تفسير ابن فورك

ابن فُورَك

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الكتاب: تفسير ابن فورك من أول سورة المؤمنون - آخر سورة السجدة المؤلف: الإمام العلَّامة / أبو بكر محمد بن الحسن ابن فورك (المتوفى 406) دراسة وتحقيق: علال عبد القادر بندويش (ماجستير) عدد الأجزاء: 1 الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى: 1430 - 2009 م [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] * * * * * * * * * * * * * تفسير ابن فورك من أول سورة الأحزاب - آخر سورة غافر المؤلف: الإمام العلَّامة / أبو بكر محمد بن الحسن ابن فورك (المتوفى 406) دراسة وتحقيق: عاطف بن كامل بن صالح بخاري (ماجستير) عدد الأجزاء: 1 الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى: 1430 - 2009 م [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ. * * * * * * * * * * * * * الكتاب: تفسير ابن فورك - من أول سورة نوح - إلى آخر سورة الناس المؤلف: الإمام العلَّامة / أبو بكر محمد بن الحسن ابن فورك (المتوفى 406) دراسة وتحقيق: سهيمة بنت محمد سعيد محمد أحمد بخاري (ماجستير) عدد الأجزاء: 1 الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى: 1430 - 2009 م [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] * * * * * * * * * * * * * تنبيه: بقي مجلدان يجري تحقيقهما الآن أولهما من أول سورة فصلت إلى آخر سورة ق والثاني من أول سورة الذاريات إلى آخر سورة المعارج * * * * * * * * * * * * * تنبيه أخير: بقيت هذه المواضع لم أهتد إلى الصواب فيها * * * وبم انتصب {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} ؟ ، وما حكم في {} ؟ {جـ 1 ص: 113} وقوله: {} جواب ماذا؟ ، وما معنى: العبد؟ ، وكيف جازت العبودية {جـ 1 ص: 442} ولم كان {} يدل على حجة الإجماع؟ ، ولم يدل قوله: {} ؟ ، {جـ 1 ص: 469} وهذه عبارة غير مفهومة: لا يعتاده بما بعده من ذلك الفوز الكبير واقتضاء ما قبله من صفة المؤمنين الذين صبروا على المحنة للوعد به. {جـ 3 ص: 191} * * * * * * * * * * *

سورة المؤمنون

سورة المؤمنون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاة ِ فَاعِلُونَ (4) } [الآيات من 1 إلى 4] فقال: ما معنى قد؟ وما الفلاح؟ ، وما الخشوع في الصلاة؟ ، وما اللغو؟ ، وما الزكاة؟ ، وهل تقوم. هذه الأوصاف مقام الأمر بهذه الخصال؟ الجواب: معنى قد: تقريب الماضي من الحال؛ فدل على أن فلاحهم قد حصل، وهم عليه في الحال.. وهذا أبلغ في الصفة من تجريد ذكر الفعل. الخشوع في الصلاة: الخضوع بجمع الهمة لها، والإعراض عما سواها؛ لتدبر ما يجري فيها من التكبير، والتسبيح، وتلاوة القرآن. ومن موقف الخاضع لربه الطالب لمرضاته بطاعته واللغو: الفعل الذي لا فائدة فيه يعتد بها، وقيل اللغو:

الباطل عن ابن عباس. الزكاة: أداء الصدقة التي تجب في المال بالحول، وهي مما ينمو. به المال بحكم الله؛ أنها زكاة أي يزكو بها المال عاجلاً، وآجلاً وقيل: (خاشعون) يقبلون على صلاتهم بالخضوع والتذلل. لربهم. وقيل: خائفون

(5)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) } [الآيات من 5 إلى 10] فقال: لم أعيد ذكر الصلاة هاهنا؟ ، ولم قيل للجارية ملك يمين؟ ولم يقل في الدار ملك يمين؟ ، وما الفرق بين اللوم والذم؟ ، وما معنى: ابتغاء وراء ذلك؟ ، وما معنى: هم الوارثون؟ ولم قيل إلا على أزواجهم؟ ومن قرأ لأمانتهم؟ . الجواب: قيل: عنى بالفروج هاهنا فروج الرجال خاصة، بدلالة ما بعده. عليه وأعيد ذكر الصلاة هاهنا: بمعنى الأمر بالمحافظة عليها كالأمر. بالخشوع فيها كما أعيد ذكر الفلاح؛ لأنه يجب بالخصال المذكورة بعده؛ كما يجب في سورة البقرة بالخصال المذكورة قبله

وقيل: للجارية ملك يمين دون الدار؛ لأن ملك الجارية أخص من ملك الدار؛ إذ له نقض بنية الدار، وليس له نقض بنية الجارية، وله عارية الدار حتى يتصرف في منافعها، وليس له مثل ذلك في الجارية؛ حتى توطأ بالعارية. ولذلك خص الملك في الإضافة والفرق بين اللوم والذم: أن الذم قد كثر استعماله على معنى صفة النقص؛ كقولهم الكفر مذموم، وأخلاق هذه الدابة مذمومة، ولا يقال: ملومة؛ كما أنه يمدح بحسن الصوت، وبالسماحة، وبالقوة. ومعنى: ابتغاء وراء ذلك طلب سوى الزوجة، وملك اليمين

وأصل الباب فيه الطلب ومنه البغية الطلِبَة.. والعادون: الذين يتعدون الحلال إلى الحرام وقيل: يحافظون على الصلاة: أي يراعونها للتأدية في أوقاتها. عن مسروق. وهم الوارثون: فيه قولان: الأول: أنه روى أبو هريرة عن النبي أنه قال: ما منكم أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار؛ فإن مات على الضلال ورث منزله أهل الجنة، وإن مات على الإيمان ورث منزله أهل النار. وروي أنه يهدم منزله في النار عن مجاهد

والثاني: أنه يؤول أمره إلى النعيم في الجنة وملك ما يعطيه الله. كما يؤول أمر الوارث. وقيل المراعاة قيام الراعي بإصلاح ما يتولاه، وهو أصل الباب - قرأ ابن كثير وحده: (لأمَانَتِهِمُ) .. وقرأ الباقون: (لأَمَانَاتِهِمُ) جمع وقرأ حمزة والكسائي: (عَلَى صَلَاتِهِمُ) واحدة.

وقرأ الباقون: (عَلَى صَلَوَاتِهِمُ) جمع

(11)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَة ٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَة َ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَة َ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَة َ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) } [الآيات من 11 إلى 15] فقال: ما الإرث؟ ، وما الفردوس؟ ، وما السلالة؟ ، وما النطفة؟ ، وهل تسمى النطفة سلالة؟ ، وما العلقة؟ ، وما المضغة؟ ، وما معنى: (أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) ؟ وما معنى: (تبارك) ؟ وكيف جمع الخالقين والخالق واحد؟ الجواب: الإرث: ملك ما يتركه الميت لمن بعده ممن هو أولى به في حكم الله. فهذا أصله ثم يشبه فيقال: ورث فلان علم فلان، أي صار إليه.. فكذلك يرثون الفردوس، أي يصيرون إليه بعد الأحوال المتقدمة. الفردوس: البستان الذي يجمع محاسن النبات. وقيل: أصله رومي عرب

وقيل: بل هو عربي ووزنه فِعْلَوْلٌ. والسلالة: صفوة الشيء التي تخرج منه؛ كأنها تستل منه. والنطفة: القطرة من ماء المني والله يخلق منها الحيوان بحسب ما أجرى العادة في التناسل. فجعل من نطفة الإنسان إنساناً. ومن نطفة الفرس فرسا. وكذلك البعير، وغيره من الحيوان.. وقيل استل آدم من أديم الأرض. وقيل استل من طين. عن قتادة. وقيل: المعني بالإنسان كل إنسان؛ لأنه يرجع إلى آدم الذي خلق

من سلالة من طين، عن ابن عباس ومجاهد. النطفة سلالة، والولد سلالة وسليلة مكين: أي مكن لذلك بأن هيئ لاستقراره فيه إلى أمده الذي جعل. له. والعلقة: القطعة من الدم. والمضغة: القطعة من اللحم وقيل: [ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ] بنفخ الروح فيه عن ابن عباس، ومجاهد

وقيل: نبات الأسنان، والشعر، وإعطاء العقل، والفهم. ومعنى تبارك: استحق التعظيم؛ بأنه لم يزل، ولا يزال وأصل الصفة: البروك، وهو الثبوت.. وقيل (خلقا آخر) أي ذكراً أو أنثى قرأ عاصم: في رواية أبي بكر وابن عامر (عَظْماً فَكَسَوْنَا العَظْمَ لَحَمًاً) ..

وقرأ الباقون (عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا)

(16)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ تُبْعَثُونَ (16) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20) } .. [الآيات من 16 إلى 20] فقال ما البعث؟ ، وما الغفلة؟ ، وما معنى: ذكر الغفلة بعد الطرائق؟ ولم خص الشجرة التي تخرج من طور سيناء بالذكر؟ ، وما معنى: سيناء؟ وكيف قيل طرائق؟ ، وما معنى: [طُورِ سَيْنَاءَ] ؟ . الجواب: البعث: الإطلاق لأمرٍ فالعباد كانوا كأنهم حبسوا عن التصرف بالإفناء فأطلقوا بالإعادة للجزاء. ومن هذا بعث الأنبياء لإبلاغ الرسالة.. الغفلة: إذهاب المعنى عن النفس

ونظيره السهو ومعنى ذكر الغفلة بعد الطرائق: أن من جاز عليه الغفلة عن العباد؛ جاز عليه عن الطرائق التي فوقهم فتسقط. والله - جل وعز - مسك طرائق السماوات أن تقع على الأرض. إلا بإذنه، ولولا إمساكه لها لم تقف طرفة عين وخصت الشجرة التي تخرج من طور سيناء بالذكر لما فيها من العبرة ؛ بأنه لا يتعاهدها إنسان بالسقي ولا يراعيها أحد من العباد. وهي: تُخْرِجُ الثمرة التي يكون منها الدهن الذي تعظم به. الفائدة وتكثر المنفعة. وقيل: الطرائق السموات الطباق عن ابن زيد وقيل: بل حافظين من أن تسقط عليهم. فتهلكهم وقيل: إنما خص بالذكر النخيل والأعناب؛ لأنها من ثمار الحجاز من

مكة، والمدينة، والطائف فذكروا بالنعمة بما يعرفون. ومعنى [طُورِ سَيْنَاءَ] : البركة؛ كأنه قيل: جبل البركة عن ابن عباس وقيل: اسم الجبل الذي نودي منه موسى وهو كثير الشجر عن ابن عباس ويحتمل أن يكون فِيعَالًا من السناء وهو الارتفاع.

وقيل هي شجرة الزيتون و (تَنْبُتُ بالدُّهُن) أي: تنبت ثمرها بالدهن.. ومن فتح التاء فهو تَنْبُتُ بثمر الدهن. وقيل نَبَتَ وأنبتَ بمعنى واحد : كما قال زهير:

رَأَيْتُ ذَوِي الحَاجَاتِ حَوْلَ بُيُوتِهِم ... قَطِيناً بِهَا حَتَّى إذَا أَنْبَتَ البَقْل. وقيل بل الباء زائدة والمعنى تنبت ثمر الدهن : كما قال الراجز نَحْنُ بَنُو جَعْدَة أَرْبَاب الفَلَج ... نَضْرِبُ بِالبِيضِ وَنَرْجُوا أي نرجوا الفرج.. وقيل: طرائق؛ لأن كل طبقة طريقة

وقيل: لأنها طرائق الملائكة. الاصطباغ بالزيت الغمس فيه للائتدام به وقال الحسن: ما بين كل سماء مسيرة خمس مائة عام؛ وكذلك ما بين السماء والأرض. فقال: أي ننزل عليهم ما يحييهم من المطر قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (سِينَاء) بكسر السين

ولم يصرف؛ لأنه اسم البقعة. وقرأ الباقون بفتح السين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (تُنبِتُ) بضم التاء. وقرأ الباقون (تَنبُتُ) بفتح التاء

(21)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) } [الآيات من 21 إلى 25] فقال: ما الأنعام؟ ، وما العبرة؟ ، وما السقي؟ ، وما المنفعة؟ ، وما الجِنَّة؟ وما معنى: إلى حين؟ . الجواب: الأنعام: الماشية لنعمة في مشيها خلاف الحافر في وطئها، وهي. الإبل، والبقر، والغنم. العبرة: الدلالة المؤدية إلى البغية كأنها معبر إليه، وطريق مؤدي إليه، وذلك أنها توصل إليه بقطع مؤنته بعد مرتبة.. والسقي: إعطاء ما يصلح للشرب فلما كان الله - عز وجل - قد أعطى العباد ألبان الأنعام بإجرائه في ضروعها وتمكنهم منها من غير خطو لها كان قد سقاهم إياها.. والمنفعة: إيجاب اللذة بفعلها، أو التسبب إليها

والجنة: غفوة تنفي عقل صاحبها حتى تختلط أفعاله بها وقيل: إن الأشراف من قومه كانوا يصدون الناس عن اتباعه. بهذا الذي حكى عنهم من الغواية وقيل (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فيِ آبائِنا الأَوْلِينَ) أي بمثل دعوته. وقيل بمثله بشرا أتى برسالة ربه. وقيل إنه بجنونه يأتي بمثل هذا. وإلى حين: كقولك إلى وقت ما

(26)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - ... إلى قوله {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) } . [الآيات من 26 إلى 30] فقال ما النصر؟ ، وما معنى: بأعيننا؟ ، وما معنى: وفار التنور؟ ، وما الفرق بين سلكته في كذا وأسلكته فيه؟ ، وما معنى: من كل زوجين اثنين؟ الجواب: النصر: المعونة على العدو. نصره الله - عز وجل - بإهلاك عدوه، ونجاته من بينهم بمن معه وقوله (بِمَا كَذَّبُونِ) يقتضي الدعاء عليهم بالإهلاك من أجل ذلك. التكذيب ومعنى: (بِأَعَيُنِنَا) فيه قولان:. الأول: بحيث يراها كما يراها الرائي من عبادنا بعينه الثاني: بأعين أوليائنا من الملائكة والمؤمنين، فإنهم يحرسونك

من منع مانع لك. ومعنى (وَفَارَ الَّتنُورُ) جعلت العلامة في الفرن خروج الماء من أبعد المواضع من الماء، وهو التنور؛ لتكون العلامة معجزة تدعوا إلى الإيمان به. ومعنى: سلكته في كذا، وأسلكته فيه بمعنى واحدٌ. وقيل سلكته فيه محذوف من سلكت به فيه. وقيل: (رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلَا مُبَاَرَكاً) حين خرج من السفينة. عن مجاهد. وقيل: من كل زَوْجَينِ اثْنَيْنٍ. من الحيوان ذكر، وأنثى. وقيل: وأهلك أي الذين آمنوا معك. والزوج: واحد له قرين من جنسه

والمنزل المبارك: هو السفينة؛ لأنها سبب النجاة قال الحسن: كان في السفينة من المؤمنين سبعة أنفس، ونوح. عليه السلام - ثامنهم. وقيل: ستة قال: كل من كان على الأرض هلك بالغرق إلا من نجا مع نوح في السفينة. وقال الحسن: كان طول السفينة ألفاً ومائتي ذراع وعرضها ستمائة. ذراع وكانت مطبقة، تسير ما بين السماء والأرض (1) .

_ (1) هذا كلام يفتقر إلى سند صحيح والأولى تفويض العلم فيه إلى الله تعالى.

قرأ عاصم في رواية أبي بكر (مَنزِلا) بفتح الميم وكسر الزاي.. وقرأ الباقون: (مُنَزلا) بضم الميم وفتح الزاي وقرأ عاصم في رواية حفص (من كلٍّ زوجين) منون.. وقرأ الباقون بالإضافة.

(31)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَة ِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاة ِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) } [الآيات من 31 إلى 35] فقال: ما الإنشاء؟ ، وما القرن؟ ، وما موضع أن من الإعراب؟ وأين خبر أن في الأولى؟ ، وما الإتراف؟ الجواب: الإنشاء إيجاد الشيء من غير سبب يولده، وكل ما يفعله الله. فهو إنشاء واختراع. والقرن: أهل العصر على مقارنة بعضهم لبعض ومنه قرن الكبش؛ لمقارنته القرن الآخر.. ومنه القرينة، وهي: الدلالة التي تقارن الكلام وموضع أن من الإعراب نصب تقدير بِـ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ إلا أنه نصب أرسلنا لما حذفت الباء وخبر أن الأولى فيه قولان:

الأول: مخرجون، وتكون الثانية مكررة للتأكيد والثاني: أن يكون الخبر الجملة، بتقدير أيعدكم أنكم إذا متم. وكنتم ترابا وعظاما كإخراجكم. وقيل يعني بالرسول هاهنا صالح؛ لأنه المرسل بعد نوح.. والإتراف: التنعم بضروب الملاذ

(76)

مسألة: وإن سأل عن قوله سبحانه: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَة َ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) } [الآيات [من 76 إلى 80] فقال: ما الإستكانة؟ وما الفتح؟ وما الإبلاس؟ وما الإنشاء؟ وما معنى: وله اختلاف الليل والنهار؟ الجواب: الإستكانة: طلب السكون خوفا من السطوة. استكان الرجل استكانة إذا ذُلَّ عند الشدة. التضرع: طلب كشف البلاء من القادر عليه. والفتح: فرج الباب بطريق يمكن فيه السلوك. والإبلاس: الحيرة لليأس من الرحمة. أبلس فلان إبلاسا إذا بهت عند انقطاع الحجة. والإنشاء: إيجاد الشيء من غير سبب ومعنى {أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} الجدب وضيق الرزق والقتل بالسيف

وقيل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} أنه حين دعا النبي فقال: (اللهم سنين كسني يوسف) فجاعوا. حتى أكلوا العلهز وهو الوبر بالدم. عن مجاهد. وقيل إنه القتل يوم بدر عن ابن عباس. وقيل: فتحنا عليهم بابا من عذاب جهنم في الآخرة. ومعنى: {وَلَهُ اخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} . مرورهما يوما بعد ليلة وليلة بعد يوم كما يقال إذا أتى الرجل المكرام مرة بعد مرة هو يختلف إلى هذه. الدار. وقيل: وله تدبيرهما بالزيادة والنقصان

(81)

مسألة: وإن سأل عن قوله سبحانه {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) } [الآيات من 81 إلى 90] فقال: ما المثل؟ ، وما وجه الشبهة في إنكار البعث بعد الموت؟ ، وما وجه ملك الأرض ومن فيها على البعث بعد الموت؟ ، وما معنى الموت؟ وما معنى: أساطير الأولين؟ ، وما معنى: وصفه بأنه رب السماوات والأرض؟ ، ولم وجب أن السماوات والأرض والعرش جميع ذلك مربوب؟ ، وما الملكوت؟ ، ولم جاز الجواب ب (لِلَّه) في المواضع الثلاثة على قراءة بعض القراء؟ ، وما معنى: فأنى تسحرون؟ ، وما معنى: يجير ولا يجار عليه؟ . الجواب: المثل: شيء يسد مسد غيره في الإدراك؛ حتى لو شوهد لم يفرق بينه وبينه. كما لا يفرق بين سوادين يسد كل واحد منهما مسد الآخر في الرؤية. فقول هؤلاء: مثل قول الأولين؛ في إنكار البعث بعد الموت. وجه الشبهة في إنكار البعث بعد الموت، أنه لم تجري به عادة، ولو فكروا في أن النشأة الأولى أعظم منه لعلموا أن من أنكره فقد جهل جهلا عظيما. ووجه دلالة ملك الأرض ومن فيها فإنه قادر على تصريفها تام

التصريف الذي يُعقل بملك إنشائها بعد إهلاكها ومعنى {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} الأحاديث المسطرة في الكتب ما سطره الأولون. مما لا حقيقة له، ويجري مجْرى السمر ومعنى وصفه بأنه: {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} أي الملك الذي لولاه لبطل كل شيء سواه؛ فإن قوام كل ذلك به، ولا تستغنى عنه طرفة عين؛ لأنها ترجع إلى تدبيره على ما يشاء ووجب أن السموات، والأرض، والعرش مربوب؛ لأن جميعه على صفة نقص؛ من حيث هو جسم لا يقوم بنفسه دون مدبر يدبره، وممسك يمسكه وصفات النقص متميزة من صفات التعظيم.. والملكوت عظم الملك. وفعلوت من صفات المبالغة نحو جبروت ورهبوت ورحموت. وجاز الجواب ب (لله) في المواضع الثلاثة على قراءة بعض القراء

أما الأول: فلا خلاف فيه، وهو جواب مطابق للسؤال؛ في {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا} فجوابه لله وأما الثاني، والثالث، فمن قرأ (الله الله) فهو جواب على اللفظ. ، والمعنى إذ السؤال. مَن رَبَ السَمواتِ والأَرضِ. وَمَنْ بِيَدِهَ ملَكوُتُ كلِّ شَيء. ؛ (وأما من قرأ (لله) فهو: جواب على المعنى دون اللفظ كقول القائل من مولاك فيقول: أنا لفلان. وقال الشاعر:

وَأَعْلَمَ أَنَّنِي سَأَكُونُ رَمْساً ... إِذَا سَارَ النَّواعِجُ لاَ تَسِير فَقَالَ السَّائِلُونُ لِمَنْ حَفَرتُْم ... فَقَالَ المُخْبِرُونَ لَهُمْ وَزِيرُ لأنه بمنزلة من الميت فقالوا وزير. وذكر أنها في مصاحف سائر الأمصار بغير ألف إلا مصحف. أهل البصرة. وقيل: (مَلَكوُتُ كُلَّ شَيْءٍ) خزائن كل شيء. عن مجاهد وقيل: {فَأَنَى تُسُحَرُونَ} . أي: يخيل لكم الحق باطلا، والصحيح فاسدا. {وَهُوَ يُجِيرُ} : يعقد المنع من السوء لمن يشاء. (وَلاَ يُجارُ عَلَيْهِ*. أي: لا يمكن منع من أراده بسوء منه. وقيل: هو يجير من العذاب ولا يجار عليه منه

قرأ أبو عمرو (سَيَقُولُونَ اللهُ اللهُ) الأخيرتين وقرأ الباقون (للهِ للهِ) . من غير ألف، ولم يختلفوا في الأولى

(91)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة ِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَة َ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) } [الآيات من 91 إلى 100] فقال ما اتخاذ الولد؟ ، وما معنى: عالم الغيب والشهادة؟ ، وكيف تدفع السيئة بالتي هي أحسن؟ ، وما معنى: {نحن أعلم بما يصفون} هاهنا؟ ، وما معنى: همزات الشياطين؟ ، وما العياذ؟ ، ولم جاز {قال رب ارجعون} على خطاب الجميع؟ ، وما البرزخ؟ . الجواب: اتخاذ الولد: جعل الجاعل له ولد غيره يقوم مقام ولده، لو كان له، وهذا محال في صفة القديم - عز وجل -؛ لأنه محال أن يكون له ولد؛ فلا يجوز التشبيه بما هو ممتنع مستحيل، إلا على التبعيد. وكذلك التبني إنما هو جعل الجاعل ابن غيره يقوم مقام ابنه الذي يصح أن يكون له. (عَالِم الغَيبِ وَالشَّهَادَة ِ) يأتي بالحق، وهم يأتون بالجهل وقيل: لأن عالُم الْغَيبِ والشَّهَادَة. لا يكون له شريك؛ لأنه الأعلى من كل شيء في صفته. وقال الحسن: هو رد لقول المشركين (الملائكة بنات الله) قرأ (عالِم الغَيُبِ) . بالجر ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر.. وقرأ الباقون بالرفع

والسيئة تدفع بالتي هي أحسن؛ بأن يكونوا إذا ذكروا المنكر ذكرت الحجة في فساده. والموعظة التي تصرف عنه إلى ضده من الحق، بتلطف في الدعاء إليه، والحث عليه. فقول القائل هذا لا يجوز، وهو خطأ، وعدول. عن الحق حسن. هو أحسن منه أن يوصل بذكر الحجة، والموعظة ومعنى {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} أي على ما يستحقون به من الجزاء؛ في الوقت الذي يصلح الأخذ بالعقوبة إذا انعقد الأجل المضروب للإمهال. وهمزات الشياطين: دفعهم بالإغواء إلى المعاصي.

الهمز: شدة الدفع، ومنه الهمزة التي تخرج من أقصى. الحلق باعتماد شديد. والعياذ: طلب الإعتصام من الشر. وقيل: (بِالتِّيِ هيَ أَحْسَنُ) بالإعفاء، والصفح عن الحسن وقال: (رَبِّ اَرْجِعُونِ) على خطاب الجميع) ؛ فيه قولان: الأول: أنهم استعانوا أولا بالله، ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة. الرجوع إلى الدنيا؛ فيما رواه ابن جريج والثاني: جرى على تعظيم الذكر في المخاطب؛ كما جاء في المتكلم، في نحو: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ}

البرزخ: الحاجز، وهو هاهنا الحاجز بين الموت والبعث.. وقال مجاهد: حاجز بين الميت والرجوع إلى الدنيا. وقال الضحاك: الحاجز بين الدنيا والآخرة. وقيل: البرزخ: الإمهال. وقيل كل فصل بين الشيئين: برزخ. ومعنى: و (كَلاَّ) ردع وزجر. وقيل: (هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ) نزغات الشياطين

(101)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) } إلى آخر السورة، [الآيات من 101 إلى 118] فقال ما معنى النفخ في الصور؟ ، وما النسب؟ ، وما معنى: ولا يتساءلون؟ ، وما معنى: ومن خفت موازينه؟ ، وهل تصح الموازنة في الحسنة والسيئة حتى لا ترجح إحداهما على الأخرى؟ ، وما الكلوح؟ ، وما معنى: أنساب بينهم؟ ، وما الغلبة؟ ، وما الشقوة؟ ، وهل لو أخرجوا إلى دار التكليف كانوا ملحين إلى الطاعة؟ ، وما معنى أخسئوا؟ ، وما معنى: ولا تكلمون؟ ، وما الجزاء؟ ، وما الصبر؟ ، وما اللبث؟ ، وما العدد؟ ، وما اليوم؟ ، وما القلة؟ ، وما الحسبان) ؟ ، وما العبث؟ ، وما معنى: السؤال لهم {كم لبثتم في الأرض عدد سنين} ؟ ، ولم يدل قوله {لبثنا يوما أو بعض يوم} على بطلان عذاب القبر كما يقوله من أنكر ذلك؟ ، وما معنى: (تعالى الله) ؟ ، وما معنى: الملك الحق؟ ، وما الحق؟ ، وما معنى: وصف العرش بأنه الكريم؟ ، ولم قيل إلها آخر مع أنه يكفي إلها؟ ، وما الحساب؟

الجواب: النفخ في الصور: علامة لوقت إعادة الخلق؛ في تصورهم بالإخبار عن تلك الحال؛ لأنه على ما يعرفون من بوق الرحيل. والقدوم. وقال الحسن: الصور جمع صورة. والنسب: إضافة إلى قرابة في الولادة. والمعنى: أنهم لا يتواصلون هناك بالأنساب ومعنى: {وَلَاَ يَتَسَاءَلُونَ} . أي: لا يسأل بعضهم بعضا عن خبره. ، وحاله؛ كما كانوا في الدنيا؛ لشغل كل واحد منهم بنفسه.. {وَمَنْ خَفَّتُ مَوَازِينُهُ} . كان الحسن يقول: ميزان له كفتان، ولسان

وكان قتادة يقول: الميزان معادلة الأعمال بالحق. [وقيل: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) . أنها مواطن؛ فمنها ما شغلهم عظم الأمر الذي ورد عليهم عن المسألة، ومنها حال يفيقون فيها فيتساءلون والموازنة بين الحسنة والسيئة صحيحة عندنا، ويغفر الله لمن. يشاء، وأنكر ذلك المعتزلة. الكلوحُ: تقلص الشفتين عن الأسنان؛ حتى تبدو الأسنان وقيل: لا يتناسبون في ذلك الوقت؛ ليعرف بعض هم بعضا: من

أجل شغله بنفسه عن غيره وقيل: تلفح وتنفح واحدا إلا أن اللفح أعظم تأثيرا، وهو ضرب السموم الوجه، وكذلك النفح ضرب الريح الوجه. وقال الحسن: لا أنساب بينهم يتعاطفون بها وإن كانت المعرفة بأنسابهم قائمة؛ بدلالة قوله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) } ولا يتساءلون: أي لا يسأل بعضهم بعضا؛ أن يحمل عنه من ذنوبه شيئاً. والغلبة: الإستعباد بالقوة على من حاول المنازعة؛ حتى يصير في القبضة. والشقوة: غلبت بأن صارت بهذه المنزلة

والغلبة: استعلاء القادر على غيره، ثم يصيره في ملكه. والشقوة: المضرة اللاحقة في العاقبة. والسعادة: المنفعة اللاحقة في العاقبة. وقد يقال لمن حصل في الدنيا على مضرة فادحة شقي على تقدير التأدية إلى الألم الشديد والمعاصي شقوة لتأديتها إلى العقوبة. ولو أخرجوا إلى دار التكليف: ما كانوا ملحين إلى الطاعة؛ لأن الشقوة والإغترار بالإمهال يعود إليهم؛ دل على ذلك قوله: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) }

ومعنى: اخسأ: ابعد بعد الكلب وإذا قيل للكلب أخسأ: فهو زجره بمعنى أبعد بعد غيرك من الكلاب. وإذا قيل للإنسان ففيه إهانة. وقيل: الفرق بين السُّخري والسِّخري: أن السخري من التسخير. وقيل: إنهما بمعنى الهزء. ومعنى (وَلَا تُكَلِّمُونِ) . فيه قولان: الأول: أنه على جهة الغضب اللازم لهم، فذكر ليدل على هذا. المعنى. الثاني: (وَلَا تُكَلِّمُونِ) . في رفع العذاب؛ فإني لا أرفعه عنكم، ولا أفتره

وهو على صيغة النهي، وليس بنهي. و {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} أي: لتشاغلكم بالسخرية بهم. وقال الحسن: هو آخر كلام يتكلم به أهل النار. قرأ حمزة والكسائي (شَقَاوَتُنَا) وقرأ الباقون (شِقْوَتُنَا) قرأ نافع وحمزة والكسائي (سُخْرِيًّا) . بضم السين.. قرأ الباقون بالكسر. الجزاء: مقابلة العمل بما يستحق عليه من ثواب. والصبرُ: حبس النفس عما تنازع إليه

واللبث: حصول الشيء على حالته. والعدد: عقد يظهر به مقدار المعقود. واليوم: من طلوع الفجر الثاني إلى مغيب الشمس وإذا قيل أيام الآخرة طوال؛ فإنما ترجع إلى المقادير على التشبيه بهذا الأصل. والقلة: عدة ناقصة عن عدة. والحسبان قوة أحد النقيضين على الآخر في النفس. ومن قرأ (أنَهَّمُ) بفتح الألف فالمعنى؛ لأنهم هم الفائزون بالصبر. ومن قرأ (إنهم) بالكسر فالمعنى على استئناف الإخبار

وقيل: (فسئل العادين) من الملائكة عن مجاهد لأنهم يحصون أعمال العباد. وقيل (الْعَادِّينَ) من الحساب؛ لأنهم يعدون الشهور والسنين عن قتادة. والعبث: العمل لا لغرض؛ كالذي يقلب الحصى، أو التراب. فإذا قيل له لم تقلب التراب؛ قال: لا لشيء. فيقال له هذا عبث؛ لأنه منهي عن ذلك. معنى السؤال لهم: (كَمُ لَبِثُتُمْ فيِ الْأَرْضِ عدَدَ سنيِنَ) التوبيخ. لمنكري البعث، والنشور قال الله لهم: لما بعثهم: (كَمْ لَبِثْتُمْ في الْأرْضِ عَدَدَ سَنِينَ) أي: أنكم كنتم تنكرون، وبما جاءت به الرسل تكذبون ولا يدل قولهم: (لَبِثْنَا يَوْمَا أوْ بَعْضَ) على بطلان عذاب القبر؛ لأنهم لم يكونوا يعذبون غير كاملي العقول.

وقد صح عذاب القبر بظاهر الإخبار به عن - النبي - وقيل: تُرجعون إلى حال لا يملك نفعكم فيها ولا ضركم إلا الله. كما كنتم في ابتداء خلقكم قبل أن يملك شيئا من أمر دينكم. قال الحسن: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} أي في طول لبثكم في النار. وقرأ (إِنَّهُمْ) بكسر الألف حمزة والكسائي ونافع. وقرأ الباقون بالفتح. وقرا ابن كثير (قُلْ كَمْ لَبِثُتُمْ) (قال إنْ لَبِثتُمْ) قرأ حمزة والكسائي (قُلْ) فيهما.. وقرأ الباقون (قَالَ) فيهما وتأويل (قُلْ) على الجمع واللفظ على الواحد؛ كأنه على:

(قل يا أيها الكافرون) وقرأ (تَرجِعُونَ) بفتح التاء وكسر الجيم، حمزة والكسائي.. وقرأ الباقون (تُرْجَعُونَ) بضم التاء وقرأ (لَعَليَ أَعْمَلُ) بفتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو.. وقرأ الباقون بالإسكان ومعنى: (فتَعَالَى اللهُ) على معنى صفته فوق كل صفة لغيره. فهو تعظيم لله بأن كل شيء سواه يصغر مقداره عن معنى صفته والملك الحق: الذي يحق له الملك بأنه ملك غير مملك، وكل ملك غيره فملكه مستعار له، وإنما يملك ما ملكه الله؛ فكأنه لا يعتد بملكه في ملك ربه والحق: شيء من اعتقد معنى صفته فقد اعتقد الشيء على ما هو ، والله

- جل وعز - الحق؛ لأنه من اعتقد أنه لا إله إلا هو، فقد اعتقد الشيء. على ما هو به. ومعنى: وصف العرش بأنه الكريم العظيم بورود الخبر باستوائه. عليه، وتدبير الله ذلك لعباده. وقيل الكريم في أصل الصفة، القادر على التكرم من غير مانع وقيل: (إِلهاً آَخَرَ) للبيان أنه يدعو غير الله إلها، فيزول الإيهام. أن إلها حال من اسم الله، والمفعول محذوف كأنه قيل: يدعوا مع الله الإله إلها آخر. وقيل المعنى: (تَعَالَى اللهُ) عما يصفه به الجهال من الشركاء. واتخاذ الأولاد. والحساب: إخراج مقدار العدة المنعقدة في الكمية فلما كان الله يظهر مقدار الاستحقاق، وهو مما لا يقدر على إخراجه على كنهه إلا الله

سورة النور

سورة النور مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه -: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَة َ جَلْدَة ٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَة ِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَة َ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) } . [الآيات من 1 إلى 11] فقال ما السورة؟ ، وهل بين الواجب والفرض فرق؟ وما الآيات؟ ، وما معنى: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ؟ ، وما معنى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} .؟ ، وما الطائفة؟ وكم هي من العدة؟ ، وما معنى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} ؟ ، ومن أي شيء وقع الاستثناء في {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ؟ وبم انتصب {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} ؟ ، وما حكم في {} ؟ وما حكم المتلاعنين؟ ، وما العذاب الذي تدرؤ عنها شهادتها؟ . الجواب: السورة: المنزلة الجامعة بجملة آيات، بفاتحة لها، وخاتمة، ومنها ما يطول ومنها ما يقصر؛ لما تقتضيه من ترتيبها بحسب المعاني، إذ منها ما يطول، ومنها ما يقصر. وأصلها من سورة البناء. وهي ساق من أسواقه

والفرق بين الفرض والواجب: أن الفرض واجب بجعل جاعل؛ لأنه فرضه على صاحبه؛ كما أنه أوجبه عليه. وقد يكون الواجب واجباً من غير جعل جاعل؛ كوجوب كون العالم عالماً بالعلم. ، والفاعل فاعلاً بالفعل. الآيات: الدلالات على ما يحتاج إلى علمه، مما قد بينه الله في هذه السورة، ونبه على ذلك من شأنها؛ لينظر فيه طالب العلم ويفوز. ببغيته منه. ومعنى {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} . : لتذكروا الدلائل التي فيها فتكون حاضرة لكم. لتعلموا بها وتتدبروا متضمنها

ومعنى {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} ، أي لا تمتنعوا عن إقامة الحد. عن مجاهد وعطاء. وقيل لا تمتنعوا من الجلد الشديد، بل أوجعوهما ضرباً شديداً عن الحسن وسعيد ابن المسيب. والرأفة: والرآفة نحو الكآبة والكأْبة لغتان. والطائفة: قيل رجل واحد فما فوقه عن مجاهد وإبراهيم.

وقيل الطائفة رجلان فصاعداً. عن عكرمة. وقيل ثلاثة فصاعداً عن قتادة، والزهري. وقيل أقله أربعة عن ابن زيد. {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [الآية 3] قيل إنها نزلت على سبب

وهو أنه استأذن رجل من المسلمين النبي - أن يتزوج امرأة من أصحاب الرايات كانت تسافح وأنزل الله الآية وحرم الله نكاحهن على المؤمنين فلا يتزوج بهن إلا زان أو مشرك وعن مجاهد وقتادة أن المرأة التي استؤذن فيها أم مهزول.. وقيل النكاح هاهنا الجماع. والمعنى الاشتراك في فعل الزنا عن ابن عباس، وسعيد بن جبير. وقال هي زانية مثله.

وقيل كان هذا الحكم في كل زانية وزان إلى أن نسخ بقوله {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [الآية: 32] عن سعيد بن المسيب قال سعيد بن جبير في قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَة ِ شُهَدَاءَ} . [الآية 4] نزلت في عائشة - رضي الله عنها - وقال الضحاك وهو في نساء. المؤمنين : (والاستثناء في {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فيه خلاف على وجوه. الأول: [أن الاستثناء يرجع إلى الأمرين] . فإذا تاب قبلت شهادته حد أو لم يحد

عن سعيد بن المسيب أن عمر قال لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك فأبى أبو بكرة أن يكذب نفسه والثاني: في الاستثناء من الفاسقين دون {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} فلا تجوز شهادة القاذف أبداً عن شريح، وسعيد بن المسيب والحسن، وإبراهيم. وقيل الإجماع بأنه إذا لم يحد فماتت المقذوفة لم يكن هناك مطالب. ثم تاب أنه يجوز قبول شهادته على تقدير {وأولئك هم الفاسقون} . في قذفهم

مع امتناع قبول شهادتهم إلا التائبين منهم والحد حق المقذوف لا يزول بالتوبة. وقيل توبته معلقة بإكذابه نفسه. وقيل لا يحتاج إلى ذلك عن مالك بن أنس وتقديره لافتتاح هذه السورة إلا أنه حذف على تقدير التوقع لما ينزل من القرآن. وقيل {وأنزلنا} بأن أمرنا جبريل بأن ينزل بها

وذهب سيبويه إلى أن التأويل فيما فرض عليكم {الزانية والزاني} لأنه لولا ذلك لنصب بالأمر وقال الحسن: يجلد الزاني وعليه ثيابه. ويترك مقدار ما تصل النعال منه. ويجلد الرجل قائماً. وتجلد المرأة قاعدة قرأ (فَرَّضْنَاهَا) بالتشديد ابن كثير وأبو عمرو.. وقرأ الباقون بالتخفيف. وقرأ (رَأَفُةُ) بفتح الهمزة ابن كثير وقرأ الباقون بالتخفيف

انتصب أربع شهادات في {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [الآية: 6] على تقدير المصدر ورفع الشهادة على هذا من وجهين: أحدهما: فعليه شهادة أحدهم كأن قيل فعليه شهادته أو يقدر فشهادة أحدهم عليه. والآخر أن يكون الخبر {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} ومن رفع أربع شهادات جعله خبر شهادة. وقيل شهادته أربع مرات تقوم مقام أربعة شهود في دفع الحد عنه والعذاب الذي تدرؤ عنها شهادتها: قيل هو الحد) لأنها بمنزلة من شهد عليه أربعة بالزنا وقيل الحبس؛ لأنه لم تتم البينة بأربعة شهود وإنما التعان الرجل درأ عنه الحد في رميه.

وجواب لولا محذوف بتقدير {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} لعاجلكم بالعقوبة بما تركبون من الفاحشة وحكم المتلاعنين أن يفرق بينهما كما فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. بين هلال ابن أمية؟ وزوجته. وقضى أن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها. وقال ابن عباس إن لم تحلف رجمت وبأي شيء تقع فرقة المتلاعنين؟ خلاف: فمنهم من قال تقع بتفريق الحاكم بينهما عند أهل العراق ومنهم. من قال بتمام اللعان من غير حكم. وقال الحسن: إذا حدث وقد صدقته وكانت بكراً لم يدخل بها فليس لها من الصداق شيء. وإن كانت محصنة أحصنها غيره ولم يكن دخل بها أقيم عليها حد الرجم وله منها الميراث ولها الصداق كاملاً

قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (أرْبَعُ شَهَادَاتٍ) بالرفع.. وقرأ الباقون بالنصب وقرأ نافع وحده (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ) (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا) . بتخفيف النون فيهما، ورفع اسم الله - عز وجل - وكسر الضاد. وقرأ الباقون. (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ) . و (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) . بتشديد النون والنصب وقرأ حفص عن عاصم. (وَالْخَامِسَة َ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا) ولم يختلفوا في رفع الأولى

(11)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَة ِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) } [الآيات من 11 إلى 21] فقال ما الإفك؟ ومن المخاطب بـ (لاَ تَحْسَبُوهُ شَراً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) .؟ وما العصبة الذين جاءوا بالإفك؟ ومن تولى كبره؟ وما كان سبب الإفك؟ وما معنى: ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفس هم خيراً؟ وما معنى: (تلقونه بألسنتكم) ؟ وما البهتان؟ وما العظيم؟ وأين جواب لولا؟ الجواب: الإفك: الكذب الذي قلب فيه الأمر عن وجهه، وأصله الانقلاب. ومنه المؤتفكات. وأفك يأفك إفكاً إذا كذب؛ لأنه قلب المعنى عن حقه إلى باطله. وهو آفك مثل كاذب. والمخاطب بـ {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} . التي قذفت بالإفك، وهي عائشة أم المؤمنين - رضوان الله عليها - والذي اغتم لها. فأنزل الله براءتها وإكذاب من قذفها. فقيل لا تحسبوا غم الإفك {شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} . ؛ لأن الله - عز وجل - يبرئ صاحبه بثوابها، وينفعها بصبرها واحتسابها، وما نيل منها من الإذاء والمكروه؛ الذي نزل بها، ولزم أصحاب الإفك ما استحقوه بالإثم الذي ارتكبوه في أمرها والعصبة الذين خاضوا في الإفك جماعة منهم عبد الله بن أبي سلول، وهو الذي تولى كبره وهو من رؤساء المنافقين.

ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش) عن. ابن عباس، وعائشة. وسبب الإفك أن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - كانت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المصطلق وقد كانت تباعدت لقضاء الحاجة فرجعت تطلبه وحمل هودجها على بعيرها على توهم أنها فيه فلما صارت إلى الموضع وجدته [وهم] قد رحلوا عنه وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني من وراء الجيش فمر بها فلما عرفها أناخ بعيره حتى ركبته، وهو يسوق حتى أتى الجيش بعدما نزلوا في قائم الظهيرة. فيما رواه الزهري عن عائشة. وقيل (كبره) مصدر في معنى الكبير من الأمر و {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [الآية: 12] . أي ظنوا بالمؤمنين الذين هم كأنفس هم خيراً؛ لأن المؤمنين كلهم كالنفس الواحدة فيما يجري

عليها من الأمور.. فإذا جرى على أحدهم محنة، فكأنه قد جرى على جميعهم. قال مجاهد: ألا ترى إلى قوله {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} . وقيل. {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} يرويه بعضكم عن بعض ليشيعه. عن مجاهد وروي عن عائشة. (تَلِقُونَه) . من ولق الكذب، وهو الاستمرار على الكذب منه ولق فلان في السير إذا استمر به وقوله {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} أي هم كاذبون في غيبهم فمن جوز صدق هؤلاء فهو راد لخبر الله كافر بالله

وقيل الكبر بضم الكاف من كبر السن. يقال هو كبر قومه أي معظمهم. والكبر والعظم واحد وقيل دخل حسان على عائشة فأنشدها قوله: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنٌ بِرِيِبَة ٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِن لُحُومِ الْغَوافِلِ. فقالت له لكنك لست كذلك. والبهتان: الكذب الذي فيه مكابرة تحير بهته يبهته بهتاً إذا حيره بالكذب عليه. والعظيم: الذي يصغر مقداره عنه فيوصف به الخير والشر لاختلاف مراتب الجزاء على ذلك. وجواب لولا محذوف وتقديره لعجل لكم الذي تستحقونه بحبكم

إشاعة الفاحشة لأن ما تقدم من الكلام يقتضي هذا المعنى ويدل عليه. ولولا ذلك ما جاز حذفه

(21)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَة ِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) } . [الآيات من 21 إلى 26] فقال ما الاتباع؟ وما المنكر؟ وهل في الآية دلالة على أن الإيمان نعمة من الله؟ وما الإئتلاء؟ وفيمن نزلت (وَلاَ يَأتلِ أُولو) ؟ وكيف شهادة الأيدي والأرجل بأعمال الفجار؟ وما معنى: الخبيثات للخبيثين؟ وما الخبث؟ وما المبرأ؟ الجواب: الاتباع: الذهاب فيما كان من الجهات التي يدعوا الداعي إليها بذهابه فيها. فمن وافق الشيطان فيما يدعوا إليه من الضلال فقد اتبعه. لأنه ذهب فيما دعاه إليه بذهابه فيه والاتباع، والاقتداء نظائر. المنكر: ما حرم الله فعله. والمعروف ما رغب في فعله وفي قوله {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} ما يدل على أن طاعتهم كلهم مخلوقة له لأنه متفضل بها عليهم منعم بها عليهم وأنه لو قد لطف لغيرهم لآمنوا كما آمنوا على خلاف قول المعتزلة أنه ما أنعم بالإيمان عليهم ولا خلقه إيماناً لهم وأنه قد ألطف لجميع المؤمنين والمكلفين عموماً، وإن لم يؤمنوا فزعموا أن لطفه غير منجح.

والإئتلاء: القسم آلي يؤلي إيلاء إذا حلف على أمر من الأمور ويأتلي يفتعل من آليت كما أن يقتضي من قضيت والمعنى أن لا يؤتوا. وقيل نزلت في أبي بكر الصديق - رضوان الله عليه - ومسطح ابن أثاثة وكان يجري عليه ويقوم بنفقته فقطعها لما خاض في الإفك وحلف أن لا ينفعه أبداً لما كان منه من الدخول م أصحاب الإفك في أمر عائشة - رضي الله عنها -. فلما أنزل الله فيه الآية رجع له، وقال بلى والله إني أحب أن يغفر. الله لي والله لا أنزعها أبداً عنه. وكان مسطح ابن خالة أبي بكر الصديق وكان مسكيناً ومهاجراً من مكة إلى المدينة، ومن البدريين عن عائشة) ، وابن عباس، وابن. الزبير وقال الحسن: أنزلت في يتيم كان في حجر أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حلف ألا ينفق عليه. وكذلك قال مجاهد.. وقيل {إِنَّ الذين يَرْمُونَ} عن الفواحش. وشهادة الأيدي، والأرجل بأعمال الفجار فيه ثلاثة أقوال: الأول: يخلق فيها كلاماً ونطقاً فتنطق بذلك

الثاني: يجعل فيها علامة تقوم مقام النطق بالشهادة وكذلك إذا جحدوا معاصيهم. وقيل يبنيها الله ببنية تمكنهم من النطق بها. وأما شهادة الألسنة فيجوز أن يكونوا شهداء يشهدون بألسنتهم إذا رأوا أنه لا ينفعهم الجحد، ويجوز أن يكون الختم على الأفواه إنما هو. في حال شهادة الأيدي، والأرجل. وقيل: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} تخطيه الحلال إلى الحرام. والفحشاء: كل قبيح عظيم من المعاصي. {دِينَهُمُ الْحَقَّ} أي جزاءهم والخبث: الفاسد الذي يتزايد في الفساد تزايد النامي في النبات

والحرام كله خبيث، والحلال كله طيب. والمبرأ: المنفي عنه صفة العيب، وهو المنزه عن صفة الذم. والله - عز وجل - يبرئ المؤمنين من العيوب التي يضيفها إليهم أعداؤهم، ويفضح من يكذب عليهم. والرزق الكريم: الرزق الذي يعطى على الإدرار من الخيرات. مهنئاً من غير تنغص الإنسان وهو رزق رب العالمين الذي يعم الجميع، ويخص من شاء بالزيادة في الإفضال. وقيل في الخبيثات للخبيثين ثلاثة أوجه: الأول: الخبيثات من الكلام من الخبيثين من الرجال عن ابن عباس

عباس ومجاهد والحسن. والثاني: الخبيثات من السيئات للخبيثين من الرجال والثالث: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال عن ابن زيد. كأنه ذهب إلى اجتماعهما للمشاكلة بينهما.

وقيل الخبيثات من النساء الزواني للخبيثين من الزناة على التعبد. الأول ثم نسخ وقال قتادة: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} في الجنة. وقال الفراء: هو يرجع إلى عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - وصفوان بن المعطل. كما جاء {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فالأم تحجب بالأخوين فجاء ذلك على تغليب لفظ الجمع الذي يجري مجرى الواحد في الإعراب

(27)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَة ٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) } [الآيات من 27 إلى 30] فقال ما معنى حتى تستأنسوا؟ وكم وجهاً قيل في بيوت غير مسكونة؟ وما العورة؟ وما الاستئذان؟ الجواب: معنى: حتى تستأذنوا. عن ابن عباس وابن مسعود. وقيل: بالتنحنح والكلام الذي يقوم مقام الاستئذان عن مجاهد وفي (في بيوت غير مسكونة) أربعة أقوال:. أحدها الخانات عن قتادة. والثاني الخربة للغائط والبول عن عطاء

وقيل بيوت الرجال التي فيها أمتعة الناس عن ابن زيد وقيل جميع ذلك على العموم؛ لأن الاستئذان إنما جاء لئلا يهجم على ما لا يحب من العورة وقال في الخانات استمتاع لكم من جهة نزولها ومن جهة الأثاث التي لكم فيها. والعورة من المرأة ما عدا الوجه والكفين والقدمين أمروا بغض الطرف عن عورات النساء، وجعلت (مِن) لابتداء الغاية. ويجوز أن تكون للتبعيض، والمعنى بأن يطرق وأن لا يغمض فيكون غضاً من الإبصار.

وقيل العورة من الرجال من السرة إلى الركبة الاستئذان: قال الحسن: روى أبو موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن الاستئذان ثلاث فإن أذنوا وإلا فارجع" فدعاه عمر فقال لتأتيني بالبينة أو لأعاقبنك فانطلق أبو موسى فأتاه بمن سمع منه.. الاستئناس: طلب الأنس بالعلم أو غيره. كقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحداً.

(31)

مسألة: وإن سأل عن قوله سبحانه {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَة ِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاة ِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34) اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة ٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة ٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَة ٍ مُبَارَكَة ٍ زَيْتُونَة ٍ لَا شَرْقِيَّة ٍ وَلَا غَرْبِيَّة ٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاة ِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاة ِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَة ٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) } [الآيات من 31 إلى 41] فقال ما معنى {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} ؟ وما وجه الدليل من ذلك على صحة القياس؟ ، وما الزينة المنهي عن إبدائها لغير محرم، ومن هو في حكمه؟ ، وما معنى: {التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَة ِ مِنَ الرِّجَالِ} ؟ وما الإربة؟ ، وما الأمر في {فَكَاتِبُوهُمْ} . أعلى الفرض أم على الفضل؟ ، وما المال الذي أمر السيد أن يعطي المكاتب؟ ، وما معنى: الله نور السماوات والأرض؟ ، وما الضمير في {مَثَلُ نُورِهِ} ؟ ، وإلى ماذا يرجع؟ وما المشكاة؟ ، وكم وجهاً قيل في {لا شرقية، ولا غربية} ؟ وبأي شيء يتصل {في بيوت أذن الله} من عامل الإعراب؟ ، وما معنى: {أن ترفع {هاهنا؟ ، وما معنى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} ؟ ، وكيف جاز، {وَإِقَامِ الصَّلَاة ِ} ؟ ولم يجز أقمته إماماً؟ ، وما الصواف؟ ، وما القاع؟ ، ولم قيل {لم يكد يراها} ؟ ، وما الظمآن؟ . الجواب: الزينة المنهي عن إبدائها لغير محرم ومن هو في حكمه قيل هما زينتان فالظاهرة الثياب، والخفية الخلخالان، والقرطان، والسواران. عن ابن مسعود. وقال إبراهيم الظاهر الذي أبيح الثياب. وقيل الذي أبيح الكحل، والخاتم، والخدان، وخضاب الكف عن

ابن عباس. وقال قتادة: الكحل والسوار والخاتم. وعن عطاء الكفان والوجه وقال الحسن الوجه والثياب، وقيل كل ما ليس بعورة لجواز إظهاره في الصلاة. والخمار غطاء رأس المرأة المسبل على جَيْبِها، وجمعه خمر وقيل الزينة التي تبديها لهؤلاء المذكورين قرطاها، وقلادتها، وسوارها وخلخالها، ومعضداها، ونحرها عن ابن عباس، وقال

فأما شعرها فلا تبديه إلا لزوجها. {أَوْ نِسَائِهِنَّ} أو نساء المؤمنين دون المشركين إلا أن تكون أمة. وهو معنى قوله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} أي من الإماء عن ابن جريج ومعنى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَة ِ} الذين يتبعونك ليصيبوا من طعامك ولا حاجة لهم في النساء عن ابن عباس وقتادة. وعن مجاهد قال: الأبله. والإربة: الحاجة. وهي فعلة من الأرب يقال: آربت لكذا أأرب أرباً إذا احتجت إليه والأيامى من لا زوج له: يقال للمرأة أيم إذا كانت بلا زوج.. وجمعه أيائِم وأيامى. ويقال امرأة أيم وأيمة. ومعنى {وَأَنْكِحُوا} زوجوا

يقال نكح هو إذا تزوج وأنكح غيره زوجه وقوله {فَكَاتِبُوهُمْ} فيه خلاف قيل على الفرض إذا طلب العبد المكاتبة، وعلم فيه خيراً عن عطاء. وقيل هو ندب ليس بفرض. والخير الذي يعلم فيهم القوة على الاحتراف وكسب ما يؤدون منه ما كتبوا. وقيل: {خيراً} مالاً. عن ابن عباس وقيل {خيراً} صدقاً ووفاء، وأداء أمانة عن الحسن، والمال الذي أمر السيد أن يعطي المكاتب منه قيل ربع الكتابة يحطها عنه عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي - رضي الله عنه.

وقيل المستحب أن يعطيه الربع، أو أقل، وليس بواجب. وقال آخرون إنما المعنى آتوهم سهمهم من الصدقة التي ذكرها -. عز وجل - في: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] عن ابن زيد. وقيل حث على معونته بالجميع عن الحسن وإبراهيم وقيل {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} لهن {غَفُورٌ رَحِيمٌ} والوزر على المكره. وقيل نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول لما أكره أمته. على الزنا عن جابر بن عبد الله ومعنى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فيه قولان الأول: هادي أهل السماوات والأرض عن ابن عباس وأنس. والثاني: منور السماوات.

والأرض بنجومها وشمسها وقمرها عن أبي العالية والحسن والهاء في قوله {مَثَلُ نُورِهِ} . تعود على المؤمن أي على المؤمن. (مثل النور الذي في قلبه بهداية الله - عز وجل. وقيل هي عائدة على اسم الله- والمعنى مثل نور الله الذي هدى به المؤمنين - عن ابن عباس بخلاف فيه.. المشكاة: الكوة التي لا منفذ لها عن ابن عباس وابن جريج وقيله ومثل ضرب لقلب المؤمن فالمشكاة صدره والمصباح القرآن والزجاجة قلبه عن أبي بن كعب.

وقال: هو بين أربع خلال إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر. وإن حكم عدلَ وإن قال صدق قال فهو ينقلب في خمسة أنوار فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره في النور يوم القيامة إلى الجنة. وقيل المشكاة عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، وهو نظير الكوة وقيل {لَا شَرْقِيَّة ٍ} لشروق الشمس عليها فقط {وَلَا غَرْبِيَّة ٍ} لغروبها فقط بل شرقية غربية بأخذها حظها من الأمرين عن ابن عباس. وقيل هي ضاحية للشمس عن قتادة. وقيل ليست من شجر الدنيا عن الحسن وقيل: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} أي نور الهدى إلى توحيده على نور الهدى بالقرآن الذي أتى به عن زيد بن أسلم والأمر بتزويج الأيامى إذا

أردن ذلك أمر فرض والأمر بتزويج الأيامى العبيد أمر ترغيب والأمر بالمكاتبة أمر ترغيب، وكذلك الأمر بإعطائه من المال. والمكاتبة أن يقول الرجل لعبده أو لأمته قد كاتبتك على أن تعطيني كذا وكذا ديناراً أو درهماً في نجوم معلومة على أنك إذا أديت ذلك فأنت حر فيرضى العبد بذلك، ويكاتبه عليه ويشهد بذلك على نفسه فإن أدى المكاتبة بالنجوم التي قيماها كان حراً، وإن عجز عن أداء ذلك كان لمولاه أن يرده إلى الرق. وقيل إن أردت تحصناً على صيغة الشرط وليس بشرط له فحش الإكراه على ذلك. وقيل إنه نزل على سبب فوقع النهي على المعنى على تلك

الصفة. ومعنى {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} أي لهن {غَفُورٌ رَحِيمٌ} إن وقع منها صغير في ذلك. قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (غَيَّرَ أُوِلي الإِرَبة) نصباً.. وقرأ الباقون بخفضها. وقرأ (دُرَّيٌ) بضم الدال من غير همز ابن كثير ونافع وابن عامر، وحفص عن عاصم. وقرأ (دِرِّيء) بكسر الدال والهمز أبو عمرو والكسائي. وقرأ (دُرِّيء) بضم ال دال مهموز حمزة، وعاصم في رواية أبي بكر وقرأ (تَوَقدَ) بفتح التاء والدال ابن كثير وأبو عمرو وقرأ (يُوقدُ) مخفف مرفوع مضموم اليَاء نافع وابن عامر وحفص عن عاصم

والكسائي وقرأ (تُوَقُد) بضم التاء والدال مخففة حمزة وعاصم في رواية أبي بكر ومن قرأ (دُرِّيٌ) فهو من درأت أي دفعت. والكوكب دري لسرعة دفعه في الانقضاض والجمع الدراري. ومن قرأ (درِّيٌ) فهو منسوب إلى الدر في صفائه وحسنه. ومن ضم وهمز فهو غير معروف عند أهل العربية وليس في الكلام فُعِّيل

ومن تأول {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} على معنى منورها بالشمس والقمر والنجوم، فينبغي أن يوجه ضرب المثل بالمشكاة على أن ذلك مثل ما. هو في مقدوره ثم تنشر الأنوار الكثيرة عنه. قوله {فِي بُيُوتٍ} تقديره الأول: المصابيح. والثاني: توقد في بيوت. وهذه البيوت هي المساجد عن ابن عباس والحسن ومعنى أن ترفع هنا قولان: الأول أن تبنى عن مجاهد معناه أن ترفع بالبناء كما قال - عز وجل - {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة: 127] .

والثاني: أن تعظم عن الحسن. لأنها مواضع الصلوات ومعنى {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} يصلى له فيها بالغداة والعشي. قال ابن عباس كل تسبيح في القرآن صلاة ومعنى {لَا تُلْهِيهِمْ} . أي [لا] تصرفهم عن ذكر الله بتعظيمه. وجاز وإقام الصلاة؛ لأن الإضافة عوض من الهاء تغني عنها إذا كانت الهاء عوضاً مما حذف وأصله إقواماً

وقال ابن عباس الزكاة الطاعة لله. وقال الحسن هي الزكاة الواجبة في المال والسراب: شعاع يتخيل كالماء يجري على الأرض نصف النهار. حين) يشتد الحر. وأما الآل) فشعاع يرتفع بين السماء والأرض كالملا ضحوة النهار. النهار. وإنما قيل سراب لأنه ينسرب أي يجري كالماء والقاع: المنبسط من الأرض الواسع وفيه يكون السراب. وجمعه قيعة نحو جار وجيرة

والمعنى {مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ} على ما قدر. والشعاع بالقاع يتكثف فيرى كالماء فإذا قرب منه صاحبه انفش فلم يره شيئاً كما كان ولجة البحر معظمه التي تتراكب أمواجه ولا يرى ساحله. والظلمات مثل لحيرة الجهل الذي يغشى القلب وقيل {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} . أي لم يقارب أن يراها فهو نفي مقاربة الرؤية على الحقيقة. وقيل إنه يدخل كاد بمعنى النفي كما يدخل الظن بمعنى اليقين.. وقيل رآها بعد جهد وشدة رؤية تخيل لصورتها. {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} أي هداية إلى الرشد. {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} والظلمات ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل كذلك الكافر حاله ظلمة واعتقاده ظلمة ومصيره إلى ظلمة وهي

النار يوم القيامة. وقال الحسن لم يراها ولم يقارب الرؤية ويقال. «مَا كِدتُّ أعْرِفُهُ إلاَّ بَعْدُ إنَكِارِهِ» . ويقال كاد العروس أن يكون أميراً، وكاد النعام أن يطير. قرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (يُسبَّحُ) بفتح الباء، وقرأ. الباقون بكسرها

(41)

مسألة: وإن سأل عن قوله سبحانه {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّة ٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) } . [الآيات من 41 إلى 51] فقال ما التسبيح؟ ، وما الملك؟ ، وما معنى: من الأولى، والثانية، والثالثة؟ ، وما معنى: يُزجي سحاباً؟ ، وما الودق؟ ، وما معنى: خلال؟ ، ولم قيل: (ومنهم من يمشي على أربع) وذلك لما يعقل؟ ، وما معنى: سنا البرق؟ ، وما الآ يات المبينات؟ ، وما المذعن؟ ، ولم جاء على الاستفهام (أفي قلوبهم مرض) ؟ ، وما الدعاء؟ الجواب: [التسبيح] التنزيه لله عن كل ما لا يجوز في صفته فمن نفى عنه الصاحبة والولد فقد سبحه؛ لأنه برأه عما لا يجوز عليه والملك: المقدور الواسع لمن يملك التدبير والسياسة وملك السموات والأرض لا يصلح إلا لله. معنى من الأولى لابتداء الغاية لأن السماء ابتداء الإنزال

والثانية للتبعيض لأن البرد بعض الجبال التي في السماء.. والثالث لتبيين الجنس لأن جنس تلك الجبال جنس البرد. ومعنى {يُزْجِي سَحَابًا} يسوق السحاب إلى حيث يريد. والودق: المطر. وخلال: جمع خلل. وقيل في السماء جبال برد مخلوقة. وقيل بل المعنى في تقدير جبال يجعل فيها برداً.. {سَنَا بَرْقِهِ} ضوء برقه. وقال قتادة لمعان برقه. {يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} لتغليب ما يعقل على ما لا يعقل إذا اختلطا.

ومعنى {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّة ٍ مِنْ مَاءٍ} أي من نطفة وقيل [* * *] بما. {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} من الدلالة التي تدعو إلى تسبيحه. بالتنزيه عما لا يجوز في صفته. {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} أي صفت أجنحتها في الهواء ففي تمكنها من ذلك عبرة. وقيل من يمشي على بطنه نحو الحيات، والسمك وقيل من ماء؛ لأن أصل الخلق من ماء ثم قلب إلى النار فخلق الجن منه ثم إلى الريح فخلقت الملائكة ثم إلى الطين فخلق منه آدم.

وقيل لم يذكر ما يمشي على أكثر من أربع؛ لأنه كالذي يمشي على أربع في رأي العين. فترك ذكره لأن العبرة تكفي بذكر الأربع.. وقال الحسن في السماء جبال برد. قرأ (خَالِقُ كُلِ دَابَّة ِ) حمزة والكسائي، وقرأ الباقون (خَلقَ) . والآيات المبينات: الدلالات التي يظهر بها المعنى مما خالفه. حتى يدرك متميزاً منه. والهداية الدلالة التي يهتدي بها العباد. المذعن: المقر بالأمر طائعاً غير مكره.

جاء على الاستفهام {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} . لأنه أشد في التوبيخ والذم أي أن هذا أمر قد ظهر حتى لا يحتاج فيه إلى البينة، كما جاء نقيضه على طريق الاستفهام لأنه أشد مبالغة في المدح، كما قال الراجز: أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَن رَكِبَ المْطَايَا ... وَأَنْدَى الْعَالمَيِنَ بُطُونَ رَاحِ. الدعاء: طلب الطالب الفعل من غيره فهؤلاء المنافقون طلب منهم المجيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحكم بينهم فامتنعوا ظلماً لأنفسهم.

(51)

مسألة: وإن سأل عن قوله سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاة َ وَآتُوا الزَّكَاة َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاة ِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَة ِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاة ِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَة ٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64) } . إلى آخر السورة. [الآيات من 51 إلى 64] فقال ما الحكم؟ ، وما الطاعة؟ ، وما الفوز؟ وما معنى: {لا تقسموا طاعة معروفة ظ} ؟ ، وما التبديل؟ ، ولم قيل {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} والكفر أعظم الفسق؟ ، وما معنى: أقام الصلاة؟ ، وما الزكاة؟ ، وما الطاعة؟ وما معنى: الاستئذان ثلاث مرات؟ ، وما الفجر؟ ، وما الحرج؟ ، وما المرض؟ وما المفتاح؟ ، وما معنى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} ؟ وما الشتات؟ ، ومامعنى {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} ؟ وما اللواذ؟ الجواب:. الحكم: فصل الأمر على ما يقتضيه الحكم. والطاعة: موافقة الأمر

والفوز: أخذ الحظ الجزيل من الخير ومعنى {لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَة ٌ} فيه قولان: هذه طاعة معروفة منكم أي بالقول دون الاعتقاد أنكم تكذبون. عن مجاهد. والثاني: طاعة وقول معروف أمثل من هذا القسم وقيل {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} اي ليورثنهم أرض المشركين من العرب والعجم) . {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من استخلف من بني إسرائيل بأرض الشام بعد إهلاك الجبابرة بأن أورثهم إياها وجعلهم سكانها وملوكها التبديل: تغيير حال إلى حال.. الإبدال: رفع شيء يجعل غيره مكانه وقيل {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . بمعنى أنهم الخارجون في كفرهم إلى أفحش، ولأن الفسق في كل شيء الخروج إلى أكبره

وقيل {طاعة} أي إلى الغزو. {وقول معروف} صحته ذلكم خير لكم من هذا الحلف. وقيل استخلف الذين من قبلهم أي في زمن داوود وسليمان وفي الآية دلالة على صحة النبوة من جهة الإخبار عن غيب لا يعلم إلا بوحي من الله. وفيها دلالة على صحة إمامة الأربعة لأن الله سبحانه استخلفهم. في الأرض فمكن لهم كما جاء الوعد. وقيل: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} أي تتولوا. قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر (لَيُبْدِلَنَّهُم) مخففة.. وقرأ الباقون بالتشديد. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (كَمَا اَسْتُخْلِفَ) بضم التاء. وقرأ الباقون بفتحها.

إقام الصلاة أداؤها في أوقاتها على ما يلزم فيها باستمرار ذلك مع إمكانها. ومعنى الاستئذان ثلاث مرات في ثلاثة أوقات من ساعات الليل والنهار ثم فسر الأوقات عن مجاهد. وقيل في الرجال والنساء والعبيد عن ابن عباس. وقيل في الرجال خاصة وقيل {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَة ٍ} يعني به: القناع الذي فوق الخمار وهو الرداء. والجلباب الذي يكون فوق الشعار. والتبرج: إظهار المرأة من محاسنها ما ينبغي أن تستره. والاستئذان واجب على البالغ في كل حال ومعنى {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ} أي كما دلكم على ما تعبدكم به في هذه الآية فكذلك يدلكم على جميع ما يتعبدكم به

وعلى الشابة من الستر أكثر مما على العجوز ومع ذلك فلا يجوز على العجوز أن تبدي عورة لغير محرم من نحو الشعر والساق والذراع. ومن قرأ {لَا يحسَبنَّ الذين كفروا معجزين} . بالياء فهو على حذف المفعول بتقدير (لَا يْحسَبَنَّ) الذين كفروا إياهم معجزين. والإعجاز: المنع من الفعل بالعجز. ومعناه هاهنا معجزين أي فائتين. قرأ ابن عامر وحمزة {لاَ يَحسَبَّن} بالياء وفتح السين وقرأ الباقون بالتاء. قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر. {ثَلاثَ عوراتٍ} . بفتح التاء والباقون بالرفع. والحرج: الضيق في الدين.. ومنه الحرجة الشجرة الملتفة لضيق المسالك فيها. والمرض: اضطراب البدن عن ألم وضعف في آلات الغذاء.

والمفتاح: الذي يفتح به غلق الباب ومعنى {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} فيما يقتضيه حالهم من الآفات التي بهم مما يضيق على غيرهم ثم اختلفوا في تأويله فقيل في التخلف عن الجهاد. عن الحسن وابن زيد. وقيل في مؤاكلتهم؛ لأنهم كانوا يتحرجون من ذلك عن ابن عباس. وقيل في أكلهم من بيوت من سمى على جهة. قيل قراباتهم إليهم يستتبعونهم في ذلك عن مجاهد. وقيل في أكلهم من بيوت الغزاة إذا خلفوهم فيه بإذنهم عن الزهري. {أو ما ملكتم مفاتحه} فيه قولان:

الأول: الوكيل ومن جرى مجراه عن ابن عباس. والثاني ما ملكه الرجل نفسه في بيته عن الضحاك ومجاهد. وقيل {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} يدخل فيه أصحاب الآفات على تغليب المخاطب كقول العرب ائت زيداً وزيد قمتما لا يجوز قاما وقيل كان المخلف في المنزل المأذون له في الأكل منه يتحرج. وواحد المفاتح مفتح بكسر الميم وفي المصدر تفتح الميم. وقال قتادة لا بأس أن يأكل من بيت صديقه من غير إذن وقيل كانوا إذا نزل بهم ضيف تحرجوا أن يأكلوا إلا معه عن أبي صالح.

وقيل الغني يأكل مع الفقير في بيته عن ابن عباس. وقيل قوم من العرب كان الرجل منهم يتحرج أن يأكل وحده وقيل {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أي ليسلم بعضكم على بعض عن الحسن وقيل إذا دَخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله. الصالحين عن إبراهيم. وقيل {تحية} مباركة طيبة لما فيها من الأجر الجزيل والثواب العظيم

وقيل الآية منسوخة بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ} [الأحزاب، آية: 53] . ويقول - النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه". والحسن يوجب رد السلام على المعاهد. والاستئذان: طلب الطالب الإذن من غيره والاستغفار: طلب المغفرة بالتوفيق للتوبة والاجتناب عن المعصية. والشأن: الحال التي يعلم متضمنها ومعنى {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} فيه قولان: أحدهما احذروا دعاءه عليكم إذا أسخطتموه فإن دعاءه موجب ليس كدعاء غيره عن ابن عباس.

والثاني: ادعوه بالخضوع والتعظيم عن مجاهد وقتادة برسول الله يا نبي الله ولا تقل يا محمد كما يقول بعضكم لبعض. اللواذ: الاعتصام بالشيء بالدور معه حيث دار ودخلت عن في {يخالفون عن أمره} لما فيه من معنى يعرضون عن أمره وذكر {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . للبيان عن أنه لا يجوز للعبد أن يخالف أمر مالكه الذي له ما في السماوات والأرض. والفتنة: شدة في الدين تظهر ما في الضمير.

وقال الحسن {لواذاً} فراراً من الجهاد. وفتنة بلية تظهر ما في قلوبهم من النفاق.

سورة الفرقان

سورة الفرقان مسألة: إن سأل عن قوله - سبحانه - {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَة ِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَة ِ سَعِيرًا (11) } . [الآيات من 1 إلى 11] فقال ما معنى {تبارك} ؟ وما الفرقان؟ وما النذير؟ وما معنى: {وخلق كل شيء} ؟ وما معنى: {بكرة وأصيلاً} ؟ وما معنى: {وأعانه عليه قوم آخرون} ؟ ومن أرادوا بذلك؟ وما السر؟ وما معنى: {أنزله الذي يعلم السر} ؟ وما وجه الفساد في إظهار ملك يعاون على الإنذار؟ وما معنى: {فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} ؟ وما وجه الرد من ذلك على المعتزلة في اللطف والاستطاعة وتكليف ما لا يطاق؟ وما معنى: الأمثال التي ضربوا له؟ الجواب: تبارك: أي ثبت بما لم يزل ولا يزال الذي نزل الفرقان على عبده. وأصل الصفة الثبوت من برك الطير على الماء. وقيل تبارك تفاعل من البركة عن ابن عباس، فكأنه قيل حاز كل بركة. وهو معنى قول الحسن تبارك بمعنى الذي تجيء البركة من قبله والفرقان: البيان الذي يفرق بين الحق، والباطل، وهو

القرآن؛ لأنه يبين الصواب في أمور الدين من الخطأ ويزجر بالوعظ. الذي فيه عن المقابح ويدعو إلى المحاسن. النذير: الداعي إلى الرشد الصارف عن الغي وقيل: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} يطلق له صفة مخلوق فدخل في ذلك أعمال العباد لأنها مخلوقة دون كلام الله وذاته وصفات ذاته لأنها غير مخلوقة. وفي النذير قولان: أحدهما أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ابن زيد. والآخر أنه الفرقان. {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} يهود عن مجاهد. وق ال الحسن: عبيد بن

الخضر وهو حبشي كان كاهناً في الجاهلية. والزور: وضع الباطل موضع الحق والذي قال. {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} النضر بن الحارث. عن ابن عباس. والأصيل: العشي لأنه أصل الليل وأوله. والمعنى فهي تقرأ عليه بكرة وعشياً. والتقدير من الله فعله الأشياء مقدرة على حسب ما علم وأراد النشور: الحياة بعد الموت أنشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم

فحيوا. السر: إخفاء المعنى في القلب وأسر إليه إسراراً أي ألقى إليه ما يخفيه في قلبه ومنه. السرور لأنه الذاد في موضع السر معنى {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ} أي أنزله على ما يقتض يه العلم بباطن الأمور لا على ما تقتضيه أهواء النفوس. وجه الفساد في إظهار ملك يعاون على الإنذار أنه قد يدعوا ذلك إلى استصغار كل واحد منهما في أنه لم يقم بنفسه في أداء الرسالة عن ربه فيكون صارفاً للوجوه عنه وقد يكون للاستيحاش من دعاء غير الناس وقد يكون ما يحتاج إليه؛ لأن الرسول من البشر في الإنذار والدعاء إلى الحق. ومعنى {فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} أي لا يقدرون على طريق إلى الحق مع تمسكهم بطريق الجهل وعدولهم عن الداعي إلى الرشد. ومع ذلك كانوا مكلفين لقبوله فدل على جواز تكليف ما لا يستطاع وثبت أنهم كانوا مستطيعين للكفر من حيث ذمهم عليه وثبت أن الاستطاعة التي يفعل بها الضلال عن الحق غير الاستطاعة التي يفعل بها الاهتداء إلى الإيمان.

والأمثال التي ضربوا له أنهم مثلوه بالمسحور ومثلوه بالمحتاج المتروك والناقص عن القيام بالأمور وكل هذا جهل منهم وخبط. والمعنى {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} مما قالوا. القصور البيوت المشيدة عن مجاهد. وهو من قصر من فيه عن أن يوصل إليه والسحر: ما خفي سببه من الحيل حتى يوهم أنه معجزة في بابه. {وَيَجْعَلْ} يحتمل ثلاثة أوجه الجزم بالعطف على الجواب. والرفع بالاستئناف والنصب على الصرف

قرأ حمزة والكسائي (نَأْكُلُ) بالنون.. وقرأ الباقون (يَأكُلُ) بالياء وقرأ (وَيَجْعَلُ لَكَ) بالرفع ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر. وقرأ الباقون بالجزم.

(11)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَة ِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَة ِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) } . [الآيات من 11 إلى 21] فقال: ما معنى أعتدنا؟ وما إسعار النار؟ ولم قيل {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} وإنما يرونها؟ وما التغيظ؟ وما معنى: مُقَرَّنِينَ؟ وما الثبور؟ وما معنى: قل أذلك خير؟ وما الفتنة؟ وما معنى: كان على ربك وعداً مسئولاً؟ وما الثبور؟ وما معنى: فقد كذبوكم بما تقولون؟ وما معنى: وكان ربك بصيراً؟ وما معنى: فلا يستطيعون نصراً؟ الجواب: معنى اعتدنا أعددنا قلبت الدال تاء؛ لأنها من مخرجها قربت منها بالانفتاح مع كراهة التضعيف من أجل اجتماع هذه الأسباب جاز قلب الدال بتهجها لِشدة الإبعاد. أسعرها إسعاراً وسعرها تسعيراً ومنه أخذ السعير. وقيل إذا رأتهم على تقدير كأنها تراهم رؤية الغضبان يزفر غيضاً؛ لأنه أبلغ. فهم يرونها على الصفة ويسمعون منها تلك الحال الهائلة

التغيظ: انتفاض الطبع بشدة نفور النفس. والمعنى صوت التغيظ من التلهب والتوقد. ومعنى {مُقَرَّنِينَ} مغللين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال. [وفي التنزيل {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) } . الثبور: الويل عن ابن عباس. والهلاك عن الضحاك. وقيل أصله الهلاك من قولهم ثبر الرجل إذا هلك. وقيل معناه وانصرافاه عن طاعة الله

وقيل واهلاكاه الساعة معروفة على الإطلاق وهي يوم القيامة كما أن الجنة معروفة على الإطلاق وهي جنة الخلد. وقيل {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} مع الشياطين في السلاسل والأغلال. وقيل إذا رأتهم الملائكة الموكلون بالنار سمعوا للملائكة تغيظاً وزفيراً للحرص على عذابهم. وهذا عدول عن الظاهر وإنما شبهت النار بمنزلة تلك الحال، وهو في نهاية الحسن على هذا المعنى. وقيل {قل أذلك خير} للتنبيه على بُعْدِ ما بين الحالين. وقيل يقرن الإنسان والشيطان الذي كان يدعوه إلى الضلال. الفتنة: إخلاص الشيء بإحراق ما فيه من الفساد من قولهم فتنت الذهب بالنار إذا أخلصته من الغش بإحراقه

{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) } يحرقون. وقيل معنى الفتنة هاهنا شدة في التعبد تظهر ما في العبد من خير أو شر. معنى {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا} ففيه قولان: الأول: أن المؤمنين يسألون الله - عزَّ وجلَّ - ثناؤه الرحمة لهم. في قولهم: {رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 109. وقولهم: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَة ِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) } . والثاني: أنه بمنزلة قولك لك ما تمنيت أي متى ما تمنيت شيئاً فهو لك فكذلك متى سألوا شيئاً فهو لهم بوعد الله - عز وجل - إياهم. الثبور: الفاسد ومنه بارت السلعة تبور بورا إذا بقيت لا تشتري بقاء الفاسد الذي لا يراد والبائر الباقي على هذه الصفة. وقال مجاهد: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} عيسى وعزير. وقيل البور مصدر كالزور لا يثنى ولا يجمع

وقيل هو جمع البائر ومعنى {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا} فيه قولان: الأول: حديثكم الملائكة والرسل في كذبكم عن مجاهد والثاني: كذبكم أيها المؤمنون المشركون بما تقولون من نبوة. محمد وغيره من أنبياء الله - عليهم السلام - عن ابن زيد وقيل: فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صرف العذاب عن أنفسهم ولا نصر. أنفسهم من عذاب الله عن مجاهد وقيل: فَمَا يَسْتَطِيعُونَ لكم يا محمد صرفاً عن الحق ولا نصر أنفسهم من البلاء الذي هم فيه من التكذيب لكم وكسرت الهمزة في {إِلَّا إِنَّهُمْ} لأنه موضع ابتداء كأنه قال إلا هم يأكلون الطعام كما تقول ما قدم علينا أمير إلا إنه

مكرم لي ولا يجوز أن يكون كسرها لأجل اللام لأن دخولها وخروجها واحد في هذا الموضع. وقيل من محذوفة منه بتقدير إلا من أنهم يأكلون الطعام نحو. {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) } بمن يصبر ممن يجزع عن ابن جريج. وقيل {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا} أي لهم أن يسألوني ما وعدتهم. وقيل: فما يستطيعون نصراً من بعضهم لبعض. وقيل {وكان ربك بصيراً} للعداوة التي كانت بينهم في الدين قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم. (وَيَومَ يَحْشُرهم وما يعبدون فيقول) بالياء جميعاً. وقرأ الباقون: (وَيَومَ نَحْشُرهم) بالنون. (فَيَقُولُ) بالياء. وقرأ ابن عامر (وَيَوْمَ نَحُشُرُهُمُ فَنَقُوُل) جميعاً بالنون وقرأ عاصم في رواية حفص. (فَقَدُ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسُتَطِيعُونَ) بالتاء جميعاً.

وقرأ الباقون. (فَقَد كذَّبُوكُم بِمَا يقُولُونُ فَمَا يُستَطِيعُونَ) بالياء جميعاً. وقرأ ابن كثير في رواية ابن أبي بزة بالياء جميعاً.

(21)

وإن سأل عن قوله - سبحانه - {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة َ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّة ِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) } [الآيات من 21 إلى 31] فقال: ما الرجاء؟ وما اللقاء؟ وما الاستكبار؟ وما معنى: حجراً محجوراً؟ وما أصل الحجر؟ وما معنى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل؟ وما الهباء؟ وما معنى: وأحسن مقيلاً؟ وما الملك؟ وما العسير) ؟ وما الخليل؟ وما معنى: مهجوراً هاهنا؟ ومن المعني بفلان هاهنا؟ الجواب: الرجاء: ترقب الخير الذي يقوي في النفس وقوعه، والرجاء. والطمع والأمل نظائر. والمعنى {لِقَاءَنَا} لقاء جزائنا. معنى اللقاء المصير إلى الشيء من غير حائل ولهذا صح لقاء الجزاء من الثواب والعذاب لأن العباد يصيرون إليه في الآخرة ولهذا أحسن القول بأنه لا بد من لقاء الله ويراد به عموم المكلفين من الكافرين والمؤمنين بوجوب مصيرهم إلى

جزائه. الاستكبار: طلب الكبر بغير حق. عتا: معناه طغى. والعتو: الخروج إلى أفحش الظلم. وقيل هلا أنزل علينا الملائكة لتخبرنا بأن محمد نبي أو نرى ربنا فيخبرنا بذلك. معنى {حِجْرًا مَحْجُورًا} حراماً محرماً وفيه قولان: الأول: أنه من قول الملائكة لهم حراماً محرماً عليكم البشرى عن

قتادة والضحاك والثاني: من قول المجرمين للملائكة إذا لقوا من يخافون منه القتل قالوا حجراً محجوراً أي حراماً محرماً دماؤنا عن مجاهد وابن. جريج. أصل الحجر الضيق من قولهم حجر عليه يحجر حجراً إذا ضيق.. والحجر الحرام لضيقه بالنهي عنه معنى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} أي عمدنا عن مجاهد. وفيه بلاغة عجيبة كأنه قال كان قصدنا إليه قصد القادم على ما يكره مما لم يكن رآه قبل فيغيره. الهباء: غبار كالشعاع لا يمكن القبض عليه وقيل غبار يدخل الكوة في شعاع الشمس عن مجاهد

والحسن وعكرمة معنى {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} أي وأحسن موضع قائلة لأنه يفرغ من حسابهم إلى وقت القائلة وهو نصف النهار عن ابن عباس وإبراهيم وابن جريج. وقيل {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} من مستقر الكفار في الدنيا والآخرة. وقيل هو على المظاهرة في الحجاج أي لو كان لهم مستقر خير كان هذا خيراً منه وقيل {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} وعن الغمام بمعنى كقولهم رميت بالقوس وعن القوس وعلى القوس بمعنى واحد.

وقرأ {تَشَّقَّقُ} بتشديد الشين ابن كثير ونافع وابن عامر.. وقرأ الباقون {تَشَقَّقُ} خفيفة الشين. وقرأ ابن كثير وحده. (نُنْزِلُ) بنونين. وقرأ الباقون (وَنُزِّلَ الملائكة ُ) . بنون واحدة مشددة الزاي معنى الملك: المقدور الواسع الملك لتدبير العالم، والملك على ثلاثة أوجه: ملك عظمة لله وحده وملك ديانة بتمليك الله وملك جبرية بالغلبة. وحقيقة جميع ذلك القدرة على اختراع الغير ولا يليق إلا بالله. الحق: هاهنا الكائن الثابت. العسير: المتعذر المطلوب والعسر نقيض اليسر.

الخليل: الواد الذي يتخلل السر منه إلى من يوده. والخلة: إصفاء المودة أي هي سليمة من تخلل الفساد لها. و {سَبِيلًا} هاهنا طريقاً إلى النجاة وقيل أُنزل {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) } في أبي بن خلف وعقبة ابن أبي معيط، وكانا خليلين ارتد أبي لما صرفه عن الإسلام عقبة وقتل عقبة يوم بدر صبراً وقتل أبي يوم أحد قتله - النبي - بيده عن قتادة. وقيل الخليل الشيطان عن مجاهد معنى {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} هاهنا فيه قولان: الأول: هجروا القرآن بإعراضهم وترك ما يلزمهم فيه عن ابن زيد.

والثاني: قالوا فيه هجراً أي شيئاً من القول لزعمهم أنه سحر وأنه أساطير الأولين عن مجاهد وإبراهيم وفلان كناية عن واحد بعينه من الناس لأنه معرفة. وقال: الرسول في ذلك اليوم بمعنى يقول.

(31)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَة ِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) } . [الآيات من 31 إلى 41] فقال ما معنى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا؟ وما الجعل هاهنا؟ وما العدو؟ وما الكفاية؟ وما الترتيل؟ وما معنى: وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا؟ وما التدمير؟ وما التغريق؟ ولما صار ضرب المثل حجة؟ وما الرس؟ الجواب: أي كما جعلنا النبي يعادي المجرم مدحاً له وتعظيماً. كذلك المجرم يعادي النبي ذماً له وتحقيراً وكل ذلك بحكم الله في أنه على هذه الصفة وخلقه ذلك كذلك. وقيل جعل لمحمد - عليه السلام - عدواً من المجرمين كما جعل لمن قبله عن ابن عباس. وهو الخالق لكل عداوة والجاعل لها. معنى العدو المباعد عن النصرة للبغضة وهو نقيض الولي. وأصل الباب البعد ومنه عدوتا الوادي جانباه لأنهما بعداه ونهايتاه.. وعدا عليه يعدو وعدوا إذا باعد خطوه للإيقاع به.

الكفاية: صرف الأذية بما يحتاج إليه من كل جهة. الترتيل: التبيين في تتبت وترسل وروي في حديث مرفوع: "أن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم. وقيل آتينا موسى الكتاب كما آتيناك. {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} أي معيناً وظهيراً فكان سبيله في تكذيبهم له كسبيلك وقيل أنزلت التوراة جملة لأنها أنزلت مكتوبة على نبي يكتب ويقرأ وهو موسى. وأما الفرقان فأنزل متفرقاً لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أمي وهو محمد - عليه السلام - وقيل ومما لم ينزل لأجله جملة واحدة أن منه الناسخ والمنسوخ ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور ومنه ما هو إنكار لما كان

وقيل {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} في إبطال أمرك. {إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} للاحتجاج به. {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} يصلح على الحال والتمييز أي حال الهداية والنصر والتمييز بين الهادين والناصرين. التدمير: الإهلاك بأمر عجيب. التغريق: الإهلاك بالماء الغامر غرق الله قوم نوح بالطوفان وهو مجيء ماء السماء وماء الأرض حتى التقيا {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) } فطبق الأمر ولم ينج إلا نوح. ومن كان معه في السفينة. صار ضرب المثل حجة لأنه تبيين الحال الخفية مما يذكر من الحال الجلية على وجه المقابلة التي تؤدي إلى المعرفة بهذا في

موضعه حكمة. الرس: قيل بئر رسوا فيها نبيهم أي ألقوه عن عكرمة وقيل قرية باليمامة يقال لها فلج عن قتادة. وقيل المعدن عن أبي عبيدة. وقيل القرن سبعون سنة. وقيل أربعون سنة عن إبراهيم. والقرية التي أمطرت مطر السوء [قرية قوم لوط] {ومطر السوء} الحجارة التي رموا بها. عن ابن عباس.

{بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا} بعثاً من القبور عن ابن جريج. لأنهم لا يؤمنون بالنشأة الثانية.. وقيل: الرس البئر التي لم تطو بحجارة ولا غيرها. وقيل {بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا} . لا يخافون. يقال رسه يرسه رساً إذا دسه. والتقدير ودللنا {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ} .

(41)

مسألة: وإن سأل عن قوله سبحانه {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55) } . [الآيات من 41 إلى 55] فقال ما الهزؤ؟ ، وما معنى: ليضلنا عن آلهتنا؟ ، وما معنى: من أضل سبيلاً؟ ، وما معنى: أرأيت من اتخذ إلهه هواه؟ ، وما معنى: أفأنت تكون عليهم وكيلاً؟ ، وما معنى: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل؟ وما معنى: قبضناه إلينا؟ ، وما اليسير؟ ، وما معنى: جعل الليل لباساً؟ ، وما السبات؟ ، وما النشور؟ ، وما التصريف؟ ، وما معنى أناسي؟ ، وما معنى: ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً؟ ، وما وجه اتصال فلا تطع الكافرين؟ ، وما معنى: مرج البحرين؟ ، وما معنى: عذب فرات؟ ، وما معنى: ظهير؟ . الجواب: الهزؤ: إظهار خلاف الإبطان لاستصغار القدر على جهة اللهو. وإنما قالوا {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} وهم يظنون أنه ما بعثه معنى {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا} أي يأخذ بنا في غير جهة عبادتها مما يؤدي إلى هلاكنا. وقيل {من أضل سبيلاً} أي يعلمون أنه لا أحد أضل منهم.

معنى {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} أي جعل إلهه ما يهواه وهذا نهاية الجهل لأن ما يدعوا إليه الهوى باطل والإله يقطع بما لا شيء أعظم منه ولا يجوز أن يكون الإله ما يدعو إليه الهوى بغير حجة. {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} أي حافظاً من الخروج إلى هذا الفساد. معنى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} . أي ليس يسمعون ما تقول سماع طالب للإفهام بل كسماع الأنعام وهم مع ذلك لا يعقلون معنى ما تقول. {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} جَعْلُه الشمس عليه دليلاً أي الظل يتبع الشمس في طوله وقصره فإن ارتفعت في أعلى ارتفاعها قصر وإن انحطت طال بحسب ذلك الانحطاط. {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} بوقوف الشمس فإن الظل يتب ع ال دليل كما يتب ع. السائر في المفازة الدليل وقيل {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} أي مده من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس عن ابن عباس وسعيد بن جبير.

{وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً} دائماً لا يزول عن ابن عباس ومجاهد. {ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلاً} أي بإذهابها إياه عند مجيئها عن ابن زيد. وقيل {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} من الأنعام لأنها لا تعتقد بطلان الصواب. وإن كانت لا تعرفه. وقيل الظل بالغداة والفيء بالعشي لأنه يرجع بعد زوال الشمس عن أبي عبيدة. وقيل كان أحدهما يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه صورة ترك الأول وعبد الثاني. القبض: جمع الأجزاء المنبسطة اليسير: السهل القريب اليسير نقيض العسير

معنى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} أي تلبس ظلمته كل شخص حتى يمنع من إدراكه وجعل الهدوء فيه والراحة من كل العمل مع النوم الذي فيه صلاح البدن. السبات: قطع العمل ومنه يوم السبت وهو قطع العمل. وقيل قبض الظل بطلوع الشمس وقيل بغروبها. النشور: الانبساط في تصرف الحي. أناسي: جمع إنسان جعلت الياء عوضاً من النون وقد قال أناسين نحو بستان وبساتين ويجوز أن يكون جمع إنسى منه. وقد قالوا أناسية كثيرة

التصريف: تصريف الشيء دائر في الجهات. الطهور: الطاهر المطهر. وقيل في الرحمة رياح لأنه جمع الجنوب والشمال والصِّبَا وقيل في العذاب ريح لأنها واحدة الدبور وهي عقيم لا تلقح وكل الرياح تلقح إلا الدبور وفي (نُشُراً) أربع قراءات الأولى بضم النون والشين ابن كثير ونافع وأبو عمرو. والثاني (نُشْراً) . بضم النون وسكون الشين ابن عامر وهارون عن أبي عمرو. الثالث (نَشْراً) بفتح النون وسكون الشين حمزة والكسائي.. وقرأ عاصم (بُشْراً) بالباء ساكنة الشين. فمن ثقل فهو جمع نَشُور كَرسُول ورسل قرأ حمزة والكسائي (لِيَذْكُرُوا) . خفيفة الدال وقرأ الباقون. (لِيَذَّكَّرُوا) . يعني {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) } أي لو شئنا لقسمنا النذر

بينهم كما قسمنا الأمطار بينهم ولكنا دبرنا جميع ذلك بما هو أعود عليهم. النذير: الداعي إلى ما يؤمن به الخوف من العقاب. والإنذار: الإعلام بموضع المخاوف. النذر: عقد البر على انتفاء الخوف ووجه اتصال {فلا تطع الكافرين} فيه وجهان: أحدهما: ما يقتضيه إخباره على النذر من حسن طاعته لربه في عصيان الكافرين والجهاد الشديد معهم. الثاني: اتصال مصلحة قوم فيه ولطف له في ترك طاعة الكافرين. معنى {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أرسلهما في مجاريهما كما يرسل الخيل في المرج وهما يلتقيان فلا يبغى الملح على العذب ولا العذب على الملح بقدرة الله. والهاء في (به) تعود على القرآن عن ابن عباس. وأصل المرج الخلط ومنه {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) } مختلط.. {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} أي شديد العذوبة

الأجاج: الملح المر. البرزخ: الحاجز الذي يمنع كل واحد منهما من تغيير الآخر. {وَحِجْراً مَّحْجُوراً} أي يفسد أحدهما الآخر. الفرق بين النسب والصهر أن النسب ما رجع إلى ولادة قريبة والصهر خلطة تشبه القرابة. وقال الفراء: النسب الذي لا يحل نكاحه والصهر النسب الذي يحل نكاحه كبنات العم والخال ونحوهما من القرابة التي يحل تزويجها وقيل النسب سبعة أصناف ذكروا في {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} والصهر خمسة أصناف ذكروا في {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} . عن الضحاك.

قيل ظهيراً أي يظاهر الشيطان على معصية ربه. عن مجاهد والحسن. وقيل {ظَهِيرًا} أي هيناً كالمطرح يظهر. وقيل فلا تطعهم فيما يريدونه من معاونتكم مما يبعد من دين الله. وقيل {ظَهِيرًا} بترك طاعتهم قال الحسن: فلا تطعهم فيما يصرفك عن طاعة الله. قيل: (وكان الكافر) على أولياء ربه. (ظهيراً) أي معيناً. وقيل وصف الأوثان بأنها لا تنفع ولا تضر فدل على بطلان فعل الطباع

(56)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) } . [السورة [الآيات من 56 إلى 77] فقال ما البشارة؟ ، وما النذارة؟ ، وما معنى: الاستثناء في: إلا من شاء؟ وما معنى: يسبح بحمده؟ ، ولم جاز وما بينهما وقد ذكر السموات بالجمع؟ ، وما معنى: فسئل به خبيراً؟ ، وما البروج؟ ، وما معنى: جعل الليل والنهار خلفة؟ ، وما معنى: يمشون على الأرض هوناً؟ ، وما معنى: إن عذابها كان غراماً؟ ، وما معنى: قالوا سلاماً؟ ، وما الإسراف؟ ، وما الإقتار؟ ، وما الفرق بين القَوَامِ وَالقِوَامِ وما الفرق بين التوبة إلى الله وبين التوبة من القبيح بقبحه؟ ، وما الشهادة؟ ، وما معنى: إذا مروا باللغو مروا كراماً؟ ، وما اللغو؟ ، وما الزور؟ ، وكيف وحد إمام في {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} . ؟ وما معنى {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} ؟ ، وما معنى: اللزام؟ ، وما معنى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) ؟ . الجواب: البشارة: الإخبار بما يظهر سروره في بَشرة الوجه بشره تبشيراً. وبشارة.

والنذارة: الإخبار بما فيه المخافة ليتقه في الحذر منه معنى الاستثناء في {إِلَّا مَنْ شَاءَ} أنه جعل أجره على دعائه اتخاذ المدعو سبيلاً إلى ربه بطاعته. كقول الشاعر: وَبَادِيَة ٍ لَيْسَ بِهَا أنيسُ ... إلَّا اليَعَافِيرُ وإلَّا العِيسُ جعلها أنيس ذلك المكان.. معنى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} أي أحمده منزهاً له عما لا يجوز في صفته وقيل {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} بإنفاقه ماله في طاعة ربه واتباع مرضاته وجاز أن يقال (ما بينهما) وإذ ذكر السماوات ب الجمع لأنه بمعنى الصنفين. قال الشاعر:

إن المَنِيَّة َ والحُتوفَ كِلَاهُمَا ... يُوفي الْمَخَارِمَ يَرْقُبانِ سَوَادِي. وقيل كان ابتداء الخلق يوم الأحد وانتهاؤه يوم الجمعة ومعنى {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} أيها الإنسان سل به عارفاً يخبرك بالحق في صفته. وقال الحسن: ما بعث الله نبياً قط إلا وهو يبشر الناس إن أطاعوا. الله بالسعة في الدنيا والجنة في الآخرة. قرأ حمزة والكسائي (لِمَا يَأمُرُنَا) بالياء.. وقرأ الباقون بالتاء. البروج: منازل النجوم الظاهرة والبروج اثنا عشر الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت. وقيل البروج القصور العالية. الشمس سراج الخلق لأن نورها عام.

معنى {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} أي يخلف كل واحد منهما صاحبه فيما يحتاج أن يعمل فيه فمن فاته عمل النهار استدركه بالليل وقيل البروج القصور واحدها قصر ومنه {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} . وقال قتادة: البروج النجوم. وعن أبي صالح كبار النجوم ومن قرأ (سراجاً) . فمعناه الشمس. ومن قرأ (سُرُجاً) . فمعناه سائر النجوم، لأنه يهتدى بها كما يهتدى بضياء السراج وقيل {خِلْفَةً} يخلف أحدهما الآخر في العمل عن عمر وابن عباس والحسن

وقيل {خِلْفَةً} يذهب أحدهما ويجيء الآخر عن ابن زيد وقال زهير: بِهَا العَيْنُ والآرامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وأَطْلاَؤهَا يَنْهَضُن مِنْ كُلِّ مُجْثَّمِ وقيل {يمشون على الأرض هوناً} أي بالسكينة والوقار. عن مجاهد. وقيل حلماء علماء لا يجهلون وإن جهل عليهم عن الحسن. وقيل بالتواضع لا يتكبرون عن ابن عباس.

{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} أي سداداً من القول. عن مجاهد معنى (إن عذابها كان غراماً) . أي لازماً ملحاً دائماً ومنه الغريم لملازمته وإنه لمغرم بالنساء أي ملازم لهن. قال الحسن: ليس غريم إلا مفارق غريمه إلا جهنم فإنها لا تفارق غريمها. و {قَالُوا سَلَامًا} أي قولاً يسلمون من المعصية لله فيه قرأ حمزة والكسائي (سُرُجاً) . والمراد به النجوم لأنه يهتدى بها كما يهتدى بضياء السراج. ومن قرأ (سراجاً) أراد الشمس. قرأ حمزة وحده (أَنْ يَذْكُرَ) خفيفة. وقرأ الباقون. (يَذَّكَّرَ) مشددة الذال والكاف الإسراف: الخروج عن العدل في الإنفاق والمراد به هاهنا الإنفاق في معصية الله قل أو كثر.

الإقتار: منع حق الله من المال عن ابن عباس. وقيل السرف مجاوزة الحد في النفقة. والإقتار: التقصير عما لابد منه الفرق بين القَوَامٌ وَالقِوَامُ: القَوام العدل بفتح القاف. والقِوام: السداد وهو قوام الأمر وملاكه. وفي قتر ثلاث لغات قتر يقتِر ويقتر ويقتر وأقتر إقتاراً. (يلق أثاماً) . أي جزاء الآثام. وجزم (يُضَاعَفْ) على البدل. قرأ عاصم في رواية أبي بكر (يُضَاعَفُ) و (يَخْلُدُ) بالرفع فيها على الاستئناف وكذا ابن عامر إلا أنه قرأ (يُضَعَّفُ) بالتشديد.

وقرأ الباقون بالجزم إلا أن ابن كثير قرأ (يضعف) بالتشديد والفرق بين التوبة إلى الله والتوبة من القبيح لقبحه لأنه إذا تاب من القبيح إلى الله فهو أن يقصد طلب الجزاء منه ويخلص العبادة له فيه وإذا لم يقل إلى الله لم يعقل منه هذا المعنى الشهادة: تبين بالحاسة والحواس خمس. ومن لا يشهد به فلا يحضره لأنه لو شهد به لكان قد حضره من نفسه فهو أعم في الفائدة من لا يشهد به. (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) . أي مروا مر الكرماء الذين لا يرضون باللغو؛ لأنهم يجلون عن الدخول فيه أو الاختلاط بأهله. اللغو: الفعل الذي لا فائدة فيه وقيل اللغو الفعل القبيح وهو المنهي عنه وهو الصحيح. الزور: تمويه الباطل بما يوهم أنه حق. وقيل الزور هنا الشرك.. وقيل الكذب. وقيل مرورهم كراماً كمرورهم بمن يسبهم فيصفحون عنه. وكمرورهم بمن يستعين بهم على حق فيعينونه.

(هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) . أي أن نراهم مطيعين لله. عن الحسن. ووحد (إماماً) لأنه مصدر من قولهم: أمَّ فلان فلاناً إماماً كقولك قام قياماً. وصام صياماً ومن جمعه على أئمة فلأنه قد كثر في معنى الصفة. وقيل قد يكون على الجواب كقول القائل: من أميركم فيقول هؤلاء أميرنا. معنى {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} . أي ما يصنع بكم ربي. عن مجاهد وأصله تهيئة الشيء ومنه عبأت الطيب أعبأه عبء وما أعبأ به. أي ما أهيئ به أمراً. معنى {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} . أي لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته لم يكن في فعلكم ما تطالبون به. عن مجاهد.

وهو مصدر أضيف إلى المفعول كقولهم أعجبني بناء هذه الدار. وخياطة هذا الثوب وإنما جاز لما صحبه من الدليل. اللزام: القتل يوم بدر عن مجاهد. وقيل اللزام عذاب الآخرة وقرة أعين: من القرور، وهو بردها عند السرور ويكون من استقرارها عنده. وقيل ما لا يعبأ به لوجوده وعدمه سواء.

بمنزلة لزام كثيرة يلزم بعضها بعضاً. معنى {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) } أي كحال المشركين في ترك حال التدبر لها حتى كأنهم صم. وعنها عمياناً عن الحسن. وقيل أي {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) } . قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر. {وذُرِّيَتَنَا} واحدة.. وقرأ الباقون (وَذُرِّيَاتِنَا} جماع. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص. (وَيُلَقَّوُنَ) مشددة القاف.. وقرأ الباقون. (وَيَلْقَونَ) خفيفة القاف ساكنة اللام.

سورة الشعراء

سورة الشعراء مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه -: {طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9) وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) } [الآيات من 1 إلى 21] فقال: لم عد طسم ولم يعد طس؟ ، ولم جازت الإشارة بتلك إلى ما ليس بحاضر؟ ، وما البيان؟ ، وما معنى: باخع نفسك؟ ، ولم قيل خاضعين في جمع الأعناق، وهي مما لا يعقل؟ ، ولم خص المكذب في الذكر بإثبات الأنباء؛ مع أنها تأتي المصدق والمكذب جميعاً؟ ، وما الاستهزاء؟ ، وهل في إنبات الأرض من كل زوج كريم ما يوجب أنه لا يقدر عليه إلا الله؟ ، ولم صار الأكثر على ترك الإيمان؟ ، وما التقوى؟ ، وما الخوف؟ ، وما التكذيب؟ ، وما ضيق الصدر؟ ، وما انطلاق اللسان؟ ، ولم جاز إنا رسول رب العالمين على التوحيد؟ ، وما الإرسال؟ ، وما التربية؟ ، وما معنى: وأنا من الضالين؟ ، وما معنى: وأنت من الكافرين؟ . الجواب: إنما لم يعد (طس) ؛ لأنه يشبه الاسم المفرد نحو قابيل، وهابيل ، وليس كذلك (طسم) . ووجه الشبه بالزنة أن أوله لا يشبه حروف الزوائد؛ التي هي حروف المد واللين، نحو. (يس) ، وليس شيء على زنة المفرد بعد إلا (يس) ؛ لأن الياء تشبه حروف الزيادة فقد رجع إلى أنه ليس على زنة المفرد جازت الإشارة بتلك إلى ما ليس بحاضر؛ لأنه على التوقع، فهو كالحاضر بحضور المعنى للنفس. وتقديره تلك الآيات آيات الكتاب

البيان: إظهار المعنى للنفس بما يتميز به من غيره؛ لأنه من البينونة وهي مفارقة الشيء غيره. وقيل للكتاب فرقان: لأنه يفرق بين الحق والباطل. معنى {باخع نفسك} : قاتل عن ابن عباس. والبخع: القتل. وذكر الأعناق هاهنا يحتمل: السادات الرؤساء. وقيل: إن المعنى فيه؛ لأنه لا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية. عن قتادة. وقيل: خاضعين في جمع الأعناق، وفيه أربعة أقوال: الأول: فظل أصحاب الأعناق لها خاضعين؛ إلا أنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛ لدلالة الكلام عليه.

الثاني: أن تكون الأعناق بمعنى الرؤساء. الثالث: الأعناق على الإقحام. الرابع: أنها ذكرت بصيغة ما يعقل كما قال الشاعر: إذَا مَا بَنُو نَعْشٍ دَنُوا فَتَصَوَّبُوا والذكر هاهنا: القرآن؛ كقوله {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) } . ويراد به التلاوة. خص المكذب بالذكر بإتيان الأنباء؛ لأن المكذب يعلم بالأنباء بعد أن كان جاهلاً، والمصدق يعلم بالأنباء ما كان به عالماً؛ فلذلك حسن وعيد المكذب به؛ لأن حاله يتغير إلى الحسرة والندم.

الاستهزاء: طلب اللهو بمن هو عند الطالب صغير. والاستهزاء والسخرية من النظائر في إنبات الأرض {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} دليل على الله من جهة فعله، وبهذا ذكره في {زَوْجٍ كَرِيمٍ} إنما صار الأكثر على ترك الإيمان للمشقة؛ التي تلحق في الاستدلال مع سهولة الميل إلى تقليد الرؤساء، ومع الإمراج في الأهواء وقيل {زَوْجٍ كَرِيمٍ} . مما يأكل الناس، والأنعام. عن مجاهد. وقيل من الشيء وشكله. وقيل {زَوْجٍ كَرِيمٍ} من كل نوع يكرم على أهله. وقيل: كانوا ظالمين لأنفسهم؛ بكفرهم، ولبني إسرائيل باستعبادهم.

وقيل {زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي: نوع معه قرينه من أبيض، وأصفر، ومن حلو وحامض، ورائحة مسكية، وكافورية. التقوى: مجانبة القبائح بالمحاسن. وأصله صرف الأمر بحاجز بين الصارف وبينه. الخوف: انزعاج النفس بتوقع الضر، ونقيضه الأمن، وهو سكون النفس إلى خلوص النفع.. الخوف، والذعر، والفزع، والجزع، نظائر. التكذيب: تصيير المخبر كاذباً؛ بإضافة الكذب إليه. ضيق الصدر: غَمٌّ يمنع؛ كما يمنع ضيق الطريق السلوك فيه.

وقيل: هو على الحكاية وتقديره فقل لهم {أَلَا يَتَّقُونَ} . ولو جاء بالتاء جاز وقيل: {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} لمعاونتي؛ كما يقال إذا نزلت بنا نازلة أرسلنا إليك أي: لتعيننا وقيل: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} هو قتل النفس؛ التي قتل منهم. عن مجاهد، وقتادة. وقيل {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} مجاز من وجهين: أحدهما: الجمع. والآخر: مستمع موضع سامع، لأن الاستماع طلب السمع

بالإصغاء. وجاز ذلك؛ لأنه أبلغ في الصفة، وأشد في التعظيم؛ فذكر مستمع لينبئ عن هذا المعنى. ووصفه بسامع قد أغنى عن ذلك. وقيل: إنما طلب المعاونة حرصاً على القيام بالطاعة. {وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} للعقدة التي كانت فيه انطلاق اللسان انبعاثه بالكلام، وقد يتعذر ذلك؛ لآفة في اللسان. وقد يتعذر لضيق المعنى؛ الذي يطلب للكلام. {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} جاز على التوحيد في الاثنين؛ لأنه على معنى كل واحد منهما رسول رب العالمين. وقد يكون الرسول في معنى الجمع. وقيل إنه في موضع رسالة؛ كما يجوز: أن يقع المصدر موقع الصفة، فكذلك تقع الصفة موقع المصدر

الإرسال: جعل الشيء ماضياً في أمر. والإرسال، والإطلاق، والبعث، نظائر التربية: تنشئة الشيء حالاً بعد حال، ونظيره نماه ينميه نماء. معنى {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} هاهنا: أي: من الضالين عن طريق الصواب؛ من غير تعمد، وذلك كالقاصد إلى أن يرمي طائراً فيصيب إنساناً معنى {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} : فيه قولان: الأول وأنت من الكافرين لنعمتنا. عن ابن زيد وقيل {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} عن العلم بأن ذلك يؤدي إلى قتله؛ فدل أنه لم يتعمده. وقيل: {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} لحق تربيتي. وقال الحسن {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} : أي: بإلهك. وقال: {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} أي: الجاهلين أنها تبلغ القتل.

(22)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) } [الآيات من 21 إلى 41] فقال ما الفرار؟ ، وما الهبة؟ ، وما الحكم؟ ، وما معنى: وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل؟ ، وما التعبيد؟ ، وما القول ؟ ، وما معنى: الصفة إذا أطلقت برب؟ ، وما الأول؟ ، وما الجنون؟ ، وما الشروق؟ ، وما الثعبان؟ ، وكم في قلب العصا حية من دلالة؟ ، وما النزع؟ ، وما الساحر؟ ، وما الثعبان؟ ، وما معنى: مبين؟ ، وما معنى يريد أن يخرجكم من أرضكم؟ ، وكيف يجوز أن يشاور الإله عند نفسه فيما يريد من عمله؟ وما الإرجاء؟ ، ولم أشاروا بإرجائه ولم يشيروا بقتله والراحة منه؟ ، وما الحشر؟ ، وما السحر؟ ، وما الغلبة؟ . الجواب:. الفرار: الذهاب على وجه التحرز من الإدراك. الفرار والهرب من النظائر. الهبة: الصلة الحكم: [العلم] : على ما يدعوا إليه الحق، والخبر عما يدعوا

إليه الحق حكم أيضاً. وقيل: الحكم النبوة. {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) } فيه أوجه: الأول: اتخاذك بني إسرائيل عبيداً؛ قد أحبط ذلك. الثاني: أنك لما ظلمت بني إسرائيل، ولم تظلمني اعتدت بها نعمة عليَّ. الثالث: أنه لا يوثق بأنها نعمة منك؛ مع ظلمك بني إسرائيل في تعبيدهم. وفي ذلك حجة عليهم، وتقريع له. التعبيد: اتخاذ الإنسان، أو غيره عبداً. تقول: عبدته وأعبدته بمعنى واحد. وقيل: إنه بَيَّنَ أنه ليس لفرعون عليه نعمة؛ لأن الذي تولى تربيته أمه، وغيرها؛ من بني إسرائيل بأمر فرعون لما استعبدهم. وقد دل سؤال فرعون على أن موسى دعاه إلى طاعة الله وعبادته.

وقيل: عجب فرعون، ومن حوله من جواب موسى؛ لأنه طلب. منه أي جنس الأجسام هو؟ جهلاً منه مما ينبغي أن يسأل عنه. قال الحسن: أخذت أموال بني إسرائيل، واتخذتهم عبيداً، وأنفقت علي من أموالهم؛ حتى رفعه الله بما وهب له من الحكم، وجعله من المرسلين إلى الخلق؛ فأراد أن لا يسوغه ما امتن به عليه. القول: هو الكلام، وقد يكون القول مضمناً بالحكاية فيقال: فلان على معنى الحكاية. ومعنى الصفة إذا أطلقت برب: أنه مالك جميع الخلق؛ فإذا أضيفت اختصت بالمضاف كقولهم: رب المال، ورب الدار الأول: الكائن على صيغة أولى في كونه على تلك الصفة نحو: الأول في دخول الدار. الجنون: داء يعتري النفس يغطي على العقل. وأصله الستر.

المشرق: الموضع التي تطلع منه الشمس يقال شرقت الشمس شروقاً إذا طلعت، وأشرقت إشراقاً إذا: أضاءت وصفت. الثعبان: حية عظيمة. في قلب العصا حية دلالتان: دلالة على الله - عزَّ وجلَّ -؛ لأنه مما لا يقدر عليه إلا هو، وليس هو مما يلتبس بإيجاب الطبائع؛ لأنه اختراع للانقلاب في الحال. الثاني: دلالة على النبوة بموافقة الدعوة مع رجوعها إلى حالها بقبضه عليها النزع: إخراج الشيء مما كان متصلاً، وملابسا له. ويجوز أن يكون حسر عن ذراعه، ويجوز أن يكون أخرجها من

جيبه؛ إلا أنه نزعها عن اللباس الذي كان عليها. الساحر: المحتال بما يوهم الإعجاز. السحر: حيلة يخفى سببه حتى يوهم المعجزة. وأصله الخفاء. وقيل الثعبان: الحية الذكر. وقيل: (مبين) أنه ثعبان عن ابن عباس. وقيل مبين وجه الحجة به. وقيل: يريد أن يخرج عبيدكم من بني إسرائيل قهراً، ويجوز: يخرجكم ويتغلب على دياركم. وقيل: بيضاء بياضاً نورياً كالشمس في إشراقها جاز أن يشاور الإله عند نفسه؛ لأنه يذهب عليه، وعلى قومه؛ أن الإله لا يكون جسماً محتاجاً، واعتقدوا الإلهية لما دعاهم إليها مع

ظهور الحاجة التي لا إشكال فيها الإرجاء: التأخير. أشاروا بإرجائه، ولم يشيروا بقتله؛ لأنهم رأوا أن الناس يفتنون. وأن السحرة إذا قاومته زال ذلك الإفتتنان. وكان له حينئذ عذر في قتله، أو حبسه؛ بحسب ما يراه فيه. الحشر: السوق من الجهات المختلفة إلى المكان الواحد. السحر: لطف الحيلة حتى يتوهم المموه عليه أنه حقيقة. الغلبة: الاستعلاء بالقوة يقال غلبه يغلبه غلبة إذا قهره.

(41)

مسألة: وإن سأل عن قوله سبحانه {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) } [الآيات من 41 إلى 69] فقال ما الأجر؟ ، وما الغالب؟ ، وما المقرب؟ ، وما العزة؟ ، وما التلقف؟ ، وما الإفك؟ ، وما السحر؟ ، ولم قيل رب موسى وهارون على الخصوص بعد العموم؟ ، وما الذي ألقاهم ساجدين؟ ، ولم جاز فسوف تعلمون على الوعيد؟ ، وما قطع الأيدي والأرجل من خلاف ؟ ، وما الطمع؟ ، وما الغفران؟ ، وما الخطيئة؟ ، وما الإيمان؟ ، وما الشرذمة؟ ، وما الحذر؟ ، وما الكنز؟ ، وما الكريم؟ ، وما الإرث؟ ، وما معنى: مشرقين؟ ، وما معنى: تراءى الجمعان؟ ، ولم جاز تثنية الجمع؟ ، وما معنى: لمدركون؟ ، وما الهداية؟ ، وما الطود؟ ، وما معنى: وأزلفنا ثم الآخرين؟ ، وما الإغراق؟ ، وما الآخِر؟ ، وما وجه دلالة الآية فيما كان من النجاة والإغراق؟ ، وما معنى: (وما كان أكثرهم مؤمنين) ؟ ، وما العزيز؟ . الجواب: الأجر: الجزاء على العمل بالخير. أما الجزاء بالشر فعقاب ليس بأجر. وإنما المعنى إن لنا لأجراً عند الملك. الغالب: العالي على غيره المانع في نفسه بما يصير في قبضته. والله عزَّ وجلَّ غالب كل شيء بمعنى أنه عالي عليه بدخوله في مقدوره.

لا يمكنه الخروج منه. المقرب: المدني من مجلس الكرامة يتعمده بها. العزة: القوة التي يمتنع بها من لحاق ضيم، لعلو منزلتها. وقولهم {بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} : قسم غير مبرور. التلقف: تناول الشيء بالفم بسرعة. {ما يأفكون} ما يوهمون به الانقلاب زورا وبطلاناً وقيل كان عدة السحرة اثني عشرة ألف ساحر، وكلهم أقرَّ بالحق

عند آيته. والسجود: الخضوع بإلقاء الوجه إلى الأرض قيل: رب موسى وهارون على الخصوص؛ للبيان عن المعنى الذي دعا إلى ربوبيته موسى، وهارون؛ إذ كان الجهال يعتقدون ربوبية فرعون، وكان إخلاصهم لله على خلاف ما يقول الذي ألقاهم ساجدين فيه قولان:. الأول: الحق الذي عرفوه ألقاهم ساجدين. الثاني: خلق الله إلقاءهم، وسجودهم؛ فاكتسبوا إلقاء أنفسهم. ساجدين؛ لما عرفوه من صحة الدعاء إلى الدين. جاز: فسوف تعلمون؛ في الوعيد على معنى أنكم تجهلون ما تؤدي إليه هذه الحالة من الشر، وسوف تعلمون ذاك.

قطع الأيدي والأرجل من خلاف؛ أن يقطع اليد من جانب؛ ثم الرجل من الجانب الآخر وفي الآية دلالة على أن للإنسان أن يظهر الحق وإن خاف القتل. وقال الحسن: لم يصل إلى قتل أحد منهم، ولا إلى قطعه الطمع: طلب النفس للخير الذي تُقوَّمُ به، الطمع، والأمل. والرجاء، نظائر. الغفران: ستر الذنب؛ بما يصير به كأنه لم يكن. الخطيئة: الزوال عن الاستقامة المؤدية إلى البغية. الإيمان: التصديق عن ثقة تؤمن الفساد في الاعتقاد. الشرذمة: العصبة الباقية من عصب كثيرة.

وقيل كان الشرذمة الذين قللهم فرعون من بني إسرائيل (ستمائة ألف، وسبعين ألفاً عن عبد الله. وقيل: حشر جنوده من المدائن التي حوله ليقبضُوا على موسى، وقومه؛ لما ساروا. وقيل: كان غيظه منهم بمخالفتهم له. الحذر: اجتناب الشيء خوفاً منه. الكنز: المال الذي يخبأ بعضه على بعض؛ في غامض الأرض. ومنه كناز الثمر وغيره. الكريم: الحقيق بإعطاء الخير الجزيل، وذلك بأنه أهل الكرم، وهي صفة تعظيم في المدح. الإرث: تركة الماضي للباقي فأهلك الله آل فرعون، فصارت أملاكهم وذرياتهم لبني

إسرائيل. والجنة إرث المؤمنين؛ لأن عاقبة أمرهم إليها تصير. وقيل الحاذر المستعد؛ للخوف من عدوه معنى (مشرقين) : داخلين في وقت إشراق الشمس، وهو ظهور ضوئها. وقيل مصبحين. وقيل: المقام الكريم المنابر وقيل: مجالس الأمراء، والرؤساء التي كان يحف بها الأتباع.. وقيل {لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} أي: كما وصفنا وقيل: صار ذلك في أيدي بني إسرائيل؛ في أيام داود. وغيره وقال الحسن: رجع بنو إسرائيل؛ إلى مصر بعد إهلاك. فرعون. قرأ. (حَذِرُونَ) ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو.

وقرأ الباقون: (حَاذِرُونَ) . {تراءى الجمعان} تقابلا؛ بحيث يرى كل فريق صاحبه. وإنما جاز تثنية الجمع؛ لأنه يقع عليه صفة التوحيد. فتقول: هذا جمع واحد؛ كقولك: جملة واحدة، ولا يجوز تثنية مسلمين؛ لأنه لا يقع عليه صفة التوحيد من أجل أنه على خلاف صيغة الواحد لمدركون: لملحقون. وأصل الإدراك: اللحاق. أدركته ببصرى: أي: رأيته بلحاق بصري إياه. الهداية: الدلالة على طريق النجاة. فقوله {سَيَهْدِينِ} : سيدلني على طريق النجاة من فرعون، وقومه؛ كما وعدني. الطود: الجبل. {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} قربنا إلى البحر فرعون، وقومه؛ عن ابن عباس.

وقال أبو عبيدة: أزلفنا: جمعنا وقيل هذا البحر: بحر القلزم؛ الذي يسلك الناس فيه من اليمن، ومكة إلى مصر، وأنه صار فيه اثنا عشر طريقاً؛ لكل سبط طريق. وقيل {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} : قربناهم إلى المنية بمجيء وقت هلاكهم. ومعنى {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} أي: ينصرني، {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} وفيه محذوف؛ فضربه فانفلق. الإغراق: الإهلاك بالماء الغامر الآخَرُ: الثاني من قسمي أحد؛ كقولك نجى الله أحدهما، وغرق الآخَر؛ فأما الآخِر بكسر الخاء؛ فهو الثاني من قسمي الأول. تقول: نجى الأول، وهلك الآخِر

وجه دلالة الآية؛ فيما كان من النجاة، والإغراق؛ أنه دل على تدبير مدبر؛ أوقع الأمر فيه على ما تدعوا إليه الحكمة والصواب؛ من نجاة الولي، وهلاك العدو؛ بالأمر الذي يقرب الحياة معه، ولا يكون إلا ممن يقدر على المعجزة. معنى {وما كان أكثرهم مؤمنين} . أن الناس مع هذا البرهان الظاهر، والسلطان القاهر، والأمر المعجز؛ ما آمن أكثرهم؛ فلا تستنكر أيها المحق استنكار استيحاش من قعودهم عن الحق؛ الذي تأتيهم به، وتدلهم عليه؛ فقد جرو على عادة أسلافهم في إنكار الحق، وقبول الباطل. العزيز: القادر الذي لا يمكن معارضته في أمره، وهو مع ذلك الرحيم بخلقه فما أحسن ما جمع بين هاتين الصفتين في الحث على طلب الخير من جهة الموصوف بهما.

(69)

مسألة: وإن سأل عن قوله سبحانه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) } [الآيات من 69 إلى 104] فقال ما وجه الشبه في عبادة الأصنام؟ وما العبادة؟ وما العكوف؟ ولم قيل هل يسمعونكم؟ وما الأقدم؟ ولم جاز:.... على التوحيد في موضع الجمع؟ وإلى ماذا يعود الضمير في: (فإنهم) ؟ وما وجه الدليل في {الَّذِي خَلَقَنِي} وما معنى {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي} هاهنا؟ وما الحكم؟ وما معنى {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} ؟ ولم جاز {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} وهو متيقن لغفرانها؟ وما المغفرة؟ ولم جاز أن يدعوا لأبيه وهو كافر؟ وما الضلال؟ وما الخزي؟ وما القلب السليم؟ وما التبريز؟ وما الغاوي؟ وكيف صار التوبيخ يقع بصيغة الاستفهام؟ وما النصرة؟ وما معنى: كبكبوا؟ وما الاختصام؟ وما اللام في {لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ؟ وما التسوية؟ وما معنى {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} ؟ وما الشافع؟ وما الصديق؟ وما الحميم؟ وما الكرَّة؟ ولم جاز أن يخبروا بأنهم يكونون من المؤمنين لو كان لهم كرة؟ الجواب: وجه الشبهة في عبادة الأصنام من وجوه منها: توهمهم أنها تقرب إلى الله زلفى؛ كتقبيل بساط الملك؛ للتقرب منه، ومنها اتخاذ هياكل النجوم؛ لتحظى بتوجيه العبادة إلى هياكلها؛ كفعل الهند في هذا الوقت، ومنها ارتباط عبادة الله بصورة يُرى منها، ومنها توهم خاصية في عبادة الصنم؛ كالخاصية في حجر المغناطيس، وأكثر العامة على تقليد الذين دخلت عليهم الشبهة.

العبادة: خضوع القلب. العكوف: الإقامة على المداومة عليه قيل {هل يسمعونكم إذ تدعون} لأنه محذوف، وتقديره هل يسمعون دعاءكم إذ تدعون. وفي الآية بي ان أن الدين إنما يثبت بالحجة؛ لأنه لولا ذلك لم يحاجهم إبراهيم - عليه السلام - هذا الحجاج. الأقدم: الموجود قبل غيره. والأقدم، والأسبق، والأول نظائر في اللغة جاز: بأنهم عدو لي على التوحيد في موضع الجمع؛ لأنه في موضع المصدر؛ كأنه قيل: فإنهم عدو لي عداوة لي فوقعت الصفة

موقع المصدر، كما يقع المصدر موقع الصفة، في: رجل عدل. وأيضاً فإن كل واحد منهم عدو الضمير في قوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} يعود إلى ما تقدم ذكره من عبادة الأصنام. وجاء على تغليب ما يعقل، وإنما الأصنام كالعدو في الضرر به من جهة عبادتها، ولذلك قيل: {إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} ؛ لأنه استثناء من جميع المعبودين وجه الدليل في: {الَّذِي خَلَقَنِي} أنه أمر يجل عن أن يكون إلا ممن خلق الإنسان؛ كأنه قيل من يهديك؟ ومن يسد خلتك؟ ومن يطعمك ويسقيك؟ ومن إذا مرضت فهو يشفيك؟ فقال: دالاً بالمعلوم على المجهول. ومعنى {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي} أي: يرزقني، ويوصل إلى ما فيه صلاحي. وعافية يومي، وحفظ صحتي. الحكم: بيان عن الشيء على ما تدعوا إليه الحكمة معنى {وألحقني بالصالحين} أي: ألطف بي بلطف كالذي يؤدي إلى الاجتماع؛ مع النبيين في التواب، وصلاح العبد. والاستقامة على أمر ما أمر الله به، ودعا إليه وقيل {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} ثناء حسناً فاليهود تقر بنبوته، وكذلك النصارى، وأكثر الأمم.

جاز {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} وهو متيقن لغفرانها؛ لأنه خرج مخرج التلطف في ذكر ماهو كائن لا محالة؛ كما أنه إذا جاء بالعلم على المظاهرة في الحجاج، وذكر بالظن أي يكتفي في هذه القوة في النفس، وكما دعا بما يعلم أنه سيفعله به من الإلحاق بالصالحين؛ لما فيه من الخضوع لله. وقيل: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} أي اجعل من ولدي من يقوم بالحق. ويدعو إليه، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون به المغفرة: تغطية الذنب بتصييره بمنزلة ما لم يقع في الحكم برفع التبعة عليه جاز: أن يدعو لأبيه، وهو كافر؛ لأنه لا يعلم أنه يموت على كفر {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) } . الضلال: الذهاب عن الصواب إلى طريق الهلاك، ووصفه بأنه ضلال ضال: يدل على أنه كافر كفر جهل؛ لا كفر عناد. الخزي: فضيحة الذنب بالتعيير الذي يروع النفس. خَزَى يَخْزَى خِزْياً

القلب السليم: الذي لا شرك فيه، ولا كفر. وخص القلب بالسلامة؛ لأن سلامته سلامة الجوارح؛ لأن الفساد بجَارِحَة لا تكون إلا عن قصد بالقلب الفاسد. وقيل: إنما دعا لأبيه لموعدة، وعده بها؛ لأنه كان يطمعه سراً في الإيمان فوعده الاستغفار فلما تبين له أنه عن نفاق تبرأ منه. قيل: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} قربت أي: ليدخلوها. التبريز: تمكين الظهور بالخروج من الحجب. الغاوي: العامل بما يوجب الخيبة من الخير التوبيخ: يقع بصيغة الاستفهام؛ لأنه سؤال العبد عن باطله بما

لا يمكنه جواب إلا بما فيه فضيحة عليه؛ كقولهم: أينما كنتَ تعبد من دون الله؟ لا يخلصك من عذاب الله. النصرة: المعونة من دفع البلية معنى (كبكبوا) أي: كبوا؛ إلا أنه ضوعف؛ كما قيل: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) . وقيل: جمعوا فطرح بعضهم على بعض عن ابن عباس. وقيل: جنود إبليس متبعوه من ولده، ومن ولد آدم الاختصام: منازعة كل واحد صاحبه؛ بما فيه إنكار عليه، وإغلاظ له. اختَصَمَا في الأمرِ اختصاماً وَتَخَاصَمَا تَخَاصُمًا. اللام في: {لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} لام الابتداء التي تدخل في خبر إن. التسوية: هاهنا شركة في العبادة، ومعناها إعطاء أحد الشيئين

مثل ما يعطي الآخر. التسوية، والمعادلة، والموازنة نظائر في اللغة معنى {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} أي: ما أضلنا بالدعاء إلى الضلال. في الدين إلا المجرمون الشافع: السائل من صاحبه للصفح عن جرمه، أو الرفع. لمنزلته، والكافرون لا شافع لهم. الصديق: الصاحب الذي يصدق المودة وصدق المودة إخلاصها من شائب الفساد.. الحميم: القريب الذي يحمي الغضب صاحبه. الكرة: الرجعة والعودة جاز أن يخبروا بأنهم يكونون من المؤمنين لو كان لهم كرة؛ لأنهم أخبروا عن عزمهم إذا كان الله قد دل على أنهم. {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) } . ولا يجوز أن يكونوا مع رفع التكليف،

وتكميل العقول، ويجوز أن يكون ذلك قبل دخول النار وقيل {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} وقوم مذكر؛ لأنه بمعنى جماعة قوم نوح. وقال الحسن: هم بتكذيبهم لنوح مكذبون لمن جاء بعده من المرسلين، ولم يكن نبي مرسل قبله.

(106)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140) كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) } . [الآيات من 106 إلى 141] فقيل: لم قيل أخوهم وهم كفار؟ ، ولم جاء الإنكار بحرف الاستفهام في ألا تتقون؟ ، وما الأمين؟ ، ولم كرر فاتقوا الله وأطيعون؟ ، وما الطاعة؟ ، وما الاتباع؟ ، وما الرذل؟ ، ولم لا يقبل قول الجماعة فيهم؟ وما الطرد؟ ، وما الانتهاء؟ ، وما الرجم؟ ، وما معنى: إن قومي كذبون والله عالم بمعنى الخبر؟ ، وما معنى: فافتح بيني وبينهم فتحاً؟ ، وما المشحون؟ ، ولم كرر: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} ؟ ، ولم كرر {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} ؟ ، وكيف تركوا الإيمان مع حسنه إلى الكفر مع قبحه؟ ، وما الفرق بين صفة عزيز وقدير؟ ، ولم لا تصح صفة العزيز على التعريف والإطلاق إلا على الله؟ ، وهل يجب على الداعي أن يمتنع من أخذ الأجر على الدعاء إلى الله؟ ، وما الريع؟ ، وما المصانع؟ ، وما الجبار؟ ، وما الإنذار؟ ، وما الإنعام؟ ، وما العيون؟ ، وما العظيم؟ ، وما الوعظ؟ ، وما السواء؟ ، وما الاختلاف؟ ، ولم قيل أم لم تكن من الواعظين؟ ولم يقل لِمَ لَمْ تعظ للتقابل في التسمية؟ الجواب: قيل: أخوهم، وهم كفار؛ لأن المعنى من هو منهم في النسب، وذكر ذلك؛ لأنهم به آنس، وإلى جانبه أقرب فيما ينبغي أن يكونوا عليه، وهم قد صرفوا عنه جاء الإنكار بحرف الاستفهام في {ألا تتقون} ؛ لأنه لا جواب لهم عنه إلا بما فيه فضيحتهم؛ لأنهم إن قالوا لا نتقي ما يؤدينا إلى الهلاك هتكوا أنفسهم، وإن قالوا بلى نتقيه: لزمهم أن يتركوا عبادة غير ربهم.

الأمين: نقيض الخائن، وهو المختص بأن من شأنه أن يؤدي. الأمانة كرر {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} لاختلاف المعنى فيه؛ إذ) تقديره: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) لأني أسألكم أجراً عليه فتخافوا تلف أموالكم به. الطاعة: موافقة الأمر. الإتباع: طلب اللحاق بالأول الرذل: الوضيع المحقر من القبيح) . وذلك أنه قد يحقر ما ليس بقبيح في الفعل؛ كنحو سيلان اللعاب، وسلس الضراط. الرذيلة: نقيض الفضيلة، وجمعها رذائل لم يَقْبَل قول الجماعة فيهم؛ لأنهم كفار يعادونهم فلا تقبل شهادتهم ، ويجوز أن يكونوا لما آمنوا تابوا من قبيح ما عملوا؛ إذ الإيمان

يجب الخطايا ويوجب الإقلاع عنها. الطرد: إبعاد الشيء على جهة التنفير.. {واتبعك الأرذلون} نسبوهم إلى الصناعات الدنية من نحو: الحياكة. والحجامة، وأنهم مع ذلك أهل نفاق ورياء. الانتهاء: بلوغ الحد من غير مجاوزة إلى ما وقع عنه النهي الرجم: الرمي بالحجارة، ولا يقال للرمي عن القوس رجم. وقيل: المرجوم المشتوم؛ كأنه رمي بما يذم به معنى: {إن قومي كذبون} والله عالم بمعنى الخبر معناه العلة؛ كأنه قال {إن قومي كذبون} ؛ لأنهم كذبون إلا أنه على صيغة الخبر لا على صيغة العلة، وإذا كان على معنى العلة حسن أن يأتي بما يعلمه. المتكلم، والمخاطب. معنى {فافتح بيني وبينهم فتحا} أحكم بيننا بالفصل الذي فيه نجاتنا، وهلاك عدونا.

المشحون: المملوء بما يسد الخلل. الفلك: السفن تكون للواحد، والجمع. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122) } ليس بتكرير، وإنما ذكر آية في قصة نوح، وما كان من شأنه مع قومه بعد ذكر آية [مما كان في قصة إبراهيم] فلما كان في قصة موسى، وفرعون مما تقدم النبأ به بين أنه إنما ذكر؛ لما فيه من الآية [الباهرة] وقوله بعد ذلك {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} ليس بتكرير، وإنما المعنى: العزيز في الانتقام من فرعون وقومه، الرحيم في نجاته موسى ومن معه؛ من بني إسرائيل، ثم ذكر هنا بمعنى العزيز في إهلاكه قوم نوح بالغرق الذي طبق الأرض. الرحيم في نجاته نوحاً، ومن معه في الفلك. تركوا الإيمان مع حسنه إلى الكفر مع قبحه؛ للشبهة المزينة له

له من ثقل استقصاء الحجج، ولولا ذلك لكان تزيين الدليل للحق أوكد. من تزيين الشبهة للباطل. الفرق بين صفة عزيز وقدير؛ أن العزيز القدير الذي تتعذر ممانعته؛ لعظم مقدوره، وصفة عزيز، وإن رجع إلى معنى قادر. فمن هذا الوجه ترجع العزيز بالألف واللام على الإطلاق لا يليق إلا بالله؛ لأنها تنبئ عن معنى قادر لا يتهيأ لأحد أن يمنع عن الشيء الذي يقدر عليه وهو يقدر أن يمنع كل قادر سواه وذلك أنها صفة مبالغة في التعظيم جرت على الإطلاق، والتعريف، والمبالغة فيها من ثلاثة أوجه: زنة فعيل في الصفات، والإطلاق يقتضي الجريان في وجوه المقدور، والتعريف يقتضي أنه لا يشاركه غيره في الصفة. قال الحسن: هو أخوهم في النسب دون الدين يجب على الداعي أن يمتنع من أخذ الأجر على الدعاء إلى الله؛ لئلا يكون في ذلك تنفير عن الحق الذي يدعو إليه، ولكن يجوز أن يقبل الهدية ممن لا يكون في قبولها منه صفة.

البناء: وضع ساق على ساق إلى حيث انتهى. ومن ذلك أخذ بناء الفرع على الأصل في القياس؛ لأنه مركب عليه على طريقه إذا صح الأول صح الثاني، والأول موضوع، والثاني مبني، وهو قابل له. الريع: الارتفاع من الأرض، والجمع أرياع وريعة.. وقال قتادة: بكل طريق. وفيه لغتان: فتح الراء وكسرها.. وآية: علامة. تعبثون: تلعبون عن ابن عباس. المصانع: حصون مشيدة عن جهة الماء. وقيل مآخذ الماء عن قتادة الجبار: العالي على غيره بعظيم سلطانه، وهو في صفة الله

مدح، وفي صفة غيره ذم. فإذا قيل للعبد جبار، فإنه بمعنى أنه يتكلف الجبرية. وقيل البطش العسف قتلا بالسيف وضربا بالسوط عن ابن عباس. وقيل: كانوا يبنون المكان المرتفع بالبناء العالي؛ ليدلوا بذلك على أنفسهم، وزيادة قدرهم، وكانوا جاوزوا في اتخاذ المصانع إلى الإسراف فنهوا عن ذلك. وقيل المصانع: المباني. قوله {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} ليس بتكرير؛ لأنه منعقد بغير ما انعقد الأول؛ إذ الأول بمعنى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} في ترك تكذيب الرسل. وأطيعون فيما أدعوكم إليه من إخلاص عبادته وقيل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} في ترك معاصيه في بطش الجبارين، وعمل اللاهين العابثين، وأطيعون فيما أدعوكم إليه من هذه الأمور. الإمداد: اتباع الثاني ما قبله شيئاً بعد شيء على انتظام وهؤلاء أُمدُّوا بالبنين، والأنعام، والعيون، والجنان؛ فأتاهم

رزقهم على إدرار واتساع. والأنعام: الماشية العيون: ينابيع الماء تجري من باطن الأرض، ثم تجري على ظاهرها العظيم: المحتقِر بتصغير مقدار غيره عنه في شخصه، أو. شأنه. الوعظ: حث بما فيه تليين القلب؛ للانقياد إلى الحق. والوعظ زجر عما لا يجوز فعله بالخير. السواء: كون كل أحد الشيئين مساوياً للآخر في الصحة؛ أو الفساد. الاختلاق: افتعال الكذب على التقدير الذي يوهم الحق وقيل {أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} لأنه أتم في الفائدة مع التقابل في المعنى، والتشاكل في رؤوس الآي؛ الذي هو الأولى؛ مع الأصل أنه لا ينوب عنهم معنى كما ينوب في القسمة قرأ {خَلْقُ} بفتح الخاء وتسكين اللام ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي. وقرأ الباقون بضم الخاء، واللام {خُلُقُ} .

فالأول: بمعنى اختلاق الأولين عن ابن مسعود. والثاني: عادة الأولين؛ في أنهم كان يحيون، ويموتون. قال بعضهم: المعنى في {خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} خلق أجسامهم. التكذيب: الرد للخبر؛ بأنه كذب. فتكذيب النبي كفر؛ لأنه جحد لنعمة الله في إرساله المرسل. الأخ: الراجع معهم إلى أب واحد قريب من الأب الأدنى الأجر: الجزاء على العمل بالخير آجرك الله أجراً أي جزاك خيراً. الأمين: المستودع الذي تؤمن منه الخيانة فالرسول أمين، لأنه استودع الرسالة على أمن منه في الخيانة الخيانة؛ لأنه يؤديها كما حملها من غير تغيير لها عن وجهها.

(146)

مسألة: وإن سأل عن قوله سبحانه: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175) كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) } [الآيات من 146 إلى 227] فقال: ما معنى الترك؟ ، وما الأمن؟ ، وما الزرع؟ ، وما الفاره؟ ، وما الهضيم؟ ، وما الإسراف؟ ، وما الصلاح؟ ، وما المسحر؟ ، وما الشرب؟ ، وما المس؟ ، وما السوء؟ ، وما أخذ العذاب؟ ، وما العقر؟ ، ولم جاء الدعاء إلى التقوى على صورة العرض؟ ، وهل وصفه بنفسه بأنه أمين على جهة المدح وإن كانت دعوة الأنبياء فيما حكى الله عنهم على صيغة واحدة؟ ، ولم كنى عن الفاحشة في حال التقريع بها في أتأتون الذكران من العالمين؟ ، وما الزوجة؟ ، وما العادي؟ ، وما معنى {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ} ؟ ومن العالين؟ ، وما الغابرين؟ ، وما التدمير؟ ، وما الأجر؟ ، وما الإمطار؟ ، وكيف كانت قصة امرأة ل وط؟ ، وكيف قرن الرحيم بالعزيز؟ ، وما الصاحب؟ ، وما الأيكة؟ ، ولم قيل إذ قال لهم شعيب ولم يقل أخوهم؟ ، ولم صارت الشبهة أغلب من الحجة حتى كذب أكثر الأمم بالشبهة؟ ، وهل يدل توافي الرسل على الامتناع من أخذ الأجر على الدعاء إلى الحق على أنه واجب؟ ، وما الوفاء؟ ، وما المخسر؟ ، وما الوزن؟ ، وما القسطاس؟ ، وما الجبلة؟ ، وما الفرق بين البشر والإنسان؟ ، وما الظن؟ ، ولم جاز الكذب كذباً؟ ، وما معنى: قوله: {ربي أعلم بما تعملون} ؟ وما الظلة؟ ، ولم كرر: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} مرات كثيرة؟ ، وما وجه التشريف بأنه {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} ؟ ، وما الروح الأمين؟ ، وما الزبر؟ ، وما في علم بني إسرائيل به من الدليل على حجة أمره؟ ، وما معنى: كذلك سلكناهُ في قلوب المجرمين؟ ، وكيف قيل من علماء بني إسرائيل؟ ، وما معنى: ولو نزلناه على بعض الأعجمين؟ ، وما معنى: يروا العذاب؟ ، وما البغتة؟ ، وما الفرق بين الشعور والإدراك؟ ، وما الإيعاد؟ ، وما الإغناء عن الشيء؟ ، وما الإمتاع؟ ، وما الهلاك؟ ، وما الذكرى؟ ، وما معنى ينبغي لك كذا؟ ، وما الاستطاعة؟ ، وما العزل؟ ، ولم خص

في الذكر إنذار عشيرته الأقربين؟ ، وما العصيان؟ ، وما البراءة؟ ، وما العمل؟ ، وما التوكل؟ ، وما معنى {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} ؟ ، وما الفرق بين الإنباء والإخبار؟ ، ولم صار الأغلب على الشعراء الغي باتباع الهوى؟ ، وما معنى: ألم تر أنهم في كل واد يهيمون؟ . الجواب: التكذيب: الرد للخبر؛ بأنه كذب وتكذيب النبي كفر، لأنه جحد لنعمة الله في إرساله. والأصل في الأخ الرجوع إلى الولد الأدنى من أب وأم. والمرسل: المبعوث بأداء الرسالة. الأمين: المستودع الذي يؤديها كما تجب من غير خيانة. [الجواب] :. الترك: فعل ضد المتروك، وهو نقيض الأخذ. الأمن: سكون النفس إلى السلامة، وتارة يكون ذلك بعلم بها. وتارة يكون بغالب الظن. الزرع: نبات الحب الذي يبذر في الأرض.

الفاره: الناقذ في الصنعة؛ كقولك حاذق الهضيم: اللطيف في جسمه، ومنه هضيم الحشا أي: لطيف الحشا، ومنه هضم الطعام؛ إذا لطف واستحال إلى شكله. وقيل (هضيم) أي أينع وبلغ. وقيل رطب لين. عن عكرمة. وقيل: (فرهين) أشرين بطرين عن ابن عباس. وقيل كيسين. عن الضحاك. وقيل الفره المرح. وقيل الفره القوي. وقيل: فاره، وفره بمعنى واحد؛ كما يقال حاذق، وحذق. وقيل: الهضيم الضامر بدخول بعضه في بعض.

قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو. (فَرِهِينَ) . وقرأ الباقون (فَارِهِينَ) . الإسراف: مجاوزة الحد بالبعد عن الحق. أسرف إسرافاً، وهو مسرف، ونقيضه التقصير، وكلاهما صفتا ذم، وإنما الصواب في العدل.. الصلاح: الاستقامة المسحر: الذي قد سحر مرة بعد أخرى حتى يختل عقله، ويضطرب رأيه. والسحر حيلة توهم قلب الحقيقة. المثل: المختص؛ بأنه سد مسد غيره لو شوهد بدلاً منه وأما النظير فهو المختص بمعنى يقربه من غيره حتى لو شوهد عليه لقام مقامه. الشرب: الحظ من الماء، والشرب هو التجرع

وقيل: عنى بالمسرفين تسعة رهط من ثمود كانوا يفسدون في الأرض، ولا يصلحون. وقيل: من المسحرين: أي من المخلوقين عن ابن عباس. كأنه يذهب إلى أنه يخترع إلى أمر يخفى كخفاء السحر، وقيل: ممن له سحر منهم. قوله انتفخ سحره ومعناه المعلل بالطعام والشراب. الشرب، والشرب، والشرب كلها مصادر. وكانوا سألوا أن يخرج لهم من الجبل ناقة عشراء؛ فأخرجها الله حاملاً كما سألوا، ووضعت بعد فصيلاً، وكانت عظيم الخلق جداً. المس: التقاء الشيئين من غير فصل.

السوء: الضر الذي يشعر به صاحبه؛ لأنه يسوؤه وقوعه به. أخذ العذاب: تناوله لصاحبه بحلوله به؛ كقولهم أخذه النعاس، وأخذه الصداع العقر: قطع شيء من بدن الحي مما ينتقص به شيء من بنيته، وقد يكون مما لا تقع معه الحياة. وقيل: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} في انتقامه {الرَّحِيمُ} بمن آمن به من خلقه. وقيل: عقروها؛ لأنها كانت تضيق المرعى على مواشيهم. وقيل: تضيق المياه عليهم. وقيل: لما عقروها رأوا آيات العذاب فندموا، ولم يتوبوا منعقرهم، وطلبوا صالحاً ليقتلوه، فنجاه الله ومن معه من المؤمنين.

ثم جاءتهم الصيحة بالعذاب فوقع بجميعهم الإهلاك الدعاء على التقوى جاء على صيغة العرض للتلطف من الاستدعاء؛ كما تقول ألا تنزل تأكل. وأما طلب الأجر من المدعو إلى الحق فمما نهينا عنه وقيل: إيهام إلى الدعاء إنما وقع للتكسب، والتأكل. كانت دعوة الأنبياء فيما حكى الله عنهم على صيغة واحدة؛ للإشعار بأن الحق الذين يدعون إليه واحد من اتقاء الله تعالى في إخلاص عبادته، والتعريف لأمانة النبي على وحي الله، وامتناع أخذ الأجر على الدعاء إلى الله تعالى. كنى عن الفاحشة بقوله: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ} ؛ لأنه يكفي في تفحيشها الكناية عنها، وفي قولك على هذا الوجه تغليظ لأمرها مع (التنفير) . عن الإفصاح بذكرها. العادي: الخارج عن الحق ببعد عنه. {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} أي من عاقبة ما يعملون فنجاه، وأهله من

العذاب الواقع بهم، ويجوز أن يكون دعا بالنجاة من نفس عملهم، وتكون النجاة من العذاب الذي نزل بهم تبعاً له. القالي: المبغض. وقيل: أهله أمته المؤمنون به. وقيل بناته. الغابر: الباقي في قلة؛ كالتراب الذي يذهب بالكنس، ويبقى غباره، وغُبَّرُ الحيض بقيته.. التدمير: الإهلاك بأهول الأمور. الأجر: أي أخذ الشيء الامطار: الإتيان بالقطر العام من السماء، ثم يشبه به إمطار الحجارة. والإهلاك بالإمطار من عقاب إتيان الذكران من العالمين

وقيل: العجوز امرأة لوط، وكانت تدل أهل الفساد على الأضياف. وقيل {فِي الْغَابِرِينَ} الباقين فيمن هلك من قوم لوط. وقيل: بل هلكت فيما بعد مع من خرج من القرية بما أمطر عليهم من الحجارة، وقيل: أهلكوا بالخسف، وقيل: بالائتفاك، ثم أمطر على من كان غائباً منهم عن القرية حجارة من السماء. الصاحب: الكائن مع الشيء في غالب أمره فإذا قيل صحبك الله فالمعنى أنه كان معك بنصرته.. الأيكة: الغيضة ذات الشجر الملتف والجمع أيك. وأصحاب الأيكة هم أهل مدين عن ابن عباس. ولم يقل في شعيب إنه أخوهم؛ لأنه لم يكن منهم في النسب، وما نبي من الأنبياء الذين ذكروا قبله إلا كانوا إخوة قومهم في النسب إلا

موسى؛ فإنه لم يكن من القبط وإنما صارت الشبهة أغلب من الحجة حتى كذب أكثر الأمم بالشبهة؛ لأجل المشقة في النظر حتى تظهر الحجة، وليس كذلك الشبهة؛ لأنها ليس فيها كبير كلفة إذ كانت تسبق إلى النفس بغالب أحوال الناس؛ لأن المعرفة بالله معرفة بما لا يشاهد، ولا يتصور، ولا له مثل، وإنما يجب العلم به بإنعام النظر في الدليل عليه قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر {لَيْكَةَ} على اسم المدينة لا ينصرف. وقرأ الباقون {الأَيْكَةِ} . الوفاء: إعطاء الواجب على المقدار من غير نقصان، وذلك في الكيل، والوزن، والذرع، والعدد. أوفى يوفي إيفاء ووفاء.. المخسر: المعرض للخسران في رأس المال بالنقصان. الوزن: وضع الشيء بإزاء المعيار ما به تظهر منزلته في ثقل المقدار، وذلك أنه لا يخلوا من أن يكون أثقل، أو أخف، أو يكون

مساوياً. القسطاس: العدل في التقويم على المقدار. ونظيره في الزنة قرطاط، وجمعه قراطيط الجبلة: الخلقة التي خل ق عليها الشيء، ويقولون جِبِل، ويسقطون الهاء فيخففون.. [ومنه {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا} . القسطاس [هو القبان] عن الحسن. وقيل القسطاس: الميزان. من المسحرين [أي] : من المسحورين عن الحسن. وقيل: ذو السحر أي ذو الجوف الذي يجري فيه الطعام والشراب. الفرق بين البشر والإنسان: أن الإنسان من الإنس فوزنه فعليان

على إنسِيَان إلا أنه حذف منه الياء ولما صغر رد إلى الأصل فقيل: أنسيان.. والبشر من البشرة الظاهرة وحدهما واحد. الكذب: كان كذباً؛ لأن مخبره على خلاف خبره. {ربي أعلم بما تعملون} أي: أنه كان في معلومه إن بقاكم، وتبتم لم يقتطعكم بالعذاب كما أخبر به. وكسفا: قطعاً عن ابن عباس الظلة: سحابة رفعت لهم فلما خرجوا إليها؛ طلباً لبردها من شدة حر أَظلهم؛ أمطرت عليهم ناراً فأحرقتهم. وهؤلاء أصحاب الأيكة وهم أهل مدين عن قتادة. قال: أرسل شعيب إلى أمتين كرر: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} مرات كثيرة؛ للبيان عن أنه في جميع العقاب الذي أنزله بمن تقدم من أهل الضلال؛ إنما كان على أنه العزيز في انتقامه ممن أصر على الكفر به. الرحيم: في إسباغ نعمه على من آمن به يمكن هذا المعنى في

النفوس بأتم ما يمكن مثله. وجه التشريف بأنه تنزيل من رب العالمين؛ فإنما هو لتعظيم شأنه؛ فإن كان خيراً فهو عظيم الشأن في الخير وإن كان شراً فهو عظيم الشأن في الشر. الروح الأمين: جبريل. وصف بأنه روح من ثلاثة أوجه: أنه تحيا به الأرواح بما ينزل من البركات. الثاني: أن جسمه رقيق روحاني.. الثالث: أن الحياة أغلب عليه؛ فكأنه روح كله. الهاء في {وإنه} تعود على القرآن عن قتادة. {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} جبريل عن ابن عباس والحسن وقتادة. قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر {نَزَّلَ بِهِ الرُّوحَ الأمِينَ} . مشددة الزاي منصوب {الروحَ الأمينَ} . قرأ الباقون {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} رفعا.

الزبر: الكتب واحدها زبور وفي علم [علماء] بني إسرائيل به دليل على صحة أمره - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن مجيئه على ما تقدمت البشارة بجميع أوصافه لا يكون إلا من علام الغيوب معنى {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} أي: أمررناه في قلوبهم بإخطاره ببالهم لتقوم الحجة عليهم، ولله لطف يوصل به معنى الدليل إلى القلب فمن فكر فيه أدرك الحق به، ومن أعرض عنه كان كمن عرف الحق. وترك العمل به في لزوم الحجة له. وتأويله عندنا أنا خلقنا ذلك في قلوبهم وقيل: من علماء بني إسرائيل عبد الله بن سلام. عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. معنى: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} قيل: على أعجم من البهائم ما آمنوا به.

ونقيض الأعجم الفصيح. والأعجم الذي يمتنع لسانه من العربية، والعجمي نقيض العربي، وإذا قيل أعجمي؛ فإنه منسوب إلى أنه من الأعجمين الذي لا يفصحون. وقيل: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} الهاء ترج إلى الكفر عن الحسن وابن جريج وابن زيد. وقيل: إن الهاء ترجع إلى القرآن؛ لأنه لم يجر للكفر ذكر. {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ} أي: ذكر القرآن على جهة البشارة به لا أن الله عز وجل أنزله على غير محمد. وقيل: (لو نزلناه) على رجل أعجم اللسان ما آمنوا به، ولتكبروا عليه؛ لأنه من غيرهم.

نزول العذاب نزول أسبابه نيران تتأجج لا يردهم عنها شيء البغتة: لحاق الأمر العظيم الشأن من غير توقع بتقديم الأسباب، ومعناها معنى الفجأة. الشعور: إدراك المعنى بما يلطف. والإدراك ظهور الشيء للنفس. الإيعاد: الاختبار بالعذاب على سيء الأعمال. الإغناء: عن الشيء صرف المكروه عنه بما يكفي من غيره.. الإمتاع: إحضار النفس ما فيه اللذة بإدراك الحاسة أمتعه بالرياحين، والطيب، وأمتعه بالمال والبنين، والحديث الطريف. الإهلاك: إذهاب الشيء بحيث لا يقع عليه إحساس. الذكرى: إظهار المعنى للنفس.

وتقديره ذاك ذكرى أي: ما قصصناه من إنزال العذاب بالأمم الخالية. {ذكرى} لعلكم تتعظون بها ثم بين أنه عدل فهو أشد في الزجر وقيل {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} من الآثام واكتسابهم من الإجرام وموضع {ذِكْرَى} يص لح فيه النصب بالإنذار ويصلح الرفع بالاستئناف على ذلك {ذِكْرَى} . معنى: ينبغي لك كذا أي يطلب منك فعله. الاستطاعة: القوة.

وقيل: هي القوة التي تنطاع بها الجارحة للفعل، وليس في القدرة تضمين جارحة، ولذلك جازت في صفة الله دون الاستطاعة، ولا غيره عندنا بذلك وإنما لم يصفه بأنه مستطيع؛ لأنه لم يرد به توقيف منه. العزل: تنحية الشيء عن الموضع إلى خلافه، وهو إزالته عن أمر إلى نقيضه. فإن قال: ولم {وما يستطيعون} ؟ قيل: لحراسة المعجزة عن أن يموه بها المبطل، وذلك أن الله أراد أن يدل بها على صدق الصادق؛ فأخلصها بمثل هذه الحراسة حتى تصح الدلالة بها خص في الذكر إنذار عشيرته الأقربين حتى يبدأ بهم، ثم الذين يلونهم؛ كما قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} . لأن هذا هو الذي يقتضيه حسن الترتيب منه، ويجوز أن يكون أنذرهم بالإيضاح عن قبح ما هم عليه، وعظيم ما يؤدي إليه من غير تليين بالقول يقتضي تسهيل الأمر بما تدعوا إليه مقاربة العشيرة. وقيل: عن استراق السمع من السماء. وقيل: سمع القرآن عن قتادة.

وقيل {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} أي عرفهم أنك لا تغني عنهم من الله شيئاً إن عصوه وقيل: إنما خص عشيرته الأقربين؛ لأنه يمكنه أن يجمعهم، ثم ينذرهم. {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} أي لن لهم. العصيان: مخالفة الأمر. البراءة: المباعدة من المضرة عليه. العمل: وجود الشيء بقادر عليه. التوكل: تفويض الأمر إلى مدبره. لا يجوز أن يكون يراك هاهنا بمعنى: يعلمك؛ لأن رأيت الذي

بمعنى العلم يقتضي مفعولين، فدل على أنه من رؤية البصر لا من رؤية القلب مع أن الأظهر فيه إذا أطلق أن يكون من رؤية العين فإذا وصف به الله تعالى فهو بمعنى المدرك. قيل: فإن عصاك الأقربون فقل: {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} من عبادة الأصنام، ومعصية بارئ الأنام. وقيل {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} أي تصرفك في المصلين بالركوع. والسجود، والقيام، والقعود عن ابن عباس، وقتادة. وقيل {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} السميع لما تتلوا في صلاتك. العليم بما تضمر فيها وقيل {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} ليكفيك كيد أعدائك الذين عصوك

فيما أمرتهم به. الفرق بين الإنباء والإخبار: أن الإنباء الإخبار بِما فيه عظيم الشأن، ومنه لهذا الأمر نبأ، ومنه أخذت صفة النبي؛ لقطع شأن ما يأتي به من الوحي عن الله. الأفاك: الكثير الإفك. والإفك: الكذب. الأثيم: مرتكب الإثم صار الأغلب على الشعراء الغي باتباع الهوى؛ لأن الذي يثير الشعر في الأكثر العشق، ولهذا يصدر بالتشبيب؛ مع أن الشاعر يمدح للصلة، ويهجوا على حمية الجاهلية؛ فيدعوه ذلك إلى الكذب، ووصف الإنسان بما لا يكون فيه من الفضائل، أو الرذائل؛ حتى قال في وصفهم إنه كالهائم على وجهه في كل واد يعرض له، وليس ذلك من صفة

من غلبته السكينة والوقار، ومن هو موصوف بالحلم والعقل. الأفاك: الكذاب عن مجاهد وقال: (يلقون السمع) بما يسمعون باستراق السمع إلى كل أفاك. عن مجاهد. وقيل {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} في كل لغو يخوضون يمدحون، ويذمون يعنون الأباطيل. عن ابن عباس. وقيل: يصغون إلى ما يلقيه الشيطان إليهم على وجه جهة الوسوسة بما يدعوهم إليهم من الكفر والضلال. قال الحسن: هم الذين يسترقون السمع ينزلون على الكهنة. وقال: إنما يأخذون أخباراً عن الوحي. {يُلْقُونَ السَّمْعَ} أي سمع الوحي.

صفحة فارغة

سورة النمل

سورة النمل مسألة: إن سأل عن قوله {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) } [الآيات من 1 إلى 11] فقال: ما آيات القرآن؟ ، وما الفرق بين صفة القرآن بأنه مبين وبيان؟ وكيف قيل القرآن، وكتاب، والقرآن هو الكتاب؟ وبأي شيء يهدي القرآن إلى الحق؟ ، وما معنى: زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون؟ وما الحكيم؟ ، وما الفرق بين صفة عليم، وعالم؟ ، وما الإيناس؟ ، وما الشهاب؟ ، وما القبس؟ وكيف قيل كأنها جان ، وفي موضع آخر؛ فإذا هي ثعبان؟ وما معنى: بورك من في النار؟ وما معنى:، ولم يعقب يا موسى؟ وكيف قال لامرأته لعلي آتيكم؟ ، وما الجان؟ الجواب:. آيات القرآن علاماته، ودلائله. ومن صفته: أنه بيان عن الحكم في أعلى طبقات البلاغة وحكم القرآن الموعظة؛ بما فيها من الترغيب، والترهيب، والحجة الداعية إلى الحق الصارفة عن الباطل وأحكام الشريعة التي فيها مكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال، والمصلحة فيما يجب من حق الله؛ مما يؤدي إلى الثواب، ويؤمن من العقاب؛ مع تفصيل هذه الأمور بأحسن الترتيب. وصف القرآن بأنه مبين يقتدى به؛ بمنزلة النطق بكذا.

ووصفه بأنه بيان يقتدى به؛ بمنزلة النطق بكذا، في ظهور المعنى به للنفس. وقيل له القرآن، وكتاب ليجمع له الوصفان؛ بأنه مما يظهر بالقراءة، ويظهر بالكتابة. وهو بمنزلة الناطق؛ بما فيه من الأمرين جميعاً؛ ليفيدنا بذلك أنه يقرأ، ويكتب يهدي القرآن إلى الحق بالبيان الذي فيه، والبرهان، وباللطف. من جهة الإعجاز الدال على صحة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} خلقنا ظنهم لزينة ذلك وتوهمهم لحسنها. وقيل {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} التي أمرناهم بها فهم يتحيرون بالذهاب عنها. عن الحسن. وقيل {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} شهوة القبيح ليجتنبوا المشتهى. {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} عن هذا المعنى.

والتأويل الأول لنا، والآخر للمعتزلة.. الحكيم: من له حكمة والحكمة هي: العلم بأحكام الأمور وإتقانها، وقد يكون حكيماً في فعله؛ على معنى أنه عالم بالصواب. وقيل: هو البصير بالصواب من الخطأ؛ في تدبير الأمور. الفرق بين صفة عليم، وعالم؛ أن بناء فعيل هاهنا؛ للمبالغة فإذا كثرت معلوماته قيل: عَلَّمَ، وَأَعْلَمَ، وَعَلَّام؛ وإذا لم يكن له إلا معلوم. واحد قيل: عالم. وقال بعض المعتزلة: الفرق بينهما أن صفة عالم مضمنة بالمعلوم؛ كما أن صفة سامع مضمنة بالمسموع، وصفة عليم بمعنى ؛ أنه متى صح معلوم فهو عليم به؛ كما أنه متى صح مسموع فهو سميع له. الإيناس: الإحساس بالشيء من جهة يؤنس بها أنست كذا؛ إذا أحسسته.. الشهاب: نور كالعمود من النار، وجمعه شهب ومنه قيل: للكوكب الذي يمتد من السماء شهاب. القبس: القطعة من النار.

منه اقتبس النار اقتباساً؛ إذا أخذ منها شعلة، واقتبس منه علماً. أي: أخذ منه نوراً؛ ليستضيء به؛ كما يستضيء بالنار. وصلى النار يصلاها صلا؛ إذا لزمها وقيل الصلاة منه؛ للزوم الدعاء [فيها] والمُصلِّي: الثاني بعد السابق؛ للزومه صلوي السابق وقيل: {رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} ؛ لأنها كالجان في اهتزازه، وهي ثعبان في عظمه وكذلك هالهُ أمرها؛ لسرعة حركتها؛ مع عظم جسمها. ومعنى: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} قولان: الأول: بورك نور الله الذي في النار. وحسن ذلك؛ لأنه ظهر لموسى بآياته من النار في معنى قول ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة. والثاني: الملائكة الذين وكلهم الله بها؛ على ما يقتضيه. {وَمَنْ حَوْلَهَا} . لا خلاف أن الذي حولها الملائكة الذين وكلوا بها.

{وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يرجع عن قتادة، ومجاهد. وقيل: لم يرجع على عقبيه. والمعاقبة ذهاب واحد، ومجيء آخر على المناوبة وقال لامرأته لعلي آتيكم؛ لأنه أقامها مقام الجماعة في الأنس بها ، والسكون إليها بالأمكنة الموحشة. ويجوز أن يكون على طريق الكناية على هذا التأويل. {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} من يدل على الطريق. البركة: ثبوت الخير النامي بالشيء. قال الفراء: العرب تقول باركك الله، وبارك فيك وبارك عليك. الجان: الحية الصغيرة أخذت من الاجتنان، وهو الاستتار. وقال الفراء بين الصغيرة والكبيرة.

قال الراجز يَرْفَعْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا مَا أَسْدَفَا ... أَعْنَاقَ جِنَّانِ وَهَامَا رُجَّفَا. {أَنْ بُورِكَ} يحتمل النصب على: نودي موسى بأن بورك، والرفع على نودي البركة. قرأ عاصم وحمزة والكسائي (بِشِهَابٍ قَبَسٍ) . منون غير مضاف. جعل قَبساً صفة.. وقرأ الباقون (بِشِهَابِ قَبَسٍ) مضافاً. فالأول على تقدير منور، والثاني على تقدير نار.

(11)

مسألة: وإن سأل عن قوله: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) } [الآيات من 11 إلى 21] فقال: ما معنى بدل حسناً بعد سوء؟ ، وما الاستثناء في إلا من؟ ، وما الآيات التسع التي كانت لموسى؟ ، وما معنى: مبصرة؟ ، وهل يدل {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} أنهم كانوا معاندين؛ إذ جحدوا ما عرفوا؟ ، وما الميراث؟ ، وما منطق الطير؟ ، وما معنى {وأوتينا من كل شيء} ؟ ، وما الإيزاع؟ ، وعلى أي سبيل كانت معرفة النمل سليمان؟ وما معنى: تفقد الطير؟ الجواب: معنى: {بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} ندم على ما كان منه، وعزم على ترك المعاودة إلى مثله، وترك الإصرار عليه الاستثناء في {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} فيه وجهان: أحدهما: {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} نفسه ما عمل من صغيرة فيكون الاستثناء على هذا متصلاً في معنى قول الحسن.

الثاني: لكن {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} من العباد فهذا أمره؛ فيكون على الاستثناء المنقطع. الآيات التسع التي كانت لموسى العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والبحر ورفع الطور وانفجار الحجر. وقيل بدك الجبل والحجر والطوفان والطمس. عن ابن زيد. معنى {مُبْصِرَةً} : فيه وجهان:. الأول: تبصر الصواب من الخطأ. أبصرته، وبصرته بمعنى؛ كقولك: أكفرته، وكفرته، وأكذبته ، وكذبته. الثاني: مبصرة للحق من الباطل؛ فهي تهدي إليه؛ كأنها تراه. ولا يدل قوله: {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} أنهم كانوا معاندين من قبل أن المعرفة كانت بوقوعها على الحقيقة.

فأما الاستدلال الذي يؤدي إلى أنها من قبل الله؛ ليدل بها على صدق من أعطاه إياها؛ فبعد العلم بوقوعها. وقيل معنى: {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} إنما الخوف على من سواهم) . {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} وقال: ابن مسعود - رضي الله عنه -: أتى موسى فرعون وعليه جبة صوف. وقال: مجاهد: كان كمها إلى بعض يده.. {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} من غير برص. الميراث: تركة الماضي بموته للباقي من ذوي قرابته فلما ترك داود لسليمان العلم الذي هو أعظم فائدة كان ذلك ميراثاً أكثر من ميراث المال. منطق الطير: صوت يَتفاهم به معانيها على صيغة واحدة، وذلك بخلاف منطق الناس؛ إذ هو صوت يتفاهمون به معانيهم على صيغ مختلفة، ولذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها، ولم تفهم هي عنا؛ لأن أفهامها مقصورة على تلك الأمور المخصوصة، ولما جعل

سليمان يفهم عنها؛ كان قد علم منطقها معنى: {وأوتينا من كل شيء} يطلبه طالب؛ لحاجته إليه، وانتفاعه به. ولو قال {وأوتينا من كل شيء} علماً وتسخيراً في كل ما يصلح أن يكون معلوماً لنا، أو مسخراً لنا [غير أن مخرجه مخرج العموم، فيكون أبلغ وأحسن] (1) الإيزاع: المنع من الذهاب وإنما منع أول الجنود على آخرهم، ليتلاحقوا، ولا يتفرقوا ومثل ذلك {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} أي ألهمني ما يمنع من ذهاب الشكر عني. كانت معرفة النمل لسليمان على سبيل المعجزة، وقيل: إنه لا يمتنع أن تعرف البهيمة هذا الصوت؛ كما يَعرف كثيراً مما فيه نفعه وضره. فمن معرفة النملة بذلك أنها تكسر الحبة بقطعتين؛ لئلا تنبت إلا الكزبرة فإنما تكسرها بأربع قطع؛ لأنها تنبت إذا كسرت بقطعتين ؛ فمن هداها إلى هذا؛ فهو الذي يهديها إلى ما يحطمها، وإلى ما لا يحطمها.

_ (1) ما بين المعقوفين زيادة من مجمع البيان.

وقيل: كان عسكره مائة فرسخ: خمسة وعشرون للجن، وخمسة وعشرون للوحش؛ عن محمد بن كعب القرظي. وقيل: وأعطينا من كل شيء. وقيل: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يمنع أولهم على آخرهم عن ابن عباس. وقيل: يساقون عن ابن زيد، وقيل يتقدمون عن الحسن. وقيل: {فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} أي: مع عبادك. عن ابن زيد. وقيل: كان تفقده للهدهد؛ أنه احتاج إليه في مسيره؛ ليدل على الماء. عن ابن عباس. قال وهب بن منبه: كان تفقده للهدهد؛ أنه احتاج إليه إياه

لإخلاله بنوبة له معه. وقيل: كان سبب تفقده أن الطير كانت تظله من الشمس عليه. وقيل: إن الهدهد كان يرى الماء في الأرض؛ كما يرى الماء في الزجاج. وقد جعل لها منطق؛ لأنه يفهم به المعاني؛ كبكاء الغم، وبكاء الفرح.

(21)

مسألة: وإن سأل عن قوله - سبحانه - {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) } [الآيات من 21 إلى 31] فقال ما الذبح؟ وما معنى: سلطان مبين؟ ، وما المكث؟ وما علم الإحاطة؟ وما الخبء؟ وما حكم سبأ في الصرف؟ وما معنى عرش عظيم؟ وما وجه قراءة. (ألا يسجدوا) . ووجه قراءة (أن ألا تسجدوا) ؟ وما العرش؟ ، وما النظر؟ ولم جاز أم كنت من الكاذبين ألطف من أم كذبت؟ ، وما الكريم؟ ، ولم قيل: وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، وهذه الفاتحة عربية، ولم تكن تلك اللغة عربية؟ ، وما معنى تول عنهم؟ الجواب: الذبح: فَرْيُ الأوداج بما يخرج روح الحيوان. والقتل قد بنقض البنية من غير ذبح، وقد يكون بحركات يكون عقبها خروج الروح. الموت ضد الحياة، وهو أيضاً يضاد ما يصح الإدراك به معنى {بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} هاهنا: بحجة بينة توجب عذره في إخلاله بمكانه ؛ فلما ذكر أنه أتاه بنبأ يحتاج إليه؛ لما فيه من الإصلاح لقوم قد تلاعب بهم الشيطان، وعذره في ذلك المكث. المكث: الاستمرار والمضي على حال.

والمعنى استمر على تلك الحال من الرأي ... حتى جاء الهدهد بالنبأ الذي أخبر به. المكث واللبث من النظائر. ومَكَثَ ومَكُثَ لغتان علم الإحاطة: العلم بالشيء من الجهات التي يمكن بأن يعلم منها ؛ حتى يكون العلم كالسور المحيط به. وبهذا العلم يتميز؛ حتى لا يلتبس بما ليس منه. الخبء: ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه وهو بمعنى المخبوء، وق المصدر موقع الصفة خبأته أخبؤه خبأً. وما يخرجه الله بالإيجاد؛ فهو بهذه المنزلة. فخبء السماء الأمطار، والرياح، وخبء الأرض الأشجار، والنبات.

وقيل تعذيبه: نتف ريشه عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة حكم (سبأ) في الصرف: منهم من يصرفه؛ يجعله اسماً للمكان. بعينه، ومنهم من لا يصرفه؛ يجعله اسماً للبقعة. وقد ورد الشعر بصرفه، وترك صرفه. وقيل معنى {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} : يؤتي الملوك وقيل {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} : سرير كريم معمول من ذهب، وقوائمه من لؤلؤ وجوهر، عن ابن عباس وجه قراءة (أَلَا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) . أي يا هؤلاء؛ على حذف المنادى.. اسجدوا على الأمر وقوله: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} بمعنى: وزين لهم الشيطان ضلالهم؛ لئلا يسجدوا.

الخبء: أفضل الخِبا الستر والخفاء نظائر. وقيل (سبأ) : حي من أحياء اليمن. وقيل: هو اسم أمهم وقيل لم يكن [الهدهد] عارفاً بالله، وإنما أخبر بذلك كما يخبر. يخبر مراهقو صبياننا. وقيل (سبأ) مدينة بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام. الخبء: الغيب. قال الفراء: من قرأ بالتخفيف فهو موضع سجدة، ومن قرأ

بالتثقيل فلا ينبغي أن يكون موضع سجدة. وقد يجوز السجود على مخالفة غرض الشيطان قرأ (فَمَكَثَ) بفتح الكاف عاصم.. وقرأ الباقون (فَمَكُثَ) بضم الكاف. قرأ ابن كثير وأبو عمرو. (من سبأَ بنبأَ) غير مصروفتين. وقرأ الباقون (من سبإٍ بنبإٍ) . مصروفات قرأ الكسائي. (ألَا يَسُجُدُوا لِلهِ) بالتخفيف من ألَا. وقرأ الباقون.. (ألَّا) مشددة. والعرش: سرير الملك الذي عظمه الله، ورفعه فوق السماوات السبع، وجعل الملائكة تحف به، وترفع أعمال العباد إليه، وتنشأ البركات من جهته؛ فهو عظيم الشأن كما وصفه.

النظر: طلب إدراك المعنى بالحس، أو القلب. صار {أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ألطف من أم كذبت؛ لأنه قد يكون بالميل إليهم، وقد يكون منهم بالقرابة التي بينه وبينهم، وقد يكون منهم بأنه يكذب ككذبهم، وكذلك إذ قال ليس كما يقول من جهة الغلط الذي ليس بصدق، ولا كذب. الكريم: الحقيق بأن يؤمل الخير العظيم من جهته. فلما رأت ذلك في كتاب سليمان، وصفته بأنه كريم. وقيل: كان مختوماً. وأما هذه الفاتحة العربية: فإنها حكاية على المعنى، وذلك أن الحكاية تكون على المعنى، وتكون على اللفظ والمعنى، وهو الأصل في الحكاية التي لا يجوز العدول عنها؛ إلا بقرينة من قبل أن الحكاية. هي أقرب إلى المماثلة الممكنة

وقيل ثم تول عنهم قريباً منهم {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} ثم تول على التقديم والتأخير وموضع {أَلَّا تَعْلُوا} يحتمل الرفع على البدل من {كِتَابٌ} ، والنصب على معنى بـ {أَلَّا تَعْلُوا} وقيل أرادت بكريم: لأنه من كريم تطيعه الإنس، والجن، والطير.

(31)

مسألة: إن سئل عن قوله: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) } [الآيات من 31 إلى 41] فقال ما العلو على القادر؟ ، وما معنى: مسلمين؟ ، وما الفتيا؟ وما معنى: قاطعة أمراً؟ ، وما معنى: قولها {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ؟ ، وما الإمداد؟ ، وما معنى: {آتَانِي اللهُ خَيْرٌ} ؟ وما الهدية؟ وما الدليل؟ وما العزيز؟ وما معنى: قبل أن يرتد إليك طرفك؟ وما معنى: {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ؟ وما معنى: عفريت؟ ومن الذي عنده علم من الكتاب؟ الجواب: العلو على القادر: طلب القهر بما يكون به تحت سلطانه معنى: {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} هاهنا: فيه وجهان: الأول هو: مؤمنين بالله ورسله. الثاني: مستسلمين لأمري فيما أدعوكم إليه؛ فإني لا أدعوكم إلا

إلى الحق. الفتيا: الحكم بما هو صواب؛ بدلاً من الخطأ، وهو الحكم بما يعمل عليه معنى {قَاطِعَةً أَمْرًا} أي: قاطعة أحد النقيضين عن الآخر؛ بالعمل به ؛ مع نفي الآخر؛ كأنه عرض لها أمر الملاطفة، أو المخاشنة فشاورت حتى قوي أمر الملاطفة بالهدية؛ فقطعت بها بالعمل عليها معنى قولها {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} أي: كونوا على حذر من ذلك؛ فإني مدبرة فيه بهدية أرسلها؛ لأنظر ما عند القوم فيما يلتمسون من خير، أو شر. وقاطعة، وفاصلة أمراً، وقاضية أمراً، من النظائر وقيل عرضوا عليها القتال بقولهم: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} عن ابن زيد. وقيل {إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} بالخراب. {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} بالاستعباد. قال الله - عز وجل - {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ؛ لهذا القول المحكي.

وقيل: إذا دخلوها عنوة عن ابن عباس وقيل: أرسلت بوصائف، وغلمان على زي واحد. فقالت: إن ميز بينهم ورد الهدية، وأبى إلا المتابعة على دينه؛ فهو نبي، وإن قبل الهدية؛ فإنما هو من الملوك، وعندنا ما يرضيه. عن ابن عباس. الإمداد: إلحاق الثاني بالأول على الوِلاَ، والثالث بالثاني؛ إلى حيث انتهى فقال: لست أرغب في المال الذي تمدوني، وإنما أرغب في الإيمان الذي دعوتكم إليه، والإذعان بالطاعة لله، ورسوله معنى {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ} بالتمكين من المال الذي لي أضعافه، وأضعاف أضعافه؛ إلى ما شئت منه

الهدية: العطية على جهة الملاطفة من غير مثابة الذليل: الناقص العزة في نفسه؛ بما لا يمكنه أن يمتنع من تصريف غيره العزيز: نقيض الذليل، والجمع أعزة، وأذلة. معنى: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} فيه قولان:. الأول: على المبالغة في السرعة عن مجاهد. الثاني: قبل أن يرجع إليك ما يراه طرفك عن قتادة وقيل {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} بما يهدي إليكم؛ لأنكم أهل مفاخرة في الدنيا؛ ومكاثرة واختلف في الوقت الذي قال فيه سليمان: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} فقيل: وقت جاءه الهدهد بالخبر، وهو الوقت الأول؛ لأنه يُب ن به صدق الهدهد من كذبه. ثم كتب الكتاب بعد عن ابن عباس. وقيل: إنما قال ذلك بعد مجيء الرسل بالهدية عن وهب بن منبه واختلفوا في السبب الذي لأجله خص العرش بالطلب:

فقيل؛ لأنه أعجبته صفته؛ فأحب أن يراه، وكان من ذهب، وقوائمه من جوهر مكلل باللؤلؤ عن قتادة. وقيل: أيضاً أحب أن يعاينها به، ويختبر عقلها؛ إذا رأته أتثبته، أم تنكره عن ابن زيد. وقيل: ليريها قدرة الله في معجزة يأتي بها في عرشها واختلفوا في معنى {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} فقيل: مستسلمين. أي طائعين عن ابن عباس. وقيل {مُسْلِمِينَ} من الإسلام الذي هو دين الله الذي ألزمه. عباده عن ابن جريج {عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} مارد قوي داهية. يقال عفريت وعفرية، ويجمع عفاريت وعفارى.

وقيل: قبل أن تقوم من مجلسك الذي تقضي فيه عن قتادة والذي عنده علم من الكتاب: رجل من الإنس كان عنده علم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب عن ابن عباس وقتادة. وقيل: هو يا إلهنا، وإله كل شيء يا ذا الجلال والإكرام فلما رأى عرشها مستقراً عنده، وقد حمل العرش من مأرب إلى الشام في مقدار أن رجع البصر. وقيل: انشقت عنه الأرض فظهر، والله تعالى قادر على ذلك؛ بأن يعدمه، ثم يوجده في الحال؛ بلا فصل بدعاء الذي عنده علم من الكتاب، وكان مستجاب الدعوة؛ إذا دعا باسم الله الأعظم؛ لا أن المعجزة في ذلك لسليمان. وصاغر ذليل أي: صغير القدر. وقيل: الذي عنده علم من الكتاب سليمان.

قال للعفريت ليريه نعمه عنده. وقيل: العزيز الغني بسعة مقدوره التي يمتنع به من غيره وقيل: الذليل المحتاج الذي لا يمكنه الامتناع من تصريف غيره قرأ (فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ) . بفتح الياء أبو عمرو، ونافع، وعاصم في رواية حفص. وقرأ الباقون (فَمَا آتَانِ اللَّهُ) بغير ياء في الوصل.

(41)

مسألة: وإن سئل عن قوله: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) } [الآيات من 41 إلى 51] فقال ما التنكير؟ وما الاهتداء؟ ، وما معنى {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ؟ ، وما الصرح؟ ، وما اللجة؟ ، وما معنى {وكنا مسلمين} ؟ ، وما الاستعجال؟ ، وما السيئة؟ ، ومن أين خرجت لولا إلى معنى هلا؟ وما التطير؟ ، وما معنى {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} ؟ ، وما الفتنة؟ وما المكر؟ الجواب: التنكير: التغيير إلى حال ينكرها صاحبها؛ إذا رآها. فأما الإنكار فجحد العلم بصحة الشيء، وهو نقيض الإقرار الاهتداء: قبول الهداية إلى طريق الرشد؛ لا من طريق الغي هداه إلى الحق فاهتدى

معنى {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: صدها عن النظر الذي يكون مؤدياً إلى العلم، وذلك أن المسلم قد اكتسب بصراً بالنظر الذي أدله إلى المعرفة بالله، والإيمان به. الصرح: البسيط المنكشف من غير سقف. ومنه صرح بالأمر؛ إذا أفصح به، ولم يكني عنه. والتصريح خلاف التضمير. اللجة: قطع الماء ومنه لجج في الأمر إذا بالغ بالدخول فيه. ومنه لج البحر خلاف. الساحل. {وكنا مسلمين} من كلام سليمان عن مجاهد قيل {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: صددتها عن عبادة الشمس على دين قومها وقيل: إنه أجرى الماء تحت الصرح الذي هو كهيئة السطح.

وقيل: إنه أحب أن يختبر بذلك عقلها وقيل: لا؛ بل قيل له إن ساقها ساق حمار؛ كرجل حمار؛ لأنها من وُلِدَ بين الإنس والجن، فلما امتحن ذلك، وجده على خلاف ما قيل له. وقيل: لما أسلمت تزوجها سليمان. وممرد: معناه مملس. وقيل: فريقان: مؤمن، وكافر به. عن مجاهد. وقيل: إنما عمل ذلك؛ لأنه أراها به عظيم آيات الله؛ لتسلم، وتهتدي إلى دين الله. وقيل: الصرح صحن الدار يقال: صرحة الدار، وساحة الدار. وباحة الدار. الاستعجال: طلب التعجيل بالأمر وهو الإتيان به قبل وقته؛ لأن هؤلاء الجهال إذا خوفوا بالعقاب

قالوا: على جهة الإنكار لصحته متى هو؟ وهلا تأتينا به السيئة: الخصلة التي تسوء صاحبها حين يجدها. ونقيضها الحسنة. خرجت لولا إلى معنى هلَّا؛ لأنها كانت لامتناع الشيء؛ ليكون غيره؛ في لولا زيد لأتيتك، فخرجت إلى الإنكار؛ لامتناع الشيء لفساد سببه في {لَوْلَا} . التطير: التشاؤم، وهو نسبة الشؤم إلى الشيء على ما يأتي به به الطير من ناحية اليد الشومى، وهي البارح، وأما السانح فهو إتيانها من جهة اليد اليمنى. وأصل اطيرنا تطيرنا: دخلت فيه ألف الوصل لما سكنت الطاء للإدغام معنى: {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي: الشر الذي تجدونه بالتطير عند

الله. لنبيتنه: لنقتلنه بياتاً أو ليلاً. {ما شهدنا مهلك أهله} إهلاكه. وقيل: السيئة قبل الحسنة العذاب قبل الرحمة عن مجاهد. وقيل {قَالَ طَآئِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ} مصائبكم عند الله عن ابن عباس. وفي {تَقَاسَمُوا} وجهان: بمعنى متقاسمين إلا أنه حذف منه. وقيل: إنهم لما أتو صالحاً منعتهم الملائكة عن ابن عباس. وقيل الفتنة هاهنا: قبولهم ما زين من الباطل لهم. المكر: شدة قبل المكروه بالحيلة على صاحبه.

فجازاهم الله بمكرهم، وجعل وباله عليهم. وقيل: أهله على دينه قرأ حمزة والكسائي. (لتُبَيِّتنَّهُ ثم لَتَقُولُنَّ لِوَلِيِّهِ) بالتاء فيهما جميعاً.. وقرأ الباقون بالنون. وقرأ مجاهد بالياء. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (مَهْلَكَ) بفتح الميم واللام. وفي رواية حفص. (مَهْلِك) . بكسر اللام.. وقرأ الباقون (مُهْلَكَ) . بضم الميم وفتح اللام.

(51)

مسألة: إن سأل عن قوله تعالى: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) } [الآيات من 51 إلى 66] فقال ما العاقبة؟ ، وما المكر؟ ، وما التدمير؟ ، وما الخاوي وما الإتقاء؟ ، وما معنى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} ؟ وما الفاحشة؟ وما معنى: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} ؟ وما معنى {إنهم أناس يتطهرون} هنا؟ وما معنى {قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} ؟ وما معنى النذارة؟ وما الاصطفاء؟ وما جعل الأرض قراراً؟ ، وما النهر؟ ، وما الرواسي؟ وما الحاجز بين البحرين؟ ، وما إجابة دعاء المضطر؟ ، وما الفرق بين البيان والبرهان؟. الجواب: العاقبة: حال تؤدي إليها التأدية يقال: أعقبني هذا الدواء صحة.. المكر: الأخذ بالحيلة للإيقاع في بلية فلما مكروا بصالح؛ ليقتلوه، ومن آمن به؛ لم يتم مكرهم، وأدى. مكرهم إلى هلاكهم بالتدمير. التدمير: التقطيع بالعذاب.

دمر الله قوم صالح؛ بأن قطعهم بعذاب الاستئصال في الدنيا قبل الآخرة؛ فلم يَبق لهم باقية. الخاو ي: الفارغ مما رسمه أن يكون فيه فكان رسمهم أن يكونوا في بيوتهم؛ في الأوقات التي يأوون إليها؛ فلما أخذهم العذاب. صاروا عبرة لمن نظر إليها، وتذكرها. الإتقاء: الامتناع من البلاء بما يرده عن صاحبه أن ينزل به. المكر، والغدر، والحيل نظائر قرأ {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} بفتح الألف: عاصم، وحمزة، والكسائي.. وقرأ الباقون {إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} : بكسر الألف. وفي الفتح وجهان: الرفع على البدل من عاقبة أمرهم. وقيل تَدْمِيرَنَا إياهم

خاوية، وخالية، وفارغة نظائر. الفاحشة: القبيحة الشنيعة، وهي الظاهرة القبح، وهي أيضاً الكبيرة من القبائح. وقيل: إن بيوتهم هذه المذكورة بوادي القرى، وهو: موضع بين. المدينة والشام. ويجوز: وأرسلنا لوطاً، أو اذكر لوطاً. وقيل {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} أي: يرى ذلك بعضكم من بعض عتواً وتمرداً. معنى: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} أي: يتطهرون عن عملكم في إتي ان ال ذكران. من العالمين؛ فلا يريدوا مجاورتهم، وهذه صفتهم معنى: {قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} : جعلناها من الغابرين؛ لأن جرمها على مقدار جرمهم؛ فلما كان تقديرها كتقديرهم في الإشراك بالله جرت مجراهم في إنزال العذاب بهم. النذارة: الإعلام بموضع المخافة ليتقى

ونقيض ها البشارة، وهي الإعلام بموضع الأمن لينجى. النذير: البشير ينذر بالنار، ويبشر بالجنة. الاصطفاء: إخراج الصفوة؛ لاجتبائها وقيل {إنهم أناس يتطهرون} عن إتيان الرجال في أدبارهم عن ابن عباس. ومجاهد، وقتادة. الحديقة: البستان عليه حائط يحوطه بهجة: منظر حسن يسر. ابتهج به إذا سر به. {قَدَّرْنَاهَا} : أي كتبنا أنها من الغابرين وقيل: أمطرت الحجارة على من خرج من المدينة، وخسف بأهلها؛ فهم يهوون إلى يوم القيامة. عن الحسن.

وقيل: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} بالله غيره لجهلهم. وقيل {يَعْدِلُونَ} عن الحق جعل الأرض قراراً يسكنها؛ للاستقرار عليها، وإمكان التصرف فيها. النهر: المجرى الواسع من مجاري الماء وأصله الاتساع، ومنه النهار لاتساع الضياء به، ومنه إنهار الدم ؛ أي: إهراق كالنهر. الرواسي: الجبال الثابتة رست ترسوا رسواً إذا تبتت؛ فلم تبرح من مكانها؛ كالس ينة، وغيرها، ومنه المراسي. الحاجز بين البحرين: المانع أن يختلط أحدهما بالآخر، وقد يكون ذلك بكف كل واحد منهما عن صاحبه. وفيه دلالة على إمكان كف النار عن الحطب حتى لا تحرقه، ولا تسخنه كمنع الماء الملح من العذب المجاور له أن يختلط به إجابة دعاء المضطر: فعل ما دعا به من أجل طلبه، وهذا لا يكون إلا من قادر على الإجابة مسخر لها؛ لأنها وقعت على ما دعا به الداعي.

{***} ما لهم، وما عليهم في العبادة إن أخلصوها، أو أشركو فيها وقيل: {ويجعلكم خلفاء الأرض} أي يخلف أهل العصر الثاني أهل العصر الأول. كل برهان بيان، وليس كل بيان برهانا؛ لأنه يجمعها إظهار المعنى للنفس؛ إلا أن أحدهما بمنزلة الناطق؛ بأنه ذا حق، وليس كذلك البيان؛ لأنه يظهره من غير أن يظهر أن هذا حق، وذاك باطل. وكل أمور الدين فإنه لا تعلم صحتها إلا ببرهان؛ لأنه لو لم يكن كذلك لم يقل {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} ، ولا كان عجزهم عن البرهان؛ فإنه لا يمكن إقامة برهان عليه يوجب أنه باطل.

(66)

مسألة: إن سئل عن قوله: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) } إلى آخر السورة. [الآيات من 66 إلى 93] فقال ما ادِّرَاك العلم؟ ، وما الشك؟ ، ولم كان الجهل كالعمى؟ ، ولم جاز قلب التراب إلى الحيوان، ولم يجز قلب السواد إلى البياض؟ ، وما وجه الشبهة في إنكار النشأة الثانية، وإذا أخبر الحكيم أنه سيفعل كذا على جهة الوعد به هل يصح ذلك من غير تقييده بوقت؟ ، وما الردف؟ ، وما الاستعجال؟ ، وما الفضل؟ ، وما الأكنان؟ وما القصص؟ وما الاختلاف؟ وما معنى {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا} ؟ ، وما معنى: إن تسمع إلا من يؤمن من بآياتنا؟ ، وما معنى: وإذا وقع عليهم؟ ، وما معنى: تكلمهم؟ ، وما الدابة؟ ، وما وجه الاعتبار بجعل الليل ليسكن فيه؟ ، ولم قيل والنهار مبصراً؟ ، وما وجه النفخ في الصور؟ ، ولم وجب أن كلا معرفة في {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} ؟ ، وبما ينتصب صنع الله؟ ، وما معنى: الإتقان؟ ، وما معنى: فله خير منها؟ ، وما معنى داخرين؟ الجواب: إدراك العلم لحاق الحال التي يَظهر فيها معلومه مع الآخرة يَظهر الحق بما يرى من الأهوال التي من شأنها أن يقع عندها علم. بمقتضى ما يحدث من عظيم الأمور. الشك: لبس النقيضين بما يمتنع من إدراك الحق منهما أيهما هو ، وذلك أنه لا يمكن مع الشك تمييز الحق من الباطل، ولا يكون الشك فيه إلا مع الذكر له.

الجهل بالشيء كالعمى عنه؛ لأن كل واحد منهما يمنع بوجوده من إدراك الشيء على ما هو به؛ إذ الجهل مضاد للعلم، والعمى منافي للرؤية. جاز قلب التراب إلى الحيوان لأن الحيوان إنما كان حيواناً بجعل جاعل جعل فيه الحياة وإذا شاء رفعها بضده، وكذلك التراب كان تراباً معنى لو شاء جاعله جعله خزفاً، أو آجراً، أو غير ذلك، وليس هكذا سبيل. السواد؛ لأنه سواد لنفسه لا لعلة يجوز ارتفاعها. وجه الشبهة في إنكار النشأة الثانية طول المدة في النشأة الأولى على مجرى العادة، وإذا نظر في أن الذي أجراها على ذلك قادر على نقضها كما قدر على إجرائها زالت الشبهة وقيل {بَلِ ادَّارَكَ} أي: حين لم ينفعهم اليقين؛ مع شكهم في الدنيا. عن ابن عباس قرأ (بل أَدْرَكَ) ابن كثير، وأبو عمرو.. وقرأ الباقون (ادَّارك) . أي: تتابع وتلاحق حتى كمل.

إذا أخبر الحكيم أنه سيفعل كذا على جهة الوعد به يصح ذلك من غير تقييده بوقته؛ إذ كان عالماً بوقته بعينه، وكان الوعد منعقداً به، ومن صفته أنه يعلم الغيوب، وفي صفة غيره إنما هو إخبار عن غريمه أنه سيفعل فهو في فسحة منه؛ إلى أن يقارب وقتاً يغلب عليه أنه إن لم ينجزه فيه؛ فإنه سيغير الوقت بهذا الوجه، ولابد للموعود به من وقت وإن لم يذكر مع الوعد. الردف: الكائن بعد الأول قريباً منه. الاستعجال: طلب الأمر قبل وقته. وهؤلاء الجهال طلبوا العذاب قبل وقته تكذيباً به، وقد أقام الله عليهم الحجة فيه. الفضل: الزيادة على ما للعبد. الأكنان: جعل الشيء بحيث لا يلحقه أذى بمانع يصده عنه ردف المرء فيه قولان: الأول: أنه من الفعل الذي يتعدى بحرف. وغير حرف.

والثاني: بمعنى دنا لكم. القصص: كلام يتلو بعضه بعضاً فيما ينبئ عن المعنى ومن أجاب على مقدار ما سئل لم يقل إنه أت ى بقصص؛ لأنه اقتصر على مقدار ما يقتضيه السؤال. الاختلاف: ذهاب كل واحد إلى نقيض ما ذهب إليه الآخر معنى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أنه يرجع إلى بيان القرآن للحق فيما وقع فيه الاختلاف بين بني إسرائيل، وغيرهم من أهل المذاهب. معنى الوصف بالعزيز العليم هنا أي العليم بصحة ما يقضي به العزيز بما لا يمكن رد قضائه فهو يقضي بين المختلفين بما لا يمكن. أن يرد ولا يلتبس بغير الحق. واختلاف بني إسرائيل كاختلافهم في المسيح، حتى قالت اليهود بتكذيبه في نبوته، وقالت النصارى بإلاهيته. وما قالت اليهود في نسخ الشريعة حتى أجازه بعضهم من غير التوراة وأباه آخرون منهم فلم يجيزوا النسخ أصلاً.

وكان عندهم بمقدار كاختلافهم في المعجزة حتى قال بعضهم لا تكون إلا بما يدخل تحت مقدور العباد. وقال آخرون قد يكون إلا أنه ما يعلم أنه مما لا يمكن بالبديهة، وكاختلافهم في صفة المبشر به في التوراة حتى قال بعضهم هو يوشع ابن نون. وقال بعضهم غير ذلك، وكل هذا قد دلَّ القرآن على الحق فيه. وقيل العزيز في انتقامه من المبطلين، العليم بالمحق من المختلفين. وقيل قد بين القرآن اختلافهم في من سلف من الأنبياء. وفي الآية تسلية للمحقين الذين خولفوا في أمر الدين؛ بأن أمرهم يؤول إلى أن يحكم بينهم رب العالمين بما لا يمكن دفعه، ولا تلبيسه ؛ وقيل: إن بني إسرائيل اختلفوا حتى لعن بعضهم بعضاً. كالشمعتية، والعنانية، والسامرة. الهادي: القائد إلى الحق بدعائه واقتضائه إياه، وقد يكون

بفعل المعرفة في قل ب المهت دين، وذلك لا يق در عليه إلا الله - عز وجل - وقد فعلها في قلب المؤمنين المهتدين، وغيره يهدي بالدعاء، وبالبيان فقط. والضلالة الذهاب عن طريق الصواب، وقد يضل بالدعاء إلى الضلال، ويضل المضل بأن يخلق الضلال في العين، وهو الجهل بالحق، أو الشك فيه، وذلك مما لا يقدر عليه إلا الله - عزَّ وجلَّ -. كما قلنا في الهداية التي هي المعرفة. معنى {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} أي: إلا من يطلب الحق بالنظر في آياتنا، ويسلك طريق القبول، وهو من سبق من الله العلم بأنه يوفقه، ويؤمن. معنى {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} أي إذا سبق الحكم من الله بأنهم لا يفلحون صاروا إلى منزلة لا يفلح أحد منهم، وأخذوا حينئذ بمبادئ العقاب. بإخراج الدابة. معنى {تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} فيه وجهان: الأول: تكلمهم بما يسوؤهم أنهم صائرون إلى النار، من الكلام

بلسان الآدميين الذين يفقهونه، ويفقهون على معناه. الثاني: تكلمهم من الكلم. وقيل: إنها تكتب على جبين الكافر أنه كافر، والمؤمن أنه مؤمن. وقيل: إن الدابة تخرج إذا لم يؤمر الناس بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر. عن ابن عمر، وعطية. وقيل تكلمهم {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} .

وقيل الدابة تخرج بين الصفا والمروة وجه الاعتبار بجعل الليل ليسكن فيه؛ أن من جعل الشيء لما يصلح به من الانتفاع به؛ فإنما ذلك بالاختيار. وفيه بطلان قول كل مخالف للحق في هذا الباب ممن أضاف الفعل إلى الطباع، أو ما جرى مجرى هذا مما ليس بمختار. وقوله {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} فيه وجهان:. الأول: لأنه بمعنى ذو إبصار كعيشة راضية أي ذات رضى. كقول النابغة كليني لِهَمٍّ يَا أُمَيْمَة نَاصِبُ أي ذو نصب. الثاني: لأنه يريك الأشياء كما يراها من يبصرها بالنور الذي

تجلى عنها. وجه النفخ في الصور: أنه على تقرر ضرب البوق؛ للاجتماع على المسير إلى أرض الجزاء بالحال التي تعرف في دار الدنيا. ومن ذهب إلى أنه جمع صورة: فالمعنى أنه نفخ الأرواح في الأجساد بردها إلى حال الحياة التي كانت عليها كلا معرفة في {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} ؛ لأنه قطع عن الإضافة إلى المعرفة، وفيه ذلك المعنى؛ كما قطع من قبل، ومن بعد، إلا أنه لم يبن؛ لأنه قطع عن متمكن تام التمكن نصب {صُنْعَ اللهِ} . بما دل عليه ما تقدم من الكلام، وهو {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} عليه. قيل صنع صنعه الذي أتقن كل شيء؛ إلا أنه أظهر اسم الله في الثاني؛ لأنه لم يذكر في الأول، وإنما دل عليه. وقيل: الصور قرن البوق ينفخ فيه. عن مجاهد. وقيل النفخة الأولى: نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام؛ لرب العالمين.

وقيل في خبر مرفوع. {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} أي: من الشهداء. وقيل: الصُورُ صُوَرُ الخَلْقِ عن الحسن، وقتادة.. {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} أي صاغرين عن ابن عباس. وقيل الإتقان الإحكام. وقيل {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} أي خير يصيبه منها. وقيل بل أفضل منها وقيل {حَرَّمَهَا} عظم حرمتها أن يسفك دم حرام فيها، أو يظلم أحد

فيها، أو يصطاد صيدها، ويختلي خلاها وقيل {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} أي من الملائكة الذين ثبت الله قلوبهم. وقيل إسرافيل هو النافخ في الصور وحمزة (أَتَوْهُ) . قرأ عاصم في رواية حفص، والمفضل بالقصر مقصورة مفتوحة التاء فَعَلُوهُ وقرأ الباقون (وكل آتَوُهُ) ممدودة مضمومة التاء على فاعلوه.

قرأ [عاصم] وحمزة والكسائي (مِنَ فَزَعٍ) [بالتنوين] (يوَمَئِذٍ} بفتح الميم. وقرأ الباقون (من فَزَعِ يَوْمئِذٍ) . بغير تنوين مضافاً.

سورة القصص

سورة القصص مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه: {طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) } [الآيات من 1 إلى 11] فقال: ما البيان؟ ، وما التلاوة؟ ، وما النبأ؟ ، وما الحق؟ ، وما الإيمان؟ ، وما معنى: المبين؟ ، وما معنى: علا في الأرض؟ ، وما التمكين ؟ ، والضمير في {مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} إلى ماذا يعود؟ وما الحذر؟ ، وما الخوف؟ ، وما اليم؟ ، وما معنى: فارغاً؟ ، وما معنى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} ؟ الجواب: البيان: إظهار المعنى للنفس؛ بما يميزه من غيره؛ لأنه من أبنت كذا من كذا؛ إذا فصلتَهُ منه. البرهان: هو إظهار المعنى بما يتبين أنه حق؛ إذا كان حقاً، وباطل؛ إذا كان باطلاً. التلاوة: الإتيان بالثاني: بعد الأول في القراءة. النبأ: الخبر عما هو عظيم الشأن. وعظم الشأن على ثلاث مراتب: عظم الشأن في أعلى المراتب، وعظم الشأن في أدنى المراتب، وعظم الشأن في الوسائط. الحق: ما يحقق كونه أو حسنه. الإيمان: التصديق بفعل ما يؤمن من العقاب.

المبين: المبين الرشد من الغي عن قتادة. وقيل: المبين أنه من عند الله. وقيل: سُنَّتُنَا فِيكَ، وفي قومك؛ كسنتنا في موسى، وفرعون. وقيل {عَلَا فِي الْأَرْضِ} ببغيه، وتجبره عن قتادة. وشيعاً: فرقاً. وقيل {عَلَا فِي الْأَرْضِ} باستعباده إياهم. أي: من بني إسرائيل. عن قتادة. وقال الحسن: المعنى هذا القرآن هو الكتاب المبين. التمكين: تكميل ما يحتاج في الفعل إليه.

الضمير في {مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} يعود على بني إسرائيل؛ لأنهم كانوا يحذرون ذهاب ملكهم على يد واحد منهم، ولذلك ذبح أبناءهم. الحذر: توقي ما فيه الضرر فهؤلاء طلبوا الحذر من غير وجه؛ إذ قتلوا الأطفال ظلماً لأجله، ولو طلبوه بالإنابة إلى ربهم، ودعائهم إياه بكشفه عنهم؛ لكانوا طالبين من وجه. الخوف: توقع ضرر لا يؤمن به. {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} قيل بالقذف في قلبها، وليس بوحي نبوة. عن قتادة. فأزيل خوف أم موسى بما وعدها الله منسلامته على أعظم الأمور من إلقائه في البحر الذي هو سبب الهلاك في ظاهر التقدير. لولا لطف الله تعالى لحفظه حتى يرده لأمه.

وقيل كان الوحي رؤيا منام عبر عنه من تَثق به من علماء بني إسرائيل. وقيل معنى الوحي: إلقاء المعنى إلى النفس من غير إيضاح بالذكر. الربط على القلب تقويته على الأمر حتى لا يخرج فيه إلى ما لا يجوز. اليم: البحر يعنى به النيل. الالتقاط: إصابة الشيء من غير طلب. ومنه اللقطة. {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} في عاقبة أمره. {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} وهذه لام

العاقبة. كقوله: لِدُو لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ. {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} أن هلاكهم على يده. عن قتادة. وقيل {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} من كل شيء إلا من ذكر موسى، عن ابن عباس وقتادة.

وقيل {فَارِغًا} من وحينا بنسيانه عن الحسن ... {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أي: تذكر موسى فتقول يا ابناه عن ابن عباس وقتادة. وقيل: {لَتُبْدِي بِهِ} أي بالوحي. قرأ حمزة، والكسائي (وَيَرَى فِرْعَوْنُ) بالياء، ورفع الاسم. وقرأ الباقون (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ) بالنون وقرأ حمزة، والكسائي (وحُزْنا) ، بضم الحاء وإسكان الزاي. وقرأ الباقون (وحَزَنَا) بفتحتين.

(11)

مسألة: إن سئل عن قوله: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) } [الآيات من 11 إلى 18] فقال: ما معنى قصيه؟ ، وما معنى: عن جنب؟ ولم قيل {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} وليس هناك نهي؟ وما النصح؟ وما معنى: وكزه؟ وما معنى: هذا من شيعته ؟ وما معنى: من عمل الشيطان؟ وما معنى: بلغ أشده؟ وكيف قال موسى {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} في شيء لا عقاب عليه؟ وما الظهير؟ وما الفاء في {فَأَصْبَحَ} ؟ وما الاستصراخ؟ وما الترقب؟ وما معنى: إنك لغوي؟. الجواب: معنى (قُصِّيهِ) اتبعي أثره قصه يقصه قصا؛ إذا اتبع أثره. ومنه القصص الذي هو حديث يتبع فيه الثاني الأول معنى {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} مكان جنب، وهو الجانب. وذلك أن الجنب صفة وقعت موقع الموصوف، ولأن المعنى معلوم. قيل: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} وإن لم يكن نهي كما يقال: حرم فلان على نفسه كذا؛ بالامتناع اللازم له. النصح: إخلاص العمل من شائب الفساد. وهو نقيض الغش.

وقيل: {عَنْ جُنُبٍ} عن بعد. عن مجاهد. وقيل: وآل فرعون لا يشعرون أنها أخته عن قتادة. {يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} أي يضمنونه برضاعه والقيام عليه وقيل: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} ثلاثاً وثلاثين سنة، واستواءَه أربعين سنة. عن قتادة. وقيل: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} ؛ لأنه كان وقت القائلة. وقيل: بل لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به. {فَوَكَزَهُ} دفع في صدره بجمع كفه. ونظيره لكزه، ولهزه. وقيل: هذا من شيعته أي: إسرائيلي، وهذا من عدوه أي قبطي. عن مجاهد.

وقيل: هذا مسلم، والآخر كافر. {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} أي: من إغوائه حتى زدت في الإيقاع به، وإن كنت لم أتعمد قتله. وقيل: إن فرعون سأل أمه كيف ارتضع منك، ولم يرضع من غيرك، فقالت: إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني. وقيل: لأخته من أين قلت {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} : فقالت عنيت: ناصحون للملك. فيه لطيف تدبير الله؛ بتسخير فرعون؛ لعدوه حتى تولاه في تربيته من قبل رده على أمه. وقيل بلغ أشده: قيام الحجة عليه. عن الحسن.

وقال: {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم، ولعبهم. جاز أن يقول موسى: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} . في شيء لا عقاب عليه فيه من حيث؛ إنه رأى تركه أفضل من فعله؛ فكأنه بخس نفسه ذلك الفضل؛ فقال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} . الظهير: الذي يظهر المعاونة لغيره؛ بما يصير كالظهر له الذي يحميه من عدوه. دخلت الفاء في: {فَأَصْبَحَ} على العطف على ما قبله. الاستصراخ: طلب الصراخ على العدو بما يردعه عن الإيقاع بمن قد تعرض له. الاستنصار: طلب النصر على العدو. والاستنجاد: طلب النجد بما يكف العدو عن صاحبه. وقيل {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} بالمغفرة فلن أعين بعدها على خطيئة.

وقيل: {يترقب} الأخبار. عن ابن عباس وقيل قال: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ} من قول الإسرائيلي؛ لما خاف على نفسه عند قول موسى: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} . عن ابن عباس، وأكثر أهل العلم. وقيل: بل هو من قول الفرعوني لأنهم كانوا قد انتهوا من القتيل؛ أنه قتله بعض بني إسرائيل. عن الحسن. و {يأتمرون بك} أي في قتالك من لا تطيق منع شره عنك من أصحاب فرعون. وقيل: {يأتمرون بك} أي: يأمر بعضهم بعضاً بقتلك

(21)

مسألة: وإن سئل عن قوله - سبحانه -: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) } [الآيات من 21 إلى 31] فقال ما الترقب؟ وما التوجه؟ ، وما معنى: سواء السبيل؟ ، وما الخطب؟ ، وما الصدر؟ ، وما معنى: تذودان؟ ، وما معنى: {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} ؟ وما معنى: على استحياء؟ ، وما الاستئجار؟ ، وما القوي؟ ، وما الأمانة؟ ، وما الإنكاح؟ ، وما الجذوة؟ . الجواب:. الترقب: طلب ما يكون من المعنى على حفظه؛ للعمل عليه. ونظيره التوقع، وهو طلب ما يقع من الأمر متى يكون. التوجه: صرف الوجه على جهة من الجهات معنى {سَوَاءَ السَّبِيلِ} وسط الطريق المؤدي إلى النجاة، وذلك أن الأخذ يميناً، وشمالاً يباعد عن طريق الصواب، ويقرب منه لزوم الوسط على اليمين؛ فهذا هو المبتغى في الهداية.

الخطب: الشأن. وهو بمعنى: الشأن وهو الأمر الذي فيه تفخيم الشيء. الصدَرُ: الانصراف عن الماء صدر يصدر صدراً، وأصدره غيره إصدَاراً. ومنه الصدر؛ لأن التدبير يصدر عنه. ومنه المصدر؛ لأن الأفعال تصدر عنه. وقيل خرج منها خائفاً من قتله النفس يترقب الطلب عن قتادة. وفعل ذلك من تلقاء نفسه أي: من حذاء داعي نفسه. مدين: لا ينصرف؛ لأنه اسم بلدة معروفة.

وقيل بين مصر، ومدين ثماني ليال، وهو نحو ما بين الكوفة والبصرة. عن ابن عباس. ذاد شاه، وإبله عن السقي يذوذها ذوذا إذا حبسها عنه؛ بمنعها منه. وقيل {تَذُودَانِ} أي تحبسان غنمهما. عن السدي. وقيل: {تَذُودَانِ} الناس عن شائهما عن قتادة) . {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} فإنا لا قوة بنا على الاستقاء وإنما ننتظر فضول الماء في الحوض. عن ابن عباس، وقتادة.

{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} لا يقدر على أن يتولى ذلك بنفسه [رفع لهما حجراً عن بئر لا يقدر] على رفعه إلا عشرة رجال. ثم استقى لهما عن شريح. وقيل: إنه زحم القوم على الماء حتى أخرهم عنه؛ ثم سقى لهما. عن ابن عباس. وقيل: أدرك موسى جوعٌ شديدٌ فقال: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} . عن ابن عباس. وقيل: {عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} مستترة بكم درعها، أو قميصها.. {قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي ليس لفرعون سلطان بأرضنا. عن ابن عباس.

وقيل: خرج بغير زاد، وكان لا يأكل إلا حشيش الصحراء؛ إلى أن بلغ ماء مدين. وقيل: الشيخ شعيب. وقال الحسن: لا بل رجل مسلم قبل الدين من شعيب ومات شعيب قبل ذلك. قرأ (يَصْدُرَ الرِّعَاءُ) بفتح الياء وضم الدال أبو عمر وابن عامر. وقرأ الباقون (يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) بضم الياء وكسر الدال. الاستئجار: طلب الإجارة، وهي العقد على أمر بالمعاوضة. القوي: القادر العظيم المقدور. ومنه وصف الله بأنه القوي العزيز. وأصل القوة عند بعضهم شدة الفتل من قوي الحبل، وهي طاقاته

التي يفتل عليها؛ ثم نقل إلى معنى القدرة على الفعل. الأمانة: نقيض الخيانة. الإنكاح: عقد ولي الامرأة على غيره الزوجية، وهي تزويجه إياها. فأما النكاح فتزويج الرجل المرأة. وقيل قوته: أنه سقى الماشية بدلو واحد.. وأمانته غض طرفه، وأمره لها أن تمشي خلفه عن قتادة معنى: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} على أن تجعل أجري على تزويجي إياك رعي ماشيتي ثماني سنين؛ لأنه جعل صداق ابنته هذا الذي عقد عليه. وقيل: قضى موسى أتم الأجلين، وأوفاهما. عن ابن عباس الجَذْوَةُ: القطعة الغليظة من الحطب فيها النار، وهي مثل

الجذوة من أصل الشجرة. وفيها ثلاث لغات.. جِذُوة، وهي الأشهر، وجَذوة بالفتح، وجُذوة بالضم. وقيل: الجذوة الشعلة من النار عن قتادة. وشاطئ الوادي جانبه، وهو الشط ويجمع شواطئ وشطآن قرأ حمزة (جُذْوَة ٍ) بالضم. وقرأ عاصم (جَذْوَة) بالفتح.. وقرأ الباقون (جِذْوة ٍ) بالكسر.

(31)

مسألة: وإن سئل عن قوله - سبحانه -: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَإِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) } [الآيات من 31 إلى 41] فقال: ما الإلقاء؟ وما العصا؟ وما الاهتزاز؟ وما الردء؟ وما السلطان؟ وما معنى:، واضمم إليك جناحك؟ وما معنى: فذانك؟ وما معنى: السلطان؟ وما الرهب؟ وما وجه الشبه في أنهم ما سمعوا بهذا في آبائهم الأولين؟ وما معنى: سحر مفترى؟ وما وجه الاحتجاج بـ {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ} ؟ الجواب:. الإلقاء: إخراج الشيء إلى جهة السفل وألقى عصاه أي: أخرجها من يده؛ إلى الأرض فانقلبت بإذن الله. ثعباناً عظيماً تهتز؛ كأنها جان في سرعة حركته، وشدة اهتزازه. العصا: عود كالعمود من خشب. وفي انقلابه إلى الحيوان: دليل على أن الجواهر من جنس واحد ؛ لأنه لا حال أبعد من الحيوان من حال الخشب وما جرى مجراه. من الجماد وذلك يقتضي صحة قلب الأبيض إلى حال الأسود

الاهتزاز: شدة الاضطراب في الحركة وللحيوان حركة تدل عليه؛ إذا رؤي عليها لا يشك في أنه حيوان. بها، وهي التصرف بالاختيار من غير دفع ولا سبب. الردء: العون الذي يدفع الشر عن صاحبه. وهو المعين في دفع الردى عن صاحبه. السلطان: القوة على تدبير العامة، وتقويمهم على ما توجبه السياسة. {واضمم إليك جناحك} أي يداك لأجل الحية عن مجاهد وقتادة. {فذانك} قيل في تشديده ثلاثة أقوال:

الأول: التوكيد. الثاني: الفرق بين النون التي تسقط للإضافة، وبين هذه النون. الثالث: الفرق بين تثنية الاسم المتمكن وغيره.. وقيل: إنه أُمِر أن يدخل يده في فِيها ففعل فعادت عصا كما كانت. وقيل السلطان: القوة التي كانت لهما بالعصا. وقيل: ردأته أردأه؛ إذا أعنته وأردأته أيضاً. قرأ (من الرَّهَبِ) بفتح الراء، والهاء ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو. وقرأ الباقون (الرُّهْبِ) بضم الراء، وتسكين الهاء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو (فَذانِّك) مشددة النون، وقرأ الباقون (فَذَانِكَ) خفيفة. وقرأ عاصم وحمزة (تُصَدِّقُنِي) بضم القاف. وقرأ الباقون بالجزم. وجه الشبهة في أنهم ما سمعوا بهذا في آبائهم الأولين: أنهم الكبراء الذي لو كان حقاً لأدركوه؛ لأنه لا يجوز أن يدرك الحق الأنقص في العقل والرأي، وأن لا يدركه الأفضل منهما؛ فغلطوا في أن

ما طريقة إلا الاستدلال قد يصيبه من سلك طريقة، ولا يصيبه من لم يسلك طريقه. معنى: {سِحْرٌ مُفْتَرًى} سِحْرٌ مختلق لم يبن على أصل صحيح؛ لأنه حيلة توهم خلاف الحقيقة وجه الاحتجاج بـ {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ} أنه عالم بما يدعوا إلى الهدى مما يدعوا إلى الضلالة؛ لأنه عالم بما في ذلك للعباد وعليهم ثم بين ذلك بقوله: {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ، وأن عاقبة الفلاح لأهل الحق، والإنصاف. فإن قيل لم قالوا: {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} مع شهرة قوم نوح، وصالح، وهود، وغيرهم من النبيين الذين دعوا إلى توحيد الله، وإخلاص عبادته. قيل فيه وجهان: أحدهما: أنه للفترة جحدوا أن تقوم به الحجة. والوجه الآخر: بأن آباءهم ما صدقوا بشيء من ذلك، ولا دانوا به. الاطلاع: الظهور على الشيء من علو، وهو الإشراف عليه قرأ ابن كثير وحده (قَالَ مُوسَى) بغير واو.

وكذلك هي في مصاحف أهل مكة وقرأ الباقون (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ) بواو. وكذلك في مصاحفهم.

(41)

مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) } ..... [الآيات من 41 إلى 50] . فقال: ما معنى {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} ؟ وما الإمام؟ وما الداعي؟ وما الاتباع؟ وما معنى {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} ؟ وما النداء؟ وما معنى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} ؟ وما الإنذار؟ وما التذكير؟ وما الهوى؟ وما الطور؟ الجواب:. معنى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} أي: خلقنا فيهم ما كانوا به أئمة من أفعالهم. الإمام: المقدم للاتباع. الداعي: الطالب من غيره أن يفعل بالقول، أو الإظهار الذي يقوم مقام القول. الاتباع: إلحاق الثاني بالأول فهؤلاء الدعاة إلى الضلالة ألحقوا اللعنة تدور معهم حيث ما كانوا. ، وفي ذلك أعظم الزجر عما فيه القبح. وقيل: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} مع اللعنة وقيل كانوا يتناصرون في الدنيا، وهم لا ينصرون في الآخرة

وقيل قبحه الله يقبحه قبحاً، وهو مقبوح؛ إذا جعله قبيحاً معنى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} أي بجانب. غربي الجبل عن قتادة. قضينا إليه الأمر: فصلنا الأمر بما ألزمناه وقومه، وعهدنا إليه. الثاوي: المقيم. وقيل: {أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} يدعون إلى النار بتعريف الناس أنهم كانوا كذلك؛ كما يقال جعلناه رجل سوء بتعريفنا حاله. وقيل: المقبوح: المشوه بخلقته لقبيح عمله. النداء: الدعاء بيا بقوله: (يَا مُوسَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ) . {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} ؛ لما فيه من العبرة، والموعظة، وأن سبيلك؛ كسبيل غيرك من النبيين في التأييد في المعجزة الدالة على النبوة.

الإنذار: الإعلام بموضع المخالفة ليتقى. فالنبي نذير؛ لأنه معلم حال المعصية، وما يستحق عليها من العقاب. النذر: العقد على ضرب من البر بالسلامة من الخوف. التذكر: طلب الذكر بالفكر، والنظر، ونصب الآيات؛ للتذكر بما فيها وما تقتضيه من مدلولادتها. الهوى: ميل الطباع إلى المشتهى. جواب لولا محذوف أي: لعاجلناهم بالعقوبة، ودليله أن معنى الكلام الامتنان عليهم بالإمهال؛ حتى يذكر ما أتى به الرسول. {قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} موسى، ومحمد. عن ابن عباس. وقيل: موسى وهارون. عن مجاهد.

ومن قرأ (سِحْرَانِ) فمعناه: التوراة والقرآن عن ابن عباس. وقيل: الإنجيل، والفرقان. عن الضحاك. وقيل: التوراة، والإنجيل عن عكرمة. {وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} أي: من كتاب موسى ومحمد. عن ابن زيد. الطور: الجبل. وهذه المرة الثانية التي كلم الله فيها موسى. وقيل جواب لولا: لما. {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي بكل ما أمرهم به، وذكر أنه من عند الله. ويحتمل أي: بموسى، وهارون. وفي الآية دلالة على بطلان تقليد من لا حجة معه من الله في

تقليده؛ لأنه لا أحد أضل منه. {وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} أي مشركوا العرب كفروا بالتوراة، والقرآن. عن الحسن. قرأ عاصم وحمزة والكسائي (سِحْرَانِ) بغير ألف. وقرأ الباقون (سَاحِرَانِ) بألف.

(51)

مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه-: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) } [الآيات من 51 إلى 61] فقال ما الفرق بين توصيل القول وبين تصريفه؟ ، وعلى ما يعود الضمير في من قبله؟ ، وما الأجر؟ ، وما الصبر؟ ، وما اللغو؟ ، وما الهدى هاهنا في قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} ؟ وما المحبة؟ وما معنى {فِي أُمِّهَا} ؟ وما التخطف؟ ، وبأي شيء جعل الله الحرم آمناً؟ وما معنى: {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} ؟ الجواب: إن تصريف القول تصييره في جهات من المعاني المختلفة، وتوصيله تصيير بعضه يلي بعضاً بحسب ما تقتضيه المعاني المختلفة الضمير في {مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ} يعود على القرآن، وقد تقدم ذكره في {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} هم بالقرآن يؤمنون من قبل نزوله، ومن بعد نزوله. الأجر: الحق اللازم على عمل البر والصابر يؤتى أجره مرتين؛ بعمل الطاعة لله، والصبر عليها. لما يوجبه التمسك بها.

الصبر: حبس النفس عما تنازع إليه مما لا يجوز أن يتخطى إليه ولذلك مدح الله الصابرين، والصبر على الحق مرٌّ إلا أنه يؤدي إلى أحلى من الشهد. اللغو: الفعل الذي لا فائدة فيه، وإنما يفعله فاعله على توهم فاسد. وأصل التوصيل من وصل الحبال بعضها ببعض. وقيل: {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} في الخبر عن أمر الدنيا والآخرة. عن ابن زيد. وقال الحسن: {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} بما أهلكنا من القرون قرناً بعد قرن فأخبرناهم أنا أهلكنا قوم نوح بكذا، وقوم هود بكذا، وقوم صالح بكذا. {قَالُوا آمَنَّا بِهِ} ؛ فيخافوا أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم.

الهدى هاهنا اللفظ الذي لا يقدر عليه إلا الله، ويحتمل أن يكون هو الاهتدى إلى الحق، وهو فعل الله تعالى أيضاً. {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} الذين هداهم إلى الحق؛ لأنه هو الخالق لهدايتهم.. المحبة: الإرادة. التخطف: أخذ الشيء على طريق الاستلاب من كل جهة. جعل الله الحرم آمناً. بوجهين: أحدهما: ما طبع النفوس عليه من السكون إليه، وترك النفور؛ مما ينفر عنه من غيره؛ كالغزال مع الكلب، والحمام مع الناس وغيرهم. والآخر: بما حكم به على العباد من جهة الأمن بأمان من دخله، ولاذ به.

وقيل في {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} قولان:. أحدهما: من أحببت هدايته. والآخر: من أحببته لقرابته وقيل في {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} نزلت في أبي طالب عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة فإنه كان حريصاً على إيمان أبي طالب محبا يجمع من كل جهة. البطر، والأشر من النظائر وقيل في: (أمها) قولان: أحدهما: أن أم القرى، وهي مكة

والآخر: في معظم القرى من سائر الدنيا. {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} (1)

_ (1) لعل تفسير هذه الآية ساقط من الأصل. (8 / 147) وهذا معناها من التبيان "لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً من الزمان ثم. هلكوا، وورث الله تعالى مساكنهم؛ لأنه لم يبق منهم أحد.

(61)

مسألة: إن سئل عن قوله: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) } [الآيات من 61 إلى 70] فقال: ما الفرق بين المتعة والمنفعة؟ وما المتاع؟ وما معنى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ؟ وما الإحضار؟ وما الزعم؟ وما معنى {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ} ؟ وما معنى {فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ} ؟ ولم قيل {فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) } ؟ وما معنى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} ؟ وما معنى {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ؟ وما معنى: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} ؟ الجواب: المتعة منفعة، وليس كل منفعة متعة؛ فإنه قد ينتفع بألم يؤدي إلى لذة في العاقبة؛ فإدراك المناظر الحسنة متعة، وسماع الأغاني المطربة متعة. المتاع: على وجهين: يكون [بمعنى] المتعة.

ويكون الأثاث الذي يتمتع به من نحو الفرش والثياب وغيرهما. والمعنى هنا متعة الحياة الدنيا. {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} للجزاء بالعقاب وذلك أنه ذكر من وعد وعداً حسناً، فدل على أهل الثواب، ثم ذكر أنه لا يستوي أهل الثواب، وغيرهم؛ فدل على أهل العقاب؛ لبعد حال كل فريق من الفريق الآخر. الإحضار: إيجاد ما يكون من الشيء بحيث يشاهد. فلما كان هؤلاء القوم يوجد يوم القيامة ما به يكونون بحيث يشاهدهم الخلائق كانوا محضرين. الزعم: القول في الأمر عن ظن، أو علم. وقيل التقدير

يودوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون. وقيل: لو كانوا يهتدون ما رأوا العذاب. العمى: آفة تنافي صحة البصر. وما ينافي إدراك البصر على وجهين: أحدهما: آفة مانعة من كل إدراك هي العمى. ومانع من الإدراك ليس بالعمى. {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ} هاهنا تشبيه بالعمى عن الإبصار، وذلك بانسداد طرق الأنباء معنى {فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ} . أي: وهم لانسداد طريق الأنباء عليهم لم يجيبوا عما سئلوا عنه فيما أجبتم المرسلين؟. ولا يسأل بعضهم بعضاً عنه؛ لانقطاعهم عن الحجة فيه قل {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) } ؛ لأنه على رجاء أن يدوم على ذلك فيفلح،

وقد يجوز أن يزل فيما بعد فيهلك فلهذا ذكر بعسى معنى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} فيه وجهان: الأول: ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة فيدل بذلك على شرف اختياره لهم الثاني: أن تكون (ما) نفياً أي ما كان لهم الخيرة على الله، وله الخيرة عليهم؛ لأن مالك لهم حكيم في تدبيرهم فيكون الوقف على هذا الوجه، ويختار وعلى الوجه الأول ما كان لهم الخيرة. والخيرة بمعنى تخير الأمور على الله. معنى: {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي: ما عظم الله حق عظمته من أشرك في عبادته؛ لأن من تعظيمه إخلاص الإلهية له، وأنه

الواحد فيما تَفرد به على استحقاق العبادة، وأنه لا يجوز أن يستغني عنه بغيره فمن أشرك في عبادته فما عظمه حق تعظيمه فهذا قد قبح فيما أتى، وضيع حق نعمه. {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ} بمنزلة خفيت عليهم الأخبار إلا بمقدار البلاغة في الأول. وقيل {فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ} بالأنساب، والقرابة. عن مجاهد. وقيل: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} للنبوة ما كان لهم أن يتخيروا من هو أهل لها على الله؛ لأنهم لا يعلمون بواطن الأمور وسرائرها. والوجه المختار: أن يكون الوقف على (ويختار) وتكون ما نفياً بمعنى ليس لهم أن يختاروا على الله.

وقيل: لا يسأل بعضهم بعضاً أن يحمل عنه من ذنوبه شيئاً؛ كما كانوا في الدنيا. عن الحسن. وقيل: كل عسى في القرآن واجبة إلا {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} وقيل: {فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ} ؛ [وقيل في موضع: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) } . لأنها مواطن يختلف فيها حالهم؛ فمرة لا يتساءلون لاستيلاء الحيرة عليهم، ومرة يفيقون فيسألون.

(71)

مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75) إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) } إلى آخر السورة [الآيات من 71 إلى 88] فقال لم وجب أن أمور الدين لا تصح إلا ببرهان؟ وما معنى: قوله: {أفلا تسمعون} في الآية؟ ولم كرر النداء ب {أين شركائي} ؟ والهاء في {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} إلى ما تعود؟ ومن هؤلاء الشهداء الذين قال في وصفهم: {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} ؟ وما معنى: نزعنا؟ ، وما البغي؟ ، وما الكنز؟ ، وما معنى: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} ؟ ، ولم جاز تنوء بالعصبة، وإنما العصبة تنوء بها؟ وما معنى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} ؟ وما معنى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} ؟ وما معنى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} مع قوله {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} ؟ ، وما الخسف؟ ، ولم ذكر امتناع نصره من الله، وهو معلوم؟ ، وما الفئة؟ ، وما معنى: [ويك أن] الله؟ ولم قبح طلب العلو في الأرض؟ ، وما العلو في الأرض؟ ، وما معنى: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ؟ وما معنى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} ؟ الجواب: وجب أن أمور الدين لا تصح إلا ببرهان؛ لأن ما يصح لا يخلو من أن يصح باضطرار البرهان فلما لم يكن فيها ما يَعرف صحته باضطرار، وجب البرهان. ولهذا كان في امتناعه من اعتقاد المخالفين دليل على أن الحق في نقيضه، وكل عقد لزم العجز عن إقامة البرهان عليه بما ليس باضطرار، فالحق في نقيضه معنى قوله: {أفلا تسمعون} هذه الحجة فتتدبرونها، وتعملون بموجبها؛ إذا كانت بمنزلة الناطقة بأن ما أنتم عليه خطأ، وضلال يؤدي إلى الهلاك. وقيل: {أفلا تسمعون} أفلا تقبلون

وقيل كرر النداء ب {أين شركائي} ؛ لأن النداء الأول التقرير بالإقرار على النفس بالغي الذي كانوا عليه، ودعوا إليه والثاني: للتعجيز عن إقامة البرهان؛ لما طولبو به بحضرة الأشهاد مع تقريع بالإشراك بعد تقريع, الهاء في {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} يحتمل وجهين:. الأول: أن يعود إلى الليل خاصة، وتضمر مع الابتغاء هاء أخرى الثاني: يعود الضمير إليهما، إلا أنه وحد، لأنه يجري مجرى المصدر في قول العرب إقبالك، وإدبارك يؤذيني. والأول: وجه التأويل، لأن الليل للسكون، والنهار للتصرف والحركة، ولكنه يحتمل؛ ليكونوا من هذا على التصرف، ومن ذلك على الهدوء، وقطع التصرف. وقيل: شهيدها نبيها الذي يشهد عليها؛ بما كان منها. عن مجاهد، وقتادة.

وقيل: هؤلاء الشهود: هم عدول الآخرة؛ الذين لا يخلوا زمان منهم يشهدون على الناس بما عملوا من العصيان. افتراؤهم ادعائهم آلهةً مع الله. {وَنَزَعْنَا} أخرجنا، وأحضرنا، وفلان ينزع إلى وطنه أي: يحن إليه حنيناً يطالبه بالخروج إليه. البغي: طلب العلو بغير حق ولهذا يقال لولاة الجور: بغاة. ويقال: بغى يبغى بغياً، وهو باغي وابتغى كذا ابتغاء إذا طلبه، ويبتغي فعل الخير أي طلب فعله.

الكنز: جمع المال بعضه إلى بعض لأنه كثرَ فيما يخبأ تحتَ الأرض ولا يطلق اسم كنز في الدين إلا على ما لا تخرج زكاته للوعيد الذي جاء فيه. معنى لتنوء: لتثقل في حملها ناء بحمله ينوء نوءاً؛ إذا نهض به مع ثقله عليه. ومنه أخذت [الأنواء] ؛ لأنها تنهض من المشرق على ثقل نهوضها.. الفرح: المرح الذي يخرج إلى الأشر، وهو البطر. العصبة: الجماعة الملتفة بعضها ببعض. {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} ؛ كما يسأل من يعمل له عذر يسقط لائمته، وفي نقيض هذا قيل {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} لقيام الدليل على أنه يملك كل ما يفعله وأنه حق وصواب منه. ويجوز لا يسألون عن ذنوبهم لأنه قد ظهر فحشها وما يستحق عليها.

وقيل: كان قارون ابن عم موسى؛ لأبيه، وأمه عن ابن جريج. وقال ابن إسحاق: كان ابن أخيه. وقال قتادة: إنما بغى عليهم بكثرة ماله. وقال قتادة: العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين. وقال ابن عباس قد تكون العصبة ثلاثة جاز أن يقول {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} ، وإن كانت العصبة تنوء به؛ لأنه دخله معنى تميل بها مثقلة بها. وقيل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} هو فرح البطر عن مجاهد. {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} أي تعمل فيها بطاعة الله عن ابن عباس. قال الحسن: بطلب الحلال

{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} أي: يرضى به الله عني، ويفضلني به على غيري. عن ابن زيد وقيل: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} أن الملائكة لا تسأل عنهم؛ لأنهم يعرفون بسيماهم. عن مجاهد. وقيل: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} بوجوه من الكسب، وبما لا يتهيأ لأحد أن يسألني إياه. وما يلقى هذه الكلمة؛ إلا الصابرين على أمر الله. وقيل: ما يلقى نعمة الثواب إلا الصابرون. وقال أبو زيد الأنصاري: ناء بي الحمل؛ إذا أثقلني.

وقال الحسن: لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون؛ ليُعلم ذلك من قبلهم. وإن سئلوا سؤال توبيخ، وتقريع. الخسف: ذهاب الأرض في جهة السفل فأهلك الله قارون؛ بأن خسف الله به، وبداره الأرض؛ فمر يهوي فيها؛ حتى زهقت نفسه. ذكر امتناع نصره من الله، وهو معلوم أي لم يكن على ما قدر من امتناعه بحاشيته، وجنده، وذلك الذي غيره من حاله حتى تمرد في طغيانه. الفئة: القطعة إلى أمر يجتمع عليه. وهو من فأوت رأسه؛ إذا قطعته. وتصغيرها فويئة معنى {وَيْ} التنبيه على أمر من الأمور، وهي حرف مفصول من كأنّ، وذلك أنهم لما رَأوا الخسف به تنبهوا؛ فتكلموا على قدر

علمهم عند التنبيه لهم قال الشاعر وَيْ كَأَنَّ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحبب ... وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ قبح طلب العلو في الأرض؛ لأنه رُكُون إليها، وترك لطلب. العلو في الآخرة، وهي دار مقام، والدنيا دار ارتحال وقيل: إن قارون جعل لبغي جُعْلاً على أن ترمي موسى بالفاحشة ؛ فلما حضرت في الملأ كذبت قارون، وأخبرت بالحق فخر موسى ساجداً يبكي، فأوحى الله إليه ما يبكيك قد سلطتك على الأرض فمرها بما شئت فقال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم، ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى حُقِيِّهِم، ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم، ثم أطبقت عليهم، وهم في ذلك ينادون يا

موسى، يا موسى، ارحمنا عن ابن عباس. وقيل: (وي) كأنه بمنزلة ألاَ كأَنَّه، وأَمَا كَأنَّه. وقيل: هي (ويك) بأن الله؛ كأنه قال ينبهك بهذا إلا أنه حذف وقيل: ألم تر أن {اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} له. أي: يضيق؛ لا لهوانه عليه. وقيل: {عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ} أي: تكبراً عن الحق. وقيل {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} إلى المرجع يوم القيامة عن الحسن. وقال مجاهد: إلى الجنة. وقيل: إلى الموت عن ابن عباس. وقيل: إلى مكة عن ابن عباس أيضاً. والأظهر إلي أن يعود إلى النشأة الثانية إلى الجنة.

وقيل {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} هو. وقيل المعنى إلا ما أريد [به] وجهه. وقيل: معناه إلا هو، وله الوجه، وذلك قولنا معنى له الحكم أي ليس لأحد أن يحكم بشيء إلا ما جعل له الحكم. فيه من جهة الأمر، والإذن.

سورة العنكبوت

سورة العنكبوت مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) } [الآيات من 1 إلى 15] فقال ما الحسبان؟ ، ومم أخذ الحسبان؟ ، وما معنى {لَا يُفْتَنُونَ} ؟ ولم جاز {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} للمستقبل؟ وما معنى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا} ؟ ، وما معنى: {لِقَاءَ اللَّهِ} ؟ وما الجهاد؟ وما الغني؟ ، وما التكفير؟ ، وما السيئة؟ ، وما معنى {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} ؟ ، وما معنى: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} ؟ ، وما المأمور في {وَلْنَحْمِلْ} ؟ ولم لا يجوز أن يتحمل أحد ذنب أحد؟ ، وما معنى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} ؟ ، وما معنى: {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} ؟ وما الطوفان؟ الجواب: الحسبان: قوة أحد النقيضين على الآخر؛ في نفس العامل. والحسبان، والظن، والتوهم، والتخيل نظائر. العلم: قطع بصحة أحد النقيضين. والشك: وقف بين النقيضين.

والظن تغليب؛ لأحد النقيضين أخذ الحسبان من الحساب؛ لأنه يقويه في حساب ما يعمل عليه. معنى: {لَا يُفْتَنُونَ} لا يختبرون جاز {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} أنه للمستقبل لأجل حدوث المعلوم فلا تصح الصفة إلا على معنى المستقبل؛ إذ لا يصح لم يزل عالماً بأنه حادث. لانعقاد معنى الصفة بالحادث وهو إذا حدث علمه حادثاً بنفسه. معنى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا} يفوتونا فوت السابق لغيره. قال مجاهد: {يُفْتَنُونَ} يبتلون في أنفسهم، وأموالهم.

وفي: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا} وجهان: أحدهما: يتركون؛ لأن يقولوا. الثاني: أحسبوا أن يقولوا على البدل وقيل: {وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} يصابون بشدائد الدنيا أي: أن ذلك لا يجب أن يدفع في الدنيا؛ لقولهم: آمنا. وقيل: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا} ليجازيهم بما يعلم فيهم. وقيل: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} في أفعالهم. إذَا مَا اللَّيْثُ كَذَبَ عَنْ أَقْرَانِهِ صَدَقَا: كما قال القائل.. {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ} أي: ثواب الله

الجهاد: الصبر على الشدة في الحرب على ما جاء به الشرع. الغني: المختص بما يتقى الضر، والنقص من جهته؛ حتى يكون وجوده كعدمه. التكفير: إبطال السيئة بالحسنة؛ حتى تصير بمنزلة ما لم يُعمل؛ كقوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . السيئة: الخصلة التي تسوء صَاحِبَها عاقِبَتُها. الحسنة: التي تَسُر صَاحِبَها عَاقِبتُها وكل سيئة معصية، وكل حسنة طاعة لله، ومعنى: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: يجزيهم بأحسن أعمالهم، وهو الذي أمرناهم به. دون المباح الذي لم نَأمرهم به، ولا نهيناهم عنه وقيل: {أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} ما كانوا يعملون طاعَاتهم لله؛ لأنه لا شيء فيما

يعمله العباد أحسن من طاعتهم لله. وقيل: وصيناه حسنا بمعنى: ألزمناه حسناً. وقيل: وصيناه أن يفعل حسناً معنى: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} تهديد للمنافقين بما هو معلوم من حاله التي يستتر بها، ويتوهم أنه قد نجى من ضررها؛ لما أخفاها وهي ظاهرة عند من يملك الجزاء عليها، وتلك الفضيحة العظمى بها المأمور في: {وَلْنَحْمِلْ} المتكلم بهذا الكلام، أمر نفسه في مخرج اللفظ، ومعناه يضمن إلزام النفس هذا المعنى كما يلزم بالأمر قال الشاعر فَقُلْتُ ادْعِي وَادْعُ فَإِنَّ أَنْدَى ... لِصَوْتٍ أَنْ يُنَادِيَ دَاعِيَانِ. معناه: ولأدعو، وفيه معنى الجزاء.

لا يتحمل أحد ذنب غيره، وليس هذا بمنزلة تحمل الدية عن غيره ؛ لأن الفرض في الدية أداء المال عن نفس المقتول، ولا فضل بين أن يؤديه زيد عن نفسه، أو أن يؤديه عمرو عنه؛ لأنه بمنزلة قضاء الدين معنى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} أي يحملون خطاياهم في أنفسهم التي لا تعلق لها بغيرهم، ويحملون الخطايا التي ظلموا بها غيرهم؛ فحسن. فيه التفصيل لأجل هذا المعنى معنى: {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي: يسألون سؤال توبيخ، وهو نظير سؤال تعجيز في النظر؛ كقولك للوثني ما البرهان على جواز عبادة الأوثان، وهو في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا} . والطوفان: الماء الكثير الغامر؛ لأنه يطوف بكثرته في نواحي الأرض.

(17)

مسألة: إن سئل عن قوله: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) } [الآيات من 16 إلى 26] فقال ما الملك؟ ، وهل له حكم في الفعل حتى يقال: إن أخذنا بملك كذا من جهة الفعل؟ ، وما البلاغ؟ ، وما البيان؟ ، وما النشأة الآخرة؟ ، وما معنى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} ؟ ، ولم علق العذاب في قوله: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} وَلمْ يُعَلِّق بالخطيئة؟ وما القلب؟ ، وما المعجز؟ ، وما الفرق بين الولي والنصير؟ ، وما اليأس؟ ، وما معنى: {يَسِيرٌ} ؟ ولم يذكر من ولده إسماعيل؟ الجواب: المُلْكُ: قدرة القادر على الاختراع وليس ذلك إلا لله، وإنما يقال لغيره مالك على معنى؛ أنه مأذون له في التصرف بملك. البلاغ: إلقاء المعنى إلى النفس على سبيل الإفهام، وذلك أنه؛ إذا أتى بالبيان المعني الذي يبلغ إلى النفس فهمه؛ فقد كان منه البلوغ، وإن لم تعقل الأفهام؛ لأن الفهم من فعل الله، والإنسان معرض للفهم بالكلام. البيان: إظهار المعنى للنفس بطريق الصواب؛ لأنه خلاف الإلباس الذي هو نقص.

النشأة الآخرة: إعادة الخلق كرة ثانية من غير سبب؛ كما كان. أول مرة وقيل: اتقوا عقابه بأداء فرائضه. {إن كنتم تعلمون} ما هو خير لكم مما هو شر لكم. وقيل: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} أي تصنعون كذباً. عن ابن عباس ما في: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ} كافة، وليست بمعنى الذي لأنها لو كانت. بمعنى الذي لكان: {وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} شكرته، وشكرت له يُؤكد باللام. ومعنى: الشكر له؛ لاختصاصه به نفسه من غير احتمال لغيره. وقيل: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} بالبعث بعد الموت. عن قتادة. وقيل: ينشئه بالإحياء؛ ثم يعيده بالرد إلى الحال التي كان فيها

وقيل: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} يعملون أصناماً، وسماها إفكاً لادعائهم أنها آلهة عن قتادة. معنى: {يَسِيرٌ} فعل لا تعب فيه ولا نصب. والاحتجاج فيه أن من قدر على ذلك قادر على إرسال رسول الله إلى العباد. (قل سيروا في الأرض فانظروا) إلى آثار من كان فيها قبلكم. وإلى أي شيء صار أمرهم لتعتبروا بذلك فيما يؤديكم إلى العلم بربكم. وأرسلنا إبراهيم عطفاً على نوح، ويجوز واذكر إبراهيم. قرأ ابن كثير وأبو عمرو (النَّشَاءَة َ) بالمد وقرأ الباقون (النَّشْأَة َ) بالقصر وتسكين الشين) ، ونظيرها:. الرأفة الرآفة

علق العذاب بالمشيئة دون الخطيئة؛ ليعلم أن يعذب بحق ملكه. والخطيئة علامة لا لأجلها، ولا هي عليه. القلب: الرجوع والرد. {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} تردون إلى حال الحياة في الآخرة بحيث لا يملك الضر. والنفع فيه إلا الله. والقلب نفي الحال بحال تخالفها. المعجز: الفائت بما يعجز القادر عن لحاقه ولهذا فسروا في: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي: بفائتين. أي: لا تغتروا بطول الإمهال الفرق بين الولي، والنصير؛ أن الولي الذي يدفع المكروه عن الإنسان. والنصير الذي يأمر بدفعه عنه. اليأس: انتفاء الطمع بضد في النفس يقتضي أنه لا يقع.

{أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي} أي بعلمهم؛ أنها لا تقع بهم. {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} فيه قولان: الأول: لا يعجزونا هرباً في الأرض، ولا في السماء. الثاني: ولا من في السماء بمعجزين. وكل خلة تنقلب عداوة يوم القيامة إلا خلة المتقين عن قتادة وفي {مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} أربع قراءات: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي (مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ) بالرفع والإضافة. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر (مَوَدَّةً بينَكُم) . منوناً نصباً.

وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (مودةٌ) رفع منون (بينَكم) نصباً. وقرأ حمزة وحفص عن عاصم (مودة َ بينِكُم) نصباً غير منون مضافاً.

(26)

مسألة: وإن سئل عن قوله: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) } [الآيات من 26 إلى 36] فقال ما معنى: {مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} ؟ وهلا ذكر ولده إسماعيل؟ وما الصالح؟ ، وما الفاحش؟ ، وما الأجر؟ ، وما المنكر؟ ، وما معنى: {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} ؟ وما البشرى؟ ، وما الإهلاك؟ ، وما القرية؟ ، وما الظالم؟ ، وما الأعلم؟ ، وما معنى: {مِنَ الْغَابِرِينَ} ؟ وما الآية البينة؟ الجواب: معنى: {مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} أي: خارج عن جملة الظالمين على جهة الهجر لهم؛ لِقبيح أفعالهم إلى حيث أمرني ربي. ومن هذا: هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، وإلى أرض الحبشة؛ لأنهم هجروا ديارهم، وأوطانهم؛ لأذى المشركين لهم بأن خرجوا عنها. لم يذكر من ولده إسماعيل باسمه، وإن كان قد دل عليه بقوله: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} ، وترك ذكر اسمه لشهرته، وعظم شأنه، وَذَكَرَ ولد وَلَدَه في سياقه ذكر ولده، لأنه يحسن إضافته إليه، بأنه الأب الأكبر له.

الصالح: المقوم لنفسه بصلاح أفعاله، وهو صفة مدح، وتعظيم بدليل قوله: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} أي: فيما قاموا به من النبوة على ما أمر الله به. الفاحش: الشنيع في القبح. فَحُشَ مَذْهَبُ فلان يفحش فحشاً، وتفاحش تفاحشاً؛ إذا شنع في قبحه، وهو ظهوره بما يقتضي الحق إنكاره. وقيل: هاجر إبراهيم من كوثى، وهي من سواد الكوفة إلى أرض الشام عن قتادة. وقيل: العزيز الذي لا يذل من نصره. الحكيم الذي لا تضيع الطاعة عنده.

وقال: الأجر في الدنيا الثناء الحسن. وقيل: الولد الصالح عن ابن عباس. وقيل: المنكر الضراط في مجالسهم. عن ابن عباس. وقيل: كانوا يرمون من مر بهم عن السدي. وقيل: كانوا يأتون الرجال في مجالسهم. عن مجاهد. الكتاب: بمعنى الكتب من التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان إلا أنه خرج مخرج الجنس. قيل: {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} أخذ أموال الناس، وقيل للعمل الخبيث؛ لأنهم كانوا يطلبون الغرباء. وقيل: {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} سبيل الولد بإتيان الذكران.

البشرى: البيان عما يظهر سروره في بشرة الوجه ولذلك قال: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} إلا أن الأغلب فيه؛ أنه يستعمل فيما يسر به. الإهلاك: الإذهاب بالشيء إلى ما لا يقع عليه الإحساس. القرية: البلدة التي يجتمع إليها الإيواء من جهات مختلفة. وهي: من قريت الماء في الحوض أقريه قرياً؛ إذا جمعته الأعلم: الأكثر معلوماً، وإذا كان الشيء يعلمه عالم من وجوه مختلفة، ويعلمه عالم من بعض تلك الوجوه دون بعض؛ فالأول أعلم. به لكثرة وجوه المعلوم. وقيل: البشرى بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب. {مِنَ الْغَابِرِينَ} من الباقين في العذاب وفي {سِيءَ بِهِمْ} قولان: سِيء بالملائكة؛ لما طلبوا منه الضيافة؛ لما يعلم من خبث فعل قومه عن قتادة والثاني: سيء بقومه ذرعاً أي: ضاق بهم ذرعاً؛ لما يعلم من عظيم البلاء النازل بهم.

وقيل: {رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} الحجارة التي أمطرت علهيم. عن قتادة. وقيل: عُفُوُّ آثارهم مع ظهور هلاكهم.

(36)

مسألة: إن سئل عن قوله: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) } [الآيات من 36 إلى 51] فقال: ما الرجاء؟ ، وما معنى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} ؟ وما الفساد؟ وما الرجفة؟ ، وما الحاصب؟ ، ومن الذين أخذتهم الصيحة؟ ، وما المثل؟ ، وما الاتخاذ؟ ، وما الولي؟ ، وما العنكبوت؟ ، ولم قيل في الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ ، وما معنى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} ؟ ، وما الجدال؟ ، وهل يجوز أن يغلظ المحق في الجدل؟ ، وما الأحسن؟ ، ولم استثنى: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} ؟ ، وما معنى: {وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} ؟ ، وما معنى {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} ؟ الجواب: الرجاء: توقع الخير في العاقبة. الفساد: ما وقع منهياً عنه يريد به المعصية. معنى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} لا تضطربوا بحال الجهالة. عثى يعثى عثي، وهو كقولهم عاثَ يعيثَ عيثاً. الرجفة: زعزعة الأرض تحت القدم

رجف السطح من تحت أهله يرجف رجفاً، ومنه الإرجاف. وهو الإخبار بما يضطرب الناس لأجله من غير تحقق به. جاثمين: ميتين: بعضهم على بعض. عن قتادة. {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} في ضلالهم لعجبهم به. عن مجاهد، وقتادة. سابقين: فائتين؛ كما يفوت السابق. الحاصب: الريح العاصف التي فيها الحصباء، وهو الحصى الصغار يشبه به البرد، والجليد. الذين أرسل عليهم الحاصب قوم لوط. عن ابن عباس، وقتادة. والذين {أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} : ثمود، وقوم شعيب عن ابن عباس، وقتادة.

ومنهم: {مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} قارون. {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} قوم نوح، وفرعون. الجاثم: البارك على ركبتيه مستقبلاً بوجهه الأرض وقيل: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} أي: كانوا عقلاء يمكنهم تمييز الحق من الباطل بإبصارهم. المثل: قول سائر يشبه فيه حال الثاني بالأول فلما شبه حال المتخذ للأولياء من دون الله بحال العنكبوت المتخذ بيتاً في الوهن بما يقتضي أن يسير هذا القول به في البلاغة لما من حسن البيان كان مثلاً في الفساد للاتخاذ. معنى الاتخاذ: أخذ الشيء على إعداده لنائبة

كانوا قد اتخذوا أولياء من دون الله، وذلك فاسد؛ لأن عبادة الله. هي التي تعصم من المكاره دون عبادة غيره. الولي: المتولي للنصرة عند الحاجة، وذلك أن الناصر قد يكل النصرة إلى غيره بأن يأمره بها.. والولي: هو الذي يتولى فعلها لتأكد الأمر فيها. العنكبوت: دابة لطيفة لها آلة تتمكن بها من النساجة لبيت تأويه واهن القوة، ويجمع عناكب، ويصغر عنيكب، ووزنه: فعللوت. ويقال فيه: العنكباء قيل في: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ؛ لأنها بمنزلة الناهي بالقول؛ لإظهارها ما هو بمنزلة القول: لا تفعل الفحشاء، ولا المنكر، وذلك أن فيها التكبير، والتسبيح والقراءة، وصنوف العبادة، وكل ذلك يدعوا إلى شكله، ويصرف عن ضده بما هو كالأمر، والنهي بالقول، وكل دليل مؤدي إلى المعرفة بالحق؛ فهو داعي إليه، وصارف عن ضده من الباطل.

وقيل الأمثال: هي الأشباه، والنظائر وقيل: الصلاة تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر عن ابن مسعود وابن عباس. وقال ابن مسعود: الصلاة لا تنفع إلا من أطاعها. معنى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} أي: ذكر الله إياكم برحمته، أكبر من ذكركم إياه، بطاعته عن ابن عباس، وسلمان، وابن مسعود ومجاهد.

وقيل: ذكر العبد لربه أفضل من جميع عمله. وقيل: ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة. وقيل: ذكر الله بتعظيمه أكبر من سائر طاعاته. وقيل: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} في النهي عن الفحشاء. وقيل: فيه دليل على أن كلام الله غير مخلوق؛ لأن ذكر الله كلامه، وهو أكبر من كل ذكر؛ كما أن الله أكبر من كل ما سواه، وكأن كبره أنه قديم لم يزل، ولا يزال؛ كذلك ذكره الذي هو كلامه، ويؤيد ذلك ما روي في الخبر: فَضْلُ كَلَامِ اللهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ «كَفَضْلِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ» : قرأ أبو عمرو وعاصم في إحدى الروايتين (إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ) بالياء.. وقرأ الباقون (تدعون) بالتاء

واختار بعضهم التاء لقل ما كانوا يدعون وهذا لا يلزم ذكر الحاضرين بالماضين فجرى على التغليب. الجدال: فتل الخصم عن مذهبه؛ بطريق الحجاج فيه. وأصله: شدة الفتل، جدلته أجدله جدلاً؛ إذا فتلته فتلاً شديداً. ومنه الأجدل للصقر لشدة فتل بدنه. المحق في الجدل يجوز أن يغلظ؛ لأن الله استثنى {الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} من أهل الكتاب بعد أمره بجدالهم بالتي هي أحسن. الأحسن: الأعلى في الحسن. استثنى الذين ظلموا منهم وجميعهم ظالم؛ لأن المراد إلا الذين ظلموكم في جدالهم، أو غيره مما يقتضي الإغلاظ لهم، وبهذا يسع

الإنسان أن يغلظ على غيره، وإلا فالداعي إلى الحق يجب أن يستعمل الرفق في أمره معنى: {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} أي الذين آتيناهم علم الكتاب يصدقون به؛ بدلالته عليه {وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} . أي من غير جهة علم الكتاب وقيل: لا تجادلوهم. {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: إلا بالجميل من القول بالتنبيه على آيات الله، وحججه. وقيل: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} بمنع الجزية. عن مجاهد وقيل: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} بالإقامة على كفرهم بعد قيام الحجة عليهم. عن ابن زيد. وقيل: {وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} بأنه أمي لا يقرأ، ولا يكتب على صفته في التوراة، والإنجيل. عن ابن عباس.

وقيل: بل القرآن آيات بينات عن الحسن.

(51)

مسألة: وإن سئل عن قوله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) } [الآيات من 51 إلى 61] فقال ما الكفاية؟ ، وما التلاوة؟ ، وما الشهادة؟ ، ولم جاز آمنوا بالباطل؛، مع أن صفة مؤمن صفة مدح؟ ، وما الخاسر؟ ، وقوله: {} جواب ماذا؟ ، وما معنى: العبد؟ ، وكيف جازت العبودية للإنسان بأمر الله، ولم تجز العبادة له؟ ، وما الاتساع) ؟ ، وما الذائق؟ ، وما التبوئ؟ ، وما معنى: {وعلى ربهم يتوكلون} ؟ ، وما معنى: {ذائقة الموت} ؟ وما معنى: (إن أرضي واسعة) ؟ . الجواب: الكفاية: بلوغ حد ينفي الحاجة وكفى بالله: بمعنى كفى الله أي فعل ما ينافي الحاجة بالنصرة. فدليل القرآن كافٍ؛ لأنه لانتفاء حاجة إلى غيره في التأدية إلى العلم بصحة النبوة. التلاوة: جعل الحروف يلي بعضها بعضاً في القراءة، وفي التلاوة يعني شيئاً بعد شيء؛ لأن الثاني يتلوا الأول، وليس ذلك في

أصل القراءة؛ لأنها من جمع الحروف الشهادة: الخبر بالشيء عن مشاهدة تقوم به الحجة في حكم من أحكام الشريعة، ولذلك لم يكن خبر من لا تقوم به حجة في الزنا بشهادة، وكانوا قذفة. والشهيد، والشاهد واحد؛ في المعنى إلا من جهة المبالغة في الصفة جاز آمنوا بالباطل مقيداً، والتقييد يقلب معنى الصفة من المدح إلى الذم؛ كما تقول كافر بالجبت، والطاغوت، وكذلك قائم يدل على معنى الانتصاب فإذا قيل: قائم بالتدبير انقلب المعنى فصار بذلك على استقامة التدبير. الخاسر: التاجر الذي ذهب رأس ماله فشبه العامل بالهوى في الإيمان بالباطل، والكفر بالله؛ لأنه خسر نفسه بتعريضها للهلاك بالعقاب. وقيل: {***} جواب لمن قال {***} . وقيل: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} أي: كأنها محيطة بهم؛ لما قد لزمهم

بكفرهم منها. وقيل: إنه إذا كان يوم القيامة أحاطت بهم. ووجه ثالث: محيطة بالكافرين يوم يغشاهم العذاب. الأجل المسمى لهم: يوم القيامة قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: {وَنَقُولُ} بالنون. وقرأ الباقون: {وَيَقُولُ} بالياء.

(56)

مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) } [إلى آخر السورة [الآيات من 56 إلى 69] فقال ما السؤال؟ ، وما الخلق؟ ، وما التسخير؟ ، وما حكم الشمس في مسيرها؟ ، وما معنى: {وَيَقْدِرُ} ها هنا؟ ، وما معنى: {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} ؟ وما اللام في {لِيَكْفُرُوا} ؟ ، ولم كان المشرك كافراً لا محالة؟ ، وما التمتع؟ ، وما التخطف؟ ، ولم أمكن أن يؤمن الإنسان بالباطل ويكفر بالحق؟ ، وما معنى {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ؟ الجواب: معنى العبد أي الذي يملكه مالك قد أمر بالتذلل لمالكه، وأصله الذلة. ومنه العبادة، وهي ذلة بالقلب (العبودية) فإنه للمالك يحتمل أن لا يكون في أعلى المراتب للذلة، وليس كذلك العبادة. وقيل هما سواء، وإن أعيد لفظ العبادة في الله. الاتساع: بعد الأقطار. ومنه الأرض الواسعة لبعد أقطارها وكذلك الدار الواسعة فكل ذلك بالإضافة. الذائق: الواجد للجسم بحاسة إدراك الطعم في ابتداء الأمر

وإنما قيل: (ذائقة الموت) ؛ لأنهم يجدون كربه، وشدته وجدان. الذائق للطعم. التبوء: اتخاذ منزل يرجع إليه من يأوي إليه. وأصله الرجوع من {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} وقيل: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} فاهربوا من أرض من منعكم من عبادتي. عن سعيد بن جبير. وقيل: {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} بما أخرج منها من الرزق لكم. عن مطرف بن عبد الله الشخير. {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} أي من غير طاعة من أحد من خلقي في معصيتي. وقيل: {كل نفس} محياة {ذائقة الموت} وقيل: {وعلى ربهم يتوكلون} في أرزاقهم، وجهاد أعدائهم، ومهمات

أمورهم. وقيل: {وهو السميع} : لقول القائل {العليم} بما في نفسه. وقيل: {لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} أي: لادخاره لغدٍ وقيل: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} أي أرض الجنة، وأكثر أهل التأويل على على أنها أرض الدنيا. وقيل: دخول الفاء للجزاء بتقدير: إن ضاق بكم موضع. {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} ؛ لأن {أَرْضِي وَاسِعَةٌ} {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} منصوب بضمير يفسره ما بعده. وقال مجاهد: لا تطيق حمل رزقها. قرأ حمزة: (لَنُثْوِيِنَّهُمُ) بالثاء. وقرأ الباقون (لَنُبْوئَنَّهُمُ) بالباء. والأول من أثويته منزلاً، والثوى المقام.

اللهم بوئنا مبوأ صدق أي: أنزلنا. السؤال: طلب البيان عن المعنى من المجيب في صفته في الكلام ، وسؤال الإلزام أم سؤال تعليق على الأصل ما يقتضي صحته، ويدعوا إليه. الخلق: فعل الشيء على مقدار ما يراد ويعلم. التسخير: تذليل الشيء للتصرف في مصالح العباد بالليل، وعلم حساب الشهور، والأزمان، ومجيء الحر، والبرد، وخروج الزرع، والثمار. حكم الشمس في مسيرها؛ أنها تسير بتحريك الله لها من غير عمد يمسكها إلا ما يحدثه الله فيها، وفي ذلك أكبر العبرة، وأظهر الدلالة معنى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} هاهنا، ويقبض رزق العبد بحسب ما يقتضيه تدبيره، وحكمه. ومنه: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} يعني: ضيق على

مقدار ما يجب، ويراد. {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي: (يصرفون) عن صانع ذلك. عن قتادة. وقيل: خص بذكر الرزق على الهجرة؛ لئلا يخلفهم عنها خوف. العيلة. {لَهِيَ الْحَيَوَانُ} أي: الدائم البقاء. وقال أبو عبيدة: الحيوان، والحياة واحد اللام في: {لِيَكْفُرُوا} يحتمل: لام كي. أي: كأنهم أشركوا؛ ليكفروا؛ إذ لا يدفع الشرك في العبادة من كفر النعمة. ويحتمل لام الأمر على التهديد، وتوضيحه {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} . كل مشرك كافر لا محالة؛ لأنه جعل الحق الذي هو لواحد بالنعمة؛ لاثنين فضيع حقه، وانتقصه لا محالة، وصار بمنزلة الجاحد لنعمته؛ إذ جحد أن يكون له وحده. التمتع: التلذذ بالأحوال التي تقع عندها اللذة، وقيل: يكون التلذذ

بوجود اللذة فقط. والتمتع يكون بالمناظر الحسنة، والأصوات المطربة، والمشام الطيبة، ونحو ذلك. التخطف: تناول الشيء بسرعة، ومنه خطف البصر لسرعته، ومنه اختطاف الطير لصيده، ومنه الخُطَّافُ الذي يُخرِجُ الدلوَ الإنسان يكفر الحق بالشبهة التي تزين له الباطل في وهم أنه الحق، وأن خلافه الباطل، وليس يمكن أن يظهر الحق؛ لأحد فيعتقد خلافه. ومعنى قوله: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} يريد بنصرته إياهم. وفي ذلك رد على المعتزلة؛ لأنهم يقولون نصره الله بتمكينه. وقد يمكن المحسن، والمسيء تمكيناً واحداً، ودلهما دلالة واحدة، وذلك يبطل فائدة التخصيص بكونه مع المحسنين. ومعنى (مع) على ثلاثة أوجه: تكون بمعنى العلم) ؛ كما قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}

والثاني: بمعنى الصحبة في المعية. والثالث: بمعنى النصرة، والله تعالى مع الجميع بالعلم، لأنه العالم بالجميع، وهو مع المؤمنين خصوصاً بالنصرة. ونصرة الله لهم: تخصيصه إياهم بألطافه، وفوائده، وهدايته، وتمكينه من الإيمان به، والمعرفة، وذلك لا يصلح إلا للإيمان به، والمعرفة، خلافاً لقول المعتزلة أن قدرة الإيمان صالحة للكفر، وأنه قد لطف للجميع على وجه واحد، وهدى الجميع هداية واحدة في الابتداء، وقد قال الله في تكذيبهم: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} . ومعنى قوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} أي: في طاعتنا، وعبادتنا. ومعنى: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} . أي: لنعرفنهم طريق ديننا، وسبيل المعرفة بنا، وسبيل الله دينه، وسبيل الله الطريق المؤدي إلى عبادته، والمعرفة به فإن قيل: فكيف قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ولا سبيل لهم، إلى أن يجاهدوا في طاعته إلا بهدايته إياهم إلى سبيله، وبنصره إياهم في سلوك طرق عبادته. قيل: يحتمل أن يقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} بهدايتنا لهم في الابتداء، ولنهدينهم سبلنا في الانتهاء بإدامة تلك الهداية، والتوفيق، والنصرة، وذلك فيمن علم الله من حاله أنه لا يرتد عن دينه، وأنه يموت على الإيمان؛ فإنه يهديه ابتداء؛ ليجاهد في طلب الطريق إلى الله، ثم

يهديه بعد ذلك هداية بعد هداية؛ حتى يبلغ بها درجة العصمة. وهذا كقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) } ويحتمل أن يقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} في طاعتنا في الدنيا لنهدينهم سبلنا في العقبى بالثواب لهم على ذلك، كما قال: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) } . يحتمل باللطف في الدنيا، وبالثواب في العقبى. ويحتمل أيضاً: أن يقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} أي: في طلب معرفتنا. إلى ما طلبوا في العقبى برفع المجاهدة، والإتيان بالمجاهرة، والمكاشفة؛ فإن المجاهدة مقرونة بالمحن، وعوارض الفتن، والمعاينة معها السلامة من كل آفة، ولذلك كان تحيته لهم. لهم عند اللقاء سلام في قوله: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) } . وفي قوله: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} بالجنة محلهم، وهي دار السلام، واللقاء موعدهم، ومعه تحية بالسلام من الرب الذي هو السلام. فكأنه يقول: {تَحِيَّتُهُمْ} التي هي مقرونة بالسلامة من كل وجه؛ كما هديناهم إلى سبلنا المقرونة بالمخاوف المربوطة بالمجاهدات؛ التي هي المشقات؛ والمكابدات منها مدافعة النفس عن هواها والتزام طاعة الله ، ومنها منابذة الشيطان الذي هو عدو متصور بصورة الولي، وكذلك كل ما بين يديه من آلة، وزينة يعد من متاع الدنيا، فإنهم قد يصوروا لهم بصورة

الأولياء، وهم أعداء؛ كما قال الخليل: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) } . وقال بعضهم معنى قوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي: لنبصرنهم بعيوب أنفسهم. من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» : وقد قال فقيل: يا رسول الله، وكيف يفقهه في الدين؟ فقال يعرفه عيوب نفسه". وهذا التأويل قريب، ويكون المعنى فيه: لنزيدنهم هداية على هداية على ما يقدر.

سورة الروم

سورة الروم مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ (10) } [الآيات من 1 إلى 10] فقال ما الغلبة؟ ، وما الأدنى؟ ، وما البضع؟ ، وما الفرح؟ ، وما معنى: من بعد غلبهم؟ ، وما الإخلاف؟ ، ولم أطلقت الصفة ب (لا يعلمون) ؛ ثم قيل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ؟ ، وما الظاهر؟ ، وما الغفلة؟ ، وما الأجل المسمى للأشياء؟ ، وما السوآى؟ . الجواب: الغلبة: الاستعلاء على القرن؛ بما يبطل مقاومته في الحرب الأدنى: الأزيد في الدين، وهو الأقرب، وله نقيضان الأدنى، والأقصى، والأدنى، والأعلى، ونقيض الأقرب الأبعد. وأدنى الأرض إلى جهة عدوهم. البض ع: القطعة من العدد ما بين الثلاثة؛ إلى العشرة. من بضعته؛ إذا قطعته.

الإضافة؛ التي هي غايته، فصار كبعض الاسم في استحقاق البناء، وبني على حركة لا تكون له في حال الإعراب؛ فهي أدل على البناء، وكل ما هو أدل على حال الشيء فهو أولى، إلا أن تعرض علة. الفرح: لذة النفس؛ بما يحصل في القلب من نيل الشهوة ونقيضه الغم، وهو ألم النفس، بما يحصل في القلب من انسداد طريق المشتهى. وقيل: {مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} من أرض الشام، إلى أرض فارس وقيل: {وَهُوَ الْعَزِيزُ} في انتقامه من أعدائه. {الرَّحِيمُ} بمن أناب إليه من خلقه. وقيل كانت فارس غلبت على الروم. وقيل: النصر يوم بدر، للفريقين ففرح المؤمنون بالنصرين عن أبي سعيد الخدري.

وقيل: {مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ} حذفت التاء للإضافة كما قيل: {وإقام الصَّلاةِ} وقيل: بل الغلب، والغلبة مصدران مثل: الجلب والجلبة. الإخلاف: فعل خلاف ما تقدم به الوعد على جهة المنافاة أطلقت الصفة: ب {لَا يَعْلَمُونَ} ذما لهم على جهة المبالغة؛ لتضييعهم على ما يلزمهم من أمر الله حتى؛ كأنهم لا يعلمون شيئاً، ثم بين حالهم فيما عقلوا عنه، ومما علموه من الظاهر [والظاهر] هو الذي يصح أن يدرك من غير كشف عنه، والباري جل ذكره ظاهر بأدلته ، باطن عن حواس خلقه في الدنيا، والأمور كلها ظاهرة له؛ لأنه يعلمها من غير كشف عنها، ولا دليل يؤدي إليها. وكل ما يعلم بأوائل العقول ظاهر، وكل ما يعلم بدليل العقل باطن؛ لأن دليل العقل يجري مجرى الكشف عن صحة المعنى. الغفلة: ذهاب المعنى عن النفس؛ كحال النائم، ونقيضها اليقظة ، وهي حضور المعنى للنفس، كحال المنتبه. ونظيرها السهو، ونقيضه الذكر.

الأجل المسمى؛ للأشياء على قدر الاعتبار بها؛ إذا تصوروا ذلك في الإخبار عنه أنه مع كثرتِه وعظمته محصل بتسمية تنبئ عنه. لا يتقدم، ولا يتأخر عنها بالأوصاف التي ذكرناها. {وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} أي: عمران الدنيا متى يزرعون، ومتى يحصدون، وكيف يبنون، ومن أين يعيشون، وهم جهال بأمر الآخرة، وله مضيعون. عن ابن عباس. وقيل: معناه أنهم عمروا الدنيا، وخربوا الآخرة.. {وَعَمَرُوهَا} حرثوا لعمارتها. عن مجاهد. السُّوآى: الخلة التي تسوء صاحبها بسوء عند إدراكها، وهي النار في قول ابن عباس، وقتادة. {أَنْ كَذَّبُوا} بمعنى؛ لأن كذبوا وقيل: حفروا الأنهار، وغرسوا الأشجار، وشيدوا البنيان،

وصاروا إلى الهلاك عن أسوء حال؛ بالعصيان لم يفكروا في الموت ، والبلى، وأنهم يخرجون من الدنيا، ويصيرون إلى الحساب، والجزاء. وقيل تقديره: وعد الله وعده

(11)

مسألة: إن سئل عن قوله: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) } إلى آخر العشر. [الآيات من 11 إلى 21] فقال ما البدؤ؟ ، وما الخلق؟ ، وما الإعادة؟ ، وما الإبلاس؟ ، وما الشركة؟ ، وما الإحضار؟ ، وما معنى: سبحان الله؟ ، وما الإمساء؟ ، ولم خص العشي، والإظهار بالحمد في الذكر؟ ، ولم لا يكون إحياء الأرض حقيقة؟ الجواب عن ذلك: البدء: أول الفعل وذلك على وجهين: أول الفعل، وهو جزء منه مقدم على غيره. والثاني: في أنه موجود قبل غيره من طريق الفعلية بدأ يبدؤ بدءاً وابتداء. والابتداء: نقيض الانتهاء.. والبدء نقيض العود. الخلق: هنا بمعنى المخلوق، وكذلك. {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} . الإعادة: فعل الشيء ثانياً. وإذا قيل قد أعاد الكلام؛ فهو على هذا التقدير؛ كأنه قد أتى به

ثانية، وثالثة. الإبلاس: التحير عند لزوم الحجة؛ إذا ظهرت دلائل آيات الآخرة؛ التي يقع عندها علم ضروري فيتحير أعظم الحيرة. يحبرون: يكرمون. التحبير: التحسين الذي يسر به. وقيل خص ذكر الروضة، هاهنا؛ لأنه لم يكن عند العرب شيء أحسن منظراً، ولا أطيب ريحاً من الرياض وقيل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ} أي من أوثانهم، لأنهم كانوا يدعون أنها تشفع لهم. وقيل: شُرَكَاؤُهم؛ لأنهم كانوا يجعلون لها نصيباً في أموالهم. وقيل: شركاؤهم: أي الذين جعلوهم شركاء في العبادة الإحضار: إيجاد ما يكون الشيء به حاضراً فتارة: يكون بإيجاد عينه وتارة يكون بإيجاد غيره.

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ} تنزيهه عن كل ما لا يجوز عليه؛ مما فيه نقص ينافي التعظيم بما ليس فوقه ما هو أعلى منه. الإمساء: الدخول في المساء. والإصباح نقيضه، وهو الدخول في الصباح خص العشي والإظهار بالحمد في الذكر؛ لأنها أحوال تذكر بإحسان الله، وذلك أن انقضاء إحسان أول إلى إحسان ثان يقتضي الحمد عند تمام الإحسان، والأخذ في الآخر كما قال: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) } . إحياء الأرض ليس بحقيقة؛ كما لا يكون الإنسان أسداً في الحقيقة، وإن قيل له أسد تشبيهاً به؛ فكأن الأرض تحيا بالنبات الذي فيها. وقيل: في كتاب الله ذكر الصلوات الخمس.. [فحين تمسون صلاة المغرب وَعِشَاءُ الآخرة وحين تصبحون صلاة الغداة. وعشياً صلاة العصر، وحين تظهرون صلاة الظهر. وقد قيل إن قوله: (وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ) إنها الصلاة الخامسة، فيكون على هذا التفسير قوله: (حين تمسون) لصلاة واحدة.] (1)

_ (1) في المخطوط سقط وما بين المعوفتين زيادة من معاني القرآن وإعرابه للزجاج. جـ 4 ص: 180 - 181) .

وفي الآية دلالة على صحة القياس، واضح لا يشكل على متأمل. {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} أن الإنسان من النطفة، والنطفة من الإنسان عن ابن عباس، وعبد الله. وقيل: الكافر من المؤمن، والمؤمن من الكافر عن قتادة. وقيل {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} أي بخلقه أبَاكم آدم.

(21)

مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) } [الآيات من 21 إلى 30] فقال ما النفس؟ ، وما الزوجة؟ ، وما معنى {لِتَسْكُنُوا} ؟ وما الرحمة هاهنا؟ ، وما الفكر؟ ، وما معنى: دعاكم؟ ، وما معنى {إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} ؟ ، وما معنى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} ؟ ، وما معنى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} ؟ ، \وما معنى: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} ؟ الجواب:. النفس: هي الذات في أصل الحقيقة. الزوجة: المرأة التي قد وقع عليها عقد النكاح. الزوج: الرجل الذي قد وقع عليه عقد النكاح. ويقال زوج للمرأة إذا لم يلتبس، كما قال: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} . وإنما حسن ذلك للإشعار؛ بأنهما نظيران في عقد

النكاح عليهما ومعنى: {لِتَسْكُنُوا} سكون أنس، وطمأنينة، بأن الزوجة من النفس؛ إذ هي من جنسها، وشكلها فهو أقرب إلى المودة، والألفة الرحمة: رقة التعاطف بينهم؛ إذ كل واحد من الزوجين يرق على الآخر رقة العطف عليه؛ بما جعل في قلب كل واحد لصاحبه، ليتم سروره. الفكر: طلب المعنى بما يقتضيه من متعلقه في القلب. وقيل: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} من شكل أنفسكم. وقيل: خلقت حواء من ضلع من أضلاع آدم عن قتادة. وقيل: خوفاً من المطر في السفر، وطمعاً [فيه] في الحضر وفي: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ} ثلاثة أقوال: الأول: حذف أن.

[الثاني] : كقول الشاعر وَمَا الدَّهْرُ إلاَّ تَارتَانِ فَمِنْهُمَا ... أَمُوتِ وأُخْرَى ابْتَغِي العَيْشَأَكْدَحُ أي فتارة أموت. الثالث: ويريكم البرق من آياته على التقديم، والتأخير من غير حذف. وذكر المقدورات على اختلافها، وعظم شأنها؛ لتدل على القادر

الذي لا يعجزه شيء. وفي هذه الآيات دلالة بينة على بطلان مذهب أصحاب الاضطرار وقيل معنى: {إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} أخرجكم بما هو بمنزلة الدعاء، وبمنزلة كن فيكون. وقيل: البرق نار تحدث في السماء هذه الآيات على ما في خلق الزوجة على مش اكلة ال نفس للس كون إليها، وجعل المودة بين الزوج، وبينها من الدليل على المدبر؛ لذلك حت ى جاء كل شيء منه لما يصلح له وتمت النعمة به على من أعطيه. وما في خلق السماوات، والأرض على عظم شأنها، واختلاف الألسنة، والألوان على كثرتها من الدليل على القادر العالم بها. وما في جعل الليل والنهار؛ للمنام، والمعاش الجاري على اتساق، وانتظام من الدليل على المنعم مِما لا يقدر عليه سواه. وما في رؤية البرق على الخوف من شدته، والطمع في الخير به مع إنزال الماء من السماء؛ لإحياء الأرض بعد موتها، ونفع العالم بها من الدليل على الإله المحسن إلى العباد بما أخرج منها، وما في قيام السماء والأرض؛ م ثقلها، ثم يصير العباد بالدعاء إلى الخروج منها من الدليل على القادر الذي لا يعجزه شيء منها، ولا من غيرها تعالى.

ومعنى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} قيل فيه قولان: الأول: وهو أهون عليه في التقدير أو في المثل. أي فيما يمثل به في القادرين من غيره؛ أن إعادة الكتاب أو البناء أهون من ابتدائه. الثاني: وهو هين كقول الشاعر: لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإنِّي لأَوْجَلُ ... عَلَى أيِّنَا تَعْدُوا المَنّيّةُ أوَّلُ. {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} أي بما مثل به دليل صفته الذي هو طريق إلى معرفته من أن إنساناً؛ إذا نسخ كتاباً؛ فإعادة نسخه أهون عليه هذا في مقدور العباد مع نقصانه؛ فكيف مقدور من لا يلحقه النقص معنى: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} فيه قولان: الأول: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} في إتلاف المال بإنفاقه. الثاني: أن السيد له السلطان على عبده وليس للعبد سلطان على مالكه فليس يجب أن يكونا في الخوف سواء.

إذا أجريت الأمور على حقها، وأنتم قد جعلتم الخيفة من العبد؛ كالخيفة من مالك العبد؛ إذ عبدتموه كعبادته؛ لأن العبادة له لا تصح. إلا مع المساواة وقيل: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} الصفة العليا؛ لأنها دائرة يصفهُ بها الثاني؛ كما يصفه بها الأول. {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} أي: مطيعون في تصريفه لا يمتنع عليه شيء يريد فعله بهم من حياة، وموت، وبقاء، وصحة، ومرض، وبعث، ونشور؛ كأنه قيل هو منطاع فيما يراد به وقيل: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أيسر عليه، وكُلٌّ هين. عن ابن عباس ومجاهد.

وروي عنه أنه قال: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} على الخلق. وقيل: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} : قول لا إله إلا الله، وحده لا شريك له؛ لأنه دائر في السموات؛ والأرض يقوله فيه الثاني؛ كما قال الأول. عن قتادة. وقيل: {وَهُوَ الْعَزِيزُ} في انتقامه من أعدائه {الْحَكِيمُ} في تدبيره لخلقه. وقيل في الشركاء من العبيد؛ فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتم به لربكم. وقال قتادة: ألا يرضى أن يكون عبده مشاركاً له في فراشه، وزوجته. كذلك؛ لا يرضى ربه أن يُعْدَلَ به أحد من خلقه وقيل: {فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} في المال أي يقاسموكم إياه كما تخافون الشريك من نظائركم. وقيل: أن يرثوكم إياه؛ كما يرث بعضكم بعضاً. الفطرة: الصبغة التي يشق عنها بإظهارها.

وتفطر الشجر بالورق؛ إذا تشقق.. وقيل: {فِطْرَتَ اللَّهِ} دين الإسلام. عن مجاهد. وقيل: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} أي: لدين الله عن مجاهد وقتادة. وقيل القانت: الدائم على أمر واحد الملائكة، وغيرهم من المؤمنين دائمون على أمر واحد؛ في ملازمة الطاعة لله، والكافرون وغيرهم من الفاسقين دائمون على أمر واحد في الذلة لله تعالى إلا أن منهم من هو بخلقته وفعله، ومنهم من هو بخلقته. فطر الناس عليها، ولها، وبها بمعنى واحد. كقول القائل لرسوله: بعثتك على هذا، ولهذا، وبهذا بمعنى واحد. وقيل: {***} النَّاس. {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} وهو دين الإسلام الذي فطر الله الناس له. وقيل: النشأة الثانية يا أهل الكفر ينبغي أن تكون أهون عليه

ثم قال: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فذلك دليل على أنه مثل ضربه الله دلت الآية: على البيان عن ما في ملك أهل السماوات، والأرض من تعظيم المالك بما يجب له على العبد؛ مع لزوم طاعته بعبادته، وما في بداءة الخلق من أنه قادر على إعادته؛ إذ الهدم أهون من البناء. {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الذي يوجب الهدى، ويكشف العمى، ويبصر حال الآخرة والأولى. وما في ملك اليمين من امتناع مساواة المملوك للمالك؛ إذ المالك أعظم شأناً، وأعلى سلطاناً على عبده من عبده عليه. فملك النفس بخلقها، وتصريفها كيف شاء مالكها، وهو أحق بالعبد الذي يملك له النفع، والضر، وإليه يرجع الأمر بما يتفاوت في علو الشأن؛ حتى تجب له العبادة. وما في اتباع الهوى بغير علم من الضلال المؤدي إلى النار من غير ناصر ينصر من العذاب.

وما في الدين الحنيف من وجوب التمسك به على ما فطر الله عليه الخلق.

(31)

مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) } [الآيات من 31 إلى 40] فقال ما الإنابة؟ ، وما الدين؟ ، وما الشيع؟ ، ومن الذين فرقوا دينهم؟ وما الضر؟ ، وما الإذاقة؟ ، وما معنى: بما قدمت أيديهم [ولم يقل بما قدموا؟ ، ولم قيل يقدر بمعنى يضيق؟ ، وما بسط الرزق؟ الجواب: الإنابة: الانقطاع إلى الله بالطاعة وأصله على هذا القطع. ومنه الناب؛ لأنه قاطع. التفريق: في الدين جعل أحدهما: مفارقاً للآخر في معنى ما يدعوا إليه. الدين: العمل الذي يستحق به الجزاء. دين الإسلام العمل الذي عليه الجزاء بالثواب. الشيع: الفرق التي يجتمع كل فريق منها على مذهب الفريق الآخر. وأما شيعة الحق فهم الذين اجتمعوا على الحق.

وتقديره: {مُنِيبِينَ} ، وأمتك للدين منيبين. وقيل: (من الذين فارقوا) دينهم اليهود، والنصارى عن قتادة. وقيل: كل من خالف دين الحق الذي أمر الله به. {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا} أي: برهاناً يتسلطون به على ما ذهبوا إليه. ويحتمل أن يكون رسولاً، وإذا حمل على البرهان فهو بمنزلة الناطق بالأمر؛ لإظهاره إياه. الضر: المرض، والفقر عن الحسن الإذاقة: إيجاب إدراك الشيء في ابتداء أمره، وإنما قيل: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ} ؛ لقوة الإدراك في ابتداء لطلب الذائق لطعم الشيء. {بما قدمت أيديهم} على التغليب للأكثر؛ لأن أكثر العمل، وأظهره باليدين. وقيل: {وَيَقْدِرُ} بمعنى يضيق لأن ما كان على مقدار الشيء يضيق سلوكه فيه، وأما ما يقدر

كالحجر الذي على مقدار من النقل يصح حمله منه.. بسط الرزق: الزيادة على مقدار القوت منه بما يظهر حاله. القنوط: اليأس من الفرج. {لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} هو: إعطاء الرجل العطية؛ ليعطى أكثر منها. عن ابن عباس لأنه لم يرد بها طاعة الله، وإعطاء المال على وجوه كثيرة فمنه: إعطاؤه على وجه الصدقة، ومنه إعطاؤه على وجه الهدية، ومنه الصلة، ومنه الوديعة، ومنه قضاء الدين، ومنه البر، ومنه الزكاة، ومنه القرض، ومنه النذر. وقيل: المعنى فيه التزهيد في الربا، والترغيب في الزكاة. والمضعف ذو الإضعاف؛ كما أن الموسر ذو يسار قرأ نافع (لِتُربُوا) بالتاء، وسكون الواو. وقرأ الباقون (ليَرْبُوَ) بالياء، وفتح الواو.

(41)

مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) } [الآيات من 41 إلى 50] فقال ما الفساد؟ ، وما الظهور؟ ، وما الكسب؟ ، وما معنى: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} ؟ ، وما معنى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} ؟ وما معنى: البر، والبحر هاهنا؟ ، وما التمهيد؟ ، وعلى أي شيء عطف {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} ؟ ، وما إرسال الرياح؟ ، وما معنى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} ؟ ، ولم قيل {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} في موضع ليشكروا؟ . الجواب: الفساد: انتقاض الأمر بما يقع به الضر. وفساد البر بحوادث من الخوف تمنع من سلوكه بخذلان الله أهل العقاب به وفساد البحر اضطراب أمره؛ حتى لا يكون للعباد متصرف فيه. ، وكل ذلك ليرتدع الناس به. الظهور: خروج الشيء إلى حيث يقع الإحساس له؛ بمنزلة الإدراك. والظهور على ثلاثة أوجه: خروج عن وعاء، ووجود عن عدم

وظهور بالدليل. الكسب: فعل الشيء لاجتلاب نفع إلى نفس الفاعل، أو دفع ضر معنى: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} أي: ليذيقهم عقابه إلا أنه أجرى على بعض العمل؛ لأنهم إذا ذاقوا جزاءه؛ فكأنهم ذاقوه، وهذا من أحسن ما يقع فيه الحذف، وهو حذف المسبب، وإقامة السبب الذي أدى إليه مقامه. {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} أي: استقم للدين المستقيم؛ لصاحبه إلى الجنة. أي: لا تعدل عنه يميناً، ولا شمالاً؛ فإنه يؤديك إلى الجنة، وهو مجانس بلاغة حسنة. وقيل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} في أهل البر، والبحر، وأهل البر: أهل البادية، وأهل البحر: أهل القرى التي على الأنهار العظيمة عن قتادة. وقيل: البر ظهر الأرض، والبحر البحر المعروف. وقيل البر الأرض القفر، والبحر المجرى الواسع؛ للماء ملحاً كان، أو عذباً.

الفساد: المعاصي. والتقدير: ظهر عقاب الفساد في البر، والبحر. {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} يتفرقون فرقتين: فريق في الجنة، وفريق في السعير. مهد يمهد مهداً؛ إذا هيأ المضجع ووطأه. التمهيد، والتمكين، والتوطئة نظائر. وقيل: بالعدل ينبت الله الزرع، ويدر الضرع، وبالظلم يكون القحط، وضيق الرزق. وقيل: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا} الطاعة لله. عن الحسن قرأ ابن كثير {لنُذِيْقَهم} بالنون. وقرأ الباقون {لِيُذِيقَهُمْ} بالياء.

الريح جسم رقيق يجري في الجو يميناً، وشمالاً على ما دبر من حركاته في جهاته يمتنع القبض عليه بلطفه، والله مدبره عطف: {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} على المعنى بتقدير: أن يرسل الرياح. للبشارة، وللإذاقة من الرحمة. {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} فأرسل الرياح؛ لهذه الأمور. إرسال الرياح: إيجاد الحركات فيها حتى تجري في الجو، وذلك. فعل الله خاصة معنى: {مُبَشِّرَاتٍ} هاهنا: أنها بمنزلة الناطقة بالبشارة أنه سيأتي الغيث الذي تحيى به الأرض لما فيها من إظهار هذا المعنى ودلالتها على ذلك بجعل جاعل؛ لأنه من طريق العادة الجارية به. وقيل: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} في موضع لتشكروا. للطف في الدعاء إلى الشكر، كالتلطف في الدعاء إلى البر في قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) } . الكسف: القطع. عن قتادة.

الودق: القطر عن مجاهد.. {لَمُبْلِسِينَ} . قانطين عن قتادة. واليأس من الفرج. {مِنْ قَبْلِهِ} فيه قولان:. أحدهما: التوكيد. والآخر: من قبل الإرسال. والأول من قبل الإنزال. وفي الآية: دليل على صحة القياس في الدين.

قرأ حمزة، والكسائي، وابن عامر، وحفص عن عاصم: (إلى آثَارِ رَحْمَة ِ اللهِ) جماعاً.. وقرأ الباقون (إلى أَثَرِ)

(51)

مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60) } [إلى آخر السورة [الآيات من 51 إلى 60] فقال: أين جواب الشرط في (لئن) ؟ قد أغنى عنه جواب القسم.؟ ، والمعنى ليظلن كما؛ أن: {إنْ أَرْسَلْنَا} : بمعنى أن نرسل، فجواب القسم قد ناب عن الأمرين، وكان أحق بالحكم لتقدمه على الشرط، ولو قدم الشرط لكان الجواب له، كقولك: إنْ أرسلنا ريحاً ظلوا بالله يكفرون. يقال: ظل يفعل: بمعنى جعل يفعل في صدر النهار معنى: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} يريد به الضلاَّل الذين لا يطلبون الإبصار؛ فليس في هؤلاء حيلة أن يقبلوا الهداية؛ فصار العمى بالضلال صنفين: [صنف يطلب الهداية؛ فهو يجدها عندك] وصنف لا يطلب الهداية؛ فليس فيه حيلة.. الإدبار: الذهاب إلى جهة خلف ونقيضه الإقبال.

أدبر هؤلاء الجهال عن الحق غير طالبين له؛ فلزمهم الذم، وصفة النقص. وقيل في الهاء من {فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} قولان: الأول: رأوا السحاب مصفراً؛ لأنه إذا كان كذلك فهو غير ممطر. الثاني: رأوا الزرع مصفراً. وقيل: {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} : أنه من حيث انقطع عنا عذاب القبر. {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} ؛ لأنه إخبار عن غالب الظن بما لا يعلمون. ومن قال: هذا لم يجز أن يقع منهم في الآخرة قبيح، وقيل بل كان سألهم من غير تكميل العقول، ويجوز قبل الإلجاء أن يقع منهم القبيح على مذهب بعضهم. قال الحسن: فرأوه أي: رأو الزرع.

قرأ حمزة وعاصم (مِنْ ضَعْفٍ) بفتح الضاد وقرأ الباقون (مِنْ ضُعْفٍ) [بضم الضاد] . إيتاء العلم إعطاؤه بالدلائل المؤدية إليه، أو يخلق العلم نفسه في قلوبهم اللبث في الكتاب لما بيانه في الكتاب؛ فصار من أجل أن بيانه في الكتاب؛ كأنه في الكتاب؛ كما تقول: كل ما يكون: فهو في اللوح المحفوظ. اللبث مضمن بالمكان؛ كتضمين السكون. البعث: جعل الشيء جارياً في أمر منه انبعث الماء إذا جرى. المعذرة: إظهار ما يسقط اللائمة. الاستعتاب: طلب صلاح المعاتب بالعتاب وذلك أن يذكر الحقوق التي تقتضي خلاف ما عمله العامل مما لا ينفي أن يكون عليه مع الحق الذم له. وليس في قولهم ما علمنا أنه يكون، ولا أنا نبعث عذر؛ لأنه قد

نصب الدليل عليه، ودعوا إليه. الاستخفاف: طلب خفة الحكم في الدعاء إلى أمر. وقيل في كتاب الله أي: في كتابه الذي أخبرنا به وقال الحسن: لقد وفاكم آجالكم إلى يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون أن البعث حق.

سورة لقمان

سورة لقمان مسألة: إن سئل قوله - سبحانه - {الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11) } [الآيات من 1 إلى 11] فقيل لم جعل اسم السورة على الاشتراك؟ ، ولم وصف الكتاب بأنه حكيم؟ ، وإنما هو حكمه؟ ، وما معنى: اللهو؟ ، وما معنى: الاشتراء؟ ، وما الحديث، وما معنى: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ؟ ، وما الهوان؟ ، وما معنى الدابة؟ ، وما معنى: {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} ؟ ، ومن الذي كان اشترى لهم الحديث؟ الجواب: جعل اسم السورة على الاشتراك: للمناسبة بينها، وبين ما سمي باسمها؛ مع الفصل بالصفات، وذلك أنها استحقت بذكر الكتاب والمؤمنين به؛ ثم العادلين عنه؛ كما هو في البقرة. وصف الكتاب بأنه حكيم؛ على معنى أنه محكم مبين قرأ حمزة (هُدَى وَرَحْمَةٌ) رفعاً، وقرأ الباقون نصباً على الحال. معنى (الاشتراء) : استبدال الشيء بالثمن المنعقد به، فيجوز أن يكون هذا الجاهل اشترى كتاباً فيه لهو الحديث، ويجوز أن يكون اشترى لهو الحديث نحو الحديث.

اللهو: الأخذ فيما يصرف الهم من غير الحق اللهو، والهزل، واللعب؛ من النظائر. الحديث: الخبر عن حوادث الزمن. وقيل لبعضهم: أيمل الحديث؟ قال: إنما يمل العتيق أي أن فيه الإِطْرَاف الذي يمنع من الملل معنى {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي: لينشئ على ما يلهيه عن سبيل الله. الهوان: إذلال العداوة؛ وإذلال الفقر ليس بهوان. فأما إذلال العداوة؛ فهو هوان؛ إذا كان عقابا.. وقيل معنى: {يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} هو شري المغنيات. وروي في خبر مرفوع أنه محرم. وقيل: هو استبدال حديث الباطل على حديث الحق. عن قتادة.

وقيل: (لهو الحديث) : الغناء عن ابن مسعود، وابن عباس وقيل كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله الذي أمر باتباعه إلى ما نهي عنه. وقيل سبيل الله قراءة القرآن، وذكر الله عن ابن عباس وقيل هو رجل من قريش اشترى جارية مغنية. الدابة: كل ما دب على الأرض. وَبَثَّ: فرق. {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} من كل نوع حسن النبتة طيب الثمرة.

وقيل الذي كان اشترى لهو الحديث: النضر بن الحارث؛ الذي قتل في أسارى بدر، وكان اشترى كتبا فيها أحاديث الفرس، وحديث رستم؛ فكان يلهي بذلك، ويطرب، ليصد عن القرآن. الرواسي: الجبال ورست ثبتت. {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أن تتحرك يميناً، وشمالاً. قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (وَيَتَخِذَهَا) نصباً. وقرأ الباقون: (وَيَتَخِذُهَا) رفعاً.

(12)

مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه - {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) } [الآيات من 12 إلى 20] فقال: إلى أي شيء أشير بهذا على سبيل الصفة له؟ ، وما معنى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} ؟ ، وقال لم أمكن أن يظلم نفسه بشركه؟ ، وما معنى: {وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} ؟ ، وما معنى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} وفي من نزلت؟ وما معنى: {وَفِصَالُهُ} ؟ ، وما المتعال؟ ، وما {لطيف} ؟ ، وما المعروف؟ ، وما معنى {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} ؟ ، وما الفخر؟ ، وما معنى: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} ؟ ، والهاء في {إنها} إلى ماذا ترجع؟ ، وما المختال؟ . الجواب: أشار بقوله هذا: إلى السموات التي تقدم ذكرها من عظمها أنها رفعت من غير عمد يمنع من إنحدارها، وإلقاء الرواسي في الأرض لئلا تميد بأهلها.. {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} للاعتبار، والانتفاع بها، وإنزال الماء من السماء؛ لإخراج كل نوع كريم: على ما فيه من بهجة، ولذة يستمتع بها؛ فهذا كله خلق الله؛ فأين خلق من أشركتموه في عبادته حتى جاز لكم أن تعبدوه من دونه، وهذا ما لا يمكن له معارضة، وفيه دليل على الوحدانية. ومعنى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي: نفعه يعود إلى نفسه ولا يجوز أن يعاقب

نفسه؛ لأن العقاب إلى ما هو أملك به منه.. {بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي: ما دعاهم إلى عبادتها؛ أنها تخلق شيئاً، ولكن ضلالهم بالجهل الذي اعتقدوه من التقريب إلى الله زلفى، وما جرى مجراه. واختلفوا في لقمان هل كان نبيا؟ روي عن ابن عباس أنه قال: لم يكن نبياً، وقال عكرمة: كان نبياً. معنى: {وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} أي: ضعفاً على ضعف. عن الضحاك. أي: ضعف الولد على ضعف الأم. وقيل: بل المعنى شدة الجهد.

{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} أي: في انقضاء عامين، وقيل: نزلت في سعد بن أبي وقاص حلفت أمه أن لا تأكل؛ حتى تموت أو يدع دينه؛ فلما رأته بعد ثلاث لا يرجع عن الإسلام أكلت. {وَفِصَالُهُ} . فطامه. قرأ ابن كثير (يَا بُنَيِّ إِنَّهَا) مكسورة الياء. وَ (يَا بَنِيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ) بفتح الياء. وقرأ الباقون بكسر الياء. وقرأ ابن كثير (يَا بنِي) بوقف الياء. فمن فتح ياء الإضافة وحذف ما قبلها لاجتماع ثلاث ياءات والكسر على الإجتزاء بها من ياء الإضافة والسكون لأنه وصل كما يقف. معنى: (لطيف) : أنه قدير عليم لا يجفوا عن عمل شيء ولا عن علمه؛ لأن من القادرين من يجفوا على عمل أشياء كثيرة لنقصان علمه وقدرته. المثقال: مقدار يساوي غيره في الوزن. فمثقال حبة هو: مقدار

حبة في الوزن الخبير: العليم بمعنى الخبير في نفسه وصحته أو فساده، وهو مبالغة في الصفة، ولم يزل الله خبيراً، أي عليما بوجوه ما يصح أن يخبر به. المعروف: الذي هو الحق. المنكر هو الباطل. {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} هو العقد الصحيح على فعل الحسن، بدلاً من القبيح. والعزم: العقد على الأمر؛ لتوطين النفس على الفعل والتلون في الرأي يناقض العزم.. الفخر: ذكر المناقب؛ للتطاول بها على السامع من شكل الذاكر. الإختيال: مشية البطر في الهاء من {إنها} قولان: الأول: أنها عماد، وهو الضمير على شريطة التفسير.

الثاني: أنها كناية عن الخطيئة، أو الفعلة، التي تقتضي الجزاء، وهي المضمرة في تك. وقال قتادة: لطيف باستخراجها خبير بمستقرها.. {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} من الناس في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. معنى {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا. عن ابن عباس. وأصل الصعر: داء يأخذ الإبل في أعناقها، أو رؤوسها؛ فيشبه به الرجل المتكبر على الناس. قال الشاعر: وَكُنَّا إذا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ ... أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوَّمَا

المختال: المتكبر.. {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ} أقبح الأصوات عن مجاهد. كما يقال: هذا وجه منكر. {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} من شمس، ومن قمر، ونجم، وسحاب. {وَمَا فِي الْأَرْضِ} من دابة، وشجر، وماء، وبحر، وغير ذلك؛ مما تنتفعون به في أقواتكم، ومصالحكم. وقيل في {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} إضمار الفعلة من الحسنة، أو السيئة. وقيل النعم الباطنة: مصالح الدين، والدنيا مما لا يشعرون به. السابغ: الواسع؛ الذي يفضل عن مقدار القوت.

قرأ نافع وحده (تَكْ مِثْقَالُ حبةٍ) رفعاً وقرأ الباقون (مِثْقَالَ حَبَّةٍ) . نصباً. قرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم (نِعَمَهُ) جماعة. وقرأ الباقون (نِعْمَةً) واحدة.

(21)

مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) } إلى آخر السورة [الآيات من 21 إلى 34] فقال: ما الإتباع؟ ، وما الموجود؟ ، وما الإحسان؟ ، وما التوثيق وما معنى: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} ؟ ، وما الغني؟ ، وما الحميد؟ ، وما الشجرة؟ ، وما مد البحر؟ ، وما وجه اتصال قوله: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} وفي من نزلت هذه الآية؟ ، وما معنى: {مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} ؟ ، وما الجريان؟ ، وما النعمة؟ ، وما الإخلاص، وما معنى: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ؟ ، وما الختَّار؟ ، وما معنى: الحكمة؟ ، وما الإحسان. الجواب عن ذلك: الاتباع: طلب الموافقة؛ لما دعى إليه الداعي بقوله، أو فعله. الإتباع، والإقتداء نظائر في اللغة. الموجود: هو الشيء؛ إذا كان مطلقاً. والموجود: هو المعلوم؛ إذا كان مقيداً. الإحسان: الإنعام.

التوثيق: امتناع سبب الانتقاض، لأن البناء الموثق الذي جعل على امتناع سبب الانتقاض، وما ليس بموثق؛ فهو على سبب الانتقاض. {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} للسبب على سبب الانتقاض. معنى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ} أي: إلى طاعة الله بقصده لها، وإقباله عليها. ثم قيل: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} أي: عمله عمل محسن بما ليس بمرائي، ولا مشرك. الغني: المختص؛ بأن وجود غيره وعدمه سواء؛ في أنه لا يتغير به ونقيضه محتاج، والمحتاج: هو المختص بأن في وجود غيره انتفاء الضر عنه، أو صفة النقص. الحميد: المستحق للحمد.

ونقيضه الذميم. وقد يقال: محمود على هذا المعنى؛ أنه أهل للحمد. الشجرة: نبات يقوم على ساق، ويورق في الأغصان، ومنه أخذت المشاجرة بين القوم في الأمر.. مد البحر: جري غيره إليه حالا بعد حال وجه اتصال: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} بما قبله، أن الله سميع لما يقوله القائل في ذلك بصير بما يضمر. {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، وفيه تهديد عن المخالفة فيه. وتقديره: (لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر) يكتب به كلام الله ما نفدت كلماته. والآية: تقتضي؛ أن كلامه غير مخلوق؛ لأن ما لا نهاية له، ولما يتعلق به معناه؛ فهو غير مخلوق؛ وكعلمه، وقدرته، وإرادته.

وقيل: الآية نزلت جوابا لليهود؛ لما قالوا قد أوتينا التوراة، وفيها كل الحكمة؛ فنزلت الآية عن ابن عباس وقيل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} نقصان الليل في زيادة النهار، ونقصان النهار في زيادة الليل عن قتادة. الأجل المسمى: القيامة عن الحسن قرأ (الْبَحْرَ يَمُدُّهُ) نصبا أبو عمرو، وحده، وقرأ الباقون. (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ) رفعاً. الجريان: استمرار الشيء في ذهابه؛ كاستمرار الماء. الفلك تجري بهذا المعنى والعلة تجري؛ لأنها تستمر في أحكامها؛ فكل علة فحكمها تابع لها، وهي جارية فيه. النعمة: منفعة تخلص من الضرر. الإنعام، والإفضال، والإحسان، نظائر.

الإخلاص: إفراد المعنى من كل شائب كان من غيره. {مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} أي: في ارتفاعه، وتغطيته ما تحته. {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: الطاعة، والعبادة. وقيل: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} في قوله مضمر لكفره. عن قتادة. الختار: الغدار بعهده أقبح الغدر عن الحسن، ومجاهد. الغرور: الشيطان عن مجاهد، وقتادة. لأنه يُمَنِّيكَ المغفرة في عمل المعصية. عن سعيد عن جبير.

وقيل: خمس خصال من علم الغيب لا يعلمه إلا الله علم الساعة، وعلم وقت إنزال الغيث بعينه، وعلم ما في الأرحام، وعلم مستأنف الاكتساب، وعلم موت الإنسان؛ في أي موضع من البلاد في خبر مرفوع. وقيل: {لَا يَجْزِي} على طريقة مستقيمة جزيت عنك أجزي أي أغنيت عنك.. وفيه لغة أخرى [أجزأ] يجزئ عنك من أجزأت بالهمز. الحكمة: العلم، أو العقل الواقع به. الإحسان: الإنعام.

سورة السجدة

سورة السجدة مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) } [الآيات من 1 إلى 16] فقال: إذا لم يكن فيه ريب عند المهتدين، وفيه ريب عند الضالين ؛ فلم أطلق أنه لا ريب فيه؟ ، وما وجوه الحكم في الكتاب؟ ، ولم جاز أن يعطف بأم؛ من غير أن يكون قبلها استفهام؟ ، وما معنى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} ؟ ، وما معنى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} ؟ ، ولم لا يكون في العقل دليل على علم ما غاب عن الحس؟ ، وما العزيز؟ ، وما معنى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} ؟ ، وبم انتصب (خلقه) ؟ ، وما الماء المهين؟ ، وما معنى: {ضَلَلْنَا} ؟ ، وما التوفي؟ ، وما الملك؟ ، وما التوكيل؟ ، ولم جاز: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} بمعنى الرجوع إلى جزائه؟ ، وما معنى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} ؟ وما موضع الرد من ذلك على المعتزلة؟ ، وما معنى: {أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} ؟ ، وما الاستكبار؟ ، وما معنى: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} ؟ الجواب: أنه لما كان كالبرهان في الإطلاق أنه لا ريب فيه عند أهل الاعتبار: جرى مجرى قول القائل: لا ريب في هذا أنه ذهب، أي: عند من اعتبره ورآه ووجه وجوه الحكم في الكتاب: البيان عن كل ما يدعوا إلى تمييز الحق فيه من الباطل؛ بالبرهان عليه مما يحتاج إليه في الدين؛ الذي يرتضيه رب العالمين. وهو على وجهين: حجة، وموعظة، واعتماد الحجة على تبيين ما يؤدي إلى العلم بصحة الأمر، واعتماد الموعظة على الترغيب والترهيب، ففي الموعظة من جهة التحذير بمتضمنه وفيه حجة على

العبد من جهة أنه قد دل به على ما يجب أن يعتقد في عظمته ويعمل به. وجاز أن يعطف بأم، من غير أن يكون قبلها استفهام؛ لأنها إذا جاءت منقطعة ففيها معنى بل، والاستفهام بمعنى الألف، وفي المعادلة فيها معنى أو مع الاستفهام. الحق: هو الذي معتقده على ما اعتقد مما يدعوا إلى تعظيمه حكم. الله. {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} أي: أهل الفترة من العرب؛ فكانوا كأنهم كلهم في غفلة عما يلزمهم، وقد كان إسماعيل - عليه السلام. - نذيراً لمن أرسل إليه. {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} قيل خمسمائة عام نزول، وخمسمائة صعود؛ فذلك ألف سنة. ودخلت ثم في: {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} كما دخلت حتى في: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} .

{ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} أي إلى مكان الملك الذي أمره الله أن يعرج إليه؛ كما قال إبراهيم: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) } أي: إلى أرض الشام. وكذلك: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} أي: إلى المدينة، ولم يكن الله بالمدينة. وأما علم ما غاب عن الحس: فيجوز أن يضطرنا إلى العلم، وإذا كان عليه دليل صح أن يعلمناه من جهة الاستدلال. الغيب: خفاء الشيء عن الإدراك. الشهادة: ظهوره للإدراك. فكأنه قيل: يعلم ما يصح أن يشاهد، وما لا يصح أن يشاهد؛ فيدخل فيه المعدوم، والحياة، والموت، والقدرة، والعجز. العزيز: القادر على منع غيره من غير أن يقدر على منعه عن مراده

وأصل العز المنع من؛ [ورجل عزِيزٌ] (1) إذا منع جانبه بغلبه.. وَمَن عَزَّ بَزَّ أي: من غلب بمنعه أسيره أخذ سلبه قوله: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي علم ذلك ولا يخفى عليه شيء. {خَلْقَه} انتصب بالبدل من كل. السلالة: الصفوة. {مَهِينٍ} الضعيف عن قتادة. مهين: فعيل من المهنة {ضَلَلْنَا} وفيه لغتان: (ضَلَلْنَا) و (ضَلِلْنَا) بفتح اللام وكسرها. فكل شيء غلب عليه غيره حتى يغيب فيه؛ فقد ضل فيه. {ضَلَلْنَا} أي: هلكنا. عن مجاهد، وقتادة.

_ (1) ما بين المعوقفتين بياض في الأصل والعبارة من لسان العرب: (ورجل عزِيزٌ مَنِيع لا يُغْلب ولا يُقْهر) .

(من روحه) . أي: من الروح التي اختصها بالإضافة إليه تشريفا لها. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) بإسكان اللام. (وقرأ الباقون (خَلَقَهُ) بفتح اللام. التوفي: أخذ الشيء على تمام. الملك يتوفى الإنسان؛ بأخذ روحه على تمام؛ فيعرج بها إلى حيث أمره الله. الملك: رسول لله على صورة مخصوصة. وأصله الألوكة، وهي الرسالة. التوكيل: تفويض الجاعل الأمر إلى غيره للقيام به جاز {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} بمعنى الرجوع إلى جزائه؛ لأنه أفخم

لشأنه، وأعظم بحسب ما أضيف إليه وقوله {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} دليل على المعتزلة؛ لأنهم يقولون: أتى كل نفس هداها وإنما ضلو من قبل أنفسهم. قال قتادة: يتوفهم ومعه أعوان من الملائكة. وقيل: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} صدق وعدك. {وَسَمِعْنَا} منك تصديق رسلك. وقيل: {أَبْصَرْنَا} الرشد، {وَسَمِعْنَا} الحق. وقيل: كنا بمنزلة العمي الصم؛ فالآن {أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} . الاستكبار: والاستنكاف من النظائر. وقيل: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي: يرجعون إلى أن لا يملك أحد ضرا، ولا نفعاً إلا الله، وفيه تعظيم لهذه الحال، واقتضاء للوعيد.

(16)

مسألة: إن سئل عن قوله - سبحانه -: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30) } إلى آخر السورة. [الآيات من 16 إلى 30] فقال ما التجافي؟ ، وما الدعاء؟ ، وما الرزق؟ ، وما المضجع؟ ، وما معنى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ؟ ، وما معنى: {نُزُلًا} ؟ وما العذاب الأدنى؛ وهل ينتهي العذاب إلى حد ليس فوقه أكثر منه؟ ولم كان {} يدل على حجة الإجماع؟ ، ولم يدل قوله: {} ؟ ، وما معنى: {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} ؟ ، وما وجه الرد على المعتزلة من قوله {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} ؟ وما الهدى؟ ، وما الواجب من الهدى؟ ، وأين فاعل يهدي في قوله: {أولم يهد لهم} ؟ ، وما معنى: يوم الفتح؟ ، وما يوم الفتح؟ . الجواب: التجافي: تعاطي الارتفاع عن الشيء. والتجافي والنبو من النظائر. الدعاء: طلب الفعل من المدعو. الرزق: المنافع التي مكنوا منها. المضجع: موضع الاضطجاع.

والاضطجاع إلقاء النفس على جنب. المعنى يقطعهم اشتغالهم بالدعاء لله - عزَّ وجلَّ - عن طيب المضجع؛ لما يأملون به من الخير، والبركة من الله؛ لأن آمالهم. مصروفة إليه، وأتكالهم في أمورهم عليه. وقيل: كانوا يتنفلون بين المغرب، والعشاء عن أنس، وقتادة. وقيل: صلاة الليل عن الحسن، ومجاهد. وقيل: المعنى أنهم يذكرون الله بالدعاء، والتعظيم عن الضحاك. وقال قتادة: (خَوْفَا) من عذاب الله، (وَطَمَعاً) في رحمة الله. {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} في طاعة الله

ويجوز في ما أخفي وجهان: أحدهما: أن تكون بمعنى الذي. والثاني بمعنى أي. {نُزُلًا} أي: عطاء نزوله. عن الحسن. وقيل {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا} كادوا؛ لأنها ترفعهم بلهيبها ضربوا بمقامع حتى يهووا فيها. عن الحسن. قرأ (أُخْفِي) بإسكان الياء حمزة.. وقرأ الباقون (أُخْفِيَ) بفتح الياء. العذاب الأدنى: العذاب الأصغر وفي الأدنى معنى الأقرب، وهو عذاب الدنيا القتل، والسبي، والقحط، والمرض، والفقر. وقيل: العذاب الأدنى: مصائب الدنيا. عن ابن عباس والحسن.

وقيل: القتل يوم بدر عن عبد الله. العذاب الأكبر عذاب الآخرة. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} هاهنا: يتوبون. عن عبد الله، وأبي العالية. {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} أي: من لقاء موسى ليلة الإسراء بك. عن ابن عباس. وقيل: {وَجَعَلْنَاهُ} أي: جعلنا موسى. وقيل: وجعلنا الكتاب. عن الحسن. أئمة: أي: رؤساء في الخير عن قتادة

وقيل: {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} من لقاء موسى الكتاب. قال الحسن: فلا تكن في شك من لقاء الأذى؛ كما لقى موسى. كأنه قيل: فلا تكن في شك من أن تلقى كما لقي. قرأ حمزة والكسائي (لِمَا صَبَرُوا) بكسر اللام والتخفيف أي: بصبرهم. وقرأ الباقون (لَمَّا) بالفتح والتشديد. فأما وجه الرد على المعتزلة من قوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} فهو أن الله خلق فيهم الصفات التي كانوا بها أئمة، كما إذا قيل جعلته حيا، أو ميتاً؛ إذا خلق فيه الحياة، أو الموت. الهدى: دلالة تبصر طريق الرشد من الغي. يقال: هداه يهديه في الدين هدى، وهداه إلى الطريق هداية.

الواجب من الهدى المؤدي إلى معرفة الله، وما يجوز في صفته هدى. فاعل (يهد) مضمر فيه بتقدير (أولم يهد لهم) إهلاكنا. السَّوقُ: الحث على السير. والله يسوق ماء المطر إلى هذه الأرض الجرز، وهي الأرض الأرض اليابسة؛ التي ليس فيها نبات فتنبت بذلك ضروبا من النبات يتغذى به الإنسان، والأنعام. ويسوق الماء بالسيول. عن ابن عباس. وقيل متى يجيء فتح الحكم بيننا، وبينكم في الثواب، والعقاب. ويوم الفتح: يوم القيامة. عن مجاهد.

وقيل: {وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} [الموت] الذي يؤديهم إلى ذلك. وقيل: إنهم سيأتيهم ذلك؛ فكأنهم ينتظرونه.

الخاتمة

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبعد: فإني أحب أن أسجل في ختام هذا العمل المتواضع بعض النتائج التي ظهرت لي خلال العمل على دراسة الكتاب وتحقيقه: أولاً: فيما يخص الإمام ابن فورك فإنه عالم موسوعي من علماء الأشاعرة الذين ساهموا في تطوير المذهب الأشعري. ثانياً: تفسيره فريد في بابه وليس له نظير يدانيه رغم صغر حجمه وأنه من حر تأليفه وليس ملامح من تفسير أبي الحسن الأشعري كما زعم بعض العلماء وقد دللت على بطلان قوله بما لا يدع مجالاً للشك. وصية واقتراح: رغم التطور العلم ي الذي يعيشه العالم لا زالت أواصر الترابط والتعاون بين الجامعات ضئيلة، ولا أدل على ذلك من تكرار الأعمال الأكاديمية لذا فإنني أنادي باسم طلاب الدراسات العليا بضرورة التنسيق والتعاون بين الجامعات وتبادل الخبرات. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير ابن فورك من أول سورة الأحزاب - آخر سورة غافر المؤلف: الإمام العلَّامة / أبو بكر محمد بن الحسن ابن فورك (المتوفى 406) دراسة وتحقيق: عاطف بن كامل بن صالح بخاري (ماجستير) عدد الأجزاء: 1 الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى: 1430 - 2009 م [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ.

سورة الأحزاب

سورة الأحزاب مسألة: فإن سأل عن قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) } ، فقال: ما معنى أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتقوى وهو متقي؟ وما معنى النفاق؟ وما وجه اتصال قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} ؟ وما الوكيل؟ وفيمن نزل قوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} ، {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} ؟ وما معنى الأولى؟ وما معنى النفس؟ وأولوا الأرحام؟ وما معنى {أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} ؟ وما معنى {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} ؟ وفيمن نزلت {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} ؟ وما معنى {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ} ؟ وما معنى {أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ؟ وما معنى (الظنون) في قوله: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} ؟ وما الميثاق الغليظ؟ وكيف قيل: (الظُّنُونَا) بالألف؟ الجواب: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخاطب بالتقوى والمراد به غيره، كما قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] ، والثاني: إنه مأمور باستدامة الحال التي هو عليها؛ لأن الأمر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

أمر بابتداء الانتقال من حالة إلى حال. والثاني: يكون أمر استدامة. والثالث: يكون أمر استزادة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مأمور من الوجهين بالاستدامة والاستزادة. النفاق: إظهار الإيمان وإبطان الكفر، وكل منافق كافر. الذي اقتضى ذكر {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [1] أن المعنى فيه أن الله كان عليما بأحوالهم، حكيما فيما يوجبه عليك من أمرهم، ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [2] مهددا لهم. الوكيل: القائم بالتدبير لغيره. وقيل: كان المنافقون يقولن: لمحمد قلبان؛ فأكذبهم الله. عن ابن عباس.......................

ومجاهد، وقتادة. وقال الحسن: "كان رجل يقول: لي نفس تأمرني، ونفس تنهاني؛ فأنزل الله فيه هذا"

وقيل: هو في مثل امتناعه كامتناع أن يكون ابن غيرك ابنك. عن الزهري. وقيل: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [4] نزل في زيد بن حارثة، كمان يدعى ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

{وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [5] (ما) في موضع جر، أي: ولكن فيما تعمدت قلوبكم. ولا يجوز أن يطيعهم وإن دعوا إلى الحق، فإذا فعله فلانه حق، لا لأنهم دعوا إليه. قرأ {تُظَهَّرُونَ} [4] بفتح الظاء مشددة بغير ألف ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وقرأ عاصم {تُظَاهِرُونَ} خفيفة بضم التاء وبالألف، وقرأ ابن عامر بتشديد الظاء والألف.

الأولى: الأحق بأن يحتاج ما دعا إليه من غيره، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الصفة من أنه ينسى أن يختار ما دعا إليه على ما يدعو إليه غيره من نفس الإنسان أو سواه من العباد. وكذلك (الأولى) طاعة الله؛ لأنه ينبغي أن يختار على ترك طاعته نفس الشيء ذاته. وقيل: نفس الإنسان يحتمل أن تكون أخذت من (النفس) ؛ لأن من شأنها التنفس وهو التروح، ويحتمل أن تكون من (النفاسة) ؛ لأنها أجل ما فيه وأكرمه، على مذهب من يرى أنه شيء مخصوص في هذا البدن، وهو خطأ عندنا. {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} [6] أولوا القرابات. لما ذكر {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} في الحكم من جهة عظم الحرمة، قيل: [وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ] إلا ما ينبه الله في كتابه مما يجوز لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعين أمهات المؤمنين. ومعنى {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} أي: إلى أوليائكم من المؤمنين ما تعرف حسنته وصوابه. وقيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يحكم في الإنسان بما لا يحكم به في نفسه لوجوب طاعته؛ إذ هي مقرونه بطاعة الله.

وقيل: يحرم نكاحهن من بعده كما يحرم نكاح الرجل لأمه. وقيل: كان الناس يتوارثون بالهجرة، ولا يرث الأعرابي المسلم من المهاجر، حتى نزلت الآية. عن قتادة. وقيل: وقال: [إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا] أي: توصوا لهم. وقيل: {مَعْرُوفًا} من الوصية والنصرة. عن مجاهد. ولا يجوز أن يكونوا القرابة من أهل الشرك - على ما قال بعضهم - بأن يكونوا أولياء. قال ابن عباس: " (الميثاق الغليظ) العهد".

وقيل: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [8] أي: من الرسل، ما الذي أجاب به أممكن؟ عن مجاهد. وقيل: قال المسلمون يوم الخندق لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بلغت القلوب الحناجر، فعل من شيء نقوله؟ ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "نعم! قولوا: اللهم استر عورتنا، وآمن روعتنا". قال: فضرب الله وجوه أعدائه بريح الصبا........... فهزمهم الله بها. وقيل: جنود المشركين، وهي قريش وغطفان وبنو قريظة، وجنود المؤمنين: الملائكة.

وقيل: الذين جاءوهم من فوقهم عيينه بن بدر في أهل نجد، {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [10] أبو سفيان في قريش، وواجهتهم قريظة. عن مجاهد. {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ} عدلت عن مقرها. وقال قتادة: شخصت {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} نبت عن أماكنها من الرغب. قال الحسن: "ظنونا مختلفة، ظن المنافقون أنه سيستأصل، وظن المؤمنون أنه سينصر". وقيل: {أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [6] أي: أولى بهم من بعضهم ببعض، كما قال: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] .

وقيل: {مَسْطُورًا} أي: مكتوبا. وقيل: {مَسْطُورًا} في أم الكتاب. وقيل: (المِيثَاقً الغَلِيظً) اليمين بالله على الوفاء بما حملوا. وقيل: كانت الريح شديدة البرد تمنع المشركين من الحرب، فكانت الملائكة تقعد بعضهم عن بعض.

وقيل: {الظُّنُونَا} بالألف، لأجل الفواصل التي يطلب بها تشاكل المقاطع. وقال الحسن: "لما نزلت هذه الآية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه". وقرأ {الظُّنُونَا} بالألف في الوقف دون الوصل ابن كثير، والكسائي، وقرأ نافع، وابن عامر بالألف في الوصل والوقف، وقرأ أبو عمرو، وحمزة.

صفحة فارغة

(11)

بغير ألف في الوصل والوقف. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) } ، فقال: ما الفرق بين (هنا) و (هنالك) ؟ وما الابتلاء؟ وما الزلزال؟ وما الشدة؟ وما الغرور؟ ومن قال: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [12] ؟ ومن قال: {لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [13] ؟ وما معنى {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} ؟ وما معنى {يَثْرِبَ} ؟ وما الفرار؟ وما الفرق بين الموت والقتل؟ ولم رفع {لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [16] ؟ وما التعويق؟ وما معنى {سَلَقُوكُمْ} [19] ؟ الجواب: الفرق بين (هنا) و (هنالك) : أن (هنا) للقريب من المكان، و (هنالك) للبعيد، و (هنالك) للتوسط بين القريب والبعيد، وسبيله سبيل: ذا وذلك وذاك: الابتلاء: إظهار ما في النفس من خير أو شر. الابتلاء، والاختبار، والامتحان: نظائر، ومنه: البلاء النعمة؛ لأنه إظهار الخير على صاحبه، والبلاء النقمة بإظهار الشر عليه. الزلزال: الاضطراب العظيم، منه: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] .

الشدة: قوة تدرك بالحاسة. العرور: إيهام المحبوب بالمكروه. الذي قال: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [12] معتب بن قشير. عن يزيد بن رومان. {يَثْرِبَ} اسم أرض، قال أبو عبيدة: "مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ناحية من يثرب". وقيل: هي المدينة ونواحيها.

وقيل: {لَا مُقَامَ لَكُمْ} [13] أي: لا مكان لكم تقومون فيه. وقيل: هو من قول أوس بن قيظي ومن وافقه على رأيه. وقوله: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أي: نخشى عليها السرق. عن ابن عباس. وما [احتبسوا] من الإجابة إلى الكفر إلا قليلا. عن قتادة. وهم بنو حارثة الذين {عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} [15] . عن ابن عباس. وقيل: {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} [14] أي: بالمدينة حتى يهلكوا. عن القتبي.

وقرأ {لَا مُقَامَ لَكُمْ} بالضم حفص عن عاصم، وقرأ الباقون {لَا مُقَامَ لَكُمْ} بالفتح. قرأ ابن كثير، ونافع وابن عامر {لَآتَوْهَا} قصرا، وقرأ الباقون {لَآتَوْهَا} بالمد. الفرار: الذهاب عن الشيء خوفا منه. القتل: قد يكون بنقض بنية الحيوان، وقد تكون الحركة التي تخرج بعدها روح المقتول، وقد يكون كسبا وغير كسب. الموتُ: ضد الحياة، لا يقدر عليه إلا من قدر على الحياة.

صفحة فارغة

رفع [لَا تُمَتَّعُونَ] {16} لوقوع (إدًا) بين الواو والفعل؛ فصارت بمنزلة ما لم يقع بعد الفعل، كقولك: أنا آتيك إذنْ. التعويقُ: التثبيط، وهو الشغل بالقعُود عن أمر من الأمور. من كانوا لا يدعون إخوانهم إلى الجهادِ، وشغلوهم عن الجهاد لينصرفوا عنه. وقيل: [أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ] {19} في الغنيمة، والنفقة في سبيل الله. عن قتادة، ومجاهد. وقيل: [سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ] أي: خصموكم طلباً للقسمة. ويقال: خطيب مسلقٌ، ومصلقٌ، أي: هو بليغ في الخطابة. [وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ] {20} أي: لو وقع الأحزاب لودًّوا. وقال الحسنُ: [سَلَقُوكُمْ] {19} جادلوكمْ.

(21)

مسألة: وإن سأل عن قوله سبحانه: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) ] ، فقال: ما الأسوةُ: وما الرجاءُ؟ وما معنى {وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [21] ؟ وما الذي وعد الله به في أمر الأحزاب؟ وما النحبُ؟ وما المظاهرةُ؟ وما الصياصي؟ وما الضعف؟ ومن الذين أنزلوا من صياصيهم؟ وما معنى {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [27] ؟ وهل كان تخييره لأزواجه للطلاق أم هو تخيير بين الدنيا والآخرة؟ الجواب: الأسوةُ: حال لصاحبها يقتدي بها غيره فيما ينزل به من مثلها، فالأسوة تكون في إنسان، وهو أسوة لغيره، فمن تأسى بالحسني ففعله حسنٌ. الرجاء: توقع الخير. والرجاءُ، والأملُ، والطمع: نظائر. وإذا طمع الإنسان في الخير من جانب الله كان راجياً لهُ.

[وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا] {21} أي: ذكره بالتعظيم بصفاته العُلى، وأنه المالك لجميع العباد، العزيز العليمُ الرحيمُ. الذي وعد الله به في أمر الأحزاب أنه وعدهم أنهم إذا لقزا المشركين ظفروا بهم، واستغلوا عليهم، في نحو قوله: [لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ] {التوبة: 33} مع فرض الجهاد. وقيل: الذي وعدهم الله به في قوله: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ] {البقرة: 214} . عن قتادة. النحبُ: النذر، أي: فقضى ندره، كان ندره فيما عاهد الله عليه. وقيل: النحبُ الموت أيضاً، والنحبُ: المدُّ في السير يوماً وليلة. قال مجاهد: [قَضَى نَحْبَهُ] {23} أي: عهدهُ. ومعنى [وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ] {24} بعذاب عاجل في الدنيا أو يتوبُوا.

ونذر المؤمنون إذا لقوا حرباً مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يثبتوا ولا ينهزموا.

وقيل في الشرط {إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} أنه علم أن من المنافقين من يتوب؛ فقيد الكلام ليصبح المعنى. قال الحسن: " {قَضَى نَحْبَهُ} مات على ما عاهد". قرأ عاصم وحده {أُسْوَةٌ} بضم الألف، وقرأ الباقون بالكسر. المظاهرة: المعاونة، وهي زيادة القوة بأن يكون المعاون ظهرا لصاحبه في الدفع عنه، الظهير: المعين بهذا المعنى. الصياصي: الحصون التي يمتنع بها. واحدها: صيصة. يقال: صيصة فلان، أي: حصنه امتنع به. الصيصة: قرن البقرة، وهي شوكة الديك، وشوكة الحائك أيضا. قال الشاعر: [الطويل] ................ مةقغ الصياصي في النسيج الممدد

الضعف: مثل الشيء الذي يضم إليه. ضاعفته: زدت عليه مثله، منه: (الضعف) نقصان القوة؛ بأن ذهب أحد ضعفيها، فهو ذهاب ضعف القوة. والذين أنزلوا من صياصيهم: بنو قريظة من اليهود، وكانوا نقضوا العهد وعاونوا أبا سفيان، فلما هزم الأحزاب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مناديه بأن ينادي: "لا يصلين أحد العصر إلا ببني قريظة"، فمنهم من لحق ذلك بعد العتمة، وصلى العصر في ذلك الوقت، ومنهم من صلاها قبل، وصوب رسول - صلى الله عليه وسلم - الكل. وقيل: إن سعد بن معاذ حكم فيهم أن تقتل الرجال، وتسبى الدراري والنساء، وتقسم الأموال، وتكون الأرض للمهاجرين دون الأنصار. فقيل له في ذلك، فقال: لكم دار وليس للمهاجرين دار. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حكم فيهم بحكم الله".

وقيل: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [27] أرض فارس والروم. عن الحسن. وقيل: مكة. عن قتادة. وقيل: خيبر. عن ابن زيد. وقيل: كان له تسع نسوة فلما اختزن الله ورسوله والدار الآخرة حمدهن الله على ذلك فقال: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [52] .

(31)

وقال الحسن: "الذين أنزلوا من صياصيهم هم بنو النضير". وقال الناس: هم بنو قريظة. وقال الحسن: "لم يكن تخير طلاق، وإنما هم تخيير بين الدنيا والآخرة". قرأ {نُضَعَّفْ} بالنون {لَهَا الْعَذَابُ} بالنصب ابن كثير، وابن عامر، وقرأ الباقون {يُضَاعَفْ} بالياء والألف. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) } ، فقال: ما القنوت؟ وما العمل الصالح؟ وما الأجر؟ وما معنى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [33] ؟ وما التبرج؟ وما الجاهلية الأولى؟ وفيمن نزل {إِنَّمَا يُرِيدُ

اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} ؟ وما الخيرة؟ وما الذي أخفى في نفسه مما أبداه الله؟ وما الوطر؟ وما القدر المقدور؟ وما معنى {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [37] ؟ وفيمن نزلت {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [38] ؟ وما السنة؟ وما معنى {وَتَخْشَى النَّاسَ} [37] ؟. الجواب: القنوت: المداومة على العمل، فمن داوم العمل لله فهو مطيع، ومنه: القنوت في صلاة الوتر، وهو المداومةى على الدعاء المعروف. العمل الصالح: الذي يحسب أن يحمد عليه أو يثاب. الأجر: الجزاء بالخير. معنى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [33] أي: كن أهل وقار، أي: هدوء وسكينة، من: وقر فلان في منزله وقورا إذا أهدي فيه واطمأن به. به. ومن قرأ {وَقَرْنَ} بفتح القاف فمعناه: واقررن في بيوتكن، من:

قررت في المكان أقر قراراً، إلا أنه نقلت حركة العين إلى القاف فانفتحت، وسقطت الراء الأولى لالتقاء الساكنين، كقولهم في: ظللت وظلتُ، وفي: أحسستُ وأحستُ. التبرج: التبخترُ. عن قتادة. وقيل: إظهار المحاسن للرجال. و {الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [33] قبل الإسلام، فأما الثانية فحال من معل في الإسلام بعمل أولئك. وقيل: نزل {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} في النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي، وفاطمة، والحسنَ، والحسين، عن أبي سعيد الخدري.

صفحة فارغة

وقيل: في أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة. عن عكرمة. وقيل: قد اشتركوا جميعاً في هذا المعنى. ويجوز: قررت في المكان اقر فيه، لغتان. قرأ {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا} [31] بالياء فيهما حمزة والكسائي، وقرأ الباقون {وَتَعْمَلْ} بالتاء، ولم يختلفوا في {يَقْنُتْ} بالياء. قرأ نافع، وعاصم {وَقَرْنَ} بفتح الفاء، وقرأ الباقون بكسر القاف الخيرةُ: الاختيار، وهو إرادة اختيار شيء على غيره - ها هنا - ومعناه: ليس لأحد أن يتخير مع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً يترك به ما أمر به إلى ما لم يأذن فيه.

الذي أخفى في نفسه مما أبداه الله له أنه إن طلقها زيد تزوج بها، وخشى من إطهار هذا للناس. الوطرُ: الأرب المشتهى، ولي فيه وطرٌ، أي: حاجة وشهوة. وذلك أنه لما طلقها زيد أذن الله في تزويجها؛ لئلاَّ يكون المتبنى به إذا طلق المرأة يجري في التحريم مجرى امرأة الابن إذا طلقت. وقيل: نزل {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} [36] الآية في زينب بنت جحش لما خطبها رسول الله لزيد بن حارثة فامتنعت، إلى أن نزلت الآية فرضيت. عن ابن عباس، ومجاهدٍ

وقيل: نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - فزوجها بن حارثة. عن ابن زيد. وقيل: {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} بالهداية {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالعتق. وقالت عائشة: "لو كنتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً من الوحي لكتم {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [37] ". وقيل: {وَتَخْشَى النَّاسَ} أي: تخشى عتب الناس. عن الحسن.

(41)

{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} أي: تزويج النبي - صلى الله عليه - زينب بنت جحش إياك لا محالة كائنٌ. القدر المقدورُ: السبب الجاري متعلقه على مقدار ما تقدم من غير زيادة ولا نقصان. قوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [40] نزلت في زيد بن حارثة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان أبا القاسم، وإبراهيم، والطيب، والمطهرِ. عن قتادة. السنة: الطريقة الجارية على منهاج واحد. قرأ عاصم وحده {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} بفتح التاء، وقرأ الباقون بكسر التاء. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ (51) } فقال:

ما الذكر؟ وما الفرق بين الذكْر والعلم؟ وما معنى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [43] ؟ وما معنى الظلمة والنور؟ وما معنى {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [42] ؟ وما معنى {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [44] ؟ وما موضع الرد من ذلك على المعتزلة؟ وما الداعي؟ وما المنيرُ؟ وما الفضلُ؟ وما معنى {وَدَعْ أَذَاهُمْ} [48] ؟ وما معنى {مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [50] ؟.

الجواب: الذكرُ: حضور معنى الصفة للنفس، ذولك بوجهين: أحدهما: بوجود المعنى في النفس ابتداء من غير طلب. والآحر: بالطلب من جهة الفكر. الذكر قد يجامع العلم، وقد يجامع الشك في الشيء من وجه واحد، والذكر يضاد السهو ولا يضاد الشك كما يضاد العلمَ. معنى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [43] أي: هو الذي يوجب بركة الصلاة، وهي الدعاء بالخير، وتوجبه الملائكة بفعل الدعاء، وهذا مما يختلف فيه معنى صفة الله - عز وجل - وصفة العباد، كـ (توَّاب) بمعنى: كثير القبول للتوبة، و (توَّابِ) بمعنى: كثير الفعل للتوبة. وذكر الظلمة والنور - ها هنا - لأن العلم كالنور الذي يهتدي به إلى الأمور، والظلمة كالجهل في إيجاب الحيرة، والإيمان بمنزلة النور، لأنه يقود إلى الجنة، والكفر الذي يقود إلى النار. وقيل: يصلي عليكم بطريقة الدعاء، كقوله: عليك رحمتي ومغفرتي. وقيل: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [42] صلاة الغداة وصلاة العصر. عن قتادة. وقيل: {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [43] من الضلالة إلى الهدى. عن ابن زيدٍ.

والأصيل: العشيُّ، وجمعه: أصل، وهو أصل الليل، أي: أوله ومبتداهُ. وقيل: {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} يترحم عليكم بإيجاب الرحمة، وتصلي الملائكة بالدعاء بالرحمة الأول: كالدعاء، والثاني: دعاءٌ. قيل: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [44] أي: قوله السلامة لكم من جميع الآفات، والفوز بنعيم الثواب، وذلك رد على المعتزلة؛ لأن اللقاء المطلق على الحي السليم الذي لا آفة به لا يعقلُ منه غير الرؤيةِ. الداعي: الطالب من غيره فعلاً. المنيرُ: المختصُّ بأنه منبت النور من جهته، إما بفعله، وإما بأنه سبب له. والقمر منير، والسراج بهذا المعنى، والله - تعالى - منيرُ السموات والأرض. الفضلُ: الزيادة في الإحسان.

معنى {وَدَعْ أَذَاهُمْ} [48] أي: أعرض عن أذاهم فإني أكفيك أمرهم إذا توكلت عليَّ وعملت بطاعتي؛ فإن جميعهم في سلطاني بمنزلة ما هو في قبضة عندي. وقيل: لم يكن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة وهبت نفسها له. وقيل: بلى، كانت ميمونة بنت الحارث. عن ابن عباس بخلاف. وقال علي بن الحسين: "هي امرأة من بني أسد، يقال لها: أم شريكٍ".

(51)

وقال الشعبيُّ: "هي امرأة من الأنصار". وقيل: {مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [50] أن لا نكاح إلا بولي، وشاهدين، وصداق، وأن لا يتجاوز الأربع. عن قتادة. مسألة: إن سأل عن قوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا (61) } فقال: ما الإرجاءُ؟ وما الأيواء؟ وما الابتغاء؟ وما معنى {إِنَاهُ} ؟ وما الأنسُ؟ وما معنى {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [52] ؟ وما التسليمُ؟ ولم

جاز {يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [57] والله يجلُّ أن يؤذيه أحد؟ وما معنى {لَعَنَهُمُ اللَّهُ} ؟ وما الهوانُ؟ وما الإغراء؟ وما الجلابيبُ؟ وما الإرجافُ؟.

الجواب: الإرجاء: التأخير، وهو تبعيد وقت الشيء عن وقت غيره، ومنه: الإرجاء في وعيد الفساق، بمعنى: تأخير الحكم فيهم بالعقاب إلى أن يظهر الله ذلك في الآخرة. الإيواء: ضم القادر غيره من الأشياء التي من جنس ما يعقل إلى ناحيةٍ. الابتعاء: الطلب، وهو العمل لوجدان الشيء. {إِنَاهُ} بلوغه إناء الطعام، يأني إناه إذا بلغ حال النضج، فالمعنى: غير منتظرين بلوغ الطعام. الأنسُ: نقيض الوحشة، وإنما منعوا من الاستنناس بحديث من أجل طول الجلوس؛ إذ الحديث يقتضي ذلك. وقال قتادة: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين أزواجه فأحل الله تركَ ذلكَ".

وقيل: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ} [51] ممن كنت عزلت عن ذلك من نسائك {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ} أنفسهن إذا علمن أن الرخصة.............................

[أصابتْهُ] من قبل. عن قتادة. {وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} بالرفع على تأكيد المضمر في {يَرْضَيْنَ} لا يجوز غير ذلك؛ لأن المعنى عليه. وقيل: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [52] أي: التسع الاتي كن عنده واخترنه. عن ابن عباس، والحسنِ. وقيل: لا، بل إنما حرم عليه ما عدا اللواتي دكرنَ بالتحليل في {إِنَّا أَحْلَلْنَا} [50] الآية. عن أبي بن كعب.

و (رقِيبٌ) حفيظ. عن الحسن. وقيل: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ} [55] في أن يضعن الجلباب. عن مجاهد. وقيل: في ترك الاحتجاب. عن قتادة. وقيل: {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من الرجال والنساء. وقيل: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} [51] إذا طمعت في ردها إلى فراشه بعد عزلها. وقال الحسن: " {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} بذكر المرأة للتزويج، ثم يرجيها فلا يتزوجها". قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر [تُرْجِئ] مهموزة، وقرأ الباقون [تُرْجِي] بغير همزة.

وقرأ أبو عمرو وحده {لَا تَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [52] بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. التسليم: الدعاء بالسلامة، ويكون بصيغ مختلفة، منها: سلمك الله، ومنهت: السلام عليك ورحمة الله، ومنها: السلام عليك يا رسول الله!. جاز أن يقول: {يُؤْذُونَ اللَّهَ} [57] للمبالغة في فحش، أو: في أولياء الله؛ إذ جعل أذاهم لأوليائه أدى له في نخرح الصفة. معنى {لَعَنَهُمُ اللَّهُ} أبعدهم، وقال: اللعن بالإبعاد من رجمته، وإذا قال الإنسان: لعن الله فلاناً فمعناه: الدعاء عليه بالإبعاد من رحمته. الهوانُ: الاحتقار. وقيل (العذاب المهين) ؛ لأن الله - عز وجل - يهين الكافر به حتى تظهر الدلة فيه. الجلباب: خمار المرأة، وهي المقنعة جبينها ورأسها إذا خرجت لحاجتها خلاف الإماء. عن ابن عباس، ومجاهد. الإغراء: الدعاء إلى تناول الشيء بالتحريض عليه. الإرجاف: إشاعة الباطل للاغتمام به.

(61)

وقيل: أغراه به سلطة عليه. عن ابن عباس. {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} [60] بالنفي عنها. وزعم بعضهم أن {يُصَلُّونَ} [56] فيه إضمار الملائكة دون اسم الله، مع إقراره أن الله يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، كأنه يذهب إلى إفراده بالذكر للتعظيم. وقيل: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} [59] من الإماء {فَلَا يُؤْذَيْنَ} . وقال الحسن: {أَنْ يُعْرَفْنَ} بالحرية والصيانة {فَلَا يُؤْذَيْنَ} . مسألة: إن سأل عن قوله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) } الآيات، فقال: ما معنى {ثُقِفُوا} ؟ وبم انتصب {مَلْعُونِينَ} ؟ وما السنة؟ وما معنى {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} ؟ ولم لا يكون من عمل الشيء مرة أو مرتين فذلك الشيء سنة له؟ وما التقليب؟ وما الوجه؟ وما السادة؟ وما الكبير؟ وما السديد؟ وما معنى {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [69] ؟ وما إصلاح أعمال العباد؟ ولم جاز الوعد بالقول السديد؟ وما حكم من آثر ترك الطاعة لله لغيره مع علمه بقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [71] ؟ وما الأمانة؟ ولم جاز {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [72] ؟ وما معنى {ظَلُومًا جَهُولًا} ؟. الجواب:

{ثُقِفُوا} وجدُوا وصودفُوا. انتصب {مَلْعُونِينَ} بـ {أَيْنَمَا ثُقِفُوا} وإن جزم به {ثُقِفُوا} على طريق الجزاء جاز، وإنما جاز ذلك لأن الجازم في الأصل (أن) المحذوفة، {أَيْنَمَا} يقوم {ثُقِفُوا} مقامها ويغني عنها، ولا يجوز أن يعمل فيه [أخذُوا] لأنه جواب الجزاء، ولا يعمل الجزاء فيما قبل الشرط. السنة: الطريقة في تدبير الحكم، منه: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدين، وهي الطريقة التي أجراها بأمر الله وأضيفت إليه، وأصل السنة: الطريقة. {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [62] السنة التي أراد الله أن يسنها في عباده، لا يتهيأ لأحد تغييرها ولا قلبها عن وجهها. ويجوز نصبُ {مَلْعُونِينَ} [61] على الدم على الصفة لذليل، كأنه قال: إلا أذلاء ملعونين، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في {يُجَاوِرُونَكَ} .

من عمل الشيء مرة أو مرتين لم يقل أن ذلك الشيء سنة له؛ لأن السنة هي الطرسقة الجارية على الدوام مع الإمكان، وسنة الله في المتمردين في الكفر الذين لا يفلح أحد منهم ولا من نسائهم مع الإهلاك بالعذاب في الدنيا قبل الآخرة. التقليب: تصريف الشيء في الجهات، وكذلك التنقل من جهة إلى جهة، فهو يقلب وجوههم في النار لأنه أبلغ فيما يصل إليها العذاب. السادةُ: جمع (سيدٍ) ، والسيدُ: المالك العظيم، وهو مالكُ تدبير السواد الأعظم. الكبيرُ: هو الذي يمكن أن يكون به ما لا يكون بغيره لتقصيره عنه. وقيل: أوذي موسى - عليه السلام - بعيب أضافوه إليه لم تقم حجة بتعيينهِ.

السديدُ: البرئ من حال الفساد. القول السديد برئ من الكذب، والتمويه، واللغوِ. وقيل {الرَّسُولَا} و {السَّبِيلَا} لأجل الفواصل في رءوس الآى، حتى يجري ذلك على تشاكل ألفاظ البلاغة في تفصيل المعاني، كما يجري في القوافي لقطع البيت من الذي قبله. وقيل: إنما أوذي موسى - عليه السلام - بأن أشاعوا أن هارون - عليه السلام - قتله موسى، وأحيى الله هارون حتى أخبرهم أن موسى لم يقتله، وأن الله هو الذي أماته عند انقضاء أجله. {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [69] عظيم القدر، رفيع المنزلة، إذا سأله شيئاً أعطاه. قرأ عاصم، وابن عامر {لَعْنًا كَبِيرًا} بالباء، وقرأ الباقون {كَثِيرًا} . إصلاح أعمال العباد بإدامه اللفظ فيها حتى يستقيم على الطريقة المسلمة من الفساد.

وجاز وعد غفران الذنوب بالقول السديد لأنه يدخل في القول السديد التوبة من الذنوب، كما يدخل فيه تجنب الكذب. الأمانة: العقدُ الذي يلزم الوفاء به مما من شأنه أن يؤتمن عليه صاخبه، وقد علم الله - تعالى - في هذه الآية شأنه، وأمر بالوفاء به في سورة المائدة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [1] ، وبين أن منزلتها منزلة ما لو عرض على الأشياء مع عظمها وكانت تعلم ما فيها لأشفقت منها، إلا أنه خرج مخرج الواقع. {فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [71] أي: قد تلقوا بالكرامة من الله والرضوان. وقيل: {الْأَمَانَةَ} الطاعة لله، وقيل لها (أمانةٌ) ؛ لأن العهبد أؤتمنَ عليها. وقيل: من الأمانة أن المرأة أئتُمنتْ على فرجها، والرجل فرجه عن أن يحفظه من الفاحشة. {ظَلُومًا} لنفسه {جَهُولًا} بمنزلة الأمانة. وقيل: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ} في الأمانة {وَالْمُشْرِكِينَ} بتضييع الأمانة {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} بحفظهم لها. وقيل: كلاهما خانا في الأمانة.

وقيل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} على أهل السموات والأرض والجبال من الملائكة فأبين أن يخترن خيانتها. قيل: والقول الأول هو الوجه أن يكون على المثلِ. * * *

سورة سبأ

سورة سبأ مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ (11) } فقال: ما الحمد؟ ولم لا يستحق إلا على الإحسان؟ وبأي شيء ينفصل الحمد الأعلى - الذي ليس فوقه ما هو أعلى منه - من الأدنى في الحمد؟ ولم جاز الحمد في الآخرة وهي دار الجزاء؟ وما وجه الإخبار بعذاب النار؟ وما معنى {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ؟ وما معنى {مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} [2] ؟ وما الهادي إلى الحق؟ وما إيتاء العلم؟ وما العزيز؟ وما معنى {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [7] ؟ وما عامل الإعراب فيه؟ ومن الذين قال: {أُوتُوا الْعِلْمَ} [6] ؟ وما معنى {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [9] ؟ وما معنى {أَوِّبِي مَعَهُ} [10] ؟. الجواب: الحمدُ: الوصف بالجميل على جهة التعظيم. ونقيضه: الدمُّ، وهو: الوصف بالقبيح على جهة التحقير. الحمد يستحق على الإحسان، وعلى صفات المدح، وينفصل الحمد الأعلى مما هو أدنى بأن الأعلى يجب أن يقع على تعظيم العباد. الأدنى حمدٌ دون تلك المنزلة، لا يجوز أن يقع على جهة العباد. جتز الحمد في الآخرة لأنه يستحقه بإحسانه في الآخرة من العباد على ما يصح من التمكين.

وجه الإخبار بعذاب النار أنه ردع لما سلف من القبيح. {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} [3] أي: لا يغيبُ. {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [4] أي: هنئ، لا تنغيص فيه ولا تكدير. وقيل: (الرزق الكريمُ) الجنة. عن قتادة. وقيل: يحمده أهل الآخرة من غير تكليف على سبيل السرور بالحمد. وقال: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} من المطر {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من النبات {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} من الماء {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من ملكٍ. ومن حمد أهل الجنة {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: 74] . قرأ ابن كثير. وأبو عمرو، وعاصم {عَالِمِ الْغَيْبِ} بكسر الميم، وقرأ نافع، وابن عامر [عَالِمُ الْغَيْبِ] رفعاً، وقرأ حمزة، والكسائي [عَلاِمِ الْغَيْبِ] جرا. وقرأ الكسائي وحده {لَا يَعْزِبُ} بكسر الزاي، وقرأ الباقون بالضم. وقرأ ابن كثير، وعاصم {مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} بالرفع، وقرأ الباقون بالجر. الهادي إلى الحق: القائد إليه بإظهار صحة الطريق المؤدي إليه. إيتاء العلم: إعطاؤه بوضعه في النفس أو بالتسبيب بما يؤدي إليه. العزيزُ: القادر الذي لا يمكن أن يمنعه مانع.

{إِذَا مُزِّقْتُمْ} أي: قطعتم بتقطيع أجسامكم.

{الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [6] أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز كل من أوتي علم الدين. {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [9] أي: إن سماءنا محيطة بهم، وأرضنا حاملة لهم، فهم في قبضتنا، إن نشأ نخسف بهم هذه، أو نسقط عليهم تلك، أفما يحذرون هذا فيرتدعوا عن التكذيب بآياتنا؟!. المنيبُ: المقبل التائب. {أَوِّبِي مَعَهُ} رجعي، يعني بالتسبيح. وقيل: {أَوِّبِي مَعَهُ} سبحي إذا سبح. وقيل في نصب {وَالطَّيْرَ} [10] وجهان: الأول: وسخرنا له الطير.

(11)

والثاني: العطف على موضع المنادي. وقيل: كان الحديد في يده مثل الشمع يصرفه كيف يشاء من غير نار ولا تطريق. وقيل: {أَوِّبِي مَعَهُ} [10] سيري كيف شاء. وقيل: أسقط ألف الاستفهام من {أَفْتَرَى} لدلالة (أمْ) عليه، وهو غلط من قائله، لأن ألف الاستفهام لا تحذف إلا في الضرورة، وإنما القراءُ تقطع الألف، ولو لم تقطع لكان خبراً بعد استفهام. و {هُوَ} في {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} فصلٌ، ويسميه الكوفيونَ (العماد) . مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ (21) } فقال:

ما السابغ؟ وما السرد؟ وما العمل الصالح؟ وما البصير؟ وما معنى {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [12] ؟ وما القطْرُ؟ وما المحاريب؟ وما معنى (سبأ) ؟ وما الإعراض؟ وما السيلُ؟ وما العرم؟ وما الخمْط؟ وما معنى {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [17] ؟ وما معنى {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [19] ؟ الجواب: السابغُ: التام من اللباس، وهو - ها هنا - التام من الدروع، ومنه: إسباغ النعمة = إتمامها. {السَّرْدِ} حلق الدروع، وقيل: المسامير التي في حلق الدروع، وهو مأخوذ من: سرد الكلام يسرده سرداً، إذا تابع بين بعض حروفه، وبعضهم قالوا: درع مسرودة، أي: مسمورة الحلق. العمل الصالح: المستقيم على مقدار ما دعا إليه الحق. البصير: العليم بالأمرو بمنزلة ما يرى في تمييزه. {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي: عدل المسمار في الحلقة، لا يدق فيسلس، أو يغلظ فيفصم. عن مجاهد، والحسن.

{غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [12] قيل: مسيرها به إلى انتصاف النهار في مقدار سير شهر، ورواحها من انتصاف النهار إلى الليل في مقدار سير شهر. قال الحسن: "كان يغدو فيقيل في إصطخرَ، ويروح منها فيكون بكابل". و {الْقِطْرِ} النحاس. {وَمَنْ يَزِغْ} [12] يعدل عن جهة الصواب، زاغ يزيع زيغاً وإزاغة. المحاريبُ: قصور ومساجد. عن قتادة. المحاريبُ: أشراف البيوتِ.

الجابية: الحوض الذي فيه يجبر الماء. قال ابن عباس: "الجواب: الحياضُ". {مِنْسَأَتَهُ} [14] عصا أكلته الأرض. المنسأةُ: أصلها من (نسأتُ) بالهمز، أي: سقتُ. وقيل: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [11] أي: في سرد الحديد ونظمه. وقيل: (سبأ) أبو اعراب اليمن، وقد تسمى به القبيلة، نحو: هذه تميمٌ تميمٌ.

وقال [قتادة] : بقى متوكئَا على عصاه سنة، لا يدري أنه مات. وقال الحسن: " (سبأ) أرض". قرأ نافع، وأبو عمرو {مِنْسَاتَهُ} غيرر مهموز، وقرأ الباقون {مِنْسَأَتَهُ} بالهمز. وقرأ {مَسْكِنِهِمْ} بكسر الكاف الكسائي وحده، وقرأ {مَسْكَنِهِمْ} بفتح الكاف حمزة، وقرأ الباقون {مَسَاكَنِهِمْ} . الإعراض: الذهاب عن الشيء، وهو خلاف الذهاب [إليه] . السيلُ: الماء الجاري الكثير الذي لا يضبط دفعه لعظمه. {الْعَرِمِ} [16] المسناةُ التي تحتبس الماء، واحده: عرمة؛ كأنه مأخوذ من: عرامة الماء، وهو ذهابه كل مذهب. الخمطُ: كل نبت قد أخذ طعماً من المرارة حتى لا يمكت أكله. وقيل: (الخمط) كل شجر ذي شوك. وقيل: (الخمط) الأرَاك الأرَاك.

الأثلُ: الخشب. عن الحسن.

وقيل: (الأثلُ) الطرفاء. قال قتادة: "بدلوا بخير الشجر سيء الشجر". والخمط: شجر له تمرٌ مرُّ، والأثل: ضرب من الخشب. وقيل: (الأثل) السمُر. معنى {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [17] أي: هل نجازي بمثل هذا الجزاء في تعجيل العقاب بسلب النعمة إلا الكفور. وقيل: {الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [18] الشام. عن مجاهد، وقتادة. وقيل: بيت المقدس. عن ابن عباس.

وقيل: {قُرًى ظَاهِرَةً} أي: متواصلة. عن قتادة؛ وذلك أنه تظهر الثانية من الأولى لقربها منها. وقيل: {آمِنِينَ} لا تخافون جوعاً ولا عطشاً، ولا من أحد ظلماً، كأنه قيل لهم { ... } كذا. وقيل: بطروا فقالوا: لو [كان] جنى ثمارنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه؛ فمزقوا بين الشام وسبأ كل ممزق. عن ابن عباس. {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [19] أي: يضرب بهم المثل في التفرق. قال الشعبي: "أما غسان فلحقوا بالشام، وأما الأنصار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة................

صفحة فارغة

وأما الأزدُ فلحقوا بعمان". وقيل: كان زيادة الماء حتى غرقوا به. وقيل: سقيت من جرذٍ ثقب عليهم السكرَ. وقيل: {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} [18] أي: جعل بين القرية الأولى والثانية مسيرة يوم لراحة المسافر وتزوده منها. {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [19] بأن أهلكناهم وألهمنا الناس حديثهم ليعتبروا به. قال الحسن: "لا يجازي مثل هذه المجازاة من العذاب إلا الكفورُ". وقيل: {الْعَرِمِ} السكْر. وقيل: المطر الشديد. وقيل: هو اسم وادي.

صفحة فارغة.

(21)

وقيل: هو الجرد الذي تقبَ السكر. قرأ أبو عمرو {ذَوَاتَيْ أُكُلِ خَمْطٍ} مضافاً. وقرأ الباقون {أُكُلٍ خَمْطٍ} منوناً. وقرأ {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} نصباً حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص، وقرأ الباقون {ويجَازَي إلَّا الْكَفُورُ} بالرفع. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو {بَاعَّدْ} مشددة، وقرأ الباقون {بَاعِدْ} بألف خفيفة. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي {صَدَّقَ} مشددة، وقرأ الباقون {صَدَقَ} مخففة. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30) } ، فقال: ما السلطانُ؟ ولم جاز {إِلَّا لِنَعْلَمَ} [21] والله عالم بجميع الأمور؟ وما الملكُ؟ وما معنى {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [23] ؟ وما معنى {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ

لَعَلَى هُدًى} [24] ؟ وما الجمعُ. وما الفتحُ؟ وما معنى {أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ} [27] ؟ وما الإلحاقُ؟ وما العزيزُ؟ الجواب: السلطان: القوة التي يتسلط بها على الفعل، والمعنى: أنه لم يمكن من إغوائهم إلا بمقدار الدعار الذي لا يصل معه إلى قلبهم شيء. جاز {إِلَّا لِنَعْلَمَ} [21] والله عالم بجميع الأمور؛ لوجهين: أحدهما: أن المعنى فيه: إلا لنظهر المعلوم من صحة الجزاء على الكفر والإيمان. الآخر: إلا لنعاملهم معاملة من كأنه لا يعلم، وإنما يعمل ليعلم. الملكُ: القدرة على ما للقادر أن يتصرف فيه. معنى {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [23] جلي عنها الفزع. عن ابن عباس، وقتادة. وهو كقولك: رغب عنه، أي: رفع الرغبة عنه، وهو بخلاف رغب فيه، ففي أحد الأمرين وضع، وفي الآخر رفع، وقيل: هم الملائكة يلحقهم غشي عند سماع الوحي من الله بالآية العظيمة، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟. عن ابن مسعود،

وابن عباس. وقال الحسن: "أي: كشف عن قلوب المشركين الفزع. قالت الملائكة: [ماذا] قال ربكم في الدنيا؟ ، قالوا: الحق". وقيل {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ} [24] على الإنصاف في الحجاج، كما يقول القائل: أحدنا كاذب. الجمعُ: جعل الشيء مع غيره في معنى، فلما جعل أهل الحق وأهل الباطل في أرض القيامة كانوا قد جمعوا فيها، وذلك ليقضى بينهم بانقضاء الفصل الذي لا يمكن له حجة ولا دفعٌ.

(31)

الفتحُ: كشف صحة المعنى بما يظهر لمن كان كالمغطى عنه، فحينئذ يندم المبطل على اعتقاده. معنى {أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ} [27] التهجير لهم بما اعتقدوا من الشركاء في العبادة، وهو كما تقول لمن أفسد عملاً، أريني ما عملت؟ توبيخاً له بما أفسده. الإلحاق: إيجاب أن الثاني في حكم الأول في أمر خاص، فلما أوجب هؤلاء القوم أن الأوثان في حكم الإله في العبادة كانوا قد ألحقوا به شركاء. {الْفَتَّاحُ} [26] القاضي. عن ابن عباس؛ لأنه يفتح وجه الحكم. {الْعَزِيزُ} القوي، القاهر، الذي يمنع من شاء، ولا يمنعه مانع، فهو العزيز في انتقامه ممن كفر به {الْحَكِيمُ} في تدبيره لخلقه، فأنى يؤفكون له شريكاً في ملكه معه؟!. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) } قال: ما الذي بين يدي القرآن؟ وما الاستضعاف؟ وما الاستكبار؟ وهل صدقوا في قولهم: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [31] ؟ وما معنى {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [33] ؟ وما بسط الرزق؟ وهل فرق بين الأكبر والأعظم؟ ولم صار العلم والقدرة أجل فائدة؟ ولم زهد ف6ي ابتغاء الأموال والأولاد؟ وما معنى الزلفى؟ ولم كرر {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [36] ؟.

صفحة فارغة

الجواب: الذي بين يدي القرآن: أمر الآخرة، وهي النشأة الثانية، فجحدوا أن يكون القرآن من الله، أو أن يكون لما ذل عليه من الإعادة للجزاء حقيقة. وقيل: الكتب التي قبله. الاستضعاف: طلب الضعف فيما يعامل به صاحبه لأجله. الاستكبار: طلب الكبر بغير حق، فكانوا يتعاظمون بالجهل الذي قد صمموا عليه وصاروا فيه رؤساء لتحققهم به. قولهم {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [31] إذا كانوا قد أخبروا عن ظنهم فقد صدفوا كأنهم قالوا: فيما نظن، وهكذا يقتضي ظاهر خبرهم، كما إذا أخبروا عما يفعلونه في المستقبل فهو إخبار عن عزمهم. {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [33] مكراً بطول السلامة فيهما. المترفُ: المبطر بالنعمة. بسط الرزق: اتساعه، وهو الزيادة فيه على مقدار الكفاية. البسط: الاتساع بتباعد الأطراف، ونقيضه: (يقدِر) وهو قبضهُ إلى حال الضيف فيه.

القدرة: استواء الشيء بغيره من غير زيادة ولا نقصان عنه في أصل اللغة، ومنه: (المقدار) : الآلة التي يقدر بها غيرها، ومنه: (التقديرُ) : وهو مساواة الثاني للأول في الصحة أو الفساد. الفرق بين الأكبر والأعظم: أن الأعظم قد يكون شيئاً واحداً، نحو: خصلة من الكفر أعظم من خصلة من الفسق. العلم والقدرة أجل فائدة، لأنه لا سبيل إلى اكتساب خيري الدنيا والآخرة إلا بهما، والعلم أعظم لأنه لا يستضر به صاحبه، وقد يستضرُّ بالقدرة إذا عمل بها ما يوجب العقوبة، ونفى كل واحد منهما صفة بعض؛ لأن من لا يعلم منقوص كذلك من لا يقدر. زهد في ابتغاء الأموال والأولاد لأنها تشغل عن عمل الإحسان الذي يستحق به الحمد والرضوان. الزلفَى: القربى. عن مجاهد. كرر {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [36] لاختلاف الفائدة، إذ الأول على معنى: إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقجر من غير أن يعلم أكثر الناس لم فعل ذلك به. الثاني: بمعنى: قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له على ما أنفقه في البر فهو يخلفه، وما يتصل به من الكلام دليل عليه.

وجاز {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [39] لأنه يقال: رزق السلطان الجند. {إِلَّا مَنْ آمَنَ} [37] يصلح فيه النصب على الاستثناء المنقطع، ويصلح الرفع على معنى الجملة من الابتداء والخبر في هذا الأول على اتصال المفرد. و {جَزَاءُ الضِّعْفِ} - ها هنا - بمعنى: الإضعاف؛ بدلالة: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 164] ، ويجوز في {جَزَاءُ الضِّعْفِ} أوجه: أربعة في {جَزَاءُ} : الرفع، والنصب، والتنوين، وتركه. ويجوز في {الضِّعْفِ} ثلاثة أوجه: الجر، والنصب، والرفع، إلا أن القراءة بوجه واحدٍ.

صفحة فارغة

(41)

مسألة عن قوله سبحانه: {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54) } فقال: ما معنى {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [41] وهو عبدوا الملائكة؟ وما معنى {أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} ؟ وما معنى {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} [45] ؟ وما الوعظ؟ وما معنى {مَثْنَى وَفُرَادَى} [46] ؟ وما الفكر؟ وما معنى {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} [46] ؟ وما القذفُ؟ وما معنى {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [49] ؟ وما الفزعُ؟ وما المكان؟ وما القربُ؟ وما معنى {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [51] ؟ وما التناوش؟ الجواب: لما دعتهم الجن إلى ذلك ورضوا به منهم ذموا بهذه الحال العابد والمعبود، وكذلك حسن الإضراب منك عن حالهم مع الملائكة؛ لأن حال الدمَّ بها يرجع إلى العابد والمعبود. معنى {أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} [41] أنت تتولى نصرتنا دونهم؛ إذ لا يقدون إلا على ما أقدرتهم، فما كنا لنرضى بعبادتهم مع علمنا بأنك ربنا وربهم. معنى {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} [45] أي: ما بلغ الذين أرسل إليهم محمد - صلى الله عليه وسلم - عشرَ ما أوتى الأمم قبلهم من القوة والعدة، في معنى قول ابن عباس - رضي الله عنه -، وقتادة.

وقيل: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [41] بطاعتهم فيما دعوا إليه من عبادتنا. وقيل: إنهم صوروا لهم صورة قوم من الجن، وقالوا: هذه صورة الملائكة فاعبدوها. السحرُ: حيلة خفية توهم المعجزة. المعشارُ: العشرُ. الوعظ: الدعاء إلى ما ينبغي أن يرغب فيه، مع التخذير مما ينبغي أن يحذر منه بما يلين القلب. الاستجابة إلى الحق التي [هي] أكبر واعظ وأجل داع من العباد بما أعطاه الله به من الحكمة. معنى {مَثْنَى وَفُرَادَى} [46] ها هنا، ـي: يذاكر الرجل صاحبه ليستعين برأيه على هذا الأمر، ثم يعلو بفكره حتى يكون قد وقى النبي - صلى الله عليه وسلم - حقه بأن نظر فيه على الحالين جميعاً. وقيل: (الفكرُ) طلب المعين بالقلب. وقيل: هو جولان القلب بالخواطر.

وقيل: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} [46] أي: بطاعة الله. عن مجاهد. القذف: إلقاء الشيء عن عظم الشأن. معنى {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [49] أن الحق إذا جاء أذهب الباطل فلن يبق له بقية يبدئ بها ولا يعيد، كما قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء: 18] . قال قتادة: " {الْبَاطِلِ} إبليس، لا يبدأ الخلق ولا يعيد". وكأنه يريد كل معبود من دون الله بهذه الصفة. وقال الحسن: {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ} لأهله خيراً {وَمَا يُعِيدُ} أي: بخير الآخرة. القوتُ: خروج وقت الشيء الذي لا يصلح أن يعمل في غيره، كفوت الصلاة، وفوت وقت القربة.

الفزع: انزعاج النفس بتوقع المكروه. الفزعُ، والجزع، والرعب، والخوف: نظائرٌ. المكانُ: ما يتمكن عليه غيره: من أرض، أو ماء، أو هواء. أو هو مأخوذ من (التمكنِ) . القرب: مسافة ما بين الشيئين بإنقاص من المسافة، ونقيضه: البعد. وقيل: {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [51] عذاب الدنيا. عن ابن عباس. وقيل: حين يخرجون من قبورهم. عن الحسن. وقيل: {فَلَا فَوْتَ} [51] لا مهربَ. عن الضحاكِ.

{التَّنَاوُشُ} [52] من قولهم: نشته ونوشتهُ نوشاً، إذا تناولته من قريب، وتناوش القوم: إذا دنا بعضهم إلى بعض ولم يلتحم بينهم قتال بعد، همزهُ بعضهم فيجوز أن يكون من هذا، ويجوز أن يكون من (النئيش) وهو الإبطاء، انتأشتهُ: أخذته من بعيد. وقيل {التَّنَاوُشُ} تناول التوبة. {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} من الآخرة إلى الدنيا. {وَقَدْ كَفَرُوا} بالعذاب {مِنْ قَبْلُ} . وقيل: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [53] مع قولهم: هو ساحر، هو شاعر. عن مجاهد. وقيل: هو قولهم: لا بعثُ، ولا نار، ولا جنة. عن قتادة. وأشياع: جمع الجمع. شيعة، وشيعٌ، وأشياعٌ.

صفحة فارغة

قيل: {مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [51] من بطن الأرض إلى ظهرها. عن الحسن. * * *

سورة فاطر

سورة فاطر مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) } قال: ما الفطرُ؟ وما وجه الإحسان في جعل الملائكة أولى أجنحة؟ وما الحمد؟ وما وجه الرد من قوله: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [3] على المعتزلة؟ وما الداعي؟ ومن زين للكافر سوء عمله؟ وأين خبر (منْ) في {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} [8] ؟ وما معنى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ} [10] ؟ وما معنى {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} ؟ وما معنى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ؟ والضمير في {يَرْفَعُهُ} إلى من يرجع؟. الجواب: الفطرُ: الشق عن الشيء بإظهار للحسَّ، فطر السموات والأرض: خلقهما بإظهارهما للعيان. جعل الملائكة أولي أجنحة للاعتبار بأن الحي القادر يتصرف في خلقه كما يشاء. قال قتادة: "منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة".

وقال قتادة: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [4] "تعزية للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن له أسوة بالأنبياء قبله". الحمدُ: الوصف بالجميل على وجه التعظيم. وفي {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [3] حجة على القدرية أن لا خالق إلا الله، لأنه نفى خالقاً غيره، وهم يثبتون معه خالقين كثيرين. قرأ حمزة، والكسائي {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرِ اللَّهِ} جراً، وقرأ الباقون {غَيْرُ اللَّهِ} رفعاً. العداوة: المباعدة من الخير بالتدبير للهلكة، ونقيض العداوة: الولاية. الداعي: الطالب للفل من القادر، أو ممن يصح أن يكون قادراً عليه؛ فالشيطان يدعو حزبه إلى الفساد. زين للكافر سوء عمله الشيطان بالوسواس، ونفسه تميله إلى الشبهة وترك النظر في الحجة المؤدية إلى الحق، وخلق الله تدبير ذلك في قلبهِ.

خبر {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} [8] محذوف، وفيه قولان: الأول: تقديره: يتحسر عليه. وقيل: فإن الله يضلهُ. الحسرةُ: شدة الحزن على ما فات من الأمر. وقيل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ} [10] فليتعززْ بطاعة الله. عن قتادة. وقيل: من كان يريد علم العزة فهي لله. {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} أي: يبطل ويفسد. عن قتادة. وقيل: جواب {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} [8] محذوف بتقدير: كمن علم الحسن من القبيح، ومن عمل بما علم. وقيل: كمن هداه الله. وفي الآية دلالة على بطلان مذهب أصحاب ضرورة المعرفة، لأنه قد دل على أنهم رأوا أعمالهم السيئة حسنة، وهذا رأي فاسد. ومعنى قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [10] أي: إلى حيث لا يملك فيه الحكم إلا الله، وهو كما يقال: ارتفع أمرهم إلى القاضي.

(11)

و {يَبُورُ} يكسد ولا ينفذ فيما يريدون. وقيل في الضمير في {يَرْفَعُهُ} ثلاثة أوجه: الأول: يرفع الكلم الطيب. الثاني: يرفعه الكلم الطيب. الثالث: يرفعه الله. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) } فقال: ما النطفة؟ وما التراب؟ وما الجعلُ؟ وما العمر؟ وما القطمير؟ وما معنى {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [11] ؟ وما الجديد؟ وما العزيز؟ وما الوزرُ؟ وما معنى {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [18] ؟ وكيف جاز {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} فعطف بالماضي على الحاضر؟ وما الظلُّ؟ وما الحرور؟ ولم كرر (الزبُرَ) وهي الكتب؟ ولم قال: {وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [25] ؟ وما الأسوةُ؟ وما معنى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [24] ؟. الجواب: النظفةٌ: ماء خاثر من شأنه أن يكون منه الولدُ، ولها ريح كريح الطلع

الجعلُ: وجود ما به يكون الشيء على خلاف ما كان. جعل العباد أزواجاً، أي: ذكراً وأنثى. العُمُرُ: مدة الأجل، والعمر موهبة من الله للعباد يختلف حكمهم فيه كما اتخلف في الغنى والفقر، وفي القوة والضعف. وقيل: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} [11] ولا ينقص من عمر معمرِ آخرَ. عن الحسن. وقيل: {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} ينقضي ما ينقصُ منه. الفراتُ: العدبُ، والأجاجُ: المُرُّ. {مَوَاخِرَ} [12] تشقُّ الماء في جريها شقاً. القطميرُ: قشرُ النواة. عن ابن عباس. دل - جل ثناؤه - على أن من لا يملك القطمير لا شبهة في أنه ليس بإلهٍ. الزوجُ: الذي معه آخر من شكله، والاثنان زوجان. اللؤلؤ والمرجان يخرجان من الملح دون العدبِ. وقيل: فيه عيون عدبة ومما بينها بينها يخرج اللؤلؤ.

وقيل: الأصنام يحييها الله يوم القيامة فتتبرأ من المشركين وتوبخهم وتوبخُهُم على عبادتهم لها.

والأجاجُ: من أجةِ النار، كأنه يحرق من شدة المرارة. ولا ينقصُ من عمر معملا آخر، كقولك: عندي درهم ونصفه. عن الفراءِ. الجديدُ: القريب العهد بانقطاع العمل. قيل: { ... } بالاستعمال فاعله، وأصله القطع، من: جدهُ يجدهُ جدّاً؛ إذا قطعهُ. {العَزِيزٍ} المنيع بصعوبته، وقد يكون المنيع بعلوه. الوزرُ: الحمل. المعنى: لا تحمل حاملة حمل أخرى من الذنب. ومنه: الوزيرُ، لأنه يحمل الثقل عن الملك بالتدبير. ومعنى {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا} [18] أي: مثقلة بالآثام، لا تحمل غيرها شيئاً من آثامها ولو كان أقرب الناس إليها، لما في ذلك من غلظ حمل الآثام. و {يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} فيه وجهان: الأول: في سرهمْ. والثاني: في تصديقهم بالآخرة. وقيل: ظلمات الكفرِ، ونور الإيمان.

و {الْأَعْمَى} عن الدين، {وَالْبَصِيرُ} به. جاز {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} للإشعار باختلاف المعنى في أن الخشية لازمة، ليس لها وقت مخصوص، والصلاة لها أوقاتها. {الظِّلُّ} اليسير عن موضع الشمس، ومنه: (ظلَّ) يفعل كذا، إذا فعله نهاراً في الوقت الذي يكون للشمس ظلٌّ. {الْحَرُورُ} السموم، وهو الريح الحارة في الشمس. قال الفراء: " (الحَرُورُ) يكون بالليل والنهار، و (السمومُ) لا يكون إلا بالنهار". زقيل: {الظِّلُّ} الجنة، و {الْحَرُورُ} النار. وقيل في (لا) قولان: أنها زائدة مؤكدة. الثاني: أنها نافية، لا يستوي كل واحد من المذكورين بصاحبه على التفضيلِ.

كرر (الزُّبُرَ) وهي الكتب لاختلاف صفاته، وذلك أن (الزَّبْرَ) : الكتابة الثابتة، كالنقرِ في الصخْرَةِ.

(26)

وقيل: {وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} بعدهُ. فالموصوف واحد والصفات مختلفة. الاستواءُ: حصول أحد الشيئين على مقدار الآخر، ومنه: الاستواء في الطريق. وقيل: هو مثل ضرب لعبادة الله وعبادة الأوثان، فلا يستوي ذلك لتفاوت ما بينهما. وقيل: معنى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [24] أي: نذير منهم. وقيل: نذير من غيرهم، وهو رسول إليهم كما أرسل نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى العرب والعجمِ. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) } فقال: ما الإنكار؟ وما الاختلاف؟ وما الجددُ؟ وما الغرابيب؟ وما معنى {لَنْ تَبُورَ} [29] ؟ وما الحق؟ وما معنى {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [31] ؟ وما الاصطفاء؟ ولم جاز التشويق إلى الجنة بما حرم في الدنيا؟ وما معنى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [32] ؟ وأي كتاب هو؟ وما معنى {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [36] ؟ وما الاصطراخ؟ ولم جاز {وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} مع قوله: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: 97] ؟ وما النذير في قوله: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [37] ؟ وما معنى {خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} [

39] ؟ وما معنى {شُرَكَاءَكُمُ} [40] ؟ وما الإمساك؟ وما الحليمُ؟ وما المغفرة؟ وما الأندادُ؟ وما التبديلُ؟. الجواب: الإنكار: العمل على نفي الشيء، ونقيضه: الإقرار، وهو العمل في تثبيته. الاختلافُ: امتناع سدَّ الشيء مسدَّ، مسدَّ غيره، كامتناع سد السواد مسد البياض. الجُددُ: الطرائق، واحدها: جدةٌ، نحو: (مدةٌ) و (مددٌ) ، وأما جمع (جديد) فـ (جددٌ) ، كقولك: سريرٌ وسررٌ. الغرابيب: الذي لونه كلون الغراب، ولذلك حسن أن يقال: [سودٌ] . معنى {لَنْ تَبُورَ} [29] لن تكسد، منه: بارت السوقُ: إذا كسدت. {شَكُورٌ} أنه يعامل بالإحسان معاملة الشاكر. {الْحَقُّ} - ها هنا - المراد به أنه معنى معتقده على ما هو به يدعو إليه الداعي للحقَّ.

معنى {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [31] أي: مصدقا لما قبله من الكتب بأنه جاء موافقا {....} به من حاله، وحال من أتى به. الاصطفاء: الاختيار بإخراج الصفوة من العباد. اصطفى الله المؤمنين على ثلاث طبقات: مؤمن {ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} بالذنوب، و {مُقْتَصِدٌ} بالطاعات تائب من الذنوب، و {سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} في المرتبة العليا، وكلا وعد الله الحسنى. {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} الكتب التي قبله. عن الحسن، وقتادة. {أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} [32] فيه قولان: الأول: هذا القرآن، ويكون معنى (الإرث) : انتهاء الحكم إليهم مصيرها لهم. الثاني: الإيمان بالكتب السالفة. المقام - بضم الميم -: الإقامة، وبفتحها: موضع القيام.

اللغوب: الإعياء. النصب: التعب. وقيل: الوجع. عن قتادة. وقيل: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} مخالفة الهوى في الطاعات. وقيل: هم الكافرون، وهو خطأ لأنه قال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [33] . معنى {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [36]- هاهنا - أي: لا يحكم عليهم بالموت، كأنه قيل: لا يقضى عليهم بالموت فيموتوا، وقضى فلان إذا إذا مات؛ لأنه فصل بموته في الدنيا. تخفيف العذاب: تيسيره {....} أو صغره؛ وذلك نقيض تغليظه وشدته. الاصطراخ: الصياح بالاستغاثة، وهو (افتعال) من الصراخ.

جاز {وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} مع قوله: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: 97] أي: تارة تسعر، وتارة تخبو، إلا أن الآلام لا تخفف. العمر الذي ذكر الله به أربعون سنة، عن ابن عباس، ومسروق ومسروق. وقيل: ستون سنة. عن ابن عباس بخلاف. ويروى في خبر مرفوع، وعن علي - رضي الله عنه -. {النَّذِيرُ} محمد - صلى الله عليه وسلم -. عن ابن زيد.

وقيل: الشيبُ.

وقيل: واتقوا الله أن تضمروا في أنفسكم ما ينهى عنه، فإنه عليم بذات الصدور. {خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} [39] أمة بعد أمة، وقرنا عد قرن. عن قتادة. وقيل: ادعوا شركاءكم في الأموال التي جعلتم لها قسطا منها، وهي الأوثان. وقيل: شركاءكم الذين أشركتموهم في العبادة. الإمساك: تسكين يمنع الزوال، والأرض ساكنة بإمساك الله لها، ولا يقدر على إمساك الثقيل من غير عمد إلا الله، والسموات أيضا ساكنة بإمساكه، وهي غير الأفلاك التي تجري فيها. الحليم: القدير الذي لا يعاجل بالعقوبة، ولا يحلم {....} دونه. المغفرة: ستر الذنب برفع التبعة. الإنذار: الإعلام بموضع المخافة ليتقي. قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "إن السموات لا تدور، ولو كانت تدور لكانت قد زالت".

وقيل: {مَا زَادَهُمْ} [42] بمجيء النذير {إِلَّا نُفُورًا} عن الحق وهربا منه، وإن كان قد كفهم ذلك عن معاصي أخر، فما وقوا بما ضمنوا. {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ} [43] من أن يقروا بالحق. التبديل: تصيير الشيء مكان غيره. التحويل: تصيير الشيء في غير المكان الذي كان فيه بنقله عنه. التغيير: تصيير الشيء على خلاف ما كان بما لو شوهد لرؤي على خلافه. قرأ حمزة وحده [وَمَكْرَ السَِّيّءٍ] بسكون الهمزة، وهو عند بصراء النحويين لا يجوز في القراءة.

صفحة فارغة

سورة يس

سورة يس مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ (31) } فقال: لم عد {يس} ولم يعد {طس} ؟ وما معنى وصف القرآن بأنه حكيم؟ ولم جاز القسم بغير الله؟ وما القرآن الحكيم؟ وما الصراط المستقيم؟ وما الفرق بين الإنذار والوعظ؟ وما الغفلة؟ وما معنى {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} [7] ؟ وما ومعنى {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [6] ؟ وما المقمح؟ وما معنى {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} [9] ؟ وما معنى {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [11] ؟ وما الأجر الكريم؟ وما وجه إحصاء كل شيء في إمام مبين؟ وما وجه الشبهة في {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [15] ؟ وما القرية؟ وما وجه الاحتجاج بقوله: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} [16] ؟ وما البلاغ؟ وما البيان؟ وما التطير؟ وما الرحمن؟ وما السؤال؟ وما الإخبار؟ وما الاهتداء؟ وما الإكرام؟ وما معنى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ} [28] ؟ الجواب: لأن {يس} أشبه (قابيل) من جهة الزنة والحروف الصحاح، و {يس} أوله حرف علة وليس مثل ذلك في الأسماء المفردة؛ فأشبه الجملة والكلام التام، وشاكل ما بعده من رءوس الآي.

وصف القرآن بأنه (حكيم) لأنه مُظهر للحكمة، كالناطق للبيان عن الحق الذي يعمل عليه. جاز أن يقسم بالقرآن الحكيم لعظم شأنه، وموقع العبرة به، والفائدة منه. والقسم: تأكيد الخبر بعقدة بذكر ما عظم شأنه. الصراط المستقيم: المؤدي إلى الجنة، وهو المؤدي إلى الحق والطاعة. قرأ الكسائي بإمالة الألف من {يس} ، وقرأ الباقون بالفتح من غير إمالة. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، [وأبو بكر عن عاصم] {تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ} بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب، فالرفع على: ذلك تنزيل. والنصب على: نزل تنزيل العزيز الرحيم. وموضع {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [4] يجوز فيه وجهان: الرفع على أنه خبر، كأنه قيل: إنك على صراط مستقيم. والنصب على أنه حال للإرسال، كأنه قيل: أرسلوا مستقيما طريقهم. الوعظ: فيه ترغيب وترهيب. الإنذار: هو تحذير.

الغفلة: ذهاب المعنى عن النفس، نظيره: النسيان. معنى {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} [7] أنهم لا يؤمنون، ودل على المحدوف {فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} . ومعنى {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [6] فيه وجهان: الأول: كالذي أنذر آباؤهم. عن عكرمة.

الثاني: ما أنذر آباؤهُم، على الجحد. عن قتادة. الذقن: مجتمع اللحيْينِ. قيل: الإيمان إلى الأذقان، وكنى عنها لأنها معلومة. وقيل: التقدير: بالأغلال بالإيمان إلى الأذقان، فهو محذوف. المقمح: الغاض بصرهُ بعد رفع رأسه. وقيل: هو المقنعُ، وهو الذي يجذب ذقنه حتى تصير في صدره ثم يرفعُ. وقيل: قد رفعوا رءوسهم وشخصوا بأبصارهم. عن مجاهد. معنى {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} [9] عن الحق. عن مجاهد، وقتادة.

وقيل: (السَّدُّ) فعل الإنسان، و (السُّدُّ) - بالضم -: خلقه. وفي ذلك دليل على فساد قول المعتزلة في خلق الأفعال واللطف وتكليف ما لا يطاق. معنى {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [11] في غيبه عن الناس. والآخر: {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ} فيما غاب عنه من أمر الآخرة. الأجر الكريم: الذي يأخذه صاحبه على وجه الإجلال والإكرام.

وجه إحصاء كل شيء في إمام مبين لاعتبار الملائكة إذا قابلوا به ما يحدث من الأمور فيدلهم على معلومات الله في التفصيل. قال قتادة: {مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} أي: اتبع القرآن. {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} [12] أعمالهم. عن مجاهد. وقيل: {وَآثَارَهُمْ} خطاهم إلى المساجد. {وَآثَارَهُمْ} التي تبقى بعدهم. {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [14] شددنا وقوينا. عن مجاهد. وجه الشبهة في {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [15] أي: من أجل أنكم بشر مثلنا لا يصلح أن تكونوا رسلا لله كما لا نصلح، وذهب عليهم معنى {اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدخان: 32] . وقيل: {الْقَرْيَةِ} أنطاكية.

وجه الاحتجاج بقوله: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} [16] أنه يلزم به الحذر من المخالفة مع ما اقتضى ما أتوا به من المعجزة لتصديق الدعوة، فهو تحذير شديد مع قولهم: {وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [17] فلو جاءكم رسول غيرنا هل كان عليه إلا البلاغ على حد ما بلغنا. البلاغ: مجيء الشيء إلى حد يقف عنده، ومنه: البلاغة؛ لأن المعنى يصل بها إلى النفس من حسن صورته. الإبلاغ، والإنهاء، والإيصال: نظائر. البيان: إظهار المعنى للنفس بما يفصله عن غيره. التطير: التشاؤم. نظير الشؤم، ولذلك قالوا لهم: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [19] أي: معكم شؤمكم كله بإقامتكم على الكفر بالله. وجواب {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} محذوف بتقدير: أين ذكرتم قلتم هذا القول. قال قتادة: {لَنَرْجُمَنَّكُمْ} [18] بالحجارة. وقيل: كان اسم صاحب {يس} حبيب بن مري.

وقيل: إن ذكرتم تطيرتم. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والمفضل عن عاصم {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} بهمزة بعدها ياء، وهي همزة بين بين، وقرأ الباقون بتحقيق الهمزتين. السؤال: طلب السائل من غيره أمرا من الأمور، فإذا طلب من غيره الإخبار فهو سؤال استخبار إذا طلب من غيره الإخبار للآخر فهو سؤال ما يقتضيه. العمل: من الحق. الأجر: الجزاء على الخير، وأما الجزاء على الشر فهو عقاب. الاهتداء: سلوك طريق الحق عن علم به، وكل من انكشف له طريق الحق بعد ذهابه عنه. فكل مهتد عالم، وليس كل عالم مهتديا. خاطب قومه بقوله: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} [25] . عن ابن عباس. وقيل: بل خاطب الرسل ليشهدوا بذلك عند ربه. وقيل: إنه لما قال ذلك وطئوه بأرجلهم حتى مات. عن ابن مسعود.

وقيل: رجموه حتى قتلوه. عن قتادة. ألف {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} [23] ألف إنكار، أصلها الاستفهام. الغنى عن الشيء اختصاصه بأن وجوده كعدمه، وهو بخلاف الغنى به. الدخول: الانتقال إلى محيط، ثم يتوسع فيه، فيقال: دخل في هذا الأمر، ودخل في الإسلام. {الْجَنَّةِ} البستان الذي يحقه الشجر، إلا أنه صار كالعلم على جنة الخلد. التمني: تقدير المعنى الذي يستمتع به في النفس، أو يستمتع به غيرها. الإكرام: إعطاء المنزلة الرفيعة على جهة التعظيم.

معنى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ} [28] أي: كان إهلاكهم عن آخرهم بأيسر أمر. {صَيْحَةً وَاحِدَةً} [29] حتى صاروا خامدين. عن ابن مسعود. و {خَامِدُونَ} هالكون بتلف الأنفس. وفي {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} [30] قولان:

(31)

الأول: يا حسرة من العباد على أنفسهم. عن قتادة، ومجاهد. الثاني: أنهم قد حلوا محل من يتحسر عليه. وقال ابن عباس: يا ويلا للعباد. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) } فقال: ما معنى {كَمْ} هنا؟ وما وجه الاحتجاج بـ {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} [31] ؟ وما وجه التذكير بكثرة المُهلكين؟ ولم كان أهل العصر قرنا؟ وما الفرق [بين] (لما) بالتخفيف، و (لما) بالتشديد؟ وما الازواج؟ وما السلخ؟ وما معنى {لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [38] ؟ وما الفلك المشحون؟ وما الصريخ؟ وما معنى {حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [41] ؟ وما الإعراض؟ وما الإنفاق؟ وما معنى قولهم: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [47] ؟ وما الصيحة التي تأخذهم؟ الجواب:

(كم) - هاهنا - لكثير العدد، كأنه قيل: ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون، وموضعها نصب بـ {أَهْلَكْنَا} على تقدير: ألف قرن أهلكنا أو أكثر. وجه الاحتجاج بـ {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} [31] كأنه قيل لهم: انظروا لم لا يرجعون فإنكم تجدون ذلك؛ لأنهم في قبضة مالكهم، يردهم في الآخرة إذا شاء ردهم لأنه لا يخلو إهلاكهم بالاتفاق من غير إضافة إلى حي قادر، ولو كان بالاتفاق أو الطبيعة لم يتسع أن يرجعوا إلى الدنيا. وجه التذكير بكثرة المهلكين أنكم ستصيرون إلى مثل حالهم فانظروا لأنفسكم، واحذروا أن يأتيكم الإهلاك وأنتم في غفلة عما يراد بكم. قيل لأهل العصر (قرن) لاقترانهم في الوجود، وأما المقاوم في الحرف فـ (قرن) بكسر القاف. وقال قتادة: {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} عاد وثمود وقرون بين ذلك كثيرا. الفرق بين (لمَا) بالتخفيف و (لمَّا) بالتشديد أن (ما) في (لمَا) بالتخفيف صلة مؤكدة، كأنه قيل: وإن كل لجميع لدينا محضرون، و (إن) في الأول المخففة من المثقلة. وفي الثاني: بمعنى الجحد، كأنه جحد دخل على جحد فخرج إلى معنى الإثبات.

وقيل: يجوز أن (لمَّا) بمعنى (لمَا) ، حذفت إحدى الميمات لأجل التضعيف، ونظيره قولهم: سألتك لما فعلت، بمعنى: إلا فعلت. ومعنى {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [35] يجوز في (ما) ثلاثة أوجه: الجحد، ومعنى (الذي) ، وأن تكون مصدرا.

قرأ عاصم - في رواية أبي بكر -، وحمزة، والكسائي {وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ} ، وقرأ الباقون {وَمَا عَمِلَتْهُ} . {الْأَزْوَاجَ} [36] الأشكال بالحيوان، على مشاكلة الذكر الذكر. السلخ: إخراج الشيء من لباسه. معنى {لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [38] فيه ثلاثة أوجه: الأول: لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا. الثاني: لوقت واحد لها لا تعدوه. عن قتادة. الثالث: إلى أبعد منازلها في الغروب. العرجون: العدق الذي فيه الشماريخ، وإذا تقادم عهده حتى يبس؛ تقوس. {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [40] حتى يكون نقصان ضوئها كنقصانه. وعن أبي صالح: لا يدرك أحدهما ضوء الآخر. وقيل: {

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} في سرعة مسيره {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} فكلها على تقادير قدرها الله. وقيل: (الفلك) مواضع النجوم من الهواء الذي تجري فيه. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو {والْقَمَرُ} رفعا، وقرأ الباقون {والْقَمَرَ} نصبا. الحمل: منع الشيء أن يذهب به إلى جهة السفل. {الْفُلْكِ} [41] السفن؛ لأنها تدور في الماء. يقال: فلك ثدي الجارية إذا استدار. {الْمَشْحُونِ} المملوء. الصريخ: الصارخ بالاستغاثة. وقيل: الصريخ: المعين عند الصراخ بالاستغاثة. معنى {حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} قيل: سفينة نوح. عن الضحاك، وقتادة. {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [42] السفن بعد سفينة نوح. وقيل: الإبل سفن البر. عن ابن عباس.

وقيل: {اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} [45] عذاب الله لمن خلا قبلكم من الأمم {وَمَا خَلْفَكُمْ} من أمر الساعة. عن قتادة. وقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} ما يأتي من الذنوب {وَمَا خَلْفَكُمْ} لما مضى من ذنوبكم. الجواب محدوف كأنه قدر: إذا قيل لهم هذا أعرضوا. وقيل: إنما ذكر الدرية - وهم الصبيان والنساء - لأنه لا قوة لهم على السفر كقوة الرجال، فسخر هذه السفن بما جعل عليه الماء، وعدل الريح ليمكن الحمل [في البحر] ، وجعل الإبل [ليمكن الحمل] في البر.

الإعراض: الذهاب عن الشيء بالتوجه إلى غيره في جهة العرض ليعرفوه فقد ضل عن الهدى، وخسر الآخرة والأولى. الإنفاق: إخراج ما كان من المال عن الملك بعوض وغير عوض. معنى قولهم: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [47] أنهم يوهمون أن الله لما كان قادرا على إطعامه وليس يشاء إطعامه فنحن أحق بذلك، وذهب عليهم موضع التعبد في تكليف الإطعام. وقيل: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} من قول المشركين. وقيل: بل هو من قول الله لهؤلاء الذين قالوا: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} . الصيحة التي تأخذهم في الدنيا عند قيام الساعة؛ فأتنهم بغتة والرجل يسقي إبله، والآخر يبيع سلعته على عادتهم في تصريفهم، فإذا أخذتهم الصيحة لم يستطيعوا توصية، ولم يرجعوا إلى أهليهم للمعالجة. في حديث مرفوع "هي ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة القيام لرب العالمين".

(51)

قرأ ابن كثير، وأبو عمرو {يَخَصِّمُونَ} بفتح الخاء وتشديد الصاد، إلا أن أبا عمرو يختلس فتحة الخاء، وقرأ نافع {يَخْصِّمُونَ} بفتح الياء وتسكين الخاء مشددة الصاد، بجمع بين الساكنين، وقرأ ابن عامر، وعاصم، والكسائي {يَخِصِّمُونَ} بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصاد، وقرأ حمزة {يَخِصِّمُونَ} بفتح الياء وتسكين الخاء وتخفيف الصاد، وهذا القراءة بمعنى: وهم يخصمون عند أنفسهم في دفع النشأة الثانية، والأولى: يختصمون. {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} [50] لا يقدر بعضهم أن يوصي إلى بعض. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) } إلى آخر السورة فقال:

ما النفخ في الصور؟ وما الأجداث؟ وما النسول؟ وما معنى {مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [52] ؟ وما معنى {فَاكِهُونَ} ؟ وما الضلال؟ وما الأرائك؟ وما معنى {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [57] ؟ وما الاستباق؟ ولم وصف طريق الجنة بأنه مستقيم؟ وما إضلال الشيطان؟ وما الجبل؟ وما معنى {اصْلَوْهَا} [64] ؟ وما الطمس؟ وما معنى {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} [66] ؟ وما المسخ؟ وما معنى وصف {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [68] ؟ وما معنى {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [71] ؟ وما تذليل الأنعام؟ وما منافعها؟ وما الفرق بين الركون والركوب؟ ولم وجب جواز الإعادة؟ ولم وجب أنه لا بد من قادر يصرف خلق الإنسان؟ وهل في الآية دليل على صحة القياس؟ ومن الذي قال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} [78] ؟ الجواب: النفخ في الصور كالنفخ في البوق، والصور: قرن ينفخ فيه فيخرج من جوفه صوت عظيم يميل العباد إليه؛ لأنه كالداعي إلى نفسه، أخذ من (الميل) ، يقال: صاره وصوره صورا؛ إذا أماله. ومنه: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] أي: أملهن إليك. {الْأَجْدَاثِ} القبور، والواحد (جدث) ، هذه لغة أهل العالية، وأما أهل السافلة فيقولون: (جدف) بالفاء. النسول: الإسراع في الخروج. وقيل: اليوم بين النفختين. عن قتادة.

{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [52] من قول المؤمنين. عن قتادة. وقيل: هو من قول الكافرين. عن ابن زيد. معنى {فَاكِهُونَ} فرحون. عن ابن عباس. وقيل: عجبون. عن مجاهد. وقيل: ذو فاكهة، كما يقال: شاحم لاحم، أي: ذو شحم ولحم. وقيل: فاكة وفكة، وحاذر وحذر، و (الفكهة) : التي التي تمارى بالشيء. قرآ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو {شُغُلٍ} خفيفة، وقرأ الباقون {شُغُلٍ} مثقلة. الضلا: {......} عن وهج الشمس، ولا حر في الجنة يؤذي ولا برد.

{الْأَرَائِكِ} الوسايد، واحدها: أريكة، كقولك: سفينة، وسفن، وسفانن. وهذه جلسة الملوك العظماء من الناس. متكئ: (مفتعل) من: (توكأت) . {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [57] فيه قولان: أحدهما: يتمنون. الثاني: أن من ادعى شيئا فهو له، يحكم الله بأنهم لا يدعون إلا إلى ما يحسن. الظل: الكن. وقيل: {الْأَرَائِكِ} الفرش. وقيل: {الْأَرَائِكِ} الحجال على السرر عن عكرمة. الامتياز: انفصال الشيء مما كان ملتبسا. وقيل: {امْتَازُوا} [59] أي: اعتزلوا عن كل خير. عن قتادة. و {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [58] أي: ولهم سلام يسمعونه من الله - عز وجل -، يؤذنهم بدوام الأمر والسلامة، وشيوع النعمة والكرامة. {....} بجعلهم عبادتهم للأوثان بأمر الشيطان عبادة له.

قرأ حمزة، والكسائي {فِي ظُلَلٍ} ، وقرأ الباقون {فِي ظِلَالٍ} . وصف طريق الجنة بأنه مستقيم لانه إخلاص ما يؤدي إليه من عبادة الله - تعالى -، وما عداه طريق خليط، والتخليط ليس بمستقيم؛ وذلك لأنه لم ينعقد بمعنى صحيح.

إضلال الشيطان: إغواؤه بالدعاء إلى القسم، وكذلك إضلال السامري. الجبل: الجمع الذين جبلوا على خلقة، وأصل (الجبل) : الطبع، ومنه: جبلت التراب بالماء؛ إذا صيرته طينا يصلح أن يطبع فيه، ومنه: الجبل؛ لأنه موضوع على الثبات. {اصْلَوْهَا} [64] الزموا العذاب لها، وأصل (الصلي) : اللزوم، ومنه: (المصلي) الذي يجيء في إثر السابق للزومه أثره، و (الصلوان) مكتنفا ذنب الفرس؛ للزومهما موضعهما، و"صلى على دنها" للزومه الدعاء لها. شهادة الأيدي والأرجل تحتمل وجهين: الأول: أن تخلق خلقه تكون متكلمة ناطقة بها.

والآخر: أن يخلق الله - تعالى - تلك فيها، وذلك يبطل مذهب المعتزلة أنه إنما تتكلم بالكلام من فعله. قرأ {جِبِلًّا كَثِيرًا} - بضم الجيم والباء، خفيفة اللام - ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وقرأ نافع، وعاصم {جِبِلًّا} بكسر الجيم والباء، مشددة اللام.

وقرأ أبو عمرو، وابن عامر {جِبِلًّا} بضم الميم، ساكنة الباء، خفيفة اللام. الطمس: محو الشيء حتى يذهب أثره بالطمس على العين، كالطمس على الكتاب، وكذلك الطمس على المال إذهابه حتى لا يقع عليه إدراك. معنى {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} [66] أي: طلبوا السبق إلى طريق النجاة ولا بصر لهم به. {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} وهذا بيان أنهم في قبضة القادر عليهم فليحذروا تنكيله بهم. المسخ: قلب الصورة إلى خلقه مشوهة، كما مسخ قوما قردة وخنازير. وقيل: {لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} [66] أي: أعميناهم عن الهدى. وقيل: لتركناهم عميا يترددون. عن الحسن، وقتادة.

صفحة فارغة

الطمس على العين: الشق الذي بين الجفنين، كما يطمس الريح الأثر، يقال: أعمى مطموس وطمس. {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} أي: ابتدروا. {لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ} [67] أي: مقعدين على أرجلهم. عن الحسن، وقتادة. {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [70] أي: حي القلب. {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [68] أي: نصيره إلى حال الهرم التي تشبه حال الصبي في عزوب العلم وضعف القوى. وقيل: المعنى أنه ينبئ عن حكمه على الكفار مع قدرته عليهم. وقيل: {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} [66] إلى منازلهم فلم يهتدوا إليها لما عدموا التوفيق. وقيل: بل طلبوا طريق الحق وقد عموا عنه. عن ابن عباس.

وقيل: {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [68] نصيره بعد القوة إلى الضعف، وبعد زيادة الجسم إلى النقصان، وبعد الجدة والطراوة إلى البلى والخلوقة. {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [69] لئلا تدخل به الشبهة على قوم مما أتى به من القرآن فيظن أنه قوي على ذلك بما في طبعه من الفطنة للشعر. وقيل: لما لم يعط الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - العلم بإنشاء الشعر لم يكن قد علمه الشعر؛ لأنه يعطي فطنة ذلك من يشاء من عباده. المكانه والمكان واحد. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي {نُنَكِّسْهُ} بفتح النون الأولى، وتخفيف الكاف. وقرأ حمزة، وعاصم {نُنَكِّسْهُ} بضم النون الأولى، وفتح الثانية، وتشديد الكاف. وقرأ نافع {أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [68] بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. معنى {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [71] عملناه من غير أن نكله إلى غيرنا. تذليل الأنعام: توطينها بالانقياد ودفع النفور، وذلك أن من الحيوان الوحشي، ومنه الإنسي، فالإنسي مذلل بما جعل فيه من الأنس والسكون.

الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم، ومن منافعها: لبس أصوافها، وشرب ألبانها، وأكل لحومها، وركوب ظهورها، إلى غير ذلك من ضروب المنافع الكثيرة. وقيل: {وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} [75] أي: في النار؛ لأن كل حزب مع ما عد من الأوثان، فلا الجند يدفعون عنها الإحراق بالنار، ولا هي تدفع عنهم العذاب. الفرق بين الركوب والركوب: (الركوب) - بضم الراء -: مصدر، وهو اسم الفعل. (الركوب) : صفة، دابة ركوب، أي: تصلح أن تركب. {وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} أي: يغضبون للأوثان في الدنيا. عن قتادة. قتادة. الحزن: ألم القلب بما يرد عليه مما ينافر الطع. الإسرار: إخفاء المعنى في النفس. واعلم أنه لا د من قادر يصرف خلق الإنسان؛ لأنه يخلو فعله أن يكون من قادر وهو طبيعة في حكم الموات في أنها ليست بحية ولا قادرة، أو يضاف إلى الاتفاق، ومحال أن يجري الفعل المحكم المتقن على

اتساق وانتظام بالاتفاق، وكذلك ببسطه في أنه من [ ... ] في حكم الموات، فلم يبق إلا أنه حي قادر، فعله ودبره على ما يشاء. وجب جواز الإعادة لأن من قدر على اختراع الشيء من غير معين كان على إعادته قادرا لا محالة، ومن قدر على البناء فهو على الهدم أقدر. وفي الآية دلالة على حجية القياس؛ لأن الله - تعالى - أقام الحجة على المشركين من جهة أن قياس النشأة الثانية قياس النشأة الأولى، وأنه يلزم من أقر الأولى أن يقر بالثانية. واختلفوا في القائل: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [78] : فقال قوم: هو أبي بن خلق. عن قتادة. وقيل: هو العاص بن وائل السهمي. عن سعيد بن جبير.

وقيل: هو عبد الله بن أبي. عن ابن عباس. وقال الحسن: "جاء أمية بن خلف إلى الني - صلى الله عليه وسلم - بعظم حائل قد لي فقال: يا محمد! أتزعم أن الله يبعث هذا بعدما قد بلي؟ فقال: "نعم"". ونزلت الأية.

***

سورة والصافات

سورة والصافات مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) } فقال: ما الصف؟ وما الزجر؟ ومن الصافات والزاجرات والتاليات والمشارق والذكر؟ وما التزيين؟ وما الحفظ؟ وما المارد؟ وما {وَاصِبٌ} [9] ؟ ولم جاز أن يأتوا لاستراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون ويقذفون بالشهب؟ وما معنى {فَاسْتَفْتِهِمْ} [11] ؟ وما الشدة؟ وما معنى {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [11] ؟ ومن خلق الجميع؟ وما معنى {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [12] ؟ وما {لَازِبٍ} [11] ؟ وما العجب؟ وما الداخر؟ وما الأول؟ الجواب: الصف: ترتيب الجمع على خط، وذلك كالصف في الصلاة، والصف في الحرب.

الزجر: الصرف عن الشيء لخوف الدم والعقاب. الصافات: فيه أقوال، منها: الملائكة صفوف في السماء. عن مسروق، وقتادة. وهو جمع جمع. وقيل: هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها بما يريد. وقيل: صفوف الملائكة في صلاتهم عند ربهم. عن الحسن. وقيل: الملائكة مصطفون في السماء يسبحون الله. الزاجرات: قيل: هم الملائكة. عن مجاهد، والسدي.

[وقيل:] تزجر عن معاصي الله - تعالى -. يوصل الله مفهومه إلى قلوا لعاد كما يوصل مفهوم إغواء الشيطان إلى قلوبهم. قيل: كأنها تزجر السحاب في سوقه. وقيل: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} [2] آيات القرآن. عن قتادة. {خَلْقًا} كأن فيه قوة يمتنع بها قبله على المراد منه. {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [11] قبلهم من الأمم الماضية والقرون الحالية، فقد أهلك الأمم الذين هم أشد خلقا منهم، ولهم مثل ذلك إن أقاموا على حالهم. وقيل: {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [11] من الملائكة، والسموات، والأرض. {بَلْ عَجِبْتَ} من جهلهم {وَيَسْخَرُونَ} من حقك، وهذا ذم لهم، ومدح للنبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قيل: لا خير فيمن لا يتعجب من العجب، وأرذل منه من يتعجب من غير عجب.

{لَازِبٍ} لازم، تبدل الميم بالباء لأنها من مخرجها، ويصلح أن تقوم مقامها، تقول العرب: طين لازم، وطين لازب. وقيل: (اللازبُ) الملتصق من الطين الحر الجيد. عن ابن عباس. وقال قتادة: "الذي يلصق باليد". وقال مجاهد: "لازق". وقال قتادة: "عجب محمد - صلى الله عليه وسلم - من هذا القرآن حين أعطيه، فسخر منه أهل الضلالة". {سِحْرٌ مُبِينٌ} [15] تبين لمن تأمله أنه سحر. وقيل: من طين علك خلق آدم منه، ونسب ولده إليه. {يَسْتَسْخِرُونَ} [14] يستدعي بعضهم بعضا إلى أن يسخر من آيات الله ودلائله, العجب: تغير النفس بما خفي فيه السبب مما لم تجر به عادة. عجب يعجب عجبا.

(21)

قرأ حمزة، والكسائي {بَلْ عَجِبْتَ} بضم التاء، وقرأ الباقون بفتحها. والمعنى في ضم التاء: أنهم قد حلوا محل من يعجب منهم، وأما بالفتح فعلى: عجب النبي - صلى الله عليه وسلم -. الأول: الكائن قبل غيره، الله - عز وجل - قبل كل شيء، الباقي بعد فناء كل شيء. الداخر: الصاغر بأشد الصغر. الصاغر: الدليل بصغر قدره. وقيل: {زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} [19] النفخة الثانية. عن الحسن. و {هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} [20] أي: الجزاء والحساب. الزجر: الصرف عن الشيء بالمخافة، فكأنهم زجروا عن الحال التي هم عليها إلى المصير في الموقف للجزاء والحساب. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) } فقال:

ما الفصل؟ وما التكذيب؟ وما الحشر؟ ولم جاز {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [23] ؟ وما معنى {وَأَزْوَاجَهُمْ} [22] ؟ وما الاستسلام؟ وما التساؤل؟ وما اليمين. وما قولهم: {بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [29] ؟ وما الطاغي؟ وما الإغواء؟ وما الاغواء؟ وما الاشتراك؟ وما الاستكثار؟ وما الترك؟ وما الجنون؟ وما الإخلاص؟ وما الفاكهة؟ وما الإكرام؟ وما معنى {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [45] ؟ ولم وصفت الخمر بأنها {بَيْضَاءَ} [46] ؟ وما اللذة؟ وما الشراب؟ وما الغول؟ وما معنى {يُنْزَفُونَ} [47] ؟ وما معنى {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [49] ؟ الجواب: الفصل: كون أحد الشيئين بمعزل عن الآخر. والله يفصل بين أهل الحق وأهل الباطل يوم القيامة بما يظهر للجميع الحال فيه بإدخال هؤلاء {الْجَنَّةِ} على حال الكرامة، وإدخال أولئك النار على حال الإهانة. التكذيب: نسبة الخبر إلى أنه كذب، كان المشركون يزعمون أن ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من البعث والنشور كذب؛ فبذلك كانوا مكذبين. الحشر: الجمع من كل جهة، فهؤلاء يحشرون إذا قاموا من قبورهم إلى أرض المحشر للجزاء والحساب، ثم يساق الظالمون مع ما كانوا يعبدون من الأوثان والطواغيت إلى النار. جاز {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [23] لأنه جعل بدل الهداية إلى الجنة، كما حسن {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} لهذه العلة من أن البشارة بالعذاب وقعت لهؤلاء بدل البشارة بالنعيم.

صفحة فارغة

معنى {وَأَزْوَاجِهِمْ} أشباههم. عن ابن عباس. وقيل: {وَأَزْوَاجِهِمْ} أتباعهم على الكفر من نسائهم. وقيل: {يَوْمُ الْفَصْلِ} [21] سمي بذلك لأنه يوم يفصل فيه بين المحسن والمسيء بالجزاء بالثواب والعقاب. يقال: هديته الطريق وأهديه إليه، من الهدية. قال الحسن: " {وَأَزْوَاجَهُمْ} [22] المشركات". الاستسلام: الاسترسال بمثل حال الطالب للسلامة في ترك المنازعة. التساؤل: سؤال كل واحد للآخر، وهو سؤال التأنيب. كقولك: لم غررتني؟ ، وقول الآخر: لم قبلت مني؟ اليمين: اليد التي يتيمن بالعمل بها، أي: يتبرك. واليمن: البركة، و {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [28] أي: من جهة النصيحة، واليمين: البركة، والعرب تتيمن بما جاء عن اليمين. {بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [29] أي: ما كنتم مؤمنين فرددناكم عن الإيمان. {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ} [30] في ترك الحق {مِنْ سُلْطَانٍ} أي: ولا تستطيعوا اللوم عن أنفسكم فإنه لازم لكم.

قال قتادة: "أقبل الإنس على الجن يتساءلون". وقيل: {مُسْتَسْلِمُونَ} [26] مسترسلون بما لا تستطيعون له دفعا، ولا منه امتناعا. الطاغي: الباغي يتجاوزه الحد إلى أفحش الظلم؛ وذلك لكفرهم بالله؛ لأنهم تجاوزوا فيه الحد إلى أكبر المعصية. الإغواء: الدعاء إلى الغي، والغي نقيض الرشد. الاشتراك: اجتماع الشيئين فصاعدا فيما هو لهما، فهؤلاء قد اجتمعوا في العذاب الذي هو لجميعهم. و {يَسْتَكْبِرُونَ} [35] على الداعي لهم إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله. الاستكبار: طلب العبد كبر الشأن بتصغير غيره، وهي صفة ذم، فهؤلاء استكبروا من قبول الحق في إخلاص التوحيد. الترك: ضد الأخذ في محله، ولا ترك للجوهر، وإنما يكون الترك للأعراض.

الجنون: آفة تغطي على العقل حتى يظهر التخليط في الفعل. وأصله: التغطية، من ذلك: جن عليه الليل؛ إذا ستره. ومنه: (المجن) ؛ لانه يستر صاحبه. الإخلاص: إخراج كل شائب عن الشيء مما ليس منه. {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [36] يعنون محمدا - صلى الله عليه وسلم - بفرط جهلهم. الفاكهة: طعام يؤكل للتلذذ لا للتقوت الذي يحفظ الصحة. يقال: فلان يتفكه بهذا الطعام. الإكرام: الإعظام برفع المنزلة، والإكرام: نقيض الإهانة. {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [45] من خمر جارية في أنهار ظاهرة للعيون. عن الحسن. والكأس: إناء فيه شراب. وقيل: لا يكون كأسا حتى يكون فيه شراب، وإلا فهو إناء. {مَعِينٍ} [45] يجوز فيه (مفعول) من عين الماء، أو لأنه يجري ظاهرا للعين، ويجوز فيه (فعيل) من (المعن) : وهو الماء الشديد الجري، من: أمعن في الأرض؛ إذا اشتد دخوله فيها.

وصفت الخمر بأنها {بَيْضَاءُ} وهي تجري في أنهار لأنها ترى بيضا صافيه، في نهاية الرقة واللطافة مع {.....} التي لها {.....} ؛ لأنها على أحسن منظر ومحمد. اللذة: فعل المشتهى بوجود ما يكون به صاحبه ملتذا. الشراب السائغ: الذي من شأنه أن يجري في الحلق. الغول: فساد يلحق في خفاء. اغتاله اغتيالا؛ إذا أفسد عليه أمره، ومنه: الغيله، وهي القتل في خفاء. وقيل: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} [47] لا يكون عنها صداع ولا أذى كما يكون في خمر الدنيا. عن ابن عباس. معنى {يُنْزَفُونَ} يسكرون. والنزيف: السكران؛ لأنه ينزف عقولهم بالسكر. المكنون: المصون من كل شيء, العين: الشديد بياض العين، الشديد سوادها. عن الحسن. {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [48] قصرن طرفهن على أزواجهن. عن الحسن الحسن. والفرق بين {يُنْزَفُونَ} و {يُنْزِفُونَ} بتفح الزاي وكسرها: أن الفتح من: (نزف) الرجل فهو (منزوف) ، و (أنزف) إذا ذهب عقله

بالسكرِ، و (أنزفَ) فهو (منزفٌ) إذا فنيت خمره. ويقال: (أنزف) - أيضاً - إذا سكِر.

(51)

العينُ: النجل الأعينُ، وهي الواسعة الحسنة. {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [49] شبههنَّ ببيض النعام يكنُّ بالريش من الريح والغبار. عن الحسن، وابن زيد. وقيل: شبههنَّ ببطن البيض قبل أن يقشر، وقبل أن تمسه الأيدي. عن سعيد بن جبير، والسدي. قرأ حمزة، والكسائي {يُنْزِفُونَ} بكسر الزاي، وقرأ الباقون {يُنْزَفُونَ} بفتح الزاي. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) } فقال: ما القرينُ؟ وما معنى {لَمَدِينُونَ} [53] ؟ وما معنى {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [55] ؟ وما معنى {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [56] ؟ وما الإحضارُ؟ وما معنى {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى} [58 - 59] ؟ وما المثلُ؟ ولم جاز {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [62] ؟ وما معنى {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [63] ؟ ولم شبه برءوس الشياطين ولم ترَ رءوس الشياطين قط؟ وما المثل؟ وما

الشوبُ؟ وما الجحيم؟ وما الإهراع؟ وما معنى {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [68] ؟ وما اللام في {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} [71] ؟ وما الضلالُ؟ وما الكرب؟ وما الجعْلُ؟ وما معنى {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} [78] ؟. الجواب: القرينُ: الكائن مع غيره بإزائه، والقرينُ والصاحب من النظائر. معنى {لَمَدِينُونَ} [53] ، من قولهم: كما تدين تجانُ، أي: كما تجزِي تُجْزَى. وقيل: كان القرين شريكاً من الناس. عن ابن عباس. وقيل: كان شيطاناً. عن مجاهد. {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [55] في وسط الجحيم، وقيل للوسطِ (سواءٌ) لاستواء المسافة منه إلى الجوانب. وقيل لغير الإنسان (سواءٌ) لاستوائه في مكانه بأن صار بدلاً منه، وقد كثر حتى صار بمعنى غيره.

معنى {إِنْ كِدْتَ} [56] التأكيد، وهي المخففة من الثقيلة، ودليلها مصاحبة لام الابتداء لها في {لَتُرْدِينِ} ، وهي التي في {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] إلا أنها دخلت في هذا على فعلٍ. {لَتُرْدِينِ} لتهلكني هلاك المتردي من شاهقِ، ومنه: {يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل: 11] أي: تردَّى في النار. الإحضار: الإتيان بالشيء، أحضره غيره، ومنه: إحضار المعنى للنفس بذكره. والمعنى: لكنت من المحضرين في النار كإحضاركَ. معنى {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى} [58 - 59] فيه وجهان: الأول: يقوله المؤمن على حمه السرور بنعمة الله عليه في أنه لا يموت ولا يعذب. الثاني: يقوله على جهة التوبيخ لقرينه بما كان ينكره. المِثلُ: شسء يسدُّ مسدَّ غيره حتى لو رؤي بدلاً منه لم يفرق بينه وبينهُ، هذا معنى المثل وأصله إذا أطلق، أما إذا قيدَ فقيل: مثله في كذا؛

فإنما يرجع إلى اتفاق المعنى الذي يستحقه كل واحد منهما مما يفرق ما بينهما في الإدراكِ. جا {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [62] فيه قولان: الأول: على الحذفِ بتقدير: السبب هو الذي أدى إليه خير أم سبب ذاك؟. الثاني: على التقدري، كأنهم قد قالوا فيه خيراً لما علموا ما أدى إليه. {الزَّقُّومِ} تمر شجرة منكرة الطعم جداً، من قوله: تزقم هذا الطعلم إذا تناوله على تكرهٍ ومشقة شديدة. النُزُلُ: الفضلُ: يقال: طعام فيه نزلٌ، أي: فضل ريعِ. معنى {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [63] قال: محنة {.....} ، وذلك أن المشركين لما نزلت الآية قالوا: النار تحرق الشجر فكيف تنبتُ في النار؟!. عن قتادة. التشبيهُ برءوس الشياطين فيه ثلاثة أقوال:

الأول: أن قبح صورتها متصور في النفس، وكذلك قالوا للشيء يستقبحُ جداً: كأنه شيطان. الثاني: شبهَ برأس حيةٍ تسمى عند العرب (شيطاناً) .

الثالث: شبة بنبتٍ معروف بـ (رُءُوس الشياطين) . وقيل: لشجرة الزقوم ثمرة مرةٌ خشنة منتنة الرائحة. وقيل: {فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} شدةٌ العذاب لهم. وقيل: قد دل الله أنه سوء خلق الشياطين في النار حتى لو رآهم راءٍ من العباد لاستوحش غاية؛ فلذلك شبه برءوسهم. وقيل: {خَيْرٌ نُزُلًا} [62] من (الأنزالِ) التي تقيم الأبدان. قال امرؤُ القيس: [الطويل] أيقْتْلنِيوالُشْرفِيُّ مُضَاجعِي ... وَمسْنُونَةٌ زُرْقٌ كأنْيابَ أغْوَالِ فشبه بأنياب الأغوال ولم ترَ، ويقولون: كأنه رأس شيطان، وانقلب عليَّ كأنهُ شيطانٌ. الملءُ: حشوُ الوعاء بما لا يحتمل الزيادة عليه.

الشوب: خلط الشيء بما ليس فيه مما هو شر منه. والحميم إذا شاب الزقوم اجتمعت المكارهُ فيه من المرارة والخشونة وبين الرائحة والحرارة المحرقة. الحميمُ: الكاقي من الإحراق المهلك. والحميمُ: الصديق القريب، أي: الداني من القلبِ. الإهراعُ: الإسراع في المشي بما فيه تشبيه في الرغدة. عن الفراءِ الفراء. وقيل: {يُهْرَعُونَ} [70] إلى النار على آثار آبائهم الضالين. قال ابن عباس: "يشربون الحميم المشوب على الزقزم"، أي: قد سيبَ مع حرارته بما {.....} . وقيل: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [68] أي: إلى النار المتوقدة. وفيه دليل أنهم وقت يطمعون الزقوم هم بمعزل عنها، كما قال - عز وجل -: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44]

وقيل: {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [70] في الضلال عن الحق. عن الحسن. وقيل: {يُهْرَعُونَ} يستحثون من خلفهم. عن أبي عبيدة. وقيل: يزعجون إلى الإسراع. هرع وأهرعَ بمعنَى. اللامُ في {لَقَدْ] لام القسم. الضلالُ: الذهاب عن الصواب إلى طريق الهلاك. الأكبرُ: الأعظم في العدة، والأعظم على وجوهٍ: أعظم في الجنة، وأعظم في العدةِ، وأعظم في النفي، وأعظم في الشأن. الأولُ: الكائن قبل غيره، الأولُ: الأحقُّ بأنه قبل غيره، والأول: قبل كل شيء هو الله - تعالى-. الإرسالُ: تحميل الرسالة من يؤديها إلى غيره. النجاةُ: الرفع عن الهلاك، وأصله الرفع، ومنه: (النجوةُ) للمرتفع من المكان. العظيمُ: الذي يصغر مقدارُ غيره بالإضافة إليه. الجعلُ: حصول الشيء على ما لم يكن بقادر عليه. معنى {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} [78] فيه وجهان: الأول: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} ذكراً جميلاً، عن ابن عباس. ويكون {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} [79] من قول الله على غير جهة الحكاية.

وقيل: الناسُ كلهم بعد نوح - عليه السلام - من ذُريتِهِ.

(82)

وقيل: العجمُ والعرب أولاد سام بن نوح، والتركُ والصقالية والخزرُ أولاد يافث بن نوح، والسودان أولاد حام بن نوح. وقيل: {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [76] أي: من الغرق. عن السدي. وقيل: بل من الأذى والمكروه الذي كان ينزل به من قومه لأنه بذلك دعا ربه فأجابه. وقيل: الذين نجوا مع نوح - عليه السلام - سبعة. مسألة: وإن سأل عن قوله سبحانه: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) } فقال: ما العبدُ؟ وما المؤمن؟ وما الإغراق؟ وما الآخر؟ وما الشيعة؟ وما الإفك؟ ولم جاز جمع ما لا حقيقة لجمعه من قوله: {آلِهَةً} [86] ؟ وما معنى {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [87] ؟ ولم جاز {آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} [86] وليست الآلهة مما يحدث؟ وما معنى قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [89] ؟ وما الروعُ؟ ولم جاز {إِلَى آلِهَتِهِمْ} [91] مع أنها ليست بآلهة لهم حقيقة؟ ولم جاز أن يقول للجماد {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} [92] ؟ وما معنى {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [93] ؟ وما معنى {يَزِفُّونَ} [94] ؟ وما الخلق؟ وما العملُ؟ وما البناء؟ وما معنى {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [99] ؟ وما الحليم؟ وما معنى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [102] ؟ وما معنى {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [103] ؟ وكيف جاز أن يؤامر ابنه في المضيَّ لأمر الله؟ وما البلاء؟ وما البيان؟ وما الفداء؟

وما العظيم؟ وما الإحسان؟ وما البلاء المبين؟ وما المنُّ؟ ولم قيل في النبي إنه من المؤمنين؟ وما البركة؟ وما الفرق بين النصر والمعونة؟. الجواب: العبدُ: الدليل بالعبودية لمالكه، فالخلق كلهم عباد الله، ومنهم عابد لغيره جهلاً بما يجب له، وتضييعاً لحق نعمته. المؤمن: العامل بما يؤمنه من العقاب، وهو المصدق بالحق تصديقاً ظاهراً وباطناً، أولاً وآخراً. الإغراقُ: الهلاك بالماء الغامر، والإغراق لقوم نوح - عليه السلام - بالطوفان، وهو من آيات الله العظام. الآخرُ: المتأخر عن صاحبه. الشيعةُ: الجماعة التابعة لرئيس لهم. وقيل: {مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [83] أي: على منهاجه وسنته. عن مجاهد. {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [84] من الكفر والمعاصي.

قال الفراء: " {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} أي: محمد - صلى الله عليه وسلم - {لَإِبْرَاهِيمَ} ". وهذا عدول عن الظاهر. الإفك: قلب الشيء عن جهته التي هي له، وكل كذب الكعنى على جهته إما إلى طريق النفي، وإما إلى طريق الإثبات. جاز جمع ما لا حقيية لجمعه من قوله: {آلِهَةً} لأنه على التوهم {....} إله غير الله، وذلك توهم فاسد. {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [87] فيه وجهان: الأول: أي شيء ظنكم به أسوأ ظن. الثاني: فما ظنكم برب العالمين أنه يصنه بكم. أن تقولوا أتريدون آلهة دون الله، لأن المعنى: أتريدون عبادة آلهة دون الله، وهو من باب: سلِ القرية. أي: أهل القرية. معنة قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [89] فيه أفوال: الأول: {إِنِّي سَقِيمٌ} بما في عنقي من الموت.

وقيل: {إِنِّي سَقِيمٌ} مما أرى من أحوالكم القبيحة في عبادة غير الله. وقيل: {إِنِّي سَقِيمٌ} لعلة عرضت له. وقيل: إنه نظر نظرة في النجوم استدل بها على وقت حمَّى كانت تأتيه، فخرجوا إلى عيدهم وتركوه. الروعُ: الميل من جهة إلى جهة بحدةٍ. جاز {إِلَى آلِهَتِهِمْ} [91] وهي ليست بآلهة لهم في الحقيقة، لأن التقدير فيه: إلى ما يدعون أنها آلهة لهم، أو ما اتخذوها آلهة لهم. وجاز أن يقول للجماد: ما لك لا تنطق؟ لما في ذلك من العبرة التي تحرك الخاطر، وتهدي إلى الطريق الواصح بأن قدرها تقدير من يفهم الكلام ويمكنه رد الجواب من الأجسام، مظاهرة في البيان، وإيضاح البرهان له. {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [93] فيه وجهان: الأول: {بِالْيَمِينِ} التي هي الجارحة؛ لأنها أقوى على العمل من الشمال. الثاني: {بِالْيَمِينِ} أي: القسم ليلبس بهما. وقال الفراء: " (اليمينُ) القوةُ".

وقيل: إنما قال: {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} [92] تقبيحاً لعابديها، كأنهم حاضرون لها. وقيل: يمينه قوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57] . معنى {يَزِفُّونَ} [94] يسرعون. وقيل: يمشون. عن السدي. وقيل: يتسللون بحال بين المشي والعدو. ومنه: زفت النعامة بحال بين المشي والعدوِ. وقيل: {يَزِفُّونَ} يمشون على مهلٍ. وقرأ {يُزِفُّون} - بضم الياء وكسر الزاي - حمزة، والمفصل عن عاصم، وقرأ الباقون {يَزِفُّونَ} بفتح الياء. الخلقُ: فعل الشيء على تقدير. وأفعال الله كلها مخلوقة؛ لأنها مفعولة على مقدار ما أراد وعلم وحكمَ.

العَمَلُ: إحداث نفس الشيء، ثم يقال: فلان يعمل الخوصَ إذا حدث ذلك عند حادث فيه. معنى قوله: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [99] أي: إلى مرضاة ربي، وهو المكان الذي أمرني بالذهاب إليه. وقيل: إلى الأرض المقدسة. قيل: أرض الشام. وقال قتادة {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} أي: بعملي ونيتي. الجحيمُ - عن العرب-: النار التي يجمع بعضها على بعض. البناءُ: وضع منزلةٍ على منزلة. وكانوا بنوا له شبه الحظيرة وأججوا ناراً ليلقوه فيها، وجعلهم الله الأسفلين بإهلاكهم ونجاة إبراهيم - عليه السلام -. وقيل: منع الله النار منه بأن صرفها في خلاف جهته. فلما أشرفوا على ذلك علموا أنه لا طاقة لهم به. ومعنى {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [100] أي: صالحاً من الصالحين. الحليمُ: الذي لا يجعل في الأمور قبل وقتها مع القدرة عليها. { ... } : الخفيف بأن من شأنه أن يفعل الشيء قبل حينه.

معنى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [102] أي: أطاق أن يسعى معه. وقال ابن زيد: السعيُ في العبادةِ.

وقال الحسن: سهيُ العقل الذي تقوم به الحجة. معنى {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [103] أضجعه للجبين. عن الحسن. قيل في النسخ قبل فعلِ المأمور منه ثلاثة أقوال: الأول: أنه أمر أن يقعد منه مقعد الدَّابح وينتظر الأمر بإمضاء الذبح على ما رأى في منامه ففعل. الثاني: أمر على شرط الغلبة والتمكين، فكان - كما روي أنه - كلما اعتمد بالشفرة انقلبت وجعل على حلقه صفيحة من نحاس. الثالث: أنه ذبح، ووصل الله ما فراه بلا فصل. والصحيح أنه من ذبح، فلذلك كان الفداء. جاز أن يؤامر ابنه في المضي لأمر الله لأنه أحبَّ أن يعلم صبره على أمر الله وعزمه على طاعتهِ.

والدَّبيحُ: قيل: إنه إسحاق - عليه السلام -. عن عليَّ، وابن مسعود، وكعب الأحْبارِ، وعن الحسن، وقتادة.

وقيل: إسماعيل عليه السلام. عن ابن عباس، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن كعب القرظي، وسعيد بن المسيب، وإحدى الروايتين عن الحسن.

صفحة فارغة

وقيل: {تَلَّهُ} [103] صرعَهُ. وقيل: كان يومئذٍ ابن ثلاث عشرة سنة. قرأ حمزة، والكسائي {مَاذَا تُرِى} بضم التاء وكسر الراء، وقرأ الباقون {مَاذَا تَرَى} بفتح التاء. البلاء: الاختبار فيما يوجب النعمة أو النقمة، ولذلك قيل للنعمة (بلاء) ، وللنقمة (بلاء) ؛ لأنها سميت باسم سببها المؤدي إليها، كما يقال لأسباب الموت: هذا الموت بعينه، ونبتلي هذا: أي: نختبره بإخراج ما فيه من خير أو شر. البيانُ: إظهار ما يتميز به المعنى في النفس من غيره. المبينُ: المظهر ما في الأمر من خير أو شر. الفداء: جعل الشيء مكان غيره لدفع الضرَّ عنه. الكبشُ الذي فدي به إسماعيل - عليه السلام - قيل له: {عَظِيمٌ} ؛ لأنه يصغرُ مقدار غيره من الكباش بالإضافة إليه.

وقيل: فدىَ به كبش من الغنمِ. عن ابن عباس، ومجاهدٍ، والضحاكِ، وسعيد بن جُبيرِ.

وقال الحسن: "فدي بوعلٍ أهبط عليه من جبل". وقيل: إنه لا خلاف أنه لم يكن من الماشية التي كانت لإبراهيم - عليه السلام - أو غيره في الدنيا. وقيل: {الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [106] النقمة البينَةٌ. الذبحُ - بكسر الدال -: المهيأُ للدًّبح، الدبحُ - بالفتح -: المصدر. وقيل: إنه رعى في الجنة أربعين خريفاً. وقيل: {عَظِيمٌ} متُقبلٌ. عن مجاهدة. المنُّ: قطع كل أذيةٍ بالنعمة. وقيل في النبي إنه من المؤمنين - وهو أفضل المؤمنين - للترغيب في الإيمان بأنه يمدح مثله بأنه من المؤمنين، كما يقال: هو من الكرماء، وكذلك {نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [112] .

(116)

البركةٌ: ثبوت الخير النامي على مرور الأوقات، فبركة إبراهيم عليه السلام في التلطف بدعائه إلى الحق، وبالخبر عن أحواله الجميلة في التمسك بالطاعة لله. وقيل: إنما بشر في هذا الوقت بنبوته لا بمولده، وذلك بعدما أسلم نفسه لربه. عن ابن عباس. في قوله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} [112] بعد ذلك دليل زاضح أن الدبيح إسماعيل - عليه السلام -. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182) } فقال: ما النصؤُ: وما الكتاب المستبين؟ وما الصراط المستقيم؟ وما الجزاء؟ وما البعلُ؟ وما معنى {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [125] ؟ وما معنى {الْبَاقِينَ} [77] ؟ وما الحجة في أنه رب آبائهم؟ وما المحذوف من {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [127] ؟ ولم جاز في إلياس (إليَاسِينَ) ؟ وما وجه ذكر هذه القصص؟ وما معنى {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} [135] ؟ وما الآبقُ؟ وما التدميرُ؟ وما وجه ذكر الإصباح والليل في هذا الكلام؟ وما معنى {الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [140] ؟ وما المساهمة؟ وما معنى {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [141] ؟ وما الالتقامُ؟ وما التسبيح؟ وما المُليمُ؟ وما معنى (سَاهَمَ) ؟ وما معنى {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [143] ؟ وفيم ساهموا؟ وما اليقطينُ؟ وما معنى {أَوْ يَزِيدُو} [147] ؟ وما الاصطفاءُ؟ ولم امتنع في صفة القديم اتخاذُ الولد؟ وما معنى {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [158] ؟ وما الغابرُ؟ وما الصالِ؟ وما معنى {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [164] ؟ وما معنى {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [

165] ؟ ولم وصف المقام بأنه {مَعْلُومٌ} ؟ وكيف سميت الصلاة تسبيحاً؟ وأى لام هي التي في {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ} [167 - 168] ؟ وعلام تعود الهاء في {فَكَفَرُوا بِهِ} [170] ؟ وما السبقُ؟ وما معنى {سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [171] ؟ وما الغلبة؟ وكيف جاز سبق الكلمة للمرسلين بالنصر مع أن منهم من قتل؟ وما الساحة؟ وما العذاب؟ وما العزةُ؟ ولم كرر {وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [179] ؟. الجواب: الفرق بين النصر والمعونة: أن كل نصر معونة، وليس كل معونةٍ نصراً، لأن المعونة قد تكون معونة على بلوغ منزلة، كالمعونة على طلب العلم، وإنما النصر: المعونة على العدُوَّ. الكتاب المستبينُ: المستدْعي إلى ما فيه من البيان بالمحاسن التي تظهر فيه في الاستماع، وكل كتاب الله فهذه صفة من حمكته. الصراط المستقيم: الطريق المؤدي إلى الحق في كل أمر يعرض للنفس إذا أطلقت الصفة لصاحبه، وهو الطريق المؤدي إلى الجنة بإخلاص الطاعة لله. عن قتادة: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [118] : الإسلام. {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ} [119] : الثناء الجميل. وقيل: {سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} [120] كما قيل: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} [79] . الجزاءُ: إعطاء المضمون على العمل من خير أو شر، فجزاء الإحسان بالحمد والنفع، وجزاء الإساءة بالسوءِ والضُرَّ.

البعلُ: الرب في لغة أهل اليمن. يقولون: من بعلُ هذا الثور؟ أي: من ربه. عن عكرمه، ومجاهد، وقتادة، والسدي, وقيل: (البعْلُ) صنم. عن السحن، والضحاك. ويقال لزوج المرأة: بعلها، والنخلُ والزرع إذا أسقيا بماء السماء (بعْلٌ) ، وهو العديُ خلاف السقي. ومعنى {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [125] أي: أتدعون بإلهية صتم عادلين عن أحسن الخالقين؟. وهذا إنكار عليهم أن يعتقدوا أن غير الله إله، أو يقال لغيره: يا إلهي. وقيل: {إِلْيَاسَ} هو إدريس. عن قتادة. وقيل: {إِلْيَاسَ} ابن ولد إدريس. وقيل {إِلْيَاسَ} من ولد هارون. عن ابن إسحاق. و {إِلْيَاسَ} اسم النبي، أعجمي معرب، ولذلك لم ينصرف.

وقيل: هو (أفعالٌ) من (الأليَس) وهو الشجاع؛ ولو كان كذلك لانصرف. الربُّ - بالاطلاق -: المالك لتدبير جميع الأمور، وهو الله - تعالى -، فإذا قيد فقيل: فلان رب الدار، كان بمعنى: مالك تدبير ما أضيف إليه. وجه الحجة عليهم في أنه رب آبائهم أنه إذا كان الرب واحداً أوجب إخلاص العبادة لواحد؛ لأنه مالك الضر والنفع في جميع الأمور، وهذا يبطل عبادة الأوثان. المحذوفُ من {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [127] أي: فإنهم لمحضرون لتكذيبهم والجزاء بما يقتضيه فيهم، وذلك معلوم نقضه لا يخفى أمره على عارف. جاز في إلياس (إلياسينَ) [لوجهين] : الأول: أن العرب تصرف الأسماء الأعجمية بالزيادة، كما يقولون: ميكائيل وميكائينَ، ويقولون أيضاً: ميكال وميكائيل، ويقولون في إسماعيل: إسماعين. وفي قراءة عبد الله: (وإنَّ إدراسين لمن المرسلينَ، سلام على إدراسينَ) . الثاني: أن يكونوا جميعاً حل فيهم (إلياس*، كقولهم: الأشعرون، والمهلبونَ. ومن قرأ {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} فإنه فسر على آل محمد، وفسر على آل إلياس. قرأ نافع، وابن عامر {سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} ، وقرأ الباقون {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} ، وكلهم قرأ {وَإِنَّ إِلْيَاسَ} بالهمز، غير ابن عامر فإنه قرأ {وَإِنَّ اِليَاسَ} بغير همز.

وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ} [126] نصباً، وقرأ الباقون بالرفع. وجه ذكر قصص النبيين التشويق إلى مثل ما كانوا عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، وصرف الناس عن مساوئ الأخلاق ومقابح الأفعال.

{إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} [135] أي: في الباقين الذين أهلكوا، فالغابرُ: الباقي قليلاً بعد ما مضى. الآبقُ: الفارُّ إلى حيث لا يهتدي إليه الطالب. فكأن يونس - عليه السلام - بذهابه إلى الفلكِ كالفارَّ من مولاه. التذميرُ: الإهلاك بالتنكيل. وجه ذكر الإصباح والليل في هذا الكلام في قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ} [137 - 138] لأن من كثر مرورهُ بموضع العبرة فلم يعتبر كان اللوم والدمُّ له، وإنما هو توبيخ بترك الاعتبار. المشحون: المحملُ، الموقر. المساهمة: إلقاء ما كان من السهام على حهة القرعةِ، فوقع السهم عليه فألقى في البحر فالتقمه الحوتُ. {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [141] أي: من المفروعينَ. وقيل: الملقين في البحر. والدحضُ: الزلقُ: لأنه يسقط عنه الماء فيه، و {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} [الشورى: 16] أي: ساقطة. الالتقامُ: ابتلاعُ اللقمةِ، وذلك أن الحوت تناوله بفيهِ كاللقمةِ.

المليمُ: الذي يأتي بما يلام على مثله. التسبيح: التنزية لله، وهو التعظيم له عما لا يجوز في صفته. وقيل: {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [143] من المصلين في الرخاء؛ فنجاه الله - تعالى - من البلاء. وقيل: {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [هُوَ] قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] . وقيل: لبث في بطن الحوت أربعين يوماً. عن السدي. العراءُ: الفضاء الذي لا يواريه شجر ولا غيره. وقيل: كان يونس - عليه السلام - قد توعدهم بالعذاب إن أقاموا على ما هو عليه، فلما رأوا مخائل العذاب دعوا الله - تعالى - بكشفِه عنهم فكشفهُ، وكانَ

وكان يونس - عليه السلام - قد خرج قبل أن يأمره الله - تعالى - فكان ذنباً لام نفسه عليه. وإنما تساهموا لأنهم أشرفوا على الغرق، فرأوا أن يخرج واحد أيسر من غرق الجميع. وقيل: لا، بل لما رأوا الحوت قد يعرض لهم قالوا: فينا مذنب مطلوب فتقارعُوا. اليقطينُ: كل شجرة ليس لها ساق، تبقى من الشتاء إلى الصيف. وقيل: هو القرْعُ. عن ابن عباس. وقيل: هو (يفعِيلٌ) من: قطن بالمكان، أي: قام إقامة زائل، لا إقامة ثابتٍ. وقيل: كانت رسالة يونس - عليه السلام - بعد الالتقام. ويجوز أن يكون أرسل إلى الأولين بشريعة فآمنوا بها. ومعنى {أَوْ يَزِيدُونَ} [147] فيه أوجه:

أحدها: كأنه قيل: أرسلناه إلى أحد العددين؛ فيكون معنى (أو) - ها هنا - الإبهامُ. وقيل: هو على شكَّ المخاطبين. وقيل: المعنى: بل يزيدون. عن ابن عباس. وقوم يونس رأوا آيات العذاب فآمنوا قبل ظهوره فقبل إيمانهُم. الاصطفاءُ: إخراج الصفوةِ، والصفوةُ خالصة من شائب الكدرِ. يمتنع في وصف القديم إيجاد الولد لما فيه من معنى التشبيه، ولا يجوز أن يكون له شبيهٌ. قلبت (التاءُ) في أفعل من الصفوة (طاءً) لتعديل الحروف في الإطباق والاستغلاءِ. و {مِنْ إِفْكِهِمْ} [151] أي: من كذبهمْ. وكلهم قرأ {لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى} [152 - 153] بقطع الألف على طريق الاستفهام، إلا نافعاً في رواية ورش وإسماعيل بن جعفر فإنه جعلها جعلها ألف وصلٍ على الخبرِ.

قيل للبرهان سلطان لأنه يتسلط به على الإنكار على مخالف الحق بما ينطق به البرهان. معنى {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [158] قيل: يجعلهم الملائكة بنات الله، وقالوا: تزوج إلى الجن فخرج منها الملائكة، تعالى الله، تعالى عن ذلك. وقيل: {إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} العذاب، أي: قائل هذا القول. وقيل: {لَمُحْضَرُونَ} للحسابِ. عن مجاهد. وقيل: تسمى الملائكة جنَّة لاستتارهِمِ عن العُيُون.

وقيل: بل لأنهم قالوا - لعنهم الله -: تزوج من الجنَّ. وقال الحسن: "أشركوا الشيطان في عبادة الله فهو النسبُ الذي جعلوه". الفاتنُ: الداعي إلى ضلال بتزيينه له؛ ولأنه يخرج إلى الهلاك، إذ أصلُ (الفتنةِ) من قولهم: فتنتُ الذهب بالنار إذا أخرجته إلى حال الخلاص، {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40] أخرجناك بالأمر الحق إلى حال الخلاص. الصَّال: اللازم نحو النار. {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [164] أي: لا يتجاوز ما أمر به ورتب له، كما لا يتجاوز صاحب المقام مقامهُ. ومعنى {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [165] قيل: الصفوف في الصلاة. وقيل: صاقونَ حول العرش ينتظرون الأمر والنهي عن الله - تعالى -.

وقرأ الحسن: {صَالُ الْجَحِيمِ} برفع اللام. وفيه وجهان: الجزمُ، والقلب على قولهم: شاكُ السلاح. وسميت الصلاة (تسبيحاً) لما فيها من تسبيح الله وتعظيمه؛ ولذلك قالوا: فرغت من سبحتي، أي: صلاتي. والمسبحون: المصلون، والمسبحونَ: القائلون: سبحان الله. لام الابتداء التي في {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ} [167 - 168] ؛ وذلك أن (إنْ) المخففة من الثقيلة تلزمها هذه اللام ليفرق بينها وبين التي للجحد في مثل قوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [النحل: 124] .

الهاء في {فَكَفَرُوا بِهِ} [170] تعود على الذكر؛ وذلك أنهم طلبوا كتاباً كما للأولين التوارة والإنجيل، فلما جاءهم القرآن كفروا به وبمن جاء بالقرآن. عن ابن عباس، والسدي. السبْقُ: مجيء الشيء قبل غيره. معنى هذه الكلمة للمرسلين أنهم ينتظرون الغلبة بمصير العدوَّ المناوئ في قبضة القادر عليه بما يجري عليه من كلمةٍ.

جاز سبق الكلمة للمرسلين بالنصر مع أن منهم من قتل، لأن ذلك معنى النصر بالحجة. عن السدي. قال الحسن: "ما غلب نبي في حربٍ، ولا قتل فيها قطُّ". وقيل: {سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا} [171] بالسعادة. وقيل: {حَتَّى حِينٍ} [174] إلى يوم بدر. عن السدي. وقيل: إلى الموت. عن قتادة. وقيل: إلى يوم القيامة. {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [175] أي: أنظرهم فسوف يرون العذاب. ويحتملُ: انظر حالهم بقلبكَ. وقيل: أبصرهم في وقت النصْرِ.

صفحة فارغة

وفي الآية دليل على المعجزة لأنه وعد بالنصر فكان الأمر على ما تقدم به الوعدُ. وقيل: {حَتَّى حِينٍ} [178] لانقضاء مدةِ الإمهال. العذابُ: استمرار الآلام. العزة: منعة القادر الذي لا يضام ولا يرامُ، والعزة لله جميعاً، لأنه القادر الذي لا يعجزه شيء. كرر {وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [179] لأنهما عذابان: عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، فكأنه قيل: أبصرهم في عذاب الآخرة، وأبصرهم في عذاب الدنيا. وقيل: {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} [177] أي: بدارهم. وقيل: {الْعِزَّةُ} هي التي يعزُّ الله بها الأنبياء والمؤمنين.

* * *

سورة {ص}

سورة {ص} مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ (17) } فقال: هلا تعدّ {ص} ؟ واين جزاب القسم في {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [1] , وما معنى {ص} ؟ وما معنى {ذِي الذِّكْرِ} ؟ وما معنى {فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [2] ؟ وما معنى {مَنَاصٍ} ؟ ولم نصبت {لَاتَ حِينَ} ؟ وما الانطلاق؟ وما معنى {امْشُوا} ؟ ولم لا يجوز تأويل من قال: إن معنى {امْشُوا} أي: لتكثر ماشيتكم، بمعنى الدعاء لهم؟ ومن القائل: {امْشُوا وَاصْبِرُوا} [6] ؟ وما معنى {وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ} [12] ؟ وما معنى {الْأَيْكَةِ} ؟ وما الصيحة الأولى؟ وما معنى {مِنْ فَوَاقٍ} [15] ؟ وما التعجيلُ؟ وما الحسابُ؟ وما القط؟ وما الصبرُ؟ وما وجه اتصال {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ} [17] بما قبله؟. الجواب: لم يعد {ص} لأنه يشبه الاسم المفرد في أنه على ثلاثة أحرف في هجاء حروف المعجم، نحو: باب، ودار، وناد، وإنما يعدُّ ما أشبه الجملة وشاكل آخره رءوس الآي التي بعده بالردفِ، ومخرج الحروف. جواب القسَم في {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [1] محذوف بتقدير: جاء الحق وظهر الأمر، وحذف الجواب في مثل هذا أبلغ؛ لأن الذكر له يقصر المعنى على وجهٍ، والحذف يصرفه إلى كل وجهٍ.

معنى {ذِي الذِّكْرِ} البيان والبرهان المؤدي إلى الحق، الهادي إلى الرشدِ.

معنى {عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [2] في حمية وفراقِِ. وقيل: (الشقَّاقُ) الخلافُ. وقيل معنى {ص} أقوال: أحدهما: أنه قسم، واسم من أسماء الله - تعالى - عن ابن عباس. وقيل: من حروف المعجم. عن السدي. وقيل: معناه: صدق الله. وقيل: اسم من أسماء القرآن. وقيل: اسم من أسماء السورة. وقيل: (صادِ) - بكسر الدال -، أي: عارضْ بعملكَ.

وقيل: {ذِي الذِّكْرِ} ذي الشرف. قيل: {ذِي الذِّكْرِ} التذكير لكم. وقيل: جواب القسم ما كفى منه {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [2] ، كأنه قال: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} ما الأمر كما قالوا. وقيل: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} كفى منه {كَمْ أَهْلَكْنَا} لما وقع بينه وبين القسم اعتراضٌ. عن الفراءِ.

صفحة فارغة

وقيل: الجواب: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} ؛ إلا أنه قد يبعدُ من أول الكلام. معنى {مناص} فرار، ناصَ ينوصُ نوصاً. نصبت {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [3] لأنها مشبهة بـ (ليْسَ) من جهة النفي والحالِ. وقيل: ولاتَ حين فرارٍ من العذابِ. وقيل: (لات) بالتاء على قياس فصيرهَا من: ثمتَ، وربتَ؛ وذلك لأن ما قبلها ساكنٌ، وهو مذهب الفراء، والكسائي يقف (لاهْ) بالهاء، يجعل الألف في [نية] (1) الحركةِ. وقيل: (المَنَاصُ) المنجاةُ.

_ (1) ما بين المعقوفتين زيادة من التبيان للطوسي.

عجيبٌ، وعجَابٌ، وعجَّابٌ - مشدَّدٌ - بمعنى واحد، نحو: كريم وكرَامٌ وكرَّامٌ. الانطلاقُ: الذهابُ بسهولة. معنى {أَنِ امْشُوا} : أي امشوا، (أنْ) - ها هنا - بمعنى: [أيْ] التي للتفسير. قيل: يجوز {أَنِ امْشُوا} أي: بهذا القول. ولا يجوز أن يكون بمعنى الدعاء لكثرة الماشية لهم، لأنه يكون الأمر من ذلك بقطع الألف، والقراءة بوصلها، ولو طرحت على النون لانفتحت، والقراءة بالكسر، والمعنى لا يشاكل ما بعده ولا ما قبله.

وقيل: الذي قال {امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [6] ابن أبي معيط. عن مجاهد. وقيل: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} [7] النصرانية. عن ابن عباس. وقيل: ملة قريش. عن مجاهد. وقيل: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} تخرصٌ وكذبٌ. عن ابن عباس. وقيل: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي} [8] أي: ليس يحملهم على هذا إلا الشك في الذكر الذي أنزلت على رسولي. {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} [9] فيمنعونك ما من الله - تعالى - به عليك من الكرامة، وفضلكَ به من الرسالة. وقيل: {فِي الْأَسْبَابِ} [10] هي أبواب السماء وطرقها. عن مجاهد مجاهدٍِ، وقتادة.

{الْأَسْبَابِ} جمع (سببٍ) ، وهو: ما يتوصل به إلى المطلوب من حبلٍ أو وسيلة أو رحمٍ أو قرابة أو طريق أو حجةٍ.

ووجه اتصال الإنكار لما قالوا بما قبله أن ذلك ليس لهم، وإنما هو إلى من يملك هذه الأمور. وقال الحسن: {فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} [7] أي أن هذا يكون في آخر الزمان. الجُندُ: جمع معدٌّ للحربِ. و (ما) في {جُنْدٌ مَا} [11] صلة للتأكيد، تقول العرب: جنت لأمر ما. قال الأعشى: [الخفيف] فاذْهَبي مَا إليكِ أدرِكِني الحلـ ... ـم عدَاني عَنْ هيْجكم أشغَالِي فكأنها تقوبة للنكرة المبتدأ في {جُنْدٌ مَا} . (هُنَا) للقريب، و (هنالك) للبعيد، ونظيره: ذا و [ذاك] وذلك، فـ (هُنَا) للقريب، و (هُنَاكَ) للتوسط بين القريب والبعيد، و (هُنالِكَ) للبعيد.

{وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ} [12] فيه أقوال: منها: أنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها. عن ابن عباس، وقتادة. ومنها: قيل له ذلك لتعذيبه بالأوتاد. عن السدي. والربيع بن أنسِ. ومنها: أنهُ ذو البنيان، والبُنْيانُ أوتادُ. المهزومُ: الذي وقعت به الهزيمة، والهَزيمةٌ: الفرار من المحُاربةِ المُحاربةِ.

وقيل: {مِنَ الْأَحْزَابِ} [11] من حزب إبليس وأتباعه. الصيحة الأولى: النفخة الأولى في الصُّورِ.

وقيل: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [15] أي: من إفاقة بالرجوع إلى الدنيا. وقيل: صيحة عذاب مالها من فتور كما يفيق المريض. وقيل: {مِنْ فَوَاقٍ} - بفتح الفاء -: من راحةٍ، وبضمهَا: ما لها من فُواق ناقةٍ: قدرُ ما بيم الحلبتين. وقيل هما بمعنى واحد، قصاص الشعر وقصاصه بمعنى، وما بين الرضعتين (فُوَاق) . {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} [13] قوم شعيب - عليه السلام -. قرأ حمزة، والكسائي {فُوَاق} بضم الفاء، وقرأ الباقون بفتحها. التعجيل: عمل الشيء قبل وقته الذي حقه أن يكون فيه. القطُّ: النصيب الذي يقطع لصاحبه من غيره، وأصله: القطع، من قولك: قطهُ يقطُّهُ، مثل: قدهُ يقُدُّهُ. الصبرُ: حبسُ النفس عما تنازع إليه من الخروج عن الحدَّ. وجه اتصال {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ} [17] بما قبله الترغيب في الصبر المأمور به بأم لك كم إحسان الله - تعالى - إليك على نحو إحسانه إلى داود - عليه السلام - قبلكَ.

وقيل: {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} [16] أي: حظنا من العذاب. وقيل: إنما سألوا أن يريهم من النعيم في الجنة حتى يؤمنوا. وقيل: إنما سألوا تعجيل كتبهم التي يقرؤنها في الآخرة استهزاء منهم بهذا الوعيد. القطُّ: الكتاب في كلام العرب. {ذَا الْأَيْدِ} [17] القوة. عن ابن عباس، ومجاهدٍ. {أَوَّابٌ} رجاعٌ إلى مرضاة الله - تعالى -. وقيل: (الأوَّابُ) التوابُ. {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً} [19] مجموعة من كل جانب. وقيل: محشَّرةً. {كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} رجاعٌ إلى ما يريده. {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} [20] بالجنودِ والهيبةِ.

(21)

{وَفَصْلَ الْخِطَابِ} إصابة الحكم بالحقَّ. {يُسَبِّحْنَ} [18] بتسبيحها معه الذي يدعو إليه تنزيه الله وتعظيمه. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) } [21] قال: ما الخصمُ؟ وما التسوُّرُ؟ وما المحرابُ؟ ولم قيل: [خَصْمَانِ] وقبلهُ [تَسَوَّرُوا] ؟ وما معنى {إِنَّ هَذَا أَخِي} [23] ؟ وما معنى {أَكْفِلْنِيهَا} ؟ وما معنى {وَعَزَّنِي} ؟ وما المالك؟ وما الزلفى؟ وما الخصمان اللذان تسورا المحرابِ؟ وهل كان ذلك معصية من داود - عليه السلام -؟ وهل كان [لهُ] تسع وتسعون امرأة؟ وما الجعْلُ؟ وما الحكمُ؟ وما اتباع الهوى؟ وما معنى {نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [26] ؟ وما معنى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [29] ؟.

الجواب: الخصمُ: الطالب الذي ينازع في الأمر، وهو يقع على الواحد والاثنين والجمع على صيغة واحدةٍ، لأن أصله المصدر، فذلك جاز {تَسَوَّرُوا} . التسوُّرُ: الإتيان من جهة السور. يقال: تسور فلان الدارَ إذا أتاها من قبل سورها، وكانوا أتوهُ من أعلى المحراب؛ فلذلك فزع منهم. {الْمِحْرَابَ} مجلس الأشراف الذي يحارب دونه لشرف صاحبه، ومنه: سمي المصلي (محراباً) ، وموضع القبلة أيضاً (محرابٌ) . وقيل: {تَسَوَّرُوا} بعد قوله: {خَصْمَانِ} لأنه ثنى على تقدير: فريق، وجمع لأن كل فريق جمع. الإشطاطُ: مجاوزة الحقَّ. وقيل: ولا تسرف في حكمكَ بالميل مع أحدنا على صاحبه. وقيل: {إِنَّ هَذَا أَخِي} [23] أي: في ديني. عن وهببن مُنبهٍ. [أَكْفِلنِيهَا] اجعلني كفيلاً بها، أي: ضامناً لأمرها، ومنه: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37]

{وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} غلبني، من قولهم: من عزَّ بَزَّ، أي: من غلب سلبَ. المآبُ، والمرجعُ، والمصيرُ، والمثَابُ: واحدٌ. الزلفَى: القربةَ. الخصمان: ملكان تسورا عليه المحراب، وتقديره: ما يقول خصمان قالا: {بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} ، وذلك أن الملكين لم يكونا خصمين، ولا بغى أحدهمت على ألاخر، وإنما هو على المثل. الفتنةٌ: الشدة في البعد. الزلفى: القربُ من رحمة الله - تعالى - وثوابه في جنته. وقيل: إنه خطب امرأة كان أوريا ابنُ حنان خطبها. وقيل: بل كانَ يجبُّ أن يستشهد ليتزوج امرأتهُ.

وقيل: {فَغَفَرْنَا لَهُ} [25] بعد الإنابة، وإن كانت الخطيئة مغفورة، لأنها مغفرة بعد مغفرة، قال إبراهيم - عليه السلام -: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82] . وقال الحسن: "لم يكن له تسع وتسعون امرأة، وإنما هو مثل". الجعلُ: تصييرُ الشيء على غير ما كان بقادر عليه. الخليفة: المدبر الأمر من قبل غيره على جهة البدل من تدبيره؛ ولذلك يقال: خليفة الله في الأرض؛ لأنه جعله لتدبير عباده بامره. الحكمُ: موجب العلة، والحكم أصل بالإضافة لما بعده، وفرع بالإضافة لما قبله، فهو وسط بين الأمرو، وأحكام القرآن أصول يعمل عليها. اتباع الهوى: عمل الشيء لداعي الهوى، وذلك منهي عنهُ، ولا ينبغي أن يفعل الشيء لأجله. الحقُّ: وضع الشيء في موضعهِ. وقيل: {خَلِيفَةً} [26] لمن كان قبلك من رُسلنِا.

(31)

وقيل: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} يوم الحساب. {بِمَا نَسُوا} أي: تركوا. وقيل: {نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} أي: أعرضوا عنه حتى صاروا بمنزلة النَّاسي. ومعنى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [29] أنه به يستديمُ الناس بتقربِ ما أنعم الله - تعالى - عليهم. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} [41] فقال: ما العرض؟ وما الصافن؟ وما الجياد؟ وما معنى {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [32] ؟ وما التي توارت بالحجاب؟ وما معنى {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [33] ؟ وما معنى {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} [34] ؟ وما كان ذنب داود [عليه السلام] ؟ وما معنى {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [35] ؟ وما معنى التسخير؟ وما الرخاء؟ وما الإصابة؟ وما الغوص؟ وما الأصفاد؟ ولم جاز {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} وظاهره الضن بمثله على من بعده؟

الجواب: العرض: إظهار الشيء بحيث يرى لتمييز أمره بما تقتضيه حاله، منه: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا} [الكهف: 48] ، وأصله الإظهار، وأما (أعرض عني) ، أي: أظهر جفوة بتولية عني، وأما (عرض) فظهر بالانبساط في جهة العرض. الصافن: القائم على ثلاث من الخيل، وذلك من عادة الفرس إذا وقف أن يكون على تلك الصفة. {الْجِيَادُ} السراع من الخيل، فرس جواد كأنه يجود بالركض، وكأنه جمع (جود) ، ونظيره في الجمع: سوط وسياط. {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [32] يعني: الشمس، وجاز الإضمار قبل الذكر لأنه معلوم، كما قال لبيد: [الكامل] حتى إذا ألقت يدا في كافر وأجن عورات الثغور ظلامها ظلامها.

وقد قيل: {حتى توارت} الخيل {بالحجاب} أي: شغلت { ... ....} تلك الحال. وقال مجاهد: "صفن الفرس إذا رفع إحدى يديه حتى تكون على طرف الحافر". وقال ابن زيد: "صفن الخيل إذا قام على ثلاث مع رفع رجل واحدة يكون طرف الحافر على الأرض". يقال: صفنتِ الخيل تصفن صفوناً. وعنى بالخير - ها هنا - الخيلَ -. عن قتادة، والسدي. {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} عن صلاة العصر. عن علي - رضي الله عنه -، وقتادة، والسدي.

صفحة فارغة

معنى {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [33] أنه كشف عن عراقيبها، وضرب أعناقها، وقال: لا تشغلني عن عبادة الله مرة أخرى. عن الحسن. وقيل: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حباً لها. عن ابن عباس. {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} [34] أي: شيطاناً اسمهُ (صخْرٌ) .

صفحة فارغة

وقيل: اسمه (آصفُ) . عن مجاهد. وقيل: اسمه (حبقيق) . عن السدي. {ثُمَّ أَنَابَ} رجع إلى ملكه. عن قتادة. وكان ذنبه أنه وطئ في ليلة عدةً كثيرة من جواريه حرصاً على كثرة الولدِ. وقيل: الذنبُ [أنهُ] وطئ امرأته في الحيض. وقال الحسن: "إنما قال: {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [35] أي: لا تسلبنيه كما سلبتنيه في المرة الأولى". وقيل: كان ملكه في خاتمه، فلما أخذه الجنيُّ رمى به في البحر، ثم رده الله عليه من بطن سمكةٍ.

وقال أبو حنيفة: {لَا يَنْبَغِي} لا يكونُ. التسخيرُ: تذليل العامل للعمل، فجعلت الريح بمنزلة العامل المذلل للعمل، لأنها تتصرف في الحجاب، وتحملُ - بإذن الله - ما حملت من الأجسام. الرخَاءُ: الريح اللينة، وهي من رخاوة المرء وسهولته، وإنما وصفت الريح باللين لأنها إذا عصفت لم يتمكن منها، وإذا لانتْ أمكنتِ الإصابة {....} البغية بالميل إلى تلك الجهة. الغوصُ: النزول في الماء. وقيل: إنهم كانوا يغوصون لهُ في البحار، وغيرها من الأنهار بحسب ما أراد. وقيل: {رُخَاءً} [36] سريعة طيبة. عن قتادة. وقيل: مطاوعة. عن ابن عباس، والحسن.

صفحة فارغة

وقال الحسن: "كان يغدو بإيلياء، ويقيل بقزوين، ويبيت بكابل". و {حَيْثُ أَصَابَ} حيث أراد. وقيل: {غَوَّاصٍ} [37] يستخرجون له الحلي من البحر. عن قتادة. الأصفاد: الأغلال، واحدها (صفد) ، السلاسل تجمع اليدين إلى العنق. عن السدي. وقيل: هذا الملك الذي أعطيناك فأعط ما شئت، وامنع ما شئت. عن الحسن. وقيل: لا تحاسب على ما تعطي وتمنع يوم القيامة؛ ليكون أهنأ لك. عن قتادة. والضحاك: أي: ليس عليك تبعة. وقيل: بغير مقدار يجب إخراجه من يدك، ولا يكون بغير حساب في الآخرة.

(41)

فإن قيل: فلم جاز أن يسأل الملك مع ما في ذلك من الرغبة في الدنيا وليس من أخلاق الأنبياء؟ قيل: لم يسأل رغبة في الدنيا، وإنما سأل الملك رغبة في التمكن من إظهار نعمة الله، والدعاء بها إلى دينه، ولم يضن بها على من بعده، لكن طلب معجزة لتخصه من جهة النعمة عليه لإظهار منزلته من ربه لما خصه به، وأجابه إليه. مسألة: إن سأل عن قوله: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) } فقال: ما النداء؟ وما النصب؟ وما الركض؟ وما المغتسل؟ وما الهبة؟ وما الضغث؟ وما معنى {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [45] ؟ وما معنى {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ} [41] ؟ وما الأيدي؟ وما معنى {بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} [46] ؟ وما معنى {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} [50] ؟ وما الاتكاء؟ وما الدعاء؟ وما القاصر؟ وما معنى {أَتْرَابٌ} ؟ ولم قيل لجهنم {مِهَادٌ} ؟ وما المهاد؟ وما الدواق؟ وما أصل الجحيم؟ وما الغساق؟ الجواب: النداء: الدعاء بطريقة يا فلان! ، وقد يكون الدعاء بطريقة: افعل كذا، كقولك في الدعاء لله: اغفر لنا. النصب: الألم عن التعب. النصب، والوصب، والتعب: واحد. الركض: الدفع بالرجل على جهة الإسراع، منه: ركض الفرس؛ لإسراعه إذا دفع رجله.

المغتسل: موضع الاغتسال: تقديره: ماء مغتسل بارد وشراب. وهو كقولك: مضطرب: موضع الاضطراب. وقيل: ما يغتسل به (مغتسل) . الهبة: تمليك ما فيه المنفعة من غير مثامنة، فلما رد عليه أهله كان قد وهبهم له هبة محددة. وقيل: النُّصْبُ والنَّصَبُ واحد، مثل: الحُزْن والحَزَن، والعُدْم والعَدَم، والرُّشْد والرَّشَد. والضغث: ملء الكف من الشجر أو الحشيش والشماريخ، وما أشبه ذلك. وقيل: نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما، وشرب من الأخرى. عن الحسن، وقتادة. وقيل: كان حلف على امرأته لأمر أنكره من قولها لئن عوفي ليضرنها مائة.

وقيل: خد ضغثا بعدد ما حلفت فاضرب به دفعة واحدة. عن قتادة، والضحاك. وقيل: {أُولِي الْأَيْدِي} [45] القوة على العبادة {وَالْأَبْصَارِ} الفقه في الدين. عن ابن عباس. وقيل: {أُولِي الْأَيْدِي} أولي الأعمال. وقيل: {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ} [41] من جهة وسوسته بتذكيره ما كان من البلية. وقيل: {الْأَيْدِي} النعم في الدين. قرأ ابن كثير {وَاذْكُرْ عِبَدَنَا إِبْرَاهِيمَ} ، وقرأ الباقون {عِبَادَنَا} . الإخلاص: إخراج كل شيء عن الشيء الذي ليس من شكله، فهؤلاء المؤمنون الأبرار قد أخلصهم الله لنعيم الجنان لطفه فيما لازموه من الإحسان. معنى {بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} [46] أي: الخالصة التي أخلصناهم بها هي {ذِكْرَى الدَّارِ} للعمل بها، ناهيك بها من خالصة أدت إليها، لا حرمنا الله ذلك منها.

الاصطفاء: إخراج الصفوة من كل شيء، والله - تعالى - اصطفاهم باختياره لهم على ما في معلومه أنه يكون منهم الإسراع في الخير. الخير: نفع محض. {ذِكْرَى الدَّارِ} دار الآخرة. عن مجاهد، وقتادة. وقيل: {الدَّارِ} الجنة، كما قال: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 30] . وقيل: كانوا يذكرونها للعمل لها، ودعاء الناس إليها. وقيل: {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} أنها تنفتح بغير كلفة. قال الحسن: "تكلم فيقال: انفتحي انغلقي". وقيل: {ذِكْرَى الدَّارِ} [....] الدين لغيرهم من أجل قيامهم بالنبوة بالنبوة. الاصطفاء: الاختصاص بمدحهم بأنهم الصفوة. وقيل: اذكرهم بصبرهم وفضلهم لتسلك طريقهم. وقيل: {وَذَا الْكِفْلِ} [48] ذو الضعف من الثواب. وقيل: اسمه ذاك.

صفحة فارغة

وقيل: {الْأَخْيَارِ} جمع (خير) ، كـ (ميت) و (أموات) . وقيل: ذو الكفل؛ لأنه تكفل بأمر [سبعين] نبيا فخلصهم من القتل. وقيل: تكفل بعمل صالح فوقى به. وقيل: أدخل الألف واللام في {وَالْيَسَعَ} كما قال الشاعر: [الطويل] وجدنا الوليد بن اليزيد مبارك شديدا بأحناء الخلافة كاهله لأنه قدره تقدير النكرة. وقرأ {بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} مضاف نافع، وقرأ الباقون بالتنوين. قرأ حمزة، والكسائي {وَالْليَسَعَ} بلامين، وقرأ الباقون بلام واحدة. الاتكاء: الاستمساك باستناد؛ لما فيه من المتعة والراحة، وهكذا صفة أهل الجنة. الفاكهة: طعام يتناول للمنفعة، وذلك أن منه ما يتناول للحاجة إلى الغذاء، ومنه ما يتناول للذة والمتعة، ومنه: تفكه بهذا الأمر.

القاصر: الماد، هو ماد عينه على فلان، وقاصر طرفه عن فلان. القاصر: هو الجاعل الشيء قصيرا، وهؤلاء الحور قد قصرن طرفهن على زواجهن، فما في غيرهم بغية لهن. {أَتْرَابٌ} [52] أقران على سن واحد، أي: ليس فيهم هومه، ولا عجوز. {مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [54] أي: من انقطاع. عن قتادة. وقيل: {أَتْرَابٌ} [52] على مقدار سن الأزواج، من غير زيادة ولا نقصان. وقيل لجهنم (مهاد) على وجهين: أحدهما: أن يكون تقديره: بئس موضع المهاد.

وقيل: لأنها لهم بدل المهاد [فـ] سميت باسمه، كما جاء {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] . المهاد: الفراش الموطأ. الذواق: أشد إدراك للطعم. وإنما قيل: {فَلْيَذُوقُوهُ} لأن الطالب لإدراك الشيء أشد إحساسا به. الحميم: الحار الشديد الحرارة. الغساق: ما سال من الصديد. قال ابن عمر: "القيح الذي يسيل منهم يجتمع فيقونه". قال كعب: " (الغساق) عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذات حمة من عقرب وحية". وقيل: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [58] من العذاب أنواع. وقيل: إنه إنه الزمهرير. عن ابن مسعود.

قال الحسن: "ذكر السلاسل والأغلال ونحوه ثم قال: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} مما لم ير في الدنيا". الشكل - بالفتح -: الضرب المتشابه، الشكل - بالكسر -: النظير في الحسن، وهو الدل. {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ} [59] لا اتسعت أماكنكم لكم. {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} [57] أي: منه حميم وغساق، والخبر (فليذوقوه) ، ويجوز أن يكون الخبر {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} ، {فَلْيَذُوقُوهُ} اعتراض. وقيل: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} [59] يعني به بنو إبليس. والآخر: بنو آدم - عليه السلام -. عن الحسن.

(61)

قرأ {غَسَّاقٌ} بالتشديد حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص، وقرأ الباقون {غَسَّاقٌ} التخفيف، وقرأ أبو عمرو، وابن كثير {وَآخَرُ} مضمومة الألف..... وقرأ الباقون {وَآخَرُ} بفتح الألف. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) } فقال: ما التقديم؟ وما الزيادة؟ وما الضعف؟ وما الفرق بين السخري بضم السين وكسرها؟ وما معنى {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} [63] ؟ وما العزيز؟ وما النذير؟ وما معنى {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [69] ؟ وما معنى {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [72] ؟ وما معنى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [75] ؟ وما وجه شبهة إبليس في الامتناع من السجود لآدم؟ وما الرجيم؟ ولم جز أن يعلم إبليس أنه من أهل النار وفي ذلك بعث له على الفساد؟ وما معنى {الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [81] ؟ وما الوقت؟ وما الإغواء؟ ولم استثنى {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [83] ؟ وما التكليف؟ وما معنى (الحق) ؟ وما معنى {بَعْدَ حِينٍ} [88] ؟ الجواب: التقديم: ترتيب الشيء قبل غيره. والزيادة: جعل المقدار أكبر مما كان. الضعف: المثل المضموم إلى مثله.

السخري - بالكسر - من الهزء، وبالضم: من السخرة، يتسخرونهم ويستذلونهم. وقيل: أم زاغت أبصارنا عنهم فلا ندري أين هم. عن مجاهد. وقيل: أحد الضعفين لكفرهم بالله، والضعف لآخر لدعائهم آباءنا إلى الكفر. قال الحسن: "كل ذلك قد فعلوا، اتخذوهم سخريا، وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم". قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي {أَتَّخَذْنَاهُمْ} موصولة الألف، وقرا الباقون بقطع الألف. {الْعَزِيزُ} القدير الذي يمتنع بعظم مقدوره من الضيم في شيء من أمره. الإعراض: الانحراف. العظيم: ما يصغر مقدار غيره في معنى صفته. النذير: الداعي إلى التحرز من موضع المخافة. النذير، والمخوف، والمحدر: نظائر. النبأ العظيم: القرآن. عن مجاهد، والسدي.

ومعنى {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [69] الملأ: الملائكة اختصموا في آدم عليه السلام حين قيل لهم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] . عن ابن عباس، وقتادة، والسدي. وما علمت ما كانوا فيه إلا بوحي من الله. وفي {إِنْ يُوحَى إِلَيَّ} [70] وجهان: أحدهما: إن يوحى إلي إلا لأني نذير مبين. والآخر: إلا الإنذار. وقيل: اختصام الملائكة فيما طريقه الاجتهاد. وقيل: بل طريقه استخراج الفائدة، ولا يجوز أن يختصموا في دفع الحق. قال الحسن: " (النبأ العظيم) يوم القيامة". معنى {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [72] أي: توليت خلقه من غير سبب جعلته، كالولادة التي تؤدي إليها؛ لأن الله شرف آدم - عليه السلام - بهذه الحالة

وكرمه؛ فاقتضى إكرام ما كرمه الله على طريق التأسيس لما يريد من التدبير. {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [75] هما يدا صفة خلق بهما آدم - عليه السلام -، وفضله على إبليس، ولا يجوز أن يكون معناه تحقيق إضافة الخلق إليه؛ لأن ذلك يبطل موضع تفضيله على إبليس، لأنه خلق إبليس كما خلقه. وجه شبهة إبليس في الامتناع من السجود لآدم - عليه السلام - أنه ظن أن النار أشرف من الطين بما فيها من النور، ومن الإحراق الذي يقع الزجر بالعقاب. وقيل: من شبهته أن النار تأكل الطين بإحراقها له، فهي أعظم منه، وذلك خطأ منه؛ لأن الشرف بالتشريف، والفضل بالتفضيل، والله - تعالى - المختص بتفضيل آدم عليه، فلم يكن له أن يعترض عليه. الرجيم: المرمى بما يجري مجرى الحجر الدافع. ولم يثبت أن إبليس علم أنه من أهل النار. وقيل: اخرج من الجنة بأنك مرجوم إن

رجعت إليها مثل الشهب التي ترجم بها الشياطين. وقال الحسن: {فَاخْرُجْ مِنْهَا} أي: من السماء. {الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [81] الظاهر بالعلم. الوقت: علامة لما يقع فيه الفعل، منه: مواقيت الحج، وهي علامات يحرم الناس عندها. الإغواء: الدعاء إلى الغي بلتزيين والترغيب، والغي حلاف الرشد. استثنى إبليس {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [83] مع حرصع على إغواء الجميع؛ لأنه أيس ممن يعلم أنه لا يجيب، وليس له سلطان إلا بالإغواء. التكلف: تعسف في طلب الأمر الذي لا يقتضيه مقتضى حق، وصفه (متكلف) صفة نقص تجري مجرى الدم. ومن رفع {فَالْحَقُّ} فالمعنى: فأنا الحق، ويجوز: فالحق لأملأن، كما يقال: عزمه صاقة لآتينك. ومن نصب فعلى: فالحق لأملأن، ويجوز في مثله: حق لأملأن، ويكون {وَالْحَقَّ أَقُولُ} اعتراض بين الكلامين.

وقيل: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [88] أي: عند الموت يأتيك الخبر اليقين. عن الحسن. وقيل: يوم القيامة. عن ابن زيد. وقرأ عاصم، وحمزة {فَالْحَقُّ} الرفع {وَالْحَقَّ أَقُولُ} النصب، وقرأ الباقون كلاهم بالنصب. * * *

سورة الزمر

سورة الزمر مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) } ، فقال: ما {الْحَكِيمِ} ؟ وما الذي اقتضى ذكر {الْعَزِيزِ} ؟ وما معنى {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [3] ؟ وما معنى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ؟ وما معنى {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [6] والوالدان قبل الولد؟ وما معنى {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} ؟ وما معنى {خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} ؟ وما الظلمات الثلاث التي يخلق فيها الولد؟ وما معنى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} [9] في قراءة من خفف الميم؟ وما معنى القانت؟ الجواب: أن {الْحَكِيمِ} هو العليم الذي تقع أفعاله محكمة، واقتضى ذكر {الْعَزِيزِ} في {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} لأنه حصلت حكمته من عزيز يحفظه حتى يصل إليك على جهة من غير تغيير ولا تديل لموضع حجته. وقيل: {الْعَزِيزِ} في انتقامه، ففيه تحذير من مخالفته. {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [3] الطاعة بالعبادة التي يستحق بها الجزاء فهذا لله وحده، ولا يجوز أن يكون لغيره لاستحالة أن يملك هذا الأمر إلا هو. معنى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} الحكاية بتقدير: قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، والحذف فيه أحسن وأوجز وأبلغ؛ إذ كانت حالهم كناطقة بهذا.

و {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} [1] رفعه بالابتداء، وخبره {مِنَ اللَّهِ} ، ويجوز: هذا تنزيل. و {الْكِتَابِ} القرآن. عن قتادة. وسمي (كتابا) لأنه مما يكتب. وقيل: {لَهُ الدِّينَ} [2] أمر التوحيد. والزلفى: المنزلة. عن السدي. وقيل: القربى. عن ابن زيد. {وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [5] أي: يغشي. عن قتادة.

وقيل: (الولي) المتولي للقيام بأمر غيره.

وقيل: (الأجل المسمى) قيام الساعة. وقل الحسن: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [3] الإسلام. وقل الفراء: يجوز {مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [2] بالرفع. {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [6] فيه ثلاثة أقوال: الأول: أن الله أخرج ذرية آدم من ظهره كالدر، ثم خلق بعد ذلك حواء من ضلع من أضلاعه، فيما يروى في الحديث المرفوع.

الثاني: أنه عطف يوجب أن الكلام الثاني بعد الأول، كقول القائل: قد رأيت ما كان منك اليوم، ثم كان منك أمس. الثالث: أنه معطوف على معنى واحد، كأنه قيل: وحدها، ثم جعل منها زوجها. ومعنى {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [6] من الإبل، والبقر، والضأن والمعز، في كل صنف اثنين. عن قتادة، ومجاهد، والضحاك. ومعنى {خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظاما، ثم يكسى لحما، ثم ينشئ خلقا آخر. عن قتادة، والسدي. وقيل: الخلق في بطون الأمهات بعد الخلق في ظهر آدم عليه السلام.

الظلمات الثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة. عن ابن عباس.... ومجاهد، وقتادة. {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [7] أي: يرضى الشكر لكم، فكنى عليه لدلالة الفعل عليه. معنى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [9] في قول من خفف الميم فيه وجهان:

الأول: أن الألف للاستفهام، والجواب محذوف بتقدير: كمن ليس كذلك. والآخر: أن تكون ألف نداء، كأنه قيل: يا من!.

القانت: الدائم على الطاعة لله. عن ابن عباس، والسدي. {آنَاءَ اللَّيْلِ} [9] ساعات الليل. {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} [10] تهاجروا عن دار الشرك. عن مجاهد. وقيل: خلق حواء من فضل طينته. وقيل: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ} [6] أي: جعل لكم. عن الحسن. وقيل: أنزلها بعد أن خلقها في الجنة.

(11)

وقيل: الظلمات الثلاث: ظلمة صلب الرجل، وظلمة الرحم، وظلمة البطن. وقيل: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} [10] أرض الجنة. قرأ بن كثير، ونافع، وحمزة {أَمَّنْ} خفيفة الميم، وقرأ الباقون {أَمَّنْ} مشددة الميم. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) } فقال: ما الأمر؟ وما إخلاص الدين؟ ولم جاز أن يؤمر بأن يكون أول المسلمين وقد كان قبله مسلمون كثيرون؟ وما معنى خسران أهليهم؟ وما الظلة؟ وما التخويف؟ وما البشرى؟ وما الإنابة؟ ولم قيل: {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [18] ولم يقل: حسنه؟ وما معنى {وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [16] ؟ الجواب: الأمر: طلب الفعل من المأمور {....} منه، ويكون فرضا ونفلا. إخلاص الدين: عمل الطاعة لله بغير شائب من المعصية.

جاز بأن يؤمر بأن يكون أول المسلمين وقد كان قبله مسلمون كثيرون؛ لأنه أول المسلمين من أمه......

الذين دعاهم إلى الإسلام، ففيه أنه دعاه إلى مرضاة الله، ورضيه لنفسه. خسرن أهليهم: لا يكون لهم في النار أهل، وقد كان لهم في الدنيا أهل. عن مجاهد. وخسران النفس: هلاكها بالعذاب. والخسران المبين: الذي يبين لمن أدركه أنه الخسران؛ لأنه بإظهاره هذا المعنى بمنزلة الناطق به. وقيل: خسروا أهليهم الذين أعدوا لهم من الحور العين. الظلة: السترة العالية على ما تحتها؛ ولذلك قيل: {مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [16] إذ النار أدراك فهم بين أطباقها، نعود بالله بالله منها. التخويف: الإعلان بموضع المخافة ليتقي. البشرى: الإعلام بما يظهر في بشرة الوجه به السرور. الإنابة: الرجوع عن السيئة بالندم عليها، والعزم على ترك معاودتها. ونظير الإنابة: التوبة.

وقيل: {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [18] ولم يقل: حسنه؛ لأن كل أحسن يستحق به الحمد. وقيل: {وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [16] لأنها تنقلب عليهم. الطاغوت - هاهنا - الشيطان. وقال قتادة: {أَحْسَنَهُ} طاعة الله. وقال: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} [19] بكفره، والتقدير: أفأنت تنقذه؛ لأنه في موضع الخبر. وقيل: {أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} منهم. والتقدير: تجري من تحت أشجارها الأنهار. وقيل: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} [19] بكفره كمن ليس كذلك في معلوم ربه. وقيل: {الطَّاغُوتُ} جماعة الشياطين.

(21)

مسألة: إن سأل عن قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) } ، فقال: ما الفرق ين السلوك والدخول؟ وما الينابيع؟ وما الزرع؟ وما الاختلاف؟ وما الهيج؟ وما معنى {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ} [26] ؟ وما الخزي؟ وما المثل؟ وما التذكر؟ وما التشاكس؟ ولم لما جازت الشركة في العبادة جازت المنازعة والمخالفة؟ الجواب: السلوك: دخول بمرور على الشيء؛ ولهذا أخبر في صفة الماء الجاري {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [21] . ويقال: دخل في الإسلام، ولا يقال: سلك في الإسلام. الينابيع: خروج الماء من العيون، وواحد الينابيع: ينبوع. الزرع: نبت من غير ساق. الاختلاف: امتناع سد أحد الشيئين مسد الآخر. الهيج: شدة الاضطراب بالانقلاب من حال الاستقامة والصلاح. نبع الماء: إذا انفجرت العين به. و {أَلْوَانُهُ} صنوفه، من نحو: البر، والشعير، والسمسم، والأرز، والذرة، والدخن. والحطام: فتات التبن والحشيش. و {مُتَشَابِهًا} [23] في الحكم التي فيه من الحجج والمواعظ والأحكام التي يعمل عليها في الدين.

{مَثَانِيَ} تثنى فيه الحكم بتصريفها في ضروب البيان، وكذا في التلاوة، فلا يمل بحسن مسموعه في القراءة. و {يَهِيجُ} [21] {....} ويجف. ومعنى {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ} [26] أي: جعلهم يدركون ألما إدراك الذائق له. الخزي: الذل الذي يستحيا من مثله؛ لما فيه من الفضيحة بانتهاك الحرمة وركوب الفاحشة. المثل: علم يشبه فيه حال الثاني بالأول. التذكر: طلب الذكر بالفكر. التشاكس: التمانع بالتنازع، تشاكسوا في الأمر تشاكسا. وفي الكلام (عوج) ؛ إذا عدل به عن وجه الصواب. لما جازت الشركة في العبادة جازت المنازعة؛ لأن من جاز عليه النقص بالاستغناء بغيره في القادر جازت عليه المنازعة للحاجة. ومن قرأ {سَلَمًا لِرَجُلٍ} [29] فهو مصدر من قولهم: سلم فلان لله سلما، بمعنى: خلص له خلوصا، كما تقول العرب: ربح فلان ربحا وربحا، وسلم سلما وسلما وسلامة.

صفحة فارغة

(31)

يضرب المثل للموحد في عبادة الله وحده، والمشرك بعبادته غيره. عن ابن عباس، ومجاهد. {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} [29] في حسن حال العبد، وذلك أن الخالق المالك واحد، يستحق من معونته وحياطته ما لا يستحقه صاحب الشركاء المختلفين في أمره. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو {سَلَمًا لِرَجُلٍ} ، وقرأ الباقون {سَلَمًا} . مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) } ، فقال: ما الاختصام؟ ولم جاز أن يختصموا مع ظهور الدلائل بباطل ما كانوا عليه في الآخرة؟ وما المثوى؟ ولم جاز الجمع في {هُمُ الْمُتَّقُونَ} [33] و (الذي) واحد؟ وما الكفاية؟ وما معنى {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [36] ؟ وما التخويف؟ وما وجه الإلزام من خلق السموات والأرض في إخلاص العبادة له؟ وما التوكل؟

الجواب: معنى الاختصام: رد كل واحد من الاثنين ما أتى به الآخر على جهة الإنكار له، فقد يكون أحدهما محقا والآخر مبطلا، كاختصام الموحد والملحد، وقد يكونان جميعا مبطلين، كاختصام اليهود والنصارى، وجاز أن يختصموا بذم رؤساء الضلالة ودفع أولئك عن أنفسهم بأن قالوا: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31] ، وقول آخر: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إيراهيم: 22] ، {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ} [القلم: 30] . المثوى: المقام، ثوى يثوي ثويا، وثوى يثوي ثواء. قال الشاعر: طال الثواء على رسم ... ............................. أراد به المقام. جاز الجمع في {هُمُ الْمُتَّقُونَ} [33] و (الذي) واحد في مخرج لفظه، وجمع في معناه على طريق الجنس، كقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي

خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر: 2 - 3] ، وقال الشاعر: [الطويل] فَإِن الَّذِي حَانَت بِفَلْج دِمَاؤُهُم.... هُم الْقَوْم كُل الْقَوْم يَا أُم خَالِد وقيل: الاختصام بين المؤمنين وبين الكافرين. عن ابن زيد. وقيل: بين المهتدي والضال، والصادق والكاذب. عن ابن عباس. وقيل: بين أهل القبلة. عن أبي العالية. {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} [32] فادعى أن له ولدا أو صاحبة، وأنه حرم ما لم يحرمه، أو أحل ما لم يحله.

وقال قتادة: {وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} أي: بالقرآن.

وقيل: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} محمد - صلى الله عليه وسلم - {وَصَدَّقَ بِهِ} المؤمنون. عن قتادة، وابن زيد. وقيل: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} هم المؤمنون، جاءوا بالصدق: القرآن، وصدقوا به، وهو حجتهم في الدنيا والآخرة. عن مجاهد. الكفاية: سد الخلة على مقدار الحاجة، كفى يكفي كفاية، وهو كاف، ولا يقدر قادر على الكفاية التامة في كل ما بالعبد إليه حاجة إلا الله - تعالى -؛ لأنه القادر الذي لا يعجزه شيء. ومعنى {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [36] أي: من يجعله الله ضالا فلا يقدر أحد على هدايته، وفيه رد على المعتزلة؛ لأنهم يقولون: من أضله الله فإن غيره قادر على أن يهديه، ومن هداه فإنه يقدر غيره على أن يضله، وهذا خلاف قول الله.

التخويف: الإخبار بموضع الخوف ليتقى. وجه الإلزام من خلق السموات والأرض في إخلاص العبادة له أن من خلق السموات والأرض هو القادر على النفع والضر بما لا يمكن أحد له منع، ويمكنه مع كل أحد من خير أو شر. التوكل: رد التدبير إلى من يقدر على الكفاية فيه من كل وجه. وقيل: {بِكَافٍ عَبْدَهُ} [36] أي: محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: {عَبْدَهُ} أنبياءه. {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أي: بالأوثان التي كانوا يعبدونها. عن قتادة، والسدي. وقيل: {عَلَى مَكَانَتِكُمْ} [39] أي: على تمكنكم. وقيل: {عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي: على ديانتكم، وعلى سبيل التهدد. وقيل: {عَلَى

مَكَانَتِكُمْ} أي: على جهتكم التي اخترتموها وتمكنتم بالعلم بها. [وقيل: على ناحيتكم. وقيل: {عَلَى مَكَانَتِكُمْ} من....] وقيل: إن خالدا قصد كسر العزى بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال سادنها: إياك يا خالد! إن بأسها شديد. قرأ حمزة والكسائي {بِكَافٍ عَبْادَهُ} ، وقرأ الباقون {بِكَافٍ عَبْدَهُ} . وقرأ أبو عمرو {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} و {مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} منونا، وقرا الباقون بالإضافة.

(41)

مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48) فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) } فقال: ما الذي يقتضي {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ} [41] ؟ وما معنى الباء في {أَنْزَلْنَا.... بِالْحَقِّ} ؟ وما الوكيل؟ وما الفرق بين قبض النوم والموت؟ وما معنى {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} ؟ وما معنى {اشْمَأَزَّتْ} ؟ وما معنى {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [46] ؟ وهل يجوز أن يكون {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} صفة {اللَّهُمَّ} ؟ وما الاحتساب؟ وما معنى {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [55] ؟ ولم جاز {يَقْدِرُ} بمعنى (يُضَيِّقُ) ؟ الجواب: الذي يقتضي {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ} [41] العمل به، والنظر في مواجبه ومقتضى ما رغب فيه، وما حذر منه، وما صححه، وما دعا إليه، وما أفسده. وإنما معنى الباء في {أَنْزَلْنَا.... بِالْحَقِّ} [41] أي: أنزلناه على أنه حق، وبأنه حق، وفيه الحجة على كل من عدل عنه. الوكيل: القائم بالتدبير، ومعنى {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [41] قيل: فيه قولان: أحدهما: لم توكل عليهم في حملهم على الإيمان والحيلولة بينهم وبين الكفر.

وقيل: برقيب في إيصال الحق إلى قلوبهم وحفظه عليهم حتى لا يتركوه، ولا ينصرفوا عنه. وقيل: {اشْمَأَزَّتْ} نفرت، و {الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أوثانهم. عن السدي

وفي اشمئزاز قلوبهم عن ذكر الله دلالة على بطلان مذهب من زعم أن المعرفة ضرورة. وقيل: {بِوَكِيلٍ} بقيم بإكراههم على الإسلام. قرأ حمزة {قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} [42] . {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [46] خالق الخلق، ورب العالمين، ومالك يوم الدين. حمله بعض النحويين على أن معناه: يا الله فاطر السموات والأرض. الاحتساب: الاعتداد بالشيء من جهة دخوله فيما يحسبه، فلما كان أهل النار لم يكونوا يدرون ما ينزل بهم من العذاب صح أنهم بدا لهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون، ولا قدروا أنهم يصيرون إليه. وقيل: {عَلَى عِلْمٍ} [49] عندي بأن طلبت به العافية، وكشف البلية. وقال الحسن: أوتيته بحيلتي وعلمي. ومعنى {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [55] أي: التزموا طاعته، واجتنبوا معصيته، فإن الذي أنزل على ثلاثة أوجه: ذكر القبيح لنجنبه، وذكر الأدون لئلا نرغب فيه، وذكر الأحسن لنؤثره؛ فلذلك قال: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] .

معنى {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} [51] أي: عذاب سيئات ما كسبوا، ثم حذف لأنه معلوم أن الذي أصابهم عذاب. الثاني: يكون على طريق المجازاة، كقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] الإعجاز: امتناع الفعل على القادر كما يمتنع على العاجز القنوط: اليأس من الرحمة. جاز {يَقْدِرُ} [52] بمعنى (يضيق) ؛ لأن الأصل فيه القدر، من: قدر يقدر قدرا، وهو جعل الشيء على المقدار، فمنزلة ذلك منزلة سعة الطريق وضيقه إذا كان على مقدار المار فيه من غير زيادة ولا نقصان. الإنابة: الرجوع إلى الطاعة. عن ابن زيد. و {أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ} [55] ما أمر الله به في الكتاب. عن السدي. قال الحسن: "وأحسنه أن يأخذوا ما أمرهم الله به، وأن ينتهوا عما نهاهم الله عنه.

(56)

مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75) } ، فقال: هل هناك فرق بين النفس والروح؟ ولم جاز {مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [56] ؟ وما التفريط؟ وما الحسرة؟ وما معنى {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} ذلك؟ وما معنى {فِي جَنْبِ اللَّهِ} ؟ وهل {جَنْبِ} صفة أم فعل؟ وما معنى {السَّاخِرِينَ} ؟ وما عامل الإعراب في {أَفَغَيْرَ اللَّهِ} [64] ؟ وما موضع {أَعْبُدَ} من الإعراب؟ وما مفازة المتقين؟ ولم جاز {لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [61] ؟ وما المقاليد؟ وما القدر؟ وما معنى {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [67] ؟ وما اليمين - هاهنا -؟ وما وجه النفخ في الصور؟ وما الحكمة؟ وما الصعق؟ وما معنى {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [68] ؟ وما معنى {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [69] ؟ وما معنى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [67] ؟ وما الزمر؟ ولم جاء في الجنة {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [73] بالواو، وفي النار بغير واو؟ وأين جواب {حَتَّى إِذَا} في صفة أهل الجنة؟ وما معنى {حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [71] ؟ وما معنى {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} [74] ؟ وما معنى {نَتَبَوَّأُ} ؟ وما معنى {طِبْتُمْ} [73] ؟ الجواب: النفس: قيل: هو من (النفاسة) ، والروح من (الريح) .

وجاز {مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [56] لأنه معنى: ما فرطت في طاعة الله، أو في أمر الله؛ إلا أنه ذكر الجنب كما يقال: هذا صغير في جنب الله الماضي، أي: في أمر الله. التفريط: إهمال ما ينبغي أن يتقدم فيه حتى يفوت وقته. التحسر: الاغتمام بما فات منه لانحساره عن صاحبه بما يمتنع عليه استدراكه وتلافي الأمر في. التحسر، والتأسف، والندم: نظائر. وقيل: معناه: لئلا تقول نفس، مثل: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] أي: لئلا تميد بكم. {لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [56] أي: المستهزئين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالكتاب. عن قتادة، والسدي. وفي نصب {فَأَكُونَ} [58] وجهان: أحدهما: أنه جواب (لو) . والآخر: العطف على المصدر، وهو الكرة، أي: لو أن لي أن أكر. وقيل: كنت ممن يسخر ممن يدعوني إلى الإيمان.

عامل الإعراب في {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [64] على وجهين: أحدهما: أن يكون {تَأْمُرُونِّي} اعتراضا، ويكون التقدير: أفغير اتلله أعبد أيها الجاهلون فيما تأمرونني. والوجه الآخر: أن لا يكون {تَأْمُرُونِّي} اعتراضا؛ فيكون التقدير: أتأمروني أعبد غير الله أيها الجاهلون. مفازة المتقين: منجاتهم من النار، ومنجاتهم من النار بطاعتهم لله على سلامتها والموافاة بها, جاز {لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [61] مع أن نفي الأول يدخل فيه نفي الثاني؛ لأنه نفى الثاني على الجملة والتفصيل، بما يزيل الغلط في التأويل. المقاليد: المفاتيح، واحده: مقليد، كما يقال: منديل ومناديل. ويقال: إقليد في واحده أيضا، وجمعه: أقاليد. ووجه الاتصال كأنه قال: والذين كفروا من مقاليد السموات والأرض وغيره. قرأ ابن كثير {تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} مشددة النون، ساكنة الياء. وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم {بِمَفَازَاتِهِمْ} جماعا، وقرأ الباقون {بِمَفَازَتِهِمْ} واحدة. وقيل: مفاتيح خزائن السموات والأرض، نفتح الرزق على من نشاء، ونغلفه على من نشاء.

معنى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [67] قيل: ما عظموا الله حق عظمته أن دعوك إلى عبادة غيره معه. وقيل: ما عظم حق عظمته أن عبدوا الأوثان من دونه. القدر: اختصاص الشيء بعظم أو صغر أو مساواة ذات أو صفة. {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} أنها في مقدوره، كالذي يقبض عليه القابض في قبضته. {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ذكرت اليمين للمبالغة في الاقتدار. وقيل: (اليمين) القوة، كما قال الشاعر: [الوافر] .................. تَلَقَّاهَا عِرَابَه بِالْيَمِيْن وقيل: (اليمين) القسم؛ لأنه حلف أن يطويها ويفنيها.

وجه النفخ في الصور: أنه علامة جعلها الله ليتصور بها العاقل آخر الأمر، ثم تجديد الخلق، فجعل ذلك بما يعرفون من بوق الرحيل، ثم الرحيل، ثم النزول، ولا يصور ذلك للنفس بأحسن من هذا الطريق. الصعق: الموت، لصحة شدة الصواعق التي تأتي عند شدة الرعد، صعق الإنسان؛ إذا مات بحال هائلة شبيهة بالصيحة الشديدة. استثنى {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [68] لأن الملك الذي ينفخ في الصور يبقى إلى أن يميته بعده، ويجوز أن يبقى غيره من الملائكة. وقيل: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} المستثنى: ميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت. عن السدي. وقيل: الشهداء. عن سعيد بن جبير. وقيل: ما بين النفختين أربعون سنة. عن قتادة يرفعه.

وقيل: {الشُّهَدَاءِ} الذين يشهدون على الأمم للأنبياء بأنهم قد بلغوا، وأن الأمم قد كذبوا. عن ابن عباس. وقيل: يفني الله - بعد الصعق وموت جميع الخلق - الأجسام، ثم يعيدها. {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [69] قيل: معناه: بعدل ربها، وحكمه بالعدل فيها. {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} [67] قال الفراء: "يجوز بالنصب". وقال غيره: لا يجوز.

الزمر: الجماعة. جاء في الجنة {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [73] بالواو، دون أبواب النار؛ لأن أبواب الجنة ثمانية، ففرق بينهما للإيدان بهذا المعنى. وقيل: إنه للتصريف في الكلام.

جواب {حَتَّى إِذَا} في صفة أهل الجنة محذوف، بتقدير: فازوا، أو: نالوا الشيء، أو: تمت سعادتهم، وما أشبه ذلك، وحذف الجواب أبلغ.

معنى {حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [71] ظهر حقها لمجيء مصداقها؛ وذلك أنه قد تقدم الخبر من الله أن فلانا يكفر ويوافي بكفره. {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} [74] أي: أرض الجنة؛ لأنها صارت لهم في أخر الأمر كما يصير الميراث. وقيل: ورثوها عن أهل النار. {نَتَبَوَّأُ} نتخذ مبوءا حيث نشاء، وأصله من الرجوع، من: باء بكذا، أي: رجع به. وقيل: {حَافِّينَ} [75] أي: محدقين. عن قتادة، والسدي. وقيل: دخلت الواو في {وَفُتِحَتْ} لبيان أنها مفتحة قبل مجيئهم. وقيل: تسبيح الملائكة في ذلك على سبيل التلذذ لا على التعبد. و {طِبْتُمْ} [73] أي: ذكرتم بشريف أعمالكم.

سورة غافر

سورة غافر {الطَّول} مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) } ، فقال: ما العزيز؟ وما العليم؟ وما معنى قبول التوبة؟ وما الفرق بين شدة العذاب وتضاعيف أجر الآلام؟ وما الطول؟ وما معنى {التَّوْبِ} ؟ وما وجه التشبيه في {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} [6] ؟ وما الحمل؟ وما الحمد؟ وما معنى {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [7] ؟ وكيف جاز أن يدعو للمؤمنين بما يعلمون أنه يكون؟ وما معنى {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ} [9] ؟ وما معنى {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [10] ؟ وما معنى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} [7] ؟

الجواب: {الْعَزِيزُ} المنيع، بأنه قادر على غيره، ولا يقدر غيره عليه، وهذه الصفة لا تصح إلا لله، وأصل معنى الصفة: المنع، من قولهم: [عز] عن كذا وكذا؛ إذا امتنع بغلبته، وهذا الملك (عزيز) ؛ إذا امتنع بسلطانه. {الْعَلِيمُ} الذي له العلم الذي تكثر معلوماته. معنى قبول التوبة: إسقاط الذنب بها، مع إيجاب الثواب عليها. الفرق بين شدة العقاب وتضاعيف أجر الآلام: أن الخصلة الواحدة من الألم قد يكون المؤلم بها أعظم حالاً فيما يألم به من خصال كثيرة من ألم آخر كالغمز، وأجزاء كثيرة من قرص برغوث. الطول: الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه، كما أن التفضل: النفع الذي فيه إفضال على صاحبه، لا على طريق الوجوب. وقيل: {ذِي الطَّوْلِ} أي: ذي النعم. عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: ذي القدرة. عن ابن زيد.

وقال الحسن: " {ذِي الطَّوْلِ} ذي الفضل على المؤمنين". وقال الحسن: " {حم} اسم للسورة". {غَافِرِ الذَّنْبِ} أي: من شأنه غفران الذنب فيما مضى، وفيما يستقبل؛ فلذلك كان من صفة المعرفة. {التَّوْبِ} يجوز فيه وجهان: جمع توبة، كـ (دوم) و (دومة) ، و (عزم) و (عزمة) ، ويجوز أن يكون مصدر: تاب يتوب توبا. قرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم {حم} بإمالة الألف، وقرا الباقون بالفتح من غير إمالة. ووجه التشبيه في {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} [6] أن الكفار يعاقبون في الآخرة بالنار كما عوقبوا في الدنيا بعذاب الاستئصال، وقد حقت عليهم الكلمة في الأمرين جميعا، كما حقت الكلمة على أولئك. الحمل: رفع الجسم بما لولاه لهوى. الملائكة يحملون العرش وهم حوله، وكل يسبح بحمد ربه، ويدعو المؤمنين. الحمد: الوصف بالإحسان على جهة الإعظام.

ومعنى {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [7] على جهة المبالغة؛ لأنه لا يخفى عليه شيء....... عمت رحمته وعلمه كل شيء. وجاز أن يدعو للمؤمنين بما يعلمون أنه يكون لورود التعبد بذلك؛ لما فيه من المودة وتألف القلوب على المحبة، ولموقع الإجابة من الله، ولذلك حين أن تقول: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، اللهم صل على ملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين. وموضع {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [6] فيه وجهان: نصب على معنى (بأنهم) ، أو (لأنهم) ، ورفع على البدل من الكلمة. ومعنى {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ} [9] تصرف عنه سوء عاقبة سيئاته من صغير وكبير. وقيل: مقتوا أنفسهم حين عاينوا العذاب فقيل لهم: مقت الله إياكم أكبر. عن مجاهد، وقتادة، والسدي.

(11)

وقيل: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} أنه سمى عقاب السيئات سيئات. وقيل: {لَمَقْتُ اللَّهِ} [10] لكم أكبر من مقت بعضكم لبعض. وقال الحسن: " {حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} [6] على مشركي العرب، كما حقت على من قبلهم". وقيل: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} [7] والذين حوله؛ لأن فيهم من قد تعبد بحمله، ومنهم من تعبد بأن يحف به. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) } فقال: ما القول الذي يؤذن بتمني الكافر للخروج عن حاله بكل جهده؟ وما الإماتة الأولى؟ وما الثانية؟ وما وجه اتصال {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا} [11] بما قبله؟ وما العلي؟ وكيف جازت صفة القديم بـ (علي) ، ولم تجز بـ (رفيع) ؟ وما معنى {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [15] ؟ وما معنى {يَوْمَ التَّلَاقِ} [15] ؟ وما معنى {بَارِزُونَ} ؟ ولم جاز {لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} [16] مع أنه لا يخفى منهم ولا من غيرهم شيء؟ ولم قيل: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} مع أنه يملك الأنبياء والمرسلين في الآخرة الملك

العظيم؟ وما الآزفة؟ وما الكاظم؟ ومن المجيب؟ وما معنى {سَرِيعُ الْحِسَابِ} [17] ؟.

الجواب: القول الذي حكاه الله عنهم لأنهم قالوا هذا القول على سبيل التمني، فكل ما يجدون إليه السبيل في التلطف للخروج عن تلك الحال، وأنه لا يمكن لأحد أن يتجلد على عذاب الله، كما يمكن أن يتجلد على عذاب الدنيا. الإماتة الأولى: في الدنيا. الثانية: في البرزخ قبل المبعث، وفيه دلاله على عذاب القبر، فكل إماتة بعدها إحياء. وجه اتصال {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا} [11] بما قبله: الإقرار بالذنب بعد الإقرار بصفة الرب، كأنه قيل: فاعترفنا بأنك ربنا الذي أمتنا وأحييتنا، وطال إمهالك لنا، واعترفنا بذنوبنا {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} لنا نسلكه في طاعتك؟! العلي: القادر الذي كل شيء تحت صفته، وليس فوق صفته من هو أقوى منه ولا مساوي له في مقدوره.

جاز وصفه بـ (علي) دون (رفيع) ؛ لأن التوقيف ورد بذلك دونه.

وقيل: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} [11] هو كقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28] . عن ابن عباس. وقيل: فيه محذوف: فأجيبوا أن لا سبيل إلى الخروج {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ} [12] . {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} [13] أي: يقبل إلى طاعة الله. عن السدي. ومعنى {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ} [15] الوحي؛ لأنه يحيا به القلب بالخروج من الحيرة إلى المعرفة، فلذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا. عن قتادة، والضحاك. {يَوْمَ التَّلَاقِ} يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض. عن قتادة.......

صفحة فارغة

والسدي. وقيل: يلتقي فيه المرء مع عمله، وهو يوم القيامة حذر منه. {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} أي: طبقات الثواب للأنبياء والمؤمنين في الجنة. {ذُو الْعَرْشِ} بأنه مالكه وخالفه. و {يَوْمَ التَّلَاقِ} أي: يلتقي فيه الأولون والأخرون. البروز: الظهور بخروج الشيء عما كان فيه. فجميع العباد بارزون يوم القيامة بالخروج من القبور، يهرعون إلى أرض المحشر، وهو يوم التلاق، ويوم الجمع، ويوم الحشر. جاز {لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} [16] وإن لم يخف عليه من غيرهم شيء لوجهين: أحدهما: أن تكون (من) للتبيين لا للتخصيص.

والآخر: أن يكون بمعنى: يجازيهم من لا يخفى عليه شيء منهم، فذكر بالتخصيص لتخصيص الجزاء لمن يستحقه دون من لا يصح له. وقيل: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [16] على وجهين: أحدهما: أنه على تخصيص يوم القيامة قبل تمليك أهل الجنة. والآخر: أنه لا يستحق إطلاق الصفة بالملك إلا لله وحده؛ لأنه لا يملك جميع الأمور من غير تمليك بملك سواه، فهو أحق بالصفة المطلقة فيه. الآزفة: الدانية، من قولهم، أزف الأمر إذا دنا وقته. الكاظم: الممسك للشيء على ما فيه، ومنه: كظم قربته إذا شد رأسها، فهؤلاء قد أطبقوا أفواههم على ما في قلوبهم من شدة الخوف. وقيل: {لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} [16] فلذلك صح أنه أبرزهم جميعا. وقيل: إنه قرر العباد فقال: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ؟ ، فأقر المؤمنون والكافرون بأنه {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} . وقيل: إنه أجاب نفسه - عز وجل -.

ومعنى {سَرِيعُ الْحِسَابِ} [17] أي: لا تشغله محاسبة واحد عن محاسبة غيره، فحساب جميعهم كحساب واحدهم. وقيل: {يَوْمَ الْآزِفَةِ} [18] يوم دين المجازاة، وهو يوم القيامة. وقيل: (الكاظم) الساكت على امتلائه غيظا أو غما. وقيل: {يُطَاعُ} على طريق المجاز، والمعنى فيه: يجاب. وقال الحسن: "انتزعت قلوبهم من أمكنتها - وهي الصدور - فكظمت بها الحناجر، فلم يستطع أن يلفظها، ولم تعد إلى أمكنتها". قرأ نافع، وأبو عمروا {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} [20] بالتاء. والمراد بقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [18] الكافرون، وأن الظالم الذي ليس بكافر يشفع فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

(21)

مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ} فقال: ما معنى السير؟ وما معنى (النظر) هاهنا؟ وما العاقبة؟ وهل بين القوة والقدرة فرق؟ وما الأثر؟ وما معنى استحياء النساء؟ وما معنى {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} [26] ؟ وما التبديل؟ وما الفساد؟ وما الإظهار؟ وما العياذ؟ وهل المؤمن كان من آل فرعون؟ وما الفساد الذي يخافه؟ وما معنى {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} [26] ؟ الجواب: معنى السير: استمرار الحركة في جهة الطول. النظر - هاهنا - اعتبار القلب. العاقبة: ما تؤدي إليه البادنة. قيل: بين القوة والقدرة فرق؛ أن القوة تكون بمعنى الصلابة، وتكون بمعنى القدرة من قوله - عز وجل -: {الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} ، فأما القوة الحسية بمعنى الصلابة فأصلها من: قوى الحبل وهو شدة الفتل. الأثر: حدث يظهر به أمر. {مِنْ وَاقٍ} [21] أي: يقيهم في دفع العذاب عنهم.

استحياء النساء: قيل: للمهنة. وقيل: {وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} [25] أي: بناتهم، واقتلوا الأبناء لتصدوهم بذلك عن اتباعه، وتقطعوا عنه من يعاونه، وذكر قصة موسى - عليه السلام - ليصبر محمد - صلى الله عليه وسلم - كما صبر موسى قبله. معنى {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} [26] في رفع القتل عنه وأنه لا حقيقة لما يدعو إليه تمردا وعنوا. التبديل: رفع الشيء إلى غير ما يقع في موقعه. الفساد: انتقاص الأمر، ونقيضه: الصلاح. الإظهار: على ثلاثة أوجه: إخراج الشيء عن وعاء، أو إيجاده من عدم، أو إحضار علمه بالبيان. العياد: الاعتصام بالشيء من عارض الشر. وقال قتادة: "الفساد عنده أن يعمل بطاعة الله". وقال السدي: "المؤمن كان ابن عم فرعون". الإسراف: مجاوزة الحد في العصيان. وقال: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [28] فيه قولان: الأول: بعضه في الدنيا.

وقيل: إنه كان يتوعدهم أمورا مختلفه بكونهم على أوصاف من المعصية. وقيل: المؤمن كان إسرائيليا يكتم إيمانه من آل فرعون. الفساد الذي خافه من محاربته - بمن آمن معه - فرعون وقومه؛ فيحدث بذلك خراب البلاد، واضطراب أمر العباد. وقال الحسن: "كان المؤمن قبطيا".

(31)

وقيل: ذكر (البعض) على المظاهرة في الحجاج. قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي {أَوْ أَنْ} بألف قبل الواو، وقرأ الباقون بغير ألف. قرأ نافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم {يُظْهِرَ} بضم الياء {الْفَسَادَ} نصبا، وقرأ الباقون {يُظْهِرَ} بفتح الياء. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) } فقال: ما المثل؟ وما الدأب؟ وما الإرادة؟ وما معنى {يَوْمَ التَّنَادِ} [32] ؟ وما معنى العاصم؟ ومن المؤمن الذي قال: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ} [30] ؟ وما الصرح؟ وما معنى {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} [37] ؟ وما الاطلاع؟ وما الذي زين لفرعون سوء عمله؟ وما الثباب؟ وما معنى {دَارُ الْقَرَارِ} [39] ؟ الجواب: معنى المثل: المختص بأنه يسد مسد غيره بما لو شوهد لم يفرق بينه وبينه في المشاهدة، أو جرى هذا المجرى في معنى صفته. الدأب: العادة، يقال: دأب يدأب دأبا، وهو دائب في عمله؛ إذا استمر فيه.

الإرادة: هي الصفة التي يكون بها المريد مريدا، ويكون المقدور مختصا بالوقوع بها دون غيره. {يَوْمَ التَّنَادِ} [32] يوم ينادي بعض الظالمين بعضا بالويل والثبور؛ لما يرى في سوء عاقبة الكفر بالله والمعصية له. يولون مدبرين والمقامع تردهم إلى ما يكرهون. وقيل: {يَوْمَ التَّنَادِ} يوم ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44] ، وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأعراف: 50] . عن الحسن، وقتادة، وابن زيد. العاصم: المانع من الخوف النازل. و {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} [33] منصرفين إلى النار.

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ} [34] هو يوسف بن يعقوب، كان قبل موسى - عليه السلام -، وقبل المؤمن. الذي قال: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ} مؤمن آل فرعون فرعون. وقيل: هو موسى - عليه السلام -؛ لأن الأول يكتم إيمانه. الصرح: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، وهو من: التصريح بالأمر، وهو إظهاره بأتم وجوه الإظهار. معنى {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} [37] الأمور التي يستمسك بها هي أسباب أسباب لكونها على ما هي عليه لا تضطرب، ولا تسقط على الأرض بثقلها، ولا تزول على خلاف جهتها. الاطلاع: الظهور على [ ... ] لرؤية الشيء. طلب فرعون رؤية الإله في السماء كما يرى الأشخاص عند الإشراف. الذي زين لفرعون سوء عمله جهله، فلما جهل أن له ربا يجب عليه عبادته وتوهم بطلان ما دعي إليه سولت له نفسه ذلك من أمره. الثباب: الهلاك بالانقطاع، ومنه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] أي: خسرت بانقطاع الرجاء. ومنه قولهم: تبا له.

صفحة فارغة

وقيل: {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} [37] منازل السماء. وقيل: طرق السماء. عن ابن عباس، والسدي. وقيل: أبواب السموات. عن قتادة. وقيل: {إِلَّا فِي تَبَابٍ} أي: إلا في خسران. عن مجاهد. وقيل: {دَارُ الْقَرَارِ} [39] استقرت الجنة بأهلها، والنار بأهلها. عن قتادة. القرار: المحل الذي يستقر به. {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [40] أي: في المقدار. {يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} بزيادة تفضل؛ لأنه لو كان على مقدار العمل فقط لكان بحسابه. قال الحسن: "هذا الكلام لمؤمن آل فرعون".

(41)

وقال الحسن: "قاله فرعون على التمويه وتعمد الكذب وهو يعلم أن له إلها". قرأ عاصم في رواية حفص {فَاطَّلَعَ} نصبا على جواب {لَعَلِّي} ، وقرأ الباقون بالرفع. وقرأ {وَصُدٌّ} بالضم عاصم، وحمزة، والكسائي، وقرأ الباقون {وَصَدٌّ} بالفتح. مسألة: إن سأل عن قوله: {ويا وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) } فقال: ما الدعاء؟ ولم كانوا لدعائهم إلى عبادة غير الله قد دعوا إلى النار؟ ولم قال: {مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [42] وهو يعلم أنه باطل؟ وما العزيز؟ وما معنى {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ} [43] ؟ وما معنى {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} ؟ وما معنى {أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} [44] ؟ وما معنى {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ} [45] ؟ وما العرض؟ وما العدو؟ وما قيام الساعة؟ وما {أَشَدَّ الْعَذَابِ} [46] ؟ وما وجه الاحتجاج على رؤساء الضلال بالإبلاغ؟ الجواب: الدعاء: طلب الطالب الفعل من غيره. كانوا بدعائهم إلى عبادة غير الله قد دعوا إلى النار، ومن دعا إلى سبب الشيء فقد دعا إليه، كما أن من صرف عن سبب الشيء فقد صرف عنه.

قال: {مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [42] لأنه لا يصح أن يعلم أن لله شريكا، وما لا يصح أن يعلم باطل فدل على فساد اعتقادهم للشركة من هذه الجهة. {الْعَزِيزُ} القادر الذي لا يمتنع شيء من الدخول في مقدوره، ولا يقدر أحد على منعه. معنى {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ} [43] أي: دعوة ينتفع بها في أمر الدنيا ولا في الآخرة، فأطلق {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} لأنه أبلغ، وإن توهم جاهل أن له دعوة ينتفع بها فإنه لا يعتد بذلك لفساده ومناقضته. قال ابن زيد: "هذا كلام مؤمن آل فرعون". وقيل: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ} [43] هذا الصنم لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة. عن السدي، وقتادة. وقيل: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ} أي: بقتل النفس من غير حلها. عن مجاهد. وقيل: الاشراك. عن قتادة.

وقيل: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي} [44] أسلم أمري إلى الله. وقيل: أجعله إليه. عن السدي. وقال قتادة: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [45] وكان قبطيا من قوم فرعون نجا مع موسى - عليه السلام -. {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ} حل ووقع. وقيل: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} تجب بها الإلهية {فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ} . وقيل: معناه: ليست له استجابه دعوة. وقيل: {لَا جَرَمَ} رد للكلام، كأنه قيل: لا محالة أن لهم النار. العرض: إظهار الشيء ليراه الذي يظهر له. العدو: المصير إلى الشيء بالغداة. قيام الساعة: وجودها على استقامتها [....] من صفتها.

(51)

{أَشَدِّ الْعَذَابِ} [46] أغلظ العذاب بما تكون منه الخصلة أعظم في الألم من الخصال. وجه الاحتجاج على رؤساء الضلال في الاتباع لأنه يلزمهم الدفع بها عنهم، وأن تغني في تخفيف عذابهم فإذا هي سبب عذابهم. وقيل: أرواحهم في أجواف طير سود تعرض على النار غدوا وعشيا عن السدي. وقيل: {آلِ فِرْعَوْنَ} [46] من كان على دينه. قرأ [أدخلوا] بقطع الألف نافع، وحمزة، والكسائي، وقرأ الباقون [ادخلوا] . مسألة: إن سأل عن قوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) } فقال: ما النصر؟ وما الأشهاد؟ وما اللعنة؟ وعلى كم وجه يكون النصر؟ وكيف قيل: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ} [52] ؟ وما الجدال؟ وما السلطان؟ وما الصدر؟ وما معنى {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [56] ؟ وما كبر [خلق] السموات والأرض الذي هو أكبر من خلق الناس؟ وما معنى {دَاخِرِينَ} ؟ وبأي شيء جعل الليل سكنا ليسكن فيه؟ وما الليل؟ وما معنى {تَبَارَكَ} ؟ وما الحي؟

صفحة فارغة

الجواب: النصر: المعونة على العدو للاستعلاء عليه، وقد يكون النصر بالحجة، وقد يكون النصر بالغلبة في المحاربة، وقد يكون النصر بعقاب العدو وإعزاز المنصور بالثواب. {الْأَشْهَادُ} الذين يشهدون بالحق لأهله وعلى المبطل بخلافه؛ لما قامت به الحجة يوم القيامة، وفي ذلك سرور المحق وفضيحة المبطل. {الْأَشْهَادُ} جمع (شهيد) ، كـ (شريف) و (أشراف) . وقيل: {الْأَشْهَادُ} جمع (شاهد) ، كـ (صاحب) و (أصحاب) . و {الْأَشْهَادُ} الملائكة، والأنبياء، والمؤمنون. {اللَّعْنَةُ} الإبعاد من الرحمة، وقد يكون ذلك بوجوه: منها: الدعاء عليه بأن يبعده الله من رحمته في قوله: لعنه الله، إذا قال له هذا القول فقد لعنه الله. وقد يكون الإبعاد من الحمة بإحلال العقوبة، وقد يكون الحكم بدوام العقاب. وقيل: لا تقبل معذرتهم [....] بالباطل في قولهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] . وقيل: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [55] صل بحمد ربك {بِالْعَشِيِّ} من زوال الشمس إلى الليل، {وَالْإِبْكَارِ} من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.

الجدال: طلب فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج، وطريق الحجاج: بناء الأمر على حجة أو شبهة، فالذي يجادل في دفع الحق مذموم. السلطان - هاهنا - الحجة التي يتسلط بها على إنكار المذهب الفاسد؛ فللعالم سلطان على الجاهل بالحجة التي معه، والذي يجادل في آيات الله لينبتها وينفى الشبهة عنها محمود، والذي يجادل في دفعها مدموم. الصدر: موضع القلب؛ ولهذا يقال للموضع الشريف من المجلس: صدر. معنى {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [56] أي: ما هم ببالغي مقتضاه منتهاه؛ لأن الكفر بما يعلمه صاحبه يقتضي به أن يعظم في صدورهم مقتضى كبرهم. كبر خلق السموات والأرض - الذي هو أكبر من خلق الناس - كبر الشأن وكبر الأجرام، وذلك أن خلقهما على ما هما عليه من الثقل مع وقوف الأرض والسماء من غير عمد، وجريان الأفلاك والكواكب من غير سبب أعظم في النفس، وأهول في الصدور من خلق الناس وإن كان عظيما بالحياة والحواس المهيأة للإدراك، إلا أن السموات والأرض أمرهما أكبر شأنا من هذه الجهة. وقيل: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ} [56] إلا عظمة، ما هم ببالغي تلك العظمة؛ لأن الله - عز وجل - مذلهم. عن مجاهد. وقيل: ذلك الكبر هو الحسد على النبوة التي اكرمه الله بها، ما هم ببالغيه؛ لأن الله يرفع به من يشاء.

وقيل: ذكر كبر خلق السموات والأرض بما هو خارج عن العادة ليكون حجة على المشركين في إنكار النشأة الثانية بما هو خارج عن عادة الولادة. وقيل في هؤلاء المجادلين في دفع آيات الله إنه [السميع] لما يقولونه [البصير] بما يضمرونه؛ مهددا لهم فيما يقدمون عليه. {دَاخِرِينَ} [60] صاغرين. {يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} عن دعائي بالخضوع لي. جعل الليل ليسكن فيه على معنى أنه أراد فعله لهذا الوجه لأنه يمكن أن يجعل لهذا المعنى ويمكن لغيره، فإذا أراد فعله من أجل هذا المعنى فإن الإرادة معلقة بهذا المعنى دون كل ما سواها.

الجعل: وجود ما به يصير الشيء على خلاف الصفة التي كان عليها، وقد يكون ذلك بوجود غيره، كجعله متحركا، وقد يكون بوجود نفسه كجعل البناء. الليل: ظلام عام معاقب للنهار. والنهار: ضياء عام معاقب لليل، والله - تعالى - جاعلهما على هذه الصفة. الفضل: الزيادة بتضعيف النعمة، وأصله: الزيادة على المقدار، فإذا أضيف إلى الله فهو بالمعنى الذي ذكرنا؛ لكثرة نعم الله على عباده.

(67)

الشكر: الاعتراف بالنعمة لتعظيم المنعم بما له من الحق. وقيل: إذا قال أحدكم: لا إله إلا الله وحده؛ فليقل في إثرها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} عن ابن عباس، وسعيد بن جبير. تبارك: جل بأنه الثابت الدائم الذي لم يزل ولا يزال. و {الْحَيُّ} [65] هو الذي له الحياة، فمن له {....} الحياة استحق معنى الإطلاق بالصفة. مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) } فقال: ما الغل؟ وما السلاسل؟ وما السحب؟ وما السجر؟ وما الحميم؟ وما معنى {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ} [74] ؟ وما وجه جعل الأبواب لجهنم؟ وكيف جاز أن يجري (بئس) فيما هو من اجنس العقاب؟ وكيف وصف الثبات على الحق بأنه صبر؟ وما حكم الصبر فيما يسبق إلى النفس؟ وما الوعد الحق؟ وكيف كان صفة متكبر ذما في صفات العباد مدحا في صفات الله؟ وبأي شيء ترى الآيات؟ وما وجه الإنكار للآية؟ وما الآية في هلاك الأمم الماضية؟ وما الآية في الأنعام؟ وما السنة؟ وما معنى {وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ} [82] ؟ وما معنى {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ} ؟

الجواب: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [67] بخلق أبيكم آدم - عليه السلام - منه، وإليه ترجعون، ثم أنشأ النطف من ذلك الأصل الذي كان ترابا ثم إلى التراب يعود الخلق ما ابتدأ منه أول مرة. وقيل: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ} [69] المشركون. عن ابن زيد. وقيل: كل من جادل في دفع آيات الله. العلقة: القطعة من الدم؛ لأنها تعلق بما يمر به لظهور أثرها فيه. وقيل: {يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [67] أي: أطفالا واحدا؛ فلهذا ذكر بالتوحيد. وقيل: {بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} الكهف: 103] لأن لكل واحد منهم أعمالا قد حسر بها. وقيل: {وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى} أي: يبلغ كل واحد منكم ما سمي له من الأجل. قال الحسن: "هذا للنسل الذي تقوم عليهم القيامة", والأجل المسمى: القيامة. الغل: طوق يدخل في العنق للألم والدل، وأصله الدخول، من: وغل في الشيء، إذا دخل فيه. السلسلة: حلق منتظمة في جهة الطول مستمرة. السجر: إلقاء الحطب في النار. التنور: معظم النار كالتنور، ثم يوبخون لإيلام قلوبهم بالتوبيخ، كإيلامهم لأبدانهم بالتعذيب.

الحميم: ما كان قد بلغ الغاية في الحرارة. الفرح، والمرح، والبطر، والأشر: نظائر في اللغة. وقالوا {لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا} [74] يستحق العبادة، ولا ينتفع بعبادته؛ لذلك أطلق القول له. {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ} عما اتخذوه إلهاً بصرفهم عن الطمع في نيل نفع من جهته. وقال الحسن: "كذلك يضلُّ الله أعمالهمُ بإبطالها". وجه جعل الأبواب لجهنم الرد إلى ما يتصور من حال الدار العظيمة مع الإسراع بدخولهم إليها. قيل في صفة العقاب (بئْسَ) ليعلم أن الذم قد يكون على فعل المذموم، ويكون على غير فعل إذا أريد به نقصهُ. وصفه الثبات على الحق بأنه صبر للمشقة التي تلحق فيه، كما تلحق بتجرع المر، ولذلك لا يوصف أهل الجنة بالصبر وإو وصفوا بالثبات على الحق وكان في الوصف به في الدنيا فضل، ولكن يوصفون بالحلم لأنه مدحٌ ليس فيه صفة نقصِ. حكم الصبر فيما يسبق إلى النفس التثبتُ حتى يحصل العلم بصواب الرأي، ثم يعمل بحسب ما علم، فأما إذا اسند طريق العلم بما هو أشبه بالأصل في الحق فالتثبتُ حتى يحصل غالب الظن؛ لأنه 'ما يطلب الثقة بالأمر أو القوة وإن لم يبلغ حد الذي يتعلق به إنجاز الموعود به. المثوى: المنزِلُ،، والمثوى: المقامُ. صفة (متكبرٍ) ذم في العباد، مدح في صفة الله؛ لأن المتكبر المطالب للصفة في أعلى المراتب، وهذا لا يستحقه أحد من العبادِ

فهو ذم منهم لهذه العلة، وهو مدح في صفة الله لأنه مستحق أن يوصف بكبر الشأن في أعلى المراتب. وقيل: لجهنم سبعة أبواب {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر: 44] وقيل: {الْمُتَكَبِّرِينَ} عن اتباع الحق. {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} [78] أي: قيام الساعة. إراية الآيات بالبيان عنها الذي يحضرُ النفس بعينها، ويحتاج في الآية أولاً إلى إحضارها للنفس ثم الاستدلال على الحق من الباطل. وجه الإنكار للآية الجحدُ لها في نفسها، وكل خلاف في الدليل لا يخلو من ثلاثة أوجه: إما في صحته في نفسه، أو في أنه [ ... ] ، أو فيهما. الآية في هلاك الأمم الماضية أنهم بعد النعم العظيمة صاروا إلى النقم، واقتضى ذلك عصيان المنهم. الآية في الأنعام تسخيرها لمنافع العباد بالتصرف في الوجوه التي جعل كل شيء منها لما يصلح له. {وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ} [82] قيل فيه: بالمشي بأرجلهم على عظم خلقهم. عن مجاهد. وقيل: {وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ} بالأبنية العظيمة، والقصور المشيدة. وقيل: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ} بمعنى النفي. وقيل: يعني كأنه قيل: أي شيء أغنى عنهم كسبهم؟

وقيل: {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [83] إذ قالوا: نحن أعلم منهم، لن نبعث ولن نعذب. عن مجاهد، والحسن. [وقال السدي:] أي: كان عندهم أنه علم وهو جهل. وقيل: فرح الرسل بما عندهم من العلم بنجاتهم وهلاك أعدائهم. السنة: الطريقة المستمرة.

الخاتمة

الخاتمة وبعد هذا التطواف فإنني أحمد الله تعالى على نعمة التوفيق والهداية، والإعانة على إتمام هذه الرسالة، بعد أن عشت مع هذا الكتاب دراسة وتحقيقا، من أول (سورة الأحزاب) إلى آخر (سورة غافر) ، ومع سيرة مؤلفه المباركة، تلك السيرة العطرة التي أتيت على البحث من أوله إلى آخره، فالحمد لله الذي ينعمته تتم الصالحات، وهذه أهم نتائج البحث بها يتم عقد نظامها، ويفوح مسك ختامها: أن ابن فورك كان من العلماء المبرزين في كل فن، وخاصة في اللغة والتفسير والحديث، فهو بحث علم من أعلام التفسير، إمام من أئمة اللغة، حافظ من حفاظ الحديث، وكثرة آثاره ومصنفاته في شتى الفنون والمعارف تشهد له بذلك. كان لتميزه وتبحره في سائر العلوم عامة، واللغة والتفسير خاصة أبرز الأثر في تفسيره الذي بين أيدينا، وكانت سمة حاضرة على امتداد كتابه، فالمباحث اللغوية مبثوثة في ثناياه، واللطائف التفسيرية منثورة في صفحاته. إنَّ هذا التفسير له قيمة علمية كبيرة، ولو كان الأمر بخلاف ذلك لما اعتمد أقوال مصنفه أئمة كبار في تفاسيرهم الشائعة الذائعة، ولغويون بارعون في مؤلفاتهم الماتعة، مما يشي بعلو مكانة ابن فورك بين أهل العلم. ظهر لي من خلال البحث في سيرة هذا العالم الجليل أنه أشعري المعتقد، فقد خالف أهل السنة والجماعة، وأوَّلَ بعض الأسماء والصفات، وكان من أثر ذلك أن فسر بعض الآيات تفسيرا جانب فيه الصواب، ولكن مما يحمد له في جانب العقيدة رده على فرقة المعتزلة في تأويلاتهم

لما يعتقده أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات كلما اقتضى المقام ذلك، فكان بذلك ناصرا للحق، مدافعا عنه. إن تناول المخطوطات بالتحقيق والدراسة ليس من السهولة بمكان، بل يحتاج من الباحث إلى بذل جهدٍ ومجاهدة نفس، وصبر وجلد، وقبل ذلك إلى استعانة بالله تعالى، وأخذ بالأسباب المعينة على تحقيق ذلك، من النظر في كتب أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، المطبوعة منها والمخطوطة إن تيسر ذلك، وسؤال أهل الشأن، فليس التحقيق مهنة من لا مهنة له، بل هو علم له أسسه وقواعده وأصوله ورجاله، وأرجو أن أكون من أهله.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الكتاب: تفسير ابن فورك - من أول سورة نوح - إلى آخر سورة الناس المؤلف: الإمام العلَّامة / أبو بكر محمد بن الحسن ابن فورك (المتوفى 406) دراسة وتحقيق: سهيمة بنت محمد سعيد محمد أحمد بخاري (ماجستير) عدد الأجزاء: 1 الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى: 1430 - 2009 م [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

سورة نوح

سورة نوح مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) } إن سئل عن قوله {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} إلى آخر السورة فقال: ما الإنذار وما معنى: من؟ في {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} وهل يجوز، الإدغام في يغفر لكم؟ وما الزيادة؟ وكيف جاز أن يكون الدعاء إلى الحق يزيد الناس فرارا منه؟ وما الفرار؟ وما الاستغشاء؟ وما الإصرار؟ وما الجهار؟ وما المدرار؟ وما الإمداد؟ وما الوقار؟ وما معنى: ما لكم لا ترجون لله وقارا؟ وما معنى: خلقكم أطوارا؟ وما معنى: طباقا؟ وماذا نصبه؟ وما الإعادة؟ وما الخسار؟ وما المكر؟ وكيف جاز على تسميتهم {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} بالكفر قبل أن يعملوه في قوله {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} الجواب: معنى الإنذار: الإعلام موضع المخافة ليتقى ونوح عليه السلام قد أنذر قومه بموضع المخافة وهي عبادة غير الله وانتهاك محارم الله. معنى (من) في {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} فيه قولان: الأول: يصفح لكم عن ذنوبكم وتكون من بمعنى عن بهذا التقدير ويعم الجميع.

الثاني: يغفر لكم ذنوبكم السالفة وهي بعض الذنوب التي تضاف إليهم فلما كانت ذنوبهم التي يستأنفوها لا يجوز الوعد بغفرانها على الإطلاق لن يجري ذلك مجرى الإباحة لها قيدت بهذا التقييد. وجه ذلك يغفر لكم من ذنوبكم بحسب ما يكون من الإقلاع عنها فهذا على احتمال البعض إن لم يفعلوا إلا على البعض. وقال المعتزلة: الأجل أجلان: أقصى وأدنى، فالأقصى لهم إن آمنوا وليس لهم إن لم يؤمنوا لأن الجنة لهم إن آمنوا وليست لهم إن لم يؤمنوا. قال الحسن: أمرهم أن ينذرهم عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة. وقيل: دخلت (من) لتخص الذنوب من سائر الأشياء لا لتبعض الذنوب من سائر الأشياء وإخبار كثير من النحويين يغفر لكم بإظهار الراء لين لا يخل بها الإدغام من جهتنا فيها من التكرير. واختار أبو عمرو الإدغام لأن إذهاب التكرير لا يخل لإن الثاني مثل الأول.

جاز أن يكون الدعاء إلى الحق يزيد الناس فراراً منه للجهل الغالب على النفس فتارة يدعو إلى الفرار مما نافره وتارة يدعو إلى الفساد الذي يلائمه يشاكله. الفرار: البعاد من الشيء رغبة عنه أو خوفا منه، فلما كانوا يتباعدون عن سماع دعائه رغبة عنه كانوا قد فروا. الاستغشاء: طلب الغشي فلما طلبوا التغشي بثيابهم فرارا من الداعي لهم كانوا قد استغشوا. الإصرار: الإقامة على الأمر بالعزيمة عليه في النفس. وقيل: كان الرجل يذهب بابنه إلى نوح فيقول لابنه احذر هذا لا يغوينك فإن أبي قد ذهب بي إليه وأنا مثلك فحذرني كما حذرتك. {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} أي: لئلا يسمعوا كلام نوح. والجهار: الإعلان.

والمدرار: الكثير الدرور، والدرور تجلب الشيء حالا بعد حال على الاتصال المطر الكثير الدرور، مدراراً. الإمداد: إلحاق الثاني بالأول على النظام حالا بعد حال. الوقار: العظمة، معناها هنا سعة المقدرة. وأصل الوقار ما به يكون الشيء عظيما من الحكم والعلم الذي يمتنع معه الخرق، ومنه وقر في السمع، ووعاه القلب إذا ثبت في السمع وحفظه القلب. وقيل: خرج عمر - رضي الله عنه - ليست سقي فما زاد على الاستغفار وقرأ هذه الآية، وقيل: وقارا عظمةً.. عن ابن عباس ومجاهد.

وقيل: ترجون تخافون. وقيل: تطمعون فيما فيه لعظمة الله. عن قتادة. الأطوار: الانتقال في الأحوال حالا بعد حال. وقيل: نطفة ثم علقة ثم مضغة. عن ابن عباس. الطباق: مصدر طابقت مطابقة وطباقا، والطباق منزلة فوق منزلة. فكأنه قيل: مالكم لا ترجون لله عاقبة عظيمة من الثواب بالخلود في النعيم. وقيل: أطواراً صبيانا ثم شبانا ثم شيوخا وغير عاقل ثم عاقلا وضعيفا ثم قويا. {وطباقا} ثم نصبه وجهان: أحدهما: على الفعل أي جعلهن طباقا، والآخر: على وصف السبع

الإعادة: النشأة الثانية فالقادر على الأول قادر على الثانية، لوجود قدرته الكريمة عليه. {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} أي: في السماوات السبع عن عبد الله بن عمرو. وقيل: في ناحيتهن نورا. الفجاج: جمع فج المسلك بين الجبلين. الخسار: الهلاك بذهاب رأس المال. المكر: القتل بالحيلة الخفية إلى خلاف الجهة الموافقة بما فيها من المضرة. جاز {ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} لأنه على طريق الإخبار بما يكون منهم لو وجدوا كأنه قيل: ولا يلدوا إلا من لو بلغ لكفر. الكبّار: الكبير. عن مجاهد، والعرب تقول: عجيب، وعجاب بالتخفيف، وعُجَّاب بالتشديد، وكذلك جميل وجمال، وحسن وحسّان

وقيل: كانت هذه المذكورة أصناما يعبدها قوم نوح عبدتها العرب فيما بعد. ديارا: فيعال من الدوران. {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} وقيل: ما دعى عليهم إلا بعد أن نزل إليه. عن قتادة. التبار: الهلاك. وقيل: لما صارت هذه الأصنام إلى العرب كان ود لكليب وسواع لهمذان ويغوث لمدحج ويعوق لكنانة ونسر لحمير. عن قتادة. قرأ {مَالُهُ وَوَلَدُهُ} بفتح الواو نافع وعاصم وابن عامر. وقرأ الباقون بضم الواو، وقرأ نافع {لَا تَذَرُنَّ وَدًّا} بضم الواو.

وقرأ أبو عمرو {مما خطاياهم} وقرأ الباقون {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} .

سورة الجن

سورة الجن مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) } إلى آخر السورة فقال ما الإيحاء؟ وما الاستماع؟ وما الجن؟ وما العجب؟ وما معنى: {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} وما الشطط؟ وما معنى: {يَقُولُ سَفِيهُنَا} ؟ وما معنى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) } ؟. وما العياذ؟ وما الرهق؟ وما وجه استبعاد أهل الجاهلية للبعث والنشور؟ وما الشهاب؟ وما الطريقة؟ والعدد؟ والرهق؟ وما البخس؟ وما القاسط؟ وما الغدق؟ وما الاستقامة؟ وما معنى: {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} ؟ وما الذكر؟ وما اللبد؟ وما معنى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) } ؟ وما الإجارة؟ وما الملتحد؟ وما البلاغ من الله؟ ولم ذكر وعيد العاصي لله ورسوله في هذا الوضع؟

ولم قيل {أَضْعَفُ نَاصِرًا} ولا ناصر لهم في الآخرة؟ وما معنى: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} ؟. الجواب: الإيحاء: إلقاء المعنى للنفس في خفاء كالإلهام، وإنزال الملك به، لخفائه. عن الناس إلا على النبي الذي أنزله إليه، وكالإيماء الذي يفهم به المعنى. الاستماع: طلب سماع الصوت بالإصغاء، وهو تطلب لفهم المعنى. الجن: قيل رقاق الأجسام خفية على الصورة المخصوصة التي هي الحسية. العجب: شيء يدعوا إلى التعجب منه، لخفاء سببه، وخروجه عن العادة في مثله فلما كان القرآن قد خرج بتأليفه عن العادة في الكلام وخفي سببه عن الأنام كان عجب لا محالة. معنى {جَدُّ رَبِّنَا} عظمة ربنا لانقطاع كل عظيم عنها بعلوها عليه. الجد: الحظ لانقطاعه بعلو شأنه. وقيل: أنهم لما منعوا استراق السمع طافوا في الأرض فاستمعوا القرآن فآمنوا ونزل الوحي به. عن ابن عباس.

وقيل: جد ربنا جلالته وعظمته عن الحسن وقيل: غنى ربنا وكل ذلك يرجع إلى معنى صفته بأنه عظيم غني. وقيل: من فتح {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} ومن على الفتح كأنه على وآمنا أنه. تعالى جد ربنا. و {يقول سفيهنا} أي: إبليس عن مجاهد وقتادة. الشطط: السرف في ظلم النفس والخروج عن الحق. {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) } في اتخاذ الشريك والصاحبة والولد حتى سمعنا القرآن وتبينا الحق به. يقال: جد فلان في قومه إذا عظم فيهم. قال الحسن: إن الله بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى الإنس والجن وأنه لم يرسل رسولا قط من الجن ومن أهل البادية ولا من النساء وذلك لقوله - عز وجل - {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} . قرأ ابن كثير وأبو عمرو {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ} بفتح الهمزة {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا} {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ} {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} أربعة أحرف بفتح الألف.

وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر كذلك إلا قوله {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} بكسر الألف وقرأ الباقون كلذلك بالفتح إلا ما جاء بعد قولٍ أو بعد فاء الله الجزاء. والعياذ: الاعتصام وهو الامتناع بالشيء من لحاق الشر. الرهق: لحاق الإثم، في قوله {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} وأصله اللحق، ومنه راهق الغلام أو الحق حال الرجال. وجه استبعاد أهل الجاهلية للبعث والنشور استمرار العادة بالنشأة الأولى. كما استمرت بأن الحيوان يموت إلا أن النشأة الثانية عليها دليل عن خبرٍ صادقٍ مقطوع بقوله العجز به. الشهاب: نور يمتد في السماء من النجم كالنار. قال الله تعالى {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} . وقيل يعوذون: يستجيرون. وقيل: كان الرجل منهم إذا نزل الوادي في سفره قال: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه. عن الحسن وقتادة.

رهقاً: إثماً. عن ابن عباس وقتادة. وقيل: طغيانا عن مجاهد. فرقا عن الربيع. وقيل: إن السماء لم تحرس قط إلا لنبوة أو عقوبة عاجلة عامة وقال الحسن: ظن مشرك الجن كما ظن مشرك الإنس {أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} يقول: يجحدون بالبعث. وقيل: رهقاً: سفها. الطريقة: الجهة المستمرة مرتبة بعد مرتبة والجمع طرائق. قداداً: جمع قدة، وهي المستمرة في جهة واحدة، والقدد مضمن بجعل جاعل دون الطريقة. الرهق: لحاق السرف في الأمر، فكأنه قال: لا يخاف نقصاً قليلاً ولا كثيراً وذلك أن أجره موفر عليه على أتم ما يكون فيه. وقيل طرائق قددا: مذاهب مختلفة مسلم، وكافر، وصالح، ودون الصالح. عن ابن عباس ومجاهد.

وقيل: فلا يخاف بخسا ولا رهقا: نقصا من حسناته أو زيادة في سيئاته. . عن ابن عباس. القاسط: الجائر، والمقسط: العادل، ونظيره التَّرِب الفقير، والمُتْرِب الغني، والأصل التراب، فالأول: ذهب ماله حتى قعد على التراب. والثاني: كثر ماله حتى صار كالتراب. القاسط: العادل عن الحق. المقسط: العادل إلى الحق. ولا رهقاً قيل: ولا يخاف ظلما كأنه يعطي على غير وجه الإجلال الذي يجب له التحري فقد إصابة الحق. الغدق: العذب الكثير. عن مجاهد. وقيل: رغب الله عز وجل في الاستقامة فلا شك أن له هذه الصفة. الاستقامة الاستمرار في جهة واحدة، والمستقيم من الكلام المستقيم على طريقة الصواب. معنى {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنختبرهم. الذكر: حضور المعنى الدال على المذكور للنفس وضد الذكر السهو، ونظيره حضور المعنى بالقلب، والفكر في وجوه السؤال عن المعنى طلبا للذكر له، والفكر في البرهان طلب للعلم بصحة المعنى المذكور.

لبداً: القطع المتكافئة على الشيء واحدها لبدة. {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} يقول: لا إله إلا الله كادوا يكونون عليه جماعات متكافأت بعضها فوق بعض ليزيلوه بذلك عن دعوته بإخلاص الإلهية. وقيل: الحق كادوا أن يركبوا به حرصا على سماع القرآن منه عن ابن عباس. وقيل: تلبدت الإنس والجن بهذا الأمر ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويظهره على من ناوأه. عن الحسن وقتادة. وقيل صعدا: مت صعدا في السطح. {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} كما يدعوا النصارى في بيعهم والمشركون في كعبة ربهم. قال الحسن: من السنة إذا دخل أحد المسجد أن يقول لا إله إلا الله لا ادعوا مع الله أحدا. وقيل: يدعوه بالوحدانية. وقيل غدق: المكان يغدق غدقا إذا كثر الماء فيه والندى.

وقيل المساجد: مواضع السجود من الإنسان الجبهة واليدان والرجلان عن الفراء. وأكثر أهل العلم على طريقة الهدى، والأول: يكون تغليظاً للجِنَّة في التكليف، والثاني: ترغيب في الهدى. قرأ {يسلكه} بالياء عاصم وحمزة والكسائي وقرأ الباقون {نسلكه} . وقرأ عاصم وحمزة {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي} وقرأ الباقون {قال} بالألف. وقرأ ابن عامر في رواية هشام بن عمار {لُبداً} بضم اللام.

وقرأ الباقون {لِبَدًا} . الإجارة: المنع من لحاق الشر على ما يوجبه عن المانع. الملتحد: الملتجأ بالميل إلى جهة السلامة به فليس من دون الله ملتحد يطمع في السلامة به مع إرادة عقابه. البلاغ من الله بلاغ الحق لكل من ذهب عنه بالإعراض الذي تباعد منه. وقد نصب الله تعالى أدلته على الحق وأمر بالدعاء بها إليه.

ذكر وعيد العاصي لله ورسوله هنا لبيان أن من يعصي غيره ليقوم الناس بإبلاغ الحق من غير تصحيح فيه. قيل {أَضْعَفُ نَاصِرًا} لأنه جاء على جواب من توهم أنه إن كانت لهم أخوة فناصرهم أقوى وعددهم أكثر. و (رصدا) منصوب على المفعول كأنه قال يجعل رصداً يسلك من بين يديه ومن خلفه. ليعلم: أي: ليظهر المعلوم من التبليغ، وأحاط بما لديهم فصار في معلومه بمنزلة ما أحيط به، وإنما أحصى عدد الأشياء لتمكين الدليل أنه يعلمها مع كثرتها على التفصيل. وقيل ملتحداً: ملجأً. وقيل: يجوز أن يكون أن لا أبلغ بلاغا من الله ورسالاته يعني إلا كذا وكذا. وعلى الوجه الأول لا أملك إلا بلاغا من الله ورسالاته. وقيل {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا} أجند الله أم الذين عبده المشركون. وقيل {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} فإنه يطلعهم بالوحي على من يشاء من الغيب. وقيل: (رصدا) من الملائكة حفظة. وقيل: ليعلم من كذّب بالرسل أن قد ابلغوا رسالات ربهم. عن مجاهد. وقيل: ليعلم الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم على إحاطة بهم وتحصين لما بلغوه من رسالاته. عن سعيد بن جبير.

معنى أمداً: غاية. وقيل: ليعلم الله أن قد أبلغوا

سورة المزمل

سورة المزمل مسألة: إن سأل عن قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) } فقال: ما المزّمل؟ وما المرغّب فيه أقام نصف اللّيل أو أقلّ منه؟ وما التّرتيل؟ وما الناشئة؟ وما الوطء؟ وما الأقوم؟ وما السّبح؟ وما التبتل؟. وما الوكيل؟ ولم لا يجوز ماضي نذر؟ وما معنى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} وما النعمة؟ وما التمهيل؟ وما الغصّة؟ وما الإمهال؟ وما معنى {كَثِيبًا مَهِيلًا} وما الرسل؟ وما معنى {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} وكيف لم يقل منفطرةٌ والسماء مؤنثة؟ ولم جاز {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} بمعنى ثواب ربه؟ وما معنى: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} الجواب: المزّمل: الملّتف في ثيابه والأصل متزمل إلا أن التاء أدغمت في الزاي من غير إخلال بالحرف المرغّب فيه كل ذلك بدلالة الآية، وأكثر من النصف أيضا لقوله {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ}

وقوله {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} وإنما لم يرغّب بالآية في قيام جميعه. الترتيل: ترتيب الحروف على حقها في تلاوتها، وأما الحدر فإسراع فيهما وكلاهما حسن الترتيل والحدر، إلا أن الترغيب ها هنا في الترتيل. وقيل: تزّمل ثيابه عن قتادة وقيل: تزمّل بأعباء النبوة عن عكرمة وقيل: كان بين أول السورة وآخرها الذي نزل فيه التخفيف سنة. . عن ابن عباس والحسن. وقيل: عشر سنين قال الحسن: نسخت الثانية الأولى ترتيلا أي: ترسل فيه ترسلا عن مجاهد. وقيل ثقيلا: أي يثقل العمل به بالمشقة فيه.

وقيل: إنما هو لثقله في الميزان عن ابن زيد. وقيل: أنه ثقلٌ لم ينسخ وإنما بين تخفيف الثقل. وعلى المؤمنين أن يقوموا. قال الحسن: إن الله تعالى عرض على النبي ثلث الليل فأكثر فقاموه حتى تورّمت أقدامهم ثم نسخ تخفيفاً عنهم. وقيل: ثقيل رصين لعظم حكمته. الناشئة: الظاهرة بحدوث شيء بعد شيء، وناشئة اللّيل ابتداء عمل الليل شيئاً بعد شيء. الوطء: المهاد المذلّل للتقلب عليه، فكذلك عمل اللّيل الذي هو أصلح له ، فيه تمهيد للتصرف في الدلائل، وضروب الحكم، ووجوه المعاني. الأقوم: الأخلص استقامة. السبح: المرور السهل في الشيء كالمرور في الماء، فال سبح في عمل النهار المرور في العمل الذي يحتاج فيه إلى الضياء، وأما عمل اللّيل فلا يحتاج إلى ضياء كالفكر في وجوه البرهان، وتلاوة القرآن

التّبتّل: الانقطاع إلى عبادة الله، ومنه مريم البتول لانقطاعها إلى عبادة الله جلّ ثناؤه. وقيل: ناشئة اللّيل ما كان بعد عشاء الآخرة عن الحسن وقتادة. وقيل: وطأ اللّسان والقلب مواطأةً ووطأ أقوم قراءة لفراغه من سُفْلِ الدنيا. وقيل {وَأَقْوَمُ قِيلًا} أقوم قراءة لفراغه من سُفْلِ الدنيا. وقيل: سبحا منصرفاً ومنقلباً. ومن قرأ {أَشَدُّ وَطْئًا} فيكون لقوله الفكر فيه أمكن موقعا. وقيل: هو أشد من عمل النهار وقيل: الانقطاع إلى الله تأميل الخير من جهته دون غيره. الوكيل: الحفيظ للقيام بأمر غيره. الهجر الجميل: إظهار الجفوة من غير ترك الدعوة إلى الحق على المناصحة. وكانت لا على بتّل نفسك إليه تبتيلاً، فوقع المصدر موضع مقاربه في المعنى. وقرأ {وِطاءً} بكسر الواو ممدودة الألف أبو عمرو وابن عامر. وقرأ {وَطْئًا} بفتح الواو مقصورة، لم يستعمل ماضي يذر للاستغناء عنه بما

هو أولى منه وهو ترك إذ كانت الواو مستثقلةً حتّى فرّوا منها إلى الهمزة وكذلك سئل ماضي يدع، وكل ما يصرف منه مما في أوله واو، ودع فهو من الدعة ولا يعنى ترك عنه. معنى {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} تهديد شديد أي أرضى لعقاب المكذبين كما يقال: دعني وإياه كأنه تكفيه فليزل به مني. النعمة: لين الملمس، وذلك أن اللّين قد يكون في الخلق وفي الطبع، وأما النعمة في اللين والملمس، والنقيض فيهما واحد وهو الخشونة. والتمهيل: التأخير في المدة لأن التأخير قد يكون في المكان فلا يكون تمهيلاً. الغصّة: تردد الطعام في الفم لا يسيغها الذي يروم أكلها. وأنكالاً قيوداً عن مجاهد، واحدها نكل. ذا غصّةٍ: شوك ناشز بالحلق فلا يدخل ولا يخرج. عن ابن عباس.

وقيل {كَثِيبًا مَهِيلًا} رملاً سائلاً. عن ابن عباس، ومهيل مفعول من هللّت الرمل أهيله إذا حرّك أسفله فسال من أعلاه. وقيل ذا غصّة: ما شدّ الحلقوم لخشونته، وشدة تكرهه بموجب تتحرك باضطراب شديد. الكثيب: الرمل المجتمع الكثير. الوبيل: الثقيل الشّديد، ومنه كلأ مستوبل أي: مستوخم لا يستمرأ لثقله. الوبيل: هنا الغليظ الشديد. معنى {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} متصدع لشدة ذلك اليوم، ولم يقل منفطرةٌ لأنه جرى على طريق التشبيه أي ذات انفطار ولم يجر على طريقة فاعله لقولهم: امرأةٌ مُطْفِلْ. التذكرة: التبصرة، والتذكرة: الموعظة التي يذكر بها ما يعمل عليه. جاز {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} لأنه موجه إلى ما وجهه ربه إليه لعمله بطاعته واتباع مرضاته. {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} ليعملوا فيه بالصواب على ما يأمركم به. {فَاقْرَءُوا} عاملين بما رغبتم فيه وذلك يقتضي التخفيف عنكم فاقرؤا ما تيسر منه.

وقيل: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} لن تطيقوه. عن الحسن. وقيل {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} على طريق المَثَلْ. فتاب عليكم أي لم يلزمكم إثما. ورفع المشقة فيه عنكم كرفع المشقة عن التائب. وقيل {لَنْ تُحْصُوهُ} لن تطيقوا منها مواقيت الصلاة. قرأ {وَنِصْفِهُ وَثُلُثِهُ} كسراً نافع وابن عامر. وقرأ الباقون {وَنِصْفِهِ وَثُلُثِهِ} نصبا.

سورة المدثر

سورة المدثر مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) } فقال ما المدّثر؟ وما التكبير؟ وما الكبير الشأن؟ وما معنى: وما المن؟ وما الاستكثار؟ وما الصبر الذي هو طاعة لله؟ وما الرجز؟ وما معنى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ؟ وما الناقور؟ وما اليسير؟ ولم جاز ذرني والله لا يجوز أن يمنعه مانع مما يريد؟ وما التوحيد؟ وما معنى: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} ؟ وما التمهيد؟ وما معنى: كلا؟ وما العنيد؟ وما الإرهاق؟ وما معنى {وحيدا} ؟ وما معنى الصعود؟ وما الفكر الذي يُذَّمُ به صاحبه؟ وما معنى: {كَيْفَ قَدَّرَ} ؟ وما نظر الفكر للحق؟ وما الثبور؟ وما الإدبار؟ وما معنى: استكبر؟ ومن القائل؟ وما أصل سقر؟ وما الإصلاء؟ وما الإبقاء؟ وما التلويح؟ وما البشر؟ وما القيد؟ وما وجه دلالة العدة للملائكة في تسعة عشر على النبوة؟ وما معنى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} ؟ وما الرهن؟ وما معنى: أصحاب اليمين؟ وما السلوك؟ وما المجرم؟ وما الصلاة؟ وما التكذيب؟ وما الدين؟ وما اليقين؟ وما النفع؟ وما النفور؟ وما الفرق بين مستهزئ ومستنفر؟ وما الفرار؟ وما القسورة؟ وما الصحيفة؟ وما معنى: أهل التقوى وأهل المغفرة؟

الجواب: المدثر المتدثر بثيابه، كأنه قيل: يا أيها الطالب صرف الأذى بالدِّثار اطلبه بالإنذار. الإنذار: الإعلام بموضع المخافة ليتقى، فلما كان لا مخافة أشد من الخوف من عقاب الله كان الإنذار منه أجل الإنذار، وتقديره: قم إلى الكفار فأنذرهم بالنار. الكبير: وصف الأكبر على اعتقاد معناه، والكبير نقيض الصغير ونظيره العظيم. الكبير الشأن: المختص باتساع المقدور والمعلوم من غير مانع من الجود. فالله قادر لا يعجزه شيء، وعالم لا يخفى عليه شيء لا يمنعه من الجود على عباده شيء فهو أكبر من كل كبير بما لا يساويه واختصاصه بالمقدور والمعلوم بأنه ما صح من مقدور أو معلوم وقادر عليه عالم به وهو كبير وأكبر من كل كبير سواه. الطهارة: النظافة بانتفاء النجاسة، وذلك أن النظافة بانتفاء الوسخ من غير نجاسة، وقد تكون بانتفاء النجاسة فالطهارة في القسم الأخير. وقيل: إن أول ما نزل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} عن جابر.

وقيل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} عن الزهري. {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} فيه أقوال: أحدها: من لبسها على معصية. {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} من الذنوب. عن ابن عباس، وقيل: اغسلها بالماء. وقيل {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} للصّلاة فيها. والرّجز فاهجر الأصنام. عن ابن عباس. وقيل الرّجز: الإثم عن إبراهيم. وفرَّق الكسائي بين الِِّجْز والرُّجز، فقال الرُّجز بالضم الوثن وبالكسر العذاب. أي اهجر ما يؤدي إلى العذاب ولم يفرّق غيره بينهما.

وقيل: كل معصية رجز. المنّ: ذكر النعمة بما يكدّرها ويقطع حق الشّكر بها، منَّ بعطائه يمنُّ منًّا. إذا فعل ذلك فإما منّ على الأسير إذا أطلقه فهو قطع لأسباب الاعتقال عنه. الاستكثار: طلب الكثرة وهو هاهنا طلب ذكر الاستكثار للعطية ورفع يستكثر للعطية على معنى الحال. ومعنى ذلك فيه أقوال: أحدها: لا تعطي عطية ليعطي أكثر منها. عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: لا تمنّ بحسناتك على الله تعالى مستكثراً لها فينقصك ذلك عند الله. وقيل: لا تمنن بما أعطاك الله من النبوة والقرآن مستكثراً به الأجر من النّاس. عن ابن زيد. لا تضعف في عملك مستكثراً لطاعتك. عن مجاهد.

الصبر الذي هو طاعة لله الصبر على الضرر الذي يدعو إليه العقل الناقور: الذي من شأنه أن ينقر فيه للتصويت به وهو فاعول من النقر كهاضوم من الهضم وحاطوم من الحطم. اليسير: القليل الكلفة، ومنه اليسار: كثرة المال لقلة الكلفة في الإنفاق. وقيل {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} على أذى المشركين. وقيل {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} على عطيتك عن إبراهيم. {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} نفخ في الصّور وهي كهيئة البوق. عن مجاهد. ولا تمنن على النّاس بما تنعم به عليهم على سبيل الاستكثار منك لذلك. وقيل {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} على ما أمرك الله من أداء الرسالة وتعليم الدّين. وما ينالك من الأذى والتكذيب لتنال الفوز من الله بالنّعيم. وقيل: غير يسير لما ينالهم فيه من العذاب الشديد.

وأجاز الفراء {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} جزما وقال والرفع وجه القراءة والعمل، ولم يجز غيره لأنه في موضع الحال. وقيل: نقر في أول النفختين وهو أول الشدة الهائلة العامة. جاز {ذرني} في صفة الله تعالى على معنى التهديد كأنه قيل: قد حل هذا محل من يقال له ذرني وإياه فإني كافٍ في عقابه. الوحيد: المتفرد بالأمر. ومعناه: أن الله تعالى خلقه متوحدا بخلقه لا شريك له وحمله على الأوصاف التي ذكر جل ثناؤه. وقيل: خلقه في بطن أمه وحده لا شيء له ثم جعلت له كذا وكذا. عن مجاهد وقتادة. {مَالًا مَمْدُودًا} أي مالا كثيرا له مدد يأتي شيء بعد شيء، فوصفه بأنه ممدود يقتضي هذا المعنى. معنى {وَبَنِينَ شُهُودًا} أي: وبنين بحضرته يستمتع بمشاهدته لهم، فإن متعته بحضورهم خلاف من هو غائب عنهم. التمهيد: تسهيل التصرف في الأمور. وقيل: نزل في الوليد بن المغيرة وكان ماله ألف دينار. عن مجاهد وسعيد ابن جبير، وقيل: كان أربعة ألاف دينار. عن سفيان.

وقيل: كان أرضا عن النعمان بن سالم، وقيل: كان غله شهر شهر. عن عطاء. وقيل: كان بنوه عشرة عن مجاهد، وقيل: ولم يشكرني وهو مع ذلك يطمع أن أزيد في إنعامه. التمهيد والتوطين والتذليل والتسهيل نظائر. {وحيدا} يحتمل أن يكون من صفة المخلوق، بمعنى وحده لا شيء له وقيل كان بنوه: لا يغيبون عنه لغناهم عن ركوب السفر في التجارة معنى {كلا} : ردع وزجر كأنه قيل: ارتدع عن هذا وانزجر فليس الأمر على ما يتوهم. العنيد: الذاهب عن الشيء على طريق العداوة له، فهذا الكافر يذهب عن آيات الله ذهاب نافر عنه.

الإرهاق: الإعجال بالعنف، أرهقه يرهقه إرهاقا ورهقه يرهقه رهقا إذا لحقه بإعجال العنف. الصعود: العقبة التي يصعب صعودها. الفكر الذي يذم به صاحبه، الفكر الذي يطلب به الاحتيال للباطل في نصرة المذهب الفاسد، والتسبب إلى المعصية. وقيل عنود: جحود، وقيل عنود: معاند. وقيل: ص ود جبل من نار يؤخذون بارتقائه، فإذا وضع يده ذابت وإذا رفعها عادت رجله، في خبر مرفوع. وقيل: صعود جبل في جهنم من نار يضرب بالمقامع حتى تصعد عليه ثم يضرب حتى ينزل عنه أبدا دأبه كذلك.

ثم قيل {كَيْفَ قَدَّرَ} أي عوقب بعذاب أخر كيف قدر من إبطال الحق تبطيلاً آخر. وقيل قتل: لعن أي: فعل به ما يجري مجرى القتل ومثله {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} . وقال الحسن: هو شتم من الله لهذا الكافر. وقيل قدر قال: إن قلنا شاعر كذبتنا العرب باعتبار ما أتى به، وإن قلنا كاهن لايصدقونا لأن كلامه لا يشبه كلام الكهان فنقول ساحر يروي ما أتى به من غيره من السحر. نظر المنكر للحق نظر طالب لما يدفع به الحق ولو نظر في ذلك على إنه إن وجد ما يكشف له عن أنه حق اتبعه كان نظره صحيح. العبوس: تقبيض الوجه مكرها للأمر. البسور: بروز النكرة التي تظهر في الوجه، وأصله من قوله تبسر بالأمر إذا عجل به قيل: جمعه الأدبار الأخذ في جهة الدبر. معنى استكبر: طلب كبراً ليس له ولو طلب كبراً هو له لم يكن صفة ذم وفي صفة الله سبحانه (الجبار المتكبر) لأن له الكبرياء جل وعز وهو كبر الشأن ، في أعلى مرات بالكبر لأنه مختص باتساع المقدور والمعلوم في أعلى المراتب.

وقيل: قال الوليد بن المغيرة في القرآن والله إنه ليعلو وما يعلى وما هو بشعر ولا كهانة ولكنه سحر يؤثر من قول البشر. والسحر: حيلة يخفى سبب فيوهم الشيء بخلاف ما هو به، وذلك منفيا عن كل ما يشاهد ويعلم أنه قد خرج عن العادة بما لا يمكن فيه المعارضة، ولو كان القرآن من قول البشر لأمكنهم أن يأتوا بمثله، كما لو كان قلب العصا حية من فعل ساحر لأمكن السحرة أن يأتوا بمثله. أصل سقر من قولهم: سقرته الشّمس إذا آلمت دماغه، وبه سمّيت النَّار سقر لشدة إيلامها. الإصلاء: إلزام موضع النّار، أصلاه نصليه إصلاءاً. الإبقاء: فعل البقاء للشيء. التلّويح: تغيير اللون إلى الاحمرار، النّار تغير بشرة أهلها إلى الاحمرار ، لوّحته الشّمس تلوّحه تلويحاً فهي لوّاحة على المبالغة في كثرة التلّويح. البشرة: ظاهر الجلدة، وجمعها بشر، ومنه سمّي الإنسان بشراً لأنه ظاهر الجلدة، بتعريته من الوبر ومن الرّيش والشعر الّذي في الغالب على غيره. وقيل: لا تبقي فيها حياً ولا تذره ميتاً عن مجاهد. وقيل: لا تبقي أحداً من أهلها إلاّ تناولته ولا تذره من العذاب.

وقيل: عليها تسعة عشر من الملائكة، وخصَّ هذا العدد بالذّكر ليوافق خبر النّبي - صلى الله عليه وسلم - خبر ما جاءت به الأنبياء قبله - صلى الله عليه - وعليهم أجمعين، وتكون محنة. بتكليف النّظر للمعرفة الغيبية، المحنة التي تخرج ما في النّفس من خير أو شر بإظهارها له، وكانت بهذه العدّة التي جعلت عليها الملائكة يظهر ما في نفس الكافر ممّا يقتضيه كفره كانت فتنة له. وجه دلالة العدّة للملائكة في تسعة عشر على النّبوة أنها إذا كان الله - عز وجل - قد أخبر به في الكتب المتقدمة ولم يكن محمد - صلى الله عليه وسلم - ممّن قرأها ولا تعلّمها من أحد من النّاس، فهو من عند الله أتى به الله ليدل على صدقه مع أنّه أحد الأشياء التي أخبر بها على هذه الصّفة. الإضلال: هاهنا إظهار فضيحة الكفّار بما يوجب الذّم والّلعن للتكذيب بالحق الّذي أنزله، ونقيضه الهداية بإظهار فضيلة المؤمنين لتصديقهم بالْحق عند نزوله وقبولهم له وقيل: هي في التّوراة والإنجيل تسعة عشر. عن ابن عباس. {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} أي: من كثرتهم {وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} . النار الموصوفة بهذه الصّفات. {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} ولّى وذهب. وقيل: دبر وأدبر بمعنى، وقيل: إنّما هو دبر النّهار نازحاً في آخره.

{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} إذا أضاء وأنار، وكأنه قيل: إذا كشف الظّلام وأنار الأشخاص {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ} أي: النّار. عن ابن عباس. ووجه المحنة على الكفّار بتكليفهم أن يستدلوا حتّى يعرفوا أن الله قادر أن يقوّي هذه العدّة من الملائكة، بما يفي بتعذيب أهل النّار على ما هم عليه من الكثرة. وقيل: إن هذه الآية لإحدى الكبر، وقيل: النّار في الدّنيا تذكِّر بالنّار في الآخرة. قرأ {إِذْ أَدْبَرَ} بإسكان الذّال والألف في أدبر نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة. وقرأ الباقون {إِذَا دبر} . الألف في إذا ودبر بغير ألف. معنى {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} أي: أن الإنذار لمن يمكّنه أن يتقي عذاب النّار ولا يعجز عنه. النّذير: الحكيم بالتحذير عما ينبغي أن يُحذّر منه، فكل نبيٍّ نذير لأنه حكيم بتحذيره عقاب الله تعالى على معاصيه. الرهن: أخذ الشّيء بأمر على أن لا يرد إلاّ بالخروج منه.

وفي {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ} ثلاثة أقوال:.. الأول: أنه من صفة النّار الثاني: أنه من صفات الله كأنه قيل: قم نذيراً. الثالث: أنه من صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل: لمن شاء منكم أن يتقدم في طاعة الله أو يتأخر بمعصيته. أصحاب اليمين: هم أصحاب الجنّة. عن الحسن. وقيل: أصحاب اليمين الذين ليس لهم شيء من الذنوب. الخوض: المر فيما يلوّث كتلويث الرجل فلما كان هؤلاء يخرجون مع من يكذّب بالحق مشيعين لهم في القول كانوا خائضين معهم. السّلوك: الدّخول المجزّم القاطع بالخروج عن أمر الله ونهيه. وأصل الصّفة من الجازم القاطع، وأصل الصّلاة في الّلغة: الدعاء ثم يقال لما فيه من القراءة والدّعاء، والتسّبيح أوّله التكبير وآخره التسّليم.

المسكين: الذي قد سكنته الحاجة إلى ما في أيدي النّاس عن حال النشط وحال الفقير أشدّ من حال المسكين. وقيل {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} كلّما غوى غاوي بالدّخول في الباطل غوينا معه فالتكذيب تنزيل الخبر على أنّه كذب وهؤلاء اعتقدوا أن الخبر يكون يوم القيامة كذّب. والدّين والجزاء، وهو الإيصال إلى كل من له شيء أوعليه شيء. معنى اليقين: العلم الّذي يوجد عنده برد الثّقة به في الصّدر. النّفع: اللذة ويسمى التّسبب إليه نفعاً. والنّفور: الذّهاب عن المخّوف بانزعاج، ومسّتنفرة طالب بالنّفور. قرأ {مُسْتَنْفَرَةٌ} نافع وابن عامر، وقرأ الباقون {مُسْتَنْفِرَةٌ} بالكسر، من قرأ بفتح الفاء فهو على نفَرها عنده، ومن قرأ بكسر الفاء فهو على نافِر، والمعنى فيهما متقارب.

الفرار: الذّهاب عن الشيء خوفاً منه القسورة: فيه أقوال: الأول: الأسد، وقيل: رامي الصّيد، وأصله الأخذ بالشّدة. وقيل: من قسورة من الرّماة. عن ابن عباس وأبي موسى. وقيل: جماعة الرّجال، وقيل: الأسد. عن أبي هريرة. الصَّحيفة: التي من شأنها أن تقلب من جهة إلى جهة لما فيها من الكتابة. النّشر: بسط ما كان ملتفاً من غير التحام.

وقيل: صحفاً منشرةً: كتباً تنزل من السّماء كتاباً إلى فلان وكتاباً إلى فلان ، وإنّما دعاهم إلى التّحدي في طلب المعجزة أنهم لا يؤمنون بالآخرة. {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} أي: القرآن. {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} : أهل أن يتقي محارمه، وأهل المغفرة: أهل أن يغفر الذّنوب. عن قتادة وقيل: يريدون صحفاً من الّله بالبراءة من العقوبة، واتساع النّعمة حتّى يؤمنوا وإلاّ قاموا على أمرهم. {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} دليل على قدرته عليهم وما يذكرون إلاّ وقد شاء الّله ذلك لهم. وقيل: أهل أن يتقي عقابه، وأهل أن يعمل بما يؤدي إلى مغفرة. قرأ نافع {وَما تَذْكرون} بالتّاء. وقرأ الباقون بالياء.

سورة القيامة

سورة القيامة مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) } إلى آخرها فقال: ما القسم؟ وما القيامة؟ وما الّلوامة؟ وما النّفس؟ وعلى أي شيء ينصب قادرين؟ وما معنى: {لا} . في لا أقسم؟ وأين جواب القسم؟ وما معنى: أيَّان؟ وما البرق؟ وما خسوف القمر؟ وما الجمع وما المستقر؟ وما النبأ؟ وما المعاذير؟ وما العجلة؟ وما الإتباع؟ وما البيان؟ وما التّحريك؟ وما النَّاضرة بالضاد؟ وما النَّاظرة؟ . وما معنى: {ناظرة} ؟ بالظاء؟ وما معنى: البسور؟ وما معنى: الفاقرة؟ وما التَّراقي؟ وما الرَّاقي؟ وما البلوغ؟ وما معنى: الفراق؟ وما الحسبان؟ وما التّولي؟ وما التمطّي؟ وما السّدى؟ .

الجواب: القسم: تأكيد الخبر بما جعله في حيّز المتحقق، وذلك أنّه من القسمة فأحد قسمي الخبر عن المعنى حق والآخر باطل، والجواب محذوف، والمعنى: أقسم بيوم القيامة. والقيامة: النشأة الآخرة التي يقوم فيها النّاس من قبورهم للمجازاة. اللّوامة: الكثيرة اللّوم لقلة رضاها بالأمر. النّفس خاصّة الشّيء وذاته. انتصب {قادرين} على وجهين: أحدهما: نجمعهما قادرين. والآخر: بلى نقدر قادرين، واستغنى عنه بقادرين كما يقال قاعداً، وقد سار الركّب أي: يقعد وقد ساروا. وقيل: {لا أقسم} {لا} صلة، وهو أقسم بيوم القيامة عن سعيد بن جبير، وقيل: لا تأكيد كقولك: لا والله ما كان هو. عن ابن عباس، وكأنه قيل: لا أقسم بيوم القيامة ما الأمر على ما تتوهمون. اللّوامة: هي الّتي تلوم على الخير والشّر. وقيل: بلى نقدر أن نسوّي بنانه كالخف والحافر عن بن عباس. يتناول المأكول بفيه

وقيل: ليفجر أمامه أي: ليمضي أمامه راكباً رأسه في هواه، أي هذا الّذي يحمله على الإعراض عن مقدورات ربّه. وقيل: لوّامة لا صبر لها على محن الدّنيا وشدائدها فهي كثيرة فيها. وقيل: بلى قادرين على أن نسوي بنانه حتّى نعيده على ما كان خلقاً سوياً. وقال الحسن: أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنّفس، وهي التي تلوم نفسها على ما ضيّعت في حق الله يوم القيامة، وهي نفس الكافر. وهذا التّأويل ضعيف لأنه يخرج عن تشاكل الكلام. وقيل: جواب القسم بل لنجمعها قادرين. وقيل: تلوم نفسها في الآخرة عن الشّر لما عملته، وعلى الخير هلَّا استكثرت منه. معنى أيّان: متى. البرْق: اللّمعان بالشّعاع الذي لا يلبث، برق البصر يبرق برقاً، وإنّما قيل برق البصر لأن ذلك يلحقه عند شدّة الأمر. خسوف القمر: ذهاب نوره بعينه النّور، وجمع بين الشّمس والقمر في، ذهاب النّور بما يراه الإنسان، معنى الجمع: جعل أحد الشّيئين مع الآخر.

والجمع على ثلاثة أوجه: جمع في المكان أو الزّمان، وجمع الأعراض في المحل على غير المجاورة، وجمع الشّيئين في معنى حكم أو صفة ومعنى {أين المفرُّ} سؤال تعجيز عن وجود مفرٍّ يهرب إليه من عذاب اللَّه تعالى. وقيل: فيه جواب هذا السّائل كأنّه قيل يوم القيامة {لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) } . عن الحسن. قرأ {بَرِق} بفتح الرّاء نافع وأبان عن عاصم. وقرأ الباقون. {بَرَق} بكسر الرّاء الوزَرْ: الملجأ من جبل يتحصّن به أو غيره من الحصون المنيعة. منه وزَرْتُ الحائط إذا قوّيته بأساس يعتمد عليه. المستقر: المرجع الّذي يقرّ فيه، ونظيره المأْوى. التّقديم: ترتيب الشيء قبل غيره. المعاذير: ذكر مواقع تقطع عن الفعل المطلوب. قيل: لا وزر لا حصن عن الضّحاك.

وقيل: ما قدّم قبل موته وما أخّر من سُنّة يعمل بها بعد موته. . عن ابن عباس. وقيل: ما قدّم من الْمعصية وأخّر من الطّاعة، بأوّل عمله وآخره وقيل: ما أخر وما ترك وقيل: على نفسه بصيرة شاهد على نفسه بما تقوم عليه الحجّة. عن ابن عباس، وهو كما يقال فلان: حجة على نفسه. وفي التنزيل {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} . الهاء في {بصيرة} كالهاء في علامة للمبالغة. واحد المعاذير معذرة، وقيل المعاذير: التنصّل من الذّنب بذكر العذر. وقيل {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} ولو أرخى السّتور وأغلق الأبواب. عن السدّي، {وَلَوْ أَلْقَى} لو اعتذر. عن ابن عباس، شهادة نفسه عليه أولى من اعتذاره.

وقيل: لا وزر لا ملجأ لكم. وقيل: ما قدّم وأخرّ جميع أعماله التّي يستحق الجزاء بها وقيل: ولو أقام الاعتذار عند النّاس. وقيل: بل الإنسان على نفسه بصيرة جوارحه شاهدة عليه يوم القيامة. واحد المعاذير معذرة، وقيل: معذار. التّحريك: التصّيير من مكان إلى مكان بالحركة. العجلة: طلب عمل الشّيء قبل وقته الذي ينبغي أن يعمل فيه. الإتباع: موافقة الثاني للأول فيما يقتضيه، ونقيضه الخلاف. البيان: إظهار المعنى بما يتميز به من غيره، ونقيض البيان الإخفاء. وقيل: كان النّبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه القرآن عجّل تحريك لسانه لحبّه إياه. . عن ابن عباس. وقيل: كان يكثر تحريك لسانه مخافة النسيان عن مجاهد وقتادة.

وقيل: إن علينا جمعه في صدرك وقراءته عليك حتى يمكنك تلاوته. وقيل: إنّ علينا جمعه في صدرك وتأليفه على ما نزل عليك. وقيل: {فإذا قرأناه} أي: بقراءتك. وقيل: بأن يعمل بما فيه من الأحكام والحلال والحرام. وقيل: تَذْكُرُ أحكامه وحلاله وحرامه. {ثمّ إن علينا بيانه} إنّا نبيّن لك معناه إذا حفظت وقيل فإذا قرأناه: إذا قرأه جبريل عليك فاتبع قرآنه. وقرأ {كَلَّا بَلْ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَيَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) } بالياء أبو عمرو، وقرأ الباقون بالتاء. معنى تذرون الآخرة: تذرون العمل لها بأداء الواجب، واجتناب المحارم، واستكثار من النّوافل. النّاضرة: الصورة الحسنة التي تملأ القلب سروراً عند الرؤية، والنّضرة نظير البهجة والطلاقة، ونقيضه العبوس والبسور.

معنى {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} رائية، والنظر المقرون بالوجه وإلى في اللغة لا تكون إلاّ بمعنى الرؤي. البسور: ظهور حال الغم في الوجه معجلاً قبل الإخبار عنه الفاقرة: الكاسرة لفقار الظهر بشدة، ونظير الفاقرة الدّاهية الآبدة وقيل: باسرة كاسرة كالحة. التّراقي: مقدّم الحلق من أعلى الصّدر تترقى إليه النّفس عند الموت. وهناك تقع الحشرجة واحدته ترقوة. الراقي: طلب الشّفاء بأسماء الله الجليلة، وإما بكتابه العظيم. الفراق: بُعَادُ الإِلْفِ، وهو نقيض الوصال. معنى {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} اشّتد الأمر عند نزع النّفس حتى يلتفّ ساق على ساق عند تلك الحال، ويقول: قامت الحرب على ساق. وقيل: والتفّت السّاق بالسّاق شدّة أمر الآخرة بأمر الدّنيا. . عن ابن عباس ومجاهد.

وقال الضحّاك: أهل الدنيا يجهّزون الرّوح، وقيل: حال الموت بحال الحياة عن الحسن. وقيل: ساق الإنسان عند الموت. عن الشعبيّ. وقيل: التفاف السّاقين في الكفن. عن الحسن. وقيل: ساق الدّنيا بساق الآخرة، وهو شدة كرب الموت بشدة هول المطلع، وقيل: والتفّت السّاق بالسّاق شدّة أمر الدنيا بشدّة أمر الآخرة. من راق: أي طبيب شافٍ، وقيل: من الملائكة من يرقَى بروحه أملائكة الرّحمة أم ملائكة العذاب؟. وقيل {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} فراق الدّنيا والأهل والمال والولد. التّولي: الذّهاب بالوجه عن جهة الشّيء. التمطّي: تمدد البدن عن الكسل إما كسل مرض أو كسل تثاقل عن الأمر، والذم بكسل التثاقل عن الداعي إلى الحق.

ومعنى {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} أولى لك من تركه إلا أنه محذوف لكثرة في الكلام حتى صار بمنزلة الويل لك. وقيل: فلا صدّق بكتاب الله ولا صلّى لله ولكن كذّب به وتولى عن طاعته. عن قتادة. وقيل: تمطّى تبختر عن مجاهد، وقيل: نزلت في أبي جهل. وقيل الأصل في يتمطى يلوي مطاه والمطي الظهر. وقيل: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} وعيد على وعيد. عن قتادة. وقيل: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} الذم لك على الأول، والذم لك على الثاني والثالث، وكل ما عملته من خصال المعاصي. وقيل: أولى لك وَلْيَكَ الشّر يا أبا جهل، والأدب في الفعل هو اللاّحق. والحسبان: الاعتداء بالشيء فيما يغلب بقوته في النفس من قطع، وأصله العد وإذا عد الشيء فيما يعمل عليه فقد حسب. السدى: همل من غير أمر يؤخذ به ويكون فيه، تقويم له وإصلاح لما هو أعود عليه في عاقبة أمره فجعل منه.

قيل: من المني، وقيل: من الإنسان الذكر والأنثى، وقيل: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ختم السّورة قال: سبحانك بلى، عن قتادة. وقيل {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} أي لا يؤمر ولا ينهى وفي الآية دلالة على القياس العقلي وهو أن من قدر على إحياء الإنسان قدر على إحيائه بعد مماته. بالت اء على. تُمْنَ ى. بالياء ابن عامر وحف ص. وقرأ الباقون. يُمْنَى. قرأ النطفة، والأول على تذكير المني

سورة الإنسان

سورة الإنسان مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) } إلى آخر السورة فقال: ما معنى هل هاهنا؟ وما الإنسان؟ وما الدّهر؟ وما الأمشاج؟ وما معنى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} ومن المعني بالإنسان ها هنا؟ وما التفّجير؟ وما؟ . . معنى النَّذر؟ وما الوفاء؟ وما معنى: لوجه الله؟ وما الأسير؟ وما القمطرير؟ وما.. المستطير؟ وما الوقى؟ وما الشّر؟ وما السّرور؟ وما الأرائك؟ وما الأكواب؟ وكيف نوّن قوارير؟ وما التّقدير؟ وما الطّواف؟ وما السّلسبيل؟ وما معنى: مخلّدون؟ وما العلو؟ وما السّندس؟ وما التّحليه؟ ولم قيل شراباً طهوراً؟ وما الأصيل؟ وما السّجود؟ وما العاجلة؟ وما الأسر؟ وما التّذكرة؟ الجواب:

معنى {هل} هاهنا قيل: بمعنى قد أتى على الإنسان. وقيل: معناها: أأتى على الإنسان. والأغلب عليها الاستفهام، والأصل فيها معنى (قد) لتجري على نظائرها. الإنسان: هنا آدم، وقيل: هو على كل إنسان وقيل النّطفة: الماء القليل في إناء كان أو غير إناء. ومعنى الإنسان: حيوان منتصب القامة على صورة تنفصل من كل بهيمة. الدّهر: مرور اللّيل والنّهار، والفرق بين الدّهر والوقت أنّ الوقت يصير بجعل جاعل لأنّ الله تعالى جعل لكل صلاةٍ مفروضة ٍ وقتاً وجعل للصيام وقتاً، وقد يجعل الإنسان لنفسه وقتاً يدرس فيه ما يحتاج إلى درسه، ووقتاً مخصوصاً لغذائه. الأم شاج: الأخلاط واحدها مشج، وذلك أنّ الله تعالى جعل في النطفة أخلاطاً من الطّباع التي تكون في الإنسان من الحرارة والبرودة، والرطوبة. واليبوسة ثمّ عدَّلها له ثم بنى البنية المخصوصة المعدّلة الأخلاط، ثمّ جعل فيه

الحياة، ثمّ سوّاه السّمع والبصر، وقيل: أمشاج أخلاط ماء الرّجل وماء المرأة. عن ابن عباس. وقيل: أمشاج: أطوراً طوراً نطفة، وطوراً علقة، وطوراً مضغةً، وطوراً عظاماً إلى أن صار إنساناً، كأنه قيل: ليختبر في الاعتبار بهذه الأحوال. وقيل: أمشاج عروق النطفة. وقيل: ألوان النطفة. عن مجاهد. وقيل: كان مزاجها كافورا لما ينتج من ريحها لا من جهة طعمها. الكأس: إناء الشراب إذا كان فيه ولا يسمى كأسا إذا لم يكن فيه. قرأ {سَلَاسِلًا} منوّنة نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم وذلك لتشاكل ما. جاوره من رأس الآية، وقرأ الباقون بغير تنوين. التفجير: تشقّيق الأرض بجري الماء، ومنه انفجار الصبح وهو: انشقاق من الضّوء

النذر: عقد على فعل على جهة البرّ بوقوع أمر يخاف أن لا يقع. الوفاء: إمضاء العقد على الأمر الذي يدعوا إليه العقل. معنى لوجه الله: أي لله ذي الوجه والوجه صفته. و {عيناً} منصوب على البدل من {كافورا} ويجوز أن يكون ويشربون عيناً، ويجوز على الحال من {مزاجها} . وقيل: يشرب بها أي يشربها. وقيل: يفجّرونها تفجيراً يقودونها حيث شاءوا. عن مجاهد. المستطير: المنتشر بكونه فاشياً في الجهات. ويطعمون الطعام على شهوتهم له. عن مجاهد. وقيل: الأسير المأخوذ من أهل دار الحرب عن قتادة. وقيل: المحبوس عن مجاهد.

القمطرير: الشديد في الشر واقْمَطّر اليوم اقمطرار وذلك أشد الأيام وأطولها في البلاء والشدة. الوقى: جعل ما يمنع من الأذى وقاه يقيه وقايةً. الشر: ظهور الضّر. النضرة: البهجة وهي حسن اللّون في نعمه. السرور: لذةٌ في القلب بحسب متعلقه ما فيه النفع. الآرائك: جمع الأريكة وهي الحجلة سرير عليه شبه القبة، شوّق الله عز وجل لذلك الحال وهي غاية الرفاهية والإمتاع. وقيل: الآرائك الحجال فيها الأسِرّة. عن ابن عباس ومجاهد. الزمهرير: البرد الشديد. وقيل: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا} أشجارها. ونصب {دَانِيَةً} بالعطف على {متكئين} ، ويجوز فيه العطف على موضع {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا}

ويجوز على المدح كقولهم عند فلان جاريةً جميلةً وشابةً بعدُ طريةً {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} : إن قام ارتفعت بقدر وإن قعد نزلت له حتى ينالها وإن اضطجع تدلت حتى ينالها. عن مجاهد. وقيل: لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك. وقيل: الفضة في صفاء القوارير. عن ابن عباس. وقيل: الأكواب الأقداح. عن مجاهد. وقيل: إناء الشراب من غير عروة واحدها كوب. قرأ {قواريراً} بالتنوين فيهما نافع والكسائي، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {قوارير قوارير} بغير تنوين ولا ألف في الوقف حمزة وابن عامر. وقرأ {قواريراً} بالتنوين {قوارير} بغير تنوين ابن كثير، وقرأ بغير تنوين فيها إلا أنه يقف على الألف في الأول أبو عمرو.

وقيل: الأكواب الأباريق التي ليس لها خراطيم. وقيل: الأريكة كلما يتكئ عليها من سرير أو غيرها {قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} أي هي على مقدار ما يشتهون من غير زيادة ولا نقصان حتى تستوفي الكمال، ويجوز أن يكون قدّروها قبل مجيئها على صفة فجاءت على ما قدّروا جنسه لشبه التمني. التقدير: وضع المعنى على المقدار الذي يتخيل فيه المساواة للاعتبار. الطوف: الدور بالتنقل من واحد إلى آخر. السَّلسبيل: الشّراب السّهل اللّذيذ، وقيل: سلسبيل سَلِسُهُ تنقاد ماؤها حيث شاؤا، وقيل: حديدة الجرية. عن مجاهد. وقيل: سمي سلسبيل من لزوم الطيّب والإلذاذ بها؟ مخلدّون فيها: لا يموتون عن قتادة. وقيل: خلدّوا على هيئة الوصف فلا يشيبون أبدا. عن الحسن.

وقيل: سلسبيلاً هو اسم العين معرفة إلا أنه نون لأنه رأس آية. وقيل مخلدّون: مسوّرون بلغة حميّر كما قال بعض شعرائهم ومخلدّات باللجين كأنما ... أعجازهن أقاوز الكثبان وقيل: لؤلؤاً منثوراً من كثرتهم وحسنهم عن قتادة. والتقدير وإذا رأيت الأشياء ثم رأيت نعيماً. وقيل: من الملك الكبير استئذان الملائكة عليهم. عن سفيان. وقيل: أكواب من فضة في صفاء القوارير لا تمتنع الرؤيا والعرب تستطيب الزنجبيل جداً. العلو: الجهة المقابلة لجهة السفل. السندس: الديّباج الرقيق الفاخر. عن الحسن. الإستبرق: الديّباج الغليظ الذي له بريق أي يصرفون في فاخر اللباس كما يصرفون في لذيذ الطعام والشراب. قيل: شراباً طهوراً: أي ليس كشراب الدنيا الذي قد نجّسه الفساد الذي فيه ما يدعوا إليه من القبيح.

وقيل: شراباً طهوراً: لا يؤول إلى البول بل يخرج منهم كالعرق له ريح المسك. عن إبراهيم التيمي. {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} المعنى: النهي عن الجمع والتفريق كقولك لا تفعل بمعصية صغيرة أو كبيرة. والأصيل: العشي وهو أصل اللّيل. وقيل: تارةً يحلّون الذهب وتارةً الفضة ليجمعوا المحاسن. وقيل: {عَالِيَهُمْ} بالنصب على الظرف كقولك فوقهم عن الفرّاء. ويجوز أن يكون من ضمير الولدان في رأيتهم على الحال. قرأ {عاليْهِم} بتسكين الياء نافع وحمزة وعاصم في رواية أبان والمفضّل، وقرأ الباقون {عَالِيَهُمْ} بالنصب. وقرأ {خضرٌ وإستبرقٌ} جميعا بالرفع

نافع وحفص عن عاصم، وقرأ {خضرٍ وإستبرقٍ} جميعاً بالجر حمزة والكسائي، وقرأ {خضرٍ} جرًّا {وإستبرقٌ} رفعاً ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر. وقرأ {خضرٌ} رفعاً {وإستبرقٍ} جرًّا أبو عمرو وابن عامر. السجود: وضع الجبهة إلى الأرض للخضوع وأصله الانخفاض. العاجلة: المقدمة.

الأسر قيل: تعلّق بعض الشّر ببعض. وأصل الأسر: الشّد ومنه قتب مأسور أي مشدود. التذكرة: دلالة تخصبها المعنى للنفّس. وقيل: الأسر الخلق. عن ابن عباس. وقيل: الأسر المفاصل، عن أبي هريرة. وقيل: الأسر القوة. عن ابن زيد. وقيل: {ورائهم} أي: خلف ظهورهم العمل للآخرة. وقيل {ورائهم} : أمامهم الآخرة وكلاهما محتمل والأول أظهر. فمن شاء اتخذ إلى رضى ربه طريقاً بالعمل إلى طاعته والانتهاء عما نهى عنه نصب {والظالمين} لأنه عطف على جملة مبنية على الفعل وتقديره: عاقب الظالمين بإعداد العذاب الأليم. قرأ ابن كثير وأبو عمرو {وما يشاءون} بالياء وقرأ الباقون بالتاء.

صفحة فارغة

سورة المرسلات

سورة المرسلات مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) } إلى آخر السورة فقال: ما المرّسلات؟ وما العاصفات؟ وما النّاشرات؟ وما الفارقات؟ وما الملقيات؟ وما العذر؟ وما النّذر؟ وما الطّمس؟ وما النّسف؟ وما الواقع؟ وما التوقيت؟ وما التّأجيل؟ وما يوم الفصل؟ ولم خصّ الوعيد في الذّكر بالمكذّبين؟ وما وجه التأجيل بالموعود إلى يوم الفصل؟ وما الإهلاك؟ وما الكِفات؟ وما المهين؟ وما القدر؟ وما معنى: الشّامخات؟ وما الشّعب؟ وما الظّل؟ وما الفرات؟ وما الانطلاق؟ وما الظليل؟ وما الإغناء؟ وما اللهب؟ وما الشّرر؟ ولم شبه الشّرر بالقصر؟ وما معنى: جمالات؟ وما الإِذْن؟ وما الاعتذار؟ ولم جاز {هذا يوم لا ينطقون} وقد أخبر الله عنهم أنّهم قالوا {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} وما المتّقي؟ وما الإجرام؟ وما الرّكوع؟ وما وجه تكرير {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} . الجواب: المرّسلات: الرّياح عن ابن مسعود وابن عباس، وقيل: الملائكة عن

ابن مسعود، بخلاف العاصفات: الرّيح الشّديدة النّاشرات: هي الرّياح الّتي تنشر السّحاب للغيث. وقيل: هي الملائكة تنشر الكتب عن الله. وقيل: هي الأمطار عن أبي صالح لأنها تنشر النّبات. الفارقات: الّتي تفرق بين الحق والباطل. وقيل: هي الملائكة. عن ابن عبّاس. وقيل: هي آيات القرآن عن قتادة. والملقيات ذكرا: الملائكة. عن ابن عباس وقتادة. عرفاً: متتابعة كعرف الفرس. وقيل: معروفاً إرسالها وإرسال الرّياح إجراء بعضها في إثر بعض. وقيل: الرّياح تنشر السّحاب في الهواء. وجمعت هذه الأوصاف في الرّياح لاختلاف الفوائد فيها. عصوف الرّياح شدّة هبوبها.

وقيل: المرّسلات عرفاً الرسل ترسل بالمعروف. العاصفات عصفاً: الرّياح. النّاشرات: الأمطار كثيرة النّبات. الفارقات أي: القرآن. الملقيات ذكراً: الملائكة تلقي كتاب الله إلى الأنبياء. القدر: أمر في ظهوره نافع اللّوم. النّذر الإنذار وهو: الإعلام بموضع المخافة ليتقى. وقيل: إعذارا من الله وإنذاراً إلى خلقه ما ألقته الملائكة من الذكر إلى أنبيائه. الواقع: الحادث. وقيل: الحادث واقع تشبيها بالحائط الواقع لأنه من أبين الأشياء، ومعنى الحدوث والطمس: محو الآثار الدالة على الشيء، فالطمس على النجوم كالطمس على الكتاب لأنه يذهب نورها والعلامات التي كانت تعرف بها. النسف: تحريك الشيء بما يخرج ترابه وما اختلط به مما ليس منه،

ومنه سمي المنسف وقيل {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} بالتشّقيق والتصّديع، وقيل: نَسْفُ الجبال إِذهْابها حتى لا يبقى لها في الأرض أثر. وقال الحسن: عذراً يعتذر به إلى عباده، ويجوز نصب {عذراً أو نذراً} على وجهين: المفعول له أي للإعذار والإنذار، والمفعول به أي ذكرت العذر والنذر. وقيل: نسفت من أنسفت الشيء إذا أخذته بسرعة التوقيت: تقدير الوقت لوقوع الفعل، ولما كانت الرسل عليهم السلام قد قدّر إرسالها لأوقات معلومة كانت قد وقتت لتلك الأوقات. التأجيل: تأخير إلى أجل، والرسّل قد أجّلت بموعودها إلى يوم الفصل وهو: يوم القيامة يوم يفصل فيه بين حال الضّال والمهتدي بما يرى لأحدهما من الثّواب وللآخر من العقاب. خص الوعيد في الذّكر بالمكذّبين لأن التكذيب بالحق يتبعه كل شيء. التأجيل بالموعود إلى يوم الفصل تحديد الأمر للجزاء على جميع العباد فيه بوقوع الناس من الرد إلى دار التكليف إذ في تصور هذا ما يدعو إلى الطاعة ويزجر عن المعصية. وقيل: {أُقِّتَتْ} بالاحتجاج لوقتها يوم القيامة عن مجاهد. وقيل: يوم الفصل يوم فصل القضاء بالأخذ من الظّالم للمظّلوم. وقيل: من المكذّبين بيوم الفصل.

وقيل: {أُقِّتَتْ} أٌجّلَْت لوقت ثوابها وهو يوم الفصل. وقيل: {أُقِّتَتْ} جعل لها وقت لفصل القضاء بين الأمة. وقيل: أجّلت فيما بينها وبين أمّتها ليوم الفصل. قرأ أبو عمرو وحده {وُقِّتَتْ} بالواو، وقرأ الباقون {أُقِّتَتْ} . الإهلاك: الإبطال الأول الكائن قبل غيره. الأوّلين: الّذين تقدموا على أهل العصر الثاني. الإتباع: إلحاق الثاني بحال الأول الآخر الكائن بعد غيره. المهين: القليل الغناء، المهين والحقير والذليل نظائر. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} بهذه الأخبار التي بيّنها الله في هذه الآيات. وقيل: من ماء مهين ضعيف عن ابن عبّاس. وقيل: الأولون في الإهلاك قوم نوح وعاد وثمود، والآخرون قوم إبراهيم وقوم لوط وآل فرعون ومن معه من الجنود. {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ} بالرفع عطف على موضع (ألم) كأنه قيل: لكنا نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين.

القرار: المكان الذي يمكن أن يطول به مكث المنيِّ. القدر والمقدار، وهو خاصة التسوية من غير نقصان ولا زيادة كأنه قيل: إلى مقدار من الوقت معلوم، والقدر مصدر من قوله قدر يقدر قدراً وقدرا، أو هو بمعنى قدّر المشدّد إلا أن التشديد للتكثير. معنى {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} فقدرنا فنعم المقدّرون فيكون على معنى المشدّد من التقدير لأحوال النطفة في التنقل من حال إلى حال حتى صارت إلى حال الإنسان. الثاني: فقدرنا من القدرة فنعم القادرون على تقديره. الكفات: الضمام جعل الله الأرض للعباد تكفيهم أحياءً وأمواتاً تضمهم في الحالتين، والعرب تقول: قَدَرَ عليه الموت وقدّر بالتخفيف والتشديد، ومن قرأ قدّرنا بالتشديد فنعم القادرون فجمع بين اللغتين. وقيل كفاتاً: وعاءً وهذا كفته أي: وعاؤه. وقيل: ظهرها للأحياء وبطنها للأموات. عن الشّعبي ومجاهد. ونصب {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} على الحال ويجوز على المفعول به. قرأ نافع {فَقَدَّرْنَا} وقرأ الباقون {فَقَدَرْنَا} خفيفةً.

الشّامخات: العاليات. الشّعب: جمع شعبة، وهي القطعة البارزة من الشّيء. والظّل الكُنْ الذي يستر الشّمس وفسّر بظليل لأنّه لا يمنع المكروه عن أهله. الفرات: العذب من الماء، وبه سمّي النّهر العظيم يقال: ماء فرات وماء زلال وماء غدق. الانطلاق: الانتقال من مكان إلى مكان من غير مكثٍ. وقيل: ظل دخان أي: من جهنّم ينقسم ثلاث شعب عن مجاهد، وكقوله {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} من الدخّان الآخذ بالأنفاس. وقيل: شعب من النّار ثلاث شعب شعبة فوقه وشعبة عن

يمينه وشعبة عن شماله فتحيط به والظّليل: المنيع من الأذى يستره عنه، وهو مأخوذ من الظّلة وهي السترة. الإغناء: إيجاد الكفاية بما يكون وجود غيره وعدمه بمنزلة أغنى عنه، أي: كفى في الدّفع عنه. اللهب: ارتفاع الشّرر، الشّرر: قطع تتطاير من النّار في الجهات. شبّه الشّرر بالقصر لأنه بمنزلته في عظمته يتطاير على الكافر من كل جهة نعوذ بالله منه. وقيل: القصر واحد القصور من البنيان. عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: القصر أصول الشّجر واحدته قصر مثل جمرة وجمر، والعرب تشبّه الإبل بالقصور، والقصر في معنى الجمع إلا أنّه على طريق الجنس. وقيل: القصر هنا السّور عن الحسن، وإنّما ذلك لما يعتري سوادها من الصّفرة، وقيل: هي قلوس السّفن. عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير.

وقيل: قطع النّحاس. وجمالات جمع جمل كرجالات ورجل، ويجوز أن يكون جمع جمالة. قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {جِمَالَتٌ} بغير ألف واحدة، وقرأ الباقون {جِمَالَاتٌ} بألف مكسورة الجيم. الإذن: الإطلاق في الفعل. الاعتذار: الإنتفاء من خلاف المراد. الفصل: قطع تعلق الأمور بتوفية الحقوق، فهذا الفصل الذي هو فصل القضاء، وذلك على ظاهر الأمر وباطنة في الآخرة، فأما في الدنيا فهو على ظاهر الأمر لأن الحاكم لا يعرف الباطن الكيد: جعل ما يوجب الغيظ على عمد، وجاز هذا يوم لا ينطقون مع أنهم {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} لأن ذلك اليوم مواطن فموطن فيه

لا ينطقون لأنهم يتساءلون من هول ما يرون، وموطن يطلق فيه عن ألسنتهم فينطقون {فَيَعْتَذِرُونَ} ، رفع عطف على لا يؤذن لهم، وقد يجوز في مثله النصب على جواز النفي. وقيل: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} : إن كان لكم حيله تحتالونها في التخلّص من عقابي فاحتالوا. ويجوز {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} بالنصب على إنه لم يشر إلى اليوم ولكن إلى الجزاء في اليوم. المتقي: المجتنب القبائح بأضدادها من المحاسن. الظلال: الحجاب العالي المانع من الأذى. العيون: ينابيع الماء التي تجري في ظل الأشجار، وقيل: إنها جارية في غير أخدود لأن ذلك أمتع مما يرى من حسنه وصفاته على كنهه من غير ملابسة شيء لأن الله - عز وجل - قد شوّق إليه أشد التشويق ورغّب فيه أتمّ الترغيب. الفاكهة: ثمر الشّجر الذي من شأنه أن يؤكل للذة به. الشهوة: منازعة النّفس إلى ما فيه اللذّة. الهنيء: النفع الخالص من شائب الأذى. وقيل: في ظلال من قصور الجنّة وأشجارها.

التّمتع: الحصول في الأحوال التي تلذ. الإجرام بالذنوب. الركوع: الانخفاض بالخضوع. معنى {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) } أنه إذا أتاهم القرآن بأظهر البرهان فكفرو به فليس ممن يفلح بالإيمان. قيل لهم اركعوا ويجب عليكم الركوع بالخضوع لله فكذّبوا به، فقيل: يقال لهم في الآخرة كما قال {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) } . عن ابن عباس. وقيل: عنى بالركوع الصلاة. عن مجاهد. وقيل: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} ليس تكراراً في المعنى لأن معناه ويلٌ يومئذ للمكذّبين بما ذكر قبله، ثم قيل: القول الثاني والثالث والرابع إلى آخره على هذا المنهاج من أنه يلزم الويل بالتكذيب بالذي قبله على التفصيل لا على الإجمال من أنه لا يلزمه حتى يكذب بالجميع.

سورة عم يتساءلون

سورة عم يتساءلون مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) } إلى آخرها فقال: ما التساؤل؟ وما النبأ؟ وما السّؤال الّذي لا يجوز؟ وما النبأ العظيم؟ وما معنى: الاختلاف؟ وما السّبات؟ وما المهاد؟ وما الوتد؟ وما اللّباس؟ وما معنى: النّهار؟ وما المعاش؟ وما البناء؟ وما وجه جعلها سبع سماوات؟ وما الوهّاج؟ وما المعصرات؟ وما الثّجاج؟ وما الميقات؟ وما النفخ؟ وما الفوج؟ وما المرصاد؟ وما المآب؟ وما الأحقاب؟ وما الغسّاق؟ ولم قيل {لابثين فيها أحقاباً} ؟ وما الوفاق؟ وما الحساب؟ وما الجزاء؟ ولم جاء المصدر على فِعَال في كذبوا كذّاباً؟ وما وجه إحصاء الأشياء في كتاب؟ وما المفاز؟ وما الحدائق؟ وما الأتراب؟ وما الكواعب؟ وما الرّجاء؟ وما الصّواب؟ وما الخطاب؟ الجواب: التّساؤل: التّقابل بسؤال كل واحد من النفْسين الآخر، تساءلا تساؤلاً وسأله مسألةً، والسّؤال الإخبار.

النبأ: الخبر العظيم الشّأن، السّؤال الذي لا يجوز إذا كان لدفع الحق ونصرة الباطل. الاختلاف: ذهاب كل واحد من النفسين إلى نقيض ما ذهب إليه الآخر. معنى {كَلَّا} ردع وزجر أي: ارتدعوا ليس الأمر كما ظننتم. ستعلمون عاقبة أمركم وعائد الوبال عليكم. وقيل: يتساءلون عن النبأ العظيم: القرآن. عن مجاهد. وقيل: البعث بعد الموت. عن قتادة. {سَيَعْلَمُونَ} مصدّق به ومكذّب عن قتادة. وقيل: سيعلم الكافرون عاقبة تكذيبهم وسيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم عن الضحّاك. وقيل: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) } ما ينالهم يوم القيامة من العذاب {ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) } ما ينالهم في جهنّم من العذاب. وعمّ الأصل فيه عن ما حذفت الألف لاتصالها بحرف الجر حتَّى صارت كجزء منه لينبئ عن شدّة الاتصال، وأدغمت النّون في الميم لقربها منها من غير إخلال. المهاد: الوطء، وقيل: البساط. الوتد: جسم مهيئ لإمساك غيره.

اللّباس: غطاء ساتر مماس لما ستره {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} ذكوراً وإناثاً لما في ذلك الاستمتاع بالنّسل. والسّبات: قطع العمل للراحة، ومنه سبت أنفه إذا قطعه. وقيل: سباتاً: نعاساً في ابتدائه تطلب النفس الراحة به. النهار: اتساع الضياء المنبث في الآفاق. المعاش: التصرف للعيش، وفي جعل النهار تمكين من التصرف للمعاش. البناء: جعل الطابق الأعلى على الأدنى فالسّماء مبنية كهيئة القبّة مزينة بالكواكب المضيئة فسبحان من خلقها وبناها لعباده على هذه الصفة. جعلها سبع سماوات لما فيه من الاعتبار بمراتب الملائكة، وما في تصور الطبقات من عظم المقدور بهول تلك الأمور وما فيه من تمكين البناء حتى وقفت سماء فوق سماء فسبحان من يمسكها بقدرته وإرادته. الوهَّاج: الوقّ اد 1) وه والم شتعل ب النور العظيم، جع ل الشمس س راجاً للعالم يستضيء بها الخلائق. وقيل: وهَّاجا: منيرا متلألئاً عن قتادة. وقيل: المعصرات الرياح. عن ابن عباس ومجاهد، وكأنها تعصر السحاب، وقيل: هي تعصر السحاب ينحلب بالمطر. . عن ابن عباس،

وقيل: المعصرات السماوات عن الحسن. والأظهر أنه من السحاب الذي ينحلب بالمطر. الثجّاج: الدّفاع في انصبابه كثج دماء البُدْن. وقيل: الثجّاج المنصبّ المتتابع. عن ابن عباس. وقيل: الحب كل ما تضمنه كمام الزرع التي تحصد. النبات: الكلأ من الحشيش والزروع. {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} بساتين ملتفة الشجر يخرجها الله لعباده بالمطر. الميقات: منتهى المقدار المضروب لوقت حدوث أمر من الأمور. النفخ: إخراج ريح الجوف من الفم، ونفخ الرّوح للبدن يشبه بذلك لأنها تجري فيه كما يجري الريح في الشيء. الفوج: جماعة من جماعة، والأفواج جماعات من جماعات، فالناس يأتون على تلك الصّفة إلى دار تكاملو في أرض القيامة، وكل فريق يأتي مع شكله. والتقدير: ويخرج به شجر جنات ألفافا وهو جمع لف ولفيف. وقيل: بل واحدة لف يأتي مع بينها فلذلك جاؤا.

أفواجا أي: زمراً. وقيل: سقفت السماء فكانت كقطع الأبواب. وقيل: صار فيها طرق ولم يكن كذلك قبل. المرصاد: المعد لأمر على ارتقابه الوقوع فيه. وهو مفعال من الرصد. وقيل المعنى: ذات ارتفاع لأهلها تراصدهم بنكالها. المئاب: المرجع، فكأن المجرم قد كان بإجرامه فيها ثم رجع إليها. الأحقاب: الأزمان الكثيرة واحدها حقب من قوله - عز وجل - {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} وهو الدهر الطويل. الغسّاق: صديد أهل النار. وقيل {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) } ثم يعذبون بعد ذلك بضرب أخر كالزمهرير، ونحوه من أصناف العذاب. وقيل: الحقب سبعون ألف سنة. عن الحسن.

وقال أبو عبيدة: البرد هنا النوم. وقال الحسن: الجنة والنار مخلوقتان لأيام الستة قرأ حمزة {لَبِثِينَ فِيهَا} بغير ألف، وقرأ الباقون {لَابِثِينَ فِيهَا} . وقرأ حمزة والكسائي والمفضّل عن عاصم {غَسَّاقًا} بشدة، وقرأ الباقون. {غَسَاقًا} خفيف. الوفاق: الجاري على المقدار، فالجزاء وفاق لأنه جاري على مقدار الأعمال. الحساب: إظهار المقدار في الكمية.

الرجاء: التوقع لوقوع أمر يخاف أن لا يكون. جاء المصدر في كذّبوا كذِّاباً للمبالغة مع إجرائه على نظيره الذي يطرد ما قبل آخره ألف نحو الانطلاق والاقتدار، والمصدر الجاري على فعله التفعيل نحو التكذيب وخرج التفعيل عن النظير لما تضمن من معنى التكثير. وجه إحصاء الشيء في كتاب اعتبار الملك بموافقة ما يحدث لما تقدم به الإثبات مع أن تصور ذلك يقتضي الاستكثار من الخير. وقيل: وفاقاً وافق الجزاء أعمالهم وقيل: {لا يرجون حساباً} لا يخافون. عن الحسن. ونصب {كتاباً} لأن في {أحصيناه} معنى كتبناه. وقيل: {إلاّ عذاباً} لأن كل عذاب يأتي قبل الوقت الأول فهو زائد عليه. وقيل: كانوا لا يرجون ثواب حسنات. المفاز: وضع الفوز بخلوص الملاذ. وأصل الفوز: النجاة إلى حال السّلامة والسّرور. الحدائق: جمع الحديقة، وهي البستان المحوّط.

والأتراب: اللّدات الّتي يشاكل كل واحد مع لدّته، كأنه قيل هم على سن واحد. الكاعب: الجارية التي نهد ثديها. وقيل: كواعب نواهد. عن ابن عباس. أتراباً: في سن واحد. دهاقاً: ملأ بشدة الضغط الكأس ملآن مترعة ليس فيها فرجة ليستوفي حال اللّذة، وقيل: متتابعة على شاربها. اللّغو: كلام لا فائدة فيه. الكذّاب: تكذيب بعض لبعض. الكأس: إناء الخمر الذي يشرب فيه. من قرأ {كِذَابًا} مخففة فهو على مصدر كاذبةً كذّاباً ومكاذبة، وقرأ الكسائي وحده {لَغْوًا وَلَا كِذَابًا} خفيفة، وقرأ الباقون {كِذَّابًا} .

الجزاء: إعطاء المستحق بعمل الطّاعة أو المعصية. معنى {عطاءاً حساباً} أي: بحساب العمل كل واحد على مرتبته من النبييّن والصديقين والشهداء والصّالحين، ثمّ سائر أصناف المؤمنين، وعند الله المزيد من النّعيم. معنى {لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} لا يملكون أن يسئلوا إلاّ فيما أذن فيه. الصواب موافقة الغرض. الخطاب: توجيه الكلام إلى مدرك له. وقيل: الروح جبريل عن الضحّاك. وقيل: ملك من أعظم الملائكة خلقاً. وقيل: أرواح بنوا آدم. عن الحسن. وقيل: أرواح بنوا آدم مع

الملائكة فيما بين النفختين. وقيل: درّ الأرواح إلى الأجساد. عن ابن عباس. مآباً: مفعل من آب يؤوب أوباً. وقال سفيان معناه: مرجعاً. عطاءاً حساباً: كافياً من قولهم أعطاني ما أحسبني أي كفاني وحسبك أي: اكتف به، وحسبي الله أي: كافيني الله. {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} في التّمسك بطاعته. قرأ { (رَبُّ) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا (الرَّحْمَنُ) } رفع جميعاً ابن كثير ونافع وأبو عمرو. وقرأ حمزة والكسائي {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا (الرَّحْمَنُ) } رفعاً. وقرأ عاصم وابن عامر { (رَبِّ) السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا (الرَّحْمَنِ) } . بالكسر.

سورة النازعات

سورة النازعات مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) } إلى آخرها فقال: لم جاز نهي العباد عن القسم لغير الله ويقسم هو بغيره؟ وما النّازعات؟ وما النّاشطات؟ وما السّابحات؟ وما السّابقات؟ وما المدّبرات؟ وما الرّجف؟ وما الرّادفة؟ وما الواجفة؟ وما الحافرة؟ وما الخاشعة؟ وما العظام النخرة؟ وما الكرَّة الخاسرة؟ وما الزجرة؟ وما النداء؟ وما الطغيان؟ وما التزكي؟ وما الهداية؟ وما الخشية؟ وما طوى؟ وما السعي؟ وما الحشر؟ وما النكال؟ وما العبرة؟ وما السَّمْك؟ وما التسوية؟ وما معنى: المرعى؟ وما وجه العبرة في الأرض؟ وما الإرساء؟ وما الطَّامة؟ وما معنى: بُرزت؟ وما الطغيان؟ وما الإيثار؟ وما الهوى؟ وما الجنة؟ وما معنى: أيان؟ وما معنى: مرساها؟ وما المنتهى؟ ولم خص الإنذار لمن يخشى وهو منذر من لا يخشى أيضاً؟. الجواب: إن بعض أهل النظر قال: إن القسم بربّ هذه الأشياء كأنه قيل: وربِّ النازعات غرقاً، وقيل: أيضا أقسم الله بذلك للتنبيه على موقع العبرة فيه إذ القسم يدل على عظم شأن المقسم به، وجاز أن ينهى عباده عن ذلك لما له أن يتعبَّد بما شاء.

النّازعات: الجاذبات الشيء من أعماق ماهو فيه، وقيل: هي الملائكة تنزع الأرواح من الأبدان. عن ابن عباس وابن مسعود. وقيل: هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق. عن الحسن وقتادة. وقيل: القسّي تنزع بالسهم. وقيل: النفوس أي تنزع بالخروج من البدن عن السّدي. غرقا: إغراقا أي إبعاداً في النزع. الناشطات: الجاريات بالنشاط من بلد إلى بلد تعيد الأمطار. وقيل: هي الملائكة تنشط بأمر الله إلى حيث كان. عن ابن عباس. وقيل: هي النجوم أي تنشط من المشرق إلى المغرب. وقيل: هي الوحش تنشط من بلد إلى بلد. عن عطاء. السّابحات: المارات تغوص معظمها في الماء. وقيل: السابحات: الملائكة لأنها تسبح في نزولها بأمر الله كما يقال للفرس الجواد إنه لسابح إذا مر

يسرع. عن مجاهد. وقيل: هي النجوم عن قتادة أي تسبح في فلكها. وقيل: هي السفن. عن عطاء. السّابقات: الكائنات قبل غيرها. وقيل: هي الملائكة. عن مجاهد لأنها سبقت إلى طاعة الله. وقيل: الخيل السابقة عن عطاء. وقيل: النجوم. عن قتادة أي تسبق بعضها في السير. المدبرات: المجريات للشيء على أحكام عاقبته. وقيل: هي الملائكة أي: تدبر الأشياء بأمر الله. عن ابن عباس وقتادة. وقيل: تدبير الملائكة فيما وكلت به من الرياح والأمطار ونحو ذلك من الأمور. وجواب القسم محذوف كأنه قيل لتبعثن للجزاء والحساب. الرجف: حركة الشيء من تحت غيره بترديد واضطراب منه. الرجفة: الزعزعة الشديدة. وقيل: الأرض مع الجبال. الرادفة: الكائنة بعد الأول في موضع الردف من الراكب.

الواجفة: الكائنة على الانزعاج. الحافرة: الكائنة على حفر أول الكرّة، يقال: رجع في حافرته إذا رجع من حيث جاء، وذلك كرجوع القهقري فردوا في الحافرة أي ردوا كما كانوا أول مرة. الخاشعة: الكائنة على الخضوع والذلة. وقيل: هما نفختان الأولى تميت الأحياء والثانية تحي الموتى بإذن الله. عن الحسن. وقيل: واجفة خائفة. عن ابن عباس. وقيل: الحافرة الحياة الفانية. عن ابن عباس والسدي، وقيل: الحافرة: الأرض المحفورة أي نرد في قبورنا بعد موتنا أحياءا. وقيل: يقول المشركون من منكري البعث أئِنا لمرددون بعد الموت. وقيل: حافرة بمعنى محفورة. مثل ماء دافق بمعنى مدفوق.

قرأ {نَاخِرَةً} حمزة والكسائي بخلاف عنه وأبو بكر عن عاصم وقرأ الباقون {نَخِرَةً} وهي البالية بما حدث فيها من التغيير. الكرّة: المرّة من المرّ وهي الواحد من الكرّ. الخاسر: الذاهب رأس ماله فتلك الكرّة كأنه قد ذهب رأس المال منها. وكأنهم قالوا: هو كالخسران بذهاب رأس المال فلا يجيء منه تجارة فكذلك لا يجيء بتلك الكرة حياة. الزجرة: الصيحة الهائلة ليكون أمر من الأمور. والزجر: الصوت الصارف عن الشيء. الزجرة: النفخة في الصور. الساهرة: الكائنة على مثل حال المتيقظ في أنها مهيأة لما يرد عليها وهي أرض القيامة. وقيل: ناخرة: مجوفة بنخر الرياح فيها بالمرور في جوفها. وقيل: هما سواء مثل باخل وبخل. وقيل: نخرة: بالية موجوفة بالبلاء.

وقيل: العرب تسمي وجه الأرض والفلاء ساهرة أي: ذات سهر لأنه يسهر فيها خوفا منها. وقيل: الساهرة وجه الأرض. عن الحسن. وقيل {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) } على بما يَعِدُنا من العذاب. وقيل: خاسرة: كاذبة ليست بكائنة. عن الحسن. وقيل بالساهرة: أي: من بطن الأرض إلى ظهرها. النداء: الدعاء بمد الصوت. الطغيان: مجاوزة الحد بالاستعلاء بالفساد. التزكي: طلب الطالب أن يصير زاكيا. الهداية: الدلالة على طريق الرشد من الغي. الخشية: توقع المضرة من غير قطع بها لا محالة. المقدّس: المطهر. وقيل: طوى وادٍ. عن مجاهد. وقرأ الحسن طِوى بكسر الطاء وقال طوى بالبركة والتقديس مرتين.

وقيل {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى} عصاه ويده. عن الحسن ومجاهد. وفي الكلام محذوف فأتاه فدعاه وأراه الآية الكبرى. طوى: اسم غير مصروف لأنه اسم البقعة من الوادي معرفة. ويجوز أن يكون معدولا من طاوي. قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {طوى اذهب} غير منونة، وقرأ الباقون {طوىً اذهب} منونة. قرأ ابن كثير ونافع {تَزَّكَّى} مشددة الزاي وقرأ الباقون {تَزَكَّى} خفيفة. الأدبار: تولية الدبر ولَّى فرعون الدبر ليطلب ما يكسر به حجة موسى في الآية الكبرى فلم يزدد إلا جهلاً. السعي: الإسراع في المشي. الحشر: الجمع من كل جهة.

الأعلى: المختص بعلو معنى صفته على غيره مما لا يناله بكيد وينال هو به، كأنه قال: أنا الذي أنال بالضر من شئت ولا ينالني غيري. وكذب لعنه الله لأن هذه صفة الذي خلقه وخلق جميع العباد. النكال: عقاب ينكل به عن الإقدام على سببه بشدته، وكان نداؤه أن قال يا معشر الناس أنا ربكم الأعلى أي: نادى بهذا، وقيل: كلمته الأولى قوله {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} والأخرى قوله {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} عن ابن عباس ومجاهد. وقيل عذاب الآخرة. عن الحسن. العبرة: الدلالة التي يعبر بها الحق حتى يدركه. العسر والشدة قوة القتل لصعوبة الحد، كأنه قيل: أنتم أقوى أمرا بصغر حالكم أم السماء في عظم جرمها وشأنها في وقوفها وسائر نجومها. السمك: ذهاب الجسم بالتأليف في جهة العلو، وهو مقابل للعمق.

التسوية: جعل أحد الشيئين على مقدار الآخر في نفسه أو معنى حكمه. {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أي: أظلم ليلها. عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: ليلها فأضاف الظّلام إلى السّماء لأنه منها ينشئ الضّياء بغروب الشّمس وطلوعها على ما دبّر بها. {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} نورها. عن مجاهد والضّحاك. {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ} أي: مع ذلك. عن مجاهد والسدي، كقوله - عز وجل - {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) } . وقيل: إنّه دحى الأرض بعد السّماء وإن كان خلق الأرض قبل. عن ابن عباس. ودحاها: بسطها. المرعى: النّبات الذي يصلح أن ترعاه الماشية فهي ترعاه بأن تأكله في موضعه. وجه العبرة في الأرض أنّها ثقيلة ومن شأن الثقيل أن يذهب سفلاً وهي واقفة بإمساك الله عز وجل وهي واقفة على الماء، ومن شأن الماء أن يجري في أخدود وهو واقف بإمساك الله، فدل على أنّه ممن لا يشبه الأشياء ولا شبهه إلى غير ذلك من الأمور التي تختصّ الأرض من المنافع العظيمة.

الإرساء: الإثبات بالثقل، والسّفينة ترسوا أي: تثبت بثقلها فلا تزول. الطّامة: الغاشية الغليظة التي تدفن الشيء بالغلظ والكثرة. والطّامة الغامرة الهائلة. وقيل: متاعاً أي: بأصول لباس القطن والكتّان والثمّار والطّعام لبني آدم والأنعام. وقيل: الطاّمة النفخة الثانية. عن الحسن. ويقال: هي تطم على كل شيء وتطم. قوله سبحانه {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} التبريز: إظهار الشيء مثل التكشيف الذي يقضي إليه بالإحساس. الطغيان: العدوان لمجاوزة الحد فيه إلى الإفراط. الإيثار: إرادة الشيء على جهة التفضيل له على غيره ومثله الاختيار. الهوى: أريحية في النفس تدعوا إلى ما لا يجوز، وذلك إن اتباع الهوى مذموم، وليس يجوز لأحد أن يعمل شيئاً لداعي الهوى. {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ} : مسألة ربه عما يجب عليه فإن الجنة هي مأواه. الألف واللام بدل من الضمير وهو شبيه بقولهم: مررت برجل حسن الوجه أي حسنٌ وجهه.

الجنّة: البستان الذي تحته الشجر يقال إن قصورها مبنية تفاخر الجواهر من الياقوت والزمرد ومنه ما هو لبنة من فضة ولبنة من ذهب، فتعظيم الله لها وتشويقه إليها يدل على أنها على حال تشتهي فيها مع أنه غير مستعظم في مقدور الله. معنى أيان: معنى متى إلا أن متى أكثر استخداما في السؤال عن الزمان. معنى مرساها: قيامها لينبه على ما يصف من شأنها. وأصل الإرساء: الثبوت. المنتهى: موضع بلوغ الشيء، كأنه قيل: إلى ربك منتهى أمرها بإقامتها، لأن مبتدأ أمرها بإقامتها إلى الله لأنه لا يقدر عليه إلا هو. خص الإنذار بمن يخشى لأنه لما كان من يخشى منتفع بالإنذار دون من لا يخشى لم يعتد بإنذار من لا يخشى وصار كأنه غير منذر له لأنه لا ينتفع به. وقيل {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} علمها أي: لا يعلم إلا هو متى قيامها. عن الحسن. وقيل: صغرت الدنيا في أعين القوم حين رأوا الآخرة. عن قتادة. وقيل {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} أي: أنه ليس عندك علم أنها تكون. عن الحسن. وقيل: هي حكاية قولهم: قد أكثرت من ذكرها فمتى تكون؟

وكلهم قرأ {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ} بغير تنوين إلا أبا عمرو وفي رواية أنه ابن عباس فإنه نوَّن {مُنْذِرٌ مَنْ} .

سورة عبس

سورة عبس مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) } إلى آخرها فقال: ما العبوس؟ وما التولي؟ وما معنى: تزكي؟ وما التذكر؟ وما الاستغناء؟ وما التصدي؟ وما السعي؟ وما التلهي عن الشيء؟ ولم كان التطهر من الذنوب تزكياً؟ ولم ألزمت المؤمن الخشية؟ وما التذكرة؟ وما الفرق ب ين التذكرة والمعرفة؟ وما الكرام؟ وما السّفرة؟ وما معنى: كلا؟ وما الكريم؟ وما البر؟ وما معنى: قُتل الإنسان؟ وما التقدير؟ وما معنى: ثم السبيل يسره؟ وما الإماتة؟ وما الإقبار؟ وما الإنشار؟ وما معنى: لما يقضي ما أمره؟ وما معنى: صببنا الماء صباً؟ وما الإنبات؟ وما معنى: الحب؟ وما القضب؟ وما الحديقة؟ وما الآب؟ وما المتاع؟ وما الأنعام؟ وما الصّاخة؟ وما الصاحبة؟ وما الشأن؟ وما معنى: يغنيه؟ وما الإسفار؟ وما الغبرة؟

الجواب: العبوس: تقبيض الوجه عن تكره، ونظيره البسور والتقطيب. التولي: الذهاب بالوجه عن الشيء لأنه صرفه عن أن يليه. تزكى: يتزكى بالعمل الصالح إلا أن التاء أدغمت في الزاي. التذكر: طلب الذكر بالفكر، وقد حض الله على التذكير في غير موضع من القرآن فقال {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) } وقال {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} فينبغي للإنسان أن يستكثر من ذكر ما يدعو إلى الحق ويصرف عن الباطل. الاستغناء: الاكتفاء بالأمر فيما يتقي الضرر. وقيل: كان الأعمى عبد الله ابن أم مكتوم. عن ابن عباس ومجاهد. قرأ عاصم وحده {فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} بالنصب على جواب لعل، وقرأ الباقون بالرفع في {فَتَنْفَعَهُ} .

التّصدي: المعرض المسيء كتعريض العطشان للماء، وأصله الصدى: العطش. السّعي: الإسراع في المشي. التّلهي عن الشيء: التروّح بالإعراض عنه، والتلهي التروح بالإقبال عليه، ومنه إذا استأثر الله بشيء قال عنه أي: أتركه وأعرض عنه، ولهيت عن الشيء إذا تشاغلت عنه. والتطهر من الذنوب التزكي لأن أصل التزكي النماء لزم المؤمن الخشية للتجدد من الخطيئة المؤدية إلى عقاب الله إلى أن يصير إلى الجنة فيرفع عنه كل مخافة. وقيل: نزلت في عتبة بن ربيعة عن مجاهد، وقيل: نزلت في العباس عن سفيان. ومن قرأ. {تَصَدْى} خفيفة فهو على حذف التاء ومن قرأ {تَصَّدَّى} مشددة الصاد فهو على الإدغام. قرأ ابن كثير ونافع {تَصَّدَّى} مشددة الصاد. وقرأ الباقون {تَصَدَّى} خفيفة.

وقرأ ابن كثير في رواية ابن أبي بزّة {عَنْهو تَّلهَّى} بإدغام [الواو وهي صلةٌ لهاءِ الكناية في التاءِ مع تشديدِها] (1) . وقرأ الباقون بالتخفيف. التّذكرة: حضور الموعظة باجتلاب الفكرة على ما يدعو إليه من الصّلاح وتزجر عنه من الفساد. والفرق بين التّذكرة والمعرفة أنّ التذكرة ضد الغفلة وهو طريق إلى العلم بالحق غيره من الباطل، والصحيح من الفاسد. ويضادها الغفلة، والمعرفة تضاد الجهالة والشك فكلاهما متعاقبان على حال الذكر دون السهو. المكرّم: المعظّم بماله من الجلالة على حسب منزلته في شدة الحاجة. وصفت الصحف بأنها مكرّمة لعظمها بما تضمنت من الحكمة. السّفرة: الكتبة لأسفار الحكمة، واحدهم سافر كقولك: كاتب وكَتَبَة، وأصله الكشف عن الأمر. وقيل: كلا إن السورة تذكرة فمن شاء ذكره التنزيل. وقيل: كلا: أي: ليس الأمر ينبغي أن يكون على هذا. وقيل: السفرة هم الملائكة. عن ابن عباس. والقراء. عن قتادة. وقيل: الملائكة الذين يسفرون بالوحي بين الله ورسله، وسفير القوم الذي يسفر بينهم في الصلح، وسفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم. وقيل: قد دلّ

_ (1) ما بين المعقوفتين زيادة بالمعنى من الدر المصون. والعبارة في النص المحقق هكذا "إدغام التاء في اللام" والصواب ما أثبتناه. قال العلامة السمين - رحمه الله - ما نصه: قوله: {تلهى} : أًصلُه تَتَلَهَّى مِنْ لَهِيَ يَلْهى بكذا، أي: اشتغل، وليس هو من اللهوِ في شيءٍ. وقال الشيخ: «ويمكنُ أن يكونَ منه؛ لأنَّ ما يُبْنى على فَعِل من ذواتِ الواو تَنْقَلِبُ واوه ياءً لانكسارِ ما قبلَها نحو: شَقِي يَشْقى. فإن كان مصدرُه جاء بالياءِ فيكونُ مِنْ مادةٍ غيرِ مادةِ اللهو» . قلت: الناسُ إنما لم يَجْعلوه من اللهو لأَجْلِ أنه مُسْنَدٌ إلى ضمير النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يَليق بمَنْصِبه الكريم أَنْ يَنْسُبَ اللَّهُ تعالى إليه التفعُّلَ من اللهو بخِلاف الاشتغال، فإنه يجوزُ أَنْ يَصْدُرَ منه في بعض الأحيان، ولا ينبغي أَنْ يُعْتَقَدَ غيرُ هذا، وإنما سَقَط الشيخ. وقرأ ابن كثير في روايةِ البزِّي عنه «عَنْهو تَّلهَّى» بواوٍ هي صلةٌ لهاءِ الكناية وتشديدِ التاءِ، والأصل تَتَلَهَّى فأدغم، وجاز الجَمْعُ بين ساكنَيْن لوجود حرفِ علةٍ وإدغامٍ، وليس لهذه الآيةِ نظيرٌ: وهو أنه إذا لقي صلةَ هاءِ الكناية ساكنٌ آخرُ ثَبَتَتِ الصلةُ بل يجبُ الحَذْفُ. وقرأ أبو جعفر «تُلَهَّى» بضم التاء مبنياً للمفعولِ، أي: يُلْهِيْكَ شأنُ الصَّناديد. وقرأ طلحة «تَتَلَهَّى» بتاءَيْن وهي الأصلُ، وعنه بتاءٍ واحدةٍ وسكونِ اللام. ا. هـ {الدر الدر المصون} .

كلاّ على أنّه ليس له أن يفعل ذلك فيما يستأنف، فأما الماضي فلم يدل على أنّه معصية لأنه لم يتقدم معنى النهي. مطهّرة: مصونة عن أن ينالها أيدي الكفار الأنجاس. وقيل: مطهرة من كل دنس. عن الحسن. وقيل: سفرة ملائكة موكلون بالأسفار من كتب الله عز وجل. الكريم: وهو الذي من شأنه أن يأتي بالخير مهيأ من غير شائب يكدّره وهي صفة مدح وتعظيم. البرّ: فعل النفع على اختلاف الود والبارّ فاعل البر، وأصله: اتساع النفع. معنى {قُتِلَ الْإِنْسَانُ} حل محل من يدعي عليه بالقتل في ماله بقبح الفعل فيخرجه مخرج الدعاء عليه. التقدير: جعل الشيء على مقدار غيره، فلما كان الإنسان قد جعل على مقدار ما تقتضيه الحكمة في أمره من غير زيادة ولا نقصان كان قد قدّر أحسن التقدير، ودبّر أحسن التدّبير.

معنى {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} أي: مكّنه من سلوك طريق الخير والشر. وقيل: معناه خروجه من بطن أمه. عن ابن عباس وقتادة والسدي. وقيل: طريق الخير والشر. عن مجاهد كقوله {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) } . وفي يسَّره: بصَّره طريق الهدى من الضلالة. وقيل: قتل الإنسان بمنزلة لُعِن، وهو الكافر عن مجاهد. و {ما} تحتمل التعجّب وتحتمل أي: الإماتة إحداث الموت. والموت عرض يضاد الحياة. الإقبار: جعل القبر لدفن الميت فيه. الإنشار: الإحياء للتصرف بعد الموت كنشر الثوب بعد الطي. {لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} أي: لما يقضي ما عليه مما أمره الله به، لأنه قد أمره بأشياء وأوجبها عليه فلم يفعلها من إخلاص عبادته وشكره. وقيل: المقبِر: هو الله - عز وجل - بأمره عباده بأن يقبروا الإنسان بعد وفاته، والقابر: الدافن الميت بيده. {صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا} أنزلنا الغيث إنزالاً.

قرأ {أَنَّا صَبَبْنَا} بفتح الألف حمزة والكسائي وعاصم، وقرأ الباقون {إِنَّا صَبَبْنَا} بالكسر على الاستئناف، والأول على البدل من طعامه ويصلح على خبر ابتداء محذوف. الإنبات: إخراج النامي حالاً بعد حال. القضب: الرطب، وأصله: مما يقطع رطبا. الحديقة: البستان المحوّط، ومنه أحدق به القوم إذا أحاطوا به. الغلب: جمع أغلب، وهي الغلاظ يقال: شجرة غلبا إذا كانت غليظة. الصدع والشق والفرج والفطر نظائر. ذكر الزيتون لعظم النفع بالزيت الذي يكون منه، مع ماله في نفسه من اللذة لآكله. الآب: المرعى من الحشيش وسائر النبات الذي ترعاه الأنعام والدواب. أبا إلى سيفه فاستله كقولك: هب إليه وبدر إليه، فيكون كبدور المرعى بالخروج. المتاع: كل شيء فيه إلذاذ الإمساس من كل مأكل أو مبصر أو ملمس.

الأنعام: الماشية بنعمة المشي من الإبل والبقر والغنم، وذلك خلاف لشدة وطأه بحافره من الخيل والبغال والحمير الصاخّة: الصائحة بشدة صوتها. وقيل: هي القيامة، قيل: النفخة الثانية التي يحيا عندها الناس. وقيل: هي التي تصخ لها الخلق وهي النفخة الثانية وقيل: الأب الكلأ والمرعى كله. الصاحبة: الزوجة التي كانت في الدنيا مصاحبة. الشأن: الأمر العظيم، وأصله: الواحد من شؤون الرأس وهو موضع الوصل من متقابلاته التي بها قوام أمره. معنى {شَأْنٌ يُغْنِيهِ} يكفيه من زيادة عليه أي ليس فيه فضل لغيره لما هو فيه. الإسفار: الكشف عن ضياء من قولهم: أسفر الصبح إذا أضاء.

وقيل: يفر من هؤلاء حذرا من مظلمة تكون عليه. وقيل: لئلا يرى ما ينزل به من العذاب. وقيل: هجرانه لعظم ما هو فيه. وقيل: لأنه لا يمكن أن ينفعه بشيء ولا ينتفع به. القترة: ظلمة الدخان. ترهقها: تغشاها.

سورة إذا الشمس كورت

سورة إذا الشمس كورت مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) } إلى آخرها فقال: ما التكوير؟ وما النجم؟ وما الانكدار؟ وما العشار؟ وما الموؤدة؟ ولم سئلت الموؤدة بأي ذنب قتلت؟ وما الكشط؟ وما التسيير؟ وما الإزلاف؟ وما النشر؟ وما الخنّس؟ وما الجواري؟ وما الكنّس؟ وما التنفس؟ وما المجنون؟ وما الأفق؟ وما الأمين؟ . وما الذكر؟ الجواب:

التكّوير: تلفيف على جهة الاستدارة، ومنه كورة العمامة، ومنه الكّارة فالشّمس تكور بأن يجمع نورها حتى يصير كالكارة الملقاة فيذهب ضوئها ويجدد الله للعباد ضياءاً غيرها. النّجم: الشخص الطالع على صورة الذّرة في السّماء، وجمعه نجوم الانكدار: انقلاب الشيء حتى يصير الأعلى لأسفل بما لو كان ماء لتكدر، وقيل: أصل الانكدار الانصباب. وقيل: انكدرت تناثرت. عن مجاهد والرّبيع بن خُثَيم. العشار: النوق التي أتى عليها عشرة أشهر من حملها واحدها عُشَرَاء. وكانوا يتنافسون فيها وقد أهملت. {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} أي: تغيّرت الأمور حتى صارت الوحوش التي تشرد تجتمع مع النّاس. {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} ذهب نورها. عن ابن عباس وأبي ابن كعب. وقيل وقال الربيع بن خثيم: رمى بها. وقيل: تسيّر الجبال: تصييرها هباءاً وسراباً.

وقيل {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} ماتت حشرها موتها. عن ابن عباس. معنى: سجرت: ملئت ناراً كما تسجّر التنّور. الموؤودة: المقتولة بدفنها حية، وكانت العرب تئد البنات خوف الإملاق، يقال: وأدها يأدها وأداً، وهي موؤدةٌ أي: مدفونة حية. سئلت {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} وذلك سؤال توبيخ لقاتلها، وهو أبلغ من سؤاله لأن هذا مما لا يصلح إلاّ بذنب بأي ذنب كان فإذا ظهر أنه لا ذنب لها رجع الأمر إلى قاتلها. النشر: بسط المطوي. وقيل: سجرت أوقدت فصارت ناراً. عن ابن عباس. وقيل: ملئت حتى فاضت على الأرضيين فنسفها حتى تكون لجج البحار ورؤوس الجبال بمنزلة واحدة عن الحسن والضحّاك.

{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} قَرْنُ كل إنسان بشكله من أهل الجنّة أو أهل النّار عن عمر بن الخطّاب، وابن عباس. وقيل: زوّجت رُدّت الأرواح إلى الأجساد. عن عكرمة والشعبي. وقيل: سألت قتلتها بأي ذنب قتلت، فالكناية عنها أظهر وقيل: زوّجت أي: يُقْرَنُ الغاوي عن إغوائه من شيطان أو إنسان وقيل: سجرت جعل ماؤها شراباً يعذب به أهل النّار. قرأ ابن كثير وأبو عمرو {سُجِرَت} . خفيفة. وقرأ الباقون {سُجِّرَتْ} مشددة. وقرأ {نُشّرَت} مشددة.

الكشط: القلع عن شدة الفراق كَشَطَ جلدة الرأس يكشطها كشطاً إذا قلعها، فقلع السّماء عن مكانها على شدة وثاقاها في اعتمادها كقلع جلدة الرأس عن مكانها. التسعير: تهييج النّار حتى تتأجج. الإزلاف: إدناء ما تحب، ومنه الزلفة القربة مما تحب. {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} أي: عند ظهور الجزاء عليه، وقد كان غافلاً عنه. وهو كقوله عز وجل {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} الخنّس: جمع خانس، وهو الغائب على طلوع، خُنِست الوحشية في الكنّاس، إذا غابت فيه بعد طلوع. {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} جواب {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} وما بعده. وقيل: الخنّس: النجوم. عن علي والحسن.

وقيل: تخنس بالنّهار وتبدوا بالّليل. قيل: تخنس في مغيبها بعد طلوعها. وقيل: هي بقر الوحش. عن ابن مسعود وإبراهيم. وقيل: هي الظباء. عن ابن عباس وسعيد بن جبير. وقيل {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} قُرّبت من أهلها يوم القيامة. وقيل: القسم بالنّجوم الخمسة بهرام وزحل والمشتري وعطارد والزهرة. قرأ {سُعِّرَتْ} مشددة نافع وابن عامر وحفص عن عاصم. وقرأ الباقون {سُعِرَتْ} خفيفة.

الجواري: النّجوم التي تجري في مسيرها ثم تغيب في مغاربها على ما دبّر الله فيها. الكنّس: جمع كانس، وهي الغيب في مثل الكنّاس، وهو كنّاس الوحشية، وهو بيت تتخذه من الشجرة تختفي فيه. معنى {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} قيل: أدبر بظلامه عن عليٍّ وابن عباس. وقيل: أقبل بظلامه عن الحسن ومجاهد. وقيل {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} دنى من أوله وأظلم، والعسّ: طلب الشّيء بالّليل. التنفس: امتداد هواء الجوف بالخروج من الفم والأنف يقال: تنفّس الصعداء. تنفس الصّبح امتد ضوءه وتنفّس النّهار إذا امتد بطوله. قال الحسن {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} أظلم. {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} إذا أسفر. {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} جبريل. عن الحسن وقتادة. ويجوز أن يعني به محمد - صلى الله عليه وسلم - أتى به من عند الله. و {ذي قوة} على أمر الله.

وقيل: ذي قوة في نفسه فمن قوته قَلبه قريات لوط بقوام جناحه عليهما السّلام. الأمين: الحقيق بأن يؤتمن من حيث لا يكذب، ولا يجور ويعمل بالحق في الأمور، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل المبعث يدعى الأمين المطاع إن من إطاعة أهل الحق كان فيه إجلالاً من وجهين: أحدهما: أنهم أطاعوه لأنه هداهم إلى الرّشد. والآخر: أن الآمر أجل من المأمور وأيضاً فإنه يرجى ويتقى لكثرة المطيعين. المجنون: المغطى على عقله حتى لا يدرك الأمور على ما هي به للآفة الغامرة له. الأفق: ناحية من السّماء يقال: هو كالنجم في الأفق، وفلان ينظر في أفق السّماء. معنى {بِظَنِينٍ} بمتهم أي: ليس ممن ينبغي أن تظن به الرّيبة لأن أحواله ناطقة بالصدّق. ومن قرأ {بِضَنِينٍ} بالضاد فالمعنى ما هو على الغيب ببخيل.

وقيل: مطاع ثَمَّ أمين: على وحي الله. وقيل: الأفق المبين من حيث تطلع الشّمس ويجيء النّهار. عن الحسن وقتادة. رجيم رجمه الله باللعنة. عن الحسن. وقيل: رُجِم بالشهب طُرِد من السّماء قرأ {بِظَنِينٍ} ابن كثير وأبو عمرو والكسائي، وقرأ الباقون {بِضَنِينٍ} بالضاد. معنى {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} عن الحق الذي قد ظهر أمره وبدت أعلامه إلى الضّلال الذي فيه البوار والهلاك، وهو استبطاءاً لهم في القعود عن اتباع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - والعمل بما يوجبه القرآن. معنى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} مشيئته على قدرته وأنّه لا تجري الأمور في ملكه إلا على حسب مشيئته، فمن شاء الخير فقد شاء إلاّ أن يشاءه، ومن شاء الشر فقد شاء أن يشاءه، وعموم ذلك يقتضي دخول الخير والشر.

{فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} قيل: فأي طريق تسلكون أبين من الطريق الذي بينه الله لكم.

سورة الانفطار

سورة الانفطار مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) } إلى آخرها فقال: ما الانفطار؟ وما الانتثار؟ وما التفّجير؟ وما الغرور؟ وما الكريم؟ وما التسوية؟ وما الصورة؟ وبأي شيء يعلم الملك ما يفعله الإنسان في قلبه؟ وما الأبرار؟ ولم سمي الإسلام ديناً؟ ولم عظّم يوم الدّين بطريق الاستفهام عمّا وقع به الإعلام؟. وبأي شيء عظّم يوم الدّين؟ ولم قيل {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} والأمر في كل وقت؟. الجواب: الانفطار: انقطاع الشيء من الجهات. الانتثار: تساقط الشيء من الجهات. التفّجير: خرق بعض مواضع الماء إلى بعض على التكثير.

معنى {بُعْثِرَتْ} بحثرت إذا جعل أسفله أعلاه، وقلب باطنه إلى ظاهره. وقيل: بعثرت بحثت. عن ابن عباس. معنى {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) } ما أخذت وتركت مما يستحق به الجزاء. وقيل: كلّما يستحق به الجزاء ما كان في أوله أو آخره وقيل: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} فُجّر عذبها في مالحها ومالحها في عذبها. عن قتادة. وقيل: ما قدمت من عملها، وما أخرّت من سنة سنتها. وقيل: ما قدمت من طاعة أو تركت. عن ابن عباس. وقيل: ما قدمت وأخرت من إحسان أو إساءة إذا قرئ كتابه وجوزي بعمله. الغرور: ظهور أمر يتوهّم به جهلاً الأمان من المحذور. الكريم: القادر على التكّرم من غير مانع. التسوية: جعل الشيء على مقدار غيره. الصورة: البنية التي تميل بالتأليف إلى مماثلة الحكاية، وهي من صاره يَصَوره صوراً إذا أماله، ومنه {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} أي: أملهن إليك. وقيل: غر الشيطان غروراً. عن قتادة. وقيل: غره بجهله الوجه في طول الإمهال.

وقيل {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} من شبه أب أو أم أو خال أو عم. عن مجاهد. وقيل {بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} بالجزاء والحساب عن مجاهد وقتادة. وقيل {فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} من ذكر وأنثى مستحسن الصورة أو مستقبحاً في الصورة طويلاً أو قصيراً جسيماً أو نحيفاً. وقيل {بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو الإسلام. قرأ عاصم وحمزة والكسائي {فَعَدَلَكَ} خفيفة. وقرأ الباقون {فَعَدَّلَكَ} مشددة.

المَلَكُ يعلم ما يفعل الإنسان في قلبه منه ما يفعله بالاضطرار كما يعلم أنه يقصد إلى كلامنا وأمرنا ونهينا وإخبارنا ومنه ما يعلمه بالاستدلال إذا رآه، وقد ظهر منه الأمور التي لا تكون إلاّ عن علم وقصد نحو التحرّي في الوزن والكيل ورد الوديعة وقضاء الدين. الأبرار: عُمّال الإحسان الذين يكونون به محسنين. الفجّار: عُمّال الإساءة التي يكونون بها مسيئين. سمي الإسلام ديناً لأنه يستحق الجزاء معنى {يَصْلَوْنَهَا} يلزمونها بكونهم فيها. قال الحسن {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} من الظاهر دون الباطن. وقيل: هو على الكل والله تعالى يعلمهم ذلك. عظّم أمر يوم الدّين بطريق الاستفهام لأنه نبّه عليه بطريق الطلب له الذي يوجد معه وتحضر النفس فكان ذلك أبلغ من طريق الخبر عنه. عظّم أمر يوم الدين بشدة الحاجة إلى نعيم الجنّة الذي فيه لأهل الطّاعة النجاة من أهل المعصية الذي أعلمنا بيوم الدين. الدليل المؤدي إلى العلم بالحق في صفته وما يكون فيه من قوم يؤمر بهم إلى الجنة، ومن قوم يؤمر بهم إلى النّار.

وقيل {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} لأنه في ذلك اليوم لم يُمَلّك الله فيه أحداً شيئاً، كما ملّكهم في دار الدّنيا، ووجه آخر وهو أنه لا يملك في ذلك اليوم أن يجازي أحداً إلا بالحق بأمر الله. قرأ ابن كثير وأبو عمرو {يَوْمُ لَا تَمْلِكُ} برفع الميم. وقرأ الباقون {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ} بالنصب.

سورة ويل للمطففين

سورة ويل للمطففين مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) } إلى آخرها فقال: ما التطفيف؟ وما الاكتيال؟ وما الاستيفاء؟ ولم ذكر في الذّم {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} ولم جاز {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} وإنّما يكال الطّعام ويوزن المتاع والأثمان؟ وما القيام؟ وما سجّين؟ وما معنى: جعل الفجّار في سجين؟ وما الرقم؟ وما أصل وما المتعدي؟ وما الأثيم؟ وما الشهادة؟ وما التنافس؟ وما الأرائك؟ وما الرّحيق؟ وما الفاكهة؟ وما التسنيم؟ وما وجه ضحك أهل الجنّة من أهل النّار؟ ولم قيل {ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} ؟ .

الجواب: التطّفيف: تنقيص يجور به صاحبه من كيل أو وزن. الاكتيال: الأمر بالكيل ونظيره الاتزان، وهو الأخذ بالوزن. الاستيفاء: الأخذ بالوفاء، وهو طلب الوفاء، والوفاء تمام مقدار الحق ذكر {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} في الذّم ليبين منزلتهم في تعدّي الحق. جاز {كَالُوهُمْ} لأنه محذوف من كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذف لما دلّ الكلام عليه للإيجاز. المطفف: المقلل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن. وعن ابن عباس قال: كان أهل المدينة من أخبث النّاس كيلاً إلى أن أنزل الله - عز وجل - {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) } فاجتنبوا الكيل، يقال: اكتالوا عليهم واكتالوا بينهم فالأول: أخذوا ما عليهم، والثّاني: استوفوا منهم. سجّين: السجّين على التخليد، وهو فعيل من سجنته أسجنه سجناً، وفيه مبالغة كما تقول شِرّيب من الشرب وسكير من السكر.

معنى جعل كتاب الفجّار في سجّين أي: تخليده فيه يقوم مقام إقامة التقريع به، وإنّ عقابهم لا يفنى ولا يبيد كما لا يفنى كتاب سيئاتهم. الرقم: طبع الخط بما فيه علامةٌ لأمر. أصل {كَلَّا} فيه وجهان: أحدهما: أن تكون كلمة واحدة من غير تركيب وضعت للردع والزّجر. وجرت مجرى الأصوات من نحو صَهْ ومَهْ. والآخر: أن تكون كاف التشبيه دخلت على (لا) وشددت للمبالغة في الزجر مع الأبدان بتركيب اللفظ. و {يوم يقوم} يحتمل ثلاثة أوجه: النصب على ذالك اليوم ويصلح مبعوثون يوم يقوم. والرفع على الاستئناف، والجر على البدل من {ليوم عظيم} وقيل: يقومون مقدار ثلاثمائة سنة، وتقصر على المؤمن حتى تكون كإحدى صلواته المكتوبة. عن قتادة. وقيل: إن أحدهم ليغيب في رشحه إلى أنصاف أذنيه. في حديث مرفوع.

وقيل: في سجين: في الأرض السابعة السّفلى. عن ابن عباس. وقيل: سجّين: جب في جهنّم. وقيل: سجّين صخرة في الأرض السابعة السّفلى. عن مجاهد. وقيل: سجّين بمعنى شديد. المعتدي: المتجاوز الحق إلى الباطل. الأثيم: مكتسب القبيح {رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} غلب على قلوبهم يقال منه رانت الخمر على عقله إذا سكر فَعَلَتْ على عقله فالرين عليه السكر على القلب. وقيل: الرين: الذنب على الذنب حتى يموت القلب. عن الحسن. {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} لمحجوبون عن رؤيته فإنّ الكافرين لا يرون الله. واحد أساطير أسطورة مثل أحدوثة وأحاديث. وقيل: أباطيل الأولين. معنى {صَالُو الْجَحِيمِ} لازموا الجحيم.

معنى {عِلِّيُّونَ} مراتب عالية محفوظة بإجلال عظم الله شأنها، وجمعت بالواو والنّون تشبيهاً بمن يعقل في الفضل وعظم الشّأن. {مَرْقُومٌ} أي: مرقوم بما تقر به أعينهم وتوجب سرورهم بما فيه من إثبات حسناتهم المتعيّنة منهم، وذلك بالضدّ من رقم كتاب الفجّار لأنه بما يسوؤهم ويسخن أعينهم. وقيل: عِلِّيُّونَ: للسّماء السابعة، وفيها أرواح المؤمنين. عن قتادة ومجاهد والضحاك. وقيل: عِلِّيُّونَ: الجنة. عن ابن عباس، وقيل: عِلِّيُّونَ: س رة المنتهى، وهي التي إليها ينتهي كل شيء من أمر الله وهي في السّماء السابعة. عن الضحاك. وقيل: عِلِّيُّونَ: علو على علو مضاعف، ولهذا جمع بالواو والنّون تفخيماً لشأنه، وقيل: عِلِّيُّونَ: أعلى الأمكنة. الشهادة: الإدراك بحاسّة. معنى {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} هنا المقربون إلى كرامة الله في أجلّ المراتب وهم الملائكة. وقيل: هم المؤمنون كأنهم أقرب العباد إلى كرامة الله. الأرائك: السرر في الحجال عن ابن عباس. ينظرون إلى الله تعالى كما قال {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) } . الرّحيق: الخمر. عن ابن عباس.

قال الخليل: هي أفضل الخمر وأجودها. وقيل: هذا الخمر مختوم في الآنية بالمسك، وهو غير الذي يجري في الأنهار. {خِتَامُهُ مِسْكٌ} فيه قولان: الأول: مقطعه مسك بأن يوجد ريح المسك عند خاتمة شربه. عن ابن عباس والحسن. الثاني: أنّه ختم إناؤه بالمسك بدلاً من الطين الذي يختم بمثله الشراب في الدنيا. عن مجاهد وابن زيد. التنافس أي: تمني كل واحد من النفسين مثل الشيء النفيس، أن يكون له تسنيم عين ماء يجري من علو إلى أسفل. المزج: خلط مائع بمائع كما يمزج الحار بالبارد. الختام: مصدر والخاتم صفة، ونظيره فلان كريم الطَابِع والطِبَاع والطَابَعْ. قرأ الكسائي وحده {خاتمه} مسك بألف قبل التاء. وقرأ الباقون {خِتَامُهُ مِسْكٌ} .

وقيل في نصب عين وجوه: الأول: إن {تَسْنِيمٍ} معرّفة و {عيناً} قطع منها أو حال. الثاني: أن يكون {تَسْنِيمٍ} مصدراً فجرى مجرى {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) } . الثالث: على أعني عيناً. الرابع: يسقون عيناً. الفاكه: الطالب ما تنفك به من نوادر الأمور. وقيل: الفاكه اللاهي وقيل: الفاكه: الناعم المعجب بحاله. وجه ضحك أهل الجنة من أهل النار أنهم لما كانوا أعداء الله وأعداءهم جعل الله لهم سروراً في تعذيبهم ولو كان العفو قد وقع عنهم لم يجز أن يجعل السرور في ذلك. معنى {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} الذم لهم بعيب المؤمنين بالضلال من غير أن كلفوا منعهم من المراد وأن ينطقوا في ذلك بالصواب. معنى {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} فيه قولان:

الأول: هل جوزي الكفار إذا فعل بهم هذا الذي ذكر بما كانوا يفعلون. الثاني: ينظرون هل جوزي الكفار فيكون موضعه نصباً بـ ينظرون والأول استئناف لا موضع له. وقيل: {ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} لأن الثواب وإن كان الجزاء بالنعيم على الأعمال فإن أصله الجزاء الذي يرجع على العامل في عمله، ثاب الماء يثوب ثوباً إذا رجع وثاب إليه عقله إذا رجع. وقيل: يقول المؤمنون بعضهم لبعض هل جوزي الكفار ما كانوا يفعلون سروراً بما أنزل بهم. قرأ {انقلبوا فكهين} عاصم في رواية حفص، وقرأ الباقون {فاكهين} بألف. قرأ {هَلْ ثُوِّبَ} مدغم أبو عمر وفي رواية هارون وحمزة والكسائي مدغم أيضاً، وقرأ الباقون واليزيدي عن أبي عمرو بالإظهار.

سورة إذا السماء انشقت

سورة إذا السماء انشقت مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) } إلى آخرها فقال: ما الانشقاق؟ وما الكدح؟ ولم قيل فملاقيه؟ وما حساب المؤمن الذي يؤتي كتابه بيمينه؟ وما الحساب؟ وما اليسير؟ وما السّرور؟ وما الثبور؟ وما معنى وما وجه اتصال {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} ؟. وما الاتساق؟ وما الشّفق؟ وما الجمع الذي يخصّ اللّيل؟ وما الإيعاء؟ وما وما القراءة؟ وما معنى: القرآن؟ وما معتمد الأسباب التي تعلوا بها طبقة الكلام؟ الجواب:

الانشقاق: افتراق امتداد عن التئام وكل انشقاق افتراق وليس كل افتراق انشقاقا. والانفطار والانصداع والانفراج أمثال. معنى {أَذِنَتْ لِرَبِّهَا} قيل: سمعت وأطاعت. عن ابن عباس وسعيد بن جبير أي: كأنها سمعت بأذن فطاعة بانقيادها لتدبير الله، والعرب تقول أذن هذا الأمر إذنا بمعنى استمع لك. معنى {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} بسطت باندكاك جبالها وأكمامها حتى تصير كالصفيحة الملسى، وهذا من أشراط السّاعة وجلائل الأمور التي تكون فيها. معنى {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} ألقت ما فيها من المعادن وغيرها وتخلّت منها كما تلقي الحامل ما في بطنها عند الشّدة. معنى {وَحُقَّتْ} حق له أن يكون على هذا الأمر بمعنى جعل ذلك حقاً. وقيل: تمدد الأرض يوم القيامة مدّ الأديم. في حديث مرفوع.

وقيل {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} ما فيها من الموتى عن قتادة ومجاهد. وقيل في جواب {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} أنه محذوف، وتقديره رأى الإنسان ما قدّم من خير أو شر وقيل: جوابه في {إِنَّكَ كَادِحٌ} وقيل: هو على الذّكر {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} . الثاني: في صفة الأرض، والأول: في صفة السّماء وليس بتكرير في المعنى. الكدح: سعي شديد في الأمر. معنى {كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} ساعٍ في أمرك بشدة ومشقة إلى أن تلقى جزاء عملك من ربّك، فالغني والفقير كل واحد منهما يكدح ما يقتضيه حاله. وقيل: فملاقيه: تفخيماً لشأن الأمر الذي يلقى من جهته فجعل لذلك لقاء جزائه لقاءه وهذا من الحكم البالغة.

حساب المؤمن موافقته على ما عمل من الحسنات، وماله عليها من الثّواب، وما حطّ عنه من الأوزار. السّرور: لذة في القلب بنيل المشتهى من الأمر. الحساب اليسير: التجاوز عن السيئات والاحتساب بالحسنات. وقيل: في الهاء قولان: فملاق ربك وملاقي كدح وهو عملك. قال الشاعر: وما الدّهر إلاّ تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح الثّبور: الهلاك، يدعوا ثبوراً يقول بإهلاكها، وآثبوراه أصل الثّبور الهلاك ثبر البحر إذا جزر لهلاكه بانقطاع مائه معنى {يَحُورَ} يرجع حار يحور حوراً إذا رجع، والمعنى ظن أن لن يرجع إلى حال الحياة في الآخرة. معنى {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} أي: اقتطعه السّرور بأهله عمّا يمكنه أن يقوم به فهو ذم له. وجه اتصال {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} أي: فهو يخبر عن ظنه أن لن يحور.. ، ويقطع عليه على أنّه بصير به ويجمع أموره. وقيل: ظن أن لن يحور فلذلك

كان يرتكب المآثم وينتهك المحارم. وقيل: إنه كان في أهله مسروراً بمعاصي الله. قرأ {ويَصْلى} بفتح الياء خفيفة أبو عمرو وعاصم وحمزة، وقرأ {يُصلّى} بضم الياء مشددة ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي. وروي {ويُصلَى} بضم الياء خفيفة عن نافع وعاصم. الشّفق: الحمرة الرقيقة في المغرب بعد غروب الشّمس ووجه الاعتبار بالشّفق علامة الوقت بعينه يقتضي توقيت عالم به. وسق: جمع إلى مسكنه ما كان منتشراً بالنّهار في تصرفه، وسقته أسقه وسقاً إذا جمعته. والوسق: الطعام المجتمع الكثير مما يكال أو يوزن، ومقداره ستون صاعاً.

الاتساق: الاجتماع على تمام، وهو افتعال من الوسق فإذا تم نور القمر واستمر في ضيائه فذلك الاتساق له. معنى {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} منزلة عن منزلة وطبقة عن طبقة، وذلك أن من كان على صلاح دعاه إلى صلاح فوقه، ومن كان على فساد دعاه إلى فساد فوقه، لأن كل شيء يجيء إلى شكله. وقيل: طبقاً عن طبق جزاء عن عمل. وقيل: لتصيرن إلى الآخرة عن الدنيا. وقيل: شدة عن شدة. وقيل {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} حالاً عن حالاً من إحياء وإماتة ثم إحياء. {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} إذا استنار عن الحسن. الجمع الذي يخصُّ الليل جمع الحيوانات الإنسية إلى مساكنها والعرب تقول: إذا جاء الليل استوحش كل إنسي واستأنس كل وحشي. قرأ {لَتَرْكَبَنَّ طَبَقًا} بفتح الباء ابن كثير وحمزة والكسائي أي لتركبَن أنت يا محمد، وقرأ الباقون {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا} بضم الباء.

القراءة: ضم الحروف بعضها إلى بعض بالتأليف على سياقه. قرأت أقرأ قراءة، والقراءة والتلاوة من النظائر. معنى قرآن: تلاوة في أعلى طبقات حسن النظام في المعاني والألطاف والأسباب التي يعلو بها في حسن النظام ستة تعديل الحروف وتشاكل المقاطع، وغيرها بحسن البيان والإيجاز من غير إخلال والوعظ الذي يلين القلب للعمل بالحق والحجة التي تؤدي إلى المعرفة بتمييز الحق من الباطل وهذه جمل لها تفضيل كثير. معنى {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} هنا أي: الذي يمنعهم من السجود عند تلاوة القرآن تكذيبهم به جهلاً بما عليهم فيه، وفي ذلك التحذير من الجهل والحث على طلب العلم الإيعاء: جعل الشيء في وعاء والقلوب أوعيةٌ لما يجعل فيها من معرفة أو جهالة وعزم على خير أو شر. وقيل {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} أي: ما وجه الارتياب الذي يصرفهم عن الإيمان.

{غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير منقوص. عن ابن عباس. وقيل: غير مقطوع. وقيل: غير منغص بالمنِّ الذي يؤذي وإنما قيل له منٌّ لأنه قطع عن شكر النعمة.

سورة البروج

سورة البروج مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) } إلى آخرها فقال: ما البروج؟ وما اليوم الموعود؟ وما الشاهد والمشهود؟ وما الأخدود؟ وما معنى: ذات الوقود وكل نار ذات وقود؟ وأين جواب القسم؟ وما معنى: قُتل هاهنا؟ وما الشهود؟ وما النقمة؟ وما الداعي إلى أن ينقموا من الإيمان؟ وما العزيز؟ وما الحميد؟ ومن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات؟ وما الفوز؟ ولم أعيد ذكر {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) } وما البطش؟ وما المحيط؟ وما معنى: محيط؟ الجواب: البروج: المنازل العالية بما هي عن جملة الأرض ثابتة وهي اثنا عشر برجاً يسير القمر في كل برج منها يومين وثلاثة. اليوم الموعود: يوم الجزاء وفصل القضاء، وهو يوم القيامة. عن الحسن وقتادة.

الشاهد: النبي - صلى الله عليه وسلم - والمشهود يوم القيامة عن الحسن بن علي - رضي الله عنه - وتلى {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) } {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) } عن ابن عباس وسعيد ابن المسيب. وقيل: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة. وقيل: الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة. الأخدود: الشق العظيم في الأرض، ومنه في صفة الشجرة التي دعاها النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلت تخدّ الأرض خداً حتى أتته.

معنى {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} لأنه قد يكون ناراً ليست ذات وقود كنار الحجر ونار الكبد. والثّاني: على وقود مخصوص لأنّه معروف فكأنّه الوقود بإنذار النّار. وقيل: إنّ الكفّار الذين كانوا قعوداً على النّار خرجوا لمشارفها فأحرقتهم عن آخرهم. عن الرّبيع. وكانوا من المجوس عن علي رضي الله عنه، وقال الضحّاك: كانوا من بني إسرائيل، وقيل: كانوا من اليمن. و {قُتِل} بمعنى لعن، وقيل: لعنوا بتحريقهم في الدّنيا قبل الآخرة. الوَقود: بالفتح الحطب وبالضم الاتقاد. وجواب القسم محذوف تقديره الأمر حق في الجزاء على الأعمال. وقيل: قل هو لقاتل المؤمنين لأنّ الله تعالى حرقهم بعد قتلهم. وقيل: هو للمقتولين من المؤمنين.

وذكر الله هؤلاء المؤمنين بحسن بصيرتهم في الصّبر على دينهم حتى أُحرقوا بالنّار لايعطون التقية بالرجوع عن الإيمان. القعود: جمع قاعد. الشهود: الحضور على مشاهدة أمر من الأمور. النقمة: إيجاب مضرة على حال مذمومة، النقمة: نقيض النعمة فهؤلاء الجهّال نقموا حال الإيمان لأنهم جعلوها بجهلهم حالاً مذمومة، وكان الدّاعي إلى أن ينقموا من الإيمان ما سبقوا إليه من جهلهم وسخف رأيهم. العزيز: المنيع في انتقامه من دفع دافع له. الحميد: المستحق للحمد. وقيل {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} جواب القسم في أوّل السّورة ولا يحسن هذا التأويل لطول الكلام وقيل: لهم عذاب بكفرهم وعذاب بإحراق المؤمنين. الفوز: النجاة بالنفع الخالص من كل شائب، ووصف بأنّه كبير لما فيه من الإجلال والإكرام والمدح والإعظام

أعيد ذكر {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) } لا يعتاده بما بعده من ذلك الفوز الكبير واقتضاء ما قبله من صفة المؤمنين الذين صبروا على المحنة للوعد به. البطش: الأخذ بالعنف. يبدئ بالعذاب ويعيده. عن ابن عباس. وذلك لاقتضاء ما قبله له وقيل: يبدئ الخلق ويعيده عن الحسن. {الْمَجِيدُ} الكريم. قرأ حمزة والكسائي {الْمَجِيدِ} خفضاً على صفة العرش. وقرأ الباقون {الْمَجِيدُ} رفعاً على صفة الله. وفي قوله {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} دليل على ما يقول إنّه فاعل لكسب عبده لأنّه قد أراده ونبّه بذلك على حسن جميع تصرفه في ملكه على كل وجه من ابتداء بنعيم وعذاب مقيم. معنى {حَدِيثُ الْجُنُودِ} أي: تَذّكر حديثهم تذكير معتبر قلبك منتفع به.

{بل الذين كفروا} أعرضوا عما يوجبه الاعتبار بفرعون وثمود، وأقبلوا على ما يوجبه الكفر والتكذيب من التأكيد، ولم يعلموا أن الله من ورائهم محيط يقدر أن يُنْزِل بهم ما أنزل بفرعون وثمود. سمي القرآن مجيد لأنه يعطي المعاني الجليلة والدلائل النفيسة، وجميعه حكم لا يخلو من موعظة تليّن القلوب للعمل بالحق، وحجة تؤدي إلى تمييز الحق من الباطل ومعنى يعمل عليه فيما يجتبى أو يتقى. وقيل: {هل أتاك حديث الجنود} وما كان منهم إلى أنبيائهم فاصبر كما صبر الرسل قبلك. وقيل: {بل الذين كفروا في تكذيب} إيثاراً منهم لأهوائهم واتباعاً لسنن آبائهم. وقيل: في لوح محفوظ من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان. وقيل: اللوح المحفوظ: أم الكتاب، وقيل: معناه كأنه بما ضمن الله تعالى من حفظه في لوح محفوظ. ومعنى {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} أي: هم مقدور عليهم كما يكون فيما أحاط بهم وهذا من بلاغة القرآن. قرأ نافع وحده {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٌ} رفعاً، وقرأ الباقون {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} . خفضاً، على أنه من صفة اللوح.

صفحة فارغة

سورة الطارق

سورة الطارق مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) } إلى آخرها فقال: ما الطارق؟ وما النّجم؟ وما الثاقب؟ وما الحافظ؟ وما النظر ها هنا؟ وما الدّافق؟ وما الترائب؟ وما السّريرة؟ وما معنى: وما رجع السماء؟ وما صدع الأرض؟ وما القول الفصل؟ وما الهزل؟ وما الكيد؟ الجواب: الطّارق: الآتي ليلاً، وهو هنا النجم. الثّاقب: كما وصفه الله - عز وجل -. والقول الأول يبين عن معنى صفته بالطارق، والقول الثاني يبين عن نفسه ما هي يقال: طرقني فلان إذا أتاني ليلاً. النجم الطالع في السّماء كالدرة البيضاء، ويقال طالع ناجم تشبيهاً به. الثاقب: المضيء النيّر، الثاقب أيضاً: العالي الشديد العلو،

والعرب تقول إذا ارتفع الطائر ارتفاعاً شديداً هو ثقب كأنه قد ثقب الجو الأعلى. وقيل: الثاقب المضيء. عن ابن عباس. وقيل: العالي على النجوم وهو زحل. عن ابن زيد. الحافظ: المانع من هلاك الشيء. النظر: ها هنا نظر الاعتبار وقيل: طرق النجوم ظهورها باللّيل وخفاؤها بالنّهار. عن قتادة. وقيل: حافظ من الملائكة يحفظون عمله ورزقه وأجله. عن قتادة. {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ما: صلة مؤكدة وتقديره لَعَلَيْها حافظ واللام لام الابتداء. قال الحسن {النَّجْمُ} ها هنا جُمَاعُ النجوم. وقال {وَمَا أَدْرَاكَ} أي: إنك لم تدرِ حتى أعلمتك وكل ما يعلمه الإنسان فالله أعلمه بالضرورة أو بالدليل. قرأ {لَمَّا} بالتشديد عاصم وحمزة وابن عامر، وقرأ الباقون {لَمَا} بالتخفيف. مشددة معنى لما إلاّ في موضعين: إن، والقسم، كقولهم: سألتك لما فعلت بمعنى إلاّ فعلت.

الدفق: صب الكثير، فالماء الذي يكون منه الولد إنّما يكون دفقاً، وإن كانت منه النطفة التي يخلقها الله إنساناً أو غيره من الحيوان. الترائب: موضع القلادة من صدر المرأة. عن ابن عباس، واحدها تريبة. السّريرة: الطّوية في النفس، وهي أسرار المعنى في النفس. صدع الأرض: انشقاقها بالنبات لضروب الزروع والأشجار القول الفصل: الجواب الذي يفصل الحق من الباطل بالبيان عن كل واحد منهما. الهزل: قول تهزأ به، والهزل نقيض الجد. الكيد: فعل ما يوجب الغيظ وقيل: ذات الرجع ذات المطر الذي يرجع به. عن ابن عباس.

وقيل: شمسها وقمرها ونجومها تغيب وتطلع. عن ابن زيد. و {رويدا} : أمهالاً، وقيل: رويداً: قليلاً. عن قتادة.

سورة سبح

سورة سبح مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) } إلى آخرها فقال: ما التسبيح؟ وما الأعلى؟ وما التسوية؟ وما التقدير؟ وما الهداية؟ وما الإقراء؟ وما النسيان؟ ؟ وما الجهر؟ وما اليسرى؟ وما التجنب؟ وما الشقوة؟ وما معنى: الكبرى في صفة النّار وما معنى {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} والعذاب لا يصل إلاّ إلى حي؟ وما إيثار الدنيا على الآخرة؟. الجواب: الت سبيح: التنزيه لله - عز وجل - عمّا لا يجوز في صفته إلى صفات التعظيم له كوصفه بأنه لا إله إلا هو فينفي ما لا يجوز في صفته من شريك في عبادته مع الإقرار بأنه إله وحده. الأعلى: القادر الذي لا قادر أقدر منه، وصفته الأعلى منقولة إلى معنى الأقدر حتى لو بطل معنى علو المكان لم يبطل أن يفهم بتحقيقها. التسوية: الجمع بين الشيئين بما هما فيه.

التقدير: تنزيل الشيء على مقدار غيره. الهداية: الدلالة على طريق الرّشد، فسبحان من يجعل الهداية في قلب الطّفل حتى طلب ثدي أمّه وميّزه من غيره، وما أعطى الفرخ حتى طلب الرّزق من أبيه وأمّه. الأحوى: الأسود الشّديد السّواد، والحوّه السّوداء. الغثاء: ما يقذف به السيل جانب الوادي من الحشيش والنّبات وقيل: معنى سبّح: قل سبحان ربي الأعلى. عن ابن عباس وقتادة وقيل: معناه: نزّه اسم ربّك الأعلى عن أن يسمى به سواه. وقيل: نزّه ربك عمّا يصفه به المشركون وقيل: غثاءاً: أي: هشيماً يابساً متفتتاً. قرأ الكسائي وحده {والذي قَدَرَ} بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد.

الإقراء: أخذ القراءة على القارئ بالاستماع لتقويم الزّلل، القراءة والتلاوة والقارئ التالي. النسيان: ذهاب المعنى عن النفس بعد أن كان حاضراً لها، ونقيضه الذكر، ونظيره السهو. معنى {فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} أي: ما شاء نسيانه مما لا يكلفك القيام بأدائه، وذلك أن التكليف مضمن بالذكر. الجهر: رفع الصوت، ونقيضه الهمس وهو ضعف بالصوت أي: يحفظ عليك ما جهرت به وما أخفيته ممّا تريد أن تعيه. اليسرى: الكبرى في تسهيل الخير بها وهي ها هنا الجنة أي: يسهل لك العمل المؤدي إلى الجنة. وقيل: بل ذلك على جهة التقابل فقيل لليد المقابلة لليمنى يسرى. وقيل: لأن العمل بها مع الذي يتيسّر على ما أتمّ ما يمكن. وقيل {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} إن شاء يرفع حكمه وتلاوته.

وقيل: إلاّ ما شاء الله كالاستثناء في الأيمان وأن تقع مشيئته النسيان. اليسرى: الفعل من اليسر، وهو سهولة عمل الخير وقيل {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} وهي تنفع لا محالة في عمل الإيمان أو الامتناع من العصيان وقد يقال مثله أن يقع السّؤال أي فيما يجوز عندك. وقيل: إلاّ ما شاء الله بأن يؤخر إنزاله. التجنّب: الصير في جانب عن الشيء بما ينافي كونه، فهذا الشّقي يجتنب الذكرى بأن صار بمعزل عنها بما ينافي كونه. الشقوة: حالة تؤدي إلى شدة العذاب، نقيض الشقوة السعادة. معنى الكبرى في صفة النّار أي: الحاجة إلى اتقائها أشد وذلك من كبر الشأن.

معنى {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} أي: لا يكون على صفة الحي الذي يرغب فيها، إيثار الدّنيا على الآخرة أراد العمل لها بدلاً من العمل للآخرة. تزكّى: صار زاكياً بأن عمل صالحاً. وقيل: زكّى ماله وقيل: {إنّ هذا لفي الصّحف الأولى} ما قصّه الله في هذه السورة وقيل: قد أفلح من تزكّى إلى آخر السورة وقيل: كتب الله تعالى كلها أنزلت في رمضان، وأنزل الفرقان لأربعة وعشرين سنة. وقيل: النار الكبرى جهنم، والنّار الصغرى نار الدّنيا وقيل: لا يحيى: لا يجد روح الحياة وقيل: الزاكي النّامي بالخير الكثير. وقيل: النّار الكبرى التي في الطبقة السّفلى من جهنّم عن الفرّاء. وقيل: من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلّى فهو ممدوح في الصّحف الأولى كما هو [ممدوح في] (1) القرآن.

_ (1) ما بين المعقوفتين زيادة من التبيان للطوسي.

قرأ أبو عمرو وحده {بل يؤثرون} بالياء، وق رأ الب اقون بالت اء المعجمة من فوق.

سورة الغاشية

سورة الغاشية مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) } إلى آخرها فقال: ما الغاشية؟ وما معنى: خاشعة؟ وما الناصبة؟ وما معنى: آنية؟ وما الضّريع؟ وما اللاّغية؟ وما الجاري؟ وما السّرر؟ وما الأكواب؟ وما النمارق؟ وما التذكرة؟ . وما المسيطر؟ وما الإياب؟ وما حساب الكفّار؟ وما معنى: الاستثناء في {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} وهل ذلك منسوخ أم لا؟. الجواب: الغاشية: المجللة لجميع الجملة. معنى خاشعة: ذليلة بما رأت من سوء عاقبة السيئة. الخشوع: الذّل بالخضوع. الناصبة: التعبة وهي التي قد أضعفها الانتصاب للعمل. معنى آنية: بالغة شدة الحر يقال: أني أناءً إذا بلغ الطّعام حال النضج. ومنه {نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي: بلوغ نضجه.

الضّريع: نبت تأكله الإ ل تضر ولا تنفع كما وصفه الله سبحانه تعالى إنّه {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) } . وقيل: الغاشية القيامة تغشى النّاس بالأهوال. عن ابن عباس والحسن. وقيل: النّار تغشى وجوه الكفار بالعذاب عن سعيد بن جبير وقيل: عاملة لم تعمل لله في الدّنيا وقيل: آنية بالغة النهاية في شدّة الحرّ. عن ابن عباس. وقيل: الضّريع: الشبرق وهو سم. عن ابن عباس. وقيل: ضريع من ضرع يضرع أكله في الإعفاء منه لخشونته. علو الجنّة على وجهين: عل والشّرف والجلالة، وعلّو المكان والمنزلة وقرأ {تُصلى} بضم التاء أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وقرأ الباقون بفتح التاء.

اللاّغية: كلمة ليست لها فائدة، وفي سماع ما لا فائدة فيه ثقل على النفّس فلذلك نفى اللاّغية عن الجنة. الجاري: المار من المائع إلى جهة النّار. السّرر: جمع سرير، وهو مجلس سرور بالرفعة على قوائم متقابلة. الأكواب: جمع كوب، وهي الأباريق التي ليست لها خراطيم. النّمارق: الوسائد. وقيل: الأكواب كالأباريق لا عرى لها ولا خراطيم كالأكواز الفاخرة التي توضع بين يدي الملك. الزّرابي: البُسط الفاخرة، واحدها زربيّة. وقيل: لاغية بمعنى ذات لغوٍ كقولهم: نابل وزارع أي: هو ذو نبل وزرع.

وقيل: سرر مرفوعة ليرى المؤمن بجلوسه عليه جميع ما خوّله ربّه من الملك والنّعيم. وأكواب موضوعة أي: على حافة العين الجارية كلما أراد شربها وجدها مملؤة وقرأ {لَا تُسْمَعُ} بالتاء مضمومة فيها {لَاغِيَةً} رفعاً ابن كثير وأبو عمرو، وقرأ نافع وحده {لَا تُسْمَعُ} بالتاء مضمومة فيها {لَاغِيَةٌ} مضمومة وقرأ الباقون {لَا تَسْمَعُ} بالتاء مفتوحة فيها {لَاغِيَةٌ} مضمومة التذكير: التعريض للذّكر بالبيان الذي يقع به الفهم. النفع بالتذكير عظيم لأنّه طريق للعلم بالأمور التي نحتاج إليها، وملين القلب للعمل بها.

المسيطر: المتسلّط على غيره بالقهر له، وهو ضارب سطراً على غيره ولا يمكنها الخروج عنه. الإياب: الرجوع. حساب الكفّار: إخراج مقدار ما لهم وعليهم ليظهر لهم استحقاق العذاب وسقوط الثّواب. وحساب المؤمن: إخراج ماله وعليه وجه التكفير للسّيئة ويقبل الحسنة بما يوجب الثّواب على الإيمان. معنى الاستثناء في قوله {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} فيه وجهان: الأول: لكن من تولّى وكفر فيعذّبه الله العذاب الأكبر على الاستثناء المنقطع الثاني: إلاّ من تولّى وكفر فإنّك تسلط عليه بالجهاد والله تعالى بعد ذلك يعذّبه العذاب الأكبر وقيل: مذكّر نعمتي عندهم وما يوجبه عليهم. وقيل: بمسيطر بجبّار. عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: هذا قبل فرض الجهاد ثم نسخ.

وقيل: إلاّ من تولّى وكفر: فَكِله إلى الله. عن الحسن. وقيل: إلاّ من تولّى وكفر: فلست له بمذكّر لأنه لا يقبل منك فكذلك لست تذكره. قرأ أبو عمرو والكسائي {بمسيطر} بالسّين باختلاف عنهما. وقرأ الباقون بالصاد إلا حمزة فإنّه يشمّ [الصاد زايا] (1) .

_ (1) ما بين المعقوفتين زيادة من التبيان للطوسي.

سورة والفجر

سورة والفجر مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) } إلى آخرها فقال: ما الفجر؟ وما اللّيال العشر؟ وما الشّفع والوتر؟ وما معنى: يسر؟ وما الحجر؟ وما معنى: ذات العماد؟ وما معنى: ذي الأوتاد؟ وأين جواب القسم؟ ومن إرم؟ وما معنى: سوط عذاب؟ وما معنى: لبالمرصاد؟ وما الابتلاء؟ وما معنى: قدر عليه رزقه؟ وما الإكرام؟ وما الدّك؟ وما الصّف؟ ولم قيل فأنّى له الذّكرى وهو يتذكّر في الآخرة سيئاته؟ وما معنى: قدّمت لحياتي؟ وما معنى: لا يعذَّب عذابه أحد على قراءة الكسائي؟ وما النفس المطمئنة؟ وما معنى: المطمئنة؟ وما معنى: وجاء ربّك؟ الجواب: الفجر: شق عامود الصّبح فجّره الله تعالى لعباده يفجّره فجراً إذا أظهره من أفق المشرق مبشراً بإدبار اللّيل الظلم وإقبال النّهار المضيء، وهما فجران : الفجر المستطير وهو المحرّم للأكل والشّرب في رمضان وابتداء اليوم من الإيمان، والفجر المستطيل قبله كذنب السرحان ولا حكم له في شريعة الإسلام سوى ما فيه من الاعتبار اللّيال العشر: ليالي العشر الأول من شهر ذي الحجّة التي شرّفها الله ليسارع النّاس إلى عمل الخير.

والشّفع: الخلق بما له من الشّكل، الوتر: الخلق الفرد الذي له مثل. عن ابن عباس وكثير أهل العلم. معنى يسر: يسير ظلاماً حتى ينقضي بالضّياء المبتدئ ففي تسيّيره على المقادير المرتبة فيه، ومجيئه بالضّياء عند تقضيه في الفصول أدل دليل على أن فاعله يختص بالعز والاقتدار الذي يجلّ عن الأشباه والأمثال. الحجر: العقل. وقيل: الفجر فجر الصّبح عن عكرمة وقيل: العشر من أول المحرم وقيل: الشّفع: الزّوج والوتر: الفرد من العدد. عن الحسن. كأنّه تنبيه على ما في العدد من العبرة بما يضبط لأنه من المقادير التي يقع بها التعديل وقيل: الشّفع يوم النحر والوتر يوم عرفة. عن ابن عباس وعكرمة ووجه ذلك إنّ يوم النحر يشفع بيوم نحر بعده وينفرد يوم عرفة بالموقف، وقيل: الشفع والوتر كله من الخلق عن ابن زيد.

وقيل: الشّفع الخلق والوتر الله عز وجل وحده. عن ابن عباس ومجاهد ومسروق. وقيل: الصّلاة المكتوبة منها شفع ومنها وتر. عن عمران بن حصين. وقيل: الشّفع اليومان الأولاّن من يوم النحر والوتر اليوم الثّالث. عن ابن الزّبير. وقيل: إرم بلد منه الإسكندرية، وقيل: دمشق. وقيل: هو أمّة. وقيل: قبيلة من عاد.

وقيل: ذات العماد ذات الطّول. عن ابن عباس، من قول العرب: رجل معمّد إذا كان طويلاً. وقيل: ذات عُمُد للأبيات ينتقلون من مكان إلى مكان للانتجاع. وقيل: ذات العماد إحكام البنيان. عن ابن زيد. وقيل: ذات القوى الشدّاد. جابوا: أي: قطعوا الجبال بيوتاً. وقيل: ذي الأوتاد: أي: ذي الجنود الذين كانوا يشيّدون أمره. عن ابن عباس. وقيل: كان يُوَتّد الأوتاد في أيدي النّاس عن مجاهد. وقيل: ملاعب كان يلعبُ له فيها ويضرب تحتها بالأوتاد. وقيل: ذي الأوتاد لكثرة الأوتاد التي كانوا يتّخذونها للمضارب لجموعهم وكان هذا فيهم أكثر منه في غيرهم. وقيل في جواب القسم {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) } . قيل: هو محذوف وقيل: العماد: الأبنية العظام. وقيل: الأولى عاد من إرم.

وقيل: ذي الأوتاد هي أوتاد نصبها للعذاب يشد إليها ثمّ يعذبهم عليها وقيل: كان فرعون إذا غضب على الرّجل مدّه بين أربعة أوتاد حتى يموت قرأ حمزة {الْوِتْرِ} بكسر الواو، وقرأ الباقون {الْوَتْرِ} بالفتح. وقرأ {يَسْرِي} بياء في الوصل وبغير ياء في الوقف نافع وأبو عمرو بخلاف عنه، وقرأ ابن كثير بياء في الوصل والوقف وكذلك {بِالْوَادِي} وقرأ الباقون بغير ياء في وصل ولا وقف. معنى سوط عذاب أي: قسط عذاب كالعذاب بالسّوط الذي يعرف إلاّ أنّه أعظم، ويجوز قسط عذاب يخالط اللّحوم والدّماء كما يخالط بالسّوط من قولهم: ساطه يسوطه سوطاً. معنى {لَبِالْمِرْصَادِ} إنّه لا يفوته شيء من أعمال العباد كما لا يفوت من بالمرصاد. والمرصاد مفعال من رصده يرصده رصداً فهو راصد إذا راعى ما يكون منه ليقابله بما يقتضيه، وقيل لأعرابي أين ربُّك يا أعرابي؟ فقال: بالمرصاد.

وقيل: لعلي رضي الله أين كان ربّنا قبل أن يخلق السّماوات؟ فقال: أين سؤال عن مكان وكان الله ولا مكان. الابتلاء: إظهار ما في العبد من خير أو شر، فالابتلاء والامتحان والاختبار أمثال في اللّغة. معنى {قَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} أي: ضيّق عليه الرّزق بأن جعله على قدر البُلغَة. والأصل القدر وهو كون الشيء على مقدار فمنه القدرة لأنها على مقدار المقدور، ومنه تقدير الشيء وهو طلب قدرة من مقدار غيره. الإكرام: إعطاء الخير للنفع به على ما تقتضيه، والإكرام الذي هو نقيض الهوان لا يكون إلاّ بالإحسان، كما أن الهوان لا يكون إلاّ بالإساءة والله تعالى منعم على الكافر نعمة الدّنيا وليس بمكرم له لأنّه لا يستحق الهوان. وقيل {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} أي: يسمع ويرى أعمال العباد. عن ابن عباس. وقيل: بإنصاف المظلوم من الظالم عن الحسن. وقيل: {كَلَّا} رد لتوهّم من ظن أن الإكرام بالغنى والإهانة بالفقر، وإنّما الإكرام في الحقيقة بالطّاعة والإهانة بالمعصية. عن قتادة. وقيل {بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) } الهوان لهذا لا لما توهَّمتم.

وقيل: يأكلون التّراث أكلاً لمّا أي: جمعاً يقال: لممت ما على الخوان ألمّه لماً إذا أكلته أجمع. التّراث: الميراث. وقيل: يأكل نصيبه ونصيب صاحبه أجمع. وقيل: جماً جماً كثيراً شديداً. عن ابن عباس، يقال: جم الماء في الحوض إذا اجتمع وكَثُر. وقيل: لا تكرمون اليتيم على الصدقة بما يكون منهم من الخطيئة. قرأ أبو عمرو وحده {كَلَّا بَلْ لَا يُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا يحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَيَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) } بالياء. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {تَحَاضُّونَ} بالتاء والألف، وقرأ الباقون بغير الألف والتاء في جميع ذلك مفتوحة.

الدّك: حط المرتفع بالبَسْطِ، اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره، وناقة دكّاء ومنه الدكان لاستوائه في الانفراش فكذلك الأرض إذا دكت استوت في الانفراش فذهبت دورها وقصورها وأبنيتها حتى تصير كالصحراء الملساء بها. عن ابن عباس، يوم القيامة تمد الأرض مد الأديم. الصّف: كون الأشياء تلي بعضها بعضاً على خط الاستواء. وقيل {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} التي كان أمر بها في الدّنيا وتبصر الضلال من الهدى كما لو قيل يتندم وأنّى له الندم. معنى قدّمت لحياتي: فيه وجهان: أحدهما: لحياتي بعد مماتي. والآخر: لحياتي التي تدوم لي فكان أولى بي من التمسك بحياة زائلة عني. معنى {لَا يُعَذَّبُ عَذَابهُ أَحَدٌ} على قراءة الكسائي أنّه لا يعذب عذاب الكافر الذي لم يقدم لحياته أحد من النّاس، والدليل قائم بأن إبليس أشد عذاباً من غيره بحسب إجرامه وإذا أطلق الكلام لما صحبه من دليل التقييد. ومن قرأ {لَا يُعَذِّبُ} بكسر الذال {وَلَا يُوثِقُ} بكسر الثاء فتأويله لا يعذِب. عذاب الله أحد ولا يوثق وثاقه أحد.

وقيل {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} تبشر به عند الموت وعند البعث عن ابن زيد. وقيل: المطمئنة المعرفة بالله والإيمان به عن مجاهد. وقيل: المطمئنة بالبشارة بالجنة. {وَجَاءَ رَبُّكَ} أي: جاء بجلائل آياته فحصل عن جلائل الآيات مجيئاً له تفخيماً لشأنه، ويجوز جاء ظهر بضرورة المعرفة كما يوصف به ما تقوم مقام الرؤية. وقيل {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) } لأنّه المستحق من العذاب له. وقال الحسن: وجاء عذاب ربك أي: جاء أمر ربك وقضاء ربّك. قرأ الكسائي {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) } بفتح الذال والثّاء، وقرأ الباقون بكسرها.

سورة البلد

سورة البلد مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) } إلى آخرها فقال: لم جاز {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) } مع قوله عز وجل {وهذا البلد الأمين} ؟ وما الكبد؟ وما اللّبد؟ وما النجدين؟ وما وجه الدلالة في {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} ؟ وما الاقتحام؟ وما العقبة؟ وما الفك؟ وما المسغبة؟ وما المؤصدة؟ وما المتربة؟

الجواب: إن (لا) ليست لنفي القسم في قوله {لَا أُقْسِمُ} ، وإنّما هي كقول العرب: لا بالله ما فعلت كذا ولا والله لأفعلنَّ كذا. وقيل: فيها إنّها صلة زائدة كما قال الشاعر. ولا ألوم البيض أن لا تسخرا وقيل: هي رد لكلام على طريق الجواب لمن قد ظهر منه الخلاف أي ليست الأمر على ما يتوهم. معنى {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} التنبيه على شرفه بشرف من هو حل فيه من الرسول الدّاعي إلى تعظيم ربه عز وجل مبشراً بثوابه ومنذراً لعقابه. الكبد: شدة الأمر، فالإنسان مخلوق في شدة أمر بكونه في الرّحم ثمّ في القماط والرباط ثم على خطر عظيم عند بلوغه حال التّكليف، فينبغي له أن يعلم أن الدّنيا دار كدر ومشقة وأن الجنة دار الرحمة والنعمة. اللّبد: الكثير الذي قد تراكب بعضه على بعض.

النجدان: الطريقان للخير والشّر، وأصل معنى النجد العلو شبّه طريق الخير والشّر بهما لظهوره فيهما. وقيل {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} ليبصر بهما {وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} لينطق بهما {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} ليستدل بهما. وقيل: لا أقسم بهذا البلد مكة. وقيل: وأنت حل بهذا البلد: أي: حلال لك، قيل: نزلت حين أمر بالقتال فقتل ابن خَطل صبراً وهو آخذ بأستار الكعبة ولم تحل لأحد بعده. عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. وقيل: والد: كل والد وما ولد: العاقل. عن ابن عباس وعكرمة وقيل: آدم وولده عن الحسن. وقيل: إبراهيم وولده عن أبي عمران الجوني.

وقيل {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} في انتصاب قامة. مالاً لبداً كسبته وفي أي شيء أنفقته. النجدين: قيل: الثديان. عن ابن عباس بخلاف. وقيل: وأنت حل بهذا البلد أي: أنت مقيم وهو محلك قال الحسن: وأنت حل بهذا البلد: أي: أنت فيه محسن وأنا عنك فيه راضٍ. وقيل: نزلت في رجل جُمَح يقال يكنى أبا الأشدين وكان قوياً شديداً. وقيل {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} في إنفاقه يقول: أنفقت مالاً كثيراً فمن يحاسبني فقيل له {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} . الاقتحام: الدخول على شدة ضغط، والمعنى هلا دخل في البر على صعوبة كصعوبة اقتحام العقبة.

العقبة: الطريقة التي تُرْتقى على صعوبة ويحتاج فيها إلى معاقبة الشّدة بالتضيق والمخاطرة. الفك: فرق يزيل المنع ويمكن معه أمر لم يكن ممكناً من قبل، ففك الرقبة فرّق بينهما وبين حال الرق بإيجاب الحرية وإبطال العبودية. المؤصدة: المطبقة وفيه لغتان: أوصدت الباب أوصده وأوصدته المتربة: بقعة التراب أي: هو مطروح في التراب لا يواريه عن الأرض شيء وقيل: المتربة شدة الحاجة من قولهم: تَرِب الرجّل إذا افتقر. عن ابن عباس. مؤصدة: مطبقة. اليتيم: الصّبي الذي مات أبوه أو أمّه، والأغلب اليتيم من الأب. المشأمة: ذات الشّمال اشتقاقه من الشؤم خلاف البركة. قال الحسن: عَقبة والله شديدة مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوّه الشيطان، وقيل: لم يكرر لا في اللّفظ، وهي بمنزلة المكرر في المعنى كأنه قيل: فلا اقتحم العقبة ولا أمن. المقربة: القرابة. وقيل: الميمنة اليمين والبركة.

المرحمة: حال الرحمة. قرأ {فك رقبة أو أطعم} بغير ألف ابن كثير وأبو عمرو والكسائي. وقرأ الباقون {فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ} . فالأول: بدل (فلا أقتحم العقبة (فك رقبة) . والثاني: على جواب {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} فيكون الجواب بالاسم. قرأ أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم {مُؤْصَدَةٌ} بالهمز، وقرأ الباقون بغير همز.

سورة والشمس وضحاها

سورة والشمس وضحاها مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) } إلى آخرها فقال: ما ضحى الشّمس؟ وما وجه الدلالة من جهة تلو القمر للشّمس على الصّفة المألوفة؟ وعلى ماذا يعود الضمير في جلاّها؟ الطغوى؟ وما الشّقي؟ وما السقيا؟ وما العقر؟ وما الدمدمة؟ الجواب: ضحى الشّمس: صدر وقت طلوعها، وكذلك ضحى النّهار وقت كونه ويقال: ضحّى بكبش إذا ذبحه في وقت الضحى من أيام الأضحى ثم كثر حتى قيل له ولو ذبحه في آخر النّهار. وقيل: العبرة من جهة نشر الضوء حتى يقوى تلك القوة بأن الله وجّه الدلالة من جهة تلو القمر للشّمس على الصّفة المعهودة من جهة المعاقبة على أمور مرتبة في النقصان والزيادة لأنّه لا يزال ضوء الشّمس ينقص بغياب جرمها

ويقوى ضوء القمر حتى يتكامل كذلك دائيبين على التّسخير للعباد بما ليس في وسعهم أن يجرؤه على شيء من ذلك المنهاج. الهاء: في جلاّها يعود على الشّمس بضوءه المبين لجرمها. {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} بظلمته عند سقوطها. معنى طحاها بسطها حتى أمكن التصرّف عليها طحى يطحوا طحواً، ودحى يدحوا دحواّ معنى دسّاها: أي: دسا نف سه بالعمل الفاسد حتى صيّرها في محاق وخسران، يقال: دسا فلان يدسوا دسواً ودسوة أي: أتى بالفساد نقيض زكى يزكوا زكاءاً وهو زاكٍ. وقيل: دساها دسّسَها بمعنى حملها ووضع منها بمعصية كما قيل: وتقضّى البازي بمعنى تقضض البازي. وقيل: والقمر إذا اتبع الشّمس في النصف الأول من الشهر إذا غربت الشّمس تلاها القمر بالطلوع، وفي آخر الشهر يتلوها في الغروب عن ابن زيد. وقيل {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [معناه والسماء وبنائها جعل (ما) مع ما بعدها بمنزلة المصدر] (1) عن قتادة.

_ (1) ما بين المعقوفتين زيادة من التبيان للطوسي.

وقيل: ومن بناها الله عن مجاهد والحسن. {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} عرّفها طريق الفجور والتقوى. عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: قد أفلح من زكّى نفسه بعمل صالح. عن ابن عباس. وقيل: خاب من دسّى نفسه في معصية الله منهمكاً في القبائح التي نهاه الله عنها. قال الحسن: ونفس ومن سوّاها: النفس آدم ومن سوّاها الله وقيل: تلاها في الضّوء. وقيل: دسّها بالبخل لأن البخيل يُخْفِي نفسه ومنزله لئلاّ يطلب نائله وقيل: قد أفلح من زكّى الله نفسه، وقد خاب من دسّى الله نفسه قرأ ابن كثير وابن عامر {وَضُحَاهَا} بفتح أواخر السّورة، وقرأ الكسائي بإضجاع ذلك كله، وقرأ أبو عمرو ونافع الجميع بين الكسر والفتح، وقرأ حمزة {وَضُحَاهَا} كسراً وفتح {تلاها، وطحاها} والفتح الأصل والإمالة تخفيف وبين تخفيف مشعر بالأصل وأما حمزة فأمال باب التاء وفتح باب الواو.

الطغوى: مجاوزة حال الفساد الوسطى بما يوجبه الجهل والعمى. الشقاء: شدة الحال في مقاساة الآلام السقيا: الحظ من الماء، وهو النصيب منه. العقر: قطع اللّحم بما يسيل الدّم. الدمدمة: ترديد الحال المتكرهة وهي مضاعفة ما فيه المشقة، فضاعف الله على ثمود العذاب بما ارتكبوه من الطغيان العقبى: بسبب ما أدّى إليه الحال الأولى. التسّوية: تصّيير الشيء على مقدار غيره، فسوّاها أي: جعل بعضها على مقدار بعض في اللصوق في الأرض. وقيل {بِطَغْوَاهَا} أي: بعذابها. عن ابن عباس على الطّاغية فأتاها ما كذّبت به. وقيل: معصيتها عن مجاهد. وهو وجه التأويل. وقيل: دمدم دمّر عليهم. وقيل: ولا يخاف الله تبعة الدمدمة. عن ابن عباس وقتادة.

وقيل: لم يخف الذي عقرها عقباها عن الضحّاك. وقيل: عاقر النّاقة أحمر ثمود، وهم يرونه وكلهم رضوا بفعله. فعمهم العذاب لرضاهم به. و {ناقة الله} تقديره: فاحذروا ناقة الله وقيل: عقرها هو تكذيبهم. وقيل: الإبل هو غيره. وقيل: كانوا أقروا بأن لها شرباً ولهم شرب غير مصدّقين بأنّه حق. قرأ {فَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} بالفاء نافع وابن عامر، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشّام. وقرأ الباقون بالواو وكذلك هي في مصاحفهم.

سورة والليل

سورة والليل مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) } إلى آخرها فقال: ما اليسرى؟ وما العسرى؟ وما التيسير؟ وبأي شيء يكون التفسير للعسرى وما الحسنى؟ وما معنى: شتّى؟ وما معنى ومن المعني بالذّكر والأنثى؟ وما الأولى؟ وما الآخرة؟ وما التلظّى؟ وما المجتنب؟ وما الأعلى؟ الجواب: التيسير: تصيير الأمر سهلاً، ونقيضه التعسير وهو تصيير الأمر صعباً، واليسر نقيض العسر.

العسرى: البلية العظمى بما تؤدي إليه مما هو كصعوبة للمرتقى. ونقيضها اليسرى هو التيسير للعسرى بالتصيير إلى النّار، كما أن التيسير لليسرى بالتصيير إلى الجنّة، ويجوز أن يكون تيسير سلوك طريق الجنّة وتيسير سلوك طريق النّار تمكين كل واحد منهما من ذلك على ما أراد وعلم. الحسنى: النعمة العظمى بحسن موقعها عند صاحبها، وهذه صفة الجنّة التي أعدّها الله للمتقين. معنى شتّى: متفرق على تباعد ما بين الشيئين جداً، ومن شتّان أي بعد ما بينهما جداً كبعد ما بين الثرى والثّريا. وقيل: أقسم الله بالنّهار إذا أنار وظهر للإبصار، لما في ذلك من الاعتبار، وبالّليل إذا أظلم وغشي الأنام لما في ذلك من الهول المحرّك للنّفس بالاستعظام. وقيل: إنّما كرر ذكرها لعظم شأنها. وقيل: من أعطى حق الله وأتقى محارم الله. وقيل {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} بالخلف. عن ابن عباس، وقيل: بتوحيد الله تعالى عن الضحّاك، وقيل: بالجنّة عن مجاهد، وقيل: بوعد الله عن قتادة.

وقيل: إذا تردّى هوى في النّار، وقيل: إذا مات. {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} لبيان الطّاعة من المعصية. وقيل الغشي: إلباس الشيء ما يعمه ويستر جملته. والّليل إذا يغشى النّهار يذهب ضوءه والنّهار إذا تجلّى أي: جلّى الّليل فأذهب ظلمته. وقال: عني بالذّكر والأنثى آدم وحواء. وقال: لشتّى: أي: لمختلف. وقال {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} في القبر، وما يغني عنه ماله إذا تردّى في النّار. وقيل: فسنيسره إلى العود للعمل الصّالح، ونيسره للعسرى على مزاوجة الكلام عن الفرّاء، والمعنى التمكين. الأولى: المعنى الذي قبل غيره مما يجري على أصله. الأنثى والأولى من صفة الدّنيا. التّلظي: تلهّب النّار بشدة، الإيقاد. ولظى اسم من أسماء جهنّم.

قيل {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} للإنذار بنارٍ هذه صفتها، وهي درك مخصوص من أدراك جهنّم لهذا المتوعّد بها، وقيل: إنّها محذوف لما صحبه من دليل الآي الآخر، كأنّه قال: أو من جرى مجراه ممن عصاه. التجنيب: تصيير الشيء في جانب غيره. والاتقاء: تصيير في جانب الجنّة عن جانب النّار. الأعلى: الأجل في صفة القادر بأنه يَنال ولا يُنال. توهّج وتلهب وتلظى نظائر في اللّغة. وقيل {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} أي: ليس ذلك بيد يتّخذها عند أحد من العباد وذكر الوجه طلباً لشرف الذكر، والمعنى إلاّ الله ويجوز إلاّ ابتغاء ربّه وطلب رضوانه وجه ومعناه عندنا إلاّ ابتغاء ربّه الذي له الوجه.

قال عبد الّله بن الزّبير: نزلت في أبي بكر الصّديق - رضي الله عنه - وقيل: كذّب أي: ففرّ عما أمر به كما تقول: لقي فلان العدو فكذّب إذا نكل ورجع. عن الفرّاء. وكأنّه قيل: كذّب في الطّاعة أي: لم يحقق. قرأ ابن كثير في إحدى الرّوايتين {نَارًا تَّلَظَّى} مشددة التاء. وقرأ الباقون بالتخفيف وأدغم ابن كثير التنوين في التاء.

سورة والضحى

سورة والضحى مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) } إلى آخرها فقال: ما الضّحى؟ وما معنى: سجى؟ وما العائل؟ وما معنى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ؟ وما سبب نزول السّورة؟. الجواب: الضّحى: صدر النّهار، وهو الضّحى المعروف عن قتادة. وقيل: {وَالضُّحَى} النّهار كله من قولهم: ضحى فلان للشمس إذا ظهر لها وفي التنزيل {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) } معنى {سَجَى} غشي بظلامه. وقيل: سجى بمعنى سكن من قولهم: بحر ساجٍ أي: ساكن، وطرف ساجٍ كالعائل الفقير وهو ذو العيلة من غير حده.

معنى {قَلَى} أبغض. عن ابن عباس. وقيل: إنّه لمّا تأخّر عنه - صلى الله عليه وسلم - الوحي قال قوم من المشركين: ودّع محمداً ربُّه وقلاه فأنزل الله تعالى تكذيبهم. عن ابن عباس وقتادة. معنى {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) } وجدك لا تعرف الحق فهداك إليه، وقيل: ضالاً عما أنت عليه من أمر النبوة والشريعة فهداك إليهما. وقيل: في قوم ضلال أي: فكأنّك واحد منهم {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} قيل: من شكر النعمة التحديث بها. وقيل: ما ودّعك: ما قاطع الوحي عنك. وقيل: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اغّتم لما تأخّر الوحي عنه فنزلت السّورة.

وقيل: له في الجنّة ألف قصر من الّلؤلؤ ترابه المسك وفيه من كل ما تشتهي على أتم الوصف. عن ابن عباس. ولم يكن ضلالة معصية. وذكر النعمة من المنعم يحسن على وجهين: أحدهما: التذكير بهما للشكر وطلب الزيادة منها فهذا جود وكرم. والآخر: عند كفر المنعم عليه، فهذا التذكير على الوجه الأول فلا تقهر أي: لا تقهره بأخذ ماله ظلماً، فكذلك من لا ناصر له، وهو خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ونهي لجميع المكلفين. والانتهار: إيقاع الأغلاط بالصّياح في الوجه نهره وانتهره بمعنى وقيل: فلا تقهره على ماله.

سورة ألم نشرح

سورة ألم نشرح مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) } إلى آخرها فقال: ما الشّرح؟ وما الصدر؟ وما الوزر؟ وما الإنقاض؟ وما الفراغ؟ الجواب: الشرح: فتح الشيء بإذهاب ما يُصد عن إدراكه، فالله جل ذكره قد فتح صدر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بإذهاب الشّواغل التي تصد عن إدراك الحق وتعظيمه بما يحب له،

ومنه انشرح صدري لهذا الأمر، ومنه تشريح اللّحم، ومنه {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} . الصدر: الموضع الأجل الأرفع الذي فيه القلب. الوزر: الثِّقَلْ، والأوزار: الذنوب لأنها أثقال. الإنقاض: الأثقال الذي ينتقض به ما حمل عليه، النقض والهدم من النظائر. الفراغ نقيضه الشغل وهو: إنتفاء كون الشيء المضاد لكون غيره في المحل وزرك: ذنبك عن مجاهد وقتادة. وقال الحسن: الوزر الذي كان عليه في الجاهلية قبل النبوة. أنْقَض أثقل عن الحسن ومجاهد. يقال: بعير ناقض إذا أثقله السفر.

{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} بأني لا أذكر إلا ذكرت بلا إله إلاّ الله محمد رسول الله. عن الحسن ومجاهد. وفي حديث مرفوع (لن يغلب عسرٌ يسرين) ووجه ذلك إن العسر معروف فهو واحد لأنه ذلك المعروف بعينه، واليسر منكّر فالثّاني فيه غير الأول. وقيل: فإذا فرغت: من فرضك فانصب إلى ما رغبك الله فيه من العمل. عن ابن عباس. وقيل: فإذا فرغت: من جهاد أعدائك فانصب إلى ربّك في العبادة. عن الحسن. وقيل: فإذا فرغت فانصب: إلى ربّك في الدّعاء عن قتادة. وقيل: فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب إلى عبادة ربِّك. عن مجاهد. وإنما وصفت ذنوب الأنبياء بهذا الثقل مع أنّها صغائر مغفورة لشدة اغتمادهم بها وتحسّرهم على وقوعها مع ندمهم عليها. فإذا فرغت فانصب: خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد جميع المكلفين من أمَّته.

سورة والتين

سورة والتين مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّين (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8) } إلى آخرها فقال: ما التّين؟ وما الزّيتون؟ وما الحكم؟ وما طور سينين؟ وما التقويم؟ وما البلد الأمين؟. الجواب: التّين: ثمرة شجرة مهيئة على التغيير مخلصة من شائب التنغيص، وفي ذلك عظم العبرة لمن هيأها على تلك الصّفة وخلّصها لتكامل اللّذة وجعلها على مقدار اللقمة في حسن صورة ثمّ ما فيه من المنفعة بإخراج فضول البدن وجودة الغذاء، والله تعالى المنعم به على عباده والمنبه على ما فيه ليشكروه عليه ويعتبروا به ويتفكروا في عظم شأنه.

الزّيتون: ثمر شجرة يعتصر منها الزّيت الذي به قوام المنفعة الدائر في أكثر الأطعمة من الإصطباغ به والإدّهان به واتخاذ الصّابون الذي يجري مجرى القوت لأهل العقل والدّين ثمّ ما في شجره من أنّه قال: يبقى على مرور الزّمان في ما فيه من الطيب وإصلاح الغذاء إذا على الحال الأولى. الحكم: الخبر عما فيه الفائدة الداعية إلى الحق. {وَطُورِ سِينِينَ} الجبل الذّي كلّم الله تعالى عليه موسى بن عمران عليه السّلام. وقيل: سينين: بمعنى حسن لأنه كثير النّبات والشّجر. التقويم: تصيير الشيء على ما ينبغي أن يكون عليه في التأليف والتعديل قال الحسن: التّين الذّي يؤكل والزّيتون الذّي يعصر. عن مجاهد وعكرمة وقتادة. وقيل: التّين مسجد دمشق، والزّيتون بيت المقدس وقيل: التّين مسجد نوح والزّيتون بيت المقدس. عن ابن عباس. وقيل: طور سينين بمعنى مبارك عن مجاهد وقتادة. وكأنه قيل: جبل فيه الخير الكثير لأنّه إضافة تعريف.

والبلد الأمين مكة. عن ابن عباس، والأمين بمعنى آمن كما قال تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} وقيل {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} في أحسن صورة. وقيل {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} أرذل العمر. عن ابن عباس. وقيل: ثمّ رددناه إلى النّار في أقبح صورة. عن الحسن ومجاهد وقيل {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير منقوص، وقيل: غير مقطوع. وقيل: فما يكذّبك أيّها الإنسان بعد هذه الحجج بالدّين عن قتادة، أي: بالجزاء والحساب. وقيل: أحسن تقويم منتصب القامة وسائر الحيوان منكب إلاّ الإنسان. عن ابن عباس. وقيل: غير ممنون غير مكدّر بما يؤذي ويغم.

وقيل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} صنعاً وتدبيراً.

سورة اقرأ باسم ربك

سورة اقرأ باسم ربك مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) } إلى آخرها فقال: لم أوجب أن يكون في تعظيم المسمّى؟ قيل: لأن الاسم هو المسمّى وقالت المعتزلة: الاسم غير المسمّى فيجب على هذا أن يقرأ بغيره، وهذا كقوله تعالى {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) } . وكقوله {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} . وذلك مما يدل على أن الاسم هو المسمّى. العلق: قطع الدم الذي يعلق لرطوبتها بما تمر عليه فإذا جفّت لم تكن علقاً، وفي خلق الإنسان من علق دليل على ما يصحّ أن ينقلب إليه الجوهر.

الأكرم: الأعظم كرماً، وهو في صفة الله الأعظم كرماً بما لا يبلغه كرم كريم فمن علّق آماله بسوى كرمه فقد ضيّعها ورجع بجملتها ولا يعتدّ بصنيعته إن نالها. القلم: المهيأ للكتابة بالبرَاء والقطع، وقد نوّه الله باسمه إذ ذكره في كتابه معتدًّا به في نعمه على خلقه ولعمري أنه لعظيم الشّأن لا يخلو من الانتفاع وقد وصفه بعض الشعراء فقال: لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأرى الجنى اشتارته أيد عواسل فإن قال: ما في العلم من الدليل على القديم قيل: إن العلم لا سبيل إلى فعله إلاّ من عالم به أو من مدلول عليه فلولا إن القديم - عز وجل - فعله بالضرورة إليه. أو نصب الدليل عليه لم يكن سبيل إلى وجوده، ولذلك ذكّر بالنعمة فيه فقال {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} أي: بالضرورة إليه أو نصب الدليل عليه، وإنّما قيل {عَلَقٍ} في معنى جمع الإنسان لأنه جمع على طريق الجنس، علقه وعلق كقوله: شجره وشجر وقصبه وقصب.

وقيل: أوّل ما نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} عن عائشة ومجاهد وعطاء بن يسار رضي الله عنهم. ويجوز: زيدٌ رآه استغنى من رؤية القل ببمعنى العلم، ولا يجوز زيدٌ رآه من رؤية العين حتى تقول رأى نفسه لأن الذي يحتاج إلى خبر جاز فيه الضمير المتصل لطول الكلام بلزوم المفعول الثّاني. وقيل: اقرأ القرآن وربّك الأكرم الذي ثبّتك على عملك بما يقتضيه كنهه. قرأ أبو عمرو {رأى} بفتح الياء وكسر الهمزة، وقرأ نافع وحفص {رأى} بالفتح وقرأ الباقون {رآه} بكسر الراء وبعد الهمزة ألف في وزن رعاه وذلك على إمالة الفتحة وأبو عمرو يميل الألف. الهدى: البيان عن الطريق المؤدي إلى الغرض، وهو الرشد والحق.

التقوى: تجنب ما يؤدي إلى الأذى، والأصل فيه وقيا أبدلت الواو ياءاً. معنى {لَنَسْفَعًا} إلى حالت تشويه سفعته النّار والشّمس إذا غيّرت وجهه إلى حال تشويه، وقيل: هو الجر بالنّاصية إلى النّار والنّاصية: شعر مقدم الرأس. النادي: مجلس أهل النعماء والجود فهذا أصله، فليدع أهل ناديه ليعاونوه فإنا ندع الزّبانية ليأخذوه وهذا وعيد شديد. وقيل: نزلت في أبي جهل لعنه الله. عن ابن عباس، وكان النّبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال أبو جهل ألم أنهك عن الصّلاة انتهره وغلظ له فقال أبو جهل: أنا أكثر أهل الوادي نادياً. وقيل: أرأيت هذا الذي فعل هذا الفعل ما الذي يستحق بذلك من العقاب؟ الزّبانية: الملائكة. عن ابن عباس. الزبن الدفع والنّاقة تزبن الحالب تركضه برجلها. قال أبو عبيدة: واحد الزّبانية زبنية. قال الكسائي: واحدهم زبنى.

قال الأخفش: واحدهم زابن ويجوز أن تكون اسماً للجمع مثل أبابيل.

سورة القدر

سورة القدر مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) } إلى آخرها فقال: ما القدر؟ وبأي شيء يفضّل بعض الأوقات على بعض؟ وما الشّهر؟ وما تتنزّل الملائكة بكل أمر في ليلة القدر؟ وما السّلام في ليلة القدر حتى مطلع الفجر؟. الجواب: القدر: كون الشيء على مساواة غيره من غير زيادة ولا نقصان ففي ليلة القدر تجدّد الأمور على مقاديرها جعلها الله في الآجال والأرزاق والمواهب التي يجعلها للعباد ويقع فيها غفران السّيئات، وتعظم منزلة الحسنات على ما لا يقع في ليلة من الليالي فينبغي للعاقل أن يرغب فيما رغّبه الله بالمبادرة إلى أمر به على ما شرط فيه، بعض الأوقات أفضل من بعض بما يكون من الخير الجزيل والنفع الكثير، فلمّا جعل الله الخير الكثير يقسم في ليلة القدر بما لا يكون مثله في ألف شهر كانت أفضل منه بما جعله الله فيها من هذا المعنى.

الشّهر: مأخوذ من الشهرة في النّاس لحاجتهم إلى ذلك وأكثر معاملاتهم التي تقتضي المشاهرات وهو قدر عدد الأيام على أول طلوع الهلال، وعدد التكبير على ما هو مشهور بين العباد. {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} هبوطهم بذلك إلى سماء الدّنيا حتى يعلمه أهل سماء الدّنيا حتى يتصوره العباد ينزل بأمر الله فتنصرف آمالهم إلى ما يكون منها فيقوى رجاءهم بما يتحدد من تفضّل الله فيها. ال سّلام في ليلة القدر حتى مطلع الفجر سلام الملائكة بعضهم على بعض، ويجوز نزولها بالسّلامة من الخير والبركة إلى تلك السّاعة. وقيل: أنزل القرآن جملة إلى سماء الدّنيا في ليلة القدر. عن ابن عباس. وقيل: ابتدأنا إنزاله ليلة القدر. عن الشعبي. وليلة القدر هي الليلة التي يحكم فيها ويقضي الله - عز وجل - في السنة من كل أمر عن الحسن ومجاهد. الرّوح: جبريل صلى الله عليه. وقيل: سلام هي من الشر حتى مطلع الفجر عن قتادة. والمطلَع الطلوع والمطلِع موضع الطلوع.

وقيل: ليلة القدر في العشر الأواخر في شهر رمضان لم يطلع عليها بعينها الناس. وقيل: أخفاها الله عن العباد ليستكثروا من العبادة في سائر أيام العشر طلباً لموافقتها. ويجوز أن تختلف أوقاتها في السّنين وتكون سنة إحدى وعشرين وسنة ثلاث وعشرين وسنة ليلة سبع وعشرين وسنة ليلة تسعٌ وعشرون، وعلى ذلك جاء الحديث أنّها في الأفراد من العشر الأواخر من رمضان وقيل: ليلة القدر قد فسّره {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) }

وقيل: ليلة القدر ليلة عظم الشّأن من قولك: رجل له قدر. والهاء في {إنا أنزلناه} ترجع إلى معلوم هو القرآن. قرأ {مَطْلِعِ} الفجر: بكسر اللام الكسائي على وقت الطلوع، وقرأ الباقون بالفتح على الصَّلاة.

سورة البينة

سورة البينة مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) } إلى آخرها فقال: ما الانفكاك؟ وما البيّنة؟ وما القيّمة؟ وما الحنيف؟ وما الرّضى؟ وما البريّة؟ وما الصّحف المطهّرة؟ الجواب: الانفكاك: انفصال عن شدّة اجتماع وأكثر ما يستعمل في النفي كما أن ما زال كذلك تقول: ما انفك من هذا الأمر أي: ما انفصل منه لشدة ملابسته البيّنة: الحجة الظاهرة التي يتميز بها الحق من الباطل، وكل برهان بينة.

القيّمة: المستمرة في جهة الصواب، وهو (فيعله) من قام بالأمر يقوم به إذا أجراه في جهة الاستقامة، وتقديره وذلك دين الملة القيمة أو الشريعة القيمة. الحنيف: المائل إلى الحق، والحنيفية الشريعة المائلة إلى الحق وقيل: للمائل القدم أحنف على التفاؤل. الرضى: الإرادة، ومعنى {جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} هنا: إرادة الخير من الله لهم. وقيل {صُحُفًا مُطَهَّرَةً} من الباطل، وهو القرآن يذكره بأحسن الذّكر ويثنّى عليه، فلما أتى تفرّقوا فآمن بعض وكفر بعض. البريّة: فعيلة من برأ الله الخلق إلاّ أنه ترك فيه الهمز، ويجوز أن تكون فعيلة البرى وهو التراب. وقيل: لم يكونوا ليتركوا منفكّين من حجج الله تعالى حتى تأتيهم البينة التي تقوم بها الحجة عليهم.

وقيل: الصّحف المطهّرة في السّماء لا يمسّها إلاّ الملائكة المطهّرون من الأنجاس عن الحسن. وقيل: لم يكونوا منفكّين أي: منتهين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة وقيل: لم يكونوا منفكّين من كفرهم. وقيل: لم يكونوا منفكّين بصفتهم للنّبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه في كتابهم. والانفكاك على وجهين: على لا يزال ولا بد من خبر وحرف الجحد ويكون على الانفصال فلا يحتاج إلى خبر ولا حرف جحد كقولك: انفك الشّيء من الشّيء. قرأ نافع وابن عامر {شر البريئة} و {خير البريئة} مهموزات. وقرأ الباقون بغير همز.

سورة الزلزلة

سورة الزلزلة مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) } إلى آخرها فقال: ما الزلزلة؟ وما إثقال الأرض؟ وما معنى: مَا لَهَا؟ وما معنى: يومئذٍ تحدّث أخبارها؟ وما رؤية الأعيان؟ وما الذرّة؟. الجواب: الزلزلة: شدّة الاضطراب عما يهدم البنيان، زل زل يزل زل زلزالاً فكأنّه مكرر زلّ يزلّ زلاّ للتكثير والتعظيم. إثقال الأرض ما فيها مدفون من ميت أو غيره تلفظ بكل ما فيها عند انقضاء أمر الدّنيا وتجديد أمر الآخر.

معنى {مَا لَهَا} أي: أيُ شيء أصارها إلى هذه الحالة التي ترى بها يقول الإنسان متعجباً من عظم شأنها وأنه لأمر عظيم، لفظت بما فيها وتخلّت من جميع الأمور التي استودعتها. معنى {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} يظهر بالدّليل الذي يجعله الله فيها ما يقوم مقام إخبارها بأن أمر الدّنيا قد انقضى وأمر الآخرة قد أتى، وأنّه لا بد من الجزاء وأن الفوز لمن اتّقى والنّار لمن جحد. وأمّا رؤية الأعمال المعرفة بها عند تلك الحال وهذه رؤية القلب، ويجوز أن يكون التأويل على رؤية العين بمعنى ليرو صحائف أعمالهم يقرؤن ما فيها. {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} . الزلزال بكسر الزاي المصدر والفتح الاسم وقيل: أثقالها الموتى. عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: أنّها تتكلّم يومئذٍ فتقول أمرني الله بهذا عن عبد الله ابن مسعود. وقيل: ليروا جزاء أعمالهم. وقيل: يرى الكافر حسناته فيتحسر عليها لأنها محبطة.

وقيل: الذرة: النمل الصغير. عن ابن عباس. وقيل {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} بمن عصى عليها، ويجوز ذلك على ثلاثة أوجه: بأن يقلبها الله حيواناً قادراً على الكلام فتتكلّم بذلك. والثّاني: يحدّث الله الكلام فيها. والثّالث: يكون بيان يقوم مقام الكلام وقيل: المحسن يرى سيئاته مكفّرة والمسيء يرى حسناته محبطة وقيل: زلزلت ورجّت ورجفت سواء. وقيل: مثقال ذرّة زنة ذرّة. قرأ عاصم {خَيْرًا يُرَهُ} {شَرًّا يُرَهُ} بضم اليائين في رواية أبان. وقرأ الباقون بالفتح، وقرأ {خَيْرًا يَرَهْ} {شَرًّا يَرَهْ} بسكون الهاء ابن عامر في رواية هشام ابن عمار، وقرأ الباقون {خَيْرًا يَرَهُ} مشبعة فيهما.

سورة والعاديات

سورة والعاديات مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) } إلى آخرها فقال: ما الضّبح؟ وما معنى: والعاديات؟ وما معنى: والموريات؟ ولم أقسم بالمغيرات صبحاً؟ وما النقع؟ وما معنى: كنود؟ وما معنى: بعثر ما في القبور؟ وما معنى: فوسطن به؟ وما معنى: إنه لكنود؟ وما الخير الذي قاله {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} ؟ وما معنى: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} ؟. الجواب: العاديات ضبحاً: الخيل. عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: العاديات ضبحاً: الإبل. عن عبد الله ابن مسعود. والضبح في الخيل أظهر عند أهل العلم. ومعنى الضّبح: حمحمة الخيل عند العدو. وقيل: الضبح شدّة النّفَس عند العدو، ضبحت الخيل تضبح ضبحاً وضباحاً معنى {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} المظهرات بسنابكها قدحاً، أورى القادح النّار يوري إيراءاً إذا قدح وتسمّى تلك النّار نار الحباحب.

أقسم بـ {فَالْمُغِيرَاتِ} لعظم شأنها في الغارة على أعداء الله من المشركين، وإنّما أقسم بها تنبيه على عظم الشأن وتأكيد الأخبار. النقع: الغبار لأنّه يغوص فيه صاحبه كما يغوص في الماء. معنى كنود: ومنه الأرض الكنود التي لا تنبت شيئاً وأصله منع الحق ومعنى {إنّه لحب الخير لشديد} : لبخيل بعثر ما في القبور: أثير وأخرج، وكذلك بحثر. وقيل: فالموريات قدحاً الأسنَّة، وقيل: هم الذين يورون النّار بعد انصرافهم من الحرب. عن ابن عباس. وقيل: أمكار الرّجال، وقيل: به يعود إلى معلوم أي: بالمكان أو بالوادي.

وقيل {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} جمع العدو عن قتادة، وقيل: جمع الفريقين عن مجاهد وقيل {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} عن الحسن. وقيل: هو الله تعالى عن قتادة {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} ميّز [الحق من الباطل] (1) . وقيل: إنما ذكر صبحاً لأنه كانوا يسيرون إلى العدو ليلاً ويأتونه صبحاً. وقيل: إنهم لعزهم أغاروا نهاراً وإنه لشديد الحب للمال فهو يظلم النّاس بمنعه. وقيل {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} جمع وأبرز. وقال الحسن: لشديد: لشحيح يمنع منه حق الله عز وجل.

_ (1) ما بين المعقوفتين زيادة من التبيان للطوسي.

سورة القارعة

سورة القارعة مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) } إلى آخرها فقال: ما القارعة؟ وما الفراش؟ وما المبثوث؟ وما العهن؟ ولم جاز عيشةً راضية بمعنى مرضيةً؟ وما معنى: ثقلت موازينه؟ وما معنى: فأمّه هاوية؟. الجواب: القارعة: البلية التي تقرع القلوب بشدة المخافة يقال: قرع يقرع قرعاً. وهو الضرب بشدة اعتماد، ومنه انشقت القرعة. الفراش: الجراد الذي ينفرش ويركب بعضه بعضاً، وهو غوغاء الجراد عن الفرّاء. وقال ابن عبيدة: طير ينفرش ليس بذباب ولا بعوض. وقيل: الفراش هذا الطير الذي يتساقط في النّار والسّراج عن قتادة. المبثوث: المتفرق في الجهات كأنّه محمول على الذهاب فيها. العهن: الصّوف من ألوان عن أبي عبيدة. جاز عيشة راضية: بمعنى مرضية لأن فاعلاً يكون بمعنى ذو رضا كقولهم: نابل أي ذو نبل

قال الشاعر: وغرّرتني وزعمت إنّك لابن في الصيف تامر. أي: ذو لبن وذو تمر. وقيل: القارعة والواقعة والحاقة القيامة عن وكيع. وقال مجاهد: ثقلت موازينه على جهة المثل. وقيل: أمه: لأنه يأوي إليها كما يأوي الولد إلى أمه. وقيل: يهوى على أم رأسه في النّار عن قتادة.

وقيل: الموازين في الأرض على صورة الميزان له كفتان عن الحسن. يقال: عِهْنَه وَعِهْن مثل صوفه وصوف. {مَا هِيَهْ} هذه هاء السكت إلاّ أنَّها توصل على نية الوقف، ويجوز فيها الحذف.

سورة التكاثر

سورة التكاثر مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) } إلى آخرها فقال: ما الإلهاء؟ وما التّكاثر؟ وما الزيارة؟ وما علم اليقين؟ وما الفرق بين النعيم والنعمة؟ وما معنى: كلاّ سوف تعلمون؟ وهل في ذلك دليل على عذاب القبر؟ وفيمن نزلت؟. الجواب: الإلهاء: الصرف إلى اللهو. اللهو الانصراف إلى ما يدعوا إليه الهوى. التكاثر: التفاخر بكثرة المناقب، والمتفاخر متكبر لأنه تطاول بغير حق، والزيارة: إتيان الموضع كإتيان المأوى الألفة على غير إقامة زاره يزره زيارة. علم اليقين: علم يثلج به الصّدر.

النعمة كالإنعام في التضمين لمعنى منعم، أنعم إنعاماً ونعمة، والشكر يتعلق بهما وليس كذلك النعيم لأنه من نعم نعيماً وذلك لا يوجب شكراً. والنَعمة بفتح النون فمن نعُم بضم العين إذا لان. التكاثر: التباهي بكثرة المال والعدد. وقيل: ما زالوا يتباهون بالعز والكثرة حتى صاروا من أهل القبور. عن قتادة. وقيل {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} في اليقين ثمّ كلاّ سوف تعلمون هذا البعث فيما يروى عن علي رضي الله عنه أنه يدل على عذاب القبر. وقيل: النعيم الأمن والصحة عن عبد الله بن مسعود ومجاهد. وقيل: النعيم في المأكل والمشرب وغيره من الملاذ عن سعيد بن جبير وقتادة. وقيل: معناه يسائلهم عن كل نعمة. وقيل {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} في الموقف ثم إذا دخلتم جهنم. وقيل {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} حتى متّم.

وقال الحسن: لا يسأل عن النعيم إلاّ أهل النّار وقيل: نزلت في حيين من قريش تفاخروا حتى ذكروا الأموات وهما بنو سهم وبنو عبد مناف. قرأ ابن عامر والكسائي {لتُرون} مضمومة التاء {ثم لتَرونها} مفتوحة ، وقرأ الباقون بالفتح فيهما.

سورة والعصر

سورة والعصر مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } وما أصله؟ وما الخسر؟ وما الصبر؟ وما الحق؟. الجواب: العصر: الدّهر. عن ابن عباس. وقيل: العشيُّ. عن الحسن وقتادة، وكلاهما فيه العبرة من آخر النّهار في التقصي والليل في المجيء، ومن جهة مرور الليل والنّهار على تقدير الأدوار. أصل العصر: هو عصر الثّوب ونحوه وهو فتله لإخراج مائه، فمنه عصر الدهر، لأنه الوقت الذي يمكن فتل الأمور كفتل الثوب، وبه سميت صلاة

العصر، قيل: لأنها تعصر بالتأخر. أي: تفتل إليه. العصارة ما يعتصر من العنب وغيره. المعصرات: السّحاب التي تعصر المطر الإعصار: غبار ينفتل كالعمود يتصعد إلى السماء. الاعتصار: استخراج مال من الإنسان لأنه ينحلب كما ينحلب ما يعصر. الخسر: هلاك رأس المال، للإنسان في هلاك ماله وهو أكبر في رأس ماله. إلا المؤمن العامل بطاعة ربه وهذه صفة كل مكلف لطاعته. الصبر: حبس النفس عما تنازع إليه من الأمر، وهو الصبر على طاعة الله تعالى عن الحسن وقتادة. الحق: ما دعاه الله تعالى إليه وحسّنه بأمره.

سورة الهمزة

سورة الهمزة مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) } إلى آخرها فقال: ما الهمزة؟ وما المؤصدة؟ وما الحطمة؟ وما العمد؟ وفيمن نزلت السورة؟ وما معنى: أخلده؟ وما معنى: لَيُنْبَذَنَّ؟ وما معنى: تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ؟. الجواب: الهمزة: الكثير الطعن على غيره، بغير حق، العائب له بما ليس فيه عيب لسفهه وجهله وشدة إقدامه على مكاره غيره، همز الناس يهمزهم همزاً، ومنه الهمزة في الكلام لأنها تخرج كالطعنة بقوة اعتماد وقيل: الهمزة الطعان. واللمز: المغتاب العيّاب. والمؤصدة: المطبقة الهدف إليك أوصده إذا أطبقه وأوصدته إيصاداً إطباقا ومنه {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} فأبو عمرو يهمز مؤصدة في تليين. الهمز لين لا يخرج من لغة إلى لغة.

الحطمة: الكثيرة الحطم أي: الأكول، ورجل حطمه أي: أكول وحطّم الشيء إذا كسّره. العمد: جمع عمود وقيل: جمع عماد. الهمزة اللمزة المشاء بالنميمة، المفرق بين الأحبة. وقيل: نزلت في مشرك بعينه كان يهمز الناس ويلمزهم. عن ابن عباس. وقيل: إنه جميل بن عامر الجمحي وقال مجاهد: ليست بخاصة لأحد. وقيل: جمع مالاً وعدده: من غير أن يؤدي حق الله منه.

وقيل: أخلده بمعنى يخلده كما يقال: هلك فلان إذا حدث به بسبب الهلاك من غير أن يقع هلاكه. {لَيُنْبَذَنَّ} ليقذفنّ وليطرحنَّ. وقيل {تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} تبلغ ألمها الأفئدة. وقيل: مطبقة بعمد ممددة عن ابن مسعود وقيل: عمد يعذّبون بها. عن قتادة. وقيل: الأطباق العمد الممددة لها كف مانعهم من الخروج عنها وقيل: يعمل عمل من يحسب أن ماله أخلده وقال الحسن: يحسب أن ماله أخلده: بمعنى يعينه. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {جَمَّعَ} بالتشديد، وقرأ الباقون {جَمَعَ} خفيف. قرأ {عُمُدٍ} بضمتين حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وقرأ الباقون {عَمَدٍ} بفتح العين والميم.

صفحة فارغة

سورة ألم تر

سورة ألم تر مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) } إلى آخرها فقال: ما الأبابيل؟ وما سجّيل؟ وما العصف؟ وما معنى: تضليل؟. الجواب: الأبابيل: جماعات في تفرقة زمرة وزمرة لا واحد لها في قول أبي عبيدة والفراء، كما لا واحد للعبابيد والشماطيط، وزعم بعضهم أنه سمع واحدها إبالة، وقال بعضهم: واحدها إبول مثل عجول. سجيل: كل شديد. وقيل: حجارة من الجحيم فهو سجين ثم أبدلت النون لاماً كما قيل: في أصيلان أصيلا.

العصف: ورق الزرع، وذلك أن الريح تعصفه أي: تذهب به يميناً وشمالاً. معنى {كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} أي مأكول الثمرة كما يقال: فلان حسن أي حسن الوجه، فأجرى مأكول على العصف من أجل أكل ثمرته، لأن المعنى معلوم للإيجاز. وقيل: أبابيل مع بعضها بعضاً. عن ابن عباس. وقيل: أبابيل كثيرة متتابعة عن قتادة. وقيل: كانت سوداً بحرية تحمل في مناقيرها وأكفها الحجارة. عن عبيد بن عمير. وقيل: في تضليل: عما قصدوا له من تخريب الكعبة، وهم خلق من الحبشة رئيسهم أبرهة. وقيل: كانت الحجارة أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة. عن موسى ابن أبي عائشة. وقيل: كان مع كل طير ثلاثة أحجار اثنان في رجليه وواحد في منقاره. وقيل: كان سبب قصد أبرهة لتخريب الكعبة أنه بنى كنيسة عظيمة أراد أن تُحَجَّ بدل الكعبة. وقيل: العصف التبن. عن قتادة.

وقيل: مأكول قد أكلت بعضه المواشي وكسرت بعضه. وقيل: كان ذلك معجزة لنبي كان في ذلك الزّمان، يجوز أن يكون خالد بن سنان. وقيل: أنه إرهاص لنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ولد في عام الفيل. وقيل: كان سبب قصد أبرهة لتخريب البيت الحرام أن العرب هدموا كنيسة الحبشة وهم نصارى. عن الحسن. وقيل: كان الفيل إذا وجهوه إلى جهة غيرها سار إنذاراً من الله - عز وجل - لهم وموعظة. وقيل: مأكول وقع فيه الأكال. وقيل: كان الحجر يقع في رأس الرجل فتخرج من دبره وقيل: سجيل: من طين مطبوخ كالآجر.

سورة لإيلاف قريش

سورة لإيلاف قريش مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) } إلى آخرها فقال: ما الإيلاف؟ وما الرحلة؟ وما الشتاء؟ وما العامل في لإيلاف؟ وما معنى {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} ؟ الجواب: الإيلاف: أصحاب الألف بالتدبير الذي فيه لطف، وهو نقيض الإيحاش ونظيره الإيناس. الرحلة: حال السير على الراحلة، وهي الناقة القوية ومنه الحديث "الناس كإبل مائة لا يجد فيها راحلة" الرحل: متاع السّفر. الارتحال: احتمال الرحل للمسير في السّفر.

الشتاء: أوان شدة البرد. العامل في إيلاف {فليعبدوا} كأنه قيل كذلك الإنعام {فليعبدوا} في تقديم القول فيه في قوله {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) } وقيل: العامل فيه (اعجبوا لإيلاف قريش، وهذا لا يجوز لأنه من سورة أخرى. وقيل: إلف الشيء لزومه على عادة في سكون النفس إليه. وقيل: كانت لهم رحلتان: رحلة الصيف إلى الشّام ورحلة الشتاء إلى اليمن في البحار عن ابن زيد والكلبي. وقيل {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} الغارة بالحرم الذي جبل قلوب العرب على تعظيمه. عن قتادة. والله تعالى {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ} بما أعطاهم من الأموال وسبّب لهم من الأرزاق. وقيل: كانوا إذا قيل في سفرهم نحن أهل حرم الله لم يُتَعَرض لهم.

قرأ ابن عامر {لِإِلَافِ قُرَيْشٍ} قريش بقصرها ولا يجعل بعد الهمز ياء إيلافهم بياءٍ بعد الهمز بخلاف لفظ الأول، وقرأ الباقون {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ} جميعاً بهمزة.

سورة أريت

سورة أريت مسالة: إن سئل عن قوله سبحانه {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) } إلى آخرها فقال: ما معنى يدع اليتيم؟ وما الدين؟ وما حقيقة الدّع بأنه لا يحض على طعام المسكين؟ ولم أطلق فويل للمصلين مع أنه رأس آية يقتضي تمام الجملة. وقيل: ذم بال سهو في الصلاة وليس من فعله؟ وما الماعون؟ وما معنى: ساهون؟. الجواب: معنى {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} : يدفعه عنفاً به، وذلك لأنه لا يؤمن بالجزاء عليه. فليس له رادع عنه، كما لمن يقر بأنه يكافئ عليه، دعّه يدعّه دعّاً إذا دفعه دفعاً شديداً. الدِّين: ها هنا الجزاء فالتكذيب بالجزاء من أضر شيء على صاحبه، لأنه يعدم به أكثر الدواعي إلى الخير، والصوارف عن الشر، فهو يتهالك في الإسراع إلى الشر الذي يدعوا إليه طبعه لا يخاف عاقبة الضرر فيه. حقيقة الذم بأنه لا يحث على طعام المسكين أنه لا يحض عليه بخلاً به لا لعجزه. أطلق {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} لأنه معرف بما يدل على أنه على جهة الرياء والنفاق.

المزيل الأناس وهو في حكم المحذوف للقرينة التي صححت الكلام. ذم السهو في الصلاة، والذم في الحقيقة على التعرض للسهو بدخوله فيها على الرياء وقلبه مشغول بغيرها وقيل: يدع اليتيم يدفعه عن حقه. عن ابن عباس ومجاهد. وقيل {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} يؤخرونها عن وقتها. عن ابن عباس ومسروق. وقيل: غافلون. عن قتادة. وقيل: لاهون كأنهم يسهون للهوهم عنه. الماعون: كل ما فيه منفعة عن أبي عبيدة، وأصله القلة من قولهم: المعن القليل والماعون القليل القيمة بما فيه منفعة من آلة البيت من نحو الفأس والقدحة والإبرة، ومنه معن الوادي إذا جرت مياهه قليلاً قليلاً، والماء المعين الجاري قليلاً. وقيل: الماعون: الزكاة عن علي بخلاف عنه. وقيل: الماعون ما يتداوله الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو.

سورة الكوثر

سورة الكوثر مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) } إلى آخرها فقال: ما الإعطاء؟ وما الكوثر؟ وما معنى: وانحر؟ وما الشانئ؟ وما الأبتر؟ وكيف وجه الإعجاز بهذه السورة مع قصرها؟. الجواب: الإعطاء: إخراج الشيء إلى آخذ له، وهو على وجهين: إعطاء تمليك وغير تمليك وإعطاء كوثر إعطاء تمليك كإعطاء الآجر وأصله التناول من عطى يعطو إذا تناول، والكوثر الذي من شأنه الكثرة والكوثر: الخير الكثير وهو فوعل من الكثرة، وقيل: هو حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة عن عطاء. وقيل: الخير الكثير. عن ابن عباس.

وقيل: نهر في الجنة حافتاه قباب الدر والياقوت عن عائشة رضوان الله عليها، وقيل: يجري على الدر والياقوت عن ابن عمر رحمة الله عليهما معنى وانحر: ضع اليد اليمنى على اليسرى، هذا النحر فيما يروى عن عليٍّ، وقيل: وانحر البُدْنَ لربّك خلافاً لمن نحر الأوثان. الثاني: المبغض شَنَئته أَشْنؤه شناء إذا أبغضته. وقيل: شانئك: عدوك. عن ابن عباس. وقيل: هو العاص بن وائل. الأبتر: المنقطع عن الخير وقيل: الذي لا عقب له عن مجاهد. وقيل: هو جواب لقول العاص بن وائل محمد أبتر لا عقب له. وقيل: هو الأقل الأذل لانقطاعه عن الخير. عن قتادة. وقيل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} الصلاة المكتوبة. وقيل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} صلاة العيد {وانحر} البُدْن والأضاحي. وقيل {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} جواب لقول قريش إنه أبتر لا ولد له. ذكر إذا مات قام مقامه فيما يدعوا إليه، وقد انقطع أمره. فقيل: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} .

والأبتر: الذي ينقطع ما هو عليه من كفره بموته، فكان الأمر كما أخبر به وقيل: للحمار المقطوع الذنب الأبتر فشبه به. وقيل: {وَانْحَرْ} استقبل القبلة بِنَحْرك. وجه الإعجاز في السورة تشاكل المقاطع للفواصل وسهولة مخارج الحروف بحسن التأليف وتقابل المعاني بما هو أولى إذ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} هنا أحسن من صل لنا لأنه يجب أن يذكر في الصلاة بصفة الربوبية، (وانحر) هنا أحسن من (وانسكه) لأنه على بر يعم بعد بر يخص. و (الأبتر) أحسن من (الأخس) لأنه أدل على الكناية في النفس، فهذه الحروف القليلة جمعت المحاسن الكثيرة وما لها في النفس من المنزلة أكثر بالفخامة والجزالة وعظم الفائدة التي يعمل عليها وينتهي إليها.

سورة قل يا أيها الكافرون

سورة قل يا أيها الكافرون مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) } إلى آخرها فقال: ما معنى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) } وما معنى تكرير ذكر العبادة؟ ولم امتنع عبادة الأوثان؟ وفيمن نزلت السورة؟ ولم وقع فيها التكرير؟ وما الدليل على أن الكافرين فيها على الخصوص؟ وهلَّا دل على اختلاف باختلاف اللّفظ وهلَّا دل على ذلك من أصول مختلفة أو هو

أظهر للمعنى؟ وما فائدة الكلام ومن أي وجهة يضمن الإيجاز؟ وما معنى: وما الدليل على أن الألف واللام في الكافرين لمعهود؟ الجواب: معنى {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) } أي: لا أعبد الأوثان وأنتم تعبدونها ولا أنتم عابدون ما أعبد لجهلكم بوجوب إخلاص العبادة لله. معنى تكرير ذكر العبادة لتصريفها في الفوائد المختلفة وذلك لنفي عبادة المؤمنين للوثن كيف تصرفت الحال إلى ماضي أو حاضر أو مستقبل. معنى {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} لكم جزاؤكم على عبادة الأوثان ولي جزاء على عبادة ربي فانظروا ما مقتضى كل من الأمرين. وقيل: إن السورة جواب لقوم من المشركين دعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا هم إلهه سنة وفيهم نزل {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) } . عن ابن عباس. وقيل: قالوا له نشركك في أمرنا بأن كان الذي في يدك خيراً كنّا قد أخذنا بحظ منه.

وقيل: الذي قال الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطّلب وأميّة بن خلف. وقيل: قالوا نتداول العبادة ليزول ما بيننا من البغضاء والعداوة. وقرأ {وَلِيْ دِينِ} أبو عمرو وحمزة والكسائي، وقرأ الباقون {وَلِيَ دِينِ} . بفتح الياء باختلاف عنهم. التكرير لم يقع ولا تكرير في اللّفظ إلاّ في موضع واحد يستبين وجهه. وذلك أن قوماً من المشركين سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناقلة العبادة سنة يعبدون ما يعبد وسنة يعبد هو ما يعبدون لتزول العادة بوقوع العبادة على هذه الجهة فجاء الكلام على طريق الجواب لإنكار ما سألوا فقيل {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) } وهذا نفي منه لما يعبدون في الاستقبال. ثم قال {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) } على نفي العبادة لما عبدوا في الماضي. وهذا واضح في أنه لا تكرير في لفظه ولا في معناه، وأنه تصريف للعبادة فيه إنكار لما سألوا على التفصيل الذي ذكروا. وأما {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) } فعلى التكرير في اللفظ دون المعنى من قبل أن التقابل يوجب أن معناه ولا أنتم عابدون ما عبدت إلاّ أنه عدل بلفظه إلى أعبد للإشعار أن ما عبدت هو ما أعبد، واستغنى بما يوجه التقابل من معنى

عبدت على الإفصاح به، وعدل عن لفظه لتضمين معنى آخر فيه، وكان ذلك أكثر في الفائدة وأولى بالحكمة، لأنه دل على (عبدت) دلالة التضمين من جهة التقابل، وعلى معنى (أعبد) دلالة التصريح باللفظ. فإن قال قائل: فهلاّ قيل ما عبدت ليتقابل اللفظ كما تقابل المعنى؟ قيل: هو في حكم التقابل في اللفظ من حيث هو دال عليه إلا أنه عدل عن الإفصاح به للإشعار بأن معبوده واحد كيف تصرفت الحال وكان هذا أبعد من الإيهام أن معبوده فيما مضى غير معبوده فيما يستقبل. ويجوز في الماضي والم ستقبل أن يقع أحدهما موقع الآخر إذا كان في الكلام دليلٌ عليه نحو {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} على معنى ينادون. فإن قال قائل: مهلاً فهلاّ دل على اختلاف المعنى باختلاف اللفظ إذ هو الأصل في حسن البيان؟. قيل له: إن التقابل يقع في ذلك قد صيّر اللفظ في حكم المختلف، لأنه مقيد به، ودلالة المقيد خلاف دلالة المطلق نحو: زيد قائم بالتدبير على خلاف معنى زيد قائم. فإن قال قائل: فهلاّ دل ذلك من أصول مختلفة إذ هو أدل على خلاف المعنى بصريح الجهة؟. قيل له: إنه لما أريد نفي العبادة على تصريف الأحوال صرف لفظ العبادة لتصريف المعنى، ولم يصلح فيه أصول مختلفة، لئلا يوهم النفي معنى آخر غير تصرف عبادة الله على الوجوه والأسباب كلها، وكان تصريف لفظ العبادة

لتصريف معناها أحق وأولى من تصريف معناها في غير لفظها لما فيه من التشاكل المنافي للتنافر. فإن قال فما الدليل على أن الكافرين فيها على الخصوص؟. قيل له: خروج الكلام على حال معلومة من دخول الكفار متقاطرين في الإسلام، فدل ذلك أنه في قوم مخصوصين مع تظاهر الأخبار بأنه في قوم من الكفار بأعيانهم دون غيرهم. فإن قال: ما الدليل على أن الألف واللام للمعهود مع أن المبهم لا يوصف إلاّ بالجنس؟. قيل له: هي في مخرج اللفظ على الجنس من حيث هو صفة ل (أي) ولكن (أيا) للمخاطبين من الكفار بأعيانهم فآل إلى معنى المعهود في أنه يرجع إلى جماعة بعينها، نحو: يا أيها الرجال ادخلوا الدار، فلم تأمر جميع الرجال، ولكن أمرت الذين أشير إليهم بإقبالك عليهم. فإن قالوا: فما فائدة الكلام؟. قيل لهم: الإنكار لما لا يجوز من مناقلة العبادة على ما توهمه قوم من الكفار لتقوم الحجة به من جهة السمع كما كانت من جهة العقل مع الإعجاز الذي فيه، وذلك من جهة الإخبار بما يكون في مستقبل الأزمان مما لا سبيل إلى علمه إلا بوحي الله تعالى إلى من يشاء من العباد، فوافق المخبر بما تقدم به الخبر، وفي ذلك أوضح الدلالة فإن قال فما معنى {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} ؟

قيل معناه: لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني وحسبك بجزاء دينهم وبالاً وعقاباً، كما حسبك بجزاء دينه نعيماً وثواباً. فإن قيل: ذكرت الحجة في أن ما دعوا إليه لا يجوز؟. قيل له: تقبيحاً لها من حيث أخرجت مخرج مقالة يكفي العلم بفسادها، حكايتها مع الاستغناء بما في العقول من الدلالة على بطلانها. فإن قيل: فهلاّ بيّن ذكرهم بصفة غير منكرة؟. قيل له: قد بين ذلك بعلم التعريف له إلا أنه بصفات الذم التي فيها معنى الرجز وهي دالة على أحوالهم فيما دعوا إليه من الباطل. فإن قال فلم قال {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} مع ما يقتضي ظاهرة التسليم؟ قيل له: مظاهرة في الإنكار، كما قال تعالى {اعملوا ما شئتم} لما فيه من الدليل على شدة الوعيد بالقبح لأنه إذا خرج الكلام مخرج التسليم للأمر دل على أن الضرر لا يلحق إلا المسلم إليه، فكأنه قيل له: أهلك نفسك إن كان ذلك خيراً لك. فإن قيل: فلم قيل {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} ولم يقل (من أعبد) ؟ قيل له: لأنه مقابل لقوله {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} ولا يصلح هنا إلا (ما) دون (من) لأنه يعني {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} من الأصنام ثم حمل الثاني عليه ليتقابل ولا يتنافر. فإن قيل: فكيف أنكر عليهم ما لا يجوز في الحكمة بألين النكير مع خروجه إلى أقبح القبيح؟ .

قيل: ليس ذلك بألين النكير في المعنى وإن خرج لفظه ذلك المخرج، لأنه إنما عومل تلك المعاملة ليجعل في حيز ما يكفي فيه التنبيه، حتى يظهر أنه أقبح قبيح وهذا ضرب من البلاغة عجيب يفهمه كل عاقل له أدنى فطنة.

سورة النصر

سورة النصر مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) } إلى آخرها فقال: ما النصر؟ وما الفتح؟ وما الدين؟ وما الفوج؟ وما وجه وجوب الدخول في الدين؟ وما معنى: مجئ النصر؟. الجواب: النصر: المعونة على العدو للظهور عليه، وذلك أن المعونة قد تكون بالمال على نوائب الزمان، وقد تكون على العدو، وهي النصر دون المعونة الأخرى. والفتح: الفرج الذي يمكن معه الدخول في الأمر بملك العدو.

الناصب للحرب. الدين: الطاعة التي يستحق بها الجزاء، كما قيل {فِي دِينِ الْمَلِكِ} . أي: في طاعته. الفوج: جماعة من جماعة، وإذا قيل أفواج فهو جماعات، وهكذا كان الناس يدخلون في الدين جماعة بعد جماعة من جملة القبيلة حتى تكامل الإسلام الجميع. وجه الاستغفار بالنصر والفتح، أن النعمة تقتضي القيام بحق النعمة المنافية للمعصية، فكأنه قيل: قد حدث أمر يقتضي الاستغفار مما جدّده الله لك فاستغفره. بالتوبة يقبل ذلك منك، ومخرجه مخرج الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعلم لجميع أمته. وقيل: الفتح فتح مكة عن الحسن ومجاهد. وقيل: أفواجاً زمراً زمراً عن مجاهد. وقيل: عاش بعد هذه سنتين ثم توفي - صلى الله عليه وسلم - عن قتادة. وقيل: وعد الله نبيه بالنصر والفتح قبل وقوع الأمر.

والتوّاب في صفة الله عز وجل الكثير القبول للتوبة، والدخول في الدين الاعتقاد لصحته مع استشعار العمل به. فيجيء النصر وقوعه التوقع له. {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي: نزهه عما لا يجوز عليه مع شكرك إياه. وقيل: صل شكراً له ما جدد لك من نعمة. وفي الاستغفار وجهان: أحدهما: عند ذكر المعصية بما ينافي الإصرار. والثاني: ذكر الاستغفار على جهة التسبيح، والانقطاع إلى الله وإنّما قيل إنه كان توَّاباً: أي: إنه يقبل توبة من بقي كما قبل توبة من مضى.

سورة أبي لهب

سورة أبي لهب مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) } إلى آخرها فقال: ما التّب؟ ولم قيل {تَبَّتْ يَدَا} ولم يقل تب وهو الهالك في الحقيقة؟ وما المسد؟ وما الجيد؟ وفيمن نزلت؟ وما معنى: حمّالة الحطب؟. الجواب: التّب: الخسران المؤدي إلى الهلاك، وذلك إخبار ذم لأبي لهب لعنه الله وقيل: {تَبَّتْ يَدَا} كما يقال: كسبت يداه، لأن أكثر العمل لما كان باليدين أضيف ذلك إليهما على معنى الخسار الذي أدى إليه العمل بهما. الأغنى عنه: الدفع عنه، فأما الأغنى بالمال ونحوه فهو دفع وقوع المضارّ به.

المسد: حبل ليف وجمعه أمساد، وإنما وصف بهذه الصفة تخسيساً لها وتحقيراً. الجيد: العنق، وجمعه أجياد وقيل: في تبت يدا أبي لهب: معنى الدعاء عليه نحو {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} . {وَتَبَّ} خبر محض كأنه قيل: وقد وَتَبَّ. وقيل: إنه جواب لقوله تبَّا لهذا من دين. وقيل: كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خ رج إلى الصلاة. عن ابن عباس والضحاك وابن زيد. وقيل: إنما وصفت بحمالة الحطب لأنها كانت تمشي بالنميمة. عن عكرمة ومجاهد وقتادة. والمسد: حبل يكون من صوف عن أبي عبيدة. وقيل: كان أبو لهب أراد أن يرمي النبي - صلى الله عليه وسلم - بحجر فمنعه الله من ذلك. وقال: تبت يداه للمنع الذي وقع به.

ثم قال وتب بالعذاب الذي ينزل به فيما بعد. وفي السورة معجزة من جهة الخبر بأنهما يموتان جميعاً على الكفر فكان الأمر كذلك. وقيل: حمالة الحطب: في النار. وقرأ عاصم {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} نصباً، وقرأ الباقون {حَمَّالَةُ الْحَطَبِ} بالرفع. وقرأ ابن كثير {تَبَّتْ يَدَا أَبِي (لَهْبٍ) وَتَبَّ} بإسكان الهاء، وقرأ الباقون {لَهَبٍ} . وأصل المسد: الفتل، وقيل: المسد الليف لأن من شأنه أن يفتل للحبل.

سورة الإخلاص

سورة الإخلاص

(1)

مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) } إلى آخرها فقال: ما الأحد؟ وما حقيقة الواحد؟ ومن أين دل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} على إبطال مذهب المجسم؟ وما الصمد؟ وما الكفو؟. الجواب: الأحد: معناه واحد، والأحد وحد إلاّ أن الواو قلبت همزة كما قيل: وناه وأناه، لأن الواو مكروهة أولا، فقلبت إلى حرف مناسب لها بأنه أول المخارج كما هي كذلك وإنها حرف علة مع قوة الهمزة أولا وقد جاء وحد قال النابغة: كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... يوم الجليل على مستأنس وحده حقيقة الوحد شيء لا ينقسم في نفسه أو معنى صفته، فإذا أطلق أحد من غير تقدم موصوف، فهو واحد في نفسه، فإذا حوى على موصوف، فهو أحد

في معنى صفته، فإذا قيل: الجزء لا يتجزأ واحد، فهو واحد في نفسه، وإذا قيل: هذا الرجل إنسان واحد في معنى صفته. دلَّ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} على إبطال التجسيم لأن الجسم ليس بأحد إذ هو أجزاء كثيرة، وقد دلَّ الله بهذا القول على أنه واحد فصح أنه ليس بجسم. الصّمد: فيه أقوال: الأول: السيّد المعظّم. كما قال الأسدي: ألا بَكَّرَ النَّاعي بخَيْرِ بني أسدْ ... بعَمْرِو بن مسعودٍ وبالسَّيِّد الصَّمَدْ وقال الزبرقان ولا رهينة إلاّ سيد صمد

وقيل: الذي يُصْمَد إليه في الحوائج ليس فوقه أحد، صمدت إليه أصمد إذا قصدت إليه، وفي الصمد معنى التعظيم كيف تصرفت الحال. وقولنا {اللَّهُ الصَّمَدُ} ابتداء وخبر في قول الكسائي. وقيل: هو كناية عن اسم الرّب جل وعز لأنهم قالوا: ما ربّك؟ قال: هو الله أحد وقيل: الصمد السّيد المعظم. عن ابن عباس. الكفوُ والكفاء والكفي واحد وهو المثل والنظير ومن زعم أن الصّمد بمعنى المصمت فقد جهل الله لأن المصمت هو المتضاغط الأجزاء وهذا تشبيه وكفر بالله. قرأ أبو عمرو {أَحَدُ اللَّهُ الصَّمَدُ} بغير تنوين في الوصل فيما رواه هارون عنه، وقرأ بالتنوين في الوصل فيما رواه نضر.

عن أبيه وأحمد بن موسى، وقرأ الباقون {أَحَدٌ اللَّهُ} بالتنوين، ووجه ترك التنوين أنه ينوي به الوقف لأنه رأس آية مع أنه قد حذف التنوين لالتقاء السّاكنين والوجه تحريكه كما قال الشاعر:

فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلاّ قليلاً قرأ {كفْئًا} بسكون الفاء مهموزاً حمزة ونافع باختلاف عن نافع، وقرأ الباقون {كُفُؤاً أحد} بضم الفاء مهموزاً. ولا يجوز أن يكون {أَحَدٌ} هذه هي التي تقع في النفي، لأنها أعمّ العام على الجملة أحد، والتفصيل، فلا يصلح ذلك إلاّ في الإيجاب، كقولك: ما في الدّار أحد أي: ما فيها واحد فقط ولا أكثر، ويستحيل هذا في الإيجاب ولا شيء إلا وله إلا الله سبحانه.

سورة الفلق

سورة الفلق مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) } إلى آخرها فقال: ما الفلق؟ وما الغاسق؟ وما معنى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}

الجواب: الفلق: الصبح، وأصله الفرق الواسع من قولهم: فلق رأسه بالسّيف يفلقه فلقاً إذا فرقه فرقاً واسعاً عظيماً. ويقال: أبين من فلق الصّبح وفرق الصّبح، وذلك لأن عموده ينفلق بالضّياء عن الظلام، وقيل: له فجر لانفجاره بذهاب ظلامه وقيل: الفلق الخلق لأنه مفلوق. ومنه {فالق الإصباح} و {فالق الحب والنوى} وقيل: للداهية فلقة، لأنها تفلق الظّهر. الغاسق: الهاجم بضرره. وقيل: هنا اللّيل، لأنه يخرج السّباع من آجامها والهوام من مكامنها. وأصله الجريان بالضرر من قولهم: غسقت الجرحة إذا جرى صديدها. والغسّاق: صديد أهل النار لسيلانه بالعذاب. واللّيل غاسق لجريانه بالضرر في إخراج السّباع والهوام.

معنى وقب: دخل، يقال: وقب يقب وقوباً إذا دخل النفّاثات في العقد: السحرة الذين كلما عقدوا عقداً نفثوا فيه، وهو شبيه بالنفخ، فأما التفل فنفخ بريق وهذا هو الفرق بين النفث والتفل. شرّ النفّاثات: فيه قولان: إيهامهم أنهم يمرضون ويعافون، ويجوز ذلك مما يخيل رأي الإنسان من غير حقيقة لما يدّعون من الحيلة بالأطعمة الضّارة والأمور المفسدة. أنه بضرب من خدمة الجن يمتحن الله لهم بتخليتهم فيه بعض الناس دون بعض وفي السورة تعليم ما يستدفع به الشرور بإذن الله على تلاوة ذلك بالإخلاص فيه، والاتباع لأمر الله تعالى. وقيل: الفلق الصبح. عن ابن عباس. وقيل: بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل النار من شدّة حره عن كعب. وقيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما سُحر وإنما طلبت اليهود ذلك فلم يقدروا عليه.

سورة الناس

سورة الناس مسألة: إن سئل عن قوله سبحانه {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) } إلى آخرها فقال: ما الوسواس؟ وما الخنّاس؟ وما معنى: {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس} وما الفرق بين مالك وملك حتى جازى في فاتحة الكتاب ولم يجز إلاّ ملك في سورة الناس؟ وعلى أي حال يوسوس الشّيطان بالإغواء إلى الإنسان؟. الجواب: الوسواس: حديث النفس بما هو كالصّوت الخفي، وأصله الصوت الخفي والوسوسة كالهمهمة ومنه: فلان موسوس إذا غلبت عليه الوسوسة لما يعتريه من المرّة. الخنّاس: الكثير الاختفاء بعد الظهور يقال: خنس يخنس خنوساً ومنه {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} أي: بالنجوم التي تخفى بعدما تظهر بتصريف الحكيم الذي أجرها على حق حسن التدبير.

{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} فيه ثلاثة أقوال: الأول: من شر الوسوسة التي يكون من الجنة والنّاس. الثاني: من شر ذي الوسواس وهو الشيطان، كما جاء في الأثر أنه يوسوس فإذا ذكر العبد ربه خنس، فيكون {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس} كما قال {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} فأما {وَالنَّاس} عطف عليه كأنه قيل: من الشيطان الذي هذه صفته والناس. الثالث: من شر ذي الوسواس الخناس على العموم، ثم يفسر بقوله - عز وجل - {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس} كما يقال: نعوذ بالله من شر كل مارد من الجن والناس. الفرق بين مالك وملك حين جازا في فاتحة الكتاب دون هذه السورة. لأن صفة ملك تدل على تدبير من يشعر بالتدبير، وليس كذلك مالك، لأنه يجوز مالك الثّوب، ولا يجوز ملك الثّوب، ويجوز ملك الرّوم، ولا يجوز مالك الروم، فجرت في فاتحة الكتاب على معنى الملك في يوم الجزاء، ومالك الجزاء، وجرت في سورة النّاس على ملك تدبير من يعقل التدبير، فكأن هذا أحسن وأولى.

يوسوس الشّيطان بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى قلبه من غير سماع الصوت، وهذه حالة معقولة يقع عليها الوسوسة. وقيل {مَلِكِ النَّاسِ} وهو جل وعز ملك جميع الخلق لبيان أن مدبر جميع النّاس قادر أن يعيذهم من شر ما استعاذوا منه مع أنه أحق بالتّعظيم من ملوك النّاس. * * * تم الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله وحده.

الخاتمة

الخاتمة بعد معايشة طويلة مع تفسير ابن فورك (تفسير القرآن العظيم) أخلص إلى عدد من النتائج أهمها: أولاً: الإمام ابن فورك عالم من علماء الأشاعرة الذين ساهموا في تطوير المذهب الأشعري. ثانياً: ومن خلال البحث ظهر لي قوة شخصية الإمام ابن فورك التفسيرية ، يفند، ويعقب، ويناقش، وليس كحاطب ليل يجمع الآراء دون تعقيب، هذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على القيمة العلمية لتفسير الإمام ابن فورك. ثالثاً: ولقد تعرفت من خلال البحث على مصادر كثيرة ومتنوعة، وتعرفت كذلك على الأئمة الأعلام السابقين وجهودهم ومدى صبرهم على طلب العلم والتأسي بهم، من خلال ترجمة الأعلام. فالله أسأل أن يكون هذا البحث على الوجه الصحيح، فإن كان كذلك فهذا من فضل الله وتوفيقه، وإن كان على غير ذلك فمن عادة البشر الخطأ والتقصير، والكمال ليس إلا لله تبارك وتعالى.

§1/1