تعليق مختصر على لمعة الاعتقاد للعثيمين

ابن عثيمين

مقدمة

مقدمة التحقيق إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وبعد: فهذا كتاب شرح لمعة الاعتقاد لابن قدامة تأليف الشيخ محمد الصالح العثيمين في حلته الجديدة نقدمه لإخواننا المسلمين ليروا فيه صورة مشرقة زاهية ناصعة نقية لاعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة. وفي وقت أحوج ما نكون فيه إلى تصحيح الاعتقاد الذي هو بمثابة الأساس الراسخ لبنيان الأعمال الصالحة. وقد ضرب مؤلف هذا المعتقد بسهم وافر في السير على طريقة السلف وأئمة المحدثين في هذا الباب فتراه قد ملأ كتابه بالآيات القرآنية والنصوص الحديثية وأقوال الصحابة وأقوال الأئمة الأعلام. فقد كان رحمه الله حسن الاعتقاد1، نزهًا عابدًا على قانون السلف2 إمامًا في العلم والعمل. وكان لهذا المعتقد السليم أثر بالغ في حياته حتى قالوا عنه: من رآه كأنه رأى بعض الصحابة3 وقد نقل العلامة ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية فقرة من هذا المعتقد وصدر ذلك بقوله: قول شيخ الإسلام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي الذي اتفقت الطوائف على قبوله وتعظيمه وإمامته خلا جهمي أو معطل4 ا. هـ.

_ 1 وصفه بذلك عمرو بن الحاجب كما في سير أعلام النبلاء "167/22". 2 وصفه بذلك ابن النجار كما في الذيل على طبقات الحنابلة "135/2". 3 القائل هو سبط ابن الجوزي كما في الذيل "134/2". 4 اجتماع الجيوش ص "191".

ورغبة في نشر العقيدة الصحيحة قمنا بتدريس هذا الكتاب في مسجدنا لإخواننا بالاستعانة بشرح الشيخ محمد الصالح العثيمين وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وغير ذلك من المصنفات في هذا الباب. فألح عليّ بعض الإخوان في تخريج هذا الشرح وطبعه مع المتن لتعم الفائدة فألقيته اقتراحًا سديدًا فاستخرت الله تعالى واستعنت به وشرعت في ذلك سائلًا المولى جل وعلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به مؤلفه وشارحه ومن علق عليه وناشره وقارئه وطابعه: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ , إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88-89] . وخير وصية أوصي بها إخواني في هذا المقام هي قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] . وما أحسن ما قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك ورأي الرجال وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم1. وقال: فاصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم2. والله تعالى أسأل أن يرزقنا علمًا نافعًا وعملًا صالحًا متقبلًا. كما نسأله سبحانه أن يعيذنا من علم عاد كلًا وأورث ذلًا وصار في رقبة صاحبه غلًَا وأن يمن علينا بتحقيق التوحيد علمًا وعملًا واعتقادًا وحالًا ونعوذ بالله أن يكون حظنا من ذلك مجرد حكايته.

وحسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، ما شاء الله لا قوة إلا بالله، توكلت على الله، اعتصمت بالله، استعنت بالله، وفوضت أمري إلى الله، واستودعت الله ديني ونفسي ووالدي وإخواني وأحبائي وسائر من أحسن إلي وجميع المسلمين وجميع ما أنعم به علي وعليهم من أمور الآخرة والدنيا، فإنه سبحانه إذا استودع شيئًا حفظه ونعم الحفيظ1. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليمًا. وسبحانك اللهم وبحمدك. أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك. مصر. مدينة الاسماعيلية. الجمعة 6 من رجب 1410هـ. وكتب أشرف بن عبد المقصود بن عبد الرحيم.

_ 1- الأذكار للنوي "ص 44" بتصرف.

عملنا في الكتاب 1- جمعنا في هذه الطبعة بين المتن لابن قدامة والشرح للشيخ محمد الصالح العثيمين بطريقة تسهل على القارئ الاستيعاب حيث فصلنا بين المتن والشرح بكلمة الشرح. 2- وضعنا الآيات من المصحف كما ضبطنا الأحاديث، والآثار وما يشكل من العبارات واللألفاظ في المتن والشرح. 3- خرجنا الآيات وبينا مواضعها في المصحف ووضعنا التخريج بجانب كل آية. 4- تخريج الأحاديث والآثار والأقوال وبيان درجة كل منها مع مراعاة أنه إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فيكتفى بذلك كما هي طريقة الحافظ العراقي في تخريج الإحياء. 5- أضفنا بعض التعليقات المهمة من استدراك أو تعقيب أو توضيح أو تنبيه أو غريب أو فائدة.. إلخ. 6- قدمنا بمقدمة تشمل ترجمة مختصرة لابن قدامة ونبذة عن تصانيفه في الاعتقاد ونبذة عن الشيخ محمد الصالح العثيمين وتصانيفه في الاعتقاد. 7- وضعنا للكتاب فهارس تفصيلية للموضوعات، والآيات، والأحاديث، والآثار. 8- اعتمدت في الطباعة بالنسبة لمتن "لمعة الاعتقاد" طبعة الدار السلفية بالكويت بتحقيق بدر البدر لأنها مرقمة ومنظمة ونبهت على بعض الفروق في الهامش. وكذا وضعنا عناوين رئيسية للمتن تناسب الفقرات. الطبعات السابقة لمتن لمعة الاعتقاد لابن قدامة: 1- طبعة مطبعة الترقي بدمشق سنة 1338هـ. عن مخطوطة كتبها عمر بن غازي علي المقدسي الحنبلي. وفرغ من كتابتها في ليلة السابع من شهر رجب سنة 775هـ. بدمشق وعلى هذه الطبعة توالت جميع الطبعات.

2- طبعة مطبعة المنار سنة 1340هـ. ضمن مجموع "عشر رسائل وعقائد" بإشراف الشيخ محمد أحمد عبد السلام. 3- طبعة المطبعة السلفية بالروضة بمصر سنة 1370هـ. عن طبعة الترقي بدمشق وعليها تعليقات غير منسوبة وهي من منشورات المعهد العلمي بالرياض كما كتب عليها. 4- طبعة دار البيان بدمشق سنة 1391هـ بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط دون أن يكتب اسمه عليها، ثم أعيد طبعها بالمكتب الإسلامي سنة 1395هـ كذلك ثم أعيد طبعها مع تنقيحات بدار الهدى بالرياض سنة 1408هـ وكتب عليها اسم الشيخ عبد القادر الأرناؤوط ومقدمة له أيضًا. 5- طبعة الدار السلفية بالكويت سنة 1406هـ ضمن سلسلة عقائد السلف بتحقيق بدر البدر. وذكر في أولها أنه اعتمد على طبعة المنار 1351هـ. 6- طبعة مكتبة القرآن بمصر 1410هـ باسم الاعتقاد وهي من أسوأ الطبعات من حيث التعليق والشرح حيث أساء محقق الكتاب جدًا في التعليق على هذه الطبعة فحشاها بالتأويلات الباطلة لآيات وأحاديث الصفات وقرر فيها منهج الأشاعرة فليحذر مُطالع هذه الطبعة من هذه الأمور المخالفة للاعتقاد الصحيح اللهم هل بلغت اللهم فاشهد. هذا وقد طبع شرح لمعة الاعتقاد للشيخ محمد الصالح العثيمين بمكتبة الرشد بالرياض سنة 1403هـ. وانتشرت بعد ذلك طبعاته وكل هذه الطبعات بدون المتن.

تراجم

تراجم ابن قدامة المقدسي في سطور ... ابنُ قُدَامَة المْقَدِسِيّ في سُطوُرٍ اسمه ونسبه: هو موفق الدين أبومحمد، عبد الله بن أحمد بن محمد بن قُدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله المقدسي، ثم الدمشقي، الصالحي. ولادته: ولد في شعبان سنة 541هـ، بقرية جَمَّاعيل من جبل نابلس. نشأته ورحلاته: - قدم دمشق مع أهله وله عشر سنين، فقرأ القرآن، وحفظ مختصر الخرقي. - رحل إلى بغداد هو وابن خالته الحافظ عبد الغني سنة 561هـ وسمعا الكثير من مشايخ كثيرين فيها. - تفقه حتى فاق أقرانه وحاز قصب السبق، وانتهى إليه معرفة المذهب وأصوله. ورعه وزهده: كان ورعًا، زاهدًا، تقيًا، عليه هيبة ووقار، وفيه حلم وتؤدة وأوقاته مستغرقة للعلم والعمل، وكان يفحم الخصوم بالحجج، والبراهين، ولا يتحرج ولا ينزعج، وخصمه يصيح ويحترق.

شيوخه: تلقى الشيخ ابن قدامة -رحمه الله- العلم على عدد وافر من الشيوخ ومن أشهرهم تقي الدين أبو محمد عبد الغني المقدسي 612هـ وفقيه العراق ناصح الإسلام أبا الفتح نصر بن فتيان الشهير بابن المنى. تلاميذه: كثر تلاميذه جدًا ومن أشهرهم شهاب الدين أبو شامة المقدسي 665هـ والحافظ زكي الدين أبو محمد المنذري 656هـ وغيرهما. من أقوال العلماء فيه: قال أبو عمرو بن الصلاح: ما رأيت مثل الشيخ الموفق. وقال ابن تيمية: ما دخل الشام - بعد الأوزاعي - أفقه من الشيخ الموفق. وقال المنذري: الفقيه الإمام، حدث بدمشق، أفتى ودرس، وصنف في الفقه وغيره مصنفات مختصرة ومطولة. وقال الذهبي: أحد الأئمة الأعلام، صاحب التصانيف1. وقال ابن كثير: شيخ الإسلام، إمام عالم، بارع، لم يكن في عصره ولا قبل دهره بمدة أفقه منه". تصانيفه: وقد كثرت تصانيف الإمام الموفق جدًا ولاقت القبول الحسن من العلماء: قال ابن رجب: صنف الشيخ الموفق -رحمه الله- التصانيف الكثيرة الحسنة في المذهب، فروعًا وأصولًا وفي الحديث واللغة والزهد والرقائق، وتصانيفه في أصول

_ 1 أشار الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام ترجمة "669 - الرسالة" في الطبقة الثانية والستون إلى أن الضياء المقدسي عمل له ترجمة في جزأين وقد نقل منها في الترجمة كثير جدًا من سيرته فلتراجع.

الدين في غاية الحسن، أكثرها على طريقة المحدثين مشحونة بالأحاديث والآثار وبالأسانيد، كما هي طريقة الإمام أحمد وأئمة الحديث. اهـ. ومن هذه التصانيف: في الفقه: المغني، والكافي، والعدة، والعمدة، والمقنع ... وفي العقيدة: لمعة الاعتقاد، القدر، ذم التأويل ... وفي أصول الفقه: روضة الناظر ... وفي الرقائق والزهد: الرقة والبكاء، والتوابين. وفي الحديث: مختصر علل الحديث للخلال ... إلى غير ذلك من المصنفات وهي ما بين مطبوع ومخطوط، نسأل الله أن ترى النور قريبًا.

_ للتوسع في ترجمة ابن قدامة راجع: 1 التكملة في وفيات النقلة للمنذري "107/3". 2 تاريخ الإسلام للذهبي الطبقة الثانية والستون مؤسسة الرسالة ترجمة رقم "669". 3 العبر في خبر من غبر للذهبي "79/5-80". 4 سير أعلام النبلاء للذهبي "165/22-173". 5 البداية والنهاية لابن كثير "99/13-100". 6 ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب "133/2-149". 7 شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "88/5-92". 8 معجم البلدان لياقوت الحموي "159/2". 9 فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي "158/2-159". 10 فهرس مخطوطات الظاهرية قسم الحديث للشيخ الألباني. 11 مقدمة تحقيق كتاب إثبات صفة العلو لابن قدامة بقلم بدر البدر.

فصل: في ذكر تصانيف ابن قدامة في الاعتقاد

فصل في ذكر تصانيف ابن قدامة في الاعتقاد قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في كتاب الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 139: صنف الشيخ الموفق -رحمه الله- التصانيف الكثيرة الحسنة في المذهب، فروعًا وأصولًا. وفي الحديث، واللغة، والزهد، والرقائق. وتصانيفه في أصول الدين في غاية الحسن، أكثرها على طريقة أئمة المحدثين مشحونة بالأحاديث والآثار، وبالأسانيد، كما هي طريقة الإمام أحمد وأئمة الحديث. ولم يكن يرى الخوض مع المتكلمين في دقائق الكلام، ولو كان بالرد عليهم. وهذه طريقة أحمد والمتقدمين. وكان كثير المتابعة للمنقول في باب الأصول وغيره، لا يرى إطلاق ما لم يؤثر من العبارات، ويأمر بالإقرار والإمرار لما جاء في الكتاب والسنة من الصفات، من غير تفسير ولا تكييف، ولا تمثيل ولا تحريف، ولا تأويل ولا تعطيل. فمن تصانيفه في أصول الدين: 1- البرهان في مسألة القرآن. جزء 1. 2- جواب مسألة وردت في صرخد2 في القرآن. جزء. 3- الاعتقاد. جزء3.

_ 1 نشر في مجلة البحوث الإسلامية العدد "19" والتي تصدر عن دار الإفتاء بالرياض. بتحقيق د. سعود بن عبد الله الفنيسان. 2 صرخد: قرية من قرى الشام بقرب حوران، وقد ذكر هذا الكتاب أيضًا ابن العماد. 3 وهو الكتاب الذي نحن بصدد التعليق على شرحه. وقد ذكره بهذا الاسم أيضًا ابن شاكر والذهبي وابن العماد.

4- مسألة العلو. جزآن1. 5- ذم التأويل. جزء2. 6- كتاب القدر. جزآن3. 7- فضائل الصحابة. جزآن، وأظنه: منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين4. 8- رسالة إلى الشيخ فخر الدين بن تيمية في تخليد أهل البدع في النار5. 9- مسألة في تحريم النظر في كتب أهل الكلام. اهـ. ثم قال بعد أن ذكر بقية تصانيفه: "وانتفع بتصانيفه المسلمون عمومًا، وأهل المذهب خصوصًا. وانتشرت واشتهرت بحسن قصده، وإخلاصه في تصنيفها. اهـ6.

_ 1 طبع سنة 1322هـ في مطبعة مجلة المنار بمصر، وأعيد طبعه محققًا على عدة نسخ خطية بالدار السلفية بالكويت بتحقيق بدر البدر. وقد نقل الحافظ ابن القيم منه فقرة في كتابه اجتماع الجيوش ص "87". 2 طبع ضمن مجموعة اعتقاد السلف تحقيق النشار والطالبي. طبعة منشأة المعارف وكذا بتحقيق بدر البدر. 3 ذكره الذهبي أيضًا وكذا ابن شاكر. 4 ذكره الشهبي وابن العماد. 5 ذكرها ابن العماد. 6 ومن تصانيفه أيضًا في باب الاعتقاد: أحكاية المناظرة في القرآن أو المناظرة لأهل البدع في القرآن. طبع بتحقيق الأخ عبد الله بن يوسف كرمه الله. ب ذم ما عليه مدعو التصوف. طبع مجموعة من دفائن الكنوز بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقيه رحمه الله. ج- الصراط المستقيم في بيان الحرف القديم. قال محقق كتاب البرهان في بيان القرآن لابن قدامة: جزء لم يطبع وهو موجود عندي أرجو أن أوفق في إخراجه إن بقي في العمر بقية.

فصل: نبذة عن الشيخ العثيمين وتصانيفه في الاعتقاد

فصل نُبذة عن الشيخ العثيمين وتصانيفه في الاعتقاد نسبه: هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين الوهيبي التميمي. مولده: ولد في مدينة عنيزة في 27 رمضان المبارك عام 1347هـ. نشأته: قرأ القرآن الكريم على جده من جهة أمه عبد الرحمن بن سليمان آل دامغ -رحمه الله- فحفظه ثم اتجه إلى طلب العلم فتعلم الخط والحساب وبعض فنون الآداب. وكان الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- قد أقام اثنين من طلبة العلم عنده ليدرسا الطلبة الصغار أحدهما الشيخ علي الصالحي والثاني الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع رحمه الله. قرأ عليه مختصر العقيدة الواسطية للشيخ عبد الرحمن السعدي ومنهاج السالكين في الفقه للشيخ عبد الرحمن أيضًا والأجرومية والألفية. وقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن علي بن عودان في الفرائض والفقه. وقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي الذي يعتبر شيخه الأول حيث لازمه وقرأ عليه التوحيد والتفسير والحديث والفقه وأصول الفقه والفرائض ومصطلح الحديث والنحو والصرف. وقرأ على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حيث يعتبر شيخه الثاني فابتدأ عليه قراءة صحيح البخاري وبعض رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية وبعض الكتب الفقهية. تقدمه في العلم وجهوده في مجال الدعوة: وفي عام 1371هـ جلس للتدريس في الجامع، ولما فتحت المعاهد العلمية في الرياض التحق بها عام 1372هـ وبعد سنتين تخرج وعين مدرسًا في معهد عنيزة

_ 1 راجع مقدمة المجموع الثمين من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين "الجزء الأول" فتاوى العقيدة، نقلًا من كتاب علمائنا، إعداد فهد البدراني وفهد البراك ص "42" بتصرف وزيادات.

العلمي مع مواصلة الدراسة انتسابًا في كلية الشريعة مع مواصلة طلب العلم على يد الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله. ولما توفي فضيلة الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- تولى إمامة الجامع الكبير بعنيزة، والتدريس في مكتبة عنيزة الوطنية بالإضافة إلى التدريس في المعهد العلمي ثم انتقل إلى التدريس في كليتي الشريعة وأصول الدين بفرع جامع الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم حتى الآن. بالإضافة إلى عضوية هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. وللشيخ العثيمين نشاط كبير في الدعوة إلى الله -عز وجل- وتبصير المسلمين فقد عرفه الناس من خلال دروسه النافعة وخطبه الرائعة بالمسجد الكبير بعنيزة بالقصيم، وفي دروسه بالمسجد الحرام أيام الاعتكاف في شهر رمضان من كل عام، ومن خلال فتاويه الرَّصينة لجماهير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في موسم الحج. في الصحف والمجلات. في برنامج نور على الدرب بالإذاعة. في مراسلاته مع كثير من طلبة العلم والقراء. إلخ والتي تحمل ردًا شافيًا كافيًا على الأسئلة التي ترد إليه يوميا. تصانيفه في الاعتقاد: وللشيخ محمد الصالح العثيمين عدد كبير من المؤلفات القيمة التي انتفع بها الناس في العقيدة وفي الفقه وأصوله وفي الوعظ والإرشاد والدعوة. والتي يدرس عدد كبير منها بوزارة المعارف بالمملكة العربية السعودية. ونذكر هنا منها ما يتعلق بالعقيدة: 1- فتح رب البرية بتلخيص الحموية وهو أول كتاب طبع له. وقد فرغ منه في 8 ذي القعدة سنة 1380هـ وهو مطبوع ضمن مجموع رسائل في العقيدة طبعة مكتبة المعارف بالرياض.

2- نُبذ في العقيدة الإسلامية: شرح فيه أركان الإيمان الست بطريقة مبسطة وتعتبر هذه الرسالة مقرر السنة الثالثة الثانوية في المعاهد العلمية في المملكة في التوحيد. وهو مطبوع ضمن المجموع السابق بمكتبة المعارف بالرياض. 3- القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى: وهو من أروع ما كتب الشيخ العثيمين وقد قمنا بتخريجه والتعليق عليه وقد طبع والحمد لله1. 4- شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد لابن قدامة: وهو هذا الكتاب وهو مقرر السنة الأولى الثانوية في التوحيد في المعاهد العلمية. 5- عقيدة أهل السنة والجماعة: ذكر فيها ملخص ومجمل اعتقاد أهل السنة وهو من مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. 6- شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية: وهي مقرر السنة الثانية الثانوية في المعاهد العلمية في التوحيد. مطبوع متداول. 7- تفسير آية الكرسي. ويعتبر هذا التفسير فصلاً رائعًا من كلام الشيخ في الأسماء والصفات. مطبوع متداول. 8- رسالة في الوصول إلى القمر. طبع ضمن مجموع رسائل في العقيدة. 9- بالإضافة إلى فتاوى الشيخ في العقيدة والتي طبعت أكثر من مرة ضمن كتب الفتاوى له وفي المجلات والصحف.

_ 1 من مطبوعات مكتبة السنة بالقاهرة 1411هـ.

شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد

شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد مقدمة الشارح ... بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الشارح: ابن عثيمين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: فهذا تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الذي ألفه أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي المولود في شعبان سنة 541هـ بقرية من أعمال نابلس المتوفى يوم عيد الفطر سنة 620هـ بدمشق رحمه الله. وهذا الكتاب جمع فيه مؤلفه زبدة العقيدة ومن ثم قررت رئاسة المعاهد العلمية دراسته في مطلع القسم الثانوي في المعاهد في السنة الأولى منه ليكون ركيزة يعتمد عليها في هذه المرحلة. ونظرا لأهمية الكتاب موضوعا ومنهجا وعدم وجود شرح له فقد عقدت العزم مستعينا بالله مستلهما منه الصواب في القصد والعمل على أن أضع عليه كلمات يسيرة تكشف غوامضه وتبين موارده وتبرز فوائده. والله أرجو أن لا يكلني إلى نفسي طرفة عين وأن يمدني بروح من عنده وتوفيق وأن يجعل عملي مباركا ونافعا إنه جواد كريم. محمد الصالح العثيمين تحريرا في 10/ 1/ 1392هـ

قواعد مهمة في الأسماء والصفات

قواعد مهمة في الأسماء والصفات وقبل الدخول في صميم الكتاب أحب أن أقدم قواعد مهمة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته*. القاعدة الأولى: في الواجب نحو نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته: الواجب في نصوص الكتاب والسنة إبقاء دلالتها على ظاهرها من غير تغيير؛ لأن الله أنزل القرآن بلسان عربي مبين والنبي -صلى الله عليه وسلم- يتكلم باللسان العربي فوجب إبقاء دلالة كلام الله وكلام رسوله على ما هي عليه في ذلك اللسان ولأن تغييرها عن ظاهرها قول على الله بلا علم وهو حرام لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] . مثال ذلك قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] . فإن ظاهر الآية أن لله يدين حقيقتين فيجب إثبات ذلك له فإذا قال قائل المراد بهما القوة قلنا له هذا صرف للكلام عن ظاهره فلا يجوز القول به لأنه قول على الله بلا علم.

_ * للشيخ محمد الصالح العثيمين كتاب رائع في الأسماء والصفات ذكر فيه عددا من القواعد المهمة في هذا الباب وقد قمنا بتحقيقه أيضاً ويسمى: "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" فهو جدير بالمطالعة والعناية.

القاعدة الثانية: في أسماء الله وتحت هذه القاعدة فروع: الفرع الأول: أسماء الله كلها حسنى: أي بالغة في الحسن غايته؛ لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180] . مثال ذلك: الرحمن فهو اسم من أسماء الله تعالى، دال على صفة عظيمة هي الرحمة الواسعة. ومن ثم نعرف أنه ليس من أسماء الله: الدهر؛ لأنه لا يتضمن معنى يبلغ غاية الحسن فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" 1 فمعناه

_ 1 مسلم: كتاب الألفاظ من الأدب: باب النهي عن سب الدهر "2246" "5" من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وقال الحافظ في الفتح "10/ 565": "وأخرجه أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ: "لا تسبوا الدهر فإن الله قال: أنا الدهر، الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك" وسنده صحيح" أ. هـ. فائدة: قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد "355/2": "فساب الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما: إما سبه لله، أو الشرك به؛ فإنه إذا اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك وهو يسب من فعله فقد سب الله" أ. هـ.

مالك الدهر المتصرف فيه بدليل قوله في الرواية الثانية عن الله تعالى: "بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" 2. الفرع الثاني: أسماء الله غير محصورة بعدد معين: لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور: "أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك" 3، وما استأثر الله به في علم الغيب عنده لا يمكن حصره ولا الإحاطة به. والجمع بين هذا وبين قوله في الحديث الصحيح: "إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة" 4: إن معنى هذا الحديث إن من أسماء الله تسعة وتسعين اسماء من أحصاها دخل الجنة، وليس المراد حصر أسمائه تعالى بهذا العدد، ونظير هذا أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة، فلا ينافي أن يكون عندك دراهم أخرى أعددتها لغير الصدقة.

_ 2 أخرجه البخاري: كتاب التوحيد: باب قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} "7491"، ومسلم: كتاب الألفاظ من الأدب: باب النهي عن سب الدهر "2246" "2" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. 3 حديث صحيح: جزء من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، الذي رواه أحمد "394/1، 452" وابن حبان "2372 - موارد" والحاكم "1/ 519" وصححه الحافظ ابن القيم في شفاء العليل ص "274"، واستفاض في بيان أهميته وفوائده في كتاب الفوائد ص "24: 29"، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند "3721" وكذا الألباني في الصحيحة "199"، وشعيب الأرناؤوط في تخريج زاد المعاد "198/4". 4 أخرجه البخاري: كتاب الدعوات: باب لله مائة اسم غير واحد "6410" ومسلم: كتاب الذكر والدعاء: باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها "2677" "6" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

الفرع الثالث: أسماء الله لا تثبت بالعقل وإنما تثبت بالشرع: فهي توقيفية يتوقف إثباتها على ما جاء عن الشرع فلا يُزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على الشرع ولأن تسميته بما لم يسم به نفسه أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى فوجب سلوك الأدب في ذلك. الفرع الرابع: كل اسم من أسماء الله فإنه يدل على ذات الله وعلى الصفة التي تضمنها وعلى الأثر المترتب عليه إن كان متعديا: ولا يتم الإيمان بالاسم إلا بإثبات ذلك كله. مثال ذلك في غير المتعدي: العظيم فلا يتم الإيمان به حتى تؤمن بإثباته اسما من أسماء الله دالا على ذاته تعالى وعلى ما تضمنه من الصفة وهي العظمة. ومثال ذلك في المتعدي: الرحمن فلا يتم الإيمان به حتى تؤمن بإثباته اسما من أسماء الله دالا على ذاته تعالى وعلى ما تضمنه من الصفة وهي الرحمة وعلى ما ترتب عليه من أثر وهو إنه يرحم من يشاء.

القاعدة الثالثة: في صفات الله وتحتها فروع أيضاً: الفرع الأول: صفات الله كلها عليا صفات كمال ومدح ليس فيها نقص بوجه من الوجوه: كالحياة والعلم والقدر والسمع والبصر والحكمة والرحمة والعلو وغير ذلك لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل: 60] . ولأن الرب كامل فوجب كمال صفاته. وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حقه كالموت والجهل والعجز والصمم والعمى ونحو ذلك؛ لأنه سبحانه عاقب الواصفين له بالنقص ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص ولأن الرب لا يمكن أن يكون ناقصاً لمنافاة النقص للربوبية. وإذا كانت الصفة كمالا من وجه ونقصا من وجه لم تكن ثابتة لله ولا ممتنعة عليه على سبيل الإطلاق بل لابد من التفصيل فتثبت لله في الحال التي تكون كمالا وتمتنع عليه في الحال التي تكون نقصا كالمكر والكيد والخداع ونحوها فهذه الصفات تكون كمالا إذا كانت في مقابلة مثلها؛ لأنها تدل على أن فاعلها ليس بعاجز عن مقابلة عدوه بمثل فعله وتكون نقصا في غير هذه الحال فتثبت لله في الحال الأولى دون الثانية قال الله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] .

{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً , وَأَكِيدُ كَيْداً} [الطارق: 15، 16] . {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142] . إلى غير ذلك. فإذا قيل هل يوصف الله بالمكر مثلا؟ فلا تقل: نعم، ولا تقل: لا، ولكن قل: هو ماكر بمن يستحق ذلك والله أعلم. الفرع الثاني: صفات الله تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية: فالثبوتية: ما أثبتها الله لنفسه كالحياة والعلم والقدرة. ويجب إثباتها لله على الوجه اللائق به؛ لأن الله أثبتها لنفسه وهو أعلم بصفاته. والسلبية: هي التي نفاها الله عن نفسه كالظلم فيجب نفيها عن الله؛ لأن الله نفاها عن نفسه لكن يجب اعتقاد ثبوت ضدها لله على الوجه الأكمل؛ لأن النفي لا يكون كمالاً حتى يتضمن ثبوتًا. مثال ذلك: قوله تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49] . فيجب نفي الظلم عن الله مع اعتقاد ثبوت العدل لله على الوجه الأكمل. الفرع الثالث: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين ذاتية وفعلية: فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفا بها كالسمع والبصر. والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والمجيء.

وربما تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام فإنه باعتبار أصل الصفة صفة ذاتية؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلما وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام متعلق بمشيئته يتكلم بما شاء متى شاء. الفرع الرابع: كل صفة من صفات الله فإنه يتوجه عليها ثلاثة أسئلة: السؤال الأول: هل هي حقيقية ولماذا؟ السؤال الثاني: هل يجوز تكييفها ولماذا؟ السؤال الثالث: هل تماثل صفات المخلوقين ولماذا؟ فجواب السؤال الأول: نعم حقيقية؛ لأن الأصل في الكلام الحقيقة فلا يُعْدَلُ عنها إلا بديل صحيح يمنع منها. وجواب الثاني: لا يجوز تكييفها لقوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه: 110] . ولأن العقل لا يمكنه إدراك كيفية صفات الله. وجواب الثالث: لا تماثل صفات المخلوقين لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى: 11] . ولأن الله مستحق للكمال الذي لاغاية فوقه فلا يمكن أن يماثل المخلوق؛ لأنه ناقص. والفرق بين التمثيل والتكييف أن التمثيل ذكر كيفية الصفة مقيدة بمماثل والتكييف ذكر كيفية الصفة غير مقيدة بمماثل. مثال التمثيل: أن يقول قائل: يد الله كيد الإنسان.

ومثال التكييف: أن يتخيل ليد الله كيفية معينة لا مثيل لها في أيدي المخلوقين فلا يجوز هذا التخيل. القاعدة الرابعة: فيما نرد به على المعطلة: المعطلة هم الذين ينكرون شيئا من أسماء الله أو صفاته ويحرفون النصوص عن ظاهرها ويقال لهم المؤولة والقاعدة العامة فيما نرد به عليهم أن نقول: إن قولهم خلاف ظاهر النصوص وخلاف طريقة السلف وليس عليه دليل صحيح وربما يكون في بعض الصفات وجه رابع أو أكثر.

كتاب لمعة الإعتقاد

كتاب لمعة الإعتقاد مقدمة صاحب المتن: ابن قدامة ... مقدمة صاحب المتن ابن قدامة قال الشيخ الإمام العلامة موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي عليه رحمة الله: بسم الله الرحمن الرحيم [1] الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد، لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] . له الأسماء الحسنى، والصفات العلى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى , لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى , وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 5-7] . أحاط بكل شيء علماً، وقهر كل خلوق عزة وحكماً، ووسع كل شيء رحمة وعلما {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما} [طه: 110] موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه الكريم. ........الشرح.... اللمعة: تطلق في اللغة على معانٍ منها: البُلْغة من العيش وهذا المعنى أنسب معنى لموضوع هذا الكتاب. فمعنى لمعة الاعتقاد هنا: البُلْغة من الاعتقاد الصحيح المطابق لمذهب السلف رضوان الله عليهم.

والاعتقاد: الحكم الذهني الجازم فإن طابق الواقع فصحيح وإلا ففاسد. ما تضمنته خطبة الكتاب: تضمنت خطبة المؤلف في هذا الكتاب ما يأتي: 1- البداءة بالبسملة اقتداء بكتاب الله العظيم واتباعاً لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعنى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: أي أفعل الشيء مستعينا ومتبركا بكل اسم من أسماء الله تعالى الموصوف بالرحمة الواسعة، ومعنى {اللَّه} المألوه أي: المعبود حباً وتعظيماً وتألهاً وشوقاً، و {الرَّحْمَن} ذو الرحمة الواسعة و {الرَّحِيم} الموصل رحمته من شاء من خلقه، فالفرق بين الرحمن والرحيم أن الأول باعتبار كون الرحمة وصفا له والثاني باعتبارها فعلاً له يوصلها من شاء من خلقه. 2- الثناء على الله بالحمد والحمد ذكر أوصاف المحمود الكاملة وأفعاله الحميدة مع المحبة له والتعظيم. 3- أن الله محمود بكل لسان ومعبود بكل ومكان أي مستحق وجائز أن يحمد بكل لغة ويعبد بكل بقعة. 4- سعة علم الله بكونه لا يخلو من علمه مكان وكمال قدرته وإحاطته حيث لا يلهيه أمر عن أمر. 5- عظمته وكبرياؤه وترفعه عن كل شبيه وند مماثل لكمال صفاته من جميع الوجوه. 6- تنزهه وتقدسه عن كل زوجة وولد وذلك لكمال غناه. 7- تمام إرادته وسلطانه بنفوذ قضائه في جميع العباد فلا يمنعه قوة ملك ولا كثرة عدد ومال. 8- عظمة الله فوق ما يتصور بحيث لا تستطيع العقول له تمثيلاً ولا تتوهم القلوب له صورة؛ لأن الله:

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] . 9- اختصاص الله بالأسماء الحسنى والصفات العلى. 10- استواء الله على عرشه وهو علوه واستقراره عليه على الوجه اللائق به. 11- عموم ملكه للسموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى. 12- سعة علمه وقوة قهره وحكمه وأن الخلق لا يحيطون به علماً لقصور إدراكهم عما يستحقه الرب العظيم من صفات الكمال والعظمة.

التسليم والقبول لآيات وأحاديث الصفات

التسليم والقبول لآيات وأحاديث الصفات [2] وكل وجاء في القرآن، أو صحَّ عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل، وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا 5 وترك التعرض لمعناه، ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله، اتباعًا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى:

_ 5 تعقيب: قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في قول صاحب اللمعة: "وجب الإيمان به لفظا" وأما كلام صاحب اللمعة فهذه الكلمة مما لوحظ في هذه العقيدة، وقد لوحظ فيها عدة كلمات أخذت على المصنف؛ إذ لا يخفى أن مذهب أهل السنة والجماعة هو الإيمان بما ثبت في الكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته لفظًا ومعنى، واعتقاد أن هذه الأسماء والصفات على الحقيقة لا على المجاز، وأن لها معانٍ حقيقية تليق بجلال الله وعظمته. وأدلة ذلك أكثر من أن تحصر، ومعاني هذه الأسماء ظاهرة معروفة من القرآن كغيرها لا لبس فيها ولا إشكال ولا غموض فقد أخذ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه القرآن ونقلوا عنه الأحاديث لم يستشكلوا شيئًا من معاني هذه الآيات الأحاديث؛ لأنها واضحة صريحة، وكذلك مَنْ بعدهم من القرون الفاضلة، كما يروى عن مالك لما سئل عن قوله سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . قال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، وكذلك يروى معنى ذلك عن ربيعة شيخ مالك، ويروى عن أم سلمة مرفوعاً وموقوفاً. أما كنه الصفة وكيفيتها: فلا يعلمه إلا الله سبحانه؛ إذ الكلام في الصفة فرع عن الكلام في الموصوف، فكما لا يعلم كيف هو إلا هو فكذلك صفاته وهو معنى قول مالك: "والكيف مجهول". أما ما ذكره في "اللمعة" فإنه ينطبق على مذهب المفوضة، وهو من شر المذاهب وأخبثها، والمصنف -رحمه الله- إمام في السنة، وهو أبعد الناس عن مذهب المفوضة وغيرهم من المبتدعة، والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" أ. هـ عن مكتب الإفتاء "328" في 1385/7/28هـ نقلاً عن فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم جمع وترتيب محمد بن عبد الرحمن بن قاسم.

{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] . وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران: 7] . فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ، وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم، ثم حجبهم عما أمَّلوه، وقطع أطماعهم عما قصدوه، بقوله سبحانه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران: 7] . .... الشرح.... تقسيم نصوص الصفات وطريقة الناس فيها: تنقسم نصوص الكتاب والسنة الواردة في الصفات إلى قسمين: واضح جلي ومشكل خفي؛ فالواضح ما اتضح لفظه ومعناه فيجب الإيمان به لفظاً وإثبات معناه حقًّا بلا رد ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل؛ لأن الشرع ورد به فوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول والتسليم.

_ = قلت: ومن رجع إلى مصنفات ابن قدامة -رحمه الله- علم يقينًا أنه بعيد كل البعد عن مذهب المفوضة وأهل التأويل لاسيما كتابه "ذم التأويل" الذي رد فيه على أهل التأويل ومن حذا حذوهم من المفوضة وأثبت فيه مذهب أهل السنة من الإيمان بما ثبت في الكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته لفظًا ومعنى. فما ورد عن ابن قدامة هنا بقوله: "وجب الإيمان به لفظا" من المجمل المتشابه الذي فُسِّر صريحًا واضحًا بينًا في مصنفاته الأخرى فيجب الرد إلى المحكم من كلامه عليه رحمة الله. فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهود مردود إلى المحكم من كلامه في سائر تصانيفه والله أعلى وأعلم.

وأما المشكل فهو ما لم يتضح معناه لإجمال في دلالته أو قصر في فهم قارئه فيجب إثبات لفظه لورود الشرع به والتوقف في معناه وترك التعرض له؛ لأنه مشكل لا يمكن الحكم عليه فنرد علمه إلى الله ورسوله. وقد انقسمت طرق الناس في هذا المشكل إلى طريقين: الطريقة الأولى: طريقة الراسخين في العلم الذين آمنوا بالمحكم والمتشابه وقالوا {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] وتركوا التعرض لما لا يمكنهم الوصول إلى معرفته والإحاطة به تعظيمًا لله ورسوله وتأدبًا مع النصوص الشرعية وهم الذين أثنى الله عليهم بقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] . الطريقة الثانية: طريقة الزائغين الذين اتبعوا المتشابه طلبا للفتنة وصدًّا للناس عن دينهم وعن طريقة السلف الصالح فحاولوا تأويل هذا المتشابه إلى ما يريدون لا إلى ما يريه الله ورسوله، وضربوا نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض وحاولوا الطعن في دلالتها بالمعارضة والنقص ليشككوا المسلمين في دلالتها ويعموهم عن هدايتها وهؤلاء هم الذين ذمهم الله بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران: 7] . تحرير القول في النصوص من حيث الوضوح والإشكال: إن الوضوح والإشكال في النصوص الشرعية أمر نسبي يختلف به الناس بحسب العلم والفهم فقد يكون مشكلاً عند شخص ما هو واضح عند شخص آخر والواجب عند الإشكال اتباع ما سبق من ترك التعرض له والتخبط في معناه أما من حيث واقع النصوص الشرعية فليس فيها بحمد الله ما هو مشكل لا يعرف أحد من الناس معناه فيما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم؛ لأن الله وصف القرآن بأنه نور مبين وبيان للناس وفرقان وأنه أنزله تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة، وهذا يقتضي أن لا يكون في النصوص ما هو مشكل بحسب الواقع بحيث لا يمكن أحد من الأمة معرفة معناه.

معنى الرد والتأويل والتشبيه والتمثيل وحكم كل منها: الرد: التكذيب والإنكار مثل أن يقول قائل: ليس لله يدًا لا حقيقة ولا مجازًا وهو كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله. والتأويل: التفسير والمراد به هنا تفسير نصوص الصفات بغير ما أراد الله بها ورسوله وبخلاف ما فسرها به الصحابة والتابعون لهم بإحسان. وحكم التأويل على ثلاثة أقسام: الأول: أن يكون صادرًا عن اجتهاد وحسن نية بحيث إذا تبين له الحق رجع عن تأويله فهذا معفو عنه؛ لأن هذا منتهى وسعه وقد قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . الثاني: أن يكون صادرًا عن هوى وتعصب وله وجه في اللغة العربية فهو فسق وليس بكفر إلا أن يتضمن نقصًا أو عيبًا في حق الله فيكون كفرًا. القسم الثالث: أن يكون صادرًا عن هوى وتعصب وليس له وجه في اللغة العربية فهذا كفر؛ لأن حقيقته التكذيب حيث لا وجه له. والتشبيه: إثبات مشابه لله فيما يختص به من حقوق أو صفات وهو كفر؛ لأنه من الشرك بالله ويتضمن النقص في حق الله حيث شبهه بالمخلوق الناقص. والتمثيل: إثبات مماثل لله فيما يختص به من حقوق أو صفات وهو كفر؛ لأنه من الشرك بالله وتكذيب لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى: 11] . ويتضمن النقص في حق الله حيث مثله بالمخلوق الناقص. والفرق بين التمثيل والتشبيه أن التمثيل يقتضي المساواة من كل وجه بخلاف التشبيه.

كلام أئمة السلف في الصفات

كلام أئمة السلف في الصفات [3] قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل -رضي الله عنه- في قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا" و "إن الله يُرَى في القيامة" وما أشبه هذه الأحاديث6: نؤمن بها، ونصدق بها، لا كيف، ولا معنى، ولا نرد شيئًا منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق، ولا نرد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] . ونقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه لا نتعدى ذلك، ولا يبلغه وصف الواصفين، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نتعدَّى القرآن والحديث، ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتثبيت القرآن7.

_ 6 يأتي تخريج هذه الأحاديث ص "58، 86". 7 راجع: الصواعق المنزلة لابن القيم "265/1"، ومختصر الصواعق المرسلة لابن الموصلي "251/2" ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص "156" وترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي ص "27". *قال الشيخ محمد صالح العثيمين في فتح رب البرية في تلخيص الحموية ص "63": "المعنى الذي نفاه الإمام أحمد في كلامه هو المعنى الذي ابتكره المعطلة من الجهمية وغيرهم وصرفوا به نصوص الكتاب والسنة عن ظاهرها إلى معانٍ تخالفه، ويدل على ما ذكرنا أنه نفى المعنى ونفى الكيفية ليتضمن كلامه الرد على كلتا الطائفتين المبتدعتين: طائفة المعطلة، وطائفة المشبهة" أ. هـ.

... الشرح.... ما تضمنه كلام الإمام أحمد في أحاديث النزول وشبهها: تضمن كلام الإمام أحمد -رحمه الله- الذي نقله عنه المؤلف ما يأتي: 1- وجوب الإيمان والتصديق بما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحاديث الصفات من غير زيادة ولا نقص ولا حد ولا غاية. 2- إنه لا كيف ولا معنى أي: لا نكيف هذه الصفات؛ لأن تكييفها ممتنع لما سبق وليس مراده أن لا كيفية لصفاته لأن صفاته ثابتة حقا وكل شيء ثابت فلابد له من كيفية لكن كيفية صفات الله غير معلومة لنا. وقوله: ولا معنى أي لا نثبت لها معنى يخالف ظاهرها كما فعله أهل التأويل وليسمرادة نفي المعنى الصحيح الموافق لظاهرها الذي فسرها به السلف فإن هذا ثابت ويدل على هذا قوله ولا نرد شيئا منها ونصفه بما وصف به نفسه ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ولا نعلم كيف كنه ذلك فإن نفيه لرد شيء منها ونفيه لعلم كيفيتها دليل على إثبات المعنى المراد منها. 3- وجوب الإيمان القرآن كله محكمة وهو ما اتضح معناه ومتشابهه وهو ما أشكل معناه فنرد المتشابه إلى المحكم ليتضح معناه فإن لم يتضح وجب الإيمان به لفظا وتفويض معناه إلى الله تعالى. [4] قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: آمنت بالله وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله 8.

_ 8 راجع: الرسالة المدنية لابن تيمية ص "121" مع الفتوى الحموية. *قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما ما قال الشافعي فإنه حق يجب على كل مسلم اعتقاده. ومن اعتقده ولم يأتِ بقول يناقضه، فإنه سلك سبيل السلامة في الدنيا والآخرة" أ. هـ.

... الشرح.... ما تضمنه كلام الإمام الشافعي: تضمن كلام الإمام الشافعي ما يأتي: 1- الإيمان بما جاء عن الله تعالى في كتابه المبين على ما أراده الله من غير زيادة ولا نقص ولا تحريف. 2- الإيمان بما جاء به عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما أراده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غير زيادة ولا نقص ولا تحريف. وفي هذا الكلام رد على أهل التأويل وأهل التمثيل؛ لأن كل واحد منهم لم يؤمن بما جاء عن الله ورسوله على مراد الله ورسوله فإن أهل التأويل نقصوا وأهل التمثيل زادوا. [5] وعلى هذا درج السَّلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم، كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تعرض لتأويله.

_ = قلت: ومن أقوال الشافعي المهمة في باب الأسماء والصفات قوله: لله تعالى أسماء وصفات لا يسع أحد قامت عليه الحجة ردها، فإن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالروية والفكر، ويثبت هذه الصفات وينفي عنها التشبيه كما نفى عن نفسه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] راجع مختصر العلو للألباني ص "177" واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص "59".

... الشرح.... طريق السلف الذي درجوا عليه في الصفات: الذي درج عليه السلف في الصفات هو الإقرار والإثبات لما ورد من صفات الله تعالى في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تعرض لتأويله بما لا يتفق مع مراد الله ورسوله.

الترغيب في السنة والتحذير من البدعة

الترغيب في السنة والتحذير من البدعة [6] وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم والاهتداء بمنارهم وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُم بِسُنَّتي وسُنَّة الخُلَفَاءِ الرَّاشِدين الْمَهديين مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عليها بالنَواجِذِ، وَإِيَّاكُم وَمُحْدَثَاتِ الأُمُور، فإنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة". .... الشرح.... والاقتداء بهم في ذلك واجب لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح وصححه الألباني وجماعة9.

_ 9 حديث صحيح: أخرجه أحمد في المسند "126/4، 127". وأبو داود: كتاب السنة: باب في لزوم السنة "4607". والترمذي: كتاب العلم: باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة "2676". وابن ماجه: في المقدمة: باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين "42، 43" والدارمي "44/1" وابن حبان "102 - موارد" والحاكم "97/1" وابن أبي عاصم في السنة "ص 17: 20، 29، 30" البيهقي في دلائل النبوة "541/6" وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله "222/1: 224" من حديث العرباض بن سارية أبي نجيح رضي الله عنه. وقد صححه غير واحد من أهل العلم: فقال الترمذي: "حسن صحيح" وصححه الحاكم وأقره الذهبي، ونقل ابن عبد البر عن أبي بكر أحمد بن عمرو البزار قوله: حديث عرباض في الخلفاء الراشدين صحيح ثابت، ثم قال: وهو كما قال. وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية في غير موضع "309/20" مجموع الفتاوى، وفي اقتضاء الصراط المستقيم "579/2". أما تصحيح الألباني الذي أشار إليه الشيخ ففي صحيح الجامع الصغير "346/2" وفي تخريج السنة لابن أبي عاصم ص "17: 20"، ص "29، 30".

السنة والبدعة وحكم كل منهما: السنة لغة: الطريقة. واصطلاحًا: ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من عقيدة أو عمل. واتباع السنة واجب لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب: 21] . وقوله صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُم بِسُنَّتي وسُنَّة الخلفاءِ الرَّاشدين الْمَهْدِيين مِن بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّواجِذ". والبدعة لغة: الشيء المستحدث. واصطلاحًا: ما أُحْدِثَ في الدين على خلاف ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من عقيدة أو عمل. وهي حرام لقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء: 115] . وقوله صلى الله عليه وسلم: "وَإِيَّاكُم وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فإنَّ كُلَّ مُحْدَثةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بدعةٍ ضَلالَة".

_ = *فائدة: *قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص "365" في شرحه لهذا الحديث في الكلام على محدثات الأمور وتعديدها: "وأصعب من ذلك ما أحدث من الكلام في ذات الله وصفاته مما سكت عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-والصحابة والتابعين لهم بإحسان. فقوم نفوا كثيرا مما ورد في الكتاب والسنة من ذلك وزعموا أنهم فعلوه تنزيها لله عما تقتضي العقول تنزيهه عنه، وزعموا أن لازم ذلك مستحيل على الله عز وجل. وقوم لم يكتفوا بإثباته حتى أثبتوا ما يظن أنه لازم له بالنسبة إلى المخلوقين، وهذه اللوازم نفيًا وإثباتًا درج صدر الأمة على السكوت عنها" أ. هـ.

[7] وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم 10. [8] وقال عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- كلاما معناه: قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفُّوا وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم محسر،

_ 10 أثر صحيح: وقد رواه عن ابن مسعود غير واحد من التابعين منهم: أ- أبو عبد الرحمن السلمي: أخرجه الدارمي "211" والطبراني في الكبير "8870" والبيهقي في المدخل "204" وابن وضاح في البدع والنهي عنها ص "10" كلهم من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عنه، وقال الهيثمي في المجمع "181/1": ورجاله رجال الصحيح. قلت: لكن الإسناد فيه عنعنة الأعمش وعنعنة حبيب بن أبي ثابت وكلاهما مدلس. ب- إبراهيم النخعي: أخرجه أبو خيثمة في العلم "54" من طريق العلاء عن حماد عنه وصحح إسناده الألباني حيث قال: "وهذا إسناد صحيح، فإبراهيم وإن كان لم يدرك عبد الله وهو ابن مسعود فقد صح عنه أنه قال: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله فهو غير واحد عن عبد الله". ج- قتادة: أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها ص "11" من طريق أبي هلال عنه، وأبو هلال هذا هو محمد بن سليم صدوق وفيه لين أخرج له البخاري في التعاليق. وبالجملة فأثر ابن مسعود بهذه الطرق صحيح بلا ريب والله أعلم.

وما دونهم مُقصِّر، لقد قصَّر عنهم قوم فجفوا، وتجاوزهم آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم 11. [9] وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي رضي الله عنه: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول12.

_ 11 الأثر أورده ابن قدامة في كتابه البرهان في بيان القرآن ص "88، 89" من قول عبد العزيز بن أبي الماجشون ثم قال: "وروي معناه عن عمر بن عبد العزيز". وقد أورده الحافظ ابن الجوزي في مناقب عمر بن عبد العزيز ص "83، 84"، وأورد الحافظ ابن رجب طرفا منه مع اختلاف يسير في رسالته فضل علم السلف ص "36" وهي قوله: "إن السابقين عن علم وقفوا، وببصر ناقد كفوا، وكانوا هم أقوى على البحث لو بحثوا" أ. هـ يشير بهذا إلى أن سكوتهم كان عن علم وخشية وليس سكوت عجز وعي، وأن توسع من توسع بعدهم لا يدل على أنهم أعلم منهم. وراجع في هذا المعنى فضل علم السلف ص "36: 41". *كفوا: امتنعوا. بالفضل: بالزيادة. محسر: من الحسر وهو التعب والإعياء. جفوا: من الجفاء وهو التباعد. غلوا: الغلو هو تجاوز الحد. 12 أثر صحيح: أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث ص "7" والآجرى في الشريعة ص "58" وعنه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله "114/2" من طريق العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال: "أخبرني أبي قال: سمعت الأوزاعي يقول: فذكره". وهذا إسناد صحيح. وأما قول الحافظ في التقريب "399/1" عن العباس بن الوليد أنه صدوق فمتعقب، فقد وثقه ابن أبي حاتم والنسائي وابن حبان وغيرهم كما في التهذيب "115/5، 116" والجرح والتعديل "216/2" وطبقات الحنابلة "235/1". والأثر أورده الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء "120/7" وفي العلو للعلي الغفار وصحح الألباني إسناده في مختصره للعلو ص "138".

... الشرح.... الآثار الواردة في الترغيب بالسنة والتحذير من البدعة: 1- من أقوال الصحابة: قال ابن مسعود -رضي الله عنه- الصحابي الجليل المتوفى سنة 32هـ عن بضع وستين سنة: اتبعوا أي: التزموا آثار النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير زيادة ولا نقص. ولا تبتدعوا: لا تحدثوا بدعة في الدين. فقد كفيتم أي: كفاكم السابقون مهمة الدين حيث أكمل الله تعالى الدين لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وأنزل قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} [المائدة: 3] . فلا يحتاج الدين إلى تكميل. 2- من أقوال التابعين: قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز المولود سنة 63 المتوفى سنة 101هـ قولاً يتضمن ما يأتي: أ- وجوب الوقوف حيث وقف القوم -يعني بهم- النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فيما كانوا عليه من الدين عقيدة وعملا؛ لأنهم وقفوا عن علم وبصيرة ولو كان فيما حدث بعدهم خير لكانوا به أحرى. ب- إن ما أحدث بعدهم فليس فيه إلا مخالفة هديهم والزهد في سنتهم وإلا فقد وصفوا من الدين ما يشفي وتكلموا فيه بما يكفي. جـ- إن من الناس من قصر في اتباعهم فكان جافيًا ومن الناس من تجاوزهم فكان غاليًا والصراط المستقيم ما بين الغلو والتقصير.

3- من أقوال تابعي التابعين: قال الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو المتوفى سنة 157هـ عليك بآثار من سلف: الزم طريقة الصحابة والتابعين لهم بإحسان لأنها مبنية على الكتاب والسنة. وإن رفضك الناس: أبعدوك واجتنبوك. وإياك وآراء الرجال: احذر آراء الرجال وهي ما قيل بمجرد الرأي من غير استناد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وإن زخرفوه: جملوا اللفظ وحسنوه فإن الباطل لا يعود حقا بزخرفته وتحسينه.

[10] وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أو لم يعلموها؟ قال: لم يعلموها. قال: فشيء لم يعلمه هؤلاء أعلمته أنت؟!! قال الرجل: فإني أقول: قد علموها. قال: أفوسعهم ألا يتكلموا به، ولا يدعوا الناس إليه أم لم يسعهم؟ قال: بلى وسعهم. قال فشيء وسع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه، لا يسعك أنت؟!! فانقطع الرجل. فقال الخليفة -وكان حاضراً-: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم. [11] وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم والراسخين في العلم من تلاوة آيات الصفات وقراءة أخبارها وإمرارها كما جاءت فلا وسع الله عليه. .... الشرح.... مناظرة جرت عند خليفة بين الأدرمي وصاحب بدعة: لم أطلع على ترجمة للأدرمي 13 ومن معه ولا أعلم نوع البدعة المذكورة والمهم أن نعرف مراحل هذه المناظرة لنكتسب منها طريقًا لكيفية المناظرة بين الخصوم

_ 13 القصة أخرجها الخطيب في تاريخ بغداد "75/10" ومن طريقه ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص "431: 436" ومن طريقه ابن قدامة في التوابين ص "194" وأخرجها الذهبي في سير أعلام النبلاء "313/11" والآجرى في الشريعة ص "91: 95" وأوردها ابن كثير في البداية والنهاية "335/10" وقد رويت القصة من طريقين أحدهما مطول والآخر مختصر وقال الحافظ الذهبي بعد ذكر الطريقة المختصرة للقصة: "هذه قصة مليحة وإن كان في طريقها من يجهل ولها شاهد" ثم ذكر لها الطريق المطول. ويظهر من كلام الشيخ العثيمين -حفظه الله- أن في هذه القصة مبهمات أربعة الأدرمي، والمناظر له، والخليفة الذي حضر المناظرة، والبدعة التي جرت المناظرة بسببها ومن خلال التعرف على شخصية المُنَاظِر تتبين لنا بقية المبهمات =

_ = الأول: الأدرمي: والذي نستطيع تأكيده أنه مُصَحَّف من الأذرمي واسمه أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الآذرمي روى عن وكيع وابن عيينه وابن مهدي وغيرهم، وروى عنه أبو داود والنسائي ووثقه أبو حاتم والنسائي، ترجمته في التهذيب "4/6، 5" والأنساب للسمعاني "62/1". وهو صاحب القصة المذكورة كما جاء في المصادر التي وردت بها القصة وكما رجح غير واحد من أهل العلم فروى الخطيب في تاريخه "77/10، 78" وابن الجوزي في المناقب ص "436" أن الحافظ أبا بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي حدَّث بهذه المناظرة ثم قال: "الشيخ هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي" أ. هـ. وقال الخطيب في تاريخه "75/10": وكان هارون الواثق بالله أشخص شيخا من أهل أذنه للمحنة وناظر ابن أبي دُوَاد بحضرته واستعلى عليه الشيخ بحجته فأطلقه الواثق ورده إلى وطنه، ويقال: إنه كان أبا عبد الرحمن الأذرمي أ. هـ. وقال الحافظ في التهذيب "5/6" بعد أن ذكر كلام الخطيب: قلت القصة مشهورة حكاها المسعودي وغيره، ورواها السياري في الألقاب بإسناد له قال فيه: إن الشيخ المناظر هو الأذرمي هذا أ. هـ. وقال السمعاني في الأنساب "62/1" في مادة: الأذرمي: بعد الألف وفتح الذال المعجمة وسكون الراء، وفي آخرها الميم، هذه النسبة إلى آذرم، وظني أنها من قرى أذنة بلدة من الثغر منها أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الآذرمي.... ثم ترجم له وذكر مثل كلام الخطيب. الثاني: المناظر له وهو أحمد بن أبي دُوَاد: القاضي الكبير أبو عبد الله أحمد بن فرج بن حريز الإيادي البصري البغدادي الجهمي عدو أحمد بن حنبل. كان داعية إلى خلق القرآن كانت له منزلة ومشورة عند الخليفة المأمون والمعتصم والواثق وكان إلْبًا على الإمام أحمد يوم المحنة يقول يا أمير المؤمنين اقتله هو ضال مضل، راجع ترجمته في: وفيات الأعيان "81/1" وسير أعلام النبلاء "169/11" والبداية والنهاية "319/10" وشذرات الذهب "93/2". الثالث: الخليفة الذي حضر المناظرة هو الواثق بالله هارون بن محمد "المعتصم بالله" ابن هارون الرشيد العباسي أبو جعفر من خلفاء الدولة العباسية بالعراق ولد ببغداد وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة 227هـ فامتحن الناس في خلق القرآن وسجن جماعة، والظاهر أن تاب عن ذلك في آخر عمره كما جاء في سياق روايات القصة التي نحن بصدد الكلام عليها ففي آخرها قال المهتدي بالله ابن الخليفة الواثق بالله: "فرجعت عن هذه المقالة، وأظن أن الواثق رجع عنها منذ ذلك الوقت" أ. هـ. وقد عنون الحافظ ابن قدامة في التوابين ص "194" لهذه القصة بقوله: توبة الواثق بالله وابنه المهتدي بالله. وقال الحافظ ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص "431": وقد روي =

وقد بنى الأدرمي -رحمه الله- مناظرته هذه على مراحل ليعبر من كل مرحلة إلى التي تليها حتى يفحم خصمه. المرحلة الأولى: العلم فقد سأله الأدرمي هل علم هذه البدعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه؟ قال البدعي: لم يعلموها وهذا النفي يتضمن انتقاص النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه حيث كانوا جاهلين بما هو من أهم أمور الدين ومع ذلك فهو حجة على البدعي إذا كانوا لا يعلمونه ولذلك انتقل به الأدرمي إلى: المرحلة الثانية: إذا كانوا لا يعلمونها فكيف تعلمها أنت؟ هل يمكن أن يحجب الله عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين علم شيء من الشريعة ويفتحه لك؟ فتراجع البدعي وقال أقوال قد علموها فانتقل به إلى: المرحلة الثالثة: إذا كانوا قد علموها فهل وسعهم أي: أمكنهم ألا يتكلموا بذلك ولا يدعوا الناس إليه أم لم يسعهم؟ فأجاب البدعي بأنهم وسعهم السكوت وعدم الكلام فقال له الأدرمي: فشيء وسع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه لا يسعك أنت فانقطع الرجل وامتنع عن الجواب؛ لأن الباب انسد أمامه. فصوب الخليفة رأي الأدرمي ودعا بالضيق على من لم يسعه ما وسع النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه. وهكذا كل صاحب باطل من بدعة أو غيرها فلابد أن يكون مآله الانقطاع عن الجواب.

_ = أن الواثق ترك امتحان الناس بسبب مناظرة جرت بين يديه رأى بها أن الأولى ترك الامتحان، ثم ساق القصة بطولها. الرابع: البدعة التي جرت المناظرة بسببها: هي بدعة القول بخلق القرآن تلك الفتنة الكبرى التي امتحن بسببها أئمة أعلام على رأسهم الإمام الرباني والصديق الثاني أحمد بن حنبل رحمه الله. وراجع مقدمة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على لمعة الاعتقاد حيث نبه على هذا التصويب أيضًا بإشارة لطيفة.

ذكر بعض آيات الصفات

ذكر بعض آيات الصفات [12] فمما جاء من آيات الصفات قول الله عز وجل: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك} [الرحمن: 27] . .... الشرح.... الصفات التي ذكرها المؤلف من صفات الله تعالى: ذكر المؤلف -رحمه الله- من صفات الله الصفات الآتية وسنتكلم عليها حسب ترتيب المؤلف. الصفة الأولى: الوجه: الوجه ثابت لله تعالى بدلالة الكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] . وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها". متفق عليه 14. وأجمع السلف على إثبات الوجه لله تعالى فيجب إثباته له بدون تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهو وجه حقيقي يليق بالله.

_ 14 البخاري: كتاب الجنائز: باب رثاء النبي -صلى الله عليه وسلم- سعد بن خولة "1295". ومسلم: كتاب الوصية: باب الوصية بالثلث "1628" "5". من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

وقد فسره أهل التعطيل بالثواب ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة. وقوله سبحانه وتعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: 64] . .... الشرح.... الصفة الثانية: اليدان: اليدان من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: 64] . وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَمِينُ الله مَلْأى لا يَغِيضُها نَفَقَة سحَّاء اللَّيل والنَّهار" إلى قوله: "بِيَدِه الأُخْرى القَبْضُ يَرْفَعُ ويَخْفِض" رواه مسلم، والبخاري معناه 15. وأجمع السلف على إثبات اليدين لله فيجب إثباتها له بدون تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهما يدان حقيقيتان لله تعالى يليقان به.

_ 15 مسلم: كتاب الزكاة: باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف "993" "37". وأما رواية البخاري فعنده في كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي} [ص: 75] "7411" بلفظ "يد الله ملأى لا يغيضها نفقة ... ". من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. لا يغيضها: بِالغين المعجمة والضاد المعجمة الساقطة: أي لا ينقصها. سحَّاء: بمهملتين مثقلا ممدودا: أي دائمة الصب، فتح الباري "395/13". =

وقد فسرها أهل التعطيل بالنعمة أو القدرة ونحوها ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة وبوجه رابع: أن في السياق ما يمنع تفسيرهما بذلك قطعًا كقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي} [ص: 75] . وقوله صلى الله عليه وسلم: "وَبِيَدِه الأُخْرَى القَبْضُ". الأوجه التي وردت عليها صفة اليدين وكيف نوفق بينهما: الأول: الإفراد كقوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] . الثاني: التثنية كقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] . الثالث: الجمع كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} [يس: 71] . والتوفيق بين هذه الوجوه أن نقول الوجه الأول مفرد مضاف فيشمل كل ما ثبت لله من يد ولا ينافي الثنتين وأما الجمع فهو للتعظيم لا لحقيقة العدد الذي هو ثلاثة فأكثر وحينئذ لا ينافي التثنية على أنه قد قيل إن أقل الجمع اثنان فإذا حمل الجمع على أقله فلا معارضة بينه وبين التثنية أصلاً.

_ = *فائدة: قال الحافظ في الفتح "395/13" في الكلام على لفظ مسلم وروايته وأنها وقع فيها بدل يد الله "يمين الله" قال: "ويتعقب بها على من فسر اليد هنا بالنعمة وأبعد منه من فسرها بالخزائن وقال أطلق اليد على الخزائن لتصرفها فيها" أ. هـ. قلت: وفي هذا دلالة على رد الحافظ على المؤولة!!

وقوله تعالى إخباراً عن عيسى -عليه السلام- أنه قال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] . .... الشرح.... الصفة الثالثة: النفس: النفس ثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] . وقال عن عيسى -عليه السلام- إنه قال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِةِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِه" رواه مسلم 16، وأجمع السلف على ثبوتها على الوجه اللائق به فيجب إثباتها لله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وقوله سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّك} [الفجر: 22] . وقوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّه} [البقرة: 210] .

_ 16 مسلم: كتاب الذكر والدعاء..: باب التسبيح أول النهار وعند النوم "2726" "79" من حديث جويرية رضي الله عنها.

... الشرح.... الصفة الرابعة: المجيء: مجيء الله للفصل بين عباده يوم القيامة ثابت بالكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّك} [الفجر: 22] . {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّه} [البقرة: 210] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى إذا لم يبق إلا من يعبد الله أتاهم رب العالمين" متفق عليه17. في حديث طويل وأجمع السلف على ثبوت المجيء لله تعالى فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهو مجيء حقيقي يليق بالله تعالى. وقد فسره أهل التعطيل بمجيء أمره ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة. وقوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] .

_ 17 البخاري: كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ , إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} "7439". ومسلم: كتاب الإيمان: باب معرفة طريق الرؤية "183" "302" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

... الشرح.... الصفة الخامسة: الرِّضَى: الرِّضَى من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لَيَرضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمِدَه عَلَيْهَا أو يَشْرَبَ الشَّرْبَة فَيَحْمِدَه عَلَيْهَا". رواه مسلم18. وأجمع السلف على إثبات الرِّضَى لله تعالى فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وهو رِضَى حقيقي يليق بالله تعالى. وقد فسره أهل التعطيل بالثواب ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة. وقوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه} [المائدة: 54] .

_ 18 مسلم: كتاب الذكر والدعاء: باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب "2734" "79" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. *الأكلة: الأكلة هنا بفتح الهمزة وهي المرة الواحدة من الأكل كالغداء والعشاء.

... الشرح.... الصفة السادسة: المحبة: المحبة من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] . وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم خبير: "لأُعْطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله". متفق عليه19. وأجمع السلف على ثبوت المحبة لله يحب ويحب فيجب إثبات ذلك حقيقة من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وهي محبة حقيقية تليق بالله تعالى. وقد فسرها أهل التعطيل بالثواب والرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة. وقوله تعالى في الكفار: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم} [الفتح: 6] .

_ 19 البخاري: كتاب المغازي: باب غزوة خيبر "4210". ومسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل علي "2406" "34". من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. *والرجل المقصود في الحديث: هو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كما وضحت الرواية.

... الشرح.... الصفة السابعة: الغضب: الغضب من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى فيمن قتل مؤمنا متعمدا: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: 93] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب كتابا عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي" متفق عليه20. وأجمع السلف على ثبوت الغضب لله فيجب إثباته من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وهو غضب حقيقي يليق بالله. وفسره أهل التعطيل بالانتقام ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة وبوجه رابع أن الله تعالى غاير بين الغضب والانتقام فقال تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف: 55] . أي: أغضبونا. {انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] . فجعل الانتقام نتيجة للغضب فدل على أنه غيره. وقوله تعالى: {اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ} [محمد: 28] .

_ 20 البخاري: كتاب التوحيد: باب قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ , فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21-22] "7554". ومسلم: كتاب التوبة: باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه "2751" "14" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

... الشرح.... الصفة السابعة: الغضب: الغضب من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى فيمن قتل مؤمنا متعمدا: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: 93] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب كتابا عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي" متفق عليه20. وأجمع السلف على ثبوت الغضب لله فيجب إثباته من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وهو غضب حقيقي يليق بالله. وفسره أهل التعطيل بالانتقام ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة وبوجه رابع أن الله تعالى غاير بين الغضب والانتقام فقال تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف: 55] . أي: أغضبونا. {انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] . فجعل الانتقام نتيجة للغضب فدل على أنه غيره. وقوله تعالى: {اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ} [محمد: 28] .

_ 20 البخاري: كتاب التوحيد: باب قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ , فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21-22] "7554". ومسلم: كتاب التوبة: باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه "2751" "14" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" رواه البخاري22. وأجمع السلف على ثبوت ذلك لله فيجب إثباته من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وهي كراهة حقيقية من الله تليق به. وفسر أهل التعطيل الكراهة بالإبعاد ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة.

_ 22 البخاري: كتاب الأدب: باب عقوق الوالدين من الكبائر "5975". ومسلم: كتاب الأقضية: باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة. "593" "13" واللفظ له من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

ذكر بعض أحاديث الصفات

ذكر بعض أحاديث الصفات [13] ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا" *. .... الشرح.... الصفة العاشرة: النزول: نزول الله إلى السماء الدنيا من صفاته الثابتة له بالسنة وإجماع السلف. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ... " الحديث متفق عليه23. وأجمع السلف على ثبوت النزول لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهو نزول حقيقي يليق بالله. وفسره أهل التعطيل بنزول أمره أو رحمته أو ملك من ملائكته، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة وبوجه رابع أن الأمر ونحوه لا يمكن أن يقول من يدعوني فأستجيب له.. إلخ. وقوله: "يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة".

_ * زاد ابن القيم في اجتماع الجيوش ص "191": وقوله صلى الله عليه وسلم: "لله أفرح بتوبة عبده". 23 البخاري: كتاب التهجد: باب الدعاء والصلاة في آخر الليل "1145". ومسلم: كتاب صلاة المسافرين: باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه "758" "168"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وفي الباب عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أخرجه مسلم "758" "172". وراجع لشرح هذا الحديث والكلام عليه باستفاضة "شرح حديث النزول" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

... الشرح.... الصفة الحادية عشرة: العجب: العجب من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُون} [الصافات: 12] . على قراءة ضم التاء*. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يعجب ربك من الشاب ليست له صبوه" رواه أحمد وهو في المسند ص 151ج4 عن عقبة بن عامر مرفوعا وفيه ابن لهيعة24. وأجمع السلف على ثبوت العجب لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهو عجب حقيقي يليق بالله.

_ * يشير الشيخ -حفظه الله- إلى قراءة حمزة والكسائي وخلف بضم التاء. راجع: المبسوط في القراءات العشر لابن مهران الأصبهاني ص "375"، والسبعة في القراءات لابن مجاهد ص "547". 24 حديث ضعيف: أخرجه أحمد "151/4" وابن أبي عاصم في السنة "571" وأبو يعلى "1479" والطبراني في الكبير "309/17" والقضاعي في مسند الشهاب "576" وتمام الرازي في فوائده "1287" والبيهقي في الأسماء والصفات ص "600" ونقل الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة ص "123" تضعيف الحافظ ابن حجر العسقلاني له في فتاويه من أجل عبد الله بن لهيعة وضعفه الألباني في الضعيفة "2426" وقال السخاوي: روينا في جزء أبي حاتم الحضرمي من حديث الأعمش عن إبراهيم قال: كان يعجبهم ألا يكون للشباب صبوة. الصبوة: الميل إلى الهوى. ويغني عن هذا الحديث في إثبات صفة العجب ما رواه البخاري "4889" من حديث أبي هريرة في حديث الضيف: "لقد عجب الله عز وجل - أو ضحك - من فلان وفلانة فأنزل الله عز وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] .

وفسره أهل التعطيل بالمجازاة ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة. والعجب نوعان: أحدهما أن يكون صادرًا عن خفاء الأسباب على المتعجب فيندهش له ويستعظمه ويتعجب منه وهذا النوع مستحيل على الله؛ لأن الله لا يخفى عليه شيء. الثاني: أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره أو عما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب وهذا هو الثابت لله تعالى. وقوله: يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة. .... الشرح.... الصفة الثانية عشرة: الضحك: الضحك من صفات الله الثابتة له بالسنة وإجماع السلف. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة". وتمام الحديث: "يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد". متفق عليه25.

_ 25 البخاري: كتاب الجهاد: باب الكافر يقتل المسلم، ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل "2826". ومسلم: كتاب الإمارة: باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة "1890" "128" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وأجمع السلف على إثبات الضحك لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وهو ضحك حقيقي يليق بالله تعالى. وفسره أهل التعطيل بالثواب، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة. [14] فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعدلت رواته، نؤمن به ولا نرده، ولا نجحده، ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره، ولا نشبهه بصفات المخلوقين، ولا بسمات المحدثين*، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] . وكل ما تخيل في الذهن أو خطر بالبال، فإن الله تعالى بخلافه. [15] ومن ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . .... الشرح.... الصفة الثالثة عشرة: الاستواء على العرش: استواء الله على العرش من صفاته الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . وذكر استواءه على عرشه في سبعة مواضع من القرآن.

_ * زاد في اجتماع الجيوش ص "191": بل نؤمن بلفظه ونترك التعرض لمعناه قراءته تفسيره.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه أن رحمتي سبقت غضبي". رواه البخاري26. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود في سننه: "إن بعد ما بين سماء إلى سماء إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة إلى أن قال: في العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله تعالى فوق ذلك". وأخرجه أيضاً الترمذي وابن ماجه وفيه علة أجاب عنها ابن القيم -رحمه الله- في تهذيب سنن أبي داود27. ص "92، 93" ج "7" وأجمع السلف على إثبات استواء الله على عرشه فيجب إثباته من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وهو استواء حقيقي معناه العلو والاستقرار على وجه يليق بالله.

_ 26 تقدم تخريجه ص "55". 27 حديث ضعيف: أخرجه أحمد "206/1، 207" وأبو داود "4723" والترمذي "3320" وحسنه، وابن ماجه "193" والحاكم في المستدرك "500/2، 501"، وعثمان الدارمي في الرد على الجهمية ص "24" وفي الرد على المريسي ص "90، 91" وابن أبي عاصم في السنة "577" وابن خزيمة في التوحيد "144" والآجرى في الشريعة ص "292، 293" ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش "9، 10" والبيهقي في الأسماء والصفات ص "504" واللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة "651" والعقيلي في الضعفاء "284/2" وابن الجوزي في العلل المتناهية "25/2" والواهيات "9/1، 10" وأبو نعيم في أخبار أصبهان "2/2" وأبو الشيخ في العظمة "204" وابن قدامة في العلو "29" والذهبي في العلو للعلي الغفار "ص 49، 50" وابن عبد البر في التمهيد "104/7" وابن حزم في الملل والنحل "100/2، 101" والمزي في تهذيب الكمال "719/2" وغيرهم من طرق عن سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب فذكره. وسنده ضعيف فيه أكثر من علة: الأولى: تفرد سماك بروايته، وإذا نظرنا إلى حديث سماك حال الانفراد وجدناه لا يحتج به إذا انفرد، ففي التهذيب "234/4": قال النسائي: كان ربما لقن فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة؛ لأنه كان يلقن فيتلقن أ. هـ، وهذا جرح بين واضح من إمام ناقد وقد انفرد سماك في حديثه بذكر صفة حملة العرش. الثانية: جهالة عبد الله بن عميرة، وقد أعل الحافظ الذهبي حديثه هذا في العلو بجهالته. وفي الميزان له قال: فيه جهالة. أ. هـ، وقد قال الإمام البخاري: لا يعرف له سماع من الأحنف بن قيس، كذا في التاريخ الكبير. =

وقد فسره أهل التعطيل بالاستيلاء ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة ونزيد وجها رابعا أنه لا يعرف في اللغة العربية بهذا المعنى ووجهًا خامسًا أنه يلزم عليه لوازم باطلة مثل أنّ العرش لم يكن ملكاً لله ثم استولى عليه بعد. والعرش لغة: السرير الخاص بالملك، وفي الشرع العرش العظيم الذي استوى عليه الرحمن جل جلاله، وهو أعلى المخلوقات وأكبرها وصفه الله بأنه عظيم وبأنه كريم وبأنه مجيد.

_ = الثالثة: نكارة المتن: فقد أشار أخونا المكرَّم عبد الله بن يوسف في تعليقه على (فتيا وجوابها) لابن العطار ص "72": أن في سياق المتن نكارة من وجهين: 1- تشبيه الملائكة بالتيوس، فإن الأوعال جمع وعل، وهو تيس الجبال، وإن كان هذا اللفظ يستعار للأشراف من الناس، فإنه ههنا على الأصل بقرينة ذكر الأظلاف فإنها من خواص ما يجتر من الحيوان. 2- أكثر الأصول تذكر الأظلاف والركب مؤنثة وهو معنى منكر في حق الملائكة وقد أنكره الله على المشركين. أ. هـ. وقد ضعف الحديث وأشار إلى ضعفه غير واحد من أهل العلم منهم: ابن عدي في الكامل في ترجمة يحيى بن العلاء فقال: إنه غير محفوظ ورده ابن العربي في شرحه للترمذي بقوله: أمور تلقفت من أهل الكتاب ليس لها أصل الصحة. وكذا ضعفه الألباني في تخريجه للسنة لابن أبي عاصم "577" والأرناؤوط في تعليقه على الطحاوية "365/2". وما جاء من تقوية الحافظ ابن القيم له في تهذيب السنن كما أشار الشيخ العثيمين فلاعتقاده أن العلة التي في الحديث هي تفرد الوليد بن أبي ثور عن سماك بالرواية مع ضعفه وأن هذه العلة مدفوعة برواية غيره من الثقات عن سماك مثل: إبراهيم بن طهمان وغيره. والحق كما رأيت أن الأشكال والعلة ليس في الطرق الموصلة لسماك، فقد رواه عن سماك غير واحد مما هو مذكور في طرقه، وإنما الإشكال والعلة في سماك نفسه ومن فوقه. وقد أشار ابن القيم إلى علة أخرى وهي مخالفة هذا الحديث لحديث آخر رواه الترمذي من حديث أبي هريرة ورد هذه العلة بقوله: إن الترمذي ضعف هذا الحديث عن أبي هريرة، وراجع تهذيب السنن "92/7، 93". والخلاصة: أن الحديث ضعيف وأن أدلة الفوقية والاستواء مقررة بأدلة أخرى كثيرة في الكتاب والسنة الصحيحة والله أعلم.

والكرسي غير العرش؛ لأن العرش هو ما استوى عليه الله تعالى، والكرسي موضع قدميه لقول ابن عباس رضي الله عنهما: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره. رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه28. وقوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] .

_ 28 صحيح موقوف: أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش "61" وعبد الله بن أحمد في السنة "407" والدارمي في الرد على المريسي ص "71- 74" وابن خزيمة في التوحيد ص "107، 108" والطبري في التفسير "5792" والطبراني في الكبير "12204" والدارقطني في كتاب الصفات "36، 37" والحاكم في المستدرك "282/2" من طريق سفيان عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا عليه. وإسناده حسن: فعمار الدهني أبو معاوية البجلي صدوق روى له أصحاب الكتب الستة إلا البخاري كما في التقريب ص "408". ومع ذلك فقد قال الحاكم: صحيح على شرطة الشيخين ووافقه الذهبي!! وقال الهيثمي في المجمع "323/6": رجاله رجال الصحيح أ. هـ. وقد روي هذا الحديث مرفوعًا ولا يصح، وراجع لذلك التهذيب "313/4" وتفسير ابن كثير "309/1" والعلل لابن الجوزي وشرح الطحاوية لابن أبي العز "369/2" والميزان "165/2". وفي الباب: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرجل، أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش "60"، وعبد الله بن أحمد في السنة وابن جرير في تفسيره "7/3" والبيهقي في الأسماء والصفات ص "510" وأبو الشيخ في العظمة "42/2" والذهبي في العلو "124 - مختصر". وإسناده صحيح موقوف كما قال الألباني في مختصره للعلو. *وراجع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة العرشية على هذا الأثر وكذا ما قاله الشيخ العثيمين في تفسيره آية الكرسي ص "24- 26".

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك" وقال للجارية: "أين الله؟ " قالت: في السماء. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة". رواه مالك بن أنس ومسلم وغيرهما من الأئمة. [16] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لحصين: "كم إلهًا تعبد؟ " قال: سبعة: ستة في الأرض وواحدًا في السماء. قال: "من لرغبتك ورهبتك؟ " قال: الذي في السماء. قال: "فاترك الستة واعبد الذي في السماء، وأنا أعلمك دعوتين". فأسلم، وعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: "اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي". [17] وفيما نقل من علامات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في الكتب المتقدمة: أنهم يسجدون بالأرض ويزعمون أن إلههم في السماء. [18] وروى أبو داود في سننه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا ... " وذكر الخبر إلى قوله: "وفوق ذلك العرش، والله سبحانه فوق ذلك". [19] فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف -رحمهم الله- على نقله وقبوله، ولم يتعرضوا لرده، ولا تأويله ولا تشبيهه ولا تمثيله. .... الشرح.... الصفة الرابعة عشرة: العلو: العلو من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم} [البقرة: 255] .

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في صلاته في السجود: "سبحان ربي الأعلى" رواه مسلم من حديث حذيفة29. وأجمع السلف على ثبوت العلو لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهو علو حقيقي يليق بالله. وينقسم إلى قسمين: أ- علو صفة: بمعنى أن صفاته تعالى عليا ليس فيها نقص بوجه من الوجوه ودليله ما سبق. ب- وعلو ذات: بمعنى أن ذاته تعالى فوق جميع مخلوقاته ودليله مع ما سبق: قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك ... " الحديث رواه أبو داود وفيه زيادة ابن محمد، قال البخاري: منكر الحديث30.

_ 29 مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل "772" "203" ضمن حديث طويل لحذيفة. 30 حديث ضعيف: وله إسنادان: الأول: من طريق زيادة بن محمد عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء، أخرجه أبو داود "3892" والنسائي في عمل اليوم والليلة "1037" والحاكم "344/1" والبيهقي في الأسماء والصفات ص "423" والدارمي في الرد على الجهمية "70" وابن قدامة في العلو "18" وإسناده ضعيف جدًا فزياد بن محمد الأنصاري متروك كما في التقريب، وذكر الحافظ الذهبي في الميزان "98/2" أنه انفرد بهذا الحديث. وعقب على تصحيح الحاكم لهذا الحديث بقوله: زيادة قال فيه البخاري وغيره: منكر الحديث، وفي العلو ص "27" زيادة لين الحديث. الثاني: رواه أحمد "20/6، 21" من طريق أبي بكر بن أبي مريم عن الأشياخ عن فضالة بن عبيد الأنصاري قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رقية وأمرني أن أرقي بها.. فذكره. وإسناده ضعيف ففيه جهالة وضعف: أما الجهالة ففي قوله: عن الأشياخ وأما الضعف فأبو بكر بن أبي مريم ضعيف مختلط.

وقوله -صلى الله عليه وسلم- للجارية: "أين الله؟ ": قالت: في السماء. قال: "اعتقها فإنها مؤمنة" رواه مسلم في قصة معاوية بن الحكم31. وقوله -صلى الله عليه وسلم- لحصين بن عبيد الخزاعي والد عمران بن حصين: "اترك السنة واعبد الذي في السماء" هذا هو اللفظ الذي ذكره المؤلف وذكره في الإصابة من رواية ابن خزيمة في قصة إسلامه بلفظ غير هذا وفيه إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لحصين حين قال "ستة في الأرض وواحدًا في السماء" 32. وأجمع السلف على ثبوت علو الذات لله وكونه في السماء فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وقد أنكر أهل التعطيل كون الله بذاته في السماء وفسروا معناها أن في السماء ملكه وسلطانه ونحوه، ونرد عليهم بما سبق في القاعدة الرابعة. وبوجه رابع: أن ملك الله وسلطانه في السماء وفي الأرض أيضًا وبوجه خامس: وهو دلالة العقل عليه؛ لأنه صفة كمال.

_ 31 مسلم: كتاب الجنائز ومواضع الصلاة: باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته "537" "33" من حديث معاوية بن الحكم السلمي. 32 حديث ضعيف: أخرجه ابن قدامة في العلو "19" ومن طريقه الذهبي في العلو للعلي الغفار ص "23، 24" من طريق رجاء بن محمد البصري حدثنا عمران بن خالد بن طليق حدثي أبي عن أبيه عن جده.. مطولاً. وقال الذهبي: عمران - يعني ابن خالد - ضعيف. والحديث في إسناده خالد بن طليق قال فيه الدارقطني: ليس بالقوي، كما في لسان الميزان لابن حجر "379/2". والحديث رواه ابن خزيمة في التوحيد ص "120، 121" عن رجاء به وكذا عزاه ابن حجر في الإصابة "377/1" كما ذكر الشيخ العثيمين حفظه الله.

وبوجه سادس: وهو دلالة الفطرة عليه؛ لأن الخلق مفطورون على أن الله في السماء. معنى كون الله في السماء: المعنى الصحيح لكون الله في السماء أن الله تعالى على السماء ففي بمعنى على وليست للظرفيه؛ لأن السماء لا تحيط بالله أو أنه في العلو فالسماء بمعنى العلو وليس المراد بها السماء المبنية. تنبيه: ذكر المؤلف -رحمه الله- أنه نقل عن بعض الكتب المتقدمة أن من علامات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أنهم يسجدون بالأرض ويزعمون أن إلههم في السماء وهذا النقل غير صحيح؛ لأنه لا سند له 33 ولأن الإيمان بعلو الله والسجود له لا يختصان بهذه الأمة، وما لا يختص لا يصح أن يكون علامة، ولأن التعبير بالزعم في هذا الأمر ليس بمدح؛ لأن أكثر ما يأتي الزعم فيما يشك فيه. [20] سئل الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- فقيل: يا أبا عبد الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] .

_ 33 ورد ذلك ضمن أثر أخرجه ابن قدامة في العلو "21" بإسناده إلى عدي بن عميرة بن فروة المعبدي، والقصة في الإصابة "470/2" في ترجمة عدي بن عميرة وذكرها الذهبي في العلو ص "25" وقال: هذا حديث غريب.

كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ثم أمر بالرجل فأخرج34. .... الشرح.... جواب الإمام مالك بن أنس بن مالك وليس أبوه أنس بن مالك الصحابي بل غيره وكان جد مالك من كبار التابعين وأبو جده من الصحابة. ولد مالك سنة 93هـ بالمدينة ومات فيها سنة 179هـ وهو في عصر تابعي التابعين. سئل مالك فقيل: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] . كيف استوى؟ فقال رحمه الله: الاستواء غير مجهول أي: معلوم المعنى وهو العلو والاستقرار، والكيف غير معقول أي: كيفية الاستواء غير مدركة بالعقل؛ لأن الله تعالى أعظم وأجل من أن تدرك العقول كيفية صفاته. والإيمان به أي: الاستواء واجب لوروده في الكتاب والسنة. والسؤال عنه أي: عن الكيف بدعة؛ لأن السؤال عنه لم يكن في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. ثم أمر بالسائل فأخرج من المسجد خوفًا من أن يفتن الناس في عقيدتهم وتعزيرًا له بمنعه من مجالس العلم.

_ 34 أثر صحيح: أخرجه ابن قدامة في العلو "104" والذهبي في العلو ص "141، 142" وأبو نعيم في الحلية "325/6، 326" وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية ص "55" واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة "664" وأبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف "24-26" والبيهقي في الأسماء والصفات ص "408" من طرق يقوي بعضها بعضًا وصححه الذهبي في العلو وكذا قواه الألباني في مختصره للعلو وقال الحافظ في الفتح "406/13، 407": وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب به.. فذكره. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى "365/5" بعد أن ذكر قول مالك: ومثل هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك. أ. هـ.

فصل: كلام الله تعالى

فصل: كلام الله تعالى [21] ومن صفات الله تعالى، أنه متكلم بكلام قديم، يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى -عليه السلام- منه من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله. [22] وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه، قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164] . وقال سبحانه: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف: 144] . وقال سبحانه: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه} [البقرة: 253] . وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] . وقال سبحانه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى , إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11، 12] . وقال سبحانه: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] . وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله.

[23] وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إذا تكلم الله بالوحي، سمع صوته أهل السماء" روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. [24] وروى عبد الله بن أنيس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة حفاة غرلا بهما، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان". رواه الأئمة واستشهد به البخاري. [25] وفي بعض الآثار: أن موسى -عليه السلام- ليلة رأى النار فهالته ففزع منها، فناداه ربه: يا موسى، فأجاب سريعًا استئناسًا بالصوت، فقال: لبيك لبيك، أسمع صوتك ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك. فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى. قال: كذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع، أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى. .... الشرح.... الصفة الخامسة عشرة: الكلام: الكلام صفة من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] . {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه} [البقرة: 253] .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي" أخرجه ابن خزيمة وابن جرير وابن أبي حاتم35. وأجمع السلف على ثبوت الكلام لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. وهو كلام حقيقي يليق بالله يتعلق بمشيئته بحروف وأصوات مسموعة. والدليل على أنه بمشيئته قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] . فالتكليم حصل بعد مجيء موسى فدل على أنه متعلق بمشيئته تعالى. المخالفون لأهل السنة في كلام الله تعالى36: خالف أهل السنة في كلام الله طوائف نذكر منهم طائفتين: الطائفة الأولى: الجهمية، قالوا ليس الكلام من صفات الله وإنما هو خلق من مخلوقات الله يخلقه الله في الهواء أو في المحل الذي يسمع منه وإضافته إلى الله إضافة خلق أو تشريف مثل: ناقة الله وبيت الله. ونرد عليهم بما يلي: 1- إنه خلاف إجماع السلف. 2- خلاف المعقول؛ لأن الكلام صفة للمتكلم وليس شيئا قائما بنفسه منفصلا عن المتكلم.

_ 35 سيأتي تخريجه ص "76". 36 راجع: فصل: كشف تلبيس الجهمية المعتزلة في كلام الله تعالى، وفصل: كشف تلبيس الأشعرية في إثبات صفة الكلام لله تعالى. من كتاب العقيدة السلفية في كلام رب البرية وكشف أباطيل المبتدعة الردية لأخينا الفاضل عبد الله بن يوسف الجديع -كرمه الله- فقد أجاد فيه وأفاد.

3- إن موسى سمع الله يقول: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] . ومحال أن يقول ذلك أحد إلا الله سبحانه وتعالى. الطائفة الثانية: الأشعرية قالوا: كلام الله معنى قائم بنفسه لا يتعلق بمشيئته وهذه الحروف والأصوات المسموعة مخلوقة للتعبير عن المعنى القائم بنفس الله ونرد عليهم بما يلي: 1- إنه خلاف إجماع السلف. 2- خلاف الأدلة؛ لأنها تدل على أن كلام الله يسمع ولا يسمع إلا الصوت لا يسمع المعنى القائم بالنفس. 3- خلاف المعهود؛ لأن الكلام المعهود هو ما ينطق به المتكلم لا ما يضمره في نفسه. والدليل على أنه حروف قوله تعالى: {يَا مُوسَى , إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11، 12] . فإن هذه الكلمات حروف وهي كلام الله. والدليل على أنه بصوت قوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52] . والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت. وروى عبد الله بن أنيس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يحشر الله الخلائق فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان". علقه البخاري بصيغة التمريض، قال في الفتح

وأخرجه المصنف في الأدب المفرد وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما وذكر له طريقين آخرين37. وكلام الله تعالى قديم النوع حادث الآحاد، ومعنى قديم النوع: أن الله لم يزل ولا يزال متكلما ليس الكلام حادثًا منه بعد أن لم يكن، ومعنى حادث الآحاد: أن آحاد كلامه أي: الكلام المعين المخصوص حادث؛ لأنه متعلق بمشيئته متى شاء تكلم بما شاء كيف شاء. تعليق على كلام المؤلف في فصل الكلام: قوله: متكلم بكلام قديم يعني: قديم النوع حادث الآحاد لا يصلح إلا هذا المعنى على مذهب أهل السنة والجماعة، وإن كان ظاهر كلامه أنه قديم النوع والآحاد. قوله: سمعه موسى من غير واسطة؛ لقوله تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13] . قوله: وسمعه جبريل، لقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل: 102] .

_ 37 حديث حسن: علقه البخاري في صحيحه في موضعين أحدهما بصيغة الجزم "173/1" وبصيغة التمريض "453/13". ووصله في كتابه الأدب المفرد "970" وكتابه خلق أفعال العباد "ص 131". وكذا الإمام أحمد في مسنده "495/3" والبيهقي في الأسماء والصفات ص "78، 79" وابن أبي عاصم في السنة ص "514" والحاكم في المستدرك "437/2-574/4، 575" وصححه ووافقه الذهبي، وقواه الحافظ في الفتح "174/1" وذكر له أكثر من طريق، وقال عن أحدها: إنه صالح، وراجع التعليق له "353/5". وقال الألباني في تخريج السنة "514": "حديث صحيح". وأورده ابن قدامة في كتاب البرهان في بيان القرآن ص "86".

قوله: ومن أذن له من ملائكته ورسله، أما الملائكة: فلقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكنَّ ربنا إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش، ثم يسبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُم} [سبأ: 23] فيخبرونهم". الحديث رواه مسلم38، وأما الرسل: فقد ثبت أن الله كلم محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج39. قوله: وإنه سبحانه يكلم المؤمنين ويكلمونه، لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقول الله لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك". الحديث متفق عليه40. قوله: ويأذن لهم فيزورونه، لحديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أهل الجنة إذا دخلوا فيها نزلوا بفضل أعمالهم ثم يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون ربهم ... " الحديث رواه ابن ماجه والترمذي وقال: غريب، وضعفه الألباني41.

_ 38 مسلم: كتاب السلام: باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان "2229" "124" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. 39 كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن مالك بن صعصعة: البخاري "3207"، "3887"، ومسلم "164" "264". 40 البخاري: كتاب الرقاق: باب قوله عز وجل: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] "6530". ومسلم: كتاب الإيمان: باب قوله: يقول الله لآدم: أخرج بعث النار ... "222" "379". من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. 41 حديث ضعيف: جزء من حديث طويل رواه الترمذي "2552" وابن ماجه "4336" وفي إسناده عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين كاتب الأوزاعي، قال في التقريب ص "333": صدوق ربما أخطأ، قال أبو حاتم: كان كاتب ديوان ولم يكن صاحب حديث، ولذا ضعفه الترمذي بقوله: هذا حديث غريب يعني ضعيف.

وقوله: وقال ابن مسعود إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء، وروى ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثر ابن مسعود، ولم أجده بهذا اللفظ، وذكر ابن خزيمة طرقه في كتاب التوحيد بألفاظ منها: سمع أهل السموات للسموات صلصلة، وأما المروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو من حديث النواس بن سمعان مرفوعا "إذا أراد الله أن يوحى بأمره تكلم بالوحي فإذا تكلم أخذت السموات منه رجفة أو قال: رعدة شديدة من خوف الله فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا ... " الحديث. رواه ابن خزيمة وابن أبي حاتم42.

_ 42 حديث صحيح: قد ورد عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا: - أما الموقوف: فعلقه البخاري في صحيحه "453/13 - فتح" وقد وصله ابن خزيمة في التوحيد ص "146، 147" وابن جرير "90/22" وعبد الله بن أحمد في السنة "537" والبيهقي في الأسماء والصفات ص "201" وغيرهم من طريق أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله به موقوفًا بلفظ: "إن الله إذا تكلم بالوحي، سمع أهل السموات للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون ... " وسنده صحيح وفي لفظ آخر عند عبد الله بن أحمد في السنة "536": "إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع صوته أهل السماء" الحديث. وعزاه ابن قدامة في البرهان في بيان القرآن ص "84، 85" لعبد الله بن أحمد في الرد على الجهمية قال: قلت يا أبت إن الجهمية يزعمون أن الله لا يتكلم بصوت فقال كذبوا إنما يدورون على التعطيل ثم قال: حدثني عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال فذكره وإسناده جيد. وقد عزاه شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل "38/2" للخلال عن يعقوب بن بختان عن أحمد. - وأما المرفوع: فأخرجه أبو داود "4738" وابن خزيمة في التوحيد "95، 96" والبيهقي في الأسماء والصفات ص "200" عن أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة". وقال الألباني في الصحيحة "1293": وإسناده صحيح على شرط الشيخين، ثم قال: والموقوف وإن كان أصح من المرفوع -ولذلك علقه البخاري في صحيحه- فإنه لا يعل المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر، ثم ذكر له شاهدًا من حديث أبي هريرة عند البخاري "4701" "4800".

فصل القرآن كلام الله

فصل القرآن كلام الله [26] ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم وهو كتاب الله المبين وحبله المتين، وصراطه المستقيم وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. [27] وهو سور محكمات، وآيات بينات، وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه، فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلوُّ بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] . وقوله تعالى: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88] .

_ = قلت: وأيضًا من حديث ابن عباس عند مسلم "2229"، وأحمد "218/1" والترمذي "3277" وأيضًا: حديث النواس بن سمعان الذي أشار إليه الشيخ العثيمين وهو عند البيهقي في الأسماء والصفات ص "263، 264" والطبراني كما في المجمع "94/7، 95" وقال الهيثمي: "رواه الطبراني عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح وقد وثق وتكلم فيه من لم يسم بغير قادح معين وبقية رجاله ثقات أ. هـ.

... الشرح.... القول في القرآن: القرآن الكريم من كلام الله تعالى منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود فهو كلام الله حروفه ومعانيه. دليل أنه من كلام الله قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] . يعني القرآن. ودليل أنه مُنَزَّلٌ قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] . ودليل أنه غير مخلوق قوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54] . فجعل الأمر غير الخلق والقرآن من الأمر لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52] . {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ} [الطلاق: 5] . ولأن كلام الله صفة من صفاته وصفاته غير مخلوقة. ودليل أنه منه بدأ، أن الله أضافه إليه ولا يضاف الكلام إلا إلى من قاله مبتدئًا.

ودليل أنه إليه يعود أنه ورد في بعض الآثار "أنه يرفع من المصاحف والصدور في آخر الزمان43. [28] وهذا هو الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} [سبأ: 31] . وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] . فقال الله سبحانه: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26] . وقال بعضهم: هو شعر، فقال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69] . فلما نفى الله عنه أنه شعر وأثبته قرآنا لم يبق شبهة لذى لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات وحروف وآيات؛ لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد: إنه شعر.

_ 43 وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كما في حديث حذيفة مرفوعًا: " ... وليسري على كتاب الله -عز وجل- في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية...." الحديث. رواه ابن ماجه "4049" والحاكم "473/4" وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال الألباني في الصحيحة "87": وهو كما قالا. وكذا صح موقوفا من حديث أبي هريرة وابن مسعود وراجع لذلك: العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص "173، 174".

[29] وقال عز وجل: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [البقرة: 23] . ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل ما لا يدرى ما هو ولا يعقل. [30] وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس: 15] . فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم. [31] وقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] . وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ , فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ , لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 77-79] . بعد أن أقسم على ذلك. [32] وقال تعالى: {كهيعص} [مريم: 1] . {حم , عسق} [الشورى: 1، 2] . وافتتح تسعًا وعشرين سورة بالحروف المقطعة.

[33] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فأعربه، فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة". حديث صحيح44. [34] وقال عليه الصلاة والسلام: "اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه" 45.

_ 44 حديث ضعيف جدًا: أخرجه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد "163/7" عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعربوا القرآن، فإن من قرأ القرآن فأعربه، فله عشر حسنات، وكفارة عشر سيئات، ورفع عشر درجات" وقال الهيثمي وفيه نهشل وهو متروك. ونهشل هو ابن سعيد بن وردان الورداني متروك، وقد كذبه إسحاق بن راهويه. وكذا أورد الحديث ابن قدامة في البرهان ص "38، 39" ثم قال: حديث صحيح!! والحق أنه حديث ضعيف جدًا. وقد ورد في فضل قراءة القرآن عن ابن مسعود حديث آخر قريب من هذا بلفظ: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولا أقوال الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" أخرجه الترمذي "290" مرفوعًا وصوب الأخ الكريم عبد الله بن يوسف وقفه على ابن مسعود في بحث فريد في تذيله على كتاب الرد على من يقول "الم" حرف لابن منده فجزاه الله خيرًا. 45 حديث صحيح: أخرجه أحمد "338/5" وأبو داود "831" وابن حبان "1876 - موارد" وفي إسناده ضعف، ففيه وفاء بن شريح الصدفي مقبول -كما في التقريب- يعني حيث يتابع وإلا فلين الحديث. إلا أن الحديث له شواهد يتقوى بها: منها حديث جابر بن عبد الله عند أحمد "397/3" وأبو داود "830" وإسناده صحيح كمال قال الألباني في الصحيحة "259". والحديث أورده ابن قدامة في البرهان ص "35، 36" من حديث سهل بن سعد. *الترقوه: الحلقوم.

[35] وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه"46. [36] وقال علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله47. [37] واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه. [38] ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفًا متفقا عليه أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف. .... الشرح....

_ 46 أثر ضعيف جدًا: أخرجه ابن الأنباري في الوقف والابتداء "20/1" بلفظ: لبعض إعراب القرآن أعجب إلينا من حفظ بعض حروفه، وإسناده ضعيف جدا فيه ضعف وانقطاع، فيه جابر بن يزيد الجعفي وهو ضعيف وكذا شريك القاضي صدوق يخطئ كثيرا وتغير حفظه، وانقطاع بين أبي بكر وعمر وبين الراوي عنهما. عن تعليق بدر البدر على اللمعة ص "19". وأورده ابن قدامة في البرهان ص "44". 47 أخرجه ابن أبي شيبة "513/10، 514" وابن جرير في تفسيره "56" من طريق شعيب بن الحبحاب قال: كان أبو العالية إذا قرأ عنده رجل لم يقل: ليس كما يقرأ، وإنما يقول: أما أنا فأقرأ كذا وكذا، قال فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: أرى صاحبك قد سمع: "أن من كفر بحرف منه، فقد كفر به كله" وإسناده صحيح. وقد أورده ابن قدامة في البرهان ص "45" وأورد أثرا آخر عن علي أنه سئل عن الجنب، هل يقرأ القرآن؟ قال: "ولا حرفًا". قلت: هو عند ابن أبي شيبة في مصنفه "102/1".

القرآن حروف وكلمات: القرآن حروف وكلمات وقد ذكر المؤلف -رحمه الله- لذلك أدلة ثمانية: 1- أن الكفار قالوا:إنه شعر ولا يمكن أن يوصف بذلك إلا ما هو حروف وكلمات48. 2- أن الله تحدى المكذبين به أن يأتوا بمثله ولو لم يكن حروفاً وكلمات لكان التحدي غير مقبول إذ لا يمكن التحدي إلا بشيء معلوم يدرى ما هو. 3- أن الله أخبر بأن القرآن يتلى عليهم {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس: 15] . ولا يتلى إلا ما هو حروف وكلمات. 4- أن الله أخبر بأنه محفوظ في صدور أهل العلم ومكتوب في اللوح المحفوظ {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] . {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ , فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ , لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 77-79] .

_ 48 قال ابن قدامة في البرهان ص "27": (ومن المعلوم أنما عنوا هذا النظم؛ لأن الشعر كلام موزون، فلا يسمى به معنى، ولا ماليس بكلام، فسماه الله تبارك وتعالى ذكراً وقرآنًا مبينًا". أ. هـ. وراجع الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على أن القرآن حروف وكلمات في البرهان في بيان القرآن لابن قدامة ص "26: 83".

ولا يحفظ ويكتب إلا ما هو حروف وكلمات. 5- قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة"، صححه المؤلف ولم يعزه ولم أجد من خرجه49. 6- قول أبي بكر وعمر: "إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه. 7- قول علي رضي الله عنه: "من كفر بحرف منه فقد كفر به كله". 8- إجماع المسلمين -كما نقله المؤلف- على أن من جحد منه سورة أو آية أو كلمة أو حرفًا متفقًا عليه فهو كافر50. وعدد سور القرآن "114" منها "29" افتتحت بالحروف المقطعة. أوصاف القرآن: وصف الله القرآن الكريم بأوصاف عظيمة كثيرة ذكر المؤلف منها ما يلي: 1- أنه كتاب الله المبين أي: المفصح عما تضمنه من أحكام وأخبار. 2- أنه حبل الله المتين أي: العهد القوي الذي جعله الله سبباً للوصول إليه والفوز بكرامته. 3- أنه سور محكمات أي: مفصل السور كل سورة منفردة عن الأخرى والمحكمات المتقنات المحفوظات من الخلل والتناقض. 4- أنه آيات بينات أي: علامات ظاهرات على توحيد الله وكمال صفاته وحسن تشريعاته.

_ 49 وقد تقدم أنه غير صحيح وأنه حديث ضعيف جدا عزاه الهيثمي في المجمع للطبراني في الأوسط وفيه نهشل بن سعيد متروك. 50 راجع: البرهان لابن قدامة ص "49- 51" ونقل ابن قدامة الإجماع على ذلك وفي أمور كثيرة تتعلق بذلك.

5- أن فيه محكمًا ومتشابهًا، فالمحكم ما كان معناه واضحاً والمتشابه ما كان معناه خفيًا ولا يعارض هذا ما سبق برقم "3" لأن الإحكام هناك بمعنى الإتقان والحفظ من الخلل والتناقض، وهنا بمعنى وضوح المعنى، وإذا رددنا المتشابه هنا إلى المحكم صار الجميع محكمًا. 6- أنه حق لا يمكن أن يأتيه الباطل من أي جهة: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] . 7- أنه بريء مما وصفه به المكذبون به من قولهم إنه شعر: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69] . وقول بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر: 24] . {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] . فقال الله متوعدا هذا القائل: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26] . 8- أنه معجز لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله وإن عاونه غيره: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88] .

فصل رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة

فصل رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة [39] والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه، قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ , إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] . وقال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] . [40] فلما حجب أولئك في حال السخط، دَلَّ على أنَّ المؤمنين يرونه في حال الرضى، وإلا لم يكن بينهما فرق. [41] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم ترَوْنَ رَبَّكُم كّمَا تَرَوْنَ هَذَا القّمَرَ لا تُضَامُّون في رُؤْيِتَه". حديث صحيح متفق عليه51.

_ 51 البخاري: كتاب مواقيت الصلاة: باب فضل صلاة الفجر "573". ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما "633" "211" من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه. وأحاديث الرؤية متواترة كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم منهم: ابن القيم في حادي الأرواح ص "277" وابن أبي العز في شرح الطحاوية "215/1" والحافظ ابن حجر في فتح الباري "203/1". وراجع ما صُنف في هذه المسألة مثل: التصديق بالنظر إلى الله تعالى في الآخرة للآجري، وضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري لأبي شامة المقدسي وكلاهما مطبوع.

[42] وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير. .... الشرح.... رؤية الله في الآخرة: رؤية الله في الدنيا مستحيلة لقوله تعالى لموسى وقد طلب رؤية الله: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] . ورؤية الله في الآخرة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع السلف. قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ , إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] . وقال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] . فلما حجب الفجار عن رؤيته دل على أن الأبرار يرونه وإلا لم يكن بينهما فرق. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترَوْنَ رَبَّكُم كّمَا تَرَوْنَ هَذَا القّمَرَ لا تُضَامُّون في رُؤْيِتَه". متفق عليه وهذا التشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي؛ لأن الله ليس كمثله شيء ولا شبيه له ولا نظير. وأجمع السلف على رؤية المؤمنين لله تعالى دون الكفار بدليل الآية الثانية. يرون الله تعالى في عرصات القيامة وبعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى. وهي رؤية حقيقية تليق بالله.

وفسرها أهل التعطيل بأن المراد بها رؤية ثواب الله أو أن المراد بها رؤية العلم واليقين ونرد عليهم باعتبار التأويل الأول بما سبق في القاعدة الرابعة وباعتبار التأويل الثاني بذلك، وبوجه رابع أن العلم واليقين حاصل للأبرار في الدنيا وسيحصل للفجار في الآخرة52.

_ 52 راجع في الرد على المخالفين: حادي الأرواح لابن القيم وشرح الطحاوية لابن أبي العز، وكذا حديثا: "دلالة القرآن والأثر على رؤية الله تعالى بالبصر" لعبد العزيز بن زيد الرومي.

فصل القضاء والقدر

فصل القضاء والقدر [43] ومن صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور، أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعًا لأطاعوه، خلق الخلق وأفعالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء بحكمته، قال الله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] . قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] . وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرا} [الفرقان: 2] . وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] . وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجا} [الأنعام: 125] .

[44] وروى ابن عمر أن جبريل -عليه السلام- قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره". فقال جبريل صدقت. رواه مسلم53. [45] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "آمنت بالقدر خيره وشره وحلوه ومره"54. [46] ومن دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي علمه الحسن بن علي يدعو به في قنوت الوتر: "وقني شر ما قضيت"55.

_ 53 مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ... "8" "1" وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه: عند البخاري "50" ومسلم "9" "5". 54 إسناده ضعيف: أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث "31، 32" ومن طريقه العراقي في شرحه لألفيته ص "327" كمثال للحديث المسلسل بأحوال الرواة القولية والفعلية معا من طريق يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره" ورأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبض على لحيته ثم قال: "آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره" قال: وقبض أنس على لحيته فقال: آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره ... الحديث. وقال الحاكم بعد أن ساق تسلسل الرواة على هذه الصفة: وأنا أقول عن نية صادقة وعقيدة صحيحة: آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره, ويزيد الرقاشي ضعيف كما في التقريب "7683" بل قال النسائي فيه: متروك وقال أحمد: منكر الحديث كما في الميزان "418/4". والحديث عزاه الشيخ ياسين الفاداني في ورقات في "مجموعة المسلسلات والأوائل الأسانيد العالية" ص "6، 7" للديلمي في مسند الفردوس. 55 حديث صحيح: أخرجه أحمد "1723" وأبو داود "1425، 1426" والترمذي "464" والنسائي "248/3" وابن ماجه "1178" وإسناده صحيح وقد صححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي. =

... الشرح.... القدر: من صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد كما قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد} [هود: 107] . فلا يخرج شيء عن إرادته وسلطانه ولا يصدر شيء إلا بتقديره وتدبيره, بيده ملكوت السموات والأرض يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء بحكمته لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وسلطانه وهم يُسْألون لأنهم مربوبون محكومون. والإيمان بالقدر واجب وهو أحد أركان الإيمان الستة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره". رواه مسلم وغيره. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره" فالخير والشر باعتبار العاقبة, والحلاوة والمرارة باعتباره وقت إصابته. وخير القدر ما كان نافعا وشره ما كان ضارا أو مؤذيا.

_ = *فائدة مهمة: قال الشيخ محمد صالح العثيمين في دروس فتاوى في الحرم المكي عام 1408هـ، ص "136": في شرح دعاء القنوت: "وقنا شر ما قضيت"، الله عز وجل يقضي بالخير ويقضي بالشر. أما قضاؤه بالخير فهو خير محض في القضاء والمقضي مثال: أن يقضي الله -عز وجل- للناس بالرزق الواسع والأمن والطمأنينة والهداية والنصر.. إلخ، فهذا خير في القضاء والمقضى. وأما قضاؤه بالشر فهو خير في القضاء شر في المقضي ومثال ذلك: القحط وامتناع المطر فهذا شر لكن قضاء الله به خير، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] . فلهذا الفساد غاية حميدة وهي الرجوع إلى الله تعالى من معصيته إلى طاعته فصار المقضي شرا، وصار القضاء خيرا. ونحن نقول "شر ما قضيت": و"ما" هنا اسم موصول، أي شر الذي قضيته، فإن الله تعالى قد يقضي بالشر لحكمة بالغة حميدة. أ. هـ.

والخير والشر هو بالنسبة للمقدور وعاقبته فإن منه ما يكون خيرا كالطاعات والصحة والغنى، ومنه ما يكون شراً كالمعاصي والمرض والفقر، أما بالنسبة لفعل الله فلا يقال: إنه شر؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعاء القنوت الذي علمه الحسن بن علي: "وقني شر ما قضيت" فأضاف الشر إلى ما قضاه لا إلى قضائه. والإيمان بالقدر لا يتم إلا بأربعة أمور: الأول: الإيمان بأن الله عالم كل ما يكون جملة وتفصيلا بعلم سابق لقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70] . الثاني: أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء لقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] . أي: نخلق الخليقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة". رواه مسلم56. الثالث: أنه لا يكون شيء في السموات والأرض إلا بإرادة الله ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء بحكمته لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وسلطانه وهم يسألون وما وقع من ذلك فإنه مطابق لعلمه السابق ولما كتبه في اللوح المحفوظ لقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] .

_ 56 مسلم: كتاب القدر: باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام "2653" "16" من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ولفظ: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة..".

{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} [الأنعام: 125] . فأثبت وقوع الهداية والضلال بإرادته. الرابع: أن كل شيء في السموات والأرض مخلوق لله تعالى لا خالق غيره ولا رب سواه لقوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2] . وقال على لسان إبراهيم: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون} [الصافات: 96] . [47] ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه، بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل. قال الله تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] . .... الشرح.... القدر ليس حجة للعاصي على فعل المعصية: أفعال العباد كلها من طاعات ومعاصٍ كلها مخلوقة لله كما سبق ولكن ليس ذلك حجة للعاصي على فعل المعصية وذلك لأدلة كثيرة منها:

1- أن الله أضاف عمل العبد إليه وجعله كسبا له فقال: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [غافر: 17] . ولو لم يكن له اختيار في الفعل وَقْدرة عليه ما نُسِبَ إليه. 2- أن الله أمر العبد ونهاه ولم يكلفه إلا ما يستطيع لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] . ولو كان مجبورا على العمل ما كان مستطيعا على الفعل أو الكف؛ لأن المجبور لا يستطيع التخلص. 3- أن كل واحد يعلم الفرق بين العمل الاختياري والإجباري وأن الأول يستطيع التخلص منه. 4- أن العاصي قبل أن يقدم على المعصية لا يدري ما قُدَّر له وهو باستطاعته أن يفعل أو يترك فكيف يسلك الطريق الخطأ ويحتج بالقدر المجهول، أليس من الأحرى أن يسلك الطريق الصحيح ويقول هذا ما قُدَّر لي؟! 5- أن الله أخبر أنه أرسل الرسل لقطع الحجة: {لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] . ولو كان القدر حجة للعاصي لم تنقطع بإرسال الرسل. [48] ونعلم أن الله سبحانه وتعالى ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر على معصية ولا اضطره إلى ترك طاعةٍ، قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .

وقال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} [التغابن: 16] . وقال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر: 17] . [49] فدل على أن للعبد فعلاً وكسبًا يُجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره. .... الشرح.... التوفيق بين كون فعل العبد مخلوقاً لله وكونه كسبًا للفاعل: عرفت مما سبق أن فعل العبد مخلوق لله وأنه كسب للعبد يجازى عليه: الحسن بأحسن والسيئ بمثله فكيف نوفق بينهما؟ التوفيق بينهما أن وجه كون فعل العبد مخلوقاً لله تعالى أمران: الأول: أن فعل العبد من صفاته، والعبد وصفاته مخلوقان لله تعالى. الثاني: أن فعل العبد صادر عن إرادة قلبية وقدرة بدنية ولولاهما لم يكن فعل، والذي خلق هذه الإرادة والقدرة هو الله تعالى وخالق السبب خالق للمسبب، فنسبة فعل العبد إلى خلق الله له نسبة مُسَبَّب إلى سبب لا نسبة مباشرة؛ لأن المباشر حقيقية هو العبد فلذلك نُسِبَ الفعل إليه كسبا وتحصيلا ونُسِبَ إلى الله خلقا وتقديرا فلكل من النسبتين اعتبار والله أعلم.

المخالفون للحق في القضاء والقدر والرد عليهم: المخالفون للحق في القضاء والقدر طائفتان: الطائفة الأولى: الجبرية، يقولون: العبد مجبور على فعله وليس له اختيار في ذلك. ونرد عليهم بأمرين: 1- أن الله أضاف عمل الإنسان إليه وجعله كسباً له يعاقب ويثاب بحسبه ولو كان مجبوراً عليه ما صح نسبته إليه ولكان عقابه عليه ظلماً. 2- أن كل واحد يعرف الفرق بين الفعل الاختياري والاضطراري في الحقيقة والحكم، فلو اعتدى شخص على آخر وادعى أنه مجبور على ذلك بقضاء الله وقدره لَعُدَّ ذلك سَفَهاً مخالفاً للمعلوم بالضرورة. الطائفة الثانية: القدرية، يقولون: العبد مستقل بعمله ليس لله فيه إرادة ولا قدرة ولا خلق ونرد عليهم بأمرين: 1- أنه مخالف لقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء} [الزمر: 62] . {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون} [الصافات: 96] . 2- أن الله مالك السموات والأرض فكيف يكون في ملكه ما لا تتعلق به إرادته وخلقه؟!

أقسام الإرادة والفرق بينهما: إرادة الله تنقسم إلى قسمين كونية وشرعية: فالكونية: هي التي بمعنى المشيئة كقوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} [الأنعام: 125] . والشرعية: هي التي بمعنى المحبة كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُم} [النساء: 27] . والفرق بينهما أن الكونية يلزم فيها وقوع المراد ولا يلزم أن يكون محبوباً لله، وأما الشرعية فيلزم أن يكون المراد فيها محبوباً لله ولا يلزم وقوعه.

فصل: الإيمان قول وعمل

فصل: الإيمانُ قولٌ وَعَمَلٌ [50] والإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، وعقد بالجنان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان. [51] قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] . فجعل عبادة الله تعالى وإخلاص القلب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كله من الدين. [52] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمَانُ بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق". [53] فجعل القول والعمل من الإيمان. وقال تعالى: {فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [التوبة: 124] . وقال تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانا} [الفتح: 4] . [54] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبة مثقال برة، أو خردلة، أو ذرة من الإيمان" فجعله متفاضلاً.

... الشرح.... الإيمان: الإيمان لغة: التصديق، واصطلاحاً: قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان. مثال القول: لا إله إلا الله، ومثال العمل: الركوع، ومثال العقد: الإيمان بالله وملائكته وغير ذلك مما يجب اعتقاده. والدليل على أن هذا هو الإيمان قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] . فجعل الإخلاص والصلاة والزكاة من الدين. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" رواه مسلم، بلفظ "فأفضلها قول لا إله إلا الله" وأصله في الصحيحين57. والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية لقوله تعالى: {فَزَادَهُمْ إِيمَانا} [آل عمران: 173] . {لِيَزْدَادُوا إِيمَانا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] .

_ 57 مسلم: كتاب الإيمان: باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها.. "35" "58" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وهو عند البخاري: كتاب الإيمان: باب أمور الإيمان "9" مختصراً بلفظ: "الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة، أو خردلة أو ذرة من إيمان" رواه البخاري58 بنحوه، فجعله النبي -صلى الله عليه وسلم- متفاضلاً وإذا ثبتت ثبت نقصه؛ لأن من لازم الزيادة أن يكون المزيد عليه ناقصاً عن الزائد.

_ 58 البخاري: كتاب الإيمان: باب زيادة الإيمان ونقصانه "44". ومسلم: كتاب الإيمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة "193" "325". من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

فصل: الإيمان بكل ما أخبر به الرسول

فصل: الإيمان بكل ما أخبر به الرسول [55] ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل حديث الإسراء والمعراج59 وكان يقظة لا مناماً، فإن قريشاً أنكرته وأكبرته، ولم تنكر المنامات. [56] ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى -عليه السلام- ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فرد عليه عينه. .... الشرح.... السمعيات: السمعيات كل ما ثبت بالسمع أي: بطريق الشرع ولم يكن للعقل فيها مدخل، وكل ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أخبار فهي حق يجب تصديقه سواء شاهدناه بحواسنا أو غاب عنا وسواء أدركناه بعقولنا أم لم ندركه لقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119] . وقد ذكر المؤلف من ذلك أموراً:

_ 59 البخاري "3207" "3887" ومسلم "164" "264" من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن مالك بن صعصعة. وراجع "الآية الكبرى" في شرح قصة الإسراء للسيوطي. ونور المسرى لأبي شامة. والإسراء والمعراج لأبي شهبة.

الأمر الأول: الإسراء والمعراج. الإسراء لغة: السير بالشخص ليلاً وقيل: بمعنى سرى، وشرعاً: سير جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى بيت المقدس لقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1] الآية. والمعراج لغة: الآلة التي يُعْرَجُ بها وهي المصعد، وشرعاً: السلم الذي عرج به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأرض إلى السماء لقوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى , مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 1، 2] . إلى قوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] . وكانا في ليلة واحدة عند الجمهور، وللعلماء خلاف متى كانت، فيروى بسند مُنْقَطِع عن ابن عباس وجابر -رضي الله عنهم أنها ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ولم يعيِّنا السنة. رواه ابن أبي شيبة. وَيُرْوَى عن الزهري وعروة أنها قبل الهجرة بسنة رواه البيهقي فتكون في ربيع الأول ولم يُعَيِّنا الليلة، وقاله ابن سعد وغيره وجزم به النووي، وَيُرْوَى عن السدي أنها قبلة الهجرة بستة عشر شهراً رواه الحاكم، فتكون في ذي القعدة وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين وقيل: بخمس وقيل: بست. وكان يقظة لا مناماً لأن قريشا أكبرته وأنكرته، ولو كان مناماً لم تنكره لأنها لا تنكر المنامات. وقصته أن جبريل أمره الله أن يسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس على البراق ثم يعرج به إلى السموات العلا سماء سماء حتى بلغ مكاناً سمع فيه صريف الأقلام وفرض الله عليه الصلوات الخمس واطلع على الجنة والنار واتصل بالأنبياء الكرام

وصلى بهم إماماً ثم رجع إلى مكة فحدث الناس بما رأى فكذبه الكافرون وصدق به المؤمنون وتردد فيه آخرون. الأمر الثاني: مجيء ملك الموت إلى موسى صلى الله عليه وسلم: جاء ملك الموت بصورة إنسان إلى نبي الله موسى -عليه الصلاة والسلام- ليقبض روحه فلطمه موسى ففقأ عينه فرجع الملك إلى الله وقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال: ارجع إليه وقل له: يضع يده على متن ثور فله بما غطى يده بكل شعرة سنة فقال موسى: ثم ماذا؟ قال: ثم الموت قال: فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فلو كنت ثََمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر". وهذا الحديث ثابت في الصحيحين60 وإنما أثبته المؤلف في العقيدة لأن بعض المبتدعة أنكره معللاً ذلك بأنه يمتنع أن موسى يلطم الملك، ونرد عليهم بأن الملك أتى موسى بصورة إنسان لا يعرف موسى من هو، يطلب منه نفسه، فمقتضى الطبيعة البشرية أن يدافع المطلوب عن نفسه، ولو علم موسى أنه ملك لم يلطمه ولذلك استسلم له في المرة الثانية حين جاء بما يدل أنه من عند الله وهو إعطاؤه مهلة من السنين بقدر ما تحت يده من شعر ثور61.

_ 60 البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: باب وفاة موسى وذِكُره بعد "3407". ومسلم كتاب الفضائل: باب فضائل موسى "2372" "157". من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وراجع في الدفاع عن هذا الحديث ضد طعن الطاعنين وتلبيسات المضلين، تعليق الشيخ أحمد شاكر على المسند "7634" والأنوار الكاشفة للمعلمي اليماني "219، 220". 61 قال الإمام ابن حبان في صحيحه تحت عنوان: ذكر خبر شنع به على منتحلي سنن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من حُرِمَ التوفيق لإدراك معناه، ثم قال عقب روايته: "إن الله جلا وعلا بعث رسوله -صلى الله عليه وسلم- معلما لخلقه فأنزله موضع الإبانة عن مراده فبلغ -صلى الله عليه وسلم- رسالته وبيَّن عن آياته بألفاظ مجملة ومفصلة، عقلها عنه أصحابه أو بعضهم. وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يحرم التوفيق لإصابة الحق؛ وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى عليه

[57] ومن ذلك أشراط الساعة مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم -عليه السلام- فيقتله. وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل62.

_ = السلام رسالة ابتلاء واختبار وأمره أن يقول له: "أجب ربك" أمر اختبار وابتلاء، لا أمراً يريد الله جلا وعلا إمضاءه كما أمر خليله -صلى الله على نبينا وعليه- بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء دون الأمر الذي أراد الله جلا وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه وتله للجبين، فداه بالذبح العظيم. وقد بعث الله جلا وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها كدخول الملائكة على إبراهيم، ولم يعرفهم حتى أوجس منهم خيفة، وكمجيء جبريل إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام والإحسان فلم يعرفه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- حتى ولى. فكان مجيء ملك الموت إلى موسى -عليه السلام- على غير الصورة التي كان يعرفه موسى -عليه السلام- عليها، وكان موسى غيورًا فرأى في داره رجلاً لم يعرفه، فشال يده فلطمه، فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة التي يتصور بها لا الصورة التي خلقه الله عليها ولما كان المصرح عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- في خبر ابن عباس حيث قال: "أمَّني جبريل عند البيت مرتين" فذكر الخبر وقال في آخره: "هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك" كان في هذا الخبر البيان الواضح أن بعض شرائعنا قد يتفق مع بعض شرائع من قبلنا من الأمم. ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، أو الناظر في بيته بغير أمره من غير جناح على فاعله ولا حرج على مرتكبه؛ للأخبار الجمّة الواردة فيه التي أمليناها في غير موضع من كتبنا كان جائزًا اتفاق هذه الشريعة: شريعة موسى، بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحًا له ولا حرج عليه في فعله، فلما رجع ملك الموت إلى ربه وأخبره بما كان من موسى فيه، أمره ثانيا بأمر آخر أمر اختبار وابتلاء -كما ذكرنا من قبل- إذ قال الله له: قل له: إن شئت فضع يدك على متن ثور، فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة، فلما علم موسى كليم الله -صلى الله على نبينا وعليه- أنه ملك الموت وأنه جاءه بالرسالة من عند الله طابت نفسه بالموت ولم يستمهل وقال: فالآن. فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت ما استعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به ضد قول من زعم أن أصحاب الحديث حمالة الحطب ورعاة الليل يجمعون مالا ينتفعون به ويروون ما لا يؤجرون عليه، ويقولون بما يبطله الإسلام جهلاً منهم بمعاني الأخبار وترك التفقه والآثار، معتمدًا في ذلك على رأيه المنكوس وقياسه المعكوس. أ. هـ. 62 راجع في ذلك: النهاية لابن كثير، و"الإذاعة" لصديق حسن خان.

... الشرح.... الأمر الثالث: أشراط الساعة: الأشراط جمع شرط وهو لغةً: العلامة، والساعة لغةً: الوقت أو الحاضر منه، والمراد بها هنا القيامة، فأشراط الساعة شرعًا العلامات الدالة على قرب يوم القيامة قال الله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] . وذكر المؤلف من أشراط الساعة ما يأتي: 1- خروج الدجال، وهو لغة: صيغة مبالغة من الدجل وهو الكذب والتمويه وشرعًا: رجل مموه يخرج في آخر الزمان يدعي الربوبية. وخروجه ثابت بالسنة والإجماع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قولوا اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات" رواه مسلم63. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ منه في الصلاة متفق عليه64. وأجمع المسلمون على خروجه. وقصته: "أنه يخرج من طريق بين الشام والعراق فيدعو الناس إلى عبادته فأكثر من يتبعه اليهود والنساء والأعراب. ويتبعه سبعون ألفًا من يهود أصفهان فيسير

_ 63 مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب ما يستعاذ منه في الصلاة "590" "134" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. 64 البخاري: كتاب الأذان: باء الدعاء قبل السلام "832" ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب ما يُسْتعاذ منه في الصلاة "589" "129" من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي الباب عن أبي هريرة: عند مسلم "588" "130".

في الأرض كلها كالغيث استدبرته الريح إلا مكة والمدينة فيمنع منهما ومدته أربعون يوما، يوم كسنةٍ، ويوم كشهر، ويوم كجمعةِ وباقي أيامه كالعادة. وهو أعور العين مكتوب بين عينيه (ك ف ر) يقرؤه المؤمن فقط، وله فتنة عظيمة منها أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، معه جنة ونار فجنته نار وناره جنة، حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "مَنْ سَمِعَ بهِ فلينأَ عنه، ومن أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف أو بفواتح سورة الكهف" 65. 2- نزول عيسى ابن مريم: نزول عيسى ابن مريم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] . أي: موت عيسى وهذا حين نزول كما فسره أبو هريرة بذلك. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله لينزلن عيسى ابن مريم حكما وعدلاً". الحديث متفق عليه66. وقد أجمع المسلمون على نزوله فينزل عند المنارة البيضاء في شرقي دمشق واضعا كفيه على أجنحة ملكين فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلب الدجال حتى يدرك بباب لدٍ فيقتله، ويكسر الصليب

_ 65 راجع حديث النواس بن سمعان عند مسلم: كتاب الفتن: باب ذكر الدَّجال وصفته: "2937" "110"، "111". 66 البخاري: كتاب البيوع: باب قتل الخنزير "2222". كتاب الأنبياء: باب نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام "3448". ومسلم: كتاب الإيمان: باب نزول عيسى ابن مريم حاكمًا بشريعة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- "155" "242".

ويضع الجزية، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين, ويحج ويعتمر، كل هذا ثابت في صحيح مسلم وبعضه في الصحيحين كليهما67. وروى الإمام أحمد وأبو داود: "أن عيسى يبقى بعد قتل الدجال أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون"68 وذكر البخاري في تاريخه أنه يدفن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فالله أعلم69.

_ 67 راجح حديث النواس بن سمعان عند مسلم "2937" "110" "111". وأما قوله: "ويكسر الصليب ويضع الجزية وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين" ففي حديث أبي هريرة عند البخاري "3448" ومسلم "155" "242". وعندهما: " ... حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها". واللفظ الذي ذكره الشيخ عزاه الحافظ في الفتح "492/6" لابن مردويه. وأما قوله: "ويحج ويعتمر" فعند مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجًا أو معتمرًا أو ليثنينهما" كتاب الحج: باب إهلال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه "1252" "216". 68 حديث صحيح: رواه أحمد "9259" وأبود داود "4324" وابن حبان "277/8" والحاكم "595/2" وصححه ووافقه الذهبي. وابن أبي شيبة "158/15" وابن جرير "388/9" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند. 69 البخاري في التاريخ الكبير "263/1" والترمذي "3617" والآجري في الشريعة ص "381" من طريق عثمان بن الضحاك عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال: مكتوب في التوراة صفة محمد وصفة عيسى ابن مريم يدفن معه. قال البخاري: هذا لا يصح عندي ولا يتابع عليه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الهيثمي في المجمع "306/8": في سنده عثمان بن الضحاك وثَّقه ابن حبان وضعفه أبو داود. وقال الحافظ في الفتح "66/7" وروى عنها -أي عائشة- في حديث لا يثبت أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم إن عاشت بعده أن تدفن إلى جانبه فقال لها: "وأنى لك بذلك وليس في ذلك الموضع إلا قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى ابن مريم" وفي أخبار المدينة من وجه ضعيف عن سعيد بن المسيب قال: إن قبور الثلاثة في صفة بيت عائشة وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى ابن مريم. أ. هـ.

3- يأجوج ومأجوج اسمان أعجميان أو عربيان مشتقان من المأج وهو الاضطراب أو من أجيج النار وتلهبها. وهما أمتان من بني آدم موجودتان بدليل الكتاب والسنة. قال الله تعالى في قصة ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً , قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: 93، 94] الآيات. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله يوم القيامة: يا آدم قم فابعث بعث النار من ذريتك" إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبشروا فإن منكم واحدًا ومن يأجوج ومأجوج ألفًا" أخرجاه في الصحيحين70. وخروجهم الذي يكون من أشراط الساعة لم يأتِ بعد ولكن بوادره وجدت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها" 71. وقد ثبت خروجهم في الكتاب والسنة.

_ 70 البخاري: كتاب الرقاق: باب قوله عز وجل {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم} [الحج: 1] . "6530". ومسلم: كتاب الإيمان: باب قوله: يقول الله لآدم أخرج بعث النار ... "222" "379" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولفظه عندهما: "يقول: أخرج بعث النار ... " وفي لفظ للبخاري "6529": "أخرج بعث جهنهم من ذريتك" وهذا اللفظ قريب من اللفظ الذي ذكره الشيخ صالح العثيمين. 71 البخاري: كتاب الفتن: باب يأجوج ومأجوج "7135" ومسلم: كتاب الفتن: باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج "2880" "2". من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها.

قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ , وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء: 96، 97] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات.." فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. رواه مسلم72، وقصتهم في حديث النواس بن سمعان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في عيسى ابن مريم بعد قتله الدجال: "فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم" ويقول: "لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم محضوبة دما، ويحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل عليهم طيرًا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله" رواه مسلم73.

_ 72 مسلم: كتاب الفتن: باب في الآيات التي تكون قبل الساعة "2901" "39". من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه. 73 مسلم: كتاب الفتن: باب ذكر الدَّجال وصفته "2937" "110". وراجع تعليق النووي على غريب الحديث في رياض الصالحين حديث "1817".

4- خروج الدابة، الدابة لغة: كل ما دب على الأرض. والمراد بها هنا الدابة التي يُخْرجها الله قرب قيام الساعة، وخروجها ثابت بالقرآن والسنة. قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل: 82] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات وذكر منها الدابة" رواه مسلم74. وليس في القرآن والسنة الصحيحة ما يدل على مكان خروج هذه الدابة وصفتها وإنما وردت في ذلك أحاديث في صحتها نظر، وظاهر القرآن أنها دابة تنذر الناس بقرب العذاب والهلاك والله أعلم. 5- طلوع الشمس من مغربها: طلوع الشمس من مغربها ثابت بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام: 158] . والمراد بذلك طلوع الشمس من مغربها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعين، وذلك حين: {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام: 158] . متفق عليه75.

_ 74 تقدم تخريجه ص "109". 75 البخاري: كتاب التفسير من سورة الأنعام: باب {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] "4636"، ومسلم: كتاب الإيمان: باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان "157" "248" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[58] وعذاب القبر ونعيمه حق، وقد استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- منه، وأمر به في كل صلاة. [59] وفتنة القبر حق، وسؤال منكر ونكير حق، والبعث بعد الموت حق، وذلك حين ينفخ إسرافيل -عليه السلام- في الصور: {فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس: 51] . .... الشرح.... فتنة القبر: الفتنة لغة: الاختبار، وفتنة القبر سؤال الميت عن ربه ودينه ونبيه. وهي ثابتة بالكتاب والسنة. قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله". فذلك قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] متفق عليه76.

_ 76 البخاري: كتاب الجنائز: باب ما جاء في عذاب القبر "1369". ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها: باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه "3871" "73" من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

والسائل ملكان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال: يأتيه ملكان فيقعدانه..". رواه مسلم77. واسمهما: منكر ونكير، كما رواه الترمذي عن أبي هريرة مروفعًا وقال: حسن غريب، قال الألباني: وسنده حسن وهو على شرط مسلم78، والسؤال عام للمكلفين من المؤمنين والكافرين ومن هذه الأمة وغيرهم على القول الصحيح وفي غير المكلفين خلاف. وظاهر كلام ابن القيم في كتاب الروح ترجيح السؤال. ويستثنى من ذلك الشهيد لحديث رواه النسائي79، ومن مات مرابطًا في سبيل الله لحديث رواه مسلم80. عذاب القبر أو نعيمه: عذاب القبر أو نعيمه حق ثابت بظاهر القرآن وصريح السنة وإجماع أهل السنة قال الله تعالى في سورة الواقعة: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ , وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة: 83، 84] .

_ 77 البخاري: كتاب الجنائز: باب الميت يسمع خفق النعال "1338". ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها: باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه "2870" "70" من حديث أنس رضي الله عنه. 78 حديث حسن: الترمذي "1071" وابن حبان "780 - موارد" وابن أبي عاصم في السنة "864" وقال الترمذي: حسن غريب وحسنه الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة "864" وقال في الصحيحة "1391": إسناده جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. 79 حديث صحيح: أخرجه النسائي "279/1" عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رجلاً قال: يا رسول الله: ما بال المؤمنين يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: "كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة". وقال الألباني في أحكام الجنائز ص "36": وسنده صحيح. أ. هـ. 80 مسلم: كتاب الإمارة: باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل: "1913" "163" من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه.

إلى قوله: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ , فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 88، 89] ... السورة. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بالله من عذاب القبر وأمر أمته بذلك81. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث البراء بن عازب المشهور في قصة فتنة القبر قال في المؤمن: "فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من ريحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره" وقال في الكافر: "فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا من النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه". الحديث رواه أحمد وأبوداود82. وقد اتفق السلف وأهل السنة على إثبات عذاب القبر ونعيمه ذكره ابن القيم في كتاب الروح، وأنكر الملاحدة عذاب القبر متعللين بأننا لو نبشنا القبر لوجدناه كما هو ونرد عليهم بأمرين: 1- دلالة الكتاب والسنة وإجماع السلف على ذلك. 2- أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا فليس العذاب أو النعيم في القبر كالمحسوس في الدنيا.

_ 81 مسلم: كتاب المساجد: باب ما يستعاذ منه في الصلاة "590" "134" من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر ... "الحديث. وفي الباب عن عائشة: عند البخاري "1049" ومسلم "903" "8". وعن أبي هريرة: عند مسلم "588" "130". وزيد بن ثابت: عند مسلم "2867" "67". 82 حديث صحيح: أخرجه أحمد في المسند "287/4، 288، 295، 296" وأبو داود "4753". وقد ساقه الألباني -حفظه الله- سياقًا واحدًا ضامًّا إليه جميع الزوائد والفوائد التي وردت في شيء من طرقة الثابتة فليراجع. قال الحافظ في الفتح "282/3": وهو أتمُّ الأحاديث سياقًا. أ. هـ.

هل عذاب القبر أو نعيمه على الروح أو على البدن؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانًا فيحصل له معها النعيم أو العذاب83. النفخ في الصور: النفخ معروف. والصور لغة: القرن. وشرعًا: قرن عظيم التقمه إسرافيل ينتظر متى يؤمر بنفخه، وإسرافيل أحد الملائكة الكرام الذين يحملون العرش وهما نفختان إحداهما: نفخة الفزع ينفخ فيه فيفزع الناس ويصعقون إلا من شاء الله، والثانية نفخة البعث ينفخ فيه فيبعثون ويقومون من قبورهم. وقد دل على النفخ في الصور الكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] . {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس: 51] . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم ينفع في الصور فلا يسمعه أحدٌ إلا أصغى ليتا ورفع ليتا ثم لا يبقى أحد إلا صعق، ثم ينزل الله مطرًا كأنه الطل أو الظل -شك الراوي- فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون". رواه مسلم في حديث طويل. وقد اتفقت الأمة على ثبوته.

_ 83 مجموع فتاوى ابن تيمية "282/4".

[60] ويحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلاً بُهْما، فيقفون في موقف القيامة، حتى يشفع، فيهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ويحاسبهم الله تبارك وتعالى، وتنصب الموازين، وتنشر الدواوين، وتتطاير صحف الأعمال إلى الأيمان والشمائل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ , فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا , وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورا , وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ , فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورا , وَيَصْلَى سَعِيرا} [الانشقاق: 7-12] . .... الشرح.... البعث والحشر: البعث لغة: الإرسال والنشر، وشرعًا: إحياء الأموات يوم القيامة. والحشر لغة: الجمع وشرعًا جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم. والبعث والحشر حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، قال الله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُن} [التغابن: 7] . وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ , لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة: 49، 50] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد". متفق عليه84.

_ 84 البخاري: كتاب الرقاق: باب يقبض الله الأرض يوم القيامة "6521". ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار: باب في البعث والنشور.. "2790" "28" من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. *بيضاء عفراء: أي غير شديدة البياض، يضرب إلى الحمرة. والقرصة: الرغيف. والنَّقي: الدقيق المنخول المنظف. ليس فيها علم لأحد: ليس بها علامة سكنى ولا بناء ولا أثر.

وأجمع المسلمون على ثبوت الحشر يوم القيامة. ويحشر الناس حفاة لا نعال عليهم، عراة لا كسوة عليهم، غرلا لا ختان فيهم، لقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُه} [الأنبياء: 104] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم تحشرون حفاة عراة غرلا ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] . وأول من يكسى إبراهيم" متفق عليه85. وفي حديث عبد الله بن أنيس المرفوع الذي رواه أحمد: "يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلا بهما، قلنا: وما بهما؟ قال: ليس معهم شيء" الحديث86.

_ 85 البخاري: كتاب الأنبياء: باب قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النساء: 125] "3349". ومسلم: كتاب الجنة: باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة "2860" "58". 86 حديث حسن: تقدم تخريجه ص "74".

الحساب: الحساب لغة: العدد، وشرعًا إطلاع الله عباده على أعمالهم. وهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. قال الله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ , ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25، 26] . وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض صلاته: "اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا" فقالت عائشة رضي الله عنها: ما الحساب اليسير؟ قال: "أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه" رواه أحمد، وقال الألباني إسناده جيد87. وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة. وصفة الحساب للمؤمن "أن الله يخلو به فيقرره بذنوبه حتى إذا رأى أنه قد هلك، قال الله له: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رءوس الخلائق، هؤلاء الذي كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" متفق عليه من حديث ابن عمر88.

_ 87 حديث صحيح: أخرجه أحمد "48/6" وابن أبي عاصم في كتاب السنة "885" واللفظ لأحمد. وقال الألباني في تخريج السنة "429/2": إسناده صحيح. أ. هـ. وأصل الحديث في الصحيحين عند البخاري "103"، "6536"، "6537" ومسلم "2876" "79" عنها بلفظ: "ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، قلت: أو ليس يقول الله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابا يَسِيرا} [الانشقاق: 8] فقال: إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك". 88 البخاري: كتاب المظالم: باب قول الله تعالى: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين} [هود: 18] "2441". ومسلم: كتاب التوبة: باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله "2768" "52". من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

والحساب عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم سبعون ألفًا من هذه الأمة منهم عكاشة بن محصن يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، متفق عليه89. وروى أحمد من حديث ثوبان مرفوعًا: "أن مع كل واحدٍ سبعين ألفًا" قال ابن كثير: حديث صحيح وذكر له شواهد90.

_ 89 البخاري: كتاب الرقاق: باب يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب "6541". ومسلم: كتاب الإيمان: باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب "220" "374". من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وفي الباب: عن أبي هريرة رضي الله عنه: عند البخاري "5811" "6542" ومسلم "216" "367" وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: عند مسلم "218" "371". 90 حسن: حديث ثوبان عند الطبراني في الكبير "1413" وأحمد "280/5، 281" من طريق محمد بن إسماعيل الحمصي، حدثني أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن ربي عز وجل وعدني من أمتي سبعين ألفًا لا يحاسبون مع كل ألف سبعين ألفًا" وسكت عنه الهيثمي في المجمع "407/10" ولم يتكلم عليه بشيء، مع أن فيه محمد بن إسماعيل بن عياش الحمصي. قال أبو داود لم يكن بذاك وقال أبو حاتم لم يسمع من أبيه شيئًا، راجع التهذيب "51/9، 52" والمغني في الضعفاء للذهبي "555/2". وللحديث شواهد كثيرة ذكرها ابن كثير في النهاية "322- 330" منها حديث أنس عند البزار فيه أبو عاصم العباداني لين الحديث كما في التقريب، ومنها: حديث أبي أمامة عند أحمد "268/5" والترمذي "3437" وابن ماجه "4286" وصححه ابن حبان "2642 - موارد". ومنها: حديث أبي سعيد الخدري عند ابن أبي عاصم في السنة "814" وضعف إسناده الألباني في تخريج السنة "385/2". وغير ذلك من الشواهد وراجع النهاية لابن كثير. وبالجملة فالحديث حسن على أقل أحواله بهذه الشواهد.

وأول من يحاسب هذه الأمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق" متفق عليه91، وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعًا: "نحن آخر الأمم وأول من يحاسب" الحديث92. وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله" رواه الطبراني في الأوسط وسنده لا بأس به إن شاء الله، قاله المنذري في الترغيب والترهيب93 "ص: 246، ج: 1" وأول ما يقضى بين الناس في الدماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" متفق عليه94. [61] والميزان له كفتان ولسان توزن به الأعمال: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ , وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102، 103] .

_ 91 الحديث بهذا اللفظ: عند مسلم كتاب الجمعة: باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة "856" "22" من حديث أبي هريرة وحذيفة -رضي الله عنهما- ولفظه عند البخاري "876" ومسلم "855" "21": "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا" من حديث أبي هريرة. 92 أخرجه ابن ماجه "4290" وأحمد "282/1، 274/2، 342" والبيهقي في دلائل النبوة "482/5" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقال البوصيري في الزوائد "317/3": هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه الشيخ الألباني. 93 حديث صحيح: أخرجه الترمذي "413" والنسائي "232/1" وابن ماجه "1426" من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب "185/1". 94 البخاري: كتاب الديات: باب قوله تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] "6864". ومسلم: كتاب القسامة: باب المجازاة بالدماء في الآخرة "1678" "28"، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

... الشرح.... الموازين: الموازين جمع ميزان، وهو لغة: ما تقدر به الأشياء خفة وثقلا، وشرعًا: ما يضعه الله يوم القيامة لوزن أعمال العباد، وقد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، قال الله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ , وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102، 103] . {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" متفق عليه95، وأجمع السلف على ثبوت ذلك. وهو ميزان حقيقي له كفتان لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صاحب البطاقة قال: "فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة" الحديث رواه الترمذي وابن ماجه قال الألباني: إسناده صحيح96.

_ 95 البخاري: كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] "7563". ومسلم: كتاب الذكر والدعاء: باب فضل التهليل "2694" "31"، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو خاتمة صحيح البخاري. 96 حديث صحيح: أخرجه أحمد "213/2" والترمذي "2639" وابن ماجه "4300" وإسناده صحيح، وقد صححه ابن حبان "2524" والحاكم "6/1، 529" ووافقه

واختلف العلماء هل هو ميزان واحد أو متعدد؟ فقال بعضهم: متعدد بحسب الأمم أو الأفراد أو الأعمال؛ لأنه لم يرد في القرآن إلا مجموعًا، وأما إفراده في الحديث فباعتبار الجنس. وقال بعضهم: هو ميزان واحد؛ لأنه ورد الحديث مفردًا، وأما جمعه في القرآن فباعتبار الموزون، وكلا الأمرين محتمل والله أعلم. والذي يوزن العمل؛ لظاهر الآية السابقة والحديث بعدها وقيل: صحائف العمل، لحديث صاحب البطاقة، وقيل: العامل نفسه لحديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة" وقال اقرءوا: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنا} [الكهف: 105] متفق عليه97. وجمع بعض العلماء بين هذه النصوص بأن الجميع يوزن أو أن الوزن حقيقة للصحائف، وحيث إنها تثقل وتخف بحسب الأعمال المكتوبة صار الوزن كأنه للأعمال، وأما وزن صاحب العمل فالمراد به قدره وحرمته، وهذا جمع حسن والله أعلم. نشر الدواوين: النشر لغة: فتح الكتاب أو بث الشيء، وشرعًا: إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة وتوزيعها.

_ = الذهبي، وحسنه الترمذي، وصححه الألباني في الصحيحة "135"، وقال: والأحاديث في ذلك متضافرة إن لم تكن متواترة. أ. هـ. 97 البخاري: كتاب التفسير من سورة الكهف: باب {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} [الكهف: 105] "4729". ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار "2785" "18".

والدواوين جمع ديوان، وهو لغة:الكتاب يحصى فيه الجند ونحوهم، وشرعًا: الصحائف التي أحصيت فيها الأعمال التي كتبها الملائكة على العامل، فنشر الدواوين إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة فتتطاير إلى الأيمان والشمائل، وهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ , فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا , وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا , وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ , فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا , وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 7-12] . {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 25] . وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل تذكرون أهليكم؟ قال: "أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًا: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل؟ وعندتطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم حتى يجوز" رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرطهما98. وأجمع المسلمون على ثبوت ذلك.

_ 98 أخرجه أبو داود "4755" والحاكم في المستدرك "578/4" والآجري في الشريعة "385" من طرق عن الحسن عن عائشة، وذكره الشيخ الألباني في ضعيف أبي داود. وقال الحاكم: صحيح إسناده على شرط الشيخين لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة وأقره الذهبي. وللحديث طريق آخر رواه أحمد "110/6" من طريق ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عن عائشة. وقال الهيثمي في المجمع "359/10": عند أبي داود طرف منه رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح.

صفة أخذ الكتاب: المؤمن يأخذ كتابه بيمينه فيفرح ويستبشر ويقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] . والكافر يأخذه بشماله أو من وراء ظهره فيدعو بالويل والثبور ويقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ , وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 25، 26] . [62] ولنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حوض في القيامة، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وأباريقه عدد نجوم السماء، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا. ..... الشرح.... الحوض: الحوض لغة: الجمع يقال حاض الماء يحوضه إذا جمعه، ويطلق على مجتمع الماء. وشرعًا: حوض الماء النازل من الكوثر في عرصات القيامة للنبي صلى الله عليه وسلم. ودل عليه السنة المتواترة وأجمع عليه أهل السنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني فرطكم على الحوض" متفق عليه99.

_ 99 البخاري: كتاب الرقاق: باب في الحوض "6583"، "6584". ومسلم: كتاب الفضائل: باب إثبات حوض نبينا -صلى الله عليه وسلم- "2290" "26"، "2291" "26" من حديث سهل بن سعد وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.

وأجمع السلف أهل السنة على ثبوته، وقد أنكر المعتزلة ثبوت الحوض ونرد عليهم بأمرين: 1- الأحاديث المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. 2- إجماع أهل السنة على ذلك. صفة الحوض: طوله شهر وعرضه شهر وزواياه سواء وآنيته كنجوم السماء، وماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من ريح المسك، فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والثاني من فضة، يرده المؤمنون من أمة محمد، ومن يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، وكل هذا ثابت في الصحيحين أو أحدهما100. وهو موجود الآن لقوله

_ = *قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية "277/1": والأحاديث الواردة في ذكر الحوض تبلغ حد التواتر، رواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابيًّا -رضي الله عنهم- ولقد استقصى طرقها شيخنا عماد الدين ابن كثير تغمده الله برحمته في آخر تاريخه الكبير المسمى بالبداية والنهاية. أ. هـ، وكذا انظر فتح الباري "468/11، 469". وقوله: "إني فرطكم على الحوض"، أي: متقدمكم إليه، النهاية لابن الأثير "434/3". 100 البخاري: كتاب الرقاق: باب في الحوض "6579". ومسلم: كتاب الفضائل: باب إثبات حوض نبينا -صلى الله عليه وسلم- وصفاته "2292" "27". من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. والبخاري: كتاب الرقاق: باب في الحوض "6580". ومسلم: كتاب الفضائل: باب إثبات حوض نبينا -صلى الله عليه وسلم- وصفاته "2303" "43" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. ومسلم: في المصدر نفسه "2301" "37"، من حديث ثوبان رضي الله عنه.

صلى الله عليه وسلم: "وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن" رواه البخاري101، واستمداده من الكوثر لقوله صلى الله عليه وسلم: "وأعطاني الكوثر وهو نهر في الجنة يسيل في حوض". رواه أحمد، قال ابن كثير: وهو حسن الإسناد والمتن102. ولكل نبي حوض ولكن حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- أكبرها وأعظمها وأكثرها واردة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حوضًا وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة". رواه الترمذي وقال: غريب، وروى ذلك ابن أبي الدنيا وابن ماجه من حديث أبي سعيد وفيه ضعف لكن صححه بعضهم من أجل تعدد الطرق103. [63] والصراط حق يَجُوزه الأبرار، وَيَزِلّ عنه الفجار.

_ 101 البخاري: كتاب الرقاق: باب في الحوض "6590"، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه. 102 نهاية البداية والنهاية "244/2" وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف. 103 حديث صحيح: الترمذي "2443" من طريق الحسن عن سمرة، وقال الترمذي: هذا حديث غريب. قال الحافظ في الفتح "467/11": وأشار -أي: الترمذي- إلى أنه اختلف في وصله وإرساله، وأن المرسل أصح، قلت: والمرسل أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حوضًا وهو قائم على حوضه بيده عصا يدعو من عرف من أمته، إلا أنهم يباهون أيهم أكثر تبعًا، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعًا"، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن سمرة موصولا ومرفوعًا مثله وفي سنده لين، وأخرج ابن أبي الدنيا أيضًا حديث أبي سعيد رفعه: "وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام ومنهم من يأتيه العصبة ومنهم من يأتيه الواحد ومنهم من يأتيه الاثنان ومنهم من لا يأيته أحد، وإني لأكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة" وفي إسناده لين. وإن ثبت فالمختص بنبينا -صلى الله عليه وسلم- الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره. أ. هـ. وصححه الألباني في الصحيحة "1589".

... الشرح.... الصراط: الصراط لغة: الطريق، وشرعًا: الجسر الممدود على جهنم ليعبر الناس عليه إلى الجنة، وهو ثابت بالكتاب والسنة وقول السلف. قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71] . فّسَّرها عبد الله بن مسعود وقتادة وزيد بن أسلم بالمرور على الصراط، وفسرها جماعة منهم ابن عباس بالدخول في النار لكن ينجون منها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون: اللهم سلم سلم"، متفق عليه104. واتفق أهل السنة على إثباته. صفة الصراط: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصراط فقال: "مدحضة مزلة عليها خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال لها السعدان" رواه البخاري105، وله من حديث أبي هريرة: "وبه كلاليب مثل شوك السعدان غير

_ 104 جزء من حديث أبي سعيد الخدري الطويل الذي أخرجه: البخاري: كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] "7439". ومسلم: كتاب الإيمان: باب معرفة طريق الرؤية "183" "302". * الجسر: بفتح الجيم وكسرها لغتان مشهورتان وهو الصراط. شرح النووي لمسلم "29/3". 105 جزء من حديث أبي سعيد الخدري المتقدم عند البخاري ومسلم.

أنها لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله، يخطف الناس بأعمالهم" 106، وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: "بلغني أنه أدق من الشعر وأحد من السيف" 107، وروى الإمام أحمد نحوه عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا. العبور على الصراط وكيفيته: لا يعبر الصراط إلا المؤمنون على قدر أعمالهم لحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: "فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناجٍ مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في جهنم". متفق عليه108، وفي صحيح مسلم: "تجرى بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول: يا رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا" 109، وفي صحيح البخاري: "حتى يمر آخرهم يسحب سحبا" 110.

_ 106 البخاري: كتاب الرقاق: باب الصراط جسر جهنم "6573". ومسلم: كتاب الإيمان: باب معرفة طريق الرؤية "182" "299". من حديث أبي هريرة مطولا. 107 ذكره الإمام مسلم في صحيحه عقب روايته لحديث أبي سعيد الخدري "183" "302" المتقدم، قال: قال أبو سعيد: بلغني أن الصراط أحدُّ من السيف وأدَقٌ من الشَّعرة، وراجع تعليق الحافظ ابن حجر في الفتح "454/11" على هذا البلاغ في بحث جيد. 108 تقدم تخريجه ص "126". 109 مسلم: كتاب الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة "195" "329"، من حديث حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما. 110 البخاري: كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ , إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] "7439" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

وأول من يعبر الصراط من الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن الأمم أمته لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: "فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم" رواه البخاري111. [64] ويشفع نبينا -صلى الله عليه وسلم- فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته بعدما احترقوا وصاروا فحمًا وحممًا فيدخلون الجنة بشفاعته. [65] ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات، قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28] . [66] ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين. .... الشرح.... الشفاعة: الشفاعة لغة: جعل الوتر شفعًا، واصطلاحًا: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة والشفاعة يوم القيامة نوعان خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وعامة له ولغيره. فالخاصة به صلى الله عليه وسلم شفاعته العظمى في أهل الموقف عند الله ليقضي بينهم حين يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون فيذهبون إلى آدم فنوح فإبراهيم فموسى فعيسى وكلهم يعتذرون فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيشفع فيهم إلى الله فيأتي سبحانه وتعالى للقضاء بين عباده.

_ 111 البخاري كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ , إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] "7437" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقد ذكرت هذه الصفة في حديث الصُّور المشهور لكن سنده ضعيف متكلم فيه112، وحذفت من الأحاديث الصحيحة فاقتصر منها على ذكر الشفاعة في أهل الكبائر. قال ابن كثير وشارح الطحاوية: وكان مقصود السلف من الاقتصار على الشفاعة في أهل الكبائر هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة. وهذه الشفاعة لا ينكرها المعتزلة والخوارج ويشترط فيها إذن الله لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه} [البقرة: 255] . النوع الثاني: العامة، وهي الشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أهل الكبائر أن يخرجوا منها بعدما احترقوا وصاروا فحمًا وحميمًا. لحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أو كما قال تصيبهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحمًا أذن في الشفاعة" الحديث رواه أحمد113. قال ابن كثير في النهاية ص: 204، ج: 2، وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه من هذا الوجه. وهذه الشفاعة تكون للنبي -صلى الله عليه وسلم- وغيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين لحديث أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: "فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة وشفع النبيون

_ 112 حديث ضعيف: وهو حديث طويل جدًا في إسناده إسماعيل بن رافع وهو ضعيف، ومحمد بن يزيد أو زياد: هو مجهول، وقد أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره "146/2- 148" عن الطبراني، وقال: هذا حديث مشهور وهو غريب جدًا، ولبعضه شواهد في الأحاديث المتفرقة، وفي بعض ألفاظه نكارة، تفرد به إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة، وقد اختلف فيه، فمنهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، ونصَّ على نكارة حديثه غير واحد من الأئمة، وراجع النهاية لابن كثير "253/1". 113 أحمد في مسنده "94/3".

وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًالم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حممًا" متفق عليه114. وهذه الشفاعة ينكرها المعتزلة والخوارج بناء على مذهبهم أن فاعل الكبيرة مخلد في النار فلا تنفعه الشفاعة ونرد عليهم بما يأتي: 1- أن ذلك مخالف للمتواتر من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. 2- أنه مخالف لإجماع السلف. ويشترط لهذه الشفاعة شرطان: الأول: إذن الله في الشفاعة لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه} [البقرة: 255] . الثاني: رضا الله عن الشافع والمشفوع له لقوله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] فأما الكافر فلا شفاعة له لقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] . أي: لو فرض أن أحدًا شفع لهم لم تنفعهم الشفاعة. وأما شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمه أبي طالب حتى كان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذابا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار" رواه مسلم116. فهذا خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبعمه

_ 114 حديث أبي سعيد الخدري تقدم تخريجه ص "126". 115 مسلم: كتاب الإيمان: باب شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه "209" "357" من حديث العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: "نعم هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار".

أبي طالب فقط، وذلك -والله أعلم- لما قام به من نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والدفاع عنه، وعما جاء به. [67] والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان، فالجنة مأوى أوليائه، والنار عقاب لأعدائه، وأهل الجنة فيها مخلدون: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ , لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 74، 75] . .... الشرح.... الجنة والنار: الجنة لغة: البستان الكثير الأشجار، وشرعًا: الدار التي أعدها الله في الآخرة للمتقين. والنار لغة: معروفة، وشرعًا: الدار التي أعدها الله في الآخرة للكافرين. وهما مخلوقتان الآن لقوله تعالى في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين} [آل عمران: 133] . وفي النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين} [البقرة: 24] . والإعداد: التهيئة ولقوله صلى الله عليه وسلم حين صلى صلاة الكسوف: "إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا قط أفظع منها". متفق عليه116.

_ 116 البخاري: كتاب الكسوف: باب صلاة الكسوف جماعة "1052". مسلم: كتاب الكسوف: باب ما عرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار "907" "17" من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

والجنة والنار لا تفنيان لقوله: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [البينة: 8] . والآيات في تأبيد الخلود في الجنة كثيرة، وأما في النار فذكر في ثلاثة مواضع في النساء: {وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا , إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [النساء: 168، 169] . وفي الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً , خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الأحزاب: 64، 65] . وفي الجن: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23] . وقال الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ , لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 74، 75] . مكان الجنة والنار: الجنة في أعلى عليين لقوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18] .

وقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث البراء بن عازب المشهور في قصة فتنة القبر: "فيقول الله -عزوجل- اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض"117. والنار في أسفل سافلين لقوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين: 7] . وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب السابق: "فيقول الله تعالى اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى" 118. أهل الجنة وأهل النار: أهل الجنة كل مؤمن تقي؛ لأنهم أولياء الله، قال الله تعالى في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين} [آل عمران: 133] . {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21] . وأهل النار كل كافر شقي، قال الله تعالى في النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] . {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّار} [هود: 106] . [68] ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت.

_ 117، 118 تقدم تخريجه من حديث البراء بن عازب المشهور في أحوال الموتى وفتنة القبر.

... الشرح.... ذبح الموت: الموت زوال الحياة، وكل نفس ذائقة الموت، وهو أمر معنوي غير محسوس بالرؤية، ولكن الله تعالى يجعله شيئًا مرئيا مجسما، وَيُذْبَح بين الجنة والنار لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناديًا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت" ثم قرأ: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] . أخرجه البخاري في تفسير هذه الآية119، وروى نحوه في صفة الجنة والنار من حديث ابن عمر مرفوعًا120.

_ 119 البخاري: كتاب التفسير من سورة مريم: باب {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم: 39] "4730". 120 البخاري: كتاب الرقاق: باب صفة الجنة والنار "6548".

فصل: حقوق النبي وأصحابه

فصل: حُقُوقُ الَنّبِي وَأَصَحابِهِ [69] ومحمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين وسيد المرسلين، لا يصح إيمان عبدٍ حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته، ولا يقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته، ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته. [70] صاحب لواء الحمد والمقام المحمود، والحوض المورود، وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم، أمته خير الأمم وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام. .... الشرح.... أفضل الخلق عند الله الرسل، ثم النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون، وقد ذكر الله هذه الطبقات في كتابه في قوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] . وأفضل الرسل أولوا العزم منهم، وهم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلوات من الله والتسليم، وقد ذكرهم الله في موضعين من كتابه في الأحزاب: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7] .

وفي الشورى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى: 13] . وأفضلهم محمد -صلى الله عليه وسلم- لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد الناس يوم القيامة" متفق عليه121، وصلاتهم خلفه ليلة المعراج وغير ذلك من الأدلة. ثم إبراهيم؛ لأنه أبو الأنبياء وملته أصل الملل، ثم موسى؛ لأنه أفضل أنبياء بني إسرائيل وشريعته أصل شرائعهم، ثم نوح وعيسى لا يجزم بالمفاضلة بينهما؛ لأن لكل منهما مزية. خصائص النبي صلى الله عليه وسلم : اختص النبي -صلى الله عليه وسلم- بخصائص نتكلم على ما ذكر المؤلف منها: 1- خاتم النبين لقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] . 2- سيد المرسلين وسبق دليله. 3- لا يتم إيمان عبد حتى يؤمن برسالته لقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... } [النساء: 65] .

_ 121 البخاري: كتاب التفسير من سورة بني إسرائيل: باب {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح....} [الإسراء: 3] . "4712". ومسلم: كتاب الإيمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها "194" 327" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

الآية، وغيره من الأنبياء يُبْعثون إلى أقوام معينين كُلٌ إلى قومه. 4- لا يُقْضَى بين الناس إلا بشفاعته وسبق دليل ذلك في الشفاعة. 5- سَبْقُ أمته الأمم في دخول الجنة لعموم قوله قوله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة" وَسبَقَ،122. 6- صاحب لواء الحمد يحمله -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة ويكون الحامدون تحته لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر"، رواه الترمذي وقد روى الأولى والأخيرة مسلم123. 7- صاحب المقام المحمود أي: العمل الذي يحمده عليه الخالق والمخلوق لقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] . وهذا المقام هو ما يحصل من مناقبه -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة من الشفاعة وغيرها. 8- صاحب الحوض المورود، والمراد الحوض الكبير الكثير واردوه، أما مجرد الحياض فقد مر أن لكل نبي حوضًا.

_ 122 تقدم تخريجه ص "119". 123 حديث صحيح: الترمذي "3148" "3615" وقال: حسن صحيح وأيضًا ابن ماجه "4308" من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وصَحَّحه الألباني في الصحيحة "1571" وأما رواية مسلم فمن حديث أبي هريرة: كتاب الفضائل: باب تفضيل نبينا -صلى الله عليه وسلم- على جميع الخلائق "2278" "3"، بلفظ: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع".

9-11- إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم لحديث أبي بن كعب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر" رواه الترمذي وحسنه124. 12- أمته خير الأمم لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] . فأما قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 47] . فالمراد عالمي زمانهم. [71] وأفضل أمته أبوبكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى -رضي الله عنهم أجمعين- لما روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا نقول والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان*، ثم علي، فيبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكره 125. [72] وصحت الرواية عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ولو شئت لسميت الثالث 126.

_ 124 حديث حسن: أخرجه أحمد "137/5، 138" والترمذي "3615" وقال: حديث حسن، وابن ماجه "4314" والحاكم "71/1"، "78/4" وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي وحسَّنه الألباني في تخريج المشكاة "5768". * قال المعلق على طبعة السلفية ص "25": اقتصر الحديث على هؤلاء الثلاثة في طبعة دمشق سنة 1338، وطبعة المنار سنة 1340، وزيد في طبعتي 1351، 1355: "ثم علي" أ. هـ. 125 يأتي التعليق على هذا الأثر ص "142". 126 أثر صحيح: أخرجه الإمام أحمد في مسنده "106/1، 110" وابنه عبد الله في زوائده "106/1، 110، 127" وأحمد في فضائل الصحابة "397" بأسانيد صحيحة وحسنه =

[73] وروى أبو الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبي بكر" 127. [74] وهو أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- لفضله وسابقته، وتقديم النبي -صلى الله عليه وسلم- له في الصلاة على جميع الصحابة -رضي الله عنهم- وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته، ولم يكن الله ليجمعهم على ضلالة. [75] ثم من بعده عمر -رضي الله عنه- لفضله وعهد أبي بكر إليه. [76] ثم عثمان -رضي الله عنه- لتقديم أهل الشورى له. [77] ثم علي -رضي الله عنه- لفضله وإجماع أهل عصره عليه. [78] وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ" 128.

_ = وكذا أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة "1201" وصححه الألباني في تخريج السنة "570/2". 127 إسناده ضعيف: أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة "135" وابن أبي عاصم في السنة "1224" وأبو نعيم "325/3" من حديث أبي الدرداء بإسناد ضعيف فيه عنعنه "بقية" وعنعنه "ابن جريج" وهما مدلسان، وكذا ذكره الهيثمي في المجمع "44/9" من حديث أبي الدرداء وعزاه إلى الطبراني في الكبير، وقال: وفيه "بقية" وهو مدلس، وبقية رجاله وثقوا. وكذا فيه عبد الله بن سفيان الخزاعي الواسطي، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه، وراجع التعليق على الأثر في تخريج فضائل الصحابة للإمام أحمد بتحقيق وصي الله بن محمد بن عباس "152/1، 153". 128حديث صحيح: تقدم تخريجه من حديث العرباض بن سارية ص 39.

[79] وقال صلى الله عليه وسلم: "الخلافة من بعدي ثلاثون سنة" 129. فكان آخرها خلافة علي رضي الله عنه. .... الشرح.... فضائل الصحابة الصحابي من اجتمع بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا به ومات على ذلك. وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل أصحاب الأنبياء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني" 130، الحديث رواه البخاري وغيره.

_ 129 حديث صحيح: أخرجه أبو داود "4646"، "4647" والترمذي "2226" وحسنه، والنسائي في فضائل الصحابة "52" والحاكم "71/3، 145" وصححه ووافقه الذهبي، وأحمد في مسنده "220/5، 221" وفي فضائل الصحابة "789، 790، 1027" وابن حبان "1534، 1535" وابن أبي عاصم في السنة "562/2" والطبراني في الكبير "13، 136، 6442" والطيالسي "1107" والبيهقي في دلائل النبوة "34/6" من طرق عن سفينة أبي عبد الرحمن مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- به، وإسناده حسن وله شواهد ترفعه إلى مرتبة الصحيح لغيره؛ ولذا صححه وقواه غير واحد من أهل العلم منهم الإمام أحمد والترمذي وابن جرير الطبري وابن أبي عاصم وابن حبان والحاكم وابن تيمية والذهبي والحافظ ابن حجر العسقلاني، وراجع الصحيحة للألباني في بحث جيد "459" للرد على من ضعف الحديث. 130 البخاري: كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "3651". ومسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ... "2533" "212" من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- وفي الباب عن عمران بن حصين: عند البخاري "2561"، "3650"، "6438"، "6695" ومسلم "2535". وعن أبي هريرة: عند مسلم "534" "212"، وغيرهم. وهو حديث متواتر صرح بتواتُره الحافظ ابن حجر في مقدمة الإصابة.

وأفضل الصحابة المهاجرون لجمعهم بين الهجرة والنصرة ثم الأنصار. وأفضل المهاجرين الخلفاء الأربعة الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. فأبو بكر هو الصديق: عبد الله بن عثمان بن عامر بن بني تيم بن مرة بن كعب، أول من آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الرجال، وصاحبه في الهجرة ونائبه في الصلاة والحج، وخليفته في أمته، أسلم على يديه خمسة من المبشرين بالجنة: عثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، توفي في جمادى الآخرة سنة 13هـ عن 63 سنة، وهؤلاء الخمسة مع أبي بكر وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة هم الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام، قاله ابن إسحاق يعني من الذكور بعد الرسالة. وعمر: هو أبو حفص الفاروق عمر بن الخطاب من بني عدي بن كعب بن لؤي، أسلم في السنة السادسة من البعثة بعد نحو أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة، ففرح المسلمون به وظهر الإسلام بمكة بعده، استخلفه أبو بكر على الأمة فقام بأعباء الخلافة خير قيام إلى أن قتل شهيدًا في ذي الحجة سنة 23هـ عن 63 سنة. وعثمان: هو أبو عبد الله ذو النورين عثمان بن عفان من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أسلم قبل دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم، كان غنيا سخيا تولى الخلافة بعد عمر بن الخطاب باتفاق أهل الشورى إلى أن قتل شهيدًا في ذي الحجة سنة 35هـ عن 90 سنة على أحد الأقوال. وعلي: وهو أبو الحسن علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، أول من أسلم من الغلمان، أعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراية يوم خيبر ففتح الله على يديه، وبويع بالخلافة بعد قتل عثمان -رضي الله عنهما- فكان هو الخليفة شرعًا إلى أن قتل شهيدًا في رمضان سنة 40هـ عن 63 سنة.

وأفضل هؤلاء الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا نخير بين الناس في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان". رواه البخاري 131، ولأبي داود: كنا نقول ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حَيُّ: أفضل أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده أبوبكر ثم عمر ثم عثمان، زاد الطبراني في رواية: "فيسمع ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكره" هذا ولم أجد اللفظ ذكره المؤلف بزيادة علي بن أبي طالب132. وأحقهم بالخلافة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر -رضي الله عنه؛ لأنه أفضلهم وأسبقهم إلى الإسلام، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدمه في الصلاة، ولأن الصحابة -رضي الله عنهم- أجمعوا على تقديمه ومبايعته، ولا يجمعهم الله على ضلالة، ثم عمر -رضي الله عنه- لأنه أفضل الصحابة بعد أبي بكر، ولأن أبا بكر عهد بالخلافة إليه، ثم عثمان، رضي الله عنه؛ لفضله وتقديم أهل الشورى له وهم المذكورون في هذا البيت: علي وعثمان وسعد وطلحة ... زبير وذو عوف رجال المشورة

_ 131 البخاري: كتاب فضائل الصحابة: باب فضل أبي بكر بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- "3655" وفي لفظ للبخاري "3697": كنا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نفاضل بينهم. 132 إسناده صحيح: أبو داود "4628" والترمذي "3707" وابن أبي عاصم في السنة "1190" وإسناده صحيح كمال قال الألباني في تخريج السنة "567/2". وأما الزيادة التي ذكرها الشيخ العثيمين عند الطبراني وهي: "فيسمع ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكره" فهي زيادة صحيحة ثابتة من طرق كثيرة عند ابن أبي عاصم في السنة "1194، 1195، 1196، 1197" وأحمد "14/2" وغيرهم بأسانيد صحيحة وراجع تخريج السنة لابن أبي عاصم "568/2، 569" وكذا فتح الباري "16/7، 17".

ثم علي: رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه. وهؤلاء الأربعة هم الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عَضُّوا عليها بالنواجذ" 133. وقال: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة". رواه أحمد وأبو داود والترمذي، قال الألباني: وإسناده حسن، فكان آخرها خلافة علي، هكذا قال المؤلف وكأنه جعل خلافة الحسن تابعة لأبيه، أو لم يعتبرها حيث إنه -رضي الله عنه- تنازل عنها. فخلافة أبي بكر -رضي الله عنه- سنتان وثلاثة أشهر وتسع ليال، من 13 ربيع الأول سنة 11هـ إلى 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ. وخلافة عمر -رضي الله عنه - عشر سنوات وستة أشهر وثلاثة أيام، من 23 جمادى الآخرة سنة 13هـ إلى 26 ذي الحجة سنة 23هـ. وخلافة عثمان -رضي الله عنه- اثنتا عشرة سنة إلا اثني عشر يومًا، من 1 محرم سنة 24هـ إلى 18 ذي الحجة سنة 35هـ. وخلافة علي -رضي الله عنه- أربع سنوات وتسعة أشهر من 19 ذي الحجة سنة 35هـ إلى 19 رمضان سنة 40هـ. فجموع خلافة هؤلاء الأربعة تسع وعشرون سنة وستة أشهر وأربعة أيام. ثم بويع الحسن بن علي -رضي الله عنهما- يوم مات أبوه علي -رضي الله عنه- وفي ربيع الأول سنة 41هـ سلم الأمر إلى معاوية وبذلك ظهرت آية النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة" وقوله في الحسن: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به فئتين عظيمتين من المسلمين". رواه البخاري134.

_ 133 تقدم تخريجه ص "39". 134 البخاري: كتاب الصلح: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للحسن بن علي ... "2704" من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- ضمن رواية مطولة.

فالحسن سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته وهو أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولد في 15 رمضان سنة 3هـ ومات في المدينة ودفن في البقيع في ربيع الأول 50هـ. والحسين سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته وهو ابن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ولد في شعبان سنة 4هـ وَقُتِل في كربلاء في 10 محرم سنة 61هـ، وثابت وهو ابن قيس بن شماس الأنصاري الخررجي خطيب الأنصار قتل شهيدًا يوم اليمامة سنة 11هـ في آخرها أو أول سنة 12هـ. [80] ونشهد للعشرة بالجنة، كما شهد لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة". [81] وكل من شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة شهدنا له بها، كقوله: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة". وقوله لثابت بن قيس: "إنه من أهل الجنة". [82] ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار، إلا من جزم له الرسول -صلى الله عليه وسلم- لكنا نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء. .... الشرح.... الشهادة بالجنة أو بالنار الشهادة بالجنة أو بالنار ليس للعقل فيها مدخل فهي موقوفة على الشرع، فمن شهد له الشارع بذلك شهدنا له، ومن لا فلا، لكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء.

وتنقسم الشهادة بالجنة أو بالنار إلى قسمين عامة وخاصة: فالعامة: هي المعلّقة بالوصف مثل أن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة أو لكل كافر بأنه في النار أو نحو ذلك من الأوصاف التي جعلها الشارع سببًا لدخول الجنة أو النار. والخاصة: هي المعلقة بشخص: مثل أن نشهد لشخص معين بأنه في الجنة أو لشخص معين بأنه في النار، فلا نعين إلا ما عينه الله أو رسوله. المعينون من أهل الجنة المعينون من أهل الجنة كثيرون ومنهم: العشرة المبشرون بالجنة، وخُصُّوا بهذا الوصف؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمعهم في حديث واحد فقال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة" رواه الترمذي وصححه الألباني135. وقد سبق الكلام على الخلفاء الأربعة وأما الباقون فجمعوا في هذا البيت: سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر والزبير المُمَدَّح فطلحة: هو ابن عبيد الله من بني تيم بن مرة أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، قتل يوم الجمل في جمادى الآخرة سنة 36هـ عن 64 سنة.

_ 135 حديث صحيح: أخرجه أبو داود "4649"، "4650" والترمذي "3748" و "3757" وابن ماجه "134" وأحمد "187/1، 188، 189" وفي فضائل الصحابة "87، 90، 225" وابن أبي عاصم "1428، 1431، 1436" والحاكم "440/4" والنسائي في الفضائل "87، 90، 92، 106" وأبو نعيم "95/1" وغيرهم من حديث سعيد بن زيد مرفوعًا، وإسناده صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير "4010". وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف: أخرجه الترمذي "3748" وأحمد "193/1" وفي الفضائل "278" والنسائي في الفضائل "91" والبغوي في شرح السنة "3925" بإسنادٍ صحيحٍ.

والزبير: هو ابن العوام من بني قُصَي بن كلاب ابن عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف يوم الجمل عن قتال علي فلقيه ابن جرموز فقتله في جمادي الأولى سنة 36 عن 67 سنة. وعبد الرحمن بن عوف: من بني زهرة بن كلاب توفي سنة 32هـ عن 72 سنة ودفن بالبقيع. وسعد بن أبي وقاص: هو ابن مالك من بني عبد مناف ابن زهرة، أول من رَمَى بسهم في سبيل الله، مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة ودفن بالبقيع سنة 55هـ عن 82 سنة. وسعيد بن زيد: هو ابن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، كان من السابقين إلى الإسلام، توفي بالعقيق ودفن بالمدينة سنة 51هـ عن بضع وسبعين سنة. أبو عبيدة: هو عامر بن عبد الله بن الجراح من بني فهر من السابقين إلى الإسلام، توفي في الأردن في طاعون عَمْواس سنة 18هـ عن 58 سنة. وممن شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة، الحسن والحسين وثابت بن قيس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة" رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح136.

_ 136 حديث صحيح: أخرجه الترمذي "3768" وأحمد "166/3، 167" والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف "390/3" وابن حبان "2228 - موارد" والحاكم "166/3، 167" والخطيب في تاريخ "207/4، 90/11" وأبو نعيم في الحلية "71/5" من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني في الصحيحة "796": وهو كما قال. أ. هـ، وأورد له طرقًا كثيرة عن جمع من الصحابة، ثم قال: وبالجملة فالحديث صحيح بلا ريب، بل متواتر كما نقله المناوي أ. هـ.

وقال -صلى الله عليه وسلم- في ثابت بن قيس: "إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة" رواه البخاري137. المُعيَّنون من أهل النار في الكتاب والسنة من المعينين بالقرآن أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وامرأته أم جميل أَرْوى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان لقوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] إلى آخر السورة. ومن المعينين بالسنَّة أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أهون أهل النار عذابًا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه" رواه البخاري138.

_ 137 البخاري: كتاب المناقب: باب علامات النبوة "3613". ومسلم: كتاب الإيمان: باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله "119" "187" من حديث أنس رضي الله عنه. 138 أخرجه بهذا اللفظ: مسلم: كتاب الإيمان: باب أهون أهل النار عذابًا "212" "362" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجه البخاري "6561" ومسلم "213" "364" من حديث النعمان بن بشير بلفظ: "إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرتان، يغلي منهما دماغه".

ومنهم عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيته يجر أمعاءه في النار" رواه البخاري وغيره 139. [83] ولا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعملٍ. [84] ونرى الحج والجهاد ماضيًا مع طاعة كل إمام، بَرًّا كان أو فاجرًا، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة. [85] قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلا الله، ولا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله -عز وجل- حتى يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار". رواه أبو داود140.

_ 139 البخاري: كتاب التفسير من سورة المائدة: باب {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَة} "4624" من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت جهنم يحطم بعضها بعضًا ورأيت عَمْرًا يجر قصبه، وهو أول من سيب السوائب". وفي الباب عن جابر في حديث الكسوف الطويل وفيه "ورأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك يجر قصبه في النار" أخرجه مسلم "904" "9". وقُصْبُهُ: أَمْعَاؤه. 140 حديث ضعيف: أخرجه أبو داود "2532" وأبو عبيد القاسم بن سلام في الإيمان ص "47" وإسناده ضعيف فيه يزيد بن أبي نشبة، وهو مجهول كما في التقريب وضعف إسناده المنذري في مختصر سنن أبي داود "380/3" لهذا السبب.

... الشرح.... تكفير أهل القبلة بالمعاصي أهل القبلة هم المسلمون المصلون إليها لا يكفرون بفعل الكبائر ولا يخرجون من الإسلام بذلك ولا يخلدون في النار؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] . إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] . فأثبت الإخوة الإيمانية مع القتال وهو من الكبائر، ولو كان كفرًا لانتفت الإخوة الإيمانية. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول الله تعالى: "من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه" يعني من النار، متفق عليه141. وخالف في هذا طائفتان: الأولى: الخوارج قالوا: فاعل الكبيرة كافر خالد في النار. الثانية: المعتزلة قالوا: فاعل الكبيرة خارج عن الإيمان ليس بمؤمن ولا كافر في منزلة بين منزلتين وهو خالد في النار، ونرد على الطائفتين بما يأتي: 1- مخالفتهم لنصوص الكتاب والسنة. 2- مخالفتهم لإجماع السلف.

_ 141 تقدم تخريجه ص "100".

[86] ومن السنة تَوَلي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومحبتهم وذكر محاسنهم والتَّرحم عليهم والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساوئهم، وما شجر بينهم، واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10] . وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] . .... الشرح.... حقوق الصحابة رضي الله عنهم للصحابة -رضي الله عنهم- فضل عظيم على هذه الأمة حيث قاموا بنصرة الله ورسوله والجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وحفظ دين الله بحفظ كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- علما وعملا وتعليما حتى بَلَّغُوه الأمة نقيا طريا. وقد أثنى الله عليهم في كتابه أعظم ثناء حيث يقول في سورة الفتح: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح: 29] إلى آخر السورة.

وحمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمى كرامتهم حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" متفق عليه142. فحقوقهم على الأمة من أعظم الحُقُوق فلهم على الأمة: 1- محبتهم بالقلب والثناء عليهم باللسان بما أسدوه من المعروف والإحسان. 2- الترحم عليهم والاستغفار لهم تحقيقًا لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] . 3- الكف عن مساوئهم التي إن صدرت عن أحد منهم فهي قليلة بالنسبة لما لهم من المحاسن والفضائل وربما تكون صادرة عن اجتهاد مغفور وعمل معذور لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي" الحديث. [87] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" 143.

_ 142 البخاري: كتاب فضائل الصحابة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلا ... " "3673". ومسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب تحريم سب الصحابة "2541" "222" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم. *مُدَّ أحدهم: المُدُّ بضم الميم ربع الصاع، والنَّصيف: بمعنى النصف. 143 تقدم تخريجه.

... الشرح.... حكم سب الصحابة سب الصحابة على ثلاثة أقسام: الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم أو أن عامتهم فسقوا فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار أو فساق. الثاني: أن يسبهم باللعن والتقبيح ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال. الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم، كالجبن والبخل فلا يكفر ولكن يُعَزَّر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الصارم المسلول ونقل عن أحمد في ص: 573، قوله: لا يجوز لأحد أن يذكر شيئًا من مساوئهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص فَمَنْ فعل ذلك أُدِّبَ فإن تاب وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع. [88] ومن السنة: التَّرضى عن أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء، أفضلهم خديجة بنت خويلد، وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه، زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدُّنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم. .... الشرح.... حقوق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- زوجاته في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين ولهن من الحرمة والتعظيم ما يليق بهن كزوجات لخاتم النبيين فهن من آل بيته طاهرات

مطهرات طيبات مطيبات بريئات مبرآت من كل سوء يقدح في أعراضهن وفرشهن، فالطيبات للطيبيين والطيبون للطيبات فرضي الله عنهن وأرضاهن أجمعين وصلى الله وسلم على نبيه الصادق الأمين. زوجاته -صلى الله عليه وسلم- اللاتي كان فراقهن بالوفاة وهن: 1- خديجة بنت خويلد أم أولاده ما عدا إبراهيم، تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد زوجين الأول عتيق بن عابد والثاني أبو هالة التميمي، ولم يتزوج -صلى الله عليه وسلم- عليها حتى ماتت سنة 10هـ من البعثة قبل المعراج. 2- عائشة بنت أبي بكر الصديق أريها -صلى الله عليه وسلم- في المنام144 مرتين أو ثلاثة، وقيل: هذه امرأتك، فعقد عليها وله ست سنين بمكة ودخل عليها في المدينة ولها تسع سنين، توفيت سنة 58هـ. 3- سودة بنت زمعة العامرية، تزوجها بعد زوج مسلم هو السكران بن عمرو أخو سهيل بن عمرو، توفيت آخر خلافة عمر وقيل: سنة 54هـ. 4- حفصة بنت عمر بن الخطاب تزوجها -صلى الله عليه وسلم- بعد زوج مسلم هو خنيس بن حذافة الذي قتل في أحد وماتت سنة 41هـ. 5- زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين، تزوجها بعد استشهاد زوجها عبد الله بن جحش في أُحد وماتت سنة 4هـ بعد زواجها بيسير. 6- أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، تزوجها بعد موت زوجها أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد من جراحة أصابته في أُحد وماتت سنة 61هـ. 7- زينب بنت جحش الأسدية بنت عمته -صلى الله عليه وسلم- تزوجها بعد مولاه زيد بن حارثة سنة 5هـ، وماتت سنة 20هـ.

_ 144 البخاري: كتاب مناقب الأنصار: باب تزويج النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة. "3895". ومسلم: كتاب فضائل الصحابة: باب فضل عائشة. "2438" "79" من حديث عائشة رضي الله عنها.

8- جويرية بنت الحارث الخزاعية تزوجها بعد زوجها مسافع بن صفوان، وقيل: مالك بن صفوان سنة 6هـ، وماتت سنة 56هـ. 9- أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، تزوجها بعد زوج أسلم ثم تنصر هو عبيد الله بن جحش، وماتت في المدينة في خلافة أخيها سنة 44هـ. 10- صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير من ذرية هارون بن عمران -صلى الله عليه وسلم- أعتقها وجعل عتقها صداقها بعد زوجين أولهما سلام بن مشكم، والثاني: كنانة بن أبي الحقيق بعد فتح خيبر سنة 6هـ، وماتت سنة 50هـ. 11- ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوجها سنة 7هـ في عمرة القضاء بعد زوجين، الأول ابن عبد ياليل، والثاني أبو رهم بن عبد العزى، بنى بها في سرف، وماتت فيه سنة 51هـ. فهذه زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- اللاتي كان فراقهن بالوفاة اثنتان توفيتا قبله وهما: خديجة وزينب بن خزيمة، وتسع توفي عنهن وهن البواقي. وبقى اثنتان لم يدخل بهما ولا يثبت لهما من الأحكام والفضيلة ما يثبت للسابقات وهما: 1- أسماء بنت النعمان الكندية تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم فارقها، واختلف في سبب الفراق، فقال ابن اسحق: إنه وجد في كشحها بياضًا ففارقها فتزوجها بعده المهاجر بن أبي أمية. 2- أميمة بنت النعمان بن شراحيل الجونية، وهي التي قالت: أعوذ بالله منك145 ففارقها والله أعلم.

_ 145 راجع تلخيص الحبير لابن حجر "132/2، 133".

وأفضل زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- خديجة وعائشة رضي الله عنهما، ولكل منهما مزية على الأخرى146، فلخديجة في أول الإسلام ما ليس لعائشة من السبق والمؤازرة والنصرة، ولعائشة في آخر الأمر ما ليس لخديجة من نشر العلم ونفع الأمة، وقد برأها الله مما رماها به أهل النفاق من الإفك في سورة النور. قذف أمهات المؤمنين قذف عائشة بما برأها الله منه كفر؛ لأنه تكذيب للقرآن وفي قذف غيرها من أمهات المؤمنين قولان لأهل العلم أصحهما أنه كفر؛ لأنه قدح في النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الخبيثات للخبيثين. [89] ومعاوية خال المؤمنين، وكاتب وَحْي الله، أحد خلفاء المسلمين رضي الله عنهم. .... الشرح.... معاوية بن أبي سفيان هو أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب، ولد قبل البعثة بخمس سنين، وأسلم عام الفتح، وقيل: أسلم بعد الحديبية وكتم إسلامه وَلَّاه عمر الشام

_ 146 قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء "140/2" في ترجمة أم المؤمنين عائشة: وكانت امرأة بيضاء جميلة ومن ثم يقال لها الحميراء، ولم يتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بكرًا غيرها، ولا أحب امرأة حبها، ولا أعلم في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بل ولا في النساء مطلقا امرأة أعلم منها، وذهب بعض العلماء إلى أنها أفضل من أبيها وهذا مردود وقد جعل الله لكل شيء قدرا، بل نشهد أنها زوجة نبينا في الدنيا والآخرة، فهل فوق ذلك مفخر؟ وإن كان للصديق خديجة شأوٌ لا يلحق وأنا واقف في أيتهما أفضل، نعم جزمت بأفضلية خديجة عليها لأمور ليس هذا موضعها. أ. هـ.

واستمر عليه وتسمى بالخلافة بعد الحكمين عام 37هـ، واجتمع الناس عليه بعد تنازل الحسن بن علي سنة 41هـ، كان يكتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومن جُمْلة كُتَّاب الوحي، توفي في رجب سنة 60هـ عن 78 سنة، وإنما ذكره المؤلف وأثنى عليه للرد على الروافض الذين يسبونه ويقدحون فيه، وسماه خال المؤمنين؛ لأنه أخو أم حبيبة إحدى أمهات المؤمنين، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ص: 199، ج: 2 نزاعًا بين العلماء، هل يُقَال لإخوة أمهات المؤمنين أخوال المؤمنين أم لا؟ [90] ومن السنة: السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين، برهم وفاجرهم، مالم يأمروا بمعصية الله، فإنه لا طاعة لأحدٍ في معصية الله. [91] ومن وَلِىَ الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار الخليفة وَسُمَّى أمير المؤمنين، وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين. .... الشرح.... الخلافة الخلافة منصب كبير ومسئولية عظيمة وهي تَوَلّى تدبير أمور المسلمين بحيث يكون هو المسئول الأول في ذلك، وهي فرض كفاية؛ لأن أمور الناس لا تقوم إلا بها، وتحصل الخلافة بواحد من أمور ثلاثة: الأول: النص عليه من الخليفة السابق كما في خلافة عمر بن الخطاب فإنها بنص من أبي بكر رضي الله عنه. الثاني: اجتماع أهل الحل والعقد سواء كانوا معينين من الخليفة السابق كما في خلافة عثمان -رضي الله عنه- فإنها باجتماع من أهل الحل والعقد المعينين من قبل عمر بن

الخطاب -رضي الله عنه- أم غير معينين كما في خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- على أحد الأقوال، وكما في خلافة علي رضي الله عنه. الثالث: القهر والغلبة كما في خلافة عبد الملك بن مروان حين قتل ابن الزبير وتمت الخلافة له. حكم طاعة الخليفة طاعة الخليفة وغيره من ولاة الأمور واجبة في غير معصية الله لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] . ولقوله صلى الله عليه وسلم: "السمع والطاعة على المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" متفق عليه147. وسواء كان الإمام بَرًّا: وهو القائم بأمر الله فعلا وتركًا، أو فاجرًا: وهو الفاسق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إلا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئا من معصية فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدًا من طاعة". رواه مسلم148. والحج والجهاد مع الأئمة ماضيان نافدان وصلاة الجمعة خلفهم جائزة سواء كانوا أبرارًا أو فجارًا؛ لأن مخالفتهم في ذلك توجب شق عصا المسلمين والتمرد عليهم.

_ 147 البخاري: كتاب الأحكام: باب السمع والطاعة "7144". ومسلم: كتاب الإمارة: باب وجوب طاعة الأمراء. "1839" "38" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. 148 مسلم: كتاب الإمارة: باب خيار الأئمة وشرارهم "1855" "66" من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.

والحديث الذي ذكره المؤلف: "ثلاث من أصل الإيمان ... إلخ" ضعيف، كما رمز له السيوطي في الجامع الصغير وفيه راوٍ، قال المزي: إنه مجهول، وقال المنذري في مختصر أبي داود: شبه مجهول149. والثلاث خصال المذكورة فيه هي: الكف عمن قال: لا إله إلا الله، والثانية: الجهاد ماضٍ ... إلخ، والثالثة: الإيمان بالأقدار. والخروج على الإمام محرم، لقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان. متفق عليه150. وقال صلى الله عليه وسلم: "يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ماصلوا لا ماصلوا". أي: من كره بقلبه وأنكر بقلبه. رواه مسلم151. ومن فوائد الحديثين أن ترك الصلاة كفر بواح؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجز الخروج على الأئمة إلا بكفر بواح، وجعل المانع من قتالهم فعل الصلاة، فدل على أن تركها مبيح لقتالهم، وقتالهم لا يباح إلا بكفر بواحٍ كما في حديث عبادة.

_ 149 تقدم تخريجه ص "148". 150 البخاري: كتاب الفتن: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سترون بعدي أمورًا ... " "7055" "7056". ومسلم: كتاب الإمارة: باب وجوب طاعة الأمراء. "1709" "42" من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. 151 مسلم: كتاب الإمارة: باب خيار الأئمة "1854" "63" "64" من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[92] ومن السُّنة: هجران أهل البدع، ومُبَاينتهم، وترك الجدال والخصومات في الدِّين، وترك النظر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم، وكل محدثةٍ في الدِّين بدعة. .... الشرح.... هجران أهل البدع الهجران مصدر هَجَرَ وهو لغة: الترك والمراد بهجران أهل البدع الابتعاد عنهم، وترك محبتهم وموالاتهم والسلام عليهم وزيارتهم وعيادتهم ونحو ذلك. وهجران أهل البدع واجب لقوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] . ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلَّفوا عن غزوة تبوك152. لكن إن كان في مجالستهم مصلحة لتبيين الحق لهم وتحذيرهم من البدعة فلا بأس بذلك، وربما يكون ذلك مطلوبًا لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] . وهذا قد يكون بالمجالسة والمشافهة وقد يكون بالمراسلة والمكاتبة، ومن هجر أهل البدع ترك النَّظر في كتبهم خوفًا من الفتنة بها أو ترويجها بين الناس فالابتعاد

_ 152 قصة توبة كعب بن مالك وصاحبيه في الصحيحين: البخاري "4418" ومسلم "2769" "53". وراجع الكلام على فقه القصة وما فيها من الفوائد والحكم في كتاب زاد المعاد لابن القيم "558/3".

عن مواطن الضلال واجب لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الدجال: "من سمع به فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات". رواه أبو داود، قال الألباني: وإسناده صحيح153. لكن إن كان الغرض من النظر في كتبهم معرفة بدعتهم للرد عليها فلا بأس بذلك لمن كان عنده من العقيدة الصحيحة ما يتحصن به، وكان قادرًا على الرد عليهم بل ربما واجبًا؛ لأن رد البدعة واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الجدال والخصام في الدين الجدال: مصدر جادل، والجدل منازعة الخصم للتغلب عليه، وفي القاموس الجدل: اللدد في الخصومة، والخصام المجادلة فَهُمَا بمعنى واحد. وينقسم الخصام والجدال في الدين إلى قسمين: الأول: أن يكون الغرض من ذلك إثبات الحق وإبطال الباطل وهذا مأمور به إما وجوبًا أو استحبابًا بحسب الحال لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] . الثاني: أن يكون الغرض منه التعنيت أو الانتصار للنفس أو للباطل فهذا قبيح منهي عنه لقوله تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر: 4] .

_ 153 حديث صحيح: أخرجه أحمد "43/4، 441" وأبو داود "4319" والحاكم "531/4"، من حديث عمران بن حصين. وقد صححه الألباني في صحيح الجامع "6301" وتخريج المشكاة "5488".

وقوله: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر: 5] . [93] وكل مُتَّسمٍ بغير الإسلام والسُّنة مبتدع، كالرافضة، والجهمية والخوارج والقدرية والمرجئة والمعتزلة والكرامية والكلابية ونظائرهم، فهذه فرق الضلال، وطوائف البدع، أعاذنا الله منها. .... الشرح.... علامة أهل البدع وذكر بعض طوائفهم: لأهل البدع علامات منها: 1- أنهم يتصفون بغير الإسلام والسنة بما يحدثونه من البدع القولية والفعلية والعقائدية. 2- أنهم يتعصبون لآرائهم فلا يرجعون إلى الحق وإن تبين لهم. 3- أنهم يكرهون أئمة الإسلام والدين. ومن طوائفهم: 1- الرافضية: وهم الذين يغلون في آل البيت ويُكَفَّرون من عداهم من الصحابة أو يفسقونهم، وهم فرق شتى فمنهم الغلاة الذين ادعوا أن عليًا إله ومنهم دون ذلك. وأول ما ظهرت بدعتهم في خلافة علي بن أبي طالب حين قال له عبد الله بن سبأ: أنت الإله، فأمر علي -رضي الله عنه- بإحراقهم وهرب زعيمهم عبد الله بن سبأ إلى المدائن.

ومذهبهم في الصفات مختلف، فمنهم المشبه ومنهم المعطل ومنهم المعتدل، وسموا رافضة؛ لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حين سألوه عن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فترحم عليهما فرفضوه وأبعدوا عنه. وسموا أنفسهم شيعة؛ لأنهم يزعمون أنهم يتشيعون لآل البيت وينتصرون لهم ويطالبون بحقهم في الإمامة. 2- الجهمية: نسبة إلى الجهم بن صفوان الذي قتله سالم أو سلم بن أحوز سنة 121هـ، مذهبهم في الصفات التعطيل والنفي، وفي القدر القول بالجبر، وفي الإيمان القول بالإرجاء، وهو أن الإيمان مجرد الإقرار بالقلب وليس القول والعمل من الإيمان، ففاعل الكبيرة عندهم مؤمن كامل الإيمان، فهم معطلة جبرية مرجئة وهم فرق كثيرة. 3- الخوارج: وهم الذين خرجوا لقتال علي بن أبي طالب بسبب التحكيم. مذهبهم التبرؤ من عثمان وعلي والخروج على الإمام إذا خالف السنة، وتكفير فاعل الكبيرة وتخليده في النار وهم فرق عديدة. 4- القدرية: وَهُم الذين يقولون بنفي القدر عن أفعال العبد وأن العبد إرادة وقدرة مستقلين عن إرادة الله وقدرته، وأول من أظهر القول به معبد الجهني في أواخر عصر الصحابة، تلقاه عن رجل مجوسي في البصرة، وهما فرقتان غلاة وغير غلاة فالغلاة ينكرون علم الله وإرادته وقدرته وخلقه لأفعال العبد وهؤلاء انقرضوا أو كادوا، وغير الغلاة يؤمنون بأن الله عالم بأفعال العباد لكن ينكرون وقوعها بإرادة الله وقدرته وخلقه وهو الذي استقر عليه مذهبهم. 5- المرجئة: وهم الذين يقولون بإرجاء العمل عن الإيمان، أي تأخيره عنه، فليس العمل عندهم من الإيمان، والإيمان مجرد الإقرار بالقلب، فالفاسق عندهم مؤمن كامل الإيمان وإن فعل ما فعل من المعاصي أو ترك ما ترك من الطاعات وإذا حكمنا

بكفر من ترك بعض شرائع الدين فذلك لعدم الإقرار بقلبه لا لترك هذا العمل، وهذا مذهب الجهمية وهو مع مذهب الخوارج على طرفي نقيض. 6- المعتزلة: أتباع واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري وقرر أن الفاسق في منزلة بين منزلتين لا مؤمن ولا كافر وهو مخلد في النار وتابعه في ذلك عمرو بن عبيد، ومذهبهم في الصفات التعطيل كالجهمية، وفي القدر قدرية ينكرون تعلق قضاء الله وقدره بأفعال العبد، وفي فاعل الكبيرة أنه مخلد في النار وخارج من الإيمان في منزلة بين منزلتين، الإيمان والكفر، وهم عكس الجهمية في هذين الأصلين. 7- الكرامية: أتباع محمد بن كرام المتوفى سنة 255هـ، يميلون إلى التشبيه والقول بالإرجاء وهم طوائف متعددة. 8- السالمة: أتباع رجل يقال له ابن سالم يقولون بالتشبيه. وهذه هي الطوائف التي ذكرها المؤلف ثم قال: ونظائرهم مثل الأشعرية أتباع الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، كان في أول أمره يميل إلى الاعتزال حتى بلغ الأربعين من عمره ثم أعلن توبته من ذلك وبين بطلان مذهب المعتزلة وتمسك بمذهب أهل السنة -رحمه الله- أما من ينتسبون إليه فبقوا على مذهب خاص يعرف بمذهب الأشعرية، لا يثبتون من الصفات إلا سبعًا زعموا أن العقل دل عليها، ويؤولون ما عداها وهي المذكورة في هذا البيت: حي عليم قدير والكلام له ... إرادة وكذلك السمع والبصر ولهم بدع أخرى في معنى الكلام والقدر وغير ذلك. [94] وأما بالنسبة إلى إمام في فروع الدين كالطَّوائف الأربع فليس بمذموم، فإن الاختلاف في الفروع رحمة، والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم، مُثَابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة.

[95] نسأل الله أن يعصمنا من البدع والفتنة، ويحيينا على الإسلام والسُّنة، ويجعلنا ممن يتَّبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحياة، ويحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته وفضله، آمين. وهذا آخر المعتقد، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا. .... الشرح.... الخلاف في الفروع الفروع: جمع فرع وهو لغة: ما بني غلى غيره، واصطلاحًا: ما لا يتعلق بالعقائد، كمسائل الطهارة والصلاة ونحوها. والاختلاف فيها ليس بمذموم حيث كان صادرًا عن نية خالصة واجتهاد لا عن هوى وتعصب؛ لأنه وقع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكره حيث قال في غزوة بني قريظة: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فحضرت الصلاة قبل وصولهم فأخر بعضهم الصلاة حتى وصلوا بني قريظة وصلى بعضهم حين خافوا خروج الوقت، ولم ينكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على واحد منهم" رواه البخاري154، ولأن الاختلاف فيها موجود في الصحابة وهم خير القرون؛ ولأنه لا يورث عداوة ولا بغضاء ولا تفرق كلمة بخلاف الاختلاف في الأصول. وقول المؤلف: المختلفون فيه محمودون في اختلافهم، ليس ثناء على الاختلاف فإن الاتفاق خير منه وإنما المراد به نفي الذم عنه، وأن كل واحد محمود على ما قال؛ لأنه مجتهد فيه مريد للحق فهو محمود على اجتهاده واتباع ما ظهر له من الحق وإن كان قد

_ 154 البخاري: كتاب صلاة الخوف: باب الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً "946" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

لا يصيب الحق وقوله: إن الاختلاف في الفروع رحمة وإن اختلافهم رحمة واسعة، أي داخل في رحمة الله وعفوه حيث لم يكلفهم أكثر مما يستطيعون ولم يلزمهم بأكثر مما ظهر لهم، فليس عليهم حرج في هذا الاختلاف بل هم فيه داخلون تحت رحمة الله وعفوه إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطئوا فلهم أجر واحد. الإجماع وحكمه الإجماع لغة: العزم والاتفاق، واصطلاحًا: اتفاق العلماء المجتهدين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على حكم شرعي بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حجة لقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة". رواه الترمذي155.

_ 155 حديث صحيح: أخرجه الترمذي "2167" وابن أبي عاصم في السنة "80" والحاكم "115/1، 116" والخطيب في الفقيه والمتفقة "61/1" من حديث ابن عمر، وقال الترمذي "حديث غريب" وإسناده ضعيف كما في تخريج السنة للألباني "40/1" وله طريق آخر عند الطبراني في الكبير "447/12" وإسناده حسن، وقال الهيثمي في المجمع "218/5": رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات رجالِ الصحيح خلا مرزوق مولى آل طلحة وهو ثقة. أ. هـ. وللحديث شواهد كثيرة: منها حديث ابن عباس مرفوعا "لا يجمع الله أمتى -أو قال هذه الأمة- على ضلالة ويد الله على الجماعة" أخرجه الحاكم "116/1" واقتصر الترمذي على الجملة الأولى منه وإسناده جيد. ومنها حديث أبي مسعود: أخرجه ابن أبي عاصم في السنة "85" والطبراني في الكبير "239/17، 240" والحاكم "506/4، 507" وصححه ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع "219/5": رجاله ثقات، وقال الحافظ في التلخيص "141/2": إسناده صحيح ومثله لا يقال من قبل الرأي. وراجع تلخيص الحبير "141/2" للاطلاع على بقية شواهده. =

التقليد التقليد لغة: وضع القلادة في العنق. واصطلاحًا: اتباع قول الغير بلا حجة. وهو جائز لمن لا يصل إلى العلم بنفسه لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] . والمذاهب المشهورة أربعة: المذهب الحنفي: وإمامه أبو حنيفة النعمان بن ثابت إمام أهل العراق ولد سنة 80هـ وتوفي سنة 150هـ. المالكي: وإمامه أبو عبد الله مالك بن أنس إمام دار الهجرة ولد سنة 93هـ وتوفي سنة 179هـ. الشافعي: وإمامه أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ولد سنة 150هـ وتوفي سنة 204هـ. الحنبلي: وإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ولد سنة 164هـ وتوفي سنة 241هـ.

_ = والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وسلم تسليمًا، وتم التعليق على هذا الكتاب النافع المفيد "شرح لمعة الاعتقاد لابن قدامة" للشيخ محمد الصالح العثيمين في صباح يوم الجمعة الموافق 6 من شهر رجب 1410هـ. بمصر، مدينة الإسماعيلية على يد الفقير إلى عفو ربه أشرف بن عبد المقصود بن عبد الرحيم غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين، آمين.

وهناك مذاهب أخرى كمذهب الظاهرية والزيدية والسفيانية وغيرهم وكلٌ يؤخذ من قوله ما كان صوابًا ويترك من قوله ما كان خطأ، ولا عصمة إلا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. نسأل الله أن يجعلنا من المتمسكين بكتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ظاهرًا وباطنًا وأن يتوفانا على ذلك وأن يتولانا في الدنيا والآخرة وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. والحمد لله كثيرًا، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه عز جلاله والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآل وصحبه. تم في عصر الجمعة الموافق 1392/1/10هـ بقلم مؤلفة الفقير إلى الله محمد الصالح العثيمين.

الفهارس العامة للكتاب 1- فهرس الآيات 2- فهرس الأحاديث 3- فهرس الآثار 4- فهرس الموضوعات

1- فهرس الآيات الآية رقمها الصفحة

_ سورة البقرة {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} ............. 23 80 {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين} .................................. 24 131، 133 {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي} .................. 47 138 {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} .................... 119 101 {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} ................... 255 129، 130 {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} ...................... 210 51، 52 {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه} ................................ 253 70، 71 {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم} ................................ 255 65 {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّه} .......................... 282 4 {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} ..................... 286 34، 94 سورة آل عمران {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُون} .................. 7 32، 33 {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّه} ........................... 7 32 {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُون} ...................... 7 32، 33 {فَزَادَهُمْ إِيمَانا} .................................... 173 99 {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} .................................. 133 131، 133 {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ..................... 110 138 سورة النساء {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ........................ 27 97 {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى} ....................... 59 165 {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} ................ 65 136 {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ} .................... 69 135 {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} ........................... 93 55 {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ} ....................... 115 40

الآية رقمها الصفحة

_ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ} .................... 142 25 {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ} ................ 159 106 {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} ...................... 164 70، 71 {لِئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ} ............... 165 93، 94 {وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً , إِلاَّ طَرِيقَ} ................. 168، 169 132 سورة المائدة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ..................... 3 43 {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ} .................. 54 53، 54 {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ........................... 64 20، 49، 50 {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي} ............. 116 51 {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} .................. 119 52، 53 سورة الأنعام {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} ............... 54 51 {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ} ................. 125 89، 93، 97 {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} .................... 158 110 {لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ} ................... 158 110 سورة الأعراف {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ} ................... 33 20 {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} .......................... 54 78 {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ} ............... 143 72 {لَنْ تَرَانِي} ................................... 143 87 {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} ............ 144 70 {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ........................ 180 21 سورة الأنفال {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} ...... 30 24 سورة التوبة {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} ............. 6 78 {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} ...................... 46 56

الآية رقمها الصفحة

_ سورة يونس {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ} ............... 15 80، 83 سورة هود {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} .................... 106 133 {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ....................... 107 91 سورة إبراهيم {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ} .................. 27 111 سورة النحل {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ} ................... 43 166 {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} ........................... 60 24 {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} ................ 102 74 {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} ................ 125 159، 160 سورة الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} ................... 1 102 {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً} .................. 79 137 {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ} ............... 88 77، 85 سورة الكهف {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} ........................ 49 25 {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} .................... 93، 94 108 {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} ................ 105 121 سورة مريم {كهيعص} .................................. 1 80 {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} ....................... 39 134 {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} ............. 52 73 {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} ....................... 71 126 سورة طه {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ................. 5 61، 68، 69 {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ................. 5-7 28

الآية رقمها الصفحة

_ {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى , إِنِّي} ............... 11، 12 70، 73 {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} ................ 13 74 {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} .............. 14 70، 73 {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} ......................... 110 26 {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} ................. 115 28 سورة الأنبياء {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ............... 23 85 {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى} .................. 28 128، 130 {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ} .................. 47 120 {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} .................... 104 116 {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} ............. 96، 97 109 سورة الحج {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي} .................. 70 92 سورة المؤمنون {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ} ................... 102، 103 120 سورة الفرقان {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} ............ 1 78 {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} ................ 2 89، 93 سورة الشعراء {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ , إِلاَّ مَنْ} ............ 88، 89 4 سورة النمل {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا} ................ 82 110 سورة العنكبوت {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ} ........... 49 80، 83 سورة الأحزاب {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} .................. 7 135 {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ} ............. 21 40

الآية رقمها الصفحة

_ {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} ............. 40 136 {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ} ................. 64، 65 132 سورة سبأ {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} .......................... 31 79 سورة يس {فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ} ................. 51 111، 114 {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} .................. 69 79، 85 {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ} .............. 71 50 سورة الصافات {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ....................... 96 93، 96 سورة الزمر {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ............................ 62 96 {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ} ...................... 68 114 سورة غافر {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ} ...................... 4 160 {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا} ....................... 17 94، 95 {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا} ....................... 5 161 سورة فصلت {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} ...................... 42 77، 85 سورة الشورى {حم , عسق} ................................... 1، 2 80 {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ............. 11 26، 28، 30، 34، 35، 61 {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ} ................. 13 136 {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ} .................... 51 70 {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً} ...................... 52 78

الآية رقمها الصفحة

_ سورة الزخرف {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} ....................... 55 55 {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ} .................. 74، 75 131 سورة محمد {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ} ........................ 18 105 {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ} ..................... 28 55، 56 سورة الفتح {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً} .................................. 4 98 {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} ............................. 6 54 {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ} ........... 29 150 سورة الحجرات {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ........................ 9 149 {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ............................. 10 149 سورة النجم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى , مَا ضَلَّ} ....................... 1، 2 102 {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} ................... 18 102 سورة القمر {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ........................ 49 89، 92 سورة الرحمن {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} ............. 27 48 سورة الواقعة {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ} ......................... 49، 50 115 {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ , فِي كِتَابٍ} ...................... 77- 79 80، 83 {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} .......................... 83، 84 112 {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ , فَرَوْحٌ} ................. 88، 89 113 سورة المجادلة {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ} .......... 22 159

الآية رقمها الصفحة

_ سورة الحشر {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} ....................... 10 150 سورة التغابن {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} ........................... 7 115 {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ......................... 16 93، 95 سورة الحديد {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ} ................ 22 89، 92 {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ} ....................... 21 133 سورة الطلاق {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ} ...................... 5 78 سورة الملك {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ....................... 1 50 {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} ......................... 16 65 سورة الحاقة {هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} ........................... 19 123 {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} ................... 25 122 {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} ....................... 25، 26 123 سورة الجن {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ} ................... 23 132 سورة المدثر {إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ} ......................... 24 85 {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} ......................... 25 79، 85 {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} ................................. 26 79، 85 {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} .................... 48 130 سورة القيامة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ , إِلَى رَبِّهَا} .................. 22، 23 86، 87

الآية رقمها الصفحة

_ سورة المطففين {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} .............. 7 33 {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ......... 15 86، 87 {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} ................ 18 132 سورة الانشقاق {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} ...................... 7-12 115، 122 سورة الطارق {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا , وَأَكِيدُ كَيْدا} ................ 15، 16 25 سورة الغاشية {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ , ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا} ..................... 25، 26 117 سورة الفجر {وَجَاءَ رَبُّكَ} ................................... 22 51، 52 سورة البينة {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} ....................... 5 98، 99 {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} ................. 8 132 سورة المسد {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} ........................ 1 147

1- فهرس الأحاديث الحديث الرَّاوي الصفحة

_ آمنت بالقدر خيره وشره.............................. أنس 90، 91 أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة........................ سعيد بن زيد 44، 147 اترك الستة واعبد الذي في السماء..................... حصين بن عبيد 65، 67 إذا أراد الله أن يوحي بأمره........................... النواس بن سمعان 72، 76 إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته....................... ابن مسعود 71، 76 إذا كان يوم القيامة كنت إمام........................ أبَى بن كعب 138 أسألك بكل اسم هو لك............................. ابن مسعود 22 أعتقها فإنها مؤمنة.................................... معاوية بن الحكم 65، 66 اقرءوا القرآن أن يأتي قوم............................. سهل بن سعد 81 اللهم إني أعوذ برضاك من............................ عائشة 56 اللهم حاسبني حسابا يسيرا............................ عائشة 117 أما أهل النار الذين هم أهلها.......................... أبو سعيد 129 أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر.......................... عائشة 122 إن ابني هذا سيد ولعل الله أن.......................... أبو بكرة 143 إن أهل الجنة إذا دخلوا فيها........................... أبو هريرة 75 إن بعد ما بين سماء إلى سماء............................ العباس بن عبد المطلب 62 أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه.......................... ابن عمر 90 إن العبد إذا وضع في قبره............................. أنس 112 إن لكل نبي حوضا وإنهم............................. أبو سعيد 125 إن لله تسعة وتسعين اسما............................. أبو هريرة 22 إن الله قدر مقادير الخلق............................. عبد الله بن عمرو 92 إن الله كتب كتابا عنده فوق......................... أبو هريرة 55 إن الله كره لكم قيل وقال........................... المغيرة بن شعبة 57 إن الله لما قضى الخلق كتب.......................... أبو هريرة 62 إن الله ليرضى عن العبد أن.......................... أنس بن مالك 53 إن الله يرى في الآخرة.............................. 35 إن الله ينزل إلى السماء الدنيا........................ أبو هريرة 35

الحديث الرَّاوي الصفحة

_ إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة..................... العباس 65 أن موسى -عليه السلام- ليلة رأى.................. 71 أنا سيد الناس يوم القيامة........................... أبو هريرة 136 أنا سيد ولد آدم يوم القيامة......................... أبو سعيد الخدري 137 إنك لست من أهل النار............................ أنس 146 إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها.......................... سعد بن أبي وقاص 48 إنكم تحشرون حفاة عراة............................ 116 إنكم ترون ربكم كما ترون......................... جرير 86 إنكم سترون ربكم كما............................. جرير 87 إنه من أهل الجنة................................... أنس 144 إنها لن تقوم حتى تروا قبلها.......................... حذيفة بن أسيد الغفاري 109، 110 إنهم يسجدون بالأرض ويزعمون..................... 65 إني رأيت الجنة فتناولت منها......................... ابن عباس 131 إني فرطكم على الحوض............................ سهل بن سعد وأبو سعيد 123 أهون أهل النار عذابا أبو طالب...................... النعمان بن بشير 147 أول ما يحاسب به العبد يوم......................... أبو هريرة 119 أول ما يقضى بين الناس يوم......................... ابن مسعود 119 إلا من ولي عليه وال فرآه........................... عوف بن مالك 157 الإيمان أن تؤمن بالله................................ ابن عمر 91 الإيمان بضع وسبعون شعبة.......................... أبو هريرة 98 بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على......... عبادة بن الصامت 158 بلغني أنه أدق من الشعر............................ أبو سعيد 127 تجرى بهم أعمالهم ونبيكم........................... أبو هريرة وحذيفة 127 ثلاث من أصل الإيمان.............................. أنس 148، 158 ثم يضرب الجسر على جهنم......................... أبو سعيد 126 ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه......................... عبد الله بن عمرو 114 حتى إذا لم يبق إلا من يعبد.......................... أبو سعيد الخدري 52 حتى يمر آخرهم يسحب سحبا....................... أبو سعيد 27 الحسن والحسين سيدا............................... أبو سعيد الخدري 144، 149 الخلافة من بعدي ثلاثون............................ سفينة أبو عبد الرحمن 140، 143

الحديث الرَّاوي الصفحة

_ خير الناس قرنى................................. ابن مسعود 140 رأيته يجر أمعاءه في النار.......................... عائشة 148 ربنا الله الذي في السماء.......................... أبو الدرداء 66 سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصراط...... أبو سعيد الخدري 126 سبحان الله وبحمده عدد.......................... جويرية 51 السمع والطاعة على المسلم....................... ابن عمر 157 عليكم بسنتي وسنة الخلفاء........................ العرباض بن سارية 39، 40، 138، 143 فأكون أنا وأمتي أول من.......................... أبو هريرة 128 فبينما هو كذلك إذ أوحى........................ النواس بن سمعان 109 فتح اليوم من ردم يأجوج......................... زينب بنت جحش 108 فتوضع السجلات في كفة......................... عبد الله بن عمرو 120 فلو كنت ثم لأريتكم قبره......................... أبو هريرة 103 فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة................... أبو سعيد 129 فيقول الله عز وجل: اكتبوا........................ البراء بن عازب 113 فيمر المؤمنون كطرف العين........................ أبو سعيد 127 فينادي منادٍ من السماء أن......................... البراء بن عازب 113 قولوا اللهم إني أعوذ بك من....................... ابن عباس 105 كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في صلاته.... حذيفة 66 كلمتان حبيبتان إلى الرحمن........................ أبو هريرة 120 كنا نخير بين الناس في زمن........................ ابن عمر 142 كنا نقول والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي: أفضل. ابن عمر 138 لا تجتمع أمتي على ضلالة......................... ابن عمر 165 لا تسبوا أصحابي فوالذي......................... أبو سعيد الخدري 151 لا تسبوا الدهر فإن الله هو........................ أبو هريرة 110 لا تقوم الساعة حتى تطلع......................... أبو هريرة 110 لا يصلين أحد العصر إلا في....................... ابن عمر 164 لأعطين الراية غدا رجلاً.......................... سهل بن سعد 54 ما طلعت الشمس ولا غربت...................... أبو الدرداء 139 المسلم إذا سئل في القبر........................... البراء بن عازب 111

الحديث الرَّاوي الصفحة

_ من سمع به فلينأ عنه................................ عمران بن حصين 160 من سمع به فلينأ ومن أدركه......................... النواس بن سمعان 106 من قرأ القرآن فأعربه فله........................... ابن مسعود 81، 84 من كان في قلبه مثقال حبة......................... 149 نحن آخر الأمم وأول من........................... ابن عباس 119 نحن الآخرون السابقون............................. أبو هريرة وحذيفة 119 هذه امرأتك....................................... عائشة 153 وإني والله لأنظر إلى حوضي......................... عقبة بن عامر 125 وإياكم ومحدثات الأمور............................ العرباض بن سارية 40 وقني شر ما قضيت................................ الحسن بن علي 90، 92 ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبح...................... ابن عباس 75 والله لينزلن عيسى ابن مريم......................... 106 ولولا أنا لكان في الدرك........................... العباس بن عبد المطلب 130 يا أهل الجنة خلود ولا موت........................ أبو سعيد 133 يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح....................... أبو سعيد الخدري 134 يحشر الله الخلائق فيناديهم........................... عبد الله بن أنيس 73 يحشر الناس يوم القيامة عراة......................... عبد الله بن أنيس 116 يحشر الله الخلائق يوم القيامة......................... عبد الله بن أنيس 71 يحشر الناس يوم القيامة على أرض.................... سهل بن سعد 115 يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله................. أنس 98، 100 يضحك الله إلى رجلين قتل.......................... أبو هريرة 60 يعجب ربك من الشاب ليست....................... عقبة بن عامر 58، 59 يقول الله لأهل الجنة: يا أهل......................... أبو سعيد الخدري 75 يقول الله يوم القيامة: يا آدم.......................... أبو سعيد الخدري 108 يكون عليكم أمراء تعرفون........................... ابن مسعود 158 يمين الله ملأى لا يغيضها............................. أبو هريرة 49 ينزل ربنا تبارك وتعالى كل........................... أبو هريرة 58 ينزل ربنا إلى السماء الدنيا............................ أبو هريرة 58

3- فهرس الآثار الأثر الرَّاوي الصفحة

_ آمنت بالله وبما جاء عن الله....................... الإمام الشافعي 36 الاستواء غير مجهول والكيف...................... الإمام مالك 69 اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم...................... ابن مسعود 41 إعراب القرآن أحب إلينا من..................... أبو بكر وعمر رضي الله عنهما 82، 84 خير هذه الأمة بعد نبيها......................... علي 138 عليك بآثار مَنْ سلف وإن....................... الأوزاعي 4، 42 فاصبر نفسك على السُّنة........................ الأوزاعي 4 قف حيث وقف القوم فإنهم..................... عمر بن عبد العزيز 41 الكرسي موضع القدمين والعرش................. ابن عباس 64 من كفر بحرف منه فقد كفر به.................. علي 82، 84 نؤمن بها ونصدق بها لا كيف.................... الإمام أحمد 35 هل عَلِمَها رسول الله صلى الله عليه وسلم......... الأذرمي 44

§1/1