تفسير الإمام الشافعي

الشافعي

الكتاب: تفسير الإمام الشافعي المؤلف: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي (المتوفى: 204هـ) جمع وتحقيق ودراسة: د. أحمد بن مصطفى الفرَّان (رسالة دكتوراه) الناشر: دار التدمرية - المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى: 1427 - 2006 م عدد الأجزاء: 3 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أعده للشاملة: أبو إبراهيم حسانين * * * * * * * * * * * * * * تنبيه وقع محقق الكتاب في وهْمٍ تبعاً للعلامة أحمد محمد شاكر (محقق كتاب الرسالة للإمام الشَّافِعِي) زاعماً أن الإمام الشَّافِعِي - رحمه الله - قد أخطأ في آية قرآنية ونحن نذكر كلامه والرد عليه إن شاء الله تعالى قال محقق الكتاب ما نصه: قلت: أشرنا في تفسير الآية / 136 من سورة النساء إلى أن الشَّافِعِي رحمه الله ذكر هذه الآية دليلاً على أن اللَّه قرن الإيمان به بالإيمان برسوله، وهنا كلام رائع لمحقق كتاب الرسالة، يستحسن أن ننقله كاملاً بحرفيته كما ورد في تعليقه على هذه الفقرة / 237 إذ يقول رحمه اللَّه: والعصمة لله ولكتابه ولأنبيائه، وقد أبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، كما قال بعض الأئمة من السلف. فإن الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر هذه الآية محتجاً بها على أن الله قرن الإيمان برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - مع الإيمان به، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة من القرآن، منها: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) . ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) . ولكن الآية التي ذكرها الشَّافِعِي هنا ليست في موضع الدلالة على ما يريد. لأن الأمر فيها بالإيمان بالله وبرسله كافة. ووجه الخطأ من الشَّافِعِي - رحمه الله -: أنه ذكر الآية بلفظ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) بإفراد لفظ الرسول وهكذا كتبت في أصل الربيع، وطبعت في الطبعات الثلاثة من الرسالة، وهو خلاف التلاوة، وقد خُيِّل إلي بادئ ذي بدء أن تكون هناك قراءة بالإفراد، وإن كانت - إذا وجدت - لا تفيد في الاحتجاج لما يريد؛ لأن سياق الكلام في شأن عيسى عليه السلام، فلو كان اللفظ: (وَرَسُوله) لكان المراد به عيسى، ولكني لم أجد آية قراءة في هذا الحرف من الآية بالإفراد. لا في القراءات العشر، ولا في غيرها من الأربع، ولا في القراءات الأخرى التي يسمونها: (القراءات الشاذة) . ومن عجب أن يبقى هذا الخطأ في الرسالة، وقد مضى على تأليفها أكثر من ألف ومائة وخمسون سنة، وكانت في أيدي العلماء هذه القرون الطوال. وليس هو من خطأ في الكتابة من الناسخين، بل هو خطأ علمي، انتقل فيه ذهن المؤلف الإمام، من آية إلى آية أخرى حين التأليف: ثم لا ينبه عليه أحد! أولا يلتفت إليه أحد! وقد مكث أصل الربيع من الرسالة بين يدي عشرات من العلماء الكبار. والأئمة الحفاظ، نحواً من أربعة قرون إلى ما بعد سنة 650 هـ يتداولونه بينهم قراءة وإقراء ونسخاً ومقابلة، كما هو ثابت في السماعات الكثيرة المسجلة مع الأصل، وفيها سماعات لعلماء أعلام، ورجال من الرجالات الأفذاذ، وكلهم دخل عليه هذا الخطأ، وفاته أن يتدبر موضعه فيصححه. ومرد ذلك كله - فيما نرى واللَّه أعلم -: إلى الثقة ثم إلى التقليد، فما كان ليخطر ببال واحد منهم أن الشَّافِعِي، وهو إمام الأئمة، وحجة هذه الأمة يخطئ في تلاوة آية من القرآن، ثم يخطئ في وجه الاستدلال بها، والموضوع أصله من بديهيات الإسلام، وحجج القرآن فيه متوافرة، وآياته متلوة محفوظة، ولذلك لم يكلف واحد منهم نفسه عناء المراجعة، ولم يفكر في صدر الآية التي أتى بها الشَّافِعِي للاحتجاج، تقليداً له وَثِقَة به، حتى يرى إن كان موضعها موضع الكلام في شأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو في شأن غيره من الرسل عليهم السلام. ونقول هنا: ما قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه فيما مضى من الرسالة في الفقرة / 136: (وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، واللَّه يغفر لنا ولهم) . انتهى كلام محقق الكتاب. أقول: اتهام الإمام الشَّافِعِي - رحمه الله - بالخطأ في آية قرآنية ومتابعة فقهاء الشَّافِعِية له فيه قروناً عديدة في غاية البعد البعيد، وهذا قد يرد في حقِّنا وحقِّ أشباهنا أما الشَّافِعِي فهيهات ثم هيهات؟؟!!! إنه الشَّافِعِي. ويكفي في رد هذا الوهْم قول الربيع بن سليمان - رحمه الله - قرأت: (كتاب الرسالة المصرية) على الشَّافِعِي نيفاً وثلاثين مرة، فما من مرة إلا كان يصححه. ثم قال الشَّافِعِي في آخره: أبى الله أن يكون كتاب صحيح غير كتابه، يدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) الآية. انتهى كلام الربيع. وكان الأليق بالمحقق أن لا يجزم بتخطئة الإمام - رحمه الله - وفقهاء مذهبه والاكتفاء بردِّ هذا الخطأ إلى الناسخ كما هو حال أكثر المخطوطات. والإمام الشَّافِعِي - رحمه الله - لم يفسر القرآن، والآيات التي جمعها المحقق - جزاه الله خيراً - ذكرها الإمام مختصرة وغير مرتبة على ترتيب المصحف الشريف حتى يصح هذا الاتهام. ولعل الآية التي تكلم فيها إمامُنا الشَّافِعِي - رحمه الله - هي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) . والله أعلم وأحكم.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ القسم الثاني قسم التفسير والتحقيق ويتضمن: جَمْعَ ما أُثر عن الإمام الشَّافِعِي - يرحمه الله تعالى - من تفسير لآيات القرآن الكريم مرتبة وفقَ ترتيب السور في المصحف الشريف * * * * * * * * * * * * *

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة قول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) الأم: باب (التعوذ بعد الافتتاح) قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) . أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن سعد بن عثمان، عن صالح بن أبي صالح: أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعاً صوته: (ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم) ، في المكتوبة، (وإذا فرغ من أم القرآن) . - (أي: قبل السورة التالية) -. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكان ابن عمر رضي الله عنهما يتعوذ في نفسه - أي سرًّا -. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأيهما فعل الرجل أجزأه، إن جهر أو أخفى.

وكان بعضهم يتعوذ حين يفتتح قبل أم القرآن، وبذلك أقول. وأحبّ أن يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) . وإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وأي كلام استعاذ به، أجزأه. ويقوله في أول ركعة. وقد قيل: إن قاله حين يفتتح كل ركعة قبل القراءة فحَسَن، ولا آمر به في شيء من الصلاة، أمرتُ به في أول ركعة. وإن تركه - (قول: الاستعاذة) - ناسياً أو جاهلاً أو عامداً، لم يكن عليه إعادة، ولا سجود سهو. وأكره له تركه عامداً، وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها (من الركعات) ، وإنَّما منعني أن آمره أن يعيد؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم رجلاً ما يكفيه في الصلاة فقال: "كبر ثم اقرأ بأم القرآن" الحديث قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يُروَ عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - أمره بتعوذ ولا افتتاح. فدل على أن افتتاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختيار، وأن التعوذ مما لا يفسد الصلاة إن تركه.

مختصر المزني: باب (صفة الصلاة) قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: بعد قراءة دعاء الاستفتاح - ثم يتعوذ فيقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ثم يقرأ مرتلاً بأم القرآن. .. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحبّ أن يقول حين يفتتح قبل أم، القرآن: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) الآية، وأي كلام استعاذ به أجزأه. وقال في الإملاء بهذا الإسناد: ثم يبتدئ، فيتعوذ، ويفول: أعوذ بالسميع العليم، أو يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أو: أعوذ بالله أن يحضرون. لقول اللَّه - عز وجل -: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) .

قول: (بسم الله الرحمن الرحيم)

قول: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الأم: باب (القراءة بعد التعوذ) أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن أيوب بن أبي تميمة، عن قتادة. عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، يستفتحون القراءة بالحمد للهِ رب العالمين. قالَ الشَّافِعِي رحمه الله: يعني يبدؤون بقراءة أم القرآن قبل ما يُقرأ بعدها - واللَّه تعالى أعلم - لا يعني أنهم يتركون: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية السابعة، فإن تركها، أو بعضها، لم تُجْزهِ الركعة التي تركها فيها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: بلغني أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح القراءة ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج قال: أخبرني أبي، عن سعيد بن جبير: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي) الآية

قال: هي أم القرآن. قال أبي: وقرأها على سعيد بن جبير حتى ختمها. ثم قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية السابعة. قال سعيد: فقرأها عَلَي ابن عباس كما قرأتها عليك، ثم قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية السابعة. قال ابن عباس: (فَدَخرَها لكم، فما أخرجها لأحد قبلكم) . أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهبم بن محمد قال: حدثني صالح مولى التوأمة: أن أبا هريرة كان يفتتح الصلاة ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خُثيم، أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره: أن أنس بن مالك أخبره قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لأم القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التى بعدها حتى قضى تلك القراءة. ولم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة. فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان: يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت؛ فلما صلى بعد ذلك قرأ: (بِشمرِ اللهِ الرحمن الرحِهصِ للسورة التى بعد أم القرآن، وكبَّر حين يهوي ساجداً.

أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الله بن عثمان بن خُئيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه: أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم، فلم يقرأ ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية، ولم يكئر إذا خفض وإذا رفع، فناداه المهاجرون حين سلم والأنصار: أن يا معاوية سرقت صلاتك! أين: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ؛ وأين التكبير إذا خفضت لماذا رفعت؛ فصلى بهم صلاة أخرى، فقال ذلك فيها الذي عابوا عليه. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرني يحيى بن سليم، عن عبد اللَّه بن عثمان بن خُئيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن معاوية والمهاجرين والأنصار مثله، أو مثل معناه، لا يخالفه، وأحسب هذا الإسناد أخفض من الإسناد الأول. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي (الرواية) الأولى، أنه (معاوية) قرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في أم القرآن، ولم يقرأها في السورة التي بعدها، فذلك زيادة حفظها ابن جريج. وقوله: فصلى بهم صلاة أخرى، يحتمل أن يكون أعاد، ويحتمل أن تكون الصلاة التي تليها - والله تعالى أعلم -. أخبرنا الربيع قال:

أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مسلم بن خالد، وعبد المجيد، عن ابن جريج. عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان لا يدع: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لأم القرآن، وللسورة التي بعدها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: هذا أحبّ إليَّ؛ لأنه حيمئذ مبئدئ قراءة القرآن. قال الشَّافِعِي: وإن أغفل أن يقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وقرأ من: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الآية، حتى يختم السورة كان عليه أن يعود فيقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، حتى يأتي على السورة. ولا يجزيه أن يقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بعد قراءة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، ولا بين ظهرانيها، حتى يعود فيقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، ثم يبئدئ أم القرآن، فيكون قد وضع كل حرف منها في موضعه. .. ولو محمد أن يقرأ منها شيئاً ثم يقرأ قبل أن يكملها من القرآن غيرها. كان هذا عملاً قاطعاً لها، وكان عليه أن يستأنفها لا يجزيه غيرها. ولو غفل فقرأ ناسياً من غيرها، لم يكن عليه إعادة ما مضى منها؛ لأنه معفو له عن النسيان في الصلاة إذا أتى على الكمال.

مختصر المزني: باب (صفة الصلاة) قال الشَّافِعِي: ثم بعد قول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) يقراً مرتلا بأم القرآن ويبتدئها ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بأم القرآن وعدَّها - أي: البسملة - آية. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) قال الشَّافِعِي في كتاب البويطي: قال اللَّه جل ثناؤه: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) . الآية. وهي: (الفاتحة) أم القرآن: أولها (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، في آخرين قالوا: أخبرنا أبو العباس محمد ابن يعقوب، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشَّافِعِي، أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال: أخبرني أبي، عن سعيد بن جبير في قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) . الآية، قال: هي أم القرآن. قال أبي: (وقرأها عَلَي سعيد بن جبير رحمه الله حتى ختمها، ثم قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية السابعة) . قال سعيد: وقرأها علي ابن عباس رضي اللَّه عنهما، كما قرأتها عليك، ثم قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية السابعة.

قال ابن عباس: "فَدخرَها (الله) لكم فما أخرجها لأحد قبلكم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: في رواية حرملة عنه: - كان ابن عباس يفعله. يعني: يفتتح القراءة ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، ويقول: انتزع الشيطان منهم خير آية في القرآن: وكان يقول - ابن عباس -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف ختم السورة حتى تنزل: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . ذكر فوائد في (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الأولى: قال ابن خالويه: اعلم أن (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آية من سورة الحمد، وآية من أوائل كل سورة في مذهب الشَّافِعِي، وليست آية في كل ذلك عند مالك، وعند الباقين هي آية من أول أم الكتاب، وليست آية في غير ذلك وقد ذكرنا - والكلام لابن خالويه - الاحتجاج في ذلك في كتاب شرح أسماء الله جل وعز. فأما القراء السبعة فيثبتون (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . الآية، في أول كل سورة إلا في براءة، ما خلا أبا عمرو وحمزة فإنهما كانا لا يفصلان بين السورتين ب "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . حدثني أبو سعيد الحافظ قال: حدثني أبو بكر النيسابوري قال: سمعت الربيع يقول:

سمعت الشَّافِعِي يقول: أول الحمد: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية. وأول البقرة: (الم) الآية. وكل ما ذكرت - والكلام: لابن خالويه - من اختلاف العلماء والقراءة فقد رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي صح عندي فمذهب الشَّافِعِي رحمه اللَّه، وإليه أذهب. الثانية: إن سأل سائل فقال: لم كُسرت الباء في: (بِسْمِ اللَّهِ) ؟ الآية. فالجواب في ذلك: أنهم لما وجدوا الباء حرفاً واحداً، وعملها الجر، ألزموها حركة عملها. الثالثة: وقال الأزهري: (والباء في قوله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . معناها الابتداء، أي: أبتدئ باسم اللَّه. ولم يحتج إلى ذكر (بدأت) ، لأن الحال أنبأت أنك مبتدئ.

قول: (أمين) بعد قوده تعالى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) اثم: باب (التأمين عند الفراغ من قراءة أم القرآن) أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب. وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" الحديث. قال ابن شهاب: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "آمين،. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك قال: أخبرنا سُمَي (مولى أبي بكر) عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا قال الإمام: (غَيرِ المغضُوبِ عَلَيهِم وَلَا الضآِلين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: أمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غَفَرَ اللَّه له ما تقدم من ذنبه" الحديث.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا فرغ الإمام من قراءة أمّ القرآن، قال: آمين. ورفع بها صوته، ليقتدي به من كان خلفه، فإذا قالها قالوها وأسمعوا أنفسهم. ولا أحب أن بجهروا بها، فإن فعلوا فلا شيء عليهم، وإن تركها الإمام، قالها من خلفه، وأسمعه، لعله يَذكُر فيقولها، ولا يتركونها لتركه. فائدة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول أمين يدل على أنه لا بأس أن يسأل العبد ربه في الصلاة كلها، في الدين والدنيا مع ما يدل من السنن على ذلك. ولو قال مع آمين رب العالين وغير ذلك من ذكر اللَّه كان حسناً لا يقطع الصلاة شيء من ذكر اللَّه. وجاء في الأم (أيضاً) : باب (الجهر بأمين) قال الربيع: سألت الشَّافِعِي عن الإمام إذا قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) الآية، هل يرفع صوته بآمين؛ قال: نعم، ويرفع بها من خلفه أصواتهم. فقلت: وما الحجة فيما قلت من هذا؟ فقال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن: أنهما أخبراه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينُه تأمين الملائكة غُفِر له ما تقدم من ذنبه" الحديث.

قال ابن شهاب: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "أمين". قال الشَّافِعِي: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمن الإمام فأمِّنوا" الحديث، دلالة على أنه أمر الإمام بأن يجهر بأمين؛ لأن من خلفه لا يعرف وقت تأمينه إلا بأن يسمع تأمينه، - أي: تأمين الإمام -. قال الشَّافِعِي: ولو لم يكن عندنا وعندكم - أي: أهل العراق - علم إلا هذا الحديث الذي ذكرنا عن مالك، انبغى أن نستدل بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بأمين، وأنه أمر الإمام أن يجهر بها، فكيف ولم يزل أهل العلم عليه. وروى وائل بن حُجر أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "أمين" يجهر بها صوته، ويحكي مطهُ إياها. وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول للإمام: لا تسبقني بآمين، وكان يُؤذنَ له. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء قال: كنت أسمع الأئمة - ابن الزبير ومن بعده رضي اللَّه عنهم - يقولون آمين، ومن خلفهم: آمين حتى إن للمسجد لَلَجَّة.

مختصر المزني: باب (صفه الصلاة) قال الشَّافِعِي رحمه الله:. . . فإذا قال - الإمام -: (وَلَا الضآِلينَ) ، قال: "آمين"، فيرفع بها صوته ليقتدي به من خلفه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمن الإمام فأمِّنوا" الحديث. وبالدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه بالجهر بها، وأمر الإمام الجهر بها، وليسمع من خلفه أنفسهم - أي: بقول آمين -.

سورة البقرة

سورة البقرة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا) الأم: باب (الإشارة إلى المطر) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا من لا أتهم قال: حدثنا سليمان بن عبد اللَّه، عن عروة بن الزبير قال: "إذا رأى أحدكم البرق أو الوَدقَ فلا يشير إليه وليصف ولينعت" الحديث. قال الشَّافِعِي: ولم تزل العرب تكره الإشارة إليه في الرعد. أخبرنا الربيع قال:

قال الله تعالى (. . . وقودها الناس والحجارة. . .)

أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا الثقة أن مجاهداً كان يقول: الرعد ملك والبرق أجنحة الملك يَسُقْنَ السحاب. قال الشَّافِعِي: ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن!. أخبرنا الثقة عن مجاهد أنه قال: ما سمعت بأحد ذهب البرق ببصره. كأنه ذهب إلى قوله تعالى: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) الآية. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) وبهذا الإسناد: قال الشَّافِعِي: أخبرنا الثقة: أن مجاهداً كان يقول: (الرعد) : ملك. والبرق: أجنحة الملك يَسُقْنَ السحاب) ثم ساق خبر الشَّافِعِي عن مجاهد بنصه كما في الأم. قال الله تعالى (. . . وَقُودُهَا اَلناسُ وَالْحِجَارَةُ. . .) الآية.

قال الله عز وجل: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)

الرسالة: باب (بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فدل كتاب الله على أنه إنما وَقُودها بعض الناس لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) . أحكام القرآن: فصل (في معرفة العموم والخصوص) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله - عز وجل -: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) الآية، فدل كتاب الله - عز وجل - على أن وقودها بعض الناس لقوله - عز وجل -: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى) الآية. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) البقرة: 43، الآية الأم: باب (الحكم في تارك الصلاة) أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: من ترك الصلاة المكتوبة ممن دخل في الإسلام، قيل له: لم لا تصلي؟ فإن ذكر نسياناً قلنا: فَصِل إذا ذكرت، وإن

ذكر مرضاً قلنا: فصل كيف أطقت قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً أو مومياً. فإن قال: أنا أطيق الصلاة وأحسنها، ولكن لا أصلي، وإن كانت على فرضاً! قيل له: الصلاة عليك شيء لا يعمله عنك غيرك، ولا تكون إلا بعملك، فإن صليت وإلا استتبناك، فإن تبت وإلا قتلناك؛ فإن الصلاة أعظم من الزكاة. والحجة فيها ما وصفتُ من أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: "لو منعوني عقالاً مما أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه، لا تفرقوا بين ما جمع الله" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: يذهب - أي: قول أبي بكر - رضي الله عنه - لا تفرقوا بين ما جمع الله - فيما أرى واللَّه أعلم (القول للشافعي) إلى قول الله تبارك وتعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية. وأخبرنا أبو بكر - رضي الله عنه - أنه إنما يقاتلهم على الصلاة والزكاة، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا مَن مَنَع الزكاة؛ إذ كانت فريضة من فرائض اللَّه جل ثناؤه، ونصب دونها أهلها، فلم يقدر على أخذها منهم طائعين، ولم يكونوا مقهورين عليها، فتؤخذ منهم كما تقام عليهم الحدود كارهين. الأم (أيضاً) : باب (زكاة مال اليتيم الثاني) أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: (الزكاة في مال اليتيم كما في مال البالغ لأن الله - عز وجل - يقول: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية.

فلم يخص مالاً دون مال، وقال بعض الناس: إذا كانت لليتيم ذهب أو وَرِقٌ فلا زكاة فيها، واحتج أن اللَّه يقول: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية، وذهب إلى أن فرض الزكاة إنما هو على من وجبت عليه الصلاة، وقال: كيف يكون على يتيم صغير فرض الزكاة والصلاة عنه ساقطة، وكذلك أكثر الفرائض؛ ألا ترى أنه يزني ويشرب الخمر فلا يُحد، ويكفر فلا يُقتل. واحتجوا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رفع القلم عن ثلاثة. ." ثم ذكر "والصبي حتى يبلغ" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: لبعض من يقول هذا القول: إن كان ما احتججت به على ما احتججت فأنت تارك مواضع الحجة. الأم (أيضاً) : باب (جماع فرض الزكاة) أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: فرض اللَّه - عز وجل - الزكاة في غير موضع من كتابه قد كتبناه للشافعي في آخر الزكاة فقال في غير آية من كتابه: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية، يعني أعطوا الزكاة. وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففرض اللَّه - عز وجل - على من له مال تجب فيه الزكاة أن يؤدي الزكاة إلى من جعلت له، وفرض على من ولي الأمر أن يؤديها، الى الوالي إذا لم يؤدها. وعلى الوالي إذا أداها أن لا يأخذها منه؛ لأنه سماها زكاة واحدة لا زكاتين. وفَرضُ الزكاة مما أحكم اللَّه - عز وجل -، وفرضه في كتابه، ثم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : باب (هل تجب العمرة وجوب الحج) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قد يحتمِل قول اللَّه - عز وجل -: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الآية، أن يكون فَرَضَهما معاً، وفرضه إذا كان في موضع واحد يثبت ثبوته في مواضع كثيرة كقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية، ثم قال: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) الآية. فذكرها (أي: فرضه الزكاة) مرة مع الصلاة، وأفرد الصلاة مرة أخرى بدونها، فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت. الأم (أيضاً) : باب (كراء الأرض البيضاء) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال اللَّه - عز وجل -: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) . . . الآية، فلو أن امراً أحضر مساكين وأخبرهم أن لهم في ماله دراهم أخرجها بأعيانها من زكاة ماله، فلم يقيضوها، ولم يَحُلْ بينهم وبينها، لم تخرج من أن تكون مضمونة عليه حتى يؤديها، ولو تلفت في يده تلفت من ماله. وكذلك لو تطهر للصلاة وقام يريدها ولا يصليها، لم يخرج من فرضها حتى يصليها.

وجاء في الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في أمر النكاح) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ويحتمل أن يكون الأمر بالنكاح في قوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) إلى قوله: (يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية، والأمر في الكتاب والسنة وكلام الناس يحتمل معاني - منها -: أن يكون الأمر بالنكاح حتماً كقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية، فدلّ على أنها حتم. الرسالة: باب (البيان الثالث) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية، بعد أن ذكر الآية الكريمة: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية. ثم بين على لسان رسوله عدد ما فرض اللَّه من الصلوات ومواقيتها وسننها، وعدد الزكاة ومواقيتها،. . . وحيث يزول هذا ويثبت، وتختلف سننه وتاتفق، ولهذا أشباه كثيرة في القرآن والسنة. الرسالة (أيضاً) : باب (جمل الفرائض) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: بعد أن ذكر الآية (43 / من سورة البقرة) أحكم اللَّه فرضه في كتابه في الصلاة والزكاة والحج، وبين كيف فرض على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم.

فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عدد الصلوات المفروضات خمس، وأخبر أن عدد الظهر والعصر والعشاء في الحضر أربع أربع، وعدد المغرب ثلاث، وعدد الصبح ركعتان. وسنَّ فيها كلها قراءة، وسن أن الجهر منها بالقراءة في المغرب والعشاء والصبح، وأن المخافتة بالقراءة في الظهر والعصر. وسنَّ أن الفرض في الدخول في كل صلاة بتكبير، والخروج منها بتسليم. وأنه يؤتى فيها بتكبير ثم قراءة ثم ركوع ثم سجدتين بعد الركوع، وما سوى هذا من حدودها. وسن في صلاة السفر قَصراً كلما كان أربعاً من الصلوات - إن شاء المسافر - وإثبات المغرب والصبح على حالهما في الحضر. وأنها كلها إلى القبلة مساقرأ كان أو مقيماً، إلا في حالي من الخوف واحد؟ وسن أن النوافل في مثل حالها: لا تحِل إلا بطَهور، ولا تجوز إلا بقراءة. وما تجوز به المكتوبات من السجود والركوع واستقبال القبلة في الحضر وفي الأرض وفي السفر، وأن للراكب أن يصلي في النافلة حيث توجهت به دابته، ودلل - الشَّافِعِي - على ذلك بحديث: أخبرنا ابن أبي فُدَيك، عن ابن أبي ذئب، عن عثمان بن عبد اللَّه بن سراقة، عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني أنمار كان يصلي على راحلته متوجهاً قِبَل المشرق.

وسنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الأعياد والاستسقاء سنة الصلوات في عدد الركوع والسجود، وسن في صلاة الكسوف فزاد فيها ركعة (أي: ركوعاً) على ركوع الصلوات فجعل في كل ركعة ركعتين (أي: ركوعين) ودلل على ذلك أيضاً بثلاثة أحاديث، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها اثنان، وواحد عن ابن عباس، ثم قال (أي: الشَّافِعِي) واجتمع في حديثهما معاً (أي: عائشة وابن عباس رضي اللَّه عنهما) على أن صلى صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة ركعتين (أي: ركوعين) . وقد استدل الشَّافِعِي رحمه الله تعالى بعد أن ذكر الآية (43 من سورة البقرة) معدّداً ما يجب في مال الرجل أوجبه اللَّه فقال: (فدلّ الكتاب والسنة وما لم يختلف المسلمون فيه: أن هذا كله في مال الرجل بحق وجب عليه للهِ، أو أوجبه اللَّه عليه للآدميين بوجوهٍ لزمته، وأنه لا يُكلف أحد غُرْمَهُ عنه) .

قال الله عز وجل: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) .

قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) . الأم: كتاب الذكاة باب (فيه مسائل مما سبق) تتعلق بالذبح قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكل ما كان مأكولاً من طائر أو دابة فأن يذبحَ أحبُّ إلِي وذلك سنته ودلالة الكتاب فيه، والبقر داخلة في ذلك لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) الآية، وحكايته فقال: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) ، الآية. إلا الإبل فقط فإنها تنحر، لأن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نحر بُدنه، فموضع النحر في الاختيار - في السُّنة - في اللَّبَّة، وموضع الذبح في الاختيار - في السُّنة - أسفل من اللحيين، والذكاة في جميع ما ينحر ويذبح ما بين اللَّبَّة والحلق، فأين ذبح من ذلك أجزأه فيه ما يجزيه إذا وضع الذبح في موضعه، وإن نحر ما يُذبح أو ذبح ما يُنحر، كرهتُه له، ولم أحرمه عليه، وذلك أن النحر والذبح ذكاة كله، غير أني أحبّ أن يضع كل شيء من ذلك موضعه لا يعدوه إلى غيره. قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: (الذكاة في اللَّبَّة والحلق لمن قدر) .

وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب، وزاد عمر: (ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق) . قال الله عزَّ وجلَّ: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) الآية الأم: كتاب الزكاة باب (فيه مسائل مما سبق) تتعلق بالذبح قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكل ما كان مأكولاً من طائر أو دابة فإن يذبح أحبّ إلي وذلك سنته ودلالة الكتاب فيه، والبقرة داخلة في ذلك لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) الآية، وحكايته فقال: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) الآية، إلا الإبل فقط، فإنها تنحر. . ثم كمل ما نقلناه في الآية السابقة.

قال الله عز وجل: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا)

قال الله عزَّ وجلَّ: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) الأم: باب (الحكم بين أهل الجزية) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولو أوصى أحد من أهل الكتاب - بأن يكتب بثلثه الإنجيل والتوراة لِدَرس، لم تجز الوصية لأن اللَّه - عز وجل - قد ذكر تبديلهم منها فقال: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) الآية، وقال: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (حد الذمتين إذا زنوا) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقلت له (أي: للمحاور) أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: "كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء؛ وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أحدثُ الأخبار، تقرؤونه عضاً لم يُشَب؟! ألم يخبركم الله - عز وجل - في كتابه أنهم حرفوا كتاب الله تبارك اسمه، وبدلوا وكتبوا الكتاب بأيديهم، وقالوا: (هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) .. الآية. ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم

عن مسألتهم؛ والله ما رأبنا أحداً منهم بسالكم عما أنزل الله إليكم الحديث. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقلت له: أمرنا الله - عز وجل - بالحكم بينهم بكتاب الله المنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأخبر أنهم قد بدلوا كتابه الذي أنزل، وكتبوا الكتاب بأيديهم فقالوا: (هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (الحكم بين أهل الكتاب) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولم يستن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - علمناه - ولا أحد من أصحابه، ولم يجمع المسلمون على إجازة شهادتهم بينهم. . .، فقد أخبرنا اللَّه تبارك وتعالى أنهم بدلوا كتاب اللَّه وكتبوا الكتب بأيديهم وقالوا: (هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) الآية. مختصر المزني: باب (الحكم في المهادنين والمعاهدين) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولو قال اكتبوا بثلثي (أي: بثلث مالي) التوراة والإنجيل فسخته لتبديلهم، قال اللَّه - عز وجل: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ) الآية.

الرسالة: باب (المقدمة) قال الربيع بن سليمان: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إدريس:. . . بعثه والناس صنفان: أحدهما: أهل الكتاب، بدلّوا من أحكامه، وكفروا بالله، فافتعلوا كذباً صاغوه بألسنتهم، فخلطوه بحق الله الذي أنزل إليهم. فذكر تبارك وتعالى لنبيه من كفرهم فقال: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) . الآية. ثم قال: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) . ثانيهما: وصنف كفروا بالله فابتدعوا ما لم يأذن به اللَّه، ونصبوا بأيديهم حجارة وخُشُباً، وصوراً استحسنوها، ونبذوا أسماء افتعلوها، ودعوها آلهة عبدوها، فإذا استحسنوا غير ما عبدوا منها ألفوه ونصبوا بأيديهم غيره فعبدوه: فأولئك العرب. وسلكت طائفة من العجم سبيلهم في هذا، وفي عبادة ما استحسنوا من حوت ودابة ونجم ونار وغيره.

أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد) ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ، إلَى أَنْ قَالَ: أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ: وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ، تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ؟ ، أَلَمْ يُخْبِرْكُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَبَدَّلُوا، وَكَتَبُوا كِتَابًا بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالُوا: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} ؟. أَلَا يَنْهَاكُمْ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَكُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ؟ ، وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ. قال الله عز وجل (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الأم: (الحكم في تارك الصلاة) الأم: (أيضاً) باب (زكاة مال اليتيم) الأم: (أيضاً) باب (جماع فرض الزكاة)

الأم (أيضاً) : باب (هل تجب العمرة وجوب الحج) الأم (أيضاً) : باب (كراء الأرض البيضاء) الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في أمر النكاح) الرسالة: باب (البيان الثالث) الرسالة (أيضاً) : باب (جمل الفرائض) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيها) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وفرض اللَّه على اللسان: القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقرُّ به، فقال في ذلك: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ) الآية. وقال: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) الآية، فذلك ما فرض اللَّه على اللسان من القول، والتعبير عن القلب، وهو عمله، والفرض عليه من الإيمان.

قال الله عز وجل: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106) .

قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) . الرسالة: باب (ابتداء الناسخ والمنسوخ) قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم، (لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) الآية. وأنزل عليهم الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة، وفرض فيه فرائض) أثبتها، وأخرى نسخها رحمة لخلقه، بالتخفيف عنهم، وبالتوسعة عليهم، زيادة فيما ابتدأهم به من نعمة. وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم: جنته، والنجاة من عذابه. فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ. فله الحمد على نعمه. وأبان اللَّه لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب، وأن السنة لا ناسخة للكتاب، وإنما هي تبع للكتاب، بمثل ما نزل نصاً، ومفسرة معنى ما أنزل اللَّه منه جُملاً. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي كتاب الله دلالة عليه، قال - عز وجل -: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) الآية. فأخبر اللَّه أن نسخ القرآن وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله. وقال - عز وجل -: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ) الآية، وهكذا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينسخها إلا سنة

لرسول الله ولو أحدث الله لرسوله في أمر سنَّ فيه: غير ما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لسن فيما أحدث الله إليه حتى يبين للناس أن له سنة ناسخة للتي قبلها مما يخالفها. وهذا مذكور في سنته صلى الله عليه وسلم. فإن قال قائل: فقد وجدنا الدلالة على أن القرآن ينسخ القرآن لأنه لا مثل للقرآن فأوجدنا ذلك في السنة؟. قال الشَّافِعِي: فيما وصفت من فرض الله على الناس اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: دليل على أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قبلت عن الله فمن اتبعها فبكتاب الله تبعها ولا نجد خبرا ألزمه الله خلقه نصا بينا: إلا كتابه ثم سنة نبيه. فإذا كانت السنة كما وصفت لا شبه لها من قول خلق من خلق الله-: لم يجز أن ينسخها إلا مثلها ولا مثل لها غير سنة رسول لأن الله لم يجعل لآدمي بعده ما جعل له بل فرض على خلقه اتباعه فألزمهم أمره فالخلق كلهم له تبع ولا يكون للتابع أن يخالف ما فرض عليه اتباعه ومن وجب عليه اتباع سنة رسول الله لم يكن له خلافها ولم يقم مقام أن ينسخ شيئا منها. فإن قال: أفيحتمل أن تكون له سنة مأثورة قد نسخت ولا تؤثر السنة التي نسختها؟. فلا يحتمل هذا وكيف يحتمل أن يؤثر ما وضع فرضه ويترك ما يلزم فرضه؟! ولو جاز هذا خرج عامة السنن من أيدي الناس بأن يقولوا: لعلها منسوخة!! وليس ينسخ فرض أبدا إلا أثبت مكانه فرض. كما نسخت قبلة بيت المقدس فأثبت مكانها الكعبة. وكل منسوخ في كتاب وسنة هكذا. فإن قال قائل هل تنسخ السنة بالقرآن

قال الشَّافِعِي: لو نسخت السنة بالقرآن كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه سنة تبين أن سنته الأولى منسوخة بسنته الآخرة، حتى تقوم الحجة على الناس بأن الشيء ينسخ بمثله. فإن قال: ما الدليل على ما تقول؟ قال الشَّافِعِي: فما وصفت من موضعه من الإبانة عن الله معنى ما أراد بفرائضه، خاصاً وعاماً، مما وصفتُ في كتابي هذا، وأنه لا يقول أبداً لشيء إلا بحكم الله. ولو نسخ الله مما قال حكماً لسنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما نسخه سنة. ولو جاز أن يقال: قد سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نسخ سنته بالقرآن ولا يؤثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السنة الناسخة: جاز أن يقال: فيما حرَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البيوع كلها: قد يحتمل أن يكون حَرمها قبل أن يُنزل عليه (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية، وفيمن رَجَمَ من الزناة: قد يحتمل أن يكون الرجم منسوخاً؛ لقول الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، وفي المسح على الخفين: نسخت آية الوضوء المسح. وجاز أن يقال: لا يدرأ عن سارق سرق من غير حرز، وسرقته أقل من ربع دينار؛ لقول اللَّه تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) الآية. لأن اسم السرقة يلزم من سرق قليلاً وكثيراً، ومن حرز ومن غير حرز، ولجاز ردُّ كل حديث عن رسول اللَّه بأن يقال: لم يقله، إذا لم يجده مثل التنزيل، وجاز رد السنن بهذين الوجهين، فتُركت كل سنة معها كتاب جملة تحتمل سنته أن توافقه، وهي لا تكون أبداً إلا موافقة له، إذا احتمل اللفظ فيما روي عنه خلاف اللفظ في التنزيل بوجه، أو احتمل أن يكون في اللفظ عنه كثر مما في اللفظ في التنزيل، وإن كان محتمِلاً أن يخالفه من وجه.

وكتاب اللَّه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - تدل على خلاف هذا القول، وموافقة لما قلنا. وكتاب اللَّه البيان الذي يُشفى به من العَمَى، وفيه الدلالة على موضع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من كتاب اللَّه ودينه، واتباعه له، وقيامه بتبيينه عن اللَّه. اختلاف الحديث: (المقدمة) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولا ينسخ كتاب اللَّه إلا لقول اللَّه: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) الآية. وقوله: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ) الآية. فأبان أن نسخ القرآن لا يكون إلا بقرأن مثله، وأبان جل ثناؤه أنه فرض على رسوله اتباع أمره، فقال: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآية. وشهد له باتباعه، فقال جل ثناؤه: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ) الآية. فأعلم اللَّه خلقه أنه يهديهم إلى صراطه، قال فتُقام سنة رسول اللَّه مع كتاب اللَّه جل ثناؤه، مقام البيان عن اللَّه عدد فرضه كبيان ما أراد بما أنزل عاماً. العامَ أراد به أو الخاص، وما أنزل فرضاً وأدباً وإباحة وإرشاداً إلا أن شيئاً من سنة رسول الله يخالف كتاب اللَّه في حال، لأن اللَّه جل ثناؤه قد أعلم خلقه أن رسوله يهدي إلى صراط مستقيم صراط اللَّه، ولا أن شيئاً من سنن رسول اللَّه ناسخ لكتاب اللَّه، لأنه قد أعلم خلقه أنه إنما ينسخ القرآن بقرآن مثله، والسنة تبع للقرآن.

وقد اختصرت من إبانة السنة عن كتاب اللَّه بعض ما حضرني مما يدل على ما في مثل معناه إن شاء اللَّه، قال اللَّه جل ثناؤه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) . فدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عدد الصلاة، ومواقيتها والعمل بها وفيها، ودل على أنها على العامة الأحرار والمماليك من الرجال والنساء إلا الحُيض، فأبان منها المعاني التي وصفت. وأنها مرفوعة عن الحُيض. . . الخ. أحكام القرآن: (فصل في النسخ) أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم. . . وساق النص الوارد سابقاً في كتاب الرسالة. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) . سبق تفسيرها في الآية / 43، وانظر الإشارة إلى مواضع كلام الإمام الشَّافِعِي عنها في الآية / 83 من سورة البقرة.

قال الله عز وجل: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشافعى - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) قرأت - للإمام البيهقي - في كتاب: (المختصر الكبير) فيما رواه أبو إبراهيم المزني، عن الشَّافِعِي رحمه الله ألْه قال: أنزل اللَّه - عز وجل - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فرض القبلة بمكة، فكان يصلي في ناحية يستقبل منها البيت الحرام وبيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة، استقبل بيت المقدس، مولياً عن البيت الحرام ستة عشر شهراً - وهو يحب: لو قضى اللَّه إليه باستقبال البيت الحرام، لأن فيه مقام أبيه إبراهيم وإسماعيل؛ وهو المثابة للناس والأمن، وإليه الحج، وهو المأمور به: أن يُطهر للطائفين والعاكفين والركع السجود. مع كراهية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما وافق اليهود، فقال لجبريل - عليه السلام -: "لودِدت أن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها"؛ فأنزل اللَّه - عز وجل: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) الآية. يعني - والله أعلم -: فثم الوجه الذي وجهكم اللَّه إليه، فقال جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (يا محمد أنا عبد مأمور مثلك، لا أملك شيئاً، فسل الله) فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يوجهه إلى البيت الحرام، وصَعِد جبريل إلى السماء، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يديم طرفه إلى السماء: رجاء أن يأتيه جبريل - صلى الله عليه وسلم - بما سأل.

قال الله عز وجل: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا)

فأنزل اللَّه - عز وجل - (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) إلى قوله: (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) . قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) الأم: باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عز وجل -: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) إلى قوله: (وَالركعِ السُّجُودِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: المثابة في كلام العرب: الموضع يثوب الناس إليه. ويثوبون: يعودون إليه بعد الذهاب منه، وقد يقال ثاب إليه: اجتمع إليه. فالمثابة: تجمع الاجتماع. ويثوبون: يجتمعون إليه راجعين بعد ذهابهم منه ومبتدئين. قال ورقة بن نوفل يذكر البيت:

قال الله عز وجل: (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم (129)

مثاباً لأفناء القبائل كلها ... تخبُّ إليه اليعملات (1) الذوامل وقال خداش بن زهير النصري: فما برحت بكر تثوب وتدعى ... ويلحق منهم أولون وآخِر أحكام القرآن: (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الحج) أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم ساق ما ورد في الأم حرفياً. قال الله عزَّ وجلَّ: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) الرسالة: باب (بيان فَرَض الله في كتابه اتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وضع اللَّه رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جل ثناؤه أنه جعله علماً لدينه، بما افترض من طاعته، وحرّم من معصيته، وأبان من فضيلته، بما قَرَنَ من الإيمان برسوله مع الإيمان به.

_ (1) اليعملات: جمع يعمله: وهي الناقة السريعة اللينة.

فجعل كمال ابتداء الإيمان، الذي ما سواه تبع له: (الإيمان بالله ثم برسوله) . فلو آمن عبد به، ولم يؤمن برسوله: لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً. حتى يؤمن برسوله معه. وهكذا سنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل من امتحنه للإيمان. أخبرنا مالك، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن عمر بن الحكم قال: أتيت رسول اللَّه بجارية، فقلت: يا رسول اللَّه، عليُّ رقبة، أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله؟ " فقالت: في السماء، "ومن أنا؟ " قالت: أنت رسول اللَّه، قال: "فاعتِقها" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ففرض اللَّه على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله، فقال: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) . أحكام القرآن: فصل (فرض الله - عزَّ وجلَّ في كتابه واتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فرض اللَّه تعالى على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال في كتابه: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) .

قال الله عز وجل: (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (132)

وقال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) . وقال - عز وجل -: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فذكر اللَّه تعالى الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا يشبه ما قال - واللَّه أعلم - بأن القرآن ذكر واتبعته الحكمة، وذكرَ الله - عز وجل - منته على خلقه بئعليمهم الكتاب والحكمة. فلم يجز - واللَّه أعلم - أن تعدّ الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللَّه، وأن الله قد افترض طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحتّم على الناس اتباع أمره. فلا يجوز أن يقال لقول: فرض إلا لكتاب الله، ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبينة عن الله ما أراد دليلاً على خاصه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بكتابه، فاتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) الأم: المرتد عن الإسلام: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ومن اننقل عن الشرك إلى الإيمان، ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك - مِن بالغي الرجال والنساء - استتيب، فإن تاب قُبلَ منه، وإن لم يتب قُتِلَ، قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) إلى قوله: (هُم فِيهَا خَالِدُون) الآية.

قال الله عز وجل: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق)

قال الشَّافِعِي: أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن حماد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف، عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغبر نفس" الحديث. ومعنى حديث عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كفر بعد إيمان " ومعنى من بدَّل: قُتِل، معنى يدل على أن من بدل دينه دين الحق - وهو الإسلام -، لا من بدَّل غير الإسلام، وذلك أن من خرج من غير دين الإسلام إلى غيره من الأديان، فإنما خرج من باطل إلى باطل، ولا يقتل على الخروج من الباطل، إنما يقتل على الخروج من الحق، لأنه لم يكن على الدين الذي أوجب الله - عزَّ وجلَّ عليه الجنة وعلى خلافه النار. إنما كان على دين له النار إن أقام عليه، قال اللَّه جل ثناؤه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) الآية. وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) . وقال: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) إلى قوله: (مسْلِمُون) الآية. قال الله عزَّ وجلَّ: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام. وصحة اعتقاده فيهما) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وفرض اللَّه على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد، وأقرَّ به، فقال في ذلك: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ) الآية، وقال:

قال الله عز وجل: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (142)

(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) الآية، فذلك ما فرض الله على اللسان من القول، والتعبير عن القلب، وهو عمله، والفرض عليه من الإيمان. قال الله عزَّ وجلَّ: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) الرسالة: باب (فرض الصلاة للذي دل الكتاب ثم السنة على من تزول عنه بالعذر وعلى من لا تكتب صلاته بالمعصية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ووجه اللَّه رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس، فكانت القبلة التي لا يحل - قبل نسخها - استفبال غيرها، ثم نسخ الله قِبلَة بيت المقدس، ووجهه إلى البيت فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس أبداً لمكتوبة، ولا في أن يستقبل غير البيت الحرام. وقال الشَّافِعِي أيضاً: وكل كان حقاً في وقته، فكان التوجه إلى بيت المقدس - أيام وجه اللَّه إليه نبيه - حقاً، ثم نسخه، فصار الحق في التوجه إلى البيت الحرام أبداً، لا في استقبال غيره في مكتوبة إلا في بعض الخوف - أي: بعض أوجه صلاة الخوف - أو نافلة في سفر، استدلالاً بالكتاب والسنة. وهكذا كل ما نسخ اللَّه - ومعنى (نَسَخَ) : ترك فرضه - كان حقاً في وقته، وتركه حقاً إذا نسخه اللَّه، فيكون من أدرك فرضه مطيعاً به وبتركه، ومن لم يُدركِ فرضه مطيعاً باتباع الفرض الناسخ له.

قال اللَّه لنبيه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) الآية. فإن قال قائل: فأين الدلالة على أنهم حولوا إلى قبلةِ بعد قبلةِ؟ ففي قول اللَّه: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) . قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، قال: "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح اذ جاءهم آتٍ فقال: إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن، قد أمِرَ أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة" الحديث. وأخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة عشر شهراً نحو بيت المقدس، ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين. اختلاف الحديث: المقدمة (من أمثلة الكلام على النسخ / نسخ الكتاب بالكتاب) قال الشَّافِعِي رحمه الله: والناسخ من القرآن؛ الأمر ينزله الله من بعد الأمر يخالفه، كما حول القبلة، قال - عز وجل -: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) الآية،

وقال: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَ) الآية، وأشياء له كثيرة في غير موضع. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) البقرة: 49 ا-.15، الآية. عدة أقوال - منها -: وقيل: في تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها، إلى غيرها، وهذا أشبه. ما قيل فيها - واللَّه أعلم - لقول اللَّه: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَ) إلى قوله: (مُسْتَقِيمٍ) الآية. فأعلمَ اللَّه نبيه - صلى الله عليه وسلم -: أنه لا حجة عليهم في التحويل، يعني لا يتكلم في ذلك أحد بشيء يريد الحجة، إلا الذين ظلموا منهم. لا أن لهم حجة (أي: الذين ظلموا) ، لأن عليهم (أي: الرسول ومن معه) أن ينصرفوا عن قبلتهم، إلى القبلة التي أمِرُوا بها.

قال الله عز وجل: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رهه الله تعالى: وفي قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) هِ الآية، لقوله: إلا لنعلم أن قد عَلِمَهم من يتبع الرسول، وعِلْمُ الله كان - قبل اتباعهم وبعده - سواء. وقد قال المسلمون: فكيف بما مضى من صلاتنا، ومن مضى منا؟ فأعلمهم الله: أن صلاتهم إيمان فقال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُم) الآية. مناقب الشافعى: باب (ما يؤثر عنه في الإيمان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وسمَّى - الله - الطهور والصلوات إيماناً في كتابه، وذلك حين صرف الله تعالى وجه نبيه - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة إلى بيت المقدس، وأمره بالصلاة إلى الكعبة.

وكان المسلمون قد صلّوا إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً فقالوا: يا رسول الله، أرأيت صلاتنا التى كنا نصليها إلى بيت المقدس، ما حالها وحالنا؟ فأنزل اللَّه تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) الآية. فسمَّى الصلاة إيماناً، فمن لقي ربه حافظاً لصلواته، حافظاً لجوارحه، مؤدياً بكل جارحة من جوارحه ما أمر اللَّه به وفرض عليها لقي اللَّه مستكمل الإيمان من أهل الجنة، ومن كان لشيء منها تاركاً متعمداً مما أمر اللَّه به لقي اللَّه ناقص الإيمان. وفيما حُكِي عن المزني، عن الشَّافِعِي رحمهما اللَّه أنه قال: قوله - عز وجل -: (إِلاً لِنَعلَمَ مَن يَتبعُ اَلرسُولَ) الآية، وعِلمُ اللَّه، كان قبل اتباعهم وبعده، سواء. قال الله عزَّ وجلَّ: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الأم: من كتاب جماع العلم (التكليف بالاجتهاد في التأخِّي لما أمر بطلبه) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وشطره: قصده، وذلك تلقاؤه، قال: أجل.

قلت (أي: الشَّافِعِي) وقال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الآية. وقال: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) الآية. وخلق الجبال والأرض، وجعل المسجد الحرام حيث وَضَعَه من أرضه، فكلّف خلقه التوجه إليه: 1 - فمنهم من يرى البيت فلا يسعه إلا الصواب بالقصد إليه. 2 - ومنهم من يغيب عنه، وتنأى داره عن موضعه، فيتوجه إليه بالاستدلال بالنجوم، والشمس والقمر، والرياح، والجبال، والمهاب، كل هذا قد يستعمل في بعض الحالات ويدل فيها ويستغني بعضها عن بعض. قال: هذا كما وصفتَ، ولكن على إحاطة أنت من أن تكون إذا توجهت أصبت؟ قلت: أما على إحاطةٍ من أني إذا توجهت أصبت ما أكلف، وإن لم أكلف أكثر من هذا فنعم. قال: أفعلى إحاطةٍ أنت من صواب البيت بتوجهك؟ قلتُ: أفهذا شيء كلفت الإحاطة في أصله البيت؛ وإنَّما كُلفت الاجتهاد. قال: فما كُلفت؟ ، قلتُ: التوجه شطر المسجد الحرام، فقد جئت بالتكليف، وليس يعلم الإحاطة بصواب موضع البيت آدمي إلا بعيان، فأمّا ما غاب عنه من عينه فلا يحيط به آدمي. قال: فنقول: أصبت؛، قلتُ: نعم، على معنى ما قلتَ أصبتُ ما أمِزتُ به. فقال: ما يصح في هذا الجواب أبداً غير ما أجبتَ به، وإن من قال: كلفت الإحاطة بأن أصيب، لزعم أنه لا يصلي إلا أن

يحيط بأن يصيب أبداً. وإن القرآن ليدل كما وصفت على أنه إنما أمر بالتوجه إلى المسجد الحرام. والتوجه: هو التأخِّي والاجتهاد، لا الإحاطة. الأم (أيضاً) : من فصل (الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر) وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فإن قال قائل: فأين هذا؟ قيل: مثل الكعبة من رآها صلى إليها، ومن غاب عنها توجه إليها بالدلائل عليها، لأنها الأصل، فإن صلّى غائباً عنها برأي نفسه بغير اجتهاد بالدلائل عليها كان مخطئاً، وكانت عليه الإعادة. وكذلك الاجتهاد فمن اجتهد على الكتاب والسنة فذلك. ومن اجتهد على غير الكتاب والسنة كان مخطئاً. .. ولا يجوز أن يعمل ذلك برأي نفسه على غير أصل، كما إذا كان الكتاب والسنة موجودين، فآمره يترك الدلائل وآمره يجتهد برأيه! وهذا خلاف كتاب اللَّه - عز وجل لقوله تعالى: وَحَيثُ مَا كُنتُز فَوُّلواً وُجُوهَكُثم شَظرَهُ و) الآية. الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دلَّ الكتاب ثم السنة على من تَزول عنه بالعذر وعلى من لا تكتب صلاته بالمعصية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجه اللَّه رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس، فكانت القبلة التي لا يحل - قبل نسخها - استقبال غيرها.

اختلاف الحديث: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والناسخ من القرآن الأمر ينزله اللَّه من بعد الأمر يخالفه، كما حَول القبلة، فقال - عز وجل -: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) . أحكام القرآن: من فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله: (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) الآية، يقال: يجدون - فيما نزل عليهم - أن النبي الأمِّي من ولد إسماعيل بن إبراهبم علبهم السلام. يخرج من الحرم، وتعود قبلته وصلاته مخرجه. (يعني الحرم) . الزاهر باب (القبلة) : ذكر الشَّافِعِي - رحمه الله -: قول اللَّه - عز وجل -: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الآية. وقوله: (فَوَل وَجهَكَ) ، أي: أقبل بوجهك، فوجِّه وجهك. وكذلك قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) الآية، أي: مستقبلها.

قال الله عز وجل: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون (149)

وقال أبو العباس (أحمد بن يحيى) : التولية هاهنا: إقبال، وقد تكون (التولية) إدباراً كقولك: وَلِّ عني وجهك، أي: أدبر عني بوجهك، وقد ولى: إذا أدبر. وأما قوله تعالى: (شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الآية، فشطره: تلقاؤه وجهته ونحوه. وأصل الشطر: النحو، وقول الناس: فلان شاطِر معناه: قد أخذ في نحو غير الاستواء. ويقال: هؤلاء قوم يشاطروننا، أي: دُورُهم تقابل دورنا، كما تقول: هم يناحوننا، أي: نحن ننحُو نحوهم، وينحون نحونا. وشطر كل شيء: نصفه. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) الأم: كتاب جماع العلم: باب (حكاية من رد خبر الخاصة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فرض الله على الناس التوجه في القبلة إلى المسجد الحرام، فقال سبحانه: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) إلى قوله: (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) . ثم قال: أفرأيت إذا سافرنا واختلفنا في القبلة، فكان الأغلب على أنها في جهة، والأغلب على غيري في جهة، ما الفرض علينا؟. فإن قلتَ: الكعبةُ فهي وإن كانت ظاهرة في موضعها فهي مغيبة عمن نأوا عنها، فعليهم أن يطلبوا التوجه لها غاية جَهدهم على ما أمكنهم، وغلب بالدلالات في قلوبهم. فإذا فعلوا وسعهم الاختلاف، وكان كل مؤدياً للفرض عليه، لأن الفرض عليه الاجتهاد في طلب الحق المغيب عنه.

الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإن قال قائل: أرأيت ما لم يمض فيه كتاب. ولا سنة، ولا يوجد الناس اجتمعوا عليه، فأمرت بأن يؤخذ به قياساً على كتاب الله أو سنة، أيقال لهذا: قُبِلَ عن اللَّه؟ قيل: نعم، قبلت جملته عن اللَّه. فإن قيل: ما جملته؟ قيل: الاجتهاد فيه على الكتاب والسنة. فإن قيل: أفيوجد في الكتاب دليل على ما وصفت؟ قيل: نعم، نسخ الله قبلة بيت المقدس وفرض على الناس التوجه إلى البيت، فكان على من رأى البيت أن يتوجه إليه بالعيان. وفرض اللَّه على من غاب عنه البيت، أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام. لأن البيت في المسجد الحرام، فكان المحيط بأنه أصاب البيت بالمعاينة، والمتوجه قَصد البيت ممن غاب عنه قابلين عن اللَّه معاً التوجه إليه. وأحدهما على الإحاطة، والآخر متوجِّة بدلالة، فهو على إحاطة من صواب جملة ما كُلف، وعلى غير إحاطة كإحاطة الذي يرى البيت من صواب البيت، ولم يكلف الإحاطة. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) الأم: باب (استقبال القبلة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فنصب الله - عزَّ وجلَّ لهم البيت والمسجد. فكانوا إذا رأوه فعليهم استقبال البيت، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى مُسْتَقْبِلَه، والناس معه

حوله من كل جهة، ودلهم بالعلامات التي خَلَقَ لهم، والعقول التي ركب فيهم على قصد البيت الحرام، وقصد المسجد الحرام، وهو: قصد البيت الحرام. فالفرض على كل مصل فريضةً، أو نافلةً، أو على جنازة، أو ساجد لشكر، أو سجود قرآن، أن يتحرى استقبال البيت إلا في حالين: أرخص اللَّه تعالى فيهما سأذكرهما إن شاء الله تعالى. الأم (أيضاً) : باب (كيف استقبال البيت) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: واستقبال البيت وجهان: أولاً: فكل من كان يقدر على رؤية البيت ممن بمكة في مسجدها، أو منزل منها، أو سهل، أو جبل، فلا تجزيه صلاته حتى يصيب استقبال البيت؛ لأنه يدرك صواب استقباله بمعاينته. ثانياً: وإن كان أعمى وسعه أن يستقبل به غيره البيت، ولم يكن له أن يصلي وهو لا يرى البيت بغير أن يستقبله به غيره، فإن كان في حال لا يجد أحداً يستقبله به، صلى وأعاد الصلاة؛ لأنه على غير علم، من أنه أصاب استقبال القبلة، إذا غاب عنه بالدلائل التي جعلها الله، من النجوم، والشمس، والقمر، والرياح وغيرها، مما يستدل به أهل الخبرة على التوجه إلى البيت.

الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قيل فبم يتوجه إلى البيت؟ قيل: قال اللَّه تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) وقال: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) . وكانت العلامات جبالاً يعرفون مواضعها من الأرض، وشمساً، وقمراً، ونجماً مما يعرفون من الفَلَكِ، ورياحاً يعرفون مهابها على الهواء، تدل على قصد البيت الحرام، فجعل عليهم طلب الدلائل على شطر المسجد الحرام فقال: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) الآية. وكان معقولاً عن اللَّه - عز وجل - أن يأمرهم بتولية وجوههم شطره، بطلب الدلائل عليه، لا بما استحسنوا، ولا بما سنح في قلوبهم، ولا خطر على أوهامهم بلا دلالة جعلها اللَّه لهم، لأنه قضى ألَّا يتركهم سدى، وكان معقولاً عنه لأنَّه إذا أمرهم أن يتوجهوا شطره، وغيب عنهم عينه، أن لم يجعل لهم أن يتوجهوا حيث شاؤوا لا قاصدين له بطلب الدلالة عليه. الرسالة: باب (كيف البيان؟) : وقال سبحانه: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فدلهم جل ثناؤه إذا غابوا عن عين المسجد الحرام على صواب الاجتهاد، مما فرض عليهم منه، بالعقول التي ركب فيهم، المميزة بين الأشياء وأضادها، والعلامات التي نصب لهم دون عين المسجد الحرام الذي أمرهم بالتوجه شطره. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ففرض عليهم الاجتهاد بالتوجه شطر المسجد الحرام، مما دلهم عليه مما وصفت، فكانوا ما كانوا مجتهدين غير مزايلين أمره جل ثناؤه، ولم يجعل لهم إذا غاب عنهم عين المسجد الحرام أن يصلوا حيث شاؤوا. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) الآية. قيل في ذلك - واللَّه أعلم -: لا تستقبلوا المسجد الحرام من المدينة إلا وأنتم مستدبرون بيت المقدس، وإن جئتم من جهة نجد اليمن - فكنتم تستقبلون البيت الحرام، وبيت المقدس - استقبلتم المسجد الحرام، لا أنَّ إرادتكم (قصدكم وجهتكم) بيت المقدس، وإن استقبلتموه باستقبال المسجد الحرام، ولا أنتم كذلك تستقبلون ما دونه ووراءه، لا إرادة أن يكون قبلة، ولكن جهة قبلة.

وقيل: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) الآية، في استقبال قبلة غيركم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما حول اللَّه رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد الحرام صلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أكثر صلاته مما يلي الباب من جهة وجه الكعبة، وقد صلّى من ورائها والناس معه مصطفين بالكعبة مستقبليها كلها، مستدبرين ما ورائها من المسجد الحرام. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله - عز وجل -: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الآية، فشطره وتلقاؤه وجهته: واحد في كلام العرب. واستدل عليه ببعض ما في كتاب الرسالة. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال الله تبارك وتعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) الآية. ففرض عليهم حيث ما كانوا: أن يولوا وجوههم شطره. وشطره: جهته في كلام العرب. إذا قلت: أقصد شطر كذا، معروف أنك تقول: أقصد قصد عين كذا، يعني: قصد نفس كذا: وكذلك (تلقاؤه وجهته) أي: استقبل تلقاءه وجهته، وكلها بمعنى واحد، وإن كانت بألفاظ مختلفة.

قال خُفَاف بن ندْبَة: ألا من مبلغ عَمْراً رسولاً ... وما تغني الرسالة ُ شطرَ عمرو وقال ساعدة بن جُؤَية: أقول لأم زنباع أقيمي ... صدورَ العيسِ شطرَ بني تميم وقال لقيط الأيادي: وقد أظلكم من شطر ثغركم ... هول له ظُلَم تغشاكم قطعاً وقال الشاعر: إن العسيرَ بها داة مُخامِرُها ... فشطرها بصرُ العينينِ مَحْسُورُ قال الشَّافِعِي رحمه الله: يريد تلقاءها بصرُ العينين ونحوها: تلقاء جهتها. وهذا كله - مع غيره من أشعارهم - يبين أن شطر الشيء: قَصْد عين الشيء، إذا كان معايناً: فبالصواب (أي: التصويب إليه) ، وإن كان مغيَّباً فبالاجتهاد والتوجُّه إليه، وذلك أكثر ما يمكنه فيه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقيل: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) الآية. في استقبال قبلة غيركم، وقيل في تحويلكم عن قبلتكم التي كنتم عليها إلى غيرها - وهذا أشبه ما قيل فيها والله أعلم -.

قال الله عز وجل: (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (151)

قال الله عزَّ وجلَّ: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) الرسالة: بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال جل ثناؤه: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) . فذكر اللَّه الكتاب (وهو القرآن) وذكر الحكمة. فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول اللَّه. وهذا يشبه ما قال - واللَّه أعلم -؛ لأن القرآن ذكر وأتبِعَتْهُ الحكمة، وذكر اللَّه مَنَّهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز - واللَّه أعلم - أن يقال الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللَّه، وأن اللَّه افترض طاعة رسوله، وحتَّم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول: فرضٌ إلا لكتاب اللَّه ثم سنة رسوله. لما وصفنا من أن اللَّه جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به. وسنة رسول اللَّه مبينة عن اللَّه معنى ما أراد دليلاً على خاصّه وعامّه. ثم قَرَنَ الحكمة بها بكتابه فاتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحدٍ من خلقه غيرِ رسوله.

قال الله عز وجل: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) : أخبرنا أبو عبد الرحمن (محمد بن الحسين السُّلمي) ، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان، يقول: سمعت جعفر بن أحمد الخلاطي، يقول: سمعت الربيع ابن سليمان يقول: سئل الشَّافِعِي عن قول الله عزَّ وجلَّ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: الخوف: خوف العدو. والجوع: جوع شهر رمضان. ونقص من الأموال: الزكوات. والأنفس: الأمراض. والثمرات: الصدقات. وبشر الصابرين: على أدائها. قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) الأم: باب (تقديم الوضوء ومتابعته) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قول اللَّه - عز وجل -: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) الآية. فبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصفا وقال: "نبدأ بما بدأ الله

به" الحديث، ولم أعلم خلافاً أنه لو بدأ بالمروة ألغى طوافاً حتى يكون بدؤه بالصفا، وكما قلنا في الجمار (أي: رمي الحجار) إن بدأ بالآخرة (أي: رمي جمرة العقبة) قبل الأولى (أي: الجمرة الصغرى) ، أعاد حتى تكون بعدها، وإن بدأ الطواف بالصفا والمروة قبل الطواف بالبيت أعاد. مختصر المزني: باب (سنة الوضوء) : بعد أن ذكر حكم من صلى بوضوء على غير ولاء (أي: قدم عضواً على عضو) ، رجع فبنى على الولاء من وضوئه، وأعاد الصلاة، واحتج بقول الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) الآية، فبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصفا وقال: نبدأ بما بدأ الله به" الحديث. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعانى في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أمر اللَّه، وبدأ بما بدأ اللَّه به، فأشبه - واللَّه أعلم - أن يكون على المتوضئ في الوضوء شيئان: 1 - أن يبدأ بما بدأ اللَّه ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - به منه. 2 - ويأتي على إكمال ما أمِر به.

وشبهه بقول اللَّه - عز وجل -: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) الآية، فبدأ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالصفا وقال: "نبدأ بما بدأ الله به" الحديث. آداب الشَّافِعِي ومناقبه: ما روى الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الشَّافِعِي من الآثار والمسائل: أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو محمد، أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل. قال سمعت أبي بقول: أدخل الشَّافِعِي عليهم (يعني: أصحاب أبي حنيفة) : إذا بدأ المتوضئ بعضو دون عضو فقال: قال الله - عز وجل -: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) الآية، فقالوا (يعني: أصحاب أبي حنفية) : إذا بدأ بالمروة قبل الصفا يعيد ذلك الشوط. مناقب الشَّافِعِي: ما يستدل به على فقه الشَّافِعِي، وتقدمه فيه، وحسن استنباطه: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: أخبرني الحسين بن محمد الدارمي قال: أخبرنا عبد الرحمن يعني: بن محمد قال: أخبرني عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل في كتابه، قال سمعت أبي يقول:. . . ثم ساق الحديث بتمامه. قلت: أخذ الشَّافِعِي بمسألة ترتيب أعمال الوضوء، من ترتيب أعمال الوضوء الوارد في الآية، وقياسه على بداية السعي بين الصفا والمروة من سياق النظم (القرآني) كذلك، ومن السنة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله، وذلك عندما دنا من الصفا في حَجِّه قرأ آية: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) الآية، وقال: "ابدؤوا بما بدأ الله بذكره".

قال الله عز وجل: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد

ثم بدأ سعيه بالصفا فرقِيَ عليه. وهو مذهب الجمهور (الشَّافِعِي، ومالك، وأحمد، وأصحاب أبي حنيفة، وعطاء في رواية عنه) . قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) الأم: كتاب (صلاة الكسوف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فذكر اللَّه - عز وجل - الآيات، ولم يذكر معها سجوداً إلا مع الشمس والقمر، وأمر بألَّا يُسجد لهما، وأمر بأن يُسجد له، فاحتمل أمره أن يَسجد له عند ذكر الشمس والقمر، بأن يأمر بالصلاة عند حادث في الشمس والقمر، واحتُمل أن يكون إنما نهى عن السجود لهما، كما نهى عن عبادة ما سواه، فدلّت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يُصلَّى لله عند كسوف الشمس والقمر، فأشبه ذلك معنيين: أحدهما: أن يُصلَّى عند كسوفهما لا يختلفان في ذلك. وثانيهما: ألَّا يؤمر عند كل آية كانت في غيرهما بالصلاة، كما أمر بها عندهما، لأن اللَّه تبارك وتعالى لم يذكر في شيء من الآيات صلاة، والصلاة في كل حال طاعة لله تبارك وتعالى، وغبطة لمن صلاها.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيصفى عند كسوف الشمس والقمر صلاة جماعة. ولا يُفعل ذلك في شيء من الآيات غيرها. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : وقد نقل فيه ما ورد في الأم حرفياً. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في دلائل التوحيد) : أورد البيهقي في مناقبه قصة الحوار بين الشَّافِعِي - رحمه اللَّه - وبشر المريسي، فقال له بشر: أخبرني ما الدليل على أن اللَّه تعالى واحد؟ فقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: يا بشر، ما تدرك من لسان الخواص فأكلمك على لسانهم؛ إلا أنه لابد لي من أن أجيبك على مقدارك من حيث أنت. الدليل عليه به، ومنه وإليه: واختلاف الأصوات من المصوِّت إذا وكان المحرك واحداً: دليل على أنه واحد. - وعدم الضد في الكلام على الدوام: دليل على أن اللَّه واحد. - وأربع نيران مختلفات في جسد واحد، متفقات الدوام على تركيبه في استقامة الشكل: دليل على أنه واحد.

قال الله - عز وجل -: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (173)

- وأربع طبائع مختلفات في الخافقين أضداد غير أشكال، مُؤَلِّفات على إصلاح الأحوال: دليل على أنه واحد. قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) . كل ذلك: دليل على أن اللَّه واحد لا شريك له. أعلام النبلاء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد مناظرة لتلميذه المزني رحمه اللَّه تعالى: ارجع إلى الله، وإلى قوله: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الآية. فاستدِلَّ بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلف عِلْمَ ما لم يبلغه عقلك. قال - المزني -: فتبت. قال الله - عزَّ وجلَّ -: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) الأم: فصل (ما يحل بالضرورة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال اللَّه تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فيحلّ ما حرّم من مينة ودم ولحم خنزير. وكلّ ما حرم مما يغير العقل من الخمر للمضطر. والمضطر: الرجل يكون بالموضع، لا طعام فيه معه، ولا شيء يسد فورة جوعه من لبن وما أشبهه، ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض، وإن لم يخف الموت، أو يضعفْه ويضره، أو يعتل أو يكون ماشياً فيضعفُ عن بلوغ حيث يريد، أو راكباً فيضعف عن ركوب دابته، أو ما في هذا المعنى من الضرر البين، فأيُّ هذا ناله فله أن يأكل من المحرّم. وكذلك يشرب من المحرّم غير المسكر، مثل الماء تقع فيه الميتة وما أشبهه. وأحبَ إليَّ أن يأكل آكله إن أكل، وشاربه إن شرب، أو جمعهما، فعلى ما يقطع عنه الخوف ويبلغ به بعض القوة، ولا يبين أن يحرم عليه أن يشبع ويروى، وإن أجزأه دونه؛ لأن التحريم قد زال عنه بالضرورة. وإذا بلغ الشِّبع والري فليس له مجاوزته، لأن مجاوزته حينئذ إلى الضرر أقرب منه إلى النفع. ومن بلغ إلى الشبع فقد خرج في بلوغه من حد الضرورة، وكذلك الري. ولا بأس أن يتزود معه من الميتة ما اضطر إليه، فإذا وجد الغنى عنه طرحه. ولو تزود معه ميتة فلقي مضطراً أراد شراءها منه، لم يحلّ له ثمنها، إنما حل له منها منع الضرر البين على بدنه لا ثمنها. الأم (أيضاً) : فصل (السفر الذي تقصر في مثله الصلاة بلا خوف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وسواء في القصر المريض والصحيح، والعبد والحر، والأنثى والذكر إذا سافروا معاً في غير معصية اللَّه تعالى، فأما من سافر

باغياً على مسلم، أو معاهد، أو يقطع طريقاً، أو يفسد في الأرض، أو العبد يخرج آبقاً من سيده، أو الرجل هارباً ليمنع حقاً لزمه، أو ما في مثل هذا المعنى أو غيره من المعصية فليس له أن يقصر، فإن قصر أعاد كل صلاة صلاها؛ لأن القصر رخصة، وإنما جعلت الرخصة لمن لم يكن عاصياً، ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) الآية، وهكذا لا يمسح على الخفين، ولا يجمع الصلاة مسافر في معصية، وهكذا لا يصلِّي إلى غير القبلة نافلة، ولا يخفف عمن كان سفره في معصية اللَّه تعالى. مختصر المزني: باب (صلاة المسافر والجمع في السفر) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وليس لأحد سافر في معصية أن يقصر، ولا يمسح مسح المسافر فإن فعل أعاد، ولا تخفيف على من سفره في معصية. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشافعى - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والقصر لمن خرج في غير معصية: في السنة. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فأما من خرج باغياً على مسلم. . . ثم ساق ما ورد في الأم الفقرة السابقة وزاد البيهقي: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأكره ترك القصر، وأنهى عنه، إذا كان رغبة عن السنة فيه. يعني لمن خرج في غير معصية.

قال الله - عز وجل -: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه

أحكام القرآن: فصل (ما يؤثر عنه في الصيد والذبائح وفي الطعام والشراب) : وقال تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) الآية. قال في ذكر ما حُرِّم: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) . فيحل ما حُرِّم من الميتة ولحم الخنزير، وكل ما حُرِّم - مما لا يغير العقل: من الخمر - للمضطر. قال الله - عزَّ وجلَّ -: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) اختلاف الحديث: باب (عطية الرجل لولده) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد حمد اللَّه - جل ثناؤه -، على إعطاء المال والطعام في وجوه الخير وأمر بهما، فقال - عز وجل -: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) الآية. وقال - عز وجل -: (مِسْكِينًا وَيَتِيمًا) .

الآية، وقال عزَّ وجلَّ: (وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) الآية، وقال عزَّ وجلَّ: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) الآية، وقال عزَّ وجلَّ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) الآية. فإذا جاز ذلك للأجنبيين وذوي القربى، فلا أقرب من الولد، وذلك أن الرجل إذا أعطى ماله ذا قرابته غير ولده، أو أجنبياً فقد منعه ولده وقطع ملكه عن نفسه، فإذا كان محموداً على هذا كان محموداً أن يعطيه بعض ولده دون بعض، ومَنع بعضهم ما أخرج من ماله أقل من منعهم كلهم. ويستحب له أن يسوِّي بينهم، لئلا يقصّر واحدٌ منهم في برِّه، فإن القرابة تتفُسُ بعضها بعضاً ما لم تنفس البعادة. قال الربيع: يربد البعداء. وقد فضَّل أبو بكر - رضي الله عنه - عائشة بنِحل، وفضَّل الخليفة عمر - رضي الله عنه - عاصم بن عمر بشيء أعطاه إياه، وفضل عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - ولد أم كلثوم. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: لو اتصل حديث طاووس، أنه لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد فيما وهب لولده لزعمت أن من وهب هبة - لمن يستثيبه مثله أو لا يستثيبه - وقُبِضَت الهبة لم يكن للواهب أن يرجع في هبته؛ وإن لم يثبه الموهوب له - واللَّه أعلم -.

قال الله عز وجل: (كتب عليكم القصاص في القتلى)

أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ويقال: إن اليهود قالت: البر في استقبال المغرب، وقالت النصارى: البر في استقبال المشرق بكل حال، فأنزل الله) فيهم: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) الآية. يعني - واللَّه أعلم - وأنتم مشركون، لأن البر لا يكتب لمشرك. فلما حوَّل اللَّه رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد الحرام، صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر صلاته مما يلي الباب من وجه الكعبة، وقد صلى من ورائها والناس معه. مطيفين بالكعبة، مستقبليها كلها، مستدبرين ما وراءها من المسجد الحرام. قال الله عزَّ وجلَّ: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) الأم: باب (جماع ايجاب القصاص في العمد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فالقصاص إنما يكون ممن فعل ما فيه القصاص، لا ممن لم يفعله، فاخكَم اللَّه - عز ذكره - فَرض القصاص في كتابه، وأبانت السنة لمن هو؟ وعلى من هو؟. أخبرنا الربيع قال:

أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم أو عن عيسى بن أبي ليلى، عن أبي ليلى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ("من اعتبط مومناً بقتل فهو قَوَدُ يده، إلا أن يرضى ولي المقتول، فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل منه صرف ولا عدل. الأم (أيضاً) : باب (الحكم في قتل العمد) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ويقال: من العلم العام الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته، فحدثنيه، وبلغني عنه - من علماء العرب - أنها كانت قبل نزول الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تباين في الفضل، ويكون بينها ما يكون بين الجيران، من قتل العمد والخطأ، فكان بعضها يعرف لبعض الفضل في الديات، حتى تكون دية الرجل الشريف أضعاف دية الرجل دونه، فأخذ بذلك بعض من بين أظْهُرهَا - من غيرها - بأقصد مما كانت تأخذ به، فكانت دية النضيري ضعف دية القُرَظي.

وكان الشريف من العرب إذا قتل، يجاوز قاتله إلى من لم يقتله من أشراف القبيلة التي قتله أحدها، وربما لم يرضوا إلا بعددٍ يقتلونهم، فقتل بعض غِني شأسَ بن زهير فجمع عليهم أبوه زهير بن جَذِيمة، فقالوا له - أو بعض من نُدب عنهم -: سل في قتل شأس. فقال: إحدى ثلاث لا يغنيني غيرها، قالوا: وما هي؟ قال: تحيون لي شأساً! أو تملؤون ردائي من نجوم السماء! أو تدفعون إلي غنياً بأسرها فأقتلها، ثم لا أرى أني أخذت منه عوضاً!. وقَتَل كليب واثل: فاقتتلوا دهراً طويلاً، واعتزلهم بعضهم، فأصابوا ابناً له يقال له: بُجَيْر، فأتاهم فقال: قد عرفتم عزلتي، فبجير بكليب - وهو أعز العرب -، وكفوا عن الحرب فقالوا: بحير بشسع (نعل) كليب، فقاتلهم وكان معتزلاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال إنه نزل في ذلك وغيره مما كانوا يحكمون به في الجاهلية - هذا الحكم الذي أحكيه كله بعد هذا - وحَكَمَ اللَّه تبارك وتعالى بالعدل، فسوّى في الحكم بين عباده، الشريف منهم والوضيع: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) .

فقال: إن الإسلام نزل وبعض العرب يطلب بعضاً بدماء وجراح، فنزل فيهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) إلى قوله تعالى: (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) الآية، والآية التي بعدها. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا معاذ بن موسى، عن بُكَير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، قال معاذ: قال مقاتل: أخذت هذا التفسير عن نفَر، حفظ معاذ منهم؛ مجاهداً، والحسن، والضحاك بن مزاحم، قال: في قوله تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) الآية. قال: "كان كتب على أهل التوراة أنه من قتل نفساً بغير نفس حق له أن يقاد بها، ولا يعفى عنه، ولا تقبل منه الدية، وفرض على أهل الإنجيل أنه يعفى عنه، ولا يقتل. ورخص لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إن شاء قتل، وإن شاء أخد الدية، وإن شاء عفا، فذلك قوله تعالى: (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) الآية " الحديث. يقول: الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية، ولا يَقتُل. ثم قال: (فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية. يقول: من قَتَلَ بعد أخذه الدية فله عذاب أليم. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة: قال حدثنا عمرو بن دينار: قال سمعت مجاهداً يقول: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية، فقال الله - عز وجل - لهذه الأمة: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) .

قال: العفو أن تقبل الدية في العمد (فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) الآية. مما كتب على من كان قبلكم (فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وما قاله ابن عباس في هذا كما قال - واللَّه سبحانه أعلم -. وكذلك ما قال مقاتل؛ لأن اللَّه - عز وجل - إذ ذكَرَ القصاصَ، ثم قال: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) الآية، لم يجز - واللَّه أعلم - أن يقال: إن عُفِيَ بأن صُولِح على أخذ الدية؛ لأن العفو ترك حق بلا عوض، فلم يجز إلا أن يكون إن عُفِيَ عن القتل، فإذا عفا لم يكن إليه سبيل. وصار للعافي - عن - القتل مال في مال القاتل، وهو دية قتيله فيتبعه بمعروف، ويؤدي إليه القاتل بإحسان، فلو كان إذا عفا عن القاتل لم يكن له شيء، لم يكن للعافي يتبعه، ولا على القاتل شيء يؤديه بإحسان. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد جاءت السنة مع بيان القرآن في مثل معنى القرآن. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد ابن أبي سعيد المقبريّ، عن أبي شريح الكعبي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله

حرّم مكة ولم يُحرمها الناس، فلا يحل لمن كان يومن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجراً، فإن ارتخصَ أحدٌ فقال: أحِلَّت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الله أحلها لي، ولم يحلها لله للناس، وإنَّما أحلت لي ساعة من النهار، ثم هي حرام كحرمتها بالأمس، ثم إنكم يا خزاعة قد قتلتم هدا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقلُه: فمن قتَلَ بعدَه قتيلاً فأهلُه بين خِيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخدوا العقل" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) الآية، إنها في الحيين اللذين وصف مقاتل بن حيان وغيره، ممن حكيت قوله في غير هذا الموضع. ثم أدبها أن يُقتل الحر بالحر إذا قتلَه، والأنثى بالأنثى إذا قتلتها، ولا يُقتل غيرُ قاتلها إبطالاً؛ لأن يجاوز القاتل إلى غيره، إذا كان المقتول أفضل من القاتل، - كما وصفت - ليس أنه لا يُقتل ذكر بالأنثى، إذا كانا حُرين مسلمين، ولا أنه لا يقتل حر بعبد من هذه الجهة، إنما يترك قتْله من جهة غيرها، دهاذا كانت هكذا أشبه أن تكون لا تدل على ألا يكون يُقتل اثنان بواحد، إذا كانا قاتِلَين. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وهي عامة في أن الله - عزّ ذكره - أوجب القصاص بها إذا تكافأ دمان، وإنما يتكافآن بالحرية والإسلام، وعلى كل ما وصفت من عموم الآية وخصوص بما دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى،: فأيما رجل قتل قتيلاً فَوَلي المقتول بالخيار. إن شاء قتل القاتل، وإن شاء أخذ منه الدية، وإن شاء عفا عنه بلا دية.

الأم (أيضاً) : الثلاتة يقتلون الرجل يصيبونه بجرح: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فإن قال قائل: أرأيت قول اللَّه - عز وجل -: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ) الآية، هل فيه دلالة على ألا يقتل حُرَّان بُحر، ولا رجل بأمرأة. قيل له: لم نعلم نحالفاً في أن الرجل يقتل بالمرأة، فإذا لم يختلف أحد في هذا ففيه دلالة على أن الآية خاصة، فإن قال قائل: فيم نزلت؟ قيل: أخبرنا معاذ بن موسى، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان قال: قال مقاتل: أخذت هذا التفسير من نفر، حفظ منهم: مجاهد، والضحاك، والحسن - رحمهم اللَّه - قالوا: قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيكُمُ اَلْقِصَاصُ فِى اَلْقَتلَى) الآية، قال: كان بدء ذلك في حيين من العرب، - الأوس والخزرج كما روي سابقاً - اقتتلوا قبل الإسلام بقليل، وكان لأحد الحيين فضل على الآخر، فاقسموا بالله ليقتلن بالأنثى الذكر، وبالعبد منهم بالحر، فلما نزلت هذه الآية، رضوا وسلموا. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وما أشبه ما قالوا من هذا بما قالوا: لأن اللَّه ألزم كل مذنب ذنبه، ولم يجعل جرم أحد على غيره، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) إذا كان - واللَّه أعلم - قاتلاً له، (وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) إذا كان قاتلاً له، (وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) إذا كانت قاتلة لها، لا أن يُقتل بأحد ممن لم يقتله لفضل المقتول على القاتل، وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله " الحديث

وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وما وصفت من أني لم أعلم مخالفاً في أن يقتل الرجل بالمرأة، دليل على أن لو كانت هذه الآية غير خاصة، كما قال من وصفت قوله من أهل التفسير، لمِ يُقتل ذكر بأنثى، ولم يجعل عوام من حفظت عنه من أهل العلم، لا نعلم لهم مخالفا، لهذا هذا معناها: ولم يقتل الذكر بالأنثى!. الأم (أيضاً) : من لا قصاص بينه لاختلاف الدينين: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فكان ظاهر الآية - واللَّه أعلم - أن القصاص إنما كتب على البالغين المكتوب عليهم القصاص؛ لأنهم المخاطبون بالفرائض إذا قتلوا المؤمنين بابتداء الآية. وقوله - عز وجل - (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) الآية، لأنه جعل الأخوُّة بين المؤمنين، فقال - عز وجل - (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الآية. وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين. ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مثل ظاهر الآية. الأم (أيضاً) : باب (قتل الغيلة وغيرها وعفو الأولياء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: كل من قُتِل في حرابة، أو صحراء، أو مِصْر. أو مكابرة أو قُتِل على مال أو غيره، أو قتل نائرة فالقصاص، والعفو إلى الأولياء، وليس إلى السلطان من ذلك شيء، إلا الأدب إذا عفا الولي.

الأم (أيضاً) : باب (الرجل يمسك الرجل للرجل حتى يقتله) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: حد اللَّه الناس على الفعل نفسه وجعل فيه القود، فقال تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) الآية، وقال: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) الآية، فكان معروفاً عند من خوطب بهذه الآية أن السلطان لولي المقتول على القاتل نفسه، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من اعتبط مسلماً بقتل فهو قَوَدُ يده" الحديث. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: لم أجد أحداً من خلق اللَّه تعالى - يُقتدَى به - حدُّ أحداً قط على غير فعل نفسه أو قوله. فلو أن رجلاً حبس رجلاً لرجل فقتله - الثاني - قُتل به القاتل وعوقب الحابس، ولا يجوز في حكم اللَّه تعالى إذا قَتلتُ القاتلَ بالقتلِ أن أقتلَ الحابسَ بالحبس، والحبس غير القتل، ومن قَتَلَ هذا فقد أحال حكم اللَّه - عز وجل -، لأن اللَّه إذ قال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) الآية، فالقصاص أن يُفعل بالمرِء مثلُ ما فعل. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وروي عن علي أنه قال: "يقتل القاتل. ويحبس الممسك حتى يموت" الحديث.

الأم (أيضاً) : في المرتد: وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال عزَّ وجلَّ: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) الآية، فبين في حكم الله عزَّ وجلَّ: (أن جعل العفو أو القتل إلى ولي الدم، دون السلطان إلا في الهارب، فإنه قد حكم في الهاربين أن يقتلوا، أو يصلبوا فجعل ذلك عليهم حكماً مطلقاً لم يذكر فيه أولياء الدم. الأم (أيضاً) : كتاب اللعان: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وهكذا كل ما أوجبه اللَّه تعالى لأحد، وجب على الإمام أخذه له، إن طلبه أخذه له بكل حال، فإن قال قائل فما الحجة في ذلك؟ قيل: قول اللَّه تبارك وتعالى اسمه: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية، فبين أن السلطان للولي، ثم بين فقال في القصاص (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) الآية، فجعل العفو إلى الولي. الأم (أيضاً) : ولاة القصاص: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإذا سقط القصاص صارت لهم الدية، وإذا كان للدم وليَّان فحكم لهما بالقصاص، أو لم يحكم حتى قال أحدهما: قد عفوت القتلَ لله، أو قد عفوت عنه، أو قد تركت الاقتصاص منه، أو قال القائل: اعفُ عني، فقال: قد عفوت عنك، فقد بطل القصاص عنه، وهو على

حق من الدية، وإن أحب أن يأخذه به أخذه، لأن عفوه عن القصاص غير عفوه عن المال، إنما هو عفو أحد الأمرين دون الآخر. قال تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) الآية، يعني: من عفي له عن القصاص. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: لو قال قد عفوت عنك القصاص والدية، لم يكن له قصاص، ولم يكن له نصيب من الدية، ولو قال: عفوت ما لزمك لي، لم يكن هذا عفواً للدية وكان عفواً للقصاص، وإنَّما كان عفواً للقصاص دون المال، ولم يكن عفواً للمال دون القصاص، ولا لهما؛ لأن اللَّه - عز وجل - حكم بالقصاص. ثم قال: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) الآية، فأعلم - سبحانه - أن العفو مطلقاً، إنما هو ترك القصاص لأنه أعظم الأمرين. وحكم بأن يتبع بالمعروف ويؤدي إليه المعفو له بإحسان. الأم (أيضاً) : باب (القصاص بين المماليك) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) إلى قوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الآية، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: كان في أهل الإنجيل إذا قتلوا: العقلُ، لم يكن فيهم قصاص، وكان في أهل التوراة: القصاص، ولم يكن فيهم دية، فحكم اللَّه - عز وجل - في هذه الأمة بأن في العمد: الدية إن شاء الولي، أو القصاص إن شاء، فأنزل اللَّه - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وذلك والله أعلم بيَّن في التنزيل مستغنىً به عن التأويل، وقد ذكِرَ عن ابن عباس بعضه، ولم أحفظ عنه بعضه فقال: - واللَّه أعلم - في كتاب اللَّه - عز وجل - أن أنزل فيما فيه القصاص، وكان بيّناً: أن ذلك إلى ولي الدم، لأن العفو إنما هو لمن له القود، وكان بيّنا أن قول الله - عز وجل -: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) الآية، أن يعفو ولي الدم القصاص، ويأخذ المال، لأنه لو كان ولي الدم - إذا عفا: القصاص - لم ببق له غيره، لم يكن له إذا ذهب حقه، ولم تكن دية يأخذها شيء يتبعه بمعروف، ولا يؤدى إليه بإحسان، وقال اللَّه - عز وجل -: (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) الآية، مبيناً أنه تخفيف القتل بأخذ المال. الأم (أيضاً) : باب (الديات) : وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد قال بعض أهل العلم: أي ولاة الدم قام به قَتَل، وإن عفا الآخرون فأنزله منزلة الحد. وقال غيره من أهل العلم: يقتل البالغون ولا ينتظرون الصغار. وقال غيره: يقتل الولد ولا ينتظرون الزوجة. قيل: ذهبنا إليه أنه السنة التي لا ينبغي أن تخالف، أو في مثل معنى السنة والقياس على الإجماع. فإن قال: فأين السنة فيه؟ قيل: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قُتِل له قتيل فأهله بين خيرَتين إن أحبوا أخذوا القصاص، وإن أحبوا فالدية" الحديث. فلما كان من حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لولاة الدم أن يقتلوا،

ولهم أن يأخذوا المال، وكان إجماع المسلمين أن الدية موروثة، لم يحل لوارث أن يمنع الميراث من وَرث معه، حتى يكون الوارث يمنع نفسه من الميراث، وهذا معنى القرآن في قول الله عزَّ وجلَّ: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) الآية. وهذا مكتوب في كتاب الديات، ووجدنا ما خالفه من الأقاويل، لا حجة فيه لما وصفت من السنة بخلافهم، ووجدت مع ذلك قولهم متناقضاً. مختصر المزني: باب (الخيار في القصاص) : بعد أن ذكَرَ حديث الشَّافِعِي عن أبي شريح الكعبي الذي ذكِرَ سابقاً في الأم. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولم يختلفوا في أن العقل يورث كالمال، وإذا كان هكذا فكل وارث ولي، زوجة، أو ابنة، لا يخرج أحد منهم من ولاية الدم، ولا يقتل إلا باجتماعهم، وحبس القاتل حتى يحضر الغائب، ويبلغ الطفل، وإن كان فيهم معتوه فحتى يفيق أو يموت، فيقوم وارثه مقامه، وأيهم عفا عن القصاص كان على حقه من الدية، وإن عفا على غير مال كان الباقون على حقوقهم من الدية، فإن عفوا جميعاً، وعفا المفلس يجنى عليه أو على عبده القصاص، جاز ذلك لهم، ولم يكن لأهل الدين والوصايا منعهم، لأن المال لا يملك بالعمد إلا بمشيئة المجني عليه إن كان حياً، وبمشيئة الورثة إن كان ميتاً. وذكر المزني كذلك حديث مقاتل بن حيان الذي سبق ذكره.

قال الله عز وجل: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون (179)

مختصر المزني (أيضاً) : ومن كتاب جراح العمد: وقد ذكر الشَّافِعِي - رحمه اللَّه تعالى - في تفسير هذه الآية، قول مقاتل الوارد في تفسير الآية السابقة. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الجراح وغيره: انظر ما كتبه الشَّافِعِي في الأم فيما سبق، فقد نقل الإمام البيهقي كثيراً منه كما هو بحرفيته، بالصفحات المشار إليها في أسفل الهامش، فلا حاجة للتكرار. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) الأم: الحكم في قتل العمد: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) الآية. يقول لكم في القصاص حياة، ينتهي بعضكم عن بعض أن يصيب مخافة أن يقتل. أخبرنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا عمرو ابن دينار قال: سمعت مجاهداً يقول: سمعت ابن عباس يقول: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية، فقال اللَّه - عز وجل - لهذه الأمة: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ) .

وجاء في الأم (أيضاً) : باب (القصاص بين المماليك) . قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال اللَّه - عز وجل -: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) الآية، يعني: أن يمتنع بها من القتل، فلم يكن المال إذا كان الولي في حال يسقط عنه القود إذا أراد. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وروى سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار. عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في تفسير هذه الآية: شبيهاً بما وصفت في أحد المعنيين، ودلّت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مثل معناه. مختصر المزني: ومن كتاب جراح العمد - (من مسند الشَّافِعِي) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله - عز وجل -: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الآية. يقول: لكم في القصاص حياة ينتهي بها بعضكم عن بعض مخافة أن يقتل. . .. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الجراح وغيره: انظر ما كتبه الشَّافِعِي في الأم فيما سبق بتفسير هذه الآية، والتي سبقتها. فقد نقله الإمام البيهقي بحرفيته فلا حاجة للتكرار.

قال الله عز وجل: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين (180)

قال الله عزَّ وجلَّ: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) . الأم: باب (ما نسخ من الوصايا) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ) إلى قوله: (الْمُتَّقِينَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكان فرضاً في كتاب اللَّه تعالى على من ترك خيراً - والخير: المال - أن يوصي لوالديه وأقربيه، ثم زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة، واختلفوا في الأقربين غير الوارثين، فكثر من لقيت من أهل العلم ممن حفظت عنه قال: الوصايا منسوخة، لأنه إنما أمر بها إذا كانت إنما يورث بها، فلما قسُّم اللَّه - تعالى ذكره - المواريث كانت تطوعاً. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وهذا إن شاء اللَّه تعالى كله كما قالوا. فإن قال قائل: ما دلَّ على ما وصفتَ؟ قيل له: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الآية. أخبرنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن مجاهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا وصية لوارث ".

وما وصفت من أن الوصية للوارث منسوخة بآي المواريث، وأن لا وصية لوارث مما لا أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافاً. الأم (أيضاً) : باب (الوصية للوارث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ) إلى قوله: (الْمُتَّقِينَ) الآية، وقال في آي المواريث: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الآية. وذكر من ورُّث - جل ثناؤه - في آي من كتابه. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: واحتمل إجماع أمر اللَّه تعالى بالوصية للوالدين والأقربين معنيين: أحدهما: أن يكون للوالدين والأقربين الأمران معاً، فيكون على الموصي أن يوصي لهم، فيأخذون بالوصية، ويكون لهم الميراث فيأخذون به. ثانيهما: واحتمل أن يكون الأمر بالوصية نزل ناسخاً لأن تكون الوصية لهم ثابتة، فوجدنا الدلالة على أن الوصية للوالدين، والأقربين الوارثين منسوخة بآي المواريث، من وجهين: الأول: أخبار ليست بمتصلة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من جهة الحجازيين منها: أن سفيان بن عيينة أخبرنا، عن سليمان الأحول عن مجاهد؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا وصية لوارث" الحديث. وغيره يثبته بهذا الوجه، ووجدنا غيره قد يصل فيه

حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذا المعنى، ثم لم نعلم أهل العلم في البلدان اختلفوا في أن الوصية للوالدين منسوخة بآي المواريث. الثاني: واحتمل إذا كانت منسوخة أن تكون الوصية للوالدين ساقطة، حتى لو أوصى لهما لم تجز الوصية، وبهذا نقول، وما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما نعلم أهل العلم اختلفوا فيه يدل على هذا، وإن كان يحتمل أن يكون وجوبها منسوخاً، وإذا أوصى لهم جاز، وإذا أوصى للوالدين فأجاز الورثة فليس بالوصية أخذوا، وإنما أخذوا بإعطاء الورثة لهم ما لهم، لأنا قد أبطلنا حكم الوصية لهم فكان نص المنسوخ في وصية الوالدين، وسُمِّي معهم الأقربين جملة، فلما كان الوالدان وارثين، فسنا عليهم كل وارث، وكذلك الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان الأقربون ورثة، وغير ورثة، أبطلنا الوصية للورثة من الأقربين بالنص والقياس والخبر: " لا وصية لوارث " وأجزنا الوصية للأقربين، ولغير الورثة من كان. فالأصل في الوصايا لمن أوصى في كتاب اللَّه - عز وجل -. وما روي عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وما لم أعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه، في أن يُنظر إلى الوصايا: 1 - فإذا كانت لمن يرث الميت أبطلتها. 2 - وإن كانت لمن لا يرثه أجزتها على الوجه الذي تجوز به، وموجود عندي - واللَّه أعلم - فيما وصفت من الكتاب، وما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وحيث إن ما لم نعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه، أنه إنما يمنع الورثة الوصايا لئلا يأخذوا مال الميت من وجهتين، وذلك أن ما ترك المُتَوَفى يؤخذ بميراث أو وصية، فلما كان حكمهما مختلفين، لم يجز أن يجمع لواحد الحكمان المختلفان في حكم واحد، وحال واحدة، كما لا يجوز أن يُعطى بالشيء وضد الشيء، ولم يحتمل معنى غيره بحال.

الأم (أيضاً) : باب (الوصية للوارث) أيضاً قال الشَّافِعِي - رحمه الله - تعالى: ولقد ذكر الله تبارك وتعالى الوصية فقال: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية. وأن الأغلب من الأقربين، لأنهم يبتلون أولاد الموصي بالقرابة ثم الأغلب أن يزيدوا، وأن يبتلوهم بصلة أبيهم لهم بالوصية. وينبغي لمن منع أحداً مخافة أن يرد على وارث، أو ينفعه، أن يمنع ذوي القرابة، وألا يعتق العبيد الذين قد عرفوا بالعطف على الورثة، ولكن لا يمنع أحد وصية غير الوارث بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما لا يختلف فيه من أحفظ عنه ممن لقيت. الأم (أيضاً) : باب (المدَّعي والمدَّعَى عليه) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله - تعالى: فإذا كان الناس أجمعوا على خبر الواحد بتصديق المخبر عنه، ولا يحتجون عليه بمثل ما تحئجون به، ويتبعون فيه أمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء خبر آخر أقوى منه، فكيف جاز لك أن تخالفه؛ وكيف جاز لك أن تثبت ما اختلفوا فيه، مما وصفنا بالخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة، وتعيب علينا أن ثبتنا ما هو أقوى منه؟ وقلت لبعض من يقول هذا القول: قد قال اللَّه (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) الآية. فإن قال لك قائل: تجوز الوصية لوارث؛ قال روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قلنا: فالحديث لا تجوز الوصية لوارث أثبت أم حديث اليمين مع الشاهد؛ قال: بل حديث اليمين مع الشاهد، ولكن الناس لا يختلفون في أن الوصية لوارث منسوخة. قلنا: أليس بخبر؟ قال: بلى. قلت: فإذا كان

الناس يجتمعون على قبول الخبر ثم جاء خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقوى منه، لم جاز - أي لم يجز - لأحد خلافه، قلنا: أرأيت إن قال لك قائل: لا تجوز الوصية إلا لذي قرابة، فقد قاله طاووس، قال: العتق وصية، قد أجازها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمران للمماليك، ولا قرابة لهم، قلنا: أفتحتج بحديث عمران مرة، وتتركه أخرى؟! وقلت له: نصير بك إلى ما ليس فيه سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نوجدك (أي: نجدك) تخرج من جميع ما احتججت به، وتخالف فيه ظاهر الكتاب عندك. الأم (أيضاً) : كتاب (القرعة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: بعد أن ذكر حديثي عمران بن حصين - رضي الله عنه - وابن المسيب رحمه اللَّه ثم ساق حديث نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، بعد ذلك. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وبهذا كله نأخذ، وحديث القرعة عن عمران ابن حصين، وابن المسيب، موافق قول ابن عمر رضي اللَّه عنه في العتق، لا يختلفان في شيء حُكِيَ فيهما، ولا في واحد منهما.

وهذا يدل على خلاف ما قال بعض أهل العلم: إن قول الله تبارك وتعالى: (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية. منسوخة بالمواريث، والآخر: إن الوصايا إذا جُوِّزَ بها الثلث رُدت إلى الثلث، وهذه الحجة في ألا يُجَاوَزَ بالوصايا الثلث. وذلك أنه لو شاء رجل أن يقول: إنما أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سعد، ولم يعلمه أنه لا يجوز له أن يوصي بكثر من الثلث، وفي هذا حجة لنا على من زعم أن من لم يدع وارثاً يعرف، أوصى بماله كله، فحديث عمران بن حصين يدل على خمسة معانٍ، وحديث نافع يدل على ثلاثة معانِ كلها في حديث عمران. الأم (أيضاً) : المكاتب: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال اللَّه - عز وجل -: (إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) الآية، فعقلنا أنه ترك مالاً؛ لأن المال: المتروك. وبقوله: (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) قال: فلما قال اللَّه - عز وجل -: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية. كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب: قوة على اكتساب المال وأمانة؛ لأنه قد يكون قوياً فيكسب، فلا يؤدي إذا لم يكن ذا أمانة، وأميناً فلا يكون قوياً على الكسب فلا يؤدى. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولا يجوز عندي - واللَّه تعالى أعلم - في قوله: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية، إلا هذا. الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذي تدل عليه السنة والإجماع: قال الله تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) الآية.

وقال اللَّه: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) . قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فأنزل اللَّه ميراث الوالدين، ومن ورث بعدهما، ومعهما من الأقربين، وميراث الزوج من زوجته، والزوجة من زوجها. فكانت الآيتان محتملتين لأن تثبتا الوصية للوالدين والأقربين، والوصية للزوج، والميراث مع الوصايا، فيأخذون بالمير اث والوصايا، ومحتملة بأن تكون المواريث ناسخة للوصايا. فلما احتملت الآيتان ما وصفنا، كان على أهل العلم طلب الدلالة من كتاب الله، فما لم يجدوه نصاً في كتاب الله، طلبوه في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن وجدوه فما قبلوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن الله قبلوه، بما افترض من طاعته. ووجدنا أهل الفتيا، ومن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازي (من قريش وغيرهم) لا يختلفون في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عام الفتح: " لا وصية لوارث، ولا يقتل مومن بكافر " الحديث. ويأثِرونه عمن حفظوا عنه ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي. فكان هذا نقل عامة عن عامة، وكان أقوى في بعض الأمر من نقل واحد عن واحد. وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مجمعين.

وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وروى بعض الشاميين حديثاً ليس مما يثبته أهل الحديث فيه: إن بعض رجاله مجهولون، فرويناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منقطعاً. وإنما قبلناه بمن وصفت من نقل أهل المغازي، وإجماع العامة عليه، وإن كنا قد ذكرنا الحديث فيه، واعتمدنا على حديث أهل المغازي عامًّا، وإجماع الناس. أخبرنا سفيان - يعني ابن عيينة -، عن سليمان الأحول، عن مجاهد أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا وصية لوارث" الحديث. فاستدللنا بما وصفتُ، من نقل عامة أهل المغازي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن " لا وصية لوارث" الحديث. على أن المواريث ناسخة للوصية (للوالدين والزوجة) مع الخبر المنقطع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع العامة على القول به. وكذلك قال أكثر العامة: إن الوصية للأقربين منسوخة زائل فرضها، إذا كانوا وارثين بالميراث، وإن كانوا غير وارثين فليس بفرض أن يُوصي لهم. إلا أن طاووساً وقليلاً معه قالوا: نسخت الوصية للوالدين، وثبتت للقرابة غير الوارثين، فمن أوصى لغير قرابة لم يجز. فلما احتملت الآية ما ذهب إليه طاووس من أن الوصية للقرابة ثابتة، إذ لم يكن في خبر أهل العلم بالمغازي إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا وصيهْ لوارث " وجب عندنا على أهل العلم، طلب الدلالة على خلاف ما قال طاووس أو موافقته. فوجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حكم في ستة مملوكين، كانوا لرجل لا مال له غيرهم، فأعتقهم عند الموت، فجزأهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين وأرقَّ أربعة.

أخبرنا بذلك عبد الوهاب (بن عبد المجيد الثقفي) ، عن أيوب (السختياني) ، عن أبي فلابة (عبد اللَّه بن زيد الجرمي البصرى) ، عن أبي المهلب (الجَرْمي البصري - عم أبي قلابة) ، عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: فكانت دلالة السنة في حديث عمران بن حصين بينة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل في عتقهم في المرض وصية، والذي أعتقهم رجل من العرب. والعربي إنما يملك من لا قرابة بينه وبين العجم، فأجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم الوصية. فدل ذلك على أن الوصية لو كانت تبطل لغير قرابة بطلت للعبيد المعتقين. لأنهم ليسوا بقرابة للمعتق. ودلُّ ذلك على: أن لا وصية لميت إلا في ثلث ماله، ودل ذلك على أن يُرَدُّ ما جاوز الثلث في الوصية، وعلى إبطال الاستسعاء، وإثبات القَسمِ والقُرعَة. وبطلت وصية الوالدين، لأنهما وارثان وثبت ميراثهما، ومن أوصى له الميت من قرابة وغيرهم، جازت الوصية، إذا لم يكن وارثاً. وأحَبّ إليَّ لو أوصَى لقرابته. جماع العلم: باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له أيضاً: يلزمك هذا في ناسخ القرآن ومنسوخه؟

قال: فاذكر منه شيئاً. قلت: قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية، وقال في الفرائض: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الآية. فزعمنا بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن آية الفرائض نسخت الوصية للوالدين والأقربين، فلو كنا مما لا يقبل الخبر، فقال قائل: الوصية نسخت الفرائض. هل نجد الحجة عليه إلا الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قال: هذا شبيه بالكتاب والحكمة، والحجة لك ثابتة، بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد صرتُ إلى: قَبول الخبرِ لَزم للمسلمين، لما ذكرتَ وما في مثل معانيه من كتاب اللَّه. وليست تدخلني أنفة من إظهار الانتقال عما كنت أرى إلى غيره، إذا بانت الحجة فيه، بل أتديَّن بأنَّ عليَّ الرجوعَ عما كنت أرى إلى ما رأيتُ الحقُّ. أحكام القرآن: ما نسخ من الوصايا: لقد لخص الإمام البيهقي تفسير الشَّافِعِي لهذه الآية بما يلي: أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان فرضاً في كتاب اللَّه - عز وجل -، على من ترك خيراً (والخير: المال) أن يوصي لوالديه وأقربين.

وزعم بعض أهل العلم بالقرآن: أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة، واختلفوا في الأقربين غير الوارثين، فأكثر من لقيت من أهل العلم، وممن حفظت عنه قال: الوصايا منسوخة؛ لأنه إنما أمر بها إذا كانت إنما يُوَرثُ بها، فلما قسم اللَّه المواريث كانت تطوعاً. وهذا - إن شاء اللَّه - كلّه كما قالوا. واحتج الشَّافِعِي رحمه اللَّه في عدم جواز الوصية للوارث بآية الميراث. وبما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: " لا وصية لوارث". واحتج في جواز الوصية لغير ذي الرحم، بحديث عمران بن حصين: "أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له، ليس له مال غيرهم، فجزأهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين، وأرَقَّ أربعة" الحديث. ثم قال الشَّافِعِي: والمعتق: عربي، وإنَّما كانت العرب: تملك من لا قرابة بينها وبينه، فلو لم تجز الوصية إلا لذي قرابة، لم تجز للمملوكين، وقد أجازها لهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. أحكام القرآن (أيضاً) : ما يؤثر عنه - الشافعى - في القرعة والعتق، والولاء، والكتابة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) الآية، فعقلنا أنه إن ترك مالاً، لأن المال: المتروك، ولقوله: (الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية. فلما قال اللَّه - عز وجل: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية. كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب قوة على

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (183)

اكتساب المال، وأمانة، لأنه قد يكون قوياً فيكسب، فلا يؤدي إذا لم يكن ذا أمانة، وأميناً فلا يكون قوياً على الكسب، فلا يؤدي، ولا يجوز عندي - واللَّه أعلم - في قوله تعالى: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية، إلا هذا. وليس الظاهر أن القول: إن علمت في عبدك مالاً لمعنيين: أحدهما: أن المال لا يكون فيه، إنما يكون عنده، لا فيه. ولكن يكون فيه الاكتساب: الذي يفيده المال. والثاني: أن المال الذي في يده لسيده فكيف يكاتبه بماله؟! إنما يكاتبه بما يفيد العبد بعد الكتابة؛ لأنه حينئذ يُمنع ما أفاد العبد لأداء الكتابة. ولعل من ذهب إلى أن الخير: المال، أراد أنه أفاد بكسبه مالاً للسيد. فيستدل على أنه يفيد مالاً يعتق به، كما أفاد أولاً. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا جمع القوة على الاكتساب والأمانة، فأحب إليَّ لسيده أن يُكاتبه. ولا يبين لي أن يجبر عليه، لأن الآية محتملة أن يكون إرشاداً أو إباحةَ لا حتماً. وقد ذهب هذا المذهب عدد ممن لقيت من أهل العلم. وبسط الكلام فيه واحتج في جملة ما ذكر: بأنه لو كان واجباً؛ لكان محدوداً بأقل ما يقع عليه اسم الكتابة، أو لغاية معلومة. قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) الرسالة: بيان ما أنزل الله من الكتاب عائم الطاهر وهو يجمع العام والخُصُوص: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) .

قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وهكذا التنزيل في الصوم والصلاة على البالغين العاقلين، دون من لم يبلغ ومن بلغ ممن كلب على عقله، ودون الحُيَّضِ في أيام حيضهن. الرسالة (أيضاً) : باب (البيان الأول) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فافترض - الله - عليهم الصوم، ثم بين أنه شهر، والشهر عندهم ما بين الهلالين، وقد يكون ثلاثين، وتسعاً وعشرين. فكانت الدلالة في هذا كالدلالة في الآيتين، وكان في الآيتين قبله: في ابن جماعة: (زيادة تبيُّن جماع العدد) . ثم قال رحمه الله: وأشبه الأمور بزيادة تبين جملة العدد، في السبع. والثلاث، وفي الثلاثين، والعشر، أن تكون زيادة في التبيين، لأنهم لم يزالوا يعرفون هذين العددين وجماعَهُ، كما لم يزالوا يعرفون شهر رمضان.

مسند الشَّافِعِي: في أحكام متفرقة في الصوم: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشهر تسعة وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غُم عليكم فكملوا العدة ثلاثين " الحديث. أحكام القرآن: فصل في معرفة العموم والخصوص: قال الشَّافِعِي: بين الله في كتابه في هذه الآية وغيرها العموم والخصوص. .. ثم قال رحمه الله: وهكذا التنزيل في الصوم الخ. قال الله عزَّ وجلَّ: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) . الأم: باب (الصيام) : أخبرنا الربيع قال:

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك، عن نافع، أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها؛ فقال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكيناً (مداً من حنطة) . قال مالك وأهل العلم: يرون عليها من ذلك القضاء. قال مالك: عليها القضاء؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإذا كان له - أي الإمام مالك رحمه الله - أن يخالف ابن عمر رضي اللَّه عنهما لقول أبي، القاسم - صلى الله عليه وسلم -، ويتأول في خلاف ابن عمر القرآن، ولا يقلده، فنقول: هذا أعلم بالقرآن منا، ومذهب ابن عمر رضي الله عنهما يتوجه، لأن الحامل ليست بمريضة، المريض يخاف على نفسه، والحامل خافت على غيرها لا على نفسها، فكيف ينبغي أن يجعل قول ابن عمر رضي اللَّه عنهما في موضع حجة، ثم القياس على قوله حجة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخطئ القياس؟ فنقول: حين قال ابن عمر رضي اللَّه عنهما: لا يصلي أحد عن أحد. ولا يحج أحد عن أحد قياساً على قول ابن عمر، وترك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له، وكيف جاز أن يَتْرُكَ قول ابن عمر لقول رجل من التابعين؟. الأم: الصيام في كفارات الإيمان: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: كل من وجب عليه صوم ليس كشروط في كتاب اللَّه - عز وجل - أن يكون متتابعاً، أجزأه أن يكون متفرقاً قياساً على قول الله - عز وجل - في قضاء رمضان وحده: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الآية.

والعدة: أن يأتي بعدد الصوم، لا وَلاَء. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإذا كان الصوم متتابعاً فأفطر فيه الصائم والصائمة من عذر وغير عذر، استأنفا الصيام إلا الحائض فإنها لا تستأنف. مختصر المزني: كتاب الصيام: باب (النيه في الصوم) : ورُوي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله - عز وجل -: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) الآية، قال - المزني - المرأة الهِم (الهِمةُ) . والثيخ الكبير الهِم، يفطران ويطعمان لكل يوم مسكيناً. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وغيره من المفسرين: يقرؤنها (يُطَوَّقُونَهُ) . وكذلك نقرؤها، ونزعم أنها نزلت حين نزل فرض الصوم، ثم نسِخَ ذلك. وقال - أي الشَّافِعِي - رحمه الله: وآخر الآية يدل على هذا المعنى؛ لأن الله - عز وجل - قال: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا) فزاد على مسكين (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) ، ثم قال: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) الآية.

وقال - أي الشَّافِعِي -: فلا يؤمر بالصيام من لا يطيقه، ثم بين فقال: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) الآية. وإلى هذا نذهب، وهو أشبه بظاهر القرآن. قال المزني رحمه اللَّه: هذا بَين في التنزيل، مستغنى فيه عن التأويل. اختلاف الحديث: باب (المختلفات التي لا يثبت بعضها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وفرض الله تعالى الصوم فقال: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ) إلى قوله: (مِسْكِينٍ) الآية، قيل: يطيقونه، كانوا يطيقونه ثم عجزوا عنه، فعليهم في كل يوم طعام مسكين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قيل: أفروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر أحداً أن يصوم عن أحد؟ قيل: نعم، روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإن قيل: فلم لا تأخذ به؟ قيل: حدث الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نذر نذراً، ولم يسمعه مع حفظ الزهري، وطول مجالسة عبيد الله لابن عباس، فلما جاء غيره عن ابن عباس بغير ما في حديث عبيد الله، أشبه ألا يكون محفوظاً. فإن قيل: أتعرف الذي جاء بهذا الحديث يغلط عن ابن عباس؟ قيل: نعم، روى أصحاب ابن عباس، عن ابن عباس أنه قال لابن الزبير: إن الزبير حل من متعته الحج، فرُوي هذا عن ابن عباس أنها متعة النساء! وهذا غلط فاحش.

أحكام القرآن: باب (ما يؤثر عن الشَّافِعِي في الصيام) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فمن أفطر أياماً من رمضان - من عذر -. قضاهن متفرقات، أو متجمعات، وذلك: أن اللَّه - عز وجل - قال: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الآية، ولم يذكرهن متتابعات. وبهذا الإسناد قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) فقيل: يطيقونه: كانوا يطيقونه ثم عجزوا، فعليهم في كل يوم طعام مسكين. وقال الشَّافِعِي في القديم - - رواية الزعفراني عنه -: سمعت من أصحابنا من نقلوا إذا سئل عن تأويل قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) الآية، فكانه يتأوَّل إذا لم يطق الصوم: الفدية. وورد عن الشَّافِعِي في كتاب الصوم الصغير قال: والحال التي يترك بها الكبير الصوم، أن يجهده الجهد غير المحتمل، وكذلك المريض والحامل - إن زاد مرض المريض زيادة بيّنة أفطر، وإن كانت زيادة محتملة لم يفطر -. والحامل - إذا خافت على ولدها - أفطرت، وكذلك المرضع إذا أضر بلبنها الأضرار البين،. .. وبسط الكلام في شرحه.

قال الله عز وجل: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر

قال الله عزَّ وجلَّ: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) الأم: باب (أحكام من أفطر في رمضان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: من أفطر أياماً من رمضان، من عذر (مرض. أو سفر) قضاهن في أي وقت ما شاء، في ذي الحجة أو غيرها، وبينه وبين أن يأتي عليه رمضان آخر، متفرقات أو متجمعات؛ وذلك أن الله - عز وجل - يقول: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ الآية، ولم يذكرهن متتابعات وقد بلغنا عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا أحصيت العدة فصمهن كيف شئت" الحديث. فإن مرض أو سافر المفطر من رمضان، فلم يصح، ولم يقدر حتى يأتي عليه رمضان آخر، قضاهنّ ولا كفّارة، وإن فزط وهو يمكنه أن يصوم حتى يأتي رمضان آخر، صام رمضان الذي جاء عليه، وقضاهن وكفَّر عن كل يوم بمد حنطة. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والحامل والمرضع إذا أطاقتا الصوم، ولم تخافا على ولديهما، لم تفطرا، فإن خافتا على ولديهما أفطرتا، وتصدقتا عن كل يوم بمد حنطة، وصامتا إذا أمنتا على ولديهما.

وإن كانتا لا تقدران على الصوم، فهذا مثل المرض، أفطرتا وقضتا بلا كفارة، إنما تكفِّران بالأثر وبانهما لم تفطرا لأنفسهما، إنما أفطرتا لغيرهما، فذلك فرق بينهما وبين المريض لا يُكَفر، والشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، ويقدر على الكفارة، يتصدق عن كل يوم بمد حنطة، خبراً عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقياساً على من لم يطق الحج أن يحج عنه غيره، وليس عمل غيره عنه عمله نفسه، كما ليس الكفارة كعمله. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والحال التي يترك بها الكبير الصوم، أن يكون يجهده الجهد غير المحتمل، وكذلك المريض والحامل. وإن زاد مرض المريض زيادة بينة أفطر، وإن كانت زيادة محتملة لم يفطر. والحامل إذا خافت على ولدها أفطرت، وكذلك المرضع إذا أضرَّ بلبنها الإضرار البين، فأما ما كان من ذلك محتملاً فلا يفطر صاحبه، والصوم قد يزيد عامة العلل ولكن زيادة محتملة، ويسّقص بعض اللبن ولكنه نقصان محتمل، فإذا تفاحش أفطرتا. فكأنه (أي: الشَّافِعِي) يتاول إذا لم يطق الصوم: الفدية - واللَّه أعلم -. الأم (أيضاً) : باب (بيع الآجال) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال اللَّه - عز وجل -: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الآية، فقد وقت بالأهلة، كما وقت بالعدة، وليس العطاء من مواقيته تبارك وتعالى، وقد يتأخر الزمان ويتقدم، وليس تستأخر الأهلة أبداً أكثر من يوم.

الأم (أيضاً) : باب (في الآجال: في السلف والبيوع) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال جل ثناؤه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) الآية، فأعلمَ اللَّه تعالى بالأهلة - جُمَل المواقيت، وبالأهلة مواقيت الأيام من الأهلة، ولم يجعل علماً لأهل الإسلام إلا بها، فمن أعلم بغيرها فبغير ما أعلم - الله أعلم -. الأم (أيضاً) : كتاب (صلاة العيدين) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى في سياق شهر رمضان: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) الآية. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه" الحديث. يعني: الهلال، فإن غُم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين. الأم (أيضاً) : التكبير ليلة الفطر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى في شهر رمضان: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) الآية، قال: فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: لتكملوا العدة: عدة صوم شهر رمضان،

وتكبروا الله: عند إكماله على ما هداكم وإكماله: مغيب الشمس من آخر يوم من أيام شهر رمضان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما أشبه ما قال بما قال - والله أعلم -. مختصر المزني: باب (صلاة العيدين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأحِبُّ إظهار التكبير جماعة وفرادى في ليلة الفطر، وليلة النحر، مقيمين وسفراً، في منازلهم ومساجدهم وأسواقهم، ويغدون إذا صلّوا الصبح - ليأخذوا مجالسهم - وينتظرون الصلاة، ويكبرون بعد الغدو حتى يخرج الإمام إلى الصلاة. وقال - أي الشَّافِعِي - في غير هذا الباب: حتى يفئتح الإمام الصلاة قال المزني رحمه الله: هذا أقيس، لأن من لم يكن في صلاة، ولم يحرم إمامه. ولم يخطب، فجائز أن يتكلم، واحتج بقول اللَّه تعالى في شهر رمضان: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) الآية. وعن ابن المسيب، وعروة، وأبي سلمة، وأبي بكر، يكبرون ليلة الفطر في المسجد، يجهرون بالتكبير، وشُبه ليلة النحر بها، إلا من كان حاجاً فذِكرُه التلبية. مختصر المزني: باب (النذور) : قال المزني رحمه اللَّه: فرض الله صوم شهر رمضان بعينه، فلم يسقط بعجزه عنه بمرضه، قال الله: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الآية، وأجمعوا أنه لو أغمي عليه الشهر كله فلم يعقل فيه، أنَّ عليه قضاءه.

الرسالة: باب (الفرائض التي أنزل الله نصاً) : قال الله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا) الآيات. ثم بين أيُّ شهر هو فقال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فما علمت أحداً من أهل العلم بالحديث قبلنا. تكلَّف أن يرويَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن الشهر المفروض صومه شهر رمضان الذي بين شعبان وشوال، لمعرفتهم بشهر رمضان من الشهور، واكتفاء منهم بأن الله فرضه. وقد تكلفوا حفظ صومه في السفر وفطره، وتكلفوا كيف قضاؤه؛ وما أشبه ذلك مما ليس فيه نص كتاب.

ولا علمت أحداً من غير أهل العلم، احتاج في المسألة عن شهر رمضان أيُّ شهر هو؛ ولا هل هو واجب أم لا؟. اختلاف الحديث: باب الفطر والصوم في السفر (الجزء الثاني) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وظاهر الآية في الصوم أن الفطر في المرض والسفر عَزْم، لقول اللَّه: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الآية. كيف لم تذهب إلى أن الفطر عزم؛ وأنه لا يجزئ شهر رمضان؛ ومن صام مريضاً أو مسافراً مع الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ليس من البر الصيام في السفر"؟ ومع أن الآخر من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الصوم، وأن عمر أمر رجلاً صام في السفر أن يقضي الصيام، قال: فحكيت له ما قلتُ: في قول اللَّه تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) إنها آية واحدة، وأنّ ليس من أهل العلم بالقرآن أحد يخالف في أنَّ الآية الواحدة كلام واحد، وأن الكلام الواحد لا ينزل إلا مجتمعاً. وإن نزلت الآيتان في السورة مفترقتين؛ لأن معنى الآية: معنى قطع الكلام. قال: أجل. قلت: فإذا صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان، وفَرْضُ

شهر رمضان إنما أنزل في الآية، أليس قد علمنا أن الآية بفطر المريض والمسافر رخصة؟ قال: بلى. فقلت له: ولم يبق شيء يَعرُض في نفسك إلا الأحاديث؟ قال: نعم. ولكن الآخر من أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أليس الفطر؟ قال، فقلت له: الحديث يبين أن رسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفطر لمعنى نسخ الصوم، ولا اختيار الفطر على الصوم، ألا ترى أنَّه يأمر الناس بالفطر ويقول: "تقووا لعدوكم" ويصوم ثم يخبر بأنهم، أو أن بعضهم أبى أن يفطر إذ صام، فأفطر ليفطر من تخلف عن الفطر لصومه بفطره، كما صنع عام الحديبية فإنه أمر الناس أن ينحروا ويحلقوا فأبوا، فانطلق فنحر وحلق، ففعلوا. قال: فما قوله: "ليس من البر الصيام في السفر"؟ قلت: قد أتى به جابر مفسراً، فذكر أن رجلاً أجهده الصوم فلما علم النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ليس من البر الصيام في السفر" فاحتمل: - ليس من البر أن يبلغ هذا رجل بنفسه في فريضة صوم ولا نافلة، وقد أرخص اللَّه له وهو صحيح أن يفطر، فليس من البر أن يبلغ هذا بنفسه. - ويحتمل ليس من البر الفروض الذي من خالفه أثِمَ. .. ثم يقول: (أي: الشَّافِعِي) وفي صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - دلالة على ما وصفت. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عن - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال البيهقي رحمه اللَّه تعالى: وقرأت في رواية حرملة:

عن الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: يستحب للمسافر أن يقبل صدقة اللَّه ويقصر. فإن أتم الصلاة عن غير رغبة عن قبول رخصة اللَّه - عز وجل - فلا إعادة عليه، كما يكون - إذا صام في السفر - لا إعادة عليه وقد قال اللَّه - عز وجل -: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الآية. أحكام القرآن: فيما يؤثر عن الشَّافِعِي في الصيام: قال البيهقي رحمه الله تعالى: قرأت في رواية المزني رحمه اللَّه: عن الشَّافِعِي - يرحمه الله - أنه قال: قال اللَّه جل ثناؤه: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) الآية. ثم أبان أن هذه الأيام شهر رمضان بقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) إلى قوله: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) الآية. وكان بيناً في كتاب اللَّه - عز وجل - أنَّه لا يجب صوم إلا صوم شهر رمضان، وكان عِلْمُ (شهر رمضان) - عند من خوطب باللسان - أنه الذي بين شعبان وشوال. وذكره في رواية حرملة عنه كعناه قال: فلما أعلم اللَّه الناس أنه فرض الصوم عليهم: (شهر رمضان) ، وكانت الأعاجم تعد الشهور بالأيام لا بالأهلة، وتذهب إلى أنَّ الحساب - إذا عدت الشهور بالأهِلة - يختلف. فأبان الله تعالى أنَّ الأهلة هي: الواقيت للناس والحج، وذكر الشهور فقال: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية. فدلّ على أن الشهور للأهلة، إذ جعلها المواقيت، لا ما ذهبت إليه الأعاجم من العدد بغير الأهلة.

ثم بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، على ما أنزل اللَّه - عز وجل -، وبين أن الشهر تسع وعشرون يعني: أن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين. وذلك أنهم قد يكونون يعلمون: أن الشهر يكون ثلاثين فأعلمهم أنَّه قد يكون تسعاً وعشرين، وأعلمهم أنَّ ذلك للأهلة. أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي - رحمه الله تعالى -: قال اللَّه تعالى في فرض الصوم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) الآية، إلى قوله: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الآيات. فبيّنَ في الآية أنَّه فرض الصيام عليهم بعدة، وجعل لهم أن يفطروا فيها (مرضى ومسافرين) ، ويحصوا حتى يكملوا العدة، وأخبر أنَّه أراد بهم اليسر، وكان قول اللَّه - عز وجل -: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الآية، يحتمل معنيين: أحدهما: ألا يجعل عليهم صوم شهر رمضان (مرضى ولا مسافرين) . ويجعل عليهم عدداً - إذا مضى السفر والمرض - من أيام أخر. الثاني: ويحتمل أن يكون إنمّا أمرهم بالفطر في هاتين الحالتين، على الرخصة إنّ شاؤوا، لئلا يحرجوا إن فعلوا. وكان فرض الصوم، والأمر بالفطر في المرض والسفر في آية واحدة. ولم أعلم مخالفاً أنَّ كل آية إنما نزلت متتابعة، لا مفرقة. وقد تنزُّل الآيتان في السورة مفرقتين، فأمّا آيةٌ فلا، لأن معنى الآية: أنهّا كلام واحد غير منقطع. يُستأنف بعده غيره. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: في موضع آخر من هذه المسألة؛ لأن معنى الآية: معنى: قطع الكلام.

قال الله عز وجل: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن

فإذا صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان، وفَرضُ شهر رمضان إنما أنزل في الآية، علمنا أن الآية بفطر المريض والمسافر رخصة. قال الله عزَّ وجلَّ: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) الأم: باب (ما يفطر الصائم والسحور والخلاف فيه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: الوقت الذي يَحْرُمُ فيه الطعام على الصائم. حين يتبين الفجر الآخر معترضاً في الأفق. وكذلك بلغنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن تغيب الشمس، وكذلك قال اللَّه - عز وجل -: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) الآية. فإن كل فيما بين هذين الوقتين أو شرب، عامداً للأكل والشرب، ذاكراً للصوم فعليه القضاء. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن أخيه خالد بن أسلم، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أفطر في رمضان، في يوم ذي غيم، ورأى أنه قد أمسى، وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد

طلعت الشمس فقال عمر: (الخطب يسير) ، كأنه يريد بذلك - واللَّه أعلم - قضاء يوم مكانه. الأم (أيضاً) : باب (الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: - في بيان أنَّه لا يجوز للمسلم أن يجتهد إلا وفق الكتاب والسنة، وعليه ألا يعمل برأي نفسه، ولجاز أن يصوم رمضان برأي نفسه أن الهلال قد طلع، وهذا خلاف كتاب اللَّه - عز وجل - لقوله - عز وجل -: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) الآية. ولقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صوموا لرؤيته ... " الحديث. أحكام القرآن: (ما يؤثر عن الشَّافِعِي رحمه الله - في الصيام) : قال اللَّه تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) الآية. قال البيهقي رحمه الله: وقرأت في كتاب حرملة فيما رُويَ عن: الشَّافِعِي رحمه الله تعالى أنَّه قال: جماع العكوف: ما لزمه المرء، فحبس عليه نفسه: من شيء، بِرَّاً كان أو مأثماً، فهو عاكف. واحتج بقوله - عز وجل -: (فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ) الآية، وبقوله تعالى حكاية عمن رضي قوله - وهو إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم -: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) .. الآية.

قال الله عز وجل: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون (188)

قيل: فهل للاعتكاف المتبرر أصل في كتاب اللَّه - عز وجل -؟ قال: نعم، قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) الآية، والعكوف في المساجد: صبر الأنفس فيها، وحبسها على عبادة اللَّه وطاعته. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) الأم: باب (كتاب السبق والنضال) أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله تعالى قال: جماع ما يحل أن بأخذه الرجل من الرجل المسلم ثلاثة وجوه: أحدها: ما وجب على الناس في أموالهم مما ليس لهم دفعه من جناياتهم، وجنايات من يعقلون عنه، وما وجب عليهم بالزكاة، والنذور. والكفارات، وما أشبه ذلك. ثانيها: وما أوجبوا على أنفسهم مما أخذوا به العوض من البيوع. والإجارات، والهبات للثواب وما في معناه.

قال الله عز وجل: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لع

ثالِثها: وما أعطوا متطوعين من أموالهم التماس واحد من وجهين: أحدهما: طلب ئواب اللَّه تعالى. والآخر: طلب الاستحماد ممن أعطوه إياه. وكلاهما معروف حسن، ونحن نرجو عليه الثواب إن شاء اللَّه تعالى. ثم ما أعطى الناس من أموالهم من غير هذه الوجوه، وما في معناها واحد من وجهين (أيضاً) : أحدهما: حق. والآخر: باطل. فما أعطوا من الباطل غير جائز لهم، ولا لمن أعطوه، وذلك قول الله - عزَّ وجلَّ -: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) الآية. فالحق من هذا الوجه الذي هو خارج من هذه الوجوه التي وصفت، يدل على الحق في نفسه، وعلى الباطل فيما خالفه. قال الله عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) الأم: باب (بيع الآجال) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد رُويَ إجازة البيع إلى العطاء عن غير واحد، ورُويَ عن غيرهم خلافه، وإنما اخترنا ألا يُباع إليه؛ لأن العطاء قد يتأخر ويتقدم، وإنما الآجال معلومة، بايام موقوتة، أو أهِلةٍ، وأصلها في القرآن، قال اللَّه - عز وجل -: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) الآية.

وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولا خير في شراء التمر إلا بنقد، أو الى أجل معلوم، والأجل معلوم: يوم بعينه، من شهر بعينه، أو هلال شهر بعينه، فلا يجوز البيع إلى العطاء، ولا إلى الحصاد، ولا إلى الجداد؛ لأن ذلك يتقدم ويتأخر، وإنما قال اللَّه تعالى: (إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) الآية، وقال الله عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) ، فلا توقيت إلا بالأهلة، أو سِني الأهلة. الأم: باب (في الآجال: في السلف والبيوع) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولا يصلح بيع إلى العطاء، ولا حصاد، ولا جداد، ولا عيد النصارى، وهذا غير معلوم؛ لأن الله تعالى حئم أن تكون المواقيت بالأهلة، فيما وقت لأهل الإسلام فقال تبارك وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فأعلم الله تعالى بالأهلة جُمَل المواقيت. وبالأهلة مواتيت الأيام من الأهلة، ولم يجعل علماً لأهل الإسلام إلا بها. فمن أعلم بغيرها فبغير ما أعلم - والله أعلم -. الأم: باب (الاختلاف في العيب) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإذا باع الرجلُ الرجلَ بيعاً إلى العطاء. فالبيع فاسد، من قِبَل أن اللَّه - عز وجل - أذن بالدين إلى أجل مسمى، والمسمى: المُوَقت

قال الله - عز وجل -: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190)

بالأهلة التي سَمَّى اللَّه - عز وجل - فإئه يقول: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) الآية. والأهلة معروفة المواقيت، وما كان في معناها من الأيام المعلومات، والسنين. أخبرنا الربيع: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: " لا تبايعوا إلى العطاء، ولا إلى الأندر، ولا إلى العصير" الحديث. مختصر المزني: باب (السلَم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعال: ولا يجوز في السلف حتى يدفع الثمن قبل أن يفارقه، ويكون ما سلف فيه موصوفاً، وإن كان ما سلف فيه بصفة معلومة عند أهل العلم بها، وأجل معلوم جاز، قال الله تبارك وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) الآية، ثم ذكر ما ورد في الأم بالفقرة السابقة. قال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)

وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) وقرأ الرييع إلى قوله تعالى: (كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) . الأم: مبتدأ الإذن بالقتال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأباح اللَّه لهم القتال بمعنى: أبانه في كتابه فقال: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) الآيتان، وقرأ الربيع إلى قوله تعالى: (كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: يقال نزل هذا في أهل مكة، وهم كانوا أشد العدو على المسلمين، وفرض عليهم في قتالهم ما ذكر الله - عز وجل -. ثم يقال: نسخ هذا كله، بالنهي عن القتال حتى يُقاتلوا، أو النهي عن القتال في الشهر الحرام بقول اللَّه - عز وجل -: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) الآية. ونزول هذه الآية بعد فرض الجهاد، وهي موضوعة في موضعها.

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) الأم: مبتدأ الإذن بالقتال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم يقال نسخ هذا كله، والنهي عن القتال حتى يُقاتلوا، والنهي عن القتال في الشهر الحرام بقول اللَّه - عز وجل -: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) الآية، ونزول هذه الآية بعد فرض الجهاد، وهي موضوعة في موضعها. أحكام القرآن: مبتدأ الإذن بالقتال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ونزول هذه الآية: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) الآية، بعد فرض الجهاد، وهي موضوعة في موضعها، وكان الشَّافِعِي رحمه اللَّه: أراد بقول اللَّه - عز وجل -: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) الآية، على أنها أعم في النسخ مما ذكره الجمهور من آية: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، وقوله: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) الآية - والله أعلم -.

قال الله - عز وجل -: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (194)

قال الله - عزَّ وجلَّ -: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) الأم: باب (الإحصار با لعدو) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل - (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) الآية، وقد أوردها في الدلالة من القرآن على أن القصاص غير واجب في الرد على من استدل بهذه الآية على أن قول اللَّه (قِصَاصٌ) ، إنَّما يكون بواجب. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فقلت له: إن القصاص وإن كان يجب لمن له القصاص، فليس القصاص واجباً عليه أن يقتص. قال: وما دلَّ على ذلك؟ قلت: قال اللَّه تعالى: (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) الآية، أفواجب على من جُرح أن يقتص ممن جرحه؛ أو مباح له أن يقتص وخَيْر له أن يعفو؛ قال: له أن يعفو، ومباح له أن يقتص. وقلت له: قال اللَّه - عز وجل -: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) الآية. فلو أن معتدياً مشركاً اعتدى علينا، كان لنا أن نعتدي عليه بمثل ما اعتدى علينا، ولم يكن واجباً علينا أن نفعل. قال: ذلك على ما وصفت. فقلت: فهذا يدلك على ما وصفت، وما قال مجاهد: من أن اللَّه - عز وجل - أقَصَّهُ منهم - في عمرة القضية بعد سنة من صلح الحديبية

قال الله عز وجل: (وأتموا الحج والعمرة لله)

- فدخل عليهم في مثل الشهر الذي ردوه فيه، وليست فيه دلالة على أن دخوله كان واجباً عليه من جهة قضاء النسك - واللَّه أعلم -. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الأم باب (الإحصار بالعدو) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلم أسمع ممن حفظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفاً في أن هذه الآية نزلت بالحديبية، حين أحصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحال المشركون بينه وبين البيت، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر بالحديبية، وحلق ورجع حلالاً، ولم يصل إلى الببت، ولا أصحابه، إلا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وحده، وسنذكر قصته. وظاهر الآية أن أمر اللَّه - عز وجل إياهم ألا يحلقوا حتى يبلغ الهدي محله. وأمره من كان به أذى من رأسه بفدية سمّاها، وقال اللَّه - عز وجل: (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية. وما بعدها يشبه - واللَّه أعلم - ألا يكون على المحصر بعدو قضاء؛ لأنّ الله تعالى لم يذكر عليه قضاء، وذكر فرائض في الإحرام بعد ذكر أمره.

الأم (أيضاً) : باب (هل تجب العمرة وجوب الحج؟) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الآية. فاختلف الناس في العمرة، فقال بعض المشرقيين: تطوع. وقاله سعيد ابن سالم، واحتج بأن سفيان الثوري، أخبره عن معاوية بن إسحاق، عن أبي صالح الحنفي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحج جهاد والعمرة تطوع" الحديث. فقلتُ له: أثبت مثل هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال: هو منقطع، وهو وإن لم تثبُت به الحجة، فإن حجتنا في أنها تطوع أن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) الآية. ولم يذكر في الموضع الذي بين إيجاب الحج، إيجاب العمرة، وأنَّا لم نعلم أحداً من المسلمين أمِرَ بقضاء العمرة عن ميّت، فقلت له: قد يحتمل قول الله : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الآية، أن يكون فرضهما معاً، وفرضه إذا كان في موضع واحد يثبت بثبوته في مواضع كثيرة، لقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية. ثم قال: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) . الآية. فذكرها مرة مع الصلاة، وأفرد الصلاة مرة أخرى دونها، فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت. وليس لك حجة في قولك: لا نعلم أحداً أمَرَ بقضاء العمرة عن ميت إلا عليك مثلها لمن أوجب العمرة، بأن يقول: ولا نعلم من السلف

أحداً ثبت عنه أنه قال: لا تقضى عمرة عن ميت، ولا هي تطوع كما قلت، فإن كان لا نعلم لك حجة، كان قول من أوجَب العمرة: لا نعلم أحداً من السلف ثبت عنه أنه قال: هي تطوع، وألا تقضى عن ميت حجة عليك، قال ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يتأول الآية: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الآية، إذا دخلتم فيهما. وقال بعض أصحابنا: العمرة سنة لا نعلم أحداً أرخص في تركها. قال: وهذا القول يحتمل إيجابها إن كان يريد أن تحتمل إيجابها، وأنّ ابن عباس رضي الله عنهما ذهب إلى إيجابها، ولم يخالفه غيره من الأئمة، ويحتمل تأكيدها لا إيجابها. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والذي هو أشبه بظاهر القرآن، وأولى بأهل العلم عندي - وأسال الله التوفيق - أن تكون العمرة واجبة، فإن اللَّه - عز وجل - قرنها مع الحج فقال: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية. وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لله اعتمر قبل أن يحج، وأن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سنّ إحرامها والخروج منها بطواف وحِلاَق وميقات، وفي الحج زيادة عمل على العمرة. فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنَّه باطن دون ظاهر، ومع ذلك قول ابن عباس وغيره.

أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: "والذي نفسي بيده إنها لفرينتها في كتاب الله (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الآية " الحديث. أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء أنه قال: " ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقاله غيره من مكيينا، وهو قول الأكثر منهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قِرَان العمرة مع الحج هدياً، ولو كان أصل العمرة تطوعاً، أشبه ألا يكون لأحد أن يقرن العمرة مع الحج؛ لأن أحداً لا يدخل في نافلة فرضاً حتى يخرج من أحدهما قبل الدخول في الآخر، وقد يدخل في أربع ركعات وكثر نافلة قبل أن يفصل بينهما بسلام، وليس ذلك في مكتوبة ونافلة من الصلاة، فأشبه ألا يلزمه بالتمتع أو بالقران هدي، إذا كان أصل العمرة تطوعاً بكل حال؛ لأن حكم ما لا يكون إلا تطوعاً بحال، غير حكم ما يكون فرضاً في الحال. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" الحديث. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسائله عن الطيب والثياب: "افعل في عمرتك ما كنت فاعلاً في حَجتك" الحديث.

أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي بكر، أن في الكتاب الذي كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: " أنَّ العمرة هي الحج الأصغر" الحديث. قال ابن جريج: ولم يحدثني عبد اللَّه بن أبي بكر عن كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لعمرو بن حزم شيئاً إلا قلت له: أي شكٍّ أنتم من أنَّه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: لا. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ويجزيه أن يقرن الحج مع العمرة، وتجزيه من العمرة الواجبة عليه، ويهريق دماً قياساً على قول اللَّه - عز وجل -: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية. فالقارن أخفُّ حالاً من المتمتع. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وتجزئ العمرة قبل الحج، والحج قبل العمرة من الواجبة عليه. كما يسقط ميقات الحج إذا قذم العمرة قبله لدخول أحدهما في الآخر. ولا ميقات للعمرة دون الحل، وأحبُّ أن يعتمر من الجِغرَانة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر منها، فإن أخطاه ذلك اعتمر من التنعيم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة أن تعتمر منها وهي أقرب الحل إلى البيت. فإن أخطاه ذلك اعتمر من الحديبية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بها، وأراد المدخل لعمرته منها.

أخبرنا ابن عيينة، أنَّه سمع عمرو بن دينار يقول: سمعت عمرو بن أوس الثقفي يقول: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكر رضي اللَّه عنهما، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يردف عائشة فيعمرها من الننعيم" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وعائشة كانت قارنة، فقضت الحج والعمرة الواجبتين عليها، وأحبَّت أنَّ تنصرف بعمرة غير مقرونة بحج، فسألت ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بإعمارها، فكانت لها نافلة خيراً، وقد كانت دخلت مكة بإحرام فلم يكن لها رجوع إلى الميقات. الأم (أيضاً) : باب (هل لمن أصاب الصيد أن يفديه بغير النعم؟) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فقال عطاء رحمه اللَّه: كل شيء في القرآن (أو ... ، أو. . .) يختار منه صاحبه ما شاء. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ويقول عطاء في هذا أقول: قال اللَّه جل ثناؤه: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) الآية. ورُوِي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: لكعب بن عجرة، أي ذلك فعلت أجزأك، وقال اللَّه - عز وجل -: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (في الحج) : قال الربيع:

وسألت الشَّافِعِي عن العمرة في أشهر الحج فقال: حسنة أستحسنها، وهي أحب إليَّ منها بعد الحج، لقول اللَّه - عز وجل ث (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) الآية. ولقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دخلت العمرة في الحج" الحديث، ولأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه: "من لم يكن معه هدي أن يجعل إحرامه عمرة" الحديث. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن صدقة بن يسار، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنه قال: "والله لأن أعتمر قبل أن أحج وأهدي أحبّ الي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة" الحديث. الأم (أيضاً) : الإحصار: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: الإحصار الذي ذكره اللَّه تبارك وتعالى، فقال: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية، نزلت يوم الحديبية، وأحصِر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدوّ، ونَحَرَ عليه الصلاة والسلام في الحلِّ. الأم (أيضاً) : باب (دخول مكه لغير إرادة حج ولا عمرة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية. فأذن - اللَّه - للمحرمين بحج أو عمرة، أن يُحلوا لخوف الحرب، فكان من لم يحرم أولى إن خاف الحرب ألا يحرم، من محرم يخرج من إحرامه، ودخلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح غير محرم للحرب.

الأم (أيضاً) : باب (ما تجزئ عنه البدنة من العدد في الضحايا) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أقول بحديث مالك، عن ابن الزبير رضي اللَّه عنهما، عن جابر - رضي الله عنه -، أنهم نحروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، وكانوا محصرين قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية، فلما قال سبحانه: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية. شاة، فاجزأت البدنة عن سبعة محصورين ومتمتعين، وعن سبعة وجبت عليهم من قِرَان أو جزاء صيد، أو غير ذلك. الأم (أيضاً) : الخلاف في حجِّ المرأة والعبد: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في العبد يهلُّ بالحج من غير إذن سيده. فأحبّ إليَّ أن يدعه سيده، وله منعه، وإذا منعه فالعبد كالمحصر لا يجوز فيه إلا قولان - واللَّه أعلم -: أحدهما: أن ليس عليه إلا دم، ولا يجزيه غيره، فيحل إذا كان عبداً غير واجدٍ للدم، ومتى عتق ووجد ذبح، ومن قال هذا في العبد قاله في الحرِّ يحصر بالعدو، وهو لا يجد شيئاً، يحلق ويحل ومتى أيسر أدى الدم. الثاني: أن تُقَوَّم الشاة دراهم، والدراهم طعاماً، فإن وُجد الطعام تصدق به، وإلا صام عن كل مدٍّ يوماً، والعبد بكل حال ليس بواجد فيصوم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن ذهب هذا المذهب قاسه على ما يلزمه من هدي المتعة، فإن الله - عز وجل - يقول: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) .

فلو لم يجد هدياً، ولم يصم، لم يمنعه ذلك من أن في من عمرته وحجه، ويكون عليه بعده الهَدي أو الطعام. الأم (أيضاً) : باب (الإحصار بالمرض) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية. ثم ذكر ما ورد في فقرة باب الإحصار للعدو، وبعدها قال: فرأيت أن الآية بأمر اللَّه تعالى بإتمام الحج والعمرة لله عامة، على كل حاج ومعتمر إلا من استثنى اللَّه، ثم سنّ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحصر بالعدو، وكان المريض عندي ممن عليه عموم الآية، وقول ابن عباس، وابن عمر، وعائشة رضي اللَّه عنهم. يوافق معنى ما قلت - وإن لم يلفظوا به - إلا كما حُدِّث عنهم. الأم (أيضاً) : الضحايا الثاني: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال الله تعالى في المتمتع: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية، وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ما استيسر من الهدي: شاة، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مه أصحابه الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج أن يذبحوا شاة، شاة وكان ذلك أقل ما يجزيهم، لأنه إذا أجزأه أدنى الدم، فأعلاه خير منه.

الأم (أيضاً) : باب (في الحج) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، لأنَّه كان يقول: (مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) : بعير أو بقرة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ونحن وأنت نقول: (مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) شاة. ونرويه عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وإذا جاز لنا أن نترك على ابن عمر لابن عباس كان الترك عليه للنبي - صلى الله عليه وسلم - واجباً. الأم (أيضاً) : باب (ميقات العمرة مع الحج) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فإن قال قائل: وكيف قلت هذا في المكيّ. وأنت لا تجعل عليه دم المتعة؟ قيل: لأن الله - عزَّ وجلَّ قال: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الآية. الأم (أيضا) : باب (الإحصار للعدو) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فإن قال قائل: فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) الآية، قلت: اللَّه أعلم بمحله، هذا يشبه أن يكون إذا أحصر، نحره حيث أحصر كما وصفت، ومحله في غير الإحصار الحرم، وهو كلام عربي واسع.

الأم (أيضاً) : الخلاف في النذر في غير طاعة الله عزَّ وجلَّ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) الآية، فبيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن اللَّه - عز وجل بأن الصوم ثلاث، والإطعام ستة مساكين فَرَقاً من طعام. والنسك شاة، فكانت الكفارات تعبداً، وخالف الله - عز وجل - بينها كما شاء، لا معقب لحكمه. مختصر المزنى: باب (بيان التمتع بالعمرة. ..) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) الآية. فإذا أهَلُّ بالحج في شوال، أو ذي القعدة، أو ذي الحجة، صار متمتعاً، فإن له أن يصوم حين يدخل في الحج، وهو قول عمرو بن دينار. قال: وعليه ألا يخرج من الحج حتى يصوم - إذا لم يجد هدياً - الأيام الثلاثة. . . ويصوم السبعة إذا رجع إلى أهله. الرسالة: باب (البيان الأول) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى في التمتع: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) .

فكان بيِّناً عند من خوطب بهذه الآية، أن صوم الثلاثة في الحج، والسبع في المرجع - فيصبح المجموع - عشرة أيام كاملة. قال اللَّه تعالى: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) فاحتملت أن تكون زيادة في التبيين. واحتملت أن يكون أعلمهم أن ثلاثة إذا جمعت إلى سبع، كانت عشرة كاملة. وقال تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الآية، ثم بين الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - كيف عمل الحج والعمرة. . .؟. وقال سبحانه وتعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية، فدل الكتاب والسنة وما لم يختلف المسلمون فيه أن هذا كله. في مال الرجل، بحق وجب عليه للهِ، أو أوجبه الله للآدمين، بوجوه لزمه، وأنه لا يكلف أحد غرمه عنه. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الحج: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله تعالى: (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الآية.

فحاضره: من قرب منه، وهو: كل من كان أهله من دون أقرب المواقيت. دون ليلتين. أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيما بلغه عن وكيع، عن شعبة، عن عمرو بن مُرَّة. عن عبد بن سلمة، عن علي - رضي الله عنه - في هذه الآية: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الآية، قال: "أن يحرم الرجل من دويرة أهله" الحديث. وأخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع: أخبرنا الشَّافِعِي قال: ولا يجب دم المتعة على المتمتع، حتى يُهِل بالحج؛ لأن الله جل ثناؤه يقول: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية. وكان بيناً - في كتاب اللَّه - عز وجل - أن التمتع هو: التمتع بالإهلال من العمرة إلى أن يدخل في الإحرام بالحج، وأله إذا دخل في الإحرام بالحج، فقد أكمل التمتع. ومضى التمتع، وإذا مضى بكماله فقد وجب عليه دمه، وهو قول عمرو بن دينار. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ونحن نقول: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) : شاة. وُيروى عن ابن عباس فمن لم يجد: فصيام ثلاثة أيام، فيما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة، فإذا لم يصم: صام بعد منى (بمكة أو في سفره) ، وسبعة أيام بعد ذلك. وقال في موضع آخر: وسبعة في المرجع، وقال في موضع آخر: إذا رجع إلى أهله.

قال الله عز وجل: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون ي

قال الله عزَّ وجلَّ: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) الأم: باب (الوقت الذي يجوز فيه الحج والعمرة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله عزَّ وجلَّ: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ) ، إلى قوله: (فِي الْحَجِّ) الآية. أخبرنا مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير. لأنه سمع جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - يسأل عن الرجل يهل بالحجِّ قبل أشهر الحج؟ فقال: لا. لحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مسلم، عن ابن جريج قال: قلت لنافع: أسمعت عبد اللَّه بن عمر يسمى شهور الحج؟ فقال: نعم، كان يسمى شوالاً، وذا القعدة، وذا الحجة، قلت لنافع: فإن أهَل إنسان بالحجّ قبلهن؟ قال: لم أسمع منه في ذلك شيئاً. الحديث.

أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: قال طاووس، هي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج أنَّه قال لعطاء: أرأيت لو أن رجلاً جاء مهلاً بالحجّ في شهر رمضان، كيف كنت قائلاً له: قال أقول له: اجعلها عمرة. أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: أخبرنا عمر بن عطاء، عن عكرمة أنَّه قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، من أجل قول اللَّه - عز وجل -: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) الآية، ولا ينبغي لأحد أن يلي بالحج ثم يقيم. الأم (أيضاً) : باب (فوت الحج بلا حَصر عدو ولا مرض ولا غلبة على عقل) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وفي حديث يحيى عن سليمان دلالة عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه يعمل عمل معتمر لا أنَّ إحرامه عمرة، وإن كان الذي يفوته الحج قارناً حج قارناً، وقرن وأهدى هدياً لفوت الحج، وهدياً للقِرَان، ولو أراد المحرم بالحجّ إذا فاته الحج أن يقيم إلى قابل محرماً بالحج، لم يكن ذلك له، وإذا لم يكن ذلك له فهذا دلالة على ما قلنا من أنَّه: لا يكون لأحد أن يكون مهلا بالحج في غير أشهر الحجّ، لأن أشهر افي معلومات لقول اللَّه - عز وجل -: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) الآية. فأشبه - واللَّه أعلم - أن يكون حظر الحج في غيرها. الأم (أيضاً) : فيمن تجب عليه الصلاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ومن غلب على عقله بعارض مرض (أي مرض كان) ارتفع عنه الفرض في قول الله - عز وجل -: (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) الآية، وإن كان معقولاً ألَّا يخاطب بالأمر والنهي إلا من عقلهما.

مختصر المزني: باب (بيان وقت الحج والعمرة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) الآية، وأشهر الحجّ: شوال، وذو القعدة، وتسع من ذي الحجة (وهو يوم عرفة) ، فمن لم يدركه إلى الفجر من يوم النحر، فقد فاته الحج. وقال عكرمة رحمه اللَّه: فلا يجوز لأحد أن يحبئ قبل أشهر الحجّ، فإن فعل فإنهّا تكون عمرة، كرجل دخل في صلاة قبل وقتها فتكون نافلة، من أجل قول اللَّه - عز وجل: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) الآية. مختصر المزني (أيضاً) : كتاب العدد (عدةُ المدخول بها ... ) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والأقْرَاءُ والأطهار - واللَّه أعلم - ولا يمكن أن يطلقها طاهراً إلا وقد مضى بعض الطهر، وقال اللَّه تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) الآية، وكان شوال، وذو القعدة كاملين، وبعض ذي الحجة، كذلك الأَقْرَاءُ: طُهرَان كاملان وبعض طهر.

قال الله عز وجل: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين

أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الحج: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: في قوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) الآية، قال: وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. ولا يفرض الحجّ إلا في شوال كله، وذي القَعدة كله، وتسع من ذي الحجة، ولا يفرض إذا خلت عشر ذي الحجة، فهو - أي: شهر ذي الحجة - من شهور الحجّ، والحجّ بعضه دون بعض. قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) الأم: باب (صلاة المسافر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكما كان قول الله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) الآية. يريد - واللَّه أعلم - أن تتجروا في الحج، لا أن حتماً عليهم أن يتجروا.

قال الله عز وجل: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم (199)

أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عن - الشافعى - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات والعبادات) : نفس القول الوارد في الأم سابقاً مع تغير آخر لفظة إلى: (أن يتجروا) . قال الله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) الرسالة: باب (بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ الآية. فالعلم يحيط - إن شاء الله - أن الناس كلهم لم يحضروا عرفة في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - المخاطب بهذا ومن معه، ولكن صحيحاً من كلام العرب أن يقال: (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) يعني: بعضَ الناس. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الحج: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: وقال الحسين ابن محمد الماسرجسي، فيما أخبرني عنه أبو محمد بن سفيان، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال:

قال الله عز وجل: (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (201)

قال الشَّافِعِي يرحمه الله تعالى: في قوله تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) الآية، قال: كانت قريش وقبائل لا يقفون بعرفات، وكانوا يقولون: نحن الحُمسُ، لم نسَبَّ قط، ولا دُخِلَ علينا في الجاهلية، وليس نفارق الحرم، وكان سائر الناس يقفون بعرفات. فأمرهم اللَّه - عز وجل -: أن يقفوا بعرفة مع الناس. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) الأم: القول في الطواف: أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن يحيى بن عبيد (مولى السائب) ، عن أبيه عن ابن السائب: لأنَّه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وهذا من أحَبِّ ما يقال في الطّواف إليَّ. وأحِبُّ أن يُقال في كلّه.

قال الله عز وجل: (أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب (202)

الأم: التلبية: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأحِبُّ أن يكون أكثر كلامه في الطّواف: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) الآية. قال الله عزَّ وجلَّ: (أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) الأم باب (الاستسلاف للحج) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا مسلم، وسعيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن رجلاً سأله فقال: أو آجر نفسي من هؤلاء القوم، فأنسِك معهم المناسك ألِيَ أجرٌ؟ فقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: نعم (أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) الآية. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) الأم: باب (بيع الآجال) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد رُوِيَ إجازة البيع إلى العطاء عن غير واحد، وروي عن غيرهم خلافه، وإنما اخترنا ألا يباع إليه، لأنّ العطاء قد

قال الله عز وجل: (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد (205)

يتأخر ويتقدم، وإنما الآجال معلومة، بايام موقوتة، أو أهِلَّة، وأصلها في القرآن قال تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) الآية، فقد وقت بالأهلة كما وقت بالعدة، وليس العطاء من مواقيته تبارك وتعالى، وقد يتأخر الزمان ويتقدم، وليس تتأخر الأهلة أبداً أكثر من يوم. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) الأم: المشي إلى الجمعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال عز ذكره: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا) الآية. السعي: هو العمل، لا السعي على الأقدام. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال زهير: سعى بعهدهم قوم لكي يدركوهمُ ... فلم يفعلوا ولم يليموا ولم يألوا وزاد بعض أصحابنا في هذا البيت: وما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهمُ قَبلُ وهل يحمل الخطي إلا وشيجه ... وتُغرس إلَّا في منابتَها النخلُ

قال الله عز وجل: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين)

قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: حدثني عبد الله ابن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك، عن جده جابر بن عتيك صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: "إذا خرجت إلى الجمعة فامش على هينتك" الحديث. قال الله عزَّ وجلَّ: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) الأم: كتاب الجزية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: خلق اللَّه الخلق لعبادته، فأبان جل وعلا أن خيرته من خلقه: أنبياؤه، فقال تبارك وتعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) الآية، فجعل - سبحانه - النبيين صلى اللَّه عليهم وسلم من أصفيائه - دون عباده - بالأمانة على وحيه، والقيام بحجته فيهم. الرساله: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله ئعاك: فإئه تبارك وتعالى يقول: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) الآية. فكان خيرته المصطفى لوحيه، المنتخب لرسالته، المفضل على جميع خلقه. بفتح رحمته، وختم نبوته، وأعم ما أرسل به مُرسَل قبله، المرفوع ذكرُهُ مع ذكره

قال الله عز وجل: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (216)

في الأولى، والشافعُ المشفع في الأخرى، أفضل خلقه نفساً، وأجمعهم لكل خُلُق رضيه في دين ودنيا، وخيرهم نسباً وداراً: محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. قال الله عزَّ وجلَّ: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) الأم: أصل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولما مضت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة من هجرته، أنعم اللَّه تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون اللَّه قوة بالعدد، لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد، بعد إذ كان إباحة لا فرضاً، فقال تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) الآية. الأم (أيضاً) : من لا يجب عليه الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فلما فرض اللَّه تعالى الجهاد، دلَّ في كتابه. وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أنه لم يفرض الخروج إلى الجهاد على مملوك، أو أنثى بالغ، ولا حر لم يبلغ. لقوله اللَّه تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ) الآية. وكل هذا يدل على أنه أراد به الذكور دون الإناث. . .

ودلت السنة، ثم ما لم أعلم فيه مخالفاً من أهل العلم على ما وصفت. وذكَرَ حديث ابن عمر في ذلك. الأم (أيضاً) : كيف تفضل فرض الجهاد": أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ) الآية، مع ما أوجب - اللَّه - من القتال في غير آية من كتابه، وقد وصفنا أن ذلك على الأحرار المسلمين البالغين دون غير ذوي العذر، بدلائل الكتاب والسنة، فإذا كان فرض الجهاد - على من فُرِض عليه - محتملاً لأن يكون كفرض الصلاة وغيرها عامًّا، ومحتملاً لأن يكون على غير العموم، فدل كتاب الله - عز وجل -، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - على أن فرض الجهاد، إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به حتى يجتمع أمران: أحدهما: أن يكون بإزاء العدو المَخُوف على المسلمين من يمنعه. الآخر: أن يجاهد من المسلمين من في جهاده كفاية حتى يُسلم أهل الأوثان، أو يعطي أهل الكتاب الجزية.

قال الله عز وجل: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير)

قال الله عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) الأم: كتاب سير الأوزاعي: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: - روى - الكلبي من حديث رفعه إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه بعث عبد اللَّه بن جحش - في سرية - إلى بطن نخلة، فأصاب هنالك عمرو بن الحضرمي، وأصاب أسيراً أو اثنين، وأصاب ما كان معهم من أدم وزيت وتجارة (من تجارة أهل الطائف) ، فقدم بذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولم يقسم ذلك عبد الله بن جحش - رضي الله عنه - حتى قدم المدينة، وأنزل اللَّه - عز وجل - في ذلك: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) حتى فرغ من الآية - فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغنم وخَمَّسهُ. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأما ما احتُج به من وقعة عبد اللَّه بن جحش، وابن الحضرمي، فذلك قبل بدر، وقبل نزول الآية، وكانت وقعتهم في آخر يوم من الشهر الحرام، فوقفوا فيما صنعوا، حتى نزلت: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ) الآية. وليس مما خالفه فيه الأوزاعي بسبيل.

الأم (أيضاً) : المرتد عن الإسلام: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ومن انتقل عن الشرك إلى الإيمان، ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك (من بالغي الرجال والنساء) استتيب، فإن تاب قُبِل منه، وإن لم يتب قُتِل قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) إلى قوله: (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الآية. الأم (أيضاً) : باب المرتد الكبير: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تبارك اسمه: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) الآية. أخبرنا الثقة، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل، عن عثمان بن عفان، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له قال: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزناً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلم يجز في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" إحداهن الكفر بعد الإيمان، إلا أن تكون كلمة الكفر تحل الدم، كما يُحله الزنا بعد الإحصان، أو تكون كلمة الكفر تحل الدم إلا أن يتوب صاحبه، فدلَّ كتاب اللَّه - عز وجل -، ثم سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن معنى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: كفر بعد إيمان" إذا لم يتب من الكفر، وقد وضعتُ هذه الدلائل مواضعها.

قال الله عز وجل: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) الأم: نكاح نساء أهل الكتاب: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أحل اللَّه تبارك وتعالى حرائر المؤمنات. واستثنى في إماء المؤمنات أن يحلُلْن، بأن يجمع ناكحهن ألَّا يجد طولاً لحرة، وأن يخاف العنت في ترك نكاحهن، فزعمنا أنَّه لا يحلُّ أمة مسلمة حتى يجمع ناكحها الشرطين اللذين أباح اللَّه نكاحها بهما، وذلك أن أصل ما نذهب إليه إذا كان الشيء مباحاً بشرط: أن يباح به، فلا يباح إذا لم يكن الشرط، كما قلنا في الميتة نباح للمضطر ولا تباح لغيره. .. وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) الآية. فأطلق التحريم تحريماً بأمر وقع عليه اسم الشرك. الأم (أيضاً) : نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) إلى قوله: (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) الآية، وقد قيل في هذه الآية: إنهها نزلت في جماعة مشركي العرب الذين هم أهل الأوثان، فحرم نكاح نسائهم، كما حرم أن ننكح رجالهم المؤمنات، قال: فإن كان هذا هكذا، فهذه الآية ثابتة ليس فيها منسوخ.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قبل هذه الآية في جميع المشركين، ثم نزلت الرخصة بعدها في إحلال نكاح حرائر أهل الكتاب خاصة، كما جاءت في إحلال ذبائح أهل الكتاب. الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح المحدودين: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ومن قال هذا حكم بينهما، فالحجة عليه بما وصفنا من كتاب اللَّه - عز وجل - الذي اجتمع على ثبوت معناه أكثر أهل العلم، فاجتماعهم أولى أن يكون ناسخاً وذلك قول اللَّه - عز وجل -: (فَلَا تَرْجِعُوهُن إِلَى الْكفارِ) ، الآية، وقوله - عز وجل -: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواأ) الآية، فقد قيل: إن هاتين الأبتين في مشركات أهل الأوثان. وقد قيل: في المشركات عامة ثم رُخص منهن في حرائر أهل الكتاب. الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) الآية. فنهى اللَّه - عز وجل في هذه الآية - وآية الممتحنة - عن نكاح نساء المشركين، كما نهى عن إنكاح رجالهم.

وقال: وهاتان الآيتان تحتملان معنيين: الأول: أن يكون أرِيد بهما مشركو أهل الأوثان خاصة، فيكون الحكم فيهما بحاله لم ينسخ، ولا شيء منه؛ لأنّ الحكم في أهل الأوثان: ألَّا ينكح مُسْلم منهم امرأة، كما لا ينكح رجل منهم مسلمة. وقد قيل هذا فيها، وفيما هو مثله عندنا - واللَّه أعلم به -. الثاني: وتحتملان أن تكونا - الآيتان - في جميع المشركين، وئكون الرخصة نزلت بعدها في حرائر أهل الكتاب خاصة، كما جاءت في ذبائح أهل الكتاب من بين المشركين خاصة. الأم (أيضاً) : المدعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل - (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) الآية، فحرَّم: المشركات جملة. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأحلُّ اللَّه صنفاً واحداً من المشركات بشرطين: أحدهما: أن تكون المنكوحة من أهل الكتاب. والثاني: أن تكون حُرَّة. لأنَّه لم يختلف المسلمون في أنَّ قول اللَّه - عز وجل فَي: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) . الآية. هن: الحرائر. أحكام القرآن: ما يؤثر في النكاح والصداق وغير ذلك: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن كانت الآية: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) الآية، نزلت في تحريم نساء المسلمين على المشركين - من مشركي أهل

قال الله عز وجل: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين

الأوثان -، فالمسلمات محرَّمات على المشركين منهم بالقرآن بكل حال، وعلى مشركي أهل الكتاب، لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين، وما لم يختلف الناس فيه علمتُه. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) الأم: كتاب الحيض: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأبان - عز وجل - أنها حائض، غير طاهر، وأمر ألا تقرب حائض حتى تطهر، ولا إذا طهرت حتى تتطهر بالماء، وتكون ممن تحل لها الصلاة، ولا يحل لامرئ كانت امرأته حائضاً أن يجامعها حتى تطهر، فإن اللَّه تعالى جعل التيمم طهارة إذا لم يوجد الماء، أو كان التيمم مريضاً، ويحل لها الصلاة بغسل إن وجدت ماء، أو تيمم إذا لم تجده.

الأم (أيضاً) : باب (ترك الحائض الصلاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) الآية، فكان بيناً في قول اللَّه - عز وجل -: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) بأنهن حِيَّض في غير حال الطهارة، وقضى على الجنب ألا يقرب الصلاة حتى يغتسل، وكان بيناً أن لا مدة لطهارة الجنب إلا الغسل، وأن لا مدة لطهارة الحائض إلا ذهاب الحيض، ثم الاغتسال لقول اللَّه - عز وجل -: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) وذلك بانقضاء الحيض، (فَإِذَا تَطَهرْنَ) يعني بالغسل، فإن السنة تدل على أن طهارة الحائض بالغسل، ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بيان ما دلَّ عليه كتاب اللَّه تعالى من ألا تصلي الحائض - حتى تطهر -. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة ألا تطوف بالبيت حتى تطهر، فدل على ألا تصلي حائضاً، لأنها غير طاهر ما كان الحَيض قائماً. وكذلك قال اللَّه - عز وجل -: (حَتى يَطهُرْنَ) . الأم (أيضاً) : باب (المستحاضة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولم يُذكَر في حديث عائشة الغسل عند تولي الحيضة، وذكِرَ غَسْلُ الدم، فأخذنا بإثباث الغسل من قول اللَّه - عز وجل - ق: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) الآية، فقيل: - واللَّه تعالى أعلم - يطهرن: من الحيض، فإذا تطهرن: بالماء.

ثم من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الطهارة بالماء الغسل. وفي حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها فأمرها في الحيض أن تغتسل إذا رأت أنها طَهُرَت، ثم أمرها - في حديث حمنة - بالصلاة. فدل ذلك على أن لزوجها أن يصيبها، لأن الله تبارك ؤتعالى أمر باعتزالها حائضاً، وأذن في إتيانها "طاهراً. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله تعالى قال: أخبرنا سفيان قال: أخبرني الزهري. عن عمرة، عن عائشة، أن أم حبيبة (بنت جحش رضي الله عنها) استحيضت فكانت لا تصلي سبع سنين فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنَّما هو عِرْق وليست بالحيضة"، فأمرها رسول الله أن تغتسل وتصلي، فكانت تغتسل لكل صلاة وتجلس في المِرْكن فيعلوه الدم. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد روى غير الزهري هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تغتسل لكل صلاة ولكن رواه عن عمرة بهذا الإسناد والسياق. والزهري أحفظ منه، وقد روى فيه شيئاً، يدل على أن الحديث غلط، قال: تترك الصلاة قدر أقرائها، وعائشة تقول الأقراء: الأطهار، قال: أفرأيت لو كانت تثبت الروايتان فإلى أيهما تذهب؟ قلت: إلى حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها وغيره مما أعرف فيه بالغسل عند انقطاع الدم، ولو لم يؤمرن به عند كل صلاة. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فإن قال فهل من دليل غير الخبر؟ قيل: نعم، قال - عز وجل -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) إلى قوله: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الطهر: هو الغسل.

الأم (أيضاً) : باب - (الخلاف في المستحاضة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فقال لي قائل: تصلي المستحاضة، ولا يأتيها ْزوجها، وزعم لي بعض من يذهب مذهبه، أن حجته فيه أن اللَّه تبارك وتعالى قال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) الآية، وأنه قال في الأذى أنه أمر باجتنابها فيه، فأثم فيها، فلا يحل له إصابتها. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فقيل له: حكم اللَّه - عز وجل - في أذى المحيض أن تعتزل المرأة، ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن حكم اللَّه - عز وجل - أن الحائض لا تصلي، فدل حكم اللَّه وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن الوقت الذي أمر الزوج باجتناب المرأة فيه للمحيض، الوقت الذي أمرت المرأة فيه إذا انقضى المحيض بالصلاة. قال: نعم. فقيل له: فالحائض لا تطهر وإن اغتسلت، ولا يحل لها أن تصلى، ولا تمس مصحفاً، قال: نعم. فقيل له: حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن حكم أيام الاستحاضة حكم الطهر، وقد أباح اللَّه للزوج الإصابة إذا تطهرت الحائض. وقوله - صلى الله عليه وسلم - قال في الاستحاضة: إنما ذلك عِرق وليس بالحيضة. . .. الأم (أيضاً) : باب (إتيان النساء حِيَّضاً) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) الآية. قال: فزعم بعض أهل العلم بالقرآن، أن قول اللَّه - عز وجل -: (حَتَّى يَطْهُرْنَهُ) حتى يَرَيْن الطهر (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) بالماء (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) أن تجتنبوهن.

قال وما أشبه ما قال - والله تعالى أعلم - بما قال، ويشبه أن يكون تحريم الله - عز وجل - إتيان النساء في المحيض؛ لأذى الحيض، وإباحته إتيانهن إذا طهرن، وتطهُّرن بالماء من الحيض، على أن الإتيان المباح في الفرج نفسه كالدلالة على أن إتيان النساء في أدبارهن محرم. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وبين في الآية: إنما نهى عن إتيان النساء في المحيض، ومعروف أن الإتيان، الإتيان في الفرج؛ لأن التلذذ بغير الفرج في شيء من الجسد ليس إتياناً. الأم (أيضاً) : باب (في إتيان الحائض) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) الآية، يحتمل معنين: أحدهما: فاعتزلوهن في غير الجماع. ثانيهما: لا تقربوهن في الجماع. فيكون اعتزالهن من وجهين؛ والجماع أظهر معانيه لأمر اللَّه بالاعتزال ثم قال: (وَلَا تَقرَبُوهُن) الآية، فأشبه أن يكون أمراً بيناً وبهذا نقول لأنه قد يحتمل أن يكون أمر باعتزالهن، ويعني أن اعتزالهن: الاعتزال في الجماع. الأم (أيضاً) : باب (طهر الحائض) : أخبرنا الربيع قال:

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا انقطع عن الحائض الدم، لم يقربها زوجها حتى تطهر للصلاة، فإن كانت واجدة للماء فحتى تغتسل، وإن كانت مسافرة غير واجدة للماء فحتى تتيمم لقول الله - عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) الآية، أي حتى ينقطع الدم ويرين الطهر، (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) يعني - واللَّه تعالى أعلم -: الطهارة التي تحل بها الصلاة لها، ولو أتى رجل امرأته حائضاً، أو بعد تولية الدم، ولم تغتسل، فليستغفر اللَّه ولا يعد حتى تطهر، وتحل لها الصلاة، وقد روي فيه شيء لو كان ثابتاً أخذنا به، ولكنه لا يثبت مثله. الأم (أيضاً) : باب (ما ينال من الحائض) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخيرنا مالك، عن نافع، أن ابن عمر رضي الله عنهما أرسل إلى عائشة رضي الله عنها يسألها: "هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؛ فقالت: لتشدد إزارها على أسفلها ثم يياشرها إن شاء" الحديث. الأم (أيضاً) : باب (نكاح حرائر أهل الكتاب) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: - وبينَ في نكاح الكتابية - وله جبرها على الغسل من الحيضة، ولا يكون له إصابتها إذا طهرت من الحيض حتى تغتسل؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ يقول (حَتَّى يَطْهُرْنَ) فقال بعض أهل العلم بالقرآن: حتى ترى الطهر قال: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) يعني: بالماء إلا أن تكون في سفر لا تجد الماء فتتيمم، فإذا صارت ممن تحل لها الصلاة بالطهر حلت له.

الأم (أيضاً) : النصرانية تحت المسلم: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإذا كانت النصرانية عند المسلم فطهرت من الحيضة، جُبرت على الغسل منها، فإن امتنعت أُدِّبت حتى تفعل؛ لأنها تمنعه الجماع في الوقت الذي يحل له، وقد قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) الآية، فزعم بعض أهل التفسير أنه حتى يطهرن من الحيض قال اللَّه تعالى 1: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) يعني بالماء (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) الآية. الرسالة: باب (فرض الصلاة الذى دل الكتاب ثم السنة على من تزول عنه بالعذر: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) . قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: افثرض اللَّه الطهارة على المصلي، في الوضوء والغسل من الجنابة، فلم تكن لغير طاهر صلاة. ولما ذكر اللَّه المحيض فأمر باعتزال النساء فيه حتى يطهرن، فإذا تطهرن أتِينَ. استدللنا على أن تطهرهن بالماء بعد زوال المحيض، لأن الماء موجود في الحالات كلها في الحضر، فلا يكون للحائض طهارة بالماء، لأن اللَّه إنما ذكر التطهر بعد أن يَطْهُرن، ويطَهرُهُن: زوال المحيض في كتاب اللَّه ثم سنة رسوله.

ْأخبرنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها: وذكرت إحرامها مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنها حاضت، فأمرها أن ئقضي ما يقضي الحاج "غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" الحديث. أحكام القرآن: فصل فيما يؤثر عن الشَّافِعِي من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات: وفيما أنباني أبو عبد اللَّه (إجازة) عن الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) الآية. فأبان: أنها حائض غير طاهر. وأمرنا: أن إلا نقرب حائضاً حتى تطهر، ولا إذا طهرت حتى تتطهر بالماء، وتكون ممن تحل لها الصلاة. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال بعض أهل العلم بالقرآن: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) الآية، أن تعتزلوهن يعني: في مواضع الحيض. وكانت الآية محتملة لما قال. ومحتملة: أن اعتزالهن: اعتزال جميع أبدانهن، ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: على اعتزال ما تحت الإزار منها، وإباحة ما فوقها - أي: ما فوق الإزار -. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكان مبيناً في قول اللَّه - عز وجل -: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) أنهن حُيض في غير حال الطهارة وقضى اللَّه على الجنب: أن لا يقرب الصلاة

قال الله - عز وجل -: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين (223)

حتى يغتسل، فكان مبيناً: أن لا مدة لطهارة الجنب إلا الغسل، ولا مدة لطهارة الحائض إلا ذهاب الحيض، ثم الغسل، لقول اللَّه - عز وجل -: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) ، وذلك انقضاء الحيض، (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) يعني: بالغسل، لأن السنة دلت على أن طهارة الحائض: الغسل، ودلت على بيان ما دلَّ عليه كتاب اللَّه: من ألَّا تصلي الحائض. فذكر حديث عائشة رضي اللَّه عنها ثم قال: وأقرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة رضي اللَّه عنها: "أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ". الحديث، يدل على ألَّا تصلي حائضاً؛ لأنها غير طاهر ما كان الحيض قائماً، ولذلك قال اللَّه - عز وجل: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) . قال الله - عزَّ وجلَّ -: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) الأم: باب (إتيان النساء في أدبارهن) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)) الآية، قال: وبيِّن أن موضع الحرث موضع الولد، وأن اللَّه تعالى أباح الإتيان فيه إلا في وقت المحيض. و (أَنَّى شِئْتُمْ) : من أين شئتم. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإباحة الإتيان في موضع الحرث، يشبه أن يكون تحريم إتيان في غيره، فالإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القُبُل محرَّم بدلالة الكتاب ثم السنة. وذكر حديث جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن سأله عن هذه الآية: " أمن دبرها في قبلها فنعم، أم من دبرها في دبرها فلا، إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن" الحديث.

قال الله عز وجل: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم (225)

الأم (أيضاً) : باب (إتيان النساء في أدبارهن) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله عزَّ وجلَّ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الآية، قال: احتملت الآية معنيين: أحدهما: أن تؤتى المرأة من حيث شاء زوجها، لأن (أَنَّى شِئْتُمْ) يبين أين شئتم لا محظور منها، كما لا محظور من الحرث. ثانيهما: واحتملت أن الحرث إنما يراد به النبات، وموضع الحرث الذي يطلب به الولد، الفرج دون ما سواه، لا سبيل لطلب الولد غيره. .. ثم ختم الباب بقوله - أي الشَّافِعِي -: فلست أرَخِّصُ فيه بل أنهى عنه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) مختصر المزنى: باب لغو اليمين من هذا، ومن اختلاف مالك والشافعى رحمهما الله: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه. عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لغو اليمين قول الإنسان لا والله، وبلى والله" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: واللغو في لسان العرب: الكلام غير المعقود عليه. وجماع اللغو: هو الخطأ واللغو، كما قالت عائشة رضي اللَّه عنها - واللَّه أعلم -.

قال الله عز وجل: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم (226) وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم (227)

وذلك إذا كان على اللجاج والغضب والعجلة، وعقد اليمين أن يثبتها على الشيء بعينه. مختصر المزني (أيضاً) : من كتاب الكفارات والنذور والأيمان: أخبرنا سفيان، حدثنا عمرو، عن ابن جريج، عن عطاء قال: ذهبت أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها، وهي معتكفة في ثَبير فسألناها عن قول الله عزَّ وجلَّ: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) الآية، قالت: " هو لا والله، وبلى والله ". أخبرنا سفيان بن عيينة، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن الحصين - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم" الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) الأم: الخلاف في طلاق المختلعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله عزَّ وجلَّ: (فخالفنا بعض الناس في المختلعة، فقال: إذا طُلِّقت في العدة لحقها الطلاق، فسألته هل يروي في قوله

خبراً؛ فذكر حديثاً لا تقوم بمثله حجة عندنا ولا عنده. فقلت: هذا عندنا وعندك غير ثابت. قال: فقد قال به بعض التابعين. فقلت له: وقول بعض التابعين لا يقوم به حجة لو لم يخالفهم غيرهم. قال فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها؟ قلت: حجتي فيه من القرآن والأثر والإجماع، على ما يدل على أن الطلاق لا يلزمها، قال: وأين الحجة من القرآن؟ قلت: قال اللَّه تبارك وتعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية. وذكر منها أربع آيات أخرى -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ألا إن أحكام الله تبارك وتعالى في هذه الآيات الخمس تدل على أنها ليست بزوجة؛ قال: نعم. .. أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وابن الزبير رضي اللَّه عنهما أنهما قالا في المختلعة يطلقها زوجها، قالا: لا يلزمها طلاق، لأنه طلَّق ما لا يملك. . . فكيف يطلق غير امرأته؟! الأم (أيضاً) : الإيلاء واختلاف الزوجين في الإصابة: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال:

أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال: قال الله تبارك وتعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) . الآيتان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان ابن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يقول بوقف المُوْلِي. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إذا آلى الرجل من امرأته، لم يقع عليه طلاق، وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف، فإمُّا أن يطلق، وإما أن يفيء. الأم (أيضاً) : الظهَار: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإذا تظاهر من أمته - أم ولد كانت، أو غير أم ولد - لم يلزمه الظهار؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية، وليست من نسائه، ولا يلزمه الإيلاء، ولا الطلاق، فيما لا يلزمه الظهار، وكذلك قال الله تبارك وتعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍر) الآية. فلو آلى من أمته لم يلزمه الإيلاء.

مختصر المزني: كتاب الظهَار: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: لأن الله - عز وجل - يقول: (يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) فعقلنا عن اللَّه - عز وجل - أنها ليست من نسائنا - الإماء أو أم ولد - وإنَّما نساؤنا: أزواجنا. الرسالة: باب (الاختلاف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله - عز وجل -: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) . الآيتان. فقال: الأكثر ممن رُوي عنه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عندنا: إذا مضت أربعة أشهر وُفِفَ المُولِي، فإمَّا أن يفيء، وإما أن يطلق. ورُوِيَ عن غيرهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: عزيمة الطلاق انقضاء أربعة أشهر. ولم يُحفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا - بأبي هو وأمي - شيئاً. قال: فأيُّ القولين ذهبتَ؟ قلتُ: ذهبت إلى أن المولى لا يلزمه الطلاق، وأن امرأته إذا طلبت حقها منه لم أعرِضْ له حتى تمضي أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر قلت له: فِئ أو طَلِّق، والفَيئَة: الجماع. قال: فكيف اخترْته على القول الذي يخالفه؟ قلت: رأيته أشبه بمعنى كتاب الله - عز وجل - وبالمعمول.

قال: وما دل عليه من كتاب اللَّه؟ قلت: لما قال اللَّه - عز وجل: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) الآية، كان ظاهر الآية أن من أَنظَرَهُ اللَّه أربعة أشهر في شيء، لم يكن عليه سبيل حتى تمضي أربعة أشهر. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وليس في الفيئة دلالة على ألَّا يفيء الأربعة إلا مضيُّها، لأن الجماع يكون في طرفة عين، فلو كانت على ما وصفتَ تزَايَلَ حاله حتى تمضي أربعة أشهر، ثم تزايل حالُه الأولى، فإذا زايلها صار إلى أنُّ لله عليه حقاً، فإمَّا أن يفيء، وإمَّا أن يطلق. فلو لم يكن في آخر الآية ما يدل على أن معناها غير ما ذهبتَ إليه، كان قوله أَوْلاَهُما بها، لما وصفنا، لأنه ظاهرها. والقرآن على ظاهره، حتى تأتي دلالة منه، أو سنة، أو إجماع، بأنَّه على باطن وظاهر. قال: فما في سياق الآية ما يدلُّ على ما وصفت؟. قلت: لما ذكر اللَّه - عز وجل -: أنُّ للمولي أربعة أشهر ثم قال: (فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) . الآيتان. فذكر الحكمين معاً بلا فصل بينهما: أنهما إنما يقعان بعد الأربعة أشهر، لأنَّه إنما جعل عليه الفيئة أو الطلاق، وجعل له الخيار فيهما في وقت واحد، فلا يتقدم واحد منهما صاحبه، وقد ذكِرا في وقت واحد، كما يقال له في الرهن أَفْدِه أو نبيعه عليك، بلا فصل، وفي كل ما خُيِّر فيه افعل كذا أوكذا بلا فصل.

ثم قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فَتَكَلْمُ الموُلي بالإيلَى ليس هو طلاق. إنَّما هي يمين، ثم جاءت عليها مدة جعلتها طلاقاً، أيجوز لأحد يعقل من حيث يقول: أن يقول مثل هذا إلا بخبر لازم؟! قال: فهو يدخلُ عليك مثلُ هذا. قلتُ: وأين؟ قال: أنت تقول: إذا مضت أربعة أشهر وُقِفَ، فإن فاء وإلا جُبِرَ على أن يُطلق. قلت: ليس من قِبَلِ أن الإيلى طلاق، ولكنها يمين جعل اللَّه لها وقتاً، منع بها الزوج من الضِّرار، وحكم عليه إذا كانت أن جعل عليه إمَّا أن يفيء، وإمَّا أن يُطَلِّق، وهذا حكم حادث بمضي أربعة أشهر، غير الإيلى، ولكنه مُؤتنَف، يُجبر صاحبُه على أن يأتي بأيهما شاء، فَيئةِ أو طلاق، فإن امتنع منهما أخذ من الذي يُقدر على أخذه منه، وذلك أن يطلق عليه، لأنَّه لا في أن يُجامَع عنه!!. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على فقه الشافعى، وتقدُّمه فيه، وحسُنُ استنباطه) : وقال تبارك وتعالى: (فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) . الآية. وقال (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) الآية. وقال (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) قال الشَّافِعِي رحمه الله: أفرأيت إن قذفها أيُلاعِنُها؛ وآلى منها أيلزمه الإيلاء؛ أو ظاهر أيلزمه الظهار؛ أو ماتت أيرثها؛ أو مات أترثه؟ قال: لا.

قال الله عز وجل: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق برده

قلت: الآن أحكام الله هذه الخمسة تدل على أنها ليست بزوجة. قال: نعم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الأم: رضاعة الكبير: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وما جعل اللَّه تعالى له غاية فالحكم بعد مضي الغاية فيه غيره قبل مضيها، قال تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) الآية، فكنَّ - إذا مضت الثلاثة الأقراء فحكمهن بعد مضيها غير حكمهن فيها. الأم (أيضاً) : الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله تعالى قال: الفرقة بين الزوجين وجوه، يجمعها اسم الفرقة، ويفترق بها أسماء دون اسم الفرقة. فمنها الطلاق: والطلاق ما ابتدأه الزوج، فأوقعه على امرأته بطلاق صريح، أو كلام يشبه الطلاق يريد به الطلاق، وكذلك ما جعل إلى امرأته من أمرها فطلَّقت نفسها، أو إلى غيرها فطلقها، فهو كطلاقه، لأنه بأمره وقع، وهذا

كله إذا كان الطلاق فيه من الزوج، أو ممن جعله إليه الزوج واحدة أو اثنتين، فالزوج يملك فيه رجعة المطلقة ما كانت في عدة منه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال لي بعض الناس: ما الحجة فيما قلت؟ قلت: الكتاب والسنة والآثار والقياس. قال: فأوجدني ما ذكرته. قلت: قال الله تبارك وتعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ) وقال تعالى ذكره: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) إلى قوله: (إِصْلَاحًا) الآية، وقلت: أما يتبين لك في هاتين الآيتين أن اللَّه تبارك وتعالى جعل لكل مطلق لم يأت على جميع الطلاق الرجعة في العدة؛ ولم يخصص مطلّقاً دون مطلّق، ولا مطلقة دون مطلقة. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله في العدة: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) الآية، فلما لم تكن هذه معتدة بحكم اللَّه تعالى، علمت أن اللَّه تبارك وتعالى إنما قصد بالرجعة في العدة، قصد المعتدات، وكان المفَسَّر من القرآن يدل على معنى الجمل، ويفترق بافتراق حال المطلقات. الأم (أيضاً) : طلاق التي لم يدخل بها: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) الآية، وقال: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) الآية. فالقرآن يد، على أنَّ الرجعة لمن طلق واحدة أو ائنتين، إنما هي على المعتدة؛ لأنَّ اللَّه - عز وجل - إنما جعل الرجعة في العدة، وكان الزوج لا يملك الرجعة إذا انقضت

العدة، لأنَّه يحلُّ للمرأة في تلك الحال أن تنكح زوجاً غير المطلق، فمن طلق امرأته ولم يدخل بها تطليقة أو تطليفتين فلا رجعة له عليها، ولا عدة، ولها أن تنكح من شاءت ممن يحلَّ لها نكاحه، وسواء البكر في هذا أو الثيب. الأم (أيضاً) : العدد (عدة المدخول بها التي تحيض) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: قال الله تبارك وتعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والأقراء عندنا - والله أعلم - الأطْهَار. فإن قال قائل: ما دلَّ على أنَّها الأطهَار، وقد قال غيركم الحيض؟ قيل له: دلالتان: أولهما: الكتاب الذي دلَّت عليه السنة. واآخر: اللسان. فإن قال: وما الكتاب؟ قيل: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنَّه طلق امرأته وهي حائض، في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر - رضي الله عنه - رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُرهُ فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر،

ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله - عزَّ وجلَّ أن تطلق لها النساء" الحديث. وفي رواية: "قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك"، وتلا النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن أو في قبل عددتهن) . قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أنا شككت. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله أن العدة: الطهر دون الحيض، وقرأ: "فطلقوهن لقبل عدتهن" أن تطلق طاهراً، لأنها حينئذ تستقبل عدتها. ولو طُلقت حائضاً لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض. فإن قال: فما اللسان؟ قيل: القُرْءُ: اسم وضع لمعنى، فلما كان الحيض دماً يرخيه الرحم فيخرج، والطهر دم يحبس فلا يخرج، كان معروفاً من لسان العرب أن القُرْءَ: الحبس؛ لقول العرب: هو يقري الماء في حوضه وفي سقائه. وتقول العرب: هو يقري الطعام في شدقه، يعني: يحبس الطعام في شدقه. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله - عزَّ وجلَّ في الآية التي ذكر فيها المطلقات ذوات الأقراء: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) إلى قوله: (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) الآية.

فكان بيناً في الآية بالتنزيل أنَّه: 1 - لا يحلُّ للمطلقة أن تكتم ما في رحمها من المحيض، وذلك أن يحدث للزوج عند خوفه انقضاء عدتها رأي في ارتجاعها، أو يكون طلاقه إياها أدباً لها، لا إرادة أن تبينَ منه - فتُعلِمه ذلك، لئلا تنقضي عدتها، فلا يكون له سبيل إلى رجعتها. 2 - وكان ذلك يحتمل: الحمل مع الحيض، لأن الحمل مما خلق اللَّه في أرحامهن. وإاذا سأل الرجل امرأته المطلقة أحامل هي أو هل حاضت؟ فبيّن عندي ألا يحلّ لها أن تكتمه واحداً منهما، ولا أحداً رأت أنَّه يُعلمه إياها؛ وإن لم يسألها ولا أحداً يعلمه إياه، فأحبُّ إليَّ لو أخبرته به. ولو كتمته بعد المسألة - الحمل أو الأقراء - حتى خلت عدتها كانت عندي آثمة بالكتمان، إذ سئلت وكتمت. .. أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، أنَّه قال لعطاء: ما قوله: (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) الآية، قال: الولد لا تكتمه ليرغب فيها، وما أدري لعل الحيضة معه. أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، أنَّ مجاهداً قال في قول اللَّه - عز وجل -: (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) الآية، المرأة المطلقة لا يحلُّ لها أن تقول: أنا حبلى وليست بحبلى، ولا لست بحبلى وهي حبلى، ولا أنا حائض وليست بحائض، ولا لست بحائض وهي حائض. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وهذا - إن شاء اللَّه تعالى - كما قال مجاهد لمعانٍ:

منها: ألَّا في الكذب. والآخر: ألَّا تكتمه الحَبَل والحَيضَ، لعله يرغب فيراجع، ولا تدعِيهما لعله يراجع وليست له حاجة بالرجعة؛ لولا ما ذكرت من الحبل والحيض فتغره، والغرور لا يجوز. الأم (أيضاً) : أحكام الرجعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قول اللَّه - عز وجل -: (إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا) الآية. فقال: إصلاح الطلاق: الرجعة - واللَّه أعلم - فمن أراد الرجعة فهي له. لأن اللَّه تبارك وتعالى جعلها له. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأيما زوج حر، طلق امرأته بعد ما يصيبها، واحدة أو اثنتين، فهو أحقُّ برجعتها ما لم تنقض عدتها، بدلالة كتاب اللَّه - عز وجل -، ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ن، فإن (رُكَانة) طلق (امرأته ألبتة) ولم يُرِد إلا واحدة، فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث. وذلك عندنا في العدة - واللَّه تعالى أعلم -. الأم (أيضاً) : الاستبراء: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فإن قال قائل: لم زعمت أن الاستبراء: طهر ثم حيضة، وزعمت في العدة أن الأقراء: الأطهار؟

قلنا له: بتفريق الكتاب ثم السنة بينهما، فلما قال اللَّه - عز وجل -: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) الآية، ودلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن الأقراء: الأطهار، لقوله في ابن عمر رضي اللَّه عنهما: "يطلقها طاهراً من غير جماع. تلك العدة الي أمر الله - عزَّ وجلَّ أن تطلق لها النساء. فأمَرناها أن تأتي بثلاثة أطهار، فكان الحيض فيها فأصلاً بينهما حتى يُسمى كل طهر منها غير الطهر الآخر، لأنه لو لم يكن بينهما حيض كان طهراً واحداً. وكان قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإماء: "يسئبرئن بحيضة" يقصد: قصد الحيض بالبراءة، فأمرناها أن تأتي بحيض كامل، كما أمرناها إذا قصد: قصد الأطهار، أن تأتي بطهر كامل. الأم (أيضاً) : كيف تثبت الرجعة؟) قال الشَّافِعِي رحمه الله: لما جعل اللَّه - عز وجل - الزوج أحق برجعة امرأته في العدة، كان بيناً أن ليس لها منعه الرجعة، ولا لها عوض في الرجعة بحال، لأنها له عليها لا لها عليه، ولا أمر لها فيما له دونها، فلما قال اللَّه - عز وجل -: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) الآية. كان بيناً أن الرد هو بالكلام دون الفعل من جماع وغيره، لأن ذلك رد بلا كلام، فلا تثبت رجعة لرجل على امرأته حتى يتكلم بالرجعة. .. مثل: قد راجعتها، أو قد رددتها إليَّ، ونحو ذلك مما يدل على الرجعة -. الأم (أيضاً) نكاح المطلقة ثلاثاً: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) الآية، أي: إصلاح ما أفسدوا بالطلاق بالرجعة، فالرجعة

ثابنة لكل زوج غير مغلوب على عقله، إذا أقام الرجعة. وإقامتها: أن يتراجعا في العدة التي جعل اللَّه عز ذكره عليها فيها الرجعة. الأم (أيضاً) : الطلاق الذي تُمْلَكُ فيه الرجعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) الآية كلّها. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فكان بيناً في كتاب اللَّه تعالى أن كل طلاق حُسِب على مطلًقة فيه عدد طلاق - إلا الثلاث - فصاحبه يملك فيه الرجعة. وكان ذلك بيناً في حديث ركانة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإلا الطلاق الذي يؤخذ عليه مال - الخلع -، لأن اللَّه تعالى أذن به، وسماه فدية. الأم (أيضاً) : (طلاق المُولى عليه والعبد) قال الشَّافِعِي رحمه الله: في مناقشة بعض أهل الحجاز إنَّه: ليس للعبد طلاق، والطلاق بيد السيد وقال - اللَّه - عز وجل - - في المطلقات: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا) الآية، فكان العبد ممن عليه حرام، وله حلال، فحرامه: بالطلاق، ولم يكن السيد ممن حلت له امرأته فيكون له تحريمها. الأم (أيضاً) : باب (ما يفطر الصائم والسحوو والخلاف فيه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وهذا حجة لنا على من قال في المطلقة لزوجها عليها الرجعة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، وقد قال اللَّه تبارك

وتعالى: (ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) والقرء عنده الحيضة فما بال الغسل! وإن وجب بالحيض فهو غير الحيض. الأم (أيضاً) : كتاب (النفقات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: هذه جملة ما ذكر اللَّه - عز وجل - من الفرائض بين الزوجين، وقد كتبنا ما حضرنا مما فرض الله - عزَّ وجلَّ للمرأة على الزوج، وللزوج على المرأة، مما سَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض الله - عزَّ وجلَّ أن يؤديَ كل ما عليه بالمعروف. وجماع المعروف: إعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه، وأداؤه إليه بطيب النفس، لا بضرورئه إلى طلبه، ولا تأديته بإظهار الكراهية لتأديته، وأيهما ترك فظلم؛ لأن مَطْلَ الغني ظُلْم، ومَطلُه: تأخيره الحق. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية، - واللَّه أعلم - أي: فمالهن مثل ما عليهن من أن يُؤدى إليهن بالمعروف. الأم (أيضاً) : جماع عشْرَة النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال جل وعلا: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) الآية. فجعل اللَّه للزوج على المرأة، والمرأة على الزوج

حقوتاً بينها في كتابه، وعلى لسان نبيه مُفسَّرة ومجملة، ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال: أقل ما يجب في أمره بالعشرة بالمعروف: أن يؤدِّي الزوج إلى زوجثه ما فرض اللَّه لها عليه، من نفقة وكسوة وترك ميل ظاهر، فإنه يقول - عز وجل -: (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) . وجماع المعروف: إتيانُ ذلك بما يحسن لك ثوابه، وكفُّ المكروه. اختلاف الحديث: باب (طلاق الحائض) : أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه: هل حُسِبَت تطليقةُ ابن عمر رضي اللَّه عنهما على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "نعم" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: حديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر - رضي الله عنه -، أن يأمر ابن عمر رضي اللَّه عنهما، أن يراجع امرأته دليل بين على أنه لا يقال له راجع، إلا ما قد وقع عليه طلاقه، لقول الله

في المطلقات: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) الآية، وأن معروفاً في اللسان، بأنه إنما يقال للرجل: راجع امرأتك إذا افترق هو وامرأته. . . ثم قال: والقرآن يدل على أنها تحسب - أي: تطليقة ابن عمر لزوجته وهي حائض - قال اللَّه تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) الآية. لم يخصص طلاقاً دون طلاق، وما وافق ظاهر كتاب اللَّه من الحديث أولى أن يثبت. مسند الشَّافِعِي: ومن كتاب (العدد إلا ما كان منه معاداً) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة، قال ابن شهاب: فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن، فقالت: صدق عروة. وقد جادلها في ذلك ناس، وقالوا: إن اللَّه يقول: (ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) الآية، فقالت عائشة رضي اللَّه عنها: صدقتم وهل تدرون ما الأقْرَاءُ؟ الأقراء: الأطهار الحديث. أخبرنا مالك، عن ابن شهاب قال: سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: ما أدركت أحداً من فقهائنا إلا هو يقول هذا (يريد الذي قالت عائشة رضي الله عنها) الحديث.

قال الله عز وجل: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما ح

مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على فقه الشَّافِعِي، وتقدمه فيه، وحُسن استنباطه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) الآية. فلما كانت الصلاة مما يقوم به الإمام على المأموم، لم يجز أن تكون المرأة التي عليها القيِّم قيِّمةَ على قيِّمِها. ولما كانت الإمامة درجة فضل، لم يجز أن يكون لها درجة الفضل على من جعل اللَّه له عليها درجة. ولما كان من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم الإسلام أن تكون متأخرة خلف الرجال، لم يجز أن تكون متقدمة بين أيديهم. فإن قال قائل: فالعبد مفضول؟ قيل: وكذلك الحرُّ يكون مفضولاً، ثم يتقدم من هو أفضل منه فيجوز. وقد يكون العبد خيراً من الحر، وقد تأتي عليه الحال يعتق فيصير حراً. وهو في كل حال من الرجال، والمرأة لا تصير بكل حال من أن تكون امرأة عليها قيم من الرجال في عامة أمرها. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) الأم: جماع عشرة النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) الآية.

جماع المعروف: إتيان ذلك بما يحَسنُ لك ثوابه، وكفُّ المكروه. الأم (أيضاً) : ما لا يحل أن يؤخذ من المرأة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا أخذ الزوج المهر من المرأة وهي طيبة النفس به. فقد أذِن به في قول اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية. فإن أخذ منها شيئاً على طلاقها، فأقرَّ أنَّه أخذ بالإضرار بها، مضى عليه الطلاق وزد ما أخذ منها، وكان له عليها الرجعة إلَّا أن يكون طلقها ثلاثاً. الأم (أيضاً) : الوجه الذي يحل به للرجل أن يأخذ من امرأته: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) إلى قولهْ (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى:. فنهى اللَّه تعالى الزوج - كما نهاه في الأي قبل هذه الآية - أن يأخذ مما آتى المرأة شيئاً، إلاّ أن يخافا ألَّا يقيما حدود اللَّه، فإن خافا (أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية. وأباح لهما إذا انتقلت عن حد اللاتي حرّم أموالهن على أزواجهن لخوف ألَّأ يقيما حدود اللَّه، أن يأخذ منها ما افتدت به، لم يحدد في ذلك ألَّا يأخذ إلا ما أعطاها ولا غيره، وذلك أنَّه يصير حينئذ كالبيع، والبيع إنما في ما تراضى به

المتبايعان لا حد في ذلك، بل في كتاب الله - عزَّ وجلَّ دلالة على إباحة ما كثر منه وقلَّ، لقوله تعالى: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية. قال الإمام الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقول الله تبارك وتعالى: (إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) الآية. 1 - يحتمل أن يكون الابتداء بما يخرجهما إلى خوف ألا يقيما حدود اللَّه من المرأة، بالامتناع من تأدية حق الزوج والكراهية له، أو عارض منها في حيِّ الخروج من غير بأس منه. 2 - ويحتمل أن يكون من الزوج، فلما وجدنا حكم الله بتحريم أن يأخذ الزوج من المرأة شيئاً، إذا أراد استبدال زوج مكان زوج، استدللنا أن الحال التي أباح بها للزوج الأخذ من المرأة الحال المخالفة، الحال التي حرّم بها الأخذ، فكانت تلك الحال هي: أن تكون المرأة المبتدئة المانعة لأكثر ما يجب عليها من حق الزوج، ولم يكن له الأخذ أيضاً منها حتى يجمع أن تطلب الفدية منه، لقوله - عز وجل -: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية، وافتداؤها منه: شيء تعطيه من نفسها، لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) الآية. فكانت هذه الحال التي تخالف هذه الحال، وهي التي لم تبذل فيها المرأة المهر، والحال التي يتداعيان فيها الأساءة لا تقر المرأة أنها منها. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقول اللَّه تبارك وتعالى: (إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) الآية، كما وصفت من أن يكون لهما فعل، تبدأ به المرأة يخاف عليهما فيه ألا يقيما حدود اللَّه، لا أن خوفاً منهما بلا سبب فعل.

أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه بعد، فقال: يتزوجها إن شاء، لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) إلى قوله: (أَنْ يَتَرَاجَعَاَ) . أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة قال: كل شيء أجازه المال فليس بطلاق. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن جُهمان، عن أم بكرة الأسلمية، أنها اختلعت من زوجها عبد اللَّه بن أسيد. ثم أتيا عثمان - رضي الله عنه - في ذلك فقال: هي تطليقة، إلا أن تكون سمَّيت شيئاً فهو ما سمَّيت. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا أعرف جُمهان ولا أم بكرة بشيء يثبت به خبرهما ولا يردُّه، وبقول عثمان - رضي الله عنه - نأخذ وهي تطليقة، وذلك أني رجَّعت الطلاق من قبل الزوج، ومن ذهب مذهب ابن عباس رضي الله عنهما كان شبيهاً أن يقول: قول اللَّه تبارك وتعالى: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية. يدلُّ على أن الفدية هي فسخ ما كان عليها، وفسخ ما كان له عليها لا يكون إلا بفسخ العقد، وكل أمر نسب فيه الفرقة إلى انفساخ العقد لم يكن طلاقاً، إنما الطلاق ما أحدث، والعقدة قائمة بعينها.

الأم (أيضاً) : الفرقه بين الأزواج بالطلاق أو الفسخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأن اللَّه تبارك وتعالى إذا قال: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) الآية. فإنما أمر بالإمساك من له أن يمسك، وبالتسريح من له أن يسرِّح. قال: فما التسريح هاهنا؟ قلت: ترك الحبس بالرجعة في العدة تسريح بمتقدم الطلاق. قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقول الله عزَّ وجلَّ: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية، والفدية ممن ملك عليه أمره لا تكون إلا بإزالة الملك عنه، وغير جائز أن يأذن الله تعالى لها بالفدية، وله أن يأخذها، ثم يملك عليها أمرها بغير رضاً منها. ألا ترى أن كل من أخذ شيئاً على شيء يخرجه من يديه، لم يكن له سبيل على ما أخرج من يديه لما أخذ عليه من العوض. والخلع: اسم مفارق للطلاق، وليس المختلع بمبتدئ طلاقاً إلا بحُعلِ. والمطلقون غيره لم يستجعلوا. وقلت له: الذي ذهب إليه من قول الله تبارك وتعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ) الآية، إنَّما هو على من عليه العدة. الأم (أيضاً) : ما كحلاً به الفديه: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) إلى (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أم حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى صلاة الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذه؛ قالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول اللَّه، لا أنا ولا ثابت - لزوجها - فلما جاء ثابت قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هده حبيبة قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر"، فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذ منها" فأخذ منها وجلست في أهلها الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فقيل - واللَّه أعلم - في قوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) الآية، أن تكون المرأة تكره الرجل، حتى تخاف ألا تقيم حدود اللَّه بأداء ما يجب عليها له، أو كثره إليه، ويكون الزوج غير مانع لها ما يجب عليه، أو أكثره، فإذا كان هذا حلت الفدية للزوج، وإذا لم يُقِم أحدهما حدود اللَّه، فليسا معاً مقيمَينِ حدود الله. وقيل: وهكذا قول اللَّه - عز وجل -: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية، إذا حل ذلك للزوج، فليس بحرام على المرأة، والمرأة في كل حال لا يحرم عليها ما أعطت من مالها، وإذا حل له لم يحرم عليها فلا جناح عليهما معاً، وهذا كلام صحيح جائز إذا اجتمعا معاً، في أن لا جناح عليهما، وقد يكون الجناح على أحدهما دون الآخر. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا وقت في الفدية كانت أكثر مما أعطاها أو أقل، لأن اللَّه - عز وجل يقول: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية.

وقال: وهكذا قول اللَّه - عز وجل -: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية. . . وقيل: أن تمتنع المرأة من أداء الحق، فتخاف على الزوج: ألَّا يؤدي الحق، إذا منعته حقاً فتحلُّ الفدية. وجماع ذلك: أن تكون المرأة: المانعة لبعض ما يجب عليها له، المفتدية: تحرجاً من ألَّا تؤدِّي حقه، أو كراهية له، فإذا كان هكذا، حلت الفدية للزوج. الأم (أيضاً) : عدة المطلقة يملك زوجها رجعتها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال بعض أهل العلم بالتفسير، إن قول اللَّه - عز وجل -: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) الآية. أخبرنا مالك، عن هشام، عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها، كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها، ارتجعها. ثم طلقها ثم قال واللَّه لا آويك إليَّ، ولا تحلين لي أبداً، فأنزل اللَّه - عز وجل: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) الآية، فاستقبل الناس الطلاق جديداً من كان منهم طلق، ومن لم يطلق. الحديث.

الأم (أيضاً) : الطلاق الذي تُملَك فيه الرجعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال - عز وجل -: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية، فكان بيناً في كتاب الله تعالى إذ أحل له أخذ المال، أنه إذا ملك مالاً عوضاً من شيء لم يجز أن يكون له على ما ملك به المال سبيل، والمال هو: عوض من بضع المرأة. . .، واسم الفدية: أن تفدي نفسها بأن تقطع ملكه الذي له به الرجعة عليها، ولو ملك الرجعة لم تكن مالكة لنفسها، ولا واقعاً عليها اسم فدية. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ) الآية، وما كان معقولاً عن اللَّه - عز وجل - في كل هذا أنه: الطلاق الذي من قبل الزوج. الأم (أَيضاً) المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فإذا لم تكن سنة، وكان القرآن محتملاً. فوجدنا قول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع أهل العلم يدلُّ على بعض المعاني دون بعض، قلنا: هم أعلم بكتاب اللَّه - عز وجل -، وقولهم غير مخالف - إن شاء اللَّه تعالى - كتاب اللَّه، وما لم يكن فيه سنة ولا قول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا إجماع يدلُّ منه على ما وصفت من بعض المعاني دون بعض، فهو على ظهوره وعمومه، لا يُخَصُّ منه شيء دون شيء. وما اختلف فيه بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذنا منه بأشبهه بظاهر التنزيل، وقولك فيما فيه سنة هو خلاف القرآن جهل بيِّن عند أهل العلم، وأنت تخالف قولك فيه.

قال: وأين قلنا فيما بيَّنا وفيما سنبين - إن شاء اللَّه تعالى كفاية - قلت: قال الله - عز وجل -: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) الآية، وقال: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) إلى قوله: (إِصْلَاحًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فظاهر هاتين الآيتين، يدل على أن كل مطلق فله الرجعة على امرأته ما لم تنقض العدة، لأن الآيتين في كل مطلق عامة لا خاصُّة على بعض المطلقين دون بعض، وكذلك قلنا: كل طلاق ابتدأه الزوج، فهو يملك فيه الرجعة في العدة. الأم (أيضاً) : باب حكاية من رد خبر الخاصة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال الله - عز وجل -: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية. أرأيت إذا فعلت امرأتان فعلاً واحدا، وكان زوج إحداهما يخاف به نشوزها، وزوج الأخرى لا يخاف به نشوزها؟ قال: يسع الذي يخاف به النشوز: العظة، والهجرة والضرب، ولا يسع الآخر، وهكذا: أيسع الذي يخاف به أن لا تقيم زوجته حدود اللَّه الأخذ منها، ولا يسع الآخر، وإن استوى فعلاهما؟ قال: نعم. الأم (أيضاً) : ما يقع بالخلع من الطلاق: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإذا جاز ما أخذ - الزوج - من المال على الخلع، والطلاق فيه واقع، فلا يملك الزوج فيه الرجعة، لأن اللَّه - عز وجل - يقول:

قال الله عز وجل: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لق

(فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية، ولا تكون مفتدية وله عليها الرجعة، ولا يملك المال، وهو كلك الرجعة، لأن من ملك شيئاً بعوض أعطاه، لم يجز أن يكون كللك ما خرج منه، وأخذ المال عليه. الأم (أيضاً) : إباحة الطلاق: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) الآية. فالطلاق مباح لكل زوج لزمه الفرض، ومن كانت زوجته لا تحرم من محسنة ولا مسيئة في حال، إلا أنه يُنهى عنه لغير قُبِل العدة، وإمساك كل زوج محسنة أو مسيئة بكل حال مباح، إذا أمسكها بمعروف. وجماع المعروف: إعفافها بتأدية الحق. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) الأم: الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال - المحاور - فلم قلتَ: إنها تكون للأزواج الرجعة في العدة قبل التطليقة الثالثة؟ فقلتُ له: لما بين الله - عزَّ وجلَّ في كتابه:

(فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) إلى قوله: (أَنْ يَتَرَاجَعَا) الآية. الأم (أيضاً) : ما يحرم الجمع بينه من النساء في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) : قال الشَّافِعِي رحمه لذ: قد يُذكر الشيء في الكتاب فيحرمه، ويحرم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - غيره كما ذكر المرأة المطلقة ثلاثاً، فقال: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) الآية. فبينَ على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يصيبها، وإلا لم تحل له. الأم (أيضاً) : الخلاف فيما يؤتي بالزنا: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن اللَّه تبارك وتعالى قال في المطلقة ثلاثاً: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) الآية. وجاءت السنة بأن يصيبها الزوج الذي نكح، فكانت حلالاً له قبل الثلاث، ومحرمة عليه بعد الثلاث حتى تنكح، ثم وجدناها تنكح زوجاً. ولا تحل له حتى يصيبها الزوج، ووجدنا المعنى الذي يحلها عليه الإصابة - والإصابة: النكاح -. الأم (أيضا) : طلاق التي لم يدخل بها: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال تبارك وتعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والقرآن يدل - والله أعلم - على أن من طلق زوجة له، دخل بها أو لم يدخل بها ثلاثاً، لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن الزهري، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن محمد بن إياس بن البُكَير قال: طلق رجل ثلاثاً قبل أن يدخل بها، ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي، فسأل أبا هريرة، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقالا: لا نرى أن تنكحها حتى تتزوج زوجاً غيرك فقال: إنما كان طلاقي إياها واحدة، فقال ابن عباس: إنك أرسلت من يدلُّ ما كان لك من فضل. الحديث. الأم (أيضاً) : نكاح المطلقة ثلاثاً: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أيُّ امرأة حل ابتداء نكاحها، فنكاحها حلال متى شاء - من كانت تحل له - وشاءت، إلا امرأتان: الأولى: الملاعنة، فإن الزوج إذا التعن، لم تحل له أبداً بحال، والحجة في الملاعنة مكتوبة في كتاب اللعان. الثانية: المرأة يطلقها زوجها الحرُّ ثلاثاً، فلا تحلُّ له حتى يجامعها زوج غيره لقول الله - عزَّ وجلَّ في المطلقة الثالثة: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاحتملت الآية: حتى يجامعها زوج غيره، ودلت على ذلك السنة، فكان أولى المعاني بكتاب الله، ما دلَّت عليه سُنَّة رسول الله) .

أخبرنا سفيان بن عيينة، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعها تقول: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن ابن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؛ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا تزوجت المطلقة ثلاثاً زوجاً صحيح النكاح. فأصابها ثم طلقها، فانقضت عدتها، حل لزوجها الأول ابتداء نكاحها، لقول الله - عز وجل -: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) الآية. وقول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لامرأة رفاعة: " لا ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك الحديث، يعني: يجامعك. وفي قول اللَّه تعالى: (أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) الآية - واللَّه تعالى أعلم بما أراد - أما الآية فتحتمل إن أقاما الرجعة، لأنها من حدود اللَّه تعالى. .. ثم قال رحمه الله: وأحبُّ لهما أن ينويا إقامة حدود اللَّه تعالى فيما بينهما. وغيره من حدود اللَّه تبارك اسمه. الأم (أيضاً) : ما يهدم الزوج من الطلاق وما لا يهدم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) الآية. .

وقال - سبحانه -: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: دلَّ حكم اللَّه - عز وجل - على الفرق بين المطلقة واحدة واثنتين، والمطلقة ثلاثاً وذلك أنه: أبان أن المرأة في لمطلقها رجعئها من واحدة واثنتين، فإذا طلقت ثلاثاً حرمت عليه حتى ئنكح زوجاً غيره. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا طُلّقت المرأة ثلاثاً فنكحت زوجاً، فادُّعت أله أصابها، وأنكر الزوج، أحلها ذلك الزوج لمطلقها ثلاثاً. وهكذا لو لم يعلم الزوج الذي يطلقها ثلاثاً أنها نكحت نكاحاً صحيحاً. وأصيبت، حلَّت له إذا جاءت عليها مدة يمكن فيها انقضاء عدتها منه، ومن الزوج الذي ذكرت أنَّه أصابها. ولو كذَّبها - الزوج الأول - في هذا كله ثم صدقها، كان له نكاحها. والورع ألَّا يفعل إذا وقع في نفسه أنها كاذبة، حتى يجد ما يدلُّ على صدقها. الأم (أيضاً) : طلاق المولى عليه والعبد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال بعض من مضى: ليس للعبد طلاق والطلاق بيد السيد، فإن قال قائل: فهل من حجة على من قال: لا يجوز طلاق العبد؟ قيل: ما وصفنا من أن اللَّه تعالى قال في المطلقات ثلاثاً: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) الآية.

الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال - المجادل - إن اللَّه - عز وجل - يقول في التي طلقها زوجها ثالثة من الطلاق: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) الآية، فإن نكحت، - والنكاح: العقدة - حلَّت لزوجها الذي طلقها! قال: ليس ذلك له، لأنّ السنة تدل على ألا تحل حتى يجامعها الزوج الذي ينكحها. قلنا: فقال لك: فإن النكاح يكون وهي لا تحل، وظاهر القرآن يحلها، فإن كانت السنة تدل على أن جماع الزوج يحلها لزوجها الذي فارقها، فالمعنى: إنمّا هو في أن يجامعها غير - زوجها الأول - الذي فارقها. الرسالة: باب (الفرائض التى أنزل الله نصاً) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد كانت لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في هذا سنناً ليست نصاً في القرآن، أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللَّه معنى ما أراد بها، وتكلم المسلمون في أشياء من فروعها، لم يَسُن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها سنة مخصوصة. فمنها قول اللَّه - عز وجل: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا) الآيتان. 1 - فاحتمل قول اللَّه - عز وجل -: (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) الآية، أن يتزوجها زوج غيره، وكان هذا المعنى الذي يسبق إلى من خوطب به؛ أنها إذا عُقِدَت عليها عقدة النكاح فقد نكحت.

2 - واحتمل: حتى يصيبها زوج غيره؛ لأن اسم النكاح يقع بالإصابة. ويقع بالعقد. فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة طلقها زوجها ثلاثاً ونكحها بعده رجل: " لا تحلين حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" يعني: يصيبك زوج غيره، والإصابة: النكاح. فإن قال قائل: فاذكر الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ذكرت. قيل: أخبرنا سفيان، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها: "أن امرأة رفاعة ... " الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فبيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن إحلال اللَّه إياها للزوج المطلقة ثلاثاً، بعد زوج بالنكاح: إذا كان مع النكاح إصابة من الزوج - الثاني - (المحلل) . أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الخلع والطلاق والرجعة: أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا أبو الربيع: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله - في المرأة يطلقها الحر ثلاثاً - قال: فلا تحل له حتى يجامعها زوج غيره، لقوله - عز وجل - في المطلقة ثلاثاً: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) الآية. قال: فاحتملت الآية حتى يجامعها زوج غيره. ودلت على ذلك السنة فكان أولى المعاني - بكتاب اللَّه - عز وجل ما دلت عليه سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: في قول اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) الآية، - واللَّه أعلم بما أراد - فأما الآية فتحتمل: إن أقاما الرجعة لأنَّها من حدود اللَّه.

قال الله عز وجل: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) الأم: جماع وجه الطلاق: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد أمر اللَّه تعالى بالإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان ونهى عن الضرر، وطلاق الحائض ضرر عليها، لأنها لا زوجة، ولا في أيام تعتد فيها من زوج ما كانت في الحيضة، وهي إذا طلقت وهي تحيض بعد جماع لم تدر ولا زوجها عدتها: الحمل أو الحيض؟ الأم (أيضاً) : الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) إلى قوله: (لِتَعْتَدُوا) الآية. قال: فما معنى قوله: (فَبَلَغنَ أجَلَهُن) قلت: يعني - واللَّه أعلم - قاربن بلوغ أجلهن، قال: وما الدليل على ذلك؟ قلت: الآية دليل عليه لقول اللَّه - عز وجل -: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) الآية. فلا يُؤمر بالإمساك والسراح إلا مَنْ هذا إليه، ثم شرط عليهم في الإمساك أن يكون بمعروف وهذه الآية ك الآية قبلها في قوله: (فَبَلَغنَ أجَلَهُنَّ) الآية. قال: وتقول هذا العرب؟ قلت: نعم تقول للرجل إذا قارب البلد يريده، أو الأمر يريده، قد بلغته، وتقول إذا بلغه.

وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال - عز وجل -: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) الآية. فلا يؤمر بالإمساك إلا من يجوز له الإمساك في العدة، فيمن ليس لهن أن يفعلن في أنفسهن ما شئن في العدة حتى تنقضي العدة، وهو كلام عربي هذا من أبينه وأقلِّه خفاء. آداب الشَّافِعِي ومناقبه: ما في الزكاة والسيرة والبيومع، والعتق والنكاح، والطلاق: أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرني أبي قال: سمعت يونس يقول: قال لي الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - عز وجل -: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) الآية. معنى هذه الآية - إذا أشرفن على الأجل، وليس الخروج منه، فإنه لا يملك رجعتها وقد خرجت من العدة. وقوله: (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) يقول: إن أمسكَ بمعروف فَلْيُرْجعْها، وإلا فَلْيَدَعْها. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) إلى قوله: (أزوَاجَهُنَّ) الأم: ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد حفظ بعض أهل العلم بأن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار، وذلك أنه زوّج أخته رجلاً، فطلقها، وانقضت عدتها،

ثم طلب نكاحها وطلبته، فقال: زوجتك دون غيرك أختي، ثم طلقتها، لا أنكحك أبداً، فنزلت الآية: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) إلى: (أزوَاجَهُنَّ) قال: وفي هذه الآية دلالة على أن النكاح يتم برضا الولي مع الزوج والزوجة، وهذا موضوع في ذكر الأولياء، والسُنة تدل على ما يدل عليه القرآن من أن على ولي الحرة أن يُنكِحها. قال الشَّافِعِي: أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن الفضل، عن نافع بن جبير. عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صمانها" الحديث. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإذا كانت - المرأة - أحق بنفسها، وكان النكاح يتم به، لم يكن له منعها النكاح، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" يدل: على أن السلطان ينكح المرأة لا ولي لها. والمرأة لها ولي يمتنع من إنكاحها، إذا أخرج الولي نفسه من الولاية بمعصيته بالعضل، وهذان الحديثان مثبتان في كتاب الأولياء.

الأم (أيضاً) (لا نكاح إلا بولي) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: معنى إذا طلقتم: يعني الأزواج. (النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) يعني: فانقضى أجلهن، يعني: عدتهن. (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) يعني: أولياءهن. (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) يعني: إن طلقوهن ولم يبتُّوا طلاقهن، وما أشبه معنى ما فالوا من هذا بما قالوا، ولا أعلم الآية تحتمل غيره. وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) وإن ذكَرَ - الولي - شيئاً نظر فيه السلطان. فإن رآها تدعو إلى كفاءة، لم بكن له منعها، وإن دعاها الولي إلى خير منه، وإن دعت إلى غير كفاءة لم يكن له تزويجها، والولي لا يرضى به، وإنَّما العضل: أن تدعو إلى مثلها أو فوقها فيمننع الولي. الأم (أيضاً) : باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال تعالى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) وفي هذه الآية دلالة على: أن النكاح يتم برضا الولي، والمُنكَحة، والناكح، وعلى أن على الولي ألا يعضل، فإذا كان عليه ألا بعضل، فعلى السلطان التزويج إذا عضل، لأن من منع حقاً، فأمر السلطان جائز عليه أن يأخذه منه، وإعطاؤه عليه، والسنة تدل على ما دل عليه القرآن، وما وصفنا من الأولياء والسلطان. مختصر المزني: مختصر من الرجعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى في امطلقات: (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) . وقال تعالى: (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) الآية.

فدلَّ سياق الكلام على افتراق البلوغين: فأحدهما: مقاربة بلوغ الأجل، فله إمساكها، أو تركها فتُسرح بالطلاق والمتقدم، والعرب تقول: إذا قاربت البلد تريده، قد بلغت، كما تقول: إذا بلغته. والآخر: والبلوغ الآخر: انفضاء الأجل. مختصرالمزني (أيضاً) : باب (ما على الأولياء وإنكاح الأب البكر بغير إذنها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فدلَّ كتاب الله - عزَّ وجلَّ، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام على: أن حقاً على الأولياء أن يزوجوا الحرائر البوالغ إذا أردن النكاح، ودعون إلى رضا، قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) الآية. قال: وهذه أبين آية في كتاب اللَّه تعالى دلالة على: أن ليس للمرأة أن تثزوج بغير ولي. ثم ذكر ما ذكِرَ في الأم من سبب النزول والحديثين. آداب الشَّافِعِي ومناقبه: ما في النكاح والطلاق: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) الآية. معنى هذه - الآية -: أنه

قال الله عز وجل: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)

خاطب الأولياء، وأن هذا انقضاء الأجل، لا الأشراف على انقضائه، فقال للولي: لا يعضلها عن النكاح إن أرادته كنعها منه. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) الأم: ما يحرم من النساء بالقرابة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال عز ذكره: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) الآية، فأخبر اللَّه - عز وجل - أن كمال الرضاع حولان، وجعل على الرجل يُرضَع له ابنه أجر المرُضِع، والأجر على الرضاع لا يكون إلا على ماله مدة معلومة. والرضاع اسم جامع يقع على المصَّة وأكثر منها، إلى كمال رضاع الحولين. ويقع على كل رضاع وإن كان بعد الحولين. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فلما كان هكذا، وجب على أهل العلم طلب الدلالة، هل يحرم الرضاع بأقل ما يقع عليه اسم الرضاع، أو معنى من الرضاع دون غيره؟ أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حرّم، عن عمرة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّها قالت: كان فيما أنزل اللَّه تعالى

في القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسِخنَ بخمسٍ معلومات، فتوفي رسول الله وهن مما يقرأ من القرآن" الحديث. أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعبد، عن عمرة، عن عائشة رضي اللَّه عنها ألها قالت: "نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن، ثم صُيِّرن إلى خمسٍ يحرمن، فكان لا بدخل على عائشة إلا من استكمل خمس رضعات" الحديث. الأم (أيضاً) : باب (رضاعة الكبير: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والدلالة على الفرق بين - رضاعة - الصغير والكبير موجودة في كتاب الله، قال الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) الآية، فجعل اللَّه - عز وجل - تمام الرضاع حولين كاملين، وقال: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَ) الآية، يعني - والله أعلم -: قبل الحولين. فدلَّ على أن إرخاصه في فصال الحولين، على أن ذلك إنَّما يكون باجتماعهما على فصاله قبل الحولين، وذلك لا يكون - والله أعلم - إلا بالنظر للمولود من والديه، أن يكون يربان أن فصاله قبل الحولين خير له من إتمام الرضاع له، لِعلَّةِ تكون به، أو بمرضعته، وأنه لا يقبل رضاع غيرها، أو ما أشبه ذلك.

الأم (أيضاً) : الحجة على من خالفنا: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وخالفنا - من خالفنا - في النفقة فقال: إذا مات الأب، أنفق على الصغير كل ذي رحم، يحرم عليه نكاحه من رجل أو امرأة. قلت له: فما حجتك في هذا؟ قال قول اللَّه تبارك وتعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ) إلى قوله: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قلت له: كان على الوارث مثل ذلك عندك على جميع ما فرض الله تبارك وتعالى على الأب، والوارث يقوم في ذلك مقام الأب؟ قال: نعم. فقلت: أوَجدتَ الأب ينفق ويسترضع المولود، وأمه وارث لا شيء عليها من ذلك؟ قال: نعم. قلت: أفيكون وارث غير أمه يقوم مقام أبيه، فينفق على أمه إذا أرضعته وعلى الصبي؟ قال: لا، ولكن الأم تنفق عليه مع الوارث. قلنا: فأول ما تأولت تركت، قال: فإني أقول على الوارث مثل ذلك بعد موت الأب، هي في الآية أن ذلك بعد موت الأب. قال: لا يكون له وارث وأبوه حي. قلنا: بلى، أمه، وقد يكون زمناً مولوداً، فيرثه ولده لو مات، ويكون على أبيه عندك نفقته، فقد خرجت مما تأولت. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فإن قال قائل: فإنا قد روينا من حديثكم، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أجبر عصبة غلام على رضاعه، الرجال دون النساء. قلنا: أفتأخذ بهذا؟ قال: نعم. قلت: أفيختص العصبة وهم - الأعمام، وبنو الأعمام. والقرابة من قبل الأب؛ قال: لا، إلا أن يكونوا ذوي رحم محرم. قلنا: فالحجة

عليك في هذا كالحجة عليك فيما احتججت به من القرآن، وقد خالفت هذا، قد يكون له بنو عم فيكونون له عصبة وورثة، ولا تجعل عليهم النفقة! وهم العصبة الورثة، وإن لم تجد له ذا رحم تركته ضائعاً؟! قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فقال لي قائل: قد خالفتم هذا أيضاً. قلنا: أما الأثر عن عمر - رضي الله عنه - فنحن أعلم به منك، ليس تعرفه، ولو كان ثابتاً لم يخالفه ابن عباس رضي اللَّه عنهما فكان يقول: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) الآية، على الوارث أن: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا) الآية. وابن عباس رضي الله عنهما أعلم بمعنى كتاب اللَّه - عز وجل - منَّا، والآية محتملة على ما قال ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما. .. وقد فرض الله - عزَّ وجلَّ نفقة المطلقات ذوات الأحمال، وجاءت السنة من ذلك بنفقة وغرامات تلزم الناس، ليس فيها أن يلزم الوارث نفقة الصبي وكل امرئ مالك لماله، وإنما لزمه فيه ما لزمه في كتاب، أو سنة، أو أثر، أو أمر مُجمَع عليه. فأما أن تلزمه في ماله ما ليس في واحد من هذا، فلا يجوز لنا، فإن كان التأويل كما وصفنا، فنحن لم نخالف منه حرفاً، وإن كان كما وصفت فقد خالفته خلافاً بيناً. الأم (أيضاً) : باب (الاختلاف في العيب) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: حدَّد اللَّه تعالى الرضاع بالسنين، فقال - عز وجل -: (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) الآية. مختصر المزني: مختصر ما يحرم من الرضاع: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكذلك أبان - اللَّه تعالى - أن المراد بتحريم الرضاع: بعض المرضعين دون بعض، واحتج فيما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسهلة بنت

سُهيل لما قالت له: كنا نرى سالماً ولداً، وكان يدخل عليّ وأنا فُضُل، وليس لنا إلا بيت واحد، فما تأمرني؟ فقال: عليه الصلاة والسلام فيما بلغنا: أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها"، ففعلت، فكانت تراه ابناً من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشة رضي اللَّه عنها فيمن أحبَّت أن يدخل عليها من الرجال، وأبى سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقلن: ما نرى الذي أمر به - صلى الله عليه وسلم - إلا رخصة لسالم وحده. وروى الشَّافِعِي رحمه الله: أن أم سلمة قالت في الحديث: هو لسالم خاصة. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فإذا كان خاصّا، فالخاص مُخرج من العام. والدليل على ذلك قول اللَّه جل ثناؤه: (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) الآية، فجعل الحولين غاية، وما جُعل له غاية، فالحكم بعد مضي الغاية خلاف الحكم قبل الغاية. الرسالة: باب (الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فإن قال قائل، فاذكر من وجوه القياس ما يدل على اختلافه في البيان والأسباب، والحجة فيه، سوى هذا الأول الذي تدرك العامة علمه؟

قيل له: إن شاء اللَّه، قال الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية، وقال سبحانه: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ) الآية. فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هند بنت عتبة، أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها - وهم ولده - بالمعروف، بغير أمره. قال: فدلّ كتاب الله، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن على الوالد رضاع ولده ونفقتهم صغاراً، فكان الولد من الوالد، فجُبر على صلاحه في الحال التي لا يغني الولد فيها نفسه، فقلت: إذا بلغ الأب ألَّا يغني نفسه بكسب ولا مال، فعلى ولده صلاحه في نفقته وكسوته، قياساً على الولد، وذلك أن الولد من الوالد، فلا يُضيِّع شيئاً هو منه، كما لم يكن للوالد أن يضيع شيئاً من ولده، إذ كان الولد منه، وكذلك الوَالِدُونَ وإن بَعُدُوا، والولد وإن سَفَلوا، في هذا المعنى - والله أعلم -. فقلت: ينفق على كل محتاج منهم غير محترف، وله النففة على الغني المحترف. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في العدة وقي الرضاع وفي النفقات: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) الآية. من ألا تضارً والدة بولدها، لا أن عليها الرضاع.

قال الله عز وجل: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والل

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) الأم: المدعي والمدعى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وفرض اللَّه - عز وجل - العدة على الزوجة في الوفاة فقال: (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) الآية. الأم (أيضاً) : ما يُحَمث من انكاح العبيد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - عز وجل - في المعتدات: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ) الآية، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها" الحديث، مع ما سوى ذلك. ودلَّ الكتاب والسنة على أن المماليك لمن ملكهم، وأنههم لا يملكون من أنفسهم شيئاً. ولم أعلم دليلاً على إيجاب إنكاح صالحي العبيد والإماء كما وجدت الدلالة على إنكاح الحر إلا مطلقاً، فأحبّ إليَّ أن يُنكح من بلغ من العبيد والإماء، ثم صالحوهم خاصة، ولا يتبين لي أن يُجبَر أحد عليه، لأن الآية محتملة أن يكون أريد به الدلالة، لا الإيجاب.

الأم (أيضاً) : الفرقة بين الأزواج بالطلاق أو الفسخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت: في قول الله - عزَّ وجلَّ في المتوفى عنها زوجها: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) هذا إذا قضين أجلهن والكلام فيهما واحد. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له (بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) : يحتمل قاربن البلوغ وبلغن: فرغن مما عليهن - من العدة - فكان سياق الكلام في الآية دليل على هذا. الرسالة: في العدد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) الآية. فقال بعض أهل العلم: قد أوجب اللَّه على المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً، وذكر أن أجل الحامل أن تضع، فإذا جمعت أن تكون حاملاً متوفى عنها، أتت بالعدتين معاً، كما أجدها في كل فرضين جعلا عليها، أتت بهما معاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسبيعة بنت الحارث، ووضعت بعد وفاة زوجها بأيام: "قد حللت فتزوجي" الحديث. دلَّ هذا على أن العدة في الوفاة، والعدة في الطلاق بالأقراء والشهور، إنما أريد به من لا حمل به من النساء، وأن الحمل إذا كان فالعدة سواه ساقطة.

الرسالة (أيضاً) : فيما تُمسك عنه المعتدة من الوفاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: - قال الله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) إلى قوله: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) الآية. فذكر اللَّه - عز وجل - أن على المتوفى عنهن عدة، وأنهن إذا بلغنها فلهن أن يفعلن في أنفسهن بالمعروف، ولم يذكر. شيئاً تجتَنبه في العدة. فكان ظاهر الآية أن تمسك المعتدة في العدة عن الأزواج ففط، مع إقامتها في بيتها بالكتاب، وكانت تحتمل أن تمسك عن الأزواج، وأن يكون عليها في الإمساك عن الأزواج إمساك عن غيره، مما كان مباحاً لها قبل العدة من طيب وزينة. فلما سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المعتدة من الوفاة الإمساك عن الطيب وغيره. كان عليها الإمساك عن الطيب وغيره بفرض السنة، والأمساك عن الأزواج، والسكنى في بيت زوجها بالكتاب ثم السنة. واحتملت السنة في هذا الموضع ما احتملت في غيره، من أن تكون السنة بينت عن اللَّه كيف إمساكها؛ كما بينت الصلاة والزكاة والحج، واحتملت أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنَ فيما ليس فيه نص حكم لله. الرسالة (أيضاً) : باب (الاختلاف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) الآية. فقال بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذكر اللَّه المطلقات، أن عدة الحوامل أن يضعن حملهن، وذكر في المتوفى عنها أربعة أشهر وعشراً.

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) فعلى الحامل المنوفى عنها أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، وأن تضع حملها. حتى تأتي بالعدتين معاً، إذ لم يكن وضع الحمل انقضاء العدة نصاً إلا في الطلاق، كاله يذهب إلى أن وضع الحمل براءة، وأن الأربعة أشهر وعشراً تعبد، وأن المتوفى عنها تكون غير مدخول بها، فتأتي بأربعة أشهر، وأنه وجب عليها شيء من وجهين، فلا يسقط أحدهما، كما لو وجب عليها حقان لرجلين، لم يسقط أحدهما حق الآخر. وكما إذا نكحت في عدتها، وأصيبت، اعتدت من الأول، واعتدت من الآخر. قال: - أي الشَّافِعِي رحمه اللَّه - وقال غيره من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا وضعت ذا بطنها فقد حلَّت، ولو كان زوجها على السرير. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكانت الآية محتملة المعنيين معاً، فكان أشبههما بالمعقول الظاهر أن يكون الحمل انقضاء العدة. وقال: فدلَّت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن وضع الحمل آخر العدة في الموت، مثلُ معناه الطلاق. أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه: أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد وفاة زوجها بليال، فمر بها أبو السنابل بن بَعْكَك، فقال: قد تصنعت للأزواج! إنها أربعة أشهر وعشراً! فذكرت ذلك سبيعة لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟

قال الله عز وجل: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروف

فقال: "كذب أبو السنابل"، أو: " لَيسَ كما قال أبو السنابل". "قد حللت فتزوجي" الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا) الأم: باب (التعريض بالخطبة) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي - رحمه الله - هال: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبلوغ الكتاب أجله - والله تعالى أعلم - انقضاء العدة، قال: فبين في كتاب اللَّه تعالى، أنَّ الله فرَّق في الحكم بين خلقه، بَين أسباب الأمور، وعقد الأمور، وبين إذ فرّق الله - تعالى ذكره - بينهما أن ليس لأحد الجمع بينهما، وألا يفسد أمر بفساد السبب إذا كان في عقد الأمر صحيحاً، ولا بالنية في الأمر، ولا تفسد الأمور إلا بفساد إن كان في عقدها، لا بغيره، ألا ترى أن الله حرّم أن يعقد النكاح حتى تنقضي العدة، ولم يحرم

التعريض بالخطبة في العدّة، ولا أن يذكرها وينوي نكاحها بالخطبة لها والذكر لها، والنية في نكاحها سبب النكاح. .. وبذلك قلنا: لا نجعل التعريض أبداً يقوم مقام التصريح في شيء من الحكم؛ إلا أن يريد المعرِّض التصريح، وجعلناه فيما يشبه الطلاق من النية وغيره فقلنا: لا يكون طلاقاً إلا بإرادته، وقلنا: لا نحدُّ أحداً في تعريض إلا بإرادة التصريح بالقذف. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قول الله تبارك وتعالى: (وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا) الآية، يعني - والله تعالى أعلم -: جماعاً. (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا الآية: قولاً حسناً لا فحش فيه. الأم (أيضاً) : اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال الله تبارك وتعالى في المعتدة: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ) إلى: (وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا) الآية، فأحل - الله - التعريض بالخطبة، وفي إحلاله إياها تحريم التصريح، وقد قال الله تبارك وتعالى في الآية: (وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا) والسر: الجماع، واجتماعهما على العدة، بتصريح العقدة، بعد انقضاء العدة، وهو تصريح باسم نُهِيَ عنه، وهذا قول الأكثر من أهل مكة وغيرهم من أهل البلدان في التعريض. وأهل المدينة فيه مختلفون، فمنهم من قال بقولنا، ومنهم من حد في التعريض. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: السر: الجماع. قال امرؤ القيس:

ألا زَعَمت بَسبَاسَةُ اليومَ أنني ... كَبرتُ وأن لا يحسِن السّر أمثاِلي كذبتِ لَقد أُصبي على المرءِ عِرْسَهُ ... وأمنَعُ عِرْسِي أن يُزَنَّ بها الخَالِي وقال جرير يرثي امرأته: كَانَت إدِا هَجَرَ الخَلِيلُ فِرَاشَها ... خُزِنَ الحديثُ وعَفَّتِ الأسرارُ قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا علم أن حديثها مخزون، فخزن الحديث: ألا يباح به سرًّا ولا علانية، فإذا وصفها بهذا، فلا معنى للعفاف غير الأسرار. والأسرار: الجماع. الأم (أيضاً) : باب (التعريض في خطبة النكاح) : أخِبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي وص الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم. عن أبيه أنَّه كان يقول في قول اللَّه - عز وجل -: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)

أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إئك على لكريمة، وإني فيك لراغب، فإنّ اللَّه لسائق إليك خيراً ورزقاً، ونحو هذا من القول. قال الشَّافِعِي رحمه الله: كتاب اللَّه يدل على أنَّ التعريض في العدّة جائز، لما وقع عليه اسم التعريض، إلا ما نهى الله - عز وجل - عنه من السر، وقد ذكر القاسم بعضه، والتعريض كثير واسع جائز كله، وهو خلاف التصريح؛ وهو ما يعرض به الرجل للمرأة، مما يدلّها على أنَّه أراد به خطبتها بغير تصريح، والسر الذي نهى الله عنه - واللَّه أعلم - يجمع بين أمرين، أنَّه ئصريح، والتصريح خلاف التعريض، وتصريح بحماع وهذا كأقبح التصريح. فإن قال قائل: ما دل على أن السر الجماع؟ قيل: فالقرآن كالدليل عليه إذ أباح التعريض، والتعريض عند أهل العلم جائز سراً وعلانية، فإذا كان هذا فلا يجوز أن يتوهم أن السرَّ سر التعريض، ولا بدّ من معنى غيره، وذلك من معنى غيره، وذلك المعنى: الجماع. . . ثم ذكر بيتي امرؤ القيس وبيت جرير. وقد سبق ذكرهم في الفقرة السابقة مع التعليق من الشَّافِعِي رحمه الله بعد الأبيات الذكورة. الأم (أيضاً) : الفرقة بين الأزواج بالطلاق أو الفسخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى ذكره في التوفى - عنها زوجها -، في قوله: (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) الآية. حتى تنقضي عدّتها فيحلّ نكاحها. .. ثم ذكر حديث ركانة، وعدة آثار في ذلك.

الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) الآية، فلا يأمر بألَّا يمنع من النكاح من قد منعها منه، إنما يأمر بألَّا يمتنع مما أباح لها من هو سبب من منعها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد حفظ بعض أهل العلم أنَّ هذه الآية نزلت في معقل بن يسار. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي هذه الآية دلالة على أن النكاح يتم برضا الولي مع المزوج والمزوَّجَة، وهذا موضوع في ذكر الأولياء، والسنة تدل على ما يدل عليه القرآن، من أن على ولي الحرة أن يُنكحها. مختصر المزني: باب (حد القذف) : قال الشَّافِعِي رحمه اللُّه: ولا حد في التعريض، لأن اللَّه تعالى أباح التعريض فيما حَرُم عقده فقال: (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) الآية، وقال تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ) الآية، فجعل التعريض مخالفاً للتصريح، فلا يحذ إلا بقذف صريح.

قال الله عز وجل: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسن

قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) الأم: باب (صلاة المسافر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) الآية، رخصة لا أن حتماً عليهم أن يطلقوهن في هذه الحال. الأم (أيضاً) : كتاب (الصدَاق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: واستدللنا بقول الله عزَّ وجلَّ: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) الآية، أن عقد النكاح يصح بغير فريضة صداق، وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من عقد نكاحه، وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت فهذا دليل على الخلاف بين النكاح والبيوع، والبيوع لا تنعقد إلا بثمن

معلوم، والنكاح ينعقد بغير مهر، استدللنا على أن العقد بصح بالكلام به، وأن الصداق لا يفسد عقده أبداً. الأم (أيضاً) : كتاب (الشغار) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال له - أي: للمحاور -: إنما أجزنا النكاح بغير مهر لقول اللَّه - عز وجل -: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) الآية، فلما أثبت الله - عزَّ وجلَّ الطلاق، دلَّ ذلك على أن النكاح ثابت؛ لأن الطلاق لا يقع إلا من نكاح ثابت، فأجزنا النكاح بلا مهر، ولما أجازه سبحانه وتعالى بلا مهر، كان عقد النكاح على شيئين، أحدهما: نكاح، والآخر: ما يملك بالنكاح من المهر، فلما جاز النكاح بلا مِلك مهر فخالف البيوع، وكان فيه مهر مثل المرأة إذا دخل بها. الأم (أيضاً) : المهر الفاسد: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فإن قال فائل: من أين أجزت هذا في النكاح. ورددته في البيوع، وأنت تحكم في عامة النكاح أحكام البيوع؟! قيل: قال اللَّه - عز وجل -: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) إلى: (وَمَتِّعُوهُنَّ) الآية. وقال تبارك وتعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) الآية، فأعلم الله تعالى في المفروض لها أنَّ الطلاق يقع عليها، كما أعلم في التي لم يُفرض لها، أن الطلاق يقع عليها، والطلاق لا يقع إلا على زوجة، والزوجة لا تكون إلا ونكاحها

ثابت، قال: ولم أعلم مخالفاً مضى، ولا أدركته في أن النكاح يثبت وإن لم يسم مهراً، وأن لها إن طُلّقت وقد نكحت ولم يسمً مهراً (المتعة) ، وإن أصيبت فلها مهر مثلها، فلما كان هذا كما وصفت، لم يجز أبداً أن "يفسد النكاح من جهة المهر بحالٍ أبداً. الأم (أيضاً) : اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عزَّ وجلَّ: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية، فكان هذا عامًّا للأزواج والنساء، لا يخرج منه زوج مسلم، حر ولا عبد، ولا ذمي حر ولا عبد، فكذلك اللعان لا يخرج منه زوج ولا زوجة. الأم (أيضاً) : باب (المتعة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنَّه كان يقول: لكل مطلقة متعة، إلا التي تطلق وقد فرض لها الصداق ولم تُمسَّ، فحَسبُها ما فُرضِ لها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن القاسم بن محمد مثله. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب أنه كان يقول: لكل مطلقة متعة، فقلت للشافعى: فإئا نقول خلاف قول ابن شهاب، لقول ابن عمر رضي اللَّه عنهما.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فبقول ابن عمر رضي اللَّه عنهما قلتم، وأنتم تخالفونه؟ قال: فقلت للشافعي وأين؛ قال زعمتم أن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: لكلّ مطلقة متعة إلا التي فرض لها ولم تمس فحسبها نصف الصداق. وهذا يوافق القرآن فيه، وقوله فيما سواها من المطلقات أن لها متعة: يوافق القرآن لقول اللَّه جل ثناؤه: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ) الآية. وقال الله جل ذكره: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) الآية، فكذلك المختلعات ومن سمينا منهن مطلقات، لهن المتعة في كتاب اللَّه. ثم قول ابن عمر، رضي اللَّه عنهما - واللَّه أعلم -. مختصر المزني: الصداق: مختصر من الجامع من كتاب (الصداق) قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر اللَّه الصداق والأجر في كتابه: وهو المهر، قال الله تعالى: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) الآية، فدلُّ أن عقدة النكاح بالكلام، وأن تركَ الصداق لا يفسدها، فلو عقد بمجهول، أو بحرام، ثبت النكاح، ولها مهر مثلها. الرسالة: صفة نهي الله ونهي رسوله - صلى الله عليه وسلم -: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو سمى صَدَاقاً كان أحبُّ إليَّ، ولا يفسد النكاح بترك تسمية الصداق، لأن اللَّه أثبت النكاح في كتابه بغير مهر، وهذا مكتوب في غير هذا الموضع. وسواء في هذا، المرأة الشريفة والدنية؛ لأن كل واحد منهما، فيما يَحِل به ويحرم، ويجب لها وعليها، من الحلال والحرام والحدود سواء.

قال الله عز وجل: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) الأم: بلوغ الرشد وهو الحجر: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله - عز وجل -: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) . فدلت هذه الآية على أن على الرجل أن يسلم إلى المرأة نصف مهرها، كلما كان عليه أن يسلم إلى الأجنبيين من الرجال ما وجب لهم، ودلَّت السنة على أن المرأة مسلطة على أن تعفو من مالها، وندب اللَّه - عز وجل - إلى العفو، وذكر أنَّه أقرب للتقوى، وسوى بين المرأة والرجل فيما يجوز من عفو كل واحد منهما ما وجب له، يجوز عفوه إذا دفع المهر كله، وكان له أن يرجع بنصفه، فعفاه جاز، لماذا لم يدفعه، فكان لها أن تأخذ نصفه، فعفته جاز، لم يفرق بينهما في ذلك.

الأم (أيضاً) : باب (الخلاف في الحجر قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) الآية، لا يرجع إلا بنصف ما أعطاها دنانير كانت أو غبرها؛ لأنَّه لا يوجب عليها أن تجهز إلا أن تشاء، وهو معنى قول الله تبارك وتعالى: (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) الآية. الأم (أيضاً) : باب من قال: (لا يورث أحد حتى يموت) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له (أي: للمحاور) : عبتم على من قال: قول عمر وعثمان رضي اللَّه عنهما في امرأة المفقود، وقبلتم عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه قال: إذا أرخيت الستور وجب المهر والعدة، ورددتم على من تأوَّلَ الآيتين: وهما قول الله - عز وجل -: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية، وقوله: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية، وقد روي هذا عن ابن عباس وشريح. وذهبنا إلى: أن الإرخاء والأغلاق لا يصنع شيئاً إنَّما يصنعه المسيس. الأم (أيضاً) : كتاب (الصْدَاق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ساق الآيات في الصداق - فأمر الله الأزواج: بأن يؤتوا النساء أجورهن، وصدقاتهن، والأجر: هو الصداق. والصداق: هو الأجر والمهر، وهي كلمة عربية تسمى بعدة أسماء:

- فيحتمل هذا أن يكون مأموراً بصداق من فَرَضَه دون من لم يَفرضه، دخل أو لم يدخل؛ لأنَّه حق ألزمه المرء نفسه، فلا يكون له حبس شيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله تعالى له، وهو أن يطلق قبل الدخول، قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) الآية. ويحتمل أن يكون يجب بالعفدة، وإن لم يُسم مهراً، ولم يدخل. - ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم أبداً، إلا بأن يُلزمه المرء نفسه، ويدخل بالمرأة، وإن لم يُسم لها مهراً. فلما احتمل المعاني الثلاث كان أولاه أن بقال به، ما كانت عليه الدلالة من كتاب، أو سنة، أو إجماع، واستدللنا بقول اللَّه - عز وجل -: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) الآية. ومن السنة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أدُّو العلائق" قيل: وما العلائق يا رسول؟ قال: "ما نراضى به الأهلون" الحديث، ولا يقع اسم عَلَق إلا على شيء مما يتمول وإن قل، ولا بقع اسم مال ولا علق إلا على ماله قيمة يتبايع بها، ويكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها وإن قلَّت. .. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فجعل اللَّه تعالى الفرض في ذلك للأزواج، فدلَّ على أنَّه برضا الزوجة؛ لأن الفرض على الزوج للمرأة، ولا يلزم الزوج والمرأة إلا باجتماعهما، ولم يُحدَّد فيه شيء، فدل كتاب اللَّه - عز وجل - على أن الصداق ما تراضى به المتناكحان، كما يكون البيع ما تراضى به المتبايعان.

وكذلك دلّت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يجز في كل صداق مسمى إلا أن يكون ثمناً من الأثمان. الأم (أيضاً) : التفويض: قال الشَّافِعِي رحمه الله: لو عفون عنه - أي: المهر - وقد فُرض، جاز عفوهن لقول الله - عزَّ وجلَّ: (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) الآية، والصغيرة لم تعف عن مهر، ولو عفت لم يجز عفوها، وإنَّما عفا عنها أبوها الذي لا عفو له في مالها، فألزمنا الزوج نصف مهر مثلها بالطلاق، وفرقنا بينهما لافتراق حالهما في مالهما. الأم (أيضاً) : ما جاء في عفو المهر: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً) الآية. فجعل الله تعالى للمرأة فيما أوجب لها من نصف المهر أن تعفو، وجعل للذي يلي عقدة النكاح أن يعفو، وذلك أن يتمم لها الصداق فيدفعه إن لم يكن دفعه كاملاً، ولا يرجع بنصفه إن كان دفعه، وبيِّن - عندي - في الآية، أن الذي بيده عقدة النكاح: الزوج، وذلك أنه إنَّما يعفوه من له ما يعفوه، فلما ذكر اللَّه - عز وجل - عفوها مما ملكت من نصف المهر أشبه أن يكون ذكر عفوه لما له من جنس نصف المهر - واللَّه تعالى أعلم -. وحض تعالى على العفو والفضل فقال - عز وجل -: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) الآية.

وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما لأنَّه قال: (الذي بيده عقدة النكاح: الز وج) . وأخبرنا ابن أبي فديك، أخبرنا سعيد بن سالم، عن عبد اللَّه بن جعفر بن المِسْوَر، عن واصل بن أبي سعيد، عن محمد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه لأنه تزوج امرأة ولم يدخل بها حتى طلقها، فأرسل إليها بالصداق تاما، فقيل له: في ذلك، فقال: أنا أولى بالعفو. الحديث. أخبرنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: الذي بيده عقدة النكاح: الز وج الحديث. أخبرنا سعيد، عن ابن جريج لأنَّه بلغه عن ابن المسيب لأنَّه قال: هو الزوج. الحديث. الأم (أيضاً) : الخلاف في اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قول الله - عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) الآية. فزعمنا نحن وأنتم: أنها على الأزواج عامة، كانوا مماليك، أو أحراراً، عندهم مملوكة، أو حرة، أو ذمية. الأم (أيضاً) : باب إلا عدة على التي لم يدخل بها زوجها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن ليث ابن أبي سليم، عن طاووس، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الرجل

يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها، ثم يطلقها: ليس لها إلا نصف الصداق؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) الآية، وبهذا أقول، وهو ظاهر كتاب الله عز ذكره. الأم (أيضاً) : الطلاق الذي تُملَك فيه الرجعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومثل الرجل يُغرُّ بالمرأة، فيكون له الخيار، فيختار فراقها فذلك فسخ بلا طلاق، ولو ذهب ذاهب إلى أن يكون طلاقاً لزمه أن يجعل للمرأة نصف المهر، الذي فرض لها إذا لم يمسها؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) الآية. الأم (أيضاً) : كتاب (اللعان) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) إلى قوله: (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) الآية. فأبان - اللَّه - في هذه الآية وغيرها أن الحقوق لأهلها. الأم (أيضاً) : المدّعى والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنَّه قال: لكل مطلقة متعة، إلا التي فُرضِ لها صداق ولم يدخل بها. فحسبها نصف المهر.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحسب ابن عمر رضي الله عنهما استدل بالآية التي قال: تتبع للتي لم يدخل بها، ولم يفرض لها؛ لأن اللَّه يقول بعدها: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) الآية، فرأيُ القرآن كالدلالة على أنها مخرَّجَة من جميع المطلقات. الأم (أيضاً) : باب في (إرخاء الستور) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب. أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قضى في المرأة يتزوجها الرجل، أنَّها إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق. وقال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، أن زيد بن ثابت قال: إذا دخل بأمرأته فأرخيت الستور فقد وجب الصداق. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ورُوي عن ابن عباس، وشريح: أن لا صداق إلا بالمسيس، واحتجا أو أحدهما بقول اللَّه تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية، بهذا. قال بهذا ناس من أهل الفقه، فقالوا: لا يُلتفت إلى الإغلاق وإنَّما يجب المهر كاملاً بالمسيس، والقول في المسيس: قول الزوج. وقال غيرهم: يجب المهر بإغلاق الباب وإرخاء الستور، ورُوي ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وأن عمر - رضي الله عنه - قال: وما ذنبهن؟ إن جاء العجز من قبلكم. فخالفتم ما قال ابن عباس وشريح، وما ذهبا إليه من تأويل الآيتين، وهما: قول اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية، وقوله:

(ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية. وخالفتم ما رويتم عن عمر، وزيد، وذلك أن نصف المهر يجب بالعقد، ونصفه الثاني بالدخول. الأم (أيضاً) : باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالنكاح يثبت بأربعة أشياء، الولي، ورضا المنكوحة، ورضا الناكح، وشاهدي عدل، إلا ما وصفنا من البكر يزوجها الأب، والأمة يزوجها السيد، بغير رضاهما، فإنهما مخالفان ما سواهما. وقد تأول فيها بعض أهل العلم قول اللَّه - عز وجل -: (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) الآية. وقال: الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته، وقد خالفه غيره فيما تأول، وقال: هو الزوج يعفو فيدع ماله من أخذ نصف المهر، وفي الآية كالدلالة على أن الذي بيده عقدة النكاح هو: الزوج - والله سبحانه أعلم -. مختصرالمزني: لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية، قال: والمسيس: الإصابة، وقال ابن عباس وشريح وغيرهما: لا عدة عليها إلا بالإصابة بعينها؛ لأن الله تعالى قال هكذا. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا ظاهر القرآن.

قال الله عز وجل: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين (238)

أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشافعى - في النكاح والصداق وغير ذلك: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - عز وجل -: (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) الآية، يعني: النساء. وفي قوله تعالى: (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) الآية، يعني: الزوج، وذلك أنَّه إنَّما يعفو من له ما يعفوه، ورواه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وجبير بن مطعم، وابن سيرين، وشريح، وابن المسيب، وسعيد ابن جبير، ومجاهد - رحمهم اللَّه تعالى -. وقال البيهقي رحمه اللَّه: وقد حمل - الشَّافِعِي - المسيس المذكور في قوله: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) الآية. على الوطء، ورواه عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وشريح - رحمه اللَّه تعالى -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) الأم: باب (ألا تقضى الصلاة حائض) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) الآية، فلما لم يرخص رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في أن تؤخر الصلاة في الخوف، وأرخص أن يصليها المصلي كما أمكنه،

راجلاً، أو راكباً، وقال: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان من عقل الصلاة من البالغين عاصياً بتركها. إذا جاء وقتها وذكرها، وكان غير ناسٍ لها، وكانت الحائض بالغة عاقلة ذاكرة للصلاة مطيقة لها، فكان حكم اللَّه - عز وجل -: لا يقربها زوجها حائضاً، ودل حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنَّه إذا حَرُم على زوجها أن يقربها للحيض، حَرُم عليها أن تصلي، كان في هذا دلائل على أن: فرض الصلاة في أيام الحيض زائل عنها، فإذا زال عنها وهي ذاكرة عافلة مطيقة، لم يكن عليها قضاء الصلاة، وكيف تقضي ما ليس بفرض عليها، بزوال فرضه عنها، وهذا مما لا أعلم فيه مخالفاً. الأم (أيضاً) : باب (صلاة المريض) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) الآية. فقيل - واللَّه وأعلم -: قانتين: مطيعين. وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة قائماً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا خوطب بالفرائض من أطاقها، فإذا كان المرء مطيقاً للقيام في الصلاة لم يجزه إلا هو، إلا عندما ذكرت من الخوف، وإذا لم يطق القيام: صلى قاعداً، وركع وسجد إذا أطاق الركوع والسجود - وإلا أومأ بالركوع والسجود إيماء -. مختصر المزني: باب (الإسفار والتغليس با لفجر) : حدثنا الربيع قال:

أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن - محمد بن عجلان، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أسفروا بالصبح فإن ذلك أعظم لأجوركم" أو قال: "للأجر" الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "كن نساء من المؤمنات يصلين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهن متلفعات بمروطهن، ثم يرجعن إلى أهلهن ما يعرفهن أحد من الغلس" الحديث. قال: وروى زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يوافق هذا، وروى مثله أنس بن مالك، وسهل بن سعد الساعدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلنا إذا انقطع الشك في الفجر الآخر وبان معترضاً، فالتغليس بالصبح أحبُّ إلينا. وقال بعض الناس: الإسفار بالفجر أحبُّ إلينا. قال: وروي حديثان مختلفان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذنا بأحدهما، وذكر حديث رافع بن خديج وقال: أخذنا به؛ لأنَّه كان أرفق بالناس، قال: وقال لي أرأيت إن كانا مختلفين فلِمَ صرت إلى التغليس؟ قلت: لأنّ التغليس أولاهما بمعنى كتاب اللَّه، وأثبتهما عند أهل الحديث، وأشبههما لمجمل سنن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأعرفهما عند أهل العلم قال: فاذكر ذلك، قلت: قال اللَّه تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) الآية، فذهبنا إلى أنها الصبح، وكان أقل ما في

الصبح إن لم نكن هي أن تكون مما أمرنا بالمحافظة عليه، فلما دلَّت السنة، ولم يختلف أحد أن الفجر إذا بأن معترضاً فقد جاز أن يصلي الصبح، علمنا أن مؤدي الصلاة في أول وقتها أولى بالمحافظة عليها من مؤخًرها، وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "أول الوقت رضوان الله" وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل؟ فقال: "الصلاة في أول وقتها"، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يؤثر على رضوان الله، ولا على أفضل الأعمال شيئاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يختلف أهل العلم في امرئ أراد التقرب إلى الله بشىء، يتعجله مبادرة ما لا يخلو منه الآدميون - من النسيان والشغل - ومقدم الصلاة أشد فيها تمكناً من مؤخرها، وكانت الصلاة المقدمة من أعلى أعمال بني آدم، وأمرنا بالتغليس بها لما وصفناه. قال: فأين أنَّ حديثك الذي ذهبت إليه أثبتهما؟ قلت: حديث عائشة، وزيد بن ثابت، وثالث معهما - رضي اللَّه عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتغليس أثبت من حديث رافع بن خديج وحده في أمره بالإسفار. فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر بأن يُصلى صلاة في وقت ويصليها في غيره. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأثبت الحجج وأولاها ما ذكرنا من أمر الله بالمحافظة على الصلوات. .. الرسالة: وجه أخر مما يعد مختلفاً وليس عندنا بمختلف: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن تقدم صلاة الفجر في أول وقتها عن أبي بكر. وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وأنس بن مالك وغيرهم - رضوان اللَّه عليهم - مثبت.

فقال - أي: المحاور - فإن أبا بكر، وعمر، وعثمان، دخلوا في الصلاة مُغلسين، وخرجوا منها مسفرين، بإطالة القراءة؟ فقلت له: قد أطالوا القراءة وأوجزوها، والوقت في الدخول لا في الخروج من الصلاة، وكلّهم دخل مُغلِّساً، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُغلِّساً. فخالفت الذي هو أولى بك أن تصير إليه، مما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وخالفتهم، فقلت: يدخل الداخل فيها مسفراً، ويخرج مسفراً، ويوجز القراءة، فخالفتهم في الدخول وما احتججت به من طول القراءة، وفي الأحاديث عن بعضهم أنَّه خرج منها مُغلساً، قال - الشَّافِعِي -: فقال (أي: المحاور) : أفتعد خبر رافع يخالف خبر عائشة؟ فقلت له: لا. فقال: فبأي وجه يوافقه؟ فقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حض الناس على تقديم الصلاة، وأخبر بالفضل فيها. احتمل أن يكون من الراغبين من يقدمها قبل الفجر الآخر، فقال: أسفروا بالفجر" يعني: حتى يتبين الفجر الآخر معترضاً. قال: أفيحتمل معنى غير ذلك؟. قلت: نعم، يحتمل ما قلت، وما بين ما قلنا وقلتَ، وكل معنى يقع عليه اسم الإسفار. قال: فما جعل مَغناكم أولى من معنانا؟. فقلتُ: بما وصفت من التأويل، وبأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هما فجران، فأما الذي كأنه ذنب السرحان فلا يحل شيئاً ولا يحرمه، وأما الفجر المعترض فيحل الصلاة وُيحرّم الطعام" الحديث، يعني: على من أراد الصيام.

السنن المأثورة: باب ما جاء في (الجمع بين الصلاتين في المطر: قال: حدثنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين لأنَّه قال: أمرتني عائشة أم المؤمنين أن أكتب لها مصحفاً قالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) الآية. قال: فلما بلغتها آذنتها؛ فأملت علي: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله فأنتين) الآية، قالت عائشة رضي اللَّه عنها: سمعتها من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الحديث. أحكام القرآن: فصل فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني والطهارات والصلوات: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله تعالى: (وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) الآية، فذهبنا إلى أنها الصبح، وكان أقل ما في الصبح، إن لم تكن هي: أن تكَون مما أمرنا بالمحافظة عليه. وذكر - في رواية المزني، وحرملة رحمهما اللَّه - حديث أبي بونس مولى عائشة رضي اللَّه عنها أنها أملت عليه: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وصلاة العصر) ثم قالت: سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". قال الشَّافِعِي رحمه الله: فحديث عائشة رضي اللَّه عنها يدلُّ على أن الصلاة الوسطى، ليست صلاة العصر.

واختلف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرُوي عن علي، وروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهم: أنَّها الصبح وإلى هذا نذهب. ورُوي عن زيد بن ثابت الأنصاري "الظهر" وعن غيره: "العصر" ورُوي فيه حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال البيهقي رحمه الله: وقرأت في كتاب السنن - رواية حرملة - عن الشَّافِعِي رحمه اللَّه، قال الله تبارك وتعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: من خوطب بالقنوت مطلقاً، ذهب إلى أنَّه: قيام في الصلاة، وذلك أن القنوت: قيام لمعنى طاعة الله - عزَّ وجلَّ، وإذا كان هكذا: فهو موضع كف عن قراءة، وإذا كان هكذا: أشبه أن يكون قياماً في صلاة - لدعاء لاقراءةِ. فهذا أظهر معانيه، وعليه دلالة الستة، وهو أولى المعاني أن يقال به عندي - والله أعلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد يحتمل القنوت: القيام كلّه في الصلاة، وروي عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: "قيل: أي الصلاة؛ قال: طول القنوت الحديث. وقال طاووس: القنوت طاعة اللَّه - عز وجل -. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وما وصفت من المعنى الأول أولى المعاني به - واللَّه أعلم -. قال: فلما كان القنوت بعض القيام دون بعض، لم يجز - والله أعلم - أن يكون إلا ما دلّت عليه السنة، من القنوت للدعاء، دون القراءة. قال: واحتمل قول اللَّه - عز وجل -: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) الآية، قانتين في الصلاة كلها، وفي بعضها دون بعض.

فلما قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، ثم ترك القنوت في بعضها، وحفظ عنه القنوت في الصبح خاصة، ودل هذا على أنَّه إن كان اللَّه أراد القنوت: القنوت في الصلاة، فإنَّما أراد به خاصاً. واحتمل أن يكون في الصلوات في النازلة، واحتمل طول القنوت: طول القيام، واحتمل القنوت: طاعة اللَّه، واحتمل السكات. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا أرخص في ثرك القنوت في الصبح بحال: لأنَّه إن كان اختياراً - مندوباً - من الله ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لم أرخص في ترك الاختيار، وإن كان فرضاً: كان مما لا يتبين تركه. ولو تركه تارك كان عليه أن يسجد للسهو، كما يكون ذلك عليه لو ترك الجلوس - الأوسط - في شيء. قال الشيخ - أي البيهقي رحمه اللَّه - في قوله: (احتمل السكات) : أراد: السكوت عن كلام الآدميين، وقد روينا عن زيد بن أرقم: "أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة"، فنزلت هذه الآية، قال: فنهينا عن الكلام، وأمرنا بالسكوت. وروينا عن أبي رجاء العطاردي أنَّه قال: صلى بنا ابن عباس صلاة الصبح - وهو أمير على البصرة - فقنت، ورفع يديه حتى لو أن رجلاً بين يديه لرأى بياض إبطَيه، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: هذه الصلاة التي ذكرها اللَّه - عز وجل - في كتابه: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) الآية. أخبرنا أبو علي الروذباري، أخبرنا إسماعيل الصفار، أخبرنا الحسن بن الفضل بن السمح، حدثنا سهل بن تمام، أخبرنا أبو الأشهب، ومسلم بن زيد، عن أبي رجاء، فذكره، وقال: "قبل الركوع.

قال الله عز وجل: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون (239)

قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) الأم: باب (الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين والصلوات) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرني ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب. عن المقبري، عن عبد الرحمن - بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب يهُويِ من الليل حتى كفينا، وذلك قول اللَّه - عز وجل -: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً فأمره، فأقام الظهر فصلاها، فأحسن صلاتها، كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضاً. قال: وذلك قبل أن ينزل الله تعالى في صلاة الخوف: (فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبهذا كله نأخذ، وفيه دلالة على أن كل من جمع بين صلاتين، في وقت الأولى منهما، أقام لكل واحدة منهما، وأذَّن للأولى، وفي الآخرة يقيم بلا أذان، وكذلك كل صلاة صلاها في غير وقتها كما وصفت.

الأم (أيضاً) : باب (الحالين اللذين يجوز فيهما استقبال غير القبلة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: الحالان اللذان يجوز فيهما استقبال غير القبلة، قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) إلى قوله: (فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) الآية. قال: فأمرهم اللَّه خائفين محروسين بالصلاة، فدل ذلك على أنه أمرهم بالصلاة للجهة التي وجههم لها من القبلة. وقال الله - عزَّ وجلَّ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) إلى: (رُكبَانًا) الآيتان، فدل إرخاصه في أن يصلوا رجالاً وركباناً، على أن الحال التي أذن لهم فيها بأن يصلوا رجالاً وركباناً من الخوف؛ غير الحال الأولى التي أمرهم فيها أن يحرس بعضهم بعضاً، فعلمنا أنَّ الخوفين مختلفان. .. ودلَّت على ذلك السنَّة: أخبرنا مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: يتقدم الإمام وطائفة ثم قصّ الحديث، وقال ابن عمر رضي اللَّه عنهما في الحديث: فإن كان خوف أشد من ذلك، صلوا رجالاً وركباناً، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. قال مالك: قال عن نافع: ما أرى عبد اللَّه ذكر ذلك إلا عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الحديث. وأخبرنا عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجوز في صلاة مكتوبة، استقبال غير القبلة إلا عند إطلال العدو على المسلمين، وذلك عند المسايفة وما أشبهها، ودنو الزحف من الزحف، فيجوز أن يصفوا الصلاة في ذلك الوقت رجالاً أو ركباناً، فإن قدروا على استقبال القبلة، وإلا صلّوا مستقبلي - القبلة - حيث يقدرون. وإن لم يقدروا على ركوع ولا سجود أومؤوا إيماء. . . ولا يجوز لهم في واحد من الحالين، أن يصفوا على غير وضوء ولا تيمم، ولا ينقصون من عدد الصلاة شيئاً. . . وسواء أيُّ عدو أطل عليهم كفار، أم لصوص، أم أهل بغي، أم سباع، أم فحول إبل، لأن كل ذلك يخاف إتلافه. الأم (أيضاً) : باب (ما ينوب الإمام في صلاة الخوف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأذن اللَّه تبارك وتعالى في صلاة الخوف بوجهين أحدهما: أحدهما: الخوف الأدنى وهو قول اللَّه - عز وجل -: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ) . والثاني: الخوف الذي أشذ منه وهو قول اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) الآية، فلما فرّق بينهما، ودلت السنة على افتراقهما، لم يجز إلا التفريق بينهما - واللَّه تعالى أعلم -، لأن اللَّه فرّق بينهما لا فتراق الحالين فيهما.

الأم (أيضاً) : الوجه الثاني من صلاة الخوف: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) الآيتان، فكان بيناً في كتاب الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) الآية، أنَّ الحال التي أذن لهم فيها أن يصلوا رجالاً أو ركباناً، غير الحال التي أمر بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي بطائفة. ثم بطائفة، فكان بيّنا لأنَّه: لا يؤذن لهم بأن يصلّوا رجالاً أو ركباناً إلا في خوف أشد من الخوف الذي أمرهم فيه بأن يصلِّي بطائفة ثم بطائفة. مختصر المزني: باب (استقبال القبلة ولا فرض إلا الخمس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجوز لأحد صلاة فريضة، ولا نافلة، ولا سجود قرآن، ولا جنازة، إلا متوجهاً إلى البيت الحرام، ما كان يقدر على رؤيته، إلا في حالتين: إحداهما: النافلة في السفر راكباً، وطويل السفر وقصيره سواء، ورُوي عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي على راحلته في السفر، أينما توجهت به، وأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر على البعير، وأنّ علياً - رضي الله عنه -كان يوتر على الراحلة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي هذا دلالة على أن الوتر ليس بفرض، ولا فرض إلا الخمس لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي حين قال: هل عليَّ غيرها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إلا أن تطوع". الحالة الثانية: شدة الخوف لقول اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) الآية.

قال الله عز وجل: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج

قال ابن عمر رضي الله عنهما: مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، فلا يُصلَّى في غير هاتين الحالتين إلا إلى البيت إن كان معايناً فبالصواب، وإن كان مغيباً فبالاجتهاد بالدلائل على صواب جهة القبلة. الرسالة: وجه آخر من الناسخ والمنسوخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد ذكر حديث أبي سعيد الخدري في حبسهم عن الصلاة يوم الخندق، الحديث. فلما حكى أبو سعيد أن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الخندق، كانت قبل أن يُنزل في صلاة الخوف: (فَرِجَالاً أو رُكبَانًا) الآية، استدللنا على أنه لم يصل صلاة الخوف إلا بعدها، إذ حضرها أبو سعيد، وحكى تأخير الصلوات حتى خرج من وقت عامتها، وحكى أنَّ ذلك قبل نزول صلاة الخوف. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلا تؤخر صلاة الخوف بحال أبداً عن الوقت إن كانت في حضر، أو عن وقت الجمع في السفر، بخوف ولا غيره، ولكن تصلى كما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) الأم: باب (الوصية للزوجة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ) الآية، وكان فرض الزوجة، أن

يوصي لها الزوج بمتاع إلى الحول، ولم أحفظ عن أحد خلافاً أن المتاع: النفقة، والسكنى، والكسوة إلى الحول، وثبت لها السكنى فقال: (غَير إِخرَاجٍ) ، ثم قال: (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ) الآية، فدل القرآن على أنهن إن خرجن فلا جناح على الأزواج؛ لأنَّهن تركن ما فرض لهن، ودلَّ الكتاب العزيز إذا كان السكنى لها فرضاً فتركت حقها فيه، ولم يجعل الله تعالى على الزوج حرجاً، أن من ترك حقه غير ممنوع له، لم يخرج من الحق عليه. ثم حفظت عمن أرضى من أهل العلم، أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولاً منسوخ بآية المواريث. الأم (أيضاً) : عدة الوفاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) الآية، قال: حفظتُ عن غير واحد من أهل العلم بالقرآن، أن هذه الآية نزلت قبل نزول آية المواريث، وأنها منسوخة، وحفظت أنَّ بعضهم يزيد على بعض - فيما يذكر - مما أحكي من معاني قولهم، وإن كنت قد أوضحت بعضه بكثر مما أوضحوه به، وكان بعضهم يذهب إلى أنَّها نزلت مع الوصية للوالدين والأقربين، وأن وصية المرأة محدودة بمتاع سنة، وذلك نفقتها وكسوتها وسكنها، وأن قد حظر على أهل زوجها إخراجها، ولم يحظر عليها أن تخرج، ولم يحرج زوجها ولا وارثه بخروجها، إذا كان غير إخراج منهم لها ولا هي، لأنها إنما هي تاركة لحق لها. وكان مذهبهم أن الوصية لها بالمتاع إلى الحول، والسكنى منسوخة، بأن اللَّه ورثها الرُّبع، إن لم يكن لزوجها ولد، والسمن إن كان له ولد.

الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذصي تدل عليه السنة والإجماع: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ) الآية. فأنزل اللَّه ميراث الوالدين، ومن وَرِثَ بعدهما ومعهما من الأقربين، وميراثَ الزوج من زوجته، والزوجة من زوجها. فكانت الآيتان محتملتين لأَنْ: 1 - تثبتا الوصية للوالدين والأقربين، والوصية للزوج، والميراث مع الوصايا، فيأخذون بالميراث والوصايا. 2 - ومحتملة بأن تكون المواريث ناسخة للوصايا. فلما احتملت الآيتان ما وصفنا، كان على أهل العلم طلب الدلالة من كتاب اللَّه، فما لم يجدوه نصاً في كتاب اللَّه، طلبوه في سنة رسول اللَّه، فإن وجدوه فما قبلوا عن رسول اللَّه فعن اللَّه قبلوه، بما افترض من طاعته. ووجدنا أهل الفُتيا، ومن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازي، من قريش وغيرهم، لا يختلفون في أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عام الفتح: "لا وصية لوارث، ولا يُقتل مؤمن بكافر" الحديث. ويَأثِرونه عمُّن حفظوا عنه ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي. فكان هذا نقل عامة عن عامة، وكان أقوى في بعض الأمر من نقل واحد عن واحد، وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مجمعين.

قال الله عز وجل: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين (241)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) الأم: المدَّعي والمدَّعي عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: - قلتُ مناقشاً لبعض من خالفنا - لِمَ تزعم ب الآية أن المطلقات سواء في المتعة؛ وقال اللَّه - عز وجل -: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) لم يخمن مطلقة دون مطلقة. قال استدللنا بقول اللَّه - عز وجل -: (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) الآية، أنها غير واجبة، وذلك أن كل واجب، فهو على المتقين وغيرهم، ولا يُخص به المتقون. الأم (أيضاً) : تفسير قوله - عز وجل -: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا الثقة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنَّه كاتب عبداً له خمسة وثلاثين ألفاً، ووضع عنه خمسة آلاف أحسبه قال: من آخر نجومه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا - واللَّه تعالى أعلم - عندي مثل قول اللَّه - عز وجل -: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) الآية، فيجبر سيْد المكاتب على أن يضع عنه مما عقد عليه الكتابة شيئاً، وإذا وضع عنه شيئاً ما كان، لم يجبر على كثر منه.

قال الله عز وجل: (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم (244)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) الأم: أصل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولما مضت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة من هجرته، أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد، لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً، فقال تبارك وتعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الآية. أحكام القرآن: فصل في (فرض أصل الجهاد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففرض الله - عز وجل - عليهم الجهاد، بعد إذ كان إباحة لا فرضاً، فقال تبارك وتعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فعرَّف - الله تعالى - جميع خلقه في كتابه أن لا علم لهم إلا ما عفمهم. . . فقال - عز وجل -: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) .

قال الله عز وجل: (فبهت الذي كفر)

ثم مَن عليهمْ بما آتاهم من العلم، وأمرهم بالاقتصار عليه، وألا يتولوا غيره إلا بما علمهم. الرسالة: القياس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلتُ: نعم ما وصفت لك مما كُلفتُ في القبلة، وفي نفسي، وفي غيري، قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) الآية، فآتاهم من علمه ما شاء، وكما شاء، لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب. أحكام القرآن ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير (في آيات متفرقة سوى ما مضى) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: واستنبطت البارحة آيتين، فما أشتهي باستنباطهما الدنيا وما فيها، الأولى: قول الله تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) . الآية. وفي كتاب الله هذا كثير. والثانية: قول الله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) الآية. فَتَعَطلُ الشفعاء إلا بإذن الله. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في خروجه إلى اليمن ومقامه بها، ثم في حمله من اليمن إلى هارون، وما جرى بينه وبين محمد بن الحسن من المناظرة. رحمهما الله) : قال البيهقي رحمه الله: وقرأت في كتاب (زكريا بن يحيى الساجي) فيما حدثهم عن محمد بن إسماعيل، عن مصعب بن عمير الزبيري، في قصة قدوم

الشَّافِعِي المدينة، واختلافه إلى الإمام مالك رحمه الله، ثم رجوعه إلى مكة. وخروجه إلى اليمن، وسِعَاية من سعى به حتى حُمِل، ولم يُترَك أن يأخذ من شعره وأظفاره، فلما وافى الرَّقة، لقي محمد بن الحسن فاتصل به، وكان معه ستون ديناراً، فأعطى ورَّاقاً فكتب له كتبه، فجلس محمد بن الحسن يوماً في مسجد الرقة، وجعل يزري بأهل الحجاز، فيقول: إيش يحسنون؛ وهل فيهم أحد يحسن مسألة؛ والشَّافِعِي في ناحية - فبلغه، فجاء وسلم عليه، وإن شاربه ليدخل في فمه - وذلك بحضرة الفضل بن الربيع. .. فقال الشَّافِعِي رحمه الله: أما صاحبكم - يعني أبا حنيفة رحمه اللَّه - فأعلم الناس بما لم يكن ولا يكون أبداً، وأجهلهم بالسنن. فناظره في مسائل، فقال له: قد كثرت - والفضل يكتب ما جرى بينهما - وكان فيما جرى بينهما يومئذ أن قال له الشَّافِعِي رحمه اللَّه: ما تقول في صلاة الخوف، كيف يصليها الرجل؟ فقال محمد بن الحسن رحمه الله: منسوخة؛ قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ) الآية. فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من بين أظهرهم، لم تجب عليهم صلاة الخوف! فقال له الشَّافِعِي: قال اللَّه تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية. فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من بين أظهرهم لم تجب عليهم! زاد فيه غيره، قال محمد بن الحسن رحمه اللَّه: كلا بل تجب عليهم.

قال الله عز وجل: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد (267)

فقال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: كلا بل تجب عليهم، ثم قال الشَّافِعِي: لا يُمكِّن أحداً من الخلق يُكلم أحداً - وإن كان نبياً مرسلا - حتى يذهب لسان الآخر، ولكن بحسبك أن يستبين عند ذوي الأقدار أنَّه قد قام بالحجة. ألا ترى أن صاحب إبراهيم حيث قال له: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) . قال إبراهيم: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) ، قال اللَّه: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) . قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: وكذلك بهت الذي ظلم؟ ودخل الفضل بن الربيع إلى الرشيد رحمهما الله فقال: يا أمير المؤمنين، ألا أبشرك؟ ألا أقول لك شيئاً تقرُّ به عينك يا أمير المؤمنين؟ قال: وما هو؟ قال: رجل من آل شافع يُحسنُ كذا، وكان من مجلس قوم كذا، قرأ عليه ما جرى بينهم، فَسُرَّ بذلك هارون، فقال: اخرج إليه أعلمه أني قد رضيت عنه، وأعلمه بالرّضا قبل الصّلة، ثم صِلْهُ، قال: ثم خرج - الفضل - فأخبره، قال: فخرَّ الشَّافِعِي لله تعالى ساجداً، ثم قال: وقد وصَلَك أمير المؤمنين بمالٍ، وقد وصلتك بمثل ذلك. قال: فدعا الشَّافِعِي رحمه الله بالحجام، فأخذ شعر رأسه، فأعطاه خمسين ديناراً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الأم: باب (ما يحلُّ للناس أن يعطوا من أموالهم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) الآية، يعني - واللَّه أعلم -: تأخذونه لأنفسكم ئمن لكم عليه

حق، فلا تنفقوا ما لا تأخذون لأنفسكم، يعني: لا تعطوا مما خبث عليكم - واللَّه أعلم - وعندكم طيب. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فحرام على من عليه صدقة أن يعطي صدقة من شرها. قال الربيع: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جرير بن عبد اللَّه البجلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتاكم المصدّق فلا يفارقكم إلا عن رضا" الحديث، يعني - والله أعلم -: أن يوفوه طائعين، ولا يلووه، لا أن يعطوه من أموالهم ما ليس عليهم، فبهذا نأمرهم، ونأمر المُصدّق. مختصر المزني: باب (صدقة الوَرِق) : قال المزني (مُلخِصاً كلام الشَّافِعِي رحمه الله) : وحرام أن يؤدي الرجل الزكاة من شر ماله: لقول اللَّه - عز وجل -: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) الآية، يعني - واللَّه أعلم - لا تعطوا في الزكاة ما خبث أن تأخذوه لأنفسكم، وتئركوا الطيب عندكم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) مختصر المزني: باب (عطيلا الرجل لولده) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد حمد اللَّه جل ثناؤه على إعطاء المال، والطعام، في وجوه الخير، وأمر بهما. . فقال: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) الآية.

قال الله عز وجل: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء)

قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير (في آيات متفرقة سوى ما مضى) : قال البيهقي رحمه اللَّه: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله - عز وجل - (عَلَيكُم أَنفُسَكم) الآية. قال: هذا مثل قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) الآية. ومثل قوله - عز وجل -: (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) الآية. ومثل هذا في القرآن على ألفاظ. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال الله تبارك وتعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية. وقال اللَّه تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكر اللَّه البيع في غير موضع من كتابه، بما يدل على إباحته، فاحتمل إحلال اللَّه - عز وجل البيع، معنيين: أحدهما: أن يكون أحلّ كلّ بيع تبايعه المتبايعان، جائزي الأمر فيما تبايعاه عن تراض منهما، وهذا أظهر معانيه. والثاني: أن يكون اللَّه - عز وجل أحل البيع إذا كان مما لم ينه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. المبيَِّن عن اللَّه - عز وجل معنى ما أراد، فيكون هذا من الجمل التي أحكم اللَّه فرضها بكتابه، وبيَّن كيف هي على لسان نبيه، أو من العام الذي أراد به الخاص، فبيَّن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما أريد بإحلاله منه وما حرّم، أو يكون داخلاً فيهما، أو من العام الذي أباحه إلاّ ما حرُم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - منه، وما في معناه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين. الجائزي الأمر فيما تبايعا إلا ما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرّم بإذنه، داخل في المعنى المنهي عنه، وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب اللَّه. الأم (أيضاً) : باب في: (بيع العروض) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية. وقال: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) .

فكلُّ بيع كان عن تراضٍ من المتبايعين جائز من الزيادة. في جميع البيوع، إلا بيعاً حرُّمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا الذهب والوَرقِ يداً بيد، والمأكول، والمشروب في معنى المأكول، فكل ما أكل الآدميون وشربوا، فلا يجوز أن يباع منه شيء من صنفه إلا مثلاً بمثل، إن كان وزناً فوزن، وإن كان كيلاً فكيل، يداً بيد، وسواء في ذلك الذهب والوَرقِ وجميع المأكول، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما. الأم (أيضاً) : باب (الشهادة في البيوع) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن الذي يشبه - والله أعلم وإياه أسال التوفيق - أن يكون دلالة، لا حتماً، يخرج من ترْكِ الإشْهَاد، فإن قال: ما دلَّ على ما وصفت؟ قيل: قال اللَّه - عز وجل: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية، فذكر أن البيع حلال، ولم يذكر معه بينة. الأم (أيضاً) : (الغصب) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية، فلم أعلم أحداً من المسلمين، خالف في لأنَّه لا يكون على أحد أن يملك شيئاً إلَّا أن يشاء أن يملكه إلا الميراث، فإن اللَّه - عز وجل - نقل مِلْكَ الأحياء، إذا ماتوا إلى أمن، ورُّثهم إياه، شاؤوا أو أبوا، ألا ترى أن الرجل لو أوصيَ له، أو وُهبَ له، أو تصدق عليه، أو ملك شيئاً، لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء، ولم أعلم أحداً من المسلمين اختلفوا، في ألَّا

يخرج ملك المالك المسلم من يديه إلا بإخراجه إياه هو نفسه، ببيع، أو هبة، أو غير ذلك، أو عتق، أو دين لزمه، فيباع في ماله، وكل هذا فعله لا فعل غيره. الأم (أيضاً) : كراء الأرض البيضاء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو تكارى الأرض بالثمرة دون الأرض والشجر. فإن كانت الثمرة قد حل بيعها، جاز الكراء بها، وإن كانت لم يحل بيعها، ل يحل الكراء بها، قال اللَّه تبارك وتعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية. وقال - عز وجل -: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية، فكانت الآيتان مطلقتين على إحلال البيع كله، إلا أن تكون دلالة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو في إجماع المسلمين، الذين لا يمكن أن يجهلوا معنى ما أراد اللَّه، تخص تحريم بيع دون بيع، فنصير إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه؛ لأنه المبين عن الله - عز وجل - معنى ما أراد الله خاصَاً وعاماً، ووجدنا الدلالة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم شيئين: أحدهما: التفاضل في النفد. والآخر: النسيئة كلها. الرسالة: ما أبان الله لخدقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله - ومنهم من قال -: لم يُسن سُنةُّ قط إلَّا ولها أصل في الكتاب، كما كانت سنته لتبيين عدد الصلاة وعملها، على أصل جملة فرض الصلاة، وكذلك ما سنَّ من البيوع وغيرها من الشرائع؛ لأن الله قال:

(لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) الآية. وقال: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية، فما أحل وحَرم فإنَّما بَين فيه عن الله، كما بيَّن الصلاة. ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة اللَّه، فأثبتت سنته بفرض الله. ومنهم من قال: ألقي في رُوعه كل ما سَن، وسنته الحكمة: الذي ألقي في رُوعه عن اللَّه، فكان ما ألقي في رُوعه سُنته. الرسالة (أيضاً) : ابتداء الناسخ والمنسوخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: هل تنسخ السنة بالقرآن؟ قيل: لو نسخت السنة بالقرآن، كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه سنة، تبين أن سنته الأولى منسوخة بسنته الآخرة، حتى تقوم الحجة على الناس، بأن الشيء يُنسخ بمثله. فإن قال قائل: ما الدليل على ما تقول؟ قلت: فما وصفت من موضعه من الإبانة عن اللَّه معنى ما أراد بفرائضه، خاصاً وعاماً، مما وصفت في كتابي هذا. وأنه لا يقول أبداً بشيء إلا بحكم اللَّه، ولو نسخ اللَّه مما قال حكماً لَسَن رسول اللَّه فيما نسخه سُنة، ولو جاز أن يقال: قد سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نسَخ - اللَّه - سنته بالقرآن، ولا يؤثر عن رسول اللَّه السنة الناسخة، جاز أن يقال فيما حَرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البيوع كلها؛ قد يحتمل أن يكون حرَّمها قبل أن ينزل عليه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية.

الرسالة (أيضاً) : الفرض المنصوص الذي دلَّت السنة على أئه إنَّما أراد به الخاصن: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية. ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيوع تراضى بها المتبايعان فحُرِّمت، مثل الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثلِ، ومثل الذهب بالوَرِق، وأحدهما نقد، والآخر نسيئة، وما كان في معنى هذا، مما ليس في التبايع به مخاطرةْ، ولا أمر يجهله البائع ولا المشتري. فدلَّت السنة على أنَّ اللَّه جل ثناؤه أراد بإحلال البيع ما لم يُحَرِّم منه، دونَ ما حَرم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -. ثم كانت لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في البيوع سوى هذا سنناً، منها: العبد يباع وقد دلس البائعُ المشتري بعيب، فللمشتري رده، وله الخراج بضمانه. ومنها: أن من باع عبداً وله مال، فماله للبائع إلا أن يشترط البتاع. ومنها: من باع نخلاً قد أُبِّرت، فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع، لزم الناسَ الأخذ بها، بما ألزمهم اللَّه من الانتهاء إلى أمره. الرسالة (أيضاً) : باب (العلل في الأحاديث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكرتُ له قول اللَّه تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية، وقوله: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية، ثم حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيوعاً، منها:

الدنانير بالدراهم إلى أجل وغيرها، فحرَّمها المسلمون بتحريم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فليس هذا ولا غيره خلافاً لكتاب اللَّه. قال: فَحُذَ لي معنى هذا بأجمع منه وأخصر. فقلت له: لا كان في كتاب اللَّه دلالة على أن اللَّه قد وضع رسوله موضع الإبانة عنه، وفرض على خلقه اتباع أمره فقال: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية، فإنَّما يعني: أحل اللَّه البيع إذا كان على غير ما نهى الله عنه في كتابه أو على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وأن يقال في البيوع التي حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما حرمها قبل التنزيل فلما أنزلت: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية. كانت حلالاً. والربا: أن يكون للرجل على الرجل الدَّين فَيَحِل فيقول: أتقضي أم تربي؟ فيؤخرُ عنه ويزيده في ماله، وأشباهٌ لهذا كثيرة. فمن قال هذا، كان مُعطلاً لعامة سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا القول جهل ممن قاله. قال: أجل. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي رحمه الله بتفسير القرآن ومعانيه، وسبب نزوله) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: حدثنا أبو العباس بن يعقوب قال: أنبأنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية، فإنما يعني: أحل اللَّه البيع إذا كان على غير ما نهى الله عنه في كتاَبه، أو على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -.

قال الله - عز وجل -: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278)

قال الله - عزَّ وجلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) الأم: الحكم بين أهل الجزية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المشركين بعد إسلامهم: (اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقال: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) الآية. فلم يأمرهم برد ما بقي من الربا، وأمرهم بأن لا يأخذوا ما لم يقبضوا منه. ورجعوا إلى رؤوس أموالهم، وأنفذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكاح المشرك بما كان قبل حكمه وإسلامهم وكان مقتضياً، ورد ما جاوز أربعاً من النساء؛ لأنَّهن بواق، فتجاوز عما مضى كله في حكم اللَّه - عز وجل -، وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : الحربي يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إلى قوله: (تُظْلَمُونَ) الآيتان. فعفا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما قبضوا من الربا، فلم يأمرهم برده، وأبطل ما أدرك حكم الإسلام من الربا، ما لم يَقبِضوه، فأمرهم بتركه، وردهم إلى رؤوس أموالهم التي كانت حلالاً لهم، فجمع حكم اللَّه، ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الربا. أن عفا عما فات، وأبطل ما أدرك الإسلام، فكذلك حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في

النكاح، كانت العقدة فيه ثابتة فعفاها، وكثر من أربعة نسوة مدركات في الإسلام، فلم يعفهن. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا الثقة (وأحسبه ابن علية) ، عن معمر، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمسك أربعاً وفارق سائرهن" الحديث. الأم (أيضاً) : في قطع الشجر وحرق المنازل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أربى أهل الجاهلية في الجاهلية، ثم سألوا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) . وقال في سياق الآية: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) الآيتان، فلم يبطل عنهم رؤوس أموالهم إذا لم يتقابضوا، وقد كانوا مُقرِّين بها، ومستيقنين في الفضل فيها، فأهدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم ما أصابوا، من دم أو مال؛ لأنَّه كان على وجه الغصب، لا على وجه الإقرار به. الأم (أيضاً) : الصداق: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن كان الصداق محرّماً، مثل: الخمر وما أشبهه، فلم تقبضه فلها مهر مثلها، وإن قبضته بعد ما أسلم أحد الزوجين فلها مهر مثلها، وليس لمسلم أن يعطي خمراً، ولا لمسلم أن يأخذه، وإن قبضته وهما مشركان فقد

مضى، وليس لها غيره؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) الآية، فأبطل ما أدرك الإسلام، ولم يأمرهم برد ما كان قبله من الربا، فإن كان أرطال خمر، فأخذت نصفه في الشرك وبقي نصفه، أخذت منه نصف صداق مثلها. الأم (أيضاً) : البَحيرة والوصيلة والسائبة والحام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: أفتوجدني في كتاب الله - عزَّ وجلَّ في غير هذا بياناً؛ لأن الشرط إذا بطل في شيء، أخرجه إنسان من ماله بغير عتق بني آدم، ورجع إلى أصل مُلكه؟ قيل: نعم. قال الله عز ذكره: (اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) وقال عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) الآيتان، وفي الإجماع: أن من باع بيعاً فاسداً فالبائع على أصل ملكه، لا يخرج من ملكه إلَّا والبيع فيه صحيح، والمرأة تنكح نكاحاً فاسداً، هي على ما كانت عليه، لا زوج لها. الأم (أيضاً) : ما قتل أهل دار الحرب من المسلمين فأصابوا من أموالهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) الآية، ولم يأمرهم برد ما مضى منه، وقتل وحشي - رضي الله عنه - حمزة - رضي الله عنه -، فأسلم فلم يُقَدْ منه، ولم يتبع له بعقل، ولم يؤمر له بكفارة، لطرح الإسلام ما فات في الشرك. .. ودلت السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنَّه يُطرح عنهم ما بينهم وبين اللَّه - عز ذكره - والعباد. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان يجبُّ ما كان قبله" الحديث.

قال الله عز وجل: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون (280)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) الأم: التفليس: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) الآية، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَطلُ الغي ظُفمً" الحديث. فلم يجعل على ذي دين سبيلاً في العسرة حتى تكون الميسرة، ولم يجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَطْله ظلماً إلا بالغنى، فإذا كان معسراً فهو ليس ممن عليه سبيل إلا أن يوسر، وإذا لم يكن عليه سبيل فلا سبيل على إجارته؛ لأن إجارته عمل بدنه. وإذا لم يكن على بدنه سبيل، وإنما السبيل على ماله، لم يكن إلى استعماله سبيل، وكذلك لا يحبس؛ لأنَّه لا سبيل عليه في حاله هذه. الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في حبس المفلس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولا يؤخذ الحر في دين عليه إذا لم يوجد له شيء، ولا يحبس إذا عرف أن لا شيء له؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) الآية.

قال الله - عز وجل -: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)

مختصر المزني: باب (جواز حبس من عليه الدين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا ثبت عليه الدين، ييع ما ظهر له، ودُفِع، ولم يحبس، وإن لم يظهر، حُبس، وبيع ما قُدر عليه من ماله، فإن ذكر عُسره، قُبلتْ منه البيّنة، لقول اللَّه - عز وجل: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) الآية، وأحلّفه مع ذلك بالله، وأخليه، ومنعت غرماءه من لزومه، حتى تقوم بيّنة أن قد أفاد مالاً. قال الله - عزَّ وجلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) الأم: باب (بيع الآجال) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فلا يجوز البيع إلى العطاء، ولا إلى الحصاد. ولا إلى الجداد؛ لأن ذلك يتقدم ويتأخر، وإنَّما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) الآية.

الأم (أيضاً) : باب (الشهادة في البيوم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - عز وجل - في آية الدين: (إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) الآية، والدين تبايع، وقد أمر فيه بالإشهاد، فبين المعنى الذي أمر له به، فدلَّ ما بين اللَّه - عز وجل - في الدين، على أن اللَّه - عز وجل - إنَّما أمر به على النظر والاحتياط، لا على الحتم، قلتُ: قال اللَّه تعالى: (إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (السلف والمراد به السْلم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) إلى قوله: (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) الآية، فلما أمر اللَّه - عز وجل - بالكتاب ثم رخص في الإشهاد إن كانوا على سفر، ولم يجدوا كاتباً احتمل أن يكون فرضاً، واحتمل أن يكون دلالة، فلما قال اللَّه جل ثناؤه: (فَرِهَانٌ مقبُوضَة) الآية. والرهن غير الكتاب والشهادة، ثم قال: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) الآية، دلَّ كتاب اللَّه - عز وجل - على أن أمره بالكتاب، ثم الشهود، ثم الرهن إرشاداً؛ لا فرضاً عليهم؛ لأن قوله: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) الآية، إباحة لأنْ يأمن بعضهم بعضاً، فيدع الكتاب والشهود والرهن.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحِبُّ الكتاب والشهود؛ لأنَّه إرشاد من الله. ونظر للبائع والمشتري،. . . إلى أن قال: ومن تركه - الكتاب والشهود - فقد ترك حزماً وأمراً لم أحبّ تركه، من غير أن أزعم أنَّه محرم عليه بما وصفت من الآية بعدها. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول اللَّه تعالى: (إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) الآية، يحتمل كل دين، ويحتمل السلف خاصة، وقد ذهب فيه ابن عباس رضي اللَّه عنهما إلى أنَّه في السلف. أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن أيوب، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى، قد أحلّه اللَّه تعالى في كتابه، وأذن فيه، ثم قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) الآية. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وإن كان كما قال ابن عباس في السلف، قلنا به في كل دين قياساً عليه؛ لأنَّه في معناه، والسلف جائز في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والآثار، وما لا يختلف فيه أهل العلم علمته. الأم (أيضاً) : باب (الشهادة في الدين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ: (إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُهُ) الآية والتي بعدها، وقال في سياقها: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) .

وذكر اللَّه شهود الدَّين فذكر فيهم النساء، وكان الدَّين أخذ مال من الشهود عليه، والأمر على ما فرق اللَّه بينه من الأحكام في الشهادات، أن ينظر كل ما شهد به على أحد، فكان لا يؤخذ منه بالشهادة نفسها مال، وكان إنَّما يلزم بها حق غير مال، أو شهد به رجل، وكان لا يستحق به مالاً لنفسه، إنما يستحق به غير مال، مثل: الوصية والوكالة والقصاص والحد وما أشبهه، فلا يجوز فيه إلا شهادة الرجال، لا يجوز فيه امرأة، وينظر كل ما شهد به مما أخذ به المشهود له من المشهود عليه مالاً فتجوز فيه شهادة النساء مع الرجال؛ لأنه معنى الموضع الذي أجازهن اللَّه فيه، فيجوز قياساً لا يختلف هذا القول، فلا يجوز غيره - واللَّه تعالى أعلم -. ومن خالف هذا الأصل ترك عندي ما ينبغي أن يلزمه من معنى القرآن، ولا أعلم لأحد خالفه حجة فيه بقياس، ولا خبر لازم، وفي قول الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) الآية، دلالة على أن لا تجوز شهادة النساء حيث نجيزهن إلا مع رجل، ولا يجوز منهن إلا امرأتان فصاعداً؛ لأن اللَّه - عز وجل - لم يسم منهن أقل من اثنتين، ولم يأمر بهن اللَّه إلا مع رجل. الأم (أيضاً) : باب (ما على من دُعيَ يشهد بشهادة قبل أن يسألَها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) إلى قوله: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قول اللَّه - عز وجل -: (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ) الآية، دلالة على: أن عليه فيما علمه الله من الكتاب حقاً في منفعة المسلمين، ويحتمل ذلك الحق أن يكون كلما دُعي لحق كتبه لا بد، ويحتمل أن يكون عليه وعلى من هو في مثل حاله، أن يقوم منهم من يكفي حتى لا تكون الحقوق معطلة، لا يوجد لها في الابتداء من يقوم بكفايتها، والشهادة عليها فيكون فرضاً لازماً على الكفاية، فإذا قام بها من يكفي، أخرج من يتخلف من المأثم، والفضل للكافي على المتخلف، فإذا لم يقم به كان حرج جميع من دُعي إليه، فتخلف بلا عذر. فلما احتمل هذين المعنيين معاً، وكان في سياق الآية: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) الآية، كان فيها كالدليل على: أنَّه نهى الشهداء المدعوون كلفم أن يابوا، قال: (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) الآية، فأشبه أن يكون يُحرج من ترك ذلك ضراراً، وفرض القيام بها في الابتداء على الكفاية، وهذا يشبه والله تعالى أعلم ما وصفت من الجهاد، والجنائز، ورد السلام، وقد حفظت عن بعض أهل العلم قريباً من هذا المعنى، ولم أحفظ خلافه عن أحد أذكره منهم. الأم (أيضاً) : باب (الحجر على البالغين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: الحجر على البالغين في آيتين من كتاب الله . وهما: قول الله تبارك وتعالى: (فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنَّما خاطب اللَّه - عز وجل - بفرائضه البالغين من الرجال والنساء، وجعل الإقرار له، فكان موجوداً في كتاب اللَّه - عز وجل -، أن أمر اللَّه تعالى الذي عليه الحق، أن يمل هو، وأن إملاءه: إقراره. وهذا يدل على جواز الإقرار على من أقر به، ولا يأمر - والله أعلم - أحداً أن يمل ليقر إلا البالغ، وذلك أن إقرار غير البالغ، وصمته، وإنكاره سواء عند أهل العلم، فيما حفظت عنهم، ولا أعلمهم اختلفوا فيه. ثم قال في المرء الذي عليه الحق أن يملَّ: (فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) الآية. وأثبت الولاية على السفيه، والضعيف، والذي لا يستطيع أن يمل هو، وأمر وليه بالإملاء عليه، لأنَّه أقامه فيما لا غناء عنه من ماله مقامه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قد قيل: والذي لا يستطيع أن يمل يحتمل أن يكون المغلوب على عقله، وهو أشبه معانيه - والله أعلم -. والآية الأخرى: قول الله تبارك وتعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا قلنا: نحن وهم في كل أمر يكمل بأمرين، أو أمور، فإذا نقص واحد لم يقبل، فزعمنا أن شرط الله تعالى: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) الآية: عدلان، حران، مسلمان، فلو كان الرجلان حرين، مسلمين غير عدلين، أو عدلين غير حرين، أو عدلين حرين غير مسلمين، لم تجز شهادتهما حتى يستكملا الثلاث.

الأم (أيضاً) : تفريع ما يمنع من أهل الذمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فكيف لا تجيز شهادة - أهل الذمة - بعضهم على بعض، وفي ذلك إبطال الحكم عنهم؟ قيل: قال اللَّه - عز وجل -: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) وقال: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) الآية، فلم يكونوا من رجالنا، ولا ممن نرضى من الشهداء، فلما وصف الشهود منا، دلَّ على أنَّه لا يجوز أن نقضي بشهادة شهود من غيرنا، لم يجز أن نقبل شهادة غير مسلم، أما إبطال حقوقهم فلم نبطلها، إلا إذا لم يأتنا ما يجوز فيه. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي جاء عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمين مع الشاهد، ليس يخالف حكم الكتاب. قال: ومن أين؟ قلنا: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) الآية، فكان هذا محتملاً أن يكون: دلالة من اللَّه - عز وجل - على ما تتم به شهادة. الأم (أيضاً) : شهادة النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا تجوز شهادة النساء إلا في موضعين:

الموضع الأول: في مال يجب للرجل على الرجل، فلا يجوز من شهادتهن شيء، وإن كثرن، إلا ومعهن رجل شاهد، ولا يجوز منهن أقل من اثنتين مع الرجل فصاعداً، ولا نجيز اثنتين ويحلف معهما؛ لأن شرط الله - عز وجل - الذي أجازهما فيه مع شاهد، يشهد بمثل شهادتهما لغيره، قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) الآية. أما الموضع الثاني: حيث لا يرى الرجل من عورات النساء، فإنهن يجزن فيه منفردات، ولا يجوز منهن أقلّ من أربع إذا انفردن، قياساً على حكم الله تبارك وتعالى فيهن؛ لأنه جعل اثنتين تقومان مع الرجل مقام الرجل، وجعل الشهادة شاهدين أو شاهداً وامرأتين. فإن انفردن فمقام شاهدين أربع، وهكذا كان عطاء يقول: أخبرنا مسلم. عن ابن جريج، عن عطاء. الأم (أيضاً) : الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) الآية. وليس الفاسق واحداً من هذين، فمن قضى بشهادته، فقد خالف حكم اللَّه - عز وجل -، وعليه ردّ قضائه، وردّ شهادة العبد، إنَّما هو تأويل ليس ببئني، واتباع بعض أهل العلم.

الأم (أيضاً) : باب (في الدَّين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، وقال: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) الآية. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد أنه قال: عدلان، حران، مسلمان. ثم لم أعلم من أهل العلم مخالفاً في أن هذا معنى الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يقبل القاضي شهادة شاهد حتى يعرف عدله، طعن فيه الخصم، أو لم يطعن، ولا تجوز شهادة الصبيان، بعضهم على بعض في الجراح ولا غيرها، قبل أن يتفرقوا، ولا بعد أن يتفرقوا؛ لأنَّهم ليسوا من شرط الله الذي شرطه في قوله: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) الآية، وهذا قول ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وخالفه ابن الزبير رضي الله عنهما وقال: نجيز شهادتهم إذا لم يتفرقوا. وقول ابن عباس رضي اللَّه عنهما أشبه بالقرآن، والقياس. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، وقال (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) الآية، فكان على الحكام، ألَّا يقبلوا إلا

عدلاً في الظاهر، وكانت صفات العدل عندهم معروفة وقد وصفتها في غير هذا الموضع. وقد يكون في الظاهر عدلاً، وسريرته غير عدل، ولكن الله لم يكلفهم ما لم يجعل لهم السبيل إلى علمه، ولم يجعل لهم - إذ كان يمكن - إلاّ أن يردوا مَنْ ظَهَرَ منه خلاف العدل عندهم. وقد يمكن أن يكون الذي ظهر منه خلاف العدل خيراً عند اللَّه - عز وجل -، من الذي ظهر منه العدل، ولكن كُلفوا أن يجتهدوا على ما يعلمون من الظاهر الذي لم يؤتوا أكثر منه. الأم (أيضاً) : الطعام والشراب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فهل للحَجْر في القرآن أصل يدلّ عليه؟ قيل: نعم، - إن شاء اللَّه - قال الله - عزَّ وجلَّ -: (فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (السلف والمراد به: السلم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول الله جلَ ذكره: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) الآية، يحتمل: ما وصفتُ من أن لا يأبى كل شاهد ابتدئ فيُدعى ليشهد. ويحتمل: أن يكون فرضاً على من حضر الحق، أن يشهد منهم من فيه كفاية للشهادة، فإذا شهدوا، أخرجوا غيرهم من المأثم، وإن ترك من حضر الشهادة خفت حرجهم، بل لا أشكَ فيه، وهذا أشبه معانيه به - واللَّه تعالى أعلم -.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمّا من سبقت شهادته، بأن أشهِد أو علم حقاً لمسلم، أو معاهد، فلا يسعه التخلف عن تأدية الشهادة متى طلبت منه في موضع مقطع الحق. مختصر المزئي: كتاب (الوكالة) : قال الشَّافِعِي رعه الله: وقال تعالى (فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) الآية، ووليه عند الشَّافِعِي: هو القيم بماله. مختصر المزني (أيضاً) : باب (الدعوى والبينات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - سبحانه - في الدين: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) الآية، فكان حكمه في الدين يقبل بشاهدين، أو شاهد وامرأتين، ولا يقال لشيء من هذا مختلف، على أن بعضه ناسخ لبعض، ولكن يقال: مختلف على أن كل واحد منه غير صاحبه. مختصر المزني (أيضاً) : باب الخلاف في هذه الأحاديث: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) الآية، فقلت له: لست أعلم في هذه الآية تحريم أنَّ يجوز أقل من شاهدين بحال.

أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشافعى - في القضايا والشهادات: قال البيهقي رحمه الله: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ) الآية، يحتمل: أن يكون حتماً على من دُعي لكتابِ، فإن تركه تارك: كان عاصياً. ويحتمل: أن يكون على من حضر من الكُتَّاب، ألَّا يُعطلوا كتاب حق بين رجلين، فإذا قام به واحد، أجزأ عنهم. آداب الشَّافِعِي: ما ذكر من مناظرة الشَّافِعِي لمحمد بن الحسن وغيره: أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو محمد قال: أخبرني أبي، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: حضرت مجلساً فيه جماعة: فيهم رجل يقال له: سفبان ابن سَخبَان فقلت ليحيى بن البناء، وكان حاضراً، كيف فِقهُ هذا؟ فقال لي: هو حسن الإشارة بالأصابع، ثم قال لي: تحبُّ أن تسمعه؟ قلت: نعم. فقال: يا أبا فلان، رأيت شيئاً: أعجَبَ من إخواننا - من أهل المدينة - في قضاياهم باليمين مع الشاهد؛ إنّ اللَّه - عز وجل - أمر بشاهدين، فنص على القضية، ثم قال: (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) ثم أكد

ذلك فقال: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) الآية، فبين الله - عز وجل -: أنَّه لا تتم الشهادة إلا برجلين، وامرأتين فقالوا: يُقضى برجل واحد ويمين صاحب الحق؟! فقال: نعم، إنهم يقولون: من هذا ما هو خلاف القرآن. فقال له يحيى: احتجوا فقالوا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمعنى كتاب اللَّه، وقد رووا عنه أنه قضى باليمين مع الشاهد، ورووا ذلك عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. .. فقال ابن سخبان: لا يُقبل هذا من الرواة، وهو خلاف القرآن. آداب الشَّافِعِي (أيضاً) : قول الشَّافِعِي في أصول العلم: أخبرنا أبو محمد، حدثنا أبي، حدثنا يونس قال: سمعت الشَّافِعِي رحمه الله: يعتب على من يقول: لا يقاس المطلق - من الكتاب - على المنصوص وقال: يلزم من قال هذا: أن يجيز شهادة العبيد والسفهاء؛ لأن اللَّه - عز وجل - قال: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، فَقَيَّد. وقال في موضع آخر: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) الآية، فأطْلَق. ولكن المطلق يقاس على المنصوص، مثل هذا، ولا يجوز إلا العَدلُ. آداب الشَّافِعِي (أيضاً) : باب (في الأحكام) : أخبرنا أبو محمد قال: أخبرني أبي قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى قال:

قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - عز وجل -: (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) الآية، إنما معناه: أن يُقِر بالحق، ليس معناه: أن يُمِل، وقوله: (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) الآية، هاهنا ثبتت الولاية، ثم نسخ هذا كلّه، وأخِبرَ: أنه اختيار وليس بفرض، بقوله: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا) الآية. فائدتان: الأولى: ومن طريف ما يحكى عن أمّ الشَّافِعِي رحمهما اللَّه من الحذق. أنها شهدت عند قاضي مكة هي وأخرى، مع رجل، فأراد القاضي أن يفرق بين المرأتين، فقالت له أم الشَّافِعِي رحمهما اللَّه: ليس لك ذلك، لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (ان تَضِل إِخدَنهُمَا فَتُذَئحِرَ إِخدَنهُمَا اكاخرَى) الآية. فرجع القاضي إليها في ذلك - وقد علق ابن حجر على ذلك بقوله: هذا فرع غريب واستنباط قوي. الثانية: وقال الأزهري رحمه اللَّه: وقوله - عز وجل -: (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) الآية، فيه قولان: 1 - قال بعضهم: (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) الآية، لا يُضارر، أي: لا يكتب إلا الحق، ولا يشهد الشاهد إلا بالحق.

قال الله عز وجل: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة

2 - وقال قوم: (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) الآية، أي: لا يُضَارَر ولا يُدعى وهو مشغول، لا يمكنه ترك شغله إلا بضرر يدخل عليه، وكذلك لا يُدعى الشاهد ومجيئه للشهادة يَضُر به. والأول: أبين، لقوله تعالى: (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) الآية. ومن كذب بالشهادة، وحرَّف الكتاب، فهو أولى بالفسوق ممن دعا كاتباً ليكتب وهو مشغول، أو شاهداً ليشهد وهو مشغول. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) الأم: باب (الشهادة في البيوع) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: - بعد آية الدين في السياق - قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) الآية، فلما أمر إذا لم يجدوا كاتباً بالرهن، ثم أباح ترك الرهن، وقال: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ) الآية، دلَّ على أن الأمر الأول دلالة على الحظ، لا فرض منه، يعصي من تركه - والله أعلم -.

وقد حُفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه بايع أعرابياً في فرس، فجحد الأعرابي بأمر بعض المنافقين، ولم يكن بينهما بينة، فلو كان هذا حتماً لم يبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا بينة، وقد حفظت عن عدة لقيتهم مثل معنى قولي، من أنَّه لا يعصي من ترك الإشهاد، وأن البيع لازم، إذا تصادقا، لا ينقضه أن لا تكون بيّنة كما يُنقض النكاح، لاختلاف حكمها. الأم (أيضاً) : باب (السلف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله جلَ ثناؤه: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) الآية. والرهن غير الكتاب والشهادة، ثم قال: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) الآية. دلَّ كتاب الله - عزَّ وجلَّ على أن أمره بالكتاب. ثم الشهود، ثم الرهن ارشاداً لا فرضاً عليهم؛ لأن قوله: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) الآية، إباحة لأن يأمن بعضهم بعضاً فيدع الكتاب والشهود والرهن. الأم (أيضاً) : كتاب (الرهن الكبير - إباحة الرهن: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: قال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) الآية، وقال عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌة) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في الآية، الأمر بالكتاب في الحضر والسفر، وذكر اللَّه تبارك اسمه الرهن إذا كانوا مسافرين، ولم يجدوا كاتباً، فكان معقولاً - والله أعلم فيها - أنهم أمروا بالكتاب والرهن احتياطاً لمالك الحق بالوثيقة، والمملوك عليه بألَّا ينسى ويذكر، لا أنَّه فرض عليهم أن يكتبوا، ولا أن يأخذوا رهناً، لقول الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) الآية. فكان معقولاً أن الوثيقة في الحق في السفر والإعواز غير محرمة، والله أعلم في الحضر وغير الإعواز، ولا بأس بالرهن في الحق الحالِّ، والدين في الحضر والسفر. وما قلت من هذا مما لا أعلم فيه خلافاً، وقد رُوي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهن درعه في الحضر عند أبي الشحم اليهودي. وقيل: في سلف، والسلف حالٌّ. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأذن اللَّه جل ثناؤه بالرهن في الدين، والدين حق لازم، فكل حق مما يملك، أو لزم بوجه من الوجوه جاز الرهن فيه. الأم (أيضاً) : الرهن الصغير: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أصل أجازة الرهن في كتابه - عز وجل -: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) الآية، فالسنة تدلُّ على إجازة الرهن، ولا أعلم مخالفاً في إجازته. أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب رحمه اللَّه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يَغلَقُ الرهنُ، الرهنَ من صاحبه الذي رهنه، له غنمُه وعليه غرمُه" الحديث.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالحديث جملة على الرهن، ولم يخص رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا رهناً دون رهن. واسم الرهن يقع على: ما ظهر هلاكه ومخفي. ومعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - واللَّه تعالى أعلم -: "لا يغلق الرهن بشيء"، أي: إن ذهب لم يذهب بشيء، وإن أراد صاحبه افتكاكه، ولا يغلق في يدي الذي هو في يديه. .. والرهن للراهن أبداً، حتى يخرجه من ملكه بوجه يصحُّ إخراجه له، والدليل على هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الرهن من صاحبه الذي رهنه"، ثم بيّنه وأكدّه فقال: "له غنمه وعليه غرمه"، وغنمه: سلامته وزيادته، وغرمه: عطبه ونقْصه. الأم (أيضاً) : رهن المشاع: قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا بأس بأن يرهن الرجل نصف أرضه، ونصف داره، وسهماً من أسهم من ذلك مشاعاً غير مقسوم، إذا كان الكلّ معلوماً، وكان ما رهن منه معلوماً، ولا فرق بين ذلك وبين البيوع. وقال بعض الناس: لا يجوز الرهن إلا مقبوضاً مقسوماً، لا يخالطه غيره، واحتجّ بقول اللَّه تبارك وتعالى: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالقبض: اسم جامع، وهو يقع كعان مختلفة، كيفما كان الشيء معلوماً، أو كان الكلّ معلوماً، والشيء من الكل جزء معلوم من أجزاء، وسُلِّم حتى لا يكون دونه حائل فهو قبض، فقبض الذهب والفضة والثياب في مجلس الرجل، والأرض أن يؤتى في مكانها فتسلم، لا تحويها يد ولا يحيط بها جدار، والقبض في كثير من الدور والأرضيين إسلامها بأعْلاَقها،

والعبيد تسليمهم بحضرة القابض، والمشاع من كل أرض وغيرها أن لا يكون دونه حائل، فهذا كله قبض مختلف يجمعه اسم القبض، وإن تفرق الفعل فيه، غير أنه يجمعه أن يكون مجموع العين، والكل جزء من الكل معروف، ولا حائل دونه، فإذا كان هكذا فهو مقبوض، والذي يكون في البيع قبضاً، يكون في الرهن قبضاً، لا يختلف ذلك. الأم (أيضاً) : الوديعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا استودع الرجلُ الرجلَ الوديعة، فاختلفا، فقال المستودع: دفعتها إليك، وقال المستودع: لم تدفعها، فالقول قول المستودع، ولو كانت المسألة بحالها غير أن المستودعَ قال: أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها. وقال المستودِع: لم آمرك، فالقول قول المستودِع، وعلى المستودع البينة، وإنَّما فرقنا بينهما أنَّ المدفوع إليه غير المستودع، وقد قال الله - عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) الآية. فالأول: إنَّما ادعى دفعها إلى من اتممنه، والثاني: إنَّما ادعى دفعها إلى غير المستودِع بأمره، فلما أنكر أنه أمره، أغرم له؛ لأنٌ المدفوع إليه غير الدافع. الأم (أيضاً) : باب (ما يجب على المرء من القيام بشهادته) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - عز وجل -: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) الآية. وقال: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) .

قال الله عز وجل: (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء

قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي أحفظ عن كل من سمعت منه، من أهل العلم في هذه الآيات، أنَّه في الشاهد، وقد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن يقوم بها على والديه، وولده، والقريب، والبعيد، وللبغيض والقريب والبعيد، ولا يكتم عن أحد، ولا يحابي بها، ولا يمنعها أحداً. ثم تتفرع الشهادات، فيجتمعون ويختلفون، فيما يلزم منها وما لا يلزم، ولهذا كتاب غير هذا. مختصر المزني: باب (الرهن) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أذن اللَّه جل ثناؤه بالرهن في الدين، والدين حق. فكذلك كل حق لزم في حين الرهن وما تقدم الرهن، وقال اللَّه تبارك وتعالى: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) الآية، ولا معنى للرهن حتى يكون مقبوضاً من جائز الأمر، حين رهن، وحين أقبض، وما جاز بيعه، جاز رهنه وقبضه من مشاع وغيره. .. ولا يجوز - قبض الرهن - إلا معه أو بعده، فأما قبله فلا رهن. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) وقال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)

أحكام القرآن: فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة: قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن أيوب الفارسي المفسر، أخبرنا أبو بكر محمد بن صالح بن الحسن البستاني (بشيراز) ، أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي: أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله، أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن مرجانة، قال عكرمة لابن عباس رضي اللَّه عنهما: إن ابن عمر رضي اللَّه عنهما تلا هذه الآية: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ) الآية، فبكى، ثم قال: والله لئن أخذنا اللَّه بها لنهلِكن. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: (يرحم اللَّه أبا عبد الرحمن، وقد وجد المسلمون منها - حين نزلت - ما وجدوا، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) الآية. من القول والعمل، وكان حديث النفس مما لا يملكه أحد، ولا يقدر عليه أحد. أحكام القرآن: فصل فيما لا يجب عليه الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض اللَّه - عز وجل - قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا، وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، وقال: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) . فبذا فُرِض على المسلمين ما أطاقوه، فإذا عجزوا عنه، فإنما كُلفوا منه ما أطاقوه، فلا بأس: أن يكفوا عن قتال الفريقين من المشركين، أو يهادنوهم.

مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي، بأصول الكلام. وصحة اعتقاده فيه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ) الآية، فذلك ما فرض الله على القلب من الإيمان. وهو عمله، وهو رأس الإيمان.

سورة آل عمران

سورة آل عمران بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله - عزَّ وجلَّ -: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) الأم: باب (القراءة في الرمعتين الأخيرتين) : سألت الشَّافِعِي رحمه الله: أتقرأ خلف الإمام أم القرآن في الركعة الأخيرة تُسِرُّ؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أحبُّ ذلك، وليس بواجب عليه، فقلت: وما الحجة فيه؟ فقال: أخبرنا مالك، عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك، أن عبادة بن نسَي أخبره، أنه سمع قيس بن الحارث يقول: أخبرني أبو عبد اللَّه الصنابحي أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق، فصلى وراء أبي بكر المغرب، فقرأ في الركعتين الأوْلَيَين بأم القرآن، وسورة من قصار المفضل، ثم قام في الركعة الثالثة، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أنْ تمس ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن، وبهذه الآية: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) الآية، الحديث.

قال الله عز وجل: (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب (11)

فقلت: للشافعي: فإنا نكره هذه، ونقول ليس عليه العمل، لا يقرأ على إثر أم القرآن في الركعة الثالثة بشيء؟ فقال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: وقال سفيان بن عيينة: لما سمع عمر بن عبد العزيز بهذا عن أبي بكر الصديق قال: إن كنت لعلى غير هذا، حتى سمعت بهذا، فأخذت به، قال: فهل تركتم للعمل عمل أبي بكر، وابن عمر، وعمر بن عبد العزيز؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله (ابن عمر) . أنه كان إذا صلى وحده يقرأ في الأربع جميعاً، في كل ركعة بأم القرآن، وبسورة من القرآن، قال: وكان يقرأ أحياناً بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة في صلاة الفريضة الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) الزاهر باب (الوصية) قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن المرض المَخُوف: الحمى تدأب صاحبها.

قال الله عز وجل: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا

معنى تدأب، أي: تلازم وتغبِط عليه فلا تفارقه، وكل ذي عمل إذا دام عليه فقد دَأبَ، يَدأبُ، دَأباً، وأدأبَ الرجل السير إذا لم يفتر فيه. قال الله - عزَّ وجلَّ: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) الآية، أي: تظاهرهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - كتظاهر آل فرعون على موسى عليه الصلاة والسلام، وقيل: عادتهم في كفرهم كعادة آل فرعون. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) الأم: ما جاء في أمرالنكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والرجل يدخل في بعض أمره في معنى الأيامى. الذين على الأولياء أن ينكحوهن، إذا كان مولى بالغاً يحتاج إلى النكاح، ويقدر بالمال، فعلى وليه إنكاحه، فلو كانت الآية، والسنة في المرأة خاصة، لزم ذلك عندي الرجل، لأن معنى الذي أريد به نكاح المرأة العفاف، لما خلق فيها من الشهوة وخوف الفتنة، وذلك في الرجل مذكور في الكتاب، لقول اللَّه - عز وجل -: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ) الآية. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن لم تتق نفسه، ولم يحتج إلى النكاح من الرجال والنساء، بأن لم تخلق فيه الشهوة التي جعلت في كثر الخلق، فإن اللَّه يقول - عز وجل -: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ) الآية، أو بعارض أذهب الشهوة

قال الله - عز وجل - (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم (18)

(من كبر أو غيره) ، فلا أرى بأساً أن يدع النكاح، بل أحِبُّ ذلك، وأن يتخلى لعبادة الله. * * * قال الله - عز وجل - (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في خروجه إلى اليمن ومقامه بها، ثم في حمله من اليمن إلى هارون، وما جرى بينه وبين محمد بن الحسن من المناظرة. رحمهما الله) وقد روي في أخبار دخول الشَّافِعِي رحمه اللَّه على الرشيد رحمه اللَّه، أنه دعا عند دخوله - أي الشَّافِعِي - عليه - أي على الرشيد - بدعاء سأله عنه الفضل بن الربيع فعلمَهُ إيَّاه، وهو أنه قرأ أولاً: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) الآيتان. ثم قال: وأنا أشهد بما شهد اللَّه به، وأستودع اللَّه هذه الشهادة، وهذه الشهادة وديعة لي عند اللَّه يؤدِّيها إليَّ يوم القيامة، اللهم إني أعوذ بنور قدسك، وعظمة طهارتك، وبركة جلالك، من كل آفة وعاهة، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارقاً يطرق بخير، اللهم أنت غياثي فبك أغوث، وأنت

قال الله عز وجل: (إن الدين عند الله الإسلام)

ملاذي فبك ألوذ، وأنت عياذي فبك أعوذ، يا من ذلَّت له رقاب الجبابرة. وخضعت له أعناق الفراعنة، أعوذ بك من خزيك، ومن كشف سترك، ومن نسيان ذكرك، والانصراف عن شكرك، أنا في حرزك في ليلي ونهاري، ونومي وقراري، وضعفي وأسفاري، وحياتي ومماتي، ذكرك شعاري، وثناؤك دثاري، لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، تشريفاً لعظمتك، وتكريماً لسبحات وجهك، أجرني من خزيك، ومن شرِّ عبادك، واضرب على سرادقات حفظك، وأدخلني في حفظ عنايتك، وجُد عليَّ منك بخير يا أرحم الراحمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الكريم، والصلاة على النبي المرتضى محمد وآله وسلم كثيراً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) الأم: باب ذبائح بني إسرائيل: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فلم يزل ما حرّم اللَّه تعالى على بني إسرائيل - اليهود خاصة، وغيرهم عامة - محرماً حيث حرَّمه حتى بعث اللَّه جل جلاله محمداً - صلى الله عليه وسلم -، ففرض الإيمان به، وأمر بإتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وطاعة أمره، وأعلم خلقه: أن طاعتَه، طاعتُه، وأن دين الإسلام الذي نسخ به كل دين كان قبله، وجعل من

قال الله - عز وجل -: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد (30)

أدركه، وعلم دينه، فلم يتبعه كافراً به، فقال: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) فكان هذا بالقرآن. * * * قال الله - عزَّ وجلَّ -: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) الأم: الوصية التي صدوت من الشَّافِعِي رضي الله عنه: قال الربيع بن سليمان: هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشَّافِعِي في شعبان سنة ثلاث ومائتين، وأشهد اللَّه عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وكفى به جل ثناؤه شهيداً، ثم من سمعه أنه شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله لم يزل يدين بذلك، وبه يدين حتى يتوفاه اللَّه ويبعثه عليه إن شاء اللَّه، وأنه يوصي نفسه، وجماعة من سمع وصيته، بإحلال ما أحل اللَّه - عز وجل - في كتابه، ثم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وتحريم ما حرم اللَّه في الكتاب، ثم في السنة، وألا يجاوز من ذلك إلى غيره، وأن مجاوزته ترك رضا اللَّه، وترك ما خالف الكتاب والسنة، وهما من المحدثات، والمحافظة على أداء فرائض اللَّه في القول، والعمل، والكفِّ عن محارمه خوفاً لله، وكثرة ذكر الوقوف بين يديه: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) الآية. وأن تنزل الدنيا حيث أنزلها اللَّه،

فإنه لم يجعلها دار مقام إلا مقام مدة عاجلة الانقطاع، وإنما جعلها دار عمل، وجعل الآخرة دار قرار وجزاء فيها بما عمل في الدنيا من خير أو شر، إن لم يعف اللَّه جل ثناؤه. . . الخ. وقال البيهقي رحمه اللَّه في نهاية ذكر هذه الوصية: ولم يغير - أي الشَّافِعِي - وصيته هذه. الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وَوَعَظَهُمْ - القرآن الكريم - بِالْإِخْبَارِ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَأَطْوَلَ أَعْمَارًا، وَأَحْمَدَ آثَارًا، فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فِي حَيَاةِ دُنْيَاهُمْ، فَأَذَاقَهُمْ عِنْدَ نُزُولِ قَضَائِهِ مَنَايَاهُمْ دُونَ آمَالِهِمْ وَنَزَلَتْ بِهِمْ عُقُوبَتُهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ؛ لِيَعْتَبِرُوا فِي آنِفِ الْأَوَانِ، وَيَتَفَهَّمُوا بِجَلِيَّةِ التِّبْيَانِ، وَيَنْتَبِهُوا قَبْلَ رَيْنِ الْغَفْلَةِ وَيَعْمَلُوا قَبْلَ انْقِطَاعِ الْمُدَّةِ، حِينَ لَا يُعْتَبُ مُذْنِبٌ، وَلَا تُؤْخَذُ فِدْيَةٌ وَ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) الآية.

قال الله عز وجل: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين (33)

فكل ما أنزل في كتابه - جل ثناؤه - رحمة وحجة، علمه من علمه. وجَهِلَه من جهله، لا يعلم من جَهِلهُ، ولا يَجهَل من علمه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) الأم: كتاب الجزية: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ثم ذكر - سبحانه - من خاصته صفوته فقال جل وعز: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) فخص آدم ونوحاً، بإعادة ذكر اصطفائهما. أحكام القرآن: فصل فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكر صفوته من خلقه، فأعلم أنهم أنبياؤه، ثم ذكر صفوته من آلهِم، فذكر أنهم أولياء أنبيائه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) . وكان حديث أبي مسعود رضي الله عنه أن ذكر الصلاة على محمد وآل محمد - يشبه عندنا لمعنى الكتاب - واللَّه أعلم -.

قال الله عز وجل: (وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين (39)

وقال الشَّافِعِي رحمه الله: دلَّ ذلك على أن الذين أعطاهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الخُمسَ هم: آل محمد الذين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليهم معه، والذين اصطفاهم من خلقه، بعد نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فإنه يقول: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) . فأعلم: أنه اصطفى الأنبياء صلوات اللَّه عليهم، وآلِهم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) الأم: ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكر - اللَّه - عبداً كرمه، فقال: (وَسَيِّدًا وَحَصُورًا) الآية، والحصور: الذي لا يأتي النساء، ولم يندبه إلى النكاحْ، فدلَّ ذلك - واللَّه أعلم - على أن المندوب إليه من يحتاج إليه، ممن يكون مُحصناً له عن المحارم والمعاني التي في النكاح.

قال الله عز وجل: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (44)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) الأم: قَسْمُ النساء إذا حضر السفر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفراً، أقْرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها. وبهذا أقول: إذا حضر سفر المرء، وله نسوة فأراد إخراج واحدة للتخفيف من مؤنة الجميع، والاستغناء بها، فحقهن في الخروج معه سواء، فيقرع بينهن، فأيتهن خرج سهمها للخروج، خرج بها، فإذا حضر قَسَمَ بينها وبينهن، ولم يحسب عليها الأيام التي غاب بها. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد ذكر الله جل وعز القرعة في كتابه في موضعين، فكان ذكرها موافقاً ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - 1 - قال الله تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) 2 - وقال: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية.

فأما مريم - عليها السلام - فلا يعدو الملقون لأقلامهم يقترعون عليها. أن يكونوا سواء في كفالتها؛ لأنه إنما يقارع من يدلي بحق فيما يفارع، ولا يعدون إذا كان أرفق بها، وأبهل في أمرها، أن تكون عند واحد لا يتداولها كلهم مدةَ مدة، أو يكونوا يقسموا كفالتها، فهذا أشبه معناها عندنا - واللَّه أعلم -. فاقترعوا أيهم يتولى كفالتها دون صاحبه، أو تكون يدافعوها لئلا يلزم مؤنة كفالتها واحداً دون أصحابه، وأيهما كان فقد اقترعوا لينفرد بكفالتها أحدهم، ويخلو منها من بقي. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما كان المعروف لنساء الرافق بالنساء، أن يخرج بواحدة منهن، فهنَّ في مثل هذا المعنى، ذوات الحق كلهنَّ، فإذا خرج سهم واحدة كان السفر لها دونهن، وكان هذا في معنى القرعة في مريم، وقرعة يونس حين استوت الحقوق، أقرع لتنفرد واحدة دون الجميع. الأم (أيضاً) : كتاب القرعة: أخبرنا الربيع بن سلبمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: قال اللَّه تعالى: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأصل القرعة في كتاب اللَّه - عز وجل - في قصة المقترعين على مريم - عليها السلام - والمقارعي بونس عليه السلام مجتمعة، فلا تكون القرعة - واللَّه أعلم - إلا بين قوم مستوين في الحجة.

ولا يعدو - واللَّه تعالى أعلم - المقترعون على مريم أن يكونوا: كانوا سواء في كفالتها فتنافسوها، فلما كان أن تكون عند واحد منهم أرفق بها؛ لأنها لو صُيِّرت عند كل واحد منهم يوماً أو أكثر، وعند غيره مثل ذلك، كان أشبه أن يكون أضَر بها من قِبَل أن الكافل إذا كان واحداً كان أعطف له عليها، وأعلم بما فيه مصلحتها، للعلم بأخلاقها، وما تقبل، وما ترد، وما يحسن به اغتذاؤها، فكل من اعتنف كفالتها، كفلها غير خابر بما يصلحها، ولعله لا يقع على صلاحها حتى تصير إلى غيره، فيعتنف من كفالتها ما اعتنف غيره. وله وجه آخر يصح، وذلك أن ولاية واحد إذا كانت صبية، غير ممتنعة مما يمتنع منه من عَقَل، يستر ما ينبغي ستره، كان أكرم لها، وأستر عليها، أن يكفلها واحد دون جماعة. وقال: يجوز أن تكون عند كافل، ويغرم من بقي مؤنتها بالحصص، كما تكون الصبية عند خالتها وعند أمها، ومؤنتها على من عليه مؤنتها. ولا يعدو الذين اقترعوا على كفالة مريم، أن يكونوا تشاحوا على كفالتها. وهو أشبه - واللَّه تعالى أعلم - أو يكونوا تدافعوا كفالتها، فاقترعوا أيهم تلزمه، فإذا رضي من شح على كفالتها أن يموِّنها، لم يكلف غيره أن يعطيه من مؤنتها شيئاً، برضاه بالتطوع بإخراج ذلك من ماله. وأي المعنيين كان، فالقرعة تلزم أحدهم ما يدفع عن نفسه، وتخلص له ما يرغب فيه لنفسه، وتقطع ذلك عن غيره، ممن هو في مثل حاله.

وهذا معنى القرعة في الذين اقترعوا على كفالة مريم، غُزم، وسقوط غُرم. وقرعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل موضع أقرع فيه، في مثل معنى الذين اقترعوا على كفالة مريم سواء، لا يخالفه. وذلك أنه أقرع بين مماليك اعتقوا معاً. . . كما يجمع القَسم بين أهل المواريث ولا يبعّض عليهم، وكذلك كان إقراعه لنسائه، أن يقسِم لكل واحدة منهن في الحضر، فلما كان في السفر، كان منزلة يضيق فيها الخروج بكلهنَ، فأقرع بينهن، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها معه، وسقط حق غيرها في غيبته بها، فإذا حضر، عاد للقَسم لغيرها، ولم يحسب عليها أيام سفرها. وكذلك قَسَّمَ خيبر، فكان أربعة أخماسها لمن حضر، ثم أقرع، فأيهم خرج سهمه على جزء مجتمع كان له بكماله، وانقطع منه حق غيره، وانقطع حقه عن غيره. الزاهر باب (فتح السواد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبي هوازن وأموالهم، جاءت هوازن وكلموه، وسألوه أن يمنُّ عليهم، وقالوا: إنا كنا مَلَحنَا من نأى نسبه عنا لنظر لنا وأنت أحق المكفولين، فخيرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بين السبي والمال. فقالوا: أخيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، فنختار أحسابنا، وقوله: أنت أحق المكفولين: أي أحق من كُفِلَ في صغره، وأرضع ورُبّي حتى نشأ، قال اللَّه تعالى: (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية، أي: يقوم بأمرها.

قال الله عز وجل: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله

قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) الأم: باب ذبائح بني إسرائيل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأنزل - عز وجل - في أهل الكتاب من المشركين: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) إلى قوله: (مُسْلِمُونَ) الآية، وأمرنا بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يدِ وهم صاغرون، إن لم يسلموا، وأنزل فيهم: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) . فقيل - واللَّه أعلم -: أوزارهم وما منعوا بما أحدثوا قبل ما شرع من دين محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلم يبق خلق يعقل منذ بعث اللَّه محمداً - صلى الله عليه وسلم -، كتابي، ولا وثني. ولا حي ذو روح، من جن ولا أنس بلغته دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا قامت عليه حجة الله - عزَّ وجلَّ باتباع دينه، وكان مؤمناً باتباعه، وكافراً بترك اتباعه، ولزم كل امرئ منهم آمن به، أو كفر، تحريم ما حرّم اللَّه - عز وجل - على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، كان مباحاً قبله

قال الله عز وجل: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذ

في شيء من المِلل. (أو غير مباح) ، وإحلال ما أحَل على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - كان حراماً في شيء من الملل، أو غير حرام. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) الأم: باب اليمين مع الشاهد: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: من ادعى مالاً، فأقام عليه شاهداً، أو ادعي عليه مال، فكانت عليه يمين، ئظِرَ في قيمة المال، فإن كان عشرين ديناراً فصاعداً، وكان الحكم بمكة: أحْلِف بين المقام والبيت على ما يَدّعى، ويُدعى عليه، وإن كان بالمدينة حُلف على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) . ومن كان ببلد غير مكة والمدينة، أخلِفَ على عشرين ديناراً، أو على العظيم من الدم والجراح، بعد العصر في مسجد ذلك البلد ويتلى عليه: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا عبد اللَّه بن المؤمِّل، عن ابن أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس رضي اللَّه عنهما من الطائف في جاريتين، ضربت إحداهما

الأخرى، ولا شاهد عليهما، فكتب إليَّ أن أحبسهما بعد العصر، ثم اقراً عليهما: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا) الآية، ففعلتُ. فاعترفت. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا مطرف بن مازن (قاضي اليمن) ، بإسناد لا أعرفه، أن ابن الزبير أمر بأن يُحلف على المصحف. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ورأيت مطرفاً بصنعاء يُحلف على المصحف. وقال: يحلف الذميون في بيعتهم، وحيث يعظمون، وعلى التوراة والإنجيل. وما عظموا من كتبهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والمسلمون البالغون، رجالهم ونسائهم ومماليكهم وأحرارهم سواء في الأَيمان يحلفون كما وصفنا، والمشركون من أهل الذمة والمستأمنون في الأيمان كما وصفنا. السنن المأثورة: ما جاء في اليمين: حدثنا المزني قال: حدثنا الشَّافِعِي رحمه اللَّه، عن سفيان بن عيينه قال: حدثنا جامع، وعبد الملك سمعا - أبا وائل يخبر، عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لَقِيَ الله وهو عليه غضبان" الحديث. ثم قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من كتاب الله - عز وجل -: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا) الآية.

قال الله عز وجل: (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) الأم: الحكم بين أهل الجزية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو أوصى - الذمي - أن يكتب بثلثه الإنجيل والتوراة لِدَرْسٍ لم تجز الوصية؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ قد ذكر تبديلهم منها، فقال: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) . وقال: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ) قرأ الربيع الآية. ولو أوصى (الذمي) أن يكتب به - أي بثلثه - كتُبَ طبٍّ فتكون صدقة. جازت له الوصية، ولو أوصى أن تكتب له كتب سحر لم يجز. الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعث - اللَّه نبيه - والناس صنفان: أحدهما: أهل الكتاب: بدلوا من أحكامه، وكفروا بالله، فافتعلوا كذباً صاغوه بألسنتهم، فخلطوه بحق اللَّه الذي أنزل إليهم، فذكر تبارك وتعالى لنبيه من كفرهم. (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) ا.

قال الله عز وجل: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85)

ثانيهما: وصنف كفروا بالله: فابتدعوا ما لم يأذن به الله، ونصبوا بأيديهم حجارة وخشباً وصوراً استحسنوها، ونبذوا أسماء افتعلوها، ودعوها آلهة عبدوها، فإذا استحسنوا غير ماعبدوا منها، ألقوا ونصبوا بأيديهم غيره فعبدوه، فأولئك العرب. وسلكت طائفة من العجم سبيلهم في هذا، وفي عبادة ما استحسنوا من حوت ودابة ونجم ونار وغيره. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) الأم: المرتد عن الإسلام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن انتقل عن الشرك إلى إيمان، ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك من بالغي الرجال والنساء استتيب، فإنه تاب قُبِلَ منه، وإن لم يتب قُتِل. قال اللَّه تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) الآية. وقال اللَّه - عز وجل -: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) . الأم (أيضاً) : كتاب الحج: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينه، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة قال: لما نزلت: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) الآية. "قالت اليهود: فنحن مسلمون، فقال اللَّه تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فحجهم، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -

قال الله عز وجل: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم (92)

"حجُّوا" فقالوا: لم يكتب علينا، وأبوا أن يحجوا، قال اللَّه جل ثناءه: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) . قال عكرمة: من كفر من أهل الملل، فإن الله غني عن العالمين، وما أشبه ما قال عكرمة بما قال - واللَّه أعلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) مختصر المزني: باب عطية الرجل لولده: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد حمد اللَّه جل ثناؤه على إعطاء المال والطعام في وجوه الخير، وأمر بهما، وذكر عدة آيات في الإنفاق منها، قال تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) الأم: باب ذبائح بني إسرائيل: أخبرنا الربيع قال:

قال الله عز وجل: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين (97)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ الآية. وقال عز ذكره: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي: يعني - والله تعالى أعلم - طيبات كانت أحِلت لهم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) الأم: كتاب (الحج) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والآية التي فيها بيان فرض الحج، على من فُرضِ عليه، قال اللَّه جل ذكره: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينه، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة قال: لما نزلت: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) الآية، قالت اليهود: فنحن مسلمون، فقال اللَّه تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فحجهم، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: حجوا" فقالوا: لم يكتب علينا، وأبوا أن يحجوا، قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) الآية.

قال عكرمة: من كفر من أهل الملل، فإن اللَّه غني عن العالمين، وما أشبه ما قال عكرمة بما قال - واللَّه أعلم -، لأن هذا كفر بفرض الحج، وقد أنزله الله. والكفر بآية من كتاب الله كفر. أخبرنا مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، عن ابن جريج قال: قال مجاهد في قول اللَّه - عز وجل -: (وَمَنْ كَفَرَ) ، قال هو: ما إن حج لم يره بزاً، وإن جلس لم يره إثماً. كان سعيد بن سالم يذهب إلى أنه كفر بفرض الحج. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن كفر بآية من كتاب الله كان كافراً، وهذا إن شاء الله كما قال مجاهد رحمه اللَّه، وما قال عكرمة فيه أوضح، وإن كان هذا واضحاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فعئم فرض الحج كل بالغ مستطيع إليه سبيلاً. الأم (أيضا) : باب (تفرى حع الصبي والمملوك) : بعد أن ذكر قول عطاء، وفسئر معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما في حج المبي قبل بلوغه، أو المملوك قبل عتقة، هل يلزمه حجة الإسلام بعد البلوغ، أو بعد العتق؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذلك أنه - أي: ابن عباس رضي الله عنهما - وغيره من أهل الإسلام، لا يرون فرض الحج على أحد إلا مرة واحدة؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) الآية، فذكره مرة، ولم يردد ذكره مرة أخرى. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مسلم، وسعيد، عن ابن جريج أنه قال لعطاء: أرأيت إن حج العبد تطوعاً يأذن له سيده بحج، لا أجر نفسه، ولا حج به أهله يخدمهم؟ قال: سمعنا أنه إذا عُتِق حج لابدَّ.

أخبرنا مسلم، وسعيد، عن ابن جريج، عن ابن طاووس، أن أباه كان يقول: تقضى حجة الصغير عنه حتى يعقل، فإذا عقل وجبت عليه حجة لابد منها، والعبد كذلك أيضاً، قالا: أي مسلم وسعيد - وأخبرنا ابن جريج، أن قولهم هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا عقل الصي: إذا احتلم - والله أعلم -. الأم (أيضاً) : باب (الاستطاعة بنفسه وغيره) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخثعمية بالحج عن أبيها. دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قول الله: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) الآية، على معنيين: أحدهما: أن يستطيعه بنفسه وماله. والآخر: أن يعجز عنه بنفسه بعارض: (كبر، أو سقم، أو فطرة خِلقةِ، لا يقدر معها على الثبوت على المركب) ، ويكون من يطيعه إذا أمره بالحج عنه، إما بشيء يعطيه إياه وهو واجد له، واما بغير شيء فيجب عليه أن يعطى إذا وجد، أو يأمر إن أطيع، وهذه إحدى الاستطاعتين. وجماع الطاعة التي توجب الحج وتفريعها اثنان: أحدهما: أن يأمر فيُطَاع بلا مال.

والآخر: أن يجد مالاً يستأجر به من يطيعه، فتكون إحدى الطاعتين. ولو تحامل فحج أجزأت عنه، ورجوت أن يكون أعظم أجراً ممن يخفُّ ذلك عليه، ولما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة - الخثعيمة - أن تحج عن أبيها إذ أسلم، وهو لا يستمسك على الراحلة، فدل ذلك على أن عليه الفرض إذا كان مستطيعاً بغيره، إذا كان في هذه الحال. والميت أولى أن يجوز الحج عنه؛ لأنه في أكثر من معنى هذا الذي لو تكلف الحج بحال أجزأه، والميت لا يكون فيه تكلْف أبداً. الأم (أيضاً) : باب (هل تجب العمرة وجوب الحج؟) : بعد أن ذكر قول بعض المشرقيين: العمرة تطوع؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) الآية. ولم يذكر في الموضع الذي بين فيه إيجاب الحج، إيجاب العمرة، وألا لم نعلم أحداً من المسلمين أمر بقضاء العمرة عن ميت. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له: قد يحتمل قول اللَّه - عز وجل -: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الآية. أن يكون فرضها معاً، وفَرْضُه إذا كان في موضع واحد يثبت ثبوته في مواضع كثيرة، - وضرب أمثلة من القرآن على ذلك -. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال بعض أصحابنا: العمرة سُنة لا نعلم أحداً أرخص في تركلها، وهذا القول يحتمل إيجابها، إن كان يريد أن الآية تحتمل

إيجابها، وأن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ذهت إلى إيجابها، ولم يخالفه غيره من الأئمة، ويحتمل تأكيدها، لا إيجابها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي هو أشبه بظاهر القرآن، وأولى بأهل العلم عندي - وأسال اللَّه التوفيق - أن تكون العمرة واجبة، فإن اللَّه - عز وجل - قرنها مع الحج فقال: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر قبل أن يحج، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنَّ إحرامها والخروج منها، بطواف وحِلاَق وميقات، وفي الحج زيادة عمل على العمرة، فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر، ومع ذلك قول ابن عباس رضى اللَّه عنهما وغيره. أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: والذي نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب اللَّه: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الآية أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء أنه قال: "ليس من خلق الله تعالى أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان" وقال الشَّافِعِي رحمه الله: قد قال غيره من مكيينا، وهو قول الأكثر منهم. الأم (أيضاً) : باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) . الآية، فكان ذلك دلالة كتاب اللَّه - عز وجل - فينا وفي الأمم، على أن الناس مندوبون إلى إتيان البيت بإحرام.

الأم (أيضاً) ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) الآية، فذكر الحج والعمرة معاً في الأمر، وأفرد الحج في الفرض. فلم يقل أكثر أهل العلم العمرة على الحتم، وإن كُنا نحبُّ ألا يدعها مسلم. وأشباه هذا في كتاب اللَّه - عز وجل - كثير. الرسالة: جمل الفرائض: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) الآية، أحكم اللَّه فرضه في كتابه في الصلاة والزكاة والحج، وبين كيف فَرَضَه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -. الرسالة (أيضاً) : في الحج: وفرض اللَّه الحج على من يجد السبيل - قال اللَّه تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) الآية -، فذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن السبيل: الزاد والمركب، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بموافيت الحج، وكيف التلبية فيه؛ وما

سَنَّ؟ وما يتقي المحرم من لبس الثياب والطيب، وأعمال الحج سواها؛ من عرفة والمزدلفة والرمي والحِلاَق والطواف، وما سوى ذلك. فلو أن امرا لم يعلم لرسول الله سنة مع كتاب الله إلا ما وصفنا مما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه معنى ما أنزله الله جملة، وأنه إنما استدرك ما وصفت من فرض الله الأعمال، وما يحرّم وما يحل، ويُدخل به فيه ويُخرج منه، ومواقيته. وما سُكِت عنه سوى ذلك من أعماله - قامت الحجة عليه بأن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قامت هذا المقام مع فرض الله في كتابه مرة أو أكثر: قامت كذلك أبداً. واستُدِل أنه لا تخالف له سنة أبدا كتاب الله وأن سنته وإن لم يكن فيها نص كتاب-: لازمة بما وصفت من هذا مع ما ذكرت سواه مما فرض الله من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. ووجب عليه أن يعلم أن الله لم يجعل هذا لخلق غير رسوله صلى الله عليه وسلم. وأن يجعل قول كل أحد وفعله أبدا: تبعا لكتاب الله ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يعلم أن عالما إن روي عنه قول يخالف فيه شيئا سن فيه رسول الله سنة -: لو علم سنة رسول الله لم يخالفها وانتقل عن وقوله إلى سنة النبي إن شاء الله وإن لم يفعل كان غير موسع له. فكيف والحجج في مثل هذا لله قائمة على خلقه بما افترض من طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأبان من موضعه الذي وضعه به من وحيه ودينه وأهل دينه (1) . اختلاف الحديث: خطبة الكتاب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الق تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) الآية، قد، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مواقيت الحج وما يدخل به فيه، وما يخرج به منه، وما يُعمل فيه بين الدخول والخروج.

_ (1) يستحسن ذكر تعليق المحقق أحمد محمد شاكر في الهامش على الفقرات بقوله: هذه الفقرات العالية الرائعة (536 - 541) في نصرة السنة، وتعليم العلماء وجوب اتباعها، مما يكتب بذوب التبر، لا بماء الحبر رحم الله الشَّافِعِي ورضي عنه.

قال الله عز وجل: (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها

اختلاف الحديث (أيضاً) : باب (خروج النساء إلى المساجد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا يجوز له (أي: للزوج) أن كلنعها (أي: امرأته) مسجد الله الحرام لفريضة الحج، وله أن كلنعها منه تطوعاً، ومن المساجد غيره. قال (أي: المحاور) : فما دلَّ على ما قلتَ؟ قلتُ: قال الله: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) الآية، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "السبيل: الزاد والمركب". فإذا كانت المرأة ممن يجد مركباً وزاداً، وتطيق السفر للحج، فهي ممن عليه فرض الحج، ولا يحلُّ أن يمنع فريضة الحج، كما لا تمنع فريضة الصلاة والصيام وغيرهما من الفرائض،. . . وإذا وجدت نسوة ثقات حجت معهن، وأجبرتُ وليها على تركها، والحج مع نسوة ثقات، إذا كانت طريقها آمنة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال سبحانه في جماعتهم - أي: الكفار. ومن كان على شاكلتهم - يذكرهم من نعمه، ويخبرهم ضلالتهم عامة، وَمَنهُ على من آمن منهم: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) الآية.

قال الله عز وجل: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (105)

قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فكانوا قبل إنقاذه إياهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، أهل كفر في تفرقهم واجتماعهم، يجمعهم أعظم الأمور، الكفر بالله، وابتداع ما لم يأذن به اللَّه، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، لا إله غيره، وسبحانه وبحمده، رب كل شيء وخالقه. من حيَّ منهم فكما وصف حاله حياً: عاملاً قائلا بسخط ربه، مزداداً من معصيته، ومن مات فكما وصف قوله عمله: صار إلى عذابه. فلما بلغ الكتاب أجله، فحق قضاءُ الله بإظهار دينه الذي اصطفى، بعد استعلاء معصيته التي لم يرضَ - فتح أبواب سماواته برحمته، كما لم يزل يجري - في سابق علمه عند نزول قضائه في القرون الخالية - قضاؤه، فإنه تبارك وتعالى يقول: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) الأم: باب (حكاية قول من رد خبر الخاصة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قلت: الاختلاف وجهان: 1 - فما كان لله فيه نص حكم، أو لرسوله سنة، أو للمسلمين فيه إجماع، لم يسع أحداً علم من هذا واحداً أن يخالفه.

2 - وما لم يكن فيه من هذا واحد، كان لأهل العلم الاجتهاد فيه بطلب الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة، فإذا اجتهد من له أن يجتهد، وسِعهُ أن يقول بما وجد الدلالة عليه، بأن يكون في معنى كتاب، أو سنة، أو إجماع، فإن ورد أمر مشتبه يحتمل حكمين مختلفين، فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره، وَسِعَه أن يقول بشيء، وغيره بخلافه، وهذا قليل إذا نظر فيه. قال (أي: المحاور) فما حجتك فيما قلت؟ قلتُ له: الاستدلال بالكتاب، والسنة، والإجماع. قال: فاذكر - الفرق بين حكم الاختلاف. من الكتاب: قلت له: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) الآية، فإنما رأيت اللَّه ذم الاختلاف في الموضع الذي أقام عليهم الحجة، ولم يأذن لهم فيه. قال (أي: المحاور) : فأين السنة التي دلت على سعة الاختلاف؟ قلت: أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد، عن محمد ابن إبراهيم، عن بسر بن سعيد، عن أبي قيس مولى عمرو بن العا ع، عن عمرو بن العاص لؤحه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد، فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر" الحديث. أما الإجماع: قلت: ما وصفنا من أن الحكام والمفتين إلى اليوم، قد اختلفوا في بعض ما حكموا فيه وأفتوا، وهم لا يحكمون ويفتون إلا بما يسعهم

عندهم، وهذا عندك - الخطاب للمحاور - إجماع، فكيف يكون إجماعاً إذا كان موجوداً في أفعالهم الاختلاف؟ - واللَّه أعلم - الرسالة: باب (الاختلاف) : قال - المحاور للشافعي -: فإني أجد أهل العلم قديماً وحديثاً مختلفين في بعض أمورهم، فهل يسعهم ذلك؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له: الاختلاف من وجهين: أحدهما محرّم. ولا أقول ذلك في الآخر. قال: فما الاختلاف المحرَّمُ؟ قلتُ: كل ما أقام اللَّه به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - منصوصاً بيناً، لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه، وما كان من ذلك يحتمل التأويل وُيدرك قياساً، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإن خالفه فيه غيره، لم أقل إنه يُضيَّق عليه ضِيقَ الخلاف في المنصوص. قال: فهل في هذا حجة تبين فرقك بين الاختلافين؟ قلت: قال اللَّه في ذم التفرق: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) . وقال جل ثناؤه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) الآية، فذم الاختلاف فيما جاءتهم به البينات، فأما ما كُلفوا فيه الاجتهاد فقد مثلته لك بالقبلة والشهادة وغيرها. قال: فمثل لي بعض ما افترق عليه من رُوي قوله من السلف، مما لله فيه نصُّ حكم يحتمل التأويل، فهل يوجد على الصواب فيه دلالة؟ قلت: قل ما اختلفوا فيه إلا وَجَدنا فيه عندنا دلالة من كتاب اللَّه، أو سنة رسوله، أو قياساً عليهما، أو على واحد منهما.

قال الله - عز وجل -: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)

قال الله - عزَّ وجلَّ -: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) الأم: كتاب (الجزية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال لأمته: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) الآية. ففضيلتهم بكينونتهم من أمته دون أمم الأنبياء قبله. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد أن ذكر مجموعة من الآيات في إرسال الرسل - وقال سبحانه -: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) الآية.

قال الله عز وجل: (وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور (154)

فأقام جل ثناؤه - حجته على خلقه في أنبيائه، في الأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم، وكانت الحجة بها ثابتة على من شاهد أمور الأنبياء، ودلائلهم التي باينوا بها غيرهم، ومن بعدهم - وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء - تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر. أحكام القرآن: فصل في تثبيت خبر الواحد من الكتاب: واحتج الشَّافِعِي بالآيات التي وردت في القرآن، في فرض اللَّه طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن بعده إلى يوم القيامة واحداً واحداً، في أنَّ على كل واحد طاعته، ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له يعلم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشرَّف وكرَّم، إلا بالخبر عنه - وبسط الكلام فيه -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) الرسالة: باب (كيف البيان؟) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومنه - أي من البيان - ما فرض اللَّه على خلقه الاجتهاد في طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد، كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم، قال سبحانه: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) الآية.

قال الله عز وجل: (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (159)

قال الله عزَّ وجلَّ: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) الأم: ما جاء في نكاح الأباء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ولم يجعل اللَّه لهم معه - صلى الله عليه وسلم - أمراً، إنما فرض عليهم طاعته، ولكن في المشاورة استطابة أنفسهم، وأن يستنّ بها من ليس له على الناس ما لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. والاستدلال بأن يأتي من بعض المشاوَرِين بالخير قد غاب عن المستشير، وما أشبه هذا. الأم (أيضاً) : باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يُشركِ الأبَ أحد في الولاية، بانفراده بالولاية بما وجب له من اسم الأبوة مطلقاً، له دون غيره. كما أوجب للأم الوالدة اسم الأم مطلقاً، لها دون غيرها. فإن قال قائل: فإنما يؤمر بالاستئمار من له أمر في نفسه، يرد عنه إن خُولف أمره، وسأل الدلالة على ما قلنا من أنه: قد يؤمر بالاستئمار من لا يحلُّ، محلَّ أن يَرِد عنه خلاف ما أمر به، فالدلالة عليه أن الله - عزَّ وجلَّ يقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) الآية، فإنما افترض عليهم طاعته، فيما أحبّوا وكرهوا، وإنما أُمِر بمشاورتهم - واللَّه أعلم - لجمع الألفة،

وأن يستن بالاستشارة بعده من ليس له من الأمر ما له، وعلى أن أعظم لرغبتهم وسرورهم أن يشاوروا، لا على أن لأحدٍ من الآدميين مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يرده عنه؛ إذا عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأمر به، والنهي عنه. الأم (أيضاً) : الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قوله - عز وجل -: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) الآية، على معنى استطابة أنفس المستشارين، أو المستشار منهم، والرضا بالصلح على ذلك ووضع الحرب بذلك السبب، لا أن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجة إلى مشورة أحد، والله - عز وجل - يؤيده بنصره، بل لله ولرسوله المنُّ والطول على جميع الخلق، وبجميع الخلق الحاجة إلى اللَّه - عز وجل -. الأم (أيضاً) : باب (المشاووة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) الآية. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري قال: قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: مارأيت أحداً كثر مشاورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال اللَّه - عز وجل -: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الحسن رضي اللَّه عنه: إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لغنياً عن مشاورتهم، ولكنه: سبحانه وتعالى - أراد أن يستن بذلك الحكام بعده، إذا

نزل بالحاكم الأمر يحتمل وجوهاً، أو مشكل انبغى له أن يشاور، ولا ينبغي له أن يشاور جاهلاً؛ لأنه لا معنى لمشاورته، ولا عالماً غير أمين، فإنه ربما أضل من يشاوره، ولكنه يشاور من جَمَعَ العلم والأمانة، وفي المشاورة رضا الخصم، والحجة عليه. الأم (أيضاً) : باب (النكاح) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: إنكاح الأب خاصة جائز على البكر (بالغة، وغير بالغة) ، والدلالة على ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها" الحديث. ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما فجعل الأيم أحق بنفسها، وأمر في هذه بالمؤامرة، والمؤامرة قد تكون على استطابة النفس؛ لأنه رُوي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وأمروا النساء في بناتهن) الحديث. ولقول اللَّه - عز وجل -: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) الآية. ولو كان الأمر فيهن واحداً لقال: الأيم والبكر أحق بنفسيهما. مختصر المزني: كتاب (أدب القاضي) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: - وعلى القاضي أن - يشاور، قال اللَّه - عز وجل (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ،

قال الله عز وجل: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة

قال الحسن - رضي الله عنه -: إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مشاورتهم لغنياً، ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده، ولا يشاور إذ نزل به المشكل إلا عالماً، بالكتاب والسنة، والآثار، وأقاويل الناس، والقياس، وإن العرب، ولا يقبل وإن كان أعلم منه حتى يعلم كعلمه أن ذلك لازم له، من حيث لم تختلف الرواية فيه، أو بدلالة عليه، أو أنه لا يحتمل وجهاً أظهر منه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) الرسالة: باب (ما نزل عاماً دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال المئه تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) الآية. وذكر غيرها من الآيات التي وردت في معناها ثم قال: فذكر الله الكتاب: وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا ما يشبه ما قال - والله أعلم -؛ لأن القرآن ذُكِرَ وأتبِعَثهُ الحكمة. ودكَرَ الله مَنَّهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز - والله أعلم - أن يقال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لما وصفنا، من أن الله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به. وسنة رسوله مبينة عن الله معنى ما أراد، دليلاً على خاصهِ وعامهِ. ثم قرن الحكمة بها بكتابه فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خَلقه غير رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

قال الله عز وجل: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173)

أحكام القرآن: فصل في فرض الله - عزَّ وجلَّ في كتابه واتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -: قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن نقل ما ورد في الرسالة الفقرة السابقة حرفياً - قال البيهقي رحمه اللَّه: وأن الله افترض طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحتم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول: فرض، إلا لكتاب اللَّه، ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبينة عن اللَّه ما أراد دليلاً على خاصِّهِ وعامِّهِ. . . - ثم تابع بقية فقرة الرسالة -. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) : . . . أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكّري (ببغداد) . أنبأنا أبو بكر الشَّافِعِي، حدثنا جعفر بن محمد بن الأزهر، حدثنا الغلابي، حدثنا يحيى بن معين، عن هشام بن يوسف، عن عبد اللَّه بن سليمان النوفلي، عن الزهري، عن عُروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) الآية. قالت - أي عائشة رضي اللَّه عنها -: هذه للعرب خاصة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) الأم: سنَّ تفريق القَسْم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قول اللَّه - عز وجل -: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ) الآية، فنحن وأنت تعلم، أن لم يقل ذلك إلا بعض الناس، والذين قالوه أربعة نفر، وأنْ لم يجمع لهم الناس كلهم، إنما جمعت لهم عصابة انصرفت عنهم من أُحُدٍ.

الرسالة: باب (ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تبارك وتعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) . فإذ كان من مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناساً غيرَ من جمع لهم من الناس، وكان المخبرون لهم ناساً غير من جُمع لهم، وغير من معه ممن جمع عليه معه، وكان الجامعون لهم ناساً فالدلالة بينه مما وصفت، من أنه إنما جمع لهم بعض الناس دون بعض. والعلم يحيط أن لم يجمع لهم الناس كلهم، ولم يخبرهم الناس كلهم، ولم يكونوا هم الناسَ كلهم. ولكنه لما كان اسم (الناس) يقع على ثلاثة نفر وعلى جميع الناس. وعلى من بين جميعهم وثلاثة منهم - كان صحيحاً في لسان العرب أن يقال: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ) ، وإنما الذين لْال لهم ذلك أربعة نفر، (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) يعنون المنصرفين عن أحُد. وإنما هم جماعة غير كثير من الناس، والجامعون منهم غير المجموع لهم. والمخبرون للمجموع لهم غير الطائفتين، والأكثر من الناس في بلدانهم غير الجامعين، ولا المجموع لهم، ولا المخبرين.

قال الله عز وجل: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض

مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قدوم الشَّافِعِي رضي الله عنه العراق أيام المأمون للتدريس والتعليم وانتفاع المسلمين بعلمه) : أخبرنا أبو عبد اللَّه (محمد بن عبد الله) قال: أخبرني محمد بن يوسف الدَقيقي قال: حدثنا علي بن الحسين بن عثمان الورَّاق، قال: حدثنا محمد بن علي العمري، قال: حدثنا أبو بكر بن الجُنيد، قال: سمعت أبا ثور (إبراهيم بن خالد) يقول: لولا أن اللَّه - عز وجل -، مَنَّ عليَّ بالشَّافِعِي للقيت اللَّه وأنا ضال. . . ثم يقول رحمه اللَّه: قلت - للشافعي - رحمك الله، وما الخاص الذي يريد - اللَّه - به العام؟ وما العام الذي يريد به الخاص؟ - وكنا لا نعرف الخاص من العام، ولا العام من الخاص - فقال ببيانه قوله جل وعلا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) الآية. إنما أراد به أبا سفيان. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) الأم: كتاب (الزكاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأبان اللَّه - عز وجل - أنه فرض عليهم أن يعبدوه مخلصين له الدين، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة.

وقال اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الآية. وقال عز ذكره: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الآية. فأبان اللَّه - عز وجل - في هاتين الآيتين، فرض الزكاة؛ لأنه إنما عاقب على منع ما أوجب، وأبان أن في الذهب والفضة: الزكاة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قول اللَّه - عز وجل -: (وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الآية. يعني - واللَّه تعالى أعلم - في سبيله الذي فرض من زكاة وغيرها. وأما دفن المال فضَربٌ من إحرازه، وإذا حل إحرازه بشيء، حل بالدفن وغيره، وقد جاءت السنة بما يدل على ذلك، ثم لا أعلم فيه مخالفاً، ثم الآثار. أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان قال: أخبرنا جامع بن أبي راشد. وعبد الملك بن أعين، سمعا أبا وائل يخبر، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله، إلا مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، يفرُّ منه، وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه " الحديث. ثم قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنه كان يقول: "من كان له

مال لم يود زكاته، مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبنان، يطلبه حتى يمكنه، يقول: أنا كنزك" الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: "كل مال يؤدى زكاته، فليس بكنز، وإن كان مدفوناً، وكل مال لا يؤدى زكاته فهو كنز، وإن لم يكن مدفوناً" الحديث. الأم (أيضاً) : باب (غلول الصدقة) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: فرض اللَّه - عز وجل - الصدقات، وكان حبسها حراماً، ثم أكد تحريم حبسها فقال عز وعلا: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية، ثم ذكر ما ورد في الفقرة سابقاً. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن دينار، قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما وهو يُسأل عن الكنز؟ فقال: (هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة) الحديث.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا كما قال ابن عمر - إن شاء اللَّه تعالى -. لأنهم إنما عُذِّبوا على منع الحق، فأما على دفن أموالهم وحبسها فذلك غير محرم عليهم، وكذلك إحرازها، والدفن ضرب من الإحراز، ولولا إباحة حبسها ما وجبت فيها الزكاة في حول، لأنها لا تجب حتى تحبس حولاً.

سورة النساء

سورة النساء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) الأم: الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال تعالى: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) وتلا الآيات التي وردتْ في القرآن الكريم في - لفظ - النكاح والنزويج. ثم قال: فسمَّى اللَّه - عز وجل - النكاح اسمين: النكاح والتزويج. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) الأم: جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أصل المأكول والمشروب إذا لم يكن لمالك من الآدميين، أو أحله مالك من الآدميين حلال، إلا ما حرّم اللَّه - عز وجل - في كتابه، أو على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -.

قال الله عز وجل: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تع

فإن قال قائل: فما الحجة في أن كل ما كان مباح الأصل، يحرم بمالكه حتى يأذن فيه مالكه؟ فالحجة فيه أن اللَّه - عز وجل - قال: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية. وقال تبارك وتعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) الآية. مع أي كثيرة في كتاب اللَّه - عز وجل -، حظَر فيها أموال الناس إلا بطيب أنفسهم، إلا بما فُرِضَ في كتاب اللَّه - عز وجل -، ثم سنَّه نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وجاءت به حجة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) الأم: نكاح العدد ونكاح العبيد: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) إلى قوله: (أَلَّا تَعُولُوا) الآية، فكان بيناً في الآية - واللَّه تعالى أعلم - أن المخاطبين بها الأحرار، لقوله تعالى: (فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية؛ لأنَّه لا يملك إلا الأحرار. وقوله (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) الآية، فإنما يعول من له المال؛ ولا مال للعبيد.

الأم (أيضاً) : الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) الآية. أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من ثقيف أسلَم، وعنده عشر نسوة: "أمسك أربعاً وفارق سائرهن" الحديث. أخبرني الثقة ابن عُلَيةَ أو غيره، عن معمر، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمسك أربعاً، وفارق، أو دَع سائرهن" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على: أن انتهاء الله في العَدد بالنكاح إلى أربع، تحريم أن يجمع رجل بنكاح بين أكثر من أربع، ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن الخيار - فيما زاد على أربع - إلى الزوج فيختار إن شاء الأقدم نكاحاً، أو الأحدث، وأي الأختين شاء كان العقد واحداً، أو في عقود متفرقة، لأنَّه - سبحانه وتعالى - عفا لهم عن سالف العقد، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل غيلان عن أيهن نكح أولاً، ثم جعل له حين أسلم، وأسلمن، أن يمسك أربعاً، ولم يقل الأوائل، أوَلا ترى أن نوفل بن معاوية يخبر أنَّه: طلق أقدمهن صحبة، فدل ما وصفت على أنَّه يجوز كل عقد نكاح في الجاهلية، كان عندهم نكاحاً، إذا كان يجوز مبتدؤه في الإسلام بحال.

الأم (أيضاً) : باب (النفقة على النساء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) إلى: (أَلَّا تَعُولُوا) الآية، وقول الله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) يدل - والله أعلم - أن على الرجل نفقة امرأته. وقوله: (أَلَّا تَعُولُوا) : أن لا يكثر من تعولون، إذا اقتصر المرء على واحدة، وإن أباح - الله - له أكثر منها. وزاد البيهقي رحمه الله: أخبرنا أبو الحسن بن بشران العدل (ببغداد) . أخبرنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي (صاحب ثعلب) في كتاب (ياقوتة الصراط) في قوله - عز وجل -: (أَلَّا تَعُولُوا) أى: ألا تجوروا، وتعولوا: تكثر عيالكم. وروينا عن زيد بن أسلم - في هذه الآية - " ذلك أدنى ألا يكثر من تعولونه ". الأم (أيضاً) : ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء وما تحل به الفروج: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، فأطلق الله - عز وجل - ما ملكت الأيمان، فلم يجد فيهن حداً ينتهي

إليه، فللرجل أن يتسرى كم شاء، ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا، وانتهى ما أحل اللَّه بالنكاح إلى أربع، ودلَّت سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبينة عن اللَّه - عز وجل - على: أن انتهاءه إلى أربع تحريماً منه، لأن يجمع أحد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أكثر من أربع، لا أنَّه يحرم أن ينكح في عمره أكثر من أربع إذا كن متفرقات ما لم يجمع بين أكثر منهن ولأنه أباح الأربع، وحُرمَ الجمع بين أكثر منهن، فقال لغيلان بن سلمة، ونوفل بن معاوية، وغيرهما، وأسلموا وعندهم أكثر من أربع -: "أمسك أربعاً وفارق سائرهن" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما قال اللَّه - عز وجل -: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية. كان في هَذه الآية دليل - واللَّه أعلم - على أنَّه إنَّما خاطب بها الأحرار دون المماليك؛ لأنهم الناكحون بأنفسهم، لا المنكحهم غيرهم، والمالكون، لا الذين يملك عليهم غيرهم، وهذا ظاهر معنى الآية، وإن احتملت أن تكون على كل ناكح، وإن كان مملوكاً أو مالكاً، وهذا وإن كان مملوكاً فهو موضوع في نكاح العبد وتسرِّيه. الأم (أيضاً) : كتاب النكاح (ما يحرم الجمع بينه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأطلق الإماء فقال عزَّ ذكره: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، لم ينته بذلك إلى عدد. أخبرنا ابن عيينة، عن مطرف، عن أبي الجهم، عن أبي الأخضر، عن عمارة، أنَّه كره من الإماء ما كره من الحرائر إلا العدد.

قال الله عز وجل - (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (4)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا من قول العلماء - إن شاء اللَّه تعالى - في معنى القرآن، وبه نأخذ. وقال: والعدد ليس من النسب ولا الرضاع بسبيل. الأم (أيضاً) : الشرط في النكاح قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) الآية، فدل كتاب الله تعالى على: أن على الرجل أن يعول امرأته، ودلَّت عليه السنة، فإذا شرط عليها أن له أن ألا يُنفق عليها، أبطل ما جَعل لها، وأمر بعشرتها بالمعروف، ولم يبح له ضربها إلا بحال. فإذا شرط عليها أن له أن يعاشرها كيف شاء، وأن لا شيء عليه فيما نال منها. فقد شُرط له أن يأتي منها ما ليس له، فبهذا أبطلنا هذه الشروط، وما في معناها، وجعلنا لها مهرَ مثلها. الأم (أيضاً) وجوب نفقه المرأة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قول الله تبارك وتعالى في النساء: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) الآية، بيان أن على الزوج مالا غنى بأمرأته عنه، من نفقة، وكسوة، وسكنى - قال: وخدمة، في الحال التى لا تقدر على أن تنحرف لما لا صلاح لبدنها إلَّا به، من الزمانة، والمرض، فكل هذا لازم للزوج. * * * قال الله عز وجل - (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) الأم: الطعام والشراب قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) الآية، فبيَن الله - عزَّ وجلَّ في كتابه، أن مال المرأة ممنوع من زوجها - الواجب الحق عليها -

إلا بطيب نفسها وأباحه بطيب نفسها؛ لأنَّها مالكة لمالها، ممنوع بملكها، مباح بطيب نفسها كما قضى الله - عزَّ وجلَّ في كتابه، وهذا بين أن كل من كان مالكا فماله ممنوع به، محرّم إلا بطيب نفسه بإباحته، فيكون مباحاً بإباحة مالكه له، لا فرق بين المرأة والرجل، وبين أن سلطان المرأة على مالها، كسلطان الرجل على ماله، إذا بلغت المحيض وجمعت الرشد الأم (أيضاً) : بلغ الرشد (وهو الحجر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) الآية. فجعل الله إيتاءهن ما فرض لهن من فريضة على أزواجهن، يدفعونه إليهن، دفعهم إلى غيرهم من الرجال، ممن وجب له عليهم حق بوجه، وحل للرجال ممل ما طاب نساؤهم عنه نفساً، كما حل لهم ما طاب الأجنبيون من أموالهم عنه نفساً، وما طابوا هم لأزواجهم عنه نفساً، لم يفرق بين حكمهم، وحكم أزواجهم، والأجنبيين غيرهم، وغير أزواجهم فيما أوجبه من دفع حقوقهن. وأحل ما طبن عنه نفساً من أموالهن، وحرّم من أموالهن ما حرّم من أموال الأجنبيين. الأم (أيضاً) : كراء الأرض البيضاء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله جل وعلا: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) الآية، فلو أن أمرأً نكح امرأة، واستخزنها ماله، ولم يَحُل بينها وبين قبض صداقها، ولم يدفعه إليها، لم يبرأ منه، بأن يكون واجداً له، وغير حائل دونه، وأن تكون واجدة له، وغير مَحُولٍ بينها وبينه.

الأم (أيضاً) : كتاب (الصداق) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي المطلبي قال: قال اللَّه - عز وجل -: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) الآية، وذكر الشَّافِعِي الآيات المتعلقة بالصداق ثم قال: فأمر اللَّه الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن، والأجر هو: الصداق، والصداق هو: الأجر والمهر وهي كلمة عربية تسمى بعدة أسماء. فيحتمل هذا أن يكون مأموراً بصداق من فرضه، دون من لم يفرضه، دخل أو لم يدخل، لأنَّه حق ألزمه المرء نفسه، فلا يكون له حبس شيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله تعالى له، وهو أن يُطَلِّق قبل الدخول. .. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: والقصد في الصداق أحبُّ إلينا، وأستحبُّ ألا يزاد في المهر على ما أصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه وبناته، وذلك خمسمائة درهم. طلباً للبركة في موافقة كلّ أمر فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها كم كان صداق النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: "كان صداقه لأزواجه اثني عشرة أوقية ونشًّا، قالت: أتدري ما النَّشن؟ قلت: لا، قالت: "نصف أوقية" الحديث.

الأم (أيضاً) : ما لا يحل أن يؤخذ من المرأة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أذن الله تبارك وتعالى بتخليتها على ترك حقها إذا تركته طيبة النفس به، وأذن بأخذ مالها محبوسة ومفارقة بطيب نفسها، فقال: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) إلى قوله: (مَرِيئًا) الآية، وهذا إذن بحسها عليه إذا طابت بها نفسها كما وصفت. الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأمر في الكتاب، والسنَّة، وكلام الناس يحتمل معاني: أحدها: أن يكون اللَّه - عز وجل - حرّم شيئاً ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرم - ومن ذلك - قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) إلى: (مَرِيئًا) الآية، فليس حتماً على الزوج أن يأكل من صداق امرأته إذا طابت عنه به نفساً؛ لأن القصد إباحة ما حرم بدون طيب نفس. وثائيها: ويحتمل أن يكون دلَّهم على ما فيه رشدهم بالنكاح، لقوله - عز وجل -: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية. وثالِثها: ويحتمل أن يكون الأمر بالنكاح حتماً، وفي كلّ الحتم من الله الرشد، فيجتمع الحتم والرشد. وقال بعض أهل العلم: الأمر كله على الإباحة والدلالة على الرشد. حتى توجد الدلالة من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، على أنَّه إنما أريد بالأمر:

الحتم، فيكون فرضاً لا في تركه كقول اللَّه - عز وجل -: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية. الأم (أيضاً) : باب الدعوى في البيوع: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي النكاح الفاسد كانت الأمَة والحرَّة مستويتين، حيثما وجب لواحدة منهما مهر وجب للأخرى؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ قال: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) الآية، فلم تحل أمَة ولا حرَّة لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بصداق، فإذا كانتا مجتمعتين في النكاح الصحيح، والنكاح الفاسد، ثم جعلنا الخطأ في الحرَّة والاغتصاب بصداق، كما جعلناه في الصحيح، فكذلك الأمَة في كلَ واحد منهما، فمن فرَّق بينهما فقد فرَّق بين ما جمع اللَّه - عز وجل -، بينه وبين ما هو قياس على ما جمع اللَّه تبارك وتعالى بينه في المهر. الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في الصداق) : قال الربيع: سألت الشَّافِعِي عن أقلِّ ما يجوز من الصداق؟ فقال الشَّافِعِي رحمه الله: الصداق ثمن من الأثمان، فما تراضى به الأهلون في الصداق مما له قيمة فهو جائز، كما تراضى به التبايعان مما له قيمة جاز. الأم (أيضاً) : جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) إلى قوله: (هَنِيئًا مَرِيئًا) الآية.

قال الله عز وجل: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا (5)

مع آي كثيرة في كتاب اللَّه - عز وجل - حظر فيها أموال الناس: إلا بطيب أنفسهم، إلا بما فُرِض في كتاب اللَّه - عز وجل -، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وجاءت به حجة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرمه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - عز وجل -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) الآية. إنهم: النساء والصبيان، لا تملِّكهم ما أعطيتك من ذلك، وكن أنت الناظر لهم فيه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الأم: فيمن تجب عليه الصلاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية، ولم يذكر الرشد الذي يستوجبون به أن تدفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ النكاح.

الأم (أيضاً) : المرتد عن الإسلام: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فإن قال قائل: ما الفرق بينه وبين المحجور عليه في ماله، يعتق فيبطل عتقه، ويتصدق فتبطل صدقته، ولا يلزمه ذلك إذا خرج من الولاية؟ قال: الفرق بينهما أن اللَّه تبارك وتعالى يقول: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية، فكان قضاء الله - عز وجل - أن تحبس عنهم أموالهم حتى يبلغوا، ويؤنس منهم الرشد، فكانت في ذلك دلالة على أن لا أمر لهم، وأنها محبوسة برحمة اللَّه لصلاحهم في حياتهم. ولم يسلطوا على إتلافها فيما لا يلزمهم، ولا يصلح معايشهم، فبطل ما أتلفوا في هذا الوجه، لأنة لا يلزمهم عتق ولا صدقة، ولم يحبس مال المرتد بنظر ماله. ولا بأنَّه له. . . إلى أن قال: وإن لم يرجع - المرتد - حتى كوت أو يقتل كان لنا بموته قبل أن يرجع ما في أيدينا من ماله فيئاً. فإن قيل: أو ليس ماله على حاله؟ قيل: بل ماله على شرط. الأم (أيضاً) : كتاب (الحج) (باب فرض الحج على من وجب عليه الحج) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية، فلم يأمر بدفع المال إليهم بالرشد حتى يجتمع البلوغ معه. وفرض اللَّه الجهاد في كتابه، ثم كد اليقين فأُتِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد اللَّه بن عمر حريصاً على أن يجاهد، وأبوه حريص على جهاده، وهو ابن أربع عشرة

سنة، فرَده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لد عام (أحُدِ) ، ثم أجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بلغ خمس عشرة سنة عام (الخندق) ، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - المبين عن اللَّه ما أنزل جملاً من إرادته جلَّ شأنه، فاستدللنا بأن الفرائض والحدود إنما تجب على البالغين. الأم (أيضاً) : بلغ الرشد وهو الحجر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: الحال التي يبلغ فيها الرجل والمرأة رشدهما حتى يكونا يليان أموالهما، قال اللَّه - عز وجل -: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا) الآية. فدلَّت هذه الآية، على أن الحجر ثابت على اليتامى حتى يجمعوا خصلتين البلوغ والرشد، فالبلوغ استكمال خمس عشرة سنة، الذكر والأنثى في ذلك سواء، إلا أن يحتلم الرجل، أو تحيض المرأة قبل خمس عشرة سنة، فيكون ذلك البلوغ. ودلَّ قول اللَّه - عز وجل -: (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) على أنهم إذا جمعوا البلوغ، والرشد، لم يكن لأحد أن يلي عليهم أموالهم، وكانوا أولى بولاية أموالهم من غيرهم. والرشد - واللَّه أعلم -: الصلاح في الدين حتى تكون الشهادة جائزة. وإصلاح المال، وإنما يعرف إصلاح المال بأن: يختبر اليتيم، والاختبار يختلف بقدر حال المختَبر.

الأم (أيضاً) : باب (الحجر على البالغين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: الحجر على البالغين في آيتين من كتاب اللَّه - عز وجل - وهما: 1 - قول اللَّه تبارك وتعالى: (فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) الآية. 2 - وقول اللَّه تبارك وتعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية، فأمر أن يدفع إليهم أموالهم، إذا جمعوا بلوغاً ورشداً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا أمر - الله - بدفع أموالهم إليهم إذا جمعوا أمرين، كان في ذلك دلالة على أنهم: إن كان فيهم أحد الأمرين دون الآخر، لم يدفع إليهم أموالهم، وإذا لم يُدفع إليهم - أموالهم - فذلك الحجر عليهم، كما كانوا لو أونس منهم رشدٌ قبل البلوغ، لم يدفع إليهم أموالهم، فكذلك لو بلغوا، ولم يؤنس منهم رشد، لم تدفع إليهم أموالهم، ويثبت عليهم الحجر كما كان قبل البلوغ. الأم (أيضاً) : من لا يجب عليه الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) الآية، فلم يجعل لرشدهم حكماً تصير به أموالهم إليهم

إلا بعد البلوغ، فدلُّ على أن الفرض في العمل إنما هو على البالغين، ودلَّت السنة، ثم ما لم أعلم فيه مخالفاً من أهل العلم على مثل ما وصفت. الأم (أيضاً) : سير الواقدي: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله - عز وجل -: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) الآية، وكان بلوغ النكاح استكمال خمس عشرة وأقل - أي: بالاحتلام - فمن بلغ النكاح باستكمال خمس عشرة أو قبلها، ثبت عليه الفرض كله، والحدود، ومن أبطا عنه بلوغ النكاح فالسن التي يلزمه بها الفرائض من الحدود، وغيرها استكمال خمس عشرة سَنَة. الأم (أيضاً) : باب (الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) الآية. ففي هذه الآية معنيان: أحدهما: الأمر بالإشهاد، وهو في مثل معنى الآية قبله - واللَّه تعالى أعلم - من أن يكون الأمر بالإشهاد دلالة لا حتماً. وفي قول اللَّه - عز وجل - يقول: (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًاا) الآية. أي: إن لم تُشهِدوا - واللَّه تعالى أعلم -.

الثاني: أن يكون ولي اليتيم المأمور بالدفع إليه ماله، والإشهاد به عليه. يبرأُ بالاشهاد - به - عليه إن جحده اليتيم، ولا يبرأُ بغيره. أو يكون مأموراً بالأشهاد عليه على الدلالة، وقد يبرأ بغير شهادة إذا صدَّقه اليتيم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والآية محتملة المعنيين معاً. وقال (أيضا) : وليس في واحدة من هاتين الآيتين تسمية شهود، وتسمية الشهود في غيرهما. الأم (أيضاً) : كراء الأرض البيضاء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى في اليتامى: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية، وهكذا أصل فَرضِ اللَّه جل وعز في جميع ما فَرَض؛ فجعل التسليم: الدفع لا الوجود وترك الحول والدفع. الأم (أيضاً) : الوديعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وقال عز اسمه: (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) الآية. وذلك أن وليُّ اليتيم إنما هو وصى أبيه، أو وصى وصاه الحاكم، ليس أن اليتيم استودعه، فلما بلغ اليتيم أن يكون له أمرٌ في نفسه، وقال: لم أرضَ أمانة

هذا، ولم أستودعه، فيكون القول قول المستودِع كان على المستودَع، أن يُشهِدَ عليه إن أراد أن يبرأ. الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح الآباء: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فلما كان من سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الجهاد يكون على ابن خمس عشرة سنة، وأخذ المسلمون بذلك في الحدود، وحكم الله بذلك في اليتامى فقال: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) الآية. ولم يكن له الأمر في نفسه إلا ابن خمس عشرة سنة، أو ابنة خمس عشرة سنة، إلا أن يبلغ - الغلام - الحلم، أو - الجارية -، الحيض قبل ذلك، فيكون لهما أمر في أنفسهما. دلَّ إنكاح أبي بكر - رضي الله عنه - عائشة رضي اللَّه عنها، النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنة ست، وبناؤه بها ابنة تسع، على أنَّ الأب أحق بالبكر من نفسها، ولو كانت إذا بلغت بكراً كان أحق بنفسها منه، أشبه ألَّا يجوز له عليها حتى تبلغ، فيكون ذلك بإذنها. أخبرنا مالك، عن عبد بن الفضل، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأيِّم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وأذنها صماتها" الحديث. أخبرنا مالك، عن عبد الله الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبد الرحمن ومُجَمُّع ابني يزيد بن جارية، عن خنساء بنت خِدام، أن أباها زوَّجها وهي ثيِّب، وهي كارهة فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، "فردَّ نكاحها" الحديث.

الأم (أيضاً) : باب (الاستمناء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) الآية. أي: ليكفَّ عن كله بسلف أو غيره. قال الشَّافِعِي رمه الله: قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) الآية. إنما أراد بالاستعفاف ألَّا يأكل منه شيئاً. مختصر المزني: كتاب (الوكالة) : قال المزني رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) الآية، فأمَرَ بحفظ أموالهم حتى يؤنس منهم الرشد، وهو عند الشَّافِعِي رحمه الله: أن يكون بعد البلوغ مصلحاً لِمَالِه، عدلاً في دينه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو أمر الموكل الوكيل أن يدفع مالاً إلى رجل. فادَّعى أنَّه دفعه إليه لم يقبل منه إلا ببينة. واحتج الشَّافِعِي في ذلك بقول الله تعالى: (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) الآية. وبأنَّ الذي زعم لأنَّه دفعه إليه ليس هو الذي ائتمنه على المال، وقال الله جلَّ ثناؤه: (فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) الآية. وبهذا فرُّق بين قوله لمن ائتمنه: قد دفعته إليك يقبل، لأنَّه ائتمنه، وبيَن قوله لمن لم يأتمنه عليه: قد دفعته إليك فلا يقبل؛ لأنَّه الذي ليس ائتمنه.

قال الله عز وجل: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا (7)

قال الله عزَّ وجلَّ: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) الأم: كتاب (قَسم الصدقات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأحكم اللَّه - عز وجل - فرض الصدقات في كتابه، ثم أكدها فقال: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) الآية. وليس لأحد أن يقسمها على غير ما قسمها اللَّه - عز وجل - عليه، ذلك ما كانت الأصناف موجودة؛ لأنه إنما يعطى من وجد كقوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية. ومعقول عن الله - عزَّ وجلَّ - أنه فرض هذا لمن كان موجوداً يوم يموت الميت، وكان معقولاً عنه أن هذه السُّهْمَان: لمن كان موجوداً يوم تؤخذ الصدقة وتُقْسَم. الرسالة: الفرض المنصوص الذى دلَّت السنة على أئه إنَّما أراد الخاص: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد أن ذكر قوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ) الآية. وبعد ذكر آيات المواريث. قال: فدلَّت السُّنَّة على أن اللَّه إنما أراد ممن سَمَّى له المواريث، من الإخوة والأخوات، والولد والأقارب، والوالدين والأزواج، وجميع من سَمَّى له فريضة في كتابه: خاصاً مما سَمَّى.

قال الله عز وجل: (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا (8)

أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشافعى - في البيوع والمعاملات والفرائض والوصايا أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: قال الحسين بن محمد - فيما أخبرت - أخبرنا محمد بن سفيان، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: في قوله - عز وجل -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية، نسخ بما جعل الله للذكر والأنثى من الفرائض. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) الأم: نفقة المماليك: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) الآية. فأمر اللَّه - عز وجل - أن يرزق من القسمة أولو القربى، واليتامى، والمساكين (الحاضرون القِسمة) ولم يكن في

قال الله عز وجل: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (10)

الأمر في الآية أن يرزق من القسمة من مثلهم في القرابة، واليتم، والمسكنة، ممن لم يحضر. وبهذا أشباه وهي: أن تُضيف من جاءك، ولا تُضيف من لم يقصد قصدك. ولو كان محتاجاً، إلا أن تتطوع وقال لي بعض أصحابنا: قسمة الميراث. وقال بعضهم: قسمة الميراث وغيره من الغنائم، فهذا أوسع وأحبُّ إليَّ. أن يعطوا ما طاب به نفس المعطي، ولا يوقّت، ولا يحرمون. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) الأم: الطعام والشراب: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول اللَّه - عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) الآية. يدلُّ - والله أعلم - إذا لم يسثن فيه إلا بطيب أنفس اليتامى، على أن طيب نفس اليتيم لا يحُلُّ كلَ ماله، واليتيم واليتيمة في ذلك واحد، والمحجور عليه عندنا كذلك؛ لأنَّه غير مسلَّط على ماله - واللَّه أعلم -، لأن الناس في أموالهم واحد من اثنين: 1 - مُخَلًّى بينه وبين ماله، فما حل له فأحلّه لغيره، حل. 2 - أو ممنوع من ماله، فما أباح منه لم يجز لمن أباحه له، لأنَّه غير مُسَلَّطِ على إباحته له.

قال الله عز وجل: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)

الزاهر: باب (الآنية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "الذي يشرب في آنية الفضة إنَّما يجرجَر في بطنه نار جهنم" الحديث. قال الأزهري رحمه اللَّه: ومعنى قوله: "يجرجر في بطنه نارَ جهنم" أي: يلقي في بطنه نار جهنم فنصب النار بالفعل بقوله: "يجرجر"، وهذا مثل قول الله - عز وجل -: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) . فنصب ناراً بقوله: (يَأْكُلُونَ) . ويقال: جرجر فلان الماء في حلقه: إذا جرعه جرعاً متتابعاً يُسمع له صوت، والجرجرة: حكاية ذلك الصوت. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) الأم: نفقة المرأة التي لا يملك زوجها رجعتها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قد قال اللَّه تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) الآية. فلو مات رجل وله حَبَل، لم يوقف للحَبَلِ ميراث رجل، ولا ميراث ابنة؛ لأنه قد يكون عدداً، وقد وقفنا الميراث حتى يتبين، فإذا بَانَ أعطيناه.

وهكذا لو أوصى بحبل أو أوصى لِحَبَل، أو كان الوارث أو الموصى له غائباً، ولا يعطى إلا بيقين. الأم (أيضاً) : باب (ردِّ المواريث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ اسمه: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية. فهذه الآية - وغيرها - في المواريث كلّها تدلُّ على: أنَّ الله - عز وجل - انتهى بمن سَمَّى له فريضة إلى شيء، فلا ينبغي لأحد أن يزيد من انتهى اللَّه به إلى شيءِ غير ما انتهى به، ولا ينقصه. فبذلك قلنا: لا يجوز ردُّ المواريث. . . إلى أن قال: والقرآن - إن شاء اللَّه تعالى - يدل على هذا، وهو قول زيد بن ثابت، وقول الأكئر مما لقيت من أصحابنا. الأم (أيضاً) : باب (ما نسخ من الوصايا) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) الآية. أخبرنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن مجاهد رحمه اللَّه، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا وصيهْ لوارث" الحديث. وما وصفت من أنَّ الوصية للوارث منسوخة بآي المواريث، وأن لا وصية لوارث، مما لا أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كانت الوصايا لمن أمر اللَّه تعالى ذكره بالوصية منسوخة بآي المواريث، وكانت السنة تدل على أنها لا تجوز لوارث، وتدلُّ على أنها تجوز لغير قرابة، دلَّ ذلك على نسخ الوصايا للورثة.

الأم (أيضاً) : باب (الوصية للوارث) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - عز وجل - في آي الواربث: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) الآية. وذكر من ورَّث - جل ثناؤه - في آي من كتابه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: واحتمل إجماع أمر اللَّه تعالى بالوصية للوالدين والأقربين معنيين: أحدهما: أن يكون للوالدين والأقربين الأمران معاً، فيكون على الموصِي أن يُوصي لهم، فيأخذون بالوصية، ويكون لهم الميراث، فيأخذون به. الثاني: واحتمل أن يكون الأمر بالوصية نزل ناسخاً؛ لأن تكون الوصية لهم ثابتة، فوجدنا الدلالة على أن الوصية للوالدين، والأقربين الوارثين. منسوخة بآي المواريث، من وجهين: الوجه الأول: أخبار ليست متصلة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من جهة الحجازين منها: أن سفيان بن عيينة، أخبرنا عن سليمان بن الأحول، عن مجاهد رحمه اللَّه. أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا وصية لوارث" الحديث. وغيره يثبته بهذا الوجه. ووجدنا غيره قد يصل فيه حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذا المعنى، ثم لم نعلم أهل العلم في البلدان، اختلفوا في أن الوصية للوالدين منسوخة بآي المواريث. الوجه الثاني: واحتمل إذا كانت منسوخة، أن تكون الوصية للوالدين ساقطة، حتى لو أوصى لهما لم تجز الوصية، وبهذا نقول، وما رُويَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما لم نعلم أهل العلم اختلفوا فيه يدلُّ على هذا، وإن كان يحتمل أن يكون

وجوبها منسوخاً، وإذا أوصى لهم جاز، وإذا أوصى للوالدين فأجاز الورثة فليس بالوصية أخذوا. .. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه عز ذكره: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الآية، وكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يحجبها عن الثلث إلا بثلاثة إخوة، وهذا الظاهر. الرسالة: باب (البيان الثاني) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الآية. فاستغنى بالتنزيل في هذا عن خبرٍ غيره، ثم كان لله فيه شرط: أن يكون بعد الوصية والدَّيْن، فدلَّ الخبر على أن ألا يُجاوَز بالوصية الثلث. الرسالة (أيضاً) : باب (ما نزل عامًّا دلَّت السنة خاصَّة على أنَّه يراد به الخاص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه بئ ثناؤه: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) الآية، فأبان أنَّ للوالدين والأزواج مما سمى

في الحالات، وكان عام المخرج، فدلَّت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنَّه إنَّما أراد به بعض الوالدين والأزواج دون بعض، وذلك أن يكون دِيْنُ الوالدين والمولود والزوجين واحداً، ولا يكون الوارث منهما قاتلاً ولا مملوكاً. جماع العلم: باب (حكاية قول الطائفة التي ردَّت الأخبار كلْها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - سبحانه - في الفرائض: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) الآية، فزعمنا بالخبر عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، أن آية الفرائض نسخَتِ الوصية للوالدين والأقربين. فلو كُنَّاً ممن لا يقبل الخبر فقال قائل: الوصية نسخت الفرائض، هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟!. أحكام القرآن: فصل (في معرفة العموم والخصوص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) فأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن الوصايا يُقتصر بها على الثلث، ولأهل الميراث الثلثان. وأبان: أنَّ الدين قبل الوصايا والميراث، وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفي أهل الدَّين دَينهم، ولولا دلالة السنَّة، ثم إجماع الناس، لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين، ولم تعْدُ الوصية أن تكون مقدمة على الدين، أو تكون والدُّيْن سواء.

قال الله عز وجل: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الأم: كتاب (قسم الصدقات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) وقوله: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) الآية. ومعقول عن اللَّه - عز وجل - أنه فرض هذا لمن كان موجوداً يوم يموت الميت. الأم (أيضاً) : بلغ الرشد وهو الحجر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) الآية. فلم يفرق بين الزوج والمرأة، في أن لكل واحد منهما أن يوصي في ماله، وفي أن دَين كل واحد منهما لازم له في ماله، فإذا كان هذا هكذا، كان لها أن تعطي من مالها من شاءت بغير إذن زوجها، وكان لها أن تحبس مهرها، وتهبه، ولا تضع منه شيئاً، وكان لها إذا طلقها أخذ نصف ما أعطاها، لا نصف ما اشترت لها دونه، إذا كان لها المهر، كان لها حبسه، وما أشبهه.

الأم (أيضاً) (باب (من قال لا يورث أحد حتى يموت) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) وقال عز وعلا: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) الآية. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يرث المسلم الكافر" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان معقولاً عن اللَّه - عز وجل -، ثم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم في لسان العرب، وقول عوام أهل العلم ببلدنا، أن امْرَاً لا يكون موروثاً أبداً حتى يموت، فإذا مات، كان موروثاً، وأن الأحياء خلاف الموتى، فمن ورث حياً، دخل عليه - والله تعالى أعلم - خلاف حكم الله - عزَّ وجلَّ -، وحكم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: والناس معنا بهذا، لم يُختَلف في جملته، وقلنا به في (المفقود) ، وقلنا: لا يُقسم ماله حتى يُعلم يقين وفاته. الأم (أيضاً) (ميراث المرتد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) الآية. فإنَّما نقل مِلْكَ الموتى إلى الأحياء، والموتى خلاف الأحياء، ولم يُنقل بميراث قط ميراث حيٍّ إلى حيٍّ.

الأم (أيضاً) : باب (الوصية للزوجة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: حفظت عمن أرضى من أهل العلم، أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولاً منسوخ بآية المواريث، قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) إلى قوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآية. ولم أعلم مخالفاً فيما وصفت من نسخ نفقة المتوفى عنها، وكسوتها، سنة وأقل من سنة. ثم احتمل سكناها إذا كان مذكوراً مع نففتها، بأنه يقع عليه اسم المتاع، أن يكون منسوخاً في السَنَة وأقلَ منها، كما كانت النفقة والكسوة منسوخَتين في السَنَة وأقل منها. واحتمل أن تكون نسخت في السَنَة، وأثبتت في عدة المتوفى عنها حتى تنقضي عدتها بأصل هذه الآية، وأن تكون داخلة في جملة المعتدات. الأم (أيضاً) الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) الآية - مع غيرها من الآيات التي ذكرت النكاح والتزويج - فسمى اللَّه النكاح اسمين: 1 - النكاح. 2 - والتزويج. وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع بكلام غيرهما، وإن كانت معه نية التزويج، وذلك أن المرأة قبل أن تُزَوَّج محرمة الفرج، فلا تحل إلا بما سمَّى اللَّه - عز وجل - أنَّها تحل به لا بغيره.

الأم (أيضاً) : امرأة المفقود: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) إلى قوله: (فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) الآية، فلم أعلم مخالفاً في أن الرجل أو المرأة لو غابا، أو أحدهما براً أو بحراً، علم مغيبهما أو لم يعلم، فماتا أو أحدهما، فلم يسمع لهما بخبر أو أسرهما العدو فصيروهما إلى حيث لا خبر عنهما، لم نورث أحداً منهما من صاحبه إلَّا بيقين وفاته قبل صاحبه. فكذلك عندي امرأة الغائب، أيّ غيبة كانت مما وصفت، أو لم أصف. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) الآية. فقلتُ لبعض من يخالفنا في اليمين مع الشاهد، إنَّما ذكر اللَّه - عز وجل - المواريث بعد الوصية والدين، فلم تختلف الناس في أن المواريث لا تكون حتى يُقضَى جميع الدين، وإن أتى ذلك على المال كله. أفرأيت إن قال لنا ولك قائل: الوصية المذكورة مع الدين، فكيف زعمت أن الميراث يكون قبل أن ينفذ شيء من جميع الوصية، واقتصرت بها على الثلث؛ هل الحجة عليه؛ إلَّا أن يقال: الوصية، وإن كانت مذكورة بغير توقيت فإن اسم الوصية يقع على القليل والكثير؛ فلما احتملت الآية أن يكون يراد بها خاص، وإن كان مخرجها عاماً، استدللنا على ما أريد بالوصية بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبيِّن عن اللَّه - عز وجل معنى ما أراد الله. قال: ماله جواب إلا هذا.

قلتُ: فإن قال لنا ولك قالْل: ما الخبر الذي دلَّ على هذا؟ قال: قول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لسعد: "الثلث والثلث كثير" الحديث. الأم (أيضاً) : باب استحداث الوصايا: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى في غير آية في قَسم الميراث: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) و (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآية. فنقل اللَّه تبارك وتعالى مِلْكَ من مات من الأحياء إلى من بقي من ورثة الميت، فجعلهم يقومون مقامه فيما ملَّكهم من ملكه. وقال اللَّه - عز وجل -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآية، فكان ظاهر الآية المعقول فيها؛ (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآية. إن كان عليهم دين، وبهذا نقول، ولا أعلم من أهل العلم فيه مخالفاً. وقد تحتمل الآية معنى غير هذا أظهر منه وأولى، بأن العامة لا تختلف فيه فيما علمت، وإجماعهم لا يكون عن جهالة بحكم الله، - إن شاء الله -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قول اللَّه - عز وجل - (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآية، معانٍ سأذكرها - إن شاء اللَّه -. فلما لم يكن بين أهل العلم خلاف علمته في أن: ذا الدين أحق بمال الرجل في حياته منه حتى يُستوفى دينه، وكان أهل الميراث إنما يملكون عن الميت ما كان الميت أملك به، كان بيّناً - والله أعلم - في حكم اللَّه - عز وجل -، ثم ما لم أعلم أهل العلم اختلفوا فيه، أنَّ الدَّين مُبَدَّأ على الوصايا والميراث، فكان حكم الدين كما

وصفت منفرداً مقدماً، وفي قول الله عزَّ وجلَّ - عز وجل - (أَوْ دَيْنٍ) ثم إجماع المسلمين أن لا وصية ولا ميراث إلا بعد الدين، دليل على أنَّ كل دين في صحة كان أو في مرض، بإقرار أو بينة، أو أي وجه ما كان سواء؛ لأن اللَّه - عز وجل - لم يخصَّ ديناً دون دين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد رُوي في تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يُثبتُ أهل الحديث مثله، أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "قضى بالدين قبل الوصية" الحديث. وأخبرنا سفيان، عن هشام بن حُجَير، عن طاووس، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل له: كيف تأمرنا بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) الآية، فقال: كيف تقرؤون الدَّين قبل الوصية. أو الوصية قبل الدَّين؟ فقالوا: الوصية قبل الدَّين، قال فبأيِّهما تبدؤون؟ قالوا: بالدَّين، قال: فهو ذاك. الرسالة: باب (البيان الثاني) : قال الشَّافِعِي رحمه الله - بعد أن ذكر آي المواريث - قال: فاستُغني بالتنزيل في هذا عن خبرٍ غيره، ثم كان لله فيه شرط: أن يكون بعد الوصية والدَّين، فدلّ الخبر على أن لا يجاوز بالوصية الثلث. الرسالة (أيضاً) : باب (ما نزل عاماً دلَّت السنة خاصة على أن يراد به الخاص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال سبحانه: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) الآية، فأبان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الوصايا مقتصر بها على الثلث لا يُتعدَّى، ولأهل

الميراث الثلثان، وأبان أن الدَّين قبل الوصايا والميراث، وأن لا وصية ولا ميراث حتى يستوفي أهل الدين دينهم. ولولا دلالة السنة ثم إجماع الناس، لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين. ولم تعدُ الوصية أن تكون مُبَدَّأة على الدَّين، أو تكون والدَّين سواء. مناقب الشَّافِعِي: باب ما يستدل به على فقه الشَّافِعِي، وتقدمه فيه، وحسن استنباطه: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: خالفنا بعض الناس في المختلعة فقال: إذا طُلّقت في العدة لحقها الطلاق. وقال: فما حجتك في أنَّ الطلاق لا يلزمها؟ قلت: حجتي من القرآن والأثر والإجماع على ما يدل أن الطلاق لا يلزمها. قال: فأين الحجة من القرآن؟ قلتُ: وذكر آية اللعان، والإيلاء. .. ثم ذكر من آيات الميراث قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) وقال تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أفرأيت إن قذفها أيلاعنها؛ وآلى منها أيلزم الإيلاء؛ أو ظاهر منها أيلزمه الظهار؛ أو ماتت أيرثها؛ أو مات أترثه؟ قال: لا. قلت - أيّ الشَّافِعِي - الآن أحكام اللَّه هذه الخمسة تدلًُّ على أنها ليست بزوجة. قال: نعم.

قال الله عز وجل: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (15)

فائدة: الزاهر باب (المواريث) : قال الأزهري رحمه اللَّه: وتقع الكلالة على الوارث والموروث، قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ) الآية. نصب (كَلَالَةً) على الحال. المعنى: إن مات رجل في حال كلالة، أي: لم يخلف والداً ولا ولداً، وورثه أخ أو أخت، أو ماتت امرأة كذلك فرثها أخ أو أخت، فلكل واحد منهما السدس. وكذلك قوله - عز وجل -: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ) الآية. والكلالة في هاتين الآيتين: الميت لا الوارث. وقد قيل للورثة الذين يرثون الميت وليس فيهم أب ولا ولد: كلالة أيضاً. ألا ترى أن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: مرضت فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: "إني رجل لا يرثنى إلا كلالة" الحديث، فجعل الكلالة: ورثته. فأما الآيتان: فالكلالة فيهما - الميت - الموروث لا الوارث. وهذه آية غامضة، وقد أوضحت لك من غامضها، وجملة تفسيرها ما يقف بك على تفهمها - إن شاء اللَّه تعالى -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) الأم: حبس المرأة على الرجل يُكرهها ليرثها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي معنى قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) فنسخت بآية الحدود بقوله تعالى:

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خدوا عني، خدوا عنى، خدوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم" الحديث. فلم يكن على امرأة حبس، يمنع به حق الزوجة على الزوج، وكان عليها الحد. قال: وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل - والله أعلم -. الأم (أيضاً) : باب (النفي والاعتراف في الزنا) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويرجم الزاني الثيب، ولا يجلد، والجلد منسوخ عن الثيب - قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) وهذا قبل نزول الحدود. ثم روى الحسن، عن حِطان الرقاشيّ، عن عبادة - يعني: ابن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "خدوا عنى، خدوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلاً. الثيب بالثيب جلد مائة، والرجم" الحديث. فهذا أول ما نزل الجلد. ثم قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المنبر، الرجم في كتاب الله - عزَّ وجلَّ حقّ على من زنى إذا كان قد أحصن، ولم يذكر جلداً، ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماعزاً ولم يجلده، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنيساً أن يأتي امرأة، فإن اعترفت رجمها، وكل هذا يدلُّ على أنَّ الجلد منسوخ عن الثيب، وكل الأئمة عندنا رجم بلا جلد.

الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) الآية. لم يذكر هاهنا عدلاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور - أرأيت لو قال لك قائل: أجز في البيع والقذف وشهود الزنا غير العدل، كما قلت في العتق، لأني لم أجد في التنزيل شرط العدل، كما وجدته في غير هذه الأحكام، قال: ليس ذلك له، قد يُكتفى بقول الله - عز وجل -: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) فإذا ذكِر الشهود فلا يقبلون إلا ذوي عدل، وإن سُكت عن ذكر العدل فاجتماعهما في أنهما شهادة يدلُّ على أن لا يقبل فيها إلَّا العدل. قلت: هذا كما قلت، فلم لم تقل بهذا؟ الأم (أيضاً) : الشهادات: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال الله تبارك وتعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) الآية. فالكتاب والسنة يدلان على لأنَّه لا يجوز في الزنا أثل من أربعة، والكتاب يدل على أنَّه لا يجوز شهادة غير عدل، والإجماع يدلُّ على لأنَّه لا تجوز إلَّا شهادة عدلٍ، حرٍّ، بالغ، عاقل، لما يشهد عليه، وسواء أي زنا ما كان زنا، حرين، أو عبدين، أو مشركين؛ لأن كله زنا.

الأم (أيضاً) (الخلاف في إجازة أقل من أربع من النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) الآية. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعد حين قال له: أمهِلُهُ حتى آتي بأربعة شهداء! قال: "نعم" الحديث. والشهود على الزنا نظروا من المرأة إلى محرم، ومن الرجل إلى محرم، فلو كان النظر لغير إقامة شهادة كان حراماً، فلما كان لإقامة شهادة لم يجز أن يأمر اللَّه - عز وجل -، ثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بمباح، لا بمحرم، فكل من نظر ليثبت شهادته لله، أو للناس فليس بجرح، ومن نظر لتلذذٍ وغير شهادة عامداً كان جرحاً، إلا أن يعفوَ اللَّه عنه. الأم (أيضاً) : باب (الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه - عز وجل -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا) الآية، فسمّى اللَّه في الشهادة في الفاحشة. والفاحشة هاهنا - واللَّه تعالى أعلم -: الزنا، وفي الزنا أربعة شهود، ولا تتم الشهادة في الزنا إلا بأربعة شهداء، لا امرأة فيهم؛ لأنَّ الظاهر من الشهداء

الرجال خاصة دون النساء، ودلَّت السنة على أنَّه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة شهداء، وعلى مثل ما دل عليه القرآن في الظاهر من أنهم رجال محصنون. فإن قال قائل: الفاحشة تحتمل الزنا وغيره، فما دلَّ على أنها في هذا الموضع الزنا دون غيره؟ قيل: كتاب الله، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ثم ما لا أعلم عالماً خالف فيه، في قول الله - عز وجل - في: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْا) يُمسَكْن حتى يجعل الله لهن سبيلاً ثم نزلت: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ) فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" الحديث. ودلَّ الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم، ولم أعلم في ذلك مخالفاً من أهل العلم. الأم (أيضاً) : باب: ما جاء في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) حتى ما يفعل بهن من الحبس والأذى: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال الله جل ثناؤه: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) الآية، فيه دلالة على أمور منها: 1 - أن الله - عزَّ وجلَّ سمَّاهن من نساء المؤمنين؛ لأن المؤمنين المخاطبون بالفرائض يجمع هذا.

2 - أن اللَّه لم يقطع العصمة بين أزواجهن وبينهم بالزنا. 3 - أن قول اللَّه عزَّ اسمه: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) على أنها: كما قال ابن المسيب رحمه الله - إن شاء اللَّه - منسوخة. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد قال: قال ابن المسيب: نسختها (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) فهن من أيامى المسلمين. وقال اللَّه - عز وجل (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) يشبه عندي - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون إذا لم تقطع العصمة بالزنا، فالموارثة بأحكام الإسلام ثابتة عليها، وإن زنت، ويدل إذا لم تقطع العصمة بينها وبين زوجها بالزنا، لا بأس أن ينكح امرأة وإن زنت، إن ذلك لو كان يحرم نكاحها قطعت العصمة بين المرأة - تزنى عند زوجها - وبينه، وأمَر اللَّه - عز وجل - في: اللاتي يأتين الفاحشة من النساء، بأن يُحبَسنَ في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل اللَّه لهن سبيلاً، منسوخ بقول اللَّه - عز وجل -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية، في كتاب اللَّه، ثم على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا عبد الوهاب، عن يونس، عن الحسن، عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - في هذه الآية: (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) قال: كانوا يمسكوهن حتى نزلت آية الحدود، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خذوا عني" الحديث.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا الحديث يقطع الشك، وُيبيِّن أنَّ حد الزانيين كان الحبس، أو الحبس والأذى، فكان الأذى بعد الحبس، أو قبله، وأن أول ما حدَّ اللَّه به الزانيينِ من العقوبة في أبدانهما بعد هذا عند قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام" الحديث، والجلد على الزانيين الثيبين منسوخ بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعز بن مالك، ولم يجلده، ورجم المرأة التي بعث إليها أنيساً، ولم يجلدها وكانا ثيبين. الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دلَّ الكتاب ثم السنة على من تزول عنه بالعذر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد أن ذكر قول اللَّه تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) الآية، والتي بعدها، لم ذكر حديث عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: فدلَّت السنة على أن جلد المائة للزانيينِ البكرينِ. . .، وجلد المائة ثابت على البكرين الحرَّين، ومنسوخ عن الثيبين، وأن الرجم ثابت على الثيبين الحرَّين. . .، لنص الحديث، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في رجم ماعز ولم يجلده. وأمر أنيساً أن يغدو على امرأة الأسلمي فإن اعترفت رجمها، دلَّ على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين، وثبت الرجم عليهما؛ لأن كلّ شيء أبداً بعد أولِ فهو آخر. الرسالة ً (أيضاً) : وجه أخر من الناسخ والمنسوخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد أن ذكر قول اللَّه - عز وجل -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ) الآية، والتي بعدها (أيضاً) ، قال فكان حد الزانيين بهذه الآية الحبس

والأذى، حتى أنزل الله على رسوله حد الزنا، فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ) فنُسِخ الحبس عن الزناة، وثبت عليهم الحدود. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فدل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "قد جعل الله لهن سبيلا الحديث، على أنَّ هذا أول ما حُدَّ به الزناة، لأنَّ اللَّه يقول: (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) الآية. ثمّ رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماعزاً ولم يجلده. وامرأة الأسلمي ولم يجلدها، فدلَّت سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن الجلد منسوخ عن الزانيين الثيبين، ولم يكن بين الأحرار في الزنا فرق إلا بالإحصان بالنكاح، وخلاف الإحصان به. وإذ كان قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر، جلد مائة وتغريب عام." الحديث، ففي هذا دلالة على لأنَّه أول ما نسخ الحبس عن الزانيين، وحُدَّا بعد الحبس، وأن كل حدٍّ حُدَّه الزانيين فلا يكون إلا بعد هذا، إذ كان هذا أول حد الزانيين. أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما أنهما أخبراه: أنَّ رجلين اختصما إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما: يا رسول الله أقض بيننا بكتاب اللَّه إ؛ وقال الآخر - وهو أفقههما - أجل، يا رسول اللَّه فاقض بيننا بكتاب اللَّه، وأذن لي في أن أتكلم. قال: "تكلم". قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا، فزنى بامرأته

فأخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت فيه بمائة شاة وجارية لي، ثمّ إني سألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ("والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله: أما غنمك وجاريتك فردَّ إليك". وجلد ابنه مائة وغربه عامًّا، وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها "فاعترفت فرجمها" الحديث. أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فثبت جلد مائة والنفي على البكرين الزانيين. والرجم على الثيبين الزانيين. وإن كانا ممن أريدا بالجلد فقد نسخ عنهما الجلد مع الرجم، وإن لم يكونا أريدا بالجلد وأريد به البكران، فهما مخالفان للثيبين، ورجم الثيبين بعد آية الجلد بما رَوَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله. وهذا أشبه معانيه وأولاها به عندنا - والله أعلم -. اختلاف الحديث: باب (العقوبات في المعاصي) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: كانت العقوبات في المعاصي قبل أن ينزل الحد، ثم نزلت الحدود، ونسخت العقوبات فيما فيه الحدود. حدثنا الربيع قال:

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن النعمان بن مُرَّة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال ما تقولون في الشارب، والسارق، والزاني، وذلك قبل أن تنزل الحدود؛ فقالوا: اللَّه ورسوله أعلم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هن فواحش، وفيهن عقوبات، وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته" ثم ساق الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومثل معنى هذا في كتاب الله قال: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) فكان هذا أول العقوبة للزانيين في الدنيا، ثم نسخ هذا عن الزناة كلّهم، الحر والعبد والبكر والثيب، فحدَّ اللَّه البكرين الحرين المسلمين، فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ) . حدثنا الربيع: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنَّه قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: الرجم في كتاب اللَّه على من زنى، إذا أحصن (من الرجال والنساء) ، إذا قامت عليه البينّة، أو كان الحبل، أو الاعتراف. أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، أنَّه سمع سعيد بن السيب رحمه اللَّه يقول: قال عمر: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا أجد حدَّين في كتاب اللَّه، فقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب اللَّه لكتبتها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) فإنا قد قرأناها.

قال الله عز وجل: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما (16)

ثم ساق حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد (باختصار) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان ابنه بكراً، وامرأة الآخر ثيباً قال: فذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللَّه حد البكر والثيب في الزنا، فدل ذلك على مثل ما قال عمر من حدِّ الثيب في الزنا. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) الرسالة: باب (فرض الصلاة الذى دل الكتاب ثم السنة على من تزول عنه بالعذر) : الرسالة (أيضاً) : باب (وجه آخر - من الناسخ والمنسوخ -) : أحكام القرآن: (ما يؤثر عنه في الحدود) قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) أحكام القرآن: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - عز وجل -: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) ذكروا فيها معنيين:

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف

أحدهما: أنَّه من عصى، فقد جَهِل، من جميع الخلق. الآخر: أنَّه لا يتوب أبداً، حتى يَعلَمَه، وحتى يَعمَلَهُ، وهو لا يرى أنَّه محرم. والأول: أولاهما. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) الأم: حبس المرأة لميراثها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) يقال - والله أعلم -: نزلت في الرجل يَكره المرأة، فيمنعها كراهية لها حق اللَّه في عشرتها بالمعروف، ويحبسها مانعاً لحقها ليرثها من غير طيب نفس منها، بإمساكه إياها على المنع، فحرّم - اللَّه تعالى ذلك على هذا المعنى. وحرّم على الأزواج، أن يعضلوا النساء ليذهبوا ببعض ما أوتين، واستثنى: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، وإذا أتين بفاحشة مبينة وهي: الزنا، فأعطين ببعض ما أوتين ليفارقن، حلَّ ذلك إن شاء اللَّه تعالى، ولم تكن معصيتهن الزوجَ فيما يجب له بغير فاحشة، أولى أن نحل ما أعطين، من أن يعصين اللَّه والزوج بالزنا.

وأمر اللَّه في اللاتي يكرههُن أزواجهن، ولم يأتين بفاحشة، أن يُعاشَرن بالمعروف، وذلك بتأدية الحق، وإجمال العشرة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) الآية. فأباح عشرتهن على الكراهية بالمعروف، وأخبر أن الله - عز وجل - قد يجعل في الكره خيراً كثيراً، والخير الكثير: الأجر في الصبر، وتأدية الحق إلى من يكره، أو التطول عليه، وقد يغتبط وهو كاره لها بأخلاقها، ودينها، وكفاءتها، وبذلها، وميراث إن كان لها، وتصرُف حالاته إلى الكراهية لها بعد الغبطة بها. الأم (أيضاً) : عدة المطلق يملك زوجها رجعتها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا ارتجع - أي: المطلق - في العدة ثبتت الرجعة. لما جعل الله - عزَّ وجلَّ في العدة له من الرجعة، وإلى أن قول اللَّه - عز وجل -: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) لمن راجع ضراراً في العدة، لا يريد حبس المرأة رغبة، ولكن عَضلاً عن أن تحل لغيره. وقد قال اللَّه تعالى: (لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية. فنهى عن إمساكهن للعضل ثم يطلقهن، فذهب إلى أن الآية قبل هذا يحتمل أن يكون نهى عن رجعتهن للعضل لا للرغبة، وهذا معنى يحتمل الآية، ولا يجوز إلا واحد من القولين - واللَّه تعالى أعلم بالصواب -. الأم (أيضاً) : مالا يحل أن يؤخذ من المرأة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ) الآية، فدل على لأنه أباح حبسها مكروهة، واكتفى بالشرط في عشرتها بالمعروف، لا أنَّه أباح أن يعاشرها مكروهة بغير المعروف.

الأم (أيضاً) : ما جاء في الصداق: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي المطلبي رحمه الله قال: قال الله - عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) الآية. فيحتمل هذا أن يكون مأموراً بصداق من فَرَضَه، دون من لم يفرضه، دخل أو لم يدخل، لأنَّه حق ألزمه نفسه. فلا يكون له حبس شيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله تعالى له، وهو: أن يطلق قبل الدخول. الأم (أيضاً) : جماع عشرة النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية، فجعل اللَّه للزوج على المرأة، وللمرأة على الزوج حقوقاً بينهما في كتابه، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - مفسرة ومجملة، ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم. وجماع المعروف: إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه، وكف المكروه. الأم (أيضاً) : الخلع والنشوز: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وتد قال اللَّه - عز وجل -: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) الآية. فيحل للرجل حبس المرأة على ترك بعض القَسم لها، أو كفه ما طابت به نفساً، فإذا رجعت فيه لم في له إلا العدل لها، أو فراقها؛ لأنها

إنما تهب في المستأنف ما لم يجب لها، فما أقامت على هبته حل، وإذا رجعت في هبته حلّ ما مضى بالهبة، ولم يحل ما يستقبل إلا بتجديد. الهبة له. الأم (أيضاً) : نشوز المرأة على الرجل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية. وهو ما ذكرنا مما لها عليه في بعض الأمور من مؤنتها، وله عليها مما ليس لها عليه، ولكل واحد منها على صاحبه. الأم (أيضاً) : حبس المرأة على الرجل يُكرهها ليرثها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) الآية، يقال - والله أعلم -: نزلت في الرجل يمنع المرأة حقّ الله تعالى عليه في عشرتها بالمعروف؛ عن غير طيب نفسها، ويحبسها لتموت فيرثها، أو يذهب ببعض ما آتاها، واستثنى: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، وقيل: لا بأس بأن يحبسها كارهاً لها إذا أذى حق الله تعالى فيها، لقول الله - عز وجل -: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) وقيل في هذه الآية: دلالة على أنَّه انمّا حرم عليه حبسها مع منعها الحق ليرثها، أو يذهب ببعض ما آتاها، وإذا منعها الحقّ، وحبسها، وذهب ببعض ما آتاها فطلبته، فهو مردود عليها، إذا أقرَّت بذلك، أو قامت به بينة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قيل: فإن أتت عنده بفاحشة وهي: الزنا. فحبسها على منع الحق في القَسْم، لا أن ضربها ولا منعها نفقة، فأعطته بعض ما آتاها، حل له أخذه، وكانت معصيتُها اللَّهَ بالزنا، ثم معصيته أكبر من معصيتها في

قال الله عز وجل: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا (20)

غير - أي: فيما دون - الزنا، وهي إذا عصته فلم تقم حدود الله لم يكن عليه جناح فيما افتدت به، فإن حبسها مانعاً لها الحق، ولم تأت بفاحشة ليرثها فماتت عنده، لم يحل له أن يرثها، ولا يأخذ منها شيئاً في حياتها، فإن أخذه رُدَّ عليها. وكان أملك برجعتها، وقيل: إن هذه الآية منسوخة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) الأم: ما جاء في الصداق: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ودلَّ قول الله تبارك وتعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا) الآية، على أن لا وقت في الصداق كثر أو قلَّ، لتركه النهي عن القنطار وهو كثير، وتركه حداً للقليل، ودلّت عليه السُّنَّة والقياس على الإجماع فنقول: أقل ما يجوز في المهر، أقل ما يتمول الناس، مما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة، وما يتبايعه الناس بينهم. فإن قال قائل: وما دلَّ على ذلك؟ قيل: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أدوا العلائق" قيل: وما العلائق يا رسول اللَّه؟ قال: "ما تراضى عليه الأهلون" الحديث. ولا يقع اسم عَلَقَ إلا على ما يتمول وإن قلَّ، ولا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها، وتكون إذا استهلكها مستهلك أدَّى قيمتها وإن قلّت، وما لا يطرحه الناس من أموالهم، مثل: الفَلْس وما أشبه ذلك الذي يطرحونه.

الأم (أيضاً) : مالا يحل أن يؤخذ من المرأة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى ذكره: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ) الآية، فأعلم أنه إذا كان الأخذ من الزوج، من غير أمر من المرأة في نفسها وَلا عشرتها، ولم تطب نفساً بترك حقها في القسم لها وماله، فليس له منعها حقها، ولا حبسها إلا بمعروف، وأول المعروف: تأدية الحقِّ، وليس له أخذ مالها بلا طيب نفسها. الأم (أيضاً) : باب (الخلاف في الصداق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: إنّ اللَّه - عز وجل - قال: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا) الآية، وذكر الصداق في غير موضع من القرآن سواه، فلم يحد فيه حداً، فتجعلَ الصداق - الخطاب للمحاور - قنطاراً لا أنقص منه، ولا أزيد عليه!. الأم (أيضاً) : ما يجوز به أخذ مال المرأة منها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ) إلى (مُبِينًا) ، وهذه الآية في معنى الآية التي كتبنا قبلها. واذا أراد الرجل الاستبدال بزوجته، ولم ترِد هي فرقته، لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئاً بأن يستكرهها عليه، ولا أن يطلقها لتعطيه فدية منه، فإن فعل وأقرَّ بذلك، أو قامت عليه بينة، ردَّ ما أخذ منها عليها.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو علمته يريد الاستبدال بها، ولم يمنعها حقها. فنشرت ومنعته بعض الحق، وأعطته مالاً، جاز له أخذه، وصارت في معنى من يخاف ألَّا يقيم حدود اللَّه، وخرجت من أن يكون يُراد فراقها، فيفارق بلا سبب منها، ولا منع لحق في حال متقدمة لإرادته ولا متأخرة. الأم (أيضاً) : بلغ الرشد وهو الحجر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قول اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) الآية. فأحلَّه الله إذا كان من قِبَلِ المرأة، كما حل للرجل من مال الأجنبيين بغير توقيت شيء فيه ثلث، ولا أقل، ولا أكثر، وحرَّمه إذا كان من قِبَل الرجل، كما حرّم أموال الأجنبيين أن يغتصبوها. مختصر المزني: نكاح المُتعه والمحلل، وباب (الخلاف في نكاح المُتعة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ) الآية، فجعل إلى الأزواج فرقة من عقدوا عليه النكاح، مع أحكام ما بين الأزواج، فكان بيناً - واللَّه أعلم - أن نكاح المتعة منسوخ بالقرآن والسنة؛ لأنه إلى مدة ثم نجده ينفسخ بلا إحداث طلاق فيه، ولا فيه أحكام الأزواج.

قال الله عز وجل: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا (21)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) الأم: ما لا يحل أن يُؤخذ من المرأة قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقول اللَّه تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) الآية، حَظْرٌ لأِخذِه - أي: المهر أو شيء مما أعطي للمرأة - إلا من جهة الطلاق قبل الإفضاء، وهو: الدخول، فيأخذ نصفه بما جُعل له، ولأنه لم يوجب عليه أن يدفع إلا نصف المهر في تلك الحال، وليس بَحَظْر منه إن دخل أن يأخذه إذا كان ذلك من قِبَلِهَا، وذلك لأنَّه إنما حَظَرَ أخذه إذا كان من قبل الرجل، فأما إذا كان من قِبَلِها، وهي طيبة النفس به فقد أذن به في قول اللَّه تبارك وِتعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية. فائدة: الزاهر باب (ما ينقض الوضوء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: والملامسة: أن يفضي بشيء منه إلى جسدها، أو تفضي إليه، لا حائل بينهما. قال الأزهري رحمه اللَّه: والإفضاء على وجوه: أحدها: أن يلصق بشرته ببشرتها، ولا يكون بين بشرتيهما حائل، من ثوب ولا غيره، وهذا يوجب الوضوء عند الشَّافِعِي رحمه اللَّه.

قال الله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا (22)

الوجه الثاني: من الإفضاء: أن يولج فرجه في فرجها حتى يتماسا، وهذا يوجب الغسل عليهما، وهو قول اللَّه - عز وجل -: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ) الآية. أراد الإفضاء: الإيلاج هاهنا. الوجه الثالث: من الإفضاء: أن يجامع الرجل الجارية الصغيرة التي لا تحتمل الجماع، فيصير مسلكاها مسلكاً واحداً، وهو من الفضاء: وهو البلد الواسع، يقال: جارية مُفْضَاة وشَرِيم: إذا كانت كذلك. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكحَءَابَاؤكم من النساء إِلا مَا قَد سَلَفَ) الأم: ما يحرم من النساء بالقرابة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) فأي امرأة نكحها رجل، حرمت على ولده، دخل بها الأب، أو لم يدخل بها، وكذلك ولد ولده من قبل الرجال والنساء، وإن سفلوا؛ لأن الأبوُّة تجمعهم معاً. وفي قول الله - عز وجل -: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) الآية. كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه، وكان الرجل يجمع

بين الأختين، فنهى - عز وجل - أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين، أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية قبل علمهم بتحريمه. الأم (أيضاً) : الخلاف فيما يؤتى بالزنا: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: وقلنا إذا نكح رجل امرأة حرمت على ابنه وأبيه، وحرمت عليه أمُّها بما حكيت من قول الله - عزَّ وجلَّ، فإن زنى بامرأة أبيه، أو ابنه، أو أم امرأته، فقد عصى الله تعالى، ولا تحرم عليه امرأته، ولا على أبيه، ولا على ابنة امرأته لو زنى بواحدة منهما، لأنَّ الله - عزَّ وجلَّ إنَّما حرّم بحرمة الحلال تعزيزاً لحلاله، وزيادة في نعمته، بما أباح منه، بأن أثبت به الحُرَمَ التي لم تكن قبله، وأوجب بها الحقوق، والحرام خلاف الحلال. . . قال اللَّه تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) الآية. الأم (أيضاً) : المدعي والمدعى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) الآية. فقلنا - بهذه الآية وما في موضوعها - إن التحريم في غير النسب والرضاع، وما خصته سنة بهذه الآية وغيرها إنما هو النكاح، ولا يحرم الحلال الحرام، وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما. وقال بعض الناس: إذا قبَّل أم امرأته، أو نظر إلى فرجها بشهوة حرمت عليه امرأته، وحرمت هي عليه؛ لأنَّها أم امرأته، ولو أن امرأته قبَّلت ابنه بشهوة حرمت على زوجها.

قال الله عز وجل: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة

فقلنا له: ظاهر القرآن يدل على أن التحريم إنَّما هو بالنكاح، فهل عندك سنَّة بأن الحرام يحرّم الحلال؟ قال: لا. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) الآية. فمن أين زعمتَ - أي: للمحاور - أن حكم الحلال حكم الحرام! ؛ وأبيت ذلك في المرأة يفارقها زوجها، والأمَةِ يفارقها زوجها. فيصيبها سيدها؟!. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) الأم: ما يحرم من النساء بالقرابلاً: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ) الآية. والأمهات: أم الرجل (الوالدة) ، وأمَّهاتها، وأمّضهات آبائه، وإن بَعُدت الجدات، لأنهن يلزمهن اسم الأمهات. والبنات: بناتُ الرجل لصلبه، وبنات بنيه، وبناتهن، وإن سفلن، فكلُّهن يلزمهن اسم البنات، كما لزم الجدات اسم الأمهات، وإن علون وتباعدن منه، وكذلك ولد الولد وإن سفلوا.

والأخوات: من ولد أبيه لصلبه، أو أفه نفسها. وعماته: من ولد جده الأدنى أو الأقصى، ومن فوقهما من أجداده. وخالاته: من ولدته أم أمه، وأمها، ومن فوقهما من جداته من قِبَلها. وبنات الأخ: كل ما ولد الأخ لأبيه، أو لأمه، أو لهما، من ولدٍ ولدته والدته فكلهم بنو أخيه، وإن تسفلوا. وهكذا بنات الأخت. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو شرب غلام وجارية لبن بهيمه من (شاة، أو بقرة، أو ناقة) ، لم يكن هذا رضاع، إنما هذا كالطعام والشراب، ولا يكون محرِّماً بين من شربه، إنما يحرم لبن الآدميات لا البهائم. وقال تعالى: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: حرَّم اللَّه تعالى الأخت من الرضاعة فاحتمل تحريمها معنيين: أحدهما: إذ ذكر اللَّه تحريم الأم والأخت من الرضاعة، فأقامهما في التحريم مقام الأم والأخت من النسب، أن تكون الرضاعة كلها تقوم مقام النسب، فما حَرُم بالنسب، حَرُم بالرضاع مثله، وبهذا نقول، بدلالة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقياس على القرآن. الآخر: أن يحرم من الرضاع الأم والأخت، ولا يحرم سواهما.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فأين دلالة السنة بأن الرضاعة تقوم مقام النسب؟ قيل له إن - شاء الله تعالى -: أخبرنا مالك بن أنس، عن عبد الله ابن دينار، عن سليمان بن يسار، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة " الحديث. أخبرنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرتها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عندها. وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة، فقالت عائشة، فقلت: يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أراه فلاناً لعم حفصة من الرضاعة"، فقلت: يا رسول الله لو كان فلان حياً لعمِّها من الرضاعة أيدخلُ عليَّ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، إن الرضاعة تحرِّم ما يَحرُم من الولادة" الحديث. أخبرنا ابن عيينة قال: سمعت ابن جدعان قال: سمعت ابن المسيب يحدث، عن عليٍّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنَّه قال: يا رسول الله هل لك في ابنة عمك (بنت حمزة) - رضي الله عنه - فإنها أجمل فتاة في قريش فقال: "أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة، وأن الله تعالى حرَّم من الرضاعة ما حرَّم من النسب " الحديث. والرضاع: اسم جامع، يقع على المصَّة، وأكثر منها، إلى كمال رضاع الحولين.

ويقع: على كل رضاع، وإن كان بعد الحولين. فهكذا استدللنا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن المراد بتحريم الرضاع: بعض المرضَعين دون بعض، لا من لزمه اسم: رضاع. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي نفس السنةِ لأنَّه يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة، وأن لبن الفحل يحرّم كما يُحرّم ولادة الأب، يُحرّم لبن الأب، لا اختلاف في ذلك. أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عمرو بن الشريد، أنَّ ابن عباس رضي اللَّه عنهما سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاماً، وأرضعت الأخرى جارية، فقيل له: هل يتزوج الغلام الجارية؛ فقال: " لا، اللفاح واحد " الحديث. أخبرنا سعيد بن سالم قال: أخبرنا ابن جريج، أنه سأل عطاء - رحمه الله تعالى - عن لبن الفحل أيُحرّم؟ فقال: نعم، فقلت له: أبلَغكَ مِن ثَبت؟ فقال: نعم، قال ابن جريج، قال عطاء: (وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) الآية، فهي أختك من أبيك. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا تزوج الرجل المرأة فماتت، أو طلقها قبل أن يدخل بها، لم أرَ له أن ينكح أمها؛ لأنَّ الأم مبهمة التحريم في كتاب الله - عزَّ وجلَّ ليس فيها شرط، إنَّما الشرط في الربائب، لقول اللَّه تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) الآية. وهذا قول أكثر المفتين، وقول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث.

أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، قال سُئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة ففارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها؛ فقال زيد بن ثابت: لا، الأم مبهمة ليس فيها شرط، إنَّما الشرط في الربائب. وهكذا أمهاتها وإن بعدن، وجداتها، لأنَّهن من أمهات نسائه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية، فأي امرأة نكحها رجل حرمت على أبيه، دخل بها الابن أو لم يدخل، وكذلك تحرم على جميع آبائه من قبل أبيه وأمه؛ لأن الأبوة تجمعهم معاً، وكذلك كل من نكح ولد ولده من قبل النساء والرجال وإن سفلوا؛ لأن الأبوة تجمعهم معاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكل امرأة أب، أو ابن، حرَّمْتُها على ابنه، أو أبيه بنسب، فكذلك أحرِّمها إذا كانت امرأة أبٍ، أو ابنٍ من الرضاع. فإن قال قائل: إنما قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية. فكيف حرَّمتَ حليلة الابن من الرضاعة؟ قيل: بما وصفت من جمع اللَّه بين الأم والأخت من الرضاعة، والأم والأخت من النسب في التحريم، ثم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" الحديث. فإن قال قائل فهل تعلم فِيمَ أنزلت: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) ؟

قيل: اللَّه تعالى أعلم فيما أنزلها، فأما معنى ما سمعت متفرقاً فجمعته، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد نكاح ابنة جحش، فكانت عند زيد بن حارثة، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - تبنَّاه، فأمر اللَّه تعالى ذكره أن يُدعى الأدعياء لآبائهم: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) . وقال: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ) إلى قوله: (وَمَوَالِيكُمْ) . وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) . الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأشبه - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون قوله: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية. دون أدعيائكم الذين تسمونهم أبناءكم، ولا يكون الرضاع من هذا في شيء، وحرّمنا من الرضاع بما حرَّم الله قياساً عليه، وبما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه: "بحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قوله - سبحانه وتعالى -: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) الآية، وكان الرجل يجمع بين الأختين، فنهى الله - عزَّ وجلَّ عن أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين، أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية، قبل علمهم بتحريمه، ليس أنَّه أقرَّ في أيديهم ما كانوا قد جمعوا بينه قبل الإسلام، كما أقرَّهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على نكاح الجاهلية الذي لا يحل في الإسلام بحال.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما حرَّمنا على الآباء من نساء الأبناء، وعلى الأبناء من نساء الآباء، وعلى الرجل من أمهات نسائه، وبنات نسائه اللاتي دخل بهن بالنكاح فأصيب. فأما بالزنا: فلا حكم للزنا يحرم حلالاً، وإن كانت الإصابة بنكاح فاسد. احتمل أن يحرّم من قِبَلِ أنه يثبت فيه النسب، ويؤخذ فيه المهر، ويُدرأُ فيه الحدُّ، وتكون فيه العدة، وهذا حكم الحلال، وأحبّ إليَّ أن يحرّم به من غير أن يكون واضحاً، فلو نكح رجل امرأة نكاحاً فاسداً فأصابها، لم في له - عندي - أن ينكح أمها ولا ابنتها، ولا ينكحها أبوه ولا ابنه، وإن لم يصب الناكح نكاحاً فاسداً، لم يحرم عليه النكاح الفاسد بلا إصابة فيه شيئاً، من قِبَل أنَّ حكمه لا يكون فيه صداق، ولا يلحق فيه طلاق، ولا شيء مما بين الزوجين. الأم (أيضاً) : ما يحرم الجمع بينه من النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجمع بين أختين أبداً بنكاح، ولا وطء ملك. وكل ما حرم من الحرائر بالنسب والرضاع، حَرُم من الإماء مثله إلا العدد. والعدد ليس من النسب والرضاع بسبيل، فإذا نكح امرأة ثم نكح أختها، فنكاح الآخرة باطل، ونكاح الأولى ثابت، وسواء دخل بها، أو لم يدخل بها، ويفرَّق بينه وبين الآخرة. أخبرنا الربيع قال:

قال الله عز وجل: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يجمع الرجل يين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) الأم: ما يحرم الجمع بينه من النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية. والمحصنات: اسم جامع، فَعمَاعُه أن الإحصان المنع. والمنع يكون بأسباب مختلفة منها: المنع بالحبس، والمنع يقع على الحرائر بالحرية، ويقع على المسلمات بالإسلام، ويقع على العفائف بالعفاف، ويقع على ذوات الأزواج، فاستدللنا بأن أهل العلم لم يختلفوا فيما علمت، بأن ترك تحصين الأمة والحرة بالحبس لا يحُرِّم إصابة واحد؛ منهما بنكاح ولا ملك؛ ولأني لم أعلمهم اختلفوا في: أن العفائف وغير العفائف فيما في منهن بالنكاح والوطء بالملك سواء، على أن هاتين ليستا بالمقصود قصدهما بالآية. والآية تدلُّ على أنَّه لم يرد بالإحصان هاهنا الحرائر، فبين أنَّه إنَّما قصد بالآية: قصد ذوات الأزواج، ثم دلُّ الكتاب، وإجماع أهل العلم أن ذوات

الأزواج من الحرائر والإماء محرمات على غير أزواجهن حتى يفارقهن أزواجهن بموت، أو فرقة طلاق، أو فسخ نكاح، إلا السبايا فإنهن مفارقات لهن بالكتاب والسنة والإجماع. الأم (أيضاً) : الخلاف في السبايا: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكرت لبعض الناس ما ذهبت إليه في قول الله عزَّ وجلَّ: (إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، فقال: هذا كما قلت، ولم يزل يقول به، ولا يفسره هذا التفسير الواضح، غير أنَّا نخالفك منه في شيء! قلت: وما هو؟ قال: نقول في المرأة يسبيها المسلمون قِبَل زوجها تستبرأ بحيضة، وتُصاب - ذات زوج كانت أو غير ذات زوج - قال: ولكن إن سبيت وزوجها معها، فهما على النكاح. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له: سَبَى النبي - صلى الله عليه وسلم - نساء بني المصطلق، ونساء هوازن بحُنَين، وأوطاس، وغيره فكانت سنَّتُه فيهم، ألَّا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض، وأمر أن يُستبرأنَ بحيضة حيضة. وقد أسر رجالاً من بني المصطلق وهوازن، فما علمناه سأل عن ذات زوج ولا غيرها، فاستدللنا على أن السِّبَاء قطعٌ للعصمة، والمسبية إن لم يكن السباء يقطع عصمتها من زوجها إذا سُبيَ معها، لم يقطع عصمتها لو لم يُسبَ معها، ولا يجوز لعالم ولا ينبغي أن يشكل عليه بدلالة السنة، إذ لم يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له عن ذات زوج ولا غيرها. وقد علم - صلى الله عليه وسلم - أن فيهن ذوات أزواج بالحمل، وأذن بوطئهن بعد وضع الحمل، وقد أسِرَ من أزواجهن معهن، أن السِّبَاء قطع للعصمة.

أخبرنا الطحاوي قال: حدثنا المزني قال: حدثنا الشَّافِعِي - رحمه الله - قال: وسمعت الثقفي يحدِّث، عن خالد الحدّاء، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في قول الله - عز وجل -: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية. قال: سبايا كان لهن أزواج قبل أن يسبين فأحللن. الأم (أيضاً) : المرأة تسبى مع زوجها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر ابن مسعود - رضي الله عنه -، قول الله عزَّ وجلَّ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) ذوات الأزواج اللاتي ملكتموهن بالسبي، ولم يكن استيماؤهن بعد الحرية، بكثر من قطع العصمة بينهن وبين أزواجهن، وسواء أسِرْن مع أزواجهن، أو قبل أزواجهن، أو بعد، أو كن في دار الإسلام، أو دار الحرب، لا تقع العصمة إلا ما كان بالسباء الذي كن به مستأميات بعد الحرية، وقد سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجالاً من هوازن، فما علمناه سأل عن أزواج المسبيات، أسبُوا معهن، أو قبلهن، أو بعدهن، أو لم يسبَوا، ولو كان في أزواجهن معنى لسأل عنهن - إن شاء الله تعالى -. الأم (أيضاً) : كتاب (الصداق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في كتاب الله - عزَّ وجلَّ أن على الناكح الواطئ صداقاً، لما ذكرتُ، ففرض اللَّه في الإماء أن يُنكحن بإذن أهلهن، وُيؤتين أجورهن، والأجر: الصداق، وبقوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية، فأمر اللَّه الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن. والأجر هو: الصداق، والصداق هو: الأجر والمهر، وهي كلمة عربية تُسمى بعدة أسماء. الأم (أيضاً) : الجمع بين المرأة وعمتها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد يذكر اللَّه - عز وجل - الشيء في كتابه فيحرمه، ويُحرم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - غيره، مثل قوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية. ليس فيه إباحة أكثر من أربع؛ لأنه انتهى بتحليل النكاح إلى أربع، وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لغيلان بن سلمة - رضي الله عنه -، وأسلم وعنده عشر نسوة: "أمسك أربعاً وفارق سائرهن" الحديث. فأبان على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن انتهاء الله بتحليله إلى أربع حظرٌ لما وراء أربع، وإن لم بكن ذلك نصاً في القرآن، وحرّم من غير جهة الجمع والنسب النساء المطلقات ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره بالقرآن، وامرأة الملاعن بالسنة، وما سواهن مما سميت كفاية لما استُثني منه.

الأم (أيضاً) : المدعي والمدعى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم قال سبحانه: (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، فقال - أي: المحاور -: قد سمى الله من حرّم، ثم أحل ما وراءهن، فلا أزعم أنَّ ما سوى هؤلاء حرام، فلا بأس أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها؟! وبينها وبين خالتها! لأن كل واحدة منهما تحل على الانفراد، ولا أجد في الكتاب تحريم الجمع بينهما؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله: ليس ذلك له، والجمع بينهما حرام، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه. الأم (أيضاً) : باب الخلاف في اليمين مع الشاهد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول الله عزَّ وجلَّ: (كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، فحرمنا نحن وأنت - الخطاب: للمحاور - أن يُجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها بالسنة. الرسالة: (في محرمات النساء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، فاحتملت الآية - والآية التي قبلها - معنيين.

أحدهما: أن ما سمى اللَّه من النساء مَحْرَماً مُحَرَّم، وما سكت عنه حلال بالصمت عنه، وبقول اللَّه: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية. وكان هذا المعنى هو الظاهرَ من الآية. وكان بيناً في الآية أن تحريم الجمع بمعنىَ غير تحريم الأمهات، فكان ما سمى حلالاً حلال، وما سمى حراماً حرام، وما نهى عن الجمع بينه من الأختين كما نهى عنه. وكان في نهيه عن الجمع بينهما دليل على أنه إنما حرم الجمع، وأن كل واحدة منهما على الانفراد حلال في الأصل، وما سواهن من الأمهات والبنات والعمات والخالات، محرمات في الأصل. وكان معنى قوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، من سمى تحريمه في الأصل، ومن هو في مثل حاله بالرضاع، أن ينكحوهن بالوجه الذي حل به النكاح. فإن قال قائل: ما دلَّ على هذا؛ فإن النساء المباحات لا يحل أن يُنكح منهن أكثر من أربع، ولو نكح خامسة فسخ النكاح، فلا تحِل منهن واحدة إلا بنكاح صحيح، وقد كانت الخامسة من الحلال بوجهِ، وكذلك الواحدة، بمعنى قول اللَّه: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، بالوجه الذي أحِل به النكاح، وعلى الشرط الذي أحلَّه به، لا مطلقاً. فيكون نكاح الرجل المرأة لا يُحرًم عليه نكاح عمتها ولا خالتها بكل حال، كما حرّم اللَّه أمهات النساء بكل حالِ، فتكون العمة والخالة داخلتين في معنى من أحل بالوجه الذي أحلَّها به. كما في له نكاح امرأة إذا فارق، رابعة كانت العمة إذا فورقت ابنةُ أخيها حلَّت.

الرسالة (أيضاً) : باب (العلل في الأحاديث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، والتي قبلها، وذكر الله من حرّم، ثم قال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" الحديث. فلم أعلم مخالفاً في اتباعه. فكانت فيه دلالتان: الأولى: دلالة على أن سنَّة رسول الله لا تكون مخالفة لكتاب الله بحال. ولكنها مبينة عامَّهُ وخاصَّهُ. الثانية: ودلالة على أنهم قبلوا فيه خبر الواحد، فلا نعلم أحداً رواه من وجه يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أبا هريرة - رضي الله عنه -. قال - المحاور -: أفيحتمل أن يكون هذا الحديث عندك خلافاً لشيء من ظاهر الكتاب؟ فقلت: لا، ولا غيره. قال: فما معنى قول الله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) الآية، فقد ذكر التحريم وقال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية. قلتُ: ذكَر تحريم من هو حرام بكل حال، مثل: الأمّ والبنت والأخت والعمّة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت، وذكر من حرّم بكلّ حال من النسب والرضاع، وذكر من حَرَّم من الجمع بينه، وكان أصل كل واحدة منهما

مباحاً على الانفراد قال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، يعني: بالحال التي أحفها به. ألا ترى أن قوله: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، بمعنى ما أحل به. لا أن واحدة من النساء حلال بغير نكاح يصح، ولا أنه يجوز نكاح خامسة على أربع، ولا جمع بين أختين، ولا غير ذلك مما نهى عنه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له - للمحاور -: لما كان في كتاب الله دلالة على أن اللَّه قد وضع رسوله موضع الإبابة عنه، وفرض على خلقه اتباع أمره فقال: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) الآية، بما أحلَّه الله به من النكاح ومِلْك اليمين في كتابه، لا أنَّه أباحه بكلَ وجه، وهذا كلام عربي. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الحدود: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: وقال الحسين بن محمد - فيما أخبرت عنه وقرأته في كتابه، أخبرنا محمد بن سفيان بن سعيد أبو بكر (بمصر) ، أخبرنا يونس ابن عبد الأعلى قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله - عز وجل -: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) الآية، ذوات الأزواج من النساء. (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) عفائف غير خبائث: (فَإِذَا أُحْصِنَّ) قال: فإذا نكحن.

قال الله - عز وجل -: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض

قال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) الأم: ما جاء في منع إماء المسلمين: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) الآية. ففي هذه الآية - والله تعالى أعلم - دلالة على أنّ المخاطبين بهذا الأحرار دون المماليك، فأما المملوك فلا بأس أن ينكح الأمة. لأنَّه غير واجد طولاً لحرّة ولا أمة. .. فإن قال قائل: ما دلَّ على أن هذا على الأحرار ولهم دون المماليك؟ قيل: الواجدون للطول، المالكون للمال، والمملوك لا يملك مالاً بحال. ويشبه ألَّا يخاطب، بأن يقال: إن لم يجد مالاً من يعلم أنَّه لا يملك مالاً بحال؛ إنما يملك أبداً لغيره. قال: ولا في نكاح الأمة إلا كما وصفتُ في أصل نكاحهن، إلا بأن لا يجد الرجل الحرّ بصداق أمة طولاً لحرّة، وبأن يخاف العنت، والعنت: الزنا.

فإذا اجتمع ألَّا يجد طولاً لحرة، وأن يخاف الزنا، حل له نكاح الأمة، وان انفرد فيه أحدهما، لم يحلل له، وذلك أن يكون لا يجد طولاً لحرة وهو لا يخاف العنت، أو يخاف العنت وهو يجد طولاً لحرَّة، إنما رُخِّص له في خوف العنت على الضرورة. الأم (أيضاً) : نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا) الى قوله: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) الآية. وفي إباحة اللَّه الإماء المؤمنات على ما شرط، لمن لم يجد طولاً، وخاف العنت، دلالة - واللَّه تعالى أعلم - على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب، وعلى أن الإماء المؤمنات لايحللنْ إلا لمن جمع الأمرين مع إيمانهن، لأن كل ما أباح بشرط لم يحلل إلا بذلك الشرط، كما أباح التيمم في السفر والإعواز في الماء، فلم يحلل إلا بأن يجمعهما المتيمم، وليس إماء أهل الكتاب مؤمنات، فيحللن بما حلَّ به الإماء المؤمنات من الشرطين مع الإيمان. الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم: قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: وقال الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) إلى قوله: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) الآية. فبهذا كله نقول: لا تحل مشركة من غير أهل الكتاب بنكاح، ولا في أن ينكح من أهل الكتاب إلا حرَّة، ولا من الإماء

إلا مسلمة، ولا تحل الأمة المسلمة حتى يجتمع الشرطان معاً، فيكون ناكحها لا يجد طولاً لحرَّة، ويكون يخاف العنت إن لم ينكحها، وهذا أشبه بظاهر الكتاب. وأحبّ إليَّ لو ترك نكاح الكتابية، وإن نكحها فلا بأس، وهي كالحرَّة المسلمة في القَسم لها، والنفقة، والطلاق، والإيلاء، والظهار، والعدة وكل أمر، يعني: أنهما لا يتوارثان، وتعتدُّ منه عدة الوفاة، وعدة الطلاق، وتجتنب في عدتها ما تجتنب المعتدة - وكذلك الصبية - ويجبرها على الغسل من الجنابة والتنظيف. فأما الأمة المسلمة: فإن نكحها وهو يجد طولاً لحرَّة فُسخ النكاح، ولكن إن لم يجد طولاً ثم نكحها، ثم أيسر لم يُفسخ النكاح؛ لأن العقدة انعقدت صحيحة فلا يفسدها ما بعدها، ولو عقد نكاح حرَّة وأمة فقد قيل: تثبت عقدة الحرَّة، وعقدة الأمة مفسوخة. وقد قيل: هي مفسوخة معاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو، عن أبي الشعثاء قال: لا يصلح نكاح الإماء اليوم؛ لأنَّه يجد طولاً إلى حرَّة. الأم (أيضاً) : باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال سبحانه وتعالى في الإماء: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) الآية وغيرها من الآيات التي تبين منزلة الولي في عقد النكاح -. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن سليمان ابن موسى، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

أنَّه قال: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، ثلاثاً، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففي سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دلالات منها. 1 - أن للولي شركاً في بضع المرأة، ولا يتم النكاح إلَّا به، ما لم يعضلها. 2 - ثم لا نجد لشركه في بضعها معنى تملُّكة، وهو معنى فضل نظر بحياطة الموضع، أن ينال المرأة من لا يساويها، وعلى هذا المعنى اعتمد من ذهب إلى الأكفاء - والله أعلم -. 3 - ويحتمل أن تدعو المرأة الشهوة إلى أن يصير إلى ما لا يجوز من النكاح. فيكون الولي أبرأ لها من ذلك فيها، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: البيان من أن العقدة إذا وقعت بغير وَليٍّ فهي منفسخة، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فنكاحها باطل" الحديث. والباطل لا يكون حقاً إلا بتجديد نكاح غيره، ولا يجوز لو أجازه الولي أبداً، لأنَّه إذا انعقد النكاح باطلاً لم يكن حقاً، إلا بأن يعقد عقداً جديداً غير باطل. 4 - وفي السنة دلالة على أن الإصابة إذا كانت بالشبهة ففيها المهر، ودرء الحد؛ لأنَّه لم يذكر حداً. 5 - وفيها أن على الولي أن يزوج إذا رضيت المرأة، وكان البعل رضاً. فإذا منع ما عليه زَوَّج السلطان، كما يعطي السلطان ويأخذ ما منع مما عليه.

الأم (أيضاً) : عدة الأمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال سبحانه وتعالى في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ الآية. وكان للزنا حدَّان: أحدهما: الجلد، فكان له نصف، فجعل عليها النصف. ثانيهما: ولم يكن للرجم نصف، فلم يجعل عليها، ولم يبطل عنها حد الزنا. وحُدَّت بأحد حدَّيه على الأحرار. وبهذا مضت الآثار عما روينا عنه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : وشهود الزنا أربعة: وقال اللَّه - عز وجل - في الإماء نيمن أحصن: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال من أحفظ عنه من أهل العلم: إحصانها إسلامها. فإذا زنت الأمة المسلمة جلدت خمسين؛ لأن العذاب في الجلد يتبعْض ولا يتبعْض في الرجم. وكذلك العبد. وذلك لأن حدود الرجال والنساء لا تختلف في كتاب الله - عز وجل -. ولا سُنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولا عامة المسلمين، وهما مِثل الحرين في ألَّا يقام عليهما الحد إلا بأربعة، كما وصفت في الحرين، أو باعتراف يَثْبُتان عليه، لا يخالفان في هذا الحرين.

مختصر المزني: باب (في عدة الأمة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرَق اللَّه بين الأحرار والعبيد في حد الزنا، فقال في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ) الآية. ألا ترى أنَّ الحرَ المحصن يزني بالأمة فيرجم، وتجلد الأمة خمسين، والزنا معنى واحد، فاختُلف حكمه لاختلاف حال فاعليه. فكذلك يحكم للحرِّ حكم نفسه في الطلاق ثلاثاً، وإن كانت امرأته أمة. وعلى الأمة عدَة أمةٍ، وإن كان زوجها حراً. الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذي يدُل الكتاب على بعضه، والسنة على بعضه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المملوكات: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية. والنصف لا يكون إلا من الجلد الذي يتبعَّض، فأمَّا الرجم - الذي هو قتل - فلا نصف له؛ لأن المرجوم قد يموت في أول حجر يُرمى به فلا يزاد عليه. وُيرمى بألف وأكثر فيزاد عليه حتى يموت، فلا يكون لهذا نصف محدود أبداً. والحدود مؤقَّتة بإتلاف نفسي، والإتلاف موقَّتٌ بعدد ضربٍ، أو تحديد قطع، وكل هذا معروف، ولا نصف للرجم معروف. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا زنت أمةُ أحدكم فتبيَّن زناها فليجلدها " الحديث. ولم يقل: "يرجمها"، ولم يختلف المسلمون في ألَّا رجم على المملوك في الزنا.

وإحصان الأمة إسلامها وإنما قلنا هذا استدلالاً بالسنة، وإجماع أكثر أهل ولما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها" ولم يقل: "محصنة كانت أو غير محصنة"، استدللنا على أن قول الله في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية. إذا أسلمن، لا إذا نكِخن فأصبن بالنكاح - أي: زُوِّجن -، ولا إذا أعتقن وإن لم يُصبن. فإن قال قائل: أراك توقع الإحصان على معانٍ مختلفة؟ قيل: نعم، جماع الإحصان: أن يكون دون التحصين مانع من تناول المحرَّم. فالإسلام مانع، كذلك الحرية مانعة، وكذلك الزوج والإصابة مانع. وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما منع أَحصَن، قال الله: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) وقال: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ) يعني: ممنوعة. وقال - الشَّافِعِي رحمه الله -: وآخر الكلام وأوله يدلان على أن معنى الإحصان المذكور عامًّا في موضع دون غيره: أن الإحصان هاهنا الإسلام، دون النكاح والحرية والتحصين بالحبس والعفاف، وهذه الأسماء التي يجمعها اسم الإحصان. أحكام القرآن: ما يؤتر عنه في الحدود: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - عز وجل -: (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ) عفائف غير خبائث.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (29)

(فَإِذَا أُحْصِنَّ) قال فإذا نكِحْنَ - أي: زُوِّجن -. (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) : غير ذوات الأزواج - أي: نصف حد الزاني الأعزب -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) الأم: الطعام والشراب: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الذ تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية، فبيّن الله - عزَّ وجلَّ في كتابه أن مال المرأة ممنوع من زوجها الواجب الحق عليها إلا بطيب نفسها، وأباحه بطيب نفسها؛ لأنَّها مالكة لمالها، ممنوع بملكها، مباح بطيب نفسها، كما قضى الله - عزَّ وجلَّ في كتابه. وهذا بيَّن أن كلّ من كان مالكاً فماله ممنوع به، محرّم إلا بطيب نفسه بإباحته، فيكون مباحاً بإباحة مالكه له، لا فرق بين المرأة والرجل. وبين أن سلطان المرأة على مالها، كسلطان الرجل على ماله إذا بلغت المحيض وجمعت الرشد.

الأم (أيضاً) : جماع ما يحل من الطعام والشراب ويَحرمُ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أصل المأكول والمشروب إذا لم يكن لمالك من الآدميين، أو أحله مالكه من الآدميين حلال، إلا ما حرّم الله - عزَّ وجلَّ في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن ما حرّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزم في كتاب اللَّه - عز وجل - أن يحرم. ويحرم ما لم يختلف المسلمون في تحريمه، وكان في معنى كتاب أو سنة أو إجماع. فإن قال قائل: فما الحجة في أنَّ كلَ ما كان مباح الأصل يحرم بمالكه حتى يأذن فيه مالكه؛ فالحجة فيه أن الله - عزَّ وجلَّ قال: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية. الأم (أيضاً) : كتاب البيوع: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تبارك وتعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية. وذكَرَ اللَّه البيعَ في غير موضع من كتابه بما يدل على إباحته، فلما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيوع تراضى بها المتبايعان، استدللنا على أنَّ الله - عزَّ وجلَّ أراد بما أحل من البيوع ما لم يدلّ على تحريمه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - دون ما حرَّم على لسانه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأصل البيوع كلّها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا، إلا ما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرّم بإذنه، داخل في المعنى المنهي عنه، وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى.

الأم (أيضاً) : باب في: (بيع العروض) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية. فكل بيع كان عن تراضِ من المتبايعين جائز من الزيادة في جميع البيوع، إلا بيعاً حرَّمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا الذهب والوَرِقِ يداً بيد، والمأكول، والمشروب في معنى المأكول، فكل ما أكل الآدميون وشربوا، فلا يجوز أن يباع بشيء منه بشيء من صنفه إلا مثلاً بمثل إن كان موزوناً، وإن كان كيلاً فكيل يداً بيد، وسواء في ذلك الذهب والوَرِق وجميع المأكول، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما عدا ذلك كله مما أكلته البهائم، ولم يأكله الآدميون مثل القرظ والقضب والنوى والحشيش، ومثل العروض التي لا تأكل مثل القراطيس والثياب وغيرها، ومثل الحيوان فلا بأس بفضل بعضه على بعض، يداً بيد، ونسيئة تباعدت أو تقاربت؛ لأنَّه داخل في معنى ما أحلَّ اللَّهُ من البيوع، وخارج من معنى ما حرَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفضل في بعضه على بعض. وداخل في نص إحلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أصحابه من بعده رضوان الله عليهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا الثقة، عن الليث، عن أبي الزبير، عن جابر ابن عبد اللَّه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى عبداً بعبدين" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنَّه: "باع بعيراً له بأربعة أبعرة مضمونه عليه بالرَّبذة" الحديث.

الأم (أيضاً) : الغصب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) ، فلم أعلم أحداً من المسلمين خالف في أنه لا يكون على أحدٍ أن يملك شيئاً إلا أن يشاء أن يملكه، إلا الميراث فإن اللَّه - عز وجل - نقل ملك الأحياء إذا ماتوا إلى من وَرَّثهم إياه، شاؤوا أو أبوا. الأم (أيضاً) : كراء الأرض البيضاء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) الآية، وقال عزَّ وجلَّ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) . فكانت الآيتان مطلقتين على إحلال البيع كلّه، إلا أن تكون دلالة من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أو في إجماع المسلمين الذين لا يمكن أن يجهلوا معنى ما أراد اللَّه، تخصّ تحريم بيع دون بيع، فنصير إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه؛ لأنَّه المبين عن الله - عز وجل - معنى ما أراد اللَّه خاصّا وعاماً، ووجدنا الدلالة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم شيئين: أحدهما: التفاضل في النقد، والآخر: النسيئة كلّها. وما سوى هذا فعلى أصل الآيتين من إحلال اللَّه - عز وجل -. الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أَوحى إليه. .) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومنهم من قال: لم يَسُن - النبي - صلى الله عليه وسلم - سنَّة قط إلا ولها أصل في الكتاب، كما كانت سنته لتبيين عدد الصلاة وعملها، على أصل جُملَة

فرض الصلاة، وكذلك ما سَنَّ من البيوع وغيرها من الشرائع؛ لأنّ الله قال: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) ، وقال: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فما أحل وحَرَّم فإنما بَيَّن فيه عن الله، كما بيَّن الصلاة. ومنهم من قال: بل جاءته به رسالة الله، فأثبتت سُنتُهُ بفرض الله. ومنهم من قال: ألقِي في رُوعه كلُّ ما سنَّ، وسنته الحكمة: الذي ألقي في رُوعه عن الله، فكان ما ألقي في رُوعه سنته. أخبرنا عبد العزيز - ابن محمد الدراوردي -، عن عمرو بن أبي عمرو. عن المطلب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الزوح الأمين قد ألقى في رُوعي أنه لن تموت نفس حتى نستوفي رزقها، فأجملوا في الطلب" الحديث. الرسالة (أيضاً) : الفرض المنصوص الذي دلَّت السنة على أنه إنما أراد الخاص: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية، ثم ساق ما ورد في الأم. الرسالة (أيضاً) : باب (العلل في الأحاديث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) ، ثم حرّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

بيوعاً، منها الدنانير بالدراهم إلى أجل، وغيرها، فَحرَّمها المسلمون بتحريم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فليس هذا ولا غيره خلافاً لكتاب الله. مختصر المزني: مقدمة اختلاف الحديث: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور -: ويجوز أن ينسخ القرآن السنة إلا أحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة تنسخها، قال: أما هذا فأحبّ أن تبينه لي؟ قلت: أرأيت لو جاز أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنَّ فتلزمنا سئته، ثم نسخ الله سنته بالقرآن، ولا يحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - مع القرآن سُنَّة تدل على أن سنته الأولى منسوخة، ألا يجوز أن يقال إنما حرّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَا حرّم من البيوع قبل نزول قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) الآية. وقوله: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) .! أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيد والذبائح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والحجة في أن ما كان مباح الأصل، يحرُم بمالكه. حتى يأذن فيه مالكه. (يعني: وهو غير محجور عليه) أن الله جل ثناؤه قال: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) . أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، أخبرنا عبد الرحمن يعني: (ابن أبي حاتم) ، أخبرني أبي، قال سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول:

قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - عز وجل -: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية. قال: لا يكون في هذا المعنى إلا هذه الثلاثة الأحكام. فهو الأكل بالباطل، على المرء في ماله، فرض من الله - عزَّ وجلَّ لا ينبغي له التصرف فيه، وشيء يعطيه يريد به وجه صاحبه، ومن الباطل، أن يقول: اُحْزُز ما في يدي وهو لك. آداب الشافعى: في الجامع: أخبرنا أبو محمد، أخبرني أبي، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) الآية. قال: لا يكون في هذا المعنى إلا هذه الثلاثة الأحكام فما عداها فهو: من الأكل بالباطل. أولهما: على المرء في ماله فرض من الله تعالى، لا ينبغي له حبسه. ثانيهما: وشيء يُعطيه - يُريد به وجه الله تعالى - ليس مفترضاً عليه. ثالهما: وشيء يعطيه، يريد به وجه صاحبه.

قال الله عز وجل: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله

ومن الباطل أن يقول: اُحْزُز ما في بيتي وهو لك. تفسير ابن كثير: في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) الآية: احتج الشَّافِعِي رحمه الله بهده الآية على: أنَّه لا يصح البيع إلا بالقبول. لأنَّه يدلّ على التراضي نصاً بخلاف المعاطاة، فإنها قد لا تدلُّ على الرضا ولا بد، وخالف الجمهور في ذلك (مالك وأبو حنيفة وأحمد) ، فرأوا أن الأقوال كما تدلُّ على التراضي فكذلك الأفعال تدلُّ في بعض المحالِّ قطعاً، فصححوا بيع المعاطاة، ومنهم من قال: يصحُّ في المحقرات، وفيما يعده الناس بيعاً، وهو احتياط نظر من محققي المذهب - والله أعلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) الأم: لا نكاح إلا بولي: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) وهذا أبين ما في القرآن من أنَّ للولي مع المرأة في نفسها حقاً، وأن على الولي ألا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف.

قال الشَّافِعِي رحمه اللُّه: وجاءت السنة - بمثل معنى كتاب الله - عزَّ وجلَّ، أخبرنا مسلم، وسعيد، وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأيّ امرأة نكحت بغير إذن وليها فلا نكاح لها. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فنكاحها باطل" الحديث. وإن أصابها، فلها صداق مثلها بما أصاب منها، بما قضى لها به النبي - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍى) الآية. وقال في الإماء: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) الآية. وقال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فهذه الآية - وما قبلها - أبين آية في كناب الله - عزَّ وجلَّ، دلالة على أن ليس للمرأة الحرة أن تنكح نفسها. .. وفي هذه الآية الدلالة على أنّ النكاح يتمّ برضا الولي، والمنكَحة، والناكح، وعلى أن على الولي ألا يعضل، فإذا كان عليه ألا يعضل، فعلى السلطان التزويج إذا عضل؛ لأن من منع حقاً، فأمر السلطان جائز عليه أن يأخذه منه، وإعطاؤه عليه، والسنة تدلّ على ما دلَّ عليه القرآن، وما وصفنا من الأولياء والسلطان.

أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن سلمان بن موسى، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثاً، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" الحديث. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) فقلنا: - بهذه الآية وغيرها - إن التحريم في غير النسب والرضاع، وما خصته سُنَّة - بهذه الآية وغيرها - إنَّما هو بالنكاح ولا يحرّم الحلالُ الحرامَ، وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما. الأم (أيضاً) : جماع نقض العهد بلا خيانه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قول الله - عزَّ وجلَّ: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) الآية. فكان معلوماً أن الرجل إذا عقد على المرأة النكاح ولم يرها، فقد يخطر على باله أن تنشز منه بدلالة، ومعقولاً عنده، أنه إذا أمره بالعظة والهجر والضرب، لم يؤمر به إلا عند دلالة النشوز، وما يجوز به من بعلها ما أبيح له فيها.

الأم (أيضاً) : نشوز الرجل على امرأته: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) إلى قوله: (سَبِيلا) . وقال اللَّه - عز وجل -: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) الآية. يحتمل إذا رأى الدلالات في إيغال المرأة وإقبالها على النشوز، فكان للخوف موضع أن يعظها، فإن أبدت نشوزاً هجرها، فإن أقامت عليه ضربها. وذلك أنَّ العظة مباحة قبل الفعل المكروه - إذا رؤيت أسبابه - وأن لا مؤنة فيها عليها تضرُّ بها، وأن العظة غير محرَّمة من المرء لأخيه، فكيف لامرأته؟ والهجرة لا تكون إلا بما في به الهجرة؛ لأن الهجرة محرّمة في غير هذا الموضع فوق ثلاث، والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل.. فالآية في العظة، والهجرة، والضرب على بيان الفعل، تدلُّ على أن حالات المرأة في اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب: من العظة، والهجرة، والضرب مختلفة، فإذا اختلفت فلا يشبه معناها إلا ما وصفت. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد يحتمل قوله: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّنَّ) : إذا نشزن فخفتم لجاجتهن في النشوز، أن يكون لكم جمع العظة والهجرة والضرب. وإذا رجعت الناشز عن النشوز، لم يكن لزوجها هجرتها ولا ضربها؛ لأنَّه إنما أبيحا له بالنشوز، فإذا زايلته فقد زايلت المعنى الذي أبيحا له به. الأم (أيضاً) : تفريع القَسْم والعدل بينهن: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) الآية، فإذا أذن

في هجرتها في المضجع لخوف نشوزها، كان مباحاً له أن يأتي غيرها من أزواجه في تلك الحال، وفيما كان مثلها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا الأمَةُ إذا امتنعت بنفسها، أو منعها أهلها منه، فلا نفقة ولا قَسْم لها حتى تعود إليه. وكذلك إذا سافر بها أهلها بإذنه، أو غير إذنه فلا نفقة ولا قَسْم. لها. .. الأم (أيضاً) : نشوز المرأة على الرجل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) إلى قوله: (سَبِيلا) الآية. أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد الله بن عمر، عن إياسَ بن عبد اللَّه بن أبي ذباب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تضريوا إماء الله". قال: فأتاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا رسول اللَّه ذئِرَ النساء على أزواجهن، فَأذِن في ضربهن، فأطاف بآل محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كلُّهن يشتكين أزواجهن، ولا تجدون أولئك خياركم " الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ضرب النساء، ثم إذنه في ضربهن، وقوله: "لن يضرب خياركم" يشبه أن يكون - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه على اختيار النهي، وأذن فيه بأن مباحاً لهم الضرب في الحق، واختار لهم ألَّا يضربوا، لقوله: " لن يضرب خياركم" الحديث.

ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن، ثم أذن لهم بعد نزولها بضربهن. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لن يضرب خياركم" دلالة على أنَّ ضربهن مباح، لا فرض أن يضربن، وتحتار له من ذلك ما اختار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنحبُّ للرجل ألا يضرب امرأته في انبساط لسانها عليه، وما أشبه ذلك. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأشبه ما سمعت - والله أعلم - في قوله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) الآية، أن لخوف النشوز دلائل، فإذا كانت:1 - (فَعِظُوهُنَّ) : لأن العظة مباحة، فإن لججن فأظهرن نشوزاً بقول أو فعل. 2 - (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) : فإن أقمن بذلك على ذلك. 3 - (وَاضْرِبُوهُنَّ) : وذلك بين أنَّه لا يجوز هجرة في المضجع وهو منهي عنه، ولا ضرب إلا بقول أو فعل، أو هما. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويحتمل في: (تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) : إذا نشزن. فَأَبنَّ النشوزَ فكنَّ عاصيات به، أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب، ولا يبلغ في الضرب حداً، ولا يكون مبرحاً، ولا مدمياً، ويتوقى فيه الوجه. ويهجرها في المضجع حتى ترجع عن النشوز، ولا يجاوز بها في هجرة الكلام ثلاثاً؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ إنَّما أباح الهجرة في المضجع. والهجرة في المضجع تكون بغير هجرة كلام، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجاوَز بالهجرة في الكلام ثلاثاً.

ولا يجوز لأحد أن يضرب، ولا يهجر مضجعاً بغير بيان نشوزها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قَسم للممتنعة من زوجها، ولا نفقة ما كانت ممتنعة؛ لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها، وضربها في النشوز. والامتناع نشوز، ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها، ولا ضربها وصارت على حقِّها، كما كانت قبل النشوز. وفي قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية. وهو ما ذكرنا مما لها عليه في بعض الأمور من مؤنتها، وله عليها مما ليس لها عليه، ولكل واحد منهما على صاحبه. الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) الآية. أرأيت إذا فعلت امرأتان فعلاً واحداً، وكان زوج إحداهما يخاف نشوزها. وزوج الأخرى لا يخاف به نشوزها؟ قال: يسع الذي يخاف به النشوز العظة والهجرة والضرب، ولا يسع الآخر الضرب. الأم (أيضاً) : ما جاء في حد الرجل أَمَتَهُ إذا زنت: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) الآية. فقد أباح اللَّه - عز وجل - أن يضرب الرجل امرأته وهي حرة غير ملك يمين قال: ليس هذا بحد.

قال الله عز وجل: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا (35)

قلتُ: فإذا أباحه الله - عزَّ وجلَّ - فيما ليس بحدٍّ، فهو في الحد الذي بعدد أولى أن يباح؛ لأنَّ العدد لا يتعدى، والعقوبة لا حد لها، فكيف أجزته في شيء وأبطلته في غيره. . .. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستل به على فقه الشَّافِعِي، وتقدمه فيه وحُسن استنباطه) : حدثنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: أخبرنا الربيع قال: حدثنا الشَّافِعِي قال: لا تجوز إمامة المرأة الرجال لما قصر بهن فيه عن الرجال، فإن الله جل ثناؤه قال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) الآية. وقال: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) الآية. فلما كانت الصلاة مما يقوم به الإمام على المأموم، لم يجز أن تكون المرأة التي عليها القيِّمُ قيِّمة على قيِّمِها. ولما كانت الإمامة درجة فضل لم يجز أن يكون لها درجة الفضل على من جعل الله له عليها درجة. ولما كانت من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم الإسلام أن تكون متأخرة خلف الرجال؛ لم يجز أن تكون متقدمة بين أيديهم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) الأم: الوجه الذي يحل به للرجل أن يأخذ من امرأته: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يكن له - للزوج - الأخذ أيضاً منها - من الزوجة - حتى يجمع أن يطلب الفدية منه لقوله - عز وجل -: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)

وافتداؤها منه شيء تعطيه من نفسها؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) الآية، فكانت هذه الحال التي تخالف هذه الحال، وهي التي لم تبذل فيها المرأة المهر، والحال التي يتداعيان فيها الإساءة. لا تقرُّ المرأة أنهّا منها. الأم (أيضاً) : الشقاق بين الزوجين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) الآية، قال: - اللَّه أعلم بمعنى ما أراد - من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه أمَرَهُ أن يبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها؛ والذي يشبه ظاهر الآية: فما عمَّ الزوجين معاً حتى يشتبه فيه حالاهما الآية، وذلك أني وجدت الله - عزَّ وجلَّ أذن في نشوز الرجل أن يصطلحا، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وأذن في نشوز المرأة بالضرب، وأن في خوفهما ألا يقيما حدود اللَّه بالخلع، ودلَّت السنة أن ذلك برضا من المرأة، وحظر أن يأخذ الرجل مما أعطى شيئاً، إذا أراد استبدال زوج مكان زوج، فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه بالحكمين، دلَّ ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج غيرهما، وكان الذي يعرفهما بإباية الأزواج أن يشتبه حالاهما في الشقاق، فلا يفعل الرجل الصفح ولا الفرقة، ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية،. . . فإذا كان هكذا بعث حكماً من أهله، وحكماً من أهلها، ولا يبعث الحاكمان إلا مأمومنين، وبرضا الزوجين، ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك. أخبرنا الربيع قال:

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا الثقفي، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عَييْدة، عن عليٍّ - رضي الله عنه - في هذه الآية: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) الآية. ثم قال للحكمين: هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا، أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا. أن تفرقا، قالت المرأة: رضيت بكتاب اللَّه بما عليَّ فيه ولي، وقال الرجل: أما الفرقة فلا، فقال علي - رضي الله عنه -: كذبت واللَّه حتى تقرَّ بمثل الذي أقرَّت به. الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقول علي - رضي الله عنه - يدلُّ على ما وصفت، من أن ليس للحاكم أن يبعث حكمين دون رضا المرأة والرجل عكمهما، وعلى أن الحكمين إنما هما وكيلان للرجل والمرأة، بالنظر بينهما بالجمع والفرقة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو عاد الشقاق عادا للحكمين، ولم تكن الأولى أوْلى من الثانية، فإن شأنهما بعد مرة ومرتين وأكثر واحد في الحكمين. الأم (أيضاً) : الحكمين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) الآية - واللَّه أعلم بمعنى ما أراد - فأما ظاهر الآية، فإن خوف الشقاق بين الزوجين أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه منع الحق، ولا يطيب واحد منهما لصاحبه بإعطاء ما يرضى به، ولا ينقطع ما بينهما بفرقة، ولا صلح، ولا ترك القيام بالشقاق، وذلك أن الله - عز وجل - أذن في نشوز المرأة بالعظة، والهجرة، والضرب، ولنشوز الرجل بالصلح، فإذا خافا ألا يقيما حدود اللَّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به، ونهى إذا أراد الزوج استبدال زوج مكان زوج، أن يأخذ مما آتاها شيئاً.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا ارتفع الزوجان المخوف شقاقهما إلى الحاكم. فحق عليه أن يبعث حكماً من أهله، وحكماً من أهلها، من أهل القناعة والعقل ليكشفا أمرهما، ويصلحا بينهما إن قدرا، وليس له أن يأمرهما يفرقان إن رأيا إلا بأمر الزوج ولا يُعطيا من مال المرأة إلا بإذنها،. . . وذلك أن الله - عزَّ وجلَّ إنما ذكر ألهما: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) ولم يذكر تفريقاً، وأختار للإمام أن يسأل الزوجين أن يتراضيا بالحكمين ويوكلاهما معاً، فيوكلهما الزوج، إن رأيا أن يفرقا بينهما، فرقا على ما رأيا من أخذ شيء، أو غير أخذه، إن اختبرا توليا من المرأة عنه. .. ثم ذكر حديث علي - رضي الله عنه - المذكور في الفقرة السابقة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الأم: باب ما يوجب الغسل ولا يوجبه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية.

فأوجب الله - عزَّ وجلَّ الغسل من الجنابة، فكان معروفاً في لسان العرب، أن الجنابة: الجماع، وإن لم يكن مع الجماع ماء دافق، وكذلك ذلك في حد الزنا، وإيجاب المهر وغيره، وكل من خوطب بأن فلاناً أجنب من فلانة، عَقَل أله أصابها، وإن لم يكن مقترفاً. قال الربيع رحمه الله: يريد أنَّه لم ينزل. ودلَّت السنَّة على أن الجنابة: أن يفضي الرجل من المرأة حتى يغيب فرجه في فرجها، إلى أن يواري حشفته، أو أن يرمي الماء الدافق، وإن لم يكن جماعاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان. عن سعيد بن المسيب، أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة رضي الله عنها عن التقاء الختانين؛ فقالت عائشة رضي الله عنها: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - "إذا التقى الختانان - أو مس الختانُ الختانَ - فقد وجب الغسل" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن اللَّه لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال: "نعم إذا هي رأت الماء" الحديث. الأم (أيضاً) : باب (ممر الجنب والمشرك على الأرض ومشيهما عليها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية.

فقال بعض أهل العلم بالقرآن في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) الآية، قال: لا تقربوا مواضع الصلاة، وما أشبه ما قال بما قال؛ لأنه ليس في الصلاة عبور سبيل، إنما عبور السبيل في موضعها، وهو المسجد، فلا بأس أن يمرَّ الجنبُ في المسجد ماراً ولا يقيم فيه؛ لقول اللَّه - عز وجل -: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) الآية. وذكر ابن كثير: أنَّ هذا مذهب الشَّافِعِي، وأبي حنيفة، ومالك رحمهما الله، لأنَّه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسل، أو يتيمم إن عدم الماء، أو لم يقدر على استعماله بطريقة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن عثمان بن أبي سليمان، أنَّ مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم، كانوا يبيتون في المسجد - منهم: جبير بن مطعم، قال جبير: فكنت أسمع قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي: ولا تنجس الأرض بممرِّ حائض، ولا جنب، ولا مشرك. ولا ميتة؛ لأنَّه ليس في الأحياء من الآدميين نجاسة، وأكره للحائض تمر في المسجد، وإن مرَّت به لم تنجِّسهُ. الأم (أيضاً) : صلاة السكران والمغلوب على عقله: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) الآية، يقال: نزلت قبل تحريم الخمر، وأيما كان نزولها قبل تحريم الخمر أو بعده، فمن صلى سكران لم تجز صلاته، لنهي الله - عزَّ وجلَّ إيَّاه

عن الصلاة حتى يعلم ما يقول، وإن معقولاً أن الصلاة قول، وعمل، وإمساك في مواضع مختلفة، ولا يؤدي هذا إلا من أمر به ممن عَقَلَهُ، وعليه إذا صلى سكران، أن يعيد إذا صحا، ولو صلى شارب محرَّمٍ غير سكران، كان عاصياً في شرب المحرم، ولم يكن عليه إعادة صلاة؛ لأنه ممن يعقل ما يقول. الأم (أيضاً) : باب (كيف الغسل) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية، فكان فرض الله الغسل مطلقا، لم يذكر فيه شيئاً يبدأ فيه قبل شيء، فإذا جاء المغتسل بالغسل أجزأه - والله أعلم - كيفما جاء به، وكذلك لا وقت في الماء في الغسل إلا أن يأتي بغسل جميع بدنه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: كذلك دلَّت السنَّة. فإن قال قائل: فأين فى دلالة السنة؟ قيل: لما حكت عائشة رضي اللَّه عنها: "أنها كانت تغتسل والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد " الحديث. كان العلم يحيط أن أخذهما منه مختلف، لو كان فيه وقت غير ما وصفت، ما أشبه أن يغتسل اثنان يفرغان من إناء واحد عليهما، وأكثر ما حكت عائشة رضي اللَّه عنها: غسله - صلى الله عليه وسلم - وغسلها فَرَقٌ - والفرق: ثلاثة آصع -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ورُوي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ذر: فإذا وجدت الماء فاممسسه جلدك، ولم يَحْكِ أنَّه وصف له قدراً من الماء إلا إمساس الجلد - والاختيار في الغسل من الجنابة ما حكت عائشة رضي الله عنها.

الأم (أيضاً) : باب (تقديم الوضوء ومتابعته) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأصل مذهبنا لأنَّه يأتي بالغسل كيف شاء ولو قطعه؛ لأن اللَّه - عز وجل - قال: (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية، فهذا مغتسل، وإن قطع الغسل، ولا أحسبه يجوز إذا قطع الوضوء إلا مثل هذا. أخبرنا مالك عن نافع، عن ابن عمر أنَّه توضأ بالسوق فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه، ثم دُعي لجنازة، فدخل المسجد ليصلي عليها، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها. الأم (أيضاً) : باب (المدة التي يلزم فيها الحج ولا يلزم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو حج المغلوب على عقله، لم يجز عنه، ولا يجزى عمل على البدن لا يعقل عامله، قياساً على قول اللَّه - عز وجل -: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) الآية، ولو حج العاقل المغلوب بالمرض أجزأ عنه. الأم (أيضاً) : الخلاف في اليمين مع الشاهد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجعلتَ - مخاطباً: المحاور - تيمُّمَ الجنبِ سُنة، ولم تبطلها برد عمر - رضي الله عنه -، وخلاف ابن مسعود - رضي الله عنه - التيمم، وتأولهما قول اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) الآية، والطهور بالماء، قول اللَّه عز ذكره: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية، قال: نعم.

الأم (أيضاً) : باب (كيف التيمم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عز وجل -: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) الآية. أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن أبي الحويرث (عبد الرحمن بن معاوية) ، عن الأعرج، عن ابن الصفة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تيمم فمسح وجهه وذراعيه" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومعقول: إذا كان التيمم بدلاً من الوضوء على الوجه واليدين، أن يؤتى بالتيمم على ما يؤتى بالوضوء عليه فيهما، وأن الله - عز وجل - إذا ذكرهما فقد عفا في التيمم عما سواهما من أعضاء الوضوء والغسل. ولا يجوز أن يتيمم الرجل إلا أن ييمِّمَ وجهه وذراعية إلى المرفقين، ويكون المرفقان فيما يتيمم، فإن ترك شيئاً من هذا لم يمر عليه التراب قل أو كثر، كان عليه أن يتيممه، وإن صلى قبل أن يتيممه أعاد الصلاة. الأم (أيضاً) : باب (التراب الذي يُتيمم به لا يُتيمم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال المئه تبارك وتعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) وكل وما وقع عليه اسم صعيد لم تخالطه نجاسة، فهو صعيد طيب يُتيمم به، وكل ما حال عن اسم صعيد لم يُتيمم به، ولا يقع اسم الصعيد إلا على تراب ذي غبار.

مختصر المزني: باب (الاستطابة) : واحتج - الشَّافِعِي - في الملامسة بقول الله جل وعز: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) الآية، وبقول ابن عمر رضي الله عنهما: قُبْلَة الرجل امرأته، وجَسُّها بيده من الملامسة، وعن ابن مسعود قريب من معنى قول ابن عمر رضي الله عنهما. مختصر المزني (أيضاً) : كتاب الظهار: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك طلاق السكران - أي: لا يقع -؛ لأنه لا يعقل، قال الله تعالى: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) الآية. فلم تكن له صلاة حتى يعلمها ويريدها، وكذلك لا طلاق له ولا ظهار حتى يعلمه ويريده، وهو قول عثمان بن عفان، وابن عباس رضي الله عنهم، وعمر بن عبد العزيز، ويحيى بن سعيد، والليث بن سعد وغيرهم رحمهم الله جميعاً. الرسالةً: البيان الثاني: قال الشَّافِعِي رحمه فه: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) الآية، فاتى كتاب الله على البيان في الوضوء - دون الاستنجاء بالحجارة - وفي الغسل من الجنابة، ودل على أن أقل غسل الأعضاء يجزئ، وأن أقل الغسل واحدة. ودلَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما يكون منه الوضوء، وما يكون منه الغسل. الرسالة (أيضاً) : الفرائض المنصوصة التي سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه ثبارك وتعالى: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية، فأبان أن طهارة الجنب الغسل دون الوضوء.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغسل من الجنابة، غسل الفرج، والوضوء كوضوء الصلاة، ثم الغسل، فكذلك أحببنا أن نفعل. ولم أعلم مخالفاً حفظت عنه من أهل العلم، في أنَّه كيف ما جاء بغسل. وأتى على الإسباغ: أجزأه، وإن اختاروا غيره؛ لأن الفرض الغسل فيه، ولم يحدد تحديد الوضوء. وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يجب منه الوضوء، وما الجنابة التي يجب بها الغسل، إذ لم يكن بعض ذلك منصوصاً في الكتاب. اختلاف الحديث: باب (الطهارة بالماء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال سبحانه وتعالى - في الطهارة -: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) الآية. فدل على أن الطهارة بالماء كله. اختلاف الحديث (أيضاً) : باب (غسل الجمعة) : حدثنا الربيع رحمه الله قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال الله جل ثناؤه: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) الآية، فكان الوضوء عامًّا في كتاب اللَّه من الأحداث، وكان أمر الله الجنب بالغسل من الجنابة دليلاً - والله أعلم - ألَّا يجب الغسل إلا من جنابة، إلا أن تدل السنة على غسل واجب، فنوجبه بالسنة، بطاعة اللَّه في الأخذ بها، ودلَّت على وجوب الغسل من الجنابة، ولم أعلم دليلاً بيناً على أن يجب غسل غير الجنابة الوجوب الذي لا يجزي غيره.

وقد رُوي في غسل يوم الجمعة شيء، فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا، ولسان العرب واسع. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي: أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل" الحديث. أخبرنا مالك وسفيان، عن صفوان بن مسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" الحديث. اختلاف الحديث (أيضاً) : باب (الخلاف في أن الغسل لا يجب إلا بخروج الماء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله جل ثناؤه: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) حتى قوله: (تَغتَسِلُوا) الآية، فكان الذي يعرفه من خوطب بالجنابة من العرب أنها الجماع دون الإنزال، ولم تختلف العامة أن الزنا الذي يجب به الحد الجماع دون الإنزال، وإن غابت حشفته في فرج امرأة وجب عليه الحد. .. وبعد أن ذكر معاني الالتقاء في لغة العرب قال -: فإنَّما يراد به أن تغيب الحشفة في الفرج حتى يصير الختان الذي خلف الحشفة حذو ختان المرأة، وإنما يجهل هذا من جهل (لسان العرب) .

قال الله عز وجل: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا (51)

آداب الشَّافِعِي: باب (ما ذكر من معرفة الشَّافِعِي اللغات، وما فسر من غريب الحديث) : أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو محمد قال: قال الربيع بن سليمان: سُئل الشَّافِعِي: عن اللَّمَاس؛ فقال: هو اللمس باليد، ألا ترى: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الملامسة" الحديث. والملامسة: أن يلمس الثوب بيده ليشتريه ولا يُقَلِّبَ. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الشاعر: وألمست كفي كله أطلب الغِني ... ولم أدر أن الجود من كفِّه يُعدِي فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغِني ... أفدت وأعداني فبددت ما عندي * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: بعثه - أي بعث الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - والناس صنفان:

قال الله عز وجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (58)

أحدهما: أهل كتاب، بدَّلوا من أحكامه، وكفروا بالله، فافتعلوا كذباً صاغوه بألسنتهم، فخلطوه بحق الله الذي أنزل إليهم. فذكر تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من كفرهم - نماذج منها -: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) . .. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) الأم: الحجة على من خالفنا: فقال - أي: المحاور - للشافعي - رحمه الله -: إنه يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" الحديث، فما معنى هذا؟ قلنا - أي قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه -: ليس هذا بثابت عند أهل الحديث منكم، ولو كان ثابتاً لم يكن فيه حجة علينا، ولو كانت، كانت عليك معنا. قال: وكيف؟ قلت: قال اللَّه - عز وجل -: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) الآية، فتأدية الأمانة فرض، والخيانة محرَّمة، وليس من أخذ حقه بخائن. الأم (أيضاً) : باب (في الأقضية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الآية، فأعلم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن فرضاً عليه، وعلى من قبله، والناس إذا حكموا أن يحكموا بالعدل.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر

والعدل: اتباع حُكْمه المنزل. قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) الأم: كراهية الإمامة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وعلى الناس أن يُصلُّوا لأنفسهم، أو جماعة مع غير من يصنع هذا - ممن يصلي لهم - فإن قال قائل: ما دليل ما وصفتَ؟ قيل: قال الله تبارك وتعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) الآية. ويقال: نزلت في أمراء السرايا، وأمروا إذا تنازعوا في شيءِ - وذلك اختلافهم فيه - أن يردوه إلى حكم الله - عز وجل -، ثم حكم الرسول، فحُكم الله ثم حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤتى بالصلاة في الوقت، وبما تجزئ به. الأم (أيضاً) : ما يكره من الكلام في الخطبة وغيرها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم قال: حدثني عبد العزيز بن رفيع، عن تميم بن طَرَفَة، عن عدي بن حاتم قال: خطب رجل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ومن يطع اللَّه ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"اسكت فبئس الخطيب أنت"، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى. ولا تقل ومن يعصهما " الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فبهذا نقول. فيجوز أن تقول ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، لأنك أفردت معصية اللَّه - عز وجل - وقلت: (ورسوله) استئناف الكلام، وقد قال اللَّه تبارك وتعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) الآية. وهذا وإن كان في سياق الكلام، استئناف كلام. ومن أطاع الله فقد أطاع رسوله، ومن عصى اللَّه فقد عصى رسوله، ومن أطاع رسوله فقد أطاع الله، ومن عصى رسوله فقد عصى الله؛ لأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَبدٌ من عباده، قام في خلق الله بطاعة الله، وفرض الله تعالى على عباده طاعته لما وفقه الله تعالى من رشده؛ ومن قال: (ومن يعصهما) كرهت ذلك القول له، حتى يفرد اسم اللَّه - عز وجل -، ثم يذكر بعده اسم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يذكره إلا منفرداً. الرسالة: باب (فرض الله طاعة رسولِ الله مقرونةَ بطاعة الله ومذكورة وحدها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) . فقال بعض أهل العلم: أولو الأمر: أمراء سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - وهكذا أخبرنا، وهو يشبه ما قال - واللَّه أعلم -؛ لأن كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنف أن يُعطيَ بعضُها بعضاً طاعة الإمارة.

قال الله عز وجل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)

فلما دانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يَصلحُ لغير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر الذين أمَّرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا طاعة مطلقة، بل طاعة مستثناة، فيما لهم وعليهم، فقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ) الآية، يعني إن اختلفتم في شيء. وهذا - إن شاء الله - كما قال في أولي الأمر، إلا أنه يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ) يعني - والله أعلم - هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم، (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) يعني - والله أعلم -: إلى ما قال الله والرسول إن عرفتموه، فإن لم تعرفوه سألتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه إذا وصلتم؛ أوْ مَنْ وصل منكم إليه؛ لأن ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه. لقول الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) . ومَنْ يُنازع ممن بعد رسول اللَّه رد الأمر إلى قضاء اللَّه، ثم قضاء رسوله. فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء - نصاً فيهما، ولا في واحد منهما - ردوه قياساً على أحدهما، كما وصفت من ذكر القِبلَة والعدل والمثل، مع ما قال اللَّه في غير آية مثل هذا المعنى. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الفقه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد فَرَضَ اللَّه في كتابه طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والانتهاء إلى حكمه. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)

الأم: باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مسلم، عن ابن جريج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر نعيماً أن يؤامر أم ابنته فيها، ولا يختلف الناس أن ليس لأمها فيها أمر، ولكن على معنى استطابة النفس وما وصفت، أوَ لا ترى أن في حديث نعيم ما بين ما وصفت؛ لأن ابنة نعيم لو كان لها أن تردَّ أمر أبيها وهي بكر، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمسألتها، فإن أذنت جاز عليها، وإن لم تأذن ردَّ عنها، كما ردَّ عن خنساء ابنة خِدَام. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عبد الرحمن ومجمع (ابني يزيد بن حارثة) ، عن خنساء بنت خدام الأنصارية، أن أباها زوَّجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - "فردَّ نكاحها " الحديث. الأم (أيضاً) : الخلاف في نكاح الشغار: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي: المحاور -: فلأيِّ شيء أفسدت أنت الشغار والمتعة؟ قلت: بالذي أوجب الله - عزَّ وجلَّ على من طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما أجد في كتاب الله من ذلك، فقال سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)

وقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (في الأقضية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فأعلم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن فرضاً عليه، وعلى من قبله والناس، إذا حكموا أن يحكموا بالعدل، والعدل: اتباع حكمه المنزل. قال الله - عزَّ وجلَّ لنبيه - صلى الله عليه وسلم - حين أمره بالحكم بين أهل الكتاب: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) . ووضع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - من دينه، وأهل دينه، موضع الإبانة عن كتاب الله - عزَّ وجلَّ معنى ما أراد الله، وفرض طاعته فقال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) ، وقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) الآية. وقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) . الآية. فعلم أن الحق كتاب اللَّه، ثم سُنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فليس لمفتٍ ولا لحاكم، أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالماً بهما، ولا أن يخالفهما ولا واحداً منهما بحال، فإذا خالفهما فهو عاصِ لله - عز وجل -، وحكمه مردود، فإذا لم يوجدا منصوصين فالاجتهاد.

الأم (أيضاً) : بيان فرائض الله تعالى: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فَرضُ الله - عزَّ وجلَّ - في كتابه من وجهين: أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها حتى استُغنى فيه بالتنزيل عن التأويل، وعن الخبر. والآخر: أنَّه أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هي على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه، بقوله - عز وجل -: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ، وبقوله تبارك اسمه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) . وبقوله - عز وجل -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) مع غير آية في القرآن بهذا المعنى فمن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبفرض الله - عزَّ وجلَّ قَبِلَ. الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .

قال الله عز وجل: (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا (66)

نزلت هذه الآية فيما بلغنا - واللَّه أعلم - في رجل خاصم الزبير في أرض. فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بها للزبير - رضي الله عنه -. وهذا القضاء سُنَّة من رسول الله، لا حكم منصوص في القرآن، والقرآن يدلّ - والله أعلم - على ما وصفت؛ لأنه لو كان قضاة بالقرآن كان حكماً منصوصاً بكتاب اللَّه، وأشبه أن يكونوا إذا لم يُسلموا لحكم كتاب الله نصاً غير مشكل الأمر: أنهَّم ليسوا بمؤمنين، إذا رَدُّوا حكم التنزبل، إذا لم يُسلموا له. اختلاف الحديث: الجزء الأول: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أبان الله جل ثناؤه لخلقه، أنَّه أنزل كتابه بلسان نبيه. وهو لسان قومه العرب، فخاطبهم بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم، وكانوا يعرفون من معاني كلامهم أنهم يلفظون بالشيء عامًّا يريدون به العام، وعاماً يريدون به الخاص، ثم دلَّهم على ما أراد من ذلك في كتابه، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأبان لهم أنَّ ما قبلوا عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فعنه جل ثناؤه قبلوا بما فرض من طاعة رسوله في غير موضع من كتابه، منها: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وقوله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)

قال الله عز وجل: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (69)

الأم: الفرقة بين الأزواج بالطلاق أو الفسخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، أنَّه سمع محمد ابن عباد بن جعفر يقول: أخبرني المطلب بن حنطب لأنَّه طلق امرأته ألبتة، ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فذكر ذلك له فقال: ما حملك على ذلك؟ قال قد فعلته، قال: فقرأ: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) الآية. ما حملك على ذلك؟ قلت: قد فعلته، قال: أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة لا تبتُّ. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن أبي سلمة، سليمان بن يسار، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال للتوأمة مثل قوله للمطلب. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)

قال الله عز وجل: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها

الرسالة: فرض الله طاعة رسول الله مقرونة بطاعة الله ومذكورة وحدها: بعد أن ذكر الشَّافِعِي رحمه الله تعالى الآيات التي تتعلق بفرض طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذه كثمرة من ثمار طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - الله - عزَّ وجلَّ -: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) . وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الأم: أصل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما مضت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة من هجرته، أنعم الله فيها على جماعة باتباعه، حدث لهم بها - مع عون الله - قوة بالعدد لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً. .

قال الله عز وجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (80)

وبعد أن ذكر الآيات المتعلقة بفرض الجهاد، ذكر قول اللَّه تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الآية، مع ما ذكر به فرض الجهاد، وأوجب على المتخلف عنه. الرسالة: باب (ما نزل من الكتاب عامًّا يراد به العام ويدخله الخصوص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - عز وجل -: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) وهكذا قول اللَّه: (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا) . وفي هذه الآية دلالة على أنْ لم يستطعما كل أهل قرية، فهي في معناهما. وفيها وفي (الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) خصوصٌ، لأن كل أهل القرية لم يكن ظالماً. قد كان فيهم المسلم، ولكنهم كانوا فيها مَكثورِين، وكانوا فيها أقل. وفي القرآن نظائر لهذا، يُكتفى بها - إن شاء الله - منها، وفي السنة له نظائر موضوعة مواضعها. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه رضي الله عنهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: إن اللَّه تبارك وتعالى لما خصَّ به رسوله من وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه، بالفرض على خلقه بطاعته في غير آية من كتابه، فقال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) الآية.

الأم (أيضاً) : الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولقوله سبحانه وتعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) الآية، ففرض علينا اتباع رسوله، فإذا كان الكتاب والسنَّة هما الأصلان اللذان افترض اللَّه - عز وجل - لا مخالف فيهما، وهما عينان، ثم قال: (إذا اجتهد) الحديث، فالاجتهاد ليس بعين قائمة إنما هو شيء يحدثه من نفسه ولم يؤمر باتباع نفسه، إنما أمر باتباع غيره، فإحداثه على الأصلين اللذين افترض اللَّه عليه أولى به من إحداثه على غير أصل، أمر باتباعه وهو رأي نفسه، ولم يؤمر باتباعه، فإذا كان الأصل أنَّه لا يجوز له أن يتبع نفسه، وعليه أن يتبع غيره، والاجتهاد شيء يحدثه من عند نفسه، والاستحسان يدخل على قائله كما يدخل على من اجتهد على غير كتاب ولا سنَّة، ومن قال هذين القولين قال قولاً عظيماً، لأنَّه وضع نفسه في رأيه واجتهاده واستحسانه على غير كتاب ولا سُنَّة موضعهما، في أن يتبع رأيه كما اتبعا. الأم (أيضاً) : باب (في الأقضية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووضع اللَّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - من دينه، وأهل دينه موضع الإبانة عن كتاب اللَّه - عز وجل - معنى ما أراد اللَّه وفرض طاعته، فقال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) الآية.

فعُلِم أن الحق كتاب الله ثم سنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فليس لمفْتِ ولا لحاكم، أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالماً بهما، ولا أن يخالفهما ولا واحداً منهما بحال، فإذا خالفهما فهو عاصِ لله - عز وجل -، وحكمه مردود، فإذا لم يوجدا منصوصين فالاجتهاد. الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) : وقلت - أي الشَّافِعِي رحمه الله -: افترض اللَّه علينا اتباع نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال: أين؟ قلت: قال اللَّه - عز وجل -: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) الآية. ثم ذكر الآيات المتعلقة بهذا الموضوع. الأم (أيضاً) : باب (الصوم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه - عز وجل - وضع نبيه - صلى الله عليه وسلم - من كتابه ودينه بالموضع الذي أبان في كتابه، فالفرض على خلقه أن يكونوا عالين بأنه لا يقول فيما أنزل الله عليه إلا بما أنزل عليه، ولأنه لا يخالف كتاب الله، ولأنه بينَ عن اللَّه عز وعلا معنى ما أراد الله، وبيان ذلك في كتاب اللَّه - عز وجل - قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) . الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الله - عزَّ وجلَّ ّ: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط إلا بوحي، فمن الوحي ما يُتلى، ومنه ما يكون وحياً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيُستنُّ به.

أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن حنطب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تركت شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا شيئاً مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين قد ألقى في رُوعِي أنَّه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فأجملوا في الطلب" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قيل: 1 - ما لم يُتلَ قرآناً، إنما ألقاه جبريل في رُوعِه بأمر الله فكان وحياً إليه. وقيل: 2 - جعل الله إليه لما شهد له به من أنَّه يهدي إلى صراط مستقيم، أن يسنَّ. وأنهما كان فقد ألزمهما الله تعالى خلقه، ولم يجعل لهم الخيرة من أمرهم فيما سنَّ لهم وفرض عليهم اتباع سنته - صلى الله عليه وسلم -. مختصر المزني: مقدمة كتاب (اختلاف الحديث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أبان الله جل ثناؤه لخلقه أنَّه أنزل كتابه بلسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو لسان قومه العرب، فخاطبهم بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم، وكانوا يعرفون من معاني كلامهم، أنهم يلفظون بالشيء عامًّا يريدون به العام، وعاماً يريدون به الخاص، ثم دلَّهم على ما أراد من ذلك في كتابه، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأبان لهم أن ما قبلوا عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - فعنه جل ثناؤه قبلوا بما فرض من طاعة رسوله في غير موضع من كتابه منها: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) .

قال الله عز وجل: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (82)

الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: - قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) فأعلمهم أن بيعتهم رسوله بيعته، وكذلك أعلمهم أن طاعتهم طاعته. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) توالي التأسيس: الفصل الخامس (في بيان صفة خَلْقه وخُلُقهِ - صلى الله عليه وسلم -) : قال ابن حجر رحمه الله: وقرأتُ على فاطمة (بنت المنجا) ، عن سليمان بن حمزة، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أخبرنا أبو الحسن الموازيني، عن أبي عبد الله القضاعي، أخبرنا أبو عبد الله بن شاكر، حدثنا علي بن محمد بن الحسن، حدثنا عثمان بن محمد بن شاذان، حدثنا أحمد بن عثمان، حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا يحيى بن عبد الباقي، حدثنا محمد بن عامر، عن البويطي رحمه الله قال: سمعت الشَّافِعِي رحمه الله تعالى يقول: لقد ألفت هذه الكتب ولم آل فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ؛ لأن الله تعالى يقول: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) الآية. فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة، فقد رجعت عنه. وأخرج البيهقي رحمه اللَّه: من طريق أبي العباس الأصم: سمعت الربيع يقول:

قال الله عز وجل: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا (86)

سمعت الشَّافِعِي رحمه الله يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا بها؛ ودعوا ما قلته. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدلَُّ به على إتقان الشَّافِعِي رحمه الله في الرواية) : قال البيهقي رحمه الله: وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا الحسن القصَّار، الفقيه، يقول: سمعت ابن أبي حاتم يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: قرأت: (كتاب الرسالة المصرية) على الشَّافِعِي نيفاً وثلاثين مرة، فما من مرة إلا كان يصححه. ثم قال الشَّافِعِي في آخره: أبى الله أن يكون كتاب صحيح غير كتابه، يدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) الرسالة: باب (العلم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وهكذا ردَّ السلام، قال الله: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا)

قال الله عز وجل: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا (87)

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يسلم القائم على القاعد" وإذا سلَّم من القوم واحد أجزأ عنهم" الحديث. وإنَّما أريد بهذا الردُّ، فرد القليل جامع لاسم (الرد) ، والكفاية فيه مانع لأن يكون الرد مُعطلاً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: لَعَمرُ اللَّه، فإن لم يرد بها يميناً فليست بيمين. قال أبو منصور الأزهري: والدليل على ذلك قول اللَّه - عز وجل -: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) الآية، وعلى هذا المعنى يجعل الشَّافِعِي رحمه الله لَعَمْرُ الله يميناً إذا نوى به اليمين. فائدة: قال أبو عبيد: سألت الفراء: لم ارتفع لَعَمرُ الله ولَعَمرُك؟ فقال: على إضمار قسم ثان به، كأنه قال: وعمر اللَّه، فلعَمرُه عظيم، وكذلك لحَيَاتك.

قال الله عز وجل: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) الأم: الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً) إلى قوله: (مُتَتَابِعَيْنِ) . فذكر الله - عزَّ وجلَّ في المؤمن يُقْتَل خطأ. والذمِّي يُقتَل خطأ، الدية في كلّ واحد منهما، وتحرير رقبة، فدلَّ ذلك على أن هذين مقتولان في بلاد الإسلام الممنوعة لا بلاد الحرب المباحة؛ وذكر من حكمهما، حكم المؤمن من عدو لنا يُقتل، فجعل فيه تحرير رقبة، فلم تحتمل الآية - والله أعلم - إلا أن يكون قوله: (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ) يعني: في قوم عدو لكم، وذلك أنها نزلت، وكل مسلم فهو من قوم عدو للمسلمين؛ لأن مسلمي العرب هم من قوم عدو للمسلمين، وكذلك مسلمو العجم، ولو كانت على ألَّا يكون دية في مسلم خرج إلى بلاد الإسلام من جماعة المشركين؛ وهم عدو لأهل الإسلام، للزم من قال هذا القول، أن يزعم أن من أسلم من

قوم مشركين، فخرج إلى دار الإسلام فقُتِلَ كانت فيه تحرير رقبة، ولم تكن فيه دية، وهذا خلاف حكم المسلمين. وإنما معنى الآية - إن شاء الله تعالى - على ما قلنا، وقد سمعت بعض من أرضى من أهل العلم يقول ذلك، فالفرق بين القتلين، أن يُقتل المسلم في دار الإسلام غير معمودِ بالقتل، فيكون فيه دية، وتحرير رقبة، أو يُقتل مسلم ببلاد الحرب التي لا اسلام فيها ظاهر غير معمودِ بالقتل، ففي ذلك تحرير رقبة، ولا دية. الأم (أيضاً) : قتل المسلم ببلاد الحرب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية. قوله من قوم: يعني في قوم عدو لكم. وأخبرنا مروان بن معاوية الفزاري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس ابن أبي حازم قال: لجأ قوم إلى خثعم فلما غشيهم المسلمون استعصموا بالسجود، فقتلوا بعضهم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أعطوهم نصف العَقل لصلاتهم" ثم قال عند ذلك: "ألا إني بريء من كل مسلم مع مشرك" قالوا: يا رسول الله لم؟ قال: "الا تتراءى ناراهما" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن كان هذا يثبت، فأحسب النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى من أعطى منهم تطوعاً، وأعلمهم أنَّه بريء من كل مسلم مع مشرك - واللَّه أعلم - في دار

الشرك، ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قَوَد، وقد يكون هذا قبل نزول الآية، فنزلت الآية بعد، ويكون إنما قال: إني بريء من كل مسلم مع مشرك بنزول الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي التنزيل كفاية عن التأويل؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ إذ حكم في الآية الأولى في المؤمن يقتل خطأ بالدية والكفارة، وحكم بمثل ذلك في الآية بعدها في الذي بيننا وبينه ميثاق، وقال بين هذين الحُكْمين: (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية. ولم يذكر دية، ولم تحتمل الآية معنى إلا أن يكون قوله: (مِنْ قَوْمٍ) يعني: في قوم عدو لنا، دارهم دار حرب مباحة، فلما كانت مباحة، وكان من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن إذا بلغت الناسَ الدعوةُ أن يغير عليهم غارين (1) ، كان في ذلك دليل على لأنَّه لا يبيح الغارة على دار وفيها من له إن قتل عقل أو قود؛ فكان هذا حكم الله عز ذكره. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجوز أن يقال لرجل من قوم عدو لكم إلا في قوم عدو لنا. الأم (أيضاً) : ديات الخطأ (ديات الرجال الأحرار المسلمين) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) فأحكم الله تبارك وتعالى في تنزيل كتابه، أن على قاتل المؤمن دية مسلمة إلى أهله، وأبان على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - كم الدية؛ فكان نقل عدد من أهل العلم عن عدد لا تنازع بينهم، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بدية المسلم مائة من الإبل، فكان

_ (1) أي: وهم غافلون، مفردها: غار، انظر القاموس المحيط ص / 578.

هذا أقوى من نقل الخاصة، وقد رُوي من طريق الخاصة وبه نأخذ، ففي المسلم يُقتل خطأ مائة من الإبل. أخبرنا سفيان، عن علي بن زيد بن جدعان، عن القاسم بن ربيعه، عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا إنَّ في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خَلِفَة في بطونها أولادها" الحديث. أخبرنا مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، أنَّ في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: "في النفس مائة من الإبل" الحديث. أخبرنا ابن عينية، عن ابن طاووس، عن أبيه، وأخبرنا مسلم بن خالد، عن عبيد الله بن عمر، عن أيوب بن موسى، عن ابن شهاب، وعن مكحول وعطاء، قالوا: أدركنا الناس على أن دية الحر المسلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة من الإبل، فقوَّم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تلك الدية على أهل القرى ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم، فإذا كان الذي أصابه من الأعراب فدية مائة من الإبل، لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الوَرِق، ودية الأعرابي إذا أصابه أعرابي مائة من الإبل. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ودية الحر المسلم مائة من الإبل لا دية غيرها، كما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن أعوزت الإبل فقيمتها.

الأم (أيضاً) : باب (خطأ الطبيب والإمام يؤدب) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) والذي يعرف أن الخطأ: أن يرمي الشيء فيصيب غيره، وقد يحتمل معنى غيره. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم أعلم من أهل العلم مخالفاً في أنَّ للرجل أن يرمي الصيد، وأن يرمي الغرض، وأنه لو رمى واحداً منهما، ولا يرى إنساناً ولا شاة لإنسان، فأصابت الرَّمية إنساناً أو شاة لإنسان، ضمن دية المصاب إذا مات، وثمن الشاة إذا فاتت، فوجدت حكمهم له بإباحة الرمية إذا تعقب، فمعناه، معنى: أن يرمى على أن لا يتلف مسلماً ولا حقَّ مسلم، ووجدته يحل له أن يترك الرمي، كما وجدته يحل للإمام أن يترك العقوبة، وكان الشيء الذي يفعله الإمام وله تركه بالرمية يرميها الرجل مباحة له، وله تركها فيتلف شيئاً فيضمنه الرامي، أشبه به منه بالحدِّ الذي فرض اللَّه - عز وجل - أن يأخذه، بل العقوبة به أولى أن تكون مضمونة إن جاء فيها تلف من الرمية، لأنه لا يختلف أحد في أن الرمية مباحة. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأباح اللَّه - عز وجل - دماء أهل الكفر من خلقه فقال: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، وحرّم دماءهم إن أظهروا الإسلام فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) الآية.

الأم (أيضاً) : باب دية أهل الذمة: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال أبو حنيفة - رحمه الله -: ودية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية الحر المسلم، وعلى من قتله من المسلمين القَوَد. وقال أهل المدينة: دية اليهودي والنصراني إذا قُتل أحدهما نصف دية الحر المسلم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم، وقال أهل المدينة: لا يقتل مؤمن بكافر. قال محمد بن الحسن رحمه الله؛ قد روى أهل المدينة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل مسلماً بكافر، وقال - عليه الصلاة والسلام -: "أنا أحقَ من أوفى بذمَّته" وساق الحديث بهذا اللفظ. .. وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنَّه أمر أن يُقتل رجل من المسلمين بقتل رجل نصراني غيلة من أهل الحيرة، فقتله به، وقد بلغنا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنَّه كان يقول: إذا قتل المسلم النصراني قُتِل به. فأما ما قالوا في الدية فقول الله - عزَّ وجلَّ أصدق القول، ذكر الله الدية في كتابه فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) الآية. ثم ذكر أهل الميثاق فقال:

(وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية. فجعل في كل واحد منهما دية مُسَلَّمَةٌ - أي: إلى أهله -، ولم يقل في أهل الميثاق نصف الدية، - كما قال أهل المدينة - وأهل الميثاق ليسوا مسلمين، فجعل في كل واحد منهما دية مسلمة إلى أهله، والأحاديث في ذلك كثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشهورة معروفة، أنَّه جعل دية الكافر مثل دية المسلم، وروى ذلك أفقههم، وأعلمهم في زمانه، وأعلمهم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن شهاب الزهري رحمه الله فذكر أن دية المعاهَد في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مثل دية الحر المسلم، فلما كان معاوية - رضي الله عنه - جعلها مثل نصف دية الحر المسلم. فإن الزهري كان أعلمهم في زمانه بالأحاديث فكيف رغبوا عما رواه أفقههم إلى قول معاوية؟! قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا يقتل مؤمن بكافر، ودية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم، وقد خالفنا في هذا غير واحد من بعض الناس وغيرهم، وسألني بعضهم، وسألته، وسأحكي ما حضرني منه، إن شاء الله تعالى. فقال - المحاور - ما حجتك في ألَّا يقتل مؤمن بكافر؟ فقلت: ما لا ينبغي لأحد دفعه مما فرّق الله به بين المؤمنين والكافرين، ثم سنَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضاً. ثم الأخبار عمن بعده. ثم ساق الأدلَّة على ذلك من الكتاب والسنة والأخبار.

قال الشَّافِعِي - رحمه الله تعالى -: إن الله - عزَّ وجلَّ قال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) وقال: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية. فلما سويتَ وسوينا بين قتل المعاهد والمسلم في الرقبة بحكم الله، كان ينبغي لنا أن نسوي بينهما في الدية. قلنا: الرقبة معروفة فيهما، والدية جملة لا دلالة على عددها في تنزيل الوحي، فإنَّما قبلت الدلالة على عددها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر الله - عزَّ وجلَّ - بطاعته، أو عمن بعده إذا لم يكن موجوداً عنه. قال: ما في كتاب الله عدد الدية. قلنا: ففي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدد دية المسلم مائة من الإبل، وعن عمر - رضي الله عنه - من الذهب والوَرِقِ قبلنا عنه وأنت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الإبل، وعن عمر الذهب والوَرقِ إذا لم يكن فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء. قال: نعم. قلنا: فهكذا قبلنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدد دية المسلم، وعن عمر - رضي الله عنه - عدد دية غيره ممن خالف الإسلام، إذا لم يكن فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء نعرفه. الأم (أيضاً) : باب (قتل الصيد خطأ) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: يُجزى الصيد من قتله عمداً أو خطأ، فإن قال قائل: إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد عمداً، وكيف أوجبته على قاتله خطأ؟!

قيل له - إن شاء الله -: إن إيجاب الجزاء على قاتل الصيد عمداً لا يحظر أن يُوجب على قاتله خطأ. فإن قال قائل: فإذا أوحبت في العمد بالكتاب فمن أين أوجبت الجزاء في الخطأ؟ قيل: أوجبته في الخطأ قياساً على القرآن والسنة والإجماع، فإن قال: فأين القياس على القرآن؟ قيل: قال الله - عزَّ وجلَّ في قتل الخطأ: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) الآية. .. الأم (أيضاً) : (في المرتد) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى في الخطأ: (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) الآية، وذكر القصاص في القتلى، ثم قال - عز وجل -: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) . فذكر في الخطأ والعمد أهل الدم، ولم يذكرهم في المحاربة، فدل على أن حكم قتل المحارب مخالف لحكم قتل غيره، والله أعلم. الأم (أيضاً) : البحيرة والوصيلة والسائبة والحام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تبارك اسمه في القاتل خطأ: (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية. الأم (أيضاً) : ما أصاب المسلمون في يد أهل الردة من متاع المسلمين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو عمد رجل قَتله في غير غارة، وقد أظهر الإسلام قبل القتل، وعَلِمه القاتل، قُتِل به، وإن لم يعلَمه وَدَاه، لأنَّه عَمَدَه وهو مؤمن بالقتل،

وانما يسقط عنه العقل والقود إذا قتله غير عامد لقتله بعينه، كأنه قتله في غارة لقول اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية. قال الشَّافِعِي - رحمه الله - يعني والله أعلم: في قوم عدو لكم. مختصر المزني: باب (كفارة القتل) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) الآية. وقال: (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) يعني: في قوم، في دار حرب خاصة، ولم يجعل له قوداً ولا ديه إذا قتله وهو لا يعرفه مسلماً، وذلك أن يغير، أو يقتله في سرية، أو يلقاه منفرداً بهيئة المشركين، وفي دارهم، أو نحو ذلك. قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا وجبت عليه كفارة القتل في الخطأ، وفي قتل المؤمن في دار الحرب، كانت الكفارة في العمد أولى. قال المزني رحمه الله: واحتج - أي: الشَّافِعِي - بأن الكفارة في قتل الصيد في الإحرام، والحرم عمداً أو خطأ سواء إلا في المأثم، فكذلك كفارة القتل عمداً أو خطأ سواء إلا في المأثم.

الرسالة: وجه آخر من الاختلاف: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلتُ - للمحاور -: نعم، قال الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) إلى قوله: (حَكِيمًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأوجب الله بقتل المؤمن خطأ الدية، وتحرير رقبة. وفي قتل ذي الميثاق الدية، وتحرير رقبة، إذا كانا معاً ممنوعَي الدم بالإيمان والعهد والدار معاً، فكان المؤمن في الدار غير الممنوعة وهو ممنوع بالإيمان، فجُعِلَت فيه الكفارة بإتلافه، ولم يُجعل فيه الدية، وهو ممنوع الدم بالإيمان، فلما كان الوِلْدان والنساء من المشركين لا ممنوعين بإيمان ولا دارِ، لم يكن فيهم عَقل، ولا قَوَد، ولا دِيَة، ولا مَأثم - إن شاء الله - ولا كفارة. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الحج: وقاسَ الشَّافِعِي ذلك في الخطأ: على قتل المؤمن خطأ، قال الله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية، والمنع عن قتلها: عامٌّ. والمسلمون: لم يُفرِّقُوا بين الغرم في الممنوع - من الناس والأموال - في العمد والخطأ. أحكام القرآن (أيضاً) : ما يؤثر عنه في الخلع، والطلاق والرجعة: قال الشَّافِعِي في قول اللَّه - عز وجل -: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) قال: لا يُجزيه تحرير رقبة على غير دين الإسلام؛ لأنَّ الله - عزَّ وجلَّ يقول في القتل: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)

قال الله عز وجل: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (93)

وكان شرط الله في رقبة القتل - إذا كانت - كفارة، كالدليل - والله أعلم - على ألا تجزي رقبة في كفارة إلا مؤمنة. أحكام القرآن (أيضاً) : ما يؤثر عنه في التفسير في آيات متفرقة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - عز وجل -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) معناه: أنه ليس للمؤمن أن يقتل أخاه إلا خطأ. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) الأم: كتاب جراح العمد (أصل تحريم القتل من القرآن) : أخبرنا الربيع رحمه اللَّه قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر الآيات التي تدلُّ على أصل تحريم القتل من القرآن - وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا) الآية. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - عز وجل -: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) الآية، فجعل حينئذ دماء المشركين مباحة، وقتالهم حتماً وفرضاً عليهم؛ إن لم يظهروا الإيمان.

قال الله عز وجل: (إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا)

قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) الأم: باب (التثبت في الحكم وغيره) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) فأمر اللَّه من يمضي أمره على أحد من عباده أن يكون مستبيناً قبل أن يمضيه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) الأم: كيف تَقضُ فرض الجهاد؟ : أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبين إذ وعد الله - عزَّ وجلَّ القاعدين غير أولي الضرر الحسنى، أنهم لا يأثمون بالتخلف، ويوعدون الحسنى بالتخلف، بل وعدهم لما وسع عليهم من التخلف الحسنى، إن كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شكاً، ولا سوء نية، وإن تركوا الفضل في الغزو. الرسالة: باب (العلم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولم يسوِّ الله بينهما، فقال الله: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) . فأما الظاهر في الآيات فالفرض على العامة. قال - أي: المحاور -: فَأينِ الدلالة في أنه إذا قام بعض العامة بالكفاية. أخرج المتخلفين من المأثم؟ فقلت له: في هذه الآية. قال: وأين هو منها؟ قلت: قال اللَّه: (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) الآية. فوعد المتخلفين عن الجهاد الحسنى على الإيمان، وأبان فضيلة المجاهدين على القاعدين، ولو كانوا آثمين بالتخلف إذا غزا غيرهم، كانت العقوبة بالإثم - إن لم يعف الله - أولى بهم من الحسنى. مختصر المزني: باب (النفير من كتاب الجزية والرسالة: قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: قال الله تعالى: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) وقال: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)

قال الله - عز وجل -: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها

فلما وعد القاعدين الحسنى دلَّ أن فرض النفير على الكفاية، فإذا لم يقم بالنفير كفاية خرج من تخلف، واستوجبوا ما قال الله تعالى، وإن كان فيهم كفاية حتى لا يكون النفير معطلاً، لم يأثم من تخلف؛ لأن الله تعالى وعد جميعهم الحسنى. * * * قال الله - عزَّ وجلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) الأم: فرض الهجرة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ولما فرض الله - عزَّ وجلَّ الجهاد على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وجاهد المشركين بعد إذ كان أباحهُ، وأثخن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أهل مكة، ورأوا كثرة من دخل في دين الله - عزَّ وجلَّ، اشتدوا على من أسلم منهم، ففتنوهم عن دينهم، أو من فتنوا منهم. فعذر الله من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) وبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله جعل لكم مخرجاً، وفرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن يُفتن عن دينه

قال الله عز وجل: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله

ولا يمتنع " الحديث، فقال في رجل منهم توفي، تخلف عن الهجرة فلم يهاجر: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) . وأبان اللَّه عذر المستضعفين فقال: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) إلى: (رَحِيمًا الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ويقال: (عسى) من الله واجبة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ودلَّت سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن فرض الهجرة على من أطاقها، إنما هو على من فُتِنَ عن دينه بالبلد الذي يَسلَم بها؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم - فيهم - العباس بن عبد المطلب وغيره؛ إذا لم يخافوا الفتنة، وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم: إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين، وإن أقمتم فأنتم كأعراب - المسلمبن -. وليس يُخيرهم إلا فيما يحلُّ لهم) " الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100) الأم: الإذن بالهجرة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكان المسلمون مستضعفين بمكة زماناً، لم يؤذن لهم فيه بالهجرة منها، ثم أذن الله - عزَّ وجلَّ - لهم بالهجرة، وجعل لهم مخرجاً فيقال: نزلت (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) ، فأعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

قال الله عز وجل: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا (101)

أن قد جعل الله تبارك وتعالى لهم بالهجرة مخرجاً، وقال: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) الآية. وأمرهم ببلاد الحبشة فهاجرت إليها منهم طائفة، ثم دخل أهل المدينة في الإسلام، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طائفة فهاجرت إليهم غير محرّم على من بقي ترك الهجرة إليهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أذن الله تبارك وتعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة - فهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - إلى المدينة، ولم يحرّم في هذا على من بقي بمكة المقام بها، وهي دار شرك - وقتئذ - وإن قفوا: بأن يفتنوا، ولم يأذن لهم بحهاد. ثم أذن الله - عزَّ وجلَّ لهم بالجهاد، ثم فرض بعد هذا عليهم أن يهاجروا من دار الشرك. وهذا موضوع في غير هذا الموضع. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) الأم: باب (الحالَين اللذين يجوز فيهما استقبال غير القبلة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: الحالان اللذان يجوز فيهما استقبال غير القبلة الأول: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) إلى: (فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) .

فأمرهم الله خائفين محروسين بالصلاة، فدل ذلك على أنه أمرهم بالصلاة للجهة التي وجههم لها من القبلة. الثاني: وقال الله - عزَّ وجلَّ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) إلى: (رُكبَانًا) الآية، فدل إرخاصه في أن يصلوا رجالاً وركباناً، على أنَّ الحال التي أذن لهم فيها بأن يصلوا رجالاً وركباناً، من الخوف غير الحال الأولى التي أمرهم فيها؛ أن يحرس بعضهم بعضاً، فعلمنا أن الخوفين مختلفان. الأم (أيضاً) : باب (صلاة المسافر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية، فكان بيَناً في كتاب اللَّه تعالى: أن قصر الصلاة في الضرب في الأرض، والخوف، تخفيف من اللَّه - عز وجل - عن خلقه، لا أنَّ فرضاً عليهم أن يقصروا. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والقصر في الخوف والسفر في الكتاب، ثم بالسنة. والقصر في السفر بلا خوف سنة، والكتاب يدل على أن القصر في السفر بلا خوف رخصة من اللَّه - عز وجل - لا أنَّ حتماً عليهم أن يقصروا كما كان ذلك في الخوف والسفر. أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد، عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي عمار، عن عبد اللَّه بن باباه، عن يعلى بن أمية، قال: قلت لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إنَّما قال اللَّه - عز وجل -: (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. فقد أمن الناس. فقال عمر - رضي الله عنه - لقد عجبت مما

عجبت منه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" الحديث. أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: "كل ذلك قد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصر الصلاة في السفر، وأتم" الحديث. أخبرنا إبراهيم عن ابن حرملة، عن ابن المسيب قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: " خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة وأفطروا" أو قال: "الم يصوموا" الحديث. فالاختيار والذي أفعل مسافراً، وأحبُّ أن يُفعل قصر الصلاة في الخوف والسفر، وفي السفر بلا خوف، ومن أتم الصلاة فيهما لم تفسد عليه صلاته. الأم (أيضاً) : رضاعة الكبير: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وما جعل اللَّه تعالى له غاية، فالحكم بعد مضي الغاية فيه غيره قبل مضيها. فإن قال قائل وما ذلك؟ قيل: قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) الآية. فكان لهم أن يقصروا مسافرين، وكان في شرط القصر لهم بحال موصوفة؛ دليل على أن حكمهم في غير تلك الصفة غير القصر.

اختلاف الحديث: الجزء الثاني: (باب الفطر والصوم في السفر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي: المحاور - فما تقول في قصر الصلاة في السفر وإتمامها؟ فقلت: قصرها في السفر والخوف رخصة في الكتاب والسنة. وقصرها في السفر بلا خوف رخصة في السنة، أختارها، وللمسافر إتمامها. فقال الشَّافِعِي: أما قصر الصلاة فبين أن الله إنما جعله رخصة، لقول الله: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. فلما كان إنما جعل لهم أن يقصروا خائفين مسافرين، فهم إذا قصروا مسافرين - بما ذكرت من السنَّة - أولى أن يكون القصر رخصة، لا حتماً أن يقصروا؛ لأن قول الله: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. رخصة بينة. أحكام القرآن: فصل فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات: أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: التقصير لمن خرج غازياً خائفاً في كتاب اللَّه - عز وجل -. قال اللَّه جلّ ثناؤه: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: والقصر لمن خرج في غير معصية: في السنة.

قال الله عز وجل: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا م

فأما من خرج: باغياً على مسلم، أو معاهَدٍ، أو يقطع طريقاً، أو يفسد في الأرض، أو العبد يخرج (آبقاً من سيده) ، أو الرجل (هارباً ليمنع دماً لزمه) ، أو ما في مثل هذا المعنى، أو غيره من المعصية؛ فليس له أن يقصر، فإن قصر أعاد كل صلاة صلَّاها؛ لأن القصر رخصة، وإنَّما جعلت الرخصة لمن لم يكن عاصياً، ألا ترى قول اللَّه - عز وجل: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) . آداب الشافعى ومناقبه: باب (في الصلاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله تعالى: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا) قال: موضع بخيبر. فلما ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لم يزل يقصر مخرجه من المدينة إلى مكة، كانت السنة في التقصير. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)

الأم: كيف صلاة الخوف: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى) الآية. أخبرنا مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات بن جبير، عمن صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، "أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلَّى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا، فصفُّوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التى بقيت عليه ثم ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرني من سمع عبد الله بن عمر بن حفص يخبر عن أخيه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات بن جبير، عن خوات بن جبير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا الحديث أو مثل معناه لا يخالفه الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في كتاب اللَّه - عز وجل - أن يصلي الإمام بطائفة، فإذا سجد كانوا من ورائه، وجاءت طائفة أخرى لم يصلُّوا فصلُّوا معه. واحتمل قول الله - عزَّ وجلَّ: (فَإِذَا سَجَدُوا) الآية، إذا سجدوا ما عليهم من سجود الصلاة

كله، ودلَّت على ذلك سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع دلالة كتاب اللَّه - عز وجل -، فإذا ذكر انصراف الطائفتين والإمام من الصلاة، ولم يذكر على واحد منها قضاء. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ورويت أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف حديث صالح بن خوات أوفَق ما يثبت منها لظاهر كتاب اللَّه - عز وجل فقلنا به. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا صلى بهم صلاة الخوف، صلّى كما وصفت بدلالة القرآن، ثم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : كم قدر من يصلِّي مع الإمام صلاة الخوف ": قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كانت مع الإمام في صلاة الخوف طائفة - والطائفة: ثلاثة فأكثر - أو حرسته طائفة - والطائفة ثلاثة فأكثر - لم أكره ذلك له، غير أني أحبّ أن يحرسه من يمنع مثله إن أريد. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وسواء في هذا كثر من معه أو قل. . . فإن حرسه أقل من ثلاثة، أو كان معه في الصلاة أقل من ثلاثة، كرهت ذلك له؛ لأن أقل اسم الطائفة لا يقع عليهم فلا إعادة على أحد منهم بهذه الحال؛ لأن ذلك إذا أجزأ الطائفة أجزأ الواحد - إن شاء اللَّه -. الأم (أيضاً) : أخذ السلاح في صلاة الخوف: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا أجيز له وضع السلاح كلّه في صلاة الخوف. إلا أن يكون مريضاً يشق عليه حمل السلاح، أو يكون به أذى من مطر، فإنهما

الحالتان اللتان أذن الله فيهما بوضع السلاح، وأمرهم أن يأخذوا حذرهم فيهما، لقوله عز وعلا: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن وضع سلاحه كله من غير مرض ولا مطر، أو أخذ من سلاحه ما يؤذي به من يقاربه، كرهت ذلك له في كلّ واحد من الحالين، ولم يفسد ذلك صلاته في واحدة من الحالين؛ لأنَّ معصيته في ترك وأخذ السلاح ليس من الصلاة، فيقال: يفسد صلاته ولا يتمها أخذه! . .. الأم (أيضاً) : من له من الخائفين أن يصلِّي صلاة الخوف؟ : قال الشَّافِعِي رحمه الله: يصلي صلاة الخوف من قاتل أهل الشرك بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ أمر بها في قتال المشركين فقال في سياق الآية: (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكل جهاد كان مباحاً يخاف أهله، كان لهم أن يصلُّوا صلاة شدة الخوف؛ لأنّ المجاهدين عليه مأجورون، أو غير مأزورين. وذلك جهاد أهل البغي الذي أمر اللَّه - عز وجل - بجهادهم، وجهاد قُطاع الطريق، ومن أراد من مال رجل أو نفسه، أو حريمه، فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأما من قاتل وليس له قتال فخاف، فليس له أن يصلِّي صلاة الخوف من شدة الخوف، يومئ إيماء، وعليه إن فعل أن يعيدها،

ولا له أن يصلِّي صلاة الخوف في خوف دون غاية الخوف، إلا أن يصلِّيها صلاة لو صلاها غير خائف أجزأت عنه. الأم (أيضاً) : باب (صلاة الخوف) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان أبو حنيفة رحمه اللَّه تعالى يقول في صلاة الخوف: يقوم الإمام، وتقوم معه طائفة، فيكبرون مع الإمام ركعة وسجدتين، ويسجدون معه، فينفتلون من غير أن يتكلموا حتى يقفوا بإزاء العدو، ثم تأتي الطائفة التي كانت بإزاء العدو، فيستقبلون التكبير، ثم يصلي بهم الإمام ركعة أخرى وسجدتين، ويسلَّم الإمام، فينفتلون هم من غير تسليم، ولا يتكلموا فيقوموا بإزاء العدو، وتأتي الأخرى فيصلون ركعة وحداناً ثم يسلمون، وذلك لقول الله عزَّ وجلَّ: (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كان العدو بينه وبين القبلة لا حائل بينه وبينهم ولا سترة، وحيث لا يناله النبل، وكان العدو قليلاً مأمونين وأصحابه كثيراً، وكانوا بعيداً منه لا يقدرون في السجود على الغارة عليه، قبل أن يصيروا إلى الركوب والامتناع صلى بأصحابه كلهم، فإذا ركع ركعوا كلهم، وإذا رفع رفعوا كلهم، وإذا سجد سجدوا كلهم إلا صفاً، يكونون على رأسه قياماً، فإذا رفع رأسه من السجدتين، فاستوى قائماً أو قاعداً في مثنى، اتبعوه فسجدوا، ثم قاموا بقيامه، وقعدوا بقعوده، وهكذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة الحديبية بعسفان، وخالد بن الوليد بينه وبين القبلة، وكان خالد في مائتي فارس منتبذاً من النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحراء ملساء ليس فيها جبل ولا شجر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في ألف وأربعمائة، ولم يكن خالد فيما نرى يطمع بقتالهم، وإنما كان طليعة يأتي بخبرهم.

الأم (أيضاً) : كتاب (صلاة الخوف وهل يصلِّيها المقيم؟) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأذن الله - عزَّ وجلَّ بالقصر في الخوف والسفر، وأمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا كان فيهم يصلي لهم صلاة الخوف، أن يصلي فريق منهم بعد فريق، فكانت صلاة الخوف مباحة للمسافر والمقيم، بدلالة كتاب الله - عزَّ وجلَّ، ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فللمسافر والمقيم إذا كان الخوف أن يصلِّيها صلاة الخوف، وليس للمقيم أن يصلِّيها إلا بكمال عدد صلاة المقيم، وللمسافر أن يقصر في صلاة الخوف إن شاء للسفر، وإن أتم فصلاته جائزة، وأختارُ له القصر. الأم (أيضاً) : باب (ما ينوب الإمام في صلاة الخوف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأذن اللَّه تبارك وتعالى في صلاة الخوف بوجهين: أحدهما: الخوف الأدنى وهو قول اللَّه - عز وجل -: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ) الآية. والثاني: الخوف الذي أشد منه وهو قول الله تبارك وتعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) الآية.

فلما فرّق اللَّه بينهما ودلَّت السنة على افترافهما، لم يجز إلا التفريق بينهما - واللَّه تعالى أعلم -، لأن اللَّه - عز وجل - فرَّق بينهما لافتراق الحالين فيهما. الأم (أيضاً) : صلاة الجماعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسافراً ومقيماً، خائفاً وغير خائفِ. وقال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) الآية والتي بعدها. مختصر المزني: باب (صلاة الخوف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس لأحد أن يصلي صلاة الخوف في طلب العدو" لأنه آمن؛ وطلبهم تطوع، والصلاة فرض، ولا يصليها كذلك إلا خائفاً. الرسالة: جُمَلُ الفرائض: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى - بعد أن ذكر الآيتين (101 - 102) وحديث خوات بن جبير -: وفي هذا دلالة على ما وصفت قبل هذا في (هذا الكتاب) . من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سنَّ سُنَّة، فأحدث اللَّه إليه في تلك السُنة نسخها، أو مخرجاً إلى سَعَة منها، سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُنَّة تقوم الحجة على الناس بها، حتى يكونوا إنمّا صاروا من سنته إلى سنته التي بعدها. فنسخ اللَّه تأخير الصلاة عن وقتها في الخوف إلى أن يصلوها - كما أنزل الله وسن رسوله - صلى الله عليه وسلم - في وقتها، ونسخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنته في تأخيرها بفرض الله في كتابه، ثم بسنَّته، صلَّاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وقتها كما وصفتُ.

أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أرَاهُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر صلاة الخوف، فقال: إن كان خوفٌ أشذ من ذلك صلّوا رجالاً وركباناً، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها، الحديث أخبرنا رجل، عن ابن أبي ذئب. عن الزهري، عن أبيه، عن سالم، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: مثل معناه، ولم يشك أنه عن أبيه، وأنه مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث. اختلاف الحديث: باب (المختلفات التي يوجد على ما يُؤخذ منها دليل على صلاة الخوف) : حدثنا الربيع - رحمه الله - قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله جلّ ثناؤه في صلاة الخوف: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ) الآية - وبعد أن ذكر حديث خوات بن جبير - قال: وأخذنا بهذا في صلاة الخوف إذا كان العدو في غير جهة القبلة، أو جهتها غير مأمونين لثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وموافقته للقرآن. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وروى ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف شيئاً يخالف فيه هذه الصلاة، روى أنَّ طائفة صلَّت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. وطائفة وجاه العدو، فَصَلَّى بالطائفة التي معه ركعة ثم استأخروا، ولم يتموا الصلاة، فوقفوا بإزاء العدو، وجاءت الطائفة التي كانت بإزاء العدو، فصلوا معه الركعة التي بقيت عليه، ثم انصرفت، وقامت الطائفتان معاً فأتموا لأنفسهم.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: كيف أخذت بحديث خوات بن جبير، دون حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما؟ قيل: لمعنيين. أحدهما: موافقة القرآن. وثانيهما: وأن معقولاً فيه: أنَّه عدل بين الطائفتين، وأحرى ألَّا يصيب المشركين غرَّة من المسلمين. فإن قال قائل: فأين موافقة القرآن؟ قلت: قال الله: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) إلى (وَأَسْلِحَتَهُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وحديث خوات بن جبير كما وصفنا أقوى من المكيدة، وأحصن لكل المسلمين من الحديث الذي يخالفه، فبهذه الدلائل قلنا بحديث خوات بن جبير. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد رُوي حديث لا يُثبت أهل العلم بالحديث مثله، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى (بذي قَرَدٍ) بطائفة ركعة، ثم سلموا، وبطائفة ركعة ثم سلموا، فكانت للإمام ركعتان، وعلى كلّ واحدة ركعة، وإنما تركناه؛ لأن جميع الأحاديث في صلاة الخوف مجتمعة على أن على المأمومين من عدد الصلاة مثل ما على الإمام، وكذلك أصل الفرض في الصلاة على الناس واحد في العدد؛ ولأنه لا يثبت عندنا مثله لشيء في بعض إسناده. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ورُوي في صلاة الخوف أحاديث، لا تضاد حديث خوات بن جبير؛ وذلك أن جابراً روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى (ببطن نخل) صلاة الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم، ثم جاءت الطائفة الأخرى فصلّى بهم ركعتين، ثم سلم، وهاتان الطائفتان محروستان، فإن صلّى الإمام هكذا أجزأ عنه.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد روى أبو عياش الزُّرَقِي، أن العدو كان في القبلة فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالطائفتين معاً (بعُسفان) ، فركع، وركعوا، ثم سجد فسجدت معه طائفة، وقامت طائفة تحرسه، فلما قام سجد الذين يحرسونه، وهكذا نقول، لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا كثيراً، والعدو قليل لا حائل بينهم وبينه يخاف حملتهم، فإذا كانوا هكذا، صُلِّيت صلاة الخوف هكذا، وليس هذا مضاداً للحديث الذي أخذنا به، ولكن الحالين مختلفان. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في خروجه إلى اليمن. . . ثم حمله إلى الرشيد، وما جرى بينه وبين محمد بن الحسن رحمهما الله) . قال له الشَّافِعِي رحمهما الله: ما تقول في صلاة الخوف، كيف يصلِّيها الرجل؟ فقال محمد بن الحسن: منسوخة، قال الله - عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ) الآية. فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرهم، لم تجب عليهم صلاة الخوف.

قال الله عز وجل: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (103)

فقال له الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرهم لم تجب عليهم؟ زاد فيه غيره: قال ابن الحسن: كلا بل تجب عليهم - أي: الزكاة -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) الأم: باب (أن لا تقضي الصلاة حائض) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فلما لم يرخص رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في أن تؤخر الصلاة في الخوف، وأرخص أن يصلِّيها المصلِّي كما أمكنه راجلاً أوراكباً، وقال: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية. الأم (أيضاً) : باب (أصل فرض الصلاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال تبارك وتعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية، مع عدد آي فيه ذكر الصلاة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام فقال: "خمس صلوات في اليوم والليلة". قال السائل: هل علي غيرها؟ قال: " لا، إلا أن تطوع" الحديث.

الأم (أيضاً) : جماع مواقيت الصلاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحكم اللَّه - عز وجل - كتابه، أن فرض الصلاة موقوت، والموقوت - واللَّه أعلم -: الوقت الذي يصلى فيه، وعددها، فقال - عز وجل -: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية، وقد ذكرنا نقل العامة عدد الصلاة في مواضعها، ونحن ذاكرون الوقت. - ثم ذكر حديث عروة بن الزبير وابن عباس رضي اللَّه عنهما المتعلق به بإقامة جبريل عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - أول وقت الصلاة وآخرها -. الأم (أيضاً) : باب (سجود التلاوة والشكر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا أحبُّ أن يدع شيئاً من سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه؛ لأنَّه ليس بفرض. فإن قال قائل: ما دلَّ على أنه ليس بفرض؟ قيل: السجود صلاة، قال اللَّه تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية. فكان الموقوت يحتمل: مؤقتاً بالعدد، ومؤقتاً بالوقت. فأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن اللَّه - عز وجل - فرض خمس صلوات فقال رجل يا رسول اللَّه هل على غيرها؟ قال: " لا، إلا أن تطَوَّع" الحديث. فلما كان سجود القرآن خارجاً من الصلوات المكتوبات، كانت سُنَّة اختيار، فأحبُّ إلينا ألَّا يدعه، ومن تركه ترك فضلاً لا فرضاً. مختصر المزني: مقدمة كتاب (اختلاف الحديث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ثناؤه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية. فدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عدد الصلاة،

ومواقيتها، والعمل بها وفيها، ودلَّ على أنها على العامة الأحرار والمماليك من الرجال والنساء، إلا الحيَّض. الرسالة: باب (البيان الثالث) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية، وقال: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) . ثم بيَّن على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - عدد ما فرض من الصلوات، ومواقيتها، وسننها. الرسالة (أيضاً) : باب (بيان ما أُنزل من الكتاب عامّ الظاهر وهو يجمع العام والخصوص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية، فبين في كتاب اللَّه أن في هذه الآية العموم والخصوص،. . . وهكذا التنزيل في الصوم والصلاة: على البالغين العاقلين، دون من لم يبلغ، ومن بلغ ممن غُلِبَ على عقله، ودون الحُيَّض في أيام حيضهن. الرسالة (أيضاً) : جُمَلُ الفرائض: قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية، وقال: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) .

قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحكم اللَّه فرضه في كتابه في الصلاة والزكاة والحج، وبين كيف فرضه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عدد الصلوات المفروضات خمس، وأخبر أن عدد الظهر والعصر والعشاء في الحضر: أربع، وعدد المغرب ثلاث، وعدد الصبح ركعتان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه في الصلاة: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) الآية، فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله - عزَّ وجلَّ تلك المواقيت، وصفى الصلوات لوقتها، فحوصر يوم الأحزاب، فلم يقدر على الصلاة في وقتها، فأخرها للعذر، حتى صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء في مقام واحد. أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري. عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة، حتى كان بعد المغرب بهويٍّ من الليل، حتى كفينا، وذلك قول اللَّه: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) فدعا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بلالاً - رضي الله عنه - فأمره، فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها، كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها هكذا، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضاً، قال: وذلك قبل أن يُتزل في صلاة الخوف (فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) . الرسالة (أيضاً) : وجه آخر - أى: من الناسخ والمنسوخ -: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) يعني - واللَّه أعلم - فأقيموا الصلاة كما كنتم تُصلون في غير الخوف.

قال الله عز وجل: (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا (108)

قال الله عزَّ وجلَّ: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) الأم: تكلُّف الحجة على قائل القول الأول - بقتل المرتد -، وعلى من قال: أقبل إظهار التوبة. .: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والأعراب لا يدينون ديناً يظهر، بل يظهرون الإسلام، ويَسْتَخْفُونَ بالشرك والتعطيل، قال اللَّه - عز وجل -: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) الآية. فإن قال قائل: فلعل من سميت لم يظهر شركاً سمعه منه آدمي، وإنما أخبر اللَّه أسرارهم، فقد سمع من عدد منهم الشرك، وشهد به عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمنهم من جحده، وشهد شهادة الحق، فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أظهر، ولم يَقِفهُ، على أن يقول: أقِرَّ. ومنهم من أقرَّ بما شهد به عليه، وقال: تبت إلى اللَّه، وشهد شهادة الحق، فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أظهر.

قال الله عز وجل: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما (113)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) الأم: اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) الآية. فيذهب إلى أن الكتاب هو: ما يتلى عن اللَّه تعالى. والحكمة هي: ما جاءت به الرسالة عن اللَّه، مما بينْت سُنَّة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الرسالة: باب (ما نزل عاماً دلت السنة الخاصة على أنه يراد به الخاص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) الآية. فذكر اللَّه الكتاب وهو: القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرسالة ً (أيضاً) : باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)

قال الله عز وجل: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (115)

فأبان اللَّه أن قد فرض على نبيه اتباع أمره، وشهد له بالبلاع عنه، وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به، تقرباً إلى اللَّه بالإيمان به، وتوسلاً إليه بتصديق كلماته. أخبرنا عبد العزيز، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن المطلب بن حَنطب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئاً مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما أعلمنا اللَّه مما سبق في علمه، وَحَتم قضائه الذي لا يُرد - من فضله عليه ونعمته - أنه منعه من أن يهمُّوا به أن يُضِلُّوه. وأعلمه أنَّهم لا يضرونه من شيء. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعانى في آيات متفرقة) : أخبرنا أبو عبد الحافظ، أخبرني أبو عبد اللَّه الزبير بن عبد الواحد الحافظ الاسترابادي، قال سمعت أبا سعيد محمد بن عقيل الفاريابي، يقول: قال المزني والربيع - رحمهما اللَّه تعالى -: " كنا يوماً عند الشَّافِعِي، إذ جاء شيخ، فقال له: أسألُ؟ قال الشَّافِعِي: سل، قال: (إيش) الحجّة في دين اللَّه؟ فقال الشَّافِعِي: كتاب اللَّه. قال: وماذا؟ قال: سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة. قال: ومن أين قلت اتفاق الأمة، من كتاب اللَّه؛ فتدبر الشَّافِعِي - رحمه اللَّه -

قال الله عز وجل: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا (125)

ساعة. فقال الشيخ: أجلتك ثلاثة أيام. فتغير لون الشَّافِعِي، ثم إنَّه ذهب فلم يخرج أياماً. قال: فخرج من البيت في اليوم الثالث، فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ فسلم فجلس، فقال حاجتي؟ فقال الشَّافِعِي رحمه اللَّه تعالى: نعم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال اللَّه - عز وجل - بهث: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) لا يصليه جهنم على خلاف سبيل المؤمن إلا وهو فرض. قال: فقال: صدقت. وقام وذهب. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات، حتى وقفت عليه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) الأم: كتاب (الجزية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: خلق اللَّه الخلق لعبادته، ثم أبان جل وعلا أن خيرته من خلقه أنبياؤه. . . وذكر إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - فقال جل ثناؤه: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) الآية.

قال الله عز وجل: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) الأم: ما لا يحل أن يُؤخذ من المرأة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأذن الله - تبارك وتعالى - بأخذ مالها محبوسة ومفارقة بطيب نفسها. . . وقال اللَّه تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا) الآية، وهذا إذن بحبسها عليه إذا طابت بها نفسها كما وصفت. الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن ابن المسيب في ذلك: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا) إلى: (صُلْحًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا موضوع في موضعه بحججه. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة. عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، رضي اللَّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه هل لك في أختي بنت أبي سفيان؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فأفعل ماذا؟ " قالت: تنكحها. قال: "أختك"، قالت: نعم. قال: أو تحبين ذلك"، قالت: نعم لست لك بمخْلِية، وأحَبّ مَن شركني في خير أختي. قال: "فإنها لا تحلُّ لي" فقلت: واللَّه لقد أخبرت أنك تخطب ابنة أبي سلمة. قال: "ابنة أم سلمة؟ "، قالت: نعم. قال: "فوالله لو لم تكن ربيبتى في

حجري، ما حلَّت لي، إنها لاَبنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ذويبة، فلا تعرضنَّ عليَّ بناتكن ولا أخواتكن" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكل ما وصفت لك مما فرض اللَّه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجعل له دون الناس، وبيَّنه في كتاب الله، أو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفعله، أو أمر اجتمع عليه أهل العلم عندنا، لم يختلفوا فيه. الأم (أيضاً) : الخلع والنشوز: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه - تبارك وتعالى -: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفبان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن ابنة محمد بن مَسلَمة كانت عند رافع بن خَديج، فكره منها أمراً - إما كبراً أو غيره - فأراد طلاقها، فقالت: لا تطلقني وأمسكني، واقسم لي ما بدا لك، فأنزل اللَّه تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) الحديث.

قال الله عز وجل: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما (129)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد رُوي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هَمَّ بطلاق بعض نسائه فقالت: لا تطلقني، ودعني يحشرني اللَّه في نسائك، وقد وهبت يومي وليلتي لأختي عائشة رضي اللَّه عنها، الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن سودة وهبت يومها لعائشة رضي اللَّه عنهما، الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) الأم: القسْمُ للنساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال تبارك وتعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا) الآية. وقال بعض أهل العلم بالتفسير: لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء بما في القلوب، فإنّ اللَّه عز وعلا تجاوز للعباد عما في القلوب فلا تميلوا: تتبعوا أهواءكم. (كُلَّ الْمَيْلِ) : بالفعل مع الهوى، وهذا يشبه ما قال - واللَّه أعلم -. ودلّت سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما عليه عوام علماء المسلمين، على أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي، وأن عليه أن يعدل في ذلك، لا أنه مرخص له أن يجوز فيه، فدل ذلك على لأنَّه إنما أريد به ما في القلوب، مما قد تجاوز اللَّه للعباد عنه، فيما هو أعظم من الميل على النساء - واللَّه أعلم -.

والحرائر المسلمات والذميات إذا اجتمعن عند الرجل في القَسم سواء. والقَسمُ هو: الليل يبيت عند كل واحدة منهن ليلتها، ونحبُّ لو أوى عندها نهاره. فإن كانت عنده أمة مع حرَّة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة. أخبرنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُبض عن تسع نسوة، وكان يقسم منهن لثمان الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: التاسعة التي لم يكن يقسم لها: سودة وهبت يومها لعائشة رضي اللَّه عنها. الأم (أيضاً) : جماع القسْم للنساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) الآية. سمعت بعض أهل العلم يقول قولاً معناه ما أصفُ: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا) : إنما ذلك في القلوب. فلا تميلوا كل الميل: لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم، فيصير الميل بالفعل الذي ليس لكم، فتذروها - كالمعلقة -. وما أشبه ما قالوا عندي بما قالوا؛ لأن اللَّه - عز وجل - تجاوز عما في القلوب، وكتب على الناس الأفعال والأقاويل، فإذا مال بالقول والفعل فذلك كلّ الميل. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم أعلم مخالفاً في أن على المرء أن يقسم لنسائه. فيعدل بينهن، وقد بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم فيعدل، ثم يقول:

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا اله

"اللهم هذا قسْمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك " الحديث. يعني - والله أعلم -: قلبه، وقد بلغنا أنَّه كان يُطاف به محمولاً في مرضه على نساءه حتى حَلَلَنَه. الأم (أيضاً) : جماع عشرَة النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأقل ما يجب في أمره بالعشرة بالمعروف، أن يؤدي الزوج إلى زوجته ما فرض الله لها عليه، من نفقة، وكسوة، وترك ميل ظاهر، فإنه يقول جل وعز: (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في القضايا والشهادات: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيما يجب على المرء من القيام بشهادته، إذا شهد،. . . قال عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: الذي أحفظ عن كلَ ما سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات، أنَّه في الشاهد قد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن يقوم بها

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل

على والديه، وولده، والقريب، والبعيد، وللبغيض (البعيد والقريب) ، ولا يكتم عن أحد، ولا يحابي بها، ولا يمنعها أحداً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) الرسالة: بيان فرض الله - عزَّ وجلَّ اتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وضع اللَّه رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جل ثناؤه؛ لأنَّه جعله علماً لدينه، بما افترض من طاعته،، وحرّم من معصيته، وأبان من فضيلته، بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به، فقال تبارك وتعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) الآية. وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) الآية. فجعل كمال ابتداء الإيمان، الذي ما سواه تبع له (الإيمانَ بالله ثم برسوله) . فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله، لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً، حتى يؤمن برسوله - صلى الله عليه وسلم - معه.

قال الله عز وجل: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أنزل اللَّه تبارك وتعالى بعد هذا في الحال التي فرض فيها عُزْلة المشركين، فقال: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) مما فرض عليه، فقال: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا) قرأ الربيع إلى: (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) الآية. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في تفسير في آيات متفرقة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومثل قوله - عز وجل -: (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) الآية. ومثل هذا في القرآن على ألفاظ.

قال الله عز وجل: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا (145)

مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه على السمع: أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرُّم اللَّه، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال في ذلك: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) الأم: المرتد عن الإسلام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قضى اللَّه (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) الآية. الأم (أيضاً) اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فحقن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دماءهم بما أظهروا من الإسلام. وأقرَّهم على المناكحة والموارثة، وكان الله أعلم بدينهم بالسرائر، فأخبره الله - عزَّ وجلَّ، أنهم في النار، فقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية. وهذا يوجب على الحكام ما وصفت، من ترك الدلالة الباطنة، والحكم بالظاهر، من القول، أو البينة، أو الاعتراف، أو الحجة.

الأم (أيضاً) : باب (ما يحرم به الدم من الإسلام) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال جلّ وعز: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) الآية. فأخبر اللَّه - عز وجل - عن المنافقين بالكفر، وحكم فيهم بعلمه من أسرار خلقه ما لا يعلمه غيره بأنَّهم في الدرك الأسفل من النار، وأنَّهم كاذبون بإيمانهم، وحكم فيهم جلّ ثناؤه في الدنيا، بأن ما أظهروا من الإيمان، وإن كانوا به كاذبين، لهم جُنة من القتل، وهم المُسِرُّون الكفر، المظهرون الإيمان، وبين على لسانه - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أنزل في كتابه؛ من أنَّ إظهار القول بالإيمان جُنة من القتل، أقرَّ من شهد عليه بالإيمان بعد الكفر، أو لم يقر إذا أظهر الإيمان. فإظهاره مانع من القتل، وبيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حقن الله تعالى دماء من أظهر الإيمان بعد الكفر أن لهم حكم المسلمين في الموارثة، والمناكحة، وغير ذلك من أحكام المسلمين. الأم (أيضاً) : تكلف الحجة على قائل القول الأول - بقتل المرتد -، وعلى من قال: أقبل إظهار التوبة..: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبر الله جل ثناؤه عن المنافقين في عدد آي من كتابه، بإظهار الإيمان، والاستسرار بالشرك، وأخبرنا بأن قد جزاهم بعلمه عنهم بالدرك الأسفل من النار، فقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) الآية. فأعلم أنَّ حكمهم في الآخرة النار، بعلمه أسرارهم. وأن حكمه عليهم في الدنيا - إن أظهروا الإيمان - جُنة لهم.

الأم (أيضاً) : من قال لزوجته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني: قال الشَّافِعِي رحمه الله: يحنث الناس في الحكم على الظاهر من أيمانهم. وكذلك أمرنا الله تعالى أن نحكم عليهم بما ظهر، وكذلك أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكذلك أحكام الله، وأحكام رسوله في الدنيا. فأمّا السرائر فلا يعلمها إلا الله، فهو يدين بها، ويجزى، ولا يعلمها دونه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ألا ترى أن حكم اللَّه تعالى في المنافقين، أنَّه يعلمهم مشركين، فأوجب عليهم في الآخرة جهنم، فقال - عز وجل -: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية. وحكم لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحكام الإسلام، بما أظهروا منه، فلم يسفك لهم دماً، ولم يأخذ لهم مالاً، ولم يمنعهم أن يناكحوا المسلمين وينكحوهم. ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يعرفهم بأعيانهم، يأتيه الوحي، ويسمع ذلك منهم، ويبلغه عنهم، فيظهرون التوبة، والوحي يأتيه بأنهم كاذبون بالتوبة، ومثل ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع الناس: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" الحديث.

الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أوجب - اللَّه - عز وجل - - للمنافقين إذا أسروا نار جهنم فقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا أظهروا التوبة منه، والقول بالإيمان. حقنت عليهم دماؤهم، وجمعهم ذكر الإسلام، وقد أعلم اللَّه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أنهم في الدرك الأسفل من النار، فقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية. فجعل حكمه عليهم جلّ وعز على سرائرهم، وحكم نبيه عليهم في الدنيا على علانيتهم بإظهار التوبة، وما قامت عليهم بينة من المسلمين بقوله، وما أقرُّوا بقوله، وما جحدوا من قول الكفر، مما لم يقروا به ولم تقم به ببينة عليهم، وقد كذبهم على قولهم في كل، وكذلك أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله - عز وجل -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبيد اللَّه بن عدي بن الخيار، أنَّ رجلاً سارَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم ندر ما سارَّه حتى جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو يشاوره في قتل رجل من المنافقين. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: بلى، ولا شهادة له. فقال: "أليس يصلي؟ " قال: بلى، ولا صلاة له. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أولئك الدين نهاني الله تعالى عنهم" الحديث.

قال الله عز وجل: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (160)

قال الله عزَّ وجلَّ: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) الأم: باب ذبائح بني إسرائيل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عز ذكره: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) الآية. يعني - واللَّه تعالى أعلم -: طيبات كانتأُحِلَّتْ لَهُمْ. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) الرسالة: في الزكاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) فقال بعض أهل العلم: هي الزكاة المفروضة.

قال الله عز وجل: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليما

قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) الرسالة ً: الحجة في تثبيت خبر الواحد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) الآية. وقال لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ) الآية، فأقام جلّ ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه في الأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم، وكانت الحجّة بها ثابتة علي من شاهد أمور الأنبياء ودلائلهم التي باينوا بها غيرهم، ومَن بعدهم، وكان الواحد في ذلك وكثر منه سواء، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشافعى - في دلائل التوحيد) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: أخبرني أبو عبد اللَّه (محمد بن إبراهيم المؤذن) ، عن عبد الواحد بن محمد الأرغياني، عن أبي محمد الزبيري قال: قال رجل للشافعي: أخبرني عن القرآن خالق هو؟

قال الله عز وجل: (فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له)

قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: اللهم لا. قال: مخلوق؟ قال الشَّافِعِي: اللهم لا. قال: فغير مخلوق؟ قال الشَّافِعِي: اللهم نعم. قال: فما الدليل على أنه غير مخلوق؟ فرفع الشَّافِعِي رأسه وقال: تقرُّ بأن القرآن كلام اللَّه؟ قال: نعم. قال الشَّافِعِي سُبقْتَ في هذه الكلمة، قال اللَّه تعالى ذكره: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) . وقال: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فتقرُّ بأن اللَّه كان وكان كلامه؛ أو كان اللَّه ولم يكن كلامه؟ فقال الرجل: بل كان اللَّه، وكان كلامه. قال: فتبسم الشَّافِعِي وقال: يا كوفيون، إنكم لتأتوني بعظيم من القول: إذا كنتم تقرون بأن اللَّه كان قبل القَبل وكان كلامه، فمن أين لكم الكلام: إن الكلام اللَّه، أو سوى اللَّه، أو غير اللَّه، أو دون اللَّه؟! قال: فسكت الرجل وخرج. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ) الرسالة: بيان فرض الله في كتابه اتباع سنه نبيه - صلى الله عليه وسلم -: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وضع اللَّه رسوله - صلى الله عليه وسلم - من دينه، وفرضه، وكتابه، الموضع الذي أبان جلَّ ثناؤه أنه جعله علماً لدينه، بما افترض من طاعته، وحرم من معصيته، وأبان من فضيلته، بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به، فقال

تبارك وتعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) الآية. قلت: أشرنا في تفسير الآية / 136 من سورة النساء إلى أن الشَّافِعِي رحمه الله ذكر هذه الآية دليلاً على أن اللَّه قرن الإيمان به بالإيمان برسوله، وهنا كلام رائع لمحقق كتاب الرسالة، يستحسن أن ننقله كاملاً بحرفيته كما ورد في تعليقه على هذه الفقرة / 237 إذ يقول رحمه اللَّه: والعصمة لله ولكتابه ولأنبيائه، وقد أبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، كما قال بعض الأئمة من السلف. فإن الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر هذه الآية محتجاً بها على أن الله قرن الإيمان برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - مع الإيمان به، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة من القرآن، منها: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) . ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) . ولكن الآية التي ذكرها الشَّافِعِي هنا ليست في موضع الدلالة على ما يريد. لأن الأمر فيها بالإيمان بالله وبرسله كافة. ووجه الخطأ من الشَّافِعِي - رحمه الله -: أنه ذكر الآية بلفظ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) بإفراد لفظ الرسول وهكذا كتبت في أصل الربيع، وطبعت في الطبعات الثلاثة من الرسالة، وهو خلاف التلاوة، وقد خُيِّل إلي بادئ ذي بدء

أن تكون هناك قراءة بالإفراد، وإن كانت - إذا وجدت - لا تفيد في الاحتجاج لما يريد؛ لأن سياق الكلام في شأن عيسى عليه السلام، فلو كان اللفظ: (وَرَسُوله) لكان المراد به عيسى، ولكني لم أجد آية قراءة في هذا الحرف من الآية بالإفراد. لا في القراءات العشر، ولا في غيرها من الأربع، ولا في القراءات الأخرى التي يسمونها: (القراءات الشاذة) . ومن عجب أن يبقى هذا الخطأ في الرسالة، وقد مضى على تأليفها أكثر من ألف ومائة وخمسون سنة، وكانت في أيدي العلماء هذه القرون الطوال. وليس هو من خطأ في الكتابة من الناسخين، بل هو خطأ علمي، انتقل فيه ذهن المؤلف الإمام، من آية إلى آية أخرى حين التأليف: ثم لا ينبه عليه أحد! أولا يلتفت إليه أحد! وقد مكث أصل الربيع من الرسالة بين يدي عشرات من العلماء الكبار. والأئمة الحفاظ، نحواً من أربعة قرون إلى ما بعد سنة 650 هـ يتداولونه بينهم قراءة وإقراء ونسخاً ومقابلة، كما هو ثابت في السماعات الكثيرة المسجلة مع الأصل، وفيها سماعات لعلماء أعلام، ورجال من الرجالات الأفذاذ، وكلهم دخل عليه هذا الخطأ، وفاته أن يتدبر موضعه فيصححه. ومرد ذلك كله - فيما نرى واللَّه أعلم -: إلى الثقة ثم إلى التقليد، فما كان ليخطر ببال واحد منهم أن الشَّافِعِي، وهو إمام الأئمة، وحجة هذه الأمة يخطئ في تلاوة آية من القرآن، ثم يخطئ في وجه الاستدلال بها، والموضوع أصله من بديهيات الإسلام، وحجج القرآن فيه متوافرة، وآياته متلوة محفوظة، ولذلك لم يكلف واحد منهم نفسه عناء المراجعة، ولم يفكر في صدر الآية التي أتى بها الشَّافِعِي للاحتجاج، تقليداً له وَثِقَة به، حتى يرى إن كان موضعها موضع الكلام في شأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو في شأن غيره من الرسل عليهم السلام. ونقول هنا: ما قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه فيما مضى من الرسالة في الفقرة / 136: (وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، واللَّه يغفر لنا ولهم) . اهـ،

قال الله عز وجل: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد

قال الله عزَّ وجلَّ: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) الأم: القراءة في الخطبة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بلغني أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان إذا كان في آخر الخطبة، قرأ آخر النساء: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ) إلى آخر السورة. الأم (أيضاً) : الخلاف في المرتد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال بعض الناس: وإذا ارتد الرجل عن الإسلام. فقُتِل، أو مات على ردته، أو لحق بدار الحرب، قسمنا ميراثه بين ورثته من المسلمين، وقضينا كل دَين عليه إلى أجل، وأعتقنا أمهات أولاده، ومُدَبَّريه، فإن رجع إلى الإسلام لم نرد من الحكم شيئاً، إلا أن نجد من ماله شيئاً في يدي أحدٍ من ورثة، فيردون عليه؛ لأنه ماله، ومن أتلف من ورثتة شيئاً مما قضينا له به ميراثاً لم يضمنه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت لأعلى من قال هذا القول عندهم: أصول العلم عندك أربعة أصول، أوجبها وأولاها: أن يؤخذ به فلا يترك كتاب الله، وسنه نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلا أعلمك إلا قد جردت خلافهما - ثم القياس، والمعقول عندك الذي يؤخذ به بعد هذين الإجماع، فقد خالفت القياس والمعقول، وقلت في هذا قولاً متناقضاً.

قال: فأوجدني ما وصفت. قلت له: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ) مع ما ذكر من آي المواريث، ألا ترى أن اللَّه - عز وجل إنما ملَّك الأحياء بالمواريث، ما كان الموتى يملكون إذا كانوا أحياء؟ قال: بلى. قلت: والأحياء خلاف الموتى؟ قال: نعم. قلت: أفرأيت المرتد ببعض ثغورنا يلحق بمسلحة لأهل الحرب يراها، فيكون قائماً بقتالنا، أو مترهباً، أو معتزلاً لا تعرف حياته. فكيف حكمت عليه حكم الموتى وهو حيٌّ؟! . .. الأم (أيضاً) : باب (من قال: لا يورث أحد حتى يموت) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ) الآية. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرث المسلم الكافر" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان معقولاً عن اللَّه - عز وجل -، ثم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم في لسان العرب، وقول عوام أهل العلم ببلدنا: أن امرأً لا يكون موروثاً أبداً حتى يموت، فإذا مات كان موروثاً، وأن الأحياء خلاف الموتى، فمن ورَّث حياً دخل عليه - واللَّه تعالى أعلم - خلاف حكم الله - عزَّ وجلَّ، وحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلنا والناس معنا بهذا، لم يُختلف بحملته، وقلنا به في المفقود، وقلنا لا يقسم ماله حتى يعلم يقين وفاته.

الأم (أيضاً) : باب (ردِّ المواريث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ) الآية. وقال عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وذكر بقية آيات المواريث -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فهذه الآي في المواريث كلها، تدل على: أن اللَّه - عز وجل - انتهى بمن سمى له فريضة إلى شيء، فلا ينبغي لأحد أن يزيد من انتهى اللَّه به إلى شيء غير ما انتهى به ولا ينقصه، فبذلك قلنا: لا يجوز رد المواريث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك لا يرد على وارث ذي قرابة، ولا زوج ولا زوجة له فريضة، ولا تجاوز بذي فريضة فريضته، والقرآن - إن شاء اللَّه تعالى - يدل على هذا، وهو قول زيد بن ثابت، وقول الأئمة ممن لقيت من أصحابنا. الأم (أيضاً) : باب (الخلاف في ردِّ المواريث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت - أي: للمحاور - قال الله - عزَّ وجلَّ: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ)

وقال: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فذكر الأخت منفردة فأنتهى بها إلى النصف، وذكر الأخ منفرداً فأنتهى به إلى الكل، وذكر الأخ والأخت مجتمعين فجعلها على النصف من الأخ في الاجتماع، كما جعلها في الانفراد، أفرأيت إن أعطيتها الكل منفردة أليس قد خالفت حكم اللَّه تبارك وتعالى نصاً؟ ؛ لأن اللَّه - عز وجل انتهى بها إلى النصف، وخالفت معنى حكم الله، إذ سويتها به، وقد جعلها اللَّه تبارك وتعالى معه على النصف منه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له: فأي المواريث كلها تدل على خلاف رد المواريث. الأم (أيضاً) : ميراث المرتد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) الآية. فإنما نقل ملك الموتى إلى الأحياء، والموتى خلاف الأحياء، ولم ينقل بميراث قط، ميراث حي إلى حي. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلنا: قالوا: قال اللَّه - عز وجل -: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) الآية. وقال: في جميع المواريث مثل هذا

المعنى، فإنما مَلَّك "الله الأحياء، ما كان يملك غيرهم بالميراث بعد موت غيرهم. فأما ما كان مالك المال حياً، فهو مالك ماله، وسواء كان مريضاً أو صحيحاً؛ لأنه لا يخلو مال من أن يكون له مالك، وهذا مالك لا غيره، فإذا أعتق جميع ما يملك، أو وهب جميع ما يملك، عِتْقَ بتات، أو هبة بتات، جاز العتق والهبة وإن مات؛ لأنه في الحال التي أعتق فيها ووهب، مالك. . .

سورة المائدة

سورة المائدة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) الأم: جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: جماع الوفاء بالنذر وبالعهد، كان بيمين أو غيرها في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الآية. وهذا من سعة لسان العرب الذي خوطبت به، وظاهره عام على كل عقد، ويشبه - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون أراد اللَّه - عز وجل -، أن يوفى بكل عقد كان بيمين أو غير يمين. وكل عقد نذر، إذا كانت في العقد لله طاعة، ولم يكن فيما أمر بالوفاء منها معصية. الأم (أيضاً) : باب (دواب الصيد التي لم تسمَّ) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: ما دلَّ على ما وصفت، والعرب تقول: للإبل الأنعام، وللبقر البقر، وللغنم الغنم؟ قيل: هذا كتاب الله تعالى كما وصفت، فإذا جَمَعْتَها قلت نعماً كلها، وأضفت الأدنى منها إلى الأعلى، وهذا

معروف عند أهل العلم بها، وقد قال الله تعالى: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) الآية. الأم (أيضاً) : كتاب (الأطعمة وليس في التراجم. .) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أصل ما يحرم أكله من البهائم والدواب والطير شيئان، ثم يتفرقان فيكون منها شيء محرم نصاً في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشيء محرم في جملة كتاب اللَّه - عز وجل - خارج من الطيبات، ومن بهيمة الأنعام، فإنَ الله - عز وجل - يقولْ: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) الآية. الأم (أيضاً) : ما حرَّم المشركون على أنفسهم: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وأعلمهم - سبحانه وتعالى - أنَّه لم يحرّم عليهم ما حرَّموا بتحريمهم، وقال: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) يعني - والله أعلم -: من الميتة. الأم (أيضاً) : تفريع ما يحل ويحرم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) الآية. فاحتمل قول اللَّه تبارك وتعالى: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) إحلالها دون ما سواها، واحتمل إحلالها بغير حظر ما سواها.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم

قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) الأم: كتاب (الحج) : أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي كصر سنة سبع ومائتين، قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله، قال: أصل إثبات فرض الحج خاصة في كتاب اللَّه تعالى، ثم في سُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكر اللَّه - عز وجل - الحج في غير موضع من كتابه، فحكى أنه قال لإبراهيم عليه السلام: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) . وقال تبارك وتعالى: (لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) الآية. مع ما ذكر به الحج. الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأمر في الكتاب، والسنة، وكلام الناس يحتمل معاني: أحدها: أن يكون اللَّه - عز وجل - حرّم شيئاً، ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرّم، كقول اللَّه - عز وجل -: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) الآية، ليس حتماً أن يصطادوا؛ إذا حلُّوا.

أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيد والذبائح. . .: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان معقولاً عن اللَّه - عز وجل -، إذا أذن في كل ما أمسك الجوارح، أنهم إنما اتخذوا الجوارح، لما لم ينالوه إلا بالجوارح، وإن لم ينزل ذلك نصّا من كتاب الله - عز وجل -. .. وقال تعالى: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) الآية. أحكام القرآن (أيضاً) : ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله تعالى: (لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ) الآية، يعني: لا تستحلوها وهي: كل ما كان لله - عز وجل -، من الهدي وغيره. وفي قوله تعالى: (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) الآية، من أتاه: تصدونهم عنه. قال الشَّافِعِي رحمه المُه: وفي قوله - عز وجل -: (شَنَئَانُ قَوْمٍ) الآية، على خلاف الحق. آداب الشَّافِعِي ومناقبه: باب (في المناسك) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) الآية. فأخبر أنَّه أباح شيئاً كان حرَّمه، ولم يوجب الصيد عند الإحلال.

قال الله عز وجل: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم

قال الله عزَّ وجلَّ: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) الأم: ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له - أي: للمحاور - قد حرّم الله الميتة فقال: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) الآية، واستثنى إحلاله للمضطر. أفيجوز لأحد أن يقول: لما حلَّت الميتة بحال لواحد موصوف، وهو المضطر. حلَّت لمن ليس في صفته؟ قال: لا. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله جلَ وعز: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) قرأ الربيع إلى قوله: (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) الآية. وقال في الآية الأخرى: (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) فلما أباح في حال الضرورة، ما حرَّم جملة، أيكون لي إباحة ذلك في غير حال الضرورة، فيكون التحريم فيه منسوخاً، والإباحة قائمة؟ قال: لا، قلنا: ونقول له التحريم بحاله والإباحة على الشرط، فمتى لم يكن الشرط فلا تحل؟ قال: نعم.

الأم (أيضاً) : ما يحل بالضرورة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال في ذكر ما حرّم: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية، فيحل ما حرَّم من ميتة، ودم، ولحم الخنزير، وكل ما حرم مما لا يغير العقل من الخمر للمضطر. والمضطر: الرجل يكون بالموضع، لا طعام فيه معه، ولا شيء يسد فورة جوعه، من لبن وما أشبهه، ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض، وإن لم يخف الموت، أو يضعفه، ويضره، أو يعتل، أو يكون ماشياً فيضعف عن بلوغ حيث يريد، أو راكباً فيضعف عن ركوب دابته، أو ما في هذا المعنى من الضرر البين، فأي هذا ناله، فله أن يأكل من المحرّم، وكذلك يشرب من المحرّم غير المسكر، مثل الماء تقع فيه الميتة وما أشبهه. الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأعلمهم أنَّه أكمل لهم دينهم فقال - عز وجل -: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) وأبان اللَّه - عز وجل - لخلقه، أنَّه تولى الحكم فيما أثابهم وعاقبهم عليه على ما علم من سرائرهم، وافقت سرائرهم علانينهم، أو خالفتها، وإنَّما جزاهم بالسرائر، فأحبط عمل كل من كفر به.

مختصر المزني: كتاب (الصيد والذبائح) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو شقّ السبع بطن شاة، فوصل إلى معاها. ما يستيقن أنهّا إن لم تذك ماتت، فذكيت فلا بأس بكلها، لقول اللَّه - عز وجل -: (وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) الآية. والذكاة: جائزة بالقرآن الكريم. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو أدرك الصيد، ولم يبلغ سلاحه، أو معلَّمه ما يبلغ الذابح، فأمكنه أن يذبحه فلم يفعل، فلا يأكل. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيد والذبائح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما ذكر اللَّه - عز وجل - أمره بالذبح، وقال: (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) كان معقولاً عن اللَّه - عز وجل -، أنَّه إنَّما أمر به، فيما يمكن فيه الذبح والذكاة، وإن لم يذكره. أحكام القرآن (أيضاً) : باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله - عز وجل -: (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) فما وقع عليه اسم الذكاة من هذا، فهو ذكيُّ.

قال الله عز وجل: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله

قال الشَّافِعِي رحمه الله: - قال اللَّه تعالى -: (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ) الآية، الأزلام ليس لها معنى إلا: القِدَاحُ. الزاهر في غريب ألفاظ الشَّافِعِي: باب (الصيد والذبائح) : بعد أن ذكر عبارة الشَّافِعِي: (ولو وقع الصيد على جبل فتردى عنه كان متردياً لا يؤكل. . .) . قال الأزهرى: والمتردية في القرآن: مِنْ رديت، أي: طرحت، فتردى، أي: سقط (من رأس جبل أو في بئر) . والموقوذة والوقيذة: التي تقتل بشيء ثقيل، مثل الحجر المدملك، والعصا الضخمة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الأم: ما يحرم من جهه ما لا تأكل العرب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أصل التحريم، نص كتاب، أو سنَّة، أو جملة كتاب، أو سنَّة، أو إجماع. . .

وقال عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ) الآية، وإنَّما تكون الطيبات والخبائث عند الآكلين كانوا لها، وهم العرب الذين سألوا عن هذا، ونزلت فيهم الأحكام، وكانوا يكرهون من خبيث المأكل ما لا يكرهها غيرهم. الأم (أيضاً) : باب (موضع الذكاة في المقدوو على ذكاته وحكم غير المقدوو عليه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما نالته الكلاب والصقور والجوارح كلها، فقتلته. ولم تدْمِه احتمل معنيين: أحدهما: ألَّا يؤكل حتى يخرق شيئاً؛ لأن الجارح ما خرق، وقد قال الله تبارك وتعالى: (الْجَوَارِحِ) الآية. ومعنى الثاني: أن فعلها كله ذكاة، فبأي فعلها قتلت حل، وقد يكون هذا جائزاً، فيكون فعلها غير فعل السلاح؛ لأن فعل السلاح فعل الآدمي، وأدنى ذكاة الآدمي، ما خرق حتى يدمي، وفعلها عمد القتل، لا على أن في القتل فعلين: أحدهما: ذكاة، والآخر: غير ذكاة، وقد تسمى جوارح؛ لأنها تجرح، فيكون اسماً لازماً، وأكل ما أمسكن مطلقاً، فيكون ما أمسكن حلالاً بالإطلاق، ويكون الجَرْح إن جرحها هو اسم موضوع عليها، لا أنها إن لم تجرح لم يؤكل ما قتلت. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الحج: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع:

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أصل الصيد: الذي يؤكل لحمه، وإن كان غيره يسمى صيداً، ألا ترى إلى قول اللَّه تعالى: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) الآية؛ لأنَّه معقول عندهم: أنه إنَّما يرسلونها على ما يؤكل. أحكام القرآن (أيضاً) : ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيد والذبائح: قرأت في كتاب السنن - رواية حرملة بن يحيى عن الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تبارك وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان معقولاً عن الله - عزَّ وجلَّ، إذ أذن في كل ما أمسك الجوارح، أنهم إنما اتخذوا الجوارح، لما لم ينالوه إلا بالجوارح، وإن لم ينزل ذلك نصاً من كتاب اللَّه - عز وجل -. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: الكلب المعلم: الذي إذا أشلِيَ: استشلى. وإذا أخذ: حَبَسَ ولم يأكل، فإذا فعل هذا مرة بعد مرة: كان معلَّماً، يأكل صاحبه مما حبس عليه، وإن قَتَل: ما لم يأكل. وقد تسمى جوارح؛ لأنَّها تجرح، فيكون اسماً لازماً. وأحِل ما أمسكن مطلقاً.

قال الله عز وجل: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم

آداب الشَّافِعِي ومناقبه: باب (في اللباس والأشربة، والأضاحي والصيد) : أخبرنا أبو محمد، قال أخبرني أبي، قال سمعت يونس بن عبد الأعلى، قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله تعالى: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ) الآية، (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) الآية. فما أطاع: إن أمرته ائتمر وإن نهيته انتهى فهو: المُكَلَّت، وإذا أمسك، فلم يأكل: فكل، وإن أكل: فلا تأكل، للحديث الذي رواه عدي بن حاتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وفي هذا اختلاف. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) الأم: نكاح نساء أهل الكتاب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - الله تعالى -: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآية، والمحصنات منهن الحرائر،

فأطلقنا مما استثنى الله من إحلاله، وهن الحزائر من أهل الكتاب؛ والحرائر غير الإماء كما قلنا، لا في نكاح مشركة غير كتابية. وقال غيرنا: كذلك كان يلزمه أن يقول: وغير حرة، حتى يجتمع فيها أن تكون حرة كتابية، فإذا كان نكاح إماء المؤمنين ممنوعاً إلا بشرطين كان فيه الدلالة على أنَّه: لا يجوز نكاح غير إماء المؤمنين مع الدلالة الأولى، فإماء أهل الكتاب محرمات من الوجهين في دلالة القرآن - والله تعالى أعلم. الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدنا الله - عزَّ وجلَّ قال: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) الآية، فلم نختلف نحن وأنتم أنهن الحرائر من أهل الكتاب، خاصة إذا خصص، وتكون الإماء منهن من جملة المشركات المحرمات. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم قال - الله تعالى -: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) الآية، فأحل صنفاً واحداً من المشركات بشرطين: أحدهما: أن تكون المنكوحة من أهل الكتاب. والثاني: أن تكون حرَّة؛ لأنَّه لم يختلف المسلمون في أن قول الله عزَّ وجلَّ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآية، هن: الحرائر.

أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في النكاح والصداق وغمِر ذلك: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية، فأيهما كان، فقد أبيح فيه نكاح حرائر أهل الكتاب. أحكام القرآن (أيضاً) : ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيد والذبائح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: - في رواية حرملة عنه -، قال الله عزَّ وجلَّ: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) الآية، فاحتمل ذلك: الذبائح، وما سواها من طعامهم الذي لم نعتقده محرماً علينا، فآنيتهم أولى؛ ألا يكون في النفس منها شيء، إذا غُسِلت. ثم بسط الكلام: في إباحة طعامهم الذي يغيبون على صنعته، إذا لم نعلم فيه حراماً، وكذلك الآنية، إذا لم نعلم نجاسة. أحكام القرآن (أيضاً) : ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في آيات متفرقة: قال الشَّافِعِي رحمه الله؛ في قوله - عز وجل -: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآية، - أي -: الحرائر من أهل الكتاب غير ذوات الأزواج. (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) الآية، - أي -: عفائف غير فواسق.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا

الزاهر الإحصان الذي به يرجم من زنى: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) هنّ: ذوات الأزواج، ويكن العفائف. ومن قرأ والمُحْصِناتُ: - بكسر الصاد - ذهب إلى أنهن أسلمن فحصَّن فروجهنَّ. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) الأم: الطهارة: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله تعالى قال: قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً عند من خوطب بالآية، أن غسلهم إنما كان بالماء، ثم أبان في هذه الآية، أن الغسل بالماء، وكان معقولاً عند من خوطب بالآية، أنَّ الماء ما خلق الله تبارك وتعالى، مما لا صنعة فيه للآدميين، وذكر الماء عاماً، فكان ماء السماء، وماء الأنهار، والأبار، والقِلات، والبحار، العذب

من جميعه والأجاج سواء؛ في لأنَّه يطهر من توضأ، واغتسل منه، وظاهر القرآن يدلُّ على أن كلّ ماء طاهر، ماء بحر وغيره، وقد رُوِي فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث يوافق ظاهر القرآن في إسناده من لا أعرفه. أخبرنا مالك، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة - رجل من آل ابن الأزرق - أنَّ المغيرة بن أبي بردة - وهو من بني عبد الدار - خبَّره أنَّه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هو الطهور ماؤه الحل ميتته" الحديث. الأم (أيضاً) : الماء الراكد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغسل دم الحيضة، ولم يوقِّت فيه شيئاً، وكان اسم الغسل يقع على غسلةٍ مرة أو أكثر، كما قال الله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) الآية، فأجزأت مرة؛ لأنَّ كل هذا يقع عليه اسم الغسل، فكانت الأنجاس كلها قياساً على دم الحيضة لوافقته معاني الغسل والوضوء في الكتاب والمعقول، ولم نقسه على الطب، لأنَّه تعبد. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأمر - الله تعالى - بالوضوء فقال: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) الآية، فكان مكتفى بالتنزيل في هذا عن الاستدلال فيما نزل فيه، مع أشباهٍ له.

الأم (أيضاً) : ما يوجب الوضوء وما لا يوجبه: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) الآية. فكان ظاهر الآية أن من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ، كانت محتملة أن تكون نزلت في خاص، فسمعت من أرضى علمه بالقرآن، يزعم أنَّها نزلت في القائمين من النوم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحسب ما قال كما قال؛ لأن في السُنة دليلاً على أنّ يتوضأ من قام من نومه، أخبرنا سفيان، عن الزهري، - عن أبي سلمة -،عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده" الحديث. أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده، قبل أن يدخلها في وضوءه، فإنه لا يدرى أين باتت يده" الحديث. أخبرنا سفيان قال، أخبرنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإئه لا يدري أين باتت يده" الحديث.

الأم (أيضاً) : باب (في الاستنجاء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الآية. فذكر اللَّه تعالى الوضوء، وكان مذهبنا: أن ذلك إذا قام النائم من نومه. الأم (أيضاً) : الوضوء من الملامسة والغائط: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) الآية. فذكر اللَّه - عز وجل - الوضوء على من قام إلى الصلاة، وأشبه أن يكون من قام من مضجع النوم. وذكر طهارة الجُنُب. ثم قال بعد ذكر طهارة الجنب: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) الآية. فأشبه أن يكون أوجب الوضوء من الغائط، وأوجبه من الملامسة، وإنما ذكرها موصولة بالغائط، بعد ذكر الجنابة، فأشبهت الملامسة، أن تكون: اللمس باليد، والقُبْلة غير الجنابة. أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: "قبلة الرجل امرأته، وجسُّها بيده من الملامسة، فمن قبَّلَ امرأته أو جسَّها بيده فعليه الوضوء" الحديث.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبلغنا عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، قريب من قول ابن عمر - رضي الله عنه - وإذا أفضى الرجل بيده إلى امرأته، أو ببعض جسده إلى بعض جسدها، لا حائل بينه وبينها بشهوة، أو بغير شهوة، وجب عليه الوضوء، ووجب عليها، وكذلك إن لمسته هي وجب عليه، وعليها الوضوء، وسواء في ذلك كله، أيّ بدنيهما أفضى إلى الآخر، إذا أفضى إلى بشرتها، أو أفضت إلى بشرته بشيء من بشرتها، فإن أفضى بيده إلى شعرها، ولم يماسّ لها بشراً فلا وضوء عليه، كان ذلك لشهوة، أو لغير شهوة، كما يشتهيها ولا يمسها، فلا يجب عليه الوضوء، ولا معنى للشهوة؛ لأنَّها في القلب، إنَّما المعنى في الفعل، والشعر مخالف للبشرة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو احتاط فتوضأ إذا لمس شعرها، كان أحبَّ إليَّ. ولو مسَّ بيده ما شاء فوجد بدنها، من ثوب رقيق خام، أو بتٍّ (1) ، أو غيره. أو صفيق، متلذذاً، أو غير متلذذ، وفعلت هي ذلك، لم يجب على واحد منهما وضوء؛ لأنَّ كلاهما لم يلمس صاحبه، إنَّما لمس ثوب صاحبه. قال الربيع: سمعت الشَّافِعِي رحمه الله يقول: اللمس بالكفِّ، ألا ترى أنَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الملامسة؟ قال الشاعر: وألمست كفي كله أطلب الغِني ... ولم أدر أن الجود من كفِّه يُعدِي فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغِني ... أفدت وأعداني فبددت ما عندي

_ (1) البَتُّ: الطيلسان من خّز ونحوه، انظر القاموس المحيط، ص / 188،

الأم (أيضاً) : الوضوء من الغائط والبول والريح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومعقول إذ ذكر الله تبارك وتعالى الغائط في آية الوضوء، أن الغائط: الخلاء، فمن تخلى وجب عليه الوضوء. أخبرنا سفيان قال: حدثنا الزهري قال: أخبرني عبَّاد بن تميم، عن عمه عبد الله بن زيد قال: شُكيَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يخيل إليه الشيء في الصلاة، فقال: " لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" الحديث. الأم (أيضاً) : باب (المضمضة والاستنشاق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) الآية. فلم أعلم مخالفاً في أن الوجه مفروض غسله في الوضوء، ما ظهر منه دون ما بطن، وأن ليس على الرجل أن يغسل عينيه، ولا أن ينضح فيهما، فكانت المضمضة والاستنشاق أقرب إلى الظهور من العينين، ولم أعلم المضمضة والاستنشاق على المتوضأ فرضاً، ولم أعلم خلافاً أن المتوضئ لو تركهما عامداً أو ناسياً، وصلَّى لم يُعِد، وأحبُّ إلِيَّ أن يبدأ المتوضئ بعد غسل يديه، أن يتمضمض ويستنشق ثلاثاً يأخذ بكفه غرفة لفيه وأنفه، ويُدخل الماء أنفه ويستبلغ بقدر ما يرى أنه يأخذ بخياشيمه، ولا يزيد على ذلك، ولا يجعله كالسَّعوط، وإن كان صائماً رفق بالاستنشاق لئلا يدخل رأسه.

الأم (أيضاً) : باب (غسل الوجه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فكان معقولاً أن الوجه: ما دون منابت شعر الرأس إلى الأذنين، واللحيين والذقن، وليس ما جاوز منابت شعر الرأس الأغم من النزعتين من الرأس. وكذلك أصلع مُقدَّم الرأس ليست صلعته من الوجه، وأحبّ إليَّ لو غسل النزعتين مع الوجه، وإن ترك ذلك لم يكن عليه في تركه شيء، فإذا خرجت لحية الرجل فلم تكثر حتى تواري من وجهه شيئاً، فعليه غسل الوجه كما كان قبل أن تنبت، فإذا كثرت حتى تستر موضعها من الوجه فالاحتياط غسلها كلها. الأم (أيضاً) : باب (غسل اليدين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) الآية، فلم أعلم مخالفاً في أن المرافق مما يغسل، كأنهم ذهبوا إلى أن معناها: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى أن تغسل المرافق، ولا يجزئ في غسل اليدين أبداً إلا أن

يُؤتى على ما بين أطراف الأصابع إلى أن تغسل المرافق، ولا يجزئ إلا أن يُؤتى بالغسل على ظاهر اليدين وباطنهما وحروفهما، حتى ينقضي غسلهما، وإن ترِكَ من هذا شيء وإن قل لم يجز، ويبدأ باليمنى من يديه قبل اليسرى، فإن بدأ باليسرى قبل اليمنى، كرهتُ ذلك، ولا أرى عليه الإعادة. الأم (أيضاً) : باب (مسح الرأس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) الآية. وكان معقولاً في الآية، أن من مسح من رأسه شيئاً فقد مسح برأسه، ولم تحتمل الآية إلا هذا، وهو أظهر معانيها، أو مسح الرأس كله، ودلَّت السنة على أن ليس على المرء مسح الرأس كله، وإذا دلَّت السنة على ذلك، فمعنى الآية: أن من مسح شيئاً من رأسه أجزأه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا مسح الرجل بأي رأسه شاء، وإن كان لا شعر عليه، وبأي شعر رأسه شاء، بإصبع واحدة، أو بعض إصبع، أو بطن كله، أو أمر من يمسح به أجزأه ذلك، فكذلك إن مسح نزعتيه، أو إحداهما، أو بعضهما أجزأه، لأنه من رأسه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا يحيى بن حسَّان، عن حمَّاد بن زيد، وابن عُليَّة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي، عن المغيرة

ابن شعبة لأحته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "توضأ ومسح بناصيته، وعلى عمامته، وخفيه" الحديث. أخبرنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فحسر العمامة عن رأسه، ومسح مقدم رأسه (أو قال ناصيته) بالماء" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا أذن الله سبحانه وتعالى بمسح الرأس، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتماً فحسر العمامة فقد دلَّ على أن المسح على الرأس دونها، وأحبُّ لو مسح على العمامة مع الرأس، وإن ترك ذلك لم يضره. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحبُّ لو مسح رأسه ثلاثاً، وواحدة تجزئه. وأحبُّ أن يمسح ظاهر أذنيه وباطنهما، بماء غير ماء الرأس، ويأخذ بإصبعيه الماء لأذنيه، فيدخلهما فيما ظهر من الفرجة التي تفضي إلى الصماخ، ولو ترك مسح الأذنين لم يعد، لأنَّهما لو كانتا من الوجه غسلتا معه، أو من الرأس مسحتا معه، أو وحدهما أجزئتا منه، فإذا لم يكونا هكذا، فلم يذكرا في الفرض، ولو كانتا من الرأس كفى ماسحهما أن يمسح بالرأس، كما يكفي مما يبقى من الرأس. الأم (أيضاً) : باب (غسل الرجلين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ونحن نقرأها: (وَأَرْجُلَكُمْ) بفتح اللام - على معنى: اغسلوا وجوهَكم وأيديَكم وأرجلَكم وامسحوا برؤوسكم.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم أسمع مخالفاً في أنَّ الكعبين اللذين ذكر الله - عز وجل - في الوضوء، الكعبان النائتان، وهما: مجمع مفصل الساق والقدم، وأن عليهما الغسل، كأنه يذهب فيهما إلى: اغسلوا أرجلكم حتى تغسلوا الكعبين، ولا يجزئ المرء إلا غسل ظاهر قدميه وباطنهما، وعرقوبيهما وكعبيهما، حتى يستوظف كل ما أشرف من الكعبين عن أصل الساق، فيبدأ فينصب قدميه، ثم يصب عليهما الماء بيمينه، أو يصب عليه غيره، ويخلل أصابعهما حتى يأتي الماء على ما بين أصابعهما، ولا يجزئه ترك تخليل الأصابع، إلا أن يعلم أن الماء قد أتى على جميع ما بين الأصابع. الأم (أيضاً) : باب (تقديم الوضوء ومتابعته) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عز وجل -: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الآية، وتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أمره اللَّه - عز وجل -، وبدأ بما بدأ الله تعالى به، قال: فأشبه - والله تعالى أعلم - أن يكون على المتوضئ في الوضوء شيئان: 1 - أن يبدأ بما بدأ اللَّه - به -، ثم رسوله عليه الصلاة والسلام به منه. 2 - ويأتي على (كمال ما أمر) . فمن بدأ بيده قبل وجهه، أو رأسه قبل يديه، أو رجليه قبل رأسه، كان عليه عندي أن يعيد حتى يغسل كلاً في موضعه، بعد الذي قبله، وقبل الذي بعده، لا يجزئه عندي غير ذلك، وإن صلى أعاد الصلاة بعد أن يعيد الوضوء،

ومسح الرأس وغيره في هذا سواء، فإذا نسي مسح رأسه حتى غسل رجليه، عاد فمسح رأسه ثم غسل رجليه بعده. الأم (أيضاً) : باب (علة من يجب عليه الغسل والوضوء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله؛ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) الآية. فلم يرخص الله في التيمم إلا في الحالتين: 1 - السفر والإعواز من الماء. 2 - أو المرض فإن كان الرجل مريضاً بعض المرض تيمم حاضراً أو مسافراً، أو واجداً للماء أو غير واجدٍ له. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والمرض: اسم جامع لمعان لأمراض مختلفة، فالذي سمعت أن المرض الذي للمرء أن يتيمم فيه الجراح، والقَرْح دون الغور كله مثله الجراح؛ لأنَّه يخاف في كله إذا ماسه الماء أن ينطف، فيكون من النَّطف: التلف، والمرض المخوف: وأقلُّه ما يخاف هذا فيه، فإن كان جائفاً خيف في وصول الماء إلى الجوف معاجلة التلف، جاز له أن يتيمم، وإن كان القرح الخفيف غير ذي الغور الذي لا يُخاف منه إذا غسل بالماء التلف، ولا النطف، لم يجز فيه إلا غسله؛ لأن العلة التي رخص الله فيها للتيمم زائلة عنه. الأم (أيضاً) : باب (كيف التيمم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) الآية. أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن أبي الحويرث

(عبد الرحمن بن معاوية) ، عن الأعرج، عن ابن الصمَّة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تيمم فمسح وجهه وذراعيه" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومعقول إذا كان التيمم بدلاً من الوضوء، على الوجه واليدين، أن يُؤتى بالتيمم على ما يؤتى بالوضوء عليه فيهما، وإن الله - عز وجل - إذا ذكرهما؛ فقد عفا في التيمم عما سواهما من أعضاء الوضوء والغسل. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجوز أن يتيمم الرجل إلَّا أن ييمِّم وجهه، وذراعيه إلى المرفقين، ويكون المرفقان فيما ييمم، فإن ترك شيئاً من هذا لم يُمر عليه التراب قل أو كثر، كان عليه أن ييمِّمه، وإن صلى قبل أن ييمِّه أعاد الصلاة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجزئه إلا أن يضرب ضربة لوجهه، وأحبُّ إليَّ أن يضربها بيديه معاً، فإن اقتصر على ضربها بإحدى يديه وأمرَّها على جميع وجهه أجزأه. .. ويضرب بيديه معاً لذراعيه، لا يجزيه غير ذلك، اذا يمَّم نفسه؛ لأنَّه لا يستطيع أن يمسح يداً إلَّا باليد التي تخالفها، فيمسح اليمنى باليسرى، واليسرى باليمنى. ويخلل أصابعه بالتراب، ويتتبع مواضع الوضوء بالتراب، كما يتتبعها بالماء. قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا يجزيه في التيمم إلا أن يأتي بالغبار على ما يأتي عليه الوضوء، من وجهه ويديه إلى المرفقين. الأم (أيضاً) : باب (جماع المسح على الخفين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الآية،

فاحتمل أمر الله - عزَّ وجلَّ بغسل القدمين أن يكون على كل متوضئ، واحتمل أن يكون على بعض المتوضئين دون بعض، فدل مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخفين، لأنهما على من لا خفين عليه، إذا هو لبسهما على كمال الطهارة، كما دل صلاة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صلاتين بوضوء واحد، وصلوات بوضوء واحد، على أن فرض الوضوء على من قام إلى الصلاة على بعض القائمين دون بعض، لا أن المسح خلاف لكتاب اللَّه - عز وجل -، ولا الوضوء على القدمين، وكذلك ليست سُنَّة من سنَّته - صلى الله عليه وسلم - بخلافٍ لكتاب الله - عز وجل -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا عبد اللَّه بن نافع، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلال، فذهب لحاجته، ثم توضأ، فغسل وجهه، ثم خرجا قال أسامة فسألت بلالاً ماذا صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال بلال - رضي الله عنه -، ذهب لحاجته ثم توضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي حديث بلال دليل على أن: "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين في الحضر؛ لأن (بئر جمل) في الحضر، قال: فيمسح المسافر والمقيم معاً" الحديث. الأم (أيضاً) : باب (التراب الذي يتيمم به ولا يتيمم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) وكلّ ما وقع عليه اسم صعيد لم تخالطه نجاسة، فهو صعيد طيب، يُتيمم به، وكل ما حال عن اسم صعبد لم يتيمم به، ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار.

الأم (أيضاً) : جماع التيمم للمقيم والمسافر: قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: قال الله تبارك وتعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) الآية. وقال في سياقها: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) إلى: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) الآية. فدلَّ حكم اللَّه - عز وجل - على أنه أباح التيمم في حالين: أحدهما: السفر والإعواز من الماء. والآخر: للمريض في حضر كان أو سفر. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ودلَّ ذلك على أنَّ للمسافر طلب الماء لقوله: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وكان كلّ من خرج مجتازاً من بلد إلى غيره يقع عليه اسم السفر، قَصُر السفر أم طال، ولم أعلم من السنة دليلاً على أنَّ لبعض المسافرين أن يتيمم دون بعض، وكان ظاهر القرآن، أنَّ كل مسافر سفراً بعيداً، أو قريباً يتيمم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: "أنه أقبل من (الجُرفِ) ، حتى إذا كان بالمِربَدِ تيمم، فمسح وجهه ويديه، وصلَّى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يُعِد الصلاة" الحديث. (والجُرْف قريب من المدينة) .

الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أرأيت قول الله تبارك وتعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الآية. أليس بيَن في كتاب الله - عزَّ وجلَّ، بأن فَرَضَ غسل القدمين أو مسحهما؟ قال: بلى. قلت: لم مسحت على الخفين، ومن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس إلى اليوم من ترك المسح على الخفين، ويعنف من مسح؛ قال: ليس في ردَّ من رده حجة، وإذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء لم يضره من خالفه. الأم (أيضاً) : باب (الصوم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله ومثل هذا لا يخالفه المسح على الخفين، قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الآية. فلما مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخفين. استدللنا على أن فرض الله - عزَّ وجلَّ غسل القدمين، إنما هو على بعض المتوضئين دون بعض، وأنَّ المسح لمن أدخل رجليه في الخفين بكمال الطهارة؛ استدلالاً بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه لا يمسح والفرض عليه غسل القدم. الأم (أيضاً) : الخلاف في اليمين مع الشاهد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجعلتَ - الخطاب: للمحاور - تيمم الجُنب سُنَّة. ولم تبطلها برد عمر - رضي الله عنه -، وخلاف ابن مسعود - رضي الله عنه - التيمم، وتأولهما قول الله - عز وجل -: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) الآية، والطهور بالماء.

الأم (أيضاً) : باب (ما روى مالكٌ عن عثمان - رضي الله عنه - وخالفه في تخمير المحرم وجهه) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وفرَّق الله بين حكم الوجه والرأس، فقال: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الآية، فَعَلِمنا أن الوجه ما دون - شعر - الرأس، وأن الذقن من الوجه، وقال: (وَاَمسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) الآية، فكان الرأس غير الوجه. مختصر المزني: باب (الطهارة بالماء) : حدثنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - الله تعالى - في الطهارة: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) الآية. فدل على أن الطهارة بالماء كله. حدثنا الربيع: أخبرنا الشَّافِعِي: حدثنا الثقة، عن ابن أبي ذئب، عن الثقة عنده، عمن حدثه، أو عن عبيد الله بن عبد الرحمن العدوي، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن بئر بضاعة يطرح فيها الكلاب والحيَّض فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الماء لا ينجسه شيء) " الحديث.

مختصر المزني (أيضاً) : باب (سنة الوضوء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن بدأ بذراعيه قبل وجهه، رجع إلى ذراعيه فغسلهما حتى يكونا بعد وجهه، حتى يأتي الوضوء ولاءً، كما ذكره الله تبارك وتعالى، قال: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) . هكذا قرأه المزني إلى الكعبين. مختصر المزني (أيضاً) : باب (التيمم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) الآية. ورُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تيمم فمسح وجهه وذراعيه، ومعقول إذا كان بدلاً من الوضوء على الوجه واليدين، أن يُؤتى بالتيمم على ما يؤتى بالوضوء عليه. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّه قال: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والتيمم أن يضرب بيديه على الصعيد: وهو التراب، من كل أرض، سبخها ومدرها وبطحائها وغيره، مما يعلق باليد منه غبار، ما لم تخالطه نجاسة، وينوي بالتيمم الفريضة، فيضرب على التراب ضربة، ويفرق أصابعه حتى يثير التراب، ثم يمسح بيده وجهه - كما وصفت في الوضوء - ثم يضرب ضربة أخرى كذلك، ثم يمسح ذراعه اليمنى، فيضع كفه اليسرى على ظهر كفه اليمنى وأصابعها، ثم يمرها على ظهر الذراع إلى مرفقه، ثم يدير كفه إلى بطن الذراع، ثم يقبل بها إلى كوعه، ثم يمرها على - ظهر إبهامه، ويكون بطن كفه اليمنى لم يمسها شيء من يده، فيمسح بها اليسرى كما وصفت

في اليمنى، ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى، ويخلل بين أصابعهما، فإن أبقى شيئاً مما كان يمر عليه الوضوء حتى صلى، أعاد ما بقي عليه من التيمم، ثم يصلي، وإن بدأ بيديه قبل وجهه، كان عليه أن يعود ويمسح يديه حتى يكونا بعد وجهه، مثل الوضوء سواء، وإن قدَّم يسرى يديه على اليمنى أجزأه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجمع بالتيمم صلاتي فرضٍ، بل يجدد لكل فريضة طلباً للماء، وتيمماً بعد الطلب الأول، لقوله جل وعزَ: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) الآية. وقول ابن عباس: "لا تصلَّى مكتوبة إلا بتيمم" الحديث. الرسالة: باب (البيان الثاني) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) الآية. وقال: (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) فأتى كتاب الله على البيان في الوضوء، دون الاستنجاء بالحجارة، وفي الغسل من الجنابة. ثم كان أقلّ غسل الوجه والأعضاء مرة مرة، واحتمل ما هو أكثر منها. فبيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوضوء مرة، وتوضأ ثلاثاً، ودل على أن أقل غسل الأعضاء يجزئ، وأن أقلّ عدد الغسل واحدة. وإذا أجزأت واحدة فالثلاث اختيار.

الرسالة (أيضاً) : باب (ما نزل عاماً دلَّت السنة خاصَّة على أنّه يراد به الخاص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فقصد جل ثناؤه قَصدَ القدمين بالغسل، كما قصد الوجه واليدين. فكان ظاهر هذه الآية أنَّه لا يجزئ في القدمين إلا ما يجزئ في الوجه من الغسل، أو الرأس من المسح، وكان يحتمل أن يكون أريد بغسل القدمين، أو مسحهما بعض المتوضئين دون بعض. فلما مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخفين، وأمر به من أدخل رجليه في الخفين، وهو كامل الطهارة، دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنَّه إنَّما أريد بغسل القدمين أو مسحهما بعض المتوضئين دون بعض. الرسالة (أيضاً) : الفرائض المنصوصة التي سنَّ رسول الله معها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) الآية. وسنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوضوء كما أنزل اللَّه، فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، وغسل رجليه إلى الكعبين.

أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه توضأ مرة مرة" الحديث. أخبرنا مالك، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه أنه قال لعبد اللَّه بن زيد: - وهو جَدُّ عمرو بن يحيى -: "هل تستطيع أن تريَني كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ؟ فقال عبد الله: نعم، فدعا بوَضُوء، فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين. ثم مضمض واستنشق ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح برأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقَدَّم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه" الحديث. فكان ظاهر قول اللَّه - عز وجل -: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) أقلّ ما وقع عليه اسم الغسْل، وذلك مرة، واحتمل كثر، فسنَّ رسولُ اللَّه الوضوء مرة، فوافق ذلك ظاهر القرآن، وذلك أقلّ ما يقع عليه اسم الغسل، واحتمل أكثر، وسنَّه مرتين وثلاثاً، فلما سنَّه مرة، استدللنا على لأنَّه لو كانت مرة لا تجزئ، لم يتوضأ مرة ويصلي، وأن ما جاوز مرة اختيار لا فرض في الوضوء، لا يجزئ أقل منه. وهذا مثل ما ذكرت من الفرائض قبله: لو ئركِ الحديث فيه استُغني فيه بالكتاب، وحين حُكِي الحديث فيه دلَّ على اتباع الحديث كتاب الله. ولعلهم إنما حَكَوْا الحديث فيه، لأنّ أكثر ما توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثاً، فأرادوا أن الوضوء ثلاثاً اختيار، لا أنَّه واجب لا يجزئ أقل منه، ولما ذكِر منه في

أن: "من توضأ وُضوءه هذا - وكان ثلاثاً - ثم صلى ركعتين لا يحدِّث نفسه فيهما غُفِرَ له" الحديث. فأرادوا طلب الفضل في الزيادة في الوضوء، وكانت الزيادة فيه نافلة. وغَسَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء المرفقين والكعبين، وكانت الآية محتملة أن يكونا مغسولين، وأن يكون مغسولاً إليهما، ولا يكونان - مغسولين، ولعلهم حَكَؤا الحديث إبانة لهذا أيضاً. وأشْبَهُ الأمرين بظاهر الآية أن يكونا مغسولين، وهذا بيان السنة مع بيان القرآن، وسواء البيان في هذا وفيما قبله، ومستغنى بفرضه بالقرآن عند أهل العلم، ومختلفان عند غيرهم. الرسالة (أيضاً) : باب (الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلتُ: فرض الله الوضوء على من قام إلى الصلاة من نومه، فقال: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الآية. فَقَصَدَ قَصدَ الرجلين، كما قَصَدَ قَصْدَ ما سواهما من أعضاء الوضوء. فلما مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخفين لم يكن لنا - واللَّه أعلم - أن نمسح على عَمامة، ولا برُقع، ولا قُفازين، قياساً عليهما، وأثبتنا الفرض في أعضاء الوضوء كلها، وأرخصنا بمسح النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسح على الخفين، دون ما سواهما.

قال: فتعد هذا خلافاً للقرآن؟ قلت: لا تخالف سنة لرسول اللَّه كتاب اللَّه بحال. قال: فما معنى هذا عندك؟ قلت: معناه أن يكون قصد بفرض إمساس القدمين الماء من لا خُفي عليه لَبِسَهُما كامِلَ الطهارة. قال: أو يجوز هذا في اللسان؟ قلت: نعم، كما جاز أن يقوم إلى الصلاة من هو على وضوء، فلا يكون المراد بالوضوء، استدلالاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى صلاتين وصلوات بوضوء واحد. فكذلك دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمسح، أنه قصد بالفرض في غسل القدمين، من لا خُفَّيْ عليه، لَبِسَهُما كامِلَ الطهارة. اختلاف الحديث (أيضاً) : باب (المختلفات التي يوجد على ما يوجد منها دليل على غسل القدمين ومسحهما) : حدثنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي: نحن نقرأ آية الوضوء: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) الآية. بنصب (أَرْجُلَكُمْ) على معنى فاغسلوا وجوهَكم وأيديَكم وأَرْجُلَكُمْ، وامسحوا برؤوسكم، وعلى ذلك عندنا دلالة السنة - واللَّه أعلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والكعبان اللذان أمِر بغسلهما، ما أشرف من مجمع مفصل الساق والقدم، والعرب تسمى كُل ما أشرف واجتمع كعباً حتى تقول: كعب سمن.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذهب عوام أهل العلم أن قول الله: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) كقوله: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) وأن المرافق والكعبين مما يُغسَل. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك. عن ابن أبي ذئب، عن عمران بن بشير، عن سالم سَبَلاَن - مولى النضريين قال: خرجنا مع عائشة رضي اللَّه عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة، فكانت تخرج بأبي حتى يصلي بها، قال: فأتى عبد الرحمن بن أبي بكر بِوَضُوء، فقالت: عائشة رضي اللَّه عنها: أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ويل للأعقاب من النار يوم القيامة" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا سفيان، عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي اللَّه عنها، أنها قالت: لعبد الرحمن، أسبغ الوضوء يا عبد الرحمن، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ويل للأعقاب من النار" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: فلا يجزئ متوضئاً إلا أن يغسل ظهور قدميه. وبطونهما، وأعقابهما، وكعبيه معاً.

اختلاف الحديث: باب (غسل الجمعة) : حدثنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ثناؤه: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) قال: فدلَّت السنة على أن الوضوء من الحدث. وقال - بعد ذكر آية النساء43 -: فكان الوضوء عامًّا في كتاب اللَّه من الأحداث. .. الزاهر باب (التيمم) : وذكر الشَّافِعِي رحمه الله: قول اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) الآية. فعطف بعض الكلام على بعض ب (أو) ثم قال: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) ب (الفاء) ، وظاهر التنزيل يدل على أن له التيمم بأي شَرطِ شُرِطَ في الآية، ولم يجد الماء، سواء كان مريضاً فلم يجد الماء، أو كان مسافراً، أو جاء من الغائط، أو لمس النساء، ولم يجد الماء فله التيمم. حدثنا محمد بن إسحاق السعدي قال: حدثنا أبو زُرعَة، عن قبيصة، عن عمار بن رُزَيق، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قول اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى) الآية. قال: هذا في الرجل يكون به الجُدَرِي أو القُروح يخاف إن توضأ أو اغتسل أن يؤذيه أذى شديداً، فليتيمم.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما

قال الأزهري رحمه الله: ولا يجوز في قوله - عز وجل -: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ) الآية، غير معنى (الواو) حتى يستقيم التأويل، على ما أجمع عليه فقهاء الأمصار، وما علمت أن أحداً شرح من معنى هذه الآية ما شرحته، فتبينه تجده كما فسرته - إن شاء الله تعالى -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) الأم: باب (ما يجب على المرء من القيام بشهادته) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ثم ذكر آيات الشهادة والشهود. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات، أنه في الشاهد، وقد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن يقوم بها على والديه وولده، والقريب والبعيد، وللبغيض (القريب والبعيد) ، ولا يكتم عن أحدٍ، ولا يحابي بها، ولا يمنعها أحداً.

قال الله عز وجل: (وعزرتموهم)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) الزاهر باب (الإجارات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله تعالى: (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) الآية، من هذا. تأويله نصرتموهم، بأن تردُّوا عنهم أعداءهم. وقال ابن الأعرابي: التعزير: النصر بالسيف، والتأديب دون الحدِّ، والعَزر: المنع. قال: والعَزرُ: التوقيف علي باب الدين. ويقال للنصر: تعزير أيضاً، لأن من نصرته فقد منعت عنه عدوَّه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) الأم: كتاب الجزية: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ثم أخبر جل وعزَّ أنَّه جعله - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فاتح رحمته عند فترة رُسُله، فقال: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ) .

قال الله عز وجل: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (27)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) وقال: (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ) الأم: كتاب جراح العمد (أصل تحريم القتل من القرآن) : أخبرنا الربيع رحمه الله قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: - بعد أن ذكر الآيات التي تدل على أصل تحريم القتل من القرآن الكريم - وقال - عز وجل -: (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ) الآية. وقال الله - عز وجل - (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ)

قال الله عز وجل: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض

إلى: (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) . الزاهر باب اللعان: قال أبو عبيد: باء فلان بذنب: إذا احتمله وصار عليه. قال: ويكون باء بكذا: إذا أقرَّ به، قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) الأم: باب (هل لمن أصاب الصيد أن يفديه بغير النعم؟) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: أخبرنا سفيان، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار قال: كل شيء في القرآن أو، أو، له - يعني: يخير للإنسان بفِعله - أية شاء، قال ابن جريج إلا في قوله: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الآية، فليس بمخيَّرٍ فيها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكما قال ابن جريج، وعمرو، في المحارب وغيره في هذه المسألة أقول. قيل للشافعي: فهل قال أحد: ليس هو بالخيار؟ قال: نعم.

الأم (أيضاً) : حد قاطع الطريق: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) الآية. أخبرنا إبراهيم، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما. في قطَّاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال: قُتلوا وصُلِّبوا. وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال: قُتلوا ولم يُصَلَّبوا. وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا: قُطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف. وإذا هربوا: طلبوا حتى يوجدوا، فتقام عليهم الحدود. وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً: نُفُوا من الأرض. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبهذا نقول، وهو موافق معنى كتاب اللَّه تبارك وتعالى، وذلك أنَّ الحدود إنَّما نزلت فيمن أسلم، فأمَّا أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل، أو السِّباء، أو الجزية، واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم، على ما قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما - إن شاء الله تعالى -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا) الآية. فمن تاب قبل أن يُقدر عليه سقط حق الله عنه، وأخذ بحقوق بني آدم. ولا يُقطع من قطاع الطرق: إلا من أخذ قيمة ربع دينار فصاعداً، قياساً على السنة في السارق. وإن قتل أو قطع، فأراد أهل الجراح عفو الجراح فذلك لهم، دران أراد أولياء المقتولين عفو دماء من قُتِلُوا، لم يكن ذلك يحقن دماء من عَفَوا عنه، وكان على الإمام أن يقتلهم إذا بلغت جنايتهم القتل.

الأم (أيضاً) : باب (الحدود) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: الحدُّ حدَّان: 1 - حد لله تبارك وتعالى، ما أراد من تنكيل من غشيه عنه، وما أراد من تطهيره به، أو غير ذلك مما هو أعلم به، وليس للآدميين في هذا حق. 2 - وحدٌّ أوجبه اللَّه تعالى على من أتاه من الآدميين فذلك إليهم. ولهما في كتاب اللَّه تبارك وتعالى اسمه أصل، فأما أصل حد اللَّه تبارك وتعالى في كتابه، فقوله - عز وجل -: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) إلى قوله: (رَحِيمٌ) الآية. فأخبر اللَّه - تبارك اسمه - بما عليهم من الحد، إلا أن يتوبوا من قبل أن يُقْدَر عليهم. قال الربيع رحمه اللَّه: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: الاستثناء في التوبة للمحارِب وحده، الذي أظنُّ أنَّه يذهب إليه وقال الربيع: والحجة عندي في أنَّ الاستثناء لا يكون إلا في المحارب خاصة، حديث ماعز حين أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأقر بالزنا، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - برَجْمِه، ولا نشك أنَّ ماعزاً لم يأت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيخبره إلا تائباً إلى الله - عزَّ وجلَّ قبل أن يأتيه، فلما أقام عليه الحد، دلَّ ذلك على أنَّ الاستثناء في المحارب خاصة.

الأم (أيضاً) : في المرتد: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإذا كانت في المحاربين امرأة، فحكمها حكم الرجال، لأني وجدت أحكام اللَّه - عز وجل - على الرجال والنساء في الحدود واحدة - ثم ذكر آية الزنا وآية السرقة -. الأم (أيضاً) : صفة النفي: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: النفي ثلاثة وجوه: منها نفى نصًّا بكتاب اللَّه - عز وجل - وهو قول اللَّه عز وجل في المحاربين: (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) الآية وذلك النفي: أن يُطْلَبوا فيمتنعوا فمتى قُدِرَ عليهم أقيم عليهم حدّ اللَّه تبارك وتعالى، إلا أن يتوبوا قبل أن يُقْدَرَ عليهم، فيسقط عنهم حقّ اللَّه، وتثبت عليهم حقوق الآدميين. الأم (أيضاً) : المستأمن في دار الإسلام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قيل: - أي: للمحاور - أرأيت اللَّه - عز وجل - ذكر المحارب، وذكر حدَّه ثم قال: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) الآية،

قال الله عز وجل: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم (38)

ولم يختلف أكثر المسلمين في أنَّ رجلاً لو أصاب لرجل دماً، أو مالاً، ثم تاب أقيم عليه ذلك، فقد فرَّقنا بين حدود اللَّه - عز وجل -، وحقوق الآدميين بهذا وبغيره. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الحدود: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ونفيهم - أي: المحاربين - أن يطلبوا، فَيُتفَوا من بلدٍ إلى بلدٍ، فإذا ظُفِر فيهم، أقيم عليهم أيُّ هذه الحدود كان حدَّهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس للأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق عفو. لأن اللَّه حذهم: بالقتل، أو بالقتل والصلب، أو: القطع، ولم يذكر الأولياء، كما ذكرهم في القصاص - في الآيتين - فقال: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) وقال في الخطأ: (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) وذكر القصاص في القتلى، ثم قال: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) . فذكر - في الخطأ والعمد - أهل الدم، ولم يذكرهم في المحاربة، فدل على أن حكم قتل المحاربة مخالف لحكم قتل غيره - واللَّه أعلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) الأم: الأمان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عز ذكره: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) الآية. فزعمت في هذا وغيره، أنك تطرح عن الأسارى والتجار، بان

يكونوا في دار ممتنعة، ولم تجد دلالة على هذا في كتاب اللَّه - عز وجل -، ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا إجماع، فتزيل ذلك عنهم بلا دلالة وتخصهم بذلك دون غيرهم!. الأم (أيضاً) : في المرتد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إني وجدت أحكام اللَّه - عز وجل - على الرجال والنساء في الحدود واحدة، قال اللَّه تبارك وتعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ) وقال: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) الآية، ولم يختلف المسلمون في أن تقْتَل المرأة إذا قَتَلَت. الأم (أيضاً) : ما يحرم من النساء بالقرابة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قول اللَّه - عز وجل -: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) فسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القطع في ربع دينار، وفي السرقة من الحرز. الأم (أيضاً) : كتاب (الحدود وصفه النفى) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال قائلون كل من لزمه اسم سرقةٍ قُطِع بحكم اللَّه تعالى، ولم يلتفت إلى الأحاديث! فقلت لبعض الناس: قد احتج هؤلاء بما يرى من ظاهر القرآن، فما الحجة عليهم؟ قال: إذا وجدتَ لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سُنَّة، كانت سُنَّةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دليلاً على معنى ما أراد الله تعالى، قلنا: هذا كلما وصفت، والسنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن القطع في ربع دينار فصاعداً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن ابن شهاب، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "القطع في ربع دينار فصاعدا"، الحديث. أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقاً في مِجَنٍ قيمته ثلاثة دراهم" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذان الحديثان متفقان؛ لأن ثلاثة دراهم في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ربع دينار، وذلك أن الصرف كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر درهماً بدينار، وكان كذلك بعده فَرض عمر الدية اثنى عشر ألف درهم على أهل الوَرِقِ، وعلى أهل الذهب ألف دينار. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس في أحد حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى المسلمين اتباعه، فلا إلى حديث صحيح ذهب من خالفنا، ولا إلى ما ذهب إليه من ترك الحديث، واستعمل ظاهر القرآن! .

الأم (أيضاً) : ما جاء في أقطع اليد والرجل يسرق قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل - (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا) الآية. فلم يذكر اليد والرجل إلا في المحارب، فلو قال قائل: يَعْتَلُّ بعِلَّتِكم أقطع يده ولا أزيد عليها؛ لأنَّه إذا قطعت يده ورجله ذهب بطشه ومشيه، وكان مستهلكاً، أتكون الحجة عليه إلا ما مضى من السنة والأثر. وإن اليد والرجل هي مواضع الحد، وإن تلفت. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال لي - أي: المحاور -: أراك تنكر عليَّ قولي في اليمين مع الشاهد، هي خلاف القرآن، قلت: نعم، ليست بخلافه، القرآن عربي، فيكون عام الظاهر، وهو يراد به الخاص. قال: ذلك مِثلَ ماذا؟ قلت: مثل قول الله - عز وجل -: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) الآية. فلما كان اسم السرقة يلزم سُرَّاقاً لا يُقطعون، مثل مَن سرق من غير حرزٍ، ومن سرق أقل من ربع دينارٍ، كانت في هذا دلالة على أنَّه أريد به بعض السُّراق دون بعض، وليس هذا خلافاً لكتاب اللَّه - عز وجل -، فكذلك كل كلام احتمل معاني فوجدنا سُنَّة تدلُّ على أحد معانيه دون غيره من معانيه، استدللنا بها، وكل سنَّةٍ موافقة للقرآن لا مخالفة، وقولك خلاف القرآن فيما جاءت فيه سنة، تدل على أن القرآن على خاصٍّ دون عامٍّ جَهلٌ.

قال الله عز وجل: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم)

الأم (أيضاً) : إقامة الحدود في دار الحرب: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: يقيم أمير الجيش الحدود حيث كان من الأرض، إذا وُلِّيَ ذلك، فإن لم يولِّ فعلى الشهود الذين يشهدون على الحد، أن يأتوا بالشهود عليه إلى الإمام والي ذلك، ببلاد الحرب أو ببلاد الإسلام، ولا فرق بين دار الحرب، ودار الإسلام فيما أوجب اللَّه على خلقه من الحدود؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) الآية. الرسالة ً: باب (العلل في الأحاديث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولجاز أن يقال: سنَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ألَّا يقطع من لم تبلغ سرقته رُبْعَ دينار قبل التنزيل، ثم نزل عليه قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) الآية. فمن لزمه اسم سرقةٍ قُطِعَ!. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام. وصحة اعتقاده فيها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فرض - اللَّه - على القلب غير ما فرض على اللسان، وفرض على السمع غير ما فرض على العينين، وفرض على

قال الله عز وجل: (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم)

اليدين غير ما فرض على الرجلَين، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه. فأما فَرْضُ الله على القلب من الإيمان: فالإقرار والمعرفة والعقد، والرضا والتسليم: بأن اللَّه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأنُّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند اللَّه من نبيٍّ أو كتاب. فذلك ما فرض اللَّه جل ثناؤه على القلب، وهو عمله - وذكر الآيات التي تتعلق بذلك ومنها - وقال: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) الآية. فذلك ما فرض الله على القلب من الإيمان، وهو عمله، وهو رأس الإيمان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه على اللسان: القول والنعبير عن القلب بما عقد، وأقرَّ به، فقال: في ذلك: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ) الآية، فذلك ما فرض اللَّه على اللسان من القول، والتعبير عن القلب وهو عمله، والفرض عليه من الإيمان. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الأم: ما أحدث الذين نقضوا العهد: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهوديين موادعَين زنيا، بأن جاؤوه، ونزل عليه: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية،

فلم يجز إلا أن يُحكم على كل ذمي وموادع، في مال مسلم ومعاهد، أصابه بما أصاب، ما لم يُصِرُّ إلى إظهار المحاربة، فإذا صار إليها لم يحكم عليه بما أصاب بعد إظهارها والامتناع، كما لم يحكم على من صار إلى الإسلام ثم رجع عنه بما فعل، في المحاربة والامتناع، مثل: طليحة وأصحابه. الأم (أيضاً) : الحكم بين أهل الذمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: لم أعلم مخالفاً من أهل العلم بالسيَر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل بالمدينة، وادع يهود كافة على غير جزية، وأن قول اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) إنَّما نزلت في اليهود الموادعين، الذين لم يُعطَوا جزية، ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم. وقال بعض: نزلت في اليهوديَين اللذين زنيا. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا وادع الإمام قوماً من أهل الشرك، ولم يشترط أن يجري عليهم الحكم، ثم جاؤوه متحاكمين فهو بالخيار، بين أن يحكم بينهم، أو يدع الحكم، فإن اختار أن يحكم بينهم، حَكَمَ بينهم حُكْمه بين المسلمين، لقول الله - عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) الآية، والقسط: حكم الله - عزَّ وجلَّ الذي أنزله عليه - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : عدة المشركات: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلا يحلّ لمسلم إذا تحاكم إليه مشرك، أن يحكم له ولا عليه إلا بحكم الإسلام، لقول اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في المشركين: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) .

والقسط: حكم اللَّه تعالى الذي أنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : باب (حد الذمتين إذا زنوا) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكتاب: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) قرأ إلى: (بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) الآية، ففي هذه الآية بيان - واللَّه أعلم - أن اللَّه تبارك وتعالى جعل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - الخيار، في أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم. وجعل عليه إنْ حَكَم، أن يحكم بينهم بالقسط، والقسط: حكم اللَّه تبارك وتعالى الذي أنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - المحض الصادق، أحدث الأخبار عهداً بالله تبارك وتعالى. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمر اللَّه - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالحكم بينهم بما أنزل اللَّه بالقسط. ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم بالرجم، وتلك سنَّة على الثيب المسلم إذا زنى. ودلالة على أن ليس لسلم حكم بينهم أبداً أن يحكم بينهم إلا بحكم الإسلام. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال لي قائل: إن قول اللَّه تبارك وتعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) ناسخ لقوله - عز وجل -: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية. فقلت له: الناسخ إنما يؤخذ بخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن بعض أصحابه لا مخالف له، أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء فهل معك من هذا واحد؟ قال: لا. قال: فهل معك ما يبين أنَّ الخيار غير منسوخ؟ قلت: قد يحتمل قول اللَّه - عز وجل: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)

إن حكمت، وقد روى بعض أصحابك عن سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن قابوس بن مُخارق، أن محمد بن أبي بكر كتب إليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في مسلم زنى بذمية، أن يحدَّ السلم، وتدفع الذمية إلى أهل دينها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا كان هذا ثابتاً عندك، فهو يدلك على أن الإمام مخير في أن يحكم بينهم، أويترك الحكم عليهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال منهم قائل: وكيف لا تحكم بينهم إذا جاؤوك مجتمعين أو متفرقين؟ قلت: أما متفرقين فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية. فدلَّ قولُ اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِنْ جَاءُوكَ) على أنهم مجتمعون، ليس إن جاءك بعضهم دون بعض، ودلَّ على أن له الخيار إذا جاؤوه في الحكم أو الإعراض عنهم، وعلى أنه إن حكم، فإنما يحكم بينهم حكمه بين المسلمين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم أسمع أحداً من أهل العلم ببلدنا، يخالف في أن اليهوديينِ اللذين رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الزنا، كانا موادَعين لا ذميين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال لي بعض من يقول القول الذي أحكي خلافه. أنه ليس للإمام أن يحكم على موادعين، وإن رضيا حُكمَه، وهذا خلاف السنة. ونحن نقول إذا رضيا حكم الإمام، فاختار الإمام الحكم، حكم عليهما. الأم (أيضاً) : الحكم بين أهل الكتاب.: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال لي قائل: ما الحجة في أن لا يحكم بينهم الحاكم حتى يجتمعوا على الرضا؛ ثم يكون بالخيار، إن شاء حكم، وإن شاء لم يحكم؛

فقلتُ له: قول اللَّه - عز وجل - ضَّ لنبيه: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: (فَإِنْ جَاءُوكَ) ، وجاؤوك كأنها على المتنازعين. لا على بعضهم دون بعض، وجعل له الخيار فقال: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال: - أي المحاور - فما حجتك في أن لا تجيز بينهم إلا شهادة المسلمين؟ قلت: قول الله - عز وجل -: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) الآية، والقسط: حكم اللَّه الذي أنزله على نبيه. وقول اللَّه - عز وجل -: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) والذي أنزل اللَّه: حكم الإسلام. فحكم الإسلام لا يجوز إلا بشهادة العدول المسلمين، وقد قال اللَّه: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) وقال تعالى: (حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فلم يختلف المسلمون في أنَّ شَرْطَ اللَّه في الشهود: المسلمين، الأحرار، العدول إذا كانت المعاني في الخصومات التي يتنازع فيها الآدميون معينة، وكان فيما تداعوا الدماء، والأموال وغير ذلك، لم ينبغ أن يباح ذلك، إلا بمن شرط اللَّه من البينة - وشرط الله: المسلمين - أو بسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إجماع من المسلمين. الأم (أيضاً) : باب (في الأقضية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - اللَّه - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكتاب: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) إلى: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية.

قال الله عز وجل: (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين (43)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأعلمَ اللَّه نبيه - صلى الله عليه وسلم -: أن فرضاً عليه، وعلى من قبله، والناس، إذا حكموا، أن يحكموا بالعدل، والعدل: اتباع حكمه المنزل. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) الأم: الحكم بين أهل الذمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والذي قالوا يشبه ما قالوا، لقول اللَّه - عز وجل: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ) الآية. وقال تبارك وتعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ) يعني: - واللَّه تعالى أعلم - إن تولّوا عن حكمك بغير رضاهم، وهذا يشبه أن يكون ممن أتى حاكماً غير مقهور على الحكم، والذين حاكموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة منهم ورجل زنيا موادعون، وكان في التوراة الرجم، ورجوا أن لا يكون من حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجم، فجاؤوا بهما، فرجمهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه القتال) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا وادع الإمام قوماً - من أهل الشرك -، ولم يشترط أن يجري عليهم الحكم، ثم جاؤوه متحاكمين، فهو بالخيار: بين أن يحكم بينهم، أو يدع الحكم. فإن اختار أن يحكم بينهم، حكم بينهم حكمه بين المسلمين، فإن امتنعوا - بعد رضاهم بحكمه - حاربهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين - الذين يجري عليهم الحكم - إذا جاؤوه في حَدِّ لله - عز وجل -، وعليه أن يقيمه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا أبى بعضهم على بعض، ما فيه له حق عليه. فأتى طالب الحق إلى الإمام، يطلب حقه، فحق لازم للإمام - واللَّه أعلم - أن يحكم له على من كان له عليه حق منهم؛ وإن لم يأته المطلوب راضياً بحُكمه. وكذلك إن أظهر السخط لحكمه، لما وصفت من قول الله عزَّ وجلَّ: (وَهُمْ صَاغِرُونَ) . فكان الصَّغار - واللَّه أعلم -: أن يجري عليهم حكم الإسلام. وبسط الكلام في التفريع، وكأنه وقف - حين صنَّف كتاب الجزية - أن آية الخيار، وردت في الموادعين؛ فرجع عما قال - في كتاب الحدود في المعاهدين - فأوجب الحكم بينهم بما أنزل اللَّه - عز وجل -؛ إذا ترافعوا إلينا.

قال الله عز وجل: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الأم: قتل الحر بالعبد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل - في أهل التوراة: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الآية. ولا يجوز - واللَّه أعلم - في حكم اللَّه تبارك وتعالى بين أهل التوراة، أن كان حكماً بيناً، إلا ما جاز في قوله: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) ولا يجوز فيها إلا أن تكون كل نفس محرمة القتل، فعلى من قتلها القَوَد، فيلزم في هذا: أن يُقتل المؤمن بالكافر المعاهد، والمستأمن، والصبي، والمرأة من أهل الحرب، والرجل بعبده، وعبد غيره، مسلماً كان أو كافراً، والرجل بولده إذا قتله. الأم (أيضاً) : جماع القصاص فيما دون النفس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر اللَّه ما فرض على أهل التوراة فقال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) إلى قوله: (فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) الآية. وروي في حديث، عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي القَوَدَ من نفسه، وأبا بكر يعطي القَوَد من نفسه، وأنا أعطي القَوَد من نفسي".

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم أعلم مخالفاً في أن القصاص في هذه الأمة، كلما حكم الله - عزَّ وجلَّ أنه حكم به بين أهل التوراة، ولم أعلم مخالفاً في أن القِصاص بين الحرِّين المسلمين في النفس وما دونها من الجراح التي يستطاع منها القصاص بلا تلف يخاف على المستقاد منه من موضع القود. الأم (أيضاً) باب (دية أهل الذمة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال - لي - بعض من يذهب مذهب بعض الناس، أن مما قتلنا به المؤمن بالكافر، والحر بالعبد آيتين، قلنا: فاذكُر إحداهما. فقال: إحداهما: قول اللَّه - عز وجل - في كتابه: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) قلت: وما أخبرنا اللَّه - عز وجل - أنه حَكَمَ به على أهل التوراة حُكْم بينِنا؛ قال: نعم، حتى يبين لأنَّه قد نسخه عئا فلما قال: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الآية، لم يجز إلا أن تكون كل نفس بكل نفس؛ إذا كانت النفس المقتولة محرمة أن لقْتَل. قلنا: فلسنا نريد أن نحتج عليك بأكثر من قولك: إن هذه الآية عامة، فزعمت أنَّ فيها خمسة أحكام مفردة، وحكماً سادساً جامعاً، فخالفت جميع الأربعة الأحكام التي بعد الحكم الأول، والحكم الخامس والسادس جماعَتُها في موضعين: 1 - في الحرُّ يقتل العبد. 2 - والرجل يقتل المرأة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والآية الأخرى: قال اللَّه - عز وجل - (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية. فقوله: يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) دلالة على أن من قُتل مظلوماً، فلوليه أن يَقْتل قاتلَه، قيل له: فيعاد

عليك ذلك الكلام بعينه في الابن يقتله أبوه، والعبد يقتله سيده، والمستأمن يقتله المسلم. قال: فلي من كل هذا مخرج. .. الأم (أيضاً) : كتاب (اللعان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - الله تعالى - في القتل: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) إلى قوله: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) الآية. فأبان الله - عزَّ وجلَّ إن ليس حتماً أن يأخذ هذا من وجب له، ولا أنَّ حتماً أن يأخذه الحاكم لمن وجب له، ولكن حتماً أن يأخذه الحاكم لمن وجب له إذا طلبه. الأم (أيضاً) : القصاص في العبيد والأحرار: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا كان الحر القاتل للعبد، فلا قود بينهما في نفس ولا غيرها، وإذا قتل العبد الحرَّ أو جرحه، فلأولياء الحر أن يستقيدوا منه في النفس، وللحرِّ أن يستقيد منه في الجراح إن شاء، أو يأخذ الأرش في عنقه إن شاء ويدع القود، قال محمد بن الحسن: إنَ المدنيين زعموا: أنهم إنما تركوا إقادة العبد من الحرِّ، لنقص نفس العبد عن نفس الحرِّ، وقد يَقِيدون المرأة من الرجل وهي أنقص نفساً منه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا أعرف من قال هذا له، ولا أحتج به عليه من المدنيين، إلا أن يقوله له من ينسبونه إلى علم فيتعلق به، وإنَّما منعنا من قود العبد من الحر، ما لا اختلاف بيننا فيه؛ والسبب الذي قلناه له مع الاتباع، أن الحرَّ كامل الأمر في أحكام الإسلام، والعبد ناقص الأمر في عام أحكام الإسلام. وفي الحدود فيما ينصف منها. . .، وأمّا المرأة فكاملة الأمر في الحريّة والإسلام، وحدُّها وحدُّ الرجل في كل شيءِ سواء. . .

وقول محمد بن الحسن ينقض بعضه بعضاً، أرأيت إذا قتله به وأقاد النفس التي هي جماع البدن كله من الحرّ بنفس العبد، فكيف لا يُقِصه منه في مُوضِحَة، إذا كان الكل بالكلّ، فالبعض بالبعض أولى، فإن جاز لأحد أن يفرق بينهم جاز لغيره أن يُقِصُّه منه في الجراح، ولا يقصه منه في النفس، ثم جاز لغيره أن يبعض الجراح، فيقصه في بعضها، ولا يقصه في بعضٍ في الموضع الذي ذكر اللَّه - عز وجل - في القصاص، فقال: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الآية، إلى قوله: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: والنقص لايمنع القود، وإنَّما تمنع الزيادة. فإن قال قائل: فأوجدنيه يقول مثل هذا، قيل: نعم، وأعظم منه، يزعم: أن لو رجلاً لو قتل أباه قُتل به، ولو قتله أبوه لم يُقتل به؛ لفضل الأبوة على الولد، وحرمتهما واحدة، ويزعم أن رجلاً لو قتل عبده لم يقتله به، ولو قتله عبده قتله به، ولو قتل مستأمناً لم يقتل به، ولو قتله المستأمن يقتل به. الأم (أيضاً) : باب (القصاص بين المماليك) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل - في كتابه: (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) الآية، قرأ الربيع إلى: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) فما استُطِيع منه القصاص، فليس فيه إلا القصاص كما قال الله - عز وجل -، وليس فيه دية ولا مال، وما كان من خطأ فعليه ما سمى اللَّه في الخطأ من الدية المسلَّمة إلى أهله، فمن حكم بغير هذا فهو مدُّع، فعليه البينة في نفس العبد، وغير ذلك.

فمن وجب له القصاص في عبدٍ أو حرٍّ لم يكن له أن يصرفه إلى عقل، ومن وجب له عقل فليس له أن يصرفه إلى قَوَدٍ، في حرٍّ ولا مملوك، فمن فرّق بين المملوك في هذا وبين الحر، فليأت عليه بالبرهان من كتاب اللَّه - عز وجل - الناطق، ومن السنة المعروفة. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والكتاب يدلّ على هذا، وذلك أنَّ اللَّه - عز وجل - حين ذكر القصاص جملة قال: (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) إلى: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) الآية. وقد احتج بهذا محمد بن الحسن رحمه اللَّه تعالى على أصحابنا. وهو حجة عليه، وذلك أنَّه يقال له: إن كان العبد ممن دخل في هذه الآية، فلم يفرق الله بين القصاص في الجروح والنفس، وإن كان غير داخل في هذه الآية، فاجعل العبدين بمنزلة البعيرين لا يُقَصُّ أحدهما من الآخر. الأم (أيضاً) : باب (القود بين الرجال والنساء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن زعم - يعني: محمد بن الحسن - أنَّ القصاص في النفس ليس من معنى العقل بسبيل، فكذلك ينبغي له أن يقول في الجراح. لأنّ الله تبارك وتعالى ذكرها ذكراً واحداً، فلم يفرق بينهما في هذا الموضع الذي حكم بها فيه، فقال جلَّ ثناؤه: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) إلى: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) فلم يوجب في النفس شيئاً من القود إلا أوجب فيما سمّى مثله. الأم (أيضاً) : باب (القصاص في كسر اليد والرجل) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: معقول في كتاب اللَّه - عز وجل - في القصاص إذ قال جل وعلا: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الآية، إنما هو: إفاتة شيء بشيء، فهذا سواء.

وفي قوله: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) الآية، إنما هو: أن يفعل بالجارح مثل ما فعل بالجروح، فلا نقِص من واحد إلا في شيء يفات من الذي أفات، مثل عين وسن وأذن ولسان وغير هذا مما يفات. الأم (أيضاً) : باب (الإحصار بالعدو) : قال الشَّافِعِي رحمة الله: فقلت له - للمحاور -: إن القصاص وإن كان يجب لمن له القصاص، فليس القصاص واجباً عليه أن يقتص. قال: وما دل على ذلك؟ قلت: قال الله - عزَّ وجلَّ: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) الآية، أفواجب على من جُرح أن يَقتص ممن جَرحه، أو مباح له أن يقتص، وخير له أن يعفو؛ قال: له أن يعفوَ، ومباح له أن يقتص. الأم (أيضاً) : ما جاء في أَقْطع اليد والرجل يسرق: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: قال اللَّه - عز وجل -: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) قال: فأتأوَّلُ ما كانت حال المقتص منه، مثل حال المقتص له. وأقول: أنت لا تقص من جُرْح واحدٍ، إذا أشبه الاستهلاك وتجعله دية، والإتيان على قوائمه عين الاستهلاك، ما الحجة عليه إلا أن للقصاص موضعاً، فكذلك للقطع موضع - والله سبحانه وتعالى أعلم -. الأم (أيضاً) : الحكم في قتل العمد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن أحبّ الولاة، أو المجروح، العفو في القتل بلا مال ولا قَوَد، فذلك لهم. فإن قال قائل: فمن أين أخذت العفو في القتل بلا مال

ولا قود؟ قيل: من قول الله جل ثناؤه: (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) ومن الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن العفو عن القصاص كفارة: أو قال شيئاً يرغب به في العفو عنه. فإن قال قائل: فإنَّما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قُتل له قتيل فأهله بين خِيرَتين إن أحبُّوا فالقود، وإن أحبُّوا فالعقل" الحديث. قيل له: نعم، هو فيما يأخذون من القاتل من القتل والعفو بالديّة، والعفو بلا واحد منهما ليس بأخذ من القاتل، إنَّما هو ترك له كما قال - أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن وجد عين ماله عند معدم فهو أحق به" الحديث. ليس، أن ليس له تركه؛ ولا ترك شيء يوجب له، إنَّما يقال هو له، وكلّ ما قيل له أخْذه فله تركه. مختصر المزني: باب (الخلاف في قتل المؤمن بالكافر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أيْ: للمحاور - فليس في المسلم يقتل المستأمن علَّة، فكيف لم تقتله بالمستأمن معه ابن له، ولا ولي له غيره، يطلب القود؟ قال: هذا حربي. قلت: وهل كان الذميّ إلا حربياً فأعطى الجزية فحَرُم دمه، وكان هذا حربياً فطلب الأمان فحَرُم دمه؟ قال آخر منهم: يقتل المسلم بالكافر؛ لأنّ الله - عز وجل - قال: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) قلت له: أخبرنا الله - عز وجل - أنه كتب عليهم في التوراة هذا الحكم، أفحكم هو بيننا؟ قال: نعم. قلت: أفرأيت الرجل يقتل العبد والمرأة،

أيقتل بهما؟ قال: نعم. قلت: ففقأ عينه أو جرحه فيما دون النفس جراحات فيها القصاص؛ قال: لا يقاد منه واحد منهما. قلت: فأخبر اللَّه - عز وجل - أن حكمه حيث حَكَمَ أن: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الآية، فعطلت هذه الأحكام الأربعة: الحر. والعبد، والرجل، والمرأة، وحكماً جامعاً كثر منها: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) الآية. فزعمت أنَّه لا يقتص واحد منهما منه في جرح، وزعمت أنه يقتل النفس بالنفس كل واحد واحد منهما، فما تخالفُ في هذه الآية كثر مما وافقتها فيه، إنَّما وافقتها في النفس بالنفس، ثم خالفت في النفس بالنفس في ثلاثة أنفس، في الرجل يقتل ابنه، وعبده، والمستأمن، ولم تجعل من هذه نفساً بنفسٍ؟ .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال قائل: قلنا هذه آيات اللَّه تعالى: ذكر المؤمن يُقتل خطأ، فجعل فيه دية مسلمة إلى أهله وكفارة، وذكر ذلك في المعاهد، قلت: أفرأيت المستأمن فيه دية مسلمة إلى أهله وكفارة؟ قال: نعم. قلت: فلِمَ لم تقتل به مسلماً قتله؟!. فائدة: الزاهر ومن باب (التفليس) : وذكر الشَّافِعِي رحمه الله: في كتاب (التفليس) حديثاً رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "نفس المؤمن معلقة بدَينه" الحديث. قال الأزهري رحمه اللَّه: نفس الإنسان لها ثلاثة مواضع: أحدها: بَدَنُهُ، قال اللَّه - عز وجل -: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ. . . وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) الآية.

قال الله عز وجل: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق)

ثانيها: والنفس: الرُّوح، الذي إذا فارق البدن لم تكن بعده حياة، وهو الذي أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "نفس المؤمن معلقة بدَينه. " الحديث، كان روحه تعذَّب بما عليه من الدَّين حتى يؤدى عنه. ثالثها: النفس: الدَّمُ، الذي في جسد الحيوان. وقال أبو إسحاق إبراهيم بن السري: لكل إنسان نفسان: أحدهما: نفس التمييز: وهي التي تفارقه إذا نام فيزايله عقله، يتوفاها الله تعالى كما قال: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) . والأخرى: نفس الحياة: وهي التي إذا نام الإنسان تنفس بها وتحرك بقوتها. وإذا توفى اللَّه تعالى نفس الحياة توفى معها نفس التمييز، وإذا توفى نفس التمييز لم يتوفَ معها نفس الحياة، وهو الفرق بين توفي أنفس النائم، وتوفي أنفس الحي. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في القضايا والشهادات: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي: في قوله - عز وجل -: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) يحتمل: تساهلهم في أحكامهم، ويحتمل: ما يَهوَوْنَ، وأيهما كان فقد نهيَ عنه، وأمِرَ أن يُحكم بينهم بما أنزل اللَّه على نبيه - صلى الله عليه وسلم -.

قال الله عز وجل: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا

الزاهر باب (الأقضية) : قال الأزهري رحمه اللَّه: قال الله عزَّ وجلَّ: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) أي: طريقاً واضحاً، أمرنا بالاستقامة عليه، والعرب تقول: شرع السالخ إهاب الذبيحة، إذا شق بين الرِّجلين وفتحه. .. فالشرع هو: الإبانة، والله تعالى هو الشارع لعباده الدين، وليس لأحدٍ يشرع فيه ما ليس منه إلا أن يشرع نبيٌّ بأمر اللَّه تعالى، فإن شَرع النبي هو شرع الله - عز وجل -. قال بعض أهل اللغة في قول اللَّه - عز وجل -: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) فالشرعَة: ابتداء الطريق، والمنهاج: معظمه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ) الأم: الحكم بين أهل الذمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله تبارك وتعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ) الآية. يعني - واللَّه تعالى أعلم -: إن تولوا عن حكمك بغير رضاهم، وهذا يشبه أن يكون: ممن أتى حاكماً غير مقهور على الحكم، والذين حاكموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة ورجل زنيا

موادعون، وكان في التوراة الرجم، ورجوا ألا يكون حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجم، فجاؤوا بهما، فرجمهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم على الإمام أن يحكم على الموادعين حكمه على المسلمين، إذا جاؤوه، فإن امتنعوا بعد رضاهم بحكمه حاربهم، وسواء في أن له الخيار في الموادعين إذا أصابوا حد اللَّه، أو حداً فيما بينهم؛ لأن المصاب منه الحدّ لم يسلم، ولم يقر بأن يجري عليه الحكم. الأم (أيضاً) : عدة المشركات: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول اللَّه تبارك وتعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) قال: وأهواءهم: يحتمل سبيلهم، فأمره ألا يحكم إلا بما أنزل اللِّه إليه، ولا يحلَ لمسلم أن يحكم إلا بحكم اللَّه المنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : الحكم بين أهل الكتاب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - المحاور له - فإئا نزعم أنَّ الخيار منسوخ لقول اللَّه - عز وجل -: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) الآية. قلت له: فاقرأ الآية:

(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فسمعتُ من أرضى علمُه يقول: وأن احكم بينهم إن حكمتَ على معنى قوله: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية. فتلك مفسًرة، وهذه مجملة، وفي قوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا) الآية، دلالة على أنهم إن تولوا لم يكن عليه الحكم بينهم، ولو كان قوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ) إلزاماً منه للحكم بينهم، ألزمهم الحكم متولين، لأنهم إنَّما تولوا بعد الإتيان، فأما ما لم يأتوا، فلا يقال لهم تولوا، وهم والمسلمون إذا لم يأتوا يتحاكمون لم يحكم بينهم، إلا أنَّه يتفقد من المسلمين ما أقاموا عليه، مما يحرم عليهم فيغيِّر عليهم، وإن كان أهل الذمة دخلوا بقول الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ) الآية، في معنى المسلمين. انبغى للوالي أن يتفقد منهم ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم، وإن تولى عنه زوجان على حرام ردّهما، حتى يفزق بينهما، كما يرد زوجين من المسلمين لو تولَّيا عنه، وهما على حرام حتى يفرِّق بينهما. قال الشَّافِعِي رحمه اللُّه: والدلالة على ما قال أصحابنا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بالمدينة وبها يهود، وبخيبر، وفَدَك، ووادي القُرَى، وباليمن كانوا، وكذلك في زمان أبي بكر - رضي الله عنه -، وصدراً من خلافة عمر - رضي الله عنه -، حتى أجلاهم، وكانوا بالشام والعراق واليمن ولاية عمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي اللَّه عنهم ولم يسمع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم بحكم، إلا رَجمه يهوديين موادعين تراضيا بحكمه بينهم، ولا لأبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، رضي الله عنهم أجمعين.

الأم (أيضاً) : باب (في الأقضية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - اللَّه تبارك وتعالى -: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) فأعلمَ اللَّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن فرضاً عليه، وعلى من قبله، والناس إذا حكموا، أن يحكموا بالعدل. والعدل: اتباع حكم المنزل، قال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - حين أمره بالحكم بين أهل الكتاب: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (الحدود) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) ولا يجوز أن يحكم بينهم في شيء من الدنيا إلا بحكم المسلمين؛ لأنَّ حكم الله واحد لا يختلف. الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أعلم اللَّه - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بما فرض من اتباع كتابه فقال: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) وقال: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) الآية.

قال الله عز وجل: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون (50)

الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قيل: قال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) وقال: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) الأم: الحكم في قتل العمد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان الشريف من العرب إذا قتل، يجاوز قاتله إلى من لم يقتله، من أشراف القبيلة التي قتله أحدها، وربما لم يرضوا إلا بعدد يقتلونهم، فقتل بعض غَنِي شأس بن زهير، فجمع عليهم أبوه زهير بن جذيمة، فقالوا له، أو بعض من ندب عنهم، سل في قَتل شأس فقال: إحدى ثلاث لا يغنيني غيرها، قالوا: وما هي؟ قال: تحيون لي شأساً، أو تملؤون ردائي من نجوم السماء، أو تدفعون إليَّ: غَنِياً بأسرها فأقتلها، ثم لا أرى أني أخذت منه عوضاً.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم)

وقتل كليب وائل، فاقتتلوا دهراً طويلاً، واعتزلهم بعضهم، فأصابوا ابناً له يقال له: بجير، فأتاهم، فقال: قد عرفتم عزلتي، فبُجير بكليب، وكفوا عن الحرب، فقالوا: بجير بشسع نعل كليب، فقاتلهم، وكان معتزلاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال: إنه نزل في ذلك وغيره، مما كانوا يحكمون به في الجاهلية هذا الحكم الذي أحكيه كله بعد هذا، وحكم اللَّه تبارك وتعالى بالعدل فسوُّى في الحكم بين عباده، الشريف منهم والوضيع، (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) الأم: ذبائح نصارى العرب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن عبد اللَّه بن دينار، عن سعد الفلجة مولى عمر، أو ابن سعد الفلجة، أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "ما نصارى العرب بأهل كتاب، وما تحل لنا ذبائحهم، وما أنا بتاركهم حتى يُسلموا، أو أضرب أعناقهم" الحديث.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا الثقفي، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "لا تأكلوا ذبائحَ نصارى بني تغلب، فإنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: كأنهما ذهبا إلى أنهم لا يضبطون موضع الدين. فيعقلون كيف الذبائح، وذهبوا إلى أن أهل الكتاب هم: الذين أوتوه، لا من دان به بعد نزول القرآن، وبهذا نقول: لا تحل ذبائح نصارى العرب بهذا المعنى - واللَّه أعلم -. وقد روى عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنَّه: أحل ذبائحهم وتأوّل: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) الآية. وهو لو ثبت عن ابن عباس، كان المذهب إلى قول عمر وعلي رضي اللَّه عنهما أولى، ومعه العقول، فأمّا: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) فمعناها: على غير حكمهم، وهذا القول في صيدهم، من أكلت ذبيحته أكل صيده، ومن لم تحل ذبيحته لم يحلُّ صيده إلا بأن تدرك ذكاته. الأم (أيضاً) : نصارى العرب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي يُروى من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في إحلال ذبائحهم، إنما هو من حديث عكرمة، أخبرنيه فيه ابن الدراوردي، وابن أبي يحيى، عن ثور الديلمي، عن عكرمة، عن ابن عباس

رضي الله عنهما أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب، فقال قولاً حِكئاً هو: إحلالها وتلا: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) الآية. ولكن صاحبنا سكت عن اسم عكرمة، وثور لم يلق ابن عباس رضي الله عنهما - والله أعلم -. مختصر المزني: باب (تبديل أهل الذمة دينهم) : قال المزني رحمه الله: قد قال الإمام الشَّافِعِي رحمه الله: في كتاب النكاح، وقال في كتاب الصيد والذبائح: إذا بدلت بدين يحل نكاح أهله فهو حلال، وهذا عندي أشبه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) الآية. قال المزني رحمه الله: فمن دان منهم دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان وبعده سواء عندي في القياس، وبالله التوفيق. أحكام القرآن: فصل فيمن لا يجب عليه الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن كان الصابئون والسامرة من بني إسرائيل. ودانوا دين اليهود والنصارى: نكِحت نساؤهم، وأكلت ذبائحهم، وإن خالفوهم في فرع من دينهم؛ لأنهم فروع قد يختلفون بينهم. وإن خالفوهم في أصل الدينونة: لم تؤكل ذبائحهم، ولم تنكح نساؤهم.

قال الله عز وجل: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون (58)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) الأم: باب (جماع الأذان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا) الآية. وقال: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فذكر الله - عزَّ وجلَّ الأذان للصلاة، وذكر يوم الجمعة، فكان بيناً - والله تعالى أعلم - أنه أراد المكتوبة بالآيتين معاً، وسن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الأذان للمكتوبات، ولم يحفظ عنه أحد علمته، أنَّه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة، بل حفظ الزهري عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر في العيدين المؤذن فيقول: ولا أذان إلا لمكتوبة، وكذلك لا إقامة. الأم (أيضاً) : صلاة الجماعة: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي محمد إدريس المطيي قال: ذكر اللَّه تبارك وتعالى اسمه الأذان بالصلاة فقال - عز وجل -: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية. وقال: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فأوجب اللَّه - عز وجل - واللَّه أعلم - إتيان الجمعة، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان

قال الله عز وجل: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)

للصلوات المكتوبات، فاحتمل أن يكون أوجب إتيان صلاة الجماعة في غير الجمعة، كما أمر بإتيان الجمعة، وترك البيع. واحتمل: أن يكون أذن بها، لتُصلى لوقتها. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم يقال: أتاه جبريل عليه السلام عن اللَّه - عز وجل -، بأن يُعلمهم نزول الوحي عليه، ويدعوهم إلى الإيمان به، فكَبُر ذلك عليه، وخاف التكذيب، وأن يُتناول، فنزل عليه: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) الآية. فقال: يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حين تبلغ، ما أنزل إليك. . .، ما أمِرْتَ به. الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على ورسوله اتباع ما أَوحَيَ إليه ... ) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأعلمَ اللَّه رسوله منَّهُ عليه بما سبق في علمه من عصمته إياه من خلقه، فقال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) .

قال الله عز وجل: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين)

قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) الأم: جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال اللَّه تبارك وتعالى في الأيمان: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) الآية. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه" الحديث. فأعلم أن طاعة اللَّه - عز وجل -، أن لا يفي باليمين إذا رأى غيرها خيراً منها، وأن يكفر بما فرض اللَّه - عز وجل - من الكفارة، وكل هذا يدل على أنَّه إنما يوفى بكل عقد نذر، وعهد لمسلم، أو مشرك، كان مباحاً لا معصية لله - عز وجل - فيه، فأما ما فيه لله معصية، فطاعة اللَّه تبارك وتعالى في نقضه إذا مضى، ولا ينبغي للإمام أن يعقده. الأم (أيضاً) : لغو اليمين: قيل للشافعي رحمه الله تعالى: فإئا نقول إنَّ اليمين التي لا كفارة فيها، وإن حَنِث فيها صاحبها، إنها يمين واحدة، إلا أن لها وجهين: وجه: يعذر فيه صاحبه،

ويرجى له ألا يكون عليه فيها إثم؛ لأنه لم يعقد فيها على إثم، ولا كذب، وهو: أن يحلف بالله على الأمر لقد كان، ولم يكن، فإذا كان ذلك جهده، ومبلغ علمه فذلك اللغو الذي وضع اللَّه تعالى فيه المؤونة عن العباد. وقال: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) الآية. والوجه الثاني: أنَّه إن حلف عامداً للكذب، استخفافاً باليمين بالله كاذباً. فهذا الوجه الثاني الذي ليست فيه كفارة؛ لأنّ الذي يعرض من ذلك، أعظم من أن يكون فيه كفارة، وإنه ليقال له تقَرَّب إلى اللَّه بما استطعت من خير. أخبرنا سفيان قال: حدثنا عمرو بن دينار، وابن جريج، عن عطاء قال: ذهبت أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها وهي معتكفة في (ثبِير) . فسألناها عن قول الله - عز وجل -: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) قالت هو: "لا والله، وبلى والله" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولغو اليمين كما قالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها - واللَّه تعالى أعلم. الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في خلاف عائشة رضي الله عنها في لغو اليمين) : فقلت للشافعي: ما لغو اليمين؟ قال - اللَّه أعلم - أما الذي نذهب إليه، فهو: ما قالت عائشة رضي الله عنها.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: "لغو اليمين قول الإنسان: لا والله، وبلى والله"، الحديث. فقلت للشافعي رحمه الله: وما الحجة فيما قلت؟ قال - اللَّه أعلم -: - إنما - اللغو في لسان العرب: الكلام غير المعقود عليه - فيه -. وجماع اللغو يكون: الخطأ. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخالفتموه وزعمتم أنَّ اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كما حلف عليه، ثم يوجد على خلافه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا ضد اللغو، هذا هو الإثبات في اليمين يقصدها، يحلف - عليه - لا يفعله يمنعه السبب - التثبت - لقول اللَّه تبارك وتعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) الآية، ما عقدتم: ما عقدتم به عقد الإيمان عليه. ولو احتمل اللسان ما ذهبتم إليه، ما منع احتماله ما ذهبت إليه عائشة رضي اللَّه عنها، وكانت أولى أن تتبع منكم، لأنَّها أعلم باللسان منكم، مع عِلْمها بالفقه. الأم (أيضاً) : باب (الخلاف في عدل الصيام والطعام) : وقلت - أي قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) الآية. فجعل الرقبة مكان إطعام عشرة مساكين قال - أي: المحاور -: نعم. الأم (أيضاً) : البحيرة والوصيلة والسائبة والحام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال في الحالف: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) الآية. وكان حكمه تبارك وتعالى فيما ملكه الآدميون من الآدميين، أنهم يخرجونهم من ملكهم بمعنيين:

أحدهما: فَكّ الملك عنهم بالعتق طاعة لله - عز وجل - براً جائزاً، ولا يملكهم آدمي بعده. والآخر: أن يخرجهم مالكهم إلى آدمي مثله، ويثبت له الملك عليهم، كما يثبت للمالك الأول بأي وجه صيرهم إليه. الأم (أيضاً) : ما يُعتق به المكاتب قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأبان - اللَّه - عز وجل - - في كتابه أن عتق العبد إنما يكون بإعتاق سيده إياه، فقال: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) الآية. فكان بيناً في كتاب الله - عزَّ وجلَّ أن تحريرها: إعتاقها، وأن عتقها إنَّما هو: بأن يقول للمملوك: أنت حُرٌّ. مختصر المزني: باب الإطعام في الكفارة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو أطعم تسعة وكسا واحداً لم يَجزه حتى يُطعمَ عشرة كما قال اللَّه - عز وجل (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) الآية. الرسالة: باب (الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: وما الذي يَغرَمُ الرجل من جنايته. وما لزمه غير الخطأ؟ وذكر عدة آيات (عن وجوب المهر للمرأة، وإيتاء الزكاة، وهدي الإحصار، وكفارة الظهار، وكفارة قتل الصيد أثناء الإحرام - ثم ذكر وقال - الله تعالى في كفارة اليمين المنعقدة -: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) .

أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشافعى رحمه الله - في التفسير في آيات متفرقة: قال البيهقي رحمه اللَّه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - عز وجل -: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) الآية ليس فيه إلا قول عائشة رضي اللَّه عنها: حَلِفُ الرجل على الشيء: يستيقنه ثم يجده على غير ذلك - روى ذلك يونس عن الإمام الشَّافِعِي رحمه اللَّه. قلت - أي البيهقي رحمه اللَّه -: وهذا بخلاف رواية الربيع عن الشَّافِعِي من قول عائشة رضي اللَّه عنها، ورواية الربيع أصح، وهو الصحيح من المذهب أيضاً. أحكام القرآن (أيضاً) : ما يؤثر عنه - الشافعى - في الأيمان والنذور: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويجزي بكفارة اليمين مُدٌّ، بمدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنطة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما يقتات أهل البلدان من شيء، أجزأهم منه مدٌّ. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأقل ما يكفي من الكسوة، كل ما وفع عليه اسم الكسوة: من عمامة، أو سراويل، أو إزار، أو مِقنَعة، وغير ذلك، للرجل والمرأة والصبي؛ لأن اللَّه - عز وجل - أطلقه، فهو مطلق. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس له إذا كفر بالإطعام، أن يطعم أقل من عشرة، أو بالكسوة أن يكسو أقل من عشرة.

قال الله عز وجل: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا

قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا أعتق في كفارة اليمين، لم يجزه إلا رقبة مؤمنة. ويجزئ كل ذي نقص، بعيب لا يُضِر بالعمل إضراراً بيناً - وبسط الكلام في شرحه. آداب الشَّافِعِي ومناقبه: باب (في اللباس والأشربة والأضاحي والصيد والأطعمة والكفارات) : قال الإمام الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قوله: (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) الآية. قال: أدنى الكسوة يكفي، وإن كانوا صبياناً صغاراً، كساهم قُمُصاً صغاراً؛ لأنَّه وقع عليه اسم (الكسوة) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93) آداب الشَّافِعِي ومناقبه: باب (في اللباس والأشربة والأضاحي والصيد والأطعمة والكفارات) : أخبرنا أبو محمد قال: أخبرني أبي قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - عز وجل -: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا) الآية. قال: إذا ما اتقوا: لم يقربوا ما حُرِّمَ عليهم.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم (94)

قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) الأم: ما حَرُمَ بدلالة النص: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان الصيد ما امتنع بالتوحش كلّه، وكانت الآية محتملة أن يحرم على المحرم ما وقع عليه اسم صيد، وهو يجزي بعض الصيد دون بعض، فدلَّت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن من الصيد شيئاً ليس على المحرم جزاؤه. كل ما يباح للمحرم قتله، ولم يكن في الصيد شيء يتفرق إلا بأحد معنيين: إما بأن يكون اللَّه - عز وجل - أراد أن يفدي الصيد المباح أكله، ولا يفدي ما لا يباح أكله، وهذا أولى معنييه به - والله أعلم -؛ لأنَّهم كانوا يصيدون ليأكلوا، لا ليقتلوا، وهو يشبه دلالة كتاب اللَّه - عز وجل -، قال الله تعالى: (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) الآية. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الحج: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أولا ترى إلى قول اللَّه - عز وجل -: (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) الآية. وقوله: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) . فدلَّ - جل ثناؤه - على أنه إنما حرَّم عليهم في الإحرام من صيد البر - ما كان حلالاً لهم - قبل الإحرام أن يأكلوه.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة

زاد في موضع آخر: لأنَّه - والله أعلم - لا يشبه أن يكون حرّم في الإحرام خاصة، إلا ما كان مباحاً قبله، فأمَّا ما كان محرَّماً على الحلال، فالتحريم الأول كافٍ منه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولولا أن هذا معناه، ما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بقتل الكلب العقور، والعقرب، والغراب، والحِدَأةِ، والفأرة، في الحل والحرم، ولكنه إنما أباح لهم قتل ما أضرَّ، مما لا يؤكل لحمه. وبسط الكلام فيه. أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع. أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: لا يُفْدِي المحرم من الصيد إلا ما يؤكل لحمه. أحكام القرآن (أيضاً) : ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي رحمه الله - في الصيد والذبائح. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان معقولاً عن الله - عزَّ وجلَّ، إذ أذن في كل ما أمسك الجوارح، أنهم إنما اتخذوا الجوارح لما لم ينالوه إلا بالجوارح، وإن لم ينزل ذلك نصًّا من كتاب الله - عز وجل - فقال اللَّه - عز وجل -: (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) الأم: باب (قتل الصيد خطا) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) الآية. يُجزي الصيد، من قتله عمداً أو خطأ. . .

وكان المالك لما وجب بالصيد أهل الحرم، لقوله الله تعالى: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) الآية، ولم أعلم بين المسلمين اختلافاً أن ما كان ممنوعاً أن يتلف، من نفس إنسان، أو طائر، أو دابة أو غير ذلك مما يجوز ملكه فأصابه إنسان عمدا، فكان على من أصابه فيه ثمن مُؤذى لصاحبه، وكذلك فيما أصاب من ذلك خطأ، لا فرق بين ذلك إلا المأثم في العمد. أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء قول اللَّه - عز وجل -: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) الآية. قلت له: فمن قتله خطأ أيغرم؟ قال: نعم يعظم بذلك حرمات اللَّه، ومضت به السنن. أخبرنا مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار قال: رأيت الناس يُغزمون في الخطأ. أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) الآية، لقتله ناسياً لحُرْمِه؛ فذلك الذي يُحكم عليه، ومن قتله متعمداً لقتله، ذاكراً لحُرْمِه، لم يحكم عليه. قال عطاء رحمه اللَّه: يحكم عليه، وبقول عطاء نأخذ. الأم (أيضاً) : باب (بقر الوحش وحمار الوحش والثيتل والوعل) : قلت للشافعي: أرأيت الهرم يصيب بقرة الوحش، أو حمار الوحش. فقال: في كل واحد منهما بقرة. فقلت للشافعي: ومن أين أخذت هذا؟ فقال: قال اللَّه تبارك وتعالى: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومثل ما قتل من النعَم يدل على أن المثل على مناظرة البُدْن، فلم يجز فيه إلا أن ينظر إلى مثل ما قتل من دواب الصيد، فإذا جاوز الشاة، رُفِع إلى الكبش، فإذا جاوز الكبش رُفع إلى بقرة، فإذا جاوز البقرة رُفِع إلى بدنة، ولا يُجاوز شيء مما يُؤدَّى من دواب الصيد بَدَنة، وإذا كان أصغر من شاة ثنية، أو جَدعة خُفضَ إلى أصغر منها، فهكذا القول في دوابّ الصيد. أخبرنا مسلم، عن ابن جريج، عن عطاء أنه قال: في بقرة الوحش بقرة. وفي حمار الوحش بقرة وفي الأروى بقرة. أخبرنا سعيد، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: في بقرة الوحش بقرة، وفي الإبل بقرة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبهذا نقول. الأم (أيضاً) : فدية الطائر يصيبه المحرم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) إلى قوله: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) الآية. وقول الله - عز وجل -: (مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) يدلُّ على: أنه لا يكون المِثل من النعم إلا فيما له مثل منه، والمثل لدواب الصيد؛ لأن النعم دواب رواتع في الأرض، والدواب من الصيد، كهي في الرتوع في الأرض، وأنها دواب مواشٍ لا طوائر، وأن أبدانها تكون مثل

أبدان النعم، ومقاربة لها، وليس شيء من الطير يوافق خَلْق الدواب في حال، ولا معانيها معانيها. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا أرى في الطائر إلا قيمته بالآثار والقياس. الأم (أيضاً) : ما حَرُمَ بدلالة النص: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) الآية. وكان الصيد ما امتنع بالتوحش كله، وكانت الآية محتملة أن يحْرُم على المحرم ما وقع عليه اسم صيد. وهو يجزي بعض الصيد دون بعض، فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن من الصيد شيئاً ليس على المحرم جزاؤه، كل ما يباح للمحرم قتله. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل وعز: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) الآية، فلم قلتم يجزئ مَن قتله خطأ، وظاهر القرآن يدل على أنَّه إنما يجزيه من قتله عمداً؛ قال: بحديث عن عمر وعبد الرحمن رضي اللَّه عنهما في رجلين أوطِئا ظبياً. قلت: قد يُؤطآنِه عامدين، فإذا كان هذا عندك هكذا، فقد حكم عمر وعبد الرحمن رضي اللَّه عنهما وحكم ابن عمر رضي الله عنهما على قتله

صيد بجزاء واحد، وقال الله - عزَّ وجلَّ ث: (مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) الآية، والمثل واحد لا أمثال، وكيف زعمت أن عشرة لو قتلوا صيداً جزوه بعشرة أمثال؟ قال: شبهته بالكفارات في القتل على النفر الذين يكون على كلّ واحد منهم رقبة. قلنا: ومن قال لك يكون على كلّ واحد منهم رقبة، ولو قيل لك ذلك أَفَندع ظاهر الكتاب، وقول عمر وعبد الرحمن، وابن عمر رضي اللَّه عنهم بأن تقيس ثم تخطئ أيضا القياس، أرأيت الكفارات أَمُؤقتات؛ قال: نعم. قلت: فجزاء الصيد مؤقت. قال: لا، إلا بقيمته. قلنا: أفجزاء الصيد إذا كانت قيمته بدية المقتول أَشبَهُ أم بالكفارات؛ فمائة عندك لو قتلوا رجلاً لم يكن عليهم إلا دية واحدة، فلو لم يكن فيه إلا القياس كان بالديّة أشبه. وقيل له: حَكَم عمر - رضي الله عنه - له في اليربوع بحفرة، وفي الأرنب بعناق، فلم زعمت واللَّه تعالى يقول في جزاء الصيد: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) أن هذا لا يكون هدياً، وقلت: لا يجوز ضحية، وجزاء الصيد ليس من الضحايا، بسبيل جزاء الصيد قد يكون بدنة، والضحية عندك شاة، وقيل له: قال اللَّه - عز وجل -: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) الآية. وحكم عمر، وعبد الرحمن، وعثمان، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم رضوان اللَّه عليهم أجمعين، في بلدان مختلفة، وأزمان شتى بالمثل من النعم فحكم حاكمهم في النعامة ببدنة، والنعامة لا تسوي بدنة، وفي حمار الوحش ببقرة، وهو لا يسوى بقرة، وفي الضبع بكبش، وهو لا يسوي كبشاً، وفي الغزال بعنز، وقد يكون أكثر ثمناً منها أضعافاً، ومثلها، ودونها، وفي الأرنب بعناق، وفي

اليربوع بحفرة، وهما لا يسويان عناقاً ولا جفرة أبداً، فهذا يدل على أنهم نظروا إلى أقرب ما يقتل من الصيد شبهاً بالبَدَن، لا بالقيمة، ولو حكموا بالقيمة لاختلفت أحكامهم، لاختلاف أسعار ما يقتل في الأزمان والبلدان. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه جل ثناؤه: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فكان معقولاً عن اللَّه - عز وجل - في الصيد: النعامة، وبقر الوحش، وحماره،والثَّيتَلُ، والظبيُ الصغير والكبير، والأرنب، واليربوع وغيره، ومعقولاً أن النعم: الإبل، والبقر، والغنم، و - إن - في هذا ما يصغر عن الغنم، وعن الإبل، وعن البقر، فلم يكن المثل فيه في المعقول، وفيما حكم به، من حَكَمَ من صدر هذه الأمة إلا أن يحكموا في الصيد بأولى الأشياء شبهاً منه من النعَم، ولم يجعل لهم إذ كان المثل يقرب قرب الغزال من العنز، والضبع من الكبش، أن يبطلوا اليربوع مع بُعدِه من صغير الغنم، وكان عليهم أن يجتهدوا كما أمكنهم الاجتهاد. الأم (أيضاً) : باب (أين محل هدي الصيد؟) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) الآية، فلما كان كلَ ما أريد به هدي من ملك ابن آدم هدياً، كانت الأنعام كلها، وكل ما أُهدي فهو بمكة - واللَّه أعلم -. . .

فلو أطعم في كفارة صيد بغير مكة، لم يجز عنه، وأعاد الإطعام بمكة أو بـ " منى" فهو من مكة، لأنَّه لحاضر الحرم، ومثل هذا كل ما وجب على محرم بوجه من الوجوه من فدية أذى، أو طيبٍ، أو لبسٍ أو غيره، لا يخالفه في شيء؛ لأن كله من جهة النسُك، والنسُك إلى الحرم، ومنافعه للمساكين الحاضرين الحرم. .. أخبرنا سعيد، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ) قال: من أجل أنَّه أصابه في حرم يريد البيت كفارة ذلك عند البيت. أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، أن عطاء قال له مرة أخرى: يتصدق الذي يصيب الصيد بمكة، قال الله - عزَّ وجلَّ ّ: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) قال: فيتصدق بمكة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: يريد عطاء: ما وصفت من الطعام، والنعَم كلّه هدي - واللَّه أعلم -. الأم (أيضاً) : باب (كيف يعدل الصيام) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) الآية. أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، أنَّه قال لعطاء: ما قوله: (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) قال: إن أصاب ما عدله شاة فصاعداً، أقيمت الشاة طعاماً، ثم جعل مكان كل مدٍّ يوماً يصومه.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا إن شاء اللَّه كما قال عطاء، وبه أقول. الأم (أيضاً) : باب (هل لمن أصاب الصيد أن يفديه بغير النعم؟) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) إلى قوله: (صِيَامًا) فكان المصيب مأموراً بأن يفْدِيه، وقيل له: (مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) الآية، فاحتمل أن يكون جعل له الخيار، بأن يفتديَ بأيّ ذلك شاء، ولا يكون له أن يخرج من واحد منها، وكان هذا أظهر معانيه، وأظهرها الأولى بالآية. وقد يحتمل أن يكون أمر بهدي إن وجده، فإن لم يجده فطعام، فإن لم يجده فصوم، كما أمر في التمتع، وكما أمر في الظهار، والمعنى الأول أشبههما وذلك أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر كعب بن عُجرة بأن يكفر بأيِّ الكفارات شاء في فدية الأذى. أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء رحمه اللَّه قال: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) الآية. قال عطاء: فإن أصاب إنسان نعامة كان عليه - إذا كان ذا يسارِ - أن يهدي جزوراً، أو عدلها طعاماً، أوعدلها صياماً، أيتهن شاء من أجل قول اللَّه - عز وجل - ضَّة (فَجَزَآء) كذا وكذا. وكل شيء في القرآن أو، أو، فليختر منه صاحبه ما شاء. قال ابن جريج فقلت لعطاء رحمهما اللَّه: أرأيت إن قدر على الطعام ألَّا يقدر على عدل الصيد الذي أصابه؟ قال: ترخيص اللَّه عسى أن يكون عنده طعام وليس عنده ثمن الجزور، وهي الرخصة.

قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: إذا جعلنا إليه ذلك، كان له أن يفعل أية شاء، وإن كان قادراً على اليسير معه، والاختيار والاحتياط له أن يفدي بنَعَم، فإن لم يجد فطعام، وإلا يصوم إلا بعد الإعواز منهما. أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار في قول اللَّه - عز وجل -: (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) له أيتهن شاء. أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم قال: من أصاب من الصيد ما يبلغ فيه شاة، فذلك الذي قال اللَّه: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وأما: (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ) الآية. فذلك الذي لا يبلغ أن يكون فيه هدي العصفور يُقتل فلا يكون فيه هدي، قال: (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) الآية. عدل النعامة، وعدل العصفور. قال ابن جريج: فذكرت ذلك لعطاء، فقال عطاء: كل شيء في القرآن أو، أو، يختار منه صاحبه ما يشاء. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبقول عطاء رحمه الله في هذا أقول. قال اللَّه - عز وجل - في جزاء الصيد: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) . الأم (أيضاً) : الطير غير الحمام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: الضُّوَعُ: طائر دون الحمام، وليس يقع عليه اسم الحمام، ففيه قيمته، وفي كل طائر أصابه المحرم غير حمام ففيه قيمته، كان أكبر من

الحمام أو أصغر، وذلك أن اللَّه تبارك وتعالى قال في الصيد: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخرج الطائر من أن يكون له مثل، وكان معروفاً بأنه داخل في التحريم، فالمثل فيه بالقيمة، إذا كان لا مثل له من النعم، وفيه أن هذا قياس على قول عمر وابن عباس رضي الله عنهما في الجرادة، وقول من وافقهم فيها، وفي الطائر دون الحمام، وقد قال عطاء في الطائر قولاً - إن كان قاله، لأنَّه يومئذ ثمن الطائر - فهو موافق قولنا، وإن كان قاله تحديداً له، خالفناه فيه للقياس على قول ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، وقوله وقول غيره في الجراد. الأم (أيضاً) : المحرم يقتل الصيد الصغير أو الناقص: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) فالمثل مثل صفة ما قتل وشبهه، الصحيح بالصحيح، والناقص بالناقص، والتام بالتام. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا تحتمل الآية إلا هذا، ولو تطوع فأعطى بالصغير والناقص تاماً كبيراً، كان أحبّ إليَّ ولا يلزمه ذلك. الأم (أيضاً) : باب (الصيد للمحرم) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، في النفر بشتركون في قتل الصيد، قال: عليهم كلهم جزاء واحد.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا موافق كتاب الله - عزَّ وجلَّ، لأن الله تبارك وتعالى يقول: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) الآية، وهذا مِثلٌ. ومن قال عليه مِثلان فقد خالف معنى القرآن. الأم (أيضاً) : باب (من نذر أن يمشي إلى بيت الله - عز وجل) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا نذر أن يهدي شاة عوراء أو عمياء أو عرجاء. أو ما لا يجوز أضحية أهداه، ولو أهدى تاماً كان أحب إليَّ لأن كل هذا هدي، ألا ترى إلى قول اللَّه - عز وجل -: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا) الآية. فقد يُقْتل الصيدَ، وهو صغير وأعرج وأعمى، وإنما يجزيه بمثله، أولا ترى. أنه يقتل الجرادة والعصفور وهما من الصيد، فيجزي الجرادة بتمرة، والعصفور بقيمته؛ ولعله قبضة، وقد سمى الله - عز وجل - هذا كله هدياً. الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في الصيد) : قال الربيع رحمه اللَّه: سألت الشَّافِعِي: عمن قتل من الصيد شيئاً وهو محرم، فقال رحمه اللَّه: من قتل من الدواب شيئاً جزاه بمثله من النعم، لأن اللَّه تبارك وتعالى يقول: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) والمثل لا يكون إلا لدواب الصيد، فأما الطير فلا مثل له، ومثله قيمته، إلا أن في حمام مكة اتباعاً للآثار: شاة.

الأم (أيضاً) : باب (ما روى مالك عن عثمان - رضي الله عنه - وخالفه في تخمير المحرم وجهه) : قلت للشافعي: - أي: الربيع - فمن أين قلت: أي صَيدٍ صِيدَ من أجل مُحْرِم فكل منه لم يغرم فيه؟ فقال - رحمه اللَّه -: لأن اللَّه جل ثناؤه إنما أوجب غُرمه على من قتله، فقال - عز وجل -: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) فلما كان القتل غير محرم، لم يكن على الهرم فيما جنى غيره فدية، كما لو قتل من أجله مسلماً، لم يكن على المقتول من أجله عقل، ولا كفارة، ولا قود، فإن اللَّه قضى: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول الطائفة التي ردَّت الأخبار كلها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له للمحاور: قال اللَّه - عز وجل -: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) وكانوا يعرفون المثل، وجعل الحكم إلى ذوي عدل على المثل يجتهدان فيه؛ لأن الصفة تختلف، فتصغر وتكبر، فما أمَرَ العدلين أن يحكما بالمثل إلا على الاجتهاد، ولم يجعل الحكم عليهما حتى أمرهما بالمثل. وهذا يدل على مثل ما دلت عليه الآية قبله، من أنه محظور عليه - إذا كان في المثل اجتهاد - أن يحكم بالاجتهاد إلا على المثل، ولم يؤمر فيه، ولا في

القبلة إذا كانت مغيبة عنه، فكان على غير إحاطة من أن يصيبها بالتوجُّه، أن يكون يصلي حيث شاء من غير اجتهاد، بطلب الدلائل فيها وفي الصيد معاً، ويدل على أنه لا يجوز لأحدٍ أن يقول في شيء من العلم إلا بالاجتهاد. والاجتهاد فيه كالاجتهاد في طلب البيت في القبلة، والمثل في الصيد. ولا يكون الاجتهاد - في الفقه - إلا لمن عرف الدلائل عليه، من خبر لازم (كتاب، أو سنة، أو إجماع) ثم يطلب ذلك بالقياس عليه، بالاستدلال ببعض ما وصفت، كما يطلب ما غاب عنه من البيت، واشتبه عليه من مثل الصيد، فأما من لا آلة فيه، فلا يحل له أن يقول في العلم شيئاً. الأم (أيضاً) : الخلاف في هذا الباب: (حج المرأة والعبد) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن الله تعالى يقول: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًاا) الآية. فيقول: إن الله - عزَّ وجلَّ لما ذكر الهدي في هذا الموضع، وجعل بدله غيره، وجعل في الكفارات أبدالاً، ثم ذكر في المحصر الدم، ولم يذكر غيره، كان شرط اللَّه جل ثناؤه الإبدال في غيره، مما يلزم، ولا يجوز للعالم أن يجعل ما أنزل مما يلزم في النسك مفسراً دليلاً على ما أنزل مجملاً، فيحكم في الجمل حكم المفسر، كما قلنا في ذكر رقبة مؤمنة في قتل، مثلها رقبة في الظهار، وإن لم يذكر مؤمنة فيه، وكما قلنا في الشهود حين ذكروا عدولاً، وذكروا في موضع أخر، فلم يشترط فيهم العدول. هم عدول في كل موضع على ما شرط اللَّه تعالى في غيره حيث شرطه. فاستدللنا - واللَّه أعلم - على أن حكم الجمل حكم المفسر، إذا كانا في معنى واحد، والبدل ليس زيادة، وقد يأتي موضع من حكم اللَّه لا نقول هذا فيه، هذا

ليس بالبين أن لازماً أن نقول: هذا في دم الإحصار كل البيان، وليس بالبيِّن وهو مجمل - واللَّه أعلم -. الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاور -: قال اللَّه - عز وجل -: (ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) الآية. فإن حَكَم عدلان في موضع بشيء، وآخران في موضع بكثر أو أقل منه، فكل قد اجتهد، وأدَّى ما عليه، وإن اختلفا. الأم (أيضاً) : باب (من عاد لقتل الصيد) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ومن قتل صيداً فحُكم عليه، ثم عاد لآخر، قال يحكم عليه كلما عاد أبداً، فإن قال قائل، ومن أين قلته؟ قلت: إذا لزم أن يحكم عليه بإتلاف الأول، لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الثاني، وكل ما بعده، كما يكون عليه لو قتل نفساً ديته، وأنفساً بعده دية دية في كل نفس، وكما يكون عليه لو أفسد متاعاً لأحد، ثم أفسد متاعاً لآخر، ثم أفسد متاعاً كثيراً بعده قيمة ما أفسد في كل حال. فإن قال: فما قول اللَّه - عز وجل -: (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) ففي هذا دلالة على أنه لا يحكم عليه؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله: ما يبلغ علمي أن فيه دلالة على ذلك. فإن قال قائل فما معناه؟ قيل اللَّه أعلم ما معناه، أما الذي يشبه معناه - واللَّه أعلم - فأن

يجب عليه بالعود النقمة - وقد تكون النقمة - بوجوه: في الدنيا المال، وفي الآخرة النار. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل فما قول اللَّه - عز وجل -: (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) . قيل: اللَّه أعلم بمعنى ما أراد، فأما عطاء بن أبي رباح رحمه اللَّه فيذهب إلى: (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ) الآية، في الجاهلية، ومن عاد في الإسلام بعد التحريم لقتل الصيد مرة، فينتقم اللَّه منه. أخبرنا سعيد، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء في قول اللَّه - عز وجل -: (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ) الآية، قال: عفا اللَّه عما كان في الجاهلية، قلتْ وقوله: (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) الآية. قال: ومن عاد في الإسلام فينتقم اللَّه منه، وعليه في ذلك كفارة. قال: وإن عمد فعليه الكفارة؟ قلت له: هل في العود من حد يُعلم؟ قال: لا. قلت: أفترى حقاً على الإمام أن يعاقبه فيه. قال: لا، ذنب أذنبه فيما بينه وبين اللَّه تعالى، ويفتدى. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يعاقبه الإمام فيه؛ لأن هذا ذنب جعلت عقوبته فديته، إلا أن يزعم أنَّه يأتي ذلك عامداً مستخِفَّاً.

قال الله عز وجل: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون (96)

قال الله عزَّ وجلَّ: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) الأم: باب (تحريم الصيد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والبحر اسم جامع، فكل ما كثر ماؤه واتسع قيل هذا بحر، فإن قال قائل: فالبحر المعروف: البحر هو المالح. قيل: نعم، ويدخل فيه العذب، وذلك معروف عند العرب. الأم (أيضاً) : باب (قتل الصيد خطأ) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: الصيد كله ممنوع في كتاب اللَّه تعالى، قال اللَّه - عز وجل -: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الآية. فلما كان الصيد محرماً كله في الإحرام، وكأن اللَّه - عز وجل حكم في شيء منه بعدلِ بالغ الكعبة، كان كذلك كل ممنوع من الصيد في الإحرام لايتفرق، كما لم يفرق المسلمون بين الغرم في الممنوع من الناس والأموال في العمد والخطأ.

الأم (أيضاً) : فدية الطائر يصيبه المحرم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فكيف تفدي الطائر ولا مثل له من النعم؟ قيل: فَدَيْتُه بالاستدلال بالكتاب، ثم الآثار، ثم القياس، والمعقول. فإن قال فأين الاستدلال بالكتاب؟ قيل: قال اللَّه - عز وجل -: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الآية. فدخل الصيد المأكول كله في التحريم، ووجدت اللَّه - عز وجل - أمر فيما له مثل منه أن يفدى بمثله، فلما كان الطائر لا مثل له من النعم، وكان محرماً، ووجدت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقضي بقضاء في الزرع بضمانه، والمسلمون يقضون فيما كان محرماً أن يُتلف بقيمته، فقضيت في الصيد من الطائر بقيمته بأنه محرم في الكتاب، وقياساً على السنة والإجماع. الأم (أيضاً) : صيد البحر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) الآية. فكل ما كان فيه صيد، في بئر كان أو ماء مستنقع أو غيره، فهو بحر، وسواء كان في الحل والحرم يصاد ويؤكل؛ لأنَّه مما لم يمنع بحرمة شيء، وليس صيده إلا ما كان يعيش فيه أكثر عيشه، فأما طائره فإنما يأوي إلى أرض فيه، فهو من صيد البر إذا أصيب جُزِيَ. الأم (أيضاً) : ما حرم بدلالة النص: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الآية. فذكر جل ثناؤه

إباحة صيد البحر للمحرم، ومتاعاً له يعني: طعاماً - واللَّه أعلم -. ثم حرم صيد البر، فأشبه أن يكون إنما حَرم عليه بالإحرام ما كان كله مباحاً له قبل الإحرام. الأم (أيضاً) : ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال الله عزَّ وجلَّ: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الآية. فكان شيئان حلالين، فأثبت تحليل أحدهما (وهو صيد البحر وطعامه) ، وطعامه مالحه، وكل ما فيه متاع لهم يستمتعون بكله، وحَرَّم عليهم صيد البر، أن يستمتعوا بأكله في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، واللَّه - عز وجل - لا يحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالاً لهم قبل الإحرام - واللَّه أعلم -. الأم (أيضاً) : باب (في الحج) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا بأس بأن يصيد المحرم جميع ما كان معاشه في الماء من السمك وغيره، قال الله عزَّ وجلَّ: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الآية. فقال بعض أهل العلم بالتفسير: طعامه: كل ما كان فيه وهو يشبه ما قال - واللَّه تعالى أعلم -. الأم (أيضاً) : لغو اليمين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه - عز وجل - قد جعل الكفارات في عمد المأثم فقال تعالى: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الآية.

الأم (أيضاً) : باب (قتل الصيد خطأ) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: الصيد في الإحرام ممنوع بقول اللَّه - عز وجل -: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الآية. وكان لله فيه حكم فيما قتل منه عمداً بجزاء مثله، وكان المنع بالكتاب مطلقاً عامًّا على جميع الصيد. مختصر المزني: كتاب (الصيد والذبائح) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ثناؤه: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) الآية. وهذا عموم، فمن خصَّ منه شيئاً فالمخصوص لا يجوز عند أهل العلم إلا بسنة، أو إجماع الذين لا يجهلون ما أراد اللَّه. مختصر المزني (أيضاً) : باب (ما يأكل المحرم من الصيد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن عرض في نفس امرئ من قول اللَّه: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الآية. قيل له: إن الله جل ثناؤه منع المحرم من قتل الصيد فقال (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) وقال في الآية الأخرى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ) الآية. فاحتمل أن يصيدوا صيد البحر، وأن يأكلوه إن لم يصيدوه، وأن يكون ذلك طعامه، ثم لم يختلف الناس في أن للمحرم أن يصيد صيد البحر ويأكل طعامه، وقال في سياقها: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الآية، فاحتمل ألا تقتلوا صيد البر مادمتم حرماً، وأشبه ذلك ظاهر القرآن - واللَّه أعلم -.

قال الله عز وجل: (ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون (99)

ثم دلت السنة على أن تحريم الله صيد البر في حالين: أن يقتله رجل، وأمر في ذلك الموضع بأن يفديه، وألا يأكله إذا أمر بصيده. فكان أولى المعاني بكتاب اللَّه ما دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأولى المعاني بنا ألا تكون الأحاديث مختلفة؛ لأن علينا في ذلك تصديق خبر أهل الصدق ما أمكن تصديقه، وخاص السنة إنما هو خبر خاصة لا عامة. مختصر المزني (أيضاً) : باب (ما يحل للمحرم قتله) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه جل وعز: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) الآية. فدل على أن الصيد الذي حُرِّم عليهم ما كان لهم قبل الإحرام حلالاً، لأنه لا يشبه أن يحرّم في الإحرام خاصة إلا ما كان مباحاً قبله. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففرض الله عليه - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - إبلاغهم، وعبادته، ولم يفرض عليه قتالهم، وأبان ذلك في غير آية من كتابه، ولم يأمره بعزلتهم، وأنزل عليه - آيات في ذلك منها - قوله: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ) مع أشياء كثيرة ذكرت في القرآن في غير موضع في مثل هذا المعنى.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم (101)

قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) الأم: اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد، عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً، من سأل عن شيء لم يُحَرَّم، فحُرِّم من أجل مسألته" الحديث. وأخبرنا ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معناه، قال الله - عز وجل -: (لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) إلى قوله: (بِهَا كَافِرِينَ) الآيتان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: كانت المسائل فيها فيما لم ينزل - إذا كان الوحي ينزل - بمكروه، لما ذكرت من قول الله تبارك وتعالى، ثم قول رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وغيره فيما في معناه.

قال الله عز وجل: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون (103)

وفي معناه: كراهية لكم أن تسألوا عما لم يحرّم، فإن حرَّمه الله في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - حُرِّم أبداً، إلا أن ينسخ الله تحريمه في كتابه، أو ينسخ على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - سُنَّة بسُنة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) الأم: ما حرم المشركون على أنفسهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: حرّم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء، أبان الله - عز وجل أنها ليست حراماً بتحريمهم، وقد ذكرتُ بعض ما ذكر اللَّه تعالى، منها، وذلك مثل: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، كانوا يتركونها في الإبل والغنم كالعتق، فيحرمون ألبانها ولحومها ومِلكَها، وقد فسرته في غير هذا الموضع، فقال تبارك وتعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية. الأم (أيضاً) : الخلاف في الصدقات المحرمات قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عز وجل -: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية. فهذه الحُبُسُ التي كان أهل الجاهلية يحبسونها، فأبطل

الله شروطهم فيها، وأبطلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإبطال اللَّه إياها، وهي: أن الرجل كان يقول إذا نتج فحل إبله، ثم ألقح فأنتج منه، هو حام، أي: حمى ظهره، فيُحرّم ركوبه، ويجعل ذلك شبيهاً بالعتق له، ويقول في البحيرة والوصيلة على معنى يوافق بعض هذا، ويقول لعبده: أنت حر سائبة، لا يكون لي ولاؤك، ولا علي عَقَلُك. قال: فهل قيل في السائبة غير هذا؟ فقلت: نعم، قيل: إنه أيضاً في البهائم: قد سيَّبتك. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما كان العتق لا يقع على البهائم، ردَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملك البحيرة والوصيلة والحام إلى مالكه، وأثبت العتق وجعل الولاء لمن أعتق السائبة، وحكم له بمثل حكم النسب، ولم يحبس أهل الجاهلية - علمته - داراً ولا أرضاً تبرراً بحبسها، وإنما حبس أهل الإسلام. الأم (أيضاً) : باب (المواريث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان أهل الجاهلية يُبحرون البحيرة، وُيسيبون السائبة، وُيوصلون الوصيلة، وُيعفون الحام، وهذه من الإبل والغنم، فكانوا يقولون في الحام: إذا ضرب في إبل الرجل عشر سنين، وقيل: نتج له عشرة (حام) ، أي: حمى ظهره فلا يحلُّ أن يركب. ويقولون في الوصيلة: هي من الغنم إذا وصلت بطوناً توماً، ونتج نتاجها، فكانوا يمنعونها مما يفعلون بغيرها مثلها.

وُيسيِّبون السائبة، فيقولون: قد أعتقناك سائبة، ولا ولاء لنا عليك، ولا ميراث يرجع منك ليكون أكمل لتبررنا فيك، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية. فردَّ اللَّه، ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - الغنم إلى مالكها إذا كان العتق لا يقع على غير الآدميين، وكذلك لو أنَّه أعتق بعيره، لم يمنع بالعتق منه، إذا حكم اللَّه - عز وجل - أن يُرَد إليه ذلك، ويبطل الشرط فيه، فكذلك أبطل الشروط في السائبة، ورده إلى ولاء من أعتقه، مع الجملة التي وصفنا لك. الأم (أيضاً) : الخلاف (في الولاء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاور - قال اللَّه تبارك وتعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية. قال وما معنى هذا؟ قلت: سمعت من أرضى من أهل العلم يزعم أن الرجل كان يعتق عبده في الجاهلية سائبة فيقول: لا أرثه، ويفعل في الوصيلة من الإبل، والحام أن لا يركب، فقال الله - عزَّ وجلَّ (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية. على معنى ما جعلتم، فأبطل شروطهم فيها، وقضى أن الولاء لمن أعتق. ورد البحيرة، والوصيلة، والحام إلى ملك مالكها؛ إذا كان العتق في حكم الإسلام أن لا يقع على البهائم. الأم (أيضاً) : البحيرة والوصيلة والسائبة والحام: أخبرنا الربيع بن سليمان رحمه اللَّه قال:

قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية. فلم يحتمل إلا ما جعل اللَّه ذلك نافذاً على ما جعلتموه، وهذا إبطال ما جعلوا منه على غير طاعة الله - عز وجل -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: كانوا يبحرون البحيرة، ويسيبون السائبة، ويوصلون الوصيلة، ويحمون الحام، على غير معان، سُمِعت كثيراً من طوائف العرب. .. فكان مما حكوا مجتمعين على حكايته أن قالوا: البحيرة: الناقة تنتج بطوناً. فيشق مالكها أذنها، ويخلِّي سبيلها، ويحلب لبنها في البطحاء، ولا يستجيزون الانتفاع بلبنها، ثم زاد بعضهم على بعض، فقال بعضهم: تنتج خمسة بطون فتبحر، وقال بعضهم: وذلك إذا كانت تلك البطون كلها إناثاً. والسائبة: العبد يعتقه الرجل عند الحادث مثل البرء من المرض أو غيره من وجوه الشكر، أو أن يبتدئ عتقه فيقول: قد أعتقتك سائبة. يعنى سيبتك: فلا تعود إليَّ ولا ليَ الانتفاع بولائك، كما لا يعود إليَّ الانتفاع بملكك. وزاد بعضهم فقال: السائبة وجهان هذا أحدهما، والسائبة أيضا يكون من وجه آخر: وهو البعير ينجح عليه صاحبه الحاجة، أو يبتدئ الحاجة أن يسيبه فلا يكون عليه سبيل. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ورأيت مذهبهم في هذا كله فيما صنعوا أنَّه كالعتق. قال: والوصيلة: الشاة تنتج الأبطن، فإذا ولدت آخر بعد الأبطن التي وقتوا لها، قيل: وصلت أخاها، وزاد بعضهم تنتج الأبطن الخمسة عَناقين عناقين في

كل بطن، فيقال: هذه وصلية تصل كل ذي بطن بأخ له معه. وزاد بعضهم فقال: قد يوصلونها في ثلاثة أبطن، ويوصلونها في خمسة، وفي سبعة. قال: والحام: الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين، فيُخفى، ويقال: قد حمى هذا ظهره، فلا ينتفعون من ظهره بشيء. وزاد بعضهم فقال: يكون لهم من صلبه، وما أنتج مما خرج من صلبه عشر من الإبل، فيقال: قد حمى هذا ظهره. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأهل العلم من العرب أعلم بهذا ممن لقيت من أهل التفسير. .. وكان فعلهم يجمع أموراً منها أمر واحد: ير في الأخلاق، وطاعة لله - عز وجل - في منفعته، ثم شرطوا في ذلك الشيء شرطاً ليس من البر، فأنفذ البِر، ورُد الشرط الذي ليس من البر، وهو: أنَّ أحدهم كان يعتق عبده سائبة، ومعنى يعتق سائبة: هو أن يقول: أنت حر سائبة، فكما أخرجتك من ملكي وملكتك نفسك، فصار ملكك لا يرجع إليَّ بحال أبداً، فلا يرجع إليَّ ولاؤك، كما لا يرجع إليَّ ملكك، فكان العتق جائزاً في كتاب اللَّه - عز وجل - بدأ فيه، ثم في سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم عند عوام المسلمين، وكان الشرط بأن العتق سائبة لا يثبت ولاؤه لمعتقه شرطاً مبطلاً في كتاب اللَّه تبارك وتعالى بقوله - عز وجل -: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية - واللَّه تعالى أعلم - لأنَّا بينا أن قول اللَّه جل وعلا: (وَلَا سَائِبَةٍ) لا يحتمل إلا معنيين: أحدهما: أن العبد إذا أعتق سائبة لم يكن براً، كما لم تكن البحيرة والوصيلة والحام على ما جعل مالكها من تبحيرها وتوصيلها وحماية ظهورها. فلما أبطل اللَّه جل ذكره شرط مالكها فيها، كانت على أصل ملك مالكها قبل أن يقول مالكها ما قال.

الأم (أيضاً) : الخلاف في السائبة والكافر يعتق المؤمن: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن مختصر ما يدخل عليه في قول الله عزَّ وجلَّ: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ) الآية. أنه لابد بحكم اللَّه تبارك وتعالى أن يبطل أمر السائبة كله، أو بعض أمره دون بعض؛ لأن اللَّه تبارك وتعالى قد ذكره مبطلاً مع ما أبطل قبله وبعده من البحيرة والوصيلة والحام. فإن قال: يبطل أمر السائبة كله فلا يجعل عتقه عتقاً، كما لا تجعل البحيرة والوصيلة والحام خارجة عن ملك مالكيها، فهذا قول قد يحتمله سياق الآية. ولكن اللَّه - عز وجل - قد فرق بين إخراج الآدميين من ملك مالكيهم، وإخراج البهائم، فأجزنا العتق في السائبة بما أجاز الله تبارك وتعالى من العتق، وأمر به منه، ولما أجزنا العتق في السائبة كنا مضطرين إلى أن نعلم أن الذي أبطل الله - عزَّ وجلَّ من السائبة التسييب، وهو: إخراج العتق للسائبة ولاء السائبة من يديه، فلما أبطله الله تبارك وتعالى كان ولاؤه للمعتق - بنص كتاب الله في رده ثم سنة نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في أن الولاء للمعتق - مع دلائل الآي في كتاب اللَّه - عز وجل، فيما يُنسب فيه أصل الولاء إلى من أعتقهم. الأم (أيضاً) : تفر - البحيرة والسائبة والوصيلة والحام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما قال الله - عزَّ وجلَّ: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية. فكان في قول الله - عزَّ وجلَّ ْ (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ) دلالة على ما جعل اللَّه، لا على ما جعلتم، وكان دليلاً على أن قضاء اللَّه جل وعز ألا ينفذ ما جعلتم، وكانت البحيرة والوصيلة والحام من البهائم التي لا يقع عليها عتق، وكان مالكها أخرجها من ملكه إلى غير ملك آدمي مثله، وكانت

الأموال لا تملك شيئاً، إنما يملك الآدميون، كان المرء إذا أخرج من ملكة شيئاً إلى غير مالك من الآدميين بعينه أو غير عينه، كمن لم يخرج من ملكه شيئاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كانت البحيرة والوصيلة والسائبة والحام نذراً، فأبطلها اللَّه - عز وجل -، ففي هذا لغيره دلالة، أن من نذر ما لا طاعة لله فيه لم يبر نذره، ولم يكفره؛ لأن اللَّه تبارك وتعالى أبطله ولم يذكر أن عليه فيه كفارة، والسنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاءت بمثل الذي جاء به كتاب اللَّه تبارك وتعالى. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ندر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا ابن عيينة، وعبد الوهاب بن عبد المجيد، عن أيوب بن أبي تميمة، عن أبي قِلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم" الحديث. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي رحمه الله بالجرح والتعديل) : أخبرنا أبو طاهر الفقيه، وأبو عبد اللَّه الحافظ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق. وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: سمعت محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم يقول:

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم)

سمعت الشَّافِعِي رحمه الله يقول: قال "مالك رحمه الله": الحُبُسُ الذي جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بإطلاقه هو الذي في كتاب الله تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية. قال محمد بن عبد الله: كلَّم به مالك أبا يوسف عند أمير المؤمنين - هارون الرشيد -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أحكام القرآن: ما يؤثر عن - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - عز وجل -: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) الآية، قال: هذا مثل قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) ومثل قوله - عز وجل -: (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) . ومثل هذا - في القرآن - على ألفاظ. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) وقال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا)

وقال الله عزَّ وجلَّ: (أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ) الأم: تفريع ما يمنع من أهل الذمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) قرأ الربيع إلى: (فَيُقسِمَانِ بِاللَّهِ) الآية، فما معناه؟ قيل: - والله تعالى أعلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا أبو سعيد (معاذ بن موسى الجعفري) عن بُكَير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، قال بكير، قال مقاتل: أخذت هذا التفسير عن مجاهد، والحسن، والضحاك في قوله تبارك وتعالى: (اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية. أن رجلين نصرانيين من أهل دَارِين. أحدهما: تميمي.

والآخر: يماني، صحبهما مولى لقريش في تجارة فركبوا البحر، ومع القرشي مال معلوم، قد علمه أولياؤه من بين آنيةٍ، وبر، وَرِقةٍ، فمرض القرشي، فجعل وصية إلى الدارَييْنِ فمات، وقبض الداريان المال والوصية، فدفعاه إلى أولياء الميت، وجاءا ببعض ماله، وأنكر القوم قلة المال، فقالوا للدرايين إنّ صاحبنا قد خرج ومعه مال أكثر مما أتيتمانا به، فهل باع شيئاً، أو اشترى شيئاً فوضع فيه؟ أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا، قالوا: فإنكما خنتمانا، فقبضوا المال، ورفعوا أمرهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل اللَّه - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) إلى آخر الآية. فلما نزلت أن يحبسا من بعد الصلاة، أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقاما بعد الصلاة، فحلفا بالله رب السموات، ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به، وإنَّا لا نشتري بأيماننا ثمناً قليلاً من الدنيا: (وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ) الآية. فلما حلفا خُلِّي سبيلهما، ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت، فأخذوا الدارين فقالا: اشتريناه منه في حياته، وكذبا، فكُلفا البينة، فلم يقدرا عليها، فرفعوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ عُثِرَ) فيقول فإن أطُّلِعَ: (عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا) يعني الداريين، أي كتما حقاً: (فَآخَرَانِ) من أولياء الميت: (يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ) فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا. وإن الذي نطلب قِبَل الداريين لَحَقٌّ: (وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) هذا قول الشاهدين أولياء الميت: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا) يعني الداريين والناس.

قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: من كان في مثل حال الدارين من الناس، ولا أعلم الآية تحتمل معنى - غير حمله على ما قال، وإن كان لم يُوضح بعضه؛ لأن الرجلين اللذين كشاهدي الوصية، كانا أميني الميت، فيشبه أن يكون: إذا كان شاهدان منكم، أو من غيركم أمينين على ما شهدا عليه، فطلب ورثة الميت أيمانهما، أحْلِفَا بأنهما أمينان، لا في معنى الشهود. فإن قال: فكيف تسمى في هذا الوضع شهادة؟ قيل كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة، وإنما معنى شهادة بينكم، أيمان بينكم إذا كان هذا المعنى - واللَّه تعالى أعلم -. فإن قال قائل فكيف لم تحتمل الشهادة؟ قيل: ولا نعلم المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين، قبلت شهادته أو ردت، ولا يجوز أن يكون إجماعهم خلافاَِ لكتاب اللَّه - عز وجل -، ويشبه قول اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا) الآية. يوجد - مالٌ - من مال الميت في أيديهما، ولم يذكرا قبل وجوده أنه في أيديهما، فلما وجد ادعيا ابتياعه، فأحلف أولياء الميت على مال الميت، لما ادعيا حين وجد في أيديهما منه، وإنما أحلفوا أن الدارين أقرَّا بأنه مال الميت فصار مالاً من مال الميت بإقرارهما، وادعيا لأنفسهما شراءه، فلم تقبل دعواهما بلا بينة، فاحلف وارثاه على ما ادعيا، وإن كان أبو سعيد لم يبينه في حديثه هذا التبيين فقد جاء بمعناه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس في هذا رد لليمين، إنَّما كانت يمين الدارين على ادعاء الورثة من الخيانة، ويمين ورثة الميت على ما ادعى الداريان مما وجد في أيديهما، وأقرَّا أنه للميت، وأنه صار لهما من قبله، وإنما أجزنا رد اليمين من غير هذه الآية. فإن قال قائل: فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ) فذلك - واللَّه تعالى أعلم - أن الإيمان كانت عليهم بدعوى الورثة، أنهم

اختانوا، ثم صار الورثة حالفين بإقرارهم، أن هذا كان للميت، وادعائهم شراءه منه، فجاز أن يقال: أن ترد أيمان - بعد أيمانهم - تثنَّى عليهم الأيمان بما يجب عليهم، إن صارت لهم الأيمان، كما يجب على من حلف لهم، وذلك قول الله - والله أعلم -: (يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا) يحلفان كما أحلفا، وإذا كان هذا كما وصفت فليست هذه الآية بناسخة ولا منسوخة لأمر الله - عزَّ وجلَّ بإشهاد ذوي عدل منكم، ومن نرضى من الشهداء. الأم (أيضاً) : باب (حد الذميين إذا زنوا) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ومن أجاز شهادة أهل الذمة فأعدَلَهم عنده أعظمهم بالله شركاً، أسجدهم للصليب، وألزمهم للكنيسة، فقال قائل: فإن الله - عز وجل - يقول حين الوصية: (اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والله أعلم بمعنى ما أراد من هذا، وإنَّما يفسر ما احتمل الوجوه ما دلت عليه سنة، أو أثر عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا مخالف له، أو أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء، فقد سمعت من يتأول هذه الآية: على من غير قبيلتكم من المسلمين، ويحتج فيها بقول اللَّه - عز وجل -: (تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ) إلى: (الْآثِمِينَ) الآية. فيقول الصلاة للمسلمين، والمسلمون يتأثمون من كتمان الشهادة لله، فأما المشركون فلا صلاة لهم قائمة، ولا يتأثمون من كتمان الشهادة للمسلمين، ولا عليهم.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وسمعت من يذكر أنها منسوخة بقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) - واللَّه أعلم -. ورأيت مفتي أهل دار الهجرة والسنة يفتون أن لا تجوز شهادة غير المسلمين العدول. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وذلك قولي -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت لمن يخالفنا في هذا فيجيز شهادة أهل الذمة ما حجتك في إجازتها؟ فاحتج بقول اللَّه - عز وجل: (أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) الآية. قلت له إنما ذكر اللَّه جل ثناؤه هذه الآية في وصية مسلم في السفر، أفتجيزها في وصية مسلم بالسفر؟ قال: لا. قلت: أو تحلفهم إذا شهدوا؟ قال: لا. قلت: ولِمَ وقد تأولت أنها في وصية مسلم؟ قال: لأنها منسوخة، قلت: فإن نسخت فيما أنزلت فيه فلِمَ تثبتها فيما لم تنزل فيه؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن احتج من يجيز شهادتهم بقول اللَّه - عز وجل -: (أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) الآية، فقال: من غير أهل دينكم، فكيف لم تجزها فيما ذكرت فيه من الوصية على المسلمين في السفر؟ الأم (أيضاً) : المدّعى والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرجع بعضهم إلى قولنا، فقال: لا تجوز شهادة أهل الذمة. وقال: القرآن يدل على ما قلتم، وأقام أكثرهم على إجازتها، فقلت له: لو لم يكن عليكم حجة فيما ادعيتم في الآيتين إلا إجازة شهادة أهل الذمة كنتم

محجوجين، ليس لكم أن تتألوا على أحد ما قلتم؛ لأنكم خالفتموه، وكنتم أولى بخلافٍ ظاهر ما تأولتم من غيركم. قال: فإنما أجزنا شهادة أهل الذمة بآية أخرى، قلنا: وما هي؟ قال: قول الله - عز وجل -: (حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) الآية. فقلت له: أناسخة هذه الآية عندك لـ: (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) أو منسوخة بها؛ قال ليست بناسخة ولا منسوخة، ولكن كل فيما نزل فيه. قلت: فقولك إذاً لا يجوز إلا الأحرار المسلمون ليس كما قلت. قال: فأنت تقول بهذا؟ قلت: لست أقول به، بل سمعت من أرضى يقول فيه غير ما قلت. قال: فإنا نقول هي في المشركين. فقلت: فقل هي في جماعة المشركين أهل الأوثان وغيرهم؛ لأن كلهم مشرك، وأجِزْ شهادة بعضهم لبعض. قال: لا. قلت: ممن قال هي في أهل الكتاب خاصة؟!. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت قول الله - عزَّ وجلَّ: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية. وقوله: (حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية. فشَرَطَ العدل في هاتين الآيتين. الأم (أيضاً) : باب (اليمين مع الشاهد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: والحجة فيما وصفتُ من أن يُستحلف الناس فيما بين البيت والمقام، وعلى منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعد العصر قول اللَّه - عز وجل: (تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ) قال المفسرون: هي صلاة العصر.

الأم (أيضاً) : باب (رد اليمين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال اللَّه - عز وجل - (تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ) الآية. وقال اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ) فبهذا وما أدركنا عليه أهل العلم ببلدنا يحكونه عن مفتيهم وحكامهم قديماً وحديثاً قلنا: برد اليمين. الأم (أيضاً) : الحكم بين أهل الكتاب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فلم يختلف المسلمون أن شرط اللَّه في الشهود: المسلمين، الأحرار. العدول، إذا كانت المعاني في الخصومات التي يتنازع فيها الآدميون معينة، وكان فيما تداعوا الدماء والأموال وغير ذلك، لم ينبغ أن يباح ذلك إلا بما شرط اللَّه من البينة، وشَرْطُ الله: المسلمين، أو بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو إجماع من المسلمين. الأم (أيضاً) : باب (شرط الذين تقبل شهادتهم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية. وقال عزَّ وجلَّ: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان الذي يعرفِ من خوطب بهذا أنه أريد به الأحرار، المرضيون، المسلمون من قبل أن رجالنا، ومن نرضاه من أهل ديننا لا المشركون، لقطع اللَّه الولاية بيننا وبينهم بالدين، ورجالنا أحرارنا، والذي نرضى أحرارنا لا مماليكنا، الذين يغلبهم من يملكهم على كثير من أمورهم، وأنا لا نرضى أهل الفسق منا. وأن الرضا إنما يقع على العدل منا، ولا يقع إلا على البالغين؛ لأنه إنما خوطب بالفرائض البالغون دون من لم يبلغ. اختلاف الحديث: باب (الدعوى والبينات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى في الوصية: (اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فكان حكمه أن تقبل الوصية باثنين، وكذلك يقبل في الحدود وجميع الحقوق اثنان، في غير الزنا. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في القضايا والشهادات: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر الله - عزَّ وجلَّ شهود الزنا، وذكر شهود الطلاق والرجعة، وذكر شهود الوصية. يعني: في قوله تعالى: (اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فلم يذكر معهم امرأة. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي رحمه الله بأصول الفقه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى حين الوصية: (اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) وشَرطُ العدل واجتماعهما في أنهما شهادة، يدل على ألَّا تقبل فيها إلا العدول - وبسط الكلام فيه -.

آداب الشَّافِعِي ومناقبه باب (في الأحكام) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله - تعالى -: (شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ) إلى آخر الآية / 108، معنى الشهادة هاهنا، إنما هي: الحلف، كما قال: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ) . وليس: بالشهادة التي تشهد، إنما هي: تداع في حقوق، فليس لها معنى إلا الأيمان على من ادُّعِيَ عليه.

سووة الأنعام

سورة الأنعام بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) الرسالة: المقدمة: أخبرنا الربيع رحمه اللَّه قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أخبرنا أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبي، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: والحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمةٍ من نعمه إلا بنعمةٍ منه، توجب على مُؤَدِّي ماضي نعمه بأدائها، نعمة حادثة يجب عليه شكره بها، ولا يبلغ الواصفون كُنْه عظمته الذي هو كما وصف نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه، أحمده حمداً كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.

قال الله عز وجل: (ما عليك من حسابهم من شيء)

قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الأم: باب (ما يحرم به الدم من الإسلام) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا موافق ما كتبنا قبله من كتاب اللَّه، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبينٌ أنه: إنما يُحكم على ما ظَهَرَ، وأن اللَّه تعالى ولي ما غاب؛ لأنه عالم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وحسابهم على الله." الحديث. وكذلك قال اللَّه - عز وجل - فيما ذكرنا، وفي غيره، فقال: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية. وقال عمر - رضي الله عنه - لرجل كان يعرفه بما شاء اللَّه في دينه: (أمؤمن أنت؟) قال: نعم. قال: (إني لأحسبك متعوِّذاَ) قال أما في الإيمان ما أعاذني؟ فقال عمر: بلى. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لله في رجل هو من أهل النار، فخرج أحدهم معه حتى أثخن الذي قال من أهل النار، فآذته الجراح فقتل نفسه، ولم يمنع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما استقر عنده من نفاقه، وعلم إن كان علمه من اللَّه فيه من حقن دمه بإظهار الإيمان.

قال الله عز وجل: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (68)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أنزل اللَّه تبارك وتعالى بعد هذا في الحال التي فرض فيها عزلة المشركين فقال: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية، مما فرض عليه فقال: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا) قرأ الربيع إلى: (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) . مناقبِ الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه في الإيمان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم استثنى موضع النسيان - بعد أن ذكر الآية / 145 من سورة النساء - فقال - عز وجل -: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ) أي: فقعدت معهم: (فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .

قال الله عز وجل: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين (74)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) الأم: باب (المواريث) : أخبرنا الربيع بن سليمان رحمه الله قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا) الآية. وقال - عز وجل -: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) فنسب إبراهيم إلى أبيه، وأبوه كافر، ونسب ابن نوح إلى أبيه نوح، وابنه كافر. مختصر المزني: باب (في الولاء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يقطع اختلاف الدين الولاء، كما لا يقطع النسب، قال الله جل ثناؤه: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ) الآية - وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) الآية. فلم يقطع النسب باختلاف الدين، فكذلك الولاء. ومن أعتق سائبة فهو معتق، وله الولاء. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) الزاهر باب (قسم الصدقات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: خَوَّل اللَّه - عز وجل - المسلمين أموال المشركين، أي: غَنَّمهم وأعطاهم إياها.

قال الله عز وجل: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون (97)

قال أبو إسحاق النحوي: في قول اللَّه - عز وجل: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ) الآية. قال: خوَّله: أعطاه ذلك تفضلاً منه. وكل من أعطي شيئاً على غير جزاء فقد: خُول. ويقال لخدم الرجل: خَوَلُه، لأنهم من عطاء اللَّه تعالى. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والغارمون صنفان: صنف دانوا في مصلحة معاشهم، وصنف: دانوا في صلاح ذات البين. دانوا، أي: استدانوا، ويقال للذي ركبه الدين: دائن ومديون. وصلاح ذات البين: صلاح حالة الوصل بعد المباينة. والبَيْنُ: يكون - (فُرْقَة) ويكون (وَصْلاً) . وهو هاهنا بمعنى الوصل، ومنه قوله - عز وجل -: (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) الآية، أي: تقطُّع وصلكم. * * * كلا قال الله عزَّ وجلَّ: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) الأم: باب (استقبال القبلة) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه - عز وجل (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الآية، فنصب اللَّه - عز وجل لهم البيت والمسجد، فكانوا

إذا رأوه فعليهم استقبال البيت؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلُّى مستقبله، والناس معه حوله من كل جهة، ودلهم بالعلامات التي خلق لهم، والعقول التي ركب فيهم على قصد البيت الحرام، وقصد المسجد الحرام، وهو قصد: البيت الحرام. الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول الطائفة التي ردَّت الأخبار كلها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الآية. وسخر لكم النجوم والليل والنهار والشمس والقمر، وخلق الجبال والأرض، وجعل المسجد الحرام حيث وضعه من أرضه فكلَّف خلقه التوجه إليه، فمنهم من يرى البيت فلا يسعه إلا الصواب بالقصد إليه، ومنهم من يغيب عنه وتنأى داره عن موضعه، فيتوجه إليه بالاستدلال بالنجوم والشمس والقمر والرياح والجبال والمهاب. .. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قيل فبم يُتوجه إلى البيت؟ قيل: قال اللَّه تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الآية. وكانت العلامات جبالاً يعرفون مواضعها من الأرض، وشمساً وقمراً ونجماً مما يعرفون من الفلك، ورياحاً يعرفون مهابها على الهواء تدل على قصد البيت الحرام.

قال الله عز وجل: (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل (102)

الرسالة: باب (كيف البيان؟) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الآية. وقال: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) . فكانت العلامات: جبالاً وليلاً ونهاراً، فيها أرواح معروفة الأسماء، وإن كانت مختلفة المهابِّ، وشمس وقمر ونجوم معروفة المطالع والمغارب والمواضع من الفَلَك. ففرض عليهم الاجتهاد بالتوجه شطر المسجد الحرام، مما دلهم عليه مما وصفت، فكانوا ما كانوا مجتهدين غير مزايلين أمره جل ثناؤه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) الرسالة: باب (بيان ما نزل من الكتاب عاماً يراد به العام ويدخله الخصوص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله لّعالى: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) ، فكل شيء من سماء وأرض وذي روح وشجر وغير ذلك: فالله خالقه، وكل دابة فعلى اللَّه رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها.

قال الله عز وجل: (اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين (106)

قال الله عز وجل: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) الأم (أيضاً) : الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولقول الله عزَّ وجلَّ: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ففرض علينا اتباع رسوله، فإذا كان الكتاب والسنة هما الأصلان اللذان افترض اللَّه - عز وجل - لا مخالف فيهما وهما عينان. الأم (أيضاً) : باب (الصوم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) وقال مثل ذلك في غير آية. الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوده اتباع ما أوحى إليه) : وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) . اختلاف الحديث: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأبان جل ثناؤه أنه فرض على رسوله اتباع أمره فقال: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) .

قال الله عز وجل: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون (108)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأمرهم الله - عزَّ وجلَّ بأن لا يسبوا أندادهم فقال عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) الآية مع ما يشبهها. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) الأم: أكل الضبع: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولحوم الضباع تباع عندنا بمكة بين الصفا والمروة. لا أحفظ عن أحد من أصحابنا خلافاً في إحلالها، وفي مسألة ابن أبي عمار جابراً، أصيد هي؟ قال: نعم. وسألته: أتؤكل؟ قال: نعم. وسألته أسمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم. فهذا دليل على أن الصيد الذي نهى اللَّه تعالى المُحرِم عن قتله ما كان يحل أكله من الصيد، وأنهم إنما يقتلون الصيد ليأكلوه، لا عبثاً بقتله، ومثل ذلك في حديث علي - رضي الله عنه -.

قال الله عز وجل: (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم

ولذلك أشباه في القرآن، منها قول اللَّه - عز وجل -: (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ) . أنه إنما يعني مما أحل اللَّه كله، لأنه لو ذبح ما حرم اللَّه عليه، وذكر اسم اللَّه عليه، لم يحل الذبيحة ذكر اسم الله عليه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) الأم: ما يحل بالضرورة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل - فيما حُرِّم ولم يَحِلُّ بالذكاة: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الآية. وقال: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) . وقال في ذكر ما حرم: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيحل ما حُرِّم من ميتة ودم ولحم خنزير وكل ما حرم مما لا يغير العقل من الخمر للمضطر. . .

الأم (أيضاً) : تفريع ما يَحل ويُحرُم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) فاحتمل قول الله تبارك وتعالى: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) إحلالها دون ما سواها، واحتمل إحلالها بغير حظر ما سواها، واحتمل قول الله تبارك وتعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الآية، - وما أشبه هؤلاء الآيات - أن يكون أباح كل مأكول لم ينزل تحريمه في كتابه نصاً، واحتمل كل مأكول من ذوات الأرواح لم ينزل تحريمه بعينه نصاً أو تحريمه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فيحرم بنص الكتاب، وتحليل الكتاب، بأمر اللَّه - عز وجل - بالانتهاء إلى أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيكون إنما حرم بالكتاب في الوجهين. فلما احتمل أمر هذه المعاني، كان أولاها بنا: الاستدلال على ما يحل ويحرم بكتاب اللَّه، ثم سنة تعرب عن كتاب اللَّه، أو أمر أجمع المسلمون عليه، فإنه لا يمكن في اجتماعهم أن يجهلوا لله حراماً ولا حلالاً إنما يمكن في بعضهم، وأما في عامتهم فلا، وقد وضعنا هذا مواضعه على التصنيف. الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في الخلاف في التفليس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلنا: وحديث أبي ثعلبة الخشني أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نهى عن كل كل ذي ناب من السباع" الحديث - لا يروى عن غيره علمته، إلا من

قال الله عز وجل: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله

وجه عن أبي هريرة - وليس بالمشهور المعروف [من] الرجال - فقبلناه نحن وأنت، وخالفنا المكيون، واحتجوا بقول اللَّه - عز وجل: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الآية. وقوله: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الآية. وبقول عائشة رضي اللَّه عنها، وابن عباس رضي اللَّه عنهما، وعبيد بن عمير، فزعمنا أن الرواية الواحدة تثبت بها الحجة، ولا حجة في تأويل، ولا حديث عن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - مع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: أما ما وصفت فكما وصفت، قلت: فإذا جاء مثل هذا فلِمَ لم تجعله حجة؟ الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى في الآية الأخرى: (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الآية. فلما أباح في حال الضرورة ما حرَم جملة، أيكون لي إباحة ذلك في غير حال الضرورة، فيكون التحريم فيه منسوخاً والإباحة قائمة؟ قال: لا. قلنا: وئقول له: التحريم بحالة، والإباحة على الشرط، فمتى لم يكن الشرط فلا تحل؟ قال: نعم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه في الصيد والذبائح وفي الطعام والشراب: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع بن سليمان قال:

قال الله عز وجل: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون (137)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: حرُّم المشركون على أنفسهم - من أموالهم - أشياء، أبان اللَّه - عز وجل - أنها ليست حراماً بتحريمهم، وذلك مثلُ: البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، كانوا يتركونها في الإبل والغنم كالعتق، فيحرمون ألبانها، ولحومها، ومِلْكَها وقد فسرته في غير هذا الوضع. ثم ذكر البيهقي الاستدلال في حاشيته بحديث ابن المسيب، وكلامه في تفسير ذلك، وحديث الجشمي، وأثر ابن عباس التعلق بذلك، وبآية: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) الأم: قتل الوِلدَان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ) الآية. كان بعض العرب تقتل الإناث من ولدها صغاراً، خوف العيلة عليهم والعار بهم، فلما نهى اللَّه عز ذكره عن ذلك من أولاد المشركين، دل على تثبيت النهي عن قتل أطفال المشركين في دار الحرب، وكذلك دلت عليه السنة مع ما دلَّ عليه الكتاب، من تحريم القتل بغير حق.

قال الله عز وجل: (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) الأم: ما حرّم المشركون على أنفسهم: قال الشَّافِعِي رحمهْ الله: حرّم الشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء. أبان اللَّه - عز وجل أنها ليست حراماً بتحريمهم. وقد ذكرتُ بعض ما ذكر اللَّه تعالى منها، وذلك مثل: البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، كانوا يتركونها في الإبل والغنم كالعتق، فيحرمون ألبانها ولحومها وملكها، وقد فسرته في غير هذا الموضع، فقال تبارك وتعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) الآية وقال اللَّه - عز وجل - وهو يذكر ما حَرَّموا: (وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ) إلى قوله (حَكِيمٌ عَلِيمٌ) الآية. (وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا) الآية، وأعلمهم أنه لم يحرم عليهم ما حرموا بتحريمهم وقال: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) يعني - واللَّه أعلم -: من الميتة.

قال الله عز وجل: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين (140)

قال الله عزَّ وجلَّ: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) الأم: ما حرم المشركون على أنفسهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: حرّم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء. أبان الله - عزَّ وجلَّ أنها ليست حراماً بتحريمهم. .، فقال: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) . الأم (أيضاً) : قتل الوِلدَان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان بعض العرب تقتل الإناث من ولدها صغاراً خوف العيلة عليهم، والعار بهم، فلما نهى الله عز ذكره عن ذلك من أولاد المشركين، دلَّ على تثبيت النهي عن قنل أطفال المشركين في دار الحرب، وكذلك دلت عليه السنة مع ما دل عليه الكتاب من تحريم القتل بغير حق، قال اللَّه - عز وجل -: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) الآية. وأخبرنا سفيان بن عيينة، عن أبي معاوية (عمرو النخعي) قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: سمعت ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي

قال الله عز وجل: (وآتوا حقه يوم حصاده)

الكبائر أكبر؟ فقال: "أيُّ تجعل لله نِدًّا وهو خلقك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك" الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الأم: باب (الوقت الذي تؤخذ فيه الصدقة مما أخرجت الأرض) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا بلغ ما أخرجت الأرض ما يكون فيه الزكاة، أخذت صدقته، ولم ينتظر بها حول، لقول اللَّه - عز وجل -: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الآية. ولم يجعل له وقتاً إلا الحصاد، واحتمل قول اللَّه - عز وجل -: (يَوْمَ حَصَادِهِ) إذا صلح بعد الحصاد، واحتمل يوم يحصد، وإن لم يَصلُح، فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن تؤخذ بعد ما يجفُّ، لا يوم يحصد النخل والعنب، والأخذ منهما زبيباً وتمراً، فكان كذلك كل ما يصلح بجفوف ودرس مما فيه الزكاة مما أخرجت الأرض. وهكذا زكاة ما أخرج من الأرض من مَعدِن، لا يؤخذ حتى يصلح فيصير ذهباً أو فضة، ويؤخذ يوم يصلح. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وزكاة الركاز يوم يؤخذ؛ لأنه صالح بحاله، لا يحتاج إلى إصلاح، وكله مما أخرجت الأرض.

الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في الخلاف في التفليس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد يجدان تأويلاً من قول اللَّه - عز وجل -: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الآية، ولم يذكر قليلاً ولا كثيراً. ومن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: فيما سُقيَ بالسماء العشر وفيما سُقيَ بالدالية نصف العشر" الحديث. قال - أي المحاور - أجل. الأم (أيضاً) : كراء الأرض البيضاء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن اللَّه جلَ ذكره خاطب المؤمنين بأن قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية. وخاطبهم بأن قال: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الآية. فلما كان الزرع مالاً من مال المسلم، والحصاد حصاد مسلم تجب فيه الزكاة. مختصر المزني: باب (صدقة الزرع) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قول الله تبارك وتعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) دلالة على أنه إنما جعل الزكاة على الزرع، فما جمع أن يزرعه الآدميون، وييبس، ويدخر، ويقتات، مأكولاً خبزاً أو سويقاً أو طبيخاً ففيه

الصدقة، وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والذرة، وهذا مما يزرع ويقتات. الرسالة: في الزكاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الآية. فسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤخذ مما فيه زكاة من نبات الأرض، الغِراس وغيره. على حكم اللَّه جل ثناؤه، يوم يحصد، لا وقت له غيره. وسن في الركاز الخمس، فدلَّ على أنه يوم يوجد، لا في وقت غيره. أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن ابن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "وفي الركاز الخُمُس" الحديث. ولولا دلالة السنة كان ظاهر القرآن أن الأموال كلها سواء، وأن الزكاة في جميعها، لا في بعضها دون بعض. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي رحمه الله - في الزكاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في أثناء كلامه في باب زكاة التجارة - في قول اللَّه - عز وجل - (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الآية. وهذا دلالة على أنه إنما جعل الزكاة على الزرع، وإنما قصد: إسقاط الزكاة عن حنطة حصلت في يده من غير زراعة.

قال الله عز وجل: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين)

قال الله عزَّ وجلَّ: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) الأم: ما حرم المشركون على أنفسهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) الآية والآيتين بعدها، فأعلمهم جلُ ثناؤه، أنه لا يحرم عليهم ما حرموا.. وأعلمهم أنه لم يحرّم عليهم ما حرّموا. الأم (أيضاً) : باب (دواب الصيد التي لم تسمَّ) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال الله تعالى: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) الآية. فلا أعلم مخالفاً أنه عنى: الإبل والبقر والغنم والضأن وهي الأزواج الثمانية.

قال الله عز وجل: (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به

قال اللَّه تعالى: (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ) الآية. وقال: (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) الآية. فهي بهيمة الأنعام وهي الأزواج الثمانية، وهي الإنسية التي منها الضحايا والبُدن التي يذبح المحرِم، ولا يكون ذلك من غيرها من الوحش. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) الأم: كتاب (الأطعمة وليس في التراجم، وترجم فيه ما يحل ويحرم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أصل ما يحل أكله من البهائم والدواب والطير شيئان، ثم يتفرقان فيكون منها شيء محرم نصاً في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشيء محرم في جملة كتاب اللَّه - عز وجل -، خارج من الطيبات ومن بهيمة الأنعام، فإن الله - عز وجل - يقول: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) الآية، ويقول: (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) فإن ذهب ذاهب إلى أن اللَّه - عز وجل - يقول: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الآية. فأهل التفسير، أو من سمعت منه منهم

يقول: في قول اللَّه - عز وجل: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا) الآية، يعني: مما كنتم تأكلون، فإن العرب كانت تحرم أشياء على أنها من الخبائث، وتحل أشياء على أنها من الطيبات، فأحِلَّت لهم الطيبات عندهم إلا ما استثني منها، وحرمت عليهم الخبائث عندهم، قال اللَّه - عز وجل: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل ما دل على ما وصفتَ؟ قيل لا يجوز في تفسير الآي إلا ما وصفت من أن تكون الخبائث معروفة عند من خوطب بها، والطيبات كذلك، إما في لسانها، وإما في خبر يُلزمُها، ولو ذهب ذاهب إلى أن يقول: كل ما حرم، حرام بعينه، وما لم يُنص بتحريم فهو حلال، أحل أكل العَذِرَة والدود وشرب البول؛ لأن هذا لم ينص فيكون محرماً، ولكنه داخل في معنى الخبائث التي حرموا، فحرمت عليهم بتحريمهم، وكان هذا في شر من حال الميتة والدم المحرمين؛ لأنهما نجسان، ينجسان ما ماسا، وقد كانت الميتة قبل الموت غير نجسة، فالبول والعذرة اللذان لم يكونا قط إلا نجسين أولى أن يحرما، أن يؤكلا أو يشربا، وإذا كان هذا هكذا ففيه كفاية، مع أن ثَمَّ دلالة بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الغراب والحِدَأة والعقرب والفأرة والكلب العقور، دلَّ هذا على تحريم ممل ما أمر بفتله في الإحرام، ولا كان هذا من الطائر والدواب كما وصفت، دل هذا على أن أنظر إلى كل ما كانت العرب تأكله فيكون حلالاً، وإلى ما لم تكن العرب تأكله، فيكون حراماً، فلم تكن العرب تأكل كلباً ولا ذئباً ولا أسداً ولا نمراً، وتأكل الضبع، فالضبع حلال، ويجزيها المحرم بخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها صيد وتؤكل، ولم تكن تأكل الفأرة ولا العقارب ولا الحيات ولا الحِدَأ ولا الغربان، فجاءت السنة موافقة للقرآن

بتحريم ما حرموا، وإحلال ما أحلوا، وإباحة أن يقتل في الإحرام ما كان غير حلال أن يؤكل، ثم هذا أصله. الأم (أيضاً) : ما حرّم المشركون على أنفسهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأعلمهم - اللَّه تعالى - أنه لم يحرم عليهم ما حرموا بتحريمهم، وقال: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) يعني - واللَّه أعلم -: من الميتة ويقال: أنزل في ذلك: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) الآية. وهذا يشبه ما قيل، يعني: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا) الآية. أي: من بهيمة الأنعام إلا ميتة أو دماً مسفوحاً منها وهي حية، أو ذبيحة كافر، وذكر تحريم الخنزير معها، وقد قيل: ما كنتم تأكلون إلا كذا. الأم (أيضاً) : تفريع ما يحل ويحرم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قول الله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) الآية. وقوله: (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وما أشبه هذه الآيات، أن يكون أباح كل مأكول لم ينزل تحريمه في كتابه نصاً، واحتمل كل مأكول من ذوات الأرواح، لم ينزل تحريمه بعينه نصاً، أو تحريمه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم.

الأم (أيضاً) : سنَّ تفريق القَسْم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له - أي: للمحاور -: قال اللَّه - عز وجل -: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الآية. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما، وعائشة رضي اللَّه عنها، وعبيد بن عمير - رضي الله عنه -: لا بأس بأكل سوى ما سمى الله - عزَّ وجلَّ أنه حرام واحتجوا بالقرآن، وهم كما تعلم في العلم والفضل. وروى أبو إدريس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع" الحديث. ووافقه الزهري فيما يقول، قال: كل ذي ناب من السباع حرام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمعنى ما أراد الله - عز وجل -. وذكره؛ ومن خالف شيئاً مما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس في قوله حجة، ولو علم الذي قال قولاً يخالف ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله رجع إليه. وقد يعزب عن الطويل الصحبة السنة، ويعلمها بعيد الدار، قليل الصحبة. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قلت - أي: للمحاور -: فنسمعك في أحكام منصوصة في القرآن قد أحدثت فيها أشياء ليست منصوصة في القرآن، وقلت لبعض من يقول هذا القول: قد قال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) الآية، وقال في غير آية مثل هذا المعنى، فلم زعمت أن كل ذي ناب من السباع حرام، وليس هو مما سمى

الله منصوصاً محرماً؛ قال: قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت له: ابن شهاب رواه وهو يضعِّفه ويقول: لم أسمعه حتى جئت الشام، قال وإن كان لم بسمعه حتى جاء الشام، فقد أحاله على ثقة من أهل الشام، قلنا: ولا توهِنَه بتوهين من رواه. وخلافه ظاهر الكتاب عندك، وابن عباس رضي الله عنهما مع علمه بكتاب اللَّه - عز وجل - وعائشة أم المؤمنين مع علمها به وبرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وعبيد بن عمير مع سِنِّه وعلمه يبيحون كل ذي ناب من السباع، قال: ليس في إباحتهم كل ذي ناب من السباع، ولا في إباحة أمثالهم حجة، إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرمه، وقد تخفى عليهم السنة، يعلمها من هو أبعد داراً، وأقل للنبي - صلى الله عليه وسلم - صحبة وبه علماً منهم. ولا يكون ردهم حجة حين يُروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه. قلنا: وتراهم يخفى ذلك عليهم؛ وسممعه رجل من أهل الشام؟ قال: نعم، قد خفي على عمر والمهاجرين والأنصار، ما حفظ الضحاك بن سفيان - رحمه اللَّه - وهو من أهل البادية، وحمل بن مالك وهو من أهل البادية. قلنا: فتحريم كل ذي ناب من السباع مختلَف فيه. قال: وإن اختلف فيه، إذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق صحيح، فرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمعنى ما أراد اللَّه، وليس في أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حجة، ولا في خلاف مخالف، ما وَهَّنَ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ثم يتابع النقاش في مسائل أخرى -. الأم (أيضاً) : باب الخلاف في اليمين مع الشاهد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول اللَّه - عز وجل -: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا) فحرمنا نحن وأنت - أي: للمحاور -: كل ذي ناب من السباع بالسنة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبين - عن الله - عزَّ وجلَّ - معنى ما أراد خاصاً وعاماً؛ فكذلك اليمين مع الشاهد تلزمك حيث لزمك هذا.

الرسالة: في محرمات الطعام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) الآية، فاحتملت الآية معنيين: أحدهما: أن لا يحرم على طاعم أبداً إلا ما استثنى اللَّه، وهذا المعنى الذي إذا وجه رجل مخاطباً به كان الذي يسبق إليه أنه لا يحرم غيرُ ما سمى اللَّه محرماً، وما كان هكذا فهو الذي يقول له: أظهر المعاني وأعمها وأغلبها، والذي لو احتملت الآية معنى سواه كان هو المعنى الذي يلزم أهل العلم القولُ به، إلا أن ئاتي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على معنى غيره، مما تحتمله الآية فيقول: هذا معنى ما أراد اللَّه تبارك وتعالى، ولا يقال بخاص في كتاب اللَّه ولا سنة إلا بدلالة فيهما، أو في واحد منهما. ولا يقال بخاص حتى تكون الآية تحتمل أن يكون أريد بها ذلك الخاص؛ فأما ما لم تكن محتملة له، فلا يقال فيها بما لم تحتمل الآية. ويحتمل قول اللَّه: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ) من شيء سئل عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون غيره. ثانيهما: ويحتمل ما كنتم تأكلون، وهذا أولى معانيه استدلالاً بالسنة عليه، دون غيره. أخبرنا سفيان، عن أبي شهاب، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ثعلبة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نهى عن كل ذي ناب من السباع" الحديث.

أخبرنا مالك، عن إسماعيل عن أبي حكيم، عن عبيدة بن سفيان الحضرمي، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل كل ذي ناب من السباع حرام" الحديث. الرسالة (أيضاً) : باب العلل في الأحاديث: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكرت له تحريم النبي - صلى الله عليه وسلم - كل ذي ناب من السباع، وقد قال اللَّه: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ) إلى نهاية الآية، ثم سمى ما حَرَّم. فقال فما معنى هذا؟ قلنا: معناه: قل لا أجد فيما أوحي محرماً مما كنتم تأكلون إلا أن تكون ميتة وما ذكر بعدها؛ فأما ما تركتم أنكم لم تعدوه من الطيبات، فلم يُحرم عليكم مما كنتم تستحلون إلا ما سمى اللَّه، ودلت السنة على أنه حرم عليكم منه ما كنتم تحرمون، لقول اللَّه: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) . اختلاف الحديث: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وعلى آخرين من أهل الفقه، أحلوا كل ذي روح لم ينزل تحريمه في القرآن لقول الله: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ) الآية. وقالوا: قال

بما عاقلنا من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من هو أعلم به من أبي ثعلبة، فحرمنا كل ذي ناب من السباع بخبر من ثقة، عن أبي ثعلبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: نعم هذه حجتنا وكفى بها حجة، ولا حجة في أحد مع رسول اللَّه، ولا في أحد ردَّ حديث رسول اللَّه بلا حديث مثله عن رسول اللَّه، وقد يخفى على العالم برسول اللَّه الشيء من سنته يعلمه من ليس مثله في العلم؛ وهؤلاء وإن أخذوا ببعض الحديث، فقد سلكوا في ترك تحريم كل ذي ناب من السباع، وترك المسح على الخفين، طريق من ردَّ الحديث كله؛ لأنهم إذا استعملوا بعض الحديث وتركوا بعضه لا مخالف له عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد عطلوا من الحديث ما استعملوا مثله، ولا حجة لهم بتوهين الحديث إذا ذهبوا إلى أنه يخالف ظاهر القرآن وعمومه، إذا احتمل القرآن أن يكون خاصاً، وقولهم لمن قال بالحديث في المسح على الخفين، وتحريم كل ذي ناب من السباع وغيره، إذا كان القرآن محتملاً لأن يكون عاماً يراد به الخاص، خالفت القرآن ظلم! قال: نعم.. قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: قلت - أي: للمحاور -: لو جاز أن يكون رسول الله سنَّ، فتلزمنا سنته، ثم نسخ اللَّه سنته بالقرآن، ولا يحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - مع القرآن سنة تدل على أن سنته الأولى منسوخة، ألا يجوز أن يقال: وإنما حرم كل ذي ناب من السباع قبل نزول: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الآية. فلا بأس بأكل كل ذي روح ما خلا الآدميين. السنة المأثورة: باب في (أكل لحوم الخيل والبغال والحمير) : حدثنا المزني قال:

قال الله عز وجل: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم

حدثنا الشَّافِعِي، أخبرنا سفيان بن عيينه، أخبرنا عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد: إنهم يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن لحوم الحمر الأهلية" قال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري، عندنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن أبى ذلك البحر - يعني ابن عباس رضي الله عنهما وقرأ: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) الأم: باب (ذبائح بني إسرائيل) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) إلى قوله: (لَصَادِقُونَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: الحوايا: ما حوى الطعام والشراب في البطن. فلم يزل ما حرم الله تعالى على بني إسرائيل - اليهود خاصة، وغيرهم عامة - محرماً من حين حرمه حتى بعث اللَّه جل جلاله محمداً - صلى الله عليه وسلم -، ففرض الإيمان به، وأمر باتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وطاعة أمره، وأعلم خَلقَه أن طاعتَه طاعتُه. وأن دينه الإسلام الذي نسخ به كل دين كان قبله.

قال الله عز وجل: (قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا

قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) الأم: ما حَرَّمَ المشركون على أنفسهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: حرَّم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء أبان الله - عز وجل - أنها ليست حراماً بتحريمهم وقد ذكرتُ بعض ما ذكر اللَّه منها، وذلك مثل البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. .. ويقال: نزلت فيهم: (قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) الآية. فردَّ إليهم ما أخرجوا من البحيرة والسائبة، والوصيلة، والحام، وأعلمهم أنه لم يحرم عليهم ما حزموا بتحريمهم. * * * قال الله عز وجل: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)

الأم: قتل الوِلْدان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) الآية. قال الشَّافِعِي: كان بعض العرب تقتل الإناث من ولدها صغاراً خوف العَيلة عليهم، والعار بهم، فلما نهى اللَّه عز ذكره عن ذلك من أولاد المشركين، دل على تثبيت النهي عن قتل أطقال المشركين في دار الحرب، وكذلك دلت عليه السنة، مع ما دل عليه الكتاب من تحريم القتل بغير حق. الأم (أيضاً) : كتاب (جراح العمد) - أصل تحريم القتل من القرآن: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) الآية. قلت: ذكر الإمام الشَّافِعِي تتمة هذه الآية الواردة أعلاه، للدلالة على أصل تحريم القتل من القرآن كما أشير إلى هذا في العنوان -.

قال الله عز وجل: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) الأم: باب (ما يجب على المرء من القيام بشهادته) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآية وغيرها - أنه في الشاهد، وقد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن يقوم بها على والديه وولده، والقريب والبعيد، وللبغيض (القريب والبعيد) ، ولا يكتم عن أحدٍ، ولا يحابي بها، ولا يمنعها أحداً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) الزاهر باب (الوصية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو قال رجل لفلان ضِغف ما يُصِيب ولدي أعطيته مثله مرتين.

قال الله عز وجل: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)

فإن قال ضعفين فإن كان يصيب مائة أعطيته ثلاثمائة، فأكون قد أضعفت المائة التي تصيبه مرة ثم مرة. فائدة: قال أبو منصور الأزهري: ذهب الشَّافِعِي رحمه الله بمعنى الضعف إلى التضعيف، وهذا هو المعروف عند الناس.. ثم استشهد بقول أبي إسحاق النحوي الذي قسم الضعف في كلام العرب إلى ضربين: أحدهما: المثل. والآخر: أن يكون في معنى تضعيف الشيء، ثم استدل على القول الآخر بهذه الآية: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) الآية. والضعف عند عوام الناس أنه مثلان فما فوقهما. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) مختصرالمزني: باب (البكاء على الميت) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأرَخص في البكاء بلا ندب ولا نياحة، لما في النوح من تجديد الحزن، ومنع الصبر، وعظيم الإثم. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، وذكر ذلك ابن عباس - رضي الله عنهما - لعائشة رضي اللَّه عنها فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله ليعذب الميت ببكاء أحد عليه ولكن قال: "إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: حسبكم القرآن: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية. وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن ذلك: الله أضحك وأبكى. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ماروت عائشة رضي اللَّه عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشبه بدلالة الكتاب والسنة؛ قال اللَّه - عز وجل: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية. قال ابن أبي مليكة: (فو اللَّه ما قال ابن عمر من شيء) الحديث. اختلاف الحديث: باب (في بكاء الحي على الميت) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما روت عائشة رضي اللَّه عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه أن يكون محفوظاً عنه - صلى الله عليه وسلم - بدلالة الكتاب ثم السنة. فإن قيل: فأين دلالة الكتاب؟ قيل: في قوله - عز وجل -: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية. (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) وقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) . وقوله: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: وعَمرَةُ أحفظ عن عائشة رضي اللَّه عنها، ومن ابن أبي مليكة، وحديثها أشبه الحديثين أن يكون محفوظاً، فإن كان الحديث على غير ما روى ابن أبي مليكة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها" الحديث،

فهو واضح لا يحتاج إلى تفسير، لأنها تعذب بالكفر، وهؤلاء يبكون، ولا يدرون ما هي فيه. .. فإن قبل أين دلالة السنة؟ قيل: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل: "ابنك هذا؟ قال: نعم. قال: "أما إنه لا يجني عليك، ولا تجني عليه" الحديث. فأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أعلم اللَّه: من أن جناية كل امرئ عليه، كما عمله له، لا لغيره ولا عليه.

سورة الأعراف

سورة الأعراف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا) الأم: باب (ميراث الجد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلنا إذا وَرث الجد مع الإخوة قاسمهم، ما كانت القاسمة خيراً له من الثلث، فإذا كان الثلث خيراً له منها أعطِيه، وهذا قول زيد ابن ثابت، وعنه قبلنا أكثر الفرائض، وقد رُوِيَ هذا القول عن عمر وعثمان أنهما قالا فيه مثل زيد بن ثابت رضي اللَّه عنهم، وقد روي هذا أيضاً عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قول الأكثر من فقهاء البلدان، وقد خالفنا بعض الناس في ذلك فقال: الجد: أب، وقد اختلف فيه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال أبو بكر، وعائشة، وابن عباس، وعبد اللَّه بن عتبة، وعبد اللَّه بن الزبير، رضي اللَّه عنهم: إنه أب إذا كان معه الإخوة طرحوا، وكان المال للجد دونهم. وقد زعمنا نحن وأنت أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اختلفوا لم نَصِر إلى قول واحد منهم دون قول الآخر؛ إلا بالتثبت مع الحجة البينة عليه، وموافقته للسنة، وهكذا نقول وإلى الحجة ذهبنا في قول زيد بن ثابت ومن قال قوله.

قال الله عز وجل: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان)

قالوا: فإئا نزعم أن الحجة في قول من قال: الجد أب لخصال منها: أن اللَّه - عز وجل - قال: (يَا بَنِي آدَمَ) - بكثر من آية -. وقال: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) ، فأقام الجد في النسب أباً، وأن المسلمين لم يختلفوا في أن لم ينقصوه من السدس. . . - ثم بسط النقاش في ذلك -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ) الأم: باب (الولاء والحلف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عز ذكره: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ) فنسب إلى آدم المؤمن من ولده والكافر. ونسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بأمر اللَّه - عز وجل - إلى آبائهم كفاراً كانوا أو مؤمنين، كذلك نسب الموالي إلى ولائهم، وإن كان الموالي مؤمنين، والمُعْتَقون مشركين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك وسفيان، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نهى عن بيع الولاء وعن هبته" الحديث.

قال الله عز وجل: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (31)

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه اللَّه قال أخبرنا محمد بن الحسين، عن يعقوب، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب" الحديث. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشافعى - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى: أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلمي، أخبرنا الحسن بن رشيد (إجازة) ، قال: قال عبد الرحمن بن أحمد المهدي: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشَّافِعِي رحمه الله يقول: من زعم - من أهل العدالة - أنه يرى الجن، أبطلتُ شهادته، لأن اللَّه - عز وجل ثقول: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) الآية، إلا أن يكون نبياً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) الأم: باب (جماع لبس المصلى) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عز وجل - (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فقيل: - واللَّه سبحانه وتعالى أعلم - أنه الثياب، وهو يشبه ما قيل.

وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" الحديث. فدل على أن ليس لأحد أن يصلي إلا لابساً إذا قَدِرَ على ما يلبس. وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغسل دم الحيض من الثوب، والطهارة إنما تكون في الصلاة، فدلَّ على أن على المرء لا يصلي إلا في ثوب طاهر، وإذا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتطهير المسجد من نجس؛ لأنه يصلى فيه وعليه، فما يُصلى فيه أولى أن يطهر. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكل ما وارى العورة غير نجس أجزأت الصلاة الأم (أيضاً) : الإحداد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي الثياب زينتان: إحداهما: جمال الثياب على اللابس التي تجمع الجمال، وتستر العورة. قال الله تعالى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) الآية. فقال بعض أهل العلم بالقرآن: الثياب. ثانيهما: فالثياب زينة لمن لبسها، وإذا أفردت العرب التزيين على بعض اللابسين دون بعض، فإنما تقول تزين مَنْ زَيَّنَ الثياب، التي هي الزينة. بأن يدخل عليها شيء من غيرها، من الصبغ خاصة.

قال الله عز وجل: (حتى إذا اداركوا فيها جميعا)

قال الله عزَّ وجلَّ: (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا) الزاهر باب (ما يلزم عند الإحرام. .) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن تدارك عليه رميان، أي: تتابعا عليه لتفريطِ. كان في رمي الأول في وقته، يقال: تدارك القوم، واداركوا: إذا تتابعوا. وهو لازم ومتعدٍ، وكذلك أدرك لازم ومتعدِ. يقال: تداركته واداركته، أي: أدركته، قال اللَّه - عز وجل -: (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا) الآية، أي تتابعوا. فائدة: الزاهر (أيضاً) : باب (الوصية) : قال أبو إسحاق النحوي في قوله - عز وجل -: (فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ) أي: عذاباَ"مضاعفاً، لأنه الضعف في كلام العرب على ضربين: أحدهما: المثل. والآخر: أن يكون في معنى تضعيف الشيء. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا)

وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا) وقال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - اللَّه تعالى -: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا) وقال: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا) الآية. وقال: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) الآية. فأقام جلَّ ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه، وفي الأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم، وكانت الحجة بها ثابتة على من شاهد أمور الأنبياء. ودلائلهم التي باينوا بها غيرهم، ومن بعدهم، وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر - ثم بسط الكلام في ذلك -.

قال الله عز وجل: (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون (129)

قال الله عزَّ وجلَّ: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) الرسالة: باب (كيف البيان) ؛: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول، متشعبة الفروع: فأقل ما في تلك المعاني المجتمعة المتشعبة، أنها بيان لمن خوطب بها ممن نزل القرآن بلسانه، متقاربة الاستواء عنده، وإن كان بعضها أشد تأكيدَ بيانٍ من بعض، ومختلفة عند من يجهل لسان العرب. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فجماع ما أبان اللَّه لخلقه في كتابه، مما تعبَّدهم به، لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه: منها: ما فرض اللَّه على خلقه الاجتهاد في طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد، كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم، قال تعالى: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) الرسالة: باب (البيان الأول) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) الآية. فكان بيناً عند من خوطب بهذه الآية، أن ثلاثين وعشراً أربعون ليلة.

قال الله عز وجل: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر

وقوله: (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) يحتمل ما احتملت الآية قبلها: من أن تكون إذا جُمِعَتْ ثلاثون إلى عشر كانت أربعين، وأن تكون زيادة في التبيين. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) الأم: باب (ذبائح بني إسرائيل) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأنزل اللَّه فيهم - أي: في أهل الكتاب -: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) إلى قوله: (وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) الآية. فقيل - واللَّه أعلم -: أوزارهم، وما مُنِعُوا (بما أحدثوا) قَبْلَ ما شُرع من دين محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلم يبق خلق يعقل، منذ بعث اللَّه تعالى محمداً - صلى الله عليه وسلم - كتابي، ولا وثني، ولا حي ذو روح - من جن ولا إنس - بلغته دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا قامت عليه حجة اللَّه - عز وجل - باتباع دينه،

وكان مؤمناً باتباعه، وكافراً بترك اتباعه، ولزم كل امرئ منهم آمن به أو كفر، تحريم ما حرم الله على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، كان مباحاً قبله في شيء من الملل. الأم (أيضاً) : ما يحرم من جهةٍ ما لا تأكل العرب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أصل التحريم، نص كتاب أو سنة، أو جملة كتاب أو سنة أو إجماع، قال الله تبارك وتعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الآية. وإنما تكون الطيبات والخبائث عند الآكلين كانوا لها، وهم: العرب الذين سألوا عن هذا، ونزلت فيهم الأحكام، وكانوا يكرهون من خبيث المآكل ما لا يكرهها غيرهم. الأم (أيضاً) : ما حُرِّم بدلالة النص: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الآية. فيقال: يحل لهم الطيبات عندهم، ويحرم عليهم الخبائث عندهم.

قال الله عز وجل: (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون (158)

الأم (أيضاً) : كتاب الأطعمه وليس في التراجم، وترجم فيه ما يحل ويحرم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن العرب كانت تحرم أشياء على أنها من الخبائث، وتحل أشياء على أنها من الطيبات، فأحلت لهم الطيبات عندهم، إلا ما استُثنى منها، وحرمت عليهم الخبائث عندهم، قال الله عزَّ وجلَّ: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الآية. الرسالة: باب (العلل في الأحاديث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأما ما تركتم أنكم لم تعدوه من الطيبات، فلم يُحرّم عليكم مما كنتم تستحلون إلا ما سمى الله، ودلَّت السنة على أنه حَرَّم عليكم منه ما كنتم تحرمون، لقول الله: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) الرسالة: بيان فرض الله في كتابه باتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وضع اللَّه رسوله من دينه وفرضه وكتابه، الموضع الذي أبان جل ثناؤه أنه جعله علماً لدينه، بما افترض من طاعته، وحَرَّم من

قال الله عز وجل: (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم

معصيته، وأبان من فضيلته، بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به، فقال تبارك وتعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) الآية. قلت: وقع الاستدلال بالآية السابقة من الإمام الشَّافِعِي رحمه اللَّه هفوة. فالآية هنا وردت تفيد الإيمان بالله ورسله كافة، بينما المقصود قَرْنُ الإيمان باللَّه مع الإيمان برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد جاءت آيات كثيرة تفيد المطلوب، منها قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . وهذه الآية هي التي تناسب الاستدلال بها هنا - واللَّه أعلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) الأم: باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) الآية. دلَّ على أن العادين فيه أهلها دونها.

قال الله عز وجل: (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون (164)

الرسالة: باب (الصنف الذي يُبين سياقُهُ معناه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) إلى آخر الآية، فابتدأ جل ثناؤه ذكر الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر، فلما قال: (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) الآية، دل على أنه إنما أراد أهل القرية؛ لأن القرية لا تكون عادية، ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره، وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) قال الله عزَّ وجلَّ: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ في كتاب (المستدرك) ، أخبرنا أبو العباس محمد ابن يعقوب، أخبرنا الربيع بن سليمان. أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني يحيى بن سُليم، أخبرنا ابن جُريج، عن عِكرمة، قال: دخلت على ابن عباس رضي اللَّه عنهما وهو يقرأ في المصحف -

قبل أن يذهب بصره - وهو يبكي؛ فقلت ما يبكيك يا أبا عباس؟ جعلني الله فداك. فقال: هل تعرف (أيلَةَ) ؟ قلت: وما (أيلة) ؟ قال: قرية كان بها ناس من اليهود، فحرّم اللَّه عليهم الحيتان يوم السبت، فكانت حيتانهم تأتيهم يوم سبتهم شرعاً - بيض سِمان: كأمثال المخاض، بأفنياتهم وأبنياتهم، فإذا كان في غير يوم السبت لم يجدوها، ولم يدركوها إلا في مشقة ومؤنة شديدة، فقال بعضهم - أو من قال ذلك منهم -، لعلنا لو أخذناها يوم السبت، وأكلناها في غير يوم السبت، ففعل ذلك أهل بيت منهم: فأخذوا فشووا، فوجد جيرانهم ريح الشوي، فقالوا: واللَّه ما نرى إلا أصاب بني فلان شيء، فأخذها آخرون، حتى فشا ذلك فيهم فكثر، فافترقوا فرقاً ثلائاً: فرقة: مملت. وفرقة: نهت. وفرقة قالت: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) الآية. فقالت الفرقة التي نهت: إنا نحذركم غضب الله وعقابه، أن يصيببهم اللَّه بخسف، أو قذف، أو ببعض ما عنده من العذاب، والله لا نباَيتُكم في مكان، وأنتم فيه. قال: فخرجوا من البيوت فغدوا عليهم من الغد، فضربوا باب البيوت، فلم يجبهم أحد، فأتوا بسُلَّم، فأسندوه إلى البيوت، ثم رقى منهم راق على السور، فقال: يا عباد الله قردة، والله لها أذناب، تعاوى ثلاث مرات، ثم نزل من السور ففتح البيوت، فدخل الناس عليهم، فعرفت القرود أنسابها من الإنس، ولم يعرف الإنس أنسابها من القرود. قال: فيأتي القرد إلى نسيبه وقريبه من الإنس، فيحتك

قال الله عز وجل: (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى)

به، ويلصق، ويقول الإنسان: أنت فلان؛ فيشير برأسه، أي: نعم، ويبكي. وتأتي القردة إلى نسيبها وقريبها من الإنس، فيقول لها الإنسان: أنت فلانة؟ فتشير برأسها، أي: نعم، وتبكي، فيقول لها الإنسان انا حذرناكم غضب اللَّه وعقابه، أن يصيبكم بخسف، أو مسخ، أو ببعض ما عنده من العذاب. قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: واسمَع، اللَّه - عز وجل - يقول: فـ (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) الآية. فلا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فكم قد رأينا من منكر، لم ننه عنه! قال عكرمة: ألا ترى (جعلني الله فداك) أنهم أنكروا وكرهوا، حين قالوا: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) ؟! الآية، فأعجبه قولي ذلك، وأمر لي ببردين غليظين، فكسانيهما. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) الزاهر باب في (الردة والكفر وألفاظهما) : قال الشَّافِعِي رحمه الله - في المخنصر -: (ولا يُسبى للمرتدين ذرِّية) يعني: صغار أولادهم، واختلف أهل اللغة في تسميتهم (ذرية) ، فقال بعضهم: أصلها:

قال الله عز وجل: (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (182)

ذرمِية - بالميم - فترك فيها الميم. أصلها: فُعْلِية من الذَّر؛ لأن اللَّه تعالى أخرج الخلق من صلب آدم كالذر: (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) الآية. وقال بعض النحويين (ذُرِّيَّة) كان في الأصل: ذرُّوْرَه على وزن فُعلوله. ولكن التصنيف لما كثر أبدلوا من الراء الأخيرة ياء فصارت ذروية، ثم أدغمت الواو في الياء فصارت (ذُرِّيَّة) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) الأم: الخلاف (أي: في توزيع الفيء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا من أهل العلم أنه: لما قُدِمَ على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بما أصيب بالعراق، قال له صاحب بيت المال: ألا أدخله بيت المال؟ قال: لا وربِّ الكعبة لا يُؤوى تحت سقف بيت حتى أقسمه، فأمر به فوضع في المسجد، ووضعت عليه الأنطاع، وحرسه رجال المهاجرين والأنصار، فلما أصبح غدا مع العباس بن عبد الطلب، وعبد الرحمن بن عوف، أخذ بيد أحدهما، أو أحدهما أخذ بيده، فلما رأوه كشطوا الأنطاع عن الأموال، فرأى منظراً لم يُرَ مثله، رأى الذهب فيه، والياقوت، والزبرجد، واللؤلؤ يتلألاً، فبكى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال له أحدهما: واللَّه ما هو بيوم بكاء، ولكنه يوم شكر

وسرور. فقال: إني والله ما ذهبتُ حيث ذهبتَ، ولكنه واللَّه ما كثر هذا في قوم قط إلا وقع بأسهم بينهم، ثم أقبل على القبلة ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إني أعوذ بك أن كون مستدرجاً، فإني أسمعك تقول: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) الآية. ثم قال: أين سراقة بن جعشم؛ فأوتي به أشعر الذراعين دقيقهما، فأعطاه سواري كسرى فقال: البسهما، ففعل، فقال - قل -: الله أكبر، فقال: اللَّه أكبر، ثم قال: قل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابي من بنى مُدلج، وجعل يقلب بعض ذلك بعصا، ثم قال: إن الذي أدى هذا لأمين، فقال له رجل: أنا أخبرك، أنت أمين الله، وهم يؤدون إليك ما أديت إلى الله - عزَّ وجلَّ، فإذا رتعت رتعوا قال: صدقت، ثم فرَّقه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: "وإنما ألبسهما سراقة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه: "كأني بك وقد لبست سواري كسرى" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يجعل له إلا سوارين. الزاهر باب (الغنيمة والفيء) : فائدة: قال الأزهري رحمه اللَّه: ولما حُمِل إلى عمر - رضي الله عنه - كنوز كسرى، فنظر إليهم فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجاً فإني أسمعك تقول:

قال الله عز وجل: (وجعل منها زوجها ليسكن إليها)

(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) الآية، قيل في تفسير قوله تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) أي: سنأخذهم قليلاً قليلاً ولا نباغتهم. وأصله - من دَرج الغلام يَدْرُج: إذا مشى قليلاً قليلاً أول ما يمشي. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأم: ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والرجل يدخل في بعض أمره في معنى الأيامى. الذين على الأولياء أن ينكحوهن؛ إذا كان مولى بالغاً يحتاج إلى النكاح، ويقدر بالمال، فعلى وليه إنكاحه، فلو كانت الآية، والسنة في المرأة خاصة، لزم ذلك عندي الرجل؛ لأن معنى الذي أريد به نكاح المرأة العفاف لما خُلق فيها من الشهوة، وخوف الفتنة، وذلك في الرجل، مذكور في الكتاب لقول اللَّه - عز وجل -: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا كان الرجل ولي نفسه والمرأة، أحببتُ لكل واحد منهما النكاح، إذا كان ممن تتوق نفسه إليه؛ لأن اللَّه - عز وجل - أمر به، ورضيه، وندب إليه، وجعل فيه أسباب منافع، قال: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الآية. الأم (أيضاً) : ما يجوز للأسير في ماله إذا أراد الوصية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال القاسم بن محمد، وابن المسيب: عطية الحامل جائزة.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما وصفت مِن قول مَن سميت وغيرهم من أهل المدينة، وقد رُوي عن ابن أبي ذئب أنه قال: عطية الحامل من الثلث، وعطية الأسير من الثلث، ورُوي ذلك عن الزهري رحمه اللَّه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس يجوز إلا واحد من هذين القولين - واللَّه تعالى أعلم - ثم قال: في الحُبلى عطيتها جائزة حتى تتم ستة أشهر، وتأول قول الله - عز وجل -: (حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) الآية، وليس في قول الله - عز وجل -: (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) دلالة على المرض، ولو كانت فيه دلالة على مرض يُغير الحكمُ، قد يكون مرضاً غير ثقيل، وثقيلاً، وحكمه: في أن لا يجوز له في ماله إلا الثلث سواء، ولو كان ذلك فيه، كان الإثقال يحتمل أن يكون حضور الوِلاَد حين تجلس بين القوابل؛ لأن ذلك الوقت الذي يخشيان فيه قضاء اللَّه - عز وجل -، ويسألانه أن يأتيهما صالحاً. فإن قال: قد يدعوان اللَّه قبلُ؟ قيل: نعم مع أول الحمل، ووسطه، وآخره، وقبله، والحُبلَى في أول حملها أشبه بالمريض منها بعد ستة أشهر؛ للتغير، والكسل، والنوم، والضعف، وَلَهيِ في شهرها أخف منها في شهر البدء من حملها، وما في هذا إلا أن الحَبَل سرور ليس بمرض حتى تحضر الحال المخوفة للوِلاَد، أو يكون تغيرها بالحبل مرضاً كله، من أوله إلى آخره، فيكون ما قال ابن أبي ذئب، فأما غير هذا لا يجوز - واللَّه تعالى أعلم - لأحدٍ أن يتوهمه.

قال الله عز وجل: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (204)

الأم (أيضاً) : ما يجوزللأسير في ماله وما لا يحوز: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا وجه لقول من قال: تجوز عطية الحامل حتى تستكمل ستة أشهر، ثم تكون كالمريض في عطيتها بعد الستة عندي، ولا لما تأول من قول اللَّه - عز وجل -: (حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا) الآية. وليس في هذا دلالة على حد الإثقال متى هو؟ أهو التاسع أو الثامن أو السابع أو السادس أو الخامس أو الرابع أو الثالث حتى يتبين؛ ومن ادعى هذا بوقت لم يجز له إلا بخبر، ولا يجوز أن يكون الإثقال المخوف إلا حين تجلس بين القوابل. .. وما أعلم الحامل بعد الشهر الأول إلا أثقل وأسوأ حالاً، وكثر قيئاً. وامتناعاً عن الطعام، وأشبه بالمريض منها بعد ستة أشهر، وكيف تجوز عطيتها في الوقت الذي هي فيه أقرب من المرض، وترد عطيتها في الوقت الذي هي فيه أقرب إلى الصحة؟ فإن قال: هذا وقت يكون فيه الولد تاماً، لو خرج فخروجه تاماً أشبه لسلامة أمه من خروجه لو خرج سِقْطاً، والحكم إنما هو لأمه ليس له - واللَّه أعلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشيخ رحمه الله: قرأت في كتاب القديم (رواية الزعفراني عن الشَّافِعِي) في قوله - عز وجل -: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) الآية. فهذا عندنا: على القراءة التي تسمع خاصة؛ فكيف يُنصت لما لا يسمع؟! .

وهذا: قول كان يذهب إليه، ثم يرجع عنه في آخر عمره، وقال: (يقراً بفاتحة الكتاب، في نفسه، في سكتة الإمام) . قال أصحابنا: ليكون جامعاً - بين الاستماع، وبين قراءة الفاتحة - بالسنة، وإن قرأ مع الإمام، ولم يرفع بها صوته، لم تمنعه قراءته في نفسه، من الاستماع لقراءة إمامه، فإنما أمِرنا بالإنصات عن الكلام، وما لا يجوز في الصلاة. وهو مذكور بدلائله، في غير هذا الموضع.

سورة الأنفال

سورة الأنفال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) الأم: كتاب (سير الأوزاعي) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال محمد بن إسحاق: سئل عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن الأنفال، فقال: فينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أنزلت (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ) انتزعه اللَّه منا حين اختلفنا، وساءت أخلاقنا، فجعله اللَّه - عز وجل - إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - يجعله حيث شاء. قال أبو يوسف رحمه اللَّه تعالى: وذلك عندنا، لأنهم لم يحرزوه ويخرجوه إلى دار الإسلام. روى الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مِقسَمٍ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقسم غنائم بدر إلا بعد مقدمه المدينة، والدليل على ذلك أنه ضرب لعثمان وطلحة في ذلك بسهم سهم، فقالا: وأجرنا، فقال: وأجركما"، ولم يشهدا وقعة بدر، الحديث.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: غنم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم بدر بسَيَر (شعب من شعاب الصفراء قريب من بدر) ، وكانت غنائم بدر كما يروي عبادة بن الصامت غنمها المسلمون قبل أن تنزل الآية في سورة الأنفال، فلما تشاحوا عليها، انتزعها اللَّه من أيديهم بقوله - عز وجل - (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) الآية، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها خالصة، وقسَّمها بينهم، وأدخل معهم ثمانية نفر لم يشهدوا الوقعة من المهاجرين والأنصار بالمدينة المنورة، وإنَّما أعطاهم من ماله. الأم (أيضاً) : سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قيل أعطاهم من سهمه، كسهمان مَن شَهِد. فأما الرواية المتظاهرة عندنا: فكما وصفت، قال الله عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) الآية. فكانت غنائم بدر لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث شاء.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (15)

الأم (أيضاً) : وطئ السبايا بالمِفك: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأما ما ذكِر من أمر بدر فإنما كانت الأنفال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال اللَّه - عز وجل -: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) الآية. فردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) الأم: تحريم الفرار من الزحف: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) فإذا غزا المسلمون، أو غُزُوا فتهيؤوا للقتال، فلقوا ضِعفَهم من العدو، حَرُم عليهم أن يولوا عنهم إلا متحرفين - لقتال أو متحيزين - إلى فئة، فإن كان المشركون أكثر من ضعفهم، لم أحِبَّ لهم أن يولوا عنهم، ولا يستوجب السخط عندي من اللَّه عز وعلا، لو ولَّوا عنهم إلى غير التحرف لقتال، أو التحيز لفئة؛ لأنَّا بيَّنَّا: أن اللَّه جل ثناؤه

إنما يوجب سخطه على من ترك فرضه؛ وأن فرض الله في الجهاد إنما هو على: أن يجاهد المسلمون ضِعفهم من العدو. الأم (أيضاً) : الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) . أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا كما قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما. ومستغن بالتنزيل - فيه - عن التأويل. أحكام القرآن: فصل (فيما لا يجب عليه الجهاد) : روى الشَّافِعِي رحمه الله بإسناد آخر عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: من فرَّ من ثلاثة: فلم يفرَّ، ومن فرَّ من اثنين: فقد فرَّ" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) . وقال تعالى: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) الآيتان.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون (20)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا فرَّ الواحد من اثنين فأقل متحرفاً لقتال يميناً، وشمالاً، ومدبراً، ونيته العودة للقتال، أو متحيزاً إلى فئة (من المسلمين) . قَلَّت أو كَثرت، كانت بحضرته أو مَبينةً عنه فسواء؛ إنما يصير الأمر في ذلك إلى نية المتحرف، أو المتحيز، فإن كان اللَّه - عز وجل - يعلم أنه إنما تحرَّف ليعود للقتال، أو تحيز لذلك، فهو الذي استثنى اللَّه - عز وجل -، فأخرجه من سَخَطِه في التحرُّف والتَّحيز. وإن كان لغير هذا المعنى: فقد خِفتُ عليه أن يكون قد باء بسَخَطٍ من اللَّه. إلا أن يعفو اللَّه عنه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) الرسالة: باب (بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأن اللَّه افترض طاعة رسوله، وحتَّم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقولٍ: فرض إلا لكتاب اللَّه ثم سُنة رسوله. قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الآية.

قال الله عز وجل: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين (38)

قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) الأم: صلاة المرتد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا ارتد الرجل عن الإسلام، ثم أسلم، كان عليه قضاء كل صلاة تركها في ردته، وكل زكاة وجبت عليه فيها، فإن غلب على عقله في ردته - لمرض أو غيره -، قضى الصلاة في أيام غلبته على عقله، كما يقضيها في أيام عقله. فإن قيل: فلِمَ لَمْ تجعله قياساً على المشرك يسلم، فلا تأمره بإعادة الصلاة؟ قيل: فرق اللَّه - عز وجل بينهما فقال: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الآية، وأسلم رجال فلم يأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضاء صلاة، ومَن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على المشركين، وحرّم اللَّه دماء أهل الكتاب، ومنع أموالهم بإعطاء الجزية، ولم يكن المرتد في هذه المعاني، بل أحبط اللَّه عمله بالردة. الأم (أيضاً) : ما قتل أهل دار الحرب من المسلمين فأصابوا من أموالهم: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يتبع أهل دار الحرب من المشركين بغرم مال ولا غيره، إلا ما وصفت من أن يوجد عند أحد منهم مال رجل بعينه فيؤخذ منه. فإن قال قائل: ما دلَّ على ما وصفت؟ قيل: قد قال اللَّه - عز وجل ْ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الآية، وما قد سلف: تقضَّى

قال الله عز وجل: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير (39)

وذهب، ودلت السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يطرح عنهم ما بينهم وبين اللَّه عز ذكره والعباد، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان يجبُّ ما كان قبله" الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الأم (أيضاً) : الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وفرض الله عليه جهادهم، فقال: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) الآية. فقيل: فيه فتنة: شرك، ويكون الدين كله واحداً لله. الأم (أيضاً) : (الأمان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقال اللَّه - عز وجل - في غير أهل الكتاب: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية. فحقن اللَّه دماء من لم يدن دين أهل الكتاب من المشركين بالإيمان لا غيره، وحقن دماء من دان دين

أهل الكتاب بالإيمان، أو إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون، والصغار: أن يجري عليهم الحكم (أي: دفع الجزية) لا أعرف منهم خارجاً من هذا من الرجال. الأم (أيضاً) : باب (المرتد الكبير) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية. وحكم اللَّه - عز وجل - في قتل من لم يسلم من المشركين، وما أباح جل ثناؤه من أموالهم،. . . وأن من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن ظفر به من رجال المشركين لأنه قتل بعضهم، ومَن على بعضهم، وفادى ببعض، وأخذ الفدية من بعض، فلم يختلف المسلمون أنه: لا يحل أن يفادى بمرتد بعد إيمانه، ولا يمن عليه، ولا تؤخذ منه فدية، ولا يترك بحال حتى يسلم أو يقتل - واللَّه أعلم -. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأباح اللَّه دماء أهل الكفر من خلقه، فقال: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية. فجعل حينئذ دماء المشركين مباحة وقتالهم حتماً وفرضاً عليهم، إن لم يظهروا الإيمان.

اختلاف الحديث: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية. فكان ظاهر مخرج هذا عاماً على كل مشرك. فأنزل اللَّه: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) . فدلَّ أمر اللَّه جل ثناؤه بقتال المشركين من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية على أنه: إنما أراد بالآيتين اللتين أمر فيهما بقتال المشركين حيث وُجدوا حتى يقيموا الصلاة، وأن يُقاتلوا حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله للهِ، مَن خالف أهل الكتاب مِن المشركين، وكذلك دلت سُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتال أهل الأوثان حتى يسلموا، وقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، فهذا من العام الذي دلَّ اللَّه على أنه إنما أراد به الخاص، لا أن واحدة من الآيتين ناسخة للأخرى، لأن لإعمالهما معاً وجهاً، بأن كان كل أهل الشرك صنفين: صنف أهل الكتاب، وصنف غير أهل الكتاب. ولهذا في القرآن نظائر، وفي السنن مثل هذا. اختلاف الحديث: باب (المجمل والمفسَّر) : حدثنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) الآية. وقال الله عز ثناؤه: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية.

أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة. عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أزال أقائل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بحقها، وحسابهم على الله" الحديث. حدثنا الربيع: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا الثقة، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد الله، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن عمر قال لأبي بكر فيمن منع الصدقة؛ أليس قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بحقها، وحسابهم على الله " الحديث. فقال أبو بكر: هذا من حقها يعني: منعهم الصدقة. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) الآية. فكان ظاهر مخرج هذا عامًّا على كلّ مشرك. أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمرُ اللَّه تعالى بقتال المشركين حتى يؤمنوا - والله أعلم - أمْرُه بقتال المشركين: من أهل الأوثان. وكذلك حديث أبي هريرة - في المشركين من أهل الأوثان - دون أهل الكتاب. وفَرْضُ اللَّه: قتال أهل

قال الله عز وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا

الكتاب (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية. إن لم يؤمنوا. وكذلك حديث بريدة - في أهل الأوثان خاصة -. فالفرض فيمن دان وآباؤه دين أهل الأوثان - من المشركين -: أن يقاتلُوا - إذا قُدِرَ عليهم - حتى يسلموا، ولا يحل أن يقبل منهم جزية، بكتاب الله وسنة رسوله. والفرض في أهل الكتاب، ومن دان قبل نزول القرآن - كله - دينهم: أن يقاتلوا حتى يُعطوا الجزية، أو يسلموا، وسواء كانوا عرباً أو عجماً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) الأم: الاختلاف - (في توزيع الفيء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قسم اللَّه - عز وجل - الفيء فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية. وسنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أربعة أخماسه لمن أوجف على الغنيمة، للفارس من ذلك ثلاثة أسهم، وللراجل سهم، فلم نعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضل الفارس ذاْ الغناء العظيم على الفارس الذي ليس

مثله، ولم نعلم المسلمين إلا سووا بين الفارسين، حتى قالوا: لو كان فارس أعظم الناس غناء، وآخر جبان سووا بينهما، وكذلك قالوا في الرَّجَّالة. الأم (أيضاً) : جماع سنن قَسْمِ الغنيمة والفيء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية. وقال اللَّه تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) وقال تعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالغنيمة والفيء يجتمعان في أن فيهما معاً الخمس من جميعهما لمن سماه اللَّه تعالى له، ومن سماه اللَّه - عز وجل - له - في الآيتين معاً - سواء مجتمعين غير متفرقين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم يتعرف الحكم في الأربعة الأخماس، بما بيَّن الله - عز وجل - على لسان نبيه، وفي فعله، فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة. والغنيمة: هي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غني وفقير. والفيء: وهو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب. فكانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قرى عُرَينَة - التي أفاءها اللَّه عليه - أن أربعة أخماسها لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خاصة، دون المسلمين، يضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث أراه اللَّه - عز وجل -.

الأم (أيضاً) : الأنفال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلنا قد يحتمل أن يكون قول اللَّه تعالى: (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية، على أكثر الغنيمة لا على كلها، فيكون السلَب مما لم يرد من الغنيمة، وصفي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما غنم مأكولاً فأكله من غُنمِه، ويكون هذا بدلالة السنة، وما بقي تحتمله الآية، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى السلَب من قتل، لم يجز عندي - واللَّه أعلم - أن يخمس ويقسم، إذا كان اسم السلب يكون كئيراً وقليلاً، ولم يستثن النبي - صلى الله عليه وسلم - قليل السلب ولا كثيره، أن يقول يعطى القليل من السلب دون الكثير، ونقول دلَّت السنة أنه إنما أراد بما يخمس ما سوى السلَب من الغنيمة. الأم (أيضاً) : سنَّ تفريق القسم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك اسمه: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مُطرِّف، عن مَعْمَر، عن الزهري، أن محمد ابن جبير بن مطعم، أخبره عن أبيه قال: لما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب، أتيته أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول اللَّه، هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ينكر فضلهم، لمكانك الذي وضعك اللَّه به منهم، أرأيت إخواننا، من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا - أو منعتنا - وإنَّما قرابتنا وقرابتهم واحدة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما بنو هاشم وينو المطلب شيء واحد هكذا. وشبَّك بين أصابعه" الحديث.

أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا - أحسبه - داود العطار، عن ابن المبارك، عن يونس، عن ابن شهاب الأزهري، عن ابن المسيب، عن جبير بن مطعم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل معناه قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا عن الزهري، عن ابن المسيب، جبير بن مطعم قال: "قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم ذي القربى بين بنى هاشم وبني المطلب، ولم يعط منه أحداً من بني عبد شمس، ولا بنى نوفل شيئاً" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت قول الله عزَّ وجلَّ: (وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) فهل تراه أعطاهم بغير اسم القرابة؛ قال: لا، وقد يحتمل أن يكون أعطاهم باسم القرابة ومعنى الحاجة. قلت: فإن وجدتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى من ذوي القربى غنياً لا دين عليه ولا حاجة به؛ بل يعول عامة أهل بيته، ويتفضل على غيره لكثرة ماله، وما من الله - عز وجل - به عليه من سعة خلقه، قال إذاً يبطل المعنى الذي ذهبتُ إليه، قلت: فقد أعطى أبا الفضل العباس بن عبد الطلب وهو كما وصفت في كثرة المال، يعول عامة بني المطلب، ويتفضل على غيرهم. قال: فليس لما قلت من أن يعطوا على الحاجة معنى، إذا أعْطَيه الغني. وقلت له: أرأيت لو عارضك معارض أيضاً. فقال: قال الله - عزَّ وجلَّ في الغنيمة: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية. فاستدللنا: أن الأربعة الأخماس لغير أهل الخمس، فوجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها من حضر القتال.

فلو غزا قوم فغنموا غنائم كثيرة أعطيناهم بقَدرِ ما كانوا يأخذون في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ليس ذلك له، قد علم الله أن يستغنموا القليل والكثير، فإذا بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لهم أربعة أخماس فسواء قلَّت أو كثرت، أو قلوا أو كثروا، أو استغنوا أو افتقروا. قلتُ: فلم لا تقول هذا في سهم ذي القربى؟!. الأم (أيضاً) : الخمس فيما لم يوجف عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال لي قائل: قد احتججتَ بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى سهم ذي القربى، عام خيبر ذوي القربى، وخيبر مما أوجف عليه، فكيف زعمت أن الخمس لهم مما لم يوجف عليه؟ فقلت له: وجدت المالين أخذا من المشركين. وخولهما بعض أهل دين اللَّه - عز وجل -، ووجدتُ الله تبارك وتعالى اسمه، حكم في خمس الغنيمة بأنه على خمسة؛ لأن قول الله تبارك وتعالى: (لِلَّهِ) الآية، مفتاح كلام كل شيء، وله الأمر من قبل ومن بعد، فأنفذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذوي القربى حقهم، فلا يُشك أنه قد أنفذ لليتامى، والمساكين، وابن السبيل حقهم، وأنه قد انتهى إلى كل ما أمره الله - عزَّ وجلَّ به. قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: قلت: لما احتمل قول عمر أن يكون الكل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن تكون الأربعة الأخماس التي كانت تكون للمسلمين، فيما أوجف عليه لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - دون الخمس، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم فيها مقام المسلمين، استدللنا بقول الله - عزَّ وجلَّ في الحشر: (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) على أن لهم الخمس، وأن الخمس إذا كان لهم، ولا يشك أن

النبي - صلى الله عليه وسلم - سلمه لهم، فاستدللنا: إذا كان حكم الله - عزَّ وجلَّ في الأنفال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية، فاتفق الحكمان في سورة الحشر، وسورة الأنفال لقوم موصوفين، وإنَّما لهم من ذلك الخمس لا غيره. الأم (أيضاً) : بلاد العنوة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكل ما وصفت أنه يجب قَسمُه، فإن تركه الإمام، ولم يقسمه، فَوَقَفَه المسلمون، أو تركه لأهله، ردَّ حكم الإمام فيه؛ لأنه مخالف للكتاب ثم السنة معاً، فإن قيل: فأين ذكر ذلك في الكتاب؟ قيل: قال اللَّه - عز وجل -: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية، وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأربعة الأخماس على من أوجف عليه بالخيل والركاب، من كل ما أوجف عليه من أرض أو عمارة أو مال، وإن تركها لأهلها، أتبع أهلها بجميع ما كان في أيديهم من غلتها، فاستُخرج من أيديهم، وجعل لهم أجر مثلهم، فيما قاموا عليه فيها، وكان لأهلها أن يتبعوا الإمام بكل ما فات فيها، لأنها أموالهم أفاتها. الأم (أيضاً) : كتاب (سير الأوزاعي) : قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: وإنما نزلت: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية، بعد غنيمة بدر، ولم يُعلم - أن - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لخلق

لم يشهدوا الوقعة بعد نزول الآية، ومن أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المؤلفة وغيرهم. فإنما من ماله أعطاهم، لا من شيء من أربعة الأخماس، وأما ما احتج به من وقعة عبد الله بن جحش، وابن الحضرمي، فذلك قبل بدر، وقبل نزول الآية. الأم (أيضاً) : سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنما نزلت: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) الآية. بعد بدر على ما وصفتُ لك، يُرفع خمسها، وُيقسم أربعة أخماسها واقرأ على من حضر الحرب من المسلمين. إلا السلَب: فإنه سُن أنه للقاتل في الإقبال، فكان السلب خارجاً منه. وإلا الصِّفِيَ: فإنه قد اختلف فيه، فقيل: كان يأخذه - صلى الله عليه وسلم - من سهمه من الخمس. وإلا البالغين من السبي: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سَنَّ فيهم سنناً، ففتل بعضهم. - وفادى بعضهم، ومَنَّ على بعضهم -، وفادى ببعضهم أسرى المسلمين. فالإمام في البالغين من السبي مخير فيما حكيتُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سَنَّه فيهم، فإن أخذ

من أحد منهم فدية، فسبيلها سبيل الغنيمة، وإن استرقَّ منهم أحداً، فسبيل المرقوق سبيل الغنيمة، وإن فادى بهم بقتل أو فادى بهم أسيراً مسلماً، فقد خرجوا من الغنيمة، وذلك كله كما وصفتُ. الأم (أيضاً) : وطء السبابا بالمِلك: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم نزل جمليه منصرفه من بدر: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية، فجعل الله له ولمن سَمِّي معه الخمس، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن أوجف الأربعة الأخماس بالحضور، للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم. مختصرالمزني: مختصرمن كتاب (قسم الفيء وقسم الغنائم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أصل ما يقوم به الولاة من جمل المال ثلاثة وجوه: أحدها: ما أخِذ من مال مسلم تطهيراً له، فذلك لأهل الصدقات، لا لأهل الفيء. والوجهان الآخران: ما أخِذ من مال مشرك، كلاهما مبين في كتاب الله تعالى، وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله. فأحدهما: الغنيمة، قال الله تبارك وتعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) . والوجه الثاني: هو الفيء، قال الله تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) .

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالغنيمة والفيء يجتمعان في أن فيهما معاً الخمس من جميعهما لمن سماه اللَّه تعالى له في الآيتين معاً سواء. .. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: آل محمد - صلى الله عليه وسلم -: الذين حرم اللَّه عليهم الصدقة، وعوضهم منها الخمس، وقال اللَّه - عز وجل -: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) فكانت هذه الآية في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الصدقة لا تحلُّ لمحمدٍ، ولا لآل محمدٍ" الحديث. وكان الدليل عليه: أن لا يوجد أمر يقطع العنت، وُيلزم أهل العلم - واللَّه أعلم - إلا الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما فرض اللَّه على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يؤتي ذا القربى حقه، وأعلمه: أن لله خمسه وللرسول ولذي القربى، فأعطى سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب. دلَّ ذلك على أن الذين أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخمس هم: آل محمد الذين أمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليهم معه، والذين اصطفاهم من خلقه، بعد نبيه - صلى الله عليه وسلم. آداب الشَّافِعِي: ما في الزكاة والسيَر: وقال يونس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن غنائم بدر لم ثخَمَّس ألبَتَّة، وإنما نزلت آية الخُمس بعد رجوعهم من بدر، وقَسْم الغنائم.

قال الله عز وجل: (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين (58)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) الأم: جماع نقض العهد بلا خيانة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: نزلت في أهل هدنة، بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم شيء، استدلَّ به على خيانتهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا جاءت دلالة على إن لم يوف أهل هدنة بجميع ما هادنهم عليه فله أن ينبذ إليهم؛ ومن قلت له أن ينبذ إليه، فعليه أن يُلحقه بمأمنه، ثم له أن يحاربه، من لا هُدنة له. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال الإمام: أخاف خيانة قوم، ولا دلالة له على خيانتهم من خبر، ولا عيان فليس له - واللَّه تعالى أعلم - نقض مدتهم إذا كانت صحيحة. الأم (أيضاً) : نقض العهد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن علم الإمام غير ما قال - الموادَع -، نبذ إليه. وردَّه إلى مأمنه، ثم قاتله، وسبى ذريته، وغنم ماله إن لم يُسلم، أو يعط الجزية -

إن كان من أهلها - فإن لم يعلم غير قوله، وظهر منه ما يدلُّ على خيانته. وختره (1) ، أو خَوفِ ذلك منه، نبذ إليه الإمام، وألحقه كامنه، ثم قانله، لقول اللَّه - عز وجل -: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: نزلت - واللَّه تعالى أعلم - في قوم أهل مهادنة، لا أهل جزية، وسواء ما وصفت فيمن تؤخذ منه الجزية أو لا تؤخذ، إلا أن من لا تؤخذ منه الجزية إذا عرض الجزية، لم يكن للإمام أخذها منه على الأبد. وأخذها منه إلى مدة. الأم (أيضاً) : ما أحدث أهل الذمة الموادعون مما لا يكون نقضاً: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن صنع بعض ما وصفتُ، من هذا أو ما في معناه موادعَ إلى مدة، نبذ إليه، فإذا بلغ مامنه، قوتل إلا أن يُسلم، أو يكون ممن تقبل منه الجزية فيعطيها، لقول اللَّه - عز وجل -: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) الآية. مختصر المزنى: باب (نقض العهد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشاً عام الفتح، بغدر ثلاثة نفر منهم، وتركهم معونة خزاعة، وإيوائهم من قاتلها.

_ (1) الخَترُ: الغدر والخديعة، أو أقبح الغدر، انظر الفاموس المحيط، ص / 489، والمعجم الوسيط ص / 217) .

قال الله عز وجل: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومتى ظهر من مهادنين ما يدل على خيانتهم نبذ إليهم عهدهم، وأبلغهم مأمنهم، ثم هم حربٌ، قال اللَّه تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) الأم: كيف تفريق القَسْم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن الله - عزَّ وجلَّ ندب إلى اتخاذ الخيل فقال: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) الآية. فأطاع في الرباط، وكانت عليهم مؤنة في اتخاذه، وله غناء بشهوده عليه، ليس الراجل شبيهاً به. أخبرنا الثقة، عن إسحاق الأزرق، عن عبد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب للفرس بسهمين، وللفارس بسهم، فزعم بعض الناس أنه لا يُعطى فرس إلا سهماً، وفارس سهماً، ولا يُفَضل فرس على مسلم. فقلت لبعض من يذهب مذهبه: هو كلام عربي، وإنما يعطى الفارس بسبب القوة والغناء مع السنة، والفرس لا يملك شيئاً، إنما يملكه فارسه، ولا يقال: لا يفضل فرس على مسلم، والفرس بهيمة لا يقاس بمسلم، ولو كان هذا كما قال صاحبك، لم يجز أن يسوى بين فرس ومسلم، وفي قوله وجهان:

أحدهما: خلاف السنة. والآخر: قياسه الفرس بالمسلم، وهو لو كان قياساً له دخل عليه أن يكون قد سوَّى فرساً بمسلم، وقال بعض أصحابه: بقولنا في: سهمان الخيل. وقال: هذه السنة التي لا ينبغي خلافها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحبُّ الأقاويل إليَّ، وأكثر قول أصحابنا أن البراذين والمقاريف يسهم لها سهمان العربية؛ ولأنها قد تغني غناءها في كئير من المواطن، واسم الخيل جامع لها. الأم (أيضاً) : كتاب (السبق والنضال) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى، فيما ندب إليه أهل دينه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) الآية. فزعم أهل العلم بالتفسير أن القوة: هي الرمي، وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن نافع) ابن أبي نافع، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( "لا سبق إلا في نصلٍ أو حافرٍ أو خفٍّ" الحديث. وأخبرنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التى قد أضمرت" الحديث. الأم (أيضاً) : سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ندب اللَّه - عز وجل - إلى اتخاذ الخيل فقال جل وعز: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) الآية، فإذا أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما وصفنا، فإنما سهما الفرس لراكبه لا للفرس، والفرس لا يملك شيئاً، إنما يملكه فارسه بعنائه، والمؤنة عليه فيه، وما ملَّكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تبارك وتعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) الآية، وإنَّما كره المسلمون أن يحرقوا النخل والشجر؛ لأن الصائفة كانت تغزو كل عام، فيتقوون بذلك على عدوهم، ولو حرقوا ذلك، خافوا أن لا تحملهم البلاد، والذي في تخريب ذلك من خزي العدو ونكايتهم أنفع للمسلمين، وأبلغ ما يتقوى به الجند في القتال.

قال الله عز وجل: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين)

حدثنا بعض مشايخنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه حين حاصر الطائف، أمر بِكَرْمٍ لبني الأسود ابني مسعود أن يقطع، حتى طلب بنو الأسود إلى أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يطلبوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذها لنفسه، ولا يقلعها، فكفَّ عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) وقال الله عزَّ وجلَّ: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) الأم: تحريم الفرارمن الزحف: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) الآية. وقال عزَّ وجلَّ: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) الآية. أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: لا نزلت (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) الآية، فكُتِبَ

عليهم ألا يفر العشرون من المائين، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) الآية. فخُففَ عنهم، وكُتِب عليهم ألا يفرَّ مائة من المائتين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا كما قال ابن عباس - إن شاء اللَّه تعالى - مستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل. الأم (أيضاً) : من لا يجب عليه الجهاد: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وقد قال - الله - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) الآية، فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث؛ لأن الإناث: المؤمنات. الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دلَّ الكتاب ثم السنة على من تزول عنه بالعذر..) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ) إلى أخر الآية، ثم أبان في كتابه أنه: وَضَعَ عنهم أن يقوم الواحد بقتال العشرة، وأثبت عليهم أن يقوم الواحد بقتال الاثنين، فقال: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا) إلى آخر الآية. ثم ذكر ما ورد في الأم (تحريم الفرار من الزحف) حرفياً -.

قال الله عز وجل: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الأم: الرد في المواويث: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن كانت له فريضة في كتاب الله - عزَّ وجلَّ، أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو ما جاء عن السلف، انتهينا به إلى فريضته، فإن فَضُل من المال شيء لم نرده عليه، وذلك أن علينا شيئين: أحدهما: أن لا نُنقصه مما جعله اللَّه تعالى له. والآخر: أن لا نزيده عليه، والانتهاء إلى حكم اللَّه - عز وجل - هكذا قال بعض الناس: نرده عليه إذا لم يكن للمال من يستغرقه، وكان من ذوي الأرحام، وأن لا نرده على زوجٍ ولا زوجة. وقالوا: روينا قولنا هذا عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلنا لهم: أنتم تتركون ما تروون عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وعبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - في أكثر الفرائض، لقول زيد بن ثابت، وكيف لم يكن هذا مما تتركون؟ قالوا: إنا سمعنا قول اللَّه - عز وجل -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية. فقلنا: معناها على غير ما ذهبتم إليه، ولو كان على ما ذهبتم إليه كنتم قد تركتموه، قالوا: فما معناها؟

قلنا: توارث الناس بالحِلْف والنصرة، ثم توارثوا بالإسلام والهجرة، ثم نسخ ذلك، فنزل قول اللَّه - عز وجل -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية. على معنى ما فرض اللَّه عز ذكره، وسن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لا مطلقاً هكذا. ألا ترى أن الزوج يرث أكثر مما يرث ذوو الأرحام، ولا رحم له، أو لا ترى أن ابن العم البعيد يرث المال كله، ولا يرثه الخال، والخال أقرب رحماً منه، فإنما معناها - أي: الآية - على ما وصفت لك من أنها: على ما فرض اللَّه لهم، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأنتم تقولون: إن الناس يتوارثون بالرحم، وتقولون خلافه في موضع آخر!. تزعمون: أن الرجل إذا مات وترك أخواله ومواليه، فمالُه لمواليه دون أخواله، فقد منعت ذوي الأرحام الذين قد تعطيهم في حال، وأعطيت المولى الذي لا رحم له المال!. الرسالة: باب (الاختلاف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي المحاور - فأقولُ: لك ذلك، لقول الله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية. فقلتُ له: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) الآية، نزلت، بأن الناس توارثوا بالحِلف، ثم توارثوا بالإسلام والهجرة، فكان المهاجر يرث المهاجر، ولا يرثه من ورثته من لم يكن مهاجراً، وهو أقرب إليه ممن ورثه، فنزلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ) الآية، على ما فُرضَ لهم.

قال: فاذكر الدليل على ذلك؟ قلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية، على ما فُرضِ لهم، ألا ترى أن مِن ذوي الأرحام من يرث، ومنهم من لا يرث؛ وأن الزوج يكون أكثر ميراثاً من أكثر ذوي الأرحام ميراثاً؛ وأنك لو كنت إنما تورِّث بالرحم كانت رحم البنت من الأب كرحم الابن؛ وكان ذوو الأرحام يرثون معاً؛ ويكونون أحق من الزوج الذي لا رحم له؟! ولو كانت الآية كما وصفت، كنت قد خالفتها فيما ذكرنا، في أن يَترُك أخته ومواليه، فنعطي أخته النصف، ومواليه النصف، وليسوا بذوي أرحام، ولا مفروض لهم في كتاب اللَّه فرض منصوص.

سورة التوبة

سورة التوبة قال الله عزَّ وجلَّ: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) وقال عزَّ وجلَّ: (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ) الأم: تبديل أهل الجزية دينهم قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن كان له مال - أي: الكتابي - بالحجاز، قيل: وكل به ولم يترك يقيم إلا ثلاثاً، وإن كان له - مال - بغير الحجاز، لم يترك يقيم في بلاد الإسلام إلا بقدر ما يجمع ماله، فإن أبطأ، فأكثر ما يؤجل إلى الخروج من بلاد الإسلام أربعة أشهر؛ لأنه أكثر مدة جعلها اللَّه لغير الذميين من المشركين، وأكثر مدة جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم، قال اللَّه تبارك وتعالى: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) قرأ الربيع إلى: (غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ) فأجلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أجلهم اللَّه من أربعة أشهر. الأم (أيضاً) جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وعاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوماً من المشركين، فأنزل اللَّه - عز وجل - عليه: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الآية.

الأم (أيضاً) : مهادنه من يقوى على قتاله قال الشَّافِعِي رحمه الله: لما قوي أهل الاسلام أنزل اللَّه - عز وجل - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - مرجعه من تبوك: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) الآية - وما بعد -، فأرسل بهذه الآيات مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقرأها على الناس في الموسم، وكان فرضاً أن لا يعطى لأحد مدة بعد هذه الآيات إلا أربعة أشهر؛ لأنها الغاية التي فرضها الله) . قال: وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لصفوان بن أمية بعد فتح مكة بسنين أربعة أشهر، لم أعلمه زاد أحداً - بعد أن قوي المسلمون - على أربعة أشهر. الأم (أيضاً) : باب (دية أهل الذمة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: المستأمن يقئله المسلم لا تفتله به - الخطاب: للمحاور - وله عهد هو به حرام الدم والمال، فلو لم يُلزمك حجة إلا هذا لزمتك. قال: ويقال لهذا معاهد؟ قلنا: نعم؛ لعهد الأمان، وهذا مُؤمَّن، قال فيُدل على هذا بكتاب أو سنة؟ قلنا: نعم، قال - عز وجل -: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) الآية، إلى قوله: (غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ) الآية، فجعل لهم عهداً إلى مدة، ولم يكونوا أمناء بجزية، كانوا أمناء بعهد، ووصفهم باسم العهد، وبعث رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - علياً - رضي الله عنه - بأن من كان عنده من النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد، فعهده إلى مدته، قال: ما كنا نذهب إلا أن العهد عهد الأبد، قلنا: فقد أوجدناك العهد إلى مدة في كتاب اللَّه - عز وجل - وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

قال الله عز وجل: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله)

الأم (أيضاً) : المهادنة على النظر للمسلمين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأحبّ للإمام إذا نزك بالمسلمين نازلة - وأرجو أن لا ينزلها الله - عزَّ وجلَّ بهم إن شاء الله تعالى - مهادنة، يكون النظر لهم فيها، ولا يهادن إلا إلى مدة، ولا يجاوز بالمدة مدة أهل الحديبية، فإن كانت بالمسلمين قوة، قاتلوا المشركين بعد انقضاء المدة، فان لم يقو الإمام فلا بأس أن يجدد مدة مثلها، أو دونها، ولا يجاوزها من قِبَل أن القوة للمسلمين، والضعف لعدوهم، قد يحدث في أقل منها، وإن هادنهم إلى أكثر منها فمنتقضه؛ لأن أصل الفرض قتال - المشركين حتى يؤمنوا، أو يعطوا الجزية - أهل الجزية -، فإن الله - عزَّ وجلَّ أذن بالهدنة فقال: (إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الآية. وقال تبارك وتعالى: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ) ، فلما لم يبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمدة أكثر من مدة الحديبية، لم يجز أن يهادن إلا على النظر للمسلمين، ولا تُجاوَز. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) قال الله عزَّ وجلَّ: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) الأم: مهادنة من يقوى على قتاله: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وإذا سأل قوم من المشركين مهادنة، فللإمام مهادنتهم على النظر للمسلمين، رجاء أن يسلموا، أو يعطوا الجزية بلا مؤونة،

وليس له مهادنتهم إذا لم يكن في ذلك نظر، وليس له مهادنتهم على النظر على غير الجزية أكثر من أربعة أشهر، لقوله - عز وجل -: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) إلى قوله: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) الآية، وما بعدها. الأم (أيضاً) : ما أحدث أهل الذمة الموادَعون مما لا يكون نقضاً: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأمر الله تعالى في الذين لم يخونوا: أن يتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم بقوله: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) الآية. الأم (أيضاً) : المهادنة على النظر للمسلمين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تبارك وتعالى: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ) فلما لم يبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمدة أكثر من مدة الحديبية، لم يجز أن يهادن إلا على النظر للمسلمين، ولا تُجَاوَز.

قال الله عز وجل: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد

قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) الأم: الحكم في السا حر والساحرة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: حقن اللَّه الدماء، ومنع الأموال إلا بحقها - بالإيمان بالله ورسوله، أو عهد من المؤمنين بالله ورسوله لأهل الكتاب، وأباح دماء البالغين من الرجال بالامتناع من الإيمان إذا لم يكن لهم عهد، قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي أراد الله - عزَّ وجلَّ أن يُقتلوا حتى يتوبوا، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة: أهل الأوثان من العرب وغيرهم الذين لا كتاب لهم. الأم (أيضاً) : الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - الله تعالى - في قوم كان بينه - صلى الله عليه وسلم - وبينهم شيء: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ)

مع نظائر لها في القرآن - وجاءت السنة بما جاء به القرآن -. أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله فقد عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بحقها، وحسابهم على الله " الحديث. أخبرنا سفيان، عن ابن شهاب، أن عمر - رضي الله عنه - قال - أي: لأبي بكر - رضي الله عنه - أليس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بحقها، وحسابهم على الله". قال أبو بكر - رضي الله عنه -: هذا من حقها، لو منعوني عقالاً مما أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه. الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: يعني: من منع الصدقة ولم يرتد. الأم (أيضاً) : كتاب (الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: الحكم في قتال المشركين حكمان، فمن غزا منهم أهل الأوثان، ومن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب من كانوا، فليس له أن يأخذ منهم الجزية، ويقاتلهم إذا قوى عليهم حتى يقتلهم، أو يسلموا

وذلك لقول اللَّه - عز وجل -: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) الآيتين، ولقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى بقولوا لا إله إلا الله، فإذا مالوها عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بحقها، وحسابهم على الله" الحديث. الأم (أيضاً) : الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال - أي: المحاور - ففي المشركين الذين ئؤخذ منهم الجزية حكم واحد أو حكمان؟ قيل: بل حكمان. قال: وهل يشبه هذا شيء؟ قلنا: نعم، حكم اللَّه جل ثناؤه فيمن قُتِل من أهل الكتاب وغيرهم. قال: فإنا نزعم أن غير المجوس ممن لا تحل ذبيحته ولا نساؤه، قياساً على المجوس. قلنا: فأين ذهبت عن قول اللَّه - عز وجل -: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) إلى: (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) الآية، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله." الحديث. فإن زعمت أنها والحديث منسوخان بقوله - عز وجل -: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) . وبقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سُنُّوا بهم سنَّة أهل الكتاب" الحديث؛ قلنا: فإذا زعمت ذلك، دخل عليك أن تكون العرب ممن يعطون الجزية، وإن لم يكونوا أهل كتاب. قال: فإن قلت لا يصلح أن تعطِي العرب الجزية. قلنا: أوَ ليسوا

داخلين في اسم ألشرك؛ قال: بلى، ولكن لم أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ منهم جزية. قلنا: أفعلمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من غير كتابي أو مجوسي؟ قال: لا. قلنا: فكيف جعلت غير الكتابيين من المشركين قياساً على المجوس. الأم (أيضاً) : باب (المرتد الكبير) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) إلى قوله: (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) الآية. أخبرنا الثقة، عن حماد بن زيد، عن يحمى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل، عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن ظفر به من رجال المشركين أنه قتل بعضهم، ومَنَّ على بعضهم، وفادى ببعض، وأخذ الفدية من بعض، فلم يختلف المسلمون أنه: لا يحلُّ أن يفادى بمرتد بعد إيمانه، ولا يُمَنُّ عليه، ولا تأخذ منه فدية، ولا يترك بحال، حتى يسلم أو يقتل - واللَّه أعلم -. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأباح - اللَّه تعالى - دماء أهل الكفر من خلقه فقال: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) الآية، وحرَّم دماءهم إن أظهروا

قال الله عز وجل: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون (6)

الإسلام. . . فجعل حينئذ دماء المشركين مباحة، وقتالهم حتماً وفرضاً عليهم إن لم يظهروا الإيمان. مختصر المزني: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد اختصرت من تمثيل ما يدل الكتاب على أنه نزل من الأحكام عاماً، أريد به العام. في كتاب غير هذا، وهو الظاهر من علم القرآن، وكتبت معه غيره مما أنزل عام يُراد به الخاص، وكتبت في هذا الكتاب مما نزل عام الظاهر ما دل الكتاب على أن اللَّه أراد به الخاص؛ لإبانة الحجة على من تأول ما رأيناه، مخالفاً فيه طريق من رضينا مذهبه من أهل العلم بالكتاب والسنة، من ذلك قال اللَّه جل ثناؤه: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فهذا من العام الذي دل الله على أنه إنما أراد به الخاص. . .، لأن كل أهل الشرك صنفان: صنف أهل الكتاب، وصنف غير أهل الكتاب، ولهذا نظائر في القرآن، وفي السنة مثل هذا. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) الأم: المهادنة على النظر للمسلمين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن جاء من المشركين يريد الإسلام، فحق على الإمام أن يؤمِّنه حتى يتلو عليه كتاب اللَّه - عز وجل -، ويدعوه إلى الإسلام بالمعنى الذي

يرجو أن يدخل اللَّه - عز وجل - به عليه الإسلام، لقول اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن قلت ينبذ إليه، أبلغه مأمنه. وإبلاغه مأمنه: أن يمنعه من المسلمين والمعاهدين، ما كان في بلاد الإسلام، أو حيث يتصل ببلاد الإسلام، وسواء قرب ذلك أم بعد. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أبلغه مأمنه: يعني - واللَّه تعالى أعلم - منك. أو ممن يقتله، على دينك، - أو - ممن يطيعك، لا أمانة من غيرك، من عدوك وعدوه، الذي لا يأمنه، ولا يطيعك. الأم (أيضاً) : الصلح على الاختلاف في بلاد المسلمين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأما الرسل، ومن ارتاد الإسلام فلا يمنعون الحجاز؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) الآية. وإن أراد أحد من الرسل الإمامَ وهو بالحرم. فعلى الإمام أن يخرج إليه، ولا يدخله الحرم إلا أن يكون يغني الإمام فيه الرسالة والجواب فيكتفى بهما، فلا يترك يدخل الحرم بحال. الأم (أيضاً) في المرتد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنما أمر اللَّه - عز وجل - نبيه عليه الصلاة والسلام فقال: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)

ولم أعلم أمر بذلك في أحد من أهل الإسلام. فإن قال قائل: فلم لا تجعل ذلك في أهل الإسلام الممتنعين كما تجعله في المشركين الممتنعين؟ قيل: لما وصفنا من سقوط ما أصاب المشرك في شركه، وامتناعه من دم أو مال عنه، وثبوت ما أصاب المسلم في امتناعه مع إسلامه، فإن الحدود إنَّما هي على المؤمنين لا على المشركين. الأم (أيضاً) : باب (ديه أهل الذمة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) الآية، فجعل له العهد إلى سماع كلام اللَّه، وبلوغ مأمنه، والعهد الذي وصفتَ على الأبد، إنما هو إلى مدة، إلى العاهد نفسه ما استقام بها كانت له، فإذا نزع عنها كان مُحَارباً حلال الدم والمال. مختصر المزني: باب (الجزية على أهل الكتاب والضيافة وما لهم وما عليهم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس للإمام أن يصالح أحداً منهم على أن يسكن الحجاز بحال، ولا يبين أن يُحرِّم أن يمرَّ ذِمِّي بالحجاز ماراً لا يقيم بها كثر من ثلاث ليالٍ وذلك مقام المسافر؛ لاحتمال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإجلائهم عنها، أن لا يسكنوها، ولا بأس أن يدخلها الرسل لقول الله تعالى. (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ) الآية، ولولا أن عمر - رضي الله عنه - أجل من قدم المدينة منهم

تاجراً ثلاثة أيام، لا يقيم فيها بعد ثلاث؛ لرأيت أن لا يُصالحوا، على أن لا يدخلوها بحال، ولا يُتركوا يدخلونها إلا بصلح، كما كان عمر - رضي الله عنه - يأخذ من أموالهم إذا دخلوا المدينة ولا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد الإسلام تجاراً، فإن دخلوا بغير أمان، ولا رسالة غُنموا. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ويؤخذ منهم، ما أخذ عمر من المسلمين ربع العشر، ومن أهل الذمة نصف العشر، ومن أهل الحرب العشر اتباعاً له على ما أخذ. .. ولولا أن عمر - رضي الله عنه - أخذه منهم ما أخذناه، ولم يبلغنا أنه أخذ من أحد في سَنَةِ إلا مرة. مناقب الشافعى: باب (ما يؤثر عن الشَّافِعِي في أسماء الله وصفات ذاته، وأن القرآن كلام الله، وكلامه من صفات ذاته) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: أخبرني عبد الله بن محمد الفقيه، قال: أخبرنا أبو جعفر الأصبهاني، قال: أخبرنا أبو يحيى الساجي (إجازة) قال: سمعت أبا سعيد المصري يقول: سمعت محمد بن إدريس الشَّافِعِي يقول: القرآن كلام الله تعالى - عز وجل - غير مخلوق. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد بن علي بن زياد يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت الرببع يقول: لما كلَّم الشَّافِعِي رحمه اللَّه حفص الفرد. فقال حفص: القرآن مخلوق. قال الشَّافِعِي: كفرت بالله العظيم.

قال الله عز وجل: (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين (7)

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عبد اللَّه (محمد إبراهيم المؤذن) . عن عبد الواحد بن محمد الأرغياني، عن أبي محمد الزبيري قال: قال رجل للشافعي: أخبرني عن القرآن خالق هو؟ قال الشَّافِعِي: اللهم لا قال فمخلوق؟ قال الشَّافِعِي: اللهم لا قال: فغير مخلوق؟ قال الشَّافِعِي: اللهم نعم. قال: فما الدليل على أنه غير مخلوق؛ فرفع الشَّافِعِي رأسه وقال: ئقِرُّ بأن القرآن كلام اللَّه؟ قال: نعم. قال الشَّافِعِي سبقت في هذه الكلمة، قال اللَّه تعالى ذكره: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) الآية. وقال: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) . قال الشَّافِعِي رحمه الله - فتقر بأن الله كان وكان كلامه؛ أو كان اللَّه ولم يكن كلامه؟ فقال الرجل: بل كان اللَّه، وكان كلامه. قال: فتبسم الشَّافِعِي وقال: يا كوفيون، إنكم لتأتوني بعظيم من القول، إذا كنتم تقرون بأن الله كان قبل القَبل وكان كلامه، فمن أين لكم الكلام: إن الكلام اللَّه، أو سوى الله، أو غير اللَّه، أو دون اللَّه؟ قال: فسكت الرجل وخرج. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) الأم: جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأنزل اللَّه تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ) الآية. (مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا) الآية.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء

فإن قال قائل: كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل الحديبية، ومن صالح من المشركين؟ قيل: كان صلحه لهم طاعة لله، إما عن أمر الله - عز وجل - بما صنع نصا، وإما أن يكون اللَّه تبارك وتعالى جعل له أن يعقد لمن رأى كا رأى، ثم أنزل قضاءه عليه، فصاروا إلى قضاء اللَّه جل ثناؤه، ونسخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله بفعله، بأمر اللَّه، وكل كان طاعة لله في وقته. فإن قال قائل، وهل لأحد أن يعقد عقداً منسوخاً ثم يفسخه؟ قيل له: ليس له أن يبتدئ عقداً منسوخاً، وإن كان ابتدأه فعليه أن ينقضه، كما ليس له أن يصلي إلى بيت المقدس، ثم يصلي إلى الكعبة؛ لأن قبلة بيت المقدس قد نسخت، ومن صلى إلى بيت المقدس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نسخها فهو مطيع لله - عز وجل -، كالطاعة له حين صلى إلى الكعبة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) الأم: باب (ممر الجنب والمأثمرك على الأرض ومشيهما عليهما) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن عثمان بن أبي سليمان. أن مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم، كانوا يبيتون في المسجد. منهم جببر بن مطعم، قال جُبير: فكنت أسمع قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - " الحديث.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام، فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) الآية، فلا ينبغي لمشرك أن يدخل الحرم بحال، وإذا بات المشرك في المساجد غير المسجد الحرام، فكذلك المسلم، فإن ابن عمر يروي أنه كان يبيت في المسجد زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أعزب، ومساكين الصفة. الأم (أيضاً) : مسأله: إعطاء الجزية على سكنى بلدٍ ودخوله: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) الآية، قال: فسمعت بعض أهل العلم يقول: المسجد الحرام: الحَرَمُ. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبلغتي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا بنبغي لمسلم أن يؤدي الخراج، ولا لمشرك أن يدخل الحرم" الحديث، قال: وسمعت عدداً من أهل العلم بالمغازي، يروون أنه كان في رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا". فإن سأل أحد ممن تؤخذ منه الجزية أن يعطيها، ويجري عليه الحكم، على أن يترك يدخل الحرم بحال، فليس للإمام أن يقبل منه على ذلك شيئاً، ولا أن يدع مشركاً يطأ الحرم بحال من الحالات، طبيباً كان، أو صانعاً بنياناً، أو غيره، لتحريم اللَّه - عز وجل - دخول المشركين المسجد الحرام، وبعده تحريم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وإن سأل من تؤخذ منه الجزية أن يعطيها، ويجري عليه الحكم، على أن يسكن الحجاز، لم يكن ذلك له، والحجاز (مكة، والمدينة، واليمامة ومخالفيها كلها) ؛ لأن تركهم بسكنى الحجاز منسوخ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم -

قال الله عز وجل: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية

استثنى على أهل خيبر حين عاملهم فقال: "أقرُّكم ما أقرَّكم الله) " الحديث. ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإجلائهم من الحجاز. ولا يجوز صلح ذمي على أن يسكن الحجاز بحال. الأم (أيضاً) : أين يكون اللعان؟ : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن كان إلزوج مسلماً، والزوجة مشركة، التَعَن الزوج في المسجد، والزوجة في الكنيسة وحيث تعَظّم، وإن شاءت الزوجة المشركة أن تحضر الزوج في المساجد كلها حضرته، إلا أنها لا تدخل المسجد الحرام لقول اللَّه تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) الأم: الحكم في الساحر والساحرة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي أراد الله - عزَّ وجلَّ أن يقتلوا حتى يتوبوا، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة - أهل الأوثان من العرب وغيرهم الذين لا كتاب لهم،

فإن قال قائل: ما دلَّ على ذلك؟ قيل له: قال الله - عزَّ وجلَّ: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فمن لم يزل على الشرك مقيماً، لم يحول عنه إلى الإسلام، فالقتل على الرجال دون النساء منهم. الأم (أيضاً) : الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه، ومن لا تؤخذ قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - على رسوله فرض قتال المشركين - من أهل الكتاب - فقال: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) الآية. ففرق اللَّه - عز وجل - كما شاء - لا معقب لحكمه - بين قتال أهل الأوثان، ففرض أن يُقاتلوا حتى يُسلموا وقتال أهل الكتاب، ففرض أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية، أو أن يسلموا، وفرق اللَّه بين قتالهم. أخبرنا الثقة يحيى بن حسان، عن محمد بن أبان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث سرية أو جيشاً أمَّرَ عليهم - أميراً -، قال: "إذا لقيت عدواً من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو ثلاث خلال - شك علقمة - ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم. وكفَّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن أجابوك

فاقبل منهم، وأخبرهم أنهم إن فعلوا، أن لهم ما للمهاجرين، وعليهم ما عليهم، وإن اختاروا المقام في دارهم - فأعلمهم - أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله - عز وجل - كما يجري على المسلمين، وليس لهم في الفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن لم يجيبوك إلى الإسلام، فادعهم إلى إعطاء الجرية، فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليست واحدة من الآيتين ناسخة للأخرى، ولا واحد من الحديثين ناسخاً للآخر ولا مخالفاً له، ولكن أحد الحديثين والآيتين من الكلام الذي مخرجه عام يراد به الخاص، ومن الجمل الذي يدل عليه المفسر. الأم (أيضاً) : من ترفع عنه الجزية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) . فكان بيناً في الآية - واللَّه تعالى أعلم - أن الذين فرض الله - عز وجل - قتالهم حتى يعطوا الجزية، الذين قامت عليهم الحجة بالبلوغ، فتركوا دين اللَّه - عز وجل - وأقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم من أهل الكتاب، وكان بيناً أن الذين أمر الله بقتالهم عليها الذين فيهم القتال، وهم الرجال البالغون.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل معنى كتاب الله - عز وجل - فأخذ الجزية من المُحتَلِمِين دون من دونهم، ودون النساء. الأم (أيضاً) : كتاب (الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربى) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن كان من أهل الكتاب من المشركين المحاربين قوتلوا حتى يُسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فإذا أعطَوها لم يكن للمسلمين قتلهم ولا إكراههم على غير دينهم، لقول اللَّه - عز وجل -: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية. وإذا قوتل أهل الأوثان، وأهل الكتاب، قتلوا وسبيت ذراريهم، ومن لم يبلغ الحلم والمحيض منهم، ونسائهم البوالغ وغير البوالغ، ثم كانوا جميعاً فيئاً، يرفع منهم الخمس، ويقسم الأربعة الأخماس على من أوجف عليهم بالخيل والركاب. الأم (أيضاً) : في الأمان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وعلى الوالي إذا مات قبل أن يبين، أو قال وهو حيّ: لم أؤمنهم أن يردهم إلى مأمنهم، وينبذ إليهم قال الله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) الآية، فحقن اللَّه دماء من لم يدن دين أهل الكتاب من المشركين بالإيمان لا غيره، وحقن دماء من دان دين أهل الكتاب بالإيمان، أو إعطاء الجزية عن يد وهم

صاغرون، والصغار: أن يجري عليهم الحكم - أي: حكم الإسلام - لا أعرف منهم خارجاً من هذا من الرجال. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقتل الفلاحون والأجراء والشيوخ الكبار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية. الأم (أيضاً) : ما قتل أهل دار الحرب من المسلمين فأصابوا من أموالهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - عز وجل -: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله." الحديث. يعني: بما أحدثوا بعد الإسلام؛ لأنهم يلزمهم لو كفروا بعد الإسلام القتل والحدود، ولا يلزمهم ما مضى قبله. الأم (أيضاً) : الصَّغَار مع الجزية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عز وجل -: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية. فلم يأذن اللَّه - عز وجل - في أن تؤخذ الجزية ممن أمر بأخذها منه حتى يعطيها عن يدٍ صاغراً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وسمعت عدداً من أهل العلم يقولون: الصَّغار: أن يجري عليهم حكم الإسلام.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما أشبه ما قالوا بما قالوا لامتناعهم من الإسلام. فإذا جرى عليهم حكمه فقد أصغِروا بما يجري عليهم منه. الأم (أيضاً) : كم الجزية ": قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) الآية. وكان معقولاً أن الجرية شيء يؤخذ في أوقات، وكانت الجزية محتملة للقليل والكثير. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبين عن الله - عزَّ وجلَّ معنى ما أراد، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جزية أهل اليمين ديناراً في كل سنة، أو قيمته من المعافري، وهي: الثياب. وكذلك رُوي أنه أخذ من أهل أيلة، ومن نصارى مكة ديناراً عن كل إنسان، وأخذ الجزية من أهل نجران فيها كسوة، ولا أدري ما غاية ما أخذ منهم. وقد سمعت بعض أهل العلم من المسلمين ومن أهل الذمة من أهل نجران، يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد كثر من دينار، وأخذها من (أُكَيْدِر) ، ومن مجوس البحرين لا أدري كم غاية ما أخذ، ولم أعلم أحداً قط حكى أنه: أخذ من أحد أقل من دينار. أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرني إسماعيل بن أبي حكيم، عن عمر ابن عبد العزيز، "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن أنه على كل إنسان منكم ديناراً كل سنة أو قيمته من المعافري" الحديث. يعني أهل الذمة منهم.

الأم (أيضاً) : الصلح على أموال أهل الذمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) فكان معقولاً في الآية، أن تكون الجزية غير جائزة - واللَّه تعالى أعلم - إلا معلوماً، ثم دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مثل معنى ما وصفت من أنها معلوم، فأما ما لم يعلم أقله ولا أكثره، ولا كيف أخد من أخَدهُ، من الولاة له، ولا من أخذت منه من أهل الجزية، فليس في معنى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا نُوقف على حَدِّه. الأم (أيضاً) : الحكم بين أهل الجزية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية. فكان الضغَار - واللَّه أعلم - أن يجري عليهم حكم الإسلام، وأذن اللَّه بأخذ الجزية منهم، على أن قد علم شركهم به، واستحلالهم لمحارمه، فلا يكشفوا عن شيء مما استحلوا بينهم، ما لم يكن ضرراً على مسلم أو معاهد أو مستامن غيرهم. . ولا يجوز أن تكون دار الإسلام دار مقام لمن يمتنع من الحكم في حال، لما وصفت من قول اللَّه - عز وجل -: (وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية. الأم (أيضاً) : الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ: سبق ذكر هذه الفقرة في تفسير قول الله تعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فليرجع إليها هناك.

الأم (أيضاً) : الصلح على الجزية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن قالوا نعطيكموها - أي: الجزية - ولا يجري علينا حكمكم، لم يلزمنا أن نقبلها منهم؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ - قال: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية. فلم أسمع مخالفاً في أن الصَّغار، أن يعلو حكم الإسلام على حكم الشرك، ويجري عليهم، ولنا أن نأخذ منهم متطوعين وعلى النظر للإسلام وأهله، وإن لم يجرِ عليهم الحكم، كما يكون لنا ترك قتالهم. ولو عرضوا علينا أن يعطونا الجزية، ويجري عليهم الحكم، فاختلفنا نحن وهم في الجزية، فقلنا: لا نقبل إلا كذا، وقالوا: لا نعطيكم إلا كذا، رأيت - والله تعالى أعلم - أن يلزمنا أن نقبل منهم ديناراً ديناراً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخذه من نصراني بمكة مقهور، ومن ذمة اليمن وهم مقهورون، ولم يلزمنا أن نأخذ منهم أقل منه - والله تعالى أعلم -؛ لأنا لم نجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحداً من الأئمة أخذ منهم أقل منه. الأم (أيضاً) : باب (دية أهل الذمة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية، فوجدت الكفار في حكم الله، ثم حكم رسوله في موضع العبودية للمسلمين: 1 - صنفاً: متى قُدِرَ عليهم تعبدوا، وتؤخذ منهم أموالهم - بأمر الله صدقة يطهرهم الله بها ويزكيهم -، لا يقبل منهم غير ذلك.

2 - صنفاً: يُصنع ذلك بهم إلا أن يعطوا الجزية: (عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) فإعطاء الجزية - يؤخذ من الكفار صَغاراً - إذا لزمهم، فهو صنف من العبودية، فلا يجوز أن يكون من كان خَوَلاً للمسلمين في حال أو كان خولاً لهم بكل حال، إلا أن يؤدي جزية فيكون كالعبد المُخارج في بعض حالاته كفؤاً للمسلمين. الأم (أيضاً) باب (ما ملكه الناس من الصيد) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فحلال اللَّه تعالى لجميع خلقه، وحرامه عليهم واحد، وكذلك هو في الخمر والخنزير وثمنهما محرمان على النصراني، كهو على المسلم. فإن قال قائل: فلم لا تقول: إن ثمن الخمر والخنزير حلال لأهل الكتاب، وأنت لا تمنعهم من اتخاذه والتبايع به؟ قيل: قد أعلمنا اللَّه - عز وجل - أنهم لا يؤمنون به ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم اللَّه ورسوله إلى قوله: (وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكيف يجوز لأحد عَقَلَ عن اللَّه - عز وجل - أن يزعم: أنها لهم حلال، وقد أخبرنا اللَّه تعالى أنهم: لا يحرمون ما حرم اللَّه ورسوله؛ فإن قال قائل: فأنت تقرُّهم عليها؟ قلت: نعم، وعلى الشرك بالله؛ لأن اللَّه - عز وجل - أذن لنا أن نقرهم على الشرك به، واستحلالهم شربها (أي: الخمر) وتركهم دين الحق بأن نأخذ منهم الجزية، قوة لأهل دينه، وحجة الله تعالى عليهم قائمة،

لا مخرج لهم منها، ولا عذر لهم فيها حتى يؤمنوا بالله ورسوله، ويحرِّموا ما حرّم الله ورسوله. مختصر المزني: الوقف من كتاب (الإيلاء من الإملاء على مسائل ابن القاسم، والإملاء على مسائل مالك) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذمي كالمسلم فيما يلزمه من الإيلاء إذا حاكم إلينا، وحُكمُ الله تعالى على العباد واحد. قال المزني رحمه الله: هذا أشبه القولين به؛ لأن تأويل اللَّه - عز وجل - عنده: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية، أن تجري عليهم أحكام الإسلام. مختصر المزني (أيضاً) : باب (ما جاء في حد الذميين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا خيار له - أي: للحاكم إذا تحاكموا إلينا - إذا جاؤوه في حدِّ اللَّه فعليه أن يقيمه لما وصفت من قول اللَّه - عز وجل -: (وَهُمْ صَاغِرُونَ) . قال المزني رحمه الله: هذا أولى قوليه به، كما سبق في الفقرة الماضية. الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فَقَبِلَ عمر - رضي الله عنه - خبر عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - في المجوس، فأخذ منهم - أي: الجزية - وهو يتلو القرآن (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) ويقرأ القرآن بقتال

الكافرين حتى يسلموا، وهو لا يعرف فيهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً، وهم عنده من الكافرين غير أهل الكتاب، فقبل خبر عبد الرحمن في المجوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاتَّبعه. اختلاف الحديث: باب (الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية، وفيمن دان دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من المجوس، ورأيت المسلمين لم يختلفوا في أن تؤخذ منهم الجزية، ولا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم. ورُوي هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأهل الكتاب تؤكل ذبائحهم، وتنكح نساؤهم، وفي هذا دليل على أن المجوس ليسوا بأهل كتاب. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له: إن المجوس ليسوا بأهل كتاب مشهور عند العامة، باقٍ في أيديهم، فهل من حجة في أن ليسوا بأهل كتاب كالعرب؛ قال: لا، إلا ما وصفت من أن لا تنكح نساؤهم، ولا تؤكل ذبائحهم. قلت: فكيف أنكرت أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - دلَّ على أن قول اللَّه: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) الآية، من دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان، وأن يكون إحلال نساء أهل الكتاب، إحلال لنساء بني إسرائيل من دون أهل الكتب سواهم، فيكونون مستوين في الجزية، مختلفين في النساء والذبائح، كما أمر اللَّه بقتال المشركين: (حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) الآية. وأمر بقتال أهل الكتاب: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) الآية. فسوَّى بينهم في الشرك، وخالف بينهم في القتال على الشرك. فقال: - أو قال بعض من حضره - ما في هذا ما أنكره عالم.

قال الله عز وجل: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) قال الله عزَّ وجلَّ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعثه - أي: للنبي - صلى الله عليه وسلم - والناس صنفان: أحدهما: أهل كتاب، بذلوا من أحكامه، وكفروا بالله، فافتعلوا كلذباً صاغوه بالسنتهم، فخلطوه بحقِّ الله الذي أنزل إليهم، فذكر تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من كفرهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلى قوله: (عَمَّا يُشْرِكُونَ) الآيتان.

قال الله عز وجل: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33)

قال الله عزَّ وجلَّ: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) الأم: كتاب الجزية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقضى أن أظهر دينه على الأديان فقال - عز وجل -: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) . وقد وصفنا بيان كيف يظهره على الدين كله في غير هذا الموضع. الأم (أيضاً) : (إظهار دين النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأديان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) . أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقنَّ كنوزهما في سبيل الله" الحديث.

قال الله عز وجل: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (34)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: لما أتي كسرى بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مزَّقه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يمزق ملكه" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وحفظنا أن قيصر أكرم كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ووضعه في مسك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يثبت ملكه" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس فتح فارس والشام. فأغزى أبو بكر - رضي الله عنه - الشام على ثقة من فتحها؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففتح بعضها. وتم فتحها في زمان عمر - رضي الله عنه - وفتح العراق وفارس. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقد أظهر الله - عزَّ وجلَّ دينه الذي بعث به رسوله - صلى الله عليه وسلم - على الأديان؛ بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق، وما خالفه من الأديان باطل، وأظهره بأن جماع الشرك دينان: 1 - دين أهل الكتاب 2 - ودين الأميين. فقهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعاً وكرهاً، وقتل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام، وأعطى بعضهم الجزية صاغرين، وجرى عليهم حكمه - صلى الله عليه وسلم - وهذا ظهور الدِّين كله. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد يقال ليُظهِرن الله - عزَّ وجلَّ دينه على الأديان حتى لا يدان للهِ - عز وجل - إلا به، وذلك متى شاء الله تبارك وتعالى. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)

وقال تعالى: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) الأم: كتاب (الزكاة) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) الآيتان. وقال عز ذكره: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأبان الله - عزَّ وجلَّ - في هاتين الآيتين فرض الزكاة؛ لأنه إنما عاقب على منع ما أوجب، وأبان أن في الذهب والفضة الزكاة.

وقال الشَّافِعِي رحمه الله: قول الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يعني: - واللَّه تعالى أعلم - في سبيله الذي فرض من الزكاة وغيرها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأما دفن المال فضرب من إحرازه، وإذا حل إحرازه بشيء حل بالدفن وغيره، وقد جاءت السنة بما يدل على ذلك، ثم لا أعلم فيه مخالفاً، ثم الآثار. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كل مال يُودَّى زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفوناً، وكل مال لا يُودَّى زكاته فهو كنز، وإن لم يكن مدفوفاً" الحديث. الأم (أيضاً) : باب (غلول الصدقة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) إلى قوله: (فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وسبيل الله - واللَّه أعلم -: ما فرض من الصدقة. أخبرنا الربيع قال:

قال الله عز وجل: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم

أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: جامع بن أبي راشد. وعبد الملك بن أعين، سمعا أبا وائل، يخبر عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من رجل لا يؤدَِّي زكاة ماله إلا جعل له يوم القيامة شجاع أقرع، يفرُّ منه، وهو يتبعه حتى يطوِّقه في عنقه" الحديث. ثم قرأ علينا: (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) قال الشَّافِعِي رحمه الله: والبيع إلى الصدر جائز، والصدر: يوم النفر من (منى) . فإن قال وهو ببلد بغير مكة، إلى مخرج الحاج، أو إلى أن يرجع الحاج. فالبيع فاسد؛ لأن هذا غير معلوم، فلا يجوز أن يكون الأجل إلى فعل يحدثه الآدميون؛ لأنهم قد يعجلون السير ويؤخرونه، للعلة التي تحدث، ولا إلى ثمرة الشجرة وحدادها؛ لأنه يختلف في الشهور التي جعلها اللَّه علماً فقال: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا) الآية. فإنما يكون الجداد بعد الخريف، وقد أدركت الخريف يقع مختلفاً في شهورنا التي وقت الله لنا، يقع في عام شهراً ثم يعود في شهر بعده، فلا يكون الوقت فيما يخالف شهورنا التي وقت لنا ربنا - عز وجل -.

ولا بما يحدثه الآدميون، ولا يكون إلى ما لا عمل للعباد في تقديمه ولا تأخيره، مما جعل اللَّه - عز وجل - وقتاً الرسالة: باب (العلم) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له - أي: للمحاور -: فرض اللَّه الجهاد في كتابه، وعلى لسان نبيه - في عدد من الآيات منها: قال اللَّه تعالى: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ثم ذكر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " الحديث. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكانت الأعاجم، تعد الشهور بالأيام، لا بالأهِلَّة وتذهب إلى أن الحساب - إذا عدت الشهور بالأهِلَّة - يختلف، فأبان اللَّه تعالى: أن الأهلة هي: المواقيت للناس والحج، وذكر الشهور، فقال: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية. فدل على أن الشهور بالأهلة، إذ جعلها المواقيت لا ما ذهبت إليه الأعاجم من العدد بغير الأهلة.

قال الله عز وجل: (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم

ثم بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، على ما أنزل الله - عزَّ وجلَّ، وبين أن الشهر: تسع وعشرون، يعني: أن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين، وذلك أنه قد يكونون يعلمون: أن الشهر يكون ثلاثين، فأعلمهم أنه قد يكون تسعاً وعشرين وأعلمهم، أن ذلك للأهلة. أحكام القرآن (أيضاً) : ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في آيات متفرقة سوى ما مضى: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الزمان قد استدار كهيئتة - يوم خلق الله السماوات والأرض - السنة: اثنا عشر شهراً، منها أربع حرم: ثلاث متواليات (ذو القعدة، ذو الحجة، ومحرم) ، ورجب: شهر مضر، الذي بين جمادى وشعبان. أحكام القرآن (أيضاً) : فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض اللَّه الجهاد في كتابه، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ثم أكَّد النفير من الجهاد، فقال: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) الآية. ثم ذكر حديث أبي هريرة: "لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله.." الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في آيات متفرقة، سوى ما مضى: أخبرنا أبو سفيان بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إل

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أكره أن يقال للمُحرّم: صفر؛ ولكن يقال له المحرم. وإنما كرهت أن يقال للمحرم: صفر؛ من قِبَل أن أهل الجاهلية كانوا يعدون، فيقولون صَفَران، للمحرم وصفر، وينسؤون، فيحجون عاماً في الشهر وعاماً في غيره، ويقولون إن أخطانا موضع المحرم في عام، أصبناه في غيره، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلا شهر يُنسأ - أي بعد بيان اللَّه ورسوله - وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: المُحَرَّم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) الأم: أصل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما مضت لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مدة من هجرته، أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً - ثم ذكر عدة آيات منها -: وقال عزَّ وجلَّ: (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) إلى: (قَدِيرٌ) الآيتان.

الأم (أيضاً) : الإقرار بالشيء غير الموصوف: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قال الرجل: لفلان على مال، أو عندي، أو في يدي، أو قد استهلكت مالاً عظيماً، أو قال عظيماً جداً، أو عظيماً عظيماً، فكل هذا سواء، ويسأل ما أراد، فإن قال: أردت ديناراً، أو درهماً، أو أقل من درهم مما يقع عليه اسم مال، عَرَضٍ أو غيره، فالقول قوله مع يمينه، وكذلك إن قال مالاً صغيراً، أو صغيراً جداً، أو صغيراً صغيراً، من قبل أن جميع ما في الدنيا من متاعها يقع عليه قليل، قال الله تبارك وتعالى: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) الآية. الأم (أيضاً) : كيف تفضل فرض الجهاد؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأبان اللَّه - عز وجل - في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأبان - اللَّه تعالى -، أن لو تخلَّفوا معاً أثموا معاً بالتخلف، بقوله - عز وجل -: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) الآية. يعني - والله تعالى أعلم -: إلا إن تركتم النفير كلكم عذبتُكم، قال: ففرض الجهاد على ما وصفتُ يخرج المتخلفين من المأثم القائم بالكفاية فيه، ويأثمون معاً إذا تخلفوا معاً.

الرسالة: باب (العلم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه جل ثناؤه: (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) إلى: (قَدِيرٌ) الآيتان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاحتملت الآيات: أن يكون الجهاد كله، والنفير خاصة منه، على كل مطيق له، لا يسع أحداً منهم التخلف عنه، كما كانت الصلوات والحج والزكاة، فلم يخرج أحد وجب عليه فرض منها، من أن يؤدي غيره الفرض عن نفسه، لأن عمل أحد في هذا لا يكتب لغيره. واحتملت: أن يكون معنى فرضها غير معنى فرض الصلوات، وذلك أن يكون قُصِدَ بالفرض فيها فصد الكفاية، فيكون من قام بالكفاية في جهاد مَن جُوهِد من المشركين مُدركِاً تأدية الفرض، ونافلة الفضل، ومُخرجِاً من تخلَّف من الإثم. قال الشَّافِعِي رحمه للُه: وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصوداً به قصد الكفاية فيما ينوب، فإذا قام به من المسلمين من فيه الكفاية، خرج من ئخلف عنه من المأثم. ولو ضيَّعُوه معاً خِفْتُ أن لا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم، بل لا أشك - إن شاء الله - لقوله: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) الآية. قال: فما معناها؟ قلت: الدلالة عليها: أن تخلفهم عن النفير كافة لا يسعهم. ونفير بعضهم - إذا كانت في نفيره كفاية - يخرج من تخلف من المأثم - إن شاء اللَّه -؛ لأنه إذا نفر بعضهم وفع عليهم اسم (النفير) .

قال الله عز وجل: (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (41)

قال الله عزَّ وجلَّ: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) وقال عزَّ وجلَّ: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ) الأم: أصل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) الآية. ثم ذكر قوماً تخلَّفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن كان يظهر الإسلام، فقال: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ) فأبان في هذه الآية أن عليهم الجهاد فيما قرب وبعد، بعد إبانته ذلك في غير مكان. الأم (أيضاً) : من لا يجب عليه الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما فرض الله تعالى الجهاد دلَّ في كتابه، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يفرض الخروج إلى الجهاد على مملوك أو أنثى بالغ، ولا حر

لم يبلغ، لقول اللَّه - عز وجل -: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا) الآية، وقرأ الربيع الآية، فكان الله - عزَّ وجلَّ حكم أن لا مال للمملوك، ولم يكن مجاهد إلا ويكون عليه للجهاد مؤنة من المال، ولم يكن للمملوك مال. الأم (أيضاً) : كيف تفضل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأبان اللَّه - عز وجل في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا) الآية، وقال عزَّ وجلَّ: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يغزُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزاة علمتها إلا تخلف عنه فيها بشر، فغزا بدراً وتخلف عنه رجال معروفون، وكذلك تخلف عنه عام الفتح وغيره من غزواته - صلى الله عليه وسلم -، وقال في غزوة تبوك، وفي تجهزه للجمع للروم: "ليخرج من كل رجلين رجل، فيخلف الباقي الغازي، في أهله وماله" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيوشاً وسرايا، تخلف عنها بنفسه مع حرصه - صلى الله عليه وسلم - على الجهاد على ما ذكرت.

قال الله عز وجل: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين (46)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) إلى قوله: (وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) الأم: من ليس للإمام أن يغزو به بحال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم غزا - أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- غزوة تبوك، فشهدها معه قوم، منهم نفروا به ليلة العقبة ليقتلوه؛ فوقاه اللَّه - عز وجل - شرهم، وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله - عزَّ وجلَّ في غزاة تبوك أو منصرفه عنها - ولم يكن في تبوك قتال - من أخبارهم، فقال: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأظهر اللَّه - عز وجل - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أسرارهم، وخبر السمَّاعين لهم، وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب، والإرجاف، والتخذيل لهم، فأخبره أنه - سبحانه وتعالى - كره انبعاثهم فثبطهم إذا كانوا على هذه

قال الله عز وجل: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكي

النية، كان فيها ما دل على أن الله - عزَّ وجلَّ أمر أن يمنع من عُرفِ بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين؛ لأنه ضرر عليهم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) الأم: كتاب (قَسْم الصدقات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) الآية. فأحكم اللَّه فرض الصدقات في كتابه، ثم أكدها فقال: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس لأحد أن يفسئمها على غير ما قسمها الله - عز وجل - عليه، ذلك ما كانت الأصناف موجودة؛ لأنه إنما يُعطَى من وُجد. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا أخذت الصدقة من قوم قسمت على من معهم في دارهم، من أهل هذه السُّهمان، ولم تخرج من جيرانهم إلى أحد حتى لا يبقى منهم أحد يستحقها.

الأم (أيضاً) باب (جماع قسم المال من الوالي وربِّ المال) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجميع ما أخذ من مسلم، من صدقة فطر، وخمس ركاز، وزكاة معدن، وصدقة ماشية، وزكاة مال، وعشر زرع، وأي أصناف الصدقات أخذ من مسلم، فقَسمُه واحد على الآية التي في برآءة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) الآية. لا يختلف، وسواء قليله وكثيره على ما وصفتُ. الأم (أيضاً) : قَسم الصدقات الثاني: قال الشَّافِعِي رحمه الله: واسم ما أخذ من الزكاة صدقة، وقد سماها اللَّه تعالى في القسم صدقة، فقال: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) الآية. نقول: إذا جاء المصدق، يعني: الذي يأخذ الماشية، وتقول: إذا جاء الساعي، وإذا جاء العامل. قال الشَّافِعِي رحمه الة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمس ذودٍ صدقةْ، ولا فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، ولا فيما دون خمس أواق من الوَرِق صدق" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأغلب على أفواه العامة، أن في التمر العشر. وفي الماشية الصدقة، وفي الورِق الزكاة وقد سمى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - هذا كله صدقة. والعرب تقول له: صدقة وزكاة ومعناهما عندهم معنى واحد.

قال الله عز وجل: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله

فما أخذ من مسلم من صدقة ماله. . . - مهما كان نوعه ومسماه - مما وجب عليه في ماله، في كتاب، أو سنة، أو أمر أجمع عليه عوام المسلمين فمعناه واحد أنه زكاة، والزكاة صدقة، وقسمه واحد لا يختلف كما قَسَمَه الله. الصدقات: ما فرض اللَّه - عز وجل - على المسلمين فهي طهور. الأم (أيضاً) : باب (الولاء والحِلف) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) فلم يختلف المسلمون أنها لا تكون إلا لمن سمى اللَّه، وأن في قول الله تبارك وتعالى معنيين: أحدهما: أنها لمن سُمِّيت له. والآخر: أنها لا تكون لغيرهم بحال. وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الولاء لمن أعتق" الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) الأم: المرتد عن الإسلام قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قول الله آمنوا، ثم كفروا، ثم أظهروا الرجوع عنه، قال الله تبارك اسمه: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ)

فحقن بما أظهروا من الحَلِفِ - ما قالوا كلمة الكفر - دماءهم بما أظهروا. الأم (أيضاً) : باب (ما يحرم به الدم من الإسلام) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ثناؤه: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ) فأخبر بكفرهم، وجحدهم الكفر، وكذب سرائرهم لمجحدهم، وذكر كفرهم في غير آية، وسماهم بالنفاق إذ أظهروا الإيمان، وكانوا على غيره. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أظهره - أي: الإيمان - قوم من المناففين، فأخبر الله نبيه عنهم أن ما يخفون خلاف ما يعلنون، فقال: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ) الآية، مع ما ذكر اللَّه سبحانه به المنافقين، فلم يجعل لنبيه قتلهم إذا أظهروا الإيمان، ولم يمنعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناكحة المسلمين ولا موارثتهم. الأم (أيضاً) : باب (الديات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: روى عطاء، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وعدد من الحجازين، أن عمر - رضي الله عنه - فرض الدية اثني عشر ألف درهم، ولم أعلم بالحجاز

قال الله عز وجل: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين (80)

أحداً خالف فيه عن الحجازين، ولا عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وممن قال الدية اثنا عشر ألف درهم ابن عباس، وأبو هريرة، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين ولا أعلم بالحجاز أحداً خالف في ذلك قديماً ولا حديثاً، ولقد روى عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى بالدية اثني عشر ألف درهم، وزعم عكرمة أنه نزل فيه: (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) فزعم محمد بن الحسن عن عمر حديثين مختلفين، قال في أحدهما: فرض الدية عشرة آلاف درهم، وقال في الآخر: اثني عشر ألف درهم. .. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) الأم: المرتد عن الإسلام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين دلالة على أمور منها: 1 - لا يقتل من أظهر التوبة، من كفر بعد إيمان. 2 - ومنها أنه حقن دماءهم وقد رجعوا إلى غير يهودية، ولا نصرانية، ولا مجوسية، ولا دين يُظهرون، إنَّما أظهروا الإسلام، وأسرُّوا الكفر.

قال الله عز وجل: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله)

3 - فأقرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظاهر على أحكام المسلمين: أ - فناكحوا المسلمين ووارثوهم. ب - وأسهم لمن شهد الحرب منهم. ج - وتركوا في مساجد المسلمين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا رَجعَ عن الإيمان أبداً أشد ولا أبين كفراً ممن أخبر الله - عزَّ وجلَّ عن كفره بعد إيمانه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال جل ثناؤه: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) إلى: (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ) الأم: أصل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم ذكر الله تعالى قوماً تخلَّفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن كان يظهر الإسلام. . . قال الله عزَّ وجلَّ: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ) الآية.

قال الله عز وجل: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84)

قرأ الربيع الآية، وقال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) . وقال: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) مع ما ذكر به فرض الجهاد، وأوجب على المتخلف عنه. الأم (أيضاً) : من ليس للإمام أن يغزو به بحال. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاظهر الله - عزَّ وجلَّ لرسوله أسرارهم وخبر السمَّاعين لهم، وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتنزيل لهم فأخبره أنه كره انبعاثهم - أي: المنافقين - فثبطهم إذ كانوا على هذه النية، كان فيها ما دل على أن الله - عز وجل - أمر أن يمنع من عُرف بما عُرفوا به من أن يغزو مع المسلمين؛ لأنه ضرر عليهم، ثم زاد في تكيد بيان ذلك بقوله: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ) قرأ الربيع إلى: (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ) الآيات - وبسط الكلام في الموضوع -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) الأم: المرتد عن الإسلام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فإن اللَّه - عز وجل - قال: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) إلى قوله: (فَاسِقُونَ) الآية، فإن صلاة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -

مخالفة صلاة المسلمين سواه، لأنا نرجو أن لا يصلي على أحد إلا صلى الله عليه ورحمه. فإن قال قائل: ما دل على الفرق بين صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ نهي عنهم. وصلاة المسلمين غيره، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى عن الصلاة عليهم بنهي الله له. ولم ينه اللَّه - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عنها، ولا عن مواريثهم. فإن قال قائل: فإن ترك قتلهم جعل لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خاصة، فذلك يدخل عليه فيما سواه من الأحكام، فيقال: فيمن ترك عليه الصلاة والسلام قتله، أو قَتْلُه جُعل هذا له خاصة، وليس هذا لأحد، إلا بأن تأتي دلالة على أن أمراً جُعِلَ خاصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإلا ما صُنع عام على الناس الاقتداء به في مثله، إلا ما بين هو - صلى الله عليه وسلم - أنه خاص، أو كانت عليه دلالة خبر. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد عاشروا - أي: المنافقين - أبا بكر وعمر وعثمان رضي اللَّه عنهم أئمة الهدى، وهم يعرفون بعضهم، فلم يقتلوا منهم أحداً ولم يمنعوه حكم الإسلام في الظاهر، إذ كانوا يظهرون الإسلام وكان عمر - رضي الله عنه - يمر بحذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - إذا مات ميت، فإن أشار عليه أن اجلس، جلس واستدل على أنه منافق، ولم يمنع من الصلاة عليه مسلماً، وإنَّما يجلس عمر - رضي الله عنه - عن الصلاة عليه، أن الجلوس عن الصلاة عليه مباح له في غير المنافق، إذا كان لهم من يصلي عليهم سواه.

قال الله عز وجل: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم (91)

الأم (أيضاً) : تكلف الحجة على قالل القول الأول، وعلى من قال أقبل إظهار التوبة إذا كان رجع إلى دين يظهره ولا أقبل ذلك إذا رجع إلى دين لا يظهره: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومنهم - أي: من المنافقين - من عَرَّف - اللَّه - عز وجل - النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه. أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه، قال: "شهدت من نفاق عبد الله بن أبي، ثلاثة مجالس" الحديث. فإن قال قائل: فقد قال الله - عزَّ وجلَّ لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله: (وَهُمْ كَافِرُونَ) الآيتان. قيل فهذا يبين ما قلنا، وخلاف ما قال من خالفنا، فأما أمره أن لا يصلي عليهم، فإن صلاته بأبي هو وأمي - مخالفة صلاة غيره، وأرجو أن يكون قضى إذ أمَرَهُ بترك الصلاة على المنافقين أن لا يصلي على أحد إلا غفر له، وقضى أن لا يغفر للمقيم على شرك، فنهاه عن الصلاة على من لا يُغفَر له. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)

إلى: (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) الأم: من له عذر بالضعف والمرض والزمانه في ترك الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ في الجهاد: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) الآية. وقال: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقيل: الأعرج المقعد، والأغلب أنه الأعرج في الرِّجْل الواحدة، وقيل نزلت في أن لا حرج أن لا يجاهدوا. وهو أشبه ما قالوا، وغير محتمل غيره، وهم داخلون في حد الضعفاء. وغيره خارجين من فرض الحج ولا الصلاة، ولا الصوم، ولا الحدود، ولا يحتمل - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون أريد بهذه الآية، إلا وضع الحرج في الجهاد دون غيره من الفرائض. قال الشَّافِعِي رحمه الله: الغزو غزوان:

1 - غزو يبعد عن المغازي: وهو ما بلغ مسيرة ليلتين فاصدتين، حيث تقصر الصلاة، وتقدم مواقيت الحج من مكة. 2 - وغزو يقرب: وهو ما كان دون ليلتين مما لا تقصر فيه الصلاة، وما هو أقرب من - أقرب - المواقيت إلى مكة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كان الغزو البعيد، لم يلزم القوي السالم البدن كله، إذا لم يجد مركباً وسلاحاً ونففة، ويدع لمن تلزمه نفقته، قُوته، إذن فَدْر ما يرى أنه يلبث - في غزوة -، وإن وجد بعض هذا دون بعض فهو ممن لا يجد ما ينفق. قال الشَّافِعِي رحمه الله: نزل: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا) الآية. مختصر المزني: باب (من له عذر بالضعف والضرر والزَّمَانة والعذر بترك الجهاد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد أن ذكر ما ورد في الأم الفقرة السابقة. قال: ولا يجاهد إلا بإذن أهل الدِّين، وبإذن أبويه؛ لشفقتهما ورقتهما عليه، إذا كانا مسلمين، وإن كانا على غير دينه، فإنما يجاهد أهل دينهما، فلا طاعة لهما عليه، قد جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجاهد عبد الله بن عبد اللَّه بن أبي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبوه متخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ب (أحد) يخذِّل من أطاعه. قال الشَّافِعِي رحمه لله: ومن غزا ممن له عذر، أو حدث له بعد الخروج عذر، كان عليه الرجوع ما لم يلتق الزحفان، أو يكون في موضع يُخاف إن رجع أن يتلف.

قال الله عز وجل: (قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم)

قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ) الأم: من قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا حلف أن لا يكلم رجلاً فأرسل إليه رسولاً، أو كتب إليه كتاباً فالورع أن يحنث، ولا يبين لي أن يحنث؛ لأن الرسول والكتاب غير الكلام، وإن كان يكون كلاماً في حال، ومن حنَّثهُ ذهب إلى أن اللَّه - عز وجل - قال: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) . وقال: إن اللَّه - عز وجل - يقول في المنافقين: (قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ) الآية. وإنما نبأهم بأخبارهم بالوحي الذي ينزل به جبريل عليه السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بوحي اللَّه. ومن قال: لا يحنث، قال: إن كلام الآدميين لا يشبه كلام اللَّه تعالى، كلام الآدميين بالمواجهة؛ ألا ترى لو هجر رجل رجلاً كانت الهجرة محرمة عليه فوق ثلاث، فكتب إليه، أو أرسل إليه - وهو يقدر على كلامه - لم يخرجه هذا من هجرته التي يأثم بها.

قال الله عز وجل: (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم)

قال الله عزَّ وجلَّ: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) الأم 4 كتاب (إبطال الاستحسان) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى في المناففين: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) الآية. فأمر بقبول ما أظهروا، ولم يجعل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يحكم عليهم خلاف حكم الإيمان، وكذلك حَكمَ نبيه - صلى الله عليه وسلم - على من بعدهم بحكم الإيمان، وهم يُعرفون، أو بعضهم بأعيانهم، منهم من تقوم عليه البينة بقول الكفر، ومنهم من عليه الدلالة في أفعاله، فإذا أظهروا التوبة منه، والقول بالإيمان، حقنت دماؤهم وجمعهم ذكر الإسلام. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) الآية، مع ما ذكر به المناففين، فلم يجعل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - قتلهم، إذا أظهروا الإيمان، ولم يمنعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناكحة المسلمين ولا موارثتهم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) أحكام القرآن: الإذن بالهجرة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكر اللَّه - عز وجل - أهل الهجرة، فقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) الآية.

قال الله عز وجل: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أذن اللَّه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة منها، فهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ولم يحرم في هذا، على من بقي بمكة، المقام بها - وهي دار شرك - وإن قلُّوا، بأن يفتنوا، ولم يأذن لهم بالجهاد. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الأم: كتاب: (الزكاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية. وإنما أمَره أن يأخذ منهم ما أوجب عليهم، وذكر الله تبارك وتعالى الزكاة في غير موضع من كتابه سوى ما وصفت منها، فأبان الله - عز وجل - فرض الزكاة في كتابه، ثم أبان على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - في أي المال الزكاة، فأبان في المال الذي فيه الزكاة أن منه ما تسقط عنه الزكاة، ومنه ما تثبت عليه، وأن من الأموال ما لا زكاة فيه. الأم (أيضاً) باب (الزكاة في أموال اليتامى) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي تول الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) إن كل مالك تام الملك من حر له مال فيه زكاة، سواء في أن عليه فرض الزكاة، بالغاً كان أو صحيحاً أو معتوهاً أو صبياً؛ لأن كلاً مالك ما

يملك صاحبه، وكذلك يجب في ملكه ما يجب في ملك صاحبه، وكان مستغنياً بما وصفت، من أن على الصبي والمعتوه الزكاة. الأم (أيضاً) : كتاب (ما يقول المصدق إذا أخذ الصدقة لمن يأخذها منه) أخبرنا الربيع رحمه اللَّه قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) الآية. والصلاة عليهم الدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فحق على الوالي إذا أخذ صدقة امرئ، أن يدعو له، وأحبّ إليّ أن يقول: (آجرك اللَّه فيما أعطيت، وجعلها لك طهوراً، وبارك لك فيما أبقيت) ، وما دعا له به أجزأه إن شاء اللَّه. الأم (أيضاً) : باب (جماع فرض الزكاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية. ففرض اللَّه - عز وجل - على من له مال تجب فيه الزكاة، أن يؤدي الزكاة إلى من جعلت له، وفرض على مَن وَلِيَ الأمر أن يؤديها إلى الوالي إذا لم يؤدها، وعلى الوالي إذا أداها أن لا يأخذها منه؛ لأنه سماها زكاة واحدة، لا زكاتين، وفرض الزكاة مما أحكم اللَّه - عز وجل -، وفرضه في كتابه، ثم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبين في أي المال الزكاة، وفي أي المال تسقط، وكم من الوقت

الذي إذا بلغه حلت فيه الزكاة، لماذا لم يبلغه لم تكن فيه زكاة، ومواقيت الزكاة، وما قدرها، فمنها خمس، ومنها عشر، ومنها نصف العشر، ومنها ربع العشر، ومنها بعدد يختلف. الأم (أيضاً) : قسم الصدقات الثاني: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) ففي هذه الآية دلالة على ما وصفت، من أن ليس لأهل الأموال منع ما جعل الله - عزَّ وجلَّ عليهم، ولا لمن وليهم ترك ذلك لهم، ولا عليهم. أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، قال: لم يبلغنا أن أبا بكر وعمر رضي اللَّه عنهما أخذا الصدقة مُثناة، ولكن كانا يبعثان عليها في الخصب والجدب، والسِّمن والعجف، ولا يُضمنانها أهلها، ولا يؤخرانها عن كل عام؛ لأن أخذها في كل عام سُنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم نعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرها عامًّا لا يأخذها فيه. وقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: "لو مئعوئي عَناقا مما أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليها، لا تفرقوا بين ما جمع الله" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: هذا إنما هو فيما أخذ من المسلمين خاصة؛ لأن الزكاة والطهور إنما هو للمسلمين، والدعاء بالأجر والبركة، وإذا أخذ - أي:

الوالي - صدقة مسلم دعا له بالأجر والبركة كما قال اللَّه تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي ادع لهم، فما أخذ من مسلم فهو زكاة، والزكاة الصدقة، والصدقة زكاة وطهور، أمرهما ومعناهما واحد. الأم (أيضاً) : باب (صدقة الثمر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قول اللَّه - عز وجل -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) يدل على أنه إذا كان في المال صدقة، والشرط من الصدقة، فإنما يؤخذ منه لا من غيره، فبهذا أقول، وبهذا اخترت القول الأول من أن البيع لازم فيما لا صدقة فيه، وغير لازم فيما فيه الصدقة. الأم (أيضاً) : كراء الأرض البيضاء قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن الله جل ذكره خاطب المؤمنين بأن قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) وخاطبهم بأن قال: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) فلما كان الزرع مالاً من مال المسلم، والحصاد حصاد مسلم، تجب فيه الزكاة، وجب عليه ما كان لا يملك رقبة الأرض. الأم (أيضاً) : قَسم الفيء: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أصل قَسم ما يقوم به الولاة من جُمَلِ المال ثلاثة وجوه: أحدها: ما جعله اللَّه تبارك وتعالى طهوراً لأهل دينه، قال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -

(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية. فكل ما أوجب اللَّه - عز وجل - على مسلم في ماله بلا جناية جناها هو، ولا غيره ممن يعقل عنه، ولا شيء لزمه من كفارة. ولا شيء ألزمه نفسه لأحدٍ، ولا نفقة لزمته لوالد أو ولد أو مملوك أو زوجة، أو ما كان في معنى هذا فهو صدقة، طهور له، وذلك مثل صدقة الأموال كلها عينيها، وحوليِّها، وماشيتها، وما وجب في مال مسلم من زكاة، أو وجه من وجوه الصدقة في كتاب، أو سنة، أو أثر أجمع عليه المسلمون وقَسم هذا كله واحد لا يختلف في كتاب اللَّه عز ذكره. الأم (أيضاً) : سن تفريق القسم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفلت - أي: للمحاور - وقد قال اللَّه تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فيما سُقيَ بالسماء العشر" الحديث. فلم يُخَصَّ مالٌ دون مالٍ: في كتاب الله - عزَّ وجلَّ، ولا في هذا الحديث. الأم (أيضاً) : كتاب (قتال أهل البغي، وأهل الردة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قاتل أهل الامتناع بالصدقة، وقتلوا، ثم قهروا، فلم يَقُدْ منهم أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكلا هذين متأول.

1 - أما أهل الامتناع فقالوا: قد فرض الله علينا: أن نؤديها إلى رسوله كأنهم ذهبوا إلى قول اللَّه - عز وجل - لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) وقالوا: لا نعلمه يجب علينا أن نؤديها إلى غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 2 - وأما أهل البغي فشهدوا على من بغوا عليه بالضلال، ورأوا أن جهاده حق، فلم يكن على واحد من الفريقين - أهل الامتناع وأهل البغي - عند تقضى الحرب قصاص عندنا - واللَّه تعالى أعلم -. الأم (أيضاً) : (ما جاء في أمر النكاح) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويحتمل أن يكون الأمر بالنكاح حتماً، وفي كل الحتم من اللَّه الرشد، فيجتمع الحتم والرشد. وقال بعض أهل العلم: الأمر كله على الإباحة والدلالة على الرشد، حتى توجد الدلالة من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع على أنه - إنما - أريد بالأمر الحتم، فيكون فرضاً لا يحل تركه، كقول الله عزَّ وجلَّ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) وأشباه هذا في كتاب اللَّه كثير. الأم (أيضاً) : باب (الزكاة) : قال الربيع رحمه اللَّه:

آخر قول الشَّافِعِي رحمه الله: إذا كان في يديه ألف، وعليه ألف، فعليه الزكاة. قال الربيع: من قِبَل أن الذي في يديه إن تلف كان منه، وإن شاء وهبها. وإن شاء تصدق بها، فلما كانت في جميع أحكامها مالاً من ماله، وقد قال الله - عز وجل - (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية، كانت فيها الزكاة. الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في الصدقات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك بن أنس، عن عمرو بن يحيى المازني. عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة" الحديث، فأخذنا نحن وأنتم بهذا، وخالفنا فيه بعض الناس فقال: قال اللَّه تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) الآية. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فيما سقت السماء العشر" الحديث. لم يخصص اللَّه - عز وجل - مالاً دون مال، ولم يخصص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث مالاً دون مال، فهذا الحديث يوافق كتاب الله، والقياس عليه. وقال - أي صاحب هذا الرأي -: لا يكون مال فيه صدقة، وآخر لا صدقة فيه، وكل ما أخرجت الأرض من شيء وإن حزمة - من - بقل ففيه العشر، فكانت حجتنا عليه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبين عن اللَّه معنى ما أراد، إذ

أبان ما يؤخذ منه من الأموال دون ما لم يرد، و - أن - الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فيما سقت السماء" جملة، والمفسر يدل على الجملة. الرسالة: في الزكاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) . فكان مخرج الآية عامًّا على الأموال. وكان يحتمل أن ثكون على بعض الأموال دون بعض، فدلت السنة على أن الزكاة في بعض الأموال دون بعض. فلما كان المال أصنافاً: منه الماشية، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الإبل والغنم، وأمر - فيما بلغنا - بالأخذ من البقر خاصة، دون الماشية سواها، ثم أخذ منها بعدد مختلف، كما قضى اللَّه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكان للناس ماشية من خيل وحُمُر وبغال وغيرها، فلما لم يأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها شيئاً، وسن أن ليس في الخيل صدقة، استدللنا على أن الصدقة فيما أخذ منه، وأمر بالأخذ منه دون غيره. وكان للناس زرع وغراس، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النخل والعنب الزكاة بخرصٍ، غيرُ مختلف ما أخذ منهما، وأخذ منهما معاً العُشر إذا سقيا بسماء أو عين، ونصف العشر إذا سقيا بغرْبٍ وقد أخذ بعض أهل العلم من الزيتون قياساً على النخل والعنب، ولم يزل للناس غِراس غير النخل والعنب والزيتون

كثير، من الجوز واللوز والتين وغيره، فلما لم يأخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - منه ثميئاً، ولم يأمر بالأخذ منه، استدللنا على أن فرض الله الصدقة فيما كان من غراس في بعض الغراس دون بعض. وزرع الناس الحنطة والشعير والذرة، وأصنافاً سواها، فحفظنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأخذ من الحنطة والشعير والذرة وأخذ من قَبلَنا من الدُّخن، والسُّلت، والعَلَس، والأرز وكل ما ئبَّته الناس وجعلوه قوتاً، خبزاً، وعصيدة، وسويقاً، وأذماً مثل: الحِفص والقطاني فهي تصلح خبزاً، وسويقاً، وأدْماً، اتباعاً لمن مضى، وقياساً على ما ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ منه الصدقة. وكان في معنى ما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ بأن الناس نبَّتوه ليقتاتوه. وكان للناس نبات غيره، فلم يأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا من بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمناه، ولم يكن في معنى ما أخذ منه، وذلك مثل: الثُّفَّاء، والأسبيوش. والكسبرة، وحب العصفر وما أشبهه، فلم تكن فيه زكاة، فدل ذلك على أن الزكاة في بعض الزرع دون بعض. وفرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوَرِقِ صدقة. وأخذ المسلمون في الذهب بعده صدقة، إما بخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغنا، وإما قياساً على أن الذهب والورق نقد الناس الذي اكتنزوه وأجازوه أثماناً على ما تبايعوا به أو أجازوه على ما تبايعوا به في البلدان قبل الإسلام وبعده، وللناس تِبرٌ غيره. من نحاس وحديد ورصاص، فلما لم بأخذ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد بعده زكاة،

قال الله عز وجل: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم (104)

تركناه، اتباعاً بتركه، وأنه لا يجوز أن يقاس بالذهب والوَرِقِ، اللذين هما الثمَن عامًّا في البلدان على غيرهما، لأنه في غير معناهما، لا زكاة فيه، ويصلح أن يُشترَى بالذهب والوَرِقِ غيرهما من التبر إلى أجل معلوم وبوزن معلوم، وكان الياقوت والزبرجد أكثر ثمناً من الذهب والوَرِقِ، فلما لم يأخذ منهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يأمر بالأخذ، ولا من بعده علمناه، وكانا مالَ الخاصة، وما لا يُقوم به على أحد في شيء استهلكه الناس؛ لأنه غير نقد، لم يؤخذ منهما. ثم كان ما نقلت العامة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الماشية والنقد: أنه أخذها في كل سنة مرة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) الأم: باب (الفضل في الصدقلأ) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن ابن عجلان، عن سعيد بن يسار. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول: "والدي نفسي ييده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا، ولا يصعد إلى السماء إلا طيب، إلا كان كأنما يضعها في يد الرحمن، فيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ

قال الله عز وجل: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين (108)

حنى إن اللقمة لتأتي يوم القيامة، وإنها لمثل الجبل العظيم، ثم قرأ: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ) الآية " الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) الأم: باب (في الاستنجاء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال: إن قوماً من الأنصار استنجوا بالماء فنزل فيهم: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) الآية. وإذا اقتصر المستنجي على الماء دون الحجارة أجزأه؛ لأنه أنقى من الحجارة، وإذا استنجى بالماء فلا عدد في الاستنجاء؛ إلا أن يبلغ من ذلك ما يرى أنه أنقى كل ما هنالك، ولا أحسب ذلك يكون إلا في أكثر من ثلاث مرات، وثلاث فأكثر. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) الأم: أصل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما مضت لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مدة هجرته، أنعم اللَّه تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون اللَّه قوة بالعدد لم تكن قبلها،

قال الله عز وجل: (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح

ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً، فقال تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) . أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع. أخبرنا الشَّافِعِي قال: فرض اللَّه تعالى الجهاد في كتابه، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -. ثم أكَّد النفير من الجهاد، فقال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) الأم: أصل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم ذكر الله تعالى: قوماً تخلَّفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن كان يظهر الإسلام فقال: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ) .

فأبان في هذه الآية، أن عليهم الجهاد فيما قَرُبَ وبَعُدَ، بعد إبانته ذلك في غير مكان، في قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ) قرأ الربيع إلى: (أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الآيتان. الرسالة: باب (ما نزل من الكتاب عاماً يراد به العام ويدخله الخصوص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) الآية. وهذا في معنى الآية قبلها، وإنما أريد به من أطاق الجهاد من الرجال، وليس لأحد منهم أن يرغب بنفسه عن نفس النبي - صلى الله عليه وسلم -، أطاق الجهاد أو لم يطقه، ففي هذه الآية الخصوص والعموم. مختصر المزني: باب (عطية الرجل لولده) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد حمد اللَّه جل ثناؤه على إعطاء المال والطعام في وجوه الخير وأمر بهما، ومنها: (وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) الآية.

قال الله عز وجل: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (122)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) الأم: من لا يجب عليه الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال اللَّه تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث؛ لأن الإناث: المؤمنات، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) وكل هذا يدل على أنه أراد به الذكور دون الإناث. الرسالة: باب (العلم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) . وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغزا معه من أصحابه جماعةَ وخلَّف أخرى، حتى تخلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، وأخبرنا الله أن المسلمين لم يكونوا لينفروا كافة: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) فأخبر أن النفير على بعضهم دون بعض، وأن التَّفَقُّه إنما هو على بعض دون بعض.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين (123)

وكذلك ما عدا الفرض في عُظم الفرائض التي لا يسع جهلها - واللَّه أعلم - وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصوداً به قصد الكفاية فيما ينوب، فإذا قام به من المسلمين من فيه الكفاية خرج من تخلف عنه مِنَ المأثم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) الأم: تفريع فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) الآية. ففرض الله جهاد المشركين، ثم أبان مَن الذين نبدأ بجهادهم من المشركين، فأعلمهم أنهم الذين يلون المسلمين، وكان معقولاً في فرض اللَّه جهادهم أن أولاهم بأن يُجاهَد، أقربهم بالمسلمين داراً؛ لأنهم إذا قووا على جهادهم وجهاد غيرهم، كانوا على جهاد من قرب منهم أقوى، وكان من قرب أولى أن يُجاهد من قربه من عورات المسلمين، وأن نكاية من قَرُب أكثر من نكاية من بَعُد. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيجب على الخليفة إذا استوت حال العدو، أو كانت بالمسلمين عليهم قوة، أن يبدأ بأقرب العدو من ديار المسلمين؛ لأنهم الذين يلونهم، ولا يتناول من خلفهم من طريق المسلمين على عدو دونه، حتى

يحكم أمر العدو دونه، بأن يسلموا، أو يعطوا الجزية - إن كانوا أهل كتاب -. وأحِبُّ له: إن لم يرد تناول عدو وراءهم، ولم يُطِل على المسلمين عدو، أن يبدأ بأقربهم من المسلمين؛ لأنهم أولى باسم الذين يلون المسلمين، وإن كان كل يلي طائفة من المسلمين فلا أحبُّ أن يبدأ بقتال طائفة ئلي قوماً من المسلمين دون آخرين، وإن كانت أقرب منهم من الأخرى إلى قوم غيرهم، فإن اختلف حال العدو، فكان بعضهم أنكى من بعض أو أخوف من بعض، فليبدأ الإمام بالعدو الأخوف، أو الأنكى، ولا بأس أن يفعل - ذلك -، وإن كانت داره أبعد - إن شاء اللَّه تعالى - حتى ما يخاف ممن بدأ به، مما لا يخاف من غيره مثله، وتكون هذه بمنزلة ضرورة؛ لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها، وقد بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحارث بن أبي ضرار أنه يجمع له، فأغار النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه وقربه عدو أقرب منه، وبلغه أن خالد بن أبي سفيان بن نُبيح يجمع له، فأرسل ابن أنيس فقتله، وقربه عدو أقرب. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذه منزلة لا يتباين فيها حال العدو كما وصفت، والواجب أن يكون أول ما يُبْدَأ به سد أطراف المسلمين بالرجال، وإن قدر على الحصون والخنادق وكل أمر، دفع العدو قبل انتياب العدو في ديارهم؛ حتى لا يبقى للمسلمين طرف إلا وفيه من يقوم بحرب من يليه من المشركين، وإن قدر على أن يكون فيه أكثر فَعَل، ويكون القائم بولايتهم أهل الأمانة والعقل والنصيحة للمسلمين، والعلم بالحرب والنجدة، والأناة والرفق، والإقدام في موضعه، وقلة البطش والعجلة.

قال الله عز وجل: (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون (124)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله جل ذكره: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) وقال: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو كان هذا الإيمان كله واحداً لا نقصان فيه ولا زيادة، لم يكن لأحدٍ فيه فضل، واستوى الناس، وبطل التفضيل، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله في الجنة، وبالنقصان من الإيمان دخل المُفرِّطُون النار. قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن الله جل وعز، سَابَق بين عباده كما سُوبِق بين الخيل يوم الزهان، ثم انهم على درجاتهم من سبق عليه، فجعل كل امرئ على درجة سَبقِه، لا يُنقصه فيها حقه، ولا يُقَدَّم مسبوق على سابق، ولا مفضول على فاضل، وبذلك فُضل أول هذه الأمة على آخرها، ولو لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه، للحق أخر هذه الأمة بأولها.

قال الله عز وجل: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم (128)

قال أحمد بن حنبل رحمه الله: قد رأيت هذا الجواب عن الإيمان (لابن عبيد) أبسط من هذا، فإن صحت الحكايتان فيحتمل أن يكون (أبو عبيد) أخذه عن الشَّافِعِي، ثم زاد في البيان، ويحتمل أن يوافق قولٌ قولاً - والله أعلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان خيرتهُ - صلى الله عليه وسلم - المصطفى لوحيه، المنتخبُ لرسالته، المفضُّلُ على جميع خلقه، بفتح رحمته، وختم نبوته، وأعمُّ ما أرسل به مرسل قبله، المرفوعُ ذِكرُهُ مع ذِكر في الأولى، والشافع المشفع في الآخرة، أفضلُ خلقه نفْساً، وأجمعُهم لكل خُلُق رضيه في دين ودنيا، وخيرُهم نسباً وداراً، محمد عبده ورسوله، وعرَّفنا وخَلْقَه نِعَمَهُ الخاصةَ، العامةَ النفع في الدين والدنيا. فقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) . الرسالة (أيضاً) : باب (البيان الخامس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وعرفنا نِعَمَهُ - أي: على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بما خَصنا به من مكانه، فقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .

سورة يونس

سورة يونس قال الله عزَّ وجلَّ: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في آيات متفرقة سوى ما مضى: قال الشَّافِعِي رحمه الله: واستنبطت البارحة آيتين - فما أشتهي باستنباطهما الدنيا وما فيها -: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) وفي كتاب اللَّه، هذا كثير: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) فَتُعَطَّلُ الشفعاء إلا بإذن اللَّه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) الأم: باب (الصوم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه - عز وجل - وضع نبيه - صلى الله عليه وسلم - من كتابه ودينه بالموضع الذي أبان في كتابه، فالفرض على خلقه أن يكونوا عالمين بأنه لا يقول فيما أنزل

الله عليه إلا بما أنزل عليه، وأنه لا يخالف كتاب اللَّه، وأنه بيَّن عن اللَّه عز وعلا معنى ما أراد الله، وبيان ذلك في كتاب اللَّه - عز وجل -: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن حنطب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تركت شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئاً مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه" الحديث. الرسالة: ابتداء الناسخ والمنسوخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأبان اللَّه لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب، وأن السنة لا ناسخة للكتاب، وإنَّما هي للكتاب بمثل ما نزل نصاً، ومفسرة معنى ما أنزل الله منه جملاً، قال الله - عز وجل -: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) . فأخبر اللَّه أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه، ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه. وفي قوله تعالى: (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي) الآية. بيان ما وصفت، من أنه لا ينسخ كتاب اللَّه إلا كتابه، كما كان المبتدئ لفرضه، فهو المزيل المثبت لما شاء منه - جل ثناؤه - ولا يكون ذلك لأحد من خلقه.

قال الله عز وجل: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (25)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) مناقب الشَّافِعِي: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأنزل الله تعالى معه الكتاب المستبين، وبين على لسانه الدين القويم، ودعا إليه من جعله من أهل التكليف أجمعين، وهدى من أنعم عليه بالتوفيق الصراط المستقيم، فقال فيما أنزل عليه: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فتركه - صلى الله عليه وسلم - في أمته حتى بلَّغ الرسالة، وأدَّى النصيحة، وعلَّمهم الكتاب والحكمة، ثم قبضه إلى رحمته. مناقب الشَّافِعِي (أيضاً) : باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في إثبات المشميئة لله - عز وجل - وهي من صفات الذات. .) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فهدى الله تعالى بكتابه، ثم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، من أنعم عليه، يعني: من أنعم عليه بالسعادة والتوفيق للطاعة دون من حُرمِها، فبين بهذا أن الدعوة عامة، والهداية التي هي: التوفيق للطاعة، والعصمة عن المعصية خاصة، كما قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .

قال الله عز وجل: (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا)

قال الله عزَّ وجلَّ: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا) الأم: تفريع القَسْم والعدل بينهن: قال الشَّافِعِي رحمه الله: عماد القَسنم الليل، لأنه سكن، قال اللَّه تبارك وتعالى: (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا كان عند الرجل أزواج حرائر مسلمات أو كتابيات، أو مسلمات وكتابيات، فهن في القَسم سواء، وعليه أن يبيت عند كل واحدة منهن ليلة، وإذا كان فيهن أمَة قَسَمَ للحرة ليلتين وللأمة ليلة، ولا يكون له أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها؛ لأن الليل هو القَسم.

سورة هود

سورة هود بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة، سوى ما مضى: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى (في سورة هود عليه السلام) : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) الآية، فوعد الله كل من تاب مستغفراً: التمتع إلى الموت. ثم قال (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) الآية، أي: في الآخرة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلسنا نحن تائبين على حقيقة؛ ولكن علمٌ عَلِمَه الله؛ ما حقيقة التائبين: وقد مُتِّعْنَا في هذه الدنيا، تمتعاً حسناً؟

قال الله عز وجل: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) الرسالة: باب (بيان ما نزل من الكتاب عاماً يراد به الخاص ويدخله الخصوص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) الآية، فهذا عام لا خاص فيه، وكل دابة فعلى اللَّه رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ) فأقام جل ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه، في الأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم، وكانت الحجة بها ثابتة على من شاهد أمور الأنبياء، ودلائِلَهم التي باينوا بها غيرهم، ومن بعدهم، وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر.

قال الله عز وجل: (احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك)

قال الله عزَّ وجلَّ: (احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: واختلف الناس في آل محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال منهم قائل: آل محمد: أهل دين محمد، ومن ذهب هذا المذهب، أشبه أن يقول: قال الله تعالى لنوح عليه السلام: (احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ) الأم: باب (المواريث) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ) الآية، وقال عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) فنسب إبراهيم إلى أبيه، وأبوه كافر، ونسب ابن نوح إلى أبيه نوح. وابنه كافر.

قال الله عز وجل: (إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين (45) قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح)

الأم (أيضاً) : باب (الولاء والحِلْف) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) فميَّز اللَّه - عز وجل - بينهم بالدِّين، ولم يقطع الأنساب بينهم فدلَّ ذلك على أن: الأنساب ليست من الدين في شيء، الأنساب ثابتة لا تزول، والدين شيء يدخلون فيه أو يخرجون منه، ونسب ابن نوح إلى أبيه، وابنه كافر. مختصر المزني: باب (في الولاء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يقطع اختلاف الدين الولاء كما لا يقطع النسب، قال اللَّه جل ثناؤه: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ) الآية، فلم يقطع النسب باخئلاف الدِّين، فكذلك الولاء لمن أعتق سائبة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وحكى (الله تعالى) على لسان نوح عليه السلام. فقال: (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)

فأخرجه بالشرك عن أن يكون من أهل نوح عليه الصلاة والسلام. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي نذهب إليه في معنى هذه الآية: أن قول الله - عز وجل - (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ؛ يعني: الذين أمرناك بحملهم معك. فإن قال قائل: وما دل ما وصفت؟ قيل: قال الله - عز وجل -: (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) فأعلمه أنه أمره: بأن يحمل من أهله، من لم يسبق عليه القول، أنه أهل معصية، ثم بين له فقال: (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال قائل: آل محمد: أزواج النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكأنه ذهب، إلى أن الرجل يقال له: ألك أهل؟ فيقول: لا، وإنَّما يعني: ليست لي زوجة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا معنى يحتمل اللسان؛ ولكن معنى كلام لا يعرف، إلا أن يكون له سبب كلام يدل عليه، وذلك، أن يقال للرجل: تزوجت؟ فيقول: ما تأهلت فيعرف - بأول الكلام - أنه أراد: تزوجت، أو يقول الرجل: أجنبت من أهلي، فيعرف أن الجنابة إنما تكون من الزوجة. فأما أن يبدأ الرجل فيقول: أهلي ببلد كذا، أو أنا أزور أهلي، وأنا عزيز الأهل، وأنا كريم الأهل، فإنما يذهب الناس في هذا: إلى أهل البيت. وذهب ذاهبون: إلى أن آل محمد - صلى الله عليه وسلم -: قرابة محمد - صلى الله عليه وسلم -، التي ينفرد بها، دون غيرها من قرابته. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: آل محمد: الذين حرَّم الله عليهم الصدقة. وعوضهم منها الخمس.

قال الله عز وجل: (وإلى عاد أخاهم هودا)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإني لأحب أن يدخل مع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - أزواجه وذريته، حتى يكون قد أتى ما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا) الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا) الآية. انظر ما ورد سابقاً في تفسير الآية / (65) من سورة الأعراف، أو الفقرة / 1211 ص 437 من كتاب الرسالة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا) الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - اللَّه تعالى -: (وَالَن ثَمُودَ أضَاهُنم صبحَا) الآية، انظر ما ورد سابقاً في تفسير الآية / (65) من سورة الأعراف، أو الفقرة / 1211، ص / 437 من كتاب الرسالة.

قال الله عز وجل: (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام)

قال الله عزَّ وجلَّ: (تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) الزاهر باب (اللعان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفد متَّع اللَّه - عز وجل - من قضى بعذابه ثلاثاً. قال الأزهري رحمه الله: أراد، قول اللَّه - عز وجل -: (تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) الآية، معناه: انتفعوا بالبقاء والمهلة في داركم ثلاثة أيام. وأصل المتاع: المنفعة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) أحكام القرآن: (ما يوثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ونبه الله تعالى أن ما نسب من الولد إلى أبيه: نعمة من نعمه، فقال: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) الآية.

قال الله عز وجل: (أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض)

انظر ما ورد سابقاً في تفسير الآية / (65) من سورة الأعراف، أو الفقرة / 1211، ص / 437 من كتاب الرسالة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) الزاهر باب (قتال أهل البغي) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله - عز وجل -: (أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) الآية. قيل: أولو دين وطاعة، وقيل: أولو تمييزٍ وعقلٍ.

سورة يوسف

سورة يوسف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) الأحياء: ورُوي أن عبد القاهر بن عبد العزيز كان رجلاً صالحاً ورعاً. وكان يسأل الشَّافِعِي رحمه الله عن مسائل في الورع، والشَّافِعِي رحمه الله يُقبل عليه لورعه. وقال للشافعي رحمه الله تعالى يوماً: أيما أفضل الصبر، أو المحنة، أو التمكين؛ فقال الشَّافِعِي رحمه الله: التمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مُكِّن، ألا ترى أن الله - عز وجل - امتحن إبراهيم عليه السلام ثم مَكَّنه،، وامتحن موسى عليه السلام ثم مَكنه، وامتحن أيوب عليه السلام ثم مَكنه، وامتحن سليمان عليه السلام ثم مَكنه وآتاه ملكاً، والتمكين أفضل الدرجات، قال اللَّه - عز وجل -: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) الآية. وأيوب عليه السلام بعد المحنة العظيمة مُكِّن قال الله تعالى: (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) .

قال الله عز وجل: (وقال نسوة في المدينة)

قال الغزالي رحمه اللَّه: فهذا الكلام من الشَّافِعِي رحمه اللَّه يدل على تبحره في أسرار القرآن، واطلاعه على مقامات السائرين إلى اللَّه تعالى من الأنبياء والأولياء. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) مختصرالمزني: باب (ما يكون قذفاً ولا يكون) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعض الناس إذا قال لها: يا زان، لاعَنَ أو حُدَّ. لأن اللَّه تعالى يقول: (وَقَالَ نِسْوَةٌ) الآية. وقال - أي بعض الناس - ولو قالت له: يا زانية لم تحد. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا جهل بلسان العرب، إذا تقدم فعل الجماعة من النساء كان الفعل مذكراً، مثل: قال نسوة، وخرج النسوة. وإذا كانت واحدة فالفعل مؤنث، مثل: قالت، وجلست، وقائل هذا القول يقول: لو قال رجل زنأت في الجبل، حُدَّ له، وإن كان معروفاً عند العرب أنه: صعدت في الجبل. قال الشَّافِعِي رحمه الله: يُحَلَّف ما أراد.

قال الله عز وجل: (وادكر بعد أمة)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) : أخبرنا أبو عبد الله (الحسين بن محمد بن فنجويه) بالدامغان، أخبرنا الفضل ابن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: سمعت أبا عبد اللَّه (ابن أخي ابن وهب) يقول: سمعت الشَّافِعِي بقول: الأمة على ثلاثة وجوه: 1 - قال تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) قال: على دين. 2 - وقوله تعالى: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) قال: بعد زمان. 3 - وقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ) قال: معلماً. * * * قال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا) الأم: الخلاف في اليمين مع الشاهد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له - أي: للمحاور - الشهادة على علمه أولى أن لا يشهد بها حتى يسمعها من المشهود عليه، أو يراها، أو اليمين.

قال: كل لا ينبغي إلا هكذا، وإن الشهادة لأولاهما أن لا يشهد منها؛ إلا على ما رأى أو سمع، قلت: لأن الله - عزَّ وجلَّ حكى عن قوم أنهم قالوا: (وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا) الآية. وقال: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) قال: نعم. الأم (أيضاً) : باب (التحفط في الشهادة) أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وحكى - الله تعالى - أن إخوة يوسف، وصفوا أن شهادتهم كما ينبغي لهم، فحكى - الله تعالى - أن كبيرهم قال: (ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يسع شاهداً أن يشهد إلا بما علم، والعلم من ثلاثة وجوه. 1 - منها: ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة. 2 - ومنها: ما سمعه، فيشهد ما أثبت سمعاً من المشهود عليه. 3 - ومنها: ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وتثبت معرفته في القلوب، فيشهد عليه بهذا الوجه. وما شهد به رجل على رجل أنه فعله، أو أقرَّ به، لم يجز إلا أن يجمع أمرين:

قال الله عز وجل: (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون (82)

أحدهما: أن يكون يثبته بمعاينة. والآخر: أن يكون يثبئه سمعاً مع إثبات بصر حين يكون الفعل. وبهذا قلت: لا تحوز شهادة الأعمى إلا أن يكون أثبت شيئاً معاينة، أو معاينة وسمعاً ثم عَمِيَ، فتجوز شهادته؛ لأن الشهادة إنما تكون يوم يكون الفعل الذي يراه الشاهد، أو القول الذي أثبته سمعاً وهو يعرف وجه صاحبه، فإذا كان ذلك قبل يُعمَى، ثم شهد عليه حافظاً له بعد العمى جاز، وإذا كان القول والفعل وهو أعمى لم يجز، من قِبَلِ أن الصوت يشبه الصوت. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) الرسالة: اللفظ الذي يدل لفطه على باطنه دون ظاهره: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى، وهو يحكي قول إخوة يوسف لأبيهم: (وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) الآيتان. فهذه الآية في مثل معنى الآيات قبلها، لا تختلف عند أهل العلم باللسان، أنهم إنما يخاطبون أباهم بمسألة أهل القرية وأهل العير؛ لأن القرية والعير لا ينبئان عن صدقهم.

قال الله عز وجل: (إن الله يجزي المتصدقين (88)

قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) آداب الشافعى: في أخبارالسلف: أخبرنا عبد الرحمن، حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقف أعرابي على عبد الملك بن مروان، فسلَّم؛ ثم قال: أي - رحمك اللَّه -؛ إنه مرت بنا سنون ثلاث، فأما إحداها: فأكلت المواشي؛ وأما الثانية: فانضت اللحم؛ وأما الثالثة: فخلُصت إلى العظم، فإن يك عندك مال اللَّه؛ فأعطه عباد اللَّه، وإن يك لك: فتصدق علينا (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) الآية. فأعطاه عشرة آلاف درهم، وقال: لو كان الناس يحسنون أن يسألوا هكذا، ما حرمنا أحداً. وزادني أبي، عن الربيع، عن الشَّافِعِي أئه قال: وعندك: مال اللَّه، فإن يك لله - عز وجل -، فأعطه عباد اللَّه.

سورة الرعد

سورة الرعد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ) الأم (أيضاً) : الإشارة إلى المطر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبلغني عن مجاهد أنه قال: وقد سمعت من تصيبه الصواعق، كأنه ذهب إلى قول اللَّه - عز وجل -: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ) الآية. وسمعت من يقول: الصواعق ربما قتلت وأحرقت. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الأم: باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: - قال المحاور -: ولكن أرأيت العام في القرآن، كيف جعلته عامًّا مرة وخاصاً أخرى؟ قلت له لسان العرب واسع، وقد تنطق بالشيء

قال الله عز وجل: (إنما يتذكر أولو الألباب (19)

عاماً تريد به العام، وعاماً تريد به الخاص فَيَبِينُ في لفظها، ولست أصير في ذلك بخبر إلا بخبر لازم، وكذلك أنزل في القرآن فبَيَّن في القرآن مرة، وفي السنة أخرى. قال: فاذكر منها شيئاً، قلت: قال الله - عزَّ وجلَّ -: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الآية، فكان مخرجاً بالقول عامًّا يراد به العام. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن غُلِبَ على عقله بعارض أو مرض - أي مرض كان - ارتفع عنه الفرض، لقول الله تعالى: (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) وقوله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الآية، وإن كان معقولاً أن لا يخاطب بالأمر والنهي إلا من عَقَلَهُمَا. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر الله - عزَّ وجلَّ - الوفاء بالعقود: بالأيمان، في آية من كتابه منها: قوله - عز وجل -: (يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) الآية. مع ما ذكر به الوفاء بالعهد.

قال الله عز وجل: (أولئك لهم اللعنة)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: هذا من سعة لسان العرب الذي خوطبت به. فظاهره عام على كل عقد، ويشبه - والله أعلم - أن يكون اللَّه تبارك وتعالى أراد: أن يوفوا بكل عقد - كان بيمين، أو غير يمين - وكل عقدِ نذرِ، إذا كان في العَقْدَين للهِ طاعة، أو لم يكن له - فيما أمر بالوفاء منها - معصية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) آداب الشَّافِعِي: باب (ما ذكر من معرفة الشَّافِعِي اللغات، وما فسَّر من غريب الحديث، وغريب الكلام) أخبرنا أبو الحسن، حدثنا أبو محمد، حدثنا أبي، حدثنا حرملة قال: سمعت الشَّافِعِي رحمه الله، يقول في حديث عائشة رضي الله عنها: حيث قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "واشئرطي لهم الولاء" الحديث. معناه: اشترطي عليهم الولاء، قال الله عزَّ وجلَّ: (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) الآية، يعني: عليهم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام. وصحة اعتقاده فيها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه جل ذكره، فرض الإيمان على جوارح بني آدم، فقسمه فيها، وفرَّقه عليها، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى: -

قال الله عز وجل: (وكذلك أنزلناه حكما عربيا)

فمنها: (قلبه) الذي يعقل به، ويفقه، ويفهم، وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح، ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره. ومنها: (عيناه) اللتان ينظر بهما، و (أذناه) اللتان يسمع بهما، و (يداه) اللتان يبطش بهما، و (رجلاه) اللتان يمشي بهما، و (فرجه) الذي البَاهُ من قُبُلِه، و (لسانه) الذي ينطق به، و (رأسه) الذي فيه وجهه. .. فأما فَرضُ اللَّه على القلب من الإيمان: فالإقرار، والمعرفة، والعقد، والرضا والتسليم بأن اللَّه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم -، عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند اللَّه من نبيٍّ أو كتاب. فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب، وهو عمله، قال - سبحانه وتعالى -: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الآية - وذكر الآيات التالية / 106 من سورة النحل، و 28 من سورة الرعد، و 41 من سورة المائدة، و 284 من سورة البقرة -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) الرسالة: باب (البيان الخامس) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: الرسل قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا يرسَلون إلى قومهم خاصة، وإن محمداً بعث إلى الناس كافة، فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان قومه خاصة، ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه وما أطاقوا منه،

ويحتمل أن يكون بُعث بألسنتهم: فهل من دليل على أنه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم؟ فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض، فلا بد أن يكون بعضهم تبعاً لبعض، وأن يكون الفضل في اللسان المتَّبع على التابع. وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز - واللَّه أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل كل لسان تبع للسانه، وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه، وقد بين اللَّه ذلك في غير آية من كتابة - منها -: وقال اللَّه تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها.. أحكام القرآن: فصل (فيما ذكره الشَّافِعِي رحمه الله في التحريض على تعلم أحكام القرآن) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن جماع كتاب اللَّه - عز وجل -، العلم بأن جميع كتاب اللَّه إنما نزل بلسان العرب، والمعرفة بناسخ كتاب اللَّه ومنسوخه، والفرض في تنزيله، والأدب، والإرشاد، والإباحة، والمعرفة بالوضع الذي وضع اللَّه نبيه صلوات اللَّه عليه وسلامه، من الإبانة عنه فيما أحكم فرضه في كتابه، وبيَّنه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وما أراد بحميع فرائضه: أأراد كل خلقه؟ أم بعضهم دون بعض؟ وما افترض على الناس من طاعئه والانتهاء إلى أمره؛ ثم معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الذوال على طاعته، المبينة لاجتناب معصيته، وترك الغفلة عن الحظ، والازدياد من نوافل الفضل.

قال الله عز وجل: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب (39)

فالواجب على العالمين ألا يقولوا إلا من حيث علموا، ثم ساق الكلام إلى أن قال: والقرآن يدل على أن ليس في كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، قال الله - عزَّ وجلَّ: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) الآية، فأقام حجته بأن كتابه عربي. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) الرسالة: ابتداء الناسخ والمنسوخ قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأبان اللَّه لهم، أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب، وأن السنة لا ناسخة للكتاب، وإنما هي تبع للكتاب بمثل ما نزل نصاً؛ ومفسرة معنى ما أنزل الله منه جملاً، قال الله: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) . فأخبر اللَّه أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه، ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه. وفي قوله: (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي) الآية. بيان ما وصفت، من أنه لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه، كما كان المبتدئ لفرضه: فهو المزيل المثبت لما شاء منه - جل ثناؤه - ولا يكون ذلك لأحد من خلقه. وكذلك قال: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) . وقد قال بعض أهل العلم: في هذه الآية - واللَّه أعلم - دلالة على أن اللَّه جعل لرسوله أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم يُنزل به كتاباً - واللَّه أعلم -.

قال الله عز وجل: (لا معقب لحكمه)

وقيل: في قوله: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ) الآية. يمحو فرض ما يشاء، ويثبت فرض ما يشاء، وهذا يشبه ما قيل - والله أعلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) أحكام القرآن: مبتدأ التنزيل، والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: لما بعث الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنزل عليه فرائضه كما شاء: (لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) الآية. ثم اتبع كل واحد منها، فرضاً بعد فرض في حين غيرِ حينِ الفرض قبله. أحكام القرآن (أيضاً) : فصل في النسخ أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه خلق الناس لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم، (لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) الآية.

سورة إبراهيم

سورة إبراهيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فليست تنزل بأحدٍ من أهل دين الله نازلة، إلا وفي كتاب اللَّه الدليل على سبيل الهدى فيها، قال الله تبارك وتعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) . مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الفقه) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ثناؤه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) الآية، وذكر آيتين غيرها من سورة النحل / 44 و 89.

قال الله عز وجل: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فجماع ما أبان الله - عزَّ وجلَّ، لخلقه في كتابه مما تعبدهم به لما مضى في حكمه جل ثناؤه، من وجوه: 1 - فمنها: ما أبانه لخلقه نصاً، مثل جُمَل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وحجاً وصوماً، وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونص على الزنا والخمر وأكل الميئة والدم ولحم الخنزير، وبين لهم كيف فَرضُ الوضوء، مع غير ذلك مما بيَّن نصاً. 2 - ومنه: ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها، وغير ذلك من فرائضه التي أنزل في كتابه. 3 - ومنه: ما سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما ليس لله فيه نصُّ حكمٍ. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) الرسالة: باب (البيان الخامس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل. ما الحجة في أن كتاب اللَّه محضن بلسان العرب، لا يخلطه فيه غيره. فالحجة فيه كتاب اللَّه، قال اللَّه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) .

قال الله عز وجل: (خلق السماوات والأرض)

قال الله عزَّ وجلَّ: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الرسالة: باب (بيان ما نزل من الكتاب عامًّا يريد به العام ويدخله الخصوص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكل شيء من سماء وأرض وذي روح وشجر وغير ذلك، فالله خلقه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) الأم: باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فسمعت بعض من أرضى من أهل العلم، يذكر: أن اللَّه تبارك وتعالى لما أمر بهذا إبراهيم عليه السلام، وقف على المقام فصاح صيحة: (عباد اللَّه أجيبوا داعي الله) فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فمن حج البيت بعد دعوته، فهو ممن أجاب دعوته ووافاه من

وافاه يقولون: (لبيك داعي ربنا لبيك) وقال اللَّه - عز وجل -: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) . فكان ذلك دلالة كتاب اللَّه - عز وجل - فينا وفي الأمم، على أن الناس مندوبون إلى إتيان البيت بإحرام، وقال اللَّه (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) . وقال: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان مما ندبوا به إلى إتيان الحرم بالإحرام.

سورة الحجر

سورة الحجر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والريح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني من لا أتهم، قال: حدثنا العلاء بن راشد. عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه وقال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما في كتاب اللَّه - عز وجل -: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) و (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) وقال: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) الآية. و (أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) الآية.

قال الله عز وجل: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم (87)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني من لا أتهم قال: أخبرنا صفوان بن سليم قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا نسبوا الريح وعوذوا بالله من شرِّها" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا ينبغي لأحد أن يسبَّ الريح فإنها خلق لله - عز وجل - مطيع، وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمَة إذا شاء. أخبرنا الثقة، عن الزهري، عن ثابت بن قيس، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: أخذت الناس ريح بطريق مكة، وعمر حاج فاشتدت، فقال عمر لمن حوله: ما بلغكم في الريح؟ فلم يرجعوا إليه شيئاً، فبلغني الذي سأل عنه عمر من أمر الريح، فاستحثثتُ راحلتي حتى أدركت عمر، وكنت في مؤخر الناس. فقلت يا أمير المؤمنين: أخبرت أنك سألت عن الريح، وإني سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فلا تسبوها، واسألوا الله من خيرها، وعوذوا بالله من شرها" الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) الأم: باب (القراءة بعد التعوذ) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جرير قال: أخبرني أبي، عن سعيد بن جبير: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي)

قال الله عز وجل: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين (94) إنا كفيناك المستهزئين (95)

قال: هي أم القرآن. قال أبي: وقرأها علي سعيد بن جبير حتى ختمها، ثم قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الآية السابعة، قال سعيد: وقرأها علي ابن عباس كما قرأتها عليك، ثم قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الآية السابعة، قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: "فذخرها لكم فما أخرجها لأحد قبلكم" الحديث. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: - في كتاب البويطي - قال الله جل ثناؤه: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) وهي: أم القرآن، أولها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. - ثم ذكر ما ورد في الأم (الفقرة السابقة) حرفياً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم على الناس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاستهزأ به - أي: برسول اللَّه - قوم فنزل عليه بهم (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) . الآيتان.

قال الله عز وجل: (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون (97) فسبح بحمد ربك)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم على الناس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأنزل اللَّه - عز وجل - فيما يثبّته به إذا ضاق من أذاهم: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) إلى آخر السورة، ففرض عليه إبلاغهم وعبادته - سبحانه -، ولم يفرض عليه قتالهم، وأبان ذلك في غير آية من كتابه، ولم يأمره بعزلتهم.

سورة النحل

سورة النحل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) أحكام القرآن: فصل (في معرفة العموم والخصوص) أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الآية، فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء من سماء، وأرض، وذي روح، وشجر، وغير ذلك، فالله خالقه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ) أحكام القرآن: فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات: أخبرنا أبو سعيد (محمد بن موسى) ، حدثنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع قال:

قال الله عز وجل: (فيه تسيمون (10)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: بدأ الله جل ثناؤه خلق آدم عليه السلام من ماء وطين، وجعلهما معاً طهارة؛ وبدأ خلق ولده من ماء دافق - فكان فيه ابتداء خلق آدم من الطاهِرَينِ اللذين هما الطهارة -، دلالة لابتداء خلق غيره: أنه من ماء طاهر لا نجس. وقال في الإملاء بهذا الإسناد -: المني ليس بنجس؛ لأن الله جل ثناؤه كرم من أن يبتدئ خلق من كرَّمهم، وجعل منهم النبيين، والصديقين. والشهداء، والصالحين، وأهل جنته، من نجس، فإنه يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) . وقال جل ثناؤه: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ) ولو لم يكن في هذا، خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان ينبغي أن تكون العقول تعلم: أن اللَّه لا يبتدئ خلق من كرَّمه وأسكنه جنَّته من نجس، فكيف مع ما فيه من الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه كان يصلي في الثوب، قد أصابه المني؛ فلا يغسله إنما يمسح رطباً، أو يحت يابساً" الحديث. على معنى: التنظيف، مع أن هذا قول سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وعائشة وغيرهم رضي اللَّه عنهم أجمعين. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فِيهِ تُسِيمُونَ (10) الزاهر باب (ما يُسقط الصدقة عن الماشية) قال الشَّافِعِي رحمه الله: في سائمة الغنم زكاة، وكذلك الإبل.

قال الله عز وجل: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون (16)

والسائمة هي: الراعية غير المعلوفة، يقال سامت الماشية تسُوم سَوماً: إذا رعت، وأسامها راعيها: إذا رعاها، والسَّوام: ما رعى من المال، قال اللَّه - عز وجل -: (فِيهِ تُسِيمُونَ) أراد - واللَّه أعلم - بالشجر أصناف المرعى من العشب والخُلَّة والحَمض وغيرها مما يرعاها المواشي. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) الأم: باب (استقبال القبلة) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: وقال اللَّه - عز وجل -: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فنصب الله - عزَّ وجلَّ لهم البيت والمسجد، فكانوا إذا رَأوه، فعليهم استقبال البيت؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى مستقبله، والناس معه حوله من كل جهة، ودلهم بالعلامات التي خلق لهم، والعقول التي ركب فيهم على قصد البيت الحرام، وقصد المسجد الحرام: وهو قصد البيت الحرام. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قيل فبم يُتوجه إلى البيت؟ قيل: قال اللَّه تعالى: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) الآية. وكانت العلامات جبالاً يعرفون

قال الله عز وجل: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (44)

مواضعها من الأرض، وشمساً، وقمراً، ونجماً، مما يعرفون من الفَلَك، ورياحاً يعرفون مهابَّها على الهواء، تدل على قصد البيت الحرام. الرسالة: باب (الاجتهاد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) فأخبر أنهم يهتدون بالنجم والعلامات، فكانوا يعرفون كنه جهة البيت. بمعونته لهم، وتوفيقه إياهم، باق قد رآه من رآه منهم في مكانه، وأخبر من رآه منهم مَن لم يره، وأبصر ما يُهتدى به إليهم، من جبل يُقصَد قَصدُه، أو نجم يُؤتم به، وشمال وجنوب، وشمس يعرف مطلِعُها ومغربُها، وأين تكون من المصلِّي بالعشى، وبحور كذلك. وكان عليهم تكلف الدلالات بما خلق لهم من العقول التي ركبها فيهم. ليقصدوا قصد التوجه للعين التي فَرَضَ عليهم استقبالها. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: الحمد لله على جميع نعمه بما هو أهله، وكما ينبغي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله،

قال الله عز وجل: (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين (66)

بعثه بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فهدى بكتابه، ثم على لسان نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بما أنعم - الله - عليه، وأقام الحجة على خلقه، لئلا يكون للناس على اللَّه حجة بعد الرسل، وقال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) الآية. الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فليست تنزل بأحدٍ من أهل دين اللَّه نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، وقال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الآية. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الفقه) : انظر تفسير الآية الأولى من سورة إبراهيم عليه السلام، فهي متعلقة بهذه الآية، ولا حاجة للتكرار فيما سبق ذكره. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) الأم: باب (السلف في العطر وزْناَ) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكل ما لا ينقطع من أيدي الناس من العطر. وكانت له صفة ليعرف بها، ووزن جاز السلف فيه. . .

وقد زعم بعض أهل العلم بالمسك: أنه سرة دابة كالظبي تلقيه في وقت من الأوقات، وكأنه ذهب إلى أنه دم يُجَمَّع، فكأنه يذهب إلى أن لا يحل التطيب به كما وصفت. قال - أي: المحاور - كيف جاز لك أن تجيز التطيب بشيء وقد أخبرك أهل العلم أنه ألقي من حي، وما ألقي من حي كان عندك في معنى الميتة، فلم تأكله؟ فقلت له: قلتُ به خبراً وإجماعاً وقياساً. قال: فاذكر فيه القياس، قلت الخبر أولى بك، قال: سأسالك عنه، فاذكر فيه القياس. قلت: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) فأحل شيئاً يخرج من حي إذا كان من حي يجمع معنيين الطيب، وأن ليس بعضو منه ينقصه خروجه منه، حتى لا يعود مكانه مثله، وحرم الدم من مذبوح وحي، فلم يحل لأحد أن يأكل دماً مسفوحاً من ذبح أو غيره، فلو كنا حرمنا الدم؛ لأنه يخرج من حي أحللناه من المذبوح ولكنا حرمناه لنجاسته، ونص الكتاب به مثل: البول، والرجيع من قِبَل أنه ليس من الطيبات، قياساً على ما وجب غسله مما يخرج من الحي من الدم، وكان في البول والرجيع، يدخل به طيِّباً ويخرج خبيثاً. ووجدت الولد يخرج من حي حلالاً، ووجدت البيضة تخرج من بائضتها حية فتكون حلالاً، بأن هذا من الطيبات، فكيف أنكرت في المسك الذي هو غاية من الطيبات، إذا خرج من حي أن يكون حلالاً؟! . .. قال: فما الخبر؟ قلت: أخبرنا الزنجي، عن موسى بن عقبة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أهدى للنجاشي أواقي مسك فقال لأم سلمة رضي اللَّه عنها: "إني قد أهديت

للنجاشي أواق مسك ولا أراه إلا قد مات قبل أن يصل إليه، فإن جاءتنا وهبت لك كذا". فجاءته فوهب لها ولغيرها منه، الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت: لا أعلم أحداً من أهل العلم خالف في أنه لا بأس ببيع العنبر، ولا أحد من أهل العلم بالعنبر قال في العنبر، إلا ما قلت لك من أنه نبات، والنبات لا يحرم منه شيء. قال فهل فيه أثر؟ قلت: نعم. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، سُئل عن العنبر، فقال: "إن كان فيه شيء ففيه الخمس" الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أذينة، أن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: "ليس في العنبر زكاة، إنَّما هو شيءٌ دَسَرَهُ البحر" الحديث.

قال الله عز وجل: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا)

قال الله عزَّ وجلَّ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا) الأم: تسري العبد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) الآية. قال الشَّافِعِي: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من باع عبداً وله مال، فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع" الحديث. قال: فدل الكتاب والسنة أن العبد لا يكون مالكاً مالاً بحال، وأن ما ئسب إلى ملكه إنما هو إضافة اسم مِلك إليه لا حقيقة، كما يقال للمعلم: غلمانك، وللراعي: غنمك، وللقيم على الدار: دارك إذا كان يقوم بأمرها، فلا يحل - واللَّه تعالى أعلم - للعبد أن يتسرى، أذن له سيده أم لم يأذن له؛ لأن اللَّه تعالى إنما أحل التسري للمالكين، والعبد لا يكون مالكاً بحال، وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية، من عبد قد عُتق بعضه، أو مكاتب، أو مدَبر، ولا يحل له أن يطأ بملك يمين بحال حتى يعتق. والنكاح يحل له بإذن مالكه. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في النكاح والصداق: قال البيهقي رحمه الله: وذهب الشَّافِعِي في القديم: إلى أن للعبد أن يشتري إذا أذن له سيده، وأجاب عن قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ)

قال الله عز وجل: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون (78)

بأن قال إنما هذا - عندنا - عبد ضربه الله مثلاً، فإن كان عبداً، فقد يُزعَمُ أن العبد يقدر على أشياء منها: ما يُقِرُّ به على نفسه (من الحدود التي تتلِفه أو تنقُصُه) ومنها: ما إذا أذِنَ له في التجارة، جاز بيعه وشراؤه وإقراره. فإن اعتُل بالإذن: فالشرى بإذن سيده أيضاً، فكيف يملك بأحد الأذنَين، ولا يملك بالآخر؟! ثم رجع الشَّافِعِي رحمه اللَّه عن هذا في الجديد " واحتج بهذه الآية، والآيتين / 5 و 6 الواردتين في سورة (المؤمنون) ، والآيتين / 29، 30 في سورة (المعارج) . ثم ذكر ما أوردناه في الأم في (الفقرة السابقة) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في قتال أهل البغي والمرتد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وعَرَّف الله سبحانه وتعالى جميع خلقه - في كتابه - أن لا علم لهم إلا ما عَلَّمهم فقال: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا) الآية، ثم علمهم بما آتاهم من العلم، وأمرهم بالاقتصار عليه. وأن لا يتولوا غيره إلا بما علَّمهم.

قال الله عز وجل: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً) الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: الحمد لله على جميع نعمه بما هو أهله، وكما ينبغي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، بعثه بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فهدى بكتابه، ثم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - بما أنعم عليه، وأقام الحجة على خلقه، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وقال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً) الآية. الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال لي قائل يُنسب إلى العلم بمذهب أصحابه: أنت عربي والقرآن نزل بلسان من أنت منهم، وأنت أدرى بحفظه، وفيه لله فرائض أنزلها، لو شك شاك - قد تلبَّس عليه القرآن عرف منها - استتبته، فإن

تاب وإلا قتلته، وقد قال الله - عزَّ وجلَّ - في القرآن: (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ الآية، فكيف جاز عند نفسك، أو لأحد في شيء فرض اللَّه، أن يقول مرة: الفرض فيه عام. ومرة: الفرض فيه خاص. ومرة الأمر فيه فرض. ومرة: الأمر فيه دلالة. وإن شاء ذو إباحة؛ وأكثر ما فرقت بينه من هذا عندك، حديث ترويه عن رجل، عن آخر، عن آخر، أو حديثان أو ثلاثة، حتى تبلغ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا تبرئون أحداً لقيتموه وقدمتموه في الصدق والحفظ، ولا أحداً لقيت ممن لقيتم من أن يغلط، وينسى، ويخطئ في حديثه. بل وجدتكم تقولون لغير واحد منهم: أخطأ فلان في حديث كذا، وفلان في حديث كذا، ووجدتكم تقولون: لو قال رجل لحديث أحللتم به، وحرمتم من علم الخاصة: لم يقل هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أخطأتم أو من حدثكم، وكذبتم أو من حدثكم، لم تستتيبوه، ولم تزيدوا على أن تقولوا له: بئس ما قلت! أفيجوز أن يُفرَّق بين شيء من أحكام القرآن، وظاهره واحد عند من سمعه، بخبر من هو كما وصفتم فيه؛ وتقيمون أخبارهم مقام كتاب اللَّه وإنكم تعطون بها وتمنعون بها؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت: إنما نعطي من وجه الإحاطة، أو من جهة الخبر الصادق، وجهة القياس، وأسبابها عندنا مختلفة، وإن أعطينا بها كلها فبعضها أثبت من بعض. قال: ومثل ماذا؟ قلت: إعطائي من الرجل بإقراره، وبالبينة، وإبائه اليمين وحَلِفِ صاحبه. والإقرار أقوى من البينة، والبينة أقوى من إباء اليمين ويمين صاحبه، ونحن وإن أعطينا بها عطاء واحداً فأسبابها مختلفة.

قال: وإذا قمتم على أن تقبلوا أخبارهم، ومنهم ما ذكرت من أمركم بقبول أخبارهم وما حجتكم فيه على من ردها؟ فقال: لا أقبل منها شيئاً إذا كان يمكن فيه الوهم، ولا أقبل إلا ما أشهدُ به على اللَّه، كما أشهدُ بكتابه الذي لا يسع أحداً الشك في حرف منه، أو يجوز أن يقوم شيء مقام الإحاطة وليس بها؟! فقلت له: من علم اللسان الذى به كتب كتاب - اللَّه - عز وجل - وأحكام اللَّه تعالى، لله علمه بهما على قبول أخبار الصادقين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والفرق بين ما دلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الفرق بينه من أحكام الله، وعَلِمَ بذلك مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كتاب اللَّه ودينه، وأهل دينه، وأن الله وضعه في موضع الإبانة عنه ما أراد بفرضه عاماً وخاصاً، وفرضاً وواجباً وافترض طاعته - إذ كنتَ لم تشاهده - خَبَرُ الخاصة والعامة. قال: نعم، ثم استشهد له بالآية الكريمة: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) . الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فليست تنزل بأحد من أهل دين اللَّه نازلة إلا وفي كتاب اللَّه الدليل على سبيل الهدى فيها. . .، وقال - سبحانه وتعالى -: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) .

أحكام القرآن: فصل (في النسخ) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه خلق الناس لما سبق في علمه لما أراد بخلقهم وبهم، وأنزل عليهم الكتاب: (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) الآية. وفرض فيه فرائض أثبتها، وأخرى نسخها، رحمة بخلقه بالتخفيف عنهم، وبالتوسعة عليهم، زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم جنته والنجاة من عذابه، فعمَّتهم رحمته فيما أثبت ونسخ، فله الحمد على نعمه. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الفقه) : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس (محمد بن يعقوب) قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ثناؤه: (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) الآية. ثم ذكر ما ورد في تفسير الآية الأولى من سورة إبراهيم عليه السلام فليرجع إليها.

قال الله عز وجل: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (98)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) ثم قال: (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) إلى قوله: (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ) أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر الله - عزَّ وجلَّ الوفاء بالعقود: بالإيمان، في غير آية من كتابه، منها قوله: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) ثم: (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) إلى قوله: (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ) الآيتان. مع ما ذكر به الوفاء بالعهد. قال الشَّافِعِي رحمه الله: هذا من سَعَة لسان العرب الذي خوطبت به. فظاهره عام على كل عقد. ويشبه - والله أعلم - أن يكون الله - تبارك وتعالى - أراد: أن يوفوا بكل عقد كان بيمين، أو غير يمين، وكل عقد نذر: إذا كان في العَقدَين لله طاعة، أو لم يكن له - فيما أمر الوفاء منها - معصيته. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) الأم: باب (التعوذ بعد الافتتاح) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) . أخبرنا الربيع قال:

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن سعد بن عثمان، عن صالح بن أبي صالح، أنه سمع أبا هريرة رضي اللَّه عنه وهو يؤم الناس رافعاً صوته: "ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم" في المكتوبة، وإذا فرغ من أم القرآن. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان ابن عمر رضي اللَّه عنهما يتعوذ في نفسه. وأيهما فعل الرجل أجزأه إن جهر أو أخفى، وكان بعضهم يتعوذ حين يفتتح قبل أم القرآن، وبذلك أقول، وأحبُّ أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وأي كلام استعاذ به أجزأه، ويقوله في أول ركعة، وقد قيل: إن قاله حين يفتتح كل ركعة قبل القراءة فحسن. ولا آمر به في شيء من الصلاة، أمرت به في أول ركعة، وإن تركه ناسياً. أو جاهلاً، أو عامداً، لم يكن عليه إعادة، ولا سجود سهو، وكره له تركه عامداً. وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها، وإنَّما منعني أن آمره أن يعيد" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علَّم رجلاً ما يكفيه في الصلاة فقال: "كبِّر ثم اقراً ... " الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يرو عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمره بتعوذ ولا افتتاح، فدلَّ على أن افتتاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختيار، وأن التعوذ ممن لا يفسد الصلاة إن تركه.

قال الله عز وجل: (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون (101)

أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحب أن يقول حين يفتتح قبل أم القرآن: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأي كلام استعاذ به أجزأه. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: في الإملاء - بهذا الإسناد - ثم يبتدأ فيتعوذ ويقول أعوذ بالسميع العليم، أو يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أو أعوذ بالله أن يحضرون، لقول اللَّه - عز وجل -: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) الرسالة: ابتداء الناسخ والمنسوخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأخبر اللَّه أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه، وفي قوله تعالى: (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي)

قال الله عز وجل: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين (103)

بيان ما وصفت، من أنه لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه، كما كان المبتدئ لفرضه، فهو المزيل المُثبِتُ لما شاء منه جل ثناؤه. ولا يكون ذلك لأحد من خلقه. وفي كتاب اللَّه دلالة عليه: قال اللَّه: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) . فأخبر اللَّه بما أن نسخ القرآن وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله وقال: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ) الآية. وهكذا سنة رسول الله: لا ينسخها إلا سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو أحدث اللَّه لرسوله في أمر سنَّ فيه غير ما سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - لسن فيما أحدث الله إليه، حتى يبين للناس أن له سنة ناسخة للتي قبلهما مما يخالفها. وهذا مذكور في سنته - صلى الله عليه وسلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) الرسالة: باب (البيان الخامس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأقام - الله - عزَّ وجلَّ - حجته بأن كتابه عربي - في كل آية ذكرناها -، ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه - جل ثناؤه - كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه.

الأولى: فقال تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) . الثانية: وقال: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال منهم قائل: إن في القرآن عربياً وأعجمياً. والقرآن يدل على أن ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، ووجد قائل هذا القول من قبل ذلك منه، تقليداً له، وتركا للمسألة له عن حجته، ومسألة غيره ممن خالفه، وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، والله يغفر لنا ولهم. ولعل من قال: إن في القرآن غير لسان العرب - وقُبِلَ ذلك منه - أو ذهب إلى أن من القرآن خاصاً يجهل بعضه بعض العرب، ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبيٍّ، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها، حتى لا يكون موجوداً فيها من لا يعرفه، والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه. لا نعلم رجلاً جمع السنَن فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جُمِع علم عامة أهل العلم بها أتِيَ على السنن، وإذا فُرِّق علم كل واحد منهم، ذهب عليه الشيء منها، ثم كان ما ذهب عليه منها موجوداً عند غيره. وهم في العلم طبقات: منهم الجامع لأكثره وإن ذهب عليه بعضه، ومنهم الجامع لأقل مما جمع غيره، وليس قليل ما ذهب من السنن على من جمع أكثرها دليلاً على أن يطلب علمه، عند غير طبقته من أهل العلم، بل يطلب عند نظرائه

ما ذهب عليه، حتى يُؤتى على جميع سنن رسول الله - بأبي هو وأمي - فيتفردُ جملة العلماء بجمعها، وهم درجات فيما وَعَوا منها. وهكذا لسان العرب عند خاصتها وعامتها، لا يذهب منه شيء عليها، ولا يطلب عند غيرها، ولا يعلمه إلا من قَبِلَه عنها، ولا يَشرَكُها فيه إلا من اتبعها في تعلمه منها، ومن قَبِلَه منها فهو من أهل لسانها، وإنَّما صار غيرهم من غير أهله بتركها فإذا صار إليه صار من أهله، وعلم أكثر اللسان في أكثر العرب أعم من علم أكثر السنن في العلماء. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: قد نجد من العجم من ينطق بالشيء من لسان العرب؛ فذلك يحتمل ما وصفت من تعلمه منهم، فإن لم يكن ممن تعلمه منهم فلا يوجد ينطق إلا بالقليل منه، ومن نطق بقليل منه فهو ثبع للعرب فيه، ولا ننكر إذ كان اللفظ قيل تعلماً، أو نطق به موضوعاً، أن يوافق لسان العجم أو بعضها قليلاً من لسان العرب، كما يا تفق القليل من ألسنة العجم المتباينة في أكثر كلامها، مع تنائي ديارها، واختلاف لسانها، وبُعد الأوامر بينها وبين من وافقت بعض لسانه منها. فإن قال قائل: ما الحجة في أن كتاب اللَّه محضٌ بلسان العرب، لا يخلطه فيه غيره؛ فالحجة فيه كتاب الله، قال اللَّه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ) . فإن قال قائل: فإن الرسل قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا يُرسلون إلى قومهم خاصة، وإن محمداً بعث إلى الناس كافة، فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان قومه خاصة، ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه ما أطاقوا منه، ويحتمل أن يكون بعث بألسنتهم، فهل من دليل على أنه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم. وإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض، فلا بد أن يكون بعضهم تبعاً لبعض، وأن يكون الفضل في اللسان المتَّبَع على التابع، وأولى الناس

قال الله عز وجل: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم (106)

بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز - والله أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل كل لسان تبع للسانه. وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه، وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جَهدُه، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افترض علية من التكبير، وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك. وما ازداد من العلم باللسان، الذي جعل الله لسان من ختم به نبوته. وأنزل به آخر كتبه، كان خيراً له، كما عليه يتعلم الصلاة والذكر فيها، ويأتي البيت وما أمر بإتيانه، ويتوجه لما وجه له، ويكون تبعاً فيما افترض عليه، وندب إليه، لا متبوعاً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) الأم: المُكرَه على الرِّدَّة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ)

ولو أن رجلاً أسره العدو فكرهه على الكفر، لم تبن منه امرأته، ولم يحكم عليه بشيء من حكم المرتد، قد أكره بعض من أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الكفر فقاله، ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ما عُذِّب به، فنزل فيه هذا، ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - باجتناب زوجته، ولا بشيء مما على المرتد، ولو مات المكره على الكفر، ولم تظهر له توبة ببلاد الحرب ورثه ورثته المسلمون. الأم (أيضاً) : الإكراه وما في معناه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وللكفر أحكام: كفراق الزوجة، وأن يقتل الكافر. ويغنم ماله، فلما وضع اللَّه عنه، سقطت عنه أحكام الإكراه على القول كله، لأن الأعظم إذا سقط عن الناس سقط ما هو أصغر منه، وما يكون حكمه بثبوته عليه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: واجمراه: أن يصير الرجل في يدي من لا يقدر على الامتناع منه. من سلطان، أو لص، أو متغلب على واحد من هؤلاء، ويكون المكره يخاف خوفاً عليه دلالة أنه؛ إن امتنع من قول ما أمر به الضرب المؤلم، أو أكثر منه، أو إتلاف نفسه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا خاف هذا سقط عنه حكم ما أكره عليه من قول، ما كان القول: شراء أو بيعاً أو إقراراً لرجل بحق، أو حد، أو إقراره

بنكاح، أو عتقٍ أو طلاق، أو إحداث واحد من هذا وهو مكره، فأي هذا أحدث وهو مكره، لم يلزمه. الأم (أيضاً) : فرض الهجرة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما فرض الله - عزَّ وجلَّ الجهاد على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وجاهد المشركين بعد إذ كان أباحه، وأثخن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أهل مكة، ورأوا كثرة من دخل في دين اللَّه - عز وجل -، اشتدوا على من أسلم منهم، ففتنوهم عن دينهم، أو من فتنوا منهم، فعذر اللَّه من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) الآية، وبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله جعل لكم مخرجاً ". الأم (أيضاً) : أصل نقض الصلح فيما لا يجوز قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن ذهب ذاهب إلى: ردَّ أبي جندل بن سهيل إلى أبيه، وعياش بن أبي ربيعة إلى أهله بما أعطاهم - أي: من شروط صلح الحديبية - قيل له: آباؤهم وأهلوهم أشفق الناس عليهم، وأحرص على سلامتهم، وأهلهم كانوا سَيَقُونهم بأنفسهم مما يؤذيهم، فضلاً على أن يكونوا متهمين على أن ينالوهم بتلف، أو أمر لا يحملونه من عذاب وإنما نقموا منهم خلافهم دينهم ودين آبائهم، فكانوا يئشددون عليهم ليتركوا دين الإسلام، وقد وضع الله - عز وجل - عنهم المأثم في الإكراه، فقال: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) الآية.

الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال تبارك وتعالى فيمن فُتِنَ عن دينه: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) الآية، فطرح عنهم حبوط أعمالهم، والمأثم بالكفر إذا كانوا مكرهين، وقلوبهم على الطمأنينة بالإيمان وخلاف الكفر، وأمر بقتال الكافرين حتى يؤمنوا، وأبان ذلك جل وعز حتى يظهروا الإيمان. مختصر المزنى: باب (جامع الإيمان) قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو حلف ليأكلن هذا الطعام غداً، فهلك قبل غدٍ. لم يحنث للإكراه، قال اللَّه جل وعز: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) الآية، فعقلنا أن قول المكره كما لم يكن في الحكم، وعقلنا أن الإكراه هو: أن يغلب بغير فعل منه فإذا تلف ما حلف عليه ليفعلن فيه شيئاً، بغير فعل منه، فهو في أكثر من الإكراه. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحة اعتقاده منها) قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه جل ذكره فرض الإيمان على جوارح بني آدم فقسمه فيها، وفرقه عليها، فليس من جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى.

قال الله عز وجل: (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا)

فأما فرض الله على القلب من الإيمان: فالإقرار والمعرفة والعقد، والرضا والتسليم بأن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند الله من نبيٍّ أو كتاب. فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب وهو عمله: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا) وقال عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) الأم: ما حرّم المشركون على أنفسهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال: أنزل - الله تعالى - في ذلك: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) إلى قوله: (أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) وهذا يشبه ما قيل. يعني: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمً) أي: من بهيمة الأنعام، إلا ميتة أو دماً مسفوحاً منها وهي حية، أو ذبيحة كافر، وذكِر تحريم الخنزير معها، وقد قيل: ما كنتم تأكلون إلا كذا.

قال الله عز وجل: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين (120)

وقال: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا) إلى قوله: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) الآيتان، وهذه الآية، في مثل معنى الآية التي قبلها. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيد والذبائح، وفي الطعام والشراب: أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ثناؤه فيما حَزم، ولم يَحِل بالذكاة: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) الآية. وذكر معها الآية / 119 من سورة الأنعام، والآية / 3 من سورة المائدة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) أحكام القرآن: فصل (فين يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه (بالدامغان) ، أخبرنا الفضل ابن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: سمعت أبا عبد الله (ابن أخي بن وهب) يقول:

سمعت الشَّافِعِي يقول الأمة على ثلاثة وجوه: 1 - قوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) قال: على دين. 2 - وقوله تعالى: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) قال: بعد زمان. 3 - وقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ) قال: معلماً.

سورة الإسراء

سورة الإسراء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعانى في الطهارات والصلوات) : وبهذا الإسناد قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ومعقول أن السعي - في هذا الموضع - العمل؛ لا السعي على الأقدام، قال الله - عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الآية. وقال زهير: سعى بعدهم قوم لكي يدركوهُمُ ... فلم يفعلوا ولم يُلامُوا ولم يالُوا وما يكُ من خير أبوه فإنما ... توارثه آباءآبائهمُ قبلُ وهل يحمل الخطيَّ إلا وشيجُهُ ... وتغرس - إلا في منابتها - النخلُ

قال الله عز وجل (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا (26)

قال الله عزَّ وجلَّ (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) الأم) كراء الأرض البيضاء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) الآية، ففرض على كل من صار إليه حق لمسلم، أو حق له، أن يكون مؤديه، وأداؤه دفعه، لا ترك الحول دونه، وسواء دعاه إلى قبضه، أولم يدعه ما لم يبرئه منه، فيبرأ منه بالبراءة، أو بقبضه منه في مقامه، أو غير مقامه، ثم يُودِعُه إياه، وإذا قبضه ثم أودعه إياه فضمانه من مالكه. قال الربيع رحمه اللَّه: يريد القابض له، وهو: المشتري. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) الأم: الخلاف فيما يؤتى بالزنا) قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدت اللَّه تعالى حرم الزنا، فقال: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) . فقال (أي: للمحاور) أجد جماعاً وجماعاً، فأقيس أحد الجماعين بالآخر. قلت. فقد وجدتُ جماعاً حلالاً حمدتُ به، ووجدت جماعاً حراماً رجمتُ به صاحبه، أفرأيتك قسته به؟ فقال: وما يشبهه؟ فهل ئوضحه بأكثر من هذا؟

قلت: في أقل من هذا كفاية، وسأذكر لك بعض ما يحضرني منه. قال: ما ذاك؟ قلت: جعل اللَّه - تبارك وتعالى اسمه - الصهر نعمة فقال: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) . قال: نعم. قلت: وجعلك مَحْرَماً لأم امرأتك وابنتها تسافر بها؟ قال: نعم. قلت: وجعل الزنا نقمة في الدنيا بالحد، وفي الآخرة بالنار إن لم يعف - سبحانه وتعالى - قال: نعم. قلت: أفتجعل الحلال الذي هو نعمة قياساً على الحرام الذي هو نقمة، أو الحرام قياساً عليه، ثم تخطئ القياس، وتجعل الزنا لو زنى بامرأة مُحَرِّماً لأمها وابنتها؛ قال: هذا أبين ما احتججت به منه. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما نص: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وحرَّم الزنا فقال: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا) مع ما ذكره في كتابه - سبحانه وتعالى -. فكان معقولاً في كتاب الله: أن ولد الزنا لا يكون منسوباً إلى أبيه، الزاني بأمه. لما وصفنا: من أن نعمته إنما تكون من جهة طاعته؛ لا من جهة معصيته.

قال الله عز وجل: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا (33)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) الأم: كتاب (قتال أهل البغى وأهل الردة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو أن رجلاً واحداً قتل على التأويل، أو جماعة غير ممتنعين، ثم كانت لهم بعد ذلك جماعة ممتنعون، أو لم تكن، كان عليهم القصاص في القتل والجراح وغير ذلك، كما يكون على غير المتأولين. فقال لي قائل: فلم قلت في الطائفة الممتنعة الناصبة المتأولة، تقتل وتصيب المال، أزيل عنها القصاص، وغُرم المال إذا تلف، ولو أن رجلاً تأول فقتل، أو أتلف مالاً، اقتصصت منه، وأغرمته المال؟ فقلت له: وجدت اللَّه تبارك وتعالى يقول: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يحل دم مسلم: " ... أو قتل نفس بغير نفس" الحديث. وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من اعتبط مسلماً بقتل فهو قَوَدُ يده " الحديث.

الأم (أيضاً) : الأمان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور -: ومن قال بباطن دون ظاهر بلا دلالة له في القرآن، والسنة، أو الإجماع مخالف للآية قال: نعم، فقلت له: فأنت إذاً تخالف آيات من كتاب الله) . قال: وأين؟ قلت: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) . الأم (أيضاً) : في المرتد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإلى الوالي قَتل من قَتَل على المحاربة، لا ينتظر به ولي المقتول، وقد قال بعض أصحابنا ذلك. قال: ومثله الرجل يقتل الرجل من غير نائرة، واحتج لهم بعض من يذهب مذاهبهم بأمر: (المحدر بن زياد) ، ولو كان حديثه مما نثبته قلنا به، فإن ثبث فهو كما قالوا، ولا أعرفه إلى يومي هذا ثابتاً. وإن لم يثبت فكل مقتول قتله غير المحارب فالقتل فيه إلى ولي المقتول، من قِبَل أن الله جل وعلا يقول: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق عفو؛ لأن الله جل وعز حدهم بالقتل، أو القتل والصلب، أو القطع، ولم يذكر الأولياء كما ذكرهم في القصاص في الآيتين، فقال - عز وجل -: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) .

وقال في الخطأ: (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) الآية. .. فذكر في الخطأ والعمد أهل الدم ولم يذكرهم في المحاربة. فدل على أن حكم قتل المحارب مخالف حكم قتل غيره - والله أعلم -. الأم (أيضاً) : كتاب (اللعان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا كل ما أوجبه اللَّه تعالى لأحدٍ، وجب على الإمام أخذه له، إن طلبه أخذه له بكل حال. فإن قال قائل فما الحجة في ذلك؟ قيل: قول اللَّه تعالى اسمه: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية، فبين أن السلطان للولي. الأم (أيِضاَ) : جماع إيحاب القصاص في العمد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل وعز: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قول اللَّه - عز وجل -: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) لا يقتل غير قاتله، وهذا يشبه ما قيل - واللَّه أعلم -. الأم (أيضاً) : ولاة القصاص: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية، فكان معلوماً عند أهل العلم ممن

خوطب بهذه الآية، أن ولي المقتول من جعل الله تعالى له ميراثاً منه. وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "من قتل له قتيل فأهله بين خِيرَتين إن أحبوا فالقَوَد وإن أحبوا فالعَقلُ" الحديث. ولم يختلف المسلمون - علمته - في أن العقل موروث كما يورث المال، وإذا كان هكذا، فكل وارث ولي الدم، كما كان لكل وارث ما جعل اللَّه له من ميراث الميت، زوجة كانت له، أو ابنة، أو أماً، أو ولداً، أو والداً، لا يخرج أحد منهم من ولاية الدم، إذا كان لهم - أن يكونوا بالدم مالاً، كما لا يخرجون من سواه من ماله. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا قتل رجل رجلاً، فلا سبيل إلى القصاص إلا بأن يُجمع جميع ورثة الميت من كانوا، وحيث كانوا على القصاص، فإذا فعلوا فلهم القصاص، وإذا كان على الميت دين ولا مال له، أو كانت له وصايا، كان للورثة القتل، وإن كَرِه أهل الدين والوصايا، لأنهم ليسوا من أوليائه، وإن الورثة إن شاؤوا ملكوا المال بسببه، وإن شاؤوا ملكوا القَوَد، وكذلك إن شاؤوا عفوا على غير مال ولا قَوَد، لأن المال لا يُملك بالعمد إلا بمشيئة الورثة، أو بمشيئة المجني عليه - إن كان حياً -، وإذا كان في ورثة المقتول صِغار أو غُيَّب لم يكن إلى القصاص سبيل حتى يحضر الغُيَّب، ويبلغ الصغار، فإذا اجتمعوا على القصاص فذلك لهم، وإذا كان في الورثة معتوه، فلا سبيل إلى القصاص حتى يفيق أو يموت، فتقوم ورثته مقامه، وأي الورثة كان بالغاً فعفا بمال أو بلا مال، سقط القصاص، وكان لمن بقي من الورثة حصته من الدية، وإذا سقط القصاص، صارت لهم الدية.

الأم (أيضاً) : باب (الشهادة في العفو) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كان للدم وليان، أحدهما غائب، أو صغير، أو حاضر، لم يأمره بالقتل، ولم يخيَره، فعدا أحد الوليين فقتل قاتل أبيه ففيهما قولان: أحدهما: لا قصاص بحال. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وإنَّما يسقط من قال هذا القود عنه، إذا لم يُجمع ورثة المقتول عليه للشبهة، وإن قول الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية. يحتمل أي ولي قتل كان أحق بالقتل، وقد كان يذهب إلى هذا كثر مفتي أهل المدينة. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والقول الثاني: أن على من قتل من الأولياء قاتل أبيه القصاص، حتى يجتمعوا على القتل. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا عفا أحد الورثة القصاص فحكم لهم الحاكم بالدية، فأيهم قتل القاتل قتل به، إلا أن يدع ذلك ورثته. الأم (أيضاً) : قتل الحر بالعبد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) .

1 - ولا يجوز فيها إلا أن تكون كل نفس محرمة القتل، فعلى من قتلها القَوَد، فيلزم في هذا أن يُقتل المؤمن بالكافر المعاهد، والمستأمن، والصبي والمرأة من أهل الحرب، والرجل بعبده وعبد غيره، مسلماً كان أو كافراً، والرجل بولده إذا قتله. قال الشَّافِعِي رحمه الله: 2 - أو يكون قول الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا الآية، ممن دمه مكافئ دم من قتله، وكل نفس كانت تقاد بنفس، بدلالة كتاب اللَّه - عز وجل -، أو سنة، أو إجماع، كما كان قول الله - عز وجل - (وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) الآية، إذا كانت قاتلة خاصة، لا أن ذكراً لا يقتل بأنثى. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا أولى معانيه به - واللَّه أعلم -؛ لأن عليه دلائل منها: 1 - قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقتل مؤمن بكافر. . ." الحديث. 2 - والإجماع على أن لا يقتل المرء بابنه، إذا قتله. 3 - والإجماع على أن لا يقتل الرجل بعبده، ولا بمستأمن من أهل دار الحرب، ولا بامرأة من أهل دار الحرب ولا صبي. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك لا يقتل الرجل الحر بالعبد بحال، ولو قَتَل حرٌّ ذمِّيٌّ عبداً مؤمناً لم يقتل به، وعلى الحر إذا قتل العبد قيمته كاملاً بالغة ما بلغت.

الأم (أيضاً) : الرجل يقتل الرجل فيعدو عليه أجنبي فيقتله: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو أن إماماً أقرَّ عنده رجل بقتل رجل بلا قطع طريق عليه، فعجل فقتله كان على الإمام القصاص، إلا أن تشاء ورثته الدية؛ لأن اللَّه - عز وجل - لم يجعل للإمام قتله، وإنما جعل ذلك لوليه؛ لقول الله - عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: الإسراف في القتل: أن يقتل غير قاتله - واللَّه أعلم -. الأم (أيضاً) : باب (دية أهل الذمة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية. فقوله: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) دلالة على أن: من قُتِل مظلوماً فلوليه أن يقتل قاتله. قيل له: فيعاد عليك ذلك الكلام بعينه في الابن يقتله أبوه، والعبد يقتله سيده، والمستأمن يقتله المسلم. الأم (أيضاً) : باب (قتل الغيلة وغيرها وعفو الأولياء) : قال أبو حنيفة رحمه اللَّه: من قتل رجلاً عمداً قَتلَ غيلة، أو غير غيلة. فذلك إلى أولياء القتيل، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا. وقال أهل المدينة: إذا قتله قَتل غيلة من غير نائرة ولا عداوة، فإنه يقتل. وليس لولاة المقتول أن يعفوا عنه، وذلك إلى السلطان يقتل فيه القاتل.

وقال محمد بن الحسن رحمه الله: قول الله - عزَّ وجلَّ - أصدق من غيره، قال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) الآية، فمن قتل وليه، فهو وليه في دمه دون السلطان، إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وليس إلى السلطان من ذلك شي. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: كل من قتل في حرابة، أو صحراء أو مصر، أو مكابرة، أو قتل غيلة على مالي أو غيره، أو قتل نائرة فالقصاص والعفو إلى الأولياء، وليس إلى السلطان من ذلك شيء إلا الأدب، إذا عفا الولي. الأم (أيضاً) : باب (الرجل يمسك الرجل للرجل حتى يقتله) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: حد الله الناس على الفعل نفسه، وجعل فيه القَوَد. فقال تبارك وتعالى: (كُتِبَ عَلَيكمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى) الآية. وقال: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية، فكان معروفاً عند من خوطب بهذه الآية، أن السلطان لولي المقتول على القاتل نفسه، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من اعتبط مسلماً بقتل فهو قَوَدُ يده" الحديث. مختصر المزني: باب (القصاص بالسيف) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية، وإذا خفى الحاكم الولي وقتل القاتل، فينبغي له أن يأمر

من ينظر إلى سيفه، فإن كان صارماً، وإلا أمره بصارم؛ لئلا يعذبه ثم يدعه وضَربَ عنقه. مختصر المزني (أيضاً) : باب (الخلاف في قتل المومن بكافر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) الآية. فأعلم الله سبحانه أن لولي المقتول ظلماً أن يقتل قاتله. قلنا: فلا تعدوا هذه الآية: 1 - أن تكون مُطلَقة على جميع من قُتل مظلوماً. 2 - أو تكون على من قُتل مظلوماً ممن فيه القود ممن قتله، ولا يُستدل على أنها خاصة إلا بسنة أو إجماع، فقال بعض من حضره: ما تعدو أحد هذين. فقلت: إعنِ أيهما شئت؟ قال: هي مُطْلَقة. قلت: أفرأيت رجلاً قتل عبده، وللعبد ابن حر، أيكون ممن قُتل مظلوماً؟ قال: نعم. قلت: أفرأيت رجلاً قتل ابنه، ولابنه ابن بالغ، أيكون الابن المفتول ممن قُتل مظلوماً؟ قال: نعم. قلت: أفعلى واحد من هذين قود؟ قال: لا. قلت: ولم وأنت تقتل الحر بالعبد الكافر؟ قال: أما الرجل يقتل عبده، فإن السيد ولي دم عبده فليس له أن يقتل نفسه، وكذلك هو ولي دم ابنه، أو له فيه ولاية، فلا يكون له أن يقتل نفسه مع أن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن لا يقتل والد بولده. فقيل: أفرأيت رجلاً قتل ابن عمه (أخي أبيه) وليس للمقتول ولي

قال الله عز وجل: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا (36)

غيره، وله ابن عم يلقاه بعد عشرة آباء أو كثر، أيكون لابن العم أن يقتل القاتل، وهو أقرب إلى المقتول منه بما وصفت؟ قال: نعم: قلت: وهذا الولي؟ قال: لا ولاية لقاتل، وكيف تكون له ولاية ولا ميراث له بحال؟ قلت: فما منعك من هذا القول في الرجل يقتل عبده وفي الرجل يقتل ابنه؟ قال: أما قتله ابنه فبالحديث، قيل: آلحَدِيثُ فيه أثبت، أم الحديث في أن لا يقتل مؤمن بكافر؟ فقد تركت الحديث الثابت. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) الأم: باب التحفظ في الشهادة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يسع شاهداً أن يشهد إلا بما علم، والعلم من ثلاثة وجوه: 1 - منها ما عاينه الشاهد، فيشهد بالمعاينة. 2 - ومنها ما سمعه، فيشهد ما أثبت سمعاً من المشهود عليه.

3 - ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لايمكن في أكثره العيان، وتثبت معرفته في القلوب، فيشهد عليه بهذا الوجه. الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أنزل - اللَّه تعالى - على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أن قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. يعني - والله أعلم -: ما تقدم من ذنبه قبل الوحي. وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب، فعلم ما يفعل به من رضاه عنه، وأنه أول شافع ومشفع يوم القيامة، وسيد الخلائق، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الآية. وجاء النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ في امرأة رماها بالزنا، فقال له: يرجع، فأوحى الله إليه آية اللعان، فَلاعَنَ بينهما - وبسط الكلام في شرح ذلك -. مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفته الشافعى بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أخبر - اللَّه تعالى - عما فرض على القلب والسمع والبصر، في آية واحدة، فقال سبحانه وتعالى في ذلك: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) .

قال الله عز وجل: (ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا (37)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه - على الرِّجْلَين أن لا يمشي بهما إلى ما حرّم الله جل ذكره، فقال في ذلك: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) آداب الشَّافِعِي: باب (ما ذكر من معرفة الشَّافِعِي اللغات وما فسر من غريب الحديث، وغريب الكلام) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وترأت على إسماعيل بن قسطنطين، وكان يقول: (القُرَاْنُ) : اسم وليس كهموز، ولم يُؤخذ من قرأت، ولو أخذ من قرأت: كان كل ما قُرئ قرآناً، ولكنه اسم: القرَآنُ، مثل التوراة، والإنجيل وكان يَهمِزُ (قَرَأْتَ) ولا يهمِزُ (الْقُرْآنَ) ، كان يقول: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) الآية.

قال الله عز وجل: (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا (55)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55) أحكام القرآن: فصل (فيمن لا يجب عليه الجهاد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولله - عز وجل - كتب نزلت قبل نزول القرآن، المعروف منها - عند العامة - التوراة والإنجيل. وقد أخبر اللَّه - عز وجل - أنه: أنزل غيرهما، فقال: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) . وليس يعرف تلاوة كتاب إبراهيم، وذكَرَ زبور داود فقال: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) الأم: اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكانت هذه أحكاماً وجبت باللعان، ليست باللعان بعينه، فالقول فيها واحد من قولين: أحدهما: أني سمعت من أرضى دينه وعقله وعلمه يقول: إنه لم يقض فيها ولا غيرها إلا بأمر اللَّه تبارك وتعالى، قال: فأمْرُ الله إياه وجهان:

الوجه الأول: وحي ينزل فيتلى على الناس. والوجه الثاني: رسالة تأتيه عن الله تبارك وتعالى بأن افعل كذا، فيفعله. ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول: قال الله - عزَّ وجلَّ فيما يحكي عن إبراهيم: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) فقال غير واحد من أهل التفسير رؤيا الأنبياء وحي، لقول ابن إبراهيم الذي أُمر بذبحه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية. ومعرفته أن رؤياه أمْر أُمِرَ به، وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) الآية. فيذهب إلى أن الكتاب: هو ما يتلى عن الله تعالى، والحكمة: هي ما جاءت به الرسالة عن الله مما بينت سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثانيهما: وقال غيره: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجهان: أحدهما: ما تبين مما في كتاب اللَّه المبين عن معنى ما أراد اللَّه بحمله خاصاً وعاماً. والآخر: ما ألهمه الله من الحكمة، وإلهام الأنبياء وحي، ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول قال اللَّه - عز وجل - فيما يحكي عن إبراهيم عليه السلام: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) . فقال غير واحد من أهل التفسير رؤيا الأنبياء وحي لقول ابن إبراهيم عليهما السلام الذي أُمِرَ بذبحه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) ومعرفته أن رؤياه أمرٌ أُمِرَ به، وقال اللَّه تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) إلى قوله: (فِي الْقُرْآنِ) الآية.

قال الله عز وجل: (ولقد كرمنا بني آدم)

وقال غيرهم: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له وحي، وبيان عن وحي، وأمر جعله الله تعالى إليه بما ألهمه من حكمته، وخَصَّه به من نبوته، وفرض على العباد اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس تعدو السنن كلها واحداً من هذه المعاني التي وصفتُ، باختلاف من حكيت عنه من أهل العلم، وأيها كان فقد ألزمه اللَّه تعالى خلقه، وفرض عليهم اتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيه. وفي انتظار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له الوحي في المتلاعنين حتى جاءه (فلاعن) ، ثم (سن الفرقة) ، و (سن نفي الولد) . و (لم يردد الصداق على الزوج وقد طلبه) دلالة على أن سنته لا تعدو واحداً من الوجوه التي ذهب إليها أهل العلم، بأنها تبين عن كتاب اللَّه، إما برسالة من اللَّه، أو إلهام له، وإما بأمر جعله اللَّه إليه، لموضعه الذي وضعه من دينه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) قال البيهقي رحمه اللَّه:

قال الله عز وجل: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (78)

قال الشَّافِعِي رحمه الله - في الإملاء -: المني ليس بنجس؛ لأن اللَّه جل ثناءه أكرم من أن يبتدئ خلق من كرَّمهم، وجعل منهم النبيين والصديقين. والشهداء والصالحين، وأهلَ جنته من نجس، فإنه يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) الآية. ثم ذكر حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في فرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) الأم: أول ما فرضت الصلاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال: نسَخت - هذه الآية الواردة أعلاه - ما وصفتُ من المزمل بقول اللَّه - عز وجل -: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ودلوكها: زوالها.

(إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) العتمة. (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) الصبح. (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) : فأعلمه - مطلقاً - أن صلاة الليل نافلة لا فريضة، وأن الفرائض فيما ذكر من ليل أو نهار. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبيان ما وصفت في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد اللَّه يقول: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرها؟ فقال: لا، إلا أن تطوع" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففرائض الصلوات خمس، وما سواهما تطوع. الأم (أيضاً) : وقت الفجر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) الآية. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من الصبح. . . الحديث. والصبح: الفجر فلها اسمان: الصبح والفجر، لا أحب أن تسمى إلا بأحدهما، وإذا بَانَ الفجر الأخير معترضاً حلت صلاة الصبح، ومن صلاها قبل تبين الفجر الأخير معترضاً أعاد، ويصليها أول ما يستيقن الفجر معترضاً حتى يخرج منها مغلساً.

قال الشَّافِعِي - رضي الله عنه -: وأخبرنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ليصلي الصبح، فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يُعرَفنَ من الغلس" الحديث. ولا تفوت - أي: صلاة الصبح - حتى تطلع الشمس قبل أن يصلي منها ركعة، والركعة ركعة بسجودها، فمن لم يكمل ركعة بسجودها قبل طلوع الشمس فقد فاتته الصبح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" الحديث. الأم (أيضاً) : باب (النية في الصلاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض اللَّه - عز وجل - الصلوات، وأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدد كل واحدة منهن، ووقتها، وما يعمل فيهن، وفي كل واحدة منهن، وأبان الله - عز وجل - منهن نافلة، وفرضاً، فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) الآية. ثم أبان ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان بيناً - والله تعالى أعلم - إذا كان من الصلاة نافلة وفرض، وكان الفرض منها مؤقتاً أن لا تجزئ عنه صلاة إلا بأن ينويها مصلياً. الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه، والسنة على بعضه قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاحتمل قوله - تعالى -: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) الآية، أن يتهجد بغير الذى فرض عليه، مما تيسر منه.

قال الله عز وجل: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا (91)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على ألَّا واجب من الصلاة إلا الخمس، فصرنا إلى أن الواجب الخمس، وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها، منسوخ بها، استدلالاً بقول الله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) وأنها ناسخة لقيام الليل، ونصفه وثلثه، وما تيسر، ولسنا نحبُّ لأحد ترك أن يتهجد بما يسره اللَّه عليه من كتابه، مصلياً به، وكيف ما أكثر فهو أحب إلينا - ثم ذكر حديث طلحة بن عبيد، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما في الصلوات الخمس -. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤتر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال البيهقي رحمه اللَّه: وقرأت في كتاب حرملة: عن الشَّافِعِي رحمه الله: في قول اللَّه - عز وجل -: (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) فلم يذكر في هذه الآية مشهوداً غيره، والصلوات مشهودات فأشبه أن يكون قوله مشهوداً: بأكثر مما تشهد به الصلوات، أو أفضل، أو مشهوداً بنزول الملائكة، يريد: صلاة الصبح. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)

قال الله عز وجل: (يخرون للأذقان سجدا)

وقرأ الرييع إلى قوله: (بَشَرًا رَسُولًا) الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأعلمه - سبحانه وتعالى - من علمه منهم، أنه لا يؤمن به، فقال: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) قرأ الربيع إلى: (بَشَرًا رَسُولًا) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : وفي رواية حرملة عنه: في قوله تعالى: (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: واحتمل السجود، أن يخرَّ وذقنه - إذا خرَّ - تلي الأرض، ثم يكون سجوده على غير الذقن.

قال الله عز وجل: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا) الأم: باب (كلام الإمام وجلوسه بعد السلام) أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني موسى ابن عقبة، عن أبي الزبير، أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى: "لا إله إلا الله وحد. لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدِّين ولو كره الكافرون" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا من المباح للإمام وغير المأموم، وأي إمام ذكر الله بما وصفت جهراً، أو سراً، أو بغيره فحسن، وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا اللَّه بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتَعلم منه فيجهر، حتى يرى أنه قد تُعلِّمَ منه، ثم يُسِرُّ، فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا) الآية، يعني - واللَّه تعالى أعلم - الدعاء. ولا تجهر: ترفع. ولا تخافت: حتى لا تسمع نفسك. وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما روى ابن عباس رضي اللَّه عنهما من تكبيره كما رويناه.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحسب إنما جهر قليلاً أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتعلم الناس منه؛ وذلك لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير، وقد يذكر أنه ذِكْرُ بعد الصلاة بما وصفت.

سورة الكهف

سورة الكهف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) مناقب الشَّافِعِي رحمه الله: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحه اعتقاده فيها) : قال - السائل للشافعي -: وقد عرفتُ نقصانه وإتمامه - أي: الإيمان -. فمن أين جاءت قلادته؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله جل ذكره: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو كان هذا الإيمان كله واحداً لا نقصان فيه ولا زيادة، لم يكن لأحد فيه فضل، واستوى الناس، وبَطُلَ التفضيل، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله في الجنة، وبالنقصان من الإيمان دخل المفرِّطون النار.

قال الله عز وجل: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الأم: الاستثناء في اليمين: قيل للشافعي رحمه الله: فإنا نقول في الذي يقول: والله لا أفعل كذا وكذا إن شاء الله، أنه إن كان أراد بذلك الثُّنيا، فلا يمين عليه ولا كفارة إن فعل. وإن لم يرد بذلك الثنيا وإنَّما قال ذلك؛ لقول الله - عزَّ وجلَّ -: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الآيتان. أو قال ذلك سهواً، أو استهتاراً، فإنه لا ثنيَا - عليه - وعليه الكفارة إن حنث، وهو قول مالك رحمه الله تعالى، وأنه إن حلف فلما فرغ من يمينه نسَّق الثنيا بها، أو تدارك اليمين بالاستثناء بعد انقضاء يمينه ولم يَصل الاستثناءَ باليمين، فإنه إن كان نسقاً بها تباعاً، فذلك له استثناء، وإن كان بين ذلك صُمَاتٌ فلا استثناء له. قال الشَّافِعِي رحمه الله: من قال: والله، أو حلف بيمين ما كانت بطلاق أو عتاق، أو غيره، أو أوجب على نفسه شيئاً، ثم قال إن شاء الله موصولاً بكلامه، فقد استثنى، ولم يقع عليه شيء من اليمين وإن حنث، والوصل أن يكون كلامه نسَقاً، وإن كان بينه سكتة كسكتة الرجل بين الكلام للتذكر، أو العي، أو النفس، أو انقطاع الصوت، ثم وصل الاستثناء فهو موصول، وإنَّما القطع أن يحلف، ثم يأخذ في كلام ليس من اليمين من أمر أو نهي أو غيره، أو يسكت السكات الذي يبين أنه يكون قطعاً، فإذا قطع ثم استثنى لم يكن له الاستثناء.

قال الله عز وجل: (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما)

الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الآيتان. - وفد استشهد بهما في معرض نفيه للاستحسان كمصدر تشريعي -. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم جاءه قوم، فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم، فقال: أعلمكم غداً، يعني: أسأل جبريل ثم أعلمكم، فأنزل اللَّه - عز وجل -: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الآية. - وقد أورد الآيتين كذلك للدلالة على نفيه الاحتجاج بالاستحسان كمصدر للتشريع -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا) الرسالة: باب (ما نزل من الكتاب عاماً يراد به العام ويدخله الخصوص) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا قول الله: (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا) الآية. وفي هذه الآية دلالة على أن لم يستطعما كل أهل قرية، فهي في معناهما.

سورة مريم

سورة مريم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما نص) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأخبر اللَّه جل ثناؤه: أن كل آدمى مخلوق من ذكر وأنثى؛ وسمى الذكر، أباً، والأنثى: أمًّا، ونبَّه أن ما نسب من الولد إلى أبيه نِعمة من نعمه، وقال: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) مختصر المزنى: باب (جامع الأيمان الثاني) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو حلف لا يكلم رجلاً، ثم سلم على قوم والمحلوف عليه فيهم، لم يحنث إلا أن ينويه، ولو كتب إليه كتاباً، أو أرسل إليه رسولاً، فالورع أن يحنث، ولا يبين ذلك؛ لأن الرسول والكتاب غير الكلام.

قال الله عز وجل: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا (41) إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا (42)

قال المزني رحمه اللَّه: هذا عندي به، وبالحق أولى، قال اللَّه جل ثناؤه: (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) . فأفهمهم ما يقوم مقام الكلام، ولم يتكلم. وقد احتج الشَّافِعِي رحمه الله، بأن الهجرة محرمة فوق ثلاث، فلو كتب أو أرسل إليه، وهو يقدر على كلامه، لم يخرجه هذا من الهجرة التي يأثم بها. قال المزني رحمه اللَّه: فلو كان الكتاب كلاماً لخرج به من الهجرة، فتفَهَّم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) الأم: باب (الولاء والحِلْف) أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله قال: أمر اللَّه تبارك وتعالى أن يُنسب من كان له نسب من الناس نسبين: من كان له أب أن ينسب إلى أبيه، ومن لم يكن له أب فلينسب إلى مواليه، وقد يكون ذا أب وله موالٍ، فينسب إلى أبيه ومواليه، وأولى نسَبَيه أن يبدأ به أبوه، وأمر أن ينسبوا إلى الإخوة في الدين مع الولاء، وكذلك ينسبون إليها مع النسب. والإخوة في الدين ليست بنسب، إنما هي صفة تفع على المرء بدخوله في الدين، ويخرج منها بخروجه منه.

قال الله عز وجل: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا (54)

والنسب إلى الولاء والآباء إذا ثبت لم يُزِلْه المولى من فوق، ولا من أسفل. ولا أب، ولا الولد. والنسب: اسم جامع لمعان مختلفة فينسب الرجل إلى العلم، وإلى الجهل. وإلى الصناعة، وإلى التجارة، وهذا كله نسب مستحدث من فعل صاحبه، وتركه الفعل، وكان منهم صنف ثالث لا آباء لهم يعرفون، ولا ولاء فنسبوا إلى عبودية اللَّه وإلى أديانهم وصناعاتهم، وأصل ما قلت من هذا في كتاب الله - عزَّ وجلَّ، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمع عليه عوام أهل العلم،. .. وقال اللَّه - عز وجل -: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) الأم: كتاب الجزية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكَرَ - اللَّه تعالى - إسماعيل بن إبراهيم فقال عز ذكره: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) .

سورة طه

سورة طه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحه اعتقاده فيها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم معنى قوله في الكتاب: (مَن فِى السمَآءِ) مَنْ فوق السماء على العرش، كما قال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) الآية، وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلا السماوات، فهو على العرش - سبحانه وتعالى - كما أخبر بلا كيف، بائن من خلقه، غير مماس من خلقه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) الأم: باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن الله - عزَّ وجلَّ حكم على عباده حكمين:

قال الله عز وجل: (وأقم الصلاة لذكري (14)

1 - حكماً فيما بينهم وبينه، - وحكماً فيما بينهم في دنياهم، فحكم على عباده فيما بينهم وبينه - أن أثابهم وعاقبهم على ما أسروا، كما فعل بهم فيما أعلنوا، وأعلمهم إقامة للحجة عليهم، وبينها لهم أنه عَلِم سرائرهم وعلم علانيتهم، فقال: (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) الآية، وقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) . الآية. وخلقه لا يعلمون إلا ما شاء - عز وجل -، وحجب علم السرائر عن عباده. 2 - وبعث فيهم رسلاً، فقاموا باحكامه على خلقه، وأبان لرسله وخلقه - أن - أحكام خلقه في الدنيا على ما أظهروا. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) الأم: باب (الساعات التي تكره فيها الصلاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) وأمرُه - صلى الله عليه وسلم - "أن لا يمنع أحد طاف بالبيت، وصلى أي ساعة شاء. ." الحديث - بمعناه -، وصلى المسلمون على جنائزهم بعد الصبح والعصر.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفيما روت أم سلمة من: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، صلى في بينها ركعتين بعد العصر، كان يصليها بعد الظهر فَشُغِل عنهما بالوفد، فصلاهما بعد العصر.." الحديث - بمعناه -. الرسالة: النهي عن معنى يشبه الذي قبله في شيء ويفارقه في شيء غيره قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) " الحديث. وحدَّث أنس بن مالك، وعمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: مثل معنى حديث ابن المسيب وزاد أحدهما: "أو نام عنها" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فليصلها إذا ذكرها" فجعل ذلك وقتاً لها، وأخبر به عن الله تبارك وتعالى، ولم يستثني وقتاً من الأوقات يدعها فيه بعد ذكرها. أخبرنا ابن عيينة، عن أبي الزبير، عن عبد اللَّه بن باباه، عن جبير بن مطعم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا بني عبد مناف، من ولي منكم من أمر الناس شيئاً

فلا يمنعن أحداً طاف بهذا البيت وصلَّى، أي ساعة شاء، من ليل أو نهار" الحديث. أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: مثل معناه، وزاد فيه: "يا بنى عبد المطلب، يا بنى عبد مناف" ثم ساق الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأخبر جبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بإباحة الطواف بالبيت، والصلاة له في أي ساعة ما شاء الطائف والمصلِّي. وهذا يبين أنه إنَّما نهى عن المواقيت التي نهى عنها، عن الصلاة التي لا تلزم بوجه من الوجوه، فأما ما لزم فلم ينه عنه، بل أباحه - صلى الله عليه وسلم -. وصلى المسلمون على جنائزهم عامة بعد العصر والصبح؛ لأنها لازمة. وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - طاف بعد الصبح، ثم نظر فلم يَرَى الشمس طلعت، فركب حتى أتى ذا طِوَى وطلعت الشمس، فأناخ فصلى، فنهى عن الصلاة للطواف بعد العصر وبعد الصبح كما نهى عما لا يلزم من الصلاة.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا كان بعمر - رضي الله عنه - أن يؤخر الصلاة للطواف، فإنما تركها لأن ذلك له؛ ولأنه لو أراد منزلاً بذي طوى لحاجة كان واسعاً إن شاء الله، ولكن سمع النهي جملة عن الصلاة، وضرب (المنكدر) عليها بالمدينة بعد العصر، ولم يسمع ما يدل على أنه إنما نهى عنها للمعنى الذي وصفنا، فكان يجب عليه ما فعل. ويجب على من علم المعنى الذي نهى عنه، والمعنى الذي أبيحت فيه، أن إباحتها بالمعنى الذي أباحها فيه خلاف المعنى الذي نهى فيه عنها، كما وصفتُ مما روى علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، إذا سمع النهي، ولم يسمع سبب النهي. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فقد صنع أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -، كما صنع عمر - رضي الله عنه -؟ قلنا: والجواب فيه كالجواب في غيره. قال: فإن قال قائل: فهل من أحد صنع خلاف ما صنعا؟ قيل: نعم، ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، والحسن، والحسين، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وقد سمع ابن عمر النهي من النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخبرنا ابن عيينه، عن عمرو بن دينار قال: "رأيت أنا وعطاء بن رباح، ابن عمر رضي الله عنهما طاف بعد الصبح، وصلى قبل أن تطلع الشمس" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن عمار الدُّهني عن أبي شعبة: أن الحسن والحسين طافا بعد العصر وصليا. أخبرنا مسلم، وعبد المجيد،

قال الله عز وجل: (لتجزى كل نفس بما تسعى (15)

عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: رأيت ابن عباس رضي الله عنهما طاف بعد العصر وصلَّى. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنَّما ذكرنا تفرق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا ليستدل مَن عَلِمَه على أن تفرقهم فيما لرسول الله فيه سنة، لا يكون إلا على هذا المعنى، أو على أن لا تبلغ السنة من قال خلافها منهم، أو تأويلِ تحتمله السنة، أو ما أشبه ذلك مما قد يرى قائله له فيه عذراً - إن شاء الله -، وإذا ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشيء فهو اللازم لجميع من عرفه، لا يقويه ولا يوهنه شيء غيره، بل الفرض الذي على الناس اتباعه، ولم يجعل الله لأحد معه أمراً يخالف أمره. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) مختصر المزني: باب (البكاء على الميت) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأرخص الله تعالى في البكاء بلا ندب ولا نياحه. لما في النوح من تجديد الحزن، ومنع الصبر، وعظيم الإثم. وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" وذكر ذلك ابن عباس لعائشة رضي الله عنهما، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ان الله ليعذب الميت ببكاء أهله عليه ولكن قال: "إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه" الحديث.

قال الله عز وجل: (واحلل عقدة من لساني (27) يفقهوا قولي (28)

وقالت عائشة رضي الله عنها: حسبكم القرآن (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) . وقال ابن عباس عند ذلك: الله (أَضْحَكَ وَأَبْكَى) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ما روت عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشبه بدلالة الكتاب والسنة قال اللَّه - عز وجل -: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية. وقال: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) الآية. وقال عليه الصلاة والسلام لرجل في ابنه: "إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه " الحديث. وما زيد في عذاب الكافر فباستيجابه له، لا بذنب غيره. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقةً سوى ما مضى: أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَّمي قال: سمعت أبا الحسن بن مُقَسِّم (ببغداد) يقول: سمعت أحمد بن علي بن سعيد البزار يقول: سمعت أبا ثور يقول:

سمعت الشَّافِعِي رحمه الله بقول: الفصاحة إذا استعملتها في الطاعة أشفى وأكفى في البيان، وأبلغ في الإعذار، لذلك دعا موسى ربه فقال: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) . لما علم أن الفصاحة أبلغُ في البيان.

سورة الأنبياء

سورة الأنبياء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) الرسالة: باب (الصنف الذي يُبَينُ سياقُه معناه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ) . وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها، فذكر قصم القرية، فلما ذكر أنها ظالمة، بأن للسامع أن الظالم إنما هم أهلها، دون منازلها التي لا تظلِم، ولما ذكر القوم المنشئين بعدها، وذكر إحساسهم البأس عند القصم، أحاط العلم أنه إنما أحس البأس من يعرف البأس من الآدميين. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الرسالة: باب (البيان الرابع) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيجمع القبول لما في كتاب اللَّه، ولسنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: القبول لكل واحد منهما عن اللَّه، وإن تفرقت فروع الأسباب التي قُبِلَ بها

قال الله عز وجل: (وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (47)

عنهما، كما أحل وحرّم، وفرض وَحَدَّ، بأسباب متفرقة، كما شاء جل ثناءه: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) . أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الزكاة: أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: الناس عبيد الله جل ثناؤه، فملَّكهم ما شاء أن يملكهم، وفرض عليهم فيما ملكهم ما شاء: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الآية، فكان فيما آتاهم، أكثر مما جعل عليهم فيه، وكل أنعم به عليهم جل ثناؤه، وكان - فيما فرض عليهم، فيما ملكهم - زكاة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الأم: الإقرار بالشيء غير الموصوف قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قال الرجل لفلان على مال، أو عندي، أو في يدي، أو قد استهلكت مالاً عظيماً، أو قال عظيماً جداً، أو عظيماً عظيماً، فكل هذا سواء، ويسأل ما أراد؟ فإن قال: أردت ديناراً أو درهماً، أو أقل من درهم مما يقع عليه اسم مال عرض أو غيره، فالقول قوله مع يمينه. وكذلك إن قال: مالاً صغيراً، أو صغيراً جداً، أو صغيراً صغيراً، من قبل أن جميع ما في الدنيا من متاعها

قال الله عز وجل: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون (52)

يقع عليه قليل - في الآخرة - قال الله تبارك وتعالى: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) . الآية. وقليل ما فيها يقع عليه عظيم الثواب والعقاب، قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) الآية. وكل ما أثيب عليه وعُذِّب يقع عليه اسم كثير. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الصيام: قال البيهقي: وقرأت في كتاب حرملة - فيما روى: عن الشَّافِعِي رحمه الله: أنه قال: جماع العُكُوف: ما لزمه المرء. فحبس عليه نفسه، من شيء (براً كان أو مأثماً) فهو عاكف. واحتج بقوله - عز وجل - حكاية عمن رضي قوله: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) مختصر المزني: مختصر الأيمان والنذور وما دخل فيهما. . .: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو قال بالله، أو تالله، فهي يمين، نوى أو لم ينو. وقال في الإملاء: تالله يمين. وقال في القسامة: ليست بيمين.

قال الله عز وجل: (وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين (78) ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما)

قال المزني رحمه اللَّه: وقد حكى الله - عزَّ وجلَّ يمين إبراهيم عليه السلام: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) الأم: باب (في اجتهاد الحاكم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) الآيتان. قال الحسن بن أبي الحسن: لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا. ولكن اللَّه حمد هذا لصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده.

قال الله عز وجل: (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون (80)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دلَّ الكتاب ثم السنة على من تزول عنه بالعذر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: أراك توقع الإحصان على معانٍ مختلفة؟ قيل: نعم، جماع الإحصان: أن يكون دون التحصين مانع من تناول المحرم. فالإسلام مانع، وكذلك الحرية مانعة، وكذلك الزوج والإصابة مانع. وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما مَنَعَ أحصَن، قال الله: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) الإحياء:: وروي أن عبد القاهر بن عبد العزيز كان رجلاً صالحاً، ورعاً، وكان يسأل الشَّافِعِي رحمه الله عن مسائل في الورع، والشَّافِعِي رحمه الله يقبل عليه لورعه،

قال الله عز وجل: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون (101)

وقال للشافعي رحمه الله يوماً: أي أفضل الصبر أو المحنة، أو التمكين؟ فقال الشَّافِعِي رحمه الله: التمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مُكِّن، ألا ترى أن الله - عزَّ وجلَّ امتحن إبراهيم عليه السلام ثم مَكنه، وامتحن موسى عليه السلام ثم مَكنه، وامتحن أيوب عليه السلام ثم مَكنه، وامتحن سليمان عليه السلام ثم مَكنه وآتاه ملكاً، والتمكين أفضل الدرجات. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) وأيوب عليه السلام بعد المحنة العظيمة مُكن، قال الله تعالى: (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) الآية. قال الغزالي رحمه الله فهذا الكلام من الشَّافِعِي رحمه اللَّه يدل على تبحره في أسرار القرآن، واطلاعه على مقامات السائرين إلى الله تعالى من الأنبياء والأولياء. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) الرسالة: باب (بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله جل ثناؤه: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) الآية، فدل كتاب اللَّه على أنه إنَّما وقودها بعض الناس، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) .

قال الله عز وجل: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون (105)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) الأم: الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالتوراة كتاب موسى - عليه السلام -، والإنجيل كتاب عيسى - عليه السلام -، والصحف كتاب إبراهيم - عليه السلام -، ما لم تعرفه العامة من العرب، حتى أنزل اللَّه - عز وجل -: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) .

سورة الحج

سورة الحج بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) مناقب الشافعى: باب (ما جاء في حسن مناظرة الشَّافِعِي وغلبته بالعلم والبيان كل من ناظره) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: سمعت أبا الفضل (الحسن بن يعقوب) يقول: سمعت أبا أحمد (محمد بن رَوح) بقول: سمعت أبا إسماعيل الترمذي يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: كنا بمكة، والشَّافِعِي بها، وأحمد بن حنبل رحمهما اللَّه. قال: وكان أحمد يجالس الشافعى، وكنت لا أجالسه، فقال لي أحمد، يا أبا يعقوب مُرَّ جالِسْ هذا الرجل. فقلت: ما أصنع به؟ سِنُّه قريب من سننا، أترك ابن عيينة، والمقبُري وهؤلاء المشايخ؟! فقال أحمد ويحك، إن هذا يفوت، وذاك لا يفوت. قال: فجالسته فتناظرنا في كراء بيوت مكة، وكان الشَّافِعِي يساهل فيه. وكنت لا أساهل فيه، فذكر حديثاً، وأخذت أنا في الباب أسرد عليه وهو ساكت، فلما أن فرغت، وكان معي رجل من أهل (مرو) فالتفت إليه فقلت -

بالفارسية -: (مردك لا كما لا نيست) (1) فعلم أني راطنت صاحبي: بشيء هجنْتُه فيه، فقال: تناظر؛ فقلت للمناظرة جئتُ. قال اللَّه - عز وجل -: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ) الآية. نسب الديار إلى مالكيها، أو إلى غير مالكيها؟ قال: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، يوم فتح مكة: "من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" فنسب الديار إلى أربابها أم إلى غير أربابها؟ قال: واشترى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (دار السجن) من مالك غير مالك؟ قال: قلت من مالك. قال: فلما عرفت أني قد أفحمت قُمتُ. قال: وقال غير أبي إسماعيل في هذه الحكاية: فقال له الشَّافِعِي: لو قلت قولك احتجت أن أُسِلسَل. قال البيهقي رحمه اللَّه: وقد ذكرنا حكاية مناظرتهما في كتاب (المعرفة) أتم من هذا، وفيها من الزيادة: احتجاج الشَّافِعِي بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وهل ترك لنا عقيل من دار؛" الحديث. ثم معارضة إسحاق إياه بقول التابعين. قال الشَّافِعِي رحمه للُه: من هذا؟ قيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: فقال له الشَّافِعِي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟ قال إسحاق: هكذا يزعمون. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك، فكنت آمر بعرك أذنيه.

_ (1) مرد: هو الرجل الصغير والحقير، و (ما لان) أو (كما لان) : قرية بمرو ينسب إلى أهلها الغفلة، انظر آداب الشَّافِعِي ومناقبه / للرازي، ص / 180) الهامش) رقم / 2، والمقصود: أنه نسب الشَّافِعِي إلى الصغار والغفلة واللَّه أعلم.

قال الله عز وجل: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق (27)

أنا أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنت تقول: عطاء، وطاووس، وإبراهيم، والحسن هؤلاء لا يرون ذلك، وهل لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة؟! وفيها من الزيادة: قال له إسحاق: اقرأ: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) الآية. فقال الشَّافِعِي رحمه الله: اقرأ أول الآية: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) هذا في المسجد خاصة. وقرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، فيما بلغه عن (داود الأصبهاني) أنه قال: لم يفهم (إسحاق) في ذلك الوقت (إيش) يحتج به الشَّافِعِي، وأراد الشَّافِعِي رحمه اللَّه: أن الدور لو كانت مباحة للناس - كان جواب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن يقول: أي موضع أدركنا في دار كان نزلنا، فإن ذلك مباح لنا، بل أشار إلى دورهم التي كانت لآبائهم، باعها عقيل بن أبي طالب - رضي الله عنه - قبل أن يسلم، فلم يطالب بشيء منها، ولم يؤاخذ به أحداً، وقال: لم يترك لنا عقيل مسكناً. فدل ذلك على أن كل من ملك فيها شيئاً فهو مالك، له منعه عن غيره. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) الأم: كتاب (الحج) ، باب (فرض الحج على من وجب عليه الحج) : أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي بمصر سنة سبع ومائتين قال:

قال الله عز وجل: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (28)

أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي - رحمه الله - قال: أصل إثبات فرض الحج خاصة في كتاب اللَّه تعالى، ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكر اللَّه - عز وجل - الحج في غير موضع من كتابه. فحكى أنه قال لإبراهيم عليه السلام: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الآية. ثم ذكر الآيات المتعلق بفرضية الحج -. الأم (أيضاً) : باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل - لإبراهيم خليله: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فسمعت بعض من أرضى من أهل العلم يذكر: أن الله تبارك وتعالى لما أمر بهذا إبراهيم عليه السلام، وقف على المقام فصاح صيحة: (عباد اللَّه أجيبوا داعي الله) فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، فمن حج البيت بعد دعوته فهو ممن أجاب دعوته، ووافاه من وافاه يقولون: (لبيك داعي ربنا، لبيك) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) الأم: باب (الاختلاف في العيب) قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأهلة معروفة المواقيت، وما كان في معناها من الأيام المعلومات، فإنه سبحانه وتعالى يقول: (فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) الآية. . .

الأم (أيضاً) : الضحايا الثاني: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والضحية نسك من النسك مأذون في كله. وإطعامه، وادخاره، فهذا كله جائز في جميع الضحية، جلدها، ولحمها، وكره بيع شيء منه، والمبادلة به بيع. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: ومن أين كرهت أن تباع، وأنت لا تكره أن تؤكل وتدخر؟ قيل له: لما كان نسكاً فكان اللَّه حكم في البدن التي - هي نسُك، فقال - عز وجل -: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الآية. وأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل الضحايا والإطعام، كان ما أذن اللَّه فيه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مأذوناً فيه، فكان أصل ما أخرج لله - عز وجل - معقولاً أن لا يعود إلى مالكه فيه شيء، إلا ما أذن الله فيه أو رسوله - صلى الله عليه وسلم -. مختصر المزني: باب (لحوم الضحايا) : حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نهى عن كل لحوم الضحابا بعد ثلاث". ثم قال بعد ذلك: "كلوا وتزودوا وادخروا" الحديث. حدثنا الربيع قال:

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن أبي بكر. عن عبد اللَّه بن واقد بن عبد اللَّه، أنه قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث" الحديث. قال عبد اللَّه بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعَفرَةَ فقالت: صدق، سمعت، عائشة رضي اللَّه عنها تقول: دفَّ ناسٌ من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي" الحديث. قالت: فلما كان بعد ذلك قلنا لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم يجعلون منها الودك. ويتخذون منها الأسقية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وما ذاك"؟ أو كما قال، قالوا يا رسول اللَّه نهيت عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت حضرة الأضحى، فكلوا وتصدقوا وادخروا" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيشبه أن يكون إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث إذا كانت الدَّافة على معنى الاختيار، لا على معنى الفرض، وإنما قلت: يشبه الاختيار لقول اللَّه - عز وجل -: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) الآية. وهذه الآية في البدن التي يتطوع بها أصحابها، لا التي وجبت عليهم قبل أن يتطوعوا بها، وإنما أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من هديه أنه كان تطوعاً، فأما ما وجب من الهدي كله فليس لصاحبه أن يأكل منه شيئاً، كما لا يكون له أن يأكل من زكاته ولا من كفارته شيئاً، وكذلك إن وجب عليه أن يخرج من ماله شيئاً فأكل بعضه، فلم يخرج ما وجب عليه بكماله.

وأحبُّ لمن أهدى نافلة أن يطعم البائس الفقير، لقول اللَّه - عز وجل -: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) الآية. الرسالة: باب (العلل في الأحاديث) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخاً في كل حال، فيُمسك الإنسان من ضحيته ما شاء، ويتصدق بما شاء - ثم ذكر ما ورد سابقاً في الأم - وقد علق محقق كتاب الرسالة قائلاً: وهكذا تردد الشَّافِعِي في قوله في هذا كما ترى، فمرة يذهب إلى النسخ. ومرة يذهب إلى أن النهي اختيار لا فرض، ومرة يذهب إلى أن النهي لمعنى فإذا وُجدَ ثبت النهي. والذي أراه راجحاً عندي - للعلامة: أحمد محمد شاكر -: أن النهي عن الادخار بعد ثلاث إنما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل تصرف الإمام والحاكم، فيما ينظر فيه لمصلحة الناس، وليس على سبيل التشريع في الأمر العام، بل يؤخذ منه أن للحاكم أن يأمر وينهى في مثل هذا، ويكون أمره واجب الطاعة، لا يسع أحداً مخالفته. وآية ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أخبروه عما نابهم من المشقة في هذا سألهم: وما ذاك؟ فلما أخبروه عن نهيه، أبان لهم عن علته وسببه، فلو كان هذا النهي تشريعاً عامًّا لذكر لهم أنه كان ثم نسخ، أما وقد أبان لهم عن العلة في النهي فإنه قصد إلى تعليمهم، أن مثل هذا يدور مع المصلحة التي يراها الإمام، وأن طاعته

قال الله عز وجل: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق (29)

فيه واجبة، ومن هذا نعلم أن الأمر فيه على الفرض لا على الاختيار، وإنما هو فرض محدد بوقت أو بمعنىً خاص، لا يُتجاوز به ما يراه الإمام من المصلحة. .. ويختتم كلامه فائلاً: وهذا معنى دقيق بديع، يحتاج إلى تأمُّلٍ، وبُعدِ نظر. وسَعَة اطلاع على الكتاب والسنة ومعانيهما، وتطبيقه في كثير من المسائل عسير، إلا على من هدى الله. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) الأم: باب (الطواف بعد عرفة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية. فاحتملت الآية: 1 - أن ئكون على طواف الوداع؛ لأنه ذكر الطواف بعد قضاء التفث. 2 - واحتملت أن تكون على الطواف بعد (منى) ، وذلك أنه بعد حلاق الشعر ولبس الثياب والتطيب، وذلك فضاء النفث. وذلك أشبه معنييها بها، لأن الطواف بعد (منى) واجب على الحاج. والتنزيل كالدليل على إيجابه - والله أعلم -، وليس هكذا طواف الوداع. قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن كانت نزلت في الطواف بعد (منى) دلَّ ذلك على إباحة الطيب.

الأم (أيضاً) : باب (لا يقال شوط ولا دور) أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن مجاهد رحمه الله، أنه كان يكره أن يقول شوط، دور للطواف، ولكن يقول، طواف، طوافين. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وأكره من ذلك ما كره مجاهد؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ قال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية. فسمى طوافاً؛ لأن الله تعالى سمى جماعه طوافاً. الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في موضع الطواف) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وإكمال الطواف بالبيت من وراء الحِجر، ووراء شاذروان الكعبة، فإن طاف طائف بالبيت، وجعل طريقه من بطن الحِجر - أي: حجر إسماعيل - أعاد الطواف، وكذلك لو طاف على شاذروان الكعبة أعاد الطواف. فإن قال قائل: فإن الله - عزَّ وجلَّ - يقول: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والمسجد كله موضع للطواف. مختصر المزني: ومن كتاب المناسك: قال الشَّافِعِي رحمه لله: أخبرنا ابن عيينة، حدثنا هشام، عن طاووس فيما أحسب أنه قال: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الحِجر من البيت وقال الله (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية. وقد طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وراء الحِجر.

قال الله عز وجل: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب (32)

قال الله عزَّ وجلَّ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) الأم: باب (ما تجزي عنه البدنة من العدد في الضحايا) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كانت الضحايا إنما هو دم يُتقرب به إلى الله تعالى، فخير الدماء أحبّ إليَّ، وقد زعم بعض المفسرين: أن قول اللَّه - عز وجل -: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الآية، استسمان الهدي واستحسانه. وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الرقاب أفضل؟ قال: "أغلاها ثمناً وأنفسُها عند أهلها" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والعقل مضطر إلى أن يعلم أن كل ما تقُرِّبَ به إلى الله - عز وجل - إذا كان نفيساً، كلما عظمت رزيَّتُه على المتقرب به إلى اللَّه تبارك وتعالى، كان أعظم لأجره. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) الأم: باب (الإحصار بالعدو) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أما السنة فتدل على أن محله - أي: دم الإحصار - في هذا الوضع نحره؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر في الحل، فإن قال - المحاور -:

فقد قال الله - عزَّ وجلَّ في البدن: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية. فهو محلها. فإن قال: فهل خالفك أحد في هدي المحصر؟ قيل: نعم، عطاء بن أبي رباح كان يزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر في الحرم. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فإن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) الآية. قلت: على أن ينحرها عند البيت العتيق، الله أعلم بمحله، هاهنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحره حيث أحصر، كما وصفتُ. ومحله في غير الإحصار الحرم - والمنحر -، وهو كلام عربي واسع. الأم (أيضاً) : باب (في قتل الدواب التي لا جزاء فيها في الحج) قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت، قال مالك رحمه اللَّه: وذلك فيما نرى - والله أعلم - لقول اللَّه جل ثناءه: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية. فمحل الشعائر وانقضاؤها إلى البيت العتيق. مختصر المزني: باب (الهدي) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس له أن ينحر دون الحرم، وهو محلها لقول اللَّه جل وعز: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية، إلا أن يحصر، فينحر حيث أحصر، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية.

قال الله عز وجل: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير)

مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي رحمه الله بتفسير القرآن ومعانيه، وسبب نزوله) أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس قال: أنبأنا الربيع قال: حدثئا الشَّافِعِي رحمه الله في قوله - عز وجل -: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الآية. قال: فزعم أهل العلم بالتفسير: أن محلها الحرم؛ كأنهم ذهبوا إلى أن الأرض حِل وحَرَمٌ، فموضع البيت في الحرم. وأن قول اللَّه: (إِلَى الْبَيْتِ) إلى موضع البيت الذي تبين من البلدان، لا إلى البيت نفسه، ولا إلى موضعه من المسجد؛ لأن الدم لا يصلح هناك. وعقلوا عن اللَّه أنه إنما أراد حاضري البيت العتيق من الهدي، فإن أجمع أن يذبح في الحرم فيأكله حاضره - أي: حاضري الحرم - من أهل الحاجة غير متغير، فقد جاء بالذى عليه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) الأم: المكاتب قال الشَّافِعِي رحمه الله: والخير كلمة يُعرف ما أريد منها بالمخاطبة بها. وقال اللَّه - عز وجل -: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) الآية، فعقلنا أن الخير: المنفعة بالأجر، لا أن لهم في البُدن مالاً.

الأم (أيضاً) : باب (ذبائح أهل الكتاب) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد أحل اللَّه - عز وجل - لحوم البُدن مطلقة، فقال: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا) الآية. ووجدنا بعض المسلمين يذهب إلى: أن لا يؤكل من البَدَنة التي هي نذر، ولا جزاء صيد، ولا فدية، فلما احتملت هذه الآية، ذهبنا إليه وتركنا الجملة؛ لأنها خلاف للقرآن، ولكنها محتملة، ومعقول أن من وجب عليه شيء في ماله، لم يكن له أن يأخذ منه شيئاً؛ لأنا إذا جعلنا له أن يأخذ منه شيئاً فلم نجعل عليه الكل، إنما جعلنا عليه البعض الذي أعطى، فهكذا ذبائح أهل الكتاب بالدلالة على شبيه ما قلنا. الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأمر في الكتاب، والسنة، وكلام الناس يحتمل معاني: أحدها: أن يكون اللَّه - عز وجل - حرّم شيئاً ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرم، منها قوله: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) الآية. ليس حتماً أن لا يأكل من بَدَنتِه إذا نحرها، فإنما هي دلالة لا حتم، وأشباه لهذا كثير في كتاب اللَّه - عز وجل - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. وزاد في كتاب المناقب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب، ومعرفة السنة، طلب الدلائل؛ ليفرفوا بين الحتم، والمباح، والإرشاد الذي ليس بحتم في الأمر والنهي معاً.

مختصر المزني: باب (الهدي) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما كان منها تطوعاً أكل منها، لقول الله جل وعز: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا) الآية. وأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من لحم هديه وأطعم. وكان هديه تطوعاً، وما عُطِب منها نحرها وخلَّى بينها وبين المساكين، ولا بدل عليه فيها، وما كان واجباً من جزاء الصيد أو غيره، فلا يأكل منها شيئاً، فإن أكل فعليه بقدر ما أكل لمساكين الحرم، وما عُطِب منها فعليه مكانه. مختصر المزني (أيضاً) : باب (لحوم الضحايا) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله: (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) الآية. القانع: هو السائل. والْمُعْتَر: الزائر، والمار بلا وقت. فإذا أطعم من هؤلاء واحداً أو أكثر فهو المطعمين، فأحبّ إلي ما أكثر، أن يطعم ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويدخر ثلثاً ويهبط به حيث شاء، والضحايا من هذا السبيل - والله أعلم -. وأحب إن كانت في الناس مخمصة أن لا يدخر أحد من أضحيته، ولا من هديه أكثر من ثلاث؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدافة، فإن ترك رجل أن يطعم من هدي تطوع أو أضحية فقد أساء، وليس عليه أن يعود للضحية، وعليه أن يُطعِم إذا جاءه قانع، أو مُعْتَرٌّ، أو بائسٌ فقير شيئاً؛ ليكون عوضاً مما منع، وإن كان في غير أيام الأضحى.

قال الله - عز وجل -: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق)

قال الله - عزَّ وجلَّ -: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ) الأم: مبتدأ الإذن بالقتال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأذن لهم بأحد الجهادين (بالهجرة) ، قبل أن يؤذن لهم بأن يبتدئوا مشركا بقتال، ثم أذن لهم بأن يبتدئوا المشركين بقتال، قال اللَّه تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ) الآيتان. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الأم: باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الآية،

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون (77)

وقد أحاط العلم أن كل الناس في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا يدعون من دونه شيئاً؛ لأن فيهم المؤمن، ومَخرَج الكلام عاماً، فإنما أريد من كان هكذا. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) الأم: باب (التكبير للركوع وغيره) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو ترك التكبير، سوى تكبيرة الافتتاح، وقوله سمع اللَّه لمن حمده، لم يُعِد صلاته، وكذلك من ترك الذكر في الركوع والسجود، وإنما قلت ما وصفت بدلالة الكتاب، ثم السنة. قال اللَّه - عز وجل -: (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) الآية. ولم بذكر في الركوع والسجود عملاً غيرهما، فكانا الفرض. فمن جاء بما يقع عليه اسم ركوع أو سجود فقد جاء بالفرض عليه، والذكر فيهما سنة اختيار، وهكذا قلنا في المضمضة والاستنشاق مع غسل الوجه. . ثم ذكر حديث الذي لا يحسن الصلاة وكيفية ئعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - له الصلاة ولم يذكر فبه وجوب التسبيح بالركوع والسجود -. مناقب الشافعى: باب (ما يؤثر عنه - الشافعى - في الإيمان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض الله تعالى على الوجه: السجود للهِ بالليل والنهار، ومواقيت الصلاة، فقال في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .

قال الله عز وجل: (وجاهدوا في الله حق جهاده)

ترتيب مسند الشَّافِعِي: في سجود التلاوة قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن نافع، "أن ابن عمر - رضي الله عنهما - سجد في سورة الحج سجدتين" الحديث. أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صعير، "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صلى بهم بالجابية فقرأ سورة الحج، فسجد فيها سجدتين" الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) الأم: أصل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما مضت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة من هجرته، أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون اللَّه قوة بالعدد، لم تكن قبلها؛ ففرض الله تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً، وقال - عز وجل -: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) الآية.

الأم (أيضاً) : باب (ميراث الجد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلنا إذا ورث الجد مع الإخوة قاسمهم ما كانت المقاسمة خيراً له من الثلث، فإذا كان الثلث خيراً له منها أُعطِيَه، وهذا قول زيد بن ثابت، وعنه قبلنا أكثر الفرائض، وقد رُوي هذا القولُ عن عمر وعثمان رضي اللَّه عنهما أنهما قالا فيه مثل قول زيد بن ثابت - رضي الله عنه -. وقد روي هذا أيضاً عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو قول الأكثر من فقهاء - أهل - البلدان، وقد خالفنا بعض الناس في ذلك فقال: الجد: أب، وقد اختلف فيه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال أبو بكر، وعائشة، وابن عباس، وعبد اللَّه بن عتبة. وعبد اللَّه بن الزبير رضي الله عنهم، إنه أب إذا كان مع الإخوة طرحوا، وكان المال للجد دونهم. وقد زعمنا نحن وأنت: أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اختلفوا لم نصر إلى قول واحد منهم دون قول الآخر، إلا بالثبت مع الحجة البينة عليه وموافقته للسنة، وهكذا نقول، وإلى الحجة ذهبنا في قول زيد بن ثابت، ومن قال قوله. قالوا: فإنا نزعم أن الحجة في قول من قال: الجد أب، لخصالِ منها: أن اللَّه - عز وجل - قال: (يَا بَنِي آدَمَ) الآية. وقال: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) الآية. فأقام الجد في النسب أباً، وأن المسلمين لم يختلفوا في أن لم يُنقِصوه من السدس، وهذا حكمهم للأب، وأن المسلمين حجبوا بالجد، الأخ لأم، وهكذا حكمهم في الأب - وأفاض في النقاش حول هذا الموضوع -.

سورة المؤمنون

سورة المؤمنون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض الله على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرّم اللَّه، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال في ذلك: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) . الآيات. فذلك ما فرض اللَّه جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان. الزاهر باب (زكاة الفطر) : قال الأزهري رحمه اللَّه: وأما قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) ففيه قولان: أحدهما: الذين هم للعمل الصالح عاملون. والقول الثاني: الذين هم للزكاة مؤتون.

قال الله عز وجل: (والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6)

ترتيب مسند الشَّافِعِي: الباب السادس (في صفة الصلاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مسلم بن خالد، وعبد المجيد، عن ابن جريج قال: أخبرنا محمد بن عباد بن جعفر، أخبرني أبو سلمة بن سفيان، وابن عمر، والدراوردي، عن عبد اللَّه بن السائب قال: "صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بمكة، فاستفتح بسورة المؤمنين حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى، أخدت النبي - صلى الله عليه وسلم - سَعْلَةٌ فَحَذَفَ فركع"، وعبد اللَّه السائب حاضر ذلك، الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) الأم: تسري العبد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) . الآيتان. فدل كتاب اللَّه - عز وجل - على أن ما أباحه من الفروج، فإنما أباحه من أحد الوجهين، النكاح، أو ما ملكت اليمين.

الأم (أيضاً) : باب (الاستمناء) : قال الشَّافِعِي رعه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ) قرأ إلى: (الْعَادُونَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم، أو ما ملكت أيكانهم، تحريم ما سوى الأزواج، وما ملكت الأيمان، وبين أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات دون البهائم، ثم أكَّدها فقال - عز وجل - (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) فلا يحل العمل بالذَّكَرِ إلا في الزوجة، أو ملك اليمين، ولا يحل الاستمناء - واللَّه أعلم -. قال الشَّافِعِي رعه الله: وكان في قول اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآيتان. بيان أن المخاطبين بها الرجال لا النساء، فدل على أنه لا يحل للمرأة أن تكون متسرية بما ملكت يمينها، لأنها متسراة، أو منكوحة لا ناكحة، إلا بمعنى أنها منكوحة، ودلالة على تحريم إتيان البهائم، لأن المخاطبة بإحلال الفرج في الآدميات المفروض عليهن العدة، ولهن الميراث منهم، وغير ذلك من فرائض الزوجين. الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) .

قال الشَّافِعِي رحمه الله: والرجل لا يأتي النساء إذا نكح فقد غرَّ المرأة. ولها الخيار في المقام أو فراقه إذا جاءت سَنَةٌ أجلها من يوم يضرب له السلطان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحب النكاح للعبيد والإماء اللاتي لا يطؤُهن سادتهن، احتياطاً للعفاف، وطلب فضل وغنى، فإن كان إنكاحهن واجباً، كان قد أدَّى فرضاً، وإن لم يكن واجباً كان مأجوراً إذا احتسب نيته على التماس الفضل، بالاحتياط للتطوع. الأم (أيضاً) : ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء، وما تحل به الفروج: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) . وقال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) . فأطلق اللَّه - عز وجل - ما ملكت الأيمان فلم يحد فيهم حداً يُنتهي إليه، فللرجل أن يتسرى كم شاء، ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا، وانتهى ما أحل اللَّه بالنكاح إلى أربع، ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبينة عن الله - عزَّ وجلَّ على أن انتهاءه إلى أربع تحريماً منه؛ لأن يجمع أحد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أكثر من أربع، لا أنه يحرم أن ينكح في عمره أكثر من أربع إذا كن متفرقات، ما لم يجمع بين أكثر منهن؛ ولأنه أباح الأربع، وحرم الجمع بين أكثر منهن، فقال لغيلان بن سلمة،

ونوفل بن معاوية، وغيرهما، وأسلموا وعندهم كثر من أربع "أمسك أربعاً وفارق سائرهنَّ" الحديث. الأم (أيضاً) : من يقع عليه الطلاق من النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقول الله - عز وجل -: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فلم يحل الجماع إلا بنكاح، أو ملك، وحَكَمَ أن يقع في النكاح ما وصفنا، من طلاق يَحرُم به الحلال من النكاح وغيره، وحكم في الملك بأن يقع من المالك فيه العتق، فيحرم به الوطء بالملك، وفَرَّقَ بين إحلالهما وتحريمهما، فلم يجز أن يوطأ الفرج إلا بأحدهما دون الآخر، - أن تكون امرأته وهو يملكها - فلما ملك امرأته فحالت عن النكاح إلى الملك انفسخ النكاح. قال الربيع - رحمه الله -: يريد (أي: الشَّافِعِي) بأحدهما دون الآخر أنه لا يجوز أن تكون امرأته وهو يملكها أو بعضها، حتى يكون مَلَك وحده بكماله، أو التزويج وحده بكماله. مختصر المزني: ما يحل من الحرائر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) وفي ذلك دليل أن الله تبارك وتعالى أراد الأحرار؛ لأن العبيد لا يملكون.

قال الله عز وجل: (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ) الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد: قلت: ذكر تفسيرها في الآية / (25) من سورة هود - عليه السلام - فلا حاجة للتكرار.

سورة النور

سورة النور بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الأم: باب (من عاد لقتل الصيد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجعل الحد على الزاني، فلما أوجب اللَّه عليهم الحدود، دلَّ هذا على أن النقمة كضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا. وجعل الحد على الزاني فلما أوجب الله عليهم الحدود، دل هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقِط حكم غيرها في الدنيا، قال الله ثبارك وتعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ) الآية. فلم يختلف الناس في أنهما كلما زنيا بعد الحد جُلِدَا، فكان الحق عليهم في الزنا الآخر مثله في الزنا الأول. الأم (أيضاً) : الأمان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور - ومن قال بباطن دون ظاهر، بلا دلالة له في القرآن، والسنة، أو الإجماع، مخالف للآية. قال: نعم. فقلت له: فأنت إذاً تخالف آيات من كتاب اللَّه - عز وجل -. قال: وأين؟ قلت: قال الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية.

الأم (أيضاً) : في المرتد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كانت في الهاربين امرأة، فحكمها حكم الرجال؛ لأني وجدت أحكام اللَّه - عز وجل - على الرجال والنساء في الحدود واحدة. قال اللَّه تبارك وتعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية. الأم (أيضاً) : ما يحرم من النساء بالقرابة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية. فرجم النبي - صلى الله عليه وسلم - الزانيين الثيبين ولم يجلدهما، فاستدللنا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن المراد، وبالمائة من الزناة بعض الزناة. الأم (أيضاً) : عدة الأمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر الله - عزَّ وجلَّ العدد من الطلاق بثلاثة قروء، وثلاثة أشهر، ومن الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وذكر الله الطلاق للرجال باثنتين وثلاثة. فاحتمل أن يكون ذلك كله على الأحرار والحرائر، والعبيد والإماء، واحتمل أن يكون ذلك على بعضهم دون بعض وكان اللَّه - عز وجل - قد فرق في حد الزاني بين المماليك والأحرار، فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)

وقال في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، وقال بعض الخوارج بمثل معنى قولك (الخطاب: للمحاور) في اليمين مع الشاهد: يجلد كل من لزمه اسم الزنا، مملوكاً كان أو حراً محصناً أو غير محصن، وزعمت أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - جلد الزاني ورجمه، فلم رغبت عن هذا؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله: جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أنه رجم ماعزاً ولم يجلده، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمعنى ما أراد اللَّه عز ذكره. الأم (أيضاً) : باب الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: الفاحشة تحتمل الزنا وغيره، فما دل على أنها في هذا الموضع الزنا دون غيره؟ قيل: كتاب اللَّه، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. ثم ما لا أعلم عالماً خالف فيه في قول اللَّه - عز وجل -، في اللاتي يأتين الفاحشة من

نسائكم، يُمْسَكْن حتى يجعل اللَّه لهن سبيلاً، ثم نزلت: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" الحديث. ودل اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم، لم أعلم في ذلك مخالفاً من أهل العلم. الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت: فما تقول في الزاني الثيب، أترجمه؟ قال: نعم. قلت: كيف ترجمه وممن نص بعض الناس علماء أن لا رجم على زان. لقول اللَّه تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) فكيف ترجمه ولم ترده إلى الأصل، من أن دمه محرم حتى يجتمعوا على تحليله؟! ومن قال هذا القول يحتج بأنه زان يدخل في معنى الآية، وأن يجلد مائة. الأم (أيضاً) : باب (الرجل يمسك الرجل للرجل حتى يقتله) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، ولم أجد أحداً من خلق اللَّه تعالى يُقتدى به، حد أحداً قط على غير فعل نفسه أو قوله.

الأم (أيضاً) : باب (الصوم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عز ذكره: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية. فلو صرنا إلى ظاهر القرآن ضربنا كل من لزمه اسم زنا مائة جلدة، ورجم - النبي - صلى الله عليه وسلم - الحرين الثيبين ولم يجلدهما، استدللنا على أن اللَّه - عز وجل - إنما أراد بالجلد بعض الزناة دون بعض. الأم (أيضاً) : اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: اللعان لا يكون إلا بمحضر طائفة من المؤمنين؛ لأنه لا يحضر أمراً يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستره ولا يحضره إلا وغيره حاضر له، وكذلك جميع حدود الزنا يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة؛ لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول اللَّه - عز وجل - في الزانيين: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية. الأم (أيضاً) : الخلاف في اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في الزانيين: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية. أفتراه عَنَى بعذابهما الحد أو الحبس؟ قال: بل الحد، وليس السجن بحد، والعذاب في الزنا بالحدود.

مختصر المزني: مقدمة (اختلاف الحديث) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، فكان مخرج هذا عامًّا، فدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن الله جل ثناؤه أراد بهذا رجم الحرين الثيبين ولم يجلدهما، فدلت السنة على أن الجلد على بعض الزناة دون بعض فقد يكون زانياً ثيباً فلا يجلد مائة، فوجب على كل عالم أن لا يشك أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قامث هذا المقام مع كتاب اللَّه، في أن الله أحكم فرضه بكتابه وبين كيف ما فرض على لسان نبيه، فأبان على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما أراد به العام والخاص، كانت كذلك سنته في كل موضع، لا تختلف. وأنّ قول من قال: تعرض السنة على القرآن، فإن وافقت ظاهره، وإلا استعملنا ظاهر القرآن، ونركنا الحديث، جهل لما وصفت. فأبان اللَّه لنا أن سنن رسوله فرض علينا بأن ننتهي إليها لا أن لنا معها من الأمر شيئاً إلا التسليم لها، واتباعها، ولا أنها تعرض على قياس ولا على شيء غيرها، وأن كل ما سواها من قول الآدميين ئبع لها. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فذكرت ما قلت من هذا لعدد من أهل العلم بالقرآن، والسنن والآثار، واختلاف الناس، والقياس، والمعقول، فكلهم قال: مذهبنا، ومذهب جميع من رضينا ممن لقينا، وحُكِيَ لنا عنه من أهل العلم. مختصر المزني (أيضاً) : باب العقويات في المعاصي: قال الشَّافِعِي رحمه الله: كانت العقوبات في المعاصي قبل أن ينزل الحد ثم نزلت الحدود، ونسخت العقوبات فيما فيه الحدود.

حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن النعمان بن مُرَّة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: "ما تقولون في الشارب والسارق والزاني؟ وذلك قبل أن تنزل الحدود، فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هن فواحش، وفيهن عقوبات، وأسوأُ السرقة الذي يسرق صلاته" ثم ساق الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومثل معنى هذا في كتاب اللَّه، قال الله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) . فكان هذا أول العقوبة للزانيين في الدنيا، ثم نسخ هذا عن الزناة كلهم، الحر والعبد والبكر والثيب، فحدَّ الله البكرين الحرين المسلمين فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية. حدثنا الربيع: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "الرجم في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت عليه البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" الحديث.

أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب رحمه اللَّه يقول: قال عمر - رضي الله عنه -: "إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا أجد حدين في كتاب اللَّه، فقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب اللَّه لكتبتها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتَّة" فإنا قد قرأناها الحديث. الرسالة: باب (ما نزل عاماً دلَّت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية. وقال في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية. فدل القرآن على أنه إنما أريد بجلد المائة، الأحرار دون الإماء، فلما رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثيب من الزناة ولم يجلده، دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن المراد بجلد المائة من الزناة: الحُرُّان المِكْرَان دون غيرهما ممن لزمه اسم زنا. الرسالة: ابتداء الناسخ والمنسوخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو جاز أن يقال: قد سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نسخ سنته بالقرآن، ولا يؤثر عن رسول الله السنة الناسخة، جاز أن يقال: فيمن رجم من الزناة، قد يحتمل أن يكون الرجم منسوخاً، لقول اللَّه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية - وذكر نماذج أخرى - ثم قال:

ولجاز ردُّ كل حديث عن رسول اللَّه بأن يقال: لم يقله، إذا لم يجده مثل التنزيل، وجاز رد السنة بهذين الوجهين، فتركت كل سنة معها كتاب جملة تحتمل سنته أن توافقه، وهي لا تكون أبداً إلا موافقة له، إذا احتمل اللفظ فيما روي عنه خلاف اللفظ في التنزيل بوجه، أو احتمل أن يكون في اللفظ عنه أكثر مما في اللفظ في التنزيل، وإن كان محتملاً أن يخالفه من وجه، وكتاب اللَّه وسنة رسوله تدل على خلاف هذا القول، وموافقة ما قلنا. الرسالة: باب (العلل في الأحاديث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له (أي: للمحاور) لو جاز أن تترك سنة مما ذهب إليه من جهل مكان السنن من الكتاب، ترك ما وصفنا من المسح على الخفين، وإباحة كل ما لزمه اسم بيع، وإحلال أن يُجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، وإباحة كل ذي ناب من السباع، وغير ذلك. ولجاز أن يقال: إنما سنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجم على الثيب حتى نزلت عليه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، فيجلد البكر والثيب، ولا نرجمه. فمن قال هذا كان مُعَطِّلاً لعامة سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا القول جهل ممن قاله. الرسالة (أيضاً) : وجه آخر (من الناسخ والمنسوخ) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر الآيتين / 15 و 16 من سورة النساء، فكان حدُّ الزانيين بهذه الآية الحبس والأذى، حتى أنزل اللَّه على رسوله حد الزنا، فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، وقال في

الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) الآية. فنُسِخَ الحبس عن الزناة، وثبت عليهم الحدود. ودل قول اللَّه في الإماء: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) على فَرْق اللَّه بين حد المماليك والأحرار في الزنا، وعلى أن النصف لا يكون إلا من جلد، لأن الجلد بعدد، ولا يكون من رجم، لأن الرجم إتيان على النفس بلا عدد؛ لأنه قد يؤتى عليها برجمة واحدة، وبألف وأكثر، فلا نصف لما لا يعلم بعدد، ولا نصف للنفس، فيؤتى بالرجم على نصف النفس. واحتمل قول اللَّه في سورة النور: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) الآية، أن يكون على جميع الزناة الأحرار، وعلى بعضهم دون بعض فاستدللنا بسنة رسول الله - بأبي هو وأمي - على من أريد بالمائة جلدة - ثم ذكر حديث عبادة بن الصامت -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فدل قول رسول اللَّه: "قد جعل اللَّه لهن سبيلاً" الحديث، أن هذا أول ما حد به الزناة، لأن اللَّه يقول: (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) الآية. ثم رجم رسول الله ماعزاً ولم يجلده، وامرأة الأسلمي ولم يجلدها، فدلت سنة رسول الله على أن الجلد منسوخ عن الزانيين الثيبين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يكن بين الأحرار في الزنا فرق إلا بالإحصان بالنكاح، وخلاف الإحصان به، وإذ كان قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" الحديث، ففي هذا دلالة على أنه أول ما نسخ الحبس عن الزانيين، وحُدَّا بعد الحبس، وأن كل حد حده الزانيين فلا يكون

قال الله عز وجل: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين (3)

إلا بعد هذا، إذ كان هذا أول حد الزانيين - ثم ذكر الحديث الذي أمَرَ به أنيساً أن يرجم امرأة الأعرابي إذا اعترفت، وحديث رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهودية -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فثبت جلد مائة والنفي على البكرين الزانيين. والرجم على الثيبين الزانيين، وإن كانا ممن أريدا بالجلد فقد نسخ عنهما الجلد مع الرجم، وإن لم يكونا أريد بالجلد وأريد به البكران فهما مخالفان للثيبين. ورجم الثيبين بعد آية الجلد، بما روى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله. وهذا أشبه معانيه وأولاها به عندنا - والله أعلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) الأم: نكاح المحدودين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: اخئُلف في تفسير هذه الآية، فقيل: نزلت في بغايا كانت لهن رايات، وكن غير محصنات، فأراد بعض المسلمين نكاحهن، فنزلت هذه الآية بتحريم أن ينكحن إلا من أعلن بمثل ما أعلَن به، أو مشركاً. وقيل: كن زواني مشركات، فنزلت لا ينكحهن إلا زان مثلهن مشرك، أو مشرك وإن لم يكن زانياً: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) الآية.

وقيل غير هذا. وقيل: هي عامة، ولكنها نسخت. أخبرنا سفيان، عن يحمص بن سعيد، عن ابن المسيب في قوله: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الآية. قال: هي منسوخة، نسختها: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) الآية. فهي من أيامى المسلمين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فوجدنا الدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زانية وزان من المسلمين، لم نعلمها حَرَّم على واحد منهما أن ينكح غير زانية ولا زان، ولا حرم واحداً منهما على زوجه، فقد أتاه ماعز بن مالك، وأقرَّ عنده بالزنا مراراً، لم يأمره في واحدة منها أن يجتنب زوجة له إن كانت، ولا زوجته أن تجتنبه، ولو كان الزنا يحرمه على زوجته أشبه أن يقول له: إن كانت لك زوجة حرمت عليك، أو لم تكن لم يكن لك أن تنكح، ولم نعلمه أمره بذلك، ولا أن لا ينكح. ولا غيره أن لا ينكحه إلا زانية، وقد ذكر له رجل امرأة زنت وزوجها حاضر، فلم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، علمنا زوجها باجتنابها، وأمر أنيساً أن يغدو عليها فإن اعترفت رجمها، وقد جلد ابن الأعرابي في الزنا مائة جلدة، وغرَّبه عامًّا، ولم ينهه كما علمنا أن ينكح،، ولا أحداً أن ينكحه إلا زانية. وقد رفع الرجل الذي قذف امرأته إليه أمْر امرأته، وقذفها برجل، وانتفى من حملها فلم يأمره باجتنابها حتى لاعَنَ بينهما - وساق أدلة أخرى على هذا الموضوع -.

الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح المحدودين: بعد أن ساق ما ورد مما ذكر بالفقرة السابقة من الأقوال -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ورُوي من وجه آخر غير هذا، عن عكرمة أنه قال: لا يزني الزاني إلا بزانية، أو مشركة. والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك. قال أبو عبد الله الشَّافِعِي رحمه الله: يذهب - أي: عكرمة رحمه اللَّه - إلى قوله: ينكح، أي: يصيب. فلو كان كما قال مجاهد نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية، فَحُرِّمنَ على الناس إلا من كان منهم زانياً أو مشركاً، فإن كن على الشرك فهن محرمات على زناة المسلمين، وغير زناتهم، وإن كن أسلمن، فهن بالإسلام محرمات على جميع المشركين لقول اللَّه تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا اختلاف بين أحد من أهل العلم في تحريم الوثنيات - عفائف كن أو زواني - كن -، على من آمن زانياً كان أو عفيفاً، ولا في أن المسلمة الزانية محرمة على المشرك بكل حال. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وليس فيما رُوي عن عكرمة رحمه اللَّه: "لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة" تبيين شيء إذا زنى فطاوعته مسلماً كان أو مشركاً. أو مسلمة كانت أو مشركة فهما زانيان والزنا محرم على المؤمنين، فليس في هذا أمر يخالف ما ذهبنا إليه فنحتج عليه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن قال هذا حُكْمٌ بينهما، فالحجة عليه بما وصفنا من كتاب اللَّه - عز وجل - الذي اجتمع على ثبوت معناه أكثر أهل العلم، فاجتماعهم أولى أن يكون ناسخاً.

الأم (أيضاً) : باب ما جاء في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي هذه الاية دلالة على أن قول اللَّه عز اسمه: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) الآية، كما قال ابن المسيب إن شاء اللَّه تعالى منسوخة، نسختها: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) الآية، فهن من أيامى المسلمين. وقال اللَّه - عز وجل -: (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) الآية. يشبه عندي - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون إذا لم تقطع العصمة بالزنا، فالموارثة باحكام الإسلام ثابتة عليها وإن زنت، ويدل إذا لم تقطع العصمة بينها وبين زوجها بالزنا، لا بأس أن ينكح امرأة وإن زنت، إن ذلك لو كان يحرم نكاحها قُطعت العصمة بين المرأة تزني عند زوجها وبينه، وأمر اللَّه - عز وجل - في اللاتي يأتين الفاحشة من النساء بأن يحبسن في البيوت - حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل اللَّه لهن سبيلاً، منسوخ بقول اللَّه - عز وجل -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) الآية في كتاب اللَّه، ثم على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

قال الله عز وجل: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الأم: اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية. وقال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية، إلى: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) . فلما حكم اللَّه في الزوج القاذف بأن يلتعن دلَّ ذلك على أن اللَّه إنما أراد بقوله - تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) القَذفَةَ غير الأزواج، وكان القاذف الحر الذمي، والعبد المسلم، والذمي، إذا قذفوا الحرة المسلمة جُلِدوا الحد معاً، فجَلْدُ الحر حد الحر، والعبد حد العبد، وأنه لم يبرأ قاذف بالغ يجري عليه الحكم من لم يحده حده، إن لم يخرج منه بما أخرجه الله تعالى به من الشهود على المقذوفة؛ لأن الآية عامة على المقذوفة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى في الذين يرمون المحصنات: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) فكانت الآية عامة على رامي المحصنة، فكان سواء قال الرامي لها: رأيتها تزني، أو رماها ولم يقل: رأيتها تزني، فإنه يلزمه اسم الرامي.

الأم (أيضاً) : كتاب اللعان: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله نال: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم لم أعلم مخالفاً في أن ذلك: إذا طلبت ذلك المقذوفة الحرة، ولم يأت القاذف بأربعة شهداء يخرجونه من الحد، وهكذا كل ما أوجبه اللَّه تعالى لأحد وجب على الإمام أخذه له، إن طلبه أخذه له بكل حال. الأم (أيضاً) : خلاف بعض الناس في المرتد والمرتدة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية. فقال المسلمون في اللاتي يرمين المحصنات: يجلدن ثمانين جلدة، ولم يفرفوا بينها وبين الرجل، يُرمى إذ رمت، فكيف فرقت بينها وبين الرجل في الحد. قال الشَّافِعِي رحمه الله: عفا اللَّه عنه، فقلنا له: النص عليك، والقياس عليك، وأنت تدعى القياس حيث تخالفه، فقال أما إن (أبا يوسف) قد فال قولكم، فزعم: أن المرتدة تقتل، فقلت: أرجو أن يكون ذلك خيراً له. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ما يزيد قوله قولنا قوة، ولا خلافه وَهناً.

الأم (أيضاً) : باب (الدعوى في الشراء والهبه والصدقه) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية. فكان بيناً أن المأمور بجلده ثمانين، هو من قَصَدَ قَصدَ محصنة بقذف، لا من وقع قذفه على محصنة بحال، ألا ترى أنه لو كان يحد من كان لم يقصد قصد القذف، إذا وقع القذف بمثل ما تقع به الإيمان. الأم (أيضاً) : الشهادات: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله تعالى قال: وقال اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية. أخبرنا مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن سعداً قال: يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: " نعم" الحديث. الأم (أيضاً) : باب (اليمين مع الشاهد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية. قيل له - أي: للمحاور -:

هذا كما قال اللَّه - عز وجل -؛ لأن اللَّه حكم في الزنا بأربعة، فإذا قذف رجل رجلاً بالزنا، لم يخرجه من الحدِّ إلا أن يقيم عليه بينة بأنه زان، ولا يكون عليه بينة تقطع أقل من أربعة، وما لم يتمُّوا أربعة فهو قاذف يحد، وإنما أريد بالأربعة أن يثبت عليه الزنا، فيخرج من ذلك القاذف، ويحد المشهود عليه (المقذوف) وحكمهم معاً حكم شهود الزنا؛ لأنهن شهادات على الزنا لا على القذف. فإذا قام على رجل شاهدان بأنه قذف رجلاً حُدَّ؛ لأنه لم يذكر عدد شهود القذف فكان قياساً على الطلاق وغيره مما وصفت، ولا يخرج من أن يحد له إلا بأربعة شهداء يثبنون الزنا على المقذوف فيحد، ويكون هذا صادقاً في الظاهر، واللَّه تعالى الموفق. الأم (أيضاً) : باب (شهادة القاذف) : قال الشافعي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) الآيتان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمر اللَّه - عز وجل - أن يضرب القاذف ثمانين، ولا تقبل له شهادة أبداً، وسماه فاسقاً إلا أن يتوب. فقلنا: يلزم أن يضرب ثمانين، وأن لا تقبل له شهادة، وأن يكون عندنا في حال من سُمي بالفسق إلا أن يتوب، فإذا تاب قبلت شهادته، وخرج من أن يكون في حال من سُمِّي بالفسق. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وتوبته إكذابه نفسه، فإن قال قائل: فكيف تكون التوبة الإكذاب؟! قيل له: إنما كان في حدِّ المذنبين بأن نطق بالقذف وترك الذنب

هو أن يقول: القذف باطل، وتكون التوبة بذلك، وكذلك يكون الذنب في الردة بالقول بها، والتوبة: الرجوع عنها بالقول فيها، بالإيمان الذي ترك. الأم (أيضاً) : باب (الرجل يمسك الرجل حتى يقتله) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية. ولم أجد أحداً من خلق الله تعالى يقتدى به، حدَّ أحداً قط على غير فعل نفسه، أو قوله. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله - عزَّ وجلَّ في قَدفةِ المحصنات: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) الآيتان. وقلنا: إذا تاب القاذف قبلت شهادته، وذلك بين في كتاب الله - عز وجل -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق: أن شهادة القاذف لا تجوز؛ لأشهد. أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لأبي بكرة - رضي الله عنه -: تب تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت شهادتك. قال: وسمعت سفيان يحدث به هكذا مراراً، ثم سمعته يقول: شككت فيه. قال سفيان رحمه الله: أشهد لأخبرني ثم سمى رجلاً، فذهب علي حفظ اسمه فسألت، فقال لي: عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب، وكان سفيان لا يشك أنه ابن المسيب رحمه الله.

قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وأما في ظاهر القرآن فإن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) الآية. قلت: أفبالقذف قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) الآية. أم بالجلد؟ قال: بالجلد عندي. قلت: وكيف كان ذلك عندك والجلد إنما وجب بالقذف؟ .. وقلت له: إذ قال اللَّه - عز وجل -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) الآية. فكيف جاز لك أو لأحد أن تكلف من العلم شيئاً أن يقول: لا أقبل شهادة القاذف وإن تاب؟! الأم (أيضاً) : باب (الخلاف في إجازة شهادة القاذف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في القاذف، فقال: إذا ضرب الحد ثم تاب لم تجز شهادته أبداً، وإن لم يضرب الحد، أو ضربه ولم يوفه جازت شهادته، فذكرت له ما ذكرت من معنى القرآن والآثار، فقال: فإنا ذهبنا إلى قول الله - عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) فقلنا: نطرح عنهم اسم الفسق ولا نقبل لهم شهادة. فقلت: لقائل هذا أو تجد الأحكام عندك فيما يستثنى على ما وصفت فيكون مذهباً ذهبتم في اللفظ، أم الأحكام عندك في الاستثناء على غير ما وصفت؟! فقال: أوضِح هذا لي. قلت: أرأيت رجلاً لو قال: والله لا أكلمك أبداً. ولا أدخل لك بيتاً، ولا آكل لك طعاماً، ولا أخرج معك سفراً، وإنك لغير حميد عندي، ولا أكسوك ثوباً - إن شاء الله تعالى - أيكون الاستثناء واقعاً على ما بعد قوله: (أَبَداً) ، أو على ما بعد غير حميد عندي، أو على الكلام كله؟

قال الله عز وجل: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين (6)

قال: بل على الكلام كله. قلت: فكيف لم توقع الاسثئناء في الآية على الكلام كله. وأوقعتها في هذا الذي هو أكثر في اليمين على الكلام كله!. الرسالة: باب (الفرائض التي أنزل الله نصًّا) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله جل ثناؤه: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالمحصنات هاهنا: البوالغ، الحرائر، وهذا يدل على أن الإحصان اسم جامع لمعاني مختلفة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) الأم: الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية. وفي هذا - وغيرها من الآيات التي أوردها الشَّافِعِي في أول الباب - دلالة على

أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع بكلام غيرهما وإن كانت معه نية التزويج. الأم (أيضاً) : الخلاف في طلاق المختلعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في المختلعة فقال: إذا طُلقَت في العدة لحقها الطلاق، قال - أي: المخالف - وأين الحجة من القرآن؟ قلت: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) إلى آخر الآيتين. الأم (أيضاً) : اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) الآية. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) إلى: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآيات. فلما حكم الله في الزوج القاذف بأن يلتعن، دل ذلك على أن اللَّه إنما أراد بقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) الآية، القَدفةَ غير الأزواج. .. ثم قال: كانت الآية في اللعان كذلك - واللَّه تعالى أعلم - عامة على الأزواج القَذفةِ، فكان كل زوج قاذف يلاعن، أو يحد، إن كانت المقذوفة ممن لها حد أو لم تكن، لأن على من قذفها إذا لم يكن لها حدٌّ تعزيراً، وعليها حدٌّ إذا لم تلتعن بكل حال؛ لأنه لا افتراق، بين عموم الآيتين معاً.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: لاعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المتلاعنين بما حكم الله - عز وجل - في القرآن، وقد حكى من حضر اللعان في اللعان ما احتيج إليه مما ليس في القرآن منه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا لاعن الحاكم بين الزوجين، وقال للزوج: قل: (أشهدُ بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا) ، ثم ردها عليه حتى يأتي بها أربع مرات، فإذا فرغ من الرابعة وقفه وذكره، وقال: (اتق الله تعالى أن تبوء بلعنة الله فإن قولك: إن لعنة الله عليَّ إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا موجبة توجب عليك اللعنة إن كنت كاذباً، فإن وقف كان لها عليه الحد إن قامت به، وإن حلف لها فقد أكمل ما عليه من اللعان) . وينبغي أن يقول للزوجة فتقول: (أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا حتى تقولها أربعاً، فإذا أكملت أربعاً وقفها وذكرها، وقال: (اتقي الله واحذري أن تبوئي بغضب الله، فإن قولك: (عليَّ غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا) ، يوجب عليك غضب الله إن كنت كاذبة، فإن مضت فقد فرغت مما عليها، وسقط الحد عنها، وهذا الحكم عليهما، واللَّه ولي أمرهما فيما غاب عما قالا، فإن لاعَنَها بإنكار ولد أو حَبَل قال: أشهدُ بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، وإن ولدها هذا، أو حَبَلَها هذا - إن كان حبلاً لمِن زنا، ما هو مني، ثم يقولها في كل شهادة، وفي قوله؛ وعليَّ لعنةُ الله حتى تدخل مع حَلِفِه على صدقه على الزنا؛ لأنه قد رماها بشيئين بزنا وحمل أو ولد ينفيه، فلما ذكر الله - عزَّ وجلَّ الشهادات أربعاً ثم فصل بينهن باللعنة في الرجل.

والغضب في المرأة، دل ذلك على حال افتراق الشهادات في اللعنة والغضب، واللعنة والغضب بعد الشهادة موجبتان على من أوجب عليه، لأنه متجرئ على النفي، وعلى الشهادة بالله تعالى باطلاً، ثم يزيد فيجترئ على أن يلتعن، وعلى أن يدعو بلعنة اللَّه، فينبغي للوالي إذا عرف من ذلك ما جهلا، أن يفقههما، نظراً لهما، استدلالاً بالكتاب والسنة. أخبرنا ابن عيينة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين لاعن بين المتلاعنين أمر رجلاً أن يضع يده على فيه في الخامسة، وقال: إنها موجبة" الحديث. - ثم ذكر حديث ملاعنة عويمر العجلاني وزوجته عند النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) إلى: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) الآية، فكان الزوج رامياً قال: رأيتُ أو علمتُ بغير رؤية، فلما قُبِلَ منه ما لم يقل فيه، من القذف، رأيت يلاعن به، بأنه داخل في جملة القَذفةِ غير خارج منهم إذا كان إنما قبل في هذا قوله، وهو غير شاهد لنفسه قبل قوله، إن هذا الحمل ليس مني، وإن لم يذكر استبراء قبل القذف لا اختلاف بين ذلك. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد يكون استبرأها، وقد علقت من الوطء قبل الاستبراء، ألا ترى أنه لو قال وقالت: قد استبرأني تسعة أشهر حضت فيها

تسع حيض، ثم جاءت بعد بولد لزمه، وإن الولد يلزمه بالفراش، وإن الاستبراء لا معنى له ما كان الفراش قائماً، فلما أمكن أن يكون الاستبراء قد كان، وحَمْلٌ قد تقدمه، فأمكن أن يكون قد أصابها، والحمل من غيره، وأمكن أن يكون كاذباً في جميع دعواه للزنا، ونفي الولد، وقد أخرجه اللَّه من الحد باللعان. ونفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه الولد، استدللنا على أن هذا كله إنما هو بقوله، ولما كنا إذا كذب نفسه حددناه وألحقنا به الولد، استدللنا على أن نفي الولد بقوله، ولو كان نفي الولد لا يكون إلا بالاستبراء، فمضى الحكم بنفيه لم يكن له أن يُلْحِقه نفسه، لأنه لم يكن بقوله فقط دون الاستبراء، والاستبراء غير قوله، فلما قال اللَّه تبارك وتعالى بعد ما وصف من لعان الزوج: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) الآية. استدللنا على أن اللَّه - عز وجل - أوجب عليها العذاب. والعذاب: الحد، لا تحتمل الآية معنى غيره - واللَّه أعلم -. الأم (أيضاً) : الخلاف في اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) الآية. فلم يجز أن يلاعن من لا شهادة له؛ لأن شرط الله - عز وجل - في الشهود العدول، وكذلك لم يجز المسلمون في الشهادة إلا العدول. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قول الله تبارك وتعالى - من بعد ذكره التعان الزوج -: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية. فكان بيناً غير مشكل - واللَّه أعلم - في الآية أنها تدرأ عن نفسها بما لزمها إن لم تلتعن بالالتعان.

الأم (أيضاً) : الخلاف في هذا الباب - أي: في أحكام الطلاق والإيلاء والظهار واللعان والإرث -: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد حكم اللَّه بين الزوجين أحكاماً - منها -: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أفرأيت المطلق ثلاثاً إن آلى منها في العدة أيلزمه الإيلاء؟ قال: لا. قلت: فإن تظاهر أيلزمه الظهار؟ قال لا. قلت: فإن قذف أيلزمه اللعان؟ أو مات أترثه؟ أو ماتت أيرثها؟ قال: لا. قلت: فهذه الأحكام التي حكم الله - عزَّ وجلَّ بها بين الزوجين تدل، على أن الزوجة المطلقة ثلاثاً ليست بزوجة وإن كانت تعتد؟!. الأم (أيضاً) : الظهار: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا تظاهر من أمته - أم ولد كانت أو غير أم ولد - لم يلزمه الظهار. . وكذلك قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) وليست من الأزواج، فلو رماها - أي: وهو مظاهر منها - لم يلتعن. لأنا عقلنا عن الله - عز وجل - أنها ليست من نسائنا، وإنَّما نساؤنا أزواجنا، ولو جاز أن يُلزم - أي: القاضي - واحداً من هذه الأحكام لزمها كلها؛ لأن ذكر اللَّه - عز وجل - لها واحد.

الأم (أيضاً) : كتاب اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قذف الرجل زوجته؛ فلم تطلب الحد حتى فارقها، أو لم يفارقها، ولم تعفِه، ثم طلبته التعن، أو حُدَّ إذا أبى أن يلتعن. وكذلك لو ماتت كان لوليها أن يقوم به فيلتعن الزوج أو يحد، وقال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) إلى قوله: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في كتاب الله - عزَّ وجلَّ أن اللَّه أخرج الزوج من قذف المرأة بشهادته: (أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)) الآية. كما أخرج قاذف المحصنة غير الزوجة بأربعة شهود يشهدون عليها بما قذفها به من الزنا، وكانت في ذلك دلالة: أن ليس على الزوج أن يلتعن حتى تطلب المرأة المقذوفة حدها، وكما ليس على قاذف الأجنبية حدٌّ حتى تطلب حدها. الأم (أيضاً) : ما يكون قذفاً وما لا يكون: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا لعان حتى يقذف الرجل امرأته بالزنا صريحاً. لقول اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية. قال: فإذا فعل فعليه اللعان إن

طلبته، وله نفي ولده وحمله، إذا قال هو من الزنا الذى رميتها به، ولو ولدت ولداً فقال: ليس بابني، أو رأى حَمْلاً فقال: ليس مني، ثم طلبت الحد فلا حدَّ ولا لعان حتى يَقِفَهُ في الولد، فيقول: لم قلت هذه؟ فإن قال: لم أقذفها، ولكنها لم تلده أو ولدته من زوج غيري قبلي. وقد عرف نكاحها، فلا يلحقه نسبه إلا أن ئاتي بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته وهي زوجته في وقت يعلم أنها كانت فيه زوجته، يمكن أن تلد منه عند نكاحها في أقل ما يكون من الحمل أو أكثره، فإن لم يكن لها أربع نسوة يشهدن، فسألت يمينه ما ولدته وهي زوجته، أو ما ولدته في الوقت الذي إذا ولدته فيه لحقه نسبه، أحلفناه، فإن حلف برئ، وإن نكل أحلفناها، فإن حلفت لزمه، وإن لم تحلف لم يلزمه. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: نال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) إلى قوله: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآيات. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فبين - واللَّه أعلم - في كتاب اللَّه - عز وجل - أن كل زوج - قد - يلاعن زوجته؛ لأن اللَّه - عز وجل - ذكر الزوجين مطلقين، لم يخص أحداً من الأزواج دون غيره، ولم تدل سنة، ولا أثر، ولا إجماع من أهل العلم على أن ما أريد بهذه الآية بعض الأزواج دون بعض. قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن التعن الزوج، ولم تلتعن المرأة حُدَّت إذا أبت أن تلتعن، لقول اللَّه - عز وجل -: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ) الآية، فقد أخبر - واللَّه أعلم - أن العذاب كان عليها إلا أن تدرأه باللعان، وهذا ظاهر حكم اللَّه جل وعز.

قال الشَّافِعِي رحمه اثه: وقال اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) . وإذا رمى المختلعة في العدة أيلاعنها؟ قال - أي: المحاور -: لا. قلت - أي: الشَّافِعِي رحمه اللَّه -: أفبالقرآن تبين أنها ليست بزوجة؟ قال نعم. الأم (أيضاً) : باب (ما يجب فيه اليمين) : قال الشَّافِعِي رحمه اثه: وقال اللَّه تعالى في الزوج: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) إلى قوله: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآيات. فحكم اللَّه - عز وجل - على القاذف غير الزوج بالحد ولم يجعل له مخرجاً منه إلا بأن يأتي بأربعة شهداء، وأخرج الزوج من الحد بأن يحلف أربعة أيمان ويلتعن بخامسة، ويسقط عنه الحد، ويلزمها - أي: الحد - إن لم تخرج أربعة أيمان والتعانها، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينفي الولد والتعانه، وسن بينهما الفرقة، ودرأ اللَّه تعالى عنها الحد بالإيمان مع التعانه. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وقال الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) وقال - عز وجل -: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ) الآية. فحكم بالأيمان بينهما؛ إذا كان الزوج يعلم من المرأة ما لا يعلمه الأجنبيون، ودرأ عنه وعنها بها، على أن أحدهما كاذب، وحكم في الرجل يقذف غير زوجته أن يحدَّ.

إن لم يأت بأربعة شهداء على ما قال، ولاعَنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين العجلاني وامرأته بنفي زوجها - لولدها -، وقذفها بشَريكِ بن السحمَاء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انظروها فإن جاءت به - يعنى: الولد - أسحم أدعج عظيم الإليتين فلا أراه إلا صدق" وتلك صفة شريك الذي قذفها به زوجها، وزعم أن حملها منه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وإن جاءت به أحيمر كأنه وَحَرَة، فلا أراه إلا - قد - كذب عليها" وكانت تلك الصفة، صفة زوجها، فجاءت به يشبه شريك بن السحماء. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أمره لَبيِّنٌ لولا ما حكم الله." الحديث. أي: لكان لي فيه قضاء غيره، - والله أعلم -: لبيان الدلالة بصدق زوجها. الأم (أيضاً) : باب (اليمين مع الشاهد) : قال الشافعي - رحمه الله -: وقول الله - عزَّ وجلَّ في المتلاعنين: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) .. الآيتان. فاستدللنا بكتاب الله - عزَّ وجلَّ على تأكيد اليمين على الحالف في الوقت الذي تعظم فيه اليمين بعد الصلاة، وعلى الحالف في اللعان بتكرير اليمين، وقوله: (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) الآية. الأم (أيضاً) : ما يكون بعد التعان الزوح: (من الفرقة، ونفي الولد، وحدِّ المرأة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومتى التعن الزوج، فعليها أن تلتعن فإن أبت حُدَّت، وإن كانت حين التعن الزوج حائضاً، فسأل الزوج أن تؤخر حتى تدخل

المسجد، لم يكن ذلك عليها، وأحلفت بباب المسجد، فإن كانت مريضة لا تقدر على الخروج، أحلفت في بيتها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن امننعت من اليمين وهي مريضة فكانت ثيباً رجمت، وكذلك إن كان في يوم بارد أو ساعة صائفة؛ لأن القتل يأتي عليها. وإن كانت بكراً لم تحد حتى تصح، وينقص البرد والحر ثم تحد، وإنما قلت تحد إذا التعن الزوج لقول اللَّه تعالى: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية. والعذاب: الحد، فكان عليها أن تحد إذا التعن الزوج، ولم تدرأ عن نفسها بالالتعان، ولو غابت أو عَتِهَت أو غُلبت على عقلها، فإذا حضرت وثاب إليها عقلها التعنت، فإن لم تفعل حدَّت، وإن لم يثب إليها عقلها فلا حد ولا التعان؛ لأنها ليست ممن عليها الحدود. الأم (أيضاً) : باب (رد اليمين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: - في الرد على من حبس المرأة ولم يقم الحد عليها إذا أبت أن تلتعن -: فكيف زعمتم أنكم إن لاعنتم بين زوجين فالتعن الزوج، وأبت المرأة تلتعن حبستموها، ولم تحدوها، والقرآن يدل على إيجاب الحد عليها. لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية. فبين - واللَّه أعلم - أن العذاب لازم لها، إذا التعن الزوج، إلا أن تشهد. ونحن نقول ئحذ إن لم تلتعن، وخالفتم أصل مذهبكم فيه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدنا حكم القرآن كما وصفت من أن يقام الحد على المرأة إذا نكلت، وحلف الزوج، لا إذا نكلت فقط اتباعاً وقياساً، بل

وجدتها لا يختلف الناس في أن لا حدَّ عليها إلا ببينة تقوم، أو اعتراف، وأن لو عُرضَت عليها اليمين فلم تلتعن، لم تحد بترك اليمين، وإذا حلف الزوج قبلها، ثم لم تحلف، فاجتمعت يمين الزوج المدافع عن نفسه الحد والولد الذي هو خصم يلزمه دون الأجنبي، ونكولها عما ألزمها التعانه وهو يمينه حدَّت، بالدلالة لقول الله - عزَّ وجلَّ: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية. مختصر المزني: مختصر من الجامع من كتابي لعان جديد وقديم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو قال لها: يا زانية بنت الزانية، وأمها حرة مسلمة، فطلبت حد أمها يكن لها، وحُد لأمها إذا طلبته أو وكيلها، والتعن لامرأته، فإن لم يفعل يحبس حتى يبرأ جلده - أي: من الحد الأول - فإذا برأ حُدَّ إلا أن يلتعن، ومتى أبى اللعان فحددته إلا سوطاً، ثم قال: أنا ألتعن قبلتُ رجوعه، ولا شيء له فيما مضى من الضرب، كما يفذف الأجنبية ويقول: لا آتي شهود فيضرب بعض الحد، ثم يقول: أنا آتى بهم فيكون ذلك له، وكذلك المرأة إذا لم تلتعن، فضربت بعض الحد، ثم تقول: أنا ألتعن قبلنا، وقال قائل: كيف لاعنت بينه وبين منكوحة نكاحاً فاسداً بولد، واللَّه يقول: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) الآية. فقلت له: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" الحديث. فلم يختلف المسلمون أن مالك الإصابة بالنكاح الصحيح، أو ملك اليمين قال: نعم. هذا للفراش. قلت: والزنا، لا يلحق به النسب ولا يكون به مهر، ولا يدرأ فيه حد؟ قال: نعم.

مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على حفظ الشَّافِعِي لكتاب الله ومعرفته بالقراءات) : وأخبرنا محمد بن عبد اللَّه قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن الدارمي قال: حدثنا عبد الرحمن (يعني: ابن محمد الحنظلي) قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: قُرِئ على الشَّافِعِي؛ (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ) الآية، فقال: ليس هكذا اقرأ إقراءً: (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ) و (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) الآيتان. الزاهر باب (اللعان) : قال الأزهري رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ) الآية. معناها: والذين يرمون بالزنا. وقوله: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) الآية. وتقرأ: (أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) بالنصب. فمن رفع: (أَرْبَعُ) فقوله: (وَالذِين) ابتداء، و (أَرْبَعُ) خبر الابتداء الذي قبله، وهو قوله: (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ) ويكونان معاً يسدان مسد خبر الابتداء الأول، وهو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) . ومن نصب: (أَرْبَعَ) فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات بالله، وإن شئت قلت: إنه على معنى: فالذي يدرأ عنهم العذاب أن يشهد أحدهم أربع شهادات بالله، ومعنى الشهادات: الأيمان. وإنما قيل لهذا الحكم: (لعان) لما عقب الأيمان من اللعنة والغضب، إن كانا كاذبين. وأصل اللعن: الطرد والإبعاد..

قال الله عز وجل: (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون (13)

قال الله عزَّ وجلَّ: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) الأم: الشهادة في الزنا: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى في القَذفَةِ: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) . فلا يجوز في الزنا الشهود أقل من أربعة، بحكم الله - عزَّ وجلَّ، ثم بحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فإذا لم يكملوا أربعة فهم قَذفَة، وكذلك حكم عليهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فجلدهم جلد القذفة، ولم أعلم بين أحد لقيته ببلدنا اختلافاً فيما وصفت، من أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة، وأنهم إذا لم يكملوا أربعة حُدُّوا حدَّ القذف، وليس هكذا شيء من الشهادات غير شهود الزنا. الأم (أيضاً) : الشهادات: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال إلله تبارك وتعالى: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فالكتاب والسنة يدلان على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة، والكتاب يدل على أنه لا تجوز شهادة غير عدل، والإجماع يدل على أنه لا يجوز إلا شهادة عدل، حر، بالغ، عاقل لما يشهد عليه.

قال الله عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)

الأم (أيضاً) : باب (الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: ما دل على أن لا يقطع الحكم في الزنا بأقل من أربعة شهداء؟ قيل له: الآيتان من كتاب الله - عزَّ وجلَّ يدلان على ذلك. قال الله - عزَّ وجلَّ في القذفة: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) الآية. يقول: لولا جاؤوا على من قذفوا بالزنا بأربعة شهداء بما قالوا، وقول الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) الآية. ودل على ذلك مع الاكتفاء بالتنزيل، السنة، ثم الأثر، ثم الإجماع. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض الله على العينين أن لا ينظر بهما إلى ما حرم الله، وأن يغضيهما عما نهاه، فقال تبارك وتعالى في ذلك:

قال الله عز وجل: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم (32)

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) الآيتين. أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن يُنظر إليه. وقال كل شيء من حفظ الفرج في كتاب اللَّه، فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر. فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر، وهو عملهما، وهو من الإيمان. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) الأم: نكاح المحدودين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب في قوله: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: هي منسوخة، نسختها: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) الآية، فهي من أيامى المسلمين. الأم (أيضاً) : ما يجب من إنكاح العبيد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) الآية. فدلت أحكام اللَّه تعالى، ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن لا ملك للأولياء، آباء كانوا أو غيرهم على أياماهم، وأياماهم: الثيبات.

الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأمر في الكتاب والسنة، وكلام الناس، يحتمل معاني: أحدها: أن يكون اللَّه - عز وجل - حرم شيئاً ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرم كقول اللَّه - عز وجل -: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) الآية. ثانيها: ويحتمل أن يكون دلهم على ما فيه رشدهم بالنكاح، لقوله - عز وجل -: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية. يدل على ما فيه سبب الغنى والعفاف. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: بلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد هذه الآية: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، أن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أراد أن لا ينكح، فقالت له حفصة (أم المؤمنين رضي اللَّه عنها) تزوج فإن ولد لك ولد فعاش من بعدك، دَعوا لك.

قال الله عز وجل: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) الأم: المكاتب: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) الآية. أخبرنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك عن ابن جريج، أنه قال لعطاء ما الخير؛ المال أو الصلاح أو كل ذلك؛ قال: ما نراه إلا المال. فإن لم يكن عنده مال وكان رجل صدق؛ قال: ما أحسب خيراً إلا ذلك المال) قال مجاهد: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) : المال، كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والخير كلمة يعرف ما أريد منها بالمخاطبة بها - وضرب أمثلة على ذلك -.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية. كان أظهر معانيها بدلالة ما استدللنا به من الكتاب: 1 - قوة على اكتساب المال. 2 - وأمانة؛ لأنه قد يكون قوياً فيكسب، فلا يؤدي إذا لم يكن ذا أمانة. وأميناً فلا يكون قوياً على الكسب فلا يؤدي. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجوز عندي - واللَّه تعالى أعلم - في قوله: (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) إلا هذا. ثم قال: والعبد والأمة البالغان في هذا سواء كانا ذوي صنعة أو غير - ذي صنعة، إذا كان فيهما قوة على الاكتساب والأمانة - وبسط الكلام في ذلك -. الأم (أيضاً) : ما يجب على الرجل يكاتب عبده قوياً أميناً: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي قول اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية. دلالة على أنه إنما أذن أن يكاتب من يعقل. لا من لا يعقل، فأبطلت أن تبتغي الكتاب من صبي ولا معتوه ولا غير بالغ بحال، وإنَّما أبطلنا كتابة غير البالغين والمغلوبين على عقولهم، كاتبوا عن أنفسهم. أو كاتب عنهم غيرهم، بهذه الآية. الأم (أيضاً) : ما يعتق به المكاتب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية. قيل: هذا مما أحكم اللَّه - عز وجل - جملته، إباحة الكتابة بالتنزيل فيه، وأبان أن إعتاق العبد إنما يكون بإعتاق سيده إياه.

الأم (أيضاً) : تفسير قوله - عز وجل -: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا أدَّى المكاتب الكتابة كلها، فعلى السيد أن يردَّ عليه منها شيئاً، فإن مات فعلى ورثته، ولو أراد أن يعطيه ورقاً من ذهب أو ورقاً من شيء كاتبه عليه، لم يجبر العبد على قبوله، إلا أن يشاء ويعطيه مما أخذ منه؛ لأن قوله: (مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) الآية، يشبه - واللَّه تعالى أعلم - آتاكم منه، فإذا أعطاه شيئاً غيره، فلم يعطه من الذي أمر أن يعطيه، ألا ترى أني لا أجبر أحداً له حق في شيء أن يعطاه من غيره؟ الأم (أيضاً) : كتاب (الصداق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية. فأمر الله الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن. والأجر: هو الصداق، والصداق: هو الأجر والمهر. الأم (أيضاً) : باب (الاستمناء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قول الله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية. معناها - والله أعلم -: ليصبروا حتى يغنيهم اللَّه تعالى.

الأم (أيضاً) : ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء، وما تحل به الفروج: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن لم تختلف الناس في تحريم ما ملكت من البهائم، فلذلك خفت أن يكون الاستمناء حراماً من قِبَلِ أنه ليس من الوجهين اللذين أبيحا للفرج. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن ذهب ذاهب إلى أن يحله لقول اللَّه تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية. فيشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول المرء بالفرج ما لم يبح له به، فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله، فيجد السبيل إلى ما أحل - واللَّه أعلم -. الأم (أيضاً) : باب (ما يستحب من تحصين الإماء عن الزنا) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) الآية. فزعم بعض أهل العلم بالتفسير أنها نزلت في رجل قد سماه، له إماء يكرههن على الزنا ليأتينه بالأولاد فيتخولهن، وقد قيل نزلت قبل حد الزنا - واللَّه أعلم -. فإن كانت نزلت قبل حد الزنا، ثم جاء حد الزنا، فما قبل الحدود منسوخ بالحدود، وهذا موضوع في كتاب الحدود، وإن كانت نزلت بعد حد الزنا فقد قيل: إن قول الله - عز وجل - (فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية، نزلت في الإماء المكرهات، أنه مغفور لهن بما أكرهن عليه. وقيل غفور، أي: هو أغفر وأرحم من أن يؤاخذهن بما أكرهن عليه، وفي هذا كالدلالة على إبطال الحد

قال الله عز وجل: (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور (40)

عنهن إذا أكرهن على الزنا، وقد أبطل اللَّه تعالى عمن أكرهِ على الكفر، الكفرَ. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما وضع اللَّه عن أمته: "وما استكرهوا عليه". آداب الشافعى: ما في الزكاة والسير والبيوع والعتق والنكاح والطلاق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) الآية، تخيير أيضاً: مجتمع عليه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) مناقب الشافعى: باب (ما جاء في خروجه إلى اليمن ومقامه فيها، ثم في حمله من اليمن إلى هارون الرشيد) : جاء في موعظة الشَّافِعِي رحمه الله لهارون الرشيد ما يلي: ". . . أما لو اعتبرت بما سلف، واستقبلت الحسن المُؤتنَف، فنظرت ليومك، وقدمت لغدك، وقصرت أملك، وصورت بين عينيك اقتراب أجلك. واستقصرت مدة الدنيا، ولم تغتر بالمهلة لما امتدت إليك يد الندامة، ولا ابتدرتك الحسرات غداً في القيامة، ولكن ضرب عليك الهوى رُواق الحيرة

قال الله عز وجل: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون (48) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين (49)

فتركك، وإذا بدت لك يد موعظة لم تكد تراها: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) . قال: فبكى هارون الرشيد حتى بل منديلاً كان بين يديه، وعلا شهيقه وانتحابه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن سرد الآيات (48 - 52) قال: فأعلم الله الناس في هذه الآية أن دعاءهم إلى رسول الله ليحكم بينهم، دعاء إلى حكم الله - عز وجل - لأن الحاكم بينهم رسول الله، وإذا سلموا لحكم رسول الله، فإنما سلموا لحكمه بفرض اللَّه. وأنه أعلمهم أن حُكمَه حُكُمُه على معنى افتراضه حكمه، وما سبق في علمه جل ثناؤه من إسعاده بعصمته وتوفيقه، وما شهد له به من هدايته واتباعه أمره.

قال الله عز وجل: (فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا)

فأحكم - سبحانه وتعالى - فرضه بإلزام خلقه طاعة رسوله، وإعلامهم أنها طاعته، فجمع لهم أن أعلمهم أن الفرض عليهم اتباع أمره، وأمر رسوله، وأن طاعة رسوله طاعته، ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله اتباع أمره جل ثناؤه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) قرأ الربيع الآية (إلى نهايتها) الأم: مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففرض اللَّه تعالى عليه - أي: على رسوله - صلى الله عليه وسلم - إبلاغهم وعبادته ولم يفرض عليه قتالهم، وأبان ذلك في غير آية من كتابه، ولم يأمره بعزلتهم - منها - وقوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) الآية. قرأ الربيع الآية إلى نهايتها. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) مختصر المزني: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) فكان ظاهر مخرج الآية بالزكاة عاماً يراد به الخاص، بدلالة سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -

قال الله عز وجل: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم (59)

على أن من أموالهم ما ليس فيه زكاة، وأن منها مما فيه الزكاة، ما لا يجب فيه الزكاة، حتى يبلغ وزناً، أو كيلاً، أو عدداً، فإذا بلغه كانت فيه الزكاة، ثم دل على أن من الزكاة شيئاً يؤخذ بعدد، وشيئاً يؤخذ بكيل، وشيئاً يؤخذ بوزن. وأن منها ما زكاته خُمْس، وعُشر، ورُبع عُشر، شيء بعدد. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) الأم: فيمن تجب عليه الصلاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر الله تبارك وتعالى الاستئذان فقال في سياق الآية: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) الآية،. .. وفرض الله - عز وجل - الجهاد، فأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به على من استكمل خمس عشرة سنة، بأن أجاز ابن عمر رضي اللَّه عنهما عام الخندق ابن خمس عشرة سنة، ورده عام أحد ابن أربع عشرة سنة، فإذا بلغ الغلام الحلم، والجارية المحيض - غير مغلوبين على عقولهما - وجبت عليهما الصلاة والفرائض كلها، وإن كانا ابني أقل من خمس عشرة سنة، وجبت عليهما الصلاة، وأمر كل واحد منهما بالصلاة إذا عقلها، فإذا لم يعقلا لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ، وأؤدبهما على تركها أدباً خفيفاً.

الأم (أيضاً) : كتاب (الحج) ، باب (فرض الحج على من وجب عليه الحج) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ذكره: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية. يعني: الذين أمرهم بالاستئذان من البالغين، فأخبر أنهم إنما يثبت عليهم الفرض في ايذانهم في الاستئذان إذا بلغوا. الأم (أيضاً) : من لا يجب عليه الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل - إذ أمر بالاستئذان -: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية، فأعلم أن فرض الاستئذان إنما هو على البالغين. . .، ودلت السنة، ثم ما لم أعلم فيه مخالفاً من أهل العلم على مثل ما وصفت. الأم (أيضاً) : سير الواقدي: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي - رحمه الله - قال: أصل فرض الجهاد والحدود على البالغين من الرجال، والفرائض على البوالغ من النساء المسلمين، في الكتاب والسنة من موضعين، فأما الكتاب فقول اللَّه تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية. فأخبر أن عليهم إذا بلغوا الاستئذان فرضاً، كما كان على من قبلهم من البالغين. - ثم ذكر الموضع الثاني، الآية / 6 من سورة النساء -.

قال الله عز وجل (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم (60)

الأم (أيضاً) (من لا يقع طلاقه من الأزواج) قال الشافعي رحمه الله: يقع طلاق من لزمه فرض الصلاة والحدود، وذلك كل بالغ من الرجال غير مغلوب على عقله؛ لأنه إنما خوطب بالفرائض من بلغ؛ لقول اللَّه تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) الأم: ما جاء في أمرالنكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر اللَّه القواعد من النساء، فلم ينههن عن القعود، ولم يندبهن إلى نكاح، فقال: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (صلاة المسافر) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فكان بيناً في كتاب الله تعالى أن قصر الصلاة في الضرب في الأرض والخوف، تخفيف من اللَّه - عز وجل - عن خلقه، لا أن فرضاً عليهم أن يقصروا، وكما كان قوله: (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) الآية. وزاد في أحكام القرآن قوله: فلو لبسن ثيابهن ولم يضعنها، ما أثِمْنَ.

قال الله عز وجل: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم)

مختصر المزنى: الترغيب (في النكاح وغيره من الجامع) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: اوقد ذكر الله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ) الآية. ولم يندبهن إلى النكاح، فدل أن المندوب إليه من يحتاج إليه. الزاهر باب (في النكاح) : قال الشَّافِعِي رحمه الله،: وذكر اللَّه: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ) الآية، وهن اللواتي لا يرجون نكاحاً، والواحدة (قاعد) - بغير هاء - وهي التي قعدت عن الزواج، أي: لا تريده، ولا ترجوه. وقيل: القواعد: اللائي قعدن عن الحيض. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) الأم: باب (صلاة المسافر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكما كان قوله تعالى: (وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) الآية. لا أن حتماً عليهم أن يأكلوا من بيوتهم، ولا بيوت غيرهم - أي: رخصة لهم بالأكل مما ذكر في الآية -.

قال الله عز وجل: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه)

الأم (أيضاً) : من له عذر بالضعف والمرض والزمانه في ترك الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل - في الجهاد: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقيل الأعرج: المقعد، والأغلب: أنه الأعرج في الرجل الواحدة، وقيل: نزلت في أن لا حرج أن لا يجاهدوا. وهو أشبه ما قالوا. وغير محتمل غيره، وهم داخلون في حد الضعفاء، وغير خارجين من فرض الحج ولا الصلاة ولا الصوم ولا الحدود، ولا يحتمل - والله تعالى أعلم - أن يكون أريد بهذه الآية، إلا وضع الحرج في الجهاد دون غيره من الفرائض. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) الرسالة: بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وقال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) فجعل كمال ابتداء الإيمان، الذي ما سواه تبع له: الإيمان بالله ثم رسوله.

قال الله عز وجل: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا)

فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله: لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً، حتى يؤمن برسوله معه وهكذا سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل من امتحنه للإيمان. أخبرنا مالك، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن عمر بن الحكم قال: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية، فقلت: يا رسول الله، عليَّ رقبة، أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله: أين الله؟ فقالت في السماء. فقال: ومن أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: فأعتقها" الحديث. وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وهو (معاوية بن الحكم) وكذلك رواه غير مالك. وأظن مالك لم يحفظ اسمه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: افترض الله - عزَّ وجلَّ على رسوله - صلى الله عليه وسلم - أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها - إن شاء الله - قربة إليه وكرامة، وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبييناً لفضيلته مع ما لا يحصى من كرامته له، وهي موضوعة في مواضعها.

الأم (أيضاً) : باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة) قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا على أن لأحدٍ من الآدميين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرده عنه إذا عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأمر به والنهي عنه، ألا ترى إلى قول الله - عزَّ وجلَّ: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية. الأم (أيضاً) : باب في (الأقضية) قال الشَّافِعِي رحمه - الله: وقال اللَّه تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فعلم أن الحق كتاب - الله، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فليس لمفتٍ ولا لحاكم أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالماً بهما، ولا أن يخالفهما، ولا واحداً منهما بحال، فإذا خالفهما فهو عاص لله - عز وجل -، وحكمه مردود، فإذا لم يوجدا منصوصين فالاجتهاد. الأم (أيضاً) : باب (حكاية الطائفة التي ردت الأخبار كلها) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ما من شيء أولى بنا أن نقوله في الحكمة: من أنها سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له، ولو كان بعض ما قال أصحابنا: أن اللَّه أمر بالتسليم لحكم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وحكمته: إنما هو مما أنزله، لكان من لم يُسلم له - بأن ينسب إلى - أنه كفر بآيات اللَّه أولى منه بأن ينسب إلى ترك التسليم لحكم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية. وبين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرنا سفيان ابن عيينة عن سالم أبي النضر، قال: أخبرني عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن أبيه، عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما أعرفن ما جاء أحدكم الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه. فيقول: لا ندري ما هذا، ما وجدنا في كتاب الله - عزَّ وجلَّ أخذنا به" الحديث. الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة وسوله - صلى الله عليه وسلم) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تبارك وتعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) .

فأعلمَ اللَّه الناس في هذه الآية، أن دعاءهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحكم بينهم: دعاء إلى حكم اللَّه؛ لأن الحاكم بينهم رسول الله، وإذا سلموا لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنما سلموا لحكمه بفرض اللَّه. قال الشَّافِعِي رحمة الله: فجمع لهم أن أعلمهم أن الفرض عليهم اتباع أمره وأمر رسوله، وأن طاعة رسوله طاعته، ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله اتباع أمره جل ثناؤه.

سورة الفرقان

سورة الفرقان بسم اللَّه الرحمن الرحيم قال الله عزَّ وجلَّ: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الرسالة: وجه آخر بين الاختلاف: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها، فكدت أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف ثم لبَّبتُه بردائه، فجئت به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول اللَّه، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها؛ فقال له رسول اللَّه: "اقرأ"، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول اللَّه: "هكذا أنزلت"، ثم قال لي: "اقرأ"، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه" الحديث.

قال الله عز وجل: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا (48)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذ كان اللَّه لرأفته بخلقه أنزل كتابة على سبعة أحرف، معرفة منه بأن الحفظ قد يزل: ليَحِل لهم قراءته وإن اختلف اللفظ فيه، ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى، كان ما سوى كتاب اللَّه أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يُحِل معناه، وكل ما لم يكن فيه حكم، فاختلاف اللفظ فيه لا يحيل معناه. وقد قال بعض التابعين: لقيت أناساً من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فاجتمعوا في المعنى، واختلفوا على في اللفظ. فقلت لبعضهم ذلك، فقال: لا بأس ما لم يُحِيلُ المعنى. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) مختصر المزني: باب (الطهارة) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) الآية. وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" الحديث.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكل ماء من بحر عذب أو مالح، أو بئر، أو سماء أو برد أو ثلج، مسخن وغير مسخن فسواء، والتطهير به جائز، ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب، لكراهية عمر - رضي الله عنه - عن ذلك. مختصر المزني (أيضاً) : باب (الطهارة بالماء) حدثنا الربيع رحمه الله قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) فدل على أن الطهارة بالماء كله. حدثنا الربيع قال: أخبرنا الثمانعي رحمه الله، حدثنا الثقة، عن ابن أبي ذئب، عن الثقة عنده. عمن حدثه، أو عن عبيد اللَّه بن عبد الرحمن العدوي، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن بئر بُضَاعَة يطرح فيها الكلاب والحيَّص، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الماء لا ينجسه شيء" الحديث. أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجساً" الحديث.

قال الله عز وجل: (فجعله نسبا وصهرا)

قال الله عزَّ وجلَّ: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) الأم: ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفيل إن الحفدة: الأصهار، وقال عزَّ وجلَّ: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) الآية، فبلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسِّقطِ" الحديث. الأم (أيضاً) : الخلاف فيما يحرم بالزنا: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكر الله - عزَّ وجلَّ ما مَن به على العباد فقال: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) الآية، فحرم بالنسب الأمهات، والأخوات، والعمات، والخالات، ومن سمى، وحرم بالصِّهر ما نكح الآباء، وأمهات النساء، وبنات المدخول بهن منهن، فكان تحريمه - جل وعلا - بأن جعله للمحرمات على من حرم عليه حقاً، لغيرهن عليهن، وكان ذلك منًّا مِنهُ بما رضي من حلاله، وكان مَن حَرَمنَ عليه لهن محرماً، يخلو بهن ويسافر، ويرى منهن ما لا يرى غير المحرم، وإنما كان التحريم لهن رحمة لهن، ولمن حَرُمْنَ عليه، ومنًّا عليهنَّ وعليهم، لا عقوبة لواحد منهما.

قال الله عز وجل: (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا (58)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشافعى - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَّمِي، سمعت علي بن أبي عمرو البلخي يقول: سمعت عبد المنعم بن عمر الأصفهاني يقول: أخبرنا أحمد بن محمد المكي، أخبرنا محمد بن إسماعيل، والحسين بن زيد، والزعفراني، وأبو ثور؛ كلهم قالوا: سمعنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله يقول: نزه اللَّه - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - ورفع قدره، وعلمه وأدبه، وقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) الآية. وذلك أن الناس في أحوال شتى: متوكل على نفسه، أو على ماله، أو على زرعه، أو على سلطان، أو على عطية الناس، وكل مستند إلى حي يموت، أو على شيء يفنى، يوشك أن ينقطع به. فنزه الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأمره: أن يتوكل على الحي الذي لا يموت - سبحانه وتعالى -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) الأم: باب (من عاد لقتل الصيد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)

وجعل اللَّه القتل على الكفار، والقتل على القاتل عمداً، وسن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - العفو عن القاتل بالدية إن شاء ولي المقتول، وجعل الحد على الزاني، فلما أوجب اللَّه عليهم النقمة بمضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا، وجعل الحدَّ على الزاني فلما أوجب اللَّه عليهم الحدود، دلَّ هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقِط حكم غيرها في الدنيا. الأم (أيضاً) : الخلاف فيما يؤتى بالزنا: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له (أي: للمحاور) : قال اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) ثم حد الزاني الثيب على لسان نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وفي فعله أعظم حدًّا، حده الرجم، وذلك أن القتل بغير رجم أخف منه، وهتك بالزنا حرمة الدم، فجعل حقاً أن يقتل بعد تحريم دمه، ولم يجعل فيه شيئاً من الأحكام التي أثبتها بالحلال، فلم يثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أهل دين اللَّه بالزنا نسباً، ولا ميرائاً، ولا حُرَماً أثبتها بالنكاح. الأم (أيضاً) : أصل تحريم القتل من القرآن: أخبرنا الربيع قال:

قال الله عز وجل: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما (72)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: - أصل تحريم القتل من القرآن آيات كثيرة منها -: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) مناقب الشَّافِعِي رحمه الله: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه على السمع: أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرّم الله، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) الآية، فذلك ما فرض اللَّه جل ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان.

سورة الشعراء

سورة الشعراء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر اللَّه لنبيه جواباً من جواب بعض من عبد غيره من هذا الصنف، فحكى جل ثناؤه عنهم قولهم - وذكر عدة آيات منها - وقال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163)

قال الله عز وجل: (وإنه لتنزيل رب العالمين (192) نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين (194) بلسان عربي مبين (195)

وكانت الحجة بها ثابتة على من شاهد أمور الأنبياء، ودلائلهم التي باينوا بها غيرهم، ومن بعدهم، وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامها بالأكثر. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) أحكام القرآن: فصل (فيما ذكره الشَّافِعِي في التحريض على تعلم أحكام القرآن) قال البيهقي رحمه اللَّه: ثم ساق الكلام إلى أن: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والقرآن يدل على أن ليس في كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، قال اللَّه - عز وجل: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) فأقام حجته: بأن كتابه عربي. ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غُير لسان العرب، في آيتين من كتابه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) الأم: من يلحق بأهل الكتاب قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحطنا بأن لله - عز وجل - أنزل كتباً غير التوراة والإنجيل والفرقان، فأخبر أن لإبراهيم صحفاً، وقال تبارك وتعالى: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) .

قال الله عز وجل: (وأنذر عشيرتك الأقربين (214)

مختصر المزنى: باب (المُجمَل والمفسَّر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولله كتبٌ نزلت قبل نزول القرآن، المعروف منها عند العامة التوراة والإنجيل، وقد أخبر اللَّه أنه أنزل غيرهما، فقال: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) . وليس تعرف تلاوة كتب إبراهيم، وذكر زبور داود فقال: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: والمجوس أهل كتاب غير التوراة والإنجيل، وقد نسوا كتابهم وبدَّلوه، فأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أخذ الجزية منهم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وعرَّفنا وخَلقَه نعمه الخاصة، العامة النفع في الدين والدنيا، وقال: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، فخصَّ جل ثناؤه قومه وعشيرته الأقربين في النذارة، وعمَّ الخلق بها بعدهم، ورفع بالقرآن ذكر رسول الله، ثم خصَّ قومه بالنذارة إذ بعثه، فقال: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وزعم بعض أهل العلم بالقرآن: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا بني عبد مناف! إن اللَّه بعثني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وأنتم عشيرتي الأقربون.

سورة النمل

سورة النمل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجاء النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ في امرأة رجل رماها بالزنا، فقال له: يرجع، فأوحى اللَّه إليه آية اللعان، فلاعن بينهما، وقال اللَّه تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) الآية. الرسالة: القياس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلنا (أي: للمحاور) : فلست تراني كُلِّفتُ الحق من وجهين: أحدهما: حق بإحاطة في الظاهر والباطن. والآخر: حق بالظاهر دون الباطن؟ قال: بلى، ولكن هل تجد في هذا قوة بكتاب أو سنة؟ قلت: نعم، ما وصفت لك مما كلفت في القبلة، وفي نفسي، وفي غيري،. .. وقال اللَّه: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) الآية.

فالناس متعبدون بأن يقولوا ويفعلوا ما أمروا به، وينتهوا إليه، لا يجاوزونه؛ لأنهم لم يعطوا أنفسهم شيئاً، إنما هو عطاء اللَّه، فتسأل اللَّه عطاءً مؤدياً لحقه، موجباً مزيده - آمين -.

سورة القصص

سورة القصص بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) وقال الله عزَّ وجلَّ: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) وقال الله عزَّ وجلَّ: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) الأم: الإجارات: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر اللَّه - عز وجل - الإجارة في كتابه، وعمل بها بعض أنبيائه، قال اللَّه - عز وجل -: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) .

(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) الآيتان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر اللَّه - عز وجل - أن نبياً، من أنبيائه آجر نفسه حججاً مسماة ملَّكَه بها بُضعَ امرأة، فدل على تجويز الإجارة، وعلى أنه لا بأس بها على الحجج، إن كان على الحجج استأجره، وإن كان استأجره على غير حجج فهو تجويز الإجارة بكل حال، وقد قيل استأجره على أن يرعى له - الغنم -، واللَّه تعالى أعلم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فمضت بها السنة، وعمل بها غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجازتها، وعوام فقهاء الأمصار. الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في النكاح على الإجارة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: الصداق ثمن من الأثمان، فكل ما يصلح أن يكون ثمناً صَلح أن يكون صداقاً،. . . وقد أجازه الله - عزَّ وجلَّ في الإجارة في كتابه، وأجازه المسلمون. .. وذكر قصة شعيب وموسى عليهما الصلاة والسلام في النكاح فقال: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) الآيتان. وقال اللَّه - عز وجل -: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) الآية.

قال الله عز وجل: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا أحفظ من أحدٍ خلافاً في أن ما جازت عليه الإجارة، جاز أن يكون مهراً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه في الإيمان) انظر تفسير الآية / 72 من سورة الفرقان فهما مرتبطتان بالتفسير معاً، ولا حاجة للتكرار.

سورة العنكبوت

سورة العنكبوت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى: قال البيهقي رحمه اللَّه: وقرأت في كتاب السنن رواية حرملة عن الشَّافِعِي: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) الآية، فأخبر جل ثناؤه أن كل آدمي مخلوق من ذكر وأنثى، وسمى الذَّكَر أباً، والأنثى: أمًّا. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ) الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد: انظر تفسير الآية / 25 من سورة هود عليه السلام، والآية / 23 من سورة المؤمنون، فهما مرتبطتان بهذه الآية في التفسير، فلا حاجة للتكرار.

قال الله عز وجل: (وإلى مدين أخاهم شعيبا)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا) الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد انظر تفسير الآية / 85 من سورة الأعراف، والآية / 84 من سورة هود عليه السلام، فهما مرتبطتان بهذه الآية في التفسير، فلا حاجة للتكرار. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) الأم: باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه عز وجل: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) الآية. يعني: - والله أعلم - آمناً من صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم.

سورة الروم

سورة الروم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) الأم: أول ما فرضت الصلاة قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال في قول الله عزَّ وجلَّ: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ) المغرب والعشاء، (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) الصبح. (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا) العصر، (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) الظهر وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل - واللَّه تعالى أعلم -.

قال الله عز وجل: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) الأم: تفريع القَسْم والعدل بينهم (أي: النساء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: عماد القَسْم الليل لأنه سَكَن، فقال اللَّه تعالى -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا كان عند الرجل أزواج حرائر مسلمات أو كتابيات، أو مسلمات وكتابيات، فهن في القسم سواء، وعليه أن يبيت عند كل واحدة منهن ليلة، وإذا كان فيهن أمَة قَسَم للحرة ليلتين، وللأمة ليلة، ولا يكون له أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها؛ لأن الليل هو القَسْم، ولا بأس أن يدخله في النهار للحاجة، لا ليأوي - وبسط الكلام في المسألة -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) : قرأت في كتاب أبي الحسن (محمد بن الحسن القاضي) ، فيما أخبره أبو عبد الله (محمد بن يوسف بن النضر) ، أخبرنا ابن الحكم قال:

قال الله - عز وجل -: (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات)

سمعت الشَّافِعِي ينول: في قول اللَّه - عز وجل -: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: معناه: هو أهون عليه في العبرة عندكم، لما كان يقول للشيء كن؛ فيخرج مفصلاً بعينيه وأذنيه، وسمعه ومفاصله، وما خلق اللَّه فيه من العروق فهذا - في العبرة - أشد من أن يقول لشيء قد كان: عُدْ إلى ما كنت. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فهو - سبحانه وتعالى - إنما هو أهون عليه في العبرة عندكم، ليس أن شيئاً يعظم على الله - عز وجل -. * * * قال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والرياح قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني من لا أتهم قال: حدثنا العلاء بن راشد. عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه، وقال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً. . . " الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال ابن عباس في كتاب اللَّه - عز وجل - آيات تشير إلى هذا، منها -: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) الآية.

قال الله عز وجل: (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون (60)

قال الله عزَّ وجلَّ: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60) الأم: أبواب الصلاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا شريك، عن عمران بن ظبيان، عن حكيم ابن سعد أن رجلاً من الخوارج قال لعلي - رضي الله عنه -: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) الآية، فقال علي - رضي الله عنه -: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) وهو راكع، وهم يقولون من فعل هذا، يريد به الجواب، فصلاته فاسدة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن علية، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي - رضي الله عنه - قال: إذا ركعت فقلت: "اللهم لك ركعت، ولك خشعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت" الحديث. فقد تم ركوعك، وهذا كلام عندهم يفسد الصلاة وهم يكرهون هذا، وهذا عندي كلام حسن، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبيه به، ونحن نأمر بالقول به، وهم يكرهونه.

سورة لقمان

سورة لقمان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى قرأت في كتاب (السنن) - رواية حرملة عن الشَّافِعِي رحمه اللَّه -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) الآية، فأخبر جل ثناؤه: أن كل آدمي: مخلوق من ذكر وأنثى، وسمى الذَّكَر: أباً، والأنثى: أُمًّا. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) الآية. فحجب عن نبيه علم الساعة،

وكان من جاور ملائكة اللَّه المقربين، وأنبياءه المصطفين من عباد الله، أقصر علماً من ملائكته وأنبيائه؛ لأن اللَّه - عز وجل - فرض على خلقه طاعة نبيه ولم يجعل لهم بَعدُ من الأمر شيئاً، وأولى أن لا يتعاطوا حكماً على غيب أحد، لا بدلالة ولا ظن لنفصير علمهم عن علم أنبيائه، الذين فرض اللَّه تعالى عليهم الوقف عما ورد عليهم، حتى يأتيهم أمره، فإنه جل وعز ظاهر عليهم الحجج، فيما جعل إليهم من الحكم في الدنيا، بأن لا يحكموا إلا بما ظهر من المحكوم عليه، وأن لا يجاوزوا أحسن ظاهره.

سورة السجدة

سورة السجدة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ترجم سجود القرآن في اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وفي اختلاف الحديث، وفي اختلاف مالك والشَّافِعِي رحمهما الله تعالى، مرتين: أما الأول: ففيه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن زر، عن علي رضي اللَّه عنه قال: عزائم السجود (الم (1) تَنْزِيلُ) ، (وَالنجم) . و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ، ولسنا ولا إياهم نقول بهذا. نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه.. وأما الثاني: وهو الذي في اختلاف الحديث، ففيه أخبرنا الربيع قال:

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن، عن ثوبان، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين، قال: أرادا الشهرة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن ليس بحتم، ولكننا نحب أن لا يُترك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في النجم وترك. قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: وفي النجم سجدة، ولا أحب أن يدع شيئاً من سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه؛ لأنه ليس بفرض.

سورة الأحزاب

سورة الأحزاب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ثناؤه لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأبان الله أنه قد فرض على نبيه اتباع أمره، وشهد له بالبلاع عنه، وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به، تقرُّباً إلى اللَّه بالإيمان به، وتوسلاً إليه بتصديق كلماته.

قال الله عز وجل: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (4) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الأم: ما يحرم من النساء بالقرابة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد نكاح (ابنة جحش) رضي الله عنها، فكانت عند زيد بن حارثة، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - تبناه، فأمر اللَّه تعالى ذكره. أن يُدعى الأدعياء لآبائهم: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) الآية، وقال: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ) إلى قوله: (وَمَوَالِيكُمْ) الآية. وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأشبه - واللَّه تعالى أعلم - أن يكون قوله: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) الآية، دون أدعيائكم الذين تسمونهم أبناءكم ولا يكون الرضاع من هذا في شيء، وحرمنا من الرضاع بما حرم الله قياساً عليه، وبما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه: "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة" الحديث.

الأم (أيضاً) : باب (دعوى الولد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت - أي: للمحاور - نعم، زعم بعض أهل التفسير: أن قول اللَّه - عز وجل -: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) الآية. ما جعل اللَّه لرجل من أبوين في الإسلام، واستدل بسياق الآية قول اللَّه - عز وجل -: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) الآية. قال - أي: المحاور -: فتحتمل هذه الآية معنى غير هذا؟ قلنا: نعم، زعم بعض أهل التفسير: أن معناها غير هذا، قال: فلك به حجة تثبت. قلنا: أما حتى نستطيع أن نقول هو هكذا غير شك، فلا؛ لأنه محتمل غيره، ولم يقل هذا أحد يلزم قوله. ولكنه إذا كان يحتمل، وكان معنى الإجماع أن الابن إذا ورث ميراث ابن كامل، فكذلك يرثه الأب ميراث أب كامل، لم يستقم فيه إلا هذا القول. الأم (أيضاً) : باب (المواريث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في زيد بن حارثة - رضي الله عنه -: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية فنسب الموالي نسبين: أحدهما: إلى الآباء. والآخر: إلى الولاء، وجعل الولاء بالنعمة. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله. ما كان من شرط ليس في كتاب

الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرطه أوثق، وإنَّما الولاء لمن أعتق" الحديث. فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الولاء إنما يكون للمُعتق. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب" الحديث. فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق، كما يكون النسب بمتقدم وِلاد من الأب. الأم (أيضاً) (رضاعة الكبير) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، أنه سئل عن رضاعة الكبير فقال: (أخبرني عروة بن الزبير، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - - قد كان شهد بدراً، وكان قد تبنى سالماً الذي يقال له: سالم مولى أبي حذيفة، كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة، وأنكح أبو حذيفة سالماً، وهو يرى أنه ابن، فأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهي يومئذ من المهاجرات الأوَل، وهي يومئذ من أفضل أيامى قريش، فلما أنزل اللَّه في زيد بن حارثة ما أنزل فقال: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية. ردَّ كل واحد

من أولئك من تبنى إلى أبيه، فإن لم يعلم أباه رده إلى الموالي، فجاءت سهلة بنت سهيل، وهي امرأة أبي حذيفة، وهي من بني عامر بن لؤي، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله، كنا نرى سالماً ولداً، وكان يدخل علي وأنا فُضُل، ولبس لنا إلا بيت واحد، فماذا ترى في شأنه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا: "أرضعيه خمس رضعات، فيحرم بلبنها" ففعلت، وكانت تراه ابناً من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تحبُّ أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تأمر أختها أم كلثوم، وبنات أختها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال والنساء، وأبى سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقلن: ما نرى الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهلة بنت سهيل إلا رخصة في سالم وحده من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد، فعلى هذا من الخبر، كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رضاعة الكبير) الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا - والله تعالى أعلم - في سالم مولى أبي حذبفة خاصة. مختصر المزني: باب (بيع المكاتب) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد أن ذكر حديث عائشة في عتق بريرة - فقال لي بعض الناس فما معنى إبطال النبي - صلى الله عليه وسلم - شرط عائشة لأهل بريرة؟ قلت: إن بيناً -

قال الله عز وجل: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم)

واللَّه أعلم - في الحديث نفسه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعلمهم أن الله قد قضى أن الولاء لمن أعتق، وقال: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية، وأنه نسبهم إلى مواليهم، كما نسبهم إلى آباءهم، وكما لم يجز أن يحولُوا عن آبائهم فكذلك لا يجوز أن يحولُوا عن مواليهم الذين وَلُوا منتهم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان مما خص اللَّه - عز وجل - به نبيه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية. مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب، وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة، ومما وصفت من أن الله أحكم كثيراً من فرائضه بوحيه، وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وفي فعله، فقوله: (أُمَّهَاتُهُمْ) يعني في معنى دون معنى؛ وذلك أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال، ولا يحرم عليهم نكاح بنات، لو كن لهن، كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويشبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع تحريم نكاحهن. الأم (أيضاً) : باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإنما افترض عليهم طاعته فيما أحبوا وكرهوا، ألا ترى إلى قوله - عز وجل -: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الآية. الرسالة: باب (الاختلاف) قال الشَّافِعِي رحمه الله فانول: لك ذلك اللمخاطَب أو للمحاوَر) لقول الله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية، فقلت له: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) الآية، نزلت بأن الناس توارثوا بالحِلْف، ثم توارثوا بالإسلام والهجرة، فكان المهاجر يرث المهاجر، ولا يرثه مِن ورثته مَن لم يكن مهاجراً، وهو أقرب إليه ممن ورثه، فنزلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ) الآية، على ما فُرِضَ لهم قال: فاذكر الدليل على ذلك؟ قلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الآية، على ما فرض لهم، ألا ترى أن من ذوي الأرحام من يرث، ومنهم من لا يرث؛ وأن الزوج يكون أكثر ميراثاً من أكثر ذوي الأرحام ميراثاً؛ وأنك لو كنت إنما تورث بالرحم كانت رحم البنت من الأب كرحم الابن؛ وكان ذوو الأرحام يرثون معاً، ويكونون أحق من الزوج الذي لا رحم له؛ ولو كانت الآية كما وصفتَ كنتَ قد خالفتها فيما

قال الله عز وجل: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا (12)

ذكرنا، في أن يترك أخته ومواليه، فتعطى أخته النصف، ومواليه النصف، وليسوا بذوي أرحام، ولا مفروض لهم في كتاب الله فرض منصوص. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) الأم: المرتد عن الإسلام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: أخبر اللَّه - عز وجل - عن أسرارهم (أي: المنافقين) ولعله لم يعلمه الآدميون، فمنهم من شهد عليه بالكفر بعد الإيمان. منهم من أقر بعد الشهادة، ومنهم من أقر بغير الشهادة، ومنهم من أنكر بعد الشهادة، وأخبر اللَّه - عز وجل - عنهم بقول ظاهر، فقال: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) فكلهم إذاً قال ما قال، وثبت على قوله، أو جحد، أو أقرَّ وأظهر الإسلام، تركِ بإظهار الإسلام فلم يُقتل. الأم (أيضاً) : تكلف الحجة على قالل القول الأول، وعلى من قال أقبل إظهار التوبة) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبر اللَّه جل ثناؤه - عن طائفة غيرهم، فقال: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) وهذه حكاية عنهم، وعن الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين

قال الله عز وجل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)

منفرداً، وحكى من أن الإيمان لم يدخل قلوب من حكى من الأعراب، وكل من حقن دمه في الدنيا بما أظهر، مما يعلم جل ثناؤه خلافه من شركهم؛ لأنه أبان أنه لم يُوَلَّ الحكمُ على السرائر غيره، وأنه قد ولى نبيه الحكم على الظاهر، وعاشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقتل منهم أحداً، ولم يحبسه، ولم يعاقبه، ولم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال، ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم، والصلاة على موتاهم، وجميع حُكْم الإسلام. الأم (أيضاً) : من ليس للإمام أن يغزو به بحال قال الشَّافِعِي رحمه الله: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فغزا معه بعض من يُعرَفُ نفاقه، فانخزل يوم أحد عنه بثلثمائة، ثم شهدوا معه يوم الخندق، فتكلموا بما حكى الله - عز وجل - من قولهم: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأم: الاستسلام في الزحام - أي: استلام الحجر الأسود -: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سعيد بن صالم، قال أخبرني موسى بن عبيدة الرَّبَذِي، عن محمد بن كعب القرظي، أن ابن عباس - رضي الله عنهما - كان يمسح على الركن اليماني والحجر - أي: الأسود - وكان ابن الزبير - رضي الله عنه - يمسح على

قال الله عز وجل: (وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا (25)

الأركان كلها ويقول: لا ينبغي لبيت اللَّه أن يكون شيء منه مهجوراً، وكان ابن عباس يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان ابن عباس رضي اللَّه عنهما يخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استلام الركن اليماني والحجر، دون الشاميين، وبهذا نقول: وقول ابن الزبير - رضي الله عنه -: (لا ينبغي أن يكون شيء من بيت الله مهجوراً) ولكن لم يدع أحد استلام الركن هجرة لبيت اللَّه تعالى، ولكنه استلم ما استلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمسك عما أمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن استلامه، وقد ترك استلام ما سوى الأركان من البيت، فلم يكن أحد تركه على أن هجر من بيت الله شيئاً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) الأم: باب (الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين والصلوات) أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرني ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب. عن المَقبُري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:

قال الله عز وجل: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا (28)

"حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهَوِيٍّ من الليل حتى كفينا، وذلك قول الله عزَّ وجلَّ: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً فأمره فأقام الظهر فصلاها، فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضاً) الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأمر الله - عزَّ وجلَّ - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يخير نساءه، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) فخيرهنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترنه، فلم يكن الخيار إذا اخترنه طلاقاً، ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقاً إذا اخترنه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان تخيير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شاء اللَّه - كما أمره الله - عزَّ وجلَّ - إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه، وأحدث لهن طلاقاً لا ليجعل

الطلاق إليهن، لقول الله - عز وجل -: (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) حْدِثُ لَكُن إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعاً وسراحاً، فلما اخترنه. لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقاً ولا متاعاً. فأما قول عائشة رضي الله عنها: قد خيَّرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترناه، أفكان ذلك طلاقاً؟ تعني: - واللَّه أعلم - لم يوجب ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحدث لنا طلاقاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا فرض اللَّه - عز وجل - على النبي - صلى الله عليه وسلم - إن اخترن الحياة الدنيا أن يمتعهن، فاخترن الله ورسوله، فلم يطلق واحدة منهن، فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق، فلا طلاق عليه. الأم (أيضاً) : ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ذكر الله تبارك وتعالى الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء: الطلاق، الفِرَاق، السراح فقال - عز وجل -: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) وقال جل ثناؤه: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) . وقال تبارك اسمه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أزواجه: (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ) . قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فمن خاطب امرأته، فأفرد لها اسماً من هذه الأسماء، فقال: أنت طالق، أو قد طلقتك، أو فارقتك، أو قد سرحتك، لزمه الطلاق، ولم يُنَو في الحكم، ونوَّينَاه فيما بينه وبين الله.

الأم (أيضاً) : باب تعجيل الصدقة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا لو تصدق بكفارة يمين قبل أن يحلف فقال: إن حنث في يمين فهذه كفارتها، فحنث لم تجز عنه من الكفارة؛ لأنه لم يكن حلف، ولو حلف ثم كفر للحنث، ثم حنث أجزأ عنه من الكفارة. فإن قال قائل من أين قلت هذا؟ قلت: قال اللَّه - عز وجل -: (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) فبدأ بالمتاع قبل السراح، وفي كتاب الكفارات: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير منه" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد روي عن عدد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يحلفون، فيكفرون قبل يحنثون. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عنَ نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة" الحديث.

قال الله عز وجل: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن)

قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) الأم ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) الآية. فأبانهن به - صلى الله عليه وسلم - من نساء العالمين. * * * قال الله عزَّ وجلَّ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) الزاهر باب (الوصية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله - عز وجل -: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) الآية. قال: الأدنى فالأدنى من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وسئل أيدخل النساء في أهل البيت؟ قال: نعم.

قال الله عز وجل: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) الأم: اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: الكتاب: هو ما يتلى عن الله تعالى، والحكمة: وهي ما جاءت به الرسالة عن الله مما بينت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال - عز وجل - لأزواجه - أي: لأزواج نبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت، أي: للمحاور - وأيهم أولى، إذا ذكر (الكتاب والحكمة) أن يكونا شيئين، أو شيئاً واحداً؟ قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت كتاباً وسنة، فيكونا شيئين، ويحتمل أن يكونا شيئاً واحداً. قلت - له -: فأظهرهما أولاهما، وفي القرآن دلالة على ما قلنا، وخلاف ما ذهبت إليه. قال: وأين هي؟ قلت: قول اللَّه - عز وجل -: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الآية. فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان. قال: فهذا القرآن يتلى، فكيف تتلى الحكمة؟ قلت: إنما معنى التلاوة: أن ينطق بالقرآن، والسنة كما ينطق بها، قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى.

قال الله عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة)

الرسالة: باب (ما نزل عاماً دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) فذكر الله الكتاب، وهو: القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يشبه ما قال، واللَّه أعلم؛ لأن القرآن ذكر وأتبِعَته الحكمة، وذكر الله منهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز - واللَّه أعلم - أن يقال: الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللَّه، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتَّم على الناس اتباع أمره فلا يجوز أن يقال لقولٍ: فرضٌ إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله، لما وصفنا، من أن الله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به، وسنة رسول اللَّه مبينة عن الله معنى ما أراد، دليلاً على خاصِّه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الأم: باب (الخلاف فيه - أي: حكم من دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه قبل تمامه -؟) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا كان له أن يفطر في السفر في شهر رمضان لا عِلَّة غيره، برخصة الله، وكان له أن يصوم إن شاء فيجزي عنه، من أفطر قبل أن

يستكمله، دل هذا على معنى قولي: من أنه لما كان له قبل الدخول في الصوم أن لا يدخل فيه، كان بالدخول فيه في تلك الحال غير واجب عليه بكل حال، وكان له إذا دخل فيه أن يخرج منه بكل حال، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالتطوع بكل وجه أولى أن يكون هكذا من الفرض الذي له تركه في ذلك الوقت إلى أن يقضيه في غيره. قال: فتقول بهذا؟ قلت: نعم: أقوله اتباعاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) . الأم (أيضاً) : الخلاف في نكاح الشغار: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي: المحاور - فلأي شيء أفسدت أنت الشغار والمتعة؟ قلت: بالذي أوجب اللَّه - عز وجل - على من طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما أجد في كتاب اللَّه من ذلك، فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الآية. الأم (أيضاً) : بيان فرائض الله تعالى: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فَرَض اللَّه - عز وجل - الفرائض - في كتابه من وجهين: أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها، حتى استُغني فيه بالتنزيل عن التأويل وعن الخبر.

والآخر: أنه أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه بقوله - عز وجل -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الآية، مع غير آية في القرآن بهذا المعنى، فمن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبفرض الله - عزَّ وجلَّ قَبِلَ. الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض - اللَّه حليهم اتباع ما أنزل عليه، وسن رسول - صلى الله عليه وسلم - لهم فقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) فأعلم أن معصيته في ترك أمره وأمر رسوله، ولم يجعل لهم إلا اتباعه. مختصر المزني: ومن كتاب الرسالة إلا ما كان معاداً: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مسلم، وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن عامر بن صعب، أن طاووساً أخبره أنه سأل ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما، قال طاووس فقلت: ما أدعهما. فقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الآية.

قال الله عز وجل: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه)

الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر ما سبق في مختصر المزني، زاد ما يلي -: فرأي ابن عباس رضي الله عنهما الحجة قائمة على طاووس بخبره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودلَّهُ بتلاوة كتاب اللَّه، على أن فرضاً عليه أن لا تكون له الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمراً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) الأم: باب (المواريث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تبارك وتعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) الآية، فنسب الموالي نسبين: أحدهما: إلى الآباء. والآخر: إلى الولاء، وجعل الولاء بالنعمة. الأم (أيضاً) : باب (الولاء والحِلْف) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال:

أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال: أمر اللَّه تبارك وتعالى أن يُنسب من كان له نسب من الناس نسبين: 1 - من كان له أب: أن ينسب إلى أبيه. 2 - ومن لم يكن له أب: فلينسب إلى مواليه. .. وأصل ما قلت من هذا في كتاب اللَّه - عز وجل -، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمع عليه عوام أهل العلم، وقال - عز وجل -: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (تفريع العتق) قال الشَّافِعِي رحمه الله: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) ولو غرب على أحد علم هذا من كتاب اللَّه - عز وجل -، كان في قول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - "إنَّما الولاء لمن أعتق" الحديث. دليل على أن المسيَّب والمؤمن يعتق الكافر، والكافر يعتق المؤمن، لا يعدون أن يكونوا معتقين، فيكون في سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الولاء لمن أعتق" الحديث.

(فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج)

الأم (أيضاً) : ما يحرم من النساء بالقرابة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد نكاح ابنة جحش - رضي الله عنها -، فكانت عند زيد بن حارثة - رضي الله عنه - فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - تبناه فأمر اللَّه تعالى ذكره أن يدعى الأدعياء لآبائهم. . .، وقال اللَّه لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: * * * (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) الآية. الأم (أيضاً) : الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر الآيات التي وردت في مسمى عقد الزواج - فسمَّى تبارك وتعالى النكاح اسمين: النكاح، والتزويج. .. وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع بكلام غيرهما، وإن كانت معه نية التزويج.

قال الله عز وجل: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)

قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأم: كتاب الجزية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأنه - سبحانه وتعالى، - فتح به - صلى الله عليه وسلم - رحمته، وختم به نبوته، فقال - عز وجل -: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الأم: الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، وفي هذا - وغيرها من الآيات - دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع بكلام غيرهما، وإن كانت معه نية التزويج، وأنه مخالف للطلاق الذي يقع بما يشبه الطلاق من الكلام مع نية

الطلاق؛ وذلك أن المرأة قبل أن تزوج محرمة الفرج، فلا تحل إلا بما سمى الله - عز وجل - أنها تحل به لا بغيره. الأم (أيضاً) : الخلاف في طلاق المختلعة قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في المختلعة، فقال: إذا طلقت في العدة لحقها الطلاق، قلت: وحكم الله أنه إنما تطلق الزوجة (أي: وقت بقاء الزوجية) ؛ لأن اللَّه تبارك وتعالى قال: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) قال: نعم. فقلت له: كتاب اللَّه إذا كان كما زعمنا وزعمت يدل على أنها ليست بزوجة، وهي خلاف قولكم! أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وابن الزبير، رضي اللَّه عنهما، أنهما قالا: في المختلعة يطلقها زوجها، قالا: لا يلزمها طلاق؛ لأنه طلق ما لا يملك، - قال - وأنت تزعم أنك لا تخالف واحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا إلى قول مثله، فخالفت ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما معاً، وآيات من كتاب اللَّه تعالى. . .. الأم (أيضاً) : اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، فكان هذا عامًّا للأزواج والنساء، لا يخرج منه زوج مسلم حرٌّ ولا عبدٌ، ولا ذمِّي حرٌّ ولا عبدٌ، فكذلك اللعان لا يخرج منه زوج ولا زوجة.

الأم (أيضاً) الخلاف في اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنَّما كتبنا في كتابنا: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، كما قلنا في قول اللَّه - عز وجل -، وأن حكم الكتاب والسنة فيه. فقال بعض من خالفنا: لا يُلاَعَن بين الزوجين أبداً حتى يكونا حرين مسلمين، ليسا بمحدودين في قذف، ولا واحد منهما، فقلت له: ذكر اللَّه - عز وجل - اللعان بين الأزواج لم يخص واحداً منهم دون غيره. وما كان عامًّا في كتاب اللَّه تبارك وتعالى فلا نختلف نحن ولا أنت أنه على العموم كما قلنا. الأم (أيضاً) : الخلاف فيما يؤتى بالزنا: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاوَر - قال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، وقال: (فَإِن طَلَّقَهَا) الآية، فملك الرجال الطلاق وجعل على النساء العِدَد، قال: نعم. الأم (أيضاً) : إباحة الطلاق: أخبرنا الربيع بن سليمان قال:. قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر الآيات المتعلقة بإباحة الطلاق - وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، مع ما ذكرته

من الطلاق في غير ما ذكرت، ودلت عليه سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إباحة الطلاق. فالطلاق مباح لكل زوج لزمه الفرض. الأم (أيضاً) : باب (لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في حكم اللَّه - عز وجل -، أن لا عدة على المطلقة. قبل أن تُمسَّ، وأن المسيس: هو الإصابة، ولم أعلم في هذا خلافاً. ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلو بها زوجها، فيغلق باباً ويرخي ستراً. وهي غير مُحْرمِة ولا صائمة، فقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما وشريح وغيرهما: لا عدة عليها إلا بالإصابة نفسها؛ لأن اللَّه - عز وجل - هكذا قال. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبهذا أقول وهو ظاهر كتاب الله عز ذكره. الأم (أيضاً) : من يقع علبه الطلاق من النساء. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) ، مع ما ذكر به الأزواج، ولم أعلم مخالفاً في أن: أحكام اللَّه تعالى في الطلاق، والظهار، والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح، يحل للزوج جماعها، وما يحل للزوج من امرأته إلا أنه محرم الجماع في الإحرام والمحيض، وما أشبه ذلك حتى ينقضي.

الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في الصداق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ليس إرخاء الستور يوجب الصداق عندي، لقول الله جل ثناؤه:. .. (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس، قال وكذا روي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما وشريح، وهو معنى القرآن. الأم (أيضاً) : ما يعتق به الكاتب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان بيناً في كتاب اللَّه - عز وجل -: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية، أن الطلاق إنما هو بإيقاعه بكلام الطلاق المصرح لا التعريض، ولا ما يشبه الطلاق، هكذا عامة من جمل الفرائض، أحكمت جملها في آية، وأبينت أحكامها في كتاب، أو سنة، أو إجماع. الأم (أيضاً) : الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاور - الذي ذهب إليه من قول اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) إنما هو على من عليه العدة؛ لقول اللَّه - عز وجل -: (طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)

فلما لم تكن هذه معتدة بحكم الله. علمت أن الله تبارك وتعالى إنَّما قصد بالرجعة في العدة قصد المعتدات، وكان المفسَّر من القرآن يدل على معنى الجمل، ويفترق بافتراق حالات المطلقات. الأم (أيضاً) : باب (الخلاف فيه أي: فيمن دخل في صلاة أو صوم، هل له قطعهما قبل إتمامهما؟) : قال الشَّافِعِي رحمه لة: ولقوله: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية. قالوا: إنَّما أوجب الله المهر والعدة في الطلاق بالمسيس - وبسط النقاش في المسألة -. مختصر المزني: (نكاح المتعة والمحلل) من الجامع: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي القرآن والسنة دليل على تحريم المتعة، قال اللَّه تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، فلم يحرمهن اللَّه على الأزواج إلا بالطلاق مع أحكام ما بين الأزواج فكان بيناً - واللَّه أعلم -، أن نكاح المتعة منسوخ بالفرآن والسنة، لأنه إلى مدة، ثم نجده ينفسخ بلا إحداث طلاق فيه، ولا فيه أحكام الأزواج. مختصر المزني (أيضاً) : من كتاب (اليمين مع الشاهد الواحد) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج، عن ليث بن أبي سليم، عن طاووس، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ليس لها إلا نصف المهر، ولا عدة عليها يعني لمن قال الله تعالى: (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.

قال الله عز وجل: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك

أحكام القرآن: ما يؤثر عنه الشَّافِعِي وفي خلع الطلاق والرجعة: قال البيهقي: قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، أخبرنا عبد الرحمن بن العباس الشَّافِعِي - قرأت عليه بمصر - قال: سمعت يحيى بن زكريا، يقول: قرأ علي يونس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: في الرجل يحلف بطلاق المرأة قبل أن ينكحها، قال: لا شيء عليه، لأني رأيت اللَّه - عز وجل - ذكر الطلاق بعد النكاح، وقرأ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحسب قول عائشة رضي اللَّه عنها أحل له النساء لقول اللَّه تبارك وتعالى: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ) إلى قوله: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: نذكر اللَّه - عز وجل - ما أحل لى، فذكر أزواجه اللاتي آتى أجورهن، وذكر بنات عمه، وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فدل ذلك على معنيين: أحدهما: أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له؛ وذلك أنه لم يكن عنده - صلى الله عليه وسلم - من بنات عمه، ولا بنات عماته، ولا بنات خاله، ولا بنات خالاته امرأة، وكان عنده عدد نسوة. الثاني: وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره، ومن يائهب بغير مهر ما حظره على غيره. الأم (أيضاً) : الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَاا) الآية،. .. فأبان جل ثناؤه أن الهبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون المؤمنين، والهبة - والله تعالى أعلم - تجمع أن ينعقد له عليها عقدة النكاح، بأن تهب نفسها له بلا مهر. الأم (أيضاً) : كتاب (الصداق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت، فهذا دليل على الخلاف بين النكاح والبيوع. والبيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم،

والنكاح ينعقد بغير مهر، استدللنا على أن العقد يصلح بالكلام به وأن الصداق لا يفسد عقده أبداً، فإذا كان هكذا، فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام فثبتت العقدة بالكلام، وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت، وعلى أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسمِّ مهراً ولم يدخل؛ وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس، وإن لم يسم مهراً بالآية، لقول الله - عز وجل - (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية. يريد - واللَّه تعالى أعلم - النكاح والمسيس بغير مهر. الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح المشرك: قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا يحل لمسلم أن يجمع بين أكثر من أربع، إلا ما خص اللَّه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - دون المسلمين من نكاح أكثر من أربع يجمعهن، ومن النكاح بغير -، مهر فقال عز وعلا: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (الصوم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحل اللَّه - عز وجل - له - أي: لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من عدد النساء ما شاء، وأن يستنكح المرأة إذا وهبت نفسها له، فقال اللَّه تعالى: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية. فلم يكن لأحد أن يقول: قد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أكثر من أربع، ونكح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة بغير مهر، وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفياً

من المغانم وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله قد بين في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك له دونهم، وفرض الله تعالى عليه أن يخير أزواجه في المقام معه والفراق، فلم يكن لأحد أن يقول علي أن أخير امرأتي على ما فرض اللَّه - عز وجل - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان قاله: "لا يمسكن الناس عليَّ بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله، ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله" الحديث. الأم (أيضاً) : كتاب (النفقات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية، - وذكر آيات النفقات ثم قال -: هذا جملة ما ذكر اللَّه - عز وجل - من الفرائض بين الزوجين، وقد كتبنا ما حضرنا مما فرض الله - عز وجل - للمرأة على الزوج، وللزوج على المرأة، مما سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه - عز وجل - أن يؤدي كل ما عليه بالمعروف. الأم (أيضاً) : جماع عشرة النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية. فجعل اللَّه للزوج على المرأة، وللمرأة على الزوج حقوقاً بينهما في كتابه، وعلى لسان نبيه، مفسرة ومجملة، ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم.

الأم (أيضاً) : النفقة على النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: على الزوج نفقة امرأته وولده الصغار بالمعروف. والمعروف: نفقة مثلها ببلدها الذي هي فيه، بُراً كان أو شعيراً أو ذرة، لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها، ومن الكسوة والأدم بقدر ذلك، لقول الله - عزَّ وجلَّ: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ) الآية، فلما فرض عليهم نفقة أزواجهم كانت الدلالة كما وصفت في القرآن، وأبان النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك. الأم (أيضاً) : القسْمُ للنساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي. وأن عليه أن يعدل في ذلك، لا أنه مرخص له أن يجوز فيه، فدل ذلك على أنه إنما أريد به ما في القلوب، مما قد تجاوز الله للعباد عنه، فيما هو أعظم من الميل على النساء - والله أعلم -. الأم (أيضاً) : ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء، وما تحل به الفروح: أخرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية. فأطلق الله - عزَّ وجلَّ - ما ملكت الأيمان

فلم يحد فيهن حداً يُنتهي إليه، فللرجل أن يتسرى كم شاء، ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا، وانتهى ما أحل اللَّه بالنكاح إلى أربع، ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبينة عن اللَّه - عز وجل -، على أن انتهاءه إلى أربع تحريماً منه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذلك مفرق في مواضعه في القسم بينهن والنفقة والمواريث وغير ذلك. الأم (أيضاً) : جماع القسم في النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية. ولم أعلم مخالفاً في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن. وقد بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم فيعدل ثم يقول: اللهم هدا قَسمي فيما أملك، وأنت أعلم بما لا أملك" الحديث. الأم (أيضاً) : امرأة المفقود: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية. وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الزوج نفقة امرأته. وحكم اللَّه - عز وجل - بين الزوجين أحكاماً منها: اللعان، والظهار، والإيلاء، ووقوع الطلاق. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلم يختلف المسلمون - فيما علمته - في أن ذلك لكل زوجة على كل زوج غائب وحاضر.

قال الله عز وجل: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك)

قال الله عزَّ وجلَّ: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ثم جعل له في اللاتي يهبن أنفسهن له أن يأتهب. ويترك، فقال: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فمن اتهب منهن فهي زوجة، لا تحل لأحد بعده. ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم زوجة، وهي تحل له ولغيره. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) الآية.

قال الله عز وجل: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال بعض أهل العلم أنزلت عليه: (لَا يَحِلُّ لَكَ) بعد تخييره أزواجه. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحِل له النساء. أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: كأنها تعني اللاتي حظرن عليه في قول اللَّه تبارك وتعالى: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا) الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان مما خص اللَّه - عز وجل -، نبيه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) .

قال الله عز وجل: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (56)

وقال: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا) . الآية. فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين، ليس هكذا نساء أحد غيره - صلى الله عليه وسلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) الأم: باب (التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض اللَّه - عز وجل - الصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة، ووجدنا الدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بما وصفت من أن الصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فرضٌ في الصلاة - واللَّه تعالى أعلم -. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن سُليم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ يعني: في الصلاة، قال: قولوا "اللهم صل على محمد

وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم، ثم تسلمون عليَّ" الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني سعد ابن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في الصلاة: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل ابراهبم، وبارك على محمد وآل محمد. كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما رُوِي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة لم يجز - والله تعالى أعلم - أن نقول: التشهد واجب، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - غير واجبة، والخبر فيهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - زيادة فرض القرآن. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض، أن يتعلم التشهد، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن صلى صلاة لم يتشهد فيها ولم يصلي

على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحسن التشهد فعليه إعادتها، وإن تشهد ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتشهد، فعليه الإعادة - حتى يجمعهما جميعاً، وإن كان لا يحسنها على وجههما أتى بما أحسن منهما، ولم يجزه إلا بأن يأتي باسم تشهد وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا أحسنهما فأغفلهما، أو عمد تركهما، فسدت صلاته، وعليه الإعادة فيهما جميعاً. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني رحمه اللَّه، أخبرنا أبو سعيد ابن الأعرابي، أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني. أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله قال: أحبرنا مالك، عن نعيم بن عبد اللَّه المجمر - أن محمد بن عبد اللَّه بن زيد الأنصاري - وعبد اللَّه بن زيد: هو الذي كان أُرِيَ النداء بالصلاة، أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا اللَّه أن نصلي عليك يا نبي اللَّه؛ فكيف نصلي عليك؟ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولوا: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين. إنك حميد مجيد" الحديث. ورواه المزني وحرملة عن الشَّافِعِي، وزاد فيه: "والسلام كما قد علمتم" وفي هذا إشارة إلى السلام الذي

في التشهد، على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك في الصلاة، فيشبه: أن تكون الصلاة التي أمر بها (عليه الصلاة والسلام) - أيضاً - في الصلاة؛ واللَّه أعلم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: في رواية حرملة - والذي أذهب إليه - من هذا - حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنَّما ذهبت إليه؛ لأني رأيت اللَّه - عز وجل - ذكر ابتداء صلاته على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأمر المؤمنين بها، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الآية.

سورة فاطر

سورة فاطر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) الأم: كراهيه الاستمطار بالأنواء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أصبح وقد مُطر الناس قال: مُطرنا بنوء الفتح، ثم قرأ: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) الآية. وبلغني أن عمر بن الخطاب أوجف بشيخ من بني تميم غدا متكئاً على عكازه، وقد مطر الناس فقال: أجاد ما أقرى المِجدَح البارحة، فأنكر عمر قوله: (أجاد ما أقرى المِجدَح) لإضافة المطر إلى المجدح.

قال الله عز وجل: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا) الأم: باب (تحريم الصيد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فالبحر المعروف البحر المالح، قيل: نعم، ويدخل فيه العذب، وذلك معروف عند العرب. فإن قال: فهل من دليل عليه في كتاب الله؟ قيل: نعم، قال اللَّه - عز وجل -: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا) ففي الآية دلالتان: إحداهما: أن البحر العذب والمالح، وأن صيدهما مذكور ذِكراً واحداً فكل ما صيد في ماء عذب، أو بحر، قليل أو كثير مما يعيش في الماء للمُحرِم حلال، وحلال اصطياده، وإن كان في الحرم؛ لأن حكمه حكم صيد البحر الحلال للمُحرِم لا يختلف، ومن خوطب بإحلال صيد البحر وطعامه عقل أنه إنما أُحل له ما يعيش في البحر من ذلك، وأنه أحل كل ما يعيش في مائه؛ لأنه صيده وطعامه عندنا: ما ألقى وطفا عليه - واللَّه أعلم - ولا أعلم الآية تحتمل إلا هذا المعنى. ثانيهما: أو يكون طعامه في دواب تعيش فيه فتؤخذ بالأيدي بغير تكلُّف، كتكلف صيده، فكان هذا داخلاً في ظاهر جملة الآية - والله أعلم -.

فإن قال قائل: فهل من خبر يدل على هذا؟ قيل: أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء أنه سئل عن صيد الأنهار، وقِلاَت المياه، أليس بصيد البحر؟ قال: بلى، وتلا: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا) الحديث. أخبرنا سعيد، عن ابن جريج أن إنساناً سأل عطاء عن حيتان بركه القرى: وهي بئر عظيم في الحرم: أتصاد؟ قال: نعم، وَلَوَدَدتُ أن عندنا منه. الأم (أيضاً) : صيد البحر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله - عزَّ وجلَّ -: ((وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا)) الآية، فكل ما كان فيه صيد، في بئر كان، أو ماء مستنقع أو غيره، فهو بحر، وسواء كان في الحل والحرم، يصاد ويؤكل؛ لأنه مما لم يُمنع بحرمة شيء، وليس صيده إلا ما كان يعيش فيه أكثر عيشه، فأما طائره فإنما يأوي إلى أرض فيه، فهو من صيد البر، إذا أصيب جزي.

سورة يس

سورة يس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد أن ذكر الآيات الثلاث أعلاه - فظَاهَرَ الحجج عليهم باثنين، ثم ثالث، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد، وليس الزيادة في التكيد مانعة أن تقوم الحجة بالواحد، إذ أعطاه الله ما يباين به الخلق غير النبيين. أخبرنا مالك، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجرة، عن عمته زينب بنت كعب، أن الفُرَيعَة بنت مالك بن سنان أخبرتها: "أنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أغبُدٍ له، حتى إذا كان بطرف القَدُّوم لحقهم، فقتلوه، فسألتُ رسول اللَّه أن أرجع إلى أهلي. فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، قالت: فقال رسول الله: "نعم". فانصرفتُ، حتى إذا كنت فى الحجرة أو فى المسجد دعاني، أو أمر بي فدعيت له، فقال: "كيف قلتِ؟ " فرددت عليه القصة التي ذكرتُ له من شأن زوجي،

قال الله عز وجل: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو)

فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله". قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، فلما كان عثمان أرسل إليَّ، فسألني عن ذلك؛ فأخبرته، فاتَّبعه وقضى به" الحديث. وعثمان في إمامته وعلمه، يقضي بخبر امرأة بين المهاجرين والأنصار - ثم ذكر خمسة أدلة أخرى من السنة على قبول خبر الواحد، والعمل به -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قدوم الشَّافِعِي رحمه الله مصر وتصنيفه بها الكتب) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: أنباني أبو عمرو (عثمان بن أحمد بن السَّمَّاك) شفاهاً، أن أبا محمد بن الشَّافِعِي أخبرهم في كتابه، قال سمعت أبي (محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع) يقول: سمعت محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله بقول: لا ينبل قرشي بمكة، ولا يظهر ذكره حتى يخرج منها؛ وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم يظهر أمره حتى خرج من مكة، ولا يكاد يجود شعر القرشي؛ وذلك أن اللَّه جل ذكره، قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ) الآية. ولا يكاد يجود خط القرشي؛ وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أميًّا.

سورة الصافات

سورة الصافات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الأم: اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: (وقال غيره) سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وجهان: أحدهما: ما تبين مما في كتاب الله، المبين عن معنى ما أراد الله يحَملِه خاصاً وعاماً. والآخر: ما ألهمه اللَّه من الحكمة، وإلهام الأنبياء وحي، ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول: قال الله - عزَّ وجلَّ فيما يحكي عن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية. فقال غير واحد من أهل التفسير: رؤيا الأنبياء وحي، لقول ابن إبراهيم الذي أمر بذبحه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية. ومعرفته أن رؤياه أمرٌ، أُمِرَ به.

قال الله عز وجل: (وإن يونس لمن المرسلين (139) إذ أبق إلى الفلك المشحون (140) فساهم فكان من المدحضين (141)

فائدة: جاء في كتاب - (تهذيب تاريخ دمشق) : رُوِي عن نوح بن حبيب قال: سعت الشَّافِعِي رحمه الله يقول كلاماً ما سمعت قط أحسن منه، سمعته - أى: الشَّافِعِي - يقول: قال إبراهيم خليل الله لولده، وقت ما قص عليه ما رأى: ماذا ترى؛ أى: ماذا تشير به؟ قال ذلك ليستخرج من هذه اللفظة، ذكر التفويض. والصبر، والتسليم، والانقياد لأمر اللَّه، لا لمؤامرته له مع أمر الله، فقال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: والتفويض: هو الصبر والتسليم، هو الصبر والانفباد، هو ملاك الصبر، فجمع له الذبيح - أي: إسماعيل عليه السلام - جميع ما ابتغاه في هذه اللفظة اليسيرة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) الأم: قَسْم النساء إذا حضر السفر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر اللَّه - عز وجل - القرعة في كتابه في موضعين، فكان ذكرها موافقاً ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - قال الله تبارك وتعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) .

2 - وقال: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقف الفلك بالذين ركب معهم يونس عليه السلام، فقالوا: إنما وقف لراكب فيه لا نعرفه، فيقرع فأيكم خرج سهمه ألقي، فخرج سهم يونس علبه السلام فألْقِيَ، فالتقمه الحوت، كما قال تبارك وتعالى، ثم تداركه بعفوه جل وعز. الأم (أيضاً) : كتاب (القرعة) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تعالى: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) . وقال اللَّه - عز وجل -: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأصل القرعة في كتاب اللَّه - عز وجل - في قصة المقترعين على مريم، والمقارعي يونس مجتمعة، فلا تكون القرعة - واللَّه أعلم - إلا بين قوم مستوين في الحجة.

سورة ص

سورة ص بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في حسن مناظرة الشَّافِعِي وغلبته بالعلم والبيان. .) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: أنباني أبو أحمد (بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي) بمرو، شفاهاً، وأكثر ظني أن صالحاً بن محمد الحافظ جزرة، حدثهم قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كان الشَّافِعِي رحمه الله يقول: إذا ناظره إنسان في مسألة عدا منها إلى غيرها، نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد. فإذا أكثر عليه قال: مثلك مثل معلم كان بالمدينة يعلم الصبيان القرآن من كراسة، فأملى على صبي: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ) فقال: بسؤال، ثم لم يدر ما بعده، فمرَّ رجل فقام إليه فقال: - أصلحك اللَّه - بسؤال نعجتك أو بعجتك؛ فقال له الرجل: يا أبا عبد اللَّه، افرغ من سؤال ثم سل عما هو بعده، إنما هو - ويحك - بسؤال نعجتك.

قال الله عز وجل: (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله

قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) الأم: باب (في الأقضية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأعلمَ اللَّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن فرضاً عليه، وعلى من قبله، والناس، إذا حكموا أن يحكموا بالعدل، والعدل: اتباع حكمه المنزَّل. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عزَّ وجلَّ: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) الآية. وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق، إلا وقد علم الحق، ولا يكون الحق معلوماً إلا عن اللَّه نصاً أو دلالة، فقد جعل اللَّه الحق في كتابه، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.

قال الله عز وجل: (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث)

ترتيب مسند الشَّافِعِي في سجود التلاوة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عبدة، عن زرِّ بن حُبَيش، عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أنه كان لا يسجد في سورة (ص) ويقول إنَّما هي توبة نبي " الحديث. أخبرنا ابن عيينة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجدها: يعنى في (ص) الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ) الأم: من قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة سوط. فجمعها فضربه بها، فإن كان يحيط العلم أنه إذا ضربه بها ماسته كلها، فقد برَّ. وإن كان يحيط العلم أنها لا تماسه كلها لم يبر، وإن كان العلم مغيباً قد تماسه ولا تماسه، فضرب بها ضربة، لم يحنث في الحكم، ويحنث في الورع، فإن قال قائل: فما الحجة في هذا؟ قيل: معقول أنه إذا ماسته أنه ضاربه بها مجموعة. أو غير مجموعة، وقد قال اللَّه - عز وجل -: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)

الآية؛ وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً نضواً (1) في الزنا، بأثكال النخل، وهذا شيء مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته.

_ (1) النضوُ: المهزول من الإبل وغيره، وقيل: المجهد من السفر، انظر القاموس المحيط، ص / 1726، والمعجم الوسيط، ص / 929.

سورة الزمر

سورة الزمر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الرسالة: باب (البيان الخامس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تبارك وتعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الآية، فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء: من سماء، وأرض، وذي روح. وشجر وغير ذلك، فالله خلقه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) الأم: فيمن تجب عليه الصلاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن غلب على عقله بعارض مرض، أي مرض كان، ارتفع عنه الفرض في قوله تعالى: (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)

قال الله عز وجل: (فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب (18)

وقوله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الآية. وإن كان معقولاً لا يخاطب بالأمر، والنهي إلا من عقلهما. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشافعى - من الإيمان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه على السمع أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرّم اللَّه، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) . فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع، من التنزيه عما لا يحل له. وهو عمله، وهو من الإيمان. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) الرسالة: باب (البيان الخامس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه سبحانه: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الآية.

قال الله عز وجل: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل (62)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأقام - اللَّه - عز وجل - حجته بأن كتابه عربي، في كل آية ذكرناها. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) الرسالة: باب (البيان الخامس) : انظر تفسير الآية / 5 من سورة الزمر فتفسيرهما واحد، ولا حاجة للتكرار. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) الأم: باب (المرتد الكبير) أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله قال: وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) .

قال الشَّافِعِي رحمه الله: يشبه - والله أعلم - أن يكون إذا حقن الدم بالإيمان، ثم أباحه بالخروج منه، أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل كافراً محارباً، وأكبر منه؛ لأنه قد خرج من الذي حقن به دمه، ورجع إلى الذي أبيح الدم فيه والمال، والمرتد به أكبر حكماً من الذي لم يزل مشركاً؛ لأن اللَّه أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح قدَّم - المشرك - قبل شركه، وأن اللَّه جل ثناؤه كَفَّر عمَّن لم يزل مشركاً ما كان قبله، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبان أن من لم يزل مشركاً، ثم أسلم كُفِّر عنه ما كان قبل الشرك، وقال لرجل كان يقدم خيراً في الشرك: "أسلمت على ما سبق لك من خير" الحديث.

سورة غافر

سورة غافر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأعلم عباده، مع ما أقام عليهم من الحجة، بان ليس كمثله أحد في شيء، أن علمه بالسر والعلانية واحد، فقال عز وعلا: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) الآية. مع آيات أخر من الكتاب. الأم: باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن الله - عزَّ وجلَّ حكم على عباده حُكمين. حكماً فيما بينهم وبينه: أن أثابهم وعاقبهم على ما أسروا، كما فعل بهم فيما أعلنوا، وأعلمهم إقامة الحجة للحجة عليهم، وبينها لهم أنه عَلِم سرائرهم، وعَلِم علانيتهم فقال: (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) . وقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) الآية. و خلق - خَلْقُه لا يعلمون إلا ما شاء - عز وجل - وحجب علم السرائر عن عباده.

سورة فصلت

سورة فصلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) الأم: سجود القرآن: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا هشيم عن شعبة، عن عاصم، عن زر، عن علي - رضي الله عنه - قال: عزائم السجود (الم (1) تَنْزِيلٌ) و (حم (1) تَنْزِيلٌ) ، و (النجم) و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ولسنا ولا إياهم - أي: المحاوَرِين - نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه. .. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ) الأم: كتاب (العيدين) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا من لا أتهم، أخبرنا العلاء بن راشد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ما هبت ريح قط إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم -

قال الله عز وجل: (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون (37)

على ركبتيه وقال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" الحديث. قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما في كتاب اللَّه: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) الآية. أخبرنا من لا أتهم قال: أخبرني صفوان بن سليم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا الريح، وعوذوا بالله من شرها" الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) الأم: كتاب (صلاة الكسوف) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تبارك تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) .

قال الله عز وجل: (وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر الله - عزَّ وجلَّ الآيات، ولم يذكر معها سجوداً إلا مع الشمس والقمر، وأمر بأن لا يُسجَد لهما، وأمر بأن يُسجَد له، فاحتمل أمره أن يُسجد له عند ذكر الشمس والقمر، بأن يأمر بالصلاة عند حادث في الشمس والقمر، واحتمل أن يكون إنَّما نهي عن السجود لهما، كما نهي عن عبادة ما سواه، فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يصلى لله عند كسوف الشمس والقمر فأشبه ذلك معنيين: أحدهما: أن يصلى عند كسوفهما لا يختلفان في ذلك، وأن لا يؤمر عند كل آية كانت في غيرهما بالصلاة، كما أمر بها عندهما؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يذكر في شيء من الآيات صلاة، والصلاة في كل حال طاعة لله تبارك وتعالى، وغبطة لمن صلاها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيُصلى عند كسوف الشمس والقمر صلاة جماعة. ولا يفعل ذلك في شيء من الآيات غيرها. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وأنزل الله عليه كتابه فقال: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) . فنقلهم من الكفر والعَمَى، إلى الضياء والهدى، وبين فيه ما أحل منًّا بالتوسعة على خلقه،

قال الله عز وجل: (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي)

وما حرّم: لما هو أعلم به من حظهم في الكف عنه في الآخرة والأولى. وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول وعمل، وإمساك عن محارم حماهُمُوها، وأثابهم على طاعته من الخلود في جنته، والنجاة من نعمته: ما عظمت به نعمتُه جل ثناؤه وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته من خلاف ما أوجب لأهل طاعته.. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) الرسالة: باب (البيان الخامس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأقام اللَّه سبحانه حجته بأن كتابه عربي، في كل آية ذكرناها، ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه - جل ثناؤه - كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه: 1 - فقال تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) . 2 - وقال: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) الآية.

سورة الشورى

سورة الشورى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه عز شانه: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) وأم القرى: مكة، وفيها قومه. الرسالة (أيضاً) : باب (البيان الخامس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأولى الناس بالفضل في اللسان، مَن لسانه لسانُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز - واللَّه أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل كل لسان تبع للسانه، وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه. وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه - منها -: وقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الآية.

قال الله عز وجل: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (11)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) وأم القرى: مكة، وهي بلده وبلد قومه، فجعلهم في كتابه خاصة. وأدخلهم مع المنذرين عامة، وقضى أن ينذروا بلسانهم العربي: لسان قومه منهم خاصة. أحكام القرآن: فصل: (فيما ذكره الشَّافِعِي رحمه الله في التحريض على تعلم أحكام القرآن) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الآية. فأقام حجته بأن كتابه عربي، ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه كل لسان غير لسان العرب. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات. فهو - الله تعالى - على العرش كما أخبر بلا كيف، بائن من خلقه، غير مُمَاسٍّ من خلقه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الآية.

قال الله عز وجل: (وأمرهم شورى بينهم)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الأم: باب (المشاورة) : انظر تفسير الآية / 159 من سورة آل عمران فتفسيرهما واحد، ولا حاجة للتكرار. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) الأم: من قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني: انظر تفسير الآية / 94 من سورة التوبة فقد ورد تفسيرهما مع هذه الآية. ولا حاجة للتكرار. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)

وقال عزَّ وجلَّ: (صِرَاطِ اللَّهِ) الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم مَنَّ - اللَّه - عز وجل - عليهم بما آتاهم من العلم، وأمرهم بالاقتصار عليه، وأن لا يتولوا غيره إلا بما علَّمهم، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) الآية. الأم (أيضاً) : سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك افترض عليه، قال اللَّه - عز وجل -: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) . ففرض عليه الاستمساك بما أوحي إليه، وشهد له أنه على صراط مستقيم، وكذلك قال: (وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الآية. فأخبر - اللَّه - أنه فرض عليه اتباع ما أنزل الله، وشهد له بأنه هادٍ مهتدٍ، وكذلك يشهد له قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمسكنَّ الناس علي بشيء. . ." الحديث. فإن اللَّه أحل له أشياء حظرها على غيره.

الأم (أيضاً) : الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب اللَّه أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، الذي قد عصمه الله من الخطأ، وبرَّأه منه، فقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الآية. فأما من كان رأيه خطأ أو صواباً فلا يؤمر أحد باتباعه، ومن قال للرجل يجتهد برأيه فيستحسن على غير أصل، فقد أمر باتباع من يمكن منه الخطأ، وأقامه مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي فرض اللَّه اتباعه. فإن كان قائل هذا ممن بعقل ما تكلم به، فتكلم به بعد معرفة هذا، فأرى للإمام أن يمنعه، وإن كان غبياً عُلِّم هذا حتى يرجع. مختصر المزني: كتاب اختلاف الحديث - المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وشهد - اللَّه تعالى - له باتباعه، فقال جل ثناؤه: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ) الآيتان. فأعلمَ اللَّه خلقه أنه يهديهم إلى صراطه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فتفام سنة رسول اللَّه، مع كتاب الله جل ثناؤه مقام البيان عن اللَّه عدد فرضه، كبيان ما أراد بما أنزل عامًّا - العام أراد به أو الخاص - وما أنزل فرضاً، وأدباً، وإباحة وإرشاداً، إلا أن شيئاً من سنن رسول اللَّه يخالف كتاب اللَّه في حال؛ لأن اللَّه جل ثناؤه قد أعلم خلقه أن رسوله يهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله، ولا أن شيئاً من سنن رسول اللَّه ناسخ لكتاب اللَّه، لأنه قد أعلم خلقه أنه إنما ينسخ القرآن بقرآن مثله، والسنة تبع للقرآن، وقد اختصرت من إبانة السنة عن كتاب اللَّه بعض ما حضرني، مما يدل على مثل معناه إن شاء الله - ثم ذكر أمثلة على ذلك -.

الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فليست تنزيل بأحدٍ من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب اللَّه الدليل على سبيل الهدى فيها - ثم ذكر آيات تدل على ذلك، ومنها - وقال الله تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) . الرسالة (أيضاً) : باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه، وما شهد له به من اتباع ما أُمر به) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وشهد له جل ثناؤه باستمساكه بما أمره به، والهدى في نفسه، وهداية من اتبعه، فقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما سنَّ رسول الله فيما ليس لله فيه حكم. فبحكم اللَّه سنَّهُ. وكذلك أخبرنا اللَّه في قوله: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ) الآيتان.

سورة الزخرف

سورة الزخرف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الرسالة: باب (البيان الخامس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأولى الناس بالفضل في اللسان، مَن لسانُه لسانُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز - والله أعلم - أن يكون أهل لسانه اتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرفٍ واحدٍ، بل كل لسانٍ تبَعٌ للسانه وكل أهل دين قَبلَهُ فعليهم اتباع دينه، وقد بين اللَّه في غير آية من كتابه - منها - وقال: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) . * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) السنن المأثورة: الدعاء عند ركوب الدابة أخبرنا أحمد قال: حدثنا المزني قال:

قال الله عز وجل: (إنا وجدنا آباءنا على أمة)

حدثنا الشَّافِعِي - رحمه الله - عن سفيان قال: قلت لابن عباس رضي اللَّه عنهما، ما كان أبوك يقول إذا ركب الدابة؟ قال: كان يقول: اللهم إن هذا من رزقك، ومن عطائك، فلك الحمد ربنا على نعمتك: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه (بالدَّامغان) ، أخبرنا الفضل ابن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: سمعت أبا عبد اللَّه (ابن أخي ابن وهب) يقول: سمعت الشَّافِعِي وحمه اطُه يقول: الأمَّة على ثلاثة وجوه: 1 - قوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) قال: على دِين. 2 - قوله تعالى: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) قال: بعد زمان. 3 - وقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ) قال: معلماً.

قال الله عز وجل: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (23)

قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - جواباً من جواب بعض من عَبَدَ غيره من هذا الصنف، فحكى جل ثناؤه عنهم قولهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) الآية. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) : انظر تفسير الآية / 22 من السورة نفسها (الآية السابقة) فلها متعلق بما ورد هنا. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه للُه: أعلم نبيه بما فرض من اتباع كتابه، فقال: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) الآية.

قال الله عز وجل: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون (44)

الأم (أيضاً) : سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وكذلك افترض - الله - عليه، قال الله - عزَّ وجلَّ -: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) . ففرض عليه الاستمساك بما أوحى إليه، وشهد له أنه على صراط مستقيم. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد رحمه الله، في قوله: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية. قال: يُقال: ممن الرجل؟ فيقال: من العرب، فيقال: من أي العرب؛ فيقال: من قريش. قال الشَّافِعِي - رحمه الله - وما قال مجاهد من هذا بيْن في الآية، مستغنى عنه بالتنزيل عن التفسير. الرسالة (أيضاً) : باب (البيان الخامس) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان مما عرَّف الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - إنعامه أن قال: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية. فخص قومه بالذكر معه بكتابه.

قال الله عز وجل: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون (86)

مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) : أخبرنا أبو طاهر (محمد بن محمد الفقيه) حدثنا أبو بكر (محمد بن عمر بن حفص) الزاهد، حدثنا حمدون السِّمسَار، حدثنا الأزرق بن علي، حدثنا حسان ابن إبراهيم الكَرْمَاني، حدثنا سفيان الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قَتَّة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله - عز وجل -: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) الآية. قال: شرف لك ولقومك. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) الأم: الخلاف في اليمين مع الشاهد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له - أي: للمحاور -: الشهادة على علمه أولى أن لا يشهد بها حتى يسمعها من المشهود عليه، أو يراها، أو اليمين. قال - أي: المحاور -: كل لا ينبغي إلا هكذا، وإن الشهادة لأَولاهما أن لا يشهد منها إلا على ما رأى، أو سمع. قلتُ: لأن اللَّه - عز وجل - حكى عن قوم أنهم قالوا: (وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا) وقال: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الآية. قال نعم.

الأم: (أيضاً) : باب (التحفظ في الشهادة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يسع شاهداً أن يشهد إلا بما عَلِمَ، والعلم من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة. الوجه الثاني: ومنها ما سمعه فيشهد ما أثبت سمعاً من المشهود عليه. الوجه الثالث: ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان. وتثبت معرفته في القلوب، فيشهد على هذا الوجه.

سورة الجاثية

سورة الجاثية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحى إليه) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) فأبان الله أن قد فرض على نبيه اتباع أمره، وشهد له بالبلاع عنه وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به تقرباً إلى الله بالإيمان به، وتوسلاً إليه بتصديق كلماته. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشافعى بمعاني أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم) : وقرأت - القول: للبيهقي - في كتاب أبي منصور الحمشاذي، أنبأنا أبو علي الماسَرْجسِي قال: أخبرنا أبو بكر (أحمد بن مسعود) ، قال: حدثنا يحيى بن أحمد بن أخي حرملة قال: حدثنا عمي قال:

قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقول عز وجل: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: إنَّما تأويله - واللَّه أعلم - أن العرب كان من شأنها أن تذمَّ الدهرَ، وتسبَّه عند المصائب التي تنزل بهم: من موت، أو هدم، أو تلف مال أو غير ذلك، وتسب الليل والنهار - وهما: الجديدان، والفتيان - ويقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، وأتى عليهم؛ فيجعلون الليل والنهار اللذين يفعلان ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا الدهر ... " الحديث. على أنه الذي يفعل بكم هذه الأشياء؛ فإنكم إن سببتم فاعل هذه الأشياء، فإنما تسبون اللَّه - عز وجل -، فإن اللَّه تعالى فاعل هذه الأشياء.

سورة الأحقاف

سورة الأحقاف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) الأم: كتاب: (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم مَنَّ اللَّه عليهم بما آتاهم من العلم، وأمرهم بالاقتصار عليه، وأن لا يتولوا غيره إلا بما علمهم، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) . أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) : أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع. أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) الآية.

سورة محمد

سورة محمد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ) الأم: أصل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله -: ولما مضت لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مدة من هجرته، أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً، فقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ) وذكر آيات أخرى في فرضية الجهاد. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه -. الشَّافِعِي - في قسم الفيء والغنيمة والصدقات: قال الشَّافِعِي رحمه الله ا: كل ما حصل - مما غُنِم من أهل دار الحرب - قُسِمَ كله، إلا الرجال البالغين، فالإمام فيهم بالخيار: بين أن يمنَّ على من رأى

منهم، أو يقنل، أو بفادكط، أو يسى - وسبيل ما سبى وما أخذ مما فادى، سبيل ما سواه من الغنيمة. واحتج - في القديم - بقول الله - عزَّ وجلَّ -: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) الآية. وذلك - في بيان اللغة - قبل انقطاع الحرب. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أسارى بدر، مَنَّ عليهم، وفداهم، والحرب بينه وبين قريش قائمة، وعرض على ثمامة بن أثال الحنفي وهو يومئذ وقومه - أهل اليمامة - حرب لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - - أن يمنَّ عليهم - وبسط الكلام فيه -. مناقب الشَّافِعِي (باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في الإيمان) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض - اللَّه - على اليدين: أن لا يبطش بهما إلى ما حرم اللَّه تعالى، وأن يبطش بهما إلى ما أمر اللَّه من الصدقة، وصلة الرحم، والجهاد في سبيل اللَّه، والطهور للصلوات، فقال في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى آخر الآية، وقال: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) الآية؛ لأن الضرب، والحرب، وصلة الرحم، والصدقة من علاجها.

قال الله عز وجل: (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم (11)

قال الله عزَّ وجلَّ: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بمعاني أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم) : أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلمي قال: أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب قال: حدثنا العباس بن يوسف الشكلي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشَّافِعِي يقول في معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، لعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه: "من كنت مولاه فعليٌّ مولاه" الحديث. يعني بذلك ولاء الإسلام، وذلك قول اللَّه تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) . وأما قول عمر بن الخطاب لعلي رضي الله عنهما: "أصبحت مولى كل مؤمن" الحديث. يقول: ولي كل مسلم.

قال الله عز وجل: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم (31)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) الرسالة: باب (كيف البيان؟) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومنه: ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه، وابتلى طاعتهم في الاجتهاد، كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم، فإنه يقول تبارك وتعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) الأم: الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله ولا سنة رسوله، ولقول اللَّه - عز وجل -: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية. وما لم أعلم فيه مخالفاً من أهل العلم، ثم ذلك موجود في قوله - صلى الله عليه وسلم - "إذا اجتهد"؛ لأن الاجتهاد ليس بعين قائمة، وإنما هو شيء يحدثه من قبل نفسه، فإذا كان هذا هكذا فكتاب اللَّه، والسنة، والإجماع أولى - به - من رأي نفسه.

ومن قال الاجتهاد أولى خالف الكتاب والسنة برأيه، ثم هو مثل القِبلَة التي من لثمهد مكة في موضع يمكنه رؤية البيت بالمعاينة، لم يجز له غير معاينتها، ومن غاب عنها توجه إليها باجتهاده. فإن قيل: فما الحجة في أنه ليس للحاكم أن يجتهد على غير كتاب ولا سنة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اجتهد الحاكم". وقال معاذ - رضي الله عنه -: (أجتهد رأيي" الحديث. ورضي بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - بأبي هو وأمي -، ولم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد على الكتاب والسنة؟ قيل: لقول الله - عز وجل - (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية. فجعل الناس تبعاً لهما، ثم لم يهملهم - ثم ذكر أدلة أخرى -.

سورة الفتح

سورة الفتح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) قال الله - عزَّ وجلَّ -: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) الأم: المهادنة على النظر للمسلمين: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قامت الحرب بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقريش، ثم أغارت سراياه على أهل نجد، حتى توقى الناس لقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خوفاً للحرب دونه من سراياه، وإعداد من يعدُّ له من عدوه بنجد، فمنعت منه قريش أهل تهامة، ومنع أهل نجد منه أهل نجد المشرق، ثم اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة، فسمعت به قريش فجمعت له، وجدَّت على منعه. ولهم جموع أكثر ممن خرج فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتداعوا الصلح، فهادنهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلى مدة، ولم يهادنهم على الأبد؛ لأن قتالهم حتى يسلموا فرض إذا قوي عليهم، وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين، ونزل عليه في سفره في أمرهم: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) الآية.

قال ابن شهاب: فما كان في الإسلام فتح أعظم منه، كانت الحرب قد أحرجت الناس، فلما أمنوا لم يتكلم في الإسلام أحد يعقل إلا قَبِلَهُ، فلقد أسلم في سنين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك. ثم نقض بعض قريش، ولم ينكر عليه غيره إنكاراً يعتد به عليه، ولم يعتزل داره، فغزاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح مخفياً لوجهه ليصيب منهم غِرَّة. الأم (أيضاً) : جماع الهدنة على أن يردَّ الإمام من جاء بلده مسلماً أو مشركاً: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - هادن قريشاً عام الحديبية على أن يأمن بعضهم بعضاً، وأن من جاء قريشاً من المسلمين مرتداً لم يردوه عليه، ومن جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة منهم رده عليهم، ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلماً إلى غير المدينة في بلاد الإسلام والشرك، وإن كان قادراً عليه، ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئاً من هذا الشرط، وذكروا أنه أنزل عليه في مهادنتهم: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) الآية. فقال بعض المفسرين: قضينا لك قضاء مبيناً. فتم الصلح بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل مكة على هذا. أحكام القرآن: فصل: (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) أخبرنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع:

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) . ثم أنزل اللَّه - عز وجل - على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: أن غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يعني - واللَّه أعلم -: ما تقدم من ذنبه قبل الوحي وما تأخر: أن يعصمه فلا يذنب، يعلم اللَّه ما يفعل به من رضاه وأنه أول شافع وأول مشفع يوم القيامة وسيد الخلائق. وسمعت أبا عبد اللَّه محمد بن إبراهيم بن عبد أن الكَرْماني يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن أبي إسماعيل العلوي (ببخاراء) . يقول: سمعت أحمد بن محمد بن حسان المصري (بمكة) يقول: سمعت المزني يقول: سئل الشَّافِعِي عن قول اللَّه - عز وجل -: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) الآيتان. قال: معناه، (مَا تَقَدَّمَ) : من ذنب أبيك آدم وهبته لك. (وَمَا تَأَخَّرَ) : من ذنوب أمتك، أدخلهم الجنة بشفاعتك. قال الشيخ رحمه اللَّه: وهذا قول مستظرف، والذي وضعه الشَّافِعِي - في تصنيفه - أصح الروايتين، وأشبه بظاهر الرواية - واللَّه أعلم -.

قال الله عز وجل: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (10)

قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) الرسالة: باب (ما أمر الله من طاعة رسول الله) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله جل ثناره: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) . فأعلمهم أن بيعتهم رسوله بيعته، وكذلك أعلمهم أن طاعتهم طاعته. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الأم: باب (الإحصار بالعدو) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: والحديبية: موضع من الأرض منه ما هو في الحل. ومنه ما هو في الحرم، فإنما نحر الهدى عندنا في الحل، وفيه مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

قال الله عز وجل: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم)

الذي بويع فيه تحت الشجرة، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الآية. فبهذا كله نقول: فنقول من أحصر بعدو حل حيث يُحبس، في حل كان أو حرم، ونحر أو ذبح هدياً، وأقل ما يذبح شاة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) الأم: حال المسلمين يقاتلون العدو وفيهم أطفالهم: قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا حصر المسلمون عدوهم، فقام العدو على سورهم معهم أطفال المسلمين يتترسون بهم، قال: يردونهم بالنبل والمنجنيق، يعمدون بذلك أهل الحرب، ولا يتعمدون بذلك أطفال المسلمين. قال الأوزاعي رحمه الله: يكف المسلمون عن رميهم، فإن برز أحد منهم رموه، فإن اللَّه - عز وجل يقول: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) حتى فرغ من الآية، فكيف يرمي المسلمون من لا يرمون من المشركين. قال أبو يوسف رحمه الله: تأول الأوزاعي هذه الآية في غير - موضعها -. ولو كان يحرم رمى المشركين وقتالهم إذا كان معهم أطفال المسلمين لحرم ذلك أيضاً منهم إذا كان معهم أطفالهم ونساؤهم، فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والأطفال والصبيان، وفد حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف، وأهل خيبر، وقريظة، والنضير، وأجلب المسلمون عليهم - فيما بلغنا - أشد ما قدروا

عليه، وبلغنا أنه نصب على أهل الطائف المنجنيق. فلو كان يجب على المسلمين الكفُّ عن المشركين إذا كان في ميدانهم الأطفال لنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتلهم ولم يقاتلوا. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أما ما احتج به من قتل المشركين وفيهم الأطفال والنساء والرهبان، ومن نهي عن قتله، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغار على بني المصطلق غازين في نعَمِهِم، وسئل عن أهل الدار يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم. فقال: هم منهم، يعني - صلى الله عليه وسلم -: أن الدار مباحة؛ لأنها دار شرك، وقتال المشركين مباحٌ. الأم (أيضاً) : الإحصار: قال الشَّافِعِي رحمه الله: الإحصار الذي ذكره اللَّه تبارك وتعالى فقال: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) . نزلت يوم الحديبية، وأحصر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدو، ونحر عليه الصلاة والسلام في الحل، وفد قيل نحر في الحرم، وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل، وبعضها في الحرم؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ يقول: (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) والحرام كله محله عند أهل العلم، فحيثما أحصر الرجل، قريباً كان أو بعيداً، بعدو حائل - مسلم أو كافر - وقد أحرم، ذبح شاة وحل، ولا قضاء عليه، إلا أن يكون حَجُّه حجة الإسلام فيحجها، وهكذا السلطان إن حبسه في سجن أو غيره، وهكذا العبد يحرم بغير إذن سيده، وكذلك المرأة تحرم بغير إذن زوجها؛

لأن لهما أن يحبساهما، وليس هذا للوالد على الولد، ولا للولي على المولى عليه. ولو تأنى الذي أحصر رجاء أن يُخلَّى، كان أحبَّ إليَّ. .. الأم (أيضاً) : باب (الإحصار بالعدو) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: والقرآن يدل على أن هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ الحرم. فإن قال: وأين ذلك؟ قلت: قال اللَّه - عز وجل -: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) الآية. فإن قال قائل: فإن اللَّه - عز وجل - يقول: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ؟ قلت: - الله أعلم بمحله هاهنا يشبه أن يكون إذا أحصر، - تَمَّ - نحره حيث أحصر كما وصفت، ومحله في غير الإحصار الحرم، وهو كلام عربي واسع. وخالفنا بعض الناس فقال: المحصر بالعدو والمرض سواء، وعليهما القضاء، ولهما الخروج من الإحرام. - واحتج قائلاً -: ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة القصاص. فقيل لبعض من قال هذا القول؛ إن لسان العرب واسع، فهي تقول: اقتضيت ما صنع بي، واقتصصت ماصنع بي، فبلغت ما منعت مما يجب لي. وما لا يجب على أن أبلغه وإن وجب لي. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة القصاص، وعمرة القضية، أن اللَّه - عز وجل - اقتصَّ لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليهم كما منعوه، لا على أن ذلك وجب عليه.

قال الله عز وجل: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين)

الزاهر باب (الاعتكاف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأصل الاعتكاف: الإقامة في المسجد والاحتباس. يقال: عَكَفْتُهُ فعَكَفَ، واعتكف، أي: حبسته فاحتبس. والعاكف والمعتكف واحد، قال اللَّه - عز وجل -: (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُو) الآية. أي: ممنوعاً محبوساً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) الأم: باب (دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة) قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويحكى أن النبيين كانوا يحجون، فإذا أتوا الحرم مشوا إعظاماً له ومشوا حفاة، ولم يحك لنا عن أحد من النبيين، ولا الأمم الخالية، أنه جاء أحد البيت قط إلا حراماً، ولم يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة علمناه إلا حراماً إلا في حرب الفتح، فبهذا قلنا: إن سنة الله تعالى في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حراماً، وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا: فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرماً بحج أو عمرة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا أحسبهم قالوه إلا بما وصفت، وأن الله تعالى ذكر وجه دخول الحرم فقال: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) الآية.

قال الله عز وجل: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فدل على وجه دخوله للنسك وفي الأمن، وعلى رخصة اللَّه في الحرب وعفوه فيه عن النسك، وأن فيه دلالة على الفرق بين من يدخل مكة وغيرها من البلدان، وذلك أن جميع البلدان تستوي، لأنها لا تدخَل بإحرام، وإن مكة تنفرد بأن من دخلها منتاباً لها لم يدخلها إلا بإحرام. قال الشَّافِعِي رحمه الله: إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين، ومن مدخله إياها لمنافع أهلها، والكسب لنفسه، ورأيت أحسن ما يحمل عليه هذا القول إلى: أن انتياب هؤلاء مكة انتياب كسب لا انتياب تبرر، وأن ذلك متتابع كثير متصل فكانوا بشبهون المقيمين فيها، ولعل حطابيهم كانوا مماليك غير مأذون لهم بالتشاغل بالنسك. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) الأم: كتاب (الجزية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم اصطفى اللَّه - عز وجل - سيدنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - من خير آل إبراهيم، وأنزل كتبه قبل إنزاله الفرقان على محمد - صلى الله عليه وسلم - بصفة فضيتله، وفضيلة من اتبعه به، فقال - عز وجل -: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا) الآية.

سورة الحجرات

سورة الحجرات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) الزاهر باب (الشهيد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: (ويضع ياسرة السرير المُقَدِّمَة) وإن شئت المُقَدَّمَة فمن قال: المقدِّمة، معناه: المتقدمة. ومنه قوله - عز وجل -: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) أي: لا تتقدموا: يقال: قدَّم، وتقدَّم، واستقدَم: بمعنى واحد. ومُقَدِّمة الجيش: بكسر الدال من هذا. ومن قال المقدَّمة: أراد التي قُدِّمت. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن الله تبارك وتعالى لِما خص به رسوله من وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه؛ بالفرض على خلقه بطاعته

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا)

في غير آية من كتابه - ومنها - وقال: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الأم: باب (التثبت في الحكم وغيره) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمر اللَّه من يمضي أمره على أحد من عباده، أن يكون مستبيناً قبل أن يمضيه. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في خروجه إلى اليمن ومقامه بها، تم في حمله من اليمن إلى هارون) : قال البيهقي رحمه الله: واتصل الخبر بالرشيد أن الشَّافِعِي يريد أن يخرج بأرض اليمن علوياً - وكان الخبر باطلاً - فغضب الرشيد، ثم أرسل إليه فحمله، وحُمِلَ معه بضعة عشر رجلاً، وذكر الحديث في إظهار محمد بن الحسن العناية في شأنه، وأنه لم ينفعه ذلك.

قال الله عز وجل: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله

وقتل - الرشيد - منهم تسعة، ثم أُدخِل الشَّافِعِي، فلما واجه الرشيد قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) . فقال الرشيد: أو ليس الأمر كما قيل فيك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، وهل في الأرض علوي إلا وهو يظن أن الناس عبيد له؟ فكيف أخرج رجلاً يريد أن يجعلني له عبداً، وأغدر بسادات بني عبد مناف وأنا منهم وهم مني؟ فسكن غضب الرشيد. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) . الأم: كتاب (قتال أهل البغي وأهل الردة) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) .

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر اللَّه - عز وجل - اقتتال الطائفتين. والطائفتان المتنعتان: الجماعتان كل واحدة ممتنع أشد الامتناع، أو أضعف إذا لزمها اسم الامتناع، وسماهم اللَّه تعالى المؤمنين، وأمر بالإصلاح بينهم، فحق على كل أحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال، أن لا يُقاتلوا حتى يُدعَوا إلى الصلح. وبذلك قلت: لا يُبيَّتُ أهل البغي قبل دعائهم؛ لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله - عزَّ وجلَّ قبل القتال، وأمر اللَّه - عز وجل - بقتال الفئة الباغية، وهي مسماة باسم الإيمان، حتى تفيء إلى أمر اللَّه، فإن فاءت لم يكن لأحد قتالها؛ لأن اللَّه - عز وجل - إنما أذن في قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والفيء: الرجعة عن القتال بالهزيمة، أو التوبة وغيرها، وأي حال ترك به القتال فقد فاء. والفيء: بالرجوع عن القتال، الرجوع عن معصية اللَّه تعالى ذكره إلى طاعته، في الكف عما حرم اللَّه - عز وجل -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال أبو ذؤيب يعيِّر نفراً من قومه انهزموا عن رجل من أهله في وقعة فقتل: لا ينسَأُ اللَّه منا مَعشراً شَهدوا ... يوم الأمَيلِح لا غابوا ولا جَرَحُوا عَفوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاؤوا وقالوا حبذا الوَضَحُ قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأمر اللَّه تعالى إن فاؤوا أن يُصلح بينهما بالعدل. ولم يذكر تباعة في دم ولا مال، وإنما ذكر اللَّه تعالى الصلح آخراً، كما ذكر الإصلاح بينهم أولاً قبل الإذن بقتالهم: فأشبه هذا - واللَّه تعالى أعلم - أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد يحتمل قول الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) الآية. أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم فيعطى بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عزَّ وجلَّ: (بِالْعَدْلِ) . والعدل: أخذ الحق لبعض الناس من بعض. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنما ذهبنا إلى أن القَوَدَ ساقط، والآية تحتمل المعنيين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مُطرف بن مازن، عن معمر بن راشد، عن الزُّهري قال: أدركت الفتنة الأولى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت فيها دماء وأموال، فلم يُقتص فيها من دم ولا مال ولا قَرْح أصيب بوجه التأويل، إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا كما قال الزهري عندنا، قد كانت في تلك الفتنة دماء يُعرف في بعضها القاتل والمقتول، وأتلفت فيها أموال، ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم، فما علمته اقتص أحد من أحد، ولا غَرِم له مالاً أتلفه، ولا علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدت قول اللَّه تعالى قال: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) فذكر الله - عزَّ وجلَّ قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما،

فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله - عزَّ وجلَّ - في القصاص، وأزلناه في المتأولين الممتنعين، ورأينا أن المعني بالقصاص من المسلمين هو من لم يكن ممتنعاً متأولاً، فأمضينا الحكمين على ما أمضينا عليه. وقلت له - أي: للمحاور -: علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ولي قتال المتأولين، فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل، وقَتَلَه ابن ملجم متأولاً، فأمر بحبسه، وقال لولده: إن قتلتم فلا تمثلوا، ورأى له القتل، وقتله الحسن بن علي رضي الله عنهما، وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نعلم أحداً أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن يقتل؛ إذ لم يكن له جماعة يمتنع بمثلها، ولم يَقُد علي وأبو بكر - رضي الله عنهما - قبله ولي من قتلتهُ الجماعة الممتنع بمثلها على التأويل كما وصفنا، ولا على الكفر. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال. وليس في ذلك إباحة أموالهم، ولا شيء منها، وأما قطاع الطريق، ومن قتل على غير تأويل فسواء جاعة كانوا أو وحداناً يقتلون حداً وبالقصاص بحكم الله - عزَّ وجلَّ في القتلة، وفي المحاربين. الأم (أيضاً) : باب (الحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغي) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فإذا دُعِي أهل البغي، فامتنعوا من الإجابة فقوتلوا، فالسيرة فيهم مخالفة للسيرة في أهل الشرك، وذلك بأن الله - عزَّ وجلَّ حرَّم ثم رسوله دماء المسلمين، إلا بما بيَّن الله تبارك وتعالى ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإنما أبيح قتال أهل البغي ما كانوا يقاتلون، وهم لا يكونون مقاتلين أبداً إلا مقبلين، ممتنعين، مريدين، فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التي أبيح بها قتالهم، وهم لا يخرجون منها أبداً، إلا إلى أن تكون دماؤهم محرمة كهي قبل يحدثون، وذلك بيِّنٌ عندي في كتاب

الله - عز وجل -، قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قاتلت المرأة، أو العبد مع أهل البغي. والغلام المراهق، فهم مثلهم يقاتلون مقبلين، ويتركون مولين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويختلفون في الأسارى، فلو أسِر البالغ من الرجال الأحرار، فحُبسَ ليبايع رجوت أن يسع ولا يحبس مملوك، ولا غير بالغ من الأحرار، ولا امرأة لتبايع، وإنما يبايع النساء على الإسلام، فأما على الطاعة: فهن لا جهاد عليهن، وكيف يبايعن والبيعة على المسلمين المولودين في الإسلام، إنما هي على الجهاد. أماً إذا انقضت الحرب فلا أرى أن يُحبس أسيرهم، ولو قال أهل البغي: أنظرونا ننظر في أمرنا، لم أرَ بأساً أن ينظروا. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو قالوا: أنظرونا مدة، رأيت أن يجتهد الإمام فيه. الأم (أيضاً) : الخلاف في قتال أهل البغي: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال - أي: المحاور - فكيف يجوز قتلهم مقبلين. ولا يجوز مدبرين؟ قلت: بما قلنا من أن اللَّه - عز وجل - إنَّما أذن بقتالهم إذا كانوا باغين، قال الله تبارك وتعالى: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) الآية، وإنَّما يُقاتل من يُقاتِل، فأما من لا يقاتل، فإنما يقال: اقتلوه، لا فقاتلوه، ولو كان فيما احتججت به من هذا حجة كانت عليك، لأنك تقول: لا تقتلون مدبراً ولا أسيراً ولا جريحاً إذا انهزم عسكرهم، ولم تكن لهم فئة. قال: قلته اتباعاً لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

قال الله عز وجل: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم)

الزاهر باب (قتال أهل البغي) دْكر الشَّافِعِي رحمه الله: - في المختصر - قول اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية. قال - اللَّه تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ) ثم قال: (اقْتَتَلُوا) ولم يقل: اقتتلتا. ولو قاله لكان جائزاً؛ لأن كل طائفة منهما جماعة. وقول اللَّه تعالى: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى) الآية، أي: اعتدت وجارت. والبغي: الظلم. والباغية: التي تعدل عن الحق، وما عليه أئمة المسلمين وجماعتهم: يقال: بغى الجرح: إذا ترامى في الفساد. وبغت المرأة: إذا فجرت. والبَغِيُّ: الفاجرة. وقوله -: (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) الآية، أي: ترجع إلى أمر الله تعالى. وقوله تعالى: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الآية، أي: اعدلوا. يقال: أقسط فهو مقسط: إذا عدل. وقسط فهو قاسط: إذا جار. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) الأم: من لا قصاص بينه لاختلاف الدينين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: جعل - اللَّه تعالى - الأخوة بين المؤمنين - بابتداء الآية - فقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الآية، وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين، ودلَّت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مثل ظاهر الآية.

قال الله عز وجل: (ولا تجسسوا)

الأم (أيضاً) : شهادة أهل العصبية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الآية، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وكونوا عباد الله إخواناً" الحديث. فإذا صار رجل إلى خلاف أمر الله تبارك وتعالى اسمه، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا سبب يعذر به يخرج به من العصبية، كان مقيماً على معصية لا تأويل فيها، ولا اختلاف بين المسلمين فيها، ومن أقام على مثل هذا كان حقيقاً أن يكون مردود الشهادة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَجَسَّسُوا) الأم: باب (الوصية للوارث) : قال الشَّافِعِي رحمه الله اً وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيها الناس قد آنَ لكم أن تنتهوا عن محارم الله تعالى، فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله" الحديث. فأخبرهم أنه لا يكشفهم عما لا يبدون من أنفسهم، وأنهم إذا أبدوا ما فيه الحق عليهم

قال الله عز وجل: (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)

أخذوا بدْلك، وبذلك أمر اللَّه تعالى ذكره فقال: (وَلَا تَجَسَّسُوا) الآية، وبذلك أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا للإمام إذا رمى رجل رجلاً بزنا أو حد أن يبعث إليه، ويسأله عن ذلك؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَلَا تَجَسَّسُوا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن شبه على أحد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أنيساً إلى امرأة رجل فقال: "فإن اعترفت فارجمها" الحديث. فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت، فكان يلزمه - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل، فإن أقرَّت حُدَّت، وسقط الحد عن قاذفها. وإن أنكرت حُدَّ قاذفها. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الأم: باب (تقويم الناس في الديوان على منازلهم) : قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية، وروي عن الزهري، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرَّف عام حنين على كل عشرة عَريِفاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - للمهاجرين شعاراً، وللأوس شعاراً، وللخزرج شعاراً، وعقد النبي - صلى الله عليه وسلم - الألوية عام الفتح، فعقد للقبائل قبيلة

قبيلة، حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله، وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها، وتخف المؤنة عليهم باجتماعهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا غير واحد من أهل العلم من قبائل قريش. أن عمر بن الخطاب لما كثر المال في زمانه، أجمع على تدوين الديوان، فاستشار فقال بمن ترون أبدأُ؛ فقال له رجل ابدأ بالأقرب فالأقرب بك، قال: ذكرتموني أبداً بالأقرب فالأقرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبدأ ببني هاشم، - ثم فصَّل في هذا الموضوع -. الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية. فكل نفس مخلوقة من ذكر وأنثى، فهذا عام يراد به العام، وفيه الخصوص، وقال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية. فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم. الرسالة: باب (ما أنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية. فأما

العموم منها ففي قول اللَّه: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية، فكل نفس خوطبت بهذا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبله وبعده، مخلوقة من ذكر وأنثى، وكلها شعوب وقبائل. والخاص منها في قول اللَّه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية. لأن التقوى إنما تكون على من عَقَلَها، وكان من أهلها من البالغين من بني آدم، دون المخلوقين من الدوابّ سواهم، ودون المغلوبين على عقولهم منهم، والأطفال الذين لم يبلغوا وَعُقِلَ التقوى منهم، فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها، وكان من أهلها، أو خالفها فكان من غير أهلها. والكتاب يدل على ما وصفت، وفي السنة دلالة عليها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يُفيق" الحديث. الزاهر باب (الغنيمة والفيء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية. أما الشعوب والقبائل فقد تقدم تفسيرها. والمعنى: إنا خلقناكم من آدم وحواء، وكلكم بنو أب وأم واحدة، إليها ترجعون في أنسابكم.

قال الله عز وجل: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)

ثم قال: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) الآية، يقول: لم نجعلكم كذلك لتتفاخروا بآبائكم الذين مضوا في الشعوب والقبائل، وإنَّما جعلناكم كذلك لتعارفوا. أي: ليعرف بعضكم بعضاً، وقرابته منكم وتوارثكم بتلك القرابة، ولما لكم في معرفة القبائل من المصالح في معاقلكم. ثم قال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الآية. أي: إن أرفعكم منزلة عند اللَّه أتقاكم، وفي هذه الآية نهي عن التفاخر بالنسب، وحضٌّ على معرفته ليستعان به على حيازة المواريث، ومعرفة العواقل في الديات - واللَّه أعلم -. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) الأم: تكلف الحجة على قائل القول الأول، وعلى من قال: أقبل إظهار التوبة إذا كان رجع إلى دين يظهره. . .: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبر اللَّه - عز وجل - عن قوم من الأعراب: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فأعلم أنه لم يدخل الإيمان في قلوبهم وأنهم أظهروه، وحقن به دماءهم. قال مجاهد رحمه اللَّه: في قوله: (أَسْلَمْنَا قال: أسلمنا مخافة القتل والسِّباء.

الأم (أيضاً) كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم أطلع اللَّه رسوله على قوم يُظهرون الإسلام وُيسرون غيره، ولم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام، ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا، فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أسلمنا يعني: أسلمنا بالقول بالإيمان مخافة القتل والسباء، ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا اللَّه ورسوله، يعني: إن أحدثوا طاعة رسوله) - صلى الله عليه وسلم -.

سورة ق

سورة ق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) الأم: القراءة في الخطبة: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: حدثني عبد اللَّه ابن أبي بكر، عن حبيب بن عبد الرحمن بن إساف، عن أم هشام بنت حارثة ابن النعمان، أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بـ: (ق) وهو يخطب على المنبر يوم الجمعة، وأنها لم تحفظها إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وهو على المنبر. من كثرة ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها يوم الجمعة على المنبر. الأم (أيضاً) : القراءة في العيدين: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر؟ فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

قال الله عز وجل: (ونزلنا من السماء ماء مباركا)

يقرأ به: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الآية، و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) . قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فأحبُّ أن يقرأ في العيدين، في الركعة الأولى ب: (ق) وفي الركعة الثانية بـ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) وكذلك أحب أن يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من الاستسقاء: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) الآية، أحببتُ ذلك. الأم (أيضاً) : باب (القراءة في العيدين والجمعة) : سألت الشَّافِعِي باي شيء تحب أن يُقرأ في العيدين فقال: بـ: (ق) . و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد إيراد حدبث أبي واقد الليثي -: فقلت - أي: قال الربيع بن سليمان - للشافعي فإنا لا نبالي بأي سورة قرأ. فقال - الشَّافِعِي رحمه اللَّه -: ولم لا تبالون وهذه روايتكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقلت: لأنه يجزيه. . . إلى أن قال: ينبغي أن تستحبوا ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكل حال. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا) الأم: البروز للمطر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَتَمَطر في أول مطرة حتى يصيب جسده. وروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن السماء أمطرت، فقال

قال الله عز وجل: (والنخل باسقات لها طلع نضيد (10)

لغلامه: أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر، فقال أبو الجوزاء لابن عباسٍ رضي الله عنهما: لم تفعل هذا يرحمك اللَّه؛ فقال: أما تقرأ كتاب اللَّه: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا) الآية. فأحبُّ أن تصيب البركة فراشي ورحلي. أخبرنا إبراهيم، عن ابن حرملة، عن ابن المسيب رحمه الله، أنه رآه في المسجد، ومطرت السماء، وهو في السقاية، فخرج إلى رحبة المسجد، ثم كشف عن ظهره للمطر حتى أصابه، ثم رجع إلى مجلسه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) مختصرالمزني: باب (القراءة في الصلاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن زياد بن علاقة، عن عمه، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصبح يقرأ: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: يعني بـ: (ق) الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأعلم - اللَّه تعالى - عباده مع ما أقام عليهم من الحجة، بأن ليس كمثله أحد في شيء، أن علمه بالسر والعلائنة واحد، فقال

تعالى ذكره: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) الآية.

سورة الذاريات

سورة الذاريات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والمطر: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني من لا أتهم قال: حدثنا العلاء بن راشد. عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه وقال: "اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما في كتاب الله عزَّ وجلَّ: (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) الآية. وذكر آيات أخرى في هذا الباب. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الأم: كتاب الجزية: أخبرنا الربيع بن سليمان قال:

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال الله تبارك وتعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: خلق الله تعالى الخلق لعبادته.

سورة الطور

سورة الطور بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الأم: باب (تفريع حج الصبي والمملوك) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: فما الحجة أن للصبي حجاً، ولم يكتب عليه فرضه؟ قيل: إن اللَّه بفضل نعمته أناب الناس على الأعمال أضعافها، ومَن على المؤمنين بأن ألحقَ بهم ذرياتهم، ووفر عليهم أعمالهم. فقال: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية. فلما مَنَّ على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل، كان أن من عليهم بأن بكتب لهم عمل البر في الحج، وإن لم يجب عليهم من ذلك المعنى - ثم ذكر دليلاً حديث المرأة التي رفعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - صبياً - فقالت: يا رسول ألهذا حج؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، ولَكِ أجر " الحديث -.

ترتيب مسند الشافعى: الباب السادس (في صفة الصلاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير ابن مطعم، عن أبيه أنه قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ بالطور في المغرب" الحديث.

سورة النجم

سورة النجم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي ذئب، عن الحرث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن، عن ثوبان، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قرأ بالنجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين" الحديث. قال: أرادا الشهرة. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي ذئب، عن يزيد، عن عبد اللَّه بن قسيط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: "أنه قرأ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنجم فلم يسجد فيها" الحديث. وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن ليس بحتم، ولكنا نحب أن لا يترك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في النجم وترك.

حدثنا الربيع بن سليمان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي النجم سجدة، ولا أحب أن يدع شيئاً من سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه، لأنه ليس بفرض. قال الشَّافِعِي رحمه الله: يرد على من زعم أن لا سجود في المفصل إجماعاً -؛ رويتم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنه سجد في النجم"، ثم لا تروون عن غيره خلافه. الأم (أيضاً) : سجود القرآن: أخبرنا الربيع قال: أخبرني الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن زر، عن علي رضي اللَّه تعالى عنه قال: عزائم السجود (الم (1) تَنْزِيلُ) و (حم (1) تَنْزِيلٌ) و (النجم) الآية، و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه. الأم (أيضاً) : باب (سجود القرآن) : وقال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن الأعرج أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قرأ: " (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) فسجد فيها ثم قام، فقرأ بسورة أخرى" الحديث.

قال الله عز وجل: (أم لم ينبأ بما في صحف موسى (36) وإبراهيم الذي وفى (37) ألا تزر وازرة وزر أخرى (38)

قال الله عزَّ وجلَّ: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) الأم: من يلحق بأهل الكتاب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة، أهل التوراة من اليهود، والإنجيل من النصارى، وكانوا من بني إسرائيل، وأحطنا أن الله - عز وجل - أنزل كتباً غير التوراة، والإنجيل، والفرقان، قال الله عزَّ وجلَّ: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) . فأخبر - اللَّه تعالى - أنَّ لأبراهيم صحفاً. الأم (أيضاً) : الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والكتابان المعروفان التوراة والإنجيل ولله كتب سواهما، قال - أي: المحاور - وما دل على ما قلت؟ قلت: قال اللَّه - عز وجل -: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) . الآيتان. فالتوراة كتاب موسى، والإنجيل كتاب عيسى، والصحف كتاب إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام - ما لم تعرفه العامة من العرب.

الأم (أيضاً) : باب (أخذ الولي بالولي) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن أبجر، عن أبان ابن لقيط، عن أبي رمثة، قال: دخلت مع أبي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: من هذا؟ " قال: ابني يا رسول اللَّه أشهد به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن أوس، قال: كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال اللَّه - عز وجل -: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) . الآيتان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والذي سمعت - واللَّه أعلم - في قول الله تعالى: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية. أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره، وذلك في بدنه دون ماله، وإن قتل أو كان حداً لم يقتل به غيره، ولم يؤخذ، ولم يحد بذنبه فيما بينه وبين اللَّه تعالى؛ لأن الله جل وعز إنما جعل جزاء العباد على أعمال أنفسهم، وعاقبهم عليها، وكذلك أموالهم لا يجني أحد على أحد في ماله، إلا حيث خصَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن جناية الخطأ من الحر على الآدميين على عاقلته، فأما ما سواهما فأموالهم ممنوعة من

أن تؤخذ بجناية غيرهم. وعليهم في أموالهم حقوق سوى هذا من ضيافة وزكاة وغير ذلك، و - ذلك - ليس من وجه الجناية. الأم (أيضاً) : الفداء بالأساوى: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف " الحديث. إنما هو أن المأخوذ مشرك، مباح الدم والمال، لشركه من جميع جهاته. والعفو عنه مباح، فلما كان هكذا لم ينكر أن يقول: أخذتَ، أي: حُبستَ بجريرة حلفائكم ثقيف، ويحبسه بذلك ليصير إلى أن يخلوا من أراد، ويصيروا إلى ما أراد. قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وقد غلط بهذا بعض من يشدد الولاية فقال: يؤخذ الولي - بالولي - من المسلمين، وهذا مشرك يحل أن يؤخذ بكل جهة. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجلين مسلمين: "هذا ابنك؟ " قال: نعم، قال: "أما إنه لا يجني عليك ولا تجنى عليه" الحديث، وقضى الله عزَّ وجلَّ: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية. ولما كان حبس هذا حلالاً بغير جناية غيره، وإرسأله مباحاً. كان جائزاً أن يحبس بجناية غيره؛ لاستحقاقه ذلك بنفسه، ويخلى تطوعاً إذا نال به بعض ما يحب حابسه. مختصر المزني: باب (في المرور بين يدي المصلي) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قيل: - أي: المحاور - فما يدل عليه من كتاب الله من هذا؟ قيل: قضاء اللَّه (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية - والله أعلم - أنه لا يبطل عمل رجل عمل غيره، وأن يكون سعى كل لنفسه وعليها، فلما كان هذا هكذا، لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة غيره.

قال الله عز وجل: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) الأم: المشي إلى الجمعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومعقول أن السعي في هذا الموضع: العمل قال اللَّه - عز وجل -: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) . وقال: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال زهير: سعى بعدهُمَ قومٌ لكي يُدْركُوهُمُ ... فلم يَفْعَلُوا ولم يُلِيمُوا ولم يَألُوا مختصر المزني: مقدمه اختلاف الحديث: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاور - قد روينا ورويت أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة أن تحج عن أبيها، ورجلاً أن يحج عن أبيه، فقلنا نحن وأنت به، وقلنا نحن وأنت معاً: لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، ولا يصلي أحد عن أحد، فذهب بعض أصحابنا إلى أنَّ ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: لا يحج أحد عن أحد، أفرأيت إن احتج له أحد ممن خالفنا فيه؟ فقال: الحج عمل على البدن كالصلاة والصوم، فلا يجوز أن يعمله المرء إلا عن نفسه، وتأول قول اللَّه - عز وجل -: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) الآية. وقال السعي: العمل، والمحجوج عنه غير عامل، فهل الحجة عليه إلا أن الذي روى هذا الحديث محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛

قال الله عز وجل: (وأنه هو أضحك وأبكى (43)

ممن يثبت أهل الحديث حديثه، وأن اللَّه فرض طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ليس لأحد خلافه، ولا التأول معه؛ لأنه المنزل عليه الكتاب المبين عن اللَّه معناه. مختصر المزني (أيضاً) (باب (في بكاء الحي على الميت) بعد أن ذكر حديث عمر رضي اللَّه عنه: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه الحديث. وَرَد أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما روت عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له أشبه أن يكون محفوظاً عنه، بدلالة الكتاب ثم السنة. فإن قيل: فأين دلالة الكتاب؟ قيل في قوله - عز وجل - (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) الآية. وذكر غيرها من الآيات المتعلقة بالموضوع وحديث: "إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) مختصر المزني: باب (في بكاء الحي على الميت) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما مات عمر - رضي الله عنه - ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر، لا واللَّه ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن اللَّه يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه

قال الله عز وجل: (وأنتم سامدون (61)

فقالت عائشة رضي الله عنها حسبكم القرآن: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما عند ذلك. واللَّه - قال: (أَضْحَكَ وَأَبْكَى) الآية. قال ابن مليكة: فوالله ما قال ابن عمر من شيء. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) أحكام القرآن: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في آيات متفرقة) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرني أبو عبد الله (أحمد بن محمد بن مهدي الطوسي) ، أخبرنا محمد بن النذر بن سعيد، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشَّافِعِي يقرل: في قول اللَّه - عز وجل -: (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ) الآية، قال: يقال: هو الغناء، بالحميرية. وقال بعضهم: غضاب مبرطِمُون. قال الشَّافِعِي رحمه الله: من السمود، وكل ما يحدِّث الرجل به: فَلَهَا عنه، ولم يستمع إليه فهو: السُّمُود.

قال الله عز وجل: (فاسجدوا لله واعبدوا (62)

قال الله عزَّ وجلَّ: (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62) الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي النجم سجدة. . . ثم يقول -: فأحب أن يبدأ الذي يقرأ السجدة فيسجد، وأن يسجد من سمعه. فإن قال قائل: فلعل أحد هذين الحديثين نسخ الآخر؟ قيل: فلا يدعي أحد أن السجود في النجم منسوخ إلا جاز لأحد أن يدعي أن ترك السجود منسوخ، والسجود ناسخ، ثم يكون أولى؛ لأن السنة السجود، لقول اللَّه جل وعز: (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) ولا يقال لواحد من هذا ناسخ ولا منسوخ، ولكن يقال هذا اختلاف من جهة المباح. مختصر المزني: باب (سجود القرآن) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأما حديث زيد أنه قرأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: (النجم) فلم يسجد، فهو - والله أعلم - أن زيداً لم يسجد وهو القارئ، فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن عليه فرضاً فيأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - به. حدثنا الربيع:

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رجلاً قرأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: (السجدة) فسجد، فسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد، فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله قرأ فلان عندك: (السجدة) فسجدت، وقرأت عندك (السجدة) فلم تسجد؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كنت إماماً فلو سجدت سجدت معك" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: إني لأحسبه زيد بن ثابت؛ لأنه يحكى أنه قرأ عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: (النجم) فلم يسجد، وإنما روى الحديثين معاً، عطاء بن يسار. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحب أن يبدأ الذي يقرأ: (السجدة) فيسجد. ويسجدوا معه. فإن قال قائل فلعل أحد هذين الحديثين. . . إلخ - ثم كمل ما ورد في الفقرة الأولى حرفياً -.

سورة القمر

سورة القمر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) الأم: القراءة في العيدين: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال، أخبرنا مالك بن أنس، عن ضَمرة بن سعيد المازني. عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد اللَّه، أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر؛ فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بـ: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الآية، و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأحبّ أن يُقرأ في العيدين في الركعة الأولى ب: (ق) ، وفي الركعة الثانية ب: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) الآية. وكذلك أحب أن

قال الله عز وجل: (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر (19)

يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من الاستسقاء: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) أحببتُ ذلك. الأم (أيضاً) : باب (القراءة في العيدين والجمعة) قال الربيع: سألت الشَّافِعِي رحمه الله: بأي شيء تحب أن يقرأ في العيدين؟ فقال بـ: (ق) و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) الأم: القول في الإنصات عند رؤية السحاب والريح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرني من لا أتهم قال، حدثنا العلاء بن راشد. عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ما هبت ريح إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه وقال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال ابن عباس رضي الله عنهما في كتاب اللَّه - عز وجل -: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) الآية.

سورة الواقعة

سورة الواقعة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) الزاهر باب (اللعان) : قال - الشَّافِعِي رحمه الله: وقول اللَّه - عز وجل -: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) الآية، أراد - واللَّه أعلم - وذوات فرش مرفوعة، والدليل على ذلك قول اللَّه - عز وجل -: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) . أراد إنا أنشأنا ذوات الفرش المرفوعة التي تقدم ذكرها. قال الأزهري: - وعلى هذا التفسير يكون -: قوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر" الحديث. أي: الزاني الذي ليس بصاحب الفراش الخيبة، لا شيء له من الولد، وليس معنى الحجر: الرجم، وإنما هو كقولهم: له التراب، أي: الخيبة. وقال أبو عبيد: معنى قوله: "وللعاهر الحجر" الحديث، أي: لا حق له في النسب.

قال الله عز وجل: (لا يمسه إلا المطهرون (79)

قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشافعى بتفسير القرآن ومعانيه وسبب نزوله) : وقرأت في كتاب السنن - رواية حرملة بن يحيى -: عن الشَّافِعِي رحمه الله: في قول اللَّه تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) قال: فاختلف فيها أهل التفسير: فقال بعضهم: فَرَضَ لا يمسُّه إلا مُطَهَّر: يعني: متطهر تجوز له الصلاة. وهذا المعنى تحتمله الآية: وذكر ما يشهد له من السنة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذهب بعض أهل التفسير في قوله: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الآية. يعني: لا يمسه في اللوح المحفوظ إلا المطهرون من الذنوب. يعني: الملائكة.

سورة المجادلة

سورة المجادلة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الأم: باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجاءته - صلى الله عليه وسلم - امرأة أوس بن الصامت تشكو إليه أوساً، فلم يجبها حتى أنزل اللَّه - عز وجل -: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) الأم: الخلاف في طلاق المختلعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في المختلعة، فقال: إذا طلقت في العدة لحقها الطلاق، فسألته هل يروي في قوله خبراً؛ فذكر حديثاً لا تقوم بمثله حجة عندنا ولا عنده، فقلت: هذا عندنا وعندك غير ثابت. قال: فقد قال

- به - بعض التابعين عندك لا يقوم به حجة لو لم يخالفهم غيرهم. قال: فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها؟ قلت: حجتي فيه من القرآن، والأثر، والإجماع على ما يدل على أن الطلاق لا يلزمها. قال: وأين الحجة من القرآن؟ قلت: قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية - وذكر أدلة أخرى على اللعان، والإيلاء، والميراث -. الأم (أيضاً) : ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) الآية. يعني: أن اللائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال، الوارثات والموروثات المحرمات بأنفسهن، والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا أمهات، ليس اللائي يحدثن رضاعاً للمولود، فيكن به أمهات. وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له، ولا أمهات المؤمنين عامة يحرمن بحرمة أحدثنها، أو يحدثها الرجل، أو أمهات المؤمنين اللائي حرمن بأنهن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكل هؤلاء يحرمن بشيء يحدثه رجل يحرمهن، أو يحدثته، أو حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والأم تحرم نفسها وترث وتورث، فيحرم بها غيرها، فأراد بها الأم في جميع معانيها لا في بعض دون بعض كما وصفنا ممن يقع عليه اسم الأم غيرها - والله أعلم -. الأم (أيضاً) : الخلاف في هذا الباب - أي: في عدد ما يحل من الحرائر والإماء. . .: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال بعض الناس إذا طلق الرجل أربع نسوة له ثلاثاً، أو طلاقاً يملك الرجعة، أو لا رجعة له على واحدة منهن، فلا ينكح حتى

تنقضي عدتهن، ولا يجمع ماءه في أكثر من أربع، ولو طلق واحدة ثلاثاً لم يكن له أن ينكح أختها في عدتها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت لبعض من يقول هذا القول: هل لمطلق نسائه ثلاثاً زوجة؟ قال: لا: قلت: فقد أباح اللَّه - عز وجل - لمن لا زوجة له أن ينكح أربعاً، وحرم الجمع بين الأختين، ولم يختلف الناس في إباحة كل واحدة منهما إذا لم يجمع بينهما على الانفراد، فهل جمع بينهما إذا طلق إحداهما ثلاثاً؛ وقد حكم اللَّه بين الزوجين أحكاماً - منها -، وقال: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية. الأم (أيضاً) : من يقع عليه الطلاق من النساء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) مع ما ذكر به الأزواج، ولم أعلم مخالفاً في أن أحكام اللَّه تعالى في الطلاق. والظهار، والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح يحل للزوج جماعها، وما يحل من امرأته، إلا أنه محرم الجماع في الإحرام والمحيض، وما أشبه ذلك حتى ينقضي. الأم (أيضاً) : من يجب عليه الظهار ومن لا يجب عليه: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه تبارك وتعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) .

قال الله عز وجل: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير (3)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكل زوج جاز طلاقه، وجرى عليه الحكم، من بالغ غير مغلوب على عقله، وقع عليه الظهار، سواء كان حراً أو عبداً، أو من لم تكمل فيه الحرية، أو ذمياً، من قِبَلِ أن أصل الظهار كان طلاقَ الجاهلية، فحكم اللَّه تعالى فيه بالكفارة، فحرّم الجماع على التظاهر بتحريمه للظهار حتى يكفر، وكل هؤلاء ممن يلزمه الطلاق، ويحرم عليه الجماع بتحريمه إذا كانوا بالغين، غير مغلوبين على عقولهم. الأم (أيضاً) : الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول اللَّه تعالى: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) الآية. ثم جعل فيه الكفارة. * * * قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) . الأم: الظهار: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يذكر أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاثة: (الظهار - والإيلاء - والطلاق) . فأقرَّ الله الطلاق طلاقاً، وحكم في الإيلاء: بأن أمهل المُولي أربعة أشهر، ثم جعل عليه أن يفيء أو يطلق، وحكم في الظهار بالكفارة، فإذا تظاهر الرجل من امرأته يريد طلاقها، أو يريد تحريمها بلا طلاق، فلا يقع به طلاق بحال وهو متظاهر، وكذلك إذا تكلم بالظهار ولا ينوي شيئاً فهو متظاهر، لأنه متكلم بالظهار، ويلزم الظهار من لزمه الطلاق، ويسقط عمن سقط عنه، وإذا تظاهر الرجل من امرأته قبل أن يدخل بها، أو بعد ما دخل بها فهو متظاهر، وإذا طلقها فكان لا يملك رجعتها في العدة ثم تظاهر منها لم يلزمه الظهار، وإذا طلق امرأتين فكان يملك رجعة إحداهما، ولا يملك رجعة الأخرى، فتظاهر منهما في كلمة واحدة لزمه الظهار من التي يملك رجعتها، ويسقط عنه من التي لا يملك رجعتها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا تظاهر من أمته (أم ولد كانت، أو غير أم ولد) لم يلزمه الظهار، لأن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) الآية. وليست من نسائه ولا يلزمه الإيلاء، ولا الطلاق، فيما لا يلزمه الظهار. الأم (أيضاً) : متى يوجب على المظاهر الكفارة": قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: الذي عقلت مما سمعت في: (يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا) الآية، أن المتظاهر حرم مس امرأته بالظهار، فإذا أتت عليه مدة بعد القول بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي يحرّم به، ولا شيء يكون له مخرج من أن تحرم عليه به، فقد وجب عليه كفارة الظهار، كأنهم يذهبون إلى: أنه إذا أمسك ما حرَّم على نفسه أنه حلال، فقد عاد لما قال فخالفه، فأحلَّ ما حرّم. ولا أعلم له معنى أولى به من هذا، ولم أعلم مخالفاً في أن عليه كفارة الظهار، وإن لم يعد بتظاهر آخر، فلم يجز أن يقال: لما لم أعلم مخالفاً في أنه ليس بمعنى الآية. وإذا حبس المتظاهر امرأته بعد الظهار قدر ما يمكنه أن يطلقها، ولم يطلقها، فكفارة الظهار له لازمة. ولو طلقها بعد ذلك، أو لاعَنَها فحرمت عليه على الأبد، لزمته كفارة الظهار، وكذلك لو ماتت، أو ارتدت، فقتلت على الردة، ومعنى قول اللَّه تعالى: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية. وقت لأن يؤدي ما أوجب عليه من الكفارة فيها قبل الماسة، فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت، لم تبطل الكفارة، ولم يزد عليه فيها، كما يقال له أدِّ الصلاة في وقت كذا، وقبل وقت كذا، فيذهب الوقت فيؤديها؛ لأنها فرض عليه، فإذا لم يؤدها في الوقت أداها قضاء بعده، ولا يقال له زد فيها لذهاب الوقت قبل أن تؤديها. الأم (أيضاً) : باب (الخلاف في عدل الصيام والطعام) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: حكم اللَّه على المظاهر إذا عاد لما قال: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فإن لم يجد (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) فإن لم يستطع (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .

فكان معقولاً أن إمساك المظاهر عن أن يأكل ستين يوماً كإطعام ستين مسكيناً، وبهذا المعنى صرت إلى أن إطعام مسكين مكان كل يوم. الأم (أيضاً) : باب (عتق المؤمنة الظهار) قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فإذا وجبت كفارة الظهار على الرجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها، لم يجزه فيها إلا تحرير رقبة، ولا تجزئه رقبة على غير دين الإسلام؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول في القتل: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وكان شرط الله تعالى في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل - واللَّه تعالى أعلم -. الأم (أيضاً) : من له الكفارة بالصيام في الظهار: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه - عز وجل -: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآيتان.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا لم يجد المتظاهر رقبة يعتقها، وكان يطيق الصوم فعليه الصوم، ومن كان له مسكين وخادم وليس له مملوك غيره، ولا ما يشتري به مملوكاً غيره كان له الصوم، ومن كان له مملوك غير خادمه ومسكن كان عليه أن يعتق، وكذلك لو كان ثمن مملوك، كان عليه أن يشتري مملوكاً فيعتقه. الأم (أيضاً) : الكفارة بالصيام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن وجب عليه أن يصوم شهرين في الظهار، لم يجزه إلا أن يكونا متتابعين كما قال الله عز ذكره، ومتى أفطر من عذر أو غير عذر فعليه أن يستأنف، ولا يعتد بما مضى من صومه، وكذلك إن صام في الشهرين يوماً من الأيام التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها وهي خمس: (يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام منى الثلاث بعد النحر - أي: أيام التشريق -) استأنف الصوم بعد مضيهن، ولم يعتد بهن، ولا بما كان قبلهن، واعتد بما بعدهن، ومتى دخل عليه شيء يفطره في يوم من صومه استأنف الصوم حتى يأتي بالشهرين متتابعين ليس فيهما فطر، وإذا صام بالأهلة صام هلالين، وإن كانا تسعة، أو ثمانية وخمسين، أو ستين يوماً. الأم (أيضاً) : الكفارة بالإطعام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) الآيتان.

قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فمن تظاهر ولم يجد رقبة، ولم يستطع حين يريد الكفارة عن الظهار صوم شهرين متتابعين، بمرض أو علة ما كانت، أجزأه أن يطعم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجزئه أن يطعم أقل من ستين مسكيناً، كل مسكين مدًّا من طعام بلده الذي يقتاته. ولو أطعم ثلاثين مسكيناً مُدَّين مُدَّين في يوم واحد، أو أيام متفرقة، لم يجزه إلا عن ثلاثين، وكان متطوعاً بما زاد كل مسكين على مذ؛ لأن معقولاً عن اللَّه - عز وجل - إذا أوجب طعام ستين مسكيناً أن كل واحد منهم غير الآخر. .. ولا يجزئه أن يعطيهم ثمن الطعام أضعافاً، ولا يعطيهم إلا مكيلة طعام لكل واحد. .. ولا يجوز أن يكسوهم مكان الطعام. .. ولا يجزئه إلا مسكين مسلم، وسواء الصغير منهم والكبير، ولا يجزئه أن يطعم عبداً ولا مكاتباً ولا أحداً على غير دين الإسلام. .. وُيكَفرُ في الإطعام قبل المسيس؛ لأنها في معنى الكفارة قبلها. الأم (أيضاً) : البحيرة والوصيلة والسائبة والحام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: تحرير الرقبة والأطعام ندب اللَّه إليه حين ذكر تحرير الرقبة، وقال اللَّه - عز وجل - في المُظَاهَرة: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية. الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت - أي: للمحاور -: وكذلك حين أوجب - الله تعالى - عتق رقبة في الظهار. ثم قال: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لم يكن له أن يصوم وهو يجد عتق رقبةٍ؟ قال: نعم.

الرسالة: باب (الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: وما الذي يغرم الرجل من جنايته وما لزمه غير الخطأ؟ قلت: قال اللَّه: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) - وذكر آيات غيرها مما يتعلق بالموضوع المطروح بالسؤال -. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الفقه) أخبرنا محمد بن موسى قال: حدثنا أبو العباس قال: حدثنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: نال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) الآية. إلى قوله: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) الآية. فقلنا: لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة، ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين مسكيناً، والإطعام قبل أن يتماسا. واذا ذكر اللَّه الكفارة في العتق في موضع فقال: (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) الآية. ثم ذكر كفارة مثلها، فقال: (رقبة) - كما في الظهار - نعلم أن الكفارة لا تكون إلا مؤمنة. - ثم ساق الكلام إلى أن قال -: لأنهما مجتمعتان في أنهما كفارتان - كما ذكر الشهود في البيع والزنا ولم يذكر عدلاً - وشرط ذلك في الإشهاد على الوصية - وشرط العدل واجتماعهما في أنهما شهادة يدل على أن لا تقبل فيها إلا العدول - وبسط الكلام فيه -.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم د

قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) الأم: الرجل يقيم الرجل من مجلسه يوم الجمعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع. عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه، ثم يخلفه فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأكره للرجل - من كان إماماً أو غير إمام - أن يقيم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن نأمرهم أن يتفسحوا. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال حدثني أبي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يعمِد الرجل إلى الرجل فيقيمه من مجلسه ثم يقعد فيه" الحديث. أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى، عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل تفسحوا" الحديث.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة)

قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن اللَّه تبارك وتعالى لما خصَّ به رسوله من وحيه، وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه، بالفرض على خلقه بطاعته في غير آية من كتابه، فقال: (إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) الأم: باب (الولاء والحِلْف) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تقدست أسماؤه: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) الآية.

فميز اللَّه - عز وجل - بينهم بالدين، ولم يقطع الأنساب بينهم، فدل ذلك على أن الأنساب ليست من الدين في شيء. الأنساب ثابتة لا تزول، والدين شيء يدخلون فيه، أو يخرجون منه. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة سوى ما مضى: قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقال - واللَّه أعلم -: إن بعض المسلمين تأثَّمَ من صلة المشركين، أحسب ذلك، لما نزل فرض جهادهم، وقطع الولاية بينهم وبينهم، ونزل: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) . الآية.

سورة الحشر

سورة الحشر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) الأم: العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: كل ما كان مما يملكون لا روح له، فإتلافه مباح بكل وجه، وكل ما زعمت أنه مباح، فحلال للمسلمين فعله، وغير محرم عليهم تركه. .. قال اللَّه تبارك وتعالى في بني النضير حين حاربهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) الآية. فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم، وإخراب المؤمنين بيوتهم، وَوَصفُه إياه جل ثناؤه كالرضا به. الأم (أيضاً) : قطع أشجار العدو: بعد أن ذكر قول أبي حنيفة وقول الأوزاعي،

قال الله عز وجل: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين (5)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال أبو يوسف رحمه الله: أخبرنا الثقة من أصحابنا. عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دارٍ من دورهم أحرقوها، فكان بنو قريظة يخرجون فينقضونها ويأخذون حجارتها ليرموا بها المسلمين، وقطع المسلمون نخلاً من نخلهم فأنزل الله: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) الآية. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: يقطع النخل ويحرق، وكل ما لا روح فيه كالمسألة قبلها، ولعل أمر أبي بكر رضي الله عنه بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجراً مثمراً، إنما هو؛ لأنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين، فلما كان مباحاً له أن يفطع ويترك، اختار الترك نظراً للمسلمين، وقد قطع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم بنى النضير، فلما أسرع في النخل، قيل له: قد وعدكها الله، فلو استبقيتها لنفسك، فكفَّ القطعَ استبقاء، لا أن القطع محرّم. فإن قال قائل: قد ترك في بني النضبر بعد القطع فهو ناسخ له؟ فقد قطع بخيبر وهي بعد بنى النضير، قيل: ثم قطع بالطائف، وهي بعد هذا كله، وآخر غزاة لقي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتالاً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5) الأم: العبد المسلم يأبق إلى دار الحرب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع نخل من ألوان نخلهم، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى رضاً بما صنعوا من قطع نخيلهم: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) .

فرضي القطع وأباح الترك، فالقطع والترك موجودان في الكتاب والسنة. وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير وترك، وقطع نخل غيرهم وترك، وممن غزا من لم يقطع نخله. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير" الحديث. أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن ابن شهاب رحمه اللَّه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرَّق أموال بني النضير" فقال قائل: وهان على سُراةِ بني لُؤَي ... حَريق بالبُويرةِ مُستَطِيرُ فإن قال قائل: ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حرَّق مال بني النضير ثم ترك. قيل: على معنى ما أنزل اللَّه - عز وجل -، وقد قطع وحرق بخيبر، وهي بعد - بني - النضير، وحرق بالطائف وهي آخر غزاة قابل بها، وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل (أبنَى) .

قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا بعض أصحابنا، عن عبد اللَّه بن جعفر الأزهري قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة بن أسامة بن زيد قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أغزو صباحاً على أهل (أبنى) وأحرِّق" الحديث. الأم (أيضاً) : في قطع الشجر وحرق المنازل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا بأس بقطع الشجر المثمر - وغير المثمر -. وتخريب العامر، وتحريفه من بلاد العدو، وكذلك لا بأس بتحريق ما قدر لهم عليه من مال وطعام لا روح فيه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير، وأهل خيبر، وأهل الطائف، وقطع، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - في بني النضير: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا) فأما ماله روح: فإنه يالم مما أصابه فقتله محرم، إلا بأن يذبح فيؤكل، ولا يحل قتله لمغايظة العدو؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها سأله الله عنها" قيل: وما حقها يا رسول الله؟ قال: "يدعها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به " الحديث. الأم (أيضاً) ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم: قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: وإذا أصاب المسلمون غنائم، من متاع أو غنم فعجزوا عن حمله، ذبحوا الغنم، وحرقوا المتاع، وحرقوا لحوم الغنم كراهية أن ينتفع بذلك أهل الشرك.

وقال الأوزاعي رحمه اللَّه نهى أبو بكر أن تعفر بهيمة إلا لمأكلة، وأخذ بذلك أئمة المسلمين وجماعتهم حتى إن كان علماؤهم ليكرهون للرجل ذبح الشاة والبقرة ليأكل طائفة ويدع سائرها. وقال أبو يوسف رحمه اللَّه: قول اللَّه في كتابه أحق أن يتبع، قال اللَّه: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) . واللينة فيما بلغنا: النخلة. وكل ما قطع من شجرهم وحُرِّق من نخلهم ومتاعهم، فهو من العون عليهم والقوة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أما كل ما لا روح فيه للعدو، فلا بأس أن يحرقه المسلمون، ويخربوه بكل وجه؛ لأنه لا يكون معذباً، إنما - يكون - المعذب ما يألم بالعذاب من ذوات الأرواح، قد قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموال بني النضير، وحرقها، وقطع من أعناب الطائف، وهي آخر غزاة غزاها النبي - صلى الله عليه وسلم -، لقي فيها حرباً. أما ذوات الأرواح فإن زُعم أنها قياس على ما لا روح فيه. فليقل للمسلمين: أن يحرقوها كما لهم أن يحرقوا النخل والبيوت، فإن زعم أن المسلمين ذبحوا ما يذبح منها، فإنما أحِل ذبحها للمنفعة، أن تكون مأكولة. الأم (أيضاً) قطع أشجار العدو: قال أبو حنيفة رحمه اللَّه: لا بأس بقطع شجر المشركين ونخيلهم وتحريق ذلك؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ - يقول: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) الآية.

قال الله عز وجل (وما أفاء الله على رسوله منهم)

وقال الأوزاعي رحمه الله: أبو بكر يتأول هذه الآية، وقد نهى عن ذلك. وعمل به أئمة المسلمين. وقال أبو يوسف رحمه الله: أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا وهم محاصرو بني قريظة إذا غلبوا على دار من دورهم أحرقوها، فكان بنو قريظة يخرجون، فينقضونها، ويأخذون حجارتها؛ ليرموا بها المسلمين، وقطع المسلمون نخلاً من نخلهم فأنزل الله: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) وأنزل اللَّه - عز وجل -: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقطع النخل ويحرق، وكل ما لا روح فيه كالمسألة قبلها.. ثم ذكر ما كثب في تفسير الآية / 2، فلا حاجة لتكرارها حول هذه النقطة. * * * قال الله عزَّ وجلَّ (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) الأم: قَسمُ الغنيمة والفيء: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما أخذ من مشرك بوجه من الوجوه، غير ضيافة من مر بهم من المسلمين، فهو على وجهين لا يخرج منهما، كلاهما مبين قي كتاب الله تعالى، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفي فعله عليه الصلاة والسلام:

ئأحدهما: الغنيمة. قال الله - عز وجل - في سورة الأنفال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) . والوجه الثاني: الفيء. وهو مقسوم في كتاب الله - عزَّ وجلَّ في سورة الحشر، قال الله تبارك وتعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) إلى قوله: (رَءُوفٌ رَحِيمٌ) فهذان المالان اللذان خولهما الله تعالى من جعلهما له من أهل دينه، وهذه أموال يقوم بها الولاة لا يسعهم تركها، وعلى أهل الذمة ضيافة، وهذا صلح صولحوا عليه غير مؤقت، فهو لمن مرَّ بهم من المسلمين خاص دون العام من المسلمين خارج من المالين. وعلى الإمام إن امتنع من صولح على الضيافة من الضيافة أن يُلزمُه إياها. الأم (أيضاً) : الخمس فيما لم يوجف عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما وجدتُ الله - عزَّ وجلَّ قد قال في سورة الحشر: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) الآية. فحكم فيها حكمه فيما أوجف عليه بالخيل والركاب. ودلت السنة على أن ذلك الحكم على خمسها، علمتُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمضى لمن جعل الله له شيئاً مما جعل الله له، وإن لم نُثبت فيه خبراً عنه، كخبر جبير بن مطعم عنه في سهم ذي القربى من الموجف عليه، كما علمت أن قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل فيما أوجف عليه، مما جُعل لهم بشهادة أقوى من خبر رجل عن رجل، بأن اللَّه - عز وجل - قد أدَّى إليه رسوله، كما أوجب عليه أداءه والقيام به.

الأم (أيضاً) : كتاب (السبق والنضال) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا - أي: السبق - داخل في معنى ما ندب الله - عز وجل - إليه، وحَمِدَ عليه أهل دينه من الأعداد لعدوه القوة ورباط الخيل، والآية الأخرى: (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية؛ لأن هذه الركاب لما كان السبق عليها، يرغب أهلها في اتخاذها لآمالهم إدراك السبق فيها، والغنيمة عليها، كانت من العطايا الجائزة بما وصفتها، فالاستباق فيها حلال، وفيما سواها محرم. الأم (أيضاً) : الرجل يغنم وحده: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري، ورجلاً من الأنصار، سرية وحدهما، وبعث عبد اللَّه بن أنيس سرية وحده، فإذا سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الواحد يتسرى وحده، وكثر منه من العدد، ليصيب من العدو غِرَّة بالحيلة، أو يعطب، فيعطب في سبيل اللَّه، وحكم الله بأن ما أوجف عليه المسلمون فيه الخمس، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أربعة أخماسه للموجفين. فسواء قليل الموجفين وكثيرهم، لهم أربعة أخماس ما أوجفوا عليه. فأما ما احتج به - يقصد: أبا يوسف رحمه اللَّه - من قول اللَّه - عز وجل -: (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) الآية، وحكم اللَّه في أن ما لا يوجفون عليه بخيل ولا ركاب لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ومن سمى معه، فإنما أولئك قوم قاتلوا بالمدينة

قال الله عز وجل: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول)

بني النضير، فقاتلوهم بين بيوتهم، لا يوجفون بخيل ولا ركاب، ولم يكلفوا مؤنة، ولم يفتتحوا عنوة، وإنما صالحوا وكان الخمس لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ومن ذكر معهم، والأربعة الأخماس التي تكون لجماعة المسلمين، لو أوجفوا الخيل والركاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصاً يضعها حيث يضع ماله، ثم أجمع أئمة المسلمين على أنه ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فهو لجماعة المسلمين؛ لأن أحداً لا يقوم بعده مقامه - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانت حجة أبي يوسف رحمه الله - في اللذين دخلا سارقين أنهما لم يوجفا بخيل ولا ركاب، كان ينبغي أن يقول: يخمس ما أصاب، وتكون الأربعة الأخماس لهما؛ لأنهما موجفان. فإن زعم أنهما غير موجفين انبغى أن يقول: هذا لجماعة المسلمين، أو الذين زعم أنهم ذكروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سورة الحشر فما قال بما تأول، ولا بكتاب في الخمس، فإن الله - عزَّ وجلَّ أثبته في كل غنيمة تصير من مشرك أوجف عليها أو لم يوجف. قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) الأم: قسم الغنيمة والفيء: انظر تفسير الآية السابقة فهما مرتبطان ببعضهما في التفسير.

الأم (أيضاً) : الرجل يغنم وحده: انظر تفسير الآية السابقة فبعد أن ذكر الشَّافِعِي رحمه الله - آراء العلماء في الرجل يغنم وحده واستشهاد أبي يوسف رحمه الله بالآيتين: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) وقال: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) الآية. في رده على الإمام الأوزاعي - رحمه الله - أي: ردَّ الشَّافِعِي - على هذه الآية باجتهاده على مستوى الدليل الوارد في الآيتين / 6 و 7 من سورة الحشر، ومن السنة النبوية - وقد سبق بيانه في تفسير الآية / 6 السابقة -. الأم (أيضاً) : الخمس فيما لم يوجف عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قك - أي: للمحاور - لما احتمل قول عمر - رضي الله عنه - أن يكون الكل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن تكون الأربعة الأخماس التي كانت تكون للمسلمين، فيما أوجف عليه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون الخمس، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم فيها مقام المسلمين، استدللنا بقول اللَّه - عز وجل - في الحشر: (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) الآية. على أن لهم الخمس، وأن الخمس إذا كان لهم، ولا يُشَكُّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلمه لهم، فاستدللنا إذ كان حكم الله - عز وجل - في الأنفال:

(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) فاتفق الحكمان في سورة الحشر، وسورة الأنفال لقوم موصوفين، وإنما لهم من ذلك الخمس لا غيره. فقال - أي: المحاور -: فيحتمل أن يكون لهم مما لم يوجف عليه الكل؟ قلت: نعم، فلهم الكل وندع الخبر، قال لا يجوز عندنا ترك الخبر، والخبر يدل على معنى الخاص والعام. فقال لي قائل غيره: فكيف زعمت أن الخمس ثابت في الجزية، وما أخذه الولاة من مشرك بوجه من الوجوه، فذكرت له الآية في الحشر. قلت: في هذا كفاية، وفي أن أصل ما قسم اللَّه من المال ثلاثة وجوه: 1 - الصدقات: وهي ما أخذ من مسلم، فتلك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء. 2 - ما غُنِم بالخيل والركاب فتلك: على ما قسم الله - عز وجل -. 3 - والفيء: الذي - لا يوجف عليه بخيل ولا ركاب. فهل تعلم رابعاً؛ قال: لا. قلت فبهذا قلنا: الخمس ثابت لأهله في كل ما أخذ من مشرك؛ لأنه لا يعدو ما أخذ منه أبداً أن يكون غنيمة، أو فيئاً. والفيء: ما رده اللَّه تعالى على أهل دينه من مال - من خالف دينه -. الأم: (أيضاً) المُدَّعي والمُدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي: المحاور - فإنه بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما جاءكم عني فاعرضوه على القرآن، فإن وافقه فأنا قلته، وإن خالفه فلم أقله" الحديث.

فقلت له: فهذا غير معروض عندنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمعروض عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عندنا خلاف هذا، وليس يعرف ما أراد خاصاً وعاماً، وفرضاً وأدباً، وناسخاً ومنسوخاً إلا بسنته - صلى الله عليه وسلم - فيما أمره الله - عزَّ وجلَّ به، فيكون الكتاب بحكم الفرض، والسنة تبينه. قال: وما دل على ذلك؛ فلت: قول الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية. فقد بين الله عزَّ وجلَّ: أن الرسول قد يسن - السنة ليست بنص في كتاب -، وفرض اللَّه على الناس طاعته. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة، قال: حدثني سالم أبو النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما نهيت عنه، أو أمرت به، فيقول: ما ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له: لو كان هذا الحديث الذي احتججت به ثابتاً كنت قد تركته فيما وصفنا وفيما سنصف بعض ما يحضرنا منه، إن شاء الله تعالى. الأم: (أيضاً) : باب (حكاية الطائفة التي ردت الأخبار) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قلت - أي: للمحاور -: لفد فرض اللَّه جل وعز علينا اتباع أمره - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية.

قال - أبي: المحاور -: إنه ليبين في التنزيل أن علينا فرضاً أن نأخذ الذي أمرنا به، وننتهي عما نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: قلت: والفرض علينا، وعلى من هو قبلنا، ومن بعدنا واحد؟ قال: نعم. فقلت: فإن كان ذلك علينا فرضاً في اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئاً فقد دلنا على الأمر الذي يؤخذ به فرضه؛ قال: نعم. قلت: فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض اللَّه - عز وجل - في اتباع أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أو أحد قبلك، أو بعدك ممن لم يشاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما أجد السبيل إلى تأدية فرض اللَّه إلا بقبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن في أن لا آخذ ذلك إلا لما دلَّني على أن اللَّه أوجب على أن أقبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الأم (أيضاً) : بيان فرائض الله تعالى: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض اللَّه - عز وجل - الفرائض - في كتابه من وجهين: أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها، حتى استغني فيه بالتنزيل عن التأويل، وعن الخبر. والآخر: أنه أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه بقوله - عز وجل -: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية. وبقوله تبارك اسمه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) .

وبقوله - عز وجل -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) مع غير آية في القرآن بهذه المعنى، فمن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبفرض اللَّه - عز وجل - قَبِل. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه اطه: فإن قيل: فما الجملة؛ قيل: ما فرض اللَّه من صلاة وزكاة وحج، فدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف الصلاة وعددها ووقتها والعمل فيها؟ وكيف الزكاة وفي أي المال هي؟ وفي أي وقت هي؟ وكم قَدرها؟ وبين كيف الحج والعمل فيه وما يدخل به فيه، وما يخرج به منه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قيل: فهل يقال لهذا كما قيل للأول قبل عن الله؟ قيل: نعم، فإن قيل: فمن أين قبل؟ قيل: قبل عن الله، لكلامه جملة وقَبِل تفسيره عن اللَّه، بأن اللَّه فرض طاعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال - عز وجل -: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية. مناقب الشَّافِعِي رحمه الله: باب (ما يستدل به على فقه الشَّافِعِي وتقدمه فيه وحسن استنباطه) : قال البيهقي رحمه الله: أخبرنا محمد بن الحسن السلمي قال: سمعت أحمد ابن الحسن الأصبهاني يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن بشر الحافظ يقول: سمعت عبد اللَّه بن محمد بن هارون يقول:

سمعت محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله يقول بمكة: سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب اللَّه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رجل: أصلحك اللَّه، ما تقول في المُحرم قتل زُنبوراً؛ قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال اللَّه تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) الآية، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: اقتدوا باللَّذَين من بعدي: أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما - وحدثنا سفيان، عن مِسعر، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر رضي اللَّه عنه أنه أمر بقتل الزُنبور. قال البيهقي رحمه اللَّه: ورأيته في (كتاب أبي نعيم الأصبهاني) بإسناد له عن أبي بكر بن محمد بن يزيد بن حكيم المستملي. عن الشَّافِعِي رحمه الله: غير أنه جعل السؤال عن كل فرخ الزنبور. وقال في الإسناد: حدثنا سفيان، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة، وقال في إسناده حديث عمر: حدثونا عن إسرائيل، قال المستملي: حدثنا أبو أحمد، عن إسرائيل، عن ابراهيم بن عبد الأعلى، عن سُوَيد بن غفلة، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر بقتل الزنبور. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي المعقول أن ما أمر بقتله فحرام أكله.

قال الله عز وجل: (للفقراء المهاجرين)

قال الله عزَّ وجلَّ: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) أحكام القرآن: الإذن بالهجرة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم دخل أهل المدينة في الإسلام، فأمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فهاجرت إليهم، غير مُحَرّم على من بقي ترك الهجرة. وذكر اللَّه - عز وجل - أهل الهجرة فقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) وقال: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) الآية. آداب الشَّافِعِي ومناقبه: ما ذكر من مناظرة الشَّافِعِي لمحمد بن الحسن وغيره: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ) الآية نسب الدار إلى مالكها؛ أو غير مالكها؟! وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: "من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" الحديث. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هل ترك عقيل لنا من رِبَاع" الحديث. نسب الديار إلى أربابها؛ أو إلى غير أربابها؟ وقال لي: اشترى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دار السجن من مالكِ؟ أو من غير مالك؟ فلما علمت أن الحجة قد لزمنني قمت.

قال الله عز وجل: (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة)

وجاء في طبقات الشَّافِعِية: قال إسحاق فقلت: الدليل على صحة قولي: أن بعض التابعين قال به: فقال الشَّافِعِي لبعض الحاضرين: من هذا؟ فقيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي (ابن راهويه) . فقال الشَّافِعِي رحمه الله: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟ قال إسحاق: هكذا يزعمون. فقال الشَّافِعِي رحمه الله: ما أحوجني أن يكون غيرك، فكنت آمر بعرك أذنيه، أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنت تقول: قال: عطاء، وطاووس، والحسن، وإبراهيم؟! وهل لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة؟! * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ) الرسالة: باب (فرض الصلاة الذي دل الكتاب ثن السنة على من تزول عنه بالعذر..) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: جماع الإحصان أن يكون دون التحصين مانع من تناول المحرم، فالإسلام مانع، وكذلك الحرية مانعة، وكذلك الزوج والإصابة مانع، وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكل ما منع أحْصَن. قال الله تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) وقال: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ) . يعني ممنوعة.

سورة الممتحنة

سورة الممتحنة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) الأم: المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين: قيل للشافعي: أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب، بأن المسلمين يريدون غزوهم، أو بالعورة من عوراتهم، هل يحل ذلك دمه، ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين - على المسلمين -؟ قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام، إلا أن يقتل، أو يزني بعد إحصان، أو يكفر كفراً بيناً بعد إيمان، ثم يثبتَ على الكفر. وليس الدلالة على عورة مسلم، ولا تأييد كافر بأن يحذِّر أن المسلمين يريدون منه غِرَّة ليحذرها، أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيِّنٍ. فقلت للشافعي: - أي: قال الربيع: للشافعي -: أقلت هذا خبراً أم قياساً؟ قال: قلته بما لا يسع مسلماً علمه عندي، أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب.

فقيل للشافعي: فاذكر السنة فيه. قال: أخبرنا سلمان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد. عن عبيد اللَّه بن رافع قال سمعت علياً يقول: بعثنا رسوله الله - عزَّ وجلَّ أنا والمقداد والزبير فقال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب". فخرجنا تُعادي بنا خيلنا، فإذا نحن بالظعينة، ففلنا لها: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا لتخرجن الكتاب، أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا فيه: "من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة" يخبر ببعض أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما هذا يا حاطب؟! قال: لا تعجل على يا رسول اللَّه إني كنت امرأً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قرابائهم، ولم يكن لي بمكة قرابة، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً، واللَّه ما فعلته شكاً في ديني، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه قد صدق". فقال عمر - رضي الله عنه - يا رسول الله. دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله - عزَّ وجلَّ قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" الحديث. قال فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: في هذا الحديث مع ما وصفنا لك، طرح الحكم باستعمال الظنون؛ لأنه لما كان الكتاب

1 - يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال: من أنه لم يفعله شاكاً في الإسلام -، وأنه فعله ليمنع أهله. 2 - ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام. 3 - واحتمل المعنى الأقبح - أي: النفاق -. كان القول قوله، فيما احتمل فعله، وحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه بأن لم يقتله. ولم يستعمل عليه الأغلب، ولا - أعلم - أحداً أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا؛ لأن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده، فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غرَّتهم فصدَّقه، - على - ما عاب عليه - من ذلك غير مستعمل عليه - الأغلب مما يقع في النفوس، فيكون لذلك مقبولاً كان من بعده في أقل من حاله، وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه. قيل للشافعي: أفرأيت إن قال قائل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قد صدق" إنما تركه لمعرفته بصدقه، لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره. فيقال له: قد علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المنافقين كاذبون، وحقن دماءهم بالظاهر، فلو كان حكم النبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاطب بالعلم بصدقه، كان حكمه على المنافقين: القتل بالعلم بكذبهم، ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر. وتولى الله - عزَّ وجلَّ منهم السرائر، ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكماً له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية، وكل ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصاً، أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجهلوا له سنة، أو يكون ذلك موجوداً في كتاب الله - عز وجل -.

قال الله عز وجل: (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن)

قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) الأم: جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه: قال - الشَّافِعِي رحمه الله: صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشاً بالحديبية على أن يرد من جاء منهم، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى في امرأة جاءته منهم مسلمة: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) الآية. ففرض الله - عز وجل - عليهم أن لا ترد النساء، وقد أعطوهم رد من جاء منهم، وهن منهم. فحبسهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمر الله - عز وجل -. الأم (أيضاً) : جماع الهُدنَة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلماً أو مشركاً: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هادن قريشاً عام الحديبية، على أن يأمن بعضهم بعضاً، وأن من جاء قريشاً من المسلمين مرتداً لم يردوه عليه، ومن جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة منهم رده عليهم، ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلماً إلى غير المدينة في بلاد الإسلام والشرك، وإن كان قادراً عليه، ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئاً من هذا الشرط. . .

حتى جاءته أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط، مسلمة مهاجرة، فنسخ اللَّه - عز وجل - الصلح في النساء، وأنزل اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) الآية كلها وما بعدها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويجوز للإمام من هذا، ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل في الرجال دون النساء؛ لأن الله - عزَّ وجلَّ نسخ ردَّ النساء إن كن في الصلح، ومنع أن يرددن بكل حال. الأم (أيضاً) : أصل نقض الصلح فيما لا يجوز: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقدمت عليهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط. مسلمة مهاجرة، فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما، وأخبر أن اللَّه - عز وجل - نقض الصلح في النساء، وحكم فيهن غير حكمه في الرجال. وإنما ذهبتُ - القول: للشافعي - إلى أن النساء كن في صلح الحديبية، بأنه لو لم يدخل ردهن في الصلح، لم يعط أزواجهن فيهن عوضاً - واللَّه تعالى أعلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكر بعض أهل التفسير، أن هذه الآية نزلت فيها: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) قرأ الربيع الآية، ومن قال إن النساء كن في الصلح قال: بهذه الآية مع الآية التي في: (بَرَآءَة) . الأم (أيضاً) : جماع الصلح في المؤمنات: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) قرأ الربيع الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان بيناً في الآية منع المؤمنات المهاجرات من أن يرددن إلى دار الكفر، وقطع العصمة بالإسلام بينهن وبين أزواجهن، ودلت السنة على أن قطع العصمة إذا انقضت عددهن ولم يسلم أزواجهن من المشركين. وكان بيناً فيها: أن يرد على الأزواج نفقاتهم، ومعقول فيها أن نفقاتهم التي ترد نفقات: اللائي ملكوا عقدهن، وهي: المهور، إذا كان قد أعطوهن إياها. وبين أن الأزواج الذين يعطون النفقات؛ لأنهم الممنوعون من نسائهم. وأن نساءهم المأذون للمسلمين بأن ينكحوهن إذا آتوهن أجورهن؛ لأنه لا إشكال عليهم في أن ينكحوا غير ذوات الأزواج، إنما كان الإشكال في نكاح ذوات الأزواج حتى قطع اللَّه - عز وجل - عصمة الأزواج بإسلام النساء، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك بمضي العدة قبل إسلام الأزواج، فلا يُؤتى أحد نفقته من امرأة فاتت إلا ذوات الأزواج، وقد قال اللَّه - عز وجل - للمسلمين: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية، فأبانهن من المسلمين، وأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له أن ذلك بمضي العدة، فكان الحكم في إسلام الزوج، الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) . يعني - واللَّه أعلم - أن أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالإسلام، أوتوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور، كما يؤدي المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور وجعله اللَّه - عز وجل - حكماً بينهم. الأم (أيضاً) : نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه تبارك وتعالى؛ (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) إلى: (وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أنها نزلت في مهاجرة من أهل مكة فسماها بعضهم ابنة عقبة بن أبي معيط، وأهل مكة أهل أوثان، وأن قول اللَّه - عز وجل -: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) نزلت فيمن هاجر من أهل مكة مؤمناً، - قال الربيع -: وإنما نزلت في الهدنة. الأم (أيضاً) : فسخ نكاح الزوجين يسلم أحدهما: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) إلى قوله: (وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) . وقال تبارك وتعالى: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: نزلت في الهدنة التي كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل مكة وهم أهل أوثان وعن قول اللَّه - عز وجل -: (فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) فاعرضوا عليهن الإيمان، فإن قبلن وأقررن به فقد علمتموهن مؤمنات. وكذلك علم بني آدم الظاهر: وقال تبارك وتعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) يعني: بسرائرهن في إيمانهن وهذا يدل على أن لم يُعط أحد من بَني آدم أن يحكم على غير ظاهر. ومعنى الآيتين واحد، فإن كان الزوجان وثنيين فأيهما أسلم أولاً. فالجماع ممنوع حتى يسلم المتخلف عن الإسلام منهما، لقول اللَّه تعالى: (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية.

وقوله: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية. فاحتملت العقدة أن تكون منفسخة إذا كان الجماع ممنوعاً بعد إسلام أحدهما، فإنه لا يصلح لواحد منهما إذا كان أحدهما مسلماً والآخر مشركاً أن يبتدئ النكاح، واحتملت العقدة أن لا تنفسخ إلا أن يثبت المتخلف عن الإسلام منهما على المتخلف عنه، مدة من المدد، فيفسخ النكاح إذا جاءت تلك المدة قبل أن يسلم، ولم يكن يجوز أن يقال: لا تنقطع العصمة بين الزوجين حتى يأتي على المتخلف منهما عن الإسلام مدة قبل أن يسلم إلا بخبر لازم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا جماعة من أهل العلم من قريش، وأهل الغازي وغيرهم، عن عدد قبلهم، أن أبا سفيان بن حرب أسلم بمرٍّ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهر عليهما، فكانت بظهوره وإسلام أهلها دار الإسلام، وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة، ومكة يومئذ دار حرب، ثم قدم عليها يدعوها إلى الإسلام، فأخذت بلحيته وقالت: اقتلوا الشيخ الضال. فأقامت أياماً قبل أن تسلم ثم أسلمت، وبايعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وثبتا على النكاح. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبِرنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة، فأسلم أكثر أهلها، وصارت دار الإسلام، وأسلمت امرأة عكرمة بن أبي جهل، وامرأة صفوان بن أمية، وهرب زوجاهما ناحية البحر (من طريق اليمن) كافرين إلى بلد كفر، ثم جاءا فأسلما بعد مدة، وشهد صفوان حنيناً كافراً، فاستقرَّا على النكاح، وكان ذلك كله ونساؤهن مدخول بهن لم تنقض عددهن، ولم أعلم مخالفاً في أن المتخلف عن الإسلام منهما، إذا انفضت عدة المرأة قبل أن يسلم انقطعت العصمة بينهما، وسواء خرج المسلم منهما من دار الحرب، وأقام المتخلف فيها، أو خرج المتخلف عن الإسلام، أو خرج معاً، أو أقاما معاً، لا تصنع الدار في التحريم والتحليل شيئاً، إنما يصنعه اختلاف الدينين.

الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية. وقال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) فنهى الله - عزَّ وجلَّ في هاتين الآيتين عن نكاح نساء المشركين، كما نهى عن إنكاح رجالهم. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقال بعض الناس: لم قلت لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب؛ فقلت: استدلالاً بكتاب اللَّه - عز وجل -. قال: وأين ما استدللت به منه؟ فقلت: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) وقال: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ) الآية. فقلنا نحن وأنتم: لا يحل لمن لزمه اسم كفر، نكاح مسلمة حرة، ولا أمة بحال أبداً، ولا يختلف في هذا أهل الكتاب وغيرهم من المشركين؛ لأن الآيتين عامتان، واسم المشرك لازم لأهل الكتاب وغيرهم من المشركين. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)

ثم قال: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآية، فأحلَّ صنفاً واحداً من المشركات بشرطين. أحدهما: أن تكون المنكوحة من أهل الكتاب. والثاني: أن تكون حرة؛ لأنه لم يختلف المسلمون في أن قول اللَّه - عز وجل -: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) . هن: الحرائر. الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففرض - اللَّه - على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا، وأن يحقن دماءهم إذا أظهروا الإسلام ثم بين اللَّه، ثم رسوله أن لا يعلم سرائرهم في صدقهم بالإسلام إلا اللَّه، فقال اللَّه - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ) قرأ الربيع إلى قوله: (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) الآية. يعني: واللَّه أعلم بصدقهن بإيمانهن. وقال: (عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) يعني: ما أمرتكم أن تحكموا به فيهن إذا أظهرن الإيمان، لأنكم لا تعلمون من صدقهن بالإيمان ما يعلم اللَّه، فاحكموا لهن بحكم الإيمان في أن لا ترجعوهن إلى الكفار: (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية. الأم (أيضاً) : الخلاف في السبايا: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية. فلم يفرق بين المرأة تسلم قبل زوجها، ولا الرجل يسلم قبل امرأته.

الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح المحدودين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن كن - أي: الزانيات - على الشرك فهن محرمات على زناة المسلمين وغير زناتهم، وإن كن أسلمن فهن بالإسلام محرمات على جميع المشركين، لقول الله تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (في الحربي يسلم) قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: والآية في الممتحنة مثلها، قال الله تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية. فسوَّى بينهما، وكيف فرقتم بينهما؟ - الخطاب هنا: لمن يحاوره الشَّافِعِي رحمه اللَّه وهو قول ابن شهاب -. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: هذه الآية في معنى تلك، لا تعدو هاتان الآيتان أن تكونا تدلان على أنه إذا اختلف دينا الزوجين فكان لا يحل للزوج جماع زوجته لاختلاف الدينين، فقد انقطعت العصمة بينهما، أو يكون لا يحل له في تلك الحال، ويتم انقطاع العصمة إن جاءت عليها مدة، ولم يسلم المتخلف عن الإسلام منهما.

قال الله عز وجل: (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا)

الأم (أيضاً) : المرأة تسلم قبل زوجها، والزوج قبل المرأة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن قال - أي: المحاور - فما الكتاب؟ قيل: قال الله - عز وجل -: (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية. فلا يجوز في هذه الآية إلا أن يكون اختلاف الدينين يقطع العصمة ساعة اختلفا، أو يكون يقطع العصمة بينهما اختلاف الدينين والثبوت على الاختلاف إلى مدة. والمدة لا تجوز إلا بكتاب اللَّه، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما وصفنا وجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المسلمة قبل زوجها، والمسلم قبل امرأته، فحكم فيهما حكماً واحداً، فكيف جاز أن يفرق بينهما؛ وجمع اللَّه بينهما فقال: (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) الآية. فإن قال قائل: فإنما ذهبنا إلى قول اللَّه - عز وجل - (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) الآية، فهي كالآية قبلها. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) الأم: جماع الصلح في المومنات: قال الشَّافِعِي رحمه الله: تالا اللَّه تعالى: (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) الآية. يعني - واللَّه أعلم -: أن أزواج المشركات من

المؤمنين، إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالإسلام، أوتوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور، كما يؤدي المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور، وجعله اللَّه - عز وجل - حكماً بينهم. ثم حكم لهم في مثل ذا المعنى حكماً ثانياً، فقال عز وعلا: (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ) الآية، - واللَّه تعالى أعلم - يريد: فلم تعفوا عنهم، إذا لم يعفوا عنكم مهور نسائكم: (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) الآية. كأنه يعني: من مهورهن إذا فاتت امرأة مشرك أتتنا مسلمة قد أعطاها مائة في مهرها، وفاتت امرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها مائة، حسبت - مائة المسلم بمائة المشرك، فقيل: تلك العقوبة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويكتب بذلك إلى أصحاب عهود المشركين حتى يعطي المشرك ما قاصصناه به؛ من مهر امرأته للمسلم، الذي فاتت امرأته إليهم ليس له غير ذلك. الأم (أيضاً) : تفريع أمر نساء المهادنين: أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا جاءت المرأة الحرة من نساء أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من دار الحرب، إلى موضع الإمام من دار الإسلام، أو دار الحرب، فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض، وإذا طلبها زوجها بنفسه، أو طلبها غيره بوكالته، مُنِعَهَا، وفيها قولان:

أحدهما: يعطى العوض، والعوض ما قال الله عزَّ وجلَّ: (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومثل ما أنفقوا يحتمل - واللَّه تعالى أعلم -: ما دفعوا بالصداق لا النفقة غيره، ولا الصداق كله إن كانوا لم يدفعوه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا جاءت امرأة رجل قد نكحها بمائتين، فأعطاها مائة ردت إليه مائة، وإن نكحها بمائة فأعطاها خمسين، ردت إليه خمسون؛ لأنها لم تأخذ منه الصداق إلا خمسين، وإن نكحها بمائة ولم يعطها شيئاً من الصداق لم نرد إليه شيئاً؛ لأنه لم ينفق بالصداق شيئاً. ولو أنفق - بغيره - من عرس وهدية وكرامة، لم يعط من ذلك شيئاً؛ لأنه تطوع به، ولا ينظر في ذلك إلى مهر مثلها إن كان زادها عليه، أو نقصها منه؛ لأن اللَّه - عز وجل - أمر بأن يُعطَوا مثل ما أنفقوا، وُيعطى الزوج هذا الصداق من سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفيء والغنيمة، دون ما سواه من المال؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم" الحديث. يعني - واللَّه أعلم - في مصلحتكم؛ وبأن الأنفال تكون عنه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو قدم الزوج مسلماً وهي في العدة كان أحق بها، ولو قدم يطلبها مشركاً ثم أسلم قبل أن تنقضي عدتها كانت زوجته، ورُجع عليه بالعوض، فأخذ منه إن كان أخذه، ولو طلب العوض فأعطيه، ثم لم يسلم حتى تنقضي عدتها، ثم أسلم فله العوض؛ لأنها قد بانت منه بالإسلام في ملك النكاح، ولو نكحها بعد لم نرجع عليه بالعوض؛ لأنه إنما ملكها بعقدٍ غيره.

وفيه قول ثان: لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض، ولو شرط الإمام برد النساء كان الشرط منتقضاً، ومن قال هذا قال: إن شرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل الحديبية إذا دخل فيه أن يرد من جاءه منهم. وكان النساء منهم كان شرطاً صحيحاً، فنسخه اللَّه ثم رسوله لأهل الحديبية، ورد عليهم فيما نسخ منه العوض، ولما قضى الله ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن لا ترد النساء، لم يكن لأحدٍ ردهن، ولا عليه عوض فيهن؛ لأن شرط من شرط رد النساء بعد نسخ اللَّه - عز وجل -، ثم رسوله لها باطل، ولا يعطى بالشرط الباطل شيء.

سورة الصف

سورة الصف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) الأم: أصل فرض الجهاد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولما مضت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدة من هجرته، أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه، حدثت لهم بها مع عون اللَّه قوة بالعدد، لم تكن قبلها، ففرض اللَّه تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضاً - ثم ذكر الآيات المتعلقة بالجهاد - ومنها: وقال اللَّه تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) الآية، وقال: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الآية. مع ما ذكر به فَرضَ الجهاد وأوجب على المتخلّف عنه.

قال الله عز وجل: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (9)

قال الله عزَّ وجلَّ: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) الأم: كتاب (الجزية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقضى - الله تعالى - أن أظهر دينه على الأديان. فقال - عز وجل -: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) . وقد وصفنا بيان كيف يظهره على الدين في غير هذا الموضع. الأم (أيضاً) : في إظهار دين النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأديان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الآية. أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" الحديث - وبسط الكلام حول هذا الموضوع -.

سورة الجمعة

سورة الجمعة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الأم: كتاب (الجزية) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الآية. وكان في ذلك ما دل على أنه بعث إلى خلقه؛ لأنهم كانوا أهل كتاب أو أميين. الأم (أيضاً) : الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعث اللَّه - عز وجل رسوله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، وهي بلاد قومه، وقومه أميون، وكذلك من كان حولهم من بلاد العرب، ولم يكن فيهم من العجم إلا مملوك، أو أجير، أو مجتاز، أو من لا يُذكر، قال اللَّه تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الآية. فلم يكن من الناس أحد في أول ما بُعِثَ، أعدى له من عوام قومه، ومن حولهم.

الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) الآية، قال - أي: المحاور - فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله، فما الحكمة؟ قلت: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة والحكمة خاصة وهي أحكامه؟ قلت تعني بأن يبين لهم عن اللَّه - عز وجل - مثل ما بين لهم في جملة الفرائض، من الصلاة والزكاة والحج وغيرها، فيكون اللَّه قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -. قال: إنه ليحتمل ذلك. قلت: فإن ذهبت - به - هذا المذهب فهي في معنى الأول قبله، الذي لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام؟ قلت: وأيهم أولى به ذكر (الكتاب والحكمة) أن يكون شيئين، أو شيئاً واحداً. قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت كتاباً وسنة، فيكونا شيئين، ويحتمل أن يكونا شيئاً واحداً. قلت: فأظهرهما أولاهما، وفي القرآن دلالة على ما قلنا، وخلاف ما ذهبت إليه. قال: وأين هي؟ قلت قوله اللَّه - عز وجل -: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) . فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان.

قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (9)

قال: فهذا القرآن يتلى، فكيف تتلى الحكمة؟ قلت: إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن، والسنة كما ينطق بها. قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى. الزاهر باب (صفة الأئمة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: " وإن أمَّ أُمِّيٌّ بمن يقرأ أعاد القارئ) . قال الأزهري: أراد الشَّافِعِي بالأُمِّيِّ هاهنا: الذي لا يحسن القراءة. والأمي: - في كلام العرب - الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، وأكثر العرب كانوا أميين. قال اللَّه - عز وجل -: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) الآية، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمياً، وكان مع ذلك حافظاً لكتاب اللَّه - عز وجل -، فكانت آية (معجزة) . ومعنى أميته: أنه لم يكن يحسن الكتابة ولا يقرؤها، فقرأ على أصحابه العرب أقاصيص الأم الخالية على ما أنزلها اللَّه - عز وجل -، ثم كررها على فريق بعد فريق بألفاظها لا بمعانيها، وليس في عرف الإنسان أن يسرد حديثاً، أو قصة طويلة ثم يعيدها إذا كررها بألفاظها، ولكنه يزيد وينقص وبغير الألفاظ. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) الأم: باب (جماع الأذان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية. فذكر اللَّه - عز وجل - الأذان للصلاة، وذكر يوم

الجمعة فكان بيناً - واللَّه تعالى أعلم - أنه أراد المكتوبة بالآيتين معاً، وسن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الأذان للمكتوبات، ولم يحفظ عنه أحد علمته أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة، بل حفظ الزهري عنه أنه كان يأمر في العيدين المؤذن فيقول: (الصلاةَ جامعة) ، ولا أذان إلا المكتوبة، وكذالك لا إقامة - أي: إلا المكتوبة - فأما الأعياد، والخسوف، وقيام شهر رمضان فأحب أن يقال فيه: (الصلاةَ جامعة) ، وإن لم يقل ذلك فلا شيء على من تركه إلا ترك الأفضل. والصلاة على الجنائز، وكل نافلة - غير الأعياد والخسوف - بلا أذان فيها ولا قول: (الصلاةَ جامعة) . الأم (أيضاً) : صلاة الجماعة: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشَّافِعِي محمد بن إدريس المطلبي قال: ذكر اللَّه تبارك وتعالى اسمه الأذان بالصلاة، فقال - عز وجل -: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا) وقال: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية، فأوجب الله - والله أعلم - إتيان الجمعة، وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان للصلوات المكتوبات. فاحتمل أن يكون أوجب إتيان صلاة الجماعة في غير الجمعة، كما أمر بإتيان الجمعة وترك البيع، واحتمل أن يكون أذن بها لتصلى بوقتها.

الأم (أيضاً) : إيجاب الجمعة: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا محمد بن ادرش الشَّافِعِي قال: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية. وقال اللَّه - عز وجل -: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن سليم، عن نافع بن جبير، وعطاء بن يسار، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "شاهد: يوم الجمعة، ومشهود: يوم عرفة" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ودلت السنة من فرض الجمعة على ما دل عليه كتاب الله تبارك وتعالى. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نحن الآخرون، ونحن السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه. فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غدٍ" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والتنزيل ثم السنة يدلان على إيجاب الجمعة. .. وكانت العرب تسميه قبل الإسلام (عَرُوبَة) قال الشاعر: نفسي الفداء لأقوامٍ همو خلطوا ... يوم العَرُوبة أزواداً بأزوادِ

قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني سلمة بن عبد الله الخطمي، عن محمد بن كعب القرظي، أنه سمع رجلاً من بني وائل يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة، أو صبياً، أو مملوكاً" الحديث. الأم (أيضاً) : من تجب عليه الجمعة بمسكنه قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا كان قومٌ ببلد يجمع أهلها، وجبت عليهم الجمعة، على من يسمع النداء، من ساكني المصر أو قريباً منه، بدلالة الآية. الأم (أيضاً) : متى يحرم البيع: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأذان الذي يجب على من عليه فرض الجمعة أن يذر عنده البيع؛ الأذان الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك الأذان الذي بعد الزوال، وجلوس الإمام على المنبر، فإن أذن مؤذن قبل جلوس الإمام

على المنبر وبعد الزوال، لم يكن البيع منهياً عنه، كما ينهى عنه إذا كان الإمام على المنبر، وأكرهه؛ لأن ذلك الوقت الذي أحب للإمام أن يجلس فيه على المنبر، وكذلك إن أذن مؤذن قبل الزوال، والإمام على المنبر، لم ينه عن البيع، إنما ينهى عن البيع إذا اجتمع - أي: شرطان -: 1 - أن يؤذن بعد الزوال. 2 - والإمام على المنبر. الأم (أيضاً) : المشي إلى الجمعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عينية، عن الزهري، عن سالم. عن أبيه قال: ما سمعت عمر - رضي الله عنه - قط يقرؤها إلا: "فامضوا إلى ذكر الله" الحديث. ومعقول أن السعي في هذا الموضع العمل. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك، عن جده جابر بن عتيك (صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا خرجت إلى الجمعة فامشي على هيئتك" الحديث.

قال الله عز وجل: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون (10)

ترتيب مسند الشَّافِعِي: في صلاة الجمعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني عبد اللَّه بن أبي لبيد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة لورحنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الجمعة سورة الجمعة والمنافقين" الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) الأم: ما جاء في أمر النكاح: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأمر في الكتاب، والسنة، وكلام الناس يحتمل معاني: 1 - أحدها: أن يكون اللَّه - عز وجل - حرم شيئاً ثم أباحه، فكان أمره إحلال ما حرم؛ كقوله: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) الآية، ونهى عن البيع عند النداء، ثم أباحه في وقت غير الذي حرم فيه.

قال الله عز وجل: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين (11)

آداب الشَّافِعِي: ما في الزكاة والسير والبيوع، والعتق، والنكاح، والطلاق: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) الآية، فأخبر سبحانه: أن البيع الذي كان محرماً عند النداء حلال حيث قضيت الصلاة، وليس بواجب أن ينتشروا. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) الأم: الخطبة قائماً: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلم أعلم مخالفاً أنها نزلت في خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة، وكان لهم سوق يقال لها البطحاء، كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والغنم والسمن، فقدموا، فخرج إليهم الناس وتركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان لهم لهو إذا تزوج أحد

من الأنصار ضربوا بالكَبَرِ (1) ، فعيرهم اللَّه بذلك فقال: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) الآية. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) الآية. ولم أعلم مخالفاً أنها نزلت في خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة. وجاء في رواية حرملة وغيره، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب يوم الجمعة قائماً، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً، فأنزلت هذه الآية. وفي حديث كعب بن عَجرة: دلالة على أن نزولها كان في خطبته قائماً. وفي حديث حصين: "بينما نحن نصلي الجمعة" فإنه عبَّر بالصلاة عن الخطبة.

_ (1) الكَبَرُ: الطبل ذو الوجه الواحد. انظر المعجم الوسيط، ص / 807.

سورة المنافقون

سورة المنافقون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) الأم: المرتد عن الإسلام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنما كفف - اللَّه سبحانه - العباد الحكم على الظاهر من القول والفعل، وتولى الله الثواب على السرائر دون خلقه، وقد قال الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) . وقد قيل: في قول اللَّه - عز وجل -: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) ما هم بمخلصين.

الأم (أيضاً) : باب الوصية للوارث: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: ما دل على ما وصفتَ من أنه لا يحكم بالباطن؟ قيل: كتاب اللَّه ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ذكر اللَّه تبارك وتعالى المنافقين فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ) قرأ إلى: (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) . فأقرَّهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتناكحون ويتوارثون ويسهم لهم إذا حضروا القسم ويحكم لهم أحكام المسلمين، وقد أخبر الله تعالى ذكره عن كفرهم، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم اتخذوا أيمانهم جُنة من القتل، بإظهار الأيمان على الإيمان. الأم (أيضاً) : اللعان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي مثل معنى هذا، من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيءِ من حق أخيه فلا يأخده فإنما أقطع له قطعة من النار" الحديث. فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه يقضي على الظاهر من كلام الخصمين، وإنَّما يحل لهما، ويحرم عليهما فيما بينهما وبين الله على ما يعلمان، ومن مثل هذا المعنى من كتاب اللَّه، قول اللَّه - عز وجل -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) إلى قوله: (لَكَاذِبُونَ) الآية. فحقن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

دماءهم بما أظهروا من الإسلام، وأقرهم على المناكحة والموارثة، وكان الله أعلم بدينهم بالسرائر، فأخبره الله تعالى أنهم في النار فقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الآية. وهذا يوجب على الحكام ما وصفت من ترك الدلالة الباطنة، والحكم بالظاهر من القول، أو البينة، أو الاعتراف، أو الحجة. الأم (أيضاً) : باب (ما يحرم به الدم من الإسلام) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فبين أن إظهار الإيمان ممن لم يزل مشركاً حتى أظهر الإيمان، وممن أظهر الإيمان ثم أشرك بعد إظهاره، ثم أظهر الإيمان مانع لدم من أظهره، في أي هذين الحالين كان، وإلى أي كفر صار، كفر يسرُّه، أو كفر يظهره، وذلك أنه لم يكن للمنافقين دين يظهر كظهور الدينِ الذي له أعياد، وإتيان كنائس، إنَّما كان كفر جحد وتعطيل، وذلك بين في كتاب الله - عزَّ وجلَّ، ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بأن الله - عزَّ وجلَّ أخبر عن المنافقين بأنهم اتخذوا أيمانهم جنة. يعني - والله أعلم -: من القتل، ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جنة فقال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) الآية. فأخبر عنهم بأنهم آمنوا ثم كفروا بعد

الإيمان كفراً إذا سئلوا عنه أنكروه، وأظهروا الإيمان، وأقروا به، وأظهروا التوبة منه، وهم مقيمون فيما بينهم وبين الله على الكفر. الأم (أيضاً) : باب (القراءة في العيدين والجمعة) : قال الربيع رحمه اللَّه: سألت الشَّافِعِي: بأي شيء تحب أن يقرأ في العيدين. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: بـ: (ق) و (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) ، وسألته بأي شيء تستحب أن يقرأ في الجمعة؟ فقال: في الركعة الأولى بالجمعة، واختار في الثانية: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) لو قرأة (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) أو (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) كان حسناً، لأنه قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأها كلها. فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال: إبراهيم - بن محمد - وغيره، عن جعفر، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في إثر سورة الجمعة. (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) . الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وقال الله تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً)

قال الله عز وجل: (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)

يعني - واللَّه تعالى أعلم - من القتل فمنعهم من القتل، ولم يُزِل عنهم في الدنيا أحكام الإيمان بما أظهروا منه، وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار بعلمه بأسرارهم، وخلافها لعلانيئهم بالإيمان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال - اللَّه تعالى - له في المنافقين وهم صنف ثان: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً) . يعني - والله أعلم -: أيمانهم بما يسمع منهم من الشرك بعد إظهار الإيمان جُنة من القتل. مختصر المزني: باب (طول القراءة وقصرها) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحب أن يقرأ في العشاء بسورة الجمعة. و (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) وما أشبهها في الطول. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) الأم: من ليس للإمام أن يغزوا به بحال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق فشهدها معه عدد، فتكلموا بما حكى اللَّه تعالى من قولهم: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) الآية. وغير ذلك مما حكى الله من نفاقهم.

سورة التغابن

سورة التغابن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) أحكام القرآن: فصل (في معرفة العموم والخصوص) : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الآية. فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء من سماء، وأرض، وذي روح، وشجر. وغير ذلك، فالله خالقه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) الرسالة: بيان فرض الله في كتابه اتباع سنه نبيه - صلى الله عليه وسلم -: انظر تفسير الآيتين / 136 ولم 17 من سورة النساء، والآية / 158 من سورة الأعراف، فقد علق عليها العلامة أحمد محمد شاكر فليرجع إليهما ففيها تعليقات وأدب رائع في بيان الخطأ، وتوضيح الصواب.

قال الله عز وجل: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الأم: الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر: بعد أن ذكر حديث إرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه - إلى اليمين معلماً وقاضياً قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله، ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولقول الله عزَّ وجلَّ: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) وما لم أعلم فيه مخالفاً من أهل العلم، ثم ذلك موجود في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا اجتهد. . ." الحديث. لأن الاجتهاد ليس بعين قائمة، وإنَّما هو شيء يحدثه من قِبَلِ نفسه، فإذا كان هذا هكذا، فكتاب اللَّه والسنة والإجماع أولى من رأى نفسه، ومن قال الاجتهاد أولى خالف الكتاب والسنة برأيه.

سورة الطلاق

سورة الطلاق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الأم: جماع وجه الطن: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الآية، وقرئت: (لقُبُلِ عدتهن) وهما لا يختلفان في معنى. أخبرنا مالك عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أنه طلق امرأته في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض، قال عمر - رضي الله عنه -: فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شاء أمسكها، وإن شاء طلقها قبل أن يمسَّ، فتلك العدة التي أمر الله - عزَّ وجلَّ أن تطلق لها النساء" الحديث.

أخبرنا مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن (مولى عَزَّة) يسأل عبد اللَّه بن عمر، وأبو الزبير يسمع، فقال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً؟ فقال ابن عمر رضي اللَّه عنهما: طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضاً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك" الحديث. قال ابن عمر: قال اللَّه تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ في قُبُل عدتهنَّ) أو (لقبل عدتهن) شك الشَّافِعِي، الحديث. أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن مجاهد أنه كان يقرؤها كذلك الحديث. أخبرنا مالك، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر أنه كان يقرؤها: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لقُبُلِ عدتهن) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فبين والله أعلم في كتاب اللَّه - عز وجل بدلالة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن القرآن والسنة في المرأة المدخول بها التي تحيض دون من سواها من المطلقات، أن تطلق لقبل عدتها، وذلك أن حكم اللَّه تعالى أن العدة على المدخول بها، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يأمر بطلاق طاهر من حيضها التي يكون لها طهر وحيض، وبَين أن الطلاق يقع على الحائض؛ لأنه إنما يؤمر بالمراجعة من لزمه الطلاق، فأما من لم يلزمه الطلاق فهو بحاله قَبل الطلاق.

الأم (أيضاً) : الخلاف في الطلاق الثلاث: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال: أنت طالق ألبتة ينوي ثلاثاً فهي ثلاث. وإن نوى واحدة فواحدة، وإن قال: أنت طالق ينوي بها ثلاثاً فهي ثلاث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحب أن يكون الخيار في طهر لم يمسها فيه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحب أن لا يملك الرجل امرأته، ولا يخيرها، ولا يخالعها، ولا يجعل إليها طلاقاً بخلع ولا غيره، ولا يوقع عليها طلاقاً إلا طاهراً قبل جماع، قياساً على الطلقة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن تطلق طاهراً، وقال اللَّه - عز وجل -: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) الآية. فإذا كان هذا طلاقاً يوقعه الرجل أو توقعه المرأة بأمر الرجل فهو كإيقاعه، فلا أحب أن يكون إلَّا وهي طاهر من غير جماع. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عكرمة بن خالد، أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلاً أتى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: طلقت امرأتي مائة، فقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "تأخد ثلاثاً وتدع سبعاً وتسعين " الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء وحده - عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: "وسبعاً وتسعين عدواناً، اتخذت بها آيات الله هزواً، فعاب عليه ابن عباس رضي الله عنهما

كل ما زاد عن عدد الطلاق الدي لم يجعله الله إليه، ولم يعب عليه ما جعل الله إليه من الثلاث، وفي هذا دلالة على أنه يجوز له عنده أن يطلق ثلاثاً، ولا يجوز له ما لم يكن إليه. الأم (أيضاً) : باب (الوصية للزوجة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن الله تبارك وتعالى يقول للمطلقات: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) . فلما فرض اللَّه في المعتدة من الطلاق السكنى، وكانت المعتدة من الوفاة في معناها، احتملت أن يُجعل لها السكنى؛ لأنها في معنى المعتدات. فإن كان هذا هكذا فالسكنى لها في كتاب اللَّه - عز وجل - منصوص، أو في معنى من نص لها السكنى في فرض الكتاب، وإن لم يكن هكذا فالفرض في السكنى لها في السنة، ثم فيما أحفظ عمن حفظت عنه من أهل العلم: أن للمتوفى عنها السكنى ولا نفقة. الأم (أيضاً) : الخلاف في نفقه المرأة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) الآية، وأخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عمرو بن علقمة. عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله تعالى:

(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية. قال: - ابن عباس - أن تبذو على أهل زوجها، فإن بذت فقد حل إخراجها، قال - أي: المحاور -: هذا تأويل قد يحتمل ما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - ويحتمل غيره، أن تكون الفاحشة خروجها، وإن تكون الفاحشة أن تخرج للحد. قال: فقلت له (أي: الشَّافِعِي) : فإذا احتملت الآية ما وصفت، فأي المعاني أولى بها؟ قال: معنى ما وافقته السنة، فقلت فقد ذكرت لك السنة في فاطمة، فأوجَدتك ما قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم. الأم (أيضاً) : مُقَام المتوفي عنها، والمطلقاة في بيتها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى في المطلقات: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، فكانت هذه الآية في المطلقات، وكانت المعتدات من الوفاة معتدات كعدة المطلقة. فاحتملت أن تكون: في فَرضِ السكنى للمطلقات، ومَنع إخراجهن تدل على أن في مثل معناهن في السكنى ومنع الإخراج المتوفى عنهن؛ لأنهن في معناهن في العدة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن على المتوفى عنها، أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله.

واحتمل أن يكون ذلك على المطلقات دون المتوفى عنهن، فيكون على زوج المطلقة أن يسكنها؛ لأنه مالِك مالَه، ولا يكون على زوج المرأة المتوفى عنها سُكْنَها؛ لأن ماله مملوك لغيره، وإنَّما كانت السكنى بالموت، إذ لا مال له - والله تعالى أعلم -. الأم (أيضاً) : العذر الذي يكون للزوج أن يخرجَها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المطلقات: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا عبد العزيز بن محمد - الدراوردي -، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية. أنه كان يقول: "الفاحشة المبينة: أن تبذوَ على أهل زوجها، فإذا بذت فقد حل إخراجها "، الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث فاطمة بنت قيس إذ بذت على أهل زوجها؛ فأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، تدل على معنيين: أحدهما: أن ما تاول ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله - عزَّ وجلَّ -: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، هو: البذاء على أهل زوجها كما تأول - إن شاء الله تعالى -.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبين إنما أذن لها أن تخرج من بيت زوجها، فلم يقل لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: اعتدِّي حيث شئت، ولكنه حصنها حيث رضي إذ كان زوجها غائباً، ولم يكن له وكيل بتحصينها. فإذا بذت المرأة على أهل زوجها، فجاء من بذائها ما يُخاف تساعر بذاءة إلى تساعر الشر فلزوجها إن كان حاضراً إخراج أهله عنها، فإن لم يخرجهم أخرجها إلى منزل غير منزله فحصَّنها فيه، وكان عليه كراؤه إذا كان له منعها أن تعتد حيث شاءت، كان عليه كراء المنزل، وإن كان غائباً كان لوكيله من ذلك ماله، وإن لم يكن له وكيل، كان السلطان ولي الغائب، بفرض لها منزلاً فيحصنها فيه، فإن تطوع السلطان به، أو أهل المنزل فذلك ساقط عن الزوج، ولم نعلم فيما مضى أحداً بالمدينة كرى أحداً منزلاً، إنما كانوا يتطوعون بإنزال منازلهم، وبأموالهم مع منازلهم، وإن لم يتطوع به السلطان ولا غيره، فعلى زوجها كراء المنزل الذي تصير إليه. الأم (أيضاً) : باب (حج المرأة والعبد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن اللَّه تعالى قال في المعتدات: (وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية. فقيل: يقام عليها الحد، فإذا كان هذا هكذا فقد بين اللَّه - عز وجل - أنه لم يمنعها الخروج من حق لزمها. وإن لم يكن هكذا وكان خروجها فاحشة. فهي بالمعصية بالخروج إلى غير حق ألزم. فإن قال قائل: ما دل على هذا؟ قيل: لم يختلف الناس - عَلِمتُه - أن المعتدة تخرج من بيتها لإقامة الحد عليها، وكل حق لزمها. والسنة تدل على أنها ئخرَجُ من بيتها للبذاء كما أخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت قيس.

مختصر المزني: باب (مقام المطلقة في بيتها والمتوفى عنها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى في المطلقات: (وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الآية، وقال - صلى الله عليه وسلم - لفُرَيعة بنت مالك حين أخبرته أن زوجها قُتل، وأنه لم يتركها في مسكن يملكه: "اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " الحديث. قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: الفاحشة المبينة أن تبذو على أهل زوجها، فإن بذت فقد حل إخراجها. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قدوم الشَّافِعِي العراق أيام المأمون) : أبو ثور رحمه اللَّه: قلت - أي: للشافعي -: رحمك اللَّه، وما الخاص الذي يريد به - الله تعالى - العام؟ وما العام الذي يريد به الخاص؟ (وكنا لا نعرف الخاص من العام، ولا العام من الخاص) . فقال الشَّافِعِي رحمه الله: قوله جل وعلا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) إنما أراد به أبا سفيان. وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) فهذا خاص يريد - اللَّه تعالى - به العام.

قال الله عز وجل: (وأقيموا الشهادة لله)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) الأم: باب (ما يجب على المرء من القيام بشهادته) : قال الشَّافِعِي رحمه الله وقال اللَّه تعالى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) الآية. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد وقد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن يقوم بها على والديه وولده، والقريب والبعيد، وللبغيض القريب والبعيد، ولا يكتم عن أحد ولا يحابى بها ولا يمنعها أحداً، ثم تتفرع الشهادات فيجتمعون ويختلفون فيما يلزم منها وما لا يلزم. الأم (أيضاً) : الحربي يدخل دار الإسلام بأمان فأودع ماله ثم رجع: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قَدِم الحربي دار الإسلام بأمان فمات، فالأمان لنفسه وماله، ولا يجوز أن تؤخذ من ماله شيء، وعلى الحاكم أن يرده إلى ورثته حيث كانوا، ولا يقبل إن لم تعرف ورثته شهادة أحد غير المسلمين، ولا يجوز في هذه الحال، ولا في غيرها شهادة أحد خالف دين الإسلام لقول اللَّه تعالى:

(ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، وقوله: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) وهذا مكتوب في كتاب الشهادات. الأم (أيضاً) : المدَّعي والمدَّعَى عليه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور -: أفتجيز شهادة أهل الذمة على وصية مسلم اليوم كما زعمت أنها في القرآن؟ قال: لا. قلت: ولم؟ قال: هي منسوخة. قلت: بماذا؟ قال بقوله تعالى: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية. قلت: وما نُسِخ لم يُعمل به، وعُمِل بالذي نسخه. قال: نعم. قلت: فقد زعمت بلسانك أنك - قد - خالفت القرآن، إذ زعمت أن اللَّه شرط أن لا يجوز إلا مسلم، وأجزت كافراً - أي: شهادة الكافر -، وإذا نسخت فيما زعمت أنها نزلت فيه، أفتثبت في غير ما نزلت فيه؛ قال: لا. قلت: فما الحجة في إجازة شهادة أهل الذمة؟ قال: إن شريحاً أجازها، فقلت له: أنت تزعم أنها منسوخة لقول اللَّه - عز وجل -: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، أو (شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) يعني المؤمنين ثم تخالف هذا؟! قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت قول الله عزَّ وجلَّ: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) وقوله: (حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فشرط العدل في هاتين الآيتين. . .

قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت له - أي: للمحاور - أرأيت لو قال لك قائل: أجز في البيع، والقذف، وشهود الزنا غير العدل كما قلت في العتق؛ لأني لم أجد في التنزيل شرط العدل كما وجدته في غير هذه الأحكام، قال: ليس ذلك له، قد يُكتفى بقول اللَّه - عز وجل (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية. فإذا ذكر الشهود فلا يقبلون إلا ذوي عدل، وإن سكت عن ذكر العدل فاجتماعهما في أنهما شهادة يدل على أن لا يقبل فيها إلا العدل. قلت: هذا كما قلت، فلِمَ لم تقل بهذا؟! قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي: المحاور - فالناس مجتمعون على أن لا يجيزوا شهادة أهل الأوثان. قلنا: الذي تحتج بإجماعهم معك من أصحابنا لم يردوا شهادة أهل الأوثان إلا من قول الله - عزَّ وجلَّ: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) والآية معها، وبذلك رذوا شهادة أهل الذمة، فإن كانوا أخطؤوا فلا نحتج بإجماع المخطئين معك، وإن كانوا أصابوا فاتبعهم، فقد اتبعوا القرآن، فلم يجيزوا شهادة من خالف دين الإسلام، قال: فإنما شريحاً أجاز شهادة أهل الذمة. فقلت له: وخالف شريحاً غيره من أهل دار السنة والهجرة والنصرة، فأبوا إجازة شهادتهم ابن المسيب، وأبو بكر بن حرّم وغيرهما. الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) وقال: (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية، أفرأيت حاكمين شهد عندهما شاهدان بأعيانهما، فكانا عند أحد الحاكمين عدلين، وعند الآخر غير عدلين؛

قال: فعلى الذي هما عنده عدلان أن يجيزهما، وعلى الآخر، الذي هما عنده غير عدلين، أن يردهما. قلت له: فهذا الاختلاف. قال: نعم. فقلت له: أراك إذن جعلت الاختلاف حُكمين؟ فقال: لا يوجد في المغيَّب إلا هذا، وكل وإن اختلف فعله وحكمه فقد أدى ما عليه. قلت: فهكذا قلنا. الأم (أيضاً) : الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاور - قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية. قال: فلم قلت: إنها تكون للأزواج، الرجعة في العدة قبل التطليقة الثالثة. فقلت له: لما بين اللَّه - عز وجل - في كتابه: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَاآ) . قال: فلم قلت في قول اللَّه تعالى في المطلقات: (فَإِذَا بَلَغنَ أجَلَهُن فَا"تسِكُوهُن بِمَغرُولمحي أو فَارِقُوهُن بِمَغزوفم) الآية، إذا قاربن بلوغ أجلهن. وقلت: في قول اللَّه - عز وجل - في المتوفى عنها زوجها: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية. هذا إذا قضين أجلهن؛ والكلام فيهما واحد! قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له: (بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) يحتمل قاربن البلوغ. وبلغن: فرغن مما عليهن، فكان سياق الكلام في الآيتين دليل على فرق بينهما، لقول اللَّه تبارك وتعالى في الطلاق: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية. وقال: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا)

فلا تؤمر بالإمساك إلا من يجوز له الإمساك في العدة؛ فيمن ليس لهن أن يفعلن في أنفسهن ما شئن في العدة، حتى تنقضي العدة، وهو كلام عربي هذا من أبينه، وأقله خفاء؛ لأن الآيتين تدلان على افتراقهما بسياق الكلام فيهما. الأم (أيضاً) : ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر اللَّه تبارك وتعالى الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء: الطلاق، والفراق، والسراح، وقال عزَّ وجلَّ: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) وقال جل ثناؤه: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية. وقال تبارك اسمه لنبيه في أزواجه: (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: فمن خاطب امرأته فأفرد لها اسماً من هذه الأسماء، فقال: أنت طالق، أو قد طلقتك، أو قد فارقتك، أو قد سرحتك لزمه طلاق، ولم ينو في الحكم، ونوَّينَاه فيما بينه وبين الله تعالى. الأم (أيضاً) : باب (الشهادة في الطلاق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأمر الله - عزَّ وجلَّ في الطلاق والرجعة بالشهادة، وسمى فيها عدد الشهادات فانتهى إلى شاهدين، فدل ذلك على أن كمال الشهادة على

قال الله عز وجل: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن)

الطلاق والرجعة شاهدان، فإذا كان ذلك كمالها لم يجز فيها شهادة أقل من شاهدين. الأم (أيضاً) : عدة المطلقة يملك زوجُها رجعتَها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن قال هذا، ذهب إلى أن المطلق كان: إذا ارتجع في العدة ثبتت الرجعة، لما جعل اللَّه - عز وجل - في العدة له من الرجعة، وإلى أن قول اللَّه - عز وجل -: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الآية. لمن راجع ضراراً في العدة لا يريد حبس المرأة رغبة. ولكن عضلاً عن أن تحل لغيره. الأم (أيضاً) : الإذن في الهجرة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان المسلمون المستضعفين بمكة زماناً، لم يؤذن لهم فيه بالهجرة منها، ثم أذن اللَّه - عز وجل - لهم بالهجرة، وجعل لهم مخرجاً فيقال نزلت: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الآية. فأعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قد جعل اللَّه ئبارك وتعالى لهم بالهجرة مخرجاً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) الأم: العدد (عدة المدخول بها التي تحيض) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: جعل - اللَّه تبارك وتعالى - على الحُيَّض الأقراء. وعلى المؤيسات وغير البوالغ الشهور، فقال: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) .

فإذا كانت تحيض فإنها تصبر إلى الإياس من المحيض بالسن التي من بلغتها من نسائها أو أكثرهن لم تحض، فينقطع عنها الحيض في تلك المدة، وقد قيل: إن مدتها أكثر الحمل، وهو أربع سنين، ولم تحض كانت مؤيسة من المحيض فاعتدت ثلاثة أشهر، وقيل: تتربص تسعة أشهر - واللَّه تعالى أعلم -، ثم تعتد ثلاثة أشهر. الأم (أيضاً) : عدة التي يئست من المحيض والتي لم تحض: قال الشَّافِعِي رحمه الله: سمعت من أرضى من أهل العلم بقول: إن أول ما أنزل اللَّه - عز وجل - من العدد (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) فلم يعلموا ما عدة المرأة التي لا أفراء لها، وهي: التي لا تحبض، ولا الحامل، فأنزل اللَّه عز ذكره: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) الآية، فجعل عدة المؤشمة، والتي لم تحض ثلاثة أشهر. وقوله: (إِنِ ارْتَبْتُمْ) فلم تدروا ما تعتد غير ذات الأقراء. وقال اللَّه تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية. قال - أي: الشَّافِعِي -: وهذا - والله أعلم - يشبه ما قالوا. الأم (أيضاً) : العدة من الموت والطلاق والزوج غائب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال عز ذكره: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في حكم الله عز ذكره، أن العدة من يوم يقع الطلاق وتكون الوفاة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا علمت المرأة يقين وفاة الزوج، أو طلاقه ببينة تقوم لها على موته، أو طلاقه، أو أي علم صادق ثبت عندها، اعتدت من يوم يكون الطلاق، وتكون الوفاة وإن لم تعتد حتى تمضي عدة الطلاق والوفاة، لم يكن عليها عدة؛ لأن العدة إنما هي مدة تمر عليها، فإذا مرت عليها فليس عليها مقام مثلها. الأم (أيضاً) : باب (الوصية للزوجة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل - في عدة الطلاق: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) . 1 - فاحتملت الآية: أن تكون في المطلقة لا تحيض خاصة؛ لأنها سياقها. 2 - واحتملت أن تكون: في المطلقة، كل معتدة مطلقة تحيض ومتوفى عنها؛ لأنها جامعة. 3 - ويحتمل أن يكون: استئناف كلام على المعتدات. فإن قال قائل: فأي معانيها أولى بها؟ قيل - واللَّه تعالى أعلم -: فأما الذي يشبه فأن تكون في كل معتدة ومستبرأة.

فإن قال: ما دل على ما وصفت؟ قيل: - قال الشَّافِعِي -: لما كانت العدة استبراء وتعبداً، وكان وضع الحمل براءة من عدة الوفاة، هادماً للأربعة أشهر والعشر، كان هكذا في جميع العدد والاستبراء - واللَّه أعلم -، مع أن المعقول أن وضع الحمل غاية براءة الرحم حتى لا يكون في النفس - منه - شيء، فقد يكون في النفس شيء في جميع العدد والاستبراء، وإن كان ذلك براءة في الظاهر - واللَّه سبحانه وتعالى الموفق -. الأم (أيضاً) : عدة الحامل: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ في المطلقات: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فافي مطلقة طُلقت حاملاً، فأجلُها أن تضع حملها. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فإن كانت تحيض على الحمل، تركت الصلاة، واجتنبها زوجها، ولم تنقضِ عدتها بالحيض؛ لأنها ليست من أهله، إنما أجلها أن تضع حملها. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن كانت ترى أنها حامل، وهي تحيض فارتابت. أحْصَتِ الحيضَ، ونظرت في الحمل، فإن مرّت لها ثلاث حيض فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة، وقد بانَ لها أن ليس بها حمل فقد انقضت عدتها بالثلاث الحيض، فإن ارتجعها زوجها في حال ارتيابها بعد ثلاث حيض، وقفنا الرجعة فإن بانَ بها حمل فالرجعة ثابتة، وإن بانَ أن ليس بها حمل فالرجعة باطلة.

الأم (أيضاً) : باب (في قطع العبد) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية. فقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: تعتد آخر الأجلين. وروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما مثل قوله، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إذا وضعت ذا بطنها فقد حلت. وفي هذا كتاب وسنة، وفي الأقراء قبله كتاب ودلالة من سنة. الرسالة: في العدد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية. فقال بعض أهل العلم: قد أوجب اللَّه على المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً، وذكر أن أجل الحامل أن تضع، فإذا جمعت أن تكون حاملاً متوفى عنها: أتت بالعدتين معاً، كما أجدها في كل فرضين جعلا عليها أتت بهما معاً. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسبيعة بنت الحارث الأسلمية، ووضعت بعد وفاة زوجها بأيام: "قد حللت فنزوجي" الحديث. دلَّ هذا على أن العدة في الوفاة والعدة في الطلاق بالأقراء والشهور؛ إنما أريد به من لا حمل به من النساء، وأن الحمل إذا كان فالعدة سواه ساقطة.

قال الله عز وجل: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن)

قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الأم: نفقة المرأة التي لا يملك زوجها رجعتها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المطلقات: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية. فكان بيناً - والله تعالى أعلم في هذه الآية - أنها في المطلقة التي لا يملك زوجها رجعتها، من قِبَلِ أن اللَّه - عز وجل - لما أمر بالسكنى عامًّا ثم قال: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية. دلَّ على أن الصنف الذي أمِر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن صنف دلَّ الكتاب على أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال منهن؛ لأنه إذا أوجب لمطلقة بصفة نفقة، ففي ذلك دليل على أنه لا تجب لمن كان في غير صفتها من المطلقات. الأم (أيضاً) : الخلاف في نفقه المرأة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله - عزَّ وجلَّ في المطلقات: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية. فاستدللنا على أن لا فرض في الكتاب لمطلقة مالكة لأمرها غير حامل.

قال - أي: المحاور -: فإنه - سبحانه وتعالى - قد ذكر المطلقات مرسلات، لم يخصص واحدة دون الأخرى، وإن كان كما تقول ففيه دلالة على أن لا نفقة لمطلقة، وإن كان زوجها يملك الرجعة، وما مبتدأ السورة إلا على المطلقة للعدة. قلتُ له: قد يطلق للعدة ثلاثاً. قال - أي: المحاور -: فلو كان كما تقوق ما كانت الدلالة على أنه أراد بمنع النفقة المبتوتة دون التي له رجعة عليها. قلتُ: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طًله ئثبت أن الممنوعة النفقة المبتوتة بحميع الطلاق دون التي لزوجها عليها الرجعة، ولو لم تدل السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فكانت الآية تأمر بنفقة الحامل، وقد ذكر المطلقات فيها، دلت على أن النفقة للمطلقة الحامل دون الطلقات سواها، فلم يجز أن ينفق على مطلقة إلا أن يجمع الناس على مطلقة تخالف الحامل إلى غيرها من المطلقات، فيُنفق عليها بالإجماع دون غيرها. الأم (أيضاً) : عدة الأمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك إن كانت - أي: الأمة - مطلقة طلاقاً لا يملك الرجعة، كانت عليه نفقتها حاملاً ما لم يخرجها سيدها من منزله؛ لأن الله - عز وجل - يقول في المطلقات: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الآية. ولم نجد أثراً لازماً ولا إجماعاً بأن لا ينفق على الأمة الحامل، ولو ذهبنا إلى أن نزعم أن النفقة على الحامل إنما هي للحمل، كانت نفقة الحمل لا تبلغ بعض نفقة أمة، وكما يكون لو كان مولوداً لم تبلغ نفقته بعض نفقة أمه، ولكنه حكم اللَّه تعالى علينا اتباعه تعبداً.

وقد ذهب بعض الناس إلى أن جعل للمطلقة لا يملك زوجها رجعتها النفقة قياساً على الحامل، فقال: الحامل محبوسة بسببه، وكذلك المعتدة بغير الحمل محبوسة بسببه عن الأزواج. فذهبنا: إلى أنه غلط، وإنَّما أنفقنا على الحامل بحكم اللَّه - عز وجل - لا بأنها محبوسة بسببه، وقد تكون محبوسة بسببه بالموت ولا نفقة لها، واستدللنا بالسنة على أن لا نفقة للتي لا يملك زوجها رجعتها إذا لم تكن حاملاً. الأم (أيضاً) : باب (الطلاق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً وقد دخل بها، فإن أبا حنيفة رحمه اللَّه تعالى كان يقول في ذلك: لها السكنى والنفقة حتى تنقضي عدتها وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: لها السكنى وليس لها النفقة. وقال أبو حنيفة: ولِمَ؟ وقد قال الله - عزَّ وجلَّ في كتابه: (فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) وبلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه جعل للمطلقة ثلاثاً السكنى والنفقة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً ولا حبل بها، فلها السكنى وليس لها نفقة، وهذا مكتوب في كتاب الطلاق. الأم (أيضاً) : باب (سكنى المطلقات ونفقاتهن) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عز ذكره في المطلقات: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر اللَّه - عز وجل - المطلقات جملة لم يخصص منهن مطلقة دون مطلقة، فجعل على أزواجهن أن يسكنوهن من وجدهن، وحرم عليهم أن يخرجوهن، وعليهن أن يخرجن إلا أن - يأتين - بفاحشة مبينة فيحل إخراجهن، فكان من خوطب بهذه الآية من الأزواج يحتمل أن إخراج الزوج امرأته المطلقة من بيتها منعها السكنى. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويحتمل أمر اللَّه - عز وجل - بإسكانهن وأن لا يخرجن، ولا يخرجن مع ما وصفت أن لا يخرجن بحال ليلاً ولا نهاراً، ولا لمعنى إلا معنى عذر. وقد ذهب بعض من ينسب إلى العلم في المطلقة هذا المذهب، فقال: لا يخرجن ليلاً ولا نهاراً بحال إلا من عذر. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولو فعلت هذا كان أحب إليَّ، وكان احتياطاً لا يبقى في القلب معه شيء. الأم (أيضاً) : الإجارات: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والأجارات أصول في أنفسها، بيوع على وجهها. وهذا كله جائز، قال الله تبارك وتعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) فأجاز الإجارة على الرضاع، والرضاع يختلف لكثرة رضاع المولود وقلته. وكثرة اللبن وقلته، ولكن لما لم يوجد فيه إلا هذا جازت عليه، وإذا جازت عليه جازت على مثله، وما هو في مثل معناه، وأحرى أن يكون أبين منه.

الأم (أيضاً) : وجوب نفقه المرأة) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عزَّ وجلَّ: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) . أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا ابن عيينه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هنداً قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما يدخل بيتي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة. عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها حدثته أن هنداً أم معاوية، جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سراً وهو لا يعلم، فهل عليَّ في ذلك من شيء؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خدي ما يكفيك وولدك بالمعروف" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: (في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الآية. بيان أن على الأب أن يقوم بالمؤنة التي في صلاح صغار ولده من رضاع، ونفقة، وكسوة، وخدمة.

قال الشَّافِعِي رحمه الله: وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض والحلم، ثم لا نفقة لهم عليه إلا أن يتطوع، إلا أن يكونوا زَمنَى فينفق عليهم قياساً على النفقة عليهم، إذا كانوا لا يُغنون أنفسهم في الصغر، وسواء في ذلك الذكر والأنثى. الأم (أيضاً) : النفقة على الأقارب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففي كتاب الله - عزَّ وجلَّ، ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيان أن الإجارة جائزة على ما يعرف الناس، إذ قال اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية. والرضاع يختلف فيكون صبي أكثر رضاعاً من صبي، وتكون امرأة أكثر لبناً من امرأة، ويختلف لبنها فيقل ويكثر، فنجوز الإجارة على هذا؛ لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به من هذا. الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في النكاح على الإجارة) قال الشَّافِعِي رحمه الله: الصداق ثمن من الأثمان، فكل ما يصلح أن يكون ثمناً صلح أن يكون صداقاً. .. فإن قال قائل: ما دلَّ على هذا؟ قيل: إذا كان المهر ثمناً كان في معنى هذا، وقد أجازه اللَّه - عز وجل - في الإجارة في كتابه، وأجازه المسلمون، وقال اللَّه - عز وجل -: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الآية. مختصرالمزني: نفقة التي لا يملك زوجها رجعتها وغير ذلك: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) وقال: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)

قال الله عز وجل: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله)

فلما أوجب اللَّه لها نفقة بالحمل، دل على أن لا نفقة لها بخلاف الحمل. ولا أعلم خلافاً أن التي يملك رجعتها في معاني الأزواج في أن عليه نفقتها وسكناها، وأن طلاقه، وإيلاءه، وظهاره، ولعانه يقع عليها وأنها ترثه ويرثها. فكانت الآية على غيرها من المطلقات، وهي التي لا يملك رجعتها وبذلك جاءت سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فاطمة بنت قيس: بتَّ زوجُها طلاقَها، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ليس لكِ عليه نفقة" الحديث. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في العدة وفي الرضاع وفي النفقات: وبهذا الإسناد في (الإملاء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يلزم المرأة رضاع ولدها، كانت عند زوجها، أو لم تكن، إلا إن شاءت. وسواء كانت شريفة، أو دنيَّة، أو موسرة، أو معسرة. لقول اللَّه - عز وجل -: (وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) الأم: باب (قَذرِ النفقة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: والنفقة نفقتان: 1 - نفقة الموسر.

2 - ونفقة المقتر عليه رزقه، وهو: الفقير، قال اللَّه - عز وجل -: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأقل ما يلزم المقتر من نفقة امرأته بالمعروف ببلدهما. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن كان المعروف أن الأغلب من نظرائها لا تكون إلا مخدومة، عالها وخادماً لها واحداً لا يزيد عليه، وأقل ما يعولها به وخادمها ما لا يقوم بدن أحد على أقل منه، وذلك مدٌّ بمدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في كل يوم من طعام البلد الذي يقتاتون (حنطة كان أو شعيراً أو ذرة أو أرزاً أو سلقاَ) ولخادمها مثله، ومكيلة من أدُمِ بلادها (زيتاً كان أو سمناً) ، بقدر ما يكفي ما وصفت من ثلاثين مداً في الشهر، ولخادمها شبيه به، ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها، ولا يكون ذلك لخادمها؛ لأنه ليس بالمعروف لها.

سورة التحريم

سورة التحريم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) الأم: الحجة في ألبتة وما أشبهها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) فلما لم يُرد الزوج بتحريم امرأته طلاقاً كان أوقع التحريم على فرج مباح له، لم يحرم بتحريمه، فلزمته كفارة فيه، كما لزم من حرّم أمته كفارة فيها، ولم تحرم عليه لتحريمه؛ لأنهما معاً تحريم لفرجين لم يقع بواحد منهما طلاق. ولو قال: كل ما أملك علي حرام يعني امرأته وجواريه وماله، كفَّر عن امرأته والجواري كفَّارة كفَّارة إذا لم يرد طلاق المرأة. ولو قال: مالي على حرام لا يريد امرأته ولا جواريه لم يكن عليه كفَّارة. ولم يحرم عليه ماله.

قال الله عز وجل: (وقودها الناس والحجارة)

الأم (أيضاً) : باب (الطلاق) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا قال الرجل لامرأته أنت على حرام، فإن نوى طلاقاً فهو طلاق، وهو ما أراد من عدد الطلاق، والقول في ذلك قوله مع يمينه، وإن لم يرد طلاقاً فليس بطلاق، ويكفر كفارة يمين قياساً على الذي يُحرّم أمته، فيكون عليه فيها الكفارة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم أمته فأنزل اللَّه - عز وجل -: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ) الآية. وجعلها اللَّه - عز وجل - يميناً فقال: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) الرسالة: باب (بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله خاص) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله جل ثناؤه: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) فدلَّ كتاب اللَّه على أنه: إنما وَقُودها بعض الناس، لقول الله: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) .

سورة الملك

سورة الملك بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ. . .) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يستدل به على معرفة الشَّافِعِي بأصول الكلام وصحة اعتقاده فيها) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وروي عن عون بن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبيه. واختلف عليه في إسناده ومتنه، وهو إن صح فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - خاطبها على قَدرِ معرفتها، فإنها وأمثالها قبل الإسلام - كانوا يعتقدون في الأوثان أنها آلهة في الأرض، فأراد أن يعرف إيمانها، فقال لها: أين اللَّه؟ حتى إذا أشارت إلى الأصنام عرف أنها غير مؤمنة، فلما قالت: في السماء، عرف أنها برئت من الأوثان، وأنها مؤمنة بالله الذي في السماء إله وفي الأرض إله، أو أشار، وأشارت إلى ظاهر ما ورد به الكتاب. ثم معنى قوله في الكتاب: (مَنْ فِي السَّمَاءِ) الآية، أي: من فوق السماء على العرش.

سورة القلم

سورة القلم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) الأم: الخلاف (أي: (الفيء) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا من أهل العلم أنه لما قدم على عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه بما أصيب بالعراق، قال له صاحب بيت المال: ألا أدخِلُه بيت المال؛ قال: لا ورب الكعبة لا يؤوى تحت سقف بيت حتى أقسمه، فأمر به فوضع بالمسجد، ووضعت عليه الأنطاع وحرسه رجال المهاجرين والأنصار. فلما أصبح غدا مع العباس بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنهما، أخذ بيد أحدهما، أو أحدهما أخذ بيده، فلما رأوه قشطوا الأنطاع عن الأموال، فرأى منظراً لم يُرَ مثله، رأى الذهب فيه، والياقوت، والزبرجد، واللؤلؤ يتلألأ، فبكى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقال له أحدهما: - إنه - والله ما هو بيوم بكاء، ولكنه يوم شكر وسرور. فقال: إني واللَّه ما ذهبتُ حيث ذهبتَ. ولكنه واللَّه ما كثر هذا في قوم قط إلا وقع بأسهم بينهم، ثم أقبل على القبلة،

ورفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرَجاً فإني أسمعك تقول: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) الآية.

سورة المعارج

سورة المعارج بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) الأم: تسرى العبد: قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) . فدل كتاب اللَّه - عز وجل - على أن ما أباحه من الفروج فإنما أباحه من أحد الوجهين: النكاح، أو ما ملكت اليمين. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" الحديث. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -:. فدل الكتاب والسنة أن العبد لا يكون مالكاً مالاً بحال، وأن ما نسب إلى ملكه إنما هو إضافة اسم ملك إليه لا حقيقته، كما يقال للمعلم غلمانك، وللراعي غنمك، وللقيم على الدار دارك إذا كان يقوم بأمرها.

قال الله عز وجل: (والذين هم بشهاداتهم قائمون (33)

فلا يحل - والله تعالى أعلم - للعبد أن يتسرى، أذن له سيده أو لم يأذن له. لأن الله تعالى إنما أحل التسري للمالكين، والعبد لا يكون مالكاً بحال. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في القضايا والشهادات: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيما يجب على المرء من القيام بشهادته إذا شهد - وذكر عدة آيات تتعلق بالشهود والشهادة ومنها -: وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: الذي أحفظه عن كل من سمعت منه - من أهل العلم في هذه الآيات - أنه في الشاهد قد لزمته الشهادة، وأن فرضاً عليه أن يقوم بها على والديه، وولده، والقريب والبعيد، وللبغيض (البعيد والقريب) ، ولا يكتم عن أحدٍ، ولا يحابى بها، ولا يمنعها أحداً.

سورة نوح

سورة نوح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) الأم: القراءة في العيدين: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فاحب أن يقرأ في العيدين: في الركعة الأولى بـ: (ق) وفي الركعة الثانية بـ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) . وكذلك أحب أن يقرأ في الاستسقاء، وإن قرأ في الركعة الثانية من الاستسقاء: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) أحببت ذلك. الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي كتاب الله تبارك وتعالى دليل على ما وصفتُ. قال اللَّه: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا)) الآية، فأقام جل ثناؤه حجته على خلقه في أنبيائه، في الأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم، وكانت الحجة بها ثابتة على من شاهد أمور الأنبياء ودلائلهم التي باينوا بها غيرهم، ومن بعدهم، وكان الواحد في ذلك وأكثر منه سواء، تقوم الحجة بالواحد منهم قيامَها بالأكثر.

قال الله عز وجل: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10) يرسل السماء عليكم مدرارا (11)

قال الله عزَّ وجلَّ: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) الأم: كيف الخطبة في الاستسقاء ": قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويخطب الإمام في الاستسقاء خطبتين، كما يخطب في صلاة العيدين، يكبر الله فيهما، ويحمده، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويكثر فيهما الاستغفار حتى يكون أكثر "كلامه، ويقول كثيراً: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) الآيتان. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا) مختصر المزني: باب (يذكر فيه الأيام المعلومات والمعدودات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله،: والأيام المعلومات العشر، وآخرها يوم النحر. والمعدودات ثلاثة أيام بعد النحر. قال المزني رحمه الله: سماهن الله - عز وجل - باسمين مختلفين، وأجمعوا أن الاسمين لم يقعا على أيام واحدة، وإذا لم يقعا على أيام واحدة، فأشبه الأمرين أن تكون

قال الله عز وجل: (ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا (23)

كل أيام منها غير الأخرى، كما أن اسم كل يوم غير الآخر، وهو ما قال الشَّافِعِي عندي. قال المزني رحمه اللَّه: فإن قيل لو كانت المعلومات العشر لكان النحر في جميعها، فلما لم يجز النحر في جميعها بطل أن تكون المعلومات فيها، يقال له: قال الله - عز وجل -: (سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا) الآيتان. وليس القمر في جمعها وإنما هو في واحدها، أفيبطل أن يكون القمر فيهن نوراً كما قال الله - عز وجل -، وفي ذلك دليل لما قال الشَّافِعِي وبالله التوفيق. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) الرسالة: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر اللَّه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - جواباً من جواب بعض من عبد غيره من هذا الصنف، حكى اللَّه تبارك وتعالى عنهم: (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا) . الآيتان.

سورة الجن

سورة الجن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) مناقب الشَّافِعِي: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض على الوجه: السجود لله بالليل والنهار. ومواقيت الصلاة، فقال في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وقال: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) الآية. يعني: بالمساجد، ما يَسجُد عليه ابن آدم في صلاِته من الجبهة وغيرها.

سورة المزمل

سورة المزمل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الأم: أول ما فرضت الصلاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: سمعت من أثق بخبره وعلمه، يذكر أن اللَّه أنزل فرضاً في الصلاة، ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس.

قال: - أي الشَّافِعِي -: كأنه يعني لْول اللَّه - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) ثم نسخها في السورة معه بقول اللَّه جل ثناؤه: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية. فنسخ قيام الليل أو نصفه أو أقل أو كثر بما تيسر. وما أشبه ما قال بما قال، وإن كنت أحب أن لا يدع أحد أن يقرأ ما تيسر عليه من ليلته، ويقال: نسخت ما وصفت من المزمل بقول اللَّه - عز وجل -: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) الآية. الأم (أيضاً) : باب (كيف قراءة المصلي؟) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك،. تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأقل الترتيل ئرك العجلة في القراءة عن الإبانة، وكلما زاد على أقل الإبانة في القراءة كان أحب إليَّ، ما لم يبلغ أن تكون الزيادة فيها تمطيطاً، وأحب ما وصفت لكل فارئ في صلاة وغيرها، وأنا له في المصلي أشد استحباباً منه للقاري في غير صلاة، فإذا أيقن المصلي أن لم يبق من القراءة شيء إلا نطق به، أجزأته قراءته، ولا يجزئه أن يقرأ في صدره القرآن ولم ينطق به لسانه. الأم (أيضاً) : باب (الخلاف فيه) أى: فيمن دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه قبل تمامه ": قال الشَّافِعِي رحمه الله: سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجدةً شكراً لله - عز وجل -. أخبرنا بذلك الدراوردي. وسجد أبو بكر - رضي الله عنه - شكراً لله تبارك وتعالى حين جاءه قتل

مسيلمة، وسجد عمر - رضي الله عنه - حين جاءه فتح مصر شكراً لله جل اسمه، فإذا جاز أن يتطوع لله بسجدة فكيف كرهت - الخطاب: للمحاوَر - أن يتطوع بأكثر منها؟ وقلت له: ولو أن رجلاً ذهب في قول الله تبارك وتعالى في المزمل حين خُفّفَ قيام الليل ونصفه، قال: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية. يعني: صلوا ما تيسر أن يكون، جعل ذلك إليهم فيما قد وضع عنهم فرضه بلا توقيت، كان أقرب إلى أن يشبه أن يكون هذا له حجة، واللَّه تعالى أعلم منك. وقد أوتر عثمان بن عفان وسعد وغيرهما رضي اللَّه عنهم أجمعين بركعة في الليل، لم يزيدوا عليها بعد المكتوبة. أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال: أخبرني عتبة بن محمد بن الحارث، أن كريباً مولى ابن عباس رضي اللَّه عنهما، أخبره أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة لم يزد عليها فأخبرنا ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: أصاب - أي: بني -، ليس أحد منا أعلم من معاوية هي واحدة، أو خمس، أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء. الرسالة: الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه، والسنة على بعضه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: مما نقل بعض مَن سمعت منه من أهل العلم: أن الله أنزل فرضاً في الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس فقال: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) . الآيات. ثم نسخ هذا في السورة معه فقال: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) الآية.

ولما ذكر الله بعد أمره بقيام الليل نصفه إلا قليلاً أو الزيادة عليه، فقال: (أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) الآية. فخفف فقال: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى) قرأ إلى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) الآية. قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فكان بيناً في كتاب اللَّه نسخ قيام الليل ونصفه والنقصان من النصف والزيادة عليه بقول اللَّه: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية. فاحتمل قول اللَّه: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) الآية، معنيين أحدهما: أن يكون فرضاً ثابتاً؛ لأنه أزيل به فرض غيرُه. والآخر: أن يكون فرضاً منسوخاً أزيل بغيره، كما أزيل به غيره، وذلك لقول الله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) . فاحتمل قوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) : أن يتهجد بغير الذي فُرضِ عليه، مما تيسر منه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على ألا واجب من الصلاة إلا الخمس، فصرنا إلى أن الواجب الخمس، وأن ما سواها من واجب من صلاة قبلها: منسوخ بها استدلالاً بقول الله: (فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) وأنها ناسخة لقيام الليل، ونصفه، وثلثه، وما تيسر. ولسنا نحب لأحد تركَ أن يتهجد بما يسره الله عليه من كتابه مصلياً به. وكيف ما أكثر فهو أحب إلينا. أخبرنا مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - يقول: جاء أعرابي من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته،

ولا نفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات في اليوم والليلة". فقال: هل علي غيرها؟ فقال: " لا إلا أن تطوع ". قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صيام شهر رمضان، فقال: هل عليَّ غيره؟ قال: " لا، إلا أن تطوع ". فأدبر الرجل وهو يقول: لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفلح إن صدق" الحديث. ورواه عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خمس صلوات كتبهن الله على خلقه فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقنَّ: كان له عن الله عهداً أن يدخله الجنة" الحديث.

سورة المدثر

سورة المدثر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) الأم: باب (طهارة الثياب) قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) الآية، فقيل: يصلي في ثياب طاهرة، وقيل: غير ذلك. والأول أشبه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يغسل دم الحيض من الثوب. فكل ثوب جُهل من ينسجه، أنسجه مسلم أو مشرك أو وثني أو مجوسي أو كتابي، أو لبسه واحد من هؤلاء، أو صبي، فهو على الطهارة حتى يعلم أن فيه نجاسة، وكذلك ثياب الصبيان؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص وهي صبية عليها ثوب صبي. والاختيار أن لا يصلى في ثوب مشرك ولا سراويل ولا إزار ولا رداء حتى يغسل من غير أن يكون واجباً، وإذا صلى رجل في ثوب مشرك أو مسلم، ثم علم أنه كان نجساً أعاد ما صلى فيه.

سورة القيامة

سورة القيامة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) الأم: باب (إبطال الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يجوز له - أي: لأحدٍ - أن يحكم ولا يفتي بالاستحسان، إذ لم يكن الاستحسان واجباً، ولا في واحد من هذه المعاني. فإن قال قائل: فما يدل على أن لا يجوز أن يستحسن إذا لم يدخل الاستحسان في هذه المعاني مع ما ذكرت في كتابك هذا؟ قيل: قال اللَّه - عز وجل -: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) الآية. فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت، أن السُّدَى: الذي لا يؤمر ولا ينهى. ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به، فقد أجاز لنفسه أن يكون في معاني السدى، وقد أعلمه اللَّه أنه لم يتركه سدى! ورأى أن قال: أقول بما شئت، وادعى ما نزل القرآن بخلافه في هذا، وفي السنن، فخالف منهاج النبيين، وعوام حكم جماعة مَن روي عنه من العالمين. قال الشَّافِعِي رحمه الله: في قول اللَّه - عز وجل -: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) الآية. إن من حكم أو أفتى بخبر لازم أو قياس عليه فقد أدَّى ما كُلِّف،

وحكم وأفتى من حيث أمر، فكان النص مؤدياً ما أمر به نصاً، وفي القياس مؤدياً ما أمر اجتهاداً، وكان مطيعاً لله في الأمرين، ثم لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بطاعة اللَّه، ثم رسوله، ثم الاجتهاد، فيروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ - رضي الله عنه -: بم تقضي؟ "، قال: بكتاب اللَّه. قال: "فإن لم يكن في كتاب الله؟ ". قال: بسنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. قال: "فإن لم يكن؟ ". قال: أجتهد. قال: "الحمد لله الدي وفق رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الحديث. وقال: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران. وإن أخطا فله أجر" الحديث. فأعلم أن للحاكم الاجتهاد والمقيس في موضع الحكم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن استجاز أن يحكم أو يفتي بلا خبر لازم، ولا قياس عليه، كان محجوجاً بأن معنى قوله: أفعل ما هويت، وإن لم أومر به، خالف معنى الكتاب والسنة، فكان محجوجاً على لسانه، ومعنى ما لم أعلم فيه مخالفاً. الرسالة: باب (كيف البيان؟) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك أخبرهم عن قضائه فقال: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) الآية. والسُّدى: الذي لا يؤمر ولا ينهى. وهذا يدل على أنه ليس لأحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول إلا بالاستدلال بما وصفتُ في هذا، وفي العدل وفي جزاء الصيد، ولا يقول بما استحسن، فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سبق.

سورة الإنسان

سورة الإنسان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى:. . . (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) الآية، فقيل - والله أعلم -: نطفة الرجل مختلطة بنطفة المرأة. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما اختلط سَمَّته العرب أمشاجاً. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) الأم: جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه: قال الشَّافِعِي رحمه الله: جماع الوفاء بالنذر وبالعهد، كان بيمين أو غيرها، في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

قال الله عز وجل: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا (8)

وفي قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) الآية. وقد ذكر اللَّه - عز وجل - الوفاء بالعقود بالأيمان في غير آية من كتابه. .. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا من سَعَة لسان العرب الذي خوطبت به. وظاهره عام على كل عقد، ويشبه - واللَّه أعلم - أن يكون أراد الله - عزَّ وجلَّ أن يُوفي - بكل عقد كان بيمين أو غير يمين - وكل عقدٍ نُذِرَ، إذا كانت في العقد لله طاعة، ولم يكن فيما أمر بالوفاء به معصية. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) الأم: في المرأة تسبى ثم يسبى زوجها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقالت: إن أمي أتتني وهي راغبة في عهد قريش، أفَأصِلُها؟ قال: نعم " الحديث. وأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فكسا ذا قرابة له - مشركاً - بمكة. وقال اللَّه - عز وجل -: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) الآية.

قال الله عز وجل: (وكان سعيكم مشكورا (22)

اختلاف الحديث: باب (عطية الرجل لولده) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد حمد اللَّه جل ثناؤه على إعطاء المال والطعام في وجوه الخير، وأمر بهما، فقال: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) الآية. وقال: (مِسْكِينًا وَيَتِيمًا) الآية. فإذا جاز هذا للأجنبيين وذوي القربى فلا أقرب من الولد. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في الطهارات والصلوات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومعقول أن السعي - في هذا الموضع -: العمل لا السعي على الأقدام، قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) الآية وقال عز وجل: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الآية وقال: (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حيان القاضي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن زياد قال: أخبرني أبو يحيى الساجي (أو فيما أجاز لي مشافهة) قال: حدثنا الربيع قال:

سمعت الشَّافِعِي رحمه الله يقول: في كتاب الله - عزَّ وجلَّ المشيئة له دون خلقه. والمشيئة: إرادة اللَّه، يقول الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الآية. فأعلم خلقه: أن المشيئة له. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في إثبات المشيئة لله تعالى وهي من صفات الذات) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن مشيئة العباد هي إلى اللَّه تعالى، ولا يشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين، فإن الناس لم يخلقوا أعمالهم، وهي خَلْقٌ من خَلْقِ الله تعالى - أفعال العباد - وإن القدر خيره وشره من اللَّه - عز وجل -، وإن عذاب القبر حق، ومساءلة أهل القبور حق، والبعث حق، والحساب حق، والجنة والنار، وغير ذلك مما جاءت به السنن، فظهرت على ألسنة العلماء وأتباعهم من بلاد المسلمين حق.

سورة المرسلات

سورة المرسلات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) الأم: باب (القراءة في المغرب) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس، عن أم الفضل بنت الحارث رضي اللَّه عنهم سمعته يقرأ: (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا) الحديث. فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة أنها لآخر ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب. فقلت للشافعي: فإنا نكره أن يقرأ في المغرب بالطور والمرسلات، ونقول: يقرأ بأقصر منهما فقال: وكيف تكرهون ما رويتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله؟! الأمر رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخالفه، فاخترتم إحدى الروايتين على الأخرى؟! أو رأيتم لو لم أستدل على ضعف مذهبكم في كل شيء، إلا أنكم تروون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ثم تقولون نكرهه، ولم ترووا غيره، فأقول: إنكم اخترتم غيره عن النبي؟ لا أعلم أن أحسن حالكم أنكم قليلو العلم ضعفاء المذهب.

قال الله عز وجل: (هذا يوم لا ينطقون (35) ولا يؤذن لهم فيعتذرون (36)

قال الله عزَّ وجلَّ: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) إحياء علوم الدين: روى عبد اللَّه بن محمد البلوي: كنت أنا وعمر بن نباته جلوساً نتذاكر العُبَّاد والزهاد، فقال لي عمر: ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشَّافِعِي - رحمه الله -، فرحت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا، وكان الحارث تلميذاً لصالح المري، فافتتح يقرأ، وكان حسن الصوت، فقرأ هذه الآية عليه: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) .. الآيتان. فرأيت الشَّافِعِي - رحمه الله - وقد تغير لونه واقشعر جلده، واضطرب اضطراباً شديداً وخرَّ مغشياً عليه، فلما أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكاذبين، وإعراض الغافلين، اللهم خضعت للك قلوب العارفين، وذلَّت لك رقاب المشتاقين، إلهي هب لي جودك. وجللني بسترك، واعف عن تقصيري بكرم وجهك. قال: ثم مشى وانصرفنا.

قال الله عز وجل: (هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين (38)

قال الله عزَّ وجلَّ: (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على اجتهاد الشافعى في طاعة ربه وزهده في الدنيا) : أخبرني محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم قال: جلسنا يوماً نتذاكر الزُّهاد والعبَّاد، وما بلغ من فصاحتهم حتى ذكرنا ذا النون، فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن نباته فقال: فيما تشاجرون؟ فقلنا: نتذاكر الزهاد والعبَّاد وما بلغ من فصاحتهم حتى ذكرنا ذا النون. فقال: واللَّه ما رأيت رجلاً قط أفصح ولا أورع من محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمة اللَّه عليه. ثم قال: خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد ذات يوم إلى الصفا فافتتح الحارث، وكان غلاماً لصالح المري، فقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) فرأيت الشَّافِعِي قد اضطرب، ثم بكى بكاء شديداً، ثم لم يتمالك أن قال: إلهي، أعوذ بك من مقال الكاذبين، وإعراض الغافلين، إلهي، لك خضعت قلوب العارفين، وذلَّت هيبة المشتاقين، إلهي هب لي جودك، وجللني بسترك، واعف عن توبيخي بكرم وجهك، يا أرحم الراحمين.

مناقب الشَّافِعِي: عبادته وكثرة قراءته للقرآن: وروى الحافظ ابن عساكر أن الشَّافِعِي رحمه اللَّه قرأ يوماً هذه الآية: (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) .. الآيات. فلم يزل يبكي حتى غُشِيَ عليه، رحمه اللَّه.

سورة النازعات

سورة النازعات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه لنبيه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) . فحجب عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - علم الساعة، وكان من جاور ملائكة اللَّه المقربين وأنبياءه المصطفين من عباد اللَّه أقصر علماً من ملائكته وأنبيائه؛ لأن اللَّه - عز وجل - فرض على خلقه طاعة نبيه، ولم يجعل لهم بعد من الأمر شيئاً، وأولى أن لا يتعاطوا حكماً على غيب أحد، لا بدلالة، ولا ظن، لتقصير علمهم عن علم أنبيائه، الذين فرض اللَّه تعالى عليهم الوقف عما ورد عليهم حتى يأتيهم أمره، فإنه جل وعز ظاهر عليهم الحجج فيما جعل إليهم من الحكم في الدنيا، بأن لا يحكموا إلا بما ظهر من المحكوم عليه، وأن لا يجاوزوا أحسن ظاهره. . .

مختصر المزني: ومن كتاب الرسالة إلا ما كان معاداً: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عروة قال: لم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن الساعة، حتى أنزل اللَّه عليه: (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) الآية، فانتهى، الحديث.

سورة التكوير

سورة التكوير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) الأم: القراءة في الخطبة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، قال: حدثني محمد بن عمرو بن حَلْحَلَة، عن أبي نعيم (وهب بن كيسان) ، عن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، أن عمر - رضي الله عنه - كان يقرأ في خطبته يوم الجمعة: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) حتى يبلغ: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) . ثم يقطع السورة، الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن هشام، عن أبيه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ بذلك على المنبر، الحديث.

قال الله عز وجل: (وإذا الموءودة سئلت (8) بأي ذنب قتلت (9)

مختصر المزني: ومن كتاب (اختلاف الحديث) باب (القراءة في الصلاة) : أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن مسعر، عن الوليد بن سريع. عن عمرو بن حريث قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبح: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) . قال الشَّافِعِي رحمه الله: يعني يقرأ في الصبح: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) . الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) الأم: قتل الولدان: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال جل ثناؤه: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) .. الآيتان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان بعض العرب تقتل الإناث من ولدها صغاراً خوف العَيلَةِ عليهم، والعار بهم، فلما نهى الله عز ذكره عن ذلك من أولاد المشركين دل على تثبيت النهي عن قتل أطفال المشركين في دار الحرب، وكذلك دلت عليه السنة مع ما دل عليه الكتاب، من تحريم القتل بغير حق.

قال الله عز وجل: (علمت نفس ما أحضرت (14)

قال الله عزَّ وجلَّ: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) الأم: القراءة في الخطبة: انظر تفسير الآية الأولى من سورة التكوير، لأنها مرتبطة بهذه الآية، فلا حاجة للتكرار. مختصر المزني: ومن كتاب (إيجاب الجمعة) : انظر تفسير الآية الأولى من سورة التكوير، لأنها مرتبطة بهذه الآية، فلا حاجة للتكرار. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) الأم: باب (الوتر والقنوت والآيات) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا يزيد بن هارون، عن حماد، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن، أن علياً - رضي الله عنه - خرج حين ثوَّبَ المؤذن، فقال: أين السائل عن الوتر؟ نعم ساعة الوتر هذه، ثم قرأ: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) .. الآيتان. وهم لا يأخذون بهذا، ويقولون ليس هذه من ساعات الوتر.

قال الله عز وجل: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين (29)

مختصر المزني: ومن كتاب (اختلاف الحديث) باب (القراءة في الصلاة) قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان، عن مسعر، عن الوليد بن سريع. عن عمرو بن حريث، قال: سمعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في الصبح: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: يعني قرأ في الصبح: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) الأم: ما يكره من الكلام في الخطبة وغيرها: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال رجل يا رسول اللَّه: ما شاء اللَّه وشئت، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "أمثلان؟! قل ما شاء الله ثم شئت" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وابتداء المشيئة مخالفة للمعصية؛ لأن طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعصيته تبع لطاعة اللَّه تبارك وتعالى ومعصيته؛ لأن الطاعة والمعصية منصوصتان بفرض الطاعة من الله - عزَّ وجلَّ، فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاز أن يقال فيه: من يطع اللَّه ورسوله، ومن يعص الله ورسوله لما وصفت. والمشيئة إرادة اللَّه تعالى.

قال الشَّافِعِي رحمه الله ئعاك: قال اللَّه - عز وجل -: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) الآية. فأعلم خلقه أن: المشيئة له دون خلقه، وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء الله - عزَّ وجلَّ فيقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما شاء الله ثم شئت، ويقال: من يطع الله ورسوله على ما وصفت، من أن اللَّه تبارك وتعالى تعبد الخلق بأن فرض طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أطيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أطيع اللَّه بطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم.

سورة المطففين

سورة المطففين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) : أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الحافظ قال: سمعت أبا محمد جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت أبا عبد اللَّه الحسين بن محمد بن الضحاك (المعروف بابن بحر) يقول: سمعت إسماعيل بن يحيى المزني يقول: سمعت ابن هرم القرشي يقول: سمعت الشَّافِعِي يقول في قول اللَّه - عز وجل -: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) الآية. قال: فلما حجبهم في السخط، كان في هذا دليل على أنهم يرونه في الرضا. مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في إثبات الرؤيا) : أنبأني أبو القاسم (الحسن بن محمد بن حبيب المفسِّر) رحمه اللَّه، إجازة. قال: سمعت أبا علي (الحسن بن أحمد الخياط) النَّسوي بها، يقول: سمعت

أبا نعيم (عبد الملك بن محمد بن عدي الجُرجاني) يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: كنت ذات يوم عند الشَّافِعِي رحمه اللَّه وجاءه كتاب من الصعيد - وهو اسم موضع بمصر - يسألونه عن قول اللَّه جل ذكره: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) الآية. فكتب فيه: لما حجب اللَّه قوماً بالسخط، دلَّ على أن قوماً يرونه بالرضا. قال الربيع: قلت له: أو تدين بهذا يا سيدي؟ فقال: واللَّه لو لم يوقن محمد ابن إدريس أنه يرى ربه في الميعاد لما عبده في الدنيا. أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد الأسدأباذي قال: حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن عقيل الفريابي قال: حدثنا المزني قالْ سمعت ابن هرم القرشي يقول: سمعت الشَّافِعِي يقول في قول اللَّه - عز وجل -: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) الآية. قال: هذا دليل على أن أولياءه يرونه يوم القيامة - ثم ذكر الرواية التي: ذكرت في أحكام القرآن، وزاد في نهايتها " -: قال: فقال أبو النجم القزويني: يا أبا إبراهيم، به تقول؟ قال: نعم، وبه أدين اللَّه - عز وجل -. قال: فقام إليه عصام وقبَّل رأسه وقال: يا سيد الشَّافِعِيين اليوم بيَّضتَ وجوهنا. أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا علي بن عمر الدارقطني الحافظ، قال: ذكر إسحاق الطحان المصري، قال: حدثنا سعيد بن أسد قال: قلت للشافعي: ما تقول في حديث الرؤية؛ فقال لي: يا ابن أسد، اقض عليَّ، حييت أو متُّ: إن كل حديث يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني أقول به، وإن لم يبلغني.

سورة الانشقاق

سورة الانشقاق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأما الثالث: وهو الذي في اختلاف مالك والشَّافِعِي رضي الله عنهما، ففيه سألت الشَّافِعِي عن السجود في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) ، قال: فيها سجدة. فقلت له: وما الحجة أن فيها سجدة؟ قال: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قرأ لهم: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية، فسجد فيها. فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد فيها، الحديث.

أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا بعض أصحابنا، عن مالك، أن عمر بن عبد العزيز، أمر محمد بن مسلم أن يأمر القُرَّاء أن يسجدوا في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: تجدون عمر يأمر بالسجود في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية. ومعه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورأي أبي هريرة، ولم تسمعوا أحداً خالف هذا، وهذا عندكم العمل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زمانه، وأبو هريرة، رضي الله عنه في الصحابة، ثم عمر بن عبد العزيز في التابعين، والعمل يكون عندكم يقول عمر وحده، وأقل ما يؤخذ عليكم في هذا أن يقال، كيف زعمتم أن أبا هريرة - رضي الله عنه - سجد في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية، وأن عمر أمر بالسجود فيها. وأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سجد في النجم، ثم زعمتم أن الناس اجتمعوا أن لا سجود في المفصل، وهذا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من علماء التابعين. فقال قولكم: اجتمع الناس لما حكوا فيه غير ما قلتم، بيِّن في قولكم أن ليس كما قلتم، ثم رويتم عن عمر بن الخطاب أنه سجد في النجم ثم لا تروون عن غيره خلافه؟!. السنن المأثورة: كتاب الصلاة (ما جاء في آية السجدة) : حدثنا المزني قال:

حدثنا الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة قال: سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الحديث. حدثنا أحمد قال: حدثنا المزني قال: حدثنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا عد العزيز بن محمد الدراوردي قال: حدثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه رآه يسجد في: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) الآية، قال أبو سلمة: فلما انصرف، قلت له: سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها قال: "إنني لو لم أرَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها لم أسجد" الحديث.

سورة البروج

سورة البروج بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) الأم: إيجاب الجمعة: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الآية. وقال اللَّه - عز وجل -: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني صفوان بن سليم، عن نافع بن جبير، وعطاء بن يسار، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "شاهد: يوم الجمعة. ومشهود: يوم عرفة " الحديث. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني شريك ابن عبد اللَّه بن أبي نمِر، عن عطاء بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، الحديث.

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: وحدثني عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ودلت السنة من فرض الجمعة على ما دل عليه كتاب اللَّه تبارك وتعالى.

سورة الطارق

سورة الطارق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) الأم: اختلاف نية الإمام والمأموم: قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان أنه سمع عمرو بن دينار يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء أو العتمة، ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة، قال: فأخَّرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ذات ليلة، قال: فصلى معه معاذ، قال: فرجع فأمَّ قومه، فقرأ بسورة البقرة، فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده، فقالوا له: أنافقت؟ قال: لا، ولكني آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه فقال: يا رسول الله إنك أخَّرت العشاء، وإن معاذاً صلى معك، ثم رجع فأمَّنا، فافتتح بسورة البقرة، فلما رأيت ذلك تأخرت وصليت، وإنَّما نحن أصحاب نواضح، نعمل بأيدينا، فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على معاذ فقال: "أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟ أفتَّانٌ أنت يا معاذ؛ اقرأ بسورة كذا وسورة كذا" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا أبو الزبير بن جابر مثله، وزاد فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اقرأ: بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ، (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) ، ونحوها" الحديث.

قال الله عز وجل: (فلينظر الإنسان مم خلق (5) خلق من ماء دافق (6) يخرج من بين الصلب والترائب (7)

قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير يقول: قال له اقرأ: بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ، (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) . قال عمرو: هو هذا أو نحوه الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) الأم: باب (ما لا يجب عليه أرش معلوم) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأما الولد فشيء ليس من الذَّكَرَِ، إنما هو بمنيٍّ يخرج من الصُّلْبِ، قال اللَّه - عز وجل -: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) الآية، ويخرج فيكون ولا يكون. أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في التفسير في آيات متفرقة: قرأت في كتاب السنن - رواية حرملة - عن الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) .. الآيات، فقيل: يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة.

سورة الأعلى

سورة الأعلى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الأم: باب (في الوتر) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا هشيم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عبد الرحيم، عن زاذان أن علياً - رضي الله عنه - كان يوتر بثلاث، يقرأ في كل ركعة بتسع سور من المفصل، وهم يقولون: نقرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) والثانية: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) والثالثة: نقرأ بفاتحة الكتاب. و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وأما نحن فنقول: يقرأ فيها ب: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ويفصل بين الركعتين والركعة بالتسليم، ومنها في اختلاف الحديث في باب الوئر. الأم (أيضاً) : اختلاف نية الإمام والمأموم: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر مثله، وزاد فيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)

(وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ) ونحرها" قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير يقول: قال له: اقرأ: "بسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، والسماء والطارق". فقال عمرو: "هو هذا أو نحوه"، الحديث. الأم (أيضاً) : القراءة في صلاة الجمعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني مسعر بن كدام، عن معبد بن خالد، عن سمرة بن جندب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ بالجمعة بـ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) . و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) . الحديث. الأم (أيضاً) : تخفيف القراءة في صلاة الخوف: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقرأ الإمام "في صلاة الخوف بأم القرآن، وسورةٍ قَدْرَ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وما أشبهها في الطول للتخفيف في الحرب وثِقَلِ السلاح. الأم (أيضاً) أبواب الصلاة: أخبرنا الربيع قال:

قال الله عز وجل: (قد أفلح من تزكى (14) وذكر اسم ربه فصلى (15)

أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا ابن، مهدي، عن سفيان، عن السُّدي، عن عبد خير، أن علياً - رضي الله عنه - قرأ في الصبح بـ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) فقال: سبحان ربي الأعلى، وهم يكرهون هذا، ونحن نستحبه. وروي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيء يشبهه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) الأم: كتاب (صلاة الكسوف) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيُصَلَّى عند كسوف الشمس والقمر صلاة جماعة ولا يفعل ذلك في شيء من الآيات غيرها. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار. عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: "كُسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه، فقام قياماً طويلاً، قال: نحواً من قراءة سورة البقرة، قال: ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع، فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، ثم قام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف، وقد تجلت

الشمس، فقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله" قالوا: يا رسول الله رأيناك قد تناولت في مقامك هذا شيئاً، ثم رأيناك كأنك تكعكت فقال: "أني رأيت أو أريت الجنة فتناولت منها عنقوداً، ولو أخدته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت أو أريت النار فلم أرى كاليوم منظراً، وأريت كثر أهلها النساء" فقالوا: لم يا رسول الله؛ قال: "يكفرن" قيل: أيكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط" الحديث. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكرُ ابن عباس رضي الله عنهما ما قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بعد الصلاة دليل على أنه خطب بعدها، وكان في ذلك دليل على أنه فرق بين الخطبة للسنة، والخطبة للفرض، فقدم خطبة الجمعة؛ لأنها مكتوبة قبل الصلاة، وأخر خطبة الكسوف؛ لأنها ليست من الصلوات الخمس، وكذلك صنع في العيدين؛ لأنهما ليستا من الصلوات - أي المكتوبة - وهكذا يتبقى أن يكون في صلاة الاستسقاء. وذكر أنه أمر في كسوف الشمس والقمر بالفزع إلى ذكر الله، وكان ذكر الله - عزَّ وجلَّ الذي فزع إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم التذكير، فوافق ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) الآيتان. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان في قول ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفاية من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر في خسوف القمر بما أمر به في

كسوف الشمس، والذي أمر به في كسوف الشمس فعله، من الصلاة والذكر، ثم ذكر سفيان ما يوافق ذلك.

سورة الغاشية

سورة الغاشية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) الأم: القراءة في صلاة الجمعة: انظر تفسير قول اللَّه تبارك وتعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية. الأم (أيضاً) : باب (القراءة في العيدين والجمعة) : انظر تفسير قول اللَّه تبارك وتعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية، - وزاد عليها الحديث التالي -: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبرنا مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير - رضي الله عنه - ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ يوم الجمعة على أثر (سورة الجمعة) فقال: كان يقرأ ب: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) الحديث.

سورة البلد

سورة البلد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) الأم: البحيرة والوصيلة والسائبة والحام: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: هل على ما وصفتَ دلالة من كتاب الله - عز وجل -، تبين ما قلت من خلاف بني آدم للبهائم، وغير بني آدم من الأموال، أو سنة أو إجماع؛ قيل: نعم. فإن قال قائل فأين هي؟ قيل: قال الله عزَّ وجلَّ: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) .. الآيات. ودل على أن تحرير الرقبة والإطعام ندب إليه، حين ذكر تحرير الرقبة. أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) : أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: سمعت أبا بكر أحمد بن محمد المتكلم يقول: سمعت جعفر بن أحمد الساماقي يقول: سمعت عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن عبد الحكم يقول: سألت الشَّافِعِي رحمه الله: أي آية أرجى؟ قال: قوله تعالى: (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) .. الآيتان.

سورة الشمس

سورة الشمس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في تفسير آيات متفرقة، سوى ما مضى: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا علي بن عمر الحافظ (ببغداد) أخبرنا عبد اللَّه بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس الشَّافِعِي، حدثنا أبي، عن أبيه، حدثني أبي محمد بن عبد اللَّه بن محمد قال: سمعت الشَّافِعِي رحمه الله يقول: نظرت بين دفتي المصحف فعرفت مراد الله - عز وجل - في جميع ما فيه، إلا حرفين (ذكَرَهما وأنسِيت أحدهما) ، والآخر: قوله تعالى: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الآية. فلم أجده في كلام العرب، فقرأت لمقاتل ابن سليمان أنها: لغة السودان، وأن دساها: أغواها. قوله - الكلام هنا من تعليق البيهقي رحمه اللَّه -. في كلام العرب، أراد لغته، أو أراد فيما بلغه من كلام العرب، والذي ذكره مقاتل لغة السودان: من كلام العرب - واللَّه أعلم -.

سورة الليل

سورة الليل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) الأم: اختلاف نية الإمام والمأموم: انظر تفسير الآية: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية. مختصر المزني: ومن كتاب الإمامة: انظر تفسير الآية: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية. السنن المأثورة: باب (القراءة في العشاء) * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) الأم: المشي إلى الجمعة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومعقول أن السعي في هذا الموضع: العمل. قال الله - عز وجل -: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) الآية.

سورة الشرح

سورة الشرح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) مختصر المزني: ومن كتاب الرسالة إلا ما كان معاداً: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) الآية. لا أُذكَر إلا ذُكِرْتَ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول اللَّه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: يعني - والله أعلم - ذكره عند الإيمان بالله. والأذان، ويحتمل ذكره: عند تلاوة الكتاب، وعند العمل بالطاعة، والوقوف عن المعصية.

سورة العلق

سورة العلق بسم اللَّه الرحمن الرحبم قال الله عزَّ وجلَّ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) : أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله - نعليفاً قال -: هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن زر، عن علي - رضي الله عنه - قال: عزائم السجود (الم (1) تَنْزِيلُ) و (وَالنجم) ، و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه. الأم (أيضاً) : مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى الناس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال - واللَّه تعالى أعلم -: إن أول ما أنزل اللَّه - عز وجل - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) الآية.

قال الله عز وجل: (واسجد واقترب (19)

قال الشَّافِعِي رحمه الله: لما بعث الله تعالى محمداً - صلى الله عليه وسلم - أنزل عليه فرائضه كما شاء، لا معقب لحكمه، ثم أتبَعَ كل واحداً منها فرضاً بعد فرض، في حينٍ غير حين الفرض قبله. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال - والله تعالى أعلم -: إن أول ما أنزل الله عليه: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) الآية وما بعدها. ثم أنزل عليه بعدها ما لم يؤمر فيه بأن: يدعو إلبه المشركين، فمرَّت لذلك مدة. الأم (أيضاً) : سجود القرآن: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن زر، عن علي - رضي الله عنه - قال: عزائم السجود (الم (1) تَنْزِيلُ) و (حم (1) تَنْزِيلٌ) و (النجم) : و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ولسنا وإياهم نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) الأم: باب (الذكر في السجود) : أخبرنا الربيع قال:

أخبرني الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "أقرب ما يكون العبد من الله - عزَّ وجلَّ إذا كان ساجداً، ألم تر إلى قوله عز ذكره: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) الآية. يعني: افعل واقرب"، الحديث. ويشبه ما قال مجاهد - واللَّه تعالى أعلم - ما قال.

سورة القدر

سورة القدر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) آداب الشَّافِعِي: باب (في الصوم) : أخبرنا أبو محمد (عبد الرحمن) قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: سمعت الشَّافِعِي يقول: قال ربيعة (يعني: ابن أبي عبد الرحمن) من أفطر يوماً - من شهر رمضان - قضى اثني عشر يوماً، لأن الله تعالى اختار شهراً من اثني عشر شهراً! قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقال له: قال اللَّه - عز وجل -: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) الآية. فمن ترك الصلاة ليلة القدر وجب عليه: أن يصلي ألف شهر. على قياس قوله!

سورة البينة

سورة البينة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) الأم: باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت - أي: للمحاور - الاختلاف وجهان: الأول: فما كان لله فيه نص حكم، أو لرسوله سنة، أو للمسلمين فيه إجماع، لم يَسع أحداً علم من هذا واحداً أن يخالفه. الثاني: وما لم يكن فيه من هذا واحد، كان لأهل العلم الاجتهاد فيه بطلب الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة، فإذا اجتهد من له أن يجتهد، وَسِعَه أن يقول بما وجد الدلالة عليه، بأن يكون في معنى كتاب، أو سنة، أو إجماع، فإن ورد أمر مشتبه يحتمل حكمين مختلفين؛ فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره وسعه أن يقول بشيءٍ، وغيره بخلافه، وهذا قليل إذا نظر فيه. قال: فما حجتك فيما قلت؟ قلت له: الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع.

قال: فاذكر الفرق بين حكم الاختلاف. قلت له: قال الله - عزَّ وجلَّ -: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) الآية. وقال: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) فإنما رأيت اللَّه ذم الاختلاف في موضع الذي أقام عليهم الحجة، ولم يأذن لهم فيه. قال: قد عرفتُ هذا، فما الوجه الذي دلك على أنَّ ما ليس فيه نص حكم وُسِّعَ فيه الاختلاف؟ فقلت له: - قد - فرض الله على الناس التوجه في القبلة إلى المسجد الحرام. .. الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قيل: ذم الله تعالى على الاختلاف. قيل: الاختلاف وجهان: الأول: فما أقام اللَّه تعالى به الحجة على خلقه حتى يكونوا على بينة منه ليس عليهم إلا اتباعه، ولا لهم مفارقته، فإن اختلفوا فيه فذلك الذي ذم الله عليه، والذي لا يحل الاختلاف فيه. فإن قال: فأين ذلك؟ قيل: قال اللَّه تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) الآية. فمن خالف نص كتاب لا يحتمل التأويل. أو سنة قائمة، فلا يحلُّ له الخلاف، ولا أحسبه يحل له خلاف جماعة الناس، وإن لم يكن في قولهم كتاب أو سنة. ومن خالف في أمر له فيه الاجتهاد، فذهب إلى

قال الله عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)

معنى يحتمل ما ذهب إليه، ويكون عليه دلائل لم يكن في ضيق من خلافٍ لغيره، وذلك كتاباً نصاً ولا سنة قائمة ولا أنه لا يخالف حينئذ. الثاني: ومن خالف في أمر له فيه الاجتهاد، فذهب إلى معنى يحتمل ما ذهب إليه، ويكون عليه دلائل لم يكن في.،. من خلاف لغيره، وذلك أنه لا يخالف حينئذ كتاباً نصاً، ولا سنة قائمة، ولا جماعة، ولا قياساً، بأنه إنما نظر في القياس، فأداه إلى غير ما أدى صاحبه إليه القياس، كما أداه في التوجه للبيت بدلالة النجوم إلى غير ما أدى إليه صاحبه. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) الأم: باب "أصل فرض الصلاة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) الآية. مع عدد آي فيه ذكر فرض الصلاة. الأم (أيضاً) : كتاب (الزكاة) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال:

أخبرنا محمد بن إدريس المطلبي الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه - عز وجل -: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) الآية. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأبان الله - عزَّ وجلَّ أنه فرض عليهم أن يعبدوه مخلصين له الدين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. الأم (أيضاً) : كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول أبي بكر: "لا تفرقوا بين ما جمع الله" يعني: فيما أرى - والله تعالى أعلم - أنه مجاهدهم على الصلاة، وأن الزكاة مثلها، ولعل مذهبه فيه، أن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) الآية. وأن الله تعالى فرض عليهم شهادة الحق، والصلاة، والزكاة، وأنه متى منع فرضاً قد لزمه لم يُترَك ومَتعِه، حتى يؤديه أو يقتل. قال الشَّافِعِي رحمه الله: فسار إليهم أبو بكر - رضي الله عنه - بنفسه حتى لقي أخا بني بدر الفزاري فقاتله، معه عمر وعامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أمضى أبو بكر - رضي الله عنه - خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في قتال من ارتد، ومن منع الزكاة معاً، فقاتلهم بعوامٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففي هذا الدليل على أن من منع ما فرض الله - عز وجل - عليه، فلم يقدر الإمام على أخذه منه بامتناعه قاتله.

قال الله عز وجل: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية (7)

أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي حسين، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي، أخبرنا أبو عبد الملك بن عبد الحميد الميموني. حدثني أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال: سمعت أبي يقول ليلة (للحميدي) : ما يُحَجُّ عليهم (يعني: على أهل الإرجاء) بآية أحجُّ من قوله - عز وجل -: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) الآية. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) الأم: المكاتب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: والخير كلمة يُعرَف ما أريد منها بالمخاطبة بها. قال الله - عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) الآية. فعقلنا أنهم: خير البرية بالإيمان وعمل الصالحات لا بالمال.

سورة الزلزلة

سورة الزلزلة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) مختصر المزني: ومن كتاب (الأمالي) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن نافع مولى ابن عمر قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقرأ في السفر، أحسبه قال (في العتمة) : (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) فقرأ بأم القرآن فلما أتى عليها قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قال: فقلت: (إِذَا زُلْزِلَتِ) فقال: (إِذَا زُلْزِلَتِ) - يعني: فقرأ سورة الزلزلة -، الحديث. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) الأم: باب (الوصية بجزء من ماله) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجدت قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) . فكان مثقال ذرة قليلاً، وقد

جعل الله تعالى لها حكماً يرى في الخير والشر، ورأيت قليل مال الآدميين وكثيره سواء، يقضي بأدائه على من أخذه غصباً، أو تعدياً، أو استهلكه قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدت ربع دينار قليلاً، وقد يُقطع فيه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدت مائتي درهم قليلاً وفيها زكاة، وذلك قد يكون قليلاً، فكل ما وقع عليه اسم قليل، وقع عليه اسم كثير. الأم (أيضاً) : الإقرار والمواهب: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا إذا قال: له على مال. قيل له: أقِر بما شئت؛ لأن كل شيء يقع عليه اسم مال: وهكذا إذا قال: له على مال كثير، أو مال عظيم. فإن قال قائل ما الحجة في ذلك؟ قيل قد ذكر الله - عز وجل - العمل، فقال: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) . فإذا كوفئ على مثقال ذرة في الخير والشر كانت عظيماً، ولا شيء من المال أقل من مثقال ذرة. فأما من ذهب إلى أنه يقضي عليه بما تجب فيه الزكاة، فلا أعلمه ذهب إليه خبراً، ولا قياساً، ولا معقولاً، ورأيت مسكيناً يرى الدرهم عظيماً، فقال لرجل: عليَّ مال عظيم، ومعروف منه أنه يرى الدرهم عظيماً، أجبره على أن يعطيه مائتي درهم! ، أو رأيت خليفة أو نظيراً للخليفة يرى ألفَ ألف قليلاً، أقر لرجل فقال له: عليَّ مال عظيم كم ينبغي أن أعطيه من هذا؟ فإن قلت مائتي درهم، فالعامة تعرف أن قول (هذا عظيم) مما يقع في القلب كثر من ألف ألف درهم. فتعطي منه التافه، فتظلم في معنى قولك المقر له، إذا لم يك عندك فيه محمل إلا كلام الناس، وتظلم المسكين المقر - له - الذي يرى الدرهم عظيماً.

مختصر المرني: ومن كتاب إيجاب الجمعة) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني عمرو - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يوماً فقال في خطبته: "ألا إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق يمضي فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، أو وإن الشر بحذافيره في النار، ألا فأعلموا وأنتم من الله على حذر، واعلموا أنكلم معروضون على أعمالكم: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) " الحديث. مختصر المزني (أيضاً) : مقدمة (اختلاف الحديث) قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذهب بعض أصحابنا إلى أن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: لا يحج أحد عن أحدٍ، فرأيت إن احتج له أحد ممن خالفنا فيه فقال: الحج عمل على البدن كالصلاة والصوم، فلا يجوز أن يعمله له المرء إلا عن نفسه، وتأول قول اللَّه - عز وجل -: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) . وتأويل: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) . وقال: السعي: العمل، والمحجوج عنه غير عامل، فهل الحجة عليه؛ إلا أن الذي روى هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن يُثبت أهل الحديث حديثهم، وأن الله فرض طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ليس لأحد خلافه، ولا التأول معه؛ لأنه المنزل عليه الكتاب، المبين عن اللَّه معناه، وأن اللَّه جل ثناؤه يعطي خلقه بفضله ما ليس لهم، وأن ليس في أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لو قال بخلافه حجة، وأن عليه - أن لو علم هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له - اتباعه، قال: هذه الحجة عليه.

مختصرالمزني (أيضاً) : باب (في بكاء الحي على الميت) : في الرد على حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "ان الميت ليعذب ببكاء أهله عليه. قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما روت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه" الحديث. أشبه أن يكون محفوظاً عنه - صلى الله عليه وسلم - بدلالة الكتاب، ثم السنة فإن قيل فأين دلالة الكتاب؟ قيل: في قوله - عز وجل -: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية وقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8، وقوله: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) . الرسالة: باب (الاستحسان) : قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) . فكان ما هو أكثر من مثقال ذرة من الخير أحمد، وما هو أكثر من مثقال ذرة من الشر أعظم في المأثم.

سورة العصر

سورة العصر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) المجموع: المقدمة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم. قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: الناس في غفلة عن هذه السورة: (وَاَلعَصر. .) .

سورة قريش

سورة قريش بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) وما للعرب ثم لقريش فيه من الشرف، وما وجب بدلك على المسلمين من حبهم، والشَّافِعِي رحمه الله من جملتهم. قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا عباس بن الفضل، حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فضَّل الله - عز وجل - قريشاً بسبع خصال: أنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده إلا قرشي، وفضَّلهم بأن نصرهم يوم الفيل وهم مشركون، وفضلهم بأنه نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل معهم غيرهم: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) ، وفضلهم بأن فيهم النبوة، والخلافة، والحجابة، والسقاية) " الحديث. وأخبرنا أبو سعد (أحمد بن محمد بن الخليل الصوفي) ، أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، حدثنا عبد اللَّه بن صالح البخاري، حدثني أبو مصعب الزهري،

حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت، حدثني عثمان بن عبد الله بن أبي عتيق، عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة، عن أبيه، عن جدته أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله فضَّل قريشاً لست خصال: - وفي رواية الأصبهاني: (السبع خصال" - لم يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلَهُمْ، وَلا يُعْطَاهَا أَحَدٌ بَعْدَهُمْ: فضَّل الله تعالى قريشاً: أنِّي منهم، وأن النبوة فيهم، وأن الحجابة فيهم، وأن السقاية فيهم، ونصروا على الفيل - وفي رواية الأصبهاني: ونصرهم على الفيل - وعبدوا الله تعالى عشر سنين لا يعبد. أحد غيرهم وأنزل الله فيهم سورة لم يشرك فيها أحداً غيرهم " لم يذكر الأصبهاني قوله: "ولا يعطيها أحد بعدهم") . زاد الصوفي: قال أبو مصعب يعني: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) . الحديث.

سورة الماعون

سورة الماعون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) الرسالة: في الزكاة: قال الشَّافِعِي رحمه الله - في الزكاة -: قال الله: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) . وقال: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) . وقال: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) فقال بعض أهل العلم: - في تفسير الماعون -: هي الزكاة المفروضة.

سورة الكافرون

سورة الكافرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) الأم: باب (في الوتيا: قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا هشيم، عن حصين قال: حدثنا ابن ظبيان قال: كان علي - رضي الله عنه - يخرج إلينا ونحن ننظر إلى تباشير الصبح، فيقول: الصلاة، الصلاة، فإذا قام الناس قال: نعم ساعة الوتر هذه، فإذا طلع الفجر، صلى ركعتين فأقيمت الصلاة. وفي البويطي يقرأ في ركعتي الفجر: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أحبّ إليَّ، وإن قرأ غير هذا مع أم القرآن أجز 51. الأم (أيضاً) : القراءة في الخطبة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبلتي أن علياً كرم اللَّه وجهه كان يقرأ على المنبر: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فلا تتم الخطبتان إلا بأن يقرأ في إحداهما آية فأكثر.

والذي أحبُّ - القول: للشافعي رحمه الله - أن يقرأ بـ: (ق) في الخطبة الأولى، كما رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يقصر عنها، وما قرأ أجزأه إن شاء اللَّه تعالى. الأم (أيضاً) : دخول مكة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا فرغ من طوافه، صلى خلف المقام ركعتين. فيقرأ بالأولى ب: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الأخرى ب: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وكل واحدة منهما بعد أم القرآن. الأم (أيضاً) : التلبية: قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا فرغ - أي: من طوافه - صلى خلف المقام. أو حيثما تيسر ركعتين قرأ فيهما بأم القرآن و: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وما قرأ به مع أمِّ القرآن أجزأه. الأم (أيضاً) : باب (الوتر والقنوت والآيات) : انظر تفسير: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) . الأم (أيضاً) : مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم على الناس: قال الشَّافِعِي رمه الله: ففرض عليه إبلاغهم، وعبادته، ولم يفرض عليه قتالهم، وأبان ذلك في غير آية من كتابه، ولم يأمره بعزلتهم، وأنزل عليه: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) .

سورة الإخلاص

سورة الإخلاص بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) الأم: باب (في الوتر) : انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية. الأم (أيضاً) : القراءة في الخطبة: انظر تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) الآية. الأم (أيضاً) : تخفيف القراءة في صلاة الخوف: انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية. الأم (أيضاً) : إذا كان العدو اتجاه القبلة: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحب للطائفة الحارسة إن رأت من العدوِّ حركة للقتال، أن ترفع أصواتها ليسمع الإمام، وإن حَومِلَت أن يحمل بعضها،

ويقف بعض يحرس الإمام، وإن رأت كميناً من غير جهتها أن ينحرف بعضها إليه، وأحب للإمام إذا سمع ذلك أن يقرأ بأم القرآن و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ويخفف الركوع والسجود والجلوس في تمام، وإن حُمل عليه أو رُهق أن يصير إلى القتال وقطع الصلاة، ثم يقضيها بعده. الأم (أيضاً) : وقت كسوف الشمس: قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإن كسفت الشمس في وقت الجمعة، بدأ بصلاة كسوف الشمس، وخفف فيها، فقرأ في كل واحدة من الركعتين اللتين بالركعة بأم القرآن وسورة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وما أشبهها، ثم خطب في الجمعة، وذكر الكسوف في خطبة الجمعة وجمع فيها الكلام في الخطبة في الكسوف والجمعة، ونوى بها الجمعة، ثم صلى الجمعة. الأم (أيضاً) دخول مكة: انظر تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) الآية. الأم (أيضاً) : التلبية: انظر تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) الآية.

الأم (أيضاً) : باب (الوتر والقنوت والآيات) : انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الآية. مختصر المزني: باب (ما يلزم عند الإحرام وبيان الطواف والسعي) انظر تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) الآية.

سورة الفلق

سورة الفلق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) الأم: باب (في الوتر) : انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ، فلا حاجة للتكرار. الأم (أيضاً) : باب (الوتر والقنوت والآيات) : انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ، فلا حاجة للتكرار. * * * قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) تهذيب تاريخ دمشق: قال الإمام الشَّافِعِي رحمه الله: إن الحسد إنما يكون من لؤم العنصر. وتفادي الطبائع، واختلاف التركيب، وفساد مزاج البنية، وضعف عقد العقل، والحاسد طويل الحسرات، عادم الراحات.

سورة الناس

سورة الناس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) الأم: باب (في الوتر) : انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ، فلا حاجة للتكرار. الأم (باب (الوتر والقنوت والآيات) : انظر تفسير قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ، فلا حاجة للتكرار.

النهاية

النهاية بفضل اللَّه وعونه تم جمع وتحبير ما ورد عن الإمام الشَّافِعِي الْمُطَّلِبي من تفسيره لكتاب اللَّه تعالى، وذلك ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام / 1422 هـ من الهجرة النبوية، الموافق ليلة 12 / 12 / لعام / 2001 ميلادي. وانتهت مطابقة النصوص المنقولة على الأصول في / 24 شعبان لعام / 1423 هـ وقد انتهت طباعة هذا التفسير المبارك وتصحيحه ليلة 23 / ذي الحجة / 1423) الموافق 24 / شباط / 2003 م. اللهم تقبله مني ولا تؤاخذني إن نسيت أو أخطأت. اللهم اجعل له القبول عندك وفي الأرض. اللهم اجعله خالصاً لوجهك الكريم، واجعله ذخراً ينتفع به المسلمون في جميع بقاع الأرض إلى يوم الدين. اللهم ثقل به حسناني يوم لا ينفع مال ولا بنون، وارفع لي به ذكراً في الدنيا والآخرة، يا حيُّ يا قيوم. وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين، وصلى اللَّه على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين - آمين -.

§1/1