن تجلس متكئًا وتصدر الأوامر، وهي تقول لك: أنا مريضة، فترد عليها بقولك: مالي ومال مرضك، نفذي رغم إرادتك، أنا هنا الآمر وأنت المأمورة، طاعتي من طاعة الله، ويحمل النصوص ما لا ينبغي أن تتحمل. يقول صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (إني أعلم رضاك من غضبك)، قالت: كيف يا رسول الله؟ قال: (إن قلت: لا وإله محمد علمت أنك راضية، وإن قلت: لا وإله إبراهيم، علمت أنك غاضبة)؛ لأنها لا تريد أن تذكر الاسم، ومن حسن المعاشرة، ما جاء في سنن أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسابق عائشة، يجري وتجري بجواره فسبقها مرة وسبقته مرة، فقال واحدة بواحدة. وجاء في الأثر: أن عائشة تقول: كنت أحمل الإناء لأشرب، فيأخذ النبي صلى الله عليه وسلم مني الإناء ليشرب فيشرب من ذات المكان الذي شربت منه، والله إني لأعلم أنه لا يريد أن يشرب ولكن يريد أن يطمئن بالي ويرضي خاطري، ومن حسن المعاشرة أنك إذا جئت إليها تقول لها: وأنا في الطريق ذكرتك وذكرت الأبناء فاشتريت لك هذا، ومن سوء العشرة ما يفعل البعض حين يدخل إلى البيت فظاً غليظاً لا يلقي السلام، أين حسن المعاشرة؟ وبعد ذلك يقول: أريد حقي يا شيخ كيف تريد حقك، أنت مهدر لحقك يا عبد الله، أنت مضيع للحق الذي أمرك الله به.

حق الفراش والوطء

حق الفراش والوطء الحق الرابع: حق الفراش، يقول العلامة ابن حزم رحمه الله تعالى: وللمرأة على زوجها أن يطأها بعد كل طهر مرة. يعني: أن ابن حزم يرى وجوب الوطء في كل طهر مرة؛ لأن الله عز وجل قال: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:222]، فأمر بإتيان المرأة بعد تطهرها، ووجوب وطء المرأة عند الجمهور كما عند ابن حزم، ولكن الخلاف على المدة التي يجوز للزوج أن يترك الفراش فيها. قال أحمد: أربعة أشهر ولا يزيد؛ لأن الإيلاء في القرآن أربعة أشهر، قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة:226]، يعني: يجوز للزوج أن يحلف ألا يقترب من الزوجة أربعة أشهر ولا يزيد، فإن زاد تطلق للضرر، قال تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227]، فقال أحمد رحمه الله: لا ينبغي أن يترك الفراش أكثر من أربعة أشهر، وإن كان في سفر لا يزيد عن ستة أشهر، واستدل بما وقع مع عمر رضي الله عنه حيث كان يسير في طريق من طرق المدينة فسمع امرأة تنشد مع نفسها وتقول ما معناه: ولولا الحياء والخوف من الله لحرك من هذا السرير جوانبه. فقد طال الليل عليها وزوجها غائب عنها، ولولا أنها تخاف من الله عز وجل لحركت السرير بعشيق، فسمع عمر وسأل عنها فقالوا: زوجها خرج للجهاد في سبيل الله، فأرسل إلى ابنته حفصة وقال لها: يا حفصة أخبريني عن المدة التي تستطيع الزوجة أن تفارق الزوج؟ قالت: يا أبي مثلك يسأل عنها! قال: نعم، فقالت: خمسة أشهر أو ستة لا تزيد، عند ذلك أصدر عمر مرسوماً في قانون الغزو: ألا يزيد غياب الزوج المجاهد عن أهله عن ستة أشهر، شهر ذهاب وشهر إياب وأربعة أشهر للجهاد في سبيل الله سبحانه، إلا إذا وافقت الزوجة على طول المدة فهذا أمر آخر، ولكن ماذا نقول لمن يمكث عشرات السنين يجمع المال وينسى حق الزوجة، ويرسل لهم الأموال من الخارج؟ هم لا يريدون مالاً، هم يريدونك أنت. وقد قال العلماء: أكبر مدة يجوز للزوج أن يهجر فيها الزوجة: هي أربعة أيام؛ لأن الله أباح له أن يتزوج بأربع، فمعنى ذلك أنه يبيت عند الثلاث، ثم يأتي في الليلة الرابعة إلى الرابعة، وهذا قضاء كعب بن سوار رضي الله عنه لما كان يجلس عند عمر فجاءت امرأة تشكو زوجها إلى عمر، تقول: يا أمير المؤمنين زوجي يصوم الدهر ويقوم الليل، فقال: نعم الزوج، فهم أنها تمدح فيه، فقال كعب: يا أمير المؤمنين! إنها تشكو زوجها، قال: كيف يا كعب؟ قال: تشكو من قلة جماعه، ومن عدم إعطائها لحقها، قال: طالما فطنت فاقض بينهما أنت، فجاء كعب بالمرأة وسألها، قالت عن الرجل: يا أيها القاضي الحكيم برشده ألهى خليلي عن فراشي مسجده نهاره وليله ما يرقده فلست في أمر النساء أحمده هذه المرأة تشكو. وكما كان حال عبد الله بن عمرو لما زوجوه امرأة ذات حسب فظل يصلي وتركها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله ليس هكذا إن لها عليك حقاً). وهناك رجل يصوم الدهر ويقوم الليل، قال: خفت من سورة النحل والسبع الطوال, فأنا أقوم الليل بالقرآن وأصوم النهار، فقال أبي: اعلم أن لها عليك حقاً أن تبيت بجوارها. يعني: أن تأتيها كل أربعة أيام، واستدل بما ذكرت قبل. لكن الواقع أن للزوجة حقاً على الزوج أن يطأها متى كانت راغبة إلا من عذر شرعي، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم امرأة فوقعت في نفسه فليذهب إلى زوجته)، كذلك الزوجة لا تترك الفراش إلا في باب العذر الشرعي: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34]، فجعل الهجر في المضاجع أحد سبل علاج النشوز.

الاعتدال في الغيرة

الاعتدال في الغيرة الحق الخامس من حقوق الزوجة على زوجها: الاعتدال في الغيرة، فهناك غيرة قاتلة بريبة، وهناك غيرة مطلوبة، وهي الغيرة بغير ريبة، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم.

تعليم الزوج لزوجته أمور دينها

تعليم الزوج لزوجته أمور دينها الحق السادس: أن يعلمها أمور دينها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6]، من منا يجلس مع زوجته فيعلمها الطهارة من الحيض، ويعلمها كيف تصلي، ويعلمها أحكام الصيام، ويعملها الأحكام الشرعية وعقيدة أهل السنة؟ أنت مأمور بهذا يا عبد الله، فهل أديت هذا الحق؟ أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

العدل بين الزوجات

العدل بين الزوجات الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فالحق السابع من حقوق الزوجة على زوجها: العدل، إن جمع بين أكثر من امرأة، ففي الحديث أن من جمع بين أكثر من امرأة ومال لإحداهن وظلم الباقي يأتي يوم القيامة وشقه مائل. يعني: يأتي يوم القيامة أعوج؛ لأنه لم يعدل في القسمة بينهن، والإسلام أباح التعدد لحكمة شرعية، ولم يبح التعدد بدون ضوابط، وإنما أباحه بضوابط. قد تختلف المعادلة فيزداد عدد النساء عن عدد الرجال، فكيف نعالج هذه المشكلة؟ لا بد من معالجة، إما أن تعالج بالعشق والزنا، وإما أن تعالج بالزواج الشرعي، ولذلك الإسلام حينما أباح التعدد وضع شرطاً له، قال تبارك وتعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، والعدل هنا في المسكن وفي الملبس وفي النفقة وفي المبيت، أما في الميل القلبي فهذا لا يملكه الإنسان؛ لأنه بيد الله سبحانه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يميل إلى عائشة على سائر زوجاته، حتى إنه كان في آخر حياته وفي حال مرضه يحمل من حجرة إلى حجرة عليه الصلاة والسلام، يتنقل بين حجرات زوجاته إحياءً للعدل، وكان يسألهن: (أين أنا غداً؟)، ففطن إلى أنه يبحث عن ليلة عائشة فأذنّ له أن يمرض في حجرتها عليه الصلاة والسلام. فانظروا إلى العدل في المبيت، وإن ضاعت على إحداهن ليلة لا بد أن يقضيها كما قال العلماء، لكن أن تعدد وتترك الحابل هكذا دون حقوق، تأتي بأولى ثم بثانية، ظلمت الأولى وظلمت الثانية، وازددت ظلماً على ظلم: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3].

حكم تعدد الزوجات

حكم تعدد الزوجات من محاسن شريعتنا التعدد، في بلاد الغرب يدرسون موضوع إباحة التعدد للرجل؛ لأن هناك حالات تستلزم التعدد، امرأة مريضة، امرأة عقيمة، امرأة لا قبل لها بالرجال، لا بد للزوج أن يعدد، نحن لا نضع شرطاً لهذه الشروط، وإنما نقول: الشرط الوحيد في الآية هو العدل، وقد افترق الناس في مسألة التعدد إلى ثلاثة فرق: الفرقة الأولى: العلمانية العفنة تقول: لا تعدد في القرآن ولا في السنة؛ لأن التعدد إباحية جنسية ورغبة شهوانية، أغلقوا الباب، وقيدوا عقد الزواج بشرط موافقة الزوجة الأولى، من قال: إن الزوجة الأولى لا بد أن توافق للزوج على أن يفعل أمراً أباحه الله له؟ أتقيدون أمراً أباحه الله؟ فهؤلاء كمن تمخض الجبل فولد فأراً، أو كمن سكت دهراً فنطق كفراً، كما كتبت إحداهن: الإسلام لا يبيح التعدد؛ لأن الله قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، ثم قال: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:129]. نقول لها: افقهي النصوص قبل أن تتحدثي: فإن المراد بقوله: (ولن تعدلوا) يعني: الميل القلبي وميل العواطف، أما العدل المطلوب فهو في المسكن والملبس والنفقة كما بينا، وفعل الصحابة وفعل خير الأنام عليه الصلاة والسلام يبين هذا، وكان العرب قبل الإسلام لا تجد رجلاً إلا ومعه أكثر من زوجة، فكيف نقبل أن يكون للرجل عشيقة ولا نقبل أن يكون له زوجة ثانية؟ لأن المرأة تقول: أنا لا أحب الشريكة، يا أمة الله طالما حقك الشرعي مكفول بضوابط الشرعية لا بد أن تقبلي. فريق آخر رفض التعدد، وفريق ثان فتح الباب على مصراعيه، وبحجة التعدد كل شهر يغير، فيتزوج في السنة ما يقرب من اثنتي عشرة امرأة، ولا يجمع إلا بين أربع بحجة التعدد، لا، التعدد له شروط يا عبد الله، أنت أخذت الإباحة ولعبت بها. أما الفريق الوسط فهو فريق أهل السنة الذين قالوا بجواز التعدد مع وجوب العدل، والموضوع طويل وفيه أبحاث. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا. اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا ونور أبصارنا، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك. اللهم عليك بأعدائنا، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً. اللهم بيض وجوهنا يوم تسود وجوه. اللهم ثبت أقدامنا على الصراط، وأمنا عند الفزع الأكبر. اللهم احفظ أعراضنا، وأمنا في بلادنا، وبدلنا من بعد خوفنا أمناً، ومن ضيقنا فرجاً، ومن بعد عسر يسراً. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وانصر عبادك المستضعفين في كل مكان يذكر فيه اسمك يا رب العالمين. اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم فرق جمعهم، واجعل الدائرة عليهم، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وجمد الدم في عروقهم، وأرنا فيهم آية، فإنهم لا يعجزونك. اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين برحمتك نستغيث. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تفسير سورة القلم [8]

تفسير سورة القلم [8] الإسلام شريعة كاملة وافية، جاء بكل ما يصلح المجتمع، ومن ذلك الأمور التي ترتب وتنظم الحياة الزوجية، فشرع حقوقاً للزوج على زوجته وحقوقاً للزوجة على زوجها، فإذا أدى كل منهما ما عليه من حق عاشا حياة سعيدة وهانئة.

حق الزوج على زوجته

حق الزوج على زوجته الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون. خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وهو مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد. فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. ثم أما بعد: فنواصل رحلتنا مع الحقوق التي بدأناها، ونستكمل موضوع حسن الخلق، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] يعني: وإنك لعلى دين عظيم، فمن زاد في الخلق زاد في الدين. وموضوعنا اليوم: حق الزوج على زوجته، تحدثنا في اللقاء السابق عن حق الزوجة على الزوج، وقلنا: إن كل واحد منا لا بد أن يراجع نفسه، وينظر هل أدى الحقوق التي ألزمه الله بها؟ وهي لأنها حقوق وواجبات، سيسألك رب العالمين عنها يوم القيامة، وحتى نربط بين الموضوعين، ذكرنا أن حقوق الزوجة سبعة: أولاً: الصداق. ثانياً: حسن المعاشرة. ثالثاً: النفقة. رابعاً: الاعتدال في الغيرة. خامساً: أن يعلمها أمور دينها. سادساً: حق الفراش والوطء. سابعاً: العدل بين الزوجات إن تعددن. نذكر الآن حق الزوج.

حسن الطاعة

حسن الطاعة أول حق للزوج على زوجته: حسن الطاعة، وقد دل صلى الله عليه وسلم وبين في أكثر من حديث أن المرأة ينبغي عليها أن تطيع زوجها طاعة مقيدة وليست مطلقة، مقيدة بطاعة الله؛ لأن الطاعة لا تكون إلا في معروف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف)، واسمع إلى ما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، قيل لها يوم القيامة: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت)، فطاعة الزوج مهمة، ولذلك في الحديث الآخر: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها)، وهذا الحديث فيه ضعف عند البعض وحسنه البعض. فإن أمر الزوج زوجته بأمر مشروع فلا ينبغي لها أبداً أن نعصيه، أما إن أمرها بأن تخلع حجابها، أو أن تختلط بالرجال، أو أن تخرج إلى الملاهي العامة ليفتخر بها، فلا؛ لأن بعض الناس الآن ليس عنده كرامة، ديوث لا يغار على عرضه، يفتخر عند خروجه مع زوجته أنها تكشف الوجه والذراع، وتكشف اليد، وتكشف القدم، ويفتخر على الناس بجمالها، وأقسم بالله! لو كان من الأنعام لغار، فذكور الأنعام تغار على إناثها، لكن من الناس الآن من يقدم لحمه للذئاب البشرية لتنهش فيه وهو يستمتع، وإلا بالله عليك ما تقول في رجل يدفع زوجته إلى شاطئ تلبس لا شيء، وهو يجلس متكئاً والناس جميعاً ينظرون إلى عورته؟ فهل هذا عنده غيرة؟ وهل فقد أسباب الغيرة؟ هذا لم يفقد الغيرة فقط، بل فقد الحياء. فعلى المرأة حسن الطاعة، فإن أمركِ الزوج بأمر فقولي: سمعاً وطاعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه لا بد أن تطيع المرأة الزوج، ولو كانت على ظهر بعير طالما أن الأمر ليس فيه معصية. وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَّر رجلاً على جيش، وقال: من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله) فالأمير انطلق بالجيش، وإذا به يصدر الأوامر، فأمرهم بجمع الحطب فقالوا: سمعاً وطاعة طاعتك من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أوقدوا في الحطب ناراً، فأوقدوا فيه ناراً، ثم قال: ألقوا أنفسكم في النار، فتوقفوا وقالوا: ما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم إلا لننجو من النار، أنطيعك في هذا؟! فوصل الأمر إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). فإذا أمركِ الزوج أن تكشفي الوجه، فلا سمع ولا طاعة، وإذا أمرك الزوج أن تخالطي الرجال فلا سمع ولا طاعة، وإذا أمرك الزوج أن تتركي الصلاة فلا سمع ولا طاعة، وإذا أمرك الزوج أن تخرجي متعطرة فلا سمع ولا طاعة، إنما الطاعة فيما شرع الله سبحانه.

شكر فضل الزوج وإحسانه

شكر فضل الزوج وإحسانه الحق الثاني للزوج على زوجته: أن تشكر فضله وإحسانه، وهذا موضوع هام؛ لأن كفران العشير من صفات غالب النساء، أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان: باب كفران العشير، وكفر دون كفر، ثم ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أريت النار فوجدت أكثر أهلها النساء، قلنا: يا رسول الله! يكفرن بالله؟ قال: لا، بل يكفرن العشير والإحسان، إن أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً تقول: والله! ما رأيت منك خيراً قط)، يعني: أن على الزوجة أن تذكر فضل الزوج، وأن تذكر إحسانه، وأن تشكره، ولكن الغالب من النساء لا يفعلن ذلك، ففي حديث أم زرع الذي رواه البخاري في صحيحه: أنه جلست إحدى عشرة امرأة يذكرن ما لأزواجهن وما عليهن، فثمان منهن ذكرن المصائب، وثلاث فقط ذكرن المزايا، فهذا يبين لك أن الغالب لا يعترفن بالإحسان وبالفضل، قالت إحداهن: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يبسط الكف؛ ليعرف البث. والمقصود أنها تقول: زوجي إذا أكل يأتي على الطعام ولا يبقي منه شيئاً، فهو أكول، وإذا شرب يأتي على الماء فلا يبقي منه شيئاً، وإذا نام التف، أي: يلتف في لحافه ولا يسأل عنها، ولا يبسط يده ليطمئن على حال زوجته، وهذا ذكر مساوئ. والثانية ذكرت المساوئ أيضاً فقالت: زوجي إن دخل فهد، أي: أنه إذا دخل البيت فهد، وإن خرج أسد، أي: وفي الخارج أسد، لكنه لا يسأل عما عهد، يعني: لا شأن له بحال البيت. وقالت الثالثة: زوجي العشنق، يعني: لا عقل له، إن أسكت أعلق، وإن أنطق أطلق، أي: إن سكتُّ يعلقني لا طلاق ولا إبقاء، وإن نطقت طلقني. انظروا إلى ذكر المساوئ، فينبغي على الزوجة أن تذكر محاسن الزوج، وأن تغض الطرف عن عيوبه، هذا هو الأصل، ولذلك قال العلماء: أن تذكر فضله وإحسانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذرهن من ذلك.

عدم منع الزوجة نفسها عن زوجها إلا لسبب شرعي

عدم منع الزوجة نفسها عن زوجها إلا لسبب شرعي الحق الثالث: ألا تمنعه نفسها إلا لسبب شرعي، ولو كانت على ظهر بعير؛ لأن الرجل ينبغي عليه أن يحصن فرجه بزوجته، فإن أبت الزوجة وتمنعت فماذا يصنع؟ اسمعوا إلى حديث رسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة دعاها زوجها إلى فراشه فتمنعت عليه باتت تلعنها الملائكة). وفي الحديث الآخر: (باتت والذي في السماء ساخط عليها)، فلا تمنعه نفسها إلا لعذر شرعي، حيض، أو نفاس، أو مرض شديد، أما ما سوى ذلك فلا ينبغي أن تأبى على زوجها، فله حق الفراش قولاً واحداً.

عدم الخروج من بيت الزوج إلا بإذنه

عدم الخروج من بيت الزوج إلا بإذنه الحق الرابع: ألا تخرج من بيته إلا بإذنه، وجاء ذكر البيت في القرآن في مواضع، منها: قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]. وقال تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:1]، فنسب البيوت هنا إلى المرأة رغم أن البيت ملك للزوج، قال العلماء: هي ملكية مصاحبة؛ لأن المرأة تكون في بيتها ملاصقة به، فما ينبغي أن تخرج من بيتها أبداً، إلا للضرورة الشرعية، فإياكِ إياكِ أيتها المرأة أن تكوني خراجة، ولاجة، كالتي تخرج من بيتها ليل نهار؛ فالمرأة بيتها حجابها، وبيتها خمارها، وبيتها سترها، وبيتها عفافها، وحينما أخرجوا المرأة إلى الأندية وإلى الفنادق وإلى المنتزهات العامة انظروا ماذا حدث يا عباد الله؟ قال عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، فلا تخرجي من بيتك. وعند البخاري في كتاب الأذان قال صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذنكم النساء للصلاة فأذنوا لهن)، والحديث بين، قال النووي: إن للزوج ألا يأذن لها بالخروج للصلاة؛ لأن الإذن معناه قبول أو رفض، فتستأذن قبل أن تخرج، فإن أذن لها تخرج وإن لم يأذن لا تخرج، فهل هذا يوجد بيننا الآن؟ وهل يوجد من لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه؟

عدم الاستطالة عليه بلسانها

عدم الاستطالة عليه بلسانها الحق الخامس: ألا تستطيل عليه بلسانها، وأن تحفظه بعد موته وحال حياته، لذلك الإسلام جعل العدة للمرأة التي مات عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام لا تخرج فيها من بيتها، ولا تكتحل إلا لمرض، ولا تلبس معصفراً، ولا تتعطر في بيتها؛ لحق الزوج الذي مات، وفاءً له، دخلت أم الدرداء على أبي الدرداء وهو يحتضر فقالت له: لقد خطبتني من أهلي في الدنيا، وأنا أخطبك إن شاء الله يوم القيامة، وأريد أن أكون لك زوجة في الجنة، قال: إن أردت ذلك فاعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة لآخر أزواجها في الدنيا)، فجاء معاوية يخطبها لنفسه، فأخبرته بما قال أبو الدرداء، فقال لها: صومي حتى تكوني له في الجنة. والنبي عليه الصلاة والسلام تزوج خديجة، وما أدراك ما خديجة؟ المرأة التي وقفت بجوار النبي عليه الصلاة والسلام في حال بعثته حين تخلى عنه الجميع، ولذلك جاء جبريل من السماء يقول: (يا رسول الله! إني رسول الله إليك أخبرك أن الله يقرئ خديجة السلام، فأخبرها أن الله يقرئها السلام، وأخبرها أن لها بيتاً في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا وصب)، لذلك ذكر النبي عليه الصلاة والسلام يوماً خديجة فغارت عائشة وقالت: (يا رسول الله! لا تزال تشكر عجوزاً من عجائز قريش -يعني: كان عمرها أربعين سنة يوم أن تزوجتها- فقال: والله! ما أبدلني الله خيراً منها، لقد أعطتني حين حرمني الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، ورزقني الله منها الولد)، وكان يقول عن بعض النسوة حينما يأتين إليه في المدينة: (كانت تأتينا أيام خديجة)، وفاءً لزوجته رضي الله عنها. فعلى المرأة أن تذكر فضله وإحسانه، وأن تستر عليه بعد موته، فلا تكشف سره، ولا تفضح أمره.

التزين للزوج كل ليلة

التزين للزوج كل ليلة الحق السادس: أن تتزين له في كل ليلة، وأن تعرض نفسها عليه، فهل من نسائنا من يفعل ذلك؟ فهذه امرأة تسمى أمامة بنت الحارث كانت في زمن الجاهلية قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام توصي ابنتها في ليلة زفافها بعشر وصايا، تقدم لها فيها كيف تمارس عملها؟ وكيف تعامل الزوج في بيته؟ وسنذكر هذه الوصية بعد قليل إن شاء الله.

عدم صيام النافلة إلا بإذن الزوج

عدم صيام النافلة إلا بإذن الزوج الحق السابع: ألا تصوم صيام نافلة إلا أن يأذن لها زوجها، والمراد صيام النافلة المشروع، أما غير المشروع، فلا، والبعض يخص شهر رجب بصيام، وهذا من البدع المحدثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه في فضل صيام رجب حديث صحيح، الأمر الذي دفع العلامة ابن حجر أن يكتب كتاباً سماه: (تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب) فضلاً عن أن ليلة السابع والعشرين التي يحتفلون بها بالإسراء والمعراج ليس لها أصل في الشرع ألبتة، وقد جاء عن ابن عمر أنه قال عن شهر ربيع الأول: (ذاك شهر ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث فيه، وقبض فيه، وهاجر فيه، وأسري به فيه) صححه الألباني رحمه الله تعالى، فعلم أن الإسراء كان في شهر ربيع الأول، وهذا القول هو الراجح عند علماء الأمة. وحتى ولو كان الإسراء في ليلة السابع والعشرين من رجب فلم يثبت في فضل صيامها ولا في فضل قيامها حديث صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك الأصل في العبادة التوقف حتى يأتي الدليل، فمن عنده دليل فليأتنا به، فالمرأة لا تصوم صيام النافلة كالخميس والإثنين وأيام البيض وعاشوراء وعرفة وأيام ذي الحجة إلا أن يأذن لها الزوج.

استقبال الزوج حال قدومه وتوديعه حال خروجه

استقبال الزوج حال قدومه وتوديعه حال خروجه الحق الثامن: عند قدوم الزوج تقوم الزوجة وتستقبله، وعند خروجه تقوم وتودعه، وأن تكون في بيته تحفظ ماله، وتحفظ أبناءه، وإذا خرجت لعمل لها تخرج مستترة تفلة غير متعطرة، ولا تظهر عورتها، وتتقي ربها عز وجل في زوجها. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

عدم إذنها في بيته إلا بإذنه

عدم إذنها في بيته إلا بإذنه الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. وبعد: فالحق التاسع من حقوق الزوج: ألا تأذن لأحد يكرهه أن يدخل بيته، ففي أكبر جمع عرفه الإسلام ما نسي النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أن يوصي الرجال بالنساء، وأن يوصي النساء بالرجال، فقال عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيراً)، ثم قال: (ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه)، والمقصود: ألا تدخل المرأة البيت أحداً يكرهه الزوج؛ فإن هذا من حقه عليها.

وصية امرأة جاهلية لبنتها ليلة زفافها

وصية امرأة جاهلية لبنتها ليلة زفافها هذه وصية امرأة لابنتها تعلمتها من الفطرة ومن معترك الحياة، فالفطرة لا تصادم الشرع، والإسلام دين الفطرة، فإن قال قائل: هذه امرأة جاهلية فكيف توصي بتلك الوصية التي تستقيم مع الشرع؟ فنقول: إسلامنا دين فطرة، تقول أمامة بنت الحارث لبنتها في ليلة زفافها: أي بنية! احفظي عني عشراً تكون لك حرزاً: الصحبة بالقناعة، وحسن المعاشرة بالسمع والطاعة، والتعهد لموضع عينه، ولموضع أنفه، فلا يشم منك إلا أطيب ريح ولا تقع عينه على قبيح، والكحل من أطيب الطيب، والماء أحسن الحسن، ولا تفشي له سره، ولا تعصي له أمره، فإن أفشيت سره أوغرت صدره، وإن لم تطيعي أمره لم تأمني غدره، والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه؛ فإن حرارة الجوع ملهبة، وإن تنغيص النوم مغضبة. ثم قالت لها: قومي على حفظه وحفظ أبنائه، واحفظي له ماله. ثم تقول: كوني له أرضاً يكن لك سماءً، كوني له مهاداً يكن لك عماداً، كوني له أمة يكن لك عبداً، لا تلتصقي به فيكرهك، ولا تبتعدي عنه فينساك، لا يشم منك إلا طيباً. فهذه امرأة جاهلية تعلم بنتها حق الزوج على زوجته، وحق الزوجة على زوجها، فيا ليتنا نعلم بناتنا تلك الوصايا، بل تجد الآن من يوصي بنته ويقول لها: اذبحي له ليلة الدخلة قطة سوداء، وكوني معه عنيفة، وإن أمرك لا تطيعي أمره، وآخر أمر في زمن الإحن وزمن الرويبضة يخرج علينا من يقول في أجهزة مسموعة ومقروءة ومكتوبة: الإسلام أعطى المرأة نصف الميراث، وجعل شهادتها نصف شهادة الرجل فهذه من الجاهلية، أما الآن فالمرأة قد خرجت وتعلمت، وزاحمت الرجال، وعملت مثله، فلا بد أن تحصل على كامل الميراث، ولا بد أن تكون شهادتها كشهادة الرجل تماماً بتمام! وهذا كفر يناقض صريح القرآن، ورب العالمين يقول: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]. ويقول: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282]، لكن في هذا الزمن يقولون للمرأة: لا فرق بينك وبين الرجل؛ فأنت وهو سواء بسواء، فضيعوا عفافها، ونزعوا خمارها، ونزعوا جلبابها، وأقحموها في الحياة حتى عمت الفوضى والبلاء، وساد الزنا، نسأل الله العفو والعافية. إخوتي الكرام! بعد أن عرفنا حقوق كل طرف على الآخر هيا بنا نعلمه الزوجات لننجو بأنفسنا يوم العرض على رب البريات، فربنا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).

الرد على من يحلل الغناء

الرد على من يحلل الغناء في ختام هذا اللقاء أعلق على مقال لأحد مفكري الإسلام، هذه المقال يتعدى السبع الصفحات، يبين فيه أن الغناء مشروع ولا شبهة فيه، وأن علماء الجمود والتقليد وفقهاء التقليد وفقهاء الجمود والتحجر هم الذين يحرمون الغناء! فنقول له: لقد وقعت في المحظور، فهل تريد للأمة أن تبيح الغناء وأن تبيح الرقص والطرب؟ وماذا حصدنا من ذلك؟ وهكذا بالأمس القريب خرج علينا طبيب بيطري لا علاقة له بالعلم الشرعي، وإنما علاقته بالسموم البيطرية، لكنه أراد أن ينشر سمومه في الأمة، فألف كتاباً في أكثر من مائتي صفحة سماه: (تذكير الأصحاب بتحريم النقاب)، ثم قال: تبرج المرأة أقل حرمة من لبسها للنقاب، الله أكبر! هكذا نحن في هذا الزمن، ولكني أقول لهم: ستدري إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظ يا رب أعراضنا، اللهم احفظ أعراضنا، اللهم احفظ أعراضنا، واستر نساءنا، وعليك بأعدائنا. نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأيد عبادك المستضعفين. اللهم عليك باليهود ومن والاهم. اللهم احفظ العراق من كيد المعتدين، ومن تخطيط الظالمين، واجعل كيدهم في نحرهم، إنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل. اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين! برحمتك نستغيث، يا أرحم الراحمين! برحمتك نستغيث. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً. اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعوة لا يستجاب لها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم حلق اللحية من أجل الوظيفة

حكم حلق اللحية من أجل الوظيفة Q رجل أتت إليه وظيفة في مكان لا بأس به، ولكن يريدون منه أن يحلق اللحية، فهل يجوز له حلقها، مع العلم أن هذه الرجل يشكو إلى الله الفقر، أرجو الإفادة؟ A لا يجوز قولاً واحداً، ولا تطلب وظيفة بمعصية الله، فمن طلب رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وسأضرب لك مثلاً حتى تطمئن: الرزاق هو الله، جاءت بعثة إلى إحدى دول أوروبا للعاملين في التربية والتعليم، فكان لي صديق مدرس ملتح، فرشح لهذه البعثة، فقال: يا شيخ! أنا سأحلق اللحية؛ لأن أحد شروط البعثة حلق اللحية، فنهيته، فأبى وحلقها، ثم ذهب بعد الفجر متستراً إلى السفارة لينهي الإجراءات ويسافر، فإذا به يفاجأ: أننا نعتذر عن السفر هذا العام، فعاد يجر ذيل الهزيمة، وظل شهراً في بيته متستراً بعمامته ولم يخرج حياءً من الناس. فلا تطلب الرزق بسخط الله، ولا يجوز يا عبد الله أن تقبل وظيفة يكون هذا أحد شروطها، فالأئمة الأربعة ذهبوا إلى أن حلق اللحية حرام، وحالقها عاص وآثم، وعد الذهبي حلقها في الكبائر، ولا تكن كمن يقول ما لا يعرف: اللحية سنة، من أعفاها أثيب، ومن حلقها فليس عليه شيء، فإن كلمة السنة لها معنى عند المحدثين، ولها معنى عند الفقهاء، ومن التدليس الخلط بين المعنيين، أما عند الفقهاء فتحمل الأحكام التكليفية الخمسة على السنة، يعني: من السنة ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو محرم، ومنها ما هو مباح، خمسة أحكام تكليفية، فمثلاً لبس الذهب للرجال حرام بالسنة وليس بالقرآن. إذاً: السنة تحرم، والسنة تبيح، والسنة تقرر، يعني: أن السنة مصدر تشريع، وليس معنى السنة أن من فعلها أثيب ومن لم يفعلها فليس عليه شيء، فهذا خلط بين المسائل.

حكم من عليه قضاء صيام خمس سنوات ماضية بسبب المرض

حكم من عليه قضاء صيام خمس سنوات ماضية بسبب المرض Q زوجة عليها صيام خمس سنوات قديمة مع العلم أنها مريضة فماذا تعمل؟ A إذا كان على المرأة قضاء أيام من رمضان بسبب النفاس أو الحيض أو المرض فيجب عليها القضاء؛ لأن عائشة تقول: (أمرنا بقضاء الصيام ولم نؤمر بقضاء الصلاة) فإذا حاضت المرأة أو نفست تفطر ثم تقضي، لكنها إذا حاضت وأفطرت ومرت سنة كاملة دون قضاء وجاء عليها رمضان الآخر ولم تقض، يقول العلماء: عليها قضاء وكفارة بعد رمضان الثاني، القضاء شرعاً والكفارة تعزيراً؛ لأنها فرطت وأهملت، فإن كان عليك أيام من رمضان خمس سنوات بسبب المرض، فإن كان مرضاً مزمناً فعليك أن تطعمي عن كل يوم مسكيناً، وإن كان مرضاً يرجى شفاؤه فانتظري حتى يتم لك الشفاء ثم اقضي بعد ذلك فقط؛ لأن الله قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184].

حكم الصلاة أمام الإمام للضرورة

حكم الصلاة أمام الإمام للضرورة Q قلت: إنه يجوز أن تصلي أمام الإمام للضرورة، فما هي الضرورة؟ A الضرورة أن يضيق المكان، فإذا كان المكان ضيقاً وليس هناك مكان على الإطلاق إلا أمام الإمام ففي هذه الحالة قال العلماء: يجوز أن يقف أمامه للضرورة، فالمشقة تجلب التيسير، قال عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، والله تعالى أعلم.

حكم الصلاة للميت

حكم الصلاة للميت Q هل يجوز وهب صلاة لوالدي المتوفى؟ A لا يجوز أن تهب الصلاة للميت، فما يصل إلى الميت لا بد أن يكون عليه دليل، كالحج، وكالصيام، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه)، وكالزكاة إذا كانت في رقبته، وكالصدقة الجارية، أما الصلاة فلا يجوز أن تصلي لميت.

حكم الاستنجاء من الريح

حكم الاستنجاء من الريح Q هل يجب الاستنجاء قبل الوضوء إذا خرج مني ريح؟ A لا؛ لأن الاستنجاء في حالة التبول والتغوط فقط، أما خروج الريح فلا يجب له الاستنجاء.

حكم لبس الرجل للدبلة والخاتم

حكم لبس الرجل للدبلة والخاتم Q هل ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس دبلة أو خاتم للرجل من غير الذهب؟ A نعم، كان له عليه الصلاة والسلام خاتم، والحديث عند البخاري في كتاب العلم: (أنه كان يتخذ خاتماً نقشه (محمد رسول الله)، محمد في سطر، ورسول في سطر، والله في سطر)، وقال للصحابي: (التمس ولو خاتماً من حديد)، فلبس الخاتم ليس فيه شيء. أما الدبلة فهي عادة نصرانية ليس لها أصل في شريعتنا. والذهب حرام على الرجال قولاً واحداً، أما الدبلة للمرأة فتقليد نصراني؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن الدبلة تتصل بعرق في القلب، ويعتقدون أنه كلما كانت الدبلة في اليد يكون عرق المحبة موصول، وخلع الدبلة خلع لعرق المحبة، فالدبلة لا أصل لها في الشرع، والإسلام أباح للرجل أن يتزوج أربعاً؛ إذن تلبس أربع دبل، فيا عبد الله! هذا كله من التقليد الذي ليس عليه دليل.

شروط التوبة النصوح

شروط التوبة النصوح Q شاب يعصي الله ويتوب ثم يعصي ويتوب، ويقول: إنه يريد أن يتوب توبة نصوحاً دون عودة إلى المعاصي فماذا يفعل؟ A التوبة لها شروط: الإقلاع، والندم، والعزم على عدم العودة، إنما أن تتوب وأنت عازم على أن تفعل المعصية فهذا لا يجوز، فإن تبت وقد ندمت، وأقلعت، وعزمت ثم عدت فتب فلك توبة، شريطة أن يكون عندك عزم على عدم العودة، فإن عدت إلى الذنب مع عزمك على التوبة فاعلم أن الله يغفر الذنوب جميعاً، فلا تقنط من رحمة الله عز وجل.

حكم فوائد البنوك للقاصر الذي وضع ماله فيها دون رضاه

حكم فوائد البنوك للقاصر الذي وضع ماله فيها دون رضاه Q حصلت زوجتي على ميراث من والدها، وهو مبلغ من المال، فوضع في أحد البنوك؛ لأنها كانت قاصرة، وعند سحب هذا المبلغ كان قد زيد عليه الفوائد، وأنا مدين بمبلغ وليس لدي المقدرة على سداد الدين، فهل يجوز أن آخذ هذه الفوائد وأسدد بها ديوني؟ A يجوز؛ لأن المبلغ وضع وهي قاصرة، ومن شروط التكليف أن يختار المكلف الفعل، وإنما هذا وضع بغير إرادتها، ففي أصول الفقه يقولون: شروط التكليف أن يكون المكلف مختاراً، يعني: أنك لا تحاسب على شيء أنت لم تختاره، فلابد من الاختيار، لكن طالما أكره عليه وجاءت أموال وهو لا يريدها، فنستطيع أن نقول: خذ الفوائد وسدد بها الديون.

حكم إعفاء اللحية مع عدم رضا الوالدين بذلك

حكم إعفاء اللحية مع عدم رضا الوالدين بذلك Q ما حكم إعفاء اللحية إذا كان ذلك يؤدي إلى خلاف مع الوالدين؟ A أعف اللحية، وحاول أن تكون باراً بهما، وأن تكون رفيقاً في الأمر، فلا طاعة لهما في هذا الأمر.

حكم الزواج

حكم الزواج Q هل الزواج واجب؟ ومن امتنع عن الزواج هل يأثم؟ A الزواج يأخذ الأحكام التكليفية الخمسة، فأحياناً يكون الزواج واجباً؛ وذلك إذا كان المكلف لا يستطيع أن يتحكم في شهوته فلابد له من الزواج. وأحياناً يكون الزواج محرماً؛ وذلك في حق رجل لا يستطيع مجامعة النساء، كالعنين، أو كان لا يملك مقومات الزواج، فإن جاء بامرأة فقد يظلمها، وهذا لا يجوز، أو يكون عنده مرض يقعده عن أمر الزواج. وأحياناً يكون الزواج مستحباً. وأحياناً يكون مباحاً يستوي فعله مع تركه، وابن تيمية لم يتزوج، والنووي لم يتزوج، وهناك كتاب اسمه: (العلماء العزاب) الذين آثروا العلم على الزواج، لكن هذه ليست سنة، فلا تقل: أنا سأكون مثل ابن تيمية، فإن الأصل هو الزواج، قال صلى الله عليه وسلم (فمن رغب عن سنتي فليس مني). فالزواج يرجع إلى حال المكلف، فبعض الناس يستوي عنده الزواج مع عدم الزواج، سواء تزوج أم لم يتزوج فالأمر عنده واحد، لكن في زمننا هذا انتشرت فيه البناطيل، والاختلاط، والتبرج، والفتن، ماذا يفعل الشاب؟ لذلك أشكر الأب الذي يزوج أبناءه مبكراً، وعندنا أخ زوج أولاده الاثنين وأعمارهما: سبعة عشر عاماً وتسعة عشر عاماً، ولنا أيضاًَ زميل داعية زوج ابنه وعمره ثماني عشرة سنة.

تفسير سورة القلم [9]

تفسير سورة القلم [9] الدعوة إلى الله عز وجل لابد فيها، فمن اللين والرفق مع المدعو؛ إذ إن الغلظة والقسوة تؤدي إلى النفور والإعراض، ولا تأتي بخير مطلقاً، ومع أن الأصل في الدعوة اللين إلا أن الشدة قد تكون مطلوبة أحياناً، ولكن بقدر، وفي ظروف معينة؛ وذلك للحفاظ على شعائر الدين وسننه.

كلمة عن وفاة الشيخ محمد صفوت نور الدين

كلمة عن وفاة الشيخ محمد صفوت نور الدين الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدنا الله، وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، ولا شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! قبل أن نبدأ في موضوع لقائنا اليوم أجد أنه من الواجب علي وعلى كل داعية إلى التوحيد في ربوع العالم الإسلامي أن يتكلم بكلمة عن عالم من علمائنا، أراد الله تبارك وتعالى له حسن الخاتمة؛ ليخفف آلام المصيبة والصدمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه في كتاب العلم من حديث أنس: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، وأن يفشو الجهل، وأن يفشو الزنا، وأن تشرب الخمر، وأن يقل عدد الرجال، وأن يزيد عدد النساء حتى يكون للخمسين امرأة القيم الواحد). وفي كتاب العلم أيضاً: باب كيف يقبض العلم؟ يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينتزع العلم من الصدور انتزاعاً، ولكن ينتزع العلم بموت العلماء، فإذا مات العلماء اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا). وظاهرة موت العلماء في السنوات الأخيرة لا تخفى على أحد. وهذا العالم هو شيخنا محمد صفوت نور الدين رحمه الله، فقد خرج من مصر يقصد بلد الله الحرام لأداء العمرة، وبعد أن طاف ببيت الله واغتسل وصلى الجمعة مع المسلمين خرج من بيت الله الحرام ليأتيه ملك الموت وهو على باب الفندق، وقبل موته شهق شهقة وهو يقول: لا إله إلا الله، وهي الكلمة التي كان يدعو إليها، وسارت جماعته على نهجها، وهي دعوة الأنبياء والرسل، فهي دعوة التوحيد التي من حاد عنها ضل. والله سبحانه قد جعل لحسن الخاتمة علامات، منها: أن يقبض العبد على طاعة، وقد مات شيخنا على طاعة الطواف بالبيت وأداء الصلاة، والموت ببلد الله عز وجل. ونحن أبناؤه، تعلمنا الدعوة منه، وكنا حوله يوم أن كنا صغاراً، وهو يغرس فينا عقيدة التوحيد، وحرب الشرك والمشركين، وجماعات البدع والأهواء، ودعوة السلف التي هي دعوة كل من أراد النجاة لنفسه. أسأل الله سبحانه في هذا اليوم الكريم وفي هذا الجمع الكريم أن يغفر له ويرحمه، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم اغفر له وارحمه. اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، اللهم نقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا عز وجل.

اللين والرفق والشدة في الدعوة

اللين والرفق والشدة في الدعوة أيها الإخوة الكرام! موضوع هذا اللقاء: اللين والرفق والشدة في سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وهو استكمال لقوله سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. فاللين والرفق يقابلهما الشدة، والبعض يسير في جانب اللين على طول الطريق، مع أن الأمر قد يستدعي الشدة في بعض الأحيان، وحتى نوازن بين الأمرين، فسنبين النصوص الشرعية، ونذكر مواقف من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وصدق الله سبحانه القائل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. وهذا الكلام لسيد البشر عليه الصلاة والسلام، فلا شك أن من هو دونه أولى بهذا. فما هو اللين؟ وما هو الرفق؟ وما هي الشدة؟ وما هي المواقف التي ينبغي أن يستخدم فيها اللين؟ والمواقف التي ينبغي أن يستخدم فيها الشدة؟ النفس البشرية بطبيعتها تميل إلى من يعاملها بلين وتقبل منه، وتأبى وترفض من يعاملها بعنف ويغلظ عليها بالقول، ولا شك في ذلك، فاللين والرفق هما: لين الجانب وتحمل الأذى وحسن الخلق وعدم العنف في المعاملة. وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تبين هذا المعنى. أرسل الله سبحانه وتعالى موسى وهارون إلى فرعون فقال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. وقد دخل رجل على المأمون في زمن الدولة العباسية فأغلظ له في القول وعنفه، فقال له: يا رجل! لقد أرسل الله من هو أفضل منك إلى من هو شر مني، أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون فقال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. هناك فرق وخط فاصل بين المداراة والمداهنة، وأرجو الانتباه إليه؛ لأن الله يقول: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9]. فالمداراة كما قال علماء التفسير: أن تضحي بالدنيا لأجل الدين، وأما المداهنة فهي: أن تضحي بالدين لأجل الدنيا. فالمداراة هي استخدام الألفاظ اللينة وعدم قبول المنكر أو إقرار صاحبه. واللين في الدعوة ليس معناه مشاركة العاصي وعدم الأخذ على يده وتركه ومجاملته؛ حفاظاً على المودة بينكما، فهذه مداهنة، ولا ينبغي أن تكون أبداً، وإنما المقصود بالمداراة: استخدام اللفظ الطيب، وخفض الجناح في النصيحة، وقد جاءت النصوص الشرعية تبين هذا المعنى، فرب العزة تبارك وتعالى يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [العنكبوت:46]. وهذا قيد مهم. وانظر إلى حوار فرعون وموسى، والنمرود وإبراهيم، وصاحب الجنتين مع أخيه، وقارون مع قومه فستجد الحوار أحياناً يأخذ جانب اللين وأحياناً يأخذ جانب الشدة. فنوح يقول لقومه: {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف:23]. بعد أن استخدم معهم اللين، وإبراهيم قال لقومه: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:67]. فالحوار في القرآن واضح المعالم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان اللين في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه). ولما أرسل صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن قال لهما: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا). وكان يوصي أصحابه صلى الله عليه وسلم بالرفق في تعليم الجاهل. وكان يقول: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف). وقد دعا وقال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به).

من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في اللين والرفق

من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في اللين والرفق هيا بنا ننظر في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام في مواقفه في جانب اللين ومواقفه في جانب الشدة. أولاً: جاء في الحديث: (مر صلى الله عليه وسلم على قبر فوجد عنده امرأة تبكي، فقال لها: اصبري واحتسبي، فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي). (وإليك عني) كلمة زجر وردع، (فتركها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبرت المرأة أن الذي حدثها هو النبي عليه الصلاة والسلام جاءها مثل الموت وأصيبت بدهشة، وأسرعت إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام، فلم تجد بوابين على باب داره). فلم يكن يمنع نفسه عليه الصلاة والسلام عن الناس؛ حتى يظهر تحقيق الشخصية، ويقف من يريد ساعة، وبعد الساعة يستأذن ثم يدخل، (فلما أخبرته أنها ما عرفته، قال لها: إنما الصبر عند الصدمة الأولى). ففي هذا النص استخدم النبي صلى الله عليه وسلم اللين في معاملة المرأة. ثانياً: في حديث الرجل الذي وقع على امرأته في نهار رمضان وهو صائم، فذهب إلى قومه وقال: هلكت، فاذهبوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: اذهب وحدك؛ فإنا نخشى أن ينزل فينا قرآن يفضحنا، وأبوا أن يذهبوا معه، فذهب الرجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأخبره بما عمل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اعتق رقبة، فأمسك الرجل برقبته وقال: ليس لي إلا هذه يا رسول الله! قال: صم شهرين متتابعين، قال: يا رسول الله! وهل فعل بي ذلك إلا الصوم)، أي: إني لم أطق أن أبعد عن زوجتي يوماً، فكيف أبتعد عنها شهرين متتابعين؟ (قال له: أطعم ستين مسكيناً، قال: ليس في بيوت المدينة من هو أفقر مني، فأمره أن يذهب إلى قومه، وأن يقبل منهم الصدقة، وأن يطعمها أهله وزوجته). ولم يعنفه في القول. ثالثاً: في حديث آخر: (دخل عليه شاب وقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا). ولو جاء أحد الشباب إلى علمائنا اليوم أو إلى طلبة العلم وقال له: هل لي رخصة أن أزني؟ فماذا ستكون الإجابة؟ فانظروا إلى لين ورفق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أجلس الشاب، ثم خاطبه بلغة الشرع والعقل، وقال له: (أترضاه لأمك؟ قال: لا، قال: وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لأختك؟ لخالتك؟ لعمتك؟ ثم مسح على صدره ودعا له صلى الله عليه وسلم، يقول الشاب: فخرجت من عند رسول الله وأبغض شيء إلى قلبي هو الزنا). هذه هي معاملة اللين والرفق، (ما كان اللين في شيء إلا زانه). والدعوة بالعنف لا تولد شيئاً نافعاً. رابعاًً: حديث الأعرابي كما في سنن أبي داود يدل على أنه ينبغي أن نرفق بالجاهل عند تعلمه، ففي الحديث: (أن أعرابياً بال في زاوية من زوايا المسجد). فقد ترك المكان المعد للتبول وبال في زاوية من زوايا المسجد، قلت في نفسي: لو وقع هذا في أحد مساجدنا لضرب من فعله بالنعال، وقد يحمل إلى المقبرة، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (دعوه، لا تقطعوا عليه البول، ثم أريقوا عليه ذنوباً من ماء، أو سجلاً من ماء). يقول ابن حجر في فتح الباري عند شرحه لهذا الحديث: انظروا إلى رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو قطع الصحابة على الرجل بوله لجرى أمامهم وسعى، فبدلاً من أن يصيب موضع واحد بالنجاسة لأصاب كل المسجد، ولو حبس البول في داخله لأصيب هو بالأذى. وجاء في بعض الروايات: (أن الرجل خرج إلى خارج المسجد وهو يقول: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد سوانا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حجرت واسعاً). خامساً: حديث عمر بن أبي سلمة: (أنه كان يأكل مع رسول الله عليه الصلاة والسلام فطاشت يده في الصحفة -أي: أنه كان يأكل من جوانب الصحفة الأربع- فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا غلام! ادنه، وكل وسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، يقول عمر: فما زالت تلك طعمتي بعد). سادساً: في فتح مكة قال صلى الله عليه وسلم: (ما تظنون أني فاعل بكم، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء). سابعاً: حديث معاوية بن الحكم كما عند مسلم: لما كان يصلي خلف النبي عليه الصلاة والسلام فعطس رجل بجواره فقال له: يرحمك الله، فلم يجبه الرجل، ونظر الصحابة إليه يكادون يسطون عليه سطواً، ثم بعد الصلاة قربه النبي صلى الله عليه وسلم، يقول معاوية رضي الله عنه: (والله ما وجدت معلماً كرسول الله عليه الصلاة والسلام، والله ما كهرني -أي: ما قهرني- وما سبني، وما شتمني، وما غلظ لي في القول، وإنما قال لي: تلك صلاة لا يصلح فيها إلا ذكر الله وكذا وكذا). علمه برفق وهكذا كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم حينما يرسل أصحابه يأمرهم بالرفق بالجاهل، واستخدام اللين في موضعه. ولذلك جاء في الأثر: أن

مواطن الشدة في الدعوة

مواطن الشدة في الدعوة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فالمتأمل في نصوص القرآن الكريم يجد أن كل رسول كان من جنس قومه، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ} [الأعراف:85]، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ} [الأعراف:73]. لأن القوم حينما يعرفون من يدعوهم يكون ذلك أرحم بهم، وكانت لغة التلطف في الحوار هي لغة الأنبياء مع أقوامهم في بداية الأمر، فإذا انتهكت حرمات الله واستهزئ بحدوده واستخف بأوامره غضبوا، فاللين في جانب الدعوة برفق وتلطف واستخدام أفضل الوسائل في الدعوة، وأما إذا انتهكت الحدود فلا تسكت، وأدنى درجات الإيمان الإنكار بالقلب، أما أن تشارك حتى يرضى عنك الآخرون، ولا تصطدم معهم ولا تبدي لهم أي نفور أو عدم قبول فهذه مداهنة، وهذا مثل ما عمل مفكرنا الإسلامي وأستاذنا العظيم عندما تقدم باقتراح إلى مجمع البحوث يطلب فيه استتابة المرتد مدى الحياة وعدم قتله، وهذا فيه إهدار للنصوص الشرعية، ولا أدري ماذا يعمل مع ما جاء في البخاري من أن معاذاً جاء إلى أبي موسى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولى كلاً منهما في مكان من أرض اليمن، فوجد رجلاً مربوطاً فقال لـ أبي موسى: من هذا؟ قال له: مرتد، وقد استتبناه ثلاثاً، قال: لا أنزل من على دابتي حتى يقتل، قال: وهل أتينا به إلا لقتله، قال: لا أنزل حتى يقتل، وأبى معاذ أن ينزل حتى قتل المرتد؟ وماذا يقول مع ما جاء عند البخاري: (من بدل دينه فاقتلوه)؟ أي: بعد استتابته ثلاثاً كما ذهب إليه جمهور العلماء من السلف وغيرهم. ولما ذهب أبو أيوب إلى سالم بن عبد الله بن عمر في عرسه ليهنئه على زواجه، وجد على جدران سالم ستائر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تغطى الجدران بالستائر، وعن كسوتها، فقال أبو أيوب: تكسون الجدران بالأقمشة وقد سمعتم النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك؟ فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء يا أبا أيوب! فأبى أبو أيوب أن يجلس ورجع. وابن عمر لما خرج في جنازة وجدهم يسيرون ببطء، ومن السنة في الجنازة الرمل، كما كانت سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: إن لم تسرعوا بها فسأعود حالاً، ولم يقبل أن يسير في مخالفة السنة. هذه نصوص شرعية واضحة بينة في أن الشدة تكون في حال ارتكاب مخالفة، شريطة أن تكون ليناً في جانب اللين. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعتنا. اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذكراً. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وغمومنا، ونور أبصارنا. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً، ونسألك رضاك والجنة. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك. اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر دينك في ربوع الأرض يا رب العالمين! اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بشر فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود وفرعون. اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم أحسن خاتمتنا. آمين. آمين. آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الطعن في العلماء

حكم الطعن في العلماء Q ما حكم الطعن في العلماء، فبعض الناس يقول عن فلان: إنه مرجئ، وعن آخر: إنه من الخوارج، وهكذا؟ A لقد عمت الفتنة والبلوى، وخاض الأصاغر في الأكابر، فنسأل الله العافية، فهذه فتنة ينبغي أن نطهر ألسنتنا منها، وعلماؤنا إن شاء الله على خير، وإن كان لأحدهم زلة فندعو له بالتوفيق وأن يعود إلى رشده، ومن منا ليست له زلة؟ لكن أهل الأهواء والأمراض ينشرون اختلاف العلماء بين الناس، وقد قال العلماء: خلاف الأقران يطوى ولا يروى، والأقران هم العلماء الذي يعيشون في زمن واحد، ولا شك أنهم يقع بينهم غبطة أو تنافس في الخير، وهكذا كان دأب العلماء قاطبة في أزمنتهم، فصراع الأقران يطوى ولا يروى، فقد كان أحدهم يقول عن الآخر كذا، والآخر يقول عنه كذا، والآن هناك أختام مصنوعة لتمييز الناس، فهذا من فرقة كذا، وهذا من عصابة كذا، وهذا من كذا وهكذا، حتى أصبح ولاؤنا وبراؤنا ليس للتوحيد ولا لدين الله، وإنما لمن أسمع منه وأتلقى منه، والأخ يسأل الآن ويقول: ماذا تقول في أخ يقول عن العالم الفلاني: إنه مرجئ، وعن فلان: إنه من الخوارج؟ أقول: ليتق الله في نفسه؛ فما خاض أحد في لحوم العلماء إلا أذله الله، وكانت خاتمته خاتمة سوء، وانظر في كتب التراجم ماذا صنع الله عز وجل بمن عذب شيخ الإسلام ابن تيمية وسجنه؟ وماذا صنع الله بمن عذب الإمام أحمد بن حنبل في بغداد، وامتحنه في محنة خلق القرآن وجلده؟ فأسماؤهم لا نعرفها، وأما ابن حنبل فلا يجهله أحد، فهؤلاء غابت عنا حتى أسماؤهم، وعليهم من الله ما يستحقون، وأما علماء الأمة فكلما ذكرناهم قلنا: رحمهم الله، ونترضى عليهم، فلحوم العلماء مسمومة، فمن وقع فيهم فإنما يتجرع السم، وعادة الله في هتك منتقص قدرهم معلومة، ومن وقع في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، وهذا كلام مهم، وبدلاً من أن نعلم الناس اليوم التوحيد والشرع، ونحذرهم من البدع التي انتشرت الآن وظفنا أنفسنا في الكلام في العلماء، ونحن نريد الآن أن نتصدى لهذه الظاهرة ونمنعها ونقول للناس: هذا لا يجوز، ولا نشغل أنفسنا بأن فلاناً مرجئ أو خارجي أو حلولي أو اتحادي، فيا عبد الله! اتق الله، فلا يقع في علماء الأمة إلا سيء الأدب، ولم يسلم من الألسنة حتى الشيخ ابن باز والشيخ الألباني وهما مجددا العصر باعتراف أهل العلم، فالشيخ ابن باز والشيخ الألباني جددا لهذه الأمة دينها، (ويبعث الله على رأس كل مائة سنة للناس من يجدد لها دينها). وقد ترك الرجل كتباً ربما مسجد العزيز لا يتسع لها، وكانت عقيدته سلفية، فأنت تطعن في عالم من علماء الأمة جدد وأحيا وقطع نفسه للدفاع عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فاتق الله في نفسك يا عبد الله! وراجع نفسك، وإن كان لفظاً يحتمل الخطأ فاحمله على المحمل الحسن، ورد المتشابه إلى المحكم، فلا تصطاد الأخطاء اصطياداً، وتكتب فيها الكتب وتنشرها على الملأ، فنحن في زمن عمت فيه الفتن والبلايا، وصارت فيه الأعراض رخيصة كما تعلمون، فالإنسان لا يأمن فيه على عرضه، ولا يأمن على ذهاب ابنته إلى الجامعة، فالزواج العرفي أصبح أيسر شيء، فكلما ذهبت البنت إلى مكان كتبوا لها ورقة وتزوجت، وهذا أمر انتشر، فتصدوا لهذه الظاهرة، وبينوا فيها الأحكام، وحذروا الناس منها. فقد أصبحت أمراضنا متعددة، ويبدو أن الشيطان قد استهوانا وتغلب علينا، فانشغلنا بأمور وجزئيات وتركنا الأولويات، وفقه الأولويات من أهم أنواع الفقه الذي ينبغي أن ننتبه إليها.

الجواب على شبهة كون أحداث مركز التجارة العالمي من معجزات القرآن الكريم

الجواب على شبهة كون أحداث مركز التجارة العالمي من معجزات القرآن الكريم Q هل أحداث مركز التجارة العالمي في (11/ 9/2001م) إحدى معجزات القرآن الكريم؟ A ورد في سورة التوبة نفسها يقول تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36]. فالشهور التي عند الله: هي محرم وصفر وربيع أول وربيع ثاني وجمادى الأولى وجمادى الثانية ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة، وليس فيها (سبتمبر)، فكيف نربط أمراً قرآنياً بشهر لا يعرفه الشرع من أصله؟! وعندما قالوا: إن عدد الطوابق (109) مثل رقم الآية وهي قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة:109] لم يعدو البدروم ولا الدور الأرضي، فقد كان تحت الأرض طابق أيضاً، نسأل الله العافية، ولو تأخرت هذه الواقعة إلى يوم (12) سبتمبر فكيف كان سيصبح تفسير الآية؟ فالآية لم ترتبط بحادث، والله لم يخبرنا بذلك في كتابه ولم يخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جئت أنت واستنبطت ذلك، وربنا يقول: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64]. فهو يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى قيام الساعة، ولم يقل لنا: إن من علامات الساعة انهيار برج التجارة، وصاحب كتاب هرمجدون يأتينا كل قليل بآخر بيان، ففي (2002م) سيخرج المهدي، وعام (1997م) سيخرج الدجال، فانتبهوا، وكتبه تباع منها ملايين النسخ، وبقيتها محجوزة، وحدث ولا حرج. وكل هذا يدل على أن الناس ليس عندها ثبات، حتى في أمر العقيدة، ولما خرجت كاهنة الإسكندرية الشيخة نادية، كان يحجز الأوتوبيس مدة شهر، حتى كان الناس في الأرياف وفي المراكز يحجزون الميكروباص من أجل أن يذهبوا في الفوج الأول، فيؤخرون إلى الفوج الثاني بسبب أن التأشيرة لم تأت، نسأل الله العافية. وقد ذهب مدير عام وجلس من الساعة الثانية عشرة مساء في السرادق إلى بعد الفجر، ينتظر خروجها تقرأ عليه في الميكرفون، وتؤجر الكراسي وتباع المثلجات، وتصبح المسألة فوضى، ولم يتحرك المسئولون إلا بعد فترة، وبعد أن وقع ما وقع، والتحرك المبكر مهم لمثل هذه الأشياء. وهذا يدل على أن أبسط الأمور في العقيدة ليس عندنا فيها ثبات، في حين أن الواجب على المسلم أن يقف ثابتاً على أرض صلبة لا تهزه الرياح والعواصف أبداً، وأن يكون واثقاً متيقناً في أمر الله سبحانه وتعالى. وقد كتبنا ورقة ووزعناها في المسجد يوم الإثنين رداً على وصية الشيخ أحمد حامل المفاتيح، وكان بعض الناس قد صور الورقة خوفاً من أن يفصل من الوظيفة، نسأل الله العافية، وقد يكون عمل هذا شخص عنده آلة تصوير أصابته أزمة فأراد أن يشغل الآلة قليلاً، نسأل الله العافية، والأمة في غفلة، وهذا معناه غياب دور الدعاة الحقيقي.

حكم نشر الردود على من يروج لشبهة كون أحداث مركز التجارة العالمي من معجزات القرآن الكريم

حكم نشر الردود على من يروج لشبهة كون أحداث مركز التجارة العالمي من معجزات القرآن الكريم Q يقول السائل: هل نكتب رداً علمياً على هذه الورقة وننشره، حتى نقيم الحجة على من لم يكن يفهم هذا؟ A لا بأس.

حال من يخطب حول أحداث مركز التجارة العالمي وأنها من معجزات القرآن الكريم، وبيان حال حسن شحاته

حال من يخطب حول أحداث مركز التجارة العالمي وأنها من معجزات القرآن الكريم، وبيان حال حسن شحاته Q خطيب مسجد خطب خطبة حول مركز التجارة؟ A هذا إفلاس عقدي، وهذا الخطيب يروج جهله على الأمة عندما يقيم خطبة كاملة على أحداث مركز التجارة، وأن لها علاقة بسورة التوبة، وإذا كان خطيب القوم هكذا فما بالك بالقوم أنفسهم؟! وفي مسجد آخر خطب طبيب بشري متصوف ينتمي إلى فرقة من فرق التصوف الضالة، وقال للمصلين على المنبر: قال الله سبحانه: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9]، فهيا بنا نذكر الله، قولوا خلفي: لا إله إلا الله، فارتج المسجد كله، وانقلبت الجمعة إلى حلقة ذكر، وليس فيهم رجل رشيد يقول له: انزل يا جاهل، بل كلهم يكبر. ولو خرج أحد طلاب العلم من السلف، فإنهم يرونه ناشزاً، ويصبح بينهم غريباً، وهذا يدل على أن الناس في جهل. والمقصود بـ {ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] هنا الصلاة بإجماع المفسرين. وهذا الرجل يقول هذا الكلام ولا يوجد واحد يرد عليه من خمسة آلاف مصل أو ألفين. وهناك شخص يدعى حسن شحاتة في مسجد الجيزة في جوار حديقة الحيوانات يسب الصحابة من على المنبر علناً ومن سنوات، وفي برنامج أسماء الله الحسنى لبس نفس العباءة، وهو يحمل مؤهلاً ابتدائياً، وأنا لا أقدح في المؤهل، وإنما ما هو العلم الذي يحمله، فقد صعد على المنبر وقال: اللهم العن أبا بكر وعمر بعدد رمال الأرض، والناس تقول: آمين، ويقول: وهناك صحابي اسمه عثمان، وقد كان أصلاً بواباً، فيقدح في عثمان رضي الله عنه، ثم يتجرأ على ابن تيمية ويقول -والشريط موجود-: من أراد أن يعرف منزلة ابن تيمية فليصل لله ركعتين فسيراه ووجهه أسود يتقلب في نار جهنم، ثم يزيد في طغيانه ويقول: أما شيخ الجزيرة ابن باز أعمى البصر والبصيرة، يقول هذا الكلام على المنبر والناس يذهبون إليه ويثقون في علمه سنوات، ثم لما علموا أنه شيعي، ومنظم إلى تنظيم شيعي وقبض عليه أخذ حكماً بالإفراج عنه، ثم رحل إلى دول الخليج، ولم يعرف الذين حوله بأمره إلا بعد سنوات بعد أن عمت بلواه، وله كتاب اسمه: الحق المكتوم، كتب فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، ويعلم متى الساعة مكاناً وزماناً ويوماً، وظل يدفع ويهدر النصوص القرآنية، ويطعن في علماء الأمة، وعلماء الأمة قد أحجموا وتركوه عشر سنوات أو يزيد يصلي معه خمسة آلاف مصل، حتى تبين أنه شيعي يأخذ الدولارات والريالات، ويطعن في أصحاب سيد البريات صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أن الناس ليس عندها ثبات ولا ثقة ولا يقين على الطريق.

حكم مغادرة الزوجة لمنزل زوجها دون إذنه وعدم طاعته

حكم مغادرة الزوجة لمنزل زوجها دون إذنه وعدم طاعته Q لي زوجة دائماً تترك منزل الزوجية لأتفه الأسباب، وعندما أذهب لأحضرها من منزل والدها يقوم بطردي من البيت وإهانتي، وتكرر ذلك مرات كثيرة، وفي كل مرة أقوم بطاعة زوجتي دون جدوى، حتى مللت الحياة، وحاولت أن أطلق، ولكنهم زادوا في طلب المال أكثر مما هو متفق عليه، فما حكم الدين في عدم طاعة الزوجة لزوجها؟ A المرأة المسلمة التقية لا تخرج من بيت الزوج إلا بإذنه، وقد قال تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق:1]. وفي البخاري أن علياً لما غاضب فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ترك البيت وذهب إلى المسجد ونام على التراب. فالذي ترك البيت هو الزوج، وأما المرأة فلا تفارق البيت أبداً بأي حال، فبيتها هو سربالها، وهو حجابها وعفافها، {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]. والآية نسبت البيوت للنساء، والنسبية هنا ليست نسبية ملك، بل نسبية التصاق ومصاحبة؛ لأن المرأة تلتصق في البيت، فكأن البيت أصبح بيتاً لها، فالمرأة التي تترك بيت الزوجية لأتفه الأسباب لم تترب على شرع الله، ولم تعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعليك أخي في الله أن تأخذ معك أناساً من الصالحين الذين هم على علم شرعي حتى تقيم الحجة على أهلها، وإن أصروا على ذلك فسرحها سراحاً جميلاً، وسيبدلك الله خيراً منها إن شاء الله تعالى.

حكم تلبس الجني بالإنسي وكيفية علاجه

حكم تلبس الجني بالإنسي وكيفية علاجه Q هل يتلبس الجني بالإنسي؟ وإذا كان هذا صحيحاً فوضح لنا كيف والإنسان من طين والجن من نار؟ A لقد استخف بنا الأعداء والصوفية والسفهاء في مسألة الجن، ووقعنا في البدعة، نسأل الله العافية، فأي أحد أصابه صداع أو لم تحمل زوجته أو تأخر في الزواج أو أصابه أي شيء، قال: بسبب الجن، والزوجة التي لا تطيق زوجها والجار الذي لا يحب جاره يقول بسبب الجن، والله يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76] ونحن لم نجعل كيد الشيطان ضعيفاً، فنحن نجعل له جلسة من الليل إلى الفجر، نسأل الله العافية. ثم يأتينا أحد الصحافيين ويؤلف كتاباً أسماه (حوار صحفي مع جني مسلم) هو يقول والجني يقول، وسجل شريطاً في هذا، ما هذا العلم؟ حوار مع جني، وهكذا باسم الجن راجت الكتب وكثرت الثروات، نسأل الله العافية. أما الرقية فمشروعة لا بأس بها ما تكن شركاً، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالرقية، وقال (ولا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً). والرقية تكون بالفاتحة وغيرها من السور، وتجد الواحد يحجز العربية إلى الإسكندرية بمائتي جنيه، مع أن الرقية موجودة، والقرآن هو القرآن، والثقة تكون بالله ثم في الرقية لا في الراقي، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]، فإذا دعا المضطر دعاه هو لا سواه. {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83]. فالمس موجود، قال سبحانه: {لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275]. ونحن نقول بوجود المس، ولكن كيفية علاجه ورقيته أن تضع يدك على مكان الألم، وتدعو كما علمك النبي صلى الله عليه وسلم، أو يدعو لك أحد الإخوة الصالحين وإن كان غير متخصص، ولكنه ورع تقي خفي، وأما هذه الطريقة المنتشرة فلا بد أن ننتبه لها. والله تعالى أعلم.

علاج السحر، ومتى ينفع

علاج السحر، ومتى ينفع Q هل السحر موجود؟ وكيف يعالج؟ A السحر موجود ولا شك، وعلاجه موجود، وقد جاء جبريل بعلاج السحر، جاء بالمعوذتين، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1]. وكان كلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم آية انحلت عقدة، هكذا فقط، ولكن المشكلة أن السلاح على قدر الرامي، فالأول يرمي الهدف ويصيبه والثاني يخطئ، فالعيب في الرامي وليس في السلاح، وهذه الفاتحة، ولكن أين القارئ؟ ومن الناس من لو أقسم على الله لأبره، ويحكى عن الصالحين العجب والغرابة، وقد كان أبو مسلم الخولاني من الصالحين في أرض اليمن، وكان ولياً بمعنى كلمة الولاية على منهج السلف، ذهب إلى الصلاة، وكان من عادته أنه كلما جاء من صلاة الجماعة كبر في باب الدار، ثم يفتح الباب ويكبر، فترد الزوجة عليه ليعرف مكانها، فجاء يوماً وقال: الله أكبر، فلم ترد المرأة، فبحث عنها حتى وجدها في نهاية الدار، فقال لها: أما سمعت؟ قالت: سمعت، قال: لم لم تجيبي؟ قالت: يا أبا مسلم! أعباء المنزل قد كثرت علي فأريد أن تستجلب لي خادمة، فعلم أبو مسلم أن امرأة قد أفسدت عليه امرأته، فقال: اللهم من أفسد علي زوجتي فأعمي بصره، وكانت المرأة التي أفسدتها بجوار بيته، فأعمى الله بصرها في الحال، فقالت: لقد دعا علي الآن أبو مسلم، فذهبت إليه مع جيرانها تسأله أن يدعو الله لها أن يرد عليها بصرها، فدعا لها فعاد بصرها في الحال. ويحكى في ترجمة أحمد بن حنبل أنه جاءته امرأة عجوز وقالت: يا ابن حنبل! فلانة أرسلتني إليك لتدعو لها الله؛ لأن بها مرضاً أقعدها، فقال ابن حنبل للعجوز: اخرجي نحن الذين نستحق الدعاء، فقولي لها: تدعو لنا، وهذا من إخلاصه رحمه الله، فلما خرجت نأى بنفسه ورفع يده إلى السماء وسأل الله أن يشفيها، فعادت السائلة تقول له: لقد دعوت لها يا ابن حنبل! لقد شفاها الله عز وجل في الحال. وهذا يدل على صدق الصلة بالله عز وجل.

المقصود بكلمة (الحوادث) في قولهم: حلول الحوادث

المقصود بكلمة (الحوادث) في قولهم: حلول الحوادث Q ما معنى كلمة (الحوادث) التي تتردد في كتب العقيدة حينما يقولون: أهل الكلام المذموم يطلقون نفي حلول الحوادث؟ A الحادث هو التغير من حال إلى حال، وهو ما لم يكن موجوداً ثم حدث، ولذلك أهل السنة ينزهون الله عز وجل عن الحوادث، يعني: من التغير سبحانه وتعالى، فصفاته كلها غير مخلوقة، وهي أزلية؛ لأنه لو قلنا: إنها مخلوقة، وأنه كان لا يتكلم، ثم تكلم وكان لا يسمع، ثم سمع فهذا تحول، وهذا لا يجوز في حق الله تبارك وتعالى.

ما يحل للعاقد ممن عقد عليها

ما يحل للعاقد ممن عقد عليها Q ماذا يحل للعاقد مع الأدلة، فالسلف يقولون: له كل شيء إلا النكاح؟ A أنا لا أريد ذكر الأسماء، وأن الشيخ فلاناً قال كذا، وأجبنا بخلاف ما قال الشيخ فإنه في نظر الناس ينزل درجة، وهذا غير مطلوب، وغير مطلوب أن نكشف عورات الشيوخ على الملأ، فإن زل الشيخ صححنا له بيننا وبينه، فلا تقل: قال الشيخ فلان كذا في شريط كذا، وقال الشيخ فلان كذا في شريط كذا. أما العاقد فإن كتب الفقه تقول: له أن يفعل كل شيء إلا النكاح، ولكن هناك متغيرات تجعل هذا القول صعباً؛ لأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وكذلك هناك باب سد الذرائع، فالعاقد إن قبَّل المعقود عليها فليس عليه إثم بلا خلاف، وإن أمسك بيدها فليس عليه إثم، وهذا كلام مفروغ منه، لكننا نقول: لا يجوز له أن يختلي بها؛ لأن الخلوة ربما تجر إلى مفسدة، وهي البناء، فنمنع طريق البناء؛ لأنه إذا اختلى بها وأسدل الستار وأغلق الباب فهذا مظنة الدخول، فإذا اختلى بها فإنه سيفعل كل شيء، ولذلك يقول العلماء: إذا اختلى بها وجب الصداق كاملاً؛ لأنه في حكم الدخول، وربما طلقها قبل البناء وهذا حدث، رجل عقد على امرأة وفعل بها كل شيء حتى البناء دون أن يعلم الناس، ثم اختلفوا على ثلاجة وغرفة نوم فطلقها، فأمام الناس هي مطلقة، وفي حقيقة الأمر هي مدخول بها، فعليها عدة، وبعد أن طلقها جاء آخر وعقد عليها وتزوجها فاختلطت المياه، فنسد كل باب يفضي إلى البناء في مرحلة العقد، ونغلق كل باب يؤدي إليه إلا إذا أشهرناه، وأما أن يمسك العاقد بيد المعقود عليها فلا بأس شريطة أن نأمن البناء، ولتعلم الأخت المسلمة أن العاقد إذا أخذ منها ذهبها بعد أن رأى منها ما أراد أن يراه، فلن يأتيها بالمال وسيهاجر، وقد حدث هذا، فأحدهم لما نال منها ما أراده وقالت له: الزواج، قال لها: انسي الزواج، فلما رأى منها ما أراد زهدها. وهذه نصيحة لكل أخواتي الفاضلات ألا يمكن العاقد من أنفسهن، ولا تقل: هذا أخ، لا، الأخ ليس شعاراً، الأخ سلوك وشرع والتزام بالمنهج، هذا هو الأصل، والله تعالى أعلم.

حكم وضع الستائر على الجدران

حكم وضع الستائر على الجدران Q ما حكم وضع الستائر على الجدران؟ A وضع الستائر التي على النوافذ لا بأس بها، إنما الممنوع وضعها على جدار مقفل، فهذا يسمى تزيين الحوائط بالأقمشة لمجرد الزينة فقط. وأما إغلاق الفتحة بستارة بحيث لا يكشفها الهواء فلا بأس، وأما الجدار المقفول فلا يلزم ستره، فهذا زينة، وقد نهي عن تزيين الجدران بالأقمشة. هذا حكم الشرع. وهناك أناس مسرفون، يشتري الواحد منهم متر السراميك بعشرة آلاف دولار، وجاره لا يجد قوت يومه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث مسلم: (إذا طبحت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك). واليوم إذا ذهبت إلى مدينة في مصر وسألت شخصاً يسكن في شقة في الدور الثاني عن شخص يسكن في الدور الثامن، لقال لك: أنا أسكن في الدور الثاني ولا أعرف اسم الذي أمامي، وليس لي أية علاقة به، فهو في حاله وأنا في حالي، ويفتخر بهذا، وقد قال بعض العلماء: من يسكن معك في المدينة فهو جارك، فأهل القاهرة كلهم أجوار، واستدلوا بقوله تعالى: {لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب:60]. فسمى من يقيم في المدينة جار، والأوزاعي يقول: سبعون، وبعضهم يقول: أربعون، فأين حقوق الجار المهدرة؟ وهذا الكلام سنتحدث عنه إن شاء الله تعالى في اللقاءات القادمة.

حكم أخذ أرباح الودائع من البنوك الربوية

حكم أخذ أرباح الودائع من البنوك الربوية Q أعمل في إحدى المصالح العامة التابعة للدولة، وحصلت على ربح من أحد المشاريع فوضعته في البنوك الربوية، فهل يجوز صرف مبلغ من أرباحه؟ A لا يجوز، فهذا ربا.

حكم تزيين البيوت

حكم تزيين البيوت Q ما حكم تزيين البيوت؟ A لا بأس، نحن لا نضيق على الناس، لكن هناك إسراف، فتجد حنفيات الماء مطلية بالذهب، وكل شيء بالأزررة، حتى إن بعض الفقراء إذا دخل إلى حمامات الأغنياء، قال: لا أريد الخروج، فحمام الغني الآن ليس حماماً، والشياطين الآن ليسوا خبثاً وخبائث فقط، بل الشياطين الآن مكيفة، فهناك شيطان مكيف، وشيطان أبيض، وآخر أسود، نسأل الله العافية. وأنا لا أحرم الزينة، {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف:32]. وإنما نقول: لا بد من التواضع وعدم الإسراف.

مقدار الستارة الجائزة

مقدار الستارة الجائزة Q ما مقدار طول الستارة على الفتحة؟ A أن تكون للمكان المفتوح، وليس للصانع سؤال المشتري أين سيضعها؟ وإنما يعمل وينصح، فاستخدام الستائر مشروع على الفتحات والنوافذ، كما أن بعض الإخوة إذا دخل أحد المساجد يسأل الإمام: أين الله؟ وما هي عقيدتك؟ وما تقول في صفة النزول، ويجلس يختبره قبل الصلاة! فلا تسل عن حاله إذا كان مستور الحال، وبعضهم إذا اشترى من جزار جلس يسأله هل تصلي؟! وما هي عقيدتك؟! مع أن الأصل في الناس الإسلام. وتكون الستارة على قدر الضرورة، أو بزيادة نصف متر في اليمين ونصف متر في اليسار ونصف متر في الأسفل؛ حتى إذا أتى الهواء يكون هناك فاصل يمنعه من الدخول، لا أن يكون الشباك اثنين متر فتجعل الستارة خمسة عشر متراً، أما إذا كان هناك ضرورة فلا بأس. فالحق واضح في المسألة، وقصة أبي أيوب لما دخل على سالم بن عبد الله بن عمر تدل على هذا، فإنه لما وجد على جدران بيته ستائر أبى أن يجلس وأقام الحجة عليه؛ لأنه ليس هناك ضرورة، والضرورة إنما تكون في بعض الأماكن، كوضع ستارة على النساء، أو في البلكونة، أو على الشباك، أو على غرف البيت، أو على دورة المياه، أو على شباك المطبخ، فالكلام واضح، وهكذا سنخفض مشاكل الزواج، فإن الزوجين كثيراً ما يختلفان على الستائر. نسأل الله العافية، وبارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً.

تفسير سورة القلم [10]

تفسير سورة القلم [10] أنعم الله على عباده بنعم كثيرة لا تحصى وأمرهم بشكرها، وحذرهم من اقتفاء صفات المنافقين والمشركين، وذكرهم بقصة أصحاب الجنة، فهي تحمل الدروس والعبر التي لا بد أن يعتبر بها أولو القلوب والأبصار؛ فإن المعاصي سبب زوال النعم.

تفسير آيات من سورة القلم فيها سخرية أهل الباطل بأهل الحق

تفسير آيات من سورة القلم فيها سخرية أهل الباطل بأهل الحق الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالةٍ من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وهو مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلونا على دينك، واللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! نعود إلى سورة القلم؛ لنستكمل الرحلة مع آيات ربنا سبحانه، لقد توقفنا طويلاً عند قول الله سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. يقول ابن عباس: خلق بمعنى: دين، فمن زاد عنك في الخلق زاد عنك في الدين: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، فدين بلا خلق لا ثمرة منه، وخلق بغير دين عبث، ومن ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم هدف الرسالة في قوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). ونستقبل الحديث مع آيات ربنا سبحانه، يقول ربنا: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:5 - 16]. هذه الآيات تتحدث عن رجل من المشركين، وقبل أن نتحدث عن صفاته يقول رب العالمين: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ} [القلم:5]، أي: فستعلم ويعلمون، فستخبر ويخبرون، {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم:6]، أي الفريقين هو المجنون؟ أي الفريقين على هدى أو ضلال؟ لأن المشركين -وهذا دأب أهل الباطل- قاموس البذاءات المعروف عندهم: مجنون، ساحر، يعلمه بشر، كل ذلك عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فيا أصحاب دعوة الحق! اعلموا دائماً وأبداً أن أصحاب الباطل يسخرون من أصحاب دعوة الحق: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:29 - 30]، إرهابي، رجعي، أصولي، متحجر، يريد أن يعود بنا إلى عصور الظلام، فقهاء التقليد الأعمى، فأهل الباطل يحملون مصطلحات البذاءة المعروفة في قاموس البذاءات؛ ولذلك ربنا يقول عن نوح: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38]، فسلاح السخرية سلاح قديم، وعلامة وجودك على الطريق أن يسخر منك أصحاب الباطل، فإن لم يسخروا فاعلم أنك قد ضللت الطريق، يقول ربنا رداً على المشركين الذين قالوا عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: إنه مجنون: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم:5 - 6]، والمفتون: هو من حاد عن الحق وتلبس بالباطل {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} [القلم:7 - 8]، أنعم الله عليك يا رسول الله! بهذا الشرع القويم وهذا الخلق العظيم؛ من أجل ذلك لا تطع المكذبين، ولا تركن إليهم ولا إلى آله

ذكر بعض الصفات التي يحملها المنافقون والمشركون على حد سواء

ذكر بعض الصفات التي يحملها المنافقون والمشركون على حد سواء قال تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10]، صفات لرجل من المشركين اختلف المفسرون في اسمه، والاسم لا يقدم ولا يؤخر عندنا. فقوله: (حَلَّافٍ): كثير الحلف، وهي صفة من صفات المنافقين، ومن صفات الضعفاء: أنهم يتخذون أيمانهم جنة أي وقاية؛ والضعيف يكثر الحلف بالحق والباطل. يقسم العلماء اليمين إلى ثلاثة أقسام: يمين لغو، ويمين منعقدة، ويمين غموس. أما اليمين اللغو فقال الله فيه: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة:225] كقولك: والله لتأكلن، والله لتشربن، فهذه أيمان لغو لا يؤاخذ عليها العبد، أما اليمين المنعقدة: هو ما عقده المرء بقلبه ونطق به اللسان على أن يفعل شيئاً أو يفعل، فإذا حلف بالله سبحانه وأراد أن يحنث في يمينه عليه أن يكفر بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات عند الأحناف، كما عند الجمهور أن الأولى هو التتابع. أما اليمين الغموس: فهو اليمين الذي يغمس صاحبه في نار جهنم؛ لأنه يحلف بالله كاذباً ويوقن بأنه كاذب. ومن صفات المنافقين في القرآن الكريم أنهم: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة:16]، أي: بسبب ضعفه يجعل الحلف وقاية له. فقوله: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10] أي: ضعيف، {هَمَّازٍ} [القلم:11]، والهمز كما قال ابن عباس: هو الغيبة، يذكر الناس في عدم حضورهم بلسانه بسوء، واللماز: هو الذي يشير إليه بأفعاله فاللمز بالفعل والهمز باللسان؛ لذلك يقول ربنا: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1]، وكم من المسلمين اليوم لا يحلو لهم كلام إلا إذا تمضمضوا بأعراض إخوانهم، فإياك إياك والغيبة، فمن أكبر الكبائر، بل من أشد الأمراض على القلوب أن تذكر أخاك بما يكره، قال: (يا رسول الله! إن كان فيه ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته). قال تعالى: {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11]، النميمة: نقل الكلام من جهة إلى جهة بغرض الإيقاع بين الناس، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام)، وفي صحيح البخاري: (مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين. فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله)، وفي رواية: (لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بجريدة فشقت إلى نصفين، ووضع على كل قبر نصفاً، وقال: لعل الله يخفف بهما عنهما ما لم ييبسا)، وبعض أهل البدع يأتون بجريد ويضعونه على قبور الموتى؛ بدليل هذا الحديث، وهذا لا يجوز؛ لأن هذه خاصية للنبي صلى الله عليه وسلم للأسباب التالية: الأول: أنه اطلع عليهما وهما يعذبان، وما أدراك أنت أن صاحب القبر يعذب؟ ثانياً: أن الله أوحى إليه أنه يخفف بهما عنهما ما لم ييبسا. ثالثاً: هل فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل مرة أخرى؟ ما فعل، وهل نقل عن الصحابة أنهم كانوا يضعون جريداً على قبورهم؟ ما نقل، وهل نقل عن التابعين؟ ما نقل، فعلم أن المسألة خاصية للنبي صلى الله عليه وسلم. والشاهد في الحديث: (وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة)؛ ولذلك خرج رجل إلى سوق يبيع فيه غلامه، فقال: أيها الناس! غلام جيد يحسن كذا وكذا، إلا أنه نمام ينقل الكلام، فرجل أحمق قال: النميمة ليست عيباً، طالما فيه هذه الميزات، نشتريه ولا مشكلة في ذلك، فاشترى الخادم وعاد به إلى بيته، وانظروا إلى ما صنع، في يوم جاء لسيده، وقال له: إن سيدتي تريد أن تقتلك وأنت نائم فاضطجع على الفراش وتناوم، يعني: اجعل نفسك نائماً، ثم جاء للزوجة وقال لها: سيدي يريد أن يتزوج عليك، وإن أردت ألا يفعل فخذي شعرة من شعرات لحيته وهو نائم، وادفعيها لي حتى أفعل الذي يمنعه، وأنتم تعلمون أن النساء لا يردن أن يكون لهن شريك في الرجل، فجاءت المرأة بالليل تأخذ من لحية زوجها شعرة، وبينما هي تخرج الموسى نظر الزوج إليها فتيقن من كلام غلامه النمام، فأمسك بها وجذب الموسى من يدها، وطعنها فقتلها في الحال، واجتمع أهلها عليه فقتلوه، وقامت الحرب بين العائلتين ثم بين البلدتين بسبب هذا النمام. فمن قال لك: قال عنك فلان، وبعضنا يستهوي أن يسمع، فلا تأبه لذلك. جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز وقال: فلان يقول عنك كذا، قال: أيها الرجل إن كنت صادقاً فيما تقول فأنت من الذين قال الله فيهم: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11]، وإن كنت كاذباً فيما تقول: فأنت من الذين قال الله فيهم: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] اخرج. قال: العفو والصفح يا أمير المؤمنين. فنحن كلم

قصة أصحاب الجنة وما فيها من دروس وعبر

قصة أصحاب الجنة وما فيها من دروس وعبر تتحدث الآيات بعد ذلك عن قصة أصحاب الجنة، قوم ابتلاهم الله بالنعمة، فالنعمة بلاء والفقر بلاء والمرض بلاء والسجن بلاء والولد بلاء، فالبلاءات متعددة: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ} [الحج:11]، ولابد من البلاء؛ لأننا خلقنا للبلاء، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2]. قال تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} [القلم:17] أي: كفار قريش، أرسلنا إليهم النعمة المسداة والرحمة المهداة، خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وجاءتهم هذه النعمة جحدوها، {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [القلم:17]، أَصْحَابَ الْجَنَّةِ شباب ورثوا حديقة من أب صالح. قال بعض المفسرين: وكانت عنباً، والمعنى يتضح بعموم اللفظ وخصوص السبب، فلما ورثوها تعاهدوا فيما بينهم أن يمنعوا المسكين والفقير من حقه، وألا يعطوا أحداً منها شيئاً، أما علموا أن الذي رزقهم هو الله؟ أبداً، {إِذْ أَقْسَمُوا} [القلم:17] أي: تعاهدوا وعزموا وأصروا، {لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم:17] (يصرمنها) يعني: يحصدونها في الصباح الباكر، {وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم:18]، المعنى الأول لقوله: (لا يَسْتَثْنُونَ) لم يقولوا: إن شاء الله، والمعنى الآخر: لا يتركون منها شيئاً على الإطلاق، وناموا على تلك النية، جاء في الأثر: (أن العبد يقدر الله له رزقاً، ولا يكون بينه وبين الرزق إلا القليل، فيعصي ربه، فيحرمه الله ذلك الرزق بسبب ذنبه). قال تعالى: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ} [القلم:19] حصدوا رماداً وتراباً بدلاً من أن يحصدوا ثمراً؛ بسبب سوء نيتهم ومعصيتهم. {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم:20]، أي: كالليل المظلم. ومعنى (طائف): آفة سلطها الله على الحديقة، فحصدتها فدمرتها، فحولتها إلى سواد مظلم بسبب خبث النية، أيها العاصي! أفق! انتبه! اعلم أن الله يعلم السر وأخفى. وقاموا في الصباح {فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ} [القلم:21] أي: نادى بعضهم على بعض: هيا بنا! قبل أن يستيقظ أحد، وقبل أن يراكم أحد، فقوله: {أَنِ اغْدُوا} [القلم:22]، من الغدو، {عَلَى حَرْثِكُمْ} [القلم:22] أي: على زرعكم، {إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ} [القلم:22] أي: إن كنتم قد نويتم وعزمتم على أن تحصدوها، {فَلَمَّا رَأَوْهَا} [القلم:26]، أي: وصلوا إلى الحديقة، الطريق هو هو، نظروا إليها بالليل خضراء مزهرة يانعة يافعة، وفي الصباح أصبحت رماداً، ما الذي حدث؟ فلما نظروا إليها: {قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ} [القلم:26] أي: لقد ضللنا الطريق، لم ندخل في الطريق الصحيح، تحققوا أنها هي قالوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [القلم:27] أي: لقد حرمنا النعمة بسبب كفرنا: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]، فيا من تكفر بنعمة الله! إن تحولت النعمة إلى نقمة فذلك بسبب معصيتك. يقول ربنا سبحانه: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم:28] أي: أعدلهم وخيرهم وأفضلهم، {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا} [القلم:28 - 29] بعد فوات الأوان، ندم بعد مصيبة، وتوبة بعد فوات وقتها. وفي الآيات درس مهم، وهو إن أمرتَ بمعروف أو نهيت عن منكر ولم يمتثل من تأمره لابد أن تنتهي أنت عن المنكر، فهذا الرجل أوسطهم نصح، ولكنه بعد أن نصح شارك فما قيمة النصيحة؟ قال لهم: (لولا تسبحون) بعد ذلك وقبل ذلك، لكنه سار معهم في الطريق، فالمنكر إما أن تغيره وإما أن تنتهي أنت عنه؛ ولذلك إخوتي الكرام! كانت النتيجة عامة: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ} [القلم:30]، وهكذا المعصية صاحبها يلوم نفسه بعد وقوعها: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} [القلم:30 - 31]، تابوا إلى ربهم وأنابوا إليه، وعلموا أن شكر النعمة هو الذي يبقيها.

صوم شهر شعبان طريق إلى صوم رمضان

صوم شهر شعبان طريق إلى صوم رمضان أيها الإخوة الكرام الأحباب! ونحن في هذا الشهر المبارك شهر شعبان، وقد ورد فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بل أحاديث بعضها ضعيف وبعضها حسن وبعضها صحيح، وأصح ما ورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم عنه: (ذاك شهر بين رجب ورمضان يغفل عنه كثير من الناس، ترفع فيه الأعمال إلى الله، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) فكان صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شعبان، وعندما تريد أن تصلي الفريضة تصلي نافلة تأهباً لدخول الفريضة، هكذا شعبان يؤهبك لدخول رمضان، وبلوغ رمضان نعمة على العبد لابد أن يشكر الله عليها، فإن انتقلنا إلى القبور وسألناهم: ماذا ترغبون أو تتمنون؟ لقالوا: نتمنى أن نخرج لنصوم معكم رمضان. فرمضان شهر رب العالمين، خصه بصفات وسمات، وجعله محلاً لنزول القرآن ومحلاً للصيام ومحلاً لليلة القدر ومحلاً للعتق من النار، ومحلاً للأعمال الفاضلة، حدث ولا حرج عما في رمضان، وها نحن الآن نستعد لاستقبال هذا الشهر، كان سلفنا إذا صاموا رمضان يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم صيامه، وستة أشهر أن يبلغهم رمضان القادم، وكانوا إذا دخل رمضان أغلقوا كتب العلم وقالوا: جاء شهر القرآن، وقد أثر عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه كان يختم القرآن في كل ثلاثة أيام في رمضان، فإذا جاءت العشر الأواخر كان يختمه في كل يوم مرة فإن قال قائل: كيف هذا؟! هذا عسير وصعب أقول له: يسر على من يسره الله عليه؛ ولذلك صحح بعض العلماء أثراً عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه دخل إلى حجر الكعبة وكبر تكبيرة الإحرام، وما ركع حتى أتم قراءات القرآن، قد يقول قائل: كيف؟ أقول لك: هذا توفيق من الله، وتوفيق الله لا تسل عن حاله. يقول سعيد بن المسيب: مكثت أربعين سنة لا أرى خلف مصل يعني: في الصف الأول دائماً. ثم يقول: ومكثت أربعين سنة أصلي الفجر بوضوء العشاء. إن قلت: كيف؟ أقول لك: هذا توفيق من الله، وتوفيق الله لا تسل عن حاله؛ ولذلك لما حاصروا بيت عثمان وقتلوه وهو صائم والمصحف بين يديه، وسال دمه على مصحفه قالت زوجته: قتلتموه وإنه ليصلي الليل بالقرآن كاملاً، وفيه أنزل الله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ ربه} [الزمر:9].

الرد على من قال: إن النقاب عادة وليس عبادة

الرد على من قال: إن النقاب عادة وليس عبادة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه. وبعد: فقد دفع لي أحد الإخوة المقال الذي أشرت إليه: (النقاب عادة وليس عبادة)، وكاتب المقال كاتب ومفكر إسلامي، وهم يحسبون على الإسلام خطأً، يعني: ينسبون كلمة كاتب ومفكر إلى الإسلام من باب الخطأ. يقول: بدأت عادة النقاب تظهر بكثرة في شوارع مصر هذه الأيام، وخاصة في الأحياء الشعبية حيث يغلب الفقر والأمية. يعني: لا تنتقب إلا الفقيرة والأمية والجاهلة، أما المثقفة المتنورة لا تلبس نقاباً، لكن ترقص، هذا هو التطور في نظره، ومن المضحكات والمبكيات أنهم يسألون راقصة: لماذا ترقصين دون أن تغني؟ قالت: لأن صوت المرأة عورة. وأنت أيها الكاتب! إن لم تستح فقل ما شئت، وإن لم تستح فاكتب ما شئت؛ لأن الحياء من الإيمان، تقول: (حيث يغلب الفقر والأمية). لكن يوجد عندنا نساء لا فقر عندهن ولا أمية، وهن منتقبات والحمد لله رب العالمين، وهذا سؤال فيه إزعاج لكم: أتعرفون الممثلات التائبات؟ ألم يطرقن باب الغنى والشهرة؟ سلوهن لماذا تركن هذا الباب، إن لم يكن النقاب هو المكرمة، وهو سربال المرأة وعفافها. ثم يقول: والنقاب عادة وليس عبادة؛ وهو تقاليد موروثة انتقلت إلينا مؤخراً من بعض البلاد الإسلامية والعربية التي ما زال المجتمع فيها يعيش بتقاليد البادية، وليس بأوامر الدين. انظروا يا إخواني! ماذا يكتب هذا المفكر الإسلامي، ثم أخذ يتيه في المقال، ويعلق الشماعة على طالبان، وما هذا إلا لوجود مرض في قلبه؛ لأنه لا يملك قراراً على أهل بيته، فابنته مبنطلة (100%)، والعائلة أيضاً مبنطلة، ولا يملك أن يقول: يا بنت! احتجبي، فإنها ستقول له: هذه حرية، وليس لك حكم علي، فهو يريد من الجميع أن يكونوا هكذا، وأنا لا أدري: هل المعاصي انتهت عندنا حتى نتوجه إلى الحرب على النقاب. لِمَ لا تكتب عن الفاجرات؟ لِمَ لا تكتب عن السافرات؟ لِمَ لا تكتب عن ظاهرة الزنا المقنن عندنا الآن؟ لِمَ لا تواجه هذه الظواهر؟ ضاق بك القلم حتى لم يعد إلا النقاب تسخر منه وتجرح فيه؟! لكننا لا نقول إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (هم من جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها).

الأسئلة

الأسئلة

حكم حضانة الأم المطلقة لطفلها

حكم حضانة الأم المطلقة لطفلها Q أخت مطلقة من سبعة أعوام ومعها ثمانية أولاد، تزوج اثنان وبقي ستة أولاد، منهم طفل، فهل لأبيه حق أن يأخذ الطفل؟ A قانون الحضانة في المحاكم الشرعية معمول به من الشريعة الإسلامية، فللولد مدة حضانة الأم له وللبنت كذلك، وبعد الحضانة يخير الولد، فيا أختي الفاضلة! تستطيعين أن ترفعي أمرك إلى القضاء، إن كان له حق فإنه سيأخذ حقه، ولا يجوز للزوج أبداً أن يأخذ منك الأبناء قبل انتهاء سن الحضانة.

حكم ميراث الزوجة التي توفيت قبل قسمة تركة زوجها

حكم ميراث الزوجة التي توفيت قبل قسمة تركة زوجها Q توفي رجل عن زوجتين وعدد من الأبناء، وبعد وفاته بفترة توفيت إحدى زوجتيه هاتين، وبعد وفاة زوجته هذا ظهر أن له ميراثاً شرعياً يساوي مبلغاً كبيراً من المال، هل تأخذ الزوجة الموجودة على قيد الحياة ثمن حق الزوج المتوفى بالكامل، أم يكون هذا الثمن مناصفة بين الزوجة الموجودة والزوجة الثانية التي توفيت؟ A طالما أن الزوجة الثانية كانت على قيد الحياة بعد وفاته فهي تستحق الميراث مع الأولى، فالاثنتان يأخذان الثمن، أي: يوزع الثمن على الزوجتين، ونصيب الزوجة التي ماتت يوزع على أبنائها بعد ذلك، فالمسألة تأخذ هذا الشكل، والله تعالى أعلم.

العلوم الشرعية التي يجب على كل مسلم أن يتعلمها

العلوم الشرعية التي يجب على كل مسلم أن يتعلمها Q ما هي العلوم الشرعية التي يجب على كل مسلم أن يتعلمها؟ A أول فروض العين أن تصحح العقيدة: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]؛ لذلك من نواقض الوضوء الردة، مثال ذلك: رجل توضأ وبعد أن توضأ ارتد، فالردة من نواقض الوضوء؛ لأن الوضوء عمل، والله يقول: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]، فالمشرك لا صلاة له، ولا حج له. إذاً: أول فرض عليك أن تصحح العقيدة. ثانياً: أن تصحح العبادة؛ لأن الله لا يقبل العبادة إلا بشرطين. الأول: أن تكون خالصة. الثاني: أن تكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم موافقةً للسنة: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه. ثالثاً: أن تتلقى علوم الأصول، كعلم أصول الفقه، وعلوم الحديث، وعلوم القرآن، فمن حرم الأصول حرم الوصول. رابعاً: أن تتعلم تلك العلوم على يد شيخ، فلا تأخذ العلم من مصحف، ولا القرآن من مصحفي، ومن دخل إلى العلم وحده خرج من العلم وحده، ومن كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه، ولذلك لابد أن تأخذ العلم على يد شيخ.

تعريف اللباس الشرعي وذكر شروطه وحكم لبس البنطال والقميص

تعريف اللباس الشرعي وذكر شروطه وحكم لبس البنطال والقميص Q هل يجوز ترك بعض السنن الظاهرة في اللباس كترك العمامة، ولبس القميص والبنطال بدلاً من الثوب وغيره؛ بحجة أنها ملفتة للنظر؛ وبحجة البعد عن البلاء وعدم التعرض للفتن؟ A لا، أنت مخطئ في سؤالك، اللبس من العادات وليس من العبادات، فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس السراويل، ولبس الملابس التي ليست من عادات بني جنسه، فطالما أن الملابس تستوفي الشروط فلا بأس، والشروط هي: الأول: ستر العورة. الثاني: أن يكون سميكاً لا يصف، فبعض الإخوة يلبس قميص زبدة، وهذه الزبدة تبين من تحتها العورة، فلا يجوز أبداً لبس هذا القميص. الثالث: ألا يكون واصفاً، فقد يقال: البنطال واسع. فأقول: البنطال كالسروال، فإن كان البنطال فضفاضاً وعليه جاكت طويل أو قميص يستر العورة فلا شيء فيه، فإن قيل: عندما يسجد تتحدد العورة. أقول: وأنت تلبس القميص عندما تسجد ستتحدد العورة، وهذا مما يصعب التحرز منه، لذلك حينما نقول: الصلاة في البنطال لا تجوز يشق ذلك على الناس، ونضيق عليهم واسعاً؛ ولذلك نقول: تجوز الصلاة في البنطال بضوابط: أن يكون فضفاضاً ساتراً للعورة. الرابع: ألا يكون مسبلاً، يعني: لا يجاوز الكعبين، شخص يلبس بدلة صيفية فضفاضة، ويرتدي جاكت يصل إلى حد الركبة. تقول عنه: صلاته غير صحيحة، نعم، هناك بناطيل لا تجوز الصلاة فيها فعلاً، كأن يكون بنطلوناً ضيقاً جداً، وعندما يسجد تكاد العورة تقفز من البنطلون قفزاً، فهذا لا يجوز، فالأمر يحتاج إلى بيان وتفصيل. واللباس يا أخي الفاضل! من العادات وليس من العبادات، وأنت تقول: القميص والعمامة، فلو افترضنا أن أستاذاً في الجامعة يلبس القميص والعمامة، دخل إلى الجامعة، فقيل له عند الباب: نأسف يا مولانا! الدخول ممنوع، فهل من المعقول أن يخرج من الجامعة لأجل القميص والعمامة؟! مثال آخر: رجل يعمل بهيئة الكهرباء، أو بوزارة الاقتصاد، أو أي مكان آخر، وعند ذهابه للعمل لم يلبس البدلة الخاصة بعمله، وإنما لبس بدلة صوفية طويلة، فقالوا له: محظور أن تدخل إلا بزي العمل، فهل يقول: لا، افصلوني؟! فيا أخي الفاضل! إن يسر الله لك أن تلبس القميص والعمامة دون حرج فالحمد لله رب العالمين، ولا تلزم الناس بهذا؛ لأن اللباس من العادات وليس من العبادات، والله تعالى أعلم.

التحذير ممن ينتقصون من شأن الله وشأن رسوله صلى الله عليه وسلم بأقوال كفرية

التحذير ممن ينتقصون من شأن الله وشأن رسوله صلى الله عليه وسلم بأقوال كفرية Q شخص يقال: إنه من العلماء، يقول: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً بيننا للبس (الكرفته) و (الجاكت) والبنطلون؟ A أنا لا أريد أن أقول كلمة فيها سوء أدب، هل يقال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان موجوداً للبس (كرفته)؟! فيا صاحب (الكرفته) من الذي صنع (الكرفته)؟ وما وظيفتها لستر العورة؟ ومن الذي صدرها لنا؟ هؤلاء يا أخي في الله! يسمون أنفسهم: الموديل الجديد، آخر صيحة لمواكبة التطور، المسرح الإسلامي، والسينما الإسلامية، والرقص الإسلامي، وحمام السباحة الإسلامي، بل هناك (مايوه) إسلامي، وكل شيء إسلامي وإسلامي، فتراه لابساً (كرفته) مشجرة، ويضع هنا منديلاً وهنا دبوساً، فأين أنت من رسول الله؟ لو كان شخصاً يمشي في الشارع ملمعاً ويلبس (الكرفته) وجواره رجل من أهل الكتاب ما الفرق بين هذا وذاك؟ هل تستطيع أن تميز؟! كلاهما سواء، فالمسلم له سمت إذا نظرت إليه عرفت أنه مسلم، والإسلام ظاهر وباطن، ولا يغني أحدهما عن الآخر. يلبس (جاكتاً) آخر صيحة، ويستخدم منديلاً ليتنخم فيه، ويضع دبوساً و (كرفتة) مشجرة، نقول له: يا عبد الله! اتق الله في نفسك، هل كان من صحابة رسول صلى الله عليه وسلم أحد هكذا؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للصحابة: قريش اضطهدتنا وضيقت علينا الحصار، اخلعوا القميص والبسوا الجنز واحلقوا اللحى خالطوهم، لم يقل هذا رغم أن قريشاً أكثر بكثير منهم، ولم يقل لأصحابه: تحللوا من الواجبات، والذي نفسي بيده إنما كانوا يعذبون ويقولون: أحد أحد، ولم يترخصوا هذه الرخص. وهناك كلام آخر، قال بعضهم: إن هذا الكلام منسوب إليه والله أعلم بصحته، والشيخ ابن عثيمين أجاب عليه. قال: لو أن الله نزل من السماء في الانتخابات لن يأخذ (99%)، ما هذه العبارات الكفرية يا من تنسب إلى العلم، بل يقولون عنك: إنك من أعلم أهل الأرض؟! هذه عبارات لا تقبل بحال، وقولهم: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم معنا للبس (الكرفته) والبدلة. معناها: أنه سيترخص، وهل تقبلون أن نبيكم يحاكي ويساير موضات أهل الكتاب؟! بل ما كان يراهم في شيء إلا فعل النقيض، وهذا لا يدخل في باب الإكراه، وإلا فـ عمار أكرهه المشركون على أن ينطق كلمة الكفر، فباب الإكراه باب كبير لا يعرفونه، ويقول العلماء: الإكراه في القول وليس في العمل، وابن عباس يقول: الإكراه في القول، فـ عمار لم يسجد لصنم ولم يأت بفعل كفري، وإنما قال بلسانه، فالإكراه يكون باللسان وليس بالفعل، يعني: لو أكرهت على أن تسجد لصنم لا تفعل، ولو أكرهت على أن تقول باللسان فقل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن عادوا فعد)، وقال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106] فيا إخوان! لابد أن نعرف هذه النصوص، فإنهم يحملونها ما لا تحتمل.

حكم الطلاق عن طريق الهاتف

حكم الطلاق عن طريق الهاتف Q قال لي زوجي: أنت طالق في الهاتف، وهذه ثالث مرة وهو يقول لي: إن الطلاق في الهاتف غير محسوب؟ A اذهبي إلى أصحاب الإسلام الجدد ربما عندهم فتوى جديدة نسأل الله العافية، الطلاق واقع طالما أن الزوج تلفظ به ووصل إلى سمعك هاتفاً أو كتابة، فلو كتب لك الآن: أنت طالق، طلقت؛ لأنه تلفظ بالقول أو كتب، والله تعالى أعلم.

الضوابط التي يلتزم بها سائق التاكسي

الضوابط التي يلتزم بها سائق التاكسي Q نريد أن نعلم ما هي ضوابط العمل لسائق (التاكسي)؟ A الأمر الأول: يا سائق (التاكسي) بارك الله فيك! لا تختل بامرأة لا تحل لك، وهذا كثير، إذا أشارت واحدة بمفردها احذر أن تقف لها؛ لأنها في مقام الخلوة؛ ولأنها ليس معها محرم، حتى وإن كانت منتقبة، فقد رأيت أختاً منتقبةً تركب (تاكسي) بمفردها، وهذه مصيبة، لا بد لها أن تتعلم الشرع فضلاً عن المتبرجة. إذاً: الأمر الأول: إياك أن تختلي بامرأة لا تحل لك. الأمر الثاني: إياك إياك وتشغيل الأشرطة الهابطة في سيارتك، استخدم أشرطة قرآن أو مواعظ فقط، وأنصحك أن تفرج كرب مكروب مضطر، فقد يركب معك رجل كبير في السن، وحالته فقيرة ليس معه إلا جنيهان، والأجرة خمسة عشر جنيهاً، فلا تقل له: أعطني خمسة عشر جنيهاً وإلا سآخذك إلى قسم الشرطة! يا أخي! تصدق. الأمر الثالث: اجعل (للتاكسي) نصيباً في عمل الخير، فقد يكون أحد مضطراً وليس معه شيء، فقل له: اركب، ولا بأس أن تتصدق يا عبد الله! الأمر الرابع: في أوقات الليل المتأخرة لابد أن تراعي الحذر؛ لأنك ربما تجد امرأة تقف بمفردها في الليل المظلم ولا تجد أحداً، تقول: هذه مصلحة، وهناك مفسدة، فماذا أصنع؟ نقول: لك: درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وهكذا الضوابط الشرعية بارك الله فيك. كذلك إذا كان معك ركاب، وأذن المؤذن للصلاة، فعند أقرب مسجد قف، تقول: يا جماعة! لو سمحتم سأصلي فقط، إلا إذا كان عندهم ظروف كضرورة مريض، أو شخص يريد أن يحضر الاختبار، واختباره يبدأ من الساعة الثالثة، فإنك ستضيع عليه اختباره، إذا قلت له: فقط نصف ساعة حتى أصلي العصر، أجل الوقت؛ لأن هذا يضر به، وهناك شيء اسمه: التزاحم، فإن تيسر الوقت وليس عندهم ضرورة فلا مانع، وأما إن كان هناك ضيق في الوقت لابد أن تراعي هذا.

حكم استمناء الزوج بسبب أن امرأته لديها برود جنسي

حكم استمناء الزوج بسبب أن امرأته لديها برود جنسي Q امرأتي لديها برود جنسي وأنا فقير لا أستطيع الزواج، فهل يحل لي الاستمناء، وأنا في مكان بعيد عن زوجتي؛ لأنها ليس لها حاجة إلى الجماع، ولا تريد الإقبال عليه، أجبنا يرحمك الله؟ A وأنت يرحمك الله وبارك الله فيك! أقول لك سراً: (70%) على شاكلتك يعاني من ذلك، لكنهم ساكتون، أما أنت فجريء، وغير راضٍ بقدره وساكت، أقول: قد يكون الزوج والزوجة مختلفين، هو يقول لها: لا تغسلي الأواني، ولا تأتي، يقول ذلك؛ لأنه يقصد الموضوع الآخر، فتراه يلف ويدور، وهي تقول: لا يأتي بمصروف، ويكون في صدرها شيء، فلا بد أن تتكلما بوضوح حتى نستطيع الحل، لكنهما يحومان حول الموضوع ولا يفصحان. وهذا من عدم الفقه؛ لأننا لا ندرس الفقه بناتنا وزوجاتنا، لا ندرسهم فقه معاملة الزوج وفقه العروسين وفقه الفراش، فللفراش فقه، ولكننا نجهل هذا الفقه، والأمر الذي يدفع الزوج إلى أن يبحث أحياناً عما فقده على الفراش يكون بسبب الزوجة، فهي لا تعطيه حقه، أو هي جاهلة بحق الزوج، وهو كذلك جاهل بحقها لاسيما في فقه الفراش أو فقه المداعبة، فلابد أن تجعل بينك وبينها رسولاً قبل أن تجامع، هذا الرسول هو الكلام الطيب والمداعبة الطيبة، وهي ليست وظيفة، كما أن الكلام في هذا الباب يستحيي منه البعض، لكنه فقه، وبسبب عدم فهم هذا الفقه تخربت بيوت كثيرة. فإذا كانت الزوجة عندها برود جنسي، لابد أن تدفعها إلى طبيبة مسلمة لتحدد هذا البرود وأسبابه، ربما يكون مرضاً وله علاج، فإن كان ليس له علاج ففي هذه الحالة من حقك أيها الزوج! أن تعدد ولا حرج، بل هو الأولى في حقك، بل الواجب؛ لأنك تقول: أريد أن أستمني، وأيهما أولى الزواج أم الاستمناء؟ وإن كنت فقيراً فإن الله سيكرمك بأخت فقيرة كذلك، وليس هناك مشكلة، أخونا الشيخ صالح عبد الجواد زوج ابنه في المنصورة بثلاثة آلاف جنيه فقط، ولم يزد على ذلك، وزوجه ببنت منتقبة عمرها ست عشرة سنة، واشترى غرفة نوم قديمة بخمسمائة جنيه طلاها بلون فأصبحت جميلة، وأخذ مكسراً من مصنع البلاط ودبر حاله، وليس لديه ثلاجة، وإنما لديه جرة قديمة ويعيشان الآن عيشة سعيدة، فنحن الذين نضيق على أنفسنا، شددنا فشدد الله علينا. فالزواج في حقك يا أخي! واجب، وإن كنت لا تستطيع الزواج فعليك بالصيام، وآخر حل أن تجامعها دون إيلاج حتى تنزل بدلاً من الاستمناء، يعني: إذا كانت الزوجة لا تحب الجماع باشر أنت من الخارج حتى تنزل، لكن حين أقول لك: استمن وأنت متزوج ما هذا يا عبد الله؟! لا ينبغي أن يكون هذا بارك الله فيك.

حكم قراءة الإمام في صلاة فجر يوم الجمعة بأي سورة فيها سجدة تلاوة

حكم قراءة الإمام في صلاة فجر يوم الجمعة بأي سورة فيها سجدة تلاوة Q هل يجوز للإمام أن يقرأ في صلاة فجر يوم الجمعة بأي سورة بها سجدة تلاوة؟ A لا يجوز؛ فإن سورة السجدة لم تقرأ في فجر يوم الجمعة لأن فيها سجدة، إنما جاءت السجدة عرضاً، فانتبه إلى هذا المعنى، والصلاة صحيحة، لكن البدعة فيها واضحة. إن قراءة الإمام لسورة السجدة يوم الجمعة سنة، من فعلها أثيب، ومن لم يفعلها ليس عليه شيء، بل قال ابن القيم: ومن السنة أن يتركها أحياناً؛ ليبين للناس أنها سنة.

حكم العصمة والطلاق بيد المرأة

حكم العصمة والطلاق بيد المرأة Q هل العصمة بيد الزوجة من شرائع الإسلام، وهل يجوز للزوجة أن تطلق الزوج، بمعنى إذا قالت: إن فعلت كذا أكون طالقاً؟ A إن موضوع العصمة هذا موضوع مهم ومن أخطر الموضوعات الفقهية، وفيه بحوث. نقول: نعم، يمكن أن تكون العصمة بيد الزوجة، لكن كيف؟ للزوج أن يوكل غيره في طلاق زوجته، أي: يتنازل عن حق الطلاق لأحد الناس، لكنه لا يفقد هو الحق، بل ما زال الحق معه، فله أن يوكل زوجته في طلاق نفسها، فيقول لها في القسيمة: وأمرك في يدك إذا شئت، يعني: إذا أرادت أن تطلق نفسها تقول له: طلقني، فهو يقول لها: أنت طالق ولا يستطيع أن يمتنع؛ لأنه جعل لها العصمة. ومعنى العصمة: أن تطلب الطلاق متى تشاء، ولا يحل له أن يمنعها؛ لأنه تنازل عن حقه، لكن عندنا في الأفلام: يا محمد! اخرج أنت طالق، الزوجة تطلق زوجها، وهذا جهل منهم، الزوجة لا يمكن أن تقول للزوج: أنت طالق، إنما تقول له: سرحني، طلقني، وعليه أن يكتب هذا في القسيمة والقانون، وإن لم يكن في القسيمة مكان فليكتب في ورقة مرفقة، وقد قام بذلك دار الإفتاء والمحاكم الشرعية، وهي فتوى مجمع عليها إلا من شذ من أهل الظاهر، وهو أن يكتب ورقة يقول فيها: إنني وافقت أن أطلق زوجتي متى شاءت مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثاً. يحدد عدد المرات، واستدل جمهور العلماء بقول الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب:28]، فجعل لهن طلب الطلاق، فإن قلن: طلقنا قال الله: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب:28]، والآية دليل على ذلك عند الجمهور، لكن لا يجوز للزوجة أن تقول له: أنت طالق، هذا كلام غير صحيح.

حكم التبرع بالدم للمستشفيات

حكم التبرع بالدم للمستشفيات Q هل يجوز أن تكون الصدقة بالتبرع بالدم لأحد المستشفيات؟ A التبرع بالدم يجوز شريطة ألا يكون بمقابل، لا تأخذ مقابلاً مطلقاً، لكن يجوز أن يعطى المتبرع عصيراً أو كتباً، فهذا ليس مقابلاً، بل هذا تشجيع، يعني: إذا كان الشيء تشجيعاً رمزياً ليس مقابلاً فلا بأس، كعصير تعوض به الدم الذي خرج من جسمك، أو غذاء تتناوله، هذا ليس مقابلاً.

تفسير سورة القلم [11]

تفسير سورة القلم [11] لقد وعد الله المؤمنين بأن يدخلهم الجنة، كما وعد الكافرين أن يدخلهم النار، وقد فرق سبحانه وتعالى بين الفريقين في الدنيا والآخرة، فإنهما لا يجتمعان أبداً ولا يسوى بينهما، ولكن يجب على المؤمن أن يصبر على أقدار الله المؤلمة، ويعلم أن الله ناصره لا محالة، وأن العسر يتبعه اليسر، وعلى المؤمن أن يتفكر فيما حصل لنبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه من البلاء، وما حصل للأنبياء قبله أيضاً؛ فإن في ذلك تسلية له على مصابه.

الفوز الحقيقي

الفوز الحقيقي الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، خلقنا من عدم وأطعمنا من جوع وكسانا من عري وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وهو مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسب ما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، واللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا يزال الحديث عن سورة القلم، ولقاؤنا اليوم مع قول ربنا سبحانه: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ * فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم:34 - 52]، بعد أن قص علينا القرآن قصة أصحاب الجنة الذين جحدوا نعمة الله، وأنكروا فضل الله عليهم، فكان الجزاء من جنس العمل، أبيدت الجنة، وجاء ذكر الجنة الأخروية؛ حتى لا يظن ظان أنها يمكن أن تبيد، أو يمكن أن تفنى كالجنة الأرضية، كلا جنات النعيم لا تفنى ولا تبيد، ولفظ الجنة من الألفاظ المشتركة في الحقل القرآني، ومعنى قولنا لفظ مشترك، أي: أنها كلمة واحدة يراد بها أكثر من معنى، كلفظ: (أمة)، وكلفظ: (الصلاة)، فالجنة تأتي في القرآن بمعنى: الحديقة، يقول ربنا سبحانه: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} [البقرة:265]. ويقول ربنا سبحانه: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ} [الكهف:32]، فلفظ الجنة يأتي ويراد به الحديقة المثمرة، ويأتي ويراد به جنة الخلد. والحقيقة أنه ينبغي أن نكون هنا في الدنيا وأعيننا وقلوبنا معلقة بالجنة، كما كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهي الدار الباقية، وهي دار السرور التي إن دخلها العبد يسعد أيما سعادة، كما قال ربنا سبحانه: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185]. ولا يمكن أن نسمي من يفوز في الدنيا بأنه فائز، فإن الفوز الحقيقي هو أن تفوز بالجنة، الفوز الحقيقي هو أن تقف على رءوس الأشهاد يوم القيامة، ووجهك يشع نوراً، وترفع كتابك بيمينك وتقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] أي: خذوا اقرءوا كتابيه، تصفحوه ففيه صلاة، وفيه قرآن، وفيه صيام، وفيه أمر بالمعروف، وفيه نهي عن المنكر، وفيه صلة رحم، وفيه ذكر وطاعة،

عقيدة أهل السنة والجماعة في الجنة والنار

عقيدة أهل السنة والجماعة في الجنة والنار عقيدة أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان جاهزتان معدتان، إلى أن يأتي يوم القيامة فيؤتى بالجنة، ويؤتى بالنار، عندها {يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:23 - 24]. يقول تعالى مخبراً عمن يأخذ كتابه بشماله: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:27 - 29].

وصف الجنة في الكتاب والسنة وذكر ما أعد الله فيها لأهلها

وصف الجنة في الكتاب والسنة وذكر ما أعد الله فيها لأهلها قد جاء وصف الجنة في القرآن وصفة لباس أهلها، وطعامهم، وشربهم، حتى يبين لنا ربنا النعيم الذي أعده لعباده، يقول ربنا سبحانه: {لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية:11 - 16]. وقال سبحانه: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:21 - 23]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). ونبينا صلى الله عليه وسلم يخبرنا أن عدد أبواب الجنة ثمانية: باب الصيام، ويسمى: باب الريان، وباب الصلاة ينادي المصلين، وباب الجهاد ينادي المجاهدين، فقال أبو بكر: (أومن كل الأبواب الثمانية ينادى على أحد يا رسول الله؟ قال: نعم، وأسأل الله أن تكون منهم يا أبا بكر)، قال أبو نعيم صاحب الحلية: الصديق الملقب بـ العتيق رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والأسفار، والذي دفن بجواره بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المنزل فيه من عالم الأسرار {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40]، ينادى عليه يوم القيامة أن يدخل من أبواب الجنة الثمانية؛ لأنه جمع خصال الخير، ففي صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ثم استدار لأصحابه) والسنة أن يستدير الإمام بعد انقضاء الصلاة، فقد بوب البخاري في صحيحه، في كتاب الأذان: باب: الإمام يتوجه إلى المأمومين، فلا ينبغي أن يظل مستدبراً، لكن بعد الصلاة يقابلهم بوجهه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ثم استدار لأصحابه وقال: من أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: من عاد اليوم منكم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، وكلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في رجل إلا كان من أهل الجنة). ونبينا عليه الصلاة والسلام رأى الجنة ورأى النار، بل دخل الجنة في الإسراء والمعراج، وفي صحيح البخاري (لما كان يصلي صلاة الكسوف: فتقدم قليلاً، فرآه الصحابة فقالوا: يا رسول الله رأيناك تقدم وأنت تصلي قال: دنت مني الجنة)، ربما يقول قائل من أصحاب العقول المستنيرة في زمن الاستنارة: كيف تدنو منه الجنة؟ أليس لكم عقول؟ نقول: عقولنا مع شرع ربنا حيث ثبت، أما أنتم فعقولكم في نعالكم، أسأل الله أن يهديكم؛ لأن الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. ونحن نؤمن بهذا، بدون أدنى شك ولا ريب، ونؤمن بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دنت مني الجنة ورأيت ثمارها وكدت أن آخذ عنقوداً من عناقيد عنبها، ولو اقتطفته لأصبح طعاماً لأهل الأرض). وهو القائل لـ بلال: (يا بلال أخبرني بأرجى عمل، فإني دخلت الجنة وسمعت صوت نعليك فيها). وهو القائل لـ عمر بن الخطاب: (دخلت الجنة فإذا بي أجد قصراً وبجواره جارية، قلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتذكرت غيرتك يا عمر فما دخلت القصر، فبكى عمر وقال: أو منك أغار يا رسول الله). لذلك بشر من بشر بالجنة في حال حياته صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: (يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة)، نظر الصحابة إلى الباب لينظروا من الداخل المبشر، فإذا به عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وفي اليوم التالي قال النبي صلى الله عليه وسلم نفس المقولة، وفي اليوم الثالث كذلك، فقال: عبد الله بن عمرو: لابد أن أنظر في عمله، فقال له: إني لاحيت أبي -يعني: حصل لي خلاف مع أبي- وأسألك أن تستضيفني ليالي عندك، فقال له: مرحباً، فنام عنده، ينظر ماذا يصنع؟ فإذا بـ ابن سلام يقوم آخر الليل قبل الفجر ليصلي ركعات، لم يكثر من الصلاة ولا من الصيام، فاستقل ابن عمرو عبادته، فالناس تصلي أكثر منه، فلم تقدم على هؤلاء الناس؟ وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: إنه من أهل الجنة، فلما أحتار في شأنه قال: لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنك من أهل الجنة، فما هو العمل الذي جعلك تكون من أهلها، قال: لا شيء، غير أني أبيت لا أحمل في صدري غلاً لمسلم، قال: تلك التي بلغت بك، وتلك التي لا نطيق. وحينما رأى المرأة السوداء التي

تفسير قوله تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين)

تفسير قوله تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين) قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم:35]. أفنجعل أهل التوحيد كأهل الشرك؟ أفنجعل أصحاب عقيدة السلف كفرق الضلال، وفرق الأحزاب، والجماعات الباطلة؟ أفنجعل الخائن كالأمين؟ أفنجعل الذي يشرك بالله كالموحد؟ أفنجعل الطاهرة المحجبة كالمتبرجة السافرة الهابطة؟ قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36]، أليس لكم عقول؟ كيف تظنون هذا الظن؟ {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ} [القلم:37]، هل أنزل الله عليكم كتاباً فيه أن المسلم كالمجرم، {إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} [القلم:38]، هل هذا الكتاب الذي بأيديكم يخبركم أن هؤلاء كهؤلاء؟ {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا} [القلم:39]، عهود ومواثيق عند الله سبحانه مؤكدة يوم القيامة أن المسلم يكون كالمجرم، الله لا يخلف العهد {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} [القلم:39] أي: هذا الحكم الذي قلتم به، هل عندكم به عهود ومواثيق من الله عز وجل. {سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [القلم:40 - 41] والمعنى: هل هناك من يكفل لهم أو يضمن لهم هذا القول الذي يقولون به، أم شركاؤهم قالوا لهم هذا؟ {فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:41 - 42]، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يكشف ربنا عن ساقه يوم القيامة، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة)، وهم الذين كانوا يسجدون في الدنيا، سيسجدون في الآخرة برفق وسهولة، فيأتي الذي كان يسجد رياءً ونفاقاً، ويأتي تارك الصلاة ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً جزاءً لعمله الذي كان يعمله، يقول ربنا سبحانه: {ويُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} [القلم:42] أي: إلى الصلاة، {فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:42]، أي: في الآخرة، لأنه في الدنيا كان يسمع النداء ويتكاسل ويتباطأ مع استطاعته. وللحديث بقية إن شاء الله. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

تفسير قوله تعالى: (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون)

تفسير قوله تعالى: (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: يقول الله تعالى: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} [القلم:43] أي: ذليلة، منكسرة، {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [القلم:43] أي: على وجوههم قترة وسواد،: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} [القلم:43] أي: إلى الصلاة،: {وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:43] أي: ليس هناك عارض يحول بينهم وبين الصلاة. ولننتبه فالقرآن أحياناً يعبر عن الصلاة بأحد أركانها بالركوع، أو السجود، أو القيام، ولذلك قال بعض العلماء: صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد، والدليل من القرآن قول الله لمريم: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43]، فحينما أمرها بالصلاة بمفردها قال لها: (اسْجُدِي)، وحينما أمرها بالصلاة مع المصلين قال لها: (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)، أيهما أفضل في الصلاة السجود أم الركوع؟ السجود، فعبر عن صلاتها بأعظم أركان الصلاة، فعلم من الآية أن صلاتها في بيتها أفضل، ولذلك بين عليه الصلاة والسلام أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجده، مع قوله: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله). وقال تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} [القلم:44]، أي: دعني ومن يطعن في مشروعية الحجاب، دعني ومن يطعن في عذاب القبر، دعني وهؤلاء الذين يقدحون في أصول الدين الثابتة، الذين يكذبون بالقرآن، {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [القلم:44]، وقد يكون الاستدراج بالمال، أو العقارات، أو السيارات، أو بالمناصب، أو بأن تنفتح عليهم الدنيا، فيظنون أن ذلك من قبيل النعمة، وإنما هو استدراج، قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]، فالإمهال والاستدراج للعاصي أن يعطى مع بقائه على المعصية، فيعصي ويفتح عليه، يعصي ويرتقي، فيظن أن ذلك من رضا الله عليه، وإنما هو استدراج، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته)، فيا أصحاب المعاصي احذروا، فإن الله يستدرجكم. وقوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:45] أي: أمهلهم إن مكري بهم عظيم، {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} [القلم:46] والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: هل تسألهم على دعوتك أجراً؟ لذلك كلما كان الداعي لا يأخذ أجراً على دعوته كان أسرع للإجابة، قال تعالى: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:109].

تفسير قوله تعالى: (أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون)

تفسير قوله تعالى: (أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون) قال تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} [القلم:48] هل الذي تطلبه منهم يعجزون عن أدائه، فأثقلهم ذلك الأجر حتى لا يستطيعوا أن يؤدوه إليك،: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [القلم:47]، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [القلم:48] أي: اصبر على إيذائهم، اصبر على سخريتهم، اصبر على اضطهادهم، اصبر على حصارك،: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49]، يا أصحاب الدعوات اصبروا، فإن مع العسر يسراً، وإن بعد الضيق فرجاً، وقبل الميلاد لابد من ألم الوضع، ومن أراد الورد لابد أن يصاب بشوك الورد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، فالابتلاء لابد منه، وطريق الدعوة محفوف بالمكاره، وقال سبحانه: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم:48]، وهو يونس بن متى، وقد جاء ذكره في سورة الأنبياء، وفي سورة الصافات، وفي سورة يونس، ولا يظن ظان أنه أفضل من يونس، كما يقول البعض يونس أخطأ في كذا، اعرف قدرك، الزم غرزك، عد إلى رشدك، فأنت تتحدث عن نبي من أنبياء الله، الذين قال الله فيهم: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [الأنعام:90]، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا يقول أحدكم: أنا أفضل من يونس بن متى عليه السلام)، نعم تعجل الخروج، أرسله الله إلى قومه فلما أعرضوا أراد أن يخرج إلى بلد آخر طمعاً في الدعوة، لكن قبل أن يأذن الله، فلما خرج من بين قومه مغاضباً على إعراضهم، وصل إلى شاطئ البحر فركب سفينة، وبينما هي في وسط البحر جاءها موج وريح عاصف واختل توازنها، فقرر من فيها أن يستهموا حتى يلقوا واحداً منهم في البحر؛ لأجل أن ينقذوا الباقين، وهذا أمر مشروع أن نضحي بالبعض لأجل الكل، قال تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات:141]، أقاموا القرعة، والقرعة معتبرة عندنا وفي شرع من قبلنا، فجاءت القرعة على يونس، نظروا إلى وجه به سمت الصالحين، فأعادوا القرعة فخرجت على يونس، ثم أعادوها فخرجت على يونس، فكان لابد أن ينفذ ما قدر الله، فألقي في البحر، وكان على موعد مع حوت بقدر ربه، فابتلعه الحوت وأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [النور:40]، سمع يونس تسبيح الحصى في جوف البحر: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44]، فنادى بأعلى صوته وهو في بطن الحوت في ظلام الليل: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]، فخرج التسبيح من يونس، فقالت الملائكة: يا رب صوت معروف من عبد معروف، قال تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات:143] أي: في حال الرخاء،: {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:144]، ونستطيع أن نقول: إن العمل الصالح ينجي صاحبه، والعمل الصالح يفرج الكربات، فإن كنت في ضيق توسل بعملك الصالح. أوحى الله تعالى إلى الحوت: ألا تأكل له لحماً، ولا تكسر له عظماً، ثم قال الله بعد ذلك: {لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} [القلم:49]، فلما خرج إلى شاطئ البحر خرج مريضاً، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين، واليقطين: كل شجرة لا ساق لها، يقول ربنا سبحانه: {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات:146]، فلما عادت إليه قوته، أوحى الله إليه: أن عد إلى قومك يا يونس مرة أخرى، فعاد إليهم، فآمنوا جميعاً عن بكرة أبيهم، قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات:147] أي: بل يزيدون، {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات:148]. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، اللهم علمنا القرآن وخلقنا به، اللهم ارزقنا حب القرآن، وارزقنا نور القرآن، وارزقنا فهم القرآن، وارزقنا عطاء القرآن، ونور صدورنا بالقرآن، وبارك في أرزاقنا ببركة القرآن، واجعلنا من أهل القرآن. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم بلغنا رمضان، واغفر لنا فيه الذنوب، واستر لنا فيه العيوب. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وأمنا في بلادنا، وبدلنا بعد خوفنا أمناً، وبعد ضيقنا فرجاً، وبعد عسرنا يسراً. اللهم فرج كرب المكروبين، وارفع الظلم عن المظلومين، واستجب لعبادك الموحدين، فأنت على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً. ونعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا ي

الأسئلة

الأسئلة

توجيه اجتهاد بعض السلف في أداء بعض العبادات

توجيه اجتهاد بعض السلف في أداء بعض العبادات Q أرسل لي أحد الإخوة ورقة جزاه الله خيراً وأرجو أن يكون موجوداً، قال: في الجمعة الماضية قلت: إن سعيد بن المسيب كان يصلي الفجر بوضوء العشاء، وإن عثمان قرأ القرآن كله في ركعة، وإن الشافعي فعل كذا، وهذا يخالف السنة؟ A لو أن الأخ الفاضل تريث قليلاً وقرأ كلام العلماء لكان أولى، فإن التعجل قبل بحث المسألة من الآفات الكبيرة في طلب العلم، فقد أجاب عن هذا السؤال الإمام النووي في كتابه القيم: التبيان في آداب حملة القرآن، قال: وكيف نقول: إن فلاناً ختم في يوم، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يختم القرآن في أقل من ثلاث. فكان الأولى أن يقرأ السائل هذا الكتاب، لاسيما أن كثيراً من علماء السنة أوردوا هذه النصوص في كتبهم، والشيخ سيد عفاني في كتابه (صلاح الأمة) أتى بأقوال أكثر من هذه، والدكتور محمد إسماعيل المقدم أتى بأقوال في كتابه (علو الهمة) أكثر من هذه، قال الإمام النووي: ومضاعفة الأعمال الصالحة جائز لشرف المكان والزمان. المعنى: أنك إذا كنت في شهر رمضان يمكن أن تضاعف الجهد في قراءة القرآن مرات ومرات؛ لأن رمضان لا يكون إلا مرة واحدة في السنة، وإذا كنت في عمرة وستستمر العمرة يومين وقد تعودت ألا تختم القرآن في أقل من ثلاث، فلماذا لا تختم القرآن خلال هذين اليومين لشرف المكان، وفي ليلة القدر لماذا لا تضاعف الجهد حتى تصلي ما شاء الله لك أن تصلي. فالكلام يا أخي الفاضل الذين نقلناه من الكتب ورأينا رأي العلماء فيه، لم ننقله هكذا دون أن نحقق أقوال العلماء فيه، وفعل بعض الأمة ليس معناه أنه قدوة وأسوة، فإن أسوتنا هو النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المشرع لنا، وأفعاله تشريعية، ومن ضمن كلام الأخ أنه يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأتزوج النساء، وأنام)، والنووي لم يتزوج. أقول: هناك من العلماء من كتب كتاباً سماه (العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج)، وليس هذا دعوة إلى أن تكون عازباً لا تتزوج، ولكن ربما ينشغل شخص بالعلم لدرجة أن الزواج بالنسبة له لا يمثل شيئاً؛ فقد تحكم في نفسه. إذاً: المسألة متعلقة بحالة المكلف، فعلى الأخ السائل الكريم أن يعود إلى أقوال العلماء في هذه النصوص، وعلى أي فهم فهموها، وكيف خرجوها؟ ولكن لابد أن تعلم أنه ليس منا أحد معصوم، وأقسم لك بالله أنا لن نستطيع أن نصل إلى طلب العلم الشرعي إلا إذا كان عندنا جرأة أن نقول: إننا أخطأنا، فالذي يتكبر على التصحيح، هذا كبرّ عليه أربعاً دون ركوع ولا سجود؛ لأنه من الأموات، إن أخطأتُ فلابد أن أقول: أخطأتُ، والصواب كذا، ها هو الشيخ الألباني في كتابه (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) يكتب في الهامش: وكنت قد كتبت كذا، وأرسل لي أخي العلامة الدكتور بكر أبو زيد بكذا، والحق معه، فأعود عن قولي، هذا هو العلم، وليس معنى هذا أنني لا أريد أن أقول: إني أخطأت إن كان هناك خطأ، لكني أقول: هناك من العلماء من حاول أن يجمع النصوص وأن يوفق بينها، والله تعالى أعلم.

حكم الزواج من المرأة المتهاونة بأمور الدين

حكم الزواج من المرأة المتهاونة بأمور الدين Q عقدت على فتاة منذ سنة وثلاثة شهور، والتي عقدت عليها تتهاون في أمور الدين كالصلاة، وقراءة القرآن، والكتاب الإسلامي، وتسمع الغناء، ولا تعرف كيف تعامل الزوج، ولا تتقي ربها في دينها، وأشهد الله أني حاولت كثيراً أن أصلحها، لكن وما أنت بمسمع من في القبور، وقد ولد هذا لها كراهية في قلبي، مع العلم أنني أخاف أن أطلقها؛ لأن أمها ماتت وأبوها فقير، فما هو الحل في هذه المسألة؟ A عليك أن تنصحها وأن تأمرها؛ لأنك قد عقدت عليها، بشرط أن تكون النصيحة بالحكمة، وأن تسلك معها الأساليب الشرعية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، فإن كانت تسمع الغناء، ولا تقرأ القرآن، ولا تصلي، وتتهاون في أمر الصلاة، ولا تريد أن تصحح وضعها، فهذه لا تصلح أن تكون زوجة لك، شريطة ألا تظلمها فتتعجل بالطلاق، لا، لابد أن تأخذ معها الأساليب الشرعية، وتقول لها: إن لم تستقيمي على الحال الذي أريده فلن نصلح لبعضنا البعض، أنا طبيعتي ونظامي على الشرع، فالشرع هو الذي يحكم بيني وبينك، فإن لم تستجب، فعند ذلك استدع أحد أفراد عائلتها الصالحين حتى تقيم الحجة، وتعذر إلى الله، والله تعالى أعلم.

حكم طاعة الأب في طلاق الزوجة

حكم طاعة الأب في طلاق الزوجة Q إن قال لي أبي أطلق امرأتي أطلقها الآن؟ A إن كنت أنت عبد الله وأبوك عمر فافعل، لكن ليس أبوك عمر ولست أنت عبد الله بن عمر، ومن المؤكد أن عمر رأى خللاً شرعياً، فإذا قال لك أبوك: يا بني طلق امرأتك؛ لأن دمها ثقيل على قلبي، أو يقول: طلق امرأتك؛ لأنها دخلت ولم تقل: صباح الخير، فهذه أمور تافهة لا ينبغي أن نسمع فيها كلام الأب، ولكن عمر من المؤكد أنه رأى خللاً شرعياً يخشى على ولده منه.

حكم الصلاة بالبنطال الضيق

حكم الصلاة بالبنطال الضيق Q ما حكم لبس الرجل للبنطلون الضيق أثناء الصلاة، علماً أن البنطلون يجسد العورة؟ A اللباس من العادات وليس من العبادات، والنبي صلى الله عليه وسلم لبس لباس قوم آخرين: السروال، القلنسوة، العمامة، وأهدي إليه أنواع من اللباس، لكن اللباس لابد أن تكون له صفات: أن يكون فضفاضاً، ساتراً للعورة، وألا يشف، إن كان البنطلون واسعاً لا يصف العورة، عليه جاكت، غير مسبل، صل ولا حرج، لكن تبطل الصلاة لو كان البنطلون ضيقاً يحجم العورة ويصفها، وكأنه لا يلبس شيئاً، كالبنطال الذي نسميه نحن: (الجنز)، أما البنطال الفضفاض الواسع بغير إسبال، وعليه جاكت واسع فوق الركبة بقليل يواري العورة، فلا أستطيع أن أحكم ببطلان الصلاة، فلا تحجروا واسعاً يرحمكم الله، لاسيما أن هناك من يجبر على لبس البنطال، كأن يكون أستاذاً في جامعة، كيف يدخل إلى ما يسمونه هم بحرم الجامعة؟ ولو دخل بالقميص يفصل، أو كان موظفاً في وزارة الاقتصاد، كيف يدخل؟ فأقول: لا تحجروا واسعاً يرحمكم الله، فلبس البنطال يجوز بشروط: أولاً: أن يكون فضفاضاً. ثانياً: ألا يكون واصفاً للعورة. ثالثاً: ألا يكون مسبلاً. رابعاً: ألا يكون شبيهاً بملابس الكفار.

حكم إسبال البنطال

حكم إسبال البنطال Q ما حكم الإسبال في البنطلون؟ A الإسبال في البنطلون حرام.

حكم لبس الكرفته

حكم لبس الكرفته Q حكم لبس (الكرفته)؟ A ( الكرفته) ليس لها أصل في شرعنا، وهي من صنيع أهل الكتاب، وهي من التشبه؛ لأنه ليس لها وظيفة، لا تدفئ، ولا تستر، والكرفته لها تاريخ، وبعض العلماء قال: بجوازها؛ لأنه لا يختص بها أهل الكتاب إنما يلبسها أهل الكتاب وغيرهم، فإن لم يختصوا بها فلا بأس، لكن الراجح والورع أنها ليست من صنيعنا ولو كان لها تاريخ.

حكم تشمير البنطال عند الصلاة والإسبال خارج الصلاة

حكم تشمير البنطال عند الصلاة والإسبال خارج الصلاة Q يكون البنطلون أسفل من الكعب فإذا أراد الصلاة رفعه فما حكم ذلك؟ A لابد أن يكون البنطلون غير مسبل، فأنت تقول: البنطلون أسفل الكعب ولما يأتي يصلي يشمره، وبعد الصلاة يرسله، فهذا حرام، والإسبال حرام في الصلاة أو خارج الصلاة، أما أن يسبل خارج الصلاة، وداخل الصلاة لا يسبل فهذا لا يجوز، قال الإمام أحمد بن حنبل وصلاة المسبل باطلة، وقال الجمهور: هي صحيحة مع الإثم. والإسبال معناه: أن يجاوز الثوب الكعبين سواء كان بنطالاً أم قميصاً فلننتبه إلى خطورة المسألة.

حكم عقد الزواج في رمضان أو بين العيدين

حكم عقد الزواج في رمضان أو بين العيدين Q هل يحرم عقد الزواج في رمضان أو بين العيدين، كما يقولون في الأرياف لا يجوز العقد بين العيدين، حتى لا تنكبس العروسة؟ A هذا كلام باطل، وهذه خرافات لا زال البعض يؤمن بها، وفي بعض الأرياف يقولون: (عروسة السابوت يا تطلق يا تموت) يعني: الذي يتزوج يوم السبت، وما زالت بعض البلاد تؤمن بهذه الخرافات، وإن كانت المرأة حاملاً لا تدخل عليها بسمك أو بلحم؛ من أجل ألا تنكبس، وفي بعض القرى يأتون بالزوجة ليلة العرس ويضعونها في طست، ثم تمر من تحت قدم حماتها؛ من أجل حسن الطاعة، ولا يزال هذا إلى الآن في بلادنا، وهذه أمور غير شرعية فإن الزواج يجوز في أي وقت، إلا أن يكون الرجل محرماً أو المرأة محرمة.

حكم بيع التلفاز

حكم بيع التلفاز Q بعت تلفازاً إلى أخ مسلم ثم حذرته منه فهل علي أثم، مع العلم أني سوف أشتري الكمبيوتر؟ A اشتر الكمبيوتر، لكن وأنت تبيع التلفاز اكتب عليه التلفاز يعرض برامج شرعية، وبرامج غير شرعية، والغالب عليه الإثم، فتنصح وتعذر إلى الله عز وجل؛ لأن التلفاز محرم لوصفه وليس لذاته.

حكم البيانو

حكم البيانو Q ما حكم البيانو؟ A البيانو حرام، يقول لي شخص: أنا أبيع فوانيس في رمضان، تقول: وحوي يا وحوي، حتى الغناء أدخلوه في الفانوس، الغناء حرام، ولا يجوز أن تبيع فانوساً فيه غناء، أنا خائف بعد قليل يسحرونا بـ (الجيتار)، اصح يا نائم، واثنين يعزفون (الجيتار)، نسأل الله العافية.

حكم إصلاح جهاز التلفاز

حكم إصلاح جهاز التلفاز Q هل يجوز إصلاح التلفاز؟ A إن كان الذي ستصلحه له يستخدمه في المعصية فلا؛ لأن الله يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]، وقد قلت لكم: إنه حرام لوصفه، انظر إلى الصفة إن كان حراماً يصبح حراماً، فإن الغايات لها أحكام المقاصد.

حكم بيع التلفاز للكفار

حكم بيع التلفاز للكفار Q ما حكم بيع التلفاز لكافر؟ A فيه مساعدة على الإثم والعدوان لكافر أو غير كافر، ربما يسلم، القلوب بيد علام الغيوب.

الحكم على كتاب (الفقه الواضح) للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله

الحكم على كتاب (الفقه الواضح) للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله Q كتاب (الفقه الواضح) للدكتور بكر؟ A كتاب طيب، لكنه يميل أحياناً إلى المذهبية، فلنكن على دراية، الدكتور بكر من علمائنا الذين نحبهم.

حكم سفر المرأة في الطائرة بدون محرم

حكم سفر المرأة في الطائرة بدون محرم Q هل يجوز للمرأة أن تسافر في الطائرة ومحرم لها ينتظرها في المطار الذي ستسافر إليه؟ A لا، لابد أن تسافر مع محرم، فقد تذهب إلى الطائرة وتتعطل الطائرة ساعات، وهذا وارد، نحن مرة جلسنا من الساعة الثامنة صباحاً إلى الخامسة من فجر اليوم الثاني ونحن نائمون على الرصيف، لعطل خارج عن التحكم، ستصل الطائرة بعد بكرة الفجر. أولاً: أين تذهب هذه المرأة؟ ثانياً: قدر الله وهي تذهب إلى الطائرة تعثرت في حجر، فأصيبت بجرح في قدمها من الذي يأخذ بيدها؟ من الذي سيحملها إلى السلم؟. تحتاج إلى من يقوم على رعايتها لاشك في هذا، وقد تجلس بجوار رجل مجرم في كرسي الطائرة، فيقول لها: الست هانم إلى أين ذاهبة إن شاء الله؟ هذا كله وارد، أو يقول لها: خذي الحقيبة هذه لما آتي بالحقيبة الأخرى، والحقيبة فيها مصائب، فتدخل المرأة في مشكلة، فسفر المرأة بدون محرم فتنة، فعليك أن تقطع أنت التذكرة، ولو تكلفت ثلاثة آلاف جنيه ذهاب وعودة، فإنه آمن لعرضك، وأتقى لربك.

حكم صلاة الأولاد الصغار في الصفوف الأولى

حكم صلاة الأولاد الصغار في الصفوف الأولى Q ما حكم صلاة الأطفال الصغار في الصفوف الأولى؟ A في هذا خلاف، والشيخ الألباني يرى: أنه لا بأس أن يقف الولد بجوار أبيه.

تفسير سورة القلم [12]

تفسير سورة القلم [12] تناولت الآيات في ختام سورة القلم بيان ما كان عليه المشركون من الإيذاء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل؛ وذلك حتى يعلم المسلم أن طريق أصحاب الدعوات لابد فيه من الإيذاء والابتلاء، وعلى المسلم أن يراجع نفسه إن لم يحصل له ابتلاء.

تفسير قوله تعالى: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك)

تفسير قوله تعالى: (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك) الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، وهو مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه، يقلبها كيف شاء وحسبما أراد. فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، واللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فلا زلنا مع تفسير سورة القلم، ولقاؤنا اليوم مع قول ربنا سبحانه: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم:51 - 52]. إن هذه الآيات تتحدث عن الإيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم، والمتأمل في مرحلة الإيذاء في الدعوة سواء في العهد المكي أو المدني يجد أن وسائل الإيذاء متعددة ومتطابقة، ولغة الظلم واحدة، فالآية قد جمعت بين نوعين من الإيذاء: الإيذاء البصري بالعين، والإيذاء القولي باللسان، يقول الله تعالى: {لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم:51]، فهذا إيذاء بالبصر، ويقول تعالى: {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51]، وهذا إيذاء باللسان.

صور من إيذاء المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم

صور من إيذاء المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم تعالوا بنا لنعيش مع بعض أنواع الإيذاء في مكة والإيذاء في المدينة لأصحاب الدعوات؛ لأن البعض ممن يسلك هذا الطريق يظن أنه طريق ممهد بالورود، كلا! إن لم تبتل وتؤذ فصحح الطريق فإنك قد أخطأت، لأن طريق أصحاب الدعوات لابد فيه من الإيذاء، وإلا لما أوذي سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، وانظروا إلى مرحلة الإيذاء في مكة: إيذاء باليد، أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد عند حجر الكعبة -ساجد يسبح بحمد ربه- فدفعوا عليه أشقاهم فخنقه بثوبه وهو ساجد، ووضع مخلفات الجزور ظهره، فجاء أبو بكر وهم يخنقونه، فقال لهم: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟! فتركوا النبي صلى الله عليه وسلم واستداروا على أبي بكر ضرباً حتى أغشي عليه- أغمي عليه-، فحمل إلى بيته في حالة إغماء، فكان أول ما قال بعد أن عاد إلى رشده: أخبروني عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم). وكذلك في الطائف عندما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى كلمة التوحيد، وكيف أنهم استقبلوه بالحجارة تتساقط على جسده صلى الله عليه وسلم، فيا قوم! ما قوبلنا بحجارة والحمد لله، وما خنقنا من ثيابنا ونحن سجود والحمد لله، وإنما الذي تعرض لهذا هو سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، أسوتنا وقدوتنا ومعلمنا، حجارة تتراشق عليه من الصبية والنساء والغلمان، لكن كان معه خادمه زيد بن حارثة، فكان يتلقى كل حجر برأسه دفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تصل الحجارة إلا إلى قدمه الشريفة صلى الله عليه وسلم. ثم عاد عليه الصلاة والسلام حزيناً على إعراض القوم، وفي أثناء الطريق رفع يده قائلاً: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين! أنت ربي وأنت رب المستضعفين، إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى ضعيف ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي غضبك، أو يحل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)، ضعفه الألباني رحمه الله تعالى، وصححه الذهبي وقال: لا أرى إلا أنها خرجت من مشكاة النبوة. وأما الإيذاء باللسان فقد قالوا عنه عليه الصلاة والسلام: مجنون، شاعر، أبتر، أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً، قول بشر، يريد جاهاً، يطلب ملكاً، يبحث عن مال، ومن ذلك ما نسمعه الآن من اتهامات مبسترة ومعلبة وجاهزة ومعدة: إرهابي، وأصولي، ورجعي، ومتحجر، يريدون منا أن نرجع إلى عهود الظلام، هؤلاء حفنة خارجة عن الشرعية، عصابة تريد أن تقلب الأنظمة، وعبارات قد عفا عليها الدهر: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56]، ففي مجتمع المعاصي والمنكرات تصبح الطهارة تهمة، ويصبح الحجاب والنقاب رذيلة، ولبس البنطال والسقوط والتبرج فضيلة، ونزاهة اليد وطهارتها شذوذاً، والرشوة والسرقة علواً ورفعة! اختلال في المعايير كما أخبر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم حينما قال: (إن من علامات الساعة أن يوسد الأمر إلى غير أهله)، حتى العلم الشرعي يوسد إلى غير أهله، وستعلمون كلاماً عجباً ما قال به أحد من أئمة العلم أبداً، ولا أدري هل سولت له نفسه أن يفتري على دين الله عز وجل؟! فلا ينظر إلى قول مالك، ولا أبي حنيفة، ولا الشافعي، ولا أحمد، ولا الأوزاعي، ولا البخاري، ولا كل سلف هذه الأمة، أخطأ ثم جاء ذلك المجتهد وأراد أن يطعننا في مقتل بكلمة: النقاب ليس له أصل في الإسلام، وإنما هو حرام شرعاً. الله أكبر! سكت دهراً ونطق كفراً، والذي نفسي بيده يا ليته سكت فقط، وسنقرأ في اللقاء الثاني حججاً أوهن من خيوط العنكبوت لو كانوا يعقلون، فلصالح من؟ ولحساب من؟ ولمصلحة من يقول هذا الكلام؟! في زمن عمت فيه الفوضى، وانتشرت فيه الفاحشة، وعم فيه البلاء، وبدلاً من أن نواجه الفاحشة والرذيلة وكل ما يغضب ربنا نشن حرباً على العفاف والطهارة، فيا قوم أليس منكم رجل رشيد؟ أليس منكم رجل يتقي الله في نفسه، ويقولها ويرفع شعاره: إن قلتها مت، وإن لم تقلها مت، فقلها ومت، ففي الحالتين أنت ميت، فعش عزيزاً يا عبد الله، ولكن ماذا نقول في زمن تصدر فيه الفتوى حسب الطلب والمقاس، إنها صناعة محكمة.

الإيذاء بالعين والحسد

الإيذاء بالعين والحسد أما الإيذاء بالعين فتوضحه الآية الكريمة: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم:51]، أي: ينظرون إليك تغيظاً وحقداً وحسداً، لماذا؟ {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} [القلم:51]، أي: عند سماعهم للقرآن، وهذا يجرنا للحديث عن العين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام مسلم: (العين حق، ولو كان شيء يسبق القدر لكانت العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا)، وفي الرواية الأخرى: (العين حق، أدخلت الرجل القبر، والجمل القدر)، أي: أن العين إذا نفذت فربما تدخل الرجل القبر بقدر الله، وتدخل الجمل القدر بقدر الله، لذلك يقولون: إنه كان هناك قبيلة فيها هذه الصفة الذميمة، فإذا مرت بهم ناقة واشتاقوا إلى أكل اللحم، قال أحدهم: ما أجمل هذه الناقة، ما أروعها، فلا تعدو خُطاً حتى تسقط في الحال، وربما أعدوا سكيناً لها قبل أن يتكلم فتنفذ عينه في الحال! ولذلك كان نبينا عليه الصلاة والسلام يرقي الحسن والحسين فيقول: (أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة ومن كل عين سامة، ويقول: كان إبراهيم يعوذ بها إسماعيل وإسحاق). وينزل جبريل ليرقي النبي عليه الصلاة والسلام فيقول: (بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن كل حاسد وعين الله يشفيك). وفي الحديث عند الإمام أحمد وابن ماجه والحديث صحيح: (أن سهل بن حنيف خلع ملابسه ليغتسل يوماً، فرآه عامر بن ربيعة - وكان سهل أبيض البشرة - فقال كلمة حسداً منه، فنفذت عين عامر إلى سهل، فسقط من طوله، وظل يضرب الأرض بقدمه ويتخبط، فحملوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من تتهمون فيه؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة يا رسول الله، قال: ائتوني به، ثم قال صلى الله عليه وسلم -بعد أن أمر عامراً أن يتوضأ- مستنكراً على عامر علام يقتل أحدكم أخاه؟! هلا إذا نظرت إليه وأعجبك بركته -أي قلت: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله- ثم اغتسل -أي: توضأ عامر - فغسل ركبتيه وأطراف قدميه وداخل حقويه، -أي: داخل الإزار- ثم أمر صلى الله عليه وسلم بالماء فسكب على سهل من خلف ظهره، فقام سليماً معافى بإذن الله)، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا استغسلتم فاغسلوا). ومن أسباب دفع العين أن يغتسل وأن يتوضأ الحاسد العائن ليغتسل بفضل مائه المحسود المعيون، وهذا أيضاً ثبت عن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، والحسد من أمراض القلوب الفتاكة، وقلما تجد قلباً يخلوا من الحسد، والحسد: هو تمني زوال النعمة عن الغير وهذا المرض هو الذي دفع بعض العلماء ليكتب عن تحاسد العلماء، وأحياناً قد تجد القرناء يتصارعون حسداً فيما بينهم، وهذا لا ينبغي أن يكون، لكن الغبطة موجودة، ولذلك ما الذي دفع إخوة يوسف ليأخذوه وهو غلام بلا عطف ولا رحمة ويلقوه في الجب وحيداً؟! إنه الحسد، يقول الله تعالى مصوراً ذلك: {قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ} [يوسف:8 - 9]، فانظر ماذا صنع الحسد؟ فقد يقتل الأخ أخاه حسداً. وكذلك ما الذي دفع ابن آدم ليقتل آخاه كما في سورة المائدة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة:27]؟ لماذا؟ ما ذنبه؟ إنه لم يرتكب إثماً، لكن تجد دائماً من وفقه الله في عمل ما محسوداً، بل دائماً وأبداً تجد عيوناً تتبع، وتقذف، وتعقد، وتشيع، وتحطم حسداً، {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} [المائدة:27 - 30] الخبيثة والحاسدة، {قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة:30]، الله أكبر! فالحسد يدفع للقتل. وما الذي دفع إبليس بأن يرفض السجود لآدم؟ إنه الحسد، قال تعالى: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12]. وما الذي جعل بني إسرائيل يرفضون ملك طالوت؟ إنه الحسد، قال تعالى: {

تفسير سورة الحاقة [1]

تفسير سورة الحاقة [1] استعرضت الآيات في بداية سورة الحاقة أمر القيامة وأهوالها، وذكر بعض الأمم السابقة المكذبة برسل ربها، وما حل بها من الهلاك بسبب تكذيبها؛ حتى لا يسلك مسلكهم من يجيء بعدهم، فيلقى ما لقي أولئك من الهلاك والدمار.

تفسير قوله تعالى: (الحاقة)

تفسير قوله تعالى: (الحاقة) سورة الحاقة هي سورة مكية، ومعنى قولنا: مكية، أي: أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، فمعيار الزمان هو الضابط في المكي والمدني، وهو أولى المعايير عند كثير من العلماء، فما نزل قبل الهجرة فمكي، وما نزل بعد الهجرة فمدني وإن نزل في مكة، لأنه لا عبرة بالمكان وإنما العبرة بالزمان. وسورة الحاقة من السور المهمة التي ينبغي أن نقف عندها طويلاً لنستخلص منها الدروس والعبر، يقول ربنا سبحانه: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1 - 3] (الحاقة) اسم من أسماء يوم القيامة، والشيء كلما عظم تعددت أسماؤه، وقد جمع القرطبي وابن حجر وابن كثير أسماء القيامة من القرآن والسنة، وكل اسم له علاقة بالمسمى، لذلك فأنت مأمور بأن تختار لابنك الاسم الحسن؛ لأن هناك علاقة بين الاسم والمسمى، فإن سميته كريماً فربما يكون كريماً، لكن البعض يصر على أن يخرج عن هذا النطاق ويسمون أبناءهم أسماء لا تنبغي، إما محرمة، وإما مكروهة، وإما لا تنبغي أن تكون أبداً للمسلمين، مثل: عبد النبي، وعبد الرسول؛ لأن العبودية لا تكون إلا لله تعالى، وكذلك أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، والآخر قد يسمي ابنه اسماً أجنبياً من أسماء المشركين والكفار، مثل: رونالدو! فخابت الأسماء حين تسمى بهذه الأسماء، فيا عبد الله! اتق الله في نفسك. والبعض أحياناً قد يخرج عن الشرع إلى تسمية يحاكي فيها أهل الكتاب؛ لذلك جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال له: ما اسمك؟ قال: شهاب، قال: من أي البلاد يا شهاب؟ قال: من ذات لظى، قال: من أي القبائل؟ قال: من جمرة، فكل الإجابات لها علاقة بالنار، فقال عمر: اذهب فقد احترق بيتك. وبالفعل وجده قد احترق، لأن هناك علاقة بين الاسم والمسمى، فلابد أن تكون الأسماء حسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد غير أسماء لبعض الناس، وهناك فتوى مهمة للجنة الدائمة، مفادها: إذا أسلم الرجل من أهل الكتاب يغير اسمه ولا يغير اسم أبيه، قال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:5]، يعني: إن كان اسمه: (نتنياهو) ثم أسلم نغير هذا الاسم الخبيث ثم ننسبه إلى أبيه، ولا ينبغي أن ننسبه إلى غير أبيه، وفي الحديث: (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألها عن اسمها، فقالت: عاصية، فغير اسمها النبي عليه الصلاة والسلام). وكذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم جد سعيد بن المسيب من حزن إلى سهل، لأن اسمه يشعر بالحزن، لكن الرجل رفض وقال: لا أغير اسماً سمانيه أبي! يقول سعيد: فلا تزال الحزونة فينا. أي: امتدت الحزون في كل العائلة؛ لأنه أبى أن يغير اسماً سماه له النبي عليه الصلاة والسلام. وعلى كل فالحاقة اسم من أسماء يوم القيامة؛ وسميت بذلك لأن الوعد والوعيد يحقان فيها، فما وعدنا الله من جنة وما توعدنا به من نار يكون عين اليقين، فهي حق الوقوع وحق ما فيها، ثم قال الله سبحانه معظماً شأنها: {مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:2]، تعظيماً لأمرها، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:3]، يقول ابن عباس: إن قال الله: (ما أدراك) سيدريك، وإن قال: (ما يدريك) استأثر الله بعلمه، فالأول يأتي الجواب بعدها حالاً، مثل: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1 - 3]، ثم كان A { يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة:4]، وهنا قال تعالى: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1 - 3]، ثم كان الجواب: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} [الحاقة:4]، وأما الثاني الذي استأثر الله بعلمه، فمثل قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب:63]، أي: لا أحد يعلم متى الساعة.

تفسير قوله تعالى: (كذبت ثمود وعاد بالقارعة)

تفسير قوله تعالى: (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) يقول الله عز وجل: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} [الحاقة:4]، وثمود هم قوم صالح، وعاد هم قوم هود، ويا ليت القوم يتعظون ويعتبرون! فالله سبحانه وتعالى يقص علينا في القرآن قصص السابقين؛ لنعتبر، وحتى لا يأخذنا بعذاب بسبب فعل العصاة، وثمود جاءهم نبيهم صالح فطلبوا منه معجزة، بل وحددوا له المعجزة. والمعجزة: هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، يؤيد الله بذلك أنبياءه ورسله؛ ويدلل بذلك على صدق دعواهم. وأما أدعياء النبوة فإنهم دائماً يضحكون على الناس، وقد قلنا قبل ذلك: إن المأمون جاء إليه رجل يدعي النبوة! فقال له: وما علامة نبوتك؟ فقال: علامة نبوتي أني أعلم ما في أنفسكم! قال: فما في أنفسنا، قال: في أنفسكم أنكم تقولون عني: إني كذاب. وآخر يقول للمعتصم: بأنه موسى بن عمران! فقال له المعتصم: يا موسى ألق عصاك حتى تصبح ثعباناً، فقال له الرجل: قبل أن أفعل أنا ذلك، قل أنت أولاً: أنا ربكم الأعلى، فضحك الخليفة منه وعلم أنه متهم في عقله. ولذلك كثرت القضايا المطروحة الآن في أدعياء النبوة، وبلا فخر في مصرنا يظهر كل سنة أو سنتين نبي، ويكون له أتباع وأصحاب من نساء ورجال. جيء بامرأة في عهد الخلافة العباسية فقال لها الخليفة: من أنتِ؟ قالت: أنا نبية! قال: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نبي بعدي)، فقالت: نعم، لكنه لم يقل: لا نبية بعدي، فأنا نبية ولست بنبي! فهذا يدل على حماقة الفكر وسطحية الرأي؛ ولذا فأقول للمسئولين في الدولة: من ادعى النبوة قبل أن تدفعوا به إلى النيابة أو المحكمة ادفعوا به إلى مستشفى الأمراض العقلية؛ لأنه حتماً ويقيناً عنده خلل في عقله. إذاً: الأنبياء يؤيدهم الله بمعجزات لتدل على صدقهم، كما أنه ما من نبي يرسله الله عز وجل إلا كان من جنس قومه، وهذا إشارة إلى أن الداعي كلما كان على صلة بالمدعو تكون الإجابة أسرع؛ لأنه يعرفه، قال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف:73]، أي: من جنسهم، يعرفون نسبه وصدقه وأمانته؛ فتكون الإجابة أسرع. وعندما سأل صالح ربه أن يستجيب له فيما يطلبون أخرج الله لهم ناقة تحمل في بطنها، وخرجت هذه الناقة من جبل أصم بإذن رب العالمين، وقال الله لهم: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ} [الأعراف:73]. وقال: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء:155]، أي: تشربون يوماً وتشرب يوماً. ويقول ربنا سبحانه وتعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس:11 - 12]، أي: أحيمر ثمود، الذي هو من أشقى الناس، واسمه: قدار بن سالف، وما قتلها وما عقرها إلا بعد أن أخذ الرأي العام من النساء والأطفال والرجال، فكان الجزاء عاماً، لأن الله يقول: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]، فالقائل واحد، لكنه قال وهم صدقوا ما قال ووافقوا، فنسب القول إليهم جميعاً، لذلك حينما نقر بالمعاصي حين يرتكبها أفراد نكون معهم سواء في الجزاء، قال تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [الأعراف:77]، أرسل الله عليهم صيحة فجعلتهم كهشيم المحتظر، وأنت إن كنت من أهل الأرياف تعرف هذا النبات بعد أن ييبس، يكون كهشيم المحتظر إذا أرسل الله عليه الريح فتذروه.

تفسير قوله تعالى: (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية)

تفسير قوله تعالى: (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} [الحاقة:6]، أي: باردة، {عَاتِيَةٍ} [الحاقة:6] أي: شديدة الهبوب، {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة:7]، أي: متتابعة، {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى} [الحاقة:7]، قال ابن كثير: كانت الريح ترفع الرجل إلى أعلى ثم تقلبه على رأسه، فيصطدم رأسه بالأرض فيصبح جسده كجذع النخلة التي ليس لها رأس، لذلك ربنا يقول: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7]، أي: جذع نخل خالٍ نتن. اللهم يا رب العالمين نسألك أن ترسل على اليهود ريحاً، اللهم أرسل عليهم ريحاً تجعلهم كأعجاز نخل منقعر، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. وبعد: قال تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ} [الحاقة:6]، أي: قوم هود، {فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقة:6]، والريح يمكن أن تكون ريح رحمة، ويمكن أن تكون ريح عذاب، وانظر في كتاب بدء الوحي عند البخاري من قول ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة في رمضان)، فما وجه الشبه بين جود رسول الله وبين الريح المرسلة؟ قال الحافظ ابن حجر: الريح المرسلة خيرها يعم، فلا يفرق بين أرض وأرض، وكذلك جود النبي محمد صلى الله عليه وسلم في رمضان لم يكن يفرق بين غني وفقير، فكان يعطي الجميع عليه الصلاة والسلام، ولذلك ربنا يقول: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا} [الأعراف:57]، أي: مبشرات، فتأتي بالغيث، وهناك ريح مدمرة، وريح عاصفة، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31]. ثم يقول الله عز وجل: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:8]، أي: لم ينج منهم أحد، فكلهم قد أهلكوا؛ لذلك من سجن ابن تيمية وعذبه في القلعة لا أحد يعرفه؛ لأن الذي يحارب العلم والعلماء لا بد أن تكون له خاتمة سيئة، وأن يندثر فلا يكون له ذكر بين الناس، لكن لا أحد يجهل ابن تيمية، وكذلك لا أحد يعرف الذي جلد ابن حنبل في بغداد، لكن ابن حنبل يوم أن مات شيع جنازته ألف ألف رجل، يعني: مليون، حتى عجزت حمامات مساجد بغداد أن تكفي الناس، ففتح الناس بيوتهم ليتوضأ الجميع، حتى ينالوا شرف الصلاة على ابن حنبل، وهؤلاء هم العلماء، أما الظلمة فقد أراحوا واستراحوا؛ ولذلك قال لهم قبل موته: بيننا وبينكم الجنائز. وهذا القول هو للظالمين في عصره.

وجوب النقاب

وجوب النقاب قبل أن أنتهي من هذا اللقاء الطيب، اسمعوا هذه الأقوال دون تعليق: اثني عشر دليلاً من القرآن والسنة على أن النقاب حرام، والنقاب جريمة في حق الإسلام، علماء الإسلام يقولون: لا يوجد دليل واحد في الإسلام على وجود النقاب!! الله أكبر! أين ذهبتم بالأدلة الواضحة كالشمس؟! إنه الجهل والعناد، ولذا فهذه بعض الأدلة الواضحة والدالة على النقاب: الدليل الأول: ذهبت صفية زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إليه وهو معتكف، فخرج معها حتى يقلبها إلى بيتها، وهذا يشير إلى عدم جواز أن تسير المرأة بمفردها في الليل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من اعتكافه ليقلب زوجته إلى بيتها، ثم في الطريق رآه بعض الصحابة فانحرفوا عن طريقه، فقال: على رسلكم إنها زوجتي صفية، فقالوا: يا رسول الله! أنشك فيك؟ فقال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلوبكم شيئاً)، وهنا محل الشاهد: فلو أن الصحابة نظروا إلى وجه صفية لعرفوها، ولما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الكلام، لكن عندما كانت منتقبة لم يعرفها أحد. الدليل الثاني: حديث الإفك، وذلك أن صفوان بن المعطل جاء خلف الركب في غزوة المريسيع فوجد عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم قد تخلفت عن الركب، ووجدها نائمة، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة النبي محمد بمفردها، ثم قال صفوان: وكنت أعرفها قبل نزول آية الحجاب، أي: كان يعرفها بطولها وعرضها، أما الآن فما رآها؛ لأنها تلبس لباساً أسود، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: رحم الله الأنصار لما نزلت آية الحجاب عمدن إلى مروطهن فشققنه ووضعنه على رءوسهن، وكأن على رءوسهن الغربان. الدليل الثالث: قول عائشة رضي الله عنها: كنا نطوف فنرفع النقاب، فإذا التقينا بالرجال أسدلنا على وجوهنا. قد يقول بعض المنتسبين إلى العلم: في هذا دليل على حرمة النقاب. وهذا يدل على جهله؛ لأن مفهوم المخالفة: وإن لم تكن المرأة محرمة فتنتقب، لأن المحرمة لا تنتقب. وقد يخرج جهبذ آخر من أصحاب العقول المستنيرة فيقول: أنت الآن تستدل بنصوص خاصة بزوجات رسول الله، ونحن نريد أدلة عامة! فنقول: يا عبد الله إن كان هذا في حق زوجات رسول الله وهن أطهر النساء، فمن باب أولى في حق غيرهن من نساء المؤمنين، قال تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53]، وأيضاً هناك ما يسمى في علم الأصول: خاص أريد به العموم، وعام أريد به الخصوص. فيا قوم اتقوا الله في أنفسكم، وانظروا إلى تفسير القرآن العظيم في قوله: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]، كيف فهم ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، والتابعون من بعدهم هذه الآية؟ وكيف كان حال النساء في زمن النبي عليه الصلاة والسلام؟ فالشبهات التي أوردتموها مردودة عليكم، لكنني أقول: نعم، هناك خلاف بين العلماء في وجوب النقاب من عدمه، فمنهم من يرى أنه واجب، ومنهم من يرى أنه مستحب، لكن ما سمعنا أحداً يقول: إنه حرام، وإنه ليس من الإسلام، فهذا دين جديد، فمن أين جئتم به؟! وقد يستدل بعضهم برأي الشيخ الألباني في أنه ليس بواجب، لكنه يقول: إنه فضيلة، وأرى الوجوب في زمن الفتنة، وزوجاتي منتقبات. وما قال الرجل: إنه حرام، فاتقوا الله في أنفسكم وكفاكم قلباً للحقائق، وهل انتهت الفواحش والمنكرات والأموال الضائعة والزواج العرفي، والزنا الذي عم حتى تفرغتم للحرب على النقاب؟! اللهم طهر قلوبنا من النفاق. اللهم استر عورتنا، وآمن روعاتنا، ونسألك رضاك والجنة، نعوذ بك من سخطك والنار. اللهم حجب نساءنا، وعليك بأصحاب القلوب المريضة فإنهم لا يعجزونك. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا. اللهم بلغنا رمضان، اللهم يسر لنا قيامه، ويسر لنا صيامه، ويسر لنا فيه فعل الخيرات. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين ظلموا، ولا تجعلنا جسوراً يعبر بها إلى جهنم. آمين، آمين، آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تفسير سورة الحاقة [2]

تفسير سورة الحاقة [2] يخبر سبحانه عن سنته في الظلمة، وذلك أنه يملي لهم، حتى إذا أراد هلاكهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر، كما أخبر الله عن امتنانه على عباده بأن أنجاهم من الغرق في زمن نوح عليه السلام، ثم استعرضت الآيات مشاهد قبل وبعد قيام الساعة، وذلك حتى يعود العباد إلى ربهم عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة)

تفسير قوله تعالى: (وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة) الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستوٍ على عرشه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فنواصل الحديث مع القرآن لاسيما وأننا في شهر القرآن، الشهر الذي كان ينزل فيه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فيدارسه القرآن. وكنا قد بدأنا مع سورة الحاقة في مطلعها، وتوقفنا عند قول الله سبحانه: {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً * إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:9 - 18]. ما المراد بـ (فرعون)، هل هو لقب أو اسم؟ فرعون لقب لحاكم مصر، كما أن النجاشي لقب لحاكم الحبشة، وقيصر لقب لحاكم الروم، وكسرى لقب لحاكم الفرس. يقول تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} [القصص:4]، أي: طغى في الأرض، وبغى وأكثر فيها الفساد، وحتى يستتب له الأمر قسم البلاد إلى مراكز ومحافظات ونجود، وجعل على كل إقليم فرعون: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} [القصص:4]، وهذه سياسة اللامركزية في الإدارة الفرعونية، فيستضعف طائفة منهم وهم بنو إسرائيل: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} [القصص:4]. ويقول ربنا سبحانه في سورة النازعات: {وهَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [النازعات:15 - 17]. وتأمل! فكل نبي كان الله يرسله إلى قومه: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف:85]. {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف:73]، إلا موسى أمره الله أن يذهب إلى فرعون؛ لأن الرعية أصبحت هملاً تسبح بحمده وتعبده من دون الله، فهو رأس الأفعى، ولا تصلح الرعية إلا بصلاح فرعون، ومن هنا أمر الله موسى أن يذهب إلى فرعون {إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] أي: تجاوز الحد. وربنا حينما أرسل موسى وهارون قال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]، وهنا نتذكر رجلاً دخل على الخليفة العباسي هارون الرشيد وأغلظ له القول وعنف له النصيحة، فقال له: يا رجل! لقد أرسل الله من هو أفضل منك إلى من هو شر مني، أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون، فقال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. ومع وضوح الآيات والبراهين إلا أن فرعون ركب رأسه: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]. وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38]. وقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا

تفسير قوله تعالى: (فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية)

تفسير قوله تعالى: (فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية) قال تعالى: {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} [الحاقة:10]، أي: أن لكل أمة رسولاً، وكل رسول سيشهد على أمته، ولذلك من قواعد الحساب والجزاء في الآخرة خمس قواعد مهمة: القاعدة الأولى: العدل التام، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء:47]. وقال: {وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء:77]. وقال: {وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:124]، أتدري ما هو الفتيل والنقير؟ الفتيل: هو الخيط الرفيع الذي في وسط النواة، وانظر إلى حجمه، والنقير: هو الحفرة التي في ظهرها. وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة:7]، والذرة هي: الهباءة التي ترى في شعاع الشمس. {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه:112]. وقال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16]. وقال: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17]. القاعدة الثانية: إقامة الشهود على العباد، ورب العالمين سبحانه يقول: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء:41]، أي: رسولهم يشهد عليهم، ثم قال: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:41]، أي: جاء بمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:42]. ومن الشهود أيضاً: الجوارح، والجلود، والسمع، والبصر، قال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:21]. ومن الشهود كذلك: القرين الجني، أي: الشيطان الذي أضل العباد: {قَالَ قَرِينُهُ} [ق:27] في حوار {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [ق:27]، أي: لم أكن سبباً في ضلاله وطغيانه، {وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [ق:27]، أي: هو الضال، {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:28 - 29]. وكذلك الأرض تشهد، قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:4 - 5]، ما أخبار الأرض؟ تأتي يوم القيامة وتقول: يا رب عبدك فلان عصاك على ظهري يوم كذا وكذا، لذلك يا مسلم كل شيء يشهد عليك يوم القيامة، فانتبه وعُدْ إلى ربك عز وجل. القاعدة الثالثة: مضاعفة الحسنات، وعدم مضاعفة السيئات، وهذا من فضل الله علينا أن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها، ولذلك ربنا يحاسبنا بفضله في جانب الحسنات، ويعاملنا بعدله في جانب السيئات، قال صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته)، فمن فضل الله علينا أن الحسنات تضاعف، يقول ابن القيم رحمه الله: فهلاك لعبد تغلبت آحاده على عشراته. أرأيتم إلى الآحاد تغلب العشرات؟! يستحيل ذلك، إلا إذا كان الرجل كله سيئاً. القاعدة الرابعة: اطلاع العبد على صحيفته، قال تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:13 - 14]. ويقولون عندما ينظرون في كتبهم: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]. القاعدة الخامسة: أنه لا يؤخذ أحد بجريرة غيره، قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]، فالمسئولية شخصية، عنك وعمن ستسأل عنه بين يدي الله سبحانه وتعالى. ولا بد أن نعلم قاعدة مهمة في العقيدة، ألا وهي أن تكذيب رسول واحد يعني: تكذيب بكل الرسل، واسمع إلى قول الله {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105]، فهل كذبوا نوحاً فقط أم كذبوا كل المرسلين؟ كذبوا نوحاً فقط، لكن الله في تكذيبهم لنبيهم أخبر أنهم كذبوا كل الرسل؛ وكذلك من آمن بكل الرسل ولم يؤمن بنبينا محمد فهو كافر، وهذا لا يختلف فيه اثنان، وأيضاً من آمن بكل الرسل ولم يؤمن بعيسى فهو ك

تفسير قوله تعالى: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية)

تفسير قوله تعالى: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) قال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11]، يمتن الله سبحانه على عباده بما كان في زمن نوح؛ لأن كل العباد على الأرض نسبهم يعود إلى نوح وإبراهيم عليهما السلام، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد:26]. قوله: {إِنَّا لَمَّا طَغَى} [الحاقة:11]، يعني: تجاوز الحد. وذلك عندما دعا نوح على قومه: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10]، دعاء صغيراً ومختصراً، وهذا هو الهدي في الدعاء، فإذا سألت الله فأجمل في الطلب: (اتقوا الله وأجملوا في الطلب)، لذلك كان الغلام صاحب الأخدود كما في حديث مسلم فقيهاً، فيوم أن ركب السفينة مع الطغاة وأراد أن يدعو عليهم قال: اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت، إنك على كل شيء قدير! أما نحن فنمط في الدعاء مطاً، لأجل الطرب وإرضاء الجماهير، ونأتي بالسجع والتكرار، وهذا كله ليس من السنة أبداً، يعني: لو أن واحداً منا كان في السفينة لقال: اللهم اقلبها، ودمرها، ومزقها، وحطمها، وأغرقها، وكلها ألفاظ مترادفة، ولربما قال المسلم: اللهم أدخلني الجنة، واسقني من خمرها، واكسني من ثيابها، وزوجني بالحور العين فيها! وهذا أمر عجيب؛ لأنك إن دخلت الجنة فستلبس وستشرب، فلماذا هذا السجع؟! وكذلك قول بعضهم: اللهم استرنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، واقض عنا القرض، واحم لنا الأرض، وكله أض أض!! فلماذا هذا السجع؟! لإرضاء الجماهير الغفيرة، نسأل الله العافية. وانظروا إلى ابن مسعود وهو يدعو: اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه عبدك ونبيك محمد، وأعوذ بك من كل شر استعاذ منه عبدك ونبيك محمد إجمال. وكل خير في اتباع من سلف، ولا داعي لهذا الإطناب الشديد، والساعات الطويلة في القنوت؛ لأن ذلك ليس من هدي السلف أبداً، وحالنا اليوم في الدعاء مخالف لما عليه السنة النبوية، فقد يدعو أحدنا قائلاً: اللهم دمر اليهود، خرب بيوتهم، جمد الدم في عروقهم، زلزل الأرض من تحت أقدامهم. وكأنك تحدد لربك ماذا يصنع؟! وكان يكفي أن يقول: اللهم دمرهم. فيدمرهم بما شاء وكيف شاء. وهذه كلها من الأمور المحدثة والبدعية، وكما يحدث في بعض البلاد بعد الركعتين الأوليين في التراويح من قول: الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله. أي: سنبدأ. وفي آخر ركعتين: الصلاة والسلام عليك يا خاتم رسل الله، أي: سنختم، فإذا جاءت ركعتي الوتر والقنوت يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت. فانظروا إلى هذا التأليف والابتداع في دين رب العالمين، ثم من قال لك: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول الخلق، وبأي دليل؟ أول خلق الله هو آدم أبو البشر خلقه الله من غير أب ولا أم، ونبينا له أب وله أم، فكيف يكون أول الخلق؟! أقسم لكم بالله أنهم يهرفون بما لا يعرفون! ونظرية أول الخلق هذه تعود إلى فكر ابن عربي؛ لأنه لم يميز بين الوجود العيني والوجود العلمي، وفرق كبير بين أن يوجد الشيء عيناً وبين أن يوجد في العلم، لذلك ابن عربي يقول: إن المعدوم شيء. أي: نحن لنا صورة هنا، وصورة كانت في الأزل مخلوقة قبل أن يوجدنا الله على الأرض. ونظرية الحلول والاتحاد في فكر ابن عربي الذي الآن يثنى عليه، وأفكاره في كتبه تحمل كفراً لا شبهة فيه، فحينما يقول ابن عربي مثلاً في أحد كتبه: إن أهل النار إذا دخلوها يتلذذون بعذابها!! وحينما يقول الحلاج: مثل الذين يطوفون ببيت الله في الحج كمثل البهائم تدور في رحاها. أليس هذا كفراً؟ هذا كفر واضح وبين، لكن القوم يقولون لنا: أنتم لم تفهموا، فهم يتحدثون بالرموز، وكل كلمة لها رمز، وأنتم عقولكم لا تدرك ذلك، وحينما يقول: ما في الجبة إلا الله. أي: أنا الله والله أنا تعالى الله عما يقولون. وحينما يقول أبو يزيد البسطامي: ضربت خيمتي بإزاء عرش الرحمن جل وعلا. ما هذا يا قوم؟ أقول: رب العزة تبارك وتعالى تعبدنا بشرعه، ومن استحسن فقد شرع، واتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم. قال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11]، يمتن الله على عبادة بأنه أنجى المؤمنين مع نوح في السفينة، وذلك لما طغى الماء على وجه الأرض، وحينما دعا نوح: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10]، دعاء مجملاً قال: (مغلوب فانتصر) ولم يحدد، {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:11 - 14]، أي: أن السفينة تجري بأمر الله س

تفسير قوله تعالى: (لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية)

تفسير قوله تعالى: (لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) قال الله عز وجل: {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا} [الحاقة:12]، أي: لتفهمها، وتحفظها، وتدركها: {أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة:12]، أذن تعي ما يقال لها، وتعي العبر والدروس وتتعظ. قال الله عز وجل: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة:13]، من الذي ينفخ؟ وما هو الصور؟ وكم مرة ينفخ فيه؟ وماذا يحدث بعد النفخ؟ ذلك هو موضوع اللقاء الثاني. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

تفسير قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة)

تفسير قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. أما بعد: فيقول ربنا سبحانه: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة:13]، كم مرة ينفخ في الصور؟ اختلف العلماء في ذلك: فـ ابن كثير يقول: ثلاث، وهي: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث. وابن تيمية يرى أن عدد النفخات: نفختان: نفخة الصعق، ونفخة البعث، ومع كل نفخة فزع، صعق مع فزع، وبعث مع فزع. إذاً: الفزع ليس نفخة مستقلة، وإنما فزع عند الصعق، وفزع عند البعث، وربنا يقول: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68]، والقرآن جاء بالنفختين في أكثر من موضع، في سورة ياسين النفخة الأولى، وسماها صيحة، قال تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} [يس:49]، فتأتي عليهم وهم يشترون ويبيعون ويتعاملون، ويتخاصمون في أمورهم الدنيوية. ثم قال: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ} [يس:51] أي: من القبور {إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس:51]، وهذه النفخة الثانية. وفي سورة النازعات: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} [النازعات:6]، أي: النفخة الأولى، {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} [النازعات:7] أي: النفخة الثانية. إذاً: النفخة الأولى: نفخة الصعق، والنفخة الثانية: نفخة البعث. وبين النفختين أربعون. قيل لـ أبي هريرة: أربعون سنة؟ قال: أبيت، أربعون يوماً؟ قال: أبيت. أي: لا أدري؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين النفختين أربعون) وما أبان ما المراد بالأربعين، وهذا ما بين النفخة الأولى والثانية. وأما النفخة التي معنا في هذه الآية فهي نفخة البعث كما قال ابن كثير؛ لأن الله يقول: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ} [الحاقة:13]، من الذي ينفخ فيه؟ إسرافيل الملك الموكل بالنفخ في الصور، وميكائيل الموكل بنزول الغيث من السماء، وجبريل الملك الموكل بنزول الوحي على الرسل، لذلك قال العلامة ابن القيم في فهم عميق، وبصيرة فريدة: كان صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي بليل في التهجد، كان يفتتح الصلاة بدعاء استفتاح بخلاف الصلاة الأخرى، فيقول: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، فما السر في الجمع بين الثلاثة؟ وما وجه الشبه بين جبريل وميكائيل وإسرافيل؟ قال ابن القيم: بهم جميعاً مادة الحياة، فجبريل لحياة الأرواح بالوحي، وميكائيل لحياة الأرض بالنبات، وإسرافيل لحياة الأموات بعد الموت، فجميعاً تربطهم علاقة شبه وهي الحياة. وقال تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:8 - 10]، نقر في الناقور: نفخ في الصور، والنفخة هنا واحدة، لأن أمر الله لا يكرر، بينما العبد يكرر الفعل إذا كان في أول الأمر يفعله ببطء، لكن أمر الله مرة واحدة، فيكفي نفخة واحدة؛ لأن الذي يدمر الكون هو الله، نفخة واحدة فإذا السماء تنشق، والأرض تدك، والجبال تنسف، والبحار تشتعل نيراناً، والنجوم تتناثر، والموءودة تسأل، والوحوش تحشر، إنه انقلاب هائل: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48]، أي: برزوا لله ليحاسبوا عما صنعوا.

تفسير قوله تعالى: (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة)

تفسير قوله تعالى: (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة) قال تعالى: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ} [الحاقة:14]. وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه:105]. وقوله: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ:20]. وقوله: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [القارعة:5]. وقوله: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:21 - 23]، تأتي جهنم ولها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:23 - 24]. {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:27]، أين الصلاة؟ أين الحجاب؟ أين الالتزام بشرع الله؟ أين السير على سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ ستحاسب يا مسلم غداً: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ} [الحاقة:13 - 17]، أي: الملائكة، {عَلَى أَرْجَائِهَا} [الحاقة:17]، أي: على أطرافها، على جوانبها: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17]، فحملة العرش في الآخرة ثمانية، قال صلى الله عليه وسلم: (أذن لي أن أتحدث عن ملك من حملة العرش، المسافة بين شحمة أذنه وعاتقيه مسيرة خمسمائة عام)، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]. وقال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9]، فيا من تبطن خلاف ما تظهر ربك سيخرج ما في باطنك فاحذره. اللهم إنا نسألك يا ربنا أن تجعل باطننا كسرائرنا، اللهم تقبل صيامنا، وتقبل صلاتنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، نسألك يا رب رضاك والجنة. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم يسر لنا تلاوة القرآن في هذا الشهر الكريم، أعنا فيه على ذكرك، وشكرك وحسن عبادتك. اقض عنا ديوننا، فرج عنا الكرب والهم، بدلنا من بعد خوفنا أمناً، ومن بعد ضيقنا فرجاً، ومن بعد عسرنا يسراً. اللهم اغفر ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. أسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً. يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك. اللهم استر عورتنا وآمن روعتنا. نسألك رضاك والجنة، نعوذ بك من سخطك والنار. ارزقنا قبل الموت توبة وعند الموت شهادة وبعد الموت جنة ونعيماً. نسألك الخير كله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله ما علمنا منه وما لم نعلم. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. اللهم اجعلنا من العتقاء من النار في هذا الشهر، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار. اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً، ووسع يا رب على من وسع على فقراء المسلمين وعلى يتامى المسلمين. اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم انزع الغل والحسد من صدورنا. اللهم أصلح ذات بيننا، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم اربط على قلوب المجاهدين، اللهم سدد رميهم، ووفق جمعهم، واجعل الدائرة على عدوهم. اللهم عليك باليهود ومن والاهم، أرنا فيهم آية فإنهم لا يعجزونك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل. آمين، آمين، آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تفسير سورة الحاقة [3]

تفسير سورة الحاقة [3] استعرضت الآيات الكريمات حال الناس وانقسامهم يوم القيامة إلى صنفين: صنف آخذ كتابه بيمينه فهو من الفائزين، وصنف آخذ كتابه بشماله فهو من الهالكين والمعذبين والعياذ بالله، فعليك بالتزام شرعه سبحانه، بفعل أوامره واجتناب نواهيه.

تفسير قوله تعالى: (فأما من أوتي كتابه بيمينه)

تفسير قوله تعالى: (فأما من أوتي كتابه بيمينه) الحمد لله رب العالمين، القائل: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]، والقائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:14 - 16]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيفما شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، واللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فلا زلنا في تفسير سورة الحاقة، مع القرآن في شهر القرآن، لاسيما أننا على مقربة من العشر الأواخر، (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شد مئزره -إشارة إلى اعتزاله النساء-، وأيقظ أهله، وأحيا ليله)؛ التماساً لليلة القدر، فالمحروم من حرم خير هذه الليلة، ومن ثم أورد البخاري في صحيحه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوائل من رمضان وخرج من المسجد، فنزل عليه جبريل قائلاً له: إن الذي تتطلب أمامك، وكان يطلب ليلة القدر، فعاد هو والصحابة فاعتكف العشر الأواسط منه، فنزل جبريل وقال: إن الذي تطلب أمامك، فنادى منادٍ: من كان قد اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليعد فإنها في العشر الأواخر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان)، انظر إلى التعبير اللطيف (التمسوها)، أي: ترقبوها، وتحفزوا لها، وابحثوا عنها. والمتأمل في حال الأمة يجد أن الأمور قد تحولت، فهمة عالية في أول الشهر، وفتور وكسل في آخره، وهذا ليس من صنيع عاقل أبداً، وإنما لا بد في هذه الأيام المباركة من أن تضاعف العبادة، فقد كان السلف يختمون القرآن في رمضان في كل ثلاث، فإذا جاءت العشر الأواخر ختموا كل يوم ختمة، همة تضاعفت، والعكس هو الموجود الآن بين إخواننا. يقول ربنا سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:19 - 37]. يخبر ربنا سبحانه في هذا الآيا

تفسير قوله تعالى: (إني ظننت أني ملاق حسابيه)

تفسير قوله تعالى: (إني ظننت أني ملاق حسابيه) قال تعالى: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20]، والظن هنا بمعنى: اليقين، والظن له معان عدة في القرآن فلننتبه، وهذه يسميها العلماء باللفظ المشترك في القرآن، والمقصود أنه قد يكون هناك لفظ واحد له عدة معان مختلفة، كلفظ: (أمة) جاء بأكثر من معنى في القرآن الكريم، يقول الله عز وجل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120]، أي: إماماً، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة:124]. وفي سورة يوسف يقول الله تعالى في حق أحد صاحبي يوسف الذي خرج من السجن: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف:45]، أي: تذكر بعد فترة زمنية، فأمة هنا بمعنى: فترة زمنية، وليس بمعنى الإمام. ويقول الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء:92]، وفي سورة القصص: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً} [القصص:23]، يعني: جماعة من الرجال، فاللفظ واحد لكن معناه متعدد. وكذلك كلفظ (النكاح)، وعدم فهم مدلول اللفظ يوقع صاحبه في مشكلة في الفهم، وهذا ما صنعه منكر الشفاعة يوم أن خرج علينا بدين جديد، إذ يقول: إن الإسلام لا يعرف حد الرجم؛ لأن القرآن ما جاء بالرجم وإنما جاء بالجلد، ثم استدل بآية في سورة النساء بشأن الأمة -أي: المملوكة-، فاستدل بقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء:25]، فقال الجهبذ: والرجم لا ينصف؛ فإذاً لم يجئ الإسلام بالرجم فهذا لأنه فهم فهماً خطأً لمعنى كلمة: (أحصن)، إذ فسرها بمعنى تزوجن، ولهذا كان فهم المدلول اللفظي للكلمة مهماً جداً، فمثلاً: كلمة (النكاح) تأتي في القرآن بمعان عدة، يقول ربنا سبحانه: {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء:22]، يعني: نكاح زوجة الأب، لكن متى تحرم؟ هل بالدخول أم بالعقد؟ بمجرد أن يعقد الأب على امرأة دون أن يدخل بها تصبح محرمة على ولده حرمة أبدية؛ فإن تزوجها كان {فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء:22]. يقول ابن كثير: فنكاح زوجة الأب أشد حرمة عند الله من الزنا؛ لأنه قال في حق الزنا: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32]، وهنا قال: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء:22]، فالنكاح هنا بمعنى العقد. والنكاح في سورة البقرة جاء بمعنى الدخول، قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة:230]، أي: الطلقة الثالثة، {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230]، ما المقصود بالنكاح هنا؟ البناء، فلا بد أن (يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته)، يعني: لا بد من الجماع والعقد لا يكفي. وجاء لفظ النكاح في سورة النساء بمعنى بلوغ الرشد: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]، أي: بلغوا الرشد. إذاً: معرفة اللفظ المشترك المتعدد المعاني في القرآن الكريم مهم جداً، وهنا يقول ربنا: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20]، فالظن هنا بمعنى اليقين.

مراتب العلم

مراتب العلم مراتب العلم ستة: علم، جهل مركب، جهل بسيط، ظن، وهم، شك. مثال: سأل سائل فقال: متى كانت غزوة بدر؟ فأجاب آخر: غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، فهذا نسميه: علماً؛ لأنه أدرك الشيء على حقيقته. وقال آخر: غزوة بدر كانت في السنة الثالثة للهجرة، فهذا نسميه: جهلاً مركباً؛ لأنه أدرك الشيء على غير حقيقته، وما أكثر الجهل المركب في زماننا هذا، فتجد من يأتي بفتوى ليس لها أصل في الشرع ولا في دين الله، ويصدرها للناس، والآن نحن في سوق مفتوح للفتوى، يقول من شاء ما شاء بغير ضابط ولا رابط، حتى قال أحدهم لمن يصلون التراويح: يكفيكم أن تقرءوا التشهد في الصلاة إلى (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، ثم تسلمون في كل الركعات. يا هذا أتريد للمصلين أن يصلوا إحدى عشرة ركعة ولا يصلون فيها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟! لصالح من هذا؟ يقول ابن قدامة في العدة: ومن ترك واجباً من واجبات الصلاة متعمداً فقد بطلت صلاته، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة؛ لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]. وآخر يخرج علينا في زمان الفتن والمحن، في زمان وسد فيه الأمر إلى غير أهله، يخرج في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة فيقول: لا بأس بفوائد البنوك، ويجوز أن تعمر بها المساجد. إن المشركين كان عندهم ورع قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، فقد تعاهدوا على ألا يدخلوا في بيت الله مالاً من حرام، ونحن الآن نجد من يفتي بجواز دخول المال الحرام إلى بيوت الله!! ماذا بعد يا قوم؟ وماذا ننتظر بعد ذلك؟ إذاً: الجهل المركب هو: إدراك الشيء على غير حقيقته، وهذا شأن الملأ الذين كانوا مع العزيز في سورة يوسف: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف:43]، أتدري ما قال الملأ؟ لقد أجابوه لكن بجهل مركب، فقالوا: {أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} [يوسف:44]، أي: هذه ليست رؤيا وإنما حلم من الشيطان، فأجابوا خطأً، {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ} [يوسف:44]، ولو قالوا له: لا ندري لأفتوه. وقال آخر: غزوة بدر لا أدري متى وقعت، فهذا نسميه: جهلاً بسيطاً، وثلث العلم (لا أدري)، يقول عمر رضي الله عنه: العلم ثلاثة: آية محكمة، سنة ماضية، لا أدري. ومن ترك (لا أدري) أصيبت مقاتله، لذلك جاء في سيرة الإمام مالك أنه جاءه رجل من أقصى البلاد يحمل مسائل في جعبته، فسأل الإمام عن أربعين مسألة فأجاب عن أربع، وعن البقية بلا أدري. وهذا محمد بن واسع من علماء المالكية كان إذا سئل عن الطلاق قال: لا أدري، اذهب إلى غيري، فقيل له: لمَ؟ قال: يا قوم! أخطئ في الفتوى، فيستمتع الرجل بزوجته على الفراش، وأنا أقذف بها في نار جهنم. فهؤلاء قوم عندهم ورع، فما جعلوا أجسادهم معبراً إلى نار جهنم، أما الآن فنحن نعيش فوضى البعد عن كتاب الله وعدم التأصيل العلمي المنهجي. والظن أن يقول قائل: غزوة بدر كانت في السنة الثانية للهجرة، واحتمال أن تكون في السنة الثالثة للهجرة، فهو أدرك وقدم الاحتمال الراجح، وأخر الاحتمال المرجوح. والوهم أن يقول: غزوة بدر كانت في السنة الثالثة للهجرة، واحتمال أن تكون في السنة الثانية للهجرة، فأخر الراجح وقدم المرجوح. والشك أن يقول: لا أدري، احتمال أن تكون في السنة الثانية أو الثالثة للهجرة، فاستوى عنده الأمران.

مراقبة المؤمنين لربهم عز وجل في كل أمورهم

مراقبة المؤمنين لربهم عز وجل في كل أمورهم قال تعالى: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20] أي: أيقنت، ولأنه أيقن عمل للآخرة، ولأنه أيقن عينه هناك إلى الآخرة ليست هنا، كل عمل يقوم به ينظر إليه في الآخرة ما جزاؤه عند الله عز وجل؟ وما هو الذي سأحصده من وراء هذا العمل؟ لذلك راقب ربك يا عبد الله! في كل أعمالك، واعلم أنه لا قيمة لصلاتك وقيامك وصيامك وتلاوتك للقرآن إن لم يتقبلها الله، وجزاء ذلك: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23]. {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. لذلك المؤمن يفعل الطاعة ويخشى عدم القبول من الله عز وجل، وقلبه وجل من عدم القبول من الله، ويسعى في الإخلاص، لأن الإخلاص طريق الخلاص، فيبتعد عن أعين الناس وينفرد بنفسه، حتى يخفي العبادة، فقد كان رجل من السلف يصوم الدهر ولا تعلم زوجته بحاله، وهي أقرب الناس إليه، فيأخذ الطعام في الصباح عند خروجه إلى عمله فيتصدق به في الطريق على الفقراء والمساكين، ويعود بالليل فيتناول مع أولاده طعام العشاء، ولا أحد يدري بحاله، لأنه يطلب الأجر من الله عز وجل. بينما نحن الآن ربما قد يكون المرء صائماً صيام نافلة، ثم يذهب إلى أخ له، وقبل أن يجلس يقول له: لا تأتي بشيء فإني صائم، فهل هو قال لك: سآتي بشيء؟! ولماذا هذه العجلة؟! يا عبد الله! اجعل عبادتك بينك وبين ربك، (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، وانظر إلى الإخلاص، فاليد اليسرى لا تعلم ما تفعل اليد اليمنى، وهذا يشير إلى أن يخفي العمل بينه وبين ربه عز وجل. وهكذا كان حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (تحسست الفراش في ليلة فلم أجد النبي صلى الله عليه وسلم بجواري، فأخذت أبحث عنه بالحجرة) -لأن الحجرة كانت مظلمة، ولو أنه نور كما يقولون لأضاء الحجرة، لكن هو نور معنوي يضيء للأمة الطريق، أما الذين يقولون: إنه نور حسي فيناقضون النصوص الثابتة. ثم تقول: (فوجدته ساجداً بين يدي ربه، وقد ابتلت الأرض من دموعه، وهو يناجي ربه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).

تفسير قوله تعالى: (فهو في عيشة راضية)

تفسير قوله تعالى: (فهو في عيشة راضية) قال تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:21]، أي: في عيشة مرضية، {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} [الحاقة:22]، جاء في الحديث (إن في الجنة مائة درجة، المسافة بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض)، جنة تشتاق إليها النفوس، وهكذا كان أمنية السلف الجنة، وما حديث المرأة السوداء في البخاري إلا دليل على ذلك: (يا رسول الله إني أصرع وأتكشف)، فهي سوداء، فماذا يحدث لو تكشفت السوداء؟ يعني: أنها غير جميلة، لكن الحرة تحفظ عورتها وتخاف على عرضها، ومع ذلك فهذه المرأة السوداء مرفوع عنها القلم؛ لأنها في حالة غياب عن الوعي، (قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أأدعو الله لك أم تصبري ولك الجنة؟ فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: يا رسول الله أصبر على المرض، لكني لا أرضى أن أتكشف)، فاختارت أن تصبر طالما أن المقابل هو الجنة، فيا ليت أن هذا الحديث تسمع به السافرات والهابطات والمتبرجات اللائي يخرجن في نهار رمضان وفي غير رمضان، فتنة لأنفسهن وللشباب المسلمين، (فدعا النبي لها ألا تتكشف)، فأصبحت المرأة تصرع في الطرق ولا تتكشف ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يقولون لبعضهم البعض: من أراد أن ينظر إلى امرأة من أهل الجنة فلينظر إلى هذه المرأة. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم واصفاً طريق الجنة: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، أي: أن طريق الجنة ليس طريقاً ميسوراً، فهو طريق قيام الليل، وطريق عدم الغيبة والنميمة، وطريق دفع الشهوات والشبهات، وطريق الالتزام، وطريق البلاء، وطريق الصبر على الأذى، {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:29 - 30]، ولقد أعدوا مسلسلاً لـ قاسم أمين حتى يمسحوا عقول الشباب، قاسم أمين محرر المرأة من الحجاب والطهارة إلى الوضاعة والخلاعة، وأرادوا منا أن نفتخر بحياته، لكن نحن نحتاج إلى أن يفهم الشباب هذا الرجل، فيا قوم اعرضوه بأمانة، حتى يتبين حاله، لكن من يسمع؟ ومن يرى؟ بل حتى صوروا أي ملتزم على أنه إرهابي، حتى زرعوا في قلوب الأطفال الصغار في قرانا وغيرها كره الرجل الملتحي ولابس الثوب والمحافظ على السنة، فإذا رآه الطفل يجري سريعاً؛ لأنهم قالوا له: إنه إرهابي! فيقول الطفل: لا أريده! فمن الذي صنع هذا الفكر؟ ومن الذي جعل في عقول الأطفال هذا الفكر؟ هم المسئولون عن ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:29 - 31]. قال تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:23]، أي: ثمارها قريبة، وقد جاء في بعض الآثار أنه على سريره والفاكهة فوق رأسه، كلما اشتهى أكل؛ لأن أهل الجنة لا يتبولون، ولا يتغوطون: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24]، أي: بما قدمتم لهذا اليوم.

تفسير قوله تعالى: (وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه)

تفسير قوله تعالى: (وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه) قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة:25]، أي: من وراء ظهره، كتاب فيه تبرج، وعدم صلاة، وأكل ربا، وانتهاك للحرمات، وطعن في الشريعة، وإلحاد في أسماء الله وصفاته، واستهزاء بالموحدين، وطعن في السنة، وكله سيئات ومعاص، فوجهه أسود، وكتابه أسود، وجهنم سوداء، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106]، ويقول الله عز وجل: {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25 - 27]، فيتمنى أن يموت ولا يبعث، كلا: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء:56]، لماذا؟ {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56]. {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40]. {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:17]. {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه:74]، حياة يتمنى فيها الموت. ثم يقول الله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:28]، فيا صاحب المال! مالك عند ربك لا وزن له إن لم تتق الله فيه، {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:29]، فالكل سواء: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94]، فضاعت الألقاب، وانحسرت الألفاظ، وضاعت المنازل والرتب، وكلها سواء بين يدي الله عز وجل. ثم ينادي الله: {خُذُوهُ} [الحاقة:30]، يقول الفضيل بن عياض: حينما تسمع الملائكة: {خُذُوهُ} [الحاقة:30]، يبتدره سبعون ألف ملك، فيجتمعون حوله، وكل واحد يريد أن يبدأ بوضع الأغلال في عنقه وبسحبه على وجهه إلى نار جهنم، {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30]، أي: ضعوا الأغلال في عنقه، {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32]، تدخل من استه وتخرج من فتحة فمه، ثم قيدوه، {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49]، يا من كانت الدنيا تقوم لك أنت الآن تحت الأقدام تسحب إلى نار جهنم، فهل هناك عاقل يعي؟ وهل هناك عاقل يبصر؟ {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة:33 - 34]، أي: لم يؤد حق الله، ولم يؤد حق العباد، وحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، فما أدى ذلك الحق، وما أدى حق العباد من صلة رحم، وما تعاون على البر والتقوى، وأنفق على المساكين، {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ} [الحاقة:34 - 35]، أي: لا وساطة، ولا قرابة، ولا شفاعة، {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18]، فلا قريب ولا واسطة تتوسط له عند الله، فقد انتهت الوساطات، والمحسوبيات، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101]، (يا فاطمة اعملي فإني لن أغني عنك من الله شيئاً)، عملك هو مرتبتك ومنزلتك عند الله عز وجل. ثم يقول الله عز وجل: {وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة:36]، أتدري ما هو الغسلين؟ يقول المفسرون: لأهل النار وجبات في النار، منها: الغسلين، وهو القيح والدم والصديد الخارج عن أهل النار. وفي سورة الغاشية: الضريع، وهو الشوك الذي يدخل في الحلق فلا يدخل إلى الجوف ولا يخرج. وفي موضع آخر: الزقوم: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ} [الدخان:43 - 44]، قال الله في حقها: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:64]، {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الصافات:66]. ويستغيث فيغاث، لكن بم يغاث؟ {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29]. وقال: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم:16 - 17]، فمن منا يطيق هذا العذاب؟ حتى الثياب من نار: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19]، فيلبسونها، وحتى الأسِرّة من نار وينامون عليها. اللهم إنا نسألك الجنة، ونع

حكم خروج المرأة إلى المسجد لصلاة القيام ورجوعها متأخرة بمفردها بدون محرم

حكم خروج المرأة إلى المسجد لصلاة القيام ورجوعها متأخرة بمفردها بدون محرم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. أما بعد: فإن كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف، فالدين بالدليل، والعلم قال الله قال رسوله، وما سوى ذاك وسواس الشياطين، اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، ومن استحسن فقد شرع، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فينبغي أن نتمسك بالسنة كما وردت عن نبينا صلى الله عليه وسلم. سألني سائل وقال: زوجتي تخرج من البيت الساعة العاشرة مساء، وتذهب إلى المسجد لأداء صلاة القيام، ثم تعود إلى البيت في الساعة الثانية صباحاً أو الثالثة بمفردها بدون محرم، فما رأي الإسلام في هذا العمل؟ وهل يجوز للمرأة الاعتكاف بمفردها بدون محرم؟ وهل يجوز لها أن تبيت في المسجد حتى الصباح بعد أداء صلاة القيام؟ A لا يجوز للمرأة أن تخرج لصلاة الجماعة إلا إذا أذن لها الزوج، فإن لم يأذن لها وخرجت فهي آثمة. وأما بالنسبة لهذه المرأة فكيف تتأخر إلى ساعة متأخرة من الصباح ثم تعود بمفردها؟! إن هذا التصرف لا يمت إلى الشرع بصلة، فلا يجوز للمرأة لاسيما في أيام الفتن أن تخرج في أيام هذا الوقت المتأخر ثم تعود بمفردها بحجة صلاة القيام، لأنه يمكنها أن تؤدي صلاة القيام في بيتها، قال صلى الله عليه وسلم: (وصلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدي هذا)، وهذا في الفريضة، فكيف بالنافلة؟! وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأذن لزوجته بالصلاة في المسجد، فقيل له: تأذن لها وأنت تكره ذلك؟ قال: نعم، لأني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، فيجوز للمرأة أن تخرج من بيتها للصلاة، لكن بشروط: أولاً: أن تستأذن من زوجها. ثانياً: أن يكون معها محرم إن كانت الطريق بعيدة، ولا يجوز لها أن تركب في سيارة بمفردها، لأن ذلك خلوة محرمة، أو أن تدخل بين الرجال في (أوتوبيس) عام. ثالثاً: ألا تخرج متعطرة. رابعاً: ألا تختلط بالرجال إلا للضرورة القصوى؛ لأن بعض النساء يتخذن المسجد وسيلة، فتنتهي التراويح -مثلاً- الساعة العاشرة، وتعود الساعة الواحدة، فإذا سُئلت أين كنت؟ أجابت بأنها تؤدي التراويح في المسجد، وأيضاً لا ينبغي للزوجة أن تترك بيت الزوجية بحجة الاعتكاف في المسجد، والله تعالى أعلم. أما مشاهدة الأفلام المثيرة في نهار رمضان، فقد قال بعض من يدعي العلم: لا بأس بالترويح عن النفس!! الله أكبر!! هذا أمر لا يرضي الله عز وجل، فهو معصية وذنب يحرمه الشرع، ثم بماذا يكون الترويح عن النفس، بالحلال أم بالحرام؟! اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا. اللهم استرنا فوق الأرض واسترنا تحت الأرض ولا تفضحنا يا ربي يوم العرض. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم تقبل صلاتنا وصيامنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وبعد الموت جنة ونعيماً. اللهم إنا نسألك عيشة رضية وميتة سوية. اللهم ارزقنا حب القرآن، وارزقنا نور القرآن. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين. اللهم واجعلنا للمتقين إماماً. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، ومكن لدينك في الأرض يا رب العالمين، اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم أرنا فيهم آية، فإنهم لا يعجزونك، اللهم أرنا فيهم آية، فإنهم لا يعجزونك، اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها. يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك. اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، ومن الذل بعد العز، ونسألك لذة النظر إلى وجهك. اللهم إنا نعوذ بك من القبر وظلمته، ومن الصراط وزلته، ومن يوم الحشر وكربته، إنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل. آمين آمين آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم سجود التلاوة في الصلاة وغيرها

حكم سجود التلاوة في الصلاة وغيرها Q روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ السجدة في الخطبة فنزل وسجد، وفي الجمعة التالية قرأ السجدة ولم يسجد، وقال: أردت أن أبين لكم أنها سنة. فما حكم سجود التلاوة؟ A سجود التلاوة سنة، فإذا تركه الإمام فلا شيء عليه، ولا يجبر بسجود السهو كما قال العلماء، لكن يجوز للإمام في حالة وجود مصلى للنساء، ووجود ساتر بينهن وبين الإمام بحيث لا يرينه أن ينبه عليهن فيقول: إن شاء الله في الركعة الأولى سنسجد سجدة التلاوة، لئلا يحدث اختلاف ومشاكل في الصلاة، والله تعالى أعلم.

حكم سجود التلاوة في حق المستمع

حكم سجود التلاوة في حق المستمع Q هل يستحب لي أن أسجد سجود التلاوة وأنا أستمع إلى قارئ من القراء؟ أو في حالة استماع الأستاذ من الطالب؟ A ليس عليك سجود التلاوة، وإنما يستحب ذلك للطالب أو القارئ.

صفة سجود التلاوة

صفة سجود التلاوة Q هل سجود التلاوة سجدتان أم سجدة؟ A سجدة واحدة.

أحكام سجود التلاوة

أحكام سجود التلاوة Q ما هي أحكام سجود التلاوة؟ A لسجدة التلاوة أحكام كثيرة، فيشترط لها ما يشترط لصحة الصلاة، من طهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، وهذا على مذهب الجمهور، وأما ابن تيمية فيرى عدم لزوم الطهارة، ومن أحكام سجود التلاوة استقبال القبلة، وستر العورة، وطهارة البدن والثوب والمكان، وينبغي كذلك في سجود التلاوة أن تكبر قبل سجودها، ولا يشترط أن تسلم بعد الانتهاء منها.

حكم تنبيه الإمام المأمومين على سجود التلاوة

حكم تنبيه الإمام المأمومين على سجود التلاوة Q لو سجد الإمام للتلاوة هل يلزمه أن ينبه الناس قبل أنه يسجد؟ A لا يلزم، وليس بشرط أن ينبه، بل المفروض أن كل مسلم يعلم مواضع سجود التلاوة، فنحن حينما نقول: في سورة كذا سجدة تلاوة فانتبهوا، هذا جهل، ومعنى هذا أن الناس لا تعرف أين سجدة التلاوة، وحينما يقول قائل: على كل مصل أن يضع حذاءه أمامه، فمعنى هذا أن المسجد كله فيه سرق، وهذه فضيحة، وهذا تنبيه يشير إلى مساوئ ومعايب، فمن المعايب أن نقول: في سورة كذا سجدة تلاوة. وفي أحد المساجد قرأ قارئ بسورة آل عمران وقرأ فيها كلمة (يسجدون) فالبعض سجد والبعض لم يسجد؛ لأنهم لا يعرفون مواضع سجود التلاوة.

مشروعية سجود التلاوة

مشروعية سجود التلاوة Q هل من السنة أن يسجد الإمام لسجود التلاوة أم لا؟ A نعم، من السنة أن يسجد، وذلك حتى يعلم الناس الحكم الشرعي.

من مواضع سجود التلاوة

من مواضع سجود التلاوة Q في آخر سورة العلق قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]، سجدة تلاوة، فهل نسجد؟ A نعم، ثم نكبر للقيام، ثم نكبر للركوع، أو نقرأ ما شئنا إن أردنا ذلك، ثم نكبر للركوع، فيجوز هذا وذاك.

التكبير عند السجود للتلاوة وعند الرفع منه

التكبير عند السجود للتلاوة وعند الرفع منه Q هناك رأي يقول: بعدم التكبير عند السجود للتلاوة وعند الرفع منه، فما رأيكم في ذلك؟ A هذا رأي شاذ في الفقه، والذي عليه الجمهور التكبير عند السجود والرفع.

حكم إقامة الجمعة في المسجد الصغير بجوار المسجد الجامع

حكم إقامة الجمعة في المسجد الصغير بجوار المسجد الجامع Q ما رأيكم في المساجد الصغيرة التي تقام فيها صلاة الجمعة، وبينها وبين المسجد الآخر الكبير مسافة قصيرة، وربما قد تكون أصوات المكبر متداخلة؟ A في الحقيقة هذا موضوع خطير جداً، وانتشار المساجد تحت العمارات وصلاة الجمعة فيها يخالف مقصود الجمعة، ويشتت كلمة المسلمين، ويحدث الفرقة؛ لأنه لابد من الصلاة للجمعة في مسجد جامع، وعليه فتغلق بقية المساجد في صلاة الجمعة، وهذا هو الدين، أما ما نراه اليوم من أن كل عشرة في مسجد، أو كل ثلاثين في مسجد، أو كل عشر عمارات في مسجد، فهذا تهريج وليس ديناً أبداً، ولعل وزير الأوقاف أصدر قراراً في المديريات يقتضي إغلاق هذه المساجد يوم الجمعة، مع أن القرار لم يطبق بعد، والشرع ألزم بأنه لابد أن تقام الجمعة في مسجد جامع، وبعض الفقهاء يقول: إن كان في المسجد الجامع متسع وصلى البعض في مسجد آخر فصلاتهم باطلة. والشيخ عبد الرزاق عفيفي في فتاويه في المجلد الأول أشار إلى إن كان المسجد الجامع فيه متسع وصلى البعض في مسجد آخر فصلاة الجمعة باطلة.

حكم إقامة الجمعة في المسجد الجامع القائم على البدعة

حكم إقامة الجمعة في المسجد الجامع القائم على البدعة Q ما حكم إقامة الجمعة في المسجد الجامع القائم على غير السنة؟ A الجواب يحتاج إلى تفصيل، فإن كان فيه بدع شركية فلا يجوز، كأن يوجد به قبر، أو أن يطلب المدد فيه من غير الله، وإن كانت فيه بدع تعبدية فيجوز؛ لأن منهج أهل السنة الصلاة خلف المبتدع، كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وجوب الصبر على أذى الوالدين

وجوب الصبر على أذى الوالدين Q أمي ألقت علي الشتائم وحرضت والدي على ضربي بدون أي سبب، وقد فكرت أن أغادر المنزل وأذهب إلى بلدة أخرى، كما أنني قد عزمت على أن أضرب أمي، ولكن خوفاً من الله لم أفعل ذلك، وقد تحولت للطب النفسي بسبب هذه المشاكل، فما رأيكم في ذلك؟ A أسأل الله أن يجزيك، وإياك إياك يا عبد الله أن تمد يدك على أمك أو أبيك، فهذه كبيرة أسأل الله أن يجنبك إياها، وإن فعلت الأم ما فعلت، فلابد أن تقابل الإساءة بالحسنى، يقول الله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:34]، فلا يجوز أبداً في حال من الأحوال أن يدور في ذهنك هذا الأمر الشيطاني.

حكم إخراج زكاة الفطر قيمة

حكم إخراج زكاة الفطر قيمة Q ما حكم إخراج زكاة الفطر قيمة، وأرجو ذكر بعض الأدلة لإبلاغ السائلين؟ A جاء في حديث ابن عمر عند البخاري: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج زكاة الفطر أو صدقة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من أرز، أو صاعاً من أقط)، إلى آخر الحديث، والسؤال هنا: هل كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عملة أم لا؟ نعم، كان هناك عملة؛ لكن لم يخرجها عملة، لأن الشرع هو الذي يعلم مصلحة الفقير، وهذا هو رأي جمهور العلماء من أنها لا بد أن تخرج عيناً، بخلاف الأحناف الذين يقولون بجواز إخراج القيمة، وقولهم هذا مرجوح؛ لأن استدلالهم بالقياس، ولا قياس مع وجود نص، وهذه كمسألة: إن ماتت الزوجة فلا يجوز لزوجها أن يغسلها عند الأحناف؛ لأن عقد الزوجية قد انتهى، وهذا كلام باطل، وقياس فاسد؛ لأنه صادم نصوصاً، ومنها: أن عائشة قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا زوجاته، وأيضاً فقد غسل بعض الصحابة زوجته والعكس، ومن ذلك: أسماء بنت عميس مع أبي بكر وعلي مع فاطمة، وفعل الصحابة حجة، لأنه في حكم الرفع، بينما لو أعطي الفقير مالاً فلربما أخذ بها سجائر، فهل أنت ضامن لذلك؟ فنحن نريدها طعمة للفقير في يوم العيد: (أغنوهم عن ذل المسألة)، وهو يذهب ليشتري شيئاً يضره! وهناك زكاة المال والصدقة تخرج مالاً، ثم إن المتأمل في حال الأمة يجد أن هناك عدم رشد في الإنفاق، فيبيت جائعاً ونائماً على الحصير في الأرض ومعلق دش، أو أتى بتلفاز ملون! ولذا فتمكين الفقير من المبلغ قد يكون سبباً في إنفاقه في غير ما يرضي الله عز وجل.

إخراج زكاة الفطر من غالب قوت البلد

إخراج زكاة الفطر من غالب قوت البلد Q إذا أردنا أن نخرج زكاة الفطر، فهل نخرجها من تمر أم من بر أم من ماذا؟ A تخرج زكاة الفطر من غالب قوت أهل البلد، وإن أردت أن تخرجها نقداً فوكل الفقير، أي: تقول له: هذه صدقة فطر وهي إطعام، وأنت وكيلي، فتشترط عليه. وتخرج من أي طعام يقتات، من تمر مكرونة أرز لبن جاف لحم وغير ذلك مما يقتات. وممكن للمقيمين على المسجد أن يتولوا جمع الزكاة ويوزعونها هم على الفقراء.

ورود الرجم في الشريعة الإسلامية

ورود الرجم في الشريعة الإسلامية Q يدعي بعض من يظهر في القنوات الفضائية أن القرآن لم يرد فيه ولا آية واحدة تأمر برجم الزاني المحصن، فما قولكم؟ A لقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً والغامدية، ورجم أبو بكر ورجم عمر، وإجماع علماء الأمة على وجود الرجم، خلافاً للخوارج، وكان في القرآن آية ثم نسخت تلاوة لا حكماً، كما قال عمر، وهناك أيضاً أحاديث في الصحيحين، لكن المشكلة أن هؤلاء لا يقولون: إن السنة مصدر من مصادر التشريع، وإنما القرآن فقط، لكن قد يقال لهم: إن السنة وحي، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]. ويمكن أيضاً أن نسأل هؤلاء فنقول: إن صلاة الظهر أربع ركعات، فهل وردت آية في القرآن بذلك؟ سيقول لك: أنا لا أصلي! إذاً هو ليس بعلماني فقط، بل هو علماني خبيث، والطامة الكبرى أن يظهر من مثل هؤلاء في القنوات الفضائية، ويلقون بمثل هذه الشبهة، والأعجب ألا تجد العلماء الراسخين في العلم يظهرون في مثل هذه القنوات؛ لأنه لا يُسمح لهم، بل يتصدر الناسَ أناس جهلاء ممن ينتسبون إلى الطرق الصوفية وغيرها من الطرق المنحرفة، كالطريقة الأحمدية، والخلوتية والشاذلية والبرهانية وغيرها، وهذه قصة تبين جهل وانحراف أصحاب هذه الطرق: فعندما دخلت فرنسا إلى الجزائر قيل للشيخ التيجاني كبير الطريقة هناك: يا شيخ! الاستعمار على باب البلاد، فهيا لنجاهد، قال: اتركوهم يدخلوها، والحمد لله فلقد رأيت جنرال فرنسا بالأمس في الرؤيا وأنا آخذ بفرسه، وكان أمر الله قدراً، تفضلوا وافتحوا لهم البلاد. إن الذي ضيع البلاد أمثال هؤلاء الذين يمسخون من الدين فريضة الجهاد، والجهاد عندهم إنما هو جهاد على المسبحة، سبحان الله ثلاثة آلاف، الله أكبر عشرة آلاف، باسم الله خمسين ألفاً، فهذا هو الجهاد عندهم، وكذلك في حلقات الرقص التي يسمونها بحلقات الذكر فقط، فهؤلاء هم الذين تتاح لهم كل الإمكانيات لتتكلم، والناس تسمع ولا حرج، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

حكم الموسيقى وإنكار وجود الجنة والنار والبعث

حكم الموسيقى وإنكار وجود الجنة والنار والبعث Q قال لي أستاذ دكتور في كلية الدعوة الإسلامية وأستاذ تفسير وعلوم قرآن: الغناء بالموسيقى الهادئة حلال، فما رأيكم؟ A موسيقى هادئة!! ما هذا؟ ودكتور آخر في كلية الآداب جامعة الزقازيق قسم اللغة العربية يدخل المدرج ويقول لطلابه: يا أولاد! هل تظنون أن الجنة والنار موجودتان بعد؟! وهل هناك بعث؟ الجنة يا أبنائي! مثل ما تكون أنت نائم وتأكل أشياء حلوة. فهذا ينكر البعث للأجساد، وينكر وجود الجنة والنار، ويقول: إنما هي رؤيا منامية، يعني: أن العذاب والنعيم في المنام بعد الموت هو كالنائم الذي يرى ويطلق له الحبل ويقول ما شاء، وهؤلاء الأساتذة يقولون هذا الكلام ولا رقيب عليهم، ولا تثريب عليهم، ولا لوم عليهم، إنما اللوم على أصحاب المنهج الصحيح، الذين يقال عنهم: رجعيون، متخلفون، متحجرون، متزمتون، يريدون أن يعودوا إلى عصور الظلام. فيا أخي الفاضل! هذا الرجل لا يناقش؛ لأنه عرف الحق وجحده.

حكم صيام المغتاب والكذاب

حكم صيام المغتاب والكذاب Q ما قولكم في رجل يصوم وفي أثناء صومه يغتاب ويكذب؟ A ليس الصيام الامتناع عن الأكل والشرب فقط وإنما الصيام من جميع المفطرات، الحسية والمعنوية، وفي الحديث: (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش).

حكم شركة بزناس

حكم شركة بزناس Q ما قولكم في موقع في الإنترنت يسمى بـ (شركة بزناس)؟ A هذه الشركة تسمى بزناس، وهي نوع من المقامرة التي لا تجوز، وكيفيتها: أن أحد الإخوة يشتري موقعاً في الإنترنت بخمسمائة وخمسين جنيهاً، ثم إن هذا المشتري يقنع اثنين تحته بأن يشتروا موقعاً، وهذان الاثنان يقنعان اثنين حتى يصل العدد إلى تسعة، وعند ذلك يأخذ خمساً وخمسين دولاراً.

أصح صيغ التشهد

أصح صيغ التشهد Q هناك صيغ عدة للتشهد، فما هي أصح وأوثق صيغ التشهد؟ A صيغة التشهد الصحيحة وردت في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (أخذت التشهد من النبي صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه -يعني: بين يديه- قال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، وهذه الصيغة أصح وأوثق من الصيغة التي وردت في حديث ابن عباس وكعب بن عجرة، يقول ابن حنبل: وهي أوثق الصيغ في مذهبي، لأن ابن مسعود أخذها من فم النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، حيث قال: (أخذتها وكفي بين كفيه)، وكل الصيغ جائزة في الصلاة.

حكم السواك للصائم

حكم السواك للصائم Q هل يجوز السواك للصائم؟ A الراجح أن السواك يجوز ما لم يكن معطراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ولم يفرق بين صائم ومفطر، بل في كل الأوقات.

حكم القنوت في صلاة الفجر

حكم القنوت في صلاة الفجر Q هل يجوز القنوت في الفجر فقط؟ A لا يجوز إلا إذا كان الإمام يقنت وأنت تصلي خلفه، قال شيخ الإسلام في الفتاوى: اقنت ولا تحدث فتنة، ويقول أيضاً: إن صليت خلف إمام يقنت فاقنت معه، أما إن كنت إماماً فلا تقنت إلا في الفروض الخمسة، وعلى كلٍ فالخلاف سائغ في هذه المسألة، فعند الشافعي أنه إن لم يقنت يسجد للسهو، ويسع الأمة أن تأخذ بأي قول، ولا يجوز أن نحجر أو ننكر على أي أحد، لكن الأرجح والأولى أن يقنت في الصلوات الخمس، ولا ينبغي إحداث الفتن في المساجد، لأن بعض الناس قد يسمع أن بعض الأشياء بدعة فيذهب إلى مكان آخر أو إلى قريته ويقول: إن ذلك بدعة، وتحدث عند ذلك فتنة، فلابد أن يعرف فقه التغيير، وفقه الأولويات، وفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

حكم إظهار الأعمال الصالحة للاقتداء

حكم إظهار الأعمال الصالحة للاقتداء Q ما قولكم فيمن يجهر بصلاته أو أي عبادة أخرى لكي يقتدي به الناس؟ A كل ذلك يعود على الباعث والقصد والنية، فإن كان قصده شرعياً فيجوز، وإن كان قصده غير شرعي، كأن يرائي بعمله فلا يجوز، والله تعالى أعلم.

تفسير سورة المزمل [1]

تفسير سورة المزمل [1] من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم سورة المزمل، وهي سورة تعالج أحوال الأمة؛ فإن صلاح الأمة هو بتمسكها بكتاب ربها وسنة نبيها؛ ولذلك أمر الله نبيه في مطلع السورة بقيام الليل وبقراءة القرآن الكريم وتدبره إذ كان لا يزال بمكة، فدل ذلك على أن المخرج من الأزمات والفتن هو تدبر كلام الله والعمل به، وقيام الليل فيه صلاح للبدن من الأمراض، وهو سبيل عباد الله الصالحين، وهو شرف للعبد، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

بين يدي تفسير سورة المزمل

بين يدي تفسير سورة المزمل الحمد لله رب العالمين، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، بيده الخير، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم بحول الله وفضله وتوفيقه ينقسم إلى قسمين: في اللقاء الأول نعيش مع مطلع سورة المزمل، وفي اللقاء الثاني نلقي النظر على قضية تعقد لها المؤتمرات، وترصد لها ملايين الدولارات، وتعد فيها الأبحاث من أهل العلم ومن سواهم، وتكثر فيها الآراء إلا وهي: قضية ختان الإناث، وربما يسأل سائل وله أن يسأل: لم لم تطرح قضية ختان الذكور على طاولة البحث والمفاوضات؟ و A أن هذا لسبب واحد رئيسي وهو أن الختان للذكور مشروع عند اليهود، فاليهود تختن ذكورها، فلا يجوز لأحد أن يناقش قضية يفعلها اليهود؛ لأنهم هم الذين يحركون لنا القضايا، من آخر الأمر أبحاث علمية سأذكرها لكم فضلاً عن مؤتمر عقد بسويسرا يحمل هذا العنوان: تشويه المرأة جنسياً، يسمون عمليه الختان: تشويهاً، واصطحبت معي كتاباً صغيراً لشيخ الأزهر السابق فضيلة الشيخ: جاد الحق سأقرأ منه نصوصاً؛ حتى ألقم المخالف حجراً في جوفه، وهذه النصوص من مذهب الشافعية، والمالكية، والأحناف، والحنابلة، والظاهرية، ورأي أئمة العلم، وفقهاء الأمة، وماذا قالوا، هل هو مشروع أم ليس له أصل في الشرع؟ والحقيقة أن الأمر في هذه القضية واضح بين، ولكن لها أيد تحركها لمصالح وحسابات، سأذكر طرفاً منها. أيها الإخوة! وحتى لا نقطع الحديث مع كتاب الله سبحانه وتعالى نعود إلى سورة المزمل، ونبدأ مع آياتها الأولى بحول الله وفضله وتوفيقه، يقول ربنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا * وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا * إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا} [المزمل:1 - 18]. نكتفي بهذا القدر من هذه السورة المباركة سورة المزمل، وهي سورة مكية، باتفاق أهل العلم، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في أول البعثة مع سورة المدثر، فما معنى المزمل؟ هل هو اسم من أسماء النبي عليه الصلاة والسلام؟ نقول أيها الإخوة الكرام: توسع قوم في أسماء نبينا عليه الصلاة والسلام، وأسماؤه توقيفية، تتوقف على النص والدليل، وهو القائل: (اسمي محمد وأحمد، والم

تفسير قوله تعالى: (يا أيها المزمل)

تفسير قوله تعالى: (يا أيها المزمل) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل:1 - 2]، طريقنا إلى تحرير الأقصى قيام الليل، طريقنا إلى إعادة شرع الله قيام الليل؛ لأننا إن لم نستطع أن نجاهد الشهوات والنفوس، فلن نستطيع أن ننتصر على عدونا، أول أمر كان للنبي عليه الصلاة والسلام {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل:2] مجاهدة، ومثابرة، وطاعة، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم الليل هو ومن معه من الصحابة كان الأمر بعد ذلك بالأمور والتكاليف الشرعية، {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:2]، ولذلك وضع البخاري في كتابه الصحيح كتاباً بعنوان: كتاب التهجد. وهو أول كتاب في المجلد الثالث، لماذا كتاب التهجد؟ لأن قيام الليل شعار الصالحين، ودأب المتقين، ومن ثم كان النبي عليه الصلاة والسلام يثب من على فراشه وثباً ويوقظ أهله، بل ذهب إلى بيت فاطمة ليوقظها بالليل هي وعلياً زوجها قال: (يا علي يا فاطمة لا تزالان نائمان، قوما للصلاة، فقال علي: يا رسول الله إن نفوسنا بيد الله، أخذ بنفسنا الذي يأخذ بنفوس الخلائق، لو شاء الله بعثنا من نومنا، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يرد عليه وهو يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف:54]). (واستيقظ صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يقول: لا إله إلا الله، رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة، من يوقظ صويحبات الحجر)، يعني: زوجات النبي عليه الصلاة والسلام. وقال: (ويل للعرب من شر قد اقترب، لقد فتح من ردم يأجوج ومأجوج هكذا، وحلق بأصبعه السبابة والإبهام، فقالت زينب بنت جحش: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث). فأصحاب المعاصي سيتسببون في إغراق السفينة، ولن نتركهم سنأخذ على أيديهم، إذا كثر الخبث وعمت الفاحشة فسينهار المجتمع. وكان النبي عليه الصلاة والسلام: (يقوم من الليل حتى تفطرت قدماه) أي: تشققت. وفي البخاري عن حذيفة قال: (صليت بجوار النبي عليه الصلاة والسلام بالليل -دون ترتيب ولا دعوة، وإنما عرضاً- فقرأ البقرة كاملة، فقلت: لعله يركع، فقرأ النساء كاملة، فقلت: لعله يركع، فقرأ آل عمران كاملة، فقلت: لعله يركع، وكان ركوعه نحواً من قيامه، وما مر بآية فيها ثناء إلا وأثنى على الله، ولا بآية فيها ذكر الجنة إلا سأل من فضله، ولا بآية فيها ذكر النار إلا استعاذ بالله من النار) صلى الله عليه وسلم. وتقول أمنا عائشة: (تفقدت الفراش يوماً فلم أجد النبي صلى الله عليه وسلم بجواري -قام من فراشه دون أن تشعر به الزوجة، هذا دأب الصالحين- فتحسسته بالحجرة فوجدته ساجداً بين يدي ربه وقد ابتلت الأرض من دموعه صلى الله عليه وسلم وهو يناجي ربه قائلاً: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، وعند البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه). انظروا إلى واقعنا أيها الإخوة الكرام في صلاة الفجر فقط، ونريد بعد ذلك أن نحرر أرض الإسلام، وأن نجاهد، وأن نقاتل، هذا كذب في الدعوى، فنحن لم نتحرر من شهوات أنفسنا، ولذلك إخوتي الكرام انظروا إلى حال الصحابة لما نزلت هذه الآية، قاموا مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة كاملة، وما نزل النسخ إلا بعد سنة، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:20] أي: طلباً للرزق، {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20]، هنا نسخ قيام الليل من الوجوب إلى الاستحباب، كما يقول البخاري في صحيحه، وكما هو الرأي الراجح عند العلماء. أيها الإخوة الكرام! الأحاديث في قيام الليل كثيرة، قال عبد الله بن عمر كان الصحابة بعد الفجر يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياهم فيفسرها ويؤولها لهم، يقول ابن عمر: (وددت لو أني أرى رؤيا حتى أنال ذلك الشرف، فبينما أنا ن

تفسير قوله تعالى: (أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا)

تفسير قوله تعالى: (أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً) قال الله تعالى: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:4] أي: اقرأ القرآن مرتلاً مترسلاً، على مهل، وتدبر ما تقرأ، فالتعجل بقراءته ليس من السنة، كان النبي عليه الصلاة والسلام يقيم الحروف، ويمدها، ولا يكن همك آخر السورة بقدر ما يكون همك هو التدبر والتأمل. قال عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:4]، قال العلماء: والترتيل هو إعطاء كل حرف حقه ومستحقه. أي: أنك تخرج الحرف من مخرجه، وتقرأ بترتيل وبتدبر، قال ابن الجزري: والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم ثم يقول تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5] (قولاً ثقيلاً) هناك أربعة آراء للعلماء منها: الأول: أن الوحي حينما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفصد جبينه عرقاً في اليوم الشديد البرودة من ثقل الوحي عليه، يقول زيد بن ثابت: (كنت أجلس بجوار النبي صلى الله عليه وسلم، وقدمه تعلوا قدمي فأنزل الله عليه من سورة النساء: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء:95]، فقال ابن أم مكتوم -وكان رجلاً أعمى-: يا رسول الله إني أحب أن أجاهد ولا يمنعني من الجهاد إلا أنني أعمى، فكيف لا أستوي مع المجاهد، فأنزل الله: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:95] يقول زيد: فكادت قدمي تتحطم من ثقل رسول الله)، هذا من ثقل الوحي الذي ينزل على النبي عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5]. وقال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21]، فما بالنا نسمع القرآن والقلوب لا تتحرك، أصبحت قلوبنا أقسى من الجبال في صلابتها، قلوبنا تجمدت وتحجرت، ماذا حدث للقلوب أيها الإخوة الأحباب؟ لقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سورة مريم، فوصل إلى قول الله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58]، فنزل وسجد وسجد الناس معه، فصعد بعد ذلك، فنظر إلى الوجوه فلم يجد أحداً يبكي، فقال: أيها الناس هذا السجود فأين البكاء؟! الله سبحانه يقول: (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) أنتم سجدتم لكن أين البكاء؟ صفتكم ليست هي الصفة المطلوبة، من جمود العين وقسوة القلب، اسمع لـ عبد الله بن الشخير يقول: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسمعت لصدره أزيزاً كأزيز المرجل من البكاء من خشية الله)، أزيز المرجل: هو الماء الذي يغلي، هكذا كان يسمع لصدر النبي عليه الصلاة والسلام من البكاء من خشية الله، لم يبك بصوت مرتفع، إنما كانت الدموع تنحدر على خده عند قراءة القرآن، وهذا شعار المتقين ودأب الصالحين، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن مسعود: (اقرأ علي القرآن، قلت: يا رسول الله أقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمع القرآن من غيري، فقرأ ابن مسعود من سورة النساء، حتى وصل إلى قول الله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:41 - 42] فقال النبي لـ ابن مسعود: حسبك، قال: فنظرت إلى وجهه فإذا عيناه تذرفان الدموع)، والشاهد من النص أن ابن مسعود لم يدر ببكاء النبي صلى الله عليه وسلم إلا لما نظر إليها، فلم يسمع صوت بكاءه، إنما نظر إلى وجهه فوجد دموع النبي صلى الله عليه وسلم على خده. القول الثاني للعلماء: أنه ثقيل في أحكامه، في أوامره في نواهيه، {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45]، أي: أن أوامر القرآن كبيرة، لكن على العصاة، أما الذين خففها الله عليهم يستقبلون الأوامر في سعة ورحابة صدر وخفة. القول الثالث للعلماء: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5] أن قيمته ليس ككل الأقوال، وإنما له قيمة عظيمة.

تفسير قوله تعالى: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا)

تفسير قوله تعالى: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً) يقول الله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} [المزمل:6] أي: قيام الليل أشد موافقة لنفسك وللسانك ولقلبك، فعبادة الليل أفضل من عبادة النهار، فإن الليل تسكن فيه العيون، وتهدأ فيه الأصوات، ويقوم العبد في هدوء الليل وسكونه بين يدي ربه، يقوم طويلاً يناجي ربه ويسبحه، ويسجد ويركع بين يدي ربه عز وجل، وهذه نعمة كما قال عنها بعض السلف: نحن في نعمة لو يعلمها الملوك وأبناء الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف. إنها نعمة الطاعة، ولذة المناجاة، ولذة السجود والركوع والتسبيح والدعاء. قال الله في حق عباده المتقين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]. وقال الله في وصفهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16] خوفاً من ناره، وطمعاً في جنته. وقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6] أي: أشد إخلاصاً في العبادة، {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل:7] (سبحاً) أي: وقت النهار طويل تستطيع فيه أن تنهي الأعمال، وأن تنام لتتزود لقيام الليل، ولذلك يقول ربنا: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح:7]، والمعنى: إن فرغت من أعمالك ومن شئونك الدنيوية فانصب إلى عبادة ربك. فقول الله عز وجل: {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل:7] في النهار عمل وراحة، فإذا جاء الليل فقل مرحباً بحبيبي الذي أناجي فيه ربي، وأخلو فيه مع نفسي، كان البخاري رحمه الله يقسم الليل إلى ثلاثة أقسام: قسم ينام فيه، وقسم يصلي فيه، وقسم يكتب فيه الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء في ترجمته: أنه انطفأ السراج يوماً وهو يكتب الحديث في آخر الليل فجلس حزيناً على ضياع الوقت، فأضاء الله له أصابعه نوراً، فكتب عليها حديث رسول الله. وأنا أعلم أن معترضاً سيقول: كيف ذلك؟ فأقول: كرامات الأولياء ثابتة، فـ عباد بن بشر وأسيد بن حضير كانا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخرجا في ظلمة الليل بعد العشاء منطلقين إلى بيتيهما، وكان مع كل واحد عصا فلما خرجا في الظلام أضاء الله عصا أحدهما فأضاءت لهما الطريق، فلما أرادا الانفصال أضاءت العصا الأخرى. فهذا ليل الصالحين، فكيف ليلنا الآن؟ أين تقضى ساعات هذا الليل؟ تقضى في سهرة حمراء إلى طلوع الفجر، نسأل الله العافية، هذا حال الأمة، حتى إنهم حينما يعرضون المسرحية يقولون: إن بها ألف ضحكة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كثرة الضحك تميت القلب)، فهم يدعون إلى موت القلوب، ويتنافسون في إماتة القلوب، إنها حرب بين أهل الحق وأهل الباطل، إنها حرب بين المتقين والمفسدين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:11 - 12]. يقول الله عز وجل: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل:8] (تبتل) يعني: انقطع، ولعل معترضاً يقول: النبي صلى الله عليه وسلم نهى عثمان بن مظعون عن التبتل، فكيف يأمره الله بالتبتل؟ والجواب: أن التبتل هنا بخلاف التبتل في الحديث، فالجهة منفكة؛ تبتل ابن مظعون عن الزواج، وعن شئون الدنيا المباحة، أما التبتل في الآية: فهو الانقطاع عن عبادة الأوثان والأصنام إلى عبادة الواحد الديان. فقوله: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل:8] أي: اخلص له العبادة وحده لا شريك له؛ لأنه لا يستحق العبادة إلا هو الخالق الرازق، الذي يملك جلب النفع، ودفع الضر، فلا تصرف العبادة إلا له، اجعل العبادات كلها له سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل:8 - 9] أي: توكل عليه {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل:10]. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

تعريف الختان وبيان أقوال العلماء في مشروعيته

تعريف الختان وبيان أقوال العلماء في مشروعيته الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فيا أيها الإخوة الكرام! إن الإسلام يعاني من فريقين: الفريق الأول: ينتسبون إليه وهم من جلدتنا، ويتحدثون بألسنتنا، ولكنهم يطعنون في البنيان من الداخل. الفريق الثاني: هم أعداؤنا، وعداوتهم ظاهرة واضحة: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [البروج:20]. إن قضية الختان قضية يسيره، بسطها كل الفقهاء في كتبهم، لكننا أحياناً نغض الطرف عما قالوا، وأذكر لكم معنى الختان أولاً، ثم رأي الأئمة الأربعة فيه، ثم أقوال أهل العلم قاطبة، ثم الأدلة على مشروعية الختان في حق الذكور والإناث. الختان: من ختن، وهو قطع القلفة من الذكر، والخفض عند الأنثى، وهو القطع من الجزء الذي يعلو مجرى البول بقدار عرف الديك، بشرط أن يكون القطع للأنثى يسيراً مهذباً، حتى لا يعرضها لبرود جنسي، لذلك الخفض للمرأة، والقطع للذكر كما قال الفقهاء، هذا هو تعريف الختان. أما عن أقوال الفقهاء فاسمعوا ماذا قال أئمة الإسلام: قال الشافعي: الختان واجب للذكور والإناث. وقال أحمد بن حنبل: هو واجب للذكور، ومكرمة في حق الإناث، ورواية أخرى عنه: الوجوب. وقال مالك وأبو حنيفة: هو سنة للرجال، مكرمة للنساء. إذاً: نستطيع أن نقول: إن أئمة الإسلام ذهبوا إلى مشروعيته، إنما الخلاف في الحكم، هل هو واجب أم مستحب؟ ولم يقل أحد: إنه غير مشروع أو أنه ليس من الدين. اسمع إلى هذا الحديث المتفق عليه: (من سنن الفطرة عشر)، والفطرة هنا بمعنى الطريقة أو السنة، ليس بمعناها عند الأصوليين وإنما هي بمعنى الطريقة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فليس مني). قال صلى الله عليه وسلم: (من سنن الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وحف الشارب، وإعفاء اللحية)، هذه من سنن الفطرة، فالختان من سنن الفطرة، أي: الطريقة التي هي شعيرة من شعائر هذا الدين. لذلك اسمع إلى ما قال الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر، ومن هنا اتفقت كلمة الفقهاء على أن الختان للرجال والنساء، وأنه من فطر الإسلام وشعائره وأنه أمر محمود، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين -فيما طالعنا من كتبهم- قول بمنع الختان للرجال والنساء، وشيخ الأزهر يقول: لم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين أنهم قالوا بمنع الختان. واسمع إلى ما نقل من كتاب (الاختيار شرح المختار) في فقه الأحناف: وأشير هنا إلى ما قاله الإمام أبو حنيفة: إنه لو اجتمع أهل مصر -يعني: أهل بلد- على ترك الختان قاتلهم الإمام؛ لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه، هذا كلام أحد الأئمة الأربعة، وبعد ذلك تعقد المؤتمرات من السافرات، والعلمانيات والمبنطلات يتحدثن في مشروعيته، ما لكم أنتم، وما لدين الله، دين الله له العلماء والأئمة الأعلام، إن كنتم شافعية عودوا إلى فقه الشافعي إن كنتم مالكية ها هو فقه الإمام مالك، ولكنكم رفضتكم موائد الفقه، أكلتم من موائد إخوان القردة والخنازير.

الضوابط الشرعية في ختان النساء

الضوابط الشرعية في ختان النساء هناك ضوابط شرعية في ختان الإناث: وهي أنه يجب على ولي الأمر أن يعرض ابنته على طبيبة مسلمة، فإن قررت أن الختان في حقها مكرمة أجرت لها، وإن قررت أنه لا ختان لها، فهذا هو الأولى؛ لأن هناك حالات يشرع لها الختان، وحالات لا يشرع لها الختان، فحينما يزيد البظر عن طول معين فلابد من تهذيبه، لأنه أحضى للزوج، وأنضر للوجه، وتهذيب للشهوة، أما أن تترك البنت هكذا حتى لو كان بظرها طويلاً دون ختان، قال الأطباء المسلمون: إن المرأة غير المختونة عصبية المزاج، حادة الثورة، تثار بأقل فعل للاحتكاك، لذلك قال العلامة ابن تيمية في فتاويه: وكان الرجل يعير قديماً إن لم تكن أمه مختونة، فيقال له: يا بن القلفاء. يعني: أن أمك تتطلع إلى الرجال أكثر، فإن قال قائل: أحاديث الختان ضعيفة، فأقول: بوب البخاري في كتاب الغسل: باب التقاء الختانين. أي: ختان الرجل وختان المرأة، (إذا مس الختان الختان وجب الغسل) قد يقول قائل: هو يقول هذا من باب التغليب والتأدب، فأقول: الحديث واضح سنن الفطرة عشر وذكر منها: (الختان)، والله سبحانه يقول: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]. وللعلامة ابن القيم كلام نفيس في كتاب (تحفة المودود بأحكام المولود) نقله عن علمائنا، فأريد أن تعودوا إليه. والعلماء يبحثون القضية، هل الأمر مشروع أو غير مشروع، والكلام لشيخ الأزهر الأسبق، وقد أصدر كتاباً قدم له الدكتور علي الخطيب بكلمة قال فيها: وكم للقتال من أساليب، ومن أحد أساليب القتال هو إنكار شعيرة من شعائر الدين، ألا وهي الختان {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [البروج:20] وجاء الشيخ بأقوال أئمة المذاهب الأربعة وذهب إلى مشروعيته. إن قال قائل: هو غير مشروع، فأقول له: اخسأ هل أنت أفقه من الشافعي؟ هل أنت أفقه من مالك؟! هل أنت أفقه من ابن حنبل؟! نحن نفهم القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، أم أن فقهاء المذاهب الأربعة لم يفهموا النصوص وفهمتها أنت يا رويبضة، يا لكع، وتريد أن تستنبط من النصوص ما عجز أئمة المذاهب عن استنباطه، والشافعي قال بوجوبه، وأحمد قال باستحبابه أو وجوبه، ومالك وأبو حنيفة قالا باستحبابه، أم أن علماء الأمة كانوا لا يفهمون وأنت الذي تفهم، نسأل الله العافية. أيها الإخوة الكرام الأحباب الأمر واضح بين، فالذين ينادون بمنع الختان مطلقاً يريدون غير ما نريد، يريدون للفاحشة أن تسود في الأمة. أسأل الله أن يعيننا على أن ندحض آراء المستشرقين والعلمانيين. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان. اللهم اجعلنا من الراشدين. اللهم استر عوراتنا، واحفظ فروجنا، وحجب نساءنا، وعليك يا رب بأعدائنا. اللهم وارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، إنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تفسير سورة المزمل [2]

تفسير سورة المزمل [2] جعل الله النهار وقتاً لقيام العبد بأعماله الدنيوية؛ حتى يتفرغ لعبادة ربه في الليل؛ وذلك لأن النهار مظنة القيام بأعمال الدنيا؛ لما فيه من الصخب، بخلاف الليل فهو مظنة العبادة؛ لما فيه من الطمأنينة والسكون وهدوء البال، وهذا مناسب لقيام العبد بين يدي ربه سبحانه.

تفسير قوله تعالى: (إن لك في النهار سبحا طويلا)

تفسير قوله تعالى: (إن لك في النهار سبحاً طويلاً) إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، بيده الخير وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه، وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! نواصل الحديث مع سورة المزمل، ولقد توقفنا عند قول الله سبحانه: {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا * وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا * إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [المزمل:7 - 19]. {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل:7]، قال المفسرون: (سَبْحًا) بمعنى: شغلاً، في النهار انطلق إلى أعمالك الدنيوية وحصلها، انطلق إلى معاشك وإلى شئون حياتك، في هذه الفترة النهارية القلب ينشغل قليلاً بالأعمال التي ينشغل بها المرء، {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ} [المزمل:7] أي: فراغاً طويلاً خذه، ثم بعد أن تنتهي من شئون حياتك، تفرغ لعبادة ربك، ولذلك يقول ربنا: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح:7] والمعنى: إذا فرغت من شئون عملك فانصب إلى عبادة الله عز وجل، وعبادة الليل كما قلنا هي أشد مواطأة للقلب من عبادة النهار؛ لأن القلب بالليل ليس هناك ما يشغله، فيقف الإنسان بين يدي ربه وقد انتهى من شئون حياته ومن أعماله. قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل:8]، يقول الحافظ ابن كثير: أكثر من ذكر ربك، فالذكر يعين العبد على أداء رسالته الدعوية وعلى أعماله الدنيوية، والذكر يعطيك قوة في بدنك، وقوة في قلبك، وقوة على مجابهة عدوك، ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت)، فالذي يغفل عن ذكر ربه ميت وإن كان بين الأحياء، وكما قال العلماء: كم من ميت بين الأحياء، وكم من حي بين الأموات، إنسان يأكل، ويشرب، ويعمل، ويتزوج، وينجب، لكنه في واقع الأمر ميت، لابتعاده عن ذكر ربه وعن طاعة ربه: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. ولذلك كان وقود النار الناس والحجارة، ولعلك تسأل نفسك: الناس عقلاء، والحجارة جماد، فلماذا جمع الله بين الناس والحجارة في قوله تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] ما علاقة الناس بالحجارة؟ و A أنهم ليسوا أناساً، وإنما هم في واقع الأمر حجارة، فقد تجمدت عيونهم عن البكاء من خشية الله فهي كالحجارة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]، أي: بل أشد قسوة، هناك أناس كالحجارة ليس فيهم لين، ولا عطف، ولا رحمة، قلوب متحجرة قاسية، بل هي أقسى من الحجارة، فحق لهم أن يكونوا وقوداً للنار مع الحجارة، لذلك أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بذكره، فقال: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} [المزمل:8]، وينبغي أن تعلم أن الفرق بين المنافق والمؤمن ليس مجرد الذكر، بل هو الذكر الكثير؛ لأن المنافق يذكر الله، ولكن كما قال

تفسير قوله تعالى: (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا)

تفسير قوله تعالى: (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً) قال تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل:8]، ورد حديث في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: (نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل، ولو أذن لـ عثمان بن مظعون به لاختصينا)، والمعنى: أنه نهى عثمان بن مظعون عن التبتل، وهو الانقطاع عن طيبات الدنيا، وحبس النفس على الطاعة دون استمتاع بالأمور التي أباحها الله. والاختصاء: هو أن يمتنع المرء عن الزواج، وعن الطيبات، وعن الحياة الدنيا، وأن يتبتل وينقطع لعبادة الله، وعثمان بن مظعون أراد أن يختصي ليتفرغ لعبادة ربه عز وجل، والآية فيها الأمر بالتبتل وهو: الانقطاع عن كل معبود إلا الله {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل:8]، فحينما تكون الجهة منفكة فمتعلق الأمر يختلف عن متعلق الناس. والعجب ممن يقول: الإسلام قد نهى عن تعدد الزوجات؛ لأن الله قال في موضع: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، وفي موضع آخر قال: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} [النساء:129]، وهذه معارضة بين النصين: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا)، (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا)، قلنا: الجهة منفكة، فمتعلق هذه الآية يختلف عن الأخرى، والعدل في الآية الأولى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} [النساء:3] هو في المسكن والملبس، وهذا هو العدل المادي المحسوس، أما قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:129] فالمقصود بها: العدل القلبي، فقلبك قد يميل إلى واحدة دون الأخرى، وهذا لن تستطيع أن تعدل فيه. إذاً: العدل في الأولى يختلف عن العدل في الثانية، ولكن الذين يريدون أن يشرعوا للأمة على حسب أهوائهم ضربوا الآيات بعضها ببعض، وقالوا: ((وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا))، الأصل ألا تعدد، وهكذا بسوء الفهم ضيعوا الأحكام الشرعية.

تفسير قوله تعالى: (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا)

تفسير قوله تعالى: (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً) وقال تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل:9]، فهو رب المشرق والمغرب، كما قال تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن:17]. وقوله سبحانه: (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) أي: لا تلجأ إلا إليه، ولا تستعن إلا به، ولا تطلب المدد والعون إلا منه. والتوكل على الله عز وجل من أعمال القلوب وهو ثمرة اليقين، وفي الحديث الذي أورده الإمام النووي في كتابه القيم (رياض الصالحين) الباب السابع: باب اليقين والتوكل، حديث عكاشة بن محصن رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عرضت علي الأمم)، أي: كل الأمم السابقة عرضت على النبي عليه الصلاة والسلام (فرأيت النبي ومعه الرهيط -والرهيط يعني ثلاثة- ورأيت النبي ومعه الرجلان، ورأيت النبي ومعه الرجل، ورأيت النبي وليس معه أحد)، فهذا نبي بعثه الله إلى أمة فلم يستحب له أحد، (ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم سواداً فظن أنه أمته، فقيل له: هذه أمة موسى، ثم رفع له سواد أعظم من الأول فقيل له: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً)، وفي رواية أخرى: (ومع كل واحد من السبعين ألفاً سبعون ألفاً)، فسبعون ألفاً في سبعين ألفاً تصبح أربعة مليارات وتسعمائة مليون من أمة النبي عليه الصلاة والسلام، هؤلاء (يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) أنت مغبون إن لم تكن من الأربعة المليار، وليس لك مكان في الأربعة المليار يا عبد الله. ثم قال: (مع كل واحد من السبعين سبعون ألفاً، فخاض الصحابة فيهم فقال بعضهم: هم السابقون، وقال بعضهم: هم الذين جاهدوا في بدر واختلفوا فيهم، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ووجدهم يختلفون في شأنهم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: هم الذين لا يسترقون) (لا يسترقون) أي: لا يطلبون الرقية من غيرهم، وإنما يتوكلون على الله عز وجل، ولا يلجئون إلى أحد وإنما يلجئون إلى الله، وليس هذا قدحاً في الأسباب، وإنما هو صدق اللجوء إلى الله، لا يجعل هنا واسطة حتى في الرقية؛ لأن الله يقول: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يتطيرون)، التطير هنا بمعنى التشاؤم، وبعض الناس يتشاءم بيوم الأربعاء، أو يتشاءم بشهر شوال، ويقول: إن تزوجت المرأة في شوال تنكبس، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بـ عائشة في شوال، وعقد عليها في شوال. فعليك أن تتلقى العلم على يد عالم يضبط لك المسألة؛ لأنه ربما يقرأ قارئ: بنى بـ عائشة في شِوال، فكلمة (شوال) لابد أن تشكل، فينبغي أن تتلقى العلم على يد عالم يضبط لك الحروف ويصحح لك النطق. فالنبي صلى الله عليه وسلم عقد عليها في شوال وبنى بها في شوال؛ ليدفع التشاؤم الذي كان عند العرب من هذا الشهر في الزواج والعقد، والبعض إذا دخل على متجره في الصباح رجل إحدى عينيه مصابة بعمى، يقول له: اصطبحنا بوجهك لن نستفتح، اليوم كله هكذا. وبعض الناس عنده تفاؤل بالأرقام، يقول: أنا أتفاءل برقم تسعة. وكان العرب في الصباح يطلقون الطير، فإذا طار إلى اليمين تفاءلوا، وخرجوا إلى العمل، وإذا طار إلى اليسار تشاءموا وجلسوا في البيوت، هذا هو التطير. ولعل بعض كبار رجال الأعمال اليوم يعتمدون في حظهم على الأبراج، يقول لك: أنا برجي الثور، فيقرأ ثم يصدق، هذا من باب التطير ومن باب التشاؤم الذي لا يجوز أبداً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يتطيرون)، وأحياناً تجد شاباً من شبابنا يلبس حظاظة وفي أذنه حلق، هل هؤلاء هم الذي سيحررون الأقصى؟ نسأل الله العافية. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يكتوون -أي: بالنار- وعلى ربهم يتوكلون، فقال عكاشة بن محصن رضي الله عنه: ادع الله أن أكون منهم يا رسول الله! قال: أنت منهم يا عكاشة، وقام آخر وقال: وأنا يا رسول الله، قال: سبقك بها عكاشة)، انظروا إلى الأدب النبوي، لم يقل له: لست منهم، إنما قال بأدب جم: (سبقك بها عكاشة). قال العلماء: إما أن يكون الرجل من أهل النفاق، وقد أطلعه الله على ما يبطنه، وإما أنه أراد أن يغلق الباب؛ لأنه لو قال للثاني: أنت منهم لقام الثالث، ثم قام الرابع، فأغلق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الباب. لذلك في حديث البخاري: (كان عند النبي صلى الله عليه وسلم كثير من الصحابة، فأكثروا السؤال عليه، فقال لهم: سلوا عما شئتم، فقام رجل وقال: يا رسول الله! من أبي؟ فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أبوك حذافة، فقام آخر وقال: وأنا يا رسول الله! من أبي؟)، فاشتد عمر غيظاً وجلس على ركبتيه وكبر وسبح حتى

تفسير قوله تعالى: (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا)

تفسير قوله تعالى: (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً) قال الله سبحانه: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10]، هذه الآية مهمة جداً للداعية، فقد يقال له: ساحر، مجنون، شاعر، إرهابي، عميل، متحجر، لص، رجعي، ولهذا قال الله سبحانه: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل:10]، دع الكلاب تنبح، وأد أنت الرسالة ولا تعاتبهم، ولا تنزل إلى مستواهم في السب والشتم. إن أفضل الأمور للرد على من أعرض ومن طعن في السنة أو في القرآن هو الإعراض عنه أحياناً، فأعرض عنه الإعراض الجميل، ولا تقم له وزناً، فهو حشرة ليس له ذكر، فأراد أن يكون له ذكر، فقام يطعن في القرآن، حتى يقال: فلان طعن في القرآن، أو فلان طعن في الحجاب، أو فلان طعن في كذا، فيصبح له ذكر بين الناس فيطعن لأجل هذا الغرض، فلا تعطه غرضه واتركه وأهمله ولا تقم له اعتباراً. يقول ربنا: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10]؛ لأن الله ناصرك، فأنت تتقدم وهم يتأخرون، أنت تفتح البلاد وهم يسلمون، شأنك يعلو وهم يتراجعون، لذلك اترك من يخوض في عرضك، دعه يتكلم، وأنت إلى الأمام دائماً بإذن الله عز وجل، لذلك هذه نصيحة لطالب العلم: لا تنشغل بقيل وقال، وكثرة السؤال، وقالوا وقلنا، انطلق وأنتج، وكن مسلماً، أما أن تنشغل بكلام هذا وكلام هذا فلن تتقدم خطوة. وقال الله سبحانه: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل:10]، قال المفسرون: الهجر الجميل: هو الهجر الذي ليس فيه عتاب ولا سب ولا أذى.

تفسير قوله تعالى: (إن لدينا أنكالا وجحيما)

تفسير قوله تعالى: (إن لدينا أنكالاً وجحيماً) يقول ربنا سبحانه: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا} [المزمل:12] أي: هذا ما أعده الله للمكذبين: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل:12 - 13]. {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل:14]، {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ} [المزمل:11]، في أول الآيات: (ذَرْنِي): اتركني مع أهل التكذيب والإعراض، وانظر حينما يكون الله قد انفرد بهذا الظالم، كما قال الله: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [القلم:44]. قوله: (أُولِي النَّعْمَةِ) أي: أصحاب الترف وأصحاب الفخامة، أمثال: شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأبي جهل، وأمية بن خلف، الأسماء اللامعة في عالم الضلال والكفر، {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} [المزمل:11]، أي: موعدهم قريب في يوم بدر، فهو موعدهم جميعاً يوم أن داستهم الأقدام، وسحبوا على وجوههم إلى بئر بدر، ووقف فوق رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم يخاطبهم: (يا شيبة بن ربيعة، يا عتبة بن ربيعة، يا فرعون الأمة أبا جهل، يا أمية بن خلف، إني وجدت ما وعدني ربي حقاً من النصر والتمكين، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً من الخذلان والتنكيل؟ قال عمر: يا رسول الله أتحدث أجساداً قد ماتت فقال صلى الله عليه وسلم: يا عمر والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يجيبون)، هذا مصير كل طاغية، إن الظالم له نهاية، ونهايته كنهاية هؤلاء، فإن دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم:55]. يقول ربنا سبحانه: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا} [المزمل:12] أي: قيوداً في أقدامهم: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} [المزمل:12 - 13]، أي: طعاماً كريهاً نتناً يأخذ بالحلق فلا يخرج ولا يدخل إلى المعدة، كالشوك، هذه وجبات أهل النار: الوجبة الأولى: الزقوم، {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} [الدخان:43 - 45]. الوجبة الثانية: الضريع، {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:7]. الوجبة الثالثة: الغسلين، {وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة:36] والغسلين كما قال ابن عباس: هو القيح والدم والصديد المتخلف عن أجساد أهل النار، هذا طعامهم، يقول ربنا سبحانه: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:16 - 17]. ويقول سبحانه: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29]. وقال ربنا سبحانه: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل:13] أي: شديداً.

تفسير قوله تعالى: (إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا)

تفسير قوله تعالى: (إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً) قال سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا} [المزمل:15] أي: محمداً صلى الله عليه وسلم،: {شَاهِدًا عَلَيْكُمْ} [المزمل:15] أي: على هذه الأمة، وعلى من أعرض، وعلى من استجاب، وعلى من أبى، ومن امتثل. ثم قال سبحانه: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} [المزمل:15]، وهو موسى بن عمران عليه السلام، جاء إلى فرعون، وحدثت المناظرة الكبرى بين فرعون وموسى، وفرعون لقب لحاكم مصر، دخل عليه موسى يدعوه إلى ربه، فقال فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]. وقال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]، فأجرى الله الأنهار من فوقه، والجزاء من جنس العمل، وهذا إمهال واستدراج من الله الذي لا يغفل عن أي ظالم أبداً. قال الله سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} [المزمل:15]، قال فرعون لموسى: من ربك يا موسى ويا هارون؟ فقالا: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] فأجابهم فرعون: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:51 - 52] هذا حوار بين موسى وفرعون، فماذا قال فرعون بعد ذلك الحوار؟ {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه:63]، وكيف يكون موسى ساحراً وقد تربى في بيتك، وأنت تعلم أمانته، ولكن هذه التهمة كانت جاهزة: (ساحر)، ثم قال فرعون لحاشيته: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} [طه:64]، تولى فرعون وسعى في المدينة وجمع السحرة الأكفاء، وجاءوا وهم يقولون: {بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} [الشعراء:44]، يقسمون بعزة فرعون، ثم سألوه: {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء:41 - 42]، أيضاً ستصبحون من البطانة، هذا الأجر الذي يسعون إليه أن يكونوا من البطانة، ويكون لهم حكم وتمكن وقدرة، فماذا قالوا لموسى؟ {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} [طه:65] أي: نحن واثقون من أنفسنا إما أن تبدأ أو نبدأ نحن، فالنتيجة معروفة مسبقاً، وهذا غرور من السحرة، فأجاب موسى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:66 - 69]، ألقى موسى العصا، فلما رأوا العصا بأعينهم، وهم أرباب المهنة عرفوا الحقيقة، فقال الله عن حالهم: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا} [طه:70] الله أكبر! التحول في دقيقة من الكفر إلى الإيمان، فمن صاحب الأمر في تحول القلوب؟ إنه الله عز وجل، والقلب ما سمي قلباً إلا لشدة تقلبه. فماذا قال فرعون؟ {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} [طه:71] حتى الإيمان يحتاج إلى إذن من فرعون، كل شيء بإذن، وهكذا حالنا الآن تريد أن تصلي خذ إذناً، تحضر محاضرة خذ إذناً، تقرأ قرآناً خذ إذناً، تصلي الفجر استأذن، حتى العبادات الفردية لابد أن تستأذن فيها، {آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} [طه:71]، يا كذاب يا ضال أنت الذي جئت بهم، هم أربابك وأتباعك موسى لا يعرفهم، أيكون الذي علمهم السحر موسى؟! يا رجل أما تعقل؟ هذا قلب للحقائق، هذا ارتكاس وانتكاس للأمور عند الفراعنة، وهذا دأبهم وهذا عهدهم، لذلك قال فرعون: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ} [طه:71] هذا ما يملكه فرعون: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71] قتل، وتنكيل، قطع للأيادي والأرجل من خلاف، إما أن تعودوا إلى الكفر وإما العذاب، ماذا قال السحرة؟ قالوا: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:72] الله أكبر! السحرة في وقت ضئيل تحولوا من قمة الكفر إلى قمة الإيمان والصبر على الأذى، فصاحب الأمر هو الله عز وجل. ثم قال سبحانه: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل:16] أي: ش

تفسير قوله تعالى: (فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا)

تفسير قوله تعالى: (فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً) الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله أجمعين. وبعد: فقد نسينا أن نذكر: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل:14] هذا من علامات الساعة: تتزلزل الأرض، وترتجف، وتتشقق السماء، وتنتثر نجومها، وينفرط عقدها، ولذلك يقول ربنا: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل:18] أي: أن السماء ستتشقق يوم القيامة. {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} [المزمل:15 - 17] أي: كيف تتقون هذا العذاب؟! {إِنْ كَفَرْتُمْ} [المزمل:17] أي: بعد كفركم وبعد إعراضكم، كيف تتقون: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} [المزمل:17]، الطفل الصغير الرضيع يشيب في هذا اليوم من شدة ما يرى من العذاب: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. يا عبد الله! صدق من قال: إن قلتها مت، وإن لم تقلها مت، فقلها ومت، لقد أرسل المأمون إلى الإمام أحمد لما فتن بفكر الاعتزال، والمأمون هو أحد خلفاء العصر العباسي الأول، دفع عليه الاعتزال علماؤهم حتى أقنعوه أن القرآن مخلوق، فامتحن الناس، وأرسل إلى الإمام أحمد مع محمد بن نوح الذين أبوا أن يقولوا: إن القرآن مخلوق، وحملهم المأمون في بعير كل في ناحية يعني: أحمد في ناحية ومحمد بن نوح في ناحية أخرى على بعير واحد، وقد ذهبوا إلى المأمون فجاءه أحد الناس وقال له: يا أحمد لقد سل المأمون سيفاً لم أر مثله قبل ذلك قط، وعزم على قتلك إن لم تستجب لأمره بأن القرآن مخلوق، فهذا الذي هدده وتوعده: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران:173]. جاءه أحد من العلماء وهو على البعير وقال: يا أحمد أنت الآن رأس أمة، فإن زللت فستزل الأمة معك، وأنت في الحالتين ميت، فاصبر على إيذائه، فإن قلتها ستموت وإن لم تقلها ستموت، وزلة العالم زلة عالم، فاحذر يا أحمد أن تكون رأساً للفتنة، واصبر على إيذائه، يقول الإمام أحمد: فثبتني بقوله: وطمأن قلبي، وبينما أنا في الطريق إلى المأمون وقد عرفت أنه عزم على قتلنا بالسيف الذي أعد، قلت: يا رب إن كان كلامك غير مخلوق فلا تجمع بيني وبين المأمون في الدنيا بعد اليوم، فأتى الصارخ في ثلث الليل أن المأمون قد قبضه الله، الله أكبر! هؤلاء هم العلماء الربانيون، الذين إذا دعوا الله عز وجل استجاب لهم، مات المأمون ثم جاء بعده المعتصم ثم ابتلاه أيضاً، وحبسه أكثر من ثمانية وعشرين شهراً، ثم جاء المتوكل بعد الواثق فأطلق سراحه، وقال: أحمد بن حنبل إمام أهل السنة يبلغ ما شاء الله أن يبلغ، ودافع عن منهج السلف، وعاد أحمد ليرفع الرأس، وأذل الله أئمة الكفر، وهذه سنة الله سبحانه في أصحاب الدعوات، لا يمكن بحال أن تكون للظالم دولة أبداً مهما طال، ومهما طال سواد الليل لا بد من طلوع الفجر، وبعد ألم المخاض وضعاً وبعد العسر يسراً، وبعد الضيق فرجاً. أسأل الله سبحانه أن ينصر الإسلام وأن يعز المسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم ول أمورنا خيرنا. اللهم آمنا في أوطاننا. اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الاحتضار شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً. يا رب لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تفسير سورة المزمل [3]

تفسير سورة المزمل [3] خلق الله سبحانه وتعالى الإنس والجن لعبادته، وأرسل إليهم رسلاً لتوجيههم وإرشادهم إلى طريق عبادته سبحانه وتوحيده، ولم يتركهم هملاً، وجعل سبحانه مصير المؤمن الصادق إلى الجنة، ومصير الكافر المكذب إلى النار، وأرشد الله عباده إلى فعل الخيرات من صلاة وزكاة واستغفار وإنفاق وجهاد، فإن فعل الخيرات هو السبيل للنجاة من هول الفزع الأكبر يوم القيامة، فعلى العبد أن يلزم طاعة الله واتباع شرعه، وأن يحذر من كل ما يسخط الله من البدع والمحدثات والمعاصي والمنكرات، حتى ينال رضا الله عز وجل.

الفرق بين الرسول والنبي

الفرق بين الرسول والنبي الحمد لله رب العالمين، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، بيده الخير وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأشهد أن نبينا ورسولنا وسيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنكم لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، وإنها جنة أبداً أو نار أبداً. نواصل الحديث في تفسير سورة المزمل. قال الله سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل:15 - 20]. فقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا} [المزمل:15] وهو محمد صلى الله عليه وسلم، والرسول من التوجيه والإرسال، وبينه وبين النبوة عموم وخصوص، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، ويعرف علماء العقيدة الرسول بأنه مبعوث من البشر بعثه الله سبحانه، وأوحى إليه بالبلاغ، وأنزل عليه رسالة وأمره بتبليغها. ذاك هو الرسول، ولا شك أن هناك فرقاً بين الرسول والنبي بأدلة واضحة من القرآن والسنة، قال الله في وصف موسى عليه السلام: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم:51]، فأثبت له الرسالة، وأثبت له النبوة، وفي حديث البراء بن عازب الذي رواه البخاري في صحيحه، في كتاب الوضوء في باب فضل من بات على وضوء. أي: من نام على وضوء: أن النبي صلى الله عليه وسلم سن عند النوم أن يضطجع المسلم على يمينه، ثم يقول الدعاء الذي علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، الذي لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فلما وصل البراء إلى هذه الجملة قال: وبرسولك الذي أرسلت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا، قل: وبنبيك) يقول الحافظ ابن حجر: أراد أن يجمع لنفسه صلى الله عليه وسلم بين الوصفين: وصف النبوة ووصف الرسالة؛ لأن هناك رسلاً من غير البشر، وهم الملائكة وليسوا بأنبياء. وقوله سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ} [المزمل:15] فالنبي صلى الله عليه وسلم سيشهد على أمته يوم القيامة، وكل نبي سيشهد على أمته، والله سبحانه وتعالى يأتي بالأنبياء جميعاً يوم القيامة ويسألهم عن حالهم مع أممهم، كما قال عز وجل: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:41 -

مصير الطغاة والمتكبرين والظلمة في كل زمان ومكان

مصير الطغاة والمتكبرين والظلمة في كل زمان ومكان قوله سبحانه: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل:16] أي: أخذاً شديداً، وقصة فرعون درس لكل ظالم، أنه مهما طغى ومهما تجبر ومهما علا صوته ومهما ارتفعت رايته فإن له نهاية، فإن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، يقول ربنا في سورة النازعات: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات:17 - 20]. رغم وضوح الآيات البينات بين يدي فرعون إلا أنه كما قال الله عنه: {فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى} [النازعات:21 - 25] أخذه الله بقوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24] فأغرقه ودمره هو وأتباعه. والله سبحانه وتعالى جعل فرعون آية لكل ظالم، قال الله سبحانه: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس:92]. وقوله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} [المزمل:17] أي: كيف تدفعون عن أنفسكم ذلك العذاب يوم القيامة؟ {إِنْ كَفَرْتُمْ} [المزمل:17] لأنكم كفرتم به وكذبتم به، فكيف تتقون ذلك اليوم؟ {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} [المزمل:17] أي: أن الغلام الصغير يشيب من هوله كما قال سبحانه: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]، وفي الحديث عند البخاري ومسلم عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ينادي يوم القيامة: يا آدم أخرج بعث النار، يقول آدم: وما بعث النار؟ يقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) أي: أن الناجي واحد، فشق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا على ركبهم وعلاهم الخوف والهلع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم بالنسبة لسائر الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، وإني أسأل الله أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبر القوم، فقال: ثلث أهل الجنة، فكبر القوم، فقال: شطر أهل الجنة)، فأمة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم شطر أهل الجنة بهذا الحديث.

تفسير قوله تعالى: (السماء منفطر به كان وعده مفعولا)

تفسير قوله تعالى: (السماء منفطر به كان وعده مفعولاً) قال تعالى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل:18]، يوم تنفطر السماء وتشقق، كما قال ربنا سبحانه: {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ} [الانفطار:1]، وقال: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} [الانشقاق:1]. وقوله: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا} [المزمل:18] أي: أن وعد الله عز وجل لا يتخلف. وقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ} [المزمل:19] أي: تلك الآيات التي ذكرتكم بالآخرة، والتي وقعت على قلوبكم لتنبه الغافلين، وتوقظ الراقدين، {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [المزمل:19] فمن شاء اتخذ إلى ربه طريقاً يتزود به للقاء ربه عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل)

تفسير قوله تعالى: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل) ذكر ربنا سبحانه تلك الآيات التي نسخت فريضة قيام الليل، وبين نزول أول سورة المزمل وآخرها حول كامل، يوم أن قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل:2] فقام صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه سنة كاملة، حتى تورمت أقدامهم من طول القيام بين يدي الله سبحانه، وهذا فيه تربية على الامتثال لأمر الله سبحانه، ثم أنزل الله في آخرها نسخاً للوجوب، وأصبح قيام الليل على الاستحباب والندب، ودليل الجمهور أن قيام الليل ليس فرضاً الحديث الذي رواه البخاري: (أن رجلاً أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عما فرضه الله عليه من الصلاة، فقال: خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع -أي: إلا أن تزيد من جنسها ما شئت بالضوابط الشرعية- ثم سأله عن الصيام فقال له: صيام رمضان، قال هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع، فانطلق الرجل وهو يقول: لا أزيد عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق)، وفي رواية: (أفلح وأبيه إن صدق) والمعنى: أن تلك هي الفروض، وما زاد عليها من جنسها فهو من باب النوافل. والنسخ لغة: الإزالة، واصطلاحاً: هو رفع حكم شرعي بخطاب شرعي متأخر. ولا نسخ في القصص، ولا نسخ في العقائد، ولا نسخ في الأخلاق، وإنما يكون النسخ لبعض الأحكام الشرعية، يقول ربنا سبحانه: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:106]، فالنسخ بمعنى إزالة حكم شرعي كان في أول الأمر، ثم زال بخطاب شرعي متأخر عنه في النزول. قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل:20] أي: أقرب من ثلثي الليل. {وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [المزمل:20] الذي يقدر الأوقات ويعلم حقيقتها هو الله سبحانه. {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل:20] أي: لن تقدروا على ذلك؛ للمشقة التي اعترتهم، فمنهم المريض، ومنهم الذي يضرب في الأرض طلباً لرزقه وتجارته، والآية فيها صدق نبوة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، إذا لم يكن الجهاد فرضاً في مكة، ومع ذلك قال الله: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ} [المزمل:20]، وهذا إخبار بمستقبل كما قال العلماء. ثم قال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل:20] أي: لن تقدروا على هذا العمل المتصل من قيام الليل؛ ولذلك جاء من حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني ينبغي أن نتمسك به جميعاً، يقول صلى الله عليه وسلم: (خلتان -أي: خصلتان- لا يقدر عليهما أحد إلا كان من أهل الجنة يقول في دبر كل صلاة: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر عشراً ثلاثين مرة في خمسة فروض بخمسين ومائة مرة)، هي مائة وخمسون في اللسان، وألف وخمسمائة في الميزان. وعند النوم تقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين، فتلك مائة باللسان وألف في الميزان. إذاً: تسبح بعد كل الصلوات ألفاً وخمسمائة، وتسبح عند النوم ألفاً، والمجموع ألفان وخمسمائة، فهل يعمل أحد في اليوم والليلة ألفان وخمسمائة سيئة؟ لذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (خلتان لا يقدر عليهما أحد إلا كان من أهل الجنة) لأن الشيطان يأتي العبد في صلاته فلا يزال يذكره بأعماله حتى يسلم؛ من أجل أن يحرمه هذا الأجر، وعند النوم لا يزال خلفه حتى يرقد. فيا عبد الله واظب عليها بعد كل صلاة وقبل نومك. والحديث حسن، حسنه الألباني وصححه كثير من أهل العلم. ثم قال الله سبحانه: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل:20] أي: طلباً للرزق، {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [المزمل:20] قال المفسرون: جاء التعبير بالإقراض هنا؛ لأن الذي يعطي الفقير يقرض الله، حتى لا يظن الغني أن له منة على الفقير، إنما للفقير منة على الغني، الفقير هو الذي يمن على الغني بأنه قربه إلى ربه سبحانه، فأنتم عند عطائكم إنما تقرضون الله، وعند الإنفاق في سبيل الله، وعند إخراج الزكاة في مصارفها الثمانية إنما تقرضون الله عز وجل. وشروط الإقراض والإنفاق لله ثلاثة: أن يكون من حلال. وأن يكون خالصاً لله عز وجل. وألا يتبع ما أنفق مناً ولا أذى. ثم قال ربنا سب

الرد على أهل البدع في أدعيتهم المخترعة والأحزاب والأوراد الموضوعة

الرد على أهل البدع في أدعيتهم المخترعة والأحزاب والأوراد الموضوعة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بتلك الفتن التي تعرض على القلوب يوماً بعد يوم، ففي الحديث الصحيح: (فتن كقطع الليل المظلم، يمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً، ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل)، ولما شكوا إلى أنس بن مالك ظلم الحجاج بن يوسف في عهد الدولة الأموية قال لهم: (لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه)، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم. ومن ملامح الشر في هذا الزمن الذي نعيشه أن يخرج لنا بين الحين والحين من لا علم له ولا خلق بأوراق توزع، وآخرها تلك الورقة التي دفعت لي قبل الصلاة، فأردت أن أحذر منها تحمل عنوان: حزب النصر، وفيها دعاء، وصلاة ركعتين في جوف الليل، وقراءة حسبنا الله ونعم الوكيل (450) مرة، قراءة حزب النصر سبع مرات. فما هو حزب النصر؟!! إنه ألفاظ ما عرفتها السنة، ومن ألفاظه: اللهم لا تمكن الأعداء فينا، ولا تسلطهم علينا بذنوبنا (حم حم حم حم حم)، ثم قال: اللهم أعطنا أمل الرجاء، وطوق الأمل، (يا هو يا هو يا هو)، من قال لك أن تنادي على ربك بلفظ (هو)؟ هذا من صنع أهل التصوف، الذين يؤمنون بالعلم اللدني، وعلم الخرق، والعلم الباطن وأن هذه الأوراد جاء بها الإلهام والوحي إليهم، أما يكفيكم أن النبي صلى الله عليه وسلم علمكم كل شيء؟ ما ترك شيئاً حتى آداب دخول الخلاء علمكم، حتى عند النوم والطعام علمكم، أما تتقون الله في شرع الله؟ (هو هو) (حم) سبع مرات من أين جئت بها يا عبد الله؟ وأنا أعرف من أين جاء بها، أقول لك: يقول: قابلت الخضر فعلمني إياها، كنت معه بالأمس في اجتماع الديوان الأسبوعي، أو اجتماع الديوان الشهري، أو اجتماع الديوان السنوي، ورئيسة الديوان هي السيدة زينب رضي الله عنها، تلتقي بالأقطاب والأوتاد والأولياء، وفي غار حراء في كل سنة مرة يعرضون أعمال الأمة، ويشرعون لها من جديد، ونحن نردد بما لا نعرف ونسأل الله العافية. يا عبد الله! إياك ومحدثات الأمور، عليك بهدي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء يريدون لنا أن نخلع عقولنا، كما يقول الشيخ للمريد: عند دخولك على شيخك اخلع عقلك على عتبة داره، كما تخلع الحذاء من قدمك، ولا تعترض على شيخك مهما قال أو فعل، وكن بين يدي شيخك كالميت بين يدي المغسل. ولذلك تسمع آناء الليل وأطراف النهار احتفالات الطرق الصوفية، وتنقل الصلاة من مسجد سيدي العارف بالله، ويقرءون الفاتحة، ويأكلون فيها ما لذ وما طاب، نسأل الله العافية، وهؤلاء الجهاد عندهم تمتمة على السبحة، وذكر وتضرع، أما الجهاد في سبيل الله وتغبير القدم، ومعاداة أعداء الله فلا يعرفونه. يوم أن دخلت فرنسا إلى الجزائر قام شيخهم التيجاني يقول لأوليائه ولأتباعه ورواده: سلموا الجزائر إليهم؛ فقد رأيت في نومي أنني آخذ بخطام فرس جنرال فرنسا، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا، علموا الأمة الكسل، ونزعوا منها روح الجهاد، وابتدعوا في دين الله ما ليس منه، وأحدثوا تلك الأذكار التي نسمعها، هل في السنة أصل لهذا الحزب المسمى بحزب النصر؟ ولماذا تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل (450) مرة؟ لماذا لم يكن (500) مرة؟ من الذي حدد لك العدد؟ من الذي شرع لك هذا؟ إنها بدع محدثة وأمور جاءوا بها من رءوسهم. أما نحن فنقول: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وما لم يكن في عهده دين فلن يكون اليوم ديناً، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كفيتم. قال الشافعي رحمه الله من استحسن فقد شرع. فلا يجوز لأحد أن يستحسن عبادة ويشرعها للناس من رأسه، فإن الله أكمل الدين وأتم النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً. اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعتنا. اللهم علمنا من القرآن ما جهلنا، وذكرنا منه ما نسينا. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً. ونعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعوة لا يستجاب لها. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وارزقنا عند الاحتضار شهادة، وارزقنا بعد الموت جنة ونعيماً. اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وخطأنا وعمدنا، وهزلنا، وجدنا، وكل ذلك عندنا، إنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونع

تفسير سورة الجن [1]

تفسير سورة الجن [1] أمر الله الجن بعبادته كما أمر الإنس بذلك، ورتب على ذلك الجزاء لمن أطاعه والعقاب لمن عصاه، والجن طرائق مختلفة، منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، والإيمان بوجودهم من الإيمان بالغيبيات، وسورة الجن تذكر لنا قصة سماع الجن للقرآن من فم النبي صلى الله عليه وسلم، وإيمانهم وتصديقهم به.

بين يدي تفسير سورة الجن

بين يدي تفسير سورة الجن الحمد لله رب العالمين، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ. وأشهد أن لا إله إلا الله، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، وهو مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلوبنا على دينك، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم مع سورة الجن! إن من صفات عباد الله المتقين كما وصفهم رب العالمين، أنهم يؤمنون بالغيب، والغيب: هو كل ما غاب عن حواسنا وعن إدراكنا، لكن أخبرنا الله به، أو أخبرنا به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فنحن نؤمن بالغيب إذا ورد في كتاب ربنا أو في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فالجنة غيب، والنار غيب، وعذاب القبر غيب، والملائكة غيب، وحوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم غيب، والجن أيضاً غيب؛ لأن الله قال في حقهم: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27]، فالجن يروننا ونحن لا نراهم، لكن هل معنى أننا لا نراهم لا نؤمن بهم؟ هذه السورة تسمى بسورة الجن، فضلاً عن الآيات التي جاء فيها ذكر اسم الجن، وكذلك الأحاديث، يقول ربنا سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. إذاً: كما خلق الله الإنس خلق الجن، وربنا يقول: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر:27]، فالجن مخلوق بلا شك، وموجود بلا أدنى شك، ومنهم المسلم ومنهم الكافر: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:14 - 15]. يقول أستاذنا المطعني: العلمانية -بكسر العين- نسبة إلى العلم الملموس المادي، لا تؤمن إلا بما تحس؛ فإن وجد في إحساسها آمنت به، وإن غاب عن إدراكها كفرت به، فالعلمانية لها وجه قبيح، والأعداء الآن يطلبون من بلاد المسلمين أن تتعلمن، وأن تتقيد بأنظمة العلمانية، فما معنى العلمانية؟ العلمانية لها تصور في العقيدة، ولها تصور في الشريعة: أما تصورها في الاعتقاد: الإيمان بكل محسوس، فما دام أنني لا أحس لا أؤمن، وعدم الإيمان بالغيبيات أحد ركائز العلمانية. أما في مجال الشريعة: ففصل الدين عن الدولة، والمقصود بالدين: من مساجد، زكاة، صيام، حج، عبادات، أما أنظمة الناس فلا دخل للدين بها: من التقاضي، والخصومات، وزواج، وطلاق، ومواريث وغيرها، كلها تخضع لأنظمة وضعية، وهذا معنى فصل الدين عن الدولة. هذه العلمانية في أبسط صورها، وهي بدعة أوروبية مستوردة إلى بلاد المسلمين، انفصام بين الدين والحياة في مجال الشريعة؛ لذلك لا تعجب إن قرأت لأحدهم: الجن خرافة، الجن أكذوبة، ليس هناك أمة تسمى بالجن، فإن سألته: لماذا؟ يقول: لأننا لم نر، فهو لا يؤمن إلا بما يرى، وبما أنه لا يرى فإنه لا يؤمن، لكن نحن معاشر المسلمين إيماننا عميق ثابت؛ لأن الإيمان بالجن من ركائز الإيمان بالغيب. أقول: من أخطر القضايا في عصرنا الحاضر قضية الجن، وتحتاج إلى وقفة؛ لأن البعض باسم الجن يرتكب المحرمات، وباسم الجن يتكسب الأموال الباهظة من المغفلين والسفهاء، إذا تأخر سن زواج البنت هذا جن، وإذا أصيب بصداع هذا جن، وإذا تعثر في تجارة هذا جن، وللأسف يجد من يساعده في هذا الباب، هناك جن بدون أدنى شك، فيقول الساحر: أصبت بسحر، يقول: كيف يا شيخ؟! وكيف أعالجه؟ يقول: تحتاج إلى أعشاب، وإلى زجاجة مسك دم الغزال، هل هناك مسك يسمى دم الغزال؟! أنا أول مرة أعرف مسكاً بهذا الاسم، يقول: والزجاجة بخمسين جنيهاً، ولا توجد إلا معي أنا، الله أكبر! تفضل، ثم تدخل عليه أنثى تشكو من تأخر سن الزواج، فيقول: أنت مصابة بسحر تعطيل، وأنت تريدين العريس، فتقول: كيف يا شيخ! أواجه هذا؟ يقول: بعدد من الجلسات، لكن الجلسة ستكلفك قدراً ضئيلاً من المال، مائة جنيه فقط، فتقول: خذ مائتين لكن أنجز، وكما يقول المثل: (طول ما المغفل موجود النصاب بخير

تفسير قوله تعالى: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن)

تفسير قوله تعالى: (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ} [الجن:1] الخطاب لسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، قل للناس جميعاً: {أُوحِيَ إِلَيَّ} [الجن:1] عن طريق الوحي جبريل عليه السلام {أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن:1]، قال العلماء: رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة وهم يستمعون، وفي واقعة لم يرهم، وفي هذه السورة لم يرهم بدليل أنه علم عن طريق الوحي، لكن رآهم في واقعة أخرى، ففي حديث ابن مسعود عند مسلم (لما انطلق النبي عليه الصلاة والسلام، وقام الصحابة يلتمسونه، فما وجدوه، حتى إذا عاد أخبرهم أن داعي الجن أتاه فذهب معه إلى القوم، فتلا عليهم القرآن، ثم يقول ابن مسعود: فأخذنا وأرانا آثار نيرانهم وآثار مكانهم)، هذا الحديث دليل على أنهم استمعوا إليه وهو يعلم، لكن في هذا الموضع في سورة الجن لم يعلم أنهم يستمعون إليه، وكان ذلك في صلاة الفجر وهو يصلي بأصحابه. وسبب النزول كما أورده المفسرون: أنه لما بعث النبي عليه الصلاة والسلام حرست السماء حراسة شديدة بالشهب: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا} [الجن:8] من الملائكة، {وَشُهُبًا} [الجن:8] ترصدهم، فلما كانت الجن تسترق السمع قبل بعثة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وجدت تغيراً في أمر السماء، إما أن عذاباً قد اقترب على أهل الأرض، وإما أن يكون هناك نبي قد بعث حتى قالت الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10]، أي: لما رأوا السماء محصنة بهذه الطريقة قالوا: لا ندري لعل هذا عذاب لأهل الأرض، ولعل هذا نبي بعثه الله لأهل الأرض. فلما نزلوا إلى الأرض وأخبر بعضهم بعضاً، قال بعضهم لبعض: انطلقوا في ربوع الأرض فانظروا ماذا حدث؟ فانطلقوا يميناً ويساراً، وشرقاً وغرباً، فأتوا إلى سوق عكاظ، فوجدوا النبي عليه الصلاة والسلام يصلي بأصحابه صلاة الفجر؛ فعلموا أن ذلك هو السر، فوقفوا يستمعون القرآن من فم سيد البشر محمد وهو يرتل ويقرأ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ} [الجن:1]، وفرق بين السماع والاستماع، فالاستماع: أن يقبل بأذنه وجوارحه إصغاء إلى كتاب ربنا سبحانه. وقال: {نَفَرٌ} [الجن:1] أي: من الثلاثة إلى العشرة {فَقَالُوا} [الجن:1] لقومهم، كما هو واضح في سورة الأحقاف: {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ} [الأحقاف:29]، فالجن يبلغون أقوامهم: {يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف:30]. وقال تعالى هنا مخبراً عنهم: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن:1] أي: عجيباً في فصاحته، عجيباً في بلاغته، عجيباً في قصصه. هذه شهادة الجن، والله تعالى أرسل النبي محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1]، فهو مبعوث إلى الثقلين عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: (سَمِعْنَا قُرْآنًا): باعتبار أنه مقروء، وفي سورة الأحقاف قال: (كِتَابًا): باعتبار أنه مكتوب، يقول الدكتور دراز في كتابه القيم (النبأ العظيم): سمي القرآن قرآناً باعتبار أنه يقرأ، وسمي كتاباً باعتباره مكتوباً في المصاحف، وذلك لحكمة عظيمة. فالذي حفظ القرآن هو الله، فكلما قرأناه حفظناه في الصدور، فإن زال من الصدور فهو ما زال في السطور، ولعلك تلاحظ هذا في قديم الزمان، فقد كان عدد الحفظة كثيراً وكانت المصاحف قليلة، أما الآن فطبعات متعددة على سيديهات وغيرها؛ لأنه خف في الصدور وصار في وسائل الحفظ الأخرى؛ لأن الذي تكفل بحفظه هو الله، حينما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، أما الكتب السابقة للقرآن تعهد بحفظها الأحبار والرهبان، فهل حفظوها؟ أبداً، حرفوا وبدلوا وغيروا، فقال الله في حقهم: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [البقرة:79] لماذا؟ {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:79].

تفسير قوله تعالى: (يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا)

تفسير قوله تعالى: (يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) قال تعالى: {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن:2]، أي: يدل إلى طريق الخير والصواب والحق. قال: {فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن:2]، فالجن حينما سمعت القرآن آمنت بربها عز وجل، وأثنت على كتاب خالقها فقالت: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن:1]، وبعضنا يسمع ويعرض كحال المشركين حينما قالوا لبعضهم: {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت:26]. إن القرآن يعالج حالات نفسية، فإن كان عندك توتر عصبي أو مرض نفسي فعليك بالقرآن، فإنه يخاطب ملكة في النفوس لا يعلمها إلا الله، واذكر كيف أسلم عمر بن الخطاب؟ تلت عليه أخته القرآن فاستمع إلى آيات من سورة: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:1 - 8]. والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، يا ليتنا نعود للقرآن ونتدبره، يقول ربنا في آخر سورة الحشر: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21]. وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82]، فالقرآن هو المخرج من الفتنة يا عباد الله!

تفسير قوله تعالى: (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا)

تفسير قوله تعالى: (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولداً) قال تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن:3]، تنزيه وتعظيم له سبحانه، ففي هذه الآية إشارة إلى العظمة وعلو المكانة وارتفاع الصفات والتنزيه عن النقائص، فقوله: ((جَدُّ)) أي: عظمته سبحانه. قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا} [الجن:3] الجن يعلمون غيرهم التوحيد، ويردون على قضية التدليس، ويقولون: إن الله الذي خلق يتنزه عن الزوجة والولد، فأنت تحتاج إلى الزوجة لتأنس بها ولتفضي إليها، ولتكون لك سكناً، فهل ربنا سبحانه يحتاج إلى ذلك؟ تعالى الله عن الزوجة وتعالى عن الصاحبة، وأنت تحتاج إلى الولد ليكون لك قوة، فهل ربنا يحتاج إلى الولد؟ حاشاه سبحانه.

تفسير قوله تعالى: (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا)

تفسير قوله تعالى: (وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططاً) قال ربنا سبحانه: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} [الجن:4] أي: جاهلنا إشارة إلى الشيطان، فالجن يقولون عن الشيطان: إنه سفيه، ويقول الله في وصف اليهود: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [البقرة:142]. فالجن تسمي الشيطان سفيهاً، وسمى الله اليهود سفهاء، فلا فرق بين اليهود والشيطان، يقول ربنا: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة:14]، والمقصود بقوله: (شياطينهم) اليهود، ولفظ الشيطان لا يطلق إلى على الجني الكافر، ولفظ الجني عام، فكلمة (الشطن) مأخوذة من البعد عن الحق، شطنت الدار أي: بعدت، فالشيطان من الجن؛ لأن الله قال: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50]، إذاً: هو من الجن بدون أدنى شك، لكنه فسق عن أمر خالقه سبحانه. فإن قال قائل: كيف ذلك والله يقول: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} [البقرة:34]، الأمر هنا للملائكة فما دخل إبليس؟ قال ابن عباس: كان معهم في صحبتهم ولم يكن معهم بمادتهم، عند صدور الأمر كان في الصحبة، فلابد أن يطيع أمر الخالق الله عز وجل، والسجود لآدم والطاعة لله سبحانه. هذا قول ابن عباس. وقوله: ((عَلَى اللَّهِ شَطَطاً)) الشطط: هو القول الذي ينافي الحقيقة، وافتراء الكذب على الله عز وجل، يقول ربنا عن أصحاب الكهف في قوله تعالى: {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف:14] أي: أن هذا القول يبعد عن الحقيقة ويحمل الكذب.

تفسير قوله تعالى: (وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا)

تفسير قوله تعالى: (وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً) قال تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الجن:5]، أي: أن الجن كانوا يعتقدون أنه لن يكذب على الله من الإنس أحد، ولن يكذب من الجن أحد، لكن ما أكثر هؤلاء الذين يصدرون الفتوى وهم يعلمون أنهم كاذبون، والذي نفسي بيده يكذبون على ربهم عز وجل. الذي أحل البنوك الربوية يكذب على الله، أم لا؟ الذي حرم النقاب يكذب على الله، أم لا؟ الذي حرم ختان الإناث يكذب على الله، أم لا؟ والله إنه يكذب على الله، والله إنه يكذب على خالقه؛ لأنه يعلم ويقرأ في كتب الفقه في المذاهب الأربعة أن ذلك مشروع، فكيف يفتري الكذب على الله، وهناك من يبيح للأمة أن تجلس على طاولة المفاوضات، والطاولة طويلة، فمنذ عام (1948م) لازلنا على الطاولة، ولا أدري متى ستنتهي الطاولة؟! وانتقلوا من الطاولة إلى خارطة الطريق، يا قوم! أتكذبون على ربكم؟ أما تعلمون أن هؤلاء لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً؟ أما تعلمون أن هؤلاء يفسدون في الأرض؟ أما تعلمون أن هؤلاء يشتاقون عطشاً إلى دماء الموحدين. طفل عمره عامان يسمى عليان من أبناء فلسطين المسلمة، يقتل منذ أسبوع، سلوهم بأي ذنب قتلوه؟ {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8]، أمعه مدفع؟ أيحمل رشاشاً؟ لماذا يقتل رضيع لا يزال يرضع من ثدي أمه، لماذا تقتله يا هولاكو العصر؟! لكن لا غرو في ذلك، فالأمة تستجيب لك، وتجلس معك على الطاولة، وتنطلق معك إلى خارطة الطريق، أقول كما قال الله سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]. وأقول كما قال الله سبحانه في سورة المجادلة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المجادلة:14 - 17]. ثم قال سبحانه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19].

تفسير قوله تعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن)

تفسير قوله تعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن) قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6]، والمعنى: أنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن، فإذا نزلوا وادياً استجاروا بسيد هذا الوادي من الجن، مع أن الجن تخاف من الإنس وتفرق منهم، فلما علمت الجن أن الإنس يستجيرون بهم أرهقوهم إثماً وذعراً؛ ولذلك لا يتعامل مع الجن إلا مذعور خائف، فالله يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76]، أما نحن الآن فقد جعلنا كيد الشيطان عظيماً، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] يا عبد الله! تحضر الجن في بيتك ولا تحضر الملائكة؛ لأن الملائكة لا تكون إلا في بيت فيه قرآن، وليس فيه تصاوير وليس فيه مفسدون وليس فيه غناء، بل فيه ذكر وطاعة. يقول أسيد بن حضير: اشتقت إلى قراءة القرآن وأنا على راحلتي. ما هذا الحب؟ يشتاق للقرآن وهو يركب الدابة، فربط الدابة وعليها ولده الصغير، ونزل يقرأ القرآن. يقول: فأخذت أقرأ في سورة البقرة، فكلما قرأ تحركت الدابة، وكلما سكت سكنت الدابة، فخاف على ولده أن يقع، وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بما رأى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ أسيد! فإنها الملائكة تنزل لسماع القرآن)، فعمر البيت بالقرآن، قد يقول قائل: يا شيخ! البنت مسحورة، أقول: انظر إلى البنت تلبس بنطلوناً وتسمع الغناء ولا تصلي، وهي متبرجة، ولا تعرف من دينها شيئاً، ولا تقرأ القرآن أبداً، لا تحفظ حتى سورة الإخلاص. إذاً: هي بنفسها جنية، ونعوذ بالله من حالها، فكيف تذهب لتعالج مثل هذا الصنف؟ يا رجل! اتق الله في نفسك، إن بيوتنا تحتاج إلى أن تكون فيها الملائكة، لا أن يكون الجن فيها. الملائكة تشهد قراءة الإمام في الفجر وتستمع للقرآن، قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، وفي الحديث الصحيح: (تجلس الملائكة على باب المسجد بعد أن يصعد الإمام إلى المنبر، فتطوي الصحف تستمع الذكر) فهي تستمع الخطبة الآن، وأنا أعلم أن العلماني يقول: انظروا إلى هذا الشيخ! إنه يقول: الملائكة على الأبواب! فأقول: يا علماني يا خبيث! إن الذي أخبرنا بذلك هو المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم، فهل نصدقه أم نصدقك؟ أنا أعرف أنك ستجلس غداً وتقول: عجيب! يتصورون أن الملائكة على الأبواب! ألم أقل لكم: إن هؤلاء رجعيون، متزمتون، متحجرون، يريدون لنا أن نعيش في عصور الظلام، لكني أقول: ماذا صنعت أنت بحضارتك العفنة؟ ضيعت الأمة، وأوديت بحياتها وخلفتها خلف الأمم، وانظر كيف كانت الأمة في عهد سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة؟ كانت الريادة والسيادة لهذه الأمة، فجئت أنت وألصقتها بالوحل والتراب بحضارتك المزعومة. فقوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ} [الجن:6] يبين لنا أن نحذر من التعامل مع الجن، قد يقول قائل: هل يجوز أن أسخر الجني المسلم؟ A لا، هذا الراجح من أقوال العلماء؛ لأن سليمان عليه السلام قال: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35]، فتسخير الجن كان لسليمان، أما غير سليمان لا يجوز له أن يسخر الجن؛ لأن الله قال: {لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35]. فإن كنت تقول: أنا أستخدم الجن في دفع المفاسد، فابعث يا أخي! الجن إلى القدس بارك الله فيك، وابعثهم إلى بغداد، أصلح الله حالك، ابعثهم إلى الشيشان. سلط الجن على أعدائنا! أسألك بالله وأستحلفك به هل استعان النبي صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق بالجن؟ هل استعان بهم في بدر، في أحد، في حنين، في تبوك؟ أبداً ما استعان بهم؛ ولذلك أقول لك: لا ينبغي لك أبداً أن تتعامل بهذه الطريقة. وقوله: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6] أي: إثماً وذعراً وخوفاً وتعباً ونصباً.

تفسير قوله تعالى: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا)

تفسير قوله تعالى: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً) قال الله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن:8]، (لَمَسْنَا): جاورنا، صعدنا إلى السماء لنسترق السمع الغيبي من الملائكة؛ حتى ننزل به إلى الأرض، {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن:8]، يقول الله سبحانه: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:5]. ويقول سبحانه: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافات:6 - 7]. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا حب القرآن، وتلاوة القرآن، ونور القرآن، وفهم القرآن، وعطاء القرآن. اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا. نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا ونور أبصارنا. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً. نعوذ بك يا رب! من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع. ارزقنا قبل الموت توبة، وارزقنا عند الاحتضار شهادة، وارزقنا بعد الموت جنة ونعيماً. اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك. اللهم اجعل القرآن نور أبصارنا، وشفيعاً لنا على الصراط. اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم عليك باليهود والأمريكان، فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين شتت يا رب شملهم، فرق يا رب جمعهم، خرب يا رب ديارهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، أرنا يا رب فيهم آية؛ فإنهم لا يعجزونك. اللهم إن ليل المسلمين قد طال فاجعل لهم فجراً يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، واجعل القرآن شفاء لنا من كل داء. إنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل. آمين آمين، آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وقفة مع حديث يوشع بن نون وانحباس الشمس له كما أورده الإمام النووي في رياض الصالحين

وقفة مع حديث يوشع بن نون وانحباس الشمس له كما أورده الإمام النووي في رياض الصالحين أتحدث الآن معكم حول حديث أورده الإمام النووي في كتاب (رياض الصالحين) في باب الصدق. إن كتاب (رياض الصالحين) من الكتب المهمة التي يقتنيها الكثير ولا يعيش معها، فالإمام النووي قسم الكتاب إلى أبواب: باب إخلاص النية، باب التوبة، باب الصبر، ثم باب الصدق، ومن طبيعته أن يأتي في كل باب بآيات ثم بأحاديث. أورد في باب الصدق حديثاً رواه البخاري ومسلم، يذكر فيه قصة ليوشع بن نون، يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (غزا نبي من الأنبياء -أي: غزا في سبيل الله عز وجل- فقال لقومه: لا يتبعني ثلاثة) أي: ثلاثة أقسام من الناس لا يتبعني في الجهاد. قال: (لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وأراد أن يبني بها ولم يبن) يعني: رجل عقد زواجه على امرأة ولكنه لم يدخل؛ وذلك لأن العبادة لاسيما الجهاد ينبغي أن يقوم العبد به وهو خالي الذهن؛ لذلك ربنا يقول: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح:7] أي: إذا فرغت من شئون دنياك فانصب إلى عبادة ربك، فلا صلاة في حضرة الطعام، ولا أنت تدافع الأخبثين؛ وذلك لكي يكون الذهن خالياً عما سوى العبادة، فالرجل الذي عقد على امرأة ولم يدخل بها سيجاهد وهو يفكر في الدخول بها. ثم قال: (ورجل بنى داراً -بنى بيتاً- ولما يرفع سقفها)، أي: وضع الأعمدة والجدران والقواعد وبقي السقف؛ فسيكون فكره منشغلاً بإتمام بناء الدار والسكن فيه. ثم قال: (ورجل ملك أنعاماً -يعني: لديه مواش حوامل- وهو ينتظر النتاج) هذا أيضاً لا يتبعه. فقوله: (غزا نبي من الأنبياء) يشير إلى أن الجهاد في الأمم السابقة كان معروفاً، وما من نبي إلا وجاهد في سبيل الله، فحدد هذه الشروط لقومه. قال: (فلما غزا في سبيل الله اقترب له النصر -أوشك على الفتح- واقتربت الشمس من الغروب) كان في شريعتهم على قول ابن كثير: أنه لا يجوز أن يقاتل في ليلة السبت، لكن الشيخ ابن عثيمين يرى أن الظلام هو الذي سيؤخر النصر، يعني: ابن كثير يرى أنه طلب تأخير الشمس لعلة شرعية، أما في شرح رياض الصالحين يرى الشيخ محمد بن صالح رحمه الله أنه طلب ذلك؛ لأن ظلام الليل سيؤخر النصر، قال: (فتوجه إلى الشمس قائلاً: أنت مأمورة وأنا مأمور) أي: أنت مأمورة بالغروب وأنا مأمور بالغزو والجهاد. قال: (ثم توجه إلى ربه قائلاً: اللهم احبسها علينا) يعني: لا تغرب حتى يكتمل النصر، (فأخر الله له غروب الشمس) وهذا يدل على أن الشمس مخلوقة، والرتابة في السنن الكونية لا تجعلك تثق أن هذه السنن لا تتغير: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38]. (فلما انتصر أخذ الغنائم)، والغنائم في شرع من قبلنا لا تحل لهم، وإنما حلت لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (وأحلت لي الغنائم)، فكانت تنزل من السماء نار لا يعرف مصدرها، تأخذ الغنيمة وتأكلها. قال: (نزلت النار لتأخذ الغنيمة فلم تطعمها) ما السبب في امتناع النار عن أكلها؟ قال يوشع بن نون للقوم: (فيكم غلول) والغلول: الأخذ من الغنيمة بغير حق، يقول ربنا: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161]. فمعنى الغلول: الأخذ من المال العام، فسرقة الكهرباء غلول، وتسخير السيارة قطاع عام لخدمة الأولاد غلول؛ لأنه أخذ من الأموال بغير حق، حدث ولا حرج، شخص مرتبه مائة وعشرون جنيهاً هذا مرتبه الأساسي دون الحوافز والمكافأة، ومع ذلك يبني عمارة في مدينة مصر بمليوني جنيه، فهل هذا غلول أم ليس بغلول؟ هذا هو الغلول، وماذا صنع الغلول بالغنيمة؟ نزلت النار فلم تأكل الغنيمة، فقال يوشع للقوم: (فيكم غلول، فلتخرج كل قبيلة منها واحداً يصافحني، فأخرجت كل قبيلة رجلاً فصافح الأول والثاني، فلزقت يده بيد أحدهم فقال: فيكم الغلول) أي: القبيلة هذه فيها السرقة قال: (ائتني بأعضاء القبيلة كلهم، وصافحها رجلاً رجلاً فلزقت يده بثلاثة) إذاً: هؤلاء الذين سرقوا فلما تأكد منهم قال: (فيكم الغلول، فذهبوا فجاءوا بذهب كرأس البقرة) يعني: أتوا بذهب في حجم رأس البقرة، (فوضعه في الغنيمة، فنزلت النار فأكلت الغنيمة). هذا الحديث أورده الإمام النووي في كتاب (رياض الصالحين) ليدل على فضيلة الصدق، فالصدق منجاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة)، والكذاب يشك في نفسه، ويكاد المريب يقول: خذوني، ولكن الصادق يطمئن.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من عاهد الله على ترك ذنب فعله ثم عاد إلى فعله

حكم من عاهد الله على ترك ذنب فعله ثم عاد إلى فعله Q عاهدت الله على ذنب فعلته على ألا أعود إليه مرة أخرى، ولكني وقعت مرة أخرى، فما الكفارة التي علي، أم ليس علي كفارة؟ A إن كنت حلفت بالله ألا تفعل وفعلت فعليك كفارة يمين بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم تجد فصيام ثلاثة أيام، وإن كان العهد بدون يمين فعليك بالتوبة والاستغفار والندم؛ لأن هذا لا شك أنه معصية، فأنت عاهدت الله ثم نكثت العهد بعد ذلك.

حكم أكل لحم النعام

حكم أكل لحم النعام Q ما حكم أكل لحم النعام؟ A الحقيقة هناك أسئلة لا ينبغي أن تسأل، هل عندنا نعام؟ فهل هناك أحد يأكل نعاماً؟ إذا رزقت بنعامة فخذها وتعالى إليَّ لنأكلها معاً، ولا داعي للافتراضات الخيالية يا عبد الله! أنت تأتي بنصف كيلو من اللحم بعد جهد كبير، وفي هذه الظروف تقول لي: ما حكم أكل النعام؟ كل ولا حرج، لكنني أعرف أنك لن تذوق النعام طيلة عمرك، شخص بعث سؤالاً قال فيه: ما حكم خروف رضع من كلب؟ ما هذه الأسئلة! يقول تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]، فلا تسأل إلا عن المهم الذي يترتب عليه عمل، وهذا هو منهج القرآن.

تفرغ الشيخ وحيد للفقه ودراسته، وتركه الخوض في حوارات مع الجن

تفرغ الشيخ وحيد للفقه ودراسته، وتركه الخوض في حوارات مع الجن Q للشيخ وحيد عبد السلام بالي كتب عن الجن وشرائط، وله حوارات في كتبه مع الجن؟ A الشيخ وحيد عبد السلام شيخنا حفظه الله، قد ترك هذا الموضوع منذ زمن، وتفرغ للفقه ودراسته وتخريج طلبة العلم، وقد اعتذر عما كان يفعل، فما غرضك أنت من هذا السؤال؟ إننا نتحدث عن منهج الإسلام فلا تحتج علي بفعل هذا أو فعل هذا، فهذا أمر لا ينبغي أن يكون من طالب علم.

صفة وضوء من يعاني من مرض سلس البول

صفة وضوء من يعاني من مرض سلس البول Q ما صفة وضوء المريض بسلس البول؟ A يتوضأ لكل صلاة بعد دخول الوقت، وعليه أن يزيل النجاسة التي في ثوبه.

حكم شرب الرجل الكبير من لبن امرأة

حكم شرب الرجل الكبير من لبن امرأة Q شرب رجل كبير السن من لبن امرأة، ما حكم ذلك؟ A هذا السؤال قد يكون فيه تورية، فالزوج قد ينسى عقله ويرضع من ثدي زوجته، وقد حدث عندنا في المركز، فوقع في فمه قطرات لبن، فجاء يسأل، أقول: قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الدارقطني في سننه: (لا رضاع بعد فطام، ولا يتم بعد احتلام)، فإذا فطم الطفل لا تؤثر فيه الرضاعة، فالرضاعة تكون في الحولين، فإذا رضع في الحولين أثر، وأنت الحمد لله كبير، فإن رضعت لا يؤثر ذلك في حرمة وعدم حرمة. وقوله: (ولا يتم بعد احتلام)، يعني: إذا بلغ الطفل الحلم -الرشد- فلا يسمى يتيماً، إنما اليتيم من لم يبلغ الحلم، وقال تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ} [النساء:6]، يعني: بلغوا الرشد والحلم، فإذا بلغ اليتيم الحلم لا يسمى يتيماً، واليتيم في بني جنسنا من مات أبوه ولم يبلغ الحلم، ومن ماتت أمه لا يسمى يتيماً، وإن ماتت أمه وأبوه سمي لطيماً، أما الحيوانات إن فقدت الأم فتسمى يتيمة. يقول الله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:9 - 10]. وقد يحتج علي شخص برضاع الكبير، فأقول: رضاع الكبير منسوخ في أغلب الأقوال وأرجحها، أما رضاع سالم مولى أبي حذيفة من سهلة بنت سهيل فهذا خاص بـ سالم قال صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه يا سهلة! يحرم عليك)، والله تعالى أعلم.

حكم الغش في امتحان مادة الفلسفة وغيرها

حكم الغش في امتحان مادة الفلسفة وغيرها Q نحن الآن مقبلون على الامتحانات، فما حكم الغش مع الدليل، وما حكم الغش في مادة الفلسفة إذا كنت سأرسب بسببها؟ A انظروا كيف زيَّن الشيطان له عمله، يقول: الفلسفة دراستها لا تجوز، إذاً: أغش فيها ولا حرج، إن الغش حرام في الفلسفةوفي علم النفس وفي الرياضة المالية وفي الدراسات الربوية، الغش أصله حرام يا عبد الله! فلا تستحل لنفسك هذا، قد يقول البعض: هذا تعليم وضعي، والغش فيه لا حرج، أقول: عيب أن تكون ملتزماً وتغش، وقد يكتب على الورقة غشاش وتخرج من اللجنة بفضيحة، فيا رجل! اتق الله، الغش حرام أينما كان.

حكم استعمال وسائل تنظيم الأسرة

حكم استعمال وسائل تنظيم الأسرة Q هل استعمال وسائل تنظيم الأسرة من جهاز وغير ذلك يقع تحت قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} [الأنعام:151]؟ A منع الحمل حرام، وتحديد النسل حرام، فإذا كنت تنظم بين الولد والولد فترة زمنية فلا بأس، فالزوجة تريد أن ترضع، ففي فترة الرضاعة لا ينبغي أن تحمل، وعليها أن تستخدم وسيلة في هذه الحالة لمصلحة الطفل الذي ترضعه؛ لأن الحمل يؤثر على الطفل الذي يرضع، هذه مسألة منتهية، فالتنظيم يكون لسبب شرعي، أما أن تضع حداً لعدد الأطفال وتقول: هذا يكفي، فهذا حرام. قد يقول قائل: أريد أن أستمتع بالزوجة فلا أريد أبناءً، أقول: هذا ليس سبباً شرعياً، السبب الشرعي: صحة الزوجة، ومراعاة الولد الرضيع إلى غير ذلك، لكن ضيق الرزق ليس سبباً شرعياً. ولا يجوز للمرأة أن تمتنع عن الإنجاب، فأنتم تعلمون أن هناك مخططاً يستهدف مصر لتحديد النسل، عدد سكان مصر سبعون مليوناً، وذات مرة استضافوا شخصاً، فسألوه عن مواجهة ظاهرة الانفجار السكاني، فقال: أنا لا أرى علاجاً لهذه الظاهرة إلا بالتدخل الحكومي بقانون، ينص على أن المرأة إذا حملت أكثر من اثنين أو ثلاثة، تعطى حقنة لإسقاط الجنين إجبارياً، فانظر إلى مثل هذه العقول العفنة، إن شاء الله تعالى نصبح في عام (2010م) مائة مليون، هم واهمون في قولهم، إن امرأة تمنع حملاً وفجأة تلد توأمين، فهي مصيبة كبيرة عندهم، فقالوا: لا بد من وقفة مع رجال الدين الذين يقولون للناس: إن تحديد النسل حرام. أقول: يا عبد الله! إن الثروة البشرية في لغة الاقتصاديين ثروة عظيمة، وذات نفع كبير، ولكن المهم استثمارها، نقول: عدد سكان مصر سبعون مليوناً، تونس اثنا عشر مليوناً، والمغرب خمسة وعشرون مليوناً، فالعدد أعطانا قوة، والبلد الذي له ثقل اقتصادي وثقل سكاني بلد مصر، أما تونس فقد قام حكامها بأشياء يندى لها الجبين، فهناك قانون يقضي بالتحريم على الأنثى أن تضع أكثر من ثلاثة، كذلك التعدد في الزوجات يحرم بقانون، وإن رآك تصلي الفجر في المسجد يومين متتاليين أصبحت مجرماً بتهمة صلاة الفجر، وإن رأى على امرأة خماراً في الطريق العام يقص الخمار من على رأسها، وهذا بورقيبة في تونس صنع تمثالاً لامرأة عارية وقال: كوني كهذه، وتمثالاً لامرأة محجبة وقال: لا تكوني كهذه؛ ولذلك هم الآن يمنعون أي وسائل إعلامية أن تدخل البلاد إلا بإذنه، كل ذلك لمسخ الشعب مسخاً عاماً. فاستخدموا الوسائل ومراكز تنظيم الأسرة والإعلام وقالوا: لا لختان الإناث، لا للزواج المبكر. سنتزوج مبكراً، وسنختن البنات، وسنحيي تعاليم ديننا، وسنواجه المخطط الذي يستهدف به مصر لخفض عدد السكان، إن العنصر المنتج فقط من بلد مصر يستطيع أن يبني صحراء سيناء ويعمرها، فنحن نرفض الإعالة، وذلك حين يعيش الإنسان عالة على غيره، وهذا يسميه الاقتصاديون: معدل الإعالة، وهو أن يكون العنصر البشري عنصراً منتجاً، لا يشتغل في الخدمات؛ لأنه عندما يوجه الدخل للخدمات ينهار الاقتصاد، فالحلاق يقدم خدمة، والذي ينتج الثياب يقدم منتجاً، فنحن نريد أن يكون الدخل مقابل إنتاج للسلع وليس للخدمات. إن المشكلة التي تعاني منها في مصر هو عدم الرشد الاقتصادي، فقد رأيت كوخاً فوقه دش أليست هذه سفاهة؟ ومنهم من يكون دخله مائة جنيه، ويشتري بمائة وعشرين جنيهاً سجائر سوبر، يعني: يقترض عشرين، ماذا يطعم أولاده؟ الله أعلم، ولا يدفع الإيجار فيطرد، فلابد للمجتمع أن يكون مجتمعاً منتجاً، فإننا حين نكتفي اكتفاءً ذاتياً بإنتاج القمح لصنع الخبز لا نحتاج إلى قمح من أحد، لكن العدو لا يريد لك ذلك، فتراه يعطيك شحنة القمح كل ثلاثة أيام، وإن تكلمت منع الشحنة، وصدق من قال: من لم يأكل من فأسه، لا يحكم من رأسه. جزاكم الله خيراً، تقبل الله منا ومنكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تفسير سورة الجن [2]

تفسير سورة الجن [2] للجن حياتهم وأحوالهم التي يتميزون بها، فهم يأكلون ويشربون ويتناكحون، ويتشكلون في صور معينة، وتختلف طبائعهم وعقائدهم وأخلاقهم كاختلاف طبائع الإنس وعقائدهم وأخلاقهم، فمن الجن من آمن بالله وبرسوله كما حكى الله تعالى ذلك في سورة الجن، مبيناً سبحانه أدب خطابهم، ودعوتهم إلى الله سبحانه، بعد أن كانوا يسترقون السمع ويلقونه في أذن الكاهن، فلما عرفوا أن رسولاً قد بعثه الله آمنوا وأصبحوا دعاة موحدين.

حقيقة عالم الجن ووجوب اعتقاد وجودهم

حقيقة عالم الجن ووجوب اعتقاد وجودهم الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا يزال الحديث مع سورة الجن، وحديثنا عن الجن في هذا الزمن من الأهمية بمكان؛ لأن موضوع الجن من الموضوعات التي أخذت أكبر من حجمها في زماننا هذا، فالبعض يظن أن الجن يعلم الغيب، والبعض يعطي الجني أكثر مما يستحق، رغم أن الله عز وجل بين لنا في كتابه أنه لا سبيل للشيطان على عباد الله الموحدين: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76]، لكننا نحن عظمناه؛ ولذلك حديثنا عن الجن حديث عن الغيب، والحديث عن الغيب لابد أن يكون بدليل من كتاب الله أو سنة صحت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الطريق الوحيد؛ لأن ذلك غيب. الجن حقيقة لا خرافة، وعالم الجن بلا أدنى شك علم يقيني، وخلق من نار كما أخبر ربنا سبحانه، وإنهم يأكلون ويشربون، فالنبي عليه الصلاة والسلام قد أخبرنا: (أن الشيطان يأكل بشماله)، وأمرنا أن نأكل باليمنى، ونبينا صلى الله عليه وسلم حينما أمر بعض الصحابة أن يأتيه بثلاثة أحجار ليستجمر بها فأتاه بحجرين وعظمة فرد العظمة، وأخبر أن العظام هي طعام إخواننا من الجن. قال: (هي زاد إخوانكم من الجن)، وأنهم يتشكلون، فالصورة تحكم الجني إذا تشكل في صورة معينة، ففي حديث البخاري: أن الشيطان جاء وأخذ من مال الصدقة في صورة رجل، وأمسك به أبو هريرة، وأن الشيطان جاء للمشركين في غزوة بدر وقال: إني جار لكم، وظل خلفهم حتى أقنعهم بفكرة القتال، يقول ربنا: {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} [الأنفال:48]، هذه كلها أدلة واضحة في أنه يتشكل، قد يتشكل في صورة قبيحة، وهذا هو الكثير، يتشكل في صورة كلب أسود، وفي صورة ثعبان، وهذا ثابت بما لا يدع مجالاً للشك عندنا.

تفسير قوله تعالى: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا)

تفسير قوله تعالى: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً) أيها الإخوة الكرام! يقول ربنا سبحانه: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا * وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا} [الجن:8 - 13]. td هذه الآيات يخبر سبحانه أن الجن قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كانت تسترق السمع، لكن هل سلط عليها الشهب بعد البعثة أم قبل البعثة؟ العلماء على خلاف، والراجح أنها كانت تتسلط عليها الشهب قبل البعثة، لكن بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام شددت الحراسة؛ لقول الله: {مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن:8]، ولحديث ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس مع أصحابه، فرمي بنجم فقال لأصحابه: ما تقولون في هذا؟ قالوا: كنا نقول عنه في الجاهلية: موت عظيم أو ميلاد عظيم) أي: أن الشهاب حينما تسلط على جني فذاك معناه عندهم أن عظيماً قد ولد أو عظيماً قد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لميلاده، إنما ذلك الجن إذا استرق السمع)، يعني: يقوم الجن بعملية انتحارية، جني يعلو على جني حتى يصل آخرهم إلى السماء الدنيا في سلسلة بحيث يسترق السمع، فإذا قضى الله أمراً في سمائه نادى أهل السماوات بعضهم بعضاً، حتى يصل الخبر إلى السماء الدنيا، فيسترق الجن السمع، ويلقيه إلى من هو تحته حتى يصل إلى الأرض، إلى الكاهن أو العراف، فيخلط ذلك الصدق بمائة كذبة كما قال صلى الله عليه وسلم. وبعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام خرجت الجن لتمارس ذلك العمل، فوجدت السماء محروسة: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن:8] فقالوا: لابد من شيء قد تغير، فجاءوا إلى الشيطان وأخبروه، فأخبرهم أن ذلك بسبب تغير حصل في أهل الأرض، إما أن يكون العذاب سيحل على أهل الأرض، وإما أن يكون الله قد بعث نبياً من أهل الأرض.

تفسير قوله تعالى: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا)

تفسير قوله تعالى: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً) يقول الله تعالى: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10]. فالجن يعلموننا الأدب، فهم يقولون: {وَأَنَّا لا نَدْرِي} [الجن:10]، وكذلك الملائكة قالت: {لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:32] فهم يكلون العلم إلى الله، ثم في قولهم: {أَشَرٌّ أُرِيدَ} [الجن:10] الفعل مبني للمجهول ولم يسم فاعله، فالذي أراد بمن في الأرض شراً هو الله، لكن من الأدب ألا ينسب الشر إلى الله: (والشر ليس إليه)، وهذا من باب التأدب، وفي القرآن مثل ذلك كثير، يقول إبراهيم عليه السلام: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80]، نسب المرض إلى نفسه، وفي قصة الخضر مع موسى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:79]، فنسب العيب إلى نفسه، رغم أن الذي أمره بخرق السفينة هو الله، فلم يقل: فأراد الله أن يعيبها؛ لأنه لا ينبغي أن ينسب الشر أو العيب إلى الله عز وجل، مع إيماننا الجازم أن الخير والشر من الله، وهذا من باب الأدب في زمن ضاع فيه الأدب، يقول محمد بن سيرين: علم بلا أدب كالنار بلا حطب.

تفسير قوله تعالى: (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كمنا طرائق قددا)

تفسير قوله تعالى: (وأنا منا الصالحون ومنّا دون ذلك كمنا طرائق قدداً) قال تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً} [الجن:11]، فرق وجماعات وأحزاب وأمم، منهم السني، ومنهم المبتدع، ومنهم الصوفي، ومنهم الشيوعي، ومنهم الرافضي، ومنهم الكافر، ومنهم العاصي، كبني آدم تماماً، وأشرهم الرافضي، فمن أهل الإسلام من ينتسب إلى الإسلام وهو من الرافضة، والرافضة هم الشيعة، وهناك ممن يدعي العلم في هذا الزمن ينادي للتقريب بين أهل السنة والشيعة، يقول تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد:16]، رجل يسب أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسب أبا بكر وعمر والمطهرة عائشة رضي الله عنها، رجل يتهم الله بأنه كان لا يعلم ثم علم، يعتقدون بعقيدة البداء وعقيدة الرجعة، وسب الصحابة، هذه ثوابت عندهم في عقيدتهم، اسمع إلى كلام السلف. يقولون: أهل الكتاب من اليهود والنصارى أنصف في قولهم من الروافض، لو سئل أتباع عيسى: من أفضل من كان مع عيسى؟ لقالوا: أصحابه الحواريون، ولو سئل أتباع موسى: من أفضل من تبع موسى؟ لقالوا: أصحابه. أي: أنهم يقرون لأصحاب رسلهم بالأفضلية، ولو سئلت الروافض عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لقالوا: هم شرار الخلق. اقرأ في كتب القوم لتعلم، مع أن هذا المجال ليس مجالاً لإسقاط الخمار عن الشيعة الأشرار، إنما نحن الآن في مجال الكلام عن الجن. وقوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن:11]، يعني: كافر الجن إلى النار، ومؤمن الجن إلى الجنة، وهذا رأي الجمهور خلافاً لـ أبي حنيفة الذي قال: إن النجاة من النار هي الجزاء لهم، ولا جنة لمؤمنهم، وجمهور العلماء: على أن الكافر إلى النار، وأن المؤمن إلى الجنة، والنصوص العامة تؤيد هذا الرأي.

تفسير قوله تعالى: (وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا)

تفسير قوله تعالى: (وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً) يقول ربنا سبحانه: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا} [الجن:12]. اعتراف من الجن بأنهم لن يستطيعوا أن يهربوا من الله إذا أرادهم؛ فهم يؤمنون بذلك إيماناً جازماً، فالجأ يا عبد الله! إلى ربك عز وجل، إن كان بك سحر قل: يا رب! بك مس قل: يا رب! لا تذهب إلى العراف والدجال ليقدح في عقيدتك، تقول: أنا سأذهب إلى المنوفية، هناك شيخ جيد. أقول: هل إيمانك بالمعالج أم إيمانك بالرقية؟ بالمعالج؛ لأنك تشد الرحال إليه، الرقية هي نفسها الرقية في أي مكان كان، فأنت الآن تثق في الرقية أم تثق فيمن يرقي؟ حتى إذا أصيب أحدهم بمس، قال: أنا أريد شيخاً للعلاج يكون عشرة على عشرة! يا عبد الله! هذا قدح في العقيدة: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]، فالمضطر يدعو ربه ويلجأ إليه، ولا يوسط الوسائط بينه وبين الله. يا قوم! هذه ظاهرة خطيرة تحتاج منا إلى أن نواجهها، لابد أن نأخذ على يد المعالجين الذين ينسبون إلى أنفسهم الشفاء، أو يقول: أنا فعلت وأنا فعلت. فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية لما أرسل إليه بشأن رجل أصابه المس، قال الجني له: أخرج كرامةً لك يا شيخ الإسلام! قال: إن فعلت فلا تخرج، إنما تخرج امتثالاً لأمر الله. وهذا معناه: أنه لا ينبغي أن ينسب المعالج الفضل إلى نفسه، فضلاً عن أنه إذا علا نجمه وذاع صيته وعرف بين الناس انسحب في الحال؛ لأن هذا من مداخل العجب والرياء، فالرقية مشروعة لكن بضوابط. روى مسلم في صحيحه: أن أويساً القرني كان رجلاً مستجاب الدعوة، ولكنه إذا حضر بين الناس لا يعرفه أحد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر ولأصحابه: (إن لاقيتم أويساً فسلوه أن يستغفر لكم، فإنه مستجاب الدعوة) وهو من أهل اليمن، منعه بره بأمه أن يأتي لمقابلة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يقوم بخدمة أمه، سماه العلماء: مخضرماً لا هو صحابي ولا هو تابعي، صحابي باعتبار أنه عاصر النبي صلى الله عليه وسلم، وتابعي باعتبار أنه ما لاقاه، فهو في درجة بين الدرجتين- (كان به برص فدعا الله عز وجل فاستجاب لدعائه، فصرف ما به من برص إلا موضع درهم تحت إبطه) أي: علامة، ولما خرج عمر إلى عرفة كان ينادي أمداد اليمن في كل عام: يا أهل اليمن! أفيكم أويس؟ حتى جاءت سنة فقال لهم: أفيكم أويس؟ فتقدم إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! من أويس؟ قال: رجل منكم من أهل اليمن كان باراً بأمه، منعه بره من ملاقاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، كان به برص فدعا الله فشفاه إلا موضع درهم تحت إبطه. أين هو؟ قال: يا أمير المؤمنين! هو قريب لي، لكنه إذا حضر لا يعبأ به، وإذا غاب لا يفتقده أحد -تقي وخفي- فقال عمر: دلني عليه، فأتى إلى أويس واستحلفه بالله أن يستغفر له الله، فلما علم أويس أن عمر تعرف عليه أخذ عليه العهد والميثاق ألا يخبر أحداً به، فالشهرة والصيت يا عبد الله! من مداخل الشيطان عليك.

تفسير قوله تعالى: (وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا)

تفسير قوله تعالى: (وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً) قال تعالى: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِه} [الجن:13]، وهو القرآن الكريم، {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا} [الجن:13]، من ذلك قول الله في سورة طه: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه:112]. فقوله: ((بَخْسًا وَلا رَهَقًا))، بخساً من حسناته، ولا زيادة في سيئاته، فالجزاء العدل التام: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39]، فللحساب والجزاء قواعد: القاعدة الأولى: العدل التام: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء:47]، ويقول سبحانه: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17]، هذا هو العدل. القاعدة الثانية: مضاعفة الحسنات وعدم مضاعفة السيئات، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160]، هذا من باب الفضل، فهلاك العبد إذا تغلبت آحاده على عشراته: (وأتبع الحسنة السيئة تمحها). القاعدة الثالثة: إقامة الشهود على العبد، ولذلك ربنا عز وجل يشهد يوم القيامة كل نبي على أمته، وتشهد على العبد الجوارح، وتشهد الأرض، كل ذلك من إقامة الشهود على العبد. القاعدة الرابعة: عدم محاسبة أحد بعمل غيره، فكل إنسان يحاسب عن عمله هو: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء:13]، وهذا يسميه العلماء: المسئولية الشخصية، فأنت مسئول عن عملك بين يدي الله، وعمن كلفك الله عز وجل بإعالته أو بنصحه.

تفسير قوله تعالى: (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا)

تفسير قوله تعالى: (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً) يقول الله سبحانه: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} [الجن:14] أي: الظالمون المنحرفون، {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا * وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن:14 - 16]، لو استقام أهل الأرض على الكتاب والسنة، لو استقاموا على التقوى لأكلوا من تحت أرجلهم ولعمتهم البركة، وما يحدث من آيات هي للتخويف، فقد تعرضت الشقيقة الجزائر لزلزال، ونحن لنا فيه وقفة في اللقاء الثاني إن شاء الله تعالى، فإن العلمانية تقول: هي ظواهر طبيعية، ونحن نقول كما أخبرنا المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام: إن الزلزال حينما يقع في الأرض هو استعتاب من الله عز وجل لخلقه، بذنوبهم، فيا أيها العباد! أفيقوا واعلموا أن الزلزال بسبب معاصيكم، فإنه لما تزلزلت المدينة في عهد الفاروق عمر قال لساكنيها: إن عادت إلى مثل صنيعها لن أساكنكم فيها بعد اليوم، والمعنى: أن الزلزال والريح والطوفان من جنود الله سبحانه التي يسلطها على عباده ليستعتبهم، تقول أمنا عائشة: إذا شربت الخمر، وعم الزنا، واستمع إلى الغناء -يعني: عمت المعاصي- غار الله في سمائه، فأمر الأرض أن تتزلزل بهم. إذاً: حقيقة الزلزال معاصي بني آدم، فالأرض لا تتحرك إلا بإذن خالقها، والزلزال الأكبر: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج:1 - 2]، وقارن بين الزلزالين، ففي زلزالنا الدنيوي الناس حيارى، هذا يهرع إلى كذا، وهذا يأخذ كذا، ليسوا بسكارى، وفي زلزالنا الدنيوي تهرع المرضعة إلى رضيعها لتأخذه، أما في زلزال الآخرة تذهل المرضعة عن رضيعها؛ لعذاب رب العالمين. يقول سبحانه: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا} [الجن:16] أي: أهل الأرض، {عَلَى الطَّرِيقَةِ} [الجن:16] أي: على المنهج السوي، {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن:16] لرزقناهم رزقاً حلالاً طيباً كثيراً. قال أبو داود في مقدمة سننه: نزلت إلى مصر، فشبرت قثاءة فيها -يعني: قاس القثاءة بالشبر- فبلغت أكثر من عشرة أشبار. القثاءة الآن نصف شبر أو ربع، فلماذا كانت القثاءة في زمن أبي داود أشباراً؟ لأن الناس كانوا يؤدون حق ربهم، يقول ربنا سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:96]، فهذه البركة من الله سبحانه. قال سبحانه: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن:17] أي: لنختبرهم، {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} [الجن:17] أي: أليماً شديداً.

تفسير قوله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا)

تفسير قوله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18]، إن أهل الكتاب في أماكن عبادتهم يشركون بالله، إذا دخل الواحد منهم إلى أماكن العبادة أعلن الشرك من أماكن العبادة، فيا قوم! إذا دخلتم إلى بيوت الله فلا تشركوا مع الله أحداً، لابد من التوحيد، ومن ثم قرر الفقهاء المعتبرون بإجماع آرائهم: أنه لا يجوز في الإسلام بناء المساجد على القبور؛ لقوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن:18]، فلا تحمل اسم ولي إن كان ولياً، ولا اسم صاحب ضريح، ولا تشد الرحال إليه. واختلف العلماء: هل يمكن أن يسمى المسجد باسم عائلة كمسجد بني عوف ومسجد بني رزيق أو غير ذلك؟ فالجمهور على الجواز بشرط ألا يكون ذلك من قبيل الشهرة والسمعة، فإن حمل المسجد اسم صاحب ضريح لا تصلِّ فيه يا عبد الله! ألبتة؛ لأن المساجد لله سبحانه، وما يحدث بداخلها من طواف وشرك لابد أن يكون لك معه موقف، لقد قال سيد البشر صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا لا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك) وقال بعض المفسرين: المساجد هنا بمعنى أعضاء السجود السبعة، فإذا سجدتم في بيوت الله فالسجود لا يكون إلا لله عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا)

تفسير قوله تعالى: (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً) قال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19]، سنة الله الكونية في أهل الدعوة إلى الله أن يعترض لهم دائماً؛ لهذا لما تدعو إلى التوحيد تجتمع الناس عليك لبداً، أي: فوق بعضهم البعض، فقوله: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} [الجن:19]، أي: لما قام محمد في مقام العبودية يدعو الناس إلى توحيد الله {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19]، أي: كاد الكفار أن يكونوا على رسول الله مجتمعين يواجهون النور، ويواجهون الدعوة التي يدعوهم إليها. لابد لنا من بيان العلاقة بين الإنس والجن، وبيان حقيقة المس، وحقيقة السحر، والذي نراه من مخالفات شرعية في زماننا هذا لابد من مواجهته بأسلوب شرعي؛ لبيان الأمر الحقيقي بما يستند إلى كتاب الله، وإلى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم. أيها الإخوة الكرام! بعض الأمور المهمة التي أريد أن أتحدث عنها لارتباطها بواقعنا: الأمر أول: أن لنا نظرة فيما يحدث من كوارث في بلاد المسلمين، سواء كان زلزالاً أو طوفاناً أو انهياراً لبعض الجبال، كانهيار المقطم منذ زمن، نحن لا نبرئ بلداً من المعاصي، وإنما نقول: أي كارثة تقع لأهل الأرض إنما هي بمعاصيهم، فيجب على العباد أن يلجئوا إلى ربهم عز وجل. ثانياً: ظاهرة التسول التي سادت في الشوارع والطرقات من بعض أصحاب السمت الإسلامي، أقول: اتق الله عز وجل فيما ما تصنع، فإن أصحاب الحاجات يمكن لهم أن يلجئوا إلى بعض جمعيات الخير في أسلوب مهذب بدلاً من أن نرى هذا الموقف. أيها الإخوة الكرام! ظواهر عديدة لابد أن نواجهها بشجاعة أدبية، وبوضوح في الهوية. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا. نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا. اللهم إنا نعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل. ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل. اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا. اللهم ارحم أطفال المسلمين في أرض فلسطين المغتصبة، اللهم عليك بأعدائهم فإنهم لا يعجزونك. اللهم عليك باليهود وعليك بالأمريكان. اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بشر فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت ثمود وفرعون. اللهم انصر الإسلام في ربوع الأرض. اللهم مكن لعبادك المستضعفين، اللهم مكن لعبادك المستضعفين، اللهم مكن لعبادك المستضعفين. نسألك رضاك والجنة. اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، اللهم إن ليل المسلمين قد طال فاجعل لهم فجراً يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، ربنا إنا مغلوبون فانتصر، ربنا إننا مظلومون فانتقم. اللهم عليك بأعداء دينك فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين! اللهم ارحم إخواننا في الجزائر، اللهم ارحمهم برحمتك يا رب العالمين! ولا تعجل بعذابهم بصنع السفهاء، فإنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل. اللهم كن لهم ولا تكن عليهم، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم، اللهم احفظ ديار المسلمين من كل مكروه وسوء برحمتك يا أرحم الراحمين! وسلط الزلازل والبراكين على أعداء الدين، دمرهم شر تدمير بقدرتك يا رب العالمين! فإنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل، وأنت بكل جميل كفيل. آمين، آمين، آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم مس المصحف وحضور دروس العلم والمكث في المسجد والطواف وغير ذلك للحائض

حكم مس المصحف وحضور دروس العلم والمكث في المسجد والطواف وغير ذلك للحائض Q هناك بعض الأخوات الحيض تأتي إلى دروس العلم وتحفظ القرآن وتمس المصحف، وتحضر في المسجد، هل هذا يجوز؟ A أولاً: لا يجوز للمرأة الحائض أن تمس المصحف. هذا رأي جمهور العلماء، ومن قال بخلاف ذلك آراء ضعيفة، ورأي الجمهور والمذاهب الأربعة وأدلتهم قوية. ثانياً: لا يجوز للمرأة أن تمكث في المسجد، يقولون: إن الأدلة على ذلك أحاديث ضعيفة. أقول: روى البخاري في صحيحه في كتاب الحيض: أن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أرجل شعر النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: تغسله- وأنا في حجرتي وهو معتكف)، ما يمنعها من الخروج إلى المسجد إلا الحيض، يقول العلامة ابن حجر: فانظر إلى فعلها أنها كانت تغسل رأس رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي في الحجرة، والذي يمنعها من دخول المسجد أنها حائض. ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (يا عائشة! ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: إني حائض، قال: ليست حيضتك بيدك) والخمرة: الحصيرة، فقول عائشة: إني حائض، يدل على أنها تعلم ابتداء أن الحائض لا يجوز لها أن تدخل المسجد، فلو كان يجوز للحائض أن تدخل المسجد لما قالت: إني حائض حينما قال لها: ناوليني الخمرة من المسجد، فبين لها أنها ستدخل ليس على سبيل المكث والاستقرار، وإنما كعابر سبيل. ولا يجوز للمرأة الحائض أن تمس المصحف، لكن يجوز لها أن تقرأ القرآن دون مس وهذا هو الراجح. ويجوز لها أن تذكر الله وتنام بجواز زوجها، وتقف على عرفة وتبيت بالمزدلفة وترمي الجمرات وتكبر وتهلل وتسبح وتأكل الطعام مع زوجها؛ لأن اليهود كانوا يعزلون المرأة إذا حاضت. أبدع البخاري في كتاب الحيض حينما بين هذا، فـ عائشة تقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام في حجري وأنا حائض)، كذلك أم سلمة كانت تنام بجواره وهي حائض، فلا يجوز أبداً أن نترك هذه النصوص، يقول صاحب العدة: ويمتنع على المرأة إذا حاضت عشرة أشياء مرجوحة، فيها أشياء قوية: الطواف بالبيت، لا يجوز لها أن تطوف في البيت؛ لحديث أمنا عائشة لما جاءها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في ذي الحليفة (وجد عائشة تبكي. قال: مالك يا عائشة! أحضتِ؟)، وفي رواية: (أنفستِ؟) فالحيض يسمى نفاساً، (قالت: نعم يا رسول الله! قال: افعلي كل ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت). إذاً: أباح لها الذكر، فلما أدت الحج بكت، وقالت: (يا رسول الله! يرجع صويحباتي بحج وعمرة وأنا أرجع بحج فقط)، فالذي منعها من العمرة الحيض؛ لأن العمرة الطواف والسعي، (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أخاها أن يردفها إلى التنعيم)، ولم يحرم عبد الرحمن من التنعيم، إنما أخته عائشة هي التي أحرمت من التنعيم، فلو كان التنعيم يجوز لغير أصحاب الأعذار لأحرم الصحابة منه، فقد كانوا أحرص الناس على الخير. إذاً: هذا يعلمنا أن عمرة التنعيم لأهل الأعذار من النساء الحيض.

حكم من عقد النكاح على امرأة وطلقها قبل البناء بها بطلب منها وقد اختلى بها

حكم من عقد النكاح على امرأة وطلقها قبل البناء بها بطلب منها وقد اختلى بها Q رجل عقد نكاحه على امرأة ولم يبن بها، وفي هذه الفترة طلبت منه الطلاق؛ لأن أهلها لا يريدونه، وهي أيضاً لا تريده، فهل لها نصف المهر، علماً أنه اختلى بها وفعل معها كل شيء إلا النكاح، وإن كان لها المهر كله فهو يشعر بالظلم ويقول: أنا لم أتمتع بها المتعة الحقيقية، فكيف أدفع المهر كله؟ A هذا ما نحذر منه، احذر إن كنت عاقداً أن تختلي بالمعقود عليها؛ لأن الخلوة مظنة الدخول، (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، فأنت -الحمد لله- فعلت كل شيء إلا أن تفضي إليها. ، لكن إن كان قد أفضى إليها وفض بكارتها وطلقها قبل البناء، فهذه مصيبة؛ لأنها في نظر المجتمع غير مدخول بها وليس لها عدة، وفي الحقيقة هي مدخول بها، وعليها أن تعتد ثلاث حيضات. فيا أخي المسلم! احذر إن كان الزوج عاقداً أن يخلو بابنتك ويقول: يا عمي! أنا زوجها، والعلماء يقولون: لي كل شيء إلا الإيلاج، فمثل هذا يقال له: يقول العلماء في كتب الفقه: إذا أسدل الستار وأغلق الباب فقد وجب الصداق كاملاً؛ لأن ذلك مظنة الدخول، وأنا أقول للسائل: اتق الله! فأنت تقول: فعلت كل شيء، وتحت كلمة (كل شيء) ضع خطوطاً، لا تريد أن تدفع المهر كاملاً؛ لأنك مظلوم أيضاً. أقول: يا عبد الله! اجبر كسرها فإن الطلاق كسر المرأة، فطالما أخذت كل شيء لابد أن تدفع الثمن، حتى وإن كان في المسألة خلاف فقهي، فإني أقول لك: من باب الفضل والإحسان وجبر الخاطر أن تعطيها المهر كاملاً، هذا هو الراجح جزاك الله خيراً: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130]. إني أحذر أولياء الأمور والأخوات؛ لأن العاقد يركب الصعب ويأتي بشقة ويجهز من أجل أن يدخل، فإن دخل قبل ذلك أصبحت المسألة لا قيمة لها، فإن أصبحتِ أسيرة يا أمة الله! فلا تلومي إلا نفسك؛ لأنك أنت السبب، لماذا فرطتِ في نفسك في زمن ضاعت فيه الأخلاقيات؟ فلو كان هناك التزام بالشرع، لكان الخاطب والمخطوبة في حكم الأجنبية ليس له عليها حقوق، لكن الغريب أن ولي الأمر يقول لخطيب ابنته: يا بني! خذ خطيبتك واستنشقا الهواء على الكورنيش. والأخرى من بعد الساعة الثانية عشرة إلى الفجر وهي تكلم الخطيب، وكأنهم يحررون الأقصى في ست ساعات! هذا تفريط وضياع ومن المخالفات الخطيرة. فيا عبد الله! الإسلام سلوك والتزام، لا يجوز ذلك أبداً من باب سد الذريعة، وخشية اختلاط الأنساب، والله تعالى أعلم.

أضرار الاختلاط الفاحش ومشكلة زنا الأب بابنته أو بزوجة ابنه

أضرار الاختلاط الفاحش ومشكلة زنا الأب بابنته أو بزوجة ابنه Q أخت اعتدى عليها أبو الزوج اعتداء جنسياً، فهل تطلب من زوجها الطلاق أم تخبره بما حدث؟ A آه! ماذا أقول؟ أرأيتم الحال الذي نحن فيه؟ أقسم لكم بالله إن هذه المشاكل تتكرر كل يوم، وترتب على ذلك تعب في الأعصاب عندي، فذهبت إلى أربعة أطباء أعصاب، أب يعتدي على زوجة ابنه؟! قابلتني فتاة منذ أسبوع وقالت لي: ما حكم الأب الذي يجامع ابنته مجامعة الأزواج؟ قلت: من؟ قالت: أنا، وهي صغيرة السن، والسبب في ذلك ما نفعله نحن بأنفسنا من مشاهدة القنوات الفضائية، والإعلام الهابط، والتعسير في أمر الزواج، يصل عمر الشاب إلى أربعين سنة ولم يتزوج بعد! آه ماذا أقول لهذه السائلة الآن؟! أولاً: إن أخبرت زوجها فإن هذه مفسدة يترتب عليها ضرب الابن لأبيه إن كانت لديه غيرة، وإن كان مثل العزيز فإنه سيقول: أعرض عن هذا، واستغفري لذنبك، فالرجال أنواع. ثانياً: إن علم الزوج بذلك، فإنه لا يمكن أن يستريح لأبيه، وستصبح هناك مشكلة تطارده في حياته، سيحقد على أبيه إلى ما لا نهاية، فعليك الآن فوراً أنت وزوجك أن تعتزلا هذا الأب، ولا تخالطي هذا الأب أبداً. ثالثاً: لا تخبري الزوج، فوراً اعزلي الحياة إلى بلد آخر، واقطعي العلاقة مع هذا الأب، وعلى الزوج أن يؤدي لأبيه الحقوق العامة. هذا هو ثمن الاختلاط الفاحش، أما نطفة الزنا فتهدر وليس لها أحكام. والزوجة لابد أن تعرض لزوجها في ذلك، تقول: في هذا المكان أناس يضايقونني، لا أستطيع أن أعيش هنا حرصاً عليك وأنا أحبك، أو تهدد الزوج وتكشف الأمر، المهم أن يحل الموضوع في إطار الشرع حلاً سوياً.

تفسير سورة القيامة [1]

تفسير سورة القيامة [1] أقسم سبحانه وتعالى بيوم القيامة، ولا يقسم سبحانه إلا بعظيم، ففي ذلك اليوم ينصب الميزان، ولا تكون إلا الحسنات والسيئات، وسورة القيامة اشتملت على أمور مهمة من أمور العقيدة، وذكر الله فيها كيفية بداية خلق الإنسان ونهايته، وبين أن ذلك دليل على بعثه يوم القيامة، وسؤاله عما قدم وأخر من الطاعات والسيئات، فليكن همك تقديم الأعمال الصالحة والابتعاد عن الأعمال السيئة.

تفسير قوله تعالى: (لا أقسم بيوم القيامة)

تفسير قوله تعالى: (لا أقسم بيوم القيامة) الحمد لله رب العالمين، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أول بلا ابتداء، وآخر بلا انتهاء، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن نبينا ورسولنا سيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فلازلنا مع كتاب ربنا سبحانه نعيش مع سورة القيامة، وهي سورة مكية، عدد آياتها أربعون آية، والقرآن المكي يتصف بسمت خاص، وهو معالجة قضية العقيدة؛ لذلك تبدأ الآيات بالقسم بيوم القيامة. يقول ربنا سبحانه: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:1 - 15]. تبدأ الآيات بالقسم بيوم القيامة. فقوله: (لا أقسم) قال ابن الجوزي في زاد المسير: وأجمع جمهور المفسرين على أن نفي القسم قسم؛ لأنه ربما يقول قائل: يقول الله: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} [البروج:1 - 2] فأقسم بيوم القيامة، وهنا قال: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] فكيف نجمع بين الآيتين؟ وحاشا لكتاب الله أن يتعارض، ولذلك صنف العلامة الشنقيطي كتاباً سماه: (دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب) بين فيه أن البعض لسوء فهمه يتوهم أن في آيات الله تضارب، ومنها: قول ربنا في سورة الكهف: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف:53]، ففي الآية إثبات لرؤية المجرمين للنار، وفي سورة طه: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]، فكيف يحشر أعمى ويرى النار؟ فنقول: يستحيل أن تتعارض الآيات، ولكن المعنى: أنه تارة يحشر أعمى، وتارة يحشر مبصراً، وهذه أحوال للحشر يوم القيامة. ويقول ربنا سبحانه أيضاً: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1 - 2] وقال: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} [التين:1 - 3]، فأقسم في موضع بالبلد الآمين، وفي الموضع الآخر قال: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1]، فهل هذا تعارض؟ نقول: لا تعارض: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82]، فنفي القسم هنا هو بمعنى القسم، وقوله: {لا أُقْسِمُ} [البلد:1] أي: أقسم. والله سبحانه يقسم بما شاء، أما نحن فلا نقسم إلا بالله، والقسم بغير الله شرك، فلا يجوز لموحد أن يقسم بالكعبة، ولا بخير البشر محمد صلى الله عليه وسلم، ولا بحياة شيخه، ولا برحمة أبيه، ولا بولده، كما نجد هذا في زماننا هذا من أرباب التصوف وأدعيائه؛ فإنك إذا حلفت له بالله لم يصدقك، فإن قلت له: وشيخي! فلان، قال: صدقت، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فالله عندهم أقل قدراً من شيوخهم! وهذا شرك واضح بين، ولذلك لابد أن نتخلص من هذا، فلا نقول: والنبي، ورحمة أبي، ورحمة أمي، وحياة ابني، والغلاوة، والإخلاص، فإنها أيمان كلها باطلة، لا ينبغي أن تخرج من فم موحد، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، فالله يقسم بما شاء، وللعلامة ابن القيم مصنف قيم في أقسام القرآن، أفرد فيه الأقسام في القرآن بالتصنيف، وذكر كل قسم ورد في القرآن. أقسم الله بآيات، منها قوله: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاه

تفسير قوله تعالى: (ولا أقسم بالنفس اللوامة)

تفسير قوله تعالى: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) قال عز وجل: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:2]، والنفس اللوامة الراجح من أقوال المفسرين فيها: أنها النفس التي تلوم صاحبها، تلومه على ضياع أوقاته دون أن يعمرها بطاعة الله أو بذكر الله، فالنفس واحدة وصفاتها متعددة، يقول شيخ الإسلام: النفس واحدة ولها صفات متعددة، فقد تكون نفساً لوامة، وقد تكون نفساً مطمئنة، وقد تكون نفساً أمارة بالسوء. ولا فرق بين النفس والروح عند السلف؛ لأن الله قال: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:27 - 29]، فالنفس هنا هي الروح، ولذلك ربنا يقول: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7 - 10]. وكيف نزكي النفس؟ نزكيها بالطاعات التي وردت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتزكية النفوس عند السلف وعند أهل البدع موضوع طويل، فمن أهل البدع من يزكي نفسه بالرقص، والطبل، والتمايل يميناً ويساراً، وبإحياء البدع، وللعلامة ابن حجر كتاب: (تبيين العجب بما ورد في شهر رجب) وذكر أنه لم يثبت في فضله حديث صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقد كانت الجاهلية تعظم رجباً، والآن عندنا أناس ينسبون إلى أهل العلم ظلماً لا يتقون الله عز وجل، يقول أحدهم: ولقد جاء في شهر رجب الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله! فنقول: يا رجل! من صحح هذه الأحاديث؟ وتجد مثل هذا في وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة وغيرها، حتى إن بعضهم عند رؤية هلال رمضان يذكر الأمة بحديث موضوع: (رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي)، وهذا حديث موضوع مكذوب، فنقول له: كيف تنسب إلى رسول الله ما لم يقل؟ وسأقرأ كلام العلامة ابن حجر في كتابه الذي بين يدي: (تبيين العجب فيما ورد في شهر رجب)، بل إن البعض في ليلة السابع والعشرين يقيمون السرادقات؛ لإحياء ليلة الإسراء والمعراج، وهذه بدعة محدثة. وأقسم بالله! إن أضعف الأقوال هي في رجب، وما قال بها أحد من أهل العلم المعتبرين، إنما الراجح أنه كان في ربيع الأول، يقول شيخ الإسلام في ذلك: إن ليلة الإسراء والمعراج ليس لها خصوصية، ولم يقم دليل على أن السلف كانوا يحتفلون بها، ولا بقيام ليلها، ولا بصيام نهارها، فلماذا تلبسون على الناس؟ ولماذا تبتدعون؟ أما تخافون أن تكونوا جسوراً يعبر على أجسادكم إلى نار جهنم؟ أما تتقون ربكم؟ فهؤلاء دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وهم يعلمون الصواب، فهؤلاء لا يقرءون ماذا قال حفاظ الأمة؟ أما يقرأ طالب العلم في الرحيق المختوم: واختلف العلماء في الإسراء والمعراج إلى ثمانية أقوال أضعفها أنه في رجب، ومنهم من قال: كذا، ومنهم من قال: كذا؟ وخديجة رضي الله عنها صلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلاة، فموت خديجة كان بعد الإسراء والمعراج، وهذا هو التحقيق التاريخي، وموت خديجة كان قبل الهجرة. إذاً: الإسراء والمعراج كان قبل موت خديجة وقبل الهجرة، وبالتحقيق عند العلماء تبين أنه في شهر ربيع الأول، وما قال أحد: إنه في رجب، إلا أقوال ضعيفة شاذة، ولكن هناك من يصرون على هذا، ويقحمون الأمة في البدع والأهواء، ويلبسون على العامة، نسأل الله العافية. فربنا أقسم بالنفس اللوامة التي تلوم صاحبها بعد كل فعل، فالنفس: إما مطمئنة، أو أمارة بالسوء، أو لوامة.

تفسير قوله تعالى: (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه)

تفسير قوله تعالى: (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه) قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة:3]، أي: أيظن أننا لا نقدر على أن نبعثه بعد الموت، وأن نجمع تلك العظام المبعثرة النخرة المشتتة؟ ثم قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:4] وهذه نعمة عظيمة، فانظر إلى خف الجمل كيف حاله؟ تجد أنه مستطيل طبقة واحدة، فهب لو أن الأصابع هذه ملتصقة ببعضها، وليس هناك أصابع منفصلة عن بعضها، وأن يدك كالحافر أو كالخف تماماً، كيف تستطيع أن تأكل؟ هل تأكل بفمك لا بأصابعك؟ وكيف تستطيع أن تكتب؟ لا تستطيع إذا كانت اليد قطعة واحدة، فيوم أن تلتصق اليد ببعضها وتصبح كحافر البعير يعجز الإنسان عن الطعام، والكتابة وغير ذلك، لكن من الذي فرق هذه الأصابع، وجعله يكتب، ويأكل بها، وتخيل قبح منظره حينما يأكل بفمه مباشرة دون أن يستخدم اليد. فقوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:4] المعنى: أن الأصابع التي خلقها الله مختلفة البنان، والله قادر على أن يلصق بعضها ببعض فتصبح كخف البعير، ولكن الله سواها، وأحسن خلقته، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8].

تفسير قوله تعالى: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه)

تفسير قوله تعالى: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) قال تعالى: {بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [القيامة:5]، يلتمس لنفسه الأعذار، ويسوف التوبة، ويظن أنه لا بعث. {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة:6] يستهزئ، ونحو ذلك: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:48]، استهزاء، كما يستهزئ بعض الجهلة اليوم بالموحدين وأصحاب الدعوة، فتقول لأحدهم: يا رجل! تعال إلى الصلاة، فيقول: خذني على جناحك يوم القيامة، فيستهزئ، ورجل يسخر من يوم القيامة، ويسخر بالموعد، ويسخر باللقاء، فهذا طبع الله على قلبه؛ ولذلك يقول ربنا: {بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة:5 - 6]، {مَتَى هُوَ} [الإسراء:51]، يقول الله سبحانه: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء:51].

تفسير قوله تعالى: (فإذا برق البصر وخسف القمر)

تفسير قوله تعالى: (فإذا برق البصر وخسف القمر) قال تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} [القيامة:7] وبرق: فزع، وشخص، وتحير يميناً ويساراً. {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة:8]، الخسوف والكسوف للشمس والقمر على السواء، والإمام البخاري في صحيحه يقول: باب الكسوف للقمر والشمس والخسوف أيضاً. قال الله تعالى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة:9]، يجمع الله الشمس والقمر ويكورهما، قال تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:38 - 40]، إلى أن يأتي أمر الله فيخسف القمر، وتكسف الشمس، ويجمعهم الله سبحانه: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة:9 - 10]. في يوم الزلزال فر الناس من الطابق السابع إلى الطابق الأرضي، وفر الناس من الأماكن المرتفعة إلى المنخفضة، هرباً من الزلزال وآثاره، إنما في يوم الزلزلة الكبرى أين ستفر؟ والمرضعة كانت ترضع ولدها الصغير فجاء الزلزال، واهتزت العمارة فهرعت إلى الصغير تحضنه وألصقته إلى صدرها، ونزلت مسرعة إلى الأرض، لكن في يوم الزلزلة العظمى {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2].

تفسير قوله تعالى: (يقول الإنسان يومئذ أين المفر)

تفسير قوله تعالى: (يقول الإنسان يومئذ أين المفر) قال عز وجل: {يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة:10]، أين أذهب؟ أين أختبئ؟ {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة:12]، أي: المآل والمرجع إلى الله عز وجل: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:8]. ثم قال تعالى: {يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة:13]، بما قدم من طاعات، وأخر من معاص. (يُنَبَّأُ الإِنسَانُ) أي: يخبر يومئذ بأعماله، فالسعيد من أخذ كتابه بيمينه، ونظر في صحيفته، فوجد فيها الصلاة، والصيام، والزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإحياء السنة، والتمسك بعقيدة السلف، وبمنهج السلف في العبادة، عندئذ يرفع الصحيفة بين الناس جميعاً ويقول مفتخراً متباهياً: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:19 - 20] كتابي بيميني أبيض كالصفا، فيه أعمال وطاعات. والآخر يأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره، ووجهه أسود كالح، ذليل، منكسر، فيه ربا، وفيه زنا، وفيه حرب لله ولرسوله، وفيه حرب على الدعاة والموحدين، وفيه إجرام وظلم، فماذا يقول لربه؟

تفسير قوله تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره)

تفسير قوله تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) قال تعالى: {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14]، كل إنسان يعرف أعماله، يعرف أنه أغلق الأبواب، وأغلق النوافذ، واختبأ في الحجرات المظلمة، يعرف أعماله. ثم قال تعالى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:15]، لو اعتذر إلى ربه يوم القيامة عن أعماله يختم الله على فمه، فتنطلق الجوارح لتشهد على العبد العاصي، فلسانه يشهد، ويده تشهد، وفرجه يشهد، وفخذه يشهد، وعينه تشهد، وجوارحه تشهد، والأرض تشهد عليه؛ لذلك يقول سبحانه في سورة الزلزلة: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:4 - 5]، قالوا: (يا رسول الله! ما أخبارها؟ قال: تأتي الأرض يوم القيامة وتشهد على من فعل عليها معصية)، فتشهد عليك أيها العبد. قال تعالى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:15] أي: اعتذاراته.

تفسير قوله تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه)

تفسير قوله تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) جاءت الآيات بنداء إلى خير الأنام عليه الصلاة والسلام؛ فقد ثبت في صحيح البخاري في كتاب بدء الوحي من حديث ابن عباس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه خلف جبريل حينما ينزل عليه؛ خوفاً من تفلت القرآن من صدره، فقال له ربه: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} [القيامة:16 - 17])، وهذا الجمع في صدر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم هو الجمع الأول للقرآن. وقوله: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة:16]، في الآية أدب لطالب العلم، يقول السعدي في (تيسير الكريم الرحمن): وفي الآية أدب لطالب العلم ألا يتعجل العالم، وألا يقطع عليه موعظته، فإن كنت في درس علم وتريد أن تسأل سؤلاً فانتظر إلى آخر كلامه، فربما أجاب عما تريد أثناء الحديث، وهذا كثير يقع، فبمجرد أن ندخل في موضوع إذا بطالب العلم يرفع يده يريد أن يقطع الكلام؛ ليسأل عن شيء سيأتي بعد قليل، فلا تتعجل، فهذا أدب بين العالم وبين المتعلم، ومثل ذلك قول الله في سورة طه: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114]. واسمع العجب من بعض من ينسبون إلى التصوف في عهدنا حيث قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفظ القرآن قبل أن ينزل عليه جبريل؛ لأنه كان يحرك لسانه، وكان يتعجل به قبل أن يقرأه جبريل، فكان يعلم القرآن قبل أن ينزل عليه. نقول: يقول سبحانه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48]، ولما قال له جبريل: اقرأ، قال: (ما أنا بقارئ). هذا قول أحد أقطاب الطريقة البرهانية في أحد كتبه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم القرآن قبل أن ينزل عليه فهو يفهم من الآية فهماً خاصاً لم يفهمه أحد من السلف على الإطلاق، وما قال به أحد من العلماء المعتبرين في الأمة، ويقولون: إن علمهم علم لدني، بوحي وإلهام، ويقولون: أنتم لكم علم الورق ونحن لنا علم الخرق. قيل لرجل منهم: ألا ترحل لتسمع الحديث من عبد الرزاق صاحب المصنف في اليمن؟ قال: وما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يتلقى من الخلاق؟ هؤلاء أقوام يقول أحدهم: حدثني قلبي عن ربي. حتى إن أحدهم ذهب إلى الصعيد ثم جاء يقول لي: ما لنا وما للبخاري، ومسلم، وابن كثير؟ احرق الكتب يا شيخ! فقلت له: لم؟ قال: العلم اللدني هو طريق التعلم. ففي عصرنا من يقول هذا، وتفتح له كل المجالات ليضل الأمة، ويبتدع في دين رب العالمين. وللحديث بقية في اللقاء القادم إن شاء الله. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

بيان عدم خصوصية رجب بشيء من الفضائل والعبادات

بيان عدم خصوصية رجب بشيء من الفضائل والعبادات الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين، ورازقهم. أيها الإخوة الكرام! يقرر علماء الأصول أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، واليوم هو غرة شهر رجب، وشهر رجب من الأشهر الحرم، وهو رجب الفرد، وأسماؤه عند السلف متعددة، وصلت إلى ثمانية عشر اسماً، كان الجاهليون يعظمون شهر رجب. قال ابن حجر في كتابه (تبيين العجب بما ورد في فضل رجب): لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وما ورد إما ضعيف وإما موضوع، وأما ما يعتقده البعض أن الإسراء والمعراج في رجب فهذا أضعف أقوال العلماء، ولم يؤثر عن السلف في القرون الثلاثة الأول بحال أنهم كانوا يحتفلون بليلة الإسراء أو يخصونها بصيام أو باحتفال كما يفعل البعض، هذا الأمر الأول.

حكم التماثيل

حكم التماثيل الأمر الثاني: أفتى شيخ فقال: إذا كان تعليق الصور والتماثيل لا يدعو إلى عقيدة فلا بأس به؛ فإن أمنا عائشة كان عندها تماثيل وشيء من هذا فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على هذا. فنقول له: أتريد أن تلبس على الأمة؟! قبل ذلك طعنت في المهدي على الشاشات فعذرناك وقلنا: ربما تعود عن قولك، رغم أن أحاديث المهدي بلغت حد التواتر، وأفردها العلماء بالتصنيف، فلشيخنا العلامة الدكتور عبد المحسن العباد مصنف في أخبار المهدي ذكر فيه أكثر من خمسين حديثاً، وأنت تظهر على الشاشة وتقول: لم يثبت حديث واحد في المهدي المزعوم! فهل أنت تراجع حفاظ الأمة؟ أما تتقي الله؟! واليوم تقول: تعليق الصور والتماثيل طالما لا يدعو إلى عقيدة فلا بأس به، أما قرأت أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل علياً فقال له: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته)، ولم يقل له: يا علي! التماثيل التي لا تحمل عقيدة اتركها، وإنما قال: (ولا تمثالاً) وهذه نكرة تفيد العموم، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب)، والصورة عامة، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة ستارة فيها تصاوير فجذبها ومزقها، فجعلتها عائشة وسادة. وقال عن خميصة بها خطوط: (إنها شغلتني عن الصلاة). وقال: (أشد الناس عذاباًَ يوم القيامة المصورون)، وأول ما دخل الشرك إلى البشرية دخل عن طريق صورة وتمثال لرجال من الصالحين عبدهم قوم نوح، فلما طال العهد عبدوهم، كما روى البخاري في صحيحه. والتماثيل لمطربة الغناء الشعبي، ولزعيم فقيد الأمة الذي جوعها وقذف الموحدين في غيابة الجب، أو لرجل لم يتق الله، أو لرجل نادى بتحرير المرأة، وبأن تخلع النقاب والحجاب. وآخر أمر جاء من محافظة بور سعيد أن هناك اقتراحاً بإنشاء تمثال لـ دي لسيبس، أتدرون من دي لسيبس؟ إنه الذي سخر آباءنا وأجدادنا في حفر القناة بدون مقابل، حتى كان من يخرج يعتبر في عداد الأموات، هذا المهندس الفرنسي الكافر المجرم يريدون أن يعظموه بإقامة تمثال له في مدخل المدينة الحرة، ولا أدري فربما ينشئون تمثالاً لـ عمرو بن لحي؛ لأنه أعاد عبادة الأصنام إلى مكة. فهذا المفتي يقول: إن عائشة كان عندها تماثيل، فنقول له: يا دكتور! إنها ألعاب الأطفال يعفى عنها، أما كلامك هذا فيلبس على الأمة، فاتق الله في نفسك. جلس ابن الجوزي يوماً في العراق ليحدث الناس فرأى بين يديه أكثر من خمسين ألفاً يحضرون درسه، فنظر إلى نفسه ثم قال: اللهم إن قدرت علي عذاباً في الآخرة فلا تخبرهم بعذابي؛ حتى لا يقولوا: عذب من دل عليه، فهؤلاء علماء يهابون الله ويخافونه.

حكم الزواج العرفي

حكم الزواج العرفي اسمع أيضاً إلى آخر فتوى في زمن الإحن والمحن؛ لتتعظ الأخوات، ولتعرف بناتنا ما عاقبة تضييع شرع الله، تقول سائلة: انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة الزواج العرفي، تقول فتاة: ربط الحب بيني وبين زميلي في الكلية، وهذا بسبب الاختلاط والتبرج، ونحن الآن في السنة الثالثة، ولقد طالت فترة حبنا، وليس أمامنا أمل في الزواج لضيق اليد، فتم زواجنا عرفياً بدون علم أسرتي ولا أسرته، تم ذلك في مكتب محام، وشهد على ورقة الزواج زميلان في الكلية، فكنا نتقابل أنا وزوجي في شقة مفروشة، ثم أعود لمنزل أسرتي، وفي الحقيقة ندمت على هذا الزواج وتسرعت فيه، ف Q أفتونا ما شرعية الزواج العرفي، وقانونيته؟ وهل لي حقوق شرعية؟ فأفتاها هذا المفتي فقال: إن زاوجها العرفي من زميلها قد استوفى أركانه الشكلية. فنقول: كيف استوفى أركانه الشكلية وهو بدون علم الأسرة وفي غياب الولي؟ فهذا زواج سري في شقة مفروشة تحمل منه من الزنا وتقرها على هذا؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، وماذا يصنع القوم إن كان هذا هو حال من يفتي؟! إذا كان الغراب دليل قوم يمر بهم على جيف الكلاب اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظ نساءنا. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا، ونور أبصارنا. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم لا تجعلنا جسوراً يعبر بها إلى جهنم. اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً. نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا يستجاب لها. اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل، والسر والعلن، ونعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك. اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تفسير سورة القيامة [2]

تفسير سورة القيامة [2] يخبر سبحانه وتعالى أن الذي حمل المشركين على التكذيب بيوم القيامة ومخالفة ما أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم من الوحي والقرآن العظيم هو حبهم للدار الفانية، وانشغالهم بها عن الآخرة، ثم أخبر سبحانه أن المؤمنين سيرونه عياناً يوم القيامة، وأخبر عز وجل عن حالة الاحتضار وما يقع للمرء بعدها من الأهوال.

تفسير قوله تعالى: (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة)

تفسير قوله تعالى: (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) الحمد لله رب العالمين، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، تنزه عن الزوجة والولد، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، وأشهد أن نبينا ورسولنا سيدنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين. ثم أما بعد: فنعيش مع ختام سورة القيامة، من قول الله ربنا سبحانه: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ * كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:20 - 40] سبحانك فبلى، روى أبو داود في سننه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال: سبحانك فبلى)، وفي سورة التين أيضاً إذا قرأ قول الله سبحانه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] قال: (بلى وأنا على ذلك من الشاهدين). وقوله: {كَلَّا} [القيامة:20]، للزجر والردع، وهذا من سمت القرآن المكي، وحرف (كلا) لا يأتي إلا في القرآن المكي في الغالب. قال عز وجل: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ} [القيامة:20 - 21] قال الحافظ ابن كثير: ما دفع هؤلاء لتكذيبهم بالبعث ولإنكارهم للقيامة ولتجرئهم على المعاصي إلا أنهم كذبوا بالآخرة، وأحبوا العاجلة، والعاجلة هي الدنيا. فقوله: (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ) الحب من أعمال القلوب، فهناك قلب يتعلق بالدنيا فيحبها، وهناك قلب يحب الآخرة فيعمل لها، ولذلك جسد النبي صلى الله عليه وسلم مرض الأمة التي تحياه اليوم في كلمة واحدة في حديثه: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها)، والناظر في حياة الأمة يجد أن الجميع ينهش في القصعة في أعراضها، وفي حرماتها، وفي مقدساتها، وفي ثوابتها الشرعية، وفي أمور مستقرة لا يختلف عليها أحد من الناس، فهل تصدق أن امرأة تخرج علينا وتقول: إن الإسلام قد ظلم المرأة حينما أعطاها نصف نصيب الرجل في الميراث؟ وتقول: لابد من إعادة النظر في هذه الآية، ومساواة المرأة بالرجل في الميراث، وتقول: إن فريضة الحج من مظاهر الوثنية وعبادة الأصنام، وإن تقبيل الحجر الأسود لا يقبله عقل! وهذه أمور إن دلت على شيء فإنما تدل على الخبل الفكري، ويسمون هذا: حرية إبداع، وحرية فكر، وهي في الثوابت الشرعية الثابتة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى

تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)

تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22]، اللهم نضر وجوهنا يا رب العالمين، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، فبلغها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع)، فهل تريد لوجهك نضارة في الدنيا والآخرة؟ بلغ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22]، من الحسن والنضارة والبهاء والسرور، وفي سورة عبس: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:38 - 39]. وفي سورة الغاشية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية:8 - 9]. وفي سورة آل عمران: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106]، تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدع والأهواء، تبيض وجوه أهل السنة وأهل التوحيد، وتسود وجوه الفرق الضالة من المعتزلة، والخوارج، والمرجئة، والروافض، والجماعات الحزبية الضالة. فيوم القيامة تبيض وجوه الذين رضوا بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً. قال تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]، وهذا الآية فاصلة في إثبات عقيدة أهل السنة في أن الله عز وجل يرى في الآخرة، والخوارج والمعتزلة أنكروا الرؤية. وهل الله يرى في الدنيا؟ A لا، وهل تمكن؟ الجواب: نعم، لكن مع عدم تحققها؛ لأن موسى عليه السلام طلبها فقال: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]، يقول علماء السلف: لن يطلب موسى ما هو غير ممكن، ولا يطلب إلا ممكناً، لكنه ما وقع، {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]، و (لَنْ) هنا للتأبيد الدنيوي وليس التأبيد على الدوام، وقد وقع أقوام في فهم خاطئ لهذه الآية فقالوا: (لَنْ) تفيد عدم الإمكانية في الدنيا والآخرة، فأجاب عليهم الشيخ خليل هراس في شرحه للواسطية رحمه الله، فقال: ولو تأملوا القرآن لوجدوا أن (لن) تفيد التأبيد الدنيوي أحياناً، كما في قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة:95] أي: الموت، وفي الآخرة قال: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77]. إذاً: في الآخرة يتمنون الموت، والآية تقول: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} [البقرة:95] فالنفي هنا للدنيا وليس للآخرة، وقد جاءت الأحاديث المتواترة في إثبات الرؤية، يقول علماؤنا: مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض أي: مما تواتر من الأحاديث حديث: (من كذب علي متعمداً). وحديث: (من بنى لله بيتاً ولو كمفحص قطاة). و (رؤية) يعني: رؤية الله في الآخرة، فإن أحاديثها بلغت حد التواتر، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم عياناً، كما ترون القمر ليلة البدر، لا يحول بينكم وبين رؤيته سحاب، لا تضامون في رؤيته)، يعني: هذا تشبيه الرؤية بالرؤية، كما ترون القمر لا يحول بينكم وبينه شيء، وهو قد اكتمل في ليلة البدر، فسترون ربكم عز وجل، وهذا هو أفضل نعيم لأهل الجنة، ففي حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي ربنا إلى أهل الجنة فيقول: يا أهل الجنة هل تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: يا ربنا! ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تنجنا من النار؟ فيكشف رب العالمين الحجاب عن وجهه فينظرون إلى وجهه في يوم المزيد، ثم تلا: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26])، وفسر الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله عز وجل. واسمع إلى استنباط الإمام الشافعي في قوله تعالى في سورة المطففين: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، قال: حجب قوماً بمعصيتهم، وسيراه قوم بطاعتهم. ولذلك الرؤيا ثابتة في الآخرة، وهي أعظم نعيم أهل الجنة. وانظروا إلى التأويل الفاسد، وماذا صنع بالأمة، فما ضاعت الأمة إلا بسبب التأويل، فمثلاً: بعض الناس الآن يقولون: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] واليقين ليس الموت، وإنما عندهم اليقين رفع التكاليف الشرعية، فيدخل الواحد منهم إلى حجرته فلا يصلي جمعة ولا جماعة، ولا يصوم؛ لأنه أتاه اليقين، وهذا تأويل فاسد، فانظروا إلى التأويل الفاسد ماذا صنع بالأمة؟! ويقول أحدهم وهو مسئول لجامعة، ينبغي أن تكون هي الجامعة العلمية التي تصدر العلم إلى الدنيا، يقول: ذهب سيدي أحمد الرفاعي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأخرج

تفسير قوله تعالى: (ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة)

تفسير قوله تعالى: (ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة) قال الله: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} [القيامة:24] كالحة سوداء، وفي الآية الأخرى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:40 - 42]. قال تعالى: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة:25] أي: تتيقن أن العذاب واقع بها، وتتيقن أنها لاقت العذاب الذي توعدها الله به، فالظن هنا بمعنى اليقين، كما في قوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20] أي: تيقنت، ولذلك الظن يأتي بمعنى اليقين في أحوال، وهو من الألفاظ المشتركة في القرآن.

تفسير قوله تعالى: (كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق)

تفسير قوله تعالى: (كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق) قال تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} [القيامة:26] الترقوة هي مكان الحشرجة، مكان نزع الروح من الجسد بين العاتقين والرقبة، والروح تسكن في سائر الجسد، كما قال شيخ الإسلام: وحال الروح مع الجسد كحال الماء مع الإسفنجة، فهي في كل أنحاء الجسد، ينزعها ملك الموت وأعوانه من الساقين إلى الفخذين إلى البطن إلى الصدر حتى تصل إلى التراقي، إلى الحلقوم، عند ذلك الروح تأبى أن تفارق الجسد، أما روح المؤمن فينزعونها في رفق وسهولة، كما تنزل القطرة من في السقاء، أما روح الكافر العاصي المنافق فيضربون الدبر والوجه حتى تخرج؛ لأنها لا تريد الخروج. والأهل يستعدون بالكفن للجسم، والملائكة يستعدون بالكفن للروح، فتخرج الروح وعند ذلك تتعالى الأصوات: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [القيامة:27]، أي: هل من أحد يرقيك؟ هل من طبيب معالج؟ استدعوا الطب والعلاج، لكن هيهات هيهات. وفي تفسير آخر أن ملك الموت يسأل الأعوان: من سيرقى بها؟ يعني: من سيحملها إلى السماء؟ قال تعالى: {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [القيامة:28] أي: الفراق من الدنيا والإقبال على الآخرة، {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:29] الساقان اللذان كانا يحملان العبد في الدنيا فيسير عليهما متبختراً متكبراً، تلتوي ساق على ساق في آخر أيامه في الدنيا. قوله تعالى: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} [القيامة:30 - 31] هذه الآية وما بعدها نزلت في أبي جهل ذلك عندما قابله النبي صلى الله عليه وسلم عند المسجد الحرام فجذبه من قميصه وقال له: (أما آن لك أن تسلم؟ فقال أبو جهل في كبر وعناد للنبي صلى الله عليه وسلم: أنا لا يشغلني أنت ولا ربك؛ لأنني أعظم القوم نادياً -أي: عائلة- فأنزل الله في حقه قرآناً: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة:34]) فتكذيبه في أربع والجزاء في أربع: الأولى: {فَلا صَدَّقَ} [القيامة:31] بالآخرة ولا بالقرآن. الثانية: {وَلا صَلَّى} [القيامة:31] لله عز وجل. الثالثة: {وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة:32]. الرابعة: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} [القيامة:33]. فهذه أربع وسائل للإعراض، فجاءت أربع وسائل للجزاء: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة:34 - 35] فجاءت الآيات تبين أن الله عز وجل أعد له العذاب.

تفسير قوله تعالى: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى)

تفسير قوله تعالى: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) قال ربنا سبحانه: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:36] أي: بلا مهمة ولا وظيفة، أتحسب أنك جئت إلى الحياة لغير غاية؟ كما قال أحدهم: جئنا إلى الدنيا لا نعرف لماذا؟! والله يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وهذا يقول: أنا جئت لا أدري لماذا جئت؟ أما نحن فندري لماذا جئنا؟ جئنا لعبادة الله عز وجل، وهذا شعر إيليا أبو ماضي: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت أبصرت أمامي طريقاً فمشيت وقال آخر: جئت يا يوم مولدي جئت يا أيها الشقي فانظروا إلى شقائه فإنا لله وإنا إليه راجعون، قال عز وجل: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:44]، فهم أضل من الأنعام؛ لأنهم ما أدركوا لماذا جاءوا؟ إنما العبد المؤمن يعلم أنه جاء لعبادة ربه، وأن مصيره إلى الله عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (ألم يك نطفة من مني يمنى)

تفسير قوله تعالى: (ألم يك نطفة من مني يمنى) قال تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:37 - 40]. وللحديث بقية إن شاء الله. أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم. الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله. وبعد: فهذه الآيات من آيات القرآن الكريم التي تدلل على قضية البعث، وأدلة البعث خمسة: الدليل الأول: دليل النشأة الأولى، أو الخلق الأول، فقد جاء في أكثر من موضع في كتاب ربنا في سورة مريم: {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم:66 - 67]. وأيضاً في سورة الطارق يقول ربنا سبحانه: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5 - 7]، وصلب الرجل هو العمود الفقري للرجل، وترائب المرأة صدرها، {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق:8]. وجاء في سورة (يس) ما يؤكد هذا المعنى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:78 - 79]. الدليل الثاني: دليل إحياء الأرض بعد موتها، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى} [فصلت:39]، فكما أحيا الأرض بعد موتها، كذلك يبعث الناس بعد موتهم. الدليل الثالث: الاستيقاظ من النوم، فالنوم موت والاستيقاظ بعث، كما روي: (لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون). وفي الحديث: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا)، فالنوم موتة صغرى، لذلك يقول لقمان لولده: يا بني إن كنت لا تؤمن بالموت فلا تنم، وإن كنت لا تؤمن بالبعث فلا تستيقظ، فالذي أيقظك من نومك هو الذي يبعثك بعد موتك. الدليل الرابع: قال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات:27]. وقال عز وجل: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:57]. الدليل الخامس والأخير: القصص القرآني، بين الله فيها أنه بعث أناساً بعد موتهم، يقول الحافظ ابن كثير: في سورة البقرة بمفردها خمس من القصص القرآني: الأول: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة:259]. الثاني: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة:72 - 73]. الثالث: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260]. الرابع: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:55 - 56]. الخامس: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة:243]. فهذه أدلة واضحة بينة لا تخفى على أحد عنده بصيرة.

ذكر بعض أحكام الجنائز

ذكر بعض أحكام الجنائز أيها الإخوة الكرام! من الأحكام الفقهية الهامة التي غابت عن واقعنا اليوم أحكام الجنائز، فأريد أن أبين بعض أحكام الجنائز التي تخفى على الكثير، وربما أنها بدعة، إذ تحولت السنة إلى بدعة والبدعة إلى سنة في كثير من الأمور؛ لأننا غيبنا السنة عن حياتنا. يسن أن يحمل الميت على سرير مكشوف لا يغطى كالتابوت الذي عند أهل الكتاب، ولا بأس أن يستر بشيء لكنه يكشف، ولا يحمل في تابوت مغلق كما يفعل في الأرياف؛ فإنهم يحملونه في صندوق وفوق الصندوق غطاء خشبي، وفوق الغطاء الخشبي غطاء آخر، ثم فوق الاثنين ورد، وهذا كله لم يثبت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، وإنما الميت يحمل على سرير مكشوف. وواجبنا تجاه الميت: الإسراع بغسله، والغسل لابد أن نعلمه الناس، وتكفينه، ثم الصلاة عليه. والصلاة على الميت إما أن نصليها في المصلى كصلاة العيد، وهذا ثابت لاشك في ثبوته، وإما أن نصلي عليه داخل المسجد، وقد أنكرت عائشة على من أنكر الصلاة على الميت داخل المسجد، فقالت: صلينا على سهيل بن بيضاء في المسجد. وهذا قول بعض الفقهاء كالحنابلة، والسنة الغائبة الآن هي الصلاة على الميت خارج المسجد، فنحن لا نخالف أو نقول بعدم جواز الصلاة على الميت داخل المسجد، فهذا ثابت، ولكن هل منا أحد يصلى عليه في المصلى؟ إن صلينا على الميت في المصلى فأنا على يقين أن الناس سيقولون: أحدثوا بدعة، والغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على الجنائز خارج المسجد، هذا غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان أحياناً يصلي داخل المسجد، فالأمر فيه سعة، ولا نحجر واسعاً، لكن يوم أن تغيب السنة يستحب أن نفعلها لإعلام الناس بها؛ حتى يعلم الناس جواز هذا الفعل. ويستحب أيضاً ألا تدخل الجنازة إلى المسجد إلا بعد أن تتم الصلاة، فتدعى الجنازة من خارج المسجد، ثم يصلى عليها. أسأل الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه أن يرزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً. اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وجلاء همنا وغمنا. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وارزقنا عند الاحتضار شهادة، وارزقنا بعد الموت جنة ونعيماً. يا رب لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا. اللهم بيض وجوهنا يوم تسود وجوه، اللهم بيض وجوهنا يوم تسود وجوه، اللهم بيض وجوهنا يوم تسود وجوه. اللهم ثبت أقدامنا على الصراط. اللهم أمنا عند الفزع الكبر. اللهم ارحمنا إذا لم يزرنا زائر، ولم يذكرنا ذاكر، اللهم ارحمنا ونحن في القبور فرادى. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك. اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا. اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام وأن تعز المسلمين. اللهم انصر أهل فلسطين، اللهم اربط على قلوبهم، وسدد رميهم، ووفق يا رب جمعهم. اللهم اخسف باليهود الأرض، فإنهم لا يعجزونك، اللهم جمد الدم في عروقهم، ويبس الطعام في أفواههم. اللهم انصر دينك في مشارق الأرض ومغاربها. اللهم إن اليهود قد بغوا وتجبروا وظلموا وأنت القوي المتين، اللهم أرنا فيهم آية، اللهم أرنا فيهم آية، فإنهم لا يعجزونك يا رب العالمين، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واخسف بهم الأرض، فأنت القوي المتين. اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، يا أرحم الرحمين، أنت ربنا ورب المستضعفين، إلى من تكلنا؟ إلى عدو يتجهمنا أم إلى ضعيف ملكته أمرنا؟ إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، ونسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسألك الإخلاص في القول والعمل وفي السر والعلن، إنك ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

§1/1