تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد

بدر الدين الدَّمَامِيني

مقدمة الشارح

مقدمة الشارح بسم الله الرحمن الرحيم [وبه نستعين] وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. يقول العبد الفقير إلى المولى الغني محمد بن أبي بكر بن عمر المخزومي الدماميني {المالكي} - عامله الله بلطفه الخفي وبره الخفي -: اللهم وإياك نحمد على نعم توجهت الآمال إلى نحوها فأسعفتها بتسهيل الفوائد، وشكت ما تلقاه من نقص الحظ فأسعدتها بتكميل المقاصد، ونشكرك على تصريفك لنا في خدمة كلمة الإسلام، وتوفيقك وإيانا إلى توحيدك الذي تكل عن وصف فضله المفرد جملة الكلام، ونسألك أن تشرح صدورنا بأنوار هدايتك فهي أعظم مطلوب، وتبعدنا عن مساوئ الأفعال الناقصة، وتسعدنا بمحاسن أفعال القلوب. ونشهد ألا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، تعاليت أن تكون لك صفة مشبهة، ولم يحظ بذاتك ظرف الزمان ولا ظرف المكان، وأنى وهي عن سمات الحدوث منزهة؟ ، أنت الفاعل لما تختار، وكل شيء مفعول بقدرتك وإرادتك، ولا كائنة عند ذوي التمييز إلا وجمع أحوالها متعلقة بمشيئتك. ونشهد

أن محمدًا عبدك ورسولك العلم الذي هديت بمعارفه إلى الحق اليقين، وأنزلت عليه القرآن بلسان عربي مبين، ذو النسب الشريف الذي لشأنه التكبير ولشانئه التصغير، والدين الحنيف الذي نجا محالفوه وهلك مخالفوه، فانقسموا إلى جمع السلامة وجمع التكسير. ونصلي عليه وعلى آله وصحبه الذين جروا بميدان العربية فحولا لا يلحق لهم غبار، ورووا جمل أخبار الدين المفيدة فكان الرفع ثابتا لمحل تلك الأخبار، صلاة لا تزال الألسنة تجزم بفضلها وتعترف، ويدوم لقائها أحسن العيش ولا ينصرف، اللهم فأدم صلاتك عليه وعليهم، ووال تحياتك الطيبات واصلة إليه وإليهم. وبعد فلا يخفى أن الكتاب المسمى: بـ "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" تأليف الإمام العالم مالك/ أزمة الفضائل وابن مالكها، السالك من طرق العربية في أفسح مسالكها، ملك النجاة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن مالك - رضوان الله عليه - كتاب جمع الفوائد جمع كثرة، وأفصحت كلماته التي غلبت قيمتها فكان كل كلمة منه درة، لا ينازع في فضله من دخل من باب الاشتغال إليه، وإذا عد غيره من الفضلات فلا شك في أن العمدة عليه، طالما جاد بالنفع المتعدي فكان شكره لازما، وعد حازما من كان بإسكانه في منازل التقدم جازما، جمع بين براعة العبارة والتنقيح، واعتنى بالإيجاز فاغتنى بالتلويح عن التوضيح، وحشا أصداف المسامع دررا لا عهد لها بمثلها، فظن بعض الطاغين أنه سار في صعب الطرق وفي الواقع لم يسر

إلا في سهلها وإنما أتى الطاعن من قبل غموض العبارة عن نظرة القاصر، ومني بضعف الإدراك وفقد الإسناد فأصبح لا قوة له ولا ناصر. هذا: وإني لما قدمت في أواخر شعبان المكرم من سنة عشرين وثمانمائة إلى كنباية من حاضرة الهند- عمرها الله (تعالى) بالإسلام وشاد أرجاءها بالأئمة الأعلام- وجدت فيها هذا الكتاب مجهولا لا يعرف، ونكرة لا تتعرف، قل من يشعر باسمه أو مسماه، أو يلمحه بالنظر فيكشف معماه ولا يجد المرء هناك منه ولا له أصلا ولا شرحا، ولا يبرح المتلفت إلى ورود مناهله يكابد ظمأ برحا، واتفق أني استصحبت منه السفر نسخة واحدة تخذتها رأس مال للنظر، وكانت بالفوائد على عائدة، ورآها بعض الطلبة قلمحها بعين الإحسان، وناجاه لسانها بألفاظ عذبة، فذاق منها حلاوة اللسان، إلا أنه رأى في كثير من الأماكن أبكار معان تحجبت بأبواب معلقة، فسألني أن أشرح هذا الكتاب شرحا يفتح أبوابه، ويذلل صعابه، ويجلو

عرائسه للأفهام، ويعقد الخنصر على ما يكشفه من الإبهام فاعتذرت أولا بأني لست من رجال هذه الصناعة، وأن فكري في تحصيل فوائدها مزجى البضاعة، وثانيا بأن هموم الحوادث والغربة قد أجلبت على بخيلها ورجلها، وحملتني جبال أنكاد تفتت حصاة القلب من أجلها. وثالثا بفقدان الشروح في هذه البلاد، وعزة ما أحتاج إليه من الكتب التي أفدي بياض أياديها بالسواد، حتى لقد وقعت على نسخة من شرح ابن قاسم أتى بها إلي من أواصل، فقلت: لعلي أذود بها عن مقاصد الكتاب وأصاول، وأستعين بها فيها- وإن كان يسيرا- على ما أنا له من الشرح أحاول. وراجعت النظر فإذا المرام الذي تخيلت مما تقصر عنه يد المتطاول لما في هذه النسخة من اختلال لا يرى معه الناظر لمقدمات القصد

إنتاجا، وسقم لا يجد له طبيب الفهم دواء ولا يستطيع له علاجا، فكيف لي مع هذه المهالك بالوصول إلى ذلك المطلب؟ وأني أظفر بتذليل الصعاب وقد عز ما أتطلب؟ وبينما أنا أقدم في الإجابة رجلا وأؤخر أخرى، وأسوف الطالبين بالنجاز، والتسويف بالفقير أحرى، وأخشى معرة الفضيحة، وأؤثر الستر على القريحة القريحة، وأعلم أن أعراض المصنفين أغراض لسهام ألسنة الحساد، وأن حقائب تصانيفهم معرضة لأيدي النظار تنتهب فوائدها ثم ترميها بالكساد. والفكر يشير إلى أن الإجابة ربما تبرد كبدا حرى، وأن التأليف ربما انتفع به فأجرى لصاحبه أجرا، فابتهجت بتلك الإشارة وانتهجت طريقها التي أهدت لطائف البشارة، وأقبلت على إسعاف الطالب بمطلوبة، وأعرضت على الجارين على نهج الحسد/وأسلوبه، وقلت: هب كلا بذل في متابعة الهوى مقدوره، والتهب حسدا ليطفئ نور البدر ويأبى الله إلا أن يتم نوره فهل هي إلا منحة أهداها الحاسد من حيت لا يشعر، وفعلة ظن أنها تطوي جميل الذكر فإذا هي تنشر؟ :

وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود ولما تحرك العزم لإسكان هذا الشرح في منازل الوجود، وسمح الفكر به يبذل ما هو عنده من الفوائد موجودة، وشاء الله أن يكون أفق الهند منشأ لظهوره، وسماء لطلوع بدره وسفوره، رأيت أن أتوسل به إلى الوفادة إلى الأرض التي نشأ فيها وربا في حجور نواحيها على ما أناخت بأبوابه ركائب الوفود، وصدرت عنه مملوءة الحقائب بعجائب الكرم والجود، إمام العصر الذي تقدم فقامت الرعايا صفوفا على أقدام الطاعة لإمامته، وخلف السلف الماضين في العدل والإحسان فأدام الله أيام خلافته، سلطان العالم الذي أصاب بسهام آرائه الشريفة أشرف الأغراض، وسما عرضه النقي إلى أن أصبح كالجوهر بين الأعراض، وقضى عدله لقطر الإسلام بالعمارة وعلى ديار الكفر بالخراب، وأورد العفاة مناهل كرمه الصافية وصير شراب العداة كالسراب، وإن

صعبت مقاصد المقترين فبيده أزمة التسهيل والمنح، وإن أغلقت دونهم أبواب المكارم فهو على الحقيقة أبو الفتح، مولانا السلطان الأعظم، ملاذ سلاطين العرب والعجم، حامي بيضة الإسلام، ماحي ظلم الظلم بنور العدل في الأحكام، عالم السلاطين سلطان العلماء، عظيم السادات سيد العظماء، المؤيد بالنصر والفتح المبين، ناصر الملة والحق والدين، أبي الفتح أحمد شاه السلطان بن السلطان محمد شاه بن السلطان مظفر شاه (رضي الله عنه وأرضاه): إمام أحاديث العلا عنه أسندت ... فبادر لكي تروي لأحمد مسندا حياة لمظلوم هلاك لظالم ... فبالبأس والإحسان أشقى وأسعدا فكم من عفاة نحوه قد ترددت ... على أنه في برهم ما تردد ولم تحو أخبار السلاطين غاية ... من الرفع إلا كان في المحال مبتدا لقد وزن الأفعال بالعدل دائما ... وعرف أسبابا تنجي من الردى فلم ينصرف عن رتبة الفضل إذ أتى ... بوزن وتعريف أبانا عن الهدى وتلك رأيناها لأحمد سنة ... فعد لحماه تشهد العود أحمدا جعل الله المماليك منظومة في سلك ملكه، وأقطار الأرض جارية في حوزه

وفلكه، فحينئذ تركت الأقلام تسعى في كتابة هذا الشرح على الرؤوس، وطرزته برسم هذا السلطان الذي يثبت بوجوده كل سرور وينتفي كل بوس، وحسن عندي أن أتوسل بذلك إلى أبوابه الشريفة، وأتوصل إلى الدخول تحت ظلاله الوريفة، على أني على العجز والتقصير مجبول. وقد أبديت وجوه معذرتي والعذر عند كرام الناس مقبول. وسميت هذا الشرح بـ "تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد" وبالله أستعين، في القول والعمل، وإياه أسأل أن يبلغنا من خير الدارين غاية الأمل بمنه ويمنه.

ولنقدم أمام الشرح كلاما يتعلق بترجمة المصنف فنقول: هو الإمام العلامة المقرئ النحوي اللغوي الحافظ المشهود بجلالة القدر ورفعة الدرجة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ابن محمد بن عبد الله) أيضا ابن مالك الطائي الأندلسي الجياني (بجيم مفتوحة وياء مثناة من تحت مشددة فألف فنون فياء) (نسب) (نسبة إلى جيان) بلد من بلاد الأندلس. ولد في / سنة ستمائة، ونشأ واعتنى بعلوم

العربية فأتقنها ونبغ فيها، وحاز قصب السبق، وغرب ثناؤه وشرق، وتناقلت الركبان حديث فضله حجازا وعراقا: فسار به من لا يسير مشمرا ... وغنى به من لا يغنو مغردا ارتحل على حماة من البلاد الشامية، وأقام بها مدة ونشر بها علما جما، ثم استوطن دمشق، وعكف بها على الإفادة وانتفع به خلائق، ولم يزل على ذلك إلى أن توفى بها في شعبان سنة اثنين وسبعين (بالياء الموحدة) وستمائة - رحمة

الله (تعالى) عليه - ودفن بفسح جبل قاسيون. وقال صاحبه الشيخ الإمام بهاء الدين (بن) النحاس الحلبي - رحمه الله - يرثيه: قل لابن مالك ان جرت بك ادمعي ... حمرا يحاكيها النجيع القاني فلقد جرحت (القلب) حين نعيت لي ... فتدفقت بدمائه أجفاني لكن يسهل ما أحس من الأسى ... علمي بنقلته إلى رضوان فسقى ضريحا ضمه صوب الحيا ... تهمي له بالروح والريحان قرأ النحو والقراءات على ثابت بن محمد بن يوسف بن خيار أبي

طاهر الكلاعي اللبلي، وقرأ كتاب سيبويه علي بن أبي المرشاني.

ومن مشايخه ابن يعيش شارح " المفصل"، لازمه مدة ثم حضر عند تلميذه ابن عمرون فأعجب به وترك مجلس ابن يعيش. ويقال: أنه جلس عند أبي علي الشلوبين بضعة عشر يوما. قلت: وقد ذكر الشيخ تاج الدين التبريزي في أواخر شرحه "للحاجبية النحوية" أن ابن مالك جلس في حلقة تدريس ابن الحاجب -رحمه الله -

وأخذ عنه (واستفاد منه)، ولم أقف على ذلك لغيره، ولا أدري من أين أخذه والله أعلم بحقيقة الحال. ومن تصانيفة " الإعلام بمثلث الكلام" كتاب بديع في بابه و "التوضيح في إعراب أشياء من مشكلات البخاري" أبان فيه عن اطلاع واسع ومادة غزيرة، و"قصدته الطائية" في الفرق بين الظاء والضاد، وشرحها، و "قصيدته اللامية" في أبنية الأفعال و "عمدته" في النحو وشرحها، وأرجوزته الكبرى المسماة "الكافية الشافية" وشرحها، وأرجوزته المختصرة من الكبرى (وتعرف) بـ "الألفية"، وجل اشتغال الطلبة المصريين في هذا

الزمان بها. قال ابن رشيد: ونظم رجزا في النحو عظيم الفائدة تستعمله المشارقة، ثم نثره في كتابه المسمى: بـ "الفوائد النحوية والمقاصد المحوية"، ثم صنف كتابه: "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد"، تسهيلا لذلك الكتاب وتكميلا، وإنه لاسم طابق مسماه وعلم وافق معناه، غير أنه في بعض الأبواب يقصر عن معتاده ويترك ما ارتهن في إيراده، فسبحان المتفرد بالكمال. قلت: وقد قرظ سعد الدين بن العربي الصوفي -رحمه الله- الكتاب المذكور المسمى "بالفوائد النحوية" فقال: إن الإمام جمال الدين فضله ... إلهه ولنشر العلم أهله

أملي كتاب له يسمى الفوائد لم ... يزل مفيدا لذي لب تأمله وكل مسألة في النحو يجمعها ... إن الفوائد جمع لا نظير له فظن الصلاح الصفدي أن هذا تفريط لـ (تسهيل الفوائد) فقال في كتابه المسمى بـ "فض الختام عن التورية والاستخدام": هذا في غاية الحسن لو كان الكتاب المذكور يسمى بـ "الفوائد" وإنما اسمه: "تسهيل الفوائد" فذكر المضاف إليه وترك المضاف الذي هو العمدة، فجعل التورية بسبب ذلك مقدوحا فيها، وقد علمت اندفاع ذلك، وإنما نشأ له هذا الوهم من عدم اطلاعه على الكتاب المسمى بـ "الفوائد" وهو معزور لعزة وجوده.

رواية الدماميني للتسهيل قلت: وأنا/ أروي كتاب التسهيل هذا عن شيخنا برهان الدين ابراهيم ابن أحمد بن عبد الواحد الضرير الشامي المقيم بجامع الأقمر من القاهرة المصرية، كان -رحمه الله (تعالى) - أخبرنا به إجازة، قال: أخبرنا الشيخ أثير الدين أبو حيان سماعا عليه، قال: أخبرنا (الشيخ)

ابن أبي الفتح البعليكي إجازة، قال: أخبرنا الإمام جمال الدين محمد بن مالك إجازة قال:

مقدمة التسهيل وشرحها

مقدمة التسهيل وشرحها الجار والمجرور (المضاف) في محل نصب على الحال، وهو ظرف مستقر متعلق بمقدر عام (محذوف) (أي) ملتبسا باسم الله، والمعنى بحسب القرينة: متبركا باسم الله، لكن ذلك لا يوجب كونه ظرفا لغوا، كما في الجار والمجرور من قولك: زيد على الفرس، فإنه متعلق بكون عام، أي: كائن على الفرس، وهو بحسب القرينة بمعنى راكب، فيجعل ظرفا مستقرا لا لغوا، وصاحب تلك الحال هو الضمير المستكن في عاملها المقدر، إذ المعنى: متبركا باسم الله أبتدئ الكتاب. "حامدا لله" حال بعد حال، ترك المصنف عطفها على الأولى إشعارا بالقصد إلى التسوية بين التسمية والحمد في جعل كل منهما مبتدأ به، ليتوصل بذلك إلى الجمع بين الحديثين الواردين في ذلك: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه

مقدمة التسهيل وشرحها ببسم الله فهو أبتر" و"كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم"، فوقع الابتداء بالتسمية حقيقة إيثارا لمتابعة الكتاب العزيز وما عليه الإجماع، ووقع بالحمد له أيضا، لكن بالإضافة إلى ما بعده، والابتداء أمر عرفي يعتبر ممتدا من حين الأخذ في التصنيف إلى الشروع في البحث، فكل من الحالين المذكورين، وما بعدهما مقارن (له)، ويقع في بعض النسخ بعد التسمية لفظ (قال) مسندا إلى المصنف -رحمه الله-، وبعد ذلك قوله: حامدا لله. ولا يخفى أن ما في هذه النسخة مانع من حمل الكلام على ما قررناه آنفا، وكأنه -الله أعلم- من تصرف النساخ.

فإن قلت: بتقدير ثبوته كذلك عن المصنف يكون "حامدا لله" - بحسب الظاهر- حالا من فاعل (قال)، لكن المقول -وهو قوله فيما يأتي: هذا كتاب في النحو ... إلى آخره - مانع من مقارنة الحال لعاملها. وإن قلت (حامدا) بمعنى: مريدا للحمد؛ لتتأتى (المقارنة) فات المقصود الأهم من ابتدائه بالحمد قبل الشروع في الأمر ذي البال الذي هو بصدده، فماذا تصنع فيه؟ قلت: أجعله: حينئذ حالا مؤكدة لعاملها المقدر، أي: أحمد حامدا لله، على ما هو الأصح عند المصنف في (مثل) عائذا بالله، وأقائما وقد قعد الناس؟

أو مفعولا مطلقا جاء على وزن فاعل كما هو مذهب المبرد حينئذ فالقول هو مجموع المقدر والمذكور من قوله: أحمد حامدا لله إلى آخر الكلام. "رب العالمين" أي: مالكهم، والعالمون جمع عالم، وهو اسم مشتق من العلم، لكنه اسم لذوي العلم أو لكل جنس يعلم به الخالق، سواء كان من ذوي العلم أو لا، كالطابع لما يطبع به والخاتم لما يختم به، يقال: عالم الملك وعالم الإنس وعالم الجن، وكذا عالم الأفلاك وعالم النبات وعالم الحيوان، وليس اسما لمجموع ما سوى الله تعالى، بحيث لا يكون له أفراد بل أجزاء فيمتنع

جمعه، والمصنف يخالف في ذلك، وسيأتي الكلام عليه عند إفضاء النوبة إليه إن شاء الله تعالى. "ومصليا" حال أخرى عطفها على ما قبلها إشعارا بتبعيتها للتبرك بالتسمية والحمد في المقارنة لابتداء الكتاب. "على محمد سيد المرسلين" فيه استعمال السيد في غير الله ويشهد له من الكتاب (العزيز) قوله تعالى: {وسيدا وحصورا} وقوله (تعالى) {وألفيا سيدها لدى الباب}. ومن السنة قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا سيد ولد آدم ولا

فخر" / وقوله في الحسن بن علي - عليهما السلام-: "إن ابني هذا سيد"، وقوله: "قوموا إلى سيدكم". وفي "المقتفى" لجدي من قبل الأم قاضي القضاة ناصر الدين بن المنير صاحب "الانتصاف من الكشاف" -رحمه الله- حكاية ثلاثة أقوال في المسألة: جوار إطلاقه على الله -عز وجل- وعلى غيره، (وامتناع إطلاقه على

الله حكاية عن الإمام مالك)، وامتناع إطلاقه إلا على الله تمسكا بما روي أنه -عليه السلام- قالوا له: ياسيدنا، فقال: "السيد هو الله". وقد عرفت أن في هذا الكتاب والسنة ما يدل على خلاف ذلك. ونقل النووي في الأذكار عن النحاس أنه جوز إطلاقه على غير

الله إلا أن يعرف بأل، ثم قال: والأظهر جوازه بالألف واللام لغير الله تعالى. "وعلى آله" هم بنو هاشم وبنو المطلب على المختار عندنا وعند الشافعية وقيل: عترته وأهل بيته، وقيل: جميع أمته، وهو قال ينقل عن الإمام مالك -رضي الله (تعالى) عنه- والصحيح جاز إضافة أل إلى مضمر كما استعمله المصنف، وسيأتي فيه كلام، وبعضهم يدعي أن أصله: أهل، فقلبت الهاء همزة ثم الهمزة ألفا، ويستدل بتصغيره على أهيل، وهو غير متجه، فقلبت الهاء همزة ثم الهمزة ألفا، ويستدل بتصغيره على أهيل، وهو غير متجه، فإنهم قالوا: أهل وآل وأهيل وأويل. "وصحابته أجمعين" الصحابة بفتح الصاد وقد تكسر، تطلق على الصحبة وهي المعاشرة، وتطلق على الأصحاب جمع صاحب، والصحابي: من اجتمع مؤمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يرو (عنه) ولم تطل مجالسته له، هذا هو الصحيح من الخلاف فيه، وبين الآل والصحابة عموم وخصوص من وجه، فعلي -رضي الله عنه- من

الآل والصحابة وسلمان الفارسي -رضي الله عنه- من الصحابة لا من الآل والتابعي الذي هو من بني هاشم أو بني المطلب من الآل لا من الصحابة. "هذا" أشار به إلى ما قدره في نفسه مما اشتمل عليه هذا التأليف، وإن لم يكن حينئذ موجود بالفعل لقوة الأسباب المقتضية لحصوله وحضوره في الخارج، وإنما قلنا ذلك لما يشعر به قوله فيما يأتي: وها أنا ساع فيما انتدبت إليه. من أنه قال ذلك قبل الشروع في التصنيف. وفصل الجملة الإسمية المركبة من (هذا) وخبره عما قبلها لعدم الجامع بينهما، وهو مقتض لكمال الانقطاع كما علم في موضعه. "كتاب في النحو"، أي: كائن فيه، المراد -بحسب القرينة- مؤلف فيه، على تشبيه ملابسة ما بين اللفظ والمعنى بملابسة الظرفية، وتارة بجعل المعنى ظرفا للفظ، (كما) عمل المصنف من جهة كونه حاصرا له آخذا بجوانبه بحيث لا يخرج طرف من اللفظ عن طرف من المعنى، وهو أمر شائع، يقال: هذه الآية في حكم كذا، وهذا الكتاب في علم كذا، وهذه القصيدة في مدح فلان. وتارة بجعل اللفظ ظرفا للمعنى، كما يقال: هذه المسألة في كتاب كذا، وهو ظاهر، حتى شاع أن الألفاظ أوعية للمعاني وقوالب لها وبمنزلة الكسوة واللباس. والنحو: علم باصول يعرف بها أحوال الألفاظ العربية بحسب تركيب بعضها مع بعض وتأديتها لأصل المعنى.

فإن قلت: بعضهم عرف النحو بما يشمل فني الإعراب والتصريف فيقال: هو علم بأصول يعرف بها أحوال الألفاظ العربية إفرادا بحسب هيئاتها وما يعد من أحوال أبنيتها أو تركيبا بحسب ما يعرض لها من الأمور التي يؤدي بها أصل المعنى. وهذا الذي ينبغي أن يحمل كلام المصنف عليه؛ لأن كتابه مشتمل على القسمين، / وذلك ظاهر في أنه لم يرد بالنحو ما يقابل التصريف. قلت: حمل كلامه على هذا لا يجدي نفعا: أما أولا: فلأنه جعل التصريف علما مستقلا برأسه وعرفه فيما هو مذكور في محله من كتابه، فتعين أنه لم يرد بعلم النحو ما يشمل الفنين. وأما ثانيا: فلأنه أدخل في كتابه هذا علم الخط (أيضا)، فإذا لا يندفع بذلك السؤال بأن كتابه هذا حاو لعلم النحو وغيره، فلم خصص النحو بالذكر؟ وإنما الذي ينبغي أن يحمل عليه أنه أراد بالنحو ما هو معروف في الاصطلاح المشهور كما تقدم. ويوجه تخصيصه له بالذكر دون التصرف والهجاء مع اشتمال تصنيفه على الجميع: بأنه ذكر معظم ما هو فيه وهو النحو بناء على أنه المقصود له بالذات وما عداه يسير بالنسبة إليه ومذكور بحسب التبعية له لغرض يتعلق بذلك عنده. "جعلته"، أي أنشأته، بمعنى أردت إنشاءه لما سبق، "بعون الله"

ظرف مستقل في محل نصب على الحال من فاعل (جعلته)، أي حال كوني متلبسا بعون الله، وهذا لا ينافي كونه مستقرا كما مر (في بحث البسملة). "مستوفيا لأصوله"، أي آخذا لها بكمالها، من قولك: استوفى فلان؟ (حقه)، إذا أخذه وافيا كاملا. والأصول: جمع أصل، وهو ما يتفرع عليه غيره، وكأنه أراد به القاعدة، وهي: حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته لتعرف أحكامها منه كقولنا: كل فاعل يجب رفعه. و(مستوفيا)، حال من مفعول جعلته، فقد توالت حالان من شيئين الأولى للأول والثانية للثاني كما في قوله تعالى: {الذين تتوافهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم}، (لكن) أولى الحالين هنا من المفعول والثانية من الفاعل عكس ما في كلام المصنف، فالتوافق بينهما في مطلق الأولية والثانوية، والتخالف في خصوص الأول والثاني. "مستويا على أبوابه وفصوله"، أي ظاهرا عليها بالغا منها الغاية، من قولهم: استولى على الأمر، أي: بلغ الغاية منه. وأبواب العلم مداخله التي يتوصل إليه منها، استعيرت من أبواب الدار، وهي منافذها التي يدخل منها إليها. والفصول: جمع فصل وهي ترجمة لطائفة من مسائل الباب مشتركة في حكم يختص بها، كالفصل الذي يذكر في باب الفاعل متضمنا للمواضع التي

يجب فيها تقديمه مثلا، فهو أخص من مطلق الباب، وربما يذكر فيه أشياء خرجت عن القواعد وشذت عن النظائر وعسر انقيادها لأزمة الضوابط. وإنما ييفعل المصنفون ذلك تسهيلا على الأفهام وضبطا للأحكام؛ لئلا تنتشر فيعسر تحصيلها، وترجموه بالفصل لأنه فاصل أي قاطع لما فيه عن الاختلاط بغيره. وفي قوله: مستوفيا ومستوليا الجناس (المضارع؛ لأن الحرفين اللذين وقع بهما الاختلاف -وهما الفاء واللام- متقاربان في المخرج. وفي: أصوله وفصوله الجناس) اللاحق لوقوع الاختلاف بحرفين متباعدين وهما الهمزة والفاء. "فسميته"، أي الكتاب المذكور "لذلك" الأمر الذي سبق من جعله مستوفيا لأصول النحو مستوليا على أبوابه وفصوله "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد"، فهو علم قصدت مناسبته، ووجه ذلك أن الاطلاع على جميع الأصول والإحاطة بها على التمام بحيث لا يشذ منها شيء، أمر يسهل على الفهم استثمار الفوائد، وييسر عليه تفريعها والبلوغ (من الأبواب والفصول) إلى الغاية بحيث يطلع منها على الفروع المبنية على الأصول ويعرف/ منها المسائل التي قد تشذ عن الضوابط ولا تكاد تدخل تحت قانون حاصر مكمل للمقصود من تحصيل الفن على الوجه الأكمل. فظهرت المناسبة. وجعله نفس التسهيل والتكميل على طريق المبالغة. و (أل) في الفوائد والمقاصد إن كانت للعهد في "الفوائد النحوية والمقاصد المحوية"-وهو الكتاب

الذي تقدم التنبيه عليه في الترجمة- فصحيح ولا مبالغة فيه، وإن كانت للاستغراق والمعنى أن محصل هذا الكتاب يصل إلى كل الفوائد وكل المقاصد فهو صحيح على وجه المبالغة. وفي قوله: تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، الترصيع، فإن كلا من لفظي القرينة الأولى موافق لما قبله من القرينة الثانية في الوزن والتقفيه. "فهو" بالفاء وفيها رائحة من معنى الجزاء، أي إذا كان حال هذا الكتاب على (ما) ذكر (فهو) "جدير"، أي حقيق "بأن يلبي"، أي: يجيب بلبيك، ويجوز ضبط حرف المضارعة بالتاء الفوقية (أو الياء التحتية). "دعوته" بفتح الدال، الدعاء إلى الطعام، والمرة الواحدة من قولك: دعوت فلانا أي: صحت به واستدعيته. "الألباء" جمع اللبيب وهو العاقل، وفيه تعريض بأن المعرض عم الإقبال على هذا الكتاب غير معدود من العقلاء. وتشبيه الكتاب في النفس بإنسان ينادي الناس على ضيافته ونيل مكارمه استعارة بالكناية، وإثبات الدعوة له استعارة تخييلية وذكر التلبية وترشيح. "ويجتنب" بالنصب عطفا على (يلبي) من قولك: اجتنبت فلانا إذا أبعدت عنه وتركته، وحرف المضارعة هنا أيضا إما فوقية أو حتية كالأول. "منابذته" أي: مطارحته ومتاركته، مصدر نابذه من النبذ، وهو طرحك الشيء أمامك أو وراءك، أو ما هو أعلم من ذلك, والمصدر المذكور إما مضاف إلى الفاعل، أي: تجنبت النجباء منابذته إياهم، أو إلى المفعول، أي: منابذتهم

إياه. وعدل عن النبذ إلى المنابذة للإشعار بالمشاركة، أي: يجتنبون نبذهم له بالفتور عنه وترك الإقبال عليه، ونبذه لهم بمنعه إياهم عما حواه من النفائس واشتمل عليه من الفوائد، (عد) عدم حصولهم منه على ذلك عند إهماله منعا منه لهم، ومقابلة لإعراضهم عنه بحرمانه إياهم لنكته ولطائفه على سبيل الادعاء والمبالغة، وفي ذلك من حيث الهمم والقرائح على تحصيله والاعتناء بشأنه مالا يخفى. "النجباء" جمع النجيب، وهو الحسيب والكريم. وقدم المفعول في كل من هاتين القرينتين إما للإهمال بشأنه أو للمحافظة على السجع الحسن. فإن قلت: السجع حاصل مع تأخير المفعول؛ إذ لو قال: بأن يلبي الألباء دعوته ويجتنب النجباء منابذته، لم يفت السجع؟ قلت: نعم، لكنه تفوته نكتة بديعية هي من المحسنات المقصودة للبلغاء؛ إذ في التسجيع بالألباء والنجباء لزوم مالا يلزم: وهو الإتيان بالباء قبل الألف، وهذا منتف لو سجع بدعوته ومنابذته. "ويعترف" بالنصب أيضا عطفا على ما تقدم، أي: يقر "العارفون"، أي: أهل المعرفة، وفيه تعريض بأن غير المعترف بفضله معدود من ذوي الجهالة لا من أهل المعرفة، وفي هاتين الكلمتين ما يشبه الاشتقاق، فيلحق ذلك

بالجناس. "برشد المغرى بتحصيله" الباء الأولى متعلقة بيعترف والثانية بالمغرى، أي يقروا بانتفاء الغي عنه. والرشد- على زنة القفل- خلاف الغي، وكذا الرشد على زنة الفرس، والرشاد على زنة الكمال: كل ذلك بمعنى. والمغري -بضم الميم وفتح الراء- اسم مفعول من أغرى بكذا أي: أولع به. وتحصيل الكلام: رده إلى محصوله. كذا في "صحاح" الجوهري. "وتأليف" بالنصب أيضا معطوف على ما سبق "قلوبهم" أي: قلوب العارفين أي: يقع بينها ائتلاف/واتفاق. "على تقديمه وتفضيله" يحتمل عود الضمير إلى المغرى وإلى الكتاب. وفي هاتين لفاصلتين لزوم ما لا يلزم، وهو الياء قبل اللام، إذ لو أتى في إحداهما بالواو لجاز ولم يضر في السجع، كما يجوز اجتماع قافلتين إحداهما مردفة بالواو والأخرى بالياء في قصيدة واحدة على ما تقرر في محله

"فليثق" أي إذا تقرر ذلك فليثق "متأمله" أي: الناظر فيه المستبين له. "ببلوغ أمله" أي: بحصوله على ما يؤلمه من الفوائد ويرجوه من جميل المقاصد. والأمل: الرجاء. وبين متأمله وأمله شبه الاشتقاق، فيلحق بالجناس. "وليتلق" أي: ليستقبل، تقول: تلقيت فلانا إذا استقبلته. "بالقبول" أي: الإذعان وعدم الإنكار. "ما يرد" أي: يحضر "من قبله" أي: جهته. وبين القبول وقبله اشتقاق أو ما يشبه الاشتقاق، فهو من الملحق بالجناس، وقد التزم في السجعتين لزوم ما لا يلزم، وهو الفتحة قبل اللام من أمله وقبله. "وليكن لحسن الظن آلفا" على زنة فاعل من قولك: ألفه يألفه كشربه يشربه، إذا اتخذه إلفا يأنس به ويركن إليه. "ولدواعي الاستبعاد مخالفا" أي: غير مجيب إلى ما تدعوه إليه من الإزراء واستبعاد أن يصدر ما رآه من الفضل عن من صدر عنه من أهله. وفي القرينتين لزوم ما لا يلزم، وهو الاتيان باللام قبل الفاء في آلفا ومخالفا. "فقلما حلي متحل بالإستبعاد إلا بالخيبة (والإبعاد) ". حلي: بفتح الحاء المهملة وكسر اللام -بمعنى ظفر، من قولهم: لم يحل (فلان) من فلان بطائل، أي: لم يستفد منه كبير الفائدة. فإن قلت: المنصوص انه لا يتكلم به إلا مع الجحد، فأين هو؟ قلت: في (قلما) معنى النفي، قال أبو علي الفارسي: قلما يكون بمعنى

النفي الصرف نحو: قلما سرت حتى أدخلها، بالنصب لا غير، ولو كان للإثبات لجاز الرفع كما هو مقرر في نواصب الفعل ويجيء بمعنى إثبات الشيء القليل، ويجوز أن يكون حلي من قولهم: حليت المرأة، أي: صارت ذات حلي، فيكون من (باب) الإستعارة التبعية التهكمية، وكذا قوله: متحل بالاستبعاد، حيث جعل الخيبة والاستبعاد حليا يتزين به على سبيل الاستهزاء والسخرية. والباء من قوله: بالاستبعاد متعلق بمتحل، ومن قوله: بالخيبة متعلق بحلي، والاستثناء مفروغ. والخيبة والحرمان يقال: خيبه الله، أي: أحرمه. والإبعاد التنحية عن الخير واللعن، يقال: أبعده الله، أي: نجاه عن الخير ولعنه. "وإذا كانت العلوم منحا" بكسر الميم وفتح النون، جمع منحة، وهي العطية، مثل: سدرة وسدر. "إلهية" أي: عطايا منسوبة إلى الإله، وهو الفاعل لما يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع. "ومواهب" جمع موهبة وهي العطية أيضا، والمراد بكونها "اختصاصية" نسبتها إلى اختصاص الله الذي يختص برحمته من يشاء، لا معقب لحكمه ولا رراد لقضائه.

والفاء في قوله: "فغير مستبعد"رابطة جواب الشرط، ومدخولها خبر قد لإرادة التشويق إلى ذكر المسند إليه، وهو قوله: "أن يذخر" بالبناء للمفعول وذال معجمة ساكنة، مضارع ذخر من قولك: ذخر الشيئ، إذ اختير أو اتخذ على جهة الاختصاص له، ومنه الذخيرة، وهي: ما يختص من المال بالاتخاذ لدفع النوائب. "لبعض" لعلماء "المتأخرين" الجار متعلق بيذخر، والنائب عن فاعله "ما عسر" على زنة شرف، أي: اشتد والتوى ولم يتيسر. "على كثير من" العلماء "المتقدمين" الذين بعد العهد بزمانهم، وكيف يستبعد هذا مع أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم؟ وما أحسن قول المبرد: "ليس بقدم العهد يفضل القائل، ولا بحدثانه يهتضم المصيب، / ولكن يعطي كل ما يستحق" هذا كلامه -رحمه الله (تعالى) - قلت: وكثيرا ما أتى الناس من جرى هذه البلية الشنعاء، فركبوا مطية الهوى وسقطوا في هوية الرذيلة، لا يبالون بعار ولا فضيحة، فتراهم إذا قرع أسماعهم شيء من النكت الحسنة غير معزو إلى معين هزوا المعاطف

طربا واستحسانا، بناء على أن ما ألقي إليهم هو بنات أفكار المتقدمين، حتى إذا علموا أن ذلك لبعض أبناء عصرهم استحالوا على الفور ونكصوا على الأعقاب وانقلب استحسانهم استقباحا وادعوا (مع إصرارهم على الاستحسان) أن صدور مثل ذلك عن عصري (أمر) مستبعد، فباؤوا من هذه الفعلة بسوء الأحدوثة، وتلطخوا من قبح الصنيع بعار لا يغسل دنسه إلا البحر، وما الحامل لهم على ذلك إلا حسد ذميم وبغي مرتعه وخيم؛ ولهذا عقب المصنف هذا الكلام بالاستعاذة من الحسد الذي وصفه بما وصف في قوله: "أعاذنا الله من حسد" والحسد: هو ظلم ذي النعمة بتمني زوالها عنه وصيرورتها إلى الحاسد مشعرة به، إذ الإنصاف هو الجري على سنن الاعتدال والاستقامة على طريق الحق. وهذا الوصف لا يتأتى وجوده مع الحسد ضرورة أنه لازم للانحراف عن سنن الحق فلا اعتدال معه، فهو ساد لباب الإنصاف بلا شك. والغرض من الإتيان بهذا الوصف التأكيدي النداء على كمال بشاعة الحسد

وتقرير ذمه وزيادة التمكين بقبحه والتنفير عنه. نعم: قد يطلق الحسد مجازا على الاغتباط وهو تمني مثل تلك النعمة من غير إرادة زوالها عن صاحبها فلا يكون مذموما، وليس الكلام فيه. وفي قوله: يسد باب الإنصاف استعارة مكنية وتخييلية وترشيحية. "ويصد" أي يمنع "عن جميل الأوصاف" ومحاسن الأخلاق، وفي يسد ويصد الجناس المضارع، وفي السجعتين لزوم ما لا يلزم، وهو الإتيان بالصاد قبل الألف في الإنصاف والأوصاف. "وألهمنا" أي: ألقي في روعنا بطريق الفيض "شكرا" وهو: مقابلة النعمة بقعل ينبئ عن تعظيم المنعم، سواء كان باللسان بأن يثنى عليه باللفظ، أو بالجنان بأن يعتقد أنه ولي النعمة، أو بالأركان بأن يدئب جوارحه في الطاعة له. وقد جمعها الشاعر في قوله: أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا أي: أفادتكم إنعاماتكم علي ثلاثة أشياء: المكافأة باليد ونشر المحامد باللسان ووقف الفوائد على المحبة والاعتقاد.

وليس المراد بإنشاد هذا البيت الاستدلال به على أن لفظ الشكر يطلق عليها كما فهمه الشيخ بهاء الدين السبكي هن الزمخشري، فاعترض بأن البيت ساكت عن ذلك، وإنما المراد التمثيل بجمع شعب الشكر فلا اعتراض. وأما الحمد فلا يكون إلا باللسان سواء تعلق بالنعمة أو غيرها. فظهر أن بينهما عموما وخصوصا من وجه، وما قلنا من التفريق بين الشكر والحمد على هذا الوجه هو المشهور، وفي المسالة خلاف ليس هذا محل بسطه. "يقضي" بياء الغيبة. وفاعله ضمير يعود إلى الشكر "توالي الآلاء" أي تتابعها. والآلاء: النعم جمع إلى مقصور بكسر الهمزة، يشير المصنف إلى قوله تعالى:

{لئن شكرتم لأزيدنكم} "ويقضي" بالإسناد إلى ضمير الشكر أيضا، مضارع قضى، أي: حكم. " بانقضاء اللأواء" أي: بفراغها وانتهائها، واللأواء مهموز العين على زنة الحمراء. قال الجوهري: هي الشدة. وفي الحديث "من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن كن له حجابا من النار". وبين يقضي وانقضاء اشتقاق أو شبهه فهو مما يلحق بالجناس. "وها أنا ساع" فيه الإخبار عن الضمير الواقع بعد هاء التنبيه بغير اسم إشارة، /وبعضهم يشترط في خبر مثله أن يكون اسم إشارة نحو: {ها أنتم أولاء}، وفيه كلام سيأتي إن شاء الله تعالى. "في ما انتدبت (إليه) " بالبناء للفاعل، أي: أجبت إليه، كأن خاطره دعاه إلى تصنيف هذا الكتاب فأجاب إلى ذلك، ومنه (انتدب لله لمن

خرج في سبيله ... ) الحديث. أي: أجاب إلى غفرانه. "مستعينا" حال: إما من الضمير المستكن في سارع، أو البارز من انتدبت، أو الاسم الموصول المجرور بفي، معناه طالبا العون بالله عليه، وكلاهما ظرف لغو يتعلق بمستعينا. واستعان كما يتعدى بنفسه نحو {إياك نعبد وإياك نستعين} يتعدى أيضا باباء نحو: (إذا استعنت فاستعن بالله). " ختم الله لي ولقارئيه" جمع قارئ، بدليل ما يأتي "بالحسنى" وهي خلاف السؤى. "وحتم" بالحاء المهملة، أي: أحكم وقضى. قال الجوهري: الحتم إحكام الأمر والقضاء وكأن المصنف يريد:

أوجب تفضلا وإحسانا. "لي ولهم" أي: ولقارئيه. "الحظ"، أي: النصيب "الأوفى" أي: الأكمل "في المقر" أي: محل القرار "الأسنى" الأرفع من قولهم سنا أي: ارتفع، يسنو سناء بالمد فهو سني أي: رفيع. والمراد بالمقر الأسنى دار النعيم الأبدي وهي الجنة جعلنا الله من أهلها. "بمنه وكرمه". وفي ختم وحتم الجناس المضارع، وفي السجعتين لزوم ما لا يلزم، وهو الإتيان بالسين قبل النون، بل الإتيان بالنون أيضا من هذا القبيل، إذ لو قال: الأعلى لحصل السجع لصلوح الألف في مثله لأن تكون رويا للبيت وبمثابة الروي للفاصلة والله تعالى أعلم (بالصواب).

الباب الأول [هذا] "باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلق به"

الباب الأول [هذا] "باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلق به" أي: شيء يتعلق به، فما نكرة موصوفة وهو الظاهر، ويجوز أن تكون موصولة. فإن قلت: فما المرجح الأول؟ قلت: سلامته من دعوى المجاز، وذلك لأن (ما) الموصولة من صيغ العموم، وهو لم يذكر في هذا الباب كل شيء يتعلق بالكلمة والكلام، فهو عام أريد به بعض ما يتناوله فيكون مجازا بخلاف الأول؛ لأنه نكرة في سياق الإثبات، فلا عموم لها إلا حيث تقوم قرينته على إرادة التعميم، كما هو مقرر عند أئمتنا في أصول الفقه، والفرض ألا القرينة هنا، وضمير الخفض ليس عائدا على الكلام؛ لأن ما سيق في هذا الباب في بيان المتعلق ليس مقصورا على الكلام بل هو شامل لما يتعلق بالكلمة والكلام جميعا. فإن قلت: القياس أن يقول: بهما؟ قلت: لما تقدم ذكرهما كانا في معنى قولك المذكور، فعاد الضمير بهذا الاعتبار، فكأنه قال: وما يتعلق بالمذكور أي بالشيء الذي ذكر، وهو صادق عليهما إذ هما شيء ذكر.

فإن قلت: لم ارتكب هذا الوجه مع افتقاره إلى تأويل وإيهامه لعود الضمير إلى الكلام وهو غير مقصود؟ قلت: لإيثار الاختصار، والقرينة تدفع الإيهام. ويحتمل أن يعود على المضاف إليه الذي هو شرح، أي: وما يتعلق بشرح الكلمة والكلام، إذ ما ذكر له تعلق وارتباط ما بشرحهما. فإن قلت: إنما ذكر في هذا الباب بيان ماهية الكلمة وماهية الكلام وأمورا أخر تتعلق بالمفردات كتقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف، وتقسيم الفعل إلى ماض وأمر ومضارع، إلى غير ذلك مما ذكره، فما وجه تعلق ذلك بالكلام؟ قلت: الاسم والفعل لهما بالكلام تعلق ضرورة أنه لابد فيه من الإسناد، وهو يستدعي طرفين: مسندا إليه ولا يكون إلا اسما، ومسندا تارة يكون اسما وتارة يكون فعلا، وكون الفعل إنشائيا يستلزم أن يكون الكلام المركب منه ومن فاعله إنشائيا أيضا، ووقوع الاسم صدرا للكلام يكون [به] جملة اسمية، ووقوع الفعل صدرا للكلام يكون به جملة فعلية، فقد ثبت أن ما ذكره من الأمور المتعلقة بالكلمة/ له تعلق بالكلام أيضا. "الكلمة لفظ" وهو في الأصل مصدر ثم استعمل بمعنى الملفوظ به، وهو ما يخرج ن الفم من حرف فصاعدا. صدر المصنف –رحمه الله تعالى- به التعريف لأنه بمثابة الجنس، فيشمل المهمل كزيد، لكنه احترز به عن الخط والعقد والإشارة والنصب فإنها ربما دلت بالموضوع على معنى

وليس بالكلمات. قالوا: ويجوز الاحتراز بالجنس إذا كان أخص من الفصل من وجه، وهو هنا كذلك، لأن ما وضع لمعنى قد يكون لفظا وقد لا يكون. "مستقل" بالدلالة هو فصل منوي به التأخير عما بعده، وهو قوله: دال إذ استقلاله بالدلالة فرع عن كونه دالا، لكنه قدمه كي لا يفصل بين الفصلين بتقسيم أحدهما فيشوش على الذهن. وخرج بهذا الفصل نحو: ياء زيدي [المشددة]، وألف ضارب، فإن الأولى دالة على النسبة والثانية [دالة] على المفاعلة، ولكن لا شيء منهما بمستقل ضرورة افتقارهما إلى بقية أجزاء الكلمة. فإن قلت: قد تقرر أن الحرف لا يستقل بالمفهومية فيلزم عدم الانعكاس لخروج الحروف كلها. قلت: المصنف قد صرح في شرحه بأنه أراد بالمستقل ما هو دال بالوضع وليس بعض اسم كياء زيدي، ولا بعض فعل كألف ضارب، ومع هذه الإرادة لا يرد النقض، نعم يتجه بعد ذلك الاعتراض من وجوه: أما أولا: فلأن المشهور عند أهل الفن تفسير المستقل بما ليس مفتقرا إلى غيره مطلقا، فتقييده بألا يكون بعض اسم ولا بعض فعل اختراع لأمر غير

متعارف لم ينصب عليه في التعريف قرينة، ولا ينبغي ارتكاب مثل ذلك في حد لأنه للتبيين. وأما ثانيا: فلأننا لا نسلم بأن شيئا مما ذكره من الأبعاض لفظ دال بالوضع، وإنما الدال مدخول ذلك البعض بواسطته، فزيدي بواسطة ياء النسبة يدل عليها، وضارب بواسطة الألف يدل على المضاربة. وأما ثالثا: فلأن تفسيره للمستقبل لما ليس بعض اسم ولا [بعض] فعل يقتضي أن معرفة الكلمة متوقفة على معرفة الاسم والفعل، ولا شك أن معرفة الاسم والفعل متوقفة على معرفة الكلمة؛ لأن الكلمة مأخوذة في حد كل منهما جنسا فيؤدي إلى الدور. "دال" أي: ذو دلالة، وهو كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والأول الدال والثاني المدلول، ثم الدال إن كان لفظا فالدلالة لفظية كدلالة الخطوط والعقود والنصب والإشارات "بالوضع" وهو: تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه، فسره بعضهم في هذا المقام. قلت: وفيه نظر لأن هذا تفسير للوضع المذكور في تعريف الحقيقة، وهو حسن ليخرج المجاز من حيث إن تعيين اللفظ فيه للدلالة على المعنى المجازي ليس حاصلا بنفس اللفظ، وإنما حصل بما احتفى به من القرينة وأما هنا فاعتبار هذا القيد يخرج المجازات كلها من حيث هي مجازات، فلا يكون تعريف الكلمة منعكسا، وكثير من الناس يقول في المجاز: هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له أولا. وعلى هذا ففي المجاز وضع ولكنه وضع ثان، وإنما يكون الحد منعكسا على هذا القول، فينبغي في هذا المقام أن يحذف قيد (نفسه) من

تفسير الوضع ليدخل كل من الحقيقة والمجاز فينعكس حد الكلمة، وأما إذا أريد تعريف الحقيقة فيفسر الوضع الواقع في تعريفها بما تقدم ليخرج المجاز، فتأمله. وخرج بهذا القيد مالا يدل به، وإنما يدل بالطبع كأح الدال على السعال، أو بالعقل كدلالة المسموع من وراء الجدار مهملا كان أو مستعملا على وجود اللافظ، وإنما قلنا: من وراء جدار لأن وجود اللافظ المشاهد [معلوم] بحس البصر لا بدلالة /اللفظ، ومن هذا القسم دلالة المركبات فإنها غير موضوعة على الرأي المختار عند المصنف؛ ولذلك حذف ما أثبته غيره من قوله: على معنى مفرد. والصحيح أنها موضوعة بقانون كلي تعرف به المركبات القياسية وذلك كما تبين مثلا أن المضاف مقدم على المضاف إليه والفعل مقدم على الفاعل وغير ذلك من كيفية تركيب أجزاء الكلام. "تحقيقا وتقديرا" مصدران بمعنى المفعول، أي: دال بالوضع دلالة محققة أو مقدرة، ويحتمل ألا يجعل بمعنى المفعول فيكون التقدير: دلالة ذات تحقيق أو تقدير أو دلالة تحقق تحقيقا أو [تقدير] تقديرا. وقد على بذلك وجوه نصبهما.

قال المصنف في شرح هذا الكتاب ما معناه: إن إطلاق الكلمة على ثلاثة أقسام: حقيقي وهو الذي لابد من قصده، ومجازي: مستعمل في عرف النحاة، والتعرض له أجود، وكلاهما تعرض له في هذا الحد: فالأول: كرجل، فإنه دال على معناه تحقيقا. والثاني: كأحد جزئي العلم المضاف من نحو امرئ القيس، فمن حيث المدلول هو كلمة واحدة تحقيقا ومن حيث التركيب هو كلمتان تقديرا. وأما القسم الثالث: فمجازي مهمل في عرفهم، وهو: إطلاقها على الكلام كقولهم: كلمة الشهادة وكلمة الشاعر. [قلت] وفيه نظر. أما أولا: فلأنه استعمل قوله: (دال) في حقيقته ومجازه دفعة واحدة، ولهذا صح له أن يقول: تحقيقا لا تقديرا، وفي ذلك ما علم في محله من أصول الفقه. وأما ثانيا: فلأنه إما أن يكون قد قصد إيراد [تعريف واحد للكلمة و] [للكلمة] [المجازية جميعا ففيه جمع ماهيتين مختلفتين في حد واحد، وإما أن يكون قصد إيراد] تعريفين، أحدهما للكلمة الحقيقية والآخر للكلمة المجازية عاطفا أحدهما على الآخر بـ (أو) ففيه جمع بين ماهيتين مختلفتين في حدين بكلمة (أو) المقتضية للإبهام، وفساده واضح. وقد يجاب عن الأول بأنه أريد مطلق الدال مجازا لوجود القرينة الصارفة عن إرادة المعنى الحقيقي وحده، وهي تقسيمه إلى الحقيقي والتقديري فيكون شمول (الدال) لهما بطرق عموم المجاز.

فإن قلت: إعراب نحو امرئ القيس في حال علميته إعراب كلمتين يدفع كونه كلمة واحدة، فما وجه التفصي منه؟ قلت: وقع للاسفراييني في شرح اللباب في إعراب آخره محكي كما في "تأبط شرا" ثم الجزء الآخر لما كان مشغولا والأول فارغا ظهر إعرابه فيه كما ظهر إعراب ما بعد (غير) الاستثنائية فيها. قال: والمسألة من مداحض العربية ومزالقها، وأقرب ما يقال فيها فيما أظن هذا، وما قلته إلا بعد تردد كثير. هذا كلامه. وأما القول بأنه عومل في حالة العلمية بما كان [له] قبلها من إعراب المتضايقين فلا طائل تحته. "أو" هو شيء غير ملفوظ به "منوري" فدخل تحته المستتر كالمقدر في أقوم أي: أنا والمحذوف نحو {سلام قوم منكرون}،

أي: عليك أنتم، ونحو: {أهذا الذي بعث الله رسولا}، - {ويشرب مما تشربون} -. "معه" أي: مع اللفظ وهو حال من ضمير (منوي) متعلق بكون محذوف، والمعنى: أو غير لفظ منوي في حال كونه ثابتا مع اللفظ كما مثلناه. وخرج بذلك منوي لا مع اللفظ، كأن تضمر في نفسك زيدا وقام أو نحوه فإنه لا يسمى كلمة في الاصطلاح. "كذلك" حال ثانية من ضمير (منوي) أو حال متداخلة من ضمير الحال الأولى، أعني ضمير فاعلها. والإشارة راجعة إلى ما تقدم من الدلالة التي تضمنها قوله: (دال) والاستقلال الذي تضمنه قوله: (مستقل). والمراد بالدلالة الدلالة الوضعية التي تقدم ذكرها ليخرج المقدر بعد قولك: نعم/في جواب من قال: هل قام زيد؟ ، فإن ذلك المقدر يدل عنده دلالة عقلية لا وضعية، نعم كل من جزئيه دال بالوضع وهو داخل لا مجموع الجزئين، وليخرج أيضا الإعراب المنوي نحو: فتى فإنه يصدق عليه أنه منوي مع اللفظ ولكنه غير مستقل، فإن الإعراب بعض الكلمة المعربة ومع التلفظ به لا يستقل [فأن لا يستقل] مع عدم التلفظ به أولى كذا قال المصنف [رحمه الله تعالى] وقد تمنع دلالة الإعراب المنوي لأن النحاة إنما قدره لطرد قواعد الصناعة، وإلا فلا شعور للناطق ولا للسامع بشيء من ذلك

-ولو كانا من النحاة- وإنما يذهبان إلى ذلك إذا أراد التقريب وتمرين الطالب. "وهي"، أي: الكلمة من حيث هي "اسم وفعل وحرف". وقد عرفت أن الكلمة تارة تكون لفظا وتارة تكون شيئا منويا مع اللفظ كما تقدم على رأي المصنف. والأنواع الثلاثة متحققة في القسمين جميعا: أما تحققها في الأول فظاهر، وأما في الثاني فكما في المبتدأ المحذوف في قوله تعالى: [{متاع قليل} أي متاعهم والفعل المحذوف في قوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} أي: خلقهن، والحرف المحذوف في قوله تعالى]: {تالله تفتؤا}، أي: (لا). قال المصنف: "ودليل حصر الكلمة في الثلاثة: أن الكلمة إن لم تكن ركنا للإسناد فهي الحرف، وإن كانت فإن قبلته بطرفية فهي اسم وإلا فهي فعل". قلت: وهذا التقسيم بحسب العوارض بخلاف قول ابن الحاجب وغيره، إما أن تدل على معنى في نفسه إلى آخره. وأيضا فملازم الظرفية أو المصدرية أو النداء أو الحالية لا يكون ركنا للإسناد فيلزم كونه حرفا، وأيضا لنا من الأسماء ما لا يقبل الإسناد بطرفيه كألف قام، إذ هو مسند إليه دائما فيرد على كل من شقي التردد، أما على قوله: "فإن قبلته بطرفيه فهي اسم" فظاهر، لأن هذا الألف [اسم] لا يقبله بطرفيه، وأما على قوله: "وإلا فهي

فعل " فلأن الألف المذكورة تقبله بطرف واحد فقط، فيلزم أن تكون فعلا وهو باطل. " والكلام ما تضمن من الكلم" قال المصنف ما معناه: إنه اختار الكلم على اللفظ والقول في الإعلام بجنس الكلام لوقوع اللفظ على المهمل؛ [ولأن القول] يطلق على الرأي والإعتقاد مجازا إطلاقا شائعا حتى صار كأنه حقيقة، والكلم سالم من ذلك كله. وصدر الحد بـ (ما) لصلاحيتها للواحد فما فوقه، ثم أخرج الواحد بذكر الإسناد، فبقي الاثنان فصاعدا. فإن قلت: صدقة على الاثنين متعذر، وذلك لأن (من) في قوله: "ومن الكلم" لبيان الجنس، فيلزم أن يكون مدخولها –وهو الكلم- مفسرا لما، والكلم إنما يطلق على ثلاث كلمات فصاعدا فإذن لا يتحقق الكلام إلا عند تحقيق الكلم، وهو باطل. قلت: لا نسلم [أن] (من) تبيينية وإنما هي تبعيضية، وهي ومجرورها في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في (تضمن)، أي: والكلام شيء تضمن، كائنا من الكلم، أي: في حال كونه بعضا للكلم، فيصدق على الاثنين قطعا. وقوله: "إسنادا" مفعول تضمن وحده المصنف بقوله: [هو] تعليق خبر بمخبر عنه أو طلب بمطلوب [منه]. وأورد (بعث) ونحوه.

وأجيب بأنه خبر بحسب الوضع، وإنشائيته بحسب العروض. قيل: هو نسبة أحد الجزئين إلى ألآخر "مفيدا" مخرج لما لا يجهل [معناه] نحو: النار حارة، كذا قال المصنف، ونوزع فيه بأن مثل هذا كلام لأنه خبر وكل خبر كلاف فمثل هذا كلام، والجزم بصدقة بحسب خصوصية المادة لا يدفع احتمال الصدق والكذب بحسب الخبر من حيث هو، وكونه معلوما لكل أحد لا ينافي كونه مفيدا لأن/ الأمور الضرورية لا يلزم انتقاش الذهن بها دائما فيجوز أن يكون في ظن المخبر أن هذا الأمر الضروري غير حاصل حين التكلم عند المخاطب، وأيضا في مثل هذه الضروريات عائد إلى المحسوس بإحدى الحواس الخمس فيفيد الإخبار بشيء منها بالنسبة إلى فاقد ذلك الحس الذي يدرك به هذا النوع من المحسوسات فيكون كلاما، وليس من شرط الكلام أن يكون مفيدا عند كل أحد، فغن ما يكون مفيدا لبعض دون بعض يكون كلاما قطعا. "مقصودا" احترز به من كلام النائم [و] الساهي ونحوهما، وكثير من النحويين لا يعتبر قيد القصد في الكلام. "لذاته" لا لغيره، فخرج الإسناد الواقع في جملة الصلة مثلا؛ إذ لم يقصد لذاته وإنما قصد لغيره. قال المصنف: وزاد بعض العلماء في حد الكلام من ناطق واحد احترازا

من أن يصطلح رجلان على أن يذكر أحدهما فعلا أو مبتدأ ويذكر الآخر فاعل الفعل أو خبر المبتدأ. وأجاب بأن هذه الزيادة غير محتاج إليها لوجهين: أحدهما- أن اتحاد الناطق لا يعتبر في كون اللفظ كلاما، كما لا يعتبر اتحاد الكاتب في كون الخط خطا. والثاني- أن كل واحد من المصطلحين متكلم بكلام، وإنما اقتصر على كلمة واحدة اتكالا على نطق الآخر بالأخرى. قلت: في الوجه الأول تسليم أن الكلام الواحد قد يصدر من اثنين، وهو لا يتصور ألبتة ضرورة أن كل كلام مشتمل على نسبة احد الطرفين إلى الآخر، والنسبة أمر نفساني لا يقبل التجرؤ ولا يقوم إلا بمحل واحد. وأظن أن ابن قاسم ذكر هذا الاعتراض في شرح الألفية، ولا أكاد أقضي العجب من الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الأسوي الشافعي –رحمه الله- حيث ذكر هذه المسألة في كتابه المسمى بـ: بالكوكب الدري" الموضوع لتنزيل الفروع الفقهية على الأحكام النحوية، فرتب على الخلاف في هذه القاعدة فروعا

فقهية، منها لو وكل وكيلين بطلاق زوجته فقال أحدهما: فلانة يعني الزوجة، المذكورة وقال الآخر: طالق، فقال: إن بنينا على اشتراط اتحاد الناطق بالكلام لم يقع الطلاق وإلا وقع. وقد علمت استحالة الوجه الأول، فكيف ينبني عليه حكم شرعي؟ فتأمله. "فالاسم كلمة يسند ما لمعناها إلى نفسها" اعلم أولا: أن الإسناد عند المصنف قسمان: معنوي ولفظي: فالمعنوي هو إسناد ما هو ثابت لمعنى الكلمة إلى لفظها نحو: زيد قائم، ويسمى وضعيا، وهذا هو الخاص بالاسم، واللفظي: إسناد ما هو ثابت للفظ الكلمة إليه، نحو: زيد ثلاثي، وضرب فعل ماض، ومن حرف جر، وهذا صالح للاسم والفعل والحرف كما رأيت، بل يكون للجملة أيضا نحو: لا إله إلا الله كلمة توحيد. والمحققون على خلاف ما ذهب إليه المصنف، ويقولون: إن (صرب) في قولك: ضرب فعل ماض اسم، ولذا أخبر عنها، وإنما فتحت على الحكاية، والإخبار عنها بأنها فعل مع كونها اسما إنما هو باعتبار مسماه، وهو ضرب الذي يدل على الحدث والزمان، فهو نظير الإخبار في قولك: زيد قائم، ألا ترى أنك أخبرت عن زيد باعتبار مسماه لا باعتبار لفظه؟ وكذا الكلام في: (من حرف جر) ونحوه: قال ابن هشام في المغني: وقال لي بعضهم كيف يتوهم على

ابن مالك انه اشتبه عليه الأمر في الاسم والفعل والحرف؟ فقلت له: كيف توهم ابن مالك أن النحويين كافة غلطوا في قولهم: إن الفعل يخبر به ولا يخبر عنه؟ وإذا تقرر هذا فقوله: "كلمة" جنس يشمل الثلاث، وقوله: "يسند ما لمعناها إلى نفسها" فصل يخرج الفعل والحرف ضرورة أن كل منهما لا يسند إليه/ ما هو لمعناه. وإنما قيد بالمعنى لأن اللفظي عنده صالح للكم الثلاث كما مر، وذلك مثل: زيد قائم [فقائم] [ثابت] لمعنى زيد وهو مسماه وقد أسند إلى لفظ زيد. فإن قلت: الثابت لمسمى زيد هو القيام لا قائم. قلت: لا نسلم، إذ معنى قائم شيء متصف بالقيام، ولاشك أن هذا أمر ثابت لمسمى زيد، إذ هو [شيء] متصف بالقيام، "أو نظيرها" قيد أدخل نحو (صه) من أسماء الأفعال و (فل) من المختصة بالنداء، و (سبحان) من اللازم للنصب على المصدرية، فإن هذه أسماء ولا يسند ما لمعناها إلى نفسها ولكنه يسند إلى نظيرها. ويعني بالنظير ما وافق معنى ونوعا كالسكون في (صه) وفلان في (فل) وبراءة في (سبحان)، فيصح أن يسند ما لمعنى (صه) إلى نظيرها وهو

السكوت فتقول: السكون حسن فثبت اسميتها وكذلك البواقي، كذا قال المصنف وتبعه الشارحون. قلت: لا نسلم أن السكوت نظير لصه بحسب المعنى، وتحقيق ذلك يظهر من كلام ذكره بعض حذاق المتأخرين، وذلك أنه قال: كل لفظ وضع بإزاء معنى اسما كان أو فعلا أو حرفا فله اسم علم هو نفس ذلك اللفظ من حيث دلالته على ذلك الاسم أو الفعل أو الحرف، كما نقول: -في قولنا خرج زيد من البصرة- خرج فعل وزيد اسم ومن حرف جر، فتجعل كلا الثلاثة محكوم عليه، لكن هذا وضع غير قصدي، لا يصير به اللفظ مشتركا ولا يفهم منه معنى مسماه. وقد اتفق لبعض الأفعال أن وضع لها أسماء أخر غير ألفاظها تطلق ويراد بها الأفعال من حيث دلالتها على معانيها، وسموها اسماء الأفعال، فصه مثلا: اسم موضوع بإزاء لفظ اسكت لكن لا يطلق ويقصد به نفس اللفظ كما في بعض الأعلام المذكورة، بل ليقصد بها اسكت الدال على طلب السكوت حى تكون صه –مع أنه اسم لاسكت- كلاما تاما بخلاف اسكت الذي هو اسم لا سكت

الذي هو فعل أمر من قولك: اسكت فعل أمر. فمن اين يثبت أن السكوت نظير لصه بحسب المعنى على ما قرع سمعك من التحقيق؟ فتفهم، على انه لو سلم كونه نظير معنى ونوعا –كما ادعاه المصنف- لزم الدور في التعريف المذكور وليس بخاف. "والفعل كلمة" جنس "تسند" فصل أخرج به الحرف وبعض الأسماء كياء غلامي وما لازم النداء أو الظرفية مثلا. "أبدا" فصل أخرج به ما يسند من الأسماء وقتا دون وقت، كالقائم: في زيد القائم، فإنه في هذا التركيب مسند، ثم يسند إليه في تركيب آخر نحو: القائم زيد، كذا قيل، وفيه نظر: أما أولا- فلأن الصفات مسندة أبدا، لأنها إما أن ترفع ظاهرا أو مضمرا، فحيث تقع في التركيب لا يزايلها كونها مسندة إلى مرفوعها، وليس الوصف في قولك: القائم زيد مسندا ليه، وإنما هو مسند إلى ضمير يعول إلى (أل) إن جعلت اسما موصولا أو ضمير موصوف محذوف إن جعلت حرف تعريف كما يقوله المازني. وأما ثانيا –فلأن هذا القيد- وإن نفع في إخراج ما يسند من الأسماء تارة

دون أخرى –فقد ضر في خروج بعض الأفعال كالفعل المؤكد والمزيد والمكفوف، فإنهن قد زايلهن الإسناد. وقد نص المصنف في قوله: ........................... ... أتاك أتاك اللاحقون ............

أن الفعل الثاني لا يقتضي إلا التأكيد "قابلة لعلامة فرعية المسند إليه" فصل أخرج به أسماء الأفعال، فإنها تسند أبدا، وليست أفعالا خلافا لبعض الكوفيين، لأنها لا تقبل علامة فرعية المسند غلأيه، والمراد بها تاء التأنيث الساكنة وياء المخاطبة وألف الاثنين وواو الجمع ونون الإناث. فإن قلت: وهذا القيد أيضا يخرج الصفات على تقدير/ كونها مسندة أبدا فإنها لا تقبل علامة فرعية المسند إليه بهذا التفسير. قلت: ليس المراد بالعلامة مجموع ما ذكر من تاء التأنيث الساكنة وما ذكر معها من حيث هو مجموع، وإنما المراد كل واحدة من تلك الأشياء حتى لو قبلت الكلمة شيء من تلك الأمور كألف الاثنين وواو الجمع. فإن قلت: كل من ألف الاثنين وواو الجمع اللاحقين للفعل اسم، وأما ما يلحق الصفة فحرف، فلا تكون الصفات على هذا التقدير قابلة لشيء من تلك الأمور. قلت: لا وجه لتخصيص الألف والواو اللاحقين [للفعل] بالاسمية، وإنما المراد ما يدخل على كون المسند إليه فرعا عن الواحد سواء كان ذلك [الدال] اسما نحو: الزيدان والزيدون يقومون، أو حرفا نحو: يقومان الزيدان و"يتعاقبون فيكم ملائكة" فدخلت الصفات.

على أني أقول بعد هذا كله: يلزم المصنف ألا يكون تعريفه هذا صادقا على شيء من الأفعال أصلا، وذلك لأنه لا شيء منها يسند دائما ضرورة أن المصنف قائل: بأن الإسناد اللفظي صالح للكلم الثلاث كما مر، فقام في قولنا: قام زيد هو مسند، وفي قولنا: قام فعل ماض هو مسند إليه، فقد رأيت كون الفعل قد انفك عن كونه مسندا في بعض الصور، وهذا جار في كل فعل، فتأمله. "والحرف كلمة" جنس يشمل الثلاث "لا تقبل إسنادا" أي: لا تسند ولا يسند إليها، فخرج الاسم لأنه يسند ويسند إليه والفعل لأنه يسند وإن لم يسند إليه. وقيد الإسناد بقوله: "وضعيا" احترازا من اللفظي فإنه مشترك كما سبق. قال المصنف: وقلت "بنفسها ولا بنظيرها" احترازا من الأسماء الملازمة النداء ونحوها فإنها لا تقبله بنفسها ولكن نظيرها يقبله، فهي قابلة له لأجل ذلك. كذا قال، وفيه نظر. "ويعتبر"، أي: يختبر "الاسم بندائه"، وهو طلب الإقبال بحرف نائب مناب (أدعو) لفظا أو تقديرا. قال المصنف واعتبار الاسم بذلك أولى من اعتباره بحرف النداء؛ لأن

(يا) قد كثرت مباشرتها بالفعل والحرف بنحو: {ألا ياسجدوا} و {ياليتني كنت معهم} وفي كونها حينئذ حرف نداء والمنادى محذوف أو حرف تنبيه خلاف سيأتي. واعتبار صحة النداء بغير يا أولى لما ذكر. "وتنويه في غير روي". قالوا" [و] الروي الحرف الذي تنسب إليه القصيدة، كقولك: قصيدة لامية إذا كان رويها لاما. قلت: تعريفه بذلك مفض إلى الدور، ضرورة أن معرفة الروي متوقفة على نسبة القصيدة إليه، لأنه مأخوذ في تعريفه، ونسبة القصيدة إليه متوقفة على معرفة كونه راويا. واحترز المصنف بذلك من التنوين اللاحق للروي المطلق [أي]: المتحرك، ويسمى تنوين الترنم، ومن التنوين اللاحق للروي المقيد أي:

الساكن، ويسمى التنوين الغالي، وكلاهما لا يختص بالأسماء، فلذلك أخرجهما، وما عداهما فمختص بها، وسيأتي البحث في ذلك في محله. "وبتعريفه" سواء كان بـ (أل) أو بـ (أم) أو غير ذلك، وتكرير حرف الجر مع هذه العلامة دون ما تقدمها لا يظهر لي وجهه "وصلاحيته بلا تأويل لإخبار عنه" نحو: زيد في قولك: زيد قائم، بخلاف {أن تصوموا} في قوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم}، فإن صلاحيته للإخبار عنه إنما هي بتأويل، لكون {أن تصوموا} بمعنى: صومكم وفي هذه العلامة خلاف: فهشام وثعلب ومن وافقهما من الكوفيين على جواز الإسناد إلى الجملة مطلقا، مذهب كثير من البصريين منع ذلك مطلقا، وقال الفراء

وجماعة: جوازه مشروط بكون المسند إليها قلبيا، وباقترانها بمعلق نحو: {وتبين/ لكم كيف فعلنا بهم} {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه}. قلت: وكلام المصنف هنا فيه تكرير وقصور وإهمال قيد وحشو: أما التكرير: فإنه سبق في تعريف الإسم ما يستفاد منه هذه الخاصة وهو إسناد ما لمعنى الكلمة إليها أو إلى نظيرها. وأما القصور: فلأن الإسناد إلى الكلمة أعم من الإخبار عنها؛ لصدق الأول على النسب الواقعة في الجمل الإنشائية دون الثاني، فالتعبير بما يخص بعض الأسماء دون التعبير بما يعم جميعها مع القدرة عليه قصور. وأما إهمال قيد: فلأن الإخبار عن الكلمة إنما يكون من خواصها إذا كان بحسب المعنى لا بحسب اللفظ، وقد ترك القيد الدال على ذلك، لا يقال: اغتنى عنه بما سبق له من تعريف الاسم حيث قيد الإسناد بما يقتضي كونه معنويا؛ لأنا نقول: فإذن لا حاجة إلى هذه الخاصة ورأسا لما تقدم، ثم إحالة من يقصد تعريف الاسم بمجرد هذه الخاصة على أمر خارج عنها مما ينافي هذا القصد. وأما الحشو فلأنه ادعى أنه احترز بقوله (بلا تأويل) عن مثل: {وأن تصوموا خير لكم} كما تقدم، وهذا ساقط؛ لأن الخاصة هي كون الكلمة

صالحة لما ذكر، وضمير صلاحيته عائد على الاسم باعتباره كونه لفظا هو كلمة، فالمعنى حينئذ: ويعتبر كون اللفظ الذي هو كلمة اسما بصلاحية ذلك اللفظ لإخبار عنه، وإلا فلو كان المراد: ويعتبر الاسم بصلاحية الاسم لإخبار عنه، أي: إذا صلح الاسم لأن يخبر عنه فهو اسم حينئذ فلا يدخل {أن تصوموا} في ذلك. فإن قلت: تلوح فائدة هذا القول في قولك: تسمع بالمعيدي خير [من أن تراه]، برفع الفعل إن لم تعتبر ثم شيئا محذوفا. قلت: وقد يقال على الثاني: إنما يتم القصور أن لو جعل المصنف العلامة كون اللفظ مخبرا عنه، لكنه إنما جعله صلاحيته للإخبار عنه، وهي مساوية للإسناد إليه، إذ كلما تحقق أحد هذين الأمرين تحقق الآخر، فلا قصور. وجوابه: أنا لا نسلم المساواة، وذلك لأن الإخبار عن الكلمة هو تعلق شيء بها على وجه يحتمل معه الكلام الصدق والكذب، والإسناد إليها هو تعليق شيء بها على وجه يحتمل الكلام معه ذلك أو لا يحتمله، ولاشك أن لنا ألفاظا تصلح للإسناد إليها ولا تصلح للإخبار عنها نحو: غدر وخبث مثلا، فإنهما اسما ملازمان للنداء، ولا يجوز استعمال شيء منهما على غير هذا الوجه

أصلا: تقول: ياغدر وياخبث، فكل منهما مسند إليه في المعنى لأنه قد علق به طلب الإقبال، وأوقع على وجه لا يحتمل معه صدقا ولا كذبا ضرورة أنه بصيغة النداء الإنشائية، وعلى [هذا] فصلاحيته للإسناد إليه أعم لشمولها ما ذكرناه دون صلاحيته للإخبار عنه، لكن هذا يقتضي أن قول المصنف في تعريف الاسم: (أو نظيرها) مستدرك بالنسبة إلى مثل هذه الأسماء، ولا يضر ذلك فيما نحن بصدده، فتأمله. "أو إضافة إليه" نحو زيد في قولك: غلام زيد "أو عود ضمير عليه"، إذ الضمير عين ما يعود عليه، والضمير اسم، ولا يكون [الاسم] عين الفعل ولا عين الحرف، ومن ثم قال الزمخشري في سورة آل عمران في قوله: {أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه}: إن الضمير راجع للكاف وأنها اسم (أو إبدال صريح منه) نحو: كيف أنت أصحيح أم سقيم؟ ، فكيف اسم لإبدال الاسم الصريح/ منها، وهذا داخل تحت قوله: "بلا تأويل"، كما أن جميع ما تقدم كذلك، فيخرج عنه نحو: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} من حيث أن المضاف إليه بتأويل مفرد، وكذا نحو: {وأن تصوموا خير لكم}، من حيث إن الضمير المستكن في (خير) عائد على (أن تصوموا) لكونه مؤولا بالصوم، وكذا نحو: يعجبني أن تفعل الخير

قراءتك القرآن من حيث إن قراءتك بدل من: (أن تفعل)؛ لكونه بتأويل فعلك، ويدل على ذلك أنه قال بعد: "وبالإخبار به" فاستأنف ذكر العامل على أن البحث المتقدم يأتي هنا أيضا، فافهم. "وبالإخبار به مع مباشرة الفعل" نحو: كيف كنت؟ فكيف اسم لأن الإخبار بها يدفع الحرفية، ومباشرتها للفعل تنفي الفعلية إذ الفعل لا يبشر الفعل إلا عند التأكيد نحو: قام قام زيد، والفرض انتفاؤه في المثال المذكور. "وبموافقة ثابت الاسمية في لفظ"، أي وزن يخص الاسم نحو: وشكان، فإنه موافق لسكران في لفظه، وهو من الأوزان المختصة بالأسماء، ولو كان المراد لما هو اعلم لورد ما لا يكاد يحصر من الأفعال الموافقة لما هـ ثابت الاسمية نحو: (ضرب) ماضيا و (اضرب) أمرا و (أذهب) مضارعا؛ لموافقة الأول لنحو: حجز والثاني لنحو: إثمد والثالث لنحو: أفكل إلى غير ذلك. ثم اعلم أن هذه العلامة لا تعرف إلا بعد معرفة الاسم والفعل الإحاطة بأوزان كل منهما، فإذن لا حاجة إليها. "أو معنى": نحو: (قد) في: قدك درهم، فإنها موافقة لحسب في المعنى، وحسب ثابتة الاسمية، فقد المذكورة اسم "دون معارض" احترز به من نحو واو (مع) نحو: سرت والنيل إذ هي بمعناها، لكن المعارض قائم وهي كونها على حرف واحد صدرا، وما كان كذلك فإنه يكون حرفا لا اسما. قلت: قد ينتقض بالكاف في نحو: زيد كالأسد، فقد قال كثيرون

باسميتها مع وجود هذا المعارض. واحترز به أيضا من كلمة (من) التبعيضية، فإنها بمعنى بعض، وبعض ثابتة الاسمية لكن عارض ذلك انعكاس الإسناد في نحو: إن من إخوتك زيد او إن بعض إخوتك زيد فلا تكون (من) المذكورة اسما، والذي يظهر من كلام المصنف شارحيه أن هذا القيد وهو قوله: (دون معارض) - راجع إلى قوله: (معنى)، ولو جعل راجعا إلى كل واحد من لفظ ومعنى لكان حسنا واندفع حينئذ الاعتراض بنحو: ضرب، لأنه- وإن وافق ثابت الاسمية كحجر- فإنه عارض ذلك قبوله لعلامات الفعل، بخلاف نحو: وشكان. "هو" أي الاسم "لعين"، أي: يدل على ذات بلا قيد نحو: زيد ورجل "أو معنى". وهو ما دل على غير ذات بلا قيد نحو: قراءة وفهم "اسما" كما سبق تمثيله في العين والمعنى. "ووصفا" للعين وهو ما دل على قيد في الذات كجلي وخفي وبقي على المصنف: او لهما. وذلك في الاسم نحو: شيء وفي الوصف نحو: حسن، فيقع صفة للعين نحو: رجل حسن، وللمعنى نحو: فهم حسن وبليغ وفصيح، فإنهما يقعان [صفة] للمتكلم والكلام، والاسم هنا قسيم الوصف لا قسيم الفعل والحرف ولا قسيم الكنية واللقب، والمعنى هنا قسيم الذات ولا يراد به المعنى المذكور في حد الاسم. وهذا التقسيم الذي ذكره المصنف في "الإيضاح" واعترضه ابن ملكون بأن العين

تطلق على المعنى نحو: {عين اليقين} و"عين الربا"، فكيف يجعل قسيما للمعنى؟ ، وليس بشيء، لأن العين مشترك بين الشخص والحقيقة. "ويعتنبر الفعل بتاء التأنيث الساكنة" الدالة على تأنيث ما بعدها، ليخرج نحو: ربت وثمت ولعلت، وقيد الساكنة يخرج المتحرك بحركة إعراب، وهي المختصة/ بالأسماء، وبركة بناء فإنها تلحق الحرف كلات وثمت "ونون التوكيد"، بالعطف على المجرور بالباء "الشائع" بالجر، لكن لا على أنه وصف لنون ولا للتوكيد؛ وذلك لأن نون التوكيد علم فلا يصح وصف جزئه الأول ولا الثاني وحده، وإن كان معنى كل من المتضايفين صحيحا مقصودا، كذا قاله ابن هشام، وفيه نظر: وأراد بالشائع المشهور نحو: {ليسجنن وليكونا من الصاغرين} احترزا من لحاقها اسم الفاعل شذوذا كقوله:

أقائلن أحضروا الشهود. كذا أنشده أبو الفتوح، ولا يتعين مثالا لما نحن فيه؛ لجواز أن يكون الأصل: أقائل أنا؟ ثم حذفت همزة أنا اعتباطا ثم أدغم التنوين في نزن (نا). فإن قلت: أو نقلت حركة الهمزة في (أنا) إلى التنوين ثم أسقطت على القياس في التخفيف بالنقل، ثم سكنت النون وأدغمت؟ قلت: بعضهم يرد هذا بأن المحذوف لعلة بمنزلة الثابت، فحينئذ يمتنع الإدغام [و] لأن الهمزة فاصلة في التقدير، ومثل هذا البحث في قوله تعالى: {لكنا هو الله ربي}.

ثم اعلم أن هذه العلامة غير محتاج إليها؛ لأنها لا تعرف إلا بعد معرفة ما يؤكد قياسا وما يؤكد شذوذا، وذلك لا يعرف معرفة الفعل؛ لأنها تكون حاصلة، ثم لا يعرف ذلك إلا بعد معرفة الفعل، فيجيء الدور. "ولزومه"، أي: لزوم الفعل "مع ياء المتكلم نون الوقاية" نحو: أكرمني يكرمني اكرمني. ياحسنه إذ قال: ما أحسني. ورد بأن العلامة لا يجب انعكاسها وأن (أحسن) في البيت اسم تفضيل و (ما) استفهامية. وأورد على المصنف أيضا أنها لازمة في عليكني ورويدني ونحوهما من أسماء الأفعال، فأجاب بمنع اللزوم بدليل عليك بي، وفيه نظر: لأن المفهوم من كلامه أن علامة الفعل كون ياء المتكلم لا تتصل [به] إلا

محجوزة عنه بنون [الوقاية]، والياء هنا لم تتصل باسم الفعل بل اتصلت بعامل آخر، ولو اتصلت باسم الفعل لم تكن إلا محجوزة عنه بنون الوقاية، كما أنها لا تتصل بالفعل إلا كذلك، وأيضا فلأن معنى عليك زيدا ليس معنى عليك في عليك بزيد، فالأول بمعنى الزم والثاني بمعنى التصق، فالذي معه الباء الموحدة غير الذي يتعدى بنفسه، والباء معدية لا زائدة كما يوهمه كلامه. "وباتصاله"، أي اتصال الفعل "بضمير الرفع"؛ لأن المجرور لا يتصل به [البتة] والمنصوب يتصل بالكلمات الثلاث نحو: أنك أكرمك المعطيك، "البارز"؛ لأن المستتر يتصل بالاسم نحو: زيد منطلق، وبالفعل نحو: زيد قام. وإنما اختص هذا الضمير بالفعل لأن الاسم يستحق مثناه ومجموعه جمع سلامة الألف والواو، فلو لحقه ضمير الرفع البارز لاجتمع في المثنى ألفان وفي الجمع واوان، فإن لم تحذف إحداهما استثقل، وإن حذفت التبس. قلت: لكن ادعى أبو علي الفارسي في أحد قوليه: أن (ليس) حرف محتجا بأنها لو كانت فعلا مخففا من فعل كصيد في صيد لعادت حركة الياء عند اتصال الضمير كصيدت. وأجيب بأن ذلك لمخالفته أخواته في عدم التصرف. قال الفارسي: وأما إلحاق الضمير به في لست ولستما فلشبهه بالفعل لكونه

على ثلاثة أحرف وبمعنى ما كان وكونه رافعا وناصبا، كما لحق الضمير هاء هائيا هاؤوا مع كونه اسم فعل لقوة مشابهته للأفعال لفظا كذا نقله الرضي في شرح الحاجبية. فتحصل لنا من /هذا الكلام أنا أبا علي يخالف في كون الضمير البارز من خواص الفعل، وأنه يرى صحة لحاقه لما هو مشبه بالفعل من اسم أو حرف، فلا تظن أن هذه العلامة متفق عليها. "وأقسامه"، أي: أقسام الفعل "ماض وأمر ومضارع" على هذا النمط رتبها سيبويه. وتسمية الأولين واضحة، وأما الثالث: فمن معنى

المشابهة. وقول ابن عصفور من المراضعة فقلب مردود. وقال الكوفيون: القسمة ثنائية، فجعلوا الأمر مقتطعا من المضارع ولم يجعلوه أصلا برأسه. "فيميز الماضي" بالنصب مفعول مقدم على الفاعل للاهتمام "التاء" بالرفع فاعل يميز فـ "المذكورة" صفة، والمراد بالتاء المذكورة تاء التأنيث الساكنة؛ لأنها إنما أسكنت للفرق بين تاء الأفعال وتاء الأسماء. ولم يعكس لئلا ينضم ثقل الحركة إلى ثقل الفعل وقد استدل كثيرون بهذه العلامة على فعلية عسى. وفيه نظر، وذلك أن النيلي قال في شرح الفصيح قال الزمخشي قال أبو عبيدة: من العرب من يؤنث (عسى)، وهم الذي يؤنثون (رب)، وأنشد على ذلك: عست كربه أمسيت فيها مقيمة ... يكون لنا منها رجاء ومخرج

فدل على نسبة ذلك لبعض العرب. وقوله: إنهم الذين يؤنثون (رب) فيقولون: ربت. على أن إدخال التاء على عسى ليس لتأنيث ما بعدها وأن وقوع ذلك في البيت اتفاقي، وحينئذ لا يستدل بالتأنيث الذي [هذا] شأنه على الفعلية كما لا يستدل بالتأنيث في ربت على ذلك. "والأمر" بالنصب عطفا على المفعول المتقدم، أي: ويميز الأمر. "معناه"، وهو مرفوع تقديرا عطفا على الفاعل المتقدم. والضمير المضاف إليه على الأمر، أي: ويميزه عن قسيميه دلالته على معنى الأمر، وهو الطلب.

"ونود التأكيد"، معطوف على (معناه)، أي: يميزه مجموع الأمرين، فإن وجد أحدهما فقط بأن دلت الكلمة على معنى الأمر ولم تقبل نون التوكيد- فهي اسم فعل، كصه، وإن قبلت النون ولم تدل على معنى الأمر فهي فعل مضارع نحو: هل تقومن؟ "والمضارع" بالنصب أيضا عطفا على المفعول "افتتاحه" بالرفع عطفا على الفاعل "بهمزة" متعلق بافتتاحه "للمتكلم" ظرف مستقل في محل جر صفة لهمزة، أي: ثابتة للمتكلم. واحترز به عن همزة لا تكون للمتكلم نحو: أقام. فإذا قيل لك ما تقول في (أخفى) من قوله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم}؟ [فقل] من سكن الياء فهو عنده مضارع، ومن فتحها فماض "مفردا" حال من المتكلم، وذلك نحو: أقوم، ولا فرق بين أن يكون مذكرا أو مؤنثا. "أو" افتتاحه "بنون له" أي: للمتكلم، احترازا من نون لا تكون له نحو: نرجس الدواء: إذا جعل فيه نرجسا. "عظيما" إما بحسب الواقع كقوله تعالى: {ونريد أن نمن} أو بحسب الادعاء كقول المعظم نفسه مخبرا عنها فقط: نقول. وقال بعضهم: إنما يستعمله المعظم لنفسه وحدها، حيث ينزل نفسه منزلة الجماعة مجازا. "أو مشاركا" بفتح الراء على أنه اسم مفعول

من شورك، ويجوز ضبطه بكسر الراء على أنه اسم فاعل من شارك والذي يظهر [لي] أن النون في هذا المقام للمتكلم ومن يشركه في ذلك الفعل، منظورا فيه للجميع بالأصالة، مفردا كان المشارك أو غيره من المذكور، أو من الإناث أو منهما. وتقتضي عبارة المصنف وكثيرون أن النون للمتكلم حالة كونه مشاركا، فالمشاركة قيد في ثبوتها للمتكلم، ولا يلزم من ذلك أن تكون للمتكلم ومن يشاركه معا على السواء في القصد، وبين المعنيين فرق [فتأمله]. "أو" افتتاحه "بتاء" مثناة من فوق "للمخاطب" احترازا من [نحو] تكلم، فإن تاءه ليست للمخاطب "مطلقا"/أي: مفردا كان أو غيره مذكرا أو غيره نحو: أنت يا زيد تقوم، وأنت يا هند تقومين، وأنتما يا زيدان أو يا هندان تقومان، وأنتم تقومون، وأنتن تقمن. "وللغائبة" لفظا أبالتأويل: فيدخل ظاهرها نحو: تقوم هند، ومضمرها نحو: هي تقوم، والحقيقي كما مثل، والمجازي نحو تنفطر السماء، وهي تنفطر. ودخل ما هو للغائبة بالتأويل نحو: تجئ الكتاب على معنى الصحيفة، ونحو: تقوم الرجال، وتنكسر الجذاع، والرجال تقوم والأجذاع تنكسر، كل ذلك بتأويل الجماعة و"للغائبين" تثنية غائبة. فشمل الظاهر نحو تقدم الهندان ومثل [له] بعض الشارحين:

بالهندان تقومان، وهو سهو، فإن الفعل إنما أسند فيه لمضمر لا لظاهر، وشمل المضمر نحو: الهندان تقومان، والحقيقي كما تقوم، والمجازي نحو: تدمع العينان، والعينان تدمعان. لكن لو كانت الغائبتان بلفظ ضمير الغيبة، فهل تقول: هما تفعلان بتاء فوقية تعني امرأتين حملا للمضمر على المظهر؟ ورعيا للمعنى نظرا إلى أن الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها. وهو قول ابن أبي العافية تلميذ الأعلم او تقول: هما يفعلان بياء تحتية رعيا للفظ، فإن هذا اللفظ يكون للمذكرين. وهو قول ابن الباذش. والمرجح الأول، وجاء به السماع وقال عمر

ابن أبي ربيعة. أقص على أختي بدء حديثها ... ومالي من أن تعلما متأخر لعلهما أن تبغيا لي حاجة ... وأن ترحبا سربا بما كنت أحصر [أحصر] بفتح الصاد المهملة مضارع حصر بكسرها، أي: ضاق

صدره، ومنه قله تعالى: {أو جاءوكم حصرت صدوركم}. "أو" افتتاحه "بياء" مثناة من تحت. "للمذكر الغائب" احترزا من ياء ليست كذلك نحو: يرنأ بياء تحتية مفتوحة فراء ساكنة فنون مفتوحة فهمزة على زنة دحرج، أي: صبغ باليرنأ بضم الياء وفتحها وتشديد النون وهمزة تليها بلا فاصل، وهي الحناء، ويقال أيضا: اليرناء بالضم والمد "مطلقا" أي: مفردا او غيره، ظاهرا أو غيره، نحو: يقوم زيد [والزيدان والزيدون: وزيد يقوم] والزيدان يقوما والزيدون يقومون "وللغائبات"، ظاهرا كان الاسم نحو: يقوم الهندات أو مضمرا نحو: الهندات يقمن، عاقلا كان المسمى كما مر أو غير عاقل نحو: السموات ينفطرن، جمعا سالما كان الاسم كما مر او مكسرا نحو: الهنود يقمن والأعين يدمعن. ومذهب البصريين أن نحو: تقوم الهندات –بتاء الفوقية- كمفردة وسيأتي الكلام على ذلك [في باب الفاعل] إن شاء الله تعالى. "والأمر مستقبل" زمنه "أبدا"، فلا ينفك عن الاستقبال في وقت من الأوقات. هذا باعتبار الحدث المأمور بإيقاعه، وأما باعتبار كون الأمر إنشاء فظاهر قول المصنف: الإنشاء هو إيقاع معنى بلفظ يقارنه في الوجود.

أن كل إنشائي له زمن حالي من حيث كونه إنشاء، وأن من الإنشاء ما حدثه مسند إلى المتكلم باللفظ الإنشائي نحو: بعت واشتريت، وهذا حالي لا غير، وليست فعليته بهذا الاعتبار. ومنها ما حدثه مسند إلى غير المتكلم باللفظ الإنشائي، وهو الأمر، وهذا له زمان، حالي من حيث هو إنشاء، ومستقبل من حيث الحدث المطلوب به. وفعليته بهذا الاعتبار لا بالأول. فإن قلت: فهل هذا مخالف لقول ابن الحاجب إن نحو: بعت واشتريت تجرد عن الدلالة عن الزمن أصلا ورأسا، وأن ذلك لا يقدح في فعليته لعروض التجرد، وأن كونه فعلا إنما هو باعتبار دلالته في أصل وضعه على زمان معين، وهي موجودة لا ينافيها التجرد العرض؟ قلت: لا مخالفة وذلك لأن إثبات الحال للأفعال الإنشائية كما يفهمه قول ابن مالك ليس/ باعتبار دلالتها عليه في أصل الوضع، وإنما ثبوته لها من ضرورة الوقوع. ونفي ابن الحاجب لدلالتها على الزمان في حال كونها إنشاء إنما هو بالنظر إلى الزمان الذي كانت دالة عليه في أصل الوضع فلم يتوارد النفي والإثبات على محل واحد، فلا منافاة في التحقيق "و" الفعل "المضارع صالح له" أي: للاستقبال "والحال" وهو زمان المتكلك، وحقيقته أجزاء متعاقبة من اواخر الماضي وأوائل المستقبل. ولهذا تسمعهم يقولون: (يصلي) في قول القائل: زيد يصلي حال، مع أن بعض أفعال صلاته ماض وبعضها باق، فجعلوا الصلاة الواقعة في الآنات الكثيرة المتتالية واقعة في الحال. وظاهر كلام المصنف أن المضارع من قبيل المشترك، وكذا قول صاحب

المفصل: "ويشترك فيه الحاضر والمستقبل"، قيل وهو ظاهر مذهب سيبويه، وأيدوه بأن إطلاقه على كل منهما لا يحتاج إلى قرينة بخلاف إطلاقه على الماضي. وفيه بحث، والذي اختاره بعض المحققون أنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال، لأنه إذا خلا من القرائن لم يحمل إلا على الحال ولم يصرف إلى الاستقبال؛ إلا بقرينة، وهذا شأن الحقيقة والمجاز. وأيضا من المناسب أن للحال صيغة خاصة كما لأخويه، وفيه مذاهب أخر لا حاجة إلى التطويل بذكرها "ولو نفي بلا"، فلا ترتفع صلاحيته بذلك. "خلافا لمن خصها" أي: خص (لا) "بالمستقبل"، وهو منقول عن سيبويه، فإذا قلت زيد لا يقوم كان عند صاحب هذا القول نصا في الاستقبال، وانتفت صلاحيته للحال، ولم يزل الفضلاء يستشكلون قول سيبويه هذا، مع قوله: إن المضارع المنفي بـ (لا) يقع حالا وقول غيره إن الجملة الحالية لا تصدر بدليل استقبال. فإن قلت: ما توجيه النصب في قوله: (خلافا)؟ قلت: جوز فيه وفي أمثاله وجهان: أحدهما -أن يكون مصدرا لفعل محذوف، أي: خالفوا في ذلك خلافا، ولا يمنع من ذلك وجود اللام فإنها متعلقة بمحزوف مثلها في: سقيا له، والتقدير: إرادتي له. الثاني- أن يكون حالا، والتقدير، أقول ذلك خلافا لفلان، أي: مخالفا له، وحذف القول كثير، ودل عليه هنا أن كل حكم ذكره المصنفون ساكتين عن

رده والتصريح بالمخالفة له فهم قائلون به، فكأن القول مقدر قبل ذلك مسألة. "ويترجح الحال عند التجريد" من القرائن الدالة على الاستقبال. وهذا ينافي الاشتراك الذي أفهمه كلام المصنف في المتن وباح به في الشرح، فبين كلاميه تدافع، لكنه –رحمه الله تعالى- حاول في الشرح الجواب عن ذلك بأن قال: للمشترك هنا شأن ليس لبقية المشتركات، وهو أن له معنيين قريبا وبعيدا، أعني [ليس] بعيد المسافة وقريبها من زمن التكلم، بل بعيدها وحاضرها، والحمل عند التردد على القريب أولى. وفيه نظر فتأمله، : ويتعين" الحال "عند الأكثر" من النحاة "بمصاحبة الآن"، [أي]: باقيا [على] حقيقته نحو: يقوم زيد الآن، فلا يرد نحو: {فمن يستمع الآن) و [لا] نحو {قالوا الآن جئت بالحق}، لأنه هنا مستعمل للقريب مجازا فيصلح مع المستقبل والماضي،

"وما في معناه" عطف على الآن، وعليه يعود الضمير المضاف إليه. والمراد بما في معناه الحين والساعة نحوهما "و" ويتعين أيضا الحال عند الأكثر "بلام الابتداء" واعترضه المصنف بقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة} وقوله [تعالى]: {إني ليحزنني أن تذهبوا به} فإن الذهاب كان مستقبلا، فلو كان يحزن حالا لزم تقدم الفعل في الوجود على فاعله مع أنه أثره، فالجواب أن الحكم/ في ذلك محقق الوقوع، فنزل منزلة الحاضر المشاهد، وأن التقدير في الآية الثانية: قصد أن تذهبوا، والقصد الحال. وقدره أبو حيان بقوله: قصدكم أن تذهبوا. وحكاه ابن قاسم في شرحه عن بعضهم. قال ابن حشام في مغنيه: وهو مردود بأنه يقتضي حذف الفاعل، لأن (أن تذهبوا) على تقديره منصوب. "ونفيه"، أي نفي المضارع. "بليس وما وإن" وهذا أيضا عند الأكثر. وكلام المصنف يقتضيه، لأن قوله: عند (الأكثر) متعلق بقوله: (يتعين) ثم ذكر للفعل بعد تقييده

بهذا متعلقات، فيكون القيد راجعا إلى جميعها كقولك: ضربت يوم الجمعة زيدا وعمروا وبكرا. ولاشتراك هذه الكلمات الثلاث في جنس النفي ونوعه عملن عملا واحدا، لكن إعمال الأول بأصالة لكونه فعلا، وإعمال أخويه بالحمل عليه لأنهما حرفان غير مختصين. وتختص (ما) بلغة أهل الحجاز، و (إن) بلغة أهل العالية، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى. وانظر لم أعاد المصنف حرف الجر مع قوله: (وبلام الابتداء) دون ما بعده. "ويتخلص" الفعل المضارع "الاستقبال بظرف مستقبل" سواء كان ذلك الظرف معمولا للفعل أو مضافا إليه نحو: أزورك إذا تزورني. فالأول مستقبل لعمله في إذا، والثاني كذلك لإضافة (إذا) إليه. "و" يتخلص المضارع أيضا للاستقبال "بإسناده إلى أمر متوقع" غير حاصل كقوله: يهولك أن تموت أنت ملغ ... لما فيه النجاة من العذاب ف (يهولك) مستقبل لإسناده إلى الموت الذي هو متوقع، إذ لو أريد به الحال لزم المحذور السابق، وهو سبق الفعل لفاعله في الوجود. وجوابه: أن التقدير توقع أن تموت، أي: توقعك الآن الموت في الزمن المستقبل، فلا محذور كما سبق التنبيه عليه. "و" يتخلص [أيضا] المضارع للاستقبال "باقتضائه"، أي:

اقتضاء المضارع "طلبا" نحو: {والوالدات يرضعن أولادهن} ونحو: يغفر الله لك. "أو" اقتضائه "وعدا"، وهو عند الإطلاق يخص الخير كما أن فعله –وهو (وعد) - كذلك. والمصنف أراد أن يعم الخير والشر، ولذلك صح تمثيله بقوله تعالى: {يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء} "و" يتخلص المضارع [أيضا] للاستقبال. "بمصاحبة ناصب" ظاهرا كان أو مقدرا نحو: {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} "أو" مصاحبه "أداه ترج" نحو: {لعلي أبلغ الأسباب} "أو إشفاق" مثل له المصنف وشارحو كلامه بقول الشاعر: فأما كيس فنجا ولكن ... عسى يغتر بي حمق لئيم وهذا ليس بإشفاق وإنما هو ترج، لاغترار الحمق اللئيم به ليظفر به، ويقع في حبالته، ولو أشفق منه لكان ذما. ويحتمل أن يكون ذلك إشفاقا منه على الحمق اللئيم لا إشفاقا على نفسه. قلت: لا حاجة للمصنف إلى النص على أداة الترجي بخصوصها، لتقدم ما يستغني به عن ذلك، وهو قوله: (وباقتضائه طلبا)، فإن هذا يشمل

الترجي والتمني والتحضيض وكل ما يقتضي طلبا، لكن من جملة ذلك الاستفهام. وإنما يخصص المضارع باستقبال إذا كان بـ (هل) فتأمله. "أو" بمصاحبة أداة "مجازاة" نحو: {إن يشأ يذهبكم} "أو" بمصاحبة "لو المصدرية" نحو: {ودوا لو تدهن} وعلامتها أن يحسن في موضعها (أن). واحترز من الامتناعية نحو {لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم} فإنها تصرف المضارع إلى الماضي "أو" بمصاحبة "نون التوكيد" خفيفة كانت أو ثقيلة نحو: {ليسجنن وليكونا من الصاغرين} "أو" بمصاحبة "حرف تنفيس"، والمراد به تأخير الفعل إلى الزمان المستقبل وعدم التضييق في الحال، يقال: نفست الخناق، أي: وسعته "وهو السين او سوف" ولا يعرف البصريون غيرها. وسوف عندهم أكثر تنفيسا من السين. وخالف/المصنف – [رحمه الله تعالى]- في ذلك، واستند فيه إلى السماع والقياس.

أما السماع فتعاقبهما على المعنى الواحد في الوقت الواحد كقوله تعالى: {وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما} [وقوله تعالى: {أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما}] ولا حجة فيه لجواز أن يكون المقيد بسوف متراخيا كثيرا لطائفة من المؤمنين، وبالسين غير متراخ كثيرا [لطائفة] أخرى، إذ ليس في النص ما يدل على أن كليهما لطائفة واحدة بالتخصيص والتعيين. وكذا ما أورده من [مثل] السماع التي احتج بها، كل ذلك مما يتطرق إليه القدح. وأما القياس: فهو ان الماضي والمستقبل متقابلان، والماضي لا يقصد به

إلا مطلقا المضي دون تعرض لقرب الزمان ولا بعد، فينبغي ألا يقصد بالمستقبل إلا مطلق الاستقبال دون تعرض لقرب ولا بعد، ليجزي المتقابلان على [سنن واحد]. وفيه نظر، لأنه قاس المضارع المقترن بالأداة الموجبة للتخصيص على الماضي الخالي عنها، وهو غير صحيح، فإن الماضي إذا كان بدون أداة، كقد مثلا دلل على المضي المطلق، وإذا اقترن بها دل على الماضي القريب من الحال. وهو في اختلاف حالتيه كالمضارع فإنه مع خلوه من الأداة يدل على معنى ومع اقترانه بها يدل على أمر آخر. على أن قياس أحد المتقابلين على الآخر لا يجديه نفعا، لجواز اختصاص كل منهما بحكم يقابل حكم الآخر، ويجوز مع ذلك أن يكون مشاركا له في حك آخر، ألا ترى أن الأمر والنهي مشاركان في الإنشاء، وقد انفرد كل منهما بأحكام تخصه؟ ومهما لم يذكر الجامع بين المقيس والمقيس عليه الذي هو مناط الحكم لم يصح القياس "أوسف" حكاه الكوفيون، وهو في الحروف ك (منذ) إسما وحرفا إذا حذف، وسطها "أوسو" حكاه الكسائي، وهو مثل (كي) في (كيف) نحو: كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت ... قتلاكم ولظي الهيجاء تضطرم

"أوسي" بقلب الواو ياء وحذف الآخر، حكاه صاحب المحكم وظاهر كلام المصنف – [رحمه الله تعالى]- أن كلا من هذه الكلمات مستقل بنفسه، وظاهر كلام غيره: أن ما عدا (سوف) من هذه الكلمات فرع من (سوف)، بل أجراه بعضهم في السين أيضا، فزعم أنها منقوصة من سوف دلالة بتقليل الحرف على تقريب الفعل. ووجه بذلك قولهم: إن التنفيس بسوف أطول من السين. "وينصرف" المضارع باعتبار زمنه. "إلى المضى بلم" سواء جزمت كما هو المشهور فيها او لم تجزم، وهي لغة قوم، وعليها جاء قوله: فأمسوا بها ليل لو أقسموا ... على الشمس حولين لم تطلع –بضم العين- وقول الآخر.

لولا فوارس من نعم وأسرتهم ... يوم الصليفاء لم يوفون بالجار ولهذا أطلق المصنف "ولما الجازمة" قالوا قيدها بذلك احترازا عن التي بمعنى إلا نحو: {إن كل نفس لما عليها حافظ} فيمن شدد الميم، وعن التي هي حرف وجود نحو: لما جاء زيد أكرمته، وإذا تأملت لم تجد موقعا للاحتراز، فإن (لما) لا تدخل على المضارع إلا جازمة له "ولو الشرطية" لا المصدرية، فإنها تصرفه للاستقبال كما مر "غالبا" لا دائما فإنها قد ترد بمعنى (إن) كقوله: لا يلفك الراجوك إلا مظهرا ... خلق الكرام ولو تكون عديما فعلم أن قيد الغلبة راجع إلى (لو) الشرطية فقط. فإن قلت: فعلى ماذا انتصب (غالبا)؟

قلت: على أنه صفة لمصدر محذوف هو وعامله، أي ينصرف بها على المضي انصرافا غالبا لعدم الانصراف إليه [دائما]، ولا يجوز أن يكون عامله (ينصرف) المنطوق به في المتن للزوم/رجوع القيد إلى جميع ما تعلق به من لم ولما الجازمة ولو الشرطية، وهو باطل. "و" بـ "بإذ" نحو: {إذ يلقون أقلامهم} أي: : إذ ألقوا وكذا: (إذ يختصمون)، أي: اختصموا، ويجوز أن يكون ذلك على حكاية الحال. "وربما" كقوله:

ربما تكره النفوص من الأمر ... له فرجة كحل العقال

الفرجة –بضم الفاء-: الإنفراج. قال بعضهم: هذا الذي ذكره من انصراف المضارع إلى المضي بربما غالب لا دائم بدليل قوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا}، وقيل: هو مؤول بالماضي مثل: {ونفخ في الصور}، وفيه تكلف لاقتضائه أن الفعل المستقبل عبر به عن ماض متجوز به عن المستقبل. "وقد في بعض

المواضع" قال المصنف: إن قد إما للتقليل فتصرفه على المضي كقوله: قد أترك القرن مصفرا أنامله ... كأن أثوابه مجت بفرصاد

مجت: أي رميت من الفم. بفرصاد: أي توت، وهو الفاكهة المعروفة، والمراد بها هنا نوع يكون ماؤه أحمر شبه حمرة الدم الذي يصيب أثوابه بحمرة الفرصاد. وإما للتحقيق فلا تصرفه إلى المضي كقوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه}، وقد تصرفه كقوله تعالى: {قد نرى تقلب] وجهك في السماء]}. قلت: وعلى هذا فكان الأولى أن يقول: وقد التقليلية دائما والتحقيقية في بعض المواضع. وسيأتي الكلام على قد بأطرافه في باب "تتميم الكلام على كلمات مفتقرة إلى ذلك" إن شاء الله تعالى. "وينصرف الماضي إلى الحال بالإنشاء"، أي غير الطلبي نحو: بعت واشتريت، وإلا ورد نحو: غفر الله لك، و [إلا] لم يصح قوله بعد ذلك: وإلى الاستقبال بالطلب. وليست دلالته هنا على الحال من حيث الوضع، وإنما هي من ضرورة الواقع، لأن الإنشاء إيقاع معنى بلفظ يقرنه في الوجود كما مر. "وإلى الاستقبال بالطلب" فيشمل الدعاء والأمر وغيرهما: فالأول نحو: غفر الله لك، والثاني: نحو: اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه،

ويدل على ذلك جزم (يثب)، والثالث نحو: عزمت عليك إلا فعلت [كذا]، أي: إلا أن تفعل في المستقبل. وفي كلام المصنف إيهام أن الطلب ليس من أقسام الإنشاء. "والوعد"، والمراد به الإخبار بوقوع أمر لم يقع بعد [مع] ملاحظة الإرادة لتحقيق الخير، نحو: {وأشرقت الأرض بنور ربها} {وسيق الذين كفروا} وليس المراد به هنا ما هو قسيم للوعيد. "وبالعطف على ما علم استقباله" نحو: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار} {ويوم ينفخ في السور ففزع من في السموات ... } الآية، ولم أدر وجها لإعادة المصنف حرف الجر هنا دن ما تقدم وهو قوله: والوعد. "وبالنفي بلا وإن بعد القسم": فالأول كقوله:

ردوا فوالله لاذدناكم أبدا ... ما دام في مائنا ورد لنزال ونازعه أبو حيان في الاستدلال بهذا البيت، إذ الاستقبال فيه غنما استفيد من الظرف. قلت: وفيه نظر، لأن وقوع الظرف المستقبل هنا ليس هو المؤثر للاستقبال حتى إنه لو لم يكن انتفى استقبال الفعل، ألا ترى أنه إذا قيل: والله لا فعلت كذا، لا يفهم منه إلا المستقبل، ولهذا لم تتكرر (لا) كما لا يلزم تكرارها مع المستقبل. والثاني: كقوله تعالى: {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}، ونازعه أيضا أبو حيان في ذلك بأنه لا يمتنع ان يقال: والله إن قام، بمعنى ما قام فيما مضى. قلت: هذا متوجه كما قال. وقد يتوهم أن قول المصنف هنا في (لا) مناقض لقوله فيما مضى: (خلافا لمن خصها)، أي: خص (لا) بالمستقبل. وجوابه: أن مراده خلافا لمن خص [لا] داخلة على المضارع

بالمستقبل، ولم يرد خلافا لمن خص (لا) مطلقا/ [بالمستقبل]. "ويحتمل" الماضي "المضي والاستقبال بعد همزة التسوية" نحو: سواء على أقمت أم قعدت؟ ، والحق أنه محتمل لأربعة معان: الماضي والحال والإستقبال وطلق الزمان الذي هو أهم من ذلك، كما أن المصدر الذي [الفعل] في تأويله كذلك، فلا وجه للتقييد بأحد الزمانين. قال ابن أم القاسم: سواء كان الفعل معادلا بأم أو لم يكن نحو: سواء على أي حين جئتني. قلت: وهذه المسألة لا مدخل لها هنا، ولا يصح إدراجها في كلام المصنف – [رحمه الله تعالى]-، لأن الكلام في هزة التسوية ولا همزة هنا. ثم قال: فإن كان الفعل بعد أم مقرونا بلم تعين المضي نحو: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}، فالثاني ماض معنى، فوجب مضي الأول لأنه معادل له. قلت: الظاهر أن هذا لا يقدح في الاحتمال الذي قررناه آنفا، كما لم يقدح وجود (لم) في اقتضاء الاستقبال في قولك: إن لم تسؤني أكرمتك، وجه ذلك أن الجملة المقترنة بهمزة التسوية في تأويل المصدر والمصدر لا زمان له معين فكذا [ما] في معناه، ولا فرق في هذا المعنى بين وجود (لم) وعدمها.

"و" يحتمل الماضي المضي والاستقبال بع "حرف التحضيض" نحو" هلا ضربت زيدا، فيحتمل المضي فيكن توبيخا على ترك الفعل، ويحتمل الاستقبال فيكون حضا على الفعل وأمرا به. فإن قلت: فإذن لم يحتمل الواقع بعد حرف التحضيض المضي لأن التحضيض –وهو طلب الفعل- لا يكون متعلق إلا بالزمان المستقبل. قلت: إنما يوبخ المخاطب على ترك ما كان يجب عليه أن يفعله قبل أن يطلب منه، وذلك من حيث المعنى تحضيض على فعل مثل ما فات، فأطلق حرف التحضيض على الحرف المقتضي للحض على ما يدخل عليه تحقيقا أو تقديرا فاستقام "و" بعد "كلما"، فيحتمل أن يرد بالواقع بعدها المضي نحو: {كل ما جاء أمة رسولها كذبوه}، وأن يراد به الاستقبال نحو: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها}. "و" بع "حيث" نحو: {فأتوهن من حيث أمركم الله} فهذا للمضي، ونحوه:

{ومن حيث خرجت فول وجهك}، فهذا للاستقبال. "و" يحتمل الأمرين "بكونه صلة أو صفة لنكرة عامة". فالأول كقوله تعالى {الذين قال لهم الناس} فهذا مثال المضي، وكقوله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل ان تقدروا [عليهم]} فهذا مثال الإستقبال. والثاني قوله: رب رفد هرقته ذلك اليوم ... وأسرى من معشر أقتال

الرفد: بفتح الراء القدح الضخم، وقد تكسر، والأقتال: وتاء مثناه فوقية جمع قتل بكسر القاف، وهو العدو، فهذا مثال لبقاء الماضي على مضيه عند وقوعه صفة لنكرة [عامة]. واعترضه أبو حيان بأن (رب) عند سيبويه للتقليل، وهو ينافي العموم، وأيضا: فليس مراد الشاعر أنه أراق كل رافده، وأيضا: فلا نسلم كون (هرقته) صفة لمجرور (رب) بل هو جواب يتعلق به (رب)، إذ الصحيح أنه لا يلزم وصف مجرورها.

ومثال الماضي المراد به الاستقبال، قوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله أمرا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها" لأن المراد الترغيب في السماع [والنقل]، وهما مستقبلان بخلاف. رب رفد هرقته ... البيت، فإنه تمدح ولا يكون إلا بما وقع فتأمله.

الباب الثاني "باب إعراب الصحيح [الآخر] "

الباب الثاني "باب إعراب الصحيح [الآخر] " ولا يعترض بأنه أسقط نحو: ظبي ودلو؛ [إذ] ليسا بصحيحي الآخر، من أن إعرابهما إعراب الصحيح الآخر، لأنا نقول: المعتل الآخر عند النحوي عبارة عن المقصور والمنقوص، والصحيحه بخلافهما، فهو أعلم منه عند التصريفي من وجه، فنحو: زيد صحيح /الآخر عندهما، ونحو: القاضي معتل الآخر عندهما، ونحو: ظبي ودلو معتل الآخر عند التصريفي صحيحه عند النحوي، كذا قال ابن هشام، وفيه نظر. "الإعراب" في الاصطلاح "ما جيء به" جنس، أي: شيء يقتضيه جيء به "لبيان مقتضى العامل" أي: لبيان الأمر الذي يقتضيه العامل، أي: يطلبه. وهذا فصل أخرج به ما سوى الإعراب، والمراد بالعامل: ما اثر في آخر الكلمة أثرا له تعلق بالمعنى التركيبي، فخرج مثل التقاء الساكنين المؤثر للحركة مثلا نحو: من ابنك ومن الرجل، فإنه وإن كان شيئا أثر في آخر الكلمة التي هي

كسرة في الأول وفتحه في الثاني، لكن هذا الأثر لا تعلق له بالمعنى الحاصل من تركيب الحرف مع مجروره، وإنما هو أمر يرجع بمجرد اللفظ، ودخل من العوامل ما كان زائدا وما كان غير زائد. أما الثاني فكالفعل من قام زيد، لأنه شيء أثر في آخر (زيد) حركة الرفع ولها تعلق بالمعنى الحادث بالتركيب من حيث كونها علامة على فاعلية زيد. وأما الأول فكـ (من) الزائدة في قولك: ما قام من رجل، فإنها أثرت كسرة (رجل)، ولها تعلق بالمعنى التركيبي من حيث أنها علامة على أن مدخولها محل لما دل عليه الحرف من نصوصية الاستغراق، وكذا الباء من نحو: ما زيد بقائم، فإنها زائدة للتأكيد، وقد أثرت الكسرة التي هي علامة على أن مدخولها هو متعلق ما دلت عليه من التأكيد الحادث بالتركيب "من حركة"، هذا وما بعده بيان لجنس الحد إذ كان مبهما لصلاحيته لكل ما لا يعقل، والحركة ضمة أو فتحة أو كسرة. "أو حرف"، وهو الواو والألف والياء والنون عند من يراه. "أو سكون"، وهو كون الحرف خاليا عن الحركة. وتعبيره بسكون –كما صنع- أولى من تسكين، لأن السكون لفظ والتسكين فعل. "أو حرف" للحرف، وفهم ذلك من جعله قسيما للسكون؛ إذ لو أريد به ما هو أعم من حذف الحركة والحرف للزم كون الشيء قسيما لنفسه ولغيره، وهو باطل. وتعريف المصنف للإعراب بما ذكره مبني على أن الإعراب لفظي، وهو مذهب المحققين، وكثير من المتأخرين يرون أنه معنوي ويفسرونه بتغير آخر الكلمة لاختلاف العامل لفظا أو تقديرا، والكلام على ذلك تصحيحا وإبطالا يطول.

"وهو" أي: الإعراب "في الاسم أصل" وفي الفعل فرع وعكس بعضهم، وقال الكوفيون: أصل فيهما، والأول هو المرجح عند الحذاق، واستدلوا عليه بما تقريره: أن الاسم والفعل يطرأ على صيغهما معان مختلفة قد يحصل بينها لبس فيرفعه الإعراب، أما المعاني المختلفة التي تطرأ على الاسم فهي الفاعلية والمفعولة والإضافية، ولاشك في أنهما يحصل بينهما في بعض الأحيان لبس نحو: ما أحسن زيد، ولو سكن آخر كل الكلمتين فإنه يحتمل –حينئذ- أن يكون (زيد) مفعولا به و (أحسن) فعلا ماضيا و (ما) اسما، والمراد [التعجب، ويحتمل أن يكون (زيد) فاعلا بـ (أحسن)، و (ما) حرف نفي، والمراد] الإخبار بأن زيدا لم يحسن، ويحتمل أن تكون [ما] استفهامية مبتدأ و (أحسن) اسم تفضيل مرفوعا على أنه خبر المبتدأ و (زيد) مجرورا مضافا إليه، والمراد السؤال عما هو أحسن من زيد. وأما المعاني المختلفة التي تطرأ على الفعل المضارع فليست هي عين المعاني المتقدمة, وإنما هي معان أخر. كقولهم: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، فإنه يحتمل النهي عن أكل واحد من الفعلين مطلقا ويحتمل [النهي] عن الجمع بينهما ويحتمل النهي عن

الأول دون الثاني، وهذه معان مختلفة ليست بفاعلية ولا مفعولية ولا إضافة، ولا يخفى حصول اللبس بينهما لو ترك إعراب الفعلين لكن الإعراب /يتعين في الاسم طريقا لرفع اللبس، كما يتعين قولك: ما أحسن [زيدا -بالنصب- للتعجب، وقولك: ما أحسن] زيد –بالرفع- للإخبار بنفي الإحسان عنه، وما أحسن زيد –برفع (أحسن) وخفض (زيد) للاستفهام عما هو الأحسن منه، ولا يتعين الإعراب في الفعل طريقا لرفع اللبس؛ لوجود طريق أخرى تقوم مقامه في رفع الإلباس، وبيانه أن الإلباس قد يندفع بالإعراب فيه، كما يتعين قولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن –جزم الفعلين- للنهي عن كل واحد، ولا تأكل السمك وتشرب اللبن –بجزم الأول ونصب الثاني للنهي عن الجمع بينهما، ولا تأكل السمك وتشرب اللبن –بجزم الأول ورفع الثاني- للنهي عن الأول خاصة. وقد يندفع الإلباس بغير الإعراب، كما إذا قلت: لا يكن منك أكل سمك ولا شرب لبن، فيكون نهيا عن كل منهما، ولا تأكل السمك شاربا اللبن، فيكون نهيا عن الجمع، ولا يكن منك أكل السمك ولك شرب اللبن، فيكون نهيا عن الأول فقط، فلما لم ين عن إعراب الاسم محيص في إزالة اللبس استحق أن يكون أصلا فيه، ولما كان ثم ممدوحة عن إعراب الفعل في إزالة اللبس نقص عن الرتبة المتقدمة فجعل فيه فرعا لا أصلا. وهذا أحسن تقرير يظهر لي في هذا المحل، ولي بحث فيه، أرجو أن أذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى. وإنما قيدنا حصول الإلباس ببعض الأحيان؛ لأن الإعراب قد يدخل

فيما لا إلباس فيه نحو: شرب زيد الماء حملا على ما فيه الإلباس ليجري الباب على سنن واحد. فإن قلت: بماذا يتعلق الجار والمجرور من قول المصنف: (هو في الاسم [أصل])؟ قلت: بمحذوف؛ إذ المعنى: ودخوله أو وجوده في الاسم أصل، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع الضمير وانفصل. ويحتمل أن يتعلق بـ (أصل)، والمعنى أنه متأصل في الاسم "لوجوب قبوله بصيغة واحدة معاني مختلفة"، وقد عرفت معناه بالتقرير المتقدم. "والفعل والحرف ليسا كذلك"، أي: ليسا مثل الاسم في وجوب قبول معان مختلفة بصيغة واحدة. ونقضه أبو حيان بنحو: (من) فإنها للابتداء وللتبعيض ولبيان الجنس مثلا. قلت: لا يرد، لأن الكلام في المعاني الطارئة بالتركيب لا المعاني الإفرادية. نعم: يرد أن الحرف إنما نفى عنه وجوب القبول، ولا يلزم منه انتفاء الجواز، والمقصود نفي القبول عنه أصلا ورأسا، ولذا لم يعرب في وقت من الأوقات، وخالفه المضارع فقبل جوازا لا وجوبا فأعرب بشرطه على وجهة الفرعية كما هو مقرر. "فبنيا"، أي: الفعل والحرف "إلا" الفعل "المضارع فإنه شابه الاسم بجواز شبه ما وجب له"، أي: للاسم وذكر الشبه هنا فاسد، بل الجائز هنا هو عين الواجب هناك لا شبهه، فإن الذي اوجب إعراب الاسم على ما ذكره هو القبول للمعاني المختلفة بصيغة واحدة، وذلك بعينه ثابت للفعل

لا أن الموجود شبهه. وإنما يصح قوله لو نص على تلك المعاني المختلفة بأسمائها، "فأعرب" المضارع لامتيازه عن الحرف وبقية الأفعال بهذه المزية. "ما لم يتصل به نون توكيد" خفيفة أو ثقيلة فإنه يبني حينئذ لاتصالها، ولو فصل بينها وبين الفعل ألف اثنين او واو جماعة أو ياء مخاطبة بقي على إعرابه؛ لأن موجب البناء عند اتصال النون هو التركيب، وهو مفقود بحصول الحاجز، إذ لا تركب ثلاثة أشياء فتجعل شيئا واحدا. هذا هو المذهب المشهور، وهو اختيار المصنف [رحمه الله تعالى]، وذهب قوم / [منهم

الأخفش إلى أن المضارع مبني مع تأكيده بالنون مطلقا لأنها من خواص الفعل، فتأكيده بها مبعد لمقتضى الإعراب وهو شبه الاسم فيرجع إلى أصله من البناء. ورده المصنف [رحمه الله تعالى] بلزوم بناء المجزوم والمقرون بحرف التنفيس والمسند إلى ياء المخاطبة، واللام باطل. وذهب بعضهم إلى أن المضارع معرب مطلقا اتصلت به نون توكيد أو لم تتصل. "أو" نون "إناث". وكلامه يوهم أن الاتصال مشروط وأن تخلفه ممكن، وقوله في الخلاصة: وفعل أمر ومضى بنيا ... وأعربوا مضارعا إن عربا من نون توكيد [مباشر] ومن ... نون إناث كيرعن من فتن سالم من هذه الإيهام. وصرح المصنف في الشرح بأن المتصل بنون

الإناث مبني بلا خلاف، وعلل بناءه بالحمل على الماضي المتصل بها، وأيضا بتركيبه معها، لأن الفاعل كالجزء من فعله. ولا يرد ما اتصل به ألف اثنين أو واو جماعة أو ياء مخاطبة، لشبهه بالمثنى والمجموع، أيضا بنقصان شبهه بالاسم، لأن النون لا تلحق الأسماء. قلت: هذا معارض: لاعتراضه على الأخفش بما تقدم آنفا [فتأمله]. وما في شرح المصنف [رحمه الله] من التصريح بنفي الخلاف في بناء المضارع الذي اتصلت به نون الإناث مقدوح فيه، فقد ذهب ابن درستويه والسهيلي وابن طلحة وطائفة إلى أنه معرب تقديرا.

"ويمنع إعراب الاسم مشابهة الحرف بلا معارض" ولم يعتبر المصنف مشابهة غير الحرف أصلا، وادعى أنه ظاهر مذهب /سيبويه وابن الحاجب وجماعة اعتبروا مع ذلك مشابهة الأمر والماضي، وذهب قوم إلى أن الاسم يبنى لشبه الحرف وتضمن معناه ووقوعه موقع المبني ومضارعته لما وقع موقع المبني وإضافته إلى مبني، وسيأتي إن شاء الله تعالى في ذلك الكلام. وقيد المشابهة بانتفاء المعارض احترازا ن (أي)، فإنها معربة مع مشابهتها الحرف شرطية [كانت] أو استفهامية وموصولة، لكن عارض ذلك لزومها الإضافة فكان الشبه كالمنتفي بسبب تغليب المعارض، لأنه داع على ما هو مستحق بالأصالة. "والسلامة [منها] "، [أي] من المشابهة السالمة من المعارض "تمكن". لكن إن كان الاسم الذي ثبت له هذا التمكن منصرفا سمي ذلك الاسم أمكن، وإن كان غير منصرف سمي غير أمكن، لنقصه من جهات التمكن الجر بالكسرة، وظاهر هذا الكلام أو صريحه أن الاسم لا يبنى إلا لشبه الحرف، وقد صرح به في غير هذا الكتاب وهو مخالف لقوله فيما يأتي: وبني المضمر لشبهه بالحرف وضعا [وافتقارا] وجمودا أو للاستغناء باختلاف صيغه لاختلاف المعاني.

"وأنواعه"، أي: [أنواع] لإعراب الذي هو جنس لها. "رفع ونصب وجر" وبدأ بالرفع كما فعله كثيرون، إذ هو أشرف؛ لأنه إعراب العمد، ولا يخلو منه كلام، وثني بالنصب، لأنه أوسع مجالا، فإن أنواعه أكثر. قال أبو حيان: ولو بدأ بالجر، لأنه مختص بالاسم الذي الإعراب فيه [أصل] لاتجه أيضا. "وجزم"، وهو سكون أو حذف، وبعضهم عبر هنا عن الأنواع بالألقاب. وفي [شرح] ابن أم قاسم: أن من حق اللقب أن يصدق على ما لقب به، وهذا ليس كذلك، إذ لا يقال: الإعراب رفع وكذا البواقي، ومن قال: ألقاب الإعراب فمراده ألقاب أنواع الإعراب. "وخص الجر بالاسم لأن عامله لا يستقل"؛ لافتقاره إلى ما يتعلق به "فيحمل" بنصب الفعل بأن مضمرة بعد الفاء الواقعة بعد النفي "غيره" أي: غير الجر "عليه" أي: على الجر "بخلاف الرفع والنصب"؛ لقوة عاملهما بالاستقلال فجعل المضارع للاسم فيهما بطريق الحمل والتفريغ، واختص الجر بالاسم لضعفه وتقاعده عن أن يحمل غيره عليه.

"وخص الجزم بالفعل لكونه فيه" حينئذ "كالعوض من الجر" جبرا لما فاته من المشاركة فيه، فحصل لكل واحد من صنفي المعرب ثلاثة أوجه أوجه الإعراب بتعادل، وذلك أن الجزم راجح باستغناء عامله عن تعلقه بغيره، والجر راجح بكونه ثبوتيا، فتعادلا بذلك، إذ الجزم غير ثبوتي، ولذا قال بعضهم: الجزم ليس بإعراب، وإنما هو عدم الإعراب. قلت: إذا كان عبارة عن السكون أو صيرورة ما قبل الآخر آخرا بالحذف كان ثبوتيا لا عدميا، فتأمله. "والإعراب بالحركة" في الاسم والفعل نحو: زيد يقوم "والسكون" في الفعل نحو: لم يقم. "أصل وينوب عنهما"، أي: عن الحركة والسكون "الحرف" في الاسم نحو: لم يغز ولم يرم ولم يخش، وفيه لف ونشر مرتب. "فارفع بضمة" نحو يقوم زيد. "وانصب بفتحة" نحو: لن أضرب زيدا. "وجر بكسرة" نحو: مررت بزيد "واجزم بسكون" نحو: لم أضرب. "إلا في مواضع النيابة" كما يأتي مفصلا. قال ابن [أم] قاسم: وكان القياس أن يقال: برفعة ونصبة وجرة، لأن الضم والفتح والكسر للبناء، ولكنهم أطلقوا ذلك على سبيل التوسع. انتهى.

وفيه نظر؛ إذ لا خلاف أن الحركات ثلاث: ضمة وفتحة وكسرة، وإنما أكثر البصريين قصدوا/ الفرق في ألقاب المعربات والمبنيات لا في ألقاب الحركات؛ ولهذا يقول بعضهم: مرفوع ومضموم، أما الأول فللفرق الذي أراده، وأما الثاني فلأنه لم يجد من حيث اللغة أن يسمى ما وجد فيه الضم مضموما وكذا الباقي، ويقول في [نحو] (حيث): هو مضموم لذلك. ولم يقل فيه: هو مرفوع، لأن حقيقة قولنا: مرفوع إنه عمدة؛ لأن ذلك إعراب العمد، أي: إعراب ما هو أحد جزئي الجملة، وهذا المعنى منتف في (حيث) ونحوه. "وتنوب الفتحة عن الكسرة في جر ما لا ينصرف" نحو: مررت بأحمد، ويرد عليه نحو عرفات من قوله تعالى {فإذا أفضتم من عرفات}، لكونه غير منصرف وجره بالكسرة، وقد يجاب بأنا لا نسلم بأن عرفات غير منصرف، بل هو منصرف كما صرح به الزمخشري، أو لا يوصف بالانصراف وعدمه كما ذهب إليه بعضهم، سلمناه لكن كلامه الآتي يخصصه فإنه سينص على أن نحو: مسلمات يستوي نصبه وجره في أنهما

بالكسرة وإن سمي به على اللغة الفصحى، فكأنه قال [هنا] في [جر] مالا ينصرف إلا ما سنذكره. "إلا أن يضاف" نحو: مررت بأحسنكم. "أو يصحب الألف واللام" معرفة كانت نحو: صليت في المساجد أو زائدة كالداخلة [على زيد] في قوله: رأيت [الوليد] بن اليزيد مباركا ... شديدا بأعباء الخلافة كاهله أو موصولة كقوله:

وما أنت باليقظان ناظرة إذا ... رضيت بما ينسيك ذكر العواقب قلت: هذا مبني على أن أل [قد] توصل بالصفة المشبهة، وقد صرح بعض المحققين بإنكاره كما سيأتي إن شاء الله تعالى؛ لأنها للثبوت ولا تؤول بالفعل، ولهذا كانت الداخلة على اسم التفضيل ليست موصولة بالاتفاق، ثم تمثيل المصنف والشارحين للمعرفة بـ (الأعمى ظالأصم) وللموصولة بـ (اليقظان) تحكم بحت. "أو بدلها"، وهو أم في لغة حمير وطيئ، وبعضهم يقول: وبعض طيئ. كقول الشاعر:

أأن شمت من نجد بريقا تألقا ... تبيت بليل ام أرمدا اعتاد أولقا الأولق: شبه الجنون. فإن قلت: كان القياس أن يقول: أو بدلهما، ليعود الضمير على الألف واللام. قلت: إما أن يكون أعاده عليهما باعتبار كونهما أداة، أو راعى مذهب من يقول: أن اللام هي المعرفة وحدها، فأعاد الضمير عليها، أو رأى أن المبدل إنما هو الميم عن اللام وأما الهمزة فثابتة في كلتا الأداتين. "و" تنوب "الكسرة عن الفتحة في نصب أولات" نحو: {وإن كن أولات حما}. "و" نصب "الجمع بزيادة ألف وتاء" هذا ظرف مستقر في محل نصب على الحال من الجمع، والعامل هو (نصب) المقدر الذي ذكرناه. واحترز المصنف – [رحمه الله] [تعالى] –بـ (زيادة (، في قوله: بزيادة ألف

وتاء على نحو قضاة وأبيات؛ إذ كل [واحد] منهما يصدق عليه أنه [جمع] بألف وتاء لا جمع بزيادة ألف وتاء فإن ألف قضاة منقلبة عن أصل وتاء أبيات أصل. وألغى المصنف لفظ الزيادة في الألفية: ومابتا وألف قد جمعها ... يكسر في الجر وفي النصب معا وكأنه فعل ذلك لاعتقاده أن الباء للآلة وأنها متعلقة بـ[جمع] مثلها في كتبت بالقلم، فلا يرد قضاة ولا أبيات، إذ ليست الألف والتاء في شيء منهما آلة استعين بها على الجمع، وأما هنا فكأنه رأى أن الباء قد يتوهم كونها للمصاحبة لا للاستعانة فرفع الوهم بقيد الزيادة فاستقام. فإن قلت: لم جعلت الظرف – وهو قوله: بزيادة ألف وتاء – مستقرا، / وهلا جعلته لغوا بنفس الجمع؟ \قلت: لأنه لو كان كذلك لكانت الباء للآلة فلم تكن فائدة في إدخال لفظ: (بزيادة)، وإنما يصح الاحتراز بها إذا جعل الظرف مستقرا والباء للمصاحبة كما قررناه، وإنما أفرد (أولات) بالذكر، لعدم اندراجها في الجمع؛ إذ لا واحد لها من لفظها. قال أبو عبيدة: واحدها ذات. "وإن سمي به" أي: بالجمع بزيادة

ألف وتاء "فكذلك" تنوب فيه الكسرة عن الفتحة في حال النصب، وأما رفعه وجره فعلى الأصل بالضمة والكسرة: "والأعرف حينئذ" أ]: حين إذ أعرب هذا الإعراب "بقاء تنوينه" كقوله تعالى: {فإن أفضتم من عرفات} "وقد يجعل كأرطاه علما". هذا قسيم: (فكذلك)، ومعنى كونه كأرطاة علما: أنه يمنع الصرف فيجر بالفتحة، فتحصلنا من ذلك في هندات ونحوه مسمى به على ثلاث لغات: إحداهما استصحاب ما كان [له] قبل التسمية من [ثبوت] التنوين [ونصبه وجره]. الثانية – [استصحاب ما قبل التسمية من الإعراب بالكسرة نصبا وجرا، ولكن يحذف تنوينه، وهذه اللغة أجازها البصريون ومنعها الكوفيون]. الثالثة جعله كاحد مسمى به مختتما بتاء التأنيث، فيمنع الصرف كرطاة علما، وهذه اللغة منعها البصريون وأجازها الكوفيون، وأنشدوا قول

امرئ القيس: تنورتها من اذعات واهلها ... بيترب أدنى دارها نظر عالي بفتح التاء من (أذرعات)، ويروي أيضا بالوجهين الآخرين، على أن

في التمثيل بعرفات وأذرعات نظرا، إذ لا واحد لكل منهما، لأنه لم يوجد أذرعة ولا عرفة. قال الفراء: لا واحد لعرفات يصحح جمعه، وقول الناس: [نزلنا] عرفة. شبيه بمولد وليس بعربي محض. كذا في الصحاح وهو عجيب. فقد ثبت في الحديث: "الحج عرفة"، وعلى تقدير تسليم أنه مولد وليس بعربي محض كما قال الفراء فعرفة وعرفات مدلولها واحد، وليس ثمة أماكن متعددة كل منهما عرفة جمعت على عرفات. وهنا انقضى الكلام على نيابة حركة عن حركة، ثم شرع المصنف في ذكر نيابة الحرف عن الحركة فقال: "وتنوب الواو عن الضمة" نحو: جاء أخوك. "والألف عن الفتحة" نحو: رأيت خالك "والياء عن الكسرة" نحو: مررت بأخيك. "فيما أضيف إلى غير ياء المتكلم" كما مثلنا، وأما [ما] أضيف إليها فلا تتأتى النيابة فيه نحو: جاء أخي ورأيت أخي ومررت بأخي "من أب وأم وحم" ووزن كل من الثلاثة فعل: بفتح العين، بدليل لغة القصر، وبدليل

جمعهن على أفعال وقال الفراء: أخ فعل: بإسكان العين بدليل أخو. ولنا ما تقدم وذاك قليل. والحم: أبو زوج المرأة وغيره من أقاربه، [هذا هو المشهور]، و [قد] يطلق على أقارب الزوجة "غير مماثل" بنصب غير على أنه حال من (حم) فقط. فإن قلت: هو نكرة فيمتنع عن تأخير الحال. قلت: لا، بل هو معرفة؛ لأنه علم مسماه لفظ (حم) في مثل قولك: جاء حم (قرروا) مفعول بـ (مماثل) وهو بفتح القاف وسكون الراء، [وواو] مثل: دلو، ويطلق على قدح من خشب، وعلى ميلغ الكلب، وعلى معان أخر. "وقرءا" بفتح القاف وسكون الراء وهمزة مكسورة كخبء، وهو الوقت والحيض والطهر "وخطأ" بفتح [الخاء] المعجمة والطاء المهملة وهمزة مقصورة، وهو ضد الصواب. "وفم" بالعطف على أب أو على حم، فهو مقصود الجر بمن، ليدخل فيما أضيف إلى غير ياء المتكلم. "بلا ميم" فأما إذا كان بميم فلا تنوب

فيه الحروف عن الحركات، ووزنه فعل: بفتح الفاء و [سكون] العين. وقال الفراء: فعل: /كقفل، بدليل فوك، ولنا قولهم حالة التعويض، فم، بفتح الفاء على الألإصح "و" تنوب الأحرف المذكورة عن الحركات "في ذي" وهو معطوف على قوله: فيما أضيف إلى غير ياء المتكلم، وإنما فعل ذلك، لأنه لا يضاف إلى ضمير أصلا لا ياء المتكلم ولا غيرها، وهذا هو المشهور. والمبرد يجيز إضافته إلى المضمر نحو: ذوه وذي فيكون كإخوته من بقية هذه الأسماء، فيشترط في إعرابه هذا الإعراب أن يكون مضافا إلى غير ياء المتكلم، ووزنه فعل بفتح الفاء والعين بدليل ذواتا مال، ولامه ياء، لقلة باب القوة.

وقال الخليل: فعل: بإسكان العين، وللام واو [وفيه نظر] وقال ابن كيسان: الوزنان محتملان. واحترز المصنف بقوله: "بمعنى صاحب" من ذي التي يشار بها. قلت: لا وجه لهذا الاحتراز مع كونه يتكلم في المعربات. واعلم أن اللام محذوفة في جميع متصرفات (ذو) إلا في (ذوات) جمع (ذات) وعن بعضهم: أصل ذات ذواة كنواة؛ لقولهم في المثنى: ذواتا، فحذفت العين لكثرة الاستعمال. قال في المعرب: ذو يقتضي موصوفا ومضافا إليه نحو: رجل ذو مال، ومؤنثه امرأة ذات مال، هذا أصل هذه الكلمة، ثم اقتطعوا عنها مقتضاها

وأجروها مجرى الأسماء المستقلة، فقالوا: ذات قديمة وذات محدثة، ونسبوا إليها كما هي من غير تغيير علامة التأنيث فقالوا: الصفات الذاتية، فاستعملوها بمعنى النفس والشيء. "والتزم نقص هن" وهو الشيء المكر الذي يستهجن ذكره من العورة والفعل القبيح وغير ذلك، ومنه: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا". "أعرف من إلحاقه بهن"، أي بالأسماء المذكورة في الإعراب من يقول: هنوك وهناك وهنيك، فيجريه مجرى الأب. "وقد تشدد نونه" أي: نون (هن) كقوله: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... وهني جاذ بين لهزمتي هن كنى بهن المشدد عن ذكره وجاذ بجيم وذال معجمة أي: ثابت على القيام يقال: جذى وأجذى أيضا إذا ثبت قائما، واللهزمتان: بكسر اللام والزاي

عظمان نائتان في اللحيين تحت الأذنين، كذا في الصحاح، لكن الشاعر استعملها في جانبي الفرج على جهة الإستعارة. وعد ابن الجواليقي تشديد نون الهن من لحن العوام في كتابه الموضوع لذلك، [وجعله] كقولهم: مية ورية بالتشديد في مائة ورئة "وخاء اخ و [باء] أب" حكاهما الأزهري، وصرح بأن ذلك لغة وأنه يقال: استأببت فلانا [أي]: اتخذته أبا. وفي الكشاف في

[تفسير] سورة عبس: والأب: المرعى، لأنه يؤب أي: يؤم وينتجع، والأب والأم أخوان، قال: جذمنا قيس ونجد دارنا ... ولنا الأب به والمكرع انتهى، فلعل من سمى الأب أبا بالتشديد راعى فيه من المعنى ما روعي في اسم المعنى كما أن من سمى الوالدة أما راعى فيها كونها تؤم أي: تقصد. "وقد يقال أخو" كما في قوله: [ما] المرء أخوك إن لم تلفه وزرا ... عند الكريهة معوانا على النوب الوزر: الملجأ، والنوب: جمع نوبة وهي نزول الأمر. "وقد يقصر حم وهما"، أي أب وأخ، فيقال: أباك وأخاك وحماك كعصاك مطلقا، لكن قصر حم أشهر؛ ولذا قدمه، وأما قصر أب فحكاه الفراء، وأنكر قصر أخ،

لكن هشام أجازه واستشهد عليه بما رواه من قولهم: / مكره أخاك لا بطل. "أو يلزمها النقص" أي: يلزم الكلم الثلاث أبا وأخا وحما، والمراد بالنقص هنا: حذف الآخر وجعل ما قبله آخرا "كيد ودم"، فتعرب حينئذ بالحركات. قال الراجز: بأنه اقتدى عدي في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم قلت: يحتمل أنه حذف الياء من الأول والألف من الثاني للضرورة، فإن نقل أحد من الأئمة أنه لغة فذاك وإلا لم يثبت نقص أب بهذا الشاهد. وحكى أبو زيد: هذا أخك، وحكى الفراء: هذا حمك "وربما قصرا"، أي: يد ودم، وهذا حكم ذكره استطرادا، واستشهد على قصر يده بقوله:

يا رب سار [بات] ما توسدا ... إلا ذراع العنس أو كف اليدا والعنس: على زنة الغلس بعين مهملة فنون فسين مهملة الناقة الصلبة، قيل: ويحتمل اليدا في البيت أن يكون مثنى معربا بحركة مقدرة على لغة من يلزم المثنى الألف في جميع الحالات، وحذف النون للضرورة، والتعسف فيه ظاهر. واستشهد على قصر دم بقوله: غفلت ثم أتت تطلبه ... فإذا هي بعظام ودما "أو ضعف دم"، فتشدد ميمه كقوله: أهان دمك فرغا بعد عزته ... يا عمرو بغيك على الحسد

الفرغ: الهدر، يقال: ذهب دمه فرغا، أي: هدرا لم يطلب به، وكقول تأبط شرا: حيث التقت بكر وفهم كلها ... والدم يجري بينهم كالجدول بتشديد الميم "وقد تثلث فاء فم" مع ثبوت الميم، والمراد من تثليث الفاء دخول كل من الحركات الثلاث فيها، فتفتح تارة وتضم تارة وتكسر تارة "منقوصا" حال من فم من كونه مضافا إليه، لأن المضاف جزؤه كما في قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا} وقد عرفت المراد بالنقص ما هو؟ فيما تقدم تقريبا. "أو مقصورا" مثل عصا، فتثلث فاؤه في هذه الحالة كحالة نقصه؛ فهذه ست لغات. "أو بضعف" فم بأن تشديد ميمه ويدل عليه قول بعض العرب: أفمام. "مفتوح الفاء"، فيقال: فم بفتح الفاء وتشديد الميم، وهذه لغة سابعة "أو مضمومها"، فيقال: فم بضم الفاء وتشديد الميم، وهذه لغة ثامنة، وحكى صاحب اليواقيت: فيه الكسر مع التشديد، فهذه لغة تاسعة.

"أو تتبع" بالبناء للمفعول لمناسبة ما تقدم. "فاؤه حرف إعرابه"، فتضم الفاء في مثل: هذا فم، وتفتح، في مثل: رأيت فما، وتكسر في مثل: نظرت إلى فم وهذه لغة عاشرة، قيل: وهذه أضعف اللغات فيه. فإن قلت: لم لم يقل حركة إعراب؟ قلت: ليدخل مثل: هذا فمي بكسر الفاء تبعا لحرف الإعراب باعتبار حركته التي ليست إعرابية، ولو قال: حركة إعرابه، لم يدخل [فيه] مثل هذا. "كما فعل بفاء مرء"، حيث اتبعت فاؤه وهي الميم حرف إعرابه وهو الهمزة، فقيل: هذا مرء –بضم الميم- ورأيت مرءا-بفتحها-ومررت بمرء بكسرها. "وعيني امرئ" وهو مرادف للمرء "وابنم" وهو (ابن) زيدت عليه الميم، تقول: هذا امرؤ وابنم –بضم الراء والنون- ورايت امرءا وابنما- بفتحها- ومررت بامرئ وابنم بكسرهما. واعلم أن في مرء لغات أخر: فتح الميم على كل حال، وهي اللغة الشائعة، وبها جاء القرآن، وكسرها على كل حال وبها قرأ الحسن: (بين

المرء وقلبه) وقرأ ابن [أبي] إسحاق: (بين المرء) بضم الميم. وفي امرئ وابنم لغة أخرى غير الإتباع، وهي فتح الراء والنون مطلقا، وعلى هذا فكان الأولى بالمصنف أن يقول: كما فعل بفاء مرء قليلا، وعيني امرئ وابنم غالبا. لئلا/يتوهم أن ليس فيهن إلا الإتباع، ولا سيما وهو في هذا الفصل قد استطرد في لغات ما مثل به من يد ودم. "ونحوهما فوك وأخواته على الأصح". أعلم أن في إعراب الأسماء الستة مذاهب كثيرة، ونحن نقتصر منها

على ما ذكره المصنف في المتن وهو مذهبان: أحدهما: أنها معربة بالحروف، وقد سبق، ونصره في الشرح بأن الإعراب أنما جيء به لبيان مقتضى العامل، فلا فائدة في جعل مقدر متنازع فيه دليلا وإلغاء ظاهر واف بالدلالة المطلوبة. الثاني: أنها معربة بحركات مقدرة على حرف العلة وأتبع ما قبل الآخر [الآخر]، فإذا قلت: قام أبوك، فالأصل: قام أبوك بضم الباء إتباع لضمة الواو، ثم استثقلت الضمة على الواو فحذفت. وإذا قلت: رأيت أباك فاصله [رأيت] أبوك بفتح الباء اتباعا لحركة الواو ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. فإن قلت: حركة الباء عارضة فلا تنتهض موجبة لقلب الواو المتحركة ألفا. قلت: حركة الباء في الأصل غير عارضة لبناء الكلمة عليها، غير أنهم قدروا حذفها والإتيان بحركة الإتباع ليجزي الباب [في الكل] على سنن واحد، فعوملت هذه الحركة مع عروضها معاملة الأصلية في إيجابها لقلب حرف العلة المتحرك بعدها، فلحظت فيها جهة العروض من حيث الإتباع، وجهة الأصالة من حيث نيابتها، عن الحركة الأصلية. وإذا قلت: مررت بأبيك، فالأصل بأبوك بكسر الباء وإتباعا لكسرة الواو، ثم استثقلت كسرة الواو

فحذفت ثم قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فصار بأبيك. ولا خفاء بما في هذا التقدير من التكليف للإتيان بما يوجب زيادة الثقل من غير داع إليه. قيل: وهذا هو مذهب سيبويه والفارسي وجمهور البصريين. وقال المصنف: إنه الأصح ورجحه بجريانه على ما تقرر في الإعراب من أن الأصل فيه أ، يكون بحركات ظاهرة أو مقدرة، فإذا أمكن التقدير مع وجود النظير لم يعدل عنه، وقد أمكن في هذه الأسماء. ورجحه بغير ذلك مما يطول إيراده وتعقبه. فإن قلت: على ماذا يعود الضمير من قوله: ونحوهما؟ قلت: على القسمين السابقين أعني ما اتبعت فاؤه وما اتبعت عينه؛ وذلك لأن الأسماء الستة على هذا القول منها ما أتبع عينه وإعرابه نحو: أبوك، ومنها ما أتبع فاؤه حرف إعرابه نحو: ذو مال. وقال بعض الشارحين: يعود على امرئ وابنم ففاته ما قلناه، فتأمله. وقد عرفت أن الفم على وجهين: مستعمل بالميم ومستعمل بدونها، والثاني ليس فيه إلا لغة واحدة [على ما يشعر به كلام المصنف] وهي استعماله بالأحرف الثلاثة. والأول فيه عشر لغات، فاللغات إذن إحدى عشرة، وقد تقدمت وفات

المصنف من اللغات ما حكاه ابن سيده، ففي المخصص: قال ابن دريد: فاه وفوه. وفي المحكم لم ينسب ذلك إلى ابن دريد ولا غيره بل جزم به من عند نفسه فقال: الفاه والفوه والفيه سواء. ثم قال ما معناه: وجمع فوه على أفواه واضح، وأما فيه وأفواه فمن باب ريح وأرواح، إذ لم يسمع أفياه، وأما فاه وأفواه فلأن الاشتقاق يؤذن بأنه واوي لا يائي. فصارت اللغات أربع عشر "وربما قيل فا دون إضافة صريحة نصبا" يشير [بذلك] إلى ما أنشده الكوفيون من قول العجاج.

خالط من سلمى خياشيم وفا ........................... فخرجه أبو الحسن وتابعه المصنف على أنه حذف المضاف إليه ونوى ثبوته، أراد: خياشيمها وفاها، فبقي على حاله مع المضاف إليه، ولذلك قال: دون إضافة صريحة/. قال الشيخ جمال الدين بن هشام: وقد سئل عيسى بن عمر أتقول:

هذا فو؟ ، فقال: بل أقول: قبح الله ذاقا. قال: وذلك دليل على أنه يجوز وإن لم تكن إضافة ألبتة لا صريحة ولا منوية "ولا يخص بالضرورة نحو" قول الشاعر: كالحوت لا يرويه شيء يلقمه ... "يصبح ظمآن وفي البحر فمه"

بل يجوز في السعة "خلافا لأبي علي" الفارسي. وقد ورد في الحديث [الصحيح]: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". لكن فوه أفصح من فمه، والسبب فيه أن الحاجة إلى إبدال الواو ميما عند القطع عن الإضافة هي خوف سقوط العين للساكنين، ولا ساكنين في حال الإضافة إذ لا تنوين في المضاف، فالأولى ترك إبدالهما ميما. وقد جمع الفرزدق. بين الميم والواو في قوله: هما نفثا في في [من] فمويهما ...

وهو جمع بين البدل والمبدول منه. قال الرضي الإستراباذي: وتكلف بعضهم معتذرا بأن قال: الميم بدل من الهاء التي هي اللام قدمت على العين. قلت: واعتذر بعضهم أيضا بأن قال: يحتمل الواو إنما هي بدل من الهاء وليست المبدلة منها الميم، والواو أخت الألف والألف أخت الهاء، ويدل على تقاربهما أيضا تعاقبهما على عضة لاما لقولهم عضاه وعضوات.

"وتنوب النون عن الضمة في" كل "فعل" مضارع، وحذف المصنف هذا القيد، للاستغناء عن وجهة أن كلامه في المعربات، ولا يعرب من الألإعال سواه "اتصل به ألف اثنين" سواء كان ضميرا مثل: الزيدان يقومان؛ أو علامة مثل: يقومان الزيدان "أو واو جمع"، سواء في ذلك الضمير والعلامة نحو: الزيدون يقومون، ويقومون الزيدون. [قلت: التعبير بجماعة اولى من التعبير بجمع لشموله لنحو: الزيدون يقومون]، وزيد وبكر وعمرو يقومون، بخلاف الجمع فإنه لا يشمل الصورة الثانية اصطلاحا، كما أن التعبير باثنين –مثل ما فعله المصنف- أولى من التعبير بالمثنى، لاختصاص المثنى عرفا بنحو: الزيدان، وشمول الاثنين له ولنحو: زيد وعمرو. "أو ياء مخاطبة"، نحو: تقومين، ولا تكون عند الجمهور إلا ضميرا، وهي عند الأخفش المازني حرف خطاب. وإنما أعربت هذه الأمثلة بالنون؛ لأنه لما اشتغل محل الإعراب –وهو اللام- بالفتحة لتناسب الألف وبالضمة لتناسب الواو وبالكسرة لتناسب الياء، لم يمكن دوران الإعراب عليه، ولم يكن فيه علة البناء حتى يمنع الإعراب بالكلية، فجعلت النون بدلا من الضمة لمشابهتها في الغنة للواو، وإنما، خص هذا الإبدال بالفعل اللاحق به الألف والواو [والياء] دون يخشى ويدعو ويرمي والقاضي وغلامي –وإن كان الإعراب في جميعها مقدارا لمانع-

ليكون الفعل اللاحق به ذلك الضمير كالاسم المثنى والمجموع بالواو والنون؛ وذلك لكون ألف (يضربان) مشابها للألف (ضاربان) وواو (يضربون) مشابها لواو (ضاربون) وإن كان بينهما فرق من حيث إن اللاحق بالاسم حرف، وحملت الياء في (تفعلين) على أختيها الألف والواو في إلحاق النون. وإنما جاز وقوع علامة رفع الفعل بعد فاعله أعني الألف والواو والياء، لأن الضمير المرفوع المتصل كالجزء خاصة إذا كان على حرف ولا سيما إذا كان ذلك الحرف من حروف المد واللين "مكسورة" بالنصب على انه حال من النون "بعد الألف"، حملا على نون المثنى بالألف، كسرا. "غالبا" لغيره أشار بذلك إلى/فتحها في بعض الأحيان كقراءة من قرأ: {أتعدانني} بفتح النون حكاها أبو طاهر أحمد بن علي في كتابه الموضوع في القراءات العشر عن عبد الوارث قال: وهي لغة شاذة. وعبد الوارث هذا من رواة أبي عمرو

ابن العلاء. "مفتوحة بعد أختها" الواو والياء طلبا للتخفيف أو حملا على نون الجمع، "وليست" النون المذكورة "دليل الإعراب خلافا للأخفش" فإنه ذهب إلى أن هذه الأمثلة معربة بحركات مقدرة في آخر الفعل، وأن ثبوت النون وحذفها دليل على ذلك المقدر. وزعم الفارسي: أن هذه الأمثلة معربة ولا حرف إعراب لها؛ لأنه يكون النون؛ إ لا يحذف الإعراب إذا كان صحيحا، ولا الألف والواو والياء، لأنهن فاعلات، ولا آخر الفعل لاشتغاله بحركات المناسبة للأحرف الثلاثة. ولقائل أن يقول: هذا الأخير مردود بأن ذلك لا يمنع من كونه حرف إعراب، بدليل المحي والمتبع والمضاف للياء. "وتحذف" النون المذكورة "جزما ونصبا" نحو: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا). فإن قلت: علام نصبا؟ قلت: أما [جزما فعلى الظرفية]، والمعنى: وتحذف وقت جزم، فحذف

المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كقولهم: جئتك صلاة العصر وقدوم الحاج، أي: وقت صلاة العصر ووقت قدوم الحاج. وأما نصبا فظاهر، إذ هو معطوف على جزما، ولك تقدير الوقت معه، أي: [وقت جزم و] وقت نصب، ولك ألا تقدره [معه] وتجعل الوقت منصبا عليهما جميعا الأول أحسن. فإن قلت: فلم لم تجعل ذلك من قبيل النصب على إسقاط الخافض، أي: تحذف في جزم ونصب؟ قلت: لأن إسقاط الخافض من هذا ونحوه ليس بقياس، فلا يصار إليه لغير ضرورة. وفي كلام المصنف مؤاخذة من وجهين: الأول: أن قوله (وتحذف جزما ونصبا) لا يقتضي أن الحذف هو الإعراب كما هو مذهب الجمهور. الثاني: أنك قد عرفت آنفا أن الأخفش يرى أن الإعراب في الأمثلة المذكورة مقدر وأن ثبوت النون وحذفها دليل على ذلك المقدر، فكان حق المصنف أن يقدم قوله: (وتحذف جزما ونصبا) ثم يقول: وليس ثبوتها وحذفها دليل الإعراب خلافا للأخفش. فإن قلت: حمله على ذلك قوله: (ونون التوكيد): ليجمع محال الحذف على نسق.

قلت: هذا مخل بحكاية تمام قول الأخفش كما رأيت، وليس جمع المحال التي تحذف فيها النون على نسق بالذي يوجب ارتكاب هذا الإختلال، فقد كان يمكنه الجمع بين ذكر محال الحذف وعدم الإخلال بأن يصنع ما ذكرناه ثم يقول: وتحذف أيضا لنون التوكيد [فتتم الفائدة]. "و" تحذف النون المذكورة أيضا "لنون التوكيد" كراهة لتوالي الأمثال نحو: (أتحاجوني) بتخفيف النون {أفغير الله تأمروني أعبد} بتخفيفها أيضا. والقول بأن المحذوف نون الرفع هو قول سيبويه واختاره المصنف، وقال:

إن أكثر المتأخرين يقول: إن المحذوف نون الوقاية، وحجتهم أن الثقل بالثانية حصل كما قال الجمهور في ثانية: {تلظى} و: {تلهى}، ولأن نون الرفع أثر عامل فحذفها يقتضي مؤثرا بلا أثر، ولأن نون الرفع تقي الفعل من الكسر فتفي بالغرضين جميعا، ولأن نون الرفع للمعنى ونون الوقاية للفظ. واحتج لسيبويه بأنه يلزم تغيير النونين جميعا إذا كان المتصل بالفعل واوا أو ياء؛ لأن نون الرفع تكسر حينئذ على تقدير أن يكون المحذوف نون الوقاية./ "أو تدغم" نون الرفع "فيها"، أي: في نون الوقاية كقراءة من قرأ بالتشديد في (أتحاجوني) (تأمروي) ولا يقال: يحتمل أن يكون هذا مؤكدا بالنون الخفيفة أدغمت في نون الوقاية، لأنا نقول لو كان كذلك للزم حذف واو الجمع؛ لالتقائها ساكنة مع نون التوكيد الساكنة. "وندر" بالدال المهملة أي: شذ "حذفها" أي: حذف نون الرفع "مفردة في

الرفع نظما ونثرا" خلافا لمن يرى أن حذفها مخصوص بالشعر، والكلام في نصب نظما ونثرا كما سبق في جزما ونصبا، فمثال حذفها واقعة في النظم قوله: أبيت أسرى وتبيتي تدلكي ... وجهك بالعنبر والمسك الذكر فالشاهد فيه في موضعين، إذ الأصل: وتبيتن تدلكين، كذا قالوا. قلت: إنما يتم ذلك إن كان مقصوده مجرد الإخبار بصورة الحال، وأما إن كان مقصوده الإنكار لحالها أو التعجب منها، وذلك بأن تقدر همزة الاستفهام الإنكاري أو التعجبي محذوفة ويجعل (تبيتي) منصوبا بأن مضمرة بعد الواو في جواب الاستفهام، أي: أأبيت أسري وتبيتي تدلكي، أنكر قضية الجمع بين الحالتين أو تعجب منها، فالشاهد إذن في (تدلكي) فقط، إذ هو مرفوع قطعا، ومثال حذف

النون واقعة في النثر قراءة عن أبي عمرو: (قالوا ساحران تظاهرا) بتشديد الظاء أي: أنتما ساحران تتظاهران، فحذف المبتدأ وهو ضمير المخاطبين وأدغمت التاء في الظاء وحذفت نون الرفع. وفي الحديث: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا" فحذفت من (لا تدخلوا ولا تؤمنوا). "وما جئ به لا لبيان مقتضى عامل من شبه الإعراب"، لبيان الجنس أتى به لرفع الإبهام عن (ما)، و (شبه): بكسر الشين وسكون الباء، وبفتحهما لغتان بمعنى الشبيه، أي: من الأمر المشابه للإعراب [أي]:

في كونه حركة ضم أو فتح أو كسر، وكونه في آخر الكلمة لا في أولها ولا في حشوها "ليس" هو أي: ما جيء به لا لبيان مقتضى عامل من شبه الإعراب "حكاية"، نحو: من زيدا، وهذا هو الصحيح، وقال الكوفيون: هي حركة إعراب. "أو إتباعا" كقراءة زيد ين علي وغيره {الحمد لله} بكسر الدال وقراءة الحسن: (للملائكة اسجدوا) بضم التاء [ثم] الذي يظهر أن إتباع الشيء للشيء هو الإتيان به تبعا له ومناسبا له وحينئذ فتارة يكون الإتباع لحركة الحرف وتارة لذات الحرف كقولهم في عسيت بفتح السين: عسيت بكسرها اتباعا للياء، كذا وجهه النحاة. ثم كسرة الإتباع أما لكسرة متأخرة نحو: (الحمد لله) كما سبق،

أو متقدمة نحو: {فلإمه الثلث} بكسر الهمزة، وإما لياء متأخرة كما في غلامي وعسيت، بكسر السين، أولياء متقدمة نحو: {في إم الكتاب} بكسر الهمزة في قراءة الأخوين، وهي لغة قريش وهذيل وهوازن، ثم الكسرة التي تتبع: إما لغير الإتباع كما قدمنا، وإما للإتباع نحو: كسرة عين (عصي) فإنها لإتباع كسرة الصاد التي هي إتباع للياء. وقولهم: لتسلم الياء

غير محرر بدليل السلامة في (حيض)، وإنما يدخل في كلام المصنف إتباع الآخر لما بعده؛ لأن كلامه في الحركات المشبهة لحركات الإعراب –ونص ابنه في آخر باب المضمر من شرح الخلاصة على أن الكسرة نحو: غلامي إتباع للياء كما ذكرنا "أو نقلا" كقراءة ورش {ألم تعلم ان الله} "أو تخلصا من سكونين" نحو: {من يشأ الله يضلله} {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}.

فإن قلت: الجمهور يقولون: /كسرة الميم من نحو: غلامي، لمناسبة الياء، وظاهره أنها ليست حركة إتباع فنقص المصنف عدها على رأيهم. قلت: إذا فسر الإتباع بما ذكرناه كان كلامه شاملا لحركة [آخر] المضاف إلى ياء المتكلم، وليس ثم نص ينافي الإتباع بما تقدم، وقد عرفت أن ابنه نص على أنها حركة إتباع. "فهو بناء": إما أن تكون الفاء رابطة لجواب الشرط إن قدرت (ما) شرطية، أو داخلة على خبر المبتدأ المتضمن لمعنى الشرط إن جعلت (ما) موصولة، ولا يدفع ذلك كون الفعل لفظا، لأنا نجعله إذ ذاك بمعنى المستقبل، كما نقول: الذي أتاني فله درهم، على أنه لو جعلت (ما) موصولة وبقي الماضي على معنى المضي أمكن دخول الفاء أيضا كما ستعرفه في باب المبتدأ إن شاء الله تعالى. "وأنواعه"، أي: أنواع البناء "ضم" نحو: {من قبل ومن بعد}. "وفتح" نحو: أين وكيف. "وكسر" نحو: نزال وأمس. "ووقف": من وقد، ولم يفرق المصنف في التعبير في جانبي الإعراب والبناء فعبر بالأنواع في الموضعين، وابن الحاجب –رحمه الله [تعالى]- فرق بينهما فعبر في جانب

إعراب الاسم بالأنواع، وفي جانب بنائه بالألقاب، ووجهه الغجدواني بأنه إنما لم يقل لحركات البناء والوقف أنواعا لفقد ما يكون جنسا شاملا لها نظرا إلى الأصل، إذ الأصل أن يكون البناء منحصرا في واحد وهو السكون بالنقل فإنهم قالوا: الأصل في البناء السكون فلما كان من حق البناء ألا يشمل هذه الأشياء نظرا إلى الأصل لم يطلق عليها اسم الأنواع رعاية لجانب الأصل.

الباب الثالث (باب إعراب المعتل الآخر)

الباب الثالث (باب إعراب المعتل الآخر) إسما كان أو فعلا كما تراه. "يظهر الإعراب بالحركة" نحو: زيد يقوم. "والسكون" نحو: لم يقم. فإن قلت: ظاهره أن الإعراب غير الحركة والسكون وهو خلاف ما تقدم. قلت: الإعراب يطلق تارة على ما مر من حركة أو حرف أو سكون أو حذف، ويطلق تارة على فعل المتكلم بذلك، تقول: أعربت الكلمة بالحركة أو أعربتها بالسكون، أي: جعلتها معربة بواسطة الحركة أو بواسطة السكون على معنى جعل الحركة أو السكون إعرابا لها. فإذا قيل ظهر: إعراب الكلمة بالحركة أو السكون، فالمعنى: ظهر أثر إعرابها بذلك، فالجار والمجرور ظرف لغو متعلق بـ (إعرابها)، وثم مضاف محذوف، أي: أثر إعرابها، والمراد بالأثر حينئذ هو الحركة أو السكون، فكلام المصنف يمشي على الوجه الثاني ولا محذور فيه. "أو يقدر": أي الإعراب "في حرفه وهو آخر

المعرب" وفيه تفصيل: فظاهر هذا الكلام أن الإعراب بالحرف لا يقدر، وهو مخالف لما قاله في باب الإضافة في (مسلمي) رفعا، وكذا ينبغي أن يعد من ذلك [نحو] – {ليسجننه) – وحو: (تأمروني) على اختياره أن المحذوف نون الرفع. قلت: وقد يجاب بأن هذا وإن كان مقدرا، فليس بمقدر في حرف الإعراب الذي هو آخر المعرب، والكلام إنما هو في إعراب يقدر في حرفه وهو مختص بالحركة والسكون "فإن كان" أي حرف الإعراب أو آخر المعرب "ألفا قدر فيه غير الجزم" وهو الرفع والنصب في الاسم والفعل نحو: الفتى يخشى وإن الفتى لن يخشى، والجر في الاسم فقط نحو: [مررت] بالفتى "وإن كان" حرف الإعراب آخر المعرب "ياء أو واوا يشبهانه" أي: يشبهان الألف/ وينبغي أن يضبط (يشبهانه) بالتذكير فيكون حرف المضارعة ياء تحتية؛ لتذكيره ضمير الألف بيقين فكذا قياسه في الآخرين، لمكان التناسب ومعنى كون الواو والياء يشبهان الألف أن يكون قبلهما حركة مجانسة لهما، وهذا القيد لا يحتاج إليه بالنسبة إلى الياء إلا في الأسماء، وأما في الواو فلا يحتاج إليه ضرورة

أنها لا تكون آخر اسم معرب، ولا تكون آخر فعل معرب إلا كذلك نحو: يدعو "قدر فيهما"، أي في الياء والواو "الرفع" نحو: يغزو القاضي ويرمي. "وفي الياء الجر"، ولا يكون ذلك إلا في الأسماء نحو: مررت بالقاضي ولنا ياء تقدر فيها الفتحة، وهي ياء المنقوص الواقعة صدر المركب تركيبا مزجيا نحو: معدي كرب كما ذكره المصنف في باب منع الصرف "وينوب حذف الثلاثة": الألف والواو والياء "إلا في الضرورة" استثناء من منطوق ما تقدم كله ومفهومه لا من المسألة الأخيرة فقط، بدليل ما يذكره بغد من المسائل، وإنما قلنا: ومفهومه؛ لأن كلامه يقتضي بطريق المفهوم ظهور الحركات الإعرابية في غير ما ذكر؛ فلذلك استثنى مواضع من ذلك المفهوم، "فيقدر لأجلها"، أي لأجل الضرورة "جزمها"، أي جزم الثلاثة كقوله: هجوت زبان ثم جئت معتذرا ... من هجو زبان لم تهجو ولم تدع فأثبت الواو مقدرا فيها الجزم.

وكقوله: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد فأثبت الياء مقدرا جزمها، وكقوله: إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق

فأثبت الألف مقدرا جزمها، ومنع بعضهم ذلك في الألف محتجا بأن الواو والياء يتحركان نصبا في النثر ورفعا في الشعر قياسا للرفع على النصب عند الضرورة، فإذا دخل الجازم أسقط تلك الضمة وسلم الحرف المعتل من الحذف، ولا يتأتى ذلك في الألف، لأنها لا تتحرك، وسبب الخلاف اختلافهم فيما حذفه الجازم، فقيل: الضمة المقدرة، فعلى هذا يجوز في الألف وغيرها، وقيل: الضمة الظاهرة، فعلى هذا لا يجوز في الألف. "ويظهر لأجلها"، أي: لأجل الضرورة "جر الياء" في الاسم خاصة كقوله: لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطلب

"ورفعها" في الاسم كقوله: تراه وقد بذ الرماة كأنه ... أمام الكلاب مصغي الخد أصلم بذ: بموحدة وذال معجمة: غلب، ومصغي الخد: مميله، والأصلم: المقطوع الأذنين من أصولهما. وفي الفعل كقوله:

فعوضني عنها غناي ولم تكن ... تساوي عنزي غير خمس دراهم "رفع الواو" كقوله: إذا قلت عل القلب يسلو قضيت ... هواجس لا تنفك تغريه بالوجد "ويقدر لأجلها"، أي: لأجل الضرورة زمنا "كثيرا" أو تقديرا كثيرا "وفي السعة" زمنا "قليلا"، أو تقديرا قليلا "نصبهما"، أي: نصب الياء والواو أما تقدير نصب الياء للضرورة في الاسم فكقوله:

ولو أن واش باليمامة داره ... وداري بأعلى حضر موت اهتدى ليا وأما تقدير نصبها في الفعل فكقوله: ما أقدر الله أن يدني على شحط ... من داره الحزن ممن داره صول الشحط: بشين معجمة على زنة الفرس: البعد. والحزن: بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي ونون: بلاد العرب. وصول: بضم الصاد المهملة: موضع.

وأما تقدير النصب في الواو للضرورة/ فلا يكون إلا في الفعل كقوله: فما سودتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب وأما تقدير نصبه في السعة فكقراءة جعفر الصادق {من أوسط

ما تطعمون أهاليكم} بإسكان الياء وقراءة بعضهم {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} بإسكان الواو. "ورفع الحرف الصحيح" في الضرورة، سواء كان في الاسم كقوله: رحت وفي رجليك ما فيهما ... وقد بدا هنك من الميزر

بإسكان نون هنك، أو في الفعل كقوله: فاليوم أشرب غير ستحقب ... إثما من الله ولا واغل مستحقب: بمعنى مدخر، يقال: احتقب الشيء واستحقبه إذا ادخره والواغل: هو الداخل على القوم في شرابهم ليشرب معهم من غير أن يدعى إليه.

ومثاله في السعة قراءة من قرأ {وبعولتهن} بإسكان الراء. "وجره"، أي جر الحرف الصحيح في الضرورة كقوله: بكل مدماة وكل مثقف ... تلقاه من معدنه في البحر جالبه وفي السعة كقراءة أبي عمرو {فتوبوا إلى بارئكم} بإسكان الهمزة. "وربما قدر جزم الياء في السعة" كقراءة قنبل {إنه من يتقي

ويصبر}، وهذا مبني على أن (من) شرطية، والظاهر تخريج الآية على أن (من) موصولة لا شرطية فإثبات ياء (يتقي) حينئذ) جائز بل هو الواجب، وإسكان الراء ليس جزما وإنما هو تخفيف لحركة الرفع مثل: {وما يشعركم} بإسكان الراء وهو فصيح وإن كان قليلا، وتخريج التنزيل عليه.

الباب الرابع "باب إعراب المثنى والمجموع على حده"

الباب الرابع "باب إعراب المثنى والمجموع على حده" أي على حد المثنى باعتبار سلامة الواحد فيه كسلامته في والمثنى ولحوق حرف علة ونون كالمثنى، وهذا هو جمع المذكر السالم. وكان حق المصنف أن يذكر هذا الباب قبل الكلام على إعرابه الأمثلة الخمسة؛ لأن الخوض في إعراب الاسم ينبغي أن يقدم على الخوض في إعراب الفعل، لكن طول الكلام على إعراب المثنى والمجموع على حده اقتضى إفراده بباب، وقصر الكلام على تلك الأمثلة اقتضى ذكرها في أثناء باب. وكان حقه أيضا أن يعرف كلا من المثنى والمجموع المذكور، إذ هو المقصود بالذات، لكنه عدل عن ذلك إلى تعريف التثنية والجمع فقال: "التثنية جعل الاسم"، أي: سواء كان واحدا كرجلين أو جمعا كجماين، أو اسم جمع كقومين

[وغنمين]، أو اسم جنس كتمرين. قال المصنف: وليس المراد بالجعل وضع الواضع فيدخل زكا وشبهه مما وضع لاثنين بل المراد به تصرف الناطق بالاسم على ذلك الوجه. "القابل" صفة للاسم احترز به عن غير القابل للتثنية، وهو ما تؤدي تثنيته إلى إجماع إعرابين كزيدان وزيدون، أو إلى إفراط الثقل كمساجد ومصابيح، وما استغني عن تثنيته بلفظ آخر غير مثنى، وذلك ألفاظ العدد كلها إلا مائة وألفا وأشياء أخر وعلى الجملة فهذا رد إلى جهالة. "دليل اثنين" إحترازا مما لا يدل على اثنين كالجمع: ونحو: المقصين والجلمين "متفقين في اللفظ" احترازا من مختلفي اللفظ كزيد وعمرو اتفاقا "غالبا" لا دائما، فقد سمع من كلامهم القمران في الشمس والقمر

والعمران في أبي بكر وعمر، ومنه قول عائشة رضي الله عنها: لقد رأينا وما لنا طعام إلا الأسودان التمر والماء.

قلت: هذا الكلام من المصنف صريح في أن مثل القمرين والعمرين مثنى، وهو مخالف لقوله فيما يأتي: وما/أعرب إعراب المثنى مخالفا لمعناه أو غير صالح للتجريد وعطف مثله عليه فملحق به. إذ مقتضى هذا الكلام ألا يكون مثل القمرين والعمرين مثنى ضرورة أنه لا يصلح للتجريد وعطف مثله عليه، وإنما هو ملحق بالمثنى فالتنافي بين الكلامين ظاهر. ولقائل أن يقول أيضا: لا نسلم أن التثنية وقعت في ذلك مع بقاء الاسمين على الاختلاف في اللفظ، وإنما وقعت بعد جعلهما متفقي اللفظ بالتغليب. قال بعض المحققين: وذلك بشرط تصاحبهما وتشابههما حتى كأنها شيء واحد كتماثل أبي بكر وعمر، فقالوا: العمران وكذا القمران والحسنان وينبغي أن يغلب الأخف لفظا كما في العمرين والحسنين، لأن المراد بالتغليب التخفيف فيختار ما هو أبلغ في الخفة بل يغلب المذكر كالقمرين في الشمس والقمر. "وفي المعنى على رأي"، فلا يجوز تثنية المشترك باعتبار مدلولاته المختلفة وعلى هذا الرأي أكثر المتأخرين. قال ابن الحاجب: وهل يجوز أن تأخذ الاسم المشترك فتثنيه باعتبار المدلولين كقولك: عينان، في عين الشمس وعين الماء، فيه خلاف، والظاهر أن

جوازه شاذ، والأكثر المستعمل على خلافه. انتهى. ومما جاء على طريقة القلى قول أبي العلاء: ألم تر في جفني وفي جفن منصلي ... غرارين ذا نوم وذاك مشطب المنصل: السيف. والغراران: بكسر الغين المعجمة النوم القليل وحد السيف. \والمشطب: السيف الذي فيه شطب –على زنة غرف- أي: طرائق في متنه، وعليه قول الحريري في المقامة العاشرة: جاد بالعين حين أعمى هواه ... عينه فانثنى بلا عينين

فهذا وأمثاله عند المحققين مما يحمل على الشذوذ. وقد اورد على هذا المذهب تثنية العلم وجمعه، وتقريره أن نسبة العلم المشترك إلى مسمياته كنسبة المشترك إلى مسمياته، إذ العلم لم يوضع للقدر المشترك بين مسمياته كما أن المشترك كذلك وقد صح أن يقال: الزيدان والزيدون بالاتفاق، فليصح القرءان والقروء. باعتبار المدلولات المختلفة. وأجاب ابن الحاجب عنه بوجهين: تقرير الوجه الأول: أن مسمى العلم ذات الشخص معين من غير نظر إلى حقيقته من كونه آدميا أو غيره فإذا اجتمع معه مسمى آخر مثله فذلك العلم يصح تثنيته لأن مسمى الثاني من جنس الأول، إذ المراد هنا بالجنس ما وضع صالحا لأكثر من فرد واحد لمعنى جامع بينهما في نظر الواضع سواء كانت ماهيتهما مختلفة كالأبيضين لإنسان وفرس، فإن الجامع بينهما في نظره البياض، وليس نظره إلى الماهيتين بل إلى صفتهما التي اشتركا فيها، أو متفقة كما نقول: الأبيضان لإنسانين، والبيض لأفراس، وسواء كان الواضع واحد كرجلين، أو أكثر كالذيدين، فإن نظر كل واحد من الواضعين

في وضع كلمة زيد ليس إلى ماهية ذلك المسمى بل إلى كون ذلك المسمى متميزا بهذا الاسم عن غيره أي ماهية كان حتى لو سمي بزيد انسان وسمي به فرس، فالنظر بالوضعين إلى شيء واحد كما في الأبيضين، وهو كون تلك الذات متميزة عن غيرها بهذا الاسم. وتقرير الوجه الثاني: أنه لو سلم أن العلم الذي فيه اشتراك كالمشترك بالنسبة إلأى مسمياته لم يلزم من صحة الزيدين صحة القرءين للحيض والطهر، لأن القرء إذا كان للحيض فهو اسم جنس إ له بهذا المعنى/أفراد وكذا إذا كان للطهر وقد صح أن يثنى باعتبار فردي أحد الجنسين، فلو عدل عن الاقتصار على ذلك وثني باعتبار فردي الجنسين لأورث لبسا؛ إذ لا يعلم أثنى باعتبار فردي جنس واحد أم باعتبار فردي جنسين، وهذا مفقود في العلم؛ إذ ليس لشيء من مسمياته أجناس. وقال المصنف في شرح الكافية الشافية: منع أكثر النحويين التثنية والجمع في الأسماء المتفقة لفظا المختلفة معنى، والذي أراه الجواز بشرط أمن اللبس كقولك: عندي عينان منقودة ومورودة، وجه ذلك أنه لا خلاف في عود الضمير عليهما عند أمن اللبس كقولك: عندي عين منقودة وعين مورودة

أبحتهما للضيف، فكما اجتمعا في الإضمار يجتمعان في الإظهار، وممن أجاز ذلك ابن الأنباري مستدلا بحديث: "الأيدي ثلاث". قلت: الدليل ضعيف، إذ لا يلزم من مجرد الاجتماع في الإضمار جواز الاجتماع في الإظهار، ثم هذا مخالف لظاهر قوله: على رأي؛ لإشعاره بقلة القائلين به؛ ولإطلاقه هنا في المتن؛ إذ لم يقيده بأمن اللبس. "بزيادة ألف في آخره رفعا" كالزيدان والباء متعلقة بالجعل من قوله أولا: جعل الاسم. أو بدليل/ ورفعا حال من الضمير المضاف إليه "أخر" العائد إلى الاسم من قوله: جعل الاسم. على معنى مرفوعا أو ذا رفع. أو مصدر ليرفع مقدرا والجملة في محل نصب على الحال أي حالة كونه يرفع رفعا. أو ظرف على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أي: وقت رفع. "و" زيادة "ياء مفتوح ما قبلها جرا ونصبا" كالزيدين "تليهما" أي الألف والياء "نون مكسورة"، على أصل التقاء الساكنين، وذلك في الجر والنصب متفق عليه، وأما في الرفع فالشلوبين يرى أنه إذا التقى ساكنان أولهما ألف فالأصل تحريك الثاني بالفتح. فعلة الكسر عنده هنا إرادة الفرق بينهما وبين نون الجمع. "فتحها لغة" وهو قول الكسائي والفراء، لكن خصاه بالياء ومنعاه مع

الألف ثم اختلفا: فالكسائي نقله عن بني زياد بن فقعس، وكان لا يزيدك عليهم فصاحة، والفراء نقله عن بعض بني أسد وأنشد لبعضهم يصف قطاو: على أحوذيين استقلت عشية ... فما هي إلا لمحة وتغيب

الأحوذان: صفة جناحيها يصفها بالخفة والسرعة. قال ابن جني: فتحها بعضهم مع الثلاثة حملا للواحد على الاثنين. يريد بالواحد الرفع وبالاثنين الجر والنصب، وعلى هذا النقل اعتمد المصنف قال ابن جني: قرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد: أعرف منها الوجه والعينانا ... ومنخرين أشبها ظبيانا وغير ابن جني من البصريين لا يجيز الفتح أصلا لا مع الألف ولا مع الياء. وقيل في هذا البيت إنه مصنوع. قال ابن هشام: وهذا عندي مردود، لأن أبا زيد هو الثقة في ما ينقل، وقد كاد أبو علي يصلي بنوادره، وهذا البيت ثابت فيها فوجب اطراح قول منكره، وفيه الشاهد في موضعين، لأن (ظبيانا) تثنية ظبي وهو على حذف مضاف. وقال ابن عصفور: من العرب من يفتحها مع الألف إلا أن ذلك

لم يجئ إلا في لغة من يجعل المثنى بالألف في كل حال. وأنشد البيت، كذا في شرح ابن القاسم وسكت عليه. قلت: وهو من العجب فإن في البيت شاهدا مقبولا على رد هذه الدعوى، وذلك أن قائله قال: (ومنخرين) بالياء/فدل ذلك على أن أصحاب هذه اللغة قد لا يلتزمونها، بل تارة يستعملون المثنى بالألف مطلقا وتارة يستعملونه كاستعمال الجماعة. "وقد تضم" ظاهره مطلقا، أي: مع الألف والياء، وكأنه اعتمد في ذلك ما نذكره، وذلك أن أبا الفتح بن جني قال: ضم نون التثنية واقع في كلامهم وهو من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه. وقال الشيباني: هو لغة. وحكى: هما خليلان. وأطلق، لكن قيد ذلك بعضهم بكون النون بعد الألف خاصة، وسمع من سيدتنا فاطمة –رضي الله عنها- ياحسنان وياحسينان. وأنشد

أبو عمر الزاهد غلام ثعلب في كتاب اليواقيت: يا أبتا أرقني القذان ... فالنوم لا تطعمه العينان القذان: بكسر القاف وتشديد الذال المعجمة: البراغيث، واحده قذة بضم القاف كذا في الصحاح. وحكى شيخنا كمال الدين الدميري في كتابه: حياة الحيوان أنه بالدال المهملة، ونسب ذلك إلة ابن سيده. وقال بعضهم: من العرب من يلزم المثنى الألف ويعربه إعراب المفردات،

وعلى هذا تقول: جاء الزيدان –بضم النون- ورأيت الزيدان-بفتحها ومررت بالزيدان –بكسرها- وذلك قليل جدا. "وتسقط" النون، "للإضافة" وهو قياس كقوله تعالى: {بل يداه مبسوطتان}. "أو للضرورة" كقول الشاعر: قد سالم الحيات منه القدما ..................

أنشده ابن جني وقال: نحن نرويه برفع الحيات ونصب القدم، ورواه البغداديون بنصب الحيات، وقال أراد القدمان، كما قال: كأن أذنيه إذا تشوفا ... فادمتا أو قلما محرفا أراد فادمتان أو قلمان محرفان، والذي يرونه تخال أذنيه، قادمة أو قلما، فالمعنى: تخال كلا من اذنيه. وأجاز الكسائي حذفها في غير الضرورة فيقال في

السعة: قام الزيدا. فإن قلت: قيد بعضهم حذفها للضرورة بأمن اللبس فلا يجوز الحذف في هذان وهاتان، [والمصنف أخل بهذا القيد. قلت: الكلام إنما هو في المثنى وليس هذان وهاتان] منه حقيقة، وإنما هما من الصيغ المراد بها الاثنان فلا ضير في ترك الاحتراز عن مثلهما، نعم يرد مثل: الخوزلان "أو لتقصير صلة". قال ابن قاسم: يشمل صلة (أل) كقوله: خليلي ما إن أنتما الصادقا هوى ... إذا خفتما فيه عذولا وواشيا قيل: ويحتمل افضافة، وصلة غيرها كقوله: أبني كليب إن عمي اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا

قلت: إيراد البيت الثاني شاهدا على تقصير الصلة سهو؛ إذ الذي فيه إنما هو تقصير الموصول لا الصلة. ثم قال ابن قاسم: ونقص المصنف من أسباب حذف النون شبه الإضافة، وذلك في موضعين، أحدهما: إثنا عشر واثنتا عشرة. والثاني قولهم: لا غلامي لك على مذهبه، والواقع قبل الضمير عند الأخفش وهشام في ضارباك، فإن الكاف عندهما في محل نصب. قلت: لا يلزمه الأول لا الأخير؛ لأنه لا يقول به.

"ولزوم الألف" للمثنى في جميع الحالات الثلاث "لغة حارثية" كقوله: إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها

قيل: وهذه اللغة هي: القياس، إذ كانت الألف إنما اجتلبت للدلالة على الاثنين لا لذلك وللرفع إذ كان الإعراب إنما يستحق بالتركيب والألف سابقة عليه. "وما أعرب إعراب المثنى مخالفا [لمعناه] " نحو كرتين في قوله تعالى: {ثم ارجع البصر كرتين .... }، لأن المعنى كرات كثيرة؛ إذ البصر لا ينقلب خاسئا وهو حسير من كرتي بل من كرات كثيرة. "أو غير صالح للتجريد" من علامة التثنية، وهو نوعان: اسم جنس وعلم، فالأول [نحو]: كلبتي الحداد والثاني نحو: البحرين اسم بلد. "وعطف مثله عليه" مثل القمرين، /والعمرين، فإنهما يصلحان للتجريد ولا يصلحان للعطف المذكور؛ لأنه إن وقع عطف بعد التجريد فإنما يعطف الاسم على مخالفه مثل:

القمر والشمس وعمر وأبي بكر. "فملحق به"، أي: بالمثنى، فيلزم ألا يكون مثنى، وقد عرفت ما فيه. "وكذلك كلا وكلتا" ليسا من المثنى حقيقة وإنما هما ملحقان به في الإعراب. "مضافين إلى مضمر" وهذا هو المشهور، وأما إذا أضيفا إلى ظاهر فألفهما لازمة وإعرابهما بحركات مقدرة [عليها] وأظن [أن] ابن المصنف وجه ذلك في شرح الخلاصة بأن الإضافة إلى المضمر فرع عن الإضافة إلى المظهر، والإعراب بالحرف فرع عن الإعراب بالحركات فأعطى كل ما يناسبه في الأصلية والفرعية. "ومطلقا على لغة كنانة" نحو: رأيت كلا أخويك.

قال المصنف: وفي هذه اللغة دليل على ضعف قول من زعم أنهما في لغة الجمهور معربان بحركات مقدرة وأن انقلاب ألفهما جرا ونصبا للتشبيه بألف على ولدى فإنه لو كان كذلك لم تقلبا ياء مع الظاهر في هذه اللغة، إذ لا يجوز ذلك في على ولدى، وأيضا فإن شبههما بالمثنى أقوى من شبههما بعلى ولدى فتعين إلحاقهما بما شبههما به أقوى، وأيضا فإن القلب هنا مع عامل مناسب، بخلاف القلب في ذينك فإنه حادث بغير عامل. "ولا يغني العطف [عن التثنية] " ينبغي أن يقيد بالواو، ففي كتاب التصحيف الكبير للعسكري أنه لا يجوز في (قام زيد فزيد) قام الزيدان، بخلاف قام زيد وزيد.

قال: ولهذا لا يجوز قام زيد فعمرو الظريفان؛ لأن النعت كالمنعوت فكما لا يجتمع المنعوتان في لفظ واحد كذلك نعتاهما. ووقع في بعض النسخ هنا: ولا يغني العطف عن التثنية والجمع وفي شرح المصنف أن ذلك لا يجوز في الجمع؛ لأنه أشق منه في التثنية؛ ولأنه ليس له حد ينتهي إليه. وهذا مخالف لما وقع في النسخة المذكورة.

"دون شذوذ" لم يذكروا عليه شاهدا. "أو اضطروا" كقوله: ليث وليث في محل ضنك ....... ويحكى أنه بلغ الحجاج:

أن رجلا من بني حنيفة باليمامة يقال له جحدر يقطع الطريق فاحتال حتى ظفر به فقال له: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: جفوة السلطان وكلب الزمان وجرأة الجنان، ولو بلاني الأمير لوجدني من صالحي الأعوان. فقال: إني قاذف بك مكبلا في حائر فيه أسد، فإن قتلك كفانا مؤونتك، وإن قتلته أحسنت جائزتك ثم ألقى به إلى الأسد قد أجيع ثلاثة أيام فأقبل إليه يرتجز: ليث وليث في محل ضنك ... كلاهما ذو أنف ومحك ان يكشف الله قناع الشك ... فهو أحق منزل بترك فزأر الأسد وحمل عليه فضربه جحدر بالسيف ففلق هامته، فأعجب الحجاج ذلك وفرض له ولأهله. قوله: في حائر، أي: مكان مطمئن أو بستان أو مكان هو مجتمع الماء. قوله: ذو أنف، أي: ذو استنكاف، تقول: أنف من الشيء يأنف

أنفا وأنفة أي استنكف. والمحك: اللجاج. "إلا مع التكثير" كقول جرير: تخدي بنا نجب أفنى عرانكها ... خمس وخمس وتأويب وتأويب تحدي: بخاء معجمة ودال مهملة أي: تسرع، [يقال]: خدت الناقة تخدي أي: أسرعت. والعرائك: جميع عريكة وهي الطبيعة، والمراد بها هنا لين الانقياد. والخمس: بكسر [الخاء] المعجمة من أظماء الإبل وهو أن ترعى ثلاثة أيام وترد اليوم الرابع. والتأويب: الرجوع. ثم التكثير يحتمل معنيين. أحدهما: أن يراد بذلك أن المعنى ليس على شفع الواحد بل على أكثر من ذلك.

قال ابن الشجري: تقول: /لمن صدر منه ذنب تعنفه [عليه]: قد قد صفحت لك عن ذنب وذنب وذنب [ذنب]، ولمن تعدد عطاء أعطيته إياه: قد أعطيتك مائة ومائة ومائة ومائة. وهذا يؤيد ما وقع في تلك النسخة من قوله: والجمع. الثاني: أن يراد التكثير اللفظي لا المعنوي كأن تكون قد أعطيت شخصا مائتين ثم قال لك بين الناس: هلا أعطيتني مائة؟ فقلت له: قد

أعطيتك مائة ومائة. فهذا في هذا المقام أحسن من أن تقول: مائتين. وظاهر كلام المصنف أن مراده المعنى الأول. "أو فصل ظاهر" كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف" "أو مقدر" كقول الحجاج –وقد نعى له المحمدان ابنه وأخوه-: سبحان الله محمد ومحمد في يوم، أي: محمد ابني ومحمد أخي، وإياهما عني الفرزدق بقوله: إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان مثل محمد ومحمد ووجه ذلك أن الفصل يزيل الثقل الحاصل بالتكرار مع المجاورة لا ما قيل من أن إرادة كل منهما بصفة اقتضت ذلك؛ لجواز قولك: مررت

برجلين كريم وبخيل، وإنما جاز ذلك مع كون الفاصل مقدرا، لأن المقدر بمنزلة المنطوق به، على أن الحكم في ذلك ينبغي أن يعد قليلا، والواقع يشهد به لا كما يفهمه ظاهر عبارة المصنف من التساوي. ولقائل أن يقول: لم لا يكون المبيح لذلك في محمد ومحمد إرادة التكثير اللفظي كما في أعطيتك مائة ومائة، إذ المقام مقام للمصاب وتفخيم لشأنه، فالعطف أليق به كما تقدم؟ "والجمع جعل الاسم" يشمل المفرد كرجل واسم الجمع كقوم والجمع كأكلب. "القابل" احترز به عما لا يقبل الجمع كالمثنى والأسماء المختصة بالنفي كديار وأسماء العدد إلا مائة وألفا، وقد عرفت ما يتوجه عليه من أن هذا حوالة على مجهول، وأراد بالجعل تجديد الناطق حالة للاسم لم يوضع عليها ابتداء فخرجت أسماء الجموع، كذا قال المصنف، وفيه ما لا يخفى. "دليل ما فوق اثنين" فخرج المثنى وما لفظه لفظ الجمع مخالفا لمعناه، نحو: شابت مفارقه، وهو غير مقيس، وقطعت رؤوس الكبشين، وهو مقيس. "كما سبق" إشارة إلى الاتفاق في اللفظ غالبا وفي المعنى على رأي "بتغيير" متعلق بـ (دليل) أو بـ (جعل). "ظاهر" نحو: رجال.: أو مقدر" نحو: فلك فإنه يرد جمعا فتكون الضمة فيه كضمة أسد، ومفردا فتكون ضمته كضمة قفل، وقد خالف المصنف هذا في باب التكسير فصحح أن نحو فلك ودلاص اسم جمع مستعينا عن تقدير التغيير، والذي ذكره هنا هو المشهور.

قال الشلوبين في كتاب التنابيه – [جمع تنبيه]- ما معناه: ثبت لنا أن الجمع إما بزيادة في الآخر أو بتغيير في الكلمة وثبت لنا أن الحركات يقدر تغييرها نحو يامنص على اللغتين، فحملنا نحو: فلك على تقدير التغيير [حملا] على ما ثبت في لغتهم، ولو ادعينا أنه جمع لا على الوجهين السابقين كان ادعاء على العرب ما لم يثبت في لغتهم. وفي عمدة المصنف وشرحها له ان ضمة (يا منص) على اللغتين واحدة، وجعل ضمة البناء على لغة من لم ينو مقدرة في الحرف المضموم كما تقدر في الميم في نحو يا حذام. "وهو"، أي: جعل الاسم القابل دليل ما فوق اثنين كما سبق بتغيير ظاهر أو مقدر هو "التكسير"، سمي بذلك لتغيير بنيته تشبيها بتكسير الإناء. /"أو بزيادة" عطف على (بتغيير)، وقوله: "في الآخر": إما ظرف لغو متعلق بنفس (زيادة)، أو مستقر متعلق بمحذوف صفة لها، أي: زيادة كائنة في الآخر، وهي الواو والنون أو الياء والنون نح: مسلمون ومسلمين، والألف والتاء نحو: مسلمات. واحترز بقوله: "مقدر انفصالها" من زيادتي نحو: صنوان، فإنهما كزيادتي نحو: زيدين، في سلامة نظم الواحد معهما، إلا أن زيادتي

زيدين مقدر انفصالهما لسقوطهما في النسب بخلاف زيادتي صنوان. وقال ابن القاسم: ولوجه آخر وهو أن نونه تسقط للإضافة، بخلاف نون صنوان. قلت: لا يستقيم، فإن الزيادة [في زيدان] [هي] مجموع المدة والنون، وهذا المجموع لا يسقط، وإن سقط بعضه للإضافة فليس المجموع مقدر الإنفصال بهذا الدليل، ثم الزيادة منها الألف والتاء [في] نحو: مسلمات، وإنما يقدر انفصالها باعتبار سقوطها في النسب. وظاهر كلام المصنف يقتضي دخول [نحو] زيدون وزيدين في قوله أولا: بتغيير ظاهر. وذلك لأن هذه الزيادة تغيير للفظ المفرد [قطعا]، ولولا ذلك لم يدخل صنوان تحت قوله: (بزيادة) حتى يحتاج إلى إخراجه بقوله: (مقدر انفصالها). وأما قوله "لغير تعويض" فقد احترز به من سنين وبابه فإن زيادته –وإن كان مقدرا انفصالها- لكنها للتعويض، وذلك أن واحده منقوص يستحق أن يجبر في التكسير برد ما نقص منه، فزيد في آخره زيادتا جمع التصحيح عوضا عن الجبر الفائت له، فإذن ليس هذا بجمع تصحيح وإنما

هو جمع تكسير جرى مجرى الصحيح في الإعراب، واختار بعضهم كونه اسم جمع، وآخرون كونه جمع سلامة لم يستوف الشروط. "وهو التصحيح"، أي: وهذا القسم الثاني [الذي] هو جعل الاسم القابل دليل ما فوق اثنين بزيادة [الخ] هو التصحيح، ويكون لمذكر ومؤنث، وكلامه شامل لهما. "فإن كان" الجمع المذكور وهو جمع التصحيح. "المذكر فالمزيد في الرفع واو بعد ضمة" إما ظاهرة نحو: {أية المؤمنون} أو مقدرة نحو: {وأنتم الأعلون} "وفي الجر والنصب ياء بعد كسرة" إما ظاهرة نحو: {ولا الضالين}، أو مقدرة نحو: {وإنهم عندنا لمن المصطفين}، وكذا أكرمت المصطفين. "تليهما"، أي: [تلي] الواو والياء. "نون مفتوحة" حركت لالتقاء الساكنين وفتحت للتخفيف. "تكسر ضرورة"، أي: لأجل ضرورة تحصل للشاعر بسبب النظم، وذلك لأن الضرورة تبيح مراجعة الأصل كقوله:

عرفنا جعفرا وبني عبيد ... وأنكرنا زعانف آخرين بكسر النون، والزعانف، جمع زعنفة: -بكسر الزاي وإسكان العين المهملة وكسر النون وبفاء تليها هاء تأنيث –وهو القصير. قال الجوهري: وأصل الزعانف أطراف الأديم وأكارعه. "وتسقط" هذه النون "للإضافة" قياسا مطردا نحو: [غير] محلي الصيد} {والمقيمي الصلاة}، فأما قوله:

........................... ... لا يزالون ضاربين القباب فقيل: الأصل ضاربين للقباب فحذف الجار وأبقي عمله على حد قوله: ............................... ... أشارت كليب بالأكف الأصابع

وقيل: القبابي –بيائي النسب- فحذف إحداهما وفي شرح ابن قاسم: أنه حذف الساكنة وسكن المفتوحة على حد قوله: كفى بالنأي من أسماء كافي ... ...................... وفيه نظر؛ إذ الظاهر أنه اعتقد التسكين لغير الوقف، لقوله على حد: "كافي" البيت، والتسكين فيه/ ضرورة لا لأجل الوقف، وهذا لا حاجة إليه في تخريج البيت المتقدم؛ لأنه لما حذف الياء الساكنة للضرورة وقف عليه فحذف حركته وإن كانت فتحة واجب، لأنه اسم غير منون فلا ضرورة فيه من جهة تسكين المفتوح كما هي في "كافي" في ذلك البيت، لأنه منسوب منون، فتسكين المفتوح فيه لأجل الضرورة، إذ لولا التسكين لأبدل من التنوين ألفا فيلزم بقاء الفتحة كما في رأيت قاضيا. "أو" تسقط "للضرورة" كقوله:

ولسنا إذا تأبون بمذعني ... لكم غير أنا إن نسالم نسالم "أو" نسقط "لتقصير صلة" كقوله: الحافظو عورة العشيرة ....................

بالنصب ومثلوا له بقراءة الحسن، (والمقيمي الصلاة) –بالنصب- وليس بقاطع، لما ستعرفه.

على أن أبا علي قال: يجوز أن يكون جمعا وأن يكون واحدا، وأصله: المقيم بالخفض. قلت: قد يخدش فيه ثبوت الياء في رسم المصحف. "وربما سقطت" النون المذكورة لا في وقت اضطرار بل "اختيارا" أي: في وقت اختيار "قبل لام ساكنة" كما قرئ في الشواذ {واعلموا أنكم غير معجزي الله} بالنصب، حكاها أبو زيد، وكما قرئ أيضا فيها {إنكم لذائقو العذاب} بالنصب، حكاه ابن جني. ومن حذفها لملاقاة اللام الساكنة قوله: يقولون ارتحل قتل قريشا ... وهم متكنفو البلد الحراما وكأن الحاذف قدر النون ساكنة على الأصل ثم حذفها للساكنين كما في التنوين أحيانا [قال]:

فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلا [بنصب الاسم الشريف]، وعلى هذا فلا دليل في قراءة من قرأ {والمقيمي الصلاة} بالنصب، على أن حذف النون لتقصير الصلة، لاحتمال كونه لملاقاة اللام الساكنة، وهذا ما كنا وعدناك به قريبا. "غالبا" لا دائما، فإنها قد تسقط في بعض الأحيان لا قبل لام ساكنة كقراءة الحسن {وما هم بضاري به من أحد إلا بإذن الله} وخرجه

الزمخشري على أن طرح النون للإضافة إلى أحد والفصل بينهما بالظرف، ثم سال كيف يضاف إلى أحد وهو مجرور بمن؟ وأجاب بأن الجار جعل جزءا من المجرور، وفيه نظر. فإن قلت: كيف يجتمع قيد الغلبة وقيد المستفادة من (ربما) مع تنافيهما؟ قلت: ليسا راجعين إلى محل واحد حتى يلزم التنافي، بل التقليل راجع إلى سقوطها في الاختيار، والغلبة راجعة إلى سقوطها فيه قبل لام ساكنة بالنسبة على غير ذلك مما [لا] يقع قبله في الاختيار، مع أن كليهما قليل في الكلام، أي: أن سقوطها في السعة [مطلقا] قليل، وهذه القلة تنقسم إلى مغلوبة ومحلها ما سقط فيه التنوين لا قبل لام ساكنة، وإلى غالبة للقسم المتقدم ومحلها ما سقطت فيه قبل لام ساكنة. فإن قلت: فعلى أي وجه تعرب قوله غالبا؟ قلت: أجعله صفة لمصدر فعل محذوف، أي: يقع ذلك، أي: سقوطها قبل لام ساكنة وقوعا غالبا بالنسبة إلى غيره، ولو جعل صفة لمصدر

"سقطت" المذكور، أي: سقطت سقوطا غالبا، مع تقييد الفعل المذكور بقوله: (ربما) المفيد للتقليل، حصل المحذور. وأنت خبير بأنه ينبغي أن يكون المحل الذي يقدر فيه الفعل المحذوف للمصدر هو ما يلي قوله (اختيارا)، بحيث يكون قوله: (قبل لام ساكنة) متعلقا بذلك الفعل المقدر، فتأمله. "وليس الإعراب انقلاب الألف والواو ياء" في الجر والنصب كما هو مذهب الجرمي، وتبعه ابن عصفور، وزعم أنه ظاهر كلام سيبويه نحو: مررت بالرجلين ورأيت/الرجلين في المثنى، ومررت بالزيدين ورأيت الزيدين في الجمع، فالإعراب هو انقلاب الألف ياء في المثنى جرا ونصبا، وانقلاب الواو ياء في الجمع جرا ونصبا، فإذا دخل عامل الرفع لم يغير شيئا، ووجهه أن الألف والواو ثبتتا فيهما قبل التركيب. ورد بمخالفته للنظائر، وبأن تقدير الإعراب إذا أمكن راجح على عدمه بالإجماع، وقد أمكن تقدير مغايرة الألف والواو في: عندي اثنان وعشرون –مثلا- للألف والواو فيهما قبل التركيب، كما تقدر المغايرة في [نحو]، نعم الزيدان أنتما يا زيدان، ونعم

الزيدون أنتم يا زيدون، وإن الرجلين [لا رجلين] مثلهما. "ولا مقدرا في الثلاثة" وينسب هذا القول لسيبويه، ووجه أن أصل الإعراب أن يكون بالحركة، وقد أمكن بحسب التقدير، فليقل به. قال الرضي الإسترباذي: وفهم الإعراب من هذه الحروف يضعف هذا القول. وقال غيره: لا وجه لتقدير الفتحة في الياء، لخفتها، بدليل رأيت القاضي، بل المثنى أبعد عن ذلك، لأن ما قبل يائه مفتوح لا مكسور."ولا مدلولابها"، أي: بالأحرف الثلاثة المذكورة. "عليه"، أي: على الإعراب "مقدرا" في الحرف حال من المجرور بـ (على) "في متلوها" أي: في الحرف الذي يتلوه الأحرف المذكورة كالدال في الزيدان والزيدون والزيدين [والزيدين]، هذا مذهب الخفش والمبرد والمازني والزيادي. ورده المصنف بأن الأحرف المذكورة مكملة للاسم، إذ هي مزيدة لمعنى

كألف التأنيث فلا يكون ما قبلها محلا للإعراب وبأن الإعراب لو كان مقدرا في متلوها لم يحتج إلى تغييرها كالمقصور، وبأن الإعراب إنما جئ به لبيان ما يحدث بالعامل، والحروف وافية بذلك فلا معدل عنها. "ولا النون عوضا من حركة الواحد" وهو مذهب الزجاج، قال: لثباتها مع الألف واللام. واعتذر عن حذفها للإضلافة بأنها زيادة فكرهوا الجمع بين زيادتين، ورد بقيام الحرف مقام الحركات فلا حاجة إلى التعويض "ولا من تنوينه" أي: تنوين الواحد، وهو مذهب ابن كسيان، قال: لحذفها للإضافة، واعتذر عن ثباتها مع الألف واللام بأنها قويت بالحركة فبعدت عن موجب الحذف، ورد بـ "حبليان"، وأجيب بأن فيه تنوينا مقدراـ وكذا كل مالا ينصرف. " ولا منهما"، أي: من حركة الواحد وتنوينه معا، وهو

مذهب [ابن] ولاد وأبي علي وابن طاهر، قالوا: لوجود ححم الحركة مع الألف واللام وحكم التنوين مع الإضافة ويرده ما تقدم "ولا من تنوينين" في جانب المثنى "فصاعدا" في جانب الجمع، وهو قول ثعلب، وله قول في الإعراب يشبه ذلك، ولم يذكره المصنف، وذكره الزجاج في مسأله، قال: وذهب ثعلب إلى أن ألف المثنى عوض من [ضمتين وواو الجمع عوض من] ثلاث ضمات، فيلزمه أنا إذا جمعنا مائة اسم أن يكون الواو عوضا من مائة ضمة. انتهى [بمعناه]، وهذا الإلزام وارد في النون أيضا. "خلافا لزاعمي ذلك"، وقد عرفت من ذهب إلى كل واحد من المذاهب السابقة على التعيين. /"بل الأحرف الثلاثة إعراب" على ما اختاره المصنف

وابن الحاجب وجماعة من المحققين؛ وذلك لأن الحركات استوفتها الآحاد، مع أن في آخر هذين –أعني المثنى والمجموع على حده- ما يصلح لأن يكون إعرابا من حروف المد، ومن ثم أعرب المكسر وجمع المؤنث السالم بالحركات، وإنما أعربا –أعني المثنى وجمع المذكر السالم- هذا الإعراب المعين لأن الألف كان قد جلب قبل الإعراب في المثنى علامة للتثنية وكذا الواو في الجمع لمناسبة الألف لخفته لقلة عدد المثنى والواو لثقله لكثرة عدد الجمع ثم أرادوا إعرابهما، فإن صوغ المثنى والمجموع متقدم لا محالة على إعرابهما، فحصل فيها ما صلح لأن يكون إعرابا، وأسبق الإعراب الرفع لأنه علامة العمد، فجعلوا ألف المثنى وواو الجمع علامتي الرفع فيهما، فلم يبق من حروف اللين –وهي التي هي أولى بالقيام مقام الحركات- إلا الياء للجر والنصب في المثنى والمجموع، والجر أولى بها، فقلبت ألف المثنى وواو الجمع في الجر ياء فلم يبق للنصب حرف فأتبع الجر دون الرفع لكونهما علامتي الفضلات بخلاف الرفع. "والنون لرفع توهم الإضافة" في بعض الصور نحو: عجبت من بنين كرماء وبنين كرام، ومررت بناصرين باغيين [تريد بباغيين] الصفة لا]] المفعولية. "أو" لرفع توهم "الإفراد" كالخوزلان تثنية الخوزلى في لغة،

والتمثيل لذلك بنحو: هذان كما فعل ابن قاسم ليس بجيد، لأن (هذان) ليس بمثنى حقيقة، وإنما هو على صورة المثنى، ومثال توهم الإفراد في الجمع: مررت بالمهتدين وبالقاضين، ثم حمل ما لم يوجد فيه هذا التوهم على ما وجد فيه، ليجري الباب على سنن واحد. "وإن كان التصحيح لمؤنث أو محمول عليه فالمزيد ألف وتاء" لأولويتهما به من حيث إن كلا منهما جاء للتأنيث والجماعة: أما مجيء الألف للتأنيث ففي نحو: حبلى، وأما للجمع ففي نحو: رجال، وأما مجيء التاء للتأنيث فظاهر، للجمع في (كمأة)، فإنها جمع كمء، وكمأة وكمء عكس تخمة وتخم. "وتصحيح المذكر" باعتبار المسمى لا باعتبار اللفظ، إذ لا خلاف أنك لو سميت رجلا بزينب أو أسماء أو سلمى جمعته بالواو والنون، وانظر لأي شيء امتنع طلحون وقيل طلحات، فأعطى حكم المؤنث اعتبارا، بلفظه، وقيل: -في العدد- ثلاثة طلحات، بإلحاق عدده حرف التاء على إعطائه حكم المذكر اعتبارا بمعناه؟ ، ولأي شيء قيل: زيينب، فلم ترد التاء في التصغير تنزيلا للحرف الزائد منزلة طلحة؟ . "مشروط بالخلو من تاء التأنيث" فلا

يجمع نحو: طلحة وحمزة وهبيرة بالواو والنون. "المغايرة لما في عدة وثبة علمين". قال ابن قاسم: المراد بهما كل ما كانت التاء فيه عوضا عن الفاء كعدة أو عن اللام كثبة، فإن هذا النوع إذا كان علما لمذكر جمع بالواو والنون نحو: عدون وثبون. قلت: الذي ينبغي أن يؤخذ في عدة وثبة ثلاثة قيود: أحدهما: كون التاء عوضا حتى إذا كانت لغير عوض لم يجمع ما هي فيه هذا الجمع. الثاني: كون اللام صحيحة حتى إذا كانت حرف علة امتنع جمعه هذا الجمع. فإن قلت: وقع في خطبة المخصص لابن سيده: أن أصل لغة لغوة، قال: ونظيرها كرة وقلة وثبة لامها كلها واو. فإذا كان كذلك لم يتأت التقييد بما ذكرته من كون اللام صحيحة؛ لأن لام ثبة واو النص.

قلت: في/صحاح. [الجوهري]: والثبة وسط الحوض الذي يثوب إليه الماء، فالهاء هنا عوض من الواو الذاهبة من وسطه. انتهى. فأصله إذن: ثوبة؛ لأنه من ثاب يثوب إذا رجع، فهذا معارض لما في المخصص، على أن ابن سيده قد قال هناك: ولأن الثبة كأنها مقلوب ثاب يثوب. فاعترف بأنها ذات لام صحيحة في الأصل. القيد الثالث: كون الكلمة لا تكسير لها قبل العلمية، وهذه حالة عدة وثبة، حتى إذا كانت قد كسرت قبل العلمية نحو: شفة وشفاه، امتنع جمعها جمع تصحيح بالواو أو الياء والنون، فتأمله. "و" مشروط أيضا بالخلو "من إعراب بحرفين"، فلا يجمع نحو زيدين وزيدين مسمى به هذا الجمع، وهذا الشرط والاثنان بعده شروط لصحة الجمع عموما لا لجمع المذكر خصوصا، وكلامه يوهمه، وكلها خارجة من قوله –فيما تقدم-: الاسم القابل. إلا أن ذاك إجمال وهذا تفصيل. "و" مشروط أيضا [بالخلو] "من تركيب إسناد" نحو:

تأبط شرا وبرق نحره. "أو" تركيب "مزج" نحو: بعلبك وسيبويه. وفي الصحاح للجوهري: عمرويه، ذكر المبرد في تثنيته وجمعه العمرويهان والعمرويهون. وذكر غيره أن من أعرب سيبويه وعمرويه ثناه وجمعه. ولم يشترط ذلك المبرد. فمقتضى كلامه أن جمع ذلك حين الإعراب قول الجميع وأن محل الخلاف ما إذا بني وأن المبرد لا يشترط الإعراب وأن اشتراطه هو قول الجميع وأن محل الخلاف ما إذا بني وأن المبرد لا يشترط الإعراب وأن اشتراطه هو قول الأكثرين، ويؤيد ذلك قوله في فصل ويه: ومن قال [جاء] سيبويه ورأيت سيبويه وأعربه كإعراب ما لا ينصرف ثناه وجمعه، ومن بناه يقول في التثنية ذوا سيبويه وكلاهما سيبويه، ويقول في الجمع: ذوو سيبويه وكلهم سيبويه. وعلى هذا نقول: المصنف مخالف للجميع، وذكر أبو حيان خلافا في المختوم بويه من المركب المزجي هل يثنى ويجمع جمع المذكر؟ ، وأن الذين أجازوا ذلك جوزوا سيبون وسيبويهون، ولم يقيد ذلك بمن أعرب ولا بمن بنى، ولا ذكر خلافا في معدي كرب ونحوه، ولا قيد الخلاف بما قيده الجوهري، فكلام الثلاثة متخالف "و" مشروط أيضا "بكونه" أي: كون المذكر "لمن يعقل" كزيد وفاضل. "أو مشبه به"، أي: بمن يعقل كقول الشاعر يصف قوسا وسهامها. محالفتي دون الأخلاء نبعة ... ترن إذا ما حركت وتزمجر

لها فتية ماضون حيث رمت بهم ... شرابهم قان من الدم أحمر قلت: المراد بالنبعة القوس وبالفتية السهام، والشاهد في قوله ماضون. وما أحسن قول بعض الشعراء [المتأخرين] ملغزا في القوس والنشاب: ما عجوز كبيرة بلغت عمرا طويلا وتتقيها الرجال وقد علا جسمها اصفرار ولم تشك سقاما ولا عراها هزال ولها في البنين سهم وقسم ... وبنوها كبار قدر نبال وأراه لم يشبهوها ففي الأمم ... اعوجاج وفي البنين اعتدال "علما" قال المازني: غير معدول، فلا يجوز في نحو: عمر أن يجمع هذا الجمع، بل ألا يثنة ولا يجمع مطلقا. فإن قلت: إذا قيل: الزيدون، فقد وقع الجمع في غير علم، ضرورة أن تثنية العلم وجمعه يقتضي إخراجه عن حقيقة كونه علما، إذ يصير نكرة، لأن العلم إنما/ يكون معرفة على تقدير إفراده لموضوعه، لأنه لم يوضع علما إلا مفردا، فإذا قصد إلى تثنيته وجمعه فقد زال معنى العلمية منه فصار نكرة. قلت: معنى كلامهم أن الاسم إذا كان علما بشروطه صح إيراد الجمع عليه، وذلك بعد أن تنكره، وليس المراد [منه] أنه بقي علما وجمع وهو على

تلك الحالة، وهذا مما يحاجي به فيقال: أمر اشترط وجوده لحكم فإذا وجد لم يثبت ذلك الحكم إلا بعد إزالة ذلك الأمر الذي اشترط وجوده، فصار في الحقيقة وجوده شرطا للإقدام على الحكم، وعدمه شرطا لثبوت ذلك الحكم. وقد عن لي أن أنظم ذلك لغزا فقلت: أيا علماء الهند لا زال فضلكم ... مدى الدهر يبدو في منازل سعده ألم بكم شخص غريب لتحسنوا ... بإرشاده عند السؤال لقصده وها هو بيدي ما تعسر فهمه ... عليه لتهدوه إلى سبل رشده فيسال ما أمر شرطتم وجوده ... لحكم فلم تقض النحاة برده فلما وجدنا ذلك الأمر حاصلا ... منعتم ثبوت الحكم إلا بفقده؟ وهذا لعمري في الغرابة غاية ... فهل من جواب تنعمون بسرده؟

"أو مصغرا" نحو: رجيلون، فلا تشترط فيه العلمية لتعذر تكسيره. "أو صفة تقبل تاء التأنيث" نحو: ضارب، فإنه يقال في مؤنثه: ضاربة، فإن لم يقبلها امتنع جمعه هذا الجمع نحو أحمر وسكران في لغة غير بني أسد ونحو صبور وقتيل. قال ابن القاسم: ويستثنى من ذلك أفعل التفضيل غير المقرون بمن، فإنه يجمع هذا الجمع وإن كان صفة يقصد فيها التأنيث، ولا يقبل التاء. قلت: فيتوجه الاعتراض على المصنف، وفي بعض النسخ تقييد تاء التأنيث بإطراد، احترازا من نحو: مسكين فإنهم قالوا في مؤنثه، مسكينة، ومع ذلك فالقياس ألا يقال: مسكينون وإن كانوا قد قالوه؛ لأن دخول التاء في مسكينة لا ينقاس. "إن قصد معناه" جعلوه شرطا احترز به عن نحو: راوية وعلامة، فإنه صفة تقبل التاء عند عدم قصد معنى التأنيث فلا يجمع هذا الجمع. قال ابن قاسم: وما كان مختصا بالمذكر نحو خصي يجوز جمعه بالواو والنون؛ إذ لا يقصد به معنى التأنيث.

قلت: يعني أن انتقاء القبول المذكور يصدق بصورتين: كونه ذا مؤنث ولا يقبل التاء، وكونه لا مؤنث له. قال ابن هشام: والذي عندي أن هذا لم يخرج مخرج الشرط بل مخرج البيان للمحل الذي يقبل فيه التاء. ويدل على أنه لم يرد بهذا الكلام تقييدا واحترازا من شيء أنه لم ينبه على ذلك في شرحه.\ "خلافا للكوفيين في" الشرط "الأول"، وهو الخلو من تاء التأنيث فأجازوا طلحون واقتصر جمهورهم على ذلك، وبعضهم يقول: تفتح عين الكلمة. "و" في الشرط "الآخر" بكسر الخاء، وهو قبول تاء التأنيث عند قصد معناه، استدلوا على ذلك بقول الشاعر:

منا الذي هو ما إن طر شاربه ... والعانسون ومنا المرد والشيب فجمع عانسا، وهو من الصفات التي تقع على المذكر والمؤنث بلفظ واحد. " وكون العقل لبعض مثنى" كقولك في رجل وفرس: هما سابقان. "أو مجموع" كقولك في رجل وفرسين. هم سابقون. "كاف"، وإدخال المثنى في هذا الحكم سهو، لأن العقل غير شرط فيه قطعا. "وكذا التذكير" [وذلك] عند اجتماع مذكر ومؤنث فصاعدا. "مع اتحاد المادة" الأصلية نحو: قائم وقائمة وقائم وقائمتين، فتقول: قائمان وقائمون، وأما عند /اختلاف المادة فلا يأتي ذلك، ولا يجوز التغليب حينئذ، وفيه نظر. قلت: واشتراط اتحاد المادة تكرارا؛ لأن الاتفاق في اللفظ مأخوذ في تعريف كل من التثنية والجمع فلا حاجة إلى ذكره هنا. "وشذ ضبعان في ضبع وضبعان"، من حيث تغليب المؤنث –وهو ضبع- على المذكر وهو ضبعان وكأنهم فعلوا ذلك لإيثار الخفة فإن ضبعا أخف من ضبعان، وكذا فعلوا في الجمع فقالوا: ضباع ولم يقولوا ضباعين. وحكى ابن الأنباري أن ضبعا يقع على المذكر فلا تغليب إذن.

"وما أعرب مثل" إعراب "هذا الجمع" بالواو والياء "غير مستوف للشروط فمسموع"، أي: مقصر على السماع فلا يتعدى "كـ {نحن الوارثون} " مرادا به الباري سبحانه. ولا يخفى [أن] معنى الجمعية في أسماء الله ممتنع، وما ورد منها بلفظ الجمع فهو للتعظيم يقتصر فيه على محل وروده ولا يتعدى، فلا يقال: الله رحيمون، قياسا على ما ورد. "وأولي"، لأنه ليس له مفر ألحقت به علامة الجمع، وإنما هو معرب إعراب جمع المذكر السالم وليس به. "وعليين". قال المصنف وشارحو كلامه: هو اسم لأعلى الجنة كأنه في الأصل فعيل من العلو، فجمع ما يعقل وسمي به أعلى الجنة. قلت: فيلزم على هذا ألا يكون فيه شذوذ، لأنه يكون علما منقولا عن جمع، ولا ينفعهم أن يدعوا أنه جعل من باب المسموع لا المقيس لكونه لما لا يعقل، بخلاف نحو: زيدون –علما-؛ لأنه لو سمي فرس بـ (زيدون) استحق [هذا] الإعراب، ألا ترى إلى قنسرين ونصيبين؟ ولا ينفعهم أيضا أن يقولوا:

علي في الأصل غير علم لا صفة، لأن المصنف قد صرح بأنه إذا سمي بالجمع على سبيل النقل –يعني عن الجمع- أو على سبيل الاتجال –يعني بصيغة تسبه صيغة الجمع- ففيه تلك اللغات. [قال] ويؤيده أننا لا نعرف قنسرا ولا نصيبا ولا يبرا في يبرون أعلاما ولا صفات نعم لو قيل: إن (عليين) غير علم، بل هو جمع علي وصفت الأماكن المرتفعة كان شاذا لعدم التذكير والعقل. "وعالمين"، سواء قلنا: إنه جمع لعالم كما تقدم في شرح الخطبة؛ لأنه اسم جنس وليس بعلم ولا صفة، أو قلنا: بأنه اسم مخصوص لمن يعقل كما يقوله المصنف. فإنه ادعى ذلك ومنع كونه جمعا لعالم قال: لأن العالم عام والعالمين خاص، وليس هذا شأن الجموع. ولذلك أبى سيبويه أن يجعل الأعراب جمع عرب، لأن العرب يعم الحاضرين والبادين، والأعراب خاص بالبادين. ووجه شذوذه على هذا الرأي واضح، لكونه ليس جمعا.

"وأهلين" لأنه جمع لأهل وليس بعلم ولا صفة، وحسن جمعه على شذوذه أنه قد يستعمل بمعنى: (مستحق)، فيقال: هو أهل لذلك، أي: مستحق له. "وأرضين" بفتح الراء وحكي إسكانها، ووجه الشذوذ فيها ظاهر. "وعشرين إلى التسعين"، إذ من المعلوم أنها غير جموع وأنها فاقدة للشروط وأغرب الرضي الإستراباذي حيث قال: ولنا أن نحد المثنى بأنه اسم دال على مفردين في آخره ألف أو ياء ونون مزيدتان، فيدخل فيه اثنان ونحوه، ونحد جمع المذكر السالم بأنه اسم دال على أكثر من اثنين في آخره واو أو ياء ونون مزيدتان، فيدخل فيه أولو وعشرون وأخواته. "وشاع هذا الإستعمال" وهو الجمع بالواو والنون أو بالياء والنون. "في ما لم يكسر" لا في ما كسر نحو: شفة وشفاه وشاة وشياه. "من" اللفظ "المعوض من لامه" لا من فائه نحو: / عدة ورقة، ولا من عينه نحو: ثبة كما تقدم، فلا يجمع هذا الجمع حتى يصير علما لمن يعقل. "هاء تأنيث" لا تاء تأنيث ليخرج نحو: بنت وأخت، فإن المعوض من لامه تاء

التأنيث لا هاء التأنيث "بسلامة فاء المكسورها"، أي: المكسور الفاء، فتبقى الكسرة ولا تبدل نحو: عضة وعزة. قال تعالى: {الذين جعلوا القرآن عضين}، وقال تعالى: {عن اليمين وعن الشمال عزين}، ونحو: رئة، قال الشاعر: فغظناهم حتى أتى الغيظ منهم ... قلوبا وأكبادا لهم ورئينا ونحو: مائة ومائتين "وبكسر المفتوحها"، أي: المفتوح الفاء، فلا تقر فتحته بل تكسر وتزال الفتحة نحو: سنين في سنة. قال المصنف: وقد روي ضمها. "وبالوجهين"، وهما سلامة الفاء –أي: إقرار ضمها على ما هو عليه –وحذفه والإتيان بالكسر. "في المضمومها"، أي: المضموم الفاء نحو: قلة وثبة وإن قيل: بأنهما من الواوي اللام كما مر عن ابن سيده فنقول فيهما: قلون وثبون بضم القاف والثاء وكسرهما.

ولامات هذا الباب أنواع: إما هاء أو واو أو ياء، فمائة ورئة من اليائي، لقولهم مأيت الدراهم، أي: جعلتها مائة، ورأيت الصيد، أي: أصبت رئته، وصرح الجوهري بأن لام عزة ياء ولام عضة إما واو أو هاء. "وربما نال هذا الاستعمال ما كسر". قال ابن قاسم: نحو: ظبين، جمع ظبة، وهي طرف السيف، وقد كسروها على ظبا، ولامها واو، لقولهم: ظبوته إذا أصبته بالظبة، وكذا برة، جمعوها على برين، وقد كسروها على برى. انتهى. والبرة: حلقة من صفر تجعل في لحم أنف البعير. وقال الأصمعي: تجعل في احد جانبي أ، ف البعير، قال: وربما كانت البرة من شعر وهي الخزامة. وقد يقال: إن ظبا وبرى من أسماء الأجناس فلا يدخلان تحت قوله: ما كسر. "ونحو رقة"، بالنصب عطفا على مفعول (نال)، وهو ما كسر، أي: ونال نحو رقة [وهي الفضة]، فإنهم قالوا في جمعها: رقين، كذا في شرح المصنف و [هي]

على هذا مما حذفت فاؤه، وعوض منها هاء التأنيث. وفي المحكم ما نصه: الرقون النقوش والرقون: بفتح الراء ورفع [النون] الدرهم، سمي بذلك للترقين الذي فيه، يعنون به الخط [كذا] عن كراع، قال: ومنه قولهم: وجدان الرقين يغطي أفن الأفين، وأما ابن دريد فقال: وجدان الرقين يعني جمع رقة وهي الورق. انتهى بحروفه. وكلام المصنف إنما هو على قول ابن دريد. "و [نحو] إحرة وإضاة وإوزة" بكسر همزاتهن، أما إحرة فظاهر كلامهم أن المسموع فيها حرة بدون همزة، وهي أرض ذات حجارة سود لكنعم قالوا في جمعها: حرون وإحرون [الهمزة]. قال الجوهري: كا، هـ جمع إحرة تقديرا؛ لأنهم لا يقولون إحرة. وأما الإضاة

فهي الغدير الصغير. وفي الصحاح: الإضاة الغدير، والجمع أضا، مثل: قناة وقنا. وظاهره أنه مفتوح الهمزة. قال السيرافي: المشهور فيه القصر، ولا أعلم أحدا ذكر فيه المد إلا سيبويه. وقيل في جمع المقصور أضاء. قال: ........................... ... فهن أضاء صافيات الغلائل

وأضي على فعول، وإضون وهو شاذ، لأنه ليس بمحذوف اللام. ولا تظن أن فيه شذوذا آخر، وهو كونه قد كسر؛ لأن اشتراط انتقاء التكسير إنما هو لمحذوف اللام، فإنه إذا كسر ردت لامه فلا يستحق التعويض، فأما ما لم يحذف منه شيء فتكسيره وعدم تكسيره سيان؛ لأن اللام ثابتة فيه نفسه، فلا يضره التكسير ولا ينفعه. وفي التذكرة/ لأبي علي الفارسي: إنما قالوا: إحرة وإحرون وإوزة وإوزون، مع أنه لا نقص فيه فيجبر كما في: ثبة، ولا هو ثلاثي مجرد من التاء فيعوض من التاء الذاهبة، بل هو رباعي، والرباعي يقوم رابعه مقام التاء؛ لأنه مضاعف، والتضعيف اعتلال، ويحذف في القوافي والأسجاع نحو: من سر ومن ضر ومن إنس ولا جان، فكأنه ثلاثي فعوض كما في: أرض، وإن شئت قلت: لما ألحقوا التاء في تصغير وراء

قدام وأمام وإن تجاوزت الثلاثة جمعوا هذين وإن تجاوزوا الثلاثة. وإن شئت قلت: لما لم تثبت الهمزة في واحد إحرون لم يعتدوا بها في العدة لعروضها فكان كأنهم إنما جمعوا ثلاثيا وكذلك إوزون، لأنهم قالوا: إوزة، فالهمزة غير لازمة، وإن شئت قلت: لما كانت الهمزة في إحرون إنما لحقت للتكسير كما كسروا سين سنين لذلك، كان بمنزلة الحركة فلم يعتد بها، وهم مما يقيمون الحركة مقام الحرف وبالعكس. "وقد يجعل إعراب المعتل اللام في النون" كقوله: الو نسق الحجيج سلي معدا ... سنينا ما نعد لها حسابا أنشده الفراء وقد يتجه على المصنف هنا مناقشة، تقريرها أن يقال: المعتل اللام هو ما لامه حرف علة فيخرج عنه [نحو]: سنون على من جعل لام مفرده هاء فقال: سنهات، وعضون، في من جعل لام مفرده هاء فقال: إن أصله عضهة، وأنه بلغة قريش السحر، ويسمون الساحر عاضها. قال: أعوذ بربي من النافثا ... ت في عقد العاضه المعضه

فلو قال المصنف: المحذوف اللام لسلم من ذلك، "منونة غالبا" نحو: "اللهم اجعلها [عليهم] سنينا كسنين يوسف، ومنهم من لا ينون وهم تميم، حكاه عنهم الفراء. "ولا تسقطها الإضافة" نونت أم لم تنون. قال الشاعر: دعاني من نجد فإن سنينه ... لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا

ومنه الحديث المتقدم " ... كسنين يوسف" "وتلزمه الياء" في جميع الحالات. "وينصب"، أي: المعتل اللام المعوض من لامه هاء التأنيث "كائنا بالألف والتاء بالفتحة"، الجار الأول متعلق بـ (كائنا) والجار الثاني بـ (ينصب). فإن قلت: (كائن) يدل على كون عام، فيكون واجب الحذف. قلت: قد يجتمعان قليلا كما ستعرفه في باب المبتدأ –إن شاء الله تعالى- "على لغة" كما صرح به ثعلب، وحكى الكسائي: سمعت لغاتهم –بفتح التاء-، وحكى ابن سيده رأيت بناتك. قال المصنف: ولا يعامل نحو عدة من المعتل الفاء هذه المعاملة و [قد] حكي أن ذلك مسموع في بعضه. قالوا: حفرت إراتك، بكسر أوله وفتح آخره، وهو جمع إرة: فعلة من وأرت إره أئرها وأرا، [إذا] حفرت حفيرة يطبخ فيها. "مالم يرد إليه المحذوف"، أي: مدة انتقاء رد المحذوف إليه، فـ (ما) مصدرية ظرفية وعامل الظرف (ينصب). واحترز

المصنف بذلك من نحو: سنوات جمع سنة وعضوات جمع عضة، فإنه ينصب بالكسرة قولا واحدا لرد المحذوف إليه. "وليس الوارد من ذلك واحدا مردود اللام خلافا لأبي علي" الفارسي، فإنه زعم أن ما يتخلل جمعا في قولهم سمعت لغاتهم، وخرجت النحل ثباتا، هو مفرد ردت لامه، وأصله: لغوة وثبوة، فقلبت الواو ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، ورده المصنف: باقتضائه الاشتراك، وهو خلاف الأصل، والجمع بين العوض والمعوض منه، وبأن النحل إذا دخن عليهن خرجن جماعات لا جماعة. والجواب: أنه معارض بأن الجمع الذي بألف وتاء لا ينصب بالفتحة وأن التاء حينئذ بمنزلتها في حصاة ونواة، وأنهن لازدحامهن وخروجهن دفعة جعلهن كأنهن/جماعة واحدة.

والذي على المصنف من الإشكال أنه لم يحك خلافا في أصل المسألة، مع أن البصريين يمنعونها، ونقله تخريج أبي علي من البصريين، وإن اقتضى المخالفة، ولكنه لا يستلزم مخالفة الباقين. وينبغي على قول أبي علي أن يكتب: سمعت اللغاة، بالهاء لا بالتاء، لأن الوقف كذلك للمذكر والمؤنث.

الباب الخامس (باب كيفية التثنية وجمعي التصحيح)

الباب الخامس (باب كيفية التثنية وجمعي التصحيح) "الاسم الذي حرف إعرابه ألف لازمة مقصور" قال ابن قاسم: الاسم أخرج الفعل، نحو: يرضى، و (الذي حرف إعرابه) أخرج المبني، نحو: إذا ومتى، و (ألف) أخرج المنقوص، (ولازمة) أخرج المثنى [المرفوع على اللغة المشهورة والأسماء الستة حالة النصب. قلت: لم يدخل الفعل في شيء حتى يخرج، نعم لو قال: المعرب الذي هو اسم، لتأتي ذلك. وقوله: لازمة أخرج المثنى] رفعا والأسماء الستة نصبا، منظور فيه، وذلك لأن حرف الإعراب يطلق بالاشتراك في العرف على الحرف الذي يكون نفسه إعرابا كألف (الزيدان) رفعا عند من يقول بأنه معرب بالحرف، وعلى الحرف الذي يكون نفسه معتقبا لأنواع الإعراب لفظا كالدال من زيد، أو تقديرا كالألف من العصا، فإن أراد الأول فخطأ؛ ضرورة أنه لا شيء مما يعرب بالحروف تكون ألفه لازمة، حين هو معرب بالحروف، وإن أراد الثاني فلا حاجة إلى الاحتراز عن نحو المثنى المرفوع، ضرورة أنه لم يدخل أولا حتى يخرج ثانيا. وأقرب ما يقال فيه عندي أن المصنف لم يذكر

قوله: (لازمة) للاحتراز، وإنما نصبه قرينة لكونه أراد بحرف الإعراب الوجه الثاني، وهو ما يكون معتقبا لأنواع الإعراب "وإن كان" حرف إعرابه "ياء لازمة تلي كسرة فمنقوص"، وقدره ابن قاسم بقوله: فإن كان حرف الإعراب في الاسم، وقال: فخرج بالاسم نحو: يرمي وبحرف الإعراب المبني نحو: الذي، وبقوله: لازمة ما حرف إعرابه ياء غير لازمة كالأسماء [الستة] حالة الجر وجمع المذكر السالم حالة النصب والجر عند من يجعل ياءه حرف إعراب وبقوله: تلي كسرة نحو: ظبي ورمي. [قلت] وقد علمت ما يتوجه على قوله: إنه احترز بألف لازمة عما ذكره من المؤاخذة، وعلمت وجه الصواب في فهمه [فاعتمده]. وسمي الأول مقصورا لأنه قصر عن ظهور الإعراب فيه، وقيل لأنه لم يمد. وسمي الثاني منقوصا لذهاب يائه مع التنوين، وقيل: لذهاب ضمته وكسرته من اللفظ. "فإن كان" حرف إعرابه "همزة تلي ألفا زائدة فممدود". قال ابن قاسم فخرج بحرف الإعراب نحو: أولاء إسم إشارة أو موصولا، فإنه مبني لا يسمى ممدودا، وبقوله: تلي ألفا زائدة، نحو: داء وماء، فإن الألف في هذا البيت ليست زائدة، وإنما هي بدل من أصل. قال: وذكر الاسم في هذا الحد مستغنى عنه، إذ لا يوجد فعل آخر همزة

تلي ألفا زائدة، وزعم بعضهم أن ذلك قد وجد ومثل له أبو حيان بقول زهير: فلم أر معشرا أسروا هديا ... ولم أر جار قو يستباء إذ هو يفتعل من سبأ. قال ابن هشام: ويمثل له عندي بأمثلة كثيرة لا تنحصر، وذلك على قول

يونس: إن نون التوكيد الخفيفة تقع بعد الألف، وأنها تبدل في الوقف ألفا، فإذا التقى ألفان أبدلت الثانية همزة، فتقول: في اضربان يا زيدان اضرباء. قلت: الكلام إنما هو في فعل آخره همزة تلي ألفا زائدة، وليس شيئ مما أشار إليه من الأمثلة التي لا تنحصر صالحا لأن يمثل به لما نحن فيه، فإن الهمزة الواقعة في اضرباء ليست آخر الفعل وإنما آخره الباء [الموحدة] والألف اللاحقة له ضمير /الاثنين فهي كلمة أخرى، والهمزة بدل عن الألف التي هي بدل عن نون التوكيد التي هي كلمة أخرى فأين هذا من كلمة واحدة هي فعل آخره همزة بعد ألف زائدة؟ "فإذا ثنى غير المقصور والممدود الذي همزته بدل من أصل" نحو: كساء ورداء. "أو زائدة" نحو: حمراء. "لحقت العلامة دون تغيير"، فتقول: زيدان ووضاءان، من غير تغيير للمفرد. وقد يعترض بنحو: قائم وقائمة، فإنك تقول [فيه]: قائمان.

ويجاب بأنه مفهوم مما أشار إليه قبل هذا بقوله: وكذا التذكير مع اتحاد المادة. فحكم بتغليب المذكر على المؤنث، وحينئذ فالعلامة إنما لحقت بقائم لا بقائمة فلا حذف. "ما لم تنب عن تثنية غيره" مفهوم هذا أنه إذا نابت عن تثنيته تثنية غيره لا تلحقه العلامة دون تغيير، أي بل تلحقه مع التغيير، وليس هذا غرض المصنف. فإنهم قالوا: أشار بذلك إلى (سواء) في اللغة الفصحى، فإنه لا تلحقه علامة التثنية أصلا، أي لا يثنى فيقال: هما سواءان لاستغنائهم بتثنية (سي) عنه حيث قالوا: هما سيان. قالوا: وأشار بذلك إلى ألي وخصي، فإنه لا يثنى أصلا، فلا يقال: أليان و [لا] خصيان، استغناء بتثنية ألية وخصية حيث قالوا: أليتان وخصيتان، على أن أبوي زيد وعمرو حكيا: هما سواءان. وقال المبرد: من قال ألية قال أليان، ومن قال خصية قال خصيتان. قال ابن قاسم: واعلم أن همزة سواء منقلبة عن ياء، وأصلة سواي، فلم يدخل تحت قوله غير المقصور والممدود الذي همزته بدل عن أصل أو زائدة، لأنها بدل عن أصل فلم يكن هذا موضع استثنائها.

"وإذا ثني المقصور قلبت ألفه واوا إن كان ثالثة بدلا منها"، أي من الواو نحو: عصا لقولهم: عصوته، أي ضربته بالعصا، فتقول: في تثنيته عصوان. "أو" كانت الألف "أصلا أو مجهولة ولم تمل"، وهو قيد راجع إلى الأصل والمجهولة، فمثال الأصلية غير الممالة إلى وإذا –علمين- فتقول في تثنيتهما إلوان وإذوان ومثال المجهولة غير الممالة: (ددا) وهو اللهو، وفيه أربع لغات هذه ودد بالنقض، وفي الحديث: "لست من الدد ولا الدد مني" وددنا بالنون قال: أيها اللام في حب ددن ... إن همي في سماع وأذن

وددد. "و" قلبت ألفه "ياء إن كانت بخلاف ذلك"، فشمل ما ألفه رابعة كملهي، أو خامسة كمرتضى، أ, سادسة كمستدعى، أو ثالثة بدل من ياء كرحى، أو أصل [و] أميات كبلى ومتى، فجميع ذلك تقلب ألفه في التثنية ياء. "لا إن كانت ثالثة واوي مكسور الأول"، نحو: رضا وربا. "أو مضمومة"، نحو ضحا وعلا "وخلافا للكسائي"، فإنه يقول: تقلب الألف ياء في هاتين الصورتين أيضا، ولا خصوصية للكسائي من بين الكوفيين [بهذا الرأي]، بل هو منقول عن الكوفيين قاطبة، وخالفهم البصريون محتجين بحكاية أبي الخطاب –في الكبا وهي الكناسة وهو مقصور -

كبوان، وحكاية سيبويه في الربا ربوان. "والياء في رأي" لبعض النجاة "أولى" من الواو "بالأصل والمجهولة مطلقا" أميلت أو لم تمل، قال المصنف: ومفهوم قول سيبويه عاضد لهذا الرأي وذهب قوم إلى الأصل إن أمليت أو قلبت ياء في حال من الأحوال نحو: على وإلى ولدى ثنيت بالياء، وإلا فبالواو وهو اختيار ابن عصفور، وقد نص سيبويه على تثنية إلى وعلى ولدى بالواو، ولم يعتبر /القلب فهذه ثلاثة مذاهب. "وتقلب واوا وهمزة الممدود المبدلة من ألف التأنيث"، نحو: حمراء: فتقول في تثنيته: حمراوان بقلب الهمزة واوا، أما القلب فلكونها زيادة محضة فهي بالإبدال الذي هو أخو الحذف أولى من غيرها مع قصد الفرق، وأما قبلها واوا دون الياء فلوقوعها بين ألفين فجدوا في الفرار من اجتماع الأمثال؛ لأن الياء اقرب إلى الألف من الواو [و] لكون الهمزة والواو متقاربين في الثقل. "وربما صححت"، فقيل: حمراءان "أو قلبت ياء" [فقيل]: حمرايان،

حكاه المبرد عن المازني. وفي المخصص لابن سيده أن الكوفيين يستحسنون في ألف التأنيث الممدود إذا كان قبلها واو يثنوها بالهمزة تارة، وبالواو أخرى، وذلك نحو: لأواء وحلواء، وأن البصريين لا يعرفون ذلك. "وربما قبلت" الهمزة "الأصلية" نحو: قراء ووضاء "واو" فقيل: [رجلان] قراوان ووضاوان، حكى ذلك أبو علي الفارسي عن بعض العرب. "وفعل ذلك" المذكور، وهو قلب الهمزة واوا "بالملحقة"، أي باهمزة [الملحقة]، وفيه تسامح؛ لأن الإلحاق هو جعل مثال آخر ليعامل معاملته، فعلباء –مثلا هو عصب عنق البعير- ياحق بسرداح- وهي الناقة الطويلة على وجه الأرض –بواسطة ما زيد، وليس الملحق حقيقة هو الهمزة، ولك أن تجعل (الملحقة) صفة للكلمة، فلا تسامح. "أولى من تصحيحها"، فعلباوان –بالواو- أولى من علباءان بالهمزة "و" الهمزة "المبدلة من أصل" نحو: كساء من ذوات الواو، من ذوات الياء. "بالعكس" مما تقدم في الملحقة، فيكون كساءان ورداءان –بتصحيح الهمزة –أولى من كساوين ورداوين بقليها واوا، وسوى أبو موسى بينهما في أن الأولى فيها إقرار الهمزة، قالوا: وهو نص سيبويه. إلا أنه فاوت بين القلبين

فجعل قلب همزة علباء أكثر من قلب همزة كساء "وقد تقلب" الهمزة المبدلة من أصل "ياء"، فيقال: كسايان وردايان "ولا يقاس عليه خلافا للكسائي" بل الكوفيين قاطبة. قال ابن قاسم: والحق أنه يقاس عليه لأنها لغة فزارة حكاها أبو زيد في كتاب الهمزة. "وصححوا مذروين" وثنايين" المذروان: طرفا ألية الإنسان وطرفا القوس. والثنايان: طرفا حبل يعقل به البعير. فالأول يرد اعتراضا على قولنا في المقصور: إنه إذا تجاوز الثلاثة قلبت ألفه ياء لا غير. والثاني يرد اعتراضا على قولنا في الممدود [الذي] همزته بدل من أصل: إنه يجوز فيه تصحيح الهمزة وقلبها واوا، وذلك أن مفردها في التقدير مذرى كمغزى، وثناء كرداء، ولم يقولوا: مذريان –بالياء- ولا ثناوان-بالواو- ولا ثناءان بالهمزة. قلت: ويجب أن يضبط مذروان بالذال المعجمة لا المهملة، فإن المدرى بالدال المهملة –وهي شيء كالمسلة يكون مع الماشطة تصلح به قرون النساء- نطق بها هكذا بصيغة الإفراد، فإذا ما ثنيتها تقول: مدريان بالياء، وأما مذروان وثنايان فبنيا على صيغة المثنى، ولم ينطق بمفردها؛ ولذلك

تسمعهم يقولون: مفردهما في التقدير مذرى وثناء. وذكر ابن السيد أن أبا عبيدة حكى عن أبي عمرو مذرى مفردا، قال: وأحسب أبا عمرو قاس ذلك دون سماع. "تصحيح شقاوة وسقاية" منصوب على المصدر النوعي مثل: ضربته ضرب الأمير، أي صححوا هاتين الكلمتين، أي حرفي العلة الواقعين في آخرهما تصحيحا مثل تصحيح شقاوة وسقاية، وهو لف ونشر مرتب، الأول –وهو شقاوة- للأول وهو مذروان، والثاني وهو سقاية –للثاني، وهو: /ثنايان، الواو للواو والياء للياء "للزوم علمي التثنية والتأنيث" يعني أنهم صححوا كلا من كلمتي مذروين وثنايين؛ لبنائهما على التثنية ولزوم ذلك لهما، كما أنهم صححوا واو شقاوة وياء سقاية لبناء الكلمة على هاء التأنيث وعدم انفكاكها عنها، حرف العلة لم يقع آخرا حتى يقلب همزة. "وحكم ما ألحق به علامة جمع التصحيح" لمذكر [كان] أو لمؤنث

"القياسية"، فأما غير القياسية فلا يلزم أن يتساوى فيها الحكمان، بل قد يتساويان نحو: .......................... ... حلائل أسودين وأحمرين ......................... ... والعانسون .............................. وقد يتخالفان نحو: بنون وربعون علانون فإن التثنية: ابنان –بثبات همزة الوصل- وربعتان –بثبات التاء- وعلانيتان، بثبات الياء والثاء جميعا. "حكم ما ألحق به علامة التثنية"، وهذا هو القياس لأن التثنية يسلم فيها بناء الواحد والجمع السالم كذلك، فحقهما أن يتفقا فيما تغير وسلم، وعلى ذلك فيصح آخر نحو: زيد وعلي، وامرئ مرجأ، ورجل مرجو ووضاء، فيقال: زيدون وعليون ومرجؤون ومرجوون ووضاؤون،

كما يقال: زيدان وعليان ومرجآن ومرجوان ووضاءان، ويقال في نحو: زكريا وصحراء زكرياوون وصحراوات، كما يقال زكرياوان وصحراوان، وفي عطاء –علما- عطاوون –بالواو- وعطاؤون بالهمزة، [كما يقال] في سماء: سماوات –بالواو- سماءات بالهمزة. "إلا أن آخر المقصور" نحو: المصطفى "والمنقوص" نحو: القاضي "يحذف في جمع التذكير" نحو: المصطفون والقاضون. "وتلي علامتاه"، أي علامتا جمع التذكير، وهما الواو والياء "فتحة المقصور"، نحو: {وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار} "مطلقا"، أي سواء كانت منقلبة عن أصل نحو: ملهى، أو زائدة كألف أرطى وحبلى إذا سمي بهما. وعلم من قوله في جمع التذكير أن آخر المقصور والمنقوص لا يحذف في جمع التأنيث، وجه الفرق أن علامة جمع التذكير ثقيلة، وهي الواو والياء، فلا تجامع ياء المنقوص، ولا الياء والواو المنقلبة عن ألف المقصور، وعلامة التثنية وعلامة [جمع] تصحيح المؤنث خفيفة، فجاز أن تجامعهن، أما علامة جمع تصحيح المؤنث فالألف مطلقا ولا حرف أخف منها، وأما علامة التثنية فالألف رفعا والياء المفتوح ما قبلها جرا ونصبا، بخلاف ياء الجمع فإنها مكسورة ما قبلها.

"خلافا للكوفيين في إلحاق ذي الألف الزائدة"، سواء كانت للتأنيث نحو: حبلى، أو للإلحاق نحو: أرطى أو، للتذكير نحو: قبعثرة، أعلاما لمذكرين "بالمنقوص"، فيضمون ما قبل واو الجمع ويكسرون ما قبل يائه ويحذفون الألف، فيقولون: حبلون وحبلين، كما يقول الجميع في المنقوص: قاضون وقاضين، ولا يفعلون ذلك في غير الزائدة، بل يفتحون ما قبل الواو والياء كما سبق. قال في الشرح: وجوزوا الوجهين في الأعجمي للاحتمال نحو: عيسى، فإنه عبراني أو سرياني " وربما حذفت"، أي الألف الزائدة "خامسة" نحو الخوزلي –بفتح الخاء والزاي- وهي مشية فيها تفكك. "فصاعدا" نحو: ضبغطري –بضاد معجمة مفتوحة فباء موحدة [مفتوحة] فغين معجمة ساكنة فطاء مهملة مفتوحة فراء فألف مقصورة –وهو الأحمق، فتقول الخوزلان والضبغطران [في التثنية، والخوزلات والضبغطرات] في الجمع، وقالوا: هراوات –بفتح الهاء- في جمع هراوى. قال في الشرح: وهذا دليل على أن ذا الألف الأصلية [قد] ينزل منزلة ذي الألف الزائدة. وهو لم يتعرض في المتن إلى حذف الأصلية.

واعلم أن في الهروات شذوذات ثلاثة جمع صيغة منتهى الجموع، وعدم قلب الألف ياء، وحذفها مع كونها أصلا، والمراد كونها بدلا من أصل؛ إذ هي بدل من لام الكلمة وليست بنفسها أصلا. "وفي التثنية والجمع باللف والتاء" ظرف لغو/متعلق بحذفت "وكذا الألف [والهمزة] من قاصعاء" وهو أحد جحري اليربوع "ونحوه"، كعاشوراء أي كما تحذف ألف المقصور الخامسة الخامسة الزائدة تحذف الألف الخامسة هي الهمزة بعدها من الممدود نحو: قاصعاء "ولا يقاس على ذلك"، أي على حذف ألف المقصور الزائدة خامسة فصاعدا، [ولا] على حذف الألف والهمزة من قاصعاء ونحوه؛ لقلة ما ورد من ذلك. "خلافا للكوفيين" فإنهم يقيسون عليه. قال في الشرح: والمنصفون من غيرهم يقبلونه ولا يقيسون عليه لشذوذه و (من) في قوله: (من غيرهم) لبيان الجنس لا للتبعيض.

"وتحذف تاء التأنيث عند تصحيح ما هي فيه فيعامل معاملة مؤنث عار منها لو صحح". قال في الشرح: فيصحح نحو مسلمة وعرقوة وقرءة، ويقال في فتاة: فتيات، وفي قناة: قنوات، وفي سماء: سماوات [وسماءات]، وفي باقلاء: باقلاوات. قلت: التمثيل هنا بسماء سهو، لأنه ليس مما نحن فيه. قال ابن قاسم: ولو كان قبل التاء همزة، مبدلة نحو: سقاءة وباقلاءة، قلت: سقاوات وباقلاوات، وإن شئت أقررت الهمزة كما تفعل في التثنية. فإن قلت: ألف باقلاء للتأنيث فكيف تاء التأنيث؟ قلت: قد توهم ابن هشام ذلك فحكم بعدم صحة هذا المثال، قال: ولا أعرف سقاءة. وهو قصور واضح، ففي الصححاح: (والباقلاء [ممدودا] إذا

شددت اللام قصبرت، وإن خففت مددت، الواحدة باقلاة على ذلك) فهذا نص يدل على أن اللأف فيه ليست للتأنيث، وأما سقاءة ففي الصحاح: أيضا – (وامرأة سقاءة وسقاية). "ويقال: -في المراد به من يعقل من ابن وأب وأخ وهن وذي- بنون" وشواهده كثيرة: "وأبون" كقراءة بعض السلف {قالوا نعبد إلهك وإله أبيك}. بدليل تبيينه بثلاثة أسماء: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، وفيه تسمية العم أبا مجازا. "وأخون" كقوله: كريم طابت الأعراق منه ... وأشبه فعله فعل الأخينا

كريم لا تغيره الليالي ... ولا اللأواء عن فعل الأبينا ففيه شاهدان. "وهنون" كقوله: أريد هنات من هنين وتلتوي ... علي وآبى من هنين هنات "وذوو" وشواهده كثيرة. والمصنف أورد هذه الألفاظ تنبيها على أنها مما يستثنى من حيث خالف جمعها حكم تثنيتها، لكن ذكره لـ (ذي) لا موقع له هنا، لأنه مما وافق فيه الجمع التثنية، فتقول: ذوو مال، كما تقول: ذوا مال. أما ابن فمخالفته ظاهرة، وذلك أنك تقول: -في تثنيته- ابنان، وتقول: -في جمعه- بنون، لا ابنون، كانهم أرادوا أن ينبهوا على أن الفاء فيهما في الأصل مفتوحة، فقالوا: بنون. وأما أبون وأخون وهنون فمخالفتها في الجمع للتثنية ظاهرة، إذ يقال: في تثنيتها –أبوان وأخوان وهنوان، فقياسه في الجمع أن يقال: أبوون وأخوون وهنوون، برد لاماتها، لكن اقتضى حذف الواو، كذا قالوا.

قلت: نحو أبون يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون الأصل أبوون ثم أتبعوا كما أتبعوا في المفرد المضاف، ثم استثقلوا فحذفوا الحركة –وهي ضمة لام الكلمة- ثم حذفوا اللام للساكنين. والثاني: أنهم لم يردوا اللام بل استعملوه ناقصا كما كان في حالة إفراده وعدم إضافته، وهذا أسهل وهو الذي يمشي عليه ظاهر كلام المصنف؛ لأنه يتكلم على /ما اختلف فيه حكما التثنية والتصحيح، وعلى التقدير الأول لا تخالف بينهما باعتبار التقدير وإن حصل اختلاف عارض، وكذا القول في أخواته، ولا يمكن أن يقال على الوجه الأول، إنهم لم يتبعوا، ثم لما ردوا اللام قلبوها ألفا ثم حذفوها للساكنين؛ لأن هذا يقتضي أن تبقى العين مفتوحة كما في (المصطفين). واحترز المصنف بقوله: من يعقل عما إذا أريد به ما لا يعقل فإنه لا يقال فيه: -حينئذ- أبون، وما ذكر معه إنما يجمع –حينئذ بالألف والتاء. "وفي بنت وابنة وأخت وهنت وذات: بنات" في جمع كل من بنت وابنة، ويقال: في تثنيته –بنت- بنتان، وفي تثنية ابنة: فمخالفة الجمع للتثنية في ذلك ظاهرة. "وأخوات" برد المحذوف، بخلاف التثنية فإنه يقال فيها: أختان. "وهنات" بغير رد اللام كما في التثنية، وإنما ذكرها لأنه لو أفرد هنوات بالذكر

لألبس. "وهنوات" برد المحذوف خلاف للتثنية. "وذوات" بغير رد وجوبا، وفي التثنية الوجهان قالوا: ذاتا وذواتا. "وأمهات" بزيادة الهاء مخالفا للتثنية "في الأم من الناس أكثر من أمات" بالموافقة للتثنية وهذا هو القياس وقد جمع بينهما بعض الشعراء فقال: إذا الأمهات قبحن الوجوه ... فرجت الظلام بأماتكا "وغيرها بالعكس"، وغير الأم من الناس بالعكس، فأمات فيه أكثر من أمهات، وربما قالوا في أم: أمهة، قال: أمهتي خندق وإلياس أبي

وعن الفراء من قال: أم، قال: أمات، ومن قال: أمهة، قال: أمهات. وعلى هذا فلا مخالفة بين جمعه وتثنيته. "والمؤنث بهاء" في محل نصب على الحال من الضمير المستتر في (المؤنث)، فالتقدير: والاسم الذي أنث حالة كونه ملتبسا بهاء "أو مجردا" منها، و (مجردا) عطف على الحال المتقدمة، والظاهر أن المصنف لم يحترز بقوله: (المؤنث) عن المذكر، بل ذكره ليجري عليه قوله: بهاء أو مجردا فهو بيان لصورة المسألة [منبه] بما تعلق به من التقسيم على ما ذكرناه. وليس في كلام المصنف تقييد أن هذا الحكم خاص بالجمع بالألف والتاء، ولكن ذلك يعلم أن لم ينص عليه، لأن المؤنث إنما يستحق ذلك الجمع من جمعي التصحيح. "ثلاثيا صحيح العين ساكنه). مضاف ومضاف غليه أي ساكن العين، ولا ينبغي أن يقرأ: (ساكنة) بالتأنيث حالا من العين؛ لأن بعده: غير مضعف. ولو قال ساكنة –بالتأنيث- لقال: غير مضعفة. بالتأنيث أيضا: وليوافق قوله: صحيح العين. "غير مضعف ولا صفة"، وذلك مثل: جفنة، وغرفة، وسدرة. وكل من هذه الأمثلة الثلاثة المختلفة حركة الفاء يصدق عليه أنع مؤنث بالهاء ثلاثي صحيح العين ساكنه غير مضعف ولا صفة، ومثل: دعد، وهند، وجمل. وكل من هذه الثلاثة أيضا مجردا ثلاثي ... إلى آخر ما تقدم.

واحترز بقوله: ثلاثيا –من نحو جيأل علم للضيع. وبقوله: صحيح العين من [نحو] دولة. وبقوله: ساكنه من متحرك العين نحو: شجرة ونبقة وسمرة. وبقوله: غير مضعف من نحو: جنة وجنة وجنة. [بقوله]: ولا صفة. من نحو: ضخة وجلفة وحلوة. "تتبع فاؤه عينه في الحركة مطلقا"، أي سواء كانت فتحة أو ضمة أو كسرة، فنقول: جفنات –بفتح الجيم والفاء- وغرفات –بضم الغين [المعجمة] والراء –وسدرات بكسر السين والدال المهملتين- وكذا نقول، دعدات –بفتحهما- وجملات –بضمهما- وهندات بكسرهما. وينبغي أن يضبط (تتبع) بضم أوله، على البناء للمفعول لمناسبة: (وتفتح وتسكن)، وهي مطلوبة. "وتفتح وتسكن"، من الإسكان، من الإسكان، لا من التسكين لتناسب الألفاظ. "بعد الضمة/ والكسرة" كان ينبغي أن يقول: في تميم. كما

قال: ابن الحاجب وغيره، فنقول: غرفات وجملات وسدرات وهندات بالفتح والإسكان، فليس في المفتوح الفاء إلا جه واحد، وهو فتح العين، وفي المضمومها ثلاثة أوجه، وفي المكسورها ثلاثة أوجه. فإن قلت: لم حكموا بأن الفتح في نحو: جفنات للإتباع ليس إلا، مع احتمالها لأن تكون كالفتحة في خطوات وسدرات وليست للإتباع قطعا؟ قلت: لأن الفتح في خطوات وسدرات لثقل الإتباع، وهو منتف في جفنات، فالفتح فيه إتباع لا غير –كما ذكروا- ولهذا تخفف خطوات وكسرات بالإسكان ولا يجوز ذلك في جفنات لأنه خفيف. فإن قلت: فلم التزم في مثله الفتح مع خفة السكون الذي في مفرده؟ قلت: لأجل الفرق بين الصفة والاسم، وكانت الصفة والاسم، وكانت الصفة بالسكون أليق لثقلها باقتضائها الموصوف ومشابهتها للفعل، ولذلك كانت إحدى علل منع الصرف. وقد علمت أنه فهم من اشتراط المصنف فيما تقدم صحة العين لجميع ما يذكره بعده أنه لا يجوز في دولة وسورة، ولا في ديمة وزينة، إذا جمعا إتباع ولا فتح، وإنما يبقيان على الإسكان الذي كان في الإفراد، وفي شافية ابن الحاجب: أنه يجوز في ذلك السكون والفتح، وأن الممتنع الإتباع فقط.: "وتمنع الضمة قبل الياء" مثل: زبية وكلية، فلا يقال: زبيات ولا كليات بالضم. بل بالسكون أو الفتح، قبل: ولم يسمع الفتح. "و" تمنع أيضا "الكسرة قبل الواو" نحو: رشوة، فلا يقال: رشوات. بالإتباع بل بالسكون.

أو الفتح، ولم يذكر سيبويه هنا الفتح. "باتفاق" راجع إلى المسألتين جميعا. "و" تمنع أيضا الكسرة "قبل الياء بخلف" نحو: لحية، فمن البصريين من أجاز: لحيات بالاتباع، ومنهم من منعه لما فيه من الثقل الناشئ عن توالي كسرتين وياء، وأيد ابن عصفور الأول بأنهم لم يحلفوا باجتماع ضمتين وواو في خطوات عند الاتباع، فكذا لم يحلفوا باجتماع كسرتين وياء في لحيات. قلت: وقد يقال إن ذلك لا يلزم فقد اجتنبوا الكسرتين إلا في إبل وبلز وألفاظ قليلة على تردد في ثبوتها، ولم يجتنبوا الضمتين بلا نزاع نحو: عنق. "ومطلقا عند الفراء" سواء كان من باب رشوة –وهو المتفق على منعه- أو من باب فدية- وهو المختلف فيه- أو من باب هند، وهو الجائز عند غيره، فغن فعلات بكسر الفاء والعين يتضمن فعلا وهو مما أهمل إلا فيما ندر كإبل، لكن منع الفراء لذلك ليس متعلقا بما سمع وما لم يسمع، وإنما هو "في ما لم يسمع"، وأما ما سمع فيقبله ولا يقيس عليه. "وشذ جروات"، بكسر الجيم [والراء ووجه شذوذه مأخوذ من الكسرة قبل

الواو، وهو ممنوع بالاتفاق. "والتزم فعلات: بفتح العين: "في" جمع "لجبة" بسكون الجيم، وهي صفة، يقال: شاة لجبة إذا قل لبنها. "وغلب في ربعة" بسكون الباء، [وهو صفة] بمعنى معتدل القامة. "لقول بعضهم: لجبة وربعة" بفتح الجيم والباء، وهذه العلة في لجبة مأخوذة من كلام سيبويه، [فقد ذكر الأبدي أن سيبويه] قال: إنما قالوا لجبات –بالتحريك- لأن منهم من يقول: لجبة، بالتحريك في حالة الإفراد، فأجمعوا في الجمع على هذه اللغة. وقيل: لما لزمت التاء في لجبة، لكونها صفة للمؤنث ولا مذكر لها، يقال: شاة لجبة إذا قل لبنها كما مر، صارت كالأسماء في لزوم التاء نحو: جفة وقصعة. وأما ربعة فقد سمع فيها الباء حكاه ابن سيده. وقال: ابن الحاجب لجبة وربعة وضعا اسمين ثم وصف/بهما روعي ذلك الأصل فبقيا على الفتح. "ولا يقاس على ما ندر من كهلات" بفتح الهاء، بل يقتصر على ما سمع؛ وذلك لما قصدوه من الفرق بين

الصفة والاسم على ما تقدم آنفا. "خلافا لقطرب" فإنه أجاز القياس عليه. وفي المخصص لابن سيده: الأنثى كهلة والجمع كهلات، وهو القياس؛ لأنه صفة، وقد حكي فيه عن ابن حاتم تحريك الهاء ولم يذكره النحويون فيما شذ من هذا الضرب. انتهى بنصه. "ويسوغ في لجبة القياس" وهو إسكان عينها في الجمع "وفاقا لأبي العباس" المبرد. "ولا يقال: فعلات" بإسكان العين "اختيارا"، أي [في] وقت اختيار وسعة لا في وقت ضرورة "فيما يستحق فعلات" بفتح العين "إلا لاعتدال اللام" نحو: ظبية، فيجوز فيه في الاختيار ظبيات بسكون الباء حكاه ابن جني. "أو شبه الصفة" مثل: أهلات –بسكون الهاء- والأولى أن تجعل جمعا لأهله بمعنى أهل، فقد حكاه الفراء، ولا تجعل جمع أهل، فإذا قلت: امرأة أهلة، ففيه الفتح اعتبارا بالأصل والإسكان اعتبارا بالعارض.

وفهم من قوله: (اختيارا). أنه يقال: -في الضرورة- فعلات بالإسكان فيما استحق فعلات بالفتح كقوله: وحملت زفرات الضحى فأطقتها ... ومالي بزفرات العشي يدان "ويفتح هذيل عين جوزات وبيضات ونحوها" مما عينه حرف لين لا حرف مد ولين كسورة وديمة، فبالإسكان عند الجميع كما –يقتضيه كلام المصنف، وقد عرفت ما قدمناه فيه من كلام ابن الحاجب، ومما هو اسم لا صفة فلا يجوز في نحو: غيلة بفتح الغين المعجمة، وهي المرأة السمينة نص عليه الجوهري، ولا في نحو: جونة للبيضاء أو السوداء إذا جمعتا أن يفتح

عينهما عند هذيل، ويجوز عندهم الفتح في جمع نحو: جونة اسما للخابية المطلية بالقار، أو اسما لعين الشمس. "واتفق على عيرات" بكسر العين وفتح الياء، جمع عير بكسر العين وسكون الياء، (وهي مؤنثة وهي الإبل) التي يحمل عليها الأحمال، وقيل: قافلة الحمير، ثم كثر حتى قيل: لكل قافلة. وفي المصباح: العرب كلهم يقولون عيرات جمع عير بالفتح. انتهى. وإنما هو عيرات جمع عير بكسر العين من أولهما، وما في المصباح هو قول المبرد والزجاج إلا ا، الزجاج قال: العير [هذا] هو الذي في الكتف أو في القدم، وهو العظم الناتئ، الشاخص في وسطهما. فاعلمه. قال المصنف: "شذوذا" وهو منصوب على الحال من عيرات أي اتفق عليه في حال كونه ذا شذوذ، ولك أن تعربه على غير ذلك، والذوذ فيه من وجهين أحدهما جمعه بالألف والتاء، والثاني: فتح العين، والقياس تسكينها لأنه مكسور الفاء كديمة، فلم يكن في فتح يائه ما في (بيضات) من الاتباع، وقد سبق أن ابن الحاجب حكى في شافيته جواز السكون والفتح في ديمات من غير شذوذ شيء منهما، بل قال: -بأثر ذلك-: إن حكم عير حكم ما تقدم. فعلى هذا يجوز عيرات بالفتح وعيرات بالسكون ولا شذوذ في واحد منهما من جهة إسكان العين وفتحها.

"يتم في التثنية من المحذوف اللام ما يتم في الإضافة لا غير".

"فصل": عقده المصنف لأشياء تتعلق بالمثنى قصدا وإن ذكر غيره فيه فبطريق الاستطراد. "يتم في التثنية من المحذوف اللام ما يتم في الإضافة لا غير". قال ابن قاسم: محذوف اللام قسمان: قسم يرد في الإضافة /فيرد في التثنية، وهو المنقوص، فتقول: في التثنية قاضيان كما تقول: في الإضافة قاضيك. قلت: ليس هذا من موضوع المسألة في شيء؛ لأن الإتمام إنما هو مفروض فيما حذفت لامه، والقاضي ليس من المحذوف اللام في الإفراد أصلا، فذكره في هذا المحل سهو. ثم قال: وأب وأخ وحم -في أكثر اللغات- و (هن) في لغة، فتقول في التثنية: أبوان وأخوان وحموان وهنوان. كما تقول: في الإضافة: أبوك وأخوك وحموك وهنوك. وقسم: لا يرد في الإضافة، فلا يرد في التثنية، نحو: سنة وحر فيقال: سنتان وحران كما تقول: سنتك وحرها. "وربما قيل أبان" قال الفرزدق: واصرفا الكأس عن الجا ... هل يحيى بن حصين

لا يذوق اليوم كأسا ... أو يفدي بالأبين "وأخان" لم يذكروا له شاهدا. قال ابن قاسم: والظاهر أن قولهم: أبان، وأخان. على لغة من التزم النقص في الإفراد والإضافة. قال الفراء: من قال هذا [أبك. قال: ] أبان. "ويديان" فأتم في التثنية ما لا يتم في الإضافة، فإنك تقول فيها: يدك، بدون رد. ولعل هذا جاء على لغة القصر، فلا إشكال "ودميان" قال الشاعر: فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين

"ودموان" حكاه الجوهري في الصحاح عن بعض العرب، ولعله على لغة من يقصر المفرد. "وفميان وفموان" قال الفرزدق: هما نفثا في في من فمويهما ... على النابح العاوي أشد رجام وقد مر. "وقالوا في ذات: ذاتا على اللفظ" وهو الأقيس لقولهم في المذكر: ذوا مال لا ذويا. قال: يا دار سلمى بين ذاتي العوج

"وذواتا" على الأصل، وهو الكثر، قال الله تعالى: {ذواتا أفنان} "ويثنى اسم الجمع" نحو قوله تعالى: {قد كان لكم آية في فئتين}، وقوله تعالى: {يوم التقى الجمعان}. وقوله عليه الصلاة والسلام: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين". وقول الفرزدق: وكل رفيقي كل رحل وإن هما ... تعاطى القنا قوماهما أخوان ووقع لابن هشام في مغنيه في هذا البيت غلط أوجب ارتكابه لتعسف

لا حاجة إليه. وقد بينا ذلك في الحاشية التي كتبناها عليه. "و" الجمع "المكسر".

[لا] المصحح، لئلا يلزم اجتماع إعرابين في كلمة "بغير زنة منتهاه". نحو قولهم: جمالان، ورماحان. واحترز بهذا القيد من أن يكون على صيغة منتهى الجموع فتمتنع تثنيته، ومن هنا تبين لك وهم وقع للجاربردي في شرح تصريف ابن الحاجب؛ فإنه قال: [إنما] أميل نحو: يتامى،

ونصارى، لأنهما ترجع ألفهما ياء مفتوحة وذلك في التثنية، فإن المكسر يجوز فيه أن يثنى على معنى جماعتين قال: بين رماحي مالك ونهشل فعلى ذلك يقال: يتاميان ونصاريان. انتهى. وهذا وهم كما أشرنا إليه، وإنما يثنى ذلك لو سمي به، وأما مع بقاء الجمع فلا كما عرفت. وظاهر كلام المصنف أن تثنية ما ذكره من اسم الجمع، ومن الجمع بغير زنة منتهاه قياس، ونص غيره على أن ذلك مقصور على السماع وجائز للضرورة. "ويختار في" الأمرين هما جزءان أو كجزءين "المضافين

لفظا" نحو: قطعت رؤوس الكبشين "أو معنى" لم يمثله ابن قاسم، وفي شرح الكافية [الشافية] للمصنف ما معناه: يختار في الجزءين المضافين إلى كليهما /ثم قال: والجزءان المميزان كالجزءين المضافين لكلهما. ومثل ذلك بقوله: هما ضخما الرؤوس، وجاء المنطلقان ألسنا. ومراده بالتمييز التفسير اللغوي لا التمييز الصناعي بدليل المثال الأول، فهذا مما يصلح أن يمثل به للمضافين بحسب المعنى لا بحسب اللفظ. "إلى متضمنيهما" كما تقدم من نحو: قطعت رؤوس الكبشين، وخرج به [نحو]: دارا زيديك، وثوبا عمريك، لأن الزيدين والعمرين لا يتضمنان المضاف. وخرج بتثنية المتضمن نحو: (المرء بأصغريه ... ) "لفظ الإفراد على لفظ التثنية"، فرأس الكبشين –بإفراد الرأس مختار على: رأس الكبشين بصيغة المثنى. "ولفظ الجمع" نحو: رؤوس الكبشين. "على لفظ الإفراد؟ نحو: رأس الكبشين. فعلم أنها على هذا النمط عند المصنف، الجمع، ثم الإفراد، ثم التثنية. ووجه ترجيح الجمع أن المضاف والمضاف إليه كشيء واحد فكرهوا هنا الجمع بين تثنيتين، واختير لفظ الجمع

لأنه قد يعبر به عن الاثنين مع فهم المعنى. قلت: البصريون لا يقيسون الإفراد، والكوفيون يقيسونه، عليه التثنية، والمصنف خالف الفريقين فرجح الإفراد. قال ابن هشام: وتجب التثنية في نحو: ........................... ... ............. وكلا أنفيهما رابي لأن (كلا) لا يضاف إلى الواحد، ولا إلى الجمع. قلت: المنصوص أن كلا وكلتا يضافان أبدا إلى كلمة دالة على اثنين: إما بالحقيقة والتنصيص نحو: {كلتا الجنتين}، ونحو: {أحدهما أو كلاهما} أو بالحقيقة والاشتراك نحو: كلانا. فإن (نا) مشتركة بين الاثنين، والجماعة،

أو بالمجاز كقوله: إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل فإن (ذلك) حقيقة في الواحد، وأشير بها إلى المثنى معنى. هذا نصه في مغني اللبيب. وإذا كان كذلك فلم لا يجوز إضافة (كلا) إلى الجمع المراد به اثنان مجازا؟ وهذا مما لا يظهر لمنعه وجه. "فإن فرق متضمناهما اختير الإفراد"

نحو: {على لسان داود وعيسى بن مريم}، وفي الحديث: (لما شرح الله [له] صدر أبي بكر وعمر). وفي كافية المصنف: أنه يلزم في هذه المسألة الإفراد. "وربما جمع المنفصلان" " وهما ما ليسا جزءين ولا كجزءين كالدرهمين مثلا، لكن إنما يجتمعان "إن أمن اللبس" كما ورد في الحديث: (ما أخرجكما من بيوتكما؟ ) و (إذا أويتما إلى مضاجعكما) و (هذه فلانه

وفلانة تسالانك عن انفاقهما على أزواجهما، ألهما فيه أجر؟ )، وفي حديث علي وحمزة: (فضرباه بأسيافهما). أما إذا خيف اللبس وامتنع نحو: قبضت درهميكما، وذكر المصنف في شرح كافيته –الجمع ولم يذكر الإفراد، ظاهر الكتابين: التسهيل والكافية امتناع الإفراد وإن أمن اللبس. "ويقاس عليه وفاقا للفراء" لأمن اللبس ووروده في الكلام الفصيح. "ومطابقة ما لهذا الجمع لمعناه أو لفظه جائزة" فالأول كقوله:

قلوبكما يغشاهما الأمن عادة ... إذا كانت الأبطال يغشاهم الذعر فقال: (يغشاهما) رعاية للمعنى والثاني كقوله: خليلي لا تهلك نفوسكما أسى ... فإن لها فيما به دهيت أسى فقال: (لها) و (دهيت) رعاية للفظ، ولو اعتبر المعنى لقال: لهما ودهيتا. و (أسى) الأول مفتوح الهمزة معناه الحزن، و (أسى) الثاني مضموم الهمزة جمع أسوة. وفي الحقيقة ليس هذا الحكم خاصا بهذه المسألة، بل كل شيء له لفظ ومعنى متخالفان، يجوز رعاية لفظه ورعاية معناه. "ويعاقب الإفراد التثنية"، أي يقع /الإفراد في موضع التثنية، هنا هي الأصل، ويأتي المفرد في موضعها. "في كل اثنين لا يغنى" أي لا يستغنى، وهو بفتح الياء مضارع غني، أي استغنى. "أحدهما عن الآخر" وذلك: كالعينين والأذنين والحاجبين [والجفنين] والنعلين، سواء كانا جزءين أو غير جزءين، أضيفا أو لم يضافا, ومن (الإفراد قول عدي بن الرقاع:

وكأنها وسط النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم قال الأصمعي: وهذا أحسن ما قيل في فتور الجفون. "وربما تعاقبا"، أي الإفراد والتثنية فوقع كل [منهما] في الموضع الذي يقع فيه الآخر بالأصالة. "مطلقا" أي وإن لم يكونا مما تقدم [كذا يظهر من كلام المصنف، فإنه قال في الشرح: والمراد بتعاقب الإفراد والتثنية وقوع كل منهما موقع الآخر وإن لم يكونا مما تقدم] الكلام عليه: كاليدين والرجلين، ولا من باب: (قلوبكما) انتهى. وقد يقال: هذا يقتضي أن (مطلقا) مدخل للمسألة السابقة، فلم ذكرها

أولا؟ وكيف قال هنا: (وربما) فأفاد التقليل وقال: أولا: (ويعاقب)، فلم يشر إلى التقليل؟ ، وكيف يصح دعوى التعاقب في النوع الأول، وليس فيه أن التثنية تقوم مقام الواحد؟ والجواب: أنه تبين أن مراده بقوله: مطلقا ما يراد بقولك: وإن لم يكن مما تقدم. والذي تقدم نوعان: باب قلبكما، ناب فيه الواحد عن التثنية، وكذا باب (عينك) في (أقر الله عينك)، وليس المراد بـ (مطلقا) معنى قولك: فيما تقدم وغيره. وظهر وجه ما صنعه المصنف فتدبره. ومثل المصنف لما ذكره هنا من التعاقب بقوله تعالى: {فقولا إنا رسول رب العالمين} وقوله تعالى: {عن اليمين وعن الشمال قعيد}.

وبقول حسان رضي الله [تعالى] عنه: إن شرح الشباب والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا فهذا من وقوع المفرد موقع المثنى، ومن عكسه قول الشاعر: إذا ما الغلام الأحمق الأم سافني ... بأطراف أنفيه استمر فأسرعا ولا يخفى احتمال هذه الشواهد للتأويل، والأبواب لا تثبت بالمحتملات. "وقد وقع افعلا ونحوه"، أي تفعلان "موقع افعل ونحوه"، أي تفعل، والمعنى أنه قد يخاطب الواحد به الاثنان في الأمر ونحوه وهو المضارع فيقع افعلا موقع افعل ويقع تفعلان موقع تفعل. وقد حمل على الول قول الحجاج: يا حرسي، اضربا عنقه.

وقول امرئ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ....................... وحمل على الثاني قول الشاعر: فإن تزجراني با ابن عفان أزدجر ... وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا

ف، (تزجراني) واقع موقع (تزجرني)، و (تدعاني)، واقع موقع (تدعني)، ومشى المصنف في ذلك على ما ذهب إليه ابن جني والمازني والبغداديون، وقد تؤولت هذه الشواهد. "وقد تقدر تسمية جزء باسم كل فيقع الجمع موقع واحده". أي: واحد الجمع نحو: شابت مفارقه وإنما للإنسان مفرق واحد ونحو قوله: تمد للمشي أوصالا وأصلابا وإنما هو صلب واحد. وقول العباس عم النبي –صلى الله عليه وسلم-: بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرف

قال ابن الشجري: السفين جمع في موضع الواحد، كقولهم: بعير ذو عثانين، وشابت مفارقه، كأنه سمى كل جزء من السفينة سفينة ثم جمع قال: ويجوز أن يكون أراد /السفينة وحذف الهاء للضرورة كقول أبي طالب: وحيث ينيخ الأشعرن ركابهم ... بمفضي السيول من أساف ونائل

أي ونائلة. وأساف ونائلة: صنمان. "أو" يقع الجمع موقع "مثناة" أي مثنى واحد الجمع، نحو قولهم: عظيم المناكب والحواجب والوجنات. وإنما للإنسان منكبان وحاجبان ووجنتان، وعليه قوله: فالعين بعدهم كأن حداقها ... سملت بشوك فهي عور تدمع

قال الأصمعي: أراد الحدقة وا حولها، كقولهم عظيم المناكب والمشافر. وعور جمع عوراء. وعقد ابن خالويه [لذلك] في كتاب (ليس) بابا فقال: يقولون: رأيت ترائبها، وإنما لها تريبة واحدة. وكان ينبغي للمصنف أن يقول: فيقع الجمع أو التثنية موقع واحده، والجمع موقع مثناه. فقد قالوا في قوله: ليث مدل هزبر عند خيسته ... بالرقمين له أجر وأعراس

ثنى الواحد. وكذا قالوا في قول الفرزدق: عشية سال المربدان كلاهما ... سحابة موت بالسيوف الصوارم ولا يقاس على شيء من ذلك.

"يجمع بالألف والتاء" جمعا "قياسا"

"فصل": فيما يجمع بالألف والتاء قياسا وما يجمع بها سماعا. "يجمع بالألف والتاء" جمعا "قياسا"، أي مقيسا أو ذا قياس "ذو تاء التأنيث" المبدلة في الوقف هاء كتمرة، والسالمة: كبنت وأخت، وكذا كيت وذيت، لو سمي بهما لقيل في - جمعهما- كيات وذيات مذكرا كان المسى بهما أو مؤنثا نص على ذلك سيبويه "مطلقا" يشمل العلم واسم الجنس، والمدلول فيه بالتاء على تأنيث أو مبالغة نحو: فاطمات وطلحات وسنبلات ونسابات. قال ابن قاسم: واستدرك على إطلاق المصنف أسماء فيها تاء التأنيث، ولا تجمع بالألف والتاء، وهي: شفة وشاة وأمة وامرأة [ومرآة] وفلة، في النداء. قلت: أما شفة وأمة فلا يردان، فقد قال ابن سيده في المخصص: إن أبا علي صرح بأن شفة إذا جمع جمعا سالما، يرد إليه ما ذهب في الواحد، كما فعل ذلك في التكسير، فيقال: شفهات لا شفات. وفي الصحاح: أن الناقص من شفة الهاء، لقولهم: شفيهة وشفاه. ثم قال ما نصه: وزعم قوم أن الناقص من شفة واو، لأنه يقال: في الجمع -شفوات- وحكى في المحكم: -لجمع أمة- أمثلة منها: أموات. "وعلم المؤنث مطلقا" سواء كانت العلامة فيه ظاهرة. كعزة وسلمى وخنساء، أو مقدرة: كهند، ويستثنى من ذلك ما جعل علما من شاة وامرأة ومرآة

وفلة وباب قطام في لغة أهل الحجاز: وقال ابن أبي الربيع: يشترط العقل، فلو سميت ناقة بعناق أو بعقرب، لم تجمعه بالألف والتاء. "وصفة المذكر" لا المؤنث، فخرج نحو: حائض وطالق وصبور –لامرأة- وجريح كذلك. "الذي لا يعقل" لا الذي يعقل، فخرج نحو: عالم وفقيه وكاتب، فإنها صفة مذكر، ولكنه يعقل، فظهر من هذا وجه قوله تعالى {فعدة من أيام أخر} مع أن الأيام جمع يوم، وهو مذكر و (أخر) جمع أخرى، وقد تعرض إليه ابن الحاجب في أمالي القرآن فقال: وإنما جمع ههنا على فعل وهو في المعنى جمع آخر، لأنه للأيام وواحدها يوم، ويوم إنما يقال فيه آخر باعتبار أصل آخر، وهو ا، كل صفة لموصوف مذكر مما لا يعقل فأنت فيها بالخيار إن شئت عاملتها معاملة الجمع المؤنث، وإن شئت عالتها معاملة المفر [المؤنث] فتقول: هذه الكتب الأفاضل والفضليات والفضل والفضلى، فالأفاضل على لفظة في التذكير، والفضليات والفضل إجراء له مجرى جمع المؤنث /لكونه لا يعقل، والفضلى إجراء له مجرى الجماعة، وهذا جار في الصفات والأخبار والأحوال، ولذلك جاء أخر نعتا

للأيام إجراء له مجرى جمع المؤنث ولولا لم يستقم، ولذلك لو قلت: جاءني رجال ورجال أخر لم يجز حتى تقول أواخر أو آخرون لأنه ممن يعقل. انتهى. قلت: ولقد بلغني بعد دخولي إلى الهند أن قوما استشكلوا قول الحاجب – في شافيته -: التصريف على بأصول يعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب من حيث إن الأحوال جمع و (التي) للواحدة من المؤنث، فلم يتطابق الموصوف والصفة، ومن فهم القاعدة التي نقلناها لم يكن مثل هذا عنده مشكلا، وبالله التوفيق "ومصغرة"، أي مصغر المذكر الذي لا يعقل، نحو: فليسات ودريهمات ودنينيرات فخرج بذلك مصغر المؤنث، نحو: أرينب وخنيصر، تصغير أرنب وخنيصر وهما مؤنثان. "واسم الجنس"، لا العلم فخرج نحو: يحيى وموسى وزكريا. "المؤنث بالألف" المقصورة أو الممدودة اسما كان كبهمى وصحراء. أو صفة كحبلى وحلة سيراء. وقوله: بالألف – أخرج المؤنث بالتاء، فقد تقدم له أنه يجوز مطلقا، والمؤنث بغير علامة، فإنه لا يجوز مطلقا، كقدر وعين وسن. "إن لم يكن فعلى

فعلان" كسكرى مؤنث سكران، فلا يقال: سكريات. "أو فعلاء أفعل" نحو: حمراء مؤنث أحمر، فلا يقال: حمروات. واقتضى كلام المصنف أن فعلاء إذا لم يكن لها أفعل من حيث الوضع كامرأة عجزاء أي كبيرة العجز، أو من حيث الخلقة كامرأة عذراء، لم يمتنع جمعها بالألف والتاء. وعلل بأن المنع في حمراء تابع لمنع التصحيح في أحمر، وهو منتف هنا. قال: وقد سمع جمع خيفاء وهي الناقة التي اتسع ضرعها، وكذا سمع جمع دكاء وهي الأكمة المنبسطة، وكلاهما نظير عجزاء ومنع ذلك بعضهم، كما امتنع تصحيح نحو: أكمر وآدر. "غير منقولين إلى الاسمية حقيقة" نحو: سكرى وحمراء علمين لمؤنث فنقول فيهما حينئذ: سكريات وحمراوات. "أو حكما" نحو: بطحاء، فإنه في الأصل صفة مقابلة لأبطح، إلا أنها غلبت استعمالها بدون موصوف فأشبهت الأسماء فجمعت جمعها فقيل: بطحاوات، قالوا: ولم يسمع ذلك في فعلى فعلان "وما سوى ذلك" الذي تقدم من الأنواع الخمسة. "مقصور على السماع" كسموات وأرضات وسجلات وحمامات. ومن أظرف ما يحكى هنا أن شخصا ممن يدعي الفضل زعم أن حماما يجمع على حمامات قياسا، فنوزع بأن حماما مذكر ليس فيه من جهة القياس ما يقتضي جمعه كذلك، فقال سبحان الله كأن كل حمام لا يكون إلا للرجال، وإنما أردت حمام النساء فسبحان واهب العقل.

الباب السادس «باب المعرفة والنكرة»

الباب السادس «باب المعرفة والنكرة» ولم يتعرض المصنف لتعريفهما لما سنذكره عنه بعد هذا إن شاء الله تعالى. «[الاسم معرفة ونكرة] , فالمعرفة مضمر» نحو: أنا وأنت وهو. «وعلم» شخصي نحو: زيد, وجنسي نحو: أسامة. لكن المصنف يرى أن علم الجنس معرفة لفظًا لا معنى. «ومشار به» نحو: ذا وذي [وذاك] وتلك. «ومنادى» وأغفله أكثرهم, والمراد به نحو: يا رجل, لا نحو يا رجلًا, فإنه نكرة ولا نحو: يا زيد فإنه معرفة بغير النداء على الصحيح المختار

عند المصنف, وازداد بالنداء وضوحًا. «وموصول» نحو: الذي والتي وتعريفه, بالعهد الذي في صلته كما ستعرفه, والأخفش يرى أن تعريف (الذي) بـ (أل) , ونحو: من وما بأنه في معنى ما فيه أل, و (أي) بالإضافة, فعلى هذا المذهب لا يعد الموصول قسيمًا لذي الأداة, ولا للمضاف «ومضاف» نحو: غلامك وغلام زيد وغلام هذا / وغلام الذي في الدار وغلام الرجل. «وذو أداة» نحو: الفرس وامْ حمار «وأعرفها» - عند المصنف - «ضمير المتكلم» نحو: أنا, لأنه يدل على المراد بنفسه, وبمشاهدة مدلوله, وبعدم صلاحيته لغيره, وبتميز صوته. «ثم ضمير المخاطب» نحو: أنت؛ لأنه يدل على المراد بنفسه وبمواجهة مدلولة «ثم العلم» لأنه يدل على المراد حاضرًا وغائبًا على سبيل الاختصاص, وحقه أن يقول الشخصي, وفي بعض النسخ: (ثم العلم الخاص) «ثم ضمير الغائب [السالم] عن إبهام» نحو: زيد رأيته, بخلاف [نحو]: جاءني زيد وعمرو فأكرمته, فإنه تطرق إليه [إبهام]؛ لاحتمال عوده إلى الأول وإلى الثاني فنقص اختصاصه لذلك.

قلت: وفيه نظر؛ لأنه إما أن يكون ثم دليل يدل على عوده إلى الأول أو لا, فإن وجد الدليل [على ذلك] فلا إبهام وإلَّا فهو للأقرب حتمًا فلا إبهام. وقال بعض النحاة: إن ضمير النكرة نكرة, لأنه لا يدل على خاص بعينه. قال ابن قاسم: والصحيح أنه معرفة, لأنه يخصصه من حيث هو مذكور. قلت: إنما يتم هذا إذا كان المنكر المعود إليه مخصوصًا قبل بحكم نحو: جاءني رجل فأكرمته, أما إذا لم يختص بشيء قبله نحو ربه رجلًا ويا لها قصة, ورب رجل وأخيه, فينبغي أن يكون نكرة. «ثم المشار به والمنادى» كلاهما في مرتبة واحدة؛ لأن تعريف كل منهما بالقصد, وفي بعض النسخ بعد قوله والمنادى ما نصه: وتعريفه بالقصد لا بحرف التعريف منويًا خلافًا لبعضهم. «ثم [الموصول] وذو الأداة» كلاهما أيضًا في مرتبة واحدة عنده, لأن تعريف كل منهما بالعهد فحقه أن يقول: ذو الأداة العهدية. وفي بعض النسخ: ثم ذو الأداة. فجعله بعد الموصول. هذا هو التفصيل الذي ذهب إليه المصنف في ترتيب المعارف, ومذهب الأئمة الأقدمين أن أعرفها الضمير. وقال الصيمري: العلم. ونسب إلى سيبويه والكوفيين.

وقال ابن السراج: اسم الإشارة. وقيل: ذو الأداة. ولم يقل أحد: المضاف؛ لأن تعريفه إنما يكون بواحد من هذه الأشياء حين يضاف إليه, فاستحال أن يقال بذلك فيه إذ لا يكون المضاف أعرف من الشيء الذي تعرف به «والمضاف بحسب ما يضاف إليه» فعلى هذا يكون المضاف إلى الضمير في مرتبة الضمير وهو شيء ذهب إليه بعض النجاة, ومذهب الأندلسيين أن المضاف في مرتبة المضاف إليه, إلا المضاف إلى مضمر, فإنه في مرتبة العلم, وهو مذهب سيبويه وذهب [المبرد] إلى أن المضاف دون ما أضيف إليه مطلقًا ورد بنحو قوله تعالى: {ووعدناكم جانب الطور الأيمن} والنعت لا يكون أخص. «وقد يعرض للمفوق ما يجعله مساويًا» نحو: سلام على من نزلت عليه سورة البقرة, سلام على من سجدت له الملائكة, فإن الموصول فيهما بمنزلة [الاسم] العلم. وقال النحويون: إنما قالت العرب: وامن حفر بئر زمزماه. لأنه مثل واعبد المطلباه.

«أو فائقًا» إن أراد فائقًا لما قبله فالمساوي أيضًا فائق لما قبله إذا كان بينهما مرتبة أو أكثر فينبغي أن يريد أو فائقًا المراتب كلها, فلا يمثل له إلَّا بما فاق الضمير, فعلى هذا تحسن المقاسمة, ويكون المساوي نوعين: ما ساوى ما قبله بلا تخلل مرتبة بينهما, وما تخلله ذلك؛ إذ المعنى: مساويًا لما فوقه, والعبارة صادقة على النوعين, والذي يفوق المراتب نوع واحد, وذلك مثل: {أنا يوسف} فالعلم هنا أعرف من ضمير المتكلم, وكذا قول من / طرق بابًا فقيل له: من أنت؟ فقال: فلان. فهو أعرف من أن يقول: أنا وتقول لرجلين أتياك دون ثالث: لك مني محبة, بل لك. فإنهما لا يعرفان من أردت حتى يقترن بلفظ مواجهة أو نحو ذلك, ولو قلت: الذي جاء [منكما] أولًا أو الكبير منكما. لعلم من أردت, فالمعرف بالأداة والموصول هنا قد فاقا ضمير المخاطب. «والنكرة ما سوى المعرفة» سلك في تبيين المعرفة والنكرة هذه الطريقة فذكر أقسام المعرفة ثم جعل النكرة ما عداها, وذلك أنه رأى تمييزهما بالتعريف عسرًا, فقال: في الشرح ما حاصله: من تعرض لحدَّ المعرفة عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه؛ لأن منهما ما هو معرفة معنى نكرة لفظًا, نحو: عام أول وأول من أمس, وعكسه كأسامة, وما فيه الوجهان كالواحد أمه وعبد بطنه, فأكثر العرب يجعلهما معرفة وبعضهم يجعلهما نكرة, وينصبهما على الحال, وكذا ذو (أل) الجنسية فيه الوجهان؛ ولذلك ينعت نعت

المعرفة تارة ونعت النكرة أخرى, فأحسن ما تبين به أن نذكر أقسام المعرفة, ثم نقول: وما سوى ذلك نكرة انتهى. وهو كما ترى كلام ظاهري خال عن التحقيق. وقد قرر بعض الفضلاء في هذا المعنى كلامًا نفيسًا يشتمل على بيان المعرفة والنكرة وتمييز أقسام المعرفة بعضها عن بعض, فقال: التعريف يقصد به عند السامع من حيث هو معين كأنه أشير إليه بذلك الاعتبار, وأما النكرة فيقصد بها التفات النفس إلى المعين من حيث ذاته, ولا يلاحظ فيه تعينه وإن كان معينًا في نفسه لكن بين مصاحبة التعيين وملاحظته فرق جلي, ومهد في تصوير ذلك مقدمة: هي أن فهم المعاني من الألفاظ بمعونة الموضع والعلم به فلابد أن تكون المعاني مقصودة ممتازًا بعضها عن بعض عند السامع, فإذا دل باسم على معنى فإما أن يكون بذلك الاعتبار, أي كون المعنى معينًا عند السامع متميزًا في ذهنه ملحوظًا معه أولا, فالأول يسمى معرفة والثاني نكرة. ثم قال: الإشارة إلى تعين المعنى وحضوره إن كانت بجوهر اللفظ سمي علمًا إما جنسيًا إن كان المعهود الحاضر جنسًا وماهية كأسامة أو شخصيًا إن كان فردًا منها كزيد أو أكثر: كـ (أبانين) وإن

لم تكن بجوهر اللفظ فلابد من أمر خارج عنه مشار به إلى ذلك مثل: الإشارة في أسماء الإشارة, وكقرينة التكلم والخطاب والغيبة في الضمائر, وكالنسبة المعلومة من جملة وغير جملة في الموصولات والمضاف إلى المعارف, وكحرفي اللام والنداء في المعرفات بهما, فظهر أن معنى التعريف مطلقًا هو العهد في الحقيقة, لكنه جعل أقسامًا خمسة بحسب تفاوت ما يستفاد منه, ويسمى كل قسم باسم مخصوص, وأن الأعلام الجنسية - وإن كانت قليلة - أعلام حقيقة كالأعلام الشخصية, إذ في كل منهما إشارة بجوهر اللفظ إلى حضور المسمى في الذهن قال سيبويه: إذا قلت أسامة فكأنك قلت: الضرب الذي من شأنه كيت وكيت. وأن الفرق بين أسامة وأسد إذا كان موضوعًا للجنس من حيث هو بحسب الإشارة وعدمها كما سبق, وأما الأسد فالإشارة فيه بالآلة دون جوهر اللفظ انتهى. وقال ابن الحاجب في الكافية: المعرفة ما وضع لشيء بعينه. وذكر أقسامها ثم قال: والنكرة ما وضع لشيء لا بعينه. قال الرضي قوله بعينه احترازًا / من النكرات, ولا يريد به أن الواضع قد قصد في حال وضعه واحدًا معينًا, إذ لو أراد ذلك لم يدخل فيه إلا الأعلام أو الضمائر, والمبهمات وذو اللام والمضاف إلى أحدها تصلح لكل معنى قصده المستعمل, فالمعنى ما وضع ليستعمل في واحد بعينه سواء كان ذلك

الواحد مقصود الواضع كما في الأعلام أو لا كما في غيرهما, ولو قال: ما وضع لاستعماله في شيء بعينه لكان أصرح. هذا نصه, يعني أن المعتبر في المعرفة هو التعين عند الاستعمال دون الوضع ليندرج فيه الأعلام الشخصية وغيرها من المضمرات والمبهمات وسائر المعارف فإن لفظة (أنا) مثلًا لا تستعمل إلَّا في أشخاص معينة؛ إذ لا يصح أن يقال: (أنا) ويراد به متكلم لا بعينه, وليست موضوعة لواحد منها, وإلَّا لكانت في غيره مجازًا, ولا لكل واحد منها, وإلَّا لكانت مشتركة موضوعة أوضاعًا بعدد أفراد المتكلم, فوجب أن تكون موضوعة لمفهوم كلي شامل لكل الأفراد, ويكون الغرض من وضعها له استعمالها في أفراده المعينة دونه. وقد أولع كثير من الفضلاء بهذا البحث والظاهر ما أفاده بعض الحذاق: من أنها موضوعة لكل معين منها وضعًا واحدًا عامًا, فلا يلزم كونها مجازًا في شيء منها ولا الاشتراك, ولا تعدد الأوضاع. ولو صح ما ذكروه لكان: أنا, وأنت, وهذا, مجازات لا حقائق لها, إذ لم تستعمل فيما وضعت هي له من المفهومات الكلية, ولا يصح استعمالها [في شيء] منها أصلًا, وهذا مستبعد جدًا, وكيف لا ولو كانت كذلك لما اختلف أئمة اللغة في عدم استلزام المجاز الحقيقة, ولما احتاج من نفى الاستلزام إلى التمسك في ذلك بأمثلة نادرة فتفهم. «وليس ذو الإشارة قبل العلم خلافًا للكوفيين» , فإنهم قدموه

على العلم مستدلين بأن اسم الإشارة ملازم للتعريف بخلاف العلم, وبأنه يقدم عليه عند الاجتماع, نحو: هذا زيد. ولا دليل في ذلك, لأن المعتبر إنما هو زيادة الوضوح, والعلم أزيد وضوحًا, لا سيما علم لم تعرض فيه شركة, نحو: إسرافيل وطالوت كذا قال المصنف, والذي نقله الرضي عن الكوفيين غير هذا فإنه قال: ومذهب الكوفيين أن الأعرف العلم ثم المضمر ثم المبهم ثم ذو اللام. ولعلهم نظروا إلى أن العلم حين وضع لم يقصد فيه إلَّا مدلول واحد معين بحيث لا يشاركه في اسمه ما يماثله وإن اتفقت مشاركة فبوضع ثانٍ بخلاف سائر المعارف إلى هنا كلامه. «ولا ذو الأداة قبل الموصول, ولا من وما المستفهم بهما معرفتين خلافًا لابن كيسان في المسألتين» أما المسألة الأولى فقد استدل عليها بقوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} إذ الصفة إما مساوية أو دون الموصوف ولا قائل بالمساواة] / فثبت الثاني. وأجاب المصنف: بأن (الذي) بدل أو مقطوع, و (الكتاب) علم بالغلبة, لأن المعنيين بالخطاب بنو إسرائيل, وقد غلب عندهم الكتاب على التوراة فالتحق بالأعلام. وهذا تسليم من المصنف أنه لا قائل بالمساواة بين الموصول وذي الأداة, وهو خلاف ما هو منصوص له في هذه النسخة, وعليها أكثر النسخ وأما المسألة الثانية فمستنده فيها تعريف جوابهما, نحو: من

عندك؟ فتقول: زيد. وما دعاك إلى كذا؟ فتقول: لقاؤك. والجواب يطابق السؤال, وهو ضعيف جدًا؛ لأن تطابقهما غير لازم ولا نزاع في أنه يصح أن تقول: في (من عندك؟ ): رجل من بني فلان. وفي (ما دعاك إلى كذا؟ ): أمر مهم. وأيضًا فهما قائمان مقام: أي إنسان. وأي شيء؟ وهما نكرتان, فكذا ما قام مقامهما, وأيضًا فالأصل هو التنكير كذا قال المصنف.

الباب السابع «باب المضمر»

الباب السابع «باب المضمر» «وهو» الاسم «الموضوع لتعيين مسماه مشعرًا بتكلمه أو خطابه أو غيبته» , فالاسم جنس يشمل المعرفة والنكرة, وإنما تركه اتكالًا على وضوح المعنى وظهوره. قال المصنف: وخرج بالوضع المضاف والمنادى وذو الأداة, وخرج بالتعيين النكرات, إذ المراد به جعل المعنى معاينًا للسامع أو كالمعاين, وخرج بما بعده العلم والمشار به والموصول إذ لا يشعرن بشيء من ذلك, هذا معنى كلامه. قلت: وفيه نظر, لأنا لا نسلم أن [الوضع] مخرج للمنادى والمضاف وذي الأداة, ضرورة أنهن معارف, وكل معرفة موضوعة لشيء بعينه, وغاية الأمر أن تعين المعنى تارة يكون بجوهر اللفظ, وتارة يكون بأمر خارج عنه كما مر, وذلك لا ينافي كون المعرفة موضوعة لشيء بعينه. فالحق أن قوله: الاسم. جنس يشمل المعرفة والنكرة, وقوله: الموضوع لتعيين مسماه يخرج

النكرة وأوله: مشعرًا بتكلمه. إلى آخره يخرج ما عدا الضمير من المعارف, وأحسن من هذا التعريف وأخصر قول ابن الحجاب ما وضع لمتكلم ××× مخاطب أو غائب «فمنه» أي من المضر «واجب الخفاء» وهو ما لا يخلفه ××× ولا ضمير منفصل, قال أبو حيان: وهذا اصطلاح غريب لا نعرفه لغير المصنف. «وهو المرفوع بالمضارع ذي الهمزة» نحو: أقوم. «أو النون» نحو: نقوم. «وبفعل أمر المخاطب» المفرد المذكر نحو: قم. ومضارعه» أي مضارع المخاطب المفرد المذكر نحو: تقوم. «اسم فعل الأمر مطلقًا» سواء كان لمفرد مذكر أو غيره نحو: نزال يا زيد ويا زيدان ويا زيدون ويا هند ويا هندان ويا هندات. فإن قلت: نقص من مواضع وجوب الخفاء اسم الفعل المضارع نحو: أوه وأف. قلت: كذا قال أبو حيان وتبعه ابن قاسم وغيره والانفصال عنه متأتٍ, بان ما ذكر في معنى المضارع ذي الهمزة, فإن أوه بمعنى أتوجع وأف بمعنى أتضجر فاستغنى عن ذلك, وأما اسم فعل الأمر - وإن كان الاستغناء عنه بفعل الأمر ممكنًا - فوجه تخصيصه بالذكر, أنه ذكر لأجل قوله: (مطلقًا) , إذ هذا الإطلاق ليس باتًا في فعل الأمر ضرورة أن وجوب خفاء ضميره منوط [بما] إذا كان للمفرد المذكر فقط بدليل قومي وقوما وقوموا وقمن. «ومنه

جائز الخفاء» وهو ما يخلفه [ظاهر أو ضمير منفصل]. «وهو المرفوع بفعل الغائب» نحو: زيد قام, ويقوم, وليقم, إذ يجوز أن يخلفه الظاهر فتقول: زيد قام أبوه, ويقوم أبوه, وليقم أبوه, وكذا سائر أنواع هذا القسم. «والغائبة» نحو: «هند قامت, وتقوم, ولتقم «أو معناه» يريد: أو معنى فعل الغائب والغائبة. «من اسم فعل» نحو: زيد هيهات, وهند هيهات. «وصفة» نحو: زيد ضارب ومضروب, وهند ضاربة ومضروبة. «وظرف» / نحو: زيد عندك «وشبهه» أي شبه ظرف, وهو الجار والمجرور نحو: زيد في الدار, وهند في الدار, فالضمير مستكن في هذه الأمثلة كلها, وهو جائز الخفاء؛ لأن الظاهر قد يخلفه كما تقدم. وقد انتقد [ذلك] على المصنف بأن الضمير في كل ما ذكره واجب الخفاء؛ إذ لا يصح أن يقال: زيد قام هو مثلًا, على أن يكون (هو) فاعلًا بقام, وكون الظاهر قد يقع في موقع هذا الضمير المستكن كما في قولك: زيد قام أبوه وكذا الضمير المنفصل, كما في قولك: زيد ما قام إلا هو لا يوجب إثبات جواز الخفاء لهذا الضمير, وذلك لأن هذا تركيب آخر غير تركيب زيد قام, وليس الكلام فيه, أما زيد قام فضميره واجب الاستكان دائمًا ولا يظهر في حين من الأحيان, ولو قلت: زيد قام هو, فـ (هو) توكيد للضمير المستكن

لا فاعل, نص على ذلك بعض النحويين, وهو [ظاهر] كلام المصنف وغيره, وقد نص سيبويه على أنه لا يجوز قام أنا بمعنى قمت. قال ابن قاسم: وقال الجوهري يجوز في الشعر قام هو وقام أنا, وهو صحيح؛ لأنه يجوز إقامة المنفصل مقام المتصل للضرورة. وحكى عن المبرد أنه أجاز ذلك في الشعر وغيره على معنى الحصر, فقام أنا بمعنى ما قام إلا أنا, لكن قد أجاز سيبويه في نحو: مررت برجل مكرمك هو أن يكون توكيدًا وأن يكون فاعلًا. قلت: وبتقدير تسليم ما قال المصنف, أو حمل ذلك على اصطلاح اختص به, فيرد على قوله: أو معناه. أنه مخرج لنحو: أنا هيهات وأنت هيهات, وكذلك في البواقي, مع أن الاستتار فيهن موجود, وهو جائز

لا واجب بالتفسير الذي قرره, يقال: أنا هيهات داري, وأنا في الدار غلامي, وأنا ما في الدار إلا أنا. وعلى ذلك فقس. «ومنه» أي من الضمير «بارز متصل» والمراد به ما لا يبتدأ به ولا يقع بعد (إلا) في الاختيار, والمنفصل عكسه «وهو» أي المتصل. «إن عني به المعني بنفعل» أي المتكلم المعظم نفسه, أو المتكلم ومعه غيره واحدًا, [كان] أو أكثر. «نا» خبر (هو) , أي والمتصل المراد به المتكلم عظيمًا أو مشاركًا هو لفظة «نا» «في الإعراب كله» الرفع والنصب والجر نحو: أكرمنا زيدًا وأكرمنا ومر بنا. «وإن رفع» البارز المتصل «بـ[فعل] ماضٍ فتاءٍ» وهذا موهم لأن (نا) لا ترتفع بالفعل الماضي, وهو إذا ارتفع لا ترتفع إلا به خاصة. «تضم للمتكلم» نحو: قمت؛ لمناسبة الضمة لحركة الفاعل, وخصوا المتكلم بها لأن القياس وضع المتكلم أولًا, ثم المخاطب ثم الغائب. «وتفتح للمخاطب» (نحو: قمت فرقًا بينه وبين المتكلم, وتخفيفًا). «وتكسر للمخاطبة» فرقًا ولم يعكسوا الأمر بكسرها) للمخاطب وفتحها للمخاطبة؛ لأن خطاب المذكر أكثر فالتخفيف به أولى, وأيضًا هو مقدم

على المؤنث فخص بالتخفيف, فلم يبق للمؤنث إلا الكسر. وحكى بعضهم أن في لغة رديئة لربيعة يجوز وصل فتحة [تاء] الضمير وكافه بألف نحو: فقتنا ورأيتكا, ووصل كسرتهما بياء, وقد اجتمعا في قوله: رميتيه فأقصدت ... فما أخطأت [في] الرمية بسهمين صحيحين ... أعارتكبهما الظبية «وتوصل» التاء المذكورة حال كونها «مضمومة بميم وألف للمخاطبين» المذكرين «والمخاطبتين» المؤنثتين نحو: قمتهما يا زيدان, وقمتما يا هندان, وضمت التاء فيهما إجراء للميم مجرى الواو لتقاربهما في المخرج, قيل: والضمير هو التاء والألف, والميم زائدة للتقوية. «وبميم مضمومة ممدودة للمخاطبين» نحو: قمتموا يا زيدون. «وبنون مشددة للمخاطبات» نحو: قمتن / يا هندات فجيء بحرفين في المؤنث كما جيء بحرفين في المذكر.

وفي بعض المقدمات أن أصل ضربتن ضربتمن فأدغمت الميم في النون وأن النون هنا بإزاء الواو التي في ضمير الجماعة. وهذا مردود بأن أحرف (ضوى مشفر) لا تدغم في مقاربها. ويستثنى من قول المصنف: وتفتح للمخاطب وتكسر للمخاطبة إلى آخره. أرأيت بمعنى أخبرني. واعلم أن هذا الكلمة يجوز أن يتصل بها الكاف وأن لا يتصل, فإن لم يتصل بها وجب للتاء ما يجب لها مع سائر الأفعال من تذكير وتأنيث وتثنية وجمع وإفراد, وإن اتصلت بها وجب [هنا] للتاء الفتح والإفراد واكتفي عن إلحاق علامات الفروع بكاف الخطاب ومنه قوله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله} , وكذا يقال: للإثنين أرأيتكما, وللمؤنثة أرأيتك, ولجمعها أرأيتكن, هذا كله إذا أردت معنى أخبر, وإلا فالمطابقة واجبة مع الكاف, كما تجب بدونها, فيقال: أرأيتك جميلة, أرأيتماكما فاضلين أو جميلتين, أرأيتموكم فاضلين, رأيتكن جميلات. واستدل سيبويه على أن الكاف في الأول حرف خطاب لا مفعول, بقولهم: أرأيتك زيدًا ما صنع؟ . ومثله: {أرأيتك هذا الذي كرمت علي} , وأما عكس الفراء ذلك بجعله الكاف فاعلًا والتاء حرف خطاب, فمتضمن لأمرين, لم يثبتا: إذ لم يثبت للتاء

المتصلة بالفعل أن تكون حرف خطاب, ولا ثبت للكاف أن تكون فاعلًا, ثم هو مردود بأن الكاف يجوز أن لا يؤتى بها بخلاف التاء. «وتسكين ميم الجمع إن لم يلها ضمير متصل» نحو: قمتم «أعرف» من وصلها بواو نحو: قمتمو, ومن وصلها قبل همزة القطع وإسكانها قبل غيرها كقراءة ورش, ومن الاختلاس, وهو ضمها غير موصولة, وهو قليل, وليس في كلامه بيان هذا القسم, وهو الاختلاس, لأنه إنما تقدم له ذكر الصلة, واعتذر المصنف عن ترك ذلك بشذوذه. ولا ينهض هذا عذرًا له في هذا الكتاب, فهو مشحون بالشواذ بل أشد الشواذ, نعم: يكون هذا عذرًا في مثل كتاب سيبويه وكتاب الإيضاح والمفصل والمقرب وكافية ابن الحاجب «فإن وليها» أي ولي ميم الجمع ضمير متصل, نحو: ضربتموه ففاعل ولي ضمير مستكن عائد على قوله قبل: ضمير

متصل. ومفعوله عائد على ميم الجمع. «لم يجز التسكين خلافًا ليونس» فإنه جوز أن تقول: الدرهم أعيتكمه, كما تقول في المظهر. قال المصنف: ولا أعرف سماعًا إلا ما روى ابن الأثير في غريب الحديث من قول عثمان - رضي الله عنه -: أراهمني الباطل شيطانًا. ولو جاء هكذا لكان شاذًا من وجه آخر, وهو تقديم غير الأخص مع الاتصال, هكذا في شرح ابن قاسم. قلت: أما قوله: لم يجز التسكين. فمقتضاه أن يجوز الصلة

والاختلاس, وأن جوازهما متفق عليه, وقد يمنع تناول مفهومه للاختلاس, لأنه لم يتقدم له ذكر. وأما قوله: خلافًا ليونس. فالخلاف في ذلك ليس خاصًا بيونس, بل نص سيبويه على جواز ذلك, وأن الوصل بالواو أكثر وأعرف. «وإن رفع بفعل غيره» أي غير ماضٍ, وهو الأمر والمضارع. «فهو نون مفتوحة للمخاطبات» نحو: يا هندات قمن, وأنتن تقمن [«أو الغائبات» نحو: الهندات يقمن] «وألف لتثنية غير المتكلم» فشمل ذا الخطاب وذا الغيبة, وفيه إجمال, فإنها إن ارتفعت بالمضارع كان كما ذكر, وإن ارتفعت بالأمر لم يكن إلا للمخاطب, وذلك نحو: يا زيدان افعلا, وهل تفعلان؟ وهما يفعلان «وواو للمخاطبين» نحو يا زيدون, قوموا, وأنتم تقومون «أو الغائبين» نحو: الزيدون يقومون. «وياء للمخاطبة» نحو: يا هند قومي, وهل تقومين؟ . «وللغائب مطلقًا» - أي مستترًا كان أو بارزًا «مع الماضي ماله مع المضارع» تقول: زيد ضرب, وهند ضربت, والزيدان ضربا, والهندات ضربتا, والزيدون ضربوا, والهندات ضربن كما تقول في المضارع يضرب وتضرب ويضربان وتضربان ويضربون ويضربن. ولم يكن بالمصنف حاجة إلى

ذلك, فإن قوله - فيما تقدم -: المرفوع بفعل الغائب والغائبة. يشمل ما رافعه الماضي, وما رافعه المضارع, وإنما ذكر هاهنا حكم الماضي لأنه قال: - قبل - وإن رفع بفعل غيره. أي غير الماضي, فلم يبين هناك إلا حكم المرفوع بالمضارع والأمر, وإنما خص المضارع هنا بالحوالة عليه دون الأمر لأن الكلام هنا في الغائب, والأمر لا يكون لغائب. والحاصل أن هذه الضمائر الأربعة إن رفعت بالماضي فهي للغائب لا غير, أو بالأمر فهي للمخاطب لا غير, أو بالمضارع فهي لهما في وقتين لا على الاجتماع, وكل ذلك يعلم من كلامه, ويعلم منه [أيضًا] أن ياء المخاطبة لا ترفع بالماضي. «وربما استغني معه» أي مع الماضي «بالضمة عن الواو» كقوله: فلو أن الأطبا كانُ حولي ... وكان مع الأطباء الأساة

قال أبو حيان: وهو ضرورة لا نادر, كما يفهمه ظاهر كلام المصنف, وقال بعضهم: إنه نادر. قلت: ويؤيده ما وقع في الكشاف, ففيه: (أفلح, دخل في الفلاح, كأبشر: دخل في البشارة, ويقال: أيضًا أفلحه أي أصاره إلى الفلاح. وعليه قراءة طلحة بن مصرف: {قد أفلح المؤمنون} [بالبناء للمفعول] , وعنه (أفلحوا) على لغة أكلوني البراغيث, أو على الإبهام والتفسير. وعنه بضمة بغير واو اجتزاء بها عنها, كقوله: فلو أن الأطبا كانُ حولي .................... انتهى ومقتضى قول المصنف: معه أي مع الماضي كما تقدم أن هذا الحكم خاص بالماضي, وليس كذلك؛ فإنه ذكر في الشرح أنه ربما فعل ذلك مع فعل الأمر وأنشد: إن ابن الأحوص معروف فبلغه ... في ساعديه إذا رام العلا قصر

أراد فبلغوه وقال في شرح الكافية: وقد أنشد على حذف لام الأمر اضطرارًا: فلا تستطل مني بقاي ومدتي ... ولكن يكن للخير منك نصيب وليس من قوله: من كان لا يزعم أني شاعر .. فيدن مني تنهه المزاجر بل يدن معطوف على يزعم, وحذف الواو من (يدنو) لدلالة الضمة عليها كما قال: فلو أن الأطبا كانُ حولي ............... فحذف واو الضمير اكتفاء بالضمة, فواو ليست بضمير أحق أن يفعل [بها] ذلك, وتنهه جواب (من) انتهى. فاقتضى كلامه جواز حذف الواو

التي هي ضمير, وأن حذف الواو التي هي لام أولى من ذلك. وقد استبان لك بما ذكرناه أن الاستغناء بالضمة عن الواو ثابت مع الأفعال الثلاثة على قلة. «وليس الأربع» وهن: النون والألف والواو والياء «علامات» كتاء التأنيث في فعلت هند «والفاعل مستكن» كما مثلنا «خلافًا للمازني فيهن» أي في الأربع, فإنه يقول: إنهن علامات والفاعل مستكن. قال الرضي: ولعل ذلك حملًا للمضارع على اسم الفاعل, واستنكارًا لوقوع الفاعل بين الكلمة وإعرابها. يعني النون «و» خلافًا «للأخفش في الياء» فإنه وافق المازني على أنها علامة كتاء التأنيث, ووافق الجمهور في النون والألف / والواو على أنهن ضمائر. قال ابن قاسم: وشبهة المازني أن الضمير لما استكن في فعل وفعلت, استكن في التثنية والجمع, وجيء بالعلامات للفرق, وشبهة الأخفش أن فاعل المضارع المفرد لا يبرز, بل يفرق بين المذكر والمؤنث بالياء أول الفعل للغيبة, ولما كان الخطاب بالتاء في الحالتين احتيج إلى الفرق فجعلت الياء علامة للمؤنث. وأبطل المصنف القولين بأنها لو كانت حروفًا لما التزمت كما أن تاء التأنيث لم تلزم في نحو قوله:

فإما تريني ولي لمة ... فإن الحوادث أودى بها وبأنها لو كانت حروفًا لزم أن تكون نون الإناث ساكنة, وألا يسكن آخر الفعل [لها] كتاء التأنيث. «ويسكن آخر المسند إلى التاء والنون ونا» نحو: ضربت وضربن وضربنا, وهذا المسند يكون ماضيًا فقط مع التاء

[ونا] , ويكون ماضيًا ومضارعًا وأمرًا مع النون, ويكون الفعل الذي هو غير أمر مبنيًا للفاعل تارة, ومبنيًا للمفعول أخرى. فإن قلت: لم عدل المصنف -[رحمه الله]- عن التعبير بلام المسند إلى التعبير بآخره؟ . قلت: ليدخل نحو: سلقيت, فإن المسكن فيه آخره لا لامه تقول: سلقته, ألقيته على ظهره, وتقول: سلقيته, بزيادة الياء. وعلة الإسكان عند الجمهور كراهة توالي أربعة متحركات في شيئين هما كشيء واحد؛ لأن الفاعل كجزء من فعله ثم حمل المضارع عليه, وأما الأمر فمستكن استصحابًا. وضعفه المصنف بأن الحكم عام والعلة قاصرة, إذ لا يوجد التوالي المذكور إلا في الصحيح, وبعض الخماسي نحو: انطلق, والكثير لا توالي فيه, فمراعاته أولى, ثم التوالي لم يهمل بدليل جندل وعلبط ولو كان مقصود الإهمال لم يتعرضوا إليه دون ضرورة. واختار المصنف في التعليل وجهًا آخر, وهو إرادة الفرق بين الفاعل والمفعول مع (نا) نحو: أكرمنا ثم حملت التاء والنون على (نا) , للمساواة في الرفع والاتصال والصحة.

«ويحذف ما قبله من معتل» أي ما قبل الآخر نحو: قال وباع, فتقول: قلت وبعت, وهذا الحذف عام في كل معتل. «وتنقل حركته» أي حركة المعتل الثابتة له في الأصل, والمراد بها الضمة والكسرة, لأنه سيخص الفتحة بكلام. «إلى فاء الماضي الثلاثي» نحو: جُدت وطُلت, فأصله جودت وطُولت بضم الواو, ويدل على أنه واوي جواد وطويل, فسكن آخر المسند ونقلت ضمة ما قبله - وهو الواو - إلى فاء الفعل وحذف حرف العلة, فقيل: جدت وطلت, وكذا القول في خفت وهبت بكسر الخاء, والهاء, فإن أصلهما خوفت وهيبت, على فعل بكسر العين, بدليل: أخاف وأهاب, ففعل فيهما ما تقدم من الإسكان والنقل والحذف, هذا إن كانت الحركة غير فتحة كما تقدم. «وإن كانت فتحة أبدلت بمجانسة المحذوف ونقلت» نحو: قلت وبعت, فأصلهما: قولت وبيعت, بفتح العين, لكن أبدلت الفتحة بمجانسة الواو في فعل القول - وهي الضمة - وبمجانسة الياء في فعل البيع وهي الكسرة, ثم نقلت, هذا هو مذهب الجمهور, قال سيبويه: وأما قلت فأصلها فعلت معتلة من فعلت, وإنما حول إلى فعلت ليحولوا حركة الفاء عن حالها. وقال أيضًا: وأما بعت فإنها معتلة من فعل يفعل, ولو لم يحولوها إلى فعلت لكان حال الفاء كحال فاء (قلت). ورأى ابن الحاجب أن الضم للدلالة على الواو والكسر للدلالة على الياء لا للنقل, وادعى أنه الصحيح, واحتج

عليه بأنه لو لم يجعل للدلالة كما قال: وجعل للنقل كما قالوه, لزم نقل باب / أصلي إلى باب فرعي وهو خلاف الأصل. وأورد عليه أنه لو كانت الكسرة دالة على الياء لدلت عليها في (خفت) واللازم باطل, فأجاب: بأن الضمة والكسرة تدلان على الواو والياء إذا لم يمكن أن يراعى بيان البنية, فإنهم لو فتحوا في (قلت) و (بعت) لما دل فتح الفاء على فتح العين, أما إذا أمكن ببيان البنية كما في (خفت) و (هبت) فلا يدلان عليهما, والكلام على ذلك يطول. «وربما نقل» أي وقع النقل المذكور قليلًا, وهو نقل حركة عين الفعل المعتل الأجوف إلى فائه. «دون إسناد إلى أحد الثلاثة» التي هي التاء والنون ونا. «في زال وكاد أختي كان وعسى» كقول بعضهم ما زيل يفعل, وقول أبي خراش الهذلي: وكيدت ضباع القف يأكلن جثتي ... وكيد خراش عند ذلك ييتم

ووجه ذلك أنهم أمنوا اللبس حيث كان هذا الفعل لا مفعول له. واحترز بقوله: أختى كان وعسى. من زال بمعنى ماز وبمعنى ذهب, ومن كاد بمعنى أراد وبمعنى مكر, ويجمعها قولك: ماضي يزال ويكاد. فإن مضارع التي بمعنى (ماز): يزيل, وبمعنى (ذهب): يزول, ومضارع (كان) بذينك المعنيين: يكيد. ولما كان كلام المصنف السابق يقتضي أن الإسكان خاص بتلك الضمائر, وكان ما عداها محرك ما قبله, أراد أن يبين حقيقة تلك الحركة, ولم يتعرض للألف للعمل بأنها لا يكون [ما] قبلها إلا الحركة الخاصة التي هي الفتحة؛ فلذلك قال: «وحركة ما قبل الواو والياء مجانسة» فيضم ما قبل الواو نحو: يضربون, ويكسر ما قبل الياء نحو: تضربين. «فإن ماثلها» أي [فإن] ماثل ما قبل الحركة المجانسة تلك الحركة المجانسة بأن كان واوًا قبل ضمة نحو: تدعون, إذ أصله تدعوون, أو كان ياء قبل كسرة نحو: ترمين, إذ أصله ترميين؛ وهذا الكلام مبني على أن حركة الحرف بعد الحرف «أو كان» ما قبل الواو والياء «ألفًا حذف» أي

ما ذكره من واو وياء وألف «وولي» الضمير «ما قبله» أي ما قبل المحذوف «بحاله» من غير تغيير له, فتبقى حركة العين في (يدعون) , والميم في (ترمين) , والشين في تخشين على حالها. «وإن كان الضمير واوًا والآخر» بكسر الخاء «ياء» نحو: الزيدون يرمون, إذ أصله يرميون, فآخر الفعل ياء والضمير واو. «أو بالعكس» فيكون الضمير ياء وآخر الفعل واوًا نحو: تغزين؛ إذ أصله تغزوين. «حذف الآخر» أي آخر الفعل, وهو الياء من ترميون, والواو من تغزوين مثلًا. «وجعلت الحركة المجانسة على ما قبله» فتقول: ترمون وتغزين. وظاهر هذا الكلام أنا حذفنا الحرف وحده ونقلنا حركته التي كانت معه إلى ما قبله, وقال في شرحه: استثقلت ضمة على ياء مكسور ما قبلها في ترميون, وكسرة على واو مضموم ما قبلها في تغزوين, فحذفت الضمة والكسرة تخفيفًا ثم الياء والواو - يعني للساكنين - ثم خيف على واو الضمير في ترمون وياء الضمير في تغزين الانقلاب إلى الواو والياء فجيئ بالحركة المجانسة ليسلم الضميران. وقوله: وجعلت الحركة على ما قبله. يقتضي أن الحركة مع الحرف.

«ويأتي ضمير الغائبين» بفتح النون جمع غائب «كضمير الغائبة كثيرًا» نحو: {وإذا الرسل أقتت} كقوله: قد علمت والدتي ما ضمت ... إذا الكماة بالكماة التفت وكقول حسان بن ثابت - رضي الله عنه -: وقال الله قد يسرت جندا ... [هم] الأنصار عرضتها اللقاء

وإطلاق هذا القول من المصنف إنما يصح على قول الكوفيين, وأما / البصريون فيمنعون في جمع السلامة: الزيدون قامت, كما يمنعون قامت الزيدون, وهو موافق لهم في ذلك الباب, فكان ينبغي أن يوافقهم هنا, فلا يطلق. وفي حواشي الصحاح لابن بري: أن قيسا - يعني ابن ذريح - لما دخل مكة شرع أصحابه يدعون الله عز وجل ويسألونه المغفرة, قال هو: يا رب ليلى, فقالوا [له]: ويحك, هلا سألته المغفرة فقال: دعا المحرمون الله يستغفرونه ... بمكة شعثا أن تمحى ذنوبها فناديت يا رباه أول سؤلتي ... لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها فإن أعط ليلى في حياتي لا يتب ... إلى الله عبد توبة لا أتوبها

«لتأولهم بجماعة» أي أن مجيء ضمير الغائبين كضمير الغائب مبني على التأويل بجماعة لا على وجه الحقيقة, وهذا الكلام متعلق بما تقدم من قوله: إن الواو والنون يكونان للغائبين, والغائبات والمخاطبين والمخاطبات, وإن الواو للمذكرين غيبة وحضورا والنون للمؤنثات كذلك, فبين هنا أن ضمير الغائبين كما يكون بالواو يكون كضمير المفرد مذكرًا [كان] أو مؤنثًا, وأن مجيئه كالمفرد المؤنث على التأويل لا على وجه الحقيقة, فتكون على ما تقدم, من أن الواو للعقلاء الذكور. «وكضمير الغائب قليلًا» كقوله: فإني رأيت الصامرين متاعهم ... يموت ويفنى فارضخي من وعائيا

«لتأويلهم بواحد يفهم الجمع» فيؤول في البيت المذكور أن الصامرين بمعنى من [ثم] , أو من ذكر, وهو واحد يفهم الجمع, فعاد الضمير عليه بهذا الاعتبار, وهذا التأويل هو الذي يدل كلام سيبويه على اعتباره. «أو لسد واحد مسدهم» وهذا تأويل الفارسي, وقد احتج للتأويل الأول بقوله عليه الصلاة والسلام: (خير النساء صوالح نساء قريش أحناه على ولد ... الحديث) , فإنه لو اعتبر. المعنى الثاني لقيل: أحناها, فإنه إنما يقال: [هنا] خير امرأة. «ويعامل بذلك ضمير الاثنين وضمير الإناث بعد أفعل التفضيل كثيرًا, ودونه قليلًا» مثال الأول, وهو ضمير الاثنين بعد أفعل التفضيل قوله:

ومية أحسن الثقلين جيدا ... وسالفة وأحسنه قذالا وقد يتوهم أن هذا البيت مما يرد به تأويل الفارسي, إذ لا يصح أن يقع واحد الثقلين هنا؛ لأنه لا يفرد فلا يقال: أحسن ثقل ولا أحسن الثقل؛ لأن له أن يقول: يصح أحسن شيء جيدًا, وليس شرط الواحد أن يكون من لفظ المذكور. ومثال ضمير الإناث بعد أفعل التفضيل (خير النساء صوالح نساء قريش ... ) الحديث, ومثال ضمير الاثنين دون (أفعل) قول الشاعر/ أخو الذئب يعوي والغراب ومن يكن ... شريكيه تطمع نفسه كل مطمع

كأنه قال: ومن يكن هذا النوع. وقال [ابن] الشجري: جعل الذئب والغراب بمنزلة الواحد فأعاد إليهما ضمير الواحد؛ وذلك لأن الذئب والغراب كثيرًا ما يصطحبان في الوقوع على الجيف, ولولا ذلك لقال: ومن يكونا. ووجه القلة في غير اسم التفضيل, أنه لا يطرد فيه قيام المفرد مقام الاثنين والجماعة, كما اطرد ذلك في اسم التفضيل. قلت: وفي كلام المصنف مناقشة, وذلك أن قوله: ويعامل بذلك يشمل ضمير الغائبة, وليس الحكم في هذا القسم كذلك, فكان الصواب: ويأتي كضمير الغائب ضمير الغائبين وضمير الغائبات. وقد يجاب بأن / اسم الإشارة لا يرجع إلى مجموع ما تقدم من الإتيان كضمير الغائبة كثيرًا, وكضمير الغائب قليلا, وإنما يرجع إلى الأخير فقط. «وللجمع الغائب غير العاقل ما للغائبة» نحو: {وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سجرت} , ولا يقال: قد مضى هذا في قوله: ويأتي ضمير الغائبين كضمير الغائبة. لأنا نقول ذلك في العقلاء خاصة, وهذا في غير العقلاء. «أو الغائبات» نحو: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} , وكان الأولى بالمصنف لو عبر - بدل الجمع - بالجماعة؛ ليدخل فيه دخولًا ظاهرًا نحو: {ومن آياته الليل

والنهار والشمس والقمر} الآية فقال تعالى: {خلقهن} ولم يتقدم جمع صناعي, وإنما تقدم جمع لغوي فقط, ولما بين المصنف جواز الوجهين شرع في تبيين الراجح منها فقال: «وفعلت ونحوه» فدخل فيه ضمير الوصف المرفوع وغير المرفوع «أولى من فعلن ونحوه بأكثر جمعه» أي جمع غير العاقل «وأقله» أي وأقل الجمع المذكور, وهو بالرفع على أنه مبتدأ, والعاقلات معطوف عليه, والخبر قوله: بالعكس, فالأحسن الجذوع انكسرت, ومنكسرة, وكسرتها, والأجذاع انكسرت, ومنكسرات, وكسرتهن, وينبغي أن يبحث عن وجه الفرق. «والعاقلات مطلقًا» سواء كان الجمع الذي لهن جمع قلة أو جمع كثرة. «بالعكس» ففعلن ونحوه لهن أولى من فعلت ونحوه, وكلاهما كثير فصيح نحو: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن} الآية, وفي الحديث (فإنهن عوار عندكم) , ومن الوجه الآخر {ولهم فيها أزواج مطهرة}. «وقد يوقع»

بالبناء للفاعل وضم الياء من أوقع «فعلن» مفعول به عامله (يوقع) «موقع فعلوا» بنصب (موقع) على الظرفية, أي في محل وقوعه. «طلب التشاكل, برفع (طلب) على أنه فاعل (يوقع) , وذلك كما في الحديث: (اللهم رب السموات وما أظللن, ورب الأرضين وما أقللن, ورب الشياطين وما أضللن) , فالقياس أن يقال: ورب الشياطين ومن أضلوا. لكن تقدم عليه أظللن وأقللن, فطلبت المشاكلة بين ذلك [وبينهما] , فأتى به على صيغتهما, فقيل: ومن أضللن. فطلب المشاكلة والمناسبة اللفظية هو الذي أوقع (أضللن) موقع (أضلوا) «كما قد يسوغ» طلب التشاكل «لكلمات أخر غير ما» ثبت «لهما من حكم

ووزن» فالأول كما وقع في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال لنسائه: (لأيت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأديب تنبحها كلاب الحوأب) أراد: الأدب, فأظهر الإدغام لأجل (الحوأب). والجمل الأدب هو الكثير الوبر. وفي حديث عذاب القبر: (لا دريت ولا تليت) بقلب واو تلوت ياء لتشاكل دريت, وقال الخطابي: يقوله المحدثون تليت, هكذا والصواب [ولا] ائتليت, تقديره: افتعلت, أي لا استطعت, من قولك: ما ألوت هذا الأمر. وفيه وجه آخر, وهو أن يقال: ولا اتليت - يعني بتشديد التاء الأولى - قال: والمعنى الدعاء عليه بأن لا تتلي, إبله, أي لا يكون لها أولاد تتلوها, أي

تتبعها. انتهى. وهذا معى ركيك لا يناسب هذا المقام, ورواية المحدثين صحيحة على الإتباع, وإذا كانوا يقولون: حسن بسن. فيأتون بكلمة تامة للتناسب والتسجيع, فلأن يغيروا جزء كلمة لها معنى لذلك أخف وأسهل. والثاني كقولهم: أخذه ما قدُم وحدُث - بضم الدال من حدث - فغيروه عن وزن فعل بفتح العين إلى فعُل بضمها لطلب / مشاكلته لقدم, وكذلك نحو: هنأه ومرأه, فإنه لا يقال في الإفراد إلا أمرأه, فلما قرنوه بهنأه طلبوا مشاكلة وزنه, فحذفوا الهمزة وقالوا: مرأه. «ومن البارز المتصل في الجر والنصب ياء للمتكلم» احترازًا من ياء المخاطبة نحو: {ربي أكرمن} «وكاف مفتوحة للمخاطب» نحو: {وما ودعك ربك} , ولا يرد عليه كاف (ذلك) , فإنها للخطاب لا للمخاطب. «ومكسورة للمخاطبة» نحو: {جعل ربك تحتك} الآية, {إن الله اصطفاك وطهرك} «وها» أي مجموع هذا اللفظ, وهو الهاء والألف «للغائبة» نحو: (والشمس وضحاها, والقمر إذا تلاها, والنهار إذا

جلاها} الآيات, وحكى السيرافي الاتفاق على أن الضمير هو مجموع الهاء والألف, وقيل: الألف زائدة مقوية لفتحة الهاء الفارقة بين المذكر والمؤنث, وأجاز بعضهم حذفها وقفًا, ومنه: والكرامة ذات أكرمكم الله به, أي بها. «وهاء» بهمزة بعد الألف «مضمومة للغائب» نحو: {قال له صاحبه وهو يحاوره} , والضمير هو الهاء وحدها, والواو مقوية للحركة, وقال الزجاج: مجموعهما هو الضمير. «وإن وليت» هاء الغائب «ياء ساكنة» نحو: {بما عاهد عليه الله} «أو كسرة» نحوه: {قال لأهله امكثوا}. «فيكسرها غير الحجازين» كما مثلنا. وأما الحجازيون فعلى ما قدمنا من قولنا: وهاء مضمومة - وبلغتهم قرأ حفص: {وما أنسانيه [إلا الشيطان] و: {بما عاهد عليه الله} وقرأ حمزة: {لأهله امكثوا} بضم الهاء.

فإن قلت: ما وجه دخول الفاء الرابطة للجواب على (بكسرها) مع صلوحه لأن يجعل شرطًا, وإنما يربط بالفاء ما لا يصلح لأن يكون شرطًا؟ . قلت: هو مثل قوله [تعالى] {ومن عاد فينتقم الله منه} , فلا تقدر الفعلية جوابًا, وإنما تجعل خبرًا لمحذوف, أي فهو ينتقم الله منه, وكذا (فيكسرها) التقدير: فهي يكسرها غير الحجازيين, فالجملة اسمية, فالفاء متعينة حينئذ لعدم صلاحية الجملة إذ ذاك لأن تكون شرطًا. «وتشبع حركتها بعد متحرك» نحو: {له ما - في السموات}. «ويختار الاختلاس بعد ساكن مطلقًا» [أي] سواء كان حرف علة نحو: فيه وعليه, أو صحيحًا نحو: منه وعنه, فالاختلاس في ذلك هو المختار على الإشباع. «وفاقا لأبي العباس» المبرد, وخلافًا لغيره في قولهم: لا يختار بعد الساكن مطلقًا, بل مقيدًا بكونه معتلًا, فنحو: عليه ورموه, بالإشباع فيهما

متفق على مرجوحيته؛ لأنه الذي يعرض فيه اجتماع مثلين بينهما حرف خفي, فلا يأتي ذلك في الألف, ولكن حمل عليهما, والحق أنه لا فرق؛ لأن المضعف اجتماع ساكنين بينهما حرف خفي مطلقًا, لا هذا بقيد التماثل؛ لأن الخصم موافق على مسألة: (ضرباه) مع التخالف, والأصل عدم الحمل, ومما يدل للمبرد أنه لم يقرأ بالإشباع مطلقًا إلا ابن كثير, وأما باقي السبعة فيختلسون بعد الساكن مطلقًا معتلًا كان أو صحيحًا, ولم يقرأ أحد من القراء السبعة بالإشباع بعد الصحيح, والاختلاس بعد المعتل, كما اختاره سيبويه. وكان حق المصنف أن يقول: بعد ساكن معتل اتفاقًا, وصحيح وفاقًا لابن العباس. أو: وبعد صحيح على الصحيح. «وقد تسكن أو تختلس الحركة بعد متحرك عند بني عقيل»

بضم العين «وبني كلاب اختيارًا» فيقولون: {إن الإنسان لربه لكنود} بإسكان الهاء و: (لربه) بالاختلاس, وقرئ بهما في الشواذ, وكذا: له مال وله مال. وقد اجتمع الاختلاس والتسكين في قوله: له زجل كأنه صوت حاد ................

«وعند غيرهم اضطرارًا» كقوله: وأشرب الماء ما بي نحوه عطش ... إلا لأن عيونًا سال واديها وأنشد الجوهري في الصحاح: إنه لا يبرئ داء الهدبد ... مثل القلايا من سنام وكبد الهدبد: على زنة العلبط العمش والخفش وضعف العين. «وإن فصل المتحرك» ولو قال: المتحركة لكان أنسب لما تقدم. «في الأصل» متعلق بـ (فصل) , لا بـ (المتحرك).

«ساكن حذف جزمًا» نحو: {لا يؤده إليك} {ونصله جهنم} , إذ أصلهما يؤديه ونصلبه. «أو وقفا» نحو: {فألقه إليهم}؛ إذ أصله فألقيه. «جازت الأوجه الثلاثة» هذه الجملة جواب الشرط, وقوله: حذف جزمًا أو وقفًا. جملة في محل رفع على أنها صفة [لقوله]: ساكن. والأوجه الثلاثة هي الإشباع والاختلاس والإسكان. فالإشباع نظرًا إلى اللفظ؛ إذ الضمير بعد حركة, والاختلاس نظرًا إلى الأصل؛ لأنه بعد ساكن, والإسكان نظرًا إلى حلول الهاء محل المحذوف, وحقه الإسكان لو لم يكن معتلًا. واعلم أن الاختلاس والإشباع كل منهما مع الضم مطلقًا, ومعه أو مع الكسر إذا تقدمت كسرة [قال] أبو البقاء قرئ {يؤده إليك} على خمسة أوجه: يؤده بالإسكان, يؤده بالكسر [مع الاختلاس, يؤده بالكسر} مع

الإشباع, يؤده بضم الهاء مع الاختلاس, يؤده بضمها مع الإشباع. «ويلي الكاف والهاء في التثنية والجمع ما ولي التاء» نحو: ضربكما غلامكما, وضربكم غلامكم, وضربكم غلامكن, وضربهما غلامهما, وضربهم غلامهم, وضربهن غلامهن. ومن كسر الهاء في (به) و (فيه) كسرها في: بهم, وبهما, وبهن, وفيهما, وفيهم, وفيهن, ومن ضم ضم. قال أبو عمرو: والضم مع الياء أكثر منه مع الكسرة. وتسكين ميم الجمع أيضًا هنا أعرف إن لم يلها ضمير متصل, فإنو ليها ففيه خلاف يونس, كما تقدم في التاء. «وربما كسرت الكاف فيهما» أي في التثنية والجمع «بعد ياء ساكنة أو كسرة» نحو: فيكما, وفيكم, وفيكن, وبكما, وبكم, وبكن, بكسر الكاف في الكل, وهذه لغة حكاها سيبويه عن ناس من بكر بن وائل قال: وهي رديئة جدًا سمعنا أهل هذه اللغة ينشدون اللحطيئة:

وإن قال مولاهم على جل حادث ... من الدهر ردوا بعض أحلامكم ردوا ولكن لم ينقل سيبويه ذلك إلا بعد الكسر, وحكاه الفراء عن النمر, قال: ولا نعلم أحدًا من العرب يقولها غيرهم. «وكسر ميم الجمع) أعم من أن يكون في ضمير رفع أو نصب أو جر؛ إذ لا فرق «بعد الهاء المكسورة» نحو: عليهم. واحترز بالمكسورة عن

المضمومة نحو: {تتوفاهم الملائكة} , فإن الميم لا تكسر حينئذٍ, وإذا كانت مكسورة كما قال المصنف, فكسر الميم «باختلاس قبل ساكن» نحو: {بهم الأسباب} , {عليهم القتال}. «وبإشباع دونه» أي دون الساكن المذكور نحو: فيهم إحسان وعليهم جلالة. «أقيس» من ضمها قبل الساكن؛ لثقل الخروج من كسر إلى ضم, ومن إسكانها قبل المتحرك؛ لأن الصلة هي الأصل. وفي قوله: أقيس, نظر وإنما حقه أن يقول: أسهل, وإلا فالأقيس الضم؛ لأنه أصل حركة واو الجماعة وما كان أحسن اللفظ والمعنى لو قال في الأول: أيسر. وفي الثاني: أشهر. فيكون التركيب هكذا: وكسر ميم الجمع بعد الهاء المكسورة باختلاس قبل ساكن, وبإشباع دونه أيسر. «وضمها قبل ساكن وإسكانها قبل متحرك أشهر» فمثال ضمها قبل ساكن قراءة الأكثرين {بهم الأسباب} , بضم الميم ومثال إسكانها قبل متحرك قراءة الأكثرين {صراط الذين أنعمت

عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}؛ ولكون ما ذكر هو الأشهر في الوجهين قرأ به الأكثر. «وربما كسرت الميم قبل ساكن مطلقًا» أي وإن لم يكن قبلها كسرة ولا ياء ساكنة [كقوله]: فهم بطانتهم وهم وزراؤهم ... وهم القضاة ومنهم الحكام وكقوله: ألا إن أصحاب الكنيف وجدتهم ... هم الناس / لما أخصبوا وتمولوا أنشدهما المصنف في الشرح.

«فصل»: في الكلام على نون الوقاية.

«فصل»: في الكلام على نون الوقاية. «تلحق قبل ياء المتكلم» مفتوحة أو ساكنة أو محذوفة والكسر دليلها نحو: {ربي أكرمن} {ربي أهانن} يقرأ وصلًا فيهما بنون مكسورة. «أن نصب بغير صفة» فشمل الفعل ماضيًا كان نحو: أكرمني, أو مضارعًا نحو: يكرمني, أو أمرًا نحو: أكرمني, متصرفًا كما مثلنا أو غير متصرف نحو: هبني وعساني, واسم الفعل نحو: عليكني ورويدني, وإن وأخواتها نحو: إنني وكأنني, واحترز من أن ينصب بصفة نحو: الضاربي عند من يراه منصوبًا, فإن نون الوقاية لا تلحقه. «أو جر بـ (من) أو (عن)» نحو: مني وعني بإدغام النون الساكنة وفي نون الوقاية. «أو قد» بمعنى حسب نحو: قدني. «أو قط» بمعنى حسب أيضًا نحو: قطني, وهذا تصريح بأن الياء مجرورة فتكون مضافًا إليها, وهذا مذهب الخليل وسيبويه, وسيأتي في باب أسماء الأفعال. «أو بجل» بمعنى حسب أيضًا والياء مجرورة, فتقول يجلني «أو لدن» نحو: {[قد] بلغت من لدني عذرا}. «نون» بالرفع فاعل تلحق. «مكسورة للوقاية» عن الكسر في الفعل واسمه ومشبهه, وعن مطلق عموم الحركة في المبنى على السكون. «وحذفها مع (لدن) وأخوات (ليت) جائز» أما لدن فكقوله تعالى: {قد

بلغت من لدني عذرا} قرئ بالتشديد وبه قرأ الأكثرون وبالتخفيف وبه قرأ نافع وأبو بكر. قال المصنف: وزعم سيبويه أن عدم لحاقها لـ (لدن) من الضرورات وليس كذلك لقراءة نافع, ولا يجوز أن يكون الاسم في قراءته (لد) والنون للوقاية, لأن (لد) متحرك الآخر, والنون إنما أتي بها لتصون الآخر عن الحركة, وإنما يقال: - في (لد) مضافًا إلى الياء - لدي, نص عليه سيبويه.

وأما أخوات ليت فهي: إن وأن وكأن ولكن ولعل, فيجوز فيها حذف نون الوقاية وإثباتها, وكون المحذوف هو نون الوقاية من الأربعة الأول هو مذهب الكثيرين؛ لأنها طرف؛ ولتعينها في (لعلي) , وقيل: المحذوف النون الأولى, وقيل: الوسطى. «وهو مع (بجل) و (لعل) أعرف من الثبوت» في الصحاح وبجل بمعنى حسب, قال الأخفش: هي ساكنة أبدًا, يقال: بجلك, كما يقال: قطك, إلا أنهم لا يقولون: بجلني كما يقولون: قطني, ولكن يقولون: بجلي وبجلي أي حسبي. قال لبيد: فمتى أهلك فلن أحفله ... يجلي الآن من العيش بجل

هذا نصه. وأما إثبات النون مع لعل فكقوله: فقلت أعيراني القدوم لعلني ... أخط بها قبرًا لأبيض ماجد وحذفها أعرف نحو: {لعلي أبلغ الأسباب} «ومع ليس وليت ومن وعن وقط وقد بالعكس» أي الإثبات معهن أعرف. قال المصنف - رحمه الله [تعالى]-: ولم يرد ليسي ولبتي إلا في نظم كقوله: ................... ... إذ ذهب القوم الكرام ليسي

وقوله: كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه وأفقد جل مالي ونص سيبويه على أن الحذف مع ليت ضرورة. وقال الفراء: ليتي وليتني جائز. وظاهره أنه يجوز في الاختيار. والحذف مع من وعن نادر, ونص بعضهم على أنه لا يجوز إلا للضرورة كقوله: أيها السائل عنهم وعني ... لست من قيس ولا قيس مني

وقطني وقدني أعرف من قطي وقدي, وظاهر كلام المصنف جواز الوجهين فيهما في الاختيار, وقد نص [قوم] على أن الحذف معهما ضرورة, وفي شرح الألفية لولد المصنف: قدي وقطي في كلامهم أكثر من قدني وقطني. وهو خلاف ما تقدم, وقد جمع الشاعر بينهما في قوله: قدني من نصر الخبيبين قدي ......................

وفي الحديث: (قط قط بعزتك) يروى بسكون الطاء وكسرها مع ياء ودونها, ويروى: (قطني / قطني) و (قطٍ قطٍ) وهذا يدل على جواز الأمرين في غير الضرورة. هذا كله كلام ابن قاسم. «وقد تلحق» أي نون الوقاية «مع اسم الفاعل, وأفعل التفضيل» حملًا على الفعل بطريق التشبيه وإلا فلم تحفظهما من كسر لا يستحقانه [ولا حفظت عليهما سكونًا يستحقانه] , ولحوقها مع اسم الفاعل تارة يكون مع كونه ناصبًا, وتارة مع كونه خافضًا. فالأول كقوله:

وليس الموافيني ليرفد خائبًا ... .................... والثاني كقوله: ....................... ... أمسلمني إلى قومي شراحي وكان القياس في الأول: الموافي بتشديد الياء, وفي الثاني: أمسلمي بتخفيفها. وقال هشام: - في أمسلمني - إنما هذا تنوين لا نون وقاية, وكسر لالتقاء الساكنين, وأجاز على ذلك زيد ضاربني, والياء عنده منصوبة لا مجرورة, ويرده:

وليس الموافيني ............... ... .................. إذ لا يجتمع التنوين مع (أل). وأما لحاقها مع أفعل التفضيل فقد استدل عليه المصنف -[رحمه الله]- بقوله عليه الصلاة والسلام: (غير الدجال أخوفني عليكم). وفيه ثلاثة أسئلة: أحدها: في (أخوف) , فإنه يقتضي أن غير الدجال خائف, فإن أصل أفعل أن يكون من الثلاثي المبني للفاعل وإنما المعنى أن غير الدجال مخوف منه. والثاني: في الياء, فإن أفعل إنما يضاف إلى بعضه والياء لا تقبل ذلك. والثالث: في لحاق النون, وجواب هذا الأخير: أن أفعل هذا مشبه به في التعجب. وجواب الأول أن فعله إما خاف أو خيف أو أخاف, والجميع ممكن, أما

خيف فموافق للمعنى, ولكن يكون من باب: أشغل من ذات النحيين. ويكون الأصل أخوف مخوفاتي ثم حذف المضاف وبهذا التقرير اندفع السؤال الثاني. وأما خاف: فعلى أن يكون من وصف المعاني بما توصف به الذوات مثل: شعر شاعر, وموت مائت, وعجب عاجب. فالأصل: خاف خوفي, ثم قيل: خوفي [من] هذا الشيء أخوف من خوف غيره. وأصل الحديث: خوف غير الدجال أخوف خوفي. ثم حذف الخوفان وخلفهما غير والياء فصار غير الدجال أخوفني. وأما أخاف فعلى أن الأصل غير الدجال أخوف مخيفاتي, ثم حذف المضاف. وقد تضمن هذا الجواب الثاني الجواب عن السؤال الأول, وتبين على الأوجه الثلاثة أنه لابد من تقدير مضاف, وأما [في] الوجه الثاني فيحتاج إلى تقدير مضافين. «وهي» أي نون الوقاية «الباقية في فليني» من قول الشاعر:

تراه كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني «لا الأولى» عطف على (هي) , والمراد بالأولى نون الإناث. «وفاقًا لسيبويه» بناء على أنه إذا دار المحذوف بين كونه أولًا و [كونه] ثانيًا, فكونه ثانيُا أولى. ورجح المصنف هذا بأنها الباقية في نحو: {تأمروني} , والصحيح أن المحذوف هو نون الوقاية؛ لأن النون الأخرى فاعل, والفاعل

لا يجوز حذفه وفي البسيط: إن كون المحذوف نون الوقاية أمر مجمع عليه والمصنف نقل الخلاف كما رأيت.

«فصل»: يذكر فيه صيغ الضمائر المنفصلة.

«فصل»: يذكر فيه صيغ الضمائر المنفصلة. «من الضمير منفصل في الرفع» لا في النصب وأما الجر فلا يكون فيه الضمير إلا متصلًا. «منه» أي من المنفصل في الرفع «للمتكلم أنا محذوف الألف في وصل غير تميم» فالضمير هو الهمزة والنون, وأما الألف فزائدة بدليل حذفها في الوصل, وإنما ثبتت في الوقف لبيان الفتحة؛ لأنه لولا الألف لسقطت الفتحة للوقف, وكان يلتبس بـ (أن) الحرفية بسكون النون, ويكتب بالألف لأن الخط مبني على الوقف والابتداء, وقد تبين فتحتها بهاء السكت كقول حاتم: هكذا فزدي أنه. هذا مذهب البصريين, وقال الكوفيون: الضمير هو مجموع الثلاثة, بدليل ثبوتها في الوصل في لغة تميم. وبعضهم يقول: إن / الهاء في قول حاتم: ... أنه. بدل من الألف. واختار المصنف المذهب الكوفي. وأشار بقوله: في وصل غير تميم. إلى أن تميمًا يثبتونها وصلًا ووقفًا وبها قرأ نافع وأن غير تميم يحذفونها في الوصل ويثبتونها في الوقف. «وقد يقال»: - في أنا - «هنا» بإبدال همزتها هاء

«وآن» على وزن بان, قال الفراء: من العرب من يقول: آن. يطيل الألف ويحذف الأخيرة. وهي لغة قضاعة, وفهم بعضهم من قوله: يطيل. أن الألف للإشباع ونقل عنه ابن إياز أنها مقلوبة من أنا وهو صريح في أن الألف ليست للإشباع. فإن قلت: فيكون يصنع بقوله: يطيل الألف؟ قلت: ليس هذا صريحًا في كون الألف للإشباع وإنما ضبط اللفظ ليفهمه الناظر على الوجه؛ وذلك لأنه لو اقتصر على قوله: وبعض العرب يقول: آن. ويحذف الأخيرة. لم يدر هل أراد بقوله: آن همزة فنونًا فقط أو همزة فألفا فنونًا؟ . إذ صورة الخط واحدة فيهما, فزاد ما يرفع توهم غير المقصود بقوله: يطيل الألف.

قال المصنف: من قال آن, فإنه قلب (أنا) كما قال بعض العرب في رأى: راء, وليست الألف إشباعًا؛ لأنه لا يكون غالبًا إلا في ضرورة. قلت: أما أن الألف ليست إشباعًا فظاهر لما قال, وأما ادعاء القلب فلا ثبت يقوم عليه لا سيما و (أنا) شبيه بالحروف فينافيه القلب, لأنه نوع من التصرف, والحروف وما يشبهها غير قابلة له. «وأن) بهمزة فنون ساكنة وصلًا ووقفًا حكاها قطرب. «ويتلوه» [أي] (أن) الساكن النون, وهو أقرب مذكور «تاء حرفية» للخطاب «كالاسمية لفظًا وتصرفًا» فتقول: أنت بفتح التاء للمذكر, وأنت بكسرها للمؤنث, وأنتما لاثنين مذكرين أو مؤنثين, وأنتم لجماعة المذكرين, وأنتن لجماعة الإناث, كما تقول في التاء الاسمية: ضربت [ضربت] ضربتما ضربتم ضربتن, فالضمير هو أن فقط, والتاء حرف خطاب, هذا مذهب البصريين, وعليه اقتصر المصنف في المتن, وفيه خلاف لا نطيل بذكره, «ولفاعل نفعل» وهو المتكلم المعظم نفسه أو المتكلم ومعه غيره «نحن» وتحريكه للساكنين, وضمه إما لكونه ضميرًا مرفوعًا, وإما لدلالته على المجموع الذي حقه الواو. «واللغيبة هو» للواحد المذكر «وهي» للواحدة المؤنثة. «وهما» للاثنين مذكرين كانا أو مؤنثين. «وهم» لجماعة المذكرين. «وهن» لجماعة الإناث, والواو والياء في هو وهي عند البصريين من أصل الكلمة, وعند الكوفيين للإشباع, والضمير هو الهاء [وحدها] بدليل التثنية

والجمع, فإنك تحذفهما فيهما, والأول هو الوجه؛ لأن حرف الإشباع لا يتحرك, وأيضًا حروف الإشباع لا تثبت إلا ضرورة, وإنما حركت الواو والياء لتصير الكلمة بالفتحة مستقلة, حتى يصح كونها ضميرًا منفصلًا, إذ لولا الحركة لكانتا كأنهما للإشباع, على ما ظن الكوفيون, ألا ترى أنك إذا أردت عدم استقلالها سكنت الواو والياء نحو: اّنهو وبهي. وكان قياس المثنى والجمع: هو ما وهيما وهوم وهين, فخفف بحذف الواو والياء. «ولميم الجمع في الانفصال ما لها في الاتصال» فيثبت لميم أنتم ما [ثبت] لميم (ضربتم) من تسكين وإشباع واختلاس, لكن لا يجري هنا خلاف يونس, إذ لا يتصل بها ضمير. «وتسكين هاء (هو) و (هي) بعد الواو والفاء واللام وثم جائز» وقد وردت قراءات في السبع واستعمالات للفصحاء تشهد لذلك, والتثقيل لغة [أهل] الحجاز والتخفيف لغة نجد, وهو بعد الواو والفاء واللام أكثر من التثقيل. «وقد / تسكن بعد همزة الاستفهام» كقوله:

فقمت للطيف مرتاعا فأرقني ... فقلت أهي سرت أم عادني حلم «و» بعد «كاف الجر» كقوله:

وقد علموا ما هن كهى وكيف لي ... سلو ولا انفك صبا متيما [قال المصنف] ولم يجئ الإسكان بعدهما إلا في الشعر. ولم ينبه على ذلك في المتن. «وتحذف الواو» كقوله: [فبينان يشري رحله قال قائل: لمن جمل رخو الملاط نجيب؟

«والياء» كقوله: ] سالمت من أجل سلمى قومها وهم ... عدى ولولاة كانوا في الفلا رمما «اضطراراً» فلا يستعمل مثل ذلك في السعة.

«وتسكنهما قيس وأسد» نحو: هو قام - بواو ساكنة - وهي قامت بباء ساكنة. «وتشددهما همدان» بميم ساكنة ودال مهملة كقوله: وإن لساني شهدة يشتفى بها ... وهو على من صبه الله علقم وكقوله:

والنفس ان ادعيت بالعنف آبية ... وهي ما أمرت باللطف تأتمر «ومن المضمرات: (إيا) خلافًا للزجاج» , فإنه ذهب إلى أنه اسم ظاهر مضاف إلى المضمرات كأن (إياك) بمعنى نفسك, وزيف بوجوه منها: أنه لو كان ظاهرًا لجاز تأخيره عن عامله, بل رجح كغيره من الأسماء الظاهرة, ومنها أن (إيا) لا تقع في موضع رفع, وما لا يقع في موضع رفع فهو مضمر أو مصدر أو ظرف أو حال أو منادى, وصلاحية (إيا) لغير الضمير منفية, فتعين كونه مضمرًا. «وهو» أي إيا. «في النصب كـ (أنا) في الرفع» يريد أنه منفصل مثله. «لكن يليه دليل ما يراد به من متكلم أو غيره اسمًا مضافًا إليه وفاقًا للخليل والأخفش والمازني» تقول: إياي وإياك وإياه فـ (إيا) في الصور كلها ضمير نصب منفصل مضاف إلى اسم هو ياء المتكلم أو كاف المخاطب أو هاء الغائب, واختار المصنف هذا المذهب مستندًا إلى

وجوه منها: أن الاسم المجرور بالإضافة خلفه فيما رواه الخليل: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب. وهذا محمول عند البصريين على الشذوذ, فلا حجة فيه. وأورد المصنف على نفسه أن هذا المذهب مقتض لإضافة الضمير وهي ممتنعة؛ لأن الإضافة إما للتخفيف, وإنما تكون في اسم عامل عمل الفعل و (إيا) ليس كذلك, وإما للتخصيص و (إيا) لكونها من الضمائر التي هي أعرف المعارف مستغنية عن ذلك؛ ولأن (إيا) لو كان مضافًا للزم إضافة الشيء إلى نفسه, وهي باطلة. وأجاب: باختيار أن تكون الإضافة للتخصيص وليست منافية لكون

إيا ضميرًا؛ لأن التخصيص يصّير المضاف معرفة إن كان قبله نكرة وإلا ازداد وضوحًا كازدياده بالصفة كقوله: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشفرتين يماني ولا حاجة إلى انتزاع تعريفه, وقد يضاف علم لا اشتراك فيه, على تقدير وقوع الاشتراك المحوج إلى زيادة الوضوح كقول ورقة: ولو حان الذي كرهت قريش ... ولو عجت بمكتها عجيجا

وأما التزام إضافة الشيء إلى نفسه فنلتزمها معتذرين بما اعتذر به عنها في نحو: جاء زيد نفسه. كذا قال. قلت: الذي اعتذر به عن وقوع الإضافة في قولهم نفس الشيء وعينه, أن المضاف في مثلهما يدل على أعم مما يدل عليه المضاف إليه فإن المراد بعين ونفس حقيقة الذات فهو صالح لأن يكون المضاف إليه فإن المراد بعين ونفس حقيقة الذات فهو صالح لأن يكون المضاف إليه وغيره [لكونه أعم] , وهذا في الحقيقة منع لأن تكون الإضافة في ذلك من / إضافة الشيء إلى نفسه, فكيف يلتزم المصنف - في إياك مثلًا - أنه من إضافة الشيء إلى نفسه, ويعتذر بهذا الاعتذار, مع اشتماله على منع الشيء بعد تسليمه؟ فتأمل! ! «لا حرفًا, خلافًا لسيبويه ومن وافقه» مستندين إلى أن الضمائر لا تضاف, ولا تثبت إضافتها بلفظ شاذ كما حكوه في (إيا الشواب)

فلم يبق إلا أن يقال إن (إيا) ضمير وما يتصل به حرف يدل على أحوال المقصود به من المتكلم والخطاب والغيبة لما كان (إيا) مشتركًا كما هو مذهب البصريين في التاء التي بعد (أن) في أنت وأنت وأنتما وأنتم وقد مضى. «ويقال: أياك» بفتح الهمزة مع تشديد الياء. «وإياك» بكسر الهمزة مع تخفيف الياء. «وهياك» بإبدال الهمزة المكسورة هاء مع التشديد. «وهياك» بإبدال الهمزة المفتوحة هاء مع التشديد.

«فصل»: يذكر فيه المواضع التي ينفصل فيها الضمير

«فصل»: يذكر فيه المواضع التي ينفصل فيها الضمير: إما على جهة الوجوب أو الاختيار أو جواز الأمرين أعني, الاتصال والانفصال على السواء, وما يتصل ذلك. «يتعين انفصال الضمير» أي القابل للفصل وإلا انتقض بنحو: إنما مررت بك. «إن حصر بـ (إنما) كقول الفرزدق: أنا الذائد الحامي الذمار وإنما ... يدافع عن أحاسبهم أنا أو مثلي

الذائد: أوله ذال معجمة [وآخره دال مهملة, بمعنى الطارد, أي أنا الذي أطرد عنهم] ما يسؤوهم. والذمار: بكسر [الذال] , ما يلزمك حفظه وحمايته. والاستشهاد بهذا البيت مبني على أن (ما) من قوله: (وإنما) كافة. وقد يقال: إنها موصولة و (أنا) خبر, وفاعل يدافع ضمير مستتر عائد إلى ما. ولا يضر فوات الحصر المستفاد من إنما لحصوله على طريق: (المنطلق زيد) , لكن فيه إطلاق (ما) على من يعقل لغير ضرورة, ولعلنا نتكلم فيه في باب الموصول إن شاء الله تعالى. ونسب أبو حيان المصنف في هذا الموضع إلى الغلط الفاحش والجهل بلسان العرب, وادعى أن ذلك قول لم يقله أحد, ثم تلا آيات شريفة جعلها مستند تغليطه. نحو: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} , {إنما أعظكم بواحدة} , {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة} , {وإنما توفون أجوركم يوم القيامة} قال: ولو كان على ما زعم لكان التركيب: إنما يشكو بثي وحزني أنا. وكذا الجميع. وهذا هجوم بالتخطئة من غير تثبت, قال الشيخ بهاء الدين السبكي: ولسان حال ابن مالك يتلو: {إنما أشكو بثي

وحزني إلى الله}. وكلام المصنف هو الصواب, وليس منفردًا به, وتحقيق ذلك: أن ابن مالك بنى كلامه على قاعدتين: إحداهما: أن إنما للحصر وهو الذي عليه أكثر الناس. والثانية: أن المحصور بها هو الأخير لفظًا, وهذا الذي أجمع عليه البيانيون, وعليه غالب الاستعمال, وإذا ثبت لنا هاتان القاعدتان صح ما ادعاه؛ لأنك لو وصلت لما فهم والتبس؛ إذ قولك: إنما قمت, موضوعه: لم يقع مني إلا القيام. فلو أردت به: ما قام إلا أنا, لم يفهم, ولا سبيل إلى فهمه إلا بأن تقول: [إنما قام أنا, كما تقول]: ما قام إلا أنا, وبهذا علم سقوط استدلال أبي حيان بالآيات المذكورة, وما يشبهها؛ لأن كلا منها قصد فيه حصر الأخير لا الفاعل, ولو قصد حصر الفاعل لا نفصل. وقول سيبويه: إن الفصل ضرورة, لا يرد عليه, لأنه بناه على أن (إنما) ليست للحصر كما نقل. وإذا تأملت كلام المصنف وجدته في غاية التحرير, وذلك أنه قال: إن حصر بإنما. ولم يقل: إنوقع بعد إنما, وسيبويه لا يقول: إن حصر بإنما لا ينفصل. بل يقول: الحصر بإنما لا وجود له. فهما كلامان لم يتواردا على محل واحد. «أو رفع بمصدر مضاف إلى المنصوب» كقوله:

بنصركم نحن كنتم ظافرين فقد ... أغرى العدا بكم استسلامكم فشلا فلو نصب بمصدر مضاف إلى المرفوع لم يجب فصله, [بل يترجح نحو: عجبت من ضربكه, ومن ضربك إياه. فإن قلت: بل يجب فصله] في بعض الصور كما إذا قلت: عجبت من ضرب الأمير إياه, وعلى هذا فينبغي أن يجعل المنصوب في كلام المصنف صفة للضمير محذوفًا, والتقدير: أو رفع بمصدر مضاف إلى الضمير المنصوب. ليصير المعنى: أنه إذا نصب بمصدر مضاف إلى الضمير المرفوع لم يجب الفصل. فيسلم. من النقض بمثل هذه الصورة؛ لأن المصدر فيها مضاف إلى ظاهر, لا إلى ضمير [مرفوع]؟ قلت: لا نسلم وجوب انفصال الضمير في صورة النقض, بل يجوز اتصاله, بأن تفصل بين المتضايفين, فتقول: عجبت من ضربه الأمير, بجر الأمير, كما وقع في قوله:

................ فإن نكاحها مطر حرام فيمن رواه بجر مطر, وهذا على حد قوله تعالى في قراءة ابن عامر:

{قتل أولادهم شركائهم} بنصب أولاد وجر الشركاء. «أو» رفع «بصفة جرت على غير صاحبها» كقوله: غيلان مية مشغوف بها هومذ ... بدت له فحجاه بان أو كربا قال المصنف في الشرح في باب المبتدأ: إن المرفوع بالفعل كذلك إذا حصل إلباس نحو: زيد وعمرو يضربه هو. فتقييده المسألة هنا بالصفة ليس بجيد, ثم إطلاقه الصفة مردود بمسألة زيد قائم أبواه لا قاعدان, فقد جرت الصفة على غير صاحبها, ولم يفصل الضمير. فإن قلت: هل الصفة في هذه المسألة مسندة إلى الضمير المرفوع المنفصل؟ قلت: كلامه محتمل لذلك كما صرح به ابن الحاجب في الكافية, ولأن يكون المسند إليه هو الضمير المستكن في الصفة, وهذا الضمير البارز المنفصل تأكيد له, إذ رفعه بالصفة صادق بالأمرين.

قال الرضي الإستراباذي: الضمير البارز بعد الصفة إذا جرت على غير من هي له تأكيد للضمير المستكن فيها لا فاعلها, كما في {اسكن أنت وزوجك الجنة} , وذلك لأنك تقول: - مطردًا نحو الزيدون ضاربوهم نحن, والزيدان الهندان ضارباهما [هما] , وقد عرفت ضعف [نحو]: جاءني رجل قاعدون غلمانه. وقال الزمخشري في أحاجبيه: بل تقول ضاربهم نحن, وضاربهما هما, فإن ثبت ذلك فهو فاعل كما قيل. «أو أضمر العامل أو أخر» فالأول نحو: إياه. لمن قال: من أضرب؟ . ومنه قوله: فإياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء وللشر جالب

والثاني نحو: {إياك نعبد وإياك نستعين} وإنما لزم الانفصال في الموضعين, لأنه لا يمكن أن يكون كالجزء الأخير من العامل المحذوف أو المؤخر. «أو كان» العامل «حرف نفي» نحو: {ما هن أمهاتهم} , {وما أنتم بمعجزين} وقول الشاعر: إن هو مستوليا على أحد ... إلا على أضعف المجانين وإنما انفصل هنا لأنه لو اتصل لوجب استتاره إذا كان مفردًا غائبًا - مثلًا - بعد تقدم ذكر زيد, فيقال: زيد ما قائمًا. على أن يكون في (ما) ضمير زيد, فيؤدي إلى استتار الضمير في الحرف, واللازم باطل؛ لأنه على خلاف لغتهم, ولا يخفاك أن هذا الموجب إنما هو على لغة من أعمل الحرف,

وهم الحجازيون في (ما) , وأهل العالية في (إن). وأما التميميون فموجب انفصال الضمير عندهم في هذه الصورة كون عامل الضمير معنويًا, لأنه عندهم مرفوع بالابتداء. «أو فصلة متبوع» أي فصل العامل عن الاتصال بالضمير متبوع نحو: {يخرجون الرسول وإياكم} , {لقد كنتم أنتم وآباؤكم} , ونحوه: قام القوم وأنت, وحتى أنت, وأكرمتهم حتى إياك, فإن أردت بحتى الجارة لم يجز لأنها لا تجر الضمير, والمبرد يجيزه فيقول: حتاك, فيظهر الفرق بين العاطفة والجارة بالفصل والوصل. فإن قلت: لم عدل المصنف عن أن يقول: أو كان الضمير تابعًا, إلى قوله: أو فصله متبوع؟ قلت: لعله ليشمل مسألة غريبة ذكرها أبو حيان في تفسيره في قوله تعالى:

{وإياي فاتقون} , فإنه جعل (إياي) مفعولًا مقدمًا, والياء في (اتقون) توكيدًا. فهذه صورة وقع الضمير فيها تابعًا, ولم يفصل لاتصاله بالعامل لفظًا, ولا يتصور مثل ذلك إذا كان العامل مفصولًا عن مباشرة الضمير بمتبوع فيتعين الفصل, فكأنه اختار هذه العبارة لهذا المعنى فتأمله. «أو ولي» الضمير واو المصاحبة» كقوله: فآليت لا أنفك أحدو قصيدة ... تكون وإياها بها مثلا بعدي «أو» ولي «إلا» كقوله تعالى: {أمر أن لا تبعدوا إلا إياه} وقال الشاعر:

قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطر الفارس إلا أنا «أو» ولي «إما» كقولك: [قام] إما أنا وإما أنت. وقول الشاعر: بك أو بي استعان فليك ... إما أنا أو أنت ما ابتغى المستعين «أو» ولي «اللام الفارقة» بين إن النافية والمخففة من الثقيلة كقوله:

إن وجدت الصديق حقا لإيا ... ك فمرني فلن أزال مطيعا وقد يتخيل أن المصنف لو قال: لام الابتداء, لكان أحسن لشموله لنحو: إن الكريم لأنت, وليس كذلك لوجهين: أحدهما: أن اللام الفارقة ليست لام الابتداء عن أبي علي الفارسي وأبي الفتح بن جني وجماعة, فلا يكون التعبير بلام الابتداء شاملًا لها على هذا الرأي. وسيأتي في ذلك كلام. والثاني: أن الفصل في نحو: إن الكريم لأنت, ليس من جهة اللام؛ لحصوله قبلها, بل من جهة كونه خبرًا لإن. «أو نصبه» أي الضمير «عامل في مضمر قبله غير مرفوع إن اتفقا رتبة» , بأن يكونا جميعًا ضميري متكلم أو مخاطب أو غائب نحو: علمتني إياي, [وعلمتك إياك] , وعلمته إياه, فلو كان الضمير الذي قبله مرفوعًا نحو: علمتني, لم يجز الفصل. «وربما اتصلا غائبين إن لم يشتبها لفظًا» نحو: ما حكاه الكسائي (هم أحسن الناس وجوهًا وأنضرهموما) , ومنه قول مغلس:

وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة ... لضغمهماها يقرع العظيم نابها وقول الآخر: لوجهك في الإحسان بسط وبهجة ... أنا لهماه قفو أكرم والد وهو قليل جدًا, والوجه الانفصال, فإن اشتبها لفظًا امتنع الاتصال نحو:

زيد الدرهم أعطيتهوه, وفي كلام سيبويه ما يدل على جوازه؛ فإنه قال: والكثير في كلامهم أعطاه إياه. فاقتضى ذلك أن نحو: أعطاهوه واقع في كلامهم بقلة. «وإن اختلفا رتبة» بأن يكون أحدهما لمتكلم والآخر لمخاطب أو غائب «جاز» في الثاني «الأمران»: الاتصال والانفصال فنقول: الدرهم أعطيتكه, وأعطيتك إياه, وأما الأول الذي هو وال للفعل فلا يكون إلا متصلا كما رأيت. «ووجب - في غير ندور - تقديم الأسبق رتبة مع الاتصال» فيقدم المتكلم على المخاطب والمخاطب على الغائب نحو: يا غلام أعطانيك زيد, [والدرهم أعطانيه زيد] , والدرهم أعطيتكه, هذا في الأمر الغالب, وندر غيره كما روي من قول عثمان, رضي الله عنه: أراهمني الباطل شيطانًا. فقدم ضمير الغائب على ضمير المتكلم مع الاتصال, قال المصنف: والقياس أرانيهم. وانتقد بأن ضمير الجمع للغائب هو الفاعل في المعنى, فالقياس إذن أراهم إياي, وإنما قال: مع الاتصال. احترازًا من الانفصال, فإن لك معه تقديم ما شئت منهما, فتقول: الدرهم أعطيتك إياه, وأعطيته إياك, [لكن] هذا مقيد بانتفاء اللبس, وأما مع وجود اللبس فيجب تقديم ما هو فاعل في المعنى نحو: زيد أعطيتك إياه. «خلافًا للمبرد وللكثير من القدماء» وفي بعض النسخ: ولكثير من القدماء. بتنكيز كثير, وهؤلاء جوزوا

تقديم غير الأسبق رتبة مع الاتصال نحو: أعطيتهوك, كأنهم استندوا فيه إلى ما تقدم من: أراهمني الباطل شيطانًا, لكنهم مع ذلك يقولون: الانفصال أحسن. «وشد إلاك» بكسر الكاف في قول الشاعر: وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... أن لا يجاورنا إلاك ديار حيث أتى بالضمير متصلًا بعد إلا وحقه أن يكون منفصلا [كما تقدم] , فهذا يعد من الضرورات «فلا يقاس عليه» بحيث يستعمل مثله في السعة, وقد يقال: إن الحكم بشذوذ (إلاك) مقتض لعدم القياس عليه, فيكون قوله: فلا يقاس عليه. أمرًا استغني عنه. فإن قلت: المنقول عن ابن الأنباري جواز مثل ذلك في الكلام, فهو مما يقاس عليه عنده, فلعل المصنف أشار بقوله: فلا يقاس عليه. إلى هذا القول؟ قلت: إن ثبت أن ابن الأنباري يجيز القياس على ذلك, كما يقتضيه كلام ابن قاسم وغيره, فلا يمكنه أن يحكم بشذوذ مستنده في القياس لمنافاته له, نعم يمكن أن يكون مخالفًا في الأمرين معًا شذوذ (إلاك) ونفي القياس عليه.

وحينئذ تظهر فائدة الإتيان بالجملة الثانية؛ وذلك لأن المخالفة في الأولى لا تستلزم المخالفة في الثانية؛ إذ من الجائز أن يخالف المخالف في شذوذ (إلاك) , لكونه عنده كثيرًا, ولا يخالف في عدم القياس عليه؛ لأنه لم يبلغ من الكثرة إلى الحد المسوغ للقياس عليه, فلذلك لم يستغن بالأولى عن الثانية, وفي بعض النسخ: فلا يقاس عليه ولا يجوز حتاك خلافًا لابن الأنباري فيهما. «ويختار اتصال نحو هاء «أعطيتكه» وهو كل مفعول ثانٍ ليس بخير في الأصل نحو: {أنلزمكموها} , واقتصر سيبويه فيه على ذكر الاتصال. قال المصنف [رحمه الله]: وظاهر كلامه لزم الاتصال. وأجاز غير سيبويه الانفصال, ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام «إن الله ملككم إياهم, ولو شاء لملكهم إياكم». «و» يختار «انفصال الآخر من نحو: «فراقيها» في قول الشاعر:

تغربت عنها كارها فتركتها ... وكان فراقيها أمر من الصبر والمراد بهذا كل ضمير منصوب بمصدر مضاف إلى ضمير قبله هو فاعل «و» من نحو: «منعكها» في قول الشاعر: فلا تطمع - أبيت اللعن - فيها ... ومنعكها بشيء يستطاع والمراد بهذا: كل ضمير منصوب بمصدر مضاف إلى ضمير قبله وهو مفعول. «و» من نحو: «خلتكه» وهو كل ضمير [هو] ثاني مفعولين أصلهما

المبتدأ والخبر, فالانفصال في هذه الصور الثلاث أرجح عند المصنف. ومن الانفصال في الصورة الأخيرة قول الشاعر: أخي حسبتك إياه وقد ملئت ... أرجاء صدرك بالأضغان والإحن ووجه اختيار الانفصال في الصورتين الأوليين أن الانفصال فيما ولي الضمير [المجرور أولى من الانفصال فيما ولي الضمير] المنصوب؛ لأن الفعل أقعد في اتصال الضمير به من المصدر؛ لأنه يطلب الفاعل والمفعول لذاته, والمصدر يطلبهما لمشابهته له. ووجه اختيار الانفصال في الصورة الأخيرة أن في مفعولي (خلت) رائحة المبتدأ والخبر اللذين حقهما الانفصال. «وكهاء «أعطيتكه» هاء» نحو: «كنته» وهو ما وقع خبرًا لـ (كان) أو إحدى أخواتها, فيختار فيه الاتصال / وهو رأي المصنف, وصرح ابن الحاجب وجماعة بأن المختار في خبر (كان) الانفصال. ووجه الأول كون الاسم كالفاعل والخبر كالمفعول, فكنته كضربته.

ووجه الثاني أن اسمها في الحقيقة ليس فاعلًا حتى يكون كالجزء من عامله, بل الفاعل في الحقيقة مضمون الجملة؛ لأن الكائن - في قولك: كان زيد قائمًا - (زيد, كما يجيء في الأفعال) الناقصة, قال عمر بن أبي ربيعة: لئن كان إياه لقد حال بعدنا ... عن العهد والإنسان قد يتغير وقال:

ليت هذا الدهر شهر ... لا نرى فيه عريبا ليس إياي وإيا ... ك ولا نخشى رقيبا وقد جاء [على] ما حكاه سيبويه: ليسني وكأنني قال: عددت قومي كعديد الطيسي ... إذ ذهب القوم الكرام ليسي

وقيل - لبعض العرب -: إن فلانًا يريدك. فقال: عليه رجلًا ليسني. وقال أبو الأسود الدؤلي: فإن لا يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها وفي الحديث: (إن يكنه فلن تسلط عليه, وإن لم يكن فلا خير لك في [قتله]. «وخلف ثاني مفعولي [نحو]: «أعطيت زيدًا درهمًا» في باب الإخبار» يعني أن هذا أيضًا مثل هاء (أعطيتكه) في اختيار الاتصال فيه, فإذا

أخبرت عن الدرهم في [مثل] هذا المثال قلت: الذي أعطيته زيدًا درهم. وهذا اختيار المازني؛ لأن الاتصال هو الأصل, واختار قوم الانفصال فيه, فتقول: الذي أعطيت زيدًا إياه درهم. على قاعدة باب الإخبار, وهو أنك تضع الضمير موضع المخبر عنه, ورجح أيضًا بوجوب الانفصال عنه خوف اللبس, فتقول: في أعطيت زيدًا عمرًا - الذي أعطيت زيدًا إياه عمرو. «نحو: ضمنت إياهم الأرض» في قول الشاعر: بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير

«و «يزيدهم حبًا إليّ هم» في قول الشاعر: وما أصاحب من قوم فأذكرهم ... إلا يزيدهم حبًا إليّ هم «من الضرورات» , وذلك لأنه استعمل في كل منهما المنفصل في مكان المتصل مع عدم داع إليه غير الضرورة, ووجه ذلك في البيت الثاني أن المصنف ادعى أن الأصل فيه يزيدون أنفسهم, ثم صار يزيدونهم, ثم فصل ضمير الفاعل للضرورة وأخر عن ضمير المفعول. قال ابن هشام في مغنيه: وحامله على ذلك ظنه أن الضميرين لمسمى

واحد وليس كذلك, فإن مراده أنه ما يصاحب قومًا فيذكر قومه لهم إلا ويزيد هؤلاء القوم قومه حبًا إليه؛ لما يسمعه من ثنائهم [عليهم] والقصيدة في حماسة أبي تمام. قلت: قدر - رحمه الله - ما لا دليل عليه في البيت؛ لأنه قدر (لهم) بعد (أذكرهم) وقد ثناءهم على قومه ليكون ذلك سببًا لزيادتهم إياه حبًا في قومه, وهو في غنية عن ذلك, إذ يجوز أن يكون المراد أنه إذا صاحب قومًا فذكر قومه - أي تذكرهم - زاد هؤلاء القوم المصاحبون قومه حبًا إليه, لما يشاهده من انحطاط مرتبة هؤلاء من مرتبة قومه ففيه إشارة إلى فضل قومه على كل من يصاحبه من الأقوام, وقد قال: في الصحاح إنه يقال: ذكرته بلساني وبقلبي, وتذكرته بمعنى.

«فصل»: في ذكر مفسر ضمير الغائب

«فصل»: في ذكر مفسر ضمير الغائب, وشيء من أحكام ضمير الغيبة, وسبب بناء المضمر, وذكر مراتبه, وما يفعل عند اجتماعهما. «الأصل تقديم مفسر ضمير الغائب» عليه؛ لأن الواضع وضعه معرفة لا بنفسه بل بسبب ما يعود إليه, فإن ذكرته ولم يتقدمه ما يفسره بقي مبهمًا لا يعرف المراد به حتى يأتي / تفسيره بعد, وذلك على خلاف الأصل, وإنما حملهم على مخالفة مقتضى وضعه بتأخير مفسره عنه في بعض المواضع قصدهم التفخيم والتعظيم في [ذكر] ذلك المفسر, بأن يذكروا أولًا شيئًا مبهمًا حتى تتشوف نفس السامع إلى العثور على المراد به, ثم يفسروه فيكون أوقع في النفس, وأيضًا يكون ذلك المفسر مذكورًا مرتين: بالإجمال أولًا والتفصيل ثانيًا, فيكون آكد. «ولا يكون» المفسر المذكور «غير الأقرب» إلى الضمير مثل: جاءني زيد وبكر وضربته أي ضربت بكرًا, وينبغي أن يكون المراد بالأٌرب غير المضاف إليه, أما إذا كان الأقرب مضافًا إليه فلا يكون الضمير له إلا بدليل, وعليه قول المتنبي:

أفاضل الناس أغراض لذا الزمن ... يخلو من الهم أخلاهم من الفطن فإن قلت: هذا إذا لم يمكن عود الضمير إلا إلى أحدهما, كما في قولك: جاءني زيد وعمرو وأكرمته, وأما إذا أمكن عوده إلى أحدهما وعوده إليهما معًا, كما في قولك: جاء الزيدون والعمرون فأكرمتهم فهل الحكم كذلك؟ قلت: لم أر فيه بخصوصه نصًا, وينبغي أن يجري على مسألة ما إذا تعقب الاستثناء أو الصفة - مثلًا - أشياء معدودة, فمن قال: هناك بالعود إلى الأخير, يقول هنا كذلك: ومن قال: هناك بالعود إلى الجميع - وهو الصحيح - بقول: هنا الضمير عائد لكل ما تقدم لا إلى الأقرب فقط فتأمله. واستثنى المصنف مما ذكره الحالة التي تقدم فيها قرينة تدل على كون الضمير مرادًا به غير الأقرب فقال: «إلا بدليل» أي يدل على أن المراد الأبعد نحو: جاءني عالم وجاهل فأكرمته, ومنه: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} , فإن فاعل (جعلكم) ضمير غيبة يعود إلى أبعد مذكور, وهو اسم الله تعالى لوجود الدليل عليه.

قال ابن هشام: ومن خفي ما يتعلق بهذا الموضع جعل الزمخشري الضمير في: {[من] مثله} عائدًا إلى أبعد مذكور, وهو: {ما نزلنا} , أو أقربه وهو: {عبدنا} هذا إن قدر الظرف صفة لـ (سورة) , وعوده إلى الأقرب - وهو العبد - إن علقته بـ (فأتوا) , وكثير يستشكل هذا التفريق. وأجاب بعضهم: بأنه إذا عاد الضمير إلى {ما نزلنا} وعلق بـ {فأتوا} فالمعنى: فأتوا من منزل مثله بسورة. فيكون المطلوب منهم هو مماثلة ذلك المنزل لهذا المنزل, لا مماثلة سورة واحدة منه بسورة من هذا. والظاهر أن المقصود خلافه, بدليل بقية آي التنزيل في مثل ذلك انتهى. قال التفتازاني في حاشية الكشاف: وفيه نظر, لأن إضافة المثل إلى المنزل لا تقتضي أن يعتبر موصوفه منزلًا, ألا ترى أنه إذا جعل صفة

لـ (سورة) لم يكن المعنى سورة من منزل مثل القرآن, بل من كلام؟ وكيف يتوهم ذلك والمقصود تعجيزهم عن أن يأتوا من عند أنفسهم بكلام مثل القرآن! ! ولو سلم فما ادعاه من لزوم خلاف المقصود غير بين ولا مبين؟ والجواب عن أصل الإشكال أن هذا الأمر تعجيز باعتبار المأتي به, والذوق شاهد بأن تعلق (من مثله) بالإتيان يقتضي وجود المثل ورجوع العجز إلى أن يؤتى منه بشيء, ومثل النبي عليه الصلاة والسلام في البشرية والعربية موجود, بخلاف مثل القرآن في البلاغة والفصاحة, وأما إذا كان صفة للسورة فالمعجوز عنه هو الإتيان بالسورة الموصوفة, ولا يقتضي وجود المثل, بل ربما يقتضي انتفاؤه حيث تعلق به أمر التعجيز, وحاصله أن قولنا: إئت من مثل الحماسة ببيت يقتضي وجود المثل, بخلاف قولنا: إئت ببيت من مثل الحماسة «وهو» أي المفسر بكسر السين «إما مصرح بلفظه» نحو: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه} وهذا / هو الأصل. «أو مستغنىً عنه بحضور مدلوله» أي مدلول المفسر. «حسًا» أي حضورًا محسوسًا, ومثله المصنف بقوله تعالى: {قال هي راودتني عن نفسي} , وقوله تعالى: {قالت إحداهما يا أبت استأجره} , فاستغنى بحضور ما يعود عليه الضمير في (قال) و (هي) و (استأجره) عن ذكره لفظًا.

ونوزع بجواز عود الضمائر المذكورة إلى ما قبلها: فضمير (قال) يعود إلى يوسف, و (هي) إلى أهلك, و (استأجره) إلى موسى: «أو» مستغنىً عنه بحضور مدلوله «علمًا» نحو: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} , إذ يعلم من الإنزال في ليلة القدر التي هي في رمضان أن المنزل [وهو] القرآن مع قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}. «أو» مستغنى عنه «بذكر ما هو له جزء» والضمير المنفصل عائد إلى المفسر بكسر السين والمتصل عائد إلى (ما) , أي يذكر شيء يكون ما به التفسير جزءًا لذلك المذكور, كقول حاتم: أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فالضمير في حشرجت وفي بها [عائد إلى] النفس [لكن] استغنى عن ذكرها بذكر ما هي له جزء وهو الفتى. «أوكل» كقوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها} فالضمير عائد إلى الكنوز, وقد استغني عنه بذكر ما هي له كل, وهو الذهب والفضة. «أو نظير» نحو: له على درهم ونصفه, أي ونصف درهم آخر, فعاد الضمير إلى نظير المذكور لا إلى عينه, كذا قال المصنف وجماعة. قال ابن الضايع: وهو خطأ, لأنه ليس الذي له عليك نصف درهم آخر, وإنما المراد [منه]: ومثل نصفه. فالضمير عائد على ما قبله لفظًا ومعنى, ومن هذا القبيل قوله تعالى: {وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره} ,

أي من عمر معمر آخر كذا قال ابن قاسم وغيره. وتحرير هذا المحل أن نقول: اختلف في معنى (يعمر) فقيل: يزاد في عمره, بدليل أنه قد قوبل بقوله تعالى: {ولا ينقص من عمره}. وقيل: يجعل له عمر. وينبني على هذا أن المتكلم [فيه] في الآية هل هو شخص واحد أو شخصان؟ فعلى الثاني هو شخص واحد, قالوا: - مثلًا - يكتب عمره مائة, ثم يكتب تحته مضى يوم, مضى يومان, وهكذا. فكتابة الأصل هي التعمير, والكتابة بعد ذلك هي النقص قال: حياتك أنفاس تعد فكلما ... مضى نفس منها انتقصت به جزءا والضمير في (عمره) حينئذٍ راجع إلى المذكور, والمعمر هو الذي جعل [الله] له عمرًا طال أو قصر. وعلى [القول] الأول هو شخصان والمعمر الذي زيد في عمره, والضمير حينئذٍ راجع إلى معمر آخر؛ إذ لا يكون المزيد في عمره منقوصًا من عمره. وهذا قول الفراء والنحويين.

ويقال عليهم: هب أن العمر الثاني غير الأول, أليس قد نسب النقص من العمر إلى العمر, والمعمر - كما قلتم - هو الذي قد مد في عمره؟ ويجاب بأن الأصل حينئذٍ: وما يعمر من أحد. قالوا: وإنما سمي معمرًا باعتبار ما آلت إليه حاله مثل قوله: قتلت قتيلا لم ير الناس مثله .................................. فالضمير جاء باعتبار الأصل المحول عنه اللفظ. قال ابن هشام: وقد يكون شبيهًا بهذا عندي قوله تعالى: {فاقطعوا أيديهما} فإن الجمع هنا إنما صح - مع إرادة يد واحدة من كل منهما, لا مجموع يدي كل منهما - لما أريد بالأيدي الأيمان, فلما أطلقت اليد وأريد بها اليمنى, جاء الجمع باعتبار ما لحظ من المعنى الأصلي, لا باعتبار اللفظ. «أو مصاحب بوجه ما». نحو الاستغناء بمستلزم عن مستلزم كقوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} , فـ (عفي) يستلزم عافيًا, فالضمير من قوله (إليه) عائد عليه. كذا في شرح

المصنف, وهو كلام نقله الواحدي في البسيط عن الأزهري ورده, ولا أستحضر الآن وجه الرد, وليس البسيط بموجود عندي الآن. «وقد يقدّم الضمير المكمّل معمول فعل» نحو: ضرب غلامه زيد وغلامه ضرب زيد وضرب غلام أخيه زيد وغلام أخيه ضرب زيد. فهذه أربع صور شمله قوله: (المكمل معمول فعل) , لأن المضاف إليه يكمل المضاف. والأولى والثالثة جائزتان باتفاق, [وحكى المصنف] في الثانية والرابعة المنع عن الكوفيين [والصحيح الجواز ونقله بعضهم عن الكوفيين] أيضًا على خلاف ما نقله المصنف عنهم. «أو شبهه» نحو: أضارب غلامه زيد؟ وأضارب غلام أخيه عمرو؟ . «على مفسر صريح» كما سمعته من الأمثلة تقديمًا «كثيرًا إن كان المعمول مؤخر الرتبة» كما في تلك المثل؛ لأن مرتبة المعمول فيها - وهو المفعول - التأخر عن الفاعل فهو بالنظر إلى الرتبة مقدم, فعاد الضمير عليه - وإن تأخر - لذلك. «وقليلًا إن كان مقدمها وشاركه صاحب الضمير في عامله» نحو: ضرب غلامه زيدًا.

قال المصنف: والنحويون إلا أبا الفتح يحكمون بمنع مثل هذا, والصحيح جوازه لوروده عن العرب, كقول حسان رضي الله عنه: ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا ... من الناس أبقى مجده الدهر مطعما وأنشد أبياتًا أخرى, وهذه المسألة أجازها قبل المصنف الأخفش وابن جني من البصريين وأبو عبد الله الطوال من الكوفيين, والأكثرون على

المنع ويعدون ما ورد من ذلك شاذًا, ورام بعضهم تأويل الشواهد الدالة عليه وهو بعيد إذا تؤملت, والكلام في ذلك يطول. واحترز المصنف بقوله: وشاركه صاحب الضمير في عامله. من نحو: ضرب غلامها جار هند, فصاحب الضمير الذي هو هند لم يشارك الفاعل الذي هو غلامها في العامل, ضرورة أن الأول مضاف إليه والثاني فاعل, ولا مشاركة بين عامليهما قطعًا, وإنما فرق بين الصورتين فأجيزت الأولى ومنعت الثانية؛ لأن صاحب الضمير إذا شاركه في عامله أشعر به؛ لأن الفعل المتعدي يدل على فاعل ومفعول, فإذا افتتح الكلام بفعل ووليه مضاف إلى ضمير علم أن صاحب الضمير فاعل [إن كان المضاف منصوبًا ومفعول إن كان المضاف] مرفوعًا, فإذا لم يشاركه في عامله لم يكن قبله ما يشعر به فيتأكد المنع. «ويتقدم» الضمير على مفسره «أيضًا» مصدر آض إذا رجع, وهو هنا, إما مفعول مطلق حذف عامله, أي أرجع إلى الإخبار بتقدم الضمير على مفسره رجوعًا, ولا أقتصر على ما قدمت في ذلك. وإما حال حذف عامله وصاحبها, والتقدير أخبر أيضًا بتقدم الضمير على مفسره, أو أذكر أيضًا تقدم الضمير على المفسر, فيكون حالًا من ضمير المتكلم. «غير منوي التأخير: » حال من الضمير المستكن في (يتقدم). «إن جر برب» نحو: ربه [رجلًا] «أو رفع بنعم» نحو: نعم رجلًا. «أو شبهها» أي شبه نعم, نحو: {ساء

مثلًا} وهل الضمير الذي هذه حاله نكرة أو معرفة؟ اختار الرضي أنه نكرة استدلالًا بانتفاء شرط التعريف فيه, وهو تقدم المفسر. والمعروف عند النحاة أنه معرفة, لكن تعريفه أنقص مما كان في الأول, لأن التفسير يحصل بعد ذكره مبهمًا فقبل الوصول إلى التفسير فيه الإبهام الذي في النكرات, ولهذا جاز دخول رب عليه مع اختصاصها بالنكرات. فإن قلت: فكيف حكم بكونه معرفة مع انتفاء تقدم المفسير, وهو شرط كما مر؟ قلت: قد يمنع كون هذا شرطًا في تعريفه, وإنما الشرط وجود المفسر له في الجملة تقدم أو لم يتقدم, ولو سلم فقد يقال: إنما حكموا ببقائه على وضعه / من التعريف لأنه حصل جبران ما فاته بذكر المفسر بعده بلا فصل, فهو كالمضاف الذي يكتسب التعريف من المضاف إليه, كما قاله الرضي من الاعتذار [عن النحاة] في هذا المقام. قال: والجبران في (ربه رجلًا) , و (نعم رجلًا) , و (بئس رجلًا) , و (ساء مثلًا) ظاهر؛ لأن الاسم المميز المنصوب لم يؤت به إلا لغرض التمييز والتفسير, فنصبه على التمييز قائم مقام المفسر المتقدم. «أو» رفع «بأول المتنازعين» كقوله:

جفوني ولم أجف الإخلاء إنني ... لغير جميل من خليلي مهمل وفي جواز مثل هذا خلاف سيذكر في محله إن شاء الله تعالى. «أو أبدل منه المفسر» بكسر السين نحو: ما حكاه الكسائي: اللهم صل عليه [الرؤوف] الرحيم. وحكى ابن كيسان: الإجماع على جواز هذه المسألة فيما نقله المصنف عنه. «أو جعل» المفسر بكسر السين «خبره» أي خبر الضمير المفسر - بفتحها - نحو: {إن هي إلا حياتنا الدنيا}. قال الزمخشري: هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه من بيانه, وأصله: إن الحياة إلا حياتنا الدنيا. ثم وضع الضمير موضع الحياة, لأن الخبر يدل عليها ويبينها. قال: ومنه: هي النفس تحمل ما حملت ......................

وهي العرب تقول ما شاءت. قال المصنف: وهذا من جيد كلامه, ولكن في تمثيله بـ (هي النفس ... ) و (هي العرب ... ) ضعف, لإمكان جعل النفس والعرب بدلين وتحمل وتقول خبرين. قال ابن هشام في المغني: وفي كلام ابن مالك أيضًا ضعيف؛ لإمكان وجه ثالث في المثالين [لم يذكره] وهو كون (هي) ضمير القصة, فإن أراد الزخشري أن المثالين يمكن حملهما على ذلك, لا أنه متعين فيهما, فالضعف في كلام ابن مالك وحده. قلت: ظاهره عبارة الزمخشري أن حمل المثالين على كون المفسر فيهما خبرًا متعين, ويكفي من حاول القدح في ذلك إبداء محتمل آخر كما صنع ابن مالك, أما أنه يلزم إبداء جميع المحتملات في هذا المقام فلا؛ لأن الغرض إبطال دعوى التعين, وهو حاصل بإبداء بعض ما يحتمله اللفظ. وانتقد بعضهم قول المصنف: إن الآية من قبيل ما فسر فيه الخبر الضمير المخبر عنه, بأن الخبر إذا كان مضافًا لشيء أو موصوفًا بشيء وجعل مفسرًا كان المبتدأ الذي هو ضمير عائدًا عليه باعتبار ما قيد به من إضافة أو صفة, وحينئذٍ يصير التقدير: إن حياتنا الدنيا إلا حياتنا الدنيا. وهو غير جائز, قال: وليس في كلام الزمخشري دليل على ما ذهب إليه المصنف؛ لأنه قال: وضع (هي) موضع الحياة. ولم يقل: موضع حياتنا الدنيا, الذي هو الخبر. وقوله:

لأن الخبر يدل عليها ويبينها. يعني أن سياق هذا الكلام دل على أن المضمر هو الحياة, فيكون المفسر إذن هو السياق لا الخبر. «أو كان» الضمير المتقدم هو «المسمى ضمير الشأن عند البصريين» وليس هذا عندهم فقط هو اسمه, بل يسمونه ضمير الشأن وضمير القصة قال ابن الخباز: وضمير الأمر وضمير الحديث. فهذه أربعة أسماء بصرية «وضمير المجهول عند الكوفيين»؛ لأنه لا يدرى عندهم على ماذا يعود, وتسمية البصريين أولى؛ لأنهم سموه بمعناه, والكوفيون إنما سموه باعتبار وصفه, وإنما ألزم كونه ضمير غيبة دون الفصل, فإنه يكون غائبًا وحاضرًا كما يأتي؛ لأن المراد بالفصل هو المبتدأ فيتبعه في الغيبة والحضور. والمراد بهذا الضمير الشأن أو ما هو بمعناه كما مر, فيلزمه الإفراد والغيبة كالمعود إليه, [فالمعود إليه] إما مذكر, وهو الأغلب نحو: {قل هو الله أحد} , أو مؤنث نحو: {فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا}.

قال الرضى الإستراباذي: وهذا الضمير كأنه راجع في الحقيقة إلى المسؤول عنه بسؤال مقدر / تقول: هو الأمير مقبل, كأنه سمع ضوضاء وجلبة فاستبهم الأمر فسئل ما الشأن والقصة؟ فقلت: هو الأمير مقبل, أي الشأن هذا, فلما كان المعود إليه الذي تضمنه السؤال غير ظاهر, اكتفي في التفسير بخبر هذا الضمير الذي يتعقبه بلا فصل؛ لأنه معين للمسؤول عنه ومبين له. قال: فبان لك بهذا أن الجملة بعد الضمير لم يؤث بها لمجرد التفسير, بل هي كسائر أخبار المبتدأ, لكن سميت تفسيرًا لما بينته, والقصد بهذا الإبهام ثم التفسير تعظيم [الأمر] وتفخيم الشأن, فعلى هذا لابد أن يكون مضمون الجملة شيئًا عظيمًا فلا يقال - مثلًا - هو الذباب يطير. هذا كلامه. «ولا يفسر» ضمير الشأن «إلا بجملة» فأما المفرد فلا يكون مفسرًا له. وفي الصحاح: وأما قول الشاعر: ما هي إلا شربة بالجوأب ... فصعدي من بعدها أو صوبي

وقول بنت الحمارس: هل هي إلا حظة أو تطليق أو صلف وبين ذاك تعليق قد وجب المهر إذا غاب الحوق فإن أهل الكوفة قالوا: (وهي) كناية عن شيء مجهول وأهل البصرة يتأولونها بالقصة انتهى بحروفه فقد نقل عن أهل البلدين جميعًا تفسير الضمير المذكور بمفرد وهو غلط. «خبرية» لا إنشائية, فإن الإنشائية لا يفسر بها هذا الضمير, ووجه ذلك يفهم مما سبق إذا تأملت. «مصرح بجزأيها» جميعًا احترازًا من أن يحذف أحدهما فتمتنع المسألة حينئذٍ عند البصريين؛ لأن ضمير الشأن مؤكد لمدلول الجملة ومفخم له, وذلك مناف للحذف. «خلافًا للكوفيين» وللأخفش أيضًا «في نحو: ظننته قائمًا زيد» فإنهم يجعلون الهاء ضمير الشأن, وقائمًا مفعولًا ثانيًا لظننت, ويرفعون زيدًا بقائم, ويفسرون بقائم ومرفوعه ضمير الشأن, ولا يخفى أن هذا تفسير بمفرد.

فإن قلت: إنما تكون الصفة مع مرفوعها مفردة إذا لم تعتمد, وأما إذا اعتمدت نحو: ما قائم الزيدان, فهي ومرفوعها جملة, وهي هنا معتمدة؟ قلت: شرط المعتمد عليه أن يكون حرف نفي أو استفهام على ما سيجيئ, وهو مفقود في المثال, وقد يقال: إنما يتم هذا على رأي الشارطين لذلك, وأما على رأي الأخفش ومن قال بقوله, فلا. ورد المصنف مذهب الكوفيين في المسألة المذكورة بأنه لم يثبت مثلها في لسان العرب, ولو سمع نظير هذا التركيب خرج على أن زيدًا مبتدأ مؤخر, وظننته قائمًا خبر [مقدم] والهاء عائدة على زيد. قلت: التخريج خاص بهذا التركيب وليست المسألة مقصورة عليه عند الكوفيين, فمن مثلها عندهم: ظننته قائمًا الزيدان أو الزيدون, ولا يأتي هنا ذلك التخريج أصلًا. «و» خلافًا للكوفيين أيضًا في «إنه ضرب» بالبناء للمفعول «أو قام» على حذف المسند إليه من غير إرادة له [ولا إضمار] والبصريون يمنعون ذلك؛ لما تقدم ولامتناع حذف الفاعل ونائبه عندهم. «وإفراده لازم» لأنه عائد إلى مفرد وهو الشأن أو الحديث أو الأمر. «وكذا تذكيره» لازم نحو: إنه زيد قائم. «ما لم يله مؤنث» نحو: إنها هند حسنة. «أو مذكر شبه به مؤنث» نحو: إنها قمر جاريتك. «أو فعل

بعلامة تأنيث» نحو: {فإنها لا تعمى الأبصار} «فيرجح تأنيثه» في هذه الصورة «باعتبار القصة على تذكيره باعتبار الشأن» والمعني بالقصة والشأن واحد, فأوثر في الصور المذكورة رعاية القصة؛ لمكان مناسبة لفظية يحسن بها الكلام, ولا عبرة بما ولي الضمير من مؤنث شبه به مذكر, فلا يقال: إنها شمس وجهك, ولا بتأنيث فاعل فعل ولي الضمير بلا علامة تأنيث, فلا يقال: إنها قام جاريتك. فإن قلت: وقع في تلخيص المفتاح التمثيل بقولهم: هو أو هي زيد قائم مكان الشأن أو القصة, فأنث في غير الصور الثلاث, فما وجهه؟ قلت: المنقول عن البصريين جواز التذكير والتأنيث مطلقًا, لكن يستحسن التأنيث مع المؤنث والتذكير مع المذكر, كذا قال أبو حيان وغيره, وعلى ذلك يمشي ما في التلخيص من تجويز الوجهين, وإن كان التفتازاني اعترضه فقال: واعلم أن الاستعمال على أن ضمير الشأن إنما يؤنث إذا كان في الكلام مؤنث غير فضلة, فقوله: هي زيد عالمٍ, مجرد قياس. والمنقول عن الكوفيين أن الضمير بحسب المخبر عنه إن مذكرًا فمذكر, وإن مؤنثًا فمؤنث, فلا يجوز عندهم كانت زيد قائم, ولا كان هند قائمة, وقول العرب: إنه أمة الله ذاهبة, يدفعه. «ويبرز» الضمير المذكور «مبتدأ» نحو: {قل هو الله أحد}.

«واسم ما» كقوله: وما هو من يأسو الكلام وتتقى ... به نائبات الدهر كالدائم البخل فـ (هو) اسم (ما) , والجملة بعده في محل نصب, على أنها خبرها, وإنما يتأتى الاستشهاد بذلك إذا ثبت أن قائله ممن يعمل (ما) إعمال ليس, ومنع بعضهم وقوع ضمير الشأن اسمًا لـ (ما) , [كما] نقله ابن قاسم في شرحه. «و» يبرز «منصوبًا في بابي إن» نحو: {وأنه لما قام عبد الله}. «وظن» كقوله: علمته الحق لا يخفى على أحد ... فكن محقًا تنل ما شئت من ظفر «ويستكن في بابي كان» كقوله: إذا مت كان الناس صنفان: شامت ... وآخر مثن بالذي كنت أصنع

«وكاد» كقوله تعالى: في قراءة حمزة وحفص - {من بعد ما كان يزيغ قلوب فريقٍ منهم} بياء الغائب في (يزيغ) , وحينئذٍ يتعين أن يكون في كاد ضمير الشأن وقلوب فاعل يزيغ بياء الغائب, وبابه الشعر. وأحسن المصنف في التعبير بكاد دون عسى, لأن الغالب في عسى اقتران خبرها بأن, وقد قيل: إنها حينئذ غير ناسخة, فلا يضمر فيها الشأن إذ ذاك, بل ولو قلنا بأنها ناسخة؛ لأن ضمير الشأن لا يفسر بأن وصلتها. «وبني المضمر لشبهه بالحرف وضعًا» فيما هو موضوع منه على حرف واحد أو حرفين, ثم حمل البواقي عليه, ليجري الباب على سنن واحد. «وافتقارًا» من حيث إن الحرف مفتقر إلى غيره, والضمير كذلك؛ فإنه مفتقر إلى ما يفسره. «وجمودًا» من حيث هو لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر, وأما هما وهم ونحن فأسماء للاثنين والجماعة. «أو للاستغناء» هذا قسيم شبه الحرف, فدل على عدم انحصار علة البناء في مشابهة الحرف, وقد أسلفناه, والمراد أن الضمير بنى للاستغناء عن إعرابه. «باختلاف صيغه لاختلاف المعاني» ففقد موجب الإعراب فيها, وذلك أن المقتضي لإعراب الأسماء توارد المعاني المختلفة على صيغة واحدة, والمضمرات مستغنية باختلاف صيغها

لاختلاف المعاني عن الإعراب. «وأعلاها» أي أعلا المضمرات «اختصاصًا ما للمتكلم, وأدناها ما للغائب» وهذا مفهوم مما ذكره في أول باب المعرفة والنكرة؛ وإنما ذكره هنا ليفرّع عليه الحكم المفاد بقوله: ويغلّب الأخص عند الاجتماع فتقول: أنا وأنت فعلنا, ولا تقول: فعلتما, وأنت وهو فعلتما, ولا تقول فعلا.

«فصل: » في الكلام على ضمير الفصل.

«فصل: » في الكلام على ضمير الفصل. «من المضمرات» الضمير «المسمى عند البصريين فصلًا» لأنه فصل [به] بين كون ما بعده خبرًا وكونه نعتًا, ألا ترى أنك إذا قلت: زيد المنطلق, جاز أن يتوهم السامع أن (المنطلق) صفة فينتظر الخبر, وجاز أن يفهم أنه خبر, فإذا قلت: زيد هو المنطلق تعين الخبر. فصارت هذه الصيغة هي التي فصلت بين الخبر والنعت, وعينت (المنطلق) للخبر. «وعند الكوفيين عمادا» لأنه اعتمد عليه في [هذا] المعنى, فالفصل أخص إذ كل ما وضع / للفصل كتاء التأنيث والإعراب قد اعتمد به على المراد منه, وليس كل ما يعتمد به في شيء يكون فصلًا, ألا ترى أن زيدًا من (زيد قائم) معتمد عليه في المراد منه, ولم يفصل شيئًا من شيء؟ . وإذا كان الفصل أخص كانت التسمية فصلًا أولى. لخصوصه؛ لأن الأخص يكون مشتملًا على الأعم ضرورة عدم تحقق الأخص بدون الأعم, فيكون أكثر فائدة, فيكون أولى, و [قد] قرر ابن الحاجب في شرح المفصل وجه الأولوية على طريقة أخرى فقال: تسمية أهل البصرة له فصلًا أقرب إلى الإصطلاح؛ لأن الشيء يسمى باسم معناه في أكثر الألفاظ, ولما كان المعنى في هذا الضمير الفصل كان تسميته

فصلًا أخرى من تسمية الكوفيين, فإنهم سموه باسم ما يلازمه ويؤدي إلى معناه, فكانت تسمية البصريين أظهر. «ويقع» هذا المسمى فصلًا أو عمادًا «بلفظ» الضمير «المرفوع المنفصل مطابقًا لمعرفة» في إفراد وضديه وتكلم نحو: [{وإنا لنحن الصافون} الآية وخطاب نحو: {أئنك لأنت يوسف} , ونحو: {إنك أنت السميع العليم} , وغيبة نحو: ] {إن هذا لهو القصص الحق} , [وقوله]: «قبل» ظرف مقطوع عن الإضافة, مبني على الضم في محل جر على أنه صفة للمجرور من قوله: لمعرفة. أي لمعرفة كائنة قبل ضمير الفصل, لكن هذا يشكل بقولهم: إن الغايات لا تقع أخبارًا ولا صلات ولا صفات ولا أحوالًا. نص على ذلك سيبويه وجماعة من المحققين. فإن قلت: يرد عليهم قوله تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل}.

قلت: كذا زعم ابن هشام, بناء على أن قوله: (من قبل) ظرف مستقر, وأنه صلة, وهو ممنوع, بل الصلة هي قوله {كان أكثرهم مشركين} و (من قبل) ظرف لغو متعلق بخبر كان, والتقدير: كيف كان عاقبة الذين كانوا مشركين من قبل. فلا إشكال. «ثابت الابتداء» بالجر صفة لـ (معرفة) أيضًا نحو: زيد هو القائم, «أو منسوخه» أي منسوخ الابتداء كالأمثلة المتقدمة {وإنا لنحن الصافون} وما ذكر معه «ذي خبر» صفة لـ (معرفة) أيضًا «بعد» أي كائن بعده, فقطعه عن الإضافة, وهو صفة لـ (خبر) , ففيه ما تقدم من الإشكال. «معرفة» صفة لـ (خبر) نحو: زيد هو القائم, وما تقدم من الإشكال. «معرفة» صفة لـ (خبر) نحو: زيد هو القائم, وما تقدم من المثل. «أو كمعرفة في امتناع دخول لألف واللام عليه» نحو: زيد هو أفضل منك, فالخبر هنا نكرة لكنه مشابه للمعرفة في امتناع دخول (أل) عليه, فلو كانت النكرة قابلة لـ (أل) امتنعت المسألة نحو: كان زيد هو منطلقًا. «وأجاز بعضهم وقوعه بين نكرتين كمعرفتين» في امتناع دخول أل نحو: ما ظننت أحدًا هو خيرًا منك. «وربما وقع بين حال وصاحبها» نحو: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} فيمن قرأ بنصب أطهر ولحن أبو عمرو من قرأ بذلك,

وقد خرجت على أن (هؤلاء بناتي) جملة, و (هن) إما توكيد لضمير مستتر في الخبر أو مبتدأ و (لكم) الخبر, وعليهما فـ أطهر حال. قال ابن هشام: وفيهما نظر, أما الأول فلأن (بناتي) جامد غير مؤول بالمشتق, فلا يتحمل ضميرًا عند البصريين. قلت: قد يمنع كونه غير مؤول بمشتق, إذ هو في معنى مولوداتي. قال: وأما الثاني, فلأن الحال لا تتقدم على عاملها الظرفي عند أكثرهم. «وربما وقع بلفظ الغيبة بعد حاضر قائم مقام مضاف» كقول جرير: وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لو أصبت هو المصابا

فكان القياس: يراني أنا المصاب. مثل: {إن ترني أنا أقل} , وهذا كالاستدراك من قوله: مطابقًا لمعرفة قبل. فإنه قد وقع في هذا البيت مخالفًا لما قبله؛ فإن ضمير الفصل بلفظ الغيبة, وما قبله بلفظ الحضور, وهو ياء المتكلم من قوله: يراني. فاعتذر / المصنف عنه بما تراه, من أنه على تقدير مضاف, أي يرى مصابي. والمصاب حينئذٍ مصدر كقولهم: جبر الله مصابك. أي مصيبتك, أي يرى مصابي هو المصاب العظيم, ومثله في حذف الصفة {قالوا الآن جئت بالحق} , أي الواضح, ولولا ذلك لكفروا بمفهوم الظرف, {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} أي نافعًا؛ لأن أعمالهم توزن, بدليل {ومن خفت موازينه} الآية, وأجازوا سير بزيد سير, بتقدير الصفة, أي واحد, وإلا لم يفد. كذا في مغني اللبيب لابن هشام, قال: وزعم ابن الحاجب أن الإنشاد (لو أصيب) بإسناد الفعل إلى ضمير الصديق, وأن (هو) تأكيد له أو لضمير يرى قال: إذ لا يقول عاقل يراني مصابًا

إذ أصابتني مصيبة. قال ابن هشام: وعلى ما قدمناه من تقدير الصفة لا يتجه الاعتراض. قلت: الصفة التي أشار إليها إنما قدرها على جعل المصاب مصدرًا لا اسم مفعول, وكلام ابن الحاجب فيما إذا كان المصاب اسم مفعول لا مصدرًا؛ ولذلك جعله مفعولًا ثانيًا لـ (يرى) والمفعول الأول هو الياء, ولولا ذلك لما صح بحسب الظاهر, وأنا أقول: إن الاعتراض الذي أشار إليه ابن الحاجب غير متجه مع الإعراض عن تقدير الصفة؛ وذلك لأن مبناه على أن يكون (مصابًا) اسم مفعول نكرة, والواقع في البيت ليس نكرة, بل هو معرف بأل, والحصر يستفاد من هذا التركيب, كقوله: زيد الفاضل, أي لا غيره, وكذا المعنى في البيت, أي لو أصبت أنا رآني المصاب, بمعنى أنه لا يرى المصاب إلا إياي دون غيري, كأنه لعظم منزلته عنده وشدة صداقته له تتلاشى عنده مصائب غير صديقه هذا, فلا يرى غيره مصابًا, ولا يرى المصاب إلا إياه مبالغة, فالمعنى صحيح متجه بدون تقدير صفة, كما رأيت. وأنت خبير بأن هذا المعنى يمكن إجراؤه إذا جعل المصاب مصدرًا, فلا يحتاج إلى تقدير صفة, كما ادعاه ابن هشام. «ولا يتقدم» ضمير الفصل «مع الخبر المقدم» نحو: القائم [كان] زيد, وهو القائم ظننت زيدًا وشبهه؛ لأن فائدة الفصل صون الخبر من توهم كونه تابعًا, ولا توهم مع تقديمه, ضرورة أن التابع لا يتقدم

على المتبوع, فتكون فائدته إذ ذاك منتفية, فتمتنع المسألة, كذا قال المصنف. وفيه نظر؛ للزوم امتناع الإتيان به حيث انتفت تلك الفائدة, واللازم باطل بدليل: كان زيد هو القائم بالنصب ونحوه. «خلافًا للكسائي» فإنه أجاز تقدمه مع الخبر المقدم, كذا نقل عنه الفراء, ونقل هشام عنه المنع كقول البصريين, وفي كلام المصنف إشارة إلى أن المسألة مفروضة في تقدمه مع [تقدم] الخبر وحده, فلا يدخل في ذلك نحو: زيدًا هو القائم ظننت. قال ابن قاسم: فلو تقدم الأول وتأخر الثاني نحو: زيدًا ظننت هو القائم, ففي جواز ذلك نظر. «ولا موضع له من الإعراب على الأصح» لأن الغرض به الإعلام من أول الأمر بكون ما يليه خبرًا لا صفة, فاشتد شبهه بالحرف؛ إذ لم يجأ به إلا لمعنى في غيره, فلم يجعل له موضع من الإعراب, ولم يبين في الشرح من المخالف, وهم الكوفيون, وذكر في شرح الكافية: أن محله باعتبار ما قبله عند الفراء, وباعتبار ما بعده عند الكسائي. وغيره عكس هذا النقل. وكل من قال: له موضع فهو عنده اسم, وأما القائلون بأنه لا موضع له: فمن قائل هو حرف, ومن قائل هو اسم يشبه الحرف, لأنه جيء به لمعنى يشبه معنى الحرف فأعطي حكمه كما تقدم.

وصحح ابن الحاجب في شرح المفصل كونه ضميرًا, وكونه / ذا موضع وكون الموضع باعتبار ما قبله, قال: على أنه توكيد, وأنه - إذا انتصب ما قبله - نائب عن الضمير المنصوب. ويرد عليه أن ما قبله قد يكون ظاهرًا, والمضمر لا يؤكد به الظاهر [فلا يقال جاءني زيد هو, على أن الضمير توكيد لزيد, ونحن نقول: إن زيدًا هو القائم, وأيضًا فاللام تدخل عليه في نحو: إن زيدًا لهو العالم, ولا تدخل في توكيد الاسم] فلا يقال: إن زيدًا لنفسه كريم. وقال في أماليه: إنه ليس بتوكيد؛ لأنه ليس عبارة عما قبله ولا له مفسر. وهذا بناء منه على أنه حرف. قال أبو حيان في الارتشاف: وهو قول أكثر النحاة, وصححه ابن عصفور. «وإنما تتعين فصليته إذا وليه منصوب» أي ما يعلم كونه منصوبًا, وهذه العبارة أجود من قول بعضهم في ضابطه: يتعين الفصلية في باب ظننت وأعلمت وكان وأخواتهن, بشرط اللام أو تقدم الظاهر. لأنه يخرج عنه نحو: ظننت زيدًا هو المعطى دينارًا فلا يتعين الفصلية حينئذ. «وقرن باللام» نحو: إن كان زيد لهو الفاضل, وإن ظننت زيدًا لهو الفاضل, إذ يمتنع جعله مبتدأ لنصب ما بعده, وتابعًا لدخول اللام عليه. «أو ولي ظاهرا» منصوبًا ووليه منصوب نحو: ظننت زيدًا هو القائم, فهنا أيضًا تتعين الفصلية؛ لامتناع كونه مبتدأ بسبب نصب ما بعده, والبدلية, لنصب

ما قبله, وإذا تقرر ذلك فقول المصنف: ولي ظاهرًا. معطوف على قوله: قرن باللام. لا على قوله: وليه منصوب. لأن تعينه للفصلية مشروط بأن يليه منصوب, وينضاف إلى هذا الشرط أحد أمرين: أن يقرن باللام أو يلي ظاهرًا منصوبًا, لكن المصنف أخل بتقييد الظاهر بكونه منصوبًا؛ لأنه إن لم يل منصوبًا لم تتعين الفصلية نحو: كان زيد هو القائم؛ لجواز أن يكون (وهو) بدلًا, وإن كان الاسم ضميرًا نحو: {كنت أنت الرقيب عليهم} جاز الوجهان وجاز مع ذلك أن يكون توكيدًا. «وهو مبتدأ مخبر عنه بما بعده عند كثير من العرب» حكى الجرمي: أنها لغة بني تميم وحكى عن أبي زيد أنه سمعهم يقرؤون: {تجدوه عند الله هو خير وأعظم أجرًا} - بالرفع - وقال قيس بن الذريح:

تبكي على لبنى وأنت تركتها ... وكنت عليها بالملا أنت أقدر

الباب الثامن «باب الاسم العلم»

الباب الثامن «باب الاسم العلم» ولا أدري ما السبب في إتيانه بالموصوف - وهو الاسم - مع أن العلم عندهم مستعمل استعمال الأسماء. «وهو» الاسم «المخصوص» فالاسم: جنس يشمل النكرة والمعرفة, لكن حذفه للقرينة الدالة عليه. والمخصوص: فصل أخرج به اسم الجنس نحو: رجل, فإنه شائع غير مخصوص. «مطلقًا» لا مقيدًا بحالة دون أخرى, وهذا فصل أخرج به غير العلم من المعارف, فإن الضمير مخصوص باعتبار أنه لا يتناول غير ما استعمل فيه: من متكلم أو مخاطب أو غائب, وغير المشار إليه في الحال, غير مخصوص باعتبار صلاحيته لكل مشار إليه: مفرد مذكر بعيد, وكذا بقية المعارف. «تعليقًا أو غلبة» تقسيم لحال العلم إلى نوعيه لو حذف لم يضر, والمراد بالتعليق: تخصيص الشيء بالاسم قصدًا للتسمية كزيد وسعاد. والغلبة: تخصيص أحد المشتركين أو المشتركات بشائع على

سبيل الاتفاق, لا على سبيل القصد, كتخصيص عبد الله بابن عمر, والكعبة بالبيت, ومصنف سيبويه بالكتاب, وبعضهم يرى أن ذا الغلبة ليس / بعلم, إنما أجرى مجراه وهو اختيار ابن عصفور. «بمسمى غير مقدّر الشياع» احترازًا من نحو: شمس وقمر, فإن شيوعهما مقدر لا محقق. «أو الشائع» معطوف على قوله: المخصوص. «الجاري مجراه» أي مجرى المخصوص, يعني في اللفظ, والمراد به علم الجنس كأسامة للأسد, وثعالة للثعلب, وبرة للمبرة, وفجار للفجرة. فهذه أعلام بحسب اللفظ, لا بحسب المعنى, فإنها شائعة كشياع النكرة, غير أنه وافقت العلم الشخصي لفظًا فجرت مجراه في الاستغناء عن حرف التعريف, وعن الإضافة, ومنعت الصرف مع التأنيث في نحو: أسامة, ووصفت بالمعرفة نحو: هذا أسامة المقبل, ونصبت النكرة بعدها على الحال, ولم يستقبحوا الابتداء بها نحو: أسامة أجرأ من ثعالة. قال بعضهم: وإطلاق المعرفة على أسامة ونحوه مجاز؛ إذ لا يخالف معناه معنى أسد, وإنما يخالفه في أحكام لفظية, ألا ترى أنه داخل في حد

النكرة! ! هذا كله كلام ابن قاسم في الكلام على هذا التعريف بغالب لفظه, وأظنه تابعًا للمصنف في شرحه, وفي ذلك ما لا يخفى من الانتقاد على من تأمل, وقد عرفت مما سبق أن العلم الجنسي بمثابة العلم الشخصي في كونه موضوعًا لشيء بعينه على ما مر في باب المعرفة والنكرة. وقال ابن الحاجب: الأعلام الجنسية وضعت أعلامًا للحقائق الذهنية المتعلقة, كما أشير باللام في نحو: اشتر اللحم, إلى الحقيقة الذهنية, فكل واحد من هذه الأعلام موضوع لحقيقة في الذهن متحدة, فهو إذن غير متناول غيرها وضعًا, وإذا أطلق على فرد من الأفراد الخارجية نحو: هذا أسامة مقبلًا, فليس ذلك بالوضع, بل لمطابقة الحقيقة الذهنية لكل فرد خارجي مطابقة كل كليّ لجزئياته الخارجية نحو قولهم: الإنسان حيوان ناطق. فلفظ أسد – مثلًا - موضوع حقيقة لكل فرد من أفراد الجنس في الخارج, على وجه التشريك, وأسامة موضوع للحقيقة الذهنية حقيقة, فإطلاقه على [الفرد] الخارجي ليس بطريق الحقيقة. قال الرضي الإستراباذي: وإذا كان لنا تأنيث لفظي كغرفة وبشرى وصحراء, ونسبة لفظية نحو: كرسيّ, فلا بأس أن يكون لنا تعريف لفظي. فاختاره ما اختاره المصنف أن الأعلام الجنسية نكرة بحسب المعنى, معرفة بحسب اللفظ فقط. «وما استعمل قبل العلمية لغيرها منقول منه» أي من المستعمل لغير العلمية نحو: حارث [وفضل] وأسد ويزيد – أعلامًا - فإنها استعملت

قبل العلمية لغير العلمية, فهي أعلام نقلت من ذلك المستعمل غير علم. «وما سواه مرتجل» نحو: سعاد وأدد, فإن كلًا منهما لم يستعمل قبل العلمية لغيرها. وارتجال الخطبة والشعر ابتداؤهما من غير تهيئة قبل [ذلك] كذا في الصحاح, فإذن معنى كون العلم مرتجلًا: أنه ابتدئ بالتسمية به من غير أن يكون مسبوقًا باستعماله غير علم, وتقسيمه إلى منقول ومرتجل, هو رأي الأكثرين, وقيل: الأعلام كلها منقولة, ولا يضر جهل أصلها, وهو ظاهر مذهب سيبويه فيما حكي, وقيل: كلها مرتجلة, وهو رأي الزجاج, والمرتجل عنده ما لم يقصد في وضعه النقل من محل آخر إلى هذا, وموافقتها للنكرات بالعرض لا بالقصد, قيل: والتقسيم إنما هو بالنسبة إلى الأعم والأغلب, وإلا فما هو علم بالغلبة لا منقول ولا مرجل. «وهو» أي العلم المرتجل «إما مقيس» بأن يكون موافقًا حكم نظيره من النكرات, إما «بفك ما يدغم» نحو: محبب, فقياسه الإدغام؛ لأنه مفعل؛ / لانتفاء: م ح ب, وظن أبو حيان أن التقسيم للعلم من حيث هو, فاعترض بأنه فاته إدغام ما يفك, نحو: معد, فإن

ميمه أصلية, فحقه معدد؛ لأنه ملحق بجعفر. ولا يخفى اندفاعه بما عرفت من عود الضمير إلى العلم المرتجل؛ وذلك لأن معدًا منقول لا مرتجل, وقد وقع في المفصل ما يقتضي أن محل التقسيم هو المرتجل, لا مطلق العلم. «أو فتح ما يكسر» نحو: موهب وموظب, فإن القياس كسر العين؛ لأن ذلك حكم كل معتل فاؤه واو, وعينه صحيحة, نحو: موعد وموعدة, ولا يصح ادعاء أن وزنه فوعل, إذ ليس في كلام العرب م هـ ب, ولا م ظ ب. «أو كسر ما يفتح» نحو: معدي كرب, وفي المبهج لابن جني: قال أحمد بن يحيى هو من عداه الكرب إذا جاوزه وانصرف عنه, وهو شاذ؛ لمجيئه على مفعل بالكسر, مع كون لامه معتلة, وبابه مفعل, ومثله: مأوي الإبل, وتوهم الفراء أن مأقي العين من هذا, وليس كذلك, لأن ميمه

أصلية. «أو تصحيح ما يعل» نحو: مدين, وقياسه مدان, مكوزة, وقياسه مكازة, وحيوة, وقياسة حية؛ لما سيأتي في التصريف. «أو إعلال ما يصحح» نحو: داران وماهان, قياسهما دوران وموهان بالتصحيح, نحو: الجولان والطوفان. «وما عري من إضافة» كعبد الله. «وإسناد» نحو برق نحره.

«ومزج» نحو: بعلبك وسيبويه. والمراد به ما ركب من اسمين ثانيهما منزل منزلة هاء التأنيث. «مفرد» ويرد عليه نحو: حيثما وإذ ما - علمين - فليسا مفردين, ولا هما شيئًا مما ذكر. «وما لا يعر» من الإضافة أو الإسناد أو المزج. «مركب» وقد تقدمت المثل. «فذو الإسناد جملة» نحو: شاب قرناها وبرق نحره. «وذو الإضافة كنية» إن صدر بأب أو أم نحو: أبي بكر وأم كلثوم. «وغير كنية» إن فقد التصدير بأب أو أم نحو: عبد الله وعبد الرحمن. «وذو المزج إن ختم بغير ويه» نحو: بعلبك ومعدي كرب. «أعرب غير منصرف» فلا ينون ويرفع بضمة وينصب ويجر بفتحة, وهذه [هي] اللغة الفصحى «وقد يضاف» صدره إلى عجزه فيعامل العجز بما يقتضيه حاله [من صرف وغيره, وقد يلتزم فيه منه الصرف, ويعامل الصدر أيضًا بما يقتضيه حاله] إلا في فتحة الحرف العليل في حالة النصب فلا يظهر نحو: رأيت معدي كرب, ونقص المصنف لغة أخرى: وهي بناؤه تشبيهًا له بخمسة عشر, فلو قال هنا: وقد يبنى. لاستوفى اللغات ولطابق قوله: - في المختوم بويه - كسر وقد يعرب. ولعلك لا تغفل عما نبهناك عليه أولًا من مسامحة في كلام المصنف. «وإن ختم بويه كسر» في جميع الحالات, ولم يذكر سيبويه فيه غير هذا.

«وقد يعرب غير منصرف» على ما صرح به الجرمي, قيل: وإنما يقبل هذا إذا كان مستنده فيما سماعًا, وإلا فالقياس [فيه] البناء, وقد أسلفنا في ذلك كلامًا في باب إعراب المثنى والمجموع على حده. «وربما أضيف صدر ذي الإسناد إلى عجزها» أي الجملة, ولو قال: إلى عجزه - بالتذكير - لكان أولى؛ لأنه تفسير للضمير بالمذكور؛ ولأن تسمية ذلك جملة [مجاز] باعتبار ما كان عليه. «إن كان» العجز اسمًا «ظاهرًا» فخرج المضمر: مستترًا كان نحو: يزيد في قوله: نبئت أخوالي بني يزيد ...............

لأن إضافة يزيد إلى الضمير المستتر تنقله من الاستتار والرفع إلى البروز والخفض, فيقول: يزيدها. فيتغير لفظًا لعم. أو بارزًا, كما لو سميت بـ (كنت) , فلو أضفت صدره إلى عجزه, لقلت: كاني, كما تقول: غلامي. فيتغير أيضًا. وأما تغير (برق نحره) ففي إعرابه لا في ذاته, وأجاز بعضهم في نحو: قمت - علمًا - الإعراب, فتقول: جاء قمت, ورأيت / قمتًا ومررت بقمتٍ بالتنوين والحركات الثلاث على التاء, ووجه ذلك أن الكلمتين كالكلمة الواحدة من حيث هما في الأصل فعل وفاعل, وقد غير الفعل لأجل الضمير, وعلى ذلك بني من قال: ........ كنيتًا ................ ................ «ومن العلم» أعم من أن يكون مفردًا أو غير مفرد «اللقب» وهو

ما أشعر برفعة مسماه أو ضعته, نحو: زين العابدين وأنف الناقة وصالح وبطة. «ويتلو غالبًا» إذا اجتمع هو والاسم «[اسم] ما لقب به» نحو: مررت بعبد الله جمال الدين, وإنما جعل تاليا للاسم, لأن اللقب غالبًا أوضح من الاسم, فقدم غير الأوضح, ليكون لذكر الأوضح فائدة؛ ولأن اللقب شبيه بالصفة, وهي مؤخرة عن الموصوف. واحترز بقوله: غالبًا عن (نحو) قول الشاعر: أبلغ هذيلًا وأبلغ من يبلغها ... عني حديثا وبعض القول تجريب بأن ذا الكلب عمرًا خيرهم حسبا ... ببطن شريان يعوي حوله الذيب

وقد اجتمع الأمران في قوله: أنا ابن مزيقيا عمرو وجدي ... أبوه منذر ماء السماء فقدم اللقب أولًا وأخره ثانيًا, وقوله: «بإتباع» ظرف مستقر في محل نصب على الحال من فاعل (يتلوا) وهو الضمير العائد إلى اللقب, أي إذا اجتمع الاسم واللقب, فإن الاسم يقدم ويتلوه ملتبسًا بإتباع: إما [على] أن يجعل بدلًا, أو عطف بيان. «أو قطع» عن التبعية: إما برفعه خبرًا لمبتدأ محذوف, أو بنصبه مفعولًا بفعل محذوف. [يفعل] ما ذكر من الإتباع والقطع «مطلقًا» أي سواء كان الاسم واللقب مركبين كعبد الله أنف الناقة, أو مفردين

كسعيد كرز, أو مختلفين كعبد الله بطة, وزيد زين العابدين. «أو بإضافة إن كانا مفردين» فيجوز في المفردين [مع] الإتباع والقطع وجه ثالث, وهو إضافة الأول إلى الثاني, وجمهور البصريين يوجبون هذا الوجه وهو الإضافة, ويرده النظر؛ لما سيأتي, وقول العرب: - في شخص يسمى بيحبى, ويلقب بعينين, لضخامة عينيه - هذا يحيى عينان. بالألف رفعًا, فلم يضف بل أتبع بيقين, وهذا بخلاف قولهم: [فيه] يحيى عينين نصبًا وجرًا, فإنه محتمل للإضافة والإتباع, وكلام المصنف في الشرح صريح أو كالصريح في أن سيبويه يجوز الأوجه الثلاثة, إلا أنه ترك [ذكر] الإتباع والقطع, لظهور الأمر فيهما, من حيث كانا جاريين على الأصل, وخص الإضافة بالذكر تنبيهًا على افتقارها إلى التأويل, وذلك لأنها على خلاف الأصل, من حيث إن الاسم واللقب مدلولهما واحد, فيلزم من إضافة أحدهما إلى الآخر, إضافة الشيء إلى نفسه, فيحتاج إلى تأويل الثاني بالاسم, والأول بالمسمى؛ لأنه المعرض للإسناد إليه, والمسند إليه حقيقة هو المسمى, فيكون معنى

قولك: جاءني سعيد كرز, جاءني مسمى هذا الاسم, فلا يكون [إذن] من إضافة الشيء إلى نفسه. «ويلزم» العلم «ذا الغلبة» في حالة كونه «باقيًا [على حاله]» من الاختصاص الحاصل بسبب الغلبة «ما عرّف به قبل: » أي قبل علميته, فإن لم تعريفًا سابقًا, وهو التعريف بأل أو الإضافة, وتعريفًا متجددًا, وهو تعريف العلمية, فيحفظ عليه ما كان معرفًا به قبل العلمية. «دائمًا إن كان مضافًا» كابن عمر فلا يزايله في حالة اختصاصه المضاف إليه أصلًا, والصواب أن لو قال: ذا إضافة وقد نبهناك على تسامحه في مثل ذلك آنفًا. «وغالبًا» معطوف على دائمًا أي يكون لزوم ما عرف به قبل العلمية مستصحبًا له في حالة اختصاصه على جهة الغلبة «إن كان ذا أداة» كالنابغة فلا تزايله الأداة غالبًا / وقد تزايله في بعض الأحيان كقوله: ونابغة الجعدي بالرمل بيته ... عليه صفيح من رخام مرصعُ

ولنفصح عن هذه المسألة بإيضاح وترتيب, فنقول: اعلم أن ذا الغلبة نوعان: ذو إضافة وذو ال, وأن لكل منهما حالتين: بقاءه على علميته واختصاصه, وزوال ذلك. فأما ذو الإضافة الباقي على حاله من العلمية والاختصاص, فلا يجوز في حال ما الأحوال أن يفارقه ما عرف به في الأصل, وهو المضاف إليه. وأما ذو الإضافة غير الباقي على اختصاصه فيجوز استعماله بغير ما تعرف به في الأصل, ألا ترى أنك تقول: ما من ابن عمر كابن الفاروق. وفي شرح ابن قاسم: كالفاروق. وهو سهل؛ لأن الإخبار عن ابن عمر لا عن عمر, فثبت بالمثال المذكور أنه استعمل بالمضاف إليه, وذلك في قوله: ما من ابن عمر وبدونه, وذلك في قوله: كابن الفاروق. وهذان الوجهان مفهومان من قوله: ويلزم ذا الغلبة ... إلى آخره, فإن مفهومه أنه إذا لم يبق على حاله لا يلزمه المضاف إليه, بل يجوز أن يستعمل به, وأن يستعمل بدونه, وأما ذو الأداة الباقي على اختصاصه فيلزمه ما عرف به في الأصل غالبًا. واحترز بـ (غالبًا) من زوالها وجوبًا في النداء, نحو: يا رحمان, وشذوذًا في غيره, نحو: هذا يوم اثنين, هذا عّيوق.

وأما ذو الأداة الذي زال عنه الاختصاص الحاصل بالغلبة, فنوعان: ما قصد تعريفه بعد ذلك وما لم يقصد, وكلاهما يجب نزع (أل) منه, ولكن الأول يضاف نحو: أعشى تغلب ونابغة بني ذبيان والثاني يبقى على تجرده وتنكيره كقول بعض المشركين يوم أحد: * إن لا العزى ولا عزى لكم * الشاهد في الثاني. «ومثله» أي مثل ذي الغلبة الباقي على حاله في مطلق لزوم (أل) , ولا يريد: ومثله في لزوم ما عرف به, لأن هذا النوع إنما تعريفه بالعلمية, و (أل) فيه زائدة لا للتعريف وإنما دخلت مع العلمية لا قبلها.

«ما قارنت الأداة نقله» كالنضر والنعمان. «أو ارتجاله» كالسموءل (واليسع). فإن قلت: التمثيل بالنعمان لما قارنت الأداة نقله منظور فيه؛ وذلك لأنه يخالف قول المصنف في الخلاصة: وبعض الأعلام عليه دخلا ... للمح ما قد كان عنه نقلا كالفضل والحارث والنعمان ... فذكر ذا وحذفه سيان كالفضل والحارث والنعمان ... فذكر ذا وحذفه سيان وكذا في التمثيل باليسع, لما قارنت الأداة ارتجاله نظر؛ لجواز كونه منقولًا من الفعل. قلت: أما الاعتراض الأول فقد أورده ابن قاسم, وليس بجيد, لأن تمثيله - في الألفية - بالنعمان للعلم الملموح فيه أصله إنما يتأتى إذا كانت التسمية بنعمان بدون أداة, والتمثيل به هنا لما إذا سمي به والأداة فيه, فلا تنافي. وأما الاعتراض في اليسع بجواز كونه منقولًُا من الفعل, فمندفع بأن ذلك يأبى دخول (أل) عليه في الأصل وفي الحال. «وفي المنقول من مجرد» عن الأداة. «صالح لها» أي للأداة. «ملموح به الأصل» المنقول منه «وجهان» إدخال (أل) وتركها. وأورد عليه أنا إذا لمحنا الأصل, فإنا ندخل

(أل) ولابد, وليس كما ذكروا, بل لمح الأصل يقتضي أن يثبت له حكم الأصل, وهو قبل العلمية, كان يستعمل بالوجهين, فكذلك بعد العلمية إذا لمح الأصل, وأما إذا لم يلمح أصلًا ورأسًا, فيمتنع (أل). قال ابن يعيش: والذي يدل على أن تعريف هذا النوع إنما هو بالعلمية, لا باللام قولهم: أبو عمرو بن العلاء, ومحمد بن الحسن بطرح التنوين من عمرو ومحمد. وظاهر كلام المصنف / أنه يجوز لنا فيما لمح أصله وجهان قياسًا, ولو صح ذلك لكان أكثر الأعلام المنقولة يجوز فيه ذلك, نحو: زيد وعمرو وبكر وخالد ومحمد وأحمد, ولا سبيل إلى ذلك, فينبغي أن يحمل كلامه على معنى أن ذلك يأتي في العربية بوجهين: وذلك سماعي. «وقد ينكر العلم تحقيقًا» كقول نوف البكالي: (ليس موسى بني إسرائيل وإنما هو موسى آخر». «أو تقديرًا كقول أبي سفيان: ............................................

(لا قريش بعد اليوم). وقول بعض العرب: لا بصرة لكم. وقد عرفت من هذا أن محل التحقيق هو ما إذا كان العلم قد حصل فيه اشتراك عارضه بأن سمي به اثنان أو أكثر, وأن محل التقدير هو ما إذا لم يحصل بالفعل اشتراك عارض في العلم. «فيجري مجرى نكرة» غيره أو مجرى نكرة ليست العلمية سابقة على كونها نكرة, فبهذه الصفة التي قدرناها يندفع ما قد يقال: إذا نكر العلم فهو نكرة, فما معنى كونه يجري مجرى نكرة؟ . «ويسلب» العلم «التعيين بالتثنية والجمع» لتغير الصورة التي وقعت التسمية بها, لما سبق, ولا فرق بين أن يكون الجمع مكسرًا أو مصححًا, مذكرًا أو مؤنثًا, كالخوالد والهنود والزيدين والزينبات. وكان ينبغي أن يقول: ويجب التنكير عند إرادة التثنية والجمع. لئلا يتوهم بتغيير العبارة أن هذا شيء مخالف لما تقدم بالنسبة إلى التنكير. «فيجبر بحرف التعريف» إن أردت تعريفه, وإلا فليس هذا بأبعد من العلم المفرد, وأنت تقول: رب لقيته. وقالوا: لكل فرعون موسى. فكذا تقول: رأيت زيودًا وهنودًا قال. رأيت سعودا من شعوب كثيرة ... فلم أر سعدا مثل سعد بن مالك وقد ضمنت شطر هذا البيت في زمن الصبا مادحًا للمصنف فقلت:

حبا طالبي علم اللسان ابن مالك ... مطالب فضل لم تشن بمهالك وكم من سعود للنحاة رأيتها ... فلم أر سعدا مثل سعد بن مالك وجبره بحرف التعريف إنما يكون عند انتفاء المانع, واحترز بذلك من نحو: عبد الله [فلا يجوز] إذا ثني أو جمع أن تدخل عليه (أل) , لما علم من منافاتها للإضافة, والعلم بذلك أغناه عن التنبيه عليه؛ فلذلك تقول: هذان عبدا الله, وهؤلاء عبيد الله [وأعبد الله] وقد يقال: لا تدخل هذه المسألة تحت كلامه ألبته؛ لأن العلم المجموع, وأنت إنما تثني وتجمع المضاف؛ لأنهم أجروا على جزءي العلم ذي الإضافة ما أجروا على: غلام زيد, ألا ترى أنهم أعربوا الثاني إعراب غير المنصرف إذا كان معه علة أخرى غير العلمية كأبي هريرة وابن أوبر؟ . «إلا في نحو جماديين» وهو ما كان المثنى فيه اسمًا لمتعدد

متلازم, ولكل من ذلك المتعدد اسم من ذلك اللفظ بالحقيقة. «وعمايتين» وهما جبلان لهذيل متقاربان, اسم كل واحد منهما عماية. فهذا كجماديين, فإنهما اسمان لشهرين معروفين [كل منهما] يسمى جمادى, لكن يميز أحدهما عن الآخر بالصفة, فيقال: جمادى الأولى, وجمادى الآخرة. «وعرفات». وهو ما كان الجمع فيه علمًا لواحد؛ إذ ليس معنا مواضع اسم كلٌ منها عرفة, وإنما عرفة وعرفات مترادفان, وقد تقدم قول الفراء: إن عرفة مولد وليس بعربي محض. وسبق رده, بأنه قد ثبت في الصحيح (الحج عرفة). واعلم أن كلام المصنف مشكل؛ لأن الاستثناء فيه إما أن يرجع إلى الجملة الأولى, أو الثانية, وكلاهما باطل, أما الأول فلأن مقتضاه أن عرفات جمع ولم يسلب مفرده التعيين, وقد عرفت أن عرفات ليس جمعًا لعرفة, وإنما هو وعرفة مترادفان. وأما الثاني فلأن مقتضاه أن ما ذكره من المستثنيات كلها سلب فيها العلم التعيين, ولكنه لم يجبر بحرف التعريف, ولا يخفى بطلان ذلك نعم يمكن جعل الاستثناء منقطعًا فلا يرد هذا فتأمله. «ومسميات / الأعلام أو لو العلم» من الملائكة والإنس والجن

والقبائل, ونحو: جبريل وزيد والولهان وربيعة «وما يحتج إلى تعيينه من المألوفات» من الأمكنة والكواكب والحيوان الذي لا يعقل من فرس وبغل وحمار وجمل وشاة وكلب, نحو: مكة وزحل وسكاب ودلدل ويعفور وشدقم وهيلة وواشق. قال ابن هشام: ومنه أسماء الكتب, وهي عندي من الأعلام النوعية, لا الشخصية, ألا ترى أن كل نسخة من ن سخ كتاب الفارسي العضدي يسمى بالإيضاح, لا يختص بذلك نسخة دون أخرى, كما أن أسامة كذلك, وكذا الباقي, فإذا قلت: هذا الإيضاح, فهو كقولك: هذا أسامة. تشير إلى فرد حاضر, وإذا قلت: الإيضاح خير من الجمل والمفصل. فهو كقولك: أسامة أجرأ من ثعالة. فهو علم جنس في المألوفات. «وأنواع معان» نحو: برة [للمبرة] وفجار للفجرة. «و» أنواع «أعيان لا تؤلف» كأبي الحارث وأسامة للأسد وأبي جعدة وذؤالة للذئب.

واحترز بقوله: لا تؤلف من المألوفات, فإن الأعلام توضع لآحادها لا لجنسها, «غالبًا» أشار به إلى ما وضع قليلًا من الأعلام الجنسية لما يؤلف من الأعيان, نحو: هيان بن بيان, للمجهول العين والنسب, وهذا المثال لا يستعمل استعمال ذي الأداة الحضورية؛ لأن حضور الشيء ينفي جهالة عينه, فلم يبق إلا أن يستعمل استعمال ذي الأداة الجنسية, فيقال: هيان بن بيان لا تقبل روايته, وهذا الحديث يرويه هيان بن بيان, أي يرويه مجهول العين والنسب. «ومن» العلم «النوعي ما لا يلزم التعريف» نحو: فينة وغدوة وبكرة وعشية, قالت العرب: فلان ما يأتينا فينة. بلا تنوين أي الحين دون الحين, وفينة, بالتنوين, أي حينًا دون حين, فيختلف التقديران, وفلان يتعهدنا غدوة وبكرة وعشية, أي الأوقات المعبر عنها بهذه الأسماء, منعتها من الصرف حين قصدت بها ما يقصد بالمعرف بـ (أل) عهدية أو جنسية, ولك أن تصرفها إذا أردت معنى غدوة من الغدوات وكذا الباقي, وباب ذلك كله السماع, فليس لك أن تستعمله في نحو: أسامة. «ومن الأعلام» الجنسية «الأمثلة الموزون بها» في بعض الأحيان, وإلا فليست ملازمة للعلمية, بدليل قولك: كل أفعل لا ينصرف علمًا, فالمراد إذن: ومما قد يكون من الأعلام الجنسية الأمثلة. لا أن كل موزون به

علم, ثم إجراء الأمثلة مجرى الأعلام, هو اصطلاح [من] النحاة مخترع من غير أن يقع ذلك في كلام العرب, وإنما تكون كذلك إذا عبر بها عن موزوناتها, ولم يدخل عليها ما يقتضي تنكيرها, ككل ورب ومن الاستغراقية وغيرها من علامات التنكير. «فما كان منها بتاء تأنيث» نحو: فاعلة وزن قائمة «أو [على] وزن الفعل به أولى» نحو: أفعل وزن أحمد, وإنما لم يذكر الوزن الخاص بالفعل؛ لأنه تجب معه حكاية الحال التي كان عليها موزونه, فتقول: استفعل فعل ماض ودال على الطلب, وانفعل لازم مطاوع لفعل, وأما أن الوزن الخاص بالفعل قد يكون موجودًا في الاسم, كما في بقم وإستبرق ودئل, فال مدخل له هنا, ضرورة أنه ليس الكلام في الموزون, وإنما هو في الوزن باعتبار موزون ما, فإنما يجري عليه حكم موزونه الأصلي فتأمه «أو مزيدًا آخره ألف ونون» نحو: فعلان وزن سكران. «أو ألف إلحاق مقصورة» نحو: فعنلى وزن حبنطى, وأما الممدودة فلا اثر لها, فنقول: فعلاء ملحق بقرطاس, وفعلاء ملحق بقسطاس. «لم ينصرف إلا منكرًا» هذا خبر المبتدأ من قوله: فما كان منها. إن جعلنا (ما موصولة,

وجواب الشرط إن جعلناها شرطية, ثم يجري الكلام في ذلك على إعراب أسماء الشرط, فتجعل (ما) الشرطية هنا مبتدأ أيضًا, لكن خبرها هو جملة الشرط أو جملة الجواب, أو مجموعهما فيه خلاف, والصحيح الأول, فلا يكون قوله: لم ينصرف إلا منكرًا. خبرًا لما الشرطية, وذلك نحو: كل فاعلة حكمها كذاو ورب أفعل لا ينصرف وما من فعلان مؤنثة فعلى إلا ويمنع الصرف, وكل فعنلى تقلب ألفه في التثنية ياء. قال سيبويه: قلت للخليل في قوله كل أفعل إذا أردت به الوصف لا ينصرف, وقد صرفته, فقال: أفعل هنا مثال, وليس بوصف ثابت في الكلام, [إنما] زعمت أن ما كان على هذا المثال, وكان وصفًا, لا ينصرف, وإنما انصرف؛ لأنه نكرة, ولو أشرت به إلى معلوم لم تصرفه للزنة والعلمية, كقولك: أفعل لا ينصرف إذا كان صفة. فإنك لا تصرف أفعل, كأنك قلت: هذا البناء. «وإن كان على زنة منتهى التكسير» نحو: مفاعل ومفاعيل: «أو ذا ألف تأنيث» مقصورة كفعلى, أو ممدودة كفعلاء. «لم ينصرف مطلقًا» معرفة كان أو نكرة, تقول: حمراء فعلاء, وحبلى فعلى, وكل فعلاء يعرب ظاهرًا وكل فعلى يعرب تقديرا فلا

تصرف شيئًا من ذلك. «فإن صلحت الألف لتأنيث وإلحاق» نحو: فعلى - بفتح الفاء - وفعلى - بكسرها - فإن ألفهما قد تكون للتأنيث نحو: سكرى وذكرى, وقد تكون للإلحاق نحو: أرطى ومعزى. «جاز في المثال اعتباران» كقولك: كل فعلى - بفتح الفاء - مثلًا أو فعلى - بكسرها - تقلب ألفه في التثنية ياء, إن جعلت ألفه للتأنيث لم تصرفه, وإن جعلتها للإلحاق صرفته؛ لتنكيره بدخول كل, وجميع الأوزان التي ذكرها المصنف لا تصلح إلا للأسماء, فخرج عن كلامه نوعان: ما كان وزنًا لاسم وليس شيئًا مما ذكر, فليس فيه إلا الصرف, وذلك يؤخذ من مفهوم كلامه, فإن ذلك لم يذكر في واجب المنع, ولا فيما يجوز فيه الوجهان, فلم يبق فيه إلا وجوب الصرف مطلقًا, كقولك: فاعل اسمًا يجمع على فواعل, ووصفًا يجمع على فعل أو فعال. وما كان وزنًا للفعل غير ما ذكر, كقولنا: فعل وفعل وفعل, فهذه إن أريد بها العموم فالإعراب والصرف, كالذي قبلها, وإن أريد بها خصوصية الفعل حكيت كقولك: ضرب فعل, وعلم فعل, وظرف فعل. ولم يتعرض لهذا, كما لم يتعرض للوزن الخاص بالفعل؛ لأن بابهما باب الحكاية. «وإن قرن» [مثال من الأمثلة الموزون بها]. «بما ينزله منزلة الموزون فحكمه حكمه» في الصرف وعدمه, تقول: مررت برجل فاعل. تكني به عن فاضل مثلًا, فيصرف؛ لأن حكم المكني عنه الصرف, وتقول: مررت

برجل أفعل. تريد أفضل [مثلًا] فتمنعه من الصرف وإن كان نكرة؛ لأنه كناية عن صفة لا تصرف, ويدل على أنه في موضعها أن موقعة [هنا] موقع النعت, إذ لا يتأتى أن يكون علمًا هنا؛ لأن العلم لا يوصف به؛ ولأن المعرفة لا تكون صفة للنكرة, وهذا مذهب سيبويه, وخالفه المازني, وانتصر له السيرافي: بأن أفعل أقصى أحواله أن يكون كأربع إذا وصف به, فهو اسم وصف به, وما هو كذلك لا يمتنع من الصرف. ورده ابن الصائغ: بأن أربعًا وضع على أن يكون اسمًا ولا وصفًا, فعرضت الوصفية فيه فلم يعتد بها, وأفعل هذا لم يستقر في كلامهم لا اسمًا ولا صفة, فينبغي أن يراعى حكمه الحاضر له.

«وكذا بعض الأعداد المطلقة» التي لم تقيد بمعدود مذكور ولا محذوف, وإنما تدل على مجرد العدد, يعني / أنها تكون أعلامًا فلا تنصرف إن انضم إلى العلمية سبب آخر, كقولك: ستة ضعف ثلاثة. غير منصرفين, نص عليه ابن جني في سر الصناعة, ووقع في بعض نسخ المفصل, قال ابن الحاجب: والظاهر أن جار الله أثبته ثم أسقطه, لضعفه, قال: ووجه إثباته أن ستة مبتدأ, فلولا أنه علم لكنت مبتدئًا بالنكرة من غير مخصص, قال: ووجه ضعفه أنه يؤدي إلى أن تكون أسماء الأجناس كلها أعلامًا, إذ ما من نكرة إلا ويصح استعمالها كذلك, نحو: رجل خير من امرأة, أي كل رجل, وذلك في كل نكرة قامت قرينة على أن الحكم غير مختص ببعض جنسها. «وكنوا بـ «فلان» و «فلانة» عن» علم مذكر عاقل وعلم مؤنث عاقل «نحو: زيد» الذي هو علم لمذكر عاقل «وهند» الذي هو علم لمؤنث

عاقل, وفيه لف ونشر مرتب, فزيد يرجع إلى (فلان) وهند يرجع إلى (فلانة) قال الشاعر: ألا قاتل الله الوشاة وقولهم ... فلانة أضحت خلة لفلان فيجريان - أعني فلانًا وفلانة - مجرى المكني عنه, أي يكونان كالعلم, فلا تدخلهما اللام, ويمتنع صرف فلانة, كما يجري أفعل بمعنى أحمق مجرى المكنى عنه في الامتناع من الصرف على ما مر, ولا يجوز تنكير (فلان) كسائر الأعلام, فلا يقال: جاءني فلان وفلان آخر؛ إذ هو موضوع للكناية عن العالم؛ فالثاني مثل الأول في أنه غير نكرة وإن كان المكني عنه قد ينكر, والفرق بينه وبين مررت بزيد وزيد آخر, أنك أردت واحدًا ممن يسمى بزيد, وليس هذا بمتأتٍ في فلان. قال ابن الحاجب: فلان وفلانة علمان لأعلام الأناسي وهي من بابه أسامة؛ لأنها تنطلق على كل علم منها, فهي موضوعة لحقيقة أعلام أناسي من يعقل, فإن لها حقيقة ذهنية, كما أن الجنس الأسد حقيقة ذهنية وضع لها

أسامة. قال: ولم يثبت استعمالها إلا في الحكاية, تقول: قال زيد جاءني فلان, ولا تقول ابتداء جاءني فلان, من غير أن تحكي ذلك عن أحد, قال الله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلًا, يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانًا خليلًا} وهذا الذي ذكره ابن الحاجب من أنها لا تستعمل إلا في الحكاية نص عليه ابن السراج قبله, ولكنه مخالف لقول ابن السكيت: إذا كنيت عن الآدميين قلت: لقيت فلانًا. ويدل عليه ما رواه الأصمعي من قول مرار الفقعسي:

سكنوا شبيثا والأحص وأصبحت ... نزلت منازلهم بنو ذبيان وإذا فلان مات عن أكرومة ... دفعوا معاوز فقره بفلان وقال معن بن أوس: أخذت بعين المال حتى نهكته ... وبالدين حتى ما أكاد أدان وحتى سألت القرض عند ذوي الغنى ... ورد فلان حاجتي وفلان فإن قلت: كون فلان وفلانة علمين لأعلام الأناسي منظور فيه, لأن تلك ألفاظ, فعلى هذا إذا قلت: قال زيد جاءني فلان, فمعناه جاءني مسمى فلان, وإنما مسماه لفظ, وليس هذا كـ (زيد) في جاءني زيد؛ لأن مسماه ذات. قلت: هذا إشكال أورده ابن هشام رحمه الله [تعالى] , ولم يجب عنه, ويمكن أن يجاب: بأن معنى جاءني فلان جاءني مسمى مسمى فلان,

فكما صح الإسناد إلى لفظ زيد, والمراد مسماه صح الإسناد إلى فلان, والمراد مسمى مسماه, ولا إشكال, وكذا القول في فلانة. «وبأبي فلان» [أي] وكنوا بأبي فلان «وأم فلان عن نحو: أبي بكر» في كنية المذكر العاقل «وأم سلمة» في كنية المؤنثة / العاقلة. ووقع في بعض النسخ: وأم فلانة. وهو تحريف من النساخ أوقعهم فيه ما تقدم من اقتران فلانة بفلان, وما تأخر من اقتران الفلانة بالفلان, وذكر كلمة الأم أيضًا, والتمثيل بسلمة, ولفظه مؤنث. وسلمة - كطلحة وحمزة - علم مذكر عاقل مختتم بتاء التأنيث, فتأنيثه لفظي. «و» كنوا «بالفلان والفلانة عن» علم مذكر لا يعقل وعلم مؤنث لا يعقل. «نحو: لاحق وسكاب» فالأول للأول والثاني للثاني على طريق اللف والنشر المرتب, ولا فرق في أعلام البهائم بين أن تكون أسماء أو كنى في إدخال لام التعريف عليها, فتقول: الفلان والفلانة, وأبو الفلان وأم الفلانة, والمصنف لم يذكر حكم الكناية عن أعلام البهائم إذا كانت كنى, ونص الرضي الإستراباذي على ما قلناه من عدم الفرق, قال: وإنما أدخلوا اللام للفرق, وكانت كناية أعلام البهائم أولى من كناية أعلام الأناسي, لأن أنس الإنسان بجنسه أكثر هو عنده أشهر من أعلام البهائم, فكان فيها نوع تنكير.

وسلك ابن الحاجب طريقة أخرى في التعليل فقال: زادوا (أل) للفرق, وجعلوا الزيادة في علم ما لا يعقل, لأن علميته دخيلة على علم من يعقل؛ لأن أصل الباب لمن يعقل فكانت زيادة (أل) في الأقل أولى منها في الأكثر تقليلًا للزيادة, وكانت في الدخيل في العلمية لضعيف علميته أولى منها في القوي في باب العلمية. «و» كنوا «نهن وهنة [أو هنت] عن اسم جنس» مذكر أو مؤنث: و (هن) لاسم الجنس المذكر, نحو: رجل, و (هنة) لاسم الجنس المؤنث, نحو: امرأة. «غير علم» صفة لاسم جنس, وربما كنوا بـ (هن) عن علم الشخص العاقل الذي لا يراد الإفصاح باسمه كقوله: والله أعطاك فضلًا من عطيته ... على هن وهن فيما مضى وهن

يخاطب بذلك حسن بن زيد, وكان عبد الله وإبراهيم [وحسن] بنو [عم] حسن المذكور وعدوه شيئًا ولم ينجزوه له, وهذا الذي ذكره المصنف هنا, وفيما يأتي إنما هو على سبيل الاستطراد في الكناية وإلا فالأصل أن يقتصر على كنايات الأعلام؛ لأنها المتعلقة بالباب. «و» كنوا «بهنيت عن جامعت ونحوه» من مقدمات الجماع, كما كنوا عن الفرج (بهن) , وإنما لم يذكر المصنف لامست ومسست وباشرت ورفثت وباضعت وغير ذلك؛ لأنه لما ذكر أن الهن كناية [عن اسم جنس] أردفه بكناية أخرى مأخوذة من لفظ تلك الكناية فذكر ذلك استطرادًا, لكن هذا معترض بأن

هنيت يائي والهن واوي, وقد يدعى أن الياء بدل عن الواو وأن ذلك من البدل الخارج عن القياس, وفي قول صاحب الصحاح وهنيت كناية عن فعلت من قولك هن إشارة إلى ذلك. «و» كنوا «بكيت» بسكون الياء مخففة «أو كيت» بتشديد الياء «وبذيت أو ذّيت» بتخفيف الياء في الكلمة الأولى وتثقيلها في الثانية «أو كذا عن الحديث» ولا تستعمل كيت وذيت إلا مكررتين, نص عليه في اللباب, قال ابن هشام: وهو المعروف, وقد أهمل المصنف التنبيه على ذلك, تقول: جاءني فلان, فقال لي كيت وكيت, ومحل كيت النصب - وإن كان مفردًا - لأنه كناية عن جملة, وفي كلام الفارسي: إذا قلت كان من الأمر كيت وكيت, فكان شأنية خبرها كيت وكيت, لأنه نائب عن الجملة, ولا يكون كيت وكيت اسمًا لكان, كما لا يكون اسمها جملة. قال ابن هشام: ولله در هذا الإمام ما أتم نظره. قال: وسألني سائل فبم يتعلق (من الأمر) إذا كانت [كان] شأنية؟ وكيف يكون اسمها ضمير الشأن, ويتعلق بها مجرور, ويؤدي / معنى الشأن؟ فقلت: الظاهر أنه يتعين تعلقه بـ (أعني) مقدرًا. قلت: يجب أن يكون ثم صفة للأمر محذوفة, أي كان من الأمر الذي

لا يفصح عنه, وإلا كان الكلام عريًا عن الفائدة, وأنت خبير بأنه يلزم - على ما ذهب إليه الفارسي, واستحسنه ابن هشام - تفسير ضمير الشأن بغير جملة مصرح بجزئيها. «وقد تكسر أو تضم تاء كيت وذيت» فتكون التاء مثلثة الحركة, والكلمة على كل حال مبنية. قال الرضي الإستراباذي: وإنما بنيتا؛ لأن كل واحدة منهما كلمة واقعة موقع الكلام, والجملة من حيث هي لا تستحق إعرابًا, ولا بناء, لأنهما من عوارض الكلمة لا الكلام. وأورد أنه كان يجب أن لا تكون مبنية أيضًا كالجمل, وأجاب: بأنه يجوز خلو الجمل عن الإعراب والبناء, لأنهما من صفات المفرد, ولا يجوز خلو المفرد عنهما, فلما وقع المفرد موقع ما لا إعراب له - في الأصل - ولا بناء, ولم يجز أن يخلو منهما مثله, بقي على الأصل الذي ينبغي أن تكون الكلمات عليه, وهو البناء, إذ بعض المبنيات - وهو الخالي عن الإعراب - يكفيه عريه عن سبب الإعراب, فعريه عن سبب الإعراب سبب للبناء, كما قيل: عدم العلة علة العدم - ثم سأل فقال: إنهما وضعتا لتكونا كناية عن جملة لها محل من الإعراب, ونحو: قال فلان كيت وكيت,

أي زيد قائم, وهي في محل نصب, وأجاب: بأن الإعراب المحكي في الجملة عارض فلم يعتد به. وبناؤهما على الفتح؛ لثقل الياء, كما في أين وكيف, أو لكونهما في الأغلب كناية عن الجملة المنصوبة المحل. وبناؤهما على الكسر والضم؛ تشبيهًا بـ (جير) و (حيث) ثم قال: وهما - يعني كيت وذيت - مخففان من كية وذية, بحذف لام الكلمة وإبدال التاء منهما, كما في بنت, والوقف عليهما بالتاء, كما وقف على بنت, ومن العرب من يستعملهما على الأصل, فلا تكونان إلا مفتوحتين؛ لثقل التشديد, والوقف عليهما بالهاء, ولامهما ياء لا واو؛ إذ ليس في الكلام مثل: حيوت, وواو حيوان بدل عن الياء, إلا عند المازني, ولم نقل إن أصلهما كوية وذوية, لأن التاء في كيت وذيت بدل عن اللام, فلو كان العين واوًا لقلت: كوت وذوت والتاء فيهما - لكونهما عبارة عن القصتين, وحكى أبو عبيدة كيه بالهاء مكان تاء كيت, مفتوحة ومكسورة. إلى هنا كلام الرضي.

الباب التاسع «باب الموصول»

الباب التاسع «باب الموصول» اسمًا كان أو حرفًا. «وهو» أي الموصول «من الأسماء» أي حالة كونه من الأسماء فهو في محل نصب على الحال. فإن قلت: لا يصح وقوع الحال من المبتدأ على الصحيح؟ قلت: (هو) ليس بمبتدأ في الأصل؛ إذ التقدير: وتفسيره من الأسماء, فذو الحال ضمير مضاف إليه, لكن حذف المضاف لدلالة المقام عليه؛ إذ هو بصدد التفسير والبيان, وأقيم المضاف إليه مقامه, فارتفع الضمير وانفصل, بعد أن كان مخفوضًا متصلًا. وهذا التقدير: ينتفع به في مثل قولهم: الإعراب في اللغة البيان, الكلمة في الاصطلاح لفظ وضع لمعنى مفرد, إذ ليس ثم ما يتعلق به الجار والمجرور, وبهذا التقدير يصح التركيب, ويمكن أن يكون قوله (من الأسماء) حالًا من ضمير منصوب محذوف, والتقدير: أعنيه من الأسماء. والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر؛ لبيان المراد بالمبتدأ, والتقدير الأول

أحسن. ولا يصح أن يكون قوله (من الأسماء) حالًا من الضمير المستكن في (افتقر) لأن (ما) من قوله: (ما افتقر) إما موصولة أو موصوفة, ولا يصح تقديم معمول الصلة ولا الصفة على الموصول أو الموصوف. «ما افتقر» جنس يشمل الموصولات وغيرها مما يفتقر. «أبدًا» لا في حال دون حال, وهو / فصل أخرج النكرة الموصوفة بالجملة, فإنها حال وصفها لها مفتقرة إليها, وتنفك عن الافتقار في حالة عدم الوصف أصلًا, وفي حالة الوصف بمفدر. وفي شرح ابن قاسم ما معناه: أن الجملة الموصوف بها في تأويل المفرد. فلا يصدق على النكرة أنها افتقرت إلى جملة. وهو متعقب بأنها جملة قطعًا, وكونها في تأويل المفرد لا يخرجها عن تسميتها جملة. «إلى عائد» يخرج الموصول الحرفي وإذ وإذا وحيث وضمير الشأن. وقال أبو حيان وتبعه تلميذه ابن قاسم: إن الموصول الحرفي خرج بقوله (من الأسماء). قلت: وفيه نظر؛ لأن قوله (من الأسماء) ليس فصلًا وقع في التعريف حتى يكون مخرجًا, وإنما هو قيد في حيز المعرف بفتح الراء كما قررناه آنفًا, وما ذلك إلا بمثابة أن يقال: الكلمة اسمًا لفظ وضع لمعنى مفرد. فينتقض بالفعل والحرف, فيجاب بأنهما خرجا بقولك (اسمًا) ومثله لا يسمع. فإن قلت: وأيضًا فقوله (إلى عائد) مخرج للموصول الحرفي, فلو خرج أولًا بقوله (من الأسماء) لكان محض تكرار لا فائدة فيه؟ قلت: ليس قوله (إلى عائد) مقصورًا على إخراج الموصول الحرفي, بل

يخرجه ويخرج غيره مما ذكرناه قبل, فلا بأس إذن, والمعتمد في الرد هو ما قلناه أولًا. «أو خلفه» أي خلف العائد, والمراد بالعائد الضمير, نحو: الذي قام أبوه زيد, وبخلفه الظاهر كقوله: أيا رب ليلى أنت في كل موطن ... وأنت الذي في رحمة الله أطمع فالاسم الشريف خلف عن ضمير يعود إلى (الذي) , لكن قال أبو علي في التذكرة: من الناس من لا يجيز هذا, وقال بعضهم: هذا لم يجزه سيبويه في خبر المبتدأ, فأحرى أن لا يجيزه في الصلة. «وجملة صريحة»: إما اسمية: نحو: الذي هو قائم. أو فعلية, نحو الذي ذهب غلامه. «أو مؤولة» نحو: الذي عندك, والذي في الدار, والقائم, وفي العبارة قلق؛ فإن الذي في هذه الأمثلة الثلاثة ليس جملة أولت بشيء آخر, والصواب أن يقول: وجملة ملفوظ بها أو مقدرة أو إلى مفرد مؤول بجملة فالأول - نحو: الذي قام أبوه. والثاني - نحو الذي في الدار. والثالث - نحو: القائم والقاعد. «غير طلبية» وأما قوله:

وإني لرام نظرة قبل التي ... لعلي وإن شطت نواها أزورها فالصلة (أزورها) و (لعل) محذوفة الخبر, والجملة معترضة, أو الصلة قول محذوف مثل: (وجدت الناس أخبر تقله) أي مقولا فيهم ذلك, ومفعول (أخبر) محذوف, أي أخبره, والهاء في (تقله) هاء السكت أو ضمير أفرد نظرًا إلى لفظ الناس, أو كل واحد, و (أخبر) فعل

أمر, من قولك: خبرت الشيء أخبره خبرًا - بالضم - وخبرة - بالكسرة أي - بلوته واختبرته, و (تقله) مضارع مجزوم على أنه جواب الأمر, أي تبغضه تقول: قلاه يقليه ويقلاه, بمعنى أبغضه. قال الميداني: يجوز رفع الناس على الحكاية, ومن نصبه فقد نصبه بـ (أخبر) و (وجدت) بمعنى عرفت, أي وجدت الأمر كذلك, بمعنى عرفت هذه القصة وتحققتها. وهذا المثل من كلام أبي الدرداء رضي الله عنه. «ولا إنشائية» كبعت واشتريت. فإن قلت: يرد نحو {وإن منكم لمن ليبطئن} فإن القسم وجوابه صلة أو صفة. قلت: الموصول [به] في الحقيقة إنما هو جملة جواب القسم, وهي

خبرية, وأما [جملة] القسم وإن كانت إنشائية فليست مذكورة لذاتها, بل لتقوية الجملة وتأكيدها. وفي كلام المصنف جعل الطلب قسيمًا للإنشاء, وإنما هو قسم منه, قال ابن هشام: ويرد على طرد [هذا] التعريف / (من) الواقعة نكرة موصوفة. قلت: يعني لكونها مفتقرة أبدًا إلى العائد والصفة, (وليس بشيء لأنا لا نسلم افتقار (من) النكرة دائمًا إلى ذلك لجواز وقوعها تامة غير موصوفة بشيء, كما صرح به الفارسي, ولو سلم افتقارها حالة كونها موصوفة إلى العائد والصفة) فلا نسلم أنه يلزم كون الصفة جملة لجواز: مررت بمن معجب لك. وقد عرفت فيما تقدم أن الموصول تعرف [صفته] بالعهد الذي في صلته على معنى أن وضعها أن يطلقها المتكلم على ما تقرر علمه عند المخاطب, وهذه خاصية المعارف, ومن ثم وجب كون الصلة جملة خبرية ليكون مضمونها حكمًا معلوم الوقوع للمخاطب قبل حال الخطاب, والجمل الإنشائية طلبية كانت أو غير طلبية لا يعرف مضمونها إلا بعد إيراد صيغها, وأما الاعتراض المشهور وهو أن الموصول لو كان معرفًا بصلته - وهي جملة - لتعرفت النكرة الموصوفة بها, فلم يكن إذن في قولك: لقيت من ضربته. فرق بين أن تكون موصولة أو موصوفة, فقد أجيب عنه بما سبق من أن تعريف الموصول بوضعه معرفة مشارًا به إلى المعهود الذي بين المتكلم والمخاطب

بمضمون صلته, فمعنى قولك: لقيت من ضربته إذا كانت موصولة لقيت الإنسان المعهود بكونه مضروبًا لك, فهي موضوعة على أن تكون معرفة بصلتها, وأما إذا جعلتها موصوفة فكأنك قلت: لقيت إنسانًا مضروبًا لك, وإن حصل لقولك إنسانًا تخصيص بمضروبية المخاطب, لكنه ليس تخصيصًا وضيعًا؛ لأن (إنسانًا) موضوع لا تخصيص فيه, بخلاف الذي ومن - مثلًا - فإن وضعهما على أن يتخصصا بمضمون صلتهما, والفرق بين المعرفة والنكرة المخصصة أن تخصيص المعرفة وضعي وهو المراد بالتعريف عندهم, وليس المراد به مطلق التخصيص, ألا ترى أنه قد تخصص النكرة بوصف لا يشاركها فيه شيء آخر, مع أنها لا تسمى بذلك معرفة؛ لكونه غير وضعي, كما تقول: رأيت اليوم رجلًا يسلم عليك اليوم وحده قبل أحد. وكذلك: إني أعبد إلهًا خلق السموات والأرض ونحو ذلك. قال المصنف: والمشهور عند النحويين تقييد الجملة الموصول بها بكونها معهودة, وذلك [غير لازم] لأن الموصول قد يراد به معهود فتكون صلته معهودة, وقد يراد به الجنس فتوافقه صلته كقوله تعالى: {كمثل الذي ينعق بما لا يسمع} وقول الشاعر: [ويسعى إذا أبني ليهدم صالحي ... وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم

وقد يقصد تعظيم الموصول, فتبهم صلته كقول الشاعر: ] فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه «و» هو, أي: وتفسير الموصول «من الحروف ما أول» وهو جنس يتناول نحو: صه, من أسماء الأفعال, فإنه يؤول بمصدر معرفة, إن لم ينون, وبنكرة إن نون, وقد عرفت ما عليه حيث تكلمنا في حد الحرف, ويتناول الفعل المضاف إليه, نحو: حين قمت قمت, أي حين قيامك, ويتناول (هو) من قوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} فاحترز عن هذه الأشياء ونحوها بقوله: «مع ما يليه بمصدر» فإن هذه الأشياء مؤولة بمصادر لا مع شيء يليها.

وقوله «ولم يحتج إلى عائد» احتراز من (الذي) الموصوف به مصدر, نحو: {وخضتم كالذي خاضوا} إذا قيل: التقدير كالخوض الذي خاضوه فإن (الذي) واقعة على الخوض, فهو معناها, لكن لابد له من عائد فسلم التعريف للحرف المصدري كذا قدروه, ويظهر من هذا أن ليس المراد بالتأويل السبك, بل المراد / به التفسير ولذا صح له أن يقول: دخل ضمير المصدر. وغير ذلك مما ذكره, ولو حملنا التأويل على السبك لم يصح أن يدخل تحت كلامه إلا الحرف المصدري. قلت وعدم الاحتياج إلى عائد لا ينفي صحة تعلق العائد به, والمراد الثاني لا الأول, وكان الأول التعبير بما يقتضيه. «فمن الأسماء الذي والتي للواحد» عاقلًا أو غيره «والواحدة» عاقلة أو غيرها على طريق اللف والنشر المرتب, فالواحد للذي والواحدة للتي. «وقد تشدد ياءاهما مكسورتين أو مضمومتين» وصرح أبو موسى الجزولي بأنهما مع التشديد معربتان بأنواع الحركات كما في أي, وقال

الرضي [الإستراباذي]: ولا وجه لإعراب المشدد؛ إذ ليس التشديد موجبًا للإعراب. وجزم المصنف بوجوب البناء: إما على الكسرة, وإما على الضم. ووجه الكسر ظاهر, وهو التقاء الساكنين, وأما البناء على الضم فبعيد, وأما (أي) فلما كان سبب بنائها حذف شيء أشبهت الغايات, ومن هنا يظهر أن تشبيه الزمخشري لها بقبل وبعد لم يصب المحز؛ إذ قصد التشارك في وجه البناء على الضم وقول الشاعر: وليس المال فاعلمه بمال ... وإن أغناك إلا الذي ينال به العلاء ويصطفيه ... لأقرب أقربيه وللقصي يروى هكذا ويروى: وإن أرضاك. ورواه ابن عصفور: وإن أنفقته إلا الذي واستدلوا بذلك على البناء على الكسر؛ لأن (الذي) مستثنى, وليس في موضع جر, كذا قالوا, وفيه نظر؛ لاحتمال كون (إلا) صفة, بمعنى غير عند من لا يلتزم صحة قول ابن الحاجب كما ستراه في باب المستثنى.

«أو تحذفان» أي الياءان من الذي والتي «ساكنًا ما قبلهما» فتقول: الذ والت. بإسكان الذال والتاء بعد حذف الياء منهما كقوله: فكنت والأمر الذي قد كيدا ... كالذ يزبي زبية فاصطيدا وكقول الآخر: أرضنا الت آوت ذوي الفقر والذ ... ل فأضحواذوي غنى واعتزاز «أو مكسورًا» فتقول: الذ والت بكسر الذال والتاء كقوله:

لا تعذل ألذ لا ينفك مكتسبا ... جهلا وإن كان لا يبقي ولا يذر وقوله: شغفت بك ألت تيمتك فمثل ما ... بك ما بها من لوعة وغرام وبعضهم ذهب إلى [أن] ما ذكر من تشديد الياءين وحذفهما مع الكسر أو السكون بابه الشعر وليس كذلك, فإن أئمة اللغة قد نقلوها على أنها لغات, فلا يحمل ما أنشدوه من الأبيات على أنه من باب الاستدلال, وإنما يحمل على التمثيل. «وتخلفهما» أي يائي الذي والتي «في التثنية علامتها» أي علامة التثنية, وهي الألف رفعًا, والياء نصبًا وجرًا, فتقول: اللذان واللتان. وكان القياس عدم الحذف, فيقال اللذيان, كما يقال: الشجيان لكن لما كان الذي والتي مبنيين لم يكن ليائهما حظ في الحركة, فبقيت ساكنة, ثم حذفت

عند التثنية لالتقاء الساكنين, ومقتضى هذا الكلام أنهما معربان, وبعضهم لا يرى ذلك, بل يقول: هي صيغ مرتجلة غير مبنية على الواحد, فاللذان واللتان صيغة للرفع, واللذين واللتين صيغة للنصب والجر. والأول أولى؛ لأن ادعاء أن كل واحدة منها صيغة مستأنفة خلاف الظاهر. «مجوزًا شد نونها» أي نون التثنية مع الألف والياء, ومنع البصريون التشديد مع الياء, والصحيح جوازه, كما ذهب إليه الكوفيون, ويدل عليه قراءة ابن كثير: {ربنا أرنا الذين أضلانا} بالتشديد وجاز تشديد النون إبدالًا من الياء المحذوفة. «وحذفها» أي حذف / النون, وهي لغة بلحارث بن كعب وبعض بني ربيعة لاستطالة الموصول بالصلة كقوله: لبني كليب إن عمي اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا

وكقول الآخر: هما اللتا لو ولدت تميم ... لقيل فخر لهم صميم وقضية كلام المصنف في المتن أن حذف النون لا يختص بالشعر وهو كذلك لما ذكرناه من أنه لغة لبعض العرب, ولكنه في الشرح صرح بأن قوله: (إن عمي اللذا) ضرورة. «وإن عني بالذي من يعلم» نحو: {الذين هم في صلاتهم خاشعون} وهو كثير. «أو شبهة» نحو: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم}. «فجمعه الذين مطلقًا» أي ولو في الرفع. قال المصنف: لما كانت التثنية من خواص الأسماء المتمكنة ولحقت الذي والتي جعل لحاقها لهما معارضًا لشبههما بالحرف, فأعربا [في التثنية, كما جعلت إضافة (أي) معارضة لشبهها بالحرف فأعربت] ولم يعرف أكثر العرب

الذين, وإن كان الجمع من خصائص الأسماء المتمكنة, لأن الذين مخصوص بأولى العلم, والذي عام, فلم يجر على سنن الجموع لفظًا ومعنى. قلت: هذا معارض لمنع المصنف (كون العالمين) جمعًا لعالم فتأمل. «ويغني عنه» أي عن الذين. «الذي في غير تخصيص كثيرًا» يعني أنه إذا كان المراد الجنس لا أفراد منه على الخصوص, فيأتي الذي بصيغة الإفراد كثيرًا موصوفًا به مقدر مفرد اللفظ مجموع المعنى, كقوله تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} أي والجمع أي الفريق الذي جاء بالصدق, فله جهتان بحسب اللفظ والمعنى, فروعي اللفظ فوصف بالمفرد, وروعي المعنى فعاد عليه ضمير الجماعة. وكذا قوله: {كمثل الذي استوقد نارًا} فحمل على اللفظ, أي الجمع ثم قال (بنورهم) فحمل على المعنى, ولو كان في الآية مخففًا من الذين بحذف النون لم يجز إفراد العائد عليه. «و» يغني الذي عن الذين «فيه» أي في التخصيص «للضرورة» كقوله:

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد كذا مثل به المصنف, ولا مانع في هذا أن يكون مفردًا وصف به مقدر مفرد اللفظ مجموع المعنى, أي وإن الجمع الذي أو الجيش الذي. «وربما قيل الذون رفعا» كقوله: نحن الذون صبحوا الصباحا

قال المصنف في الشرح: إعراب الذين في لفة طيء مشهور, يقولون: نصر الذون آمنوا على الذين كفروا. وهي لغة هذيل أيضًا, ونقلها بعضهم عن عقيل. «وقد يقال لذي ولذان ولذين ولتي ولتان ولاتي» بحذف الألف واللام من كل واحدة من هذه الكلمات. قال أبو حيان: ولم يذكر ابن مالك شاهدًا على تخفيف الذي وفروعه إلا قراءة أعرابي حكاها أبو عمرو: {صراط الذين} , فلا ينبغي أن يقاس على الذين بقية الألفاظ. انتهى. وفي كتاب الشواذ لأبي محمد عبد السلام بن فبيلة القمري السلامي

{صراط الذين} قرأ أُبي بن كعب وابن السميفع وأبو رجاء بتخفيف اللام حيث كان: جمعًا أو واحدًا. فقد ثبت بهذا أن ذلك وارد في الإفراد أيضًا, والقاعدة في التثنية أنها تكون بلفظ الواحد فيجيء ذلك في التثنية أيضًا, والقاعدة في التثنية أنها تكون بلفظ الواحد فيجيء ذلك في التثنية أيضًا, وقد يكون سمى التثنية جمعًا بالتسمية اللغوية, ومن البعيد عند كل أحد أن يكونوا قد خففوا الواحد دون المثنى, وربما احتج بقلة المثنى بالنسبة إلى المفرد والجمع لكن هذا كله في المذكر, فينبغي أن تحرر الشواهد في لتي ولاتي «وبمعنى الذين الأولى» على وزن العلا فيكون للعقلاء كقوله: رأيت بني عمي الأولى يخذلونني ... على حدثان الدهر إذ يتقلب

/ الحدث والحادثة والحدثان بمعنى, وقال ابن عصفور يقع على من يعقل وما لا يعقل من المذكرين, وقد يرد للمؤنث, وسيأتي, وقد استعملت بدون ألف ولام كقوله: لأنتم أولى جئتم مع البقل والدبا ... فطار وهذا شخصكم غير طائر «والأولاء» بالمد كقول كثير: أبى الله للشم الأولاء كأنهم ... سيوف أجاد القين يومًا صقالها

«واللاء» بالمد على وزن الراء كقوله: فما آباؤنا بأمن منه ... علينا اللاء قد مهدوا الحجورا «واللائين مطلقًا» على وزن القاضين رفعًا ونصبًا وجرًا, وهذه لغة أكثر هذيل. «أو جرًا ونصبًا واللاءون رفعًا» وهذه لغة لبعض هذيل ومنها قول بعضهم: هم اللاءون فكوا الغل عني ...............

«وجمع التي اللاتي» على وزن القاضي, وشواهده كثيرة «واللائي» نحو: {واللائي يئسن} فيمن قرأ بياء «واللواتي» على وزن الفواعل. «وبلا ياءات» في الكلمات الثلاث كقوله: ... اللات كن مرابعا ومصايفا وقراءة من قرأ: {واللاء يئسن} بغير ياء, قال ابن هشام: ولم أجد شاهدًا على اللوات («واللا» بلا همزة ولا ياء كقوله: وكانت من اللا لا يغيرها ابنها ... إذا ما الغلام الأحمق الأم غيرا «واللوا» بالقصر كقوله:

جمعتها من أينق عكار ... من اللوا شددن بالصرار «واللواء» بالمد «واللاءات» كاللآعات كقوله: أولئك إخواني الذين عرفتهم ... وإخوانك اللاءات زين بالكتم «مكسورًا» دائمًا فيكون مبنيًا «أو معربًا بإعراب أولات» بالضمة رفعًا, والفتحة نصبًا وجرًا, وقد روي (اللاءات) في البيت بالوجهين: بكسر التاء وضمها «والأولى» على وزن العلى, كما تقدم فيكون هذا اللفظ مشتركًا بين جمع الذي وجمع التي, وقد اجتمعا في قول (الشاعر): وتفني الألى يستلئمون على الألى ... تراهن يوم الروع كالحدأ القبل

«وقد يرادف التي واللاتي ذات وذوات» في لغة طيئ, وإنما ذكر هنا ذات بيانًا للأصل [وإلا] فهو في مقام بيان جموع المؤنث, فكان الأصل أن يقول: ذوات. لكن كان ظاهره يقتضي أنها جمع للتي, فذكر مفردها قبلها دفعًا لهذا الوهم, ولك أن تقول: قد ذكر الألى في جمع التي فعلم أنه يريد الجمع اللغوي لا الصناعي. «مضمومتين مطلقًا» أي في جميع الحالات, ومن كلام بعض الطائيين: بالفضل ذو فضلكم الله به, وبالكرامة ذات أكرمكم الله به. يريد (بها) وقد حكى غير المصنف إعرابهما إعراب (ذات) بمعنى صاحبة, و (ذوات) بمعنى صاحبات, وإنما قدم ذكرهما على ذكر ذو؛ لأن الكلام الآن في الموصولات الخاصة. «وبمعنى الذي وفروعه» أي للمؤنث المفرد, والمثنى مذكرًا أو مؤنثًا, والجمع كذلك. «من وما» فيجوز أن يطلق كل منهما على المذكر والمؤنث, ما كان منهما مفردًا أو مثنى أو جموعًا. «وذا غير ملغى» فيطلق على ما ذكرناه

على أي حالة كان من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث, لكن بشرط أن يكون غير ملغى, ويعنون بالإلغاء تركيب ذا مع من أو ما, فيصير المجموع اسمًا واحدًا, ولها - حينئذ - معنيان: أحدهما: أن يكون المجموع اسم استفهام؛ ويدل عليه قولهم: عماذا تسأل؟ بإثبات ألف (ما)؛ لتوسطهما, وقد يتعين كقول جرير: يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم لا يستفقن إلى الديرين تحنانا؟ إذ لا يصح [هنا] أن تجعل (ذا) موصولة, وقد يترجح, وذلك فيما إذا

وقع (الذي) بعد ماذا أو من ذا, كقوله تعالى: {من ذا الذي يقرض / الله قرضًا حسنًا} وكقول الشاعر: فمن ذا الذي يشفي من الحب بعدما ... تشربه بطن الفؤاد وظاهره ويحتمل أن تكون (ذا) موصولة, فيكون فيه جمع بين موصولين فيخرج: إما على أن الثاني مؤكد للأول أو خبر مبتدأ محذوف. والثاني - من المعنيين - أن يكون المجموع اسمًا واحدًا موصولًا أو نكرة موصوفة, وعليه بيت الكتاب:

دعي ماذا علمت سأتقيه ... ولكن بالمغيب خبريني فالجمهور على أن (ماذا) كله مفعول دعي, ثم اختلف: فقال السيرافي وابن خروف: موصول بمعنى الذي. وقال الفارسي: نكرة بمعنى شيء, قال: لأن التركيب ثبت في الأجناس دون الموصولات. وقال بن عصفور: لا يكون (ماذا) مفعولًا لـ (دعي)؛ لأن الاستفهام له الصدر, ولا لـ (علمت)؛ لأنه لم يرد أن يستفهم عن معلومها, ولا لمحذوف يفسره (سأتقيه)؛ لأن (علمت) – حينئذ - لا محل لها, بل (ما) استفهام مبتدأ

و (ذا) موصول خبر و (علمت) صلة, وعلق (دعي) عن العمل بالاستفهام. انتهى. قال ابن هشام: ونقول إذا قدرت (ماذا) بمعنى الذي, أو بمعنى شيء لم يمتنع كونها مفعول (دعي) وقوله: لم يرد أن يستفهم عن معلومها, لازم له إذا جعل (ماذا) مبتدأ وخبرًا, ودعواه تعليق (دعي) مردودة بأنها ليست من أفعال القلوب, فإن قال: إنما أردت أنه قدر الوقف على (دعي) فاستأنف ما بعده رده قول الشاعر: (ولكن) لأنها لابد أن يخالف ما بعدها ما قبلها, والمخالف هنا (دعي) , فالمعنى دعي كذا ولكن افعلي كذا, [وعلى هذا] فلا يصح استئناف ما بعد (دعي) , لأنه لا يقال: من في الدار فإني أكرمه ولكن أخبرني عن كذا. إلى هنا كلامه. قلت: وفيه تسليم لامتناع أن يعمل السابق على (ماذا) [فيها] للاستفهام, وقد صرح بعض المتأخرين بأنها من بين أدوات الاستفهام مخصوصة بجواز عمل ما قبلها فيها, وأن كلام العرب على ذلك, وقد ذكر المصنف هذه المسألة في توضيحه الموضوع للكلام على مشكلات الجامع الصحيح

واستشهد عليها بقول عائشة - رضي الله عنها - في حديث الإفك: (أقول ماذا؟ ) وقول بعض الصحابة: فكان ماذا؟ فراجعه من هناك, لكن هذا على تقدير تسليمه لا يصلح في البيت؛ لأن المعنى ليس عليه. «ولا مشار به» بالجر عطفًا على (ملغى) من قوله: غير ملغى. و (لا) لتوكيد النفي, يعني أنه يشترط في كون ذا موصولًا عدم الإلغاء, وأن لا يكون مشارًا به إلى شيء. «بعد استفهام بما» ولا خلاف فيه. «أو من» وفيه خلاف فمنع بعض النحويين كون (ذا) موصولة بعد (من) الاستفهامية, قال: لأن الأصل في (ذا) أن يكون اسم إشارة, لكن لما دخلت عليها (ما) الاستفهامية - وهي في غاية الإبهام - جردتها عن معنى الإشارة وجذبتها إلى الإبهام, فجعلت موصولة, ولا كذلك (من) لتخصصها بمن يعقل, فليس فيها الإبهام الذي في (ما) وفيه نظر. وأجاز ذلك جماعة استدلالًا بقول الشاعر: وغريبة تأتي الملوك كريمة ... قد قلتها ليقال من ذا قالها؟

والكوفيون يجوزون كون (ذا) وجميع أسماء الإشارة موصولة بعد (ما) الاستفهامية كانت أو لا استدلالًا بقوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون} أي [أنتم] الذين, وبقوله تعالى: {وما تلك بيمينك} أي وما التي؟ وقول الشاعر: عدس, ما لعباد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق

واعتذر البصريون بأن أسماء الإشارة في هذه المواضع باقية على أصلها دفعًا للاشتراك الذي هو خلاف الأصل, وحملوا (تقتلون) / و (بيمينك) و (تحملين) على الحال, وحذف ضمير تحملين العائد على ذي الحال كالحذف من الصفة والخبر. وقيل: (تحملين) و (طليق) خبران. ويرد عليه بأنه ليس المراد [الإخبار] بأنه محمول. وجوز ابن عصفور تعليق (بيمينك) بأعني. ولا ينبغي أن يعول عليه؛ لأن (أعني) متعد بنفسه, لا بالباء, والحال أولى. كما قال البصريون؛ ولكون (ما) خبرًا مقدمًا و (تلك) مبتدأ مؤخرًا, فالحال مثلها في {فتلك بيوتهم خاوية}. «و»؛ بمعنى الذي وفروعه «ذو الطائية»؛ لأن بني طيئ هم الذين يستعملونها كذلك, حكى الأزهري أنها في لغتهم تستعمل بمعنى الذي والتي, وتثنيتهما, وجمعهما, فتقول: رأيت ذو فعل, وذو فعلت, وذو فعلا, وذو فعلتا, وذو فعلوا, وذو فعلن. وما مجيئها بمعنى التي قول شاعرهم:

فإن الماء ماء أبي وجدي ... وبئري ذو حفرت وذو طويت وزعم ابن عصفور أنه ذكر البئر على معنى القليب, قال: وتقول في تثنية ذو الطائية ذوا رفعًا وذوي نصبًا وجرًا, [وفي تثنية] [ذات] [الطائية ذواتا رفعًا وذواتي نصبًا وجرًا] وفي جمعها ذوات, بضم التاء مطلقًا. قال المصنف: أطلق ابن عصفور القول في تثنية ذو وذات وجمعهما, وأظن حامله على ذلك قولهم: ذات وذوات بمعنى التي واللاتي, فأضربت عنه لذلك.

وفي شرح ابن قاسم: قيل بل نقل ذلك الهروي وابن السراج عن العرب. «مبنية» حال: إما من (ذو) إن جعلت فاعلًا بالمقدر الذي أشرنا إليه مثل: في الدار زيد. أو من ضميرها المستكن في الظرف المستقر الذي قدرناه. لكن هذا مشكل, فإن تقييدها بهذه الحالة يقتضي أنها لا تكون بمعنى الذي وفروعه عند إعرابها, وليس كذلك. وأشار بقوله: «غالبًا» إلى أن بعض الطائيين يعربها فيقول: جاءني ذو يقوم, ورأيت ذا يقوم, ومررت بذي يقوم. حكاه ابن درستويه في الإرشاد وابن جني في المحتسب وأنشد: .... فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا

وإنما أعربها هؤلاء تشبيهًا بـ (ذي) بمعنى صاحب بل حكى بعضهم أن هذه منقولة منها؛ لاشتراكهما في التوصل إلى الوصف بهما. «و» بمعنى الذي وفروعه أيضًا «أي» خلافًا لثعلب فإنه زعم أن أيًا لا تكون موصولة أصلًا, وقال: لم يسمع أيهم هو فاضل جاءني, على معنى: الذي هو فاضل جاءني. فإن قصد الاحتجاج بذلك على دعوه لم ينتهض, لأن امتناع موصوليتها هنا قد يكون لمانع, وفي كلام ابن الصائغ ما يشير إليه, فقد قال في حواشيه: لا تستعمل (أي) الموصولة إلا حيث الإبهام, فلا يجوز أيهم قام جاءني, لوقوعها هنا على شخص معين معلوم, [وعلى هذا فيمتنع أيهم قام عمرو؛ لأنها هنا لمعين معلوم] إلا على حكاية أبي الحسن فإنه حكى أن الماضي يعمل فيها قليلًا. فإن قلت: هلا أجزت أيهم قام عمرو, على معنى أيهم ثبت أنه قام فهو عمر, فهو - حينئذ - مبهم عند المتكلم؟ قلت: لو صح ذلك لصح جاءني أيهم قام, على معنى: أيهم ثبت أنه قام فهو الذي جاءني, وهم قد منعوه. انتهى كلامه. «مضافة» بالنصب على الحال - كما مر في (مبنية) «إلى معرفة لفظًا أو نية».

ومن يرى أن تعريف الذي بأل وهو - الأخفش - يرى أن تعريف (من) - مثلًا - بأنها في معنى ما فيه (أل) , وأن تعريف (أي) بالإضافة, فالموصولات عنده على ثلاثة أقسام, كذا نقل عنه, ولو أنه قال في أي كما قال في من وما لاتجه, وقول ابن عصفور: إن (أل) لا تجامع الإضافة لا يرد؛ لأن هذا القائل لا يرى (أل) مقدرة, بل يرى أن الكلمة في معنى ما فيه / (أل). ومن يرى أن الموصولات معرفة بصلاتها, وأن (أل) فيها هي فيها زائدة, يشكل عليه أنه يلزم (أي) اجتماع تعريفين. والجواب: أن أيًا محتاجة إلى ما يعرف جنس من وقعت عليه, وهو المضاف إليه وإلى ما يعرف عينه وهو الصلة, بخلاف بقية الموصولات, فإنها تفتقر إلى الثاني فقط, وحاصله أن الموصولات ليس فيها ما معناه نسبي سوى أي, فهي مفتقرة إلى المضاف إليه ليوضح المعنى الذي وقعت عليه بالنظر إلى جنسه, ومفتقرة إلى الصلة؛ لتوضحه بالنظر إلى شخصه, وهذا من غرائب العربية, أن اسمًا يحتاج إلى معرفين, ولكن من وجهين مختلفين, ومن ثم قال بعض المتأخرين: القياس يقتضي جواز إضافة أي إلى نكرة؛ إذ ليس المراد بالإضافة تعريفها, فإن تعريفها بالصلة, بل بيان الجنس الذي هي بعض منه, وذلك حاصل بالنكرة, وإذ قد امتنعوا من ذلك, فكأنهم أرادوا بالتزام كون المضاف

إليه معرفة إصلاح اللفظ كي لا يضاف ما أريد به التعريف - وهو أي - إلى ما هو نكرة, فيحصل تدافع في الظاهر. «ولا يلزم استقبال عامله» فيجوز قام أيهم أكرمته. «ولا تقديمه» فيجوز أيهم قام ضربت. «خلافًا للكوفيين» في المسألتين, وقد نوزع الكسائي في حلقة يونس في المسألة الأولى, فلم يكن له مستند إلا أن قال: [أي] كذا خلقت. يعني كذا وضعها الواضع, فقال له السائل: استحيت لك يا شيخ. يعني أن هذا أيضًا متنازع فيه. وقد علل له ابن الباذش بأن قال: أي موضوعة على الإبهام, والإبهام لا يتحقق إلا في المستقبل الذي لا يدرى مقطعه ولا مبدؤه بخلاف الماضي والحال فإنهما محصوران, فلما كان الإبهام في المستقبل أكثر منه في غيره استعملت معه أي الموضوعة على الإبهام. قال الرضي: وليس بشيء لاختلاف الإبهامين ولا تعلق لأحدهما بالآخر. وحاول الشيخ جمال الدين بن هشام توجيه قول الكوفيين في الأمرين فقال: كأنهم قصدوا الفرق بينها وبين الشرطية والاستفهامية بإعمال ما قبلها فيها, ولما كان المعنى فيها على [معنى] الشرطية, وليست بها أوجبوا في عاملها - لكونها دليلًا على الجواب - أن يكون مستقبلًا. «وقد يؤنث» أي «بالتاء موافقًا للتي» كقوله: إذا اشتبه الرشد في الحادثا ... ت فارض بأيتها قد قدر وحكى ابن كيسان أن أهل هذه اللغة يثنون أيًا ويجمعونها, فيقولون:

- مثلًا - أياهما أخواك, وأيوهم إخوتك. لكن في كلام المصنف مناقشة وذلك أنه سيذكر بقية أقسام أي, ولا يذكر أنها تؤنث فأوهم خلاف الواقع. فإنه قد سمع تأنيث المستفهم بها, قال الكميت: بأي كتاب أم بأية سنة ... ترى حبهم عارًا علي وتحسب وقال الآخر: فإنك لا تدري بأية بلدة ... تموت ولا ما يحدث الله في غد

وفي تفسير البغوي: أن أبيًا قرأ: {بأية أرض تموت} ويحسن تأنيث (أي) في الشرط والاستفهام حذف ما يضاف إليه كقوله: .......................... ... وخلفوك اشتياقًا أية سلكوا بمعنى أي طريق, قال السخاوي: إنما يجوز تذكير أي وتأنيثها مضافة [إلى المؤنث, عند ذكر ما تضاف إليه, فإن حذفته فالتأنيث لازم كقوله:

( ...... أية سلكوا) معناه] أية جهة؛ فإذا قيل: أيًا سلكوا, فالمقدر مذكر لا مؤنث والمعتمد ما قدمناه. «وبمعنى الذي وفروعه الألف واللام» وفي أوائل الكشاف عند تفسير: {كمثل الذي استوقد نارًا}: إن (أل) في الصفات بعض (الذي) , وإنما لكثرة الاستعمال متوصلًا به إلى وصف المعارف بالجمل - نهكوه بالحذف, فحذفوا تارة الياء وحدها, وتارة الياء / والكسرة, وتارة اقتصروا على (أل). قال الرضي: والأولى أن نقول اللام الموصولة غير لام الذي؛ لأن لام الذي زائدة بخلاف اللام الموصولة. انتهى. وظاهر كلام الزمخشري, بل صريحه في المفصل أن اللام في الذي حرف تعريف, وأن اللام التي تعد من الموصولات هي تلك اللام التي كانت في الذي, إلا أنها تعد اسمًا لا حرفًا, لأنها بمنزلة الذي, لكونها تخفيفًا [له].

قلت: دعوى لا دليل عليها, وفيها ما رأيت من جعل الاسم عين الحرف وهو باطل. قال في الصحاح: الذي أصله لذي فأدخلت عليه الألف واللام, ولا يجوز أن ينزعا عنه لتنكير. وكثير من المحققين على أن الذي بكماله اسم موضوع, وبه يشعر ظاهر قول الزمخشري: الذي وضُع وصلة إلى وصف المعارف بالجمل. وبعضهم على أن الموصول لذي واللام مزيدة لتحسين اللفظ, حتى لا يكون الموصوف به كمعرفة توصف بالنكرة, وجعلت لازمة؛ لأنها لو أدخلت تارة ونزعت [تارة] أخرى لأوهم أنها للتعريف, وأنت خبير بأن المصنف حكى نزعها فيما مر, ثم الجمهور على أن اللام التي هي من الموصولات ليست منقوصة من الذي, بل اسم موضوع برأسه. وهو ظاهر كلام المصنف. «خلافًا للمازني ومن وافقه في حرفيتها» لكن المازني يقول: هي موصول حرفي. والأخفش يقول: إنها حرف تعريف. قال الرضي: وهذا الخلاف إذا لم تكن اللام للعهد, أما إذا كانت له كما في قولك: جاءني ضارب, فأكرمت الضارب, فلا كلام في حرفيتها, واستدل لمذهب الجمهور برجوع الضمير إليها في السعة نحو: المبرور به زيد, وقول المازني: يرجع إلى الموصوف المقدر مردود بأن لحذف الموصوف مظان

لا يحذف في غيرها, إلا ضرورة, وليس هذا منها كما ستعرفه في باب النعت إن شاء الله تعالى, وبأنه لو جاز مع تعريف الموصوف لجاز مع تنكيره بل أولى, لأن حذف المنكر أكثر, ثم لو كانت موصولًا حرفيًا لأولت مع ما بعدها بمصدر عملًا بالاستقراء واللازم باطل, ولو كانت حرف تعريف لامتنع دخولها على الفعل, وقد دخلت نحو: (الترضى) و (اليجدع) كما يأتي, ولقدح لحاقها في إعمال اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال, لوجود المبعد له عن مشابهة الفعل, واللازم منتف. واستدل المازني ومن وافقه على حرفيتها بأن العامل يتخطاها نحو: مررت بالضارب, فالمجرور (ضارب) ولا موضع لـ (أل) ولو كانت اسمًا لكان لها موضع من الإعراب. وأجيب بأنه خولف مقتضى الدليل في هذا الاسم؛ لكونه على صورة الحرف, فنقل إعرابه إلى صلته عارية, كما في [إلا] الكائنة بمعنى (غير) كما تقرر في باب الاستثناء, كذا قاله الرضي. وقال المصنف: مقتضى الدليل أن يظهر إعراب الموصول في آخر الصلة؛ لأن نسبتها منه نسبة عجز المركب, لكن منع من ذلك كون الصلة جملة

[والجملة] لا تتأثر بالعوامل, فلما كانت صلة الألف واللام مفردًا جيء بالإعراب فيه على مقتضى الدليل, لعدم المانع. كذا قال, وفيه نظر, لأن حق الإعراب أن يدور على الموصول لأنه المقصود, وإنما جيء بالصلة لتوضحه, والدليل عليه ظهور [كل] الإعراب في أي الموصولة نحو: جاءني أيهم ضربته, وكذا في اللذان واللتان فيمن قال بإعرابهما واللذون على لغة. «وتوصل» الألف واللام «بصفة» فشمل اسم الفاعل واسم المفعول. قال المصنف: والصفة المشبهة. وقد صرح جماعة بأن الصفة المشبهة لا تكون صلة الألف واللام. قال ابن هشام: لأنها للثبوت / فلا تؤول بالفعل؛ ولهذا كانت الداخلة على [اسم] التفضيل ليست موصولة باتفاق. وقال الرضي: إنما لم توصل اللام بالصفة المشبهة مع تضمنها للحكم, لنقصان مشابهتها للفعل, ولذا لم توصل بالمصدر, لأنه لا يقدر بالفعل إلا مع ضميمة (أن) وهو معها بتقدير المفرد, والصلة لا تكون إلاجملة. وقال ابن الحاجب ما معناه, إنما التزم في صلة الألف واللام واللام أن تكون اسم فاعل أو اسم مفعول فقط؛ لأنهم لما رأوها موافقة للألف واللام الحرفية [في] نحو الرجل لفظًا ومعنى: أما لفظًا فواضح, وأما معنى فلأنها للتعريف مثل اللام الحرفية.

قلت: فيه نظر؛ لأن [أل] الحرفية معرفة لما دخلت عليها من الاسم, و (أل) الاسمية موصولة معرفة بصلتها الداخلة هي عليها باعتبار ما فيها من العهد كما هو الصحيح في تعريف الموصول على ما مر, فأين إحداهما من الأخرى بحسب المعنى! ! ثم قال: فلما وافقتها قصدوا أن لا تدخل إلا على المفرد [كما لا تدخل تلك إلا على المفرد] للمشابهة المذكورة, وخصوصًا بالجملة الفعلية ليسبكوا من الفعل اسم فاعل أو مفعول بحسب ما يقتضيه معنى الفعل, فإن كان الفعل مبنيًا للفاعل نحو: الذي ضرب أو يضرب - بصيغة المبني للفاعل - قلت: الضارب؛ لأن معنى المبني للفاعل يقتضي اسم الفاعل, وإن كان الفعل مبنيًا للمفعول نحو: الذي ضرب أو يضرب -[بصيغة المبني للمفعول]- قلت: المضروب؛ لأن معنى الفعل المبني للمفعول يقتضي اسم المفعول, ولم يدخلوها على الجملة الاسمية؛ لتعذر أن يسبك منها مفرد يصح دخول الألف واللام عليه. ويمكن أن يرد هذا بطريق السؤال والجواب كما وقع [له] في شرح المفصل. فيقال: قولهم صلة الموصول يجب أن تكون جملة, منقوض باسم الفاعل والمفعول في مثل: الضارب والمضروب, فإنه صلة وليس بجملة. ويجاب بأن اسم الفاعل والمفعول في ما ذكر في معنى الجملة, وإنما وقع مفردًا لإرادة المشاكلة بين (أل) الموصولة و (أل) المعرفة [في مثل الرجل] فسبكوا من الجملة اسم فاعل أو مفعول ليوفروا على الألف واللام ما يقتضيه من المفرد والمعنى على ما كان عليه, فكان فيه وفاء بالغرضين. واحترز المصنف بقوله: «محضة» عما يوصف به وليس بمشتق كأسد,

وعن الصفة التي غلبت عليها الاسمية كأبطح وأجرع وصاحب وراكب, فـ (أل) في ذلك كله معرفة لا موصولة. «وقد توصل» الألف واللام «بمضارع اختيارًا» كقوله: ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل فوصلها بترضى وهو فعل مضارع وكقوله: يقول الخنا وأبغض العجم ناطقًا ... إلى ربنا صوت الحمار اليجدع

قال المصنف في الشرح: وعندي أن هذا غير مخصوص بالشعر؛ لتمكن قائل الأول من أن يقول: ما أنت بالحكم المرضي حكومته. ولتمكن قائل الثاني من أن يقول: إلى ربنا صوت الحمار يجدع. وأنشد أبياتًا أخر, ادعى فيها كلها عدم الاضطرار بهذه الطريقة. وحاصلها أن الضرورة [عنده] عبارة عما ليس للشاعر عنه مندوحة, وهذا ليس بمرضي؛ لأن الشاعر لا يلزمه تخيل جميع العبارات التي يمكن أداء المقصود بها, فقد لا يحضره في وقت النظم إلا عبارة واحدة تحصل غرضه فيكتفي بها, ولو فتح هذا الباب لاتسع الخرق وأمكننا في كل ما يدعى أنه ضرورة أن يدعى أنه أمر اختياري, لتمكن الشاعر من أن يقول غير تلك العبارة, ويعين تركيبًا آخر يتم الوزن به, وهذا سهل على من له محاولة لنظم / الشعر ولا يكاد يعوزه ذلك في جميع الأشعار أو غالبها, لإهذه طريقة كما تراها, والمعول عليه عندهم في تفسير الضرورة, أنه ما لا يوجد إلا في الشعر, كان للشاعر عنه مندوحة أو لم تكن.

[قلت]: وقد ظهر لي هنا شيء [آخر] وهو [استدراك على النحاة وذلك] أنهم أجمعوا على أن جملة الصلة لا محل لها من الإعراب, وهذا على إطلاقه غير صحيح, بل ينبغي التفصيل بين صلة (أل) وصلة غيرها: فالصلة في الثاني لا محل لها قطعًا؛ ضرورة أنه لا يصح حلول المفرد محلها. وأما صلة (أل) حيث توصل بالفعلية ذات [الفعل] المضارع: إما اختيارًا - كما يقول ابن مالك - أو اضطرارًا - كما يقول غيره - وحيث توصل بجملة غير المتقدمة على وجه الضرورة بالإجماع, فينبغي أن يكون لها محل من الإعراب, ويكون محلها بحسب ما يقتضيه العامل في المفرد الذي يصح حلوله محلها: من رفع ونصب وجر, فيحكم بأنها في محل رفع [في مثل] قوله: لا تبعثن الحرب إني لك الينـ ... ذر من نيرانها فاتق وفي محل نصب مثل: [حالف ووال اليتقي ربه ... وخالف اليعصيه ولا ترعه وفي مثل] قولك: لا أحب اليروح للهو.

وفي محل جر في مثل قوله: ما أنت بالحكم الترضى حكومته .......................... وهذا من الغرائب, أن تكون جملة يثبت لها بحسب محلها أنواع إعراب الاسم, لا بطريق التبعية في الأنواع الثلاثة, ولا في شيء منها, ويمكن أن يحاجى به, وقد يعتذر عن تركهم ذلك بأن هذا لا يستعمل إلا في الضرورة [أو فيها] وفي قليل من الكلام, وفيه ما لا يخفى. «ومبتدأ وخبر» عطف على مضارع, أي وقد توصل بمبتدأ وخبر. «أو ظرف اضطرارًا» فالأول كقوله: من القوم الرسول الله منهم ... لهم دانت رقاب بني معد

والثاني كقوله: من لا يزال شاكرًا على المعه ... فهو حر بعيشة ذات سعة «ويجوز حذف عائد غير الألف واللام إن كان» ضميرًا «متصلًا» فلو كان منفصلًا نحو: جاء الذي إياه أكرمت, أو ما أكرمت إلا إياه, امتنع حذفه. «منصوبًا بفعل» نحو: {أهذا الذي بعث الله رسولًا}. «أو وصف» كقوله: ما الله موليك فضل فاحمدنه به ... فما لدى غيره نفع ولا ضرر أي موليكه, فلو نصب بغير فعل, أو وصف نحو: جاء الذي كأنه قمر, امتنع حذفه. فإن قلت: قد نصوا في قوله تعالى: {أين شركائي الذين [كنتم] تزعمون} أنه يجوز أن يكون التقدير: تزعمونهم شركاء, وهذا لا إشكال فيه, وأن يكون التقدير: تزعمون أنهم شركاء, وعلى هذا فقد صح حذف العائد المنصوب بغير فعل ولا وصف؟ قلت: إنما الذي اعتمد بالحذف المعمول المشتمل على الضمير, ولم يعتمد

الضمير بالحذف, ورب شيء يجوز تبعًا لغيره ولا يجوز مستقلًا, مثاله: حذف الفاعل في نحو: زيدًا ضربته, تبعًا للفعل, وحذف الفاء في نحو: {فأما الذين استودت وجوههم أكفرتم}. وزاد بعضهم لجواز حذف العائد المنصوب شروطًا أخر: أحدها: أن يكون غير متبع, فنحو: جاء الذي ضربته نفسه أو وزيدًا لا يجوز فيه الحذف, هذا قول أبي بكر [بن السراج] وأكثر أصحابه, وأجازهما على الحذف الأخفش والكسائي, [واتفقوا على جواز الحال من المحذوف نحو: جاء الذي ضربت مكتوفًا. الثاني: أن يكون متعينًا] للربط, وإلا لم يجز الحذف نحو: جاء الذي ضربته في داره, ذكره ابن عصفور وغيره. الثالث: أن يكون الفعل الناصب تامًا لا ناقصًا نحو: جاء الذي كنته. «أو» كان. «مجرورًا بإضافة صفة ناصبة له تقديرًا» نحو: جاء الذي أنا مكرمه الآن أو غدًا, ومنه قوله تعالى: {فاقض ما أنت قاضٍ} وقال طرفة بن العبد: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود

ودعوى ابن عصفور أن حذفه ضعيف جدًا مردودة بوروده في القرآن العزيز, فلو كان المضاف غير صفة نحو: جاء الذي وجهه حسن أو صفة غير عاملة نحو: جاء الذي أنا ضاربه أمس لم يجز حذف العائد حينئذ. «أو» كان مجرورًا «بحرف جر بمثله معنى ومتعلقًا الموصول أو موصوف به» أي بالموصول مثال الأول: قوله تعالى: {ويشرب مما تشربون} أي منه, فالعائد المجرور قد جر يمن, وقد جر الموصول [الذي] هو (ما) بمثلها معنى ومتعلقًا: أما معنى فلأن كلا منهما لابتداء الغاية, وأما متعلقًا فلأن العامل الذي تعلقت به (من) الأولى (يشرب) , والذي تعلقت به (من) الثانية (تشربون) , وتماثلهما واضح. وتشمل المماثلة في المتعلق أن يكون أحد المتعلقين فعلًا والآخر وصفًا كقول حاتم:

وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة ... قبح لان منها بالذي أنت بائح أي به. ومثال الثاني: وهو أن يكون العائد مجرورًا بحرف, والموصوف بالموصول مجرورًا بمثل ذلك الحرف معنى ومتعلقًا - قولك: مررت بالرجل الذي مررت, [أي به, فلو جر العائد بحرف, والموصول ليس مجرورًا, نحو: جاء الذي مررت] به, امتنع الحذف إلا في الندور كقوله: ومن حسد يجور عليّ قومي ... وأي الدهر ذو لم يحسدوني أي فيه, ولو جر الموصول بحرف لا يماثل [الحرف] الجار للعائد امتنع [الحذف] أيضًا, إلا للضرورة كقوله:

فأصبح من أسماء قيس كقابض ... على الماء لا يدري بما هو قابض أي عليه. قال ابن القاسم: وإن تماثلا معنى واختلفا لفظًا لم يحذف نحو: حللت في الذي حللت به, إذ لو حذف لتبادر أنه فيه. قلت: فيرد هذا على المصنف؛ إذ لم يشترط المثلية في اللفظ. [قال: ] وإن تماثلا لفظًا ومعنى, واختلفا متعلقًا لم يجز الحذف نحو: مررت بالذي مررت به. قال: وترك المصنف موضعين يجوز فيهما الحذف: أحدهما: أن ينجر العائد بحرف جر بمثله عائد على الموصول بعد الصلة كقوله: ولون ما عالجت لين فؤادها ... فقسا استلين به للان الجندل

أي عالجت به, ذكره المصنف في الكافية, وذكر غيره أن الحذف في هذا البيت ونحوه ضرورة. الثاني: أن يدخل [الحرف] على المضاف إلى الموصول نحو: مررت بغلام الذي مررت. [قال]: وأهمل ثلاثة شروط: الأول: أن لا يكون المجرور في موضع ما لم يسم فاعله نحو: مررت بالذي مر. قلت: لا حاجة بالمصنف إلى ذكر هذا, فإنه قد ذكر في باب الفاعل أنه لا يحذف الفاعل وحده, ونائبه مثله.

قال: الثاني: أن لا يكون ثم ضمير آخر يصلح للعود نحو: مررت بالذي مررت به في داره. قلت: وهذا أيضًا مستغنى عنه, ضرورة أنه قد علم أنه لابد للمحذوف من قرينة تدل عليه, وفي هذه الصورة لا يقوم على المحذوف قرينة, فلا يجوز حذفه, عملًا بهذه القاعدة [العامة] المعلومة. قال: الثالث: أن لا يكون محصورًا نحو: مررت بالذي ما مررت إلا به, أو إنما مررت به. قلت: وهذا أيضًا من الطراز الأول, فقد صرح المصنف في باب تعدي الفعل ولزومه أن المفعول المحصور لا يجوز حذفه, فإذن هذه كلها أمور قد علمت في أبوابها, فلا حاجة إلى التنبيه عليها, ولا يكون تركه إعراضًا. «وقد يحذف منصوب صلة الألف واللام» كقوله: ما المستفز الهوى محمود عاقبة ... وإن أتيح له صفو بلا كدر أي ما الذي يستفزه الهوى, والجمهور على منع الحذف في مثل ذلك.

«و» قد يحذف أيضًا العائد «المجرور بحرف, وإن لم يكمل شرط الحذف» كقوله: ومن حسد يجور علي قومي ... وأي الدهر ذو لم يحسدوني وقد تقدم إنشاده. فإن قلت: الواو من قوله: (وإن لم يكمل شطر الحذف) هو كالواو في مثل: (أعطوا السائل وإن جاء على فرس) وبعضهم يجعلها للعطف على مقدر [وهو ضد المذكور, أي إن لم يجئ على فرس وإن جاء على فرس] , واعتبار ذلك في كلام المصنف يفسد المعنى؛ لأنك إذا قدرت إن كمل شرط الحذف, وإن لم يكمل. لزم أن يكون الحذف عند توفر شرائط الحذف قليلًا؛ وذلك لأن قوله: (المجرور بحرف) معطوف على المرفوع بـ (يحذف) الذي دخل عليه حرف التقليل.

قلت: الزمخشري يرى أن الواو في مثله واو الحال لا واو العطف, وعليه فلا إشكال, وسيأتي في ذلك كلام في باب الحال إن شاء الله تعالى. «ولا يحذف» العائد «المرفوع إلا مبتدأ» فخرج: ضربًا وضربًا وكانا فاضلين وخبر المبتدأ وإن ونحو ذلك. «ليس خبره جملة» اسمية ولا فعلية. «ولا ظرفًا» أو شبه ظرف أعني الجار والمجرور, فإن كان خبره شيئًا من ذلك لم يحذف نحو: {الذين هم يراؤون}. ونحو: الذي هو غلامه منطلق, ونحو: الذي هو عندك, والذي هو في الدار؛ لأنه لو حذف لم يدر أحذف شيء أم لا؟ لأن الباقي صالح لأن يكون صلة تامة. «بلا شرط آخر عند الكوفيين» فيجوز عندهم جاء الذي قائم. «وعند البصريين بشرط الاستطالة في صلة غير أي» نحو: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} , ومثله قول بعض العرب: ما أنا بالذي قائل لك سوءًا. «غالبًا» إشارة إلى قراءة بعضهم: {تمامًا على الذي أحسن}. «وبلا شرط في صلتها» أي صلة أي كقوله: إذا ما لقيت بني مالك ... فسلم على أيهم أفضل

«وهي» يعني أيًا «حينئذ» أي حين إذ حذف المبتدأ الذي هو صدر صلتها. «[باقية] على موصوليتها مبنية على الضم» تشبيهًا بقبل وبعد, لأنه حذف منه بعض ما يوضحه ويبينه من الصلة لأنها المبينة للموصول, كما حذف من قبل وبعد المضاف إليه المبين للمضاف, نحو: {لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا}. وأشار بقوله: «غالبًا» إلى أن بعض العرب يعربها مع ذلك ولا بينهما كقراءة طلحة ومعاذ: (أيهم [أشد]) بالنصب. «خلافًا للخليل ويونس» فإنهما يقولان: ليست حينئذ موصولة, وإنما هي استفهامية معربة, ثم اختلفا في تخريج الآية بالنسبة إلى مفعول (ننزع): فقال الخليل: محذوف, والتقدير لننزعن الفريق الذي يقال فيهم [أيهم] أشد؟ وبرده أنه لا يجوز أن يقال: لأضربن الفاسق, بالرفع بتقدير: الذي يقال فيه الفاسق.

وقال يونس: الجملة, وعلق (ننزع) عن العمل لأجل الاستفهام. ويرده أن التعليق مختص بأفعال القلوب, و (ننزع) ليس منها, ويبطل مذهبهما جميعًا قوله: ........ فسلم على أيهم أفضل على رواية من رواه بضم (أي) , لأن حرف الجر لا يعلق, ولا يجوز حذف المجرور ودخول الجار على معمول صلته. «وإن حذف ما تضاف إليه أعربت مطلقًا» سواء حذف صدر صلتها, أو لم يحذف, نحو: اضرب أيًا هو قائم, واضرب أيًا قائم. قال الزجاج: ما تبين لي أن سيبويه غلط إلا في موضعين هذا أحدهما, فإنه يسلم أنها تعرب إذا أفردت, فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت! ! وقد حكي أن سيبويه قال معتذرًا عن ذلك: لما بعدت / عن حال أخواتها بحذف أحد جزءي الابتداء, كان ذلك مخالفًا لأخواتها, فغيروها تغييرًا ثانيًا؛ لأن التغيير يأنس بالتغيير. وقال الرضي: إذا حذف صدر صلتها بنيت كأخواتها الموصولة, وذلك أن شيئًا إذا فارق أخواته لعارض فهو شديد النزوع إليها, فبأدنى سبب يرجع إليها. ولا يخفاك ضعف هذين الاعتذارين. «وإن أنثت» أي الموصولة.

«بالتاء حينئذ» أي حين إذ حذف ما تضاف إليه, فقيل أية. «لم تمنع الصرف, خلافًا لأبي عمرو» فخص الحكم بالموصولة ويأبى عمرو. وفي حواشي الإسفراييني على كتابه اللباب: إذا قلت: أية صاحبتك؟ فقال أبو عثمان: أية نكرة كمن وما في الاستفهام, قال: ولهذا صرفت. وقال الأخفش: هي معرفة, وإنما تؤنث؛ لأن التنوين في وسط الكلمة, كما إذا سميت بـ (خير منك) , وكان غيره لا يصرفها؛ لأنها معرفة مؤنثة, وكذا حكاه ابن السراج. وأقول: إن كان لم يتقدم ذكر شيء فهي نكرة؛ إذ التقدير أية صاحبة صاحبتك؟ وإن تقدم ذكر نسوة فهي معرفة, إذ التقدير أيتهن صاحبتك؟ ولكنها مع تعريفها مصروفة, لأن الإضافة منوية, وهي معارضة لمنع الصرف؛ ولعروض التأنيث, وأما الذي يمنع الصرف فإنه رأى أن الصيغة وضعت للمؤنث, ورأى أنها معرفة ولم ينظر لتقدير الإضافة. انتهى ملخصًا «ويجوز الحضور أو الغيبة في ضمير» الموصول «المخبر به أو بموصوفه» أي بموصوف الموصول المخبر به «عن حاضر» متكلمًا [كان] أو مخاطبًا «مقدم» مثل: أنا الذي فعل أو فعلت. [وأنت الذي

فعل أو فعلت] اعتبارًا بحال الموصول وحال المخبر عنه. [لأن المخبر عنه] والمخبر به شيء واحد, واعتبار حال الخبر أكثر وأقيس, كقول الفرزدق: وأنت الذي أمست نزار تعده ... لدفع الأعادي والأمور الشدائد ومن اعتبار المخبر عنه قول الفرزدق أيضًا: وأنت الذي تلوي الجنود رؤوسها ... إليك وللأيتام أنت طعامها

وبعضهم يخص هذا الحكم بالذي والتي وتثنيتها وجمعهما, ولا يجوز في غيرها إلا الغيبة, وظاهر كلام المصنف التعميم. واحترز بقوله: (مقدم) من أن يكون المخبر عنه مؤخرًا نحو: الذي قام أنا أو أنت, فيتعين الغيبة, وهو مذهب الفراء, ومقتضى أصول البصريين. قال ابن قاسم: وهو الصحيح؛ لأنهم يمنعون الحمل على المعنى قبل تمام الكلام. وأجاز الكسائي ذلك مع التأخير. «ما لم يقصد تشبيهه» أي تشبيه المخبر عنه «بالمخبر به, فيتعين الغيبة» نحو: أنا في الشجاعة الذي قتل مرحبًا تريد عليًا كرم الله وجهه, وكذا في المخاطب نحو: أنت الذي قتل مرحبًا, وذلك لأن المعنى على حذف مثل, ولو صرح بها تعينت الغيبة. «ودون التشبيه يجوز الأمران» الحضور والغيبة «إن وجد ضميران» نحو: أنا الذي قام وأكرمت زيدًا, وأنت الذي قام وأكرمته, وتعكس فتقول: أنا الذي قمت وأكرم, وأنت الذي قمت وأكرم, والأحسن البداية بالحمل على اللفظ كقول بعض الأنصار: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا

ومن العكس قوله: لأنت الهلالي الذي كنت مرة ... سمعنا به والأرحبي المعلق والكوفيون يمنعون الجمع بين الأمرين حيث لا فاصل قال ابن قاسم: والسماع يشهد لهم. «ويغني عن الجملة الموصول بها ظرف» نحو: الذي عندك زيد. «أو جار ومجرور» نحو: الذي في الدار عمرو. «منوي معه / استقر» (وتقدير الفعل هنا مجمع عليه. «أو شبهه» أي شبه استقر) نحو: ثبت وحصل, وهذا الكلام يوهم أن هذا المنوي غير الجملة التي قال أولًا: ويغني عن الجملة. وقد يقال: إن مراده بالجملة الموصول بها الجملة الملفوظ بها, وهي التي عناها في صدر الباب بقوله: وجملة صريحة, فهذه المقدرة مغنية عن الملفوظ بها. «وفاعل هو العائد» كما مثلنا, فإن الفاعل في قولنا: الذي عندك أو في الدار ضمير عائد على الموصول «أو ملابس له» (نحو: الذي عندك أخوه زيد) , فالفاعل هنا ليس بعائد, لكنه ملابس للعائد. وفي كلامه إشكال, فإن إن كان (فاعل) عطفًا على (ظرف) , فالذي استغني عنه فعل لا جملة, وإن كان عطفًا على (استقر) فالملابس للعائد أو الجار والمجرور. «بذي حدث خاص» نحو: جلس, ونام. «ما لم يعمل مثله» أي مثل ذلك الحدث الخاص. «في الموصول» نحو: نزلنا الذي البارحة, أي نزلنا المنزل الذي نزلنا البارحة «أو» في «موصوف به» أي بالموصول نحو: نزلنا المنزل الذي

البارحة, ولعل هذا [إنما] هو عند قيام الدليل على الحدث الخاص, وإلا فلو قام لم يمتنع التركيب, كأن يقال: اعتكف زيد في الجامع, وعمرو في المسجد, فتقول: بل زيد الذي في المسجد وعمرو الذي في الجامع. «وقد يغني عن عائد الجملة ظاهر» أي عائد الموصول الذي يعود من الجملة, فأضاف العائد إليها لهذه الملابسة. وذلك كقولهم: - فيما حكاه الكسائي: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري والحجاج الذي رأيت ابن يوسف. فإن قلت: هذا تكرير لقوله - أول الباب - (أو خلفه) فإن المراد بخلف العائد هو الاسم الظاهر. قلت: ليس كذلك, فإن المفاد هنا قلة وجود الخلف, وهذا ليس بمستفاد هناك.

«فصل»: يذكر فيه أحكام (من وما) موصولتين كانتا أو غير موصولتين.

«فصل»: يذكر فيه أحكام (من وما) موصولتين كانتا أو غير موصولتين. «من وما في اللفظ» أي بسبب اعتبار اللفظ, فـ (في) سببية مثل: (دخلت امرأة النار في هرة) «مفردان مذكران, فإن عني بهما» أي بمن وما, والمراد بكل واحد منهما «غير ذلك» المذكور الذي هو المفرد المذكر, بأن يعنى مثنى أو جمع أو مؤنث. «فمراعاة اللفظ» وهو الإفراد والتذكير. «فيما اتصل بهما» أي جاء بعدهما من ضمير سابق بالعود إلى الموصول سواء كان بينهما فاصل نحو: {ومنهم من يؤمن به} أو لم يكن نحو: {أمن هو قانت} ولو أريد بالمتصل الضمير الذي إلى جانب الموصول من غير فاصل, لم يشمل سوى نحو: {أمن هو قانت}. «و» فيما اتصل. «بما أشبههما» مما لفظه مفرد مذكر, وقد يعنى به غير ذلك. قال المصنف: وأشرت بذلك إلى نحو: (كم) و (كأين).

وفي شرح ابن قاسم: أن المصنف خص (كم) و (كأين) ولا خصوصية, بل كل لفظ له لفظ ومعنى: كـ (من) و (ما) و (أي) و (أل) , وأن المصنف لولا تفسيره بـ (كم) و (كأين) لصح أن يفسر ببقية الموصولات التي لها لفظ ومعنى. فأما اعتراضه بأن المصنف خص (كم) و (كأين) ولا خصوصية فمردود بأن المصنف لم يذكر (كم) و (كأين) إلا لضرب من التمثيل لا للحصر, ومثل بما يخفى, وليعلم أن ذلك لا يختص بالباب, ثم قوله: أشرت إلى نحو: (كم) و (كأين). ظاهر في أن الحكم المذكور غير مختص بهما. وأما ذكره لـ (أل) فغلط, وذلك لازم للمصنف أيضًا, فإنه أطلق. «أولى» من مراعاة المعنى؛ لأنه الأكثر في كلام العرب نحو: {ومنهم من يستمع إليك} {ومنهم من يؤمن به} {ومنهم من ينظر إليك} {أفمن أتبع رضوان الله}. ومن مراعاة المعنى قوله تعالى: {ومنهم من يستمعون إليك} وقال الفرزدق: تعش فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

وقال امرؤ القيس: فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل «ما لم يعضد المعنى سابق» على الضمير (العائد) سواء سبق على الموصول كقوله:

وإن من النسوان من هي روضة ................... أو لا كقوله تعالى: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحًا} فيمن أنث (تعمل). «فتختار مراعاته» أي مراعاة المعنى على مراعاة اللفظ, لما حصل من الاعتضاد الذي قوى جانب المعنى, ولكنه لم ينشأ عن ترك مراعاته محذور, فلم ينته إلى رتبة الوجوب, فجازت رعاية اللفظ أيضًا. «أو يلزم» بالجزم عطفًا على المجزوم من قوله: ما لم يعضد المعنى والمراد: أو لم يلزم. «بمراعاة» اللفظ ليس أو قبح, فتجب مراعاة المعنى»:

أما صورة اللبس فنحو: أعط من سألك, لا من سألتك. بإلحاق علامة التأنيث للفعل الثاني؛ إذ لو لم تلحقها - مع إرادتك للمؤنث - حصل الإلباس. وأما القبح فمثل: من هي حمراء أمتك, فإنك لو راعيت اللفظ فقلت: من هو [أحمر أمتك, أو من هو] حمراء أمتك, لكان في غاية القبح, فتجب رعاية المعنى. «مطلقًا» سواء كانت الصفة مما يفرق بين مؤنثها ومذكرها بتاء التأنيث كمسحنة, أو لا كحمراء. «خلافًا لابن السراج في نحو: من هي محسنة أمك» فإنه لا يوجب رعاية المعنى, بل يجوز رعاية اللفظ والمعنى, فتقول على مذهبه: من هي محسنة أمك, ومن هو محسن أمك, وشبهته أن (محسنًا) شبيه بمرضع ونحوه من الصفات الجارية على الإناث بلفظ خال من علامة, بخلاف أحمر, فإن إجراءه على المؤنث لم يقع. قال ابن هشام: والمصنف لما يمثل بحمراء يقول: أمتك, وبمحسن أو محسنة يقول أمك, فلينظر في وجه ذلك. قلت: الأمر فيه سهيل, وكأن الحامل [له] على ذلك ذكر الأم بأحسن

صفاتها, من حيث هي أم مع رعاية الأدب في عدم مواجهة المخاطب يذكر ما يرجع إلى صفة جمال تتعلق بأمه, وأما الأمة فذكرها بما تمدح به من حيث هي أمة, وهو ما يرجع إلى حسن لونها, وليس في ذكرها بذلك إخلال بالأدب, والأمر في ذلك قريب. «فإن حذف هي» وقيل: من محسن أمك. «سهل التذكير» .. قال المصنف: أجاز ابن السراج (من هي محسن أمك, ومن محسن, فأما من محسن فقريب, وأما) من هي محسن ففيه من القبح قريب مما في (من هي أحمر) فوجب اجتنابهما. وقد تلخص من كلام المصنف ثلاثة مسائل: إحداها من هي حمراء أمتك, وضابطها أن تخبر عن الموصول بمبتدأ مغاير للفظه, وتكون الصلة مبتدأ وخبرًا, وذلك الخبر لا يوافق خبر الموصول, إذا روعي لفظ الموصول, ولا يشبه ما يوافقه, فهذه يجب فيها مراعاة المعنى في جزأي الصلة جميعًا فيقال: من هي حمراء أمتك. وتمتنع مراعاة اللفظ فيهما معًا, فلا يقال: من هو أحمر أمتك, وفي الأول دون الثاني, فلا يقال: من هو حمراء أمتك, وعكسه, فلا يقال: من هي أحمر أمتك, كما أن مسألة الإلباس يتعين فيها رعي المعنى, ويمتنع رعي اللفظ, والعلة في المنع هنا القبح, وذلك في الثانية والثالثة من وجهين: تخالف الخبر والمخبر عنه في

الصلة, وتخالفهما في الموصول وخبره؛ لأن الصلة والموصول كشيء واحد, فكأنك حينئذ أخبرت عن موصول مؤنث بمذكر أو بالعكس وعلته في الأولى القبح من الوجه الثاني فقط. المسألة الثانية: من هي محسنة أمك, وضابطهما كالتي قبلها, إلا أن الخبر هنا الواقع في الصلة يشبه ما يجوز فيه ذلك إذا روعي اللفظ, والحكم في هذه كالحكم في التي قبلها في وجوب تأنيث / جزءي الصلة مراعاة للمعنى, ومنع تذكيرهما, والمخالفة بينهما, إلا أن المسألة الأولى بلا خلاف, وهذه فيها خلاف ابن السراج, فإنه أجاز تأنيث المبتدأ حملًا على الخبر, وتذكير الخبر حملًا على اللفظ نظرًا إلى مشابهة محسن لمرضع في الصورة, وعلى هذا فيمتنع عنده من هي منطلق ومن هي مستخرج ونحو ذلك مما لا يشابه ما يجري على المؤنث, وهو بلفظ التذكير, وينبغي أن يجوز عنده: من هي ظريف, ومن هي كريم أمتك, لشبه ظريف وكريم بجريح, وقتيل, بل يلزمه أن يجيز: من هي أحمر؛ لشبهه بمن هي أفضل, وهو قد منع هذه. المسألة الثالثة: كالتي قبلها إلا أن العائد حذف, فهذه يقول فيها ابن السراج أيضًا: يجوز مراعاة اللفظ في الخبر, فيذكر, وووافقه المصنف في هذه. «ويعتبر المعنى بعد اعتبار اللفظ كثيرًا» كقوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}. «وقد يعتبر اللفظ بعد ذلك» نحو: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين, وإذا تتلى عليه آياتنا ... }.

وفي البصريات لأبي علي الفارسي: قال النحويون في قراءة أبي عمرو {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل} لو عكس ذلك لم يجز؛ لأنه يكون إلباسًا بعد البيان, وأما إذا حمل على المعنى بعد الحمل على اللفظ فإنه يكون تفسيرًا. قال ابن هشام: انظر قوله (قال النحويون) فهو مقتض لبطلان مسألة المصنف. قلت: مسألة المصنف هي اعتبار اللفظ أولًا, ثم اعتبار المعنى ثانيًا, ثم اعتبار اللفظ ثالثًا. ومسألة الفارسي هي اعتبار المعنى أولًا, ثم اعتبار اللفظ ثانيًا. ولا يلزم من امتناع الثانية, امتناع الأولى فتأمله. «وتقع «من» و «ما» شرطيتين» نحو: {من يعمل سوءًا يجز به} {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} «واستفهاميتين» نحو: {من إله غير الله} {قال فرعون وما رب العالمين}. «ونكرتين موصوفتين» نحو: مررت بمن معجب لك, ومررت بما معجب لك.

«ويوصف بـ «ما» على رأي» كقولهم: لأمر ما جدع قصير أنفه أي لأمر أي أمر, وهذه التي يعبر عنها بـ (الإبهامية) , ويتفرع على الإبهام الحقارة نحو: أعطه شيئًا ما, والفخامة مثل: ............................... لأمر ما يسود من يسود إذا لم تجعل [ما] مصدرية, والنوعية, نحو: اضربه ضربًا ما, وفي الجملة تؤكد ما أفاده تنكير الاسم قبلها.

قال المصنف: والمشهور أنها زائدة منبهة على وصف لائق بالمحل, وهو أولى؛ لأن زيادتها عوضًا عن محذوف ثابتة في كلامهم نحو: أما أنت منطلقًا انطلقت, فزادوها عوضًا من كان, ونحو: حيثما تكن أكن, فزادوها عوضًا من الإضافة, وليس في كلامهم نكرة موصوف بها جامدة كجمودها إلا وهي مردفة بمثل الموصوف نحو: مررت برجل أي رجل, وطعمنا شاة كل شاة, وهذا رجل ما شئت نم رجل, فالحكم على (ما) المذكورة بالاسمية واقتضاء الوصفية حكم بما لا نظير له, فوجب اجتنابه. «ولا تزاد «من» خلافًا للكسائي» فإنه قال بزيادتها, ولم يتحاش من القول بالزيادة, مع كون (من) اسمًا؛ جريًا على قول أهل بلده الكوفيين: إن الأسماء يجوز أن تزاد, واستدل على مذهبه بقول حسان رضي الله عنه: فكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حب النبي محمد إيانا

فيمن خفض (غيرنا) ويقول عنترة: يا شاة من قنص لمن حلت له ... حرمت عليّ وليتها لم تحرم فيمن رواه بـ (من) دون (ما) , وكقول الآخر:

آل الزبير سنام المجد قد علمت ... ذاك القبائل والأثرون من عددا وأجيب بأن (من) في الأولين نكرة موصوفة, أي على قوم غيرنا, ويا شاة إنسان قنص, وهذا من الوصف بالمصدر للمبالغة, و (عددًا): إما صفة لـ (من) على أنه اسم وضع موضع المصدر, وهو العد أي والأثرون قومًا عددًا, أي قومًا معدودين. وإما معمول لـ (بعد) محذوفًا صلة أو صفة لـ (من) , و (من) بدل من الأثرون. فإن قلت: ذكر المصنف زيادة (من) مع الاختلاف فيها, وترك زيادة (ما) مع الاتفاق عليها, فما وجهه؟ قلت: فعل ذلك, لأن كلامه في (ما) الاسمية و (ما) الزائدة حرف, وأما (من) فاسم دائمًا, حتى عند القائلين بزيادتها. «ولا تقع» من «على ××× لا يعقل» في حال من الأحوال «إلا» في حال كونه «منزلًا منزلته» أي منزلة من يعقل كقوله:

أسرب القطا هل من يعير جناحه؟ ... لعلي إلى من قد هويت أطير وقول امرئ القيس: ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي فإنه خاطب في الأول, ونسب الإعارة, ونادى في الثاني, وهذا التنزيل أعم من أن يكون من المتكلم أو من غيره, كما في قوله تعالى: {ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له} المراد الأصنام.

وحقيقة المسألة أنه متى نسب إلى المسمى شيء, وذلك الكلام شأنه أن لا ينسب نفيًا أو إثباتًا - إلا إلى العقلاء, أجري عليه حكم العاقل, وأما كون المعتقد لذلك المتكلم أو المخاطب أو غيرهما, فلا مدخل له فيما نحن فيه ألبتة. قلت: وقد يقال في بيت امرئ القيس إن (من كان في العصر الخالي) مراد به: الذي في العصر الماضي كائنًا ما كان ومن جملة ذلك الطلل, فيكون من القسم الذي يأتي, وهو قوله: «أو مجامعًا له» أي لمن يعقل «بشمول» نحو: {ألم تر أن الله يسبح [له] من في السموات والأرض} و (من) [في السموات والأرض] لفظ عام يشمل العاقل وغيره, ويدل على إرادة الكل قوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} ومثله: {ومنهم من يمشي على رجلين} وهو شامل للإنسان والطائر مثلًا. «أو اقتران» والمراد به أن لفظة من [قد] اقترنت بها لفظة أخرى اجتمع فيها العاقل وغير العاقل

مثل: {من يمشي على بطنه} و {من يمشي على رجلين} فإنهما اقترنا بـ (كل دابة) وهو شامل للنوعين لا كلمة من. «خلافًا لقطرب» فإنه جوز إطلاق (من) على غير العاقل بلا شرط, استدلالًا بقوله تعالى: {ومن لستم له برازقين} وكأنه حملها على البهائم, ولا دليل فيه؛ لجواز أن تحمل على الرقيق والبهائم؛ لأن الجميع خلق للمنافع, ولكن الأول أظهر. «و «ما» في الغالب لما لا يعقل وحده» نحو: أعجبني ما صنعته. قال المصنف: واحترزت بقولي (في الغالب) من نحو قوله تعالى: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ومن قول بعض العرب: سبحان من سخركن لنا. قلت: إنما يتم هذا لو كانت (ما) في المثال المذكور مستعملة للعاقل وليس كذلك؛ لما تقرر من منع إطلاق هذا اللفظ على البارئ سبحانه, وسننبه على أن التعبير بـ (ما لا يعلم) كان أولى من هذه العبارة. وقد استدل على إطلاق ما على ذوي العقول بإطباق أهل العربية على قولهم: من لما يعقل. من غير تجوز في ذلك, حتى لو قيل: من لم يعقل. كان لغوًا من الكلام بمنزلة أن يقال: الذي يعقل عاقل. فإن قيل: ها هنا يجب أن يفرق بـ (ما) و (من)؛ لأن ما يعقل / معلوم أنه من ذوي العلم.

قلنا: نعم لكن يعد اعتبار الصلة, أعني (بعقل) , فأما الموصول نفسه فيجب أن يعتبر مبهمًا مرادًا به شيء ما؛ ليصح في موقع التفسير بالنسبة إلى من لا يعلم مدلول (من)؛ وليقع وصله مفيدًا غير لغو, فليتأكل كذا في حاشية التفتازاني على الكشاف «وله» أي لما لا يعقل «مع من يعقل» نحو: {ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة}. وكان الجيد أن لو قال: وتقع على من يعقل مختلطًا بغيره. فإن الذي يحتاج إلى الاعتذار عنه إطلاقها على العقل, وأما إطلاقها على غير العاقل فذلك أصلها, وقد تقدم, فالاختلاط إنما كان سببًا في إطلاقها على العقل, لا سببا لإطلاقها على غير العاقل. «ولصفات من يعقل» هذه عبارة أبي علي, وهو في كلام المصنف من ذكر الخاص بعد العام, فإن صفات من يعقل هي مما يصدق عليه ما لا يعقل, فما ذكر هنا [هو] بعض ما تناوله العام المذكور أولًا, ومثلوا ذلك بقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم}. وفي الكشاف: وقيل: ما طاب ذهابًا إلى الصفة.

قال التفتازاني: يعني استعملت كلمة ما في النساء, مع اختصاصها أو غلبتها في غير ذوي العقول, لأن هذه التفرقة إنما هي إذا أريد الذات, وأما إذا أريد الوصف كما تقول: - في (الاستفهامية) - ما زيد؟ أي أفاضل أم كريم؟ وفي الموصولة أكرم ما شئت من هؤلاء الرجال, أي القائم أو القاعد أو نحو ذلك, فهو بكلمة ما بحكم الوضع على ما ذكره المصنف - يعني الزمخشري - وصاحب المفتاح وغيرهما, وإن أنكره البعض, وهاهنا المراد الصفة, أي انكحوا الموصوفة إلى غير ذلك من الأوصاف, وقيل: المراد الموصوفة بانتفاء التحرج والتضييق في تزوجها. وقد خفي معنى قوله: ذهابًا إلى الصفة. على بعض الأفاضل, فذهب إلى أن معناه أن المراد [به] الوصف المأخوذ من المذكور بعد (ما) , فمعنى (ما طاب) الطيب, وهو صادق على العاقل وغيره. ومعنى (ما سخركن) المسخر. وأنت خبير بأن السؤال لا يسقط بمجرد ذلك إلى هنا كلام التفتازاني. ولو عبر المصنف بـ (من يعلم) ليشمل نحو: {أفمن يخلق}

ونحو: {والسماء وما بناها} , لكان أولى من تعبيره بـ (من يعقل)؛ إذ لا يطلق عليه تعالى أنه عاقل. «وللمبهم أمره» كأن ترى شبحًا تقدر إنسانيته وعدم إنسانيته, فتقول: أخبرني ما هنالك, وكذا لو علمت إنسانيته واستبهم عليك حاله بالنسبة إلى الذكورة والأنوثة, ومنه: {[رب] إني نذرت لك ما في بطني محررًا} قاله المصنفز وعلى الجملة, إذا لم يكن للمتكلم التفات إلا إلى الشيء, من حيث هو, فجعله متعلق الحكم من غير أن يعتبر وصفًا زائدًا على ذلك, فإنه [إنما] يأتي بـ (ما) نحو: {لما خلقت بيدي} فإن الذم إنما كان على مخالفة الأمر بالسجود, لا لذلك مع كون المسجود له عاقلًُا, ونحو: {إني نذرت لك ما في بطني محررًا} المراد أنها جعلت ما في بطنها, وثمرة فؤادها خادمًا للمسجد, ولم تقصد إذ ذاك ذكورته من أنوثته, وكذا المراد بقوله: انظر إلى ما ظهر, انظر إلى هذا الشيء [الذي ظهر] كائنًا ما كان.

«وأفردت» (ما) خالية عما تقدم, من كونها موصولة أو موصوفة, أو شرطية أو استفهامية, وهذه [هي] التي تسمى تامة, وتقع في ثلاثة أبواب: أحدها: التعجب نحو: ما أحسن زيدًا, المعنى شيء حسن زيدًا, جزم بذلك جميع البصريين, إلا الأخفش فجوزه, وجوز أن تكون معرفة موصولة, والجملة بعدها صلة لا محل / لها من الإعراب, وأن تكون نكرة موصوفة, والجملة بعدها في موضع رفع نعتًا لها, وعليهما فخبر المبتدأ محذوف وجوبًا تقديره: شيء عظيم, ونحوه. الثاني: باب نعم وبئس نحو: غسلته غسلًا نعمًا, ودققته دقًا نعمًا, أي نعم شيئًا, فـ (ما) نصب على التمييز عند كثير من المتأخرين, منهم الزمخشري وسيأتي فيه كلام إن شاء الله تعالى. الثالث: قولهم - إذا أرادوا المبالغة في الإخبار عن أحد بالإكثار من فعل كالكتابة - إن زيدًا مما أن يكتب, أي أنه من أمر كتابة, أي أنه مخلوق من أمر, ذلك الأمر هو الكتابة, فـ (ما) بمعنى شيء, وأن وصلتها في موضع خفض بدلًا منها, والمعنى بمنزلته في: {خلق الإنسان من عجل} (جعل لكثرة عجلته كأنه خلق منها وزعم السيرافي وابن خروف وتبعهما

ابن مالك, ونقله عن سيبويه أنها معرفة تامة, بمعنى الشيء, وأن وصلتها مبتدأ, والظرف خبره, والجملة خبر لأن. قال ابن هشام: ولا يتحصل للكلام معنى طائل على هذا التقدير. «وقد تساويها (من) عند أبي علي» فتكون نكرة تامة, قال ذلك في قول الشاعر: ........................... ... ونعم من هو في سر وإعلان فزعم أن الفاعل مستتر ومن تمييز, وقوله (هو) مخصوص بالمدح, فهو مبتدأ خبره ما قبله, أوخبر لمبتدأ محذوف. وقال غيره: (من) موصول فاعل, وقوله (هو) مبتدأ, وخبره (هو)

آخر محذوف على حد قوله: .......... وشعري شعري والظرف متعلق بالمحذوف, لأن فيه معنى الفعل, أي ونعم من هو الثابت في حالتي السر والعلن. قال ابن هشام: ويحتاج إلى تقدير (هو) ثالث يكون مخصوصًا بالمدح. قلت: ويحتاج إلى تقدير (هو) رابع, على القول بأن المخصوص خبر مبتدأ محذوف. «وقد تقع (الذي) مصدرية» فلا يعود عليها شيء, [وقد] تأول عليه يونس: {ذلك الذي يبشر الله عباده}.

قال الفارسي: وعليه {وخضتم كالذي خاضوا} أي كخوضهم. ولا يعود إلى (الذي) شيء, لأنها في مثل هذا حرف, وهذا مذهب الفراء في قوله: {تمامًا على الذي أحسن} فجعلها مصدرية, و (أحسن) فعلًا ماضيًا مسندًا إلى ضمير موسى, والتقدير: تمامًا على إحسانه, واختاره المصنف وسبقه إلى اختياره ابن خروف, وحكي عن الفراء أنه سمع بعض العرب يقول: أبوك بالجارية الذي يكفل فـ (الذي يكفل) مبتدأ بمنزلة {وأن تصوموا} و (بالجارية) خبره, والمعنى: كفالته استقرت بالجارية, [كما قالوا: - أيضًا - ما يكفلك}. ولولا هذا التأويل لزم محذوران: أن تعلق الباء بـ (يكفل) , وإنما يتعدى بنفسه. وتقدم معمول الصلة على الموصول. وأجيب: بأن التقدير أبوك كفيل بالجارية, فحذف الخبر وأبدل منه الذي. وأما {وخضتم كالذي خاضوا} فتوجيه الاستدلال به أنه لو كان موصولًا اسميًا لاحتاج إلى عائد, وليس مقدرًا؛ لأنه لا يتعدى, فيقال: حذف مفعوله

وهو العائد فلم يبق إلا أن يكون العائد هو ضمير الفاعل المصرح به, وإذا قدر كذلك لم يتطابق (الذي) وعائده المذكور, لأن (الذي) مفرد, وعائده جمع. وأجيب: بأن (الذي) جمع في المعنى: إما على أنه صفة لجمع في المعنى, مفرد في اللفظ, أي كالفريق أو كالجمع الذين خاضوا, فإفراد الموصوف لفظًا اقتضى صحة التعبير بـ (الذي) وجمعه معنى اقتضى عود الضمير مجموعًا. وإما على أن (الذي) بمعنى الذين, كما في قوله: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هو القوم كل القوم يا أم خالد والفرق بين هذا والذي قبله أن لفظ الذي لا تجوز فيه على الأول, وأنه لا حذف موصوف على الثاني. وإما على أن الذي واقع على حدث هو الخوض, ويكون العائد محذوفًا, وهو ضمير المفعول المطلق. وأما {تمامًا على الذي أحسن} فقد تؤول على أن فاعل (أحسن) ضمير راجع إلى الله تعالى, وعائد (الذي) محذوف, والتقدير: على الذي أحسنه الله, والأصل: تمامًا على الإحسان الذي أحسنه الله [إليه]. «وموصوفة بمعرفة» نحو: مررت بالذي الفال «أو شبهها في

امتناع لحاق «أل) فيقال: مررت بالذي [أخيك, وبالذي] مثلك, وبالذي خير منك, وعليه خرج: {تمامًا على الذي أحسن} فجعل (أحسن) أفعل تفضيل مجرورًا بالفتحة صفة للذي, وعلى هذا فلا يقال: مررت بالذي قائم, وهذا الذي ذكره المصنف من وقوع (الذي) موصوفة بمعرفة أو شبهها في امتناع لحاق (أل) , هو مذهب الفراء وأبي علي الفارسي, قال المصنف: وهو الصحيح, وبه أقول.

«فصل»: يذكر فيه الكلام على أي موصولة كانت أو غير موصولة.

«فصل»: يذكر فيه الكلام على أي موصولة كانت أو غير موصولة. «وتقع «أي» شرطية» نحو: {أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} «أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على}. «واستفهامية» نحو: {أيكم زادته هذه إيمانًا} , {فبأي حديث بعده يؤمنون} {فأي الفريقين أحق بالأم}. «وصفة لنكرة مذكورة» كقوله: دعوت امرءًا أي امرئ فأجابني ... فكنت وإياه ملاذا وموئلا قال الفارسي في القصريات: إذا قلت [مررت] برجل أي رجل, فرجل الأول غير الثاني, لأن الأول واحد والثاني جنس, لأن أيًا بعض ما تضاف

إليه. «غالبًا» راجع إلى (مذكورة) واحترز به من النكرة الموصوفة المحذوفة, كقول الفرزدق: إذا حارب الحجاج أي منافق ... علاه بسيف كلما مر يقطع أراد منافقًا أي منافق. قال المصنف: وهذا في غاية الندور؛ لأن المقصود بالوصف [بأي] التعظيم, والحذف مناف لذلك. «وحالًا لمعرفة» كقوله: فأومأت إيماء خفيًا لحبتر ... فلله عينا حبتر أيما فتى

أنشده المصنف بنصب (أي) على الحال, وأنشده غير بالرفع, على أنه مبتدأ أو خبر مبتدأ, والتقدير: أي فتى هو, [أو هو أي فتى] و (أي) في هذين الوجهين - أعني كونها صفة, وكونها حالًا -دالة على معنى الكمال, باعتبار ما تضاف إليه: فإن أضيفت إلى مشتق - كما في قولك: مررت بفارس أي فارس - فهي للكمال في الفروسية, والثناء على الموصوف خاص بهذه الجهة. وإن أضيفت إلى غير مشتق - كما في قولك: [مررت] برجل أي رجل - فهي للكمال في الرجولية, والثناء على الموصوف عام في كل ما يمدح به الرجل, وإنما لم توصف بها المعرفة؛ لأنها لو أضيفت إلى معرفة كانت بعضًا مما تضاف إليه, وذلك لا يتصور في الصفة.

«ويلزمها» أي يلزم (أيًا) «في هذين الوجهين» وهما: وقوعها صفة, ووقوعها حالًا «الإضافة لفظًا ومعنى» بحيث لا يجوز الانفكاك عنها أصلًا. «إلى ما يماثل الموصوف لفظًا ومعنى» نحو: مررت برجل أي رجل - «أو معنى لا لفظًا» نحو: رأيت رجلًا أي إنسان, قيل وإنما قاله بمحض القياس, ولا يعلم له فيه سماع. يريدون: في حال كونها صفة. قال ابن هشام: وهو قياس جيد, لأنها كالواقعة حالًا في المعنى, وتلك تضاف إلى مخالفة ذي الحال: كمررت بعبد الله أي رجل. فإن قلت: قد قررت أن المراد بالوجهين: وقوعها صفة, ووقوعها حالًا, فكيف يلائم هذا قوله: (إلى ما يماثل الموصوف) وهذا خاص بوقوعها صفة! ! قلت: لم يرد بالموصوف المتبوع بتابع هو صفة, بل أراد ما علق به وصف, فهذا أعم من أن يكون ذا حال أو صفة تابعة, فشمل الوجهين, وحصلت الملاءمة. وبقي على المصنف أن يقول: ووصلة لنداء ما فيه (أل) فيلزمها حرف التنبيه. والاعتذار عن ذلك بأنه ذكره في باب النداء, معارض بأنه قد ذكر وقوع (أي) الشرطية في باب الشرط, فهلا استغنى بذلك هنا! ! وإنما هذا مقام استيفاء أقسام الشيء, فلا ينبغي أن يغادر منها شيء. «وقد يستغنى في الشرط والاستفهام بمعنى الإضافة, إن علم المضاف إليه» نحو: {أيا

ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} هذا في الشرط, وفي حديث ابن مسعود: «سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة لوقتها. قال: قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. فهذه في الاستفهام. «وأي فيهما» أي في الشرط والاستفهام «بمنزلة كل مع النكرة, وبمنزلة بعض مع المعرفة» ولهذا تقول: أي غلامين أتيا؟ وأي غلمان أتوا؟ برعاية حال المضاف إليه, كما إذا صرح بلفظ كل مضافًا إلى النكرة. وتقول: أي الغلامين أتى؟ (وأي الغلمان أتى؟ ) , كما تقول ذلك عند التصريح بلفظ بعض. وكذا في الشرطية, تقول أي رجل تضرب

أضربه, وأي رجلين تضرب أضربهما, وأي رجال تضرب أضربهم, وأي الرجلين تضرب أضربه, وأي الرجال تضرب أضربه. «ولا تقع» أي «نكرة موصوفة, خلافًا للأخفش» فإنه أجاز وقوعها كذلك نحو: مررت بأيٍ معجب لك, وهذا هو الذي جزم به ابن الحاجب. وأخرج المصنف بقوله: (نكرة) نحو: يا أيها الرجل, فإن (أيًا) هنا موصوفة, ولكنها معرفة. «وقد يحذف ثالثها في الاستفهام» كقول الفرزدق: تنظرت نصرًا والسماكين أيهما ... عليّ من الغيث استهلت مواطره «وتضاف فيه» أي في الاستفهام «إلى نكرة بلا شرط» نحو: أي رجل عندك؟ . «وإلى المعرفة بشرط تثنية» نحو: أي الرجلين عندك؟ أو أيهما

عندك؟ . «أو جمع» نحو: أي الرجال عندك؟ أو أيهم عندك؟ «أو قصد أجزاء» نحو: أي زيد أحسن؟ , إذ المعنى: أي أجزائه أحسن؟ , ولهذا يقال: - في البدل - أوجهه أو عينه؟ وفي الجواب: وجهه أو عينه أو نحو ذلك من أجزائه. «أو تكريرها» أي تكرير (أي) «عطفًا بالواو» أي حالة كونها معطوفة, أو ذات عطف, أو تكرير عطف, كقوله: فلئن لقيتك خاليين لتعلمن ... أيي وأيك فارس الأحزاب وفي شرح ابن اقسم: قيل ونقصه أن يقصد به الجنس, نحو: أي الدينار دينارك؟ وأي البعير بعيرك؟ وأن يعطف عليه بالواو نحو: أي زيد وعمرو وجعفر قام؟ ويمكن اندراج هذين تحت قوله: (أو جمع) , وقد عرفت أن الضمير من قوله: (وتضاف فيه) عائد على الاستفهام, فتخرج الموصولة, والموصوف به, وهو حق, لأن الموصولة لا تضاف إلى نكرة, والموصوف بها لا تضاف إلى معرفة, لكن يلزم خروج (أي) الشرطية, وهو مشكل لأنها مساوية للاستفهامية فيما ذكر, فتضاف إلى النكرة بلا شرط نحو: أي رجل تضرب أكرمه, وإلى المعرفة بشرط إفهام تثنية, نحو: أي الغلامين جاءك فأكرمه, قال تعالى: {أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي} أو جمع, نحو: أي

الرجال جاءك فأكرمه؟ أو قصد أجزاء, نحو: أي زيد رأيت أعجبني؟ تقديره: أي أجزائه. وتأتي فيها أيضًا مسألة التكرير, نحو: أن يقال أي زيد وأي عمرو جاءك فأكرمه وعلى هذا ففي كلامه نقص فتأمله.

«فصل»: يتكلم فيه على الموصولات الحرفية وأحكامها

«فصل»: يتكلم فيه على الموصولات الحرفية وأحكامها / وقد سبق تعريف الموصول الحرفي. «من الموصولات الحرفية أن» الثنائية الوضع «الناصبة مضارعًا» لا المخففة من الثقيلة, ولا المفسرة, ولا الزائدة, فلكل منها موضع تذكر فيه. «وتوصل بفعل متصرف» لا جامد, نحو: عسى «مطلقًا» أي سواء كان مضارعًا, نحو: أريد أن أقوم أو ماضيًا, نحو: أعجبني أن قمت, أو أمرًا, نحو: كتبت إليه بأن قام. فأما وصلها بالمضارع فمجمع عليه, ولا إشكال فيه. وأما وصلها بالماضي فخالف فيه ابن طاهر مدعيًا أن (أن) الموصولة بالماضي ليست الموصولة بالمضارع, لأن (أن) الناصبة تخلص المضارع للاستقبال, فلا تدخل على غير كالسين وسوف؛ ولأنها لو كانت الناصبة لحكم على موضعه بالنصب, كما حكم على موضع الماضي بالجزم بعد (إن) الشرطية, ولا قائل به. قال ابن هشام: والجواب عن الأول أنه منتقض بنون التوكيد, فإنها

تخلص المضارع للاستقبال, وتدخل على الأمر باطراد, وبأدوات الشرط, فإنها أيضًا تخلصه مع دخولها على الماضي باتفاق, وعن الثاني أنه إنما حكم على موضع الماضي بالجز بعد (إن) الشرطية, لأنها أثرت القلب إلى الاستقبال في معناه فأثرت الجزم في محله. كما أنها - يعني (أن) الناصبة - لما أثرت التخليص الاستقبال في معنى المضارع, أثرت النصب في لفظه. هكذا قال, وفيه نظر. وأما وصلها بالأمر فخالف فيه أبو حيان, وزعم أنها لا توصل به, وأن كل شيء سمع من ذلك فـ (أن) فيه تفسيرية, واستدل بدليلين: أحدهما: أنهما إذا قدرا بالمصدر فات معنى الأمر. الثاني: أنهما لم يقعا فاعلًا ولا مفعولًا, لا يصح أعجبني أن قم, ولا كرهت أن قم, كما يصح ذلك مع الماضي و [مع] المضارع. قال ابن هشام: والجواب عن الأول, أن فوات معنى الأمرية في الموصولة بالأمر عند التقرير بالمصدر, كفوات معنى المضي والاستقبال في الموصولة بالماضي والموصولة بالمضارع عند التقدير المذكور. قلت: هذا فيه تسليم لفوات معنى الأمر عند السبك, وهو قابل للمنع, فقد جرت عادة الزمخشري بتجويز صلة (أن) بالأمر والنهي, ومعناه [عند السبك] مصدر طلبي, وقد حققه في سورة نوح في قوله تعالى: {إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه أن أنذر قومك} فقال: (أن) الناصبة للفعل, أي إنا أرسلناه بأن أنذر قومك, أي بأن قلنا له أنذر, أي بالأمر بالإنذار. انتهى. فعلى هذا

تقدر بالمصدر الطلبي حيث وقعت موصولة بأمر أو نهي, نحو: كتبت إليه بأن قم ولا تقعد, أي بالأمر بالقيام والنهي عن القعود, ولا يفوت معنى الطلب في الجملة, وعلى تقدير التسليم فلا نسلم أن فوات [معنى] الأمرية كفوات معنى المضي والاستقبال, وذلك لأن السبك مفوت لمعنى الأمر أصلًا, ورأسًا؛ لأن اللفظ - حينئذ - لا يدل عليه بوجه من وجوه الدلالة, وليس السبك بمفوت للدلالة على معنى الزمان الماضي والمستقبل بالكلية؛ لأن المصدر حدث, ويلزم من وجوده وجود الزمان, فله دلالة على الزمن بطريق الالتزام, فلم تفت الدلالة عليه بالكلية, ولا يلزم من تجويز الثاني تجويز الأول. ثم قال ابن هشام: والجواب عن الثاني, أنه إنما امتنع ما ذكره, لأنه لا معنى لتعلق الإعجاب والكراهية بالإنشاء, لا لما ذكره, ثم ينبغي له أن لا يسلم مصدرية (كي) لأنها [لا] تقع فاعلًا ولا مفعولًا, وإنما تقع مخفوضة بلام التعليل, ثم مما يقطع به على قوله بالبطلان حكاية سيبويه: كتبت

إليه بأن قم, وأجاب: بأنها / محتملة للزيادة مثلها في قوله: ...................................... لا يقرأن بالسور وهذا وهم فاحش؛ لأن حروف الجر زائدة كانت أو غير زائدة لا تدخل إلا على الاسم أو في تأويله. انتهى كلامه. قلت: ويتجه أن يقال لم يقم دليل للجماعة على أن الموصولة بالماضي والأمر هي الناصبة [للمضارع, لا سيما وسائر الحروف الناصبة] لا تدخل على غير المضارع, فادعاء خلاف ذلك - في (أن) من بين أدوات النصب - خروج

عن النظائر, ولا دليل لهم أيضًا على أن التي يذكر بعدها فعل الأمر والنهي موصول حرفي, إذ كل موضع تقع [فيه] كذلك محتمل لأن تكون تفسريية أو زائدة: فالأول: نحو: أرسلت إليه أن قم أولا تقم, ومنه: {إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه أن أنذر قومك}. والثاني: نحو: كتبت إليه بأن قم, أو بأن لا تقم, فـ (أن) - فيه - زائدة [زيدت] لكراهة دخول حرف الجر على الفعل في الظاهر, والمعني: كتبت إليه بقم, أو بلا تقم, أي بهذا اللفظ, فإنما دخلت في التحقيق على ما هو اسم فتأمل. «ومنها أن» بفتح الهمزة وتشديد النون. «وتوصل بمعموليها» وهما اسمها وخبرها, فتؤول بمصدر خبرها مضافًا إلى اسمها, فمعنى بلغني أن زيدًا قائم: بلغني قيام زيد, وكذا بلغني أنك في الدار, أي استقرارك فيها؛ لأن الخبر بالحقيقة [هو] المحذوف من استقر ومستقر, وكذا إن كان الخبر جامدًا نحو: بلغني أنك زيد. قال الرضي: أي زيديتك, فإن ياء النسب إذا لحقت آخر الاسم وبعدها التاء, أفادت معنى المصدر نحو: الفروسية والمضروبية والضاربية. وقال ابن هشام: يقدر بالكون, فتقدير المثال المذكور: بلغني كونك زيدًا؛ لأن كل خبر جامد يصح نسبته إلى المخبر عنه بلفظ الكون, تقول:

هذا زيد, وإن شئت: [هذا] كائن زيدًا, ومعناهما واحد. وزعم السهيلي: أن الذي يؤول بالمصدر إنما هو (أن) الناصبة للفعل؛ لأنها أبدًا مع الفعل. المتصرف, و (أن) المشددة إنما تؤول بالحديث, قال: وهو قول سيبويه, ويؤيده أن خبرها قد يكون اسمًا محضًا, نحو: علمت أن الليث الأسد, وهذا لا يشعر بالمصدر. انتهى. وقد مضى وجه تقديره. «ومنها «كي» وتوصل بمضارع» نحو: جئت لكي تكرمني [وجئت كي تكرمني] فإذا قرنت باللام تعينت المصدرية, وإن لم تقرن بها احتملت المصدرية والجارة, وسيأتي الكلام على ذلك في نواصب الفعل. «مقرونة بلام التعليل لفظًا» نحو: جئت لكي أستفيد منك. «أو تقديرًا» نحو: جئت كي أستفيد منك, قالوا: وإنما [لزم] ذلك, لأن (كي) لا تخلو من معنى التعليل, وقد يورد عليه نحو: تريدين كيما تقتليني ومالكا .......................

فإن اللام المقدرة قبلها زائدة, لا تعليلية مثلها في: {يريد الله ليبين لكم} فينبغي أن تجب المصدرية هنا, وأن لا يقدر شيء ألبنة, لا تعليل ولا غيره وفيه بحث. «ومنها «ما» وتوصل بفعل متصرف» احترازًا من نحو: (عسى) , وشذ وصلها بـ (ليس) في قوله: أليس أميري في الأمور بأنتما ... بما لستما أهل الخيانة والغدر «غير أمر» احترازًا من نحو: قولك عجبت بما قم, فإنه لا يجوز, وأكثر ما توصل بالماضي نحو: {وضاقت عليكم الأرض بما رحبت} وكقوله: يسر المرء ما ذهب الليالي ........................... واشترط السهيلي أن يكون الفعل عامًا نحو: أعجبني ما صنعت,

لا خاصًا, نحو: أعجبني ما جلست, [فلا يجوز] , ويرده الآية والبيت, ووافقه صاحب البسيط, وزاد أن يكون الموضع صالحًا لـ (ما) التي هي موصول اسمي. كذا نقل عنه أبو حيان, وتبعه ابن / قاسم. قال ابن هشام: وهذا هو الشرط الذي ذكره السهيلي لا غيره وفيه نظر. «وتختص» (ما) دون غيرها من الحروف المصدرية. «بنيابتها عن ظرف زمان» نحو: أكرم زيدًا ما دام صديقك, أي مدة دوامه صديقك, «موصولة» حينئذ «في الغالب» احترازًا من نحو قوله: نطوف ما نطوف ثم نأوي ... ذوو الأموال منا والعديم

فـ (ما) فيه مصدرية ظرفية, وصلت بمضارع, وكأن الحامل لهم على جعلها كذلك, أنها لو لم تقدر بهذا المعنى لزم أن تكون هي وما بعدها مفعولًا مطلقًا, ولم يثبت ذلك. «بفعل ماضي اللفظ مثبت» كقوله تعالى: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض} «أو منفي بلم» كقوله: ولن يلبث الجهال أن يتهضموا ... أخا العلم ما لم يستعن بجهول وذهب الزمخشري إلى (أن) (أن) تشاركها في هذا المعنى وجعل من ذلك قوله تعالى: {أن آتاه الله الملك} , وقوله: {إلا أن يصدقوا}.

فقدره وقت أن آتاه وحين أن يصدقوا, وهو محتمل للتعليل, ومن أمثلة سيبويه: والله لا أفعل إلا أن تفعل, وفسره بقوله: حتى تفعل. قال الصفار: تفسير معنى, وأما في الصناعة, فهو بتقدير: إلا وقت أن تفعل. وقال المبرد: إلا بأن تفعل, أي إلا بسبب فلعلك. وما قال يمكن أن يساعده المعنى, وإلا فهذا الكلام إنما يقال في معنى أن الفعل يقترن بالفعل الآخر غير متراخ عنه, ومذهبه لم يتعرض إلى هذا, وإنما أعطي (أن) الفعل بسبب الفعل, فيمكن أن يكون بعده, فإن نقل أنه يقال في هذا المعنى كان حسنًا. «وليست» (ما) المصدرية «اسمًا» وكان حقه أن يصرح بما ذكرناه؛ لئلا يوهم أن الخلاف خاص بالظرفية بخصوصها لا عامٍ في كل مصدرية. «فتفتقر» بالنصب في جواب النفي. «إلى ضمير, خلافًا للأخفش وابن السراج» فإذا قلت: يعجبني ما صنعت, فتقديره: - عند سيبويه والأكثرين - صنعك, ولا ضمير أصلًا, والتقدير - عندهما - الصنع الذي صنعته, فحذف الضمير. ورد عليهما بقوله: ....................... ... بما لستما أهل الخيانة والغدر لأنه لا يتأتى فيه تقدير رابط.

وأما رد ابن يعيش بنحو: أعجبني ما ضربت زيدًا؛ [من] حيث إنه لا يمكن تقدير ضمير, ضرورة أن الفعل متعد إلى مفعول واحد, وقد استوفاه, فلا يصح تقدير ضمير هو مفعول آخر, فساقط, من جهة أن الضمير الذي يقدر ضمير المصدر لا ضمير المفعول به. وألزم ابن هشام الزمخشري من قوله: إن (ما) - في قوله تعالى: {واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} مصدرية, القول بمصدرية (ما) مع عود الضمير عليها. قلت: ولم يقع في الكشاف تصريح بأن الضمير المجرور بـ (في) عائد على (ما) مع القول بمصدريتها, فيحتمل أن يوجه كلامه بأن الضمير عائد على المصدر المفهوم من (ظلموا) و (في) للمصاحبة, مثل: {فخرج على قومه في زينته} , أي: واتبع الذين ظلموا إترافهم مع ظلمهم. «وتوصل» (ما) المصدرية مطلقًا, سواء كانت وقتية أو غير وقتية, «بجملة اسمية» على ما ذهب إليه السيرافي والأعلم وابن خروف, مخالفين لسيبويه والجمهور,

واختار المصنف الأول, أي القول [بجواز] وصلها بالجملة الاسمية, واستدل له بقوله: أحلامكم لقام الجهل شافية ... كما دماؤكم تشفي من الكلب قال: والحكم على (ما) هذه بالمصدرية أولى من جعلها كافة؛ لأنها إذا كانت / مصدرية كانت هي وصلتها في موضع جر, فلم يصرف شيء عما هو له ثابت بخلاف الحكم بأن (ما) كافة. قال: وأيضًا فـ (ما) المصدرية تنوب عن الظرف الزماني, والظرف الزماني يوصل بالجملتين مضافًا إليهما نحو: {يوم هم بارزون} {يوم ينفع

[الصادقين]} , فإذا وصلت (ما) الظرفية بالجملتين كان في ذلك إعطاؤها حكم ما هي مناسبة لي حتى أنها نابت عنه, وإذا ثبت ذلك في الوقتية فلا يبعد جوازه في غير الوقتية أيضًا, فهذا قياس يقتضي صحة الجواز, لو لم يرد به السماع, فكيف وقد ورد منه في الوقتية قوله: واصل خليلك ما التواصل ممكن ... فلأنت أو هو عن قريب ترحل وفي غيرها قوله: ......................... ... كما دماؤكم تشفي من الكلب «ومنها «لو» التالية غالبًا مفهم تمن» نحو: (ود) , ومنه: {ودوا لو تدهن فيدهنون} , [و (يود)] , ومنه: {يود أحدهم لو يعمر} وعد ابن قاسم من ذلك (أحب) , و (اختار) , وفيه نظر؛ إذ لا ترادف بينهما وبين (تمنى) , ولا تلازم في المعنى, لأن الإنسان قد يحب الشيء ولا يتمنى حصوله:

إما لمعارض له في طلبه, وإما لأنه حاصل عنده, فأنى يكون (أحب) و (اختار) مما يفهم التمني! ! واحترز المصنف بقوله: (غالبًا) من نحو: قول قتيلة: ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق

وقول الأعشى: وربما فات قومًا جل أمرهم ... من التأني وكان الحزم لو عجلوا وأكثرهم لم يثبت ورود (لو) مصدرية, والذي أثبته الفراء وأبو علي الفارسي وأبو البقاء والتبريزي. والمصنف.

ويقول المانعون: - في نحو: {يود أحدهم لو يعمر} - إنها شرطية, وإن مفعول (يود) وجواب (لو) محذوفان, والتقدير: يود أحدهم التعمير, لو يعمر لسره ذلك. ولا يخفى ما فيه من التكلف. قال ابن هشام: ويشهد للمثبتين قراءة بعضهم: {ودوا لو تده فيدهنوا} بحذف النون, فعطف (يدهنوا) بالنصب على (تدهن) لما كان معناه: أن تدهن. قلت: ليس بشيء, وإنما الذي ينبغي أن يقال: إن (يدهنوا) منصوب بـ (أن) مضمرة, والمصدر المسبوك منها ومن صلتها معطوف على المصدر المسبوك من (لو) وصلتها فتأمله. «وصلتها» أي صلة لو المصدرية «كصلة ما» فتوصل بفعل متصرف غير أمر, ومقتضى كلامه جواز وصلها بفعل منفي بـ (لم) نحو: وددت لو لم تقم.

قال ابن هشام: وقد اختار المصنف أن (ما) توصل بجملة اسمية, ولا يحفظ ذلك في (لو) فينبغي أن يقيد. قلت: قد جاء قوله تعالى: {يودوا لو أنهم بادون في الأعراب} , و (لو) هذه مصدرية, ووقعت بعدها (أن) وصلتها, كما وقع ذلك بعد (لو) الشرطية, نحو: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به}. ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة ............................ وسيبويه على أن الموضع رفع بالابتداء, ولا يحتاج إلى خبر, لاشتمال صلة (أن) على المسند والمسند إليه, وقيل: بالابتداء, والخبر محذوف, ثم قيل: يقدر مقدمًا, أي ولو ثابت فعلهم, على حد {وآية [لهم] أنا حملنا}.

وقال ابن عصفور: بل يقدر مؤخرًا على الأصل؛ لأن الموجب لتقديم الخبر في نحو: عندي أنك فاضل وهو حذر التباسها بـ (لعل) - منتفٍ هنا, فيقدر: ولو فعلهم ثابت. والكوفيون والمبرد والزجاج على أن الموضع رفع على الفاعلية, والفعل مقدر بعدها. فمقتضى قول من جعل الواقع من ذلك بعد (لو) الشرطية / مبتدأ وخبرًا, جعله كذلك بعد (لو) المصدرية, فتكون قد وصلت بالجملة الاسمية على هذا الرأي, نعم ينبغي أن تقيد الاسمية بهذا النوع, ولا تؤخذ على الإطلاق, فتأمله. «وتغني» (لو) المصدرية, لا (لو) مطلقًا «عن التمني» أي عن فعل التمني, تقول: وددت لو جاءني زيد فأكرمه, ثم تحذف (وددت) , وتنوب عنه (لو) , فتقول: لو جاءني زيد فأكرمه. قال المصنف: - وقد أورد قول الزمخشري: (وقد تجيء (لو) في معنى التمني, نحو: لو تأتيني فتحدثني) - إن أراد الزمخشري أن لأصل: وددت لو تأتيني, فحذف فعل التمني, لدلالة (لو) عليه, فأشبهت (ليت) في

الإشعار بمعنى التمني, وكان لها جواب كجوابها, فصحيح. [وإن أراد] أنها حرف وضع للتمني كـ (ليت) , فغير صحيح, لأن ذلك يستلزم منع الجمع بينها وبين فعل التمني, كما لا يجمع بينه وبين (ليت). انتهى. قلت: الظاهر أن الثاني مراد الزمخشري, وما أورده عليه غير متجه, فإن (لو) عند مجامعتها لفعل التمني تكون لمجرد المصدرية مسلوبة الدلالة على التمني, فسقط ما قال. «فينصب بعدها الفعل» المضارع «مقرونًا بالفاء» [وذلك] مثل قوله: سرينا إليهم في جموع كأنها ... جبال شرورى لوتعان فتنهدا قال المصنف: في (فتنهد) وجهان: أحدهما - وهو المختار - أنه جواب تمن إنشائي, كجواب (ليت) , لأن الأصل: وددنا لو تعان, فحذف الفعل؛ للدلالة عليه, فأشبهت (ليت) في الإشعار بمعنى التمني, دون لفظه فجووبت جوابها.

والثاني - أنه من باب العطف على المصدر؛ لأن (لو تعان) يقدر بالمصدر, فكأنه قيل: وددنا الإعانة فالنهد, أي النهوض إلى الأعداء. وقال بعضهم: لو هذه المتكلم فيها, هي لو الشرطية, أشربت معنى التمني بدليل أنهم جمعوا لها بين جوابين: جواب منصوب بعد الفاء, وجواب باللام كقوله: فلو نبش المقابر عن كليب ... فيخبر بالذنائب أي زير بيوم الشعثمين لقرعينا ... وكيف لقاء من تحت القبور

قلت: يمكن أن يقال إن (يخبر) ليس منصوبًا في جواب التمني, وإنما هو منصوب بأن مضمرة, وهي وصلتها مصدر فاعل (حصل) مضمرًا, والجملة من هذا الفعل وفاعله معطوفة على جملة الشرط, أي فلو نبش المقابر عن كليب فحصل إخباره بما تم بعده لقرعينا, وعلى هذا فـ (لو) هي التعليقية على بابها, ولا تمني أصلًا ويمكن أن يقال: - أيضًا - إنه لا تمني أصلًا, والنصب بأن مضمرة بعد الشرط؛ لمشابهته للنفي, والمعنى على هذا التقدير: فلو حصل نبش المقابر فالإخبار لقرعينا, فهو عطف على مصدر متصيد من فعل الشرط, وإذا كانوا قد جوزوا مثل هذا على قلة في الشرط بـ (إن) , نحو: إن تأتني فتكرمني آتك, بنصب (تكرم) , من جهة أن الشرط مفروض, فهو غير موصوف بالوجود حقيقة, فأشبه النفي فأجري مجراه في نصب ما اقترن بالفاء أو الواو بعده, فتجويز ذلك في (لو) أولى؛ لدلالتها على انتفاء الشرط وضعًا, وهذا الثاني أولى من الأول, لأن في ذلك إضمار (أن) في غير محلها المعروف, فهو مثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. بخلاف

الثاني, فإن فيه إضمارا لـ (أن) في محل عهد إضمارها فيه, وإن كان قليلًا. على أن المصنف لما حكى أن النصب بـ (أن) مضمرة نادر في غير المواضع المشهورة جوازًا ووجوبًا, قال: (وفي القياس عليه خلاف). فللباحث أن يرتكب مذهب القائل بقياستيه, ويخرج البيت عليه / ويمكن أن يقال: - أيضًا - إن (لو) - من قوله (فلو نبش) – للتمني أو مغنية عنه على الرأيين, والفعل - من قوله: (فيخبر) - منصوب في جوابه, وقوله: (لقرعينا) جواب لـ (لو) شرطية محذوفة, والتقدير: لو وقع ذلك لقرعينا.

«فصل»: يتكلم فيه على الصلة والموصول باعتبار الترتيب والحذف وغيرهما من الأحكام المتعلقة بذلك.

«فصل»: يتكلم فيه على الصلة والموصول باعتبار الترتيب والحذف وغيرهما من الأحكام المتعلقة بذلك. «الموصول والصلة كجزءي اسم, فلهما» أي للموصول والصلة «مالهما» أي لجزءي الاسم «من ترتيب» بأن يكون الموصول قبل الصلة «ومنع فصل» بينهما «بأجنبي» لا بغير, كالجملة الاعتراضية كقوله: ماذا ولا عتب في المقدور رمت أما ... يحظيك بالنجح أم خر وتضليل والقسم كقوله: ذاك الذي - وأبيك - يعرف مالكا .....................

كذا قال المصنف, فجعل الفصل بالاعتراض والفصل بالقسم قسمين. والحق أن الفصل بالاعتراض جنس, وأن الفصل بالقسم نوع من ذلك الجنس, وهو قول النحويين. قال: وكذا النداء [الذي] يليه مخاطب كقوله: وأن الذي يا سعد - بؤت - بمشهد كريم وأبواب المكارم والحمد فلو لم يكن بعد النداء مخاطب عد الفصل به أجنبيا, ولم يجز إلا في

الضرورة كقوله: ............................... نكن مثل من - يا ذئب - يصطحبان وهذا الكلام من المصنف يقتضي أن الجمل الاعتراضية والندائية التي ذكرها ليست بأجنبيه, ولهذا لم يستثنها, وفيه نظر, بل هي أجنبية مغتفرة. «فلا يتبع الموصول» تفصيل لما أجمله في قوله: (فلهما ما لهما) , أي فلا يؤتى للموصول بتابع قبل تمام الصلة أو تقدير تمامها, فلا يجوز: مررت بالضاربين وإخوتك زيدًا, ولا بالضاربين كلهم زيدا, ولا بالضاربين المحسنين زيدا, ولا بالضاربين إخوتك زيدا, بيانًا قدرته أو بدلا. «ولا يخبر عنه» فلا يجوز: الذي زيد أكرمته, يعني الذي أكرمته زيد. «ولا يستثنى منه» فلا يجوز: جاء الذين إلا زيدا أكرمتهم, [وإنما تقول: جاء الذين أكرمتهم إلا زيدا]. «قبل تمام الصلة» معمول تنازعه الأفعال المتقدمة, وهو قبد في كل واحد منها. «أو تقدير تمامها». قال ابن قاسم: هو إشارة إلى نحو قوله:

لسنا كمن جعلت إياد دارها ... تكريت تمنع حبها أن يحصدا فظاهره أن (إياد) بدل من (من) في رواية من جر, وبدل من الضمير المستكن في (جعلت) في رواية من رفع, فقد أبدل على الأول من الموصول قبل تمام الصلة, لكنه قدر التمام. قلت: في هذا الكلام نظر, فإن كل موضع ممنوع يمكن فيه هذا التقدير, قالوا: والصواب أن يجعل (دارها) منصوبًا بفعل يدل عليه المذكور, والتقدير: لسنا كمن جعلت إياد جعلت دارها. قال ابن هشام: وهذا مشكل, لأن (جعلت) فعل عام لا يصح أن يتعرف به الموصول, بخلاف ضربت وأكلت ونحو ذلك من الأفعال الخاصة, ولا يقال: فإن رفع الإبهام قد زال بالجملة الثانية, لأنا نقول: شرط الصلة نفسها أن يعرف الموصول منها, أما أنه يعرف من جملة أخرى بعدها فليس بكافٍ.

«وقد ترد صلة بعد موصولين» [نحو: الذي والتي قاما, وأنشد المصنف عليه بيتًا لم يتحرر لي إلى الآن كقوله: صل الذي والتي منا بآصرة ... وإن نأت عن مراقي منها الرحم منا: توسلا. بآصرة, أي بما تعطف من منة ونحوها. وإن نأت, أي بعدت. والرحم: القرابة, أي صل من توسل إليك من ذكر أو أنثى بمنة تعطفك عليه, وإن لم يكن بينكما قرابة]. «أو أكثر مشتركًا فيها» كقوله: من اللواتي والتي واللاتي ... يزعمن أني كبرت لداتي ومثله ما أنشده المبرد في المقتضب: بعد اللتيا واللتيا والتي ... إذا علتها أنفس تردت

قال ابن هشام: وأما قول ابن الشجري لم يأت للموصولين الأولين بصلة لأن / صلة الثالث دلت على ما أراد, وأن الأمر كذلك في قوله: بعد اللتيا ....................... ... ...................... البيت, فمردود. ولا أدري ما وجه الرد؟ . «أو مدلولا بها على ما حذف» كقوله: وعند الذي [واللات] عدنك إحنة ... عليك فلا يغررك كيد العوائد

ويحتمل أن يكون هذا من باب: ........................... ... ويرجعن من دارين بجر الحقائب بل أولى هنا, للاختلاط, وسهله أنه تغليب للأكثر المجاور على المفرد المنفصل عن الصلة. «وقد يحذف ما علم من موصول» اسمي «غير الألف واللام» وهذا مذهب قال به الكوفيون والبغداديون والأخفش, ومنعه غيره من البصريين, واختار المصنف الجواز مستدلًا بالقياس على (أن) , فإن حذفها مكتفى بصلتها جائز إجماعًا, وبالسماع الوارد في ذلك قال الله تعالى:

{آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم}. (أي وبالذي أنزل إليكم) , وعلى الاستدلال بها منع ظاهر, واستدل أيضًا بقول حسان رضي الله عنه: أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء [أي ومن يمدحه] ويقول الآخر: [ما الذي دأبه احتياط وعزم ... وهواه أطاع يستويان

أي والذي هواه أطاع وبقول الآخر: ] لكم مسجدا الله المزوران, والحصى لكم قبصة من بين أثرى وأقترا أي من بين [من] أثرى, أي استغنى, ومن أقتر, أي افتقر. وهذا كله مخصوص بالشعر عند البصريين «و» قد يحذف أيضًا ما علم «من صلة غيرهما» , أي غير الألف واللام, كقوله: نحن الأولى فاجمع جمو ... علك ثم وجههم إلينا

أي نحن الأولى عرفوا بالنجدة والشجاعة, وعدم المبالاة بكثرة الأعداء. «ولا تحذف صلة حرف إلا ومعمولها باق» نحو قولهم: لا أفعله ما أن حراء مكانه, وما أن في السماء نجما, أي ما ثبت, - في المثالين - فحذف الفعل منهما, وهو (ثبت) وأبقي معموله, وهو أن وصلتها. وفي العبارة تسامح؛ لأن الصلة المجموع, لا الفعل فقط, فكان الأحسن أن يقال: وقد يحذف الفعل الواقع صدر صلة حرف [مع] مرفوعه, ويبقى المنصوب, نحو: (كل شيء أمم ما النساء وذكرهن) , أو بدون المرفوع, نحو: ما أن

حراء مكانه, و (أما أنت منطلقًا انطلقت). «ولا» يحذف «موصول حرفي إلا «أن» وحذفها نوعان: مطرد, نحو: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} وغير مطرد وهو نوعان: مع بقاء العمل, وبدونه, وقد روي قوله: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن ... أشهد اللذات هل أنت مخلدي بالوجهين, وكذا (تسمع بالمعيدي ... ) , والأرجح الرفع, وزعم

السيرافي أنه يجوز - في {يريد الله يبين لكم} - تقدير (كي). وهو مخالف لقول المصنف: (إلا أن). «وقد يلي معمول الصلة الموصول إن لم يكن حرفا, أو الألف واللام» مثل: جاء الذي زيدا ضرب, فإن كان حرفًا أو الألف واللام لم يجز. قال المصنف: وعلة ذلك أن امتزاج الحرف بصلته أشد من امتزاج الاسم بصلته, فلو تقدم معمولها كان تقديمه بمنزلة وقوع كلمة بين جزءي مصدر, وكذلك اشتد امتزاج الألف واللام. قال ابن قاسم: ولم يفصل المصنف في الحرف بين العامل وغيره, وفصل غيره, فأجاز ذلك في غير العامل نحو: عجبت مما زيدًا تضرب, ومنع في العامل نحو (أن) وتعليل المصنف يقتضي إطلاق / المنع. قلت: ومما يدل على أنه لا فرق في الموصول الحرفي بين العامل وغيره اتفاقهم على منع تقديم خبر (دام) عليها نفسها, مع اختلافهم في جمودها وتصرفها, وما أحسن قول المصنف: (وقد يلي) ولم يقل: وقد يتقدم معمول الصلة إن لم يكن الموصول حرفًا أو الألف واللام. لأن ذلك باطل لقوله تعالى: {والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} فإن المعطوف على الصلة صلة, وقد تقدم معمول الثانية, مع أن الموصول (ال) , فإن صلة (ال) تكون جملة فعلية, إذا لم تجاور (ال) , بل كانت معطوفة.

«ويجوز تعليق حرف جر قبل الألف واللام» الموصلة «بمحذوف دل عليه صلتها» نحو: {وكانوا فيه من الزاهدين} و: {إني لعملكم من القالين, {إني لكما لمن الناصحين} , {وأنا على ذلكم من الشاهدين} , فحرف الجر في ذلك وأمثاله متعلق بمحذوف تدل عليه الصلة, وغير المصنف يقدر: (أعني) , وليس بجيد. وإذا قدر على رأي المصنف: - مثلًا – زاهدين فيه من الزاهدين, فهل (من الزاهدين) صفة لزاهدين مؤكدة, كما تقول: عالم من العلماء, أو صفة مبينة [لا مؤكدة] , أي زاهدين, بلغ بهم الزهد إلى أن يعدوا في الزاهدين, لأن الزاهد قد لا يكون عريقًا في الزهد بحيث يعد في الزاهدين, إذا عدوا؟ , أو يكون خبرًا ثانيًا؟ كل ذلك محتمل. ولا يكون بدلًا من المحذوف لوجود (من) معه, وكلام ابن الحاجب صريح في أن التعلق في مثل ذلك بنفس الصلة لا بشيء محذوف, قال: - في أمالي القرآن في الكلام على قوله تعالى: {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} -.

الظاهر في (لكما) - في مثل هذا الموضع - أنه متعلق بـ (الناصحين) ونحوه, لأن المعنى عليه, ولا يرتاب في أن المعنى: لمن الناصحين لكما, وأن اللام إنما جيء بها لتخصيص معنى النصح بالمخاطبين, وإنما فر الأكثرون من ذلك, لما فهموا من أن صلة الموصول لا تعمل فيما قبل الموصول, والفرق عندنا أن الألف واللام لما كانت صورتها صورة الحرف المنزل جزءًا من الكلمة صارت كغيرها من الأجزاء التي لا تمنع التقدم, ففرق بينها وبين الموصولات بذلك, كما فرق بينهما بالاتفاق في جعل هذه الصلة اسم فاعل أو اسم مفعول؛ لتكون مع (أل) كالاسم الواحد, ولذلك لم توصل بجملة اسمية, وذلك واضح, ولا حاجة إلى التعسف. «ويندر ذلك» أي تعليق حرف جر واقع قبل الموصول بمحذوف تدل عليه الصلة. «في الشعر مع غيرها» أي غير الألف واللام, وأعاد الضمير مفردًا مؤنثًا باعتبار الأداة والكلمة. «مطلقًا» أي سواء كان الموصول مجرورًا [بمن] كقوله:

لا تظلموا مسورا فإنه لكم ... من الذين وفوا [في السر والعلن أي واف لكم من الذين وفوا]. أو كان الموصول غير مجرور بمن كقوله: وأهجو من هجاني من سواهم ... وأعرض منهم عمن هجاني التقدير: عمن هجاني منهم والمذكور مؤكد للمحذوف.

وقيل: التقدير: عن هاجي منهم, إذ تقدير اسم فاعل أسهل من حذف موصول وصلته. «و» يندر ذلك «معها» أي مع الكلمة التي هي الألف واللام «غير مجرورة بـ «من» , التبعيضية, [بذلك] قيدها المصنف في الشرح, وعلله بأن في ذلك إشعارًا بأن المحذوف بعض المذكور, فتقوى الدلالة عليه. ومثال ذلك – أعني / ما إذا كانت الألف واللام غير مجرورة بمن - قوله: تقول ودقت صدرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس

قال ابن قاسم: فـ (بالرحى) متعلق بمحذوف يدل عليه صلة (أل) , وهي متقاعس, والتقدير: متقاعسًا [بالرحى]. وتبع المصنف فإنه [قال]: أراد بعلي هذا كائنًا [بالرحى] , أو متقاعسًا بالرحى. قلت: الظاهر أن يقدر (متقاعس) أو (المتقاعس) , والمذكور بدل, وهو على قراءة ابن مسعود {وهذا بعلي شيخ} وعلى الأول يحتاج إلى أن يقدر (المتقاعس) خبرًا لمحذوف, وهو أمر لا داعي إليه.

الباب العاشر «باب اسم الإشارة»

الباب العاشر «باب اسم الإشارة» «وهو ما وضع لمسمى» جنس يشمل النكرة والمعرفة «وإشارة إليه» فصل أخرج ما عدا اسم الإشارة. والاعتراض بأن المضمرات وجميع المظهرات داخلة في هذا الحد, فلا يكون مطردًا؛ لأن المضمر يشار به إلى المعود عليه, والمظهر إن كان نكرة يشار به إلى واحد من الجنس غير معين, وإن كان معرفة فإلى واحد معين, يندفع بأن المراد بـ (الإشارة) الحسية, وما ذكر من الأسماء المنقوض بها ليست كذلك. وإنما لم يقل: - في الحد - وإشارة إليه حسية؛ لأن مطلق الإشارة حقيقة في الحسية دون الذهنية, وقضية هذا أن يكون الأصل في أسماء الإشارة أن (لا) يشار بها (إلا) إلى مشاهد محسوس قريب أو بعيد. فإن أشير بها إلى غير محسوس أو إلى محسوس غير مشاهد فلتصييره كالمحسوس المشاهد.

والاعتراض بلزوم الدور من حيث أخذ لفظ الإشارة في كل من المعرف والمعرف يندفع بأن الإشارة في قوله: (اسم الإشارة) جزء المحدود, ولا يلزم من توقف المحدود على الحد توقف جزء المحدود أيضًا عليه, إذ ربما تكون معرفة ذلك الجزء ضرورية أو مكتسبة بغير ذلك (الحد). «وهو» أي اسم الإشارة «- في القرب مذكرًا - ذا» و (هو) مبتدأ وخبره (ذا) , وما بينهما من متعلقات شيء محذوف, والتقدير: أعنيه في القرب [مفردًا] مذكرًا, والجملة معترضة, وقد ظهر بذلك وجه إعرابه. قال المصنف: والمشهور أن للمشار إليه ثلاث مراتب, وقيل له مرتبتان كالمنادى, وهو الصحيح, وقد سردتها على المشهور؛ لأنه الأسبق إلى أكثر الأذهان, فما عطفته بالواو فه لغة في المعطوف عليه, واقع في مرتبته, وما عطفته بـ (ثم) فهو في مرتبة تلي مرتبة المعطوف عليه. «ثم ذاك» بدون لام للمتوسط. «ثم ذلك» بلام «وآلك» بلام وهمزة مفتتح بما ممدودة كلاهما للبعيد, وينبغي أن يكون كل من الذال والهمزة أصلًا, وأن لا يكون أحدها بدلًا من الآخر, لتباعد ما بين طرف اللسان وأول مخارج حروف الحلق, ولم يذكر هذه الكلمة في القرب, ولا في التوسط, فكأنها

لم تستعمل إلا في البعيد, ولفظ (آ) يستعمل حرفًا لنداء البعيد, وهذا يسأل عنه في باب النداء, فيقال: في أي موضع يكون «آ» اسمًا؟ . هذا كله للمفرد المذكر. قال ابن قاسم: وقد يقال: - في القريب - (ذاء) بهمزة مكسورة بعد الألف, و (ذائه) بهاء مكسورة بعد تلك الهمزة, قال الراجز: هذائه الدفتر خير دفتر ... في كف قرم ماجدٍ مصدر وقد يقال: - في البعيد- (ذائك) بهمزة مكسورة بعد الألف. ومذهب البصريين أن (ذا) ثلاثي الوضع, قالوا: لتصغيره على (ذيا) بإعادة اللام. قلت: قد يعارض بما قاله ابن يعيش من أنك إذا سميت به تقول: (ذاء) , فتزيد ألفًا أخرى, ثم تقلبها همزة, كما تقول: (لاء) إذا سميت بـ (لا) , وهذا حكم الأسماء التي لا ثالث لها وضعًا إذا كان ثانيها ألفًا وسمي بها, ولو كان أصله ثلاثة قلت: (ذاي) ردًا له إلى أصله.

وعلى قولهم فهل المحذوف العين أو اللام, لأنها طرف وهل الألف منقلبة عن ياء والمحذوف ياء, فيكون من باب (حي) , أو عن واو والمحذوف ياء, فيكون من باب (طويت؟ . وهل وزنه (فعل) بتحريك العين وهو الأظهر - أو (فعل) بإسكانها؟ في ذلك كله خلاف. وقال الكوفيون: ألف (ذا) زائدة. ووافقهم السهيلي احتجاجًا بقولهم: ذان وذين في التثنية, فالألف والنون, والياء والنون للتثنية, فلم يبق إذن إلا الذال. ورد بأن الألف حذفت لالتقاء الساكنين, ولذا شددت النون عوضًا منها, ورد أيضًا بأن هذه صيغة مرتجلة للاثنين غير مبنية على واحد, فـ (ذان) صيغة الرفع و (ذين) صيغة أخرى للنصب والجر ولا يخفى أن هذه دعوى على خلاف الظاهر. «وللمؤنثة» المفردة «تي» بتاء مكسورة فياء ساكنة, «وتا» بتاء فألف. «وته» بتاء مكسورة فهاء ساكنة «وذي» بذال معجمة مكسورة فياء ساكنة. وذه» بذال معجمة [مكسورة] فهاء ساكنة. «وتكسر الهاءان» من ته وذه «باختلاس» والمراد به عدم الإشباع لا اختطاف الحركة [باختلاس]. «وإشباع» فيتولد ياء ساكنة بعد كسرة الهاء. «وذات». قال ابن هشام: هي في [بعض] النسخ مضبوطة بكسر التاء, ولست

على يقين من ذلك, فإن صح فتكون حركة التقاء الساكنين, وهو ظاهر كـ (غارق). فهذه عشرة ألفاظ للمؤنثة المفردة في حال القرب. «ثم تيك» بكسر التاء. «وتيك» بفتحها, وهذا يقضي بجواز «تي» بفتح التاء للقريب, اللهم إلا أن يدعى أن هذه مختصة بالمتوسط والبعيد, وهو بعيد, لكن يؤنس به قولهم: (آلك) في البعيد خاصة. «وذيك» بكسر الذال, وأنكرها ثعلب, فعلى قوله هي عكس آلك وتيك بفتح التاء؛ حيث لم يستعملا في القريب واستعملا في غيره. فهذه ثلاثة ألفاظ للمؤنثة المفردة في حال التوسط. «ثم [تلك» بتاء مكسورة فلام ساكنة. «وتلك» بتاء مفتوحة فلام ساكنة. «و] تيلك» بتاء مسكورة فياء ساكنة فلام مكسورة حكاها الفراء وأنشد شاهدًا على ذلك قول الشاعر: بآية تيلك الدمن الخوالي ... عجبت منازلا لو تنطقينا «وتالك» بتاء فألف فلام مكسورة كقول القطامي:

تعلم أن بعد الغي رشدا ... وأن لتالك الغمر انقشاعا فهذه أربعة ألفاظ للمؤنثة المفردة في حال البعد, وأصل الاسم فيهن تي وتا, لما التقى ساكنان حذفوا المعتل تارة وكسروا الصحيح أخرى. «وتلى الذال» من (ذا) «والتاء» من (تا) «في التثنية علامتها» وهي الألف والنون أو الياء والنون, كما ولي الذال من (الذي) والتاء من (التي) علامة التثنية. «مجوزًا تشديد نونها» مع الألف والياء, كما كان ذلك في اللذان واللذين واللتان واللتين, لكن هنا لا يجوز حذف النون, وفي اللذان واللتان يجوز حذفها, لأن هناك طولًا بالصلة, ولا يحصل إلباس بالواحد, وهنا لا طول, ويوجد الإلباس [به].

ثم تشديد هذه النون مع الألف والياء هو مذهب الكوفين, وهو مختار المصنف, ولذا أطلق. ومذهب البصريين منع التشديد إلا مع الألف, وقرأ بعضهم: (هذأن) (واللذأن) بالهمزة وتشديد النون, وهي لغة من جد في الهرب / من التقاء الساكنين. ثم قال بعضهم: التشديد عوض من الألف المحذوفة وهو حسن. وقال المبرد, النون الثانية بدل من اللام في ذلك وتالك, كأنه أدخل اللام مكسورة بعد نون التثنية, لأن اللام تدخل بعد تمام الكلمة, كما في ذلك وأولا لك, فاجتمع المتقاربان فقلبت اللام نونًا, والقياس في الإدغام قلب أول المثلين إلى الثاني, لأن المراد تغييره عن حاله بالإدغام في الثاني, فتغييره بالقلب أولى, وإنما قلبت هنا الثانية إلى الأولى لتبقى النون الدالة على التثنية. «وتليها» أي وتلي النون [فيهما] «والكاف وحدها» أي مجردة من اللام

«في غير القرب» فيقال في المرتبة الوسطى والبعدى جميعًا - ذانك وتانك, وذينك وتينك بالتخفيف والتشديد, هذا رأي المصنف, وذكر المغاربة أنه يقال: - في المرتبة الوسطى - ذانك وتانك بتخفيف النون, وفي البعدى ذانك وتانك بتشديدها, وذانيك وتانيك بياء بعد النون حفيفة, وقد سبق أن البصريين لا يجيزون التشديد مع الياء, فإذا أرادوا البعد معها قالوا: ذينيك وتينيك. «وقد يقال: ذانيك» كما روى عن ابن كثير أنه قرأ: (فذانيك) بنون خفيفة بعدها ياء, كذا قال المصنف, وبعضهم يزعم أن الياء في هذه الكلمة بدل من النون الثانية, وفي نظر, لأن النون الأولى [كانت] ساكنة, وهذه النون مكسورة, والنون الثانية كانت مكسورة, وهذه ساكنة, وقد يقال: إن النون الأولى إنما كانت ساكنة للإدغام, وقد زال, فرجعت إلى أصلها من الكسر, وعلى هذا فتكون المدغمة هي نون التثنية, والمدغم فيها هي الزائدة, ويؤيده أننون التثنية لا تفصل من علامتها. ويجاب عن الثاني بأن التحريك كان لأجل الإدغام في النون, وقد

زال, وبأن الحركة تستثقل على حرف العلة فخفف, وقد يّدعي أن نون التثنية أشبعت فتولدت الياء, ويؤيده أن المهدوي حكى: (ذانيك) بالتشديد والياء, وهذا إشباع لا غير. «وفي الجمع مطلقًا» أي سواء كان لمذكر أو لمؤنث, لعاقل أو غيره, «أولاء» بالمد وضم الهمزة الأولى, وكسر [الهمزة] الأخيرة, فتقول: أولاء ذهبوا في المذكر وأولاد ذهبن - في المؤنث - وتقول: - أيضًا في غير العاقل - أولاء الأيام انقرضت. قال: ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام

وهذا في القرب, أعني أولاء المجرد «وقد ينون» كما حكاه قطرب فيما ذكره المصنف, وخالفه قائلًا: الصواب أنه زاد نونًا, كما زيدت النون في صيفن, إلا أن ذاك اسم معرب, فصارت النون حرف إعراب, وهذا الاسم مبني, فسكنت نونه, وإلا فليس هذا شيئًا من أقسام التنوين. وفيه نظر: أما أولًا - فلأن قطربًا إذا نقل أن هذا تنوين, فمعناه أن قائله يثبته وصلًا, ويحذفه وقفًا, فلا يتأتى تأويله بما ذكر. وأما ثانيًا - فلأن الرضي ادعى أن التنوين فيه للتنكير, فيكون من أقسام التنوين المعروفة, [وقد] قال: والتنوين فيه للتنكير, كما في صهٍ, وإن كان أولاء معرفة, فيكون فائدتها البعد حتى يصير المشار إليهم كالمنكورين. قلت: وفيه بحث لا يخفى. «ثم أولئك» بالمد مع وجود الكاف في التوسط «وقد يقصران» أي أولاء المستعمل للقريب وأولاء المستعمل للمتوسط. وفي قوله: (يقصران) مسامحة بالنسبة إلى الاصطلاح؛ إذ المقصود عندهم ما كان حرف إعرابه ألفا لازمة, وأولاء مبني, فالألف التي / هي آخره ليست

حرف إعراب, بمعنى أنها محل للإعراب, وإنما الذي في محل الإعراب الكلمة بأسرها. وقد يقال: إنما يتم هذا أن لو أطلق لفظ المقصور, وهو لم يطلقه وأما مثل قولك: تقصر الكلمة, [أي] لا تمد ألفها, فلا نسلم أن فيه مسامحة, بل استعماله عندهم شائع, ولا تجوز [فيه]. «ثم أولالك [على رأي]» في البعد, بألف تليها لام «وعلى رأي أولاء» بالمد للقريب «ثم أولاك» بالقصر للمتوسط «ثم أولئك» بالمد «وأولالك» بالقصر واللام, وكلاهما للبعيد, وكلامه يوهم أن القصر لا يجوز على هذا المذهب في القرب, وأن المد لا يجوز في التوسط, وهذا له اتجاه, وهو قصد الفرق بينه وبين البعد, كما أن البعد لا يجوز معه القصر, إذ لم يؤت باللام لقصد الفرق المذكور. «وقد يقال هلاء» بقلب الهمزة هاء, كما قالوا: - في إياك - هياك, بل هذا أولى لثقل الضم. «وأولاء» بضم الهمزتين الأولى والأخيرة.

«وقد تشبع الضمة قبل اللام» فتتولد واو ساكنة, فيقال: أولاء, مثل طومار, وهاتان اللغتان غربيتان حكاهما قطرب. «وقد يقال: هؤلاء» على مثال توراة, حكاها أبو علي الشلوبين عن بعض العرب, وأنشد: تجلد لا يقل هوْلاء هذا ... بكى لما بكى أسفًا علينا وخرجه في الخاطريات: على أن الأصل هاؤلاء, فحذفت الألف ثم شبه هؤلاء بعضد, فسكن ثم أبدل الهمزة واوًا - وإن كانت ساكنة بعد فتحة - تنبيهاً على حركتها الأصلية, ومثله في المعتل قول بعضهم: - في بئس - بيس بياء ساكنة بعد الباء. وأسهل من ذلك أن يقال: أبدلت الهمزة من هاؤلاء واواً على غير

قياس, ثم استثقلت الضمة على الواو, فأسكنت فحذفت الألف لالتقاء الساكنين, وإذا كانت قد حذفت بغير موجب في قوله: وأتى صواحبها فقلن هذا الذي ... منح المودة غيرنا وجفانا في قول, فهذا أجدر. والقول الآخر في البيت: أن الأصل إذا الذي, فأبدلت همزة الاستفهام هاء. «وألاك» بهمزة مضمومة فلام مشددة, حكاها بعض أهل اللغة, وعليه قوله: * من بين ألاك إلى ألاكا* وهي للمتوسط. «ومن لم ير التوسط» وهو الصحيح عند المصنف, وادعى أنه ظاهر كلام المتقدمين «جعل المجرد» عن اللام والكاف «للقرب, و»

جعل «غيره» أي غير المجرد, وهو ما صحب اللام والكاف جميعًا أو أحدهما «للبعد» فليس ثم إلا مرتبتان فقط. «وزعم الفراء أن ترك اللام لغة تميم». قال ابن هشام: إنما قال الفراء إنه لغة أهل نجد من تميم وقيس وأسد وربيعة, فذكر أربع طوائف لا طائفة واحدة. قال المصنف في الشرح: روى أن بني تميم يقولون ذاك وتيك بلا لام, حيث يقول الحجازيون ذلك وتلك باللام, وأن الحجازيين ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا لام, فيلزم من هذا أن اسم الإشارة على اللغتين ليس له إلا مرتبتان: إحداهما - للقرب. والأخرى - للبعد, لأدناه وأقصاه. انتهى. وهذا إيضاح لا مزيد عليه. وإنما أورد المصنف هذا النقل عن الفراء, ليرد به قول من زعم أن المراتب ثلاث. وأورد في الشرح [أيضًا] نقلًا آخر عن الفراء رد به على من قال في (ألاء) بالمد والقصر في المراتب الثلاث, فقال: حكى الفراء أن القصر في (أولاء) وأولائك لغة بني تميم, وأن المد لغة الحجازين, فظهر بطلان

قول من زعم أن القصر يتعين في البعد لتدخل اللام, بخلاف القرب والتوسط, فيجوز معهما المد والقصر؛ إذ لا لام في التوسط, ولا كاف ولا لام في / القرب, وعلى من قال: يتعين القصر في التوسط, ليكون الإخلاء من اللام مع التمكن منها دليلًا, ويجوز في البعد الوجهان؛ لتكون اللام مع القصر في مقابلة المد, ويتعين المد في القرب, وتضمن الرد على الفريقين مدعاه أنه ليس إلا قرب وبعد قال: والأخذ بقول الفراء أولى, لأن مستنده رواية ومستند غيره رأي. وأبدى للاستدلال على رأيه وجوهًا أخر أضربنا عنها, لأنها ليس فيها ما يقوى على المطلوب قوة هذا, بل فيها ما هو ضعيف جدًا.

«ويصحب (ها) التنبيه المجرد» من الكاف «كثيرًا» نحو: هذا وهذي. و(ها) المذكور ليس بعد ألفه همزة, وإنما هو علم على الكلمة المركبة من هاء فألف, ثم نكر وأضيف إلى التنبيه, ليتضح المراد به, كقوله: علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم

ولا يصح أن يضبط بهمزة بعد الألف, إذ ليس لنا هاء تكون للتنبيه أصلًا «و» يصحب «المقرون بالكاف دون اللام قليلا» نحو: هذاك, وأطلق هنا, وقديه في الشروح بأن لا يكون مثنى ولا مجموعًا, فلا يجوز: هذانك ولا هؤلائك, ويرد عليه في الجمع قوله: ............................ ... من هاؤليائكن الضال والسمر فتبين أن كلامه في الأصل والشرح معترض. وزعم ابن يسعون: أن (تي) لا تستعمل إلا بـ (ها) قبلها,

وبالكاف بعدها كقوله: قد احتملت مي فهاتيك دارها ............................ فعلى هذا لا تكون (تي) للقريبة, كما أن ثم في - المكان كذلك, لكن تلك بذاتها و (هاتيك) بغيرها, وإن صح ما قاله فيسأل: في أي موضع يلزم حرف التنبيه في الإشارة؟ . ولكن في حديث عائشة رضي الله عنها:

(كيف تيكم؟ ) أو (كيف تيكن؟ ) الشك مني الآن. «وفصلها» يجوز أن تكتب متصلة هكذا على أن (ها) ضمير غيبة يعود إلى الكلمة السابقة, وهي (ها) الموضوعة للتنبيه, وأن تكتب منفصلة على أنها اسم ظاهر أريد به مسماه الذي هو حرف تنبيه, والمعنى أن (ها) [التي] يراد بها التنبيه. تفصل «من» اسم الإشارة «المجرد» عن كاف الخطاب «بـ (أنا) وأخواته» من الضمائر «كثير» وحرف الجر متعلق بالمصدر من قوله: (وفصلها) , و (كثير) خبر عنه نحو: ها أناذا, [وها أنا ذي] وها نحن أولاء. قال تعالى: (ها أنتم أولاء) وفي حديث السائل عن أوقات الصلاة:

(ها أنا يا رسول الله) , ولا يقال: ها أنا ذاك, لأنه غير مجرد, وأما ها أنا ذلك فممتنع من أصله مع اللام, وينبغي لمن زعم أن التنبيه إنما دخل على الضمير أن يجيزه, وأن يجيز: (ها أنا ذلك) , وإنما امتنع عند الأولين - مع أن التنبيه يدخل على ذلك - لأن لحاق (ها) له قليل كقوله: .................................. ... ولا أهل هذاك الطراف الممدد

فلما كان دخولها في الأصل ضعيفًا لم يحتمل التوسع والله أعلم. «وبغيرها» أي بغير أنا وأخواته «قليل» كقوله: ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت لها: هذا لها ها وذاليا ففصل بينهما بالعاطف, والأصل: وهذا ليا, كذا قالوا. قلت: وفيه تعسف بتقديم بعض ما في حيز العاطف عليه, ويظهر لي أن (ها) هذه اسم فعل بمعنى خذي ولا غبار عليه. ويظهر [لي] أيضًا في كلام المصنف انتقاد من جهة أن لنا صورتين يقع فيهما الفصل بين (ها) التنبيه واسم الإشارة, وليس شيئًا من (أنا) وأخواته, ومع ذلك هو كثير لا قليل:

إحداهما - الكاف, نحو: (أهكذا [عرشك]) ونحو قوله: * ما هكذا يا سعد [نورد] الإبل * ويستعمل ذلك على الأصل كقوله: ويلمها في هواء الجو طالبة ... ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب

الثانية اسم الله تعالى في القسم عند حذف [حرف] الجر منه نحو: (لا ها الله ذا) يقال بقطع الهمزة ووصلها, وكلاهما مع إثبات الألف من (ها) وحذفها. «وقد تعاد» (ها) التنبيه «بعد الفصل توكيدًا» كقوله [تعالى]: {ها أنتم هؤلاء}. وظاهر هذا مخالف لكلام سيبويه, فإن قال: وقد تكون (ها) في

[ها] أنت ذا غير مقدمة, ولكنها بمنزلتها في (هذا) , يدلك على ذلك قوله تعالى: {ها أنتم هؤلاء} , فلو كانت المقدمة مصاحبة (أولاء) لم تعد مع (أولاء) , وكلام المصنف يدل على أنها قدمت ثم أعيدت توكيدًا. «والكاف» المصاحبة لأسماء الإشارة «حرف خطاب» بلا خلاف بين النحاة. «يبين أحوال المخاطب كما يبينها إذا كان اسمًا» من إفراد وتثنية وجمع, وتذكير وتأنيث, فتقول: ذاك وذاك وذاكما وذاكم وذاكن, كما تقول: أكرمك وأكرمك وأكرمكما وأكرمكم وأكرمكن. والحامل للجماعة على ادعاء الحرفية فيها أنها تجردت عن معنى الاسمية, ودخلها معنى الحرفية أي إفادتها [معنى] في غيرها, وتلك الفائدة هي كون اسم الإشارة الذي قبله مخاطبًا به واحد أو مثنى أو مجموع, مذكرًا أو مؤنثًا, فصار حرفًا وإن بقي فيه التصرف الذي كان له في حالة الاسمية, من كونه مفردًا أو مثنى أو مجموعًا, ومذكرًا أو مؤنثًا. وأورد الرضي عليه أن لنا أسماء كثيرة مفيدة للمعنى في غيرها, كأسماء الاستفهام والشرط, مع بقائها على الاسمية, فهلا كان كاف الخطاب كذلك! ! . وأجاب: بأن بينهما فرقًا, وذلك أن أسماء الاستفهام والشرط دالة على

معنى في نفسها, ودالة على معنى في غيرها, وكاف الخطاب الحرفية لا تدل إلا [على] معنى في غيرها, وتقرر أن الحد الصحيح للحرف أن يقال: هو الذي لا يدل إلا على معنى في غيره. ولا يقال: هو ما دل على معنى في غيره. «وقد يغني "ذلك" عن "ذلكم"» أي يكتفى في خطاب جمع المذكر بكاف الخطاب مفتوحة كما يخاطب المفرد المذكر, نحو: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم} {ذلك خير لكم}. ووجه ابن الباذش الإفراد مع خطاب الجماعة بأمرين: أحدهما - أنه أقبل على خطاب واحد من الجماعة لجلالته مع أن المراد الجميع. والثاني - أنهم خوطبوا كلهم على معنى اسم مفرد يشملهم, فكأنه قيل: يا فريق, أو يا جمع. قال: وقد يجوز على هذا الوجه الإفراد والتأنيث بتأويل الفئة والفرقة. انتهى. وحكى غير المصنف لغتين أخريين. إحداهما - الاكتفاء بكاف مفتوحة مفردة مطلقًا.

والثانية - الاكتفاء بها لكل مذكر, وبكاف مكسورة مفردة لكل مؤنث. وإذا ثبت ذلك ففي كلام المصنف تقييد مضر, والصواب. (وقد يغني "ذلك" عن غيره). وفي تفسير الثعلبي - في قوله تعالى: {ذلك يوعظ به} الآية -: الأصل في (ذلك) أن تكون الكاف بحسب المخاطب, ثم كثر حتى توهموا أن الكاف من نفس الحرف, فقالوا: (ذلك) بكاف موحدة مفتوحة في الاثنين والجمع والمؤنث. «وربما استغني عن الميم بإشباع ضمة الكاف» كقوله: * وإنما الهالك ثم الهالك * * ذو حيرة ضاقت به المسالك * * وهل يكون النوك إلا ذلك *

[كذلك] أنشده بعض الكوفيين. قال المصنف: فأشبع الضمة واستغنى عن الميم بالواو الناشئة عن الإشباع. وفي شرح ابن قاسم: قيل والأبيات تتزن بالإسكان / فإن كان معتمده في الضم الرواية فهو من باب تغيير الحركة لأجل القافية, فلا حجة فيه يعني لاحتمال أن يكون كاف الخطاب من (ذلك) مفتوحة أو مكسورة, ولكنها ضمت لمكان القافية. قلت: وهذا اعتراض ساقط. «وتتصل بـ " أرأيت" - موافقة أخبرني -» لا التي بمعنى (أعلمت؟ ) فهذه تكون الكاف معها ضمير المفعول, وتجب فيها وفي التاء المطابقة, فتقول: [أرأيتك منطلقًا]؟ , أرأيتك منطلقة؟ أرأيتماكما [منطلقين] أو منطلقتين؟ , أرأيتموكم منطلقين؟ , أرأيتكن منطلقات؟ .

ويقال: - في جوابهن - (نعم) أو (لا) , فإن كانت بمعنى أخبرني, فإنها تتصل بها «هذه الكاف مغنيًا لحاق علامات الفروع بها» أي بالكاف, نحو: أرأيتك زيدًا ما صنع, وأريتكما بكرًا ما فعل؟ , وأريتكم خالدًا ما ارتكب؟ , وأريتكن هندًا ما عملت؟ . «عن لحاقها بالتاء» فإنها تكون – حينئذ - اسمًا مجردًا عن الخطاب, ملتزمًا فيها لفظ الإفراد والتذكير. ويستفاد - من قول المصنف: (ويتصل بأرأيت) أنه لا يلزم - في أرأيت [التي] , بمعنى أخبرني - أن تتصل بها الكاف, لأنه أثبت لها هذا المعنى قبل أن تلحقها الكاف, فدل على أن إفادتها ذلك المعنى سابق على وجود الكاف, لا موقوف عليه, وهو في التنزيل [نحو]: {قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره} الآية. قال ابن هشام: و (أرأيت) هذه منقولة من (أرأيت؟ ) بمعنى (أعلمت؟ ) , لا التي بمعنى أبصرت, ألا ترى أنها تتعدى إلى مفعولين؟ وهذا من الإنشاء المنقول إلى إنشاء آخر. يعني أن هذا الكلام كان أولًا لإنشاء هو الاستفهام, ثم صار لإنشاء هو الأمر, إذ هو بمعنى أخبر. وفي شرح الكافية للرضي الإستراباذي ما نصه: و (أرأيت) بمعنى

أخبر, وهو منقول من (أرأيت) بمعنى (أأبصرت) أو (أعرفت) , كأنه قيل: أأبصرته وشاهدت حاله العجيبة أو أعرفتها؟ أخبرني عنها, فلا تستعمل إلا في الاستخبار عن حالة عجيبة, وقد يؤتى بعده بالمنصوب الذي كان مفعولًا به نحو: أرأيت زيدًا ما صنع؟ , وقد يحذف نحو: {أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله} الآية و (كم) ليس بمفعول, بل حرف خطاب, ولابد - سواء أتيت بذلك المنصوب أو لم تأت - من استفهام ظاهر أو مقدر يبين الحال المستخبر عنها: فالظاهر نحو: أرأيت زيدًا ما صنع؟ و {أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله [بغتة] [أو جهرة هل يهلك} , والمقدر كقوله تعالى: {أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني} أي أرأيتك هذا المكرم, لم كرمته علي؟ , وقوله: {لئن أخرتني} كلام مستأنف, وقد تكون الجملة المتضمنة للاستفهام جوابًا للشرط كقوله: {أرأيتكم إن أتاكم} الآية, وقوله: {أرأيت الذي ينهى. عبدًا إذا صلى} إلى قوله: {ألم يعلم [بأن

الله يرى} , وقوله: {أرأيت إن كان} كرر (أرأيت) للتأكيد, ولا محل للمتضمنة معنى الاستفهام؛ لأنها مستأنفة لبيان الحال المستخبر عنها, كأن المخاطب قال: - لما قلت: أرأيت زيدًا؟ - عن أي شيء من حاله تستخبر, فقلت: ما صنع؟ , فهو بمعنى [قولك]: أخبرني عنه ما صنع؟ . وليس الجملة المذكورة مفعولًا ثانيًا لـ (أرأيت) , كما ظن بعضهم. انتهى. قلت: وفيه أمور منها: أنه لم يبين وجه نصب (زيد) في مثل: (أرأيت زيدًا ما صنع؟ ) , فإنه لا يصح أن يكون منصوبًا على إسقاط الخافض, [أي أخبرني عن زيد, وإن كان في كلامه ما يشير إلى هذا الوجه, وذلك لأن النصب على إسقاط الخافض] ليس بقياس في مثل هذا, ولا مفعولًا به لـ (أرأيت)؛ لأن معنى الرؤية قد انسلخ عن هذا اللفظ, ونقل إلى طلب الإخبار. والذي يظهر لي أنه على حذف مضاف, أي خبر زيد أو حاله, كأنك قلت: أخبرني خبر زيد, ثم حذف المضاف, لدلالة الاستفهام على أن المطلوب معرفة خبرة لا ذاته. ومنها [أن] قوله: إن الجملة الاستفهامية قد تكون جوابًا للشرط, مستشهدًا على ذلك بقوله تعالى: {أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون} مشكل؛ لعدم اقترانها بالفاء, والاقتران

بها في مثل ذلك واجب, وكذلك في الآية الأخرى. ومنها أن كلامه مخالف لكلام ابن هشام من وجهين: أحدهما - جعله (أرأيت) منقولًا من (أرأيت؟ ) بمعنى (أأبصرت؟ ) أو (أعرفت؟ ). والثاني - أنها ليست بمتعدية إلى مفعولين, وأن الجملة المذكورة بعدها مستأنفة, لا مفعول ثانٍ. «وليس الإسناد إليها» أي إلى الكاف «مزالا عن التاء» إلى الكاف «خلافًا للفراء» فإنه يرى أن التاء حرف خطاب, وأن الكاف فاعل؛ لكونها المطابقة للمسند إليه كما عرفت. ورده المصنف بأن الكاف استغنى عنها, والتاء لا يستغنى عنها, وما لا يستغنى [عنه] أولى بالفاعلية, وأيضًا فالتاء محكوم بفاعليتها مع [غير] هذا الفعل بإجماع, والكاف بخلاف ذلك, فلا يعدل عما ثبت لهما دون دليل.

وقد رجع في كتاب التوضيح إلى مذهب الفراء, فخرج: (ما عسيتهم أن يفعلوا بي؟ ) على أن التاء حرف خطاب والهاء والميم فاعل, أي ما عسوا, و (أن يفعلوا) ساد مسد مفعولي (عسى) , لتضمنها معنى (حسب). قال: وبهذا ينتصر الفراء في (أرأيتك). وكان ينبغي للمصنف أن يحكي هنا أيضًا مذهب شيخ الفراء, وهو الكسائي, فإنه يقول: التاء فاعل, والكاف مفعول. «وتتصل» الكاف المذكورة «أيضًا بـ " حيهل "». في المحكم: قال أبو عبيدة سمع أبو مهدية رجلًا من العجم يقول

لصاحبه: زوذ, فسأل أبو مهدية عنها, فقيل له: يقول عجل, فقال أبو مهدية: فهلا قال: حيهلك؟ فقيل له: ما كان الله ليجمع لهم إلى العجمية العربية. «والنجاء» بمعنى أسرع. «ورويد» بمعنى أمهل. قال ابن قاسم: واحترز بقوله «أسماء أفعال» من أن يكون (النجاء) و (رويد) مصدرين, وسيأتي ذكرهما في باب أسماء الأفعال. قلت: فيصير الاحتراز بالنسبة إلى (حيهل) ضائعًا, فعلى هذا لو قال: اسمي فعل لكان حسنًا. «وربما اتصلت» هذه الكاف «بـ " بلى " وأبصر» [فعل] أمر «وكلا» التي هي حرف زجر وردع. «و " ليس " و " نعم" و " بئس" و " حسبت "». فتقول: بلاك, وأبصرك, وكلاك, وليسك, ونعمك, ويشك, وحسبتك, وهذا كله شاذ, وحمل عليه الفارسي قوله:

لسان السوء تهديها إلينا ... وحنت وما حسبتك أن تحينا لئلا يلزم الإخبار عن اسم العين بالمصدر, وقيل: يحتمل كون (أن) وصلتها بدلًا من الكاف سادا مسد المفعولين, كقراءة حمزة: {ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم} بالخطاب. «وقد ينوب ذو البعد عن ذي القرب؛ لعظمة المشير» نحو: {وما تلك بيمينك يا موسى}. «أو» لعظمة «المشار إليه» نحو: {فذلكن الذي لمتنني فيه} بعد أن أشار إليه النسوة بـ (هذا) حيث قلن: {ما هذا بشرا} والمجلس واحد, وذلك لأن يوسف عليه [الصلاة و] السلام كان عند امرأة العزيز أعظم منزلة منه عند النسوة, فأشارت إليه بما يشار [به] إلى البعيد, إجلالًا وإعظامًا.

«وذو القرب عن ذي البعد لحكاية الحال» نحو: {هذا من شيعته وهذا من عدوه}. «وقد يتعاقبان مشارًا بهما إلى ما ولياه» كقوله / تعالى: - متصلًا بقصة عيسى عليه السلام - {ذلك نتلوه عليك} , ثم قال: {[إن] هذا لهو القصص الحق}. «وقد يشار بما للواحد إلى الاثنين» كقوله تعالى: {عوان بين ذلك} أي بين الفارض والبكر [ومنه قول الشاعر: إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل أي كلا ذينك الأمرين الخير والشر]. «وإلى الجمع» كقوله: [وبينا الفتى يرجو أمورًا كثيرة ... أتى قدر من دون ذاك متاح ومنه قول الشاعر]:

ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس كيف لبيد؟ أي هؤلاء الناس, ولا يخفاك أن هذه الشواهد محتملة للتأويل, فلا يثبت المدعى بمجردها. «ويشار إلى المكان بـ (هنا)» نحو قولك: اجلس هنا. «لازم الظرفية» بحيث لا يخرج عنها بأن يكون فاعلًا أو مفعولًا به أو مبتدأ أو نحو ذلك. «أو» لازم «شبهها» أي شبه الظرفية, بأن يجر ببعض حروف الجر قال الراجز: قد أقبلت من أمكنة ... من ها هنا ومن هنه

وتقول: تعال إلى هنا. «ومعطى ما لـ " ذا "» أي مالكلمة (ذا) المشار بها «من مصاحبة» لـ (ها) التنبيه, فتقول: ها هنا, كما تقول: (هذا .. ولكاف الخطاب, فتقول: هناك, كما تقول): ذاك. وللكاف واللام معًا فتقول: هنالك, كما تقول: ذلك. «وتجرد» عن مصاحبة ما ذكر, فتقول: هنا, كما تقول: ذا. «وكـ " هنالك" (ثم) و "هنا" بفتح الهاء وكسرها» [والتشبيه] في أمور ثلاثة: أحدها الإشارة, والثاني - كونها للمكان. والثالث كونها للبعيد منه. وعلم من هذا أنهما لا تلحقهما كاف ولا لام, لأنهما يدلان على البعد بوضعهما له, فلا اشتراك فيهما, وهذا أخذ من تشبيههما بـ (هنالك) , أعني بقيد الكاف, ولو شبها به مجردًا لم يكن صحيحًا. وعلم من ذلك أيضًا أنهما يلزمان الظرفية أو شبهها.

وانظر (ثم) في قول العلماء: ومن ثم كان كذا. هل معناها معنى (هنا لك) , أو معنى (هنا) التي للقريب؟ والظاهر هو الثاني. «وقد يقال: " هنت " موضع " هنا"» كقول الشاعر: * وذكرها هنت ولات هنت * قال المصنف: أراد (هنا) ولات (هنا). «وقد تصحبها الكاف» أي تصحب (هنا) بفتح الهاء وكسرها مع تشديد النون, وهي التي أول الكلام فيها, ولا يرجع الضمير إلى (هنت) بالتاء, وإن كانت أقرب مذكور, فيقال: هناك وهناك. «وقد يراد بـ " هناك" و " هنالك " و " هنا " الزمان» فالأول كقول الأفوه الأودي:

وإذا الأمور تعاظمت وتشابهت ... فهناك يعترفون أين المفزع والثاني كقوله تعالى: {هنالك ابتلي المؤمنون} أي في ذلك [الزمان] وقبله: {إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} كذا استدل المصنف, ونوزع بأن تطرق الاحتمال لإرادة المكان يما ذكره ثابت, وكأنه قيل: في ذلك المكان الذي كان جاء لكم في زمانه كذا وكذا. والثالث كقوله: حنت نوار ولات هنا حنت ... وبدا الذي كانت نوار أجنت

و (هنا) - عند المصنف - إشارة إلى زمان, وهو منصوب على الظرفية, و (حنت) في موضع رفع بالابتداء, وخبره الظرف قبله, وأخبر عن الفعل مؤولًا بالمصدر, والتقدير: ولا حنان في هذا الوقت, وأحسن من ذلك أن يقال: إن (هنا) مضافة إلى الجملة الواقعة بعدها, فهي بمعنى (حين) , واسم (لا) محذوف, أي حنت نوار وليس الوقت حين حنينها. «وبني اسم الإشارة لتضمن معناها» وهي من جملة المعاني كالاستفهام, وكان حقها أن يوضع لها حرف يدل عليها, وذلك أن عادتهم جارية في كل / معنى يدخل الكلام أو الكلمة أن يوضع له حرف يدل عليه كالاستفهام في: أزيد قائم؟ , والنفي والتمني والترجي والابتداء والانتهاء والتنبيه والتشبيه الموضوع لها حروف النفي و (ليت) و (لعل) و (من) و (إلى)

و (ها) وكاف الجر, أو يوضع لها ما يجري مجرى الحرف في عدم الاستقلال, كالإعراب الدال على المعاني المختلفة, وكتغيير الصيغة في الجمع والمصغر والمنسوب وفي الكلمات المشتقة [من شيء]: كضرب ويضرب وضارب ومضروب من الضرب, وكذا المعنى العارض في المضاف إنما هو بسبب حرف الجر المقدر بعده. وفي أسماء الإشارة معنى الإشارة, ولم يوضع لهذا المعنى حرف فبنيت لتضمنها معنى الحرف الذي كان ينبغي أن يوضع. قال المصنف: وهذا السبب يقتضي بناء كل اسم إشارة, لكن عارضه في (ذين) و (تين) شبههما بمثنيات الأسماء المتمكنة, فأعربا. وقد عرفت أن ثم من يقول: إن (ذان) و (تان) صيغتان مرتجلتان للرفع, و (ذين) و (تين) [صيغتان مرتجلتان] للنصب والجر. وكان الأحسن أن لو قال المصنف: (لتضمن معنى حرفها)؛ لأن المقتضى للبناء تضمن معنى الحرف, لا مطلق تضمن المعاني, لكن قد علم أن الإشارة من معاني الحروف, فكأنه قال ذلك. «أو» بني اسم الإشارة «لشبه الحرف وضعًا» , لأن منه ما وضع على حرفين كـ (ذا) و (ذي) , ثم حملت البواقي عليه؛ لأنها فروع «وافتقارًا» وذلك أن اسم الإشارة يحتاج في إبانة مسماه إلى مواجهة أو ما يقوم مقامها, فهو إذن كالحرف في افتقاره إلى غيره.

الباب الحادي عشر «باب المعرف بالأداة»

الباب الحادي عشر «باب المعرف بالأداة» «وهي «أل» فيكون حرفًا ثنائي الوضع كـ (هل) , والتعبير عنها - حينئذ - بذلك أولى من قولهم: (الألف واللام) , لسلامته من التطويل, لجريانه على المعهود في نظائره, نحو: هل حرف استفهام, وقد حرف تحقيق. ولا يخفى أن كلام المصنف يقتضي أن المفيد للتعريف هو (أل) بكمالها. «لا اللام وحدها» وليس للألف مدخل في أصل الوضع. «وفاقًا للخليل وسيبويه» فإنهما جميعًا قائلان بأن أداة التعريف هي مجموع (أل). «وقد تخلفها «أم» في لغة حمير ونفر من طيئ, وفي الحديث: (ليس من

امبر امصيام في امسفر) كذا رواه النمر بن تولب رضي الله عنه, وهذه اللغة فاشية إلى الآن بكثير من بلاد اليمن «وليست الهمزة زائدة, خلافًا لسيبويه» فإنه - مع كونه يوافق

الخليل في أن حرف التعريف وضع أولًا مجموع حرفين - يدعي أن الحرف الأول منهما زائد, وهي همزة وصل, ومع زيادتها فهي معتدبها في الوضع كهمزة (استمع) , ولذا لم يعد رباعيًا فيضم أول مضارعه, فقد استبان أن المصنف نقل في أداة التعريف ثلاثة مذاهب: المختار منها عنده أنها (أل) بكمالها, فهمزتها همزة قطع وصلت في الدرج, لكثرة الاستعمال. الثاني - أنها اللام وحدها, والهمزة - عند هذا القائل - مجتلبة في الابتداء بعد أن لم تكن موجودة في أصل الوضع, ليتمكن بها من الابتداء بالساكن, فإذا قلت: قام القوم, فحرف التعريف على أصله, ولم تكن معه همزة [وصل] حتى يقال: حذفت. وإذا قلت: القوم قاموا, فقد زدت همزة متحركة على آلة التعريف لا وجود لها في أصل الوضع, ليتوصل بها إلى النطق بالساكن. الثالث - أن حرف التعريف هو (أل) مع أن الهمزة زائدة معتد بها في الوضع كما سبق, وهو قول سيبويه فيما نقله المصنف, وقد خولف في ذلك فنقل غير واحد عن سيبويه أن مذهبه هو القول الثاني, وهو, / أن حرف التعريف هو اللام وحدها, والهمزة للوصل, لكنها فتحت - مع أن أصل همزات الوصل الكسر - لكثرة الاستعمال, واستدل لهذا القول بتخطي العامل الضعيف إياها, نحو: بالرجل, وذلك آية امتزاجها بالكلمة, وصيرورتها كجزء منها, ولو كانت على حرفين لكان لها نوع استقلال, فلم يتخطها كجزء منها,

ولو كانت على حرفين لكان لها نوع استقلال, فلم يتخطها العامل [الضعيف] , والاعتراض - بنحو: (إن لا تفعل) , و (بلا مال) - يندفع بجعلهم (لا) - خاصة من بين ما هو على حرفين - كجزء الكلمة, وأما نحو: (فبما رحمة من الله) , فالفاصل - لما لم يغير معنى ما قبله ولا ما بعده - عد الفصل [به] كلا فصل. واستدل لمذهب الخليل بفتح الهمزة, وقد تقدم الاعتذار عنه, وبأنها يوقف عليها عند التذكر نحو: أل, فإذا تذكرت ما فيه (أل) كالكتاب, وبفصلها عن الكلمة, والوقف عليها عند الضرورة كقوله: يا خليلي أربعا واستخبرا الـ ... منزل الدارس من أهل الحلال وذلك كالوقف على قد في نحو قوله:

أزف الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قد «فإن عهد مدلول مصحوبها» أي مسمى الاسم الذي صحبته «بحضور حسي» بصريًا كان كما تقول: - لشاتم رجل تشاهده بحضرتك - لا تشتم الرجل. أو سمعيًا [نحو]: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولًا, فعصى فرعون الرسول}.

«أو» حضور «علمي» نحو: {إذ هما في الغار} [إذ يبايعونك تحت الشجرة} «فهي عهدية» وأنواعها عنده ثلاثة كما رأيت. «وإلا» يعهد مدلول مصحوبها بشيء مما تقدم «فجنسية» وتقسيم (أل) المعرفة إلى عهدية وجنسية هو قول الجمهور. وزعم ابن معزوز, أنها للعهد الذهني [لا غير] , وهو رأي السكاكي على ما هو مقرر في محله, ثم الجنسية - على ظاهر كلام المصنف - قسمان: «فإن خلفها (كل) دون تجوز فهو للشمول» والاستغراق, نحو: (عالم الغيب والشهادة) , أي كل غيب وشهادة «مطلقًا» , أي حالة كونه مطلقًا, وهو شمول الأفراد, فإنه المراد من الشمول إذا استعمل مطلقًا,

وأما إذا استعمل مصاحبًا لقرينة تدل على إرادة الخصائص, فليس المراد منه شمول الأفراد, ضرورة وجود المانع من إرادته, وإنما [هو] شمول الخصائص الذي قامت القرينة عليه, وتنزيل كلام المصنف على هذا حسن, لولا أنه فسره بأن المراد بالإطلاق ما هو باعتبار الأفراد والخصائص, أي فهي للشمول, سواء تعلق بالأفراد أو بالخصائص, وهو غير جيد, فتأمله. «ويستثنى من مصحوبها» نحو: {إن الإنسان لفي خسر, إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية. «وإذا أفرد» مصحوبها, وهي لشمول الأفراد «فاعتبار لفظه فيما له [من] نعت» نحو: {والجار ذي القربى والجار الجنب} , {لا يصلاها إلا الأشقى, الذي كذب وتولى} , وقد يقال: إن (أل) في ذلك ليست للشمول, وإنما هي لتعريف الماهية, كما ستعرفه. «وغيره» أي وغير نعت,

نحو: {وخلق الإنسان ضعيفًا} , أي كل إنسان, فاعتبر لفظه في الحال الواقعة منه, فأفرد «أولى» من اعتبار معناه: أما في النعت فكقولهم: - فيما حكاه الأخفش - أهلك الناس الدينار الصفر, والدرهم البيض. كذا مثل [له] بعضهم وفيه نظر, إذ ليس المراد: أهلك الناس كل دينار وكل درهم, ولا دلالة في قوله تعالى: {أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء} على ذلك, لأن الطفل يستعمل بأصل الوضع للجمع. وأما في غير النعت فكقوله تعالى: {يا أيها الإنسان إنك كادح} ثم قال: {لتركبن [طبقًا]} بفتح الباء على خطاب الإنسان, وبالضم على خطاب الجنس كذا في / الزمخشري, فقد اعتبر المعنى في غير النعت, فأتى بضمير الجمع.

«فإن خلفها» أي الأداة (كل) «تجوزًا» لا حقيقة, نحو: زيد الرجل علما. «فهي لشمول خصائص الجنس على سبيل المبالغة» وهذا يصدق على الاستغراق العرفي نحو: جمع الأمير الصاغة, أي صاغة بلده, أو صاغة مملكته, فإن (كلا) تخلف الأداة فيه بتجوز, وليست لشمول الخصائص, بل لشمول بعض ما يصلح له اللفظ وهو صاغة بلد الأمير, أو صاغة مملكته دون من عداهم, وهنا أمران: أحدهما -[أن] تخصيص المصنف القسم السابق بذكر الاستثناء من مصحوب الأداة يعطي أن هذا القسم بخلافه, ولا مانع من أن يقال: زيد الرجل إلا في الشجاعة - مثلًا - كما لا يمتنع: زيد الكامل إلا في ذلك. الثاني - أنه بقي عليه قسم أسقطه, وهو ما إذا لم يخلفها (كل) , لا حقيقة ولا مجازًا, وهذا الذي يقال فيه إنها لتعريف الحقيقة, ولتعريف الماهية, ولا يصح الاستثناء من هذا قطعًا, وذلك أنك إذا قلت: الرجل خير من المرأة, فالنظر فيه إلى الحقيقة والماهية, من حيث هي, فلا يصح أن تقول: إلا فلانة, لأنك لم تحكم أولًا على الأفراد حتى تخرج منها فردًا, فتأمله. «وقد تعرض» بكسر الراء وضمها «زيادتها في علم» كقوله: باعد أم العمرو من أسيرها ... حراس أبواب على قصورها.

«و» في «حال» نحو: مررت بهم الجماء الغفير. والجماء: من الجم, وهو الكثير. والغفير: من الغفر, وهو الستر. أي مررت بهم [في] حال كونهم جماعة كثيرين ساترين - لكثرتهم - وجه الأرض, وحذفت التاء من الغفير حملًا للفعيل بمعنى الفاعل على الفعيل بمعنى المفعول, وهو صفة لـ (الجماء) , أي الجماعة [الكثيرة] الساترة, فـ (أل) هنا زائدة, وقد سمع حذفها, يقال: مررت بهم جماء غفيرًا. «و» في «تمييز» , كما سمع من كلامهم: الأحد عشر الدرهم. «و» في «مضاف إليه تمييز» كقوله: إلى ردح من الشيزى ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد

«وربما زيدت فلزمت» كالتي في الأسماء الموصولة, على القول بأن تعريفها بالصلة, نحو: الذي ومتصرفاته, وكالتي في (الآن) على الصحيح. «والبدلية - في نحو: «ما يحسن بالرجل خير منك» أن يفعل كذا «أولى من النعت» على نية الألف واللام, كما هو مذهب الخليل, وإنما جرأهم على ذلك اجتماع شيئين: كون التعريف في الموصوف لفظيًا لا معنى تحته, ولذا لم يجز في العلم, نحو: أيحسن بعبد الله خير منك. وكون الوصف مما يمتنع جعله مطابقًا للموصوف بإدخال (أل) عليه, ولذا لم يجز ما يحسن بالرجل شبيه بك, لأنك تقدر فيه على إدخال (أل) , فتقول: بالرجل الشبيه بك, وإذا جعلناه بدلًا لم تكن بنا حاجة إلى مثل هذا الاعتذار, فلذلك اختار المصنف إعرابه بدلًا على إعرابه نعتًا. «وقد تقوم» (أل) «في غير الصلة مقام ضمير» رابط أو غيره: فالأول -[نحو]: {فإن الجنة هي المأوى} , أي مأواه.

والثاني - نحو: {واشتعل الرأس شيبًا} , أي رأسي. وعلى هذا فالضمير أعلم من ضمير الغائب وضمير الحاضر, وقيد المصنف المسئلة بغير الصلة, فخرج نحو: [زيد] الذي ضربت الظهر والبطن, أي ظهره وبطنه, وكثير لم يتعرض إلى ذلك. وقيد المصنف [أيضًا ما تقوم (أل) مقامه بكونه] ضميرًا, فخرج الاسم الظاهر, وفي الكشاف: أنها تأتي خلفًا من المضاف إليه, ولو كان ظاهرًا نحو: {وعلم آدم الأسماء كلها} وأن الأصل أسماء المسميات. تم الجزء الثاني بحمد الله

توطئة: المرفوعات والمنصوبات والمجرورات

توطئة: المرفوعات والمنصوبات والمجرورات «فصل»: يذكر فيه تعداد المرفوعات/ والمنصوبات والمجرورات، وهو كالتوطئة لما بعده من الأبواب. «مدلول إعراب الاسم ما هو به عمدة، أو فضلة، أو بينهما»، أي: شيء الاسم به، أي: بذلك الشيء عمدة، ف (ما) نكرة موصوفة بمعنى شيء، والضمير المنفصل [المرفوع] عائد إلى الاسم، والضمير المجرور بالباء [عائد] إلى (ما). قال في الشرح: والعمدة عبارة عما لا يسوخ حذفه من أجزاء الكلام، إلا بدليل يقوم مقام اللفظ به، والفضلة عبارة عما يسوغ حذفه مطلقًا إلا لعارض. «فالرفع للعمدة» لأجل شرفها والاهتمام بها، فجعل لها الرفع، لأنه أقوى الحركات. «وهي» أي العمدة «مبتدأ أو خبرا أو فاعل أو نائبه». وفي المفصل لم يذكر النائب عند تعداد المرفوعات، ولا أخرجه من حد الفاعل، لأنه يسميه فاعلًا؛ ولذا قال في باب الإضافة: وتضاف الصفة إلى

فاعلها كقولك: معمور الدار، ومؤدب الخدام. «أو شبيه به» أي بالفاعل «لفظا» كاسم (كان) وأخواتها. «وأصلها» أي المرفوعات «المبتدأ أو الفاعل، أو كلاهما أصل» أقوال ثلاثة. قال ابن قاسم: والخلاف في ذلك لا يجدي فائدة. قلت: بل يظهر [له] فائدة في أولوية المقدر عند الاحتمال، كما إذا وجدنا محلًا دار الأمر فيه بين أن يكون المحذوف فيه فعلًا، والباقي فاعلًا، وأن يكون المحذوف خبرًا، والباقي مبتدأ، كما إذا ق 4 يل: من قام: فتقول: - في جوابه - زيد، فإنه يحتمل كون زيد فاعلًا والتقدير قام زيد، ويحتمل كونه مبتدأ، والتقدير: زيد قام. فإن قلنا: الفاعل أصل ترجح الأول .. وإن قلنا المبتدأ أصل ترجح الثاني. فإن قلت: إنما الترجح هنا بمطابقة السؤال، فإن جملة اسمية قلت: هو اسمية في الصورة، وفعلية في الحقيقة، وبيان ذلك أن قولك: من قام؟ أصله: أقام زيد أم عمرو أم خالد، إلى غير ذلك، لا أزيد قام أم عمرو أم خالد؛ وذلك لأن الاستفهام بالفعل أولى؛ لكونه متغيرًا فيقع فيه الإبهام، ولما أريد الاختصار وضعت كلمة (من) دالة إجمالًا على تلك الذوات المفصلة هناك، ومتضمنة لمعنى

الاستفهام، وبهذا التضمن وجب تقديمها على الفعل، فصارت الجملة اسمية في الصورة؛ لعروض تقدم ما يدل على الذوات، وفي الحقيقة [هي] فعلية، فإن أجبت بالفعلية نظرًا إلى جانب الحقيقة فالمطابقة حاصلة [معنى، وإن أجبت بالاسمية نظرًا إلى الصورة فالمطابقة حاصلة] لفظًا فإذا لا ترجيح [بمجرد] المطابقة، لوجودها في كل من الصورتين، فبقى الترجيح بأصالة الفاعل أو المبتدأ، سالمًا عما تقدم، وإن قلنا: كلاهما أصل استوى التقديران، لفقدان المرجح، فقد ظهرت جدوى الخلاف كما رأيت. «والنصب للفضلة» فإن علامته فتحة، وهي أخف الحركات، والفضلة أكثر دورًا في كلامهم، فناسب أن يجعل لها النصب لخفة علامته. «وهي: مفعول مطلق أو مقيد» بقولك: به أو فيه أو له أو معه «أو مستثنى أو حال أو تمييز أو مشبه بالمفعول [به]» وهو ما نصب على طريق الاتساع من ظرف أو مصدر أو مرفوع في باب الصفة المشبهة. «والجر لما بين العمدة والفضلة» فإن علامة الجر الأصلية الكسرة، وهي متوسطة بين الخفة والثقل، فناسب جعلها للمتوسط بين المرتبتين. «وهو المضاف إليه»؛ لأنه تارة يكمل العمدة نحو: جاء غلام زيد، وتارة يكمل الفضلة نحو: رأيت غلام زيد، ويقع في موضوع عمدة نحو: يعجبني قيام زيد، وفي موضع فضلة نحو: هذا ضارب عمرو. وأدخل المصنف المجرور بالحرف تحت قوله: (المضاف إليه)، وكذا/ صنع ابن 113

الحاجب في الكافية إذ قال: والجر علم الإضافة. ولما حد المضاف إليه، قال: كل اسم نسب إليه شيء بواسطة حرف لفظا أو تقديرًا مرادًا. وقال في شرحها: المجرور بالحرف مضاف إليه، ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بزيد، فقد أضفت المرور إلى زيد بواسطة حرف الجر؟ ، ولذلك سمي حرف جر، لأنه يجر معاني الأفعال إلى الأسماء. وسبق إلى فهم الناس من هذا الكلام أن المضاف لا يجب أن يكون اسمًا؛ لأنه قال: (نسب إليه شيء)، ولم يقل: (اسم)، ومثل بقوله: (مررت بزيد). وقال في الحروف: حرف الجر ما وضع للإفضاء بفعل أو معناه إلى ما يليه. ولكن علم في أول الكافية أنه اسم، وقد صرح به الزمخشري وغيره،

والحق [أن يقال]: إن (مررت) - من حيث أن (زيدا) في (بزيد) مفعول - ليس مؤولا باسم، ومن حيث أنه مضاف إليه مؤول به؛ ولذا قال: قد أضيف المرور إلى زيد فعلم أن المضاف قد يكون فعلًا مؤولًا بالاسم كالمبتدأ. كذا قال بعض الفضلاء. «وألحق من العمدة بالفضلات المنصوب في باب (كان) و (إن) و (لا») وذلك لأن خبر (كان) عمدة، وقد نصب، وإنما كان عمدة، لأنه خبر المبتدأ في الأصل، اسم (إن) و (لا)، هو المبتدأ في الأصل، وسيأتي سبب إلحافها بالفضلات في محله. وبقي عليه المنصوب في باب (ظن)، فإنه مفعوليه في الأصل مبتدأ وخبر، ولا يقال: قد دخل في قوله (مفعول مقيد)؛ لأن ذلك في نصب الفضلات، وهذا ليس بفضلة، وعلى هذا فالمفعول ضربان: عمدة وفضلة، فلا يدخل أحدها في الآخر.

الباب الثاني عشر «باب المبتدأ»

الباب الثاني عشر «باب المبتدأ» «وهو ما عدم» يشمل الاسم الصريح نحو: زيد والمؤول به نحو: {وأن تصوموا} ويشمل الفعل نحو: يقوم. «حقيقة» كزيد من (زيد قائم). «أو حكمًا» نحو: {هل من خلق غير الله} ف (خالق) مبتدأ خبره (غير الله)، ولا يخفى أنه غير عادم للعامل حقيقة، لأنه ملتبس به، لكن لما كان العامل زائدًا قدر عدمه، فمدخوله عادم له حكمًا لا حقيقة، ومن كلام العرب (ناهيك بزيد) وأعرب بعض النحاة (ناهيك) خبرًا، و (زيد) مبتدأ زيدت فيه الباء، وهو ظاهر، لأن المعنى أن زيدًا ناهيك عن تطلب غيره؛ لما فيه من الكفاية. «عاملًا لفظيًا» لا معنويًا، فإن المبتدأ لم يعدم العامل مطلقاُ، وإنما عدم العامل اللفظي، وأما العامل المعنوي فثابت له. «من مخبر عنه» إما بأمر يرجع إلى اللفظ نحو: زيد ثلاثي، أو بأمر يرجع إلى

المعنى نحو: زيد قائم، فخرج الفعل؛ لأنه مخبر به لا عنه. «أو وصف» أتي به؛ ليدخل أحد قسمي المبتدأ، وذلك أن المبتدأ على قسمين: مسند إليه كما مر، ومسند كالوصف في قولك: أقائم الزيدان؟ ، يعني بالوصف اسم الفاعل كما مثلنا، واسم المفعول نحو: ما مضروب العمران، والصفة المشبهة نحو: أحسن أخوك؟ ، والمنسوب جار مجرى الوصف نحو: أقرشي أبوك؟ . «سابق» نعت للوصف، احترز به من نحو؛ أخواك خارج أبوهما، ف (خارج) خبر لا مبتدأ، لأنه غير سابق. «رافع ما انفصل» أي رافع لاسم مستقل غير مفتقر للاتصال بغيره، فخرج الضمير المتصل، ودخل الاسم الظاهر كما مثلنا، والضمير المنفصل نحو: أقائم أنتما؟ ولو عبر بقوله: (ما استقل) لكان أظهر؛ لئلا يتوهم أن المراد الضمير المنفصل، وذلك غير متعين اتفاقًا، بل قال: بامتناعه جماعات، والصحيح الجواز، وهو مذهب البصريين بدليل قول الشاعر: 114/ خليلي ما واف بعهدي أنتما إذا لم تكونا لي على من أقاطع. قال ابن هشام: هذا البيت وقوله تعالى: {أراغب أنت عن ألهتي} مما يقطع [به] على بطلان مذهب المانعين لرفع الوصف المذكور ضميرًا منفصلًا على أنه فاعل به؛ وذلك لأن القول بأن الضمير مبتدأ يؤدي - في البيت - إلى الإخبار عن الاثنين بالواحد، ويؤدي - في الآية - إلى فصل العامل من معموله بأجنبي.

قلت: وقد أجيب عن الأول ب [احتمال] أن يكون [أنتما] مبتدأ خبره الجملة الشرطية بعده مع الجواب المحذوف المدلول عليه بقوله: (ما واف بعهدي)، والتقدير: أنتما يا خليلي إذا لم تكونا لي على من أقاطعه فما أحد واف بعهدي، أي أن عدم قيامكما معي على من أقاطعه سبب لأن لا يكون أحد يفي بعهدي، لأن من سواكما ليس عندي في مرتبتكما من خلوص المودة وصدق الإخاء، فإذا لم تساعداني وتكونا لي على من أقاطعه لم يوف أحد بعهدي؛ لا تسامه بكما؛ وادعائه أنه أحق بعدم الوفاء. وأجيب عن الثاني: بأنا نمنع تعليق الجار ب (راغب) المذكور ليلزم المحذور، ويجعل متعلقا بمحذوف، والتقدير: أراغب أنت ترغب عن ألهتي. وجعل ابن قاسم من أدلة الجواز قول الآخر: فما باسط خيرًا ولا دافع أذى من الناس إلا أنتم آل دارم قلت: وهذه المسألة لا تقبل الخلاف؛ إذ الفصل في مثل هذا [في] الفعل واجب، نحو: ما قام إلا أنت، والمانعون إنما اعتلوا بأن الوصف إذا رفع الفاعل الساد مسد الخبر كان جاريًا مجرى الفعل، والفعل لا ينفصل فيه الضمير، وأنت خبير بأن هذه العلة لا تأتي مع الحصر ب (إلا)، فتأمله. «وأغنى» قالوا: عن الخبر. وهو

منتقد بأنه لم يكن لهذا المبتدأ الخاص من خبر أصلًا، حتى يحذف ويغني غيره عنه أو يسد مسده، ولو تكلفت له تقدير خبر لم يتأت؛ إذ هو في المعنى كالفعل والفعل لا خبر له، ومن ثم [تم] بفاعله كلامًا، ولو فسر قول المصنف: (وأغنى) بأن معناه: أن يكون مكتفيً به، أي يستقل مع الوصف المذكور كلامًا: ليحترز به عن مثل: أقائم أبواه زيد، فإن الفاعل فيه ليس بمكتفي به؛ ضرورة التباسه بالضمير المفتقر إلى زيد المعود إليه لكان حسنًا. وعليه فيعرب (زيد) مبتدأ مؤخرًا، و (قائم) خبرا مقدمًا، لا مبتدأ و (أبواه) فاعلًا به، ولا يجعل من هذا الباب. وفيه نظر، فليتأمل. قال ابن قاسم: لو عطف على هذا الوصف ب (بل) انفصل الضمير، فتقول: أقائم الزيدان بل قاعدهما؟ . قال المازني: وتقول أقائم أخواك أم قاعدهما؟ هذا القياس والوجه، وحكى: أم قاعدان، بالضمير المتصل. [انتهى]. وعلى تقدير العطف - مع كون الضمير متصلًا - يرد على المصنف إشكال، وذلك أن المعطوف على المبتدأ مبتدأ، ولا خبر هنا، والوصف لم يرفع ما انفصل، وإنما رفع ضميرا متصلًا. بل أقول: ولو رفع منفصلاُ - فقلت: أقائم الزيدان أم قاعدهما؟ ، وفسر (أغنى) ب (اكتفى به) - ورد عليه من حيث افتقار مرفوع الوصف إلى غيره، فتأمله.

«والابتداء كون ذلك» الذي عدم حقيقة أو حكمًا عاملًا لفظيًا «كذلك» أي مثل ما ذكرناه من كونه مخبرًا عنه، أو وصفًا رافعًا لما انفصل وأغنى. «وهو» أي الابتداء «يرفع المبتدأ، والمبتدأ [يرفع] الخبر» وهذا مذهب سيبويه. قال في الكتاب: فأما الذي يبني عليه شيء هو هو فإن المبني عليه يرتفع به، كما ارتفع هو بالابتداء، وذلك قولك: / عبد الله منطلق، ارتفع (عبد الله)؛ لأنه ذكر ليبنى عليه (المنطلق)، وارتفع (المنطلق)؛ لأن المبني على المبتدأ بمنزلته. وبقول سيبويه قال جمهور [البصريين]. «خلافًا لمن رفعهما به» أي: رفع المبتدأ والخبر جميعًا بالابتداء، وهو اختيار ابن الحاجب وجماعة من المتأخرين، قالوا: لأن الابتداء يطلب المبتدأ أو الخبر على السواء، فكان عاملًا فيهما. «أو» رفعهما «بتجردها للإسناد»، وهو مذهب الجرمي والسيرافي وجماعة من البصريين. والفرق بين الابتداء والتجرد للإسناد [أن التجرد للإسناد] وصف هو التجرد، مقيد بقيد واحد، وهو كونه للإسناد، أي: إسناده إن كان خبرًا أو وصفًا لمكتفئ به، أو الإسناد إليه إن كان مبتدأ غير وصف، وأن الابتداء عبارة من أوصاف متعددة، وهي المشروحة في الحد المشار إليه بقوله: (كون ذلك كذلك). «أو رفع بالابتداء المبتدأ وبهما» جميعًا أي: بالابتداء والمبتدأ «الخبر»، وهو

قول أبي إسحاق الزجاج وأصحابه ونسب إلى المبرد، ورد بأنه يلزم عليه امتناع تقدم الخبر؛ لأن المعمول لا يتقدم [على عامله] إلا حيث يكون العامل متصرفًا، ولا يرد بأنه يلزم اجتماع عاملين على معمول واحد؛ لأن العمل عند صاحب هذا القول منسوب لمجموع الأمرين، لا لكل منهما. «أو قال» المبتدأ والخبر «ترافعا» فكل منهما عامل في الآخر، وهذا مذهب الكوفيين، والنظر في هذه المذاهب توجيهًا أو اعتراضًا مما يطول الكلام فيه. «ولا خبر للوصف المذكور» وكيف يكون له خبر، والخبر إنما هو للمخبر عنه، وهذا ليس بمخبر عنه أصلًا، بل هو مسند كالفعل! ! فلا يقال: إن له خبرًا «لا يصغر»، فلا يقال: أضويرب الزيدان. «ولا يوصف»، فلا يقال: أضويرب الزيدان. «ولا يوصف» فلا يقال: أضارب عاقل الزيدان، ولا أضارب الزيدان عاقل. «ولا يعرف» فلا يقال: أالقائم الزيدان؟ على أن يكون الزيدان فاعلًا بالوصف. قال ابن السراج: لأنه قد يكمل اسما معرفة، والمعرفة لا تقوم مقام الأفعال. «ولا يثنى ولا يجمع» فلا يقال: أقائمان الزيدان؟ ولا أقائمون الزيدون؟ ، على أن يكون الزيدان والزيدان فاعلًا.

«إلا على لغة: يتعاقبون فيكم ملائكة» وسيأتي الكلام عليها في الفاعل. قال ابن هشام: ولا يدخل عليه حرف جر، ولهذا رد إعراب الزمخشري {هل من خلق غير الله} حيث جعله من هذا الباب، [أعني أن] يكون خالق مبتدأ وغير الله فاعلًا به، والصواب أنه من باب المبتدأ [وخبره] كما أسلفناه. ولم يتعرض المصنف في هذا الكتاب لحكم الوصف المذكور في حالتي مطابقته للمرفوع في إفراد، نحو: أقائم زيد؟ وغيره، نحو: أقائمان أخواك؟ ، وأقائمون إخوتك؟ ، وعدم مطابقته إياه، نحو: أقائم أخواك؟ ، فيتعين أن يكون [هذا] من هذا الباب في القسم الأخير، ومن باب المبتدأ والخبر في القسم الثاني، وهو المطابقة في غير الإفراد إلا على اللغة المذكورة، فيكون - حينئذ كالقسم الأول، فيجوز فيه الأمران، وهما: أن يكون الوصف مبتدأ، والمرفوع بعده فاعلًا [به]. وأن يكون الوصف خبرًا مقدمًا، والمرفوع مبتدأ مؤخرًا، مع أن هذه المسألة مذكورة في المختصرات. «ذلك المجرى باستحسان» من كونه مبتدأ، والمرفوع الواقع بعده فاعلًا مكتفئ به «إلا بعد نفي» ب (ما) و (إن) ونحوهما، كقولك: ما قائم الزيدان و [إن] ذاهب العمران. «أو استفهام» بالهمزة أو غيرهما من أدوات الاستفهام نحو: أقائم الزيدان؟ ، وهل معتق عبداك ومن

116 ضارب العمران؟ ومتى راجع أخواك؟ ، وأيان قاعد صاحباك؟ ، وكيف مقيم ابناك؟ ، وكم ماكث صديقاك؟ ، وأيان قادم رفيقاك؟ ، كذا قال المصنف «خلافًا للأخفش» والكوفيين [في] تجويزهم رفع الصفة الظاهر بعدها باستحسان، على أنه فاعل لها من غير اعتماد على النفي أو الاستفهام، فيجوزون: قائم الزيدان، كما يجوز: ما قائم الزيدان، وأقائم الزيدان؟ ، وأشار المصنف بقوله: (باستحسان) إلى أن الوصف قد يجري ذلك المجرى في كونه مبتدأ رافعًا لما بعده، على أنه فاعل له، وإن [كان] لم يعتمد على نفي أو استفهام، لكن لا باستحسان، ونسب المصنف ذلك إلى سيبويه، قال: ومن زعم خلاف ذلك [عليه] فقد قول سيبويه ما لم يقل، وجعل من ذلك قول الشاعر: خبير بنور لهب فلاتك ملغيا مقالة لهبي إذا الطير مرت وقال الآخر:

فخير نحن عن الناس منكم إذا الداعي المثوب قال يالا ووجه الاستدلال بالأول أنه لو جعل (بنو لهب) مبتدأ مخبرًا عنه بقوله: (خبير) لزم عمم المطابقة، فتعين كون (خبير) مبتدأ، و (بنو لهب) فاعلًا به. وأجيب: بأن فعيلًا يستوي فيه المفرد وغيره، قال الله تعالى: {والملائكة بعد ذلك ظهير}، وقال تعالى: {وحسن أولئك رفيقا} وقال تعالى: {خلصوا نجيا}. ومنه قول الشاعر: جملت أسدًا على سود الكلاب فقد أضحى شريدهم في البحر ضلالًا

فوضع (شريدًا) موضع الجمع؛ ولذا قال: (ضلالًا). ووجه الاستدلال بالثاني [أنه] لو جعل (خير) خبرًا مقدما؛ و (نحن) مبتدأ لزم الفصل بين اسم التفضيل و (من) بمبتدأ، وهو أجنبي منهما، فتعين أن يكون (خير) مبتدأ، و (نحن) فاعلًا به. وأجيب: بأنا لا نسلم أن (نحن) مبتدأ ولا فاعل، وإنما هو تأكيد للضمير المستكن في (خير) و (خير) [خبر] مبتدأ محذوف، والتقدير: فنحن خير نحن، كما تقول: أنت قائم أنت، على ذلك خرجه ابن خروف. وتلخص من [هذا] أن سيبويه والأخفش متفقان على جواز: قائم الزيدان،

والخلاف ينهما إنما هو الاستحسان، فسيبويه، يقول: ليس بحسن، والأخفش يقول: هو حسن، وكذا الكوفية. «وأجري في ذلك» المذكور من كون المرفوع بعد الوصف فالعلًا به. «غير قائم، ونحوه» مثل: غير مضروب. «مجرى [ما] قائم» فتقول: غير قائم الزيدان، وغير مضروب العمران، كما تقول: ما قائم الزيدان، وما مضروب العمران. وعلى ذلك خرج ابن الشجري قول أبي نواس: غير مأسوف على زمن ينقضي بالهم والحزن فجعل (غير) مبتدأ لا خبر له، [بل] لما أضيف إليه مرفوع يغني عن الخبر، وذلك لأنه في معنى النفي، والوصف بعده مخفوض لفظًا، وهو في قوة المرفوع بالابتداء، فكأنه قيل: مأسوف على زمن ينقضي مصاحبًا للهم والحزن، فهو نظير:

ما مضروب الزيدان، والنائب عن الفاعل الظرف، وجزم المصنف بتخريجه على هذا الوجه تبعًا لابن الشجري، وجوز ابن الحاجب ذلك وزاد وجهًا ثانيًا اختاره هو وجزم به ابن جني، وهو أن يكون (غير) خبرًا مقدمًا، والأصل: زمن ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف عليه، ثم قدمت (غير) وما بعدها، ثم حذف (زمن) دون صفته، فعاد الضمير المجرور ب (على) على غير مذكور، فأتى بالاسم الظاهر مكانه. وفيه حذف الموصوف مع أن الصفة غير مفردة، وهو جائز في الشعر. وخرجه ابن الخباز على أن يكون (غير) خبر [مبتدأ] محذوف 117 و (مأسوف) مصدرًا جاء على/ مفعول، كالمعسور والميسور، والمراد به اسم الفاعل، والمعنى [أنا] غير آسف على زمن هذه صفته. وهو ظاهر التعسف. «ويحذف الخبر» وهو ما أسند إلى المبتدأ حذفًا «جوازًا» أي جائزًا، فهو مصدر بمعنى الفاعل، ك (زيد عدل) «لقرينة» كقولك: زيد، لن قال: أفي الدار أحد؟ والتقدير: زيد فيها.

قال المصنف في الشرح: ومنه الخبر بعد إذا الفجائية، نحو: خرجت فإذا السبع، يجوز حذفه لكن قليلًا؛ ولذلك لم يرد في القرآن مبتدأ بعد (إذا) إلا وخبره ثابت. هذا كلامه، وهو مبني على أن إذا الفجائية حرف، وأما على مذهب المبرد القائل بأنها ظرف مكان فلا يقدر محذوف، بل تجعل هي الخبر، والتقدير: فبالمكان السبع. قال الرضي: وما ذهب إليه لا يطرد في جميع واضع إذا المفاجأة؛ إذ لا معنى لقولك: (فبالمكان السبع بالباب)، في تأويل قولهم: خرجت فإذا السبع بالباب. وأما على مذهب الزجاج القائل: بأن إذا المفاجأة ظرف زمان، فيجوز أن تكون في قولهم: فإذا السبع - خبرًا عما بعدها بتقدير مضاف، أي فإذا حصول السبع، أي ففي ذلك الوقت حصوله؛ لأن ظرف الزمان لا يكون خبرًا عن الجثة، كما سيجيء. ويجوز أن [يكون] الخبر محذوفًا، و (إذا) ظرف لذلك الخبر غير ساد مسده، أي ففي ذلك الوقت السبع بالباب، فحذف (بالباب)، لدلالة قرينة (خرجت) عليه. ويجوز أن يكون ظرف الزمان مضافًا إلى الجملة الاسمية، وعامله محذوف، على ما قال ابن الحاجب، أي: ففاجأت وقت وجود السبع بالباب.

لكن يلزم هذا إخراج (إذا) عن لظرفية؛ ضرورة أنه - حينئذ - مفعول [به] ل (فاجأت)، ولا داعي إلى ذلك، فإن (إذا) الظرفية غير متصرفة على الصحيح. فإن قلت: فما هذه الفاء الداخلة على إذا المفاجأة؟ . قلت: نقل عن الزيادي أنه جواب شرط مقدر. قال الرضي: ولعله أراد أنها فاء السببية التي المراد منها لزوم ما بعدها لما قبلها، أي مفاجأة السبع لازمة للخروج. وقال المازني: هي زائدة، ويرده امتناع حذفها. وقال أبو بكر مبرمان: هي للعطف حملًا على المعنى، أي خرجت ففاجأت ذكا وهو قريب. وكان اللائق بالمصنف تقديم قوله: (لقرينة) على قوله: (جوازًا)؛ ليكون ذلك متناولًا لصورتي الحذف الجائز والواجب «و» حذفًا «وجوبًا» أي واجبًا «بعد (لولا) الامتناعية» نحو: لولا زيد لهلك عمرو، وهذا تفريغ على أن الاسم الواقع بعد لولا غير مرفوع بها، وهو مذهب الجمهور، وسيأتي الخلاف فيه، قالوا: ولا يجوز أن يكون جواب (لولا) خبره؛ لخلوه عن الفائدة في الأغلب، فخبره محذوف وجوبًا؛ لحصول

شرطي وجوب الحذف: أحدهما القرينة الدالة على الخبر المعين، وهي لفظة (لولا)؛ إذ هي موضوعة لتدل على انتفاء الملزوم، ف (لولا) دالة على أن خبر المبتدأ الذي بعدها (موجود)، لا (قائم)، ولا (قاعد)، ولا غير ذلك. والثاني اللفظ الساد مسد الخبر، وهو جواب (لولا). وأشار المصنف بقوله: «غالبًا» إلى صورتين مغلوبين بالنسبة إلى ما تقدم: إحداهما - أن يراد بخبر المبتدأ الواقع [بعد (لولا) كون) مقيد لا دليل عليه عند الحذف فتعين ذكره، نحو: لولا زيد سالمنا ما سلم، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لولا قومك حديثو عهد بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم). الثانية - أن يراد به كون مقيد يقوم عليه دليل/ عند الحذف، فيجوز لك فيه - 118 حينئذ - الإثبات، نحو: لولا أنصار زيد حموه لم ينج، [والحذف نحو: لولا أنصار زيد لم ينج]؛ لولا الدال على هذا الخبر الخاص. قال المصنف - بعد ذكر هذا التفصيل -: وما ذهبت إليه هو مذهب الرماني

والشلوبين، والذي عليه الجمهور أن الخبر بعد (لولا) لا يكون إلا كونا مطلقًا، فيجب حذفه دائمًا، ومن ثم لحنوا المعري في قوله: يذيب الرعب منه كل غضب فلولا الغمد يمسكه لسالا وخرجه لعضهم على أن (يمسكه) حال من الضمير المستكن في الخبر، أي فلولا الغمد موجود في حال كونه يمسكه. ورد بأن الأخفش نقل أن العرب لا يأتون بالحال بعد الاسم الواقع بعد (لولا) كما لا يأتون بالخبر.

نعم يحتمل تقدير (يمسك) بدل اشتمال على أن الأصل: أن يمسكه، ثم حذفت (أن) وارتفع الفعل؛ أو تقدير (يمسكه) جملة معترضة. فإن قلت: ما فائدة إتيان المصنف بقيد (الامتناعية) في قوله: [بعد] لولا الامتناعية)؟ . قلت: بيان المحل الذي يقع فيه المبتدأ المذكور، ولم يقصد به الاحتراز، فإن (لولا) التي يقع بعدها المبتدأ لا تكون إلا امتناعية، وهي الداخلة على اسمية ففعلية، لربط امتناع الثانية بوجود الأولى. «و» يحذف الخبر أيضًا وجوبًا «في قسم صريح» نحو: لعمرك لأفعلن، فإن صراحة (لعمرك) في القسم، وتعينه له دال على الخبر المحذوف، أي لعمرك ما أقسم به، وجواب القسم ساد مسد الخبر المحذوف. والعمر [والعمر] بمعنىً، ولا يستعمل مع اللام إلا المفتوح؛ لأن القسم موضع التخفيف؛ لكثرة استعماله. واحترز المصنف بقوله: (صريح) من نحو: (عهد الله)، فلا يجب حذف خبره، بل يجوز إثباته، فتقول: علي عهد الله لأفعلن؛ وذلك لأنه لا يشعر بالقسم حتى تذكر المقسم عليه، بخلاف [نحو] لعمرك، وأيمن الله، وأمانة الله، مما هو صريح في القسم. «وبعد واو المصاحبة الصريحة» قال ابن قاسم: نحو كل رجل وضيعته، أي مقرونان، والخبر محذوف؛ لدلالة الواو وما بعدها على المصحوبية، وكان الحذف

واجبًا؛ لقيام الواو مقام (مع). قلت: هذا مشكل، فإن الخبر ليس (مع) حتى إذا قامت الواو مقامه وسدت مسده يكون الحذف واجبًا، وإنما الخبر هو قولنا: (مقرونان) الذي قدره بعد المعطوف والمعطوف عليه، وليس ثم شيء سد مسده، فلو قيل: التقدير (كل رجل [مقرون] وضيعته، أي [هو] مقرون وضيعته مقرونة به، كما تقول: زيد قائم وعمرو، ثم حذف (مقرون) وأقيم المعطوف مقامه، لبقي البحث في حذف خبر المعطوف وجوبًا من غير ساد مسده. قال الرضي: ويجوز أن يقال عند ذلك [إن] المعطوف أجري مجرى المعطوف عليه في وجوب حذف خبره، قال: هذا والظاهر أن حذف الخبر في مثله غالب لا واجب. «و» يحذف الخبر أيضًا وجوبًا «قبل حال إن كان المبتدأ أو معموله مصدرًا عاملًا في مفسر صاحبها، أو مؤولا بذلك» فهذه ثلاث صور يجب فيها حذف الخبر قبل الحال: الصورة الأولى: أن يكون المبتدأ مصدرًا عاملًا في مفسر صاحب الحال، نحو: ضربي زيدًا قائمًا، وأصل التركيب: - على ما اختاره المصنف، كما ستعرفه - ضربي زيدًا ضربه قائما، ف (ضربي) مبتدأ، وهو مصدر عامل في (زيدًا) و (زيدًا) هذا مفسر 119 لصاحب الحال من قوله ضربه قائمًا، فإن (قائما) حال من الضمير الذي اتصل/ بالخبر، وهو ضربه، ومفسر هذا الضمير هو (زيد)، كما قلناه.

الصورة الثانية: أن يكون معمول المبتدأ مصدرًا عاملًا في مفسر صاحب الحال كما مر، نحو: أكثر شربي السويق ملتوتا، والتقدير: أكثر شربي السويق شربه ملتوتًا، فالمبتدأ - وهو أكثر - له معمول هو المصدر المضاف هو إليه، وهو الشرب، والشرب عامل في السويق الذي هو مفسر لصاحب الحال الذي هو الضمير المضاف إليه من قولنا: شربه. الصورة الثالثة: أن يكون معمول المبتدأ ليس مصدرًا صريحًا، وإنما هو مؤول بالمصدر نحو: أخطب ما يكون الأمير قائمًا، والتقدير: أخطب أكون الأمير كونه قائمًا، فالمبتدأ - وهو أخطب - له معمول هو (ما يكون)، وهو ليس بمصدر صريح، لكنه مؤول بالمصدر وهو الكون، وإنما قدرناه بالأكوان؛ أجل إضافة أفعل التفضيل ضرورة أنه بعض ما يضاف إليه، فلا بد من تعدده، ثم هذا المصدر مضاف عند السبك إلى معمول الفعل، فتقول: أكون الأمير، فإذن هو مؤول بمصدر عامل في الأمير الذي هو مفسر لصاحب الحال الذي هو الضمير المضاف إليه من قولنا: (كونه قائمًا). فالخبر في الصور الثلاث محذوف وجوبًا؛ لاجتماع شرطي وجوب الحذف: وهما وجود القرينة، ووجود اللفظ الساد مسد الخبر وهو الحال. «والخبر الذي سدت مسده مصدر مضاف إلى صاحبها» كما قدرناه في الصور الثلاث. «لا زمان مضاف إلى فعله» أي إلى فعل صاحب الحال، فالتقدير: ضربي زيدًا إذا كان قائمًا، [وأكثر شربي السويق إذا كان ملتوتًا، وأخطب ما يكون الأمير إذا كان قائمًا]، هذا إن أريد الاستقبال، وإن أريد المضي فيقدر (إذ)، والخبر في الحقيقة هو ما يتعلق به الظرف من الاستقرار، وهذا مذهب الجهور، لكن المصنف خالفهم وقال بالقول

الأول. «وفاقًا للأخفش» لقلة الحذف على تقدير كونه مصدرًا مع صحة المعنى؛ لأنه لم يحذف منه إلا خبر مضاف إلى مفرد مع ذلك المفرد. ومذهب الجمهور يقتضي حذف الخبر، وهو متعلق الظرف ثم ناب عنه وهو (إذا) أو (إذ) مع فعل وفاعل. فإن قلت: ويلزم على مذهب الأخفش حذف المصدر وإبقاء معموله، وهو محذور كما نص عليه سيبويه. قلت: المسألة خلافية، وسيأتي الكلام عليها في موضعها إن شاء الله تعالى. ثم اعلم أن (كان) المقدرة عند الجمهور في التركيب المذكور تامة؛ [ولذا جعلوا المنصوب بعدها حالًا، وليست ناقصة]، ولذا لم يجعلوا المنصوب بعدها خبرًا لها، وإنما فعلوا ذلك؛ لأن مثل هذا المنصوب - أي الذي يجيء بعد المصدر المضبوط بالضابط المذكور - لا يكون إلا نكرة، فلو كان خبرًا ل (كان) لجاز تعريفه. «ورفعها خبرًا» أي رفع الصفة التي كانت حالا على أن تجعل خبرًا للمبتدأ «بعد (أفعل)» حالة كونه «مضافًا إلى (ما) موصولة ب (كان) أو (يكون) جائز» نحو: أخطب ما كان أو ما يكون الأمير قائم، هذا عند الأخفش والمبرد، ومنعه سيبويه، واختار المصنف القول بالجواز، لأنك جعلت ذلك الكون أخطب مجازًا، ف [جاز] جعله قائمًا أيضًا على جهة المجاز، ولا يجوز مثل ذلك في مصدر صريح، فلا تقول: ضربي زيدًا قائم، إذ لا مجاز في أول الكلام، ولا شك أن المجاز يؤنس بالمجاز.

وأنت خبير بما في قول المصنف: (مضافًا إلى ما) من المسامحة، ولا ينجيه منها قوله: (موصولة بكان أو يكون) فتأمله. «وفعل ذلك» أي مطلق الرفع «بعد مصدر صريح دون ضرورة ممنوع» / وقد، أسلفنا وجهه. وإنما قلنا: مطلق الرفع؛ لأن كلام المصنف في الشرح يقتضيه، فإنه قال: وأشرت بقولي (دون ضرورة) إلى أنه إن اقتضت الضرورة رفعه رفع، ولكن لا يجعل خبرًا عن (ضربي)، بل يجعل خبرًا لمبتدأ محذوف، والتقدير: ضربي زيدًا وهو قائم، والجملة حال سد مد الخبر. بهذا وجهه، فحينئذ لا يكون قوله: (وفعل ذلك) مقصورًا به الإشارة إلى رفعه خبرًا للمبتدأ المنطوق به في التركيب المذكور، بل الإشارة إلى مطلق الرفع فقط. «وليس التالي (لولا) مرفوعًا بها» كما ذهب إليه الفراء محتجا بأنها مختصة

بالأسماء، فعملت كسائر العوامل. «ولا بفعل مضمر» وهو رأي الكسائي كما في قوله: لولا ذات سوار لطمتني. قال الرضي: وهو قريب من وجه، وذلك أن الظاهر فيها أنها (لو) التي يقصد بها امتناع الأول لامتناع الثاني - كما يجيء في حروف الشرط - دخلت على (لا) وكانت لازمة للفعل؛ لكونها حرف شرط، فتبقى - مع دخولها على (لا) - على ذلك الاقتضاء، ومعناها مع (لا) أيضًا - باق على ما كان، كما بقى مع غير) (لا) من حروف النفي، فمعنى لولا علي لهلك عمر: لو لم يوجد علي لهلك عمر، فينتفي الأول - أي انتفاء وجود علي - لانتفاء هلاك عمر، وانتفاء الانتفاء ثبوت، فمن ثم كانت [لولا] مفيدة ثبوت الأول، وانتفاء الثاني، كإفادة (لو) في قولك: لو لم تأتني شتمتك. لكن منع البصريين من هذا التقدير، وحملهم على أن قالوا: (لولا) كلمة

بنفسها، وليست (لو) الداخلة على (لا) أن الفعل بعد (لو) إذا أضمر وجوبًا فلا بد من الإيتان بمفسر كما في: {وإن أحد من المشركين استجارك}، وليس بعد (لولا) مفسر، وأيضًا لفظ (لا) لا يدخل على الماضي - في غير الدعاء وجواب القسم. إلا مكررًا في الأغلب، ولا تكرير بعد (لولا)، فمن ثم قال البصريون: الاسم المرفوع بعده مبتدأ. «خلافًا للكوفيين» ولسوا جميعًا قائلين بأن التالي (لولا) مرفوع [بها، وإنما يقول بذلك بعضهم، ولا كلهم قائلين بأن تالي (لولا) مرفوع] بفعل مضمر، وإنما يقول بذلك بعضهم، [والمصنف] أجمل كما رأيت. فإن قلت: إنما فعل ذلك؛ لأنه ذكر أمرين لا يقول بهما قائل واحد، ثم ذكر أن الكوفيين خالفوا في دينك الأمرين، ومعلوم أنهم لم يخالفوا من حيث إن كلهم يقول بهذا وذاك جميعًا، بل لم يخالفوا إلا من حيث إن بعضهم يقول بهذا، وبعضهم يقول بهذا. قلت: من الجائز أن يخالفوا من حيث إن كلهم يجوز كلا من الأمرين على التخير،

بمعنى أن لك أن تقول بهذا، [ولك أن تقول بهذا]، فليس في نسبة الخلاف إلى جميعهم ما يشعر بانقسامهم إلى فرقتين، كل فرقة تقول بأمر من ذينك الأمرين، والله أعلم. «ولا يغني فاعل المصدر المذكور» نحو: ضربي زيدًا قائمًا. «عن تقدير الخبر إغناء المرفوع بالوصف المذكور» نحو: أقائم الزيدان؟ فهذا على تقدير الإغناء مبتدأ لا خبر له؛ لكونه بمعنى الفعل. أي أضرب زيدًا قائمًا، كما أن الوصف المذكور مبتدأ لا خبر له، لكونه بمعنى الفعل، أي يقوم الزيدان، وهذا مذهب ابن درستويه. «ولا الواو» أي ولا تغني الواو في قولهم: (كل رجل وضيعته) عن تقدير خبر، بحيث يكون هذا كلامًا والمبتدأ [فيه] لا خبر له؛ لاستغنائه بالواو المذكورة عن تقدير خبر، وهذا مذهب ابن خروف، واختاره ابن عصفور في شرح الإيضاح، ونسبه ابن الخباز إلى الكوفيين. «والحال» أي ولا تغني الحال أيضًا في مسألة: ضربي زيدًا قائمًا، عن تقدير الخبر تشبيهًا بالظرف، إذ التركيب المذكور في معنى 121 قولك: ضربي زيدًا في حال قيامه، وهذا مذهب ابن كيسان/ وقل المصنف: «المشار إليهما» صفة للواو والحال وقوله: «خلافًا لزاعمي ذلك» راجع إلى المسائل الثلاث، فقد عرفت المخالفين في ذلك بأعيانهم.

وترك المصنف قولًا آخر شديد الشهرة عن الكوفيين، وهو أن الخبر - في قولك: ضربي زيدًا قائمًا -[قائمًا -[مقدر بعد (قائمًا]، وتقديره ثابت أو حاصل، ويجعلون (قائمًا) حالًا من (زيد) والعامل فيه المصدر، واشتهر بين العلماء تقرير فساده بما نقوله وهو أن الكل متفقون على أن معنى ضربي زيدًا قائمًا: ما أضرب، أو ما ضربت زيدًا إلا قائمًا، وهذا المعنى المتفق عليه لا يستفاد إلا من تقدير البصريين والأخفش بناء على أن المصدر المبتدأ أضيف، فيعم كاسم الجنس الذي يقع على القليل والكثير بلفظ واحد إذا أضيف، قولنا: ماء البحر ظهور، فإنه يعم، فإذن قد وقع اسم الجنس - وهو المصدر المذكور عند البصريين - عامًا غير مقيد بالحال؛ إذ الحال من تمام الخبر، ثم أخبر عنه بحصوله في حال القيام، فيبقى المصدر المذكور على عمومه، فيكون المعنى: كل ضرب مني واقع على زيد حاصل في حال القيام، وهذا المعنى مطابق للمعنى المتفق عليه، أعني ما أضرب أو ما ضربت زيدًا إلا قائمًا، وأما عند الكوفيين فالمبتدأ عندهم مقيد بالحال المخصص له، فيكون المعنى: ضربي زيدًا المختص بحال القيام حاصل، وهو غير مطابق للمعنى المتفق عليه؛ لأنه لا يمتنع من حصول الضرب المقيد بالقيام حصول الضرب المقيد بالقعود في وقت آخر، فليس في تقديرهم إذا معنى الحصر المتفق عليه، وكذا نقول: - أيضًا في قولهم: أكثر شربي السويق ملتوتا - إذا جعلنا (ملتوتا) [حالًا] من تتمة الشرب صار المعنى الإخبار عن أكثر شرب [السويق] الملتوت بأنه حاصل، فيجوز على هذا أن يكون أكثر شرب السويق

غير ملتوت، إذا لم يخبر إلا عن أكثر شرب سويق ملتوت بالحصول، وذلك لا يمنع حصول شرب سويق غير ملتوت أضعافه، ويوضحه أنا لو قدرنا أنه شرب سويقًا ملتوتًا عشر مرات، وسويقًا غير ملتوت ألف مرة، فأراد أن يخبر عن تسعة من الأول بالحصول لقال: أكثر شربي السويق ملتوتا حاصل، وعلى المذهب المختار يكون أكثر الشرب للسويق غير مقيد باللت قد أخبر بحصوله حالة كون السويق ملتوتًا، فلو قدرت أكثرية أخرى باعتبار عدم اللت لكان مناقضًا، وهذا إنما يستفاد من مذهب البصريين كما قررناه. «ولا يمتنع وقوع الحال المذكورة فعلًا، خلافًا للفراء» فيما حكي عنه، وأجاز ذلك الأخفش والكسائي وهشام، واختاره المصنف مستدلًا بقول الشاعر: ورأى عيني الفتى أباكا يعطي الجزيل فعليك ذاكا ويقول الآخر:

عهدي بها في قد سربلت بيضاء مثل المهرة الضامر «ولا جملة اسمية بلا واو، وفاقًا للكسائي»، ونقل الجواز أيضًا عن البصريين، فتقول: ضربي زيدًا أبوه قائم، كما في قولهم: كلمته فوه إلى في. واقتضى ظاهر كلام المصنف أن كونها بالواو جائز عند الجميع، ونقل في الشرح عن ابن كيسان أنه قال: مسرتك أخاك وهو قائم، جائز في كل قول، وليس كذلك، بل إجازته محكية عن الكسائي والفراء، ومنعه محكي عن الأخفش وسيبويه، ومن ثم قال بعضهم: - في مسألة الاسمية/ المجرد عن الواو - 122 مذهب سيبويه يقتضي المنع؛ لأن كون الاسمية بالواو هو الأصل، وكونها بدون الواو ثان عن كونها بالواو، فإذا امتنع الأصل فالفراغ أولى. قلت: لا نسلم أن كون الاسمية بالواو هو الأصل، بل الأصل - في ربطها بذي الحال - الضمير؛ وذلك لأنها في المعنى حكم على صاحبها كالخبر، ووصف له

كالنعت، وكل منها يقتصر في ربطه على الضمير، [فكذا ينبغي أيضا أن يكون ما في معناها، ومما يدل عليه أيضا] [الاقتصار] [على الضمير] في الحال المفردة، فيكون الأصل في ربطها الضمير، لا الواو، ومما يدل لوقوع الحال المذكورة جملة اسمية بالواو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»، وقال الشاعر: خير اقترابي من المولى حليف رضى وشر بعدي عنه وهو غضبان «ويجوز إتباع المصدر المذكور، وفاقًا له» أي للكسائي «أيضًا» أجاز ضربي زيدًا الشديد قائمًا، وشربي السويق كله ملتوتًا، ولم يذكر المصنف عليه شاهدًا، ومنعه غيره لغلبة معنى الفعل عليه، لا سيما ولم يسمع الإتباع بالاستقراء. «ويحذف المبتدأ [أيضًا جوازًا] لقرينة» نحو: {من عمل صالحا فلنسفه

ومن أساء فعليها}، أي فصلاحه لنفسه وإساءته عليها، ومنه: قال لي كيف أنت؟ قلت: عليل. وكان الأحسن تقديم قوله: (لقرينه) لما أسلفناه في حذف الخبر. ولم يعترض المصنف لما إذا دار الأمر بين أن يكون المحذوف مبتدأ أو خبرًا، ما الأحسن فيه؟ فقيل: الأحسن حذف الخبر؛ لأن الحذف تصرف واتساع، والأحق بذلك الخبر، فإنه يقع مفردًا وجامدًا ومشتقًا وجملة اسمية وفعلية وظرفية، وأيضًا فالحذف بالأعجاز أليق منه بالصدور. وقيل: الأحسن حذف المبتدأ؛ لأن الخبر محط الفائدة. «ووجوبًا كالمخبر عنه بنعت مقطوع لمجرد مدح» نحو: الحمد لله الحميد. «أو ذم» نحو: أعوذ بالله من إبليس اللعين. «أو ترحم» نحو: مررت بزيد المسكين. قال أبو علي: إذا ذكرت صفات للمدح أو للذم، وخولف في بعضها فقد خولف للافتناء، ويسمى ذلك قطعًا، وللتنبيه على شدة هذا الاتصال يلتزمون حذف الفعل أو المبتدأ في النصب أو الرفع؛ ليكون ذلك في صورة متعلق من متعلقات ما قبله.

وقال المصنف: إنما التزموا في هذه النعوت المقطوعة حذف الفعل؛ إشعارًا بأنه لإنشاء المدح والذم والترحم، كما فعلوا في النداء، إذ لو أظهروا لأوهم الإخبار، ثم [قال]: التزموا في الرفع حذف المبتدأ؛ ليجرى الوجهان على سنن واحد. وكلام ابن قاسم يقتضي أن المصنف ذكر في المتن وجوهًا أخر يجب فيها حذف المبتدأ. منها: أن يخبر عنه بمصدر هو بدل من اللفظ يفعله نحو: سمع وطاعة وعليه بيت الكتاب: فقالت حنان ما أتى بك ها هنا؟ أذو نسب أن أنت بالحي عارف؟

ومنها: أن يخبر عنه بمخصوص في باب (نعم)، تقول: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، فحيث جعل المخصوص خبر مبتدأ وجب حذف ذلك المبتدأ، وسيأتي الكلام على ذلك في محله. ومنها: أن يخبر عنه بصريح القسم، نحو: في ذمتي لأفعلن [كذا]، أي في ذمتي ميثاق أو يمين أو عهد، كما عكسوا في نحو: لعمرك لأفعلن، ذكر المسألة أبو علي الفارسي، ومن شواهد هذا الاستعمال قوله: تساور سوارا إلى المجد والعلا وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا

123 / ولم تحضرني نسخة ثانية من التسهيل أحرر منه هذا المحل، ولم أجد هذا الكلام في المتن الذي بين يدي الآن، ولعلي أحرره بعد ذلك عند التمكن من مراجعة نسخ المتن إن شاء الله تعالى.

«وإن ولي معطوفًا) بالواو دون غيرها من حروف العطف «على مبتدأ فعل» وكذا وصف «لأحدهما واقع على الآخر» أو على ما لابسه نحو: عبد الله والريح يباريها، ونحو: زيد والمنية شارب بعقارها «صحت المسألة» عند البصريين على إضمار الخبر وسد الحال مسده، أي يجريان يباريها، وعند الكوفيين حملًا على المعنى، أي يتباريان، فيكون (يباريها) في موضع رفع. «خلافًا لمن منع» المسألة ووجهه أن (يباريها) خبر عن أحدهما، فيلزم بقاء الأخر بلا خبر، لا يصح ما حمله البصريون عليه؛ لأن الجملة حينئذ حال من ضمير يجريان، فإذا أولت الحال بالوصف كان التقدير مباريا لها، وذلك لا يكون حالًا من ضمير يجريان، ولا يطرد ما حمله الكوفيون [عليه] في [نحو] قولك: زيد والمنية شارب بعقارها، فالمنع متجه كذا قيل. قلت: والذي يظهر لي صحة قول الكوفيين، وما ذكر من عدم أطراده ليس بصحيح؛ إذ يمكن تأويل مثل: زيد والمنية [شارب بعقارها]، [بقولك] زيد والمنية ملتبسان، وهذا لا يعوزك في مكان أصلا والله أعلم. وإنما قال المصنف: (معطوفًا)؛ لأن المسألة لو كانت بغير عاطف نحو: عبد الله الريح يباريها، صحت إجماعًا. وفاته التنبيه على ثلاثة أمور: أحدها - كون العطف بالواو، إذ لو قيل: زيد فالريح يباريها، أو ثم الريح يباريها لم يجز قولًا واحدًا.

الثاني - كون الواقع بعد المعطوف على المبتدأ وصفًا أيضًا، فإنه من صور المسألة؛ إذ لو قلت: زيد والريح مباريها جاز عند من يجيز: زيد والريح يباريها. الثالث - كون ذلك الفعل أو الوصف واقعًا على ملابس الآخر أيضًا، إذ لو قلت: زيد والريح يباري سرعتها كان ذلك من وجوه المسألة التي يطرقها الخلاف، وقد استدل ابن الانباري على صحة مثل هذا التركيب بقول الشاعر: واعلم بأنك والمنية شارب بعقارها. وهو مما يدل على ما قلناه، وإن كان المصنف قدح فيه باحتمال كون الواو بمعنى (مع). وكان ينبغي أن يذكر الخلاف بين المصححين لهذه المسألة في الوجه الذي صحت عليه ما هو؟ «وقد يغني مضاف إليه المبتدأ عن معطوف، فيطابقهما الخبر» نحو: راكب الناقة طليحان، والأصل: راكب الناقة وهي طليحان، فحذف المعطوف لوضوح المعنى، وقيل: إنما ذلك على حذف مضاف إلى الخبر، أي أحد طليحين، وهذا لا يتأتى إذا قيل: غلام زيد ضربتهما، ويتأتى التأويل الأول فكان أولى لعمومه؛ فلذلك عول عليه المصنف.

وفي المحكم: الطلاحة الإعياء من السفر ومن كلامهم: راكب الناقة طليحان أي والناقة، فحذف العاطف والمعطوف، كما قال الله تعالى: {فانفجرت}. «والأصل تعريف المبتدأ» الذي هو اسم محكوم عليه؛ لأن أصل المسند إليه أن يكون معلومًا، وأما الوصف الرافع لمكتفئ به فذاك لا ينفك عن كونه نكرة. «وتنكير الخبر» قال الرضي: لأنه مسند فشابه الفعل، والفعل خال من التعريف والتنكير؛ إذ هما من عوارض الاسم، ولا يصح تجريد الاسم عنهما، فجردناه مما يطرأ ويحتاج إلى العلامة، وهو التعريف وبقيناه/ على الأصل، فكان 124 نكرة. وإنما كان الأصل في الإسناد الفعل دون الاسم؛ لأن الاسم يصلح لكونه (مسندًا ومسندًا إليه، والفعل مختص بكونه) مسندًا لا غير، فصار الإسناد لازمًا له دون الاسم. قال: وأما قول النحاة (أصل الخبر التنكير؛ لأن المسند ينبغي أن يكون مجهولًا)، فليس بشيء؛ لأن المسند ينبغي أن يكون معلومًا كالمسند إليه، وإنما الذي ينبغي أن يكون مجهولًا هو انتساب [ذلك المسند إلى المسند إليه، فالمجهول في قولك: زيد أخوك، هو انتساب] أخوة المخاطب إلى زيد، وإسنادها إليه لا نفس أخوته.

«وقد يعرفان» نحو: {الله ربنا وربكم}. «وينكران» نحو: أفضل من زيد أفضل من عمرو. «بشرط الفائدة» قيد راجع إلى التعريف والتنكير. قال المصنف: ونبعت بذلك على أن حصول شرط الفائدة شرط في صحة الخبرية، معترفين كانا أو نكرتين أو مختلفين. ووقع لابن الحاجب - في شرح المفصل وغيره - أن الخبر يجب أن يكون نكرة، وأنك إذا قلت: زيد القائم، فليس (القائم) بخبر على الحقيقة، وأن الخبر مقدر بقولك: محكوم عليه بالقائم. «وحصولها» أي الفائدة «في الغالب عند تنكير المبتدأ» لا في غير الغالب، فإنه لا مانع من صحة قول من خرقت له عادة: - فرأى أو سمع شيئًا من الخوارق - شجرة سجدت، أو حصاة سبحت. «بأن يكون» المبتدأ، وهذا ظرف مستقر خبر عن المبتدأ المتقدم، أي حصول الفائدة في الغالب عند تنكير الخبر ثابت بأن يكون المبتدأ «وصفًا» نحو: ضعيف عاذ بقرملة، أي إنسان ضعيف التجأ إلى مثله. والقرملة شجرة ضعيفة. وقد يقال: إنما المبتدأ في التحقيق المحذوف، وهو موصوف، فهو من القسم الذي يأتي.

«أو موصوفًا بظاهر» نحو: {ولعبد مؤمن خير من مشرك}. «أو مقدر» نحو: السمن منوان بدرهم، التقدير: منوان منه، ف (منوان) مبتدأ، و (منه) المقدر وصفه، و (بدرهم) خبره، وهذه الجملة خبر المبتدأ الأول، وهو السمن. «أو عاملًا» قال ابن هشام: إما رفعًا نحو: قائم الزيدان، عند أجازه، أو نصبا نحو: (وأمر بمعروف صدقة)، وأفضل منك جاءني، إذ الظرف منصوب المحل بالمصدر أو الوصف، أو جرًا نحو: غلام امرأة جاءني، و (خمس صلوات كتبهن الله)

قال: وشرط هذا أن يكون المضاف إليه نكرة كما مثلنا، أو معرفة [والمضاف] مما لا يتعرف بالإضافة نحو: مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود، وأما ما عدا ذلك فإن المضاف فيه معرفة. قلت: وهو منتقد من وجهين: الأول: أن (قائم الزيدان) ليس مما نحن فيه؛ لأن الكلام في أحد قسمي المبتدأ، وهو المحكوم عليه؛ لأن هذا القسم هو الذي يقول النحاة فيه: لابد أن يكون معرفة أو نكرة قريبة من المعرفة بما حصل لها من التخصيص؛ ليكون المحكوم عليه معنيا. وأما القسم الثاني من قسمي المبتدأ - وهو الوصف الرافع لمكتفئ به - فيجب كونه نكرة، ولا يعرف كما سبق، فلا حاجة إلى الاعتذار عن الإيتان به نكرة بأنه مخصص فعلم أنه لا مدخل له فيما نحن بصدد. الثاني: أن قوله: (وشرط هذا أن يكون المضاف إليه نكرة) إلى آخره [أمر] لا حاجة إليه، فإن المسألة مفروضة فيما إذا كان المبتدأ نكرة، فنحن في غنية عن التنبيه على هذا الشرط. «أو معطوفًا» نحو: زيد ورجل عندي، ومثل له في الشرح بقوله:

عندي اصطبار، وشكوى عند قاتلي فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا! ! / واعترضه ابن هشام باحتمال كون الواو للحال، وهو مسوغ، وإن سلم 125 العطف فثم صفة مقدرة يقتضيها المقام، أي: وشكوى عظيمة. قال: على أنا لا نحتاج إلى شيء من هذا كله، فإن الخبر هنا ظرف مختص وهذا بمجرده مسوغ وكأنه توهم أن التسويغ مشروط بتقدمه على النكرة، وقد أسلفنا أن التقديم إنما لدفع توهم الصفة، وإنما لم يجب هنا، لحصول الاختصاص بدونه، وهو ما قدمناه من الصفة المقدرة الوقوع بعد واو الحال، فلذلك جاز تأخير الظرف، كما في قوله تعالى: {وأجل مسمى عنده}. قال: ولا يجوز أن تكون الواو للعطف، ويكون العطف هو المسوغ لأن المعطوف في البيت جملة لا مفرد نكرة، ولو جعلت الواو عاطفة لاسم وظرف على مثليهما؛ ليكون من عطف المفردات، لزم العطف على معمولي عاملين؛ إذ الاصطبار معمول للابتداء، والظرف معمول للاستقرار، ولا يندفع هذا بأن يقدر لكل من الظرفين استقرار، ويجعل التعاطف بين الاستقرارين، لا بين الظرفين؛ لأن الاستقرار

[الأول] خبر، وهو معمول للمبتدأ نفسه كما هو مختار المصنف، فيرجع الأمر إلى العطف على معمولي عاملين. «أو معطوفًا عليه» نحو: {طاعة وقول معروف}، أي أمثل، وبعضهم يقول: العطف مسوغ على شريطة أن يكون المعطوف أو المعطوف عليه مما يصح الابتداء به. كما مثلنا، وكثير منهم أطلق العطف وأهمل الشرط كما فعل المصنف. «أو مقصودًا به العموم» قال ابن قاسم: وهو على ضربين: عموم شمول نحو: كل يموت. وعموم بدل نحو: تمرة خير من جرادة. قلت: ظاهر كلام ابن الحاجب في الأمالي أن العموم - في: تمرة خير من جرادة - استغراقي لا بدالي، وذلك أن قال: الظاهر أنه غير مختص بتمرة متميزة، فكان فيه معنى العموم، كما في: لا رجل أفضل منك، وذلك بمعنى كونه غير مختص من وجهين: أحدهما: أنه لما فضل واحد من جنس على واحد من جنس علم أنه لا خصوصية لمفرد منه على مفرد؛ لأنه قد يفهم أن الأفضلية إنما وقعت باعتبار كونه من ذلك القبيل، والمفضولية إنما وقعت لكون الآخر من القبيل الآخر، وإذا كان كذلك فلا خصوصية لمفرد على مفرد. والثاني: أن في معنى التمرية ما يشعر بالتفضيل على الجرادية باعتبار كونه تمرًا وجرادًا من غير خصوصية لمفرد دون مفرد، وإذا لم يكن ثم خصوصية لمفرد منه متميز حصل الشياع، بخلاف ما إذا حكمت بحكم من الأحكام مختص، فإن المفهوم منه الحكم على واحد متخصص، كقولك: رجل في الدار؛ فلذلك امتنع؛ لأنه لا

يستقيم فيه كل رجل وجودًا فضلًا عن الدلالة؛ ولو استقام وجودًا فليس فيه قرينة تشعر بقصد الدلالة عليه، إذ لا مفاضلة بين جنسين، وليس في معنى الرجولية ما يقتضي أن يكون في الدار كما في المثال المتقدم، بل القرينة [فيه] بعكسه؛ لأنه إنما استقام الحكم عليه بأنه في الدار لكونه متخصصًا نعم لو قلت: رجل خير من زيد، فهذا يتجاذ به الطرفان؛ لأن الحكم عليه بالأفضلية يشعر بأنه في معنى الرجولية كما في الأول في أحد وجهيه، وتخصيصه بالأفضلية على زيد يشعر بأنه متخصص كما في الحكم عليه بأنه في الدار، فيحتاج إلى السماع، والظاهر منعه؛ لأنه إنما ثبت التعميم في الموضع الذي لا يختص فيه الخبر بوجه، فلا ينبغي أن يحمل عليه ما يصح أن يكون فيه نوع تخصيص؛ لفقدان معنى مناسب في الأصل المتفق عليه. إلى هنا كلامه رحمه الله [تعالى]. «أو» بأن يكون مقصودًا / به «الإبهام» نحو: ما أحسن زيدًا، بهذا مثل له 126 المصنف، وجعل مسوغ الابتداء ب (ما) معنى التعجب. «أو» بأن

يكون «تالي الاستفهام» نحو: {أءله مع الله} ونحو: هل رجل في الدار؟ . «أو» تالي «نفي» نحو: ما رجل في الدار، ولا يخفي أن النكرة هنا واقعة في سياق النفي، والمقصود بها العموم، فقد دخل ذلك في قول المصنف: (أو مقصودًا به العموم) «أو» تالي «لولا» كقول الشاعر: لولا اصطبار لأودي كل ذي مقة لما استقلت مطاياهن للظعن «أو» تالي «واو الحال» كقوله: سرينا ونجم [قد] أضاء فمذ بدا محياك أخفي ضوءه كل شارق والشرط إنما هو وقوعها في أول جملة حالية بدليل قوله: الذئب يطرقها في الدهر واحدة وكل يوم تراني مدية بيدي

فيمن رواه برفع (مدية)، وليس وقوعها بعد واو الحال بلازم. «أو» تالي «فاء الجزاء» كقول بعض العرب: إن مضى عير فعير في الرباط كذا مثلوا له، ولا يخفي أن المعنى: فعير آخر، فالمسوغ الصفة المقدرة «أو» تالي «ظرف مختص» نحو: {ولدينا مزيد}، ويلزم المصنف إجازة: عند رجل مال؛ إذ الظرف مختص؛ لقولهم: إن الإضافة إلى النكرة تفيد التخصيص، فالصواب أن يقال: أو ظرف يصلح مجرور للإخبار عنه. «أو» تالي «لاحق به» أي بالظرف المختص، والمراد به الجار والمجرور نحو: في الدار رجل، وشرطه أن يكون مختصًا كما مثلنا، فلو قلت: في دار رجل لم يجز، وجعل المصنف الجملة المشتملة على فائدة مما يلحق بالظرف المذكور، نحو: قصدك غلامه رجل. قال أبو حبان: ولا أعلم هذا لأحد غير المصنف. «أو بأن يكون دعاء» نحو: {سلام على إل ياسين} و {ويل للمطففين}. فإن قلت: لم جعل المصنف هذا معطوفًا على قوله: - أولًا - (بأن يكون وصفًا)، وهلا فعل فيه كما فعل في غيره؟ . قلت: دفعًا لتوهم غير المقصود؛ لأنه لو لم يفعل ذلك، وقال: (أو دعاء) ربما

توهم أنه مجرور بالعطف على ما [قبله] تاليه، فيفسد المعنى؛ إذ يكون التقدير: - حينئذ - أو تالي دعاء، فأتى بما يفيد النص على المقصود، ففعل ما فعل. «أو» بأن يكون «جوابًا» لسؤال سائل، كأن يقال: - لك - من عندك؟ ، فتقول: رجل، أي رجل عندي. قال المصنف: ولا يجوز أن يكون التقدير: عندي رجل؛ لأن مخالفة الجواب للسؤال ضعيفة، والسؤال تقدم فيه المبتدأ. وفيه نظر، لأنه قد جاء في التنزيل: {سيقولون لله} {فسيقولون الله}. ثم الضعف مرتفع بمعارضة الاحتياج إلى مسوغ الابتداء بالنكرة، ثم كيف يقول: (لا يجوز)، ثم يسلم أن التخالف جائز على ضعف. وإنما جاز: رجل جاءني جوابًا ل: من جاءك؟ ولم يجز ذلك ابتداء؛ لأنه إذا وقع جوابًا علم أن المراد الإبهام، أي رجل لا أسميه جاءني؛ إذ السائل قد استدعى التعيين، ولم يعين له، وأما إذا

قيل: ابتداء فلم يعلم هل المتكلم مريد لكتمان بيان عينه أو لا، وعلى الثاني لا يتحصل منه فائدة، كذا قيل، وفيه بحث. «أو» بأن يكون «واجب التصدير» نحو: من عندك؟ ، وكم عبد لك؟ . «أو» بأن يكون «مقدرًا إيجابه بعد نفي» نحو: شر أهر ذا ناب. الشر: - هنا - الفاقة على ما قيل وأهره: حمله على الهرير، وهو صوت دون النباح، وذو ناب: - هنا - الكلب. يقال: ذلك إذا لاحت مخائل الشر وأمارته، ومثله قول الشاعر: قدر أحلك ذا المجاز وقد أرى - وأبي - مالك ذو المجاز بدار ومن أمثلة الكتاب: شيء جاء بك.

127 قال سيبويه: وإنما جاز أن يبتدأ به/؛ لأنه في معنى: ما جاء بك إلا شيء - يريد: لأن المبتدأ هنا في معنى الفاعل، والفاعل يجوز أن يكون نكرة، وتحقيق الكلام في الطريق التي حصل بها الحصر في هذا التركيب ليس من وظيفة هذا العلم، وإنما هو من وظيفة علم المعاني، فليراجع من هناك. وبعض النحاة يجعل المسوغ فيما ذكر الوصف المقدر، أي شر فظيع أهر ذا ناب، وكذا غيره يقدر له صفة يقتضيها المقام. «والمعرفة خبر النكرة عند سيبويه في نحو: كم مالك.» لأن أكثر ما يقع بعد أسماء الاستفهام [النكرة أو الجملة أو الظرف، ويتعين إذ ذاك أن يكون اسم الاستفهام] مبتدأ نحو: من قائم؟ ، ومن عندك؟ . فحكم على (كم) بالابتداء؛ حملًا للأقل على الأكثر. «واقصد رجلًا خير منه أوبوه» وهذه لغة أكثرهم، ويضعف أن تقول: (خبرًا) بالنصب على الوصف؛ لئلا يلزم رفع اسم التفضيل للظاهر في غير مسألة الكحل، ولم أر ما يثلج به الصدر في توجيه ما ذهب إليه سيبويه من أن المعرفة خبر النكرة في هذا المثال، أعني: خير منه أبوه. «والأصل تأخير الخبر» لأن المبتدأ محكوم عليه، ولابد من وجوده قبل الحكم، فتقصد في اللفظ أيضًا أن يكون ذكره قبل ذكر الحكم عليه، وإنما قدم الفعل في الجملة [الفعلية]، للإيذان من أول الأمر (أنها فعلية، فلو قدم الفاعل لم يتعين الجملة

الفعلية من أول الأمر) إذا أمكن صيرورته كلامًا باسم آخر. «ويجوز تقديمه إن لم يوهم ابتدائية الخبر»، وذلك إذا استويا تعريفًا وتنكيرًا بلا قرينة نحو: زيد أخوك، وأفضل مني، فأيهما تقدم حكمت بأنه المبتدأ، فإذا قلت: زيد أخرك، فهو على تقدير أن المخاطب يعرف زيدًا ويجهل نسبة الأخوة إليه، وإذا قلت: أخوك زيد، فعلى العكس، أي يكون المخاطب يعرف أن لك أخًا ويجهل كونه زيدا، فلو جوز التقديم مع فقدان القرينة التبس المعنيان، ولو وجدت قرينة محصلة للتمييز جاز التقديم مثل: أبو حنيفة أوب يوسف؛ وذلك لأنا نعرف أن الخبر محط الفائدة، فما يكون فيه التشبيه والذي تذكر الجملة لأجله فهو الخبر.

ولا يخفي أن المقصود تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة، فمع التقديم لا يحصل لبس؛ إذ الأعلى لا يشبه بالأدنى عند قصد الحقيقة، ومنه قول الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا [بنوهن] أبناء الرجال الأباعد أي: بنو أبنائنا مثل بنينا، فحذف (مثل) وقدم الخبر لوضوح المعنى. هذا ملخص ما ذكره المصنف في شرحه، ولا يعني باستوائهما في التعريف والتنكير استواءهما في رتبة التعريف ورتبة المسوغ، بل مراده تساويهما في مطلق التعريف ومطلق المسوغ، وقد أطلق بعض لقول بوجوب التقديم، ولم يفصل بين وجود القرينة المميزة وعدمها، وأجاز بعض الحكم بابتدائية ما شئت من الاسمين، ولم يبال بالإلباس؛ لحصول الفائدة للمخاطب، قدمت الخبر أو أخرته، وقد حكى ابن السيد في مسائله

وقوع كلام بين أهل عصره في قول الشاعر: عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء البحاتر [واختار هو تجويز أن يكون (شر النساء) مبتدأ و (البحاتر)] خبره والعكس. «أو» لم يوهم تقديمه «فاعلية المبتدأ» نحو: زيد قام، فإنك لو قدمت الفعل في هذا التركيب أوهم أن المبتدأ فاعل. وقد ذكر في علة امتناع تقديم الخبر في نحو المثال المذكور ثلاثة أوجه: أحدهما: إيهام الفاعلية/ كما مر، وعلى هذه العلة أجاز بعضهم تقديمه في نحو: 128

أخواك قاما، ولم يعبأ باحتمال الفاعلية على لغة (أكلوني البراغيث)، إذ تقديم الخبر أكثر من تلك اللغة، والحمل على الأكثر أرجح، وطعن في هذه العلة بأمور: منها: أنهم لا يلتزمون رفع اللبس، بدليل إعلان (مختار)، ووضع (أو) للشك، وأسماء الأجناس والمشتركات. والجواب أن الأصل مراعاة الإلباس، بدليل رفع الفاعل ونصب المفعول وإبراز الضمير في مسألة جريان الوصف على غير صاحبه، ومنع الترخيم في: يا مسلمة على لغة التمام، وترك إعلال (أبيض) ونحوه، وترك بناء صيغتي التعجب والتفضيل من فعله. ومنها: أنه إنما يراعى الإلباس إذا رجع إلى المعنى، ولا فرق في المعنى بين الجملتين، فإن المقصود الإخبار بقيام زيد، وهو حاصل منهما جميعًا. والجواب: المنع، بل في (زيد قام) تكرر الإسناد، فيحصل تقوي الحكم، والاعتناء بزيد ببناء الكلام عليه وإفادة الثبوت. ومنها: أنهم أجازوا الفاعلية والابتداء في: أفي الدار زيد؟ ، وقال به قوم: في كيف زيد؟ ، وأين زيد؟ ، وآخرون [في]: في الدار زيد. كذا رأيت في كلام لابن

هشام رحمه الله، وقال: - بإثر هذا الكلام - وفيه نظر. قلت: وكنت أجازوا: - في (ما قائم زيد) - إعراب (زيد) فاعلًا أو مبتدأ، ومنعوا في مثل: زيد قام بتقديم الخبر؛ لأدائه إلى الإلباس في مثل: زيد قام على تقدير تجويز التقديم يترتب عليه محذور، وهو تفويت تقوي الحكم، فمنعوه، ولا كذلك في ما قائم زيد، فأجازوه. قلنا: وهذا أيضًا يترتب عليه محذور، فإنك إذا قلت: ما زيد قائم، كان. مشبهًا لزيد قائم في تقوى الحكم من جهة تضمنه الضمير، وإذا قلت: ما قائم زيد - على أن يكون زيد فاعلًا ب (قائم) - فليس فيه تقوي الحكم، ولا ما يشبهه ولم يحصل لذلك جواب. وأقول: ظاهر كلام المصنف [أنه] يمنع تقديم الخبر في مثل قولنا: ما زيد قائم؛ لأنك لو قدمته فقلت: ما قائم زيد أوهم فاعلية المبتدأ، ويحتاج منعه إلى تجويز الفعل، فتأمله.

العلة الثانية - أنه إذا قيل: قام زيد، أمكن أن يكون (زيد) في محله فلا ينوى به غير محله. ورد بأنهم قد أجازوا: - في نحو: كم جريبًا أرضك؟ - خبرية (كم) مع إمكان كونها في موضعها. وقد أجاز قوم: - في (زيد أخوك) - كون زيد مبتدأ وكونه خبرًا، ولم ينظروا إلى اللبس، نظرًا إلى حصول أصل المعنى كما مر. فقضية هذا أن يجيزوا التقديم هنا. والجواب أن سيبوبه جزم في - كم جريبًا أرضك؟ - بأن (كم) مبتدأ؛ إعمالًا لهذه القاعدة، والأخفش جزم بخبرتها؛ إعمالًا لقاعدة المعرفة والنكرة. فمن الذي أجاز الوجهين؟ ، والقول بذلك معترض، وكذا القول بالوجهين في المعرفتين. العلة الثالثة - أن العامل اللفظي لا يعارضه العامل المعنوي، وعلى ذلك أجاز بعضهم: كان يقوم زيد. «أو» لم «يقرن بالفاء» نحو: الذي يأتيني فله درهم، فيمتنع تقديمه؛ نظرًا

إلى أصل الفاء الذي هو التعقيب، وأيضًا لكونه فاء الجزاء، وهو عقيب الشرط لاستحقاق أداته صدر الكلام، فكذا ما شبه به. «أو» لم يقرن «بإلا لفظًا» نحو: {وما محمد إلا رسول}، «أو معنى» نحو: {إنما أنت منذر}. «وفي الاختيار» احترازًا عن حالة الاضطرار كقوله: / فيارب هل إلا بك النصر يرتجى عليهم وهل إلا عليك المعول 129 الأصل: وهل المعول [إلا عليك]، وستقف على علة ذلك في باب الفاعل أو باب المستثنى إن شاء الله تعالى.

«أو» لم «يكن» أي الخبر خبرًا «لمقرون بلام الابتداء» نحو: لزيد قائم، وأما قوله: خالي لأنت ومن عويف خاله نال العلاء ويكرم الأخوالا فقيل: اللام زائدة، لا لام الابتداء. وقيل: بل هي لام الابتداء، و (أنت) خبر [لمبتدأ] محذوف، أي لهو أنت. واعترض بمنافاة التوكيد الحذف، فالأولى الزيادة. وفيه نظر. «أو» لم يكن خبرًا «لضمير الشأن» نحو: هو زيد قائم. قال المصنف: لأن تقديمه يوهم كون الضمير مؤكدًا لضمير الخبر لا ضمير الشن، ولا تطرد هذه العلة؛ لعدم دخول (هو أخوك زيد)، وكذا كل ما كان الخبر فيه جامدًا. قلت: والعلة المطردة أن في تأخير ضمير الشأن إخراجًا [له] عما وضع له من

تعظيم الأمر وتفخيمه بذكر الإبهام ثم التفسير، فمنع تأخيره لذلك «أو» لم يكن خبرًا «لشبهه» أي لشبه ضمير الشأن نحو: كلامي - زيد منطلق، فلو أخر المبتدأ هنا لم يفد شيئًا، لأن قولك: زيد منطلق، يعلم منه أنه كلامك لا كلام غيرك، فإذا قلت: - بعد ذلك - كلامي، فكأنك قلت: كلامي كلامي، كذا قال المصنف، وفيه نظر؛ إذ قد يقال: إنه يفيد أن ذلك كلام غيرك، فإن ما يتلفظ به الإنسان قد يكون كلام غيره، وحكاه، ولا يتجه أن يقال: السكوت مغن عنه. «أو» لم يكن خبرًا «لأداة استفهام» نحو: أي الرجال عندك؟ «أو» لأداة «شرط» مثل: من يقم أكرمه. «أو» بشيء «مضاف إلى أحدهما» أي إلى أحد اللفظين اللذين هما أداة الاستفهام وأداة الشرط نحو: غلام من عندك؟ ، وغلام من يقم أكرمه. وإنما وجب تأخير الخبر في هذه الصور؛ لأنه لو قدم لفات صدارة الاستفهام والشرط، وذلك مما لا يسوغ ارتكابه، فهذه إحدى عشرة مسألة ذكرها المصنف، وذكر غيره مواضع أخر لا نطول بذكرها.

«ويجوز: في داره زيد، إجماعًا» أي جوازًا مجمعًا عليه، فإجماعًا إما بمعنى اسم المفعول محذوف الصلة اتساعًا كما في المشترك، أو على حذف المضاف أي: ذا إجماع. وإنما كان كذلك لأن الخبر منوي التأخير ب [حسب] الأصل، فهو مؤخر رتبة، وإن تقدم لفظًا، ومفسر الضمير - وهو زيد - مقدم الرتبة [ولا يشترط في معاد الضمير أن يجتمع له الأمران التقدم لفظًا والتقدم رتبة]. ورام الشيخ أو حيان أن يقدح في نقل الإجماع في المسألة [المذكورة] فقال: هي ممتنعة عند الأخفش، لأنه يجعل زيدًا فاعلًا. وإنما يتم هذا لو قال الأخفش بوجوب الفاعلية، أما إذا قال بجوازها فالمسألة عنده جائزة على الابتداء، فصدق قوله: إن المسألة جائزة بإجماع. ومما يؤيد هذا أن المصنف قد قال بإثر هذا -: إن الأخفش يجيز (في داره قيام زيد، وفي دارها عبد هند) ولا يمكن [أن يكون [أجازهما إلا على ما ذكرناه من الابتداء لا على الفاعلية. وظهر بهذا قطعًا أن الأخفش لا يوجب الفاعلية في ذلك، بل يجوزها كما يقول أكثر الناس مع الاعتماد، بل ينبغي - في مسألة عدم الاعتماد - أن يكون ذلك [عند]

القائل هو أضعف، أما أنه يكون متعينًا فلا. «وكذا: في داره قيام زيد، وفي دارها عبد هند» يجوز «عند الأخفش». والمنقول عن البصريين الجواز كالأخفش، وكلام المصنف يوهم أن غيره من البصريين يخالفه، وليس كذلك، نعم: الكوفيون مانعون لكلتا المسألتين، ووجه الجواز أن المضاف والمضاف إليه كشيء واحد، فإذا كان المضاف مقدر التقديم بوجه ما/ كان المضاف إليه مقدر التقديم معه، وحينئذ فلا إشكال في جواز المسألتين ويشهد له قول العرب: في أكفانه درج الميت. «ويجب تقديم الخبر إن كان أداة استفهام» نحو: كيف زيد؟ وأين بيتك؟ . «أو» كان «مضافًا إليها» أي إلى أداة استفهام مثل: صبح أي يوم السفر؟ ، واحترز من أن [لا] يكون الخبر نفسه أداة استفهام أو مضافًا إليها نحو: زيد هل ضربته؟ ، فإنه يجوز تقديمه وإن كان الخبر مصاحبًا للاستفهام في الجملة. «أو» كان «مصححًا تقديمه الابتداء بالنكرة» نحنو: في الدار رجل، وعندك امرأة، وكذا: قصدك غلامه رجل، قاله المصنف. «أو» كان «دالًا بالتقديم على ما [لا] يفهم بالتأخير».

قال المصنف: نحو: لله درك، فإنه لا يفهم منه التعجب إلا بالتقديم، ونحو: سواء علي أقمت أم قعدت؛ إذ لو قدم لأوهم الاستفهام الحقيقي. فأما تعليله للثاني فحسن، ولا في هذا كون الوهم يندفع بالآخرة؛ لأنهم لم يعتبروا ذلك، ألا تراهم منعوا: رجل في الدار، وإن كان توهم الصفة يندفع بالآخرة، وأوجبوا التقديم! ! وأما لله درك. فقد يقال: إنه كلام جرى مجرى المثل، [فلا يغير] لا أن معنى التعجب إنما يفهم بالتقديم. «أو» كان «مسندًا دون (أما) إلى (أن) وصلتها» نحو: {وأية لهم أنا حملنا ذريتهم} فلا يجوز: أنك منطلق عندي، وهذا مذهب سيبويه والجمهور، واختلف في تعليل ذلك: فقيل: لئلا يلتبس (أن) المفتوحة ب (إن) المكسورة، ولم تدفع الفتحة الخفية اللبس، لكون الموقع موقع المكسورة؛ لأن لها صدر الكلام، بخلاف المفتوحة وقيل: لئلا تلتبس ب (أن) التي بمعنى (لعل). وقل: لئلا يتعرض الأول لدخول النواسخ، ومن جملتها (أن)، فيستثقل

اجتماعهما، وأجاز ذلك الأخفش والفراء وأبو حازم قياسًا على (أن) نحو: {وأن تصوموا خيرا لكم}، فلو كانت (أن) والية ل (أما) جاز بلا خلاف كقوله: عندي اصطبار وأما أنني جزع يوم النوى فلوجد كان يبريني وذلك لانتفاء المحذور، ضرورة أن الجملة التامة لا تتوسط بين (أما) وفائها كما ستعرفه في حروف الشرط. «أو» كان مسندًا «إلى مقرون (بإلا) لفظًا» نحو: ما في الدار إلا زيد، «أو معنىً» نحو: إنما في الدار زيد، وقد نبهناك على أن علة ذلك ستأتي إن شاء الله [تعالى] في باب الفاعل أو في باب المستثنى «أو» كان مسندًا «إلى ملتبس بضمير ما التبس بالخبر» مثلوه بقولهم: على التمرة مثلها زبدًا، وبالحديث:

(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، وبقول الشاعر: أهابك إجلالًا وما بك قدرة على ولكن ملء عين حبيبها فأما التمثيل بالبيت فصحيح، فإن الخبر - وهو ملء عين - أسند إلى المضاف من قوله: (حبيبها)، وهو ملتبس بضمير عائد إلى العين، والعين ملتبسة بالخبر، من حيث هو مضاف إليها. وأما الأولان فالخبر الكون المطلق المحذوف، ويصح تقديره مؤخرًا على الأصل،

كما يصح اللفظ [به] مؤخرًا كذلك، وكما يذكر مؤخرًا لو كان [كونًا] خاصًا، مثل: على الله عبده متوكل، ولا يصح أن يقال: م بني على التجوز المشهور في تسميتهم الظرف النائب عن الكون المطلق خبرًا، لأنه ذلك غير متأت من جهة أنه قال: [إن] فيلزم على هذا أن الخبر هو (على). وإنما قال المصنف: (ملتبس)، ولم يقل: (مضاف)؛ ليدخل [نحو]: (ملء عين حبيبها). وقال: (ما التبس بالخبر)، ولم يقل: (ما أضيف/ إلى الخبر)؛ ليدخل [نحو]: (ملء عين) ونحو: (على التمرة) - على زعمهم - ونحو: من حسن إسلام المرء تركه الفضول. وحاصل كلامه أن معنا مبتدأ وخبرًا كل منهما ملتبس بشيء، والمبتدأ ملتبس بضمير أو غيره، والخبر ملتبس بصاحب الضمير: إما بإضافة أو غيرها. «وتقديم المفسر» وحده على المبتدأ «- إن أمكن - مصحح» لتأخير الخبر: إما مع الجواز نحو: زيدًا أجله محرز، أو مع الوجوب نحو: زيدًا أجله أحرز؛

لما علمت من أن الخبر في الصورة الأولى جائزة التأخير؛ إذ هو مثل: زيد قائم، وأنه في الصورة الثانية واجب التأخير، إذ هو مثل: زيد قام، وإنما زادت الصورتان فيما شبهناهما به بأن المبتدأ التبس بضمير ما التبس بالخبر، وأمكن تقديم صاحب الضمير، وكلتا الصورتين جائزة عند البصريين. «خلافًا للكوفيين» فإنهم منعوهما جميعًا. «إلا هشامًا» فإنه خالفهم في جواز المسألتين جميعًا. «ووافق الكسائي» منهم [البصريين] «في [جواز] نحو: زيدًا أجله محرز» وهي مسألة اسم الفاعل. «لا في نحو: زيدًا أجله أحرز» وهي مسألة الفعل. وحاصلة أن هشامًا وافق البصريين في مسألتي اسم الفاعل والفعل، وأن الكسائي وافقهم في مسألة اسم الفاعل لا في مسألة الفعل. وحجة المانعين أنه لا يفصل العامل من معموله بأجنبي، ويرده: {وفي النار هم خلدون}. وأجابوا: بأن الظرف يتوسع فيه. والعجب أن الكوفيين يقولون هذا، وهم

يجيزون: كان طعامك زيد آكلًا أو يأكل. والجواب: عن الشبهة المذكورة أن نسبة الخبر من المبتدأ نسبة الفعل من الفاعل؛ لأنهما مسند ومسند إليه، ولا يمتنع تقديم المفعول وتأخير الفاعل [عنه]، فكذا لا يمتنع تقديم الخبر وتأخير المبتدأ.

«فصل» يذكر فيه تقسيمات وأحكام تتعلق بالخبر

«فصل» يذكر فيه تقسيمات وأحكام تتعلق بالخبر. «الخبر مفرد» وهو ما لعوامل الأسماء تسلط على لفظه عاريًا من إضافة وشبهها أو ملتبسًا بأحدهما نحو: زيد منطلق، وعمرو قائم أبوه، وذكر المصنف أن قولك: (قائم أبوه) من هذا المثال ونحوه ليس بجملة عند المحققين. قلت: وقد يقال الخبر في قولك: (زيد منطلق، أو قائم أبوه) ليس هو اسم الفاعل بمفرده، بل المجموع منه ومن مرفوعة هو الخبر سواء كان المرفوع ضميرًا كما في (منطلق)، أو ظاهرًا ملتبسًا بالضمير كما في (قائم أبوه)، وليس لعوامل الأسماء تسلط على المجموع أصلًا، وإنما لها تسلط على جزته الأول فقط فتأمله. وقد تنبه نجم الدين سعيد لذلك، فقال في شرح الكافية: المفرد ما لعوامل المبتدأ تسلط على كلمة منه، وذلك بأن يكون كلمة واحدة نحو: زيد غلام، أو أكثر نحو: زيد قائم أخوه، ولكن تسلط العوامل على كلمة واحدة، وهي (قائم) من مثالنا. على أن في عبارته - أيضًا - مسامحة. وقال ابن الحاجب في أماليه: لم يختلفوا [في] أن اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة مع الضمير ليست بجملة لأمرين: أحدهما: أن الجملة هي التي تستقل بالإفادة، وهذه ليست كذلك. الثاني: أن وضعها أن تفيد معنىً في ذات تقدم ذكرها، فإذا استعملت، مبتدأ

خرجت عن وضعها؛ ولذلك لما خرج بعضها عن هذا المعنى، وجعل بمعنى الفعل بشرط سبق ما يكون كالعوض عما كان يستحقه من الاعتماد أو كالدال على إخراجه عن وضعه الأصلي، جاز أن يكون مع مرفوعة جملة مثل: أقائم الزيدان؟ ، والذين يخالفون في: زيد ضارب غلامه ويجعلون (ضارب غلامه) جملة [مثل: أقائم الزيدان؟ ] فليسوا مخالفين/ في الذي ذكرناه، بل الخلاف في أنه هل ثبت أن ضارب (غلاماه) مثل: أضارب الزيدان؟ ، فمن جوزه أخرج الصفة عن موضوعها الأصلي، واستعملها استعمال الفعل. انتهى. «وجملة» ولا إشكال في تعريفها بما يعرف به الكلام إذا جعلت مرادفة له، وأما إذا جعلت أعم - لصدقها دونه على الصلة [مثلا] من قولك: الذي قام أبوه زيد - فيحتاج إلى إفرادها بتعريف. فقال ابن هشام: هي عبارة عن الفعل وفاعله: كقام زيد، والمبتدأ وخبره: كزيد قائم، وما كان بمنزلة أحدهما، نحو: ضرب اللص، وأقائم الزيدان؟ ، وكان زيد قائمًا، وظننته قائمًا. هذا نصه في مغني اللبيب. قلت: أما المثال الأول - وهو ضرب اللص، ببناء الفعل للمفعول - فهو منزلة الفعل والفاعل بناء على أن المرفوع فيه نائب عن الفاعل، وأما على رأي من يقول:

هو فاعل اصطلاحًا كالزمخشري، فلا يكون مما نزل منزلته بل هو نفسه. وأما الثاني - وهو أقائم الزيدان؟ - فهو مما نزل منزلة المبتدأ وخبره، فإن الوصف فيه مبتدأ، لكن مرفوعة ليس خبرًا عنه، وإنما هو بمنزلة الخبر كما أسلفناه عن جماعة. وأما الرابع - وهو ظنته قائمًا - فإيراده فيما ينزل لمنزلة أحدهما مشكل؛ لأنه على التحقيق جملة فعلية منتظمة من فعل - وهو (ظن) - وفاعل، وهو تاء المتكلم، فليس مما نزل منزلة الفعل والفاعل، ولا منزلة المبتدأ والخبر. فإن قلت: لعله يشير إلى أنه] مما] نزل منزلة المبتدأ أو الخبر، باعتبار المفعول الأول والثاني، فإنهما مبتدأ وخبر في الأصل، وبعد دخول الناسخ يكونان بمنزلة المبتدأ أو الخبر. قلت: لو كان كذلك لزم كونهما جملة اسمية، وهو باطل، وإنما هما بعد دخول الناسخ مفردان تسلط عمله في كل منهما، وليس جملة. ولو قيل: الجملة لفظ يستقل بالإفادة في الحال أو في الأصل لكان حسنًا: فالأول - نحو: قام زيد، وزيد قائم، فإن كلًا منهما مفيد في الحال. والثاني - كمدخول حرف الشرط في قولك: إن قام زيد، فإنه مفيد بالنظر إليه قبل دخول العارض، وهو أداة الشرط، وكذا الصلة في قولنا: الذي قام أبوه زيد مستقلة بالإفادة باعتبار النظر إليها قبل الوصل؛ إذ أصله - حينئذ - قام أبوه زيد، وكذا أمثاله مما طرأ عليه ما يمنعه من الاستقلال في الحال.

ويمكن [عند] إرادة زيادة التوضيح أن يقال: الجملة ما انتظم من مبتدأ غير وصف وخبره باقي الحكم أو منسوخه بحرف، أو من مبتدأ وصف مرفوعه، أو من فعل تام ومرفوعه، أو من فعل ناقص ومعموليه وهذا فيه طول، لكن لا بأس به طلبًا لزيادة البيان: فمثال الأول: زيد قائم. ومثال الثاني: إن زيدًا فاضل، وما عمرو ذاهبًا، وإنما قيدنا الناسخ بكونه حرفًا احترازًا من نحو: ظننت زيدًا قائمًا. ومثال الثالث: أقائم الزيدان؟ ، وما مضروب العمران. ومثال الرابع: قام زيد، وضرب اللص. ومثال الخامس: كان زيد قائمًا، فكل من الأقسام الثلاثة الأول جملة اسمية، وكل من القسمين الأخيرين جملة فعلية. وقال ابن قاسم: - تابعًا للمصنف - الجملة ما تضمن جزءين بالإسناد، لعوامل الأسماء تسلط على لفظها أو لفظ أحدهما.

فخرج بذكر الإسناد نحو: صاحب زيد. 133 وقوله: (لعوامل ا؟ لأسماء) كذا هو/ في النسخة التي رأيتها، والظاهر أنه سقطت منه كلمة (ليس)؛ إذ جملة الخبر من قولك: زيد أبوه قائم لا يتأثر لفظها بدخول (كان) أو (ظن) على نا هي خبر عنه، بل يبقى لفظها بحاله، ويكون العمل في محلها. وقوله: (أو لفظ أحدهما) مراده به أن يخرج نحو: قائم أبواه، من: زيد قائم أبواه، فإن دخول (كان) - مثلًا - يؤثر في لفظ الأول فقط، ولا يؤثر في الثاني. ولو اقتصر على قوله: (لفظهما)، لدخل هذا في حد الجملة؛ لأنه إذا لم يتسلط العامل على الثاني صدق [عليه] أنه لم يتسلط عليهما، ولا يخفى فساد هذا التعريف؛ لأنه يلزم عليه أن لا يكون (أبوه قائم) من قولنا: زيد أبوه قائم، جملة؛ لأن لعوامل ا؟ لأسماء تسلطًا على لفظ جزئيها، نحو: ظننت أباه قائمًا، وعلى لفظ أحدهما، نحو: زيد كان أبوه قائمًا، وزيد إن أباه قائم، باعتبار نقله من الرفع إلى النصب، فتأمله. «والمفرد مشتق» وهو الدال على موصوف مصوغًا من مصدر مستعمل:

كضارب ومضروب وحسن، أو من مصدر مقدر، نحو: ربعة وحزور، من الصفات التي أهملت مصادرها، فيقدر لها مصادر. كذا قال المصنف. «وغيره» أي وغير مشتق، وهو ما عري مما رسم به المشتق: كأسد وحجر: «وكلاهما» أي المشتق وغيره. «مغاير للمبتدأ لفظًا، متحد به معنى» نحو: زيد قائم، وهذا زيد؛ وذلك لأنه حق الخبر أن يكون صادقًا على المبتدأ، على معنى أن ما يقال له المبتدأ، يقال له الخبر، وهو الذي يعبر عنه ب (هو هو)، وهذا يقتضي اتحاد المبتدأ والخبر بحسب الذات، وتغايرهما بحسب المفهوم، فإن تغاير الذات ينافي (هو هو)، واتحاد المفهوم يمنع إسناد أحدهما إلى الآخر، فإن الإسناد نسبة، والنسبة مستدعية للمنتسبين المستلزمين للأبنية المنافية لاتحاد المفهوم. وحق المبتدأ أن يكون لفظه غير لفظ الخبر، اللهم إلا أن يكون اللفظ مشتركًا بين معنيين، أحدها صادق على الآخر، فيذكر اللفظ مرتين، يجعل في إحداهما مبتدأ، وفي الأخرى خبرًا كما ستراه. «ومتحد به لفظًا، دال على الشهرة وعدم التغير» كقول رجل من

طيئ: - في المشتق - خليلي خليلي دون ريب وربما ألان امرؤ قولًا فظن خليلًا أي: خليلي من لا أشك في صحبته، ولا يتغير في حضوره وغيبته، وكقول أبي النجم: -[في الجامد]- أنا أبو النجم وشعري شعري. أي: شعري على ما ثبت في النفوس من جزالته، لم يتغير عن ذلك. وينبغي أن يزاد: ويكون لكل منهما متعلق مغاير لمتعلق الآخر نحو: {والسابقون السابقون} أي إلى الخيرات، وإلى الجنات. وقال ابن الحاجب: - في شرح المفصل - إنما جاز (وشعري شعري) على تقدير مضاف، ـ وهو (مثل)، وصح تشبيه الشيء بنفسه باعتبارين، أي وشعري الآن مثل شعري فيما مضى، أي هو المعروف المشهور بالصفات التامة. «ومغاير له مطلقًا» [أي لفظًا ومعنى]. «دال على التساوي حقيقة» نحو: {وأزواجه أمتهم}، أي مساويات لأمهاتهم في التحريم والاحترام

حقيقة. «أو مجازًا» كقوله: ومجاشع قصب خوت أجوافها لو ينفخون من الخؤورة طاروا أي: مساوون للقصب الخاوية الأجواف في طيرانها بالنفخ، وهذا التساوي ليس حقيقة وإنما هو مجاز. «أو قائم مقام مضاف» نحو: {هم درجات عند الله}، أي ذوو درجات، ونحو: {ولكن البر من أمن} [أي: / بر 134

من آمن]. وظاهر هذا أن الخبر يتعين أن يكون محل التقدير، وهو حسن؛ لأنه تقدير حيث الحاجة. وقد قال الزجاج: - في {ولكن البر من أمن} -[بخلاف ذلك، فإنه قدر: ولكن ذا البر. وقال قطرب: التقدير: بر من آمن] كما يقتضيه قول المصنف، وكلهم قدروا - في {هم درجات} -[هم] [ذوو درجات]. ولا يختص الحكم بالخبر المفرد كما يوهمه كلامه، بل يأتي ذلك في الجار والمجرور [وقد] قال الفارسي: - في {أجعلتم سقاية الحاج} الآية - التقدير أهل سقاية [الحاج]، أو كإيمان من آمن؛ لتشبه ذات بذات، أو حدث بحدث. وقال بعضهم: - في {والعقبة للتقوى} - إن التقدير لذوي التقوى. وكأن المعنى - أيضًا - على تقدير صفة للمبتدأ، أي والعاقبة الحسنة، أو المحمودة. «أو مشعر بلزوم حال تلحق العين بالمعنى» نحو: زيد صوم، جعلته إياه مبالغة، وليس بتقدير (ذو). لأنه - حينئذ - يصدق على القليل والكثير، وإنما يقال:

فلان صوم، إذا أدمن الصوم. «والمعنى بالعين» نحو: نهاره صائم وليله قائم. «مجازًا» راجع إلى مسألتي إلحاق العين بالمعنى، والمعنى بالعين. «ولا يتحمل غير المشتق ضميرًا» فإذا قلت: هذا أسد - مشيرًا إلى السبع - فأسد اسم جامد لا ضمير فيه. «ما لم يؤول بمشتق» فيتحمل الضمير نحو: زيد أسد، إذا أول بشجاع، ويسند - حينئذ - إلى الظاهر فيرفعه نحو: زيد أسد أبوه، على أن يكون (أبوه) فاعلًا ب (أسد). قاله المصنف. «خلافًا للكسائي» في قوله: إن الجماد يتحمل الضمير مطلقًا: أول بمشتق أو لم يؤول به، فالخلاف راجع إلى قوله: ولا يتحمل غير المشتق ضميرًا. فقط. قال المصنف: وهذا القول وإن كان مشهور الانتساب إلى الكسائي، دون تقييد، فعندي استبعاد لإطلاقه؛ إذ هوة مجرد عن دليل، والأشبه أن يكون حكم بذلك في جامد عرف لمساه معنى ملازم لا انفكاك عنه: كالإقدام والقوة للأسد، والحمرة والحرارة للنار. وهذا تقييد يرجع بالمسألة إلى الوفاق فإن ما قيد به هو معنى التأويل بالمشتق. ونقل ابن المصنف هذا القول في شرح الخلاصة عن الكوفيين وسبقه إلى نقل ذلك عنهم صاحب البسيط، وزاد نقله عن الرماني. قال الرضي: وكأن الكسائي نظر إلى أن معنى (زيد أخوك): متصف بالأخوة،

وهذا زيد [أي] متصف بالزيدية، أو محكوم عليه بكذا؛ وذلك لأن الخبر عرض فيه معنى الإسناد بعد أن لم يكن، فلا بد من رابط، وهو الذي يقدره أهل المنطق بين المبتدأ والخبر. «ويتحمله المشتق خبرًا» نحو: زيد قائم «أو نعتًا» نحو: رب رجل كريم لقيته. «أو حالًا» نحو: جاء زيد راكبًا. «ما لم يرفع ظاهرًا لفظًا» نحو: الزيدان قائم أبواهما. «أو محلًا» نحو: الكافر مغضوب عليه، فلا يتحمل الضمير حينئذ. «ويستكن الضمير» فيما ذكر من خبر ونعت وحال. وظاهره إيجاب الاستكنان، فإن قيل: قائم هو، كان توكيدًا، لا فاعلًا، وقد أجاز سيبويه الوجهين معًا في: مررت برجل مكرمك هو. «إن جرى متحمله» وصفًا كان أو فعلًا «على صاحب معناه» نحو: [زيد] هند ضاربته، أو تضربه، أي (هي) في الصورتين. وإنما حملنا قوله: (متحمله) على ما هو أعم من الصفة والفعل؛ لأنه قد صرح في شرحه بوجوب الإبراز في الفعل عند خوف اللبس نحو: غلام زيد يضربه هو، وهو حسن. وأما قول غيره إنك ترفع اللبس بتكرير الظاهر ففيه وضع الظاهر موضع المضمر في غير موضع التفخيم، وهو ضعيف. قاله ابن قاسم. وقد يعارض بأن في الإبراز [أيضًا] فصل الضمير مع تأخره عن العامل/ وقوة الطالب. «وإلا» يجر متحمله على صاحب معناه، بل على غيره «يرز» وجوبًا إن

خيف اللبس نحو: زيد عمرو ضاربه هو، باتفاق أهل البلدين. «وقد يستكن» وقد لا يستكن «إن أمن اللبس، وفاقًا للكوفيين» فيجوز - على قولهم في: زيد هند ضاربها هو - كون (هو) فاعلًا، وكونه تأكيدًا، وأما زيد عمرو ضاربه هو، ففاعل لا غير، والبصريون يوجبون الفاعلية فيهما، ويمنعون التأكيد؛ لإيجابهم الإبراز، وتظهر فائدة ذلك في التثنية والجمع، فيقول البصريون: الهندان الزيدان ضاربتهما هما، ويقول الكوفيون: مثل ذلك: إن قدروا الضمير فاعلًا، وإن قدروه توكيدًا قالوا: ضاربتاهما هما، وكذلك الحكم في الجمع، والمسموع من العرب إفراد الوصف إلا على لغة: أكلوني البراغيث. وقد استدل للكوفيين بما حكاه الفراء عن العرب: كل ذي عين (ناظرة إليك وأجيب: بأن التقدير ألحاظ كل ذي عين)، وحمل عليه - أيضًا - {فظلت أعناقهم لها خاضعين}، وتوالت على إقحام الأعناق، أو جعلها جمعًا لعنق، بمعنى جماعة، ومنه قولهم: أتانا عنق من الناس، أي جماعة واستدل لهم - أيضًا - بقول الشاعر:

قومي ذرى المجد بانوها وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان وأجيب: بأن التقدير قومي بانون ذرى المجد بانوها. ولما رأى المصنف ما في هذه التأويلات من التكلف قال بالمذهب الكوفي، تمسكًا بالظاهر. «والجملة اسمية» نحو: زيد أبوه قائم. «وفعلية» نحو: زيد قام أبوه: وبعض المحققين على أن لا إسناد في الجملة - من حيث هي - إلى زيد، بل القيام - مثلا - في نفسه مسند إلى الأب، ومع تقييده مسند إلى زيد، وأما المجموع المركب من زيد، ومن القيام والنسبة الحكمية بينهما فلم يسند إلى زيد؛ ولذلك يؤولون (زيد قام أبوه) بأنه قائم الأب، وأما قولهم: إن الخبر هو الجملة بأسرها فمن الاتساعات التي لا تلتبس معانيها. وزاد ابن هشام - في أقسام الجملة - الظرفية، وهي المصدر بظرف أو جار ومجرور نحو: أعندك زيد؟ ، أو أوفي الدار زيد؟ ، إذا قدرت زيدًا فاعلًا بالظرف أو

الجار والمجرور، لا بالاستقرار المحذوف، ولا مبتدأ مخبرًا عنه بهما. «ولا يمتنع كونها» أي الجملة الواقعة خبر المبتدأ «طلبية» نحو: زيد اضربه، ومنه قول الشاعر: قلب من عيل صبره كيف يسلو؟ صاليًا نار لوعة وغرام «خلافًا لابن الأنباري [وبعض الكوفيين]» فإنه ذهب إلى أنه لا يصح الإخبار عن المبتدأ بالجملة الطلبية لأن الخبر ما يحتمل الصدق والكذب. وينبغي أن يمنع الإنشائية التي ليست بطلبية أيضًا لعين هذه العلة، وهذا غلط نشأ من اشتراك لفظ الخبر بين ما يقابل الإنشاء وبين خبر المبتدأ، ولم يرد النحاة أن خبر المبتدأ يجب أن يكون ثابتًا للمبتدأ، على معنى أنه يجب أن تكون نسبته إليه موقعة موجبة؛ ليتجه أن هذا الوجوب مختص بالكلام الخبري والقضية الموجبة، بل أريد أنه يجب أن تعتبر نسبته إلى المبتدأ سواء كانت مرفوعة أو موضوعة أو مشككًا فيها، فيدخل في ذلك الظرف في نحو: قولك أزيد عندك؟ ؛ إذ تقديره: أزيد حاصل عندك؟ [واعتبار النسبة بالثبوت بينهما مما لا ينبغي أن ينازع فيه، لأن المبتدأ إنما]

ذكر لينسب إليه - بطريق من الطرق - حال من أحواله، ويرتبط به - بوجه من الوجوه - حكم من أحكامه؛ ولهذا فرق بين: ضربت زيدًا، وزيد ضربته، فحكم بأن زيدًا - في الأول مفعول به، وفي الثاني مبتدأ، مع أن فعل الفاعل واقع عليه في 136 الصورتين، لأنه ذكر في الأول بيانًا لما/ وقع عليه الفعل، وفي الثاني ليسند إليه حال من أحواله وحكم من أحكامه؛ ولذلك صرحوا بأن (زيد أبوه منطلق) معناه زيد منطلق الأب، وعلى هذا فنقول معنى الجملة الإنشائية - طلًا كان أو غيره - وإن كان حاصلًا معها لكنه قائم بالطالب والمنشئ، فإذا قلت: زيد اضربه، فطلب الضرب صفة قائمة بالمتكلم، وليس حالًا من أحوال زيد، إلا باعتبار تعلقه به، أو كونه مقولًا في حقه، واستحقاقه أن يقال فيه، ولابد أن يلاحظ في وقوعه خبرًا - هذه الحيثية، فكأنه قيل: زيد مطلوب ضربه، أو مقول في حقه ذلك، لا على معنى الحكاية بل على معنى أنه يستحق أن يقال فيه، فيستفاد - من لفظ (اضربه) - طلب ضربه، ومن ربطه بالمبتدأ معنى آخر لا يستفاد من قولك: اضرب زيدًا. وامتناعه من احتمال الصدق والكذب بحسب المعنى الأول لا ينافي احتمالها بحسب المعنى الثاني. هكذا قرر هذا الحل بعض المتأخرين، وهو في غاية الحسن. «ولا» [يمتنع أيضًا كون الجملة الواقعة خبرًا للمبتدأ جملة] «قسيمة، خلافًا لثعلب» فإنه منع نحو: زيد لأكرمنه، وعلل ذلك بعضهم بأن نحو: لأفعلن لا محل له، فإذا بنى على المبتدأ فقيل: زيد ليفعلن، صار له موضع.

قال ابن هشام في المغني: وليس بشيء؛ لأنه إنما منع وقوع الخبر جملة قسمية لا جملة هي جواب القسم، ومراده أن القسم وجوابه لا يكونان خبرًا، إذ لا ينفك إحداهما عن الأخرى، وجملتا القسم والجواب يمكن أن يكون لهما محل كقولك: قال زيد أقسم لأفعلن. انتهى. قلت: هذا فيه تسليم لصحة ما اعتل به هذا القائل من أن صيرورة ما لا محل له ذا محل باطل، ورده أن كل جملة أخبر بها عن ضمير الشأن لا محل لها قبل الإخبار بها عنه، بوعد الإخبار تصير ذات محل من الإعراب، ألا ترى أن قولك: - ابتداء - زيد قائم، لا محل له من الإعراب، ويصح جعلها خبرًا لضمير الشأن، فتقول: هو زيد قائم، فيصير في محل رفع. ثم قال ابن هشام: إنما المانع عنده: إما كون جملة القسم لا ضمير فيها، فلا تكون خبرًا، لأن الجملتين هنا ليستا كجملتي الشرط والجزاء؛ لأن الثانية ليست معمولة لشيء من الأولى؛ ولذا منع بعضهم وقوعها صلة. وإما كون جملة القسم إنشائية، والخبر لابد له من احتماله للصدق والكذب. قال: وكل

منها ملغىً: أما الأول - فلأن بين الجملتين ارتباطًا صارتا به كجملة وإن لم يكن ثم عمل. وأما الثاني - فلأن احتمال الصدق والكذب [إنما هو] في الخبر القسيم للإنشاء، لا في خبر المبتدأ للاتفاق على أن أصله الإفراد واحتمال الصدق والكذب من صفات الكلام، وعلى [جواز] أين زيد؟ وكيف عمرو؟ . قال: وزعم ابن مالك، أن السماع ورد بما منعه ثعلب، قال تعالى: {والذين أمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصلحين}، {والذين أمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم} {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم}. [ثم] قال: وعندي لما استدل به تأويل لطيف، وهو أن المبتدأ في ذلك

كله ضمن معنى الشرط، وخبره منزل منزلة الجواب، فإذا قدر قبله قسم كان الجواب له، وكان خبر المبتدأ المشبه لجواب الشرط محذوفا للاستغناء بجواب القسم المقدر قبله، ونظيره - في الاستغناء بجواب القسم المقدر قبل الشرط [المجرد من لام التوطئة]- {وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن} التقدير: والله ليمسن لئن لم ينتهوا يمسن. انتهى. «ولا يلزم تقدير قول قبل الجملة الطلبية، خلافًا لابن السراج» فإذا قلت: / زيد اضربه، فالتقدير عنده: زيد أقول لك اضربه، وذلك القول المقدر هو 137 الخبر، والجملة الطلبية محكية [به]، فهي في محل نصل على التقدير، أو في محل رفع إن قدرت: زيد يقال لك أو مقول لك اضربه، وإنما التجأ إلى ذلك فرارًا من وقوع ما لا يحتمل الصدق والكذب خبرًا، وقد عرفت جوابه.

«وإن اتحدت» الجملة الواقعة خبرًا «بالمبتدأ» الذي هي خبره «معنى» منصوب على التمييز عن النسبة، والباء للمعية أو الإلصاق، [أي] إن اتحد معنى الجملة مع معنى المبتدأ، واتحد معناها ملتصقًا بالمبتدأ «هي» أي الجملة نحو: هجيرى أبي بكر لا إله إلا الله. قال ابن قاسم: أي قوله في وقت الهاجرة. قلت: إنما معناه دأبه وعادته قال في الصحاح: والهجير مثال الفسيق الدأب والعادة. وكذا الهجيرى ولا هجيرى. ومن مثل المسألة قوله -} -: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله) «أو بعضها» أي [أو] بعض الجملة نحو: {ولباس التقوى ذلك خير}، فجملة الخبر - وهي (ذلك خير) -

ليست متحدة بالمبتدأ الذي هو (لباس التقوى) معنىً، وإنما بعضها هو المتحد به، وهو (ذلك)، وكذا قوله تعالى: {والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلوات إنا لا نضيع أجر المصلين}. «أو قام بعضها مقام مضاف إلى العائد» نحو: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن}. قال المصنف: - تبعًا للأخفش والكسائي، ومخالفًا للجمهور - الأصل يتربص، أزواجهم، ثم جيء بالضمير مكان الأزواج؛ لتقدم ذكرهن فامتنع ذكر الضمير؛ لأن النون لا تضاف؛ لكونها ضميرًا، وحصل الربط بالضمير القائم مقام الظاهر المضاف للضمير. ويعارضه ما وقع له في قوله: وعزة ممطول معنى غريمها وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب التنازع.

وخرجت الآية على أن الرابط فيها: إما النون على أن الأصل: وأزواج الذين. وإما ضمير مخفوض بالإضافة حذف هو وما أضيف إليه على [سبيل] التدريج، وتقديرهما: إما قبل (يتربصن)، أي أزواجهم يتربصن. وإما بعده، أي يتربصن بعدهم. «استغنت» جواب (إن) من قوله: (وإن اتحدت)، أي [إن] وجد [أحد] الأمور المذكورة استغنت جملة الخبر «عن» ضمير «عائد» إلى المبتدأ «وإلا» يكن شيء من ذلك، أي [إن] لا تتحد الجملة بالمبتدأ معنى، لا هي ولا بعضها، ولم يقم بعضها مقام مضاف إلى العائد «فلا» تستغني جملة الخبر عن عائد، وهو ضمير يعود إلى المبتدأ. ثم الأصل في الضمير أن يرجع إلى نفس المخبر عنه نحو: زيد أكرمته، وهذا لا إشكال فيه، ويأتي على وجهين آخرين: أحدهما: أن يعود، إلى شيء المخبر عنه بعضه وقد تقدم ذكره، كقولك: - وقد ذكرت الأمور - ليس منهيها بآتيك ولا بقاصر عنك مأمورها.

وبيانه أن الضمير في (مأمورها) عائد إلى الأمور التي المنهي بعضها، فلما عاد على العام الذي ذلك الخاص جزء منه كان عائدًا على ذلك الخاص. والثاني: أن يعود على شيء ملابس للمبتدأ، كقولك: - وقد ذكرت الخيل - ليس ردها بمعروف ولا مستنكر عدها، فإن الضمير - في (عدها) - للخيل لا للرد، ولكن الرد ملابس للخيل، فكأنه لملابسته لها داخل في جملتها، فصار عود الضمير على الخيل كأنه هود على الرد؛ إذ كان بينهما التلابس المذكور، وهذا معنى كلام سيبويه، وقد اعترض عليه من لم يفهم دقيق نظره. «وقد يحذف» الضمير العائد «إن علم» فلا يحذف من نحو: زيد هو قائم، وإن أجازه بعضهم؛ لأنه حذف/ بلا دليل، ولا من نحو: زيد - ضربته في داره، لما مر 138 «ونصب بفعل» قال ابن قاسم: [نحو]:

ثلاث لكهن قتلت عندًا. ومثله غيره بقوله تعالى: {أفحكم الجاهلين يبغون}، وفيهما نظر؛ لأن كلًا من المسألتين ستأتي، ولم أتحقق له الآن مثالًا سالمًا من النظر فحرره. «أو صفة» بالجر عطفًا على فعل، يعني أو نصب بصفة كقوله: غنى نفس العفاف المغني والخائف الإملاق لا يستغني ف (غنى نفس) خبر مقدم، خبر مقدم، وما بعده مبتدآن ثانيهما مخبر عنه بهذا الخبر المقدم،

وأولهما مخبر عنه بالمبتدأ الثاني وخبره، والقاعدة أنه إذا وجد مبتدآن متجاوران كان الثاني وخبره خبر الأول، وكذا الأمر هنا، لكن خبر الثاني مقدم في هذا المثال، وفيه نظر من هذه الجهة، إذا فيه فصل بين الخبر المقدم ومبتدئه المؤخر بأجنبي، فينبغي أن يعدل إلى وجه غير هذا، وهو أن يكون كل من الألفاظ الثلاثة في موضعه الأصلي، والمعنى: غنى نفس العفاف هو الذي يغنيه، لا يغنيه شيء غيره، وعليه ف (غنى نفس) مبتدأ أول، و (العفاف) مبتدأ ثان و (المغني) خبر هذا المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول، ولا تقديم ولا تأخير، ولا يضر كون (غنى نفس) نكرة؛ لأنه صالح للابتداء به؛ لأنه مختص بالإضافة، وإنما الممتنع - عند الأخفش - الإخبار عن النكرة المختصة بالمعرفة، لا الإخبار عنها بجملة مصدرة معرفة. وهذا الوجه هو الذي يبني المصنف عليه؛ لأنه هو الظاهر وعليه يتم الاستشهاد بهذا البيت؛ لأن المعنى: غنى نفس العفاف هو الشيء الذي يغنيه، ففاعل (المغني) ضمير العفاف، وهو عائد إلى الألف واللام كما تقول: زيد الضارب. وتحقيقه: أن الخبر (أل)، وهي جامدة، فلا ضمير يعود إلى المبتدأ الأول سوى الضمير المنصوب بالوصف، وأما على الوجه الأول فالتقدير: العفاف الذي يغنيه غنى نفس، ففاعل (المغني) (العفاف)، والهاء المحذوفة للرجل الذي وصف ب (المغني)

فلا شاهد فيه إلا على حذف عائد (أل)، على ما فيه من النظر الذي أسلفناه. «أو جر بحرف تبعيض» كقولهم: السمن منوان بدرهم، أي منه، وكقول الخنساء: كأن لم يكونوا حمى يتقى إذ الناس إذ ذاك من عز بزا أي من عز منهم، وفي الأمثال: من عزبز، أي من غلب أخذ السلب. وقيد بعضهم ذلك بأن لا يؤدي حذف المجرور إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه، فلا يجوز: الرغيف أكلت، وأنت تريد (منه)، وقد يؤخذ هذا الشرط من قوله: - أولًا - (إن علم)؛ لأن المجرور هنا لو حذف لم يعلم؛ لجواز تقدير: أكلته، وأكلت منه. «أو» جر بحرف «ظرفية» كقوله:

فيوم علينا ويم لنا ويوم نساء ويوم نسر أي: نساء فيه ونسر فيه، وكقولهم: [شهر ثرى] وشهر ترى وشهر مرعى، الشاهد في السجعة الثانية، أي: وشهر ترى فيه النبات، وأما الأولى والثالثة فليستا مما نحن فيه. «أو» جر «بمسبوق مماثل لفظًا ومعمولًا» كقوله: أصح فالذي توصى به أنت مفلح فلاتك إلا في الفلاح منافسا أي: أنت مفلح به، فحذف العائد المجرور؛ لكونه قد جر بحرف سابق عليه مماثل [للجار] لفظًا ومعمولًا، إذ الحرف الجار فيهما هو الباء والمجرور ضمير غيبة فيهما، فلو جر بحرف غير ذلك امتنع حذفه نحو: زيد مررت به. «أو» جر «بإضافة اسم فاعل» كقوله: سبل المعالي بنو الأعلين سالكة والإرث أجدر أن يحظى به الولد/ [أي] سالكتها، وخرج بذلك نحو: زيد قام غلامه.

قال ابن قاسم: وقد صرح بعضهم بأن المجرور بالإضافة لا يجوز حذفه مطلقًا. [قلت]: ووقع لأبي البقاء - في قوله تعالى في سورة الأعراف: {والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وأمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} - أن (الذين) مبتدأ، [وإن] وما بعدها خبر، والعائد محذوف، أي: لغفور لهم ورحيم بهم. ولم تدخل هذه الصورة تحت واحدة من الصور التي قالها المصنف في المجرور، ولا يخفى أنه خرج بقول المصنف: (إن نصب. أو جر) ما إذا كان العائد مرفوعًا، سواء رفع بفعل نحو: الزيدان قاما أو بغيره نحو: زيد هو القائم، أو زيد القائم هو. «وقد يحذف» العائد «بإجماع إن مفعولًا به، والمبتدأ (كل)» كقراءة ابن عامر: {وكل وعد الله الحسنى} بالرفع، وكقول أبي النجم قد أصبحت أم الخيار تدعي علي ذنبا كله لم أصنع

برفع (كل)، وكذا قول الآخر: ثلاث كلهن قتلت عمدا. «أو شبهه» أي: والمبتدأ إما (كل) أو شبه (كل) «في العموم والافتقار»، وذلك كل مفتقر من موصول وغيره نحو: أيهم يسألني أعطي، ونحو: رجل يدعو إلى الخير أجيب، أي: أعطيه، وأجيبه، الأول شرط إن جزمت الفعلين أو موصول [كالشرط] إن رفعتهما، والثاني مشبه بالشرط، فيحتاج إلى جملة تكون صفة له ليتم بها معناه، كما يتم بالشرط معنى اسم الشرط، وكما يتم بالصلة الموصول. وقد رأيت نقل المصنف الإجماع في مسألتي (كل) وشبهها: فأما نقله لذلك في المسألة [الأولى] فقدح فيه بأن مذهب البصريين في ذلك

المنع، ونص ابن عصفور على شذوذ قراءة ابن عامر، [وسلك ابن] [أبي] [الربيع نفي الأدب في ذلك فقال: جاء في الشعر، وفي قليل من الكلام كقراءة ابن عامر]، وأجاز ذلك الكسائي والفراء فيما نقله الصفار عنهما. وأما نقله لذلك في شبه (كل) فقال أبو حيان: لا أعلم له في ذلك سلفًا «ويضعف» الحذف «إن كان المبتدأ غير ذلك» كقراءة السلمي: {أفحكم الجاهلين يبغون} [بالرفع]، أي يبغونه، وكقول الشاعر: وخالد يحمد سادتنا بالحق لا يحمد بالباطل

برفع (خالد) و (سادتنا)، أي يحمده سادتنا. «ولا يختص جوازه بالشعر، خلافًا للكوفيين» وما استشهدنا به حجة عليهم. «ويغني عن الخبر - باطراد - ظرف» مكاني، نحو: زيد أمامك، أو زماني نحو: القتال غدًا. «أو حرف جر تام» برفع (تام) على الصفة ل (حرف)، واحترز به من الناقص، وهو الذي لا يدل ذكره على متعلقة، نحو: بك، وفيك، وعنك، أي: واثق بك، وراغب فيك، ومعرض عنك. «معمول» أي الظرف أو حرف الجر التام «- في الأجود - لاسم فاعل كون مطلق» نحو: (زيد عندك، وعمرو في الدار، أي: كائن) عندك، وكائن في الدار، ونحوه: حاصل ومستقر، مما لا دلالة له على الكون المقيد، احترازًا مما يدل على المقيد، نحو: زيد في الدار، وتريد (ضارب) مثلًا. قال ابن عقيل: فلا يجوز إذ ذاك، والصواب: فلا يغنى عن [الخبر] الظرف،

وأما جوازه بشرط وجود الدليل فلا يمنعه أحد، ومنه: من لي بفلان، أي: من يتكفل لي به، ويصح - في نحو: {النفس بالنفس} - تقدير: مقتولة، ولكن لا يكون ذلك المحذوف المقيد واجب الحذف، ولا ينتقل الضمير منه إلى الظرف، ولا يسمى حبرًا، ولا محله رفع، ولا يصدق عليه أنه يغني عن الخبر، بدليل صحة الجمع بينهما. «وفاقًا للأخفش تصريحًا، ولسيبويه إيماءً، لا لفعله» كما ذهب إليه الفارسي والزمخشري، قيل: وسيبوبه، ونسبه ابن الحاجب إلى الأكثر. «ولا 140 للمبتدأ» كما ذهب إليه ابن خروف وابن أبي العافية، ونباه إلى/ سيبوبه، وهو ضعيف، لأنهما - في غير هذا الباب - إما أن يتعلقا بفعل أو شبهه فليكن في باب المبتدأ كذلك. «ولا للمخالفة» كنا ذهب إليه الكوفيون يعنون أن الخبر - لما كان هو المبتدأ في نحو: زيد قائم، أو كأنه هو في نحو: {وأزواجه أمهاتهم} ارتفع ارتفاعه، ولما كان مخالفًا له بحيث لا يطلق اسم الخبر على المبتدأ فلا يقال: - في زيد عندك - إن زيدًا هو عندك خالفه في الإعراب به فيكون العامل عندهم معنويًا، وهو معنى المخالفة التي اتصف الخبر بها، ولا يحتاج إلى تقدير شيء يتعلق به الخبر «خلافًا لزاعمي ذلك» وقد عرفت من المخالف في كل وجه من الوجوه التي حكاها، والمعول عندهم إنما هو على المذهبين الأولين: أحدهما: أن العامل اسم فاعل كون مطلق.

الثاني: أن العامل فعل كون مطلق]. واختار المصنف الأول لوجوه منها: أن الأصل في الخبر الإفراد، وبهذا احتج ابن السراج وأبو الفتح. قال الرضي: ولمانع أن يمنع، قالوا: إنما كان أصله الإفراد، لأنه القول المقتضي نسبة أمر إلى آخر، فينبغي أن يكون المنسوب شيئًا واحدًا كالمنسوب إليه، وإلا كانت هناك نسبتان أو أكثر، فيكون خبران أو أكثر، لا خبر واحد، فالتقدير: - في زيد ضرب غلامه - زيد مالك لغلام مضروب له. والجواب: أم المنسوب يكون شيئًا واحدًا كما قلتم، ولكنه ذو نسبة في نفسه فلا

نقدره بالمفرد، فالمنسوب إلى زيد - في الصورة المذكورة - ضرب غلامه الذي تضمنته الجملة هذا [كله] [كلامه]، وأنت خبير بما أسلفناه عن بعض المحققين، من أنه لا إسناد - في الجملة من حيث هي جملة - إلى المبتدأ، فتذكر. ومنها: أن الفعل إذا فلابد من تقديره بالوصف؛ ليستدل به على أنه في موضع رفع، واسم الفاعل مستغن عن ذلك. وهذا - أيضًا يندفع بأن صيرورة الجملة ذات محل من الإعراب لا يدل على كونها بتقدير مفرد يؤخذ منها، بل يكفي في ذلك وقوعها موقع مفرد، وزاد جماعة - في توجيه هذا الرأي - أن تقليل المحذوف أولى. وتقريره: أنه وقع في عبارة بعضهم أن الظرف في ذلك مقدر بجملة، فظن هؤلاء الجماعة أن المحذوف الذي يقدر، وفاعله المستتر فيه، وذلك جملة. قال ابن هشام: وليس هذا بشيء، لأن الحق أنا لم نحذف الضمير، بل نقلناه إلى الظرف، فالمحذوف فعل أو وصف، وكلاهما مفرد.

والمختار - عند الأكثرين كما نقله ابن الحاجب - أن العامل المقدر فعل؛ لأن بنا حاجة إلى ذلك المتعلق المحذوف، وإنما يتعلق الظرف باسم الفاعل في نحو: أنا جالس عندك، ومار بزيد؛ لمشابهته للفعل، فإذا احتجنا إلى المتعلق بع فالأصل أولى «وما يعزى» أي نسب «للظرف» والمراد به مما يشمل الجار، والمجرور «من خبرية» أو نعتيه أو حالية أو كونه صلة وكان حقه التنبيه على ذلك «و» من «عمل» في نحو: زيد عندك أبوه، حيث يقال: أبوه فاعل بالظرف «فالأصح» وفاقًا لابن كيسان وظاهر قول السيرافي، وخلافًا للفارسي وتلميذه ابن جني «كونه» أي كون ما يعزي له من ذلك «لعامله» لا له. «وربما اجتمعا» أي الظرف وعامله الذي هو اسم فاعل كون مطلق اجتماعا «لفظًا» أي ملفوظًا [به]، أو ذا لفظ كقوله: لك العز إن مولاك عز وإن يهن فأنت لدى بحبوحة الهون كائن قلت: قد يمنع دلالة (كائن) هنا على الكون المطلق المراد به مطلق الحصول والوجود؛ لجواز أن يراد به الثبوت المقتضى للرسوخ/ وعدم التزلزل، وجعل قوم 141

أقسام الخبر وأحكامه من ذلك قوله تعالى: {فلما رءاه مستقرا عنده}؛ لأن الحال والصفة والصلة كالخبر في وجوب ترك ذكر الاستقرار، وزعم ابن الدهان أن (عنده) ليس معمولًا ل (مستقرًا). هذا وتوجيهه: أن المستقر هنا ليس المراد به الحصول المطلق، بل السكون وعدم التحرك، والظرف لا يعمل فيه إلا الكون المطلق، فيقدر هنا مستقرًا آخر. كذا قال ابن هشام. قلت: أما كون المراد هنا بالاستقرار الكون الخاص فقد سبق إليه أبو البقاء وغيره.

وأما [أن] الظرف لا يعمل فيه إلا الكون المطلق فغير صحيح، بل يجوز أن يعمل فيه الكون الخاص قطعًا، ولا يحذف إلا لدليل، والحذف - حينئذ - جائز لا واجب، اللهم إلا [لمعارض كأن يكون] مثلًا أو شبهه. وتوهم جماعة امتناع حذف الكون الخاص مردود بالإجماع على جواز حذف الخبر عند وجود الدليل، وعدم وجود معمول، فكيف يكون وجود المعمول مانعًا من الحذف، مع أنه هو الدليل أو مقو للدليل! ! ، واشتراط النحويين الكون المطلق إنما هو لوجوب الحذف لا لجوازه. وقد استبان لك أن ما زعمه ابن الدهان من أن (عنده) ليس معمولًا ل (مستقر) المذكور غير متجه. «ولا يغني ظرف زمان» احترازًا عن ظرف المكان، فإنه يغني بدون ما اشتراطه المصنف نحو: زيد مكانك. قال ابن قاسم: وأشار بقوله: «غالبًا» إلى ما جاء فيه الإخبار بظرف الزمان عن اسم العين وليس مما ذكره، كقول امرئ القيس: اليوم خمر وغذًا أمر. ويمكن

تخريجه على حذف مضاف، أي: شرب خمر [وغدًا أمر)؛ لأن الأمر ليس اسم عين، وقد نص المصنف في الشرح على أن هذا - أي قول امرئ القيس: اليوم خمر - مما يقدر له مضاف هو اسم معنى. ولم يتكلم على قوله: (غالبًا) فينبغي أن يمثل لغير الغالب بنحو: (فلا كسرى بعده)، ونحو: زيد في يوم طيب «المعنى بالحدوث وقتًا دون وقت» نحو: الهلال الليلة. قال ابن [عبد] الوارث: وهو ابن أخت الفارسي هو على ظاهره لا على

حذف مضاف، لأن الهلال يكون ظاهرًا ثم يستتر [ثم يظهر]، فلما اختلفت به الأحوال جرى مجرى الأحداث، ولذا قال ابن السراج: لو قلت: الشمس اليوم، والقمر الليلة لم يجز؛ لأنه غير متوقع، فلا يتضمن الدلالة على الحدث. وفيه ما فيه، فتأمله. «أو تعم إضافة معنى إليه» هكذا [هو] في أكثر النسخ: (أو تعم)، بصيغة المضارع، من العموم، وفي بعضها: (أو تنو)، مضارع (نويت)، [وفي بعضها]. (أو يغن)، مضارع (غنيت)، وهما صواب والثانية في أكثر النسخ - مصحفه. ومثال ذلك قولهم: أكل يوم ثوب تلبسه وقول الراجز: أكل عام نعم تحوونه *** يلقحه قوم وتنتجونه

أي: تجدد ثوب، وإحراز نعم. «أو يعم» اسم العين «واسم الزمان خاص» نحو: نحن في شهر كذا. «أو مسؤول به عن خاص» نحو: في أي الفصول نحن؟ ، ولا أدري كيف يصح التمثيل بـ ـ ـ (نحن) لاسم العين العام، ولم يتضح لي المراد بذلك إلى الآن، وأتخيل أني وقفت فيه على كلام لابن أبي الربيع في شرح الإيضاح، ولا أذكره الآن، ولعلي أكشف عليه وأحرره عند/ الوصول إلى الديار المصرية إن شاء الله تعالى. «ويغني» ظرف الزمان «عن خبر اسم معنى مطلقًا» أي سواء وقع في جميعه، أو في بعضه، وستقف على مثاله. قال الأندلسي في شرح المفصل: وإنما لم يجز الإخبار بظرف الزمان عن الأعيان

مطلقًا - كما كان في المكان؛ لأن ظرف الزمان عام، فإذا أطلق العموم غشي كل شخص فيه، ويعلم ذلك بضرورة العقل، فلو أخبرت بأن زيدًا في ذلك اليوم لكان إخبارًا بما يعلمه المخاطب بالضرورة، فلا يكون - في الإخبار به - فائدة، وسواء صرحت بـ ـ ـ (في) أو لم تصرح، إلا أن تصف الزمان وتخصصه، فإنه يجوز إذا أظهرت في نحو: فلان في زمن خصيب. وذكر بعضهم علة أخرى لذلك، وهي أن الزمان سيال منقض، والأعيان مستقرة ثابتة، وغير الثابت لا يكون خبرًا عن الثابت، ولما كان الحدث غير ثابت كالزمان جاز الإخبار به عنه، وأما ظرف المكان فليس عامًا كالزمان، بل قد ينفرد بعض الأجرام بأماكن لا تكون لغيرها، ومكان زيد لا يسعه عمرو، فجاز الإخبار به عن العين لحصول الفائدة، حتى لو كان ظرف المكان عامًا للجميع لم يجز أن يكون خبرًا عن العين، كقولك: زيد الأرض، أو عمرو مكان. وقيل: إنما جاز الإخبار بالمكان عن العين: لأنه مستقر مثله، وعن غير الجثة؛ لأن الحدث قد يكون في مكان دون مكان فتحصل الفائدة. فإن قيل: لم لا يجوز أن يقدر ما لا يعلمه المخاطب مثل: أن تقوم: زيد يوم الجمعة، أي حاضر أو مستقر أو موجود؟ .

قلت: الإخبار - حينئذ - لا يكون بالظرف، بل بتلك الصفة، وحينئذ لا يجوز حذفها إلا عند وجود دليل لفظي أو معنوي؛ لأن الإخبار بالظرف هو الإخبار بالكون، والاستقرار في ذلك الظرف، لأن هذا المعنى ملازم للظرفية؛ إذ من كان في الدار فلابد أن يكون كائنًا فيها، أي: مستقرًا حاصلًا، وأما ما زدا على ذلك من الخصوصيات فلا يجوز حذفه ألبته وإقامة الظرف مقامه، فلو قلت: زيد فيك - وأنت تريد (راغب) لم يجز أصلًا؛ لأن الظرف لا دلالة له إلا على مطلق الكون، أما ما وراء ذلك فلا يدل عليه، فلا يقوم مقامه. [فإن] قيل: الظرف أيضًا يدل على الوجود، فأجيز: زيد يوم الجمعة، أي موجود. قلنا: لا يجوز [أيضا]؛ لأنه كما يجوز أن يريد (موجود)، يجوز أن يريد (معدوم) في ذلك اليوم، وإذا احتمل لم يجز الاكتفاء بالظرف، فليس المحذوف - أبدًا مع الظرف - إلا الكون فقط. انتهى كلامه. فإن قلت: فيه دليل على أن الظرف لا يعمل فيه إلا الكون المطلق، كما وقع في عبارة ابن هشام التي وجه بها كلام [ابن] الدهان فيما سبق. قلت: ليس الأمر كذلك، بل فيه تصريح بأن الكون الخاص يعمل فيه، ولا يحذف إلا لدليل، وإنما أراد أن الظرف لا يكون قائمًا مقام المحذوف، إلا إذا كان كونًا مطلقًا، وأما إذا كان خاصًا فلا يقوم مقامه؛ لأنه لا يعمل فيه، ولا يحذف إلا عند قيام القرينة كما يظهر من كلامه، إذا تأملت. «فإن وقع» اسم المعنى «في جميعه» أي جميع الظرف نحو: {وحمله وفصله

ثلثون شهرًا} و {غدوها شهر ورواحها شهر} «أو» في «أكثره» نحو: {الحج أشهر معلومات}. و «كان نكرة» كما مثلنا. «رفع» كما سمعته فيما تلوناه من الآيات الشريفة. «غالبًا» لغير الرفع. «ولم يمتنع نصبه ولا جره بـ ـ ـ (في)» نحو: الصوم يومًا أو في يوم. «خلافًا للكوفيين»؛ وذلك لأن (في) عندهم توجب التبعيض، فلا يجيزون: صمت في يوم الجمعة، بل يوجبون النصب؛ صونًا للفظ عما يقتضي التبعيض فيما يقصد به الاستغراق، والأولى جوازه كما هو/ مذهب البصريين ومختار المنصف، ولا نسلم إفادة (في) للتبعيض؛ ولهذا صح: في الكيس ملؤه من الدراهم. وإنما قيد بقوله: [وكان] نكرة؛ لأنه لو كان معرفة جاز فيه الرفع والنصب باتفاق الفريقين، نحو: قيامك يوم الخميس، وصيامك يوم الجمعة، إلا أن النصب هو الأصل والغالب. «وربما رفع خبرًا» بالنصب على الحال من نائب الفاعل [وهو الزمان] الآتي في قوله: «الزمان الموقوع في بعضه» الذي هو غير الأكثر بدليل ما تقدم، فيصدق على النصف فما دونه، ولا فرق في هذا بين المعرفة والنكرة، نحو:

{موعدكم يوم الزينة}، وميعادك يوم أو يومان. وقد روي بالوجهين قول النابغة: زعم الغداف بأن رحلتنا غدًا *** وبذلك خبرنا الغداف الأسود قال المصنف: الوجهان جائزان إجماعًا والنصب أقيس. قال أبو حيان: لا إجماع، فإن هشامًا يوجب رفع النكرة. «ويفعل ذلك» أي الرفع «بالمكاني المتصرف» فخرج نحو: عند؛ لأنه غير متصرف، فيمتنع رفعه «بعد اسم عين راجحًا» حال من ذلك «إن كان المكاني نكرة» نحو: المسلمون جانب والمشركون جانب، ونحو [أنا] قدام وأنت خلف، والنصب

جائز عند الفريقين، ولكنه مرجوح بالنسبة إلى الرفع. «ومرجوحًا» بالنصب عطفًا على (راجحًا) الذي هو حال من (ذلك) المشار به إلى الرفع. «إن كان» الظرف [المكاني] «معرفة» نحو: زيد أمامك، وداري خلف دارك - بالرفع - وهو مرجوح، والمختار فيه النصب عند البصريين، ولا فرق بين أن يكون المخبر عنه اسم مكان أو ذات أو غيره «ولا يخص رفع المعرفة بالشعر، أو بكونه بعد اسم كان، خلافًا للكوفيين» فلا يجيزون الرفع [في] نحو: زيد خلفك أو أمامك، إلا في الشعر، ويجيزونه في نحو: داري خلف دارك أو أمامها، مطلقًا في الشعر وغيره. «ويكثر رفع المؤقت» وهو المحدود كيوم ويومين، وفرسخ وفرسخين، فخرج المبهم نحو: أنت مني زمان، فلا يجوز رفعًا ولا نصبًا، وكذا المختص نحو: زيد دارك أو بستانك أو المسجد. «المتصرف» فخرج غير المتصرف نحو: ضحوة معينًا - فإنه يلزم النصب على الظرفية. «من الظرفين» الزماني والمكاني «بعد اسم عين مقدر إضافة (بعد) إليه» نحو: زيد مني يومان أو فرسخان، الرفع كثير، بل [أكثر، بل] واجب عند بعضهم: أما أنه كثير فهو صريح كلام المصنف، وأما أنه أكثر فهو ظاهر مراده، وصرح [به] بعضهم. وأما أنه واجب فهو قول صاحب البسيط.

قال: إذا قلت أنت مني فرسخان - ولم ترد معنى المصاحبة - تعين الرفع؛ لأن المعنى بينى وبينك هذه المسافة. انتهى. وإذا رفعت فلابد من تقدير محذوف، فقيل: هو المضاف من المبتدأ أي: بعدك، وهو ظاهر كلام المصنف أو نصه. وقي: مضافان من الخبر أي: ذو مسافة فرسخين، وهو تقدير أبي علي الفارسي. قلت: نقل ابن هشام في المغني الأول عن الأخفش، ورجحه بأن القاعدة أنه ينبغي تقليل المحذوف ما أمكن، والأخفش قدر مضافًا لا يحتاج معه إلى تقدير شيء يتعلق به الظرف، والفارسي قدر شيئين يحتاج معهما إلى تقدير أمر ثالث. وقد يقال: تقدير الأخفش يحتاج أيضًا إلى تقدير [شيء] آخر يصح معه الإخبار؛ وذلك لأن (فرسخان) ليس هو البعد، ولا يصح أن يحمل عليه، فيحتاج إلى تقدير مصحح للحمل، أي مسافة بعدك مني فرسخان. فإن قلت: لم يرتفع بذلك ترجيح تقدير [الأخفش؛ لاحتياج تقدير] الفارسي إلى [تقدير] متعلق الظرف. قلت: هو وإن كان كذلك، لكن فيه وقوع الحذف حيث الحاجة، وأنه حذف من الأواخر دون الأوائل، وهذا يصلح [أن يكون] معارضًا، فيستوي التقديران. فإن قلت: فبماذا يتعلق في قول الفارسي/؟ قلت: بفعل محذوف، أي: بعدت مني، وقدر بعضهم مضافين في الأول: أي:

بعد مكانك، وقد عرفت ما عليه. «ويتعين النصب في نحو: (أنت مني فرسخين)، بمعني: أنت من شياعي ما سرنا فرسخين» وإنما تعين النصب في هذا المثال؛ لأن (مني) - فيه - عبر عن (أنت) مثلها في: {فمن تبعني فإنه مني} أي أنت من أشياعي، ينتصب) (فرسخين) على الظرفية، بخلافه على تقدير البعد، فلا يكون خبرًا، نقصانه، وقدر سيبويه: ما دمنا نسير فرسخين، وفيه وفي تقدير المصنف تقدير (ما) لمصدرية وفعل السير، وزاد سيبويه: تقدير فعل ناقص، وهو دام فتقدير المصنف ولى، وكلاهما مراده تقدير المعنى لا اللفظ لوجوه: أحدها: أنه يجوز تعلق الظرف بما تعلق به قوله: (مني)، فلا حاجة لتكلف دعوى تقدير آخر. والثاني: أن (ما) وصلتها نائبة عن ظرف زمان، ولابد له من ناصب، فليكن لناصب له هو الناصب لـ ـ (فرسخين) من أول الأمر، ولا حاجة للتقدير. الثالث: أن ذلك يؤدي إلى حذف الموصول وصلته، وبقاء معمول الصلة، ذلك لا يجوز. الرابع: أنه لا دليل على المحذوف. وهذا الرد اقتصر عليه ثعلب، فقال: - معترضًا على سيبويه - لا دليل على هذا الإضمار، ولا يدعو إليه اضطرار، [إذ]

لا يجوز دعوى الإضمار إذا أمكن قيام الكلام بنفسه. وأجيب: بأنه تفسير معنى، وبيانه: أنه إذا أخبر أنه من أشياعه ما دام يسير فرسخين [علم] أنه ليس من أشياعه في أكثر من ذلك. قلت: إذا كان المقصود تفسير المعنى لا تفسير ما يقتضيه الإعراب من اللفظ لم يكن لترجيح [تقدير] المصنف على تقدير سيبويه بقلة المحذوف وجه، ثم لا أدري ما دعاهم - في وجه النصب - إلى حمل الكلام على معنى يخالف معناه في وجه الرفع حتى ارتكبوه مع أنه يجوز تقدير ما يتفق به الكلامان من حيث المعنى من [غير] احتياج إلى هذا التكلف، وذلك بأن يكون التقدير: بعدت مني فرسخين، فحذف الفعل، لقيام القرينة، فانفصل الضمير، وهذا تقدير سهل لا غبار عليه، فتأمله. «ونصب اليوم إن ذكر مع الجمعة» [كما في قولك: اليوم الجمعة] فيجوز رفع اليوم ونصبه «و» مع «نحوها» أي يوم الجمعة. «مما يتضمن عملًا» كالسبت والعيد والفطر؛ لأن فيهن معنى القطع والعود والإفطار، فتقول: اليوم السبت واليوم العيد، واليوم الفطر، برفع اليوم ونصبه. «جائز» خير عن المبتدأ

من قوله: - فيما قدم - (ونصب اليوم إذا ذكر مع الجمعة ... ) إلى آخره «لا إن ذكر مع الأحد ونحوه، مما لا يتضمن عملًا»: كالاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، فتقول: اليوم الأحد، برفع اليوم، ولا يجوز النصب، لأن هذا لا يتضمن عملًا؛ ضرورة أن الأحد بمعنى: الأول، والاثنين بمعنى الثاني، والثلاثاء بمعنى الثالث، والأربعاء بمعنى الرابع، والخميس بمعنى الخامس. فيتعين الرفع في الجميع؛ لئلا يخبر بظرف الزمان عن العين، كذا قالوا، والنصب إنما هو على معنى أنه كائن فيها شيء، ولا شيء كائن فيها بخلاف الجمعة، فإنه متضمن للاجتماع، وهو كائن في اليوم فيكون ظرفًا له «خلافًا للفراء وهشام» فإنهما لم يفصلا هذا التفصيل وأجازا الرفع في الجميع والنصب أيضًا، فتقول: -[على] رأيهما - اليوم الأحد، رفعًا ونصبًا، فإذا رفع جعل نفس ما بعده، وإذا نصب جعل اليوم بمعنى الآن، فكأنك قلت: الأحد واقع في هذا الوقت الذي هو الآن. قال المصنف: وقد قال سيبويه ما يقوى هذا، لأنه أجاز: اليوم يومك، بنصب اليوم بمعنى الآن وقال: لأن الرجل قد يقول: أنا/ اليوم أفعل كذا، ولا يريد به 145

يومًا بعينه، فهذا يقوي قول الفراء. واعترض: بأن معنى: (اليوم يومك) [اليوم] شأنك وأمرك الذي ذكرته، فأجريا مجرى واقع وموقوع فيه، بخلاف: اليوم الأحد. «وفي الخلف مخبرًا به عن الظهر رفع ونصب» تقول: ظهرك خلفك، بالرفع والنصب، فالرفع على جعل الظهر نفس الخلف، والنصب على جعله محلًا له وظرفًا واسعًا اشتمل عليه. «وما أشبههما كذلك» نحو: رجلاك أو نعلاك أسفلك، وقريء: {والركب أسفل منكم} بالرفع والنصب. «فإن لم يتصرف» الظرف «كالفوق والتحت لزم نصبه»، فتقول: رأسك أو عمامتك فوقك، ورجلاك [أو نعلاك] تحتك، لا يجوز فيهما إلا النصب، لأنهما لم يستعملا إلا ظرفين. وقال أبو البقاء - في قوله تعالى: {فاضربوا فوق الأعناق}: (فوق) ظرف

لـ (اضربوا)، فوق العنق الرأس، وقيل: [فوق] مفعول به، وقيل: زائدة، وفي الثلاثة نظر، لأن الظرف محل لفعل الفاعل ولأن (فوق) لا تتصرف، ولأن الاسم لا يزاد. قال ابن قاسم: وأجاز بعضهم الرفع فيما كان من الجسد نحو: فوقك رأسك، وتحتك رجلاك، بخلاف ما ليس منه نحو: فوقك قلنسوتك وتحتك نعلاك، فلا يجوز فيه الرفع، وهذا التفصيل ضعيف؛ لأن السماع لا يساعده. قلت: وقد وقع في بعض روايات البخاري: (وفوقه عرش الرحمن)، برفع (فوق) وإنما يتمشى على القول بتصرف (فوق).

«ويغني عن خبر اسم عين - باطراد - مصدر يؤكده»، أي يؤكد الخبر [حال] كون المصدر المؤكد «مكررا» نحو: زيد سيرًا سيرًا، فحذف الفعل واستغنى بمصدره، وجعل تكريره بدلًا من اللفظ الفعل، فلزم إضماره. فكان ينبغي لمن قال: التقدير -[في: زيد في الدار]- زيد كائن في الدار، أو مستقر أن يقدر: - في نحو: زيد سيرًا [سيرًا]-[زيد] سائر، ولمن قدر: استقر أو يستقر أن يقدر: [هنا] سار أو يسير، لكنهم لم يقدروا هنا إلا الفعل - فيما أعلم - فينظر وجهه ما هو؟ . وكان حق المصنف أن يصرح بالوجوب، ليعلم أن الحذف فيما ذكره واجب، وليس الاطراد بمغن عن ذلك؛ لأنه يثبت مع الوجوب والجواز، ولا دلالة له على أحدهما: معينًا؛ إذ الأعم لا إشعار له بالأخص المعين. فإن قلت: المتبادر من إغناء الشيء عن الشيء سد مسده، وكونه كالعوض منه، فلا يجتمعان، فمن هنا يفهم الوجوب. قلت: لا نسلم أن المتبادر منه ذلك، ألا ترى [إلى] قوله: - بعد هذا - (وقد يغني عن الخبر غير ما ذكر، من مصدر ومفعول به وحال) فإنه لا نزاع ولا خلاف في أن الإغناء هنا إنما هو على سبيل الجواز، فإنه لا مانع من اجتماع العامل وما قام

مقامه من مصدر وغيره. «أو محصورًا» عطف على الحال المتقدمة، وهي (مكررًا)، بمعنى: ويغني عن خبر اسم عين مصدر يؤكد الخبر حالة كون ذلك المصدر محصورًا مثل: ما أنت إلا سيرًا، وما الدهر إلا تقلبًا، وإنما أنت سيرًا، ولا فرق في ذلك (بين النكرة كما ذكر، والمعرفة نحو: ما أنت إلا السير، وإنما أنت السير؛ فحذف العامل في ذلك) كله، وأقيم الحصر مقام التكرار في كونه سببًا لوجوب الإضمار. قال ابن قاسم: والسير في هذه الأمثلة متصل بزمان الإخبار لم ينقطع، فإن أردت أنه سار ثم انقطع، أو أنه يسير في المستقبل أظهرت الفعل فقلت: ما أنت إلا تسير سيرًا، نص عليه سيبويه. «وقد يرفع» ذلك المصدر الذي أغني عن الخبر «خبرًا» عن اسم العين، وظاهره: سواء كان المصدر مكررًا نحو: زيد سير سير، أو محصورًا نحو: ما أنت إلا سير. ووقع/ في حاشية لابن هشام: أنه ينبغي أن يعود ضمير (يرفع) إلى 146 المحصور بخصوصيته، لئلا يلزم توكيد المجاز. قلت: وظاهر كلامهم يشهد بخلاف ما قال. «وقد يغني عن الخبر غير ما ذكر من مصدر» لا تكرير معه ولا حصر نحو: زيد سيرًا، أي يسير سيرًا، وينبغي أن ينظر ف وجه قلة هذا، وإنما يغابر ما قبه بوجوب الحذف هناك وجوازه هنا، فقد يقال: إن الغالب ذكر العامل معه، فكان الحذف قليلًا. «و» من «مفعول به» إن كان العامل غير قول نحو: إنما العامري

عمامته، أي: يتعد، ونحو: كنت أظن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو إياها، أي: يساويها، على أحد الأقوال، ولهذه المسلة موضع تذكر فيه إن شاء الله تعالى وأما إن كان العامل قولًا فإن المفعول به يقوم مقام الخبر إذ ذاك بكثرة نحو: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم}، أي يقولون: ما نعبدهم وكان حق المصنف أن ينبه على هذا التفصيل الذي ذكرناه. «و» من «حال» نحو: ما حكاه الأخفش من قول بعضهم: زيد قائمًا، والأصل: ثبت قائمًا، أو وجد قائمًا، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قرأ: {ونحن عصبة} بالنصب، أي نرى، أو نوجد. وخرج بعضهم على ذلك قول النابغة [الجعدي]: وحلت سواد القلب لا أنا باغيًا *** سواها ولا عن حبها متراخيًا

أي: لا أنا أرى باغيًا. «وقد يكون للمبتدأ خبران فصاعدًا بعطف» نحو: زيد عالم وعاقل، وعمرو فقيه وكاتب وشاعر، وهذا لا خلاف فيه «وغير عطف» كقوله تعالى: {وهو الغفور الودود، ذو العرش المجيد، فعال لما يريد}، ومنه قول الراجز: من يك ذابت فهذا بتي *** مقيظ مصيف مشتي وهذا فيه خلاف: فالجمهور على الجواز، وهو الصحيح، وذهب ابن عصفور وكثير

من المغاربة إلى المنع، مقدرين - في صور التعداد - لكل خبر مبتدأ غير الأول، أي هو الودود، وهو ذو العرش [المجيد]، وأنا مصيف وأنا مشت، أو جاعلين الثاني صفة للأول، وهو تكلف لا داعي إليه؛ لأن الخبر حكم، والمتكلم قد يحكم بحكم واحد، وقد يحكم بأحكام متعددة كما في الصفات، فإنه قد يوصف الشيء بصفات متعددة. «وليس من ذلك ما تعدد لفظًا دون معنى» نحو: الرمان حلو حامض؛ لأن معناه: الرمان مر فهو من المتعدد بحسب اللفظ لا بحسب المعنى، وزعم أبو الحسن في المسائل الكبير: أن الثاني ليس بخبر، بل هو صفة للأول، وأن المعنى: هذا حلو فيه حموضة، ووقع في كلام أبي حيان أن أبا علي الفارسي - فيما نقل عنه - يرى أن في الخبرين ضميرًا واحدًا تحمله الثاني؛ لأنه بتمامه تم المعنى المراد، والأول منزل [منه] منزلة الجزء وأن أبا الفتح راجع أبا علي في عود الضمير نيفًا وعشرين سنة حتى تبين له انتهى. وتبعه على ذلك بعض من لخص كلامه، لكنه جزم بذلك على الفارسي، فقال:

قال أبو علي: والصواب خلاف ما قالا، ففي التنبيه على مشكل الحماسة لأبي الفتح بن جني لما تكلم على قول الأعرج: لا جزع اليوم على قرب الأجل *** ................................... أنه يجوز جعل الظرفين صفتين لـ ـ ـ (جزع)، ويكون العائد من مجموع الصفتين، كما كان الراجع إلى المبتدأ من الخبر في: هذا حلو حامض، من مجموع الخبرين.

قال: وقد راجعت أبا علي مرات [في] هذا، [على] أن كلًا من الخبرين فيه معنى الفعل، فهلا قلت: إن الضمير عائد من كل منهما، كما تقول: هذا قائم اخوه قاعد/ أبوه، فترفع بكل منهما الظاهر، لا ترفع بهما المضمر؟ فلما أفضى بنا 147 القول إلى هذا لاح من قوله ما كان يخفى منه أكثر من أربعين سنة أنه إنما يريد أن العائد المستقل به جميع الخبر إنما يعود من مجموع الاسمين، فأمل كل واحد منهما فلا محالة أن فيه ضميرًا، فحينئذ ثلجت النفس بقوله، وهذا مما يدل على قوة مأخذه، وعلى طريقته، وعلى كثرة التحريف عليه، ونسبة ما لا يضبط عنه إليه. واقتضى قول أبي الفتح أن أبا علي يقول بذلك في [نحو] حلو حامض، وكأنه مبني على ما يقوله ابن عصفور: أنه إنما يتعدد الخبر على معنى قولك: جامع بين كذا وكذا. «ولا ما تعدد لتعدد صاحبه حقيقة» وله صورتان: إحداهما: أن يكون أسماء متعاطفة. والثانية: أن يكون مثنىً أو مجموعًا، فإذا اختلفت الأخبار فالعطف بالواو، قالوا: ولا يجوز غير ذلك. نحو: زيد وعمرو قائم وقاعد، والزيدان فقيه وكاتب، والعمرون فقيه وكاتب

وشاعر، ومنه قول الشاعر: يداك يد خيرها يرتجى *** وأخرى لأعدائها غائظة «أو حكمًا» وهو المبتدأ المفرد الذي أخباره مقسمة على أجزائه نحو: {إنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد} وقال الشاعر: والمرء ساع لأمر ليس يدركه *** والعيش شح وإشفاق وتأميل قال المصنف: والحاصل أن تعدد الخبر على ثلاثة أضرب: أحدها: أن يتعدد لفظًا ومعنى؛ لتعدد المخبر عنه، وعلامة هذا النوع صحة الاقتصار على واحد من الخبرين أو الأخبار، وهذا النوع يجوز استعماله بالعطف اتفاقًا، وبغير عطف على الصحيح كما تقدم.

والثاني: أن يتعدد لفظًا دون معنى؛ لقيام المتعدد فيه مقام خبر واحد، ولا يجوز في هذا النوع العطف؛ لأن مجموعه بمنزلة مفرد، خلافًا لأبي علي في إجازته: هذا حلو وحامض. الثالث: أن يتعدد لتعدد صاحبه، ولا يستعمل هذا النوع دون عطف، فما كان من النوع الأول صح أن يقال فيه: خبران وثلاثة بحسب تعدده، وما كان من النوع الثاني والثالث فلا يعبر فيه بغير لفظ الواحد، إلا مجازًا. «وإن توالت» مبتدآت» نحو: زيد عمه خاله [أخوه] أبوه قائم، «أخبر عن آخرها» وهو (أبوه) في المثال المذكور، فجعل (قائم) خبرًا عنه «مجعولًا هو» أي الآخر «وخبره خبر متلوه» وهو (أخوه) في [هذا] المثال «والمتلو» وهو (أخوه) «مع ما بعده» وهو (أبوه قائم). «خبر متلوه» وهو (خاله) في المثال المذكور. «إلى أن يخبر عن الأول» وهو (زيد) في مثالنا «بتاليه» وهو (عمه) «مع ما بعده» وهو (خاله أخوه أبوه قائم). «ويضاف غير» المبتدأ «الأول إلى ضمير متلوه» كما رأيت فكل واحد مما بعد زيد - وهو المبتدأ الأول - مضاف إلى ضمير متلوه، فيكون المعنى: أبو أخي خال عم زيد، قائم على أن الإضافة ليست شرطًا، إذ لو قيل: زيد غلام له كتاب له مفيد، كان صحيحًا *** أو يجاء بعد خبر الآخر بروابك المبتدآت أول لآخر، وتال لمتلو» نحو: زيد هند الغلامان العمرون جالسون عندهما في دارها لأجله، والمعنى: العمرون جالسون عند الغلامين في دار هند لأجل زيد.

واعلم أن قوله: (وتال لمتلو) لا يفي لفظه بمراده، بل لابد أن يقال: وكذا الفعل في الباقي/ إلى أن تنتهي المبتدآت والروابط. ولكنه ترك ذلك لوضوحه، وأنه 148 لا يتعين الترتيب المذكور إذا أمن الإلباس، فلو قيل: زيد هنا الغلامان أحسنت إليهما عنده في دارها، لم يمتنع، وكذا: أحسنت في دارها إليهما عنده.

«فصل» يذكر فيه الكلام على ما يجوز فيه دخول الفاء على الخبر، وما يمتنع

«فصل» يذكر فيه الكلام على ما يجوز فيه دخول الفاء على الخبر، وما يمتنع. «تدخل الفاء على خبر المبتدأ» بحيث تكون ملفوظًا بها «وجوبًا بعد (أما)» نحو {فأما الذين امنوا فيعلمون أنه الحق} {أما السفينة فكانت لمساكين} الآيات «إلا في ضرورة» كقوله: أما القتال لا قتال لديكم *** ولكن دفع الشر بالشر أحزم

«أو في ندور» من الكلام الذي ليس بشعر، نحو: (وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم - لم يفر)، ومثل له ابن قاسم بقوله عليه الصلاة والسلام: (أما بعد ما بال رجال).

قلت: وهو سهو؛ لأن هذا ليس من المبتدأ والخبر في شيء. «أو» في «مقارنة قول أغني عنه المقول» نحو: {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم}، وجعل هذا قسيمًا للضرورة والندور، يقتضي أنه جائز في سعة الكلام بكثرة وهو صحيح. «و» تدخل الفاء على خبر المبتدأ. «جوازًا بعد مبتدأ واقع موقع «من» الشرطية» نحو: الذي يأتيني فله درهم. «أو» واقع موقع «ما أختها»: نحو: الذي يفعله فهو حسن. يعني أن المبتدأ تارة يكون لمن يعلم متضمنًا لمعنى الشرط، فيكون واقعًا موقع [«من» الشرطية، وتارة يكون لما لا يعقل متضمنًا لمعنى الشرط، فيكون واقعًا موقع] «ما» الشرطية. وقال: (بعد مبتدأ)؛ لأنه لو كان الخبر قبل المبتدأ - كما إذا قلت: له درهم الذي يأتيني - لم تدخل الفاء، لأن الجواب الصريح لا تدخل عليه الفاء إلا إذا تأخر، وقد مضى للمصنف في الباب وجوب تأخير الخبر إذا قرن بالفاء. وكان حق هذا الخبر أن تلزمه الفاء؛ لكونه كالجزاء، لكن من حيث إنه ليس جزاء للشرط حقيقة جاز تجريده منها مع قصد السببية، نحو: الذي يأتيني له درهم.

وعلى الجملة فإذا دخلت الفاء تحققت فيه السببية، وإذا لم تدخل جاز أن تكون السببية ملحوظة، فيكون تجريد الخبر عن الفاء في هذه الحالة - على سبيل الجواز، وجاز أن تكون السببية غير ملحوظة ولا مقصودة، فيكون تجريده من الفاء إذ ذاك واجبًا «وهو» أي المبتدأ المذكور الواقع موقع (من) الشرطية أو (ما) أختها. (الـ) الموصولة» نحو: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}، كذا مثل المصنف، وهو مخالف لكلامه في باب الاشتغال، ولقول جمهور البصريين، فإنهم قالوا: لا تدخل الفاء في خبر (الـ ـ ـ)، وجلعوا الخبر في الآية محذوفًا، وستقف على ذلك في باب الاشتغال. وإنما قسم المصنف الموصول إلى (الـ ـ) وغيره؛ لأجل أن الصلة مختلفة. «بمستقبل» لا بماض، ولا حال. «عام» لا خاص، ولا حاجة إلى اشتراط العموم بعد ما اشترط كون المبتدأ حالًا محل (من) و (ما) الشرطيتين. «أو غيرها»، أي غير (الـ) من الموصلات العامة المستقبلة صلتها. «موصولًا بظرف» كقوله: ما لدى الحازم اللبيب معارًا *** فمصون، وماله قد يضيع «أو شبهه» أي شبه الظرف، وهو الجار والمجرور نحو: {وما بكم من نعمة فمن الله}.

وأورد ابن الحاجب - رحمه الله [تعالى]- إشكالًا في هذه الآية، تقريره: أن الشرط وما شبه به يكون الأول فيه سببًا للثاني، وفي الآية الأمر بالعكس، لأن الأول 149 هو استقرار النعمة بالمخاطبين، والثاني/ كونها من الله، وليس الأول سببًا للثاني؛ لأن الأول فرع للثاني. وأجاب في شرح المفصل بما تقريره: *** أن جواب الشرط لا يكون إلا جملة، ويكون المسبب في ذلك الجواب الذي هو جملة إما مضمون الجملة نحو: إن جاءني زيد أكرمته، فالإكرام هو مضمون الجملة، وهو مسبب عن المجيء المذكور، وإما الخطاب بها، على معنى أن الإعلام والإخبار بها هو المشروط نحو: إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك الواقع في اليوم، لكن الإخبار بذلك مسبب على معنى إن أكرمتني اليوم فهو سبب لأن أعلمك وأخبرك بأني قد أكرمتك بالأمس، والآية من [هذا] القبيل، وبيانه أن الآية جيء بها لإخبار قوم استقرت بهم نعم جهلوا معطيها أو شكوا فيه، فاستقرارها - مشكوكة أو مجهولة - سبب للإخبار بأنها من الله، فيتحقق - إذن - أن الشرط والمشروط فهيا على بابه. وقال الرضي: لا يلزم مع الفاء أن يكون الأول سببًا للثاني، بل اللازم أن

يكون ما بعد الفاء لازمًا لمضمون ما قبلها، كما في جميع الشرط والجزاء، ففي قوله تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} [كون النعمة من الله] لازم؛ لحصوله معنى فلا يغونك قول بعضهم: إن الشرط سبب للجزاء، وسيأتي تحقيقه في الكلام على الشرط والجزاء إن شاء الله تعالى. «أو» موصولًا «بفعل صالح للشرطية» نحو: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}، فـ ـ (ما) فيه موصولة لا شرطية، بدليل سقوط الفاء في قراءة نافع وابن عامر فلو كان الفعل غير صالح للشرطية: - كأن يكون ماضيًا معنى نحو: الذي زارنا أمس له كذا - امتنع دخول الفاء في الخبر، وأجازه بعضهم تمسكًا بقوله تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله} -، وأول بأنه على معنى التبين، كأنه قيل: وما تبين إصابته إياكم، وكذا إذا كان الفعل مصدرًا بحرف استقبال: كالسين و (سوف) أو بـ ـ ـ (قد) أو بـ ـ ـ (ما) النافية يمتنع دخول الفاء في الخبر، ولم يشترط ذلك بعضهم، فيجوز عنده: الذي ما يأتيني فله درهم، وشرط بعضهم في الفعل أن لا يكون مسندًا إلى فاعل مختص، لئلا يسري التخصيص منه إلى الفعل، فلا يجوز عنده: الذي ألقاه فله درهم. وفهم من كلام المصنف أن الصلة متى كانت غير شيء، من هذه الأمور الثلاثة - وهي الظرف وشبهه والفعل الصالح للشرطية - امتنعت الفاء، كالجملة

الاسمية، فلا يجوز نحو: الذي أبوه محسن فمكرم، خلافًا لابن السراج: «أو نكرة» بالرفع عطف: إما على (الـ ـ ـ)، أو [على] (غيرها). يعني أن المبتدأ الذي تدخل الفاء على خبره أحد أشياء: إما (الـ ـ) أو (غيرها) أو نكرة «عامة موصوفة بأحد الثلاثة» إما الظرف نحو: رجل عنده حزم فسعيد، ويمتنع على هذا أن يقدر الظرف خبرًا في هذه الصورة، وإما شبه الظرف نحو: عبد الكريم فما يضيع، وإما فعل صالح للشرطية نحو: نفس تسعي في نجاتها فلن تخيب. وخص ابن الحاجب ذلك بـ ـ (كل)، والصحيح التعميم؛ لأن النكرة في الإثبات تعم بقرينة، فلا مانع إذن «أو مضاف إليها» بالرفع عطفًا على موصوفة، فالمعنى: أو نكرة عامة مضاف إليها شيء «مشعر بمجازاة» فالتنكير والعموم مأخوذان في الصورتين، والضمير في (إليها) عائد إلى (النكرة) المتقدم ذكرها، وذلك نحو كل رجل عنده حزم فسعيد، إلى آخر الأمثلة السابقة «أو موصوف» بالرفع/ عطف على (نكرة)، أو على (الـ ـ). «بالموصول» متعلق بـ ـ (موصوف)،

والأداة فيه للعهد، أي بالموصول. «المذكور» كقوله تعالى: {والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحًا فليس عليهن جناح}، وقوله تعالى: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملقيكم}، قال الشاعر: صلوا الحزم، فالخطب الذي تحسبونه *** يسيرا فقد تلقونه متعسرًا وفي ذلك خلاف، احتج المجيز بالآيتين الشريفتين والبيت، وبأن الصفة والموصوف كشيء واحد. ورد القياس بأنه لو صح للزمت موافقة يونس في إجازة: وازيد الطويلاه، والاحتجاج بالبيت بأنه محتمل لزيادة الفاء فيه، كما قال: ............................. *** والصغير فيكبر وأما الآية الأولى، فيحتمل كون (اللاتي) هو الخبر، وما بعد الفاء جملة مرتبطة

[بالفاء] بالتي قبلها، ويحتمل كون (للاتي) مبتدأ ثانيًا، ودخلت الفاء في خبره؛ لأنه موصول، ثم الجملة من الموصول وخبره خبر (القواعد)، والرابط محذوف، أي اللاتي لا ترجون فيهن نكاحًا، وتكون (القواعد) على قسمين مختلفي الحكم، [وأما على جعلهما مبتدأ وخبرًا فهما قسم واحد]، وأما على جعلهما منعوتًا ونعتًا، فإن قدرنا النعت كاشفًا، فكما لو قدرتهما مبتدأ وخبرًا، وإن قدرناه موضحًا ومخصصًا، فكما لو قدرت مبتدأين. وأما الآية الثانية فيحتمل أن الموصول خبر لا صفة. واعترض: بأنه لا فائدة فيه حينئذ. وأجيب: بأنهم كانوا يقولون: إن فرارهم لغير ذلك، بدليل: {يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارًا}، فأخبر عنهم بأنهم [إنما] يفرون من الموت، وقيل: (الذي) بدل من (الموت)، كأنه قيل: الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم. «أو مضاف إليه» برفع (مضاف)، على أنه عطف على (موصوف) من قوله: (أو موصوف بالموصول)، يعني: أو مضاف إلى الموصوف بالموصول مثل

غلام الرجل الذي يأتيني فله درهم. ومثل ابن قاسم بقولك: غلام الذي يأتيني فله درهم، وبقول زينب بنت الطثرية ترثي أخاها: يسرك مظلومًا ويرضيك ظالمًا *** وكل الذي حملته فهو حامله

وإنما الكلام في المضاف إلى الموصوف بالموصول، لا في المضاف إلى الموصول. واعلم أن بعضهم قال: لابد - في دخول الفاء في الخبر - من اشتراط أن يكون الخبر مفردًا أو جملة يصح دخول فاء الجزاء عليها، فلا تدخل في نحو قوله تعالى: {والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم}، كما لا تدخل في نحو: إن جئتني أكرمتك. وانظر إلى عظم الفصل بهذه الجملة الاعتراضية، أعني: {وهو الحق من ربهم} ما أعلاه. «وقد تدخل» الفاء «على خبر (كل) مضاف إلى غير موصوف» لمضارعته لكلمات الشرط في الإبهام، كما جاء في بعض الأذكار المأثورة عن السلف: كل نعمة فمن الله. وانظر وجه قول المصنف: (مضاف) بالتنكير والجر، فإنه في النسخة التي بين يدي الآن كذلك، ولا يصح كونه صفة لـ ـ كل)؛ لأنه معرفة؛ لما تقرر من أن الكلمات التي يراد منها مسمياتها الألفاظ أعلام لها، نحو: زيد اسم، وقام فعل، ومن حرف جر. «أو» مضاف «إلى موصوف بغير ما ذكر» كقول الشاعر: كل امر مباعد او مدان ... فمنوط بحكمة المتعالي

«و» قد تدخل الفاء أيضًا «على خبر موصول غير واقع موقع (من) الشرطية ولا (ما) أختها» نحو: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله}. فإن مدلول (ما) معين، ومدلول (أصابكم) محقق المضي، فانتفت مشابهة الشرط معنى، لكنه اعتبر فيه مجرد الشبه اللفظي، فإن/ (ما) الموصولة شبيهة بـ ـ ـ (ما) الشرطية لفظًا، وكذا ما وقع [في] الحديث: (الذي يشق رأسه فكذاب) فإن هذا إخبار عن معين، لكن روعي مشابهة لفظ (الذي) المراد به الخصوص للفظ (الذي) المراد به العموم، وللعرب مذهب معروف في رعاية المشابهة، اللفظية وقد علمت أن ثم من منع ذلك وأول الآية بما تقدم. «ولا تدخل» الفاء «على خبر غير ذلك، خلافًا للأخفش» فإنه أجازه تمسكًا بقوله: وقائلة: خولان فانكح فتاتهم *** وأكرومة الحيين خلو كما هيا

وهو محمول عند سيبويه على أن (خولان) خبر مبتدأ محذوف، أي هذه خولان، أو هؤلاء خولان فانكح فتاتهم، وتمسكًا بقول الآخر: أرواح مودع أم بكور *** أنت فانظر لأي ذاك تصير

وهو محمول عندهم على أن (أنت) فاعل فعل مقدر يفسره المذكور. «ويزيلها نواسخ الابتداء» أي: يزيل جواز دخول افاء، أو يزيل حكم الفاء، ولابد من تقدير أحد هذين الأمرين؛ لأنه ليس المراد أن نواسخ الابتداء دخلت على تركيب فيه هذه الفاء فأزالتها، وإنما المراد أنها دخلت تركيب كان جواز دخول الفاء ثابتًا فيه فأزالت الجواز باقتضائها المنع، ولك - حينئذ - أن تقدر محذوفًا: إما مضافين أو مضافًا واحدًا كما ذكرنا، فلا يصح أن تقول: كان الذي يأتيني فله درهم، ولا ليت الذي أنصحه فهو يقبل؛ لزوال المجوز لدخول الفاء، وهو شبه الشرط (من حيث أن كلمة الشرط) لازمة التصدير، فلا [يعمل] فيها ما قبلها. «إلا إن» بالكسر» وأن» بالفتح «و (لكن) على الأصح» فإنهن لا يزلن جواز دخول الفاء؛ وذلك لأنهن لما لم يغيرن معنى الابتداء لم يعت بهن، والمانع هو الأخفش في أحد قوليه، ورد عليه بأن شهادة السماع قائمة على خلاف ما قال، ففي التنزيل:

{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم}، {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم}، {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم}، {واعلموا إنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة وللرسول}. وقال الأفوه: فوالله ما فارقتكم قاليًا لكم *** ولكن ما يقضي فسوف يكون وظاهر كلام المصنف أنه لا خلاف في غير الثلاثة، وقد حكي في (لعل) قول ضعيف، وصرح ابن الحاجب بأن (ليت) و (لعل) مانعان باتفاق. قال: لأنه يؤدي إلى تناقش معنوي، وذلك أن خبر (ليت) و (لعل) غير محكوم عليه بالصدق والكذب، وما يقع بعد الفاء خبر محض، وجزاء الشرط يجب أن يكون قضية خبرية معلقة بالشرط؛ لأن الإنشاء ثابت، والثابت لا يقبل تعليقًا، وقولنا: أنت حر إن دخلت الدار، إنشاء التعليق [لا تعليق] الإنشاء.

قال الرضي: وليس بشيء؛ لصحة قولك: إن جاء زيد فاضر به، قال تعالى: {إن الذين يكفرون بأيات الله ويقتلون النبين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم}. قلت: نظر إلى صورة وقوع الإنشاء جزاءً، وابن الحاجب لا يمنع وقوعه من هذه الحيثية، إنما الممنوع عنده - فيما يظهر من كلامه - وقوع الإنشاء لفظًا ومعنى [جزاء] من غير تأويل؛ لعدم إمكانه؛ وذلك لأنك إذا قلت: أكرم زيدًا، فهو يدل بظاهره على طلب في الحال لإكرام زيد في الاستقبال، فيمتنع تعليق الطلب الحاصل في الحال على حصول ما يحصل في المستقبل، إلا إذا أول بأن يحمل اللفظ بواسطة القرينة على الطلب/ في الاستقبال، كما في الجملة الاسمية، وأما الإكرام: فإما أن يعلق على الشرط من حيث هو مطلوب، كأنه قيل: إذا جاءك زيد فإكرامه مطلوب منك، فيلزم - مع ما ذكر من انتفاء الطلب في الحال - تأويل الطلبي بالخبري. وإما أن يعلق عليه من حيث وجوده، والطلب حاصل في الحال كأنه قيل: إذا جاءك زيد يوجد إكرامك إياه مطلوبًا منك في الحال، فيلزم تأويل الطلبي بالخبري، وأن لا يكون للطلب تعلق بالشرط أصلًا. وبالجملة: لا يمكن جعل الطلبي جزاءً بلا تأويل إلى خلاف ظاهره. ويتفرع عن التأويل وعدمه (احتمال الصدق والكذب وعدمه) في الشرطية.

التي جزاؤها، وإن كان الطلب في نفسه لا يحتملها، وقد مر - فيما سلف من الكلام على الخبر - شيء من ذلك.

الباب الثالث عشر «باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر»

الباب الثالث عشر «باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر» بجر (الاسم) و (الخبر) على الإضافة، وبنصبهما على إعمال اسم الفاعل. فإن قلت: هو للثبوت والاستمرار، فاسم الفاعل [حينئذ] حال محل الفعل المضارع الذي يراد به الاستمرار، فيعمل كما يعمل، فكما تقول: جاء الذي يعطي الدراهم ويكسو الثياب، - تريد الذي شأنه ذلك - تقول: جاء المعطي الدراهم والكاسي الثياب بالنصب. يعمل هذا العمل أفعال «فبلا شرط» أي: فيعمله بلا شرط، يعني سواء كانت مثبتة أو منفية، صلة أو غير صلة. «كان» وقد ظهر بما قدرناه [وجه الإعراب وأصل التركيب، فالفاء للتفصيل، مثلها في قولك: الناس رجلان]: فرجل أكرمته ورجل أهنته. (وبلا شرط) حال من فاعل (يعمل) المؤخر عنه، وهو (كان) وما عطف عليه من قوله: «وأضحى

وأصبح وأمسى وظل وبات وصار وليس» ثم حذف قوله: (يعمل هذا العمل أفعال)؛ لدلالة ما ذكر في الترجمة عليه، وحذف ما بعد الفاء من الفعل والمفعول؛ لذلك أيضًا. «وصلة» بالنصب [عطفًا] على الحال المتقدمة، وهي قوله: (بلا شرط)، أي: ويعمل العمل المذكور صلة «لـ ـ ـ (ما)» المصدرية «الظرفية: دام» نحو: {ما دمت حيًا}، واحترز من (ما) غير الظرفية، فلا يجوز - في: يعجبني ما دمت صحيحًا - كون صحيحًا خبرًا، وإنما هو حال، أي يعجبني دوامك في حال كونك صحيحًا. «و» تعمل العمل المذكور «منفية بثابت النفي» سواء كان النفي لفظيًا نحو: ما زال زيد أميرًا، أو معنويًا نحو: قلما يزال عبد الله ذاكرًا لك. «[مذكور] غالبًا كما مثلنا، وقد يحذف كقوله تعالى: {تالله تفتؤا تذكر يوسف}، والحذف مقيس في جواب القسم إن كان مضارعًا، وشاذ فيه إن كان ماضيًا، كقوله: لعمر أبي دهماء زالت عزيزة *** ......................

أي: لا زالت، وفي المضارع الذي ليس بجواب كقوله: وأبرح ما أدام الله قومي *** بحمد الله منتطقًا مجيدًا أي: لا أبرج مدة قومي صاحب نطاق وجواد؛ لأنهم يكفونني ذلك. «متصل لفظًا» كما مثلنا. «أو تقديرًا» ولا يكون الفاصل - إذ ذاك إلا فعلًا قلبيًا كقوله: ولا أراها تزال ظالمة *** تحدث لي قرحة وتنكؤها

أي: وأراها لا تزال ظالمة، [أو قسمًا] كقوله: فلا - وأبي دهماء - زالت عزيزة *** .............................. «أو مطلوبة النفي» معطوف على قوله: (منفية)، والمراد به النهي والدعاء كقوله: صاح شمر ولا تزل ذاكر المو *** ت فنسيانه ضلال مبين وكقوله: ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى *** ولا زال منهلًا بجرعائك القطر

«زال» معطوف على فاعل الفعل الذي قدرناه أولًا «ماضي يزال» / قال ابن قاسم: احترز من التي بمعنى (تحول) فمضارعها (يزول)، ومن: (زال الشيء، بمعنى عزله، فمضارعه (يزيل). قلت: حكى الكسائي والفراء وغيرهما: (يزيل) مضارع زال الناقصة، وأنهم يقولون: لا أزيل أفعل كذا. وكان الأولى أن يقول: زال لا بمعنى (انتقل)، ولا بمعنى (ماز). ثم هلا ترك هنا هذا الاحتراز ألبتة، كما ترك الاحتراز في بقية الأفعال عنها إذا وردت تامة، وأخر ذلك لما بعد هذا! ! «و (انفك) و (برح)» بكسر العين «و (فتيء)» كذلك على وزن (شرب). «و (فتأ)» على وزن (أكل)، ومضارعهما يفتأ، بفتح العين، ومصدرهما فتء كضرب، وفتوء كـ ـ ـ (قعود) «و (أفتأ) مثل: أخرج، وهي لغة تميمية، حكاها في المحكي. وبقي عل المصنف: (فتؤ) كـ ـ (ظرف). «و (ونى) و (رام) مرادفتاها» أي: مرادفتا الأفعال المتقدمة، احترازًا من (ونى) بمعنى فتر) و (رام) بمعنى (حاول) فمضارعها (يروم) وبمعنى (تحول) فمضارعها (يريم) كمضارع الناقصة.

قال المصنف: وهذان الفعلان (ونى) و (رام) غريبان لا يكاد يعرفهما من النحاة إلا من عني باستقراء الغريب، ومن شواهد استعمالهما قول الشاعر: لا يني الخب شيمة الخب ما *** دام فلا تحسبنه ذا ارعواء الخب الأول: - بكسر الخاء المعجمة -[الخداع] والخبث، والثاني: - بالفتح -[صفة] لمن قام به ذلك، يقال: رجل خب، أي: ذو خبث وخداع وقول الشاعر: إذا رمت ممن لا يريم متيمًا *** سلوًا فقد أبعدت في رومك المرمى وقدح أبو حيان في الاستدلال بالبيت الأول باحتمال كون (شيمة الخب) منصوبًا على إسقاط الخافض، والأصل: عن شيمة الحب، وفي الاستدلال بـ ـ ـ[البيت] الثاني باحتمال نصب (متيمًا) على الحال. واعلم أن ثلاثة من هذه الأفعال يحتاج إلى البحث في وزنها، وهي (كان) و (لي) و (زال): فأما (كان) فـ ـ ـ (فعل) بالفتح، وعن الكسائي: (فعل) بالضم، ولنا أنها مشبهة بالفعل المتعدي، وأن وصفها على (فاعل) لا (فعيل).

وأما (ليس) فلا تكون (فعل) بالضم، لأنها مشبهة بالمتعدي، ولانتفائه من الأجوف اليائي إلا (هيؤ)، ولا (فعل) بالفتح، لأن الفتحة لا تخفف، وإذا لم تخفف لزم قلب الياء ألفًا، وإنما هو (فعل) بالكسر، ثم خفف كـ ـ (علم)؛ ليسلم؛ لأنه جامد، فكرهوا أن يدخله القلب؛ فلهذا التزم فيه التخفيف، وليلزم طريقة واحدة، كما أن الجامد كذلك، وإنما لم يكرهوا الإعلال في (عسى) - مع جمودها فيتحيلوا على مسقطه - لأن اللام يسرع إليها التغيير. وأما (زال) فعلى ثلاثة أوجه: قاصرة: بمعنى (ذهب)، وليست (فعل) بالكسر، لأن مضارعها (يفعل) بالضم، تقول: زال يزول، ولا (فعل) بالضم؛ لأن الوصف منها (زائل) [لا زول]؛ ولأنها مشبهة بالمتعدي، فثبت أنها (فعل) بالفتح. ومتعدية: بمعنى ماز الشيء من غيره، وهي أيضًا (فعل) بالفتح، لأن مضارعها بالكسر، وعينها ياء، لأنها لو كانت واوًا لقيل: (زلت)، كـ ـ (قلت). وناقصة: وهذه (فعل) بالكسر؛ لفتح المضارع، وعينها ياء كالمتعدية، كذا قيل، ولا يمتنع أن تكون واوًا من باب (خاف) [يخاف]، بل هو أولى؛ لأنه الغالب في الألف المتوسطة. وقال الفراء: هي منقولة من القاصرة.

وقال ابن خروف: من المتعدية، قالا: وغير الوزن [فرقًا] بين الناقصة والتامة. وهذه دعوى تخالف الأصل بغير دليل. وجزم في الارتشاف بأن التامة - قاصرة أو متعدية - عينها واو. «وكلها» أي كل هذه الأفعال [الناقصة]. «تدخل على المبتدأ» والخبر. «إن لم يخبر عنه بجملة طلبية» وهذا مبني على الصحيح من أن الجملة الطلبية تقع خبرًا للمبتدأ، وينبغي أن يقول: ولا إنشائية. فإنه لا يجوز كان عبدي بعتكه، على قصد الإنشاء. قال الرضي: / وإنما لم يقع أخبار هذه الأفعال جملًا طلبية؛ لأن هذه الأفعال صفات لمصادر أخبارها في الحقيقة، ألا ترى أن معنى: كان زيد قائمًا: لزيد قيام له حصول في الزمن الماضي، ومعنى: صار زيد قائمًا: لزيد قيام له حصول في الزمن الماضي بعد أن لم يكن، ومعنى: أصبح زيد قائمًا: لزيد قيام له حصول في الزمن الماضي بعد أن لم يكن، ومعنى: أصبح زيد قائمًا: لزيد قيام له حصول في الزمن الماضي وقت الصبح، وكذا سائرها؛ إذ في كلها معنى الكون مع قيد آخر، فلو كان أخبارها طلبية لم تخل هي من أن تكون خبرية أو طلبية، فإن كنت خبرية تناقض الكلام؛ لأن هذه الأفعال - بكونها صفة لمصدر خبرها - تدل على أن المصدر مخبر عنه بالحصول [في أحد الأزمنة الثلاثة، والطلب في الخبر يدل على أنه غير

محكوم بالحصول] في أحدها، فيتناقض، وبعبارة أخرى: مصدر الخبر في جميعها فاعل للفعل الناقص كما ستعرفه، فلو قلت: كان زيد هل ضرب غلامه؟ كان ضربه لغلامه مخبرًا عنه [بكان] ثابتًا عند المتكلم، مسئولًا عنه بـ ـ ـ (هل) غير ثابت عنده، وهو تناقض، وإن كانت الأفعال طلبية مع أخبارها، وهي كما ذكرا صفة للأخبار - اكتفي بالطلب الذي فيها عن الطلب الذي في أخبارها إن كان الطلبان متساويين، إذ الطلب فيها طلب في أخبارها، تقول: كن قائمًا، أي قم، وهل تكون قائمًا، أي هل تقوم؟ ، وإن اختلف الطلبان، بأن يكون أحدهما، أمرًا والآخر استفهامًا، نحو: كوني هل ضربت؟ اجتمع طلبان مختلفان على مصدر الخبر، في حالة واحدة، وهو محال. «ولم يلزم التصدير» كأسماء الشرط والاستفهام وما أضيف إليها والمقرون بلام الابتداء و (كم) الخبرية، خلافًا للأخفش في (كم)، فإنه أجاز جعلها اسمًا لـ ـ (كان)؛ لأنها بمنزلة (كثير)، فلا تلزم الصدر، والصحيح المنع؛ لعدم السماع؛ ولأنها

إنشائية كما ستعرفه بعد هذا إن شاء الله تعالى. «أو» لم يلزم «الحذف» حذرًا من المخبر عنه بنعت مقطوع ونحوه. «أو» لم يلزم «[عدم] التصرف» أي عدم لزومه صيغة واحدة، وذلك بأن يصغر ويثنى ويجمع، وهذا هو الذي أراده هنا لا التصرف المذكور في الظروف والمصادر، وهو عدم ملازمة وجه من أوجه الإعراب، كما توهم أبو حيان وأتباعه؛ لئلا يلزم التكرار بما بعد هذا الشرط. و[إنما اشترط] ذلك لأن الأصل في الأسماء التصرف بالمعنى الذي ذكرناه، وكذا الأصل في الأفعال التصرف، أي عدم لزوم صيغة واحدة، وذلك بأن تستعمل بالأوجه الثلاثة الدالة على خصوصيات الأزمنة، والحروف كلها بخلاف ذلك، فمتى كان الاسم جامدًا أشبه الحرف، والناسخ لا يدخل على الحرف، فكذلك لا يدخل على ما يشبهه. كذا قرره الرضي. قلت: وفيه نظر؛ لما يلزم [عليه] من أ (من) و (ما) الموصلتين -[مثلًا]- لا تدخل عليهما هذه النواسخ، وبطلانه مقطوه به. «أو» لم يلزم «الابتدائية».

حذرًا من أن يلزمها، فلا يدخل عليه شيء من هذه الأفعال، ومثله المصنف بقولهم: أقل رجل يقول ذلك. وبقولهم: نولك أن تفعل. ورد أبو حيان الثاني، وتبعه تلميذه ابن قاسم بقول النابغة: فلم يك نولكم أن تشقذوني *** ودوني عازب وبلاد حجر فأدخل (كان) على (نولكم). والمضارع من قوله: (تشقذوني) - بضم أوله - مضارع (أشقذه) بهمزة فشين معجمة فقاف فذال معجمة، أي طرده.

ومعنى (ودوني) [ودون] أرضي أو بلدي. وبما أنشده الزمخشري في الأساس من قول الشاعر: لئن حن أجمال وفارق جيرة *** عنيت بنا ما كان نولك تفعل / وقال ابن هشام: تقول ما كان نولك أن تفعل، بنصب (نولك) ورفعه، فإن رفعته احتمل أن يكون اسمًا لـ ـ ـ (كان)، و (أن تفعل) فاعل سد مسد خبر (كان)، كما سد مسد خبر المبتدأ، واحتمل أن تكون (كان) شانية. انتهى. والبيتان لا شاهد فيهما؛ لجواز كون الناسخ شأنيا، نعم: لو سمع نصب النول لكان خبرًا، وصح الاستشهاد به، ونهض الاعتراض، لكن لم يحك ذلك إلا عن تجويز ابن هشان، وذلك رأي لا رواية فلا يجب قبوله. قال ابن هشام: وإذا جعلت (كان) شانية كان (نولك أن تفعل) مفسرًا لضمير الشأن، فـ ـ (نولك) مبتدأ، و (أن تفعل) فاعل سد مسد خبر المبتدأ. واعترضه ابن قاسم: بأن ضمير الشأن لا يفسر - عند البصريين - إلا بجملة مصرح بجزئيها. [وهو ساقط؛ لأن (نولك أن تفعل) جملة مصرح بجزئيها].

وقصارى ما في [هذا] الباب: أن الفاعل سد مسد خبر [المبتدأ]، ولا نفي ولا استفهام سابق على المبتدأ، وهو سهل؛ لأن ظهور إرادة [معنى] الفعل منه أغنى بمفرده عن ذلك، وليس الاعتماد شرطًا في كل ما كان بمعنى الفعل، وإنما هو شرط في الصفة كما سبق. «لنفسه» أي [لم] يلزم الابتداء لنفسه، ومثل ابن قاسم وغيره له بقولهم: أقل رجل يقول ذلك، أي ما يقول ذلك رجل، ولا يدخل الناسخ عليه كما لا يدخل على ما في معناه، وفيه نظر. والظاهر أن هذا الذي يقال فيه: امتنع لمانع معنوي كما يأتي، فينبغي أن يفكر في مثال لهذا القسم. «أو» لـ ـ ـ «مصحوب لفظي» عطف على (لنفسه). قال ابن قاسم: مثل المبتدأ بعد (لولا) الامتناعية، و (إذا) الفجائية. وفيه نظر؛ إذ لا يمتنع - في لولا زيد سالم لهلك - أن يقال: لولا كون زيد مسالمًا، وكذا: لولا زيد لأكرمتك، [لا يمتنع أن يقال فيه]: لولا كون زيد [لأكرمتك]، فلم يمتنع

دخول الناسخ مطلقًا، بل الناسخ الفعلي. «أو» لمصحوب «معنوي» نحو: ما أحسن زيدًا، ولله درك ومن أمثالهم: العاشية تهيج الآبية. يعنون أن الإبل التي تتعشي إذا رأتها [الإبل] التي لا تشتهي العشاء اشتهت فأكلت معها، ومن كلامهم: الكلاب على البقر. مثل به المصنف، لهذا القسم، وهو ما لزم الابتدائية لمصحوب معنوي، وقد يعترض بقولهم: الكلاب ..... ، بالنصب، بتقدير: أرسل الكلاب .... ، فأين لزوم الابتدائية، والمسألة في الفصيح، وهو قد ذكرها في هذا الكتاب. «وندر» قوله: «وكوني بالمكارم ذكريني» *** ودلي دل ماجدة صناع

ومع ندوره هو مؤول بالخبر مثل: {فليمدد له الرحمن مدًا}، أي كوني تذكرينني. «فترفعه» عطف على (تدخل)، والضمير المستكن عائد على (كلها)، والبارز عائد على المبتدأ. «ويسمى» المرفوع حينئذ «اسمًا» وهذه الجملة الفعلية معطوفة على الاسمية المتقدمة من قوله: (وكلها تدخل على المبتدأ). ولا يصح أن تكون معطوفة على الفعلية من قوله: (تدخل)، ولا من [قوله]: (فترفعه)؛ لعدم رابط فيها يعود على مبتدأ الاسمية المذكورة. «و» يسمى المرفوع المذكور أيضًا «فاعلًا»، وتنصب خبره» أي خبر المبتدأ الداخلة هي عليه «ويسمي خبرًا ومفعولًا» أما عمل هذه الأفعال العمل المذكور وتسمية المرفوع بها اسمًا، والمنصوب بها خبرًا، فهو الذي عليه الجمهور، ولا يعرف المتأخرون غير اسم (كان) وخبرها، وكذا بقية أخواتها، والمبرد يسمى المرفوع فاعلًا والمنصوب مفعولًا.

واختلف الكوفيون في رافه الاسم، فقال الفراء: ارتفع بالناسخ - كما يقول البصريون - لكنه [قال] ارتفع به لا لأنه فاعل بل لشبهه في الصورة بالفاعل. وقال بقية الكوفيين: لم يرتفع بالفعل بل بما كان/ مرتفعًا [به] قبل وجود الناسخ، واحتجوا بأن الفعل إنما عهد رفعه لما أسند هو إليه كقام زيد، وضرب عمرو، وليس الناسخ مسندًا إلى هذا المرفوع. وجوابه أنه وإن لم يكن مسندًا إليه لكنه في صوة ما أسند إليه، ويدل على أنه الرافع اتصاله به إذا كان ضميرًا نحو: كنت قائمًا. ثم اختلف الأولون فقيل: هو مشبه بفاعل الفعل القاصر؛ لكون هذا الفعل لا يقتضي محلًا يقع عليه. وقال البصريون: هو مشبه بفاعل الفعل المتعدي؛ لكون هذا الفعل يتوقف فهم معناه على اسمين، فأشبه (َرب)، وانبني على هذا الخلاف خلاف فيما شبه به الخبر: فقال الفراء: هو مشبه بالحال. وقال البصريون: [مشبه] بالمفعول. وهو الصحيح؛ لأنه كثيرًا ما يأتي على صورة لا يكون عليها الحال، فكان تشبيهه بالمفعول به أولى؛ لاطراده؛ وذلك لأنه يرد معرفة وجامدًا. وقال بقية الكوفيين: هو حال حقيقة لا مشبه بالحال. ويرد بما ذكرنا من

اطراد وروده معرفة وجامدًا، وبأنه لا يكون فضلة. واعترضوا قول البصريين: بأنه لو كان مشبهًا بالمفعول لم يقع جملة ولا ظرفًا ولا جارًا ومجرورًا، واللازم منتف. وأجيب: بأن المفعول قد يكون جملة، وذلك بعد القول، وفي التعليق. وأما الظرف وشبهه فليسا الخبر، إنما الخبر متعلقهما المحذوف، وهو اسم مفرد. «ويجوز تعدده خلافًا لابن درستويه» وابن أبي الربيع، قيل: وهو الظاهر من كلام سيبويه، إذ قال: إنها مشبهة بـ ـ (ضرب) ونحوه. والجمهور على الجواز؛ لأنه في الأصل خبر المبتدأ، فإذا جاز تعدده مع ضعف العامل فمع قوته أولى. «وتختص (دام) والمنفي بـ ـ ـ (ما)» سواء كان مما شرطه النفي أولا. «بعدم الدخول على» مبتدأ «ذي خبر مفرد طلبي» فلا يجوز: أصبحك كيف ما دام زيد، ولا أين ما زال زيد، لازدحام اثنين على طلب الصدرية في الصورة الثانية، فأيهما أعطيها حصل الإخلال بحق الآخر؛ وللزوم تأخير ماله الصدر أو تقديم معمول الصلة في الأولى.

ونقل ابن الخباز أن الكوفيين يجيزون: أين ما زال زيد؟ ، وهو موافق لنقل المصنف عنهم أن (ما) ليس لها الصدر. وفهم من قوله: (والمنفي) أنه يجوز في المثبت نحو: أين كان زيد؟ ومن قوله: (بما)، أنه يجوز في المنفي بغيرها نحو: أين لم يزل زيد؟ . فإن قلت: وقوله (مفرد) يفهم [منه] الجواز في الجملة، لكنه باطل. قلت: هذا المفهوم لاغ؛ لأنه يمنع من إعماله المنطوق السابق المقتضي لعموم المنع في الجميع، وهو قوله: (إن لم يخبر عنه بجملة طلبية). «وتسمى» أفعال هذا الباب «نواقص؛ لعدم اكتفائها بالمرفوع» (فلا تتم بالمرفوع بها كلامًا، بل المرفوع) [مع] المنصوب، بخلاف الأفعال التامة، فإنها تتم كلامًا بالمرفوع دون المنصوب، وهذا مذهب الجمهور، وهو المذهب المنصور. «لا لأنها تدل على زمان دون حدث» بخلاف الأفعال التامة، فإنها تدل على حدث وزمان؛ ولهذا سميت أفعال هذا الباب ناقصة، وهذا مذهب المبرد وابن السراج والفارسي وابن جني وابن برهان والشلوبين، وهو ظاهر قول سيبويه، وقد

شنع ابن هشام على الشلوبين. فقال: ذهب إلى هذا مع أنه ملأ تعاليقه من تقدير مصادرها، ألا ترى أنه يقول: - في نحو يعجبني أن زيدًا أخوك .. تقديره يعجبني كون زيد أخاك. «فالأصح دلالتها» أي دلالة أفعال هذا الباب «عليهما» أي على الحدث والزمان «إلا (ليس)». قال الرضي: فـ ـ (كان) - في نحو: كان زيد قائمًا - يدل على الكون/ الذي هو الحصول المطلق، وخبره يدل على الكون المخصوص، وهو كون القيام، أي حصوله، فجيء أولًا بلفظ دال على حصول ما، ثم عين بالخبر ذلك الحاصل، فكأنك قلت: حصل شيء، ثم قلت: حصل القيام، فالفائدة في إيراد مطلق الحصول أولًا، ثم تخصيصه، كالفائدة في ضمير الشأن قبل تعيين الشأن، مع فائدة أخرى هنا، وهي دلالته على تعيين زمان ذلك الحصول [المقيد] ولو قلنا: قام زيد، لم تحصل هاتان الفائدتان معًا، فـ ـ ـ (كان) يدل على حصول حدث مطلق تقييده في خبره، وخبره يدل على حدث [معين] واقع في زمان مطلق تقييده في (كان)، لكن دلالة (كان) على الحدث المطلق - أي الكون - وضعية، ودلالة الخبر على الزمان المطلق عقلية. قال: وأما سائر الأفعال الناقصة - نحو: (صار) الدال على الانتقال، و (أصبح) الدال على الكون في الصبح، ومثله أخواته، و (ما دام) الدال على [معنى] الكون

الدائم، و (ما زال) الدال على الاستمرار، وكذا أخواته و (ليس) الدال على الانتفاء - فدلالتها على حدث [معين] لا يدل على الخبر في غاية الظهور، فكيف يكون جميعها ناقصة بالمعنى الذي قالوه! ! . هذا كلامه، وهو نص في مخالفة المصنف في استثناء (لي)، وادعائه أنها لا دلالة لها على الحدث. واستدل المصنف على دلالة ما عدا (ليس) من هذه الأفعال الناقصة [على الحدث] بعشرة أمور: الأول: أنها تستعمل أوامر، نحو: {كونوا قوامين} وصيغة (افعل) موضوعة لطلب تحصيل الحدث، [لا] لطلب تحصيل الزمان. الثاني: أنها يستعمل لها اسم فاعل، نحو: زيد كائن أخاك، واسم الفاعل لفظ دال على ذات باعتبار حدث قائم بها. الثالث: أنها قع صلة لحرف مصدري في نحو: {إلا أن تكونا ملكين}، وذلك لازم في (دام).

الرابع: أنه قد صرح بمصدرها معملًا عملها في قوله: ببذل وحلم ساد في قومه الفتى *** وكونك إياه عليك يسير وفيه رد من قال: المنصوب بعد الكون حال. قال ابن قاسم: ويحتمل أن الأصل: وكونك تفعله، أي تفعل المذكور من بذل وحلم، ثم حذف الفعل فانفصل الضمير، كما قال المصنف: - في] فإذا هو إياها -[إن] التقدير: فإذا هو يشبهها. الخامس: أن منها ما شرطه النفي، فإذا قيل: ما انفك زيد غنيًا، فإن لم يدل (انفك) على الانفكاك لزم أن لا ينصب النفي عليها، بل على حدث الخبر، فيكون قولك: ما انفك زيد غنيًا، وما زيد غنيًا، في الزمن الماضي بمعنى واحد، والواقع بخلافه. السادس: أنها كلها مستوية في إفادة الزمان، ومعانيها متمايزة، فأنى نقطع بأن (كان زيد غنيًا) مخالف في المعنى لـ ـ (صار زيد غنيًا)، وما به الافتراق غير ما به الاتفاق ولا معنى للفعل غير الزمان إلا الحدث! !

السابع: أن دلالة الفعل على الحدث أقوى من دلالته على الزمان، لأن دلالة المادة أقوى من دلالة الصيغة، فكيف تجرد من المعني الذي (دلالته عليه أقوى، ويترك المعنى الذي دلالته عليه) أضعف! ! الثامن: أن الفعل يستلزم الدلالة على الحدث والزمان معًا؛ إذ الدال على الحدث وحده مصدر، والدال على الزمان وحده اسم زمان. التاسع: أن الأصل في كل فعل الدلالة على المعنيين، والإخراج عن الأصل لا يقبل إلا بدليل. العاشر: أنها لو كانت دلالتها مخصوصة بالزمان لجاز أن ينعقد من بعضها ومن اسم معنى جملة تامة، كما ينعقد منه ومن اسم الزمان. ولا يخفاك ما في بعض هذه الوجوه من الضعف. واعلم أن هذا الخلاف الذي/ ذكره المصنف ينبني عليه خلاف في أنهل هل تعمل في الظرف أو الجار والمجرور أو لا، ذكره أبو حيان في الارتشاف، وذكره غيره، وهو حسن. «وإن أريد بـ ـ (كان) ثبت». قال المصنف: وثبوت كل شيء بحسبه، فتارة يعبر عنه بالأزلية، نحو: (كان الله ولا شيء معه)، وتارة بـ ـ ـ (حدث)، نحو:

إذا كان الشتاء [فأدفئوني] *** ................. وتارة بـ ـ (حضر) نحو: {وإن كان ذو عسرة}، وتارة بـ ـ (قدر) أو (وقع)

نحو: (ما شاء الله كان). انتهى. والتعبير بـ ـ (قدر) مشكل؛ لأن (شاء الله) بمعنى (قدر) فيتحد السبب والمسبب. «أو كفل» نحو: كنت الصبي، بمعنى: كفلته. «أو غزل» يقال: كنت الصوف، بمعنى: غزلته، فهذه ثلاثة معان لـ ـ (كان) التامة، وهي في أولها قاصرة، وفي الأخيرين متعدية، ومصدرهن الكون، كمصدر الناقصة عند من أثبته، إلا التي بمعنى (كفل)، فمصدرها الكيانة، كالحراسة والكلاءة، ولم يذكر معنى (كان) الناقصة، وهو مفهوم مما أسلفناه. «و» إن أريد «بتواليها الثلاث»، وهن: (أضحى) و (أصبح) و (أمسى) «دخل في الضحى» نحو: أضحى زيد، إذا دخل في هذا الوقت. «والصباح والمساء» [نحو]: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} وفيه لف ونشر مرتب. ولم يذكر معاني هذه الثلاث التوالي ناقصة، وهو إما اقتران مضمون الجملة بالزمان المشارك لها في الحروف، وإما معنى (صار)، وسيذكر. «و» [إن] أريد

«بـ ـ (ظل) دام» نحو: لو ظل الظلم هلك الناس «أوطال» نحو: ظل الليل، وظل النبت، وزعم المهاباذي ومن وافق: أنها لا تكون تامة وهم محجوجون بالسماع. وأما معناها ناقصة: فـ ـ[إما] اقتران مضمون الجملة بالنهار لا بزمن مشارك لها في الحروف؛ إذ لا زمن يشاركها في ذلك. وإما معنى (صار)، وسيأتي، «و» أريد «بـ ـ (بات) نزل ليلًا» يقولون: بات فلان بالقوم، بمعنى: نزل بهم ليلًا، ويقولون: - أيضًا - بات فلان القوم، أي: أتاهم ليلًا. ولا ينبغي أن يفسر [هذا] بـ ـ (نزل)؛ لأنه يتعدى بنفسه، و (نزل) بالباء. ولو قال المصنف: نزل في زمن البيتوتة، لكان أولى؛ لأنه أقرب إلى تفسير اللفظ. وأما معناها ناقصة فاقتران [مضمون] الجملة بالبيتوتة. «و» أريد «بـ ـ ـ (صار) رجع» فيتعدى بـ ـ ـ (إلى)، نحو: {ألا إلى الله تصير الأمور}. «أو ضم أو قطع: فيتعدى - حينئذ - بنفسه إلى واحد، يقال: صاره يصيره ويصوره، أي: ضمه أو قطعه، كذا في شرح ابن قاسم، وهو في ذلك تابع للمصنف.

واعلم أن معنى الناقصة تحول الشيء من صفة إلى أخرى نحو: صار الفقير غنيًا، والجاهل عالمًا. ومادة هذه (ص ي ر) والتامة التي بمعنى (رجع) لها مادتان هذه، و (ص ور)، ولولا المادة الأولى لم يتأت له أن يذكر هذا في معاني (صار). وفي الصحاح: صاره يصوره [ويصيره]: أماله، وقرئ: {فصرهن إليك} بضم الصاد وكسرها. قال الأخفش: يعني وجههن، يقال: صر إلي، وصر وجهك إلي، أي أقبل علي [به]، وصرت الشيء أيضًا [أي] قطعته وفصلته، فمن قال هذا جعل في الآية تقديمًا وتأخيرًا، أي خذ إليك أربعة من الطير فصرهن. انتهى. فلم يحك أنها تأتي بمعنى (ضم)، بل بمعنى (أمال) و (وجه) و (قطع). وقال أيضًا: لما ذكر مادة (ص ي ر) - صار الشيء كذا يصير صيرًا وصيرورة،

وصرت إلى فلان مصيرًا كقوله تعالى: {وإلى الله المصير}، والقياس: (المصار) كالمعاش. انتهى. ولم يذكر في هذه (ص ور)، وبدأ بالناقصة وذكر لها مصدرين، وثنى بالتامة وذكر لها مصدرًا واحدًا ميميًا، ولم يفسر واحدة منهما، والظاهر - في تفسير التامة - أنها بمعنى (انتهى)، / لا بمعنى (رجع)، وهذا المعنى لابد منه، وليس هو بمعنى (رجع). «و» أريد «بـ ـ (دام) بقي» [نحو]: {ما دامت السموات والأرض}: «أو سكن» ومنه الحديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)، أي الساكن. وفي الصحاح: دام لشيء: سكن. [ولم يذكر معنى (بقي)، ثم ذكر أن هذه التي بمعنى (سكن) تعدى بالتضعيف وبالهمزة فقال: ويقال: دومت القدر وأدمتها، إذا سكنت غليانها بشيء من الماء. «و» أريد بـ ـ (برح) ذهب أو ظهر» وقد فر قولهم: برح الخفاء (بهذين المعنيين، وفي الصحيح: برح الخفاء)، أي:

ظهر الأمر، كأنه ذهب السر وزال. فجمع بينهما. «و» أريد «بـ ـ ـ (ونى)» [بالنون] «فتر» والتمام في هذه الكلمة أكثر من النقصان، وقد أطنب الجوهري في تفسيرها تامة، فقال: الونى الضعف والفتور والكلال والإعياء. ثم قال: ونيت في الأمر أني [ونى] وونيًا، أي: ضعفت، وأنا وان. انتهى. ومعناها - ناقصة - زل، وقد ذكره الجوهري، فقال: وفلان لا يني يفعل كذا، أي: لا يزال. «و» أريد «بـ ـ (رام) فارق» كقوله: أيا أبتا لا ترم عندنا *** فإنا بخير إذا لم ترم

«و» أريد «بـ ـ ـ (نفك) خلص» قالوا: فككت الأسير فانفك، أي: خلص. «أو انفصل» قالوا: - أيضًا - فككت فص الخاتم فانفك، أي انفصل، وهما متقاربان، وانفك فيهما مطاوع لـ ـ (فك) بخلاف الناقصة، فإنها كـ ـ (انطلق)، ومعناها زال، وتختص بالجحد، فهذه فروق ثلاثة. «و» أريد «بـ (فتأ)» بفتح التاء، وأما المكسورها فلا [يكن] إلا ناقصًا. «سكن أو أطفأ». وفي الصحاح: - في مادة الفاء والتاء المثناة [والهمزة] وما فتأت أذكره، أي ما زلت. ثم قال: - في مادة الفاء والثاء المثلثة [والهمزة]- فثأت القدر: سكنت غليانها بالماء، وفثأت الرجل عني، كسرته بقول أو فعل، وسكت غضبه. فتوهم أبو حيان من هذا أن المصنف تصحف عليه (فتأ) بالمثناة بـ ـ ـ (فتأ) بالمثلثة، وذكر كلام الجوهري وكلام صاحب المحكم في (فثأ) بالمثلثة لا بالمثناة، والمصنف لم ينقل ذلك عن واحد منهما، وإنما نقله في الشرح عن الفراء، فقال: قال الفراء فتأته

عن الأمر كسرته، والنار أطفأتها انتهى. وليس بممتنع أن تكون المادتان قد توافقتا على هذا المعنى، وفي اللغة من ذلك كثير. ويقال: إن المصنف له كتاب صغير سماه: ما اختلف إعجامه، واتفق إفهامه، وفيه: إن من ذلك (فتأ)، و (فثأ). قلت: لم أقف عليه، ولكني وقفت في القاموس للفير وزأبادي المتأخر المتوفي بزبيد من بلاد اليمن في سنة سبع عشر وثمانمائة في مادة (فتأ) بـ ـ ـ[التاء] المثناة ما نصه: وكمنع: كسر وأطفأ. يعني: أن (فتأ) الذي على صيغة (منع) بفتح الفاء والعين يجيء بمعنى (كسر)، وبمعنى (أطفأ). ثم قال: - عن ابن مالك في كتابه

جمع اللغات المشكلة - وعزاه للفراء. وهو صحيح، وغلط أبو حيان وغيره في تغليطه. وفي شرح ابن قاسم ما يوهم أن (زال) و (برح) و (فتيء) و (انفك) في النقصان والتمام بمعنى واحد. وهذا لا سبيل إليه، وكذلك (دام)، وهو أيضًا خطأ. وإنما تمايزت هذه الأفعال في نقصانها وتمامها بحسب معانيها. ومعنى تلك الستة النقصة ملازمة الصفة للموصوف مذ قبلها [على حسب ما قبلها]، ومعناها تامة ما ذكر. ومعنى (دام) ناقصة توقيت أمر بمدة ثبوت خبرها لاسمها، وتامة: بقي أو سكن. وفيه - أيضًا - أن (أمسى)، و (أصبح) و (أضحى) تأتي بمعنى (أقام)، وإنما ذلك معروف في (أصبح) خاصة. «سميت تامة» هذا جواب الشرط المتقدم، وهو قوله: (وإن أريد بـ ـ (كان) ثبت ... ) إلى آخره. «وعملت عمل ما رادفته» من الأفعال المذكور على

حسب ما تقتضيه من لزوم وتعد بالحرف وبدونه، / وعليه نقد من جهة أنه ذكر أن (بات) بمعنى (نزل)، وصرح في الشرح بأنه يقال: بات بالقوم. والنصب لا يعمله ما رادفته، وهو (نزل)، فكان ينبغي أن يقول: - أولًا - وبـ ـ ـ (بات) نزل أو أتى. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك. «وكلها» أي كل أفعال هذا الباب «تتصرف» أي يستعمل منها مضارع وأمر واسم فاعل ومصدر. «إلا (ليس)» باتفاق النحاة. «و (دام)»، وهذا لا يعرفه بصري، وإنما هو قول الفراء وأكثر المتأخرين، ووجه بعضهم ذلك بأنها لا تقع إلى صلة لـ ـ (ما) التوقيتية، ولا يقع بعدها المضارع. قال ابن الدهان: لا يستعمل - في موضع (دام) - يدوم؛ لأنه جرى كالمثل عند بني تميم. وجوزه بعضهم محتجًا عليه بقولهم: أدوم لك ما تدوم لي. ورده المصنف بأن (تدوم) في مقابلة (أدوم) تامة، فكذا مقابلها. وقال أبو حيان: علل الفراء جمود (دام) على صيغة الماضي بأن أصحبك ما دام زيد صديقك) في قوة: أصحبك إن دام [زيد] صديقك، وكل شرط حذف جوابه التزم مضيه، يقال: أنت ظالم إن فعلت، ولا يجوز إن تفعل، فكذا ما كان. بمعنى الشرط المحذوف الجواب. قال أبو حيان: وهو مردود بأن (ما) الظرفية قد توصل بالمضارع، فدل على عدم اعتبار هذه العلة، ثم أنشد:

أطوف ما أطوف ثم آوي *** إلى بيت قعيدته لكاع انتهى. وهذا الرد غير متجه؛ لأنه ليس في كلام الفراء ما يقتضي أن (ما) الظرفية لا توصل بمضارع أصلًا، بل الذي فيه أنه إذا أمكن نيابتها عن شرط حذف جوابه التزم مضى فعلها، وهذا البيت لا يمكن فيه ذلك؛ ضرورة أن الشيء لا يكون علة لنفسه. «ولتصاريفها مالها» فيثبت لغير الماضي [منها] ما ثبت للماضي من العمل. «وكذا سائر الأفعال» يثبت لتصاريفها ما ثبت لها، وهو واضح. «ولا تدخل (صار) وما بعدها» وهو (ليس) ودام) و (زال) و (انفك) و (برح) و (فتيء) و (فتأ) و (ونى) و (رام) مرادفتاها «على ما خبره» من المبتدآت «فعل ماض» فلا يقال: صار زيد علم، وكذا البواقي. وقال السيرافي: لأن هذه تفهم الدوام على الفعل، واتصاله بزمن الإخبار، والماضي يفهم الانقطاع، فتدافعا. «وقد تدخل عليه» أي على ما خبره فعل ماض «(ليس)، إن كان» ذلك المبتدأ الذي أخبر عنه بفعل ماض «ضمير الشأن»، ولم يشترط غيره هذا الشرط،

ولم أر من تعرض لوجهه ولكن السماع كذلك [جاء]، فوقف عندما ورد، وأما غيره فعمم: إما ذهولًا عن ضابط المسموع؛ أو لأنه رأى أن لا فرق، فقاس. وحكى أبو حيان: أن ابن عصفور نقل الإجماع على جواز ذلك في (ليس) من غير اشتراط شيء. وقل الشلوبين: جواز (ليس خلق الله مثله) على وجه من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون على إلغاء (ليس) وجعلها حرفًا بمنزلة (ما)، وذلك قليل جدًا، وممن نص على ثبوته سيبويه. والثاني: على أن يكون في (ليس) ضمير الشأن. والثالث: أن يكون فيها ضمير ما تقدم ذكره. «ويجوز دخول البواقي» من الأفعال، وهي (كان) و (أضحى) و (أصبح) و (أمسى) و (ظل) و (بات). «عليه»، أي ما خبره فعل ماض «مطلقًا»، [أي] سواء اقترن بـ ـ ـ (قد)، أو لم يقترن بها نحو: {إن كنتم خرجتم}، {وإن كان

قميصه قد من دبر}، {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل}، وقال عمرو بن معدي كرب: فأصبح أهله بادوا وأضحى *** ينقل من أناس في أناس «خلافًا لمن اشترط في الجواز اقتران الماضي بـ ـ ـ (قد)» إما لفظًا كما في قولك: كان [زيد] قد قام أو تقديرًا/ كما في المثل السابقة، وأصحاب هذا الرأي هم 161

الكوفيون، واحتجوا بأن (كان) وأخواتها إنما دخلت على الجملة؛ لتدل على الزمان، فإذا كان الخبر يعطيه لم يحتج إليها، ألا ترى أن معنى (زيد قال)، و (كان زيد قال) واحد، فاشترط الاقتران بـ ـ (قد)، لأنها تقرب الماضي من الحال، فيحصل - حينئذ - فائدة لا تفيدها (كان)، وستعلم أن هذه الأفعال البواقي ترد بمعنى (صار)، وعلمت أن (صار) لا يدخل على ما خبره فعل ماض، فيكون جواز دخول البواقي على ذلك مشروطًا [بأن لا يكون شيء منهن بمعنى (صار)]. «ويجوز في نحو: أين زيد؟ توسيط ما نفي بغير (ما) من (زال) وأخواتها» نحو: أين لم يزل زيد؟ وأين لا يبرح عمرو؟ ، وأين لن ينفك بكر؟ . واعلم أن الجواز يقال بالاشتراك على قسيم المنع وعلى تقسيم الوجوب، والمراد هنا الأول، وهو أعم من الآخر، وإنما قلنا ذلك، لأن تقديم الاستفهام واجب، وتأخير مرفوع الفعل واجب، فكان التوسيط واجبًا، وإنما أراد المصنف الإعلام بأن هذا ليس بممتنع. وإنما اشترط في الثاني أن لا يكون (ما)؛ لأن [ما] لها صدر الكلام، لكن فيه خلاف، فمقتضى قول من نفي عنهما الصدرية الإجازة، وقد حكاها ابن الخباز في هذا الفرع بخصوصه عن الكوفيين. قال ابن قاسم: وينبغي أن يكون (إن) كذلك؛ لأن لها الصدر بدليل أنها تعلق

نحو: {وتظنون إن لبثتم إلا قليلًا} انتهى. وقد أطلق المصنف أنه تعلق، وكذا أطلق في (لا)، فينبغي أن يكونا بمنزلة (ما) عنده. ومن قيد صدرية (لا) بجواب القسم ينبغي له أن يقيد هنا أيضًا. وما اشتراطه أن يكون النافي داخلًا على (زال) وأخواتها فالاحتراز من غيرها، فلا يجوز ذلك فيها؛ لأن النفي يتسلط على الخبر، والإنشاء لا يصح نفيه؛ لأنه لا خارج له، ولا يتأتى هذا البحث في (زال) وأخواتها؛ لأن نفيها إيجاب، فكما تقع (أين) خبرًا لـ ـ ت (كان) ونحوها من النواسخ الموجبة تقع خبرًا لهذه الأفعال. «لا توسيط (ليس) خلافًا للشلوبين» فإنه يجيز: أين ليس زيد. ولا شك أن من منع تقديم خبر ليس مطلقًا، منع هذا المسألة بلا إشكال، ومنهم المصنف. ومن جوزه اختلفوا، فأكثرهم يمنع، والشلوبين يجيز. والذي يظهر أن المانع ما قدمنا من علة امتناع (أين لم يكن زيد؟ )، وهي تنافي النفي والإنشاء، فإن (ليس) و (لم يكن) سواء. فإن قيل: إنها امتنع لكونه طلب محال؛ لأن المعنى: أخبرني عن المكان الذي ليس

زيد فيه، فيحتاج إلى أن يخبره بجميع الأماكن وذلك محال. فالجواب: أن هذا لو انتهض مانعًا لامتنع أن يقال: اصعد السماء، واجمع بين الضدين، ونحو ذلك، امتناعًا لغويًا، ثم لا استحالة إذا قال [له]: ليس هو في شيء من الأماكن إلا المكان الفلاني، أو يقول له: - على المعنى - هو في مكان كذا، فيفهم أنه ليس في بقية الأماكن. «وترد الخمسة الأوائل»، وهي (كان) و (أضحى) و (أصبح) و (أمسى) و (ظل) «بمعنى (صار)»، فمثال (كان) قوله تعالى: {فكانت هباء منبثًا}، ومثال (أضحى) قول الشاعر: ثم أضحوا كأنهم ورق جفـ ـ ـ ـ *** ف فألوت به الصبا والدبور

ومثال (أصبح) قوله تعالى: {فأصبحتم بنعمته إخوانا} ومثال (أمسى) قول النابغة: مست خلاء أهلها احتملوا *** أخنى عليها الذي أخنى على لبد والاستشهاد به إنما هو باعتبار (أمست خلاء)، لا باعتبار (أمسى أهلها احتملوا)؛ لو كان بمعنى (صار) لم يقع الماضي خبرًا كما مر. ومثال (ظل) قوله تعالى: {ظل جهه مسودًا}.

وزعم الزمخشري: أن بات [تأتي] بمعنى (صار). وحمل عليه الأبدي قوله عليه الصلاة والسلام: (فإن أحدكم لا يدري/ أين باتت يده). ورده المصنف لاحتمال حمله على معنى (بات) الأصلي، وقد رجع في الشرح إلى ترجيح هذا القول. قال: وأقوى ما يتمسك به لذلك قوله: أجني كلما ذكرت كليب *** أبيت كأنني أطوى بحبل

لأن (كلما) لعموم الأوقات و (بات) إذا كانت على بابها مختصة بالليل. «ويلحق بها» أي بـ ـ ـ (صار)، فالضمير ليس راجعًا إلى الخمسة الأوائل لفساده، وإنما [هو] راجع إلى (صار)، أي يلحق بها «ما رادفها» في رفع الاسم ونصب الخبر. «من آض» كقوله « ربيته حتى إذا تمعددا *** وآض نهدًا كالحصان أجردا «وعاد» كقوله:

وكان مضلي من هديت برشده *** فلله مغو عاد بالرشد آمرا وقوله: تعد فيكم جزر الجزور رماحنا *** ...................... ومن النحويين من منع ذلك فيهما محتجًا بأنهما فعلان تامان يتعديان بإلى [قال: وإنما المنصوب بعدهما حال. واحتج ابن عصفور بالبيت الثاني] على أن المنصوب خبر لا حال؛ لكونه معرفة. ثم قال: ولا يمتنع أن يكون حالًا؛ لأنه التقدير: مثل جزر الجزور [رماحنا]، وما كان من المعرفة على معنى (مثل) فقد تجعله العرب حالًا في الشعر. «وآل» كقوله:

وعروب غير فاحشة *** ملكتني ودها حقبا ثم آلت لا تكلمنا *** كل حي معقب عقبًا أي صارت لا تكلمنا، وهذا ليس بنص في المدعي، ولا ظاهر فيه؛ لاحتمال أن يكون (آلت) بمعنى (حلفت)، و (لا تكلمنا) جواب القسم. «ورجع» نحو: (لا ترجعوا بعدي كفارًا). «وحار» كقوله: وما المرء إلا كالشهاب وضوءه *** يحور رمادًا بعد إذ هو ساطع

«واستحال» كما في الحديث: (فاستحالت غربًا). «وتحول» كقول أمرئ القيس: وبدلت قرحًا داميا بعد صحة *** لعل منايانا تحولن أبؤسا «وارتد» لأنه مطاوع (رد) و (رد) بمعنى (صبر) كقوله:

فرد شعورهم السود بيضًا *** ورد وجوههن البيض سودا فكان هو - أعني (ارتد) - بمعني (صار) كقوله تعالى: {فارتد بصيرًا)، كذا قال المصنف: «وندر الإلحاق بـ ـ (صار) في» قولهم: «ما

جاءت حاجتك؟ » وأول من قال ذلك الخوارج، قالوه لابن عباس رضي الله عنهما حين جاء إليهم رسولًا من علي رضي الله عنه، فـ ـ ـ (جاء) في هذا التركيب بمعنى (صار)، و (حاجتك) يروى بالرفع، فـ ـ ـ ما) استفهامية في محل نصب على أنها خبر قدم لأجل الاستفهام، والتقدير: أية حاجة صارت حاجتك. ويروى بالنصب، على أنها خبر (جاءت)، واسمها ضمير (ما)، وصح تأنيثه؛ للإخبار عنه بالحاجة، مثل: من كانت أمك؟ . ومقتضى هذا الكلام أنه يقتصر باستعمال (جاء) بمعنى (صار) على هذا التركيب الخاص، ولا يعدى إلى غيره. قال ابن الحاجب في شرح المفصل: - في (جاء البر قفيزين) - اختلف في (قفيزين) أخبر هو أم حال؟ ، والأولى أن يكون من قبيل الأخبار؛ لأن الحال فضلة، وأن المعني على الصيرورة، وعلى أن (القفيزين) محط الفائدة، تقول: كلت البر فجاء قفيزين.

قال تلميذه: وفهي نظر؛ إذ لم يقصدوا صيروته على ذلك بعد أن لم يكن عليها، بل قصدهم أنه جاء مفصلًا، وجعل انتقاله من الجهل به إلى العلم مجيئًا إلى العامل. «وقعدت كأنها حربة» يعني أنه ندر إلحاق (قعد) بـ ـ (صار) في قولهم: شحذ شفرته، ويروى: أرهف شفرته حتى قعدت كأنها حربة، أي صارت. قال الأندلسي: لا يتجاوز بهذين - أعني (جاء) و (قعد) - الموضوع الذي استعملتهما فيه العرب. قال ابن لحاجب: الأولى طرد (جاء) كما أسلفته. قال: وأما (قعد) فلا يطرد، وإن اطرد فإنما يطرد في/ مثل الموضع الذي استعمل فيه، فلا يقال: قعد كاتبًا بمعنى (صار)، بل يقال: قعد كأنه سلطان؛ لكونه مثل: قعدت كأنها حربة. واستحسنه الرضي. «والأصح ألا يلحق بها (آل)» لأن ما تمسك به مثبتوها من قوله: ثم آلت لا تكلمنا *** ..................... ز لا دليل فيه؛ لاحتمال أن يكون [آلت] بمعنى حلفت كما مر «ولا (قعد) مطلقًا» أي سواء كان الخبر مصدرًا بـ ـ (كان) مثل: قعدت كأنها حربة أو لم يكن كما

ذهب إليه الفراء، وجعل منه قوله: لا ينفع الجارية الخضاب *** ولا الوشاحان ولا الجلباب من دون أن تلتقي الأركاب *** ويقعد الأير له لعاب وجعل منه الزمخشري [قوله تعالى: ] {فتقعد مذمومًا مخذولًا}، وقد علمت كلام ابن الحاجب فيه. «وألا يجعل من هذا الباب (غدا) و (راح)» كما ذهب إليه قوم منهم الزمخشري وأبو البقاء، واستشهد على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا) وبقول ابن مسعود رضي الله عنه: (اغد عالمًا أو متعلمًا، ولا تكن

إمعة) ولا حاجة في ذلك؛ لاحتمال كون المنصوب بعدهما حالًا، لا سيما ولا يوجد إلا نكرة. «ولا (أسحر) و (أفجر) و (أظهر)» كما ذهب إليه الفراء، ولم يذكر لذلك شاهدًا. و«توسيط أخبارها» أي أخبار الأفعال الناقصة «كلها جائز» والمراد به هنا ضد الواجب، وليس المراد [به] السائغ الذي هو أعم من الواجب وغيره بدليل ما بعده من قوله: «ما لم يمنع مانع» من توسيط الخبر نحو: كان فتاك مولاك؛ إذ لو توسط [هنا] حصل الإلباس. «أو موجب» للتوسيط نحو: يعجبني أن يكون في الدار صاحبها، فلا يتقدم الخبر هنا على الناسخ لأجل الحرف المصدري، ولا يتأخر عن الاسم لأجل الضمير، وتمثيلهم - في هذا المقام بنحو: كان في الدار ساكنها - ليس بصحيح؛ إذ ليس ثم ما يوجب التوسيط؛ إذ لو قدم الخبر على الناسخ لم يمتنع. «وكذا تقديم خبر (صار) وما قبلها» وهو (كان) و (أضحى) و (أصبح) و (ظل) و (بات). «جوازًا» بالنصب على الحال من الضمير المستكن في الجار والمجرور المتقدم، أي: وتقديم خبر (صار) وما قبلها ثبت مثل المتقدم في حال الجواز،

والمصدر إما بمعنى اسم الفاعل، أي: جائزًا، أو على حذف مضاف، أي: ذا جواز، مثل: قائمًا كان زيد. «ومنعًا» أي: ممنوعًا، أو ذا منع، نحو: صار عدوي صديقي، مما فيه لبس، وكذا نحو: إنما كان زيد في المسجد، مما فيه حصر، ونحو: كان بعل هند حبيبها، مما يلزم فيه عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة، فإن الخبر هنا لو وسط أو قدم لزم ذلك، وبعض النحاة يجيز تأخير الخبر في مثل هذا؛ لأن المضاف والمضاف إليه كشيء واحد. «ووجوبًا» أي: واجبًا، أو ذا وجوب، نحو: كم كان مالك؟ ، وغلام من كان زيد؟ ، مما لو وسط أو أخر لزم منه إخراج ذي الصدر عما يستحقه من الصدرية. «وقد يقدم خبر (زال) وما بعدها» وهو (انفك) و (برح) و (فتيء) [وفتأ] و (أفتأ) [وونى] و (رام) مرادفتاها. «منفية بغير (ما)» نحو: قائمًا لن يزال زيد، وفي طيب العيس لم يبرح عمرو، ويدل عليه قول الشاعر: ورج الفتى للخير ما إن رأيته *** على السن خيرًا لا يزال يزيد

فيقدم معمول الخبر، وإنما يتقدم حيث يجوز تقدم العامل، كذا قيل، ولا يطرد، فإنك تقول: زيدًا لن أضرب، ولم أضرب. «ولا يطلق المنع» مع كل ناف سواء كان (ما) أو غيرها من أدوات النفي، «خلافا للفراء» فإنه منع تقديم خبر (زال) وأخواتها مع كل ناف «ولا» يطلق «الجواز، خلافًا لغيره» أي لغير الفراء «من الكوفيين» فيجوز التقديم/ مع كل ناف (ما) وغيرها، نحو: قائمًا ما زال زيد؛ تمسكًا بأن هذه الأفعال موجبة في المعنى، وإن كانت منفية في اللفظ، ورد بأن المراعى في التقديم إنما هو اللفظ. وقال المنصف في شرح الكافية - بعد أن ذكر أنه يمتنع (فاضلًا ما كان زيد، وجاهلًا ما زال عمرو) - ما نصه: وكلاهما جائز عند الكوفيين؛ لأن (ما) عندهم لا يلزم تصديرها، ووافق ابن كيسان البصريين في (ما كان) ونحوه، وخالفهم في (ما زال) وأخواتها؛ لأن نفيها إيجاب، والخبر بعدها كخبر (كان) المثبتة، فلم يمتنع عنده: جاهلًا ما زال عمرو، كما لا يمتنع: جاهلًا كان عمرو، فلو كان النفي بـ ـ ـ (لا) [أو (إن)] أو (لن) أو (لم) جاز التقديم عند الجميع. فحكى الخلاف في (ما كان)، وحكى الإجماع في النفي بـ ـ ـ (لا) و (لن) و (لم) [وإن] وقد حكى الخلاف فيها هنا.

«ولا يتقدم (خبر) «دام» اتفاقًا» فيمتنع: أكرمك أميرًا ما دام زيد؛ لما تقرر من أن الحرف المصدري لا يعمل ما بعده فيما قبله، وحكاية الاتفاق في هذه الصورة صحيحة، ويمتنع أيضًا نحو: أكرمك ما أميرًا دام زيد، وقد نص صاحب الإيضاح وابن المصنف على امتناعه، وهو ظاهر كلام المصنف، قيل: والقياس الجواز؛ لأن (ما) حرف مصدري غير عامل، فلا يمتنع فيه ذلك، إلا إن ثبت أن (دام) لا تتصرف، فيتجه المنع. كذا في شرح ابن قاسم. «ولا» يتقدم «خبر ليس» عليها «على الأصح» من القولين، وهذا [هو] مذهب الكوفية، وهو مبني على قولهم إنها حرف كـ ـ (ما)، فألحقوها بـ ـ (ما كان)، ووافقهم المبرد وإن كان مذهبه أنها فعل؛ نظر إلى عدم تصرفها ومشابهتها لـ ـ (ما). والقول الآخر - وهو جاوز التقديم - مذهب الأكثرين استدلالًا بقوله تعالى: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم}، ووجهه أن المعمول لا يجوز وقوعه إلا حيث يقع العامل. وقد عرفت أنه لا يطرد لهم ذلك. قال الرضي: ولا منع أن يقال: (يوم يأتيهم) ظرف لـ ـ ـ (ليس)، فإن الأفعال الناقصة تنصب الظروف؛ لدلالتها على مطلق الحدث.

قلت: وقد سبق الخلاف فيه، والاستدلال بالآية مقدوح فيه بأن الظروف يتسع فيها، فلا يلزم من جواز تقديمها تقديم ما لم يثبت فيه الاتساع. «ولا يلزم تأخير الخبر إن كان جملة» سواء كانت اسمية أو فعلية، وسواء كان فعل الفعلية رافعًا لضمير الاسم أو لا. «خلافًا لقوم» فلا يجيزون: أبوه قائم كان زيد: ولا كان أبوه قائم زيد، ولا: يقوم كان زيد، ولا: كان يقوم زيد، على أن يكون (زيد) اسم (كان)، و (يقوم) خبرها. قال ابن السراج: والقياس جوازه وإن لم يسمع. قال المصنف: وهو الصحيح؛ لثبوت ذلك في المبتدأ كقول الفرزدق: إلى ملك ما أمه من محارب *** أبوه ولا كانت كليب تصاهره

ومما يدل على جواز تقديم الخبر وهو جملة قوله تعالى: {أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون}، {وأنفسهم كانوا يظلمون}، فإن تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل. قلت: وقد سبق ما عليه. ومنهم من منع إذا كان الفعل رافعًا ضمير الاسم نحو: كان زيد يقوم، وأجاز في غيره نحو: كان زيد أبوه قائم، وكان زيد يقوم أبوه. وصححه ابن عصفور. قال: لان الذي استقر في باب (كان) أنك إذا حذفتها عاد اسمها وخبرها إلى المبتدأ [والخبر]، ولو أسقطتها في (كان يقوم زيد) لم يرجعا إلى ذلك. «ويمنع تقديم الخبر الجائز التقدم تأخير مرفوعة» فلا يقال: قائمًا كان ريد أبوه؛ لما فيه من الفصل بين العامل ومعموله الذي هو/ كالجزء.

«ويقبحه» أي يقبح تقديم الخبر الجائز [التقدم] «تأخير منصوبه» فيقال: آكلًا كان زيد طعامك، على قح، ولم يمنع؛ لأن المنصوب ليس كالجزء من عامله؛ لكونه فضلة. «ما لم يكن» ذلك المنصوب «ظرفًا أو شبهه» فيجوز بلا قبح نحو: مسافرًا كان زيد اليوم، وراغبًا كان زيد فيك؛ لا تساعهم في الظرف وما يشبهه. «ولا يمتنع هنا» [أي] في هذا الباب. «تقديم خبر مشارك في التعريف وعدمه إن ظهر الإعراب» نحو: كان أخاك زيد، ولم يكن خيرًا منك أحد، فإن خفي الإعراب - نحو: كان أخي صديقي - وجب كون المقدم الاسم والمؤخر الخبر، هذا هو المعروف، وقد أجاز الزجاج - في قوله تعالى: {فما زالت تلك دعواهم} - أن تكون (تلك) خبرًا، و (دعواهم) اسمًا والعكس. «وقد يخبر هنا» أي في باب (كان) «وفي باب (إن بمعرفة عن نكرة اختيارًا» لا ضرورة كقول حسان رضي الله عنه: كأن سيئة من بيت رأس *** يكون مزاجها عسل وماء

وكقول القطامي: قفي قبل التفرق يا ضياعا *** ولا يك موقف منك الوداعا

كذا استشهد المصنف، وليسا بضرورة لتمكن الأول من رفع (مزاجها) على تقدير [أن] (كان) شانية، وتمكن الثاني من أن يقول، (موقفي) بالياء. وهو جار على طريقته في تفسير الضرورة بما ليس للشاعر عنه مندوحة. وأما باب (إن) فاحتج فيه بحكاية سيبويه: إن قريبًا منك زيد. وتعسف أبو حيان، فقال: (قريبًا)، واسم (إن) ضمير شأن محذوف، مثل: إن بك زيد مأخوذ. وأنشد المصنف للفرزدق: وإن حرامًا أن أسب مجاشعًا *** بآبائي الشم الكرام الخضارم

«فصل»: يذكر فيه بعض أحكام الخبر في هذا الباب، وأمور يختص بها بعض أفعاله

ولا حيلة لأبي حيان في هذا. وقد يقال: إن أراد المصنف النكرة المحضة، فلم مثل بـ ـ ـ (إن قريبًا منك .... ) ( .... ولا يك موقف منك ... )، لأنهما موصوفان، وإن أراد النكرة [غير] المحضة فليس ذلك بقليل، ومنه: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة}، وقد يمنع انتفاء القلة عن هذا النوع بالنسبة إلى غيره. قلت: فينبغي أن يقال: مراده مطلق النكرة، فلا يرد عليه ما ذكره، فتأمله. «فصل»: يذكر فيه بعض أحكام الخبر في هذا الباب، وأمور يختص بها بعض أفعاله. «يقترن بإلا» أي الاستثنائية «الخبر المنفي» بحرف نحو: ما كان زيد إلا قائمًا، أو بفعل نحو: ليس زيد إلا قائمًا، فإن أصلهما قبل دخول حرف الإيجاب: ما كان زيد قائمًا، وليس زيد قائمًا، فالخبر في الأول منفي بحرف، وفي الثاني بفعل، فلما قصد إيجابهما دخلت عليهما (إلا). قال ابن قاسم: ودخل في الخبر ثاني مفعولي (ظننت) نحو: ما ظننت زيدًا إلا قائمًا، وثالث مفاعيل (أعلم) نحو: ما أعلمت زيدًا فرسك إلا سابقًا.

قلت: الظاهر أن مراده بالخبر ما يقع خبرًا للأفعال الناقصة، لأنها هي المتحدث عنها في هذا الباب، فلا يدخل ما ذكره. والمنفي - في قولنا: كان زيد لا يقوم - جزء الخبر، لا [مجموعة؛ إذ] مجموع الخبر هو (لا يقوم)، وليس بمنفي، فلا يدخل تحت عبارته. «إن قصد إيجابه» أي: إيجاب الخبر، وهو مقيد مستغني عنه، كالقيد في مثل قولك: يدخل حرف الاستفهام [إن قصد الاستفهام]. ثم ذلك يغني عن القيد الآتي؛ إذ لا يقصد إيجاب غير القابل. «وكان قابلًا» للإيجاب، احترازًا من نحو: ما كان مثلك أحدًا، فلو قرنته بـ ـ ـ (إلا) امتنع؛ لأنه لا يقع في الإيجاب. «ولا يفعل ذلك» أي: الاقتران بـ ـ ـ (إلا). «بخبر برح وأخواتها»، وهي (ظال) و (انفك) و (فتيء) و (فتأ) و (أفتأ) و (ونى) و (رام) مرادفتاهما. وكان حق المصنف/ أن يعطف هذا بالفاء لا بالواو فيقول: فلا يفعل .... ؛ لأنه حكم مسبب عن الأول. «لأن نفيها إيجاب» من حيث المعنى، والاستثناء المفرغ لا يكون إلا في النفي، وقل مجيئه في الإثبات حيث يصح المعنى، وكلاهما

منتف في مثل ذلك، ألا ترى أنك إذا قلت: ما زال زيد إلا عالمًا، لم يكن ثم نفي من حيث المعنى، ولا وجه لصحة الكلام؛ لاستحالة استمرار زيد على جميع الصفات إلا العلم. «وما ورد منه بـ ـ ـ (إلا) مؤول»، كقول ذي الرمة: حراجيج ما تنفك إلا مناخة *** على الخسف أو نرمي بها بلدًا قفرا

وافترق الناس [في الكلام] على هذا البيت، فمنهم من أخلد إلى العجز عن تأويله، وتعلل بقول الأصمعي: ذو الرمة لا يحتج بشعره. فأقدم على تخطئته غير مبال بذلك، والجمهور على الاحتجاج بكلامه، وعلى هذا فمنهم من خرج البيت على زيادة (إلا)، وهو رأي أبي الفتح بن جني. قال ابن قاسم: وهو ضعيف، فإن (إلا) لم تثبت زيادتها. قلت: قد، جوزه الواحدي في البسيط في قوله تعال: {كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء}، وأنشد عليه [قول] الفرزدق:

هم القوم إلا حيث سلوا سيوفهم *** وضحو بلحم من محل ومحرم وخرجه ابنا خروف وعصفور [والمصنف] على أن (تنفك) تامة بمعنى: ما تنفصل عن التعب، أو ما تخلص منه. فنفيها نفي، و (مناخه) حال، أي لا تنفك عن التعب إلا في حال إناختها على الخسف، وهو حبسها على غير علف، يريد أنها تناخ معدة للسير، فلا ترسل من أجل ذلك إلى المرعى. قال ابن قاسم: و (أو) بمعنى (إلى أن)، وسكن الياء للضرورة. قلت: أحسن [منه] أن تجعل (أو) عاطفة، و (نرمي) عطفًا على (مناخه) نحو قوله تعالى: {صافات ويقبضن}، وخرجه آخرون على أن (تنفك) ناقصة، خبرها (على الخسف)، أي معه، و (مناخة) حال. وفيه ضعف.

أما على تقدير أن يكون عامل الحال (تنفك) فمن وجهين: أحدهما: أن المفرغ قلما يأتي في المثبت، وإن كان المستثنى فضلة أيضًا كالحال في مثالنا. والثاني: أن ما قبل (إلا) لا يعمل 0 عند البصريين - فيما بعد المستثنى إلا في تابعه، أو في المستثنى منه كما يجيء في بابه. وأما على تقدير أن يكون عامل الحال (على الخسف) فمن ثلاثة أوجه: أحدهما: [أن] المفرغ في الإثبات قليل كما مر. والثاني: أن عامل الحال يكون الظرف المتأخر عنه، وفيه ضعف [كما يجيء]. والثالث: أن المستثنى إذن يكون مقدمًا - في الاستثناء المفرغ - على عامله، ولا يجيزه البصريون، وسيأتي [إن شاء الله تعالى]. ويقال: إنه لما عيب على ذي الرمة قال: إنما قلت: (آل مناخه)، و (الآل) الشخص، وإليه ذهب الكسائي. كذا قال نجم الدين سعيد في شرح الحاجبية. «وتختص (ليس) بكثرة مجيء اسمها نكرة محضة» كقوله: كم قد رأيت وليس شيء باقيًا *** من زائر طرق الهوى ومزور

قال ابن قاسم: وإنما اختصت بذلك، لأنها للنفي؛ وهو من مسوّغات الابتداء بالنكرة. قلت: النكرة في مثله عامة، ولا يتميز نكرة محضة. «و» تحتص أيضًا «بجواز الاقتصار عليه» أي على الاسم «دون قرينة» تدل على كونه نكرة عامة، حكى سيبويه: ليس أحد. أي: هنا. «واقتران خبرها بواو إن كان جملة موجبة بـ (إلا)» كقوله: ليس شئ إلا وفيه إذا ما *** قابلته عيسن البصير اعتبار ومنع بعضهم ذلك، تأول البيت: إما على حذف الخبر والجملة حال، أو على زيادة الواو. «ويشاركها فى الأول»، وهو مجئ الاسم نكرة محضة/ «(كان) بعد نفي» كقوله: إذاك لم يكن أحد باقيًا *** فإن التأسي دواء الأسى «أو شبهه» أيى شبه نفي كقوله:

ولو كان حي في الحياة مخلدًا *** خلدت ولكن لا سبيل إلى الخلد «و» يشاركها (كان) أيضًا «في الثالث»، وهو اقتران الخبر بالواو، وإن كان جملة تامة موجبة بإلا «بعد نفي» كقوله: ما كان من بشر إلا وميتته *** محتومة لكن الآجال تختلف وإنما لم يقل هنا: أوشبه نفي؛ لأن (إلا) لا تقع بعد (لو) فى التفريغ. وقد يقال: إذا ثبت أن (كان) مشاركة لـ (ليس) فيما ذكر، فأين ما ادعاه المصنف من الاختصاص لـ (ليس)! ! . وجوابه: أن الاختصاص الثابت [لليس] غير مشروط فيه تقدم شيء، وجواز ذلك في (كان) مشروط بتقدم نفي أو شبهه في الأول، وتقدم نفي في الثالث، أو يقال: انفردت (ليس) باجتماع الأمور الثلاثة، لا بكل واحد منها. «وربما شبهت الجملة المخبر بها فى هذا الباب بالحالية فوليت الواو مطلقًا» أي سواء كان الفعل (كان) أو غيرها، تقدم نفي أو شبهه [أولا]، جاءت بـ (إلا) أو لم تجئ كقوله:

وكانوا أناسًا ينفحون فأصبحوا *** وأكثر ما يعطونك النظر الشزر وقوله: فظلوا ومنهم سائق دمعة له *** وآخر يثني دمعة العين بالمهل فجاء الخبر مقرونًا بالواو بعد (أصبح) في الأول و (ظل) في الثاني مع الإيجاب المحض، وهذا إنما أجازه الأخفش، وأما غيره من البصريين فلا يعرف ذلك، ولا حجة في البيتين؛ لاحتمال (أصبح) و (ظل) فيهما للتمام، وتجعل الجملة حالية، أو يقال: هما ناقصان، والخبر محذوف.

«وتختص (كان)» الآتية بصيغة الماضي، وهي الملفوظ بها، فليست (كان) بمنزلتها في قوله: (ويشاركها في الأول كان)، فإن تلك لا يراد بها خصوصية الماضي، فتختص (كان) هذه، وهي الماضية من حيث هي لا الناقصة بخصوصيتهاحلأن من جملة الخصائص الزيادة، والزائدة قسيمتها لا قسم منها، فعلم أن المراد: وتختص هذه اللفظة بكل واحدة من الخصائص التي تذكر، لا باجتماعهن، فلا يشاركها غيرها في شيء منهن، لا بشرط ولا بغير شرط. «بمرادفة (لم يزل) [كثيرًا]» فتفيد الدوام والاستمرار نحو: {وكان الله على كل شئ قديرًا} -، وفيه نظر؛ إذ لا ترادف بين فعل ومجموع حرف وفعل، وإنما لم يمكنه أن يفسرها بـ (مادام)؛ لأن نقصانها مشروط بـ[تقدم] (ما) الظرفية، فإن قال: بمرادفة (مادام 9، فتكون ناقصة في تأويل المفرد [أيضًا فعليه الإِشكال السابق]، وإن قال: (دام)، فلا تكون ناقصة. والذي يظهر أن يقال: تختص (كان) بإفادة استمرار خبرها لاسمها، ولا تذكر المرادفة ألبتة. قال المصنف: الاصل في (كان) أن يدل بها على حصول ما دخلت عليه فيما مضى، دون تعرض لأزلته ... ولا لانقطاع كغيرها من الأفعال الماضية، فإن قصد الانقطاع ضمن الكلام ما يدل عليه كقوله تعالى: {واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم

أعداءً فألف بين قلوبكم}. قلت: وكذا غذا قصد الاستمرار، فلابد من دليل يقام عليه. والحاصل أن (كان) لا تدل على أحد الأمرين، بل ذلك إلى القرينة. قال أبو حيان: وأكثر النحاة قائلون بأن (كان تقتضي الانقطاع كسائى الأفعال الماضية، ومن يعقل حقيقة المضي لم يشك في الدلالة على الانقطاع. وفيما قال نظر. «و» يختص أيضًا لفظ (كان) «بجواز زيادتها»، أي مجردة عن معمول، بدليل قوله: - بعد - (وكان/ مسندة) «وسطاَ باتفاق» نحو: ما كان أحسن زيدًا، وقول أبى أمامة [رضي الله عنه] (أو نبي كان آدم؟ صلوات الله عليه)، وزيادتها بعد (ما) التعجبية مقيس. «وآخرًا على رأي» ذهب إليه الفراء، فتقول_عنده_: زيد قائم كان.

والصحيح المنع، لأن الزيادة على خلاف الأصل، فلا تستعمل إلا في ما اعتيد استعمالها فيه، وزيادتها مؤخرة لم تسمع؟ وقد علمت أن كلام المصنف مقتضٍ لأن (كان) الزائدة لا نرفوع لها، وهو رأي الفارسي. قال: لأنها تشبه الحرف الزائد، فلم يبال بخلوها من الإسناد؛ ولأنها قد زيدت بين (على) ومجرورها، فلو نوي معها مرفوع لزم الفصل بجملة بين الجار والمجرور، ولا نظير له. وذهب السيرافي والصميري إلى أنها رافعة لضمير المصدر الدالة هي عليه، أي: كان هو، أي: الكون. وعلم من كلام المصنف أن منع زيادتها صدرًا محل وفاق. وقد أطلق قوم منهم الجوهري الزيادة عليها في مثل: {وكان الله عفورًا رحيمًا}، مع تصدرها وعملها في الاسم والخبر. «وربما زيد (أصبح) و (أمسى)» كقولهم: ما أصبح أبردها، وما [أمسى] أدفأها، وهو عند البصريين نادر ولا يقاس عليه. «ومضارع (كان)» كقول أم عقيل بن أبي طالب: أنت تكون ماجد نبيل *** إذا تهب شمأل بليل

فإن قلت: فهذه ألفاظ شاركت (كان) في الزيادة، فما وجه الاختصاص؟ . قلت: الجواز قياسًا، فإنه لا يثبت إلا لـ (كان)، وأما زيادة هذه الأفعال، فإنما وقعت على سبيل الندور، وليست من مواقع القياس في شيء. «و (كان) مسندة إلى ضمير ما ذكر» كقول الفرزوق: فكيف إذا مررت بدار قوم *** وجيران لنا كانوا كرام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ = إن عقيلًا كاسمه عقيل *** وابأبى الملفف المحمول أنت تكون السيد النبيل *** إذا تهب شمأل بليل يعطى رجال الحي أو ينيل شرح التسهيل 59: أ، ابن مالك 1: 134، ابن الناظم 55، ابن عقيل 1: 252، المقاصد 2: 39 - 41، التصريح 1: 191، الأشموني 1: 241، الهمع 1: 120، شواهد ابن عقيل 52 - 53، الدرر 1: 89.

فزادها بين الصفة والموصوف. قال المنصف: ولا يمنع من زيادتها إسنادها إلى الضمير، كما لا يمنع إلغاء (ظن) إسنادها في نحو: زيد_ظننت_قائم، هذا مذهب سيبويه. انتهى. وهو مذهب الخليل أيضًا. ثم من غير الناس من فهم عن هذين الإمامين الزيادة على حقيقتها، ومنهم من فهمها على غير ذلك، فقال: أراد أنه لو لم تدخل هذه الجملة بين (جيران) و (كرام) لفهم أن هؤلاء القوم كانوا جيرانه فيا مضى، وأنه قد فارقهم، فجيء بـ (كانوا)؛ لتأكيد ما فهم من المضي قبل دخولها، والذاهبون إلى الأول ادعوا أن مجموع (كانوا) زائد كما ذكره المصنف. وقال الفارسي: الضمير المتصل تأكيد للضمير المستتلا في (لنا)، و (كان) لا عمل لها في الضمير. وقاال ابن جني: الضمير المتصل وقع موقع المنفصل، وهو مبتدأ خبره (لنا)، لكن لما اتصلت به (كان) أعطى اللفظ حقه فاتصل به. وقال ابن عصفور: الأصل: وجيران لنا هم كرام، فـ (لنا) في موضع الصفة، و (هم) فاعل بـ (لنا)، ثم زيدت (كان) إلى جانب (هم)، فاتصل الضمير بـ (كان)

- وإن كانت غير عاملة فيه - للضرورة، كما اتصل في: .......................... *** ألا يجاورنا إلاك دّيار مع أنه حرف، وهذا أحرى؛ لأنه فعل. قلت: ولا أدري ما الذي دعا الكل إلى هذا التكلف، مع إمكان أن تكون (كان) ناقصة، والضميرالمتصل [بها] اسمها، و (لنا) خبرها مقدم عليها، ولا غبار عليه. «أو» زيدت (كان) غير مسندة إلى شيء. «[بين] جار ومجرور» كقوله: سراة بني أبي بكر تساموا *** على كان المطهمة الصلاب

وبعضهم يقول: بين (على) ومجرورها. وذلك لأنه محل السماع، ووجه ما قاله/ المصنف أن الشذوذ لم يكن لكون الجار (على)، بل لكونه جارًا فى الجملة، وهو لا يحتمل الفصل. «وتختص (كان) أيضاَ بعد (إن)» الشرطية «أو (لو)» الشرطية «بجواز حذفها مع اسمها» أو خبرها؛ لما سيذكر «إن كان» أي اسمها «ضمير ما علم من غائب» كقوله: قد قيل ذلك إن حقًا وإن كذبًا *** فما اعتذارك من قول لغذا قيلا! !

أي: ان كان هو، أي: ذلك المقول، وكقوله: (اطلب العلم ولو بالصين) [التقدير: ولو كان هو، أي العلم بالصين]. «أو حاضر» كقولك: لأرتحلن إن فارسًا، وإن راجلًا، أي: إن كنت، وكذا قولك: لأطلبن العلم لو غنيًا ولو فقيرًا، أي: لو كنت. وذكر المصنف الغائب والحاضر تبيينًا للضمير المعلوم، ولم يذكر ذلك شرطًا؛ إذ لا ضمير إلا وهو الحاضر أو غائب، وكان ينبغي تقديم الحاضر في الذكر. «فإن حسن مع» (كان) «المحذوف بعد (إن) دون (لو) «تقدير (فيه) أو (معه) [أو نحو ذلك]، جاز رفع ما وليها»، أي ولي (إن) نحو: (الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرًا فخير)، أي: إن كان في عملهم خير فجزاؤهم خير، و (المرء مقتول بما قتل [به] إن سيف فسيف)، أي: إن كان معه، أو في يده، أو عنده سيف فالمقتول هو به سف، وهذا لا شك في جواز تقديره من حيث الصناعة في الجملة، وأما أنه يحكم بحسنه فلا؛ لأنه ضعيف من جهة المعنى؛ إذ معنى - إن كان في عملهم خير، وإن كان معه، او في يده، أو عنده سيف - معنى غير مقصود؛ لأن مراد المتكلم: إن كان نفس عمله خيراَ، وإم كان ما قتل [به] سيفًا، لا أن لهم أعمالًا، وفي تلك الأعمال

خير، ولا أن صحبته أو في يده او بحضرته وقت القتل سيفًا. وقد يدفع هذا بأنه على التجريد، فيكون نحو؛ إن كان في عملهم خير، مثل {لهم فيها دار الخلد}، والمعنى إن كان عملهم خيرًا، كما أن المعنى: أنها نفسها دار الخلد، وفيه أيضًا ضعف من جهة اللفظ؛ لأن حذف (كان) مع خبره الذي هو في صورة المفعول الفضلة حذف شيء كثير، ولا سيما إذا كان الخبر جارًا ومجرورًا، بخلاف حذفه مع اسمه الذي هو كجزئه، ولا سيما إذا كان ضميرًا متصلًا، وتقديرالتامة - وإن كان مما ينتفي به كثره المحذوف - ضعيف كما سيأتى. «وإلا» يحسن تقدير مثل ذلك «تعين نصبه» أي: نصب الاسم الأول الواقع بعد (إن)، نحو: أسير كما تسير، إن راكبًا فراكب، وإن راجلاص [فراجل]، أي إن كنت راكبًا فأنا راكب، وإن كنت راجلًا فأنا راجل. «وربما جر» الاسم المذكور «مقرونًا بـ (إن لا) أو بـ (إن) وحدها، إن عاد اسم (كان) إلى مجرور بحرف» نحو: المرء مقتول بما قتل به، إن سيف فسيف، أي: إن كان قتل بسيف فقتله أيضًا بسيف. وحكي عن يونسكمررت برجل صالح، إن لا صالح فطالح. أي: إن لا يكن المرور بصالح فالمرور بطالح، ومررت برجل إن زيد وإن عمرو؛ وذلك لقوة الدلالى على الجار بتقديم ذكره، لكن

هذا مما يسهل الحذف، ولا مما يوجب الاطراد ويسوّغ القياس عليه، فلا يقال منه إلا ما سمع، هذا مذهب سيبويه، ونص المصنف على اطراده، وسيأتي في حروف الجر. «وجعل ما بعد الفاء الواقعة جواب (إن) المذكورة خبر مبتدأ اولى من جعله خبر 0 كان) [مضمرة]، أو مفعولًا بفعل لائق، أو حالًا» فيجعل الاسم الواقع بعد الفاء - في قولهم: (الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرًا فخير) - خبرًا لمبتدأ محذوف، والتقدير: إن كان عملهم خيرًا فجزاؤهم خير. ويمكن أن يجعل مفعولًا بفعل يليق بالمحل فيقدر: فهم يجزون خيرًا، ويمكن أن يجعل حالًا فيقدر: فهم يلقون الجزاء خيرًا، لكن الأول/ أولى؛ لشياع إضمار المبتدأ بعد الفاء وكثرته وقلة المحذوف؛ إذ هو مفرد، بخلاف التقديرين الأخيرين. وكان الاولى بالمصنف أن يقول: اولى من نصبه، ونصبه مفعولًا أولى من نصبه حالًا، وهذا أولى من نصبه خبرًا. ووجه ذلك أن إضمار (كان) 9 الناقصة بعد غير (إن) و (لو) قليل، وأن وجه المفعول أقل تقديراَ من وجه الحال، وإنما كان ما ذكرناه أولى؛ لإفصاحه بأن الرفع أرجح من النصب، وببيان الأرجح من أوجه النصب. واعلم أن المصنف رحه الله جرى على عادة كثير من النحاة في تعبيرهم عن الفاء الواقعة في مثل: إن جاء زيد فهو محسن، بأنها جواب الشرط، وفيه تسامح؛ إذ الفاء

ليست الجواب قطعاَ، وإنما هي رابطة الجواب، فثم مضاف محذوف ترك لظهور المراد. «وإضمار (كان) الناقصة قبل الفاء أولى من [إضمار] التامة»، فتقدير: إن كان في عملهم خير أولى من تقدير: إن كان خير، وإن كان اقل؛ لان (كان) التامة قليلة الاستعمال، ولا يحذف إلا كثير الاستعمال للتخفيف، ولتكون الشهرة دالة على المحذوف، وأيضًا فيضعف تقديرها من جهة أن الكلام معها يصير كأنه أجنبي عن الأول، والمعنى على تعلقه به. وقد ظهر ما تقدم أن في مسألة: (إن خيرًا فخير) أربعة أوجه: رفعهما، ونصبهما، والمغايرة في الإعراب بينهما، وهى صادقة بصورتين: قال الصفار: أحسن الأوجه نصب بعده رفع، ثم رفعهما - يعني لأنك حذفت عين ما أثبت - ثم نصبهما، ثم عكس الأول. وذكر السبب المقتضي لذلك ولا يخفى عليك إذا تأملت ما تقدم، ثم قال: وكان الشلوبين يسوّي رفعهما ونصبهماحلأن قبح رفع الأول يقابله حسن رفع الثاني، وحسن نصب الأول يقابله قبح نصب الثاني، فيتكافآن، وهو باطل؛ لأنك إذا نظرت إلى الأحسنين رأيت رفع الثاني خيراَ من نصب الأول؛ لاستوائهما في الإضمار، ورجحان رفع الثاني بأنك أضمرت نفس ما أظهرت، وإذا نظرت إلى الإضمار، ورجحان رفع الثاني بأنك أضمرت نفس ما أظهرت، وإذا نظرت إلى الأقبحين رأيت نصب الثاني أقبح من رفع الأول؛ لاستوائهما في الإضمار، وضعف نصب الثاني بأنك أضمرت جملة، وفي رفع الأول بم تضمر جملة، ويوضحه أن سيبويه وصف رفعهما بأنه أحسن، ولم يصف بذلك نصبهما.

«وربما أضمرت» (كان) «الناقصة بعد (لدن)» كقوله: من لد شولا فإلى إتلائها أي: من لد كانت شولا، وقدره سيبويه والجمهور: من لد أن كانت. قال المصنف: وتقدير (أن) يستغنى عنه، كما يستغنى عنه بعد (مذ)، ومن الناس من حمل كلام سيبويه ومن تبعه على أنه تفسير معنى، لا تفسير إعراب. والشول: هى النوق التى ارتفعت ألبانها، واحدها شائل. والإِتلاء: مصدر قولك: أتلت الناقة إذا ولدت فصارت ذات تلو. «و» بعد «شبهها» أي: شبه (لدن) كقوله.

أزمان قومي والجماعة كالذي *** لزم الرحالة أن تميل ميلًا أراد: ازمان كان قومي مع الجماعة. كذا قال سيبويه. «والتزم حذفها» أي حذف (كان) الناقصة «معوضًا عنها» كلمة «(ما) بعد (أن)» بفتح الهمزة [التزامًا] «كثيرًا» كقوله:

أبا خراشة أما أنت ذا نفر *** فإن قومي لم تأكلهم الضبع أي: لأن كنت، فحذف حرف الجر جوازًا على القياي، ثم حذف (كان) وأبدل منها (ما) فوجب الحذف؛ لئلا يجمع العوض والمعوض منه، وأجاز المبرد ظهور (كان) على [أن] (ما) زائدة لا عوض، ولم يبد مستندًا من جهة السماع، ثم أدغم النون الساكنة في الميم وجوبًا، فبقي الضمير المرفوع/ [المتصل] بلا عامل يتصل به في اللفظ، فجعل منفصلًان فصار (أما أنت). فإن قلت: بم يتعلق الجار المقدر؟ قلت: بمحذوف تدل عليه القرينة، والمعنى: لا تفخر لأجل كونك ذا عدد، فإني أيضًا مشاركك في ذلك؛ إذ قومي باقون لم تستأصلهم الأزمان.

وأبو خراشة: - بضم الخاء المعجمة - شاعر مشهور اسمه خفاف – بخاء معجمة مضمومة وفاءين بينهما ألف - ابن ندبه على وزن تمرة، وهى أمه. والنفر: عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة. والضبع: السنة المجدبة. و (تأكلهم): استعارة تبعية، أي تهلكهم بسبب الجدب، شبه إهلاكها إياها بالأكل، ومراده أن قومه أقوياء لم تهلكهم السنة المجدبة، لما هم عليه من القوة والجدة. وفهم ابن الحاجب البيت على وجه آخر، فقال: معناه أنه يمدح أبا خراشة، أي: أنا بخير، لا تأكلنا السنون، ولا يضرنا ضار؛ لأجل أن كنت ذا نفر، يعني إنا بنعمة مادمت في نعمة. وقال الكوفيون: (أن) المفتوحة بمعنى المكسورة الشرطية وجوزوا مجيء (أن) المفتوحة شرطية، وقالوا: قد قرئ: {أن تضل [إحداهما]}، بفتح الهمزة وكسرها، والمعنى واحد، و (أن) المكسورة فيه شرطية، فكذا المفتوحة، و (ما) عندهم عوض من الفعل المحذوف. قال الرضي: ولا أرى قولهم بعيدًا من الصواب، لمساعدة اللفظ والمعنى إياه: أما المعنى فلأن البيت: إن كنت ذا عدد فلست بمفرد. وأما اللفظ

فلمجيء الفاء في هذا البيت، وفي قوله: إما أقمت وأما أنت مرتحلًا *** فالله يكلأ ما تأتي وما تذر فعطف (أما أنت) - بفتح الهمزة - على (إما أقمت) بكسر الهمزة، وهو حرف شرط بلا خلاف. وفيه بحث ذكرناه في حاشية المغني. «وبعد (إن)» بكسر الهمزة «قليلًا» كقول العرب: (افعل هذا إما لا)، أي: إن كنت لا تفعل غيره، ولا تحذف الفعل مع المكسورة معوضًا منه (ما) إلا في هذا، فلو قلت: إما كنت منطلقاَ انطلقت، كانت (ما) زائدة، ولا يجوز: إما أنت منطلق انطلقت. «ويجوز حذف لامها» أي لام الكلمة التي هي مضارع (كان) «الساكنة» احترازًا من اللام المتحركة. «جزمًا» أي: مجزومًا، أو سكون جزم، احترازًا من سكون الوقف، فدخل نحو: {ولم أك بغيًا}، ونحو: {قالوا لم

نك من المصلين} ونحو: {ولانك في ضيق مما يمكرون}، ونحو: {فلم يك ينفعهم [ايمانهم]} وسوغ هذا الحذف كثرة استعمال هذه الكلمة، وشبه النون بحرف العلة. ثم الحذف مقيد بأن لا يتصل بالنون ضمير، احترازًا من ان يتصل بها ذلك، فلا يجوز الحذف حينئذ، كقوله: فإن لم يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها فمن ثم يتوجه على المصنف مناقشة في إطلاقه جواز الحذف «ولا يمنع ذلك» الذي ذكرناه من جواز اللام الساكنة [جزمًا] «ملاقاة ساكن، وفاقًا ليونس»، وخلافاَلسيبويه، واختار المصنف الأول مستندًا إلى استعمالات وقعت للعرب كذلك، كقوله: لم يك الحق سوى أن هاجه *** رسم دار قد تعفى بالسرر

وقوله: فإن لم تك المرآة أبدت وسامة *** فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم وقوله: إذا لم تك الحاجات من همة الفتى *** فليس بمغنٍ عنه عقد التمائم قال: ولا ضرورة في هذه الأبيات لتمكن الشاعر الأول أن يقول: لم يكن حق سوى أن هاجه. والثاني من أن يقول: فإن تكن المرآة أخفت وسامة. والثالث من أن يقول: إذا لم يكن من همة المرء ما نوى. وأنت خبير بأن هذا مشي {على شفا جرفٍ هارٍ} من دعواه في الضرورة/ ما

تقدم مما يفضي [إلى] أن لا يثبت في كلام العرب ضرورة، إما دائمًا أو غالبًا. وليس في كلامه ما يقتضي أن الثبوت عند ملاقاة الساكن أرجح، وقد صرح بأرجحيته في الشرح. قال: ولذلك لم يقع الحذف في القرآن نحو: {لم يكن الذين كفروا} «ولا يلي - عند البصريين – (كان) واخواتها» بالنصب على أنه مفعول مقدم «غير ظرف» بالرفع على أنه فاعل (يلي) نحو: كان عندك جالسًا. «وشبهه» نحو: كان على الفرس زيد راكبًا. «من معمول خبرها» فلا يجوز عندهم: كان طعامك زيد يأكل، ولا: كان طعامك يأكل زيد. وإنما أجازوه في الظرف وشبهه على سبيل التوسع فيهما، ولهم في ذلك عادة معروفة. «واغتفر ذلك بعضهم» كابن السراج والفارسي. «مع اتصال العامل» نحو: كان طعامك [يأكل زيد، ولا يجيز ذلك مع انفصال العامل عن معموله نحو: كان طعامك] زيد يأكل. والكوفيون يجيزون كلتا المسألتين. «وما أوهم خلاف ذلك» كقوله: قنافذ هداجون حول بيوتهم *** بما كان إياهم عطية عودا

وقوله: فأصبحوا والنوى عالي معرسهم *** وليس كل النوى تلقي المساكين «قدر البصويون فيه ضمير الشأن» مستترًا في الفعل، فلا يكون معمول

خير (كان) قد وليها في البيت الأول، ولا معمول خبر (ليس) قد وليها في البيت الثاني، نعم يكون المقدم معمولًا لخبر المبتدأ، وفي المسألة خلاف. قال ابن قاسم: واعلم أنه يتأتى في مسألة (كان زيد آكلًا طعامك)، اربعة وعشرون تركيبًا، سته مع تقديم (كان)، وهى: كان زيد آكلًا طعامك، كان طعامك زيد آكلًا، كان طعامك آكلًا زيد، كان آ: لا طعامك زيد، كان آكلًا زيد طعامك، كان: طعامك آكلًا. وكلها جائزة إلا الخامس فيمتنع عند البصريين، وإلا السادس فإن بعض البصريين منعه، وبعضهم أجازه. وستة مع تقديم (زيد)، وهي زيد كان آكلًا طعامك، زيد كان طعامك آكلًا، زيد آكلًا كان طعامك، زيد طعامك كان آكلًا، زيد طعامك آكلًا كان، زيد آكلًا طعامك [كان].وكلها جائزة [عند البصريين]. وستة مع تقديم (آكلًا)، وهي: آكلًا كان زيد طعامك، آكلًا كان طعامك زيد، آكلًا زيد كان طعامك، آكلًا زيدطعامك كان، آكلًا طعامك كان زيد، آكلًا طعامك زيد كان. وكلها جائزة عند البصريين إلا الثانى، وفلا الأول قبح؛ للفصل بين الخبر المقدم ومعموله المؤخر. وستة مع تقديم (طعامك)، وهي: طعامك كان زيد آكلًا، طعامك زيد آكلًا كان، طعامك آكلًا زيد كان، طعامك زيد كان آكلًا، طعامك كان آكلًا زيد، طعامك آكلًا كان زيد. وكلها جائزة عند البصريين، ولبعض الكوفيين خلاف في بعض المسائل لا نطول بذكره. ونقل بعض المغاربة أن تقديم معمول الخبر وحده على (كان) وأخواتها لا يجوز ظرفاَ كان أو غيره؛ لكثرة الفصل، والصحيح جوازه مطلقًا، قال تعالى: {أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون}.انتهى.

الحروف المشبهة بليس

الحروف المشبهة بليس «فصل» في الكلام على (ما) الحجازية وما ألحق بها، وعلى مواضع تزايد فيها (إن) والباء، وعلى أمور تتعلق بـ (ليس). «ألحق الحجازيون» وكذا التهاميون فيما حكاه الكسائي «بـ (ليس)» في إدخالها ناسخة على المبتدأ، فترفعه ويسمى اسمها، والخبر، فتنصبه ويسمى خبرها «(ما) النافية» فعملت العمل المذكور، وكان الأصل أن لا تعمل كما في لغة المهملين لها، وهم تميم، قاله/ سيبويه، وقال المصنف: هم غير الحجازيون. ورد بما نقله الكسائي عن أهل تهامة من إعمالها، كما مر. إذ قياس العوامل أن تختص بالقبيل الذي تعمل فيه من الاسم والفعل، لتكون متمكنة بثبوتها في مركزها، و (ما) مشتركة بين الاسم والفعل، لكن الحجازيون أعملوها مع عدم الاختصاص؛ لقوة مشابهتها لـ (ليس)؛ لأن معنييهما في الحقيقة سواء «بشرط تأخير الخبر» ظرفًاكان أو غيره، نحو: ما قائم زيد، وما عندك بكر، وما في الدار خالد؛ وذلك لضعفها في العمل، فلا تتصرف بأن تعمل النصب قبل الرفع. «وبقاء نفيه» أي نفي

الخبر؛ لأن عملها إنما كان لأجل النفي الذي شابهت به، فكيف تعمل مع زوال المشابهة بانتقاض النفي! ! . «وفقد (إن)» لأنها تشابه (إن) النافية لفظًا فكأن (ما) النافية دخلت على نفي، والنفي أفاد الإيجاب فصارت [إن] كـ (إلا) الناقضة لنفى (ما) [في] نحو: ما زيد إلا منطلق. ويحتمل أنما منعت (إن) العمل لوقوع الفصل بين (ما) ومعمولها بغير الظرف. وهذا الشرط ذكر المصنف أنه متفق عليه، وليس كذلك، بل نقل غيره عن الكوفيين أنه لا يشترطظنوأنشد يعقوب: بني غدانة ما إن أنتم ذهباَ *** ولا صريفًا ولكن أنتم الخزف «وعدم تقدم غير ظرف أو شبهه من معمول الخبر» فلو تقدم معمول الخبر وهو غير ظرف أو شبهه بطل العمل كقوله:

وقالوا تعرفها المنازل من منى *** وما كل من وافى منىَّ أنا عارف فلو كان معمول الخبر ظرفًا أو شبهه جاز تقديمه مع بقاء العمل، تقول: ما عندك زيد جالسًا، وما في الدار عمرو قائمًا، وذلك للتوسع فيهما كما مر. «و (إن المشار إليها» في قولنا: وفقد (إن) «زائدة كافة» لـ (ما) عن العمل «لا نافية» مؤكدة لـ (ما) «خلافًا للكوفيين». قال المنصف: وما زعموه من ذلك مردود بوجهين: أحدهما: أنها لو كانت نافية مؤكدة لم تغير العمل [كما لم يغير العمل] تكرار (ما)، قال الراجز: لا ينسك الأسى تأسيًا فما *** ما من حمام أحد معتصما والثاني: أن العرب قد استعملت (إن) زائدة بعد (ما) الأسمية [الموصولة]

و (ما) المصدرية التوقيتية، لشبههما في اللفظ بـ (ما) النافية، فلو لم تكن المقترنة بـ (ما) النافية زائدة لم يكن لزيادتها بعد الموصولتين مسوغ. «وقد تزاد» (إن) «قبل صلة (ما) الاسمية» كقوله: يرجي المرء ما إن لا يراه *** وتعرض دون أدناه الخطوب «و» (ما) «الحرفية» كقوله: ورج الفتى للخير ما إن رأيته *** على السن خيرًا لا يزال يزيد

«و» [قد] تزاد (إن) أيضًا «بعد [إلا] الاستفتاحية» كقوله. ألا إن سرى ليلي فبت كثيبًا أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا «و» تزاد أيضًا «قبل مدة الإنكار» سمع سيبويه رجلًا من العرب يقال له: أتخرج إن أخصبت البادية؟ ، فقال: أنا إنيه. منكرًا أن يكون رأيه على خلاف ذلك، وسيأتي فيه كلام في باب الحكاية إن شاء الله [تعالى]. «وليس النصب بعد (ما) لسقوط باء الجر، خلافًا للكوفيين» فإنهم زعموا أن (ما) لا عمل لها، وأن ما بعدها مبتدأ وخبر، وانتصاب الثاني بنزع الخافض، وهو باء الجر، وليس بشيء؛ لأن الباء زائدة، فإذا لم تثبت لم يحكم بزيادتها، وأيضًا ليس المجرور بها مفعولًا حتى ينتصب بالمفعولية مع حذف الجار ووصول الفعل إليه كما في: (استغفرت الله ذنبًا)؛ وذلك لأن الناصب ليس نزع الخافض، بل الناصب هو الفعل أو شبهه، فنصب المجرور محلًا؛ إذ لا يمكن نصبه/ لفظًا بسبب الجار، 174

فإذا عدم الجار ظهر عمله المقدر، هذا مع أن حذف الجار ونصب المفعول بعده أيضًا [ليس] بقياس، كما كان مع (أنْ) و (أنّ). «ولا يغني عن اسمها» أي: اسم (ما) «بدل موجب، خلافاَ للأخفش» فإنه أجاز - في نحو: ما أحد قائمًا إلا زيد -[حذف] [اسم (ما)، والاستغناء عنه ببدله الموجب بـ (إلا)، فتقول: ما قائمًا إلا زيد]. قال المصنف: ومثل هذا لو سمع من العرب لكان جديرًا بالرد؛ لأن المراد منه مجهول؛ لاحتمال أن يكون أصله: ما كان قائما إلا زيد. وحكى غير المصنفجواز هذه المسألة عن الأخفش على وجه آخر، فادعى أن (إلا) داخلة على اسم (ما)، والمنصوب المقدم خبرها. وهو أيضًا مردود بما فيه من إعمال (ما) غير مستكملة لشروط الإعمال، مع أن هذا التركيب لم يسمع. «وقد تعمل» (ما) «متوسطًا خبرها وموجبًا بإلا، وفاقًا لسيبويه في الأول، وليونس في الثاني» فيجوز: ما قائمًا زيد، وما زيد إلا قائمًا. فأما [ما] نسبه المصنف إلى سيبويه فهو محكي عن الجرمي، وزعم أنه لغة، وحكى: (ما مسيئًا من أعتب)، والذي قاله سيبويه: وإذا قلت: ما منطلق عبدالله، و [ما] مسيء من أعتب، رفعت، ولا يجوز أن

يكون مقدمًا مثله مؤخرًا، كما أنه لا يجوز: إن أخوك عبدالله، على حد قولك: إن عبدالله أخوك؛ لأنها ليست بفعل. وهذا نص صريح في المنع، ثم إنه شبهه بشيء لا خلاف في منعه، ثم قال: وزعم أن بعضهم قال: - وهو الفرزدق - فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم *** إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر

ثم قال: وهذا لا يكاد يعرف. فهذا شيء لم يحكه سيبويه [عن العرب]، وإنما قال: وزعموا. فحكاه عن غيره، ثم نفى مقاربة عرفانه على حد قوله تعالى: {لم يكد يراها}، والقولان عن الفراء. وزعم ابن عصفور الجواز إن كان الخبر ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، فيكون بمنزلة باب (إن). وقال ابن معطى: - في (وإذ ما مثلهم بشر) قيل: إن (مثلهم) ظرف، وقد وجدت لذلك شاهدًا في كتاب الله تعالى، قرئ شاذًا: {إنكم إذًا مثلهم}، أي في منزلتهم، وفي مثل حالهم، وكذا التقدير في البيت، أي: ما في مثل رتبتهم بشر. انتهى

ولا يقال: - في القراءة الشاذة - إنها مما وجد في كتاب الله [تعالى]، [إذ لا يثبت كتاب الله] [تعالى] إلا بالقطع، ولا دليل في القراءة؛ لجواز البناء لإضافة (مثل إلى المبني، ولكن المصنف ينازع في ذلك. وأما مسألة يونس فقد استشهد عليها بعضهم بقول الشاعر: وما الدهر إلا منجنونا بأهله *** وما صاحب الحاجات إلا معذبًا

والمصنف بقول الآخر: وما حق الذي يعثو نهارًا *** ويسرق ليله إلا نكالًا وحكى ابن قاسم عن المصنف أنه قال: إن الاستشهاد بهذا أقوى من الاستشهاد بالبيت الأول.

فإن قلت: ما وجه ذلك؟ قلت: سلامة الثاني من الاحتمال الذي يتطرق إلى الأول؛ وذلك لإمكان تقدير حذف عند قوله: (منجنونا)، وجعل (معذبًا) مصدرًا ميميًا، والتقدير: وما الدهر إلا يدور دوران منجنون، وما صاحب الحاجات إلا يعذب تعذيبًا. فهو مثل قولك: ما زيد إلا سيرًا. وهذا مفقود في الثاني. فإن قلت: بل هو موجود فيه؛ إذ (نكالًا) مصدر، فيكون التقدير: وما حق المذكور إلا ينكل نكالًا و [قد] قدره ابن قاسم كذلك. قلت: ليس الأمر كما تجعله، فإن المصدر في البيت الأول لا يصح الإِخبار به عن المسند إليه فيه؛ إذ الدهر ليس نفس الدوران، ولا صاحب الحاجات نفس التعذيب، فمن ثم احتيج إلى تقدير الناصب للمصدر تصحيحًا للإِخبار. وأما في البيت الثاني فيصح الإِخباربالمصدرعن المسند إليه، وهو الحق؛ إذ لو قلت: حق زيد النكال/، صح، وتقدير نصبه بالفعل على الوجه الذي قدرته غير متأت؛ إذ لا يجوز أن تقول: حق زيد ينكل، فإن ذهبت إلى تقدير (أن) لتصحيح الحمل لزم حذف الموصول وبقاء معمول الصلة، وهو محذور، هذا وجه ما قاله المصنف فيما ظهر لي، والله أعلم. «والمعطوف على خبرها بـ (بل) و (لكن) موجب»؛ لانهما للإِثبات بعد النفي؛ فنزول علة العملة، وهي النفي «فيتعين رفعه» على أنه معطوف على

محل خبر (ما)؛ لأنه لما بطل معنى النفي في المعطوف صار معطوف على اسم غير معمول للنفي، وإذا قدر الأول غير منفي - باعتتبار هذا المعطوف - فمحل الأول بالنسبة إلى هذا المعطوف رفع؛ لوجوب رفعه عند عدم النفي. وقال عبدالقاهر: [هو] خبر مبتدأ محذوف. أي ما زيد قائمًا بل هو قاعد. وقضية هذا الكلام أن لا تكون المسألة مما نحن فيه، أي من باب عطف المفرد على المفرد. قلت: وهذا هو الذي جزم به ابن قاسم ولم يذكر سواه، فإنه قال: وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، فتسميته معطوفًا تسامح واقتصر على ذلك. وقال بعضهم: هو عطف على التوهم؛ لأنه كثيرًا ما يقع خبر (ما) موفوعًا عندما تنعزل عن العمل فتوهموا أن الأول مرفوع. قلت: إذا انعزلت (ما) عن العمل لم يكن الخبر إلا مبتدأ محذوف محقق، فلا يقال: حينئذ هو خير (ما)، ولا نسلم أن خبر (ما) يقع مرفوعًا أبدًا، ثم العطف على التوهم ليس بمطرد ولا في سعة الكلام. قال المصنف: وقياس قول يونس أن لا يمتنع نصب المعطوف بـ (بل) و (لكن).

في مثل: ما قام زيد بل عمرو، أي [بل] ما قام عمرو أن يصح: ما زيد قائمًا بل قاعدًا، ويختلف المعنى باعتبار النصب والرفع. «ويلحق بها» أي: بـ (ما) أخت (ليس) «(إن) النافية» فتعمل عملها «قليلًا»، وعل ذلك أكثر الكوفيين، وذهب إليه ابن السراج وأبو علي الفارسي وابن جني، ومنعه أكثر البصريين، واختلف النقل فيه عن سيبويه والمبرد، واختار المصنف القول بالإجازة؛ لمشاركة (إن) لـ (ما) في المعنى الذي عملت بسببه، وهو مشابهة (ليس)؛ ولثبوت السماع بإعمالها، فقد ثبت أنها [لغة] أهل العالية، قالوا: ] إن ذلك] نافعك ولا ضارك، بالنصب وإن أحد خيرًا من أحد إلا بالعافية، قال أعرابي: إن قائمًا، [يريد: إن أنا قائمًا]. فحذف همزة (أنا) اعتباطًا وأدغم النون في النون. وقرأ سعيد بن جبير: - فيما

حكاه ابن جني - {إن الذين تدعون من دون الله عبادًا أمثالكم}، وتوهم أبو حيان وكثير من تلامذته أن هذه القراءة مخالفة للقراءة المشهورة - بتشديد النون ورفع (عباد) و (أمثالكم) - إذ مقتضاها إثبات مماثلة المدعوين من دون الله لأولئك المخاطبين، ومقتضى قراءة ابن جبير نفي المماثلة وليس ما توهموه بصحيح؛ لإمكان جعل [المماثلة] المثبتة في القراءة المشهورة باعتبار العبودية، أي أن هؤلاء الذين تدعونهم آلهة مماثلون لكم في كونهم مربوبين متسمين بسمة العبودية لله، والمماثلة المنفية في القراءة الأخرى باعتبار الإنسانية، [أي ليس هؤلاء الذين تدعونهم من \ون الله مماثلين لكم فيما اتصفتم] [به] [من الإنسانية]؛ إذهم جماد، وأنتم عقلاء، فلكم عليهم على في المرتبة، فكيف تعبدونهم وتتخذونهم آلهة، وهم دونكم! ! .

ومما استشهد [به] على إثبات هذه اللغة/ قول الشاعر: إن هو مستوليًا على أحد *** إلا على أضعف المجانين وقول الآخر: إن المرء ميتًا بانقضاء حياته *** ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا «و» يلحق أيضًا بـ (ما) أخت (ليس) في العمل المذكور «(لا) كثيرًا»، ونوزع المصنف في دعوى الكثرة، بأن الأمر بالعكس؛ بل لو ذهب ذاهب إلى أن (لا) لا تعمل عمل (ليس) لكان حسنًا؛ إذ لا يحفظ ذلك في نثر أصلًا، ولا في نظم سوى قول الشاعر: تعز فلا شيء على الأرض باقيًا *** ولا وزر مما قضى الله واقيا

وقول الآخر: نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل *** فبوّئت حصنًا بالكماة حصينا والمصنف أنشد أبياتًا أخر، لكنها محتملة للتأويل، وعلى الجملة ففي عمل (لا) عمل (ليس) ثلاثة أقول: الجواز: وهو مذهب سيبويه ومن وافقه. والمنع: وإليه ذهب الأخفش والمبرد. والثالث أنها عاملة في الاسم، وهما جميعًا في موضع الابتداء، ولا تعمل في الخبر أصلًا، حكاه ابن ولاّد عن الزجاج، وسماع نصب الخبر يبطله، كما يبطل مذهب القائلين بالمنع مطلقًا، والنزاع إنما هو في دعوى الكثرة كما تقدم. «ورفعها معرفة نادر»، كما في قول النابغة [الجعدي]: وحلت سواد القلب لا أنا باغيا *** سواها ولا عن حبها متراخيا قال المصنف: والقياس عندي على هذا سائغ. قلت: هذا - مع اعترافه بالندور - مشكل. [قال]: وقد قاس عليه المتنبي في قوله: إذا الجود لم يرزق خلاصًا من الأذى *** فلا الحمد مكسوبًا ولا المال باقيا

وقد أجاز ابن جني إعمال (لا) في المعرفة، ذكر ذلك فى كتاب التمام. هذا كلام المصنف، والمانعون تأولوا بيت النابغة [الجعدي] بحذف فعل أو خبر، أي: لا أرى باغيًا، بالبناء للمفعول، ثم حذف الفعل فانفصل الضمير النائب عن الفاعل أو التقدير: لا أنا أرى باغيًا. وعليهما فنصب (باغيًا) على الحال، لا على أنه خبر (لا)، فلا دليل فيه. وقد ذكر المصنف هذين التأويلين في شرح الكافية، وأشار إليهما فيها «وتكسع (لا)» النافية، أي: يؤتى في آخرها «بالتاء»، إما لتأنيث اللفظ، كما في (ثمت) و (ربت)، وعلى هذا فهي ساكنة [في] الأصل، لكنها

حركت لالتقاء الساكنين. وإما للمبالغة في النفي، كما قاله الرضي، وعليه فهي محركة في الأصل، لا ساكنة. قلت: ويشهد لهما - أعني لجواز كونها بحسب الأصل ساكنة أو متحركة - وقفهم عليها بالتاء وبالهاء. قال الرضي: وبهذه الزيادة قويت مشابهتهما في اللفظ لـ (ليس)، إذ صارت على عدد حروفها ساكنة الوسط «فتختص» حين كسعها بالتاء وصيرورة اللفظ (لات) «بالحين». قال الفراء: ولا تتعدى هذه اللفظة. وهو ظاهر قول سيبوبه. وقال الفارسي وجماعة: بل تعمل أيضًا فيما رادف الحين. وإليه ذهب المصنف. فلذلك قال: «أو مرادفه» كالساعة والوقت والأوان كقوله: ندم البغاة ولات ساعة مندم *** * [والبغي مرتع مبتغيه وخيم]

«مقتصرًا على منصوبها بكثرة» كقوله تعالى: {ولات حين مناص} في القراءة المشهورة بالنصب. «وعلى مرفوعها بقلة» كقراءة بعضهم: {ولات حين مناص} بالرفع، ولم يثبتوا بعدها الاسم والخبر جميعًا. «وقد يضاف إليها (حين) لفظًا»، كقوله: وذلك حين لات أوان حلم *** ولكن قبلها اجتنبوا أذاتي وفي إطلاق القول بأن لفظ (حين) أضيف إلى (لات) مسامحة، وإنما هو مضاف إلى الجملة المصدرة بـ (لات). «أو تقديرًا» كقوله: تذكر حب ليلى لات حينا *** .................... أي: حين لات حينًا، فحذف الحين الأول، وسهّل حذفه ذكر الحين الثاني. وردّ بالاستغناء عن هذا التقدير؛ إذ يصح المعنى بقوله: تذكر حب ليلى حينا *** .........................

أي: لين الحين حين تذكر. قلت: وقد يوجّه/ [بأن] جملة (لات) لم تقع بحسب [الاستقراء] إلا في موضع نصب على الحال، وهو الشائع، أو في موضع خفض حيث يضاف إليها الحين، ولا جائز أن تجعل الجملة حالية؛ لعدم الرابط، سواء جعلتها حالًا من الفاعل أو المفعول في قوله: (تذكر حب ليلى ...... )، فتعين تقدير (حين) ليوفر على (لات) حقها الثابت لها في الاستعمال، ومن ادعى أنها تستعمل خارجة عن الوجهين فعليه إثباته ولو بشاهد واحد، ولن يجد فيما أظن. «وربما استغني مع التقدير عن (لا) بالتاء»، كقوله: العاطفون تحين ما من عاطف *** والمطعمون تحين ما من مطعم

أراد: حين لات ما من عاطف، فحذف (حين) مع (لا) وهذا أولى من قول من قال [إنه] أراد: العاطفونه - بهاء السكت - ثم أثبتها وأبدلها تاء. كذا قال المصنف. ونظير حذف (لا) قوله تعالى: {تالله تفتؤا}، وهو كثير، إلا أنه هنا ضعيف؛ لأن فيه حذف الحرف الناسخ وبقاء معموله؛ ولأن فيه إجحافًا بحذف شيئين، وكأن الذي سهل ذلك أن القاعدة: أن المرفوع بالفعل إنما يحذف تبعًا لحذف عامله، والفعل أصل في العمل، فلما كان المرفوع محذوفاَ سهل حذف الرافع ليصيرا بتلك المنزلة. كذا قال ابن هشام، وفيه نظر. وبعضهم يزعم أن التاء مزيدة مع الحين لا في هذا البيت على الخصوص، بل هو جوابه في قوله تعالى: {ولات حين مناص}، وهو منقول عن أبي عبيدة، وتبعه

ابن الطراوه، واستضعفه الرضي لعدم شهرة (تحين) في اللغات، واشتهار (لات حين)، وأيضًا فإنهم يقولون: (لات أوان)، ولات هنا. ولا يقال: تأوان، ولا تهنا. «وتهمل (لات) على الأصح إن وليها (هنا)»، بفتح الهاء، كقوله: حنت نوار ولات هنا حنت *** وبدا الذي كانت نوار أجنّت قال المصنف: فلا عمل للات في هذا وأشباهه، ولكنها مهملة، و (هنا) في موضع نصب على الظرفية، والفعل بعدها صلة (أن) محذوفة، و (أن) وصلتها في موضع رفع بالابتداء، والخبر (هناّ) كأنه قال: ولا هنالك حنين. كذا قال أبو علي انتهى. فإن قلت: (هنا) ظرف زمان، [فهو] بمعنى الحين، فلم لا تجعل (لات) عاملة فيه كما نقل عن أبي علي في أحد قوليه؟ والمعنى: حنت نوار وليس الوقت

وقت حنينها ولا حاجة مع هذا إلى تقدير (أن) المصدرية؛ إذ اسم الزمان يضاف إلى الجملة من غير تقديرلـ (أنْ)، وذلك نحو: {هذا يوم لا ينطقون}. قلت: يلزم عليه إضافة اسم الإشارة، وهو محذور، فانظر ماذا يصنع أبو علي في أحد قوليه: إن (لا) عاملة؟ ، على أن الرضي صرح بأن (هنا) ظرف زمان مضاف إلى (حنت) ظنفإن كان مع التزام أنه اسم إشاره فمشكل، وإن كان مع ادعاء تجرده عن الإشارة فيحتاج إلى ثبت، فتأمله. «ورفع ما بعد (إلا) في نحو: ليس الطيب إلالمسك، لغة تميم» حكىذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء، فبلغ ذلك عيسى بن عمر الثقفي، فجاء فقال: ياأبا عمرو ما شيء بلغني عنك! ! ثم ذكر ذلك له، فقال له أبو عمرو: (نمت وأدلج الناس)، ليس في الأرض تميمي إلا وهو يرفع، ولا حجازى إلا وهو ينصب، ثم قال لليزيدي ولخلف الأ؛ مر اذهبا إلى أبي

مهديّ فلقناه الرفع، فإنه لا يرفع، وإلى المنتجع التميمي فلقناه النصب فإنه لا ينصب، فأتياهما وجهدا بكل منهما أن يرجع عن لغته، فلم يفعل، وأخبروا أبا عمرو، وعيسى عنده، فقال له عيسى: بهذا فقت الناس. «ولا ضمير في (ليس) خلافًا لأبي علي»، فإنه جوز أن يكون في (ليس) ضمير الشأن، ولو كان كما قال لوقعت (إلا) صدر الجملة الاسمية، إذ هى الخبر، وكان يقال: ليس إلا الطيب/ المسك. وجوابه - بأن (إلا) قد توضع في غير موضعها، نحو: {إن تظن إلا ظنًا} ونحوه: ..................... *** [وما اغتره الشيب إلا اغترارًا

أي: إن نحن إلا نظن ظنًا]، وما اغتره اغترارًا إلا الشيب؛ لأن الاستثناء المفرغ لا يكون في المفعول المطلق التوكيدى لعدم الفائدة فيه - مندفع بأنا لا نسلم أنه توكيدي، بل هو نوعي على حذف الصفة، أي إلا ظنًا ضعيفًا، وإلا اغترارًا عظيماَ. وخرج أيضًا على أن (الطيب) اسمها، وأن خبرها محذوف أي: في الوجود، وأن (المسك) بدل من اسمها. قال الرضي: ويشكل ذلك بلزوم حذف خبرها بلا ساد مسده، ولم يثبت لزوم حذف الخبر في مثله. [قاله الزمخشري]. وخرج أيضًا كالوجه الثاني ولكن (إلا المسك) نعت الاسم؛ لأن تعريفه تعريف الجنس، أي ليس طيب غير المسك موجودًا.

ولأبي نزار، - الملقب بملك النحاة - توجيه آخر، وهو أن (الطيب) اسمها، و (المسك) مبتدأ حذف خبره، والجملة خبر (ليس)، والتقدير: إلا المسك أفخره. قال ابن هشام: وما تقدم من نقل أبي عمرو أن ذلك لغة تميم يرد هذه التأويلات. «ولا يلزم حالية المنفي بـ (ليس) و (ما)، على الأصح» من المذاهب الأربعة المصرح بنقلها في (ليس): أحدها: أن النفي بها لا يتقيد، بل هي للنفي مطلقًا. الثاني: أنها لنفي الحال، وقد تنفي المستقبل؛ لأن العرب شّركوا بينهما في صيغة واحدة. قاله المبرد، والسيرافي، والصيمري، وابن درستويه. الثالث: أنها مختصة بالحال، فلا يجوز: ليس زيد قائمًا غدًا. قال الزمخشري. الرابع: أنها لنفي الحال في الجملة المطلقة، فإن قيدت كان نفيها بحسب ذلك القيد، وهو الصحيح.

والظاهر أن هذه المذاهب الأربعة في (ما)، وأنت خبير بأن عبارة المصنف تعطي مخالفة الزمخشري قطعًا، ولا يفهم [منها] وراء ذلك اختيار قول معين من الأقوال الثلاثة الأخر، فتأمله. «وتزاد الباء كثيرًا في الخبر المنفي بـ (ليس)» نحو: {أليس الله بكافٍ عبده}. «و (ما) أختها»، وهي الحجازية، نحو: {وما ربك بظلم للعبيد}، {وما الله بغافل عما تعملون}. فإن قلت: لم جعلت (ما) في الآيتين حجازية لا تميمية؟ قلت: لأن الخبر لم يجيء في التنزيل مجردًا من الباء، إلا وهو منصوب، نحو: {ما هن أمهاتهم}، {ما هذا بشرًا}، فيحمل المشكوك على المتيقن. وتخصيص المصنف (ما) أخت (ليس) بالذكر دون (لا 9 أختها فيه إشارة إلى ان الباء لا تزاد في خبر (لا) المذكورة. وقد نص ابن السراج على جواز زيادة الباء فيه، وأنشد قول سواد بن قارب. وكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة *** بمغن فتيلًا عن سواد بن قارب.

قيل: ولا حجة [له] فيه؛ لاحتمال أن تكون (لا) ملغاة، ولم تكرر للضرورة. «وقد تزاد» الباء أيضًا «بعد [نفي] فعل ناسخ للابتداء» كقول الشاعر: وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن *** ** بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

وقول الآخر: دعاني أخي والخيل بيني وبينه *** فلما دعاني لم يجدني بقعدد «وبعد (أولم يروا أن» نحو: {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض

ولم يعى بخلقهن بقادرِ}؛ وذلك لأنه في معنى: أو ليس الله بقادر. «وشبهه». قال ابن قاسم: ولم يذكر المصنف له مثالًا، ويمكن أن يمثل له بما أجازه الزجاج، قال: لو قلت: ما ظننت أن زيدًا بقائم، لجاز. «وبعد (لا) التبرئة» نحو: (لا خير بخير بعده النار) إذا لم تجعل الباء ظرفية كذا قيل، ومع قيام هذا الاحتمال الظاهر لا يمكن الاستدلال/ به على المطلوب «و» بعد «هل» كقوله: ......................... *** ألاهل أخو عيش لذيذ بدائم؟ «و» بعد «(ما) المكفوفة بـ (إن)» نحو: ما إن زيد بقائم. «و» بعد «(ما) «التميمية، خلافًا لأبي علي» الفارسي «والزمخشري» بناء منهما على أن المقتضي لزيادة الباء نصب الخبر، وليس كذلك، فإن المقتضي نفيه. «وربما

زيدت في الحال المنفية» كقوله: فما رجعت بخائبة ركاب *** حكيم بن المسيب منتهاها كائن دعيت إلى بأساء داهمة *** فما انبعثت بمزؤود ولا وكل وخالف أبو حيان في ذلك، وخرج البيتين على أن التقدير: بحاجة خائبة، وبشخص مزؤود، أي مذعور، ويريد بـ (المزؤود) نفسه، على حد قولهم: رأيت منه أسدًا. قال ابن هشام في المغني: وهذا التخريج ظاهر في البيت الأول دون الثاني؛ لأن

صفات الذم إذا نفيت على سبيل المبالغة لم ينتف أصلها؛ ولهذا قيل: - في { ... وما ربك بظالم للعبيد} - إن (فعالًا) هنا ليس للمبالغة، وإنما هو للنسب كقوله: ..................... *** * وليس بذي سيف وليس بنبال أي وما ربك بذي ظلم، ولا يقال: لقيت منه أسدًا أوبحرًا أو نحو ذلك إلا عند المبالغة في الوصف بالإقدام والكرم. قلت: تسليمه [لظهور] التخريج في البيت الأول غير جيد؛ لما فيه من حذف الموصوف بدون دليل عليه، وقدحه في تخريج البيت الثاني كذلك؛ لأن النفي إنما يتسلط على قيد الفعل مع ثبوت أصله، أي فانبعثت بشخص غير مزؤود ولا وكل، يعني نفسه، بالغ في اتصافه بالشجاعة والنهضة حتى انتزع من نفسه شخصيًا

لاذعر عنده، ولا كل، فكيف يتم ما قاله! ! . «و» ربما زيدت الباء أيضًا في «خبر إنّ» كقول امرئ القيس. فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها *** فإنك مما أحدثت بالمجرب «و» خبر «لكن» كقوله: ولكنّ أجرًا لو فعلت بهين *** وهل ينكر المعروف في الناس والأجر «وقد يجر المعطوف على الخبر الصالح للباء مع سقوطها» كقوله:

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة *** ولا ناعب إلا ببين غرابها وهذا هو المعروف عندهم بالعطف على التوهم، وفى كونه [مقيسًا] خلاف، وظاهر كلام المصنف أنه ينقاس، والذي عليه جمهور النحاة أنه غير مقيس. واحترز المصنف بقوله: (الصالح للباء) من [نحو] قولك: ليس زيد إلا قائمًا، فلا يجوز جر المعطوف عليه أصلًا. «ويندر ذلك» أي جر المعطوف على الخبر المذكور. «بعد غير (ليس)

و (ما)» كقوله: وما كنت ذا نيرب فيهم *** ولا منمش فيهم منمل أي: وما كنت بذي نيرب ولا بمنمش، فقد جر في غير (ليس) [وم (ما)، وهو نادر، أما فعل ذلك مع (ليس) و (ما) فغير نادر، وقد تقدم شاهد (ليس)]، ومثال ذلك بعد (ما) قول الاعر ما الحازم الشهم مقدامً ولا بطل *** إن لم يكن للهوى بالعقل غلابا «وقد يفعل ذلك»، أي الجر على التوهم «في المعطوف على منصوب

اسم الفاعل المتصل» بحيث لا يكون بين المنصوب واسم الفاعل فاصل كقوله: فظل طهاة اللحم من بين منضج *** صفيف شواء أو قدير معجل فعطف (قدير) بالجر على (صفيف) الذي هو منصوب اسم الفاعل المتصل به، وهو (منضج) على توهم الإِضافة، كأنه قيل: من بين منضج صفيف. بإضافة (منضج) إلى (صفيف)، فعطف عليه بالجر.

وهذا الذي اختاره المصنف هو ممنوع عند المغاربة، والبيت عندهم مؤول على حذف المضاف، أي وطابخ قدير. و (أو) على التقديرين/ بمعنى الواو. وإنما شرط المصنف الاتصالبين المنصوب واسم الفاعل، لأنه لو وقع الفصل بينهما امتنعت المسألة، فلا يجوز أن تقول: : من بين منضج بالنار صفيف شواء أو قدير. بالجر، لأن الفاصل رافع لتوهم الإِضافة الذي كان سببًا في الجر. «وإن ولي العاطف بعد خبر (ليس) أو (ما) وصف يتلوه سببي» نحو: ليس زيد قائمًا ولا ذاهبًا أخوة «أعطي الوصف ماله مفردًا» فينصب أو يجر على التوهم. «ورفع به السببي» وهو (أخوة) في المثالين «أو جعلا مبتدأ وخبرًا» فترفعهما جميعًا، فتقول: ولا ذاهب أخوة، ويتطابق الوصف حينئذ والمبتدأ، فتقول: ولا ذاهبان أخواه، ولا ذاهبون أخوته. ولك في الوصف وجه آخر، وهو أن يموت مبتدأ، والسببي فاعلًا به أغنى

عن الخبر على رأيهم؛ لاعتماده على حرف النفي «وإن تلاه أجنبي عطف بعد (ليس) على اسمها، والوصف على خبرها»، فتقول: ليس زيد قائمًا ولا ذاهباَ عمرو، فتعطف الوصف - وهو (ذاهبًا) - على خبرها، وهو (قائمًا)، وتعطف الأجنبي - وهو (عمرو) –على اسمها وهو (زيد). «وإن جر بالباء جاز - على الأصح - جر الوصف المذكور» فتقول: ليس زيد بقائم ولا ذاهب عمرو، وهذا مذهب الأخفش، وأما سيبويه فيمنع [من] ذلك، واستعمال العرب يشهد للأخفش، قال الشاعر: وليس بمعروف لنا أن نردها *** صحاحًا ولا مستنكر أن تعقّر

وقد تظن أن هذها من العطف على معمولي عاملين، وليس كذلك، لأن جر المعطوف بباء مقدرة مدلول عليها بالمتقدمة كذا قال المصنف. «ويتعين رفعه» أي رفع الوصف المعطوف، والأجنبي مرفوع بالفرض، فيرفعان جميعاَ «مع (ما)» [سواء] نصبت خبرها أو جررته بالياء؛ لأن خبرها لا يتقدم على اسمها، فكذا خبر ما عطف على اسمها، فيرجع العطف حينئذ إلى عطف الجمل كقول الفرزدق: لعمرك ما معن بتارك حقه *** ولا منئ معنٌ ولا متيسّر

الباب الرابع عشر «باب أفعال المقاربة»

الباب الرابع عشر «باب أفعال المقاربة» وليس كلها للمقاربة؛ لأن منها ما هو للشروع ومنها ما هو للترجي، ولكن لما كان فيها ما هو للمقاربة أطلق ذلك على الكل، من باب تسمية المجموع باسم بعض أفراده. «منها للشروع في الفعل» والتلبس بأول إأجزائه «طفق» بكسر الفاء يطفق طفقًا، كفرق يفرق فرقًا، وحكى الأخفش عن بعضهم: طفوفًا. «وطفق»، بفتحها يطفق كجلس يجلس. «وطبق» بكسر الباء الموحدة «وجعل وأخذ» بفتح عين الكلمة فيهما «وعلق» بكسر اللام، وهي غريبة، ومن شواهد استعمالها قول الشاعر: أراك علقت تظلم من أجرنا *** وظلم الجار إذلال المجير

«وأنشأ» بالهمزة أوله وآخره، كقوله: ........................ *** أنشأت أعرب عما كان مكنونا وذكره ابن أفلح بالهمز. وبغيره «وهبّ» على صيغة (شدّ) و (ردّ) وهي غريبة، ومن شواهد استعمالها قول الشاعر: هببت ألوم القلب في طاعة الهوى *** فلجّ كأنّي كنت باللوم أغريه «وقام» نحو: قام زيد يفعل. «ولمقاربته» أي: مقاربة الفعل «هلهل وكاد»، وهي أشهر أفعال المقاربة، يقال: كاد يكاد كيدًا ومكادة، كهاب يهاب هيبًا ومهابة، وحكى الأصمعي: (كودًا) بالواو، فيكون كخاف خوفًا ومخافة. «وكرب» بفتح الراء وكسرها، والفتح أفصح. «وأوشك» وهو في الأصل بمعنى (أسرع)، ويستعمل كذلك، فيقال أوشك فلان في السير. [إذا] أسرع فيه. «وأولى» /، وهي أغربها. قال ابن قاسم: كقول الشاعر:

فعادى بين هاديتين منها *** وأولى أن يزيد على الثلاث قلت: الذي ينبغي التعويل عليه أنها بمنزلة (قارب)، وكذا فسرها الأصمعي، وأنشد عليه هذا البيت، كما صرح به في الصحاح، والكلام إنما هو في الأفعال التي قيل إنها ناسخة، وإلا فهلا عدّ (قارب)، و (قرب). وفي بعض النسخ: (وألم وأولى). فزاد كلمة (ألم). قال ابن قاسم: ولم يتعرض إليها المصنف في الشرح، ويمكن أن يكون منه قوله في الحديث: (وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا أويلمّ)، فيكون فعلًا ناقصًا، والخبر محذوف، والتقدير: أويلم بأن يقتل. قلت: جعلتها من هذه الأفعال دعوى عارية عن الدليل، ولا حجة في الحديث، إذ (أّلم) بمعنى (قرب)، فيكون معنى الحديث: مايقتل حبطًا أو يقرب من القتل. هكذا قرره في الصحاح. ثم لا أدري كيف يكون الخبر المحذوف على تقدير جعلها ناقصة ما قدره من قوله (بأن يقتل)، مع أنه متعلق بالفعل نفسه، كما هو

في مثل قولك: ألم فلان بالذنب، إذا وقع فيه، وتلبس به! ! وهو كما ترى غير مناسب لسياق الحديث، فتأمله. «ولرجائه» أي لرجاء الفعل «عسى وحرى» بكسر الراء. «واخلولق» قال ابن قاسم: فهذه الثلاثة للإِعلام بالمقاربة على سبيل الرجاء وأغربها حرى [يقال: حرى] زيد أن يفعل، بمعنى (عسى). هكذا ذكر المصنف. والمحفوظ أن (حرى) اسم منون لا يثنى ولا يجمع، قال ثعلب: أنت حرى، أي: خليق وحقيق. قلت: أما قوله: - أولًا - فهذه الثلاثة للإِعلام بالمقارب على سبيل الرجاء، فمنازع فيه؛ لأنا [لا] نسلم أن شيئًا من هذه الأفعال الثلاثة يدل على المقاربة، وإنما هى دالة على الرجاء، ساكتة عن القرب والبعد، وكلام المصنف يشير إلى ما قلناه، إنما غر الشارح قول ابن الحاجب: (أفعال المقاربة ما وضع لدنو الخبر [رجاء وحصولًا أو أخذًا فيه، ثم قال: (فالأول عسى ..... )، فخرج من كلامه

أن (عسى) لدنو الخبر] على سبيل الرجاء، وتعقبه الرضي بما قلناه: فقال: (عسى) للطمع في حق غيره تعالى، وإنما يكون الطمع فيما ليس الطامع على وثوق من حصوله، فكيف يحكم بدنو ما لا يوثق بحصوله، ولا يجوز أن يقال: معناه رجاء دنو الخبر كما هو مفهوم من كلام الجزولي وابن الحاجب، أي أن الطامع يطمع في دنو مضمون خبره، فقولك: عسى [الله] أن يشفي مريضي، أي أني أرجو قرب شفائه؛ وذلك لأن (عسى) ليس متعينًا بالوضع للطمع في دنو مضمون خبره، بل لطمع حصوله مطلقًا، سواء ترجّي حصوله عن قرب أو بعد مدة مديدة، تقول: عسى الله أن يدخلني الجنة، وعسى النبي أن يشفع لي، فإذا قلت: عسى زيد أن يخرج، فهو بمعنى: لعله يخرج، ولا دنو في (لعل) اتفاقًا. وأما قوله: - ثانيًا - إن المحفوظ أن حرى اسم منون. فهو تابع لشيخه أبي حيان في الاعتراض على المصنف بذلك، وهو قصور فقد نص القاضي عياض في مشارق الأنوار في حرف الحاء على أنه يقال: حرى زيد أن يفعل كذا، فيستعمل فعلًا.

وناهيك به إمامًا ثقة لا ينازع في عدالته وسعة اطلاعه، وليس الحامل على الوقوع في هذا الاعتراض وأمثاله إلا سوء الظن بالمعترض عليه، وإلا فالمصنف من الإمامة وحفظ اللغة وكثرة الإِطلاع بالمحل الذي لا يدفع عنه، والمسألة نقلية، فما باله يدفع كلامه بهذه الأقوال الواهية، نعوذ بالله من حسد يسد باب الإِنصاف. «وقد ترد (عسى) إشفاقًا»، قال سيبويه: (عسى) طمع وإشفاق، فالطمع في المحبوب، والإِفاق في المكروه/، نحو: عسيت أن أموت، وقد اجتمعنا في قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم}، وقد أخذ حميد هذا المعنى فقال: قضى الله في بعض المكاره للفتى *** برشد وفي بعض الهوى ما يحاذر فكلمة (بعض) [في الموضعين] في مقابلة (شيئًا) و (شيئًا). «ويلازمهن» أي أفعال هذا الباب جميعًا «لفظ المضي، إلا (كاد)

و (أوشك) و (جعل)» فلم تلزم لفظ المضي كما ستعرفه. قال ابن قاسم: واختلف في تعليل عدم التصرف في (عسى) وأخواتها، فقال أبو الفتح: لما قصد بها المبالغة في القرب أخرجت عن بابها، وهو التصرف، وكذلك كل فعل يراد به المبالغة يلزمه ذلك. قلت: فيه نظر يظهر مما سبق. قال الرضي/ وإنما لم يتصرف (عسى)؛ لتضمنه معنى الحرف، أي إنشاء الطمع والرجاء كـ (لعل) والإِنشاءات - في الأغلب - من معاني الحروف، والحروف لا يتصرف فيها، وأما الفعل نحو: (بعت)، والجملة الاسمية نحو: أنت حر، فمعنى الإِنشاء فيه عارض، وهذا وإن كان لا بأس به، لكنه قاصر على بعض ما لم يتصرف من الأفعال المذكورة. «وعملها - في الأصل - عمل (كان)»، أي تدخل ناسخة على المبتدأ فترفعه، والخبر فتنصبه، [يدل] ذلك وورده مفردًا منصوبًا في بعض الأحيان، كما سيأتس. «لكن التزم كون خبرها» فعلًا «مضارعًا مجردًا» من (أن) «مع هلهل» وهي كلمة واحدة من أفعال المقاربة، «وما قبلها» وهي أفعال الشروع التسعة، فالأفعال التي تجرد (أن) عن خبرها عشرة أفعال.

وعلة إلحاق (هلهل) بأفعال الشرع أشدية المقاربة فيه، وتركيبه يدل على المبالغة، كـ (زلزل) و (صرصر) فلما كان للمبالغة في القرب لحق الأفعال الدالة على الشروع فاستعمل [خبره] بدون (أن) نحو: هلهلت أقوم. وإنما لزم كون الخبر فيما هو للشروع مضارعًا مجردًا عن (أن)، ولم يجعل اسمًا ولا فعلًا ماضيًا ولا مضارعًا مقترنًا بـ (أن)؛ لأن المضارع المجرد عن علم الاستقبال ظاهر في الحال كما مر في بابه، فهو من حيث الفعلية يدل على الحدوث دون الاسم، بدليل أنك إذا قلت: كان زيد وقت الزوال قائمًا، لم يدل على حدث القيام في ذلك الوقت، ومن حيث ظهوره في الحال يدل على كونه مشتغلًا به دون الماضي، بدليل أنك إذا قلت: كان زيد وقت [الزوال] قام، دل على أنه كان فرغ من القيام في ذلك الوقت مع حدوث القيام، فلما قصد في هذه الأفعال حدوث مصدر خبرها، وكون فاعلها مشتغلًا به، وجب أن لا يكون اسمًا ولا ماضيًا ولا مضارعًا بـ (أن). «و» مضارعًا «مقرونًا [بأن] مع (أولى) وما بعدها»، أي مع أربعة أفعال: (أولى)، وهو أحد أفعال المقاربة، وأفعال الترجي الثلاثة المذكورة بعدها، وهي: (عسى) و (حرى) و (اخلولق). وكان ينبغي أن يسقط (عسى)، فيقول: مع (أولى) وما بعدها، إلا (عسى).لأنه سيذكرها في قسم ذي الوجهين.

والعلة في أفعال الترجي أن المرجوّ مستقل، فيناسبه حرف الاستقبال. واما الترك في (عسى) فنادر، وهو بالجمل على (كاد) كما عكس ذلك في (كاد) حملًا على (عسى) من ان يكون معنى الاستقبال هناك مرادًا. كذا قيل، وهو مردود، بل مغنى (كاد يموت) قارب فيما مضى أن يتأخر عنه الموت قليلًا، أي قارب حالة يكون الموت بعدها بقليل، [هذا] هو الذي اقتضى أن لا تدخل (أن)؛ لأنها أمارة الاستقبال، فذكرها/ موهم للتراخي. الذي هو عكس المراد، وإن كان لا يلزم من الاستقبال التراخي. «و» مضارعًا ملتبسًا «بالوجهين»: التجرد عن (أن) والاقتران بها. «مع» الأفعال «البواقي»، لكن ليس الوجهان على [حد] سواء، فلذلك قال: «والتجريد مع (كاد) و (كرب) أعرف» من الاقتران بـ (أن) كقوله: ..................... *** قد كاد من طول البلى أن يمصحا وقوله: ................... *** فقد كربت أعناقها أن تقطعا

وهذا عند المغاربة مخصوص بالضرورة، ولم يذكر سيبويه في خبرها إلا التجرد. «و (عسى) و (أوشك) بالعكس» فاقتران خبرهما بـ (أن) أعرف من تجريده منها كقول هدبة: عسى الكرب الذي أمسيت فيه *** يكون وراءه فرج قريب

وقول الآخر: يوشك من فر من منيته *** في بعض غراته يوافقها وجمهور البصريين على أن تجريد [خبر] (عسى) من (أن) ضرورة، وظاهر

كلام سيبويه خلافه. «وربما جاء خبرهما» أي خبر (كاد) و (عسى)، كذا بين مراده في الشرح، وليس ذلك بمنجيه من التعقب، إذ لا قرينة في المتن تدل على هذا المراد، بل فيه قرينة خلافه، وهو قرب (عسى) و (أوشك) للضمير، فالمتبادر عوده إلى أقرب مذكور. «مفردًا منصوبًا». كقول الشاعر: فأبت إلى فهم وما كدت آبيا *** ......................

وقول الآخر: أكثرت في العذل ملحًا دائمًا *** لا تكثرنْ إني عسيت صائمًا وهما شاذان، فقيل على تضمينهما معنى (كان)، وقيل: التقدير: وما كدت أكون آبيًا، وعسيت أن أكون صائمًا. وجاز حذف (أن) مع الفعل مع كونها حرفًا مصدريًا؛ لقوة الدلالة؛ وذلك لكثرة وقوع (أن) بعد مرفوع عسى.

«و» ربما جاء «خبر (جعل) [جملة] اسمية» كقوله: وقد جعلت قلوص بني سهيل *** من الأكوار مرتعها قريب وعلى ذلك خرج بعضهم ما حكاه ثعلب من قولهم: عسى زيد قائم، فجعل (عسى) ناقصة، واسمها ضمير الشأن، والجملة الاسمية الخبر. «أو فعلية مصدّرة بـ (إذا)» كقول ابن عباس رضي الله عنهما: (فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا) وكقول الشاعر:

وقد جعلت إذا ما حاجتي نزلت *** بباب دارك أدلوها بأقوم «أو كلما» يعني: أو جملة فعلية مصدرة بـ (كلما) كما في حديث البخاري: (فجعل كلما [جاء] ليخرج رمى في فيه بحجر). قال المصنف في التوضيح: وهذا منبه على أصل متروك، وذلك أن سائر أفعال المقاربة مثل (كان) في الدخول على مبتدأ وخبر، فالأصل أن يكون خبرها كخبر (كان) في وقوعه مفردًا وجملة اسمية وفعلية وظرفاُ، فترك الأصل والتزم كون الخبر مضارعًا، ثم نبه على الأصل - شذوذًا - في مواضع. «وندر إسنادها» أي/ إسناد (جعل) «إلى ضمير الشأن» ولم يقف الشارحون فيه على سماع يستند إليه فليطلب لذلك مثال. «ودخول النفي عليها» أي: على (جعل) كقول أنس رضي الله عنه: (فما

جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت)، وإنما الغالب دخول النافي على خبر أفعال الروع كقولك: جعل لا يكتب، وأنشا لا يسكت، وأما أفعال المقاربة فيدخل النافي عليها تارة، وعلى خبرها أخرى، نحو: {لم يكد يراها} ونحو: صحا القلب عن سلمى وقد كاد [لا] يسلو .....

«وليس المقرون بـ (أن) خبرًا عند سيبويه»، وذلك لأن (أن) وما بعدها بتأويل المصدر، فيلزم - في مثل قولك - عسى زيد أن يقوم - الإخبار بالحدث عن الجثة، وإنما المقرون بـ (أن) عند سيبويه مفعول به منصوب على إسقاط الخافض، والفعل بمعنى (قرب)، والتقدير: - في/ المثال المذكور - قرب زيد من أن يقوم، ثم حذف الجار توسيعًا، أو بجعل الفعل بمعنى (قارب)، فلا حذف، والمعنى: قارب زيد القيام. وأما القائلون بأن (أنْ) وما بعدها خبر، فيقدرون مضافًا: إما في الاسم، أي عسى حال زيد أن يخرج، أو في الخبر، أي عسى زيد صاحب أن يخرج، وفي هذا العذر تكلف؛ إذ لم يظهر المضاف الذي قدروه يومًا من الدهر لا في الاسم ولا في الخبر. واعتذر بعضهم بأنه من باب (زيد عدل وصوم)، وبعضهم بأن (أنْ) زائدة، وليس بشيء، لأنها قد نصبت؛ ولأنها لا تسقط إلا قليلًا. والكوفيون يرون أن (عسى) في ذلك فعل قاصر بمعنى (قرب)، و (أن) والفعل بدل اشتمال من فاعلها. ورد بأنه يكون - حينئذ - بدلًا لازمًا يتوقف عليه فائدة الكلام، وليس هذا شأن البدل. قلت: ولا مانع من أن يكون البدل لازمًا؛ لكونه هو المقصود بالحكم، وكونه تابعًا

لا يقدح في اللزوم، فقد رأينا بعض التوابع يلزم كوصف مجرور (رب) إذا كان ظاهرًا. «ولا يتقدم هنا» أي في هذا الباب الذي نحن فيه «الخبر»، فلا يقال: يفعل طفق زيد، ولا أن يفعل عسى زيد؛ لئلا يكثر مخالفة الأصل؛ ولجمود هذه الأفعال. وقد يعترض الأول بأن خبر (كان) يقع جملة ويتقدم، وبالثاني بأن (كاد)، و (أوشك) متصرفان. وقد يجاب بأن التزام كون الخبر جملة، خروج ثان عن الأصل، ففي التقديم ثلاث مخالفات، وبأن تصرف (كاد) و (أوشك) ناقص؛ إذ لا يستعمل منهما أمر. «وقد يتوسط»، أي الخبر نحو: طفق يخرجان الزيدان، وكاد يهلكون العطاة. وظاهر كلامه أن لا فرق في توسط الخبر بين المجرد والمقترن بـ (أن) نحو: عسى أن يخرجا غلاماك، وفي الثاني خلاف: أجازة المبرد والسيرافي والفارسي، وصححه ابن عصفور، ومنعه جماعة منهم الشلوبين. «وقد يحذف» أي الخبر «إن علم» كقول عمير بن ضابئ البرجمي:

هممت ولم أفعل وكدت وليتني *** تركت على عثمان تبكى حلائله وكان من خبره أن أباه ضابئ بن الحارث استعار من قوم كلبًا فأعاروه، ثم طلبوه، فرمى أمهم به، فرفعوه لأمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فلما دعي به ليؤدب، شد سكينًا في ساقه ليقتل بها عثمان، فعثر عليه، وأحسن أدبه، ففي ذلك يقول أبياتًا هذا آخرها. «ولا يخلو الاسم» لكونه مخبرًا عنه «من اختصاص»: إما بتعريف نحو: {فعسى الله أن يأتى بالفتح} وإما بغيره نحو: عسى سائل ذو حاجة أن يفتح الله عليه، واستظهر المصنف بقوله: «غالبًا» على مجيئه نكوة محضة كقوله: عسى فرج يأتي به الله إنه *** له كل يوم في خليقته أمر

أفعال المقاربة .......... المضارعة أي ..... عن الخبر، وظاهر هذا أنها في هذه الحالة فعل ناقص سدت (أن) وصلتها مسد جزءيه، وظاهر كلام الجماعة أنها فعل تام، ولا حاجة إلى القول بأنها استغنت عن الخبر، والمصنف خالفهم قائلًا: عندي أنها ناقصة دائمًا، أما في: عسى زيد أن يقوم، فظاهر، وأما

في: عسى أن يقوم زيد، فقدت سدت (أن) وصلتها مسد الجزءين كما في: {أحب الناس أن يتركوا}؛ إذ لم يقل أحد أن (حسب) خرجت في ذلك عن أصلها. «ولا يختلف لفظ المسند» وهو (عسى) مثلًا «لاختلاف ما قبله» في الإِفراد والتذكير وغيرهما، فتقول: زيد عسى أن يقوم، والزيدان عسى أن يقوما، والزيدون عسى أن/ يقوموا، وهند عسى أن تقوم، والهندان عسى أن تقوما، والهندات عسى أن يقمن، وإنما لم يختلف لفظ (عسى) في هذه الصور؛ لأنه مسند إلى (أن) وصلتها [لا] إلى ضمير ما قبله. «فإن أسند» أي الفعل الذي هو أحد الثلاثة (أوشك) و (عسى) و (اخلولق) «إلى ضميره» أي: ضمير ما قبله. «طابق صاحبه»، أي صاحب الضمير. «معها» أي: مع هذه الأفعال الثلاثة. «كما يطابق» المسند صاحب الضمير «مع غيرها» أي: غير هذه الأفعال، فتقول: هند عست أن تقوم، والزيدان عسيا أن يقوما، والزيدون عسوا أن يقوموا، والهندان عستا أن تقوما، والهندات عسين أن يقمن، وكذا يقال: في (أوشك) و (اخلولق). «أو كان» الضمير «الحاضر» نحو: عسيت أنا وعسيت أنت. «أو

غائبات» نحو: الهندات عسين. «جاز كسر السين» من (عسى) والفتح هو الأصل والأكثر، وبالكسر قرأ نافع، وكأن الكسر حينئذ كالعوض عما فات من إجازة إمالة فتحتها لمناسبة ما بعدها، وإنما لم تجز الإمالة حينئذٍ؛ لأنها إنما تقع قبل ألف أو راء أو تاء تأنيث. «وقد يتصل بها» أي (عسى) «الضمير الموضوع للنصب»، فيقال: عساني وعساك وعساه «اسمًا عند سيبويه حملًا على (لعل)» في نصب الاسم ورفع الخبر، كما أجريت (لعل) مجراها في اقتران خبرها بـ (أن) كما في قوله: لعلك يومًا أن تلم ملمة *** عليك من اللاتي يدعنك أخرعا

الأخرع –بالخاء - المعجمة والراء - الضعيف، يقال: خرع الرجل خرعًا كفرح فرحًا، أي ضعف، وضبطه بعضهم بالجيم والدال المهملة من (الجدع)، وهو قطع الأنف وقطع الأذن وقطع اليد والشفة، وهو [هنا] كناية عن الإِذلال، أي: لعلك أن تنزل بك حادثة من الحوادث اللاتي يتركنك ذليلًا. «وخبرًا مقدمًا عند المبرد» والفارسي، فهي باقية على إعمالها عمل (كان)، ولكن قلب الكلام، فجعل الخبر مخبرًا عنه وبالعكس، ورد قولهما هذا بأنه يستلزم - في قول الشاعر: ..................... *** يا أبتا عللك أو عساك

الاقتصار على فعل ومنصوبه دون مرفوعه. ولهما أن يجيبا بأن المنصوب هنا مرفوع في المعنى، إذ مدعاهما أن الإعراب قلب المعنى بحاله. «ونائبًا عن المرفوع عند الأخفش» فهي عنده أيضًا باقية على عملها عمل (كان)، ولكن استعير ضمير النصب مكان ضمير الرفع.

ويرده أمران: أحدهما: أن إنابة ضمير إنما تثبت في المنفصل نحو: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا، وأما قوله: يا ابن الزبير طال ما عصيكا *** ............................. فالكاف بدل عن التاء بدلًا تصريفيًا، لا من باب إنابة ضمير كما ظنه المصنف. والثاني: أن الخبر ظهر مرفوعًا فر قوله: فقلت: عساها نار كأس وعلها *** تشكى فآتي نحوها فأعودها

«وربما اقتصر عليه»، أي: على الضمير الموضوع للنصب كقوله: ولي نفس أقول لها إذا ما *** تنازعني لعلي أو عاني «ويتعين عود ضمير من الخبر إلى الاسم» فلا يكون الرابط حينئذِ إلا الضمير دون بقية الروابط، ثم لا يكون ذلك الضمير إلا نفس الفاعل. «وكون الفاعل غير قليل»، فهما مسألتان كما ذكر، فلا يجوز: كاد زيد يقوم بكر أصلًا، ولا: كاد زسد يموت أبوه، إلا في القليل كقوله

وقد جعلت إذا ما قمت بثقلني *** ثوبي فأنهض نهض الشارب الثمل وبعضهم أوّل ذلك على أن المعنى: أثقل بثوبي.

وأنت خبير بأنه يلزم على الحكم الأول أن يكون [اسم] هذه الأفعال ضمير الشأن، نحو: كاد يقوم أخاك ويرد عليه قوله تعالى: {من بعد ما كاد يزيغ قلوب قريق منهم} على قراءة من قرأ (يزيغ) بباء الغيبة؛ إذ لا يجوز أن يكون من باب التنازع وإلا وجب تأنيث أحد الفعلين لإسناده إلى ضمير المؤنث، وإنما هو على إضمار ضمير الشأن في (كاد)، ولا يخفاك أن هذا بظاهره معارض لقوله: - قبل في (جعل) - وندر إسنادها إلى ضمير شأن. «وتنفى (كاد) إعلامًا بوقوع الفعل عسيرًا» نحو: {فذبحوها وما كادوا يفعلون}، لكن لا نسلم أن الدال على وقوع الفعل كذلك هو نفي (كاد)، وإنما

الدال على ذلك قرينة تعنتهم في قولهم {أتتخذنا هزوًا} و {آدع لنا ربك يبين لنا ما هىَ}، {آدع لنا ربك يبين لنا مالونها} {ادع لنا ربك يبين لنا ما هىَ} وهذا التعنت دأب من لا يفعل ولا يقارب الفعل، وأنه إن فعل فبعسر وعدم سهولة. وقال المصنف: وقد يقول القائل: لم يكد زيد يفعل، ومراده أنه فعل بعسر لا بسهولة، وهو خلاف الظاهر الذي وضع له اللفظ أولًا. فكلامه في الشرح ظاهر في مخالفة كلامه في المنن. «أو» إعلامًا «بعدمه» أي: بعدم الفعل. «وعدم مقاربته» كقوله تعالى {إذا أخرج يده لم يكد يراها}، أي: لم يرها، ولم يقارب رؤيتها. والحق أن (كاد) كغيرها من الأفعال، فإثباتها لمعناها، وهو مقاربة الفعل نحو: كاد زيد يقوم، أي: قارب، لكن يلزم من ذلك نفي مضمون الخبر؛ لأن قربك

من الفعل لا يكون إلا مع انتفاء الفعل منك؛ إذ لو حصل الفعل منك لكنت آخذًا فيه لا قريبًا منه، ونفيها نفي لمعناها، وهو مقاربة الفعل أيضًا، نحو: ما كاد زيد يقوم، فهو نفي للقرب من الفعل، وهو أبلغ من نفي الفعل نفسه، فإن قولك ما قلابت من الضرب. آكد في نفي الضرب من قولك: ما ضربت، بلى قد يجئ مع نفي (كاد) قرينة تدل على ثبوت مضمون الخبر بعد انتفائه وبعد انتفاء القرب منه، فتعمل على حسب تلك القرينة، وهي المفيدة حينئذ لثبوت مضمون الخبر لا نفي (كاد) كما قدمناه، فالمصنف لم يحرر القول في ذلك. وذهب قوم إلى [أن] إثبات (كاد) نفي ونفيه إثبات؛ تمسكًا لا لآية الكريمة، وبقول ذي الرمة: إذا غير النأي المحبين لم يكد *** رسيس الهوى من حب مية يبرح

وقد اشتهر هذا القول حتى نظمه المعري لغزًا فقال: أنجويّ هذا العصر ما هى لفظة *** جرت في لساني جرهم وثمود إذا نفيت - والله ألعم - أثبتت *** وإن أثبتت قامت مقام جحود

وقد علمت ما فيه. قال ابن الحاجب في شرح المفصل: لو صح قولهم في ذلك لكانت (قارب) كذلك في قولك: قارب زيد الخروج، وما قاربه. والحق أن استفادة الإِثبات ليس من قوله تعالى: { ... وما كادوا يفعلون}، بل [من] قوله تعالى: { ... فذبحوها .... }. وثم مذهب ثالث، وهو التفصيل بين نفي الماضي، فيكون إثباتًا نظرًا إلى ظاهر الأفعال نظرًا إلى { .... لم يكد يراها ..... } والصحيح ما قررناه. «ولا تزاد» (كاد) «خلافًا للأخفش» فإنه أجاز زيارتها تمسكًا بقوله تعالى: {إن الساعة ءاتية آكاد أخفيها} [وأول بأن المعنى: أكاد أخفيها]، فلا أقول: هى آتية. «واستعمل مضارع كاد» نحو: {لم يكد يراها} «وأوشك» نحو:

يوشك من فر من منيته *** ................................ «وجعل» حكى الكسائي: (إن التعبير ليهرم حتى يجعل إذا شرب [الماء] مجه)، وفيه شاهد ثانِ، وهو ورود الخبر جملة فعلية مصدرة بإذا. «وندر اسم فاعل (اوشك)» وهذه الإضافة كما في قولهم: حب زمان زيد، فإن القصد إلى إضافة الحب المختص بكونه للرمان إلى زيد، وكذا القصد إلى إضافة الاسم المختص بالفاعل إلى (أوشك)، وتحقيقه: أن مطلق / الحب مضاف إلى الرمان، والحب المقيد بالإضافة إلى الرمان مضاف إلى زيد، وكذا ما نحن فيه كقوله: فإنك موشك أن لا تراها *** وتعدو دون غاضرة العوادي

«وكاد» كقول كثير: أموت أسىً يوم الرجام وإنني *** يقينًا لرهن بالذي أنا كائد قال المصنف: أراد: بالموت الذي كدت آتيه، فأقام اسم الفاعل مقام الفعل.

وقد حكى الجوهري مضارع (طفق)، وقد سلف، قال المصنف: ولو أره لغيره. قلت: وحكى ابن ظفر في شرح المقامات: عسيت أعسى. قال النيلي: وعلى هذا فيقال: (عاسٍ). وقال العماني: في شرح الفصيح: وزعم بعضهم أنه يقال: عسى يعسو وعسى يعسى، فتكون على هذا متصرفة. انتهى.

وفي حلى العلا لعبد الدائم القيرواني: لا يقال - من (عسيت) - يفعل ولا فاعل، إلا أن أبا زيد حكى (عسٍ)، قال: قد قال المعري: عساك تعذر (إن قصرت] في مدحي فإن مثلي بهجران القريض عسي قال النيلي: إن (عسٍ) هناك بمعنى (خليق 9.وقد وقع هذا الوهم بعينه للمصنف في شرح الكتاب، وذلك أنه قال في باب التعجب:

شذ قولهم: ما أعساه، وأعس به، بمعنى: ما أحقه، وأحقق به، فبنوه من فعل غير متصرف. وهذا أشد في الغلط، لأنه معترف بالمعنى، مع توهمه أن الفعل جامد، وأنه (عسى) التي للمقاربة.

الباب الخامس عشر «باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر»

الباب الخامس عشر «باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر» قال ابن قاسم: إنما قال: (الأحرف) ولم يقل (الحروف)؛ لأنها جمع قلة، وقد انتقد المبرد وابن السراج على سيبويه قوله: (الحروف)، واعتذر عنه بأنه من وضع جمع الكثرة موضع جمع القلة كقوله تعالى: {ثَلاَثَةَ قُروءٍ}، أو بأنها جمع كثرة باعتبار ما يعرض لها من اللغات والتغيير. قلت: التفريق بين جمع القلة وجمع الكثرة بأن الأول للعشرة فما دونها، والثاني لما فوق العشرة، أمر قد اشتهر وشاع قديما وحديثا بين الطلبة والعلماء، ووقع لمولانا سعد الدين التفتازاني في التلويح زيادة كلام في ذلك فقال: واعلم أنهم لم يفرقوا في هذا المقام بين جمع القلة وجمع الكثرة، فدل بظاهره على أن التفريق بينهما إنما هو في جانب الزيادة، بمعنى أن جمع القلة مختص بالعشرة فما دونها، وجمع الكثرة غير مختص، لا أنه مختص بما فوق العشرة، وهذا أوفق بالاستعمالات، وإن صرح بخلافه كثير من الثقات. هذا كلامه، ويعني بالمقام المشار إليه مقام التعريف بما يفيد الاستغراق، يريد أن العلماء لم يفرقوا في هذا المحل بين: {فَاقْتُلُوا

الْمُشْرِكِينَ}، و (أكرم العلماء) مثلاً، حيث جعلوا كلا منهما شاملا للثلاثة وما فوقها إلى غير النهاية، فدل عدم التفريق بحسب الظاهر في هذه الحالة على أن التفريق بينهما في حالة كونهما منكرين إنما هو في جانب الزيادة كما قال. وحاصله أم الجمعين متفقان باعتبار المبتدأ مفترقان باعتبار المنتهى، فمبدأ كل منهما الثلاثة، ومنتهى جمع القلة العشرة، ولا نهاية لجمع الكثرة. وبهذا التقرير لا يحتاج أن نقول: - في محل من المحال- هذا مما استعير فيه جمع الكثرة لجمع القلة نحو: (ثلاثة قروء)، وينحل الإشكال المعروف، فيما إذا أقر بدراهم، حيث قالوا: يقبل تفسيره بثلاثة، واستشكل بأنه جمع كثرة، وأقله أحد عشر، وأجابوا بأم جمع الكثرة يطلق على جمع القلة مجازا، والأصل براءة الذمة مما زاد، فقبلنا نفسيره بثلاثة لذلك، وهذا غير سديد، إذ لا يقبل من اللافظ بحقائق الألفاظ في الأقارير التفسير بالمجاز؛ ألا ترى أن من أقر بأفلس لا يقبل منه التفسير بفلس واحد، وإن صح إطلاق الجمع على الواحد مجازا؟ . وإذا نظرن إلى التقرير خرج الجواب سديدا، فإنا نمنع كون جمع الكثرة للثلاثة مجازا، بل هو لكل من الثلاثة والأربعة إلى ما لا نهاية له حقيقة كما عرفت فإذن لم يقبل تفسيره بمجاز أصلا، فلا إشكال، فتأمله.

«وهي (إن)» بكسر الهمزة «للتوكيد» ولم يذكر (أن) المفتوحة اقتداء بسيبويه والمبرد في المقتضب ولبن السراج في الأصول. وإنما تركوا عدها لأنها فرع المكسورة؛ و [لذا] أورد المصنف أن قضية هذا أن لا تعد (كأن)، وأجاب بأن أصل (كأن) منسوخ لاستغناء الكاف عن متعلق، وبساطة (أن)، و (إن) غير مختلف فيها «و (لكن)» بتشديد النون، ومذهب البصريين أنها بسيطة، وقال الفراء: أصلها (لكن) (إن)، فطرحت الهمزة للتخفيف، ونون (لكن) للساكنين، وقال بافي الكوفيين: [مركبة] من (لا) و (أن) والكاف زائدة لا التشبيهية، وحذفت الهمزة للتخفيف. قلت: الكاف التشبيهية واللزائدة كل منهما مفتوح، فمن أين هذه الكسرة؟ . «للاستدراك»، وهو أن تنسب لما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها؛ ولذلك لا بد أن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها، محو: ما هذا ساكنا، لكنه متحرك، أو ضد له نحو: ما هذا أبيض، لكنه أسود، أو خلاف [له]-[على خلاف فيه]- نحو: ما هذا قائما لكنه شارب. فإن قلت: إذا نسبت إلى ما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها حصل المقصود من

استفادة تخالف الحكمين، فما معنى الاستدراك؟ وماذا أفاد هذا الحرف؟ قلت: أفاد أن ما يأتي من الحكم مخالف لما قبله من أول الأمر، فإذا ذكر الحكم استفيدت المخالفة من جوهر اللفظ تفصيلا، وأفاد الحرف المخالفة في ابتداء الأمر إجمالا. «و (كأن) للتشبيه» سواء كان خبرها جامدا أو مشتقا، وقال الزجاج: هي للتشبيه إن كان الخبر جامدا نحو: كأن زيدا أسد، وللشك إن كان مشتقا نحو: كأنك قائم؛ لأن الخبر هو الاسم، والشيء لا يشبه بنفسه. وتندفع هذه الشبهة بأن المعنى: كأنك شخص قائم حتى يتغاير الاسم والخبر حقيقة فيصح تشبيه أحدهما بالآخر، إلا أنه لما قام الوصف مقام الموصوف، وجعل الاسم بسبب التشبيه كأنه هو الخبر بعينه، صار الضمير في الخبر يعود إلى الاسم لا إلى الموصوف المقدر؛ فلهذا تقول: كأني أمشي، وكأنك تمشي، والأصل كأني رجل أمشي، وكأنك رجل تمشي. كذا قدره الرشي. «وللتحقيق أيضا على رأي» ذهب إليه الكوفيون والزجاجي، وأنشدوا عليه: فأصبح بطن مكة مقشعرا *** كأن الأرض ليس بها هشام

إذ لا يكون تشبيها؛ لأنه ليس في الأرض حقيقة، وإنما المعنى أن بطن مكة اقشعر؛ لأن الأرض ليس بها هشام، وجاء معنى التعليل من جهة أن الكلام معها في المعنى جواب سؤال عن العلة مقدر، وأجيب بأمور: أحدها: أن المراد بالظرفية الكوزن في بطنها، لا الكون على ظهرها، فالمعنى: أنه كان ينبغي أن يقشعر بطن مكة مع دفن هشام فيه؛ لأنه لها كالغيث. والثاني: أنه يحتمل أن هشاما قد خلفه من يسد مسده، فكأنه لم يمت. فإن قلت: هذا يؤدي إلى أن يكون عجز البيت غير ملائم لصدره؛ وذلك لأن الصدر يتضمن أن بطن مكة اقشعر، والعجز يتضمن تشبيه فقد هشام بوجوده، باعتبار أنه خلف من ينوب منابه، ولا مناسبة بين هذين المعنيين، وإنما المناسب لتقدير وجود من يخلفه كون الأرض ناعمة غير مقشعرة. قلت: الصدر يتضمن أمرين/ بحسب منطوقه ومفهومه: فالمنطوق [هو] اقشعرار بطن مكة، والمفهوم هو عدم اقشعرار ظاهرها، فتقدير وجود هشام باعتبار أن ثم من يسد مسده- مناسب لهذا المفهوم، فارتبط العجز [حينئذ] بالصدر من حيث مفهومه لا من حيث منطوقه، ويكون البيت قد اشتمل على حذف العلة من الصدر، والمعلل من العجز؛ لأن اقشعرار بطن مكة معلل بدفنه فيها، وضمها لآشلائه،

فكأنها اقشعرت حزنا عليه، فحذفت هذه العلة، وتقدير وجود من يسد مسد هشام علة لعدم اقشعرار ظاهرها، وهذا المعلل محذوف لفهمه من صدر البيت. والثالث: أن الكاف للتعليل و (أن) للتوكيد، فهما كلمتان لا كلمة، ونظيره: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}، أي: أعجب لعدم فلاح الكافرين. وادعى ابن الخباز الإجماع على أن (كأن) حرف مركب، وليس كذلك نعم: هو مذهب الأكثرين، قالوا: والأصل- في (كأن زيدا أسد) - إن زيدا كأسد، ثم قدم حرف التشبيه اهتماما به، ففتحت همزة (إن) لدخول الجار. قال الزجاج وابن جتي: ما بعد الكاف جر بها. قال ابن جني: وهو حرف لا يتعلق بشيء؛ لمفارقته الموضع الذي يتعلق فيه بالاستقرار، ولا يقدر له عامل، لتمام الكلام بدونه، ولا هو زائد؛ لإفادته التشبيه. قال ابن هشام في المغني: وليس قوله بأبعد من قول أبي الحسن: إن كاف التشبيه لا تتعلق دائما. قال: ولما رأى أن الجار غير الزائد حقه التعلق دائما قدر الكاف هنا اسما بمنزلة (مثل) ثم لزم أن يقدر له موضعا، فقدره ميتدأ فاضطر إلى أن يقدر له خبرا لم ينطق

به قط، ولا المعنى مفتقر إليه. فقال: معنى (كأن زيدا أخوك) مثل أخوة زيد إياك كائن. وقال الأكثرون: لا موضع ل (أن) وما بعدها؛ لأن الكاف و (أن) صارا بالتركيب [كلمة] واحدة. قال ابن هشام: وفيه نظر؛ لأن ذلك في التركيب [لوضعي، لا في التركيب] الطارئ. قلت: وهذا تركيب وضعي، لأن واضع اللغة في معتقد هؤلاء [هو] الذي وضعه كذلك، وليس من الأمور التي طرأت في الاستعمال من غير أن يكون للواضع فيها مدخل. وأما إذا قلنا: بأنها بسيطة- كما ذهب إليه بعضهم- فلا إشكال. وترك المصنف حكاية مذهب الكوفيين في أن (كأن) تكون للتقريب، مع اشتهاره عنهم، وحملوا عليه: (كأنك بالشتاء مقبل) و (كأنك بالفرج آت) و: كأنيبك تنحط ..............................

و (كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل)، والصحيح أنها في ذلك كله للتشبيه، وخرج ذلك على وجوه: فقال الفارسي: الكاف حرف خطاب، والباء زائدة في اسم (كأن). [وقيل: الكاف اسم (كأن)]، وفي المثال الأول حذف مضاف، أي: كأن زمانك مقبل بالشتاء، ولا حذف في (كأنك بالدنيا لم تكن .... )، بل الجملة الفعلية خبر، والباء بمعنى في، وهي متعلقة ب (تكن)، وفاعل كن) ضمير المخاطب. فقال الفارسي: الكاف حرف خطاب، والباء زائدة في اسم (كأن). [وقيل: الكاف اسم (كأن)]، وفي المثال الأول حذف مضاف، أي: كأن زمانك مقبل بالشتاء، ولا حذف في (كأنك بالدنيا لم تكن .... )، بل الجملة الفعلية خبر، والباء بمعنى في، وهي متعلقة ب (تكن)، وفاعل (تكن) ضمير المخاطب. وقال ابن عصفور: الكاف والياء في (كأنك) و (كأني) كافتان ل (كأن) عن العمل، كما تكفها (ما)، والباء زائدة في المبتدأ. وقال ابن عمرون: المتصل ب (كأن) اسمها، والظرف خبرها، والجملة بعده حال، بدليل: (كأنك بالشمس وقد طلعت) بالواو، ورواية بعضهم: ( .... ولم تكن .... ولم تزل) بالواو، وهذه الحال متممة لمعنى الكلام، كالحال في قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}، وكـ (حتى) وما بعدها في قولك: مازلت

بزيد حتى فعل. وقال المطرزي: الأصل كأني أبصرك تنحط، وكأني أبصر الدنيا لم تكن، ثم حذف الفعل، وزيدت الباء. وقال الرضي: الأولى أن لا يحكم بزيادة/ شيء ونقول: التقدير كأنك تبصر بالدنيا، أي: تشاهدها، من قوله تعالى: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ}، والجملة بعد المجرور بالباء حال، أي: كأنك تبصر بالدنيا وتشاهدها غير كائنة، ألا ترى إلى قولهم: (كأني بالليل وقد أقبل) و (كأني يزيد وهو ملك)؟ والواو لا تدخل [على] الجمل إذا كانت أخبارا لهذه الحروف. «و (ليت) للتمني» وهو طلب حصول شيء مستحيل، أو ممكن غير متوقع على سبيل المحبة، ثم تعلقه بالمستحيل كثير، نحو: ليت الشباب يعود، وبالممكن قليل، نحو: ليت زيدا يحسن إلى من أساء إليه، ولكن يجب في التمني- إذا كان متعلقه ممكنا، كهذا- أن لا يكون [لك] توقع وطماعية في وقوعه، وإلا صار ترجيا. «و (لعل) للترجي» وهو الطمع في حصول أمر محبوب ممكن الوقوع. «والإشفاق» وهو توقع أمر ممكن مخوف. «والتعليل» قال الأخفش: نحو: قول الرجل [لصاحبه]:

افرغ لعلنا نتغدى. والمعنى لنتغدى، وهي في ذلك- عند الأكثرين- للترجي «والاستفهام» وهذا إنما قال به بعض الكوفيين، وتبعهم المصنف، وجعل منه قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لبعض الأنصار، وقد خرج إليه مستعجلا- (لعلنا أعجلناك)، والآية عند غيرهم محمولة على الترجي، والحديث على الإشفاق. «ولهن» أي لهذه الأحرف المذكورة «شبه بـ «كان» الناقصة، في لزوم المبتدأ والخبر» فخرج باللزوم (ألا) و (أما) الاستفتاحيتان؛ لأنهما يدخلان على الجملة الاسمية تارة، وعلى الفعلية أخرى، فلا يلزمان الدخول على المبتدأ والخبر. «والاستغناء بهما» عند دخول (كان) عليهما بحيث يستقل الكلام، ولا يحتاج معها إلى شيء آخر، وخرج بهذا القيد (لولا) الامتناعية، و (إذا) الفجائية، فإنهما- وإن أشبها (كان) في لزوم المبتدأ والخبر- لكنهما يفارقانها من حيث افتقار (لولا) إلى جواب، و (إذا) إلى كلام سابق، فتقرر بذلك وجه الشبه بين (كان) الناقصة وهذه الأحرف الناسخة. «فعملت عملها» أي: عمل (كان)، والأولى أن لو قال: فعملن عملها. «معكوسا ليكونا» أي: المنصوب والمرفوع «معهن» أي: مع هذه الأحرف. «كمفعول قدم وفاعل أخر، تنبيها على الفرعية» لأن الأصل تقديم المرفوع على المنصوب والعكس فرع. «ولأن معانيها» أي: معاني هذه الأحرف، والأولى: لأن

معانيهن. «في الأخبار» إذ لا يتحقق التأكيد والتشبيه إلى آخرها إلا باعتبار أخبارها. «فكانت» أي: الأخبار، والأولى: فكن «كالعمد، والأسماء كالفضلات، فأعطيا» أي: قسم الأخبار وقسم الأسماء. «إعرابيهما» أي: إعرابي العمد والفضلات فنصبت الأسماء ورفعت الأخبار. والاعتراض على هذا الكلام متوجه من حيث أن هاتين العلتين ثابتتان في (ما) الحجازية، ولم يقدم منصوبها. وغير المصنف قدر العلة على وجه سالم من هذا الخدش بأن قال: هذه الأحرف مشابهة للفعل المتعدي، [ووجه الشبه أنها] تقتضي أمرين، كما أن الفعل المتعدي يقتضي أمرين، أما في الفعل [المتعدي] فظاهر، وأما في هذه الأحرف؛ فلأنها تقتضي النسبة في الجملة الاسمية، والنسبة تقتضي أمرين هما طرفا النسبة، فتعمل فيهما كعمل الفعل المتعدي في متعلقيه. وأما تقديم المنصوب على المرفوع فلوجهين: أحدهما: أن لفظ بعضها يشبه لفظ الفعل، فإن (أن) التي هي من جملة هذه الأحرف تشبه (أن) في قولك: (أن) زيد قائما، من الأنين، والمرفوع في الفعل مقدم على المنصوب، فعكس هنا؛ ليحصل الفرق بين ما هو فعل وما هو حرف من أول الأمر.

والثاني: أن الفعل له عملان: أصلي، وهو أن يقدم مرفوعه على منصوبه، وفرعي، وهو أن يكون على العكس، وعمل هذه الأحرف فرع على عمل الفعل؛ لأنها عملت بمتشابهته فأعطيت من عمل الفعل ما هو فرعي. فإن قلت: يرد على الثاني النقض بعين ما أسلفته. قلت: لعل التعليل بمجموع الوجهين لا بكل منهما، فلا يرد. وقد يقال: هذه الأحرف مشابهة للفعل لفظا ومعنى: أما الأول: فلأن منها ما هو ثلاثي- وهو (إن) و (أن) و (ليت) - ومنها ما هو رباعي، - وهو- (لعل) - ومنها ما هو خماسي، وهو (لكن)؛ ولأنها مبنية على الفتح كالفعل. وأما الثاني: فلأن معانيها كمعاني الأفعال، كأنك قلت: أكدت وشبهت واستدركت وتمنيت وترجيت، وحينئذ فلا ينتقض بـ (ما) الحجازية أصلا. «ويجوز نصبهما» أي: نصب الجزأين «بـ (ليت)، عند الفراء وبالخمسة عند أصحابه» ومذهب الجمهور عدم الجواز مطلقا، «وما استشهد به» لكل من المذهبين «محمول على الحال، أو على إضمار فعل، وهو رأي الكسائي» لكن حمله على الحال إنما يتجه فيما هو نكرة، والثاني يمكن في النكرة والمعرفة، فيحمل ما استشهد به الفراء من قول الشاعر:

يا ليت أيام الصبا رواجعا على أن (رواجعا) حال من ضمير مستكن في فعل محذوف تقديره: أقبلت: أو على أنه خبر لـ (تكون) محذوفة، أي تكون رواجعا، ويحمل ما استشهد به غيره من قول عمر بن أبي ربيعة: إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن *** خطاك خفافا إن حراسنا أسدا على أن [أسدا] حال من محذوف، أي: تلقاهم أسدا، أو خبر لـ (تكون) مضمرة، أي: يكونون، وهذا رأي الكسائي، وله- رحمه الله- إقدام على إضمار (كان)، فقد قال به في: {انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}. وقد تبين بهذا أن في قول المصنف: (إضمار فعل) إجمالا. وقد يجاب بأنه لما جعل إضمار الفعل قسيما لوجه الحال، وجب أن يكون الفعل المضمر لا يكون معه الجزء الثاني المنصوب حالا، وإلا لم تصح المقاسمة، فوجب أن يقدر الكسائي (كان) وهذا حسن. وبالجملة فكان الأولى به أن يقول: وما استشهد به محمول على الإضمار،

والمضمر (لنا) أو (أقبلت) لا (كان) خلافا للكسائي. «وما لا تدخل عليه (دام)» وهو المبتدأ المخبر عنه بطلبي مفردا أو جملة والمبتدأ الذي يلزم التصدير أو الحذف أو عدم التصرف أو الابتدائية لنفيه أو لمصحوب لفظي أو معنوي كما مر. وقد سبق أن الإنشاء الذي ليس بطلبي حكمه حكم الطلبي (لا تدخل عليه هذه الأحرف) ومن هنا يعلم أن جملتي (نعم) و (بئس) خبريتان لا إنشائيتان لقوله تعالى: {[إِنَّ اللَّهَ] نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}، ولقوله تعالى: {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وسيأتي في ذلك كلام في [باب] (نعم) و (بئس) إن شاء الله تعالى. «وربما دخلت (إن) على ما خبره نهي» كقوله: إن الذين قتلتم أمس سيدهم لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما وقد مر في باب المبتدأ والخبر ما يعرف به وجه التأويل في ذلك، وسيأتي أن (أن) المخففة من الثقيلة قد يكون خبرها طلبيا، وذكر أبو حيان عن الفارسي في

تفسير: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} أنها مخففة من الثقيلة، ورده بأن المشهور أن الجملة الطلبية لا تقع خبر (إن)، ولذلك أولوا: إن الذيم قتلتم ... *** ........................................................... البيت: ............................. *** إني عسيت صائما وفي الكشاف: (لا تكون مخففة من الثقيلة)؛ لأ، هـ لابد من (قد). وقال بعض المتأخرين: الحق أن الطلبية معنى/ الخبرية لفظا تجوز، نحو: (اللهم إني أسألك رحمة من عندك) [الحديث] (اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم)، وكثرة ذلك في الحديث معروفة، ولا يجوز: إني بعتك، ولا إنك طالق، بقصد الإنشاء، والفرق أن الطلب يقبل التأكيد؛ لتأخر متعلقة فيؤكد طلبه كما تؤكد النسبة الخبرية، بخلاف الإنشاء الذي وقع متعلقه معه فلا يقبل التأكيد.

«وللجزأين» وهما الاسم والخبر. «بعد دخولهن» أي: دخول (إن) وأخواتها. «ما لهما مجردين» من الأقسام: ككون المبتدأ لعين أو معنى، وكون الخبر مفردا أو جملة، ومن الأحوال: كجواز حذف الخبر لدليل، ومن الشروط: كعود ضمير من الخبر إلى المبتدأ. «لكن يجب هنا تأخير الخبر» لضعف هذه العوامل بالحرفية. «وما لم يكن ظرفا» نحو: إن عندك زيدا. «أو شبهه» أي: جارا ومجرورا نحو: إن في الدار عمرا. «فيجوز توسيطه» كما رأيت، لما سمعت غير مرة من توسعهم في الظروف والجار والمجرور. والمراد بالجواز ما يقابل الامتناع، لا ما يقابل الزجزب؛ ليدخل نحو: إن في الدار صاحبها. «ولا يخص حذف الاسم المفهوم معناه بالشعر» بل يجوز حذفه في النثر والنظم، سواء كان ضمير شأن أو غيره كقولهم: إن بك زيد مأخوذ، وقوله: إن من يدخل الكنيسة يوما *** يلق فيها جاذرا وظباء

أي: إنه بك زيد مأخوذ، وإنه من يدخل الكنيسة، فهذا مثال حذف الاسم الذي هو ضمير شأن نثرا ونظما، وكقولهم: إن بك مأخوذ أخواك، وكقوله: فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي *** ولكن ونجي عظيم المشافر أي: إنك بك مأخوذ أخواك، ولا يجوز أن يقدر المحذوف ضمير شأن، لأنه لا يفسر بمفرده، وتقدير البيت: ولكنك زنجي. فهذا مثال حذف الاسم الذي هو غير ضمير شأن نثرا ونظما. قال المصنف: ووقوع ذلك في الشعر أكثر. «وقل ما يكون» المحذوف «إلا

ضمير شأن» وهذا الذي ذكره المصنف من أن حذف الاسم يجوز في الكلام، [وأكثر ما يكون ضمير شأن هو أحد القوال الثلاثة. والثاني: أنه مختص بالشعر، قاله السخاوي في شرح المفصل. والثالث: أنه يجوز في الكلام] إلاإن كان ضمير شأن فلا يحسن حذفه إلا في الضرورة. «وعليه يحمل» الحديث الوارد: «إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» فيكون التقدير: إنه من أشد الناس. و (المصورون) مبتدأ خبره الظرف المتقدم. «لا على زيادة (من)» داخلة على اسم (إن) «خلافا للكسائي». فإنه لا يتحاشى من زيادة (من) في الكلام الموجب، ولا من دخولها زائدة على المعرفة، ولكن المعنى لا يساعد على تخريجه، فإن المصورين ليسوا أشد عذابا من سائر الناس. «وإذا علم الخبر جاز حذفه مطلقا» للقياس على حذف الخبر في غير هذا الباب؛ وللسماع، ففي التنزيل {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ}، وفيه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وقال الشاعر:

سلوا أن حيا من قريش تفضلوا *** على الناس أو أن الأكارم نهشلا وقال الآخر: إذا قيل سيروا إن ليلى لعلها *** جرى دون ليلى مائل القرن أعضب فالخبر في ذلك محذوف؛ للعلم به، أي لهم عذاب شديد، وتفضلوا، وقريبة. «خلافا لمن اشترط تنكير الاسم» كقوله: إن محلا وإن مرتحلا *** وإن في السفر إذ مضوا مهلا وبقي على المصنف قول الفراء: إنه يشترط مع التنكير تكرير (إن) كالبيت.

«وقد يسد مسده واو المصاحبة والحال» بالرفع عطفا على فاعل (يسد)، وهو (واو المصاحبة)، أما الواو المذكورة فمثاله ما حكاه سيبويه: (إنك ما وخيرا)، أي: إنك مع خير و (ما) زائدة، والخبر محذوف وجوبا مثل: (كل رجل وضيعته)، وقد عرفت ما فيه في [باب] النبتدأ والخبر./ وحكى الكسائي: (إن كل ثوب وثمنه)، وقال الشاعر: فدع عنك ليلى إن [ليلى] وشأنها *** وإن وعدتك الدهر لا يتيسر وأما الحال فكقولك: إن ضربي زيدا قائما، وقول الشاعر: إن اختيارك ما ترجوه ذا ثقة *** بالله مستظهرا بالحزم والجلد «والتزم الحذف في (ليت شعري) مردفا باستفهام» كقوله: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة *** بواد وحولي إذخر وجليل

الشعر: بمعنى الفطنة، مصدر من قولك: (شعرت، أشعر) كنصرت أنصر. قال سيبويه: أصله ليت شعرتي، حذفوا الهاء في الإضافة، كما في قولهم: أبو عذرها. قال الرضي: فلعله لم يثبت عنده مصدرا إلا بالهاء، كـ (النشدة)، وإلا فلا موجب لجعل المصدر من باب الهيئة، كـ (الجلسة) و (الركبة)، والمعنى: ليت علمي بجواب هذا الاستفهام حاصل. قال ابن قاسم: نسب الرضي القول بذلك- أي: بسد الاستفهام مسد الخبر- إلى ابن يعيش، واستشكله بأن محل خبر (شعري) الذي هو مصدر بعد جميع ذيوله من فاعله ومفعوله، فمحله بعد الاستفهام، فكيف يكون الاستفهام في مقام الخبر،

ومقامه بعده! ! ، بل هو خبر وجب حذفه بلا ساد مسده؛ لكثرة الاستعمال. انتهى. وذهب المبرد والزجاج إلى أن جملة الاستفهام هي الخبر، وموضعها رفع، ونسبه في الإيضاح إلى سيبويه، قال: وتحقيقه: أن (شعري) بمعنى مشعوري، والجملة نفس المبتدأ، فلا يحتاج إلى ضمير. قلن: الذي ينبغي- على تقدير أن يكون (شعري) بمعنى مشعوري- أن يكون الأصل: ليت مشعوري جواب (هل قام زيد)، والجملة مراد بها لفظها، أي: جواب هذا اللفظ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فالمعنى: ليت معلومي قيام زيد أو عدم قيامه؛ لأن أحد هذين الأمرين هو جواب هذا الاستفهام، وإلا فلو لم يعتبر هذا الحذف لم يستقم ظاهرا. فإن قلت: أين الاستفهام الذي أردف به (ليت شعري) في قول أبي طالب: ليت شعري مسافر بن أبي عمـ *** رو (ليت) يقولها المحزون؟ قلت: ادعى ابن الحاجب أنه محذوف، والتقدير: أنجتمع أم لا؟ ،

[والمسافر منادى]، وتبعه الرضي الاستراباذي على ذلك، وهو سهو منهما عن قوله بعد هذا: أي شيء دهاك أم غال مرا *** ك، وهل أقدمت عليك المنون فهذا هو الاستفهام الذي أردف به (ليت شعري) في البيت الأول، فلا حذف أصلا، وغايته أن وقع الفصل باعتراض. «وقد يخبر هنا» في باب (إن) «- بشرط الإفادة- عن نكرة بنكرة» كقول إمرئ القيس: وإن شفاء عبرة مهراقة *** ..........................................................

كذا رواه سيبويه بتنكير (شفاء). «أو بمعرفة» كما حكاه سيبويه [من قولهم]: إن قريبا منك زيد، وإن بعيدا منك عمرو: وكقول الفرزدق: وإن حراما أن أسب مجاشعا *** .................................................... وقد سبقت هذه المسألة في باب (كان)، ولم يكن بالمصنف داع إلى تكريرها. «ولا يجوز [نحو]: (إن قائما الزيدان)، خلافا للأخفش والفراء ولا [نحو]: ظننت قائما الزيدان خلافا للكوفيين» فجوزوا في الصورتين دخول الناسخ على الوصف الرافع للفاعل.

«فصل» في المواضع التي تكسر فيها همرزة (إن) أو تفتح

قال الرضي: وكلاهما بعيد عن القياس؛ لأن الصفة لا تصير مع فاعلها جملة كالفعل، إلا مع دخول ما يناسب الفعل عليها كمعنى النفي والاستفهام، أو دخول ما لا بد من تقديرها فعلا بعده كاللام الموصولة، وأما (إن) و (ظننت) فليستا من ذينك في شيء، بل هما/ يطلبان الاسمية، فلا يصح تقديرها فعلا بعدهما. «فصل» في المواضع التي تكسر فيها همرزة (إن) أو تفتح. «ويستدام كسر (إن)» وهي الأصل على الصحيح؛ لأن الجملة بعد دخولها باقية على جمليتها لا تتغير عما كانت عليه؛ ولأنها مستغنية بمعموليتها عن زيادة، بخلاف [أن] المفتوحة في الوجهين. «ما لم تؤول هي ومعمولاها بمصدر». قال ابن قاسم، وإنما قال: (بمصدر)، لم يقل: (بمفرد، لأنها إذا أولت بمفرد غير مصدر لم تفتح كما في قولك: ظننت زيدا إنه قائم، فهي هنا واجبة الكسر وإن كانت في موضع مفرد وهو المفعول الثاني. قلت: أما أنها مع جزئيها في محل مفرد فصحيح، وأما أنها مؤولة معهما بمفرد فليس كذلك؛ إذ لا يلزم في الجملة الحالة محل المفرد أن تؤول به، والتأويل إنما يكون في المصدرية. «فإن لزم التأويل لزم الفتح، وإلا» يلزم التأويل، بل كان جتئزا «فوجهان». وهما الكسر والفتح.

«فلامتناع التأويل كسرت: ميتدأة» أي: واقعة في ابتداء الكلام هي ومعمولاها، نحو: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} وسواء كانت في أول كلام المتكلم، نحو: إن زيدا قائم، أو كانت في وسط كلامه إذا كان ابتداء كلام آخر، نحو: أكرم زيدا إنه فاضل، فقولك: (إنه فاضل) كلام مستأنف وقع علة لما تقدمه. «وموصولا بها» مع جزءيها، نحو: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ}، وليست- في قولهم: (لا آتيه ما أن في السماء نجما) - موصولا بها هي ومعمولاها، بل مؤولة معهما بمصدر هو فاعل فعل محذوف، أي: ما ثبت أن في السماء نجما، والجملة الفعلية هي الصلة. وفي الجزولية الكبرى: أن الموصوف بها مثل الموصول بها في وجوب الكسر، وأهمله المصتف، وكذا فعل أكثرهم، ولكن في كتاب القصريات ما ملخصه: قدر سيبويه القسم في: (ما إن مفاتحه [لتنوء]). قال أبو الفتح بم جني: فسألت أبا علي: لم احتاج إلى ذلك؟ . فقال: (إن) تقطع الكلام، وليس حق الصلة أن تقطع عن الموصول.

قلت: قد يوصل بالشرط، وهو منقطع عما قبله. فقال: ليس انقطاعه كانقطاع (إن)، ألا ترى أن الشرط يوصف به؟ . فقلت: وكذا الوصف، يقال: مررت برجل إن زيدا خير منه. فقال: من قال هذا! ! أسمعته في شعر قديم، أو كلام فصيح! ! . فقلت: لا أحتاج إلى هذا، فإن القياس يوجبه. فقال: بل القياس ينفيه، فإن [إن] تقطع ما بعدها عما قبلها. قلت: فكذلك يمتنع: مررت برجل لزيد خير منه، فإن لام الابتداء تقطع. فقال: نعم، هو ممتنع لذلك، و (إن) واللام بمنزلة واحدة، وقد حكى أصحابنا أن بعضهم قرأ: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ}، وتأولوه على أنه أجرى (إن) مجرى اللام من حيث اجتمعا في جاةب القسم. قلت له: فليس في هذه الجملة قسم. فقال: بلى، {لا تحسبن} قسم، ألا ترى أن سيبويه أجاز: (حسبت لزيد خير منك)، و (حسبت ما زيد قائم). قلت له: فإنك تقول: (مررت برجل ما زيد خير منه)، و (جاء الذي ما زيد خير منه)، ولا تقدر قسما.

فقال: ليس لـ (ما) من الانقطاع ما لـ (إن) إذا كانت قسيمة الإيجاب، وداخلة عليه فأعطيت حكمه. انتهى. قلت: وقضية ما قاله أبو علي أن لا يوصل بالجملة المصدرة بـ (إن)، ولا يوصف بها، ولم يثلج لي ما علل به الامتناع، فتأمله. «وجواب قسم» مثل: والله إن زيدا قائم. قال ابن قاسم: وفيه خلاف سيأتي. قلت: ليس الخلاف في جواب القسم، وإنما هو في الواقع بعد قسم لا لام معه، كالمثال (المتقدم)، فمن أوجب الكسر جعله/ جواب قسم، ومن جوز الفتح لم يجعله جوابا، وإنما هو على تقدير (على)، أي: أقسم بالله على قيام زيد. «ومحكية بالقول» نحو: {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ}، فخرجت الواقعة بعد القول لا بقصد الحكاية، نحو: أخصك بالقول أنك فاضل، أي: لأنك [فاضل]، والواقعة بعد القول المراد به الظن، وسيأتي في باب (ظن). «وواقعة موقع الحال» سواء اقترنت بالواو، نحو: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}، أو لم تقترن بها نحو: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ

لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ}. «أو موقع خبر اسم معين» نحو: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. «أو قبل لام معلقة» نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}، وهذه لام الابتداء، [ولا تدخل إلا على المكسورة؛ لأن وضع لام الابتداء] [أن] تؤكد مضمون الجملة كـ (إن) المكسورة فهما سواء في المعنى. قال ابن قاسم: وزاد بعضهم موضعا ثامنا، وهو بعد (حيث)، وقد أولع عوام الفقهاء بالفتح بعدها. قلت: وهو صحيح؛ لأن (حيث) تضاف إلى الجنلة، وقد تضاف إلى المفرد كقوله: ونطعنهم حيث الكلى بعد ضربهم *** ببيض المواضي حيث لي العمائم

بجر (لي)، وكقول الآخر: أما ترى حيث سهيل طالعا *** ................................................................. بجر (سهيل)، فيجوز- إذن في (إن) الواقعة بعدها الوجهان. فإن قلت: إذافة (حيث) إلى المفرد نادر، فلا يحمل عليه. قلت: يجوز الفتح وإن قلنا: إنها مضافة إلى الجملة، بناء على أن (أن) ومعموليها بتأويل مصدر واقع في موضع مبتدأ الجملة لا في موضع مجموعها، وقد روي البيت الثاني برفع (سهيل) على أنه مبتدأ محذوف الخبر، أي حيث سهيل موجود، وحذف خبر المبتدأ الذي بعد (حيث) غير قليل. نعم: زاد ابن الخباز من مواطن وجوب الكسر أن تقع بعد (إذ)، وما أشبهها من الظروف الماضية، نحو: جئتك إذ إن زيدا قائم، ويوم إن عبد الله مسافر، فلو قلت: أجيئك يوم إن زيدا قائم، لم يجز؛ لأن هذا يعتبر بـ (إذا) الاستقبالية، ولا تضاف [إلا] إلى الجملة الفعلية، والصواب: يوم يقدم زيد.

«وللزوم التأويل فتحت بعد «لو» نحو: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} التقدير: ولو صبرهم، وعلى ماذا ارتفع؟ . قال ابن قاسم: مذهب سيبويه وأكثر البصريين أنه مبتدأ محذوف الخبر. قال ابن هشام: ولا يجوز إظهاره، محذفه بعد (لولا). وقال ابن عصفور: الذي أحفظه عن البصريين أنه مبتدأ لا خبر له؛ لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه. ومذهب الكوفيين والمبرد والزجاج على أنه فاعل بفعل محذوف، أي ولو ثبت صبرهم. [قلت: وهذا الذي اختاره المحققون] «ز» بعد «لولا» نحو {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}، وهو في موضع مبتدأ حذف خبره على الصحيح من الأقوال المتقدمة في باب المبتدأ. «و» بعد «ما» التوقيتية «نحو: اجلس ما أن زيدا قائم، لأنها لا تدخل إلا على الفعل؛ وذلك لأنها مصدرية، ويندر دخولها على الاسمية كما مر، فالتقدير: ما ثبت أن زيدا قائم، أي: ما ثبت قيامه. «وفي موضع مجرور» بحرف نحو: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ}، وإضافة نحو: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} «أو» في موضع «مرفوع فعل» فاعلا [كان] نحو: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا

أَنْزَلْنَا}، أو نائبه نحو: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ}، وهذا يغنيه عن مسألة (ما) التوقيتية في كل قول، وعن/ مسألة (لو) في قول المحققين، ولكنه لا يختاره [هو]، ثم إنه يخرج عنه المرفوعة بالابتداء، ولا بد من إدخالها؛ للزوم فتحها، نحو: عندي أنك قائم. «أو» في موضع «منصوبه»، أي: منصوب فعل، فدخل المفعول به والمفعول له والمستثنى، نحو: {وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ}، وجئتك أنك تحبني، أو أني أحبك، وتعجبني أمورك إلا أنك تشتم الناس. قال ابن الخباز: وتقع أيضا مفعولا معه نحو: يعجبني جلوسك عندنا وأنك تحدثنا/ ولا تقع مفعولا فيه ولا حالا ولا تمييزا، «غير خبر» بالنصب على أ، هـ حال من (منصوبه)، ويعني بذلك أن (أن) تفتح إذا وقعت في [موضع] منصوب الفعل حال كونه غير خبر؛ احترازا من نحو؛ ظننت زيدا إنه قائم. فيجب الكسر هنا، وبقي عليه أن يقول: ولا محكية بالقول. فإن قلت: سبق له أنها تكسر محكية

بالقول، فاستغنى عن ذكره هنا. قلت: وسبق له أنه تكسر واقعة موقع خبر اسم عين، فهلا استغنى عنه، كما استغنى عن ذلك! ! «ولإمكان الحالين» وهما التأويل بمصدر وعدم التأويل به. «أجيز الوجهان» وهما الفتح والكسر «بعد: أول قولي» في مثل: أول قولي: إني أحمد الله. فالفتح على أن (قولي) مصدر مضاف إلى فاعله، وليس بمعنى المقول، والتقدير: أول قولي- أي: أقوالي- حمد الله، فلم يجمع؛ لأن المصدر لا يجمع إلا مع قصد الاختلاف، فيكون قد أخبر عن المصدر بالمصدر. كذا قال الرضي. والمعنى: وقوع الحمد منه أول أقواله بأي عبارة كان. ولا يظهر لي مانع من جعل القول على هذا التقدير بمعنى المقول، ولا وجه لتعليمه لعدم جمع المصدر بأنه لا يجمع إلا مع قصد الاختلاف، مع أن إضافة أول إليه تقتضي التعدد، فسبب الجمع موجود، فهلا جمع! ! . والكسر على أن (قولي) بمعنى مقولي، أي أول مقولاتي، فلم يجمع مع أنه يجمع المقول مراعاة لأصل المصدر، فالمعنى: أول مقولاتي هذا القول، وهو أني أحمد الله فيكون الحمد وقع بلفظ خاص، وهو هذه العبارة المعينة، وعلى هذا فالجملة خبر لا مفعول، خلافا لأبي علي، فإنه زعم أنها في موضع نصب بالقول، فبقى المبتدأ بلا خبر، فقدر (موجود) أو (ثابت). وهذا المقدر مستغنى عنه، بل هو مفسد؛ لأن أول (أني أحمد الله) - باعتبار الكلمات- (أن)، وباعتتبار الحروف الهمزة، فيفيد الكلام على تقديره الإخبار بأن ذلك ثابت، ويقتضى بمفهومه أن بقية الكلام غير ثابت، وزهو خلف من القول «و» أجيز

الوجهان بعد «(إذا) المفاجأة» كقوله: وكنت أرى زيدا- كما قيل- سيدا *** إذا إنه عبد القفا واللهازم يروى: بالكسر على عدم التأويل بالمصدر، أي: إذا هو عبد القفا، وبالفتح على التأويل بمصدره، أي: إذا عبودية قفاه ثابتة. «و» بعد «فاء الجواب» نحو: {مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، قرئ بالكسر على عدم التأويل، وبالفتح على التأويل، [أي] فغفرانه له حاصل. وينبغي أن يكون ما يشبه الجواب مساويا له في هذا الحكم، فيجوز الوجهان بعد [فائه] نحو: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}، قرئ بفتح الهمزة وكسرها، فمن فتحها فـ (أن) وصلتها خبر لمحذوف، والجملة خبر (أن)، ومن كسرها فالكلام تام لا حذف فيه، وعليهما فـ (ما) موصولة وعائدها محذوف و (من شيئ) حال، أي: واعلموا أنما غنمتموه قليلا أو كثيرا، فالحكم أن لله خمسه، أو فلله خمسه.

«وتفتح بعد «أما «بمعنى حقا» نحو أما أنك ذاهب، فجعل المصنف (أما) كلمة واحدة بمعنى (حقا)، وهو مصدر وقع [ظرفا] مخبرا به عن اتلمصدر الذي يؤول به (أن) وجزآها وأجاز مع ذلك أن يكون (أما) للاستفتاح، وما بعده/ مبتدأ خبره مخذوف، كأنه قال: أما معلوم أنك ذاهب، وفيه بعد؛ لاستلزامه جواز الفتح بعد (ألا) الاستفتاحية، وإن ذكره بعضهم. وقال جماعة: (أما) كلمان، فالهمزة للاستفهام، و (ما) اسم بمعنى (شيء)، ذلك الشيء (حق)، والمعنى: أحقا. قال ابن هشام في مغنيه: وهذا هو الصواب، وموضع (ما) النصب على الظرفية، كما انتصب (حقا) على ذلك في قوله: أحقا أن جيرتنا استقلوا *** [فنيتنا ونيتهم فريق]

وهو قول سيبويه، وهو الصحيح، بدايا قوله: أفي الحق أني مغرم بك هائم *** ................................ فأدخل عليها (في)، و (أن) وصلتها مبتدأ، والظرف خبره. «وبعد (حتى) غير الابتدائية» جارة كانت أو عاطفة، نحو: عرفت أمورك حتى أنك فاضل، فإن جعلتها جارة فـ (أن) وجزآها في محل جر، وإن جعلتها عاطفة ففي محل نصب، فإن كانت [حتى] ابتدائية كسرت (أن) بعدها كقولهم: مرض حتى إنهم لا يرجونه، وهذا مخالف لكلام ابن الحاجب، فإنه قال: إذا وقعت (أن) بعد حتى الابتدائية، فإن قلنا: لا يجوز في المبتدأ الواقع بعدها أن يحذف خبره وجب كسرها؛

لأنها حالة محل الجمكلة، [وإن قلنا: يجوز حذفه وإثباته، فإن قدرتها حالة محل الجملة] كسرت، أو المفرد فتحت، وذلك نحو: عرفت أمور زيد حتى أن أكله بالليل [لك أن تفتح، فالتقدير: حتى أكله بالليل] معروف، كما تقول/ (أكلت السمكة حتى رأسها) بالرفع، أي مأكول، ولك أن تكسر، فيكون الكلام تاما، أي حتى أكله بالليل، وهو حسن، والظرف مستقر على الثاني لغو على الأول. «وبعد (لا جرم) غالبا» نحو: {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ}. وعند سيبويه أن (جرم) فعل معناه (حق) ولا نافية رد على الكفرة وتحقيق لخسرانهم. وقيل: فعل بمعنى (كسب) و (لا) زائدة، أي كسب لهم عملهم الندامة. و(أن) وما في حيزها على هذا القول [في موضع نصب، وعلى الأول] في موضع رفع. وقيل: (لا جرم) كلمتان ركبتا، وصار معناهما (حقا). وكثيرا ما يقتصر المفسرون على ذلك. وقيل: (لا جرم) معناها (لا بد)، و (أن) الواقعة بعدها مع صلتها في موضع نصب بإسقاط حرف الجر. قال الفراء: (لا جرم) كلمة كانت في الأصل بمعنى (لا بد) و (لا محالة)، فكثر استعمالها حتى صارت بمنزلة (حقا) تقول: لا جرم لآتينك. «وقد تفتح-

«فصل»: في الكلام على لام الابتداء الواقعة في هذا الباب، وعلى لامات تزاد في محال مخصوصة

عند الكوفيين- بعد قسم ما لم نةجد اللام». نحو: والله أن زيدا قائم، بدون لام، فلو أدخلت اللام نحو: والله أن زيدا لقائم، امتنع. قال ابن كيسان: الكوفيون يفتحون ويكسرون في المثال الأول، والفتح عندهم أكثر. قلت: ووجه تجويز الأمرين أنه يجوز جعل (أن) وما في حيزها جواب القسم فتكسر، ويجوز تقدير حرف الجر قبلها- كما تقدم أي: أقسم بالله على أن زيدا قائم فتفتح. وينبغي أن ينظر في وجه أكثرية هذا الثاني بالنسبة إلى الأول. وقد نبهناك على ما يقتضي حسن قزل المصنف هما: (بعد قسم) دون أن يقول: (في جواب قسم). «فصل»: في الكلام على لام الابتداء الواقعة في هذا الباب، وعلى لامات تزاد في محال مخصوصة. «يجوز دخول لام الابتداء بعد (إن) المكسورة» لا بعد (أن) المفتوحة، لأن وضع اللام المذكورة لتأكيد الجملة، و (أن) المفتوحة تصير الجملة معها في تأويل مفرد، فلو جامعتها اللام لزم خلاف وضعها، ولا بعد (ليت) و (لعل) و (كأن) بإجماع، ولا بعد (لكن) على الصحيح. أما الثلاثة الأول فلأنهن يغيرن معنى الكلام عما كان عليه، فزال الكلام الذي كانت اللام تدخل عليه.

وأما (لكن) فإن ما بعدها مطلوب لما قبلها، وما بعد لام الابتداء منقطع عما قبلها، فزال التشابه [بينما] «على اسمها» أي: اسم/المكسورة. «المفصول» وكان حق اللام المذكورة أن تدخل أول الكلام، ولكن لما كان معناها [هو] معنى (إن) سواء- أعني التأكيد والتحقيق، وكلاهما حرف ابتاء- كرهوا اجتماعهما، فأخروا اللام، وصدروا (إن) لكونها عاملة، والعامل حقيق بالتقديم على معموله، وخاصة إذا كان حرفا؛ إذ هو ضعيف العمل، وراعوا- مع تأخير اللام- أن يقع بينهما فصل؛ لأن المكروه هو الاجتماع وشمل قوله: (المفصول) ما وقع فيه الفصل بالخبر، نحو قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ}، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا) أو وقع فيه الفصل بمعمول [الخبر]، نحو: إن فيك ازيدا راغب، وهي مسألة خلاف، منعها

المغاربة، وأجازها آخرون أو بمعمول الاسم، نحو: إن في الدار لساكنا زيد. قال ابن قاسم: وفي جوازها نظر. وحكى الكسائي: دخولها على الاسم غير مفصول بشيء، وذلك قول بعض العرب: خرجت فإذا إن لغدائنا، وينبغي أن يقدر الفاصل، أي: فإذا إن بالمكان لغدائنا. «وعلى خبرها المؤخر عن الاسم» نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ}. قال المصنف: ويعمل ما بعدها فيما قبلها، نحو؛ {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}. «وعلى معموله» ظرفا كان أو غير ظرف «مقدما عليه بعد الاسم» كقوله: إن امرءا خصني عندا مودته *** على التنائي لعندي غير مكفور

واحترز من أن يتأخر المعمول عن الخبر أو يتقدم على الاسم، فلا تدخل اللام عليه حينئذ. «وعلى الفصل المسمى عمادا» كقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} في أحد الاحتمالين. «وأول جزءي الجملة الاسمية المخبر بها أولى من ثانيهما» فدخلوها على أول الجزءين كقوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ}. {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} ودخولها على الثاني كقول الشاعر: وإنك من حاربته لمحارب *** شقي ومن سالمته لسعيد

وعلى هذا يصح تخريج: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} - إذا قدرت (إن) مؤكدة شأنية على أن اللام دخلت على ثاني الجزءين، ولا يحتاج إلى تقدير مبتدأ، لكن صرح الشارح بأن دخولها على ثاني الجزءين شاذ وهو مخالف لظاهر كلام المصنف. «وربما دخلت على خبر (كان) الواقعة خبرا لـ (إن)» كقول أم حبيبة رضي الله عنها: (إني كنت عن هذا لغنية) كذا هو في بعض نسخ البخاري، واعتمده المصنف في إثبات هذا الحكم على عادته في الاستدلال بالآثار، وسيجيء فيه كلام في باب الفاعل إن شاء الله تعالى. «ولا تدخل على أداة شرط» فلا يجوز: إن زيدا لئن يكرمني أكرمه، خوف التباس لام الابتداء باللام الموطئة للقسم. «ولا على فعل ماض» احنراز من المضارع فإنها تدخل عليه لشبهه بالاسم، نحو: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ}.

«متصرف»؛ احترازا من الجامد فإنها تدخل عليه عند الأخفش، نحو: إن زيدا لعسى أن يقوم، وإنه لنعم الرجل. قالوا: ووجهه أن الجامد يشبه الاسم. قلت: وأيضا فالفعل فيهما إنشائي، وزمنه حالي- أي: ومن التلفظ به- فأشبه المشارع المراد به وقوع حدثه في الحال، وهذا بناء على أن (نعم) من أفعال الإنشاء، وفيه كلام ستقف عليه إن شاء الله تعالى. «خال من (قد)» احترازا من أن يكون مقترنا بـ (قد) فتدخل اللام عليه، نحو: إن زيدا لقد قام؛ لأن (قد) تقربه من الحال فيشبه المضارع. فإن قلت: الكسائي وهشام يجيزان دخولها على الماضي المتصرف على إضمار (قد)، فهل يؤخذ حكمه من كلام المصنف في المتن؟ . قلت: يحتمل أن يريد: خال من (قد) - لفظا فيكون مخالفا لهما، ويحتمل أن يريد: خال من (قد) لفظا أو تقديرا. فيوافقهما، وشرحه ليس حاضرا عندي الآن حتى أتعرف [منه] مذهبه في المسألة. «ولا على معموله» أي: معمول الفعل الماضي. المذكور «المتقدم، خلافا للأخفش» فلا يجوز: إن هندا لطعامك أكلت. لأن دخولها على المعمول فرع دخولها على العامل، فلو قلت: إن زيدا لطعامك قد أكل، جاز عند المصنف أيضا، وينبغي للأخفش أن يقول: بذلك في المنفي أيضا نحو: إن

زيدا لطعامك لم يأكل، أو لا يأكل. «ولا على حرف نفي إلا في ندور» كقوله: وأعلم أن تسليما وتركا *** للامتشابهان ولا سواء أنشده ابن جني. وقضية هذا الكلام أنها تدخل على النافي إذا كان اسما نحو: إن زيدا لغير قائم، وهو صحيح، ويدل عليه: ............................... *** لعندي غير مكفور فدخلت على معمول ما عملت فيه (غير). وقضيته أيضا أنها تدخل على الفعل النافي نحو: إن زيدا لليس قائما، لكن هذا غير صحيح، ولم يقل به أحد. لا يقال: قد نص على أنها لا تدخل على الماضي؛ لأنا نقول: إنما نص على عدم دخولها عليه بقيد كونه متصرفا خاليا من (قد)، وهذا جامد، وهو ممن جوز دخولها على الجامد. «ولا على جواب الشرط، خلافا لابن الأنباري» فإنه أجاز: إن زيدا من يأته ليحسن إليه؛ لأن الجواب غير صالح للتوطئة بخلاف الشرط، والصحيح المنع لأن جواب الشرط وحده ليس هو الخبر، وإنما الخبر هو جملة الشرط فقط دون جملة الجواب على الصحيح.

فإن قلت: الفائدة متوقفة على الجواب. قلت: توقفها عليه من حيث التعلق، لا من حيث الخبرية. كذا قروره. واعلم أن تعليلهم المنع بإيهام لام التوطئة فيه نظر، لاقتضائه أن لا يجوز: إن زيدا لقد قام، لإيهامه لام جواب القسم، وقد يفرق بأن الفرق يظهر إذا تقدم على (إن) فعل يعلق، فإنه يعلق مع لام الابتداء دون لام القسم، وقد يقال أيضا: إنما توهم لام التوطئة حيث يكوم الجواب غير مجزوم ولا مقرون بالفاء وحينئذ يكون مؤكدا أو منفيا فلا يلتبس بلام الابتداء إلا إذا حذف الجواب، وذلك ضعيف جدا أن يحذف الجوابان معا «ولا على واو المصاحبة المغنية عن الخبر، خلافا للكسائي» فإنه أجاز ذلك، وحكى [عن] بعض العرب أنه قال: إن كل ثوب لو ثمنه، وكأن هذا مبني على قولهم: إنه لا حذف، وإن قولك: ( ... وضعيته) - في المثال المشهور: (كل رجل وضعيته) خبر المبتدأ؛ لأن الواو بمعنى (مع) فكأنك قلت: كل رجل مع ضيعته، وأنت إذا صرحت بـ (مع) لم تحتج إلى تقدير، فكذا مع الواو التي بمعناها، وقد مر. «وقد يليها» أي: يلي لام الابتداء «حرف تنفيس» نحو: إن زيدا لسوف يقوم. «خلافا للكوفيين» فإنهم منعوه؛ لأن لام الابتداء الداخلة على المضارع

مخصصة له بالحال [عندهم]، كما أن حرف التنفيس مخصص له بالاستقبال؛ فلذلك لا يجيزون: (إن زيدا لسوف يقوم)؛ للتناقض، والبصريون يجوزون ذلك؛ لأن اللام باقية عندهم على إفادة التوكيد فقط، كما كانت تفيده لما أدخلت على المبتدأ. «وأجازوا» أي: الكزفيون «دخلوها بعد «لكن» احتجاجا بقول الشاعر: ...................... *** ولكنني من حبها لعميد «ولا حجة» لهم «فيما أوردوه» من هذا الشعر «لشذوذه» ولا يعرف له تتمة ولا قائل ولا نظير ولا رواه عدل يقول: سمعته ممن يوثق بلغته. «وإمكان الزيادة» على نقدير أن قائله ممن يحتج بكلامه، فتكون اللام فيه زائدة ولا تكون لام الابتداء، ثم على تقدير التسليم بكونها لام ابتداء يحتمل أن يكون أصله: لكن أنني، ثم حذفت الهمزة تخفيفا، ونون (لكن) للساكنين. «كما زيدت مع الخبر مجردا» أي: ولإمكان أن تكون اللام في/ التركيب الذي احتجوا به زائدة كما زيدت اللام مع خبر المبتدأ مجردا عن (أن) كقوله:

أم الحليس لعجوز شهربه *** .................................. وظاهر كلام الكسائي جوازه. «أو معمولا لـ (أمسى)» كقوله: مروا عجالا وقالوا: كيف سيدكم؟ *** فقال من سئلوا: أمسى لمجهودا «أو (زال)» [كقوله]: وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها *** لكالهائم المقصى بكل مراد

«أو (أرى)» كقول بعضهم: أراك لشاتمي «أو (أن)»، بفتح الهمزة كقراءة سعيد بن جبير: {إِلاَّ أَنَّهُمْ لَيَأْكُلُوونَ [الطَّعَامَ]}، بفتح الهمزة. قال الرضي: وقرئ في الشواذ: {وَأَنَّ الله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} بالفتح. وساق في المفصل ما يحكى عن الحجاج من جرأته على الله، وذلك أن لسانه سبق [في] مقطع {وَالْعَادِيَاتِ ... } إلى فتحة (إن) فأسقط اللام من قوله { .... لَخَبِيرٌ}.

قال ابن الحاجب: والحكم على الحجاج بأنه أسقط اللام تعمدا لا يثبت؛ لأنه يجوز أن يكون أسقط اللام غلطا، كما فتح (إن) [من] أول الأمر غلطا، وقد أثبت أنه فتحها غلطا وسهوا بقوله: (إن لسانه سبق)، وهذا معنى الغلط، ثم حكم عليه بإسقاط اللام تعمدا، وهذا أمر يؤدي إلى الكفر، فلا معنى لإثباته من غير ثبت، فإن ذلك لا يفعله مسلم. «أو (ما)» النافية كقوله: أمسى أبان ذليلا بعد عزته *** وما أبان لمن أعلاج سودان زقال الكوفيون: اللام بمعنى (إلا) والتقدير: وماأبان إلا من أعلاج سودان. وقيل: (ما) استفهامية، وتم الكلام عند (أبان)، ثن ابتدأ: لمن أعلاج سودان، بنقدير: لهو من أعلاج. والمعنى على هذين القولين عكس المعنى على قول المصنف. كذا قال ابن قاسم في شرحه، وابن هشام في مغنيه. قلت: ويمكن أن يكون تنوين (سودان) للتعظيم على قول المصنف، وللتحقير على القولين الآخرين، فلا تنافي إذن في المعنى بينهما وبينه، فتأمل. واعلم أن كلام المصنف يقتضي أن (ما) هذه حجازية، ولا أدري ما الذي دله

على ذلك. «زربما زيدت» اللام «بعد (إن) قبل الخبر المؤكد بها» مثل: إني لبحمد الله لصالح، حكاه الكسائي والفراء عن العرب، وحكى قطرب عن يونس: إني لبك لواثق. قال الشارح: والصحيح جواز ذلك، اوروده نثرا ونظما، وصحح ابن عصفور المنع. «و» ربما زيدت اللام أيضا «قبل همزتها» أي: همزة (إن) «مبدلة هاء مع تأكيد الخبر» كقوله: ثمانين حولا لا أرى منك راحة *** لهنك في الدنيا لباقية العمر

«أو تجريده» من التأكيد، كقوله: ألا ياسنابرق على قلل الحمى *** لهنك من برق علي كريم قال الشارح: وإنما جاز دخول لام اتلابتداء على (إم) لأنها تغير افظها بالإبدال تنبيها على موضعها الصلي. قلت: هذا مع [أنه] كلام غيره أيضا مخالف لقول المصنف: إنها زائدة. «فإن صحبت» لام واقعة «بعد (إن) نون توكيد» نحو: إن زيدا ليقومن. «أو ماضيا متصرفا عاريا من (قد)» نحو: إن زيدا لقام. «نوى قسم» فيقدر: والله ليقومن في الأول، والله لقام في الثاني. «وامتنع الكسر» في (إن) إذا تقدم عليها مقتض لفتحها، نحو: علمت أن زيدا ليقومن أو أن زيدا لقام. وانظر هل المعنى بقوله: (عاريا من «قد») الخلو منها لفظا وتقديرا أو لفظا فقط، والظاهر الأول.

«فصل»: في الكلام على ما هو ثابت بالوضع لـ (إن) من عدم الإعمال، وما يعرض لها من التخفيف والإعمال والإهمال حينئذ، ودخول لام الفرق، وما يتعلق بذلك، والكلام على (لكن) وتخفيفها، ودخول (ما) الكافة

«فصل»: في الكلام على ما هو ثابت بالوضع لـ (إن) من عدم الإعمال، وما يعرض لها من التخفيف والإعمال والإهمال حينئذ، ودخول لام الفرق، وما يتعلق بذلك، والكلام على (لكن) وتخفيفها، ودخول (ما) الكافة. «ترادف (إن)» المكسورة الثقيلة «(نعم) فلا إعمال» أصلا، بل تكون-حينئذ- حرف جواب مهملا لا عمل له، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وهو الصحيح، وأنكره أبو عبيدة. قال المصنف: والشواهد العربية قاطعة بذلك كقوله: قالوا: أخفت؟ فقلت: إن وخيفتي *** ما إن تزال منوطة برجائي وكقول ابن الزبير- رضي الله عنهما- لمن قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك: إن وراكبها. أي: نعم ولعن راكبها، ويحتمل أن يكون منه قوله:

ويقلن: شيب قد علا *** ك، وقد كبرت، فقلت: إنه فالهاء للسكت، وليس بقاطع؛ لجواز أن تكون الهاء ضميرا منصوبا بها، والخبر محذوف، أي: إنه كذلك. «وتخفف» (إن) المؤكدة، لا الجوابية بدليل «فيبطل الاختصاص» لأن حرف الجواب لا اختصاص له؛ ولهذا لم يعمل. ومعنى بطلان الاختصاص دخولها على الاسمية تارة و [على] الفعلية أخرى. «ويغلب الإهمال» على الإعمال، فتقول: إن زيد قائم، برفع الجزءين، وهو الغالب، وتقول: إن زيدا قائم، بنصب الأول، فتعملها كما كانت قبل التخفيف، وعليه قراءة الحرميين: {وَإِنْ كُلاًّ لَمَا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}، بتخفيف (إن)، ونصب (كلا)، وتخفيف الميم من (لما)، وقرأ أبو بكر مثلهما، إلا أنه شدد الميم، وحكى سيبويه: إن عمرا لمنطلق، بتخفيف (إن)، ونصب (عمرا).

قال الشارح: ومنع الكوفيون إعمالها، وهم نحجوجون. قلن: كذا وقع في عبارة غيره، وهو غير محرر؛ لأن الكلام يفهم أن الكوفيين يوافقون على تخفيف (إن)، ويخالفون في إعمالها مخففة، وليس كذلك، فإنهم يرون أن (إن) الثقيلة لا تخفف أصلا لا معملة ولا مهملة، ومذهبهم- في (إن) الخفيفة التي يعتقد البصريون تخفيفها من الثقيلة- أنها ثنائية الوضع، وأنها نافية لا تأكيدية كما سيأتي. «زتلزم اللام بعدها» أي: بعد (إن) المخففة «فارقة» أي: اللام بين النافية والمخففة. «إن خيف اللبس بـ (إن) النافية» قلا يلزم مع ظهور الإعمال، نحو: إن زيدا قائم؛ لعدم اللبس، ولا في موضع تقوم [فيه] قرينة على أن النفي فيه غير ننراد، كقول الطرماح: أنا ابن أباة الضيم من آل مالك *** وإن مالك كانت كرام المعادن

فإن تمدحه وافتخاره قرينة لا يصلح معها أن تكون (إن) نافية؛ لانقلاب المدح بذلك ذما، فلا حاجة إلى اللام حينئذ. وأما إذا خيف اللبس فيلزم الإتيان باللام، كقولك إن زيد لقائم، وإن هذا لذاهب، وإن اعتقدت في (إن) الإعمال؛ لعدم ظهور الإعراب الرافع للبس. «ولم يكن بعدها نفي» فلا تدخل اللام في مثل قولك: إن زيد لن يقوم. قال الشارح: وقد يستغنى عن هذا الشرط بما سبق في المشددة. قلت: يعني في الفصل المتقدم آنفا، حيث قال المصنف [إن] لام الابتداء لا تدخل على حرف نفي إلا في ندور. ولم أتحقق العلة الباعثة على اشتراط هذا الشرط، فتأمله. «زليست» اللام الفارقة «غير» اللام «الابتدائية، خلافا لأبي علي» فإنه زعم أها غير لام

الابتداء اجتلبت للفرق. قال أبو الفتح: قال لي أبو علي: ظننت أن فلانا نحوي محسن حتى سمعته يقول: إن اللام التي تصحب (إن) الخفيفة هي لام الابتداء. فقلت له: أكثر نحويي بغداد على هذا. انتهى. وحجة أبي علي دخولها على الماضي المتصرف، نحو: إن زيدا لقام، وعلى منصوب الفعل المؤخر عن ناصبه في نحو: {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}، و [كلاهما] لا يجوز مع المشددة، ويظهر أثر الخلاف في مثل: (قد علمنا إن كنت لمؤمنا)، فعلى قول سيبويه والجماعة: - إنها لام الابتداء-/ تعلق العامل

عن العمل، فتكسر (إن)، وعلى قول أبي علي الفارسي: - إنها لام لمجرد الفرق- لا تعلق، فتفتح (إن) «ولا يليها» أي: [إن] المخففة «غالبا» احتراز من نحو: إن قتلت لمسلما *** ....................

وسيأتي. «إلا» فعل «ماض ناسخ للابتداء». أما سبب كونه ناسخا فقد قرره ابن الحاجب بما معناه: أنهم لما أخرجوها عن وضعها بدخولها على الفعل آثروا في ذلك الفعل أن يكون من أفعال المبتدأ والخبر؛ لئلا يزول عنها وضعها بالكلية، ألا ترى أنها إذا دخلت على ما ذكرناه يكون مقتضاها موفرا عليها؛ إذ الاسمان مذكوران بعدها؛ لأنك إذا قلت: إن كان زيد لقائما، فمعناه: إن زيدا لقائم. وأما [سبب] كونه ماضيا فلم أر من تعرض له، ويمكن أن يقال: إن (إن) وأخوتها مشابهة للفعل لفظا ومعنى: أما لفظا فلبنائها على الفتح، ولكونها ثلاثية ورباعية وخماسية كالفعل. وأما معنى فلأنها في معنى (أكدت) و (شبهت) إلى آخرها كنما سبق، ومقتضى هذا مشابهتها للفعل الماضي، فقصدوا في (إن) حال تخفيفها أن يدخلوها غالبا على ما هو مشابه لها لفظا ومعنى، وهو الفعل الماضي رعاية لهذه المناسبة. قال المصنف: واحترز بـ (ماض) عن المضارع، فإن كان مضارعا حفظ ولم يقس عليه. كذا نقله الشارح عنه. قلت: وهذا عجيب من المصنف [رحمه الله تعالى] فإنه جعل مثل:

ان قتلت لمسلما *** ........................ مقيسا مع عدم وروده في القرآن، ومثل: إن أظن زيدا لمسلما غير مقيس مع وقوعه في الكتاب العزيز قال [الله] تعالى: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}، وقال تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ}، وقد نقل ابن هشام في مغنيه الاتفاق عغلى أن ذلك مقيس، أعني دخول (إن) المخففة على المضارع الناسخ. «ويقاس على نحو» قول الشاعر: شلت يمينك «إن قتلت لمسلما» *** حلت عليك عقوبة المتعمد «وفقا للكزفيين والأخفش» من البصريين، وباقيهم يمنع من القياس عليه لقلته. «ولا تعمل» إن «عندهم» أي: عند الكوفيين، فعليهم فقط يعود الضمير، لا عليهم مع الأخفش. «ولا تؤكد» فلا تكون مخففة من الثقيلة «بل تفيد النفي» فهي حرف ناف ثنائي الوضع غي مخفف من شيء «واللام للإيجاب». وهي عندهم بمعنى «إلا» واستدلوا على مجيئها لهذا المعنى بما تقدم من قوله: .......................... *** وما أبان لمن أعلاج سودان

وقد عرفت ما يقدح في الاستدلال بذلك. «وموقع (لكن) بين متنافيين بوجه ما» فإن وقعت بين نقيضين أو ضدين جازا اتفاقا، وإن وقعت بين متماثلين منع اتفاقا، وإن وقعت بين خلافين ففيه خلاف، وكلام المصنف يدل على الجواز، وقد تقدم الكلام على ذلك. «ويمنع إعمالها مخففة، خلافا ليونس والأخفش» «وتلي (ما) (ليت) فتتعمل» ليت وتكزن ما- حينئذ- لمجرد الزيادة. «وتهمل» فلا تعمل شيئا، وتكون «ما» - حيمئذ- كافة عن العمل، وقد روي بالوجهين قول النابغة: [قالت] ألا ليتما هذا الحمام لنا *** إلى حمامتنا ونصفه فقد

يروي بنصب (الحمام) ورفعه، ونقل المصنف الإجماع على جواز الوجهين في «ليت»، ونوزع بأن المنقول عن الفراء منع الإهمال في «ليت» و «لعل» مع دخول «ما» عليهما. «وقل الإعمال في (إنما)». [في نحو: إنما] زيدا قائم، بنصب «زيد» رواه الأخفش والكسائي عن العرب. «وعدم» بالبناء للمفعول «سماعه» أي: سماع الإعمال. «في (كأنما) و (لعلما) و (لكنما) والقياس سائغ» فيجوز في الجميع أن تجعل «ما» لمجرد الزيادة فتعمل هذه الأحرف كما كانت قبل دخول «ما»، وظاهر كلام الزجاجي في

«فصل»: في الكلام على شيء من أحوال (أن) المفتوحة و (كأن) و (لعل).

الجمل أن الإعمال في الجميع جائز، وأنهن مسموع عن العرب/ وذلك أنه قال في باب حروف الابتداء: ومن العرب من يقول: إنما زيدا قائم ولعلما بكرا قائم، فيلغي «ما» وينصب بـ (إن) وكذلك أخواتها. هذا كلامه. قال الشارح: وينبغي أن يحمل كلامه على أنه لما اقتضى القياس عنده ذلك نسبه إلى العرب. قلت: هذا تأويل متعسف يفضي إلى عدم الثقة بما ينقل هذا الإمام عن العرب. «فصل»: في الكلام على شيء من أحوال (أن) المفتوحة و (كأن) و (لعل). «لتأول (أن) ومعموليها بمصدر قد نقع اسما لعوامل هذا الباب» من حيث إن المصدر الذي تؤول هي ومعمولاها [به] مفرد، فيصح كونه اسما «مفصولا بالخبر» على الصحيح خلافا لهشام نحو إن عندي أنك فاضل، فلو لم يفصل بالخبر امتنعت المسألة؛ لأن الخبر قبل دخول (إن) وأخواتها عليه كان يجب تقديمه إذا كان المخبر عنه (أن) وصلتها، فكذا بعد دخولها، بل إذا كان يجب تقديمه ثم، كان هذا أحق وأولى؛ لأن من جملة النواسخ (إن) و (أن) فيؤدي عدم

التقدم إلى ثقل اللفظ، وتحمل البواقي عليهما في ذلك، قال الله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} - في قراءة (أنك) بالفتح، فإنه عطف على اسم (إن)، وهو (ألا تجوع). «وقد تتصل بـ (ليت) سادة مسد معموليها» نحو: ليت أنك قائم، قال الشاعر: فياليت أن الظاعنين تلبثوا *** ليعلم ما بي من جوى وغرام فسدت (أن) ومعمولاها مسد معمولي (ليت) على نحو ما يقع ذلك في باب (ظن)، وقال في البسيط: إن فيه الخلاف الذي في: ظننت أن زيدا قائم، فرأى الأخفش أن الخبر محذوف كما هو عنده هنالك محذوف، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى. «ويمنع ذلك في (لعل)، خلافا للأخفش». فإنه أجاز لعل أن زيدا قائم، قياسا على (ليت)، وهو ضضعيف، لأن ذلك في (ليت). شاذ في القياس، وإن كان قد

سمع كثيرا. [كذا] قال الشارح. «وتخفف (أن)» المفتوحة المشددة «فينوى معها اسم» فلا تلغى كما تلغى المكسورة، بل تكون عاملة، وذكر ابن الحاجب- رحمه الله [تعالى]- في شرح المفصل فائدة غريبة جدا، وذلك أنه قال: والذي يدل على تقدير ضمير الشأن مع المفتوحة وأن العرب تقصده قول الشاعر: في فتية كسيوف الهند قد علموا *** أن هالك كل من يحفى وينتعل

فلولا أن الضمير مقدر لم يستقم تقديم الخبر ههنا، والذي سوغ التقديم كونه جملة واقعة خبرا، فإن زعم زاعم أن التقديم إنما جاز لبطلان عمل (أن)، فصار مبتدأ وخبرا، والخبر يسوغ فيه التقديم فهو باطل بامتناع: (أن منطلق لزيد)، فدل ذلك على أنهم يعتبرون- بعد تخفيفها في امتناع تقديم الخبر- ما يعتبرونه مع التشديد. «لا تضطرارا» كما في قول الشاعر: فلو أنك في يوم الرخاء سألتني *** فراقك لم أبخل وأنت صديق وكما في قول الآخر: بأنك ربيع وغيث مريع *** وأنك هناك تكون الثمالا

«والخبر جملة اسمية مجردة» نحو: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. «أو مصدرة بـ (لا)» نحو: {وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}. «أو بأداة شرط». قال الشارح: مثل: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ ......... } الآية. قلت: هذه فعلية: والكلام في الاسمية، نحو: اعلم من زيد أن من يسأله فهو

محسن إليه، فتمثيله غير مطابق، والظاهر في هذه الآية أن (أن) فيها مفسرة؛ لأن (نزل عليكم) متضمن لمعنى القول، لا لحروفه. «أو بـ (رب)» كقول الشاعر: تيقنت أن رب امرئ خيل خائنا *** أمين وخوان يخال أمينا «أو بفعل يقترن غالبا إن تصرف» لا إن كان جامدا نحو: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} «ولم يكن دعاء» لا إن كان دعاء نحو: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا}، بصيغة [الفعل] الماضي. «بـ (قد)» متعلق بـ (يقترن)، مثل: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا}. «أو ب، (لو)» نحو {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ}.

«أو بحرف تنفيس» نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}. «أو» حرف «نفي» كقوله: ولا تدفنني في الفلاة فإنني *** أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها واستظهر المصنف بقوله: (غالبا) على ما إذا كان الفعل غير مقترن بشيء مما ذكر كقوله: علموا أن يؤملون فجادوا *** قبل أن يسألوا بأعظم سؤل

«وتخفف (كأن)، فتعمل في اسم كاسم (أن)» المفتوحة المخففة «المقدر» ولا يلزم كونه ضمير شأن، بل تارة يكون ضمير الشأن كقوله: ووجه مشرق النحر *** كأن ثدياه حقان أي: كأن الشأن. وتارة يكون غير ضمير الشأن كقوله: ويوما توافينا بوجه مقسم *** كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم

برفع (ظبية)، كذا قال الشارح، ولا يظهر لي تعيم كون الاسم في الأول ضمير شأن، إذ يجوز أن يكون ضميرا عائدا إلى المتقدم الذكر أي: كأن النحر ثدياه حقان، وصريح كلام الزمخشري في المفصل جواز إلغاء (كأن) عند التخفيف وإعمالها. وقال ابن الحاجب في الكافية: وتخفف فتلغى. يعني (كأن)، وكلاهما مخالف لظاهر قول المصنف، لكن ابن يعيش تأول ما في المفصل على أن المراد بالإلغاء أن تعمل في ضمير الشأن، وفيه ما لا يخفى. «والخبر» عند تخفيف (كأن). «جملة اسمية» نحو:

.......... *** كأن ثدياه حقان «أو فعلية مصدرة ب (لم)» نحو: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ}. «أو (قد)» [كقوله: أفد الترحل غير أن ركابنا *** لما تزل برحالنا وكأن قد] «أو مفرد». كما في البيت المتقدم: .................................... *** كأن ظبية ................... أي: كأن هذه المرأة ظبية. «ويقال: أما إن جزاك الله خيرا» بكسر الهمزة على أن (أما) للاستفتاح، و (إن) مخففة من الثقيلة، مثلها في: إن قتلت لمسلما *** ................................... وهذا وجه شذوذه عند من يشترط في الفعل الذي تدخل عليه (إن) المخففة

أن يكون ناسخا، ولا يجوز أن تضبط (إن) هذه بالفتح، لأنه سيقدر في الوجه الآتي ضميرا هو اسمها، وإنما ذلك في المفتوحة، فوجب كون هذه هي المكسورة. «وربما قيل: أن جزاك [الله] بفتح همزة (أن). والأصل أنه» وهذا فيه إشكال؛ لأنه لا يقال: أحقا أنه جزاك الله خيرا؛ لأن التقدير: أفي حق جزاء الله إياك خيرا؟ ، فيكون- إذن- دالا على الاستفهام عن الجزاء أوقع أم لم يقع، ولا يكون دعاء، والغرض أن المراد هو الدعاء، فقد يقال: فإذا قد امتنع هذا فينبغي أن يكون (أما) حرف استفتاح مثلها في [قوله]. أما والذي أبكى وأضحك *** .......................................... فيقال في رده: إن ذلك يقتضي كون (أن) مع صلتها مبتدأ بلا خبر، أو خبرا بلا

مبتدأ، فيجاب: باختيار الأول، وهو أنها مع صلتها مبتدأ، وأنه على حذف الخبر، أي: معلوم أنك جزاك الله خيرا، كذا قدر المصنف في: أما أنك ذاهب، فيفرق بينهما بأن الإنشاء لا يحسن فيه هذا التقدير، وإنما يحسن في الجمل الخبرية، والحمل على هذا التقدير يخرج الكلام عن أن يكون دعاء، والذي يظهر أن (أما) استفتاحية و (أن) زائدة لا مخففة من الثقيلة، ولا إشكال حينئذ، وعلى قول المصنف إنما وليت الفعلية (أن) المخففة بلا فاصل؛ لأنها دعائية. «وقد يبرز اسمها» أي: اسم (كأن) [المخففة] «في الشعر» كما في قوله: - في البيت المتقدم ........................ *** كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم بمصب ظبية على إعمال (كأن) المخففة، والخبر محذوف، والتقدير: كأن ظبية تعطو هذه المرأة. «وقد يقال في (لعل): (عل)» بحذف اللام الأولى، قال الشاعر: عل صروف الدهر أو دولاتها *** .........................

«و (لعن)». على التغيير في طرفها الثاني بالإبدال، كما غيروا طرفها الأول بالحذف. «و (عن)» بالجمع بين/ تغييري الطرفين المشروحين، وهما الحذف في الأول، والإبدال في الثاني. «و (لأن)» بتغيير الوسط والطرف الأخير دون الأول «و (أن)» بتغيير الثلاثة، ومنه: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا}، بالفتح. «و (رعن)» بتغيير الطرفين فقط بالإبدال. «و (رغن)» بتغيير الثلاثة بالإبدال. «و (لغن)» بتغيير الوسط والآخر كما قدمنا، ولكن تغيير العين المهملة هنا بالغين المعجمة، كما غيرت بالهمزة لتآخيهن جميعا في الحلقية. «و (لعلت)» مثل (ثمت) و (ربت). «وقد يقع خبرها» أي: خبر (لعل). «(أن يفعل) بعد اسم عين» كقوله عليه الصلاة [والسلام] (لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون)، ومنه قول الشاعر:

لعلك يوما أن تلم ملمة *** عليك من اللاتي يدعنك أخرعا وقد مر ضبط الأخرع بالخاء المعجمة والراء بمعنى الضعيف، وأن بعضهم ضبطه بالجيم والدال المهملة، وسبق تفسيره. «حملا على (عسى)»؛ لاشتراكهما في الدلالة على الترجي على سبيل الإنشاء، هذا إذا كان اسم عين كما ذكر المصنف، فأما بعد اسم معنى نحو: [لعل] اعتقاد زيد أن أقوم، فلا إشكال فيه، ولا هو خاص بها. وهذه المسألة التي في المتن من أقوى دليل على أن مجيء خبر (عسى) مقرونا بـ (أن) لا يلزم منه خروجها عن باب النواسخ إلى باب الفعل ةالفاعل والمفعول، ألا ترى أنه لا سبيل إلى ذلك هنا؟ . «والجر بـ (لعل) ثابتة الأول أو محذوفته، مفتوحة الآخر أو مكسورته لغة عقيلية» حكاها عنهم أبو زيد، وروى الفراء أن الجر بـ (لعل) لغة قال الشاعر: فقلت: ادع أخرى وارفع الصوت رفعة *** لعل أبي المغوار منك قريب

«فصل»: في التوابع التي تذكر في هذا الباب.

وهي مشكلة؛ لأن جرها عمل مختص بالحروف ورفعها لمشابهة الأفعال، وكون حرف عاملا عمل الحروف والأفعال في حالة واحدة [مما] لم يثبت، وأيضا الجار لا بد له من متعلق، ولا متعلق له هنا لا ظاهرا ولا مقدرا، فهو مثل (لولا) الداخلة على المضمر المجرور عند سيبويه جارة لا متعلق لها، وكل هذا خروج عن القياس، وقد حاول بعضهم تأويل ما أورد في هذا المحل من الشواهد، وتعسف في التخريج، ولا وجه لذلك بعد نقل الأئمة الثقات أنه لغة لقوم من العرب. «فصل»: في التوابع التي تذكر في هذا الباب. «يجوز رفع المعطوف على اسم (إن)» المكسورة «و (لكم) بعد: ذكر

«الخبر بإجماع» نحو: إن زيدا قائم وعمرو، وما زيد شاعرا لكن عمرا شاعر وبكر، والمجمع عليه إنما هو جواز هذا التركيب، وأما تةجيهه فمختلف فيه: فقيل: هو معطوف على محل اسم (إن) المكسورة، وذذلك أنها لما كانت لا تغير معنى الجمل كان اسمها المنصوب في محل رفع؛ لأنها كالعدم؛ إذ فائدتها التوكيد فقط، و (لكن) أيضا كذلك، [أي] لا تغير معنى الابتداء، فجاز العطف على محل ذلك الاسم بالرفع. ووقع في عبارة الجزولي أن العطف على موضع (إن) مع اسمها. قال الرضي: وكأن الأول نظر إلى أن الاسم هو الذي كان مرفوعا قبل دخول (إن)، ودخولها كلا دخول، فبقي على كونه مرفوعا لكن محلا، لاشتغال لفظه بالنصب، فـ (إن) كاللام في (لزيد)، ولا شك أن المرفوع فيه هو (زيد) وحده لا الاسم مع الحرف، فكذا ينبغي أن يكون الأمر مع (إن)، ومن قال على موضعها مع اسنها نظر إلى أن اسمها لو كان وحده مرفوع المحل لكان وحده ميتدأ، والمبتدأ مجرد عن العوامل اللفظية عندهم، واسممها ليس بمجرد، والجواب: أنه باعتبار الرفع مجرد؛ لأن (إن) كالعدم باعتباره، وإنما يعتد بها إذا اعتبرت النصب، ويشكل عليه أن (إن) مع/اسمها لو كانت مرفوعة المحل لكانت مع اسمها مبتدأ، والمبتدأ هو الاسم المجرد كما تقدم، وهي مع اسمها ليست اسما، فالأولى أن يقال: العطف بالرفع على اسمها وحده. انتهى.

وقيل: المرفوع بعد العاطف مبتدأ، وخبره محذوف، وهذا هو الصحيح على ما صرح به بعضهم، وعلى هذا هو من عطف الجمل، وأما على ما تقدم فهو من عطف المفردات. إذا تقرر هذا فالعبارة المحررة التي تتصور معها الأقوال أن يقال: يجوز رفع التالي حرف العطف المشارك لاسم (إن) و (لكن) في المعنى. لكن المصنف- على تقدير كونه يقول: هو من عطف الجمل على ما هو الصحي- سماه معطوفا، فإنه شريك في المعنى، وواقع بعد عاطف، وليس بعده اسم آخر يكون خبرا عنه، فلما اشبه المعطوف من هذه الأوجه سماه معطوفا على سبيل التجوز. «لا قبله» أي: لا قبل ذكر الخبر. «مطلقا» سواء كان الإعراب ظاهرا أو خفيا «خلافا للكسائي» فإنه جوز ذلك على الإطلاق، فيجوز عنده: إن زيدا وعمرو ذاهبان، وإن الفتى وزيد قائمان، وإن هذا وبكر شاعران. «ولا بشرط خفاء إعراب [الاسم]، خلافا للفراء» فوافق في مثل: إن موسى وزيد ذاهبان، وإن هذا وعمرو منطلقان، وخالف الجماعة في ذلك. فإن قلت: إنما اصطلاحهم في الخفاء أن يقيدوه بمعرب تعذر ظهور إعرابه

كـ (الفتى)، أو استثقل كـ (القاضي)، فلا تصدق عبارته على جميع الصور التي أجازها الفراء؛ لخروج (إنك وزيد ذاهبان) ونحوه من المبنيات. قلت: ذلك إنما هو قفي التقدير، وأما الخفاء فلا يعرف لهم فيه هذا الاصطلاح. «وإن توهم ما رأياه قدر تأخير المعطوف أو حذف خبر قبله» وذلك كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}، فإنه يتوهم أن الآية شاهدة لما رأياه من جواز العطف قبل ذكر الخبر؛ إذ الصابئون قد عطف، ولم يأت خبر (إن) بعد، فلك أن تقدر تأخير قوله: {والصابئون والنصارى} بعد تمام الجملة التي هي الخبر، وعلى هذا حمله سيبويه، ولك أن تقدر حذف خبر قبل المعطوف تقديره: إن الذين آمنوا فرحون، فلم يقع العطف على كلا التقديرين إلا بعد ذكر الخبر تقديرا. «و (أن)» المفتوحة «في ذلك» أي في جواز رفع المعطوف على اسمها بعد مضي الخبر «كـ (إن)» المكسورة «على» القول «الأصح» وقيد ذلك في الشرح بأن يتقدمها علم أو معناه، وهو اختيار ابن الحاجب، فإنه قال: إن المفتوحة إذا كانت مكسورة حكما جاز معاملتها في العطف معاملة (إن) المكسورة لفظا. قال: وهذا موضع لم ينبه عليه النحويون، فإنهم إذا قالوا: يعطف على اسم) إن)

[المكسورة] دون غيرها، أوهموا أنه لا يجوز العطف مع المفتوحة، والمفتوحة تنقسم قسمين: قسم يجوز العطف على اسمها بالرفع، وقسم لا يجوز. فالقسم الذي يجوز هو أن تكون في حكم المكسورة: كقولك: علمت أن زيدا قائم، لأنه موضع الجملة المستقلة في المعنى، لاشتمال المفعولين في باب (علمت) على المحكوم عليه والمحكوم به، بدليل وجوب الكسر إذا دخلت اللام، نحو: علمت إن زيدا لقائم، ولولا أنها في حكم الجملة المستقلة لم يجز كسر (إن)، ألا ترى أنك لا تقول: أعجبني إن زيدا لقائم بكسر (إن)؛ لأنه لما يكن هنا في معنى الجملة المستقلة لكونه فاعلا- والفاعل يجب أن يكون مفردا- لم يجز كسر (إن)، فثبت أن المفعولين في باب (علمت) [في معنى الجملة المستقلة، وإنما انتصب] [ما] [بعدها توفيرا لما تقتضيه (علمت)] من معنى المفعولية/ وإذا كان المفعولان في حكم الجملة المستقلة تكون هذه المفتوحة بعدها في حكم المكسورة فيجوز العطف بالرفع فيها، وإن كانت مفتوحة لفظا؛ لأنها مكسورة معنى باعتبار ما ذكرناه، وإن كانت المفتوحة على غير هذه الصفة لم يجز العطف على اسمها بالرفع، مثل قولك: أعجبني أن زيدا قائم وعمرا، فلا يجوز إلا النصب، ولا يستقيم [الرفع] بحال عطفا على اسم (أن)؛ لأنها ليست مكسورة، ولا في حكم المكسورة، لأنها [في] موضع مفرد من كل وجه.

قال الرضي: وفيما قاله ابن الحاجب- مع هذا التحقيق البالغ- نظر؛ ذلك لأنا- بعد تسليم أن [أن] المفتوحة وما في حيزها بتقدير اسمين- نقول: إن ذينك الاسمين بتقدير [المفرد، فعلمت أن زيدا قائم، بتقدير]: (علمت زيدا قائما)، و (علمت زيدا قائما) بتقدير: (علمت قيام زيد) / وكونها بتقدير اسمين لا يخرجها عن كونها بتقدير المفرد؛ إذ ذانك الاسمان بتقدير المفرد، هذا مع أن الحق أن (أن) وما في حيزها ليست بتقدير اسمين، بل هي من أول الأمر بتقدير اسم مفرد، أعني المصدر الذي ذانك الاسمان مؤولان به. قال: وإنما دعا المصنف- يعني ابن الحاجب- إلى هذا التكلف أنه رأى سيبويه مستشهدا على العطف على محل المكسورة بقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... } الآية، و (أذان) بمعنى إعلام، وكذا استشهد بقوله: وإلا فاعلموا أنا وأنتم *** بغاة ما بقينا في شقاق

[على العطف] على محل اسم المكسورة بتقدير حذف الخبر في الأول، والتقدير: أنا بغا ة، وأنتم بغاة، فلولا أن المفتوحة بعد فعل القلب في حكم المكسورة لما صح منه الاستدلال المذكور، وبعض النحاة لما رأى سيبويه يستشهد للمكسورة بالمفتوحة، قال: إن المفتوحة حكمها مطلقا حكم المكسورة في جواز العطف على محل اسمها بالرفع؛ لأنهما حرفان مؤكدان أن أصلهما واحد، فيجوز العطف بالرفع، نحو: بلغني أن زيدا قائم وعمرو, والسيرافي ومن تابعه لم يلتفتوا إلى استدلال سيبويه، فقالوا: لا يجوز العطف على محل اسم [أن] المفتوحة مطلقا؛ إذ لم يبق معها الابتداء، بل هي مع ما في حيزها في تأويل اسم مفرد مرفوع أو منصوب أو مجرور، فسمها كبعض حروف الكلمة. انتهى. وقال الشلوبين: مذهب الأكثرين المنع وهو الصحيح. «وكذا البواقي عند الفراء» فيجوز عنده رفع المعطوف بعد (كأن) و (ليت)، و (لعل)، كما جوزه بعد الثلاثة الأخر، واستدل بقوله: ياليتني وأنت يا لميس *** في بلد ليس به أنيس

والفراء» لكن الجرمي والزجاج يجوزان ذلك بعد ذكر الخبر لا قبل ذكره، نحو: إن زيدا قائم العاقل أو بطة أو نفسه، فيجوز في الجميع الحمل على المحل والفراء إنما يجوز ذلك بشرط خفاء الإعراب وفي قول المصنف: (كالمنسوق) إشارة إليه. قال الرضي: ولم يذكر غيرهم في ذلك منعا ولا إجازة، والأصل الجواز إذ لا فارق. قال الزجاج: (علام الغيوب) - في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} - صفة (ربي) ويحتمل وجوها أخر. قال الرضي: ولم يذكروا البدل، والقياس كونه كسائر التوابع في جوازه نحو: إن الزيدين استحسنتهما شمائلهما، بالرفع. انتهى.

وحكى ابن عصفور أنه لا يجوز عند المحققين من أهل البصرة في غير عطف النسق من التوابع إلا النصب فقط، قال: إلا أن يسمع شيء فيحفظ ولا يقاس عليه. «وندر» قول بعض العرب: «إنهم أجمعون/ ذاهبون، وإنك وزيد ذاهبان». قال الخضراوي: وحكى الأخفش في كتابه الكبير أنه سمع من بعضهم: إن زيدا وأنت ذاهيان. والمثالان الأولان حكاهما سيبويه/ ومحلهما عنده على التوهم كما في قول زهير: بنالي أني لست [مدرك] ما مضى *** ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

بجر (سابق) على توهم زيادة الباء في (مدرك)، وهو في الحقيقة عكسهما؛ لأن فيه تقدير المعدوم موجودا وهما بالعكس، والجامع بين الجميع تقدير الشيء علا خلاف ما هو عليه، فهذا وجه الجمع، وخرجهما المصنف على تقدير المؤكد في الأول، أي: إنهم هم أجمعون ذاهبون، وعلى تقدير المعطوف عليه في الثاني، أي: إنك أنت وزيد ذاهبان. ووقع في عبارة سيبويه أن ذلك على سبيل الغلط فقال المصنف: دوهذا غير مرضي من سيبويه، فإن المطبوع على العربية لو جاز غلطه في هذا لم يوثق بشيء من كلامه. قال: وسيبويه يوافق على هذا، ولولا ذلك لما قيل نادرا. قال أبو حيان: ولم يفهم أحد عن سيبويه ما فهمه ابن مالك من أنه أراد حقيقة الغلط: بل أراد حقيقة الغلط: بل أراد أنه لم يشترك في الناصب، وكأنه لم يتقدم ناصب ألبتة، بل ابتداأ بالاسم مرفوعا فأتبعه مرفوعا. قال في البسيط: سماه غلطا لخروجه عن القياس. [قلت: يريد- والله أعلم- أنه مردود، لخروجه عن القياس]، كما يرد الغلط؛ لأن قبول ما يقوله العربي إنما كان للظن، بأنه على وفق ما وضعه الواضع، فإذا

جاء على خلاف القياس واستعمال الفصحاء غلب على الظن نقيض ذلك، أي كونه ليس على وفق وضع الواضع، فزال الموجب لقبوله، فيكون مردودا، كذا قرره بعض المحققين، ولا ينبغي حمل كلام سيبويه إمام الجماعة إلا على ذلك. «وأجاز الكسائي رفع المعطوف على أول مفعولي (ظن) إن خفي إعراب الثاني» سواء كان خفاء إعرابه بكونه تقديريا، وهو من المعربات، نحو: ظننت زيدا صديقي وعمرو، أو محليا، وهو من المبنيات، نحو: ظننت زيدا من يكرمني وبكر، وإنما مثل المصنف بالأول.

الباب السادس عشر «باب (لا) العاملة عمل (إن)»

الباب السادس عشر «باب (لا) العاملة عمل (إن)» ويقال لها: التبرئة، كأنه مأخوذ من [قولك]: برأت فلانا عن كذا، إذا نفيته عنه، فهي مبرئة للجنس، أي: نافية له. «إذا لم تكرر [لا]، وقصد خلوص العموم باسم نكرة يليها غير معمول لغيرها، عملت عمل (إن)» [وجوبا]، فاشترط لها في عملها [ذلك] أمور: أحدها: عدم تكرارها؛ لأنها إذا تكررت لا يجب إعمالها، بل يجوز، وسيأتي. الثاني: أن يقصد خلوص العموم، أي: نفي الجنس على سبيل التنصيص؛ لأنه إذا لم يقصد ذلك لا تعمل عمل (إن)، وإنما تعمل- حينئذ- عمل (ليس)، أو تلغى، فيليها المبتدأ والخبر، ويحتمل- حينئ- نفي الجنس ونفي الواحد، وفي عبارة الشارح: ويحتمل- حينئذ- نفي العموم. وهي معكوسة؛ إذ المحتمل [حينئذ] عموم النفي لا نفي العموم. الثالث: أن يكون اسمها نكرة؛ لأنها لا تعمل في المعرفة إلا عند تأزيلها بنكرة.

الرابع: أن يليها الاسم؛ لأنه لو فصل بينهما فاصل لم تعمل عمل (إن)، نحو: - {لا فِيهَا غَوْلٌ} - قال الشارح: وأجاز الرماني أن تعمل مع الفصل النصب، نحو: لا كذلك رجلا. الخامس: أن يكون الاسم المنصوب غير معمول لغيرها؛ احترازا من نحو: - {لا مَرْحَبًا بِهِمْ} لأن (مرحبا) منصوب بفعل مقدر، وأنت خبير بأن هذا الشرط مستغنى عنه بما قبله، وهو كون الاسم واليا لها ضرورة أنه متى فرض عمل لغيرها في ذلك الاسم حصل الفصل بينهما بذلك العامل. وقد يقال: إن قوله: (يليها) محتمل لكون الاسم يليها لفظا وإن كان ثم فاصل تقديرا، فلا يكون قوله: (يليها) بمجرده مخرجا لنحو: (لَا مَرحبَاً بِهِم)، فلما قال: (غير معمول لغيرها) علم أن المراد كونه يليها من غير فاصل ألبتة، لا ظاهر ولا مقدر، فقد استفيد/ ثانيا ما لم يستفد أولا، فلا تتجه مناقشته أصلا. «إلا أن الاسم إذا لم يكن مضافا» نحو: لا صاحب جود ممقوت «ولا شبيها به» سواء كان رافعا نحو: لا حسنا فعله مذموم، أو ناصبا نحو: لا طالعا جبلا حاضر. «ركب» الاسم «معها» أي: مع (لا) تركيب خمسة عشر. «وبني» لأجل التركيب. قال الشارح: وهذا هو علة البناء عند سيبويه والجمهور. انتهى. قال الرضي: ولم يقم دليل قاطع على أن (لا) مركبة مع النفي، والذي ذهب إليه بعض المحققين أن علة البناء هي تضمن معنى الحرف الذي هو (من) الاستغراقية؛ وذلك لأن قولك: (لا رجل) نص في نفي الجنس بمنزلة: (لا من

رجل)، بخلاف: (لا رجل في الدار) بالرفع كما أن ما جاءني من رجل نص في الاستغراق، بخلاف: ما جاءني رجل، [إذ] يجوز أن يقال: لا رجل في الدار بل رجلان، ولا يجوز: لا رجل في الدار- بالفتح- بل رجلان، ولا ما جاءني من رجل بل رجلان، لما أرادوا التنصيص على الاستغراق ضمنوا الاسم النكرة معنى (من)، فبنوه. «على ما كان ينصب به» فإن كان ينصب بالفتحة بني عليها نحو: لا رجل وإن كان ينصب بالياء بني [عليها] نحو: لا رجلين عندك، ولا مسلمين مخلدون في النار، وهذه العبارة- لشمولها للفتحة- والياء أولى من قولهم: يبنى على الفتح. ويظهر من كلام بعضهم أن التنصيص على العموم مخصوص بما إذا كان اسمها مبتيا، وكلام المصنف صريح في خلافه كما علمت. «والفتح في نحو» قول الشاعر: إن الشباب الذي مجد عواقبه *** فيه نلذ «ولا لذات للشيب

أولى من الكسر» وهذا كالاستثناء من القاعدة التي قدمها، وهي أنه يبنى على ما كان ينصب [به]، وإذا ثبت هذا عن العرب- أعني جواز الوجهين مع أولوية أحدهما، وهو الفتح- علم ضعف [قول] من عين الكسر أو الفتح؛ ولهذا قال ابن خروف: لو وقفوا على السماع ما اختلفوا. «ورفع الخبر إن لم يركب الاسم مع (لا) بها عند الجميع». فـ (رفع) مصدر مبتدأ، و (بها) متعلق به، والخبر هو الظرف، أو (بها) خبر، والظرف متعلق به، يعني أن رفع خبر (لا) بها إذا انتفى تركيبها مع الاسم، نحو: لا غلام رجل عندك، ولا طالعا جبلا حاضر، قال به جميع النحاة، وكأنه اعتمد في ذلك قول الشلوبين في رفع الخبر بها عند عدم تركيبها. قلت: ينبغي أن يكون هذا الاتفاق مخصوصا بطائفة من النحويين، وهم أهل البصرة؛ وذلك لأن الكوفيين يقولون: - في (إن) التي (لا) محمولة عليها- إنها لا عمل

لها في الخبر مطلقا فما ظنك بهذه؟ «وكذا مع التركيب على الأصح». تكون (لا) عاملة في الخبر؛ لأن ما استحقت به العمل باق، والتركيب لا يبطله، هذا مذهب الأخفش والمازني وجماعة، وهو الأصح عند المصنف، وذهب قوم إلى أنها إذ ذاك- أعني عند التركيب- لا تعمل في الخبر، بل النكرة مع (لا) في موضع رفع بالابتداء، والخبر خبر المبتدأ، فهو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها، بدلبيل حمل جميع توابعها على الموضع قبل الخبر، ولولا أنها في موضع رفع بالابتداء لم يجز ذلك. قال الشارح وهذا ظاهر مذهب سيبويه. قلت: وبعضهم يبت القول بأنه مذهب سيبويه. قال ابن هشام: والذي عندي أن سيبويه يرى- في (لا رجل) - أن كلمة (لا) لا عمل لها في الاسم ولا في الخبر، لأنها صارت كجزء كلمة؛ ولهذا جعل النصب- في لا رجل ظريفا كالرفع في (يا زيد الفاضل)، لا على نحل الاسم بعد (لا). وفرق قوم بين ظهور عمل (لا) وعدم ظهوره، فقالوا: - في نحو: (لا رجل فاضلا) بالنصب- إن الخبر هنا مرفوع بـ (لا)، وذلك أن عامل الصفة عامل الموصوف، فلما انتصب الوصف بـ (لا) علمنا أن (لا) قد نصب الموصوف أيضا، فإن قلت. (لا غلام ظريف) برفع الصفة، فرفع الخبر بالابتداء؛ لا تفاقهم إلا الأخفش/ أن عامل الصفة هو عامل الموصوف. قلت: وقد عرفت أن قولهم: - في نحو: (لا رجل فاضلا) - إن الوصف قد انتصب بـ (لا) دعوى قابلة للمنع. وتظهر فائدة الخلاف في نحو قوله:

فلا لغو ولا تأثيم فيها *** ....................... فإن قلنا: بأن الخبر مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول (لا) كان (قفيها) خبرا عنها، إذ (لا) الأولى ملغاة، فما بعدها مرفوع بالابتداء، و (لا) الثانية مع الاسم المركب معها في محل رفع بالابتداء، فلا محذور في جعل (فيها) خبرا من هذين المبتدأين، وخبر الآخر محذوفا. «وإذا علم» خبر (لا) بقرينه لفظية أو حالية «كثر حذفه عند الحجازيين» نحو: {قَالُوا لا ضَيْرَ} / ومنه: (لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي). قال ابم الحاجب: وليس (ذو) و (علي) خبرين؛ أنهما مستثنيان من مذكور، والمستثنى كذلك لا يكون خبرا عن المستثنى منه، لأنه لم يذكر إلا ليبين ما قصد

بالمستثنى منه. واحترز بقوله: (من مذكور) من نحو: - {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} «ولم يلفظ به [حينئذ]» أي [حين] إذ علم «عند التميميين». وإنما قال: (حينئذ) دفعا لتوهم من يتوهم أن (ولم يلفظ به) مستأنف لا مرتب على شرط العلم، وأما إذا لم [يعلم] الخبر لانتفاء القرينة الدالة عليه لم يجز حذفه عند أحد لا التميميين ولا غيرهم نحو: (لا أحد أغير من الله). قال الشارح: ومن نسب إلى التميميين التزام الحذف مطلقا كالزمخشري، أو بشرط أن لا يكون ظرفا كالجزولي، فبيس بمصيب. «وربما أبقى» الخبر «وحذف الاسم» كقولهم: (لا عليك)، أي: لا بأس علعيك. و[قد] خرج بعضهم بيتا على حذف الجزءين معا، وذلك أن الفراء وأصحابه تمسكوا بقول الشاعر: فخير نحن عند الناس منكم *** إذا الداعي المثوب قال: يالا

على زعمهم أن أصل (يالزيد): يا آل زيد، فقال هذا المخرج: لا دليل فيه، لجواز أن يكون الأصل: يل قوم لا فرار، فحذف المنادى وجزآ (لا)؛ لأن كل واحد منهما ثبت له جواز الحذف، فلا ضير إذا جمع جائز إلى جائز. «ولا عمل لـ (لا) في لفظ المثنى من نحو: لا رجلين فيها». وكذا المجموع على حدة، نحو: لا مسلمين عندك، وكان ينبغي ذكره؛ لأن حكمهما في ذلك واحد. «خلافا للمبرد» فإنه يقول: إن (لا) عاملة (في لفظ المثنى، وكذا) في لفظ المجموع على حده، فهما عنده معربان لا مبنيان. قال الرضي: فإن قال لأن النون كالتنوين الذي هو دليل الإعراب، فمنقوذ بنحو: يا زيدان، ويازيدون، وهما مبنيان مع وجود النون، إذ لو كانا معربين لقيل: يازيدين، ويازيدين، والنون ليس كالتنوين في الدلالة على التمكن، ونقل عنه أنه قال: لأن المثنى والمجموع في حكم المعطوف والمكعطوف عليه، [والمعطوف عليه] مضارع [للمضاف]، فيجب النصب، ورد بأن النسق الذي يكون التابع والمتبوع فيه كاسم واحد، كما في باب النداء في نحو: يا ثلاثة وثلاثين، ولا شك أن المثنى والمجموع مثل هذا المنسوق، لكنه ينتقض بنحو: يا زيدان، ويازيدون، وقيل: إنما قال ذلك/ ليس شيء من المركبات يثنى فيه

الجزء الثاني أو يجمع، والجواب أنه لم يقم دليل قاطع على أن (لا) مركب، كما مر، ولو سلمنا فليس بناؤه للتركيب كما مر، وإن سلمنا فنحن مقول: حضرموتان، وحضرموتون في المسمى بـ (حضر موت). وهذا كلامه. «وليست الفتحة في نحو: (لا أحد فيها) إعرابية، خلافا للزجاج والسيرافي» فإنهما ذهبا إلى أن الفتحة في ذلك إعرابية، وإنما وقع الاختلاف بينهم لاحتمال قول سيبويه؛ وذلك لأنه قال: «ولا» تعمل فيما بعدها فتنصبه من غير تنوين. /ثم قال: وإنما ترك التنوين في معمولها؛ لأنها جعلت وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد كخمسة عشر. فقال الزجاج: مراده أنه معرب، لكنه مع كونه معربا ركب مع عامله لا ينفصل عنه، كما لا ينفصل (عشر) من (خمسة عشر)، فحذف التنوين مع كونه معربا؛ لتثاقله بتركيبه مع عامله. وقال السيرافي: إنما ركب مع عامله لإفادة (لا) التبرئة الاستغراق، كما أفادته (من) الاستغراقية في نحو: هل من رجل في الدار، [ولا رجل في الدار، جواب: هل من رجل]، فركبوا (لا) مع النكرة، كما أن (من) مركب معها تطبيقا للجواب بالسؤال، ثم حذف التنوين؛ لتثاقل الكلمة بالتركيب مع كونها معربة. وقال المبرد: مراده أنها نصبته أولا: لكن بني بعد ذلك، فحذف منه التنوين للبناء، كما حذف في (خمسة عشر) للبناء اتفاقا. قال الرضي: والأولى ما ذهب إليه المبرد وأصحابه؛ لأن حذف التنوين في

حال الوصا من الاسم المنون لغير الإضافة والبناء غير معهود، وأيضا التركيب بين (لا) والمنفس ليس بأشد منه بين المضاف والمضاف إليه والجار والمجرور، ولا يحذف التنوين من الثاني في الموضوعين. «ودخول الباء على (لا) يمنع التركيب غالبا». فتقول: جئت بلا مال، وغضبت من لا شيء، بالتنوين، ولا تركب لتعذر تقدير (من) بعدها؛ إذ لا يجوز: بلا من مال، ومن لا من شيء. وأشار بقوله: (غالبا) إلى قول بعض العرب: جئت بلا شيء- بالفتح- وهذا مما رد به على الزجاج والسيرافي في دعواهما أن الفتحة- في [نحو]: (لا رجل) - إعرابية، فثبت أن الفتحة فيه بنائية، وأنت خبير بأن التعليل المتقدم إنما يأتي عند من جعل علة البناء تقدير (من) لا التركيب. «وربما ركبت النكرة مع (لا) الزائدة» كقوله: لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها *** إذن للام ذوو أحسابها عمرا

قال أبو الفتح بن جني: أنشد أبو الحسن في المعاني هذا البيت مستدلا به على أن الحرف الزائد قد يعمل، فسألت أبا علي فقلت: الزائد العامل (لم) أو (لا)؟ . فقال: لم تأت (لم) زائدة في كلامهم، فيجب أن يكون (لا)، وهي قد عملت النصب في الاسم. «وقد يعامل غير المضاف معاملته» أي: معاملة المضاف. «في الإعراب ونزع التنوين» نحو: لا أبالك فيها. «و» نزع «النون» نحو: لا غلامي لك فيها. «إن وليه مجرور بلام» كما رأيت في المثالين. واحترز بقوله: (وليه) من أن يقع فصل كما سيأتي. وقيد الجر باللام احترازا من أن يقع الجر بغيرها فيتعين- حينئذ- حذف الألف وإثبات النون، نحو: لا أب فيها، ولا غلامين فيها، وإن ورد خلاف ذلك فشاذ أو مؤول. «معلقة بمحذوف غير خبر» كما مر، فلو جر بلام متعلقة بمذكور أو

محذوف هو خبر تعين حذف الألف وإثبات النون، نحو: لا أب بار لك، ونحو: لا أب لك، إذا جعلت (لك) متعلقا بمحذوف هو خبر. ولم يقيد المصنف غير المضاف بأسماء بعينها، بل عمم في المتن، ومثل في الشرح بلا غلام لك، يعني: فلك تقدير حركته فتحا ونصبا، واقتضى كلام غيره، أن المسموع في ذلك هو الأب والأخ والمثنى والمجموع على حدة، وخص في الارتشاف المثنى باليدين، وعلى التقديرين- في لا غلام لك- يظهر الاختلاف في اللفظ في نحو لا مسلمات لك فإن جعلنا الحركة إعرابية تعين الكسر، وإن جعلناها بنائية فلك الفتح والكسر، والفتح أولى. ثم أعلم أن ما ذكره المصنف من أن الاسم الواقع بعد (لا) في الضابط الذي ذكره غير مضاف، هو مذهب هشام وابن كيسان، واختاره المصنف وابن الحاجب، وذهب الخليل وسيبويه والجمهور إلى أن هذا المذكور مضاف حقيقة/ باعتبار المعنى. واعترض بأن اللام لا تظهر بين المضاف والمضاف إليه، بل تقدر، وأجيب بأن اللام ههنا أيضا مقدرة، وهذه الظاهرة تأكيد لتلك المقدرة كـ (تيم) الثاني في: يا تيم تيم عدى .... *** ...............................

على من قال: إن (تيم) الأول مضاف إلى (عدي) الظاهر، فيكون الفصل بين المضاف والمضاف إليه كلا فصل. فسئل: ما الحامل على الفصل بينهما باللام المقحمة توكيدا دون سائر الإضافات المقدرة باللام؟ . فأجيب بأنهم قصدوا نصب هذا المضاف المعرف بـ (لا) من غير تكريرها تخفيفا وحق المعارف المنفية بـ (لا) الرفع مع تكرير (لا)، ففصلوا بين المتضايفين لفظا حتى يصير المضاف بهذا الفصل كأنه ليس بمضاف، فلا يستنكر نصبه وعدم تكرير (لا). والدليل على قصدهم لهذا الغرض أنهم لا يعاملون بهذه المعاملة المنفي المضاف إلى النكرة، فلا يقولون: لا أبا لرجل حاله كذا، ولا غلامي لشخص نعته كذا،

والدليل على أنه مضاف قوله: وقد مات شماخ ومات مزرد *** وأي كريم لا أباك مخلد وقول الآخر: أبالموت الذي لابد أني *** ملاق لا أباك تخوفيني فصرح بالإضافة، وهو شاذ لا يقاس عليه، وتخريج المصنف لذلك- على أنه دعا على المخاطب بأن لا يأباه الموت فجعله [فعلا] ماضيا والكاف مفعولا به- يضعفه وروده حيث بم يذكر الموت كقوله:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أما المصنف فاعترض بقولهم: (لا أبالي)، و (لا أخالي)، إذ لو كان الاسم مضافا-كما زعموا- لقالوا: (لا أب لي)، و (لا أخ لي) بكسر الباء والخاء، إشعارا بأنها متصلة بالياء تقديرا، فإن اللام لا اعتداد بها على قولهم. والجواب: أنه [لم] يكسروا الباء و [لا] الخاء، لأن الياء غير مباشرة للآخر. واللام الجارة هي المباشرة له لفظا. واعترض أيضا بأن الإضافة إن كانت محضة لزم كزن اسم (لا) معرفة. وإن كانت غير محضة لزم مخالفة النظائر، لأنها لا تكون إلا فيما عمله عمل الفعل، أو في معطوف على ما لا يكون [إلا] نكرة.

والجواب: أنه منقوض بـ (غيرك) و (شبهك) ونحوهما، فإن الإضافة في ذلك غير محضة، وليست شيئًا مما ذكر. وأما ابن الحاجب فاعترض: بأنه لو كان المذكور مضافًا حقيقة لكان معرفة فوجب رفعه وتكرير (لا). والجواب: أنه ترك الرفع والتكرير؛ لكونه في صورة النكرة، والغرض من الفصل باللام أن لايرفع ولا تكرر [لا]، فكيف يرفع وتكرر مع الفصل باللام! ! . واعترض أيضًا بأن (لا أبالك)، و (لا أب لك) سواء في المعنى اتفاقًا، و (لا أب لك) نكرة بلا خلاف، فيلزم أن يكون (لا أبالك) نكرة؛ إذ المعرفة لا توافق النكرة معنى. والجواب: أن الاتفاق في المعنى إنما هو بالنسبة إلى الجملتين وهما (لا أبا لك) و (لا أب لك)، ولم يتفقوا أن (أبا لك) و (أب لك) بمعنى واحد، وقد يكون المقصود من الجملتين واحدًا، مع أن المسند إليه في إحداهما معرفة، وفي الأخرى نكرة، والمسند- أي: خبر (لا) في (لا أبا لك) - محذوف، أي: (لا أبا لك موجود)، وأما في (لا أب لك) فالخبر هو (لك)، أي: (لا أب موجود لك)، فالجملة الأولى

بمعنى: لا كان أبوك موجودًا، والثانية بمعنى: لا وجد لك أب. وفحوى الجملتين واحدة مع كون المسند إليه في إحداهما معرفة، وفي الأخرى نكرة. كذا قرره الرضي. «فإن فصلها» أي: فإن فصل النكرة الواقعة بعد (لا) عن المجرور باللام «جار آخر» نحو: (لا يدي بها لك). «أو ظرف» نحو: (لا يدي اليوم [لك]، و (لا غلامي عندي لك). «امتنعت المسألة في الاختيار» لا في الضرورة «خلافًا ليونس» فإنه أجاز ذلك في الاختيار كما مثلنا، وأشار سيبويه إلى جوازه في الضرورة. - «وقد يقال- في الشعر- لا أباك» كالبيتين اللذين أنشدناهما آنفا. 213 قال المصنف: أصله عنهم (لا أبا لك)، فإن زعموا أن الضمير مخفوض بالإضافة، فكيف يكون اسم (لا) معرفة! ! . فإن قالوا: الإضافة غير محضة لتقدير اللام، لزم تقدير المحض غير محض. وإن قالوا: الجر بلام مقدرة، لزم اتصال الضمير المجرور بغير جاره، ولا نظير لذلك، وإنما هذا عندي دعاء. وقد تقدم ذلك وتقدم رده، وأنت خبير بأن هذا الكلام مخالف لما قرره في الأصل. «وقد يحمل على المضاف مشابهه في العمل فينزع تنويه» نحو: لا

طالع جبلًا، وهذا مبني على أن الاسم معرب، ولكن ترك تنوينه لشبهه بما يجب ترك تنويه، وهذا مذهب البغداديين، ويقولون: كما حمل [على] المضاف في الإعراب، حمل عليه في ترك التنوين. فإن قيل: لأي شيء كان إجراؤه مجرى المضاف في ا؟ لإعراب واجبًا وفي ترك التنوين جائزًا؟ قلنا: الأصل في الاسم التمكن. بل الأمكنية، فيكون معربًا منونًا، فحمل على المضاف في الإعراب وجوبًا؛ لأنه حمل يقتضي بقاءه على أصله، وجعل عليه في ترك التنوين جوازًا؛ لأنه حمل يقتضي خروجه عن أصله. قال ابن هشام: وعلى قولهم يتخرج الحديث: (لا مانع لما أعطيت. ولا معطي لما منعت). وأما قول البصريين فيجب تنوينه، ولكن الرواية إنما جاءت بغير تنوين. هذا كلامه في مغني اللبيب. قلت: وقد رددناه في الحاشية، وفي مصابيح الجامع الذي [علقته] على البخاري بأن هذا يتخرج أيضًا على قول البصريين، بأن يجعل (مانع) اسم (لا) مفردًا مبنيًا: إما لتركيبه معها تركيب (خمسة عشر)، وإما لتضمنه (معنى) (من) الاستغراقية على الخلاف المتقدم، والخبر محذوف، أي لا مانع مانع لما أعطيت، واللام

«فصل» في الكلام على بطلان عمل (لا)، وفي فروع تتعلق بها وبتوابع اسمها.

للتقوية، فلك أن تقول: تتعلق، ولك أن تقول: لا تتعلق، وكذا القول في (ولا معطي لما منعت)، وجوز الحذف ذكر مثل ما حذف، وحسنه دفع التكرار، فظهر بذلك أن التنوين على رأي البصريين ممتنع لا واجب. ولعل السر في العدول عن تنوينه إرادة التنصيص على الاستغراق، ومع التنوين يكون الاستغراق ظاهرًا لا نصًا. فإن قلت: إذا نون كان الاسم مطولًا، و (لا عاملة، وقد تقدم أنها عند العمل تكون ناصة على الاستغراق. قلت: مر لنا أيضًا أن بعضهم يخص الاستغراق المنصوص بحالة بناء الاسم من جهة تضمن (من) الاستغراقية، ولو سلم أن الاستغراق عند عملها ثابت على سبيل التنصيص لم يتعين عملها في (مانعًا) النصب حتى يكون النص على الاستغراق ثابتًا؛ لاحتمال أن يكون (مانعاً) منصوبًا بفعل محذوف، أي لا نجد أو لا نرى مانعًا لما أعطيت، فعدل إلى البناء لسلامته من هذا الاحتمال، وإن بنينا على أن غير المضاف يعامل معاملة المضاف في الإعراب ونزع التنوين والنون عند وجود الضابط المتقدم، وأن ذلك لا يخص بالأب والأخ والمثنى والمجموع على حدًه، كما هو ظاهر كلام المصنف، فلك أن تقدر الفتحة في (لا مانع)، و (لا معطى) إعرابية، وإن كان غير مضاف إجراء له مجرى المضاف؛ لوجود المسوغ له، كما في (لا غلام [لك]) على ما مثل به المصنف في الشرح كما مر. «فصل» في الكلام على بطلان عمل (لا)، وفي فروعٍ تتعلق بها وبتوابع اسمها.

«إذا انفصل مصحوب (لا) نحو: - {لا فيها غول} «أو كان معرفة» نحو: لا زيد ولا عمرو. «بطل العمل بإجماع». أما مسألة الفصل فلم يخالف فيها إلا الرماني كما سبق في أول الباب. وأما مسألة المعرفة فبطلان العمل فيها إنما هو مجمع عليه عند البصريين، وأما الكوفيون فإنهم جوزوا بناء العلم. وإنما بطل العمل في المفصول بينه وبي (لا)؛ لأنه قد ضعف أمر (لا) بالفصل، وهي في نفسها عامل ضعيف؛ لأنها تعمل بمشابهة (إن) التي تعمل/ بمشابهة الفعل لا بالأصالة. قالوا: ووجه المشابهة بين (إن) و (لا) [أن] للمبالغة في الإثبات و (لا) للمبالغة في النفي، لأنها لنفي الجنس، فلما توغلتا في طرفي الإثبات والنفي تشابهتا. قلت: (إن) ليست للإثبات وإنما هي لتوكيد النسبة الواقعة في الكلام الذي تدخل عليه إثباتًا كان أو نفيًا. وإنما بطل عملها في المعرفة؛ لأنها لنفي الجنس، ولا يمكن حصوله مع دخولها على المعرفة؛ إذ ليس المعرفة لفظ جنس حتى ينتفي الجنس بانتفائها. «ويلزم- حينئذٍ-» أي: حين إذ بطل العمل «التكرار» أي تكرار (لا) مع المفصول ومع المعرفة. «في غير ضرورة، خلافًا للمبرد وابن كيسان». أمال لزوم التكرار مع الفصل فإنه جعل تكريرها منبهًا على كونها لنفي الجنس في النكرات؛ لأن نفي الجنس هو تكرار النفي في الحقيقة. وأما مع المعارف فالتكرار جبراًن لما فاتها من نفي الجنس الذي لا يمكن

حصوله مع المعرفة، وأجاز المبرد وابن كيسان عدم تكرار (لا) في الموضعين، فأجازا نحو: لا زيدً في الدار، ونحو: لا فيها رجل، واستدلا بقول الشاعر: بكت جزعًا واسترجعت ثُمَّ آذنت*** ركائبها أًنْ لا إلينا رجوعها وهو عند الجماعة محمول على الضرورة. «وكذا» (لا) «التاليها خبر مفرد» نحو: زيد لا يقوم، فلا يلزم فيها التكرار. «أو شبهه» أي شبه الخبر المفرد من النعت نحو: مررت برجل لا شجاعٍ ولا كريمٍ، والحال نحو: جاء زيد لا ضاحكًا ولا ماشيًا، وقد جاء عدم التكرار فَّي ذلك لأجل الضرورة قال [الشاعر]: وأنت امرًؤ منا خلقت لغيرنا*** حياتك لا نفع وموتك فاجع

وقال الآخر: قهرت العدا لا مستعينًا بعصبة*** ولكن بأنواع الخدائع والمكر «وأفردت» (لا) فلم تكرر «في» قولهم: (لا نولك أن تفعل)؛ لتأوله بـ (لا ينبغي)» فلا حجة فيه للمبرد وابن كيسان؛ لأن (لا) في المعنى هي الداخلة على المضارع وتلك لا يلزم تكريرها. والنول مصدر بمعنى التناول، وهو هنا بمعنى المفعول، أي: ليس متناولك ومأخوذك هذا الفعل، أي لا ينبغي [لك] أن تتناوله. «وقد يؤول غير عبد الله» وهو مما [لا] تنزع منه الألف واللام بحال، أعنى من الجزء الثاني لو أفرد. «وعبد الرحمن» وهو ما لا تنزع الأداة من جزئه الثاني لو أفرد إلا في النداء والإضافة. «من ا؟ لأعلام بنكرة، فيعامل معاملتها بعد

نزع ما فيه أو فيما أضيفت إليه من ألف ولام». فالأول: كالبصرة، فتقول: لا بصرة لكم. والثاني: كقولهم: (قضية ولا أبا حسن لها)، والمراد بـ (أبي الحسن) علي رضي الله عنه. وفي كلام المصنف مسامحة حيث جعل (الحسن) مضافًا إليه العلم، وليس كذلك، وإنما العلم مجموع المضاف والمضاف إليه. قال المصنف قدر قوم العلم المعامل بهذه المعاملة مضافًا إليه (مثل)، وقدره آخرون ب (لا مسمى بهذا الاسم)، أو بـ (لا واحد من مسميات هذا الاسم). ولا يصح واحد من هذه التقديرات الثلاثة على الإطلاق: أما الأول فممنوع من ثلاثة أوجه: أحدهما: أنه قد ذكر (مثل) بعده نحو: تبكي على زيد ولا زيد مثله*** برئ من الحمى سليم الجوانح الثاني: أن المتكلم إنما يقصد نفي مسمي العلم المقرون بـ (لا)، فإذا قدر (مثل) لزم خلاف المقصود. الثالث: أن المعامل بهذا يكون انتفاء مثله معلومًا لكل أحد، فلا يكون في نفيه

فائدة، نحو: لا بصرة لكم. وأما التقدير الثاني والثالث فلا يصح اعتبارها مطلقًا، فإن من الأعلام المعاملة بذلك ماله مسميات كثيرة كأبي حسن وقيصر، فتقدير ما كان هكذا بـ (لا مسمى) أو 215 بـ (لا واحد من مسمياته) كذب، فالصحيح أنه لا يقدر بتقدير واحد، بل بما يليق/، فيقدر: (لا زيد) بـ (لا مسمى بهذا الاسم) أو بـ (لا واحد من مسمياته)، ويقدر: (لا قريش) بـ (لا بطن من بطون قريش)، و (لا أبا حسن) و (لا كسرى) و (لا قيصر) بـ (و (لا مثل). «ولا يعامل بهذه المعاملة ضمير» فلا يقال: لا إياه ههنا. «ولا اسم إشارة» فلا يقال: لا هذا هنا. «خلافًا للفراء» فإنه جوز إجراء المعرفة في ذلك مجرى النكرة بالتأويل كما في ا؟ لأعلام المذكورة، وهو بعيد غير مسموع. قلت: وقد يؤخذ من قول الفراء هذا أن الكاف من (ذاك) ونحوه ضمير مضاف إليه، لا حرف خطاب، كما يقول الجماعة، لقيام المسوغ للإضافة على رأيه، فتأمله. «ويفتح أو يرفع الأول» على طريق التنازع، فتعمل الثاني وتضمر في

الأول على المختار. «من نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله» والمراد بذلك أن تكرر [لا] فتذكر مرتين مثلًا [مع] أن عقب كل واحدة منهما- بلا فصل- نكرة «فإن فتح» الأول فتح الثاني أو نصب أو رفع، وإن رفع الأول «رفع الثاني أو فتح» فهذه خمسة أوجه في هذا التركيب. الأول: (لا حول ولا قوة) بفتحيهما، ووجهه أن تجعل (لا) في الموضعين للتبرئة، فتبني اسميهما كما لو انفردت كل منهما عن صاحبتها، ويجوز على مذهب سيبويه أن تقدر بعدهما خبرًا واحدًا لهما معًا، أي: لا حول ولا قوة لنا، أي؟ : موجودان [لنا] لأن مذهبه أن (لا) المفتوح اسمها لا تعمل في الخير، فهما في موضع رفع، فـ (لا قوة) مبتدأ معطوف على مبتدأ، والمقدر مرفوع بأنه خبر المبتدأين المتعاطفين، لا خبر المبتدأ الأخير فقط، فيكون الكلام جملة واحدة نحو: زيد وعمرو ضاربان، ويجوز أن

تقدر لكل واجد منهما خبرًا، أي: لا حول موجود لنا، ولا قوة موجودة لنا، فيكون الكلام جملتين، وأما على مذهب غيره- وهو أن (لا) المفتوح اسمها عاملة في الخبر- فيجوز أن يقدر لهما معًا خبرًا واحدًا، وذلك الخبر يكون مرفوعًا بـ (لا) الأولى والثانية، وهما وإن كانا عاملين إلا أنهما متماثلان، فيجوز أن يعملا في اسم واحد [عملًا واحدًا]، كما في: إن زيدًا وإن عمرًا قائمان كأنهما شيء واحد، وإنما امتنع أن يعمل عاملان مختلفان في حالة واحدة عملًا واحدًا في معمول واحد؛ قياسًا على امتناع حصول أثر واحد من مؤثرين، ويجوز أيضًا عندهم أن تقدر لكل منهما خبرًا على حياله. الثاني: (لا حول ولا قوة) بفتح الأول ورفع الثاني على أن (لا) الثانية زائدة لتأكيد [نفي] الأولى، كما في قولك: ما جاءني زيد ولا عمرو، كأنك قلت: لا حول وقوة، نحو: فلا أب وابن ...................................... كما يجيء والعطف على المحل، فعند سيبويه يجوز أن يقدر لهما [معًا] خبرًا واحدًا؛ لكونه خبر المبتدأ، وعند غيره لابد لكل واحد من خبر مفرد؛ لئلا يجتمع الابتداء ولفظ (لا) في رفع الخبر، ويجوز أن تجعل (لا) غير زائدة، بل لنفي الجنس،

لكن تلغيها لضعفها، والإلغاء يجوز إذا كان اسمها نكرة تليها، وقد حصل شرط الإلغاء، وهو تكرير (لا)؛ لأن التكرير حاصل سواء ألغيت الأولى والثانية كما في: (لا حول ولا قوة) - أو ألغيت الأولى دون الثانية- كما في (لا حول ولا قوة)، كما يجيء- أو ألغيت الثانية دون الأولى، كما في مسألتنا، وهي (لا حول ولا قوة)]، وتقدير الخبر مع جعل الثانية ملغاة مثله مع جعلها زائدة، ومن يجوز إعمال (لا) عمل (ليس) يجوز هنا أن تجعل الثانية معملة عمل (ليس)، فيلزم تقدير خبر لها على حيالها، ولا تجعل الخبر لهما جميعًا، لئلا يلزم اجتماع عاملين على معمول واحد؛ ولاستجالته هنا؛ لأن [لا] التبرئة خبرها مرفوع بها، أو بما يرتفع به خبر المبتدأ، و (لا) العاملة عمل (ليس) خبرها منصوب، فيكون الكلام عند هؤلاء جملتين. الثالث: (لا حول ولا قوة) بفتح الأول ونصب الثاني، على أن (لا) الثانية زائدة لتأكيد النفي كما مر، فلا يجوز عند سيبويه أن تقدر لهما خبرًا واحدًا بعدهما؛ لأن خبر (لا حول) مرفوع عنده بالمبتدأ، وخبر (لا قوة) مرفوع بـ (لا)، لأن الناصية لاسمها عاملة عنده في الخبر وفاقًا لغيره، فيلزم/ ارتفاع الخير بعاملين مختلفين وأنه لا يجوز، فيجب 216 أن تقدر لكل منهما خبرًا على حياله، فيكون الكلام عنده جملتين. كذا قرره الرضي، وفيه بحث، وعند غيره يجوز تقدير خبر واحد لهما؛ لأن العامل عندهم

(لا) وحدها، فيكون الكلام- حينئذٍ- جملة واحدة، ويجوز أن تقدر عندهم لكل خبرًا، فيكون الكلام جملتين. الرابع: (لا حول ولا قوة) برفعهما، فتكون (لا) الأولى ملغاة؛ لوجود المسوغ للإلغاء، ويكون الاسمان مرفوعين بالابتداء، و (لا) الثانية: إما زائدة لتأكيد النفي كما مر، وإما ملغاة غير زائدة كـ (لا) الأولى. ومذهب سيبويه وغيره في هذا الوجه واحد؛ إذ لا عامل هنا إلا الابتداء فقط: فإما أن تقدر لكل واحد خبرًا والكلام حملتان، أو تقدر لهما معًا خبرًا، والكلام جملة، وإن جعلت (لا) الأولى عاملة [عمل] (ليس)، والثانية ملغاة وجب تقدير خبرين لما تقدم، وكذا إن جعلت الثانية عاملة عمل (ليس) والأولى ملغاة، وإن جعلت الثانية زائدة قدرت خبرًا واحدًا، وكذا إن جعلتهما معًا عاملتين عمل (ليس) جاز لك تقدير خبر واحد، ولا ضير كما مر، وجاز لك تقدير خبرين، ووحدة الجملة وتعددها بحسب ذلك. الخامس: (لا حول ولا قوة) برفع الأول على إلغاء (لا) أو إعمالها عمل (ليس)، وفتح الثاني للتركيب، والكلام جملتان، ولا يجوز نصب الثاني مع رفع الأول، ولا نصبهما معًا إلا في ضرورة. «وإن سقطت (لا) الثانية فتح الأول ورفع الثاني أو نصب» كقوله:

فلا أب وابنًا مثل مروان وابنه*** إذا هو بالمجد ارتدي وتآزرا روي: (وابنًا) بالرفع عطفًا على موضع (لا) واسمها، وبالنصب على موضع اسمها باعتبار عملها. «وربما فتح منويًا معه (لا)». حكي أبو الحسن: (لا رجل وامرأة) بفتح المعطوف على تقدير ولا امرأة، فحذفها وأبقى حكمها، وليس هذا ببعيد ألبته لأن نظيره متفق على ثبوته، لكنه على العكس من المحذوف والثابت، وهو (لا عليك)؛ ؟ إذ تقديره: لا بأس عليك، وانظر هل يجوز على هذا الوجه الذي حكاه الأخفش أن ترفع الأول كما يجوز لو صرحت بهما؟ «وتنصب صفة اسم (لا) أو ترفع مطلقًا» أي: سواء كان ذلك مع التركيب نحو: لا رجل ظريفًا وظريف، أو مع فقده نحو: لا غلام رجل ظريفًا وظريف، وسواء اتصلت الصفة كما مثلنا، أو لم تتصل نحو: لا رجل عندك فاضلًا وفاضل، سواء كانت الصفة مفردة كما مثلنا، أو غير مفردة بأن تكون مضافة نحو:

لا رجل ذكي الفهم عندك، أو مطولًا نحو: لا رجل طالعًا جبلًا وطالع جبلًا والنصب في ذلك باعتبار عمل (لا)، وقيل: باعتبار الإتباع للحركة البنائية؛ لكونها بمنزلة الإعرابية، كما في النداء، والرفع في ذلك بتقدير عمل الابتداء؛ لأن موضع (لا رجل) رفع بالابتداء كما مر. وقال ابن معط: صفة المبني المضافة منصوبة لا غير نحو: لا عبد كريم الحسب. قال الرضي: ولعله قاسها على صفة المنادي مضافة ولفارق أن يفرق بأن (يا) لو باشرت المضاف لم يكن فيه إلا النصب فلزمه النصب لما وقع صفة لما باشرته، ويجوز في المضاف الذي باشرت (لا) الرفع عند التكرار، نحو: لا غلام رجل في الدار، ولا غلام امرأة، فلم يلزمه النصب لما وقع صفة لما باشرته (لا). «وقد تجعل» الصفة «مع الموصوف كخمسة عشر إن أفردا» أي: الصفة والموصوف «واتصلا» فيجوز في نحو: لا رجل ظريف أن يبني الموصوف والصفة جميعًا على الفتح، فتركبه [معها تركيب] خمسة عشر، ووجه التركيب أن الصفة من تمام الموصوف فاغتفر فيها ذلك، وجوز بعضهم أن تكون فتحة الصفة إعرابية لكن حذف تنوينها [طلبًا] للتشاكيل، فيكون محمولًا على محله أو على لفظه في

الإعراب؛ لشبه فتحته بحركة الإعراب كما مر. «وليس رفعها» أي: رفع الصفة «مقصورًا على تركيب الموصوف» حتى [إنه] إذا لم يركب لا يجوز الرفع، نحو: لا غلام رجل ظريف عندك. «ولا دليلًا/ على إلغاء (لا)» فيما إذا قلت: لا 217 رجل ظريف في الدار. «خلافًا لابن برهان في المسألتين» وشبهته في ذلك أن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف، والاسم المنصوب لا عمل للابتداء فيه فلا عمل له في صفته، والاسم المبني على الفتح إن نصبت صفته دل ذلك عنده على الإعمال، وإن رفعت دل على الإلغاء. قال المصنف: وما ذهب إليه غير صحيح؛ لأن إعمال (لا) عند استكمال شروطها ثابت بإجماع العرب، فالحكم عليها بالإلغاء دون نقصان الشروط حكم بما لا نظير له. وقوله: لا عمل للابتداء في الاسم [المنصوب] غير مسلم، بل له عمل في موضوعه، كما [أن] له عملًا بالإجماع في موضع المجرور بـ (من) في نحو: هل من رجل في الدار؟ واختار بعض المتأخرين قول ابن برهان في المسألة الثانية، وهو أن رفع الصفة عند تركيب الموصوف مع (لا) دليل على إلغائها، ووجه ما اختاره هذا المتأخر أن (لا) - والحالة هذه- لا عمل لها؛ لكونها قد ركبت فصارت كالجزء، والحرف إذا كان كالجزء لم يعمل مثل: (قد) والسين ولام التعريف، وجزئية المركب أقوى من جزئية غيره،

فلهذا كان الحكم بالرفع المحلي (لا رجل)، ومن ثم قال سيبويه: - في (لا رجل ظريفًا) - إنه تابع على اللفظ مثل: يا زيد الظريف، ولم يجعله مثل: إن هذا الظريف في الدار، وقد مرت الإشارة إلى نحو هذا عن ابن هشام. «وللبدل الصالح لعمل (لا) النصب والرفع» نحو لا أحد فيها رجلًا ولا امرأة، فلك نصب البدل نظرًا إلى عمل (لا)، [ولك] رفعه نظرًا إلى عمل الابتداء، ولا فرق بين أن يكون البدل مفردًا أو غيره، ولا يجوز تركيبيه مع الاسم؛ إذ هو في نية تكرار العامل. «فإن لم يصلح» البدل «لعملها» أي: لعمل (لا) بأن كان معرفة نحو: لا أحد فيها زيد ولا عمرو «تعين رفعه»؛ لأن مقتضى النصب منتف، ومنه (لا إله إلا الله)، ثم المبدل منه ما هو؟ فقيل: هو الضمير المستتر في الخبر المقدر- وقيل: بدل من اسم (لا) باعتبار عمل الابتداء، أي: باعتبار محل الاسم قبل دخول (لا). والأول أولى؛ لأن فيه إبدالًا من الأقراب، بخلاف الثاني، فإن الإبدال فيه من الأبعد؛ ولأنه لا داعي إلى الإتباع باعتبار المحل مع إمكان الإتباع باعتبار اللفظ. فإن قيل: كيف يصح هذا، والبدل هو المقصود بالنسبة، هي بالنسبة إلى المبدل منه سلبية. فالجواب: أنه إنما وقعت النسبة إلى البدل بعد النقض [بـ (إلا)]، فالبدل هو

المقصود بالنفي المعتبر في المبدل [منه] لكن بعد نقضه، ونقض النفي إثبات. والكلام على إعراب هذه الكلمة الشريفة- أعنى (لا إله إلا الله) - طويل الذيل، وقد أفرد في ذلك التصنيف، فلا نطول به، ولعلنا نلم بشيء من ذلك في باب المستثني إن شاء الله تعالى. «وكذا المعطوف نسقًا» هو على التفصيل المذكور، فيجوز الوجهان في: (لا رجل وامرأة)، ويتعين الرفع في (لا امرأة فيها وزيد). فإن قلت: كلامه شامل لما إذا كررت (لا) مع النسق، وما إذا لم تكرر، وقد كان قال فيما مضى: (وإن سقطت (لا) الثانية فتح الأول ورفع الثاني أو نصب، وربما فتح) فزاد هناك وجهًا لم يذكره هنا، فما باله أعاد المسألة، ثم إنه أعادها ناقصة؟ . قلت: إنما مراده هنا النسق الذي لم تكرر معه (لا)، وأما ما كررت معه (لا) فـ[قد] مضى حكمه، فلا حاجة [به] إلى أن يذكره ثانيًا، والمقصود هنا بيان أن حكم النسق حكم البدل في التفصيل المذكور، فذكره لهذا الغرض وإن لزم من ذلك تكرار مسألة، فلا ضير. «وإن كرر اسم (لا) المفرد دون فصل فتح الثاني أو نصب» نحو: لا ماءَ ماءً باردًا، عندنا. فلك في (ماء) الثاني ثلاثة أوجه، حكي المصنف منها وجهين: أحدهما: الفتح على تركيب الثاني مع الأول كالصفة والموصوف وثانيهما: نصب الثاني. والثالث: الذي أهمله المصنف- رفع الثاني، كما أهمل بيان الإعراب في هذه المسألة، وفيها وجهان: أحدهما: أنه صفة، لأن هذه النكرة/ موطئة للنعت، وإذا وصف الاسم جاز 218 أن يوصف به.

الثاني: أنه توكيد لفظي. ثم الأوجه الثلاثة: وهي الفتح والنصب والرفع- إنما تجوز في الاسم الثاني حيث لا يجعل بدلًا، فإن جعل بدلًا امتنع الفتح؛ لأن البدل على نية تكرار العامل، فيمتنع تركيبه. و(بارد) صفة (ماء) الثاني، فإن فتح أو نصب فـ (بارد) منصوب، وإن رفع (ماء) الثاني فـ (بارد) مرفوع. «ولـ (لا) مقرونة بهمزة الاستفهام» سواء تجردت للاستفهام عن النفي المحض كقوله: ألا اصطبار لسلمي أم لها جلد*** إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي والشلوبين ينكر هذا القسم، أو كانت للإنكار ألتوبيخي كقول حسان رضي الله عنه: ألا طعان ألا فرسان عادية*** ألا تجشؤكم حول التنانير

«في غير تمن» في محل نصب على الحال من همزة الاستفهام أي: لـ (لا) مقرونة بهمزة الاستفهام حالة كونها حاصلة في غير تمن. «وعرض ما لها مجردة» من ذلك فتجري عليها الأحكام المتقدمة. وفي كلام المصنف انتقاد من وجهين: أحدهما: أن ذكر العرض هنا لا معنى له، وإلا فيلزم ذكر (ألا) الاستفتاحية والتخضيضية، والواقع فيهن أن (ألا) كلمة واحدة، وهل هي

بسيطة أو مركبه؟ مسألة أخرى. الثاني: أن (ألا) التي للتمني كلمة واحدة بمنزلة (ليت) ولا يصح أن يقال: إنها همزة الاستفهام [و (لا)، وإن الاستفهام] مثله في: {فهل لنا من شفعاء})؛ لأنه لو قيل: ليت لنا شفعاء صح، ولو قيل: (ليت لا) لم يصح. «ولها في التمني من لزوم العمل» في الاسم خاصة، ولم ينبه عليه. «ومنع الإلغاء و» منع «اعتبار الابتداء ما لـ (ليت)، خلافًا للمازني والمبرد في جعلها كالمجردة» فيتعين إذن في قول الشاعر: ألا عمر ولى مستطاع رجوعه*** فيرأب ما أَثأَتْ يد الغفلات تقدير (رجوعه) مبتدأ و (مستطاع) خبره، والجملة في محل نصب على أنها صفة، لا في محل رفع على أنها خبر، لأن (ألا) التي للتمني لا خبر لها عند سيبويه ومن تابعه لا لفظًا ولا تقديرًا، فإذا قيل: (ألا ماء) كان ذلك كلامًا مؤلفًا من حرف واسم، وإنما تم الكلام بذلك حملًا على معناه، وهو أتمنى ماءً، ولذلك يمتنع تقدير (مستطاع) [خبرًا، و (رجوعه) فاعلًا؛ لما ذكرنا، ويمتنع أيضًا تقدير (مستطاع] [صفة على

المحل، أو تقدير (مستطاع)] رجوعه جملة في موضع رفع على أنها صفة على المحل إجراء لـ (ألا) مجرى (ليت) في امتناع مراعاة محل اسمها، وهذا أيضًا قول سيبويه ومتابعيه وخالف في ذلك كله المازني والمبرد، ولا يفهم من كلام المصنف أنها لا خبر لها عند سيبويه. قال الشارح: ويبطل مذهب المازني والمبرد ما حكاه سيبويه من أن من قال: لا غلام أفضل منك، لم يقل: - في (ألا غلام أفضل منك) - إلا بالنصب، فلو كان لها خبر لسمع. ويجوز إلحاق (لا) العاملة» عمل (إن) «بليس» فيما لا تمني فيه من جميع مواضعها» كقوله: تعز فلا شيء على الأرض باقيا*** ولا وزر ما قضى الله واقيا «وإن لم تقصد الدلالة بعملها على نصوصية العموم». فتعمل عمل (إن) كما تقدم، ولا تعمل عمل (ليس).

الباب السابع عشر «باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر»

الباب السابع عشر «باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر» ويشكل على ذلك حسبت أن زيدًا قائم، و .... أن يقوم زيد، كلاهما على مذهب سيبويه، وأفعال التصبير نحو: صيرت الطين خزفًا، ونحو: حسبت زيدًا عمرًا. «الداخل عليهما (كان)، والممتنع دخولها» أي: دخول (كان) «عليهما؛ لاشتمال المبتدأ على استفهام» وإنما قيد المبتدأ بذلك؛ لأن اشتمال الخبر على استفهام غير مانع في البابين نحو: أين كنت؟ وأين ظننت عمرًا، وأما المبتدأ المشتمل على الاستفهام فيجوز وقوعه في باب (ظن) دون باب (كان)، نحو: أيهم ظننت قائمًا لأنه منصوب فيتقدم، بخلاف اسم (كان). «فتنصبهما/ مفعولين» 219 لأن هذه الأفعال وضعت للدلالة على التعليق بالشيء على صفة، وذلك لا يتأتى إلا بين شيئين، وهذه الأفعال تكون متعلقة بدينك الشيئين فتنصبهما كما ينصب (أعطى) ونحوه المفعولين لتعلقه بهما.

وتكرر في كلام الرضي أن المفعول به في الحقيقة هو ما يتضمنه الجزء الثاني مضافًا إلى الأول؛ إذ معنى (علمت زيدًا قائمًا): علمت قيام زيد. وقد يقال عليه: إذا كان [هذا هو] معناه الحقيقي فليجز النطق به كذلك، فيقال: علمت قيام زيد، ولا يقدر شيء آخر. وجوابه: أنه لما كان المضاف إليه غير معتمد لذاته وإنما يؤتي به لغيره، وكانت هذه الأفعال مستدعية في المعنى لشيئين ينعقد منهما ما أريد بها من المعنى، شرطوا استقلال كل منهما بنفسه وأن لا يكون أحدهما كالتتمة للآخر، فتكون كأنها طلبت شيئًَا واحدًا، كما أن (قام) - في [نحو]: قام غلام زيد- إنما طلب شيئًا واحدًا، وجاء الآخر تتمة لذلك الواحد. «ولا يحذفان معًا أو أحدهما إلا بدليل». لأنك إذا قلت: علمت أو ظننت- مثلًا- وتركت المفعولين أصلًا ورأسا لم يكن في ذلك فائدة؛ لأن من المعلوم أن الإنسان لا يخلو في الأغلب من علم أو ظن، فلا فائدة في ذكرهما من دون المفعولين وأما مع القرينة الدالة عليهما فحذفهما جائز، نحو (من يسمع يخل)، أي: يخل مسموعة صادقًا، قال الكميت: بأي كتاب أم بأية سنة*** ترى حبهم عارًا علي وتحسب؟

وأما حذف أحدهما لا لقرينة فيمتنع، لأن أصلهما المبتدأ والخبر، ولا يحذف واحد منهما إلا لقرينه، فإن وجدت القرينة جاز الحذف لكنه قليل، وحذف المبتدأ [والخبر] غير قليل، والسر فيه أن المفعولين كاسم واحد؛ لأن ثانيهما- كما مر قريبًا عن الرضي- متضمن للمفعول الحقيقي، وأولهما ما يضاف إليه [ذلك] المفعول الحقيقي؛ إذ معنى (علمت زيدًا قائمًا): علمت قيام زيد، كما مر، فلو حذفت أحدهما كان كحذف بعض أجزاء الكلمة الواحدة، ومع هذا كله فقد ورد ذلك مع قيام الدليل عليه. أما حذف المفعول الأول فكما في قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين يبخلون بما ءاتهم الله من فضله هو خيرا لهم} على قراءة من قرأ [يحسبن] بالياء التحتية، أي: بخلهم هو خيرًا لهم. وأما حذف المفعول الثاني فكما في قول عنترة: ولقد نزلت فلا تظني غيره*** مني بمنزلة المحب المكرم أي: فلا تظني غيره واقعًا.

قلت: كذا أورده الشارح وغيره شاهدًا على حذف الثاني، ولا يتعين؛ لجواز أن يكون (مني) ظرفًا مستقرًا في محل نصب على أنه المفعول الثاني، أي فلا تظني غيره كائنًا مني، وهم جعلوه ظرفًا لغوًا متعلقًا بـ (نزلت) فالتجئوا إلى جعل الثاني محذوفًا، وليس بقاطع في مطلوبهم كما رأيت. واعلم أنهم يسمون الحذف لدليل: اختصارًا. ولغير دليل: اقتصارًا، فأما حذفهما اختصارا فلا خلاف فيه، وأما اقتصارًا ففيه مذاهب: أحدهما: المنع مطلقًا، وهو ما أورده المصنف في المتن. قال في الشرح وهو مذهب سيبويه والمحققين ممن تدبر كلامه.

الثاني: الجواز مطلقًا، وهو مذهب الأكثرين، وصححه ابن عصفور. الثالث: التفصيل، فيجوز في (ظننت) وما في معناها، ويمتنع في (علمت) وما في معناها. وأما حذف أحدهما اقتصارًا فممنوع باتفاق، وأما اختصارًا فذكر المصنف أنه جائز كما علمت، وظاهر كلام ابن الحاجب في الكافية المنع؛ لأنه قال: ومن خصائصها أنه إذا ذكر أحدهما ذكر الآخر. وقال ابن عصفور: حذف أحد المفعولين للدلة عليه قليل، فلا ينبغي أن يقاس عليه. وكأنه اعتد بكلام ابن الحاجب دون المصنف. «ولهما» أي للمفعولين المذكورين «من التقديم والتأخير ما لهما» من ذلك «مجردين» عن هذه الأفعال فيكون الأصل تقديم/ المفعول الأول؛ لأنه المبتداء، 220

وتأخير الثاني؛ لأنه الخبر، وقد يعرض ما يوجب تقديم الأول، نحو: ما ظننت زيدًا إلا قائمًا، أو تقديم الثاني، نحو: ما ظننت قائمًا إلا زيدًا، وحيث ينتفي الأمران جاز لك التقديم والتأخير على ما تقدم في باب المبتدأ. «ولثانيهما» أي: ثاني المفعولين «من الأقسام والأحوال ما لخبر (كان)». فمن الأحوال أنه لا يكون جملة طلبية، فأما قول أبي الدرداء رضي الله عنه: (وجدت الناس اخبر تقله) فمؤول كما أول: وكوني بالمكارم ذكريني ......................................... إلا أن تأويل هذا أن لفظه طلب ومعناه خبر، أي: تذكرينني؛ وأما ذاك- أعني قول أبي الدرداء- فعلى إضمار القول، أي: وجدت الناس مقولًا في [حق] كل [واحد] منهم: أخبر تقله، فالطلب هنا معمول للقول لا منصوب بالناسخ [وهناك منصوب بالناسخ] لا بغيره، وهو هنا على معناه وهناك على غير معناه، وسيأتي فيه زيادة كلام إن شاء الله تعالى. وإنما قال المصنف: (ما لخبر كان)، ولم يقل: (ما لخبر المبتدأ)؛ لأن ذاك لا يصح كونه جملة طلبية؛ وخبر المبتدأ يصح كونه جملة طلبية كما سبق في بابه، وثاني مفعولي هذا لا يكون كذلك كما هو في باب (كان)؛ فلهذا أحال عليه.

«فإن وقع موقعهما» أي: في الموضع الذي يقعان فيه لو ذكرا «ظرف» نحو: ظننت عندك. «أو شبهه» نحو: ظننت لك. «أو ضمير» نحو: ظننته. «أو اسم إشارة» نحو ظننت هذا. «امتنع الاقتصار عليه» أي: على ذلك الشيء الذي وقع في موضع المفعولين من ظرف أو شبهه أو ضمير أو اسم إشارة، والمراد بالاقتصار عليه الاكتفاء به لا الحذف لغير دليل كما هو عند ابن عصفور وغيره لما ستعرفه. «إن كان» ذلك المقتصر عليه من ظرف وما ذكر معه «أحدهما» أي: أحد المفعولين، فإذا جعلت الظرف- مثلًا من قولك: ظننت عندك- ظرفًا مستقرًا على أنه المفعول الثاني، والأول محذوف امتنع؛ لما تقدم من أن حذف أحدهما لا يجوز إلا لدليل، ولا دليل هنا على الأول فيمتنع الحذف وكذا القول في: (ظننت لك) وكذا: (ظنته) و (ظننت هذا) [يمتنع] إن جعلت الضمير أو اسم الإشارة أحد المفعولين والآخر محذوفًا. «لا إن لم يكنه» بأن يجعل الظرف وشبهه- في ظننت عندك ولك- لغوًا متعلقًا بنفس الفعل، ويجعل الضمير- في قولك: ظننته ضمير المصدر، وكذا اسم الإشارة من قولك: (ظننت هذا) بجعله راجعًا إلى المصدر فتجوز المسألة حينئذٍ؛ وما ذلك إلا لا نتفاء علة الامتناع، ألا ترى أن امتناع نحو: (ظننت) مع الاقتصار إنما كان لعدم الفائدة؛ لأن الإنسان لا يخلو في الأغلب من ظن كما تقدم، فإذا كان الظن مقيدًا بالظرف مثلًا حصلت الفائدة؛ إذ الوجود قد يخلو من ظن يقع منك عند المخاطب، فحيث قيد بذلك تحققت فائدة لم تكن

معلومة فجاز. قال ابن هشام: فظهر صحة المسألتين [الأوليين] يعني مسألة الظرف، ومسألة شبه الظرف- دون الأخريين- يعني مسألتي الضمير واسم الإشارة- لأن الظرف والمجرور يفيدان تقييد العامل وتجدد الظن أو العلم، وأما الضمير واسم الإشارة فإنهما مفعولان مطلقان فلا يفيدان إلا مجرد التأكيد، فوجودهما كالعدم، فالحق أن المسألة معهما ممتنعة. قلت: وفيه نظر، لأن قضية كلامه أن مجرد التأكيد هو المستفاد من المفعول المطلق، وليس كذلك، ضرورة انقسامه إلى تأكيدي ونوعي وعددي، وحينئذ فلا نسلم أنهما في ذلك للتأكيد، بل للنوع؛ فمعنى (ظنته): [ظننت] الظن، أي [الظنٍ] المعهود المعروف، وكذا ظننت هذا، فتحقق الفائدة على هذا التقدير، إذ المعلوم الذي لا فائدة فيه هو وقوع ظن في الجملة، أما وقوع ظن مقيد فليس كذلك. «ولم يعلم المحذوف». هذا شرط في المسألة الأولى وهي مسألة امتناع الاقتصار على ما ذكر من أحد تلك الأشياء الأربعة إن كان أحد المفعولين، فكان حقه أن 221 يقدمه مذكورًا/ إلى جانب قوله: (إن كان أحدهما). وإنما حملنا الاقتصار- من قوله: (امتنع الاقتصار عليه) - على مجرد الحذف [لا على

الحذف] لغير دليل؛ لقوله هنا: (ولم يعلم المحذوف)، فإذا كان قيدًا في الأولى- كما قررناه- يصير معناه: امتنع الحذف لغير دليل إن لم يعلم المحذوف. {ولو جعل قيدًا في الثانية صار المعنى: لا يمتنع الحذف لغير دليل إن لم يعلم المحذوف]، وكلاهما خلف من الكلام، وأيضًا فالمصنف لم يعول على هذا الاصطلاح في شيء من كتبه، وإذا تأملت وجدت قوله: (فإن وقع موقعهما ظرف ... ) إلى آخره تقييدًا لقوله: (ولا يحذفان معًا ... إلا بدليل)، ألا ترى أنه إذا وقع التقييد بذلك- لا على أنه على أحد المفعولين- جاز الاقتصار على ذلك من غير ذكر المفعولين مع عدم العلم بالمحذوف، فهو كالاستثناء مما تقدم. «وفائدة هذه الأفعال» الناصبة للمفعولين اللذين أصلهما المبتدأ والخبر «في الخبر» متعلق بالفائدة وإن كانت اسما لما يستفاد؛ لما فيها من رائحة الفعل، أي الذي تفيده هذه الأفعال في الخبر «ظن» فقط «أو تيقن» فقط «أو كلاهما أو تحويل» فهذه أربعة أقسام تشترك في نصب المفعولين المذكورين:

«فالأول» من الأقسام الأربعة، وهو ما يفيد الظن فقط «حجا يحجو» أي: ظن يظن كقوله: قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة*** حتى ألمت بنا يومًا ملمات «لا لغلبة» في المحاجاة كقولك: حاجيته فحجوته أحجوه، إذا غلبته في ذلك «و [لا] قصد» كقولك: حجوته، أي: قصدته «ولا رد ولا سوق» كقولهم: حجت الريح السفينة أي: ساقتها. «ولا حفظ ولا كتم» فإنه إذا كان بمعنى شيء مما ذكر من الغلبة وما بعدها تعدى إلى مفعول واحد. «ولا إقامة» نحو:

حجوت بالمكان، أي: أقمت به. «ولا بخل» نحو: حجوت بكذا أي: بخلت به، فإنه إذا كان بمعنى أقام أو بخل كان لازمًا. «وعد» أيضًا، فهو من أفعال هذا القسم على ما ذهب إليه الكوفيون، واختاره ابن أبي الربيع والمصنف واستشهد عليه بقول الشاعر: فلا تعدد المولى شريكك في الغنى*** ولكنما المولى شريكك في العدم «لا لحسبان» بضم الحاء مصدر قولك: حسبه- بالفتح- يحسبه بالضم، أي: عده، فيتعدى- حينئذ- إلى مفعول واحد. «وزعم» كقول الشاعر: فإن تزعميني كنت أجهل فيكم*** فإني شريت الحلم بعدك بالجهل

«لا لكفالة» يقال: زعمت [به] أزعم زعامة أي: كفلت. «ولا لرئاسة» يقال: زعم فلان إذا صار رئيسًا «ولا سمن ولا هزال» يقال: زعمت الشاة، بمعنى (سمنت)، وبمعنى (هزلت). «وجعل» الاعتقادية كقوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً}، أي: اعتقدوا فيهم الأنوثة. «لا لتصيير» فإنها إذا كانت لهذا المعنى كانت من القسم الرابع، وسيأتي إن شاء الله تعالى. «ولا إيجاد» كقوله تعالى: {وجعل الظلمت والنور}. «ولا إيجاب» كقولهم: جعلت للعامل كذا «ولا ترتيب» كقولك: جعلت بعض متاعي فوق بعض. وعبر عن هذا المعنى

بالإلقاء، أي: ألقيت بعض متاعي. قلت: ولا مانع أن يجعل في هذا المثال بمعنى (صير). «ولا لمقاربة» كقوله: وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني*** ثوبي فأنهض نهض الشارب الثمل وهذه تقدم الكلام عليها في باب أفعال المقاربة. «و (هب) غير متصرف» أي: مقصورًا على صيغة المخاطب لا يستعمل في غيرها، وكونها من أفعال هذا الباب مذهب كوفي اختاره المصنف وأنشد عليه قول الشلعر: فقلت: أجرني أبا مالك*** وإلا فهيني امرًأ هالكا

قال في الصحاح: وهبني فعلت ذلك، أي: احسبني واعددني، ولا يقال: هب أني. «والثاني» من الأقسام الأربعة، وهو ما يفيد العلم فقط. «(علم) لا لعلمة» احترازًا من: علم فلان علمة، فهو أعلم، إذا كان مشقوق الشفة العليا، فهو إذ ذاك فعل قاصر لا متعد. «ولا عرفان» احترازًا 222 من (علم) بمعنى (عرف)، فإنها إذ ذاك تتعدى إلى مفعول واحد/، وهذا على أن بين العلم والعرفان فرقًا كما ذهب إليه ابن الحاجب وغيره. قال: فعلمت الشيء بمعنى عرفته لا يقتضي إلا متعلقًا واحدًا؛ لأن معناه عرفت الشيء [في نفسه، يعني: وأما الذي يتعدى إلى اثنين فهو بمعنى: عرفت الشيء] لكن لا في نفسه، بل على صفة. قال الرضي: ولا يتوهم أن بين (علمت) و (عرفت) فرقًا معنويًا كما قال

بعضهم، فإن معنى (علمت أن زيدًا قائمًا) و (عرفت أن زيدًا قائم) واحد، إلا أن (عرفت) لا ينصب جزئي الاسمية كما ينصبهما (علم)، لا لفرق معنوي بينهما، بل هو موكول إلى اختيسار العرب، فإنهم قد يخصون أحد المتساويين في المعنى بحكم لفظي دون الآخر. «ووجد» كقوله [تعالىٍ]: {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين]. قال الأخفش: مصدرها الوجدان. وقال السيرافي: مصدرها الوجود. «لا لإصابة» احترازا من نحو: وجد ضالته، إذا أصابها، ومنه قول المتنبي: والظلم من شيم النفوس فإن تجد*** ذاعفة فلعلة لا يظلم ومصدر هذه الوجدان والوجود أيضًا. «ولا استغناء» احترازًا من نحو: وجد زيد [إذا استغنى وصار ذا جدة. «ولا حزن» احترازًا من نحو: وجد زيد]. على محبوبه، أي: حزن عليه. «ولا حقد» نحو: وجد على عدوه إذا حقد.

«و (ألفي) مرادفتها» أي: مرادفة (وجد) التي تتعدى إلى اثنين كقول الشاعر: قد جربوه فألفوه المغيث إذا*** ما الروع عم فلا يلوي على أحد واحترز بقول: (مرادفتها) من (ألفى) التي بمعنى (أصاب)، نحو: ضاع مالي ثم ألفيته، أي: أصبته، فيتعدى إلى واحد. «ودرى» كقوله: دريت الوفي العهد ياعرو فاغتبط*** فإن اغتباطًا بالوفاء حميد قال المصنف: وأكثر ما تستعمل معداة بالباء كقولك: دريت به، فإذا أدخت عليها همزة النقل تعددت إلى واحد بنفسها وإلى ثان بالباء، قال تعالى: {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدرئكم به} قال الشارح: ولم يذكر أكثرهم (درى) فيما يتعدى إلى اثنين، قيل: ولعل قوله:

دريت الوفي .................................... من باب التضمين، وهو لا يقاس واحترزت بقوله: «لا لـ (ختل)» من قولهم: درى الذئب الصيد، إذا استخفى له ليفترسه، فيتعدى إلى واحد. «و (تعلم) بمعنى (اعلم)» كقوله: تعلم شفاء النفس قهر عدوها*** فبالغ بلطف في التحيل والمكر «غير متصرف» فلا يستعمل منه غير صيغة الأمر، وهذا الذي قاله المصنف ذهب إليه الأعلم، والصحيح أنها تتصرف، حكي ابن السكيت: تعلمت أن فلانًا خارج، بمعنى (علمت). «والثالث» من الأقسام الأربعة، وهو ما يفيد كلا الأمرين، أي الظن تارة والعلم أخرى. «ظن» وغالب ما يستعمل في غير المتيقن، نحو: ظننت زيدًا قائمًا، إذا كان قيامه مترجح الوقوع عندك لا متحققة، وقد يستعمل في المتيقن، قال تعالى: {إني ظننت أني ملق جسابيه}، أي تيقنت

واحترز بقوله «لا لتهمة» من أن يجيء (ظن) بمعنى (اتهم) فينصب مفعولًا واحدًا، ومعنى الاتهام أن تجعل شخصًا موضع الظن السيء تقول: ظننت زيدًا، أي ظننت به أنه فعل سيئًا، وكذا اتهمته. «وحسب» وأكثر استعمالها في غير المتيفن، ووقوعها للمتيقن قليل كقوله: حسبت التقى والجود خير تجارة .................

وفي كتاب معاني القرآن للزجاج في قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء}: ولو قرئ (أحياء) بالنصب بتقدير: بل احسبهم أحياءً، لجاز. ورد عليه أبو علي الفارسي فقال: هذا لا يجوز؛ لأنه لا يؤمر بالشك، ولا يجوز أن يتأول: احسبهم على معنى (أعلمهم)؛ لأن ذلك لم يذهب إليه أحد من أهل اللغة. قلت: هذا مخالف لنقل المصنف أن (حسب) ترد بمعنى اليقين، والذي ينبغي أن يرد قول الزجاج أن الحسبان المذكور في الآية ظن، أعنى في قوله: {ولا تحسبن}، / فلا يكون دليلًا على المحذوف الذي هو بمعنى اليقين. واحترز [بقوله]: «لا للون» من قولهم: حسب الرجل، إذا احمر لونه وابيض كالبرص، وهو فعل لازم. «وخال يخال» وأكثر استعمالها أيضًا فيما ليس متيقنًا واحترز بقوله: «لا لعجب» من: خال الرجل، إذا تكبر. قلت: ووقع في الكشاف في تفسير قوله تعالى: {إذا خوله نعمة} أنه يقال: خال الرجل يخول إذا اختال وافتخر. فإذا كان المضارع من هذا (يخول) فلا

يحتاج المصنف إلى الاحتراز عنه؛ لأنه لم يدخل تحت قوله: (خال يخال)، نعم: إن ثبت أن مضارعه (يخال حسن التحرز منه، فينبغي أن يحرر. واحترز بقوله: «ولا ظلع» من قولهم: خال الفرس يخال إذا ظلع. «ورأى» وقد استعملت بمعنى الظن وبمعنى العلم في قوله تعالى: {إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا}، أي: يظنونه ونعلمه. واحترز بقوله: «لا لإبصار» من استعمال (رأى) بمعنى (أبصر)، نحو رأيت الشمس. وبقوله: «ولا رأي» من استعمالها بمعنى الاعتقاد في مثل قولك: رأيت رأي فلان. وبقوله: «ولا ضرب» من استعمالها في مثل قولهم: رأيت الصيد، إذا ضربته في رئته، فهي في هذه المعاني الثلاثة متعدية إلى واحد، لكن بعضهم صرح بأن (رأي) الاعتقادية متعدية إلى اثنين. «والرابع». من الأقسام الأربعة، وهو ما يفيد التحول. «(صير)

و (أصار)» وهما منقولان من (صار) التي من أخوات (كان)، نقل الأول بالتضعيف والثاني بالهمزة. «وما رادفهما من (جعل)» نحو: {فجعلنه هباء منثورًا}. «و (وهب) غير متصرف» فلا يستعمل إلا بصيغة الماضي، نحو: وهبني الله فداك، أي: صيرني. «ورد» كقوله: فرد شعورهن السود بيضا*** ورد وجوههن البيض سودًا «وترك» كقوله: وربيته حتى إ|ذا ما تركته*** أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه

«وتخذ» كقولك: تخذت زيدًا خليلًا. «واتخذ» كقوله تعالى {واتخذ الله إبراهيم خليلًا} «وأكان» المنقولة من (كان) التي بمعنى صار وهو قليل الاستعمال ومعنى (أكان زيدًا عمرًا قائمًا) أصاره قائمًا، فحصل من الهمزة معنى نقل غير الكائن إلى الكون، وهو معنى التصبير، حكاه المصنف عن ابن أفلح قال: وما حكم به جائزا قياسًا، لكن لا أعلمه مسموعًا. قلت: وسيأتي الخلاف إن شاء الله تعالى في كون النقل بالهمزة في المتعدي قياسًا. «وألحقوا» أي: العرب «بـ (رأي) العلمية» رأي «الحلمية» كقوله: أراهم رفقتي حتى إذا ما تجافي الليل وانخزل انخزالا

فعداها إلى مفعولين، وكذا في قوله تعالى: {إني أراني أعصر خمرًا}، فأعمل مضارع (رأى) الحلمية في ضميرين متصلين لمسمى واحد، وذلك مما يختص به (علم) ذات المفعولين وما جرى مجراها، ونوزع في الاستدلال بالبيت بأن (رفقتي) حال، وإضافته غير محضة لأنه بمعنى مرافقي، وفي الاستدلال بالآية بأن يكون ([إني] أراني أعصر [خمرًا]) - نحو: فقدتني وعدمتني. «و» ألحقوا أيضًا بذلك «(سمع) المعلقة بعين» نحو: سمعتك تقول، واحترز من أن تعلق بمسموع نحو: سمعت قراءة زيد أو كلامه، فإنها لا تتعدى إلى غيره، قال تعالى {حتى يسمع كلم الله}. «ولا يخبر بعدها» أي بعد (سمع) المعلقة بعين. «إلا يفعل دال على صوت» كما مثلنا.

قال الرضي: وأنا لا أرى منعًا من نحو: سمعتك تمشي؛ لجواز سمعت أنك تمشي اتفاقًا، قال: سمعت الناس ينتجعون غيثًا*** فقلت لصيدح انتجعي بلالا بنصب (الناس)، وقد روى برفعه على حكاية الجملة. وما ذكره المصنف من أن (سمع) المعلقة بعين متعدية إلى اثنين هو مذهب الأخفش والفارسي وابن بابشاذ،

واختاره [ابن الصائغ و] ابن أبي الربيع وابن عصفور في شرح الإيضاح، ومذهب الجمهور أن (سمع) لا يتعدى إلا إلى واحد، واختاره ابن الحاجب قال: وهو من الأفعال المتعدية إلى واحد في التحقيق كقولك: (سمعت كلامًا) وشبهه، وقد يتوهم أنه متعد إلى مفعولين/ من جهة المعنى والاستعمال: أما المعنى فلأنه يتوقف على مسموع منه، كما تتوقف السرقة على مسروق منه فالوجه الذي تتعدى به السرقة إلى مفعولين موجود في السماع. وأما من جهة الاستعمال فلقولهم: سمعت زيدًا يقول ذلك، وسمعته قائلًا، وقوله تعالى: {هل يسمعونكم إذ تدعون}، فلولا أن الفعل يتعدى إلى مفعولين لم يقل (إذ تدعون)؛ لأن المعنى حينئذ: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعون؟ وذلك لا يحسن.

قال في أمالي القرآن: والجواب عن الأول أن السرقة كالسماع من حيث أن السرقة لا تعقل باعتبار معناها الذي وضعت له إلا بمسروق منه، ألا ترى أنك لو قدرت شيئًا موجودًا ليس في يد أحد وأخذته خفية لا يقال: إنك سرقته؛ لفقدان المسروق منه بخلاف السماع، فإنك لو قدرت صوتًا لفهمت معنى السمع بالنسبة إليه، وكذلك لو قدرت غافلًا عن المسروق منه لم يفهم معنى السرقة، ولو قدرت [غافلًا عن المسموع منه لم يتعذر معنى السماع. يعنى أنك لو قدرت] [أن] شخصًا يعقل المسروق مع غفلته عن المسروق منه لا يكون المعقول له هو معنى السرقة، ولو قدرت أنه يعقل المسموع مع غفلته عن المسموع منه، لم يتعذر تعقل معنى السماع يعنى يكون ما هو المعقول له هو معنى السماع، ثم قال: وإنما المسموع منه بالنسبة إلى السمع كالمشموم بالنسبة إلى الشم، فكما أن الشم لا يتعدى إلا إلى واحد فكذا السماع. والجواب عن الثاني أنهم لما حذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه للعلم [به] وجب تقديره باعتبار قرينته لا تكون إلا صوتًا فذكر بعده حال تبين

خصوصية ليست مفهومة من ذكر المتعلق فـ (قائلًا) و (يقول ذلك) منصوبان على الحال، وليس مثل قولك: سمعت قول زيد قائلًا، ولا مثل: [ضربت] زيدًا ضاربًا؛ لأنه ها هنا قدر عين الأول، وثمة قدر مثله أو نوعه فافترقًا لذلك يعني قدر أنه قائل عين القول المضاف إلى زيد، وأما ثمة فإن (قائلًا) و (يقول) مثل القول الأول إن كان التقدير: سمعت قول زيد قائلًا أو يقول (أو نوعه إن كان التقدير: سمعت صوت زيد قائلًا أو يقول) فإن القول نوع من الصوت، ثم قال: ويخرج قوله تعالى: {هل يسمعونكم إذ تدعون} على أن التقدير هل يسمعون أصواتكم إذ تدعون؟ ، وهو أبلغ في المعنى المقصود من (هل يسمعون دعاءكم؟ )؛ لأنه إذا تحقق أنهم لا يدركون هذا الصوت فهم في انتفاء إدراك الدعاء أجدر. «ولا يلحق» بأفعال هذا الباب، وليس مراده: ولا يلحق بأفعال التصبير، وإن كان القائل بأن (ضرب) الملحقة يقول: إنها بمعنى (صير)؛ لأجل قوله: (ولا عرف وأبصر)؛ إذ لم يقل أحد إنهما بمعنى (صير)، فتعين أن يكون المراد:

ولا يلحق بأفعال [هذا] الباب «(ضرب) مع المثل» أي: (ضرب) التي أعملت في (المثل) كقوله تعالى: {واضرب لهم مثلًا أصحب القرية إذ جاءها المرسلون}. «على الأصح» بدليل قوله تعالى: {ضرب مثل فاستمعوا له}، فبني (ضرب) لما لم يسم فاعله، واكتفت بمرفوعها، ولو كانت من أفعال هذا الباب لم يكن كذلك. قاله المصنف، وفيه نظر؛ لأن غاية ما فيه عدم ذكر المفعول الأول، فقد يكون محذوفًا لدليل، والأصل: ضربنا ما سنذكر مثلًا، ثم حذف المفعول الأول وأقيم الثاني مقام الفاعل عند بناء الفعل [للمفعول]، والظاهر المذهب الآخر الذي لم يرتضه المصنف. ويسأل لم قدم المثل على المضروب، وهو المفعول الأول؟ وجوابه: أن المضروب مثلًا يوصف بصفة تبين وجه ضرب ذلك الشيء مثلًا لغيره، فلو أخر المثل لطال الفصل بينهما؛ ولهذا قال ابن الحاجب في قصيدته العروضية: وضرب الزرع في صفاتهم مثلًا ......................... لما كان ذكر الزرع كافيًا.

«ولا» يلحق بأفعال هذا الباب «(عرف) و (أبصر)، خلافًا لهشام، ولا (أصاب) و (صادف) و (غادر)، خلافًا لابن درستويه» لأن هذه الأفعال ثبت تعديتها إلة واحد/، فإن جاء بعده منمصوب فهو منصوب على الحال، والدليل على ذلك التزام تنكيره. كذا قال الشارح. قلت: هي دعوى لم يقم عليها دليل، بل قام الدليل على خلافها في بعض هذه الأفعال، وهو (غادر)، فقد حكي مجيء منصوبه الثاني بمقتضى شاهد عربي، ولا استحضره الآن. «وتسمى» الأفعال «المتقدمة على (صير) قلبية» لقيام معناها بالقلب، ولا تختص هذه التسمية بها، بل يسمى بها كل فعل تعلق معناه بالقلب وإن لم يكن ناصبًا لمفعولين نحو: عرف وفكر. «وتختص متصرفاتها» أي متصرف الأفعال القلبية، وهي ما عدا (هب) و (تعلم) «بقبح الإلغاء» وهو ترك العمل لفظًا ومعنى لغير مانع، فهو أمر اختياري. «في نحو: ظننت زيد قائم» حيث يكون الفعل الملغي مصدرًا، ونسب المصنف في الشرح القول بقبح الإلغاء فيها إلى سيبويه. وقال الشارح: هي مسألة خلاف، فالبصريون على المنع، والكوفيون

[والأخفش] على الجواز. كذا نقل عنهم، أن الجواز ثابت عندهم من غير قبح، وأما المصنف فجوزه على قبح فيه. «وبضعفه» [أي] بضعف الإلغاء، وهو أخف من القبح. «في نحو: متى ظننت زيد قائم» حيث يتقدم على الفعل الملغي السابق على المعمولين ما يتعلق بثانيهما، فإن (متى) [يتعلق] بقائم، وصرح بعضهم بأنه إذا جعل (متى) معمولًا للظن لم يجز؛ لكون (ظن) لم يقع معترضًا بين أجزاء الجملة، وهو مبنى على مذهب البصريين القائلين. بمنع الإلغاء عند تقدم العامل على الجزئيين. «و» في نحو قولك: «زيد أظن أبوه قائم» حيث يقع العامل مؤخرًا عن المبتدأ الذي بني عليه الكلام، ويتقدم على المبتدأ والخبر اللذين له تسلط عليهما، [وهما] معه خبر عن المبتدأ الأول، ومنه قول الشاعر: كذاك أدبت حتى صار من خلقي*** أني وجدت ملاك الشيمة الأدب

وإنما جاز ذلك مع ضعفه، لأن أفعال القلوب ضعيفة؛ إذ ليس تأثيرها بظاهر كالعلاج، وأيضًا معمولها في الحقيقة مضمون الجملة لا الجملة كما مر، وسيبويه لا يحمل ما في البيت على الإلغاء، [بل على التعليق]، ويقول: اللام مقدرة حذفت للضرورة وبعضهم يقول: ضمير الشأن مقدر بعد الفعل [القلبي]، وهذا أقرب؛ لثبوت ذاك ضرورة في غير ذلك من نواسخ الابتداء، كقوله: إن من يدخل الكنيسة يومًا*** يلق فيها حاذرا وظباء [فعلى هذا الفعل] عامل لا ملغي ولا معلق. «وبجوازه بلا قبح ولا ضعف في نحو: زيد قائم ظننت» حيث تأخر العامل عن الجزئيين اللذين له تسلط

على نصبهما. «وزيد ظننت قائم» حيث يتوسط بينهما، والإلغاء في المسألة الأولى- وهي مسألة التأخر- أقوى عند الجميع من الإعمال، وأما مسألة التوسط فقيل: هما سواء، وقيل: الإعمال أرجح، وظاهر كلام المصنف الأول. «وتقدير ضمير الشأن أو اللام المعلقة في نحو: ظننت زيد قائم» حيث يكون العامل مصدرًا «أولى من الإلغاء». وقد تقدم أنه خرج على ذلك نحو: ........ أني وجدت ملاك الشيمة الأدب وعلى كل منهما فالجملة الاسمية في محل نصب: أما على تقدير ضمير الشأن فعلى أن تكون المفعول الثاني وأما على تقدير لام التعليق فعلى أن تكون الجملة في محل اللمفعولين. «وقد يقع» الفعل «الملغي بين معمولي (إن)» كقوله: إن المحب علمت مصطبر*** ولديه ذنب الحب مغتفر «وبين (سوف) ومصحوبها» كقول زهير:

وما أردي- وسوف إخال أدري-*** أقوم آل حصن أم نساء؟ قلت: يرد [هذا] على قولهم: [إن] الإلغاء ترك العمل لا المانع؛ ضرورة أن العمل هنا غير ممكن، فتأمله. «وبين معطوف ومعطوف عليه» كقوله: فما جنة الفردوس أقبلت تبتغي*** ولكن دعاك أحسب والتمر «وإلغاء ما بين الفعل ومرفوعه» نحو: قام ظننت زيد، ويقوم ظننت زيد. «جائز لا واجب، خلافًا للكوفيين» / ورجح الخضراوي وأبو حيان قولهم؛

وذلك لأنه لا ينصب إلا ما كان مبتدأ قبل مجيء (ظننت)، ولا يبتدأ بالاسم إذا تقدمه الفعل، وهي حجة ظاهرة، واستند البصريون إلى السماع استدلالًا بقول الشاعر: شجاك أظن ربع الظاعنينا .................................. فإنه يروى برفع (ربع) ونصبه. وإنما يتأتى ذلك على قولهم، وقد نوزع فيه بأنا لا نسلم أن (شجاك) فعل ومفعول، بل هو مضاف ومضاف إليه، فعلى تقدير رفع الربع يكون (شجاك) مبتدأ، و (ربع الظاعنين) خبره، والعامل ملغى لتوسطه بين المفعولين، وهو جائز بلا قبح، وعلى تقدير نصب الربع يكون (شجاك) منصوبًا بفتحة مقدرة على الألف، . على أنه مفعول أول تقدم، و (ربع الظاعنين) مفعول ثان، و (أظن) عامل ولا إلغاء. [والشجي: الحزن، والمعنى: أن سبب حزنك ربع الأحبة الظاعنين أي المرتحلين باعتباره ما تثير عندك رؤيته خاليًا منهم من لوعة الفراق وتذكر أوقات الأنس الفائتة، وهذا مثل المعنى عند من يرى (شجاك) فعلًا ومفعولًا أي

أحزنك ربع الظاعنين، والإسناد مجاز من قبيل الإسناد إلى السبب، أي أحزنه الله عند رؤية الربع الخالي من الأحبة]. «وتوكيد الملغي بمصدر منصوب قبيح» نحو [زيد] ظننت ظنًا قائم؛ إذا التوكيد دليل الاعتناء بحال ذلك العامل والإلغاء [ظاهر] في ترك الاعتناء به، فبينهما شبه التنافي. «وبمضاف إلى الياء ضعيف» نحو: زيد ظننت ظني منطلق؛ لأن عدم ظهور النصب بكسر من سورة القبح. «وبضمير أو اسم إشارة أقل ضعفًا. نحو: زيد ظننته قائم، وزيد- أحسب ذلك- قائم؛ وإنما كان ذلك أقل ضعفًا»، لأن الضمير واسم الإشارة ليسا بصريحين في المصدرية. والحاصل أن سبب القبح في المسألة الأولى تقوية الفعل بإعادة مصدره صريحًا وظهوره أثره لفظًا وهو النصب صريحًا، وأما الثانية فسقط منها الثاني، [وأما الثالثة فسقط منها الثاني] والأول جميعًا.

«وتؤكد الجملة بمصدر الفعل بدلًا من لفظه منصوبًا» «نحو: زيد قائم ظني أوظنا، وكذا مع التوسط، ويكون مؤكدًا لغيره. «فيلغي» [أي] المصدر المذكور «وجوبًا» «لأنه من جملة أخرى، كما أن المصدر- في (زيد ابني حقًا) - كذلك، وحينئذ فلا تسلط له على ما قبله؛ ولأنه جيء به بعد تمام تلك الجملة لتوكيدها ورفع الاحتمال عنها، والعامل لابد من تصور كونه سابقًا على معموله، وقد يعلل [أيضًا] بأن معمول المصدر لا يتقدمه، ويرد بأنه ليس في تأويل حرف مصدري، ويجاب بأنه لم تنحصر علة المنع في ذلك، بدليل أسماء الأفعال على الأصح. وقد ذكر المصنف خلافًا في: (ضربًا زيدًا) بالنسبة إلى تحمل الضمير، وجواز تقديم المفعول على المصدر، وصحح الجواز، فلا يكون علة المنع عنده ذلك، «ويقبح تقديمه» أي: تقديم المصدر، فخرج التوسط، فلا قبح فيه، ويدل على ذلك جعله المسألة بعدها قليلة القبح مع التقديم على جميع الجملة، وإنما قبح تقديمه؛ لأن ناصبه فعل تدل عليه الجملة، رفكما يقبح تقديم (حقًا) في قولك: (زيد ابني حقًا) يقبح تقديم هذا. قال المصنف: ولذلك لم يعمل لأنه لو عمل وهو مؤكد لاستحق التقديم بالعمل، والتأخير بالتأكيد، واستحقاق شيء واحد تقديمًا وتأخيرًا في حالة واحدة محال. «ويقل القبح في نحو: متى ظنك زيد ذاهب» بنصب (ظنك) مفعولًا مطلقًا مؤكدًا، والأصل: متى زيد ذاهب ظنك؟ .

وقد سبق أن القبح- في [نحو]: متى ظننت زيد ذاهب- قليل، فقلته هنا أولى. «وإن جعل (متى) خبرًا لـ (ظن)» فأخرج المصدر المذكور عن التوكيد، وتقدير كونه مقدمًا من تأخير فجعل مبتدأ والظرف خبره «رفع» المصدر حينئذ، لأنه مبتدأ كما قلنا. «وعمل وجوبًا» فينصب المفعولين لأنه إذ ذاك ليس بمصدر مؤكد ولا بدل من اللفظ بالفعل. ولكنه مقدر بحرف مصدري والفعل كما تقول: متى ضربك زيدًا؟ فإن قيل: هلا جاز إلغاؤه، كما في قولك: متى ظننت زيد قائم؟ إذا قدرت/ 237 (متى) ظرفًا لـ (قائم) أو لـ (ظننت). فالجواب: أن (ظننت) في المثال المذكور قد تأخرت عن معمول معمولها أو عن معمولها فضعفت، وأما هنا فإنما تأخرت عن معمول عامل أجنبي، وهو الاستقرار. فإن قيل: بل هو معمول للظن؛ إذ هو خبره. فالجواب: أن المعتبر هنا العمل الذي هو من جهة أحرف الفعل ومعنى الحدث لا ذلك العمل، فإنه باب آخر، ألا ترى أن خبر المصدر يتقدم عليه، نحو: حسن قيامك، مع قولنا: إن المبتدأ عامل في الخبر، ومع قولنا: إن معمول المصدر لا يتقدم على المصدر؟ «وأجاز الأخفش والفراء إعمال المنصوب في الأمر» نحو: ظنًا زيدًا منطلقًا.

والجار والمجرور ظرف مستقر في محل نصب على الحال من (المنصوب) و (في) للمصاحبة مثلها في: {فخرج على قومه في زينته}، ولا يكون لغوًا متعلقًا بالإعمال؛ إذ لا معنى له. والمعنى على الأول: أنهما أجازا إعمال المصدر المنصوب مصاحبًا للأمر، أي: للدلالة على الأمر. «والاستفهام» نحو: أظنا عمرًا ذاهبًا. وهذا لا ينبغي أن يكون قول هذين فقط، بل قول الجميع؛ لأن (ظنًا زيدًا قائمًا) بمنزلة (ضربًا [زيدًا])، وهو قياس، وكذا أظنًا، نحو: أقائمًا وأقاعدًا. «وتختص أيضًا» الأفعال «القلبية المتصرفة» لا غير المتصرفة، ليخرج (تعلم) و (هب) «بتعديها معنىً لا لفظًا إلى ذي استفهام» نحو: علمت أزيد قائم أم عمرو؟ وأطلق المصنف الاستفهام، فشمل الاستفهام بـ (هل) نحو: علمت هل زيد قائم؟ : وفيه خلاف، فأجازه قوم ومنعه آخرون، مع اتفاقهم على جواز: علمت أزيد قائم أم عمرو؟ وقال ابن الحاجب: فالمجيزون نظروا إلى صورة الاستفهام في الموضعين، والمانعون نظروا إلى أن مضمون الاستفهام لا يصح أن يكون متعلقًا للعلم إلا بتأويل، وهو أن يكون ما يقال في جوابه، والذي يقال [في] جواب الاستفهام مع (أم) أحد الشيئين

قيام إلى زيد أو غيره حتى يصح أن يقال: تعلق العلم بذلك حسبما تعلق مع (أم)، وإنما جوابه (نعم أو (لا)، فهو غير متعين، وكيف يصح تعلق العلم بذلك؟ . والجواب: أن المعنى مع (نعم) زيد قائم، ومع (لا) [ما] زيد قائم، ولولا ذلك لم يستقيم أن يكون (نعم) و (لا) مفيدتين، فجعل المقصود من محكوم عليه ومحكوم به هو الجواب، وهو المصحح للتعليق، فاستقام. «أو» إلى «مضاف إليه» أي: [إلى] مضاف إلى ذي استفهام، نحو: علمت غلام من عندك؟ وكان المصنف في غنية عن ذكر هذا؛ لأن ذا الاستفهام يشمله، وقد ذكره. «أو» إلى «تالي لام الابتداء» كقوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلق}، [فيندرج فيه نحو: علمت إن زيدًا لقائم]. «أو» [إلى] تالي لام «القسم» كقول الشاعر: ولقد علمت لتأتين منيتي*** إن المنايا لا تطيش سهامها.

في الغرة أن لام القسم لا تعلق. «أو» إلى تالي «(ما) و (إن) النافيتين»

نحو: {وظنوا ما لهم من محيص} {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} {وتظنون إن لبثتم إلا قليلًا}. واحترز بـ (النافيتين) من غيرهما كـ (ما) الموصولة و (إن) المخففة من الثقيلة. «أو (لا)» نحو أظن لا يقوم زيد، وهو من أمثلة ابن السراج، ولم يذكرها المغاربة. «ويسمى» ما ذكرناه من تعدي الأفعال القلبية معنىً لا لفظًا إلى ما ذكر «تعليقًا» أخذًا من قولهم: امرأة معلقة، أي: مفقودة [الزوج]، تكون كالشن المعلق، لامع الزوج لفقدانه، ولا بلا زوج لتجويزها وجوده، فلا تقدر على التزويج، فالفعل المعلق عن العمل ممنوع من العمل لفظًا، عامل معنًى وتقديرًا، وفسره المصنف في الاصطلاح بأنه إبطال العمل لفظًا لا محلًا على سبيل/ 228 الوجوب، وأورد أن من التعليق ما هو على سبيل الجواز، كما سيأتي في مسألة: ([علمت] زيدًا أبو من هو). وقيل: التعليق ترك العمل في اللفظ لا في التقدير لمانع وهو كالأول، أو هو

[هو]، وفيه نظر. وإنما أثبتوا العمل بحسب المحل والتقدير مع التعليق؛ لأن النصب يبظهر في التابع، تقول: عرفت من زيد وغير ذلك من أموره، واستدل عليه ابن عصفور بقول كثير: وما كنت أدري قبل عزة ما البكا*** ولا موجعات القلب حتى تولت بنصب (موجعات)، وليس بقاطع؛ لاحتمال أن تكون (ما) زائدة والبكاء مفعولًا [به]، وأن الأصل: ولا أدري موجعات القلب، فيكون من عطف الجمل، أو أن الواو للحال، و (موجعات) اسم (لا)، أي وما كنت أدري قبل عزة والحالة أنه

لا موجعات [القلب] موجودة [ما] البكاء. «ويشاركهن» أي الأفعال القلبية «فيه» أي في التعليق. «مع الاستفهام (نظر)» قلبية [كانت] نحو {فانظري ماذا تأمرين}، أو بصرية نحو {فلينظر أيها أزكى طعامًا}. قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: لم يذهب أحد إلى تعليق (انظر) - يعني البصرية- سوى ابن خروف، وتبعه أبو الحسن- يعني ابن عصفور-، وقد ذكر سيبويه تعليق (انظر)، ثم حمل الناس ذلك على النظر بمعنى التفكر. «وأبصر» نحو:

تبصر خليلًي هل ترى من ظعائن

والأظهر أنها هنا من الإبصار بالعين، ومثل له المصنف بقوله تعالى: {فستبصر ويبصرون، بأيكم المفتون}، ويحتمل جعل (أي) موصولة والباء زائدة، وصدر الصلة محذوف، أي: أيكم هو المفتون، فلا تعليق إذن. «وتفكر» كقوله: ............................. تفكر أئياه يعنون أم قردا

«وسأل» نحو: {يسئل أيان يوم القيمة} {يسئلون أيان يوم الدين}. «» وما وافقهن. قال المصنف: أشرت به إلى نحو: أما ترى أي برق ههنا؟ ، بمعنى: أما تبصر؟ ، حكاه سيبويه. وما اختاره من جعل (ترى) هذه بصرية هو رأي المازني، وحملها شراح (الكتاب) على أنها علمية، قال ابن عصفور: وهو أولى. حينئذ فقول المصنف: (بمعنى [أما] تبصر) من كلامه لا من كلام سيبويه. قال: وأشرت به أيضًا إلى نحو: {ويستنبئونك أحق هو}. يعني لأنه بمعنى (يستعلمونك)، فهو طلب للعلم. «أوقاربهن» نحو: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، قاله المصنف،

يريد: لأن المراد بالبلوى الاختبار، وهو سبب للعلم، فهو قريب منه، وكثيرًا ما يعامل السبب معاملة المسبب. «لا ما لم يقاربهن، خلافًا ليونس» فإنه جعل من ذلك قوله تعالى: {ثم لننزعن من كل شيعٍة أيهم أشد} فـ (أي) استفهامية عنده والضمة إعرابية، و (ننزع) معلق عن العمل، وقد سبق ذلك في باب الموصول. «وقد تعلق (نسي)» كقوله: من أنتم إنا نسينا من أنتم*** وريحكم من أي ريح الأعاصر قال المصنف: لأنه ضد (علم)، والضد قد يحمل على الضد. واعترض بأن ضد العلم الجهل لا النسيان، وضد النسيان الذكر، ولم يذكر المغاربة تعليق (نسي)

«ونصب مفعول نحو: علمت زيدًا أبو من هو؟ ، أولى من رفعه» لأن عامل النصب تسلط [عليه]، ولا مانع يمنع من عمله، فينصب وهو المختار، لكن يجوز رفعه على الصحيح، وهو مذهب سيبويه، ووجهه أن الاسم المذكور مستفهم عنه من حيث المعنى؛ لأن المعنى: علمت أبو من زيد؟ ، فعومل معاملة ذي الاستفهام لفظًا، وأحسن من هذا أن يقال: زيد هو نفس الأب، والأب هنا له الصدر؛ لإضافته إلى ماله الصدر، فعومل معاملته، وقد ورد السماع بمذهب سيبويه [فمن ذلك] قول الشاعر: فوالله ما أدري غريم لويته*** أيشتد إن قاضاك أم يتضرع يروي برفع (غريم)، وإن كان الأولى نصبه. وزعم ابن عصفور: أن التعليق أولى، [قال]: لأن الاعتناء بالمعاني أولى من الاعتناء بالالفاظ. 229 وأجيب بالمنع/ إذا لم تخل رعاية اللفظ بجهة المعنى كما في مسألتنا [بل] رعاية اللفظ- إذ ذاك- أحق.

[انتهى] والدليل على أن (أرأيت) بمعنى (أخبرني) أنك تقول: أرأيت زيدًا ما صنع؟ فيقال: سافر، أقام، كتب، قرأ، ولا يقال: لا ولا نعم، ولو كان الاستفهام على ظاهره لقيل ذلك؛ لأنها- حينئذ- لطلب التصديق، كما يقال: أجاءك زيد؟ ، فتقول: نعم أو لا، وكلام سيبويه يشير إلى أن (أرأيت) بمعنى (أخبرني) لا تعلق، وقد صرح به أبو علي في التذكرة، واعترض بورودها معلقة كثيرًا كقوله تعالى: (قل أريتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتاكم الساعة أغير الله تدعون} ونحوه في القرآن كثير، وانفصل ابن عصفور عن ذلك بأن قدر المفعول محذوفًا اختصارًا، والتقدير: قل أرأيتكم عذابه، فلا تعليق. فإن قلت: أهو معلق عن الجملة الاستفهامية، وهي في موضع المفعول الثاني؟ قلت: قد سبق في باب اسم الإشارة أن جملة الاستفهام لا محل لها، على ما

اختاره الرضي، ولئن سلم أن لها محلًا فلا نسلم أن العامل معلق عنها بناء على قول الزمخشري: إن التعليق هو أن يوقع بعد العامل ما يسد مسد منصوبيه جميعًا، وسيأتي قريبًا، و [من] مثل هذه المسألة قول تعالى: {قل أرئيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض}. أي أخبروني، فـ (شركاؤكم، مفعول بـ (أخبروني)، ورفعه ممتنع، و (ماذا خلقوا): إما لا محل له كما تقدم، أو محله النصب على أنه مفعول ثان، كما رآه جماعة، و (أروني) قال الزمخشري: بدل من (أرأيتم)، ورده أبو حيان بأنه لم يقرن بهمزة الاستفهام كمال قرن الأول [بها]، وبأن البدل في الجمل لم يثبت، وبأن البدل عند النحويين على إعادة العامل، ولا عامل هنا فيعاد. والأوجه الثلاثة مردودة: أما الأول فمبني على قاعدة لا وجود لها في الخارج، ولو ثبت لم يجز هنا؛ لأن الاستفهام فيه غير حقيقي. وأما الثاني فالبدل في الجمل ثابت، قال تعالى: {[واتقوا الذي} أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعمٍ وبنين} الآية. وأما الثالث فالعامل موجود: وهو (قل)، وقد جاء: {قل أروني الذين ألحقتم

[به شركاء]}، على أني أقول: إذا ثبت مجيء البدل في الجمل سقط هذا السؤال؛ إذ الجمل تارة تكون ذات محل من الإعراب، وتارة لا تكون ذات محل، فتكون المبدلة بحسب المبدل منها، ألا ترى إلى مجيء البدل في الآية في جملة الصلة، ولا محل لها من الإعراب قطعًا؟ . ويحمل قولهم: (البدل على نية تكرار العامل) على أنه مخصوص بالمعربات لفظًا أو تقديرًا أو محلًا. فإن قلت: البدل من جملة التوابع فيلزم أن يكون له إعراب؛ إذ التابع ما كان ثانيًا [معربًا] بإعراب سابقه من جهة واحدة. قلت: والعطف أيضًا من جملة التوابع، ولا شك أن الجملة الثانية في قولك: (جاء زيد وأكرمته) معطوفة على الأولى، وهي مستأنفة فلا محل لها، فما كان جوابًا لهم عن مثل هذا فهو جوابنا عما قلت. وقول أبي حيان: وإنما (أروني) معترض، أو المسألة من باب التنازع. فيه نظر بالنسبة إلى الشق الثاني، إذ ليس بين العاملين ارتباطا فيتنازعا. «وللاسم المستفهم به والمضاف إليه مما بعدها ما لهما دون الأفعال

المذكرة» وذلك لأن [اسم] الاستفهام المضاف إليه لا يعمل فيهما ما قبلها، فلا تؤثر فيهما العوامل السابقة شيئًا، بل يبقى حالهما على ما كان عليه قبل دخول العوامل السابقة، ويعتبر ما كان لهما بالنسبة إلى ما بعدهما، فيحكم بثبوته لهما مع وجود الأفعال المذكورة، وذلك مثل: علمت أيهم صديقك؟ فلا تنظر إلى (علمت)، وإنما تنظر إلى ما بعد اسم الاستفهام، فتجد بعده خيرًا يقضي أنه 230 هـ مبتدأ فتحكم مع/ وجود (علمت) بأن [اسم] الاستفهام مبتدأ، ما بعده خير عنه كما كان قبل دخول (علمت)، وكذا: علمت أيهم ضربت، فاسم الاستفهام مفعول بما بعده، هو مصدر في قولك: علمت أي قيام قمت، وظروف مكان في [نحو]: علمت أين خالد، وظرف زمان في نحو: علمت متى ضربت زيدًا، وحال في نح علمت كيف ضربت زيدًا؟ ، وعلى ذلك فقس المضاف إلى اسم الاستفهام. «الجملة بعد» العامل «المعلق» عن العمل «في موضع نصب بإسقاط حرف الجر إن تعدى به» أي بحرف الجر، نحو {أولم يتفكروا ما بصاحبهم

من جنةٍ}، {فلينظر أيها أزكى طعاماً}، {يسلون أيان يوم الدين}؛ لأنه يقال: فكرت فيه، ونظرت فيه، وسألت عنه، لكنها علقت هنا بالاستفهام عن الوصل في اللفظ إلى المفعول، وهي من حيث المعنى طالبة له على معنى ذلك الحرف. وزعم ابن عصفور: أنه لا يعلق فعل غير (علم) و (ظن) حتى يضمن معنى أحدهما، فتكن هذه الجملة سادة مسد مفعولين. واختلف في قوله تعالى: {إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم)، فقيل: التقدير ينظرون أيهم يكفل مريم، وقيل: يتعرفون، وقيل: يقولون. فالجملة على التقدير الأول مما نحن فيه، وعلى الثاني في موضع المفعول به المسرح، وعلى الثالث ليست من باب التعليق [ألبته]. «وفي موضع مفعوله إن تعدى إلى واحد» نحو: عرفت من أبوك؟ ، ومنه- على رأي المازني والمصنف- أما ترى أي برق ههنا؛ لأن الرؤية فيع عندهما بصرية. «وسادة مسد مفعولية إن تعدى إلى اثنين» نحو: علمت أزيد عندك أم عمرو. «وبدل من المتوسط بينه وبينها إن تعدى إلى واحد» نحو: عرفت زيدًا

أبو من هو، لكن من أي أقسام البدل [هو]، فقيل هو بدل كل، والأصل: عرفت شأن زيد، قاله اين عصفور. وقيل: بدل اشتمال، مثل: عرفت زيدًا خبره، واختاره ابن الصائغ، وذهب جماعة إلى أنه حال، ورد بأن الجملة الإنشائية لا تكون حالًا. وقيل: مفعول ثان، على تضمين (عرف) معنى (علم) حكاه ابن جني عن الفارسي، ورد بأن التضمين لا ينقاس، وهذا التركيب مقيس. «وفي موضع الثاني إن تعدى إلى اثنين ووجد الأول» لا إن لم يوجد فإنها [تكون] سادة مسد المفعولين كما سبق، ومثال هذه المسألة: علمت زيدًا أبو من هو؟ وهل الفعل معلق عن الجملة الاستفهامية في هذه الصورة أو؟ قال جماعة من المغاربة: نعم، هو معلق وهو عامل في محلها النصب، على أنها مفعول ثان كما هو صريح كلام المصنف، وخالف في ذلك بعضهم؛ لأن الجملة حكمها- في مثل هذا- أن تكون في موضع نصب، و [أن] لا يؤثر العامل في لفظها، وإن لم يجد معلق، وذلك نحو: علمت زيدًا أبوه قائم، واضطرب في ذبك كلام الزمخشري، فقال: - في قبه تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، في سورة هود- بأن الفعل معلق، وقال في تفسير الآية في سورة الملك: ولا يسمى هذا تعليقًا، وإنما التعليق أن يوقع بعد العامل ما

يسًد مسدً منصوبيه جميعًا، كعلمت أيهما عند، ألا ترى أنه لا يفترق الحال بعد تقدم أحد المفعولين بين مجيء ماله صدر [الكلام] وغيره؟ ، ولو كان تعليقًا لا فترقا كما افترقا في: علمت زيدًا منطلقًا، وعلمت أزيد منطلق. حاول الطيبي رفع الاضطراب والتوفيق بين كلاميه بما هو مقرر في حاشية المغني فراجعه إن شئت.

فإن قلت: ما الراجح من هذين الرأيين؟ قلت: رأي من ذهب إلى أنه من باب التعليق بدليل [مثل] قوله تعالى: {سل بني إسرائيل كم اتينهم من آية بينةٍ}، ألا ترى أن (سأل التي يراد بها طلب العلم لا المال، إنما يتعدى إلى الثاني بالجار؟ فلو كان وصول (رسل) إلى (كم) كوصول (ظن) إلى الجملة في نحو: ظننت زيدًا 231 أبوه قائم، لزم تعديه إلى اثنين بنفسه، - وذلك ممتنع، إذا ثبت أنه علق عن الثاني بدليل عدم وجود الجار، لم يكن كون الفعل ناصبًا لأحد المفعولين لفظًا مانعًا من كونه معلقًا عن الأخر، والله [تعالى] أعلم بالصواب. «وتختص» أيضًا الأفعال «القلية المتصرفة و (رأي) الحلمية والبصرية

بجواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متصلين متحدي المعنى». نحو: ظننتني، وعلمتني، ورأيتني، وكذا بقية أفعال القلوب المتصرفة قال الله تعالى {كلا إن الإنسان ليطغي أن رءاه استغني}. واحترز المتصرفة من (هب) و (تعلم) فلا يقال: هبك محسنًا، ولا: تعلمك صنعت كذا. قال أبو حيان: وفي منع (هبك محسنًا) نظر. (وما أظنه إلا مسموعًا من كلامهم. وألحقت بها في ذلك (رأى) الحلمية، كقوله تعالى: - حكاية- {إني أرني أعصر خمرًا} و (رأى) البصرية، كقول عائشة رضي الله [تعالى] عنها: (لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لنا طعام [إلا] الأسودان التمر والماء]. قال المصنف: وهذا في (رأى) البصرية شاذ، ومنه قول قطري:

فلقد أراني للرماح دريئة*** من عن يميني تارة وأمامي قلت: وكان عليه أن ينبه على الشذوذ في المتن، وكلامه يوهم [المساواة]، على أن ما مثل به من الحديث واليت محتمل لأن تجعل الرؤية فيه قلبية. وإنما لم يجز ذلك في غير الأفعال المذكورة؛ لأن أصل الفاعل أن يكون مؤثرًا، وأن يكون المفعول به متأثرًا منه، وأصل المؤثر أن يغاير المتأثر، فإن اتفقا معنى كره اتفاقهما لفظًا؛ فلذا لا تقول: ضرب زيد زيدًا، وأنت تريد: ضرب زيد

نفسه، فلم يقولوا: ضربتني، ولا ضربتك، ولا ضربتنا، وإن تخالفا لفظًا لاتحادهما معنى؛ (ولا تفاقهما) من حيث كان كل واحد منهما ضميرًا متصلًا، فقصد مع اتحادهما معنىَّ تغايرهما لفظًا بقدر الإمكان، فمن ثم قالوا: ضرب زيد نفسه، صار النفس بإضافته إلى ضمير زيد كأنه غيره؛ لغلبة مغايرة المضاف للمضاف إليه، فصار الفاعل والمفعول- في (ضرب زيد نفسه) - مظهرين متغايرين في الظاهر. وأما أفعال القلوب فإن المفعول به فيها ليس المنصوب الأول في الحقيقة، بل هو مضمون الجملة كما مضى، فجاز اتفاقهما لفظًا، لأنهما ليسا في الحقيقة فعلًا ومفعولًا به. كذا قال الرضي، ووجه ابن الحاجب ذلك بطريقة أخرى، فقال: إنما أبدلوا المفعول بلفظ النفس في غير أفعال القلوب نحو: ضربت نفسي، لما تقرر في المعتاد من أن فعل الفاعل لا يتعلق بنفسه غالبًا، وإنما يتعلق بغيره، فلو قال: ضربتني وضربتك، لسبق إلى الفهم ما هو الغالب من المغايرة بينهما، ولم تقو حركة المضمر رافعة لهذا الإلباس مع قيام هذا الغالب، فأبدلوا المفعول بلفظ النفس إيذانًا العدول عن ذلك الغالب، بخلاف (علمت) و (ظننت) ـ فإنه ليس الغالب فيها المغايرة، بل علم الإنسان بصفات نفسه وظنه إياها أكثر، فكان [ذلك]

الغالب الذي غير الأصل لأجله منتفيًا، فجرت هذه- يعني أفعال القلوب- على أصلها، وهو استعمال المضمرات في محالهًا من غير تغيير لها. «وقد يعامل بذلك (عدم») [كقول جران العود: لقد كان لي ضرتين- عدمتني-*** وعما ألاقي منهما متزحزح «وفقد».] كقول الآخر: ندمت على ما كان مني- فقدتني-*** كما يندم المغبون حين يبيع

«فصل»: في/ الكلام على القول وما يتفرع منه من الأفعال وغير ذلك.

وإنما جاز ذلك في (عدم) و (فقد) حملًا على (وجد)؛ لأنهما ضداه في أصل الوضع. «ويمنع الاتحاد عمومًا» في باب (ظن) وغيرهما من سائر الأفعال. «إن أضمر الفاعل متصلًا مفرًا بالمفعول». فلا يجوز: زيدًا ظن قائمًا، ولا زيدًا ضرب، تريد ظن نفسه وضرب نفسه. واحترز بقوله: (متصلًا) من أن يكون منفصلًا، فلا يمنع الاتحاد نحو: ما ظن زيدًا قائمًا إلا هو. وما ضرب زيدًا إلا هو. «وبقوله: (مفسرًا بالمفعول) من نحو: زيد ضرب عمرًا فلا شبهة في جوازه، وإن كان الفاعل مضمرًا متصلًا؛ لأنه غير مفسر بالمفعول. «فصل»: في/ الكلام على القول وما يتفرع منه من الأفعال وغير ذلك. «يحكي القول» وهو مصدر معناه النطق اللساني نحو: يعجنني قولك: إن زيدًا فاضل. «وفروعه» وهي الماضي، نحو: {قالوا سمعنا} والمضارع نحو

{يقولون ربنا ءامنا}، والأمر نحو: {قولوا ءامنا}، واسم الفاعل نحو: {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا}. واسم المفعول كقوله: تواصوا بحكم الجود حتى عبيدهم*** مقول لديهم لازكا مال ذي بخل واسم المصدر نحو: مقالك: (الله ربنا) إقرار بالربوبية. «الجمل» هو مفعول لم يسم فاعله، وعامله (يحكى) المتقدم. «وينصب به الفرد المؤدي معناها» أي معنى الجمل كالحديث والقصة والشعر والخطبة والكلام، ويعتبر ذلك بأن تجعل مكان ذلك المفرد [جملة، ثم تحمل عليها ذلك المفرد]، تقول مثلًا: قلت كلامًا حقًا أو اطلًا، أو كلامًا حسنًا، إذا قلت: زيد قائم- مثلًا-، [ثم] تقول (زيد قائم) كلام حق أو باطل، أو كلام حسن. «و» ينصب به أيضًا المفرد «المراد به مجرد اللفظ». قال المصنف: كقولك: قلت كلمة، أي: هذا اللفظ. وهذا النوع مختلف فيه: وقد ساقه سوق المجمع عليه، وإنما استنبطت إجازة

الزجاجي له من قوله [في كتابه المسمى بـ (الجمل): وإنما قلنا الكل والبعض. وإجازة الزمخشري له من قوله]- في {يقال له إبراهيم} - مفعول [ما] لم يسم فاعله. قال المصنف ورجح الزمخشري هذا الإعراب على إعرابه منادي أو خيرًا، أي: هذا إبراهيم، ولم يذكر وجهه. ويمكن توجيهه بأمرين: سلامته من دعوى الحذف اللازم على كل منهما، وأنه شامل لكل استعمال يستعمل فيه هذا اللفظ، أعني أنه يشمل استعماله في جميع التراكيب، وأما (يا إبراهيم) فخاض بالنداء، و (هذا إبراهيم) فمختص بهذا التركيب، وليس المراد، إلا أن هذا اللفظ يطلق عليه. قال ابن هشام: إذا قيل: قلت كلمة، إن أريد بها الكلام فجائز اتفاقًا قلت: شعرًا، أو مسمى كلمة: كزيد أو قام أو هل، فممتنع إجماعًا، لفظه كلمة فمسألة خلاف. قلت: وقع في شرح الحاجبية للرضي الاستراباذي إجازة الوجه الثاني الذي حكي الإجماع على امتناعه، وذلك أن الرضي قال: ويقع المفرد بعد القول على أحد خمسة أوجه: فذكر الأول، وهو أن يكون مؤديًا معنى الجملة فقط، ثم قال:

وثانيها: أن يعبر به عن المفرد لا غير، نحو قلت كلمة، أو قلت لفظة عبارة عن زيد، ويعتبر ذلك بأن يقع خبرًا عن اللفظ المفرد، نحو: زيد لفظة أو كلمة. ثم قال: وثالثها: أن يكون لفظًا يصلح لأن يعبر به عن المفرد وعن الجملة، نحو: قلت: لفظًا، فإنك تقول: زيد لفظ، وزيد قائم لفظ، تنتصب هذه الثلاثة؟ لأنها ليست أعيان الألفاظ المحكية حتى تراعي. هذا كلامه، ولا أدري من أين أخذ جواز الحكم في الصورة التي حكي فيها ابن هشام المنع بإجماع، فحرره. ثم قال الرضي: ورابعها: مفرد غير معبر به عن مفرد ولا جملة، ولا مقصود به نفس ذلك اللف، فيجب أن يقدر معه ما يكون هـ جملة، كقوله تعالى: {[قال] سلم قوم منكرون} أي [سلام] عليكم. «وإلحاقه» أي: إلحاق القول «بالظن في العمل مطلقًا» سواء وجدت

الشروط الآتية أو بعضها، أو لم يوجد شيء منها «لغة سليم» بضم السين، حكاها سيبويه عن أبي الخطاب، ومنه قول الشاعر: قالت: - وكنت رجلًا فطينًا-*** هذا- ور البيت- إسرائينا رأت هذه المرأة عند [هذا] الشاعر ضبًا، فظنت أنه [من] منسوخ يني إسرائيل.

قال ابن عصفور: ولا شاهد في ذلك؛ لاحتمال أن يكون (هذا مبتدأ و (إسرائين) على تقدير مضاف، أي مسخ إسرائيل، فحذف المضاف وأقى المضاف إليه على إعرابه، [وهو الجر] على حد: {والله يريد الآخرة} فيمن قرأه بكسر (الآخرة). قلت: لا يجدي هذا التأويل شيئًا مع نقل أبي الخطاب أن نصب الجزئيين بالقول 233 مطلقًا لغة سليم. «ويخص أكثر العرب» من غير سليم، ولم يقل: باقي/ العرب، ففهم [منه] أن فيه لغة ثالثة لعضهم. «ها الإلحاق بمضارع المخاطب» لا بقيدي الإفراد والتذكير، بل المراد [من خوطب] كائنًا من كان، وعلى هذا فلا فرق بين أن يكون الخطاب في أوله، نحو: يا زيد أتقول: عمرًا منطلقًا، أو في آخره، نحو: أتقولن: زيدًا ذاهبًا. واحترز بالمضارع من غيره: ماضيًا كان أو لا، فلا يجوز فيه إلا الحكاية، وأجاز

السيرافي إعمال الماضي بباقي شروط المضارع وزعم الكوفيون أن الأمر للمخاطب يجري مجرى الظن في لغة غير ني سليم. واحترز بالمخاطب من المتكلم والغائب، فليس معهما إلا الحكاية «الحاضر» والمراد به الحال على ما صرح [به] المصنف في الشرح. «بعد استفهام» بغير (هل)؛ لأنها تخصص المضارع بالاستقبال على ما ذكره البيانيون، ولكن النحويون لا يقيدون الاستفهام، بل يطلقونه بحيث يدخل [فيه] الاستفهام بـ (هل) وغيرها، فعلم أنه لا يشترط كونه للحال. قال أو حيان: واشتراط كون المضارع حاليًا لم يذكره غير المصنف، والظاهر أنه غير شرط بدليل عمله مستقبلًا في قوله: أما الرحيل فدون بعد غد*** فمتى تقول الدار تجمعنا

وتبعه الشارح مقتصرًا على كلامه. ولقائل أن يقول: لا نسلم تعلق (متى) بـ (تقول)، بل هي متعلقة بقوله: (تجمعنا)، فالمستقبل هو الجمع، والظن حال، وليس المراد: متى تظن في المستقبل أن الدار تجمعنا؟ . فإن قيل: المسئول عنه هو ما يلي أداة الاستفهام، فالجواب: أن ذلك في الهمزة و (أم) و (هل) - على ما فيه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى- لأنها أحرف لا موضع لها من الإعراب، وأما السماء فإنها ترتبط بعواملها أو معمولاتها، فذاك هو المسئول عنه، ثم لا فرق بين الاستفهام عن الفعل، والاستفهام عن الفاعل والاستفهام عن متعلقات الفعل، نحو أتقول زيدًا قائمًا، ومن تقول أخاه قائمًا، وقال الشاعر: متى تقول القلص الرواسما*** يدنين أم قاسم وقاسما؟

وقال الآخر: أجهالًا تقول بني لؤيّ*** لعمر أبيك أم متجاهلينا ثم نبه على أنه ليس المراد الاستفهام كيف كان: متصلًا أو منفصلًا، بل المراد أن يقع [ذلك] بعد استفهام «متصل» نحو: أتقول زيدًا قائمًا. «أو منفصل بظرف» كقوله:

أبعد بعد تقول الدار جامعة*** شملي بهم أم دوام البعد محتوما «أو جار ومجرور» نحو: أفي الدار تقول زيدًا قائمًا؟ «أو أحد المفعولين» كقوله: أجهالًا تقول بني لؤيّ ............................................................................................. البيت. وهل الفصل بمعمول كذلك نحو: أهند تقول زيدًا ضاربًا؟ . قال الشارح: مقتضى الأصول جواز الإعمال. وزاد السهيلي شرطًا آخر لإجراء القول مجرى الظن: رأن لا يتعدى باللام، نحو أتقول لزيد عمرو منطلق، لأن تعديته باللام، تقتضى تعين كونه قولًا مسموعًا، فبعد عن معنى الظن الذي هو من أفعال القلوب. وهل القول العامل عمل الظن يجري مجراه في العمل فقط، أو في العمل والمعنى معًا؟ . الثاني مذهب الجمهور، وقال بالأول بعضهم. «فإن عدم شرط» من الشروط

التي ذكرت في المتن «رجع إلى الحكاية» إلا على لغة بني سليم. «وتجوز» الحكاية «إن لم يعدم» شيء من الشروط، فعلم أن استكمال [تلك] الأمور المشترطة إنما هو شرط في الجواز لا في الوجوب، ويدل عليه قول عمرو بن معدي كرب. علام تقول الرمح يثقل عاتقي؟ *** إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت يروى برفع (الرمح) على الحكاية، وبنصبه على إلحاقه بالظن.

"ولا يلحق في الحكاية بالقول ما في معناه" من الدعاء والنداء والإخبار ونحوها، فإذا قلت: دعوت زيدًا عجّل، وناديته أقبل، وأخبرته زيد قائم، فليست الجمل المذكورة- وهي (عجل) و (أقبل) و (زيد قائم) - في محل نصب على أنها محكية بـ (دعوت) و (ناديت) و (أخبرت). «بل ينوى معه القول» فتكون تلك الجمل محكية بقول محذوف، أي: دعوت زيدًا قلت له: عجل، وناديته قلت له: أقبل، وأخبرته قلت له: زيد قائم. «خلافًا للكوفيين» فإنهم يجيزون الحكاية بما في معنى القول، ولا يضمرون معه قولًا. 234 قال/ المصنف: والصحيح مذهب البصريين. واستدل على صحته بأنه قد جاء القول مصرحًا به في قوله تعالى {ونادي نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحكمين}، وفي قوله تعالى: {إذ نادي ربه نداء خفيًا، قال رب [إني وهن العظم مني]}، تدل على صحة التقدير عند عدم التصريح [به]. [انتهى]. فإن قلت: كيف صح العطف في قوله [تعالى] في الآية الأولى: { .... فقال رب ..... }.

قلت: جعل الزمخشري (نادي) بمعنى: أراد النداء؛ لأنه عطف النداء عليه حيث قال: { .... فقال رب .... } وهذا هو النداء، والأصل: يارب. وأما قوله: {إذ نادي ربه نداء خَفِيًا، قَالَ رَبِ .... }، فالنداء هناك حقيقة؛ لأنه أبدل منه حكاية النداء بلا توسط حرف عطف. قال جدي الإمام ناصر الدين بن المنير رحمه الله [تعالى] وهذا الذي اعتقد أنه ملجئ [ليس] به؛ لجواز وجهين أقرب منه: أحدهما: أن يكون الآخر تفسيرًا، وتوسط حرف العطف في التفسير لا يضر، وقد وقع كثيرًا، وقد قيل: - في قوله تعالى: {أَلَم يَعلَمُوًا أَنَهُ مَن يحادِدِ الَلهً وَرَسولَهُ فَأَنَ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} - أي: يهلك فإن له نار جهنم، فجعل المبرد الثانية تفسيرًا للأولى وتأكيدًا لها، فالثانية هي الأولى، لكن الأولى مجملة لم يذكر فيها صورة الهلاك، والثانية ذكر فيها صورة الهلاك، وأنه بنار جهنم.

والوجه الآخر أن تكون الفاء عاطفة قصة على قصة، والتفصيل على إجمال، فكأنه أولًا ذكر نداء مجملًا ثم عقبه بذكره مفصلًا، وهي كالفاء التي تدخل على الفذلكة من حيث إن المجمل بما هو مجمل غير المفصل فهو عطف مفصل على مجمل. ويجوز وجه ثالث لطيف المأخذ رقيق الحاشية، وهو أن يكون النداء على بابه، لكن المعطوف عليه مجموع النداء وما بعده: فليس من عطف الشيء على نفسه، بل من عطف المجموع على أحد أجزائه، وهما متغايران. هذا كلامه رحمه الله [تعالى]. «و [قد] يضاف قول وقائل إلى الكلام المحكي». فالأول- كقوله: قول، يا للرجال ينهض منا*** مسرعين الكهول والشبانا والثاني كقوله: وأجبت قائل كيف أنت بـ (صالح) *** حتى مللت وملني عوادي

يروى بجر (صالح) - وهو واضح- وبرفعه، فالتقدير: بقولي أنا صالح، فحذف القول والمبتدأ. قاله المصنف [رحمه الله]. «وقد يغني القول في صلة» كقوله: لنحن الآلي قلتم فأنى ملئتم*** برؤيتنا قبل اهتمام بكم رعبا أي: قلتم: نغلبهم «و» في «غيرها» أي: غير صلة، ولم يذكر المصنف له شاهدًا، بل مثل له بقولك: أنا قال زيد، ولو رآني لفر. أي [قال]: يغلبني، بدليل ما بعده، كما دل ما بعد القول في البيت على المقول. «عن المحكي لظهوره» كلاهما يتعلق بـ (يغني). «والعكس» وهو الاستغناء بالمقول عن القول «كثير» نحو: {والملائكة يدخلون [عليهم] من كل، باب، سلم عليكم} أي: قائلين، ونحو: {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم

[بعد إيمنكم]}، أي: فيقال لهم: أكفرتم. «وإن تعلق بالقول مفرد لا يؤدي معنى جملة» [كما في قولك: قلت كلامً]. «ولا يراد به مجرد اللفظ» [نحو: {يقال له إبراهيم}]. «حكى مقدرًا معه ما يكون به جملة» نحو: {قالوا سلما قال سلم}، فيقدر مع الأول فعل ناصب له، أي: سلمنا، ويقدر مع الثاني: إما خبر، فيكون مبتدأ، والتقدير: عليكم سلام، [وإما مبتدأ، فيكون خبرًا، والتقدير: تحيتكم سلام]. والحاصل أنه لا ينصب بالقول مفرد على أنه مفعول به [إلا إذا كان على أحد الوجهين المذكورين، وإنما قلت: على أنه مفعول به] احترازًا من نحو: قلت حقًا أي: قولًا حقًا، فإن هذا من باب المفعول المطلق. قلت: وكلام المصنف مخالف لما قدمناه من كلام الرضي، فتأمله «وكذا إن تعلق» المفرد الذي هو في التقدير بعض جملة «بغير القول» فيحكي مقدرًا معه ما يكون به جملة، فلو كان على خاتم شخص (محمد)، وعلق به قرأت) أو (رأيت) أو (لمحت) أو نحوها، قلت: قرأت على فص خاتمه (محمد) فترفعه

على حسب مراد الناقش؛ لأن مراده: (صاحبه محمد) أو نحو ذلك، ولو كان المنقوش (محمدًا) بالنصب: قلت: قرأت (محمدًا) بالنصب، وتقدر له ناصبًا/ ولو أدخلت على المنصوب رافعًا لم تغيره، كقوله: وأصفر من ضرب دار الملوك*** يلوح على وجهه جعفرًا فأسند الشاعر (يلوح) إلى الجملة مراعيًا لقصد الناقش، وأنشده الفراء بالتاء شاهدا على لحت الشيء بمعنى أبصرته. هذا منتهى ما ذكره الشارح. قلت: ومقتضى ما قدمه المصنف من أن الحكاية لا تكون إلا بالقول، أن لا يصح كلامه هنا على ظاهره، بل لابد من تأويله على أنه أراد: ويجب في الكلام إضمار القول. ويشكل ذلك في البيت لأن الفاعل لا يحذف، على أن المصنف قد قال وتبعه الشارح: أسند الشاعر (يلوح) إلى الجملة مراعيًا مراد الناقش. وهذا التصريح منه بأن لا قول مقدر، فانظر هذا الموضوع فإنه مشكل.

«فصل» في الكلام على ما ينصب ثلاثة مفاعيل

«فصل» في الكلام على ما ينصب ثلاثة مفاعيل «تدخل همزة النقل» وهي التي تنقل الفعل عما كان عليه من لزوم وتعدٍ إلى واحد واثنين إلى التعدي [إلى] واحد و [التعدي] إلى اثنين وإلى ثلاثة، فمن ثم سميت: (همزة النقل)، وتسمي أيضاً: (همزة التعدية) لذلك. «على (علم) ذات المفعولين» احترازاً من (علم) اللازمة، وهي التي مصدرها العلمة، أي: شق الشفة العليا، ومن (علم) ذات المفعول الواحد، وهي التي بمعنى عرف. «و (رأي) أختها» وهي القلبية احترازاً من (رأي) البصرية. «فينصبان ثلاثة مفاعيل». قال الشارح: الأحسن أن يظبط (ثلاثة) بالتنوين لأن؛ (مفاعيل) صفة، ولا يضاف العدد إلى الصفة إلا في الشعر أو قليل من الكلام. قلت: يرد عليه: (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء)، فإنه جمع شهيد، هو صفة. فإن قلت: استعمل في الغالب من غير موصوف فأجري مجرى الأسماء. قلت: وكذا (مفاعيل) جمع لمفعول، وهو عند القوم يستعمل بغير

موصوف)، كما تقول: ينصب المفعول المطلق، والمفعول به، والمفعول له، والمفعول فيه، والمفعول معه، ولايحتاج في شيء من ذلك إلى أن يذكر المصوف، فتقول ينصب اللفظ المفعول المطلق، وكذا البقية، فأجريت مجرى الأسماء، فحكمها حكم (شهداء) من غير فرق. «أولها» [أي] أول المفاعيل الثلاثة هو المفعول «الذي كان» قبل دخول همزة النقل «فاعلاً» كما إذا قلت: علم زيد عمراً فاضلاً، فـ (زيد) في هذا التركيب فاعل، فإذا أتيت بهمزة النقل قلت: أعلمت زيداً عمراً فاضلاُ، فنصبت بالفعل ثلاثة أولها الذي كان فاعلاً وهو زيد في [هذا] المثال. «ويجوز حذفه» أي: حذف هذا المفعول الأول، نحو: أعلمت فرسك مسرجا، ولا يذكر من أعملته «و» يجوز أيضاً في هذا المفعول [الأول] «الاقتصار عليه» فتقول: أعلمت زيداً، ولا تذكر ما أعلمته. «على الأصح» لأن الفائدة متحققة في الصورتين جميعاً، وهذا الأصح هو مذهب الأكثرين، وثم قولان آخران. أحدهما: منع الحذف والاقتصار جميعاً، وإليه ذهب أبناء: طاهر وخروف وعصفور، والشلوبين.

وثانيهما: منع الاقتصار عليه، ولكن يجوز الاقتصار على الأخرين، وبنسب هذا القول إلى الفارسي. «وللثاني وللثالث بعد النقل ما لهما قبله مطلقاً» من جواز حذفهما اختصاراً، ومنع حذف أحدهما اقتصاراً، ومن التقديم والتأخير، وغير ذلك من الأحكام السابقة. قال الشارح: ومن جملة ما لهما قبل النقل منع حذفهما اقتصاراً، على ما اختاره [المصنف] [رحمه الله]، وقد أجاز الاقتصار هنا على الأول وحذف الثاني والثالث. قلت: كأنه يشير إلى الانتقاد عليه بأنه كان حقه تخصيص هذا العموم بما ذكره، وفي الحقيقة لا اعتراض؛ لأن قوله: فيما تقدم في شأن المفعول: إنه يجوز الاقتصار عليه [مخصص] لهذا العموم بلا شك. فإن قلت: ما السر في كونه هناك منع حذف المفعولين اقتصاراً، وهنا أجازه؟ . قلت: لانتفاء سبب المنع هنا، وذلك لأن المانع هناك من الحذف اقتصاراً هو ما يفضي إليه من عدم الفائدة في مثل قولك: علمت، وظلت؛ إذ [لا] يخلو

الإنسان في الأغلب من علم [ما] أو ظن كما سبق، وأما هذا الاقتصار على الأول وترك المفعولين الآخرين محصل للفائدة كما سبق/ فثبت الجواز. «خلافاً لمن منع الإلغاء والتعليق» والصحيح ما ذكره المصنف من الجواز بدليل قول من يوثق بعربيته: البركة أعملنا الله مع الأكابر، فألغي (أعلم) متوسطاً، قول الآخر: وكيف أبالي بالعدي ووعيدهم وأخشى ملمات الزمان الصوائب وأنت أراني الله أمنع عاصم وأراف مستكفىً وأسمح واهب «وألحق بهما» أي: بـ (أعلم) و (أرى) «سيبويه (نبأ») كقول النابغة: نبئت زرعة- والسفاهة كاسمهاـ يهدي إليّ غرائب الأشعار

«وزاد غيره (أنبأ») وممن ذكرها الفارسي والجرحاني، وزعم ابن هشام: أن سيبويه ذكرها أيضاً. «و (خبرً) و (أخبر) و (حدّث») فذكر الفراء الأولين في معانيه وشاهدهما قول الشاعر: وخُبِّرتُ سوداء الغميم مريضة فأقبلت من أهلي بمصر أعودها وقول الآخر: وما عليك إذا أخبرتني دنفا وغاب بعلك يوماً أن تعوديني؟

وأما (حدّث) فزادها الكوفيون، وممن ذكرها من المتأخرين الزمخشري، وشاهدها قول الحارث اليشكري: أو منعتم ما تسألون فمن حُدِّثتموه له عليا الولاء

واختار المصنف رحمه الله في الشرح عدم إلحاق (نبّأ) وأخواتها بـ (أعلم)، [قال]: وقد حمل سيبويه على حذف الحرف قول الشاعر: ونُبئّت عبدالله بالجو أصبحت كراماً مواليها لئاما صميمها [أي] [نبئت عن عبدالله]، مع إمكان إجرائه مجرى (أعلمت) فدل ذلك على أن تقدير الحرف راجح عنده إذ ليس فيه إخراج شيء عن أصله، ولا تضمن شيء معنى شيء [غيره، وأيضاً فإن النصب بحذف حرف الجر بعد (نبأ) مقطوع يثبوته فيما حكى من قول بعض العرب: (نبئت زيداً) مقتصراً عليه، وبعد (أتبأ) في قوله تعالى: {من أنباك هذ}]، ولم يثبت الإجراء محرى (أعلم) إلا حيث يحتمل حذف الحرف، فكان الحمل عليه أولى، هذا في (نبأ) مع كثرة استعمالها بالصورة المختلف فيها، وأما أخواتها فيندر استعمالها بتلك الصورة. انتهى.

واعلم أن من ألحق هذه الأفعال بـ (أعلم) ليس قائلاً يأن الهمزة والتضعيف [فيها] للنقل إذ لم يثبت في لسانهم ما ينقل عنه هذه الأفعال، وإنما هو عنده من باب التضمين، أي أن كلاِّ من تلك الأفعال ضمن [معنى] (أعلم) فعومل معاملته. «وزاد الأخفش (أظن) و (أحسب) و (أخال) و (أزعم) و (أوجد»). واختاره ابن السراج، ولاسماع يعتمدان عليه، وإنما استندا إلى القياس، وهو ضعيف؛ لأن المتعدي بالهمزة فرع المتعدي بنفسه، وليس في الأفعال متعد بنفسه إلى ثلاثة [فيحمل عليه متعد بالهمزة، وكان مقتضي هذا أن لا تنقل (علم) و (رأى) إلى ثلاثة]، لكن ورد السماع بنقلهما فقبل، ووجب الاقتصار عليه. كذا قال المصنف [رحمه الله]. «وألحق غيرهم (أرى) الحلمية سماعاً» ومنه قوله تعالى: {إذ يريكم الله في منامك قليلا}، لأنه ثبت أن (رأى) الحلمية تتعدى إلى اثنين،

فجاز تعديتها إلى الثلاثة بهمزة النقل، ومن خالف في تعديها إلى اثنين جعل المنصوب الثاني هناك، والثالث هنا حالاً. فإن قلت: قد علم حكم (رأى) الحلمية من قول المصنف فيما تقدم: تدخل همزة النقل على (علم) ذات المفعولين و (رأى) أختها)، فلم يكن لذكر ذلك ثانياً فائدة. قلت: الظاهر أن المراد بـ (رأى أختها) إنما هو (رأى) القلبية كما أسلفناه فهى التي عرفت بمؤاخاتها. «وما صيغ للمفعوا من ذي ثلاثة» كـ (أُعْلِمَ) المبنيِّ للمجهول في مثل قولك: أعلمت زيداً فاضلاً «فحكمه حكم (ظن») في الإلغاء وغيره؛ لأنه صار مثله. «في الاقتصار على المرفوع». فإنه ممتنع في (ظن) وأخواتها؛ لعدم الفائدة كما مر، وهنا جائز، فتقول: أعلم زيد؟ لحصول القائدة لما قدمناه، والله [تعالى] أعلم بالصواب.

الباب الثامن عشر «باب الفاعل»

الباب الثامن عشر «باب الفاعل» «وهو المسند إليه» سواء كان ظاهراً نحو: قام زيد. أو ضميراً نحو الزيدان قاما، وسواء كان صريحاً كما تقدم، أو مؤولاً نحو: يسر المرء ما ذهب الليالي ................ ثم التأويل لابد أن يكون بحرف سابك كالمثال، أو بغيره في باب التسوية نحو: {إن الذين كفروا سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم ... }، أي: إنذارك وعدمه، إذ جعلنا (سواء) خبر (إن) وما بعده فاعلاً به، هذا مذهب البصريين. وقال هشام وثعلب وجماعة: يجوز أن يقع الفاعل جملة مطلقاً نحو: يعجبني يقوم [زيد]، وظهر/لي أقام زيد. وقال الفراء وجماعة: جوازه مشروط بكون المسند إلى الجملة قلبياً، وباقترانها بمعلق [نحو] ظهر لي أقام زيد؟ .

قال ابن هشام: وفيه نظر؛ لأن أداة التعليق بأن تكون مانعة أشبه من أن تكون مجرورة، وكيف يعلق الفعل عما هو كالجزء منه! ! [وبعد] فعندي أن المسألة صحيحة، ولكن مع الاستفهام خاصة دون سائر المعلّقات، وعلى أن الإسناد إلى مضاف محذوف إلى الجملة، ألا ترى أن المعنى: ظهر لي جواب (أقام زيد)؟ ، أي جواب قول القائل ذلك، وهذا لابد من تقديره دفعاً للتناقض، إذ ظهور الشيء مناف للاستفهام المقتضي للجهل به. «فعْل» كما مثلنا، «أو مضمن معناه» «كاسم الفاعل وأمثلة المبالغة والصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل، وأخرج بذلك نحو: خزّ ثوبك، وذهب خاتمك، فإن المسند [فيه] ليس فعلاً ولا مضمنا معناه. «تام» احترازاً من الناقص، نحو (كان)، فليس المرفوع بها فاعلاً، وتسمية سيبويه له بذلك من باب التوسع «مقدم» قالوا: احترازاً من نحو: زيد قام، أو زيد قائم، فإن (زيداً) في المثالين أسند فعل أو مضمن معناه، ولكن المسند غير مقدم عليه، فلا يكون فاعلاً. قلت: وفيه نظر: أما أولاً فلا نسلم أن الفعل وما ضمن معناه مسند إلى زيد فيما مثل به، بل الفعل مسند إلى ضمير مستتر فيه، وهو وضميره جميعاً مسندان إلى زيد، إلا أنه اتفق أن الضمير هو زيد، فتوهم أنه وارد، وليس بوارد لأن هذه دلالة عقلية، والتعريف إنما هو باعتبار الدلالة اللغوية، وكذا القول فيما ضمن معنى الفعل،

فإذن لا حاجة إلى القيد، والقول بأنه ذكر لرفع إيهام من يتوهم دخول مثل ذلك كلام ظاهري. وأما ثانياً فقد نص الأعلم وابن عصفور في قول الشاعر: صددت فأطولت الصدود، وقلّما وصال على طول الصدود يدوم

على رفع (وصال) بـ (يدوم) وقدم للضرورة، وهو ظاهر كلام سيبويه، فقد تحقق تقدم الفاعل على رافعه في الجملة، فيلزم من زيادة هذا القيد خروج بعض صور الفاعل، فلا يكون الحد منعكساً، ولا يجدي قولهم: (قدم للضرورة) نفعاً «فارغ» من ضمير. قال المصنف [رحمه الله]: خرج بذلك المبتدأ إذا قدم خبره وفيه ضمير، نحو: قائم زيد {وأسروا النجوى الذين ظلموا} على القول بأن (الذين) مبتدأ، و (أسروا) خبره. وأنت خبير بأن هذا القيد لاغ؛ لأن المقدم لم يسند إلى الظاهر، وإنما أسند إلى ضميره، فخرج بقوله أولاً: (المسند إليه فعل أو مضمن معناه). «غير مصوغ للمفعول» فخرج النائب عن الفاعل، نحو: ضرب اللص، وأمضروب العمران؟ . وأكثر النحاة لايسميه فاعلاً، ومن يسميه فاعلاً يحذف هذا القيد كالزمخشري، والخلاف في ذلك راجع إلى أنه هل يقال: - له

في اصطلاح النحاة- (فاعل) أولا؟ ، وليس خلافاً معنوياً. «وهو مرفوع بالمسند حقيقة إن خلا من (من) و (الباء) الزائدتين» نحو: قام زيد، وأقائم بكر؟ . «وحكماً إن جرّ بأحدهما» نحو: ما قام من رجل {وكفى بالله شهيدا}. «أو» جر «بإضافة المسند» نحو: {ولولا دفع الله الناس}، (من قبلة الرجل امرأته الوضوء) «وليس رافعه الإسناد، خلافاً لخلف» ولابن جني، فإنه قال في لمعه: وحقيقة رفعه بإسناد الفعل إليه. وقد يوجه هذا القول بأن العامل هو ما به يتقوم المعنى المقتضي للإعراب، وهو هنا الفاعلية، وهي تتقوم بالإسناد، فليكن العامل في الفاعل عملاً بهذه القاعدة. ويعترض بأنا لا نسلم أن مجرد الإسناد تتقوم به الفاعلية، وإنما تتقوم به مع الفعل المسند أو شبهه، فله مدخل في التقوم، ولا استقلال له [به]

فإن قلت: فليزم- حيئذ- أن لا يكون الفعل أو شبهه عاملاً؛ ضرورة أن الفاعلية لا تتقوم به وحده؛ إذ لابد أن ينضم إلى ذلك اعتبار الإسناد. قلت: الإسناد يعتبر شرطاً للفعل أو شبهه في تقوم الفاعلية به، فلا يضاف العمل إلى الإسناد الذي هو شرط، وإنما يضاف إلى الفعل أو شبهه الذي هو مشروط. فإن قلت: يمكن أن/ يعارض بمثله، فيقال: الإسناد تتقوم به الفاعلية بشرط وجود فعل أو شبهه، فليضف العمل إلى الإسناد الذي هو مشروط. قلت الفرق ظاهر، وذلك أن الإسناد أمر معنوي اعتباري، فلا يصار إليه لضعفه إلا عند تعذر جعل اللفظ عاملاً [بما استقر في هذا الفن، وقد أمكن جعله عاملاً] بالطريقة التي ذكرناها، فوجب المصير إليه، دون الآخر. وبقى على المصنف [رحمه الله] أن يقول: (ولا إحداث الفعل، خلافاً لبعض الكوفيين)، فقد قال بذلك جماعة منهم، وأجابوا عن: تحركت الشجرة، و (أهلكنا الدهر) و (مرض زيد)، بأنه لما صدر من الشجرة ما يشبه حركة المتحرك بالإرادة، وجعل الدهر قائماً مقام المهلك، وتعاطي زيد أسباب المرض، جعلوا كأنهم فاعلون. «وإن قدّم» المسند إليه «ولم [يل] ما يطلب الفعل» نحو: زيد قام،

فإن (زيداً) قدم ولم يل شيئاً طالباً للفعل. «فهو مبتدأ» وما بعده خبر عنه، كما رأيت في المثال المذكور. «وإن [وليه» أي]» ولي المسند إليه ما يطلب الفعل على جهة اللزوم كـ (إن) الشرطية، نحو: {وإن أحد من المشركين استجارك} وكان هذا مراد المصف «ففاعل فعل مضمر يفسره الظاهر» والتقدير: وإن استجارك [أحد]. وقد يلي الاسم ما يطلب بالفعل على جهة الأولوية، كهمزة الاستفهام، نحو: أزيد قام؟ فلا يتعين جعل (زيد) فاعلاً، بل يكون أولى، ويجوز جعله مبتدأ. «خلافاً لمن خالف». في المسألتين، والمخالف في الأولى بعض الكوفيين، فجوزوا: - في (زيد قام) - أن يكون فاعلاً مقدماً. والمخالف في الثانية الأخفش فجوز: - في (إن زيد قام) رفع (زيد) بالابتداء، بعد (إن) قال: والرفع بفعل [مضمر] أقيس الوجهين. «ويلحق» الفعل الماضي «المسند إلى مؤنث» حقيقي نحو: قامت هند، أو مجازي نحو: طلعت الشمس. «أو» إلى «مؤول به» أي بمؤنث نحو قول بعضهم: ( .... أتته كتابي فاحتقرها). ويحكي أنه أنكر على قائله، فقال. أو ليس الكتاب بصحيفة؟ . وهذا قليل، والأعرف في مثله التذكير. «أو مخبر [به] عنه» يعني أو كان الفعل مسنداً إلى لفظ مخبر عنه بمؤنث، نحو: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا}.

قال الزمخشري: إنما أنث الفعل، لأن الخبر مؤنث، فسري التأنيث منه إلى المخبر عنه، مثل: كانت أمك؟ . وقال أبو حيان: إنما أنث [اسم] (كان) على معنى (من) لا لتأنيث الخبر [كما ذكر]. واعتراضه بذلك غير متجه؛ لأنه إنما كان معنى [من] التأنيث للإخبار عنها بمؤنث، وهو (أمك)، فتأنيث الخبر سبب [لتأنيث] من وتأنيث (من) سبب لتأنيث الضمير، فتأنيث الخبر سبب السبب. قيل: وتأنيث الفعل في هذا القسم- وهو ما أسند إلى مخبر عنه بمؤنث- مذهب كوفي، ولا يجيزه البصريون إلا في الضرورة. «أو» إلى [اسم] «مضاف إليه» أي إلى مؤنث. و (إليه) في محل نصب وفي (مضاف) ضمير نائب عن الفاعل عائد إلى الموصوف المقدر، أي: إلى اسم مضاف «مقدر الحذف» كقوله: مشبن كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مرّ الرياح النواسم

فـ (تسفهت) مسند إلى (مرّ). وهو مضاف إلى مؤنث، وهو (الرياح)، وهذا المضاف مقدر الحذف، فكأن الفعل أسند إلى المضاف إليه المؤنث، وهو (الرياح)، فمن ثم أنث الفعل. ومعنى تقدير الحذف أن استقامة الكلام بترك المضاف متأتية، ألا ترى إلى صحة قولك هنا: الرياح أعاليها؟ ، وكذا قوله: وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم

فلو قدرت حذف المضاف الذي هو (صدر) استقام الكلام، فكأنك قلت: كما شرقت القناة من الدم. واجترز المصنف بهذا القيد من نحو قولك: قام غلام هند، فلا يصح أن يقال فيه: قامت؛ لأن المضاف هنا غير مقدر الحذف «تاء ساكنة» برفع (تاء) على أنه فاعل للفعل المتقدم، وهو قوله: (ويلحق)، و (ساكنة) صفته، وإنما فعلوا هذا الإلحاق للإيذان من أول الأمر بتأنيث الفاعل. «ولا تحذف غالباً إن كان» الفاعل «ضميراً متصلاً مطلقاً» أي: سواء كان حقيقي التأنيث، نحو: هند قامت، أو مجازي التأنيث/ نحو: الشمس

طلعت. واستظهر بقوله (غالباً) على حذف التاء من [نحو] قوله: فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها

وقوله: فإما تريني ولي لمة فإن الحوادث أودى بها وقوله: إن السماحة والمرؤة ضمنا قبراً بمرو على الطريق الواضح

«أو» [إن] كان الفاعل «ظاهراً متصلاً» بالفعل لا يفصل بينهما شيء «حقيقي التأنيث» نحو: قامت هند «غير» جمع «مكسر» نحو: الجواري والهنود. «ولا اسم جمع» كقوم. و «لا» اسم «جنس». قال المصنف: كنسوة ونعم المرأة، في لغة من لايقول: [قال] فلانة، فيجوز في جميع ذلك لحاق التاء وتركها. وتمثيله لاسم الجنس بالنسوة غير جيد؛ لأنه اسم جمع كالقوم، وأما المرأة فهو اسم جنس، بمعنى أنه يراد به الجنس، ولكن ذكره مع اسم الجمع يوهم أن المراد باب تمر ونخل؛ لأنه الذي يذكر في صحبته في الصرف. «ولحاقها» أي: لحاق التاء «مع» المؤنث «الحقيقي المقيد» بما تقدم من كونه ظاهراً غير مكسرّ ولا اسم جمع ولا جنس «المفصول بغير (إلا») نحو: قامت اليوم هند. «أجود» من تركها، نحو: قام اليوم هند. «وإن فصل بها» أي: بـ (إلا) «فبالعكس» أي: يكون تركها نحو: ما قام إلا هند، أجود من لحاقها كقوله:

ما برئت من ريبة وذم في حربنا إلا بنات العم وفي كل من المسألتين خلاف: فقال المبرد: لا يجوز مع الفصل بغير (إلا) غير [التأنيث وقال غير الأخفش من البصريين: لايجوز مع الفصل بـ (إلا) غير] التذكير. والصحيح جواز التذكير [في الأول] والتأنيث في الثاني قليلاً فيهما، وعبارة المصنف تقتضي الجودة فيهما، وليس [كذلك]. واحترز بقوله: (مع الحقيقي المقيد المفصول ... ) إلى آخره مما إذا كان الظاهر غير حقيقي التأنيث نحو: طلع اليوم الشمس، فترك العلامة أحسن؛ إظهاراً لفضل الحقيقي على غيره، سواء كان بـ (إلا) أو بغيرها، نحو: {فمن جاءه موعظة من ربه}. وسئلت بـ (كنباية) عن قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدارالآخرة}، كيف جاء على غير الحسن. فقلت: يجوز أن يكون في (كانت) ضمير القصة، والجملة الواقعة بعد ذلك مبتدأ وخبر في محل نصب على أنها خبر (كان)، فلا يرد هذا على تسليم ما قالوه من أحسنية ترك العلامة في الصورة المذكورة، والذي يظهر لي خلاف ذلك، فإن الكتاب العزيز

قد كثر فيه الإتيان بالعلامة عند الإسناد إلى ظاهر غير الحقيقي كثرة فاشية، فوقع فيه من ذلك ما ينيف على مائتي كقوله تعالى: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا}، [وقوله]: {وضربت عليهم الذلة والمسكنة}، وقوله: {[الذين] إذا أصبتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه رجعون}، [وقوله]: {وتقطعت بهم الأسباب} إلى غير ذلك، ووقع فيه مما تركت فيه العلامة [في الصورة المذكورة] نحو خمسين موضعاً، وأكثر أحد الاستعمالين دليل [على] أرجحيته، فينبغي المصير إلى القول بأن الإتيان بالعلامة في ذلك أحسن، فتأمله. «وحكمها» أي: حكم التاء «مع جمع التكسير» كالرجال، «وشبهه» والمراد به اسم الجمع كنسوة، «وجمع المذكر بالألف والتاء» العاقل وغيره كطلحات دريهمات. «حكمها مع الواحد المجازي التأنيث» فلك إلحاق العلامة وتركها مع كل واحد من هذه الثلاثة، تقول: قامت الرجال، وقام الرجال، وجاءت النسوة، وجاء النسوة، وذهبت الطلحات، وذهب الطلحات، وكسدت الدريهمات، وكسد الدريهمات، كما تقول: طلعت الشمس، طلع الشمس، لكن أنت هنا بالخيار في الإثبات والحذف على حد سواء، و [أما] مع هذه الأمور الثلاثة

فالحذف أحسن لكون تأنيثها بالتأويل. وهو كون كل منها جماعة، ولم يعتبر التأنيث الحقيقي الذي كان في الفرد، نحو: قال النسوة؛ لأن المجاز الطارئ أزال الحكم الحقيقي في (رجال)، وإذا كان اتجهت المناقشة على المصنف فيما يقتضيه ظاهر عبارته من التساوي. «وحكمها» أي [حكم] التاء «مع جمع التصحيح غير المذكور/ آنقا» وهوما جمع بالواو والنون نحو: الزيدون، وما جمع بالألف والتاء من المؤنث نحو الهندات «حكمها مع واحده» فتقول: قام الزيدون بترك العلامة، كما تقول في واحده: قام زيد، بتركها، وتقول: قامت الهندات بإثبات العلامة، كما تقول في واحده: قامت هند، بإثباتها، وهذا الذي ذكره المصنف مذهب البصريين في المسألة، وأجاز الكوفيون تجريد الفعل مع جمع المؤنث بالألف والتاء كالتكسير، فيذكر على معنى الجمع ويؤنث على معنى الجماعة، واختاره الفارسي، واستدلوا بالآية: {إذا جاءكم المؤمنت}، وبقول الشاعر:

عشية قام النائحات وشققت جيبوب بأيدي مأتم وخدود والجواب عن الآية: أن حذف التاء فيها اللفصل بالمفعول، عن البيت بأنه على تقدير موصوف محذوف، أي النسوة النائحات، فروعي حال المحذوف. ويرد على المصنف نحو: نزلت [الوابلون]، فإن هذا من جمع التصحيح غير المذكور آنفاً، مع أن حكمه ليس حكم واحده؛ إذ حكمه جواز لحاق العلامة وحك واحدة امتناع لحاقها، فتأمله. «وحكمها» أي: حكم التاء «مع البنين والبنات حكمها مع الأنباء والإماء» فيجوز: قام البنون، كما تقول: قام الأنباء، وقامت

الأنباء، قال الشاعر: قالت بنو عامر: خالوا بني أسد يابؤس للجهل ضراراً لأقوام وتقول: قام البنات وقامت البنات، كما تقول: قام الإماء وقامت الإماء، قال: فبكى بناتي شأنهن وزوجتي والظاعنون إلى ثم تصدعوا

وذلك لأن لفظ الواحد فيهما قد تغير فألحقا بجمع التكسير. وإنما ذكر المصنف حكمها دفعاً لوهم من يتوهم أنهما جمعا تصحيح فيحكم للبنين بحكم الزيدين، والبنات بحكم الهندات وإلا فحكمها قد مر. «ويساويها» أي: يساوي تاء التأنيث الساكنة «في اللزوم وعدمه تاء مضارع الغائبة» فحيث تقول: (قامت) لزوماً [تقول]: (تقوم) بالفوقية لزوماً، نحو: تقوم هند، وحيث انتفى لزوم تاء التأنيث المذكور انتفى هنا لزوم تاء المضارع، فتقول: تطلع الشمس، ويطلع الشمس، بالفوقية والتحتية، وتقوم اليوم هند، [ويقوم اليوم هند] بهما جميعاً، ونظير: .......................... ولا [أرض] أبقل إبقالها

في المضارع، قوله: وهل يرجع السليم أو يكشف العمى ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع فإن أحد الفعلين مسند إلى (ثلاث) والأخر إلى ضميرها، والرواية فيهما بالياء التحتية. وكان الأولى للمصنف [أن] لو قال: (ويساويها في اللحاق وعدمه). على التفصيل المتقدم، أو (ويساويها فيما ذكر)، وإلا فعبارته لا تقتضي المساواة في رتبة الجواز. ثم الأولى أيضاً أن لو قال: (تاء المضارع)، فإن من جملة ما يشمله ذلك نحو:

تقوم الهندات، ولاتحسن فيه تاء مضارع الغائبة؛ لأن الفعل للغائبات، وأيضاً فإنه يقال: ما تقوم إلا أنتن، [كما يقال: ما قامت إلا أنتن]، وليست التاء في: (ما تقوم) للغيبة؛ إذ ليس ثم تاء للغيبة ألبتة، فالتاء في ذلك للتأنيث لا للخطاب، بدليل الماضي، والمخاطب لا يقال له: غائب. «ونون التأنيث الحرفية» نحو: خرجن أو يخرجن الهندات، وسيأتي ذكرها، وهذه أعم من العلامتين السابقتين من جهة أنها تكون للماضي والمضارع، بخلاف تينك لاختصاص التاء المختوم بها بالماضي، والمبدؤبها بالمضارع، وأخص منها من جهة أنهما تكونان علامتين لتانيث الواحد والاثنين وما فوقهما وهي خاصة بما فوق الاثنين، فعلى هذا يقال: قمن الهندات، بالنون وجوباً، وقمن الهنود، بالنون جوازاً، وقمن اليوم الهندات، كذلك، وما قام [إلا] الهندات، خير من: ما قمن إلا الهندات. «وقد تلحق الفعل المسند إلى ما لبيس مفرداً» وهو المثنى والمجموع «من ظاهر» نحو: قاما أخواك، وقاموا أخوتك، وقمن الهندات. «أو ضمير

منفصل» نحو: ما قاما إلا هما، وما قاموا إلا هم، وما قمن إلا هن. «ألف وواو الجمع ونون/ التأنيث الحرفية» كما مثلنا، وهذه اللغة تسميها النحاة: (لغة أكلوني البراغيث). والمعول عليه أن الألف ولواو والنون عند أصحاب هذه؟ ؟ ؟ ؟ حروف دالة على التثنية والجمع؛ لنقل أئمة العربية أنها لغة قوم من العرب مخصوصين. فإن قلت: كيف قال المصنف: (وقد تلحق) فأشعر بالتقليل والغرض أن هذا عند أرباب هذه اللغة كثير شائع، بل هو أمر ملتزم قلنا إنما قال ذلك بالنسبة إلى لغة الأكثرين. ولو أسقط المصنف [لفظ] الفعل وقال: (المسند) لكان أولى؛ ليدخل نحو: (أو مخرجي هم). وينبغي أن يكون أصحاب هذه اللغة يتركون العلامة إذ قالوا: قام اليوم أخواك جوازاً، وإذا قالوا: ماقام إلا أخواك وجوباً، كما يفعلون هم وغيرهم في علامة المؤنث الحقيقي، وإذا قيل: قام زيد وعمرو، فينبغي لحاقها [عندهم]

كقوله: ................... وقد أسلماه مبعد وحميم فإن عطفت بـ (أو) فقلت: قام زيد أو عمرو، فينبغي امتناع إثبات العلامة؛ لأن الفاعل واحد لا اثنان، غاية ما فيه أن ذلك الواحد غير معين. فإن قلت: قام أخواك أو غلامات، فينبغي أن تلحق لأن الفاعل اثنان قطعاً، وإنما فقد التعيين، فإن قلت: قام أخوك، أو غلاماك، أو قام غلامات أو أخوكُ فينبغي أن [لا] تلحق؛ لأنه لم يتحقق كون الفاعل اثنين، والأولى أولى بالمنع لأنك قدمت المفرد.

وأما قول بعضهم: إن قوله تعالى: {إما يبلغان عندك الكبر أحدهما أو كلاهما}، بتشديد نون (يبلغان) ي قراءة حمزة والكسائي جاء على هذه اللغة فقول مشكل، بل الظاهر أن الألف ضمير، وأن (أحدهما) بدل بعض، وأن (كلاهما) بتقدير: أو يبلغه كلاهما، أو التقدير: يبلغه أحدهما أو كلاهما، وعليهما فالألف عائدة على الوالدين [في] {وبالولدين إحسنا} لا على ما بعدهما، وليس لك أن تقول (أحدهما) بدل بعض، و (كلاهما) بدل كل، وأنه يجوز: أعجبني زيد وجهه وأخوك؛ لأن بدل الكل تقرير للمبدل منه، وإيذان بأنه على ظاهره وحقيقته، وبدل البعض تخصيص لبعض ما تناوله اللفظ، وإعلام بأن الأول ليس مراداً به ظاهره، ففي الجمع بينهما تدافع ظاهر. وإذا قال أرباب هذه اللغة: قاما وقعدا أخواك، وأعملوا أحدهما، فإنهم يضمرون في الآخر ضمير اثنين، فيتصل بكل من الفعلين ألف، ولكنهما في أحدهما ضمير وفي الآخر علامة. واعلم أن المصنف رحمه الله [تعالى] يعبر عن هذه اللغة بـ (لغة يتعاقبون فيكم

ملائكة)، يريد ما رواه [الإمام] مالك رحمه الله تعالى في الموطأ، من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار). [الحديث]. وقد أكثر المصنف [رحمه الله تعالى] من الاستدلال بالأحاديث النبوية على إثبات الأحكام النحوية، وشنع أبو حيان عليه، وقال: إن ما استند إليه من ذلك لا يتم له؛ لتطرق احتمال الرواية بالمعنى إلى ما يستدل به من تلك الأحاديث، فلا يوثق بأن ذلك المحتج به لفظه عليه الصلاة والسلام حتى تقوم به الحجة، وقد أجريت ذلك لبعض شيوخنا فصوب رأي ابن مالك فيما فعله من ذلك بناءً على أن اليقين ليس بمطلوب في هذا الباب، وإنما المطلوب غلبة الظن الذي هو مناط الأحكام الشرعية، وكذا ما يتوقف عليه من نقل مفردات الألفاظ وقوانين الإعراب، فالظن في ذلك كله كافٍ، ولا يخفي أنه يغلب على الظن أن ذلك المنقول المحتج به لم يبدل؛ لأن الأصل عدم التبديل، لاسيما والتشديد في الضيط والتحرّي في نقل الأحاديث شائع بين النقلة والمحدّثين، ومن يقول منهم بجواز النقل بالمعنى

إنما هو عنده بمعنى التجويز العقلي الذي لا ينافي وقوع نقيضيه؛ فلذلك تراهم يتحرّون في الضبط ويتشددون مع قولهم بجواز النقل بالمعنى، فيغلب على الظن من هذا كله أنها لم تبدل، ويكون احتمال التبديل فيها مرجوحا فيلغي، ولا يقدح في صحة/ الاستدلال [بها]، ثم [إن] الخلاف في جواز النقل بالمعنى إنما هو فيما لم يدوّن في الكتب، وأماما دُوّن وجعل في بطون الكتب فلا يجوز تبديل ألفاظه من غير خلاف بينهم في ذلك. قال ابن الصلاح بعد أن ذكر اختلافهم في نقل الحديث بالمعنى- إن هذا الخلاف لا نراه جارياً، ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب، فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت فيه [بدله] لفظاً آخر بمعناه،

فإن الرواية بالمعنى رخص [فيها] من رخص لما كان عليهم في ضيط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والتعب، وذلك مفقود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب. انتهى كلام ابن الصلاح. وتدوين الأحاديث والأخبار، بل وكثير المرويات وقع في الصدر الأول قبل فساد اللغة العربية حين كان كلام أولئك المبدلين- على تقدير تبديلهم- يسوغ الاحتجاج به، وغايته يومئذ تبديل لفظ يصح الاحتجاج به بلفظ يصح الاحتجاج به، فلا فرق بين الجميع في صحة الاستدلال، ثم دُوّن ذلك المبدل- على تقدير التبديل- ومنع من تغييره ونقله بالمعنى كما قال ابن صلاح، فبقى حجة في بابه صحيحة، ولا يضر توهم ذلك الاحتمال السابق في شيء [من] استدلالهم المتأخر، والله تعالى أعلم بالصواب. ويضمر جوازاً فعل الفاعل المشعر به ما قبله» كقوله: ..................... يكون مزاجها عسلا وماء فيمن رواه بنصب (عسلا) ورفع (ماء)، فإن التقدير- حينئذ-: وخالطها ماء،

وذلك مفهوم من قوله: (مزاحها)، مثل المصنف للمسألة، وتبعه الشارحون بقراءة شعبة: {يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال}، بفتح الباء، [أي] يسبحه رجال، وبقول الشاعر:

ليُبك يزيد ضارع لخصومة [ومختبط مما تطيح الطوائح قلت]: وفيه نظر؛ لأن ذلك داخل تحت قوله: - فيما يأتي- (أو استفهام)، فإن

النحاة قسموا الاستفهام الذي يجاب إلى محقق ومقدر، وهذا من قبيل المقدر. قال الشارح: وشرط المصنف في جواز مثل ذلك، أن لا يلتبس بالنائب عن الفاعل، فلوقيل: يوعظ في المسجد رجال-[على معنى: يعظ رجال- لم يجز، ولو قيل: يوعظ في المسجد رجال] زيد، جاز؛ لعدم اللبس. قال: وما ذهب إليه المصنف من جواز القياس على ذلك مذهب الجرمي وابن جني، فيجوز عندهم: أكل الطعام زيد، وشرب الماء عمر- يعني بالبناء للمفعول فيهما- والجمهور على عدم اقتياسه. وخرج صاحب البسيط الآية والبيت على حذف المبتدأ. أي: المسبح رجال، والباكي ضارع. وقيل: (يزيد) منادي و (ضارع) نائب الفاعل. «و» الفعل «المجاب به نفي»، نحو: بلى زيد، في جواب: لم يقم أحد. «أو استفهام» نحو: نعم زيد، في جواب: هل جاءك أحد؟ . قال الشارح: والمجاب به في ذلك مرفوع بفعل مقدر؛ لأنه جواب جملة قدم فيها الفعل، وحق الجواب أن يشاكل السؤال. قال المصنف: والحكم بالابتداء على المجاب به نفي أو استفهام غير ممتنع؛ لأن

مشاكلة الجواب للسؤال في اللفظ غير لازمة. بل قد يكتفي فيه بالمعنى، ومنه قراءة [غير] أبي عمرو: {سيقولون لله}، جوابا [لقوله]: {من رب السموات}، و {من بيده ملكوت [كل شيء]}. فإن كانت جملة الاستفهام مؤخراً فيها الفعل؛ فحق الجواب- من جهة القياس- أن يؤخر فيه الفعل، لتشاكل الجملتان، لولا أن الاستعمال بخلافه، فلا يجيء [فيه] مكملا إلا والفعل مقدم على الاسم، نحو: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم}، {يسئلونك مذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات}، {قال من يحيى العظم وهي رميم، قل يحيها الذي أنشأها أول مرة}، فينبغي إذا اقتصر في الجواب على الاسم أن يقدر الفعل مقدما، لأن المكمل أصل،

والمختصر فرع، فيسلك بالفرع سبيل الأصل؛ ولأن موافقة العرب- بتقدير تقديم الفعل- متيقنة، وموافقتهم- بتقدير تأخيره- مشكوك فيها، فلا عدول عن تقدير التقديم. انتهى. قلت: جعل تقدير الفعلية غير مشاكل للسؤال، وقد تقدم التنبيه على أنه مشاكل من/ جهة أن الاسمية الواقعة في السؤال فعلية في المعنى، من حيث أنه في معنى: أزيد قام؛ الذي هو جملة فعلية في التأويل، وكون السؤال اسمية إنما هو بحسب الظاهر. ثم قوله: (إن الجواب لا يحيء مكملاً إلا وهو فعلية) منقوض بقوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمت البر والبحر .... }، {قل الله ينجيكم منها ... }، وبذلك يتبين سقوط قوله: (إن موافقة العرب- بتقدير)

تأخر الفعل – مشكوك فيها). فإن قلت: فما السر في العدول في هذه الآية عن الجملة الفعلية التي هي مطابقة لـ[جملة] السؤال في المعنى؟ قلت: قصد الاختصاص هنا اقتضى تقديم المسند إليه. وكان ينبغي للمصنف أن يقول: (ووجوباً فعله بما بعده) نحو: {وإن أحد من المشركين استجارك}. «ولا يحذف الفاعل إلا مع رافعه الدلول عليه» نحو: بلى زايداً، في جواب: لا تكرم أحداً ممن أساء إليك، والكسائي يجيز حذف الفاعل لا مع الرافع له في باب التنازع وغيره، وقد أشار المصنف إلى وجه تأويل ما استدل به بقوله: «ويرفع توهم الحذف- إن خفي الفاعل- جعله مصدراً منوياً» كقوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعد مارأوا الأيات ليسجننه} ـ أي بدا لهم البداء، والأولى أن يقال: (ضمير مصدر الفعل المسند)، لأن الظاهر لا ينوي بل

يحذف؛ ولأن المصدر أعم من مصدر الفعل المسند وغيره، وإضمار مصدر الفعل أكثر وأقيس، فيخص أولاً بالذكر ثم يأتي قوله: - بعد هذا- «أو نحو ذلك». لأعم من مصدر فعل آخر أو غير ذلك مما ليس مصدراً، فهذا أحسن بلا شك، مثال ذلك: قام القوم خلا زيداً، فيجعل (خلا) محتملاً لضمير عائد: أما مصدر غير فعله، وهو مصدر الفعل المتقدم، أي: جانب قيامهم زيدا ً، وأما على القائم أو البعض المفهوم مما تقدم، أي: جانب القائم منهم أو بعضهم زيداً. قال المصنف: ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)، أي: لا يشرب الخمر شاربها.

الباب التاسع عشر «باب النائب عن الفاعل»

الباب التاسع عشر «باب النائب عن الفاعل» وبعضهم يترجم هذا بـ (باب المفعول الذي لم يسم فاعله)، ولا مشاحّة في لاصطلاح. «قد يترك الفاعل لغرض لفظي» كالإيجاز: نحو {ومن عاقب بمثل ما عوقب به}. وتصحيح الوزن كقوله: وما المال والأهلون إلا وديعة ... ولابد يوماً أن ترد الودائع

فإنه لو قال: أن يرد الموُدعون انكسر الوزن. وتناسب القوافي كالمثال المتقدم، فإن قوافي القصيدة كلها مرفوعة، ولو بنى الفعل للمعلوم في هذا البيت لكانت قافيته منصوبة. وتناسب الاسجاع نحو: (الحمدلله الذي توالت آلاؤه، وعُرفت نعماؤه). «أو» لغرض «معنوي» كالعلم بالفاعل نحو: {وخلق الإنسن ضعيفا}. وقال المصنف: وغيره: وكالجهل به نحو: ضرب زيد، إذا لم يُعرف من ضربه. قال ابن هشام: وفيه نظر، لأن الجهل به إنما يقتضي أن لا يصرح باسم الفاعل لا أن يحذف، كيف وكل فعل يجوز لك أن تسنده إلى اسم الفاعل المشتق من مصدره، مثل: {سأل سائل}، وسام سائم، وهذا لا يعوزك في وقت ما. قلت: حكى الشيخ بهاء الدين السبكي في شرح التلخيص: أنه رأي بخط والده الإمام تقي الدين السبكي رحمه الله

[تعالى] ما نصه: يقال: جاء شيء، لايقال جاء جاءٍ، وإن كان الجائي أخص من (شيء)؛ لأن (جاء) مسند، والمسند إليه الفاعل، ومعرفة المسند إليه سابقة على معرفة المسند، فمتى عرف المجيء فلايبقى في الإسناد فائدة، والشيء قد لا يعرف مجيؤه. قال: وما ذكره الوالد صحيح، ولا يرد عليه نحو: أتاني آت، ونحو: هريرة ودعها وإن لام لائم .......................................... فإن التنكير في ذلك لمعنىً خاص، وكلامنا إنما هو في: (جاء جاءٍ) من غير إرادة

شيء خاص. انتهى. وعلى هذا يندفع النظر المذكور فتأمله. قال المصنف: ومن جملة الأغراض المعنوية التي يترك الفاعل لأجلها أن لا يتعلق مراد المتكلم بتعيينه، [نحو]: {وإذا/ حييتم [بتحية]}. وتعظيم الفاعل بصون اسمه عن مقارنة اسم المفعول، كقول صلى الله عليه وسلم: (من ابتلى بهذه القاذورات). وتعظيم المفعول [بصون اسمه] عن مقارنة اسم الفاعل نحو: طُعن عمر، والستر على الفاعل خوفاً منه أو عليه. وهذا في الحقيقة من وظيفة علم المعاني لا من وظيفة علم النحو. «فيتوب عنه» أي: عن الفاعل «جاريا مجراه في كل ماله» من الأحكام، كالرفع، ووجوب التأخير، وتنزله منزلة الجزء، وامتناع الحذف وغير ذلك، إلا أنه لا يجري مجراه في العامل؛ لأن نائب الفاعل لا يرتفع إلا بالفعل المصوغ للمفعول واسم المفعول، وفي ارتفاعه بالمصدر المؤول بالفعل وحرف مصدري خلاف، وفاعل (ينوب) قوله: «مفعول به» نحو: ضرب زيد ونيابته أمر مجمع عليه. «أو جار ومجرور» نحو: رضي عن زيد، وغضب على بكر، وقيده في شرح الكافية بأن لا يلزم الجار وجهاً واحداً، احتراازاً من (مد) و (رب)، والكاف،

ومما خص بقسم أو استثناء. وظاهر كلامه أن الجار والمجرور معاً في موضع رفع، والمعروف أن المحكوم له بذلك هو المجرور فقط، سواء كان الجار زائداً نحو: ما ضرُب من أحد، أو غير زائد نحو: سير بزيد، وحكى الشارح عن الفراء أن حروف الجر في موضع رفع. [قال]: وهو مبنى على قوله: إن الباء- في [نحو]: مررت بزيد- في موضع نصب. قلت: ولا يخفي أن هذا قول مرغوب عنه لا تقتضيه القواعد، فلا ينبغي الاشتغال بذكره. «أو مصدر لغير مجرد التوكيد» نحو: ضُرب عشرون ضربة، أو كل الضرب، ونحو {فمن عفى له من أخيه شيء}، لأن المراد شيء ما من العفو، كثيراً كان أو يسيراً، وليس هذا لمجرد التوكيد، وقد ترك المصنف أن يشترط التصرف في المصدر ليخرج نحو: {سبحان الله}، واشترطه في الظرف، ولا فرق بينهما. وإنما اشترط أن يكون لغير مجرد التوكيد؛ لأن النائب عن الفاعل يجب أن يكون مثله في إفادة مالم بفده الفعل حتى يتبين احتياج الفعل إليه، فلو قلت: ضُرب ضرب، لم يجز؛ لأن (ضُرب) مستغن بدلالته على الضرب عن قولك: (ضَرُبّ). «ملفوظ به» نحو: سير سير طويل. «أو مدلول عليه بغير العامل» فيه مع كونه

غير ملفوظ به نحو: قمت فاستُحسن، فالنائب عن الفاعل ضمير مصدر مستكن [في استحسن] دل عليه بغير العامل فيه، وهو (قمت) من حيث هو متضمن للقيام، و (قمت) غير عامل في هذا النائب [قطعاً]، وإنما العامل فيه (استحسن) «أو ظرف» زماني أو مكاني «مختص» بوصف أو غيره، تقول: سير وقت طيب، وجلس مكان بعيد، ولا يقال سير وقت، ولا جلس مكان؛ لأنه غير مختص. «متصرف» من جهة كونه غير ملازم للظرفية، واحترز بذلك من ملازم الظرفية، فيكون غير متصرف، فخرج بذلك [نحو]: حلس ثم، وقعد عندك. «وفي نيابته» أي: نيابة الظرف «غير متصرف أو غير ملفوظ به خلاف». والمخالف في المسألة الأولى هو الأخفش، أجاز نيابة الظرف غير المتصرف عن الفاعل مع بقائه على النصب، فيحوز عنده: جُلس عندك، وجلس بعيدات [بين]. فإن قلت: لم يحكوا خلافه في المصدر غير المتصرف، وحقه أن يجيزه فيه فيقدر في: {سبحان الله} كون عامله المحذوف مبنياً للمجهول قلت: المصدر الذي لا يتصرف لا يكون إلا محذوف العامل، ولا يكون إلا

إنشائياً فلا تظهر فائدة لتقدير فعل المجهول، بل لا يصح ألبتة؛ لأن أفعال الإنشاء لا تكون إلا مسندة إلى الفاعل الذي هو ضمير المتكلم. والمخالف في المسألة الثانية ابن السراج، أجاز أَن يقال: جُلس، يريد جلس هو أي مكان. وينبغي أن يقيد محل الخلاف في نيابة الظرف المنوي بمثل هذه الصورة التي ذكرناها، فأما إذا قيل، أجلس أحد اليوم في المسجد الجامع؟ فقلت: جلس، تريد [جلس] ذلك المكان المتقدم ذكره، فلا يتوقف في جوازه أحد، ويكون محل الخلاف أن تقول: (جلس) من غير تقدم ذكر مكان كما في مسألة المصدر المختلف فيها التي ترك المصنف ذكرها، وهي مشهورة، فإن بعض النحاة/ أجاز: (ضُرب)، على أن يكون النائب ضمير المصدر، وبعضهم يمنعه لعدم الفائدة كما مر ومحل الخلاف فيها، فينبغي أن يكون مقيداً بما إذا لم يأت بعد ضمير المصدر [مخصص له كقوله]. وقالت: متى يبخل عليك ويعتلل ... يسؤك وإن يكشف غرامك تدرب

المراد: [متى] يعتلل هو، [أي] اعتلال، [والتقدير اعتلال] عليك، فحذف (عليك) [المصححة] لنيابة الضمير المستتر لوجود الدال عليها. «ولا تمنع نيابة المنصوب بسقوط الجار مع وجود المنصوب بنفس الفعل» فيجوز قولك: اختير الرجال زيداً، كما يجوز [قولك]: اختير زيد الرجال. فـ (الرجال) منصوب على إسقاط الجار و (زيد) منصوب بنفس الفعل، والأصل: اخترت زيداً من الرجال، ثم حذف الجار، وقيل: اخترت زيداً الرجال، فلا يمتنع أن تنيب المنصوب بسقوط الجار مع المنصوب بنفس الفعل. وكان ينبغي للمصنف أن يقول هنا: (خلافاً لأكثرهم)، فإن الجمهور على منع المسألة. فإن قلت: لا حاجة إلى ذلك؛ لأنه سيقول: بعد المسألة الثانية الآتية- (وفاقاً للأخفش والكوفيين)، وهو راجع إلى المسألتين جميعاً، فيشعر ذلك بأن من عداهم

من النحويين قائل بالمنع. قلت: الظاهر أنه إنما يريد بالوفاق المسألة الثانية فقط، ولولا ذلك لقال: (في المسألتين) كما هو دأبه كثيراً على ما يشهد به استقراء طريقته في هذا الكتاب. وحينئذ فيوهم كلامه أن الأولى- وهي مسألتنا التي نتكلم فيها عارية عن الخلاف، وليس كذلك، بل المنقول فيها الجواز عن الفراء، والمنع عن الجمهور، وهذا مما يقتضي التوقف في جعل الوفاق راجعاً إلى المسألتين جميعاً، فإنه لم يتحقق أن الكوفيين جميعاً يقولون بجواز الأولى، وإنما الجواز منقول عن الفراء [منهم] كما ذكرنا. «ولا» يمنع أيضاً «نيابة غير المفعول به، وهو موجود، وفاقاً للأخفش والكوفيين» فيجوز- في مثل: ضربت زيداً يوم الجمعة- أن تنيب الظرف فترفعه، وتترك المفعول على حاله من النصب، فتقول: ضرب يومُ الجمعة زيداً. واختار المصنف هذا القول استدلالاً بالقراءة الشاذة [في] {ليجزي قوما بما كانوا يكسبون}، ببناء (يجزي) للمفعول، ونصب (قوما)، وفي {لولا

نزل عليه القراءن [جملة]} بالنصب وبقول الشاعر: ولو ولدت قُفيرة جرو كلب لسُبَّ بذلك الجرو الكلابا وبأبيات أخر، والكل متأول عند المانعين، ومن التأويلات ما هو قريب، ومنها ما هو بعيد. ولم يتعرض المصنف لمسألة ما إذا عدم المفعول به، وفيها خلاف: قال الجزولي: يتساوي مراتب البواقي في الجواز، واختار ابن عصفور إقامة المصدر، وابن معطٍ إقامة المجرور، وأبو حيان إقامة ظرف المكان؛ لأنه أقرب إلى المفعول به؛ لأن دلالة الفعل عليه بالالتزام، بخلاف المصدر والزمان. «ولا تمتنع نيابة غير الأول من المفعولات مطلقاً» وهذا يشمل الثاني

من باب (ظن)، والثاني والثالث من باب (أعلم)، والثاني من باب (أعطى). «أن أُمن اللّبس» نحو: أعطيت زيداً [درهما. فلك هنا أن تقييم الثاني لأمن اللبس، بخلاف نحو: أعطيت زيداً] عمراً، فهنا لا يقام الثاني لوجود اللبس. «ولم يكن» غير الأول «جملة» فيما يتصور [فيه] وقوعه كذلك، كثاني (ظن)، وثالث (أعلم). «أو شبهها» والمراد به الظرف والجار والمجرور «خلافاً لمن أطلق المنع في باب (ظن) وأعلم») فمنع إقامة الثاني من نحو: قولك ظننت زيداً قائما، والثالث نحو: [قولك]: أعلمت زيداً عمراً منطلقاً قالوا: لأنه مسند إلى المفعول الأول في باب (ظن) وإلى المفعول الثاني في باب (أعلم)، فلو أقيم مقام الفاعل- والفاعل مسند، إليه- صار في حالة واحدة مسنداً ومسنداً إليه، فلا يجوز. قال الرضي: وفيما قالوا نظر؛ لأن كون الشيء مسنداً إلى شيء ومسنداً إليه شيء [آخر] في حالة واحدة لا يضر، كما في قولنا: أعجبني ضرب زيد عمراً، فـ (أعجب) مسند إلى (ضرب)، و (ضرب) مسند إلى (زيد)، ولو كان لفظ مسنداً إلى شيء أسند [أي] ذلك الشيء إلى ذلك اللفظ بعينه لم يجز/، وهذا كما يكون الشيء مضافاً ومضافاً إليه بالنسبة إلى شيئين، كـ (غلام) في قولك: فرس غلام زيد. على أن كلام المصنف يقتضي أن من الناس من خالف في إقامة الثاني من باب

(أعلم)، ولا ضَير فما يقتضيه من ذلك، فإن ابن عصفور والأبّديّ والجزولي زعموا أنه في باب (أعلم) لا يجوز إقامة غير الأول؛ لأنه المفعول الصحيح، وأما الثاني والثالث فشبيهان بمفعولي (أعطى)، وإذا اجتمع المفعول به (مع غيره وجب إقامة المفعول به). وأنت خبير بأن كلام المصنف يقتضي أيضاً تجريد الثاني من باب (أعطى) عن الخلاف؛ لأنه قال: (خلافاً لمن أطلق المنع في باب (ظن) و (أعلم)، فاقتضى بطريق المفهوم أن باب (أعطى) لا خلاف فيه أنه يجوز إقامة الثاني إذا أمن اللبس، وقد صرح بهذا المفهوم في شرح هذا الكتاب وفي غير ذلك من كتبه، وليس كما قال، فإن الخلاف في المسألة مأثورة، وصرح به الشارح وغيره). «ولا ينوب خبر (كان) المفرد خلافاً للفراء» حكى السيرافي عنه في شرح الكتاب أنه أجاز- في كان زيد [أخاك- كين] أخوك، ويرد عليه [بثلاثة] أمور: احدهما: أنه لم يسمع. والثاني: أنه لا فائدة فيه. والثالث: أنه يستلزم وجود خبر عن غير مخبر عنه. وتوهم انتفاء المحذور بأن يقال: حذف للعلم به، كما حذف الفاعل في (أنزل المطر)، يندفع بأنه لابد من تقديره؛ ضرورة أنه لابد للخبر من مخبر عنه لفظاً أو تقديراً، وصيغة الفعل تأباه. «ولا مميز خلافاً للكسائي» فإنه أجاز- في (امتلأت الدار رجالاً» - أن يقال:

دليل على أن الرفع عن نصب على التشبيه بالمفعول به لا على التمييز، ويؤيد ذلك أن كون التمييز معرفة لم يثبت على الصحيح، ولمانع أن يمنع كون المثال الأخير- وهو الموقوف [أمره]- من هذا الباب. «ولا بجوز: كين يقام، ولاجعل يفعل، خلافاً له وللفراء». وفي شرح المصنف أنهما اختلفا في توجيه ذلك فالكسائي يخرّجه على أن في (يقام) ضمير المجهول، والفراء يخّرجه على الاستغناء عن المسند إليه. قلت: وهذا من الفراء مشكل؛ لأنه أنكر عل الكسائي في باب التنازع لما قال: [إنه إذا أعملنا الثاني حذفنا فاعل الأول. فقال: إن الفاعل لا يصح الاستغناء عنه. ولايقال] [إنما يقال]؛ ذلك، لأن الفعل هناك مبنى للفاعل، وأما هنا فـ (هو] مبني للمفعول؛ لأنا نقول: هو يقول ذلك أيضاً في [نحو] ضربا وقتل غلاماك.

«فصل»: في كيفية بناء الفعل لما لم يسم فاعله

«فصل»: في كيفية بناء الفعل لما لم يسم فاعله، وفي تذبيل ذلك بمسألتين من بابي المفعول والفاعل. «يضم مطقاً أول فعل النائب» أي: سواء كان ماضياً نحو: ضرب، أو مضارعاً نحو: يضرب. «و» يفعل ذلك «مع» ضم «ثانية إن كان ماضياً مريداً أوله تاء» نحو: تُعُلِّم وتُدُحرج وتُصُوّر وتُوُطن. «و» يضم أوله «مع ثالثه إن افتتح بهمزة وصل» نحو: انطُلق وإستُخرج. «ويحرك ما قبل الآخر لفظاً إن سلم من إعلال وإدغام وإلا» يسلم من ذلك «فتقديراً» أي: فيحرك تقديراً «بكسر» متعلق بقوله أولاً: (ويحرك) «إن كان الفعل ماضياً» نحو: ضُرب، فيكسر ما قبل آخره لفظاً، أما لو كان ذا إعلال نحو: باع، أو إدغال نحو: رُدَّ، فإنما يكسر تقديراً، فتقول: بيع، وأصله: بيع وتقول رُدّ، وأصله: رُدد، فالكسر مقدر لا ملفوظ به. قلت: وكذا يقدر كسر ما قبل الآخر إن كان الفعل مخففاً كقوله: لو عصر [منه] البان والمسك انعصر

«و» يحرك ما قبل الآخر «بفتح إن كان» الفعل «مضارعاً» لكن يلفظ بالفتح إن كان الفعل صحيحاً نحو: يضرب، ويقدر، إن كان ذا إعلال نحو، يقال ويباع، أو [كان] ذا إدغام نحو: يردّن فما قبل الآخر ساكن في القسمين لفظاً ومفتوح تقديراً. «وإن اعتلت عين الماضي ثلاثياً» نحو: قال وباع «أو عين انفعل» نحو: انقاد. «أو (افتعل») نحو: اخنار. «كُسِرَ ما قبلها» أي [ما] قبل العين «بإخلاص» نحو: قيل وبيع وانقيد واختير، وأصل/ (قيل) قُول فنقلت كسرة الواو استثقالاً إلى القاف بعد سلب حركتها، فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وأصل (بيع): بُيعَ، نقلت كسرة الياء استثقالاً إلى الياء بعد سلب حركتها، وأصل (انقيد): انقُود، و (اختير): اخُتيرَ، ففعل فيهما ما فعل في قيل وبيع. «أو إشمام ضم» والمراد بالإشمام هنا أن تشاب الكسرة شيئاً من صوت الضم، وقرأ بهذا الوجه من السبعة نافع وابن عامر والكسائي في {وغيض

[الماء]}. «وربما أخلص» تحريك ما قبل العين «ضماً» فإن كان العين واواً سلمت، نحو: قول وإن كان ياءً انقلبت واواً لانضمام ما قبلها نحو: بوع، وعليه قول الشاعر: ..................... ليت شبابا بوع فاشتريت وكلام المصنف يدل على جواز اللغات الثلاث في (انقاذ)، و (اختار)، وهو موافق لما نقله ابن عصفور والأبدي. قال الشارح: وزعم بعض المتأخرين أنه لايجوز في الزائد على ثلاثة إلا اللغة الأولى. «ويمنع الإخلاص عند خوف اللبس». أي: لبس المفعول بالفاعل، وإنما يعرض ذلك في بعض الأفعال الماضية عند إسنادها إلى تاء الضمير أو نونه

«وكسر فاء فُعل» المبنى للمفعول حالة كونه «ساكن العين لتخفيف» نحو: ضِرْب، بكسر الضاد وإسكان الراء. «أو إدغام» نحو: ردّ، بكسر الراء. «لغة» لبعض العرب كقوله: فما حِلّ من جهل حُبا حلمائنا ولا قائل المعروف فينا يعنف

قال الأخفش: سمعنا من ينشده، كذلك. وبعضهم لا يكسر الحاء. ولكن يشمها الكسر، كما يشم في (قيل) الضم. «وقد تشم فاء المدغم» كما حكيناه عن الأخفش نقلاً عن بعض العرب، وإليه أشار المصنف في الألفية بقوله: ................................ وما لـ (باع) قد يرى لنحو: (حبّ) «وشذ في (تُفوعِل تفِيِعل»). كما يقال في (تقوتل): (تقتيل)، وهو شاذ بلا شك. «وما تعلق بالفعل غير فاعل» بالنصب على أنه حال من الضمير في (تعلق) «أو مشبه به» أي: بالفاعل، وهو اسم (كان) وأخواتها. «أو نائب عنه» أي عن الفاعل «منصوب لفظاً» كالمصدر وظرف الزمان وظرف المكان والمفعول به وله ومعه والحال والتمييز والمستثنى حيث يكون منصوباً. «أو محلاً» كالمجرور بحرف زائد نحو: ما رأيت من أحد، أو غير ذلك نحو: مررت بزيد. «وربما رفع مفعول به ونصب فاعل لأمن اللبس». نحو: كسر الزجاُج الحجّر، وخرق الثوبُ المسمارّ، وهذه [هى] المسألة [المعروفة] بالقلب،

«فصل» فيما يعرض للفاعل وتائبه من وجوب البقاء على الأصل والخروج عنه.

وحكى النحاة فيها أقوالاً: أحدها: أن ذلك يجوز عند أمن اللبس في الضرورة والسعة. الثاني: أنه لا يجوز إلا للضرورة. الثالث: أنه لا يجوز إلا للضرورة وتضمن الكلام معنى يصح معه القلب. الرابع: أنه لايجوز في القرآن. ويجوز في غيره. وأما البيانيون ففي التلخيص أن السكاكي قبله مطلقاً، وأن غيره رده مطلقاً. قال صاحب التلخيص: والحق أنه إن تضمن اعتباراً لطيفاً قبل، وإلا فلا، والمسألة مشهورة فلا نطوّل بذكرها. «فصل» فيما يعرض للفاعل وتائبه من وجوب البقاء على الأصل والخروج عنه. «يجب وصل الفعل بمرفوعه» سواء كان فاعلاً أو نائباً عنه أو اسماً لـ (كان) أو إحدى أخواتها، فيجب أن يكون المرفوع تالياً للفعل الرافع له بحيث لا يفصل بينهما فاصل، وهذا هو الأصل لتنزل المرفوع منزلة الجزء منه؛ ولذا سكن آخر الفعل [في] نحو: ضربْتُ، كراهة توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة،

ويجوز أن يفصل بينهما بالمنصوب ما لم يطرأ ما يوجب البقاء على [هذا] الأصل أو الخروج عنه، فيجب العمل بمقتضى هذا الأصل، وهو وصل الفعل بمرفوعه. «إن خيف التباسه» أي: التباس المرفوع «بالمنصوب» مفعولاً كان أو خبراً، وذلك بأن يكونا مقصورين أو اسمي إشارة أو موصولين أو مضافين إلى [ياء] المتكلم أو نحو ذلك مما لا يظهر فيه إعراب، ولا تقوم قرينة تميّز أحدهما من الآخر، نحو: ضرب موسى عيسى/ فيتعين في مثل هذه الصورة كون الأول فاعلاً والثاني مفعولاً، كذا قال ابن السراج. و [عليه] أكثر المتأخرين، وخالف في ذلك ابن الحاج، فجوز في كل من الاسمين أن يكون فاعلاً وأن يكون مفعولاً، قال: ولا يضر الإلباس، فقد يكون المتكلم بذلك قاصداً للإبهام لغرض فيلقي الكلام مجملاً، ولا مانع كلامه فإن كان ثم ما يؤمن معه الإلباس من قرينة معنوية نحو ولدت هذه هذه، تشير بالأولى إلى صغيرة، ونحو: أكل الكمثرى موسى. أو قرينة لفظية نحو: ضربت موسى سعدي، وضرب موسى العاقلُ عيسى، جاز التقديم

وفي كلامه مناقشة من حيث إن الضمير في مثل هذا محصور فيه، والمحصور إنما هو ما بين (ما) و (إلا)، أي: الضرب الواقع على زيد محصور في المتكلم. «وكذا الحكم عند غير الكسائي وابن الأنباري في نحو: ما ضرب عمروُ إلا زيداُ» حيث يكون المفعول واقعاً بعد (إلا)، فيجب تقديم الفاعل، لأنك لو أخرته فإما أن تؤخره وتقدم المفعول غير مقرون بـ (إلا) أو مقرون بها، فإن كان الأول بأن يجعل الفاعل واقعاً بعد (إلا)، والمفعول واقعاً قبلها، فتقول: ما ضرب زيداً إلا عمرو، انعكس المعنى؛ لأن الأول حصر مضر وبية عمرو في ريد خاصة، أي لا مضروب لعمرو سوى زيد خاصة، فلو قدر له مضروب آخر لم يستقم. ومعنى الثاني حصر ضاربية عمرو في زيد خاصة، أي لا ضارب لزيد سوى عمرو خاصة، فلو قدر له ضارب آخر لم يستقم. وإن كان الثاني بأن تؤخر الفاعل وتقدم المفعول مقروناً بـ (إلا)، فتقول: ما ضرب إلا زيداً عمرو، فإن أردت أن عمراً وزيداً مستثنيان معاً، والتقدير: ما ضرب أحداً أحد إلا زيداً عمرو، واختل أيضاً؛ لأن مضروبية زيد في أصل المسألة- أعني: ما ضرب عمرو إلا زيداً- كانت على الاحتمال، وبالتقدير المذكور الآن

صار المعنى: لا ضارب إلا عمرو، ولا مضروب إلا زيد، فصارت ضاربية هذا مقصورة على هذا ومضروبية هذا مقصورة على هذا. ثم فيه بعد هذا محذور آخر، وذلك أن استثناء شيئين بأداة واحدة بلا عطف غير جائز مطلقاً، كما ستعرفه في باب المستثنى، وإن أردت في أصل المسألة- أعنى: ما ضرب إلا زيداً عمرو- أنَّ تقدّمه معلوم معنىّ وليس بمستثنى، وأن المراد: ما ضرب عمرو إلا زيداً، فالمعنى لا ينعكس، ولا يلزم استثناء شيئين بأداة واحدة دون عطف، إلا أنه قد تقرر في [باب]- الاستثناء- كما سيأتي- أنه لا يعمل ما قبل (إلا) فيما بعدها إلا إن كان مستثنىً نحو: ما قام إلا زيد، أو مستثنىً منه نحو: ما قام إلا زيداً أحد، أو تابعاً له نحو: ما قام أحد إلا زيداً فاضل، فلو قدمت وأخرت في [مثال] الأصل لزم خلاف ذلك. وأما الكسائي وابن الأنباري فجوزا تقديم المفعول في هذه المسألة مطلقاً ولكن مع (إلا) استدلالاً بقول الشاعر:

تزودت من ليلى بتكليم ساعة فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها وسيأتي فيه كلام باب المستثنى إن شاء الله تعالى. «فإن كان المرفوع ظاهراً والمنصوب ضميراً لم يسبق الفعل ولم يسبق الفعل ولم يحصر فالبعكس» أي يجب حينئذ تقديم المفعول على الفاعل، نحو: أكرمك زيدـ، والدرهم أعطيه عمرو. واحترز بقوله: (لم يسبق الفعل) من نحو: إياك يكرم زيد، والدرهم إياه أعطى زيد عمراً وبقوله: (ولم يحصر) من نحو: إنما يكرم زيد إياك، فلا يتصل المفعول في هاتين الصورتين بالفعل، بل يتقدم أو يتأخر. «وكذا الحكم عند غير الكسائي في نحو: ما ضرب عمراً إلا زيد» حيث يقع الفاعل مقروناً بـ (إلا)، فيجب تقديم المفعول حذراً/ من انعكاس المعنى على ما سبق والكسائي أجاز تقديم الفاعل مع (إلا) استدلالاً بقوله: ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم ولا جفا قط إلا جبأ بطلاً الجبأ: بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة وفتحها وهمزة، هو الجبان.

وقد استبان لك أنه يتحصل في مسألة حصر المنصوب والمرفوع بالنسبة إلى التقديم ثلاثة أقوال: الجواز مطقاً، وهو قول الكسائي، والمنع مطلقاً، وهو قول الجزولي، والشلوبين، واختيار المصنف، وعليه مشي ابن الحاجب وجماعة، والتنفصيل بين الفاعل- فيجيب تأخيره- والمفعول فيجوز. قال الشارح وهو مذهب البصريين والفراء وابن الأنباري. وأهمل المصنف ذكر الحصر بـ (إنما) في بابي اتصال المرفوع وانفصاله وقد يقال: إن قوله (إن خيف التباسه بالمنصوب) مخرج لذلك، وليس بشيء؛ لأن الذي يخاف في تلك المسألة التباس غير المحصور بالمحصور، لا التباس المرفوع بالمنصوب؛ إذ لرفع والنصب ظاهران فيهما، ثم هلا ذكر مثل ذلك في مسألة اتصال المنصوب! ! . ولو أنه قال: (يجب وصل معمول الفعل به إن خيف بفصله منه التباس) لشمل الجميع «و» كذا الحكم «عند الأكثرين في نحو: ضرب غلامه زيد» فيجب تقديم المفعول [عليه] حذراً من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة. «والصحيح جوازه على قلة». قال المصنف: لوروده في كلام العرب الفصحاء. وتقدم الكلام على ذلك في أول الفصل الرابع من باب المضمر.

الباب العشرون «باب اشتغال العامل»

الباب العشرون «باب اشتغال العامل» فعلاً كان نحو: زيداً ضربته، أو ما يعمل عليه عمله نحو: أزيداً أنت ضاربه؟ . قال ابن الضائع: ولا يدخل هنا سوى اسم الفاعل واسم المفعول، دون الصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل؛ إذ الصحيح أنه لا يفسر هنا إلا ما يجوز عمله فيما قبله. «عن الاسم السابق بضميره» متعلق بـ (اشتغال)، والمضمر المضاف إليه عائد على الاسم السابق. «أو ملابسه» عطف على المضاف من قوله (بضميره)، أي اشتغال العامل بضمير الاسم السابق أو بملابس ذلك الضمير. ثم الملابسة إما بدون واسطة نحو: زيد ضربت غلامه، أو بواسطة نحو: زيد ضربت رجلاً يحبه. «إذا انتصب لفظاً» نحو: زيد ضربته «أو تقديراً» نحو: زيد مررت به «ضمير اسم سابق» كما مثلنا. وخرج ما إذا كان الضمير لاسم متأخر نحو: ضربته زيداً، فإنه لا يكون من هذا الباب، بل إن نصب (زيد) فهو بدل من الهاء، وإن رفع فهو مبتدأ خبره ما

قبله. «مفتقر لما بعده» صفة ثانية لـ (اسم)، أي يكون ذلك الاسم السابق مفتقراً لما بعده كما تقدم، نحو: زيد ضربته، وزيد مررت به، واحترز بذلك من نحو: في الدار زيد فأكرمه، فإن (زيداً) في هذا التركيب غير مفتقر لما بعده من قولك: (فأكرمه)؛ ولهذا قال سيبويه: في قوله [تعالى]: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} - إنه ليس من هذا الباب لأن التقدير عنده: وفيما ينلى عليكم حكم السارق والسارقة، فلا يكون- حينئذ- السابق مفتقراً لما بعده. «أو» انتصب لفظاً أو تقديراً «ملابس ضميره» أي ضمير الاسم المفتقر لما بعده نحو: زيد ضربت غلامه، وزيد مررت بغلامه. «بجائز العمل فيما قبله» يتعلق بـ (انتصب)، فخرج نحو: زيد ما أحسنه، ونحو زيد عليكه، وزيد إنه فاضل، وزيد ضربكه قبيح. «غير صلة» نحو: زيد أنا الضاربه، لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول والظاهر أن هذا استثناء منقطع، لأن ما ذكره من هذا وما بعده لا يشمله قوله أولاً (بجائز العمل فيما قبله) وقول الشارح: الأظهر أنه متصل؛ لأنه جائز العمل فيما لولا المانع. ليس بأظهر، بل ولا ظاهر. «ولا مشبه بها» أي: بالصلة في تتميم ما قبلها، وهو الصفة، ومن ثم امتنع النصب في: {وكل شيء فعلوه في

الزبر}. «ولا شرط مفصول بأداته» نحو: زيد إن رأيته أكرمته، بخلاف نحو: إن زيداً لقيته فأكرمه، فهذا واجب النصب، وذاك واجب- الرفع. «ولا جواب مجزوم» نحو: زيد إن يقم أكرمه، ولو أسقط قوله: (مجزوم) لكان أولى ليعلم أنه كلما لا يجوز النصب في المثال الذي ذكرناه، ولا يجوز نحو: زيد إذ جاء رأس الشهر فأكرمه. فإن قيل: لو أطلق لدخل تحت المنع نحو: زيد إن جاء رأس الشهر أكرمه، برفع (أكرمه). قلنا: [لا] فإن المرفوع ليس جواباً بل دليل الجواب، وتسميته جواباً تجوّز من قائله. «ولا مسند إلى ضمير للسابق متصل» نحو: زيداً ظنه ناجياً، (بمعنى: ظن نفسه؛ إذ لا يجوز بإجماع في باب من الأبواب تعدي فعل الضمير المتصل إلى ظاهره، نحو: زيداً ضرب، وهذا إنما امتنع إذا نصبت (زبداً) في قولك: زيداً ظنه ناجياً)؛ لما قلنا، أما [لو] رفع فالتركيب صحيح؛ إذ ليس فيه إلا تعدي فعل الضمير المتصل إلى ضميره المتصل، وذلك جائزة في باب (ظن)، وأما (زيد ضربته) فممتنع رفعت (زيداً) أو نصبته، وهو ظاهر.

واحترز بقوله: (متصل) من أن ينفصل الضمير فتجوز المسألة نحو: زيداً لم يظنه ناجياً إلا هو. «ولا تالي استثناء» نحو: ما زيد إلا بضربه عمرو، ومن ثم ردَّ قول من زعم: - في {وإن كلا لما ليوفينهم} .. كون (إن) نافية واللام من (لما بمعنى (إلا) و (وكلاً) منصوباً بمحذوف يفسره (ليوفينهم)، وفيه مانع آخر، وهو لام القسم. «أو» تالي «معلّق» بكسر اللام، أي: شيء يعلق ما قبله عن العمل فيما بعده، نحو: زيد كيف وجدته؟ ولهذا قال سيبويه: في قوله: آليْتُ حَبّ العراق الدهر أطعمه .................................

#؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ والصواب الأول. «أو» تالي «حرف ناسخ» نحو: زيد كأني أحبه، أو ليتني ألقاه، أو لعلّي أصادفه. «أو» تالي «كم الخبرية» نحو: زيد كم نهيته، فأما الاستفهامية فداخلة في المعلق، ولو أسقط هذا القيد لكان أولى؛ لئلا يتوهم أن مفهوم الصفة قاض على مفهوم العام هناك، بل لو أسقط [قوله]: (كم الخبرية) أصلاً ورأساً لكان حسناً؛ لأن الظاهر أنها تعلق كالاستفهامية وفي الكشاف في قوله تعالى: {سل بني إسراءيل كم اتينهم من اية بينة} أنه يجوز كون (كم) استفهامية، وكونها خبرية، وأن معنى الاستفهامية هنا التقرير، وإذا كان كذلك فهي داخلة في المعلق فلا حاجة إلى ذكرها ثانياً. «أو» تالي «حرف تحضيض» نحو: زيد هلا أكرمته، «أو عرض» نحو: زيد ألا تكرمه. «أو تمنّ بـ (ألا») نحو: العون على

الخير ألا أجده، وأما التمني بغير (ألا)، فلا يليه إلا الاسم، نحو: ليت زيداً [أراه]، ولا يكون الاسم فيه منصوباً على الاشتغال، بل على أنه اسم (ليت). قال المصنف وإجراء التحضيض والعرض والتمني [بألا] مجرى الاستفهام في منع تأثر ما قبلها بما بعدها هو مذهب المحققين من العارفين بكتاب سيبويه، وقد عكس قوم الأمر فجعلوا توسط التحضيض وأخويه قرينة ترجع نصب الاسم السابق، وممن ذهب إلى هذا أبو موسى الجزويلي، وهو ضد مذهب سيبويه. «وجب نصب» الاسم «السابق» على العامل الذي هو جائز العمل فيما قبله، وهذا جواب (إذا) في قوله: - أول الباب- (إذا انتصب لفظاً أو تقديراً ضمير اسم سابق .... )، وقوله: «إن تلا» قيد في وجوب نصب السابق، أي [إن] تلا السابق «ما يختص بالفعل» كـ (إذا) الشرطية و (إن) وأخواتها من أدوات الشرط الجازمة و (لولا) الامتناعية والتي بمعنى (إن)، وأدوات التحضيض، تقول: إذا زيداً لقيته فأكرمه، وإن عمراً رأيته فأحسن إليه، وعلى ذلك فقس. «أو» تلا السابق «استفهاماً بغير الهمزة» نحو: هل زيداً ضربته؟ وهذا مقيد بأن يجيء بعدها اسم

وفعل كما مثلنا، وأما إذا كان بعدها جملة اسمية ذات وجه واحد مثل: هل زيد أنا/ ضاربه، فلا يتعين نصب الاسم الذي يليها. ولا إشعار لكلام المصنف بهذا القيد، على أن كلامه أيضاً يقتضي- بحسب الظاهر- أنه لا قبح في مثل: هل زيداً ضربته؟ . وكلام الرضي صريح في خلاف ذلك، فإنه قال: يقبح دخول (هل) على فعلية مع الفصل بينها وبين الفعل باسم، نحو: هل زيداً ضربت؟ وعلى فعلية مقدر فعلها مفسر بفعل ظاهر، نحو: هل زيداً ضربته؟ والنصب هاهنا أحسن القبيحين. «بعامل» يتعلق بالمصدر [من] قوله: (وجب نصب السابق) أي: يتحتم أن ينصب بعامل «لا يظهر» أي: يجب عدم ظهوره، لكون المفسر المتأخر عوضاً منه، ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه، هذا مذهب البصريين وعليه المعّول. وقال المصنف: قلت: (بعامل) لأعمّ الفعل وشبهه، نحو: أزيداً أنت ضاربه؟ ، [التقدير]: [أضارب] [زيداً أنت ضاربه]؟ . قلت: تمثيله بذلك غير جيد؛ لأن كلامه فيما يجب نصبه، والنصب في هذا المثال غير واجب.

قال الشارح: ولم يبين المصنف إعراب هذه المسألة، وأجاز صاحب البسيط فيها أن يكون نصب زيد بإضمار فعل، وأن يكون بتقدير اسم الفاعل، لصحة اعتماده، وهو مبتدأـ، و (أنت) مرتفع به، أو يكون اسم الفاعل المقدر خبراً لـ (أنت) مقدماً، و (ضاربه) على [هذا] التقدير خبر مبتدأ آخر. «موافق للظاهر» لفظاً ومعنى، نحو أزيداً ضربته؟ ، التقدير: أضربت زيداً ضربته؟ . «أو مقارب» نحو: زيداً مررت به، التقدير: جاوزت زيداً، ونحو: زيداً ضربت أخاه، أي: أهنت زيداً، وذلك لأنه لازم عن (ضربت) المذكور، فإن ضرب أخي زيد ملزوم لإهانة زيد. فإن قلت: أيّ لزوم بينهما مع أنا نقول: ضربت زيداً وأكرمت أخاه، وأنا قد نضرب الأخ ونغفل عن أخيه، ولا نريد بضربه إهانته ولا غير إهانته؟ . قلت: لم ندّع اللزوم العقلي فيلزمنا ما ذكرت، بل اللزوم العادي العرفي، فإنك تجد أهل العرف ينسبون فاعل ذلك إلى الجهل فيقولون: انظر إلى صنع فلان ما أعجبه، يضرب إنساناً ويكرم أخاه، يقولون: - لمن ضرب شخصاً له أخ- ما ضربه، وإنما ضرب أخاه، وعلى هذا فلو قدرت لـ (زيداً) - في مثال النحويين

- (ضربت) لم يكن بعيداً، ويكون ذلك الضرب كناية عن الإهانة، والضرب المذكور مراداً به الضرب الحقيقي. «وقد يضمر مطاوع الظاهر فيرفع السابق». ثم المطاوع المقدر على قسمين: إما لفظي كما في قوله: لا تجزعي إن منفس أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

أي: إن هلك منفس، وهو مطاوع (أهلكته)، يقال: أهلكه فَهَلكَ، فهذا مطاوع لفظي. وإما معنوي كما في قوله: أتجزع إن نفس أتاها حمامها ................................. أي: أن هلكت نفس، فهذا مطاوع بحسب المعنى فقط؛ إذ (أتاها حمامها) في معنى (أهلكت).

«ويرجح نصبه على رفعه بالابتداء إن أجيب به استفهام بمفعول ما يليه» نحو: زيداً ضربته، جواباً لـ (أيهم ضربت؟ ). ولا حاجة إلى قوله: (ما يليه)؛ لأنه لا يكون إلا كذلك، أي: لا يكون المشتغل عنه جواباً لاستفهام بمفعول إلا وذلك المفعول مفعول للفعل الذي يليه المشتغل عنه، وإلا فلا يكون المشتغل عنه جواباً لذلك الاستفهام، وقد فرضنا أنه جواب. «أو بمضاف إليه مفعول ما يليه» نحو: زيداً ضربت غلامه، جواباً [لـ «غلام أيهم ضربت؟ ». وخرج بذكر المفعول في المسألتين ما يكون جواباً] لقول القائل: أيهم ضربته؟ أو غلام أيهم ضربته؟ بالابتداء فيهما، فالرفع في: (زيد ضربته) المجاب به ذلك [أكثر منه] في: (زيد ضربته) المقول ابتداءً؛ لأن فيه ما في ذلك من عدم مرجح التقدير وأمراً زائداً، وهو قصد تناسب الجواب والسؤال. وهاهنا نكتة ينبغي التنبيه عليها، وهي أن قولهم: (أيهم ضربته؟ ) دليل على بطلان قول الفارسي: في قول الزباء:

ما للجمال مشيها وئيدا ...................................... لايكون (مشيها) - فيمن رفع- بدلاً من ضمير الظرف؛ لعدم ذكر الهمزة، لأنا نقول: لو أجري على ضمير الاستفهام ما أجري على الاستفهام لامتنع: (أيهم ضربته؟ ) رفعت (أيا) أو نصبتها؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، فكذا يكون ضميره. وحل شبهته التي عرضت له- وهي أن الظاهر عين المضمر- أنه/ عينه في المعنى الذي هو به اسم، وهو معنى الوضعي لا التضمني الذي هو به شبيه الحرف، وبه امتنع إعرابه؛ لأن الحرف يأتي مجيء الضمير، بدليل أن الحروف لا تفسر الضمائر، «أو ليه فعل أمر» أي: فعل يفهم منه معنى الأمر، فإضافة الفعل إلى الأمر بهذاالاعتبار، فخرج نحو: زيد أسمع به- في التعجب-؛ لأنه ليس

بمفهم معنى الأمر. وشمل كلامه نحو: زيداً اضربه، ونحو: زيداً ليضربه عمرو؛ لأن لام الأمر ليست من أدوات الصدور، ونحو: الأولادَ يرضعن الوالدات، مما صورته صورة الخبر ومعناه الأمر، فالنصب راجح في الصور الثلاث. وشمل كلامه أيضاً الأمر المراد بما قبله الخصوص كبعض ما مر، أو العموم نحو: اللذين يأتيانك اضربهما، هذا مذهب سيبويه. وزعم ابن بابشاذ وابن السيد أن الأمر الذي يراد بما قبله العموم يختار فيه الرفع استناداً إلى قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقد مَّر أن سيبويه لا يرى ذلك من هذا الباب، وأن الكلام جملتان. «أو» وليه فعل «نهي» نحو: زيداً لا تضربه. «أو دعاء» يشمل ثلاث صور كالأمر، نحو: زيداً رحمه الله، أو ليجزه الله خيرا ً، أو أصلح اللهم شأنه. وإنما رجح النصب حيث يليه فعل أمر أو نهي أو دعاء؛ لأن وقوع هذه الأشياء خبرا ً لمبتدأ قليل في الاستعمال، وذلك لأن كون الجملة الطلبية فعلية أولى إن أمكن لاختصاص الطلب بالفعل. «أو ولي هو» أي: الاسم المشتغل عنه «همزة استفهام» نحو: أزيداً ضربته؟ لأن الاستفهام في الحقيقة لمضمون الفعل، فإيلاؤه لفظاً أو تقديراً لما يستفهم

عن مضمونه أولى، وقال الشارح: لأن الغالب فيها أن يليها الفعل. واحترز بقوله: (أو ولي هو) [من] أن تليه الهمزة، فيجب الرفع نحو: زيد أضربته وبالهمزة عن غيرها من أدوات الاستفهام لوجوب النصب بعدها كما سبق. «أو» ولي هو أيضاً «حرف نفي» لنظير ما قدمناه في تعليل أولوية همزة الاستفهام بالفعل. «لا يختص» صفة لـ (حرف نفي)، فشمل (ما) و (لا) و (ن)، نحو: ما زيداً لقيته، ولا ضربته ولا عمراً، وإن زيداً ضربته، واحترز بذلك عن: (لم) و (لمّا) و (لن)؛ لأن كلاً منها حرف نفي مخنص بالفعل، فلا يليها الاسم إلا في الضرورة كقوله: ظننت فقيراً ذا غنى ثم نلته ... فلمْ ذا رجاء ألقه غير واهب «أو» ولي [هو] أيضاً «حيث» نحو: حيث زيداً تلقه فأكرمه؛ لأن في

(حيث) معنى المجازاة. «أو» ولي هو أيضاً «عاطفاً على جملة فعلية تحقيقاً أو تشبيهاً» وهذا التقسيم للعاطف، وكان الأولى ذكره إلى جانبه؛ لئلا يتوهم رجوعه إلى قوله: (جملة فعلية) ـ فمثال ما ولي العاطف على الفعلية تحقيقاً: قام زيد وعمراً كلمته، قال تعالى: {فدمرنهم تدميرا، وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقهم}، ومثال ما ولي العاطف على الفعلية تشبيهاً: أتيت القوم حتى زيداً مررت به، وضربت القوم حتى زيداً ضربت أخاه، وذلك لأن (حتى) إنما يعطف بها المفرد لا الجملة، فهي هنا حرف ابتداء، ولكن لما وليها- في اللفظ- بعض ما قبلها أشبهت العاطفة فأعطي تاليها ما أعطي تالي الواو، وليس الغرض من ترجيح نصب ما بعد العاطف إلا تعادل اللفظ ظاهراً؛ فلذلك ترجح بعد (حتى) هذه. قال المصنف في الشرح: فإن قلت ضربت القوم حتى زيداً ضربته، فلأجود أن تنصب زيداً بمقتضى العطف، وتجعل (ضربته) تأكيداً انتهى. فإن قلت: ما هو المؤكد؟ قلت: ضرب زيد الثابت له بقضية العطف، فهو مؤكد لبعض ما أفهمه الكلام السابق. على أن بعضهم اعترض على المصنف في جعل الجملة تأكيداً بأنه إذا دار

الأمر بين حملها على التأسيس أو التأكيد، كان جعلها للتأسيس أولى/وههنا أمكن كونها تأسيسية بأن تجعل نصب زيد من باب الاشتغال. «[أو] كان الرفع يوهم وصفاً مخلاً». كما إذا أردت- مثلاً- أن تخبر أن كل واحد من مماليكك اشتريته بعشرين ديناراً وأنك لم تملك أحداً منهم إلا بشرائك أنت بهذا الثمن، فقلت: كل واحد من مماليكي اشتريته [بعشرين] بنصب (كل)، فهو نص في المعنى المقصود؛ لأن التقدير: اشتريت كل واحد من مماليكي بعشرين، فلو رفعت لفظ (كل) احتمال أن يكون (اشتريته) خبراً له، [وقولك: (بعشرين) متعلقاً به، أي كل [واحد] منهم مشترِّي بعشرين، وهو [المعنى] المقصود، واحتمل أن يكون (اشتريته) صفة لكل واحد، وقولك: (بعشرين) هو الخبر، أي كل من اشتريته من مماليكي فهو بعشرين، فرفعه- إذن- مطرق لاحتمال الوجه الثاني الذي هو غير مقصود، ومخالف للوجه الأول؛ إذ ربما يكون لك على الوجه الثاني من اشتراه لك غيرك بعشرين أو بأقل [منها] أو بأكثر، وربما يكون لك منهم جملة بالهبة

والورائة وغير ذلك، وكل هذا خلاف مقصودك، فالنصب- إذن- أولى؛ لكونه نصّا في المعنى المقصود، والرفع محتمل له ولغيره. كذا في شرح الحاجبية للرضي الاستراباذي. ومثل الشارح تبعاً للمصنف وابن الحاجب وغيرهما للمسألة بقوله تعالى: {إنا كل شيء خلقنه بقدر}. قال الرضي: وهذا المثال المورد من الكتاب العزيز لا يتفاوت فيه المعنى كما يتفاوت في مثالنا، سواء جعلت الفعل خبراً أو صفة، فلا يصح- إذن- التمثيل؛ وذلك لأن مراده تعالى بـ (كل شيء) كل مخلوق، نصبت (كل) أو رفعته، سواء جعلت (خلقناه) صفة مع الرفع أو خبراً عنه، وذلك أن قوله [تعالى] {خلقنا كل شيء بقدر} لا يريد به [تعالى]: خلقنا كل ما يقع عليه اسم (شيء)؛ لأنه تعالى لم يخلق جميع الممكنات غير المتناهية، ويقع على [كل واحد منها] اسم (شيء)، فـ (كل شيء) - في هذه الآية- ليس كما في قوله تعالى: {والله على كل شيء قدير}؛ لأن معناه أنه قادر على ممكن غير متناه، فإذا تقرر هذا قلنا: إن معنى {كل شيء خلقنه بقدر} - على أن (خلقناه) هو الخبر- كل مخلوق مخلوق بقدر، وعلى

أن (خلقناه) صفة، كل شيء مخلوق كائن بقدر، والمعنيان واحد؛ إذ لفظ (كل شيء) - في الآية- مختص بالمخلوقات، سواء كان (خلقناه) صفة له أو خبراً، وليس مع التقدير الأول أعم منه مع التقدير الثاني، كما كان في مثالنا هذا كلامه. «وإن ولي العاطف [جملة] ذات وجهين- أي اسمية الصدر، فعلية العجز- استوى الرفع والنصب مطلقاً» وذلك نحو: زيد قام، فهذه جملة ذات وجهين؛ لأنها من قبل تصدرها بالمبتدأ اسمية، ومن قبل كونها مختومة بفعل ومعموله فعلية. قاله في شرح الكافية. قيل: وإنما احتاج إلى تفسير ذات الوجهين بما ذكره؛ لأنها قد يراد بها الكبرى مع الصغرى التي في ضمنها، والصغرى أعم من أن تكون اسمية: كـ (أبوه قائم) من قولك: (زيد أبوه قائم)، أو فعلية: كـ (قام أبوه) من قولك: (زيد قام أبوه). فإذا ولي العاطف جملة ذات وجهين بالتفسير الذي ذكره المصنف، ووقع بعد العاطف اسم كما في قولك: زيد قام وعمرا أكرمته، استوى [فيه] الرفع والنصب؛ لأن هذه الجملة- بالنظر إلى صدرها- اسمية، فيترجح الرفع؛ لتشاكل

الجملتين في الاسمية، وبالنظر إلى عجزها فعلية، فيترجح النصب، لتشاكل الجملتين في الفعلية؛ فإن رجحت قرينة الرفع بالأصل الذي هو السلامة من التقدير والحذف، عورض بأن النصب مرجح بقرب قرينته. واعترض بأن هذه المعارضة غير مستقيمة، فإنا لا نسلم البعد على تقدير الرفع، وإنما يكون كذلك أَن لو عطفت مفردات الجملة الثانية على مفردات الجملة الأولى [فأما إذا كانت الجملة الثانية برأسها معطوفة على الجملة الأولى] فلا يتحقق بعد أصلاً. قال نجم الدين سعيد: اللهم إلا أن يقال بتقدير النصب يتعين القرب، وبتقدير الرفع لا يتعين؛ لجواز أن يكون- حينئذ- من عطف المفردات. قلت: فيه نظر. ومعنى قوله: (مطلقاً) أي: سواء كان ما بعد العاطف لا يصلح جعله خبراً، نحو: زيد قام وعمراً/ أكرمته، كما مر، فإن (أكرمته) لايصلح أن يكون خبراً عن (زيد) لعدم الرابط- أو كان مما يصلح جعله خبراً، نحو: هند قامت وعمراً أكرمته في دارها. «خلافاُ للأخفش [ومن وافقه] في ترجيح الرفع إن لم يصلح جعل ما بعد العاطف خبراً» كما في المثال الأول. قلت: وهذا ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال: -[في]: - {والشمس تجري لمستقرها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدرنه} إن اتنصب مثله في زيد

ضربته). وأما الفارسي فجعله محمولاً على الجملة الصغرى. وإنما رجح الأخفش ومن وافقه الرفع؛ لأن العطف عندهم على الفعلية ممتنع، فتعين كونه على الأسمية، فلزم تخالف المتعاطفين إن نصبت فضعف النصب وترجح الرفع لوجود المناسبة، وعلى هذا فالرفع [صار] هنا أرجح منه في قولك ابتداء: زيد ضربته، فإنه مطلوب للتناسب؛ ولعدم طالب الفعل. «ولا أثر للعاطف إن وليه (أمّا»). لأنها من أدوات الصدر فتبطل حكم العاطف، فلا ينظر إلى ما قبلها، بل يكون للاسم بعدها [ماله] مفتتحاً به، فلا يرجح النصب بعد الفعلية، نحو: جاء زيد، وأما عمرو فأكرمته، ولا يستوي الوجهان بعد ذات الوجهين، نحو: زيد أكرمته وأما عمرو فأهنته، بل يترجح الرفع فيهما. قال ابن هشام في المغني: ويجب تقدير العامل بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه، لأن (أنا) نائبة عن الفعل، فكأنها فعل، والفعل لا يلي الفعل. قلت: لا نسلم أنها نائبة عن شيء [أصلاً، ولو سلم كونها نائبة عن شيء كما ذهب إليه بعضهم]، فإنما هي نائبة عن جملة الشرط بأسرها لا عن

فعله فقط، فلم يجاور الفعل فعلاً ولا نائباً عن فعل، نعم: يمتنع أن يقدر الفعل قبل الفاء؛ لأنه لا يفصل بينها وبين (أما) بأكثر من جزء واحد. «وابتداء المسبوق باستفهام أولى من نصبه إن ولي فصلاً بغير ظرف أو شبهه، خلافاً للأخفش» وذلك نحو: أأنت زيد تضربه؟ فلو قال: (بهمزة استفهام) لكان أحسن، ولو قال: (ولي فاصلاً غير ظرف أو شبهه) لكان أقرب إلى الفهم، وأقرب إلى حقيقة الكلام. قال في الشرح: فسيبويه أبطل حكم الاستفهام لبعده عن الفعل ولم يبطله الأخفش، وعنده أن (أنت) فاعل بفعل مقدر، تقديره: أتضرب؟ ، و (زيداً) منصوب به. والمسألة مشكلة، وأكثر الناس جعلوها خلافية بين سيبويه والأخفش، كما هو ظاهر كلامهما، وأن سيبويه لا يجيز ما قاله الأخفش من اختيار النصب على الرفع، ثم اختلفوا في وجه الاعتراض على الأخفش: فقال ابن ولاد: الاشتغال لا يكون بالنظر إلى الاسمين أصلاً، وكلام الأخفش يقتضي أنه بالنظر إليهما. وقال أبو جعفر بن مضاء: وجه ذلك أن العامل- وهو (تضرب) - يصير طالباً لمعمولين، وهما: (أنت) و (زيداً)، ولا يقوي المفسّر هذه القوة. وهذا هو الأول أو قريب منه. وقال ابن خروف: وإنما منع سيبويه مما ذهب إليه الأخفش مادام (أنت) مبتدأ،

وكذا يقول الأخفش لو سئل عنه، فأما إذا جعل فاعلاً بالمحذوف الذي يفسره المذكور فلا يمنعه سيبويه أصلاً. فإذا تحققت هذا علمت أن لا خلاف أصلاً، وبيانه: أن (أنت) يحتمل أن يكون مبتدأ- وهو الوجه الأضعف- ولا ينكر هذا سيبويه ولا الأخفش، فيجوز- حيئنذ- فيما بعده النصب مرجوحاً والرفع راجحاً؛ إذ لا أثر في رفع ذلك لتقدم المبتدأ المتصل بهمزة الاستفهام، ويحتمل أن (أنت) فاعل بفعل مقدر يفسره المذكور، فيجب- حينئذ- نصب (زيد) بذلك الفعل المقدر؛ لأنه مفعوله، وهذا هو الذي قاله الأخفش، وكأن سيبويه أراد التنبيه على أن الاستفهام المفصول بغير ظرف أو شبهه لا أثر له في ترجيح النصب، ففرض المسألة على الوجه الأضعف، ولم يذكر الوجه الأحسن، اعتماداً على ما هو المقرر من أن الهمزة يختار معها الفعل، وكأن الأخفش إنما ذكر الوجه الآخر على جهة التتميم لا على جهة الاعتراض، فلا خلاف بينهما حينئذ. فإن قيل: الأخفش قال: النصب أجود. وذلك يعطي أن الرفع جائز [على] جعل (أنت) فاعلاً، والفرض أنه ممتنع. فالجواب: أن معنى قوله: النصب أجود. أن وجه النصب أجود، أي الوجه المؤدي إلى نصب (زيد) على اللزوم أجود من الوجه/ المؤدي إلى رفعه على الاختيار. كذا أجاب الشلويين، وهو كلام حسن، ولكنه مخالف لما في المتن.

واحترز بقوله: (بغير ظرف أو شبهه) من أن يكون الفصل بأحدهما نحو: أكل يوم زيداً تضربه؟ ، ونحو: أفي الدار عمراً لقيته؟ ، فيكون حكم الاستفهام باقياً فيترجح النصب، لتوسعهم في الظرف والجار والمجرور. «وكذا ابتداء المتلوّ بـ (لم) أو (لن) أو (لا») أولى من نصبه «خلافاً لابن السيد». البطليوسي، فإنه يقول: إن النصب في: زيداُ لم أضر به، وعمراً لن أهينه، وبكراً لا اكلمه، راجح على الرفع، وهو ضعيف؛ لأن النفي المتأخر لا أثر له، وكان ينبغي لابن السيد أن يزيد (إن) و (لمّا). «وإن عُدِمَ المانع» من النصب، لأن الكلام فيه «والموجب» للنصب «والمرجح» له «والمسوّي» بينه وبين الرفع «رجح الابتداء» نحو: زيد ضربته؛ لأنه لا إضمار فيه، بخلاف النصب. «خلافاً للكسائي في ترجيح نصب تالي ما هو فاعل في المعنى، نحو: أنا زيد ضربته، وأنت عمرو كلمته». وضابط المسألة: أن يقع الاسم بين اسمين لمسمىِّ واحد وثانيهما فاعل الفعل المشغول، فلعل وجه ترجيح النصب [أنه] يقول: إن المتأخر فاعل معنىّ وصناعة والمتقدم فاعل معنى فقط، وهما لمسمى واحد، فينبغي أيضاً أن يكون فاعلاً صناعة، وعلى هذا فيكون المقدر فعلاً [مثله] رافعا ًله، وناصباً لما بعده، وتكون المسألة من الاشتغال عن الاسمين كما قال الأخفش في: أأنت زيداً تضربه؟ وعلى ذلك فالتقدير: ضربت زيداً ضربته ثم حذف (ضرب) وحده فانفصل الضمير، لا

أن التقدير: أنا ضربت زيداً ضربته، فحذف الفعل والفاعل معاً وبقى المفعول، فيكون (أنا) حينئذ مبتدأ. وقد علم أن مسائل الباب خمسة أقسام: واجب النصب وراجحه وراجح الرفع وما يستوى فيه الأمران، فهذه أربعة أقسام أشار المصتف إليها هنا إجمالاً، والقسم الخامس واجب الرفع وهو ما فصل بينه وبين فعله شيء لا يعمل ما بعده فيما قبله على ما سبق أول الباب. وذكر المصنف [رحمه الله تعالى] في غير التسهيل أن من المواضع التي يجب فيها الرفع ما يقع بعد (إذا) الفجائية، و (ليتما) كقولك: أتيت فإذا زيد يضربه عمرو، وليتما بشر زرته. قال: فلو نصبت (زيداً) أو (بشراً) لم يجز؛ لأن (إذا) المفاجأة لا يليها فعل ظاهر ولا مضمر، وإنما يليها مبتدأ أو خبر مبتدأ، أو (أن) المفتوحة المؤولة بمبتدأ أو (إن) المكسورة؛ لأن الكلام معها بمنزلة مبتدأ وخبر، فلو نصب الاسم بعدها لكانت الجملة التي تليها فعلية، وذلك مخالف لاستعمال العرب، وقد غفل عن هذا كثير من النحاة، فأجاز النصب في [نحو]: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، ولا

سبيل إلى جوازه، وكذلك (ليت) المقرونة بـ (ما)، [لا] يليها فعل ولا معمول فعل؛ لأن (ما) حين قرنت بها لم تزل اختصاصها بالأسماء؛ فلهذا ساغ فيها وحدها الإعمال وترك الإعمال، فإعمالها لبقاء اختصاصها، وترك إعمالها لإلحاقها بأخواتها، فلو نصبت الاسم المذكور بعدها بفعل مضمر لكان ذلك تركا لاختصاصها بالأسماء، وهو خلاف كلام العرب انتهى. [قلت]: النصب على الاشتغال في الاسم الواقع بعد (إذا) الفجائية فيه ثلاثة أقوال. قيل: يجوز مطلقاً، وهو ظاهر كلام سيبويه، وعليه مشى ابن الحاجب، لكنه- مع اعترافه وتصريحه بأن (إذ) المفاجأة يلزم المبتدأ بعدها- مشكل. وقيل: يمتنع مطلقاً، وهو الظاهر؛ لأن (إذا) الفجائية لا يليها إلا الجمل الاسمية، وعليه مشي المصنف. وقال الأخفش: - وتبعه ابن عصفور- يجوز في نحو: فإذا زيد قد ضربه عمرو، ويمتنع بدون (قد). ووجّهه ابن هشام: بأن التزام الاسمية مع (إذا) هذه إنما كان للفرق بينها وبين الشرطية المختصة بالفعلية، فإذا قرنت بـ (قد) يحصل الفرق بذلك؛ إذ لا

تقترن الشرطية بها. «وملابسة الضمير بنعت» نحو: زيداً أكرمت رجلاً يحبه، أو عطف بيان نحو: زيداً ضربت عمراً أخاه، على أن يقدر أخاه عطف بيان، فيجوز لك رفع (زيد) ونصبه، فإن قدرته بدلاً بطلت المسألة نصبت أو رفعت، وعلى هذا فكان حق المصنف أن يقول: (أو عطف بيان). «أو معطوف بالواو» نحو: زيداً ضربت عمراً وأخاه./ «غير معاد العامل» كما مثلنا، واحترز من أن يكون العطف بغير الواو نحو: زيد أكرمت عمراً فأخاه، أو ثم أخاه، ومن أن يعاد العامل مع الواو، نحو: زيد ضربت [عمراً] وضربت أخاه، فيمتنع [في] المسائل. قلت: العطف في هذه المسألة الأخيرة من [باب] عطف الجمل، فلا يصدق أن الاسم- حينئذ- معطوف بالواو، فما هذا الاحتراز! ! . «كملابسته» أي: كملابسة الضمير «بدونهما» أي: بدون النعت وعطف النسق المذكورين [يعني] فيجوز التركيب معهما كما يجوز إذا كان الضمير ملابساً بالإضافة، نحو: زيداً ضربت أخاه. وإنما اختصت مسألة النسق بالواو؛ لأنها لمطلق الجمع، فالاسمان أو الأسماء معها بمنزلة اسم مثنى أو مجموع فيه ضمير.

وإنما اشترط أن لا يعاد العامل، لأنها ليست للجمع في الجمل، بل في المفردات؛ ولهذا منعوا: الزيدان يقوم ويقعد، وأجازوا قائم وقاعد. ووقع في القصريات: أن سيبويه يمنع النصب في زيد ضربت عمراً وضربت أخاه وبعض أصحابنا يجيزه إن قدرت الجملة الثانية تأكيداً للأولى، ولم يقدرها سيبويه تأكيداً، بل معطوفة ألبتة، ولا يجوز سيبويه الابتداء؛ لأنه لم يعد إلى المبتدأ ضمير من الجملة المخبر بها عنه. «وكذا الملابسة بالعطف في غير هذا الباب». الذي نحن فيه، هو باب الاشتغال، والمراد بغيره [باب] الصفة والحال والخبر والصلة، تقول: مررت برجل قائم زيد وأخيه زيد ضاحكاً عمرو وأخوه، [وزيد قائم عمرو وأخوه]، وجاء الذي قام بكر وأخوه، فلو كررت العامل أو عطفت بغير الواو لم يجز. «ولا يمتنع نصب» الاسم «المشتغل [عنه] بمجرور حقّق» ذلك المجرور «فاعلية ما علق عليه، خلافاً لابن كيسان». نحو: زيد ظفرت به على عمرو، فـ (زيد) قد اشتغل عنه بالضمير المجرور، وهذا المجرور محقق لفاعلية (زيد) الذي علق عليه؛ وذلك لأن الباء للسببية، والمعنى ظفرت بسببه، فـ (زيد) هو الذي أظفر، [أي: زيد أظفرني] على عمرو، فهل رعاية هذا المعنى تمنع من نصب زيد المشتغل عنه كما يمتنع نصبه فيما هو بمعناه أوْ لا؟ فابن كيسان قال

بالأول، والجماعة قالوا بالثاني. قيل: وهذا فرع من أصل كبير اختلف النحاة فيه، وهو أنه هل يشترط انتصاب المشتغل عنه والسببي من جهة واحدة أو لا يشترط ذلك، فيجوز أن يكون المشتغل عنه منصوباً من وجه مخالف للوجه الذي انتصب السببي منه؟ وعدم الاشتراط هو الصحيح، ويعضده نقل الأخفش عن العرب أنهم يقولون: أزيداً جلست عنده؟ فـ (زيداً) منصوب على أنه مفعول به، والسببي منصوب على أنه مفعول فيه، فاختلفت جهتا النصب، ولم يبالوا بالاختلاف، والفرع الذي ذكره المصنف من هذا الأصل: وبيانه أن الباء في المثال للسببية، فالمجرور بها مفعول من أجله، وانتصاب (زيد) على أنه مفعول به، فاختلفت جهتا الاقتضاء. «وإن رفع المشغول شاغله لفظاً» نحو: زيد قام، «أو تقديراً» نحو: زيد غضب عليه، ويشمل قوله: شاغله الضمير كما مثلنا، والسببي نحو: زيد قام أبوه، وزيد غُضِبَ على أبيه. «فحكمه في تفسير رافع الاسم [السابق] حكمه في تفسير ناصبه» وكان حقه أن يقول: حكم ناصب الضمير في تفسير ناصب الاسم السابق، وإلا فكلامه يقتضي أن الرافع هو الناصب، وحينئذ فتكون أقسام هذا النوع خمسة:

الأول: ما يجب رفعه على الابتداء، وذلك عند وجود مانع من الموانع المذكورة [أول الباب]، نحو زيد ما قام. الثاني: ما يجب رفعه بفعل مقدر، وذلك في كل موضع وجب فيه النصب في النوع الأول، نحو: إن زيد قام أكرمه. الثالث: ما يرجح رفعه بفعل مقدر على رفعه بالابتداء، وذلك في كل موضع ترجح فيه النصب في النوع الأول، نحو: أزيد قام؟ . الرابع: ما يستوي فيه الأمران، وذلك بعد ذات الوجهين، نحو: زيد قام وعمرو فعد. الخامس: [ما] يرجح رفعه بالابتداء على رفعه بفعل مقدر، وذلك عند فقد المانع والموجب والمرجح للفاعلية والمسوّي، نحو: زيد قام، كذا مثله المصنف. قال الشارح: وفيه نظر؛ لأن المعروف أن شرط تقدير الفعل/ في هذا النوع وجود طالب للفعل لزوماً أو اختياراً، وهو مفقود هنا، ولايعلم من أجاز رفعه على

الفاعلية إلا أبو القاسم بن العريف. قلت: زاد غيره: المبرد، وينبغي أن يزاد الكوفيون؛ لأنهم قائلون بجواز تقديم الفاعل على رافعه، فيكون جواز الاشتغال في ذلك عندهم أقيس من جوازه عند من قال لا يتقدم. «ولا يجوز- في نحو: أزيد ذُهب به؟ -» وهو من أمثلة سيبويه، ومثله: أزيد غُضِب عليه، وأعمرو انطُلق به؟ . «الاشتغال بمصدر منوي، ونصب صاحب الضمير، خلافاً للسيرافي وابن السراج». فإنهما أجازا ذلك فجعلا النائب عن الفاعل ضمير مصدر الفعل المذكور، أي أزيداً ذهب الذهاب [به]، فيكون المجرور في محل النصب، فينصب الاسم السابق لحصول الشرائط، وهو ضعيف لعدم الاختصاص في المصدر المدلول عليه بفعله. وقول المصنف: (الاشتغال) عبارة موهمة في هذا الباب أن الفعل اشتغل بضمير المصدر عن نصب الاسم السابق، وليس كذلك، فصواب العبارة أن يقول: إسناد الفعل إلى ضمير المصدر. فمراده الاشتغال عن الإسناد إلى الضمير المجرور بالإسناد إلى ضمير المصدر. وقوله: (ونصب صاحب الضمير)، أي: الضمير المجرور. وقوله: (بمصدر [منوي])، حق العبارة: بضمير المصدر المنوي، لأن المنوي

ضمير المصدر لا المصدر. «وقد يفسّر عامل الاسم المشغول عنه العامل الظاهر عاملاً فيما قبله إن كان من سببيه، وكان المشغول مسنداً إلى غير ضميريهما» وذلك نحو: أزيد أخوه تضربه، بـ[التاء] [المثناة من فوق]، وهو من أمثلة سيبويه، فـ (زيد) مبتدأ [أول] [وأخوه مبتدأ] ثان، و (تضربه) خبر [المبتدأ] الثاني، والجملة خبر المبتدأ [الأول]، ويجوز نصب الأخ على الاشتغال بلا خلاف، فتقول: أزيد أخاه نضربه، واختلف في جواز نصب (زيد)، فأجازه سيبويه والأخفش ومن وافقهما، فتقول: أزيداً أخاه تضربه؟ ، وهذه هي المسألة التي ذكرها في المتن، فتنصب (أخاه) بفعل مقدر يدل عليه العامل الظاهر بعده، ويفسر هذا العامل المقدر الذي هو عامل في (أخاه) عاملاً في (زيد) المذكور قبله، والتقدير: أتهين زيداً تضرب أخاه تضربه؟ ، فالثاني مقدر له مثل المذكور لأن الضرب واقع عليه، والأول مقدر له ما يلزم من المذكور، بل الأولى أن يقال: ما يلزم عن المقدر، لأنه المفسر له، والذي يقرب لك المسألة أن المحذوف الثاني مدلول عليه بالمذكور فكأنه مذكور، وكأن الدال عليه هو مذكور، والحاصل أن المفسّر بفتح السين قد يكون مفسراً بكسرها وأن المقدر قد يكون دليلاً على مقدر آخر، وذلك إذا كان في

اللفظ شيء مغنٍ عنه نزّل ذكره منزلة ذكره، ولا يخفي عليك أن المشغول في مثالنا- وهو الفعل من قولك: أزيداً أخاه تضربه؟ - مسند إلى غير ضمير (زيد)، [وأخيه]؛ إذ هو مسند [إلى] ضمير المخاطب، ومثله أزيداً أخاه أضربه أنا، أو يضربه عمرو، أو نضربه نحن. واحترز بقوله: (من سببيه) من نحو: أزيداً عمراً تضربه؟ ؛ لأن الثاني أجنبي. «فإن أسند إلى أحدهما» أي: إلى أحد المضيرين، [نحو]: أزيد أخوه يضرب؟ ، بالياء آخر الحروف. «فصاحبه» أي: صاحب الضمير، وهو الاسم الذي يفسره الضمير «مرفوع بمفسر المشغول، وصاحب» الضمير «الآخر منصوب به». أي: بالمفسر المشار إليه، فتقول: أزيد أخاه يضربه؟ ، برفع زيد إن كان هو الضارب، وأزيداً أخوه يضربه؟ ، بالياء آخر: الحروف بنصب [زيد] إن كان الضارب الأخ، [الأن الضمير الشاغل وما يفسره لا يختلف إعرابهما، والتقدير: - حيث يكون الضارب الأخ] أيضرب زيداً أخوه يضربه؟ ، فالاشتغال في الصورتين وقع، عن اسمين لكن في الثانية قدم المفعول.

وقول المصنف: (فصاحبه مرفوع) يوهم اللزوم، وليس كذلك، بل يجوز رفعهما على ما أسلفناه بإجماع.

§1/1