تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة

ابن عثيمين

المقدمة

المقدمة القاريء: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين قال الشيخ العالم العلامة الأوحد الصدر الكامل شيخ الإسلام قدوة الأنام موفق الدين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله:- الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار عالم خفيات الأسرار غافر الخطيئات والأوزار الذي امتنع عن تمثيل الأفكار وارتفع عن الوصف بالحد والمقدار. الشيخ: الأولى أن لا يقال الذي امتنع والعبارة الصحيحة أن يقال الذي تنزه عن التمثيل أما امتنع عن التمثيل فمعناه إنه عولج وطلب منه أن يُمثّل ولكنه امتنع. القاريء: وأحاط علمه بما في لجج البحار وله ما سكن في الليل والنهار أنعم علينا بالنعم الغزار. الشيخ: ارتفع عن الوصف بالحد والمقدار يعني إن الله لا يحد بحد يحصره أو يقدره بل هو أكبر من كل شيء عز وجل وقد اختلف العلماء هل يضاف الحد إلى الله أو لا يضاف؟ والصحيح أنه من جنس الجسم فهو من الألفاظ المبتدعة الحديثة فالأولى أن لا نتكلم بهذا إطلاقا لكن إذا بلينا فإننا نستفصل ونقول ماذا تريد بالحد إن أردت الله سبحانه وتعالى محدود بشيء فهذا لا يجوز وحرام لأنه يقتضي أن يكون شيء من مخلوقاته محيطا به وإن أردت أنه بحد يعني أنه بائن من الخلق ليس مختلطا فيهم فهذا صحيح.

كتاب الطهارة

القاريء: ومن علينا بالنبي المختار محمد سيد الأبرار المبعوث من أطهر بيت في مضر بن نزار صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته المصطفين الأخيار صلاة تجوز حد الإكثار دائمة بدوام الليل والنهار هذا كتاب استخرت الله تعالى في تأليفه على مذهب إمام الأئمة ورباني الأمة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه في الفقه توسطت فيه بين الإطالة والاختصار وأومأت إلى أدلة مسائله مع الاقتصار وعزوت أحاديثه إلى كتب أئمة الأمصار ليكون الكتاب كافيا في فنه عما سواه مقنعا لقارئه بما حواه وافيا بالغرض من غير تطويل جامعاً بين بيان الحكم والدليل وبالله أستعين وعليه أعتمد وإياه أسأل أن يعصمنا من الزلل ويوفقنا لصالح القول والنية والعمل ويجعل سعينا مقربا إليه ونافعا لديه وينفعنا والمسلمين بما جمعنا ويبارك لنا فيما صنعنا وهو حسبنا ونعم الوكيل. (كتاب الطهارة) باب حكم الماء الطاهر القاريء: يجوز التطهر من الحدث والنجاسة بكل ماء نزل من السماء من المطر وذوب الثلج والبرد لقول الله تعالى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (لأنفال: من الآية11) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)) متفق عليه الشيخ: قوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) (الفرقان: من الآية48) والطهور هو الطاهر بذاته المطهر لغيره وإن شئت فقل الطهور ما يتطهر به. القاريء: وبكل ماء نبع من الأرض من العيون والبحار والآبار لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من بئر بضاعة رواه النسائي

الشيخ: إذاً نأخذ من هذا الفصل قاعدة (كل ماء نزل من السماء أو نبع من الأرض فهو طهور مطهر من الأحداث والأنجاس) فصل القاريء: فإن سخن بالشمس أو بطاهر لم تكره الطهارة به لأنها صفة خلق عليها الماء فأشبه ما لو برده وإن سخن بنجاسة يحتمل وصولها إليه الشيخ: قوله لأنها صفة خلق عليها الماء هذا فيه نظر لأن الماء لم يخلق عليها لو خلق عليها ما احتاج إلى تسخين فيقال إنه لم يخلق عليها لأنه سخن أما قوله وبطاهر فمثل الحطب وروث الإبل أما روث الحمير فنجس. القاريء: وإن سخن بنجاسة يحتمل وصولها إليه ولم يتحقق فهو طاهر لأن الأصل طهارته فلا تزول بالشك ويكره استعماله لاحتمال النجاسة وذكر أبو الخطاب رواية أخرى أنه لا يكره لأن الأصل عدم الكراهة. الشيخ: نعم الراجح أنه لا يكره التطهر به يعني لا يكره استعماله كما قال أبو الخطاب لأن الأصل عدم الكراهة والكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل. القاريء: وإن كانت النجاسة لا تصل إليه غالبا ففيه وجهان أحدهما يكره لأنه يحتمل النجاسة فكره كالتي قبلها والثاني لا يكره لأن احتمال النجاسة بعيد فأشبه غير المسخن الشيخ: إذاً المسخن بالشمس أو بطاهر لا كراهة فيه والمسخن بنجس إن كان يحتمل وصولها إليه فهو مكروه وإن كان لا يحتمل ففيه وجهان مع أن المسألة الأولى أيضا فيها خلاف فأبو الخطاب رحمه الله يرى أنه لا يكره والصحيح أنه لا يكره إذاً الفصل هذا فيه مسألتان المسألة الأولى إذا سخن بطاهر أو بالشمس فهذا طهور غير مكروه قولا واحدا وإذا سخن بنجس ففيه الخلاف سواء احتمل وصول النجاسة أم لم يحتمل والصحيح أنه لا يكره. فصل

القاريء: وإن خالط الماء طاهر لم يغيره لم يمنع الطهارة به لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((اغتسل هو وزوجته من قصعة واحدة فيها أثر العجين)) رواه النسائي وابن ماجه والأثرم ولأن الماء باقٍ على إطلاقه فإن كان معه ماء يكفيه لطهارته فزاده مائعا لم يغيره ثم تطهر به صح لما ذكرنا وإن كان الماء لا يكفيه لطهارته فكذلك لأن المائع استهلك في الماء فهو كالتي قبلها وفيه وجه آخر لا تجوز الطهارة به لأنه أكملها بغير الماء فأشبه ما لو غسل به بعض أعضائه الشيخ: إذا خالط الماء طاهر لم يغيره فلا شيء فيه يعني مثلا خالطه عجين أو خالطه تمر أو خالطه حلوى لكنها لم تغيره فهذا لا يضر لأن الماء باقِ على إطلاقه كما قال المؤلف وإن كان معه ماء يكفيه لطهارته فزاده مائعا ولكنه لم يغيره أيضا لا يضر كيف هذا يعني إنسان معه ماء قليل لا يكفي لطهارته ومعه شاهي الشاهي يسمى مائع فصب من الشاهي على الماء من أجل أن يزيده فيكمّل طهارته فهذا لا بأس به على القول الراجح وفيه وجه آخر إنها لا تجوز لكن الصحيح أنه يجوز أن يتطهر به لأن هذا المائع استهلك الماء فزال حكمه. القاريء: وإن غير الطاهر صفة الماء لم يخل من أوجه أربعة أحدها ما يوافق الماء في الطهورية كالتراب وما أصله الماء كالملح المنعقد من الماء فلا يمنع الطهارة به لأنه يوافق الماء في صفتيه أشبه الثلج الشيخ: يعني أنه أصله الماء ولم يتغير. القاريء: والثاني ما لا يختلط بالماء كالدهن والكافور والعود فلا يمنع لأنه متغير عن مجاورة فأشبه ما لو تغير الماء بجيفة بقربه

الشيخ: يعني لو صب في الماء دهن فالدهن ما يمكن يختلط بالماء فلو تغير الماء من هذا الدهن لم يضر لأنه تغير عن مجاورة لا عن اختلاط كذلك الكافور والكافور طيب يجعل للأموات فلو وضعنا في الماء كافور فالكافور ما يمكن يمتزج بالماء ولا يموع في الماء فإذا تغير الماء منه فإنه لا يضر لأن التغير هنا عن مجاورة لا عن ممازجة وقول المؤلف أشبه تغير الماء بجيفة بقربه هذه المسألة صورتها أن يكون هناك ماء ولنقل إنه غدير والغدير مجتمع السيول إلى جانبه جيفة فصارت الرياح تنقل رائحة الجيفة إلى هذا الماء فإذا أخذت الماء وشممته أدركت أنه متغير برائحة الجيفة فهذا لا ينجس وقد حكاه بعض العلماء إجماعا مع أنه متغير بالنجاسة وهذا لأن النجاسة هنا لم تختلط به بل هو عن مجاورة أشبه ما لو كان لك ثوب حوله رائحة خبيثة وهو رطب فحمل من هذه الرائحة الخبيثة النجسة فهل تصلي فيه أو لا؟ تصلي فيه لماذا لأن النجاسة لم تصبه فإن صح الإجماع على أن هذا الماء المجاور الذي تغير بالنجاسة المجاورة يبقى على طهوريته فلا عدول لنا عن إجماع المسلمين وإن لم يصح الإجماع فإن القياس يقتضي أن يكون نجساً لأنه متغير بالنجاسة ولولا أن النجاسة أثرت فيه ودخلت فيه ما كان له رائحة وكأن المؤلف رحمه الله يرى انعقاد الإجماع لأنه قاسه ومن شرط قياس حكم على حكم أن يكون الأصل المقيس عليه متفقا عليه ولو بين الخصمين على الأقل يعني ما يمكن تقيس فرع على أصل وأنا خصمك أنازع في الأصل لماذا؟ لأني أقول لك لا أسلم الأصل حتى أسلم الفرع ولهذا من شرط القياس أن يكون الأصل متفقا عليه إما بين المسلمين عموما أو على الأقل بين الخصمين فيقول الخصم لخصمه ألست تقول كذا وكذا في هذا الحكم قال نعم فيقول إذاً نقيس عليه هذه المسألة. سائل: هل يعارض هذا الإجماع على أنه إذا تغير الماء برائحة فهو نجس؟

الشيخ: هم يقولون ما تغير طعمه أو لونه أو رائحته بنجاسة تحدث فيه كما هو لفظ الحديث الذي ذكره ابن حجر في بلوغ المرام (بنجاسة تحدث فيه) وقالوا هذه النجاسة ما حدثت فيه هذه النجاسة بقربه فالمهم إن كان الإجماع فلا عدول لنا عنه ولا يسوغ لنا أن نخرج عن إجماع المسلمين وإن كان ليس هناك إجماع فالقول قول من يقول إنه ينجس لأن هذا الماء خبيث. سائل: إذا حكمنا بنجاسته هل يعدل عنه إلى التيمم؟ الشيخ: إذا حكمنا بنجاسته ولم يمكن تطهيره فإن أمكن تطهيره بأن يحمل ويبعد عن المكان هذا وتزول رائحته. القاريء: والثاني ما لا يختلط بالماء كالدهن والكافور والعود فلا يمنع لأنه تغير عن مجاورة فأشبه ما لو تغير الماء بجيفة بقربه. الثالث ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب وسائر ما ينبت في الماء وما يجري عليه الماء من الكبريت والقار وغيرهما وورق الشجر على السواقي والبرك وما تلقيه الريح والسيول في الماء من الحشيش والتبن ونحوهما فلا يمنع لأنه لا يمكن صون الماء عنه. الرابع ما سوى هذه الأنواع كالزعفران والإشنان والملح المعدني وما لا ينجس بالموت كالخنافس والزنابير وما عفي عنه لمشقة التحرز إذا ألقي في الماء قصدا فهذا إن غلب على أجزاء الماء مثل أن جعله صبغا أو حبرا أو طبخ فيه سلبه الطهورية بغير خلاف لأنه زال اسم الماء فأشبه الخلق وإن غير إحدى صفاته طعمه أو لونه أو ريحه ولم يطبخ فيه فأكثر الروايات عن أحمد أنه لا يمنع لقول الله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (المائدة: من الآية6) ولأنه خالطه طاهر لم يسلبه اسمه ولا رقته ولا جريانه أشبه سائر الأنواع وعنه لا يجوز الطهارة به لأنه سلب إطلاق اسم الماء أشبه ماء الباقلاء المغلي وهذا اختيار الخرقي وأكثر الأصحاب.

الشيخ: هذا الفصل ذكر فيه المؤلف أنه إذا خلط الماء بطاهر لم يغيره لم يمنعه الطهارة يعني بأن سقط فيه أوراق شجر أو قطع خرق أو خشب أو غيرها ثم لم يغيره لا غير طعمه ولا لونه ولا ريحه فهذا طهور لا يمنع الطهارة به. الثاني ما لا يختلط به الماء يعني ما لا يمازج الماء مثل الكافور والدهن والزيت والقاز والبنزين وما أشبهه فهذا أيضا لا يؤثر حتى لو تغير الماء به وذلك لأنه لا يمتزج به فأشبه المتغير برائحة جيفة إلى جانبه. الثالث ما لا يمكن التحرز منه مثل الطحلب والطحلب هو الذي يكون على ظهر الماء أخضر أو يكون أيضا في الأرض كالنبات أو كذلك بعض البرك يخرج فيها شيء يسمى السعد نوع من النبات أو التراب الذي تحمله الريح أو أوراق الشجر المهم كل شيء لا يمكن التحرز منه هذا أيضا لا يضر حتى لو تغير طعم الماء ولونه وريحه. الرابع ما يتغير به الماء ولا يشق صون الماء عنه ويمتزج بالماء فهذا إذا غير الماء فيه روايتان عن أحمد: الأولى أنه طاهر غير مطهر. والثاني أنه طهور والصحيح أنه طهور وهذا ظاهر كلام الموفق رحمه الله لأنه قدمه قال وإن غير إحدى صفاته لم يمنع الطهارة به وعنه لا تجوز الطهارة به إذا ذكر المؤلف في هذا روايتين وقدم عدم سلبه الطهورية وأنه يجوز الطهارة به وهذا هو الصحيح أما إذا طبخ فيه فإنه ينتقل اسمه عن اسم الماء إلى اسم هذا المطبوخ فيه مثل المرق وشبهه أو الشاهي فهذا يسلبه الطهورية لأنه انتقل فالحاصل الآن أن الماء إذا خالطه طاهر فإنه ينقسم إلى أربعة أقسام:

الأول ما لا يتغير به والثاني ما لا يمتزج به والثالث ما يشق صون الماء عنه والرابع ما عدا ذلك الأقسام الثلاثة الأولى ما حكمها؟ لا يسلبها الطهورية ولا يمنع الطهارة به والرابع فيه روايتان عن الإمام أحمد إحداهما أنه لا يسلبه الطهورية وهو الذي قدمه الموفق في هذا الكتاب وهو الصحيح والرواية الثانية يسلبه الطهورية وهذا هو المذهب عند المتأخرين أنه إذا تغير: 1. بطاهر. 2. ممازج. 3. لا يشق صون الماء عنه. فإنه يكون طاهراً غير مطهر هذه القيود الثلاثة من أجل أن تخرج الأقسام الثلاثة الأولى. فصل القاريء: فإن استعمل في رفع الحدث فهو طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((صب على جابر من وضوئه)) رواه البخاري ولأنه لم يصبه نجاسة فكان طاهرا كالذي تبرد به وهل تزول طهوريته فيه روايتان أشهرهما زوالها لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه المتغير بالزعفران والثانية لا تزول لأنه استعمال لم يغير الماء أشبه التبرد به وإن استعمل في طهارة مستحبة كالتجديد وغسل الجمعة والغسله الثانية والثالثة فهو باقٍ على إطلاقه لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل نجسا وعنه أنه غير مطهر لأنه مستعمل في طهارة شرعية أشبه المستعمل في رفع الحدث

الشيخ: انتقل المؤلف رحمه الله من الماء المتغير إلى الماء المستعمل فإن استعمل في طهارة واجبة مثل الوضوء إنسان يتوضأ ويتناثر من أعضائه ماء هذا المتناثر يسمى مستعملا ذكر المؤلف أنه طاهر لأنه لم تصبه نجاسة لكن هل هو طهور يعني هل هو مطهر أو لا؟ ذكر في ذلك روايتان الأشهر من الروايتين أنه لا يطهر والثانية أنه طهور يطهر والصحيح أنه طهور يطهر وقد علل كونه طاهرا غير مطهر بما ذكر المؤلف زال عنه إطلاق اسم الماء وهذا غير مسلم هل ما تناثر من أعضاء الوضوء أو من البدن بعد غسل الجنابة هل زال عنه اسم الماء؟ أبداً هو ماء لكن علله بعض العلماء بعلة أخرى قال لأن هذا استعمل في طهارة واجبة فلا يعاد مرة أخرى كالعبد إذا أعتق فإنه لا يعتق مرة ثانية وهذا القياس فيه نظر لأن العبد إذا أعتق صار حراً ولا يمكن أن يسترق بعد ذلك نعم لو فرض أنه ذهب إلى الكفار ثم قاتلنا الكفار ثم سبيناه مرة ثانية فحينئذ يرجع رقيقا وهذا الماء أيضا لما استعمل في الطهارة الواجبة نقول لم يزل اسم الماء عنه بخلاف العبد فإنه عتق وصار حراً فالقياس إذاً ليس بصحيح وعلى هذا فيكون القول الراجح في هذه المسألة أنه استعمل في طهارة واجبة فإنه طهور مطهر. الثاني ما استعمل في طهارة مستحبة فقدم المؤلف أنه باق على طهارته أي أنه طهور مثال الطهارة المستحبة كتجديد الوضوء والطهارة لقراءة القرآن هذه مستحبة وغسل الجمعة على القول بأنه مستحب فيكون الماء طهورا مطهرا والرواية الثانية أنه غير مطهر لأنه مستعمل في طهارة شرعية فأشبه المستعمل في طهارة واجبة هذان نوعان من الاستعمال الأول ما استعمل في طهارة واجبة والثاني ما استعمل في طهارة مستحبة والثالث سيأتينا ما استعمل في غسل نجاسة في الفصل الذي سيأتي والراجح أنه طهور في المسائل السابقة كلها. فصل

القاريء: وإن استعمل في غسل نجاسة فانفصل متغيرا بها أو قبل زوالها فهو نجس لأنه متغير بنجاسة أو ملاق لنجاسة لم يطهرها فكان نجسا كما لو وردت عليه وما انفصل من الغسلة التي طهرت المحل غير متغير فهو طاهر إن كان المحل أرضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((أمر أن يصب على بول الأعرابي ذنوبا من ماء)) متفق عليه فلو كان المنفصل نجسا لكان تكثيرا للنجاسة وإن كان غير الأرض ففيه وجهان أظهرهما طهارته كالمنفصل عن الأرض ولأن البلل الباقي في المحل طاهر والمنفصل بعض المتصل فكان حكمه حكمه والثاني نجس لأنه ماء يسير لاقى نجاسة فتنجس بها كما لو وردت عليه فإن قلنا بطهارته فهل يكون مطهرا على وجهين بناءً على الروايتين في المستعمل في رفع الحدث وقد مضى توجيههما الشيخ: هذا المستعمل في النجاسة فالمستعمل في إزالة النجاسة إما أن ينفصل والنجاسة موجودة فهذا نجس مثال ذلك رجل أراد أن يغسل ثوبا أصابه دم فجعل يغسله فأول غسلة ستكون متغيرة بالنجاسة أو ملاقية لها فيكون نجسا سواء تغير أم لم يتغير لأنه لاقى النجاسة وكذلك إذا انفصل قبل السابعة إذا قلنا بوجوب غسل النجاسات سبعا يكون أيضا نجسا لأنه انفصل عن محل نجس وإن كانت النجاسة قد زالت لأن المحل لا يطهر إلا بسبع غسلات فما انفصل قبل السابعة فهو نجس. الثاني أن ينفصل في السابعة فهذا إن انفصل متغيرا فظاهر أنه نجس وإن انفصل غير متغير فهو طاهر لكن هل يكون مطهراً؟ على قولين: القول الأول أنه ليس بمطهر لأنه ماء حصل به التطهير إذ أن السابعة هي آخر الغسلات فصار كالمستعمل في رفع الحدث والثاني أنه طهور مطهر وهذا القول هو الراجح.

فالخلاصة الآن إذا استعمل في إزالة نجاسة فما انفصل والنجاسة موجودة فهو نجس وما انفصل قبل السابعة فهو نجس أيضا أما الأول فهو نجس لأنه لاقى النجاسة وأما الثاني فهو نجس لأنه انفصل عن محل نجس لم يطهر وإن انفصل في السابعة بعد زوال النجاسة يعني النجاسة زالت مثلا في أول غسله أو في ثاني غسله أو خامس غسله ففيه ثلاثة أقوال أنه نجس والثاني أنه طاهر غير مطهر والثالث أنه طهور وهذا الأخير هو الصحيح هذا إذا كان غير أرضٍ أما إذا كان أرضا فهو طاهر قولا واحداً لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بصب الماء على بول الأعرابي ولم يصب مرة ثانية هذا خلاصة هذا الفصل فصار الماء المستعمل إما أن يكون في رفع حدث أو في طهارة مشروعة مستحبة أو في إزالة نجاسة والصحيح في جميع هذه الاستعمالات أنه طهور ما لم يتغير فيما إذا استعمل في إزالة النجاسة فإن كان متغيرا فهو نجس فصل القاريء: وإذا انغمس المحدث في ماء يسير ينوي به رفع الحدث صار مستعملا لأنه استعمل في رفع الحدث ولم يرتفع حدثه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه)) رواه مسلم والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ولأنه بأول جزء انفصل منه صار مستعملا فلم يرتفع الحدث عن سائرها. الشيخ: هذا الاستعمال للماء في رفع الحدث لكن على صفة غير الأولى فالأولى يصب الماء عليه ثم ينفصل الثاني وهذا انغمس شخص محدث في ماء يسير ونوى رفع الحدث فيقول المؤلف يكون الماء مستعملا في رفع الحدث ولا يرتفع حدثه وهذا من الغرائب أن يقال إنه استعمل في رفع الحدث والحدث لم يرتفع فإذا كان لم يرتفع فأين الاستعمال في رفع الحدث يقول المؤلف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه)) رواه مسلم ويغتسل فيها ثلاث روايات يغتسلْ بالسكون عطفا على النهي ويغتسلُ بالضم على الاستئناف ويغتسلَ بالفتح على أنها مثل واو المعية فعلى:

الوجه الأول ثم يغتسل فيه يكون النهي عن البول والاغتسال. وعلى الثاني الرفع يكون النهي عن البول فقط وتكون جملة استئنافية. وعلى النصب يكون النهي عن الجمع بينهما وعلى كل حال فالحديث ينازَعُ المؤلف رحمه الله في كونه يدل على فساد هذا الاغتسال فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الاغتسال بعد البول لأن هذا فيه تنافي كيف تغتسل بماء بلت فيه هذا منافي حتى للمروءة هو ماء قليل دون القلتين تبول فيه ثم تغتسل لا شك أن هذا ينافي المروءة إذ أن البول معروف أنه نجس وأنه ينجس ما لاقاه إما مطلقا أو إذا تغير فكيف تغتسل فيه لكن مع ذلك نقول الصواب في هذه المسألة التي ذكرها المؤلف أن الإنسان إذا نوى وانغمس في ماء يسير ونوى رفع الحدث فإن حدثه يرتفع والماء حتى إن قلنا إنه يكون مستعملا فقد سبق لنا قبل قليل أن الماء المستعمل طهور على إننا قد نمنع أن نقول إن هذا الماء مستعمل لأن المستعمل منه ما باشر الأعضاء هذا المستعمل أما ما انفصل فهو بعيد عن الجسم فالماء الذي في البركة ما لم يمس الجلد فلا يقال إنه مستعمل في الطهارة وعلى كل حال الصحيح في هذه المسألة أنه طهور مطهر ثم نقول إن استدلال المؤلف بالحديث لهذه المسألة لا يطابق فهذا رجل استعمل الماء في طهارة حدث والحديث نهى عن البول ثم الاغتسال فهل الدليل الذي استدل به المؤلف مطابق للمسألة التي ذكرها؟ الجواب لا لأن الدليل في البول ومعلوم أن البول يتأثر به الماء إلى خبث إما في اللون وإما في الرائحة وإما في الطعم فاستدلال المؤلف لحكم المسألة التي ذكرها بهذا الحديث استدلال في غير محله. فصل

القاريء: وما سوى الماء من المائعات كالخل والمري والنبيذ وماء الورد والمعتصر من الشجر لا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا لقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (المائدة: من الآية6) فأوجب التيمم على من لم يجد ماءً وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب ((تحتيه ثم تقرصيه ثم تنضحيه بالماء ثم تصلي فيه)) متفق عليه فدل على أنه لا يجوز بغيره والله أعلم. الشيخ: أما قوله لا يرفع حدثا فالأمر مسلم أن غير الماء لا يرفع حدثا وأما قوله ولا يزيل نجسا ففيه نظر والصواب أن غير الماء إذا زالت به النجاسة فإنه مطهر والفرق بين الحدث والنجاسة أن الحدث عبادة مطلوب إيجادها والنجاسة قدر مطلوب إعدامه وإزالته وإعدامه وإزالته تحصل بأي مزيل ولهذا جاءت السنة بالاستجمار بدلا عن الاستنجاء والاستجمار إزالة للنجاسة بالحجارة وكذلك جاءت السنة بتطهير النعل بالحك وجاءت السنة بتطهير ذيل ثوب المرأة الذي ينسحب من ورائها بما يمر عليه من الطاهر بعد النجس ولهذا لو أن النجاسة زالت بنفسها فإن المحل يكون طاهرا ولو أمطرت السماء على ثوب نجس فطهر فإنه يكون طاهرا ففرق بين رفع الحدث وبين إزالة النجاسة فالصحيح أن النجاسة إذا زالت بأي مزيل كان فإن المحل يكون طاهرا أما رفع الحدث فلا يكون إلا بالماء والآية فيه صريحة كما قال المؤلف لأن الله قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (النساء: من الآية43).

باب الماء النجس

باب الماء النجس القاريء: إذا وقع في الماء نجاسة فغيرته نجس بغير خلاف لأن تغيره لظهور أجزاء النجاسة فيه وإن لم تغيره لم يخل من حالين أحدهما أن يكون قلتين فصاعدا فهو طاهر لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)) رواه الأئمة وقال الترمذي هذا حديث حسن وفي لفظ ((لم ينجسه شيء)) وروى أبو سعيد رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله أيتوضأ أحدنا من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) قال أحمد حديث بئر بضاعة صحيح قال أبو داود قدرت بئر بضاعة بردائي فوجدتها ستة أذرع أو سبعة ولأن الماء الكثير لا يمكن حفظه في الأوعية فعفي عنه كالذي لا يمكن مسحه. الثاني ما دون القلتين ففيه روايتان. أظهرهما نجاسته لأن قوله (إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء) يدل على أن ما لم يبلغهما نجس ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) متفق عليه فدل على نجاسته من غير تغيير ولأن الماء اليسير يمكن حفظه في الأوعية فلم يعف عنه وجعلت القلتان حدا بين القليل والكثير. والثانية هو طاهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) وروى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((الماء طهور لا ينجسه إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه)) رواه ابن ماجه ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير. الشيخ: المؤلف رحمه الله تعالى لما أنهى الكلام على الماء المستعمل وذكرنا أنه مستعمل في ثلاثة أشياء طهارة واجبة من حدث وطهارة مستحبة والثالث إزالة نجاسة فالطهارة الواجبة من الحدث قلنا الراجح فيها أنه يكون طهورا وكذلك المستعمل في طهارة مستحبة وأما المستعمل في إزالة النجاسة فقلنا إن له ثلاث حالات: الأولى أن ينفصل قبل زوال النجاسة أو قبل السابعة فهو نجس بكل حال.

الثانية أن ينفصل في السابعة فهو طاهر وقيل إنه طهور وقيل إنه نجس إذا كان غير الأرض. الثالثة أن ينفصل بعد السابعة فهو طهور بالاتفاق إلا إذا كانت النجاسة لم تزل مثل أن تكون النجاسة يابسة ولم تزل في سبع غسلات فإنه يكون كالمنفصل قبل زوال النجاسة وقد ذكرنا أنه نجس ثم ذكر المؤلف رحمه الله أن ما سوى الماء لا يرفع الحدث ولا يزيل النجاسة وقلنا إن كونه لا يرفع الحدث مسلم وأما كونه لا يزيل النجس ففيه نظر والصواب أن النجاسة إذا زالت بأي مزيل فإن المكان يكون طاهراً. ذكر في باب الماء النجس الماء إذا وقعت فيه نجاسة فهذا لا يخلو من ثلاثة أحوال: الحال الأولى: أن يتغير بالنجاسة طعمه أو ريحه أو لونه فهنا يكون نجسا بلا خلاف الثاني: أن يكون أقل من القلتين فهذا يكون نجسا أيضا فإذا كان أقل من القلتين يكون نجسا سواء تغير بالنجاسة أم لم يتغير إذاً هذا مقابل الأول. فالأول ما تغير بنجاسة فهو نجس قليلا كان أو كثيرا. الثاني: إذا لاقته النجاسة وهو دون القلتين فهو نجس هذا هو المشهور من المذهب وهو الذي قال المؤلف إنه الأظهر والصحيح أنه ليس بنجس وهو الرواية الثانية وحجة القائلين بأنه نجس قول النبي عليه الصلاة والسلام ((إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء)) مفهومه إذا لم يبلغ فإنه ينجس وهذا الحديث مضطرب سندا ومتنا وقد ذكر ابن القيم في تهذيب السنن ستة عشر وجها تدل على أنه لا يصح أن يحتج به وهذا الحديث لو أخذنا بظاهره إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء لكان ظاهره أنه إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء سواء غيره أم لم يغيره وهذا لا يقول به أحد لأنه إذا تغير بنجاسة فهو نجس بلا خلاف.

الثاني أن نقول إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء مفهومه دون القلتين ينجس لكنه مطلق وحديث (إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه) مقيد فيكون مقيدا به ولهذا كان القول الصحيح في هذه المسألة أنه لا ينجس إلا بالتغير ولو كان دون القلتين. الثالث ما كان فوق القلتين فهذا لا ينجس ولو لاقته نجاسة إلا بالتغير والخلاصة إذا وقع في الماء نجاسة فلا يخلو من ثلاث حالات الأولى أن يتغير فهذا نجس الثاني أن يكون فوق القلتين فهذا ليس بنجس ما لم يتغير الثالث إذا كان دون القلتين ففيه روايتان عن أحمد المشهور من المذهب أنه نجس والصحيح أنه ليس بنجس لكن هل يحتاج أن نقول ما لم يتغير؟ لا يحتاج لأنا قلنا بالأول إن المتغير نجس بكل حال وكلامنا الآن فيما إذا لم يتغير واستدل المؤلف بقول النبي عليه الصلاة والسلام ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) متفق عليه وهذا ليس فيه دليل لأن نجاسة الكلب ليست كغيره وهنا قد يكون الأمر بالغسل ليس من أجل أنه نجس ولكن من أجل ما يخشى من الضرر ولهذا قال (إحداها بالتراب) ولا يوجد نظير لهذه النجاسة من النجاسات وعلى كل حال الاستدلال بهذا الحديث فيه منازعة بمعنى أنه غير مسلم. فصل

القاريء: وفي قدر القلتين روايتان إحداهما أنهما أربعمائة رطل بالعراقي لأنه روي عن ابن جريج ويحي بن عقيل أن القلة تأخذ قربتين وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائتا رطل فصار القلتان بهذه المقدمات أربعمائة رطل، والثانية هما خمسمائة رطل لأنه يروى عن ابن جريج أنه قال رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفا فيكونان خمس قرب وهل ذلك تحديد أو تقريب فيه وجهان أظهرهما أنه تقريب فلو نقص رطل أو رطلان لم يؤثر لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريبا والشيء إنما جعل نصفا احتياطا والغالب أنه يستعمل فيما دون النصف وهذا لا تحديد فيه والثاني أنه تحديد فلو نقص شيئا يسيرا تنجس بالنجاسة لأنا جعلنا ذلك احتياطا وما وجب الاحتياط به صار فرضا كغسل جزء من الرأس مع الوجه الشيخ: على كل حال هذه المسألة تحديد أو تقريب وهل هي أربعمائة رطل أو خمسمائة رطل كله مبني على صحة حديث القلتين فإذا لم يصحح وقلنا إن مدار نجاسة الماء على تغيره بالنجاسة فإننا نستريح من هذا الخلاف. فصل القاريء: وجميع النجاسات في هذا الباب سواء إلا بول الآدميين وعذرتهم المائعة فإن أكثر الروايات عن أحمد أنها تنجس الماء الكثير لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه)) متفق عليه إلا أن يبلغ حدا لا يمكن نزحه كالغدران والمصانع التي بطريق مكة فذلك الذي لا ينجسه شيء لأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم ينصرف إلى ما كان بأرضه على عهده من آبار المدينة ونحوها وعنه أنه كسائر النجاسات لعموم الأحاديث التي ذكرناها ولأن البول كغيره من النجاسات في سائر الأحكام فكذلك في تنجيس الماء وحديث البول لابد من تخصيصه فنخصه بخبر القلتين.

الشيخ: نحن ذكرنا في الماء إذا وقعت فيه النجاسة ثلاث حالات فهل جميع النجاسات سواء؟ يقول المؤلف إن فيه خلاف فمن العلماء من أصحاب الإمام أحمد من قال إن بول الآدمي وعذرته المائعة تختلف عن بقية النجاسات وأنها إذا وقعت في الماء نجسته إلا إذا كان الماء يشق نزحه كمصانع طريق مكة ومصانع طريق مكة يقال إن التي بنتها زبيدة امرأة هارون الرشيد وهي عبارة عن أحواض كبيرة لا يزال آثارها موجودة الآن تأتي فيها السيول وتتجمع فيها ويكون فيها مياه كثيرة إذا مر الحجاج من العراق إلى مكة يمرون بها وكذلك أيضا الغدران التي تتجمع في السيول فهذه إذا أصابها بول الآدمي أو عذرته المائعة فإنها لا تنجس إلا بالتغير وعلى هذا القول فإننا نقدر بدل القلتين بما يشق نزحه فمثلاً عندنا ماءٌ قلتان أصابته نجاسة ولنقل إنها دم ولم تغيره فماذا يكون؟ طهوراً ولو أصابه بول كلب ولم يغيره فهو طهور ولو أصابه بول إنسان ففيه روايتان رواية تقول إنه نجس والكلام الآن فيما لم يتغير ورواية أخرى تقول إنه طهور فالرواية التي تقول إنه نجس تقول إن بول الآدمي وعذرته المائعة يقيدان بدلا من القلتين بما يشق نزحه ومعلوم أن القلتين فقط لا يشق نزحهما لكن الغدران الكبيرة يشق نزحها فلو قلنا لإنسان فرغ لنا هذا الغدير فإنه سيتعب تعبا شديدا إذاً ما يشق نزحه هو المقدار في بول الآدمي وعذرته والدليل قوله عليه الصلاة والسلام ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)) فنقول هذا الدليل لا دليل فيه إطلاقا هل قال الرسول عليه الصلاة والسلام إن الماء ينجس؟ لا لم يقل بل نهى عن الاغتسال فيه وهذا يدل على أن لنا الانتفاع به في جميع وجوه الانتفاعات إلا الاغتسال وعليه فلا دليل في الحديث إلى ما ذهب إليه هؤلاء وأيضا لو قلنا بهذا القول لكانت نجاسة الآدمي أغلظ من نجاسة الكلب وهذا خلاف الواقع. والخلاصة الآن أن الماء إذا وقعت فيه نجاسة فله ثلاث حالات:

الحال الأولى أن تغيره فما حكمه؟ نجس الحال الثانية أن يكون دون القلتين ولم تغيره ففيه روايتان والصحيح أنه طهور. الحال الثالثة أن يكون فوق القلتين ولم يتغير فهو طهور قولا واحدا إلا إذا كانت النجاسة بول آدمي أو عذرته المائعة فإننا نقدر بدل القلتين بما يشق نزحه وأما إذا كان لا يشق نزحه ولو كان أربع قلال فأصابته نجاسة آدمي فإنه ينجس والصحيح أن نجاسة الآدمي كغيرها من النجاسات لا ينجس الماء بها إلا بالتغير على القول الراجح ولا فرق بين نجاسة الآدمي وغيره. السائل: هل يشترط تغير الطعم واللون والريح جميعاً أو يكفي أحدهما؟ الشيخ: إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه يكفي فلو فرضنا أن هذا الماء ما تغير طعمه ولا لونه لكن تغيرت رائحته بنجاسة وقعت فيه فإنه يكون نجسا. سائل: هل حديث (إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على طمعه أو لونه أو ريحه) صحيح؟ الشيخ: هو ضعيف لكن الإجماع منعقد على ذلك الضعيف هي الزيادة إلا أن يتغير لكن هذه الزيادة مجمع عليها فإذا تغير مجمع على أنه نجس. السائل: الدليل الإجماع؟ الشيخ: الدليل الإجماع يعضد هذا الحديث الضعيف السائل: فهمنا من كلام المؤلف أن الماء ثلاثة أقسام فهل هذا صحيح؟ الشيخ: هذا سؤال وجيه جداً يقول فهمنا من كلام المؤلف أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أقسام طهور ونجس وطاهر غير مطهر فهل هذا التقسيم له دليل؟ والجواب لا دليل عليه ولهذا كان القول الراجح أن الماء ينقسم إلى قسمين فقط طهور ونجس وليس في القرآن ولا في السنة أن هناك شيئا يسمى طاهرا غير مطهر إلا ما كان غير ماء كالمرق واللبن وما أشبه ذلك فهذا طاهر غير مطهر لا شك. السائل: إذا كان البول في الماء الدائم لاينجسه فلماذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه؟ الشيخ: كما قلنا لكم إن هذا خلاف المروءة وأيضا إذا بال زيد ثم جاء عمرو فبال فسينجس مع كثرة البول فيه السائل: كيف نقدر القلتين؟

الشيخ: يقول الفقهاء إنها ذراع وربع الذراع طولا وعرضا وعمقاً والذراع معروف وأظنه إما سبعين أو خمس وسبعين من المتر. السائل: الماء إذا وقع فيه طاهر وغيَّره وأخرجه عن مسماه يحصل اختلاف بين الناس فيه هل خرج عن مسماه أو لا؟ الشيخ: أرى أن يستعمله الإنسان في الطهارة وإن احتاط وتيمم فهو طيب مع أن ابن القيم رحمه وشيخ الإسلام وأظنه مذهب أبي حنيفة يرون جواز الطهارة بالخل وشبهه وبناءً على هذا إذا تغير بشيء مثل الخل ونحوه من الطاهر فإنه يجوز الطهارة به لكن الذي يظهر لي أنا أنه إذا خرج عن اسم الماء فإنه لا يتطهر به طهارة حدث السائل: هل دم الآدمي نجس؟ الشيخ: أكثر العلماء على أنه نجس وذهب بعض العلماء إلى أنه طاهر إلا ما خرج من السبيلين فما خرج من السبيلين فهو نجس وأما ما سوى ذلك فإنه طاهر مثل الرعاف ودم الجرح وشبهه السائل: وإذا أصاب الثوب دم كثير؟ الشيخ: هو نجس لكن يعفى عن يسيره على قول الجمهور ولكن في النفس من هذا شيء لأنه لايوجد دليل على نجاسته وأما قول الرسول (اغسلي عنك الدم) فهي إنما سألته عن دم الحيض وأل هنا للعهد ثم إن الصحابة تصيبهم الجراحات في ثيابهم وأبدانهم ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يتحرزون من هذا وأما حديث فاطمة أنها كانت تغسل الدم من وجه النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد فهذا لا يدل على أنه نجس وإنما يدل على أنه تنبغي إزالته من باب التنظف وإزالة ما يشوه الوجه السائل: وهل هو ناقض للوضوء الشيخ: لا غير ناقض للوضوء والخلاف في كونه غير ناقض مشهور معروف لكن الخلاف في كونه نجسا ما هو معروف حتى إن بعضهم حكى الإجماع على النجاسة. السائل: ما معنى قوله بغير خلاف هل يقصد في المذهب أم في جميع المذاهب الشيخ: الظاهر إن قصده في المذهب مثل ما يفعل النووي في المجموع يقول بغير خلاف ويريد بغير خلاف في المذهب السائل: أحسن الله إليكم التفريق بين الأرض وغيره ما هو دليله

الشيخ: أما الأرض فعرفت الدليل ولكن الصحيح أنه لا فرق لأنه مثل الأرض لكن الذي ينفصل مثلا من الثوب المتلوث بالدم لابد أن يكون متغير بأول غسله أو ثاني غسله أو ثالث غسله وهذا المتلوث بنجاسة لا شك إنه نجس متغير السائل: ماذا ينبني على القول الصحيح إذا انفصل قبل السابعة؟ الشيخ: ينبني عليه أنه إذا انفصل غير متغير ولو في أول مرة أنه يكون طاهراً السائل: ما الفرق بين دم الحيض والاستحاضة؟ الشيخ: الفرق إن الحيض لا تصلي ولا تصوم ولا يأتيها زوجها ودم الاستحاضة تصلي وتصوم فالرسول فرق بين دم الحيض وبين دم العروق والدم الذي يخرج من الإنسان ما هو منتن ولا فيه رائحة كريهة السائل: هل إنتانه بسبب مخرجه؟ الشيخ: لا إنتانه بطبيعته ولهذا دم الاستحاضة ما فيه رائحة. السائل: ذكر المؤلف قاعدة قال (وما وجب الاحتياط به صار فرضا) فهل هذه القاعدة صحيحة؟ الشيخ: القاعدة ليست بصحيحة وكل شيء على سبيل الاحتياط فهو ليس بفرض. فصل القاريء: وإذا وقعت النجاسة في ماء فغيرت بعضه فالمتغير نجس وما لم يتغير إن بلغ قلتين فهو طاهر لعموم الأخبار فيه ولأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو لم يتغير منه شيء وإن نقص عنهما فهو نجس لأنه ماء يسير لاقى ماءً نجسا فنجس به وإذا كان بين الغديرين ساقية فيها ماء يتصل به ماء فهما ماء واحد

الشيخ: على كل حال هذا كله مبني على أن القليل ينجس بمجرد الملاقاة وقد سبق لنا أن الصحيح أن الماء لا ينجس إلا بالتغير لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما فإذا وجدت النجاسة صار الماء نجسا وإذا لم توجد صار الماء طهورا وسبق لنا أيضا أنه ليس هناك قسم يسمى طاهرا لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فلو وقعت نجاسة في قدر وصار ما حولها متغيرا وما بعد عنها لم يتغير فممكن نغرف من الذي لم يتغير ونتطهر به لأنه طهور واضح كما لو كان الماء كثيراً وهوما بلغ القلتين فإن الماء المتغير بالنجاسة يكون نجسا وما وراءه طهور فإذا قلنا بأن القليل لا ينجس بالملاقاة نقول ما تغير بالنجاسة من هذا الماء القليل فهو نجس وما لم يتغير فهو طهور. فصل القاريء: فأما الماء الجاري إذا تغير بعض جريانه بالنجاسة فالجرية المتغيرة نجسة وما أمامها طاهر لأنها لم تصل إليه وما وراءها طاهر لأنه لم يصل إليها وإن لم يتغير منه شيء واحتمل أن لا ينجس لأنه ماء كثير يتصل بعضه ببعض فيدخل في عموم الأخبار السابقة أولاً فلم ينجس كالراكد ولو كان ماء الساقية راكدا لم ينجس إلا بالتغير فالجاري أولى لأنه أحسن حالا وجعل أصحابنا المتأخرون كل جرية كالماء المنفرد فإذا كانت النجاسة في جرية تبلغ قلتين فهي طاهرة ما لم تتغير وإن كانت دون القلتين فهي نجسة وإن كانت النجاسة واقفة فكل جرية تمر عليها إن بلغت قلتين فهي طاهرة وإلا فهي نجسة وإذا اجتمعت الجريات فكان في الماء قلتان طاهرتان متصلة لاحقة أو سابقة فالمجتمع كله طاهر إلا أن يتغير بالنجاسة لأن القلتين تدفعان النجاسة عن نفسهما وتطهران ما اجتمع معهما وإن لم يكن فالجميع نجس والجرية ما يحيط بالنجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها وما قرب منها مع ما يحاذي ذلك فيما بين طرفي النهر

الشيخ: هذه الرواية من الغرائب يقولون على هذه الرواية أن كل جرية كماء منفرد لو وضعت شعرة من شعر الحمار في هذا النهر فالذي يحيط بها من الماء قليل ولذلك ينجس لأن الماء القليل ينجس بمجرد الملاقاة والماء الذي بجنبه ينجس لأن كل جرية تعتبر منفردة فكل ما جاء من عند هذه الشعرة صار نجساً لكن لو وضعت جملا ميتا في هذا الذي يعبر معه الماء ومر من عنده الماء ولم يتغير فإنه لا ينجس مع أنه ميت لأن الذي يحيط بالجمل ماء كثير يبلغ قلتين والماء الكثير الذي يبلغ قلتين لا ينجس بالملاقاة ولهذا قالوا إن هذه الرواية تعتبر شاذة ومن غرائب العلم لأنه يفضي إلى أن ينجس النهر الكثير بشعرة خنزير ولا ينجس ببعير. السائل: ما معنى الجرية؟ الشيخ: الجرية هي المباشرة ضع عوداً فكل ما يصدم بالعود فهو جرية فكل ما يباشر الشعرة هذه قليل راح على أنه نجس والثاني جاء وراح على أنه نجس والثالث جاء وراح على أنه نجس فيفضي هذا إلى تنجيس النهر كله وإذا صارت النجاسة كبيرة ما الذي يلاقيها؟ الجرية ستصير واسعة يعني قلتين فأكثر والقلتان لا تنجسان بالملاقاة فتمر كل جرية وتسلم من النجاسة لأنها تباشرها وهي كثيرة وهذا مما يدلنا يا إخواني على أن القول الصحيح تطمئن إليه النفس ويكون مطردا ما يتناقض وأنت إذا وضعت هذا الضابط (ما تغير بنجاسة فهو نجس وما لم يتغير فهو طهور) استرحت سواء كان جاريا أم راكدا. السائل: هل هذه المسائل واقعية؟ الشيخ: كل هذه المسائل البعيدة الوقوع تكون فرضيات فصل القاريء: في تطهير الماء النجس وهو ثلاثة أقسام: الأول ما دون القلتين فتطهيره بالمكاثرة بقلتين طاهرتين إما أن ينبع فيه أو يصب عليه وسواء كان متغيرا فزال تغيره أو غير متغير فبقي بحاله. الثاني قدر القلتين فتطهيره بالمكاثرة المذكورة أو بزوال تغيره بمكثه. الثالث الزائد عن القلتين فتطهيره بهذين الأمرين أو بنزح يزيل تغيره ويبقى بعده قلتان

الشيخ: إذا كان عندنا ماء نجس فكيف نطهره نقول إما أن يكون دون القلتين أو أكثر أو قلتين فإن كان دون القلتين فلا سبيل إلى تطهيره إلا بإضافة ماء كثير إليه ولاحظ أننا إذا قلنا ماء كثير أو ماء قليل فالمعتبر القلتان فالكثير ما بلغ القلتين والقليل ما دون هذا فما دون القلتين لا يمكن أن يطهر إلا إذا أضيف إليه ماء كثير مثال ذلك عندي قدر فيه ماء نجس لا يمكن أن أطهره إلا إذا أضفت إليه قلتين فأكثر لأنني لو أضفت دون القلتين تنجست لأنها تلاقي النجس فتتنجس وإذا كان الماء المتنجس قلتين فلنا في تطهيره طريقان: الطريق الأول أن نضيف إليه ماءً كثيرا يعني يبلغ القلتين فأكثر. الثاني أن يزول تغيره بنفسه الأول الذي دون القلتين لو زال تغيره بنفسه لم يطهر على المذهب لأنهم يقولون ما دون القلتين لا يدفع النجاسة عن نفسه أما القلتين فيدفع النجاسة عن نفسه ولهذا إذا زال تغيره بنفسه طهر وأما ما كان فوق القلتين فتطهيره بواحد من أمور ثلاثة إما أن نضيف إليه طهورا كثيرا وإما أن يزول تغيره بنفسه وإما أن ينزح ومعنى ينزح أن يغرف منه ماء فيبقى بعده كثير غير متغير لنفرض أن هذا الماء خمس قلال نزحنا منه قلة فزال تغيره فإنه يطهر ولو نزحنا منه قلتين فإنه يطهر ولونزحنا ثلاثاً فإنه يطهر ولو نزحنا أربعا فإنه لايطهرلأن الباقي قليل ولابد أن يكون الباقي كثيرا هذه طرق تطهير الماء النجس والصحيح في هذه المسألة أنه إذا زال تغيره بنفسه أو بنزح أو بإضافة فإنه يطهر سواء كان قليلا أو كثيرا هذا هو الصحيح ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الفأرة تقع في السمن (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) فإذا نزحنا منه زالت النجاسة ولو كان قليلا لكن المؤلف مفرِّع على المذهب.

القاريء: ولا يعتبر صب الماء دفعة واحدة لأن ذلك يشق لكن يصبه على حسب ما أمكنه من المتابعة إما أن يجريه من ساقيه أو يصبه دلوا فدلوا وإن كوثر بماء دون القلتين أو طرح فيه تراب أو غير الماء لم يطهره لأن ذلك لا يدفع النجاسة عن نفسه فلم يطهره الماء كما لو طرح فيه مسك ويتخرج أن يطهره لأنه زال تغير الماء فأشبه ما لو زال بنفسه ولأن علة التنجيس في الماء الكثير التغير فإذا زال حكمها كما لو زال تغير المتغير بالطاهرات فأما ما دون القلتين فلا يطهر بزوال التغير لأن العلة فيه المخالطة لا التغير الشيخ: والصحيح أن العلة هي التغير وأن الحكم يدور مع علته متى زال تغير الماء بالنجاسة فإنه يطهر بأي وسيلة وقد سبق لنا أيضا أن تطهير النجاسات يكون بغير الماء بخلاف الأحداث فلا يكون إلا بالماء. فصل القاريء: فإن اجتمع نجس إلى نجس فالكل نجس وإن كثر لأن اجتماع النجس إلى النجس لا يتولد بينهما طاهر كالمتولد بين الكلب والخنزير ويتخرج أن يطهرا إذا زال التغير وبلغ القلتين لما ذكرناه الشيخ: إذا أضيف ماء نجس إلى نجس وهو قليل ولكن بالإضافة صار كثيرا فزال التغير بنفسه فيقول المؤلف المذهب إنهما لايطهران ويتخرج أن يطهرا إذا زال التغير وبلغ القلتين لما ذكرنا وهذا التخريج أقرب لكن ما معنى التخريج التخريج هو ما نسميه بالقياس السائل: وإن اجتمع مستعمل إلى مثله فهو باق على المنع فإن اجتمع المستعمل إلى طهور يبلغ قلتين فالكل طهور لأن القلتين تزيل حكم النجاسة فالاستعمال أولى فإن اجتمع مستعمل إلى طهور دون القلتين وكان المستعمل يسيرا عفي عنه لأنه لو كان مائعا غير الماء عفي عنه فالمستعمل أولى الشيخ: قولنا لو كان مائعا يعني لو كان الذي خالط هذا الماء اليسير المستعمل لو كان الذي خالطه مائعا ويعنون بالمائع ما سوى الماء مثل اللبن والخل وما أشبه ذلك كل هذا يسمى مائعا عفي عنه فالمستعمل من باب أولى

باب الشك في الماء

القاريء: وإن كثر بحيث لو كان مائعا غلب على أجزاء الماء منع كغيره من الطاهرات. السائل: في مدينة ساحلية المجاري تصب في البحرهل نحكم بنجاسة ما قرب منه. الشيخ: ما قرب منه فهو نجس لأنه متغير أما البعيد الذي لم يتغير فإنه طهور السائل: أحيانا تتغير الرائحة فقط لكن اللون أو الطعم لايتغير. الشيخ: إذا كان قريباً فسوف يتغير وأما ما كان عند المصب فالمصب تعرف أنه يندفع بشدة وبقوة يتمايز الماء الأول الذي وقع فيه ويبقى هذا كأنه عمود وهذا ذكرنا بمسألة لو أن هذا الماء النجس أضيف إليه مواد كيماوية وأزالت النجاسة فهل يكون طهورا؟ المذهب لا لأنه لا يطهَّر إلا بالماء وعلى القول الذي ذكرناه يكون طهوراً مادام زال الطعم واللون والريح فإنه طهور. باب الشك في الماء القاريء: إذا شك في نجاسته لم يمنع الطهارة به سواء وجده متغيرا أو غير متغير لأن الأصل الطهارة والتغير يحتمل أن يكون بمكثه أو بما لا يمنع فلا يزول بالشك. الشيخ: لاحظ إذا شك في نجاسته لم يمنع الطهارة وهذا إذا لم يكن فيه تغير واضح لكن إذا وجده متغيرا وشك هل هذا التغير من نجاسة أو لا نقول الأصل الطهارة يعني لو وجد فيه روثا وقد تغير بهذا الروث وشك هل الروث روث بعير أو روث حمار ماذا نقول؟ الأصل أنه روث بعير وإذا لم يجد فيه شيئا لكن وجده متغيرا نقول الأصل الطهارة لأنه ربما يتغير بمكثه أي بطول بقائه. مسألة: الشك في الماء أو في انتقاض الوضوء لا يرجع فيه إلى غلبة الظن لابد من اليقين لقول النبي عليه الصلاة والسلام (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) ففي الحديث توجد قرينة على نقض الوضوء وهي قول الصحابة (فوجد في بطنه شيئا) ومع ذلك ألغاها الرسول عليه الصلاة والسلام لأنها ليست بيقين. باب الشك في الماء

القارئ: إذا شك في نجاسته لم يمنع الطهارة به سواء وجده متغيرا أو غير متغير لأن الأصل الطهارة والتغير يحتمل أن يكون بمكثه أو بما لا يمنع فلا يزول بالشك وإن تيقن نجاسته ثم شك في طهارته فهو نجس لأن الأصل نجاسته وإن علم وقوع النجاسة فيه ثم وجده متغيرا تغيرا يجوز أن يكون منها فهو نجس لأن الظاهر تغيره بها

الشيخ: هذه المسائل سبق الكلام عليها وبينا أن لدينا قاعدة مهمة وهي (أن الأصل بقاء ما كان على ما كان) فما كان طاهراً وشككنا في نجاسته فهو طاهر وما كان نجسا وشككنا هل طهر فهو نجس لأن (الأصل بقاء ما كان على ما كان) وهذه القاعدة مستمدة من قول النبي صلوات الله وسلامه عليه حين شكي إليه الرجل يجد في صلاته فلا يدري أخرج منه أم لا فقال (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) وهذه القاعدة تنفعك هنا وفي كل مكان لو شككت في الصلاة هل أنت قلت سبحان ربي الأعلى أم لم تقل فالأصل عدم القول والأصل بقاء ما كان على ما كان فلو أن رجلا علق طلاق امرأته على شرط وشك هل وجد هذا الشرط أم لم يوجد لم تطلق لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان المهم أن هذه قاعدة تنفعك في جميع أبواب العلم لو ثبت على رجل دين وقال إنه قضاه فالأصل بقاء الدين فلا يقبل إلا ببينة وهلم جرا فإذاً المسألتان واضحتان أما المسألة الثالثة فهو أنه إذا سقط في الماء نجاسة ووجده متغيرا ولكن لا يدري هل هو من النجاسة أو من غيرها فإننا نعمل بالظاهر وما هو الظاهر أنه من النجاسة فنقول إن الماء نجس فلو قال قائل أليس الأصل بقاء الطهارة قلنا لكن هذا الأصل عورض بظاهر أقوى منه فإذا عورض بظاهر أقوى منه فالحكم بالظاهر ولهذا نظائر فمثلا لو أن رجلا أصلع ليس عليه غترة وآخر عليه غترة وبيده غترة والذي عليه الغترة وبيده غترة هارب وذاك طالب يركض وراءه يا فلان أعطني غترتي فنحكم بها لمن؟ للطالب مع أن الهارب يقول الغترة بيدي والأصل أن ما بيد الإنسان له لكن نقول هنا ظاهر أقوى من الأصل ما هو الظاهر؟ الحال الواقعة الآن كيف واحد معه غترة وعليه غترة ويقول هذه لي والثاني يركض وراءه يقول أعطني غترتي أليس كذلك مع أن فيه احتمال إن الطالب هذا ألقى غترته في أي مكان وصلع وجاء يركض أليس هذا احتمالا؟ لكنه خلاف الظاهر المهم إذاً أن الأصل معمول به ما لم يعارضه ظاهر أقوى منه فيغلب

الظاهر. القاريء: وإن أخبره ثقة بنجاسة الماء لم يقبل حتى يعين سببها لاحتمال اعتقاده نجاسته بما لا ينجسه كموت ذبابة فيه وإن عين سببها لزمه القبول رجلا كان أو امرأة بصيرا أو أعمى لأنه خبر ديني فلزمه قبوله كرواية الحديث ولأن للأعمى طريقا إلى العلم بالحس والخبر ولا يقبل خبر كافر ولا صبي ولا مجنون ولا فاسق لأن روايتهم غير مقبولة. الشيخ: إذا قال لك شخص هذا الماء نجس فإنه لا يلزمك قبول خبره حتى تسأل وما سبب النجاسة لماذا لأنه ربما يظن أنه أصابته نجاسة وليست كذلك كذبابة وقعت فيه فالذبابة لو وقعت في الماء لا تنجسه لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (إذا وقعت الذبابة في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه) والغالب إنه إذا كان الماء حاراً فسوف يموت ومع ذلك ليس بنجس إذاً إذا أخبرني شخص قال يا فلان ترى هذا الماء الذي تستعمله نجس فهل أقبل؟ لا وأسأله ما السبب إذا قال السبب لأنه سقط فيه خشبة فهو ليس نجس وإذا قال سقط فيه بعرة بعير فهوليس بنجس إذاً لابد أن يبين السبب ولابد أن يكون ثقة وهو المسلم البالغ العاقل فإن أخبره كافر لم يقبل أو صبي لم يقبل أو مجنون لم يقبل أو فاسق لم يقبل. القاريء: وإن أخبره رجل أن كلبا ولغ في هذا الإناء دون هذا وقال آخر إنما ولغ في هذا الإناء دون ذاك حكم بنجاستهما لأنه يمكن صدقهما لكونهما في وقتين أو كانا كلبين وإن عينا كلبا ووقتا لا يمكن شربه فيه منهما تعارضا وسقط قولهما لأنه لا يمكن صدقهما ولم يترجح أحدهما

الشيخ: هذا واضح هناك إناءان أخبره رجل بأنه رأى كلبا يشرب من هذا الإناء رقم واحد وأخبره الثاني بأن كلبا شرب من الإناء رقم اثنين فهل نقبل خبرهما؟ نقبل خبرهما لأنه يمكن أن يكونا كلبين في وقت واحد أو أن يكون كلبا واحدا في وقتين فتكون الإناءان كلاهما نجسة لكن لو أخبراه بأنهما لقيا كلبا أحمراً وهو واحد ولغ الساعة الثانية عشرة فهنا لا نقبل قولهما لماذا لأنهما تعارضا لا يمكن أن كلبا واحدا يشرب من إناءين في آن واحد إذا تعارضت أقوالهما فسقط فيكون الإناءان طاهرين. فصل القاريء: وإن اشتبه الماء النجس بالطاهر تيمم ولم يجز له استعمال أحدهما سواء كثر عدد الطاهر أم لم يكثر وحكي عن أبي علي النجاد أنه إذا كثر عدد الطاهر فله أن يتحرى ويتوضأ بالطاهر عنده لأن احتمال إصابة الطاهر أكثر والأول المذهب لأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري كما لو كان النجس بولا أو كثر عدد النجس أو اشتبهت أخته بأجنبيات ولأنه لو توضأ بأحدهما ثم تغير اجتهاده في الوضوء الثاني فتوضأ بالأول لتوضأ بماء يعتقد نجاسته وإن توضأ بالثاني من غير غسل أثر الأول تنجس يقينا وإن غسل أثر الأول نقض اجتهاده باجتهاده وفيه حرج ينتفي بقوله سبحانه (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: من الآية78) فتركهما أولى وهل يشترط لصحة التيمم إراقتهما أو خلطهما؟ فيه روايتان إحداهما يشترط ليتحقق عدم الطاهر وفي الثانية لا يشترط لأن الوصول إلى الطاهر متعذر واستعماله ممنوع منه فلم يشترط عدمه كماء الغير.

الشيخ: إن اشتبه الماء النجس بالطاهر يقول تيمم ولم يجز استعمال أحدهما ومراده بالطاهر هنا الطهور اشتبه نجس بطهور ولم يعرف أيهما الطهور فهنا يقول يجب أن يتيمم ولا يتحرى ولا يتوضأ من هذا غرفة ومن هذا غرفة لماذا؟ لأنه الآن غير قادر على استعمال الطهور وليس عنده علامات ولا قرائن يرجح بها أن هذا هو الطهور وأن هذا هو النجس فهو عاجز عن استعماله شرعا إذاً يعدل إلى التيمم لدخوله في قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (النساء: من الآية43) وفيه رواية أخرى يقول المؤلف ولم يجز له استعمال أحدهما سواء كثر على الطاهر أو لم يكثر وظاهر كلام المؤلف أنه لا يتحرى يعني لا يطلب أيهما يغلب على ظنه أنه طهور.

والقول الثاني أنه يتحرى إذا كثر عدد الطاهر إعمالا للأكثر فإذا كان عنده مثلا خمسة أواني ثلاثة منها طاهرة واثنان منها نجسان وشك أيهم الطاهر وأيهم النجس فعلى الرأي الثاني أنه يتحرى وإذا غلب على ظنه أن هذا الإناء هو الطاهر توضأ منه أما على المذهب فيقولون إنه لا يتحرى حتى لو كان الطاهر عشرة والنجس واحدة والتعليل عندهم (لأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري) هذه قاعدة وإذا اشتبه المباح بالمحظور على وجه لا تبيحه الضرورة فإنه لا يجوز التحري لأنه ليس هناك ضرورة يتحرى أما لو اشتبه المباح بالمحظور على وجه تبيحه الضرورة فهنا يتحرى مثاله اشتبهت ميتة بمذكاة وهو الآن مضطر يريد أن يأكل وما عنده شيء يأكله فهنا نقول تحر لأن كونك تتحرى وتأكل ما يغلب على ظنك أنه حلال خير من كونك لا تتحرى وتأكل هكذا فهذا الضابط (لأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري مثال آخر رجل أراد أن يتزوج واشتبهت أخته بأجنبيات أخته معها نساء وهو يريد أن يتزوج واشتبه هل أخته هذه أو هذه أو هذه ماذا نقول؟ يجب التجنب لأنه اشتبه المباح بالمحظور على وجه لا تبيحه الضرورة لأن الجماع لا يباح عند الضرورة بخلاف الأكل فإنه يباح عند الضرورة إذاً هذه قاعدة مفيدة أما التعليل الأخير فهو ليس ظاهر جدا يقول المؤلف ولو أنه توضأ بأحدهما ثم تغير اجتهاده في الوضوء الثاني فتوضأ بالأول لتوضأ بما يعتقد نجاسته ومعلوم إذا تحرى وغلب على ظنه أن رقم واحد هو الطاهر وتوضأ به ثم عند الوضوء الثاني تحرى وغلب على ظنه أن النجس رقم واحد وأن الطاهر رقم اثنين فمعناه أن وضوءه الأول كان بما يعتقد أنه نجس فإذا كان يعتقد نجاسته فماذا يلزمه؟ يلزمه غسل أثر الماء الأول لأنه إذا كان يعتقد أنه نجس فقد تلوث به فيجب عليه غسل الأثر يقول المؤلف فإذا توضأ بالثاني من غير غسل أثر الأول تنجس يقينا وهذا صحيح ولو لم يغسل أثر الأول

وتوضأ بالثاني يقول فإنه يتنجس يقينا لأن الثاني يلاقي النجاسة فيكون نجسا وحينئذ لا يصح له وضوء لا بهذا ولا بهذا وإن غسل أثر الأول نقض اجتهاده باجتهاده وفيه حرج ينتفي بقوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: من الآية78) فتركهما أولى وعلى كل حال الصحيح في هذه المسألة أنه متى أمكن التحري فإنه يتحرى ولدينا قاعدة معروفة عند أهل العلم وهي (إذا تعذر اليقين عملنا بغلبة الظن) والتحري لا شك أنه ُيِّغلب الظن ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال وكان الحق ذكرالحديث قبل القاعدة ((إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليبن عليه)) فنحن نقول إن القول الراجح في هذه المسألة إذا اشتبه طهور بنجس أنه متى أمكن التحري بأي علامة تكون وجب عليه أن يتحرى ويتوضأ بما يغلب على ظنه أنه طهور وإذا تحريت فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها حتى لو تبين أنه نجس فيما بعد فليس عليك شيء. القاريء: وإن اشتبه مطلق بمستعمل توضأ من كل إناء وضوءا لتحصل له الطهارة بيقين وصلى صلاة واحدة

الشيخ: إن اشتبه مطلق بمستعمل فما معنى مطلق؟ يعني لم يستعمل ونعرف أن المطلق هو غير المستعمل لما قال بمستعمل لأن الشيء يعرف بضده الماء المستعمل سبق لنا أن ما استعمل في طهارة واجبة فإنه يكون طاهرا غير مطهر فعنده إناءان أحدهما مستعمل في طهارة واجبة والثاني غير مستعمل الأول لا يرفع الحدث على المذهب والثاني يرفع الحدث اشتبه أيهما طاهر المطلق من المستعمل ... يقول توضأ من كل إناء وضوءا وكلام المؤلف فيه شيء من الإجمال فظاهر كلامه أنه لو توضأ من الأول وضوءا كاملا ثم من الثاني وضوءا كاملا صح الوضوء ولكن الأمر ليس كذلك يتوضأ منهما وضوءا واحدا من هذا غُرفه ومن هذا غرفه فالإناءان طاهر ومطلق يعني مستعمل ومطلق كما قال المؤلف نقول توضأ منهما وضوءا واحداً خذ من هذا غرفة اغسل كفيك ثم من الثاني غرفة اغسل كفيك ثم عد خذ من الأول غرفة للمضمضة والاستنشاق والثاني كذلك ثم خذ غرفة من الأول لغسل الوجه والثاني كذلك ثم لليد اليمنى من الأول والثاني كذلك وهكذا لماذا؟ لأنك لو توضأت من أحدهما وضوءا كاملا ثم توضأت من الثاني لاختل الترتيب لأنك إذا توضأت من الأول يحتمل أنه هو المطلق ويحتمل أنه المستعمل وفي كل غرفة سوف يرد هذا الاحتمال فإذا غسلت وجهك من الأول الغسلة الأولى يحتمل أنه هو الطاهر أو المطلق أليس كذلك فإذاً لم يرتفع الحدث ولنفرض أنه الطاهر غير المستعمل لنفرض أنه المطلق غير المستعمل ثم غسلت اليدين يرد احتمال أنه مطلق أو المستعمل وحينئذ يختلف الترتيب بالنسبة للوضوء الثاني ولذلك الفقهاء المتأخرون قيدوا وقالوا لابد أن يتوضأ منهما وضوءا واحدا لأجل أن لا يتجاوز عضوا إلا وقد تيقن أنه طاهر أليس كذلك أنا إذا غسلت وجهي من هذا ثم من هذا تيقنت الآن إني توضات بماء طهور.

القاريء: وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة وأمكنه الصلاة في عدد النجس وزيادة صلاة لزمه ذلك لأنه أمكنه تأدية فرضه يقينا من غير مشقة فلزمه كما لو اشتبه المطلق بالمستعمل وإن كثر عدد النجس فذكر ابن عقيل أنه يصلي في أحدها بالتحري لأن اعتبار اليقين يشق فاكتفي بالظاهر كما لو اشتبهت القبلة.

الشيخ: إذا اشتبهت ثياب طاهرة نجسة وهذا يمكن يقع أحد الثياب عندك قد أصابه بول وهو معلق ولا تدري عينه ماذا تعمل نقول صل بعدد النجس وزد صلاة قال عدد النجس خمسون ثوبا هذا رجل غني عنده خمسون ثوبا كلها نجسة والحادي والخمسون طاهر كم يصلي في كل فرض واحداً وخمسين صلاة لكن محل ذلك إذا لم يمكن تطهير أحد الثياب ولو كان عنده ماء يمكنه أن يطهر أحد الثياب وجب عليه لأنه إذا كان يمكنه تطهير أحد الثياب وطهره صلى صلاة واحدة يتيقن أنها صحيحة لكان لو صلى بعدد النجس وزاد صلاة فكل صلاة من هذه الصلوات يحتمل أنها الصحيحة أو أنها غير الصحيحة وصحيح أنه إذا زادت صلاة فأحد هذه الصلوات الخمسين مثلا صحيح لكنها كل صلاة واحدة باعتبار عينها مشكوك فيها أعيد مرة ثانية رجل عنده ثلاثة ثياب نجسة والثوب الرابع طاهر فاشتبه عليه الطاهر من الثياب بالنجس نقول يجب عليك أن تصلي أربع صلوات عدد النجس ثلاث والطاهر واحدة ما لم يمكن تطهير أحد الثياب فإن أمكن وجب لماذا نقول يجب لأنك إذا طهرته وصليت الصلاة تيقنت أنها هي الصحيحة بعينها لكن لو صليت أربع صلوات هل تتيقن أن هذه الصلاة بعينها هي الصحيحة لا لكن بمجموعها أتيقن أن فيها صحيحة لكن ما أدري هي التي بالثوب الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع إذا يحتاج إلى قيد أو لا؟ نعم وهو إذا لم يمكن تطهير أحد الثياب فإن أمكن وجب تطهيره ليؤدي الصلاة بيقين بعينها المشهور من المذهب يقولون يصلي بعدد النجس ولو كثر ولو كان لا ينتهي من الصلاة إلا إذا دخل وقت الصلاة الثانية فلو قدرنا أنها مائة ثوب يصلي مائة صلاة واحدة إذا صلى صلاة الظهر يمكن يأتي العصر وما قضت وصلاة العصر يمكن يأتي المغرب ما خلصت. القول الثاني لابن عقيل وكأن المؤلف رحمه الله يميل إليه لأن تعليله يدل عليه ولم يذكر سوى هذا القول قال يقينا من غير مشقة من ثم ذكر قول ابن عقيل وهذا يدل على أنه يميل إليه. فصل

القاريء: في سؤر الحيوان وهو ثلاثة أقسام طاهر وهو ثلاثة أنواع أحدها الآدمي متطهرا كان أو محدثا لما روى أبو هريرة. الشيخ: أولا هل تعرفون سؤر الحيوان يعني بقية طعامه وشرابه السائل: لما روى أبو هريرة قال ((لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب فانخنست منه فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت يا أبا هريرة قلت يا رسول الله كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال سبحان الله إن المؤمن لا ينجس)) متفق عليه. وعن عائشة ((أنها كانت تشرب من الإناء وهي حائض فيأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيها فيشرب)) رواه مسلم. الشيخ: في هذا تواضع النبي عليه الصلاة والسلام حيث يشرب من الإناء الذي قد شرب منه وكثير من الناس اليوم لا يشربون من الإناء الذي شرب منه وفيه دليل على محبته لعائشة رضي الله عنها ولهذا يشرب من موضع فمها وفيه أيضا إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان مع أهله ومع زوجته خاصة أن يفعل كل شيء يقوي الصلة بينهما والمحبة ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله). القاريء: النوع الثاني لحمه فهو طاهر بلا خلاف. الثالث ما لا يمكن التحرز منه وهو السنور وما دونها في الخلقة لما روت كبشة بنت كعب بن مالك قالت ((دخل علي أبو قتادة فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت فرآني أنظر إليه فقال أتعلمني يا ابنة أخي قلت نعم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات)) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح دل بمنطوقه على طهارة الهرة وبتعليله على طهارة ما دونها لكونه مما يطوف علينا ولا يمكن التحرز عنه كالفأرة ونحوها فهذا سؤره وعرقه وغيرهما طاهر. الشيخ: النوع الأول الآدمي فسؤره لا شك في طهارته لأن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا وكذلك الكافر ونجاسة الكافر نجاسة معنوية.

الثاني ما يؤكل لحمه فهو طاهر بلا خلاف مثل البعير والدجاجة فسؤرها طاهر بلا خلاف. الثالث ما لا يمكن التحرز منه وهو السنور وهذا صحيح ولكن انظر للقيد الذي ذكره المؤلف قال وهو السنور وما دونها في الخلقة ولو اقتصر على ما سبق وهو قوله ما لا يمكن التحرز منه لكان أوفق في الحديث لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل في الهرة (أنها من الطوافين) ولم يقل أنها صغيرة لو قال أنها صغيرة لكنا نقول إنه دليل على أن ما كان مثلها أو دونها في الخلقة فهو طاهر لكن قال من الطوافين لأن الطواف علينا الذي يكثر تردده ويشق علينا أن نتحرز منه ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة أن العبرة بمشقة التحرز كما قال المؤلف رحمه الله في أول الأمر وأنه لا عبرة بالجسم وبناءً على ذلك يكون سؤر الحمار والبغل طاهرا لأن البغل والحمار مما يشق التحرز عنه فهما من الطوافين علينا وكذلك غيرهما إلا شيئا واحدا دلت السنة على نجاسة سؤره وهو الكلب فهذا وإن كان من الطوافين علينا ككلب الصيد والحرث والماشية فإنه يجب غسل ما ولغ فيه سبع مرات إحداها بالتراب وعلى كل حال على كلام المؤلف الأمر معلق بماذا؟ بالهرة فما دونها مع مشقة التحرز يعني أن المؤلف اشترط شرطين: 1. مشقة التحرز. 2. وأن يكون من الهرة فما دونها. والصحيح أن العلة ما علل به النبي صلى الله عليه وسلم وهي (أنها من الطوافين علينا) فيشق علينا أن نتحرز منه. السائل: الاستدلال في حديث أبي قتادة أنه مما لا يمكن التحرز منه مع أن أبي قتادة يستطيع أن لا يصغي لها الإناء فيتحرز منها الشيخ: لأنه لما حكم الرسول بأنها طاهرة صار لا فرق بين أن نختار أن تشرب من إناءِنا أم لم تشرب وإلا في هذه الحال لا شك أنه يمكن التحرز لكن الحكم على الأغلب والنادر يقول العلماء لا حكم له

القارئ: القسم الثاني نجس وهو الكلب والخنزير وما تولد منهما فسؤره نجس وجميع أجزائه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعا)) متفق عليه، ولولا نجاسته ما وجب غسله والخنزير شر منه لأنه منصوص على تحريمه ولا يباح اقتناؤه بحال وكذلك ما تولد من النجاسات كدود الكنيف وصراصره لأنه متولد من نجاسة فكان نجسا كولد الكلب. الشيخ: القسم الثاني نجس وهو الكلب والخنزير ولا شك في نجاسة الكلب والخنزير لقول الله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (الأنعام: من الآية145) ولكن ليس كلامنا الآن على نفس الخنزير والكلب وإنما كلامنا على سؤر الكلب وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يغسله سبع مرات إحداها بالتراب والخنزير يقولون إنه شر منه ولكن هذا قياس فاسد الاعتبار لأن الخنزير موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم يأمر بالغسل سبع مرات من سؤره فالصحيح أن الخنزير حكمه حكم بقية النجاسات. القارئ: قال الإمام الموفق أبو محمد رحمه الله القسم الثالث ..

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم قبل أن نبدأ الدرس الجديد ذكر المؤلف فيما سبق أنه إذا اشتبه طهور بنجس فالواجب اجتنابه وأن يتيمم حتى يتبين له الأمر وذكرنا أن في المسألة قولا آخر وهو أن يتحرى إذا كثر عدد الطاهر ولكن هنا بحث هل المراد بالكثرة هنا الكثرة الكاثرة أو الزيادة ولو واحدا الصحيح من المذهب على القول بالتحري أن المراد بالزيادة ولو واحدة يعني لو كان الأواني الطاهرة خمسة والأواني النجسة أربعة فهنا يتحرى والقول الثالث في المسألة أنه يتحرى مطلقا إذا أمكن التحري بالعلامة يعني معناه أنه ينظر ويفكر فإذا وجد علامة تشير أو تؤشر إلى أن هذا هو النجس عمل بها وهذا القول هو الصحيح من مذهب الشافعية رحمهم الله وهو الصحيح عندنا وفيه قول آخر رابع أنه يتحرى وإن لم يكن هناك علامة فإذا غلب على ظنه أو ركنت نفسه إلى أحد الإناءين فإنه يستعمله ويكون هو الطهور وهذا القول يعني قد يكون له وجه لكنه ضعيف في الحقيقة لأنه إذا لم يكن له علامة فمجرد ميل النفس لغير سبب لا يؤثر بل لابد أن يكون هناك علامة يهتدي بها إلى الطهور ثم إنه لو فرض أنه تحرى وغلب على ظنه أن هذا هو الطهور وصلى ثم تبين أنه النجس فهل يعيد الصلاة؟ لا، لا يعيد الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) انظر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث ليس خاصا في الحكم بين الناس حكم القضاة بل هو عام في كل شيء فالإنسان إذا اجتهد فقد فعل ما أمر به فإذا بان الأمر على خلافه فليس عليه شيء وينبغي أن نعلم أن القول بالتحري مقيد بما إذا لم يمكن تطهير أحدهما بالآخر فإن أمكن تطهير أحدهما بالآخر وجب وكيف يمكن؟ مثل إذا كان الإناءان كل واحد منهما قلتان فيمكن أن يطهر أحدهما بالآخر وفي غير هذه الصورة لو كان أحدهما أقل من القلتين فلا يمكن تطهيره أو إذا كان عنده طهور بيقين فإنه لا يجوز التحري لأن التحري إنما

جاز للضرورة فإذا كان عنده إناء طهور يقينا فإنه لا يجوز أن يتحرى ويجب أن يتوضأ بالماء الطهور بيقين إذاً نحن نقول الآن أن الراجح التحري ولكنه لا يتحرى إلا عند الضرورة مثل إذا لم يمكن تطهير أحدهما بالآخر ومثل إذا لم يكن عنده طهور بيقين فإذا كان عنده طهور بيقين لا شك فيه فلا يتحرى يستعمل الطهور بيقين ولا حرج عليه. القارئ: القسم الثالث مختلف فيه وهو ثلاثة أنواع كذلك: أحدها سائر سباع البهائم والطير وفيهما روايتان إحداهما أنها نجسة لأن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن الماء وماينوبه من السباع فقال إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء) فمفهومه أنه ينجس إذا لم يبلغهما ولأنه حيوان حرام لخبثه يمكن التحرز عنه فكان نجسا كالكلب الشيخ: لأنه حيوان حرم لخبثه أي لنجاسته وقوله يمكن التحرز منه احترازا من الهرة وما دونها كما سبق. القارئ: الثانية أنها طاهرة لما روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها الكلاب والسباع والحمر وعن الطهارة بها فقال (لها ما أخذت في بطونها ولنا ما غبر طهوراً) رواه ابن ماجة ومر عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص على حوض فقال عمرو يا صاحب الحوض هل ترد على حوضك السباع فقال عمر يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد عليها وترد علينا) رواه مالك في الموطأ الشيخ: أي الروايتين أصح؟ الظاهر أن الصحيح هو أنها طاهرة لأننا لو قلنا بأنها نجسة لأدى ذلك إلى مشقة على الناس فإنه يوجد من الغدران في البر ماهو دون القلتين ولا شك أن السباع والطيور ترد هذا الماء فإذا قلنا بأنه نجس صار بهذا مشقة على الناس والنبي عليه الصلاة والسلام فيما يظهر لنا أنه يمر بهذه المياه ويتوضأ منها

القارئ: النوع الثاني الحمار الأهلي والبغل ففيهما روايتان إحداهما نجاستهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحمر يوم خيبر (إنها رجس) متفق عليه ولما ذكرنا في السباع والثانية أنها طاهرة لأنه قال إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه ولو لم يحكم بطاهرته لم يبح استعماله ووجهها ما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (سئل أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها) رواه الشافعي في مسنده ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار والبغال وكان الصحابة يقتنونها ويصحبونها في أسفارهم فلو كانت نجسة لبين لهم نجاستها ولأنه لا يمكن التحرز عنها لمقتنيها فأشبهت الهر ويجوز بيعها فأشبهت مأكول اللحم الشيخ: العلل واضحة وهذا هو الصحيح الرواية الثانية أن الحمير والبغال سؤرها طاهر وعرقها طاهر وما أصابك منها فهو طاهر إلا ما خرج من السبيلين والدم فإنه نجس أما الخارج المعتاد من غير السبيلين فالصحيح أنه طاهر ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يركب الحمار والحمار يعرق ويصيب راكبه العرق وربما تكون السماء ممطره ويصيب البلل جلد الحمار ويباشره الراكب وكل هذا يدل على أنها طاهرة ولأنه يشق التحرز منها كما قال المؤلف فهي من الطوافين حتى إن بعض العلماء قال إن الحمير والبغال من الطوافين لأنه إذا كانت الهرة حكم النبي عليه الصلاة والسلام بطهارتها لأنها من الطوافين وهي لا تلابس كما تلابس الحمير فتكون الحمير من باب أولى.

فالمؤلف رحمه الله اختصر الحديث قال أنس بن مالك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طلحة يوم خبير أن ينادي (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) فالمؤلف رحمه الله ليته أتى بالحديث كاملاً لأنه في خيبر رتعوا فيها وذبحوها وقطعوها وجعلوها في القدور وأوقدوا عليها النيران فلما رآها النبي عليه الصلاة والسلام قال ما هذا قالوا حمر يا رسول الله فأمر أبا طلحة فنادى. القارئ: النوع الثالث الجلالة وهي التي أكثر علفها النجاسة ففيها روايتان إحداهما نجاستها لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن ركوب الجلالة وألبانها) رواه أبو داود ولأنها تنجست بالنجاسة والريق لا يطهر. والثانية أنها طاهرة لأن الضبع والهر يأكلان النجاسة وهما طاهران وحكم أجزاء الحيوان من جلده وشعره وريشه حكم سؤره لأنه من أجزائه فأشبه فمه فإذا وقع في الماء ثم خرج حيا فحكم ذلك حكم سؤره قال أحمد في فأرة سقطت في ماء ثم خرجت حية لا بأس به.

الشيخ: الجلالة هي التي أكثر علفها النجاسة وكيف يكون أكثر علفها النجاسة مثال هذا طير يغذى بدم مسفوح والدم المسفوح نجس ويغذى بحب من البر ننظر أيهما أكثر إذا قالوا إن الحب أكثر فليس بجلالة إذا قالوا إن الدم أكثر فهو جلالة وقد اختلف العلماء رحمهم الله في الجلالة هل هي نجسة حرام أو هي طاهرة حلال على قولين للعلماء فمنهم من قال إنها نجسة حرام حتى تحبس عن النجس وتطعم الطاهر ثلاثة أيام ثم بعد ذلك تكون حلالا طاهرة ومنهم من قال إنها ليست بنجسة ولا حراما وضعف الأحاديث الواردة في ذلك وقال إن النجاسة إذا استحالت زالت وطهرت وقال إن هذا الغذاء استحال دما فطهر وفيها روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله رواية التحريم ورواية الإباحة وقد كثر السؤال عن الدواجن التي قيل إنها تغذى بالدم المسفوح هل هي حلال أولا؟ والجواب على هذا التفصيل هل أكثر علفها من هذا الدم أو لا فإن كان أكثر علفها من غيره فلا إشكال في حلها وطهارتها وإن كان أكثر علفها من هذا الدم ففيها هاتان الروايتان رواية الطهارة ورواية النجاسة والصحيح أنها طاهرة حلال ما لم تصح الأحاديث والأحاديث الواردة في الجلالة كلها فيها مقال فإن صحت الأحاديث فليس لنا بد من السمع والطاعة لله ورسوله وإن لم تصح الأحاديث فإن الاستحالة تقتضي الإزالة وأنه لا حكم لما حصل وانظر إلى الآدمي فالآدمي طاهر مع أنه يتحول من علقة قطعة دم إلى مضغة وقطعة الدم نجسة ومع ذلك لما تحول صار طاهرا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام السائل: ما ضابط الدواب التي يشق التحرز منها؟ الشيخ: يرجع إلى العرف

الشيخ: النوع الثالث الجلالة وهي التي أكثر علفها النجاسة ففيها روايتان إحداهما نجاستها لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن ركوب الجلالة وألبانها) رواه أبو داود وهذا يحتاج إلى تحرير إذا صح الحديث يبقى عندنا إشكال عظيم في متنه وهو النهي عن ركوب الجلالة لأن الحمار أخبث منها لا شك ومع ذلك لم ينه عن ركوبها وهذا مما يوجب أن الإنسان يضعف هذا الحديث لأن في متنه نكارة اللهم إلا أن يراد بذلك النهي التعزير يعني أن الرسول نهى عن ركوبها تعزيرا لصاحبها حتى لا يعود إلى تعليفها النجاسة وهذا الاحتمال الذي قلناه متى نحتاج إليه؟ إذا صح الحديث، يقول المؤلف: (ولأنها تنجست بالنجاسة والريق لا يطهر) أي إذا تنجست بنجاسة فإن الريق لا يطهر يقول رحمه الله الرواية الثانية أنها طاهرة لأن الضبع والهر يأكلان النجاسة وهما طاهران أما الضبع فهو ظاهر لكونه حلالا وأما الهرة فهي طاهرة لماذا ليس لأنها حلال بل لأنها من الطوافين علينا وهل يأكلان النجاسة؟ نعم لا شك في ذلك فألذ ما عند الهرة الفأرة وهي نجسة يقول المؤلف وحكم أجزاء الحيوان من جلده وشعره وريشه حكم سؤره ولأنه من أجزائه فأشبه فمه فإذا وقع في الماء ثم خرج حيا فحكم ذلك حكم سؤره قال أحمد في فارة سقطت في ماء ثم خرجت حية لا بأس به لكنهم اشترطوا في الحيوان الذي يسقط في الماء ثم يرجع حيا أولاً إن كان طاهرا فالأمر فيه واضح وإن كان نجسا فإنه على كلام الفقهاء رحمهم الله ينجس الماء بمجرد الملاقاة إلا إذا كان قلتين فأكثر فلا يفسد إلا بالتغير وإنما قال الإمام أحمد لا بأس به لأن الفأرة من الطوافين علينا فهي طاهرة. مسألة: الصحيح في مسألة ما سقي بنجس أو سمد بنجس أنه طاهر ما لم يظهر أثر النجاسة فيه ولوظهرت النجاسة فيه بحيث إذا شققنا القرعة وجدنا رائحة خبيثة فهي حرام. فصل

القارئ: إذا أكلت الهرة نجاسة ثم شربت من ماء بعد غيبتها لم ينجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إنها ليست بنجس)) مع علمه بأكلها النجاسات وإن شربت قبل الغيبة فقال أبو الحسن الآمدي ظاهر قول أصحابنا طهارته للخبر ولأننا حكمنا بطهارتها بعد الغيبة واحتمال طهارتها بها شك لا يزيل يقين النجاسة وقال القاضي ينجس لأن أثر النجاسة في فمها بخلاف ما بعد الغيبة فإنه يحتمل أن تشرب من ماء يطهر فاها فلا ينجس ما تيقنا طهارته بالشك الشيخ: والصحيح القول الأول أنه سواء شربت عن قرب أو عن بعد فإن سؤرها طاهر لعموم الحديث وبالنسبة للجلالة الأحاديث الواردة فيها متكاثرة ومجموعها أقل ما يجعلها حسنه وعلى هذا فيكون الاحتمال الذي ذكرنا بالأمس وهو النهي عن ركوبها إما من باب التعزير أو أنه يخشى أن تعرق فإذا عرقت فإنه يكون عرقها نجسا ويتلوث به الراكب أما بالنسبة للحكم عند أهل العلم فإن العلماء اختلفوا في طهارتها كما ذكره المؤلف وبناءً على هذا الاختلاف اختلفوا في حل أكلها فمن يرى أنها طاهرة يرى أن أكلها حلال ومن يرى أنها نجسة يرى أنها حرام وكذلك لبنها وكذلك بيضها إذا كانت دجاجة حسب ما يرونه فالشافعية رحمهم الله يرون أن هذا على سبيل الكراهة وليس على سبيل التحريم إلا إذا ظهرت النجاسة في لحمها أو لبنها بمعنى أن اللحم تغير وأنتن بالنجاسة أو اللبن فحينئذ يكون نجسا حراما. السائل: لماذا فرقنا بين عرق الحمار وعرق الجلالة؟ الشيخ: هم يقولون لأن هذا عرقه طارئ ويمكن أن يطهر بأن تطعم ثلاثة أيام الطاهر ويزول الحكم ولكن ما ذكرت لا شك إنه وارد عليهم فيقال إذا كان هذا نجسا من أصله وعرقه طاهر على ما هو القول الراجح وأما على القول بأنه نجس فلا يرد فصل القارئ: والحيوان الطاهر على أربعة أضرب: أحدها ما تباح ميتته كالسمك ونحوه والجراد وشبهه فميتته طاهرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحل ميتته)

والثاني ما ليست له نفس سائلة كالذباب والعقارب والخنافس فهو طاهر حيا وميتا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء)) رواه البخاري بمعناه فأمر بمقله ليكون شفاء لنا إذا أكلنا ولأنه لا نفس له سائلة أشبه دود الخل إذا مات فيه. الشيخ: كلام المؤلف الآن في الميتات يقول (ما تباح ميتته فميتته طاهرة) حتى لو تغير بها الماء فهو متغير بطاهر مثل السمك والجراد فهذا طاهر لقول النبي عليه الصلاة والسلام في البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته). الثاني ما لا نفس له سائلة والنفس هنا الدم يعني ما لا ليس له دم سائل وليس مجرد الدم لأن مجرد الدم يكون حتى في الذباب والبعوض لكن المراد سائل يسيل فالذي ليس له نفس سائلة هذا طاهر بعد الموت وإن كان حراماً ودليله قول النبي عليه الصلاة والسلام ((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه)) ووجه الدلالة أنه إذا غمسه في شيء حار فإنه يموت وكذلك لو غمسه في دهن وشبهه فإنه يموت في الحال وهذا يدل على أن ميتته طاهرة لكن ظاهر كلام المؤلف أنه سواء تولد من نجس أو من طاهر والمعروف عند الفقهاء أنه إذا تولد من نجس فهو نجس والقول الثاني أنه طاهر ولو تولد من نجس بناءً على طهارة النجاسة بالاستحالة القارئ: والثالث الآدمي ففيه روايتان أظهرهما أنه طاهر بعد الموت لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن ليس بنجس) ولأنه لو كان نجس العين لم يشرع غسله كسائر النجاسات والثانية هو نجس قال أحمد في صبي مات في بئر تنزح وذلك لأنه حيوان له نفس سائلة أشبه الشاة.

الشيخ: والأول أصح وهو أن الميت لا ينجس حيا ولا ميتا أصح فإن قال قائل يرد علينا قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (التوبة: من الآية28) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن لا ينجس) فمفهومه أن الكافر ينجس كما هو منطوق الآية فالجواب أن النجاسة نوعان حسية ومعنوية والنجاسة التي تضاف إلى الكافر هي المعنوية القارئ: والرابع ما عدا ما ذكرنا مما له نفس سائلة لا تباح ميتته فميتته نجسة لقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (المائدة: من الآية3) وقوله (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (الأنعام: من الآية145). الشيخ: الضابط في مسألة الدم أن كل ما كانت ميتته طاهرة فدمه طاهر إلا الآدمي على أن بعض العلماء قال إن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السبيلين وعللوا ذلك بأنه لا دليل على النجاسة والنجاسة تحتاج إلى دليل وبعموم قوله (إن المؤمن لا ينجس) فهذا يشمل أجزاؤه وما فيه وبأن الصحابة كانوا يجرحون في الغزوات ويصلون في ثيابهم وبأن القاعدة أن ما أبين من حي فهو كميتته والآدمي إذا قطعت يده فهي طاهرة فكيف نقول هذه اليد إذا قطعت تكون طاهرة مع أنها عضو وجزء منه والدم إذا انفصل يكون نجسا فهذا بعيد ولهذا فالذي يترجح عندي أن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السبيل لكن مع ذلك نأمر الإنسان بأن يتنزه منه من باب الاحتياط والاحتياط في غير مشقة أولى من كون الإنسان يتهاون في الأمر السائل: هل الدم الخارج من الحيوان الذي يؤكل لحمه وهو حي نجس الشيخ: كل ما ميتته نجسة فدمه نجس وكل ما ميتته طاهرة فدمه طاهر فالسمك مثلا لو أن سمكة خرج منها دم كثير ولو كانت حية فهو طاهر

باب الآنية

مسألة: الوزغ نص الإمام أحمد على أن له نفسا سائلة لكن العقرب ليس له نفس أبدا ولو تذبحه ما لقيت دماً ولو تضربه بالحجر إلى أن يتقطع ما لقيت دماً أما الذباب ففيه دم لكنه ما يسيل والصراصير ما لها دم وهي طاهره فكل شيء ليس له دم يسيل فهو طاهر أما إذا تولدت من نجاسة فقد سبق لنا أنها نجسة على خلاف فيها أيضا. باب الآنية القارئ: وهي ضربان مباح من غير كراهة وهو كل إناء طاهر من غير جنس الأثمان ثمينا كان أو غير ثمين كالياقوت والبلور والعقيق والخزف والخشب والجلود والصفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من جفنة وتوضأ من تور من صفر وتور من حجارة ومن قربة وإداوة الشيخ: الأواني الأصل فيها الحل لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة: من الآية29) فأي إناء تستعمله لشرب أو أكل أو وضوء أو غير ذلك إذا اعترض عليك معترض فقل له هات الدليل على التحريم وإلا فالأصل الحل. القارئ: والثاني محرم وهو آنية الذهب والفضة لما روى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) وقال ((الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) متفق عليهما فتوعد عليه بالنار فدل على تحريمه ولأن فيه سرفا وخيلاء وكسر قلوب الفقراء ولا يحصل هذا في ثمين الجواهر لأنه لا يعرفها إلا خواص الناس. الشيخ: قول المؤلف فدل على تحريمه هل يكتفى بهذا القول أو يقال إنها من الكبائر؟ الصحيح الثاني لأن الوعيد على الشيء يدل على أنه كبيرة من كبائر الذنوب. القارئ: ويحرم اتخاذها لأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالطنبور ويستوي في ذلك الرجال والنساء لعموم الخبر

الشيخ: عندنا ثلاثة أشياء في أواني الذهب والفضة استعمالها في الأكل والشرب واستعمالها في غير الأكل والشرب واتخاذها يعني مثل أن يجعلها زينة أما استعمالها في الأكل والشرب فهو من كبائر الذنوب كما عرفتم وأما استعمالها في غير الأكل والشرب فالمشهور أنه كاستعمالها في الأكل والشرب أي أنه حرام من كبائر الذنوب ولكن الصحيح أنه ليس كذلك وأن استعمالها في غير الأكل والشرب مثل أن نجعلها أوعية للأدوية أو ما أشبه ذلك لا بأس به ودليل ذلك أن أم سلمة راوية الحديث الثاني كان عندها جلجل من فضة والجلجل من جنس الطابوق حق الكحل وحق الزنجبيل والأشياء هذه فعندها جلجل من فضة فيه شعرات من شعرات النبي صلى الله عليه وسلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم خص فقال (من أكل أو شرب) ومعلوم أن الأكل أو الشرب في مظهره أشد من أن يكون الإناء وعاءً لشيء مخزون عند الإنسان لأن الأكل والشرب عام يشاهده كل أحد ويكثر استعماله ويحصل فيه للإنسان من الفخر والأبهة والتعاظم في نفسه ما لا يحصل فيما لو كان عنده وعاء يخزن فيه دواءً أو ما أشبه ذلك. الثالث اتخاذها فينظر إن اتخذها لمحرم صار حراما من باب الوسائل وإن اتخذها لحلال فهي حلال كما لو اتخذها لدواء أو غيره وإن اتخذها لمجرد الزينة فينبغي أن يقول إنها حرام لما في ذلك من إضاعة المال فالحاصل أن هذا هو القول الذي أطمئن إليه أما عند الفقهاء رحمهم الله فاستعمالها في الأكل والشرب حرام وفي غير الأكل والشرب حرام واتخاذها حرام يعني كل الثلاثة حرام عندهم. السائل: أحسن الله إليك أقول ألا ينتقض هذا إذا كان العلة هي كسر قلوب الفقراء أو السرف والخيلاء يعني لا فرق بين الأكل والشرب أو اتخاذه؟

الشيخ: العلة ليست كسر قلوب الفقراء الفقير ينكسر قلبه إذا كان عند الإنسان سيارة فخمة وإذا كان عنده قصر مشيد وإذا كان عليه لباس جميل ولا علة أحسن من تعليل الرسول صلى الله عليه وسلم (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) يعني أن الدنيا ليست دارا لأن يأكل الإنسان ويشرب فيها في آنية الذهب والفضة وهذا واضح والقول بما ذكر المؤلف فيه نظر لكن لا بأس أن ندعم النص به وإلا فإن الإنسان لو اتخذ مثلا ثياب من مواد فخمة أغلى من الحرير لم نقل له هي حرام لكن لو لبس الحرير قلنا حرام لأن لباس الحرير إنما هو لباس أهل الجنة وهذه أيضا أواني الذهب والفضة أواني أهل الجنة ولهذا قال (إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة). السائل: لو قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر الشرب والأكل إلا على سبيل التمثيل لأن غالب الاستخدام يكون في هذا ولكن النهي عام سواء لاستخدام الأكل والشرب أو غير ذلك؟ الشيخ: في هذا نظر لأن أم سلمة رضي الله عنها وهي راوية الحديث أيدت المفهوم وهو قولها (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة) ثم إنه من المعلوم إن استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب أعم وأكثر فيحصل فيها للقلب ما يحصل من الأبهة والتعالي والتعاظم بخلاف مثلا ما لو أخذ إناءً من فضة أو وعاءً من فضة وجعله عنده في صندوق أو في خزانة أو ما أشبه ذلك القارئ: وإنما أبيح للنساء التحلي للحاجة إلى الزينة للأزواج فما عداه تجب التسوية فيه بين الجميع وما ضبب بالفضة أبيح إذا كان يسيرا.

الشيخ: هذا جواب عما لو أورد مورد وقال كيف تقول إن الرجال والنساء سواء في استعمال الذهب والفضة مع أن المرأة يجوز لها التحلي بالذهب والفضة دون الرجل فالمؤلف ذكرالفرق أن المرأة محتاجة التزين للزوج (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (الزخرف:18) يعني كمن ليس كذلك ومن الذي ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين النساء يعني كمن ليس كذلك وهو الرجل. القارئ: وما ضبب بالفضة أبيح إذا كان يسيرا لما روى أنس أن قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ((انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة)) رواه البخاري ولا يباح الكثير لأن فيه سرفا فأشبه الإناء الكامل واشترط أبو الخطاب أن يكون لحاجة لأن الرخصة وردت في تشعب القدح وهو لحاجة ومعنى الحاجة أن تدعو الحاجة إلى ما فعله به وإن كان غيره يقوم مقامه وقال القاضي من غير حاجة لأنه يسير إلا أن أحمد كره الحلْقة لأنها تستعمل وتكره مباشرة الفضة بالاستعمال الشيخ: الحلقة لأنها تستعمل يعني تستعمل وحدها يعني كره الإمام أحمد الحلقة من الفضة للإناء لأنها تستعمل يعني يمسك بها الإناء ويمكن الانفصال عنه وليعلم أن الإمام أحمد إذا قال أكره كذا فإنه للتحريم وإذا قال لا ينبغي فكذلك للتحريم وإذا قال لا يعجبني فهو للكراهة وقيل للتحريم أيضا لأن الإمام أحمد رحمه الله عنده من الورع ما يمنعه أن يقول عن الشيء إنه حرام إلا إذا كان فيه نص فمثل لو سئل عن ميته فسيقول إنها حرام وقول المؤلف تكره مباشرة الفضة بالاستعمال يعني مثلا إذا جاز أن نضبب الإناء بفضة فإنه يكره أن نباشر الفضة مثال ذلك إناء انكسر وضببناه بسلسلة من الفضة فإنه يكره عند الشرب أن يباشر الفضة هذا ما قاله المؤلف ولكن لا دليل على ذلك والصواب أنه إذا أبيحت أبيح مباشرتها ولا حرج. السائل: ما حكم استعمال الذهب والفضة وجعلها بزابيز للماء؟

الشيخ: الظاهر أن يقال البزابيز وسيلة للشرب وإن كانت تستعمل في الوضوء وفي التغسيل وفي غيره ولكن أيضا تستعمل في الشرب وهذه تحتاج إلى نظر والظاهر لي عدم الجواز. القارئ: فأما الذهب فلا يباح إلا في الضرورة كأنف الذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((رخص لعرفجة بن سعد لما قطع أنفه يوم الكلاب واتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره أن يتخذ أنفا من ذهب)) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ويباح ربط أسنانه بالذهب إذا خشي سقوطها لأنه في معنى أنف الذهب وذكر أبو بكر في التنبيه أنه يباح يسير الذهب قال أبو الخطاب ولا بأس بقبيعة السيف بالذهب لأن سيف عمر كان فيه سبائك من ذهب ذكره الإمام أحمد وعن مزيدة العصري قال (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة) رواه الترمذي وقال هو حديث غريب الشيخ: هذه الكلمات اليسيرة انتقل إليها المؤلف من الأواني وإلا في الحقيقة أن محلها في باب اللباس والفقهاء ذكروها في باب الزكاة زكاة الذهب والفضة والقاعدة فيها أن استعمال الذهب والفضة في

اللباس لا يجوز إلا للنساء وبناءً على هذا لا يجوز للإنسان أن يلبس قلما فيه ذهب لأن هذا نوع من اللباس أو يتخذ سلسلة فيها ذهب أو يلبس ساعة فيها ذهب لأن كل هذا من اللباس وأما ما فيه مصلحة وعز للإسلام مثل السلاح كالسيف ونحوه فلا بأس به لأن الفخر والخيلاء والتعاظم أمام الكفار أمر مطلوب حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام قال عن مشية الخيلاء ((إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن)) وأباح لباس الحرير في الحرب وأما ما ذكره من اتخاذ الأنف والسن من الذهب للضرورة فهذا صحيح فإذا قال قائل ما الفرق بين التحلي واتخاذ الأنف فالجواب الفرق بينهما ظاهر لأن اتخاذ الأنف من باب تغطية العيب والتحلي من باب التجمل والكمال فهذا هو الفرق ولهذا نقول لو أن الرجل اتخذ سنا من ذهب للتجمل صار هذا حراما لأنه لا يحل له أن يتجمل بالذهب ولو اتخذه للحاجة صار حلالا وهل للمرأة أن تتخذ سنا من الذهب للتجمل؟ نعم لها أن تتخذ هذا لأنها كما تتجمل بالذهب على صدرها وفي أذنها وفي يدها كذلك أيضا في سنها. مسألة: إذا أهدي للإنسان ساعة من ذهب وهو رجل فإن كان يمكن إهداءها للنساء أهداها وإذا كانت لا تصلح لباسا للنساء فيستعملها يضعها في مخباته فهذا جائز على رأي شيخ الإسلام فيما أظن وجماعة من العلماء يقولون إن استعمال الذهب في غير اللبس للرجل لا بأس به إلا في الأكل والشرب وهذا ليس أكلا ولا شربا وكذلك القلم الذي يضعه في مخباته الظاهر أنه لا بأس به لكن مشكلتنا إن القلم سيكتب به دائما والكتابة نوع من الاستعمال وإن كان الساعة يظهرها لكن التصاق القلم بيده عند الكتابة أقوى من التصاق الساعة إذا أراد أن ينظر إليها السائل: أحسن الله إليكم اتخاذ المسدسات من ذهب مثل مسدس مقبضته ذهب؟ الشيخ: داخل في السيف وشبهه فهو جائز فصل

القارئ: فإن تطهر من آنية الذهب والفضة ففيه وجهان أحدهما تصح طهارته وهذا قول الخرقي لأن الوضوء جريان الماء على العضو وليس بمعصية وإنما المعصية استعمال الإناء والثاني لا تصح اختاره أبو بكر لأنه استعمال للمعصية في العبادة أشبه الصلاة في الدار المغصوبة الشيخ: الأول هو الصحيح فالصحيح صحة الطهارة من إناء الذهب والفضة لأن التحريم لا يعود إلى استعمال الماء فالماء ليس فيه شيء لكنه يعود إلى استعمال الذهب والفضة عموما وما كان تحريمه خاصا فإنه لا يؤثر في العبادة وأما قول أبو بكر والقياس على الأرض المغصوبة فهو غير متفق عليه وقد قلنا إنه لا يقاس على أصل إلا حيث كان متفقا عليه والصحيح أن الصلاة في الدار المغصوبة أو في الأرض المغصوبة صحيحة هذا هو الصحيح وأن الوضوء بالماء المغصوب صحيح لأنه لا يحرم الوضوء بالماء المغصوب لخصوصيته وإنما المحرم استعمال الماء المغصوب مطلقا في وضوء أو في نظافة أو في غسل ثياب أو غير ذلك والقاعدة في هذا (أن ما كان النهي واردا عنه بعينه فإنه لا يصح وما كان عاما فإنه على القول الراجح يصح مع تحريم الاستعمال) مسألة: الآن الأسنان يمكن أن تركب من غير الذهب فهل نقول إن هناك ضرورة الآن؟ نقول نعم فيه ضرورة لأنه ما هو بالضرورة أن يحتاج إلى الشيء بعينه بل أن يضطر إلى شيء يسد هذه الفتحة مثلا ولهذا اتخذ النبي عليه الصلاة والسلام مكان الشعب سلسلة من فضة مع أنه يمكن أن يتخذها من حديد وهم قالوا إن مجرد الحاجة إلى هذا الشيء يكفي ولهذا يربط السن بالذهب مع أنه قد يربط بغيره من المعادن الحديثة ولا يحصل فيها صدأ (فائدة محررة بيد الشيخ): الأعيان النجسة: أولاً: كل حيوان محرم الأكل ويستثنى منه: 1. الآدمي 2. كل ما لا نفس له سائلة أي ما لا يسيل دمه عند جرحه كالبعوض 3. كل ما يشق التحرز عنه كالهر ونحوه من الطوافات سوى الكلب.

ثانيا كل خارج من جوف محرم الأكل كالبول والعذرة ونحوهما ويستثنى من ذلك: 1. مني الآدمي ولبنه وريقه ومخاطه وعرقه وكذلك قيئه إلا أن يمنع من ذلك إجماع 2. العرق والريق والمخاط من حيوان طاهر في الحياة 3. الخارج مما لا نفس له سائلة كقيء الذباب وعذرته ونحوه عند بعض العلماء لمشقة التحرز منه ثالثا جميع الميتات ويستثنى من ذلك 1. ميتة الآدمي 2. ميتة حيوان البحر. 3. ميتة ما لا نفس له سائلة رابعا كل جزء انفصل من حيوان ميتته نجسة ويستثنى من ذلك: 1. ما لا تحله الحياة وهو الشعر والصوف والوبر والريش فهذه طاهرة ولو كان الحيوان ميتته نجسة والشعر للبقر وشبهها والصوف للضأن والوبر للإبل والريش للطير 2. القرن والعظم عند شيخ الإسلام ابن تيمية. خامسا الدم من آدمي أو حيوان ميتته نجسة ويستثنى من ذلك 1. دم الشهيد عليه 2. المسك ووعاؤه 3. الدم الباقي في اللحم والعروق بعد الذكاة الشرعية أما الدم من حيوان ميتته طاهرة فهو طاهر مثل دم السمك فلو انجرحت سمكة وهي حية في الماء فإنه طاهر ويحتمل طهارة دم الآدمي ما لم يخرج من السبيلين لأن ميتته طاهرة فيكون دمه كدم حيوان البحر ولأن الجزء المنفصل منه في الحياة طاهر فطهارة الدم من باب أولى. سادسا ما تحول من الدم النجس كالقيح والصديد وماء الجروح واختار شيخ الإسلام ابن تيمية طهارة ذلك لعدم الدليل على نجاسته وهو الصحيح. سابعا الخمر وهو كل مسكر من أي نوع كان والإسكار تغطية العقل على وجه الطرب واللذة وأما البنج وشبهه فلا يسمى مسكرا لأنه ليس على سبيل الطرب واللذة بخلاف الخمر والراجح أن الخمر ليس بنجس لعدم الدليل على نجاسته بل الدليل قائم على طهارته كما قد بين في موضع آخر ويعفى عن النجاسات فيما يأتي: أولا يسير الدم وما تولد منه إلا دم الحيض. ثانيا يسير المذي وسلس البول مع كمال التحفظ. ثالثا يسير القيء على القول بنجاسته.

رابعاً يسير بول الحمار والبغل ويسير روثهما عند من يلابسهما كثيرا. خامسا يسير ذرق الخفاش ونحوها من الطيور التي يشق التحرز منها عند بعض العلماء والذرق الذي يخرج من دبره. سادسا يسير جميع النجاسات عند شيخ الإسلام ابن تيمية حتى المغلظ وشيخ الإسلام رحمه الله يقول اليسير هذا يعفى عنه لأنه يشق التحرز منه غالبا والدين يسر فلو مثلا نجد شيء مثل جب الإبرة من نجاسة ولو مغلظة يقول إنه يعفى عنه لكن أكثر العلماء على خلاف كلامه رحمه الله. فصل في أواني الكفار القارئ: أحدهما من لا يستحل الميتة كاليهود فأوانيهم طاهرة مباحة الاستعمال لأن النبي صلى الله عليه وسلم (أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة فأجابه) رواه أحمد في المسند وتوضأ عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية. والثاني من يستحل الميتات والنجاسات كعبدة الأوثان والمجوس وبعض النصارى فما لم يستعملوه من آنيتهم فهو طاهر وما استعملوه فهو نجس لما روى أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال (قلت يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم قال لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها) متفق عليه، وما شك في استعماله فهو طاهر وذكر أبو الخطاب أن أواني الكفار كلها طاهرة وفي كراهية استعمالها روايتان إحداهما تكره لهذا الحديث والثانية لا تكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل فيها

الشيخ: المؤلف رحمه الله تكلم عن آواني الكفار التي يستعملونها فإن كانوا ممن لا يستحل الميتة فأوانيهم طاهرة وإن كان ممن يستحلون الميتة نظرنا إن كانوا يستعملون هذه الأواني كأواني طبخهم وما أشبه ذلك فإنها لا تستعمل حتى تغسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال (لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها) أما إذا شككنا هل هم يستعملونها أو لا فهي طاهرة لأن الأصل الطهارة فإن قال قائل إذا كانوا يستعملونها كيف نقول إنها نجسة مع أنه يحتمل أنهم لا يستعملونها في اللحم ربما يستعملونها في الطبخ بدون لحم قلنا هذا من باب تغليب الظاهر على الأصل فصحيح أن الأصل الطهارة لكن لما كان الغالب عند الناس الذين يستعملونها في الأواني أنهم يستعملونها في الطبخ ومنه طبخ اللحم واللحم عندهم لا يحل لأنهم يأكلون ميتة غلبنا الظاهر وقال بعض أهل العلم بل آنيتهم كلها طاهرة لأن هذا هو الأصل وإنما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الأكل فيها من أجل أن لا نكون معهم وأن لا نخالطهم لأننا إذا أكلنا في أوانيهم صاروا يأخذون منا الأواني ونأخذ منهم وصار بيننا وبينهم ارتباط قال ودليل ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها) ومعلوم أنه لو ثبتت نجاسة آنية الكفار وغسلناها لكانت طاهرة يجوز الأكل فيها حتى وإن كان عندنا شيء ولكن النبي عليه الصلاة والسلام نهانا عن ذلك لأجل أن لا نلجأ إليهم ولا نخالطهم إلا عند الضرورة وأما الأمر بغسلها فهو من باب التنزه لئلا يكون فيها شيء متلوث بنجاسة والذي يظهر لي أن الشارع أمرنا أن نبتعد عن الكفار وأن لا نمتزج بهم وأن لا نختلط وأمرنا بالغسل على سبيل التنزه والاحتياط. السائل: أحسن الله إليكم ما هو الدليل على أنهم قوم يستحلون الميتة؟

الشيخ: أهل الكتاب الغالب عليهم نصارى وبعضهم يستحل الميتة لأن النصارى في باب النجاسات متهاونين جدا يصلي الإنسان منهم في ثوبه الذي قد بال فيه ولا يتطهر من البول واليهود بالعكس يشددون إذا تنجس الثوب عندهم لا يطهر إلا بالقرض يقصه بالمقص ويقطع الذي أصابته النجاسة. القارئ: فأما ثياب الكفار فما لم يلبسوه أو علا من ثيابهم كالعمامة والطيلسان فهو طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يلبسون ثيابا من نسج الكفار وما لاقى عوراتهم فقال أحمد أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيها فيحتمل وجوب الإعادة وهو قول القاضي لأنهم يتعبدون بالنجاسة ويحتمل أن لا تجب وهو قول أبي الخطاب لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك الشيخ: ثياب الكفار كما قال المؤلف ما لم يلبسوه فهو طاهر لا إشكال فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يلبسون ما نسجه الكفار وأما ما لبسوه فينبغي أن يقال إن كانوا ممن يعرف بتوقي النجاسة كاليهود فلا كراهة في ثيابهم وإن كانوا ممن لا يعرفون بذلك بل ممن يتعبدون وهم على نجاسة مثل النصارى فإننا لا نلبس الثياب إلا عند الحاجة وإذا احتجنا إليها إن أمكن غسلها فهو الأفضل كما في الأواني وإن لم يمكن فلا حرج وإذا لم نحتج إليها فلا ينبغي أن نلبسها ولكن هل تجب إعادة الصلاة إذا لبسناها أو لا؟ الصحيح أنها لا تجب فالاحتمال الثاني هو الصحيح. السائل: إذا كان لا يجب إعادة الصلاة إذا صلى بثياب الكفار فهل يستحب؟ الشيخ: ثياب الكفار ثلاثة أقسام: الأول ما لم يلبسوه. والثاني ما لبسوه ولكنهم عرفوا بتجنب النجاسة فهذان لا كراهة فيها ولا تحريم. الثالث ما لبسوه وهم ممن عرفوا بالتعبد بالنجاسة فهذا نقول لا تلبسه إلا عند الحاجة والضرورة وإذا احتجت فاغسل أولاً فإن لم يمكن فصلِّ ولا إعادة.

مسألة: ما رأيكم لو اضطر إلى الصلاة بنجس يعني عنده ثوب نجس سواء من ثيابه أو من ثياب الكفار ولم يجد شيئا فهل يصلي فيه أو يصلي عريانا؟ قال بعض أهل العلم يصلي عريانا وقال بعضهم يصلي فيه ويعيد وقال آخرون يصلي ولا يعيد والأصح الأخير أما المذهب يصلي ويعيد فلو بقي شهراً أعاد صلاة الشهر كله والصحيح خلاف ذلك. فصل القارئ: وجلود الميتة نجسة ولا تطهر بالدباغ في ظاهر المذهب لقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (المائدة: من الآية3) والجلد جزء منها وروى أحمد عن يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال قرئ علينا كتاب رسول الله في أرض جهينة وأنا غلام شاب أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب قال أحمد ما أصلح إسناده تعجب منه ولأنه جزء من الميتة نجس بالموت فلم يطهر كاللحم وعنه يطهر منها جلد ما كان طاهرا حال الحياة لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ((وجد شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به قالوا إنها ميتة قال إنما حرم أكلها)) متفق عليه ولا يطهر جلد ما كان نجسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى عن جلود السباع وعن مياثر النمور)) رواه الأثرم ولأن أثر الدبغ في إزالة نجاسة حادثة بالموت فيعود الجلد إلى ما كان عليه قبل الموت كجلد الخنزير وهل يعتبر في طهارة الجلد المدبوغ أن يغسل بعد دبغه؟ على وجهين أحدهما لا يعتبر لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) متفق عليه، والثاني يعتبر لأن الجلد محل النجس فلا يطهر بغير الماء كالثوب

الشيخ: هذا الفصل كما رأيتم في حكم جلود الميتة بين المؤلف أن جلد الميتة نجس واستدل له بقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (المائدة: من الآية3) والجلد منها ولكن الاستدلال بهذه الآية لا يتم لأن الآية فيها تحريم الميتة وليس فيها نجاسة الميتة ولا يلزم من التحريم النجاسة لكن يلزم من النجاسة التحريم ولهذا نقول (كل نجس محرم وليس كل محرم نجسا) لكن الدليل الصحيح قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (الأنعام: من الآية145) هذه هي الآية الصريحة (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) وقد ذكر الميتة إذاً جلود الميتة نجسة لأن الميتة نجسة والجلود منها ولكن إذا دبغت فهل تطهر أو لا تطهر؟ في هذا أقوال للعلماء منهم من قال لا تطهر مطلقا ومنهم من قال تطهر مطلقا ومنهم من قال يطهر جلد ما كان طاهراً في الحياة ومنهم من قال يطهر جلد ما تبيحه الذكاة فالذين قالوا بأنه يطهر مطلقا قالوا إن النبي عليه الصلاة والسلام قال (أيما إهاب دبغ فقد طهر) وإهاب نكرة في سياق الشرط فيعم كل إهاب سواء كان ممن ميتته طاهرة أو مما تحله الذكاة أو من غير ذلك فإنه يطهر والقول الثاني يقول لا يطهر مطلقا وحجتهم ما أشار إليه المؤلف حديث عبدالله بن عكيم قال (قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض جهينة وأنا غلام شاب أن لا

تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) وهذا كما رأيتم إن صح عام يمكن أن يخصص فيقال لا تنتفع من الميتة بإهاب إلا إذا دبغتموه فيكون عاما فيحمل على الخاص فيقال هذا ما لم يدبغ بدليل أنه قرنه بالعصب والعصب لا يدبغ فإذا صح الحديث فالمراد به الإهاب الذي لم يدبغ فلا ينتفع به وقالوا أيضا دليل آخر غير الحديث كما أن لحم الميتة لا يطهر بالطبخ مع أن الطبخ يزيل ما فيه من الخبث فكذلك الجلد لا يطهر بالدبغ وهذا القول هو المشهور من مذهب الحنابلة عند المتأخرين لكنهم قالوا يجوز الانتفاع به في اليابسات فقط وبعد الدبغ فقط القول الثالث يقول يطهر جلد ما كان طاهراً في الحياة مثل الهر والحمار على قول والبعير والشاة والمأكول مطلقاً لأنه طاهر في الحياة وعللوا ذلك بأن هذا الجلد كان في الحياة طاهرا فلما حل به الموت صار نجسا فإذا دبغ عاد إلى حاله الأولى فيكون طاهراً والقول الرابع أنه يطهر جلد ما تحله الذكاة فقط واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (دباغ جلود الميتة ذكاتها) فجعل الدبغ بمنزلة الذكاة والذكاة لا يجري حكمها إلا فيما تبيحه الذكاة وعلى هذا فيطهر جلد الغنم والبقر والإبل والضباع والأرانب دون جلود السباع والهرة وما أشبه ذلك وأقرب الأقوال أنه يطهر جلد ما تحله الذكاة هذا أقرب الأقوال ويدل له حديث ميمونة لما قالوا له إنها ميتة (قال إنما حرم أكلها) وفي لفظ (يطهرها الماء والقرض). فصل

القارئ: وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها نجس لا يطهر بحال لأنه جزء من الميتة فيدخل في عموم قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (المائدة: من الآية3) والدليل على أنه منها قوله تعالى (قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ... (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) (يّس: من الآية79) ولأن دليل الحياة الإحساس والألم والضرس يألم ويحس بالضرس وبرودة الماء وحرارته وما فيه حياة يحله الموت فينجس به كاللحم الشيخ: يقول المؤلف عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها نجس أما عظمها فظاهر نجاسته لأنه داخل اللحم والدم والعروق وكما قال المؤلف في قوله تعالى (قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا) (يّس: من الآية79) فقال يحيها فدل ذلك على أن الحياة تحلها وأما الظفر والقرن والحافر فلا تدخل نجاسته وذلك لأنه منفصل يعني غير مخبأ باللحم ولا يحله الدم ولهذا كان الحيوان الذي ليس له دم طاهرا في الحياة وبعد الموت فالصحيح أن يقال في كلام المؤلف أن القرن والظفر والحافر طاهر وأما العظم الذي يكون داخل اللحم فإنه نجس وقد سمعتم قبل قليل أن شيخ الإسلام رحمه الله يرى أن الكل طاهر ويستدل على طهارة العظام بأن (ما لا نفس له سائلة ميتته طاهرة) لأنه ليس له دم ويقول إن العظم لا يدخل فيه الدم فلذلك يرى أنه طاهر ولكنه يرى أنه طاهر تنجس بملاقاة اللحم النجس وعلى هذا إذا أردت أن تستعمله فلابد من غسله. فصل القارئ: وصوفها ووبرها وشعرها وريشها طاهر لأنه لا روح له فلا يحله الموت لأن الحيوان لا يألم بأخذه ولا يحس ولأنه لو كانت فيه حياة لنجس بفصله من الحيوان في حياته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أبين من حي فهو ميت) رواه أبو داود بمعناه.

الشيخ: هذا واضح لكن بعض العلماء اشترط أن يجز جزا لا أن يقلع قلعا لأنه إذا جز فإن أصوله التي في الجلد لا تتبعه وإذا قلع قلعا فإن أصوله تتبعه فتكون أصول هذا الشعر نجسة وهذا أقرب وأحوط أنه لا يقلع قلعاً وإنما يجز. مسألة: القرن له غلاف وله أصل فأصله هذا مثل العظم متصل تماما بالرأس ما يمكن قلعه والغلاف هو الذي يقلع. فصل القارئ: وحكم شعر الحيوان وريشه حكمه في الطهارة والنجاسة متصلا كان أو منفصلا في حياة الحيوان أو موته فشعر الآدمي طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((ناول أبا طلحة شعره فقسمه بين الناس)) رواه الترمذي وقال حديث حسن واتفق على معناه ولولا طهارته لما فعل ولأنه شعر حيوان طاهر فأشبه شعر الغنم

الشيخ: وشعر الغنم والوبر قال الله تعالى (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ) (النحل: من الآية80) ولكن شيخ الإسلام رحمه الله يرى وغيره من العلماء أن الشعر طاهر من كل حيوان حتى من الكلب وبناءً على ذلك نقول ليس في الشعور شيء نجس وهذا الذي قاله شيخ الإسلام فيه تيسير على الناس بالنسبة للكلب خاصة لأن الصبيان الآن يلعبون في الكلاب أليس كذلك؟ بعضهم ربما يقبل شفة الكلب لأن كلبه قد ملأ قلبه حبا وبعضهم أيضا يمسحه والمشهور من المذهب أنه إذا مسح الشعر ويده رطبة يجب أن يغسل يده سبع مرات إحداها بالتراب فقول شيخ الإسلام فيه تخفيف على الناس وليس هناك دليل واضح أن شعر الكلب يكون كريقه وقد ذهب بعض العلماء خصوصا الظاهرية إلى أن نجاسة الكلب كغيرها من النجاسات إلا في الولوغ فقط قالوا إذا ولغ يجب أن يغسل سبع مرات إحداها بالتراب وغير ذلك بوله وعذرته وما يخرج منه حكمه كغيره من السباع يعني يغسل حتى تزول النجاسة فقط وهذا القول له قوة ولكن لا شك أن الاحتياط أن تغسل نجاساته كلها بسبع غسلات إحداها بالتراب لكن الشعر القول بطهارته وجيه جدا لأن الشعر كما عرفتم لا تحله الحياة مسألة: عند شيخ الإسلام ما تولد من النجاسة فليس بنجس لأنه استحال فصراصر الكنيف على كلام الشيخ رحمه الله طاهرة وعلى المشهور من المذهب نجسة لأنها متولدة من نجس فصل القارئ: ولبن الميتة نجس لأنه مائع في وعاء نجس وأنفحتها نجسة لذلك وعنه أنها طاهرة لأن الصحابة رضي الله عنهم أكلوا من جبن المجوس وهو يصنع بالأنفحة وذبائحهم ميتة فأما البيضة فإن صلب قشرها لم تنجس كما لو وقعت في شيء نجس وإن لم يصلب فهي كاللبن وقال ابن عقيل لا تنجس إذا كان عليها جلدة تمنع وصول النجاسة إلى داخلها

الشيخ: هذا أيضا مهم لبن الميتة نجس لأنه مائع في وعاء نجس هذا هو الصحيح فلو أن شاة ماتت ثم شققنا بطنها وأخرجنا ضرعها وعصرنا ما فيه من اللبن كان هذا اللبن نجسا واختار شيخ الإسلام أنه طاهر لأنه تولد قبل الموت خرج من بين فرث ودم قبل أن تموت فكان طاهرا لكن ما ذكره المؤلف هو الصحيح لأننا نقول هب أنه تولد من البهيمة قبل أن تموت وهو طاهر لكنه لاقى النجاسة وماهي النجاسة؟ الوعاء. فالوعاء لاقى النجاسة فلبنها نجس واستثنى بعض العلماء الأنفحة وقال إنها طاهرة فما هي الأنفحة؟ الأنفحة هي لبن الرضيع أول ما يرضع فالحيوان أول ما يسقط من بطن أمه ويرضع هذا الرضاع الأول الذي هو اللبأ يكون أشد من الجبن تجبينا للأشياء ومن عادتهم أنهم إذا ذبحوا هذه الحيوانات الصغار أنهم يأخذون المعدة ثم يأخذون ما فيها من اللبن ويصير أعظم من أي جبن على وجه الأرض لو تحط فيه شيء قليل من الماء جمد ونذكر أن المرق الذي يطبخ فيه هذا الطفل الصغير يتجمد إذا برد تقول كأنه كريمة أو شيء جامد مرة هذه هي الأنفحة إذاً الأنفحة هي عبارة عن اللبأ الذي يرضعه الحيوان عند وضعه ولكن أين تكون الأنفحة هل هي في الضرع أو في المعدة؟ تكون في المعدة فقياسها على اللبن فيه نظر لأن اللبن ليس يبقى في الضرع كما يبقى اللبن في المعدة ولكن اللبن متخلل في الضرع متخلل فيها مختلط بها فبينهما فرق وأما الاستدلال بفعل الصحابة وأنهم يأكلون من جبن المجوس فهذا له مأخذان المأخذ الأول أن الأنفحة ليست بنجسة والمأخذ الثاني أن الجبن لا يخلط فيه شيء كثير من الأنفحة وإنما يخلط بشيء يسير يستهلك في اللبن فلذلك كانوا يأكلون الجبن. فصل

القارئ: ولبن الميتة نجس لأنه مائع في وعاء نجس وأنفحتها نجسة لذلك وعنه أنها طاهرة لأن الصحابة رضي الله عنهم أكلوا من جبن المجوس وهو يصنع بالأنفحة وذبائحهم ميتة فأما البيضة فإن صلب قشرها لم تنجس كما لو وقعت في شيء نجس وإن لم يصلب فهي كاللبن وقال ابن عقيل لا تنجس إذا كان عليها جلدة تمنع وصول النجاسة إلى داخلها الشيخ: يعني بيضة الميتة فإذا ماتت دجاجة وفيها بيضة فهل تنجس أولا؟ الجواب إن صلب قشرها لم تنجس لكن يغسل القشر لأنه لاقى النجاسة وإن لم يصلب نجست وقال ابن عقيل رحمه الله لا تنجس مادام القشر يمنع وصول النجاسة إليها وقوله أصح لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما وقوله كما لو وقع في ماء نجس واضح لو أن بيضة طبخت في ماء نجس لكانت حلالا ولا تنجس بذلك لأن القشر يمنع وصول الماء السائل: ماهي الانفحة؟ الشيخ: أنا قلت لكم إن طفل الغنم أو طفل البقر أو طفل الضأن أي شيء إذا رضع أول رضعة وملأ بطنه فهذا اللبن يكون أنفحة ويجبن الأشياء يجعل الماء جامداً هذه الأنفحة اختلف العلماء فيها منهم من قال إنها طاهرة ومنهم من قال إنها نجسة والذين قالوا بطهارتها استدلوا بأن الصحابة كانوا يأكلون جبن المجوس وهو من أنفحة ذبائحهم وذبائحهم ميتة لأنها لا تحل لأنهم ليسوا أهل كتاب والذين قالوا بأنها نجسة قالوا إنها لبن يسير لاقى محلا نجسا فتنجس به وذكرنا لكم أن الأقرب أنها نجسة ولكن يجاب عن فعل الصحابة رضي الله عنهم بأنه يؤخذ منها شيء يسير يخلط باللبن فيتجبن والشيء اليسير إذا لم يظهر طعمه ولا ريحه فإنه لا يؤثر حتى العلماء قالوا لو أنه خلط ماء بخمر ولم يتغير فإنه لا يكون حراما لأن المستهلك في غيره لا حكم له فصل القارئ: وكل ذبح لا يفيد إباحة اللحم لا يفيد طهارة المذبوح كذبح المجوسي ومتروك التسمية وذبح المحرم للصيد وذبح الحيوان غير المأكول لأنه ذبح غير مشروع فلم يطهر كذبح المرتد

باب السواك وغيره

الشيخ: هذه تعتبر ضابط (كل ذبح لا يفيد إباحة اللحم لا يفيد طهارة المذبوح) لأنه يكون حراماً نجسا كذبح المجوس فالمجوسي لا تحل ذبيحته بالإجماع وإن كان بعض العلماء قال بحل ذبيحتهم لكن الإمام أحمد أنكر هذا فإذا ذبح صار اللحم حراماً وصار أيضا نجسا كذلك أيضا متروك التسمية الذي لم يسم عليه لو أن شخصا ذبح ولم يسم فالذبيحة حرام ونجسة وكذلك ذبح المحرم للصيد لو ذبح المحرم صيدا فإنه لا يحل ويكون نجسا لقول الله تعالى (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) (المائدة: من الآية95) ولو ذبح مغصوبا غصب شيئا وذبحه فذبيحته حلال طاهر والفرق بينها وبين صيد المحرم أن الصيد للمحرم نهي عن قتله بعينه ولهذا عبر الله عنه بالقتل ولو كان ذكاة لأن هذه وإن صارت ذكاة بالفعل فهي في الحقيقة قتل لأنها لا تحل الصيد أما ذبح المغصوب فلم ينه عنه بعينه وإنما نهى عن إتلاف المغصوب بأي شيء وكذلك ذبح الحيوان غير المأكول لو أن إنسانا ذبح هرة فإن ذلك لا يرفع نجاسة ميتتها لأن هذا الذبح لا يحلها فهو غير مشروع. باب السواك وغيره القارئ: السواك سنة مؤكدة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) متفق عليه وعنه عليه الصلاة والسلام أنه (قال السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) رواه الإمام أحمد في المسند الشيخ: في الحديث الثاني فائدة وهي أن الرب من أسماء الله وفي الأول فائدة وهو أن الأصل في الأمر الوجوب لقوله (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم) لأنه لو كان الأصل في الأمر الاستحباب لم يكن شاقا ولو أمر

القارئ: ويتأكد استحبابه في أوقات ثلاثة عند الصلاة لما ذكرنا وإذا قام من النوم لما روى حذيفة رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) متفق عليه ولأن النائم ينطبق فمه ويتغير والثالث عند تغير الفم بمأكول أو خلو معدته ولأن السواك شرع لتنظيف الفم وإزالة رائحته ويستحب في سائر الأوقات لما روى شريح بن هانئ قال (سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته قالت بالسواك) رواه مسلم. الشيخ: والصحيح أن الأخير من باب المتأكدات لأن السواك عند دخول المنزل من باب المؤكد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما يبدأ إذا دخل بيته بالسواك وجعل المؤلف هذا من باب الاستحباب المطلق فيه نظر لأنها رضي الله عنها قيدته أول ما يبدأ إذا دخل بيته بالسواك. القارئ: قال ابن عقيل لا يختلف المذهب أنه لا يستحب السواك للصائم بعد الزوال لأنه يزيل خلوف فم الصائم وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ولأنه أثر عبادة مستطاب شرعا فلم تستحب إزالته كدم الشهداء وهل يكره على روايتين إحداهما يكره لذلك والثانية لا يكره لأن عامر بن ربيعة قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم) قال الترمذي هذا حديث حسن ويستاك بعود لين الشيخ: الصحيح أنه لا يكره للصائم بل يستحب كغير الصائم أولا لعمومات الأدلة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) والثاني أنه ورد حديث وإن كان فيه نظر (خير خصال الصائم السواك) والثالث حديث عامر بن ربيعة. * هنا سقط سطرين لم يعلق عليهما الشيخ رحمه الله تعالى * القارئ: فإن استاك بأصبعه أو خرقة لم يصب السنة لأنها لم ترد به ولا يسمى سواكا ويحتمل أن يصيب لأنه يحصل من الإنقاء بقدره

الشيخ: الصحيح أنه يصيب السنة وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل إذا استاك بأصبعه عند المضمضة في الوضوء مثلا فلا بأس يصيب السنة ولكن لا شك أن التسوك بالعود أطيب. فصل القارئ: ومن السنة تقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه (الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط) متفق عليه القارئ: ويجب الختان لأنه من ملة إبراهيم فإنه روي (أن إبراهيم عليه السلام ختن نفسه) متفق عليه. الشيخ: تعبير المؤلف فإنه روي ثم يقول متفق عليه هذا يعتبر عند المحدثين خطأ لماذا؟ لأن روي صيغة تمريض وتضعيف للحديث فكيف يقال روي ثم يقال متفق عليه والصواب أن يقال فإنه ثبت أو فإنه صح القارئ: وقد قال الله تعالى (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ) (النحل: من الآية123) ولأنه يجوز كشف العورة من أجله ولولا أنه واجب ما جاز النظر إليها لفعل مندوب فإن كان كبيرا وخاف على نفسه من الختان سقط وجوبه

الشيخ: بين المؤلف رحمه الله أن الختان واجب وظاهر كلامه وجوبه على الرجال والنساء وهذا هو المذهب والقول الثاني عكس ذلك أنه سنة في حق الرجال والنساء والقول الثالث الوسط أنه واجب في حق الرجال سنة في حق النساء والفرق بين الرجال والنساء أن الرجال لو بقي الرجل غير مختون احتقن البول فيما بين الحشفة والقلفة وضره من الناحية البدنية وضره أيضا من الناحية الشرعية لأنه سوف يحصل عليه ضرر في طهارته أما المرأة فلا يحصل فيها هذا المحذور وقول المؤلف رحمه الله للاستدلال عليه (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حنيفاً) (النحل: من الآية123) وأن إبراهيم ختن نفسه الاستدلال بهذا له وجه قوي وأما استدلاله بأنه يجوز فيه كشف العورة وكشف العورة حرام ولا يستباح الحرام إلا بواجب ففيه نظر لأن كشف العورة يباح بما ليس بواجب بالإجماع كما لو احتاج الإنسان للدواء في عورته فإنه يجوز أن تكشف عورته وينظر إليها مع أن الدواء ليس بواجب وكذلك أيضا لو كان لا يحسن حلق عانته وليس عنده زوجه واحتاج إلى شخص يحلقها فإنه لا بأس ولو نظر إلى العورة لأن هذا حاجة ولكن الاستدلال الذي استدل به بعض العلماء أوضح من هذا وهو أنه يستدل للوجوب بأن الإنسان لا يحل له أن يقطع شيئا من بدنه لا من جلده ولا من أعضائه والختان فيه قطع ولا يستباح الحرام إلا بواجب السائل: ما أدلة الذين يقولون بالسنة مطلقا؟ الشيخ: الذين يقولون بالسنية مطلقا قالوا لأن الرسول قال (الفطرة خمس وذكر الختان وقص الشارب وتقليم الأظفار) وهذه غير واجبة ولم يأتِ دليل خاص يدل على وجوب الختان.

باب فرائض الوضوء وسننه

باب فرائض الوضوء وسننه القارئ: أول فرائضه النية وهي شرط لطهارة الأحداث كلها الغسل والوضوء والتيمم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق عليه ولأنها عبادة محضة فلم تصح من غير نية كالصلاة ومحل النية القلب لأنها عبارة عن القصد ويقال نواك الله بخير أي قصدك به ومحل القصد القلب ولا يعتبر أن يقول بلسانه شيئا فإن لفظ بما نواه كان آكد وموضع وجوبها عند المضمضة لأنها أول واجباته ويستحب تقديمها على غسل اليدين والتسمية لتشمل مفروض الوضوء ومسنونه ويستحب استدامة ذكرها في سائر وضوئه فإن عزبت في أثنائه جاز لأن النية في أول العبادة تشمل جميع أجزائها كالصيام وإن تقدمت النية الطهارة بزمن يسير وعزبت عنه في أولها جاز لأنها عبادة فلم يشترط اقتران النية بأولها كالصيام

الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر فرائض الوضوء ستة قال أولها النية والنية فرض وشرط وفرائض الوضوء ما لابد في الوضوء منها وهي في الحقيقة أركان الوضوء لكن سموها فرائض من باب أنها مفروضة ولابد منها ثم ذكر المؤلف رحمه الله أن النية محلها القلب وهذا صحيح وذكر أنه لا يعتبر أن يقولها بلسانه وهذا صحيح ولكنه قال إن نطق بها فهو آكد فظاهره أنه يستحب النطق بها أي أن يقول عند الوضوء نويت أن أتوضأ وعند الغسل نويت أن أغتسل ولكن هذا غير صحيح والصحيح أن النطق بالنية بدعة وغير مشروع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم أمته النطق بالنية ولم ينطق بها أيضاً والنطق بالنية ولا سيما إذا قلنا أنه يثاب عليه فيعني أنه عبادة والعبادة لا تجوز إلا بشرع فالصواب أن النطق بالنية ليس بسنة بل بدعة وأبدع من ذلك الجهر بذلك ويذكر أن شخصا من الناس كان في المسجد الحرام فلما كبر الإمام قال اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات لله عز وجل خلف إمام المسجد الحرام وإذا بجانبه رجل فأمسك بيده قال اصبر باقي عليك فقال ماذا بقي كل شي قلته قال باقي عليك اليوم والتاريخ فالرجل تفطن لهذا الشيء وأنه لا داعي للكلام بالنية لأنك إنما تصلي لمن؟ تصلي لله وتتطهر لله فلا حاجة أن تخبر الله بذلك ثم ذكر أن النية تجب عند أول واجب في الوضوء وهو المضمضة وتسن عند أول المسنونات وهو غسل الكفين الذي يتقدم المضمضة والاستنشاق وذكر أنه لا بأس أن يقدمها بيسير وأنها لو عزبت عن خاطره يعني غفل عنها ولكنها تقدمت بزمن يسير فلا بأس

القارئ: وصفتها أن ينوي رفع الحدث أي إزالة المانع من الصلاة أو الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها كالصلاة والطواف ومس المصحف وإن نوى الجنب بغسله قراءة القرآن صح لأنه يتضمن رفع الحدث وإن نوى بطهارته ما لا تشرع له الطهارة كلبس ثوبه ودخول بيته والأكل لم يرتفع حدثه لأنه ليس بمشروع أشبه التبرد وإن نوى ما يستحب له الطهارة كقراءة القرآن وتجديد الوضوء وغسل الجمعة والجلوس في المسجد والنوم فكذلك في إحدى الروايتين لأنه لا يفتقر إلى رفع الحدث أشبه لبس الثوب والأخرى يرتفع حدثه لأنه يشرع له فعل هذا وهو غير محدث وقد نوى ذلك فينبغي أن تحصل له ولأنها طهارة صحيحة فرفعت الحدث كما لو نوى رفعه. الشيخ: الآن في كيفية النية ماذا ينوي؟ فهمنا الآن أن النية فرض وإن شئتم فقولوا شرط لكن كيف النية؟ كيفيتها لها صور: الأول أن ينوي رفع الحدث والحدث هو الوصف المانع من الصلاة ونحوها. الثاني أن ينوي الطهارة لما لا يباح إلا بطهارة يعني ينوي أنه تطهر ليصلي ولا يكون في قلبه رفع الحدث يعني لا ينوي رفع الحدث لكن ينوي الطهارة للصلاة فهنا يرتفع حدثه. الصورة الثالثة أن ينوي الطهارة لما تسن له الطهارة مثل أن ينوي الطهارة لقراءة القرآن فهنا يرتفع حدثه لأن الطهارة لقراءة القرآن تتضمن رفع الحدث ولو لم يرتفع لم يكن متطهراً الصورة الرابعة أن ينوي الطهارة لما لا تسن له الطهارة مثل أن ينوي الطهارة للبس ثوبه قال أحب أن ألبس الثوب على طهارة فهذا لا يرتفع حدثه لماذا؟ لأن لبس الثوب لا تشرع له الطهارة أي لا يسن لمن أراد أن يلبس ثوبه أن يتطهر فلا تشرع

والمؤلف أدخل في نية ما تسن له الطهارة غسل الجمعة وهذا فيه شيء من النظر لأن الجمعة تجب لها الطهارة ولكن لا يجب الغسل فالغسل مسنون لا عن حدث والمسألة التي ذكر ما تسن له الطهارة أي طهارة عن حدث لكنها ليست بواجبة فبينهما فرق انتبه إذا نوى ما تسن له الطهارة يعني تطهر لقراءة القرآن فهنا نوى عملا يرتفع به الحدث أليس كذلك؟ ويرتفع الحدث وإذا نوى غسل الجمعة فقد نوى عملا ليس عن حدث حتى نقول إنه لو كان عليه جنابة لارتفع حدثه لأنه لم ينو الغسل عن حدث نوى غسلا مسنونا للصلاة لا عن حدث بخلاف من نوى الوضوء للقراءة عن حدث فهذا واضح أنه تطهر عن حدث ارتفع أما غسل الجمعة فليس عن حدث ولذلك فالذي يظهر لي أنه لو نوى غسل الجمعة فقط وعليه جنابة فإنه لا يرتفع حدثه لأن غسل الجمعة ليس عن حدث بخلاف ما لو تطهر للقراءة فإن طهارته هنا عن حدث وأشبه ما لغسل الجمعة تجديد الوضوء فإنه من المشروع إذا توضأ الإنسان وصلى بوضوئه الأول من المشروع إذا جاءت الصلاة الثانية أن يتوضأ هذا هو الذي يشبه غسل الجمعة لأن هذا الوضوء ليس عن حدث ولكنه طهارة مشروعة وقد ذكروا رحمهم الله أنه لو نوى تجديدا مسنونا ناسيا حدثه ارتفع فإن لم يكن ناسيا حدثه فإنه لا يرتفع لأنه يكون حينئذ متلاعبا إذ أن التجديد لا يشرع إلا إذا كان الإنسان على طهارة لذلك نحثكم على أن تنتبهوا لهذه المسألة مسألة غسل الجمعة إذا كان على الإنسان جنابة أن ينتبه عند الاغتسال فينوي الغسل للجنابة وإذا نوى الغسل للجنابة ارتفعت الجنابة وكفى عن غسل الجمعة وإن نواهما جميعا فهذا أكمل ولكن هل الأكمل أن يغتسل لكل واحد منهما غسلا؟ قال ابن حزم رحمه الله هذا الأكمل أن يغتسل للواجب أولا ثم للمسنون ثانيا وذهب إليه بعض الفقهاء رحمهم الله لكن إذا اغتسل بالنيتين فإنما الأعمال بالنيات.

القارئ: وإن نوى رفع الحدث والتبرد صحت طهارته لأنه أتى بما يجزئه وضم إليه ما لا ينافيه فأشبه ما لو نوى بالصلاة العبادة والإدمان على السهر فإن نوى طهارة مطلقة لم تصح لأن منها ما لا يرفع الحدث وهو الطهارة من النجاسة. الشيخ: على كل حال هذا التعليل عليل لأن الذي يتوضأ وينوي طهارة مطلقة لا يخطر بباله أنه يريد غسل النجاسة وقد لا يكون على أعضائه نجاسة فإذا نوى طهارة مطلقة فالصحيح أنها تصح لكن بشرط أن يكون نواها لأجل الصلاة مثلا السائل: بالنسبة لغسل الجمعة هل يقاس على تجديد الوضوء بحيث لو كان ناسياً حدثه واغتسل للجمعة يرتفع حدثه؟ الشيخ: يحتاج إلى تأمل لأن التجديد أصله مرتفع الحدث الحدث مرتفع ما فيه حدث أصلا القارئ: فإن نوى طهارة مطلقة لم تصح لأن منها ما لا يرفع الحدث وهو الطهارة من النجاسة وإن نوى رفع حدث بعينه فهل يرتفع غيره على وجهين قال أبو بكر لا يرتفع لأنه لم ينوه فأشبه إذا لم ينو شيئا وقال القاضي يرتفع لأن الأحداث تتداخل فإذا ارتفع بعضها ارتفع جميعها وإن نوى صلاة واحدة الشيخ: هنا قولان إنسان بال وتغوط فنوى الوضوء عن البول فقط فهل يرتفع حدثه؟ فيها قولان: القول الأول أنه لا يرتفع لأنه لم ينو الثاني. والقول الثاني يرتفع لأن الحدث معنى لا يتجزأ فإذا ارتفع الحدث عن البول مثلا فقد ارتفع ولم يكن حدث وليس الإنسان إذا بال حصل له حدث وإذا تغوط حصل له حدث آخر وإذا خرجت منه ريح حصل منه حدث ثالث من حيث المعنى أليس كذلك إذاً إذا نوى رفع الحدث من البول ارتفع ولكن هناك قول ثالث لم يذكره المؤلف يقول إذا نوى عن حدث معين لا على أن يرتفع غيره فهنا لا يرتفع واستدلوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) وهذا نوى ارتفاع الحدث من البول لا من الريح مثلا فيكون له عمله بارتفاع البول دون الريح والذي يظهر لي الإطلاق أنه إذا نوى رفع الحدث عن حدث معين ارتفع عن الجميع

القارئ: وإن نوى صلاة واحدة نفلا أو فرضا لا يصلي غيرها ارتفع حدثه ويصلي ما شاء لأن الحدث إذا ارتفع لم يعد إلا لسبب جديد ونيته للصلاة تضمنت رفع الحدث وإن نوى نية صحيحة ثم غير نيته فنوى التبرد في غسل بعض الأعضاء لم يصح ما غسله للتبرد فإن أعاد غسل العضو بنية الطهارة صح ما لم يطل الفصل. فصل القارئ: ثم يقول بسم الله وفيها روايتان إحداهما أنها واجبة في طهارات الأحداث كلها اختارها أبو بكر لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) قال أحمد حديث أبي سعيد أحسن شيء في الباب والثانية أنها سنة اختارها الخرقي قال الخلال الذي استقرت الروايات عنه أنه لا بأس به إذا ترك التسمية لأنها عبادة فلا تجب فيها التسمية كغيرها وضعف أحمد الحديث فيها وقال ليس يثبت في هذا حديث واختلف من أوجبها في سقوطها بالسهو فمنهم من قال لا تسقط كسائر واجبات الطهارة ومنهم من أسقطها لأن الطهارة عبادة تشتمل على مفروض ومسنون فكان من فروضها ما يسقطه السهو كالصلاة والحج فإن ذكرها في أثناء وضوئه سمى حيث ذكر ومحل التسمية اللسان لأنها ذكر.

الشيخ: هذه القطعة من كلام المؤلف فيها الكلام على التسمية في الطهارات كلها طهارة الأحداث ففيها أولا روايتان رواية بالوجوب ورواية بالسنية والراجح أنها سنة لضعف الحديث وهو قول (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) فقد قال الإمام أحمد لا يثبت في هذا الباب شيء ومعنى في هذا الباب أي في هذه المسألة، ولأن الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان يسمي حديث عثمان وغيره في صفة ضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا التسمية فالصحيح أنها سنة ثم القائلون بالوجوب اختلفوا هل تسقط بالسهو أو لا؟ فالمشهور من المذهب أنها تسقط بالسهو والقول الثاني أنها لا تسقط بالسهو وعللوا ذلك بهذه القاعدة أن الشارع لا ينفي العبادة إلا لانتفاء شرط صحتها فإذا كانت التسمية من شرط الصحة لم تسقط بالسهو كسائر الأركان وهذا أقيس أنها لا تسقط بالسهو وأما قول المؤلف معللا السقوط بالسهو بأن الوضوء عبادة اشتملت على مفروض ومسنون فكان منها ما يسقط بالسهو كالصلاة والحج فهذا القياس غير صحيح أولا لأن واجبات الصلاة ليست تسقط بالسهو بل تجبر بسجود السهو وثانيا في الحج ليست واجبات الحج تسقط بالسهو إلى غير بدل بل إلى بدل عند جمهور أهل العلم وهو فدية فالقياس غير صحيح فالقائلون بالوجوب الأقيس من قولهم أنها لا تسقط بالسهو لأنها عبادة علق عليها صحة الوضوء فلم تسقط بالسهو كما لم تسقط الفاتحة بالسهو حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب) وإذا جمعت بين هذا القياس وبين قياس المؤلف وجدت أيهما الصحيح؟ وجدت القياس هو ما ذكرناه لأن قوله (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) كقوله (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فإذا علق الشارع صحة العبادة على شيء فهو ركن فيها لا تصح إلا به لكن الصحيح أنها ليست بواجبة، والقائلون بالسنية عللوا بأنه لا دليل على الوجوب والأصل عدم الوجوب وبراءة الذمة

السائل: على القول بالوجوب هل تجزئ البسملة أثناء الوضوء؟ الشيخ: إذا نسي ولم يذكر إلا في أثناء الوضوء تجزئ. السائل: هل يبدأ من جديد؟ الشيخ: لا ما يبدأ من جديد ولكن إذا نسي حتى انتهى سقطت التسمية. القارئ: ومحل التسمية اللسان لأنها ذكر وموضعها بعد النية ليكون مسميا على جميع الوضوء فصل القارئ: ثم يغسل كفيه ثلاثا لأن عثمان وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما وصفا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا (فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات) متفق عليهما ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء ثم إن كان لم يقم من نوم الليل فغسلهما مستحب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده) متفق عليه ولم يذكر البخاري ثلاثا فتخصيصه هذه الحالة بالأمر دليل على عدم الوجوب في غيرها وإن قام من نوم الليل ففيه روايتان إحداهما أنه واجب الشيخ: هذا دليل لكنه كما رأيتم دليل بالمفهوم ولو أن المؤلف استدل بالآية الكريمة لكان أحسن وهي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (المائدة: من الآية6) ولم يذكر غسل اليدين قبل غسل الوجه وحينئذ يكون غسل اليدين قبل غسل الوجه إنما ثبت بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بأمر الله والفعل يدل على السنية لا على الوجوب. السائل: التسمية قلنا إنها سنة وقررنا تضعيف الحديث فعلى أي شيء بنينا أنها سنة؟

الشيخ: هذا سؤال له وجه يقول إذا ضعف الحديث فمن أين يكون لنا السنية وقد ذكر صاحب النكت على المحرر وهو ابن مفلح تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية أن الحديث إذا كان ضعيفا ولم يكن ضعفه شديدا فإنه لا يقوى على الإيجاب لكن فيه مساغ للاستحباب وإذا كان الحديث نهيا ولم يكن الضعف شديدا فإنه لا يقوى على التحريم ولكن يكون فيه مساغ للكراهة ويكون القول بالاستحباب في باب الأمر وبالكراهة في باب النهي من باب الاحتياط أما إن كان الضعف شديدا فلا يؤخذ به السائل: ذكر المؤلف أن محل التسمية اللسان لكن إذا كان الإنسان في دورة المياه فهل يسمي بقلبه؟ الشيخ: إذا قلنا بأنه لا بأس بذكر الله في حال الخلاء كما هو أحد القولين في المسألة فليسم حتى لو قلنا بالاستحباب لحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه يعني في كل حين ومنها إذا كان على الخلاء وإذا قلنا بالكراهة فإن قلنا بوجوب التسمية سمى لأن الكراهة لا تسقط الواجب وإن قلنا باستحبابها لم يسم لأن مقتضي الكراهة أقوى من مقتضي الاستحباب. القارئ: وإن قام من نوم الليل ففيه روايتان إحداهما أنه واجب اختارها أبو بكر لظاهر الأمر فإن غمسهما قبل غسلهما صار الماء مستعملا لأن النهي عن غمسهما يدل على أنه يفيد منعا وإن غسلهما دون الثلاث ثم غمسهما فكذلك لأن النهي باق وغمس بعض يده كغمس جميعها ويفتقر غسلهما إلى النية لأنه غسل وجب تعبدا أشبه الوضوء والرواية الثانية ليس بواجب اختارها الخرقي لأن اليد عضو لا حدث عليه ولا نجاسة فأشبهت سائر الأعضاء وتعليل الحديث يدل على أنه أريد به الاستحباب لأنه علل بوهم النجاسة فلا يزال اليقين بالشك فإن غمسهما في الماء فهو باق على إطلاقه

الشيخ: يعني على هذه الرواية إن غمسهما على هذه الرواية وهي رواية القول بعدم الوجوب والصحيح أن الماء باق على إطلاقه حتى على الرواية القائلة بوجوب الغسل لأن النهي إنما هو للاحتياط وليس فيه دليل على أن الماء ينجس أو تمتنع الطهارة منه قال (فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلهما ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) ومعلوم أن الإنسان يدري أين باتت يده فأين باتت حسا؟ على الفراش ما قطعت يدري هذا ويدري أنها قد لفت ويدري أن عليه السراويل لا يمكن أن تتصل بفرجه حتى يقال تلوثت بنجاسة من حيث لا يشعر كل هذا يدري وكل هذا غير مراد للرسول صلى الله عليه وسلم ولكن نقول (لا يدري أين باتت) من أمور الغيب هذا من أمور الغيب ونحن نفعل ما أمرنا به وما لا تدركه عقولنا علينا فيه التسليم وقال شيخ الإسلام رحمه الله لعل المعنى أن الشيطان قد يلعب بيده ويلوثها بنجاسة واستنبط ذلك من قول النبي عليه الصلاة والسلام (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه) ونحن لا نشعر بأن على خياشيمنا شياطين لكن هذا خبر النبي عليه الصلاة والسلام فربما تكون اليد كذلك يعبث بها الشيطان ونحن لا نشعر لأن عبث الشيطان بنا من أمور الغيب التي لا تدرك بالحس وما قاله رحمه الله وجيه لا شك والفقهاء يرون أن هذا من باب التعبد ولهذا قالوا يجب غسلها قبل إدخالها الإناء ثلاثا تعبدا يعني أننا لا نعلم عن علتها. السائل: أحسن الله إليك الذين قالوا بوجوب التسمية في الوضوء قالوا إن الحديث وإن كان ضعفه بعض أهل العلم فقد حسنه آخرون والتعليل بأن الذين نقلوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا تسميته يقولون نحن لا نقول بأن الجهر واجب وربما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ولم يجهر بالتسمية ولم يسمع.

الشيخ: عثمان رضي الله عنه دعا بوضوء لما سئل كيف يتوضأ الرسول صلى الله عليه وسلم فتوضأ أمام الناس ولم يسم ومثل هذا كتمان في موضع الحاجة إلى البيان لكن عندنا قاعدة وهي (عدم الذكر ليس ذكراً للعدم) وهذه القاعدة إنما تنفعك إذا ثبت الشيء ثم ذكر مسألة من المسائل ولم يذكر نقول عدم الذكر ليس ذكرا للعدم. السائل: لكن لو اعتقد أحد صحة الحديث في هذا؟ الشيخ: لو اعتقد أن الحديث صحيح للزمه على مقتضى القواعد أن تكون التسمية شرطاً وليس واجباً فقط ولا تسقط بالنسيان كما هي الرواية الثانية في المسألة. السائل: ما الراجح في غسل اليدين؟ الشيخ: الظاهر أن الأصل في النهي التحريم والحديث (فلا يغمس يده حتى يغسلها) والأصل في النهي التحريم لا سيما وأن الرسول صلى الله عليه وسلم علل بعلة غير معلومة لنا وإذا كانت غير معلومة فإننا لا نعلم انتفاءها فالذي يظهر لي أنه لا يجوز للإنسان إذا قام من نوم الليل أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا لكن لو فعل وغمس فالماء باقٍ على إطلاقه أي على طهوريته. فصل القارئ: ثم يتمضمض ويستنشق لأن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنه تمضمض واستنشق وهما واجبان في الطهارتين لقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (المائدة: من الآية6) وهما داخلان في حد الوجه ظاهران يفطر الصائم بوصول القيء إليهما ولا يفطر بوضع الطعام فيهما ولا يحد بوضع الخمر فيهما ولا يحصل الرضاع بوصول اللبن إليهما ويجب غسلهما من النجاسة فيدخلان في عموم الآية الشيخ: كل هذه تعليلات جيدة تدل على أن الفم في حكم الظاهر.

القارئ: وعنه الاستنشاق وحده واجب لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر) متفق عليه وعنه أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى لأنها طهارة تعم جميع البدن ويجب فيها غسل ما تحت الشعور وتحت الخفين، ويستحب المبالغة فيهما إلا أن يكون صائما لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) حديث صحيح وصفة المبالغة اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطا وفي المضمضة إدارة الماء في أقاصي الفم ولا يجعله وجورا وهو مخير بين أن يمضمض ويستنشق ثلاثا من غرفة أو من ثلاث غرفات لأن في حديث عبد الله بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا) وفي لفظ (أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات) متفق عليهما وإن شاء فصل بينهما لأن جد طلحة بن مصرف قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق) رواه أبو داود ولا يجب الترتيب بينهما وبين الوجه لأنهما منه لكن تستحب البداءة بهما اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. الشيخ: والصحيح أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين الصغرى والكبرى لعموم الأدلة وللتعليلات التي ذكرها المؤلف رحمه الله وتبين مما قال المؤلف أن فيهما ثلاث صفات: الأولى يتمضمض ثلاثا من كف واحدة ويستنشق ثلاثا من كف واحدة يعني يأخذ كفا واحدا يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات وهذا في الحقيقة فيه صعوبة جدا لأن الماء سوف ينزل قبل أن تكمل ثلاث مرات لكننا نأخذ منه البساطة في استعمال الوَضوء لأن الوضوء بالفتح هوالماء الذي يتوضأ به. الوجه الثاني أن تتمضمض بثلاث غرفات كل غرفة فيها مضمضة واستنشاق وهذا أقل صعوبة من الأول.

والثالث أن تتمضمض ثلاثا بثلاث غرفات منفصلات وتستنشق ثلاثا بثلاث غرفات منفصلات كل هذا من السنة كما قال المؤلف رحمه الله السائل: في الطهارة من الحدث الأكبر بعض الناس يذهب إلى الحمام ويصب على بدنه الماء دون أن يستنشق ويتمضمض ثم إذا انتهى من غسله يتمضمض ويستنشق؟ الشيخ: لا بأس أن يتمضمض ويستنشق بعد الاغتسال. فصل القارئ: ثم يغسل وجهه وذلك فرض بالإجماع لقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (المائدة: من الآية6) وحده من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا ولا اعتبار بالأصلع الذي ينحسر شعره عن ناصيته ولا الأفرع الذي ينزل شعره على جبهته. الشيخ: هذا حد الوجه من منابت الشعر المعتاد وحده بعضهم بحد أوضح قال من منحنى الجبهة مع الرأس هذا حده ولا اعتبار بالشعر النازل ولا بالشعر المنكمش لأن منحنى الجبهة تزول به المواجهة والذي يواجه هو ما كان دون منحنى الجبهة وهذا الحد أصح أن نقول حده من منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية قال المؤلف لا عبرة بالأصلع ولا بالأفرع فالأفرع الذي ينزل شعره ينبت له شعر في الجبهة والأنزع الذي انحسر شعر رأسه عن ناصيته وهذا قد يكون بسبب الكبر وقد يكون وراثة وقد يكون لمرض المهم أنه يوجد. مسألة: السعوط ما استنشق من الأنف يعني ما دخل إلى المعدة من الأنف يسمى سعوطا والوجور ما دخل من جانب الفم لأن المريض أحيانا ما يستطيع أن يتلقى الطعام على العادة فيدخلونه من جانب الفم ويسمى هذا وجور.

القارئ: فإن كان في الوجه شعر كثيف يستر البشرة لم يجب غسل ما تحته لأنه باطن أشبه باطن أقصى الأنف ويستحب تخليله لأن النبي صلى الله عليه وسلم خلل لحيته وروى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال هكذا أمرني ربي عز وجل) رواه أبو داود وإن كان يصف البشرة وجب غسل الشعر والبشرة وإن كان بعضه خفيفا وبعضه كثيفا وجب غسل ظاهر الكثيف وبشرة الخفيف معه وسواء في هذا شعر اللحية والحاجبين والشارب والعنفقة لأنها شعور معتادة في الوجه أشبهت اللحية، وفي المسترسل من اللحية عن حد الوجه روايتان إحداهما لا يجب غسله لأنه شعر نازل عن محل الفرض أشبه الذؤابة في الرأس. الشيخ: الآن فهمنا أن ما استرسل من اللحية عن حد الوجه يعني ما نزل هل هو من الوجه أو لا يعني هل يجب غسله أو لا؟ فيه روايتان عن أحمد رواية أنه يجب والتعليل ليس كما قال المؤلف أنه شعر نابت في محل الفرض فكان كالحاجب بل يقولون التعليل لأنه تحصل به المواجهة فيكون من الوجه والرواية الثانية لا يجب غسل المسترسل من شعر اللحية لأنه خارج عن حد الوجه بناءً على أن الوجه هو البشرة فقط دون ما استرسل مسألة: تخليل اللحية لايلزم منه إدخال الأصابع.

القارئ: والثانية يجب لأنه نابت في بشرة الوجه أشبه الحاجب ويدخل في حد الوجه العذار وهو الشعر الذي على العظم الناتئ سمت صماخ الأذن إلى الصدغ والعارض الذي تحت العذار والذقن وهو مجتمع اللحيين ويخرج منه النزعتان وهما ما ينحسر عنهما الشعر في فودي الرأس لأنهما من الرأس لدخولهما فيه والصدغ وهو الذي عليه الشعر في حق الغلام محاذ لطرف الأذن الأعلى لأنه شعر متصل بالرأس ابتداء فكان من الرأس كسائره وقد مسحه النبي صلى الله عليه وسلم مع رأسه في حديث الربيع ويستحب أن يزيد في ماء الوجه لأن فيه غضونا وشعورا ودواخل وخوارج ويمسح مآقيه ويتعاهد المفصل وهو البياض الذي بين اللحية والأذن فيغسله ولا يجب غسل داخل العينين ولا يستحب لأنه لا يؤمن الضرر من غسلهما. مسألة: الذي يظهر لي أن المسترسل من اللحية من الوجه ويجب غسله. فصل القارئ: ثم يغسل يديه إلى المرفقين وهو فرض بالإجماع لقوله تعالى (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) (المائدة: من الآية6) ويجب غسل المرفقين لأن جابرا رضي الله عنه قال ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه)) رواه الدارقطني وفيه أدار الماء وهذا يصلح بيانا لأن إلى تكون بمعنى مع كقوله تعالى (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ) (آل عمران: من الآية52) أي مع الله (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) (النساء: من الآية2) ويجب غسل أظفاره وإن طالت

الشيخ: استشهاده بالآيتين فيه نظر لأن قوله تعالى: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ) (آل عمران: من الآية52) مضمن يعني من أنصاري مخلصا حتى نصل إلى الله وقوله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) (النساء: من الآية2) كذلك مضمن والمعنى لا تضموا أموالهم إلى أموالكم يعني بالأكل وغير الأكل لكن الدليل من السنة أصح مما ذكره عن رواية الدارقطني وهو حديث أبي هريرة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل ذراعيه حتى أشرع في العضد ولا يمكن أن يشرع في العضد إلا إذا غسل المرفقين ولو استدل به المؤلف لكان أجود. فصل القارئ: ثم يغسل يديه إلى المرفقين وهو فرض بالإجماع لقوله تعالى (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) (المائدة: من الآية6) ويجب غسل المرفقين لأن جابرا قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه) رواه الدارقطني. الشيخ: يقول المؤلف وهو فرض بالإجماع وقد انتقد بعض العلماء المتأخرين مثل هذه الصيغة وقال ينبغي أن نقول وهو فرض بالكتاب والسنة والإجماع لأن الكتاب مقدم ثم السنة ثم الإجماع ولكن المؤلف رحمه الله وأمثاله الذين يصنعون مثل هذه الصيغة يريد بها أن يذكر الإجماع من أجل قطع النزاع ثم يذكر مستنده فهنا ذكر الإجماع من أجل أن لا ينازع منازع بخلاف الكتاب والسنة قد يأتي إنسان ينازع ويقول ليس فيه دلالة أو يقول فيه احتمال للتخصيص أوفيه كذا فيه كذا فإذا ذكر الإجماع ثم ذكر مستنده فهذه وجهة نظر والصحيح أنه لا بأس أن تقول هو جائز بالإجماع لقوله تعالى أو لقول النبي صلى الله عليه وسلم أو ماأشبه ذلك فتذكر الإجماع لأجل أن تقطع النزاع ثم تذكر مستنده

القارئ: لأن جابرا قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه) رواه الدارقطني وفيه أدار الماء وهذا يصلح بيانا لأن إلى تكون بمعنى مع كقوله تعالى (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ) (آل عمران: من الآية52) أي مع الله (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) (النساء: من الآية2) الشيخ: أي مع أموالكم. القارئ: ويجب غسل أظفاره وإن طالت والإصبع الزائدة والسلعة لأن ذلك من يده وإن كانت له يد زائدة أصلها في محل الفرض وجب غسلها لأنها نابتة في محل الفرض أشبهت الإصبع وإن نبتت في العضد أو المنكب لم يجب غسلها وإن حاذت محل الفرض لأنها في غير محل الفرض فهي كالقصيرة وإن كانت له يدان متساويتان على منكب واحد وجب غسلهما لأن إحداهما ليست أولى من الأخرى. وإن تقلعت من العضد فتدلت من الذراع وجب غسلها لأنها متدلية من محل الفرض وإن تقلعت من إحداهما فالتحم رأسها بالأخرى وجب غسل ما حاذى محل الفرض منها لأنها كالجلد الذي عليهما فإن كانت متجافية في وسطها غسل ما تحتها من محل الفرض وإن كان أقطع فعليه غسل ما بقي من محل الفرض فإن لم يبق منه شيء سقط الغسل ويستحب أن يمس محل القطع بالماء لئلا يخلو العضو من طهارته الشيخ: هذا فيه نظر إذا كان القطع مثلا من نصف العضد فلا حاجة إلى أن يغسلها لأنه خرج من محل الفرض وقوله (لئلا يخلو العضو من طهارته) يقال هذا خالي من طهارة شرعا لأن الطهارة إلى المرفقين لكن لو قطع من المفصل وجب أن يغسل رأس العضد لأن رأس العضد من المرفق. القارئ: وتستحب البداءة بغسل اليمنى من يديه ورجليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((كان يحب التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله) متفق عليه.

الشيخ: في ترجله يعني إصلاح شعر الرأس وكان صلى الله عليه وسلم له شعر رأس وفي الحلق لما حلق في الحج بدأ باليمين وأما تنعله فهو لبس النعل ومثله لبس الخف ومثله لبس الثوب تبدأ باليمين وأما طهوره فهو الوضوء والغسل يبدأ باليمين وأما قولها (وفي شأنه كله) فهو يعني في جميع أموره إلا ما ورد الشرع فيه بالبداءة باليسار كدخول الخلاء مثلا والخروج من المسجد وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله قاعدة فقالوا (اليسرى تقدم للأذى واليمنى لما عداه) فيشمل ما فيه الإكرام وما لا إكرام فيه ولا أذى لأن الأمور إما إكرام أو أذى أو لا هذا ولا هذا فتقدم اليمنى إلا في الأذى ولهذا نهي عن الاستنجاء باليمين والاستجمار بها لأن هذا أذى وكذلك إزالة النجاسة إذا أردت أن تفرك نجاسة وأمكنك أن تفركها باليسرى فافركها باليسرى ولا تفركها باليمنى يعني لو تنجس الثوب وأردت أن تغسله فافركه باليسار لأنه أذى، والاستنثار يكون باليسار والتسوك يكون باليسار وقال بعضهم باليمين لأنه سنة وفصل بعضهم فقال إن تسوك تطوعا فباليمين وإن تسوك تنظفا فباليسار لأنه إزالة أذى إن تسوك تطوعا مثل أن يتسوك عند الصلاة وفمه نظيف ما فيه بقايا طعام ولا غيره فهنا يتسوك باليمين وأما إذا تسوك للطعام أو للقيام من النوم أو ما أشبه ذلك فباليسار وهذا تفصيل حسن مع أن المسألة كلها الأمر فيها واسع لكن من أين يبدأ في الفم من اليمين أو من اليسار؟ من الجانب اليمين السائل: أحسن الله إليكم في غسل اليدين السنة وردت باليمين والمؤلف قال يستحب البداءة باليمين فلماذا لم يقل يجب؟ الشيخ: لعموم الآية (وَأَيْدِيَكُمْ) ولم يذكر الله شيء فيكون فعل الرسول على سبيل الاستحباب القارئ: فإن بدأ باليسرى جاز لأنهما كعضو واحد بدليل قوله سبحانه وأيديكم وأرجلكم فجمع بينهما. فصل

القارئ: ثم يمسح رأسه وهو فرض بغير خلاف لقوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) (المائدة: من الآية6) وهو ما ينبت عليه الشعر المعتاد في الصبي مع النزعتين ويجب استيعابه لقوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) (المائدة: من الآية6) والباء للإلصاق فكأنه قال امسحوا رؤوسكم وصار كقوله (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (المائدة: من الآية6) قال ابن برهان من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه وظاهر قول أحمد أن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها وعنه في الرجل أنه يجزئه مسح بعض رأسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعمامته رواه مسلم. الشيخ: لكن هذا حديث لا دليل فيه لأن قوله مسح بناصيته وعمامته يدل على أن عليه عمامة وإذا كان عليه عمامة كان المسح الواجب على العمامة وأما الناصية فسنة القارئ: وكيفما مسح الرأس أجزأ بيد واحدة أو بيدين إلا أن المستحب أن يمر بيديه من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يعيدهما إلى الموضع الذي بدأ منه لأن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما قال في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم (ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة) متفق عليه، ولا يستحب تكرار المسح لأن أكثر من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح مرة واحدة ولأنه ممسوح في طهارة أشبه التيمم وعنه يستحب تكراره لأن النبي صلى الله عليه وسلم (توضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي) رواه ابن ماجة ولأنه أصل في الطهارة أشبه الغَسل. الشيخ: قوله ولأنه يعني المسح والصحيح أنه لا يمسح إلا مرة واحدة لأن الشرع كما خفف في كيفية تطهيره خفف في كميته فالأعضاء التي سوى الرأس تطهيرها بالغسل والرأس تطهيره بالمسح فلما خفف الكيفية كان من الحكمة تخفيف الكمية وهي العدد. السائل: أحسن الله إليك هل الغترة مثل العمامة يمسح عليها؟

الشيخ: لا الغترة يمكن إزالتها بكل سهولة. مسألة: على كل حال نحن ذكرنا فيما سبق أن الذي يوضح أن إلى بمعنى مع هو فعل الرسول عليه الصلاة والسلام فقد ثبت في صحيح مسلم أن أبا هريرة توضأ حتى أشرع في العضد وقال (هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم) وهو في مسلم وحديث ابن ماجه أنه أدار الماء على مرفقيه أوأمرّ الماء على مرفقيه أيضا واضح وأما الآيتان فقد نبهتكم على هذا قلت إن في الآيتين تضميناً (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ) (آل عمران: من الآية52) (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) (النساء: من الآية2) قلنا هذا أصلا الفعل ليس معدا بإلى لكن معنى لا تأكلوا أي لا تضموا أموالهم إلى أموالكم والضم يقتضي الجمع ومن أنصاري إلى الله يعني من أنصاري مخلصا إلى الله. القارئ: والأذنان من الرأس يمسحان معه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الأذنان من الرأس) رواه أبو داود وروت الربيع بنت معوذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مسحة واحدة) رواه الترمذي وقال حديث صحيح ويستحب إفرادهما بماء جديد لأنهما كالعضو المنفرد وإنما هما من الرأس على وجه التبع ولا يجزئ مسحهما عنه لذلك. الشيخ: قول النبي صلى الله عليه وسلم (الأذنان من الرأس) هذا الحديث إن صح فالظاهر لي أن الأذنان من الرأس يعني في الوضوء فيمسحان معه وأما في الحلق في العمرة والحج ففي وجوب حلقهما نظر لأن الأذنين يكون فيهما شعر فهل نقول إن الإنسان إذا حلق يجب عليه أن يحلق أذنيه لأنهما من الرأس أو نقول إن قوله صلى الله عليه وسلم (الأذنان من الرأس) إن صح الحديث فالمراد في الوضوء هذا هو الأقرب. وأما قوله يستحب إفرادهما بماء جديد ففيه نظر والصحيح أنه لا يستحب لأنهما من الرأس ولأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذ ماءً جديدا لأذنيه فالصواب أن الإنسان يمسح أذنيه بما فضل من رأسه ولا يأخذ ماءً جديداً

القارئ: وظاهر كلام أحمد أنه لا يجب مسحهما لذلك ويستحب أن يدخل سباحتيه في صماخي أذنيه ويجعل إبهاميه لظاهرهما ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر الشيخ: السبابة والسباحة هي ما بين الوسطى والإبهام والصماخ ثقب الأذن والظاهر ظاهر الأذن الذي يلي الرأس. القارئ: ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر، ولا يجزئ مسحه عن الرأس سواء رده فعقده فوق رأسه أو لم يرده لأن الرأس ما ترأس وعلا ولو أدخل يده تحت الشعر فمسح البشرة دون الظاهر لم يجزه لأن الحكم تعلق بالشعر فلم يجزه مسح غيره ولو مسح رأسه ثم حلقه أوغسل عضو ثم قطع جزءا أو جلدة لم يؤثر في طهارته لأنه ليس ببدل عما تحته فلم يلزمه بظهوره طهارة. الشيخ: احترازا من الخف فالخف يمسحه فإذا أزاله وجب عليه الوضوء على كلام الفقهاء رحمهم الله وهذا لأنه ليس بدلاً عما تحته والخف بدل عما تحته فلزمه بظهوره أي بظهور ما تحته طهارته القارئ: فإن أحدث بعد ذلك غسل ما ظهر لأنه صار ظاهرا فتعلق الحكم به ولو حصل في بعض أعضائه شق أو ثقب لزمه غسله لأنه صار ظاهرا الشيخ: قوله شق أو ثقب يمكن كثيرا في العراقيب فالأعقاب دائما يكون فيها شقوق لا سيما عند بعض الناس الذي ينتفها بعض الناس إذا مسها أو أحس فيها حرشه صار ينتفها لكي بزعمه تكون ملسى تتساوى لكنه يضعف الجلد ثم يتفطر ولهذا ينبغي لك أن تتركها حتى لو كانت فيها حرشه أو كانت تمسك ثيابك إذا قمت اتركها. فصل القارئ: ثم يغسل رجليه إلى الكعبين وهو فرض لقوله تعالى (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (المائدة: من الآية6) ويدخل الكعبين في الغسل لما ذكرنا في المرفقين ولا يجزئ مسح الرجلين لما روى عمر ((أن رجلا ترك موضع ظفر من قدمه اليمنى فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال (ارجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى) رواه مسلم وإن كان الرجل أقطع اليدين فقدر على أن يستأجر من يوضئه بأجرة مثله لزمه كما يلزمه شراء الماء

الشيخ: وهذا الذي ذكره المؤلف أن مسح الرجلين لا يجزئ هو الصواب بلا شك وقالت الرافضة إن مسح الرجلين يجزي واعتمدوا على القراءة السبعية (وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم إلى الكعبين) بكسر أرجلكم وتركوا القراءة السبعية الأخرى وهي وأرجلَكم بالنصب عطفا على قوله وجوهكم قال ابن كثير والرافضة خالفت السنة في تطهير الرجل من ثلاثة وجوه: الأول أنهم قالوا إنها تمسح مسحا لا تغسل غسلا. والثاني أنهم قالوا إن الكعب هو هذا العظم الناتئ في ظهر الرجل دون العظم الناتئ في أسفل الساق فقصّروا. والثالث أنهم منعوا المسح على الخفين قالوا لا يمكن نمسح على الخفين فخالفوا السنة من هذه الوجوه الثلاثة. القارئ: ولا يعفى عن شيء من طهارة الحدث وإن كان يسيرا لما ذكرنا من حديث عمر ويستحب أن يخلل أصابعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن. الشيخ: قوله إنه لا يعفى عن شيء ولو يسيرا واستدل بالحديث أن رجلا ترك موضع ظفر من قدمه وهذا هو المشهور ويدل له قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (المائدة: من الآية6) وإذا كان هناك مانع يمنع وصول الماء لم يصدق عليه أنه غسل العضو لكن شيخ الإسلام رحمه الله قال إن الشيء اليسير يعفى عنه لا سيما فيمن ابتلي به وهذا ينطبق على العمال الذين يستعملون البوية فإنه كثيرا ما يكون فيه النقطة أو النقطتان إما أن ينسوها أو لا يجدون ما يزيلونها به في الحال فعلى رأي شيخ الإسلام رحمه الله يعفى عن هذا ولكن ينبغي أن نأخذ بالحديث وأنه لا يعفى عن الشيء ولو كان يسيرا فهو إن أمكنه أن يزيله قبل أن يخرج وقت الصلاة أزاله وإلا مسح عليه وصار كالجبيرة فصل

القارئ: ويجب ترتيب الوضوء على ما ذكرنا في ظاهر المذهب الشيخ: قوله على ما ذكرنا وقف يعني يرتب على ما ذكرنا فيبدأ بالوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين وقوله في ظاهر المذهب متعلق بيجب لا بذكرنا يعني يجب في ظاهر المذهب. القارئ: وحكي عنه أنه ليس بواجب لأن الله سبحانه وتعالى عطف الأعضاء المغسولة بالواو ولا ترتيب فيها ولنا أن في الآية قرينة تدل على الترتيب لأنه أدخل الممسوح بين المغسولات وقطع النظيرعن نظيره ولا يفعل الفصحاء هذا إلا لفائدة ولا نعلم هنا فائدة سوى الترتيب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه الوضوء إلا مرتبا وهو يفسر كلام الله بقوله مرة وبفعله مرة أخرى الشيخ: بقوله مرة مثل قوله صلى الله عليه وسلم ((ألا إن القوة الرمي)) يفسر قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (لأنفال: من الآية60) ومثل قوله ((الزيادة هي النظر إلى وجه الله)) يفسر قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) (يونس: من الآية26) أما الفعل فمثل هنا وفيه أيضا دليل قولي عام وهو قوله صلى الله عليه وسلم حينما اتجه إلى الصفا بعد الطواف فدنا من الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) (البقرة: من الآية158) (أبدأ بما بدأ الله به) وهذه الرواية

في صحيح مسلم والرواية الثانية في غير مسلم (ابدؤا بما بدأ الله به) فهذا أيضا دليل وعلى هذا فالصحيح وجوب الترتيب ولكن بعض أهل العلم قال إنه يسقط الترتيب بالنسيان وفي النفس من هذا شيء وإن كان هذا ظاهر كلام شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوي أنه يسقط الترتيب بالنسيان وأما بالجهل في قوم الجهل فيهم عام كالبادية فالقول بسقوط الترتيب وجيه يعني لو جاءنا مثلاً بدوي وقال لنا أنا لي خمس سنين أو ست سنين أتوضأ وأغسل وجهي ثم أمسح رأسي ثم أغسل يدي ثم رجلي أظن أن الأعلى هو الذي يبدأ به أولا والرأس والوجه أعلى شيء فهذا ربما نعذره ونقول رجل في بادية ليس عندهم علماء ويظن هذا هو الصواب فيعذر كما عذر النبي عليه الصلاة والسلام عمار بن ياسر حينما تمرغ في الصعيد للتيمم. القارئ: فإن نكس وضوءه فختم بوجهه لم يصح إلا غسل وجهه وإن غسل وجهه ويديه ثم غسل رجليه ثم مسح برأسه صح وضوؤه إلا غسل رجليه فيغسلهما ويتم وضوءه الشيخ: هذه مسائل واضحة فصل القارئ: ويوالي بين غسل الأعضاء وفي وجوب الموالاة روايتان إحداهما تجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم (رأى رجلا يصلي وفي رجله لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة) رواه أبو داود ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسلها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين الغسل والثانية لا تجب لأن المأمور به الغسل وقد أتى به وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه توضأ وترك مسح خفيه حتى دخل المسجد فدعي لجنازة فمسح عليهما وصلى عليها.

الشيخ: إذاً هنا روايتان عن أحمد في الموالاة هل هي فرض واجب أو لا؟ والصحيح أن الموالاة واجبة لأن الوضوء عبادة واحدة فلا يصح أن يفرق ولأننا لو قلنا بعدم الموالاة لصار الإنسان يغسل وجهه عند طلوع الشمس ويغسل يديه في منتهى الضحى ويمسح رأسه قبل الزوال بنصف ساعة ويغسل رجليه بعد الزوال فهل نقول هذا توضأ؟ صعب أن نقول هذا وضوء صحيح فالصواب أن نقول إن الموالاة فرض ولابد منها والدليل على هذا أولاً أن الله قال (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) (المائدة: من الآية6) والشرط يلي المشروط وهنا الشرط مكون من أعمال متعددة فإذا كان الشرط هنا من أشياء متعددة وقلنا إنه يلي المشروط لزم أن تتوالى هذه الأشياء. ثانيا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يحفظ عنه أنه توضأ وضوءا متفرقا وقد قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: من الآية21). ثالثا أن الوضوء عبادة واحدة فلابد أن ينبني بعضها على بعض بدون تفريق. القارئ: والتفريق المختلف فيه أن يؤخر غسل عضو حتى يمضي زمن ينشف فيه الذي قبله في الزمن المعتدل فإن أخر غسل عضوٍ لأمر في الطهارة من إزالة الوسخ أو عرك عضو لم يقدح في طهارته الشيخ: المؤلف حد ذلك بأن ينشف العضو السابق قبل أن ينشف العضو اللاحق في زمن معتدل وفي جو معتدل أيضا فلا عبرة بجو يكون ملبدا بالضباب لأن الجو الملبد بالضباب لا ينشف فيه العضو إلا متأخراً ولا عبرة بجو فيه رياح شديدة لأن الريح تنشفه ولا عبرة بجو حار جداً لأن الحرارة تبخر الماء ولا عبرة أيضا ببارد جدا لأن البارد أيضا تتأخر معه نشوفة الماء إذاً إذا كنا في زمن على هذا الوجه أو في جو على هذا الوجه ماذا نصنع نقدر (اقدروا له قدره) فنقول لو كان في زمن معتدل فهل ينشف أولا؟

وقال بعض العلماء إن العبرة بالموالاة العرفية فإذا طال الزمن عرفا فقد سقطت الموالاة فيعيد وإذا لم يطل عرفا فإنه وإن نشف العضو لا يضر وهذا هو الأقرب إلى القياس لأن الموالاة في الصلاة فيما إذا سلم الإنسان ناسيا تعتبر بالعرف وكل الموالاة تعتبر بالعرف إلا في هذا الموضع فهم قالوا العبرة بنشوفة العضو في زمن معتدل ثم ذكر إذا تشاغل بشيء حتى نشف فهذا ينقسم إلى قسمين أن يتشاغل بشيء لا علاقة له بطهارته فهنا يضر إذا انقطعت الموالاة مثل أن ينشغل بغسل نجاسة في ثوبه في أثناء وضوئه حتى تنشف أعضاؤه فهنا يجب عليه أن يعيد الوضوء لسقوط الموالاة أما إذا كان التشاغل لأمر يتعلق بالأعضاء المغسولة فإن ذلك لا يضر لماذا؟ لأنه لمصلحة تتعلق في نفس العبادة ومن ذلك أن يكون في الإنسان بوية وعند الوضوء وجدها على عضو من أعضائه فذهب يأتي بما يزيلها من بنزين أو قاز أو غيره حتى نشف فهذا لا يضر واختلف العلماء فيما إذا فاتت الموالاة بأمر خارج عن الأعضاء كتحصيل ماء فمنهم من قال إن الموالاة تسقط بمعنى أنه إذا نشف العضو فإنه لا يضر لأن هذا التشاغل بتكميل طهارته ومنهم من قال إنها تضر لأن هذا أمر لا يتعلق بالأعضاء فلو مثلا وقف البزبوز ثم ذهب يطلب بزبوزاً آخر حتى نشفت الأعضاء فإن قلنا بسقوط الموالاة هنا لم يضره أن ينشف العضو وإن قلنا بعدم ذلك قلنا أعد الوضوء من جديد فالأقسام إذاً ثلاثة: 1. ما لا يتعلق بالطهارة أصلا فما الحكم فيه؟ هذا يقطع الموالاة ولا يسقطها. 2. وما يتعلق بنفس الأعضاء المغسولة فهذا لا يضر وتسقط به الموالاة يعني لا نشترط الموالاة هنا. 3. ما يتعلق بالطهارة لكن ليس يتعلق بنفس الأعضاء المغسولة فهنا فيه خلاف بين العلماء ولو أعاد الوضوء لكان أحسن إذا انقطعت الموالاة. فصل

القارئ: والوضوء مرة مرة يجزىء والثلاث أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة ثم توضأ مرتين ثم قال هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر ثم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي)) أخرجه ابن ماجة الشيخ: ذكر شيخ الإسلام رحمه الله فائدة وهي أن ما انفرد به ابن ماجه فالغالب عليه الضعف هكذا قال رحمه الله وشيخ الإسلام كما تعرفون حافظ من أئمة الحديث. القارئ: وإن غسل بعض أعضائه أكثر من بعض فلا بأس فقد حكى عبد الله بن زيد وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم (فغسل يديه مرتين ثم مضمض واستنثر ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه) متفق عليه. الشيخ: إذاً غسل الوجه ثلاثا واليدين مرتين والرجلين مرة لأنه لم يذكر التكرار فيجوز على هذا أن الإنسان يتوضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا في جميع الأعضاء ويجوز أن يفاوت بين الأعضاء. القارئ: ولا يزيد على ثلاث لأن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال (هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم) رواه أبو داود. الشيخ: وهذا الحديث يدل على أن الزيادة على الثلاث محرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفها بالإساءة والظلم وكلاهما وصفان يدلان على تحريم الفعل. القارئ: ويكره الإسراف في الماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على سعد وهو يتوضأ فقال (لا تسرف قال يا رسول الله في الماء إسراف قال نعم وإن كنت على نهر جار) رواه ابن ماجه. فصل

القارئ: ويستحب إسباغ الوضوء ومجاوزة قدر الواجب بالغسل لأن أبا هريرة رضي الله عنه توضأ فغسل يده حتى أشرع في العضد ورجله حتى أشرع في الساق ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله) متفق عليه. الشيخ: هاتان مسألتان الأولى إسباغ الوضوء ولا شك في استحبابه لقول النبي عليه الصلاة والسلام ألا أخبركم بما يرفع الله به الدرجات ويكفر به الخطايا وذكر إسباغ الوضوء على المكاره وقال للقيط بن صبرة (أسبغ الوضوء) وأما المجاوزة على قدر الواجب فإن كان على وجه لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مثل أننا لا يمكن أن نتأكد أننا غسلنا الكعبين إلا بالإشراع في الساق أو المرفقين إلا بالإشراع في العضد فهذا لا شك أنه سنة إن لم نقل إنه واجب وأما الزيادة على ذلك فالصحيح أنها غير مشروعة لأن جميع الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه يتجاوز أكثر من هذا وفعل أبي هريرة حينما كان يتوضأ إلى نصف الساق أو إلى قريب المنكب اجتهاد منه. السائل: أليس قول الرسول صلى الله عليه وسلم (فمن استطاع منكم فليطل غرته) يدل على استحباب الزيادة؟ الشيخ: قال ابن القيم في النونية إن إطالة الغرات ليس بممكن وقال إنما قال هذا أبو هريرة من كيسه وأبو هريرة قال ذا من كيسه ... فغدا يميزه أولو العرفان فصل

القارئ: ولا بأس بالمعاونة على الوضوء والغسل بتقريب الماء وحمله وصبه فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل له الماء ويصب عليه قال أنس (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينطلق لحاجته فآتيه أنا وغلام من الأنصار بأداوة من ماء يستنجي به) وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمشى حتى توارى عني في سواد الليل ثم جاء فصببت عليه من الإداوة فغسل وجهه وذكر بقية الوضوء) متفق عليهما وعن عائشة رضي الله عنها قالت (كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أواني من الليل مخمرة إناء لطهره وإناء لسواكه وإناء لشرابه) أخرجه ابن ماجه. فصل القارئ: وفي تنشيف بلل الغسل والوضوء روايتان إحداهما يكره لأن ميمونة رضي الله عنها وصفت غسل النبي صلى الله عليه وسلم ثم قالت (فأتيته بالمنديل فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده) متفق عليه والأخرى لا بأس به لأنه إزالة للماء عن بدنه أشبه نفضه بيديه. الشيخ: الصحيح الرواية الثانية أنه لا بأس به وربما نقول إن حديث ميمونة يدل على ذلك لأن إتيانها بمنديل قرينة على أن هذا من عادة النبي عليه الصلاة والسلام لكنه ردها لعل المنديل فيه شيء من الوسخ أو ما أشبه ذلك أو أراد أن يبين لأمته أنه لا ينبغي للإنسان أن يكون مترفا في كل وقت وأنه ينبغي أحياناً أن يدع التنشف وينفض الماء بيده وفي نفض الماء بيده دليل على أنه ليس من الأمور المقصودة أن يبقى أثر الماء على الإنسان وإذا كان ليس من الأمور المقصودة أن يبقى أثر الماء على الإنسان فسواء أزاله بالمنشفة أو أزاله بيديه فالصحيح أن تنشيف الأعضاء من الوضوء أو من الغسل لا بأس به. فصل

القارئ: ويستحب أن يقول بعد فراغه من الوضوء أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لما روى عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من توضأ فأحسن وضوءه ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح الله له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) رواه مسلم. الشيخ: والحكمة ظاهرة في الربط بين هذا الذكر وبين الوضوء لأن الوضوء به طهارة الظاهر والتوحيد به طهارة الباطن فلهذا كان من المناسب إذا فرغ من الوضوء أن يقول هذا الذكر أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وفي رواية الترمذي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. فصل القارئ: والمفروض من ذلك بغير خلاف خمسة. النية وغسل الوجه وغسل اليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين. الشيخ: قوله بغير خلاف يعني في المذهب لا بين العلماء وهذه نقطة ينبغي أن نعرفها فالنووي في المجموع شرح المهذب يقول كثيرا بغير خلاف ومراده بين أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله وهذا ابن قدامة هنا يقول بغير خلاف يريد بغير خلاف في المذهب لأن هذا الكتاب إنما ألف لبيان الخلاف في المذهب بخلاف ما لو قال في المغني بغير خلاف فهناك يراد به بغير خلاف بين العلماء لأن المغني يذكر خلاف العلماء من غير الحنابلة هذه نقطة ينبغي للإنسان أن يتفطن لها وإنما قلنا ذلك لأن النية فيها خلاف فأبو حنيفة لا يرى شرط النية في طهارة الوضوء يقول لأن هذه العبادة وسيلة للصلاة من شروطها كلبس الثوب فكما أن الإنسان لو لبس الثوب يستر به عورته ليصلي لا يشترط أن ينوي للبسه أنه من أجل ستر عورته للصلاة فكذلك في الوضوء لكن قوله رحمه الله ضعيف لأن الوضوء عبادة مقصودة بدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام رتب عليها ثوابا جزيلا ثم إنه قد يكون من المستحب أن يكون دائما على طهر بخلاف الثوب.

القارئ: وخمسة فيها روايتان الترتيب والموالاة والمضمضة والاستنشاق والتسمية والسنن سبعة غسل الكفين والمبالغة في المضمضة والاستنشاق. الشيخ: الموالاة فيها روايتان الترتيب يقول فيه روايتان وهناك قال حكي عنه أنه ليس بواجب أي الترتيب وحكي عنه هذه صيغة تمريض لكن الآن المؤلف قال فيها روايتان بناءً على صحة الحكاية. القارئ: وتخليل اللحية وأخذ ماء جديد للأذنين وتخليل الأصابع. الشيخ: غسل الكفين متى؟ في أول الوضوء أما غسل الكفين بعد الوجه فهو داخل في غسل اليدين وهذه مسألة يجب أن تنبهوا العوام عليها لأن العوام يظنون أن غسل الكفين قبل غسل الوجه كافي ولهذا إذا كان يتوضأ من البزبوز تجده يضع ذراعه تحت البزبوز وربما لا يغسل كفه وهذا غلط لأنه في غسل اليدين بعد الوجه يجب أن يكون من أطراف الأصابع إلى المرفق. مسألة: مسح الرقبة في الوضوء بدعة. القارئ: وتخليل الأصابع والبداءة باليمنى والدفعة الثانية والثالثة الشيخ: مراده بالدفعة يعني الغسلة الثانية والثالثة ولو قال الغسلة لكان أحسن لأن الدفعة قد يقول قائل إنه يدخل فيها المسح لكن مسح الرأس مرة واحدة، وكل الممسوح لا يكرر مسحه فالخف مثلا لا يكرر مسحه والجبيرة لا يكرر مسحها ووجه ذلك أنه خفف فيها في التطهير فخفف التكرار والتكرار لا يتناسب مع المسح لأن المسح تطهير مخفف. السائل: أليس مسح الشعر مرتين؟ الشيخ: الترجيع واحدة لأن الشعر وجوهه مختلفة فإذا قلت مثلا هكذا معناه إنك استقبلت بطون الشعر في الناصية وظهور الشعر في القفا وإذا رجعت بالعكس هذا هو الذي جعل العلماء يجعلون المسح على هذه الصفة مسحة واحدة.

باب المسح على الخفين

باب المسح على الخفين القارئ: وهو جائز بغير خلاف لما روى جرير رضي الله عنه أنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه) متفق عليه قال إبراهيم فكان يعجبهم هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ولأن الحاجة تدعو إلى لبسه وتلحق المشقة بنزعه فجاز المسح عليه كالجبائر. الشيخ: استدل المؤلف بحديث وتعليلين حديث مسح النبي صلى الله عليه وسلم على خفيه وتعليلان دعاء الحاجة إلى ذلك والتعليل الثاني المشقة في نزعه ولم يخالف في هذا إلا الرافضة الرافضة خالفوا في ذلك وقالوا إن الخفين لا تمسحان وقد خالفوا في تطهير الرجل في ثلاثة أمور: أولا أنها لا تمسح إذا كان مستورة بالخفين أو الجوارب ثانيا أنهم جعلوا العظم الناتئ في ظهر القدم هو الكعب. والثالث أنهم جعلوا فرض الرجل المسح فهم جعلوا منتهاه العظم الناتئ في ظهر القدم ومنعوا من المسح على الخفين مع أن من جملة من روى المسح على الخفين علي بن أبي طالب رضي الله عنه القارئ: ويختص جوازه بالوضوء دون الغسل لما روى صفوان بن عسال رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كان مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. الشيخ: سفرا بمعنى مسافرين لأنها اسم جمع مثل رهط اسم جماعة وصح اسم جمع. باب المسح على الخفين القارئ: وهو جائز بغير خلاف لما روى جرير رضي الله عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه) متفق عليه قال إبراهيم فكان يعجبهم هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ولأن الحاجة تدعو إلى لبسه وتلحق المشقة بنزعه فجاز المسح عليه كالجبائر ويختص جوازه بالوضوء دون الغسل

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم في شرحنا في الفقه ذكرنا أن المسح على الخفين قد دل عليه القرآن والسنة والمعنى وقلنا إن قوله تعالى (وأرجلِكم) على قراءة الكسر تشير إلى المسح على الخفين لأن الله جعل للرجل فرضين غسلا ومسحا والسنة بينت متى يكون المسح ومتى يكون الغسل وأما السنة فقد تواترت بذلك كما يفيده البيت المنظوم مما تواتر حديث من كذب ... ومن بنى لله بيتا واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ... ومسح خفين وهذه بعض إذاً الأحاديث متواترة قال الإمام أحمد ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وخالف في ذلك الرافضة قالوا لا يمسح على الخفين ومن عجب أن ممن روى أحاديث المسح على الخفين علي بن أبي طالب الذي يرونه من الأئمة المعصومين فخالفوا أهل السنة في هذا وخالفوا أهل السنة أيضا في عدم غسل الرجل وقالوا لا يجب غسل الرجل وخالفوهم أيضا في منتهى التطهير فعند أهل السنة أن منتهى التطهير الكعبان وهما العظمان الناتئان في أسفل الساق أما عندهم فإن منتهى التطهير العظم الناتئ على ظهر القدم فهم خالفوا أهل السنة في هذه الأمور الثلاثة في فرض تطهير الرجل. القارئ: لما روى صفوان بن عسال رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأن الغسل يقل فلا تدعو الحاجة إلى المسح على الخف فيه بخلاف الوضوء. الشيخ: هذا تعليل إذاً الغسل ليس فيه مسح على الخفين لحديث إلا من جنابة ولأنه يقل بالنسبة للحدث الأصغر ولأن حدثه أغلظ ولهذا ليس فيه شيء ممسوح حتى الرأس الذي يمسح في الحدث الأصغر لا يمسح في غسل الجنابة فحدثه أغلظ من الحدث الأصغر.

القارئ: ولجواز المسح عليه شروط أربعة أحدها أن يكون ساترا لمحل الفرض من القدم كله فإن ظهر منه شيء لم يجز المسح لأن حكم ما استتر المسح وحكم ما ظهر الغسل، ولا سبيل إلى الجمع بينهما فغلب الغسل كما لو ظهرت إحدى الرجلين فإن تخرقت البطانة دون الظهارة أو الظهارة دون البطانة جاز المسح لأن القدم مستور به وإن كان فيه شق مستطيل ينضم ولا يظهر منه القدم جاز المسح عليه لذلك وإن كان الخف رقيقا يصف لم يجز المسح عليه لأنه غير ساتر وإن كان ذا شرج في موضع القدم وكان مشدودا لا يظهر شيء من القدم إذا مشى جاز المسح عليه لأنه كالمخيط. الشيخ: هذه شروط المسح على الخفين يقول المؤلف رحمه الله إنها أربعة الأول أن يكون ساتراً لمحل الفرض من القدم كله ساتراً بحيث لا يكون فيه شقوق ولا يرى من ورائه القدم وقد اختلف الحنابلة والشافعية في

هذه المسألة فالحنابلة يقولون لابد أن يكون ساتراً بحيث لا يكون فيه شقوق ولا يرى القدم من ورائه وقالت الشافعية بل يجوز أن يمسح على ما يرى القدم من ورائه كالزجاج ونحن نمثل في عصرنا بالنايلون لو أن إنسان دس رجله في ظرف نايلون فهو على ما يختاره الحنابلة لا يصح المسح عليه لصفائه وعند الشافعية يصح لأن الماء لا ينفذ منه وليس المقصود الستر حتى نقول إنه لا يصح المسح على ما يصف الجلد لصفائه كالثوب الذي يستر به المصلي عورته وهناك قول ثالث وراء هذا كله وهو أنه لا يشترط ستر محل الفرض وأنه يجوز المسح على الخف مادام اسمه باقيا وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقبله ابن حزم وحكي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما يجوزان المسح على الجورب الرقيق وهذا هو ظاهر الأدلة لأن الحكمة من جواز المسح على الخفين موجودة فيما يصف البشرة وما لا يصف وهي مشقة النزع ولهذا اختار شيخ الإسلام رحمه الله جواز المسح على النعلين إذا كان خلعهما يحتاج إلى معالجة بناءً على أن العلة هي المشقة وهذا القول الثالث هو الصحيح وأضيق المذاهب في هذا كما عرفتم مذهب الحنابلة حتى قالوا إنه لو ظهر من محل الفرض مقدار الخرز امتنع المسح عليه وتعليلهم عليل كما رأيتم وهو قولهم لأن مااستتر حكمه المسح وما ظهر حكمه الغسل وهذا غير صحيح فما ظهر تابع لما استتر وإذا كان تابعا له صار فرضه المسح لأنه متى ثبت أن هذا خف يطلق عليه اسم الخف أو الجورب فقد جاز المسح عليه وكان ما يظهر من محل الفرض بثقوب أو صفاء أو ما أشبه ذلك تابعا لما استتر فقولهم إن ما ظهر فرضه الغسل ممنوع نقول فرضه الغسل إذا لم يكن خف أما إذا كان خف ففرضه المسح.

القارئ: الثاني أن يمكن متابعة المشي فيه فإن كان يسقط من القدم لسعته أو ثقله لم يجز المسح لأن الذي تدعو الحاجة إليه هو الذي يمكن متابعة المشي فيه وسواء في ذلك الجلود واللبود والخرق والجوارب لما روى المغيرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين) أخرجه أبو داود والترمذي وقال الترمذي حديث حسن صحيح، قال الإمام أحمد يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه ملبوس ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف فإن شد على رجليه لفائف لم يجز المسح عليها لأنها لا تثبت بنفسها إنما تثبت بشدها. الشيخ: هذا ما ذهب إليه المؤلف وهو المذهب أن اللفائف لا يمسح عليها والصحيح أنه يمسح عليها بل هي أولى من الجورب لأن الجورب أسهل منها نزعا وأسهل منها شدا واللفائف أصعب تحتاج إلى معاناة في شدها وكذلك في حلها وكان الصحابة رضي الله عنهم يستعملون هذا فيذكر أن غزوة ذات الرقاع إنما سميت بذلك لأنهم كانوا يتخذون اللفائف على أرجلهم من حر الشمس. القارئ: الثالث أن يكون مباحا فلا يجوز المسح على المغصوب والحرير لأن لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة كسفر المعصية. الشيخ: هذا أيضا فيه خلاف والصحيح الجواز مع الإثم لأن المقيس عليه وهو سفر المعصية فيه خلاف فمن العلماء من يقول إنه يجوز الترخص برخص السفر في سفر المعصية وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية قال لأن المعصية منفصلة عن الرخصة لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تقصروا الصلاة في سفر المعصية) بل قال لا تسافروا سفر معصية كذلك المغصوب لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام (لا تمسحوا على المغصوب) بل قال (لا تلبسوا المغصوب) فانفكت الجهة وهذا أقرب إلى القواعد أن ما كان محرما تحريما عاما فإنه لا يؤثر في العبادة والمغصوب كما تعرفون تحريمه عام.

القارئ: الرابع أن يلبسهما على طهارة كاملة لما روى المغيرة رضي الله عنه قال (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه قال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) متفق عليه فإن تيمم ثم لبس الخف لم يجز المسح عليه لأن طهارته لا ترفع الحدث وإن لبست المستحاضة ومن به سلس البول خفا على طهارتهما فلهما المسح نص عليه لأن طهارتهما كاملة في حقهما فإن عوفيا لم يجز المسح لأنها صارت ناقصة في حقهما فأشبهت التيمم.

الشيخ: أي يلبسهما على طهارة يقول المؤلف طهارة كاملة وسيتفرع على هذا أنه لو غسل الرجل اليمنى ثم لبس الجورب ثم لبس اليسرى لم يصح المسح لأنه لبس اليمنى قبل كمال الطهارة وفيها خلاف ويقول المؤلف فإن تيمم ثم لبس الخف إذا يحتاج إلى قيد بعد كمال الطهارة بالماء فإن تطهر بالتيمم ثم لبس الخف ثم وجد الماء وتوضأ فإنه لا يجوز أن يمسح على الخف والمؤلف علل هذا رحمه الله بأن التيمم لا يرفع الحدث وهذا التعليل عليل لأن الصحيح أن التيمم يرفع الحدث قال الله تعالى بعد ذكره (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (المائدة: من الآية6) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) وقال (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) فهو وضوء رافع للحدث لا شك لكن العلة الصحيحة في أنه إذا لبس الخف على طهارة التيمم لا يجوز المسح عليه العلة أن طهارة التيمم لا علاقة لها بالقدم لأن محل التيمم عضوان فقط الوجه والكفان فلما لم يكن لها تعلق لم يكن للخف الذي يلبس على هذه الطهارة حكم ما لبس على طهارة الماء الذي تعلق بالقدم هذا هو القياس الصحيح وقول المؤلف أنه إن لبست المستحاضة ومن به سلس البول خفا على طهارتهما فلهما المسح نص عليه لأن طهارتهما كاملة في حقهما فإن عوفيا لم يجز المسح هذا أيضا ضعيف والصحيح أن المستحاضة ومن به سلس البول إذا لبسا خفا ثم عوفيا قبل تمام المدة فلهما المسح لأن طهارتهما كاملة في حقهما. القارئ: وإن غسل إحدى رجليه فأدخلها الخف ثم غسل الأخرى فأدخلها لم يجز المسح لأنه لبس الأول قبل كمال الطهارة وعنه يجوز لأنه أحدث بعد كمال الطهارة واللبس فأشبه ما لو نزع الأول ثم لبسه بعد غسل الأخرى.

الشيخ: هذا طريق على القول أنه لا يصح أن يغسل الرجل اليمنى ثم يدخلها الخف يقول الطريق إلى هذا أنك إذا لبست اليسرى فاخلع اليمنى ثم البسها ثانية فقط، فالطريق إلى التصحيح أنك بعد أن تلبس اليسرى تخلع اليمنى ثم تلبسها مباشرة فيكون اللبس الآن بعد كمال الطهارة وأنا متوقف في هذا وشيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه يجوز إذا غسل الرجل اليمنى أن يلبس الخف ثم يغسل اليسرى وهو رواية عن أحمد لكن أقول الاحتياط أن لا يلبس اليمنى إلا إذا غسل الرجل اليسرى هذا الأحوط القارئ: وإن تطهر ولبس خفيه فأحدث قبل بلوغ الرجل قدم الخف لم يجز المسح لأن الرجل حصلت في مقرها وهو محدث فأشبه من بدأ اللبس محدثا وإن لبس خفا على طهارة ثم لبس فوقه آخر أو جرموقا قبل أن يحدث جاز المسح على الفوقاني سواء كان التحتاني صحيحا أو مخرقا لأنه خف صحيح يمكن متابعة المشي فيه لبسه على طهارة كاملة أشبه المنفرد. الشيخ: قول المؤلف رحمه الله أو جرموقا الجرموق خف كبير غليظ يشبه ما يسمى عندنا بالبسطار في الجيش بسطار يعني كبير يقول النووي إنه يستعمل في بلاد الشام كثيرا لأنها بلاد باردة ذات ثلوج وهذا الجرموق ينفع من البرودة ومن الثلج. القارئ: وإن لبس الثاني بعد الحدث لم يجز المسح عليه لأنه لبسه على غير طهارة وإن مسح الأول ثم لبس الثاني لم يجز المسح عليه لأن المسح لم يزل الحدث عن الرجل فلم تكمل الطهارة.

الشيخ: هذه المسالة الأخيرة إن مسح الأول ثم لبس الثاني لم يجز المسح عليه غير صحيحة فهذا القول ضعيف والصواب أنه إذا مسح الأول ثم لبس عليه الثاني وهو على طهارة فإنه يجوز أن يمسح على الثاني مثل إنسان لبس الخف على طهارة ثم أحدث وتوضأ ومسح الخف فالآن تمت الطهارة ثم لبس عليه خفا آخر فهل إذا توضأ مرة ثانية يجوز أن يمسح على الخف الآخر أو لابد أن يخلعه ليمسح على التحتاني؟ فيه خلاف المذهب يقول لابد أن تخلعه ثم تمسح على التحتاني لأنك مسحت بالأول فتعلق الحكم به والقول الثاني لا يلزم فالقول الثاني أنه يجوز أن تلبس الخف الثاني على الطهارة التي مسحت بها على الأول وتمسح عليه ولكن لا تمسح إلا بقية مدة الأول، إذاً القول الثاني إنه يجوز أن تمسح الأعلى إذا لبسته على طهارة الأسفل وهذا هو المختار وهو القول الراجح واختاره النووي رحمه الله وقال إن قولهم لبسه على طهارة ناقصة قول ضعيف فطهارة المسح على الخف طهارة كاملة فلا إشكال فيها. السائل: هل يقاس على هذا الجزمة؟ الشيخ: الجزمة تشبه الجرموق لكن إذا نزعته بعد مسحه لازم تنزع كل الذي تحته القارئ: وإن كان التحتاني صحيحا والفوقاني مخرقا فالمنصوص جواز المسح لأن القدم مستوراً بخف صحيح وقال بعض أصحابنا لا يجوز لأن الحكم تعلق بالفوقاني فاعتبرت صحته كالمنفرد وإن لبس المخرق فوق لفافة لم يجز المسح عليه لأن القدم لم يستتر بخف صحيح وإن لبس مخرقا فوق مخرق فاستتر القدم بهما احتمل أن لا يجوز المسح لذلك واحتمل أن يجوز لأن القدم استتر بهما فصارا كالخف الواحد. الشيخ: هذا القول هوالصحيح بل إن القول الصحيح أنه يجوز أن يمسح على المخرق وحده وإن لم يكونا مخرقين ستر بعضهما الآخر. فصل

القارئ: ويتوقت المسح بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر لما روى عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم) قال الإمام أحمد هذا أجود حديث في المسح على الخفين لأنه في غزوة تبوك آخر غزاة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخر فعله، وسفر المعصية كالحضر لأن ما زاد يستفاد بالسفر وهو معصية فلم يجز أن يستفاد به الرخصة ويعتبر ابتداء المدة من حين الحدث بعد اللبس في إحدى الروايتين لأنها عبادة مؤقتة فاعتبر أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة والأخرى من حين المسح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح ثلاثة أيام فاقتضى أن تكون الثلاثة كلها يمسح فيها. الشيخ: وهذا هو الصحيح أن ابتداء المدة من حين المسح بعد الحدث وعلى هذا فلو أن إنسان لبس الخف على طهارة لصلاة الفجر ثم أحدث الساعة العاشرة ولم يتوضأ ثم توضأ لصلاة الظهر الساعة الثانية عشرة ومسح فهل ابتداء المدة من الساعة العاشرة أو من الثانية عشرة؟ على القول الراجح من الثانية عشرة وعلى القول الأول المرجوح من الساعة العاشرة أي من الحدث ويرى بعض العلماء بقول شاذ أن ابتداء المدة من اللبس فالأقوال إذاً ثلاثة: 1. من اللبس. 2. من الحدث بعد اللبس. 3. من المسح بعد الحدث وهذا الأخير هو الصحيح أما لو مسح تجديدا فلم أرى من تكلم به ولكن ظاهر كلامه أن المسح تجديدا لا يعتبر وأنه لا تبتدئ المدة من المسح تجديدا وإنما تعتبر من المسح عن حدث. السائل: إذا كان نزع الخف ثم لبسه مرة أخرى قبل أن يحدث فهل له أن يمسح عليه؟ الشيخ: إذا كان لم يمسحه فلا بأس. السائل: وإذا كان قد مسح عليه؟

الشيخ: إذا كان قد مسح عليه فلا يعيده إلا بعد الوضوء والقاعدة عندهم أنه متى مسح الخف فإنه إذا أزيل بعد ذلك لا يمسح عليه مرة أخرى لأنه لبسه على طهارة مسح ولو قلنا بهذا القول وهو ما قال به أحد للزم أن لا يكون هناك وقت للمسح على الخفين يعني كل واحد يستطيع أن يقول سأخلع إذا انتهت المدة وألبس الخفين على طهارة وهي طهارة مسح وأبتدئ المدة من جديد. ونحن قلنا إنه إذا خلع الخف لا تنتقض الطهارة وقاله غيرنا لكن ما أحد من هؤلاء الذين قالوا إن الطهارة لا تنتقض قال إنه يجوز أن يعيده ويمسح عليه ولقد تعبنا ولم نجد أحداً قال بهذا القول وإلا كان وجيهاً. السائل: حتى ولو كان المسح مسح تجديد؟ الشيخ: لا إذا كان مسح تجديد فمعناه إن الحدث الأول لم ينتقض فيجوز المسح عليه بعد الخلع وكذلك لو فرضنا إن الشخص ما مسح خلع وهو على الطهارة الأولى قبل المسح ثم ردها فلا بأس. القارئ: وإن أحدث في الحضر ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر لأنه بدأ العبادة في السفر وإن مسح في الحضر ثم سافر أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم لأنها عبادة يختلف حكمها بالحضر والسفر فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكم الحضر كالصلاة. الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف إذا مسح مقيما ثم سافر فالإمام أحمد رحمه الله كان يرى أنه يتم مسح مقيم ثم رجع عن هذا القول وقال يتم مسح مسافر وهو الصحيح لأن حكم المسح لم ينته بعد فإذا سافر أتم مسح مسافر هذا إذا كان قد مسح في الحضر أما إذا أحدث ثم سافر قبل المسح فيمسح مسح مسافر وكذلك لو لبس الخف ثم سافر قبل أن يحدث وقبل أن يمسح فمسافر إذاً فالمسألة لها ثلاث حالات: 1. إذا لبس خفا وهو مقيم ثم سافر قبل الحدث أتم مسح مسافر. 2. أحدث ثم سافر قبل المسح مسح مسْحَ مسافر حتى على المذهب. 3. أحدث ومسح ثم سافر ففيه خلاف المذهب أنه يتم مسح مقيم والثاني يتم مسح مسافر وهو الصحيح.

مسألة: لو فسدت صلاة السفر يصليها ركعتين هذا هو الصحيح. السائل: إذا مسح على الأعلى ثم خلعه ثم تطهر ثانية فمسح على الأسفل ثم أراد أن يعيد الأعلى ويمسح عليه فهل له ذلك؟ الشيخ: نقول هذا مسحه على الأسفل غير صحيح لأنه متى خلع الممسوح لا يمكن أن يعاد المسح إلا بعد طهارة بالماء هذا الضابط. القارئ: وإن مسح المسافر أكثر من يوم وليلة ثم أقام انقضت مدته في الحال وإن شك هل بدأ المسح في الحضر أو في السفر بنى على مسح الحضر لأن الأصل الغسل والمسح رخصة فإذا شككنا في شرطها رجعنا إلى الأصل. الشيخ: هذا بناءً على أنه إذا مسح قبل السفر يتم مسح مقيم أما إذا قلنا بالقول الراجح يتم مسح مسافر فهذا الشك لا يضر لأنا نقول لو تيقنت أنك مسحت بالحضر فأتم مسح مسافر وهنا مسألة لو أن رجلاً لبس الخف في الحضر وأحدث ومسح وسافر فماذا يتم؟ على كلام المؤلف مسح مقيم وعلى القول الراجح مسح مسافر لكن إذا شك هل مسح قبل أن يسافر أو لم يمسح إلا بعد أن سافر فهل يتم مسح مسافر أو مسح مقيم؟ يقول المؤلف يتم مسح مقيم لكن على قولنا بأنه يتم مسح مسافر لا حاجة لأنه سواء شك أو تيقن فلو تيقن إنه مسح في الحضر فإنه يتم مسح مسافر فكلام المؤلف في المسألة هذه مبني على أنه إذا سافر بعد المسح يتم مسح مقيم. القارئ: وإن لبس وأحدث وصلى الظهر ثم شك هل مسح قبل الظهر أو بعدها وقلنا ابتداء المدة من حين المسح بنى الأمر في المسح على أنه قبل الظهر وفي الصلاة على أنه مسح بعدها لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ووجوب غسل الرجل فرددنا كل واحد منهما إلى أصله

الشيخ: يقول إذا لبس وأحدث وصلى الظهر ثم شك هل مسح قبل الظهر أو بعده وقلنا ابتداء المدة من حين المسح بنى الأمر في المسح على أنه قبل الظهر احتياطا لأنه إذا بنى قبل الظهر صار ابتداء المدة أسبق وفي الصلاة على أنه مسح بعدها فيكون قد صلى محدثا فإذا كان المسح بعدها معناه أنه صلى محدثا فيلزمه قضاء صلاة الظهر لأن الأصل بقاؤها في ذمته وتبتدئ مدة المسح من قبل صلاة الظهر احتياطا يعني أننا عملنا بالاحتياط في هذا وهذا والله أعلم. فصل القارئ: والسنة أن يمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه فيضع يديه مفرجتي الأصابع على قدميه ثم يجرهما إلى ساقيه لما روى المغيرة رضي الله عنه قال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما) حديث حسن صحيح وعن علي رضي الله عنه قال (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) رواه أبو داود. الشيخ: حديث علي حديث حسن وقوله لو كان الدين بالرأي يعني بالرأي البادي بادي الرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ولكن عندما يتأمل الإنسان يجد أن أعلى الخف أولى بالمسح من أسفله وذلك لأن المسح ما هو إلا ترطيب للخف فقط وليس غسلا بل يرطبه فقط ومعلوم أننا لو رطبنا أسفل الخف لكان يتلوث أكثر بالنجاسة فكان الرأي أن يكون المسح على أعلى الخف كما جاء به الشرع. القارئ: اقتصر على مسح الأكثر من أعلاه أجزأه وإن اقتصر على مسح أسفله لم يجزه لأنه ليس محلا للمسح أشبه الساق.

الشيخ: ثم هل يبدأ بمسح اليمنى ثم اليسرى أو يمسحهما معا مرة واحدة قال بعض العلماء بالأول وقال بعضهم بالثاني فأما الذين أخذوا بالأول أي يمسحهما مرة واحدة فاستدلوا بحديث المغيرة حين ذكر وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) ولم يذكر أنه بدأ باليمنى وقاسوه أيضا على مسح الأذنين فإنهما يمسحان معا اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى وأما من قال إنه يبدأ باليمين فقال إن المسح فرع عن الغسل والفرع له حكم أصله واستدلوا بعموم (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) وأجابوا عن حديث المغيرة بأن قوله ومسح عليهما لا ينافي الترتيب فهو لا يقتضيه ولا ينافيه وأن قياسه على مسح الأذنين ليس بصحيح لأن الأذنين عضو واحد لأنهما من الرأس بخلاف الرجلين فإنهما عضوان فكان ينبغي أن يبدأ باليمين قبل اليسار والأمر في هذا واسع والمسألة لا تعدوا أن يكون هل الأفضل كذا أو كذا أما الإجزاء فيجزي سواء مسح جميعا أو رتب. فصل القارئ: إذا انقضت مدة المسح أو خلع خفيه أو أحدهما بعد المسح بطلت طهارته في أشهر الروايتين ولزمه خلعهما لأن المسح أقيم مقام الغسل وإذا زال بطلت الطهارة في القدمين فتبطل في جميعها لكونها لا تتبعض والثانية يجزئه غسل قدميه لأنه زال بدل غسلهما فأجزأه المبدل كالمتيمم يجد الماء وإن أخرج قدمه.

الشيخ: هذان قولان القول الثالث وهو الراجح الصحيح أنها لا تبطل الطهارة ولا يلزمه غسل القدمين والدليل عدم الدليل وذلك لأنه لما توضأ ومسح خفيه ثبتت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي وما ثبت بمقتضى الدليل الشرعي لا يرتفع إلا بدليل شرعي لأننا نقول لمن ادعى أن الوضوء بطل أين الدليل على بطلانه وقد صح بمقتضى الدليل فإذا لم يوجد دليل على البطلان فالأصل بقاء الطهارة وأما قولهم إنه زال الممسوح فيقال الحدث وصف وليس عينا وصف يقوم بالبدن بسبب وجود الناقض للوضوء وهذا الوصف ارتفع أولا؟ ارتفع وصار البدل الآن طاهرا فإذا كان طاهرا فإنه يبقى على طهارته ثم إن أخذنا بالقياس على الرأس إذا مسحه وفيه شعر ثم حلقه فإن طهارته باقية والجواب عن هذا بأن مسح الرأس أصل ومسح الخف بدل جواب غير سديد فإنه لا يؤثر أن يكون الممسوح الذي زال أصلياً أو بدلياً لأن المهم أن ما تعلقت به الطهارة قد زال فسواء كان أصلياً أو بدلياً فهذا الفرق غير مؤثر في الحكم ولهذا نقول إن القول الصحيح أنه إذا خلع الخف لا تنتقض طهارته بل هي باقية والدليل عدم الدليل ووجه ذلك أن طهارته ثبتت بمقتضى الدليل الشرعي فلا تنتقض إلا بدليل شرعي هذا وجه الوجه الثاني قياسا على الرأس وإبطال هذا القياس بأن الرأس أصل والخف بدل لا يؤثر لأن الشيء الذي تعلقت الطهارة به قد زال سواء كان أصلياً أو بدلياً ولكن لا يعني ذلك أنه يجوز أن يعيد الخف ويبتدئ مدة جديدة لأننا لو قلنا بهذا للزم أن يكون المسح مستمرا دائما بل نقول إذا خلع الممسوح فلابد من غسل الرجل هذه قاعدة مطردة متى خلع الممسوح فلابد من غسل الرجل. مسألة: لو قال أحد من أهل العلم إذا خلع الخف على طهارة مسح ثم أعاده قبل أن ينتقض وضوءه فإنه يجوز أن يمسح لو قال أحد بهذا القول فهو قولي

القارئ: وإن أخرج قدمه إلى ساق الخف بطل المسح لأن استباحة المسح تعلقت باستقرارها فبطلت بزواله كاللبس وإن مسح على الخف الفوقاني ثم نزعه بطل مسحه ولزمه نزع التحتاني لأنه زال الممسوح عليه فأشبه المنفرد. الشيخ: بناءً على القاعدة التي ذكرنا قبل قليل أنه متى نزع الممسوح فإنه لا يعاد إلا بعد وضوء كامل فصل القارئ: ويجوز المسح على العمامة لما روى المغيرة رضي الله عنه قال (توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة) حديث حسن صحيح، وعن عمرو بن أمية رضي الله عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وخفيه) رواه البخاري، وروى الخلال بإسناده عن عمر قال (من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله) ولأن الرأس عضو سقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين. الشيخ: هذا يسمونه وصف طردي (عضو سقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين) هذا ما له أثر بل يقال لأن نزع العمامة يشق فجاز المسح عليها بدلا عن مسح الرأس كجواز مسح الخف بدلا عن غسل الرجل من أجل المشقة غالبا أما قوله (عضو سقط فرضه في التيمم) هذا غريب هذا وصف طردي ما له أثر. القارئ: ويشترط أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه لأنه جرت العادة بكشفه في العمائم فعفي عنه بخلاف بعض القدمين. الشيخ: هذا تعليل للمستثنى إلا ما جرت العادة بكشفه ولماذا نقول بأن كشف ما جرت به العادة في الرأس لا يؤثر مع أنه كشف لبعض العضو مع أننا قلنا في الخفين لابد أن تستر جميع القدم بدون استثناء؟ نقول السبب في ذلك لأن العمامة جرت العادة بكشف شيء من الرأس فعفي عنه.

القارئ: ويشترط أن تكون لها ذؤابة أو تكون تحت الحنك لأن ما لا ذؤابة لها ولا حنك تشبه عمائم أهل الذمة وقد نهي عن التشبه بهم فلم تستبح بها الرخصة كالخف المغصوب فإن كانت ذات حنك جاز المسح عليها وإن لم يكن لها ذؤابة لأنها تفارق عمائم أهل الذمة وإن أرخى لها ذؤابة ولم يتحنك ففيه وجهان: أحدهما يجوز المسح عليها لذلك. والثاني لا يجوز لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي عن الاقتعاط قال أبو عبيد الاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء. الشيخ: اشترط المؤلف رحمه الله أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة والمحنكة يعني التي يدار منها لية تحت الحنك وذات الذؤابة أن يكون لها ذؤابة يعني أحد طرفيها مسدل حتى يكون ذؤابة فإن لم تكن محنكة ولا ذات ذؤابة فإنه لا يصح المسح عليها واختار شيخ الإسلام رحمه الله جواز المسح عليها وإن لم تكن محنكة أو ذات ذؤابة وتسمى عندهم العمامة الصماء وقوله رحمه الله هو الصحيح فالقول الصحيح أنه لا يشترط أن تكون ذات ذؤابة أو محنكة بل يجوز المسح على العمامة ولو كانت صماء لأن الشرع الذي جاء بذلك مطلق ما فيه اشتراط. مسألة: يستحب أن يمسح ما يظهر من مقدم الرأس أو جوانبه. مسألة: والمسح على العمامة أولى من المسح على الخف لأن المسح على العمامة مسح على ما أصل طهارته المسح. فصل القارئ: وحكمها في التوقيت واشتراط تقديم الطهارة وبطلان الطهارة بخلعها كحكم الخف لأنها أحد الممسوحين على سبيل البدل.

الشيخ: المؤلف ذكر رحمه الله حكمها في التوقيت كحكم الخف يعني للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وكذلك أيضا في اشتراط تقدم الطهارة يعني أنه يشترط أن يلبسها أي العمامة على طهارة وكذلك بطلان الطهارة بخلعها وقد عرفتم أن الطهارة لا تبطل بخلع الخف فكذلك لا تبطل بخلع العمة وأما التوقيت واشتراط تقدم الطهارة فلا دليل عليه ولهذا نقول الصحيح أن العمامة لا يشترط لبسها على طهارة وليس لها مدة وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يذكر لها مدة ولم يذكر لها اشتراط طهارة والأصل عدم ذلك وأما قياسها على الخف فقياس مع الفارق لأن الخف طهارة بدل عن غسل فاحتيط به أكثر وأما العمامة فطهارتها بدلا عن المسح فكانت أخف ولهذا الصواب أنه لا توقيت فيها ولا اشتراط تقدم طهارة. السائل: هل الأفضل المسح على العمامة أو الرأس؟ الشيخ: الأفضل إذا كان عليك عمامة أن تمسح على العمامة وإذا لم يكن عليك عمامة أن تمسح على الرأس يعني بمعنى لا تقصد أنك تلبس العمامة لأجل المسح عليها ولا تخلعها وهي عليك لتمسح على الرأس الأفضل أن يكون الإنسان على ما هو عليه لا في هذا ولا في الخف. السائل: كيف يمسح على العمامة؟ الشيخ: يمسح على دوائرها كلها أما الذؤابة فنازلة فلا تمسح. القارئ: وفيما يجزئه مسحه منها روايتان إحداهما مسح أكثرها والثانية يلزمه استيعابها لأنها بدل من جنس المبدل فاعتبر كونه مثله كما لو عجز عن قراءة الفاتحة وقدر على قراءة غيرها اعتبر أن يكون بقدرها ولو عجز عن القراءة فأبدلها بالتسبيح لم يعتبر كونه بقدرها وإن خلع العمامة بعد مسحها وقلنا لا يبطل الخلع الطهارة لزمه مسح رأسه وغسل قدميه ليأتي بالترتيب وإن قلنا بوجوب استيعاب مسح الرأس فظهرت ناصيته ففيه وجهان أحدهما يلزمه مسحها معه

لأن المغيرة رضي الله عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين ولأنه جزء من الرأس ظاهر فلزم مسحه كما لو ظهر سائر رأسه والثاني لا يلزمه لأن الفرض تعلق بالعمامة فلم يجب مسح غيرها كما لو ظهرت أذناه فإن انتقض من العمامة كور ففيه روايتان إحداهما يبطل المسح لزوال الممسوح عليه والأخرى لا يبطل لأن العمامة باقية أشبه كشط الخف مع بقاء البطانة فصل القارئ: ولا يجوز المسح على الكلوته ولا وقاية المرأة لأنها لا تستر جميع الرأس ولا يشق نزعها فأما القلانس المبطنات كدنيات القضاة والنوميات وخمار المرأة ففيها روايتان إحداهما يجوز المسح عليها لأن أنسا مسح على قلنسوته وعن عمر رضي الله عنه إن شاء حسر عن رأسه وإن شاء مسح على قلنسوته وعمامته وكانت أم سلمة تمسح على الخمار وقال الخلال قد روي المسح على القلنسوة عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحاح واختاره لأنه ملبوس للرأس معتاد أشبه العمامة والثاني لا يجوز لأنه لا يشق نزع القلنسوة ولا يشق على المرأة المسح من تحت خمارها فأشبه الكلوته والوقاية. الشيخ: الراجح أن كل ما يشق نزعه فإنه يمسح عليه مثل القلانس الكبار والقبعات المبطنات. السائل: إذا مسح الرجل على الكنادر ثم خلع الكنادر ومسح على الشراب فهل يصح مسحه أم لابد من غسل الرجل؟

الشيخ: الجواب هذا فيه خلاف فمن أهل العلم من يرى أنه إذا مسح أحد الخفين الأعلى أو الأسفل تعلق الحكم به ولا ينتقل إلى الثاني ومنهم من يرى أنه يجوز الانتقال إلى الثاني مادامت المدة باقية فمثلا إذا مسح الكنادر ثم خلعها وأراد أن يتوضأ فله أن يمسح على الجوارب التي هي الشراب على القول الراجح كما أنه إذا مسح على الجوارب ثم لبس عليها جوارب أخرى أو كنادر ومسح على العليا فلا بأس به على القول الراجح مادامت المدة باقية لكن تحسب المدة من المسح الأول لا من المسح الثاني وهنا صار الخفين الاثنين بمنزلة خف واحد كما أن الإنسان لو مسح على خف مخيط له ظهر وبطن ثم خلع الظهر فإنه يمسح على البطن فعلى هذا الرأي يكون الخفان كأنهما خف واحد. مسألة: الراجح في العمامة أنه ليس لها توقيت ولا يشترط أن تلبس على طهارة. فصل القارئ: ويجوز المسح على الجبائر الموضوعة على الكسر لأنه يروى عن علي أنه قال (انكسرت إحدى زندي فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمسح عليها) رواه ابن ماجه ولأنه ملبوس يشق نزعه فجاز المسح عليه كالخف ولا إعادة على الماسح لما ذكرنا. الشيخ: ذكر المؤلف المسح على الجبائر والجبائر جمع جبيرة وهي في الأصل ما يوضع على الكسر ويشد عليه وسمي جبائر تفاؤلا بأن يجبر هذا الكسر واستدل المؤلف لذلك بأثر ونظر الأثر ما روي عن علي رضي الله عنه (انكسرت إحدى زندي فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمسح عليها) رواه ابن ماجه والزند هو العظم الذي في الذراع لأن الذراع يحتوي على عظمين الواحد منهما يسمى زنداً فانكسر فجعل علي عليه جبائر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح عليها هذا الدليل الأثري.

والدليل النظري قال ولأنه ملبوس يشق نزعه فجاز المسح عليه كالخف وهذا في الحقيقة قياس لكن لا يشبهه من كل وجه لأن المسح على الخف من باب الحاجة والكمال والمسح على الجبيرة من باب الضرورة لأنها لو أزيلت لاختل الكسر بخلاف القدم فإنه لا يختل لو أزيل الخف وعلى هذا فيكون القياس قياسا أولويا وهذه المسألة اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال هذا الذي قاله المؤلف وهو الصحيح أنه يمسح عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المسح بدلا عن الغسل عند الساتر في حال السعة ففي حال الضرورة من باب أولى وما هو الذي جعل في حال السعة؟ الخف ففي حال الضرورة من باب أولى وقال بعض العلماء بل يتيمم لأنه عجز عن غسل بعض الأعضاء فكان كالعجز عن جميع الأعضاء ومعلوم أن العجز عن جميع الأعضاء يوجب التيمم وقال بعض العلماء لا يلزمه شيء لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: من الآية16) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتو منه ما استطعتم) وهو يستطيع أن يغسل أعضاءه إلا هذا العضو المجبور فإنه لا يستطيع غسله فسقط فرضه بالآية الكريمة والحديث ولكن أقرب الأقوال هو الأول أنه يمسح لأنه ساتر في محل الفرض فكان فرضه المسح كالخف وأولى ويعضده هذا الأثر الذي ذكره المؤلف رحمه الله بصيغة التمريض والذين قالوا لا يمسح ضعفوا الحديث ولكن حتى لو كان الحديث ضعيفا فإن القياس قياس جلي وواضح ولا شك أن المسح عليه خير من عدم تطهيره ولا شك أن المسح أقرب إلى الغسل من التيمم. السائل: هل يمسح على جميع العضو أوعلى الجيرة فقط؟ الشيخ: على الجبيرة فقط. القارئ: ويشترط أن لا يتجاوز بالشد موضع الحاجة لأن المسح عليها إنما جاز للضرورة فوجب أن يتقيد الجواز بموضع الضرورة.

الشيخ: هذا صحيح يشترط أن لا يتجاوز بالشد موضع الحاجة والمراد بالحاجة ليس مكان الجرح أو الكسر فقط بل كل ما يحتاج إليه في الشد فهو حاجة فإذا قدرنا أن مكان الجرح بقدر أصبعين مثلا وكانت الخرقة لابد أن تكون أربع أصابع فهذه حاجة فكل ما يحتاج إليه في الشد فهو حاجة. القارئ: وتفارق الجبيرة الخف في ثلاثة أشياء أحدها أنه يجب مسح جميعها لأنه مسح للضرورة أشبه التيمم ولأن استيعابها بالمسح لا يضر بخلاف الخف. الشيخ: هذا فرق أنه يجب مسحها بمسح جميعها هذا واضح لكن التعاليل التي ذكرها عليلة يقول لأنه مسح للضرورة أشبه التيمم يقال إذا كان مسحا للضرورة فهو أولى بالتخفيف من المسح على الخفين وقوله أشبه التيمم أيضا خطأ لأن التيمم لا يجب فيه مسح الأعضاء كلها إنما يمسح من الأعضاء الوجه والكفان فهذا القياس الآن تبين أنه ليس بصحيح وقوله ولأن استيعابها بالمسح لا يضر بخلاف الخف فيقال الخف أيضا لا يضر لومسحه كله لكن يقال الفرق أن الخف ورد مسحه للتخفيف والتيسير فهو رخصة وأما هذه فهي بدل فمسح الجبيرة بدل عن الغسل فإذا كان يجب استيعاب العضو بالغسل وجب استيعاب المسح على بدله هذا أقرب مما ذكره المؤلف رحمه الله من القياس. السائل: عندما وجب غسل العضو جميعه أوجبنا المسح على الجبيرة جميعها ألا نقول إنه كما وجب غسل الرجل جميعها يجب مسح الخف جميعه؟ الشيخ: أجبنا عن هذا وقلنا مسح الخفين من باب التخفيف والرخصة وأما الجبيرة فضرورة ولهذا المسح عليها عزيمة كما قال العلماء بخلاف المسح على الخفين فهو رخصة. القارئ: الثاني أن مسحها لا يتوقت لأنه جاز لأجل الضرر فيبقى ببقائه الثالث أنه يجوز في الطهارة الكبرى لأنه مسح أجيز للضرر أشبه التيمم.

الشيخ: الفرق الثاني أن مسحها لا يتوقت لأنه جاز لأجل الضرر فيبقى ببقائه الثالث أنه يجوز في الطهارة الكبرى والخف في الطهارة الصغرى فقط لحديث صفوان بن عسال وقد سبق إلا من جنابة لأنه مسح أجيز للضرر أشبه التيمم. القارئ: وفي تقدم الطهارة روايتان إحداهما يشترط لأنه حائل منفصل يمسح عليه أشبه الخف فإن لبسها على غير طهارة أو تجاوز بشدها موضع الحاجة وخاف الضرر بنزعها تيمم لها كالجريح العاجز عن غسل جرحه والثانية لا يشترط لأنه مسح أجيز للضرورة فلم يشترط تقدم الطهارة له كالتيمم.

الشيخ: كل هذه الأوصاف أو التعليلات كلها طردية يعني لا تفيد معنى وعلة يثبت بها الحكم واختلف العلماء رحمهم الله هل يشترط أن توضع الجبيرة على طهارة؟ فقال بعضهم يشترط أن يضعها على طهارة فإن لم يضعها على طهارة وجب عليه حلها ثم التطهر ثم إعادتها مرة ثانية فإن خاف من حلها ضررا ألغاها ولا يمسح عليها ولكن يتيمم ولأي شيء يتيمم؟ لأجل أنه تعذر عليه غسل ما تحتها ولم يتم الشروط لمسحها فصار ما تحتها عضوا عاجزا عن تطهيره فوجب فيه التيمم إذاً على هذا القول وهو اشتراط تقدم الطهارة إذا وضعها على غير طهارة ماذا نقول له؟ نقول انزعها ثم تطهر ثم أعدها فإذا قال لا يمكن نزعها لأن علي ضرر ولو نزعتها انكسرت الرجل أو اليد قلنا إذاً اعتبرها لاغية وتيمم عنها بدون مسح لأن المسح لا يصح الآن ولكن تيمم والقول الثاني أنه لا يشترط تقدم الطهارة عليها ودليله أولاً عدم الدليل فإنه لا دليل على اشتراط الطهارة لوضع الجبيرة ولا يمكن قياسها على الخف لأن بينهما فروق منها هذه الثلاثة التي ذكرها المؤلف وهي أكثر من ثلاثة هي ثمانية فروق بين الخف والجبيرة وثانيا أن الجبيرة تأتي بغته بغير اختيار الإنسان فلا يكلف الطهارة لأن إلزامه بالطهارة فيه صعوبة فإذا انكسر إنسان وهو على غير طهارة وقلنا يجب أن يتطهر فيه صعوبة أما الخف فإنه يلبس باختيار الإنسان وبإمكانه أن يتطهر قبل أن يلبس أما الجبيرة فليس بإمكانه شخص مكسورة رجله أو يده ونقول له لا نُجَبّرك إلا أن تذهب تتوضأ هذا صعب فتنقلب الآن لو أمرناه بالوضوء أو ألزمناه به انقلب التيسير تعسيرا فالقول الصحيح بلا شك أنه لا يشترط للجبيرة أن توضع على طهارة بل متى وجد سببها وضعت ومسح عليها. السائل: إذا كانت الجبيرة لا تغطي العضو كاملاً وإنما نصف العضو وإذا غسل بقية العضو المكشوف بالماء ومسح على الجبيرة بالماء يتسرب ماء الغسل إلى الجبيرة وربما سبب له ضرر؟

باب نواقض الطهارة الصغرى

الشيخ: ما هو لازم يتسرب ولو كان لازم يتسرب قلنا لا تغسل المكشوف وتيمم عنه فلو فرضنا أنه في الساق ووجب عليه غسل فيستطيع إنه يجلس في صحن ويغسل بقية جسده ولا ينزل الماء إلى الجبيرة لكن على فرض أنه لا يمكن إلا أن ينزل الماء إلى ما تحت الجبيرة مثل أن يكون هناك جرح تحت هذه اللفافة ففي هذه الحال يمسح على الجبيرة ويتيمم عما بقي ولا يغسلها. القارئ: ولا فرق بين الجبيرة على كسر أو جرح يخاف الضرر بغسله لأنه موضع يحتاج إلى الشد عليه فأشبه الكسر ولو وضع على الجرح دواء وخاف الضرر بنزعه مسح عليه نص عليه وقد روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر (أنه خرجت بإبهامه قرحة فألقمها مرارة فكان يتوضأ عليها). الشيخ: يعني لا فرق بين أن تقول جبيرة على كسر أو على جرح والأصل أنها على كسر لكن قد تكون على جرح فلا فرق وابن عمر رضي الله عنه خرج بإبهامه قرحة فألقمها مرارة والمرارة شيء مرة جدا يلصق بالكبد كبد الحيوان مثل الجرة كالقارورة والمرارة هذه إذا ألقي الماء الذي فيها تكون وعاء فابن عمر رضي الله عنه ألقمها إبهامه السائل: لماذ إذا خاف تسرب الماء إلى الجبيرة قلنا له يتيمم عن بقية العضو ولم نقل له يمسح بقية العضو؟ الشيخ: لأن المسح على العضو لم يرد والمسح لابد أن يكون على حائل أو مسح بالأصل كمسح الرأس وليس هذا كالجرح قديمسح عليه هذا ظاهر. باب نواقض الطهارة الصغرى القارئ: وهي ثمانية. الشيخ: نواقض الطهارة الصغرى احترازاً من الكبرى والكبرى يعبر عنها العلماء بموجبات الغسل وهذه نواقض الوضوء ونواقض الوضوء هي مفسدات الوضوء وإذا فسد الوضوء وجب عند الصلاة الوضوء ولهذا لو عبر عن نواقض الوضوء بموجبات الوضوء لصح مثل ما عبروا عن الغسل بموجبات الغسل فهي اختلاف تعبير في الحقيقة فنواقض الوضوء مفسداته يعني التي إذا طرأت على الوضوء أفسدته.

القارئ: وهي ثمانية الخارج من السبيلين وهو نوعان معتاد فينقض بلا خلاف لقوله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ) (النساء: من الآية43) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن من غائط وبول ونوم) وقوله (فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) وقال في المذي (يغسل ذكره ويتوضأ) متفق عليه. الشيخ: المذي هو الماء الذي يخرج مع الشهوة لكن بدون إحساس هذا يوجب الوضوء وغسل الذكر والأنثيين. القارئ: النوع الثاني نادر كالحصى والدود والشعر والدم فينقض أيضا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة (توضئي لكل صلاة) رواه أبو داود ودمها غير معتاد ولأنه خارج من السبيل أشبه المعتاد ولا فرق بين القليل والكثير. الشيخ: هذا هو الصحيح أنه لا فرق بين المعتاد وغير المعتاد فلو خرج من دبره حصى أو دود أو شعر أو ما أشبه ذلك فإنه ناقض للوضوء ودليل هذا قوله عليه الصلاة والسلام (حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) فإذا كانت الريح وهي لا جرم لها تنقض الوضوء فما له جرم من باب أولى. مسألة: معنى المعتاد هو الذي من عادة البشر والمستحاضة تعتبر مرض طارئ والحيض عادي المهم أن الاستحاضة وسلس البول وما أشبه ذلك هذا لا ينقض الوضوء في حال وجوده ولكن لا تتوضأ إلا لكل صلاة. القارئ: الثاني خروج النجاسة من سائر البدن وهو نوعان غائط وبول فينقض قليله وكثيره لدخوله في النصوص المذكورة. القارئ: الثاني دم وقيح وصديد فينقض كثيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش (إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة) رواه الترمذي فعلل بكونه دم عرق وهذا كذلك ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من السبيل ولا ينقض يسيره لقول ابن عباس في الدم إذا كان فاحشا فعليه الإعادة قال الإمام أحمد عدة من الصحابة تكلموا فيه ابن عمر عصر بثرة فخرج دم فصلى ولم يتوضأ وابن أبي أوفى عصر دملا وذكر غيرهما ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا.

الشيخ: الثاني خروج النجاسة من سائر البدن وهو نوعان غائط وبول وهذا يقع كثيرا نسأل الله لنا ولكم العافية يُعْمَل له عملية فتحة يخرج منها البول ويخرج منها الغائط فنقول هذه الفتحة ما خرج منها من البول والغائط فهو ناقض قليله وكثيره والثاني غير البول والغائط مثل الدم والقيح والصديد وماء الجروح وما أشبهه فالمشهور من المذهب أنها ناقضة للوضوء والصحيح أنها غير ناقضة وحديث فاطمة بنت أبي حبيش لا يدل على ما ذكره المؤلف لأن هذا الدم الخارج دم الاستحاضة من أين؟ من السبيل وهناك فرق بين الخارج من السبيل وغيره فالصواب أن الخارج من غير السبيلين إذا لم يكن بولا ولا غائطا فإنه لا ينقض لا قليله ولا كثيره والدليل على هذا هذه الآثار التي ذكرها المؤلف أن ابن عمر عصر بثرة فخرج دمه فصلى ولم يتوضأ وابن أبي أوفى عصر دملا ولم يتوضأ وأيضا الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصابون في المغازي بالجروح الكثيرة الدم ومع هذا لم يؤمروا بالوضوء من هذا الدم فالصحيح أن جميع ما يخرج من غير السبيلين ليس بناقض كالدم والقيح والصديد وماء الجروح والقيء كل هذا لا ينقض. السائل: ما معنى بثرة؟ الشيخ: البثرة هذه في العين والدمل الخراج الذي يخرج في الجلد يكون له نبرة ويؤلم على كل حال ثم يشق السائل: بالنسبة للفتحة التي تفتح للمرضى قد يكون الخارج يستمر خروجه سواء أكان من الغائط أو البول؟ الشيخ: تكون هذه مثل سلس البول يعفى عنها ويتوضأ لكل صلاة. القارئ: وظاهر مذهب أحمد أنه لا حد للكثير إلا ما فحش لقول ابن عباس قال ابن عقيل إنما يعتبر الفاحش في نفوس أوساط الناس لا المبتذلين ولا الموسوسين كما رجعنا في يسير اللقطة الذي لا يجب تعريفه إلى ما لا تتبعه همة نفوس الأوساط، وعن أحمد أن الكثير شبر في شبر وعنه قدر الكف فاحش وعنه قدر عشر أصابع كثير وما يرفعه بأصابعه الخمس يسير قال الخلال والذي استقر عليه القول أن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه.

الشيخ: هذا الأخير من الغرائب والآن فهمنا من كلام المؤلف أن ما خرج من غير السبيلين فإن كان بولا أو غائطا نقض قليله وكثيره وإن كان غيرهما نقض الفاحش الكثير ولكن ما هو الميزان في الكثرة؟ قيل الميزان أوساط الناس لا الموسوسين ولا المتهاونين وقيل إنه ما يفحش في نفس كل إنسان بحسبه وهذه مشكلة لأن المتهاون لا يفحش في نفسه شيء والموسوس كل شيء لو كان عين جرادة قال هذا فاحش فالقول بأن المرجع إلى أوساط الناس هذا قول عدل متوسط لا نعتبر الموسوسين ولا نعتبر المتهاونين السائل: لو خرج الآن كثير قيح وصديد فهل يبطل الوضوء؟ الشيخ: على رأي المؤلف يبطل الوضوء والقول الصحيح لا يبطل أي خارج من البدن إلا البول والغائط أو ما خرج من السبيلين فما خرج من السبيلين أيا كان فإنه ناقض للوضوء. السائل: قلنا إن النادر كالحصى والدود والشعر ينقض الوضوء مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فلا يخرج حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا فإذا كان الريح الذي ليس له جرم ينقض فالحصى من باب أولى لكن الشارع ما علق القضية بالحجم يعني لو علق القضية بالجرم لقلنا إن هذا القياس يصح لكن الشارع علق القضية بشيء معين وهو الريح والبول والغائط ولم يعلق بكل ما خرج من السبيلين يعني لو جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم نص بأن كل ما خرج من السبيلين ناقض لقلنا هذا القياس. الشيخ: يقول العلماء إنما قيد بحسب الواقع لا مفهوم له هذا قيد أغلبي لأنه يندر أن أحداً يخرج من بطنه حصاة وبالنسبة للبول أحياناً تخرج حصاة من الكلى يراها الناس بالمنظار تمشي مع العروق حتى تطلع وكذلك الشعر أندر من هذا في الواقع أن الشعر نادر لكنه يخرج مع الغائط أحياناً يكون الإنسان يأكل من رأس البهيمة ويكون ما أزيل الشعر تماما وهو رجل شره في اللحم ويأخذ اللحمة ويبلعها هي وشعرها ثم يخرج الشعر.

القارئ: الثالث زوال العقل وهو نوعان أحدهما النوم فينقض لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن من غائط وبول ونوم) وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال (العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ) رواه أبو داود، ولأن النوم مظنة الحدث فقام مقامه كسائر المظان الشيخ: الآن علل المؤلف رحمه الله لزوال العقل بدليلين أثري ونظري الأثري (ولكن من غائط وبول ونوم) والنوم مزيل للعقل وأما التعليل فقال رحمه الله ولأن النوم مظنة الحدث فقام مقامه كسائر الأحداث أو كسائر المظان وهو كذلك والإنسان إذا نام فإنه لو أحدث ما يحس بنفسه فعلق الحكم بالمظنة لما تعذرت المئنة. القارئ: ولا يخلو من أربعة أحوال: أحدها أن يكون مضطجعا أو متكئا أو معتمدا على شيء فينقض الوضوء قليله وكثيره لما رويناه. والثاني أن يكون جالسا غير معتمد على شيء فلا ينقض قليله لما روي من أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعودا ثم يصلون ثم يتوضئون) رواه مسلم بمعناه ولأن النوم إنما نقض لأنه مظنة لخروج الريح من غير علمه ولا يحصل ذلك هاهنا لأنه يشق التحرز منه لكثرة وجوده من منتظري الصلاة فعفي عنه وإن كثر واستثقل نقض لأنه لا يعلم بالخارج مع استثقاله ويمكن التحرز منه الشيخ: النوم يقول المؤلف إن له أربع أحوال: الحال الأولى أن يكون مضطجعا أو متكئا إلى آخره والصحيح في هذه المسألة أنه ليست العبرة بحال النائم من حيث أنه مضطجع أو نائم أو متكئ أو ما أشبه ذلك العبرة بحال النائم من حيث الإحساس فإن كان يغلب على ظنه بقاء طهره لكونه لو أحدث لأحس فإنه لا ينتقض وإن كان لو أحدث لم يحس بنفسه فإنه ينقض الوضوء إذاً المدار على الإحساس إذا كان لو أحدث لأحس بنفسه فهو ينقض الوضوء وإلا فلا والله أعلم الضابط (إذا غلب على ظنه بقاء طهره حتى لو طال النوم فإن طهارته باقية).

القارئ: الحال الثالث القائم ففيه روايتان إحداهما إلحاقه بحالة الجلوس لأنه في معناه والثانية ينقض يسيره لأنه لا يتحفظ حفاظ الجالس. الرابع الراكع والساجد وفيه روايتان أولاهما كالمضطجع لأنه ينفرج محل الحدث فلا يتحفظ فأشبه المضطجع والثانية أنه كالجالس لأنه على حال من أحوال الصلاة أشبه الجالس والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف ما عد كثيرا فهو كثير وما لا فلا لأنه لا حد له في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالقبض والإحراز. الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله المرجع في يسير النوم وكثيره إلى العرف ثم أشار إلى قاعدة معروفة وهي قوله رحمه الله (لأنه لا حد له في الشرع فرجع فيه إلى العرف كالقبض والإحراز) ويصح والحرز وهذه قاعدة منظومة عندكم في قواعد الفقه وكل ما أتى ولم يحدد ... بالشرع كالحرز فبالعرف احدد

وهذه القاعدة صحيحة لأنه إذا لم يحده الشارع وأطلقه يرجع فيه إلى العرف ومن ذلك السفر على رأي كثير من العلماء ومنهم مؤلف الكتاب فالسفر لا حد له فيرجع به إلى العرف فلا يحد بالكيلوات ولا بغيرها وقول المؤلف كالقبض ماذا يعني القبض يعني قبض المبيع مثلا قبض الهبة قبض الرهن (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) (البقرة: من الآية283) مثلا قبض الهبة لا تلزم إلا بقبض وقبض المبيع لا يباع إلا بعد قبضه وما أشبه ذلك والحرز يعني حرز الأموال بما يحفظ الوديعة لابد أن يحفظها في حرزها التي تحرز به عادة إذا سرق سارق المكان لابد أن يكون من حرز والحرز ما تعارف الناس عليه ولكن سبق أن الصحيح أنه ليس الضابط في النوم أنه يسير أو خفيف الضابط (أنه متى غلب على ظنه بقاء طهارته فهو على طهارة) فإذا كان لو أحدث أحس بنفسه فإن النوم لا ينقض الوضوء وذلك لأن النوم مظنة الحدث وليس حدثا لأن النوم لو كان حدثا بنفسه لاستوى قليله وكثيره كالبول لكنه مظنة الحدث والذين حدوه باليسير والكثير قالوا لأن الكثير مظنة الحدث واليسير بخلاف ذلك ولكننا نقول مادام أن النوم مظنة الحدث فإنه يرجع إلى المظنة ومتى غلب على ظنه أنه لم يحدث فإنه على طهارته. القارئ: وإن تغير عن هيئته انتقض وضوؤه لأنه دليل على كثرته واستثقاله فيه. الشيخ: تغير عن هيئته مثل لو واحد نائم متكيء ثم سقط هذا معنى تغير عن هيئته فإن سقوطه يدل على أنه مستثقل وأنه نوم ثقيل أما إذا طاح ثم من حين ما أهوى فز ثم استيقظ فهذا النوم يسير. القارئ: النوع الثاني زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر ينقض الوضوء لأنه لما نص على نقضه بالنوم نبه على نقضه بهذه الأشياء لأنها أبلغ في إزالة العقل ولا فرق بين الجالس وغيره والقليل والكثير لأن صاحب هذه الأمور لا يحس بحال بخلاف النائم فإنه إذا نبه انتبه وإن خرج منه شيء قبل استثقاله في نومه أحس به

الشيخ: زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر ينقض مطلقا قليله وكثيره. السائل: بالنسبة لغلبة الظن في النوم إذا تساوى الظن هل ينتقض الوضوء أو لا ينتقض؟ الشيخ: الأصل الطهارة. مسألة: السكر مظنة حدث لكنه لما كان لا يحس بنفسه إطلاقا صار ينقض بكل حال لكن لو كان يحس فلا ينقض الوضوء. القارئ: والرابع أكل لحم الجزور فينقض الوضوء لما روى جابر بن سمرة (أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم توضأ من لحوم الإبل) رواه مسلم قال أبو عبد الله فيه حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث البراء بن عازب وجابر بن سمرة ولا فرق بين قليله وكثيره ونيئه ومطبوخه لعموم الحديث وعنه فيمن أكل وصلى ولم يتوضأ إن كان يعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء منه فعليه الإعادة وإن كان جاهلا فلا إعادة عليه. الشيخ: والصحيح الأول أنه ينقض سواء كان عالما أم جاهلا وسواء كان جاهلا بالحكم أم جاهلا بالحال لا يدري هل هو لحم إبل أو لحم غنم لكن الجاهل بالحكم إذا كان في بلد يرون أنه لا ينتقض وضوؤه وكان تابعا لهم فلا شيء عليه حتى لو تبين له بعد وجوب الوضوء فإنه لا شيء عليه لأنه معذور. القارئ: وفي اللبن روايتان إحداهما لا ينقض لأنه ليس بلحم والثانية ينقض لما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (توضوؤا من لحوم الإبل وألبانها) رواه أحمد في المسند وفي الكبد والطحال وما لا يسمى لحما وجهان أحدهما لا ينقض لأنه ليس بلحم والثاني ينقض لأنه من جملته فأشبه اللحم وقد نص الله على تحريم لحم الخنزير فدخل فيه سائر أجزائه.

الشيخ: ذكر المؤلف اللبن والكبد والطحال وما أشبه ذلك فذكر في اللبن روايتان عن أحمد إحداهما ينقض والثانية لا والصحيح أن اللبن لا ينقض ودليل ذلك قصة العرنيين الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها ولم يأمرهم بالوضوء مع دعاء الحاجة إلى البيان

فسكوته عن ذكر الوضوء يدل على أنه ليس بواجب وأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد فالظاهر أن ذكر الألبان شاذ وإن صح فيحمل على الاستحباب لا على الوجوب جمعا بينه وبين حديث العرنيين أما الكبد والطحال وما لا يسمى لحما ففيه وجهان لا روايتان والفرق بين الروايتين والوجهين أن الروايتين عن الإمام أحمد والوجهين عن أصحاب الإمام أحمد والصحيح أن الوضوء واجب من الكبد والطحال والأمعاء والكرش وما أشبهها لأنه من جملة لحم الإبل بل إننا لو قارنا بين اللحم الخالص وغيره لكان غيره مساويا له أو أكثر منه فإن البعير فيها شحم كثير فيها أمعاء فيها كرش فيها كبد فيها رأس وغير ذلك من الأشياء الكثيرة التي لا تسمى لحما في العرف فكيف يوجب الشرع الوضوء من لحم الإبل ثم نحمله على الأقل منه هذا خلاف المعهود ثم إنه مقيس على لحم الخنزير لما حرم الله لحم الخنزير صار عاما لجميع أجزائه ثم إنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية حيوان تختلف أجزاؤه حلا وحرمة أو تأثيرا لكن في شريعة اليهود يوجد (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا) (الأنعام: من الآية146) أما في شريعتنا الحيوان واحد جميع أجزائه في الحل والحرمة لا يوجد حيوان بعضه حلال وبعضه حرام وكذلك في الأثر المترتب على الأكل لا يوجد شيء بعض لحمه يؤثر وبعض لحمه لا يؤثر إلا هذه المسألة مسألة النزاع والصحيح فيها أنه عام وأن جميع أجزاء البعير ناقض للوضوء ولكن هنا هل يلزم الإنسان إذا أكل عند إنسان طعاما أن يسأل ويقول ما لحمك؟ لا يلزم ولكن هل يلزم صاحب المحل أن يخبرهم؟ نعم يلزم كما لو رأى ماءً نجسا يريد أن يستعمله أحد فإنه يلزمه أن ينبهه لقول الله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: من الآية2) وهذا من البر أن يتوضأ الإنسان من لحم الإبل ماذا يقول له إذا أراد أن ينبهه؟ هذا لحم إبل

وبعض العامة يقول هذا رغاية لا ثغاية فالإبل لها رغاء ترغي صوته يسمى رغا والشاة ثغاء. السائل: اللبن أليس من أجزاء البعير فلماذا لاينقض الوضوء؟ الشيخ: اللبن ليس لحماً وهو جزء منفصل وهو يشبه البول والروث. مسألة: لما قال في الغنم إن شئت وقال في الإبل نعم دل هذا على أن الإبل لا مشيئة له. القارئ: ولا ينقض الوضوء مأكول غير لحم الإبل ولا ما غيرت النار لقول النبي صلى الله عليه وسلم في لحم الغنم (إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ)، ويروى أن (آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) رواه أبو داود. مسألة: المرق لأصحاب الإمام أحمد فيه وجهان وجه بوجوب الوضوء ووجه آخر عدم الوجوب والصحيح عدم الوجوب لأنه لا يصدق على من شرب مرقها أنه أكل لحمها وصحيح أن طعم اللحم بلا شك يكون في الماء لكن نقف على النص ولهذا الذين قالوا بوجوب الوضوء قالوا إن معنى اللحم موجود في المرق. السائل: المرقة إذا كان فيها قطع لحم هل تنقض الوضوء؟ الشيخ: إذا كان فيها قطع لحم ينقض لأنه أكل وكذلك إذا كان اللحم مطحوناً فأحياناً ترى في المرق شيء كالعش مثلا فهذا ينقض لأنه لحم وكذلك إذا كان اللحم موجوداً في قاع الإناء. القارئ: والخامس لمس الذكر فيه ثلاث روايات إحداهن لا ينقض لما روى قيس بن طلق عن أبيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة قال هل هو إلا بضعة منك) رواه أبو داود ولأنه جزء من جسده أشبه يده والثانية ينقض وهي أصح لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مس ذكره فليتوضأ) قال أحمد هو حديث صحيح وروى أبو هريرة نحوه وهو متأخر عن حديث طلق لأن في حديث طلق أنه قدم وهم يؤسسون المسجد وأبو هريرة قدم حين فتحت خيبر فيكون ناسخا له والثالثة إن قصد إلى مسه نقض ولا ينقض من غير قصد لأنه لمس فلم ينقض بغير قصد كلمس النساء.

الشيخ: الآن هذه ثلاث روايات رواية النقض والرواية الثانية عدم النقض والثالثة التفريق بين القصد وعدمه وفيه قول رابع التفريق بين الشهوة وعدم الشهوة إن مسه لشهوة نقض وإن مسه لغير شهوة لم ينقض ووجه هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم علل هذا النقض بأنه بضعة فإذا مسه الإنسان كما يمس سائر الأعضاء فإنه لا ينقض وإن مسه لشهوة فإنه ينقض لأنه في هذه الحال يخرج عن مشابهة بقية الأعضاء لأن الأعضاء غير الذكر لا يمسها الإنسان أبداً لشهوة لا يمكن أن يمسها لشهوة لكن الذكر يمكن فهذا التفصيل يقول إن مسه لشهوة انتقض وضوؤه وإلا فلا ويوجه هذا القول بالتعليل الذي علله النبي صلى الله عليه وسلم وهو إنما هو بضعة منك يقول إن مسه كما يمس سائر جسده لم ينتقض وإن مسه لشهوة انتقض قال ولأنه إذا مسه لشهوة كان مظنة الحدث لأن كثيرا من الناس يكون مذاء بمجرد ما يحس بالشهوة يمذي وقد لا يشعر بذلك فلما كان مظنة الحدث ألحق بالحدث وهناك قول خامس أنه لا ينقض وأن الأمر بالوضوء للاستحباب وأضعف هذه الأقوال القول بالنسخ لأن النسخ يشترط فيه شرطان الشرط الأول أن لا يمكن الجمع والشرط الثاني أن يعلم التأريخ وهذان النصان يمكن الجمع بينهما بأن يحمل أحدهما على الشهوة والثاني على عدم الشهوة أو يحمل أحدهما على الاستحباب والثاني على عدم الوجوب لأن حديث طلق بن علي سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه الوضوء وعلى تفيد الوجوب فيكون الجواب نفياً للوجوب لا للاستحباب ثم القول بأنه متأخر بمجرد أن طلق قدم وهم يؤسسون المسجد وأبو هريرة تأخر إسلامه لا يصح لأنه من الجائز أن أبا هريرة رواه عن غيره وأرسله ومن الجائز أن طلقا أيضا قدم في هذا الوقت وسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم متأخرا فعلى كل حال

أقرب الأقوال قولان إما أن يحمل الأمر على الاستحباب فيستحب لمن مس ذكره أن يتوضأ مطلقا لشهوة أو لغير شهوة وإما أن يقال من مسه لشهوة انتقض وضوؤه ومن لا فلا ينتقض والأقرب عندي أنه لا يجب مطلقا لكنه يستحب إلا إذا صح حديث أبي هريرة (من مس فرجه فقد وجب عليه الوضوء) فإن صح بهذا اللفظ تعين أن يحمل على أنه إن مسه لشهوة وجب الوضوء وإن مسه لغير شهوة لم يجب الوضوء. السائل: أحسن الله إليك في قوله سئل الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة ألا يوحي بأن المس كان بحائل؟ الشيخ: لا لأنه إذا كان المس بحائل فلا يقال مسه فالمس حقيقته أن لا يكون هناك حائل ويكون مباشرة. السائل: ألا نعمد يا شيخ إلى الترجيح فنصحح حديث بسرة ونضعف حديث طلق؟ الشيخ: الحديث ليس بضعيف وبعض الحفاظ قال إنه أحسن من حديث بسرة وأصح. السائل: طلق بن عدي أتى وهم يبنون المسجد يعني في أول عهد النبي صلى الله عليه وسلم ورجع إلى قومه ولم يعرف له لقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك؟ الشيخ: عدم المعرفة ليس دليلا على العدم يمكن التقى به في حجة الوداع أو لغير ذلك وما دام فيه احتمال لا يسقط والجمع ممكن الآن لماذا نلزم أنفسنا بأن حديث أبي هريرة متأخر والجمع ممكن ولنفرض أنه متأخر أليس الجمع ممكنا وإذا أمكن الجمع لا نلجأ إلى النسخ القارئ: وفي لمس حلقة الدبر ومس المرأة فرجها روايتان إحداهما لا ينقض لأن تخصيص الذكر بالنقض دليل على عدمه في غيره والثانية ينقض لأن أبا أيوب وأم حبيبة قالا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من مس فرجه فليتوضأ) قال أحمد حديث أم حبيبة صحيح وهذا عام ولأنه سبيل فأشبه الذكر وحكم لمسه فرج غيره حكم لمسه فرج نفسه صغيرا كان أو كبيرا لأن نصه على نقض الوضوء بمس ذكر نفسه ولم يهتك به حرمة تنبيه على نقضه بمسه من غيره.

الشيخ: القول بنقض الوضوء بمس الدبر أضعف من القول بنقض الوضوء بمس الذكر وأما مس ذكر غيره فالقول بنقض الوضوء به قياسه على نقض الوضوء بمس ذكر نفسه واضح جدا لأن مس ذكر غيره فيه انتهاك حرمة له ومس ذكر نفسه ليس فيه انتهاك حرمة فإذا انتقض الوضوء بمس ذكر نفسه مع أنه ليس فيه انتهاك حرمة فانتقاضه بمس ذكر غيره من باب أولى. السائل: ومس المرأة فرجها هل ينقض الوضوء؟ الشيخ: مثل الذكر إن مست المرأة فرجها لشهوة انتقض وإلا فلا. السائل: هنا يقول كان آخر الأمر ترك الوضوء مما مست النار فهل أكل لحم الإبل يدخل في هذا الحديث لأنه مسته نار. الشيخ: هذا بينه عموم وخصوص فالأمر بالوضوء من أكل لحم الإبل يعم النيء والمطبوخ وترك الوضوء مما مست النار يخص ما مست النار ويعم لحم الإبل وغيره فبينهما عموم وخصوص من وجه فيقال في الذي مسته النار كان في أول الأمر أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضؤوا مما مست النار ثم بعد ذلك رخص لهم. السائل: لو كان الممسوس صغيراً فهل ينتقض الوضوء بمس ذكره؟ الشيخ: نعم ولو كان صغيراً ولكن على القول الراجح أنه لا ينقض الوضوء لأن مس ذكر الصغير لا يمكن أن يكون فيه شهوة لا سيما أن النساء كثيرا يغسلن أولادهن ويطهرن الأولاد من الأوساخ ويلمسن الذكر والدبر فعلى القول الراجح أنه لا نقض بذلك. القارئ: وفي مس الذكر المقطوع وجهان لا ينقض كمس يد المرأة المقطوعة والآخر ينقض لأنه مس ذكر وإن سد المخرج.

الشيخ: هذه من المسائل التي عابها بعض الناس على الفقهاء يعني لو أن رجلا قطع ذكره بجناية أو قصاص وألقي في الأرض وجاء شخص ومسه هنا يقول فيه وجهان أحدهما ينقض والثاني لا ينقض فمثل تصوير هذه المسائل وإن كانت قد تقع لكنها نادرة جدا ولو تركت لكان أحسن كما ذكر بعض الناس الذين كتبوا رسائل وزعت قبل سنين أن بعض الفقهاء قال لو شق ذكر الإنسان كما تشق الجريدة يعني طولا ثم أدخل أحد المشقوقين في فرج الأنثى هل يلزمه الغسل يعني مسائل كان الأولى بالفقهاء أن لا يذكروها إلا إذا وقعت فإن المسألة إذا وقعت جاء الله بحلها أما مسائل فرضية قد تكون بعيدة كل البعد فالأولى أن لا يمثل بها لكن الفقهاء رحمهم الله يأتون بمثل هذه التمثيلات لتمرين الطالب على تصوير المسائل وإن كانوا يعتقدون أن هذا نادر الوقوع لكن يقولون ربما الإنسان يسوي عملية في ذكره يشق طولا وتجرى عملية وينفصل الذكر بعضه عن بعض ويبقى أليس كذلك لكن هل في هذه الحال يتمكن من الانتشار والجماع أو لا يتمكن؟ هذه لا نعرفها إنما الفقهاء رحمهم الله يعتذر عنهم بأنهم يأتون بمثل هذه المسائل النادرة جدا جدا من أجل تمرين الطالب على تصوير المسائل وهم يشكرون على هذا العمل لكنها صورة غريبة. مسألة: التعليل بأنه بضعة يعني أنك مسسته كما تمس سائر الجسد مس عادي بدون شهوة فالرسول صلى الله عليه وسلم علل بعلة لا يمكن زوالها وإذا علل الحكم بعلة لا يمكن زوالها فمعناه أن الحكم لا يمكن زواله لأنه علل بعلة ثابتة لا يمكن أن تزول فإذاً لا يمكن أن يزول هذا الحكم لأنه ربط به.

القارئ: وإن انسد المخرج وانفتح غيره لم ينقض مسه لأنه ليس بفرج ولا ينقض مس فرج البهيمة لأنه لا حرمة لها ولا مس ذكر الخنثى المشكل ولا قبله لأنه لا يتحقق كونه فرجا وإن مسهما معا نقض لأن أحدهما فرج وإن مس رجل ذكره لشهوة نقض لأنه إن كان ذكرا فقد مس ذكره وإن كان امرأة فقد مسها لشهوة وإن مست امرأة قبله لشهوة فكذلك لما ذكرنا واللمس الذي ينقض هو اللمس بيده إلى الكوع ولا فرق بين ظهر الكف وبطنه لأن أبا هريرة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ) من المسند ورواه الدارقطني بمعناه واليد المطلقة تتناول اليد إلى الكوع لما نذكره في التيمم ولا ينقض مس غير الفرج كالعانة والانثيين وغيرهما لأن تخصيص الفرج به دليل على عدمه فيما سواه.

الشيخ: الموفق رحمه الله وفَّى الكلام على مس الذكر إلى حد أنه ذكر مس ذكر الخنثى والخنثى هو الذي له فرج وذكر فإذا مس الإنسان ذكر الخنثى لم ينتقض وضوءه وإن مس فرجه لم ينتقض وضوءه لأنه مشكل والآن لا ندري هل الذكر هذا ذكر أصلي أو لا؟ ولا ندري هل الفرج أصلي أو لا؟ ومعلوم أن الشك لا تزول به الطهارة ولكن إذا كان مس ذكر الخنثى أو قبله لشهوة فهل ينتقض؟ فيه تفصيل إن كان الذي مس ذكرا والماس ذكر انتقض الوضوء وإن كانت الماسة أنثى والذي وقع عليه اللمس هو الفرج انتقض الوضوء وإن لمس الذكر فرجه لشهوة لم ينتقض الوضوء وإن لمست الأنثى ذكره لشهوة لم ينتقض الوضوء هذه أربع صور إذا مس الفرجين جميعا في الخنثى فحكمه انتقض الوضوء لأن أحدهما قطعا أصلي وإذا مس أحدهما لغير شهوة لم ينتقض الوضوء مطلقا لأنه لا يدرى هل هو أصلي أو لا وإذا مس لشهوة فإن كان الماس له مثل الذي مس انتقض وضوءه وإن لم يكن له مثله لم ينتقض الوضوء هذا التفصيل فالأقسام أربعة إذا مسهما لغير شهوة انتقض وإذا مس أحدهما لغير شهوة لا ينتقض وإذا مس أحدهما لشهوة فإن كان للامس مثله انتقض وضوءه وإن لم يكن له مثله لم ينتقض وضوءه فإذا مس الذكر ذكره انتقض وضوءه وإذا مست الأنثى فرجه انتقض وضوءه وإن مست الأنثى ذكره لم ينتقض وإن مس الذكر فرجه لم ينتقض وقد تقولون إن العكس هو الصواب يعني إذا مست الأنثى ذكره لشهوة انتقض وضوءه وإن مس الذكر فرجه لشهوة انتقض وضوءه لكن نقول لا إذا مس الذكر ذكر الخنثى لشهوة انتقض وإذا مست الأنثى فرجه انتقض أما العكس فلا والإنسان يتخيل أول ما يتخيل ويظن أن العكس هو الصواب ولكن إذا فهمنا التعليل زال الإشكال إذا مس الذكر ذكره لشهوة فإن كان الخنثى ذكرا فقد مس ذكره وإن كان أنثى فقد مسها لشهوة ومس الذكر الأنثى لشهوة ينقض الوضوء والمرأة إذا مست فرجه لشهوة نقول إن كان أنثى فقد مست فرجها وإن كان ذكرا فقد مسته لشهوة، أعيد المسألة مرة

أخرى لكي تتضح لكم عندنا خنثى له ذكر وله فرج ولا يُدرى أذكر هو أم أنثى هل ينتقض وضوء من لمس فرجه؟ الجواب أولاً إن لمس فرجيه انتقض وضوءه يعني واحد لمس ذكر خنثى وفرجه نقول انتقض وضوءه على كل حال، والتعليل لأن أحد الفرجين يقين أصلي وقد مسهما جميعا وهذا كله على القول المرجوح فالمؤلف مفرع على القول الذي رجحه هو وليس على ما رجحنا أما على القول الراجح فليس فيه وضوء وكلامنا على القول الذي رجحه المؤلف التفريع من المؤلف على الذي هو يختار لا على الذي أخترناه فإذا مس إنسان متوضئ فرجي الخنثى انتقض لماذا؟ لأن عندنا يقين أن أحدهما أصلي وإذا مس واحد منهما بدون شهوة لا ينتقض مطلقا لأنه لا نعلم هل هو أصلي أو لا يعني رجل مس ذكره بدون شهوة ما ينتقض الوضوء أنثى مست فرجه بدون شهوة ما ينتقض الوضوء أنثى مست ذكره ما ينتقض الوضوء رجل مس فرجه ما ينتقض الوضوء لماذا؟ لأننا لا ندري هل الذي مسه أصلي أو زائد وإذا مس أحد فرجيه لشهوة ففيه تفصيل إن كان للامس مثله انتقض الوضوء وإن لم يكن له مثله لم ينتقض فإذا مس الذكر ذكره انتقض الوضوء وإن مست الأنثى فرجه انتقض وضوؤه لأن لها فرجا وإن مست الأنثى ذكره لشهوة لم ينتقض وضوءه وإن مس الرجل فرجه لم ينتقض وضوؤه والتعليل لأن الذكر إذا مس ذكره فإن كان الذكر أصليا انتقض وضوء اللامس لأنه مس ذكره وإن كان غير أصلي انتقض وضوؤه لأنه ذكر مس امرأة بشهوة والأنثى إذا مست فرجه نقول إن كان ذكرا والفرج زائد فقد مسته لشهوة وإن كان أنثى فقد مست فرجه.

وأنا أسأل الآن لو مس ذكر ذكراً لشهوة وليس المراد فرج الخنثى المراد رجل مس ذكرا لشهوة أو مسَّ أمرداً لشهوة فهل لا ينتقض؟ لا ينتقض وضوؤه فالمذهب ما يمكن ينتقض الوضوء بمسٍ لشهوة إلا إذا كان من غير جنس اللامس هذا في غير الخنثى يعني رجل مس امرأة لشهوة ينتقض وضوؤه امرأة مست رجل لشهوة ينتقض وضوؤها رجل مس ذكره لشهوة لا ينتقض وضوؤه امرأة مست أنثى لشهوة لا ينتقض وضوؤه والآن الخنثى إذا مس الذكر ذكره لشهوة انتقض على كل حال لأنه إن كان الذكر أصليا فقد مس ذكره وإن كان زائدا فقد مس امرأة لشهوة أما المرأة إذا مست ذكر الخنثى لشهوة فنقول لا ينتقض وضوؤها لأنه يحتمل أن يكون الذكر أصليا فينتقض وضوؤها ويحتمل أن يكون غير أصلي فتكون مست امرأة لشهوة ومس المرأة المرأة شهوة لا ينقض الوضوء. القارئ: السادس لمس النساء وهو أن تمس بشرته بشرة أنثى وفيه ثلاث روايات إحداهن ينقض بكل حال لقوله تعالى (أَوْلامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (النساء: من الآية43) الثانية لا ينقض لما روي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ) رواه أبو داود. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أطلبه فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد) رواه النسائي ومسلم ولو بطل وضوؤه

لفسدت صلاته والثالثة هي ظاهر المذهب أنه ينقض إذا كان لشهوة ولا ينقض لغيرها جمعا بين الآية والأخبار ولأن اللمس ليس بحدث إنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت فيه الحالة التي تدعو فيها إلى الحدث كالنوم ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة وذوات المحارم وغيرهن لعموم الأدلة وإن لمست امرأة رجلا ففيه روايتان إحداهما أنها كالرجل لأنها ملامسة توجب طهارة فاستوى فيها الرجل والمرأة كالجماع والثانية لا ينقض وضوءها لأن النص لم يرد فيها ولا يصح قياسها على المنصوص لأن اللمس منه أدعى إلى الخروج وهل ينقض وضوء الملموس فيه روايتان وإن لمس سن امرأة وشعرها أو ظفرها لم ينتقض وضوءه لأنه لا يقع عليها الطلاق بإيقاعه عليه وإن لمس عضوا مقطوعا لم ينتقض وضوءه لأنه لا يقع عليه اسم امرأة وإن مس غلاما أو بهيمة أومست امرأة امرأة لم ينتقض الوضوء لأنه ليس محلا لشهوة الآخر شرعا.

الشيخ: هذا الفصل الذي ذكر فيه المؤلف رحمه الله حكم مس المرأة هل ينقض الوضوء وذكر فيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد رحمه الله الرواية الأولى أنه ينقض بكل حال والثانية لا ينقض بكل حال والثالثة التفصيل فأما الذين قالوا إنه ينقض بكل حال فاستدلوا بالآية (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) (النساء: من الآية43) وفي قراءة سبعية (أو لمستم النساء) ولكن لا دليل في الآية لأن المراد بالملامسة أو اللمس الجماع ودليل ذلك أن الله قال (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ) (النساء: من الآية43) وهذا ذكر لسبب الطهارة الصغرى يعني الحدث الأصغر (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) (النساء: من الآية43) وهذا ذكر لسبب الطهارة الكبرى وهو الجماع ولو جعلنا الملامسة هنا اسما لسبب الطهارة الصغرى لكان في الآية تكراراً بذكر سببين وقصوراً بعدم ذكر السبب الموجب للغسل مع أن الآية ذكر فيها الطهارتان الصغرى والكبرى والطهارتان الأصل والبدل الماء والتيمم والسببان الموجب للصغرى والموجب للكبرى وبذلك تطرد الآية ولا يكون فيها تكرار ولا يكون فيها قصور فلا دلالة في الآية وأيضا لو فرض أن في الآية احتمالا للدلالة لقلنا هذا الاحتمال لا يوجب ذلك لأن من المعروف أنه إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال والقول الثاني أنه لا ينقض بحال واستدلوا بأن عائشة رضي الله عنها مست قدمي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ولم ينتقض وضوءه ولو انتقض لبطلت الصلاة فقولهم صحيح أنه لا ينقض مس المرأة واستدلالهم بالحديث غير صحيح لأن النبي عليه الصلاة والسلام ملموس وليس بلامس والكلام الآن في وضوء اللامس وعلى هذا فالاستدلال غير صحيح لكن ما هو الدليل؟ الدليل أن الرسول كان يقبل نساءه ولا يتوضأ فإن قال قائل لا دلالة في هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أملك الناس لأربه قلنا ولكن الأصل فيه الأسوة ثم هنا إذا لم يقم هذا الاستدلال فلنا دليل ظاهر وهو البقاء على الأصل فإن

طهارته قد ثبتت بمقتضى دليل شرعي فلا ننقضها إلا بدليل شرعي لأن اليقين لا يزول بالشك لقول النبي عليه الصلاة والسلام حين شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) فإذا كانت هذه الطهارة قائمة فإننا لا نبطلها بأدلة غير واضحة فالأصل بقاء ما كان على ما كان عليه وهذا هو الدليل الواضح الذي ليس عليه اعتراض الرواية الثالثة عن أحمد وهي المذهب التفصيل بين أن يمسها لشهوة أو لغير شهوة فإن مس لشهوة انتقض الوضوء وإن مس لغير شهوة لم ينتقض الوضوء وهذا له تعليل لأن اللمس بشهوة مظنة الحدث فألحقت المظنة بالمئنة أي باليقين ولكن نقول إن هذا إلحاق للظن باليقين فلا يبطل ما كان متيقنا قطعا بدون إلحاق وهو بقاء الطهارة ونقول إن خرج منه شيء بهذا اللمس لشهوة فليتوضأ فالقول الراجح في هذا الفصل أنه لا نقض بمس المرأة مطلقا لشهوة أو لغير شهوة أما ما ذكره أخيرا وهو أنه إن لمس عضواً مقطوعا فإنه لا ينتقض وضوءه فما قاله صحيح وكذلك يقول لو مس غلاما أو بهيمة أو مست امرأة امرأة لم ينتقض الوضوء لأنه ليس محلاً لشهوة وهذا أيضا صحيح بناءً على أنه لا نقض بالمس بشهوة أما إذا جعلنا المس لشهوة ناقضا فإن مس هذه الأشياء إذا كان لشهوة ينقض لأنه لا فرق فإن من الناس من يبتلى بمحبة الغلمان فقوم لوط قال لهم نبيهم (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (65) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ) (الشعراء: من الآية166) فهم والعياذ بالله ابتلوا بهذا الشيء فصاروا يأتون الرجال ولا يأتون النساء وكذلك أيضا البهيمة من الناس من يفتن بالبهائم ويكون إتيانه للبهيمة كما يأتي المرأة وكذلك لو مست امرأة امرأة هذا أيضا يعني كلامنا نفي للوجوب مع القول بأن المس لشهوة ينقض غير صحيح لأن من النساء من تميل إلى الفتيات كما يميل الرجل إليها فإذا قلنا بنقض الوضوء بالمس لشهوة فلا

فرق بين أن يمس الرجل امرأة أو المرأة رجلا أو امرأة امراة أو رجل رجلا أو رجلا بهيمة كله سواء أو بهيمة رجلا مثل القرد فلو لمس القرد امرأة بشهوة فهل ينتقض وضوءها إذا قلنا بأن الممسوس لا ينتقض وضوءه فلا نقض وإن قلنا ينتقض تأتي المسألة هل ينقض مس البهيمة أو لا وعلى كل حال القول الراجح الذي نستريح به من هذه التقريرات هو أن لا نقض بمس المرأة لشهوة أو بمس المرأة الرجل بشهوة إلا إذا خرج شيء. القارئ: السابع الردة عن الإسلام وهو أن ينطق بكلمة الكفر أو يعتقدها أو يشك شكا يخرجه عن الإسلام فينتقض وضوؤه لقول الله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (الزمر: من الآية65) ولأن الردة حدث لقول ابن عباس (الحدث حدثان وأشدهما حدث اللسان) فيدخل في عموم قوله عليه السلام (لا يقبل الله صلاة من أحدث يتوضأ) متفق عليه ولأنها طهارة عن حدث فأبطلتها الردة كالتيمم. الشيخ: الصحيح أن الردة لا تنقض الوضوء والآية (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (الزمر: من الآية65) هذا حبوط الثواب وحديث ابن عباس لا يدل على هذا أن الحدث حدثان ولو أخذنا بهذا لقلنا كل إنسان يعصي الله فهو محدث يجب عليه الوضوء وأما الحديث فهو صحيح (لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ) متفق عليه ولكن يبقى أن يقال إذا ارتد ثم عاد إلى الإسلام وجب عليه الاغتسال عند كثير من أهل العلم وكل ما أوجب غسلا أوجب وضوءا إلا الموت فإنه يوجب الغسل ولا يوجب الوضوء على خلاف في هذا أيضا لأن حتى بعض العلماء يقول يجب الوضوء في تغسيل الميت لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها). السائل: مامعنى قوله فأبطلتها الردة كالتيمم؟ الشيخ: معناه إن التيمم إذا ارتد الإنسان بطل ولكن يقال قاس شيئا مختلفا فيه على شيء مختلف فيه. مسألة: الراجح أنه يكفي تغسيل الميت بدون وضوء لأن قول الرسول (اغسلوه بماء وسدر) ولم يذكر الوضوء.

القارئ: الثامن غسل الميت عده أصحابنا من نواقض الطهارة لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء وقال أبو هريرة أقل ما فيه الوضوء ولأنه مظنة لمس الفرج فأقيم مقامه كالنوم مع الحدث ولا فرق بين الميت المسلم والكافر والصغير والكبير في ذلك لعموم الأثر والمعنى وكلام أحمد يدل على أنه مستحب غير واجب فإنه قال أحب إلي أن يتوضأ وعلل نفي وجوب الغسل من غسل الميت بكون الخبر الوارد فيه موقوفا على أبي هريرة ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص والأصل عدم وجوبه فينتفي وما عدا هذا لا ينقض بحال. الشيخ: الصحيح عدم وجوب الوضوء من تغسيل الميت مثل ما قال الإمام أحمد أحب إلي أن يتوضأ. فصل القارئ: ومن تيقن الطهارة وشك هل أحدث أم لا فهو على طهارته لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه هل خرج شيء أو لم يخرج فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) رواه البخاري ومسلم. الشيخ: هنا يؤخذ على المؤلف رحمه الله أنه قال لما روي فذكره بصيغة التمريض وهو في الصحيحين. القارئ: ولأن اليقين لا يزال بالشك وإن تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث لذلك وإن تيقنهما وشك في السابق منهما نظر في حاله قبلهما فإن كان متطهرا فهو محدث الآن لأنه تيقن زوال تلك الطهارة بحدث وشك هل زال أم لا فلم يزل يقين الحدث بشك الطهارة وإن كان قبلهما محدثا فهو الآن متطهر لما ذكرنا في التي قبلها. الشيخ: إذاً يكون على ضد حاله قبلهما إذا تيقن الحدث والطهارة وشك أيهما السابق نقول هو على ضد حاله قبلهما فمثلا إذا قال أنا منذ أذن الظهر إلى أن جاء وقت إقامة الصلاة وأنا أتيقن إنه حصل مني حدث ووضوء لكن لا أدري أيهما الأول نقول أنت على ضد حالك قبل أذان الظهر فإذا كنت قبل

الأذان محدثا فأنت الآن متطهر وإن كنت متطهرا فأنت الآن محدثٌ لماذا؟ لأنه تيقن زوال تلك الحال الأولى إلى ضدها وشك في بقائها فإذا صار محدثا قبل فقد تيقن أنه تطهر وشك في زوال هذه الطهارة والأصل بقاؤها وإذا كان قبل ذلك متوضئاً فقد تيقن زوال هذا الوضوء وشك في الطهارة والأصل عدم الطهارة. والخلاصة: إذا تيقن الطهارة والحدث في زمن وشك أيهما أسبق نقول ما حالك قبل هذا الزمن الذي حدث فيه الشك؟ إذا قال أنا متطهر فهو الآن محدث إذا قال أنا محدث فهو الآن متطهر لماذا لأنه تيقن أن حاله الأولى التي قبل الشك قد زالت فإذا كان محدثا فقد زالت لطهارة وشك في بقاء هذا الشيء والأصل بقاؤه على ما كان عليه ولكن الاحتياط في هذا أن يتطهر يعني حتى لو قلنا بهذا الحكم الذي قال المؤلف الاحتياط أن يتطهر حتى لا يبقى في قلق نفسي من الحال التي هو عليها. فصل القارئ: ولا تشترط الطهارتان معا إلا لثلاثة أشياء الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ) والطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح الكلام فيه) رواه الشافعي في مسنده، ومس المصحف لقول الله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة:79) وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم (لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) رواه الأثرم. ولا بأس بحمله في كمه بعلاقته وتصفحه بعود لأنه ليس بمس له ولذلك لو فعله بامرأة لم ينتقض وضوؤه وإن مس المحدث كتاب فقه أو رسالة فيها آي من القرآن الكريم جاز لأنه لا يسمى مصحفا والقصد منه غير القرآن ولذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر في رسالته (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) (آل عمران: من الآية64)

الشيخ: المؤلف استدل للأول وهو الطواف بحديث (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) وهذا الدليل ليس فيه تصريح بوجوب الوضوء للطواف هذا من جهة ومن جهة أخرى أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا الكلام منتقض بعدة مسائل وكلام النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتقض فالطواف يخالف الصلاة ليس في الكلام فقط بل يخالفها في أشياء كثيرة منها أنه يباح فيه الأكل والشرب ومنها أنه لا يشترط فيه استقبال القبلة ومنها أنه لا يشترط فيها الموالاة على رأي كثير من العلماء ومنها أنه ليس فيه تكبير في أوله ولا سلام في آخره ولا تشهد فهو يخالف الصلاة في مسائل كثيرة وهذه المخالفات تقتضي أن لا يكون هذا الكلام من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإذا فرض أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يحمل على أن الطواف له حكم الصلاة في الثواب والأجر لأنه عمل يختص بالمسجد كصلاة الجماعة وأما مس المصحف فكما رأيتم استدل المؤلف بالآية

(لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) والآية ليس فيها دليل على ذلك لأن الضمير في قوله (لا يَمَسُّهُ) يعود إلى الكتاب المكنون قال الله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة:79) أي لا يمس هذا الكتاب المكنون إلا المطهرون وأيضا الآية (إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة: من الآية79) ولم يقل إلا المطَّهرون والمطَّهر هو الذي طهَّره غيره وهذا لا ينطبق إلا على الملائكة فليس فيه دليل أما حديث عمرو بن حزم فنعم فيه دليل على أنه لا يمس القرآن إلا طاهر ولكن مع ذلك نازع بعض العلماء في الاستدلال بهذا الحديث وقال إن كلمة طاهر لفظ مشترك بين المؤمن وبين المتطهر من الحدث فالمؤمن طاهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن لا ينجس) ولقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (التوبة: من الآية28) والمتوضيء طاهر والمطهِّر بدنه من النجاسة طاهر فلما كان لفظا مشتركا لم يصح أن يستدل به على أحد المعاني إلا بدليل يعين ذلك ولكنا نقول حمله على المؤمن فيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعبر بكلمة طاهر عن المؤمن أبدا ولو أراد المؤمن لقال لا يمس القرآن إلا مؤمن كما قال لا يدخل الجنة إلا مؤمن والمتطهر من الحدث يسمى طاهرا قال الله تعالى لما ذكر آية الوضوء والغسل والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (المائدة: من الآية6) وسمى النبي عليه الصلاة والسلام التراب طهورا فيدل على أن من استعمله فهو طاهر وقال تعالى (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ

أَمَرَكُمُ اللَّهُ) (البقرة: من الآية222) ونحن لا ننازع في أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء ولكن ننازع في الاستدلال بهذا والصحيح أن حديث عمرو بن حزم دال على ذلك على أنه لا يمس القرآن إلا من هو طاهر من الحدث الأصغر والأكبر. القارئ: وإن مس المحدث كتاب فقه أو رسالة فيها آي من القرأن جاز لأنه لا يسمى مصحفاً والقصد منه غير القرآن ولذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر في رسالته (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) (آل عمران: من الآية64) متفق عليه وكذلك إن مس ثوبا مطرزا بآية من القرآن وإن مس درهما مكتوبا عليه آية فكذلك في أحد الوجهين لما ذكرنا والثاني لا يجوز. الشيخ: المؤلف رحمه الله يقول وكذلك إن مس ثوبا مطرزا بآية من القرآن لا يقال إن ظاهره جواز تطريز الثوب بآية من القرآن لأنه لا يلزم من فعل الشيء أن يكون حلالا ولا شك بأن تطريز الثوب بآيات من القرآن امتهان للقرآن وأن ذلك ليس بجائز لكن إذا فعل فهل تأخذ حكم المصحف أو لا؟ هذا مراد المؤلف رحمه الله فيقول إنها تأخذ حكم المصحف وإن مس درهما مكتوبا عليه آية فكذلك في أحد الوجهين لأنهم كانوا فيما سبق يكتبون على الدراهم آيات من القرآن يكتبون قل هو الله أحد يكتبون آيات أخرى تناسب المقام ويستعملها الناس وهذا وإن كان الفاعل قد أراد التعبد بكتابة القرآن لكنه أخطأ لأن كتابة القرآن على الدراهم جدال للقرآن وامتهان له لأنه يكون في أيدي الصبيان والسفهاء ويرمى به وما أشبه ذلك فهو لا يجوز.

مسألة: في حكم مس كتب التفسير الراجح في ذلك أنه إذا كان الذي فيه من القرآن أكثر من التفسير فإنه لا يمس وإذا كان مثله أو أقل فإنه يمس وقد ذكروا أن تفسير الجلالين إذا كان مجردا عن القرآن يعني معناه ما كتب القرآن فيه كاملا في الوسط قالوا إن التفسير أكثر من القرآن وعلى هذا فإذا وجدنا تفسير الجلالين مجرداً عن القرآن جاز مسه. السائل: ماحكم التطريز على الثياب بالآيات؟ الشيخ: لا يجوز. مسألة: الستارة معلقة والمكتوب عليها آيات نرى أنها من جنس تعليق الأوراق وأرى أن هذه أدنى ما فيها أنها بدعة لأن السلف ما كانوا يفعلونها القارئ: والثاني لا يجوز لأن معظم ما فيه من القرآن وفي مس الصبيان ألواحهم وحملها على غير طهارة وجهان أحدهما لا يجوز لأنهم محدثون فأشبهوا البالغين والثاني يجوز لأن حاجتهم ماسة إلى ذلك ولا تتحفظ طهارتهم فأشبه الدرهم ومن كان طاهرا وبعض أعضائه نجس فمس المصحف بالعضو الطاهر جاز لأن حكم النجاسة لا يتعدى محلها بخلاف الحدث الشيخ: الظاهر أن الأحسن أن لا يمسه إلا بطهارة لكن إلزامهم بهذا وهم غير مكلفين فيه نظر. فصل القارئ: ويستحب تجديد الطهارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يتوضأ لكل صلاة طالبا للفضل) رواه البخاري (وصلى يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد ليبين الجواز) رواه مسلم. السائل: ما المقصود بمس المصحف هل من الداخل أو من الخارج؟ الشيخ: من الداخل ومن الخارج إلا الجراب الذي يوضع فيه المصحف فهذا ليس منه. السائل: المرتد هل نلزمه بالاغتسال إذا أسلم؟ الشيخ: إن ألزمنا الكافر الأصلي بالاغتسال ألزمنا المرتد فحكمه حكم الكافر الأصلي وإلزام الكافر الأصلي في النفس منه شيء لأن كثيرا من الصحابة رضي الله عنهم أسلموا ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال وحديث أن الرسول أمرهم بالاختتان وإزالة شعر الكفر عنه والاغتسال ما هو إلى ذاك الدرجة لكن الاحتياط أن يغتسل. السائل: وعليه لا يكون ناقضاً هنا الشيخ: على هذا ما يكون ناقضا.

باب آداب التخلي

باب آداب التخلي القارئ: يستحب لمن أراد قضاء الحاجة أن يقول بسم الله. الشيخ: أولاً يجب أن نعلم أن من نعمة الله عز وجل أن شرع لنا أذكارا عند الأكل والشرب وذلك في إدخالهما وعند التخلي منها وإخراجهما حتى يكون الإنسان على ذكر لله دائما والتخلي يعني التخلي من الأذى أو التخلي معناه الخروج إلى الخلاء وكانوا في الأول ليس عندهم كنف في البيوت وإذا أراد الإنسان أن يقضي حاجته خرج إلى الصحراء وقضى حاجته. القارئ: لما روى علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الخلاء أن يقول بسم الله) رواه ابن ماجه والترمذي، ويقول اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث لما روى أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال ذلك) متفق عليه وإذا خرج قال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني. الشيخ: الخُبْث الشر والخبائث الأنفس الشريرة جمع خبيثة فكأنه استعاذ من الشر وأهل الشر ومناسبة الاستعاذة واضحة لأنه سيدخل مأوى الشياطين وأهل الشر فإن الشياطين وأهل الشر من الجن يألفون هذه الأمكنة. القارئ: لما روت عائشة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك) رواه الخمسة إلا النسائي، وعن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) رواه ابن ماجه. الشيخ: لماذا يقول غفرانك عند الخروج أصح ما قيل فيها إن المناسبة أنه لما تخلى من الأذى الحسي وهو البول والغائط تذكر التخلي من الأذى المعنوي وهي الذنوب فقال غفرانك هذا أحسن ما قيل في التعليل. السائل: ألا يقال إنه يستغفر لأنه سكت عن ذكر الله؟ الشيخ: ليس بصحيح وهذا قد قاله بعض العلماء لكننا نقول إنه إنما سكت بأمر الله فهو غير مذنب.

القارئ: ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج لأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه. الشيخ: هذه قاعدة عندهم اليسرى للأذى واليمنى لما سواه فيشمل ما ليس بأذى ولا بإكرام فكله لليمنى. القارئ: ويضع ما فيه ذكر الله أو قرآن صيانة له فإن كان ذلك دراهم فقال أحمد رضي الله عنه أرجو أن لا يكون به بأس قال والخاتم فيه اسم الله تعالى يجعله في بطن كفه ويدخل الخلاء. السائل: بالنسبة للدخول والخروج في الخلاء إذا كان في صحراء فماذا يعمل؟ الشيخ: إذا كان في صحراء يقدم رجله اليسرى لمكان قعوده وإذا قام يقدم رجله اليمنى ويقول الذكر وهو واقف قبل أن يجلس. مسألة: الراجح فيما سبق كما قال المؤلف إنه لا يدخل فيها الخلاء إلا إذا كان لحاجة مثل أن يخاف أن تطير في الهواء أو أن ينساها أو أن تسرق فهذه يدخل بها الخلاء وأما الخاتم فيفركه حتى يكون في باطن الكف ويقول هكذا عليه يضم والتعليل تكريما لما فيه ذكر الله وأما المصحف فيحرم الدخول فيه إلا إذا خاف عليه لأن المصحف أشد احتراما مما فيه الذكر فصل القارئ: وإن كان في الفضاء أبعد لما روى جابر قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد) ويستتر عن العيون لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره). مسألة: الحمامات الحديثة تأخذ حكم الكنيف السابق. القارئ: ويرتاد لبوله مكانا رخوا لئلا يترشش عليه ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض) أخرج هذه الأحاديث الثلاثة أبو داود ويبول قاعدا لأنه أستر له وأبعد من أن يترشش عليه

الشيخ: وإن بال قائما فلا حرج لكن بشرطين الشرط الأول أن يأمن التلويث والشرط الثاني أن يأمن الناظر يعني أنه ليس حوله من يحرم عليه نظر عورته فإذا أمن من الناظر الذي لا يحل له أن ينظر إلى عورته وأمن من الرشاش فلا بأس لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما. فصل القارئ: ولا يجوز استقبال القبلة في الفضاء بغائط ولا بول لما روى أبو أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله) متفق عليه وفي استدبارها روايتان إحداهما لا يجوز لهذا الحديث والأخرى يجوز لما روى ابن عمر قال (رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) متفق عليه، وفي استقبالها في البنيان روايتان إحداهما لا يجوز لعموم النهي والثانية يجوز لما روى عراك بن مالك عن عائشة قالت (ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم أن قوما يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال أوقد فعلوها استقبلوا بمقعدتي القبلة) رواه الإمام أحمد وابن ماجه قال أحمد أحسن حديث يروى في الرخصة حديث عراك وإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن سماه مرسلا لأن عراكا لم يسمع من عائشة وعن مروان الأصفر أنه قال (أناخ ابن عمر بعيره مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليه فقلت يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا قال بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء أما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس) رواه أبو داود. الشيخ: والصحيح في هذا أنه يحرم استقبال القبلة مطلقا في الفضاء والبنيان ويحرم استدبارها في الفضاء دون البنيان لأن هذا مقتضى الأحاديث الصحيحة التي في الصحيحين

السائل: لو كانت دورات المياه على جهة القبلة لكن ليست مستقبلة القبلة تماماً بل منحرفة عن القبلة قليلاً أما الجهة فواحدة؟ الشيخ: هذا يكون كما قال أبو أيوب ننحرف عنها ونستغفر الله والأحسن أن يغير الكرسي كرسي الجلوس. مسألة: معنى مقعدته يعني التي بنيت والتي يقعد عليها لقضاء الحاجة. القارئ: ويكره أن يستقبل الشمس والقمر تكريما لهما وأن يستقبل الريح لئلا يرد البول عليه الشيخ: والصحيح أنه لا يكره استقبال الشمس والقمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ولكن شرقوا أو غربوا) ومن المعلوم أن الإنسان إذا شرق عند طلوع الشمس سوف يستقبل الشمس وإذا غرب عند غروبها سوف يستقبلها وأما قوله تكريما لهما ففيه نظر أيضا لأن كل المخلوقات تستحق التكريم لأنها من صنع الله ومع ذلك لا أحد يقول بأنه يكره أن يستقبل الشجرة أو النخلة أو النهر أو ما أشبه ذلك المهم أن الصواب أنه لا يكره استقبال الشمس والقمر والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن شرقوا أو غربوا). السائل: ما الفرق بين الاستدبار والاستقبال في البنيان؟ الشيخ: الاستدبار أهون لأن الاستدبار لا تتبين به العورة كثيرا تكون مستورة بطرف الإزار أو بطرف القميص وأما الاستقبال فالعورة مفتوحة ظاهره لأن الإنسان سوف يكشف من عورته إلى العانة مثلا فلابد أن ينكشف شيء كبير منها. فصل

القارئ: ويكره أن يبول في شق أو ثقب لما روى عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى أن يبال في الجحر) رواه أبو داود ولأنه لا يأمن أن يكون مسكنا للجن أو يكون فيه دابة تلسعه ويكره البول في طريق أو ظل ينتفع به أو مورد ماء لما روى معاذ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل) رواه أبو داود ويكره البول في موضع تسقط فيه الثمرة لئلا تتنجس به والبول في المغتسل لما روى عبد الله بن مغفل قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل في مغتسله) رواه ابن ماجه قال أحمد إن صب الماء عليه فجرى في البالوعة فذهب فلا بأس. فصل القارئ: يكره أن يتكلم على البول أو يسلم أو يذكر الله تعالى بلسانه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (سلَّمَ عليه رجل وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ ثم قال كرهت أن أذكر الله إلا على طهر) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ويكره الإطالة أكثر من الحاجة لأنه يقال إن ذلك يدمي الكبد ويأخذ منه الباسور ويتوكأ في جلوسه على الرجل اليسرى لما روى سراقة بن مالك قال (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى وننصب اليمنى) رواه الطبراني في معجمه ولأنه أسهل لخروج الخارج ويتنحنح ليخرج ما تم ثم يسلت من أصل ذكره فيما بين المخرجين ثم ينتره برفق ثلاثا فإذا أراد الاستنجاء تحول من موضعه لئلا يرش على نفسه.

الشيخ: قوله ثم يتنحنح يعني إذا انتهى من البول تنحنح وهذا لكي يخرج إن كان فيه شيء ثم يسلت من أصل ذكره فيما بين المخرجين يسلته يعني يضع إبهامه تحته ثم يمر به إلى طرف الذكر وهذا أيضا لأجل أن يخرج ما بقي في القنوات والثالث ثم ينتره والنتر ليس باليد أي نفس الذكر ينتره يعني كأنه يجذب أعصابه حتى يخرج ما فيه ولكن حبر زمانه شيخ الإسلام ابن تيمية أبى هذا أشد الإباء وقال إن التنحنح والنتر والسلت كلها بدعة وأن ذلك أيضا سبب لسلس البول ويقال إن الذكر كالضرع إن تركته قر وإن حلبته در وهذا صحيح ولقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان العجب العجاب عن هؤلاء الموسوسين يقول بعضهم لابد أن تربط حبلا في السقف ثم إذا انتهيت من البول تمسك به وتنهض بنفسك وتنسله لأجل أن ينزل ما بقي وبعضهم يقول لابد أن تركض مسافة حتى ينزل البول وبعضهم يقول تهز نفسك هزا شيء عجيب وسبحان الله العظيم لو كلفنا الله هذا الشيء لكان من أعظم المشقة والإنسان المشروع له إذا انتهى من البول أن يغسل رأس الذكر فقط وينتهي ولا حاجة إلى عصر ولا إلى نتر ولا إلى شيء يؤذيك والمؤلف رحمه الله يقول يتحول عن موضعه والتحول عن الموضع أيضا غير سنة بل يستنجي في موضعه ولا حاجة للتحول وهو إذا تحول فإما أن يمسك ذكره بيده فتتلوث اليد وإما أن يطلقه فتتلوث الثياب والأفخاذ فكونه يستنجي في مكان بوله ويتحرز من النجاسة هذا الأفضل. السائل: بعض الناس إذا غسل ذكره يخرج منه بعد قليل قطرات من البول؟ الشيخ: هذا مرض وليس بشيء طبيعي فيترك ذكره وإن سلته سلتاً رقيقاً فلا بأس. فصل

القارئ: والاستنجاء واجب من كل خارج من السبيل معتادا كان أو نادرا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المذي (يغسل ذكره ويتوضأ) وقال (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه) رواه أبو داود عن ابن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن المعتاد نجاسة لا مشقة في إزالتها فلم تصح الصلاة معها كالكثير والنادر لا يخلو من رطوبة تصحبه غالبا ولا يجب من الريح لأنها ليست نجسة ولا يصحبها نجاسة وقد روي (من استنجى من الريح فليس منا) رواه الطبراني في المعجم الصغير الشيخ: قوله لا يجب من الريح لأنها ليست نجسة وهو كذلك والفائدة من قولنا أنها ليست بنجسة أنه لو خرجت الريح وعليه ثوب مبلول بماء فإنه لا يتنجس بملاقاتها ولو لاقى نجاسة يابسة وهو مبلول بالماء لتنجس فهذا فائدة قولنا إنها طاهرة ولكن أحيانا يخرج مع الريح شيء فإذا خرج مع الريح شيء فحينئذ يجب الاستنجاء لهذا الخارج. فصل القارئ: وإن تعدت النجاسة المخرج بما لم تجر العادة به كالصفحتين ومعظم الحشفة لم يجزه إلا الماء لأن ذلك نادر فلم يجز فيه المسح كيده وإن لم يتجاوز قدر العادة جاز بالماء والحجر نادرا كان أو معتادا لحديث ابن أبي أوفى ولأن النادر خارج يوجب الاستنجاء أشبه المعتاد. الشيخ: هذه المسألة إذا تعدت النجاسة موضع العادة فالصحيح فيها أنها إذا كانت التعدية يسيرة فلا بأس لأن هذا كثيرا ما يقع خصوصا إذا كان الغائط لينا فإنه قد ينتشر إلى الصفحتين كثيرا فيكون هذا تابعا لا يضر أما لو انتقلت النجاسة مثلا من رأس الذكر إلى الفخذ فإن النجاسة التي انتقلت إلى الفخذ لابد فيها من الغسل بالماء فلا يجزي فيها الاستجمار. مسألة: الاستنجاء عندهم يطلق على الاستنجاء والاستجمار معا وإذا جمع بينهما يكون الاستجمار خاص بالحجارة والاستنجاء بالماء

السائل: أليست النجاسة عين خبيثة إذا وجدت وجد حكمها وإذا زالت زال حكمها فلو أزيلت النجاسة بالحجارة أو غيرها عن الفخذ مثلا ستزول ويزول حكمها معها. الشيخ: لا يزول حكمها معها لأن الحجارة لا تزيل ما يزيله الماء فمثلاً الحجارة إذا كانت النجاسة على الثوب أو على البدن لا تزيل ما يزيله الماء ولهذا بعض العلماء يقول إنما جاز الاستجمار في الخارج من السبيلين لمشقة تكرره.

القارئ: والأفضل الجمع بين الماء والحجر يبدأ بالحجر لأن عائشة قالت (مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء من أثر الغائط والبول فإني استحييهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) حديث صحيح ولأنه أبلغ في الإنقاء وأنظف ولأن الحجر يزيل عين النجاسة فلا تباشرها يده فإن اقتصر على أحدهما جاز والماء أفضل لأن أنسا قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعني يستنجي به) متفق عليه ولأنه يزيل عين النجاسة وأثرها ويطهر المحل وإن اقتصر على الحجر أجزأ بشرطين أحدهما الإنقاء وهو أن لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء بحيث يخرج الآخِر نقيا والثاني استيفاء ثلاثة أحجار لقول سلمان رضي الله عنه (لقد نهانا يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نستنجي باليمين وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وأن نستنجي برجيع أو عظم) رواه مسلم وإن كان الحجر كبيرا فمسح بجوانبه ثلاث مسحات أجزأه ذكره الخرقي لأن المقصود عدد المسحات دون عدد الأحجار بدليل أنا لم نقتصر على الأحجار بل عديناه إلى ما في معناه من الخشب والخرق وقال أبو بكر لا يجزئه اتباعا للفظ الحديث وقال لا يجزئه الاستجمار بغير الأحجار لأن الأمر ورد بها على الخصوص ولا يصح لأن في سياقه (وأن نستنجي برجيع أو عظم) فيدل على أنه أراد الحجر وما في معناه ولولا ذلك لم يخص هذين بالنهي وروى طاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب) رواه الدارقطني ولأنه نص على الأحجار لمعنى معقول فيتعداها الحكم كنصه على الغضب في منع القضاء. الشيخ: نفهم من كلام المؤلف أن للاستجمار بغير الماء شرطين:

الشرط الأول الإنقاء والحقيقة أن الإنقاء شرط للاستجمار والاستنجاء حتى الاستنجاء لابد أن يكون فيه إنقاء والإنقاء في الاستنجاء أن يزول أثر النجاسة بحيث تعود خشونة المحل كما كانت لأن المحل المتلوث بنجاسة لا يكون خشناً بل يكون لزجا يتملص فإذا زال هذا اللزج وعاد المحل إلى خشونته فقد حصل الإنقاء أما الإنقاء بالحجر فقالوا إنه يحصل بحيث ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء يعني بحيث لا يزيل ما بقي إلا الماء وهذا التعريف فيه غموض ولكن معناه أن يرجع آخر الأحجار غير متلوث بنجاسة يخرج نقيا فإذا خرج آخر الأحجار نقيا علمنا أنه قد طهر المحل. الشرط الثاني أن يكون بثلاثة أحجار وعبر بعضهم بأن يكون بثلاث مسحات فأكثر فأما الأول فقال إنه لا يجزئ بحجر ذي شعب بل لابد من ثلاثة أحجار يمسح بحجر ثم يضعه ثم يمسح بحجر ثانٍ ويضعه ثم يمسح بالحجر الثالث. ومنهم من قال يجزئ بحجر ذي ثلاث شعب لأن المقصود المسح وهو حاصل بحجر له ثلاثة وجوه يمسح بالوجه الأول ثم يديره ويمسح بالوجه الثاني ثم يديره ويمسح بالوجه الثالث وهذا لا شك أنه أقرب إلى المعنى خصوصا عند القياسيين والأول أقرب إلى اللفظ خصوصا عند الظاهريين الذين يأخذون بالظاهر والصواب الأخذ بالمعنى وأن الحجر ذا الشعب الثلاث يجزي عن ثلاثة أحجار واستدل المؤلف رحمه الله بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاث حثيات). السائل: قلنا إن القول الراجح أن النجاسة تزول بأي مزيل فلماذا إذا جاءت النجاسة على الفخذ لاتزول بالحجارة؟ الشيخ: الفرق لأن البدن ما يحصل الإنقاء بالحجر ولهذا قلنا أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء في باب الاستجمار وهنا لو مسحت بالحجر سيبقى أثر لا يزول إلا بالماء. مسألة: الأفضل أن تستجمر أولا حتى تنقي ثم تستنجي ثانيا لأن الجمع بينهما أنقى بلا شك. فصل

القارئ: ويجوز الاستجمار بكل جامد طاهر منق غير مطعوم لا حرمة له ولا متصل بحيوان فيدخل فيه الحجر وما قام مقامه من الخشب والخرق والتراب ويخرج منه المائع لأنه يتنجس بإصابة النجاسة فيزيد المحل تنجسا ويخرج النجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم (ألقى الروثة وقال إنها ركس) رواه البخاري ولأنه يكسب المحل نجاسة فإن استجمر به والمحل رطب لم يجزه الاستجمار بعده لأن المحل صار نجسا بنجاسة واردة عليه فلزم غسله كما لو تنجس بذلك في حال طهارته ويخرج ما لا ينقي كالزجاج والفحم الرخو لأن الإنقاء شرط ولا يحصل به ويخرج المطعومات والروث والرمة، وإن كانا طاهرين لما روى ابن مسعود (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن) رواه مسلم علل النهي بكونه زادا للجن فزادنا أولى ويخرج ماله حرمة كالورق المكتوب لأن له حرمة أشبه المطعوم ويخرج منه ما يتصل بحيوان كيده وذنب بهيمة وصوفها المتصل بها لأنه ذو حرمة فأشبه سائر أعضائها وإن استجمر بما نهي عنه لم يصح لأن الاستجمار رخصة فلا تستباح بالمحرم كسائر الرخص.

الشيخ: اشترط المؤلف الاستجمار بكل جامد خرج به المائع والرطب وما أشبه ذلك فإنه لا يصح الاستجمار به لأنه لا يزيد المحل إلا تلويثا، والثاني يقول طاهر بخلاف النجس كروثة الحمار فلا يستجمر بها، والثالث منق بخلاف ما لا ينقي كالزجاج والحجر الأملس جدا فإن هذا لا ينقي، والرابع غير مطعوم فإن كان مطعوما فإنه لا يجزئ الاستجمار به بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن نستنجي بالعظام لأنها زاد إخوانا من الجن فزادنا من باب أولى، والخامس ولا حرمة له احترازاً مما له حرمة ككتب العلم والحديث وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز الاستجمار بها لما في ذلك من الإهانة، والسادس ولا متصل بحيوان وظاهره ولو كان في حكم المنفصل كالشعر فلا يجزئ الاستجمار به لأنه متصل بذي حرمة فكان محترما وقال بعض العلماء يجزئ بشعر الحيوان المتصل به لأن الشعر في حكم المنفصل ولأن الإنسان قد يضطر إلى ذلك وإلا مع عدم الضرورة لن يفعله أحد. السائل: هل التراب يدخل في هذا؟ الشيخ: يدخل في هذا لأنه جامد طاهر منقي لا مطعوم ولا حرمة له ولا متصل بحيوان. القارئ: ولا يستجمر بيمينه ولا يستعين بها فيه لحديث سلمان وروى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه ولا يتمسح من الخلاء بيمينه) متفق عليه فيأخذ ذكره بيساره ويمسح بها الحجر أو الأرض فإن كان الحجر صغيرا أمسكه بعقبه أو بإبهامي قدميه فمسح عليه فإن لم يمكنه أخذ الحجر بيمينه والذكر بيساره فمسحه على الحجر، ولا يكره الاستعانة باليمين في الماء لأن الحاجة داعية إليها فإن استجمر بيمينه أجزأه لأن الاستجمار بالحجر لا باليد فلم يقع النهي على ما يستنجى به. فصل

القارئ: وكيف حصل الإنقاء في الاستجمار أجزأه إلا أن المستحب أن يمر حجرا من مقدم صفحته اليمنى إلى مؤخرها ثم يمره على صفحته اليسرى حتى يرجع به إلى الموضع الذي بدأ منه ثم يمر الثاني من مقدم صفحته اليسرى كذلك ثم يمر الثالث على المسربة والصفحتين لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أولا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة) رواه الدارقطني وقال إسناده حسن ويبدأ بالقبل لينظفه لئلا تتنجس يده عند الاستجمار في الدبر والمرأة مخيرة في البداءة بأيهما شاءت لعدم ذلك فيها. الشيخ: إذاً الذكر يبدأ بالقبل لأنه لو بدأ بالدبر لتلوثت يده أما الأنثى فإنها مخيرة ولا سيما إذا كانت ثيبا فإنها تكون مخيرة بين أن تبدأ بالقبل أو الدبر أما إن كانت بكرا فالأفضل أن تبدأ بالقبل السائل: الاستجمار بشيء نهي عنه هل يصح؟ الشيخ: المذهب إنه لا يصح والصحيح أن الاستجمار بما نهي عنه يصح مع التحريم ولكن قال بعض العلماء إن قول الرسول إنهما لا يطهران يدل على أن النجس لا يطهر لأن الاستنجاء به لا يزيد الأمر إلا شدة بخلاف المغصوب والمسروق فإنه يجزئ مع التحريم. السائل: والمحترم هل يجزئ؟ الشيخ: المحترم يجزئ مع التحريم بخلاف النجس فالنجس لا يطهر وكذلك المطعوم لكن التحريم يغلظ فيها. فصل القارئ: فإن توضأ قبل الاستنجاء ففيه روايتان إحداهما لا يجزئه لأنها طهارة يبطلها الحدث فاشترط تقديم الاستنجاء عليها كالتيمم والثانية يصح لأنها نجاسة فلم يشترط تقديم إزالتها كالتي على ساقه فعلى هذه الرواية إن قدم التيمم على الاستجمار ففيه وجهان أحدهما يصح قياسا على الوضوء والثاني لا يصح لأنه لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة فلا تباح مع قيام المانع وإن تيمم وعلى بدنه نجاسة في غير الفرج ففيه وجهان أحدهما لا يصح قياسا على نجاسة الفرج والثاني يصح لأنها نجاسة لم توجب التيمم فلم تمنع صحته كالتي على ثوبه.

باب ما يوجب الغسل

الشيخ: الصحيح أنه يصح الوضوء قبل الاستنجاء وصورتها لما قضى حاجته تنشف على وجه لا يجزئ استجمارا مثلا ثم قام فتوضأ ثم استنجى بعد ذلك فصلى فإذا قلنا بأن الوضوء لا يصح فصلاته باطلة وإذا قلنا أنه يصح فصلاته صحيحة وهذا هو الصحيح لأنه ليس فيه دليل على اشتراط ذلك وهي نجاسة. باب ما يوجب الغسل القارئ: والموجب له في حق الرجل ثلاثة أشياء الأول إنزال المني وهو الماء الدافق تشتد الشهوة عند خروجه ويفتر البدن بعده وماء الرجل أبيض ثخين وماء المرأة أصفر رقيق قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر) رواه مسلم فيجب الغسل بخروجه في النوم واليقظة لأن أم سليم قالت (يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إذا رأت الماء) متفق عليه فإن خرج لمرض من غير شهوة لم يوجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المني الموجب بأنه غليظ أبيض ولا يخرج في المرض إلا رقيقا فإن احتلم فلم ير بللا فلا غسل عليه لحديث أم سليم وإن رأى منيا ولم يذكر احتلاما فعليه الغسل لما روت عائشة قالت (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما فقال يغتسل وسئل عن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل فقال لا غسل عليه) رواه أبو داود فإن وجد منيا في ثوب ينام فيه هو وغيره فلا غسل عليه لأن الأصل عدم وجوبه فلا يجب بالشك وإن لم يكن ينام فيه غيره وهو ممن يمكن أن يحتلم كابن اثني عشر سنة فعليه الغسل وإعادة الصلاة من أحدث نومة نامها لأن عمر رأى في ثوبه منيا بعد أن صلى فاغتسل وأعاد الصلاة.

الشيخ: الموجب له في الرجل ثلاثة أشياء وقوله في الرجل هذا القيد ليس مرادا لأن خروج المني حتى من المرأة يوجب الغسل والمني هو الماء الدافق لشدة الشهوة وهو ثخين أبيض بالنسبة للرجل ورقيق أصفر للمرأة فيجب إذا خرج بلذة يقظة أو مناما الغسل وإن خرج بدون لذة لم يجب الغسل وكان حكمه حكم البول أي أنه ينقض الوضوء ويجب غسله وإن استيقظ من النوم وهو ممن يمكن أن يحتلم فرأى منيا وجب عليه الغسل وإن لم يذكر احتلاما وإن كان ممن لا يمكن أن يحتلم فلا شيء عليه كابن ست سنين أو سبع سنين مثلا وإن احتلم ولم يجد بللا فإنه لا غسل عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سليم (إذا هي رأت الماء) المسألة الأخيرة إذا وجد منيا في ثوب ينام فيه هو وغيره ولا يدري أمنه أو من صاحبه الذي ينام فيه فلا غسل عليه لأن هذا شك فلا يزول به اليقين وإن رأى منيا ولم يدر هل هو من نوم الليل القريب أو من نوم الليل البعيد فهو من القريب وإن كان نام في النهار فهو من نوم النهار يعني من أحدث نومة نامها لأن ما قبلها مشكوك فيه. فصل القارئ: والمذي ماء رقيق يخرج بعد الشهوة متسبسبا لا يحس بخروجه فلا غسل فيه ويجب منه الوضوء لما روى سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة وعناء فكنت أكثر منه الاغتسال فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وسألته عنه فقال (يجزئك من ذلك الوضوء) حديث صحيح وهل يوجب غسل الذكر والأنثيين على روايتين إحداهما لا يوجب لحديث سهل والثانية يوجب لما روى علي قال (كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني فأمرت المقداد فسأله فقال يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ) رواه أبو داود. الشيخ: ولا معارضة بينه وبين حديث سهل لأن قوله عليه الصلاة والسلام يجزيك منه الوضوء يعني عن الغسل لأنه كان رضي الله عنه يغتسل فقال يجزيك منه أي يجزيك عن الغسل الوضوء وأما غسل الذكر والأنثيين فهو زائد فيؤخذ بالزيادة.

السائل: ماالراجح في غسل الذكر والأنثيين عند خروج المذي؟ الشيخ: الراجح الوجوب وفيه فائدة طبية وهي أن غسل الذكر والأنثيين يقطع المذي. فصل القارئ: والودي ماء أبيض يخرج عقب البول فليس فيه إلا الوضوء لأن الشرع لم يرد فيه بزيادة عليه فإن خرج منه شيء ولم يدر أمني هو أو غيره في يقظة فلا غسل فيه لأن المني الموجب للغسل يخرج دافقا بشهوة فلا يشتبه بغيره وإن كان في نوم وكان نومه عقيب شهوة بملاعبة أهله أو تذكر فهو مذي لأن ذلك سبب المذي فالظاهر أنه مذي وإن لم يكن كذلك اغتسل لحديث عائشة في الذي يجد البلل ولأن خروج المني في النوم معتاد وغيره نادر فحمل الأمر على المعتاد. فصل القارئ: وإن أحس بانتقال المني من ظهره فأمسك ذكره فلم يخرج ففيه روايتان إحداهما لا غسل عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأت الماء) والثانية يجب لأنه خرج عن مقره أشبه ما لو ظهر فإن اغتسل فخرج بعد ذلك وجب الغسل على الرواية الأولى لأن الوجوب متعلق بخروجه ولم يجب على الثانية لأنه تعلق بانتقاله وقد اغتسل له وعنه إن خرج قبل البول وجب الغسل لأنا نعلم أنه المني المنتقل فإن خرج بعده لم يجب لأنه يحتمل أنه غيره وهو خارج لغير شهوة وفي فضلة المني الخارجة بعد الغسل الروايات الثلاث.

الشيخ: هذه مسألة تحتاج إلى شرح قال وإن أحس بانتقال المني من ظهره فأمسك ذكره فلم يخرج ففيه روايتان إحداهما لا غسل عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأت الماء) وهذا هو الصحيح أنه إذا انتقل المني ولم يخرج فلا غسل عليه لأن ما كان باطنا لا حكم له والحكم للظاهر هذا التعليل أما الدليل الأثري فهو قوله عليه الصلاة والسلام (إذا هي رأت الماء) وهذا لم يرى الماء والثاني يجب لأنه خرج عن مقره فأشبه ما لو ظهر يقال نعم هو خرج وفارق محله لا شك لكنه ليس كالخارج مادام في باطن البدن فإننا غير مكلفين به فهذا التعليل عليل مخالف للأثر فلا يلزمه الغسل ولكن يقول فإن اغتسل فخرج بعد ذلك وجب الغسل على الرواية الأولى ما هي الرواية الأولى؟ أنه لا غسل عليه لأن الوجوب متعلق بخروجه ولم يجب على الثانية لأنه تعلق بانتقاله وقد اغتسل له إذاً إن اغتسل فخرج بعد ذلك يعني بعد أن اغتسل فهو على الرواية الأولى يجب أن يغتسل لأن الغسل الأول ليس بواجب إذ أن الوجوب متعلق بالخروج ولم يخرج فإذا خرج وجب عليه الاغتسال قال ولم يجب على الثانية لأنه تعلق بانتقاله وقد اغتسل يعني انتقل المني ولكنه لم يخرج فيجب على الرواية الثانية أن يغتسل فإذا اغتسل ثم خرج بعد اغتساله لم يجب لأن هذا حدث واحد فلا يوجب غسلين وعنه إن خرج قبل البول وجب الغسل وعنه أي عن الإمام أحمد إن خرج قبل البول وجب له الغسل لأنا نعلم أنه المني المنتقل إذاً إن خرج قبل البول وجب الغسل لأنه المني المنتقل وإن خرج بعده لم يجب لماذا؟ لأنه يحتمل أنه غيره وهو خارج لغير شهوة يعني إذا انتقل وقلنا لا يجب الغسل ثم خرج قبل البول فإنه يجب الغسل لأن هذا المني هو المني المنتقل الذي قلنا إنه لا يجب الغسل بانتقاله وإن خرج بعده فإنه لا يجب الغسل لأنه لو كان المني الأول لدفعه البول وخرج فلما لم يدفعه البول ولم يخرج فإنه يحتمل أنه مني جديد خرج بغير شهوة والمني إذا خرج بغير شهوة

فإنه لا يوجب الغسل وعنه إن خرج قبل البول وجب له الغسل لأننا نعلم أنه المني المنتقل وإن خرج بعده لم يجب لأنه يحتمل أنه غيره وهو خارج لغير شهوة وفي فضلة المني الخارجة بعد الغسل الروايات الثلاث والصحيح أنها لا توجب الغسل لأنه قد اغتسل له يعني رجل جامع زوجته ثم اغتسل وبعد اغتساله خرج بقية المني السابق فإنه لا يجب الغسل لماذا؟ لأنه حدث واحد فلا يوجب غسلين وقد تطهر له. مسألة: الخارج من القبل أربعة أشياء المني والمذي وهذان يتعلقان بالشهوة لكن المني يكون عند اشتدادها وذاك عند برودتها والمني يحس به الإنسان والمذي لا يحس به والمني غليظ أبيض والمذي بخلاف ذلك يعني رقيق بقينا في البول والودي فالبول والودي شيئان مختلفان وصفا لا حكما فحكمهما واحد والمذي يختلف عن المني فيما يجب به فلا يجب في المذي إلا غسل الذكر والأنثيين وأما ما أصاب الثوب منه فإنه يكفي فيه النضح ولا يجب فيه الغسل والبول يجب فيه الغسل والمذي يكفي فيه النضح والسبب لأنه خرج عن شهوة فحرارة الشهوة خففت غلظ نجاسته ولهذا كان بين المني وبين البول فالمني يوجب غُسْل البدن كله والمذي لا يوجب إلا غسل الذكر والأنثيين والوضوء وأما البول فلا يوجب غسل الذكر والأنثيين ويجب أن يغسله. السائل: أليس حبس المني في الجسم مضر؟ الشيخ: الفقهاء يصورون أشياء قد تقع من بعض السفهاء وقد لا تقع ويمكن بعض الناس في الشتاء ينتقل المني منه ويخاف أن يخرج ويجب عليه الغسل فيحبسه أو ربما إنه تبرد شهوته أحيانا يعني ينتقل المني ثم تبرد الشهوة ولا يخرج فهذه صورتها ظاهرة يعني تصوير هذه المسألة إما بما قال المؤلف بأن يمسك ذكره حتى لا يخرج الماء وإما أن تبرد شهوته وإذا بردت ما عاد يستطيع ينزل فصل القارئ: التقاء الختانين وهو تغييب الحشفة في الفرج يوجب الغسل وإن عري عن الإنزال.

الشيخ: كثير من الناس يقول كيف التقاء الختانين ونقول هو تغييب الحشفة ووجه ذلك أن منتهى الختان من الرجل بعد الحشفة فإذا التقى ختان الرجل بختان المرأة لزم من ذلك أن تغيب الحشفة فبعض الطلبة يظن أن معنى التقاء الختانين أن يمس رأس الذكر فرج المرأة بدون إيلاج وليس كذلك فلا يمكن التقاء الختانين إلا بتغييب الحشفة لأن الختان كما تعرفون تقطع كل الجلدة التي على الحشفة. السائل: إذا اغتسل وبعدما اغتسل خرج المني أو بعض المني فهل يجب عليه الوضوء؟ الشيخ: نعم يجب عليه الوضوء. القارئ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان وجب الغسل) رواه مسلم وختان الرجل الجلدة التي تبقى بعد الختان وختان المرأة جلدة كعرف الديك في أعلى الفرج يقطع منها في الختان فإذا غابت الحشفة في الفرج تحاذى ختاناهما فيقال التقيا وإن لم يتماسا ويجب الغسل بالإيلاج في كل فرج قبل أو دبر من آدمي أو بهيمة حي أو ميت لأنه فرج أشبه قبل المرأة فإن أولج في قبل الخنثى المشكل فلا غسل عليهما لأنه لا يتيقن كونه فرجا فلا يجب الغسل بالشك.

الشيخ: ذكر بعض العلماء أنه لا غسل عليه في الإيلاج في بهيمة وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إذا جلس بين شعبها الأربع) والفاعل بالبهيمة لم يجلس بين شعبها الأربع ولأنه قال إذا التقى الختانان والبهيمة ليس لها ختان وكونه يتلذذ ككون الرجل يتلذذ إذا جامع بين فخذيه وهذا الذي يميل إليه شيخنا عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله وهو الصواب ولكن هل معنى ذلك أن نقول إنه يجوز أن يفعل بالبهيمة؟ لا لا يجوز كما لو أنه زنى بامرأة وأولج فيها لقلنا إنه يجب عليه الغسل ويجب عليه الحد والفاعل بالبهيمة أيضا يجب أن تقتل البهيمة فإن كانت له فقد فاتت عليه وإن كانت لغيره فعليه ضمانها ولا تؤكل أما بالنسبة له هو فقد ورد في الحديث (اقتلوه واقتلوا البهيمة) وذهب إليه بعض العلماء وقالوا من أتى بهيمة فإنه يقتل لأن فرجها لا يباح بحال من الأحوال فيشبه فرج الذكر وهو اللواط واللواط حده القتل وقال بعض العلماء بل يعزر تعزيرا وهذا أصح أنه يعزر ولا يقتل أما البهيمة فتقتل. السائل: ما الدليل على نجاسة المني الذي يخرج من غير شهوة؟ الشيخ: الدليل أن الأصل فيما خرج من السبيلين أنه نجس. السائل: لكن الأصل الطهارة في المني؟ الشيخ: هذا المني الذي يوجب الغسل أما المني الذي يخرج من غير شهوة فلا يجب عليه الغسل لأن المادة تختلف ولهذا لا يكون له رائحة المني الذي خرج بشهوة ولا غلظ المني. السائل: ما العلة من قتل البهيمة؟ الشيخ: العلة من قتل البهيمة لئلا يعير بها تمر من عند ناس ويقال هذه زوجة فلان فيعير بها. ثانيا ربما تحمل وإن كان هذا بعيدا من الناحية الطبية لكن قد يجعل الله هذه آية فتكون فضحية. ثالثا أنه ربما يحن إليها لأن الذي يأتي البهيمة والعياذ بالله لم يأتها إلا عن شهوة شديدة ولا يكون عنده ما يتمتع به سواها فإذا لم تقتل يحن إليها ثم يذهب إليها مرة ثانية. فصل

القارئ: والثالث إسلام الكافر وفيه روايتان إحداهما يوجب الغسل اختارها الخرقي لأن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر ثمامة بن أثال وقيس بن عاصم أن يغتسلا حين أسلما) رواه أبو داود والنسائي قال الترمذي حديث حسن ولأن الكافر لا يسلم من حدث لا يرتفع حكمه باغتساله فقامت مظنة ذلك مقامه ولا يلزمه أن يغتسل للجنابة لأن الحكم تعلق بالمظنة فسقط حكم المظنة كالمشقة مع السفر والثانية لا غسل عليه اختارها أبو بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ (إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات) متفق عليه ولم يأمرهم بالغسل ولو كان أول الفروض لأمر به ولأنه أسلم العدد الكثير والجم الغفير فلو أمر بالغسل لنقل نقلا متواترا فإن أجنب في حال كفره احتمل أن لا يجب الغسل عليه لما ذكرناه واحتمل أن يجب وهو قول أبي بكر لأن حكم الحدث باق.

الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء إسلام الكافر هل يوجب الغسل أو لا؟ فالمشهور من المذهب أنه يوجب الغسل ودليله أثر ونظر أما الأثر فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة بن أثال وقيس بن عاصم أن يغتسلا حين أسلما لكن الأمر هل هو للوجوب أو للاستحباب فمن العلماء من يقول إن الأمر هنا للوجوب لأنه الأصل في الأوامر ومنهم من قال إنه للاستحباب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به كل من أسلم، أما الدليل النظري في هذه المسألة هو أن الكافر لا يسلم من حدث موجب للغسل لا سيما إذا كان كبيرا بالغا ولو اغتسل في حال كفره لم يرتفع الحدث لأن من شرط ارتفاع الحدث النية والإسلام وهذا ليس بمسلم فلو اغتسل لم يرتفع فقامت المظنة مقام اليقين والرواية الثانية عن أحمد أنه لا يجب الغسل لإسلام الكافر لأنه أسلم الجم الغفير والعدد الكثير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم بالغسل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا إلى اليمن قال أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات ولو كان الغسل واجبا لكان مقدما على الأمر بالصلاة لأن الصلاة لا تصح إلا به وهذا استدلال قوي وأما ما قيل إن الكافر قد يكون محدثا فنقول إن الأصل عدم الحدث وباب الطهارة الشك فيه ملغى مطرح فلا عبرة به وهذه الرواية أقوى من الرواية التي هي القول بوجوب اغتسال الكافر ولكن لو فرض أنه أجنب في حال كفره ثم أسلم وهو لم يغتسل في حال الكفر فهل يجب عليه الغسل أولا؟ فيه قولان منهم من قال يجب عليه الغسل لأن الحدث باق لم يرتفع ومنهم من قال لا يجب لعموم عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن أسلم أن يغتسل ولقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (لأنفال:

من الآية38) ولكن في هذه المسألة الاحتياط أن يغتسل وإن قلنا بأن الكافر لا غسل عليه إذا أسلم لأن الحدث قد وجد والأصل بقاؤه حتى يرتفع بدليل شرعي. السائل: لو أسلم وهو على جنابة وصلى هل صلاته صحيحة؟ الشيخ: ينبني على الخلاف والاحتياط أن يغتسل وإذا قلنا إن الاحتياط إنه يغتسل معناه إذا صلى فالاحتياط أن يعيد والاحتياط دون الوجوب يعني مثلا إذا قال لك العالم الاحتياط فالمعنى أنه دون الوجوب لكنه كالملزم به. السائل: لماذا قلنا بقتل البهيمة دون الفاعل فيها والحديث واحد؟ الشيخ: هذا سؤال وجيه يقول لماذا أخذتم ببعض الحديث دون بعض قالوا أخذنا بذلك لأن الحديث فيه مقال واستحلال دم المسلم أو الرجل أشد من استحلال البهيمة لأن البهيمة مال ويجوز أن يعزر بإتلاف المال وأما الآدمي فهو نفس ولا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث. فصل القارئ: فأما المرأة فيجب في حقها الأغسال المذكورة وتزيد بالغسل من الحيض والنفاس ونذكره في بابه ولا يجب الغسل بالولادة العارية عن دم لأن الإيجاب بالشرع ولم يوجب بها ولا هي في معنى المنصوص عليه وعنه يجب بها لأنها لا تكاد تعرى من نفاس موجب فكانت مظنة له فأقيمت مقامه كالتقاء الختانين مع الإنزال فصل القارئ: ولا يجب الغسل بغير ذلك من غسل ميت أو إفاقة مجنون أو مغمى عليه لما ذكرناه فصل القارئ: ومن لزمه الغسل حرم عليه ما يحرم على المحدث ويحرم عليه قراءة آية فصاعدا لقول علي رضي الله عنه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه أو قال يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة) رواه أبو داود. الشيخ: قوله ليس الجنابة هذه ليس بمعنى إلا فهي أداة استثناء.

القارئ: وفي بعض آية روايتان إحداهما يحرم قراءته لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن) رواه أبو داود والأخرى يجوز لأن الجنب لا يمنع من قول بسم الله والحمد لله وذلك بعض آية فصل القارئ: ويحرم عليه اللبث في المسجد لقول الله تعالى (وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (النساء: من الآية43) يعني مواضع الصلاة وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) رواه أبو داود ولا يحرم العبور في المسجد لقوله تعالى (إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) (النساء: من الآية43) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة (ناوليني الخمرة من المسجد قالت إني حائض قال إن حيضتك ليست في يدك) رواه معاذ قال بعض أصحابنا إذا توضأ الجنب حل له اللبث في المسجد لأن الصحابة رضي الله عنهم كان أحدهم إذا أراد أن يتحدث في المسجد وهو جنب توضأ ثم دخل فجلس فيه ولأن الوضوء يخفف بعض حدثه فيزول بعض ما منعه الشيخ: وهذا هو الصحيح أن الجنب إذا توضأ فله المكث في المسجد ولو أحدث لأنه بوضوئه خف عنه أثر الجنابة. فصل القارئ: ويستحب للجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة لما روى ابن عمر أن عمر قال (يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد) متفق عليه.

الشيخ: قوله فليرقد اللام هنا للإباحة لأن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يرقد أو لا قال نعم إذا توضأ فليرقد واختلف العلماء رحمهم الله هل يجوز للجنب أن ينام من غير وضوء فمنهم من قال لا يجوز لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعمر إذا توضأ فليرقد ومنهم من قال يكره أن ينام على غير وضوء ومنهم من قال يباح لأن مسلما روى في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً والأحوط للإنسان ألا ينام إلا على إحدى الطهارتين لأن الله يقول (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) (الزمر: من الآية42) فسمى الله الموت وفاة ولا ينبغي للإنسان أن ينام إلا على أقل الطهرين ولكن إذا توضأ ثم انتقض وضوؤه فهل يكره أن ينام نقول في هذا ما قلنا في اللبث في المسجد. القارئ: ويستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يعود للجماع ويغسل فرجه فأما الحائض فلا يستحب لها ذلك لأن الوضوء لا يؤثر في حدثها ولا يصح منها. الشيخ: إذا أراد أن يأكل وعليه جنابة فليتوضأ لأن هذا أفضل وأحسن وكذلك إذا أراد أن يعود إلى الجماع مرة أخرى فالأفضل أن يغسل ذكره ويتوضأ لأن ذلك أنشط له ولكن لو لم يفعل فلا حرج فإن النبي كان يطوف على نسائه بغسل واحد وأما الحائض فلا يستحب لها الوضوء لأنها لو توضأت فحدثها باق بخلاف الجنب. باب الغسل من الجنابة القارئ: وهي على ضربين كامل ومجزئ فالكامل يأتي فيه بتسعة أشياء النية وهو أن ينوي الغسل للجنابة أو استباحة ما لا يستباح إلا بالغسل كقراءة القرآن واللبث في المسجد ثم يسمي ثم يغسل يديه ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ثم يغسل ما به أذى ويغسل فرجه الشيخ: قوله رحمه الله كقراءة القرآن ظاهر لأن قراءة القرآن لا تستباح إلا بالغسل وأما قوله اللبث في المسجد فالصحيح أن اللبث في المسجد يستباح بالوضوء.

القارئ: ويغسل فرجه وما يليه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات يروي بهن أصول شعره ويخلله بيده ثم يفيض الماء على سائر بدنه ثم يدلك بدنه بيده وإن توضأ إلا غسل رجليه ثم غسل قدميه آخرا فحسن قال أحمد الغسل من الجنابة على حديث عائشة يعني قولها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده) وقالت ميمونة (وضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض على رأسه ثم غسل جسده فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده) متفق عليهما، الضرب الثاني المجزئ وهو أن ينوي ويعم شعره وبدنه بالغسل والتسمية هاهنا كالتسمية في الوضوء فيما ذكرنا ويجب إيصال الماء إلى البشرة التي تحت الشعر وإن كان كثيفا لحديث عائشة ولا يجب نقضه إن كان مضفورا لما روت أم سلمة قالت (قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة قال لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين الماء عليك فتطهرين) رواه مسلم ولا يجب ترتيب الغسل لأن الله تعالى قال (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (المائدة: من الآية6) ولم يقدم بعض البدن على بعض لكن يستحب البداءة بما ذكرناه. الشيخ: ما هو البداءة بما ذكرناه يعني بالوضوء أولا ثم بالإفاضة على الرأس ثلاثا ثم بغسل سائر الجسد ويبدأ بميامنه. القارئ: والبداءة بغسل الشق الأيمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في طهوره ولا موالاة فيه لأنه طهارة لا ترتيب فيها فلم يكن فيها موالاة كغسل النجاسة.

الشيخ: ما معنى الموالاة؟ التتابع ولكن هذا القياس الذي قاله رحمه الله فيه نظر يقول إنها طهارة لا ترتيب فيها فلم يكن فيها موالاة كغسل النجاسة هذا القياس معارض بأنها عبادة واحدة فالتفريق بينها يمنع بناء بعضها على بعض وعلى هذا فالموالاة واجبة كيف نقول لرجل اغتسل نصف جسده في الصباح ونصف جسده عند الظهر أين الغسل؟ نعم لو كانت الجنابة نجاسة لقلنا لا بأس أن تغسل جانب الثوب النجس في الصباح وتغسل بقيته في المساء لكن هذه طهارة عن حدث فاشترطت فيها الموالاة كالوضوء هذا القياس الصحيح وأما سقوط الترتيب فيها فلأن البدن في الجنابة عضو واحد فلم يكن فيه الترتيب إذاً فقياس المؤلف رحمه الله معارض بقياسين أصح منه الأول أنها عبادة واحدة فاشترط فيها الموالاة كالصلاة وغيرها. الثاني ولأنها طهارة عن حدث فاشترط فيها الموالاة كالوضوء هذا هو الصحيح. السائل: بالنسبة لغسل القدمين؟ الشيخ: القدمين إما أن يؤخر غسلهما كما في حديث ميمونة وإما أن يغسلا مع الوضوء كما في حديث عائشة لأن عائشة تقول توضأ وضوءه للصلاة وميمونة ذكرت أنه أخر وعندي والعلم عند الله أن السبب في تأخير الرسول صلى الله عليه وسلم غسل رجليه في حديث ميمونة أن الماء كان قليلاً والأرض ليست مزفلته كما في أراضينا وإنما هي طين فمن أجل قلة الماء أخر غسل قدميه إلى آخر شيء ويدل لذلك أنه في حديث ميمونة لما غسل فرجه عليه الصلاة والسلام ضرب بيديه الأرض مرتين أو ثلاثا لأن ذلك أسرع في الإنقاء ولم يفعل ذلك في حديث عائشة فكأن الماء قليل والله أعلم فأخر غسل رجليه هذا الظاهر. السائل: دخول الصحابة المسجد وهم جنب متوضئون ألا يكون صارفاً لحديث إيجاب تحية المسجد؟ الشيخ: أصلا إذا دخل الإنسان المسجد وهو على غير وضوء ما يمكن يصلي ولايلزمه أن يصلي وإنما تلزم تحية المسجد من دخل على وضوء. فصل

فأما غسل الحيض فهو كغسل الجنابة سواء إلا أنه يستحب لها أن تأخذ شيئا من المسك أو طيب أو غيره فتتبع به أثر الدم ليزيل فورته لما روت عائشة رضي الله عنها (أن امرأة جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال خذي فرصة من مسك فتطهري بها فقالت كيف أتطهر بها فقالت عائشة قلت تتبعي أثر الدم) رواه مسلم، فإن لم تجد مسكا فغيره من الطيب فإن لم تجد فالماء كاف وهل عليها نقض شعرها للغسل منه فيه روايتان إحداهما لا يجب لأنه غسل واجب أشبه غسل الجنابة والثانية يجب ليتيقن وصول الماء إلى ما تحته وإنما عفي عنه في الجنابة لأنه يتكرر فيشق النقض فيه بخلاف الحيض. فصل القارئ: والأفضل تقديم الوضوء على الغسل للخبر الوارد فإن اقتصر على الغسل ونواهما أجزأه عنهما لقوله الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (المائدة: من الآية6) ولم يأمر بالوضوء معه ولأنهما عبادتان من جنس صغرى وكبرى فدخلت الصغرى في الكبرى في الأفعال دون النية كالحج والعمرة وعنه لا يجزئه عن الحدث الأصغر حتى يتوضأ لأنهما نوعان يجبان بسببين فلم يدخل أحدهما في الآخر كالحدود وإن نوى إحداهما دون الأخرى فليس له غيرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وإنما لكل امرئ ما نوى). الشيخ: قوله إن نوى إحداهما يعني نوى الوضوء وتوضأ أو نوى الغسل واغتسل وهذه النية كما رأيتم تقتضي أن تكون الأحوال ثلاثة: الحال الأول أن ينويهما جميعا فيحصلان له جميعا لحديث (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).

والثانية أن ينوي الحدث الأكبر الجنابة فقط فظاهر كلام المؤلف أنه لا يجزئه عن الوضوء لأنه قال إن نوى أحدهما حصل له والصحيح أنه يجزئه عن الوضوء لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (المائدة: من الآية6) ولم يذكر الوضوء ولأن الحدث حدث أكبر فإذا اغتسل له رفعه فعندنا الآن إن توضأ واغتسل وجعل لكل واحد منهما نية أجزأ وإن اغتسل فقط ونواهما أجزأ وإن اغتسل فقط ونوى الأكبر المذهب لا يجزئ والصحيح أنه يجزي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو ظاهر الآية لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (المائدة: من الآية6). السائل: ما الصحيح في نقض الشعر؟ الشيخ: الصحيح عدم وجوب النقض في الحيض لأنه متى وصل الماء إلى أصول الشعر كفى. السائل: أحسن الله إليكم الآثار عن الصحابة في مسألة اللبث في المسجد للجنب إذا توضأ ضعفها بعض أهل العلم؟ الشيخ: إذا ثبت الضعف فليس فيها حجة لأن الجنب وإن توضأ فهو باق على جنابته لكن من المعلوم أن الوضوء يخفف الجنابة ولهذا ينام الإنسان إذا توضأ وهو جنب ولا ينام إذا لم يتوضأ على خلافٍ في ذلك. فصل

القارئ: ويجوز للرجل والمرأة أن يغتسلا ويتوضآ من إناء واحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يغتسل هو وزوجته من إناء واحد يغرفان منه جميعا) متفق عليه وقال ابن عمر (كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد) رواه أبو داود ويجوز للمرأة التطهر بفضل طهور الرجل وفضل طهور المرأة وللرجل التطهر بفضل طهور الرجل وفضل طهور المرأة ما لم تخل به فإن خلت به ففيه روايتان إحداهما يجوز أيضا لما روت ميمونة قالت (أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منه فقلت إني اغتسلت منه فقال إن الماء ليس عليه جنابة) رواه أبو داود ولأنه ماء لم ينجس ولم يزل عن إطلاقه فأشبه فضلة الرجل والثانية لا يجوز للرجل التطهر به لما روى الحكم بن عمرو قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) حديث حسن قال أحمد رحمه الله: جماعة من الصحابة كرهوه وذكر منهم ابن عمر وعبد الله بن سرجس وخص ما خلت به لقول عبد الله بن سرجس توضأ أنت هاهنا، وهي هاهنا فأما إذا خلت فلا تقربنه ومعنى الخلوة أن لا يشاهدها إنسان تخرج بحضوره عن الخلوة في النكاح وذكر القاضي أنها لا تخرج عن الخلوة ما لم يشاهدها رجل وإنما تؤثر خلوتها في الماء اليسير لأن النجاسة لا تؤثر في الكثير فهذا أولى ولا يخرج الماء الذي خلت به المرأة عن إطلاقه بل يجوز للنساء التطهر به من الحدث والنجاسة وللرجل إزالة النجاسة به لأن منع الرجل من الوضوء به تعبد فوجب قصره على مورده وذكر القاضي أنه لا يزيل النجاسة لأن ما لا يرفع الحدث لا يزيل النجس كالخل وهذا لا يمكن القول بموجبه فإن هذا يرفع حدث المرأة بخلاف الخل.

الشيخ: القول الصحيح في هذه المسألة أنه يجوز للرجل أن يتوضأ ويغتسل بما خلت به المرأة لحديث ميمونة أن الرسول عليه الصلاة والسلام اغتسل بفضلها وقالت إني كنت جنبا فقال (إن الماء لا يجنب) وهذا هو الصحيح والعجب من أصحابنا رحمهم الله أن الحديث (نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يتوضأ بفضل طهور المرأة أو المرأة بفضل طهور الرجل) وأجازوا للمرأة أن تتوضأ بفضل طهور الرجل ولم يجيزوا للرجل أن يتوضأ بفضل طهور المرأة فأخذوا ببعض الحديث وتركوا بعضه مع أن الذي أخذوا به هو الذي جاءت السنة بجوازه فسبحان الله فالصواب الذي لا شك فيه أنه يجوز للرجل أن يتطهر بفضل طهور المرأة التي خلت به والعكس بالعكس. السائل: كيف نوجه النهي في الحديث؟ الشيخ: هذا على سبيل الأولوية فقط وليس حراماً وكأن النبي عليه الصلاة والسلام والله أعلم أراد أن يغتسل الرجل مع زوجته كما كان هو يفعل لأن ذلك أدعى للمحبة والألفة وأقل تكلفا لأن الإناء يكون واحدا هذا والعلم عند الله.

باب التيمم

باب التيمم القارئ: التيمم طهارة بالتراب يقوم مقام الطهارة بالماء عند العجز عن استعماله لعدم أو مرض لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) (المائدة: من الآية6) إلى قوله (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (المائدة: من الآية6) وروى عمار قال (أجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) متفق عليه والسنة في التيمم أن يضرب بيديه على الأرض ضربة واحدة ثم يمسح بهما وجهه ويديه إلى الكوعين للخبر ولأن الله تعالى أمر بمسح اليدين واليد عند الإطلاق في الشرع تتناول اليد إلى الكوع بدليل قوله تعالى ... (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) (المائدة: من الآية38) وإن مسح يديه إلى المرفقين فلا بأس لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. الشيخ: الصواب أنه وإن كان ذهب بعض العلماء إلى أن التيمم إلى المرفقين فإن هذا ضعيف لأن حديث عمار بن ياسر صريح بأن الرسول عليه الصلاة والسلام مسح الكفين فقط وكذلك قوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (المائدة: من الآية6) واليد عند الإطلاق للكف بدليل قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) (المائدة: من الآية38).

القارئ: وسواء فعل ذلك بضربتين أو أكثر ويستحب تفريق أصابعه عند الضرب ليدخل الغبار فيما بينهما وإن كان التراب ناعما فوضع اليدين عليه وضعا أجزأه ويمسح جميع ما يجب غسله من الوجه مما لا يشق مثل باطن الفم والأنف وما تحت الشعور الخفيفة لقوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) وكيفما مسح بعد أن يستوعب الوجه والكفين إلى الكوعين جاز إلا أن المستحب في الضربة الواحدة أن يمسح وجهه بباطن أصابع يديه وظاهر كفيه بباطن راحتيه وإن مسح بضربتين مسح بأولاهما وجهه وبالثانية يديه فإن مسح إلى المرفقين وضع بطون أصابع اليسرى على ظهور أصابع اليمين ثم يمرهما إلى مرفقيه ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمره عليه ويرفع إبهامه فإذا بلغ الكوع أمر إبهام يده اليسرى على إبهام يده اليمنى ثم مسح بيده اليمنى يده اليسرى كذلك ثم يمسح إحدى الراحتين بالأخرى ويخلل بين أصابعه. الشيخ: الله المستعان هذا تكلف والصحيح خلاف ما قال المؤلف الصحيح أنه إذا ضرب ضربة واحدة مسح بالوجه ثم مسح الكفين وكذلك لو ضرب بضربتين مسح بالأولى الوجه والثانية مسح الكفين بعضهما ببعض وأما التكلف الذي ذكره المؤلف رحمه الله فهذا مثل ما ذكر فيما سبق أنه يتنحنح إذا انتهى من البول وبعضهم قال إنه يركض وبعضهم قال يتعلق بالحبل ويشيل وينزل. مسألة: بعض العلماء قال كما قال المؤلف يمسح بباطن الأصابع الوجه والكفين بالراحة بناءً على أنه لو مسح الوجه والكفين بالراحة لمسح بتراب مستعمل والتراب المستعمل عندهم يكون طاهرا غير مطهر والصواب أنه طهور والصحيح ما رجحناه سابقاً. القارئ: وإن يممه غيره جاز كما يجوز أن يوضئه وإن أطارت الريح عليه ترابا فمسح وجهه بما على يديه جاز وإن مسح وجهه بما عليه لم يجز لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسح به ويحتمل أن يجزئه إذا صمد للريح لأنه بمنزلة مسح غيره له. الشيخ: الظاهر أنه لابد من المسح. فصل

القارئ: وفرائض التيمم النية لما ذكرنا في الوضوء ومسح الوجه والكفين للأمر به وترتيب اليدين على الوجه قياساً على الوضوء وفي التسمية والموالاة روايتان كالوضوء فأما النية فهو أن ينوي استباحة ما لا يباح إلا به فإن نوى صلاة مكتوبة أبيح له سائر الأشياء لأنه تابع لها فيدخل في نية المتبوع وإن نوى نفلا أو صلاة مطلقة لم يبح له الفرض لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة فلا يستبيح به الفرض حتى ينويه وله قراءة القرآن لأن النافلة تتضمن القرآن وليس له صلاة الجنازة المتعينة لأنها فرض وإن كانت نفلا فله فعلها وإن نوى قراءة القرآن لم يكن له التنفل لأنه أعلى فإن نوى رفع الحدث لم يجزئه.

الشيخ: كلام المؤلف رحمه الله في النية لا ينوي رفع الحدث لأن الحدث لا يرتفع وإنما ينوي استباحة ما لا يباح إلا بالطهارة يعني ينوي أنه يستبيح الصلاة بهذا التيمم لأن الأصل منع الصلاة من المحدث فالأصل أن المحدث ممنوع من الصلاة فيتيمم لأجل أن يستبيح الصلاة فهو ينوي الاستباحة ولا ينوي رفع الحدث لأنه لا يرتفع الحدث وإذا كانت النية نية استباحة فإنه إذا نوى استباحة الأدنى لا يباح له الأعلى وإن نوى استباحة الأعلى أبيح له الأدنى هذه القاعدة (إذا نوى استباحة الأدنى لم يبح له الأعلى وإذا نوى استباحة الأعلى أبيح له الأدنى) والفرض أعلى من النفل فإذا تيمم لصلاة الفريضة أبيحت له صلاة النافلة وإذا تيمم لصلاة النافلة فلا تباح له الفريضة هذه القاعدة ولهذا يقول رحمه الله فأما النية فهو أن ينوي استباحة ما لا يباح إلا به فإن نوى صلاة مكتوبة أبيح له سائر الأشياء لأنه تابع لها فتدخل في نية المتبوع وإن نوى نفلا أو صلاة مطلقة لم يبح له الفرض لأن الفرض أعلى من النفل لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة فلا يبيح فرض حتى ينويه وله قراءة القرآن لماذا؟ لأن النافلة تتضمن القرآن وليس له صلاة الجنازة المتعينة لأنها فرض وهو إنما تيمم للنفل وإن كانت نفلا فله فعلها وإن نوى قراءة القرآن لم يكن له التنفل لأنه أعلى يعني إذا تيمم لقراءة القرآن فإنه لا يصلي به النافلة لأن الطهارة للنافلة أوكد من الطهارة لقراءة القرآن والخلاصة والضابط ما ذكرت لكم إذا نوى الأعلى استباح الأدنى وإن نوى استباحة الأدنى لم يستبح الأعلى. السائل: ماحكم الموالاة في التيمم؟ الشيخ: سبق لنا أن الراجح الترتيب والموالاة في التيمم وفي غير التيمم لأن الله ذكره مرتبا وهو عبادة واحدة لا يمكن أن تتفرق.

القارئ: فإن نوى قراءة القرآن لم يكن له التنفل لأنه أعلى فإن نوى رفع الحدث لم يجزئه لأن التيمم لا يرفع الحدث وعنه ما يدل على أنه يرفع الحدث فيكون حكمه حكم الوضوء في نيته ولا بد له من تعيين ما يتيمم له من الحدث الموجب للغسل. الشيخ: هذه الرواية عن أحمد هي الصحيحة بلا شك أن التيمم يرفع الحدث ودليل ذلك قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (المائدة: من الآية6) وهذا نص صريح ولا تطهير إلا برفع الحدث وقال النبي عليه الصلاة والسلام (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره) وهذا صريح في أنه يطهر فيرفع الحدث ولكن رفعه للحدث رفع مؤقت مادام عادما للماء أو عاجزا عن استعماله يعني مادام العذر قائما وبناء على هذا القول الراجح إذا تيمم للنافلة جازت الفريضة وإذا تيمم لصلاة الفجر وبقي على طهارته إلى الظهر لم يحتج إلى إعادة التيمم وإذا تيمم للصلاة وخرج وقتها لم يبطل التيمم يعني أن حكمه حكم الماء إلا إذا زال العذر فإنه لابد من استعمال الماء ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته) هذا دليل والدليل الثاني ما ثبت في البخاري في قصة الرجل الذي كان معتزلا لم يصلِّ في القوم فقال (ما منعك قال أصابتني جنابة ولا ماء قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك) ثم جاء الماء فأعطاه فضلة وقال خذ هذا فأفرغه على نفسك فهذا يدل على أنه إذا وجد الماء بطل التيمم وقد حكى بعض العلماء الإجماع على هذه المسألة أنه متى وجد الماء بطل التيمم وإن قلنا برفع الحدث بالتيمم وذكر بعض أهل العلم طردا للقاعدة أنه لا يبطل تيممه بوجود الماء لأنه يقول في تعليله

إذا ثبت ارتفاع الحدث فإنه لا يعود إلا بدليل فنقول له الجواب على هذا سهل ماذا نقول؟ وجد الدليل على أن من وجد الماء وقد تيمم لعدمه فعليه أن يتطهر بالماء ومن برأ من مرضه وقد تيمم من أجل المرض فإنه يجب عليه أن يتطهر بالماء. السائل: إذا قال وعنه فهل يدل على أن الرواية الثانية ضعيفة؟ الشيخ: إذا قال أصحاب المذهب وعن الإمام أحمد كذا فمعناه أن المقدم عندهم خلافه فيكون المقدم عند المؤلف خلاف هذا الشيء أما إذا قال ففيه روايتان فهما مطلقتان أو إذا قال فعنه كذا وعنه كذا كما يوجد في كتاب الفروع مثلا إن فعل كذا فعن الإمام أحمد كذا وعنه كذا فيكون هذا أيضا رواية مطلقة. القارئ: ولابد له من تعيين ما يتيمم له من الحدث الموجب للغسل أو الوضوء أو النجاسة. الشيخ: لابد من تعيين ما يتيمم له وعندنا الآن متيمم عنه ومتيمم له ما هو المتيمم عنه؟ الحدث البول الغائط الجنابة ومتيمم له وهو ما يستبيحه بالتيمم كالصلاة وقراءة القرآن وما أشبه ذلك يقول لابد من تعيين ما يتيمم له من الحدث الموجب للغسل أو الوضوء يعني معناه لابد أن تنوي أن هذا التيمم عن جنابة أو هذا عن وضوء لابد أن تنوي إذاً فعندنا نيتان النية الأولى نية ما يتيمم له والثانية ما يتيمم عنه بخلاف الوضوء فالوضوء لو نويت الصلاة بقطع النظر عن الحدث ارتفع الحدث ولو نويت رفع الحدث بقطع النظر عن الصلاة أو قراءة القرآن ارتفع. القارئ: فإن تيمم للحدث ونسي الجنابة أو الجنابة ونسي الحدث لم يجزئه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وإنما لكل امرئ ما نوى) ولأن ذلك لا يجزئ في الماء وهو الأصل ففي البدل أولى. الشيخ: وقول المؤلف هنا الموجب للغسل أو الوضوء أو النجاسة الصحيح أنه لا تيمم للنجاسة فالنجاسة إن قدرت على إزالتها فأزلها وإن لم تقدر فلا تتيمم لأن الله إنما ذكر التيمم في الحدث ولأن النجاسة المطلوب زوالها والتيمم لا يزيلها. السائل: متى تكون صلاة الجنازة سنة؟

الشيخ: إذا صلي عليها أول مرة فما بعدها سنة. فصل القارئ: ويجوز التيمم عن جميع الأحداث لظاهر الآية وحديث عمار وروى عمران بن حصين (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم قال أصابتني جنابة ولا ماء عندي قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك) متفق عليه. الشيخ: وهذا نص على أنه يجوز التيمم عن حدث الأصغر وحديث عمار أيضا صريح وقد أنكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب التيمم للجنابة وقال التيمم للحدث الأصغر فقط وناظره عمار بن ياسر في ذلك وقال ألا تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسلني وإياك في حاجة وحصل علي كذا وكذا فقال لا أذكر فقال له عمار إن شئت يا أمير المؤمنين أن لا أحدث بهذا الحديث لما جعل الله لك علي من الطاعة فعلت قال لا لا أمنعك ونوليك ما توليت وانظر فقه الصحابة قال إن شئت أن لا أحدث به مع أنه حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ويترتب عليه حكم شرعي من أعظم الأحكام وهو الصلاة ومع ذلك قال إذا رأيت ألا أحدث به فعلت فقال لا نوليك ما توليت لكننا نقول إن عمار بن ياسر يعلم علم اليقين أن عمر لن يمنعه بشيء سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون حجة لبعض الناس الذي يقول إذا قال لك ولي الأمر لا تحدث ولا تعلم الناس وجب عليك أن تمتنع على سبيل الإطلاق نقول لا لكن نعم يجب عليك أن لا تنابذ ولي الأمر لما يحصل من منابذته الضرر عليك وعلى غيرك ولكن اترك هذا ثم حاول إقناع ولاة الأمور أحسن من المنابذة لأن منابذة ولاة الأمور فيها شر كثير ربما يتسلطون عليك أكثر من ذي قبل وربما يتسلطون على غيرك أيضا وربما يأخذون من هذا التصرف فكرة سيئة عن أهل الدعوة وأهل الخير وأنهم معاندون وما أشبه ذلك.

القارئ: ويجوز التيمم للنجاسة على البدن لأنها طهارة على البدن مشترطة للصلاة فناب فيها التيمم كطهارة الحدث واختار أبو الخطاب أنه يلزمه الإعادة إذا تيمم لها عند عدم الماء وقيل في وجوب الإعادة روايتان إحداهما لا تجب لقوله عليه السلام (التراب كافيك ما لم تجد الماء) وقياسا على التيمم للحدث والأخرى تجب الإعادة لأنه صلى بالنجاسة فلزمته الإعادة كما لو لم يتيمم ولا يجوز التيمم عن النجاسة في غير البدن لأنها طهارة في البدن فلا تؤثر في غيره كالوضوء الشيخ: إذاً عندنا ثلاثة أشياء: 1. الحدث والتيمم عنه ثابت بالنص والإجماع. 2. طهارة نجاسة الثوب فلا تيمم عنها قولا واحدا يعني مثل إنسان في ثوبه نجاسة وليس عنده ما يغسلها به وليس عنده ثوب غيره فلا يتيمم ويصلي بالثوب النجس ولكن ماذا يصنع؟ يصلي بالثوب النجس ويعيد على المذهب والصحيح أنه يصلي بالثوب النجس ولا يعيد لماذا؟ لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: من الآية16) وأنا ليس عندي إلا هذا الثوب هل أصلي عريانا وأضع الثوب على الأرض أو أصلي في الثوب وأقول هذه قدرتي؟ نقول صلِّ في الثوب وقل هذه قدرتي لكن على المذهب يلزمه أن يصلي في الثوب ثم إذا وجد ثوبا آخر أو غسله وجب عليه إعادة الصلاة فإذا بقي في الثوب شهرا صلى صلاة الشهر مائة وخمسين صلاة وإذا وجد ما يغسل به الثوب أعادها مائة وخمسين صلاة بأي دليل وهل أوجب الله على العبد أن يصلي صلاتين؟ أبداً (فاتقوا الله ما استطعتم).

3. النجاسة على البدن وفيها خلاف هل يتيمم لها أو لا؟ والصحيح أنه لا يتيمم لها فإن صلى وهو نجس سواء قلنا بالتيمم أو بعدمه فالمذهب أنه إذا تيمم لا إعادة عليه والقول الثاني الذي اختاره أبو الخطاب أنه يعيد والصواب أنه لا يتيمم ولا يعيد لأن التيمم إنما يكون في طهارة الأحداث فقط لأنه هو الذي جاء به النص ولأن النجاسة لا تزول بالتيمم فلا فائدة فإذا قال قائل والحدث هل يزول بالتيمم نقول نعم لأن الحدث وصف ومعنى ليس شيئا محسوسا يزال وإذا تعبد الإنسان لربه سبحانه وتعالى بأن عفر وجهه بالتراب فهذا أكمل من الطهارة هذا طهارة قلبية إذاً ما هو القول الراجح وخلاصة الفصل؟ القول الراجح أن التيمم رافع للحدث لكنه رفع مؤقت. ثانيا القول الراجح أنه لا يتيمم عن النجاسة لا في ثوبه ولا في بدنه ولا في بقعته وأنه يصلي ولا إعادة عليه سواء كانت النجاسة في البدن أو كانت في الثوب أو كان في البقعة بأن حبس في محل نجس كله سواء ليس عليه إعادة. السائل: إذا كانت النجاسة في طرف الثوب ويستطيع قطع الثوب فهل يلزمه؟ الشيخ: لا يلزمه هذا لأن فيه إتلاف للمال وإفساد له والإنسان منهي عنه ثم هذا فيه أيضا تشبه باليهود. فصل القارئ: ولجواز التيمم ثلاثة شروط أحدها العجز عن استعمال الماء وهو نوعان أحدهما عدم الماء لقول الله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) (المائدة: من الآية6) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك) رواه أبو داود. النوع الثاني الخوف على نفسه باستعمال الماء لمرض أو قرح يخاف باستعمال الماء تلفا أو زيادة مرض أو تباطؤ البرء أو شينا فاحشا في جسمه لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى

سَفَرٍ) (النساء: من الآية43) وقوله (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (المائدة: من الآية6) وإن وجد ماء يحتاج إلى شربه للعطش أو شرب رفيقه أو بهائمه أو بينه وبينه سبع أو عدو يخافه على نفسه أو ماله أو خاف على ماله إن تركه وذهب إلى الماء فله التيمم لأنه خائف الضرر باستعماله فهو كالمريض وإن خاف لشدة البرد تيمم وصلى لما روى عمرو بن العاص قال (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت وصليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال ثم قلت سمعت الله يقول (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء: من الآية29) فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا) رواه أبو داود ولأنه خائف على نفسه أشبه المريض ولا إعادة عليه إن كان مسافرا لما ذكرنا وإن كان حاضرا ففيه روايتان إحداهما لا يلزمه الإعادة لذلك والثانية يلزمه لأنه ليس بمريض ولا مسافر ولا يدخل في عموم الآية ولأن الحضر مظنة إمكان إسخان الماء فالعجز عنه عذر غير متصل وإن قدر على إسخان الماء لزمه كما يلزمه شراء الماء ومن كان واجدا للماء فخاف فوت الوقت لتشاغله بتحصيله أو استسقائه لم يبح له التيمم لأن الله تعالى قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً) (النساء: من الآية43) وهذا واجد.

الشيخ: والصحيح أنه يتيمم يعني مثلا إنسان ضاق عليه الوقت وخاف إن اشتغل بتحصيل الماء أن يخرج الوقت فهل يشتغل بتحصيل الماء حتى ولو خرج الوقت أو يتيمم ويصلي في الوقت؟ نقول يتيمم ويصلي في الوقت لأن أصل مشروعية التيمم من أجل الصلاة في الوقت وإلا لقيل للإنسان انتظر حتى تجد الماء ولو بقيت يوما أو يومين فإذا كان كذا فلا فرق أن يجده عن قرب أو عن بعد فله أن يتيمم ولعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (المائدة: من الآية6) ثم قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (المائدة: من الآية6). مسألة: إذا كان يجد الماء بالشراء ومعه مال فنقول له اشتر الماء. القارئ: وإن خاف فوت الجنازة فليس له التيمم لذلك وعنه يجوز لأنه لا يمكن استدراكها. الشيخ: مسألة التيمم لفوت الجنازة وجيه وكذلك التيمم لخوف فوت الجمعة وكذلك التيمم لخوف فوات صلاة العيد كل هذا جائز فلو أن إنسان في صلاة الجمعة أحدث في أثناء الخطبة وقال إن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة وإن تيممت أدركت الصلاة نقول تيمم وصل لماذا؟ لأنه لو ذهب فاتته الصلاة ولا يمكنه تداركها فإن كان ذلك في صلاة الظهر مثلا أحدث عند إقامة الصلاة وقال إن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة وإن تيممت أدركت الصلاة فهل يذهب يتوضأ أو يتيمم؟ يتوضأ والفرق بين هذا والجمعة أن صلاة الظهر إذا فاتته أمكنه أن يتداركها بخلاف الجمعة قد يقول قائل صلاة الجنازة أيضا إذا فاتته أمكنه أن يصلي على القبر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فنقول نعم هذا صحيح لكن لا سواء بين الصلاة على الميت وهو بين يديك وبين الصلاة على القبر ليس بينهما مساواة. مسألة: في المساجد الآن يخرج ويتيمم من قريب لآن المساجد الآن مفروشة. فصل

القارئ: والثاني طلب الماء شرط في الرواية المشهورة لقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) (النساء: من الآية43) ولا يقال لم يجد إلا لمن طلب ولأنه بدل فلم يجز العدول إليه قبل طلب المبدل كالصيام في الظهار وعنه ليس بشرط لأنه ليس بواجد قبل الطلب فيدخل في الآية وصفة الطلب أن ينظر يمينه وشماله وأمامه ووراءه وإن كان قريبا من حائل من ربوة أو حائط علاه فنظر حوله وإن رأى خضرة أو سواها استبرأها فإن كان معه رفيق سأله الماء فإن بذله له لزمه قبوله لأن المنة لا تكثر في قبوله وإن وجد ماء يباع بثمن المثل أو بزيادة غير مجحفة بماله وهو واجد للثمن غير محتاج إليه لزمه شراؤه كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة فإن لم يبذله له صاحبه لم يكن له أخذه قهرا وإن استغنى عنه صاحبه لأن له بدلا وإن علم بماء قريب لزمه قصده ما لم يخف على نفسه أو ماله أو فوت الرفقة أو الوقت وإن تيمم ثم رأى ركبا أو خضرة أو شيئا يدل على الماء أو سرابا ظنه ماء قبل الصلاة لزمه الطلب لأنه وجد دليل الماء ويبطل تيممه لأنه وجب عليه الطلب فبطل تيممه كما لو رأى ماء وإن رأى الركب ونحوه في الصلاة لم تبطل لأنه شرع فيها بطهارة متيقنة فلا يبطله بالشك. الشيخ: إذا رأى الركب في الصلاة فليستمر في صلاته ولا يبطل تيممه ولا صلاته لماذا؟ لأن وجود الماء مع هؤلاء الركب قد يكون متوفرا وقد لا يكون واليقين لا يزول بالشك. القارئ: الثالث دخول الوقت شرط لأنه قبل الوقت مستغن عن التيمم فلم يصح تيممه كما لو تيمم وهو واجد للماء وإن كان التيمم لنافلة لم يجز في وقت النهي عن فعلها لأنه قبل وقتها وإن تيمم لفائتة أو نافلة قبل وقت الصلاة ثم دخل الوقت بطل تيممه وإن تيمم لمكتوبة في وقتها فله أن يصليها وما شاء من النوافل قبلها وبعدها ويقضي فوائت ويجمع بين الصلاتين لأنها طهارة أباحت فرضا فأباحت سائر ما ذكرناه كالوضوء.

الشيخ: أحيانا يقيس على الوضوء وأحيانا لا يقيس الله المستعان. القارئ: ومتى خرج الوقت بطل التيمم في ظاهر المذهب لأنها طهارة عذر وضرورة فتقدرت بالوقت كطهارة المستحاضة وعنه يصلي بالتيمم حتى يحدث قياسا على طهارة الماء الشيخ: أيهما أصح؟ الرواية الثانية أصح أنه يبقى على طهارته حتى يحدث. السائل: إنسان نام عن الصلاة وقام بعد خروج الوقت فإن طلب الماء ذهب عليه وقت طويل هل يطلب الماء ويصلي أو يتيمم؟ الشيخ: لا بأس أن يطلب الماء إذا كان قريب. فصل القارئ: والأفضل تأخير التيمم إلى آخر الوقت إن رجا وجود الماء لقول علي رضي الله عنه في الجنب يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت ولأن الطهارة بالماء فريضة وأول الوقت فضيلة وانتظار الفريضة أولى وإن يئس من الماء استحب تقديمه لئلا يترك فضيلة متيقنة لأمر غير مرجو ومتى تيمم وصلى صحت صلاته ولا إعادة عليه وإن وجد الماء في الوقت لما روى عطاء بن يسار قال (خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد أجزأتك صلاتك وقال للذي أعاد لك الأجر مرتين) رواه أبو داود وقال قد روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح أنه مرسل ولأنه أدى فرضه بطهارة صحيحة فأشبه ما لو أداها بطهارة الماء.

الشيخ: إذا كان الإنسان يرجو أن يجد الماء فالأفضل أن يؤخر الصلاة حتى يصلي بالماء وإن علم وجود الماء فقيل كذلك الأفضل أن يؤخر وقيل بل يجب أن يؤخر لأنه بعلمه وجود الماء يكون فرضه أن يستعمل الماء فإن لم يرجو وجود الماء أو علم أنه لن يجد الماء فالأفضل أن يقدم الصلاة في أول وقتها فإذا صلى ثم وجد الماء بأن جاء به رجل مر به في الطريق وأعطاه ماءً أو أمطرت السماء فوجد الماء فإن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه وذكر قصة الرجلين الذين خرجا في حاجة فتيمما ثم وجدا الماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يعد أصبت السنة وقال للآخر لك الأجر مرتين وإنما جعل له الأجر مرتين لأنه أدى عبادة يظنها واجبة عليه فصار مأجورا على عمله لكن بعد أن يعلم الإنسان أن السنة عدم الإعادة فلوأعاد فإنه ليس له أجر لأنه خالف السنة. القارئ: فإن علم أن في رحله ماءً نسيه فعليه الإعادة لأنها طهارة واجبة فلم تسقط بالنسيان كما لو نسي عضوا لم يغسله وإن ضل عن رحله أو ضل عنه غلامه الذي معه الماء فلا إعادة عليه لأنه غير مفرط وإن وجد بقربه بئرا أو غديرا علامته ظاهرة أعاد لأنه مفرط في الطلب وإن كانت أعلامه خفية لم يعد لعدم تفريطه. فصل القارئ: فإن وجد ماء لا يكفيه لزمه استعماله وتيمم للباقي إن كان جنبا لقول الله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) (النساء: من الآية43) وهذا واجد وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري وقال إذا وجدت الماء فأمسه جلدك ولأنه مسح أبيح للضرورة فلم يبح في غير موضعها كمسح الجبيرة وإن كان محدثا ففيه روايتان إحداهما يلزمه استعماله لذلك والآخر لا يلزمه لأن الموالاة شرط يفوت بترك غسل الباقي فبطلت طهارته بخلاف غسل الجنابة الشيخ: والصحيح أنهما سواء فالصحيح أنه يستعمل ما وجد ويتيمم عن الباقي لعموم قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: من الآية16).

السائل: إذا كان في الراحلة ماء ونسي قلنا يعيد الصلاة وإن ضاعت الراحلة ثم رجعت إليه فلا يعيد الصلاة لأنه غير مفرط حتى في الحال الأولى هو ناسٍ غير مفرط؟ الشيخ: لكنه في موضع يستطيع أن يستعمله في رحله وأما الثانية فالأصل إنه غائب عنه وأنه عادم للماء. القارئ: وإن كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا غسل الصحيح وتيمم للجريح جنبا كان أو محدثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي أصابته الشجة (إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) رواه أبو داود لأن العجز هاهنا ببعض البدن وفي الإعواز العجز ببعض الأصل فاختلفا كما أن الحر إذا عجز عن بعض الرقبة في الكفارة فله العدول إلى الصوم ولو كان بعضه حرا فملك بنصفه الحر مالا لزمه التكفير بالمال ولم تكن كالتي قبلها. مسألة: الظاهر أن الأقرب وجوب التأخير لمن يعلم أنه سيجد الماء في آخر الوقت. فصل

القارئ: ويبطل التيمم بجميع مبطلات الطهارة التي تيمم عنها لأنه بدل عنها فإن تيمم لجنابة ثم أحدث منع ما يمنعه المحدث من الصلاة والطواف ومس المصحف لأن التيمم ناب عن الغسل فأشبه المغتسل إذا أحدث ويزيد التيمم بمبطلين أحدهما القدرة على استعمال الماء سواء وجدت في الصلاة أو قبلها أو بعدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك) دل بمفهومه على أنه ليس بطهور عند وجود الماء وبمنطوقه على وجوب استعماله عند وجوده ولأنه قدر على استعمال الماء فأشبه الخارج من الصلاة فعلى هذا إن وجده في الصلاة خرج وتوضأ واغتسل إن كان جنبا واستقبل الصلاة كما لو أحدث في أثنائها وعنه إذا وجده في الصلاة لم تبطل لأنه شرع في المقصود فأشبه المكفر يقدر على الإعتاق بعد شروعه في الصيام إلا أن المروذي روى عنه أنه قال كنت أقول إنه يمضي ثم تدبرت فإذا أكثر الأحاديث أنه يخرج وهذا يدل على رجوعه عن هذه الرواية والثاني خروج الوقت يبطلها لما ذكرناه فإن خرج وهو في الصلاة بطل كما لو أحدث ومن تيمم وهو لابس. مسألة: الراجح أنه إذا وجد الماء وهو يصلي بطل وضوؤه فتبطل الصلاة فيعيد من جديد على حسب ما روي عن الإمام أحمد أخيرا. القارئ: ومن تيمم وهو لابس خفا أو عمامة يجوز المسح عليهما ثم خلع أحدهما فقد ذكر أصحابنا أنه يبطل تيممه لأنه من مبطلات الوضوء ولا يقوى ذلك عندي لأنها طهارة لم يمسح عليهما فيها فلم تبطل بخلعهما كالملبوس على غير طهارة بخلاف الوضوء. الشيخ: الراجح ما قاله الموفق رحمه الله أنه لا يبطل لأنه لا علاقة للتيمم بطهارة الرجل إذ أن العضو الذي يطهر في التيمم هو الوجه والكفان. السائل: لو تيمم ثم لبس الخفين وأحدث فإذا وجد الماء فهل يتوضأ ويمسح على خفيه؟ الشيخ: إذا وجد الماء بطل التيمم كله لابد أن يتوضأ من جديد ويخلع الخفين ويغسل قدميه. فصل

القارئ: ويجوز التيمم في السفر الطويل والقصير وهو ما بين قريتين قريبتين لقوله تعالى (أَوْ عَلَى سَفَرٍ) (المائدة: من الآية6) ولأن الماء يعدم في القصير غالبا أشبه الطويل ويجوز في الحضر للمرض للآية ولأنه عذر غالب يتصل أشبه السفر وإن عدم الماء في الحضر لحبس تيمم ولا إعادة عليه لأنه في عدم الماء وعجزه عن طلبه كالمسافر وأبلغ منه فألحق به وإن عدمه لغير ذلك وكان يرجوه قريبا تشاغل بطلبه ولم يتيمم وإن كان ذلك يتمادى تيمم وصلى وأعاد لأنه عذر نادر غير متصل ويحتمل أن لا يعيد لأنه في معنى عادم الماء في السفر فألحق به الشيخ: هذا هو المتعين أنه لا يعيد لأن الله لم يوجب العبادة مرتين. القارئ: وإن كان مع المسافر ماء فأراقه قبل الوقت أو مر بماء قبل الوقت فتركه ثم عدم الماء في الوقت تيمم وصلى ولا إعادة عليه لأنه لم يخاطب باستعماله وإن كان ذلك في الوقت ففيه وجهان أحدهما تلزمه الإعادة لأنه مفرط والثاني لا تلزمه لأنه عادم للماء أشبه ما قبل الوقت الشيخ: الصحيح أنه لا تلزمه الإعادة إلا إذا تعمد إراقة الماء ليتيمم كما لو فرض أن الوقت بارد ومعه ماء يمكن أن يتوضأ به فقال أنا ما أريد أن أتوضأ في البرد فأراقه لأجل أن يتيمم فهذا عليه الإعادة أما إذا أراقه مثلا لسبب آخر ثم أراد أن يصلي ولم يجد ماءً فليتيمم ولا إعادة عليه. السائل: الذي يريق الماء ليتيمم لبرودة الجو ثم لم يجد ماء ماذا يفعل؟ الشيخ: عليه أن يتيمم ويصلي ويعيد متى وجد الماء حتى ولو خرج الوقت. فصل

القارئ: ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد لقوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (المائدة: من الآية6) وما لا غبار له لا يمسح شيء منه وقال ابن عباس الصعيد تراب الحرث والطيب هو الطاهر وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أعطيت ما لم يعط نبي من أنبياء الله تعالى قبلي جعل لي التراب طهورا) رواه الشافعي في مسنده ولو كان غيره طهورا ذكره فيما من الله به عليه. الشيخ: يقال في الجواب عن هذا الاستدلال إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في حديث أصح من هذا (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) وقوله (الأرض) هذا عام وعلى فرض أن هذا الحديث صح بهذا اللفظ التراب فإنه كما قال العلماء هذا مفهوم لقب لا مفهوم له فيقال التراب جعل طهورا والحصى جعل طهورا وأشكل ما يكون (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (المائدة: من الآية6) فإن قوله منه يدل على أنه لابد أن يكون له تراب لكن المخالفين يقولون إن من هنا ليست للتبعيض بل هي بيانية أو ابتدائية والمعنى اجعلوا مسحكم من هذا الصعيد وليست للتبعيض وهذا القول الثاني أصح أنه يجوز التيمم بما على ظهر الأرض سواء كان فيه تراب أم لم يكن لعموم الآية والحديث ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر في أوقات الأمطار ويسافر إلى جهات فيها رمل ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للناس لا تتيمموا بل كانوا يتيممون بكل ما على الأرض. السائل: هل يجوز التيمم على الفرش أو على الجدران؟ الشيخ: ما يجوز مادام توجد الأرض. السائل: وإذاكانت الأرض ممطرة؟ الشيخ: وإذا كانت ممطرة فالممطرة أحسن من الفراش إلا إذا كان فيه غبار فهذا قد يقول قائل إن هذا لا بأس به.

القارئ: وعنه يجوز التيمم بالرمل والسبخة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) رواه البخاري ومسلم وقال ابن أبي موسى إن لم يجد غيرهما تيمم بهما وإن دق الخزف أو الحجارة وتيمم به لم يجزئه لأنه ليس بتراب وإن خالط التراب جص أو دقيق أو زرنيخ فحكمه حكم الماء إذا خالطته الطاهرات وإن خالطه مالا يعلق باليد كالرمل والحصى لم يمنع التيمم به لأنه لا يمنع وصول الغبار إلى اليد وإن ضرب بيده على صخرة عليها غبار أو حائط أو لُبَد أو حائط فعلا يديه غبار أبيح التيمم به لأن المقصود التراب الذي يمسح به وجهه ويديه وقد روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم (ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه) رواه أبو داود. القارئ: ولا بأس أن يتيمم الجماعة من موضع واحد كما يتوضؤون من حوض واحد وإن تناثر من التراب عن العضو بعد استعماله شيء احتمل أن يمنع من استعماله مرة ثانية لأنه كالماء المستعمل واحتمل أن يجوز لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل نجسا بخلاف الماء. فصل القارئ: فإن عدم الماء والتراب ووجد طينا لم يستعمله وصلى على حسب حاله ولم يترك الصلاة لأن الطهارة شرط فتعذرها لا يبيح ترك الصلاة كالسترة والقبلة وفي الإعادة روايتان إحداهما لا تلزمه لأن الطهارة شرط فأشبهت السترة والقبلة والثانية تلزمه لأنه عذر نادر غير متصل أشبه نسيان الطهارة الشيخ: الصحيح الأول أنه لا إعادة. السائل: قول المؤلف (كالسترة) ما مراده؟ الشيخ: لا يريد سترة المصلي يريد الثوب الذي يستر به. مسألة: القول الراجح في السترة التي يصلى إليها أنها ليست بواجبة. فصل القارئ: إذا اجتمع جنب وميت وحائض معهم ماء لأحدهم لا يفضل عنه فهو أحق به ولا يجوز أن يؤثر به لأنه واجد للماء فلم يجزئه التيمم فإن آثر به وتيمم لم يصح تيممه مع وجوده لذلك وإن استعمله الآخر فحكم المؤثر به حكم من أراق الماء.

الشيخ: سبق الكلام على الإيثار وبينا أن الإيثار بالواجبات لا يجوز كهذه المسألة إذا كان عند الإنسان ماء يكفيه لوضوئه ومعه آخر فإنه لا يجوز أن يؤثره بهذا الماء أما الإيثار بالمستحبات فقلنا إنه ينظر لما هو أصلح وأنفع مثل أن يؤثره بالصف الأول فهنا نقول إن رأى مصلحة في ذلك وإلا فلا يؤثر لأنه ينبئ عن عدم رغبة في الخير وأما إذا وجد مصلحة أكبر من هذا مثل أن يكون الذي آثره أباه فهنا قد نقول الإيثار أفضل وأما الإيثار بالمباحات فهو مباح في الأصل وقد يكون مطلوبا وقد يكون غير مطلوب حسب ما تقتضيه الحال فهذه ثلاثة أقسام في حكم الإيثار. القارئ: وإن كان الماء لهم فهم فيه سواء وإن وجدوه فهو للأحياء دون الميت لأنه لا وجدان له وإن كان لغيرهم فأراد أن يجود به فالميت أولى به لأن غسله خاتمة طهارته وصاحباه يرجعان إلى الماء ويغتسلان وإن فضل عنه ما يكفي أحدهما فالحائض أحق به لأن حدثها آكد وتستبيح بغسلها ما يستبيحه الجنب وزيادة الوطء وإن اجتمع على رجل حدث ونجاسة فغسل النجاسة أولى لأن طهارة الحدث لها بدل مجمع عليه بخلاف النجاسة وإن اجتمع محدث وجنب فلم يجدا إلا ما يكفي المحدث فهو أحق به لأنه يرفع جميع حدثه وإن كان يكفي الجنب وحده فهو أحق به لما ذكرنا في الحائض وإن كان يفضل عن كل واحد منهما فضلة لا تكفي صاحبه ففيه ثلاثة أوجه أحدهما يقدم الجنب لما ذكرنا والثاني المحدث لأن فضلته يلزم الجنب استعمالها فلا تضيع بخلاف فضلة الجنب والثالث التسوية لأنه تقابل الترجيحان فتساويا فيدفع إلى من شاء منهما أو يقرع بينهما والله أعلم.

الشيخ: إذا اجتمع محدث وجنب فلم يجدا إلا ما يكفي المحدث فهو أحق به وعلل ذلك بتعليل واضح لأنه إذا استعمله محدث يعني في حدث أصغر ارتفع حدثه بخلاف الجنب وإن كان يكفي الجنب وحده فهو أحق به لما ذكرنا في الحائض يعني لأنه إذا كان يكفي الجنب وحده فهو أحق من المحدث لأنه يستبيح به ما لا يسبيحه المحدث يستبيح مثل قراءة القرآن والمحدث لا تحرم عليه قراءة القرآن ويستبيح به اللبث بالمسجد والمحدث لا يحرم عليه اللبث بالمسجد المهم أنه له مزية فلهذا قدم على المحدث كما قلنا في الحائض هي أولى من الجنب لأنها تستبيح به ما لا يستبيح الجنب وهو الوطء مثلاً وإن كان يفضل عن كل واحد منهما فضلة يعني عن الجنب وعن المحدث لا تكفي صاحبه ففيه ثلاثة أوجه أحدها يقدم الجنب لما ذكرنا ما الذي ذكرنا؟ أنه يستبيح به ما لا يستبيحه المحدث والثاني المحدث لأنه إذا استعمله المحدث وبقي بقية لزم الجنب استعمالها بخلاف العكس ولهذا قال فلا تضيع بخلاف فضلة الجنب وهذا بناءً على أن المحدث حدثا أصغر إذا وجد ماءً يكفي بعض طهره فإنه لا يستعمله ويتيمم ولكن المذهب أنه يستعمله ويتيمم للباقي وسبق الكلام والخلاف في هذا والثالث التسوية وإذا كانا سواء فيدفع إلى من شاء منهما أو يقرع بينهما والظاهر الوجه الأول أنه يقدم الجنب. السائل: لو كان هناك محدثان حدثاً أصغر وبينهما ماءً يملكانه إن توضأ كلاهما من هذا الماء فلن يكفيهما ولو تبرع أحدهما لصاحبه كفاه الوضوء وتيمم الآخر؟ الشيخ: هذا يقرع إذا كان الماء لاثنين ولا يكفي إلا طهر أحدهما فيقرع بينهما لأنه لا يمكن أن يرفع الحدث عن الاثنين جميعا ولا يمكن أن نخص به أحدهما فيقرع بينهما. السائل: لو قال سنتوضأ من الماء وما بقي نتيمم به؟ الشيخ: لا لا يصلح لأنه لا يكفي إلا طهارة كاملة لأحدهما فيقرع بينهما. السائل: إذا وجدت زوجة إناء فيه ماء وجاء زوجها وهو إمام فأيهما أحق؟ الشيخ: الزوجة.

باب الحيض

السائل: وإن كان هو إمام يصلي بها؟ الشيخ: وإن كان إمام لأنه يجوز أن يكون الإمام متيمما والمأموم متوضأ. باب الحيض القارئ: وهو دم ترخيه الرحم يخرج من المرأة في أوقات معتادة يتعلق به ثلاثة عشر حكما. الشيخ: قوله دم ترخيه الرحم يعني هو دم طبيعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) فهو طبيعة من أول بنت من بنات آدم وهي تحيض وقوله في أوقات معتادة هذا هو المعروف أنه يعتاد الأنثى إما في أول الشهر أو في وسطه أو في آخره وقوله يتعلق به ثلاثة عشر حكما هذا جيد لأنه يحصر الأحكام وسيأتينا إن شاء الله أن هناك أحكام أخرى لم يتكلم عليها المؤلف. القارئ: أحدها تحريم فعل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة) متفق عليه، والثاني سقوط فرضها لقول عائشة رضي الله عنها (كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) متفق عليه. الشيخ: قد يقول قائل الأول قد يغني عن الثاني لأنه إذا حرم فعلها سقط فرضها ولكنا نجيب عن هذا بأن الصوم يحرم على الحائض ولا يسقط قضاؤه فهذا هو الفرق بين الأول والثاني. القارئ: والثالث تحريم الصيام ولا يسقط لوجوبه لحديث عائشة وقول النبي صلى الله عليه وسلم (أليست إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل قلن بلى) رواه البخاري. والرابع تحريم الطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إذ حاضت (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي حتى تطهري) متفق عليه. والخامس تحريم قراءة القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن) رواه أبو داود والترمذي. والسادس تحريم مس المصحف لقوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم (لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر) رواه الأثرم. والسابع تحريم اللبث في المسجد لما ذكرنا من قبل في باب الغسل.

والثامن تحريم الطلاق لما نذكره في النكاح. والتاسع تحريم الوطء في الفرج لقوله تعالى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) ولا يحرم الاستمتاع بها في غير الفرج لقول النبي (اصنعوا كل شيء غير النكاح) رواه مسلم وقالت عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض) متفق عليه ولأنه وطء حرم للأذى فاختص بمحله كالوطء في الدبر. والعاشر منع صحة الطهارة لأنه حدث يوجب الطهارة فاستمراره يمنع صحتها كالبول. الشيخ: معناه لو أن الحائض اغتسلت لجنابة مثلا فإنها لا تطهر بذلك لأن الحدث مستمر وكذلك لو تطهرت عن حدث أصغر فإنه لا تطهر بذلك لأن الحدث مستمر. القارئ: والحادي عشر وجوب الغسل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي) متفق عليه. الثاني عشر وجوب الاعتداد به لما نذكره في العدد.

الثالث عشر حصول البلوغ به لما نذكره في موضعه فإذا انقطع دمها ولما تغتسل زالت أربعة أحكام سقوط فرض الصلاة لأن سقوطه بالحيض قد زال ومنع صحة الطهارة لذلك وتحريم الصيام لأن وجوب الغسل لا يمنع فعله كالجنابة وتحريم الطلاق لأن تحريمه لتطويل العدة وقد زال هذا المعنى وسائر المحرمات باقية لأنها تثبت في حق المحدث الحدث الأكبر وحدثها باق وتحريم الوطء باق لأن الله تعالى قال (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) قال مجاهد حتى يغتسلن فإن لم تجد الماء تيممت وحل وطؤها لأنه قائم مقام الغسل فحل به ما يحل بالغسل وإن تيممت للصلاة حل وطؤها لأن ما أباح الصلاة أباح ما دونها وإن وطيء الحائض قبل طهرها فعليه كفارة نصف دينار لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) قال أبو داود كذا الرواية الصحيحة وعن أحمد لا كفارة فيه لأنه وطء حرم للأذى فلم تجب به كفارة كالوطء في الدبر والحديث توقف فيه أحمد للشك في عدالة راويه فإن وطئها بعد انقطاع دمها فلا كفارة عليه لأن حكمه أخف ولم يرد الشرع بالكفارة فيه. الشيخ: لكنه حرام أي الوطء بعد الطهارة من الحيض وقبل الاغتسال محرم لأن الله قال (حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) ولم يقل حتى يطهرن فإذا طهرن فالأول (حَتَّى يَطْهُرْنَ) حتى ينقطع حيضها والثانية (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) أي اغتسلن لأن التطهر هو الاغتسال لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) أي تطهروا وأما من زعم بأن المراد (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) أي تطهرن من الحيض أي من آثاره وذلك بغسل الفرج وما أصابه الدم فإن قوله ضعيف لأن الأصل حمل الطهارة على معناها الشرعي. السائل: إذا قلنا بالكفارة هل هي على التخيير أو بحسب إيسار الشخص وإعساره؟ الشيخ: الصحيح أنها على التخيير إذا قلنا بوجوب الكفارة. فصل

القارئ: وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين فإن رأت قبل ذلك دما فليس بحيض ولا يتعلق به أحكامه لأنه لم يثبت في الوجود لامرأة حيض قبل ذلك وقد روي عن عائشة أنها قالت (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة). الشيخ: المؤلف لم يستدل على عدم الحيض قبل تسع سنين إلا بالوجود والحقيقة أن نفي الوجود صعب لأن الإنسان لم يطلع على كل امرأة من النساء حتى يقول لأنه لم يوجد ولهذا ذهب شيخ الإسلام رحمه إلى أنه لا حد لأقل السن الذي تحيض به المرأة فإن المرأة ربما تكون كبيرة الجسم سريعة النمو فيحصل منها الحيض في سن مبكر وربما يكون الأمر بالعكس فيتأخر والذي ذهب إليه شيخ الإسلام هو الصحيح وصحيح أن حيضها قبل تسع سنين نادر ولكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن أن يقع. القارئ: وأقل الحيض يوم وليلة وعنه يوم لأن الشرع علق على الحيض أحكاما ولم يبين قدره فعلم أنه رده إلى العادة كالقبض والحرز وقد وجد حيض معتاد يوما ولم يوجد أقل منه قال عطاء رأيت من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر قال أبو عبد الله الزبيري كان في نسائنا من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما وأكثره خمسة عشر يوما لما ذكرنا وعنه سبعة عشر يوما. الشيخ: هذا أيضا لا دليل عليه فلا دليل على أن أقله يوم وليلة ولا أن أكثره خمسة عشر يوما والعادة تختلف وقد بلغني أن من النساء من تأتيها الحيضة شهرا كاملا وتطهر ثلاثة أشهر كاملة يعني كأنها تحيض كل شهر سبعة أيام لكنها تجتمع فتبقى طاهرا ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر ثم تحيض شهرا كاملا فالصواب أن المرجع في ذلك إلى وجود الحيض لأن الله علق أحكام الحيض بالأذى فمتى وجد هذا الأذى ثبت الحيض وثبتت أحكامه.

القارئ: وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما لما روي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن امرأة ادعت انقضاء عدتها في شهر فقال لشريح قل فيها فقال إن جاءت ببطانة من أهلها يشهدون أنها حاضت في شهر ثلاث مرات تترك الصلاة فيها وإلا فهي كاذبة قال فقال علي قالون يعني جيداً وهذا اتفاق منهما على إمكان ثلاث حيضات في شهر ولا يمكن إلا بما ذكرنا من أقل الحيض وأقل الطهر وعنه أقله خمسة عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي) رواه البخاري (¬1) وليس لأكثره حد. الشيخ: لأكثره يعني لأكثر الطهر بين الحيضتين فإن من النساء من تحيض فتبقى شهرا أو شهرين لا تحيض فأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما ولا حد لأكثره وقال ورواية أخرى عن أحمد أن أقل الطهر خمسة عشر يوما وهذا من أحمد يدل على أنه ليس عنده توقيت في هذا الأمر والمرجع في ذلك إلى العادة فإذا قدر أن امرأة من النساء اعتادت أن تطهر اثني عشر يوما ثم تحيض أربعة أيام ثم تطهر اثني عشر يوما ثم تحيض أربعة أيام وهذا عادتها مطردة فإنها عادة وإن كانت تخالف أكثر النساء لكن مادامت مطردة على هذا الوجه فهي عادة. القارئ: وغالب الحيض ست أو سبع لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش (تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوما أو ثلاثة وعشرين كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن) حديث حسن، وغالب الطهر أربعة وعشرون أو ثلاثة وعشرون لهذا الحديث. ¬

_ (¬1) الحديث ليس في البخاري، قال البيهقي في معرفة السنن (2/ 145) طلبته كثيراً فلم أجده في كتب أصحاب الحديث ولم أجد له إسناداً بحال، وقال ابن الجوزي في التحقيق (1/ 263) ((وهذا لفظ لا أعرفه)) وقال الحافظ في التلخيص (1/ 278): لا أصل له بهذا اللفظ وقال النووي في شرحه: باطل لا يعرف وقال في الخلاصة: باطل لا أصل له، وقال المنذري لا يوجد له إسناد بحال.

السائل: أحسن الله إليك الاستدلال بهذا الحديث تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي على أن أقله خمسة عشر يوما صحيح. الشيخ: نعم واضح وشطر عمرها يعني نصف الدهر إذاً نصف الدهر حيض ونصف الدهر طهر خمسة عشر يوما حيض وخمسة عشر يوما طهر. السائل: ماذا تفيد (أو) في حديث (تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام)؟ الشيخ: هذه للتنويع فتنظر إلى أقرب عادة نسائها هل هي ستة أو سبعة. القارئ: وإذا بلغت المرأة ستين عاما يئست من المحيض لأنه لم يوجد لمثلها حيض معتاد فإن رأت دما فهو دم فاسد وإن رأته بعد الخمسين ففيه روايتان إحداهما هو دم فاسد أيضا لأن عائشة قالت (إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض) والثانية إن تكرر بها الدم فهو حيض وهذا أصح لأنه قد وجد ذلك وعنه أن نساء العجم ييأسن في خمسين ونساء العرب إلى ستين لأنهن أقوى جبلة وقال الخرقي إذا رأت الدم ولها خمسون سنة فلا تدع الصلاة ولا الصوم وتقضي الصوم احتياطا وإن رأته بعد الستين فقد زال الإشكال فتصوم وتصلي ولا تقضي والحامل لا تحيض فإن رأت دما فهو دم فاسد لقول النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس (لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة) يعني تستعلم براءتها من الحمل بالحيضة فدل على أنها لا تجتمع معه الشيخ: حاصل هذه الفصول أن أقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنوات وأكثر سن ستون سنة أو خمسون سنة أو التفريق بين نساء العرب ونساء العجم هذا بالنسبة للسن وبالنسبة للحيض أقله يوم وليلة أو يوم وأكثره خمسة عشر يوما أو سبعة عشر يوما وغالبه ستة أيام أو سبعة هذا بالنسبة لمدة الحيض وبالنسبة للطهر أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما أو خمسة عشر يوما على الخلاف وأما أكثر الطهر بين الحيضتين فلا حد له. السائل: هذه المرأة التي ذكرت أنها تحيض شهراً كاملاً هل نقول تستمر عدتها وتكون تسعة أشهر أو يعتبر مجموع الشهر يقدر من القدر شهر؟

الشيخ: لا لابد تحيض لأننا لو قلنا بالعادة صار عدتها ثلاثة أشهر فلو طلقت عند طهرها من الحيض فإنها تتم العدة المعتادة ثلاثة أشهر. مسألة: الاعتماد على الوجود غير صحيح بل نقول إن ما خرج عن الوجود فيعتبر نادرا يعني لو حاضت قبل تسع سنين لا نقول هذا ليس بحيض بل نقول هذا نادر. فصل القارئ: والمبتدأ بها الدم في سن تحيض لمثله تترك الصلاة والصوم لأن دم الحيض جبلة وعادة ودم الفساد عارض لمرض ونحوه والأصل عدمه. الشيخ: الحامل أيضا لا تحيض فإن رأت الدم فهو دم فساد تصلي وتصوم ويأتيها زوجها إلا ما رأته عند الولادة قبل الولادة بيوم أو يومين مع الطلق فهذا نفاس واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن الحامل قد تحيض وذلك إذا استمر حيضها على ما هو عليه قبل الحمل مطردا فإن هذا يقع أحيانا في أوائل الحمل تبقى الحامل في أوائل الحمل تحيض ثم بعد ذلك إذا كبر الجنين انقطع الدم هكذا قال شيخ الإسلام رحمه الله ويذكر أن الأطباء يقولون إن الحامل لا يمكن أن تحيض حسب ما علموا من الطب فإن ثبت هذا فالمرجع في ذلك إلى الطبيعة نقول إذاً لا تحيض وما تراه من الدم فإنه دم فساد. السائل: بالنسبة للولادة هل هي متعلقة بالحيض وجودا وعدما؟ الشيخ: لا قد تحمل المرأة قبل أن تحيض. السائل: هل تنقطع الولادة بانقطاع الحيض؟ الشيخ: هذا هو الغالب أنها إذا كبرت وانقطع الحيض ما عاد تحمل. القارئ: فإن انقطع لدون يوم وليلة فهو دم فساد وإن بلغ ذلك جلست يوما وليلة فإن انقطع دمها لذلك اغتسلت وصلت وكان ذلك حيضها.

الشيخ: الآن إذا صار دون يوم وليلة فهو دم فساد وإذا كان يوما وليلة فقط ثم طهرت بعد اليوم والليلة فالأمر واضح تغتسل وتصلي وإن زاد على يوم وليلة فهذه فيها الرواية التي ذكر المؤلف رحمه الله فأحوال المرأة المبتدأة ما هي المبتدأة؟ هي التي أول مرة تحيض إن كان دمها أقل من يوم وليلة فهو دم فساد لا عبرة به ولا يثبت له أحكام الحيض من بلوغ أو غسل أو غير ذلك وإن كان يوماً وليلة فقط بدون زيادة أو نقص فهذا حيض وإن زاد على اليوم والليلة فإنها تجلس اليوم والليلة لأنه متيقن وما زاد على ذلك ففيه كما قال المؤلف أربع روايات. القارئ: وإن زاد عليه ففيه أربع روايات أشهرهن أنها تغتسل عقيب اليوم والليلة وتصلي لأن العبادة واجبة بيقين وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا تسقطها بالشك فإن انقطع دمها ولم يعبر أكثر الحيض اغتسلت. الشيخ: يعبر يعني يتجاوز. القارئ: اغتسلت غسلا ثانيا ثم تفعل ذلك في شهر آخر وعنه تفعله في شهرين آخرين فإن كان في الأشهر كلها مدة واحدة علمت أن ذلك حيضها فانتقلت إليه وعملت عليه وأعادت ما صامت من الفرض فيه لأننا تبينا أنها صامته في حيضها والثانية تجلس ما تراه من الدم إلى أكثر الحيض لأنه دم يصلح حيضا فتجلسه كاليوم والليلة والثالثة تجلس ستا أو سبعا لأن الغالب من النساء هكذا يحضن ثم تغتسل وتصلي والرابعة تجلس عادة نسائها لأن الغالب أنها تشبههن في جميع ذلك الشيخ: الراجح عندنا في هذه المسائل كلها أنها تجلس حتى تطهر لأن الأصل أنه حيض. فصل

القارئ: والمبتدأ بها الدم في سن تحيض لمثله تترك الصلاة والصوم لأن دم الحيض جبلة وعادة ودم الفساد عارض لمرض ونحوه والأصل عدمه فإن انقطع لدون يوم وليلة فهو دم فساد وإن بلغ ذلك جلست يوما وليلة فإن انقطع دمها لذلك اغتسلت وصلت وكان ذلك حيضها وإن زاد عليه ففيه أربع روايات أشهرهن أنها تغتسل عقيب اليوم والليلة وتصلي لأن العبادة واجبة بيقين وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا تسقطها بالشك فإن انقطع دمها ولم يعبر أكثر الحيض اغتسلت غسلا ثانيا ثم تفعل ذلك في شهر آخر وعنه تفعله في شهرين آخرين فإن كان في الأشهر كلها مدة واحدة علمت أن ذلك حيضها فانتقلت إليه وعملت عليه وأعادت ما صامت الفرض فيه لأننا تبينا أنها صامته في حيضها. الشيخ: وهذه الرواية ضعيفة لأن عللها كلها عليلة يقول ما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فيقال هنا لا شك لأن الدم منتظم وعلى حال واحدة والأصل أنه حيض وأنه هو دم الطبيعة ثم قوله إنها إذا تكرر مرتين أو ثلاثا تقضي ما صامته فيه يستلزم أن نوجب الصيام عليها مرتين ولم يوجب الله على عباده أن يصوموا مرتين ولا أن يصلوا مرتين فهذا القول ضعيف والإنسان سوف يسأله الله عز وجل يوم القيامة لماذا أوجبت على عبادي أن يصلوا مرتين أو أن يصوموا مرتين ولا جواب على هذا إذاً نقول المبتدأة بالدم تبقى على أن الدم حيض. القارئ: والثانية تجلس ما تراه من الدم إلى أكثر الحيض لأنه دم يصلح حيضا فتجلسه كاليوم والليلة. الشيخ: هذا أحسن من الأول بكثير أنها تجلس إلى أن يبلغ أكثر الحيض فإذا بلغ أكثره صارت أكثر مدتها ذاتُ دم وإذا كان أكثر المدة دما فإنها تكون مستحاضة فهذه الرواية أحسن بكثير من الرواية التي قبلها. القارئ: والثالثة تجلس ستا أو سبعا لأن الغالب من النساء هكذا يحضن ثم تغتسل وتصلي. الشيخ: هذه أضعف من الرواية التي قبلها لكنها أقوى من الرواية الأولى التي هي الأشهر.

القارئ: والرابعة تجلس عادة نسائها لأن الغالب أنها تشبههن في جميع ذلك فإذا انقطع الدم لأكثر الحيض فما دونه وتكرر صار عادة فانتقلت إليه وأعادت ما صامته من الفرض فيه. الشيخ: هذا بناءً على الرواية الضعيفة أنها تعيد ما صامته من الفرض والصحيح أنها لا تعيد إذاً فالقول الصحيح أنها إذا أتاها الدم أول ما يأتيها فإنها تجلس لا تصوم ولا تصلي حتى يتجاوز أكثر الحيض وهو خمسة عشر يوما فإذا تجاوز أكثر من خمسة عشر يوما صار زمانها أكثره دم وإذا كان أكثره دم فإنها تكون مستحاضة فتغتسل عند تمام الخمسة عشر يوما وتصوم وتصلي لأنها مستحاضة فإذا جاءها مرة ثانية من الشهر الثاني فإنها تجلس إما عادة غالب النساء وإما عادة نسائها كالمستحاضة تماماً. السائل: بالنسبة للخمسة عشر يوماً من أين أخذنا هذا التحديد؟ الشيخ: لا ما فيه حد لكن ما زاد على خمسة عشر يوما يقتضي أن يكون أكثر زمنها دما وهذا كما قالت المرأة للرسول عليه الصلاة والسلام (إني استحاض حيضة شديدة كبيرة تمنعني الصلاة) فأمرها أن تجلس عادة غالب النساء.

القارئ: وإن عبر دمها أكثر الحيض علمنا استحاضتها فننظر في دمها فإن كان متميزا بعضه أسود ثخين منتن وبعضه رقيق أحمر وكان الأسود لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فهذه مدة حيضها زمن الدم الأسود فتجلسه فإذا خلفته اغتسلت وصلت لما روي أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت يا رسول الله (إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا إنما ذلك عرق ليس بالحيض فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) متفق عليه يعني بإقباله سواده ونتنه وبإدباره رقته وحمرته وفي لفظ (إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الأحمر فتوضئي إنما هو عرق) رواه النسائي، وقال ابن عباس ما رأت الدم البحراني فإنها تدع الصلاة إنها والله لن ترى الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة ماء اللحم ولأنه خارج من الفرج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني والمذي وإن لم تكن مميزة جلست من كل شهر ستة أيام أو سبعة لما روي أن حمنة بنت جحش قالت (يا رسول الله إني أستحاض حيضة شديدة منكرة قد منعتني الصوم والصلاة فقال لها تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن) رواه الترمذي وقال حديث حسن وذكر أبو الخطاب في المبتدأة هذه الروايات الأربع وحكي عن ابن عقيل في المبتدأة المميزة أنها تجلس بالتمييز في أول مرة لما ذكرنا من الأخبار ولأن التمييز يجري مجرى العادة والمعتادة تجلس عدة أيام عادتها كذلك المميزة.

الشيخ: هنا ما ذكر أنها ترجع للعادة لأن هذا في المبتدأة يعني المرأة أول ما جاءها الحيض نقول على القول الصحيح تبقى لا تصوم ولا تصلي إلى متى؟ حتى يزيد على خمسة عشر يوما فإذا زاد على خمسة عشر يوما قلنا اغتسلي وصلي وصومي رمضان فإذا جاء الشهر الثاني فاجلسي غالب عادة النساء إلا أن يكون لها تمييز فإنها تجلس ما يتميز به الدم وما هو التمييز؟ التميز يحصل بثلاثة أمور يحصل باللون ويحصل بالغلظة ويحصل بالرائحة أما اللون فإن لون دم الحيض أسود ودم الاستحاضة أحمر وأما بالغلظة فإن دم الحيض غليظ ودم الاستحاضة رقيق وأما بالرائحة فإن دم الحيض منتن ودم الاستحاضة غير منتن لأن دم الاستحاضة دم عرق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهناك فرق رابع ذكره بعض الأطباء المتأخرين إن تجمد فهو استحاضة وإن لم يتجمد فهو حيض يعني إذا نزل هذا الدم ثم تجمد وصار مثل الكبد فإنه استحاضة وإن لم يتجمد فهو حيض وعلل ذلك بأن دم الحيض يتجمد في الرحم أولاً ثم يخرج بعد أن يتجمد فلا يتجمد مرة ثانية إن صح هذا فهو فرق واضح والخلاصة الآن امرأة جاءها الحيض أول مرة ماذا نقول لها على القول الراجح؟ تبقى حتى يتجاوز دمها خمسة عشر يوما فإذا تجاوز خمسة عشر يوما اغتسلت وصلت فإذا جاء هذا الدم في الشهر الثاني فإن كان لها تمييز عملت به. فتجلس هذا التمييز وإذا لم يكن لها تمييز بأن كان دمها مستمر على وتيرة واحدة فإنها تجلس عادة غالب النساء ستة أيام أو سبعة أيام. السائل: هل تجلس عادة غالب النساء أو غالب نسائها؟ الشيخ: لا غالب النساء ستة أيام أو سبعة وبعضهم يرى أنها ترجع إلى عادة نسائها لكن ظاهر السنة أنها تجلس عادة غالب النساء. مسألة: لو فرضنا أن المبتدأة لم يأتيها الحيض الشهر الثاني وأخذت ثلاثة أشهر ثم جاءها الحيض شهر فهو عادة. فصل

القارئ: وإن استقرت لها عادة فما رأت من الدم فيها فهو حيض سواء كانت كدرة أو صفرة أو غيرهما لما روى مالك عن علقمة عن أمه أن النساء كن يرسلن بالدرجة فيها الشيء من الصفرة إلى عائشة فتقول لا تصلين حتى ترين القصة البيضاء قال مالك واحمد هو ماء أبيض يتبع الحيضة ولأنه دم في زمن العادة أشبه الأسود. الشيخ: إن استقرت لها عادة فما رأت من الدم فيها فهو حيض سواء كان كدرة أو صفرة أو غيرهما لما روى مالك عن علقمة عن أمه أن النساء كن يرسلن بالدرجة فيها الشيء من الصفرة إلى عائشة والدرجة شيء مثل الخرقة أو منديل أو شبه ذلك فيها شيء من الصفرة فتقول لا تصلين حتى ترين القصة البيضاء قال مالك وأحمد هو ماء أبيض يتبع الحيضة ولأنه دم في زمن العادة أشبه الأسود هذه القصة البيضاء علامتها أنها إذا احتشت بقطنه فإنها تخرج بقطنه بيضاء ما فيها لون من الدم. مسألة: بعض النساء ما لهن قصة بيضاء. القارئ: فإن تغيرت العادة لم تخل من ثلاثة أقسام أحدها أن ترى الطهر قبل تمامها فإنها تغتسل وتصلي لأن ابن عباس قال لا يحل لها ما رأت الطهر ساعة إلا أن تغتسل ولأنها طاهر فتلزمها الصلاة كسائر الطاهرات. الشيخ: إن تغيرت العادة يعني بزيادة أو نقص أو انتقال من أول الشهر إلى آخره يقول لم تخل من ثلاثة أقسام أحدها أن ترى الطهر قبل تمامها أي قبل تمام العادة مثل أن تكون عادتها سبعة أيام فتطهر لخمسة أيام يقول المؤلف رحمه الله فإنها تغتسل وتصلي لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا يحل لها ما رأت الطهر ساعة إلا أن تغتسل ولأنها طاهر فتلزمها الصلاة كسائر الطاهرات وهذا صحيح. القارئ: وإن عاودها الدم في عادتها ففيه روايتان إحداهما تتحيض فيه وهي الأولى لأنه دم صادف العادة فكان حيضا كالأول والثانية لا تجلسه حتى يتكرر لأنه جاء بعد طهر فلم يكن حيضا بغير تكرار كالخارج عن العادة. الشيخ: والصحيح الأول أنه إذا عاد فهو حيض.

القارئ: وإن عاودها بعد العادة وعبر أكثر الحيض فهو استحاضة وإن لم يعبر ذلك وتكرر فهو حيض وإلا فلا لأنه لم يصادف عادة فلا يكون حيضا بغير تكرار. القسم الثاني أن ترى الدم في غير عادتها قبلها أو بعدها مع بقاء عادتها أو طهرها فيها أو في بعضها فالمذهب أنها لا تجلس ما خرج عن العادة حتى يتكرر وفي قدره روايتان إحداهما ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (دعي الصلاة أيام أقرائك) وأقل ذلك ثلاثا والثانية مرتان لأن العادة مأخوذة من المعاودة وذلك يحصل بمرتين فعلى هذا تصوم وتصلي فيما خرج عن العادة مرتين أو ثلاثا فإذا تكرر انتقلت إليه وصارت عادة وأعادت ما صامته من الفرض فيه لأنا تبينا أنها صامته في حيضها قال الشيخ رحمه الله تعالى ويقوى عندي أنها تجلس متى رأت دما يمكن أن يكون حيضا وافق العادة أو خالفها لأن عائشة رضي الله عنها قالت لا تعجلي حتى ترين القصة البيضاء ولم تقيده بالعادة فظاهر الأخبار تدل على أن النساء كن يعددن ما يرينه من الدم حيضا من غير افتقاد عادة ولم ينقل عنهن ذكر العادة ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان لها ولا استفصال عنها إلا في التي قالت إني استحاض فلا أطهر وشبهها من المستحاضات أما في امرأة يأتي دمها في وقت يمكن أن يكون حيضا ثم تطهر فلا والظاهر أنهن جرين على العرف في اعتقاد ذلك حيضا ولم يأت من الشرع (¬1) تغيره ولذلك أجلسنا المبتدأة من غير تقدم عادة ورجعنا في أكثر أحكام الحيض إلى العرف والعرف أن الحيضة تتقدم وتتأخر وتزيد وتنقص وفي اعتبار العادة على هذا الوجه إخلال ببعض المنتقلات عن الحيض بالكلية مع رؤيتها للدم في وقت الحيض على صفته وهذا لا سبيل إليه. ¬

_ (¬1) لعلها تقييده.

الشيخ: القسم الأول أن ترى الطهر قبل تمام العادة فماذا تصنع؟ تغتسل وتصلي مثل أن تكون عادتها ستة أيام ثم تطهر لخمسة أيام نقول يجب عليها الآن أن تغتسل وتصلي ولا يمكن أن تقول أنا عادتي أكثر من ذلك لأنه هنا الدم انقطع وماذا تنتظرين فإذا عاد إليها في نفس العادة هذا الذي انقطع قبل تمام العادة عاد إليها في نفس العادة فهل نجعله حيضا أو لا؟ يقول المؤلف إن فيه روايتان والصحيح أنه حيض. القسم الثاني أن ترى الدم في غير عادتها وهي التي تتقدم أو تتأخر إذا تقدمت أو تأخرت فما صادف العادة فهو حيض وما خرج عنها فهو على رأي الفقهاء رحمهم الله يجب أن يتكرر ثلاث مرات حتى يكون عادة فإن لم يتكرر فليس بحيض ولهذا نشرح الفصل هذا يقول أن ترى الدم في غير عادتها قبلها أو بعدها مع بقاء عادتها أو طهرها فيها يعني أنها تتقدم العادة أو تتأخر ولكن العادة باقية لم تزد ولم تنقص فالمذهب أنها

لا تجلس ما خرج عن العادة حتى يتكرر مثال ذلك كان عادتها أن تحيض في أول يوم من الشهر خمسة أيام لكنها في الشهر الثاني حاضت في ثالث يوم من الشهر وبقيت خمسة أيام ما الذي وافق العادة؟ الذي وافق العادة ثلاثة أيام الثالث والرابع والخامس فتجلسه وهذا لأنه صادف العادة وما زاد عن العادة لا تجلسه حتى يتكرر ثلاث مرات يقول وفي قدره روايتان إحداهما ثلاثا والثانية مرتان المهم أن لابد من التكرر فعلى هذا تصوم وتصلي فيما خرج عن العادة مرتين أو ثلاثا حسب ما قال المؤلف فإذا تكرر انتقلت إليه وصار عادة وأعادت ما صامته من الفرض فيه لأنا تبينا أنه صامته في حيضها، قال الشيخ رحمه الله ويقوى عندي أنها تجلس متى رأت دما يمكن أن يكون حيضا وافق العادة أو خالفها لأن عائشة رضي الله عنها قالت لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ولم تغيره بالعادة فظاهر الأخبار تدل على أن النساء كن يعددن ما يرينه من الدم حيضا من غير افتقاد عادة ولم ينقل عنهن ذكر العادة ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لها ولا استفصال عنها إلا في التي قالت إني استحاض فلا أطهر وشبهها من المستحاضات والصواب ما قاله المؤلف رحمه الله أنها تجلس الدم سواء وافق العادة أم خالفها لأنه حيض، يقول المؤلف أما في امرأة يأتي دمها في وقت يمكن أن يكون حيضا ثم تطهر فلا ومعنى فلا أي فلا يكون ذلك استحاضة بل هو حيض صحيح والظاهر أنهن جرين على العرف في اعتقاد ذلك حيضا ولم يأت من الشرع تغييره.

قال ولذلك أجلسنا الميتدأة من غير تقدم عادة ورجعنا في أكثر أحكام الحيض إلى العرف والعرف أن الحيضة تتقدم وتتأخر وتزيد وتنقص وفي اعتبار العادة على هذا الوجه إخلال ببعض المنتقلات عن الحيض بالكلية مع رؤيتها للدم في وقت الحيضة على صفته وهذا لا سبيل إليه يعني معناه اعتبار العادة على هذا الوجه الذي ضعفه المؤلف إخلال ببعض المنتقلات عن الحيض بالكلية مع رؤيتها للدم في وقت الحيض على صفته وهذا لا سبيل إليه وخلاصة الكلام الآن أن المذهب إذا تقدمت العادة أو تأخرت فإنها تجلس ما وافق العادة والباقي تصلي فإذا تكرر ثلاثا صار التغير الأخير عادة والموفق يرى رحمه الله خلاف ذلك يرى أنها سواء تقدمت أو تأخرت أو زادت أو نقصت يرى أنه حيض وقوله هو الصواب بلا شك. مسألة: الحيض ما يمكن يستمر كل الوقت على المرأة ولو وجدت هذا يلغى لأن لو اعتبرنا كل الشهر حيض وجاء الشهر الثاني واعتبرناه كله حيض معناه ما تصلي أبداً ولابد أن تصلي. القارئ: القسم الثالث أن ينضم إلى العادة ما يزيدان بمجموعهما على أكثر الحيض فلا تخلو من حالين أحدهما أن تكون ذاكرة لعادتها فإن كانت غير مميزة جلست قدر عادتها واغتسلت بعدها وصلت وصامت لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي) متفق عليه وإن كانت مميزة ففيها روايتان إحداهما تعمل بالعادة لهذا الحديث والأخرى تعمل بالتمييز وهو اختيار الخرقي لما تقدم من أدلته.

الشيخ: القسم الثالث أن ينضم إلى العادة ما يزيدان بمجموعها على أكثر الحيض فإذا زاد على أكثر الحيض صارت مستحاضة لكنها مستحاضة معتادة لأنه كان لها عادة بالأول ثم زادت أو نقصت أو تغيرت وإذا كانت مستحاضة وهي معتادة فهل تقدم العادة أو تقدم التمييز؟ المذهب أنها تقدم العادة ولا عبرة بالتمييز مع العادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها) فأمرها أن ترجع إلى العادة ولم يفصل ولأن الرجوع للعادة أضبط لأن التمييز قد يشكل وقد يتقطع الدم ويكون مرة كذا ومرة كذا فالرجوع إلى العادة أحسن إذاً فالمستحاضة المعتادة ماذا تصنع؟ ترجع إلى عادتها سواء كان لها تمييز أو لم يكن لها تمييز الرواية الثانية أنها ترجع للتمييز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن دم الحيض أسود يعرف) ولأنه ربما في انتقالها إلى الاستحاضة ربما تتغير العادة تتقدم أو تتأخر ولكن كما قلت لكم الأصح أنها ترجع إلى العادة فتجلسها لأن هذا أضبط وأضمن لها أما إذا كان التمييز يمكن يوم يكون كذا ويوم يكون كذا ويحصل لخبطه. القارئ: القسم الثالث أن ينضم إلى العادة ما يزيدان بمجموعهما على أكثر الحيض فلا تخلو من حالين أحدهما أن تكون ذاكرة لعادتها فإن كانت غير مميزة جلست قدر عادتها واغتسلت بعدها وصلت وصامت لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي) متفق عليه وإن كانت مميزة ففيها روايتان إحداهما تعمل بالعادة لهذا الحديث والأخرى تعمل بالتمييز وهو اختيار الخرقي لما تقدم من أدلته.

الحال الثاني أن تكون ناسية لعادتها فإن كانت مميزة عملت بتمييزها لأنه دليل لا معارض له فوجب العمل به كالمبتدأة وإن لم تكن مميزة فهي على ثلاثة أضرب إحداهن المتحيرة وهي الناسية لوقتها وعددها فهذا تتحيض في كل شهر ستة أيام أو سبعة على حديث حمنة بنت جحش ولأنه غالب عادات النساء فالظاهر أنه حيضها وعنه أنها ترد إلى عادة نسائها كما تقدم وقيل فيها الروايات الأربع ويجعل حيضها من أول كل شهر في أحد الوجهين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام من كل شهر ثم اغتسلي وصلي ثلاثة وعشرين يوما) فجعل حيضها من أوله والصلاة في بقيته والآخر تجلسه بالاجتهاد لأن النبي صلى الله عليه وسلم ردها إلى الاجتهاد في العدد بين الست والسبع فكذلك في الوقت وإن علمت أن حيضها في وقت من الشهر كالنصف الأول ولم تعلم موضعه منه ولا عدده فكذلك إلا أن اجتهادها يختص بذلك الوقت دون غيره. الضرب الثاني أن تعلم عددها وتنسى وقتها نحو أن تعلم أن حيضها خمس ولا تعلم لها وقتا فهذه تجلس قدر أيامها من أول كل شهر في أحد الوجهين وفي الآخر تجلسه بالتحري وإن علمته في وقت من الشهر مثل أن علمت أن حيضها في العشر الأول من الشهر أو العشر الأوسط جلست قدر أيامها من ذلك الوقت دون غيره. الضرب الثالث ذكرت وقتها ونسيت عددها مثل أن تعلم أن اليوم العاشر من حيضها ولا تدري قدره فحكمها في قدر ما تجلسه حكم المتحيرة واليوم العاشر حيض بيقين فإن علمته أول حيضها جلست بقية أيامها بعده وإن علمته آخر حيضها جلست الباقي قبله وإن لم تعلم أوله ولا آخره جلست مما يلي أول الشهر في أحد الوجهين وفي الآخر تجلس بالتحري.

الشيخ: المطلوب من النساء أن يعرفن هذا ومعلوم أن طلبة العلم لا يدركون هذه التفاصيل والصحيح في هذا كله أن المستحاضة ترجع إلى عادتها إن كان لها عادة فإن لم يكن لها عادة رجعت إلى التمييز وقيل تقدم التمييز على العادة فمن أخذ بالأول وهو الرجوع للعادة قال لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها) ولم يستفصل لم يقل هل لك تمييز أو لا ولأن هذا أريح للمرأة وأقل مشقة فكان أولى وأما من قال ترجع للتمييز فقال لأن المرأة إذا استحيضت فربما تتغير عادتها فيلغى الرجوع إليها فيؤخذ بالتمييز والمميزة هي التي يكون دمها متغيرا أسود وأحمر ثخين ورقيق ومنتن وغير منتن فالأسود والثخين والمنتن هو الحيض والأحمر والرقيق والذي لا رائحة له هو الاستحاضة وذكر بعض الأطباء المتأخرين أن دم الحيض لا يتجمد ودم الاستحاضة يتجمد فهذا يكون فرقا رابعا إذاً المستحاضة ترجع إلى أي شيء؟ إلى عادتها على القول الراجح فإن نسيت عادتها أو لم يكن لها عادة مطردة أو ما أشبه ذلك فإنها ترجع إلى التمييز والتمييز علاماته أربع اللون والملمس والرائحة والتجمد فاللون هو أن دم الحيض أسود والملمس هو أن دم الحيض ثخين والرائحة هي أن دم الحيض منتن والتجمد هو أن دم الحيض لا يتجمد إذا خرج أما ما ذكر المؤلف رحمه الله من هذه التفاصيل فهي ليس عليها دليل والأمر أيسر من ذلك لأن اللاتي استحضن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام بضع عشرة امرأة يقول ارجعي إلى عادتك أو ارجعي إلى التمييز وتعرف النساء وتمشي. فصل القارئ: ومتى ذكرت الناسية عادتها رجعت إليها لأنها تركتها للعجز عنها فإذا زال العجز وجب العمل بها لزوال العارض فإن كانت مخالفة لما عملت قضت ما صامت من الفرض في مدة العادة وما تركت من الصلاة والصيام فيما خرج عنها لأننا تبينا أنها تركتها وهي طاهرة.

الشيخ: هذا خلاف الصحيح والصحيح أن ما فعلته عن اجتهاد فلا شيء عليها فكيف نقول لها اجلسي لا تصلين في الأول وأن هذا هو حكم الله ثم بعد ذلك نقول ارجعي واقضي الصلاة فالصواب أنه لا شيء عليها كما لو أن الإنسان أطعم عن الصوم ثم عوفي فإنه لا يعيد الصوم أو أقام من يحج عنه لعجزه عنه ثم عوفي فإنه لا يعيد الحج. القارئ: ولا تصير المرأة معتادة حتى تعلم حيضها وطهرها وشهرها ويتكرر وشهرها هو المدة التي يجتمع لها فيه حيض وطهر وأقل ذلك أربعة عشر يوما يوم للحيض وثلاثة عشر للطهر وغالبه الشهر المعروف لحديث حمنة ولأنه غالب عادات النساء وأكثره لا حد له وتثبت العادة بالتمييز كما تثبت بانقطاع الدم فلو رأت المبتدأة خمسة أيام دما أسود ثم أحمر وعبر أكثر الحيض وتكرر ذلك. الشيخ: عبر يعني جاوز. القارئ: وتكرر ذلك ثلاثا ثم رأت في الرابع دما مبهما كان حيضها أيام الدم الأسود لأنه صار عادة لها. فصل القارئ: والعادة على ضربين متفقة ومختلفة فالمتفقة مثل من تحيض خمسة من كل شهر والمختلفة مثل من تحيض في شهر ثلاثة وفي الثاني أربعة وفي الثالث خمسة ثم يعود إلى الثلاثة ثم إلى أربعة على هذا الترتيب أو في شهر ثلاثة وفي الثاني خمسة وفي الثالث أربعة ثم تعود إلى الثلاثة فكل ما أمكن ضبطه من ذلك فهو عادة مستقرة وما لم يمكن ضبطه نظرت إلى القدر الذي تكرر منه فجعلته عادة كأنها رأت في شهر ثلاثة وفي شهر أربعة وفي شهر خمسة فالثلاثة حيض لتكررها ثلاثا. الشيخ: قوله كأنها أظن لعله كأنما أو كما لو رأت. القارئ: كما لو رأت في شهر ثلاثة وفي شهر أربعة وفي شهر خمسة فالثلاثة حيض لتكررها ثلاثا فإذا رأت في الرابع ستة فالأربعة حيض لتكررها ثلاثا فإذا رأت في الخامس سبعة فالخمسة حيض وعلى هذا ما تكرر فهو حيض وما لا فلا. باب في التلفيق

القارئ: إذا رأت يوما دما ويوما طهرا فإنها تغتسل وتصلي في زمن الطهر لقول ابن عباس (لا يحل لها إذا رأت الطهر ساعة إلا أن تغتسل) ثم إن انقطع الدم لخمسة عشر فما دون فجميعه حيض تغتسل عقيب كل يوم وتصلي في الطهر وإن عبر الخمسة عشر فهي مستحاضة ترد إلى عادتها فإن كانت عادتها سبعة متوالية جلست ما وافقها من الدم فيكون حيضها منه ثلاثة أيام أو أربعة وإن كانت ناسية فأجلسناها سبعة فكذلك وإن أجلسناها أقل الحيض جلست يوما وليلة لا غير وإن كانت مميزة ترى يوما دما أسود ثم ترى نقاء ثم ترى أسود إلى عشرة أيام ثم ترى دما أحمر وعبر ردت إلى التمييز فيكون حيضها زمن الدم الأسود دون غيره ولا فرق بين أن ترى الدم زمنا يمكن أن يكون حيضا كيوم وليلة أو دون ذلك كنصف يوم ونصف ليلة فإن كان النقاء أقل من ساعة فالظاهر أنه ليس بطهر لأن الدم يجري تارة وينقطع أخرى وقد قالت عائشة لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء.

الشيخ: هذا مما اختلف فيه العلماء أيضا إذا صارت ترى يوما دما ويوما نقاء فالدم حيض والنقاء طهر وعلى هذا تغتسل في الأسبوع سبع مرات إذا طهرت اغتسلت وصلت فإذا جاء الحيض امتنعت فإذا طهرت منه اغتسلت وقال بعض أهل العلم إن هذا كله حيض لأن الطهر يوما ليس طهراً إنما هو يبس أو نشاف فيعتبر كله حيضا ولا تغتسل حتى ينقطع مرة واحدة وبعض العلماء فصل كما قال الموفق هنا إن كان ساعة أو نحوها فهو حيض فالساعة ليست بطهر وإن زاد على ذلك فالدم حيض والنقاء طهر وشيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه حيض فالطهر الذي لا يكون انقطاعا بينا حيض لأن كثيرا من النساء تنشف ما بين طلوع الشمس إلى غروبها أو غروبها إلى طلوعها أو ما أشبه ذلك وكان بعض السلف إذا سئل عن الحيض قال ارجع إلى امرأتك لأن النساء أعرف منا بذلك وقد ذكرت لكم أن شيخنا رحمه الله روى لنا عن بعض الطلبة أنه عجز عن تصور هذا الحيض فقال لشيخه يا شيخ قد أراحنا الله من الحيض فأرحنا من أحكامه لأن الفقهاء رحمهم الله شددوا ولو رجعتم أيضا لكتب الشافعية لوجدتم أشد وأشد أظنه في شرح المهذب مائة وخمسين صفحة كتاب الحيض من التفاصيل التي تجعل الإنسان يدور رأسه فالأقرب أن ما قاله شيخ الإسلام هو الصواب وهو أن مجرد انقطاع الدم لمدة يسيرة بحيث لا يكون أكثر من الدم فإنه يكون تبعا له أو نقول ما دام الطهر أقل من الدم أو مماثل له فهو من الدم.

القارئ: وإذا رأت ثلاثة أيام دما ثم طهرت اثني عشر يوما ثم رأته ثلاثة دما فالأول حيض لأنها رأته في زمان إمكانه والثاني استحاضة لأنه لا يمكن أن يكون ابتداء حيض لكونه لم يتقدمه أقل الطهر ولا من الحيض الأول لأنه يخرج عن الخمسة عشر والحيضة الواحدة لا يكون بين طرفيها أكثر من خمسة عشر يوما فإن كان بين الدمين ثلاثة عشر يوما فأكثر وتكرر فهما حيضتان لأنه أمكن جعل كل واحد منهما حيضة منفردة لفصل أقل الطهر بينهما وإن أمكن جعلهما حيضة واحدة بأن لا يكون بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما مثل أن ترى يومين دما وتطهر عشرة وترى ثلاثة دما وتكرر فهما حيضة واحدة لأنه لم يخرج زمنهما عن مدة أكثر الحيض وعلى هذا يعتبر ما ألقى من المسائل في التلفيق. الشيخ: التلفيق هو كما مر التي ترى يوما دما ويوما نقاء فيكون ملفقا. القارئ: باب في المستحاضة. الشيخ: عندي فصل في المستحاضة. القارئ: عندي باب في التلفيق وباب في المستحاضة أيضا. الشيخ: عندنا فصول والظاهر التي عندي حسب الاصطلاح أحسن. فصل في المستحاضة القارئ: وهي التي ترى دما ليس بحيض ولا نفاس. الشيخ: هذا الضابط في المستحاضة هي التي ترى دما ليس بحيض ولا نفاس وهذا وإن كان تعريفا بالنفي لكن مادامت الدماء مقصورة في دم الحيض والنفاس وما عداهما فإنه يصح التعريف بالنفي كما تقول الحرف ما ليس اسما ولا فعلا والفعل ما ليس اسما ولا حرفا كذلك هنا الدم ما ليس بحيض ولا نفاس يسمى دم استحاضة وقال بعضهم المستحاضة ما تجاوز دمها أكثر الحيض ولكن ما ذكره المؤلف أعم وأشمل أن المستحاضة من ترى دما لا يصلح أن يكون حيضا ولا نفاساً. القارئ: وحمكها حكم الطاهرات في وجوب العبادات وفعلها لأنها نجاسة غير معتادة أشبه سلس البول. الشيخ: لو قال المؤلف كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لأنها دم عرق فالنبي عليه الصلاة والسلام قال فيها (إنها دم عرق).

القارئ: فإن اختلط حيضها باستحاضتها فعليها الغسل عند انقطاع الحيض لحديث فاطمة ومتى أرادت الصلاة غسلت فرجها وما أصابها من الدم حتى إذا استنقأت عصبت فرجها واستوثقت بالشد والتلجم ثم توضأت وصلت لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمنة بنت جحش حين شكت إليه كثرة الدم أنعت لك الكرسف يعني القطن تحشي به المكان قالت إنه أشد من ذلك فقال تلجمي وعن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل) رواه أبو داود فإن خرج الدم بعد الوضوء لتفريط في الشد أعادت الوضوء لأنه حدث أمكن التحرز عنه وللنسائي وابن ماجه. الشيخ: الظاهر أنها زائدة (يعني قوله وللنسائي وابن ماجه) ويمكن عند قوله رواه أبو داود وهو للنسائي وابن ماجه لكن تراجع أحسن. القارئ: وإن خرج لغير تفريط فلا شيء عليها لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (اعتكفت مع رسول صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها وهي تصلي) رواه البخاري ولأنه لا يمكن التحرز منه فسقط وتصلي بطهارتها ما شاءت من الفرائض والنوافل قبل الفريضة وبعدها حتى يخرج الوقت فتبطل به طهارتها وتستأنف الطهارة لصلاة أخرى لما روي في حديث فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة وصلي، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ولأنها طهارة عذر وضرورة فتقيدت بالوقت كالتيمم وإن توضأت قبل الوقت بطل وضوؤها بدخوله كما في التيمم. الشيخ: الصواب الأول أننا نستدل بالحديث (توضئي لكل صلاة) وأما قولنا إنها طهارة عذر وضرورة فتقيدت بالوقت كالتيمم فهذا غير صحيح لأن التيمم سبق أن القول الراجح أنه لا يبطل بخروج الوقت.

القارئ: وإن انقطع دمها بعد الوضوء وكانت عادتها انقطاعه وقتا لا يتسع للصلاة لم يؤثر انقطاعه لأنه لا يمكن الصلاة فيه وإن لم تكن به عادة أو كانت عادتها انقطاعه مدة طويلة لزمها استئناف الوضوء. الشيخ: وكذلك إذا كان غير مطرد يعني لو كان جرت العادة أنه ينقطع مثلا بعد الظهر ساعة ففي هذه الحال لا تتوضأ وضوء المستحاضة نقول انتظري حتى يأتي الوقت الذي ينقطع فيه وإن كانت تقول لا أدري أحيانا يأتي بعد الظهر وأحيانا بعد العصر وأحيانا ساعة وأحيانا أقل فهي في هذه الحال مضطرة تفعل ما سبق تنجي الفرج وتنقيه وتتلجم وتتوضأ. القارئ: وإن كان في الصلاة بطلت لأن العفو عن الدم لضرورة جريانه فيزول بزواله وحكم من به سلس البول أو المذي أو الريح أو الجرح الذي لا يرقأ دمه حكمها في ذلك إلا أن ما لا يمكن عصبه يصلي بحاله فقد صلى عمر وجرحه يثعب دما. فصل القارئ: قال أصحابنا ولا توطأ مستحاضة لغير ضرورة لأنه أذى في الفرج أشبه دم الحيض فإن الله تعالى قال (هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) فعلله بكونه أذى وإن خاف على نفسه العنت أبيح الوطء لأنه يتطاول فيشق التحرز منه وحكمه أخف لعدم ثبوت أحكام الحيض فيه وحكى أبو الخطاب فيه عن أحمد فيها روايتان. الشيخ: فيها يعني في المستحاضة. القارئ: إحداهما كما ذكرنا والثانية يحل مطلقا لعموم النص في حل الزوجات وامتناع قياس المستحاضة على الحائض لمخالفتها لها في أكثر أحكامها ولأن وطء الحائض ربما يتعدى ضرره إلى الولد فإنه قد قيل إنه يكون مجذوما بخلاف دم الاستحاضة. مسألة: الراجح أن المستحاضة يجوز وطؤها مطلقا والعلة ما ذكر ولأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأمر أزواج النساء اللاتي استحضن في عهده بتجنبهن ولا يصح قياسه على الحيض لأنه يخالفه حقيقة وحكما.

مسألة: المرأة المستحاضة تتوضأ لكل صلاة لأن حدثها دائم والمتيمم لما تيمم ارتفع حدثه أما هذه فما زال يخرج منها الدم فلا تتوضأ إلا إذا دخل الوقت. السائل: ما معنى تهراق الدم؟ الشيخ: تهراق يعني يخرج منها الدم الكثير. مسألة: كون الإنسان إذا جامع زوجته وهي حائض فإن الولد يخرج مجذوما الله أعلم كلام الأطباء قد يصح وقد لا يصح. السائل: إذا توضأت المستحاضة في بداية الوقت هل تستبيح كل ما تستبيحه بالوضوء؟ الشيخ: نعم كل شيء إلى آخر الوقت. السائل: المؤلف ذكر أن العادة تنقسم إلى متفقة ومختلفة ففي حال المختلفة ما هو الراجح؟ الشيخ: الراجح أنها تنظر للأغلب من عادتها إن كان الغالب خمسة تجلس خمسة وإذا كان الغالب أربعة تجلس أربعة. السائل: العادة النساء يسألن عن الزيادة في كثير من الأحوال؟ الشيخ: الزيادة نرى أنها تبقى حتى تطهر إلا إذا تجاوز الخمسة عشرة. السائل: حتى لو تكرر؟ الشيخ: قليل الذي يتكرر نعم لو تكرر وصار عادة الستة عشر فهي عادة. السائل: لكن يا شيخ لماذا لا نقول أنها تحتاط وتصلي لأن هذا ليس متكرراً إلى أن يتبين الأمر؟ الشيخ: ما يمكن والدم على وتيرة واحدة. السائل: إذا كان عادتها خمسة أيام أو ستة أيام وجاء في شهر عشرة أو اثنى عشر. الشيخ: وهل الدم تغير؟ السائل: ما تغير على حاله الأولى؟ الشيخ: الأصل أنه حيض. السائل: وحده بخمسة عشر؟ الشيخ: هذا الذي رأيت أخيرا لأجل ضبط المسألة لأننا إذا قلنا إن المستحاضة هي التي يكون أكثر شهرها حيضا أو دما فيه صعوبة ما الأكثر فإذا حددناه خمسة عشر لأن الشهر لا يزيد على ثلاثين يوماً. السائل: لو انقطع بعد يوم أو يومين من الخمسة عشر؟ الشيخ: نقول إذا تجاوزتي الخمسة عشر فاغتسلي وصلي ولو كان الدم موجوداً. السائل: لو كان عادة نسائها أكثر من سبعة أيام؟ الشيخ: تأخذ بها والحديث هذا في الغالب لأن كونها مثل نسائها أقل من كونها مثل غالب النساء.

باب النفاس

السائل: على قول شيخ الإسلام إذا تبين أن الانقطاع طهر هل تقضي الصلاة؟ الشيخ: نعم تقضي الصلاة. فصل القارئ: ويستحب لها الغسل لكل صلاة لأن عائشة رضي الله عنها روت (أن أم حبيبة استحيضت فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل لكل صلاة) متفق عليه وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد فهو حسن لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحمنة (فإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلي حتى تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعا ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين مع الصبح وكذلك فافعلي إن قويت على ذلك) وهو أعجب الأمرين إلي وهو حديث صحيح وإن توضأت لوقت كل صلاة أجزأها لما ذكرنا سابقا. الشيخ: الحديث الأول حديث عائشة الصحيح أنه ليس فيها فأمرها أن تغتسل لكل صلاة فالذي في الصحيحين فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة فهو من فعلها ولهذا قال أهل العلم والتحقيق إن الأمر باغتسال المستحاضة لكل صلاة لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. باب النفاس القارئ: وهو خروج الدم بسبب الولادة وحكمه حكم الحيض فما يحرم ويجب ويسقط به لأنه حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل فإن خرج قبل الولادة بيومين أو ثلاثة فهو دم نفاس لأن سبب خروجه الولادة وإن خرج قبل ذلك فهو دم فساد لأنه ليس بنفاس لبعده من الولادة ولا حيض لأن الحامل لا تحيض وأكثر النفاس أربعون يوما. الشيخ: ولكن يشترط فيما إذا رأته قبل الولادة أن يكون معه طلق لأن الطلق هو الذي يدل على قرب الولادة أما إذا لم يكن معه طلق فهو دم فساد فإذا قال قائل ما هو الضابط في دم الفساد؟ قلنا كل ما لا يصح أن يكون حيضا أو نفاسا فهو دم فساد ومنه دم الاستحاضة لأن دم الاستحاضة قال فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (إنما ذلك عرق).

القارئ: وأكثر النفاس أربعون يوما لما روت أم سلمة قالت (كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما أو أربعين ليلة) رواه أبو داود، وليس لأقله حد أيَّ وقت رأت الطهر. السائل: هل الحامل لا تحيض؟ الشيخ: نعم لا تحيض لكن قد يستمر معها الحيض فإذا استمر على عادته ووتيرته فهو حيض ولكن إذا توقف عند ابتداء الحمل ثم عاد فليس بحيض وقد أنكر الأطباء المتأخرون إنكاراً تاماً أن الحامل تحيض وقالوا هذا شيء لا يمكن كما قال الفقهاء أما شيخ الإسلام فيقول إن الحامل قد تحيض إذا كان دمها مستمرا على ما هو عليه ولكن إذا استمر على ما هو عليه قد يقال إن هذا دليل على أنها لم تحمل إلى الآن لكن ظنت أنها حامل وليست كذلك أما قوله رحمه الله أكثر مدة النفاس أربعون يوما ففيه خلاف بين العلماء فمنهم من قال أربعون ومنهم من قال ستون وفي كلام شيخ الإسلام يقول إلى السبعين لكن أكثر ما رأيت في مذهب الفقهاء المتبوعين أنه ستون يوما وعلى هذا فنقول أكثر مدة النفاس على القول الراجح ستون يوما وما زاد على ذلك ينظر فيه إن وافق العادة فهو حيض وإن لم يصادف العادة فإنه دم فساد، وإذا قلنا بأن أكثره أربعون فالحكم كذلك ما زاد على الأربعين فإن وافق العادة فهو حيض وإن لم يوافق العادة فهو دم فساد أما أقله فلا حد له قد يكون يوما أو يومين بل قالوا إنه قد تلد بدون دم إطلاقا. القارئ: وليس لأقله حد أي وقت رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي ويستحب لزوجها الإمساك عن وطئها حتى تتم الأربعين فإن عاودها الدم في مدة النفاس فهو نفاس لأنه في مدته أشبه الأول وعنه أنه مشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الصوم احتياطا لأن الصوم واجب بيقين فلا يجوز تركه لعارض مشكوك فيه ويجب قضاؤه لأنه ثابت بيقين فلا يسقط بفعل مشكوك فيه ويفارق الحيض المشكوك فيه لكثرته وتكرره ومشقة إيجاب القضاء فيه. الشيخ: لكثرته يعني لكثرة الحيض.

القارئ: لكثرته وتكرره ومشقة إيجاب القضاء فيه وما زاد على الأربعين فليس بنفاس وحكمها فيه حكم غير النفساء وإذا رأت الدم وصادف عادة الحيض فهو حيض وإلا فلا. الشيخ: يقول رحمه الله ويستحب لزوجها الإمساك عن وطئها حتى تتم الأربعين والمذهب أنه يكره والصحيح أنه لا يكره وأنه لا يستحب الإمساك لأنه متى حلت الصلاة وهي أعظم من الجماع حل الجماع أما إذا عاودها الدم فالصحيح الرواية الأولى أنه نفاس لأنه أتى في زمن يصلح أن يكون نفاسا فصار نفاسا ولاحتمال أن يكون توقف الدم في الأول لمجرد الجفاف فقط وليس طهرا أما المذهب فإنه مشكوك فيه إذا عاد وحكمه أن نلزمها بالصلاة والصيام ثم نلزمها بقضاء ما يجب قضاؤه على الحائض وهو الصيام والصحيح أنه لا يمكن أن يوجب الله على العباد عبادتين فإما هذا وإما هذا. السائل: إذا تمت الأربعين أو الستين وكانت عادتها وحيضها مضطرب يأتيها أول الشهر وآخره ووسطه؟ الشيخ: تصلي. فصل القارئ: وإذا ولدت توأمين فالنفاس من الأول لأنه دم خرج عقيب الولادة فكان نفاسا كما لو كان منفردا وآخره منه فإذا أكملت أربعين من ولادة الأول انقضت مدتها لأنه نفاس واحد لحمل واحد فلم تزد العادة منه على أربعين وعنه أنه من الأول ثم تستأنفه من الثاني لأن كل واحد منهما سبب للمدة فإذا اجتمعا اعتبر أولها من الأول وآخرها من الثاني كالوطء في إيجاب العدة. الشيخ: وهذا هو الأقرب أن يكون من الأول وآخره من الثاني وقوله (كالوطء في إيجاب العدة) يعني كما أنه يجب إذا وطئ زوجته أن تستأنف العدة فكذلك هذه إذا ولدت تستأنف مدة النفاس. السائل: كم عمر الجنين الذي يحصل به النفاس؟ الشيخ: ما تبين فيه خلق الإنسان. السائل: كم يمضي عليه من يوم؟ الشيخ: الغالب إذا مضى ثمانون يوما بدأ يخلق وقد لا يخلق لقوله تعالى (مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ). السائل: قبل الثمانين ما يعتبر؟

باب أحكام النجاسات

الشيخ: قبل الثمانين ما يمكن يعني لو أسقطت قبل الثمانين فإنه دم فساد وأقل ما يتبين فيه خلق الإنسان واحد وثمانين يوم وفي الثمانين لا يخلق. باب أحكام النجاسات القارئ: بول الآدمي نجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يعذب في قبره (إنه كان لا يستبرئ من بوله) متفق عليه والغائط مثله. الشيخ: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يراق على بول الأعرابي ذنوبا من ماء ولأنه لما بال في حجره صبي دعا بماء فأتبعه إياه. القارئ: والودي ماء أبيض يخرج عقيب البول حكمه حكم البول لأنه في معناه والمذي نجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي في المذي (اغسل ذكرك) ولأنه خارج من الذكر لا يخلق منه الولد أشبه البول وعنه إنه كالمني لأنه خارج بسبب الشهوة أشبه المني. الشيخ: والصحيح أن حكمه بينهما لا يجب غسله ولا يجوز إغفاله بل ينضح نضحا كما جاء ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام في سنة صحيحة فيكون كبول الغلام الصغير الذي لا يأكل الطعام لأنه في الحقيقة ليس كحقيقة المني الذي طهر بسبب قوة الشهوة ونضج وانتقل إلى عين ثخينة وليس كالبول الذي هو فضلات الطعام لأنه من أثر الشهوة فإن المذي يخرج إذا تحركت شهوة الإنسان ويخرج بغير شعور منه بخلاف المني فإنه يخرج دفقا بلذة فبينهما فرق وعلى هذا فالخارج من الذكر ثلاثة أقسام: 1. مني وحكمه الطهارة ووجوب الغسل منه. 2. بول وودي وحكمه النجاسة ووجوب الوضوء منه. 3. مذي وحكمه أن نجاسته مخففة يكفي فيه النضح لكن يجب فيه غسل الذكر والأنثيين وإن لم يصبهما ومن فوائد غسل الذكر والأنثيين أن ذلك يقلل من خروج المذي. القارئ: وبول ما لا يؤكل لحمه ورجيعه نجس لأنه بول حيوان غير مأكول أشبه بول الآدمي إلا بول ما لا نفس له سائلة فإن ميتته طاهرة أشبه الجراد.

الشيخ: ما خرج مما ليس له نفس سائلة فإنه يكون على كلام المؤلف طاهر ومثل الذباب كما قلتم وفيه أيضا سبب آخر وهو مشقة التحرز منه لأنه أحيانا تهيج عليك الذبابات وتملأ غترتك أو ثوبك مما يخرج منها ولو قلنا بإيجاب غسله لكان فيه مشقة. القارئ: وبول ما يؤكل لحمه ورجيعه طاهر وعنه أنه كالدم لأنه رجيع والمذهب الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلوا في مرابض الغنم) حديث صحيح وكان يصلي فيها قبل بناء مسجده وقال للعرنيين (انطلقوا إلى إبل الصدقة فاشربوا من ألبانها) متفق عليه. الشيخ: عندي من ألبانها لكن لو أضاف وأبوالها لأنه هو الشاهد. القارئ: ومني الآدمي طاهر لأن عائشة قالت (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه) متفق عليه ولأنه بدء خلق آدمي فكان طاهرا كالطين وعنه أنه نجس ويكفي فرك يابسه ويعفى عن يسيره. الشيخ: يعني بناءً على هذه الرواية على نجاسته أنه يكفي فرك يابسه ويعفى عن يسيره. القارئ: لما روي عن عائشة (أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا حديث صحيح. الشيخ: مني الآدمي طاهر وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يغسله ويتحرز منه بل كانت عائشة رضي الله عنها هي التي تغسل رطبه لأن رطبه لو بقي للوث الإنسان إذا مسه ولكان له منظر تتقزز منه النفوس وتفرك يابسه أو تحكه بظفرها أحيانا وهذا يدل على أنه طاهر لأنه لو كان نجسا لم يكف في التطهر منه مثل هذا العمل وعنه أنه نجس لكن هذه الرواية ضعيفة من حيث الدليل وذكر ابن القيم أن ابن عقيل رحمه الله كان يناظر رجلا في هذه المسألة فمر به جماعة وقالوا ما لك يا أبا عقيل قال أنا أجادله لأقول له إن أصلك طاهر وهو يجادلني ليقول لي إن أصله نجس فرق بين هذا وهذا.

القارئ: ولأنه خارج من مخرج البول أشبه المذي وفي رطوبة فرج المرأة روايتان إحداهما نجسة لأنها بلل من الفرج لا يخلق منه الولد أشبه المذي والثانية إنها طاهرة لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من جماع لأن الأنبياء لا يحتلمون وهو يصيب رطوبة الفرج. الشيخ: رطوبة فرج المرأة طاهرة على القول الراجح لما ذكر من كون عائشة تفرك المني من ثوب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو من جماع ولأن المشقة في التحرز منه شديدة لأن بعض النساء دائما يخرج معها هذا الشيء فلو قلنا بالنجاسة لأدى ذلك إلى مشقة عظيمة وهل ينقض الوضوء؟ لم أرى أحد قال إنه لا ينقض إلا ابن حزم فإنه قال إنه لا ينقض الوضوء ولكن الذي يظهر لي أنه ينقض الوضوء لأنه خارج من السبيل والخارج من السبيل في الأصل ينقض الوضوء فإن قال قائل كيف نجمع بين الحكم بطهارته وكونه ينقض الوضوء؟ قلنا نجمع بأن الريح تخرج من دبر الإنسان وهي طاهرة ومع ذلك تنقض الوضوء بالنص (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) فالريح طاهرة وبعض الفقهاء قال لو حمل قربة فساء وهو يصلي فإن صلاته لا تبطل لماذا؟ لأنه طاهر لكن هذا مما يصوره الفقهاء تمرينا للطالب وإلا مستحيل إن الإنسان يجمع قربه كاملة لكن يمكن شيء صغير ولكن الذي يوضح المسألة أن الإنسان لو فسى وثوبه رطب أو ما بين أليتيه رطب فلو قلنا بنجاسة الريح لو جب غسل الثوب وغسل ما بين الفخذين لأن الريح تمر به ولكنها طاهره والمهم أن ما يخرج من فرج المرأة من الرطوبة العادية هذه طاهرة أما لو كان الذي يخرج منها يخرج من المثانة بأن يكون مع المرأة سلس بول فهذا معروف أنه نجس. القارئ: والقيء نجس لأنه طعام استحال في الجوف إلى الفساد أشبه الغائط. الشيخ: لا دليل على نجاسة القيء لا في السنة ولا في القرآن كما هو ظاهر في القرآن، وقياسه على الغائط قياس مع الفارق العظيم لأنه

أولاً أننا إذا قلنا إنه طعام استحال فأشبه الغائط إذا قلنا بذلك قلنا إذا تقيء الإنسان من حين أكل فإن القيء طاهر لأنه لا يتغير يخرج كما هو حتى في طعمه ورائحته. والثاني أن استحالة الطعام في المعدة ليس كاستحالته إذا مر بالأمعاء لا في الرائحة ولا في غيره ولهذا لو تقيء الإنسان بعد مدة من الأكل ساعتين أو ثلاث أو أربع لم يجد الرائحة فيه كما في الغائط فهو قياس مع الفارق ثم إن القيء ليس بالأمر النادر بل هو يقع كثيرا مع الناس وهو مما تتوافر الدواعي على نقل نجاسته لو كان نجسا فأنا ما وجدت دليلا على هذه المسألة لكن جمهور العلماء على نجاسته أي نجاسة القيء فمن احتاط وتورع وغسل ما أصابه منه فهو أحسن. القارئ: وقيء كل حيوان غير الآدمي ومنيه في حكم بوله في الطهارة والنجاسة لأنه في معناه. الشيخ: في معناه أي في معنى البول. القارئ: والنخامة طاهرة سواء خرجت من رأس أو صدر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا وتفل في ثوبه ومسح بعضه على بعض) رواه مسلم. الشيخ: وهذا في الصلاة ولو كان نجسا ما جاز هذا الفعل. القارئ: وذكر أبو الخطاب أن البلغم نجس قياسا على القيء والأول أصح والبصاق والمخاط والعرق. الشيخ: البلغم يخرج من الصدر فقاسه أبو الخطاب رحمه الله على القيء لكنه ليس بصحيح. السائل: البلغم إذا خرج معه دم؟ الشيخ: الدم نجس لكن الدم الذي يخرج مع البلغم يسير جدا معفو عنه. السائل: رطوبة فرج المرأة هل هو الماء الذي يخرج مع الجماع؟ الشيخ: مع الجماع وغير الجماع بعض النساء دائما يكون معها هذا الشيء. القارئ: والبصاق والمخاط والعرق وسائر رطوبات بدن الآدمي طاهرة لأنه من جسم طاهر وكذلك هذه الفضلات من كل حيوان طاهر.

الشيخ: هذه الفضلات من كل حيوان طاهر مثل الهرة وما دونها في الخلقة فعرقها ومخاطها وبصاقها كله طاهر وكذلك على القول الراجح من الطاهر في الحيوانات الحمار والبغل فإنهما من الطاهر في الحياة لأنهما من الطوافين علينا فيكون مخاطه وعرقه طاهراً فلو نخر الحمار حولك وأصابك من رذاذ نخره فهو طاهر. فصل القارئ: والدم نجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في الدم (اغسليه بالماء) متفق عليه ولأنه نجس لعينه بنص القرآن أشبه الميتة إلا دم السمك فإنه طاهر لأن ميتته طاهرة مباحة.

الشيخ: الدم نجس إلا ما استثني لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في الدم اغسليه بالماء ولكن معلوم أنه يخاطب المرأة التي خرج دمها من فرجها وما خرج من الدم من الفرج فهو نجس حتى دم الاستحاضة على القول الراجح ولأنه نجس لعينه بنص القرآن أشبه الميتة نعم هو نجس لعينه بنص القرآن (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فقوله إنه رجس يعني هذا المطعوم من هذه الثلاثة ولكن الدم المذبوح دمٌ من حيوان ينجس بالموت ودم الآدمي من حيوان لا ينجس بالموت فقياسه على دم السمك أقرب من قياسه على دم الحيوان لأن قول النبي عليه الصلاة والسلام (إن المؤمن لا ينجس) عام ولأنه لو قطعت يد الإنسان فإن يده طاهرة مع أنها مملوءة بالدم وهذا يدل على أن ما انفصل من جسم الإنسان طاهر إلا ما دل الدليل على نجاسته كالبول والغائط والمذي وما أشبهه فليس هناك دليل على أن دم الآدمي نجس بل قد نقول إن هناك دليل على أنه طاهر لأن الصحابة في مغازيهم كانوا يصابون بالجروح العظيمة ولم ينقل أن أحداً منهم ذهب يغسل ثوبه ورسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد كانت ابنته فاطمة تغسل الدم عن وجهه وهو يفور ولم ينقل أنه غسل ثيابه منه مع أن الغالب أنه يتناثر على الثياب والأصل في الأشياء الحل فيما يؤكل والطهارة فيما يلبس حتى يقوم الدليل على النجاسة وأما قوله أشبه الميتة فنقول نعم فما ميتة الآدمي إذا أشبهها؟ طاهرة. يقول المؤلف إلا دم السمك فإنه طاهر وعلل فقال لأن ميتته طاهرة وهذه العلة إذا جعلنها صحيحة قلنا ودم الآدمي طاهر لأن ميتته طاهرة. السائل: عمر صلى وهو يثعب دماً؟

الشيخ: نعم لكن لو أن الإنسان تطهر منه لكان أحسن وأبعد عن كراهة المنظر وعن خلاف العلماء لأن جمهور العلماء على أن دم الآدمي نجس يعفى عن يسيره حتى إن بعضهم حكى الإجماع على هذا لكن الصحيح أنه لا إجماع في المسألة وأن المسألة تحتاج إلى نظر. القارئ: وفي دم ما لا نفس له سائلة كالذباب والبق والبراغيث والقمل روايتان إحداهما نجاسته. الشيخ: قوله ما لا نفس له سائلة يعني ما لا دم له يسيل فالمراد بالنفس الدم يعني الذي لا يسيل دمه دمه فيه روايتان. القارئ: إحداهما نجاسته لأنه دم أشبه المسفوح والثانية طهارته لأنه دم حيوان لا ينجس بالموت أشبه دم السمك. الشيخ: إذاً في هذه جاءت العلة مرة ثانية دم حيوان لا ينجس بالموت فيكون طاهرا والصحيح أن الدم منها طاهر لأنه يسير ودم من حيوان طاهر في الحياة وطاهر بعد الموت أيضا. القارئ: وإنما حرم الدم المسفوح. الشيخ: يعني وإنما المحرم هو الدم المسفوح وهذا ليس مسفوحا ما له دم يسيل. القارئ: والعلقة نجسة لأنها دم خارج من الفرج أشبه الحيض وعنه أنها طاهرة لأنها بدء خلق آدمي أشبهت المني والقيح نجس لأنه دم استحال إلى نتن وفساد والصديد مثله إلا أن أحمد قال هما أخف حكما من الدم لوقوع الخلاف في نجاستهما وعدم النص فيهما. الشيخ: والصحيح أنهما طاهران القيح والصديد الذي يكون في الجروح مادة بيضاء وكذلك ماء الجروح أحيانا يكون الإنسان ينفض جسمه بحبات إذا مسها جرى الماء منها بعد حروق أو غير ذلك هذه أيضا طاهرة. القارئ: وما بقي من الدم في اللحم معفو عنه ولو علت حمرة الدم القدر لم يكن نجسا لأنه لا يمكن التحرز منه. الشيخ: سبحان الله غريب التعلل بهذا، المذكاة إذا ذكيت صارت طاهرة كلها بجميع أجزائها. مسألة: العلقة من الآدمي الصحيح أنه إذا صححنا أن دم الآدمي طاهر فهي من باب أولى. فصل

القارئ: والخمر نجس لقول الله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم والنبيذ مثله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل مسكر خمر وكل خمر حرام) رواه مسلم ولأنه شراب فيه شدة مطربة أشبه الخمر.

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله الخمر نجس ثم استدل بقوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لعلكم تفلحون) أما الحكم في قوله الخمر نجس فهذا عليه جمهور أهل العلم أنه نجس ومن أدلة هذا القول هذه الآية (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وذهب بعض أهل العلم إلى أن الخمر ليس نجسا نجاسة حسية ومانع في هذا الدليل وقال إن هذا الدليل لا يصح الاستدلال به على نجاسة الخمر نجاسة حسية لأن الله قال (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) فهذه أربعة مبتدآت خبرها خبر واحد وهو قوله رجس وهو أيضا مقيد هذا الرجس رجس من عمل فهو رجس عملي وليس رجسا عينيا تكون به هذه الأشياء نجسة فإذا كان بالاتفاق أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسة نجاسة عينية فما الذي يخرج الخمرة منها إذاً فالآية ليس فيها دليل نعم لو كان هناك دليل آخر خارجي يدل على أن الخمر نجس لقلنا إن دلالة الاقتران ليست دلالة صريحة ويمكن أن يخرج بعض المقترنات من هذا الحكم أما ولا دليل فلا شك أن تشطير الدليل إلى شطرين شطر بمعنى كذا وشطر بمعنى كذا لا وجه له وعلى هذا فنقول لا دلالة في الآية واستدلوا أيضاً بأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم يعني يأتون بالتعليلات على الوجه الذي يصادف ما يريدون وإنما قال من غير ضرر لئلا يرد عليه السم فإن السم عين يحرم تناولها من أجل ضررها فليست بنجسة فلما خافوا من إيراد هذا قالوا من غير ضرر وهذا لا يسلم لهم لأننا نقول تحريمها لا يدل على نجاستها لأن النجاسة أخص من التحريم فكل نجس حرام وليس كل حرام نجسا ثم إن إدخالكم هذا القيد من غير ضرر من أجل أن تدافعوا عن أنفسكم مسألة السم نقول ماذا تقولون في شرب بول الإبل يقولون

إنه لا يجوز شربه إلا للتداوي فقط وإلا فهو حرام وبول الإبل طاهر أو نجس؟ طاهر فهو يحرم تناوله من غير ضرر ومع ذلك تقولون إنه ليس بنجس تقولون إنه حلال وأيضا النخامة قالوا إن بلعها حرام على الصائم وغيره لاستقذارها ومع ذلك فهم يقولون إنها طاهرة ليست بنجسة فتبين بطلان هذا التعليل فإذا تبين بطلان الاستدلال وبطلان التعليل بقيت المسألة ليس لها دليل ولا تعليل فنرجع للأصل وهو أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل على النجاسة والتحريم لا يلزم منه التنجيس وبهذا يمكننا أن يتبين القول بكونه لا دليل عليه ثم نقول لنا دليل على الطهارة غير الأصل الذي ذكرتم الذي هو الطهارة هذا هو الأصل. أولا لما حرمت الخمر أراقها الصحابة رضي الله عنهم بالأسواق ولو كانت نجسة ما أراقوها بالأسواق لأن ذلك ينجس المارة ولهذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن التخلي في الطرقات لئلا ينجس المارة بها فلو كانت الخمر نجسة لامتنع الصحابة من إراقتها في الأسواق فإن قال قائل هذه الخمر لعلهم صنعوها قبل العلم قلنا وليكن ذلك لكن صارت الآن حراما ولو شربوها لأثموا وحين صارت حراما لم تكن نجسة لأنهم أراقوها في الأسواق. ثانياً هل أمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يغسلوا الأواني بعدها لا ما أمرهم ولو كانت نجسة لأمرهم بغسل الأواني منها كما أمرهم بغسل الأواني من لحوم الحمر حينما حرمت في خيبر.

ثالثا أنه قد ثبت في صحيح مسلم أن رجلا أتى براوية من خمر فأهداها إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنها حرمت فساره رجل يعني تكلم مع صاحب الراوية سرا يقول له بعها فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قلت قال قلت بعها قال (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) ففتح الرجل فم الرواية وأراق الخمر ولم يأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغسل الراوية ولو كانت نجسة لأمرهم بغسل الرواية لأن الرجل سوف يذهب بهذه الرواية ويجعل فيها الماء ثم لقال للناس احترزوا من الخمر الذي أريق بين أيديكم لو كانت نجسة فالقول الراجح أن الخمر ليس نجساً نجاسة حسية ولكنه نجس نجاسة معنوية بلا شك أما قوله النبيذ مثله فهذا ليس على إطلاقه بل النبيذ المسكر هو الذي مثله وإنما نص على ذلك لأن بعض العلماء يقول إذا كان النبيذ من غير العنب فليس بخمر ولكن الصحيح أنه خمر ثم استدل لذلك بقول الرسول عليه الصلاة والسلام (كل مسكر خمر) وكل هذه للعموم كل مسكر من أي شيء كان من العنب من الشعير من البر من أي شيء كله مسكر ولكن ما معنى المسكر هل المسكر ما أذهب العقل فقط؟ لا المسكر غطى العقل على وجه الطرب أما ما غطى العقل لا على هذا الوجه .......

كتاب الصلاة

(كتاب الصلاة) الشيخ: ما يمكن يزول الماء إلا بالعصر إذا اشترطنا العدد. القارئ: والثانية لا يعفى عنها لعدم ورود الشرع فيها. الشيخ: عند شيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه يعفى عن كل يسير من النجاسات حتى من رشاش البول ولكن الصحيح أن البول وما وردت السنة بغسله لا يعفى عنه كدم الحيض والاستحاضة وأما الدم الخارج من غير السبيلين ........ (¬1) لأنه ليس في السنة ما يدل على أن ما يخرج من الآدمي نجس من الدم إلا ما خرج من السبيلين والقاعدة الشرعية أن ما أبين من حي فهو كميتته ميتة الآدمي طاهرة وقد ذكر الفقهاء أنفسهم رحمهم الله أن دم السمك طاهر لأن ميتته طاهرة فكذلك الآدمي ولأنه لو قطعت يده لكانت طاهرة مع أنها ........ فالذي يظهر لي أن الدم ليس بنجس ما لم يخرج من السبيلين وما ادعي من الإجماع على نجاسته ففيه نظر فإن الخلاف فيه ثابت نعم لو تحققنا أن العلماء أجمعوا على نجاسته لحكمنا بالنجاسة ثم إذا حكمنا بالنجاسة نحتاج إلى دليل عن العفو عنها والأدلة كما ترون كلها تدل على أن الصحابة يصلون في دمائهم بجروحهم وتصيبهم البثرة وما أشبه ذلك أما ما استحال من الدم كالقيح والصديد فإن شيخ الإسلام يرى أنه طاهر يقول لأن هذا ليس بدم هذا استحال وكذلك ماء الجروح التي تحصل من حرق النار وشبهها فإنه طاهر. القارئ: وفي النبيذ روايتان إحداهما يعفى عن يسيره لوقوع الخلاف فيه والثانية لا يعفى عنه لأن التحرز عنه ممكن وما عدا هذا من النجاسة لا يعفى عنه شيء منه ما أدركه الطَرْف منها وما لم يدركه لأنها نجاسة لا يشق التحرز منها فلم يعفَ عنها كالكثير. السائل: النجاسة لا تذهب في الغالب إلا بثلاث مع أن حديث (إذا استيقظ أحدكم .... ) لا يدل على نجاسة اليد؟ الشيخ: نعم لا يدل على نجاستها لكن يدل على أنه لابد من غسلها ثلاثاً (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده). ¬

_ (¬1) هذه النقاط ( ........ ) تعني أن هناك سقطاً.

السائل: حديث (إذا استيقظ أحدكم من نومه ... ) إذا قلنا إنها من أجل النجاسة وهي نجاسة متوهمة أليس القياس في النجاسة المحققة من باب أولى فإما أن يقول بالتعبد أو يلزم بغسل الثلاث يعني إذا كان التوهم تغسل ثلاثة وهو قد تكون نجاسة أو لا تكون؟ الشيخ: من قال إنه توهم النجاسة؟! لأنك لو وضعت يدك في جراب وحزمتها وربطتها تيقنت أنه ما أصابها النجاسة ولا يقال تعبدياً لكن هذا يشبه قول الرسول عليه الصلاة والسلام (إن الشيطان يبيت على خيشومه) لما أمر المستيقظ بأن يستنثر ثلاثاً قال (فإن الشيطان يبيت على خيشومه) فهذه الأيدي ربما أن للشيطان فيها عملاً يكون ضاراً على الإنسان وإن لم يكن نجساً. السائل: هناك يا شيخ حيوان بحري يسمى حبار إذا حس بالخطر يخرج مادة كالحبر فهل هذه المادة نجسة؟ الشيخ: لدينا قاعدة كل ما خرج من مأكول فهو طاهر البول من المأكول طاهر والروث من المأكول طاهر والقيء من المأكول طاهر. كتاب الصلاة القارئ: الصلوات المكتوبات خمس لما روى طلحة بن عبيد الله أن أعرابياً قال (ماذا فرض الله علي من الصلاة قال خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع شيئاً) متفق عليه ولا تجب إلا على مسلم عاقل. الشيخ: وهذا هو الصحيح أن الوتر ليس بواجب لأن الحديث صريح في أنه ليس عليه غيرها وأما ما له سبب كالكسوف وصلاة الجنازة وما أشبهها فهذه مربوطة بأسبابها وصلاة الكسوف فيها خلاف هل هي واجبة أو لا؟ والصحيح أنها واجبة وأنها فرض كفاية لكن لسبب كما قال بعض العلماء بأن تحية المسجد واجبة لأنها ذات سبب أما الصلوات اليومية فإنه لا يجب إلا الصلوات الخمس فقط فإن قال قائل والجمعة قلنا الجمعة في وقت الظهر.

القارئ: ولا تجب إلا على مسلم عاقل بالغ فأما الكافر فلا تجب عليه أصلياً كان أو مرتدا وخرج أبو اسحاق بن شاقلا في رواية أخرى أنها تجب على المرتد ولا يؤمر بقضائها لأنه اعتقد وجوبها وأمكنه التسببُ إلى أدائها فأشبه المسلم والمذهب الأول لقول الله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) ولأنه قد أسلم كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده فلم يؤمروا بقضاء ولأن في إيجاب القضاء تنفيراً له عن الإسلام فعفي عنه. الشيخ: وهذا هو الفائدة من قولنا إنها لا تجب على الكافر أنه لا يؤمر بقضائها إذا أسلم وأما العقوبة عليها فيعاقب عليها ولهذا إذا سألهم أصحاب اليمين (مَاسَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)) فهم يعاقبون عليها في الآخرة لكن لا يؤمرون بقضائها إذا أسلموا ولا يؤمرون بفعلها ما داموا على الكفر لأنها لا تقبل منهم بل إن الكافر يعاقب على الأكل والشرب واللباس لقول الله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فهي للمؤمنين خالصة يوم القيامة وللكافرين غير خالصة. القارئ: ولا تجب على مجنون لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ) هذا حديث حسن ولأن مدته تتطاول فيشق إيجاب القضاء عليه فعفي عنه.

ولا تجب على الصبي حتى يبلغ للحديث ولأن الطفل لا يعقل والمدة التي يكمل فيها عقله وبنيته تخفى وتختلف فنصب الشرع عليه علامة ظاهرة وهي البلوغ لكنه يؤمر بها لسبع ويضرب عليها لعشر ليتمرن ويعتادها فلا يتركها عند بلوغه وتصح صلاته ويستحب له فعلها لما ذكرنا وعنه أنها تجب عليه إذا بلغ عشرا لكونه يعاقب على تركها. الشيخ: كيف يعاقب بأي شيء؟ بالضرب عليها. القارئ: والواجب ما عوقب على تركه والأول المذهب فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في الوقت لزمته إعادتها لأنه صلاها نفلاً فلم تجزه عما أدرك وقته من الفرض كما لو نواها نفلا. الشيخ: والصحيح خلاف ذلك أن الصبي إذا صلى ثم بلغ بعد الصلاة فإنه لا يؤمر بها لأنه فعل ما أمر به فسقطت المطالبة به قولهم إنه فعلها على نفل قلنا نعم فعلها على نفل لأنها وقعت في حال قبل أن يبلغ وأما ........ الظهر الصبي هذا الذي صلى ينويها صلاة الظهر لكنها نافلة لوصف يتعلق به هو لا بها هي. القارئ: وإن بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أسلم الكافر أو طهرت الحائض قبل غروب الشمس لزمتهم الظهر والعصر وإن كان ذلك قبل طلوع الفجر لزمتهم المغرب والعشاء لأن ذلك يروى عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس ولأن وقتهما وقت لكل واحدة منهما حال العذر فأشبه ما لو أدرك جزءاً من وقت الأولى وإن بلغ في وقت الفجر.

الشيخ: هذه المسألة فيها مناقشتان الأولى إذا طهرت المرأة أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أسلم الكافر قبل خروج وقت الثانية مما يجمع بعضهما إلى بعض فذكر المؤلف أنه تلزمه الصلاتان الأولى والثانية والصحيح أنه لا تلزمه إلا الثانية فقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وفي رواية أخرى (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) ولم يبين أن عليه الظهر ولأن الأثر المروي عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس في صحته نظر وحتى لو صح عنهما فالدليل يخالفه فالصواب أنه لا يلزمها إلا ما أدركت وقته فقط فإذا طهرت قبل مغيب الشمس ماذا يلزمها؟ العصر فقط وكذلك إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أسلم الكافر.

المناقشة الثانية قوله وإن كان ذلك قبل طلوع الفجر لزمتهم المغرب والعشاء الصواب أنه لا يلزمهم لا مغرب ولا عشاء إذا كان ذلك بعد منتصف الليل لأن وقت العشاء ينتهى بنصف الليل فإن الآية والأحاديث تدل على ذلك أما الآية فقال الله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) ثم فصل فقال (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) ولو كان وقت العشاء متصلاً بالفجر لقال أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى طلوع الشمس ثم حديث عبد الله بن عمرو بن العاص حديث جبريل كلها صريحة بأن منتهى صلاة العشاء نصف الليل وإذا كان هذا هو المنتهى فلا يمكن أن نزيد الوقت من عند أنفسنا ولأن القياس يقتضي ذلك فإن ما بين الفجر إلى الظهر نصف النهار وما بين انتهاء صلاة العشاء إلى الفجر نصف الليل فكان هذا مقابل هذا وأما قوله رحمه الله ولأن وقتهما وقت لكل واحدة منهما حال العذر فأشبه ما لو أدرك جزءاً من وقت الأولى فهذا فيه نظر أولاً يقال له إن الوقت وقت لكل واحدة منهما حال العذر صحيح لكن هذا فيمن يلزمه الصلاتان هذه واحدة ثم إن هذا منقوض بما لو أتاها الحيض بعد دخول وقت الظهر في منتصف وقت الظهر أتاها الحيض وهي ولم تصلي الظهر هل تلزمها صلاة العصر؟ لا إذاً ما الفرق؟! وقوله فأشبه ما لو أدرك جزءاً من وقت الأولى هذا غريب لأنه لو أدرك جزءاً من وقت الأولى فقد أدرك الوقتيين جميعاً إذا أدرك جزءاً من وقت الأولى فالثانية بالتأكيد أدركها سبحان الله أحياناً تجري من العلماء الفطاحل أشياء يعرفها صغار طلبة العلم وهذا يدلنا على أن الإنسان بشر مهما كان لابد أن يدخل عليه النقص. القارئ: وإن بلغ في وقت الفجر لم يلزمه غيرها لأن وقتها مختص بها. وتجب الصلاة على المغمى عليه لمرض أو شرب دواء وعلى السكران لأن عماراً أغمي عليه فقضى ما فاته ولأن مدته لا تتطاول ولا تثبت الولاية عليه فوجبت عليه كالنائم.

الشيخ: قوله تجب الصلاة على المغمى عليه لمرض والصحيح أن من أغمي عليه لمرض لا تجب عليه الصلاة لأن هذا الإغماء بغير اختياره ولا يمكن قياسه على النائم لأن النائم إذا أوقظ استيقظ وإذا سمع أصوات عنده أحس بها بخلاف هذا وأما قوله ولا تثبت عليه الولاية كالنائم فسبحان الله العظيم نحن الآن في مقام الولاية أو في مقام وجوب الصلاة أحياناً يقولون أقيسة غريبة وأما من شرب دواءً أو سكر فإن الصلاة تجب عليه لأن هذا حصل باختياره فلزمته والسكران من باب أولى لكن قد يقول قائل ألستم تقولون إذا أخر الصلاة عن وقتها متعمداً فإنه لا يقضيها قلنا بلى لكن هل هذا شرب الدواء لئلا يصلي إن شربه لئلا يصلي قلنا ما تقبل صلاته بعد ذلك كذلك إن سكر لئلا يصلي فإنه لا يقضيها لأنه كالذي أخرها بدون سكر وبدون شرب دواء. فصل القارئ: ومن وجبت عليه الصلاة لم يجز له تأخيرها عن وقتها إذا كان ذاكراً لها قادراً على فعلها إلا المتشاغل بتحقيق شرطها ومن أراد الجمع لعذر. الشيخ: قال من وجبت عليه الصلاة لم يجز له تأخيرها عن وقتها لأن الله قال (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) هذا إن كان ذاكراً لها فإن كان ناسياً صلاها إذا ذكر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها). قوله (قادراً على فعلها) هذا فيه نظر لأنه ما من إنسان إلا ويقدر فلا يقول إنسان والله أنا ما أقدر أصلي الآن سأخرها إلى الوقت الثاني فالصواب أن الإنسان يصلي على حسب قدرته ولا حاجة لأن يشترط قادراً على فعلها. قوله (إلا لمتشاغل بتحقيق شرطها) هذا أيضاً فيه نظر من وجهين:

الوجه الأول أن الأصحاب الذين استثنوا هذا قالوا إلا لمتشاغل بشرطها الذي يحصله قريباً مثل لو كان معه ثوب يخيطه فتضايق عليه الوقت وليس عنده إلا هذا الثوب فهل ينتظر حتى تتم خياطته ثم يصلي بعد الوقت أو يصلي في الوقت عرياناً؟ الصواب أنه يصلي في الوقت عرياناً لأن الوقت مقدم على كل شيء إلا إذا كانت الصلاة مما يجمع إلى ما بعدها فهنا تدخل في المسألة الأخيرة قال ومن أراد الجمع لعذر فصار في كلام المؤلف قادر على فعلها متشاغل بتحقيق شرطها هذا كله فيه نظر. الوجه الثاني أن هذا الاستثناء غير صحيح بل نقول صلِّ الصلاة لوقتها إن تمت شروطها فذاك وإن لم تتم فما استطعت فافعل وما لم تستطع يسقط عنك. القارئ: فإن جحد وجوبها كفر لأنه كذب الله تعالى في خبره. الشيخ: خبره في قوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) أي مفروضة. فيكون كذب الله في خبره هذا وجه والثاني أنه أنكر ما يعلم بالضرورة من دين الإسلام فإن وجوب الصلاة أمر معلوم بالضرورة من دين الإسلام كمن أنكر تحريم الزنا مثلاً وهل يستثنى من ذلك شيء؟ نعم يستثنى من عاش في مكان بعيد ومن كان حديث عهد بإسلام ويجهل وجوب الصلاة فهذا إذا أنكر فلا شيء عليه ولا يقتل عمر رضي الله عنه أنكر آية من القرآن لأنه لم يعلم بها في قصة الرجل الذي سمعه يقرأ سورة الفرقان بغير ما كان الرسول أقرأها عمر فأمسكه وأنكر عليه وقال هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال أقرأها فقال نعم هكذا أنزلت فالمهم أن من أنكر الشيء لجهله به فإنه لا يكفر.

باب أوقات الصلوات

القارئ: وإن تركها تهاوناً بها معتقداً وجوبها وجب قتله لقول الله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) إلى قوله (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) فدل على أنهم إذا لم يقيموا الصلاة يقتلون ولأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا [سقط من قراءة الكافي بمقدار 11 سطر مع شرحه] باب أوقات الصلوات الأولى هي الظهر لما روى أبو برزة الأسلمي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس يعني تزول في حديث طويل متفق عليه وأول وقتها إذا زالت الشمس وآخره إذا كان ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت الشمس عليه. الشيخ: زالت أي مالت عن وسط السماء إلى جهة المغرب وعلامة ذلك أنه إذا طلعت الشمس صار لكل شاخص قائم ظل كلما ارتفعت الشمس نقص هذا الظل فإذا بدأ يزيد بعد تناهي نقصانه فأول زيادة ولو كالشعرة هي علامة الزوال يتضائل بالكلية اللهم إلا في خط الاستواء لكن بالنسبة لمنطقة ........ يبقى ظل لكنه في الشتاء يكون كثيراً وفي الصيف ........ هل نحن من أصل هذا الشيء أو من الظل الذي زالت عليه الشمس؟ الثاني من الظل الذي زالت عليه الشمس فلو فرض أن الشمس زالت على ظل بقدر نصف الشاخص فإننا نضيف إليه الشاخص كاملاً ويكون ما بين أصل الشاخص إلى منتهى الظل طوله مرة ونصف لماذا لأن الظل الذي زالت عليه الشمس لا يحسب مثلاً ضع شيئاً قائماً إذا طلعت الشمس فظله طويل وكلما ارتفعت نقص إذا بدأ الظل يزيد بعد النقص فهذا علامة زوال الشمس ضع عليه علامة مثل خط ثم لا يزال الظل ينمو إذا كان من هذه العلامة إلى منتهى طول هذه انتهى وقت الظهر ودخل وقت العصر ولا تحسب الظل الذي زالت عليه الشمس لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان ظل كل شيء مثله).

القارئ: لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر وفي المرة الأولى حين زالت الشمس والفئ مثل الشراك ثم صلى بي في المرة الأخيرة حين صار ظل كل شيء مثله وقال الوقت بين هاذين في حديث طويل قال الترمذي هو حديث حسن ويعرف زوال الشمس بطول الظل بعد تناهي قصره والأفضل تعجيلها. الشيخ: قوله بطول الظل أي ببدء طول الظل. القارئ: لحديث أبي برزة إلا في شدة الحر فإنه يستحب الإبراد بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أبردوا بالظهر في شدة الحر فإن شدة الحر من فيح جهنم) متفق عليه. الشيخ: الإبراد معناه الصلاة حتى يبرد الوقت يعني إلى قرب العصر يبرد ........ وهل الأمر هنا رخصة أو عبادة فمن العلماء من قال إنه رخصة وبناءً على ذلك إذا كان الأهون للناس أن لا يبرد فإنه لا يسن الإبراد ومنهم من قال هو عبادة وبناءً على ذلك يسن الإبراد مطلقاً ما لم يشق فعلى الوجه الأول أنه رخصة نقول الإبراد في زمننا لا داعي له لأنه يوجد مكيفات والبرود ومن قال إنه سنة قال يسن الإبراد ولو لم يكن هناك أدنى مشقة. السائل: قال صلى الله عليه وسلم من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله هل هذا يدل على كفر من ترك بعض الصلوات؟ الشيخ: هذه استدل بها من قال ترك صلاة واحدة توجب الكفر لأن حبوط العمل ........ لكن أجاب العلماء الآخرون قالوا المراد إما عمل ذلك اليوم أو المعنى حبط أي قارب الحبوط مثل ما يعبر إذا دخل الخلاء يعني قارب الدخول وهذا تحريف لأنهم قالوا بناءً ........ على كفر من ترك الصلاة واحدة أو لا يكفر مطلقاً بترك الصلاة والمعنى الصحيح أنه حبط عمله الذي يظهر والله أعلم إما ذلك اليوم أو حبط عمله لو صلاها فإنها لا تقبل منه. فصل القارئ: ثم العصر وهي الوسطى لما روى علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا) متفق عليه.

وأول وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله وآخره إذا صار ظل كل شيء مثليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل (وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله ثم صلى بي في المرة الآخرة حين صار ظل كل شيء مثليه) وعنه أن آخره ما لم تصفر الشمس لما روى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (وقت العصر ما لم تصفر الشمس) رواه مسلم ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز إلى غروب الشمس ومن أدرك منها جزءاً قبل الغروب فقد أدركها لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته) متفق عليه وتعجيلها أفضل بكل حال لقول أبي برزة في حديثه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية) متفق عليه. الشيخ: والفرق بين الحديثين ليس ببعيد يعني حديث أن يصير ظل كل شيء مثليه وحديث (مالم تصفر الشمس) ليس بينهما فرق بعيد لأنها إذا اصفرت فقد صار ظل كل شيء مثليه وإذا صار ظل كل شيء مثليه أصابت الاصفرار لكن يبقى هل ينتهي الوقت بهذا أو يمتد إلى الغروب؟ يمتد إلى الغروب لكن ما بين هذا الوقت والغروب وقت ضرورة ودليل امتداده إلى الغروب قوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) وليت المؤلف جاء بهذا اللفظ لأنه أوضح من قوله (فليتم صلاته) لأن هذا ليس فيه إشارة إلى أنه أدرك ففيه الأمر بالإتمام وهذا يحصل سواء أدرك أو لم يدرك على كل حال قد ثبت (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر). فصل

القارئ: ثم المغرب وهي الوتر وأول وقتها إذا غابت الشمس وآخره إذا غاب الشفق الأحمر لما روى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق ثم قال (وقت صلاتكم بين ما رأيتم) رواه مسلم وفي حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وقت المغرب ما لم يغب الشفق) ويكره تأخيرها عن وقتها لأن جبريل عليه الصلاة والسلام صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين في أول وقتها وقال جابر (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب إذا وجبت الشمس) متفق عليه. الشيخ: والصحيح عدم الكراهة الصحيح أنها كغيرها الوقت فيها موسع ولكن الأفضل تقديمها. فصل القارئ: ثم العشاء وأول وقتها إذا غاب الشفق الأحمر وآخره ثلث الليل لما روى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العشاء في اليوم الأول حين غاب الشفق وصلاها في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل وحديث ابن عباس في صلاة جبريل مثله وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة) رواه الدارقطني وعنه آخره نصف الليل لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وقت العشاء إلى نصف الليل) رواه مسلم وأبو داود والأفضل تأخيرها لقول أبي برزة كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء متفق عليه ويستحب أن يراعي حال المأمومين لقول جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء أحياناً يقدمها وأحياناً يؤخرها إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر متفق عليه ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني على ما ذكرنا في وقت العصر.

الشيخ: كل ما ذكره صحيح والصحيح أنه يمتد الوقت إلى نصف الليل وقال العلماء ولعل الخلاف بين حديث جبريل وحديث عبد الله بن عمرو هو أنه هل المعتبر في الليل إلى طلوع الفجر أو إلى طلوع الشمس فإن ما بين طلوع ........ يكاد يكون هو الفرق بين الثلث والنصف لا سيما في أيام الصيف وعلى كل حال ........ هناك وجه آخر أن حديث جبريل إلى ثلث الليل يعني الفعل إلى ثلث الليل فإذا جاءت ........ فصلى والنهاية إلى نصف الليل وإذا قدر أنه لم يصح لا هذا الوجه ولا هذا الوجه وجب الأخذ بالزيادة ........ معه زيادة علم فعلى هذا يكون المعتمد في صلاة العشاء نصف الليل وقوله ويبقى وقت الجواز في هذا نظر عظيم لأن ........ مراد الشيخ رحمه الله في جواز يعني وقت الأداء فهذا ........ عصر لحديث (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) وإن كان مراده بالجواز ........ لهذا الوقت فغلط لأن العلماء قد نصوا نصاً صريحاً على أن ما بعد نصف الليل إلى طلوع ........ الوقت ضرورة وكذلك العصر وقوله يبقى إلى طلوع الفجر على ما ذكرت فيه نظر أيضاً يعني امتداد وقت العشاء إلى طلوع الفجر فيه نظر فليس عليه دليل لا من القرآن ولا من السنة ولا من القياس الصحيح ولا الإجماع فليس في قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح والصحيح أن وقت العشاء إلى نصف الليل وأن من أخرها إلى ما بعد نصف الليل متعمداً فلا صلاة له ........ وأن الحائض لو طهرت بعد منتصف الليل لم يلزمها صلاة العشاء لأنها طهرت بعد الوقت والدليل حديث ابن عمرو وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل) ........ والآية الكريمة تشير إلى هذا وهي قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) فصل قرآن الفجر يعني صلاة الفجر فمن دلوك الشمس يعني زوالها إلى غسق الليل كلها أوقات متواصلة ........ إلى جنب بعض فصلاة الليل ........

وظلمته وهو منتصف هذا فاصل وقرآن الفجر ولا يصح أن تقاس على العصر لأن ما بين نصف الليل إلى طلوع الفجر وقت صلاة تهجد وما بعد اصفرار الشمس إلى غروب الشمس وقت نهي فلا يصح القياس ........ أن الفجر منفردة لا يتصل بها وقت صلاة من أولها ولا من آخرها يفصل ........ في الليل نصف الليل الأخير وفي النهار نصف النهار الأول. السائل: يتعذر تحديد نصف الليل؟ الشيخ: أما والساعات بين أيدينا فليس بصعب إطلاقاً إذا قدرنا أن الشمس تغرب الساعة الثانية عشرة والفجر يطلع الساعة الثانية عشرة فمتى يكون نصف الليل؟ الساعة السادسة. السائل: كيف يجمع بين حديث بريدة في وقت المغرب (ثم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق) وبين حديث ابن عمر في وقت صلاة العشاء (فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة)؟ الشيخ: صحيح إذا غاب الشفق خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء ليس بينهما فاصل، ومعنى غاب: أي قرب غيابه يعني انتهى من الصلاة حين غاب الشفق. فصل القارئ: ثم الفجر وأول وقتها إذا طلع الفجر الثاني بغير خلاف وهو البياض الذي يبدو من قبل المشرق معترضاً لا ظلمة بعده وآخره إذا طلعت الشمس لما روى بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بلالاً فأقام الفجر حين طلع الفجر فلما كان اليوم الثاني صلى الفجر فأسفر بها ثم قال (وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم) وفي حديث ابن عباس في حديث جبريل مثله والأفضل تعجيلها لما روت عائشة قالت لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس متفق عليه وعنه يراعي حال المأمومين فإن أسفروا فالإسفار أفضل لما ذكرنا في العشاء. الشيخ: قول المؤلف رحمه الله تعالى وهو البياض الذي يبدو من قبل المشرق معترضاً لا ظلمة بعده هذا الفجر الثاني ويسمى الفجر الصادق ويتميز بعضهما عن بعض بأمور ثلاثة: أولاً الكاذب مستطيل والصادق معترض.

الثاني الكاذب يظلم والصادق لا ظلمة بعده. الثالث الكاذب بينه وبين الأفق انفصال بسواد الليل والصادق ليس بينه وبين الأفق انفصال بل البياض متصل. وما ذكره من قوله وعنه يراعي حال المأموم وعنه _ يعني عن الإمام أحمد_ والصحيح الأول أن الأفضل تعجيلها ولكن إن راعى حال المأموم مراعاة ليست كثيرة كما لو راعاهم في أيام الصيف في قصر الليل فهذا لا بأس به لكن أن يراعيهم حتى يسفر أو يكون قرب طلوع الشمس لا. السائل: ذكرتم فيما قبل بأن الإقامة يطلق عليها أذان وذكرتم بعض الأحاديث فقلتم أظنه في بعض الأحاديث أنه أطلق الإقامة على الأذان ألا يكفي هذا الحديث فأقام الفجر حين طلع الفجر؟ الشيخ: لا، أقام الفجر يعني صلاها مثل إقام الصلاة فيصبح قوله أمر بلالاً فأقام الفجر أي أمر بلالاً فأذن فأقام النبي صلى الله عليه وسلم الفجر فالجملة فيها حذف. السائل: هل الأذان بعد طلوع الفجر أو قبل لأن في الحديث (أمر بلالاً فأقام الفجر حين طلع الفجر)؟ الشيخ: لا الأذان بعد طلوع الفجر وأصلاً كلمة (حين) تكون قبله بيسير أو معه أو بعده بيسير. السائل: يقول المؤلف (فإن أسفر فالإسفار أفضل لما ذكرنا في العشاء) فما وجه القياس؟ الشيخ: أن الرسول كان يراعي المأمومين في العشاء إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر ولكن هذه الرواية في مقابلة النص لأن الرسول كان يبادر بالصبح. السائل: ما معنى الغلس؟ الشيخ: الغلس الظلمة. فصل

القارئ: وتجب الصلاة بأول الوقت لأن الأمر بها يتعلق بأول وقتها والأمر يقتضي الوجوب ولأنه سبب الوجوب فتثبت عقيبه كسائر الأسباب ويستقر الوجوب بذلك فلو جن بعد دخول جزء من وقت الصلاة أو حاضت المرأة لزمهما القضاء لأنه إدراك جزء تجب به الصلاة فاستقرت به كآخر الوقت وهل تجب العصر بإدراك جزء من وقت الظهر فيه وجهان أحدهما تجب لأنه أدرك جزءاً من وقت إحدى صلاتي الجمع فلزمته الأخرى كإدراك جزء من وقت العصر والثاني لا تجب لأنه لم يدرك شيئاً من وقتها ولا وقتِ تبعها فأشبه من لم يدرك شيئاً بخلاف العصر فإنها تفعل تبعاً للظهر فمدرك وقتها مدرك لجزء من وقت تبع الظهر وكذا القول في المغرب والعشاء ومن أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج الوقت فهو مدرك لها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وفي لفظ (إذا أدرك أحدكم سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح فليتم صلاته) متفق عليه وفي مدرك أقل من ركعة وجهان أحدهما يكون مدركاً لها لأنه إدراك جزء من الصلاة فاستوى فيه الركعة وما دونها كإدراك الجماعة والثاني لا يكون مدركاً لها لتخصيصه الإدراك بالركعة وقياساً على إدراك الجمعة.

الشيخ: والصواب أنه لا يدرك إلا بإدراك ركعة سواء من أول الوقت أو آخره والصواب أيضاً أنه لا تجب الصلاة التي تجمع للأخرى إذا أدرك جزءاً من إحدى الصلاتين فلو أدركت المرأة جزءاً من صلاة الظهر ثم حاضت فإنه لا يلزمها إلا قضاء الظهر ولو طهرت قبل خروج وقت العصر فإنه لا يلزمها إلا صلاة العصر هذا هو الصحيح وقال بعض العلماء إنه لا يلزمها القضاء إذا أدركت من أول الوقت مقدار ركعة أو أكثر لا يلزمها القضاء حتى يضيق الوقت وعللوا ذلك بأن لها أن تؤخر الصلاة إلى آخر وقتها فهي لم تفرط بل فعلت ما يؤذن فيه وما ترتب على المأذون فليس بمضمون ولا يلزم القضاء وعلى هذا فإذا حاضت المرأة في منتصف وقت صلاة الظهر فإنه لا يلزمها قضاء صلاة الظهر لماذا لأن لها أن تؤخر إلى آخر الوقت فهي لم تفرط وعلى هذا فلا يلزمها القضاء وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولكن الاحتياط القول الأول أنها إذا أدركت من الوقت مقدار ركعة ثم حاضت لزمها قضاء الصلاة التي أدركت من وقتها مقدار ركعة. السائل: إذا أدركت المرأة أقل من ركعة ثم حاضت هل يلزمها القضاء؟ الشيخ: ما يلزمها وفيه الخلاف الذي ذكره المؤلف. السائل: صلاة الوتر إذا قام بعد أذان الفجر علماً بأن بعض المؤذنين يؤذنون قبل الوقت فهل يصلي الوتر أم يتركه؟ الشيخ: يصلي ركعة ما دام أنه يؤذن. فصل القارئ: ويجوز تأخير الصلاة إلى آخر وقتها لأن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني في آخر الوقت فإن أخرها عن وقتها لزمه قضاؤها على الفور لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) متفق عليه فإن فاتته صلوات لزمه قضاؤهن مرتبات لأنهن صلوات مؤقتات فوجب الترتيب فيها كالمجموعتين فإن خشي فوات الحاضرة قدمها لأن لا تصير فائتة ولأن فعل الحاضرة آكد بدليل أنه يقتل بتركها بخلاف الفائتة وعنه لا يسقط الترتيب لما ذكرنا من القياس.

الشيخ: والصحيح أنه يسقط الترتيب لخوف فوت الوقت كما قال أولاً واختلف العلماء هل يسقط بخوف فوت الجماعة أو لا والصحيح أنه لا يسقط لأنه يمكنه أن يصلي بنية المقضية فمثلاً إذا كان عليه صلاة الظهر ثم حضر والناس يصلون صلاة العصر ولم يصل الظهر فإننا نقول له ادخل معهم بنية الظهر أو أنه عليه صلاة العصر وأدرك معهم صلاة المغرب نقول ادخل معهم بنية صلاة العصر واقضِ ما تتم به صلاتك هذا هو الصحيح فلا يسقط الترتيب إلا بخوف خروج وقت الحاضرة وكذلك أيضاً بالنسيان لو نسي وصلى صلاة غير مرتبة فإنه لا يلزمه الإعادة العشاء كذلك ينوي المأموم المغرب فإذا قام الإمام للرابعة وقد أتم المأموم الثلاث يجلس ويتشهد ويسلم ويلحق الإمام فيما بقي من صلاة العشاء. السائل: إذا وجبت عليه الصلاة مسافراً ثم أقام فهل يتم أم يقصر؟ الشيخ: يصلي أربعاً. السائل: صلى العشاء ونسي صلاة المغرب ثم تذكرها بعد العشاء بساعتين؟ الشيخ: يصلي المغرب ولا شيء عليه. القارئ: وإن نسي الفائتة حتى صلى الحاضرة سقط الترتيب وقضى الفائتة وحدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان) رواه النسائي وإن ذكرها في الحاضرة والوقت ضيق فكذلك وإن كان متسعاً وهو مأموم أتمها وقضى الفائتة وأعاد الحاضرة لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصلِّ مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام) رواه أبو حفص العكبري وأبو يعلا الموصلي وروي موقوفاً عن ابن عمر.

الشيخ: هو للموقوف أقرب هذا إن صح عن ابن عمر ولو موقوفاً لأن الله عز وجل لا يوجب على الإنسان أن يصلي مرتين في وقت واحد وهذا حديث مقتضاه أنه يجب عليه صلاتان في وقت واحد والصواب خلاف ما دل عليه هذا الأثر وأنه إذا ذكر الفائتة وهو في الحاضرة أتمها حاضرة لأنه دخل في الحاضرة معذوراً ناسياً فيتمها ولا يجوز أن يخرج منها من أجل الترتيب وقد سقط بالنسيان فالآن نقول إذا ذكر فائتة وهو يصلي حاضرة إن كان مع ضيق الوقت فماذا يصنع؟ كلام المؤلف يتم الحاضرة هو الآن فيها لما صلى ركعتين ذكر أنه ما صلى الصلاة التى قبلها نقول إذا كان الوقت ضيقاً فأتمها ليس هناك إشكال لكن إذا كان الوقت متسعاً وذكرت وقد شرعت في الحاضرة فإن الصحيح أنك لا تقطعها تبقى مستمراً فيها وتعليل ذلك أنك دخلت فيها وأنت معذور ولزمتك فريضة فلا يمكن أن تخرج منها بل يجب أن تبقى فيها وتستمر ثم إذا فرغت تصلي الفائتة. القارئ: وفي المنفرد روايتان إحداهما أنه كذلك والآخرى يقطعها وعنه في الإمام أنه ينصرف ويستأنف المأمومون قال أبو بكر لم ينقلها غير حرب وإن كثرت الفوائت قضاها متتابعة ما لم تشغله عن معيشته أو تضعفه في بدنه حتى يخشى فوات الحاضرة فليصلها ثم يعود إلى القضاء وعنه إذا كثرت الفوائت فلم يمكنه فعلها قبل فوات الحاضرة فله فعل الحاضرة في أول وقتها لعدم الفائدة في التأخير مع لزوم الإخلال بالترتيب.

الشيخ: إذا كثرت الفوائت فإنه يصليها مرتبة حتى يضيق وقت الحاضرة فإذا ضاق وقت الحاضرة يصلي الحاضرة ثم يعود ويكمل وعن الإمام أحمد رواية أنه إذا علم أنه لن يدرك الفوائت قبل خروج وقت الحاضرة فإنه يصلي الحاضرة في أول وقتها من أجل أن ينال فضيلة أول الوقت ولأنه لابد أن يصلي هذه الحاضرة صلاة يخل فيها بالترتيب هذا إنسان عليه عشرة أيام صلوات خمسين صلاة شرع فيها بعد زوال الشمس يقضيها لما أتم خمسة أيام ضاق وقت الظهر ماذا نقول له؟ نقول صل الظهر ثم عد وأكمل خمساً وعشرين صلاة هكذا على قول المؤلف وهناك رواية عن أحمد يقول يصلي الظهر في أول وقتها ولا حاجة للتأخير لماذا لأنه يعلم أنه لا فائدة من التأخير الفصل بين الفوائت سيكون على كل حال وإذا لم يكن فائدة في التأخير فليصلها في أول الوقت لأنه أفضل والراجح أنه يصليها في أول وقتها لأنه كما قال لا فائدة في التأخير والتقديم فيه فائدة وهي الحصول على فضيلة أول الوقت. السائل: لو ذكر الفوائت في وقت مكروه هل يصليها؟ الشيخ: يصلي. السائل: إذا قلنا يشترط الترتيب هذا لا ينافي القول بالإعادة والوقت لم يخرج لأن الترتيب شرط وواجب؟ الشيخ: نعم لكنه شرط يسقط بالنسيان وليس هو شرط لا تصح الصلاة إلا به يعني ليس كاشتراط الغسل من الجنابة والوضوء من الحدث ووجه التفريق أن هذا في الكيفية لا في ذات العبادة فالعبادة الآن كلها تامة ما فيها إلا تقديم وتأخير فقط ولهذا سمح فيه بالنسيان وسمح فيه بالجهل وسمح فيه بخوف فوت وقت الحاضرة وسمح فيه على قول بخوف فوات صلاة الجماعة فإذا قيل إن هذا واجب أخل به ويستطيع استدراكه بالإعادة فنقول وجوبه فيه نظر لكن حتى على القول بالوجوب فوجوبه ليس كوجوب التشهد في الصلاة مثلاً، ولا يمكن استدراكه بالإعادة لأن الله لم يكلف الصلاة مرتين فيحتاج إلى دليل على إيجاب الإعادة فهذا يقول أنا شرعت في الصلاة في وقت مأذون لي فيه فسأكمل الصلاة.

السائل: لو أنه تذكر الفائتة بعد قوله (الله) من تكبيرة الإحرام؟ الشيخ: إلى الآن ما دخل في الصلاة لأنه لا يدخل في الصلاة حتى يتم التكبير فلو قال أثم تذكر قلنا الغ هذا التكبير. فصل القارئ: ومن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه خمس صلاة ينوي في كل واحدة أنها المكتوبة ليحصل له تأدية فرضه بيقين وإن نسي ظهراً وعصراً من يومين لا يدري أيتهما الأولى لزمه ثلاث صلوات ظهراً ثم عصراً ثم ظهراً أو عصراً ثم ظهراً ثم عصراً ليحصل له ترتيبها بيقين. الشيخ: هذا بناءً على أنه لا يجوز التحري في هذه المسائل والصواب أنه يجوز له التحري ويعمل بما يغلب على ظنه فإن لم يغلب على ظنه قلنا حينئذٍ يسقط الترتيب وصلِّ الظهر ثم العصر لأن الأصل أن الظهر هي الأولى. السائل: لو ترك خمس صلوات متعمداً فهل يصح أن يقضيها؟ الشيخ: مراراً وتكراراً قواعد وجزئيات ماذا قلنا كل عبادة مؤقتة إذا أخرها عن وقتها فإنها لا تقبل منه وليس عليه إلا التوبة كل عبادة حتى رمضان لو ترك الصيام عمداً ولم يصم فلا قضاء عليه ولكن عليه التوبة والقضاء هذا بناءً على أنه يقضيها ولوتعمد تأخيرها أو بناءً على أنه نسي والناسي معذور يقضي عرفت أو على أنه جاهل إذا قلنا بأنه لا يعذر بالجهل في ترك الصلاة. فصل القارئ: ومن شك في دخول الوقت لم يصل حتى يتيقن أو يغلب على ظنه ذلك بدليل فإن أخبره ثقة عن علم عمل به وإن أخبره عن اجتهاد لم يقلده واجتهد حتى يغلب على ظنه دخوله وإن صلى فبان أنه وافق الوقت أو بعده أجزأه لأنه صلى بعد الوجوب وإن وافق قبله لم يجزه لأنه صلى قبل الوجوب.

باب الأذان

الشيخ: الصحيح أن من شك في دخول الوقت فإنه لا يصلي لأنه من شرط صحة الصلاة دخول الوقت لكن له أن يصلي بغلبة الظن أما بالنسبة للمخبر فإن أخبره ثقة عن علم بأن قال رأيت الشمس غربت فله أن يصلي وإن أخبره عن اجتهاد فإنه لا يصلي بقوله لأننا نقول أنت اجتهد أيضاً ولكن الصحيح أنه أخبره عن اجتهاد وهو لا يعرف كيف يجتهد في دخول الوقت فإنه يتبع قوله لأن الله يقول (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) لكن إذا صلى فبان أنه قبل الوقت صارت نفلاً ولزمه القضاء وإن تبين أنها بعد الوقت فالأمر ظاهر. السائل: إذا كان مريضاً على فراشه أربع سنين مغمى عليه؟ الشيخ: في حالة إغماء لا شيء عليه. السائل: إذا صلى الفائتة مع الجماعة مأموماً أفلا يكون مخالفاً في النية؟ الشيخ: المخالفة في النية ما تضر. باب الأذان القارئ: الأذان مشروع للصلوات الخمس دون غيرها وهو من فروض الكفاية لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فلم يجز تعطيله كالجهاد فإن اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا عليه وإن أذن واحد في المصر أسقط الفرض عن أهله ولا يجزئ الأذان قبل الوقت لأنه لا يحصل المقصود منه إلا الفجر فإنه يجزئ الأذان لها بعد نصف الليل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) متفق عليه، ولأنه وقت النوم فيحتاج إلى التأذين قبل الوقت لينتبه النائم ويتأهب للصلاة بخلاف سائر الصلوات ولا يؤذن قبل الوقت إلا من يتخذه عادة لأن لا يغر الناس ويكون معه من يؤذن في الوقت كفعل بلال وابن أم مكتوم ولا يجوز تقديم الإقامة على الوقت لأنها تراد لافتتاح الصلاة ولا تفتتح قبل الوقت. الشيخ: قول المؤلف رحمه الله مشروع للصلوات الخمس يعني ومنها الجمعة كما هو معروف.

وقوله رحمه الله إنه لا يجزئ قبل الوقت إلا الفجر فيه نظر فالصواب أنه لا يجزئ إلا بعد دخول وقت الصلاة لا في الفجر ولا في غيرها وحديث (إن بلالاً يؤذن بليل) بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك وقال (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم) لا للصلاة ولكن لأجل أن يوقظ النائم ليتسحر ويرجع القائم يتسحر والدليل على هذا أنه لا يجزئ قبل الوقت حتى في الفجر قول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن حويرث (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) إذا حضرت وهي لا تحضر إلا بعد دخول الوقت ولأن الأذان إعلام بدخول الوقت فكيف يصح قبله لكن المؤلف رحمه الله قال ويكون معه من يؤذن في الوقت لأنه إذا أذن قبل الوقت ولا يوجد من يؤذن بعده التبس على الناس لا سيما في عهد المؤلف ومن قبله لأنهم ليس عندهم ساعات يعرفون بها الوقت. السائل: قوله بأن الأذان من الشعائر الظاهرة دليل على وجوبها؟ الشيخ: نعم بل كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا بيت قوماً انتظر فإن أذنوا لم يقاتلهم وإن لم يؤذنوا قاتلهم أما الصلاة فيقتل من تركها ليس يقاتل بل يقتل من تركها قتلاً إما كفراً أو حداً كما سبق. السائل: قول المؤلف من نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه خمس صلوات ألا يتعارض مع المذهب من عدم تعيين الصلاة ويصلي في فرض الوقت بل يجب عليه خمس صلوات فقط؟ الشيخ: يجب أن يعين لكن لا يجب أن ينوي الظهر ظهراً المذهب لازم تعين لا يكفي أن ينوي فرض الوقت لكن على القول الذي اخترناه وهو قول بعض الأصحاب وهو ابن شاقلا قال يجزئ أن تنوي فرض الوقت. فصل

القارئ: ويذهب أبو عبد الله إلى أذان بلال الذي أُرِيَهُ عبد الله بن زيد كما روي عنه أنه قال لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس قال وما تصنع به قلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت بلى فقال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال تقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال (إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق معه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتاً منك) رواه أبو داوود فهذا صفة الأذان والإقامة المستحب لأن بلالاً كان يؤذن به حضراً وسفراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات وإن رجع في الأذان أو ثنى الإقامة فلا بأس لأنه من الاختلاف المباح ويستحب أن يقول في أذان الصبح بعد حي على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين لما روى أبو محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له (إن كان في أذان الصبح قلت الصلاة خير من النوم مرتين) رواه النسائي ويكره التثويب في غيره لما روى بلال قال (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء) رواه ابن ماجة ودخل ابن عمر مسجداً يصلى فيه فسمع رجلاً يثوب في أذان الظهر فخرج وقال أخرجتني البدعة.

فائدة: هناك فرق بين أُرِيَه وأُرِيْه أُرِيَه فعل مضارع وأُرِيْه فعل ماضي مبني للمجهول. الشيخ: وأشد من ذلك بدعة من إذا أذن قال الصلاة الصلاة الصلاة الصلاة في المنارة وأشد من ذلك أيضاً من إذا أذن قرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) وكذلك أيضاً الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وغير ذلك من البدع التي أحدثت كل هذه ينهى عنها. الترجيع أن يأتي بالشهادتين سراً ثم يأتي بهما جهراً ترجيع وسمي ترجيعاً لأنه رجع بعد أن قال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله سراً ثم رجع فالترجيع ثبت في أذان أبي محذورة وعدمه ثبت في أذان بلال ولهذا قال العلماء إن كلاً من الترجيع وعدمه سنة فينبغي أن يأتي بالترجيع أحياناً وبعدمه أحياناً وفائدة الترجيع قالوا من أجل الإخلاص بالشهادتين سراً لأنهما مفتاح الإسلام فيذكرهما أولاً سراً ثم يذكرها جهراً. السائل: قلنا إن أذان الفجر ما يصح إلا بعد دخول الوقت والمؤذنون يؤذنون قبل الوقت؟ الشيخ: لا المؤذنون الآن يؤذنون على أن الوقت دخل لكن الخطأ من التقويم. فصل القارئ: ويسن الأذان للفائتة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته الصبح فقال (يا بلال قم فأذن) ثم صلى ركعتين ثم أقام ثم صلى الغداة متفق عليه. الشيخ: عندكم متفق عليه أنا عندي رواه أبو داوود وروى نحوه أحمد والنسائي.

القارئ: وإن كثرت الفوائت أذن وأقام للأولى ثم أقام للتي بعدها لما روى ابن مسعود أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله ثم أمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء رواه الأثرم وإن جمع بين الصلاتين فكذلك لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين رواه مسلم فإن ترك الأذان للفائتة أو المجموعتين في وقت الأخيرة منهما فلا بأس لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بإقامة لكل صلاة من غير أذان متفق عليه. الشيخ: قال روي وهذا دائماً يعبر بها رحمه الله وهذا عيب عند المحدثين أن يقول للحديث الصحيح روي لأن روي من صيغة التمريض ولا تكون إلا في الأحاديث الضعيفة والمؤلف رحمه الله أحياناً يقول روى ويجزم وهو ضعيف وأحياناً يقول روي وهو صحيح والإنسان بشر. فصل القارئ: ولا يصح الأذان إلا من مسلم عاقل ولا يصح من كافر ولا طفل ولا مجنون لأنهم من غير أهل العبادات ولا يشرع الأذان للنساء. الشيخ: ومن باب أولى أنه لا يصح من الشريط ولا يجزئ لأن الشريط ليس من ذوي العبادة. السائل: في الأردن يوجد جهاز مركزي إذا حان وقت الأذان يضغط الزر ويؤذن الجهاز في جميع هذه المساجد بدون مؤذن؟ الشيخ: بدون مؤذن ما يجوز. السائل: إذا أذن مؤذن واحد للمساجد كلها؟ الشيخ: لو كان مؤذن ما فيه بأس والبلد الواحد لا تختلف فيه المواقيت. السائل: الشرط لابد أن يكون عاقل مسلم مع أن المقصود من الأذان هو الإعلام؟ الشيخ: على كل حال حتى الإعلام يحصل ببوري السيارة الأذان ذكر لله عز وجل وأطول الناس أعناقاً يوم القيامة المؤذنون. السائل: لا يتعارض مع الشريط، الشريط يحصل فيه فهو عبادة. الشيخ: لا ما هو عبادة الشريط حكاية صوت مؤذن وليس مؤذن. السائل: أليس شرطاً أن يكون مسلماً عاقلاً؟

الشيخ: بلى لكن الشريط ليس مسلم عاقل. القارئ: ولا يشرع الأذان للنساء ولا الإقامة ولا يصح منهن لأنه يشرع فيه رفع الصوت ولسن من أهل ذلك ولا الخنثى المشكل لأنه لا يعلم كونه رجلا. وفي أذان الفاسق والصبي العاقل وجهان أحدهما يصح لأنه مشروع لصلاتهما وهما من أهل العبادات والثاني لا يصح لأنه إعلام بالوقت ولا يقبل فيه خبرهما. الشيخ: قوله في أذان الفاسق والصبي الصحيح القول الأول أنه يصح أذان الفاسق وأذان الصبي. القارئ: وفي الأذان المُلَحَّن وجهان أحدهما يصح لأنه أتى به مرتباً فصح كغيره والثاني لا يصح لما روى ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم (الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلاً سمحاً وإلا فلا تؤذن) رواه الدارقطني. السائل: أذان التلحين أو اللحن في الكلام؟ الشيخ: لا المُلَحَّن هو المُطَرَّب به الذي يجعله الإنسان كالأغنية يقول إن فيه وجهان. السائل: ما هو الرد على قولهم (إنه إعلام ولا يقبل فيه خبرهم)؟ الشيخ: الرد عليهم أن الأذان إعلام لكنه إعلام له علامات ظاهرة لو أذن في غير وقته لعلم الناس كذبهما ولأن الكذب في هذا بعيد جداً. القارئ: وفي أذان الجنب وجهان أحدهما يصح لأنه أحد الحدثين فلم يمنع صحته كالحدث الأصغر والثاني لا يصح لأنه ذكر مشروع للصلاة يتقدمها أشبه الخطبة. الشيخ: الصحيح الصحة لكنه لا ينبغي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أحببت أن لا أذكر الله إلا على طهر) وأما التعليل لعدم الصحة بأنه ذكر مشروع للصلاة يتقدمها أشبه الخطبة فهذا قياس على غير متفق عليه لأنه قد يقول قائل حتى الخطبة تصح من الجنب ما المانع. فصل

القارئ: ويستحب للمؤذن أن يكون أمينا لأنه مؤتمن على الأوقات صيتا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن زيد (ألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك) رواه أبو داوود ولأنه أبلغ في الإعلام المقصود للأذان وأن يكون عالماً بالأوقات ليتمكن من الأذان في أوائلها وأن يكون بصيرا لأن الأعمى لا يعلم إلا أن يكون معه بصير يؤذن قبله كبلال مع ابن أم مكتوم فإن تشاح اثنان في الأذان قدم أكملهما في هذه الخصال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم بلالاً على عبد الله بن زيد لكونه أندى صوتاً وقسنا عليه باقي الخصال. الشيخ: قوله ويستحب المؤذن أن يكون أميناً لأنه مؤتمن وقد سبق أن المؤلف رحمه الله ذكر في أذان الفاسق وجهين فينبغي أن يكون في أذان غير الأمين وجهان لأن من لا يؤتمن لا يوثق في خبره والثاني يقول أن يكون صيتاً هذا واضح أنه أفضل والثالث أن يكون عالماً بالأوقات هذا لو قيل إنه شرط لكن نقول نمنع من اشتراطه لأنه قد يعلم الوقت بغيره فابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت. القارئ: فإن استويا في ذلك أقرع بينهما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) متفق عليه وتشاح الناس في الأذان يوم القادسية فأقرع بينهم سعد وعنه يقدم من يرضاه الجيران لأن الأذان لإعلامهم فكان لرضاهم أثر في التقديم ولا بأس أن يؤذن اثنان أحدهما بعد الآخر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له بلال وابن ام مكتوم إذا نزل هذا طلع هذا ولا يسن أكثر.

الشيخ: حديث بلال هذا ينزل وهذا يطلع فيه نظر والصواب أن بينهما مدة لأن قوله (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم) لو كان بينهما هذه المدة الوجيزة لم يقل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم لأن النائم لو استيقظ ماذا يتمكن منه والقائم لو رجع ليتسحر فماذا يتمكن فالصواب أن بينهما مدة تسع السُّحور وأما قوله ولا بأس أن يؤذن اثنان أحدهما بعد الآخر ظاهره أنهم لو اجتمعوا فإنه فيه بأس لأنهم يقولون إن اجتماعهم لا فائدة منه لكن إذا كانوا واحداً بعد واحد فالذي لم يسمع الأول يسمع الثاني أما أن يؤذنوا بصوت واحد فلا فائدة من ذلك وهذا في المسجد الواحد صحيح أن يؤذن اثنان بصوت واحد هذا لا وجه له ولا داعي له إلا أن يكون المسجد واسعاً وله جهات واسعة بحيث يؤذن هذا بالجهة الشمالية والثاني في الجنوبية ليسمع الشمالي أهل الشمال والجنوبي أهل الجنوب فهذا نعم لا بأس به والمهم أنه إذا لم تدعُ الحاجة إلى التعدد فإنه لا حاجة إليه، لو قال قائل في عهدنا إذاً نقول أكثر المؤذنين يكره أذانه لأن المكرفون يسمع إلى حد بعيد قلنا لكن هؤلاء يؤذنون بصوت واحد كل واحد في مسجده. القارئ: ولا يسن أكثر من هذا إلا أن تدعو إليه حاجة فيجوز لأن عثمان اتخذ أربعة مؤذنين. السائل: هل المُلَحِّن لا يصح أن يؤذن؟ الشيخ: لا، يكره. السائل: لو كان الملحن يرضاه الناس والأذان ملحن هل يقدم على غيره؟ الشيخ: لا يقبل رضاهم. فصل القارئ: يستحب أن يؤذن قائماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال (قم فأذن) ولأنه أبلغ في الإسماع فإن أذن قاعداً أو راكباً في السفر جاز لأن الصلاة آكد منه وهي تجوز كذلك. الشيخ: قوله وهي تجوز كذلك يعني النافلة وأما الفريضة لا تجوز قاعداً من غير عذر ولا على الراحلة من غير عذر.

القارئ: وأن يؤذن على موضع عال لأنه أبلغ في الإعلام وروي أن بلالاً كان يؤذن على سطح امرأة ويرفع صوته لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمؤذن (يغفر له مد صوته ويشهد له كل رطب ويابس) رواه أبو داوود. الشيخ: ولأنه أبلغ في الإعلام أيضاً. القارئ: ولا يجهد نفسه فوق طاقته لئلا ينقطع صوته ويؤذي نفسه. الشيخ: ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين رفع الناس أصواتهم بالتكبير (أيها الناس اربعوا على أنفسكم) يعني هونوا عليها إذاً عندنا دليل وتعليل الدليل ما ذكرت والتعليل ما ذكره المؤلف أن ينقطع صوته ويتأذى. القارئ: وإن أذن لفائتة أو لنفسه في مصر لم يجهر لأنه لا يدعو أحدا وربما غر الناس وإن كان في الصحراء جهر في الوقت فإن أبا سعيد قال إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت فارفع صوتك فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهدوا له يوم القيامة سمعته من رسول لله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري. الشيخ: وهذا يدل على بطلان تعليل المؤلف في قوله لأنه لا يدعو أحداً فإن هذا الذي في غنمه لا يدعو أحداً ومع ذلك أمر بأن يجهر وأما التعليل الثاني أنه يغر الناس فهذا صحيح إذا أذن في غير الوقت مثلاً كرجل نام ولم يستيقظ إلا في أثناء الوقت فهذا لو أذن لغر الناس. القارئ: ويستحب أن يؤذن متوضئا لأن أبا هريرة قال لا يؤذن إلا متوضئ وروي مرفوعاً أخرجه الترمذي ويستحب أن يؤذن مستقبل القبلة ويلتفت يميناً إذا قال حي على الصلاة ويساراً إذا قال حي على الفلاح ولا يزيل قدميه ويجعل أصبعيه في أذنيه لما روى أبو جحيفة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا يقول يميناً وشمالاً حي على الصلاة حي على الفلاح متفق عليه وفي لفظ ولم يستدر وأصبعاه في أذنيه رواه الترمذي. الشيخ: ولأن وضع الأصبعين في الأذنين يزيد في قوة الصوت كما هو مجرب.

القارئ: ويستحب أن يترسل في الأذان ويحدر الإقامة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يا بلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر) رواه أبو داوود ولأن الأذان إعلام الغائبين والترسل فيه أبلغ في الإسماع والإقامة إعلام الحاضرين فلم يحتج إلى الترسل فيه ويكره التمطيط والتلحين لما تقدم. السائل: قول الفقهاء ويسن أن يقيم من أذن في مكانه إن سهل من أين أخذوه وبلال يؤذن على سطح امرأة. الشيخ: وكان أيضاً يقيم على سطح امرأة أو في المكان الذي كان يؤذن فيه لأنه قال يا رسول الله لا تسبقني بآمين وهذا يدل على أنه يؤذن من مكان بعيد. السائل: هل يستحب الالتفات يميناً وشمالاً والآن يوجد المايكرفونات؟ الشيخ: لا أظنها، الآن لا فائدة من الالتفات يميناً وشمالاً ربما نقول لو التفت يميناً وشمالاً انخفض صوتك إذا كان اللاقط أمامك. السائل: إذا المؤذن يؤذن وحصل له في أثناء الأذان عذر وما أكمل الأذان؟ الشيخ: يبتدأ من جديد. فصل القارئ: ولا يصح الأذان إلا مرتباً متواليا لأنه لا يعلم أنه أذان بدونهما فإن سكت فيه سكوتاً طويلاً أعاد ولا يصح أن يبني على أذان غيره لأنه عبادة بدنية فلم يبنِ فعله على فعل غيره كالصلاة فإن أغمي عليه ثم أفاق قريباً بنى وإن طال الفصل ابتدأ لتحصل الموالاة وإن ارتد في أثنائه بطل أذانه لقول الله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ). الشيخ: العلماء رحمهم الله يصورون أشياء قد لا تفعل ارتد في الأذان مثلاً يقول أشهد أن محمداً رسول الله ثم يقول في نفس الوقت أشهد أن محمداً كاذب ارتد الآن لابد أن يستأنف الأذان لأنه بطل والمسألة فرضية. القارئ: ويكره الكلام فيه فإن تكلم بكلام طويل ابتدأ لإخلاله بالموالاة وإن كان يسيراً بنى لأن ذلك لا يبطل الخطبة وهي آكد منه إلا أن يكون كلاماً محرماً ففيه وجهان أحدهما لا يبطل لأنه لا يخل بالمقصود والثاني يبطل لأنه فعل محرماً فيه.

الشيخ: مثلاً في أثناء أذانه اغتاب أحداً من الناس وهو يؤذن هذا قول محرم فيبطل الأذان هذا قول والقول الثاني لا يبطل وإن فعل محرماً في أثنائه مثل أن ينظر إلى امرأة نظر شهوة وهي أجنبية عنه في أثناء الأذان فإنه لا يبطل لأن الفعل لا يفصل بين أجزاء الأذان بخلاف القول أما الصحيح في القول المحرم والله في نفسي من البطلان شيء لأن هذا قول محرم لكنه لا يقطع الموالاة لأنه يسير. السائل: يشترط لبطلان عمل المرتد أن يموت على الردة وهم استدلوا على بطلان الأذان بقوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) بمجرد الردة؟ الشيخ: يشترط لبطلان عمله أن يموت على الردة لقوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) لا شك لكن هو ارتد في أثناء العبادة فبطلت العبادة فلا يبني ولو تاب في الحال. السائل: لو ارتد وقد حج قبل الارتداد ثم تاب؟ الشيخ: ما يبطل الحج ولا الصوم الأول ولا الصلاة الأولى أما بطلان الأذان لأنه في أثنائه لو أذن للفجر وارتد في أذان الظهر أذان الفجر ما يبطل يبطل أذان الظهر الذي حصل فيه الردة والحج إذا ارتد فيه بطل الحج فأنتم لابد أن تعرفوا أن الردة في أي عمل إذا وقعت في أثنائه أبطلته مهما كان العمل صيام أو صلاة أو حج أو أي شيء. فصل

القارئ: يستحب أن يؤذن في أول الوقت ليعلم الناس بوقت الصلاة فيتهيؤوا لها وقد روي أن بلالاً كان يؤذن في أول الوقت لا يخرم وربما أخر الإقامة شيئاً رواه ابن ماجة ويؤخر الإقامة لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال (اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل الخلاء لقضاء حاجته) رواه أبو داود ولأن الإقامة لافتتاح الصلاة فينبغي أن تتأخر قدراً يتهيؤون فيه للصلاة فإن كان للمغرب جلس جلسة خفيفة لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة في المغرب سنة) رواه تمَّام في الفوائد، ويستحب أن يقيم في موضع أذانه إلا أن يشق عليه لكونه قد أذن في مكان بعيد لقول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم (لا تسبقني بآمين) رواه أبو داوود لأنه لو أقام في موضع صلاته لم يخف سبقه بذلك ويستحب لمن أذن أن يقيم لما روى زياد بن الحارث الصُّدَائي أنه أذن فجاء بلال ليقيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم) من المسند رواه أبو داوود والترمذي وابن ماجة وإن أقام غيره جاز لما روى أبو داوود في حديث الأذان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألقه على بلال) فألقاه عليه فأذن بلال فقال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده قال (فأقم أنت). السائل: بعض المساجد تكون الإقامة بالمكيرفونات خارجية فتسمع في الخارج؟ الشيخ: ما فيه بأس الذي نرى فيه بأس الصلاة في الميكرفونات هي التي تشوش. السائل: لو أقام أحد غير المؤذن هل تصح الإقامة؟ الشيخ: نعم تصح ما لم يكن هناك فتنة أو تشاح بحيث يأتي واحد يقيم قبل وقت الإقامة مراغمة للمؤذن هذا لا يجوز لكن لو فرض أن المؤذن أقام ثم خرج لشغل أو غيره فلا بأس. السائل: من المسند هل يعني مسند الإمام أحمد؟ الشيخ: نعم ولم يقل رواه الإمام أحمد وهذا تنويع عبارة ومر علينا مثل هذه

السائل: لو صلى الناس بإقامة مسجد آخر؟ الشيخ: لا، يقيمون هم الإقامة للحاضرين. فصل القارئ: ولا يجوز أخذ الأجرة عليه لما روى عثمان بن أبي العاص أنه قال إن آخر ما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم (أن اتخذ مؤذناً لا يأخذ على الأذان أجراً) قال الترمذي هذا حديث حسن ولأنه قربة لفاعله أشبه الإمام وإن لم يوجد من يتطوع به رزق الإمام من بيت المال من يقوم به لأن الحاجة داعية إليه فجاز أخذ الرَّزْق عليه كالجهاد وإن وجد متطوع به لم يُرْزَق لأن المال للمصلحة فلا يعطى في غير مصلحة. الشيخ: لأن المال يعني بيت المال إنما يكون لمصالح المسلمين فإذا وجد من يتطوع بالأذان فلا يجوز أن يقيم شخصاً يؤذن ونعطيه من بيت المال لأن في هذا إضاعة لبيت المال وطبقوا هذه المسألة على واقع المسلمين اليوم فإن حفظ مال بيت المسلمين من أوجب الواجبات لأنه للمسلمين لمصالحهم الدينية والدنيوية ولا يجوز أن يبذل إلا عند الحاجة إليه. السائل: إذا جاز أن يعطى للمؤذن مالاً إذا لم يجد من يتطوع كيف يوجه حديث (واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً) الشيخ: الأجر: المؤاجرة أن يقول أنا أستأجرتك على أن تؤذن بكذا وكذا أما الثاني فإنه يرتب مؤذن يؤذن ويؤخذ من بيت المال ويعطى إياه مثل عمل الناس اليوم ما يأخذه المأذنون والأئمة فهو من هذا الباب وإن قيل إنه أتى للمال فلا يسمى مستأجر بل يسمى أخذ أعطية من بيت المال يعطى من بيت المال والذي يعطيه من بيت المال لا يعطيه على أنه أجير يعطيه على أنه قام بمصلحة من مصالح المسلمين ولهذا لو ترك الأذان يوماً أو يومين لم يخصم عليه لكن لو كان أجيراً خصم عليه. السائل: إن اتفق مجموعة من الناس بأن يعطوا مبلغاً معيناً لمن يؤذن لهم؟ الشيخ: يصح ما دام ليس بينهم عقد اتفاق أجرة فلا حرج. السائل: هل للمؤذن الذي يأخذ مالاً الأجر؟ الشيخ: فهو على حسب النية إذا أذن ليأخذ ليس له أجر وإن أخذ ليؤذن فلا بأس. فصل

القارئ: ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول لما روي أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول) متفق عليه ويقول عند الحيعلة لا حول ولا قوة إلا بالله لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ] يوجد سقط في القراءة إلى نهاية الفصل [. الشيخ: ........ الأصل الأمر فيجب على من سمع المؤذن أن يقول مثل قوله والصحيح أنه مستحب وفيه بيان فضل الله عز وجل حيث جعل للسامع شِرْكاً في أجر المؤذن فإن الأذان لا يكون لكل واحد ولكن من سمع فتابع حصل له هذا الأجر وعلم من كلام المؤلف أنه لا يستحب أن يقول مع المقيم مثل ما يقول لأنه أمر لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول والإقامة ليست أذاناً لا حقيقة ولا حكماً لحديث أنس ابن مالك رضي الله عنه (أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) ففرق بينهما ولقول النبي عليه الصلاة والسلام (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) وقال (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة) ولم نؤمر بأن نقول مثل ما يقول وفرق بين حكم الإقامة وحكم الأذان فيمن سمعهما وقد ورد في هذا حديث لكنه حديث ضعيف أن الإنسان يقول مثل ما يقول المقيم لكنه ضعيف لا تقم به حجة وقال بعض العلماء إنه يقول مثل ما يقول المقيم لحديث (بين كل أذانين صلاة). والرسول يقول (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) فسمى الإقامة أذاناً فيقال إن هذا من باب التغليب لأن الإقامة لها لفظ خاص ومعنى خاص وحكم خاص فهي مباينة للأذان لكن إذا ذكرت معه على سبيل التغليب فهذا سائغ في اللغة العربية وفهم من سياق المؤلف رحمه الله حديث (من قال حين يسمع النداء وأنا أشهد) أن قول رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً تكون عند قول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فهاتان مسألتان.

المسألة الثالثة أن من سمعه وهو يصلي فإنه لا يجيب لأن ذلك يشغله عن صلاته وقال شيخ الإسلام رحمه الله بل يجيب ولو كان في الصلاة لأن ذلك ذكر وجد سببه في الصلاة فليكن مشروعاً كما شرع للعاطس أن يحمد الله وكما شرع لمن استولى عليه الشيطان في صلاته أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولكنه فيما نرى قياساً مع الفارق لأن الحمدلة عند العطاس والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم هذه الأولى قليلة لا تشغل فلا يصح قياس الأذان عليها الذي سيأخذ منك وقتاً وأما الثانية فهي لمصلحة الصلاة وهي الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند تسلط الشيطان عليه. المسألة الرابعة إذا تعدد المؤذنون فهل نجيب كل مؤذن؟ نقول ظاهر الحديث (إذا سمعتم المؤذن) عام وقد قال الفقهاء رحمهم الله يسن أن يجيب المؤذن ثانياً وثالثاً ما لم يصلِّ فإن صلى الصلاة التي فعلها فإنه لا يجيب المؤذن الذي يؤذن لها وعللوا ذلك لأنه غير مدعو بهذا الأذان لأنه قد أدى الفريضة فإذا كان غير مدعو لهذا الأذان فلا وجه لقوله لا حول ولا قوة إلا بالله عند قول المؤذن حي على الصلاة وعلى هذا فلا يسن له إجابة المؤذن إذا كان قد صلى والراجح أنه لا يجيب إذا صلى وأنه قبل يجيب كلما سمع لكن إذا اختلطت أصواتهم وصاروا يؤذنون جميعاً فإنه يجيب من بدأ أولاً فإن غلبه الثاني بصوته أجاب الثاني وعدل عن الأول أما إذا كان يمكنه إدارك صوت الأول الذي شرع في إجابته فليستمر عليه. المسألة الخامسة أنه يستحب الدعاء بين الأذان والإقامة سواء كنت في صلاة أو في غير صلاة بل إذا كنت في صلاة فإنه يتأكد أكثر إذا سجدت لتجمع بين سببي الإجابة وهما الزمن والهيئة الزمن بين الأذان والإقامة والهيئة السجود. السائل: في الحديث (إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدهم الله أكبر الله أكبر) ما يؤخذ منه استحباب أن يصل المؤذن التكبير الأول بالتكبير الثاني في الأذان؟

باب شرائط الصلاة

الشيخ: يحتمل هذا ويحتمل غيره لكن وصل التكبير ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه يجوز أن تصل التكبيرتين الأوليين بعضهما ببعض. السائل: هل يجيب المؤذن نفسه؟ الشيخ: ظاهر كلام المؤلف لا لأنه قال يسن لسامعه وهو أيضاً ظاهر الحديث (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) والمؤذن لا حاجة إلى أن يقول مثل ما يقول فهو الذي كبَّر وأذن فإذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الله الوسيلة حصلت له. السائل: إجابة الإقامة ماالراجح فيها؟ الشيخ: أنه لا يجيب لوصح الحديث فيها لقلنا به. باب شرائط الصلاة القارئ: وهي ستة الطهارة من الحدث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) رواه مسلم والثاني الطهارة من النجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيض (حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه وصلي فيه) فدل على أنها ممنوعة من الصلاة فيه قبل غسله فمتى كانت عليه في بدنه أو ثيابه نجاسة مقدور على إزالتها غير معفو عنها لم تصح صلاته. الشيخ: أولاً شرائط الصلاة، شرائط: جمع شريطة وشروط جمع شرط ولهذا عندي باب شرائط الصلاة وهي ست عندي للتأنيث وهي نسخة. المؤلف رحمه الله بين شروط الصلاة وهي ما تتوقف عليه صحتها أي صحة الصلاة منها الطهارة من الحدث وهي فعل مأمور (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) الثاني اجتناب الطهارة من النجس واستدل له رحمه الله بدم الحيض أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بغسله ثم الصلاة فيه ولكن المؤلف قال الطهارة من النجس في بدنه أو ثيابه وبقي موضع ثالث وهو مكان صلاته فيجب اجتناب النجاسة في هذه المواطن الثلاثة البدن والثوب والمكان. السائل: إذا صلى وهو لا يعلم أن هناك نجاسة في جسمه إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة ألا يدل هذا على أنها واجبة وليست شرطاً.

الشيخ: هي شرط الصحة مع الذكر والعلم فالظاهر أنها شرط لأن الرسول قال في اجتناب النجاسة (ثم صلي فيه) بعدما يزيلها يصلي فيه ولأن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى في نعل فيهما قذر فخلعهما ويرى بعض العلماء كالشوكاني أن اجتناب النجاسة ليس شرطاً للصلاة ولكنه واجب والذي يظهر لنا أنه شرط ولابد منه. السائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول) هذه في نفس الحروف والترتيب فقط أم أيضاً في رفع الصوت؟ الشيخ: في الحروف والترتيب صحيح أما في الصوت فلا، ووجه ذلك عمل الصحابة رضي الله عنهم فما كان كل واحد منهم يرفع صوته حتى يكون كالمؤذن فهذه واحدة والتعليل أن المؤذن إنما يرفع صوته لإعلام الناس إذ لا يمكن حصول الإعلام إلا برفع الصوت وأما هذا فيتابع من أجل الأجر، ولا يقول مع المؤذن لأنه لا يصدق عليه أنه قال الله أكبر حتى يتم الله أكبر. السائل: ذكر المؤلف أن هناك نجاسة غير معفو عنها فهل هناك نجاسة معفو عنها؟ الشيخ: يسير الدم الذي مر علينا يسير الدم النجس معفو عنه اليسير عند شيخ الإسلام كل شيء يشق فهو معفو عن يسيره بل عنده رحمه الله كل النجاسات معفو عن يسيرها إنما على المذهب منها ما يعفى عن يسيره كالدم ومنها ما لا يعفى عن يسيره كالبول. القارئ: وإن جبر عظمه بعظم نجس لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر وأجزأته صلاته لأن ذلك يبيح ترك التطهر من الحدث وهو آكد ويحتمل أن يلزمه قلعه إذا لم يخف التلف لأنه لا يخاف التلف أشبه إذا لم يخف الضرر.

الشيخ: مثال ذلك رجل انكسر زنده فأوتي بعظم كلب فألحق به وجبر فإنه لا يجب عليه قلعه مع الضرر وما ذكره المؤلف من احتمال وجوب القلع فهذا احتمال ضعيف جداً بل يقال إنه لا يجب قلعه مع الضرر وهو الصواب وأما إن لم يتضرر بحيث أمكن أن نقلع هذا العظم النجس ونجعل بدله عظماً طاهراً وجب ذلك أما الآن ولله الحمد بعد تقدم الطب صاروا يضعون بدله إما بلاستيك أو حديد أو ما أشبه ذلك. القارئ: وإن أكل نجاسة لم يلزمه قيئها لأنها حصلت في معدته فصارت كالمستحيل في المعدة وإن عجز عن إزالة النجاسة من بدنه أو خلع الثوب النجس لكونه مربوطاً أو نحو ذلك صلى ولا إعادة عليه لأنه شرط عجز عنه فسقط كالسترة وإن لم يجد إلا ثوباً نجساً صلى فيه لأن ستر العورة آكد لوجوبه في الصلاة وغيرها وتعلق حق الآدامي به في ستر عورته وصيانة نفسه والمنصوص أنه يعيد لأنه ترك شرطاً مقدوراً عليه ويتخرج أن لا يعيد كما لو عجز عن خلعه أو صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه. الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه إذا لم يجد إلا ثوباً نجساً فإنه يصلي فيه ولا إعادة عليه لعموم قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ). وقوله والمنصوص يعني عن أحمد أنه يعيد لماذا لأنه ترك شرطاً مقدوراً عليه وهو تجنب النجاسة إذ بإمكانه أن يخلع هذا الثوب ويصلي لكنه يكون عرياناً لكن يترتب على هذا ترك شرط آخر وهو ستر العورة ولهذا كان الصحيح أنه لا يعيد. وقوله يتخرج أن لا يعيد التخريج معناه نقل حكم مسألة إلى مسألة أخرى يشبه ما يعرف عند الأصوليين بالقياس ما هو التخريج على أي شيء قال يتخرج أن لا يعيد كما لو عجز عن خلعه أو صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه لأنه لو صلى في موضع نجس لا يمكن الخروج منه أجزأت صلاته فيتخرج أن ينقل حكم تلك المسألة إلى هذه.

السائل: إذا لم يجد إلا ثوباً نجساً فالصلاة بالثوب النجس محرم والصلاة وعورته مكشوفة كذلك محرم فاجتمع عندنا محرمان ما أدرانا أن هذا آكد من هذا؟ الشيخ: لأنه إذا ستر عورته حصل على السترة وبروز العورة مخالفة ظاهرة والنجاسة مخالفة خفية قد لا تتبين النجاسة في الثوب فكان مراعاتها أولى هذه واحدة ثانياً أنه يقال إنه ستر عورته بثوب لا يستطيع أن يزيل ما به من نجاسة فسقط عنه وجوب الإزالة لعجزه عن ذلك. (هنا سقط من باب شرائط الصلاة عند قوله: وإن خفي عليه موضع النجاسة لم يزل حكمها .... إلى فصل في الأماكن التي لا تصح فيها الصلاة عند قوله لارتكابه للنهي وإن لم يعلم صحت) ] أدى ذلك إلى أن يشركوا فيصلوا لهذه القبور وليست العلة ما يذكره بعض الناس أن المقبرة قد تكون منبوشة ويكون التراب متلوثاً بالصديد والدم وذلك لأن صديد الميت طاهر لأن المؤمن لا ينجس حياً ولا ميتاً فالعلة إذاً لأنها ذريعة إلى الشرك سواءً كانت قديمة أو حديثة. الثاني الحمام والحمام هو موضع السباحة وليس هو موضع قضاء الحاجة موضع قضاء الحاجة يسمى الحش لكن الحمام موضع السباحة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) أما العلة في الحمام فلأنه موضع كشف العورات وموضع يكثر فيه الداخل والخارج فيشوش على المصلي وقيل إنه أي الحمام مأوى الشياطين فلا ينبغي أن يصلي في مأوى الشياطين فيه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) يعني لا تجعلوها في قبلتكم ولو كان ذلك في غير مقبرة فلا يجوز للإنسان أن يجعل القبر أمامه لأنه يشبه عابده.

الموضع الثالث أعطان الإبل أعطان الإبل لا يصلى فيها وهي التي تقيم فيها وتأوي إليها وقيل أعطان الإبل ما تقف فيه بعد الشرب فإنه جرت العادة أن الإبل إذا شربت انحازت إلى مكان ثم جعلت تبول وتروِّث فتعطِّن ثم ترجع فتشرب تشرب عللاً يسمونه العامة من العَلَلَ من أجل أن تملأ بطونها من الشراب المهم أعطان الإبل لا تصح الصلاة فيها لماذا؟ لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم [. القارئ: وضم بعض أصحابنا إلى هذه المواضع أربعة أخر المجزرة وهي موضع الذبح والمزبلة وقارعة الطريق وظهر بيت الله الحرام فجعل فيها الروايات الثلاث لما روي عن ابن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة المجزرة والمزبلة والمقبرة ومعاطن الإبل والحمام وقارعة الطريق وفوق بيت الله) رواه ابن ماجة وفيه ضعف ولأن قارعة الطريق والمجزرة والمزبلة مظان للنجاسة أشبهت الحش والحمام وفي الكعبة يكون مستدبراً لبعض القبلة وإن صلى النافلة في الكعبة أو على ظهرها وبين يديه شيء منها صحت صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين متفق عليه والصلاة في هذه المواضع صحيحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فحيث ما أدركتك الصلاة فصل) متفق عليه إلا المقبرة فإن ابن حامد قال لا تصح الصلاة إليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تصلوا إليها).

الشيخ: والمؤلف رحمه الله صحح الصلاة في هذه المواضع السبعة أنها تصح الصلاة فيها ما عدا ما يدخل في المواضع الخمسة السابقة ودليل ذلك (جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا) وهذا عموم لا يمكن أن يخرج منه شيء إلا بدليل مساوٍ له وهذا في الصحيحين ومن ذلك صلاة الفريضة في الكعبة فإن الصحيح جوازها وإجزاؤها لأن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل وأما قوله (إلا المقبرة) فإن ابن حامد قال لا تصح الصلاة إليها فالصواب أنها لا تصح الصلاة إلى القبر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) والحديث لمسلم من حديث أبي مرثد الغنوي (لا تصلوا إلى القبور) لا تجعلوها بين أيديكم لأن هذا يشبه عبادتها فلذلك نهي عنه. القارئ: وإن صلى في مسجد بني في المقبرة فحكمه حكمها وإن حدثت المقبرة حوله صحت الصلاة فيه لأنه ليس بمقبرة. الشيخ: هذه مسألة المسجد والمقبرة لابد فيه من تفصيل المسجد إن بني على القبور فالصلاة فيه غير صحيحة لأنه بني في مقبرة وإن دفن فيه بعد بنائه فإن الصلاة فيه تصح ويجب نبش القبر وقبره مع الناس إلا إذا كان القبر بين يدي المصلين فإن الصلاة لا تصح لأنه داخل في عموم النهي عن الصلاة إلى القبور أما إذا كانت المقبرة خارج المسجد فإن كان بينها وبين المسجد جدار أو كانت عن يمينه أو يساره أو شرقه أو خلف القبلة فلا بأس به وإن لم يكن بينها وبينه جدار يحول يعني جدار حائل فإن الصلاة إلى القبور لا تصح. السائل: الذين يصلون ويجعلون غرفة عائشة بينهم وبين قبلة المسجد النبوي هل يجوز ذلك؟ الشيخ: لا لأن القبر قد حال بينهم وبينه عدة جدران لكن قد يكون هؤلاء ينون الصلاة للرسول فيكون شركاً أكبراً. السائل: ما الحكم لو أزيحت القبور بكاملها بجانب من المقبرة وبني فيها المسجد؟ الشيخ: لا يجوز لأن المقبرة لا يجوز نبش القبور فيها إلا لضرورة فأصحاب القبور أحق بأمكنتهم من غيرهم.

القارئ: وفي أسطحة هذه المواضع وجهان أحدهما أن حكمَها حكمُها لأنها تابعة لها والثاني تصح لأنها ليست بمظنة النجاسة ولا يتناوله النهي الشيخ: الصحيح أنها تصح الصلاة في أسطحتها إلا إذا كان السطح منها كما لو بني حجرة في المقبرة فهنا لا تصح الصلاة لا في الحجرة ولا في سطحها أو في الحمام والحمام ليس حمامنا هذا فإنه إذا بني فيه بناء فإن كل ما دخل فيه لا تصح الصلاة فيه ولو كان في السطح وأما ما عدا ذلك فالصحيح أنه صحيح يعني مثلاً لو بنينا روشاً على السوق فإن الصلاة تصح فيه أو بنينا سقفاً على محل قضاء الحاجة محل الحشوش لكن ليست متصلة بالحوش كما يوجد في بعض المساجد الآن فلا بأس بذلك كما لو وضعنا شيئاً طاهراً على الأرض النجسة فإن الصلاة تصح. السائل: من هو ابن حامد؟ الشيخ: ابن حامد من أصحابهم من الحنابلة من المتقدمين. باب ستر العورة القارئ: وهو الشرط الثالث للصلاة لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) رواه أبو داوود. الشيخ: الشرط الأول الطهارة من الحدث والشرط الثاني اجتناب النجاسات. قوله (صلاة حائض) يعني البالغة بالحيض فيه أيضاً دليل آخر وهو قوله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فإن المراد بأخذ الزينة الثياب. القارئ: وعورة الرجل ما بين سرته وركبتيه لما روى أبو أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بين السرة وبين الركبتين عورة) رواه أبو بكر بإسناده وعن جرهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له (غط فخذك فإن الفخذ من العورة) رواه أحمد في المسند وليست السرة والركبة من العورة لما ذكرنا. الشيخ: أنا عندي رواه أحمد في المسند وأبو داوود والترمذي.

القارئ: وعنه أنها الفرجان لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري وعورة الحر والعبد سواء لعموم الأحاديث. الشيخ: هذه الرواية الثانية عن أحمد أنها الفرجان وعلى هذا ما بين السرة والفرج ليس بعورة وما بين الفرج والركبة ليس بعورة واستدل بهذا الحديث والحديث بالنسبة للصلاة ليس فيه دليل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كشف عن فخذه في غير صلاة والصلاة قال الله فيها (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) وهل من غطى السوأة القبل والدبر فقط وصلى هل يقال أخذ زينته؟ أبداً لا يقال ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله لا ينبغي أن يكون في المسألة خلاف بالنسبة لعورة الصلاة وما قاله صحيح رحمه الله فإن عورة الصلاة يطلب أن يكون الإنسان على أحسن هيئة حتى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه أو على عاتقه منه شيء) فكيف نقول بصحة صلاة الرجل عنده ثياب وضع سَيْرَاً على قبله ودبره ثم صلى هذا لا ينبغي أن يقول به أحد من أهل العلم ولا أظن الإمام أحمد رحمه الله أراد بالرواية عنه هذا المعنى نعم في مسألة النظر قد يقال إن الفخذ ليس بعورة وقد يفرق بين الفخذ المحاذي للسوأة وما نزل عنه وقد يفرق بين الشاب والكبير لأن خروج فخذ الشاب فتنة بخلاف الرجل الكبير رجل أعمال رفع ثوبه ليعمل هذا لا ليس فيه فتنة فالحاصل الآن أن الصواب بلا شك أنه في مسألة الصلاة يجب أن يستر ما بين السرة والركبة على أقل تقدير أما خارج الصلاة فهنا قد نقول إن الفخذ ليس بعورة في باب النظر ولكن يجب ستره من الشباب من أجل خوف الفتنة على أنه لو قال قائل إن الرسول صلى الله عليه وسلم حسر عن فخذه فما الذي جعلكم تلغون ما بين السرة والفرج يعني لو فرضنا جدلاً أن حديث أنس هذا وهو فعل يخصص حديث جرهد لقلنا إذا كان يخصص

فيخصص في محل التخصيص وهو الفخذ لا يوجد أن الرسول مثلاً حسر عن عانته لأنه على رأي هؤلاء الذين يقولون فرجان فقط استر الذكر والأنثيين والدبر والباقي يجوز كشفه. السائل: ما الدليل على أن الزينة من السرة إلى الركبة. الشيخ: هذا أدنى شيء فلا أحد يقوم بالزينة بأدنى من ذلك أبداً وهذا عن طريق العُرف. السائل: ما رأيك فيمن ينكر على من يأتي للصلاة بثوب النوم ويستدل بهذه الآية (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ). الشيخ: ليس صحيحاً الثياب من الزينة حتى ثياب النوم لكن قد ينكر عليه يقول له إنه ما جرت به العادة فيكون من باب الشهرة. السائل: العورة في الصلاة من السرة إلى الركبة وهنا يقول ما بين السرة والركبتين هنا السرة خارجة؟ الشيخ: المذهب فيه رأي من السرة إلى الركبة، وأنا عندي كله في نفسي منها شيء فلو أن إنساناً صلى وأظهر سرته أو ركبته فصلاته صحيحة وهذا هو المذهب. فصل القارئ: والمرأة كلها عورة إلا الوجه وفي الكفين روايتان لقول الله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قال ابن عباس وجهها وكفيها ولأنه يحرم ستر الوجه في الإحرام وستر الكفين بالقفازين ولو كانا عورة لم يحرم سترهما والثانية أن الكفين عورة لأن المشقة لا تلحق في سترهما فأشبه سائر بدنها وما عدا هذا عورة لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) وعن أم سلمة قالت يا رسول الله تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار فقال (نعم إذا كان سابغاً يغطي ظهور قدميها) رواه أبو داوود.

الشيخ: هذه مسألة المرأة كلها عورة يعني في الصلاة قال إلا الوجه والكفين ففيهما روايتان لقول الله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قال ابن عباس وجهها وكفيها والاستدلال بهذه الآية في هذا الموضع غير صحيح لأن هذه الآية إنما وردت في النظر (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ) إلى آخره لكن يمكن أن يستدل على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) ولم يذكر تغطية الوجه وأما الكفان فيهما روايتان المذهب عند المتأخرين من أصحابنا أنهما عورة والقول الثاني أنهما ليستا بعورة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الصحيح لكن سترهما أفضل من باب الاحتياط ووجه ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) والمعتاد عند نساء الصحابة في لباسهن إخراج الكف هذا المعتاد لأن ثيابهن من رسغ اليد إلى كعب الرجل هذا لباسهن في البيوت والصلاة ما تكون إلا في البيت ولهذا كان القول الراجح أن القدمين والكفين يجوز إخراجهما في الصلاة ولا يلزم سترهما لكن إن احتاطت المرأة وسترتهما فهو خير. وأما قول المؤلف ولأنه يحرم ستر الوجه في الإحرام هذا فيه نظر ستر الوجه في الإحرام ليس بحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ولا تنتقب) ولبس النقاب أخص من مجرد ستر الوجه لأن النقاب لبس الوجه فحرم على المرأة في حال الإحرام أن تلبس في وجهها وكفيها ما اعتادت لبسه لأنه في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كن يعتدن لبس القفازين في الكفين والنقاب في الوجه فنهيت المحرمة عن ذلك أما مجرد التغطية فليست بحرام لكن الأفضل كشف الوجه لحديث عائشة أنه إذا مر بهن الرجال سدلن خمرهن على وجوههن فإذا انصرفوا أو ذهبوا كشفن وجوههن

السائل: هل يجب ستر العورة وهو يصلي بحيث لا يراه أحد؟ الشيخ: نعم في الصلاة يجب فلو كان الإنسان في ظلمة ما عنده أحد حتى هو نفسه ما يرى عورته يجب عليه أن يسترها وغير الصلاة فيها خلاف. السائل: إذا امرأة صلت في حضرة جامع وغطت وجهها في السجود هل تكشف الغطاء أولا؟ الشيخ: إذا لم يكن عليها مشقة فالأفضل أن تكشف لأجل أن تباشر جبهتها الأرض ولا يجوز للرجال أن ينظروا إليها وهي كاشفة. فصل القارئ: وما يظهر غالباً من الأمة كالرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الركبتين ليس بعورة لأن عمر نهى الأمة عن التقنع والتشبه بالحرائر قال القاضي في الجامع وما عدا ذلك عورة لأنه لا يظهر غالباً أشبه ما تحت السرة وقال ابن حامد عورتها كعورة الرجل لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة) يريد عورة الأمة رواه الدارقطني ولأنه من لم يكن رأسه عورة لم يكن صدره عورة كالرجل والمدبرة والمعلق عتقها بصفة كالقن لأنهما مثلها في البيع وغيره وأم الولد والمعتق بعضها كذلك لأن الرق باق فيهما إلا أنه يستحب لهما التستر لما فيهما من شبه الأحرار وعنه أنهما كالحرة لذلك. الشيخ: المراد بقوله (أنهما) أم الولد والمعتق بعضها، والمراد بقوله (كذلك) أي للشبه الذي حصل. القارئ: وعورة الخنثى المشكل كعورة الرجل لأن الأصل عدم وجوب الستر فلا نوجبه بالشك فإن قلنا العورة الفرجان لزمه ستر قُبُلِه وَذَكَرِه لأن أحدهما واجب الستر ولا يتيقن ستره إلا بِسَتْرِهما. الشيخ: قوله قبله وذكره ليسا مترادفان القبل صفة الفرج الخنثى المشكل له فرج أنثى وذكر رجل فيسترهما جميعاً. السائل: ما الراجح في مسائل عورة الأمة؟

الشيخ: أنا في الحقيقة ما وجدت أدلة أقتنع فيها ولذلك فإني مقلد المذهب في هذه المسالة إلا في مسألة الكفين والقدمين فإن الظاهر من الأدلة عدم وجوب الستر يذكر أن شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله رأى في المنام أم المؤمنين عائشة تصلي وهي كاشفة كفيها وأظنه في سن الطلب فتعجب وقال كيف أم المؤمنين تكشف كفيها وهي تصلي فلما راجع كتب أهل العلم وجد أن هذا هو قولها. فصل القارئ: وإن انكشف من العورة شيء يسير عفي عنه لأن اليسير يشق التحرز منه وإن كثر بطلت الصلاة به لأن التحرز منه ممكن وإن أطارت الريح ثوبه عن عورته فأعاده بسرعة لم تبطل صلاته لأنه يسير فأشبه اليسير من العورة ويجب ستر العورة بما يستر لون البشرة من الثياب أو الجلود أو غيرهما فإن وصف لون البشرة لم يعتد به لأنه ليس بساتر ويجب أن يجعل على عاتقه شيئاً من اللباس في الصلاة المفروضة لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يصلي أحدكم في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء) متفق عليه وإن ترك عليه شيئاً من اللباس أجزأه وإن لم يسترها استدلالاً بمفهوم الحديث وقال القاضي ستر المنكبين واجب في الفرض وقيل يجزئه وضع خيط وظاهر الحديث يدل على ما ذكرنا. الشيخ: والصحيح أن هذا على سبيل الاستحباب في الفرض والنفل وأنه لو صلى وهو مكشوف الكتفين فصلاته صحيحة والدليل على ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وعن أبيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له في الثوب (إن كان واسعاً فالتحف به وإن كان ضيقاً فاتزر به) فحدث بذلك جابر رضي الله عنه فلما حضرت الصلاة أراد أن يصلي بإزار فقال له بعض من حضر هذا الرداء على المشجب والمشجب شيء يوضع على البئر فقال كنت أعلم بذلك ثم استدل بهذا الحديث وهو أن ستر الكتفين ليس بواجب وهذا هو الصحيح أنه ليس بواجب فلو صلى بالإزار فصلاته صحيحة لكن الأفضل أن يسترها.

السائل: فإن لم يجد إلا ما يستر منكبيه أو فرجيه فأيهما يقدم؟ الشيخ: هم يقولون رحمهم الله إن لم يكفيهما فالدبر أي إن لم يكفِ السوأتين فإنه يستر الدبر لأنه ينفرج إذا سجد وإن لم يجد إلا ما يستر واحداً من ثلاثة فهو يستر المنكبين وهذا ضعيف جداً. السائل: ما هو الدليل على وجوب تغطية شعر رأس المرأة؟ الشيخ: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) والأصل أن نفي القبول نفي للإجزاء هذا الأصل ما لم يوجد دليل على أنه لنفي الكمال. السائل: لو كشفت عورته في الصلاة فهل تبطل الصلاة؟ الشيخ: إذا كان يسيراً فإنه لا يضر وإن كان كثيراً وستره في الحال لم يضر أيضاً لو أطارت الريح مثلاً إزاره ثم في الحال ستر فلا بأس فإذا طال الزمن أو فحش المنكشف فهو ما يصح ويستأنف الصلاة. فصل القارئ: ويستحب للرجل أن يصلي في قميص ورداء أو إزار وسراويل لما روى ابن عمر قال قال عمر إذا كان لأحدكم ثوبان فليصلِّ فيهما رواه أبو داوود فإن اقتصر على ثوب واحد أجزأه لأن (النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد) متفق عليه والقميص أولى من الرداء لأنه أعم في الستر فإن كان واسع الجيب ترى منه عورته لم يجزئه لما روى سلمة بن الأكوع قال قلت يا رسول الله إنا نصيد أفنصلي في القميص الواحد قال (نعم وازرره ولو بشوكة) حديث حسن فإن كان ذا لحية تسد جيبه فلا ترى عورته جاز وإن صلى في رداء وكان واسعاً التحف به وإن كان ضيقاً خالف بين طرفيه.

الشيخ: إذا لم يكن ذا لحية وانفتح الجيب وليس فيه إزرار فهل يجزئ أن يضع يده؟ الجواب نعم يجزئ وذلك لأن وضع اليدين على الركبتين حال الركوع ليس بواجب إنما هو سنة وفي قوله إن كان ذا لحية يدل على إبقاء اللحية ولو كثيفة وطويلة وقد حدثني بعض الناس اليوم عن شخص من العلماء أنه يقول إن الإنسان إذا زادت لحيته عن القبضة فإن ذلك من الإسبال على كل حال معلوم أن هذا قياس مع الفارق إسبال الثوب من فعل الإنسان وطول اللحية من فعل الله عز وجل. القارئ: وإن كان ضيقاً خالف بين طرفيه على منكبيه كالقصار لما روى عمر بن أبي سلمة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد قد ألقى طرفيه على عاتقيه متفق عليه وإن لم يجد إلا ما يستر عورته أو منكبيه ستر عورته لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان الثوب واسعاً فالتحف به وإن كان ضيقاً فاتزر به) رواه البخاري. السائل: قلتم بأن وضع اليد على الجيب يكفي لكن ماذا يفعل في حال السجود لأن السجود على سبعة أعظم ركن؟ الشيخ: في حال السجود يمكن يضم ثوبه وينستر ولا يضع يده. السائل: ما الفرق بين القميص والرداء؟ الشيخ: القميص مثل ثوبنا هذا يعني الذي له أكمام والرداء مثل لباس الرجل إذا أحرم يلبس الإزار والرداء. القارئ: ويستحب للمرأة أن تصلي في درع وخمار وجلباب تلتحف به لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال تصلي المرأة في ثلاثة أثواب درع وخمار وإزار وإن صلت في درع وخمار يستر جميع بدنها أجزأ لما روينا من حديث أم سلمة وقد روي عن أم سلمة وميمونة أنهما كانتا تصليان في درع وخمار وليس عليهما إزار رواه مالك. الشيخ: أخذ شيخ الإسلام من هذا الحديث أن كفي المرأة وقدميها ليستا عورة في الصلاة وهذا صحيح أن كفي المرأة وقدميها ليستا من العورة في الصلاة لكن سترهما أولى خروجاً من الخلاف. فصل

القارئ: فإن عدم السترة وأمكنه الاستتار بحشيش يربطه عليه أو وَرَق لزمه لأنه ساتر للبشرة أشبه الثياب وطيناً لم يلزمه أن يطين عورته لأنه يلوثه ولا يغيب الخلقة وإن وجد بارية توذي جسمه ويدخل القصب فيه لم يلزمه لبسها لما فيه من الضرر وإن وجد ماءً لم يلزمه النزول فيه وإن كان كدراً لأنه ليس يستره ويمنعه التمكن من الصلاة. الشيخ: هذه الأشياء يقول إن عدم السترة وأمكنه الاستتار بحشيش يربطه عليه أو ورق لزمه لأنه أمكنه أن يستر عورته وإن وجد طيناً لم يلزمه أن يضع طيناً على عورته وعلل المؤلف رحمه الله لأنه يلوثه ولا يغيب الخلقة وإن وجد بارية تؤذي جسمه البارية مثل الخصيف أو الحصير وما أشبهها فإن هذا يؤذي جسمه ويدخل القصب في جسمه لم يلزمه لما فيه من الضرر وإن وجد ماءً هذا الرابع إن وجد ماءً لم يلزمه أن ينزل فيه ليستر عورته ولو كان كدراً لأنه لو قدرنا أن الماء يصل إلى سرته مثلاً وهو كدر ويستتر فيه لكن ماذا يصنع عند السجود؟ إذا انغمس سوف ينخنق ولا يقال يومئ لأن فيه مشقة والمؤلف رحمه الله علل لأنه ليس بسترة ويمنعه أيضاً التمكن من الصلاة. فصل القارئ: فإن لم يجد إلا ما يستر بعض العورة ستر الفرجين لأنهما أغلظ وإن لم يكفِ إلا أحدهما ستر الدبر في أحد الوجهين لأنه أفحش وفي الآخر القبل لأنه يستقبل القبلة والدبر يستتر بالإليتين وأيهما ستر أجزأه. الشيخ: القبل لا شك أن ستره أولى لأنه يستقبل به القبلة ولا يرد عليه إلا في حال السجود في حال السجود يستتر القبل وينفرج الدبر لكن حتى عند عامة الناس القبل أفحش من الدبر فيكون هو الأولى بالستر ومع ذلك يقول المؤلف إذا ستر أحدهما أجزأ. فصل

القارئ: فإن عدم بكل حال صلى عرياناً جالساً يومئ بالسجود لأنه يحصل به ستر أغلظ العورة وهو آكد لما ذكرناه وعنه يصلي قائماً ويركع ويسجد لأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط ويصلي العراة جماعة صفاً واحداً لأن لا يرى بعضهم عورات بعض ويكون إمامهم في وسطهم ليكون أستر له فإن لم يسعهم صف واحد صلوا صفين وغضوا أبصارهم فإن كان فيهم نساء صلى كل نوع لأنفسهم فإن ضاق المكان صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم صلى النساء واستدبرهن الرجال. الشيخ: الصحيح في المسألة الأولى أنه يصلي قائماً ولا يصلي جالساً وأنه يركع ويسجد والتعليل كما قال المؤلف رحمه الله لأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى ثم هو عاجز عن السترة وفي حال العجز يسقط عنه الوجوب وليس بعاجز عن القيام ولا عن الركوع ولا عن السجود فيقال في هذا إذا صلى قائماً وركع وسجد أتى بثلاثة أركان وهو أولى من المحافظة على بعض شرط وأيضاً هو عاجز عن السترة وليس عاجز عن القيام والركوع والسجود فيلزمه ما قدر عليه ويسقط عنه ما عجز عنه فالصواب بلا شك أنه يصلي قائماً ويركع ويسجد أما قوله إن العراة يصلون صفاً واحداً فهذا متوجه إذا كانوا في إضاءة أو نهار أما إذا كانوا في ظلمة فالإمام يتقدمهم هذا هو الأفضل. السائل: لماذا يصلون العراة صفاً واحداً؟ الشيخ: لأن هذا أستر إذا صلوا صفين صار الذين في الخلف ينظرون إلى عورة الذين أمامهم وإذا كانوا صفاً واحداً فهو أستر. فصل القارئ: وإن وجد السترة بعد الصلاة لم يعد لأنه شرط للصلاة عجز عنه أشبه القبلة وإن وجدها في أثناء الصلاة قريبة ستر وبنى لأنه عمل قليل وإن كانت بعيدة بطلت صلاته لأنه يفتقر إلى عمل كثير وإن عتقت الأمة في الصلاة وهي مكشوفة الرأس فكذلك فإن لم تعلم حتى صلت أعادت كما لو بدت عورتها ولم تعلم بها. فصل

القارئ: إذا كان معهم ثوب لأحدهم لزمته الصلاة فيه فإن آثر غيره وصلى عرياناً لم تصح لأنه قادر على السترة. الشيخ: مر علينا هذا ذكرنا أن الإيثار بالقرب إذا كانت واجبة فهو حرام وإذا كانت مستحبة ينظر لما هو أصلح. القارئ: وإن أعاره لواحد لزمه قبوله وصار بمنزلته لأن المنة لا تلحق به ولو وهبه له لم يلزمه قبوله لأن فيه منة فإن أعاره لجميعهم صلى فيه واحد بعد واحد إلا أن يخافوا ضيق الوقت فيصلي فيه واحد والباقون عراة ويستحب أن يعيره لمن يصلح لإمامتهم حتى يأمهم ويقوم بين أيديهم فإن أعاره لغيره جاز قال القاضي ويصلي وحده لأنه قادر على شرط الصلاة فلم يجز أن يأتم بالعاجز عنه كالمعافى يأتم بمن به سلس البول. الشيخ: والصحيح أنه يصلي معهم ولا حرج وأنه يجوز أن يكون الإمام عاجزاً عن بعض الشروط. السائل: إذا أعتقت الأمة هل تعيد صلاتها؟ الشيخ: إن أعتقت بعد الصلاة لا تعيد وإن أعتقت أثناء الصلاة وعلمت بعد الصلاة أنها أعتقت ولم تستتر تعيد لأن الشرط لا يسقط بالجهل. السائل: قوله ويستحب أن يعيره لمن يصلح لإمامتهم؟ الشيخ: صحيح يعني بعد صلاته هو. فصل

القارئ: ويحرم لبس الثوب المغصوب لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه فإن لم يجد غيره صلى وتركه ويحرم على الرجال استعمال ثياب الحرير في لبسها وافتراشها وكذلك المنسوج بالذهب والمموه به لما روى أبو موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم) قال الترمذي هذا حديث صحيح وإن صلى في ذلك ففيه روايتان مضى توجيههما في المواضع المنهي عنها وإن صلى في عمامة محرمة أو خاتم ذهب صحت صلاته لأن النهي لا يعود إلى شرط الصلاة ولا بأس بصلاة المرأة في الحرير والذهب لحله لها ولا بأس بلبس الرجال الخز لأن الصحابة رضي الله عنهم لبسوه ومن لم يجد إلا ثوب حرير صلى فيه ولا يعيد لأنه مباح له في تلك الحال ويباح علم الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع فما دون لما روى عمر بن الخطاب قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع حديث صحيح رواه مسلم، وقال أبو بكر يباح وإن كان مذهباً وكذلك الرقاع ولبنة الجيف وسجف الفراء وما نسج من الحرير وغيره جاز لبسه إذا قل الحرير عن النصف لما روى عن ابن عباس أنه قال إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت. الشيخ: قول أبي بكر يباح ولو مذهباً هذا هو الذي عليه عمل الناس اليوم فالمشالح التي فيها أزارير مذهبة لكنها أقل من أربع أصابع فلا تكون حراماً ومن يرى أن المذهب حراماً مطلقاً يقول هذه لا يجوز لبسها بشرط أن يكون الذي فيها ذهب وإنما اشترطنا ذلك لأن بعضها يكون لونه لون الذهب ولكنه ليس بذهب. السائل: إذا وجد الرجل ثوب امرأة وما عنده ما يستتر به؟ الشيخ: يصلي به لكن لا يلبسه كأن يتزر به. السائل: هل يوجد فرق بين سترة الأمة والحرة؟ الشيخ: الأمة عند الفقهاء مثل الرجل ما بين السرة والركبة والحرة كلها عورة إلا وجهها.

القارئ: أما العلم وسدى الثوب فليس به بأس رواه أبو داود، وإن زاد عن النصف حرم لأن الحكم للأغلب وإن استويا ففيه وجهان أحدهما إباحته للخبر والثاني تحريمه لعموم خبر التحريم ويباح لبس الحرير للقمل والحكة لأن أنساً روى أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شَكَوَا القمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرخص لهما في قمص الحرير متفق عليه وعنه لا يباح لعموم التحريم واحتمال اختصاصهما بذلك. الشيخ: هذه غير صحيحة احتمال الاختصاص لا وجه له لأن الأصل عدم الخصوصية. القارئ: وهل يباح لبسه في الحرب فيه روايتان إحداهما لا يحوز لعموم الخبر والثانية يجوز لأن المنع منه للخيلاء وهي غير مذمومة في الحرب وكان لعروة يَلْمَقٌ من ديباج بطانته من سندس يلبسه في الحرب وليس لولي الصبي أن يلبسه الحرير لأنه ذكر فيدخل في عموم الخبر وعنه يباح لأن الصبي غير مكلف فأشبه ما لو ألبسه الدابة. السائل: ما الصحيح في لبس الحرير للصبي؟ الشيخ: الصحيح أنه لا يجوز، لا يجوز ليس لأنه مكلف ولكن لأنه يأخذ عليه. فصل فيما يكره لبسه القارئ: ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يتزعفر الرجل) متفق عليه وعن علي رضي الله عنه قال (نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس المعصفر) رواه مسلم.

الشيخ: المعصفر المصبوغ بالعصفر والمزعفر المصبوغ بالزعفران وهذا يكون أحمر وقد يميل إلى الصفرة قليلاً ويؤخذ على المؤلف رحمه الله أنه قال لما روي ثم قال متفق عليه وروي صيغة تمريض ولا يؤتى بصيغة التمريض إلا في الحديث الضعيف لكن هذه عادة للمؤلف رحمه الله يقول لما روي بصيغة التمريض ويبرر هذا أنه يذكر بعد ذلك بأنه متفق عليه أو رواه مسلم أو ما أشبه ذلك فكأنه يأتي بُروي المبني للمجهول لأنه والله أعلم لم يستحضر الراوي فيذكره بعينه لا لأن الحديث عنده ضعيف فعلى هذا يكون حذف الفاعل هنا لعدم ذكره أو للجهل به لكن الغالب لهؤلاء الأئمة أن يكون لعدم ذكره لا لضعف الحديث. القارئ: ولا بأس بذلك للنساء فأما ما عليه صور الحيوان فقال أبو الخطاب يحرم لبسه لأن أبا طلحة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة) وقال ابن عقيل يكره وليس بمحرم لأن في سياق الحديث (إلا رقما في ثوب) متفق عليه. الشيخ: قوله لأن في سياق الحديث (إلا رقماً في ثوب) غريب أن يستدل بهذا على الكراهة وقد استثني من هذا الوعيد وكان على من استدل به أن يقول أنه لا كراهة في ذلك كأن الذين يستدلون بهذا الاستثناء يقولون إن المراد بالصورة ما كان مجسماً وأما ما ليس بمجسم وهو الرقم فإنه لا بأس به وقد أخذ بهذا بعض السلف وعلماء الخلف كما رأيتم فيقولون المراد بهذا ما ذكر.

المهم أن الصحيح أن يحمل قوله (إلا رقماً في ثوب) على الأرقام غير المصورة بصورة حيوان ويدل لهذا الحمل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رأى ستراً قد صور فيه في بيت عائشة هتكه عليه الصلاة والسلام يعني مزقه ولما رأى النمرقة وقف ولم يدخل، نمرقة مخدة أو سجادة وقف وقال عليه الصلاة والسلام (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يقال أحيوا ما خلقتم) وهذا يدل على أن قوله (إلا رقماً في ثوب) إن كانت الكلمة محفوظة فالمراد بها ما كان صورة لكنها غير صورة حيوان. فصل في اشتمال الصماء القارئ: ويكره اشتمال الصماء لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن اشتمال الصماء) رواه البخاري ومعنى الصماء أن يجعل الرداء تحت كتفه الأيمن ويرد طرفيه على الأيسر فيبقى منكبه الأيمن مكشوفا وعنه إنما نهى عنه إذا لم يكن عليه إزار فيبدو فرجه أما إذا كان عليه إزار فتلك لبسة المحرم فلا بأس بها.

الشيخ: اشتمال الصماء فسرها المؤلف رحمه الله بأنها الاضطباع والرواية الأخرى يقول بشرط أن لا يكون عليه إزار بأن يكون الرداء كبيراً واسعاً يسع كل الجسم فيضطبع به والاضطباع أن يجعل وسطه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر هذه هي اشتمال الصماء وقيل إن اشتمال الصماء أن يلتف بثوب على جميع بدنه ولذلك سميت صماء لأنه ليس لها منفذ وقال إن هذا الاشتمال يمنعه من أن يأتي بالصلاة كاملة فيمنعه مثلاً من رفع اليدين ويمنعه من أن يدافع عن نفسه فيما لو هاجمه حيوان أو غيره أما الاضطباع فإنه ليس بمكروه ولهذا يشرع للمحرم إذا طاف بالبيت والقدوم أن يضطبع فعلى كل حال نقول إذا فسرناه بما فسره به المؤلف بأنه الاضطباع فإنه يحمل على ما إذا لم يكن تحته إزار لأنه في هذه الحال ربما مع حركة اليدين ينكشف بخلاف ما إذا كان عليه الإزار أما إذا قلنا بالقول الآخر الذي يدل عليه الاشتقاق وهو اشتمال وصماء والاشتمال معناه شمول الشيء فهذا يدل على أنه يلتف بثوب دون أن يجعل ليديه مخارج. القارئ: ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل اختيالا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) متفق عليه.

الشيخ: اقتصار المؤلف رحمه الله على الكراهة فيه نظر ظاهر بل لا نقتصر على التحريم في هذا بل نقول إنه من كبائر الذنوب لأن عليه وعيداً قد يقول قائل لعل المؤلف أراد بالكراهة كراهة التحريم فيقال هذا خلاف مصطلح عندهم المصطلح عند المتأخرين أن الكراهة عند الإطلاق للتنزيه لكن من حمله على أن المراد بالكراهة كراهة التحريم فإنه يقول حال المؤلف تبعد أن يقول يكره ثم يستدل عليها بهذا الحديث كيف تبعد؟ لأن المؤلف رحمه الله عالم فقيه بل هو إمام لمن دونه فكيف نقول إن مراده بالكراهة كراهة التنزيه وهو يستدل بحديث يقتضي أن تكون من المحرمات بل من الكبائر ولهذا الصحيح أن إسبال القميص والإزار والسراويل اختيالاً من كبائر الذنوب وأن عقوبته أن الله لا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم والعياذ بالله وأما من نزل ثوبه إلى أسفل من الكعبين لا اختيالاً فإنه يعذب عليه بالنار بمقدار ما نزل فقط ولا جرم أن يكون هذا حقاً أي أن يعذب الإنسان على جزء من بدنه وليس فيه إشكال بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ويل للأعقاب من النار) فجعل الوعيد هنا على الأعقاب حيث أخلوا بغسلها فإنها أرهقتهم صلاة العصر وأسرعوا في الوضوء فصاروا يتوضؤون ولا يكملون أعقابهم فقال (ويل للأعقاب من النار) فهنا العذاب جزئي فكذلك ما حصلت به المخالفة في الثوب النازل عن الكعبين فإنه جزئي على ما حصلت فيه المخالفة ثم إذا قلنا إنه لا ينزل عن الكعبين فما هو الأفضل؟ نقول ما بين نصف الساق إلى الكعب كله سنة لأنك إذا تأملت ألبسة الصحابة وجدت الأمر كذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث بهذا الحديث (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) قال أبو بكر يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي علي إلا أن أتعاهده فقال إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء فهذا يدل على أن ثوبه من نصف الساق فأنزل لأنه لو كان إلى نصف الساق ثم نزل إلى الأرض

لبدت عورته من فوق فالتشديد في هذه المسألة وكون الإنسان يتزعم أن هذا سمة الصالحين المتبعين للرسول عليه الصلاة والسلام وأن من أنزل ثوبه عن نصف الساق فإن هذه من سمة المتهاونين الذين لم يصلوا إلى درجة الكمال فهذا خطأ بل يقال الأمر واسع ما بين نصف الساق إلى الكعب بل إن قول الرسول عليه الصلاة والسلام (ما أسفل من الكعبين في النار) يدل دلالة واضحة على جواز ما كان على الكعبين أو فوق الكعبين وهو كذلك. الشاهد أن تعبير المؤلف بكلمة يكره ثم استدلاله بحديث يقتضي أنه من الكبائر إذا نظرنا إلى حال المؤلف قلنا إن المراد بالكراهة التحريم وإن كان هذا خلاف ما اصطلح عليه المتأخرون من أهل العلم. السائل: لماذا فرقنا إسبال الإزار بأنه من كبائر الذنوب وأن الإسبال من غير خيلاء يكون حراماً برغم أن هناك عقوبة؟ الشيخ: من قال لك في هذا تفريق كله من كبائر الذنوب لكن عقوبة الخيلاء أعظم لأن فيها لم ينظر الله إليه ولا يكلمه ولا يزكيه وله عذاب أليم أما هذا ففيه وعيد أو إشارة للوعيد في قوله (ما أسفل من الكعبين ففي النار). السائل: بالنسبة للصلاة في المشلح لو ترك إدخال اليدين في المشلح هل تعتبر من اشتمال الصماء؟ الشيخ: لا، لا يعتبر من اشتمال الصماء لكن قل هل يكون من السدل المكروه أو لا؟ يقول شيخ الإسلام إنه ليس من السدل المكروه لا المشلح ولا القباء فلو جعل الإنسان الكوت مثلاً على كتفيه ولم يدخل يديه في الكمين فليس من المكروه. السائل: بعض الناس إذا رأوا من يلبس إلى نصف ساقه يستنكروه ولا يتقبلون منه؟

الشيخ: أنا يتخيل لي أنه أراد أن الإنسان إذا رفع لباسه إلى نصف الساق صار من لباس الشهرة ولباس الشهرة منهي عنه فنقول إن ما كان من لباس الشهرة لأن الناس تركوه فيستنكروه لكن لا ينبغي أن نقول إن هذا من لباس الشهرة وينهى عنه وقد جاء الحديث (إزرة المؤمن إلى نصف ساقه) لكننا نقول لا تشددوا علينا إذا نزل إلى ما بعد نصف الساق وتقول أنتم جماعة آخرين لستم سلفيين ولا تحبون السنة وما أشبه ذلك يوجد بعض السفهاء يقول هكذا. القارئ: ويكره تغطية الفم في الصلاة لما روى أبو هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه) رواه أبو داوود. الشيخ: السدل قال العلماء أن يطرح الرداء على كتفيه ولا يرد طرفيه على الكتفين هذا السدل وعللوا ذلك بأنه من عمل اليهود. أما تغطية الفم فنعم لأنك إذا غطيت فمك وأنت تصلي لم تتمكن من إظهار القراءة والتسبيح وغيرها على الوجه الأكمل ولكن إذا حدث تثاؤب وعجزت عن كظمه فإن من المشروع أن تغطي فاك لكن هذا عارض. السائل: لو أنه يشم رائحة من فمه كريهة أو من غيره؟ الشيخ: أما إذا كان هو في فمه رائحة فلا يحضر المسجد لأن لا يؤذي الملائكة والمصلين وأما إذا كان هو نفسه يتأذى ولم يتيسر له أن ينتقل إلى مكان آخر مثل أن يكون قد دخل في الصلاة الآن فلا حرج لأنه حاجة كما قلنا بكراهة تغميض العينين في الصلاة إذا رأى ما يشغله فله أن يغمض. السائل: ما الإجابة على تفريق بعض العلماء يقولون إن المعصفر مكروه والمزعفر حرام كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أثر صفرة في عبدالرحمن بن عوف، وأن ابن عمر خرج في ثوب أصفر فلم ينكر عليه وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك؟

الشيخ: الإجابة أن المزعفر في الإحرام صحيح لأنه طيب وأما غير الإحرام فإذا كان المزعفر أحمر خالص فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس الأحمر الخالص وأما إذا كان يميل إلى الصفرة كما هو الغالب في الزعفران وإن كان الزعفران أقرب إلى الحمرة من العصفر فهو باق على الكراهة وأما أثر الزعفران بدون أن يكون الثوب كله زعفران فلا بأس. القارئ: ويكره شد الوسط بما يشبه شد الزنار لما فيه من التشبه بالنصارى فأما شده بغير ذلك فلابأس به. الشيخ: شد الوسط يتحزم الواحد بوسطه والزنار يعني شد معروف عند النصارى يشدون به أوساطهم عند تعبدهم في الكنائس وأنا ما رأيته لكنه من خصائص لباس النصارى عند التعبد فيكره للمسلم في حال الصلاة أن يشد وسطه بما يشبه شد الزنار وقال بعض الفقهاء يكره مطلقا في الصلاة وغيرها لأنه لا يلبس الزنار إلا النصارى فيكون شد الوسط به تشبهاً بهم ولكن بقي أن يقال المؤلف يقول يكره لما فيه من التشبه بالنصارى وظاهر كلامه أن التشبه بالكفار مكروه لا محرم وهذا هو المشهور من المذهب عندنا أن التشبه بالكفار ليس بمحرم بل هو مكروه صرحوا به في قولهم يكره التشبه بالكفار في لباس وغيره ولكن الصحيح أن التشبه بالكفار محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم اسناده جيد وأقل أحواله التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم.

وما قاله رحمه الله هو الصواب أن التشبه بالكفار محرم لما فيه من المفاسد العظيمة لأن المتشبه بهم لا شك أنه قد أعجبه صنيعهم فيكون في قلبه تعظيم لهم ولأن التشبه بهم يؤدي إلى افتخارهم واعتزازهم فإن جبلة الإنسان وطبيعته تقضتي أنه إذا رأى الناس يقتدون به شمخ وانتفخ ومن المعلوم أن المطلوب منا أن لا نفعل ما يكون به إعزاز الكفار بل المطلوب منا أن نفعل ما يغيظ الكفار وقد حثنا الله على ذلك في قوله (وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ) إغاظة الكفار من العمل الصالح وقال عز وجل في وصف محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) هذه الرفعة العظيمة للمسلمين لمحمد ومن معه من أجل إغاظة الكفار فمن تشبه بهم هل يكون مغيظاً لهم أو شارحاً لصدورهم.

ثالثاً أن التشبه بهم في الظاهر يؤدي إلى التشبه بهم في الباطن لأنه لم يتشبه بهم إلا وقد أعجبه ما يصنعون فيتدرج به الشيطان حتى يتبعهم في باطن أمورهم وهذا شيء مشاهد وقد حكي لي شيء عجيب أن بعض المسلمين يقتنون الكلاب مع تحريم اقتنائها وأنهم كل يوم يغسلونها بالماء والصابون والشامبو نعم هكذا سمعت وهم إذا غسلوها هذا التغسيل ما تطهر لأن النجاسة عينية الذي يطهر هو ما كانت نجاسته حكمية أما ما كانت نجاسته عينية فلا يمكن أن يطهر لو يبقى في سبعة أبحر ألف عام هذا من التشبه بالكفار كل يوم ينقص من أجرهم قيراط أو قيراطان هدم للأجور والحسنات والعياذ بالله إلا ما رخص به الشرع ككلب ماشية أو حرث أو زرع وإن كان بعضهم يدعي أنه وضعه في البيت للحماية وقال إن حماية النفوس أولى من حماية البهائم وقد أباحه الرسول عليه الصلاة والسلام لأجل الماشية فالنفوس من باب أولى نقول هب أننا سلمنا ذلك وقلنا أنت المنفرد عن الناس ببيتك أو قصرك اقتني كلباً لكن ما الذي يجعلك تغسله وتصوبنه وتجعل عليه الشامبو وما أشبه ذلك خطأ اللهم اهدهم اللهم اهدهم. السائل: ما هو ضابط النهي عن التشبه؟ الشيخ: التشبه بعباداتهم هذا حرام على كل حال حتى لو انتشر بين المسلمين التشبه بالعبادات ومن ذلك التشبه بهم في أداء السلام أو في رد السلام فإنه محرم لأن السلام عبادة وأما العادات فقد ذكر العلماء رحمهم الله أن ما تعلق الحكم فيه بعلة يزول حكمه بزوال العلة فإذا كان العلة من هذا الفعل أو من هذا اللباس أو من هذا الفراش هي التشبه وانتشر هذا الأمر بين الناس وصار لا فرق فيه بين المسلم والكافر فإنه يرتفع الحكم لأن ما ثبت بعلة زال بزوالها وقد ذكر ذلك الحافظ بن حجر رحمه الله في فتح الباري ونقله عن مالك وهذا صحيح. السائل: كيف يجاب في قصة الحسن والحسين عندما كان تحت السرير جرو؟

الشيخ: إن صح فإنه يغتفر للصبيان ما لا يغتفر للكبار هذا من وجه أو يقال إن هذا قبل النهي. القارئ: ويكره لف الكم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعراً ولا ثوباً) متفق عليه. الشيخ: (أمرت) يعني أمره الله وأما كف الكم المؤلف يقول كف الكم والحديث (ولا أكف ثوباً) وهناك فرق بين كف الثوب وكف الكم، كف الثوب من الأسفل وكف الكم في اليد ولا سيما أكمام القميص لأن الحكمة والله أعلم من النهي عن كف الثوب أنه يحصر ما يسجد معه فإذا أرخى الثوب اتسع المكان وسجد على أكبر بقعة من الأرض والكم في القيمص لا يصل إلى الأرض ولهذا نظر بعض العلماء في كف الكم وقال إنه لا يدخل في الحديث هذه واحدة والذين قالوا الكم قالوا لعموم قوله لا أكف ثوباً ثم هل المكروه أن يكفه للصلاة أو أن يكفه مطلقاً مثل أن يكون قد عمل عملاً قبل أن يصلي فرفع ثوبه من أجل هذا العمل أو كفه أو كف كمه في هذا قولان للعلماء وأظهرهما أن النهي عما إذا كان عند الصلاة أما ما فعله قبل أن يصلي ثم بقي كما هو كما يصنعه العمال والحراث فإن هذا لا بأس به وهو ظاهر من اللفظ (أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف) يعني عند السجود ولم يقل ولا يكون ثوبي مكفوفاً أو شعري مكفوفاً نعم الشعر ورد فيه نهي خاص (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل وهو معقوص الشعر أو الرأس). باب استقبال القبلة القارئ: وهو الشرط الرابع للصلاة لقول الله تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).

الشيخ: استقبال القبلة، القبلة: هي الكعبة للمسلمين وهل هذه الكعبة قبلة للأنبياء السابقين وحصل التحريف من أتباعهم كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فإن شيخ الإسلام يقول إن الكعبة قبلة جميع الأنبياء ولكن اليهود حرفوها والنصارى كذلك حرفوها فاليهود حرفوا استقبال القبلة إلى أن يستقبلوا بيت المقدس وذلك مراغمة للنصارى فإن النصارى لما استولوا على بيت المقدس قذروا على الصخرة وألقوا عليها القمامة والكناسة وأهانوها فجاء اليهود وفعلوا ضد ذلك من إكرامها حتى اتجهوا إليها واستدبروا الكعبة إذا كانوا بينها وبين الكعبة أما النصارى فاتجهوا إلى المشرق فكانت القبلة محرفة كما حُرِّف الإيمان بالله ورسوله. ثم إن من الحكمة أن الله جعل للمصلي قبلة يستقبل إليها ليتعلق قلبه بالله في السماء وببيته في الأرض ولأجل أن يتحد المسلمون على قبلة واحدة لولا هذا لكان أحد يصلي للشرق والثاني يصلي للغرب والثالث يصلي للشمال والرابع يصلي للجنوب كيفما تيسر لكن صارت القبلة شرطاً لصحة الصلاة في جميع أقطار الأرض لكل مسلم ودليلها (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) في أي مكان في السماء في الأرض في البحر في أي مكان (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) إذا قال قائل هل المراد تولية الوجه فقط يعني أن الإنسان يمكن أن يكون جسمه للشمال ووجه للقبلة أو الجسم للجنوب والوجه للقبلة أو المراد الجميع؟ المراد الجميع لكنه نص على الوجه لأنه هو المقابل ولهذا يكره الإنسان أن يلتفت في صلاته. القارئ: وهو الشرط الرابع للصلاة لقول الله تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ). الشيخ: حيث: ظرف مكان أي في أي مكان كنتم فولوا وجوهكم شطره وهي شرطية.

القارئ: والناس في القبلة على ضربين منهم من يلزمه إصابة العين وهو المعاين للكعبة أو من بمكة أو قريباً منها من وراء حائل فمتى علم أنه مستقبل الكعبة عمل بعلمه وإن لم يعلم كالأعمى والغريب بمكة أجزأه الخبر عن يقين أو مشاهدة أنه مصلي إلى عين الكعبة. الشيخ: هذا القسم الأول من يلزمه استقبال عين الكعبة والمؤلف رحمه الله يقول هو من بمكة أو قريب منها من وراء حائل قريب منها يعني من الكعبة من وراء الحائل وفي هذا شيء من المشقة لأن من بمكة لا يمكنه مشاهدة الكعبة ومن بينه وبينها وراء حائل لا يمكن أيضاً مشاهدة الكعبة فالصواب أن من أمكنه مشاهدة العين لزمه استقبال العين ومن لم يمكنه لم يلزمه وعلى هذا فالذين في المسجد الحرام يمكنهم مشاهدة العين اللهم إلا من كان بعيداً فهذا لا يمكنه لأنه يوجد أعمدة كثيرة تغطي والقاعدة التي تفهم في هذا الباب هي ما ذكره الله في قوله (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) اتقوا الله ما استطعتم هذا هو الواجب فإذا كان باستطاعتك وجب عليك استقبال العين وإذا لم يكن باستطاعتك سواء كنت قريباً من الكعبة أو بعيداً فإنك لا تكلف. القارئ: الثاني من فرضه إصابة جهة الكعبة وهو البعيد عنها ولا يلزمه إصابة العين لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما بين المشرق والمغرب قبلة) قال الترمذي هذا حديث صحيح ولأن الإجماع انعقد على صحة صلاة الاثنين المتباعدين يستقبلان قبلة واحدة ولا يمكن أن يصيب العين إلا أحدهما.

الشيخ: إذا كان بعيداً منها فإن فرضه استقبال الجهة لا العين لأن استقبال العين متعذر واستدل المؤلف رحمه الله بنص وإجماع أما النص فهو قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل المدينة (ما بين المشرق والمغرب قبلة) لان أهل المدينة يستقبلون جهة الجنوب ومن كان في حكمهم فله حكمهم فأهل الشام مثلاً يقال لهم ما بين المشرق والمغرب قبلة وأهل اليمن يقال لهم ما بين المشرق والمغرب قبلة لكن أهل جدة وأهل الطائف لا نقول لهم ما بين المشرق والمغرب قبلة نقول ما بين الشمال والجنوب قبلة واستدل بإجماع العلماء على صحة صلاة اثنين متباعدين إلى جهة واحدة يستقبلان جهة واحدة وهنا قطعاً لا يمكن أن يصيب العين إلا أحدهما وقد لا يصيبان أبداً لكن على فرض أن أحدهما أصاب العين فإن الثاني قطعاً لم يصبها يعني مثلاً الآن بين طرفي المسجد هذا وطرفه أوسع من الكعبة فإذا كان واحد يصلي في طرف مسجدنا هذا من الشمال وآخر بطرفه من الجنوب والاتجاه واحد فإننا نعلم قطعاً أنه إن أصاب أحدهما عين الكعبة فالآخر لم يصبها لأن عين الكعبة أقل من المسافة التي بينهما وهذا شيء مجمع عليه صف مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام أطول من الكعبة وقد أجمع المسلمون على صحة صلاة الناس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بصف مستقيم وطرف الصف من الجنوب أو من الشمال أحدهما لم يستقبل عين الكعبة قطعاً إن فرض أن هناك استقبال عين الكعبة إلى أحدهما. القارئ: وهذا ينقسم ثلاثة أقسام أحدها الحاضر في قرية أو من يجد من يخبره عن يقين ففرضه التوجه إلى محاريبهم أو الرجوع إلى خبرهم لأن هذا بمنزلة النص ولا يجوز الرجوع من الاجتهاد معه كالحاكم إذا وجد النص.

الشيخ: إذا كان في قرية فالواجب أن يرجع إلى محاريبها لأن المحاريب مبنية إلى القبلة أو من يخبره عن يقين كصاحب الدار إذا استأجرت بيتاً وقال لك صاحب البيت هذه هي القبلة والآن ولله الحمد يسر الله للمسلمين هذه العلامات للقبلة التي تسمى دليل القبلة بالبوصلة وهي على قسمين قسم معين بالأرقام وقسم آخر معين بالإشارة بعضها بالأرقام وبعضها بالإشارة ففيه دليل يقول لك مثلاً ضع الإبرة على رقم ستة عشر خمسة عشر عشرين كذا ومعين البلد الذي عليه هذا الرقم ثم يتبين القبلة وقسم آخر معين البلد في نفس البوصلة في نفس الدليل ويقول لك اجعل الإبرة على وزن نفس البلد وهذه أسهل لأن هذه كل إنسان يعرفها ولا تحتاج تذكر الأرقام أو تصحب الدفتر الذي فيه الأرقام وهذه كان عندنا منها شيء نستعمله الآن وهي مصنوعة قديماً صنعها واحد من فارس مسلم مر بالبلاد وعرف سمتها فصنعها فوجدناها مضبوطة وصنع أيضاً اسطوانة فيها دليل الحاج خاصة بالمدينة ومكة والقرى التي يمر بها الحجاج ومفيدة أيضاً وهناك ساعة العصر جاءت أيضاً لتبين للناس القبلة لكن لها طريقة معينة إلا في مكة ما تعطيك الخبر وفي منى ومزدلفة ما تعطيك الخبر يظهر على الشاشة قريب للغاية لكن على كل حال هي مفيدة جداً. القارئ: الثاني من عدم ذلك وهو عالم بأدلة القبلة ففرضه الاجتهاد لأن له طريقاً إلى معرفتها بالاجتهاد فلزمه ذلك كالعالم في الحادثة.

الثالث من عجز عن ذلك لعدم بصره أو بصيرته أو لرمد أو حبس ففرضه تقليد المجتهد لأنه عجز عن معرفة الصواب باجتهاده فلزمه التقليد كالعامي في الأحكام وإن أمكنه تعرف الأدلة والاستدلال بها قبل خروج الوقت لزمه ذلك لأنه قدر على التوجه باجتهاد نفسه فلم يجز له تقليد غيره كالعالم فإن اختلف مجتهدان قلد العامي أوثقهما عنده فإن قلد الآخر احتمل أن يجوز لأنه دليل مع عدم غيره فكذلك مع وجوده واحتمل أن لا يجوز لأنه عمل بما يغلب على ظنه خطأه فأشبه المجتهد إذا خالف جهة ظنه فإن استويا عنده قلد من شاء منهما كالعامي في الأحكام. الشيخ: فتبين الآن أن الذي يكون في قرية يستدل بالمحاريب الإسلامية وبأخبار الثقات ففرضه ذلك والثاني من عجز مثل أن يكون في البر حانت الصلاة وأنت في البر وليس عندك علامات على القبلة فهنا يلزمك الاجتهاد إن كنت من أهل الاجتهاد ومن المجتهد هنا؟ المجتهد هنا هو الذي يعرف دلائل القبلة إما بالشمس أو بالنجوم أو بالقمر أو بغير ذلك فإن لم يمكنه الاجتهاد بأن صار لا يعرف فحينئذٍ يجب أن يقلد ثقة ولو كان الثقة يخبره عن غير يقين كاجتهاد مثلاً له أن يقلد المجتهد فإن اختلف عليه مجتهدان قال أحدهما القبلة يمين والثاني قال القبلة يسار وجب عليه أن يقلد الأوثق لأنه هو الذي يغلب على الظن عنده صدقه والعمل بغالب الظن واجب إذا تعذر اليقين فإن تساويا عنده أو لم يعرف عن حالهما شيئاً فإنه يخير هذا ما لم يكن هذان الرجلان مساويين له في عدم المعرفة فإن كانا مساويين لهما في عدم المعرفة واختلفا عليه سقط قولهما ويجتهد هو بنفسه ويتحرى ويصلي. السائل: هل يجوز استقبال حِجْر الكعبة؟ الشيخ: نعم يجوز استقباله إلا طرفه الشمالي فإنه لا يستقبل. السائل: لو كان يخشى في اجتهاده في الاستدلال للقلبة خروج الوقت؟

الشيخ: يسأل فإذا ما وجد أحداً وضاق عليه الوقت صلى على حسب ما يطرأ عليه يعني لو ما وجد أحداً يسأله وخاف خروج الوقت وهو لا يعرف أن يستدل فيصلي أين كان وجهه ولا يمكث حتى يخرج الوقت كما قلنا لكم مراراً وتكراراً المحافظة على الوقت فوق كل شيء ولهذا من لم يجد ماءً ومن لم يجد تراباً صلى بلا ماء ولا تراب ومن وجد ما يستر عورته سترها ومن لم يجد صلى عرياناً ومن استطاع أن يصلي قائماً صلى قائماً فإن لم يستطع فقاعداً حتى وإن كان يعرف أنه بعد خروج الوقت سيقدر على القيام المهم أن الوقت مقدم على كل شيء. فصل القارئ: ومن ترك فرضه بالاستقبال وصلى لم تصح صلاته وإن أصاب لأنه تارك لفرضه فأشبه ما لو أخطأ وإن أتى بفرضه فبان أنه أخطأ وكان في الحضر أعاد لأن ذلك لا يكون إلا لتفريط وإن كان مسافراً لم يعد لأنه أتى بما أمر به من غير تفريط فلم تلزمه الإعادة كما لو أصاب الشيخ: يقول وإن أتى بفرضه وفرضه أولاً أن يستدل بالمحاريب وأشباهها إذا كان في القرية ثانياً أن يجتهد ثالثاً أن يقلد.

إذا أتى بفرضه فبان أنه أخطأ وكان في الحضر أعاد لأن ذلك لا يكون إلا لتفريط والصواب أنه إذا أتى بفرضه واجتهد وهو ممن يعرف الأدلة وأخطأ فلا إعادة عليه لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فمثلاً إذا كان في الحضر ودخل بيتاً ينام فيه ولم يسأل صاحب البيت عن القبلة ولكنه يعرف دلائل القبلة فخرج إلى السطح ورأى النجوم وباجتهاده تبين له أن القبلة إلى هذه الناحية فصلى في هذه الناحية ثم تبين أنه أخطأ فعند المؤلف يعيد الصلاة لأن فرضه أن يسأل، الاجتهاد ما يأتي إلا إذا عدم من يسأله والصحيح أنه لا إعادة عليه لأن هذا مشقة وأحياناً يكون صاحب البيت غير موجود ولا أدري أين ذهب ولا يمكنني أن أسأله والقاعدة العامة عندنا في هذا وغيره أن كل من اجتهد في أي عبادة كان فإنه قد أدى الواجب عليه يقول وإن كان مسافراً لم يعد لأنه أتى بما أمر به من غير تفريط فلم تلزمه الإعادة كما لو أصاب. السائل: إذا اجتهد اثنان واختلفا فقلد العامي أحدهما مع أن الآخر أوثق عنده؟ الشيخ: الصحيح أن صلاته تبطل إذا اختلف عنده اثنان وأحدهما أوثق فتبع غير الأوثق وإن كان فيه احتمال أن يكون الصواب مع غير الأوثق في هذه القضية المعينة لكن ترك تقليد من يظن أنه أصح. السائل: ما هو تعليقكم على قوله (لأنه دليل مع عدم غيره فكذلك مع وجوده)؟ الشيخ: ليس صحيحاً، دليله مع عدم غيره ما لم يوجد من هو أولى منه. السائل: اثنان اجتهدا في تحديد القبلة واختلفا وهما جماعة؟ الشيخ: كل واحد يصلي لما أدى اجتهاده إليه والصحيح أنهم يصلون جماعة وقيل لا يصليان جماعة لاختلاف الاتجاه لكن الصحيح أنهما يصليان كما لو اختلفا في أن هذا ناقض الوضوء أو غير ناقض.

القارئ: وإن بان له الخطأ في الصلاة استقبل جهة القبلة وبنى على صلاته لأن أهل قباء بلغهم تحويل القبلة وهم في الصلاة فاتسداروا إليها وأتموا صلاتهم متفق عليه وإن اختلف اجتهاد رجلين لم يجز لأحدهما الائتمام بصاحبه لأنه يعتقد خطأه وإن اتفقا. الشيخ: هذا المذهب والصحيح أنه كما قلت لكم أنه يصح اقتداء أحدهما بالآخر لأن هذا مبني على الاجتهاد كما لو كان أحدهما يرى أن هذا الشيء ناقض للوضوء وأن الصلاة لا تصح معه والآخر يرى العكس لكن بعض العلماء فرق بأن المختلفين في نقض الوضوء اتجاههما واحد فهما متفقان ظاهراً أما من اختلفا في القبلة فقد يكون أحدهما يولي الآخر ظهره يكون هذا يصلي للمشرق وهذا يصلي للمغرب فحصل التباين والتنافي. السائل: ما الحكم لو تغير اجتهاد المجتهد في تحديد القبلة أكثر من مرة وهو يصلي؟ الشيخ: العلماء ذكروا هذه المسألة قالوا لو أن الرجل صلى باجتهاد إلى جهة الشمال على أنها القبلة ثم في نفس الصلاة اختلف اجتهاده إلى أن القبلة غرباً فإنه يتجه إلى الغرب ثم اختلف اجتهاده بأن القبلة جنوباً فإنه يتجه إلى الجنوب ثم اختلف اجتهاده فظن أن القبلة شرقاً فيتجه إلى الشرق وحينئذٍ يلغز بها فيقال رجل صلى إلى أربع الجهات فصحت صلاته. القارئ: وإن اتفقا اجتهادهما فصليا جميعاً فبان الخطأ لأحدهما استدار وحده ونوى كل واحد منهما مفارقة صاحبه فإن كان معهما مقلد تبع الذي قلده منهما ودار بدورانه وأقام بإقامته وإن قلدهما جميعاً لم يدر إلا بدورانهما لأنه دخل في الصلاة بظاهر فلا يزول إلا بمثله. الشيخ: وعلى هذا يبقى مع الأول لم يدر إلا بدورانهما إذا استدارا جميعاً وعلى هذا فإذا استدار أحدهما دون الآخر بقي مع الأول لأنه بنى على ظاهر. السائل: المجتهد في تحديد القبلة وهو في الصلاة كيف نقول إن صلاته صحيحة مع أن يقينه أصبح أن الجهة الأولى خاطئة؟

الشيخ: لأن أول الصلاة التي صلاها إلى جهة الشمال مثلاً بأمر الله فهو صحيح فآخر الصلاة لا يبطل أولها لأنه كله صحيح. القارئ: وإن تغير اجتهاده في الصلاة رجع إليه كما لو بان له الخطأ نص عليه. الشيخ: نص عليه أي الإمام أحد إذا قال المؤلف أو غيره من الأصحاب نص عليه يعني الإمام أحمد كما لو قال وهو المنصوص يعني الإمام أحمد. القارئ: لأنه مجتهد أداه اجتهاده إلى جهة فلم يجز له تركها وقال ابن أبي موسى لا يرجع ويبني على الأول كي لا ينقض اجتهاده باجتهاده والأول أولى وإن شك في الصلاة مضى على ما هو عليه لأنه دخل فيها بظاهر فلا يزول عنه بالشك وإن تبين له الخطأ ولم يعلم جهة القبلة فسدت صلاته لأنه لا يمكنه إتمامها إلى جهة يعلم الخطأ فيها ولا التوجه إلى جهة أخرى بغير دليل. الشيخ: إذا تيقن أنه الآن مخطئ لكن ما يدري لأن الجهات أربع الآن تبين أن هذه الجهة خطأ لكن ما يدري هل هي في الجهة الثانية أو الثالثة أو الرابعة نقول الآن أخرج من الصلاة واعمل اجتهادك مرة أخرى حتى يترجح عندك لماذا يخرج؟ يقول المؤلف يخرج لأنه الآن يعتقد أنه على خطأ فكيف يستمر وهو يعلم أن هذه ليست هي القبلة ولم يتبين له الآن جهة أخرى حتى نقول انتقل إليها وهو ظاهر. القارئ: وإن صلى بالاجتهاد ثم أراد صلاة أخرى لزمه الاجتهاد لها كالحاكم إذا اجتهد في حادثة ثم حدثت مرة أخرى. الشيخ: والصحيح لا يلزمه الصحيح أنه لا يلزمه لأن الاجتهاد الأول طريق شرعي سواء في مسألة القبلة أو في الحاكم القاضي، القاضي إذا حكم بمسألة بعد أن اجتهد فيها وراجع الكتب وراجع كلام العلماء ثم حدثت أخرى نفس المسألة هل نقول يلزمك أن تبحث مرة ثانية المؤلف يقول لازم يبحث مرة ثانية والصحيح أنه لا يلزمه لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان. فصل

القارئ: فإن خفيت الأدلة على المجتهد بغيم أو غيره صلى على حسب حاله ولا إعادة عليه لما روى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) رواه ابن ماجه والترمذي ولأنه أتى بما أمر به فأشبه المجتهد مع ظهور الأدلة وإن لم يجد المقلِّد مَنْ يقلده صلى وفي الإعادة رواياتان إحداهما لا يعيد لما ذكرنا والثانية يعيد لأنه صلى بغير دليل وقال ابن حامد إن أخطأ أعاد وإلا ففيها وجهان. الشيخ: والصحيح أنه لا يعيد لأن الله قال (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ). القارئ: ويجوز للأعمى الاستدلال باللمس فإذا لمس المحاريب جاز له استقباله لأنه يحصل بذلك العلم فأشبه البصير فإن شرع في الصلاة لخبر غيره فأبصر في أثنائها وهو ممن فرضه الخبر بنى على صلاته لأن فرضه لم يتغير وإن كان فرضه الاجتهاد فشاهد ما يدل على القبلة من شمس أو محراب أو نحوه أتم صلاته وإن لم يشاهد شيئاً وكان قلد مجتهداً فسدت صلاته لأن فرضه الاجتهاد فلا تجوز صلاته باجتهاد غيره. الشيخ: والصحيح أنها لا تفسد لأن كل من أفسد عبادة فلابد من دليل. فصل القارئ: ولا يقبل خبر كافر ولا فاسق ولا صبي ولا مجنون لما تقدم ويقبل خبر من سواهم من الرجال والنساء والعبيد والأحرار لأنه خبر من أخبار الديانة فأشبه الرواية وإن رأى محاريب لا يعلم أهي للمسلمين أم لغيرهم لم يلتفت إليها لأنه لا دلالة له فيها.

الشيخ: هذا الفصل القصير أنه لا يقبل خبر كافر ولا فاسق ولا صبي ولا مجنون، لا شك أن الأصل أن هؤلاء لا يقبل خبرهم ولكن إذا كان هذا مهنة للإنسان كرجل عنده آلة يقيس بها وهو فاسق لكنه مهندس يحافظ على سمعته وعلى مهنته أو كافر كذلك لكنه مهندس جيد حاذق يخاف على مهنته وعلى سمعته فإن قوله مقبول لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استأجر هادياً يدله على الطريق من مكة إلى المدينة وكان رجلاً مشركاً والعمدة في هذا هو الثقة بقوله فإذا جاءنا رجل كافر لكنه خبير بمنازل القمر والجهات مهندس لا يمكن أن يخبر بالكذب لا تديناً لله ولكن خوفاً على سمعته وحفاظاً على مهنته فما المانع من قبول خبره. السائل: من كلام المؤلف يدل على أن محاريب غير المسلمين كمحاريب المسلمين مع أنها مختلفة عن محاريبهم؟ الشيخ: نعم لكن لعل هذا في وقت المؤلف. السائل: الصغير الصبي هل يقبل خبره في معرفة القبلة ولو كان حاذقاً؟ الشيخ: الصبي ما يوثق بخبره ولا يقبل ولا يكون الصبي حاذقاً سبع سنين ثمان سنين ماذا يحذق؟! فصل القارئ: والمجتهد في القبلة العالم بأدلتها وإن كان عاميا. الشيخ: العالم هذا ليس صفة للمجتهد ولكنه خبر مبتدأ ولو أن المؤلف رحمه الله أتى بـ (هو) ضمير الفصل لكان أبين فهو يقول المجتهد في القبلة هو العالم بأدلتها وإن كان عامياً هذا المجتهد في القبلة فقوله العالم خبر المجتهد يعني هو العالم بأدلتها.

القارئ: ومن لا يعرفها فهو مقلد وإن كان فقيها فإن من علم دليل شيء كان مجتهد فيه وأوثق أدلتها النجوم لقوله تعالى (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) وآكدها القطب وهو نجم خفي حوله أنجم دائرة كفراشة الرحى في أحدي طرفيها الفرقدان وفي طرفها الآخر الجدي وبين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق وثلاثة من أسفل تدور هذه الفراشة حول القطب دوران الرحى حول قطبها في كل يوم وليلة دورة وحول الفراشة بنات نعْش مما يلي الفرقدين وهي سبعة أنجم متفرقة مضيئة والقطب في وسط الفراشة لا يبرح مكانه.

الشيخ: هذا وصف القطب وما حوله فالقبلة لها أدلة حسية متعددة منها يقول النجوم وهي أوثق الأدلة ولكن أوضح الأدلة الشمس والقمر لأن الشمس تشرق من المشرق وتغرب من المغرب فإذا عرفت جهتك حول الكعبة أو حول مكة عرفت أين القبلة إذا عرفت أن جهتك بين المشرق والمغرب بالنسبة لمكة صار المشرق على يسارك إن كنت شمالاً والمغرب على يمينك وإن كنت جنوباً فبالعكس لكن القطب ذكره لأنه لا يتغير ولكن القطب نجم خفي كما قال المؤلف رحمه الله لا يرى إلا في الليالي المظلمة التي ليس فيها قمر ولا يراه أيضاً إلا حديد البصر هذا النجم بإذن الله كقطب الرحى تدور عليه النجوم وهو لا يتغير وأقرب النجوم الواضحة حوله الجدي معروف عند العامة وأهل الأسفار يعرفون الجدي، الجدي لا يبرح عن مكانه إلا قليلاً لأنه قريب من القطب وكلما قرب من الدائرة أو أصل الدائرة فإن دورانه يكون قليلاً هذا الجدي كما قال المؤلف نجوم سبعة كالفراشة هو في طرف والفرقدان في طرف، الفرقدان نجمان مضيئان كإضاءة الجدي أو قريباً منه وتحتهما مما يلي الجدي نجمتان أيضاً أخفى منهما ثم نجمتان صغيرتان لكن ليستا تربيعية من النجمتين الأخيرتين إنما هما في جانب والجدي هو الثالث من هذه الأنجم فيكون مجموع الفراشة سبعة ثلاثة نضيد واحد اثنين أربعة الأول الجدي ثم اثنين ثم بعد ذلك أنجم أربعة نجمان هكذا واحد اثنان أربعة الذي في الطرف يسمى الفرقدان ويضرب بهما المثل في عدم التفرق كما في الملحة قال: فرقد السماء لن يفترقا دائماً متقارنان وهذه الفراشة السبع لا تغيب عن الأرض لأن دورتها قريبة من القطب لكن أحياناً تجدها في أول الليل جنوباً وأحياناً في أول الليل شمالاً وقول المؤلف رحمه الله إن لها في كل يوم وليلة دورة يعني في الغالب وليس على إطلاقه لأنها تسير تختلف باختلاف الزمن لكن المهم فيها أنها لا تغيب عن الأرض.

أما بنات نعش الكبرى التي يقول المؤلف رحمه الله وحول الفراشة بنات نعش مما يلي الفرقدين بنات نعش الكبرى شبيهة بالفراشة في التركيب يعني أربعة أنجم مربعة ويليها ثلاثة أنجم كل واحدة وراء الأخرى لكنها أبين وأوضح ودورتها أوسع ولهذا تغيب عن الأرض إلا أنها لا تغيب إلا مقدار أربع ساعات ثم تخرج من الشرق فهذا أثبت الأدلة لأنه لا يتغير ثم ذكر المؤلف كيف يستدل به. القارئ: والقطب في وسط الفراشة لا يبرح مكانه، إذا جعله إنسان وراء ظهره في الشام كان مستقبلاً للكعبة وإن استدبر الفرقدين أو الجدي كان مستقبلاً للجهة. الشيخ: أمر دقيق هذا إذا جعله وراء ظهره في الشام كان مستقلاً للكعبة يعني لعين الكعبة لكن هذا متعذر مع سعة الدائرة الأرضية وإن استدبر الفرقدين أو الجدي كان مستقبلاً الجهة أما الجدي فنعم إذا استدبره في الشام فهو مستقبل للجهة وأما الفرقدان ففيه نظر لأن الفرقدين دورتهما أوسع من دورة الجدي قد يميلان إلى الشمال وقد يميلان إلى الجنوب. القارئ: إلا أن انحرافه يكون أكثر والشمس والقمر. الشيخ: قوله والشمس والقمر معطوف على النجوم، فيكون: وأوثق أدلتها النجوم والشمس والقمر. القارئ: إلا أن انحرافه يكون أكثر، والشمس والقمر ومنازلهما وهي ثمانية وعشرون منزلاً تطلع كلها من المشرق وتغرب في المغرب يكون في طلوعها على يسرة المصلي وفي غروبها على يمينه. الشيخ: وهذا من في الشام، ومن في اليمن على العكس يكون شروقها على اليمين وغروبها على اليسار ومن في نجد يكون شروقها خلف المصلي وغروبها أمامه (¬1) ¬

_ (¬1) الجدي قريب من الشام تجعله إذا كنت في نجد خلف أذنك اليمني تكون مستقبلاً القبلة.

القارئ: ويستدل من الرياح بأربع تهب من زوايا السماء الدبور تهب مما بين المغرب والقبلة مستقبلة شطر وَجْه المصلي الأيمن والصبا مقابلتها تهب من ظهره إلى كتفه اليسرى مارة إلى مهب الدبور والجنوب تهب مما بين المشرق والقبلة مارة إلى الزاوية المقابلة لها والشمال تهب من مقابلتها مارة إلى مهب الجنوب. الشيخ: هذه الرياح هي أضعفها دلالة لأنها واسعة لكن مع ذلك يستدل بها وكثير من الناس الذين يمارسون الأسفار يعرفون الريح هل هي شمالية أو جنوبية أو صبا أو دبور بمجرد ما تهب يعرفونها من طبيعتها أما نحن الذين نخرج بثياب كثيرة وندخل بثياب ما نعرف الأشياء هذه. فصل القارئ: ويسقط الاستقبال في ثلاثة مواضع أحدها عند العجز لكونه مربوطاً إلى غير القبلة يصلي على حسب حاله لأنه فرض عجز عنه أشبه القيام. الشيخ: لو قال المؤلف بقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) لكان أسهل وأطمأن لنفسه يطمئن الإنسان أكثر.

القارئ: والثاني في شدة الخوف مثل حال التحام الحرب والهرب المباح من عدو أو سيل أو سبع لا يمكنه التخلص منه إلا بالهرب فيجوز له ترك القبلة ويصلي حيث أمكنه راجلاً وراكباً لقول الله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) قال ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (مستقبلي القبلة وغير مستقبليها) رواه البخاري ولأنه عاجز عن الاستقبال كأشبه المربوط فإن كان طالباً للعدو يخاف فوته ففيه روايتان إحداهما يجوز له صلاة الخائف كالمطلوب لأن عبد الله بن أنيس قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى سفيان بن خالد الهذلي لأقتله فانطلقت أمشي فحضرت العصر وأنا أصلي أومئ إيماءً نحوه رواه أبو داوود وظاهره أنه أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره قال الأوزاعي قال شرحبيل بن حسنة لا تصلوا الصبح إلا على ظهر فنزل الأشتر فصلى على الأرض فمر به شرحبيل فقال مخالف خالف الله به فخرج الأشتر بالفتنة ولأنها إحدى حالتي الخوف فأشبهت حالة المطلوب والثانية لا يجوز لأنه آمن.

الشيخ: إذاًَ هذان موضعان الموضع الأول عند العجز والثاني عند الخوف وعند الطلب فيه روايتان كما سمعتم رواية أنه يجوز ترك استقبال القبلة لأن الطالب كالهارب وللحديث الذي ذكره ورواية أخرى أنه لا يجوز لأن الطالب غير خائف والله يقول (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) والصحيح أنه ينظر في المصلحة إذا كان الطالب يريد أن يقضي على عدو يخشى منه على المسلمين فإنه يحل له ترك استقبال القبلة وإن كان عدوه هارباً أما إذا كان لا يخشى ويمكن أن يصلي الإنسان ثم يدركه بعد ذلك فلا يجوز ترك استقبال القبلة، وإذا كان المريض في المستشفى مضطجع على سرير ولا يتمكن من استقبال القبلة لا بنفسه ولا بالممرضين فهل يسقط عنه استقبال القبلة؟ نعم يسقط عنه لأنه عاجز وفي هذا دليل على أن الوقت أهم شروط الصلاة بحيث يخل الإنسان بذات الصلاة من أجل المحافظة على الوقت. السائل: إذا كان الهارب قاتلاً هل يجوز له عدم استقبال القبلة؟ الشيخ: ماذا قال المؤلف في أول الكلام قال والهرب المباح والقاتل إذا هرب هل هربه مباح؟ ليس مباحاً إذاً لا يجوز لأنه لا يجوز أن يترخص في أمر محرم. السائل: بالنسبة للمريض لو أمكن أن يدار السرير إلى القبلة فهل يجب ذلك؟ الشيخ: إذا أمكن أن يدار السرير إلى القبلة وجب لكن أحياناً لا يمكن لأن بعض السرر تكون ثابتة أو تكون الحجرة مثلاً ضيقة وهو في طولها ولا يمكن أن يكون في عرضها المهم إذا أمكن وجب.

القارئ: الثالث النافلة في السفر فإن كان راكباً فله الصلاة على دابته لما روى ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه وكان يوتر على بعيره) متفق عليه وكان يصلي على حماره ولا فرق بين السفر الطويل والقصير لأن ذلك تخفيف في التطوع كي لا يؤدي إلى قطعه وتقليله فيستوي فيه الطويل والقصير فإن أمكنه الاستقبال والركوع والسجود كالذي في العمارية لزمه ذلك لأنه كراكب السفينة ويحتمل أن لا يلزمه لأن الرخصة العامة يستوي فيها ذو الحاجة وغيره وإن شق عليه صلى حيث كان وجهه يومئ بالركوع والسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه وإن شق عليه استقبال القبلة في تكبيرة الإحرام كراكب الجمل المقطور لا يمكنه إدارته لم يلزمه وإن كان سهلاً ففيه وجهان أحدهما يلزمه ذلك اختاره الخرقي لأنه أمكنه الاستقبال في ابتداء الصلاة فلزمه كالماشي والثاني لا يلزمه اختاره أبو بكر لأنه جزء من الصلاة فأشبه سائرها فإن عدلت به البهيمة عن جهة مقصده إلى جهة القبلة جاز لأنها الأصل وإن عدلت إلى غيرها وهو عالم بذلك مختار له بطلت صلاته لأنه ترك قبلته لغير عذر وإن ظنها طريقه أو غلبته الدابة لم تبطل فأما الماشي ففيه روايتان إحداهما له الصلاة حيث توجه لأنها إحدى حالتي سير المسافر فأشبه الراكب لكنه يلزمه الركوع والسجود على الأرض مستقبلاً لإمكان ذلك والثانية لا يجوز وهو ظاهر قول الخرقي لأن الرخصة وردت في الراكب والماشي بخلافه لأنه يأتي في الصلاة بمشي وذلك عمل كثير فإن دخل المسافر في طريقه بلداً جاز أن يصلي فيه وإن كان في البلد الذي يقصده أتم صلاته ولم يبتدئ فيه صلاة.

الشيخ: إذاً الثالث مما يستثنى في وجوب استقبال القبلة النافلة في السفر لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي على راحلته حيث ما توجهت به وهل يقاس على الراكب الماشي في هذا قولان للعلماء القول الأول أنه يقاس لأن كلاً من الراكب والماشي محتاج ولو أن الماشي وقف ليركع ويسجد ويجلس لتأخر في سيره فهو محتاج لمواصلة السير محتاج لكثرة النوافل كالراكب وهذا هو الصحيح وهو المذهب لكن فرقوا بينه وبين الراكب بأن الماشي يلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة والركوع والسجود والراكب يلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة ولا يلزمه الركوع والسجود لأنه يتعذر عليه الركوع والسجود فيؤمئ إيماءً والصحيح أنه يجوز للراكب والماشي ولا يلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة وإنما افتتاح الصلاة إلى القبلة أفضل وإلا فالرخصة عامة وعلى المذهب الذين يقولون بوجوب افتتاح الصلاة إلى القبلة يقول لو عجز كالإبل المقطورة التي ربط بعضها ببعض ولا يمكن أن تتجه إلى القبلة وحدها فإنه يسقط عنه في هذه الحال لأنه تعذر عليه. السائل: الذي يجاهد من المسلمين في حرب بينه وبين الكفار كيف تكون صلاته؟ الشيخ: يصلي الصلاة المعتادة يومئ إيماءً بالركوع والسجود وإذا كان يحتاج إلى كر وفر فلا بأس يكر ويفر وهو في صلاته. السائل: ما معنى العمارية؟ الشيخ: العمارية: هذه عبارة عن شيء يوضع على ظهر الجمل كالكرسي يمكن للإنسان في وسط العمارية هذه يتحرك يروح يمين ويسار فهل يلزمه أن يستقبل القبلة لأنه يمكنه بسهولة أو لا يلزمه؟ فيه احتمالان احتمال أنه يلزمه واحتمال أنه لا يلزمه لأن الرخصة عامة. باب في الشرط الخامس وهو الوقت القارئ: وقد ذكرنا أوقات المكتوبات ولا تصح الصلاة قبل وقتها بغير خلاف فإن أحرم بها فبان أنه لم يدخل وقتها انقلبت نفلاً لأنه لما بطلت نية الفريضة بقيت نية الصلاة.

الشيخ: إذاً هذه قاعدة مفيدة الصلاة الفريضة تشتمل نيتها على شيئين هما النية المطلقة للصلاة والثانية النية المعينة أنها فريضة الظهر العصر المغرب العشاء الفجر فإذا بطلت باعتبار التعيين بقي الإطلاق ولهذا قال المؤلف رحمه الله لأنه لما بطلت نية الفريضة بقيت نية الصلاة. وقول المؤلف فإن أحرم بها فبان أنه لم يدخل وقتها انقلبت نفلاً قال فبان يفهم منه أنه لو أحرم بها قبل الوقت وهو يعلم أنه لم يدخل ونواها فإنها لا تصح لا فرضاً ولا نفلاً لأنه مستهزئ يأتي إنسان يقول أنا سأصلي الظهر في الضحى ما يصير سأصلي الفجر قبل طلوع الفجر ما يمكن لو فعل ذلك متعمداً صار آثماً ولم تصح صلاته لا فرضاً ولا نفلاً. القارئ: ووقت سنة كل صلاة مكتوبة متقدمة عليها من دخول وقتها إلى فعلها ووقت التي بعدها من فعلها إلى آخر وقتها. الشيخ: هذا بيان لأوقات النوافل التابعة للصلاة الراتبة التي قبل الصلاة وقتها من دخول وقت الصلاة إلى فعل الصلاة والتي بعدها من انتهاء الصلاة إلى آخر الوقت وعلى هذا فراتبة الظهر الأولية إذا فعلت بعدها فهي قضاء لأنها في غير الوقت. السائل: هل الراتبة القبلية من دخول الوقت ولو لم يؤذن؟ الشيخ: نعم ولو لم يؤذن العبرة بدخول الوقت. السائل: بعضهم يفرق بين القائد للسيارة والراكب مع أن السائق بإمكانه يقود السيارة ويصلي؟ الشيخ: الفرق بينهما أن القائد ينشغل ذهنه وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) وأيضاً هو على خطر لكن لو فرضنا أن الخطر منتفي فالقائد وغيره سواء لأن حركة القيادة في السيارة سهلة لأن بعض السيارات ما يتحرك إلا اليد فقط تكون أتوماتيكية.

القارئ: فأما النوافل المطلقة فجميع الزمان وقت لها إلا خمسة أوقات بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تزول وبعد العصر حتى تتضيف الشمس للغروب وإذا تضيفت حتى تغرب فلا يجوز التطوع في هذه الأوقات لصلاة لا سبب لها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس) متفق عليه وروى عقبة بن عامر قال (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول وحين تضيف الشمس للغروب) رواه مسلم والنهي عما بعد العصر يتعلق بالفعل ولو لم يصلِّ فله التنفل وإن صلى غيره لأن لفظ العصر بإطلاقه ينصرف إلى الصلاة وعن أحمد فيما بعد الصبح مثل ذلك لأنها إحدى الصلاتين فكان النهي متعلقاً بفعلها كالعصر والمشهور في المذهب أنه متعلق بالوقت لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليبلغ الشاهد الغائب أن لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين) رواه أبو داوود وسواء في هذا مكة ويوم الجمعة وغيرهما لعموم النهي في الجميع.

الشيخ: هذه أوقات النهي وهي خمسة وإن شئت فقل ثلاثة، يقول المؤلف رحمه الله خمسة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها حتى ترتفع قيد رمح وعند قيامها يعني وسط النهار عند الزوال حتى تزول الشمس والرابع من صلاة العصر حتى تضيف للغروب والخامس إذا تضيفت للغروب حتى تغرب لكن ما معنى تضيفت للغروب؟ قيل معناه إذا شرعت في الغروب يعني غاب أول القرص وهذا لا يستغرق إلا دقيقة ونصفاً أو نحو ذلك وقيل إذا بقي عليها أن تغرب طول طلوعها يعني قيد رمح وهذا هو الصحيح وعلى هذا فيكون من الفجر إلى طلوع الشمس ومن طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تزول ومن صلاة العصر حتى يبقى عليها قيد رمح ومن ذا إلى أن تغرب خمس أوقات ولكن هل النهي متعلق بوقت الصلاة في الفجر أو بفعلها؟ في هذا روايتان عن أحمد رواية أن النهي متعلق بالوقت وعلى هذا يدخل وقت النهي قبل الصلاة ورواية أخرى أن النهي متعلق بالصلاة صلاة الفجر وعلى هذا فلا ينهى عن النفل إلا بعد صلاة الفجر الدليل المؤلف رحمه الله قال إنها إحدى الصلاتين فكان النهي متعلقاً بفعلها كالعصر فجعل الحكم قياساً على صلاة العصر فإن النهي في صلاة العصر لا يدخل من وقت العصر إذا أذن العصر صلِّ ما شئت من النوافل وإنما يدخل النهي في العصر بالصلاة، الفجر سمعتم أن فيه قولين الذين قالوا بالجواز علل المؤلف قولهم بأنه قياس على العصر والصحيح أنه ليس ذلك من باب القياس بل ثبت به النص (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد صلاة الصبح) بهذا اللفظ وعلى هذا فيكون متعلقاً بفعل الصلاة لا بالقياس ولكن بالنص وهذا هو الصحيح أن الحكم متعلق بفعل الصلاة صلاة الفجر أما الحديث الذي ذكره المؤلف فلا شك أن ما بين طلوع الفجر وصلاة الفجر لا تسن فيه الصلاة إلا ركعتي الفجر وهما ركعتان خفيفتان كما عرفتم فلو قال الإنسان أنا سأقوم أصلي بين أذان الفجر وإقامة الصلاة غير الراتبة قلنا لا، لا تفعل

هذا خلاف الأولى لكن لو فعل هل يكون آثماً كما لو صلى بعد صلاة الفجر؟ الصحيح لا يكون آثماً والصلاة صحيحة لكنها غير مطلوبة في هذا الوقت وقوله: لا فرق في هذا بين مكة والجمعة وغيرها لأن بعض العلماء قال لا نهي في مكة واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار) قال (أية ساعة شاء من ليل أو نهار) وهذا يشمل الساعات التي فيها النهي وقول المؤلف: الجمعة نص عليها لأن بعض العلماء قال لا نهي عن التطوع وسط النهار يوم الجمعة وأن الإنسان له أن يتطوع ولو قبل زوال الشمس بيسير واستدلوا لهذا بحديث ورد باستثناء يوم الجمعة لكنه ضعيف (إلا يوم الجمعة) لكنه ضعيف واستدلوا بفعل الصحابة وأنهم كانوا يتقدمون إلى صلاة الجمعة ولا يزالون يصلون إلى أن يأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفعل الصحابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام سنة وهذا التعليل الثاني هو الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله وقال إنه لا نهي عند الزوال في يوم الجمعة لفعل الصحابة ولكن هذا إذا كان الإنسان مستمراً في التطوع أما ما يفعله بعض الناس اليوم إذا قارب مجيء الإمام قام يتطوع فهذا فيه نظر ولا ينبغي أن يفعله الإنسان. فصل القارئ: ويجوز قضاء المكتوبات في كل وقت لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وقوله عليه السلام (من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته) ويجوز في وقتين منهما وهما بعد الفجر وبعد العصر الصلاة على الجنازة لأنهما وقتان طويلان فالانتظار فيهما يضر بالميت.

الشيخ: سبق لنا أن الصواب أن النهي في أول النهار متعلق بفعل الصلاة ثم ذكر المؤلف في هذا الفصل ما الذي يفعل في أوقات النهي فذكر أن الذي يفعل الصلاة الفائتة أي وقت تذكر هذه الصلاة الفائتة أو تستيقظ فصلّ دليله قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) والحديث الذي بعده ثم قال ثانياً يجوز في وقتين منها وهما بعد الفجر وبعد العصر الصلاة على الجنازة وهذا من فائدة تقسيم أوقات النهي إلى خمسة أقسام إن الأوقات الثلاث القصيرة لا يجوز فيها صلاة الجنازة وهي من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح وعند قيامها حتى تزول وإذا تضيفت للغروب حتى تغرب هذه لا يجوز فيها صلاة الجنازة، في الأوقات الطويلة يجوز صلاة الجنازة وعلل المؤلف ذلك بأن هذه الأوقات طويلة يشق الانتظار انتظار زوال الوقت. القارئ: وركعتا الطواف بعده. الشيخ: هذا الثالث ركعة الطواف بعده أي بعد الطواف. القارئ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى في أية ساعة شاء من ليل أو نهار) رواه الشافعي والأثرم.

الشيخ: هذه ركعتا الطواف أيضاً تجوز في أوقات النهي في أي وقت لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار) أية بالتأنيث لأن ساعة مؤنث والمؤنث يؤتى فيه بالتاء وجه الدلالة أنه قال أية ساعة ولكنه نوزع في هذا الاستدلال وقيل إن هذا من باب النهي عن المنع بسبب الولاية فيأتي المنع الشرعي ينظر فيه يعني يقول أنتم ولاة البيت لا تمنعوا أحداً طاف به أو صلى أية ساعة وهذا باعتبار السلطة والولاية ثم هل يجوز أن يصلي أو لا يصلي هذا يرجع إلى الشرع ولا شك أن هذه منازعة قوية في هذا الدليل وأنه لقائل أن يقول هذا ولكن الصحيح أن ركعتي الطواف تفعلان في وقت النهي لكن بناءً على قاعدة مهمة نذكرها إن شاء الله تعالى في آخر ما يذكره المؤلف من الاستثناءات حتى يتبين وجه ذلك. القارئ: وإعادة الجماعة لما روى يزيد ابن الأسود أنه قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر فلما قضى صلاته إذا هو برجلين لم يصليا معه فقال (ما منعكما أن تصليا معنا) فقالا يا رسول الله قد صلينا في رحالنا فقال (لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة) رواه الأثرم.

الشيخ: هذه القصة وقعت والرسول عليه الصلاة والسلام في منى في مسجد الخيف لما سلم إذا هو برجلين لم يصليا فجيء بهما ناداهما الناس فأتيا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترعد فرائصهما يعني يتنافران من هيبة الرسول عليه الصلاة والسلام فقال (ما منعكما أن تصليا معنا) قالا صلينا في رحالنا فقال (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) إنها الضمير يعود للصلاة الأولى أو للثانية؟ للثانية لأنها أقرب مذكور ولأن الفرض سقط بالصلاة الأولى ولا يمكن أن يعود الفرض نفلاً فقوله (إنها) يعني الصلاة الثانية استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن صلاة الجماعة لا يجب أن تكون في المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينههما ما قال لا تصليا في رحالكما بل ائتيا إلى جماعة الناس بل أقرهما على أن يصليا في رحالهما وهذا هو المذهب عند الحنابلة أن صلاة الجماعة لا يجب أن تكون في المساجد بل الواجب الجماعة ولو في البيت واستدلوا بهذا الحديث وهذا الحديث في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع فيبعد أن يكون منسوخاً وقال آخرون من العلماء بل الصلاة في الجماعة واجبة في المساجد وهذان الرجلان اللذان صليا في رحالهما يحتمل أنهما لم يعلما بوجوب الصلاة في المساجد مع الناس ويحتمل أنهما ظنا أن الناس قد صلوا ويحتمل احتمالات أخرى والقاعدة في الاستدلال أنه إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال وأن النصوص المتشابهة ترد إلى المحكم فإذا كان لدينا نص محكم يدل على وجوب الصلاة جماعة في المساجد فلا يمكن أن نبطل دلالة هذا النص المحكم من أجل دلالة حديث متشابه أو نص متشابه سواء آية أو حديث وقال بعض العلماء صلاة الجماعة في المساجد فرض كفاية لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة التي لا يجوز أن تعدمها بلاد المسلمين وإذا وجد من يكفي سقط عن الباقين وعلى هذا فإذا صلى في المسجد ثلاثة وجماعته ألف نفر سقط الفرض

بصلاة هؤلاء الثلاثة بل إذا صلى اثنان سقط الفرض بصلاتهما لأنه فرض كفاية ولا شك أن الاحتياط للإنسان والأسلم والابرأ لذمته أن يصلي مع جماعة المسلمين لما في ذلك من المصالح العديدة التي يأتي ذكرها إن شاء الله في باب صلاة الجماعة الشاهد أن هذا هو الموضع الرابع مما يستثنى فعله في أوقات النهي إعادة الجماعة وظاهر كلام المؤلف أن إعادة الجماعة مشروعة حتى صلاة المغرب وهذا موضع خلاف بين العلماء فمن العلماء من يقول إن صلاة المغرب لا تسن إعادتها لأنها وتر والوتر لا يكرر والصحيح أنها كغيرها تعاد ولا يقال إنها وتر بل نقول إنها صلاة معادة غير مستقلة فالمصلي تابع لغيره ليست صلاة مستقلة وعلى هذا فلا حاجة إذا سلم الإمام من صلاة المغرب أن تقوم فتأتي برابعة والدليل على أنها تدخل صلاة المغرب عموم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم). السائل: ما حكم من صلى جماعة في مسجد ثم يذهب إلى مسجد آخر لقصد إعادة الجماعة؟ الشيخ: قصد المسجد لإعادة الجماعة غير مشروع إلا إذا جئت بغير قصد الإعادة ولهذا قال (ثم أتيتما مسجد جماعة) ما قال فاذهبا إلى مسجد جماعة لم يقل إذا صليتما في رحالكما فاذهبا إلى مسجد جماعة بل قال (ثم أتيتما مسجد جماعة). السائل: قول المؤلف: وركعتا الطواف بعده قوله بعده هل هذا قيد؟ الشيخ: لا هذا بيان للواقع لأنه لا يوجد ركعتا طواف قبله.

القارئ: فأما فعل هذه الصلوات الثلاث في الأوقات الثلاثة الباقية ففيها روايتان إحداهما يجوز لعموم الأدلة المجوزة ولأنها صلاة جازت في بعض أوقات النهي فجازت في جميعها كالقضاء والثانية لا يجوز لقول عقبة في حديثه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا) وذكر الصلاة مع الدفن ظاهر في الصلاة مع الميت ولأن النهي في هذه الأوقات آكد لتخصيصهن بالنهي في أحاديث ولأنها أوقات خفيفة لا يطاف على الميت فيها ولا يشق تأخير الركوع للطواف فيها بخلاف غيرها. الشيخ: والصحيح أنها عامة بل الصحيح أن لدينا قاعدة وهي أن كل صلاة ذات سبب فهي جائزة في وقت النهي أولاً لأن في بعض أحاديث النهي أنه (نهى أن يُتحرَّى طلوع الشمس وغروبها). وثانياً أن العلة في النهي عن الصلاة في هذه الأوقات مشابهة الكفار وما كان له سبب فإنه لا تتأتى فيه المشابهة لأن الصلاة تعزى إلى هذا السبب وتبعد فيها المشابهة. ثالثاً أن هذه المسائل المعينة التي ورد فعلها في أوقات النهي يقاس عليها ما كان مشابهاً لها من ذوات الأسباب وهذا القول هو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد رحمه الله وهو مذهب الشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي وشيخنا عبد العزيز بن باز وهو الصحيح أن كل ذات سبب فإنها تصلى في وقت النهي فتحية المسجد مثلاً لو دخلت قبل الغروب فصلها لا تجلس حتى تصلي، ركعتا الطواف، إعادة الجماعة، صلاة الاستخارة في أمر يفوت أما في أمر لا يفوت فلا تصلي لأنه يمكن أن تؤخر الصلاة إلى أن يزول وقت النهي. السائل: ماحكم صلاة الجنازة على القبر وقت النهي؟ الشيخ: صلاة الجنازة على القبر لا تصلى في وقت النهي لأن السبب الصلاة الأولى أما هذه فيمكن أن تؤخرها إلى وقت آخر نعم لو فرض أن الميت لم يدفن فيصلى عليه من أجل اغتنام أو انتهاز الفرصة في وجوده بين يدي المصلي.

السائل: هل قول النبي صلى الله عليه وسلم (ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم) هذا مخصوص بالفرض أم أيضاً النافلة كصلاة التراويح؟ الشيخ: حتى النافلة لا ينبغي أن تجلس والناس يصلون. فصل القارئ: ومتى أعاد المغرب شفعها برابعة نص عليه لأنها نافلة ولا يشرع التنفل بوتر في غير الوقت. الشيخ: قوله نص عليه يعني الإمام أحمد رحمه الله يشفعها برابعة والصواب أنه لا يشفعها لأن الأحاديث عامة أن تصلي مع الإمام وتكون نافلة ولا يقال هذا وتر فلا يعاد نقول لأن هذه الإعادة ليست وتراً استقلالياً حتى نقول إن الرجل أوتر مرتين. القارئ: ومتى أقيمت الصلاة في وقت نهي وهو خارج من المسجد لم يستحب له الدخول فإن دخل صلى معهم لما روي عن ابن عمر أنه خرج من دار عبد الله بن خالد حتى إذا نظر إلى باب المسجد إذا الناس في الصلاة فلم يزل واقفاً حتى صلى الناس وقال إني قد صليت في البيت الشيخ: مثلاً رجلٌ جاء إلى المسجد وقد صلى ووجدهم يصلون فبقي خارج المسجد فلا بأس اقتداءً بفعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. فصل

القارئ: فأما سائر الصلوات ذوات الأسباب كتحية المسجد وصلاة الكسوف وسجود التلاوة وقضاء السنن ففيها روايتان إحداهما المنع لعموم النهي ولأنها نافلة فأشبهت ما لا سبب له والثانية يجوز فعلها لما روت أم سلمة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى ركعتين فقلت يا رسول الله صليت صلاة لم أكن أراك تصليها فقال (إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر وإنما قدم وفد بني تميم فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان) رواه مسلم وعن قيس بن عمر قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي بعد الصبح ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصلاة الصبح مرتين) فقال له الرجل إني لم أكن صليت ركعتين قبلها فصليتهما الآن فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داوود ولأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ركعتي الطواف والمنصوص عن أحمد في الوتر أنه يفعله قبل الفجر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله زداكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح) رواه الأثرم وقال في ركعتي الفجر إن صلاهما بعد الفجر أجزأه قال أحمد رحمه الله وأما أنا فأختار تأخيرهما إلى الضحى لما روى الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لم يصلِّ ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس). الشيخ: هذا الفصل في ذوات الأسباب منها: تحية المسجد وتعرفون أن بعض العلماء يرى أنها أي تحية المسجد واجبة وعلى هذا فلا تدخل في الاستثناء لماذا؟ لأن الكلام في النوافل ولا نهي عن واجب هذه واحدة. الثاني صلاة الكسوف أيضاً فيها خلاف والراجح عندي أن أدنى ما نقول فيها أنها فرض كفاية وأما أن تكون سنة إن صلاها الناس أجروا وإن لم يصلوها لم يؤزروا ففي النفس منها شيء كيف يوجد كسوف والناس غافلون لا يلتفتون إلى الله هذا بعيد أن يقوله قائل والصواب أن أدنى ما يقال في صلاة الكسوف أنها فرض كفاية ولا بد.

أيضاً سجود التلاوة، سجود التلاوة مختلف في كونه صلاة فإن قلنا إنه ليس بصلاة فلا وجه لاستثنائه كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. قضاء السنن، قضاء السنن هل هو من ذوات الأسباب أو يمكن قضاؤها في وقت آخر لأن وقتها فات والحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله في حديث قيس بن عمر فظاهر هذا الحديث أنها تصلى في وقت النهي والحديث الثاني يدل على أنها تصلى بعد طلوع الشمس والصواب أنها جائز أن تصلى بعد صلاة الفجر وأن تصلى بعد طلوع الشمس والغالب أن يُختار أنها بعد صلاة الفجر لأن الإنسان إذا أخرها لها عنها ونسيها وهذا يقع كثيراً. أما مسألة الوتر فالحديث الذي ذكره المؤلف ضعيف أو يحمل المراد إلى صلاة الصبح أي إلى وقت صلاة الصبح لأنه ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى) ولا يقضى الوتر بعد طلوع الفجر بل إذا طلع الفجر وأنت لم توتر فلا تقضه إلى بعد طلوع الشمس في الضحى ولا تقضه وتراً ولكن اقضه شفعاً لحديث عائشة الذي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة). السائل: كيف يقضي صلاة الوتر؟ وهل يقنت؟ الشيخ: يكون شفعاً والقنوت ليس سنة دائماً يعني لم يثبت عن الرسول أنه قنت بوتر أبداً. باب النية القارئ: وهي الشرط السادس فلا تصح الصلاة إلا بها بغير خلاف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ولأنها عبادة محضة فلم تصح بغير نية كالصوم ومحل النية القلب. الشيخ: الشرط السادس النية وهنا النية لها أوجه: الوجه الأول نية العمل وهو الذي يتكلم عليه الفقهاء رحمهم الله. والوجه الثاني نية المعمول له هل ينوي بهذا العمل وجه الله أو شيئاً آخراً وهذا يتكلم عنه أهل التوحيد

والوجه الثالث نية الامتثال امتثال الأمر وهذا يتكلم عنه أرباب السلوك فلها ثلاث جهات أولاً نية العمل والثاني نية المعمول له والثالث نية الامتثال وأكثر الناس في عباداتهم اليوم يركزون على نية العمل وينسون نية المعمول له بناءً على أنهم مخلصون لله وليس في قلوبهم شيء سوى الله لكنهم ينسون نية الامتثال وأنه قام يصلي امتثالاً لقوله تعالى (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) قام يتوضأ امتثالاً لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) وما أشبه ذلك وهذا يفوت على الإنسان خيراً كثيراً ويجعل العبادات قشوراً لا لباً فلابد من مراعاة هذه الأوجه الإخلاص ونية الامتثال ونية العمل، نية العمل يتميز بها العادة من العبادة ويتميز بها العبادات بعضها من بعض يقول المؤلف رحمه الله محلها القلب وهذا صحيح محلها القلب أما اللسان فليس له تدخل في النية ولذلك لو نطق بغير ما أراد في قلبه فإنه لا يؤثر. القارئ: ومحل النية القلب فإذا نوى بقلبه أجزأه وإن لم يلفظ بلسانه وإن نوى صلاة فسبق لسانه إلى غيرها لم تفسد صلاته.

الشيخ: ولكن هل الأفضل أن ينطق بالنية أو لا ينطق؟ وإذا قلنا الأفضل أن ينطق فهل ينطق بها سراً أو جهراً؟ في هذا خلاف والصواب أنه لا يستحب النطق بها لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا بقوله ولا بفعله ولا بإقراره فلا ينطق بالنية وبعضهم قال ينطق بها جهراً إعلاناً للعبادة وقياساً على قول الحاج لبيك حجاً ولكن هذا لا وجه له ومن طرائف الأخبار أن عامياً وقف إلى جنب رجلٍ يصلي في الحرم في زمن قديم قبل أن تتوسع مدارك الناس وفهومهم وعلومهم فلما أراد أن يصلي هذا الرجل الأجنبي إلى جنب العامي قال اللهم إني نويت أن أصلي صلاة الظهر أربع ركعات في المسجد الحرام خلف الإمام الراتب لما أراد يكبر قال قف باقي عليك قال وماذا بقي قال باقي عليك التاريخ قل في يوم كذا في شهر كذا في سنة كذا ما دام المسألة يقصد بها التحديد فلابد من ذكر الوقت أنت ذكرت المكان والإمام والصلاة إذا كان المقصود التعيين فلابد أن تذكر التاريخ هذه من طرائف الأخبار وليست بغريبة على العوام، العامي بفطرته ينكر ما لا يأتي به الشرع وأذكر أني مرة في مجلس فتكلم بعض الإخوان عن قول أهل التعطيل في استواء الله على العرش قال (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) يعني استولى عليه فقال العامي باللغة العامية الله يعطيه العمى إذن العرش من هو عنده بالأول فسبحان الله حتى أنا تعجبت قلت هل أنت سمعت من عالم من قبل قال لا هذه واضحة خلق السماوات والأرض ثم استولى طيب عند من العرش قبل هذا فطر العوام تنكر ما لا يأتي به الشرع اللهم لك الحمد. السائل: الفرق بين نية المعمول له ونية الامتثال لم يتبين لي؟

الشيخ: نية الامتثال أنك تستحضر أنك تفعل هذا امتثالاً لأمر الله ونية المعمول له أن تستحضر بأنك تفعل هذا لله لا رياءً ولاسمعة فمعنى نية الامتثال امتثال أمر الله، الله أمر (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) تقول أنا الآن أشعر بأني أطبق هذا الأمر إقامة الصلاة طبعاً إقامة الصلاة لا تكون إلا بالاتباع لكن الإخلاص تصلي ولا يخطر ببالك أنك تمتثل أمر الله لكنك مخلصاً لله في هذه العبادة. القارئ: والأفضل النية مع تكبيرة الإحرام لأنها أول الصلاة لتكون النية مقارنة للعبادة ويستحب استصحاب ذكرها في سائر الصلاة لأنها أبلغ في الإخلاص.

الشيخ: هذه مسألة مهمة النية تكون عند أول فعل العبادة ويستحب أن تكون على ذكر منها تذكرها في كل أجزاء الصلاة هذا هو الأفضل لتكون النية مقارنة للعمل في كل جزء منه هذا هو الأفضل فإن غابت عنك في أثناء الصلاة هل يضرك هذا أو لا؟ لا، لا يضرك أنت على نيتك الأولى فإن جاءك الشيطان في أثناء الصلاة قال هل أنت ناوي الظهر أو العصر فلا تلتفت لهذا لا تلتفت أنت على نية الصلاة التي أتيت لها ولهذا ذهب ابن شاقلا من أصحاب الإمام أحمد مذهباً فيه راحة للناس قال يكفي في نية الصلاة أن تنوي بها صلاة هذا الوقت وإن لم تعين أنها ظهر أو عصر لأنه قد يغيب عنك تعيين الظهر أو العصر ولا سيما إذا جئت والإمام راكع لأنه قد يغيب عن ذهنك التعيين فإذا نويت أنك إنما أتيت لتصلي فريضة هذا الوقت أجزأك وهذا لا شك أن فيه سعة للناس المهم أن استصحاب النية في جميع أجزاء الصلاة سنة فإن خلا الركوع أو السجود أو القيام أو القعود عن النية لكن ما نويت القطع أجزأ ومن هنا أخذ كثير من العلماء ومنهم الشيخ محمد الشنقيطي رحمه الله أنه لا يشترط نية الطواف ولا نية السعي لأن الطواف والسعي جزء من العبادة فكما أنك لا تنوي الركوع في الصلاة ولا السجود بل تكفي النية العامة للصلاة فكذلك الطواف والسعي وسائر أجزاء العبادة أنت من حين ما قلت لبيك عمرة عند الميقات فإنك قد نويت كل أفعال العمرة وهذا أيضاً فيه سعة للناس، كثير من الناس ولا سيما في أيام الزحام يدخل البيت الحرام ويشرع في الطواف ويغيب عن ذهنه أنه نوى طواف العمرة أو أي طواف كان فإذا قلنا أن الطواف والسعي بمنزلة الركوع والسجود في الصلاة وأن النية العامة تشملهما صار في ذلك سعة للناس وتسهيلاً وهو قول كثير من أهل العلم وهو الذي نختاره لأن الحقيقة أن كثيراً من الناس يندهش ولا سيما إذا رأى كثرة الناس فيدخل بنية الطواف ولا يشعر بأنه للحج أو للعمرة ولكن الطواف سينويه لأنه جاء ليطوف فيطوف.

السائل: هل يشرع التلفظ بنية الحج والعمرة؟ الشيخ: لا يشرع وأما قول لبيك حجاً فهذا إخبار عما في القلب لكن النطق بالنية أن تقول عند الإحرام اللهم إني نويت العمرة اللهم إني نويت الحج كما يذكره الفقهاء رحمهم الله قالوا ينبغي لمن أراد الإحرام أن يقول اللهم إني نويت العمرة وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني اللهم إني نويت الحج وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني هذا غير صحيح أنت إذا تهيأت ثم لبيت هذا هو الدخول فالتلبية بمنزلة تكبيرة الإحرام لا بمنزلة النية وتعيينها إظهار لما في القلب ليس عقداً بل إظهار لما في القلب كأنك تقول أنا الآن ملبي بعمرة. السائل: هل نقول لا يستحب التلفظ بالنية أو التلفظ بها بدعة؟ الشيخ: شيخ الإسلام صرح بأنه بدعة والقاعدة أن كل من تعبد لله بما لم يشرعه الله من عقيدة أو قول أو عمل أو ترك فهو مبتدع هذا الضابط من تعبد لله فلابد من قصد التعبد في البدعة أما ما جرى مجرى العادات فهذا لا يسمى بدعة وإن سمي بدعة لغة فليس بدعة شرعاً. القارئ: وإن تقدمت النية التكبير بزمن يسير جاز ما لم يفسخها لأن أولها من أجزائها فكفى استصحاب النية فيها كسائر أجزائها وإن كانت فرضاً لزمه أن ينوي الصلاة بعينها ظهراً أو عصراً لتتميز عن غيرها قال ابن حامد ويلزمه أن ينوي فرضاً لتتميز عن ظهر الصبي والمعادة وقال غيره لا يلزمه لأن ظهر هذا لا يكون إلا فرضا وينوي القضاء في الفائتة.

الشيخ: المؤلف اشترط في الصلاة المعينة أن ينويها بعينها فلا يصح أن ينوي مطلق الصلاة بل لابد أن ينويها بعينها إن كانت ظهراً ينويها ظهراً إن كانت عصراً ينويها عصراً فلا يجزئ النية المطلقة وقال ابن حامد يلزمه مع ذلك أيضاً أن ينوي الظهر وأنها فرض نقول الظهر ما تقع إلا فرضاً قال لا تقع إلا فرضاً في حق البالغ أما الصبي فتقع في حقه نفلاً فيقال يا ابن حامد غفر الله لك الذي يصلي الآن بالغ ولا غير بالغ؟ بالغ إذا نوى الظهر ماذا تقول؟ فرضاً يتعين بل لو نوى الظهر نفلاً وهو بالغ ما صحت فقول ابن حامد رحمه الله قول ضعيف لا شك في ضعفه. القول الثالث الذي أشرنا إليه وهو قول ابن شاقلا نقله في الإنصاف أنه ينوي فرض هذا الوقت وإن غاب عن ذهنه أنها ظهر أو عصر وهذا هو الذي نميل إليه وذلك لأن الإنسان قد يغيب عن باله التعيين والله أعلم. السائل: بعض الناس ينكر فعل الناس في القنوت في رمضان في قولهم اللهم اعتق رقابنا من النار يقول لأن قولهم اللهم اعتق رقابنا من النار يقتضي أننا حُكم علينا أننا من أهل النار؟ الشيخ: وإذا قلت اللهم أجرنا من النار. السائل: أجرنا من النار يقول مقبولة لأن العتق هو تخليص من شيء وقع فيه. الشيخ: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا (72)) لكن نعم لو قال قائل إن هذا الأسلوب (اعتق رقابنا من النار) إنه غير وارد أنا ما أحفظها واردة وعتق الرقبة يكون في المملوك يشترى ويعتق أما اعتقنا من النار لا بأس، أجرنا من النار أعذنا من النار لا بأس. السائل: ما الفرق بين اعتقنا واعتق رقابنا؟ الشيخ: لأن الدعاء ينبغي فيه التعميم ولا يؤتى بالجزء عن الكل ثم ما دام لم ترد وورد بدلها اعتقنا من النار أو أعذنا من النار نعوذ بالله من عذاب جهنم أحسن.

السائل: إنسان يتوضأ ويذهب إلى المسجد ناوي الصلاة فكيف نقول إنه قد يغيب عنه ذكر فرض الوقت؟ الشيخ: إن كان لا يغيب عنك فإنه يغيب عني إنسان يسرح يفكر في شيء ويجيء يصف مع الناس لكن ما أنوي العشاء مثلاً لأني لو أردت أن أنوي العشاء ما عينت العشاء لكن يغيب عني أحياناً خصوصاً إذا أردت أعدلكم مثلاً استووا اعتدلوا لماذا متقدم لماذا متأخر أنسى ماذا سأصلي مثلاً وهذا واضح. السائل: إذا واحد نام بعد العصر فاستيقظ بعد المغرب لقي الناس يصلون فظنها صلاة الفجر فنوى صلاة الفجر؟ الشيخ: هذه تقع أحياناً يستيقظ الإنسان من منامه على أنه بالليل حتى يرى النهار فهذا لا تصح صلاته لأنه نوى خلافها وإذا تبين أنها المغرب يجب أن يقطعها لأنها الآن لا هي فجر ولا مغرب يقطعها ليلقى الجماعة. السائل: التقسيمات هذه أليس فيها مشقة على الناس نية الفرض ونية التعيين؟ الشيخ: الصحيح ما تحتاج إلى شيء من هذا، الفقهاء يريدون التحرير فقط وإلا ما تحتاج لو تسأل العامي الذي دخل المسجد عقب أذان الظهر إلا وهو ينوي صلاة الظهر لو تقول له هل نويت صلاة الظهر؟ قال سبحان الله أنا مجنون أنا ما أتيت المسجد إلا لصلاة الظهر ما فيها إشكال لكن العلماء رحمهم الله يحررون المسائل للتدقيق. القارئ: والأفضل النية مع تكبيرة الإحرام لأنها أول الصلاة لتكون النية مقارنة للعبادة ويستحب استصحاب ذكرها في سائر الصلاة لأنها أبلغ في الإخلاص وإن تقدمت النية التكبير بزمن يسير جاز ما لم يفسخها لأن أولها من أجزائها فكفى استصحاب النية فيها كسائر أجزائها. الشيخ: النية في العبادة لها وجهان: الوجه الأول نية المعمول له وهذه أهم شيء لأنه هذه هو الإخلاص لمن تصلي لمن تتصدق لمن تصوم فنية المعمول له أهم ولكن هذه يتكلم عليها من يتكلمون عن التوحيد وأرباب السلوك والثاني نية العمل ليتميز كل عمل عن الآخر وهذه التي يتكلم عليها الفقهاء

فالنية لها وجهان فالوجه الأول نية المعمول له لمن صليت لمن تصدقت لمن صمت لمن حججت وهذا يعني الإخلاص ويتكلم على هذا أصحاب العقائد وأرباب السلوك والوجه الثاني نية العمل ليتميز كل عمل عن الآخر فرض نفل ظهر عصر وهكذا وهذه يتكلم عليها الفقهاء والأول أشرف ولهذا كان أشرف العلوم علم التوحيد والعقائد المهم الآن ينبغي أن تقارن النية التكبير وإذا كبر بنية العبادة ثم غفل عن النية حتى انتهت الصلاة كان ذلك مجزئاً لأنه وإن لم يستصحب ذكرها فقد استصحب حكمها فاستصحاب الذكر أن تكون على باله من أول التكبيرة إلى التسليم على باله النية واستصحاب الحكم أن ينويها عند أول التكبير ثم تعزب عن خاطره لكن لا ينوي قطعها وهذا يسمى استصحاب الحكم. القارئ: وإن كانت فرضاً لزمه أن ينوي الصلاة بعينها ظهراً أو عصراً لتتميز عن غيرها قال ابن حامد ويلزمه أن ينوي فرضاً لتتميز عن ظهر الصبي والمعادة وقال غيره لا يلزمه لأن ظهر هذا لا يكون إلا فرضاً. الشيخ: الفرق بين قول ابن حامد وكلام المؤلف ظاهر يقول ابن حامد لا بد أن تنوي أنها الظهر وأنها فرض لتتميز عن صلاة الصبي والصحيح أنه لا يشترط إذا نوى الظهر كفى لأن الظهر معروف أنها تقع من البالغ فرضاً ومن الصبي نفلاً. القارئ: وقال غيره لا يلزمه لأن ظهر هذا لا يكون إلا فرضاً وينوي الأداء في الحاضرة والقضاء في الفائتة وفي وجوب ذلك وجهان أَوْلاهما لا يجب لأنه لا يختلف المذهب فيمن صلى في الغيم بالاجتهاد فبان بعد الوقت أن صلاته صحيحة وقد نواها أداءً فإن كانت سنة معينة كالوتر ونحوه لزم تعيينها أيضاً.

الشيخ: وقد سبق لنا أننا ذكرنا قولاً لا يُلزم بالتعيين يكفي أن تنوي فرض الوقت فمثلاً إذا دخلت المسجد والناس يصلون على أنك ناوي الظهر أو أنها فرض الوقت مثلاً فإنه يجزئ وهذا القول ذكرنا أنه أصح وأنه هو الذي يستريح فيه الناس لأنه أحياناً يغيب عن ذهن الإنسان تعيين الصلاة هل هي ظهر أو عصر لكن هو ما جاء إلا ليؤدي فرض هذا الوقت فإن كان في وقت الظهر فهي ظهر وإن كان في وقت العصر فهي عصر ولكن على كل حال التعيين أفضل لكن أحياناً يغيب عن الإنسان. القارئ: وإن كانت نافلة مطلقة أجزأته نية الصلاة ومتى شك في أثناء الصلاة هل نواها أم لا لزمه استئنافها لأن الأصل عدمها فإن ذكر أنه نوى قبل أن يحدث شيئاً من أفعال الصلاة أجزأه. الشيخ: وهذا مقيد بما إذا لم يكن كثير الشكوك فإن كان كثير الشكوك فإنه لا يلتفت إليه لأن بعض الناس نسأل الله العافية يبتلى فتجده دخل في الصلاة كبر قرأ ثم يشك هل نوى أم لا؟ يكون كل ما دخل في الصلاة شك هذا الشك نقول هذا لا يلتفت إلى شكه لأن كثرة الشك يجب إلغاؤها لأن لا ينفتح على الإنسان باب الوسواس. القارئ: وإن فعل شيئاً قبل ذكره بطلت صلاته لأنه فعله شاكاً في صلاته وإن نوى الخروج من الصلاة بطلت لأن النية شرط في جميع الصلاة وقد قطعها وإن تردد في قطعها فعلى وجهين أحدهما تبطل لما ذكرنا والثاني لا تبطل لأنه دخل فيها بنية متيقنة فلا يخرج منها بالشك.

الشيخ: وهذا هو الصحيح، الصحيح أنه يستمر في صلاته لو تردد هل يقطع صلاته أم لا يعني افرض أنه شرع في الصلاة ثم ذكر حاجة فتردد هل يقطع صلاته ليدرك حاجته أو لا ثم قال أمضي فعلى القول بأن التردد يبطل النية يلزمه استئناف الصلاة إذا قلنا بأن التردد في النية يبطل النية يعني يجعلها نية فاسدة وأما إذا قلنا بالقول الثاني أن التردد فيها لا يبطلها لأنه دخل بنية متيقنة وطرأ التردد عليها من غير ترجيح ومثل ذلك لو نوى فعل محظور ولم يفعله مثل أن تنحبس الريح وهو يصلي فيقول سأطلق الريح ومعلوم أنه إذا أطلق الريح أن صلاته تبطل ثم يستمر يتصبر ويستمر فإن صلاته لا تبطل لأنه نوى فعل محظور ولم يفعله. القارئ: وإذا نوى في صلاة الظهر ثم قلبها عصراً فسدتا جميعاً لأنه قطع نية الظهر ولم تصح العصر لأنه ما نواها عند الإحرام وإن قلبها نفلاً لعذر مثل أن يحرم بها منفردا فتحضر جماعة فيجعلها نفلاً ليصلي فرضه في الجماعة صح لأن نية النفل تتضمنها نية الفرض وإن فعل ذلك لغير غرض كره وصح قلبها لما ذكرنا ويحتمل أن لا يصح لما ذكرنا في الظهر والعصر. الشيخ: ينبغي أن يقال يحتمل أن لا يصح ليس لهذه العلة لأنه لا يجوز أن يخرج من الفرض إلا بعذر وهذا الرجل خرج من الفرض إلى النفل وهذه المسألة تحتاج إلى وضع ضابط نقول: إذا انتقل من معين إلى معين لم يصح الاثنان. ومن معين إلى مطلق يدخل في ضمنه المعين فإنه يصح. ومن مطلق إلى معين لا يصح.

انتقل من الظهر إلى العصر لا يصح لا الظهر ولا العصر أما الظهر فلأنه أبطلها وأما العصر فلأنه لم ينوها من أولها انتقل من نفل مطلق إلى الوتر لا يصح لأنه من مطلق إلى معين مثل إنسان يتهجد في الليل يصلي صلاة مطلقة فجعلها وتراً نقول لا يصح لأنه من مطلق إلى معين، انتقل من صلاة الظهر إلى نفل مطلق يصح لماذا لأن صلاة الظهر تشتمل على نيتين في الواقع نية الصلاة وكونها ظهراً أبطل كونها ظهراً فبقيت نية الصلاة، انتقل من صلاة الظهر إلى راتبة الظهر لا تصح لأنه من معين إلى معين فالظهر أبطلها والراتبة لابد أن تكون من أولها راتبة ولا يمكن أن تكون الصلاة من أولها مطلقة وآخرها راتبة لا يمكن. السائل: ما حكم من نوى أن يوتر بخمس مثلاً ثم اقتصر فأوتر بركعة واحدة؟ الشيخ: ما في بأس. السائل: ما حكم إذا أراد أن يصلي راتبة الظهر أربعاً ركعتين ركعتين فنسي فقام إلى الثالثة؟ الشيخ: نقول اجلس لأجل تكون ركعتين ركعتين وإن أتمها أربعاً فلا بأس لكن خلاف الأولى. فائدة: لو صلى الظهر يريد أربع ركعات وغفل وعندما جلس للتشهد الأول سلم على أنها الفجر فهذا لا يكمل لأنه صلاها على أنها ركعتين أما لو سلم من الركعتين على أنها أربع فنقول يكمل. السائل: الذي يصلي الظهر وقلبها نافلة قلنا يصح لأنه من معين لمطلق والله قال (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) فكيف نوفق بين الآية وهذا القول؟ الشيخ: الإبطال ما معناه؟ قال بعض العلماء لا تبطلوا أعمالكم بالردة لقوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) وإما إبطال العبادة فلا يدخل في هذا والرجل ما أبطلها مثل ما قال المؤلف يكره لغير غرض صحيح، إذا كان لغرض صحيح يصح والمؤلف يقول يكره لكن فيه قول يحتمل أن لا يصح لما ذكرنا في الظهر والعصر.

باب صفة الصلاة

باب صفة الصلاة القارئ: وأركانها خمسة عشر القيام وهو واجب في الفرض لقول الله تعالى (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب) رواه البخاري. فإن كبر للإحرام قاعدا أو في حال نهوضه إلى القيام لم يعتد به لأنه أتى به في غير محله. ويستحب القيام إلى المكتوبة عند قول المؤذن قد قامت الصلاة لأنه دعاء إلى القيام فاستحب المبادرة إليه. الشيخ: هنا علل القيام عند قد قامت الصلاة بأنه دعاء إلى القيام وقال بعض العلماء يقوم عند قوله حي على الصلاة لأن معنى حي أقبل وقال بعضهم يقوم إذا شرع وقال بعضهم يقوم إذا كبر الإمام للتحريمة قال الإمام مالك رحمه الله والأمر عندنا في هذا واسع ما في التوقيت يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. القارئ: ويستحب للإمام تسوية الصفوف لما روى أنس بن مالك قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه يعني عوداً في المحراب ثم التفت وقال (اعتدلوا سووا صفوفكم) ثم أخذه بيساره وقال (اعتدلوا سووا صفوفكم) رواه أبو داوود فصل

القارئ: ثم يكبر للإحرام وهو الركن الثاني لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته (إذا قمت إلى الصلاة فكبر) وقال (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) رواه أبو داوود وقال (لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر ولا يجزئه غيره من الذكر ولا قوله الله الأكبر ولا التكبير بغير العربية لما ذكرنا فإن لم يحسن العربية لزمه التعلم فإن خشي خروج الوقت ففيه وجهان أحدهما يكبر بلغته لأنه عجز عن اللفظ فلزمه الإتيان بمعناه كلفظة النكاح والثاني لا يكبر بغير العربية لأنه ذكر تنعقد به الصلاة فلم يجز التعبير عنه بغير العربية كالقراءة فعلى هذا يكون حكمه حكم الأخرص فإن عجز عن بعض اللفظ أو عن بعض الحروف أتى بما يمكنه وإن كان أخرص فعليه تحريك لسانه لأن ذلك كان يلزمه مع النطق فإن عجز عن أحدهما بقي الآخر ذكره القاضي ويقوى عندي أنه لا يلزمه تحريك لسانه لأن ذلك إنما وجب على الناطق ضرورة القراءة وإذا سقطت سقط ما هو من ضرورتها كالجاهل الذي لا يحسن شيئاً من الذكر ولأن تحريك لسانه بغير القراءة عبث مجرد فلا يرد الشرع به. الشيخ: هذا الذي قاله إنه يقوى عنده هذا هو المتعين حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال ينبغي أن يقال ببطلان صلاته لأنه حركة لا ثمرة منه رجل أخرس لا ينطق إذا أراد يحرك لسانه وشفتيه صارت حركة كثيرة متوالية لأنه سوف يحركه من حين يبدأ إلى أن يختم فهي حركة كثيرة متوالية عبث فالصواب ما قاله المؤلف رحمه الله أنه لا يحرك لسانه أخرص لا يستتطيع النطق يسقط عنه لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وأما الذي يعجز عن التكبير بالعربية فله أن يكبر بلغته وذلك لأن التكبير لا يتعبد بلفظه بخلاف القرآن فإذا كبر بلغته أو دعا بلغته أو سبح بلغته فلا بأس.

القارئ: ويبين التكبير ولا يمططه فإن مططه تمطيطاً يغير المعنى مثل أن يمد الهمزة في اسم الله تعالى فيجعله استفهاما. الشيخ: يقول آلله أكبر؟ إذا قال آلله صار استفهاماً مثل قوله (آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ). القارئ: أو يمد أكبار فيزيد ألفاً فيصير جمع كبر وهو الطبل لم تجزه. الشيخ: يعني أن أكبار جمع كبر كأسباب جمع سبب فإذا قال المكبر الله أكبار قلنا صلاتك باطلة ولم تنعقد لأنك قلت أكبار وأكبار بمعنى الطبول. السائل: إذا قال في الأذان الله أكبار؟ الشيخ: نفس الشيء ما يصح أذانه. السائل: هل يستحب تسوية الصفوف أم يجب؟ الشيخ: الاستحباب هذا للإمام أما المأمومون فيجب عليهم تسوية الصفوف لكن الإمام هو الذي يستحب له أن يأمر الناس يقول استووا سووا صفوفكم اعتدلوا ويجب عليه إذا رأى أحد متقدم أو متأخر يجب ولهذا قوله يستحب للإمام تسوية الصفوف أن يقول استووا. السائل: ما هو الراجح في القيام في الصلاة هل واجب أم ركن؟ الشيخ: القيام في صلاة الفرض ركن لا تصح الصلاة إلا به. القارئ: ويجهر بالتكبير إن كان إماماً بقدر ما يسمع من خلفه وإن لم يكن إماماً بقدر ما يسمع نفسه كالقراءة. الشيخ: قولهم بقدر ما يسمع من خلفه هذا أدنى الواجب وليس المعنى إذا كان جهوري الصوت أن يخفضه حتى لا يسمعه إلا من خلفه بل أدنى الواجب أن يسمع من خلفه. فصل القارئ: ويستحب أن يرفع يديه ممدودتي الأصابع مضموماً بعضها إلى بعض حتى يحاذي بهما منكبيه أو فروع أذنيه لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود) متفق عليه.

ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه لأن الرفع للتكبير فيكون معه فإن سبق رفعه التكبير أثبتهما حتى يكبر ويحطهما في حال التكبير وإن لم يرفع حتى فرغ من التكبير لم يرفع لأنه سنة فات محلها وإن ذكر في أثنائه رفع لأن محله باق فإن عجز عن الرفع إلى حذو المنكبين رفع قدر ما يمكنه وإن عجز عن رفع إحدى اليدين رفع الأخرى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم). الشيخ: وإن لم يقدر إلا أن يرفعهما أكثر مثل أن تكون اليد ما تنثني فهو إما أن يرفع جداً أو يترك فهل يرفع أو يترك؟ يرفع لأن هذه مخالفة في الصفة فقط. والرفع بيَّن أنه إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه، فروع أذنيه أي أعلاهما والمنكبان هما الكتفان فهل هما صفتان أو صفة واحدة لأن السنة وردت بهذا وهذا لكن هل هما صفتان أو صفة واحدة قال بعضهم إنهما صفتان وقال بعضهم صفة واحدة لكن من ذكر الكتفين فالمراد أسفل الكف ومن ذكر فروع الأذنين فالمراد أعلى الكف والخطب في هذا سهل أما ابتداء الرفع يقول إنه مع ابتداء التكبير فهذا أيضاً جاءت به السنة وجاءت السنة بأن يكبر ثم يرفع وأن يرفع ثم يكبر فالصفات إذاً ثلاث صفات. فصل القارئ: فإذا فرغ استحب وضع يمينه على شماله لما روى هُلْب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه قال الترمذي هذا حديث حسن ويجعلهما تحت السرة لما روى عن علي أنه قال السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة رواه أبو داوود وعنه فوق السرة وعنه أنه يخير ويستحب جعل نظره إلى موضع سجوده. الشيخ: لم يذكر المؤلف الصفة التي هي أولى وأحسن والتي دل عليها حديث وائل بن حجر أنه يضعهما على صدره وهذا أصح لأن حديث علي ضعيف أن الرسول عليه الصلاة والسلام يضعهما تحت السرة فالصواب أنه يضعهما على صدره. القارئ: ويستحب جعل نظره إلى موضع سجوده لأنه أخشع للمصلي وأكف لنظره.

الشيخ: ويستثنى من ذلك إذا كان في التشهد أو في الجلسة بين السجدتين فإنه ينظر إلى محل إشارته يعني إلى أصبعه ويستثنى من ذلك إذا كان في صلاة الخوف فإنه ينظر إلى العدو لقول الله تعالى (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) واستثنى بعض العلماء إذا كان في المسجد الحرام فإنه ينظر إلى الكعبة والأخير ليس بصحيح بل الذي في المسجد الحرام ينظر إلى موضع سجوده وقال بعض العلماء السنة أن ينظر تلقاء وجهه لأن هذا ظاهر فعل الصحابة حيث كانوا يحكون اضطراب لحية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنهم سئلوا بماذا تعرفونه يقرأ قالوا باضطراب لحيته وهذا يدل على أنهم ينظرون تلقاء وجوههم وكذلك في صلاة الكسوف رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النار تلقاء وجهه ولو قيل بأن الأمر في هذا واسع أيضاً لم يكن بعيداً من الصواب أن يقال إما أن تنظر تلقاء وجهك أو تجعل نظرك في موضع سجودك فإذا كان أخشع لك أن يكون نظرك في موضع سجودك فافعل وإذا كان أريح لك أن تجعل نظرك منطلقاً إلى الأمام فلا بأس. السائل: النظر إلى موضع السجود للوجوب أو الاستحباب؟ الشيخ: لا، ليس للوجوب. السائل: الذين يقولون الأولى تنظر إلى موضع سجودك كيف يردون على الأحاديث التي فيها أن الصحابة ينظرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك فعله في صلاة الكسوف؟ الشيخ: يقولون فسر كثير من السلف قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) الذين ينظرون إلى مواضع سجودهم وأما فعل الصحابة لعلهم يقولون إن هذا لأن الرسول عليه عليه الصلاة والسلام يقتدى به وهو أسوة وإمام فنظرهم إليه يحتاجون له وعلى كل حال ينبغي أن ينظر لما هو أصلح له وفعله أيضاً يمكن يجيبون عنه بأن هذه حال طارئة لأن الله أراد أن يعرض عليه الجنة والنار، الأمر في هذا واسع. السائل: ما هو التوجيه في عدم صحة استحباب النظر إلى الكعبة في المسجد الحرام؟

الشيخ: أنه لم يرد به نص والأصل أن العبادات مبنية على التوقيف. السائل: وهل النظر إلى موضع السجود ورد به النص؟ الشيخ: كما قلت لك أن بعض المفسرين فسر قوله (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ينظرون إلى مواضع سجودهم ثم النظر إلى الكعبة ولا سيما في أيام الطواف تلهي الإنسان وأما النظر تلقاء الوجه يصح ما لم يكن هناك ما يشغله إن كان فيه ما يشغله لا ينظر ويستفاد من هذا أيضاً أن الإنسان لا يغمِّض عينيه وهو كذلك وتغميض العينين مكروه إلا لحاجة مثل أن يكون أمامه أشياء لو فتح عينيه لأشغلته فلا بأس. فصل القارئ: ويستحب أن يستفتح قال أحمد أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر يعني ما رواه الأسود أنه صلى خلف عمر فسمعه كبر فقال (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) رواه مسلم ولو أن رجلاً استفتح ببعض ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح كان حسناً أو قال جائزاً وإنما اختاره أحمد لأن عائشة وأبا سعيد قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال ذلك وعمل به عمر بمحضر من الصحابة فكان أولى من غيره وصوب الاستفتاح بغيره مثل ما روى أبو هريرة قال قلت يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول قال (أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد) متفق عليه قال أحمد ولا يجهر الإمام بالاستفتاح لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر به.

الشيخ: يعني فيجوز الاستفتاح بهذا وبهذا بما كان عمر يستفتح به (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) أو بما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يستفتح بذلك وقد رجح بعض العلماء حديث أبي هريرة لأنه في الصحيحين ومرفوع صريحاً إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورجح بعضهم ما رواه عمر وقال إن كون أمير المؤمنين يجهر به يعلمه الناس يدل عنايته به وأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد رجح ابن القيم في زاد المعاد هذا من نحو عشرة أوجه أي الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك إلى آخره ولكن الأرجح أنه يأخذ بهذا تارة وبهذا تارة لأن الكل سنة ولا يجمع بينهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل ما تقول لم يذكر إلا نوعاً واحداً فقط بخلاف أدعية الركوع مثلاً فإنه يجوز أن يجمع بينهما لأنه ما ورد في الركوع أنه كان يقتصر على واحد منها أما هذا ورد أنه يقتصر على واحد منها. فصل القارئ: ثم يستعيذ بالله فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) قال ابن المنذر وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). فصل

القارئ: ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا يجهر بها لما روى أنس ابن مالك قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم رواه أحمد ومسلم وفيها روايتان إحداهما أنها آية من الفاتحة اختارها أبو عبد الله بن بطة وأبو حفص لما روت أم سلمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية والحمد لله رب العالمين آيتين) ولأن الصحابة أثبتوها في المصاحف فيما جمعوا من القرآن فدل على أنها منها والثانية ليست منها لما روى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله تعالى حمدني عبدي فإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال أثنى علي عبدي فإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي فإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) رواه مسلم، ولو كانت بسم الله الرحمن الرحيم منها لبدأ بها ولم يتحقق التنصيف ولأن مواضع الآي كالآي في أنها لا تثبت إلا بالتواتر ولا تواتر فيما نحن فيه. الشيخ: وهذا الذي قاله هي الرواية الأخرى أصح أن البسملة ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور أما كونها ليست من الفاتحة فلوجهين: الوجه الأول أن الله عز وجل لما قال (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) بدأ بالحمد ولو كانت البسملة منها لبدأ بها.

الوجه الثاني أننا لو قلنا إنها من الفاتحة لكان للفاتحة ثمان آيات وهي بالإجماع سبع آيات فإما أن تقول ثمان آيات وإما أن تكون سبع آيات غير متناسبة لأنه إذا جعلنا البسملة آية صار قوله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) كلها آية وهذا طويل ثم إننا إذا قسمناها فيما بين الله وبين العبد نصفين تعين أن لا تكون البسملة منها لأن (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ثلاث آيات هذه لله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الرابعة هذه بين الله وبين العبد (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) هذه الثلاث آيات للعبد فتكون الثلاث آيات الأولى لله خالصة والرابعة بينه وبين العبد والخامسة والسادسة والسابعة خالصة للعبد فهذا هو الصحيح أنها ليست من الفاتحة وكذلك ليست من غيرها والدليل على ذلك حديث عائشة في كيفية بدء الوحي أن جبريل قال له (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ولم يذكر البسملة. القارئ: ومن نسي الاستفتاح حتى شرع بالاستعاذة أو نسي الاستعاذة حتى شرع في البسملة أو البسملة حتى شرع في الفاتحة على الرواية التي تقول ليست من الفاتحة لم يرجع إليها لأنها سنة فات محلها. الشيخ: وهذه عندهم ضابط كل سنة فات محلها فإنها لا تقضى لأنك لو قضيتها لأتيت بها في غير محلها ولكن على هذه القاعدة يقال لو نسي الاستعاذة حتى شرع في البسملة فهو لا زال في محل الاستعاذة فلو قيل بأنه يستعيذ لكان خيراً كما أنه لو نسي الركوع مثلاً في الصلاة رجع إليه وركع فلو قيل بأنه يرجع إذا نسي الاستعاذة حتى شرع في البسملة أو نسي البسملة حتى شرع في الفاتحة أنه يرجع لكان له وجه.

السائل: ما معنى حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم عدها آية؟ الشيخ: هذا ضعيف فإن صح فالمراد عدها آية يعني مستقلة. السائل: ما رأيك في قول الصنعاني في سبل السلام أنه لم يقل أحد من العلماء أنه يكبر قبل أن يرفع يديه. الشيخ: هذا غريب منه لأن هذا جاء في مسلم. فصل القارئ: ثم يقرأ الفاتحة وهي الركن الثالث في حق الإمام والمنفرد لما رواه عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق عليه ولا تجب على المأموم لقوله (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما لي أنازع القرآن) قال فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم رواه مالك في الموطأ ولأنها لو وجبت عليه لم تسقط عن المسبوق كسائر الأركان لكن إن سمع قراءة الإمام أنصت له ويقرأ في سكتاته وإسراره لأن مفهوم قوله فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما جهر فيه أنهم يقرؤون في غيره.

الشيخ: قال المؤلف الموفق رحمه الله في كتاب الكافي ثم يقرأ الفاتحة وهي الركن الثالث في حق الإمام والمنفرد فبين أنها ركن ولكنه قيد ذلك بحق الإمام والمنفرد ثم استدل بآية وحديث أما كونها ركناً فاستدل بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ومن المعلوم أن الدليل هنا أعم من المدلول على كلام المؤلف يقول لا تجب إلا على الإمام والمنفرد والحديث عام (لمن لم) ومن هذه اسم موصول من صيغ العموم فكان الدليل هنا أعم من المدلول ولا يمكن أن نخصص الدليل إلا بدليل وبناءً على ذلك على هذه القاعدة استدل بهذا التخصيص فقال رحمه الله ولا تجب على المأموم لقوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وهذا الدليل أخص من المدلول عكس الأول، الأول الدليل عام والمدلول المستدل له خاص هنا الدليل أخص من المدلول لأنه قال لا تجب على المأموم لا في السرية ولا في الجهريه واستدل بقوله (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) وهذا يقتضي أن تكون غير واجبة على المأموم فيما إذا سمع قراءة الإمام وعليه فإذا كانت الصلاة سرية فهل يمكن أن نستدل بهذه الآية على سقوطها عن المأموم؟ لا وكذلك إذا كان بعيداً لا يسمعه فإنه لا يمكن أن نستدل وكذلك إذا كان بعد أن فرغ الإمام من الفاتحة فإنه في الحقيقة لم يسمعها فلم يقرأها ولم يستمع إليها على كل حال نقول الآية عامة (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) وهذا منطوق عام مفهومه إذا لم نسمعه لم يلزمنا الإنصات وعلى هذا فيكون مقتضى الدليل أن تجب على المأموم في حالين في حال السرية وفيما إذا لم يسمع إمامه وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما لي أنازع القرآن) فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما جهر فيه النبي صلى الله

عليه وعلى آله وسلم رواه مالك في الموطأ (ما لي أنازع القرآن) يعني أنهم ينازعون النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن فهم يقرؤون وهو يقرأ فينازعونه ويشوشون عليه فقال عليه الصلاة والسلام (ما لي أنازع القرآن) فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا أيضاً يدل على أن المراد الصلوات الجهرية التي يكون فيها منازعة للإمام ولكن المؤلف رحمه الله عدل عن حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم انفتل من صلاة الصبح فقال (ما لكم تقرؤون خلف إمامكم) ثم قال (لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وهذا صريح في أنها تجب على المأموم في الصلاة الجهرية وعلى هذا فيكون قوله هنا فانتهى الناس أن يقرؤوا يعني في غير الفاتحة وكانوا في الأول يقرؤون مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفاتحة وغير الفاتحة والمسألة هذه فيها خلاف بين العلماء على خمسة أقوال: القول الأول أن الفاتحة لا تجب على أحد وأن الواجب أن يقرأ ما تيسر من القرآن لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث المسيء في صلاته (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله وقال إن النفي في قوله (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) نفي للكمال وليس نفياً للصحة. والقول الثاني أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد بكل حال حتى المسبوق لو جاء والإمام راكع وأدرك الركوع فإنها لا تجزئه الركعة وهذا مقابل لذاك تقابل طرفين مقابلة تامة مع القول الأول. القول الثالث أنها تجب على الإمام والمأموم والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية إلا المسبوق فإنها تسقط عنه.

القول الرابع تجب على المأموم في الصلاة السرية ولا تجب عليه في الصلاة الجهريه وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو قول أقيس من غيره لولا الدليل يعني لولا حديث عبادة بن الصامت الذي أشرنا إليه آنفاً لكان هذا القول هو القول المتعين لأن الأدلة تجتمع به. القول الخامس لا تجب على المأموم في السرية ولا في الجهرية وهذا هو المشهور من المذهب مذهب الإمام أحمد لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) والقول الراجح الوجوب مطلقا إلا في حق المسبوق وإنما رجحنا هذا القول لعموم الأدلة (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولحديث عبادة بن الصامت في صلاة الفجر وهو نص في الموضوع إلا المسبوق فإن المسبوق لا تجب عليه لحديث أبي بكرة رضي الله عنه حين جاء والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راكع فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف ثم دخل في الصف ولم يأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بإعادة الركعة ولأن المسبوق لم يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة فسقطت عنه الفاتحة بسقوط محلها كما يسقط غسل اليد إذا قطعت فإنه يسقط غسلها في الوضوء لأنه فات المحل. أما الإجابة عما قال المؤلف فنقول الآية (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) الآية عامة وحديث (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) يخصصها وأما حديث أبي هريرة فنقول نعم هو عام فيما جهر فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أن لا يقرؤوا فيه لكن يخصصه حديث عبادة بن الصامت حين انفتل من صلاة الصبح وقال (لا تفعلوا) أي لا تقرؤوا مع إمامكم (إلا بأم الكتاب) وهذا الذي نراه هو مذهب الشافعي رحمه الله وكذلك ذهب إليه كثير من المتأخرين كالشوكاني والشوكاني ممن يرى أيضاً أنها لا تسقط الفاتحة ولا عن المسبوق ولكن سقوطها عن المسبوق أصح وكذلك اختار هذا القول شيخنا عبد العزيز بن باز أنها ركن في حق الإمام والمأموم والمنفرد.

أما تعليله رحمه الله ولأنها لو وجبت لم تسقط عن المسبوق كسائر الأركان فالجواب عن ذلك أن يقال سقطت بالدليل والدليل مقدم على التعليل وعلى القياس والدليل هو ما ذكرنا من حديث أبي بكرة رضي الله عنه ولأن المسبوق لم يدرك المكان أو الموضع الذي هو محل القراءة. السائل: لشيخ الإسلام كلام معناه أوجب القراءة في السرية دون الجهرية هل هذا صحيح؟ وما توجيهه لحديث عبادة؟ الشيخ: نعم صحيح هذا رأيه هذا رأي الشيخ، وأما حديث عبادة بن الصامت الذي ذكرته لكم في صلاة الفجر بعض العلماء ضعفه ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لكن غيره صححه. السائل: بالنسبة لمن ترك الفاتحة ناسياً، فما حكمه؟ الشيخ: كغيرها من الأركان إذا تركها نسياناً لغت الركعة التي نسيها فيها وإذا كان جهلاً فإن كان من الجهل الذي يعذر به فلا إعادة عليه وإلا أعاد. القارئ: وتجب قراءة الفاتحة في كل ركعة لما روى أبو قتادة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأخيرتين بأم القرآن) متفق عليه وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم علم المسيء في صلاته فقال (اقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر) ثم قال (اصنع في كل ركعة مثل ذلك) ولأنه ركن لا تفتتح به الصلاة فتكرر في كل ركعة كالركوع. الشيخ: يقول إن الفاتحة تجب في كل ركعة واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الأخريين بأم الكتاب وهو حديث متفق عليه ووجه الاستدلال منه لا يتم حتى يضاف إليه وقال (صلوا كما رأيتموني أصلي) لأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب فضلاً عن الركنية فحديث أبي قتادة لا يمكن الاستدلال به إلا بإضافة قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي).

أما الحديث الثاني وروي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاله بصفة التمريض مع أن أصله في الصحيحين لكن اللفظ يختلف، هنا قال (اصنع في كل ركعة مثل ذلك) وفي الصحيحين (ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) ولفظ الصحيحين يحتمل أن المعنى افعل ذلك فيما بقي من صلاتك أو في صلاتك كلها في كل الصلوات يعني افعل ذلك في العصر والظهر والمغرب والعشاء والفجر فلما كان لفظه في الصحيحين محتملاً أتى باللفظ الصريح (ثم اصنع في كل ركعة مثل ذلك). السائل: لو قيل بوجوب قراءة الفاتحة في الجهرية لا أنها ركن بحيث يكون هذا هو الوسط وبهذا تجتمع الأدلة؟ الشيخ: لولا حديث عبادة بن الصامت في صلاة الصبح يعني لو ثبت أن هذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة لكان الواجب الأخذ بالقول بالتفصيل لكن إذا ثبت وقد قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بها) ولهذا الذين لا يثبتونه رأيهم واضح، وأما القول بالوجوب ما يمكن لأن نفي الصحة يدل على الركنية. السائل: إذا صلى رجل مأموم في صلاة جهرية ولم يقرأ بالفاتحة هل تصح صلاته؟ الشيخ: ما تصح صلاته. السائل: متى يقرأ المأموم الفاتحة في الجهرية هل عند قراءة الإمام؟ الشيخ: لا الأفضل أن ينصت للفاتحة لأن الإنصات لها أفضل حيث إن قراءة الإمام يجب الاستماع لها فكونه يستمع للإمام وهي ركن في حق الإمام أولى من كونه ينصت لما هو ليس بركن وأما إذا رددها معناه أنه سينشغل عن استماع الآيات إذا قال الحمد لله رب العالمين الإمام سيقول الرحمن الرحيم فإذا كان هو يقول الرحمن الرحيم وأنت تقول الحمد لله رب العالمين اشتغلت عن استماعه وأما إذا قال الفاتحة قبل الإمام عند الاستفتاح مثلاً والإمام أطال الاستفتاح لا بأس. السائل: اشرح قول المؤلف ولأنه ركن لا تفتتح به الصلاة؟

الشيخ: ذكر المؤلف الدليل، والتعليل قال ولأنه ركن لا تفتتح به الصلاة، قوله لا تفتتح به الصلاة احترازاً من تكبيرة الإحرام لأنه لو قال ولأنه ركن فتكرر في كل ركعة لقال لك قائل إذاً تكبيرة الإحرام فاحترز عن ذلك بقوله ركن لا يفتتح به الصلاة فكأنه رحمه الله صنع العلة حتى تكون موافقة لما يريد. القارئ: وعنه لا تجب إلا في الأولتيين لأنها لو وجبت في غيرهما لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالأولتين ويجب أن يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية. الشيخ: هذا ضعيف والصحيح أنها واجبة لكل ركعة وأما كونه لا يجهر بالأخريين فكما أن السنة أن يقتصر على الفاتحة فكذلك لا يجهر. القارئ: ويجب أن يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية فإن قطع قراءتها بذكر كثير أو سكوت طويل عامداً أعادها وإن فعل ذلك ناسيا أو كان الذكر أو السكوت يسيرا أتمها لأن الموالاة لا تفوت بذلك وإن نوى قطعها لم تنقطع لأن القراءة باللسان فلم تنقطع بالنية بخلاف نية الصلاة. الشيخ: يقول يجب أن يقرأ الفاتحة مرتبة فيقرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) إلى آخره متوالية يعني غير متفرقة فإن قطع قراءتها بذكر كثير مثل عندما وصل إلى (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) جعل يدعو كثيراً أو سكوت طويل بشرط أن يكون غير مشروع فإن كان مشروعاً كسكوته لاستماع قراءة إمامه فإنه لا يضر إذا علم أن إمامه سيسكت فيما بعد هذه القراءة حتى يتمكن من إتمامها أما إذا كان يعلم أن إمامه من عادته أنه لا يصمت إذا فرغ من القراءة فإنه يستمر في قراءتها ولو كان الإمام يقرأ. السائل: قال المؤلف وإن نوى قطعها لم تنقطع لأن القراءة باللسان فلم تنقطع بالنية بخلاف نية الصلاة هنا أفاد أنه إن نوى قطع الصلاة انقطعت وكنتم ذكرتم أحسن الله إليكم من قبل بأنه إن نوى قطع وضوئه لم ينقطع.

الشيخ: إن نوى قطع الوضوء في أثناء الوضوء انقطع وإن كان بعد الوضوء ما ينقطع وهذا بعد الصلاة ما تنقطع ولا فرق بين الوضوء والصلاة أبداً ما دام أنه متلبس بالعبادة فهو إذا نوى قطعها انقطعت فإذا فرغ منها ونوى رفعها ما تنقطع لأن نية قطعها بعد التمام معناه نية الرفع، ولا يقال بأن هناك فرق بأن الصلاة إن نوى إبطالها بعد أدائها ما يصح لأنها وقعت بخلاف الوضوء سيستقبل به صلاة أخرى فيقال إن هذا أثر الوضوء لكن نفس العبادة انتهت. السائل: لو نوى أن يقطع الصيام هل ينقطع؟ الشيخ: لو نوى قطع الصيام انقطع لأن الصيام نية فقط ما هناك فعل يفعله حتى نقول إذا انتهى وقطعه بعد انتهائه لم ينقطع وفي أثنائه ينقطع وأصل الصيام مبني على النية فإذا قطعه انقطع وهذا في كل العبادات ما دام متلبساً بها أما إذا فرغ ما يمكن يرفعها إلا الحج فإنه مستثنى. السائل: بعض الأئمة في الصلاة السرية أو الجهرية وخاصة في الفترة الأخيرة يسرع جداً فما تستطيع أن تقرأ الفاتحة معه؟ الشيخ: هذه مهمة جداً بعض الأئمة لا يمكنك أن تقرأ الفاتحة معه فماذا تصنع؟ يجب أن تنفرد لأنه هنا لا يمكن أن تجمع بين قراءة الفاتحة وبين المتابعة. القارئ: ويأتي فيها بإحدى عشرة تشديدة فإن أخل بحرف منها أو بشدة لم تصح لأنه لم يقرأها كلها والشدة أقيمت مقام حرف وإن خفف الشددة صح لأنه كالنطق به مع العجلة. الشيخ: الفاتحة فيها إحدى عشرة تشديدة والبسملة ليست منها والحرف المشدد عن حرفين (ربُّ) أصلها ربب لكن أدغمت الباء بالباء فالقارئ إذا ترك تشديدة معناه أنه لم يقرأ الفاتحة كاملة. فصل

القارئ: فإذا فرغ منها قال آمين يجهر بها فيما يجهر فيه بالقراءة لما روى وائل بن حجْر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال (ولا الضآلين قال آمين يرفع بها صوته) رواه أبو داوود ويؤمن المأمومون مع تأمينه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين) وفي لفظ (إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفرله) متفق عليه ويجهرون بها لما روى عطاء أن ابن الزبير كان يؤمن ويؤمنون حتى إن للمسجد للجة رواه الشافعي في مسنده. الشيخ: إذاً يكون (إذا أمن الإمام فأمنوا) معناه إذا شرع وقد فهم بعض الناس وأعني بهم من لم يراجع بقية الألفاظ أن المعنى إذا أمن أي إذا فرغ من التأمين وهذا غفلة عما ثبت في صحيح مسلم (إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين) وعلى هذا فيتعين أن يكون معنى قوله (إذا أمن) أي إذا شرع في التأمين ولهذا قال المؤلف يؤمن المأموم مع تأمينه. السائل: كثير من الناس يتهاون في الفاتحة في الصلاة السرية فإما يقرأها في قلبه أو بتحريك اللسان دون الشفتين؟ الشيخ: لابد من النطق بالقراءة الذي يقرأ بالقلب ما يقال قرأ لكن هل يجب إسماع نفسه أو يكفي إظهار الحروف؟ فيه قولان للعلماء بعض العلماء يقول لابد أن يسمع نفسه والصحيح أنه لا يشترط، الشرط أن يظهر الحروف من مخارجها أما مجرد أنه يمر القراءة على قلبه لا يكفي بل كل ما ذكر فيه من قال كذا من قرأ كذا هو لابد من إظهار الحروف. القارئ: فإن نسيه الإمام جهر به المأموم ليذكره فإن لم يذكره حتى شرع في القراءة لم يأتِ به لأنه سنة فات محلها وفي آمين لغتان قصر الألف ومدها مع التخفيف فإن شدد الميم لم يجزئه لأنه يغير معناها.

الشيخ: يعني على كلام المؤلف يجوز أن أقول أمين بغير مد كما يقال آمِيْن بمد الألف وتخفيف الميم، أما آمِّين بمد الألف وتشديد الميم، فهذا لا يجوز لأن آمِّين بمعنى قاصدين لكن حتى أمين من الأمانة فلهذا ينظر فيها هل هذا ثابت في اللغة أو لا؟ إن ثبت لغة فلا بأس فيكون هذا من باب المشترك أن أمين تكون بمعنى اللهم استجب وتكون بمعنى ضد الخائن كما قال الزجاج في قول القارئ بعد فراغه من فاتحة الكتاب آمين فيها لغتان: تقول العرب (أمين) بقصر الألف و (آمين) بالمد وهو أكثر. فصل القارئ: فإن لم يحسن الفاتحة لزمه تعلمها فإن ضاق الوقت عن ذلك قرأ سبع آيات من غيرها وهل يجب أن تكون في عدد حروفها على وجهين أحدهما يجب لأن الثواب مقدر بالحروف فاعتبرت كالآي والثاني لا يعتبر لأن من فاته صوم يوم طويل لم يعتبر كون القضاء في يوم طويل مثله فإن لم يحسن سبعاً كرر ما يحسن بقدرها فإن لم يحسن إلا آية من الفاتحة وشيئاً من غيرها ففيه وجهان أحدهما يكرر آية الفاتحة لأنها أقرب إليها والثاني يقرأ تمام السبع من غيرها لأنه لو لم يحسن شيئاً من الفاتحة قرأ من غيرها فما عجز عنه منها وجب أن يأتي ببدله من غيرها فإن لم يحسن الفاتحة بالعربية لم يجز أن يترجم عنها بلسان آخر لأن الله تعالى جعل القرآن عربيا ويلزمه أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله لما روى عبد الله بن أبي أوفى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزئني فقال (قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) رواه أبو داوود.

الشيخ: كم هذه من كلمة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله خمس فإن قال قائل كيف يغني خمس كلمات عن الفاتحة وهي أكثر منها قلنا لأن البدل من غير جنس المبدل منه هنا بخلاف ما لو قرأ آيات من القرآن غير الفاتحة فإنه يجب أن يكون بقدر الفاتحة لأنه من الجنس. السائل: إذا لم يحسن شيئاً من القرآن ولا الذكر؟ الشيخ: هذا يقف بقدر القراءة. السائل: إذا المصلي قرأ الفاتحة بغير تشديد هل تبطل صلاته؟ الشيخ: لو قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)) لم يشدد حرف الباء والدال لم يصح ولو بجهل لكن إذا كان جاهلاً وقد مضى أوقات طويلة وهو ممن لا يعلم هذه الأشياء فالصحيح أنه لا شيء عليه. القارئ: ولأنه ركن في الصلاة فقام غيره مقامه عند العجز عنه كالقيام فإن لم يحسن إلا بعض ذلك كرره بقدره فإن لم يحسن شيئاً وقف بقدر القراءة. السائل: القول الذي نقلتموه عن الشيخ عبد العزيز بن باز في أنه يرى في قراءة الفاتحة الركنية كقولكم قديماً أو حديثاً، لأنه في فتاوى نور على الدرب يرى الوجوب ولا يرى الركنية؟ الشيخ: حديثاً وقديماً لكن هو يتسامح في مسألة المأموم فيما لو نسي مثلاً لكن يلزم على القول بأنها ركن أنه لا يصح تركها ولو نسياناً. فصل القارئ: ويستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة سكتة يقرأ فيها من خلفه لما روى سمرة أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) رواه أبو داوود قال أبو سلمة بن عبد الرحمن للإمام سكتتان تغتنم فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا افتتح الصلاة وإذا قال (وَلا الضَّالِّينَ).

الشيخ: وهذه السكتة ليست كما زعم بعض العلماء أنها تكون بمقدار ما يقرأ المأموم الفاتحة ولكنها سكتة خفيفة ليتراد إليه النفس ولينظر ماذا يقرأ بعد الفاتحة وأما من قال إنه من أجل أن يقرأ المأموم الفاتحة فقال إنه يسكت بقدر الفاتحة قيل له يلزمك أن تقول إن الإمام يسكت بعد قراءة السورة بقدر ما يقرأ المأموم السورة فإذا قرأ سورة ق نقول اسكت بقدر ما يقرأ المأموم سورة ق وهذا لا يقول به أحد ولهذا كان الصحيح أن هذه السكتة ليست من أجل أن يكمل المأموم قرأة الفاتحة ولكن من أجل أن يتراد إليه النفس وينظر ماذا يقرأ ثم المأموم يشرع في قراءة الفاتحة ويكمل ولو قرأ الإمام على القول الراجح. السائل: الحديث الذي رواه أبو داوود هذا الحديث ضعيف ضعفه الألباني لأنه من رواية الحسن عن سمرة وهي مختلف فيها؟ الشيخ: رواية الحسن عن سمرة مختلف فيها والبخاري وجماعة من المحققين الحافظين قالوا إنه سمع منهم والحديث قال الحافظ بن حجر في فتح الباري إنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. فصل القارئ: ويسن أن يقرأ بعد الفاتحة سورة تكون في الصبح من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره وفي سائرهن من أوساطه. الشيخ: أول المفصل معروف لكم أوله (ق) وطواله من (ق) إلى (عم) وأوساطه من (عم) إلى (الضحى) وقصاره من (الضحى) إلى آخر القرآن وسمى مفصلاً لكثرة فواصله. القارئ: لما روى جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ (ق) رواه مسلم وعنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق والسماء ذات البروج ونحوهما من السور رواه أبو داوود، وعنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دحضت الشمس صلى الظهر ويقرأ بنحو (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)، والعصر كذلك والصلوات كلها إلا الصبح فإنه كان يطيلها رواه أبو داوود وما قرأ به بعد أم الكتاب في ذلك أجزأه يعني في إصابة السنة. السائل: هناك من قال إن المفصل يبدأ من الدخان؟

الشيخ: لا المشهور هو ما قلته لكم أن ق هي أول المفصل. السائل: صرَّح بعض العلماء أن الإمام أو المنفرد إذا أطال السكتة فإنها بدعة، فما رايكم؟ الشيخ: الذي نرى أنه لا وجه لذلك، الشيء الذي اختلف فيه علماء السنة لا يقال إنه بدعة أما الذي قال به أهل البدع نعم أما ما اختلف فيه علماء السنة فإننا لا نقول بدعة وإلا كان كل مسألة فيها خلاف يكون المخالف فيها مبتدعاً ثم من نحن الذين نحكم على الناس بأنهم مبتدعة أليس من الممكن أن نكون نحن المبتدعين ممكن ولهذا نعتبر هذا المسلك غلط لأن علماء السنة الفقهاء لهم خلافات طويلة عريضة هل نقول لكل مخالف أنه مبتدع هل نقول لمن توضأ عند أكل لحم الإبل والآخر لا يراه نقول لمن توضأ إنه مبتدع هل نقول لمن رفع اليدين عند الركوع والآخر لا يراه نقول مبتدع لا، لا يستقيم هذا أبداً. السائل: شيخ الإسلام رحمه الله بدع الإمام الذي يقف ليقرأ المأمومون الفاتحة كلها؟ الشيخ: نعم صحيح، وإن كان هناك من يقول به لكن العلماء الذين قالوا به ليسوا من الأئمة. القارئ: ويستحب له أن يطيل الركعة الأولى من كل صلاة لما روى أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأولتين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحياناً وكان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب ويقرأ في العصر في الركعتين الأولتين بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية متفق عليه وفي رواية فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى ولا يزيد على أم الكتاب في الأخيرتين من الرباعية ولا الثالثة من المغرب لهذا الحديث.

الشيخ: وقال بعضهم لا بأس أن يزيد لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ولكن لا شك أن حديث أبي قتادة أرجح منه لأن حديث أبي سعيد يقول كنا نحزر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والحزر هو التخمين والتقدير وأما حديث أبي قتادة فصريح لكن لو أن الإنسان فعل أحياناً فلا بأس. فصل القارئ: ويسن للإمام الجهر بالقراءة في الصبح والأولتين من المغرب والعشاء والإسرار فيما وراء ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولا يسن الجهر لغير إمام لأنه لا يقصد إسماع غيره وإن جهر المنفرد فلا بأس لأنه لا ينازع غيره وكذلك القائم لقضاء ما فاته من الجماعة وإن فاتته صلاة ليل فقضاها نهاراً لم يجهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن صلاة النهار عجماء) وإن فاتته صلاة نهار فقضاها ليلاً لم يجهر لأنها صلاة نهار وإن فاتته ليلاً فقضاها ليلاً في جماعة جهر.

الشيخ: هذه مسائل أولاً إن فاتته صلاة ليل فقضاها نهاراً لم يجهر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن صلاة النهار عجماء) والصحيح أنه يجهر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس وصلاها قال (فصنع كما يصنع كل يوم) وهذا يشمل الجهر بها ولعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وهذا كما أنه يراد في ذات الصلاة فيراد به أيضاً هيئة الصلاة وكيفيتها وصفتها فالصواب أنه حسب المقضية إن قضى صلاة الليل في النهار جهر وإن قضى صلاة النهار في الليل لم يجهر وانظر إلى كلام المؤلف قال وإن فاتته صلاة نهار فقضاها ليلاً لم يجهر وهذا غريب يعني إن قضى صلاة النهار في الليل لم يجهر وإن قضى صلاة الليل في النهار لم يجهر وكان مقتضى هذا أن تكون الثانية بالعكس يعني أنه إذا قضى صلاة النهار في الليل لم يجهر لأنه قضى صلاة سر نقول كذلك إذا قضى صلاة الليل في النهار جهر لأنه قضى صلاة جهر قال وإن فاتته ليلاً فقضاها ليلاً في جماعة جهر وإن فاتته صلاة نهار فقضاها في نهار لم يجهر. السائل: هل صلاة النهار إذا قضاها ليلاً لا يجهر؟ الشيخ: نعم صحيح القضاء يحكي الأداء هكذا قال العلماء القضاء يحكي الأداء وأما صلاة الجمعة إذا فاتت فلا تقضى على صورتها لأنها سقطت يقضي بدلها والبدل لا يلزم أن يكون مساوياً للمبدل منه. السائل: على القول بصحة حديث سمرة أنه ذكر سكتتين بالإطلاق فما الذي قيدها بالقصر؟ الشيخ: السكتة تطلق على القليل والكثير ولو كانت سكتة طويلة لشرع فيها ذكر. القارئ: وإذا فرغ من القراءة استحب له أن يسكت سكتة قبل الركوع لأن في حديث سمرة في بعض رواياته وإذا فرغ من القراءة سكت. فصل

القارئ: ثم يركع وهو الركن الرابع لقوله تعالى (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) ويكبر للركوع لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه يفعل ذلك في صلاته كلها) رواه البخاري وفي هذه التكبيرات روايتان إحداهما أنها واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) متفق عليه ولأن الهوي إلى الركوع فعل فلم يخلو من ذكر واجب كالقيام والثانية لا يجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها للمسيء في صلاته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. الشيخ: والصواب الأول الصواب أن هذه التكبيرات واجبة وأنه لا يجوز إسقاطها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إذا كبر الإمام فكبروا) ولأنه كان يكبر في كل خفض ورفع ولأن ذلك هو الفاصل بين الركنين فالصواب أنها واجبة وأما قوله رحمه الله وكذلك قال غيره إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلمها المسيء في صلاته فجوابه أن يقال ولم يعلمه التشهد أيضاً والتشهد الأخير ركن من أركان الصلاة والنبي عليه الصلاة والسلام إنما علمه ما أساء فيه فقط ولو أننا لا نقول بشيء واجب في الصلاة إلا ما دل عليه حديث المسيء لقلنا أيضاً الفاتحة لا تجب لقوله (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) فالصواب أن هذه التكبيرات تكبيرات الانتقال واجبة. القارئ: ويستحب أن يرفع يديه مع التكبير لحديث ابن عمر وقدر الإجزاء الانحناء حتى يمكنه مس ركبتيه بيديه لأنه لا يسمى راكعاً بدونه.

الشيخ: هذا مقدار الإجزاء في الركوع الانحناء حتى يمكنه مس ركبتيه بيديه قال الفقهاء رحمهم الله بشرط أن يكون وسطاً يعني أنه ليس طويل اليدين ولا قصير اليدين لأن بعض الناس تكون يداه قصيرتين فيحتاج إلى انحناء كثير وبعض الناس تكون يداه طويلتين فلا يحتاج إلى انحناء إلا قليلاً وبعض العلماء يقول أن يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام وذلك لأنه الآن بين ركنين بين قيام تام وركوع تام فإذا كان أقرب إلى الركوع التام منه إلى القيام التام فهذا هو المجزئ لأنه يصدق عليه أنه ركع والظاهر والله أعلم أن كونه يستطيع أن يمس ركبتيه بيديه قريب من كونه إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام. القارئ: ويجب أن يطمئن راكعاً وهو الركن الخامس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته (ثم اركع حتى تطمئن راكعاً) متفق عليه ويستحب أن يضع يديه على ركبتيه قابضاً لهما يسوي ظهره ولا يرفع رأسه ولا يقبضه ويجافي يديه عن جنبيه لما روى أبو حميد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره) وفي لفظ (ركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع) وفي رواية (ووضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه) حديث صحيح. الشيخ: كل هذه الصفات معروفة. السائل: حديث (صلاة النهار عجماء) فهل للإنسان الجهر في صلاة النهار؟ وماذا يقال عن صلاة الجمعة؟ الشيخ: لا السنة أن لا يجهر وأما صلاة الجمعة فإنها فريضة مستثناة صلاة الجمعة والاستسقاء والعيدين وسبب استثنائها هو كثرة الجمع فلكثرة الجمع وكونهم على إمام واحد كل أهل البلد صار من المناسب أن يقرأ الإمام لتكون القراءة للجميع واحدة من المناسب أن يجهر لأجل أن يكونوا على قراءة إمام واحد. السائل: مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على الجهر ألا يدل على الوجوب؟

الشيخ: ربما يستدل بها على الوجوب ربما داوم على هذا ولم يحفظ عنه أنه أسر لكن الذين قالوا أنه مستحب قالوا لأن هذا وصف للقراءة أو صفة للقراءة والذي جاءت به النصوص وجوب القراءة نفسها وهذا صفة فقط. السائل: إذا صلى إمام بالناس وكان يسرع ولا يستطيع من خلفه متابعته؟ الشيخ: إذا كان الإمام يسرع بحيث لا يمكن المأموم متابعته فإنه ينفصل عنه ينوي الانفراد وإن حصل لكل المصلين يقدمون واحداً يصلي بهم صلاة تامة لأنه مشكلة الآن يتعذر الجمع بين المتابعة وبين القيام بركن ولا يقال إن هذا فيه فتنة لا ليس هناك فتنة يتقدم واحد من الناس ويجعل الإمام مكانه لا يجره يتركه يصلي لنفسه وهؤلاء المصلون ما دام أنهم ما أخلوا بشيء من الأركان لا يستأنفون ولكن ما أكثر الناس الذين يحبون صلاة هذا الإمام وعلى هذا نقول الذي لا يستطيع أن يتابع ينفصل ويبقى في مكانه، على كل حال إذا كان لا يمكنك متابعة الإمام فانفصل عنه وأكمل لنفسك هذه القاعدة إن أدركت ركعة فكتبت لك إدراك جماعة وإن لم تدرك فأنت منفرد لكن لإصلاح صلاتك. فصل القارئ: ثم يقول سبحان ربي العظيم وفيه روايتان إحداهما يجب لما روى عقبة بن عامر أنه لما نزل (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال النبي صلى الله عليه وسلم (اجعلوها في ركوعكم) فلما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال (اجعلوها في سجودكم) رواه أبو داوود ولأنه فعل في الصلاة فلم يخلو من ذكر واجب كالقيام والثانية ليس بواجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته. الشيخ: عرفتم أن الطريقة هذه وهي الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته غير صحيحة لأن هناك أركان معروفة ومع ذلك لم تذكر في حديث المسيء وأجبنا عن ذلك بأن لم تذكر لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما علمه ما أساء فيه فقط.

القارئ: وأدنى الكمال ثلاث لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاثاً وذلك أدناه وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثاً وذلك أدناه) رواه الأثرم والترمذي وإن اقتصر على واحدة أجزأه لأنه ذكر مكرر فأجزأت الواحدة كسائر الأذكار. فصل القارئ: ثم يرفع رأسه قائلاً سمع الله لمن حمده حتى يعتدل قائما وهذا الرفع والاعتدال الركن السادس والسابع لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته (ثم ارفع حتى تعتدل قائما) وفي حديث أبي حميد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (سمع الله لمن حمده) ورفع يديه واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه معتدلاً وفي وجوب التسميع روايتان لما ذكرنا في التكبير ولا يشرع للمأموم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ويقول في اعتداله ربنا ولك الحمد وفي وجوبه روايتان لما ذكرنا. الشيخ: إذاً المأموم إذا رفع من الركوع في حال الرفع يقول ربنا ولك الحمد والإمام والمنفرد في حال الرفع يقولان سمع الله لمن حمده وبعد انتهاء الرفع وتمام القيام يقولان ربنا ولك الحمد. القارئ: وفي وجوبه روايتان لما ذكرنا قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يثبت أمر الواو وقال قد روى فيه الزهري ثلاثة أحاديث عن أنس وعن أبي سعيد عن أبي هريرة وعن سالم عن أبيه وإن قال ربنا لك الحمد جاز نص عليه لأنه قد صحت به السنة. الشيخ: السنة صحت في هذا بثلاثة أوجه: أولاً اللهم ربنا ولك الحمد. والثاني اللهم ربنا لك الحمد. والثالث ربنا ولك الحمد. والرابع ربنا لك الحمد كلها صحت بها السنة ويفعل هذا أحياناً وهذا أحياناً كما هو القاعدة. السائل: هل ورد: سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي الأعلى وبحمده؟ الشيخ: نعم ورد فيها حديث بهذا المعنى ولا بأس به.

السائل: استدل المؤلف على عدم وجوب سبحان ربي الأعلى أو سبحان ربي العظيم كما في الرواية الثانية بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها المسيء في صلاته مع أنها وردت عند أبي داود؟ الشيخ: نعم هذا مما يؤيد الوجوب لكن المؤلف وغيره من العلماء أكثر ما اعتمدوا في حديث المسيء على ما في الصحيحين. القارئ: ويستوي في ذلك كل مصل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله وأمر به المأمومين ويستحب أن يقول ملء السماوات وملء ما شئت من شيء بعد لما روى أبو سعيد وابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال (سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) رواه مسلم ولا يستحب للمأموم الزيادة على ربنا ولك الحمد نص عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فقولوا ربنا ولك الحمد) ولم يأمرهم بغيره وعنه ما يدل على استحباب قول ملء السماء وهو اختيار أبي الخطاب لأنه ذكر مشروع للإمام فشرع للمأموم كالتكبير. الشيخ: وهذا ليس صحيح، الصحيح أنه يشرع للمأموم وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) فهذا في مقابل سمع الله لمن حمده ولم يتعرض للذكر الذي يكون بعد القيام. القارئ: وموضع ربنا ولك الحمد في حق الإمام والمنفرد بعد اعتداله وللمأموم حال رفعه لأن قوله إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يقتضي تعقيب قول الإمام قول المأموم وهي حال رفعه. السائل: ما معنى (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)؟

الشيخ: اختلف العلماء في معنى قوله (ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) فقيل المعنى أنه لو كان أجساماً لملأ ذلك يعني حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه لو كان أجساماً لملأ ذلك وقيل بل معنى (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد) أن كل ما خلقه الله عز وجل في السماوات والأرض وما شاء بعد ذلك فإنه فعله وفعله محمود عليه فكأنه قال لك الحمد على كل ما في السماوات والأرض لأن كل فعله عز وجل محمود ولعل هذا أقرب من القول بأن المعنى لو كان أجساماً لملأ ذلك. السائل: هل يقتصر في الركوع على ذكر واحد كما في الاستفتاح ولا يجمع بين الأذكار الأخرى؟ الشيخ: لا ثبت عنه أنه كان يقول سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح وثبت عنه في حديث عائشة كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. السائل: ما حكم من يقول أذكاراً فيها تعظيم وتسبيح دون التخصيص على سبحان ربي العظيم سبحان ربي الأعلى؟ الشيخ: يمكن هذا أخذه من قول الرسول عليه الصلاة والسلام (فعظموا فيه الرب) ولكن نقول ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو خير والعدول عما جاءت به السنة في الأذكار لا ينبغي حتى لو فرض أنه هناك لفظاً يصح أن يعتمد عليه في العموم كهذا الذي ذكرت عظموا فيه الرب فالمحافظة على ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أولى. السائل: لو ذكر في الركوع أذكاراً واردة لكن ليست فيها لفظ التعظيم مثل (سبوح قدوس ... )؟ الشيخ: فإنه لا يجزئه لابد أن يقول سبحان ربي العظيم لقوله (عظموا فيه الرب) لو نسي لقلنا اسجد للسهو. فصل

القارئ: ثم يخر ساجداً ويطمئن في سجوده وهم الركن الثامن والتاسع لقوله تعالى (اسجدوا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً) وينحط إلى السجود مكبرا لحديث أبي هريرة ولا يرفع يديه لحديث ابن عمر ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم جبهته وأنفه لما روى وائل بن حجر قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) رواه أبو داود والسجود على هذه الأعضاء واجب لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين) متفق عليه وفي الأنف روايتان إحداهما لا يجب السجود عليه لأنه ليس من السبعة المذكورة والثانية يجب لإشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنفه عند بيان أعضاء السجود ولا يجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء إلا الجبهة فإن فيها روايتان إحداهما يجب لما روي عن خباب قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا رواه مسلم، والثانية لا تجب وهي ظاهر المذهب لما روى أنس قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود رواه البخاري ومسلم ولأنها من أعضاء السجود فجاز السجود على حائلها كالقدمين. الشيخ: وهذه المسألة الصحيح أنه يكره أن يضع الإنسان شيئاً دون جبهته مما هو متصل به كثوبه ومشلحه وغترته وأما إذا كان منفصلاً فلا بأس لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه سجد على الخمرة وقد قال العلماء بهذا الصدد إن السجود على حائل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول أن يسجد على حائل من أعضاء سجوده مثل أن يضع يديه هكذا ويضع جبهته على يديه فهذا لا يجزئ.

الثاني أن يسجد على حائل متصل به كثوبه ومشلحه وغترته فهذا يكره إلا إذا كان هناك حاجة كشدة الرمضاء لحديث أنس أو أن تكون الأرض فيها شوك متعب أو فيها حصىً صغيرة تتعب الجبهة ولا يطمئن فلا بأس. الثالث أن يكون الحائل منفصلاً عنه وليس من أعضاء السجود منفصلاً عنه مثل أن يضع غترته ويسجد عليها أو منديلاً ويسجد عليه فلا بأس إلا أنهم قالوا لا يخصص الجبهة وحدها بشيء ساتر لأنه إذا فعل ذلك أشبه الرافضة الذين لا يسجدون إلا على شيء من الأرض والله أعلم. القارئ: ويستحب أن يجافي عضديه عن كتفيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه لما روى أبو حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم جافى عضديه عن أبطيه ووصف البراء سجود النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد رواه أبو داوود. الشيخ: وقال أهل العلم وينبغي أن يرفع ظهره ولا يمد ظهره يرفعه يعني يرفعه للأعلى فوق ولا يمده وما يفعله بعض الطلبة الصغار إذا سجد يمتد حتى تكاد تقول إنه قد انبطح فهذا لا أصل له والمجافاة هو أن الإنسان يسجد معتدلاً في سجوده ولكن يرفع ظهره. القارئ: ويستحب أن يضم أصابع يديه بعضها إلى بعض ويضعهما على الأرض حذو منكبيه ويرفع مرفقيه ويكون على أطراف أصابع قدميه ويثنيهما نحو القبلة لما روى أبو حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع كتفيه حذو منكبيه وفي لفظ سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة وفي رواية فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد. الشيخ: هذا أيضاً يشهد لما ذكرت لكم فانتصب على كفيه لأنه لو امتد لم يكن منتصباً ثم إن هذا الامتداد أيضاً فيه مشقة كبيرة على الإنسان. القارئ: وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب) صحيح متفق على معناه ويقول سبحان ربي الأعلى.

الشيخ: الكيفية عرفنا اليدان يضم أصابعها بعضها إلى بعض هكذا وتوجه إلى القبلة وفيها صفتان الصفة الأولى أن تكون حذو المنكبين والصفة الثانية أن تكون حذو جبهته بحيث يسجد بينهما أخرجه مسلم وعلى هذا فيكون في موضع اليدين صفتان الصفة الأولى إلى حذو المنكبين والثانية يقدمهما قليلاً حتى يسجد بينهما. فائدة: السنة مجافاة اليدين مع ارتفاع الظهر ثم إن المجافاة أيضاً سنة ما لم يحصل بها أذية فإن حصل بها أذية مثل أن يكون الإنسان في وسط الصف ويخشى أن يؤذي صاحبه فلا يفعل لأنه لا ينبغي أن تفعل السنة ويترتب عليها أذى وتشويش على الغير وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام نهى أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بعضهم على بعض خوفاً من الأذى فهذا من باب أولى، وبعض الناس يفرج يديه ويجعل الأصابع تكاد تكون متقابلة وهذا غلط الذي ينبغي أن تكون الأصابع إلى جهة القبلة. القارئ: ويقول سبحان ربي الأعلى وحكمه حكم تسبيح الركوع في عدده ووجوبه لما مضى فإذا أراد السجود فهوى على وجهه فوقعت جبهته على الأرض أجزأه لأنه قد نواه وإن انقلب على جنبه ثم انقلب فمست جبهته الأرض ناوياً السجود أجزأه وإن لم ينو لم يجزئه ويأتي بالسجود بعده. الشيخ: هذه المسألة واضحة مثلاً لو أن إنساناً أراد أن يسجد من قيام ثم حصلت له دوخة فسقط على الأرض ووقعت جبهته على الأرض واستقر ساجداً فهنا نقول يصح لأنه قد نوى وحصل والانتقال من أعلى إلى أسفل إنما هو من أجل الوصول إلى الأرض فليس الهوي معتداً به في ذلك وإن انقلب على جنبه ثم انقلب فمست جبهته الأرض ناوياً السجود أجزأه مثل أيضاً لو سقط على الجنب ثم قام انقلب ووضع جبهته على الأرض أجزأه أيضاً إذا نوى السجود وإن لم ينوه لم يجزئه يعني لو قال أراد أن ينقلب انقلاباً لأجل أن لا يكون على الجنب فقط فإنه لا يجزئه ويأتي بالسجود بعده. فصل

القارئ: ثم يرفع رأسه مكبرا ويعتدل جالسا وهما الركن العاشر والحادي عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي (ثم ارفع حتى تطمئن جالسا) ويجلس مفترشا يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى لقول أبي حميد في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها ثم اعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه وقالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى وينهى عن عُقبة الشيطان رواه مسلم، ويسن أن يثني أصابع اليمنى نحو القبلة لما روى النسائي عن ابن عمر أنه قال من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة ويكره الإقعاء وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه بهذا فسره أحمد لحديث أبي حميد وعائشة وعن أحمد أنه قال لا أفعله ولا أعيب من فعله العبادلة كانوا يفعلونه وقال ابن عباس هو سنة نبيك صلى الله عليه وسلم رواه مسلم. الشيخ: لكن معروف في الإقعاء الذي ذكره ابن عباس أنه ينصب قدميه ويجلس على عقبيه لا أنه يفرش قدميه ويجلس على عقبيه وهذه الصفة أيضاً مع كونها مكروهة هي شاقة على الإنسان لو فرشت رجليك وقعدت على العقبين ففيه مشقة، فالإقعاء يقول المسؤول بن عباس أنه سنة نبيك والإمام أحمد يرى أنه مكروه وفي رواية أنه يقول لا عيب على من فعله ولكنه لا يفعله والظاهر لي ما ذهب إليه بعض العلماء من أن ابن عباس كان على الصفة الأولى وأنه نسخ ولكنه لم يعلم بالناسخ كما فعل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان إذا ركع يطبق بين يديه ويضعهما بين ركبتيه وكان إذا قام معه اثنان جعل أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره وكل هاذين الفعلين منسوخ لكن ابن مسعود لم يعلم بهذا النسخ فلا يبعد والله أعلم أن ابن عباس رضي الله عنهما بنى على سنة سابقة لأن جميع الذين وصفوا جلوس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين السجدتين يقولون إنه يفرش اليسرى وينصب اليمنى.

السائل: قال المؤلف رفع الرأس من السجود ركن وأما الهوي إلى السجود ليس بركن فما الفرق؟ الشيخ: الرفع لابد منه لكي يجلس الهوي لأجل أن يسجد وهذا ارتفاع من نزول وهذاك هوي من أعلى ولهذا لم يعده أحد من أهل العلم أنه ركن قالوا السجود ولم يقولوا الهوي للسجود مع أن بعض العلماء لم يعد رفع الرأس من السجود ولا رفع الرأس من الركوع لم يعده ركناً قال لأننا إذا قلنا الجلوس بين السجدتين يغني عن الرفع لأنه من لازمه فعلى هذا يكون الهوي والرفع إنما كان للزوم السجود له. السائل: ما معنى (وينهى عن عقبة الشيطان)؟ الشيخ: فسرها بعضهم بأن يجلس على عقبيه ومراد الإمام أحمد في الإقعاء غير مراد ابن عباس وهذا الذي تبين لي لأن مراد الإمام أحمد واضح أنه صعب متعب وأما ما ذكره ابن عباس فليس كذلك لكنه ليس فيه استقرار مثل ما إذا فرش اليسرى ونصب اليمنى يبقى كأنه مستوفي. القارئ: ويقول ربي اغفر لي لما روى حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول بين السجدتين ربي اغفر لي رواه النسائي والقول في وجوبه وعدده كالقول في تسبيح الركوع وإن قال ما روى ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين الله اغفر لي وارحمنى واهدني وعافني وارزقني فلا بأس رواه أبو داوود. الشيخ: لو قال المؤلف رحمه الله فحسن كان أحسن لأن قوله فلا بأس لا يدل على أنه مطلوب وأما حديث حذيفة فإن ذلك كان في صلاة الليل وذكر أنه كان يقول ربِّ اغفر لي ربِّ اغفرلي ربِّ اغفرلي ولكنه مع ذلك كان يطيل عليه الصلاة والسلام الجلسة بين السجدتين في صلاة الليل كما يطيل الركوع والسجود والقيام بعد الركوع لعله أراد فلا بأس إن كان أحداً من العلماء قال إنه لا يطيل هذا الركن فله وجه وإلا فالأصل أن يقال فهو حسن. فصل

القارئ: ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى سواء وفيها ركنان ثم يرفع رأسه مكبراً لحديث أبي هريرة وهل يجلس للاستراحة فيه روايتان إحداهما يجلس اختارها الخلال لما روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض متفق عليه، وصفة جلوسه مثل جلسة الفصل لما روى أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه ثم نهض حديث صحيح وقال الخلال روى عن أحمد من لا أحصيه كثرة أنه يجلس على إليتيه وقال الآمدي يجلس على قدميه ولا يلصق إليتيه بالأرض والرواية الثانية لا يجلس بل ينهض على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهض على صدور قدميه رواه الترمذي وفي حديث وائل بن حجر وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه وفي لفظ فإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه رواه أبو داود ولا يعتمد بيديه على الأرض لما ذكرنا إلا أن يشق ذلك عليه لضعف أو كبر ولا يكبر لقيامه من جلسة الاستراحة لأنه قد كبر لرفعه من السجود الشيخ: الجلسة فيها ثلاثة أقوال للعلماء: القول الأول أنها ليست بسنة مطلقة وهذا هو المشهور عند المتأخرين أصحاب الإمام أحمد رحمه الله. والثاني يجلس مطلقا.

والثالث التفصيل وهو أنه إن احتاج إليها فلا يتعب نفسه بالقيام بلا جلوس وإن لم يحتاج إليها فإن الأفضل أن لا يجلس وهذا القول المفصل هو اختيار الموفق رحمه الله من كتابه المغني واختيار ابن القيم في زاد المعاد وهو عندي أقرب الأقوال وذلك لأن هذه الجلسة ليست مقصودة بدليل أنه لا تكبير لها ولا ذكر فيها ولأن ظاهر فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لها أنه كان لحاجة لأنه كان إذا أراد أن ينهض اعتمد على يديه والاعتماد لا يكون إلا من حاجة فأعدل الأقوال عندي في هذا أوسطها وهو أنه إن احتاج الإنسان إليها لكبر أو مرض في ركبتيه أو ما أشبه ذلك فالسنة أن لا يشق على نفسه وإلا فالأفضل أن ينهض نهوض الرجل القوي النشيط. السائل: لو أن المصلي وهو في أثناء السجود رفع يديه لكي يحك رأسه؟ الشيخ: هذا لا يجوز لكن إن أشغلته الحكة فليرفع من السجود إذا أتى بالقدر الواجب من الطمأنية وحصل على الحكة وإن كان الإمام لم يرفع فليتصبر ما هناك شيء يشق عليه (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم). السائل: إذا كان الإمام يرى جلسة الاستراحة والمأموم لا يراها فهل المأموم يتأخر في السجود أو يجلس؟ الشيخ: الأفضل أن يجلس مع إمامه متابعة له وبالعكس الأفضل أن لا يجلس لو كان الإمام لا يراها والمأموم يراها فالأفضل أن لا يجلس. السائل: هل الأذكار القولية واجبة أم سنة؟

الشيخ: كما قال المؤلف فيها خلاف التسبيح فيه خلاف والتكبير فيه خلاف ما عدا تكبيرة الإحرام والتسبيح فيه خلاف وإذا أردنا أن نقول لا يجب تكبير ولا تسميع ولا تسبيح ولا ربِّ اغفر لي ماذا يكون عدا الفاتحة ماذا تكون الصلاة؟ مجرد أفعال فقط فالصواب أنها واجبة لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولا يمكن أن تكون الصلاة مجرد أفعال فقط ولهذا يقال إن أحد العلماء كان يخاطب أحد الأمراء وهو على مذهب من لا يرى وجوب قراءة الفاتحة ولا الطمأنية ولا التكبيرات ولا لفظ الله أكبر فأراد أن يصلي أمامه فقال الله أجل مدهامتان ثم حنى ظهره يسيراً ثم رفع ولم يقل شيئاً ثم استمر في صلاته والتشهد الأخير قرأ التشهد ثم ضرط لأنه يقول لا يجب التسليم، الواجب أن يفعل ما ينافي الصلاة من كلام أو حدث أو أكل أو شيء قال الملك هذه صلاتنا قال نعم إذا أخذنا بمذهبك فهذا مجزئ فعدل عن الأخذ بهذا. فصل القارئ: ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي (ثم اصنع ذلك في صلاتك كلها) إلا في النية والاستفتاح لأنه يراد لافتتاح الصلاة. الشيخ: قوله إلا في النية والاستفتاح ما معنى إلا في النية؟ يعني أنه لا يجدد نيته في الركعة الثانية اكتفاءً بالنية الأولى وأما الاستفتاح فبينه رحمه الله والاستعاذة فيها روايتان. القارئ: وفي الاستعاذة رواياتان إحداهما يستعيذ لقوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) فيقتضي أن يستعيذ عند كل قراءة والثانية لا يستعيذ لما روى أبو هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت رواه مسلم ولأن الصلاة جملة واحدة فإذا أتى بالاستعاذة في أولها كفى كالاستفتاح فإن نسيها في أول الصلاة أتى بها في الثانية والاستفتاح بخلاف ذلك نص عليه.

الشيخ: لأن الاستفتاح سنة فات محلها فإذا نسيه في الركعة الأولى سقط والاستعاذة إنما هي في مقدمة القراءة بين يدي القراءة فإذا نسيه في القراءة الأولى شرع له عند القراءة الثانية وبناءً على هذا القول وهو أن قراءة الصلاة قراءة واحدة نقول لو قرأ في الركعة الأولى سورة ثم قرأ في الركعة الثانية ما قبلها فإنه يكون منكساً مثل أن يقرأ في السورة الأولى القارعة وفي الثانية العاديات فإنه يكون منكساً أما إذا قلنا لكل ركعة قراءة مستقلة فإن هذه تنفصل عن هذه ولو قرأ في الركعة الثانية ما قبل الركعة الأولى لم يكن منكساً ولكن الأظهر أن قراءة الصلاة قراءة واحدة. فصل القارئ: ثم يجلس مفترشاً لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى وفي لفظ فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته) صحيح ويستحب أن يضع يده اليسرى على فخذه اليسرى مبسوطة مضمومة الأصابع مستقبلاً بأطرافها القبلة أو يلقمها ركبته ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى يعقد الوسطى مع الإبهام عقد ثلاث وخمسين ويشير بالسبابة عند ذكر الله تعالى ويقبض الخِنْصَر والبِنْصَر لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة رواه مسلم وعنه يبسط الخنصر والبنصر لما روى ابن الزبير قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه السبابة يدعو ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى يدعو وفي لفظ وألقم كفه اليسرى ركبته رواه مسلم وفي لفظ وكان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها رواه أبو داود.

الشيخ: يقول وعنه يبسط الخنصر والبنصر نرى الحديث لما روى ابن الزبير قال (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه السبابة يدعو ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى يدعو) هذا كلام المؤلف لكن الحديث لا يدل عليه لكن على كلام المؤلف هو يقول هكذا يعني إما أن يحلق أو يقول هذا لكن الصفة الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام هي هكذا تحليق أو هكذا هذا هو الوارد قوله يبسط الخنصر والبنصر فيه صعوبة ثم استدل المؤلف ببسط الخنصر والبنصر بحديث ابن الزبير مع أنه على خلافه، على كل حال ما دلت عليه السنة أولى. يقول وفي لفظ كان يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها كيف يشير ولا يحرك الإشارة لابد فيها من تحريك ولكنه ورد في حديث آخر يحركها يدعو بها وجمع بينهما بأن المراد أنه لا يحركها هكذا دائماً وإنما يحركها عند الدعاء إشارة إلى علو الله عز وجل. أما إلقام اليسرى للركبة يقول هكذا لأن فيه بسط على الفخذ وفيه إلقام كلها وارد. السائل: كيف تكون الأصابع في الإلقام؟ الشيخ: هكذا مع الضم. فصل القارئ: ثم يتشهد بما روى ابن مسعود قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن (التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) متفق عليه قال الترمذي هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فاختاره أحمد لذلك فإن تشهد بغيره مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كتشهد ابن عباس وغيره جاز نص عليه ومقتضى هذا أنه متى أخل بلفظة ساقطة في بعض التشهدات فلا بأس.

الشيخ: في حديث ابن مسعود يقول علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه لماذا جعل كفه بين كفيه من أجل الاهتمام والعناية، وقوله كما يعلمني السورة من القرآن أيضاً يدل على عنايته بهذا التشهد وتشهد ابن مسعود هو أصح ما ورد في التشهد ولكن إذا تشهد بما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا بأس إلا أن هذا التفريع الذي ذكره المؤلف فيه نظر وهو قوله ومقتضى هذا أنه متى أخل بلفظة ساقطة في بعض التشهدات فلا بأس هذا فيه نظر لأنه إذا قلنا بهذا القول صار يمكن أن يأتي بتشهد ملفق من هذا كلمة ومن هذا كلمة ولكننا نقول الصواب أنه لا يخل بلفظة من تشهد أراد أن يتشهد به فإذا أراد أن يتشهد تشهد ابن مسعود فإنه لا يخل بلفظة أو بحديث ابن عباس فإنه لا يخل بلفظة منه لأنه ورد أي التشهد على هذه الكيفية المعينة أما أن يأخذ من هذا لفظة ومن هذا لفظة ويسقط ما لم يتفقا عليه فهذا فيه نظر ظاهر. القارئ: فإذا فرغ منه وكانت الصلاة أكثر من ركعتين لم يزد عليه لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يجلس في الركعتين الأولتين كأنه على الرضف) رواه أبو داود لشدة تخفيفه ثم ينهض مكبراً كنهوضه من السجود ويصلي الثالثة والرابعة كالأولتين إلا في الجهرية ولا يزيد على فاتحة الكتاب لما قدمناه. السائل: إذا نقص في التشهد فهل تبطل صلاته؟ الشيخ: أما الواجب إذا تعمد بطلت صلاته يعني التشهد الأول وإذا كان ناسياً يدخله سجود السهو وأما التشهد الثاني فإن صلاته لا تصح ولو ناسياً. السائل: (وحده لا شريك له) هل هذه الزيادة موجودة في تشهد ابن مسعود؟ الشيخ: زيادة لا شريك له هذه ليست في الصحيحين. فصل

القارئ: فإذا فرغ جلس فتشهد وهما الركن الثاني عشر والثالث عشر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به وعلمه ابن مسعود ثم قال (فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك) رواه أبو داود وعن ابن مسعود قال كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقولوا السلام على الله ولكن قولوا التحيات لله) فدل هذا على أنه فرض ويجلس متوركاً يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه لقول أبو حميد في وصفه فإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب اليمنى فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجله اليسرى وجلس متوركاً على شقه الأيسر وقعد على مقعدته رواه البخاري وقال الخرقي يجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى ويجعل إليتيه على الأرض لأن في بعض حديث أبي حميد جلس على إليتيه وجعل باطن قدمه اليسرى عند مأبض اليمنى ونصب قدمه اليمنى وقال ابن الزبير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه رواهما أبو داود وأيهما فعل جاز. الشيخ: الصواب في الحديث هذا جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه هكذا رواية مسلم وهي أولى لأن قوله تحت فخذه وساقه ليس لها معنى فإنها إذا كانت تحت الساق صارت تحت الفخذ ولا حاجة لينص عليه فصواب الرواية ما في صحيح مسلم بين فخذه وساقه، ثم إن كانت رواية أبي داود محفوظة فهي صفة رابعة ولا مانع لكن إذا كان مخرج الحديث واحداً والرواة واحداً ما يمكن نصف صفتين هذه تحمل على أن أحد الرواة وهم فيها في سياق رواية أبي داود. القارئ: ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما لأنه جعل للفرق ولا حاجة إليه مع عدم الإشارة.

الشيخ: وعلى هذا يكون التورك له ثلاث صفات الصفة الأولى أن ينصب اليمنى ويخرج اليسرى من تحتها من تحت الساق ويجلس بإليتيه على الأرض والثانية أن يفرشهما جميعاً ويخرج اليسرى من تحت الساق وثالثاً أن يفرشهما جميعاً ويجعل اليسرى بين الفخذ والساق وهذا ما ذكره ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد وكل واحدة من الصفات الثلاث جائزة لكن إن أمكن أن يأتي بهذا مرة وبهذا مرة فهو أفضل بناءً على القاعدة الصحيحة أنه إذا تنوعت العبادات فالأفضل أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة. السائل: بعض الإخوان يرفعون الركبة عن الأرض وهم متوركون؟ الشيخ: قد يكون بعض الناس ما يستطيع أن يضع الركبة على الأرض إذا جعل رجله اليسرى تحت الساق، على كل حال هو الأحسن أن تكون الركبة على الأرض لكن أحياناً يكون فيها مشقة. فصل القارئ: ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وفيها روايتان إحداهما ليست واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (فإذا فعلت فقد تمت صلاتك) والثانية أنها واجبة قال أبي زرعة الدمشقي عن أحمد قال كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة واجبة ووجهها ما روى كعب بن عجرة قال إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال (قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آله محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) متفق عليه قال بعض أصحابنا وتجب الصلاة على هذه الصفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها والأولى أن يكون الأفضل هذا وكيفما أتى بالصلاة أجزأه لأنها رويت بألفاظ مختلفة فوجب أن يجزئ منها ما اجتمعت عليه الأحاديث.

الشيخ: هذه القطعة فيها فائدة من حيث الأصول أولاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التشهد الأخير وهو الذي يعقبه السلام سواء في ثنائية أو ثلاثية أو رباعية فيها روايتان عن أحمد إحداهما أنها ليست بواجبة وأن الإنسان إذا اقتصر على التشهد الأول وسلم أجزأه والدليل قوله (إذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك) والثانية أنها واجبة ووجهها ما روى كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا إلى آخره ووجه ذلك أنه قال (قولوا اللهم صلِّ على محمد) لكن في بعض الروايات فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا وهذا يدل على أنه من المتقرر عندهم أنهم يصلون عليه في الصلاة أما لو كان اللفظ كما قال المؤلف فقط لكان قوله (قولوا اللهم صلِّ على محمد) ليس للوجوب لكن لبيان الكيفية لأنهم سألوا عن الكيفية ولم يسألوا عن أصل الصلاة فعلى هذا يكون الأمر في قوله (قولوا) بياناً للكيفية لا للوجوب لكن إذا نظرنا إلى الرواية التي ذكرتها (إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا) فإن هذا يدل على أن الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام كانت متقررة وبهذا يمكن أن نقرر الوجوب. ثم إذا قلنا بوجوب الصلاة عليه فهل يكتفى بقوله اللهم صلِّ على محمد كما هو المشهور من المذهب أو لابد أن نقول كما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا خلاف أشار إليه المؤلف فبعض الأصحاب قال لابد أن نقول الصيغة التي وجه إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه قال (قولوا اللهم صلِّ) ثم ذكر الحديث وبعضهم يقول إذا قلت اللهم صلِّ على محمد كفى لأنك أتيت بالمقصود ولكن الكيفية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولى وأفضل.

ثم قال المؤلف بأنها رويت بألفاظ مختلفة فوجب أن يجزئ منها ما اجتمعت عليه الأحاديث هذا فيه نظر وقد سلكه الأصحاب رحمهم الله في التشهد الأول فقالوا إذا أتى بما اجتمعت عليه الأحاديث كفى وهذا فيه نظر ظاهر لأن كل صفة في الأحاديث صفة مستقلة عن الأخرى فكيف نلفق ونقول ما اجتمعت عليه الأحاديث فهو الواجب وما اختلفت فيه فليس بواجب بل يقال إذا كانت الأحاديث وردت على صفة معينة فيكتفى بإحدى الصفات لا بأن نلفق لأنك إذا لفقت لم تكن أتيت لا بهذا اللفظ ولا بهذا اللفظ فكيف يقال إننا نلفق فالطريقة التي مشى عليها هنا طريقة ضعيفة ولكن يقال لو أتى الإنسان بأدنى ما ورد أجزأه عن أعلى ما ورد. وفي قول الإمام أحمد كنت أتهيب ذلك دليل على ورعه رحمه الله في إلزام الناس ما لم يدل الدليل على الإلزام به وهو أنه يجب على الإنسان أن يتهيب أن يقول هذا واجب والله لم يجبه أو هذا محرم والله لم يحرمه لكن يقال لا يفعل أو يفعل ويكتفي وإن كان بعض الناس يلزم الإنسان ولابد أن تقول إما واجب أو حرام ولكن إذا لم يتبين لك التحريم أو الوجوب فقل لا أنا أقول يفعل هذا أو أقول يترك هذا ولست بملزم أن تقول فيما لا تعلم يقيناً أنه واجب أو أنه محرم إنه واجب أو محرم. الراجح والله أعلم أنه يكتفى باللهم صلِّ على محمد لكن المؤلف رحمه الله لم يبين أنها ركن بل قال إنها واجبة وهذا أحد الأقوال الثلاثة في المسألة، المسألة فيها ثلاثة أقوال أنها سنة، واجب، ركن والمشهور من المذهب أنها ركن ولا تصح الصلاة إلا بها. السائل: هل الركن هو التشهد الأول أم الثاني؟ الشيخ: الركن هو الثاني سبق وأن التشهد الأول واجب وأن الأفضل الاقتصار على قوله أن محمداً عبده ورسوله في التشهد الأول. السائل: ما هو دليل تخصيص الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني دون الأول؟

الشيخ: لأنه في حديث ابن عباس وحديث ابن مسعود أن الرسول علمه التشهد وكان كما مر علينا كان يخفف التشهد الأول حتى كأنه على الرضف يعني على الحجاره المحماة. فصل القارئ: ويستحب أن يتعوذ من أربع لما روى أبو هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) متفق عليه ولمسلم (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع) وذكره وما دعا به مما ورد في القرآن والأخبار فلا بأس إلا أن يكون إماماً فلا يستحب له التطويل كي لا يشق على المأمومين إلا أن يؤثروا ذلك وقد روي عن أبي بكر الصديق أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني دعاءً أدعو به في صلاتي قال قل (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) متفق عليه. الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله أنه يستحب أن يتعوذ من أربعة وذكرها وقال بعض العلماء إنه يجب أن يتعوذ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك وأمر به قال (إذا تشهد أحدكم) وفي رواية (التشهد الأخير) كما في صحيح مسلم (فليستعذ بالله من أربع) والأصل في الأمر الوجوب لا سيما وأن هذه الأربع من الأمور التي لو أحاطت بالإنسان لأهلكته فلأجل ما تشتمل عليه من الهلاك وأن الإنسان يستعيذ بربه منها كانت واجبة وقد ذكر عن طاووس رحمه الله أنه أمر ابنه لما لم يستعذ بالله من هذه الأربع أمره أن يعيد الصلاة والقول بالوجوب قوي ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يدعها وأنتم الآن كما شاهدتم دليل وجوبها أقوى من دليل وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أما حديث أبي بكر رضي الله عنه فإنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه دعاء يدعو به في صلاته لكن لم يبين موضعه والظاهر أنه بعد التشهد لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في حديث ابن مسعود (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) لكن المؤلف رحمه الله يقول إذا كان إماماً فإنه لا يستحب له التطويل لأن لا يشق على المأمومين إلا أن يؤثروا ذلك يعني إلا أن يرضوا بذلك ولكن هذا بشرط أن يكونوا محصورين أما إذا كانوا غير محصورين فكيف يمكن أن نعلم أنهم رضوا بهذا. فصل القارئ: ولا يجوز أن يدعو فيها بالملاذ وشهوة الدنيا وما يشبه كلام الآدميين مثل اللهم ارزقني زوجة حسناء وطعاماً طيبا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم ولأن هذا يتخاطب بمثله الآدميون أشبه تشميت العاطس ورد السلام.

الشيخ: هذا القول ضعيف جداً وهو أنه لا يجوز أن يدعو فيها بملاذ الدنيا وشهواتها وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وقال (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) وقال في حديث ابن مسعود (إذا فرغ أحدكم من التشهد فليدعو بما شاء) وأما استدلاله على أنه لا يجوز بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) فيقال أين كلام الناس في هذا هل الإنسان إذا قال يا ربي ارزقني زوجة حسناء هل هو يقول يا فلان اخطب لي زوجة حسناء أبداً هو يخاطب ربه ويدعو ربه والدعاء عبادة فهذا الاستدلال بهذا الحديث لا شك أنه بعيد من الصواب كذلك أيضاً قوله ولأن هذا يتخاطب بمثله الآدميون فيقال وإذا كان يتخاطبون بمثله فهل أنا أخاطب آدمياً والمراد بقول الرسول عليه الصلاة والسلام (لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) مخاطبة الناس وأما دعاء الله بما يشبه كلام الناس فلا بأس به فالصواب في هذه المسألة أن الإنسان يدعو بما شاء ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً فلا يجوز لأنه من باب الاعتداء في الدعاء. السائل: ما دليله على ركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير؟ الشيخ: ليس هناك دليل واضح. السائل: لو اقتصر المصلي على التشهد دون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ الشيخ: إذا قلنا بأنها سنة صارت صحيحة وإذا قلنا بالوجوب لا تصلح مع العمد ومع النسيان يكفي فيها سجود السهو وإذا قلنا بأنها ركن لابد أن يأتي بها فيعود إلى صلاته ويأتي بها ويسلم ثم يأتي بالسهو. فصل

القارئ: ثم يسلم والسلام هو الركن الرابع عشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مفتاح الصلاة الطُّهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) رواه أبو داود والترمذي ولأنه أحد طرفي الصلاة فكان فيه نطق واجب كالأول ويسلم تسليمتين ويلتفت عن يمينه فيقول السلام عليكم ورحمة الله ويلتفت عن يساره كذلك لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله وفي لفظ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم حتى يرى بياض خده عن يمينه وعن يساره رواه مسلم ويكون التفاته في الثانية أوفى قال ابن عقيل يبتدئ بقوله السلام عليكم إلى القبلة ثم يلتفت قائلاً ورحمة الله عن يمينه ويساره لقول عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم تلقاء وجهه معناه ابتداء السلام ويستحب أن يجهر بالأولى أكثر من الثانية نص عليه واختاره الخلال وحمل أحمد حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة على أنه يجهر بواحدة ويستحب أن لا يمد السلام لأن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حذف السلام سنة) ورواه الترمذي وقال حديث صحيح قال ابن المبارك معناه لا يمده مدا قال أحمد معناه لا يطول به صوته. الشيخ: هذا في التسليم يقول السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله عن اليمين والشمال ويلتفت وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يلتفت حتى يرى بياض خده. وأما ما ذكره ابن عقيل ففيه نظر أنه يقول السلام عليكم تجاه القبلة ثم يقول ورحمة الله بل مقتضى حديث ابن مسعود ومقتضى اللفظ أيضاً الخطاب أنه يلتفت من حين أن يبتدئ بالسلام لأن عليكم خطاب لمن وراءه فلابد أن تكون الكاف بعد التفاتته.

وكذلك أيضاً في كونه يجهر بالأولى أكثر من الثانية هذا يحتاج إلى دليل فإن وجد دليل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذاك وأما حمل ما ورد أنه يسلم تسليمة واحدة على أنه يجهر بالأولى أكثر من الثانية ففي النفس منه شيء إذ من الممكن أن نقول إن الاقتصار على تسليمة واحدة لبيان الجواز وليس لأنه يخفيها. السائل: القاعدة (إن ورد لفظ خاص يوافق حكم العام لا يدل على التخصيص) حديث (فليستعذ بالله من أربع) ورد في رواية (إذا تشهد أحدكم) وورد في رواية أخرى (التشهد الأخير) فهل ينطبق هذا على القاعدة؟ الشيخ: يقيد بالتشهد الأخير، وهذا فيه شرط هذا ما ينافي القاعدة. فصل القارئ: والواجب تسليمة واحدة والثانية سنة لأن عائشة وسهل بن سعد وسلمة بن الأكوع رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فسلم تسليمة واحدة ولأنه إجماع حكاه ابن المنذر وعنه أن الثانية واجبة لأن جابراً قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله) رواه مسلم ولأنها عبادة لها تحللان فكان الثاني واجباً كالحج. الشيخ: الحديث الأول حديث الثلاثة إذا صح فهو دليل واضح لكن بعض العلماء حمله على أنه في صلاة النفل وقال لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه اقتصر على تسليمة واحدة في صلاة الفرض وأما حديث جابر الذي ذكره الأخير فهذا إنما قاله النبي عليه الصلاة والسلام لأنهم إذا سلموا قالوا بأيديهم هكذا كأنها أذناب خيل شمس فقال (إنما كان يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخية من على يمينه وشماله) وهذا بيان لحالهم التي كانوا يفعلون يسلمون عن اليمين وعن الشمال وليس صريحاً بأنه لابد من تسليمتين المعنى يكفي أحدكم بدل أن يقول هكذا. فصل

القارئ: وإن اقتصر على قوله السلام عليكم فقال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه يجزئه نص عليه في صلاة الجنازة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تحليلها التسليم) وهو حاصل بدون الرحمة وعن علي أنه كان يسلم عن يمينه ويساره السلام عليكم السلام عليكم وقال ابن عقيل الصحيح أنه لا يجزئ لأن من وصف سلام النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة قال فيه ورحمة الله ولأنه سلام ورد فيه ذكر الرحمة فلم يجزئه بدونها كالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ويأتي بالسلام مرتباً فإن نكسه فقال عليكم السلام أو نكس التشهد لم تصح وذكر القاضي وجهاً في صحته لأن المقصود يحصل وهو بعيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله مرتبا وعلمهم إياه مرتبا ولأنه ذكر يؤتى به في أحدي طرفي الصلاة فاعتبر ترتيبه كالتكبير. السائل: في حديث عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم تلقاء وجهه) ما الحكم إذا صح هذا الحديث؟ الشيخ: إذا صح لابد أن نقول به كل شيء يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام لابد أن نقول به فنجمع بين حديث عائشة وبين حديث ابن مسعود بأنه لا منافاة لأنه إذا ابتدأه من القبلة وأنهاه عن اليمين أوالشمال حصل المقصود. السائل: ما معنى حذف السلام؟ الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله أما بعض الناس يقول السلام عليكم ورحمة الله يمد مرة في الثانية السلام عليكم ورحمة الله يمدها كثيراً حتى أن بعض المسبوقين يقوم فهذا خلاف السنة، السنة أن لا يفعل. القارئ: وينوي بسلامه الخروج من الصلاة فإن لم ينو لم تبطل صلاته نص عليه لأن نية الصلاة قد شملت جميعها والسلام من جملتها ولأنها عبادة فلم تجب النية للخروج منها كسائر العبادات وقال ابن حامد تبطل صلاته لأنه أحد طرفي الصلاة فوجبت فيه النية كالآخر.

الشيخ: والغالب أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينوي الخروج هذا الغالب لكن ربما يعزب عن خاطره نية الخروج فينوي أنها كغيرها من الأذكار فكما أنه لا ينوي التشهد ولا ينوي الركوع ولا ينوي السجود لأنها داخلة في عموم الصلاة فكذلك لا ينوي السلام والصحيح أنه لا يشترط نية السلام وأن الإنسان لو سلم على أنه ركن من أركان الصلاة دون أن يخرج به من الصلاة فلا بأس. القارئ: وإن نوى بالسلام على الحفظة والمصلين معه فلا بأس نص عليه لحديث جابر الذي قدمناه وفي لفظ (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام وأن يسلم بعضنا على بعض) رواه أبو داود. فصل القارئ: ويستحب ذكر الله تعالى بعد انصرافه من الصلاة ودعاؤه واستغفاره قال المغيرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة مكتوبة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) متفق عليه وقال ثوبان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا إنصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً وقال (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) رواه مسلم، وقال ابن عباس (إنَّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته) متفق عليه.

الشيخ: هذا الفصل بين فيه رحمه الله أنه يستحب بعد الصلاة أن يذكر الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) وما استدل به من الأحاديث يدل على أنه يجهر به وهو كذلك يجهر به قال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته والقول بأنه لا يجهر به وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما جهر به للتعليم قول ضعيف أولاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علمه الناس فإنه قال للفقراء (تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين) ثانياً أن التعليم يحصل بمرة واحدة ولا يداوم عليه كلما صلى ثالثاً أننا لو سلمنا أنه للتعليم فنقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يعلمهم نفس الذكر وكيفية النطق به فيكون التعليم في أصل الذكر وفي كيفية النطق وأنه يكون جهراً ومثل هذه التأويلات التي يسلكها بعض العلماء رحمهم الله وعفا عنا وعنهم إنما يلجؤون إليها بناءً على أنهم اعتقدوا ثم استدلوا فإذا اعتقد الإنسان ثم استدل تجده يلوي أعناق النصوص حتى توافق ما يعتقده والواجب أن الإنسان يستدل أولاً ثم يعتقد ويعمل ثانياً حتى يكون هو التابع للأدلة وليست الأدلة تابعة له فإذا تجردنا من التقليد ونظرنا إلى هذه الأحاديث وجدنا أنها نص صريح في أن الإنسان يجهر بالذكر بعد الصلاة ولكن لو فرضنا أن إلى جانبك رجال يقضون الصلاة أو أن أمامك رجالاً يقضون الصلاة ولو جهرت لشوشت عليهم فإنك لا تجهر إتقاءً للأذية والسنة تأتي بها في وقت آخر والله الموفق. فصل

القارئ: ويكره للإمام إطالة الجلوس في مكانه مستقبل القبلة لأن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) رواه ابن ماجة فإن أحب قام وإن شاء انحرف عن قبلته لما روى سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه رواه البخاري ومسلم. وينصرف حيث شاء عن يمينه أوشماله لقول ابن مسعود لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً من صلاته يرى أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن يساره متفق عليه. فإن كان مع الإمام رجال ونساء فالمستحب أن تثب النساء ويثبت هو والرجال بقدر ما ينصرف النساء لقول أم سلمة رضي الله عنها إن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال قال الزهري فَنُرى أن ذلك لكي يبعد من ينصرف من النساء رواه البخاري ولأن الإخلال بذلك يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء ولا يثب المأمومون قبل انصراف الإمام لأن لا يذكر سهواً فيسجد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إني إمامكم فلا تبادروني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف) رواه مسلم فإن إنحرف عن قبلة أو خالف السنة في إطالة الجلوس مستقبلاً القبلة فلا بأس أن يقوم المأموم ويدعه. الشيخ: هذا الفصل كما رأيتم فيه عدة مسائل:

المسألة الأولى إطالة الإمام الجلوس في مكانه مستقبل القبلة فإن هذا مكروه أولاً الحديث الذي ذكره المؤلف عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام وثانياً لأنه يحبس المأمومين فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا تسبقوني بالانصراف) وإذا بقي مطيلاً للجلوس مستقبل القبلة أحرج الناس لأن الذي يريد أن يمتثل النهي (لا تسبقوني بالانصراف) سوف يجد حرجاً إذا تأخر الإمام. المسألة الثانية أنه إذا انحرف عن القبلة هل ينحرف جهة اليمين أو جهة اليسار نقول ينحرف أحياناً من جهة اليمين وأحياناً من جهة اليسار لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ينحرف من هاهنا ومن ها هنا وليس لازماً أن تنحرف دائماً من جهة اليمين وإذا انحرف هل يجعل المأمومين على يمينه أو على يساره أو يستقبلهم؟ نقول يستقبلهم. المسألة الثالثة أنه إذا اجتمع رجال ونساء فإن الأفضل أن يتأخر الرجال قليلاً عن الخروج وأن تبادر النساء فيخرجن وذلك من أجل أن لا يختلط الرجال بالنساء وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. المسألة الرابعة أن المؤلف رحمه الله قال لا يثب المأمومون قبل انصراف الإمام إلا إذا أطال استقبال القبلة جالساً فللمأموم أن ينصرف وإلا فإنه يكره له أن ينصرف قبل انصراف إمامه والعجيب أنه رحمه الله ذكر التعليل قبل الدليل والأولى أن يكون الأمر بالعكس هو قال لأن لا يذكر سهواً فيسجد ثم قال وقد قال النبي فذكر التعليل قبل الدليل والأولى أن يكون بالعكس ثم هذا التعليل الذي ذكره غير مسلم لأن هذا الذي ذكره احتمال والأصل عدمه فالأولى التعويل على الدليل هذا هو الأولى. السائل: هل الصلاة قبل الإمام مكروه لأنكم قلتم إن الانصراف قبل الإمام مكروه فلماذا لم يقل إنه محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تبادروني بالركوع) ومعلوم أن سباق الإمام بالركوع محرم؟

الشيخ: المعروف أن دلالة الاقتران لا توجب التساوي في الحكم (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) مع أن الخيل تؤكل فالذي أخرج هذا هو أن الأول في الركوع وفي السجود قد أخرج بنهي صريح وهو قوله (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا ولا ترفعوا حتى يرفع) إلى آخره أما هذا فلم يذكر مع المحرمات. السائل: في قوله (ولا بالانصراف) فلماذا لم يحمل النهي على التحريم؟ الشيخ: ما في شك أنه نهي ولولا النهي لم يكن مقبولاً وصرف النهي إلى الكراهة لأن الإمام إذا سلم انتهت صلاته فانتهى اتصال المأموم به على وجه اللزوم. السائل: هل انصراف الإمام عن اليمين أوعن الشمال سنة؟ الشيخ: نعم سنة أحياناً عن اليمين واحياناً عن الشمال لكنه يستقبل المأمومين ولا يبقى يجعلهم على جنب. فصل القارئ: ويكره للإمام التطوع في موضع صلاة المكتوبة نص عليه وقال: كذا قال علي بن أبي طالب وللمأموم ان يتطوع في موضع صلاته فعله ابن عمر وروى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يتطوع الإمام في مقامه الذي يصلي به الناس) رواه أبو داود فإن دعت إليه ضرورة لضيق المسجد انحرف قليلاً عن مصلاه ثم صلى. الشيخ: هذا الفصل يتضمن مسألتين: المسألة الأولى تطوع الإمام في مكان صلاته وذكر أنه مكروه واستدل الإمام أحمد بقول علي. والمسألة الثانية تطوع المأموم في موضع صلاته فذكر أنه لا بأس به ولكن الأفضل أن ينتقل عن مكانه إلى مكان آخر. فصل

القارئ: ويرتب الصلاة على ما ذكرنا وهو الركن الخامس عشر فصارت أركان الصلاة خمسة عشر لا يسامح بها في عمد ولا سهو وواجباتها المختلف فيها تسعة التكبير سوى تكبيرة الإحرام والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة وقول: سمع الله لمن حمده وقول: ربنا ولك الحمد وقول: ربِّ اغفر لي بين السجدتين مرة والتشهد الأول والجلوس له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليمة الثانية وقد ذكرنا في وجوب جميعها روايتين. وما عدا ذلك فسنن تتنوع ثلاثة أنواع النوع الأول سنن الأقوال وهي اثنتا عشرة الاستفتاح، والاستعاذة، وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وقول آمين، وقراءة السورة بعد الفاتحة، والجهر والإخفات في موضعهما، وما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، وعلى المرة في سؤال المغفرة، وقول ملء السماء بعد التحميد، والدعاء، والتعوذ في التشهد الأخير، وقنوت الوتر. الشيخ: هذه سنن قولية لكن في قوله رحمه الله الجهر والإخفات في موضعهما في قوله إنهما من سنن الأقوال نظر لأن الجهر والإخفات صفة القول وليس هو القول فقول الإنسان الحمد لله رب العالمين سراً ليس هو القراءة وقولها جهراً ليس هو القراءة بل الإخفات والجهر صفة للقول ولهذا ذكرهما بعض الفقهاء من سنن الأفعال. السائل: في موضوع الانصراف عن اليمين أو عن اليسار هل هذه الصفة خاصة بالإمام أو المأموم أيضاً؟ الشيخ: لا المأموم ليس له صفة يقوم كيفما تيسر له. السائل: لكن قول ابن مسعود رضي الله عنه مع أنه لا يخاطب أئمة وإنما يخاطب مأمومين يقول لا يجعل أحدكم للشيطان حظاً من صلاته. الشيخ: نعم المأموم بينصرف لكن إذا التزم أن لا ينصرف إلا عن اليمين ما هو صحيح المأموم ينصرف كما يشاء. السائل: إذا جعل المأموم أكثر انصرافه من جهة اليسار وانصرف أحياناً من جهة اليمين؟ الشيخ: ما في شيء. السائل: كيف يكون للشيطان حظ؟

الشيخ: الحظ للشيطان يرى أنه لا ينصرف إلا عن اليمين ليس من أجل الفعل ولكن من أجل كونه يعتقد أنه لا ينصرف إلا عن يمينه هذا له حظ حيث اعتقدت أن شيئاً جائزاً ليس بجائز. القارئ: النوع الثاني سنن الأفعال وهي اثنتان وعشرون: رفع اليدين عند الإحرام والركوع والرفع منه ووضع اليمنى على اليسرى. الشيخ: بقي عليه الموضع الرابع لم يذكره والصحيح أنه منها القيام من التشهد الأول. القارئ: ووضع اليمنى على اليسرى ووضعهما تحت السرة. الشيخ: وسبق لنا أن الراجح أن يجعلهما على صدره. القارئ: والنظر إلى موضع سجوده. الشيخ: وسبق أنه يستثنى من ذلك في حال الإشارة فإنه لا يجاوز بصره إشارته وذلك إذا جلس بين السجدتين أو في التشهد فإنه عند الإشارة ينظر إلى أصبعه وسبق أنه يشير عند كل دعاء. القارئ: والنظر إلى موضع سجوده، ووضع اليدين على الركبتين في الركوع، ومد الظهر والتسوية بين ظهره ورأسه، والتجافي فيه، والبداءة بوضع الركبتين قبل اليدين في السجود، ورفع اليدين قبل الركبتين في النهوض، والتجافي فيه، وفتح أصابع رجليه فيه، وفي الجلوس، ووضع يديه حذو منكبيه مضمومة، مستقبلاً بها القبلة. الشيخ: فتح أصابع رجليه في حال السجود هذا لا يمكن إلا إذا اتكأ على الأصابع أما إذا وضعها بدون اتكاء فإنها ستبقى ملتئمة اللهم إلا إذا اتكأ على الإبهام كبعض الناس ما يستطيع أنه يتكئ على كل الأصابع يتكئ على الإبهام فحينئذٍ يكون المنفرج ما بين الإبهام والسبابة. القارئ: والتورك في التشهد الأخير، والافتراش في الأول، وفي سائر الجلوس، ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة محلقة والإشارة بالسبابة، ووضع اليسرى على الفخذ اليسرى مبسوطة، والالتفات عن يمينه وشماله في التسليم، والسجود على أنفه، وجلسة الاستراحة في إحدى الروايتين فيهما.

الشيخ: وسبق أن الصحيح أن السجود على الأنف ركن لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أمرت أن أسجد) وفي رواية (أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم على الجبهة) وأشار إلى أنفه. وقوله جلسة الاستراحة على إحدى الروايتين فيهما وماذا يعني (فيهما)؟ السجود على الأنف وجلسة الاستراحة. القارئ: والنوع الثالث ما يتعلق بالقلب وهو الخشوع ونية الخروج في سلامه. الشيخ: الخشوع يعني بذلك حضور القلب وهذا هو لب الصلاة صلاة بلا خشوع كجسد بلا روح وقد اختلف العلماء فيما لو غلب الوسواس يعني الهواجيس على أكثر الصلاة هل تبطل أو لا والصحيح أنها لا تبطل لكنها ناقصة جداً فلذلك لو قيل بوجوب الخشوع لكان له وجه وقد قيل به. وقوله نية الخروج في سلامه الخروج من ماذا؟ من الصلاة عند السلام. السائل: ما رأيكم في أكل العلك أمام الناس؟ الشيخ: أمام الناس ما نرى أنه يفعلها الإنسان حتى لو فيها مصلحة أقول ما نرى أنه يأكله أمام الناس وإن كان مباحاً وهو ليس فيه فائدة يمكن بعض الناس أحياناً إذا اضطربت معدته يعني إذا حمى كبده كما يقول العامة يركدها العلك قد يستفيد منها وإذا كان في الطيارة يكون ضغط على أذانه وإذا كنت تعلك يخفف عليك على كل حال أمام الناس ما نرى أن يفعله الإنسان لأنه يتهم. فصل

القارئ: ولا يسن القنوت في صلاة فرض لأن أبا مالك الأشجعي قال قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ها هنا في الكوفة نحواً من خمس سنين أكانوا يقنتون قال أي بني محدث قال الترمذي هذا حديث حسن وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه رواه مسلم فإن نزل بالمسلمين نازلة فللإمام القنوت في صلاة الصبح بعد الركوع اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم رواه سعيد في سننه وليس ذلك لآحاد المسلمين ويقول في قنوته نحواً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عمر: وكان عمر يقول في القنوت (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك) رواه أبو داود. الشيخ: هذا الفصل تضمن مسائل:

المسألة الأولى القنوت في صلاة الفرض هل هو سنة أو لا؟ الصحيح أنه ليس بسنة إلا لسبب لكن مع ذلك قال الإمام أحمد رحمه الله لو ائتم بإمام يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه وهذا من فقه الإمام رحمه الله لأن عدم متابعته شق للكلمة وكلما كان شق الكلمة كلمة المسلمين أكبر كان أعظم ولهذا كان الخروج عن الإمام أعظم بكثير من مخالفة إمام الصلاة وإمام الصلاة إمامة صغرة فالإمام إمام الصلاة مطاع هل يقول للناس اركعوا إذا ركعت أو قد قاله الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قد قاله الرسول فهو إمام يقتدى به فلا ينبغي أن يشق العصا فيخالف ولهذا كان إذا قام عن التشهد الأول مع وجوبه وجب على المأموم أن يتابع وإذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية وجب عليه أن يجلس مع أنها في حقه هي الركعة الأولى كل هذا متابعة للإمام ولعدم مخالفته والاختلاف عليه إذا كان كذلك فإنه يوجد في صلاة التراويح بعض الأئمة يرون استحباب الدعاء عند ختم القرآن فإذا ائتم الإنسان بمن يرى هذا فهل يخرج ويقول هذه بدعة وكل بدعة ضلالة؟ لا، يتابع ويؤمن لأن المسألة مسألة اجتهاد فيتابع ويؤمن وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن تكون له على بال وهي عدم المخالفة كلما أمكن التأليف تأليف القلوب فهو أحسن حتى إنه من أكبر مقاصد الشرع في وجوب صلاة الجماعة في المساجد هو تأليف القلوب والاجتماع على الطاعة نعم لو فعل شيئاً محرماً شيء آخر يعني لو كان الإمام لا يطمئن في صلاته فأنا لا أتابعه.

المسالة الثانية هل يقنت في الفرائض إذا وجد سبب؟ الجواب نعم يقنت إذا وجد السبب لكن ما هو السبب هل هو السبب العام أو الخاص يعني لو أن الإمام شاب تعسر عليه أن يتزوج كل من خطب منه ما أجاب فهل يقنت في صلاة الفريضة لأنه الإمام يقول اللهم زوجني الجواب لا، إذا كان أمراً عاماً إذا نزل بالمسلمين نازلة أما الخاص فلا الخاص يدعو الإنسان لنفسه في السجود أو بعد التشهد الأخير أما القنوت فلا يقنت إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة. المسالة الثالثة وإذا وجدت النازلة مثل ما يوجد الآن في البوسنة والهرسك وغيرها من البلاد الإسلامية فهل يقنت كل أحد لا، لا يقنت إلا الإمام فقط الإمام الأعظم ليس الإمام أئمة المساجد الإمام الأعظم يعني مثلاً هنا في المملكة ما يقنت إلا الملك فهد فقط أما غيره فلا يقنت لماذا لأنه لم يحفظ أن أحداً من مساجد المدينة قنت إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ولأن المعني بأمور المسلمين هو الإمام بالدرجة الأولى وإلا فكل الناس معنيون بإخوانهم فلهذا قال الفقهاء لا يقنت إلا الإمام الأعظم فقط وقيل يقنت الإمام الأعظم ونوابه كالأمراء وقيل يقنت كل إمام مسجد فقط دون آحاد الناس وقيل يقنت كل مصلي وهذا هو الأصح أنه يسن أن يقنت كل مصلي لكن في المساجد مساجد الجماعة لا ينبغي أن تتفرق الكلمة ينبغي أن يصدروا عن رأي واحد إذا قال المسؤول في البلد عن المساجد اقنتوا قنتوا أما أن يكون هذا يقنت وهذا لا يقنت فهذا يفرق المسلمين ويوجب أن يُطعن في أحد الإمامين إما الذي يقنت أو الذي لا يقنت، الذي يقنت يطعن فيه الناس أنه يعتد بنفسه ويقنت دون غيره والذي لا يقنت يقول هذا رجل لا يهتم بأمر المسلمين ولا يقنت انظر للإمام الفلاني الذي يهتم بأمور المسلمين يقنت لهذا نرى أننا وإن اخترنا القول بأن القنوت عام لا ينبغي لأئمة المساجد إلا أن يصدروا عن رأي واحد لتجتمع الكلمة ولأن لا تلوك ألسن الناس بأئمة المساجد.

المسألة الرابعة هل يستمر القنوت؟ الجواب إذا زال السبب الذي من أجله شرع القنوت فإنه يزول مثلاً نقنت لانتصار قوم يحاربون الكفار نقنت حتى ينتصروا نقنت لأن قوماً من الكفار قتلوا مثلاً قراءنا أو علماءنا نقنت حتى نظفر بهم ونجري عليهم ما يجب إجراؤه. المسألة الخامسة ما ذكره عن عمر وهو قوله اللهم العن كفرة أهل الكتاب هم اليهود والنصارى لكن كيف قال كفرة أهل الكتاب وهل في أهل الكتاب مؤمن؟ نعم يوجد مؤمن من آمن بالرسول عليه الصلاة والسلام مثل عبد الله بن سلام والنجاشي، عبد الله بن سلام من أحبار اليهود وعلمائهم والنجاشي من علماء النصارى وأمرائهم.

لم يذكر عمر جميع الكفرة نقول نعم لأن كفرة أهل الكتاب أحق بالذنب من غيرهم لأن عندهم كتاباً يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم فكفرهم عن عناد ليس عن جهل فكانوا أغلظ فلذلك كان عمر يدعو عليهم رضي الله عنه وهم جديرون بهذا إن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته يقول (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ونحن نسأل الله تعالى أن يتابع عليهم لعائنه إلى يوم القيامة فهم أهل للعن وأهل للسب وأهل للذنب وأهل لأن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية وهم صاغرون هذا الذي أمر الله (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) لكن متى يكون ذلك إذا قدرنا على هذا أما والأمة الإسلامية على وضعها الحالي شعوباً وحكاماً فنحن عاجزون في الحقيقة عاجزون عن هذا عاجزون عن تنفيذ هذا الأمر الإلهي ثم نحن إن قاتلناهم على الإسلام هم أو غيرهم لسنا نريد أن نسيء إليهم نريد أن نحسن إليهم في إدخالهم لدين الإسلام الذي ينجون به في الدنيا والآخرة أما إذا بقوا على كفرهم فإن نجو فإنما ينجون في الدنيا أما في الآخرة فلا نجاة لهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة لا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن) يعني بما جاء به الرسول (إلا كان من أصحاب النار) إذاً نحن عندما نقاتل الكفار لا نقاتلهم تعصباً ولكن نقاتلهم رحمة بهم من أجل أن يدخلوا في الإسلام وإذا دخلوا في الإسلام فهم إخواننا وإن كانوا أبعد ما يكونون عنا نسباً وبلاداً هذه خمس مسائل في هذا الفصل. السائل: ماالحكم إذا استمر سبب القنوت طويلاً؟

باب صلاة التطوع

الشيخ: إذا استمر فالظاهر أننا نقيده بالشهر ثم إذا تجدد أو تطور إلى أكثر نعيد القنوت. السائل: إذا دعا الإمام في الصلاة لنفسه هل يؤمَّن على دعائه؟ الشيخ: ورد في الحديث أن الإمام إذا خص نفسه في الدعاء فقد خان المأمومين هذه خيانة وهذه والله أعلم هي الحكمة من أن الله سبحانه وتعالى جعل الفاتحة بصيغة التعظيم أو بصيغة الجمع (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ولم يقل إياك أعبد مع أن القارئ واحد لأن الله تعالى يعلم أن هذه السورة ستقرأ لأناس متعددين ولهذا تقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بالجمع لكن في الدعاء الآخر الذي يسر به يقول الإنسان أعوذ بالله من عذاب جهنم ولا يقول نعوذ بالله لأن هذا دعاء له وذاك دعاء للجميع. باب صلاة التطوع القارئ: وهي أفضل تطوع البدن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأعلموا أن من خير أعمالكم الصلاة) رواه ابن ماجة ولأن فرضها آكد الفروض وتطوعها آكد التطوع وهي تنقسم أربعة أقسام: أحدها السنن الرواتب وهي ثلاثة أنواع النوع الأول الرواتب مع الفرائض وآكدها عشر ركعات ذكرها ابن عمر قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها أحد حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين متفق عليه.

وآكدها ركعة الفجر قالت عائشة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتي الفجر وقال (ركعتا الفجر أحب إلي من الدنيا وما فيها) رواهما مسلم وقال (صلوهما ولو طردتكم الخيل) رواه أبو داود ويستحب له تخفيفهما لقول عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بفاتحة الكتاب؟! متفق عليه ويقرأ فيهما وفي ركعتي المغرب (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قال أبو هريرة رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) رواه مسلم وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان يقرأ في الركعتين بعد المغرب (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) رواه ابن ماجه، ويستحب ركوعهن في البيت لحديث ابن عمر ولما روى رافع بن خديج قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عبد الأشهل فصلى المغرب في مسجدنا ثم قال (اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم) رواه ابن ماجة قال أحمد ليس هاهنا شيء آكد من الركعتين بعد المغرب يعني فعلهما في البيت. الشيخ: هذا الباب فيه مسائل:

المسألة الأولى التطوع بالصلاة والتطوع بالصلاة من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده لأنه لولا أن الله شرع ذلك لكان فعلهما بدعة وضلالة لكن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن شرع لعباده التطوع في العبادات وما هي الفائدة من هذا التطوع؟ الفائدة التعبد لله عز وجل ثم تكميل الفرائض لأن الفرائض لا تكاد تخلو من نقص لكن النوافل ترقع بها الفرائض تأتي يوم القيامة والفرائض التي أتيتها ناقصة فيكملها الله عز وجل بالتطوع ولهذا لا تجب فريضة من فرائض الإسلام إلا ولها تطوع فالصلاة لها تطوع والزكاة لها تطوع الصدقة والصيام له تطوع والحج له تطوع والجهاد له تطوع كل هذا من أجل أن تكمل الفرائض بهذه النوافل.

المسألة الثانية ما هو أفضل ما يتطوع به من تطوعات البدن؟ المؤلف يقول في حسب نسخكم أن أفضل ما يتطوع به الصلاة وفي نسختي: وهي من أفضل تطوع البدن ومن تدل على التبعيض ونسختي أصح لأن التطوع بالجهاد أفضل من التطوع بالصلاة فهي من أفضل وليست أفضل وأما قياس المؤلف رحمه الله قياس نافلة الصلاة على فريضتها بأن فريضة الصلاة هي أوكد أعمال البدن فكانت نافلتها أوكد ففيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الإسلام (إن ذروة سنامه الجهاد في سييل الله) ثم هناك شيء آخر أفضل من الجهاد في سبيل الله وهو العلم تعلم العلم الشرعي أفضل لمن كان أهلاً للتعلم من الجهاد في سبيل الله لأن حاجة الناس إلى العلم حاجة ملحة كل إنسان يحتاج إلى العلم والأمة الإسلامية محتاجة إلى العلم في داخلها وفي خارجها وفي نفسها ومع الناس فضرورة الناس إلى العلم الشرعي أشد من ضرورتهم إلى الجهاد بل إن المجاهدين يحتاجون إلى العلم الشرعي كيف يسير المجاهد وكيف يعمل إلا على حسب ما تقتضيه الشريعة ولا يمكن أن يصل إلى ما تقتضيه الشريعة إلا بتعلم العلم ولهذا قال الله عز وجل (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) يعني لا يمكن أن ينفروا كافة إلى الجهاد (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) قال الإمام أحمد العلم لا يعدله شيء.

المسألة الثالثة السنن تنقسم كما قال المؤلف إلى أنواع الرواتب مع الفرائض الرواتب مع الفرائض يعني أنها تابعة لها ولا ينبغي الإخلال بها وتقضى كما تقضى الفرائض حتى لو فاتتك الفريضة وخرج وقتها فاقضِ راتبتها معها وذكر المؤلف أنها عشرة والصحيح أنها اثنتا عشرة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يدع أربعاً قبل الظهر) وفي حديث ابن عمر (ركعتان بعدها) ستكون رواتب الظهر ست ركعات والمغرب ركعتان والعشاء ركعتان والفجر ركعتان. المسألة الرابعة أن الأفضل في هذه الرواتب كلها أن تكون في البيت ويتأكد ذلك في ركعتي المغرب وإنما قلنا أن الأفضل أن تكون في البيت لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) وهذا عام ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي الراتبة في بيته فتكون السنة القولية والفعلية دالة على أن الأفضل أن يتطوع الإنسان في بيته اقتداءً بالرسول عليه الصلاة والسلام. المسألة الخامسة السنة في ركعتي الفجر أن يخففهما ولا يطولهما حتى كانت عائشة أم المؤمنين تقول حتى إني أقول أقرأ بفاتحة الكتاب من شدة التخفيف وعلى هذا فلو قال الإنسان أنا أحب أن أطيل في ركعتي الفجر أي في السنة لأتمكن من الدعاء وزيادة التسبيح قلنا خطأ التخفيف أفضل من التطويل مع أن التطويل عبادة لكن السنة أولى بالاتباع وبهذا نعرف أن حقيقة الاتباع موافقة الأمر لا الزيادة فالعبرة بالكيفية لا بالكمية إلا إذا جاءت السنة بطلب الزيادة فهذا شيء آخر.

المسألة السادسة يقرأ في ركعتي الفجر بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وإنما استحب ذلك لافتتاح صلاة النهار بالإخلاص لأن أول صلاة النهار الفجر وراتبتها تابعة لها فيقرأ بها بسورتي الإخلاص (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) الأولى فيها توحيد الطلب والثانية فيها توحيد الخبر أو يقرأ بدلاً عنهما (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ) إلى آخر الآية في سورة البقرة وفي الركعة الثانية (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) في سورة آل عمران. القارئ: ويستحب المحافظة على أربع قبل الظهر وأربع بعدها لما روت أم حبيبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار) وقال الترمذي هذا حديث صحيح وعلى أربع قبل العصر لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله امرءً صلى قبل العصر أربعا) رواه أبو داود وعلى ست بعد المغرب لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى بعد المغرب ستاً لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له عبادة ثنتي عشرة سنة) رواه الترمذي وعلى أربع بعد العشاء لقول عائشة رضي الله عنها ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات رواه أبو داود.

الشيخ: هذه الأحاديث في صحتها نظر تحتاج إلى تحرير ثم إن قول المؤلف رحمه الله تستحب المحافظة على أربع قبل الظهر مع أن بعض الأحاديث التي ساقها ليس فيها ذكر المحافظة المحافظة لم ترد إلا في الحديث الأول حديث أم حبيبة أما التي بعدها ففيها مطلق الصلاة (رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً) (من صلى بعد المغرب ستاً)، (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط إلا صلى أربع ركعات) هذا يفهم منه المحافظة فالأول والأخير الأول المحافظة فيه صريح والأخير باللازم ومع ذلك تحتاج إلى تحرير لكن هذه السنن إذا صحت أحاديثها فإنها ليست رواتب الرواتب التي تكون شبه ملازمة للفرائض هي إما عشر على حديث ابن عمر وإما اثنى عشر على حديث عائشة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع أربعاً قبل الظهر. فصل القارئ: النوع الثاني الوتر وهو سنة مؤكدة لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم في حضره وسفره وروى أبو أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل) رواه أبو داود وحكي عن أبي بكر أنه واجب لذلك والصحيح أنه ليس بواجب لأنه يصلى على الراحلة من غير ضرورة ولا يجوز ذلك في واجب. الشيخ: هذه الفقرة فيها بيان حكم الوتر وأنه سنة مؤكدة لا ينبغي تركه وقد اختلف العلماء في وجوبه على ثلاثة أقوال: القول الأول الوجوب مطلقا. والثاني عدم الوجوب مطلقا.

والثالث الوجوب لمن كان له ورد من الليل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاطب أهل القرآن فقال (يا أهل القرآن أوتروا) وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال وهو بعض قول من يوجبه مطلقا والأظهر أنه لا يجب مطلقاً ويدل لذلك حديث الأعرابي الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام لما سأله هل علي غيرها يعني الصلوات الخمس قال (لا إلا أن تطوع) ويدل لذلك أيضاً ما ذكره المؤلف رحمه الله أنه يصلى على الراحلة بدون ضرورة ولو كان واجباً لم يصل على الراحلة إلا لضرورة ولأن الصحابة رضي الله عنهم حكوا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يوتر على راحلته وقالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة فإذا أخذنا بعموم المكتوبة ولم نقل إن أل للعهد الذهني صار دليلاً واضحاً على أنه ليس من المكتوبات على كل حال القول الراجح أنه ليس بواجب لا على أهل القرآن ولا على غيرهم لكنه سنة مؤكدة. السائل: هل السنن الرواتب تصلى في السفر؟ الشيخ: راتبة الظهر والمغرب والعشاء لا تصلى وما عدا ذلك من النوافل يصلي ما دام مسافراً إذا حكمنا بأنه مسافر لكن لا يُحرم من صلاة التطوع المطلق. السائل: هل هذا القول صحيح (أن السنة ترك السنة في سفر)؟ الشيخ: لا ليس صحيحاً، الصحيح من السنة أن لا يصلي الراتبة في الظهر والمغرب والعشاء. القارئ: والكلام فيه في ثلاثة أشياء وقته وعدده وقنوته. أما وقته فمن صلاة العشاء إلى الصبح لما روى أبو بصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر) رواه الإمام أحمد وقال النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة) متفق عليه.

والأفضل فعله سحراً لقول عائشة رضي الله عنها من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر متفق عليه فمن كان له تهجد جعل الوتر بعده ومن خشي أن لا يقوم أوتر قبل أن ينام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله ومن طمع أن يقوم من آخره فليوتر من آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل) رواه مسلم. فمن أوتر قبل النوم ثم قام إلى التهجد لم ينقض وتره وصلى شفعاً حتى يصبح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا وتران في ليلة) وهذا حديث حسن ومن أحب تأخير الوتر فصلى مع الإمام التراويح والوتر قام إذا سلم الإمام فضم إلى الوتر ركعة أخرى لتكون شفعا ومن فاته الوتر حتى يصبح صلاه قبل الفجر لما ذكرنا متقدما. الشيخ: نعم هذا وقته من صلاة العشاء ولو مجموعة إلى المغرب جمع تقديم إلى صلاة الصبح لقوله عليه الصلاة والسلام (إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح) وظاهر كلام المؤلف أنه يصح الوتر بعد أذان الفجر إلى صلاة الفجر لأنه قال إلى صلاة الصبح ولكن الصحيح أنه ينتهي بطلوع الفجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اجعلوا آخر صلاتكم في الليل وترا) فجعله من صلاة الليل ولقوله (إذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت ما صلى) فيحمل الحديث وهو قوله (ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح) أي إلى وقت صلاة الصبح وعلى هذا فالمسألة التي فرعها المؤلف على هذا وهو قوله من فاته الوتر حتى يصبح صلاه قبل الفجر لما ذكرناه متقدماً يكون ضعيفاً ولكن إذا طلع الفجر وأنت لم توتر تقضيه في النهار ثنتي عشرة ركعة إن كنت توتر بإحدى عشرة وأربع ركعات إن كنت توتر بثلاث وركعتين إن كنت توتر بواحدة لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة.

أي الوقت أفضل آخر الوقت أو أوله؟ آخره لمن طمع أن يقوم من آخر الليل فإن خاف أن لا يقوم أوتر في أوله فإذا أوتر في أوله ثم قُدِّر له فقام فإنه لا ينقض وتره وكيفية نقض الوتر أن يتبدئ صلاة آخر الليل بركعة واحدة تبنى على ما سبق في أول الليل ويكون هذا نقضاً للوتر السابق ثم يصلي ركعتين ركعتين ويختم بواحدة وهذا القول ضعيف جداً لأن الصلاة لابد أن تكون متوالية وهنا فُرِّق بين الركعة الأولى والركعة الثانية بزمان ونوم ونقض وضوء وربما جنابة فكيف تبنى هذه الركعة على ركعة سابقة وعلى هذا القول لو أخذنا بكلام المؤلف لأوتر في الليلة ثلاث مرات وإذا كان لا وتران في ليلة فكيف بالثلاث فالصواب أنه لا ينقض وتره كما قال المؤلف رحمه الله وأنه يصلي ركعتين ركعتين حتى يطلع الفجر وفيه أيضاً يقول من صلى مع الإمام التراويح والوتر وهو يريد التهجد قام إذا سلم الإمام وأتى بركعة ليكون شفعاً ثم صلى من آخر الليل ركعتين ركعتين وأوتر بواحدة ولكن هل نقول إن هذا أفضل أو الأفضل أن يقتصر على ما اقتصر عليه الإمام ولا يقوم في آخر الليل هذا محل نظر لأنا إن نظرنا إلى أن قيامه في آخر الليل عمل صالح فليفعله وإذا نظرنا إلى أن الصحابة رضي الله عنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفلهم بقية الليل فقال لهم (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وهذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يقتصروا على ما كان عليه الإمام وأن لا يكلفوا أنفسهم لأنه لو شاء لقال من أراد أن يتهجد فليتهجد وأرشدهم إلى ما ذكره المؤلف هذه عندي فيها توقف فإن نظرنا إلى ظاهر الحديث قلنا الأفضل أن تقتصر على ما قام به الإمام وأنت سيحصل لك قيام ليلة وأنت نائم ولو كان من الخير أن تتهجد بعد هذا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وإذا نظرنا إلى أن قيام الليل من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله عز وجل وربما يكون فيها صلاح قوي لقلبه إذا قام في آخر الليل يتهجد وحده

بعيداً عن الرياء رجحنا هذا فإن قال قائل كيف تجيزون لهذا الإنسان أن يأتي بعد إمامه بركعة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) قلنا نجيز ذلك لأن هذا المأموم لم ينو الوتر وإنما نوى الشفع فلم يخالف إمامَه، إمامُه نوى الوتر وهو نوى الشفع ونظير ذلك المقيم يصلي خلف المسافر فيصلي المسافر ركعتين فإذا سلم قام المقيم فأتم أربعا فهذا يدل على أنه لا بأس إذا زادت صلاة المأموم على صلاة الإمام وهذا الذي دخل مع إمامه ناوياً الشفع صلاته زائدة على صلاة الإمام. السائل: قرأت أن ابن تيمية أنه قال من ترك النوافل كلها فإنه فاسق مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي (أفلح إن صدق) وهو ذكر الفرائض فقط؟ الشيخ: فيها نظر، الإمام أحمد رحمه الله قال من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة وهذا لا يقتضي أن يكون فاسقاً لكن يقتضي أن تهاونه بهذا الوتر الذي هو ركعة يدل على عدم مبالاته وأنه رجل لا يستحق أن يكون شاهداً. القارئ: وأما عدده فأقله ركعة لحديث أبي أيوب وأكثره إحدى عشرة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة لما روت عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة متفق عليه وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين لما روى ابن عمر أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (افصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم) رواه الأثرم. فإن أوتر خلف الإمام تابعه فيما يفعله لئلا يخالفه قال أحمد يعجبني أن يسلم في الركعتين وإن أوتر بثلاث لم يضيق عليه عندي. الشيخ: لا يضيق عليه لأنه سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل) ولا يكون إيتار بثلاث إلا إذا لم يكن بينهن تسليم أما إذا سلم من ركعتين صار موتراً بواحدة.

القارئ: ويستحب أن يقرأ في الأولى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وفي الثانية (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثالثة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لما روى أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد رواه أبو داود وإن أوتر بخمس سردهن فلم يجلس إلا في آخرهن لأن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرهن متفق عليه وإن أوتر بتسع لم يجلس إلا بعد الثامنة ولم يسلم ثم جلس بعد التاسعة فتشهد وسلم وكذلك يفعل في السبع لما روى سعد بن هشام قال قلت لعائشة أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد ويحمد الله ويذكره ويدعوه ثم يسلم تسليماً يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعدما يصلي وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول رواه مسلم وأبو داود وفي حديثه أوتر بسبع ركعات لم يجلس فيهن إلا في السادسة ولم يسلم إلا في السابعة. الشيخ: صار عندنا الآن العدد واحدة وثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة الواحدة معروفة لا يسلم إلا مرة واحدة الثلاث له أن يسلم مرتين وله أن يسلم مرة واحدة الخمس السنة أن لا يسلم إلا مرة واحدة ولا يتشهد إلا مرة واحدة السبع قيل إنه يجعلها كالخمس وقيل إنه يجعلها كالتسع والأمر في هذا واسع والتسع يسلم فيها واحدة لكن يتشهد مرتين بعد الثامنة وبعد التاسعة. السائل: التشهد الأول ليس فيه حمد مع أن عائشة قالت فيذكر الله ويحمده ويدعوه؟

الشيخ: يمكن أنه يكمل التشهد كله في الثامنة يكمل التشهد وإذا كملنا التشهد صار فيه حمد إنك حميد مجيد صار فيه دعاء ويدل لهذا أنها قالت في التشهد بعد التاسعة ثم يقعد فيحمد الله ويذكره ويدعوه كالأول تماماً الظاهر أنه يصلي يعني على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ولا يقاس عليها الفريضة لأن العبادات ليس فيها قياس. السائل: ورد حديث وهو صحيح أن صلاة الليل مثنى مثنى وهو قاعدة في صلاة الليل وظاهره أنه يسلم من كل ركعتين مع أن حديث عائشة على خلاف هذا. الشيخ: يكون الوتر مستثنى لأنه يجوز أن يخصص من العموم. السائل: لو أذن الفجر وهو في أثناء الوتر؟ الشيخ: لو أذن الفجر وهو في أثناء الوتر يكمل ما فيه بأس. القارئ: وأما القنوت فيه فمسنون في جميع السنة وعنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان لأن أبياً كان يفعل ذلك حين يصلي التراويح وعن أحمد ما يدل على رجوعه قال في رواية المروذي قد كنت أذهب إلى أنه في النصف الأخير من رمضان ثم إني قنت هو دعاء وخير. الشيخ: قَنَتُّ يعني فعلت القنوت ثم علل ذلك بقوله هو دعاء وخير. القارئ: ولأن ما شرع في الوتر من رمضان شرع في غيره كعدده ويقنت بعد الركوع لما روى أبو هريرة وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع رواه مسلم.

الشيخ: قوله قنت بعد الركوع رواه مسلم الذي يقرأ كلام المؤلف يقول إن هذا في قنوت الوتر وليس كذلك بل هذا في قنوته في الفرائض لما كان يدعو على قوم وأما قنوت الوتر فليس في الصحيحين ولا أحدهما ما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر يعني من فعله فهذا ابن عباس صلى معه في الليل ولم يذكر أنه قنت وحذيفة بن اليمان وابن مسعود لم يذكروا أنه قنت ولهذا كان قنوت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الفرائض عند النوازل أصح مما يذكر عنه أنه قنت في الوتر وأما الذين قالوا بأنه يوتر في النصف الأخير من رمضان فاستدلوا بفعل الصحابة رضي الله عنهم والأولى أن الإنسان يقنت أحياناً ويدع أحياناً أما القنوت فلأنه دعاء ولأن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال يا رسول الله علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر فعلمه (اللهم اهدني فيمن هديت) وإذا ترك أحياناً بناءً على ظاهر السنة في حديث ابن عباس وغيره فخير أيضاً فيفعل أحياناً ويترك أحياناً أما في رمضان فلو قيل بالمداومة عليه لكان خيراً وذلك لأنه في حضور الناس واجتماع الكلمة واجتماعهم على إمام فلا ينبغي أن يفوت هذه الفرصة إلا بدعاء إلا إذا تركه يعني أحياناً لأن لا يظن العامة أنه واجب كما هو الواقع، الواقع أن العامة يظنون أنه لا وتر بدون القنوت حتى أن الإمام إذا لم يقنت خرجوا يتحدثون والله اليوم إمامنا ما أوتر إمامنا ما أوتر بناءً على أن القنوت هو الوتر فينبغي أحياناً أن يدع القنوت حتى يتبين الناس أنه ليس بشرط.

القارئ: ويقول في قنوته ما روى الحسن بن علي قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت) رواه الترمذي وقال لا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئاً أحسن من هذا. الشيخ: هذا الحديث علمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحسن بن علي، الحسن بن علي ابن بنت الرسول وقد قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين) وهو أفضل من أخيه الحسين لأن الرسول وصفه بأنه سيد وقال في الحسن والحسين (هما سيدا شباب أهل الجنة جميعا) ثم إن الرسول أثنى عليه بأن الله سيصلح به بين فئتين والأمر كذلك فإنه تنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه فحقنت بذلك دماء عظيمة كثيرة علمه هذا الدعاء (اللهم اهدني فيمن هديت) قوله (فيمن هديت) هذه الجملة يراد بها التوسل إلى الله أي في جملة من هديت فكأن السائل يقول إنك هديت أناساً فاهدني معهم والمراد بالهداية هنا هداية العلم وهداية التوفيق. (وعافني فيمن عافيت) المراد بذلك عافية البدن وعافية القلب وقال بعض العلماء المعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافي الناس منك لأن الإنسان ما بين أن يعتدى عليه ومعتدٍ هو على غيره فإذا عافاه الله من أكل لحوم الناس وعافى الناس من أكل لحمه فهذه معافاة عظيمة. (وتولني فيمن توليت) أي الولايتين العامة أو الخاصة؟ الخاصة لأن الولاية العامة لكل أحد حتى الكفار الله وليهم كما قال تعالى (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق). (وبارك لي فيما أعطيت) فيما أعطيت من المال أو من المال والعلم؟ منهما جميعاً بارك لي فيما أعطيت من المال وما أعطيت من العلم.

(وقني شر ما قضيتَ) قضيتَ بالفتح وما هنا اسم موصول ولا تصح أن تكون مصدرية لأنك لو قدرتها مصدرية لكان المعنى شر قضائك وحينئذٍ يحتاج إلى تأويل أما إذا جعلناها اسماً موصولاً صار المعنى وقني شر الذي قضيته فيكون الشر في المقضي وليس في القضاء ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (والشر ليس إليه) فالشر في المقضي وليس في قضاء الله أما قضاء الله الذي هو قضاؤه الذي هو فعله وتقديره فهو خير والشر الموجود في مقضياته شر نسبي تجده شراً في حال وخيراً في حال أخرى أو تجده شراً على أناس وخيراً على آخرين أليس كذلك المطر خير ورجل يبني وقد صب سقف بنائه الآن فجاءت الأمطار الغزيرة فصار هذا المطر على صاحب البيت شراً لكنه على غيره خير ثم هو بالنسبة لهذا الذي قضي عليه بذلك ليس شراً محضاً لأنه سيكون تكفيراً لسيئات عظيمة قال الله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فليس كل ما قضى الله على الإنسان من مصيبة تكون شراً قد تكون خيراً كثيراً يتبين فيما بعد (إنك تقضي ولا يقضى عليك) صدق تقضي ولا يقضى عليك أي تحكم ولا يحكم عليك ولهذا قال العلماء ليس للناس على الله حق واجب إلا ما أوجبه على نفسه وبذلك يقول ابن القيم رحمه الله: ما للعباد عليه حق واجب ... هو أوجب الأجر العظيم الشان كلا ولا عمل لديه ضائع ... إن كان بالإخلاص والإحسان إن عذبوا فبعدله أو نعموا ... فبفضله والفضل للمنان

(إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت) من كان الله وليه فهو العزيز ولا يمكن أن يذل أبداً قال عبد الله ابن أبي (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) يريد بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال الله تعالى مسلماً ذلك أن يخرج الأعز الأذل لكن من هو الأعز اقرأ التي بعدها مباشرة (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ولم يقل ورسول الله الأعز قال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وأنت يا ابن أبي ليس لك عزة لو قال والأعز رسول الله والمؤمنون لفهم أن لابن أبي عزة وليس كذلك المهم أن من والاه الله فلا ذل له (ولا يعز من عاديت) صحيح من عاداه الله فلا عز له ولا يرد على هذا ما يحصل أحياناً من انتصار الكفار على المسلمين لأن هذا استدراج وانتصار مؤقت وله سبب من المؤمنين ليكون مصيبة لهم ليطهرهم كالذي حصل في غزوة أحد ولهذا قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال لم يظن أن ما وراء ذلك من حكمة الله ما يخفى عليه وعلى أمثاله فالحاصل أن من عاداه الله فلا عز له وما يحصل أحياناً من انتصار الكفار على المسلمين فهو استدراج وامتحان وتطهير للمؤمنين وحكم عظيمة له كما ذكر الله تعالى ذلك في سورة آل عمران. (تباركت ربنا وتعاليت) تباركت أي عظمت بركاتك وكثرت خيراتك وتعاليت أي ترفعت عن كل نقص وعن كل سوء ومن ذلك أيضاً علوه بذاته سبحانه وتعالى والله أعلم. السائل: قوله أوتر بسبع لما أخذه اللحم وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول كيف هذا؟ الشيخ: يعني صلى بعد الوتر ركعتين يعني لما صلى سبع صلى ركعتين لوحدهما. القارئ: وعن علي رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في آخر الوتر (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك) رواه الطيالسي.

الشيخ: هذا من التعوذ بالصفة من ضدها بالرضا من السخط وبالمعافاة من العقوبة فكأنه يقول احلل بدل السخط رضاً وبدل العقوبة معافاة وأما (بك منك) فمعناه أني أستعيذ بك منك لأن الله تعالى هو الذي إليه المرجع فيستعيذ بالله من الله لأن الله إذا أراد بقوم سوءاً فلا مردَّ له فهو سبحانه وتعالى هو الذي منه المبتدأ وإليه المنتهى ولهذا صح أن يقال أعوذ بك منك. القارئ: وعن عمر أنه قنت فقال (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعين بك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك) وهاتان سورتان في مصحف أبي، قال ابن قتيبة نحفد نبادر وأصل الحفد مداركة الخطو والإسراع والجِد بكسر الجيم أي الحق لا اللعب وملحق بكسر الحاء لاحق. الشيخ: لاحق يعني ملحق بمعنى لاحق. القارئ: وإن فتحها جاز. الشيخ: ملحَق يعني يجوز. القارئ: وإذا قنت الإمام أمن من خلفه فإن لم يسمع قنوت الإمام دعا هو نص عليه. ويرفع يديه في القنوت إلى صدره لأن ابن مسعود فعله وإذا فرغ أمرَّ يديه على وجهه وعنه لا يفعل والأول أولى لأن السائب بن يزيد قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه ومسح وجهه بيديه رواه أبو داود. الشيخ: الكلام في هذه القطعة أولاً ما يذكر في القنوت وما يقال فيه وهو معروف. ثانياً هل يبدأ بقوله اللهم اهدني فيمن هاديت أو يبدأ بقوله اللهم إنا نستعين بك ونستهديك في هذا قولان في مذهب الإمام أحمد والمرجح عند الأصحاب أنه يبدأ باللهم إنا نستعين بك ونستهديك وذلك لأنه ثناء على الله عز وجل والثناء ينبغي أن يكون سابقاً للدعاء لا بعده.

ثالثاً هل يرفع يديه في القنوت في قنوت الوتر أو لا؟ فيه أيضاً قولان في مذهب الإمام أحمد والصحيح أنه يرفع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رفع يديه في قنوت الفريضة فكذلك هنا. رابعاً المسح إمرار اليدين على الوجه بعد الدعاء المؤلف رحمه الله ذكر روايتين عن الإمام أحمد وقال إن الأولى أن يمر يده واستدل بحديث السائب ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول إن مسح الوجه بعد الدعاء باليدين بدعة وليس بسنة هو قال إن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة أو موضوعة وابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام يقول إن مجموعها يقضي بأنه حديث حسن لما ذكر الحديث قال إن له طرقاً ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن والراجح أنه لا يسن مسح الوجه باليدين ولكن لو مسح بناءً على طرق هذا الحديث فنرجو أن لا يكون في ذلك بأس. السائل: ما حكم مسح الصدر مع الوجه؟ الشيخ: أشد بدعة لم يرد فيه حديث إلا عند النوم في قراءة المعوذات. السائل: ومسح الوجه في غير القنوت؟ الشيخ: مطلقاً كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا رفع يديه ومسح بهما وجهه مطلقاً. السائل: كيف شيخ الإسلام يحكم بأن المسح بدعة مع أن الإمام أحمد يرى جوازه؟ الشيخ: نعم يحكم بأنه بدعة ولو يرى جوازه الإمام أحمد إذا لم يصح الحديث فالتعبد به بدعة. السائل: هل يجوز الزيادة على هذا الدعاء؟ الشيخ: الصحيح أنه يجوز وأنه لا بأس ما لم يشق على الناس فإن شق عليهم فقد غضب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفعل معاذ رضي الله عنه. فصل القارئ: النوع الثالث صلاة الضحى وهي مستحبة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال أوصاني خليلي بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام متفق عليه. وأقلها ركعتان لحديث أبي هريرة.

وأكثرها ثمان ركعات لما روت أم هاني أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثمان ركعات فلم أرى قط صلاة أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود متفق عليه. ووقتها إذا علت الشمس واشتد حرها لقوله عليه الصلاة والسلام (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) رواه مسلم قال أبو الخطاب يستحب المداومة عليها لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ولقوله عليه الصلاة والسلام (من حافظ على شفعة الضحى غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر) أخرجه الترمذي ولأن أحب العمل إلى الله أدومه وقال غيره لا يستحب ذلك لقول عائشة رضي الله عنها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قط متفق عليه ولأن فيها تشبيهاً بالفرائض. الشيخ: هذا الفصل فيه ثلاثة مباحث: الأول صلاة الضحى هل هي سنة أو لا؟ وفيها للعلماء ثلاثة أقوال القول الأول أنها ليست بسنة مطلقة واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها لأنها قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيته يصلي الضحى قط وهي من أخص الناس به ولكن من المعلوم أن مثل هذا لا يصح أن يكون نافياً لما ثبت لأنه إذا قالت ما رأيت فيقال وغيرها رأى أو جاءت أحاديث قولية غير فعلية تدل على استحبابها. القول الثاني أنها سنة دائماً عكس القول الأول فيسن للإنسان أن يصلي ركعتي الضحى دائماً واستدل هؤلاء بحديث أبي هريرة وبحديث (يصبح على كل سلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس) قال (ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) قالوا فلو لم يكن منهما إلا هذه الفائدة لكفى في مشروعيتهما كل يوم.

والقول الثالث أن من كان له تهجد من آخر الليل فلا يسن له المداومة عليها ومن لم يكن له تهجد سن له أن يداوم عليها وحملوا حديث أبي هريرة على ذلك وقالوا إن أبا هريرة رضي الله عنه ليس له تهجد في آخر الليل لأنه كان يسهر أول الليل لتحفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمره أن يوتر قبل أن ينام ولو كان من عادته أن يتهجد لأمر أن يوتر في آخر الليل وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فتكون مستحبة دائماً لمن لم يكن له تهجد ولا يستحب مداومته عليها لمن كان له تهجد وقال إن هذا يجمع بين الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قوله وفعله. البحث الثاني ما أقلها وما أكثرها؟ أقلها ركعتان وأكثرها ثمان أما كون أقلها ركعتين فظاهر لحديث أبي هريرة (وركعتي الضحى) وأما كون أكثرها ثمان فلحديث أم هانئ ولكن الصحيح أنه لا حد لأكثرها وأن الإنسان يصلي ما شاء وأما حديث أم هانئ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى ثمان ركعات ولم يقل لا تزيدوا عليها وأيضاً فقد نازع بعض العلماء في هذه الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة فقال بعضهم إنها صلاة فتح وليست صلاة ضحى واستحبوا لكل من فتح بلداً أن يصلي ثمانيَ ركعات فيكون الخلاف هنا في أصل المسألة. البحث الثالث ظاهر كلام المؤلف أن وقت صلاة الضحى لا يكون إلا بعد ارتفاع الشمس وعلوها والصحيح أنه يكون من حين زوال النهي وذلك بأن ترتفع الشمس قيد رمح لكن آخر الوقت أفضل من أوله ويمتد وقتها إلى قبيل الزوال أي إلى أن يدخل وقت النهي عند زوال الشمس. السائل: بعض الناس يرفع يديه في الدعاء لكن يضعهما على فخذيه وهو جالس على هيئة التشهد؟ الشيخ: رفع اليدين في الصلاة في غير القنوت بدعة وإذا كان في غير الصلاة فإن اليدين ترفع إلى الصدر وعند الابتهال يرفع أكثر.

السائل: هل يجوز الترتيل في الدعاء يجعله كالقرآن؟ الشيخ: هذا ليس ترتيل كالقرآن وفرق بين أن يدعو لنفسه ويدعو لغيره، الذي يدعو لغيره يأتي بمثل هذه الصيغة لأنها أكثر جلباً للقلوب. السائل: من نام عن الوتر فأراد أن يصليه في وقت الضحى هل يقدم الضحى عليه أو يصلي قبل الضحى؟ الشيخ: يقدم الوتر أحسن وإن قدم الضحى ما في بأس. فصل القارئ: والقسم الثاني ما تسن له الجماعة منها التراويح وهي قيام رمضان وهي سنة مؤكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من صام رمضان وقامه إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه وقام النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثلاث ليالٍ ثم تركها خشية أن تفرض فكان الناس يصلون لأنفسهم حتى خرج عمر عليهم وهم أوزاع يصلون فجمعهم على أبي بن كعب قال السائب بن يزيد لما جمع عمر الناس على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة فالسنة أن يصلي بهم عشرين ركعة في الجماعة لذلك ويوتر الإمام بهم بثلاث ركعات لما روى مالك عن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة قال أحمد يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا صلى الرجل مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حديث صحيح قال ويقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخف على الناس ولا يشق عليهم قال القاضي لا تستحب الزيادة على ختمة لأن لا يشق عليهم ولا النقصان منها ليسمعهم جميع القرآن إلا أن يتفق جماعة يؤثرون الإطالة فلا بأس بها وسميت هذه تراويح لأنهم كانوا يجلسون بين كل أربع يستريحون.

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله القسم الثاني يعني من صلاة التطوع ما تسن له الجماعة ومنها التراويح وهي قيام رمضان وثبوتها بالسنة الفعلية سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هذا أول بحث وقد خالف الصواب من قال إن التراويح لا تشرع جماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاها ثلاث ليالٍ أو أربعاً ثم تأخر خشية أن تفرض علينا وهذه الخشية منتفية بعد موته ثم على فرض أنه لم يسنها فقد سنها أمير المؤمنين عمر وهو ممن له سنة متبعة فإنه ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنه ومن أكثرهم موافقة للصواب.

البحث الثاني كم عدد هذه الركعات؟ الصحيح أن العدد إما ثلاث عشرة ركعة أو إحدى عشرة ركعة لأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رمضان فقالت ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة وهذا نص صريح وروي عنها أنه كان يصلي ثلاث عشرة ركعة وكذلك صح في حديث ابن عباس فتكون الركعات دائرة بين إحدى عشرة أو ثلاث عشرة فهذه هي السنة وأما سنة عمر ففيها خلاف فروى مالك عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة وهذا ثابت بأصح إسناد ثم إنه اللائق بعمر رضي الله عنه لأنه هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما ما ذكره المؤلف أنه جمعهم على أبي بن كعب وكان يصلي بهم عشرين ركعة ففي ثبوته نظر لكن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة وهذا مضاف إلى عهد عمر واللفظ الأول الذي ذكرته لكم مضاف إلى قول عمر وما أضيف إلى قوله أقوى مما أضيف إلى عهده لأن ما فعل في عهد الصحابي فليس بحجة ولا ينسب إلى الصحابي يعني ليس بحجة منسوباً إلى الصحابي إلا أن نعلم أنه اطلع عليه وعلى هذا فلا يمكن أن نقدم ما فعله الناس في عهده على ما أمر به هو نفسه فالصواب أنها ثلاث عشرة أو إحدى عشرة ركعة هذا هو الصواب.

المبحث الثالث هل الأفضل أن يوتر الإنسان مع الإمام ويختم صلاته أو الأفضل أن لا يوتر مع الإمام ويتهجد في آخر الليل؟ الأول أفضل لقول الإمام أحمد رحمه الله يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه وهذا الذي قال أنه يعجبه هو ظاهر الحديث لأن الصحابة قالوا يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا فقال (إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وهذا يدل على أن الأولى الاقتصار على ما صلاه مع إمامه وإلا لقال من شاء أن يتنفل فليتنفل فالباب مفتوح والليلة باقية إلى الفجر لو نفلتنا بقية ليلتنا فقال (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ووجهه من حيث المعنى ظاهر لأنه إذا كان يكتب لك قيام ليلة وأنت نائم على فراشك فأرح نفسك هذه من نعمة الله عز وجل ولأن الذي يصلي مع الإمام إذا أراد التهجد فإما أن ينصرف قبل الوتر فيكون خالف الجماعة وإما أن يوتر مع الإمام ثم يقوم يشفع بركعة وهذا أيضاً نوع خلاف وربما يحمل الإنسان على الرياء وإن كان قد يحمي نفسه من الرياء لكن ربما مع الاستمرار يحصل في قلبه رياء وكأنه يقول للناس إنني سوف أتهجد ولذلك شفعت الوتر.

البحث الرابع هل يختم القرآن بهم كله أو ما تيسر؟ استحب الفقهاء رحمهم الله أن لا ينقص عن ختمة ولا يزيد عليها أن لا ينقص لأجل أن يسمعهم جميع القرآن ولا يزيد لأن لا يشق عليهم وبناءً على ذلك يكون عمل الناس اليوم من الشيء الذي لا ينبغي لأنهم يزيدون على ختمة فتجدهم يختمون في التراويح الصلاة الأولى في أول الليل ثم في التهجد يزيدون إما أن يختموا أو يقلوا عن ختمة وهذا لا ينبغي لأنه يشق على الناس ولكن ولله الحمد في أزماننا المتأخرة صار الذي يتولى إمامة المساجد في رمضان غالبهم طلبة علم فيحملون الناس على فعل السنة لا يزيدون على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة حتى في العشر الأواخر لا يزيدون عليها يصلي في أول الليل أربع ركعات طويلة ثم ينصرف الناس إلى بيوتهم ثم يأتون في آخر الليل ويصلون ما بقي وهذا عمل حسن طيب يوافق السنة مع راحة الناس والمطلوب هو الراحة مع فعل السنة. القارئ: وكره أحمد التطوع بينها وقال فيه عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية، عبادة وأبو الدرداء وعقبة بن عامر. ولا يكره التعقيب وهو أن يصلوا بعد التراويح نافلة في جماعة لأن أنساً قال ما يرجعون إلا إلى خير يرجونه أو لشر يحذرونه وعنه أنه يكره إلا أنه قول قديم قال أبو بكر إن أخروا الصلاة إلى نصف الليل أو آخره لم يكره رواية واحدة قال أحمد فإذا أنت فرغت من قراءة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع وادع وأطل القيام رأيت أهل مكة وسفيان بن عيينة يفعلونه واختلف أصحابنا في قيام ليلة الشك فقامها القاضي لأن القيام تبعاً للصيام ومنعها أبو حفص العُكبري لأن الأصل بقاء شعبان ترك ذلك في الصيام احتياطا ففيما عداه يبقى على الأصل. الشيخ: التعقيب بعد التراويح يعني يرجعون ويصلون مرة ثانية كما هو فعل الناس الآن في العشر الأواخر يرجعون ويصلون لكن التعقيب هل هو بعد التراويح وقبل الوتر أو بعد التراويح والوتر؟

السائل: نقض الوتر صورته لم تتضح لي؟ الشيخ: نقض الوتر على رأي من يراه إذا أوتر في أول الليل وقام في آخره يصلي ركعة واحدة فقط ثم يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر بواحدة وعلى هذا يكون أوتر ثلاث مرات وهذا ليس بصحيح يعني هذا القول ضعيف والصواب أنه إذا قام يصلي ركعتين ركعتين حتى ينتهي. فصل القارئ: القسم الثالث التطوع المطلق وهو مشروع في الليل والنهار وتطوع الليل أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة الليل) وهو حديث حسن والنصف الأخير أفضل قال عمرو بن عبسة قلت يا رسول الله أي الليل أسمع قال (جوف الليل الأخير) رواه أبو داود وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) متفق عليه. ويستحب للمتهجد أن يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم من الليل فليفتح صلاته بركعتين خفيفتين) رواه مسلم. الشيخ: وثبت هذا أيضاً من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفتتح الصلاة صلاة الليل بركعتين خفيفتين والحكمة في ذلك هو أن الشيطان إذا نام الإنسان عقد على قافيته ثلاث عقد فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة وإذا توضأ انحلت الثانية وإذا صلى انحلت الثالثة قال العلماء فينبغي أن تكون هذه خفيفة لأجل الإسراع في حل هذه العقد فتكون هذه السنة ثبتت بالقول وبالفعل. السائل: ما معنى أسمع؟ الشيخ: أسمع يعني أقرب للإجابة السمع هنا سمع الاستجابة. السائل: ألا يحتمل أن تكون الركعتين الخفيفتين هي سنة العشاء لأن كل الأحاديث التي ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل تطويله وما أشبه ذلك؟ الشيخ: لا ليس هذا، هذا لأجل أن الإنسان تنحل عنه العقد بسرعة الرسول قال (إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين) ما يقصد سنة العشاء سنة العشاء قبل النوم.

القارئ: ويستحب أن يكون له ركعات معلومة يقرأ فيها حزبه من القرآن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أحب العمل إلى الله الذي يدوم عليه صاحبه وإن قل) متفق عليه وقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة رواه مسلم وهو مخير إن شاء خافت وإن شاء جهر قالت عائشة رضي الله عنها كل ذلك كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ربما أسر وربما جهر حديث صحيح إلا أنه إن كان يسمع من ينفعه أو يكون أنشط له وأطيب لقلبه فالجهر أفضل وإن كان يؤذي أحداً أو يخلِّط عليه القراءة فالسر أولى فإن أبا سعيد قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال (ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة) رواه أبو داود. فصل القارئ: ويستحب أن يختم القرآن في كل سبع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو (اقرأ القرآن في كل سبع) متفق عليه. السائل: ما الراجح من قول المؤلف في صلاة التراويح ليلة الشك وكذلك اعتاده الناس في صلاة التراويح قبل أن تتبين رؤية هلال شوال. الشيخ: الصحيح أن ليلة الشك لا تصلى وكذلك لا يصام وقد عرفت أن صيام يوم الشك حرام. القارئ: ويحزبه أحزابا لما روى أوس بن حذيفة قال قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أبطأت علينا الليلة قال (إنه طرأ علي جزئي فكرهت أن أجيء حتى أختمه) قال أوس فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن قال: قالوا: ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل وحده رواه أبو داود فصل

القارئ: وصلاة الليل مثنى مثنى لا يزيد على ركعتين لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الليل مثنى مثنى) قيل لابن عمر ما مثنى مثنى قال تسلم من كل ركعتين متفق عليه وإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس لأن تخصيص الليل بالتثنية دليل على إباحة الزيادة عليها في النهار والأفضل التثنية لأنه أبعد من السهو. الشيخ: وهذا بناءً على أنه قوله (صلاة الليل والنهار) ليست بصحيحة زيادة النهار أما من صححها فيرى أنه لا فرق بين الليل والنهار وممن صححها الشيخ عبد العزيز بن باز قال إنها صحيحة وهي مختلف فيها لكن من صححها ألحق صلاة النهار بالليل. فصل القارئ: والتطوع في البيت أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) رواه مسلم ولأنه من عمل السر ويجوز منفرداً وفي جماعة لأن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم كان منفردا وقد أَمَّ ابن عباس في التطوع مرة وحذيفة مرة وأنساً واليتيم مرة فدل على جواز الجميع. الشيخ: لكن لا يتخذ هذا سنة دائمة، أحياناً لا بأس به فقد أَمَّ ابن عباس كما قال وأَمَّ حذيفة وأَمَّ ابن مسعود رضي الله عنهم وأما أنس واليتيم فليس بصلاة الليل إنما هو لما ذهب إلى أم سليم لطعام صنعته ودعت النبي صلى الله عليه وسلم إليه أمهم عليه الصلاة والسلام لكنه ليس بصلاة الليل كما فعل ذلك في عتبان بن مالك حين دعاه عتبان ليصلي في مكان اتخذه مصلىً له والمهم أن صلاة الجماعة أحياناً لا بأس بها في النفل سواء في صلاة الليل أو صلاة الضحى أو غيرها. السائل: ما حكم صلاة النافلة جماعة دائماً لوجود المصلحة وهي أن يسمعوا القرآن؟ الشيخ: صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها أما اتخاذها سنة راتبة كل ليلة مثلاً يصلي فهذا ليس مشروع إلا في رمضان ولو لمصلحة ما نسن شريعة من أجل المصلحة والمصلحة هذه تحصل بقراءتهم في غير صلاة.

السائل: إذا خرجوا المعسكرات لمدة أسبوع أو عشرة أيام أو أقل يصلون في آخر الليل جماعة؟ الشيخ: هو الأحسن ما يصلونها كل ليلة لا بد أن يفصل. السائل: من هو اليتيم؟ الشيخ: اليتيم غميرة بن عبد الله. فصل القارئ: ويجوز التطوع جالسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة) رواه مسلم ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لأنه يستحب تطويله وتكثيره فسومح في ترك القيام تكثيراً له ويستحب أن يكون في حال القيام متربعا ليخالف حال الجلوس ويثني رجليه حال السجود لأن حال الركوع كحال القيام وقال الخرقي يثنيهما في الركوع أيضا لأن ذلك يروى عن أنس وإن صلى على غير هذه الهيئة جاز. الشيخ: الآن إذا صلى قاعداً يتربع في حال القيام وفي حال الركوع لأن حال الركوع كحال القيام وقال الخرقي يثنيهما في الركوع أيضاً لأن ذلك يروى عن أنس لكن لا شك أن القياس ما قاله المؤلف أولاً. القارئ: وإذا بلغ الركوع فإن شاء قام ثم ركع لما روت عائشة رضي الله عنها قالت لم أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعداً حتى أسن فكان يقرأ قاعداً حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع) متفق عليه وإن شاء ركع من قعود لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد رواه مسلم. الشيخ: خلاصة هذه القطعة هو أن صلاة الليل مثنى مثنى وجوباً حتى قال الإمام أحمد رحمه الله إذا قام إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر أي أنه يرجع فإن لم يفعل بطلت الصلاة وفي النهار الأفضل أن تكون مثنى مثنى وإن تطوع بأربع فلا بأس.

ثانياً مكان التطوع: التطوع في البيت أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن خير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) ولأن ذلك أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء ولأجل أن لا تكون بيوتنا قبوراً ومن أجل أن يشاهد العائلة كبيرهم يصلي فيألفون الصلاة فلهذه المعاني صار الصلاة في البيت أفضل. المسألة الثالثة التطوع هل يشترط له القيام؟ الجواب لا فأما قوله تعالى (وقوموا لله قانتين) فذلك في الفريضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب) أما النافلة فالقيام ليس ركناً فيها فيجوز أن يتطوع وهو جالس ولكن القيام أفضل إلا لعذر. وكيف يكون في حال القيام إذا صلى قاعداً؟ يكون متربعاً في حال القيام وفي حال الركوع وأما في حال السجود وفي حال الجلوس فيكون ثانياً رجليه. السائل: فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند القراءة حيث يقوم قبل الركوع لماذا لا تستمر الصلاة قعوداً؟ الشيخ: كان يفعل هذا مرة وهذا مرة في الأحاديث التي عندنا أنه يفعل هذا مرة وهذا مرة. السائل: بالنسبة لتحية المسجد هل يصح الإنسان يصليها قاعداً مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس قبل الصلاة؟ الشيخ: نعم يصح وأما جلوسه لكي يصلي ركعتين فهو الآن يصلي ركعتين فهو لم يجلس إلا ليصلي. السائل: ما الفرق بين صلاة الليل والوتر والتهجد؟ الشيخ: التهجد هو ما كان بعد النوم والوتر معروف ينويه نفل معين وصلاة الليل نفل مطلق. فصل القارئ: القسم الرابع: صلوات لها أسباب منها تحية المسجد لما روى أبو قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) متفق عليه

ومنها صلاة الاستخارة قال جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) أخرجه البخاري. الشيخ: فيه أيضاً ذوات أسباب غير الذي ذكر المؤلف مثل صلاة الكسوف على القول بأنها سنة، صلاة الاستسقاء، التصدق على من دخل وقد فاتته الصلاة، سنة الوضوء، المهم أن ذوات الأسباب ليست محصورة بما قال المؤلف. السائل: دعاء الاستخارة متى يكون؟ الشيخ: بعد السلام. فصل القارئ: وسجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع لأن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد فنسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكاناً لوضع جبهته متفق عليه ولا يسن للسامع عن غير قصد لأن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فلم يسجد وقال إنما السجدة على من استمع. ويشترط كون التالي يصلح إماماً للمستمع لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنك كنت إمامنا ولو سجدت لسجدنا) رواه الشافعي.

الشيخ: الشاهد من هذا قوله (إنك كنت إمامنا) يعني وعلى هذا فلا يسجد المستمع إذا كان القارئ لا يصلح أن يكون إماماً له مثل أن يستمع إلى امرأة تتلو القرآن فتمر المرأة بالسجدة وتسجد فإن المستمع لا يسجد لأن المرأة لا تصح أن تكون إماماً للرجل أما لو سمع صبياً يقرأ فإنه إذا سجد الصبي يسجد وذلك لأن الصبي تصح إمامته في النافلة قولاً واحداً. القارئ: ويسجد القارئ لسجود الأمي والقادر على القيام بالعاجز عنه لأن ذلك ليس بواجب فيه ولا يقوم الركوع مقام السجود لأنه سجود مشروع فأشبه سجود الصلاة. الشيخ: قوله ولا يقوم الركوع مقام السجود يعني فيما لو كان في صلاة وصار آخر آية في القراءة سجدة فركع فإنه لا يجزئ عن السجود وأما إذا كان خارج الصلاة وركع بدل السجود فإنه مبتدع ويكون بذلك آثماً إذا كان عن علم. القارئ: وإن كانت السجدة آخر السورة سجد ثم قام فقرأ شيئاً ثم ركع وإن أحب قام ثم ركع من غير قراءة وإن شاء ركع في آخر السورة لأن السجود يؤتى به عقيب الركوع. الشيخ: فهذه ثلاث حالات إذا كانت السجدة في آخر السورة مثل (كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) فإما أن يسجد فإذا قام قرأ شيئاً ما حتى يلحق المأمومون به ثم ركع أو يقوم من السجود ولا يقرأ يركع وحينئذٍ ينتظر قليلاً من أجل أن يتكامل المأمومون في القيام وإما أن يركع وظاهر كلامه أن سجود الصلاة الذي يكون بعد الركوع يجزئ عنه سجود التلاوة لأنهما عبادتان من جنس اتفقا في الوقت ولكن هذا القول فيه نظر لأنه وجد الفاصل بين السجود والتلاوة وهو الركوع فلا يظهر ما ذهب إليه المؤلف. فصل القارئ: وسجود التلاوة غير واجب لأن زيد بن ثابت قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها متفق عليه، وقال عمر يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه ولم يكتبها الله علينا.

الشيخ: ما ذكر من خرجه الأثر رواه البخاري بمعناه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب يوم الجمعة فقرأ سورة النحل فلما وصل إلى السجدة نزل من المنبر فسجد ثم قرأها من الجمعة الأخرى ولم يسجد ثم قال إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء وهذا بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم نعلم أن أحداً أنكر عليه وقيل بل سجود التلاوة واجب لأن الله تعالى أنكر على الذين لا يسجدون فقال (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) فذمهم بذلك والصواب أنه ليس بواجب لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صرح بأنه ليس بفرض أمام الملأ من الصحابة ولم ينكر عليه أحد وأما السجود الذي في قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) فإن القائلين بوجوب سجود التلاوة مستدلين بهذه الآية لا يقولون بظاهرها قطعاً لأن ظاهرها أن مجرد قراءة القرآن توجب السجود وليس كذلك وإنما معنى السجود أنهم لا ينقادون ولا يذلون فهو كالسجود المذكور في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) فالصواب أنه لا يجب سجود التلاوة وإن كان شيخ الإسلام رحمه الله يرى الوجوب لكن هذا القول بالوجوب ضعيف ثم إن حديث زيد بن ثابت أيضاً صريح فإن زيداً قرأ سورة النجم ولم يسجد ولو كان السجود واجباً لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. السائل: بعض الناس يجلس يستمع للإمام وهو يصلي في التراويح مثلاً فيسجد الإمام للتلاوة فهل يسجد المستمع وهو خارج الصلاة؟ الشيخ: لا يسجد لأنه ليس إماماً له.

القارئ: وله أن يومئ بالسجود على الراحلة كصلاة السفر ويشترط له ما يشترط للنافلة ويكبر للسجود تكبيرة واحدة في الصلاة وفي غيرها لأن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه ويرفع يديه في غير الصلاة لأنها تكبيرة افتتاح وإن كان في صلاة ففيها روايتان. الشيخ: والصحيح أنه لا يرفع لا في الصلاة ولا خارج الصلاة لعموم قول ابن عمر رضي الله عنهما وكان لا يفعل ذلك في السجود فهذا عام وإن كان قرينة الحال تدل على أن مراد (لا يفعل ذلك في السجود) يعني سجود الصلاة لكن لفظ العموم لا بأس به. القارئ: وإن كان في صلاة ففيها روايتان ويكبر للرفع منه لأنه رفع من سجود أشبه سجود الصلاة ويسلم إذا رفع تسليمة واحدة. الشيخ: لم يذكر في هذا دليلاً وإنما ذكر القياس، والقياس في هذا لا يصح ولا يستقيم لظهور الفرق الكبير بين سجود التلاوة وسجود الصلاة ولهذا كان الصحيح أنه لا يكبر إذا رفع من سجود التلاوة إلا إذا كان في صلاة لأنه إذا كان في صلاة يكبر إذا رفع ودليل ذلك أن الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكروا أنه يكبر كلما رفع وكلما خفض ومن المعلوم أنه يقرأ الآيات التي فيها سجود التلاوة فيسجد القارئ: ويسلم إذا رفع تسليمة واحدة لأنها صلاة ذات إحرام فأشبهت صلاة الجنازة. وعنه لا سلام له لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يفتقر إلى تشهد ولا يسجد فيه لسهو لأنه لا ركوع فيه أشبه صلاة الجنازة ولا يفتقر إلى قيام لأنه لا قراءة فيه ويقول فيه ما يقول في سجود الصلاة.

الشيخ: إذاً الصحيح أنه لا يكبر إذا رفع ولا يسلم لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم والعبادات مبناها على التوقيف وقوله رحمه الله لا يسجد فيه للسهو صحيح لأنه لو سجد للسهو لكان الجابر أكثر من الأصل فالأصل سجود واحد والجابر سجودان وقوله لأنه لا ركوع أيضاً يمكن أن يعلل به أشبه صلاة الجنازة لأن صلاة الجنازة لو سها فيها لم يسجد لأنه لا سجود فيها أصلاً فلا يكون لها السجود لها جابراً. القارئ: ويقول فيه ما يقول في سجود الصلاة وإن قال ما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته) فحسن وهذا حديث صحيح وإن قال غيره مما ورد في الأخبار فحسن. الشيخ: ومنه أنه ينبغي أن يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي لقوله تعالى (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ). السائل: بعض العلماء قال إذا قرأ وهو قاعد يقوم ثم يهوي للسجود؟ الشيخ: الأظهر عدم القيام الأظهر أنه يسجد لغير قيام لكن روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سجدت للشكر فقامت فقاسوا هذا عليها ثم قاسوه أيضاً على النفل أنه يسن أن يصلي قائماً لكن كما قلنا القياس لا يصح في العبادات ثم إن القيام في النفل مقصود في صلاة النافلة بخلاف سجود التلاوة فالأظهر أنه يسجد بدون القيام. السائل: هل يجب استقبال القبلة؟

الشيخ: استقبال القبلة ينبني على القول بأنه هل سجود التلاوة صلاة أو لا؟ والذي يظهر لي أنه يستقبل القبلة وأنه يجب له الوضوء وإذا كان على غير وضوء فلا يسجد هذا هو الأظهر وشيخ الإسلام ما يرى هذا يرى أنه سجود دعاء وأنه سنة استقبال القبلة وليس بواجب ونحن نرى أنه ما دام سجوداً لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون إلى غير القبلة ولا أن يكون على غير طهارة بخلاف سجود الشكر لأنه يأتي بغتة بدون تقدم. السائل: إذا كان الإمام في صلاة سرية وقرأ آية سجدة فهل يسجد؟ الشيخ: الأفضل أن لا يسجد وذلك لأنه إن سجد شوش على المصلين وإن ترك السجود فقد ترك شيئاً مسنوناً فالأحسن أن لا يقرأ وقيل بل يقرأ ويسجد وإذا قرب من آية السجدة رفع صوته قليلاً حتى يسمع الناس. القارئ: وسجدات القرآن أربع عشرة سجدة في الحج منها اثنتان وثلاث في المفصل وعنه أنها خمس عشرة سجدة منها سجدة ص لما روى عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة منها ثلاث في المفصل وسجدتان في الحج رواه أبو داود والصحيح أن سجدة ص ليست من عزائم السجود لما روى ابن عباس أنه قال ليست ص من عزائم السجود رواه أبو داود. الشيخ: حديث ابن عباس فهو في البخاري لكن المؤلف ذكره من رواية أبي داود وهو في البخاري. القارئ: ومواضع السجدات ثابتة بالإجماع إلا سجدات المفصل والثانية من الحج وقد ثبت ذلك بحديث عمرو الشيخ: كم سجدات المفصل _ المفصل من ق_؟ النجم والانشقاق واقرأ. القارئ: وروى عقبة بن عامر أنه قال يا رسول الله أفي الحج سجدتان قال (نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما) رواه أبو داود.

وأول السجدات آخر الأعراف ثم في الرعد عند قوله (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) وفي النحل عند (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وفي سبحان عند (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) وفي مريم عند (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) وفي الحج الأولى عند (يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) والثانية عند (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وفي الفرقان عند (وَزَادَهُمْ نُفُوراً) وفي النمل عند (الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وفي (الم تنزيل) عند (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) وفي حم السجدة عند (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) وفي آخر النجم وفي (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) عند (لا يَسْجُدُونَ) وآخر (اقْرَأْ). ويكره اختصار السجود وهو أن يجمع آيات السجدات فيقرأها في ركعة وقيل أن يحذف آيات السجدات في قراءته وكلاهما مكروه لأنه محدث وفيه إخلال بالترتيب. فصل القارئ: وسجود الشكر مستحب عند تجدد النعم لما روى أبو بكر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه شيء يسر به خر ساجدا وصفته وشروطه كصفة سجود التلاوة وشروطها ولا يسجد للشكر في الصلاة لأن سببه ليس منها فإن فعل بطلت كما لو سجد في الصلاة لسهو صلاة أخرى.

الشيخ: سجود الشكر سنة كما قال المؤلف رحمه الله لكن عند تجدد النعم لا عند دوامها لأنه لو قيل أنه يسجد عند دوام النعم لبقي ساجداً مدى الدهر لأن النعم تترا كل لحظة لكن عند تجدد النعم التي ليست معتادة فأما المعتادة كالاستيقاظ من النوم وحصول الأكل في الغداء والعشاء وما أشبه ذلك فلا لكن لو تجددت له نعمة مثل أن يولد له ولد أو يتزوج أو يبشر بانتصار المسلمين أو ما أشبه ذلك فليسجد للشكر وكذلك قال العلماء عند اندفاع النقم كما لو حصل حادث في سيارة فنجى من الحادث أو تردى من جبل أو سقط في حفرة فنجى فكل هذا من اندفاع النقم الطارئة فيسجد شكراً لله عز وجل على هذه النعمة التي حصلت ثم ذكر المؤلف أن حكمه كسجود التلاوة فيشترط له ما يشترط له وعلى هذا يكبر إذا سجد وإذا رفع ويسلم وقد عرفتم القول الراجح في سجود التلاوة أنه يكبر إذا سجد فقط ثم ذكر أنه لا يصح أن يسجد للشكر في الصلاة لأنه لسبب خارج منها ولهذا قالوا لو سجد الإنسان سجدة ص في الصلاة لبطلت الصلاة وذلك لأنها لنا سجدة شكر ولداود سجدة توبة ولكن القول الراجح أنها سنة أي سجود التلاوة في ص سنة في الصلاة وخارج الصلاة لأن سببها بالنسبة لنا هو التلاوة لولا أننا تلونا هذا ما مرت بنا إذاً خلاصة ما سبق في سجود التلاوة أن سجود التلاوة سنة على القول الراجح ودليله حديث مرفوع وأثر موقوف الحديث المرفوع حديث زيد بن ثابت أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم في النجم فلم يسجد فيها وأما الأثر فهو حديث عمر الأثر الموقوف أنه لم يسجد وقال أمام الناس إن الله لم يفرض علينا السجود. والمسألة الثانية سجود التلاوة على المشهور من المذهب حكمه حكم النافلة يشترط فيه ما يشترط في النافلة ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم.

المسألة الثالثة هل السجدات الموجودة في القرآن مجمع عليها؟ الجواب نعم مجمع عليها إلا السجدة الثانية في الحج وثلاث سجدات في المفصل أربع سجدات هذه محل خلاف والصحيح أنها يسجد فيها. المسألة الرابعة فيما يتعلق بسجود الشكر وهو الذي يشرع عند تجدد النعم واندفاع النقم والمؤلف رحمه الله لم يذكر اندفاع النقم لكن قد يقال إنه من وجه يكون تجدد نعمة لأن السلامة من الهلاك مثلاً نعمة. السائل: لو سجد في الصلاة سجدة شكر غير سجدة (ص) هل تبطل صلاته؟ الشيخ: تبطل صلاته نعم لو سجد للشكر في غير سجدة الصلاة وهو يصلي فإن صلاته تبطل لأنه زادها سجوداً ليس له سبب فيها. السائل: هل يشترط لسجود الشكر الطهارة واستقبال القبلة؟ الشيخ: الصحيح أنه لا يشترط له الطهارة لأنه يأتي مفاجئاً وليس هناك دليل على اشتراط الطهارة أن نقول للإنسان إذا جاءت النعمة فاذهب وتوضأ وربما نقول لو ذهب وتوضأ لطال الفصل وأما استقبال القبلة فكما قلت لكم في سجود التلاوة أنه لا ينبغي للإنسان أن يسجد لله ودبره إلى بيت الله. السائل: هل له أن يسجد في أثناء الخطبة سجدة الشكر؟ الشيخ: نعم لا بأس يعني لو بشر الخطيب وهو يخطب بانتصار المسلمين وسجد في أثناء الخطبة فلا بأس.

باب سجود السهو

باب سجود السهو القارئ: وإنما يشرع لجبر خلل الصلاة وهو ثلاثة أقسام زيادة ونقص وشك فالزيادة ضربان زيادة أقوال تتنوع ثلاثة أنواع: أحدها أن يأتي بذكر مشروع في غير محله كالقراءة في الركوع والسجود والجلوس والتشهد في القيام والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ونحوه فهذا لا يبطل الصلاة بحال لأنه ذكر مشروع في الصلاة ولا يجب له سجود لأن عمده غير مبطل وهل يسن السجود لسهوه فيه روايتان إحداهما يسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) والثانية لا يسن لأن عمده غير مبطل فأشبه العمل اليسير الثانية أن يسلم في الصلاة قبل إتمامها فإن كان عمداً بطلت صلاته لأنه تكلم فيها وإن كان سهواً فطال الفصل بطلت أيضاً لتعجل بناء الباقي عليها وإن ذكر قريباً أتم صلاته وسجد بعد السلام فإن كان قد قام فعليه أن يجلس لينهض عن جلوس لأن القيام واجب للصلاة ولم يأتِ به قاصداً لها والأصل فيه ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي وصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين فقال له يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة فقال (لم أنس ولم تقصر) فقال (أكما يقول ذو اليدين) فقالوا نعم قال فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر متفق عليه. الشيخ: في هذه الفقرة عدة مسائل:

أولاً سجود السهو فما هو السهو السهو هو الذهول عن شيء معلوم يعني يذهل الإنسان عن شيء يعلمه فيسهو وهو سهو في الصلاة وسهو عن الصلاة فأما السهو عن الصلاة فنوعان سهو بمعنى الترك وهذا هو المذموم في قوله تعالى (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) وسهو بمعنى النسيان وهذا هو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) هذا السهو عن الصلاة أما السهو في الصلاة فهذا هو الباب الذي كتبه المؤلف في هذا الموضوع. المسألة الثانية أسباب سجود السهو ثلاثة زيادة ونقص وشك وجه انحصارها في ذلك هو التتبع والاستقراء لأن العلماء تتبعوا النصوص الواردة في ذلك فوجدوها لا تخرج عن واحد من هذه الثلاثة إما زيادة وإما نقص وإما شك ويأتي التفصيل. المسألة الثالثة الزيادة تتنوع إلى نوعين والمؤلف قال إلى ضربين والخلاف بسيط زيادة قولية وزيادة فعلية والزيادة القولية ثلاثة أقسام كما قسمها المؤلف رحمه الله:

الأول أن يأتي بذكر مشروع في غير موضعه، مشروع في الصلاة لكن يأتي به في غير موضعه وضرب له المؤلف أمثلة كالقراءة في الركوع والسجود والجلوس القراءة في الركوع والسجود على القول الراجح محرمة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً) لأن القراءة محلها القيام كذلك أيضاً التشهد في القيام لأن محله الجلوس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول لأن محل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ونحوه وهذا لا يبطل الصلاة ولو تعمدها فهذه الزيادة لا تبطل الصلاة ولو تعمدها وذلك لأنها قول مشروع في الصلاة في الجملة لكن أتى به في غير محله وهذه مخالفة لا توجب إبطال الصلاة اللهم إلا على قول من يقول إن قراءة القرآن في الركوع والسجود حرام فهذه يتوجه أن يقال بأن من تعمد ذلك بطلت صلاته لأنه فعل شيئاً محرماً في الصلاة لكن إذا فعله سهواً فهل يشرع له السجود أو لا؟ في ذلك روايتان كما قال المؤلف رواية أنه يسن السجود لعموم الأدلة الدالة على سجود السهو لكل سهو سجدتان (وإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) وما أشبه ذلك والرواية الثانية لا يسن سجود السهو وذلك لأنه لا يبطل عمده الصلاة فكان كالحركة اليسيرة في الصلاة ولكن هذا التعليل فيه نظر لأن قياسه على الحركة اليسيرة في الصلاة غير صحيح إذ أن هذا الذي زاده، زاده على أنه مشروع فأما الحركة في الصلاة اليسيرة فإن فاعلها لم يفعلها على أنها مشروعة فالصحيح أن هذا القسم يسن له سجود السهو ولكنه لا يجب إذاً الزيادة القولية في غير محلها لا تبطل الصلاة إذا تعمدها ويسن السجود إذا فعلها سهواً.

الثاني من زيادة الأقوال أن يسلم في الصلاة قبل تمامها وهذا زيادة قول لا شك فإن كان عمداً بطلت الصلاة لأن السلام من كلام الآدمين فإنه يقول السلام عليكم ولأنه نوى قطعها قبل إتمامها فهو كما لو نوى الفطر في الصيام يبطل يومه فتبطل الصلاة وإن كان سهواً وطال الفصل بطلت الصلاة أيضاً لتعذر بناء آخرها على أولها بفوات الموالاة ولم يبين المؤلف رحمه الله مقدار طول الفصل فيرجع فيه إلى العرف فإذا قيل والله الآن طال الفصل قلنا بطلت الصلاة ولابد من استئنافها وإن كان قصيراً فإنه يتم صلاته ويسجد للسهو بعد السلام ولكن ذكر المؤلف أنه يجب أن يجلس ثم يقوم ووجه ذلك أن قيامه الأول ليس قيام عبادة بل قام القيام الأول على أن صلاته انتهت فيجب أن يرجع ويجلس ثم يقوم حتى يكون نهوضه من الجلوس مشروعاً التكبير لا يكبر لأن التكبير الأول من السجود حصل وليس هناك تكبير آخر في الانتقال من السجود إلى القيام ما هو الدليل على هذه المسألة؟ الدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه المعروف عند العلماء بحديث ذي اليدين ونقرأه الآن قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي وصلاة العشي هما الظهر والعصر لأن العشي من الزوال إلى الغروب إحدى صلاتي العشي فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه خشبة معروضة في المسجد في قبلته قام ووضع يده عليها كأنه غضبان هكذا قال وشبك بين أصابعه عليه الصلاة والسلام ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى هكذا يده اليمنى على ظهر الكف والإنسان إذا كان مهموماً ربما يكون هكذا جلوسه وإنما كان مهموماً أو كالغضبان عليه الصلاة والسلام لأن الصلاة لم تتم فكأن النفس متعلقة بإتمامها وهذه من نعمة الله على الإنسان إذا كان من عادته أن يتمم عبادته ثم نقصت بغير شعور منه يجد نفسه منقبضة هذه لا شك أنها من نعمة الله عليه لأنه إذا وجد هذا الانقباض سوف يفكر عن

سبب هذا الانقباض يقول وخرجت السرعان من أبواب المساجد يعني الذين يخرجون سريعاً خرجوا يقولون قصرت الصلاة ولم يفكروا أن الرسول قد ينسى والوقت وقت تشريع فيمكن أن الصلاة قصرت خرجوا يقولون قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه في القوم يعني المصلين أبو بكر وعمر وهما أخص أصحابه به ومع ذلك هابا أن يكلماه أولاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى الله عليه المهابة ثانياً أنه في هذه الحال حتى وإن كان الإنسان يستطيع أن يتكلم معه لكن إذا رآه على هذه الحال سوف يهابه أكثر كونه قام واتكأ وشبك بين أصابعه ووضع خده على ظهر كفه وشبك بين أصابعه وكأنه غضبان لا شك أن الإنسان سوف يتهيب الإنسان لو يجد شخصاً مثله على هذه الحال لتهيب أن يكلمه أو استحى أن يكلمه وإلا فلا شك أن أشد الناس ادلالاً على الرسول عليه الصلاة والسلام هما أبو بكر وعمر ولكنهما هابا أن يكلماه لسببين السبب الأول ما ألقى الله على رسوله من المهابة والسبب الثاني أن حاله الآن تستدعي المهابة ولكن يسر الله عز وجل من يكلمه رجل في يديه طول يعني يداه طويلتان ولعل النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه أحياناً ياذا اليدين والإنسان إذا كان يمازحه الكبير أحياناً يكون هو منطلقاً معه ومجترئاً عليه ولكنه رضي الله عنه تكلم بأدب فقال يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة لم يجزم بأنه نسي ولا بأنه قصر الصلاة بل الأمر إما كذا وإما كذا وبقي قسم ثالث بمقتضى القسمة العقلية لكنه لا يمكن أن يقع يعني أو سلمت قبل التمام عمداً هذا الاحتمال الثالث احتمال عقلي لكنه باعتبار حال النبي عليه الصلاة والسلام ممتنع أليس كذلك؟ ولهذا لم يذكره لأن هذا شيء ممتنع لا يمكن أن يقع من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يسلم من الصلاة قبل إتمامها عمداً فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لم أنس ولم تقصر) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس قولاً فنفى النسيان ونفى القصر وأحد

الأمرين ثابت لا محالة لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفى الأمرين بناءً على ظنه أنه أتم صلاته وهذا مما يدلنا على أن الإنسان إذا أخبر بحسب ظنه فإنه يعتبر عند الله صادقاً ولهذا لا يحنث في اليمين لو حلف على اليمين بناءً على غلبة ظنه لم يكن حانثاً ولا حتى في المستقبل ولم يكن آثماً بالنسبة للماضي فلو قال والله ليقدمن زيدٌ غداً بناءً على ظنه ولم يقدم فإنه لا حنث عليه لما قال (لم أنس ولم تقصر) فقال بلى قد نسيت وهي محذوفة في بعض الألفاظ قال بلى قد نسيت فجزم بأنه ناسي ولم يجز بأن الصلاة مقصورة لأن النسيان أقرب إلى جهل الحكم بالنسبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لأن النسيان يقع منه لكن كونه يجهل الحكم هذا بعيد أو مستحيل فجزم بالقسم الثاني وهو أنه نسي فتعارض عند النبي عليه الصلاة والسلام أمران ظنه وخبر ذي اليدين فهل يأخذ بظنه أو يأخذ بخبر ذي اليدين (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) الآن تنازع هذان عند النبي عليه الصلاة والسلام ظنه وخبر ذي اليدين فلم يبق إلا أن يرجع إلى الطرف الثالث وهم الصحابة المشاركون له في العمل فقال (أكما يقول ذو اليدين) قالوا نعم وهذه الصراحة في الحق ما جاملوا النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا أبداً ما نسيت ولا قصرت الصلاة، قالوا نعم نسيت لأن الله قد رباهم فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) قالوا نعم قال فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم تقدم هذا يدل على أن الإنسان لو حصل مثل هذا وقام عن مكانه فإنه يرجع إلى مكانه الأول ويصلي ما ترك وفي قوله صلى ما ترك ما يشير إلى ما قاله المؤلف من أنه يجلس ثم يقوم وذلك لأنه ترك القيام من الجلوس إلى القيام يعني أن هذا النهوض من جملة ما تركه فيقتضي أن يجلس ثم يقوم ليكون

النهوض بقصد العبادة بخلاف نهوضه الأول فإنه نهض على أن الصلاة قد تمت فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر لما سلم سجد سجدتي السهو بعد السلام وذلك لأن سببهما زيادة ومتى كان سبب سجود السهو الزيادة فإن سجوده بعد السلام والحكمة في ذلك أن لا تجتمع زيادتان في الصلاة وهما السجود والسهو الذي أوجب السجود فكان سجود السهو للزيادة بعد السلام سواء كانت الزيادة قولية أو فعلية كما سيأتي، في هذا الحديث لم يذكر أنه سلم من سجود السهو لكن يقول أبو هريرة في حديث آخر نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم وعلى هذا فيسجد سجودين ويسلم كسلام الصلاة، في الجلوس هنا بعد الرفع من السجدة الثانية يكون متوركاً أو مفترشاً؟ الظاهر أنه يكون حسب الصلاة إن كان في صلاة في تشهده الأخير تورك صار متوركاً وإلا صار مفترشاً. السائل: الذين ظنوا أنه قصر في الصلاة هل صلاتهم تامة؟ الشيخ: هذه أشكلت على بعض الناس، الذين خرجوا هل رجعوا أو بقوا على ما هم عليه أو قيل لهم أعيدوا صلاتكم فأعادوا كل هذا محتمل يحتمل أنهم رجعوا لما سمعوا التكبير أو لما رأوا الجماعة تأخروا وأبطؤوا رجعوا ويحتمل أنهم قيل لهم فيما بعد أتموا صلاتكم لأن الصلاة ما تمت ويحتمل أنهم بقوا على ما صلوا ولم يكملوا الصلاة فهذه ثلاث احتمالات أليس كذلك إذا كان هكذا نرجع إلى الأصل وهو أن الذمة لا تبرأ إلا بصلاة تامة فيبقى هذا النص أو هذا الحديث مشكلاً مشتبهاً والقاعدة الشرعية أنه عند الاشتباه نرجع إلى المحكم الذي ليس به اشتباه فإذا وقع مثل هذا ثم خرج السرعان ثم تحاور الناس فيما بينهم وعلموا أنهم نقصوا الصلاة وأتموا الصلاة نقول للإمام إن عرفت أحداً منهم فبلغه حتى يصلي وإلا فإذا جاءت الصلاة الثانية فنبه الجماعة قل لهم إن صلاتنا الفائتة كانت ناقصة حتى يصلوا من جديد.

السائل: هناك حديث يقرأ في المساجد (إني لن أنسى ولكن لأسن) وهذا الحديث يخالف من أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ينسى؟ الشيخ: هذا بارك الله فيك ذهب إليه بعض العلماء وأتى بهذا الحديث المكذوب وهذا لا يصح بل قال الرسول (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) والطبائع البشرية فيها نقص بل إن الرسول ينسى أحياناً آية من القرآن مر برجل يقرأ في صلاة الليل قال (رحم الله فلاناً لقد ذكرني آية نُسِّيتها) والله عز وجل يقول (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى) فالصواب أن الطبائع البشرية تكون للرسول صلى الله عليه وسلم كما تكون لغيره. السائل: ماذا يصنع الإنسان إذا علم عن مثل هذا الحديث يقرأ في المسجد؟ الشيخ: إذا علم ينبه إن كان مثلاً سمعه في المسجد يقول للإمام إذا انتهى الدرس ترى القضية كذا وكذا فيراجع وإذا كان المؤلف موجوداً حياً فإنه يناقش في هذا الشيء حتى يعدل الكتاب أحسن من الردود ونحن ما نحب أن العلماء بعضهم يرد على بعض إلا عند الضرورة القصوى لأن استعمال هذه الطريقة توهن الطرفين توهن المردود عليه والراد وتوجب تحزب الناس هذا يتحزب لهذا وهذا يتحزب لهذا فالواجب معالجة الأمور بالمحاورة والمناقشة وإذا قدر أن هذا الذي ظننت أنه مخطئ بقي على ما هو عليه فبإمكانك أن تؤلف كتاباً ولا تقل مثلاً في الرد على فلان تؤلف الكتاب تبين أن هذا الأمر أن الصحيح كذا وكذا بأن تؤلف كتاباً مبنياً على القول الصحيح.

القارئ: وإن انتقض وضوؤه أو دخل في صلاة أخرى أو تكلم في غير شأن الصلاة كقوله أسقني ماء فسدت صلاته وإن تكلم مثل كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذي اليدين ففيه ثلاث روايات إحداهن لا تفسد لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وذا اليدين تكلموا ثم أتموا صلاتهم والثانية لا تفسد صلاة الإمام لأن له أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتفسد صلاة المأموم لأنه لا يمكنه التأسي بأبي بكر وعمر لأنهما تكلما مجيبين للنبي صلى الله عليه وسلم وإجابته واجبة ولا بذي اليدين لأنه تكلم سائلاً عن قصر الصلاة في زمن يمكن ذلك فيه فعذر بخلاف غيره واختارها الخرقي والثالثة تفسد صلاتهم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) اختارها أبو بكر والأُولى أولى. الشيخ: المسألة الرابعة متى يتعذر بناء آخر الصلاة على أولها؟ نقول يتعذر الأول إذا طال الفصل وسبق. الثاني إذا انتقض وضوؤه لأنه إذا انتقض وضوؤه فسدت صلاته حتى وإن لم يسلم وحينئذٍ لا يمكن بناء بعضها على بعض. الثالث إذا دخل في صلاة أخرى فإنه لا يمكن أن يبني آخر الصلاة على أولها لحيلولة الصلاة الأخرى وهذه فيها قولان فمن العلماء من يقول إن شرع في صلاة مفروضة كما لو جمع بين الصلاتين الظهر والعصر ثم سهى هذا السهو في صلاة الظهر وشرع في صلاة العصر فإنه لابد من استئناف الصلاة وإن شرع في نافلة قطع النافلة وأكمل الصلاة التي سلم قبل إتمامها.

المسألة الخامسة إذا تكلم فإن الكلام ينقسم إلى قسمين الأول أن يكون في غير شأن الصلاة مثل بعد أن سلم من ركعتين من الظهر أو العصر قال لابنه يا بني اذهب وأحضر السيارة ثم بعد أن قال هكذا قال له ابنه يا أبتي ما أتممت الصلاة فماذا يصنع الأب؟ يعيد الصلاة من جديد لأنه تكلم بكلام لا يتعلق بالصلاة والصحيح أنه لا يعيد الصلاة ولا يستأنفها لأنه تكلم حين تكلم بناءً على أن صلاته تامة فهو جاهل بعدم تمام صلاته فالصواب أنه يبني ولا يستأنف وإن تكلم بشأن الصلاة التي سها فيها ففيها ثلاث روايات الأولى أن صلاة الإمام والمأموم لا تبطل لأن هذا الكلام وقع من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبنوا على صلاتهم والثاني لا تبطل صلاة الإمام وتبطل صلاة المأموم وانظر إلى التعليل الإمام لا تبطل لأن له أسوة بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمأموم تبطل يقول لأنه لا يمكنه التأسي بأبي بكر وعمر لأنهما كانا مجيبين للرسول صلى الله عليه وسلم وإجابته واجبة وهذا التعليل كما ترون عليل لأنه حتى وإن كانت إجابته واجبة فإن إجابته من كلام الآدميين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدمين) فهي وإن كانت إجابته واجبه فإنها مبطلة للصلاة إذاً هذا التعليل يعتبر عليلاً ولا بذي اليدين لأنه تكلم سائلاً عن قصر الصلاة في زمن يمكن ذلك فيه فعذر بخلاف غيره وهذا أيضاً فيه نظر لأنه لو تكلم في أثناء الصلاة بدون سلام يسأل عن قصر الصلاة في زمن يمكن فيه قصر الصلاة هل تبطل صلاته أو لا؟ تبطل لكن الآن سأل بناءً على أن الصلاة منتهية إذا كانت مقصورة أو غير منتهية إذا كان ذلك نسياناً وذو اليدين ما جزم بأنها مقصورة جعل الأمر متردداً بين القصر وبين النسيان فالعلة ليس أنه يمكن أن تقصر العلة أنه تكلم ظاناً أن الصلاة تامة فكذلك أولئك القوم الذين يظنون أن الصلاة تامة إذا تكلموا يتحاورون فإنها لا تبطل صلاتهم

فالصواب إذاً أن صلاة الإمام والمأموم لا تبطل الثالثة أنها تبطل صلاة الإمام وصلاة المأموم وهذا أشد الأقوال لماذا لأنهم تكلموا بكلام الآدميين وكلام الآدميين لا يصلح في الصلاة والجواب على هذا سهل تكلموا جاهلين أو عالمين؟ جاهلين وكلام الآدميين جهلاً لا يؤثر في الصلاة بدليل أن معاوية بن الحكم تكلم في صلب الصلاة وقال للذي حمد الله عند عطاسه قال له يرحمك الله وقال ياثكل أمياه ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة. القارئ: النوع الثالث أن يتكلم في صلب الصلاة فإن كان عمداً أبطل الصلاة إجماعاً لما روى زيد بن أرقم قال كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه فنزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام متفق عليه وإن تكلم ناسياً أو جاهلاً بتحريمه ففيه روايتان إحداهما يبطلها لما روينا ولأنه من غير جنس الصلاة فأشبه العمل الكثير والثانية لا يفسدها لما روى معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ثم قال (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة لجهله والناسي في معناه.

الشيخ: وهذه الرواية هي الصحيحة أنه إذا تكلم في صلب الصلاة بالكلام الذي يبطلها تعمدُه فإنها لا تبطل إذا كان جاهلاً أو ناسياً ودليل ذلك عموم قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وهذه الآية عامة والدليل الثاني خاص وهي قصة معاوية بن الحكم رضي الله عنه فإنه تكلم مرتين مرة قال للعاطس يرحمك الله ومرة قال واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي ومع ذلك لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ولو كانت صلاته باطلة لأمره بالإعادة كما أمر الذي صلى ولم يطمئن بأن يعيد صلاته. السائل: أحياناً يكون الإنسان في التشهد الأول ويبقى الإمام لم ينهض فأطال والمأموم انتهى من التشهد فهل يقول الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو لايرى أن تقال في التشهد الأول؟ الشيخ: يستمر فيما نرى وبعض العلماء قال لا يستمر وإنما يكرر التشهد الأول والصواب أنه يستمر. السائل: إذا كان الإمام يقنت قبل الركوع ولا يجهر بالقنوت والمأموم لا يرى القنوت فماذا يفعل؟ الشيخ: يقرأ من القرآن إذا صلى وراء مثل هذا الإمام الذي يقنت قبل الركوع لكن لا يجهر بقنوته والمأموم لا يرى القنوت فهذا يقرأ القرآن. السائل: لا يوجد شيء متعارف عليه في الفصل بين أجزاء الصلاة فكيف نحددها؟ الشيخ: الظاهر لي إذا فصل من أربع دقائق أو شبهها ما يعتبر قبوله.

القارئ: وإن غلبه بكاء فنشج بما انتظم حروفاً لم تفسد صلاته نص عليه لأن عمر رضي الله عنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف وإن غلط في القراءة وأتى بكلمة من غيره لم تفسد صلاته لأنه لا يمكنه التحرز منه وإن نام فتكلم احتمل وجهين أحدهما لا تفسد صلاته لأنه عن غلبة أشبه ما تقدم والثاني أنه ككلام الناس وإن شمت عاطسا أفسد صلاته لحديث معاوية وكذلك إن رد سلاما أو سلم على إنسان لأنه من كلام الآدميين فأشبه تشميت العاطس وإن قهقه بطلت صلاته لأن جابراً روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء) رواه الدارقطني، والكلام المبطل ما انتظم حرفين فصاعدا لأنه أقل ما ينتظم منه الكلام وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفخ في الصلاة وتنحنح فيها وهو محمول على أنه لم يأتِ بحرفين أو لم يأتِ بحرفين مختلفين. الشيخ: هذا النوع الثالث أن يتكلم في صلب الصلاة يعني يتكلم بكلام الآدميين وأما ما كان ذكراً أو مشروعاً في الصلاة فليس من هذا الباب سبق الكلام عليه ففيه مسائل: المسألة الأولى إذا تكلم في صلب الصلاة بطلت صلاته ودليله حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه ولكن إذا تكلم ناسياً أو جاهلاً فهل تبطل؟ في ذلك روايتان والصواب أنها لا تبطل لعموم قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ولحديث معاوية بن الحكم وهو في نفس الموضوع.

المسألة الثانية إذا غلبه البكاء فصار يبكي ويسمع له صوت فهذا ليس من كلام الآدميين فلا تبطل الصلاة واستدل المؤلف رحمه الله بفعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف وقوله إن غلبه يفهم منه أنه لا يتقصد ذلك فإن تقصد ذلك فإن صلاته تبطل مع أنه في الحقيقة ليس بكلام للآدميين ففي إبطال الصلاة به نظر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما قال (لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين) ولهذا لو تنحنح الإنسان لشخص وفهم مراده فإن صلاته لا تبطل لأن النحنحة ليست كلاماً. المسألة الثالثة إذا قهقه، قهقه: يعني صوَّت بالضحك فإن صلاته تبطل لأن القهقة تنافي الصلاة منافاة كاملة حتى وإن قلنا أنها ليست بكلام فإنها تنافي الصلاة فتبطلها. المسألة الرابعة ما هو الكلام المبطل؟ الكلام المبطل يقول المؤلف ما انتظم حرفين فصاعدا سواء أفاد أم لم يفد وظاهر كلامه أن ما دون الحرفين ليس بكلام ولو أفاد فلو مثلاً أراد شخص ضرب المصلي فلما انتبه الذي بجنبه قال عِ، عِ: يعني أمراً من الوعي فظاهر كلام المؤلف أنه لا يسمى كلاماً لأنه لم ينتظم من حرفين بل هو حرف واحد وفيه فاعل مستتر وكما تعلمون أن هذا فيه نظر لأنه خطاب لآدمي ومفيد وكلام المؤلف أيضاً يدل على أنه لو قال (هل) بطلت صلاته لأنه كلام منتظم من حرفين وينبغي أن يقال ما انتظم من حرفين أو أفاد ولو من حرف واحد من أجل أن يدخل في ذلك عِ، فِ، قِ كلها على حرف واحد وجمل مفيدة.

المسألة الخامسة التنحنح في الصلاة يقول المؤلف إن المروي عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك محمول على أنه لم يأتِ بحرفين ولا أدري هل يتمكن الإنسان من نحنحة بلا حرفين فمثلاً حرف الحاء أصلاً ساكن وما يمكن تنطق بالساكن إلا قبله همزة وصل مكسورة فيقال كيف يحمل على شيء قد لا يمكن حصوله أو لا يمكن إلا بمشقة لكن يحمل على أنه ليس بكلام أصلاً التنحنح يشبه الإشارة والإشارة ليست بكلام فيحمل على أن الإنسان إذا تنحنح لا يقال إنه تكلم أبداً لكن يقال إنه نبه وأما أن يقال إنه تكلم فلا وحمله غير المؤلف على أنه لحاجة وهذا أيضاً فيه نظر لأن الكلام الصريح ولو لحاجة يبطل الصلاة فالصواب أن يقال إن النحنحة ليست بكلام ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتنحنح في صلاته ولا يستأنفها. السائل: قلتم إن الكلام إذا وقع من ناس فإن صلاته لا تبطل لعموم قوله (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقلتم إن من ذبح ولم يسمِّ ناسياً لم تحل ذبيحته ولم تقولوا بعموم الآية وحملتموه على نفي المؤاخذة بالإثم؟ الشيخ: فرق العلماء قالوا فرق بين فعل يبطل العبادة وبين فعل يبطل تركه العبادة، الثاني من باب فعل المأمور فلابد منه وإذا تركه الإنسان ناسياً سقط عنه الإثم وترتب حكم الفعل عليه بخلاف المحظور. السائل: ذكر المؤلف المصلي النائم إذا تكلم فهل النائم لا ينتقض وضوؤه؟ الشيخ: لا إذا كان النوم خفيفاً أحياناً بعض الناس من أول ما يغطه النوم وإذا هو ما شاء الله يتكلم وبعض الناس الله لا يبلانا وإياكم يتكلم بما فعل في ذلك اليوم اللهم عافنا. السائل: إذا غلبت الإنسان قهقهة فهل تبطل الصلاة؟

الشيخ: مثلاً رأى إنسان على السلم فسقط بعض الناس يغلبه الضحك فهل نقول إن هذا من باب الغلبة فلا تبطل الصلاة كما لو غلب على الكلام لأن بعض الناس مثلاً إذا أصابه شيء يقول من غير شعور أح وهذا لو حصل له في الصلاة لا تبطل صلاته لأن الذي غلب بغير اختياره لم يختر المفسد فالظاهر أنه إذا غلبه الظاهر إن شاء الله أنه لا تبطل الصلاة لكن لا يبقى يضحك دائماً يقول امتدت الغلبة إلى آخر الصلاة. فصل القارئ: الثاني زيادة الأفعال وهي ثلاثة أنواع أحدها زيادة من جنس الصلاة كركعة أو ركوع أو سجود فمتى كان عمداً أبطلها وإن كان سهواً سجد له لما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم خمساً فلما انفتل من الصلاة توشوش القوم بينهم فقال (ما شأنكم) قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة شيء قال (لا) قالوا إنك صليت خمساً فانفتل فسجد سجدتين ثم سلم ثم قال (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) وفي لفظ (فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين) رواه مسلم. ومتى قام الرجل إلى ركعة زائدة فلم يذكر حتى سلم سجد للحال وإن ذكر قبل السلام سجد ثم سلم وإن ذكر في الركعة جلس على أي حال كان فإن كان قيامه قبل التشهد تشهد ثم سجد ثم سلم وإن كان بعده سجد ثم سلم وإن كان تشهد ولم يصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد وسلم. الشيخ: هذا الفصل ذكر فيه المؤلف زيادة الأفعال زيادة الأفعال تتنوع كما قال رحمه الله إلى ثلاثة أنواع:

الأول أن تكون الزيادة من جنس الصلاة كركوع وسجود وقيام وقعود والمراد بذلك الزيادة التي تغير هيئة الصلاة فأما ما لم تغير هيئة الصلاة كما لو زاد رفع اليدين عند السجود أو عند القيام من السجود فإنه ليس له هذا الحكم الذي قال المؤلف إذا زاد فلا يخلو إما أن يذكر الزيادة في أثناء الركعة الزائدة وإما أن يذكرها بعد السلام فإن ذكرها في أثناء الركعة الزائدة وجب عليه أن يجلس ويتشهد ويسجد على كلام المؤلف سجدتين ثم يسلم والصحيح أنه يتشهد ثم يسلم ثم يسجد سجدتين هذا الصحيح لأن هذا السجود عن زيادة وبهذا نعرف خطأ بعض الأئمة الذين إذا قاموا إلى زائدة لم يرجعوا بعد استتمامهم قائمين ظناً منهم أن هذا مثل القيام عن التشهد الأول وهذا خطأ عظيم بل هذا يرجع حتى لو ركع وقال سمع الله لمن حمده ثم ذكر أن هذه هي الخامسة في الرباعية وجب عليه الرجوع يقول المؤلف إن ذكر قبل السلام سجد ثم سلم وإن ذكر بعده سجد ثم سلم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث ابن مسعود لم يعلم بالزيادة إلا بعد السلام ثم سجد وسلم ونحن نقول إذا علم بالزيادة في أثناء الصلاة أو بعد السلام فالسجود كله بعد السلام لأنه عن زيادة. السائل: طلاب المدارس وهم مميزون أعمارهم إلى ثماني عشرة سنة يكثرون في الصلاة الضحك والكلام متعمدين هل هذا يصل إلى الكفر؟ الشيخ: لا ما يصل إلى الكفر ولو تعمد إبطال صلاته ما يكفر على كل حال يقال صلاتكم باطلة أعيدوها ولو في بيوتكم. السائل: هل سجود السهو بسبب الزيادة يكون فيه تشهد أم لا؟ الشيخ: الصحيح أنه سجود ثم سلام بدون تشهد، السجود بعد السلام الصحيح ليس فيه تشهد.

القارئ: وإذا سها الإمام فزاد أو نقص فعلى المأمومين تنبيهه لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فزاد أو نقص ثم قال (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفِّح النساء) وفي لفظ (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) متفق عليه. الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله في هذا الفصل إذا سها الإمام فزاد أو نقص وجب على المأموم تنبيهه وهذا ظاهر لأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام وهل يجب على غير المأمومين تنبيهه مثل أن يصلي إلى جنبك رجل فيزيد يقوم إلى زائدة وهو ليس إماماً لك فهل يلزمك أن تنبهه؟ نعم الظاهر يلزم أن تنبهه لأن هذا من باب النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى هذا فيكون كلام المؤلف بناءً على الغالب والله أعلم. القارئ: وإذا سبح به اثنان لزمه الرجوع إليهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر وأمر بتذكيره ليرجع فإن لم يرجع بطلت صلاته لأنه ترك الواجب عمدا وليس له اتباعه لبطلان صلاته فإن اتبعوه بطلت صلاتهم إلا أن يكونوا جاهلين فلا تبطل لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه في الخامسة وإن فارقوه وسلموا صحت صلاتهم وذكر القاضي رواية أخرى أنهم يتابعونه استحبابا ورواية ثالثة أنهم ينتظرونه اختارها ابن حامد.

الشيخ: يجب عليهم أن ينبهوه بأنه زاد ويجب عليه الرجوع فإن لم يفعل فإنهم لا يتابعونه لأنهم إذا تابعوه تابعوه على زيادة عمداً ولكن هل يفارقونه أو يجلسون ينتظرونه؟ نقول الأولى أن يجلسوا لينتظروه لاحتمال أن يكون قد نسي ركناً من الصلاة من إحدى الركعات فأتى بهذه الركعة جبراً لما ترك كما يقع ذلك كثيراً فإن بعض الأئمة إذا قيل له زدت في الصلاة قال أنا نسيت قراءة الفاتحة في الركعة الأولى أو في الثانية مثلاً أو ما أشبه ذلك فلهذا نختار أن ينتظروه لاحتمال ما ذكرنا أما لو كان هذا الاحتمال غير وارد كما لو كان يصلي بهم صلاة الفجر وقد سمعوا قراءة الفاتحة وركعوا معه وسجدوا وقاموا وقعدوا ثم قام إلى الثالثة فحينئذٍ ينبهونه فإن أصر وجب عليهم مفارقته لأنه في هذه الحال تكون صلاته باطلة إذ لا عذر له. القارئ: وإن كان الإمام على يقين من صواب نفسه لم يرجع لأن قولهما إنما يفيد الظن واليقين أولى وإن سبح به واحد لم يرجع نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع لقول ذي اليدين وحده. الشيخ: صحيح هذا لم يرجع إليه إذا سبح إليه واحد لا يرجع إليه ما دام هو يعرف صواب نفسه أما إذا سبح به واحد وبعد تسبيحه غلب على ظنه أن الذي سبح به مصيب فحينئذٍ يرجع لأن البناء على غالب الظن جائز ولأن هذا يقع كثيراً أحياناً يمضي الإمام على أنه لم يكمل صلاته فإذا سبح به أحد شك في أمره ورجح قول من سبح به. القارئ: وإن سبح به من يعلم فسقه لم يرجع لأن خبره غير مقبول.

الشيخ: كيف يسبح به من يعلم فسقه؟ يعلم ذلك بصوته يكون هذا الرجل الذي معهم في الجماعة يكون معروفاً بالفسق ويعرف الإمام صوته فيقول المؤلف رحمه الله إنه لم يرجع لأنه خبره غير مقبول والحكم والتعليل كلاهما غير صحيح أما قوله لم يرجع فهذا على إطلاقه فيه نظر لماذا لأن الإنسان الذي معك في الصلاة لا يمكن أن يسبح بشيء يعلم أنه خطأ لأن خطأ الإمام سوف يعود على صلاته هو أيضاً فيبعد جداً أن يخبر بما يخالف الواقع ولو كان فاسقاً أعرفتم فالفاسق إذا سبح بالإمام بعيد جداً أن يقصد بذلك تغرير الإمام لأنه إذا غر الإمام فقد أضر نفسه والرجل جاء يصلي يؤدي فريضة كيف يقدم على شيء يضر نفسه إذا غرر بإمامه وأما التعليل فقوله إن خبر الفاسق غير مقبول يرده قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) ولم يقل فردوه فخبر الفاسق يتبين فيه الإنسان قد يكون صحيحاً وخبر العدل مقبول فكوننا نقول إن خبره غير مقبول هذا ليس بصحيح بل خبر الفاسق مما يجب التبيّن فيه وعلى هذا فإذا سبح به فاسق يبقى النظر هل الواحد يكفي أو لابد من اثنين؟ إذا قلنا لابد من اثنين فسبح به فاسقان فإنه يرجع إلى قولهما لأنه يبعد جداً أن يقولا في هذا المكان ما ليس بصحيح وكم من إنسان فاسق في عمل من الأعمال ويكون في الصلاة من أحسن الناس كم من إنسان يشرب الدخان مثلاً والإصرار على شرب الدخان فسق أو يحلق اللحية وحلق اللحية فسق ومع ذلك تجده في الصلاة من أحسن الناس حتى إننا نعرف أناساً يشربون الدخان مصرين عليه يقومون الليل ولا تفوتهم الجماعة بل لا يفوتهم المكان الأفضل في الصف فهل مثل هؤلاء نقول لا نقبل خبرهم في أمر يتعلق بالصلاة هذا من أبعد ما يكون. القارئ: وإن افترق المأمومون طائفتين سقط قولهم لتعارضه عنده.

الشيخ: وإذا سقط قولهم ماذا يفعل؟ يرجع إلى ما عنده إلى ما في نفسه يعني يكون كأنه لم يسبح به أحد وظاهر كلامه وكلام غيره أنه لا يرجح أحد على أحد والصحيح أنه يرجح فإذا كان يعرف أصواتهم فإنه يرجح من يغلب على ظنه أنهم أقرب إلى الصواب وصورة هذه قال له من وراءه سبحان الله وهو جالس فلما هم بالقيام قال الآخرون سبحان الله يعني لا تقم فالآن اختلفوا عليه ولا نكون كالعامي الذي قال له أحدهم سبحان الله فقام فقال الآخرون سبحان الله فقعد فقال الآخرون سبحان الله فاضطجع. القارئ: وإن نسي التشهد الأول فسبحوا به بعد انتصابه قائماً لم يرجع ويتابعونه في القيام لما روى زياد بن علاقة قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتين وسلم وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد. الشيخ: في الحديث إشكال وهو قوله سلم وسجد سجدتين لكن قد يقال إن الواو لا تستلزم الترتيب لأن مثل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن بحينة أنه سجد قبل أن يسلم. السائل: لو سبح للإمام باسمه قال سبحان الله يا فلان؟ الشيخ: لن يقول هذا إلا جاهل وإذا تكلم جاهلاً فإن صلاته صحيحة. السائل: لو سبح به اثنان أو أكثر وأجزم صواب نفسه فماذا يفعل؟ الشيخ: إذا جزم بصواب نفسه لا يرجع لقول أحد كائناً من كان وإن غلب على ظنه رجحان قول الرجلين يتبع الرجلين. القارئ: فإن رجع بعد شروعه في القراءة لم يتابعوه لأنه خطأ فإن سبحوا به قبل قيامه لزمه الرجوع فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه لأنه ترك واجباً تعين عليهم فلم يجز لهم اتباعه في تركه وإن ذكر التشهد قبل انتصابه فرجع إليه بعد قيام المأمومين وشروعهم في القراءة لزمهم الرجوع لأنه رجع إلى واجب فلزمهم متابعته ولا عبرة بما فعلوه قبله.

الشيخ: لكن هذا نادر هذا لا يمكن يقع إلا لقوم سبقوه يعني هو لما أراد أن يقوم عن التشهد الأول وإذا هم قاموا وشرعوا في القراءة قبل أن يستتم قائماً هذا بعيد وهم إذا تعمدوا ذلك وسبقوه هذا السبق بطلت صلاتهم لأنهم فعلوا محرماً يتعلق بالعبادة لكن إن وقعت عن جهل وسبقوه وكان الإمام مثلاً ثقيلاً لا يقوم إلا ببطء ثم شرعوا في القراءة فهو إذا لم يكن انتصب قائماً يجب عليه الرجوع والحاصل أن من قام عن التشهد الأول فله حالات: الحالة الأولى أن لا يستتم قائماً فيلزمه الرجوع وفي هذه الحال هل يلزمه سجود السهو أو لا يلزمه؟ نقول إن لم يقم قياماً يفارق به حد القعود فإنه لا سجود عليه وإن قام قياماً يخرج به عن حد القعود وضبطه بعضهم بأن تفارق إليتاه عقبيه فإنه يلزمه سجود السهو لأنه زاد في الصلاة هذا متى؟ إذا كان لم يستتم قائماً وقيل إنه لا سهو عليه إذا رجع قبل أن يستتم قائماً لأن النهوض ليس ركناً مقصوداً بنفسه فإذا نهض لم يعتبر هذا زيادة فلا سجود عليه. الحالة الثانية أن يستتم قائماً قبل أن يشرع في القراءة ففي هذه الحال اختلف العلماء هل يحرم الرجوع أو يكره؟ المذهب أنه يكره ولا يحرم وعليه فلو رجع لم تبطل صلاته والقول الثاني أنه يحرم وعليه فلو رجع لبطلت صلاته هذا إذا استتم ولم يشرع. الحالة الثالثة أن يشرع في القراءة بعد أن يستتم قائماً ففي هذه الحال لا يرجع فإن رجع بطلت صلاته والراجح أنه إذا استتم قائماً لا يرجع وإن رجع عمداً وهو عالم بتحريم الرجوع بطلت صلاته وإلا لم تبطل.

وقول المؤلف فيه أيضاً هذه الفائدة العظيمة إذا سبحوا به قبل قيامه لزمه الرجوع فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه يعني كلام المؤلف يدل على أنهم لا يقومون لأنه ترك واجباً فلا يتركونه معه فيتشهدون لأنفسهم ويتابعونه وفي هذه الحال في الغالب أنه سيتم الفاتحة قبل أن يقوموا فيقومون فإن قلنا بأن الفاتحة ليست واجبة على المأموم ركعوا معه وإن لم يقرؤوا الفاتحة وإذا قلنا بوجوبها لزمهم قراءتها ثم يستمرون في متابعته والصواب أن الفاتحة ركن وأنهم إذا قاموا في هذه الحال يلزمهم إتمام الفاتحة لكن يسرعون فيها وكذلك يسرعون في الركوع ليدركوا الإمام في السجود. القارئ: النوع الثاني زيادة من غير جنس الصلاة كالمشي والحك والتروح فإن كثر متوالياً أبطل الصلاة إجماعا. الشيخ: المشي واضح والحك واضح والتروح أنه يقف مرة على رجل ومرة على رجل أخرى. القارئ: وإن قل لم يبطلها لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع إذا قام حملها وإذا سجد وضعها متفق عليه وروي عنه أنه فتح الباب لعائشة وهو في الصلاة. ولا فرق بين العمد والسهو فيه لأنه من غير جنس الصلاة ولا يشرع له سجود لذلك واليسير ما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيما رويناه ومثل تقدمه وتأخره في صلاة الكسوف والكثير ما زاد على ذلك مما عد كثيراً في العرف فيبطل الصلاة إلا أن يفعله متفرقا. الشيخ: لكن هذا النوع من الأفعال إذا دعت الضرورة إليه صار مباحاً لا يبطل الصلاة لقول الله تبارك وتعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) ومعلوم أن الرجال إذا كانوا هاربين من عدوهم سوف تكثر حركاتهم وكذلك لو صارعه سبع وهو في الصلاة واحتاج إلى عمل كثير أو هاجمته حية واحتاج إلى عمل كثير فإنه لا تبطل صلاته في هذه الحال لأن هذه ضرورة تبيح المحرم.

السائل: قلنا إن الإمام إذا زاد ركعة في الصلاة وسبح به المأمومون ولم يرجع فإنهم يفارقونه لو قال قائل مستدلاً بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وقياساً على سقط التشهد الأول فإنهم يتابعونه في الزيادة؟ الشيخ: ما يصلح هذا القياس لا يصح لأنه في التشهد الأول تركوا شيئاً ما زادوا ثم تركوا واجباً والواجب يسقط في السهو وأما العموم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) بين هذا أما إذا تعدى الحدود فلا طاعة له (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فلو صلى ست نقول لا تتابعوه. السائل: ذكرنا أنه لو زاد الإمام في الصلاة خامسة يجب على المأمومين عدم المتابعة لكن بعض العلماء قال يجب المتابعة مستدلاً بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خمساً فتابعوه الصحابة رضوان الله عليهم فكيف؟ الشيخ: اقرأ آخر الحديث فقالوا أزيد في الصلاة فسموها زيادة وقت الرسول وقت تشريع الزيادة محتملة ولهذا قالوا في قصة ذي اليدين قالوا قصرت الصلاة أما في وقتنا بعد موت الرسول لا يمكن فالصحابة هم تابعوه جاهلين يظنون أن الصلاة صارت خمساً لكن نحن الآن نعلم أن هذه الخامسة زائدة ونعلم أن حكم الزيادة حرام. السائل: سبحوا به فلم يرجع في التشهد الأول فماذا يفعلون؟ الشيخ: إن كان بعد قيامه فهو لا يجوز أن يرجع ويقومون معه وأما ما ذكرناه أنهم يتشهدون ثم يدركونه هذا إذا سبحوا به قبل القيام قبل أن يستتم ولم يرجع لأنه في هذه الحال يجب عليه الرجوع فلا يكون لهم عذر في متابعته لأن فعله حرام، إن سبحوا به قبل قيامه لزمه الرجوع فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه.

القارئ: النوع الثالث الأكل والشرب متى أتى بهما في الفريضة عمداً بطلت لأنهما ينافيان الصلاة، والنافلة كالفريضة وعنه لا يبطلها اليسير والأُولى أولى لأن ما أبطل الفريضة أبطل النافلة كالعمل الكثير وإن فعلهما سهواً وكثر ذلك بطلت الصلاة لأنه عمل كثير وإن قل فكذلك لأنه من غير جنس الصلاة فسوي بين عمده وسهوه كالمشي وعنه لا تبطل لأنه سوى بين قليله وكثيره في العمد فعفي عنه في السهو كالسلام فعلى هذا يسجد له لأنه تبطل الصلاة بعمده وعفي عن سهوه فيسجد له كجنس الصلاة.

الشيخ: إذاً الأكل والشرب ذكر المؤلف رحمه الله أنهما مبطلان للصلاة وهذا صحيح أولاً لأنهما يحتاجان إلى عمل كثير في الغالب وثانياً أنهما ينافيان الصلاة تماماً ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا صلاة بحضرة طعام) ولو كان الأكل لا يبطل الصلاة لقلنا كل وأنت تصلي فلما قال (لا صلاة بحضرة طعام) علم أن الأكل يبطل الصلاة وهو واضح لكن اليسير من الأكل مثل إنسان معه حمصة وهو يصلي فأكلها أو فنجال شاي مثلاً بقي نصفه وخاف يبرد عليه قبل يسلم وشربه فهل يبطلها أو لا؟ يقول وعنه لا يبطلها اليسير أي لا يبطل النافلة وأما الفريضة فيبطلها اليسير والكثير وفصّل بعضهم مفرقاً بين الأكل والشرب فقال الأكل مبطل للصلاة فرضها ونفلها كثيره وقليله وأما الشرب فيسيره لا يبطل النفل ويبطل الفرض وهذا هو المشهور عند المتأخرين من الحنابلة وفرقوا بينهما بأنه روي عن الزبير بن العوام أو عبد الله بن الزبير أنه كان يشرب في النافلة وبأن النافلة أخف حكماً من الفريضة وبأن النافلة قد تطول فيحتاج الإنسان إلى الشرب اليسير فيها ولا سيما في أيام الصيف والذي يظهر أنه لا فرق بين الصلاتين الفريضة والنافلة لأن ما أبطل الفريضة أبطل النافلة إذ أن الأصل تساويهما في الأحكام ولكن قد يقال إن الشيء اليسير الذي لا ينافي الصلاة لا يبطلها إذا كان سهواً لأنه عمل يسير ولم يخرج الصلاة عن هيئتها وحقيقتها ووقع سهواً فعلى هذا القول يفرق بين اليسير والكثير والسهو والعمد. القارئ: ومن ترك في فيه ما يذوب كالسكر وابتلع ما يذوب منه فهو أكل وإن بقي في فمه أو بين أسنانه يسير من بقايا الطعام يجري به الريح فابتلعه لم تفسد صلاته لأنه لا يمكنه التحرز منه وإن ترك في فيه لقمة لم يبلعها لم تبطل صلاته لأنه عمل يسير ويكره لأنه يشغل عن خشوعها وقراءتها فإن لاكها فهو كالعمل إن كثر أبطل وإلا فلا.

الشيخ: هذه مسألة ما يكون في فمه ما يذوب كالسكر والحلاوة وما أشبه ذلك حكمه كالأكل كما قال رحمه الله وأما ما يبقى بين أسنانه من اللحم أو قشور التمر ويحس بطعمه فقط دون أن يكون له جرم ينزل إلى المعدة فإن هذا لا يضر وذلك لمشقة التحرز منه ولكن إذا كان ما بين أسنانه من لحم الإبل وابتلعه فإنه ينقض وضوءه وحينئذٍ تبطل صلاته لانتقاض الوضوء ثم ذكر المؤلف ما لو ترك الإنسان في فمه لقمة لكنه لم يبتلعها فما الحكم يقول هذا لا يضر لكنها تشغل الإنسان في الواقع وتمنعه من إجادة القراءة وهذا لا يقع اللهم إلا فيما لو أن شخصاً وضع في فمه خبزة ثم قام يصلي فلما رآه صاحبه يريد أن يمضغها قال له لا تمضغها وتأكلها فتبطل صلاتك فحينئذٍ يمسك عليها في فمه حتى يصلي ولكن نقول إن هذا وإن كان لا يبطل الصلاة لكنه يكره أقل أحواله الكراهة لأنه سوف يشغلك ويمنعك من أن تأتي بالحروف على وجهها والحمد لله الأمر يسير أخرجها من فمك فإن كان مما يمكن تداركه فأنت سوف تدركه فيما بعد وإن كان مما لا يمكن انتهى وقته فإن لاكها يعني جعل يلوكها يديرها في فمه أو يمضغها فهذا حكمه حكم العمل إن كثر بطلت الصلاة به وإلا فلا ومن هنا نعرف أن حركة اللسان في الفم لغير الكلام تعتبر من الحركة يعني لا تظن أن الحركة هي حركة اليد فقط أو الرجل أو العين حتى حركات اللسان وأعظم من ذلك حركات القلب وانصرافه يميناً وشمالاً كما يوجد عند كثير من الناس إذا دخل في الصلاة سافر قلبه إلى البوسنة والهرسك إلى أمريكا إلى روسيا أو إلى أقرب من هذا إلى الرياض مثلاً وهو في القصيم أو إلى مكة أو يحضر دروس بعض المشايخ هذا في قلبه فقط كل هذا من الشيطان نسأل الله أن يعيننا عليه ويعيذنا منه والله أعلم. فصل القارئ: القسم الثاني النقص وهو ثلاثة أنواع أحدها ترك ركن كركوع أو سجود فإن كان عمداً أبطل الصلاة وإن كان سهواً فله أربعة أحوال أحدها.

الشيخ: أحدها، صواب التعبير الفصيح أن يقال إحداها لأنه كما قلنا أولاً حال مذكر لفظاً مؤنث معنى. القارئ: إحداها لم يذكره حتى سلم وطال الفصل فتفسد الصلاة لتعذر البناء مع طول الفصل الثاني ذكره قريباً من التسليم. الشيخ: يعني وماذا يصنع؟ يعيد الصلاة من أولها. القارئ: الثاني ذكره قريباً من التسليم فإنه يأتي بركعة كاملة لأن الركعة التي ترك الركن منها بطلت بتركه والشروع في غيرها فصارت كالمتروكة. الثالث ذكر المتروك قبل شروعه في قراءة الركعة الأخرى فإنه يعود فيأتي بما تركه ثم يبني على صلاته فإن سجد سجدة ثم قام قبل جلسة الفصل فذكر جلس للفصل ثم سجد ثم قام وإن ترك السجود وحده سجد ولم يجلس لأنه لم يتركه ولو جلس للاستراحة لم يجزئه عن جلسة الفصل لأنه نوى بجلوسه النفل فلم يجزئه عن الفرض كمن سجد للتلاوة لم يجزئه عن سجود الصلاة ويسجد للسهو فإن لم يعد إلى فعل ما تركه فسدت صلاته لأنه ترك الواجب عمداً إلا أن يكون جاهلا الحال الرابع جلس بعد شروعه في قراءة الفاتحة في ركعة أخرى. الشيخ: الصواب قول الحال الرابعة لكن كما قلت لكم الفقهاء يتساهلون. القارئ: الحال الرابعة ذكر بعد شروعه في قراءة الفاتحة في ركعة أخرى فتبطل الركعة التي ترك ركنها وحدها ويجعل الأخرى مكانها ويتم صلاته ويسجد بعد السلام.

الشيخ: كل ما ذكره المؤلف رحمه الله في هذه المسألة فهو صحيح إلا الحال الرابعة إذا ذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى فالصواب أنه يرجع ما لم يصل إلى المتروك في الركعة الثانية فإن وصل إلى المتروك في الركعة الثانية قامت الثانية مقام الأولى التي ترك منها هذا واضح ففي المثال الذي ذكر لو قام من السجدة الأولى في الركعة الثانية لو قام حتى شرع في القراءة فعلى كلام المؤلف تكون هذه الركعة الثالثة هي الثانية وعلى القول الذي الذي اخترناه نقول يرجع ويجلس جلسة الفصل وهي جلسة بين السجدتين ويسجد ثم يجلس للتشهد ثم يكمل صلاته ووجه ذلك أن ما فعله قبل أن يسجد السجدة الثانية فعله في غير محله فإذا فعله في غير محله وذكر وجب عليه أن يرجع ولا يستمر في الزيادة ولا يمكن أن نبطل الركعة التي ترك منها هذه السجدة لأنه لا وجه لإبطالها وعلى كلام المؤلف نبطلها وتكون الركعة الثانية بدلاً عنها فعلى رأينا نقول حتى لو ركع ولم يذكر أنه نسي السجود إلا بعد أن قال سمع الله لمن حمده نقول له ارجع فاجلس للفصل ثم اسجد ثم استمر. السائل: المأموم إذا فاته ركن بسبب نعاس أو غيره ماذا يفعل؟ الشيخ: إذا فاته شيء من أجل النعاس أو شبهه يأتي به ويلحق الإمام ولا يسجد سجود السهو إلا إذا فاته شيء إن كان فاته شيء يسجد للسهو. السائل: إذا ترك ركن في الركعة الثانية بعد انتهائه من الصلاة ماذا يفعل؟ الشيخ: هو الآن لما انتهى من الصلاة ذكر أنه ترك في الركعة الثانية ركناً نقول صارت الثالثة مكانها وصارت الرابعة مكان الثالثة فيأتي الآن بالرابعة ويتشهد ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام. القارئ: وإن ترك ركنين من ركعتين أتى بركعتين مكانهما فإن ترك أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة تصح له الركعة الرابعة ويأتي بثلاث ركعات ويسجد للسهو وعنه أن صلاته تبطل لأنه يفضي إلى عمل كثير غير معتد به.

وإن ذكر وهو في التشهد أنه ترك سجدة من الرابعة سجد في الحال ثم تشهد وسجد للسهو فإن لم يعلم من أي الركعات تركها جعلها من ركعة قبلها ليلزمه ركعة وإن ذكر في الركعة أنه ترك ركناً لم يعلم أركوع هو أم سجود؟ جعله ركوعا ليأتي به ثم ما بعده كيلا يخرج من الصلاة على شك. النوع الثاني ترك واجباً غير ركن عمداً كالتكبير غير تكبيرة الإحرام وتسبيح الركوع والسجود بطلت صلاته إن قلنا بوجوبه وإن تركه سهواً سجد للسهو قبل السلام لما روى عبد الله بنُ مالكٍ اْبنُ بحينة. الشيخ: الصحيح لما روى عبد الله بنُ مالكٍ ابنُ بحينة لأن بحينة ما هي بجده، بحينة أمه فيكون هذا الذي الرجل مكنن بكنيتين بكنية أبيه وكنية أمه ولهذا ينون أيضاً مالك فيقال بن مالكٍ ابنُ بحينة وأيضاً يجعل همزة الوصل همزة ابن بين مالك وبين ابنُ بحينة ونظير ذلك عبد الله بن أبي بن سلوم تقول عبد الله بنُ أبيٍّ ابنُ سلوم لأن سلوم أمه، والحاصل أن ابن الثانية إذا كانت مضافة إلى الجد فهي تكون بالجر ويكون الأول غير منون إن كانت مضافة إلى الأم فكما سمعتم يعني تختلف عن الأولى من ثلاثة أوجه الوجه الأول تنوين الاسم الذي قبله والثاني أنه يعرب بإعراب الاسم الأول والثالث أنه يوضع بينه وبين الاسم الذي قبله همزة الوصل لازم يكتب همزة وصل مثل عبد الله بنُ عمر بنِ الخطاب لكن عبد الله بنُ مالك ابنُ بحينة أي وإعراب بنُ بحينة بالرفع على أنه بدل ثاني مثل بنُ مالك. القارئ: لما روى عبد الله بن مالكٍ ابنُ بحينة قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فقام في الركعتين فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم متفق عليه فثبت هذا بالخبر وقسنا عليه سائر الواجبات.

الشيخ: هذه المسألة دائماً يقولون لا قياس في العبادات وأحياناً يقيسون وهذا يوجب الإشكال فنقول أولاً هذه القاعدة ليست مطردة وثانياً أن مرادهم بالقياس الممنوع في العبادات أن تقيس عبادة أصلا على عبادة أخرى وأما قياس واجب في عبادة أو صفة في عبادة أو ما أشبه ذلك فإن الفقهاء يستعملونها كثيراً فمثلاً قالوا تجب التسمية في التيمم عن الحدث الأصغر كما تجب التسمية في الوضوء قياساً وقالوا تجب التسمية عند الغسل كما تجب عند الوضوء قياساً أيضاً وهذا كثير ومنه هذه المسألة الآن هذه المسألة لم ترد لترك النبي صلى الله عليه وسلم تكبيرة أو تسميعاً إنما هو ترك التشهد الأول فقاسوا عليه بقية الواجبات وهو قياس جلي ليس فيه إشكال لأن الحكم واحد كل الواجبات إذا تركها الإنسان عمداً بطلت صلاته فإذا تركها سهواً فينبغي أن يقاس ما لم يرد به النص على ما ورد به النص ونقول إذا تركه سهواً وجب عليه سجود السهو. السائل: قول المؤلف (إن ترك أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة تصح له الركعة الرابعة، ... وعنه أن صلاته تبطل)، ما هو الصحيح لا سيما أن هذا عمل كثير فتكون سبع ركعات؟ الشيخ: والله إذا نظرنا إلى العفو عن السهو قلنا لا فرق بين القليل والكثير وإذا نظرنا إلى أن هذا سيغير الصلاة تغييراً فاحشاً قلنا إن القول بأنه يستأنف الصلاة أقرب ولا شك أنه إذا استأنف الصلاة فهو أحوط بلا شك.

القارئ: وإن ذكر التشهد قبل انتصابه قائما رجع فأتى به وإن ذكره بعد شروعه في القراءة لم يرجع لذلك لأنه تلبس بركن مقصود فلم يرجع إلى واجب وإن ذكره بعد قيامه وقبل شروعه في القراءة لم يرجع أيضاً لذلك ولما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائماً فليجلس فإن استتم قائماً لم يجلس ويسجد سجدتي السهو) رواه أبو داود وقال أصحابنا وإن رجع في هذه الحال لم تفسد صلاته ولا يرجع إلى غيره من الواجبات لأنه لو رجع للركوع لأجل تسبيحة لزاد ركوعاً في صلاته وأتى بالتسبيح في ركوع غير مشروع. النوع الثالث ترك سنة فلا تبطل الصلاة بتركها عمداً ولا سهوا ولا سجود عليه لأنه شرع للجبر فإذا لم يكن الأصل واجباً فجبره أولى ثم إن كان المتروك من سنن الأفعال لم يشرع له سجود لأنه يمكن التحرز منه وإن كان من سنن الأقوال ففيه روايتان أحدهما لا يسن له السجود كسنن الأفعال والثانية يسن لقوله عليه الصلاة والسلام (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين). فصل القارئ: القسم الثالث الشك وفيه ثلاث مسائل: إحداهن شك في عدد الركعات ففيه ثلاث روايات: إحداهن يبني على غالب ظنه ويتم صلاته ويسجد بعد السلام لما روى ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين) متفق عليه وللبخاري (بعد التسليم). الثانية يبني على اليقين لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان) رواه مسلم.

والرواية الثالثة يبني الإمام على غالب ظنه والمنفرد على اليقين لأن الإمام له من يذكره إن غلط فلا يخرج منها على شك والمنفرد يبني على اليقين لأنه لا يأمن الخطأ وليس له من يذكره فلزمه البناء على اليقين كي لا يخرج من الصلاة شاكاً فيها وهذا ظاهر المذهب الشيخ: النوع الثالث من الزيادة والترك: النوع الثالث ترك سنة فهذا كما قال المؤلف لا يجب له السجود لأن السجود إنما يجب لما يبطل تعمده الصلاة ومعلوم أن ترك السنن لا يبطل الصلاة لكن هل يسن له السجود؟ ينبغي أن يقال إن كان من عادته أن يفعل هذه السنة ونسيها سجد وإن لم يكن من عادته أن يفعلها فلا يسجد لأنه لو ذكر لم يفعلها وكذلك يقال في الترك أما الزيادة فإنه سبق أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه فإنه يسن له سجود السهو. المسألة الثانية مسألة الشك والشك ذكر المؤلف رحمه الله أن فيه ثلاث روايات: الأولى يبني على اليقين بكل حال. والثانية يبني على الظن. والثالثة يفرق بين الإمام وغيره فالإمام يبني على الظن أو على غالب ظنه والمنفرد يبني على اليقين قال المؤلف إن هذا ظاهر المذهب ولكن المذهب عند المتأخرين أنه يبني على اليقين مطلقا والصواب أن يقال يؤخذ بما دلت عليه السنة فإذا كان عنده ظن غالب أخذ به وإن تساوى عنده الأمران بنى على اليقين وهو ظاهر من لفظ الحديث الأول حديث ابن مسعود (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه) وكلمة (فليتحر) تدل على أن عنده ظناً لأن من ليس عنده ظن فإنه لا يتحرى فإذا كان عنده ظن غالب عمل به سواء في الزيادة أو في النقص وإن لم يكن عنده ظن عمل باليقين وهو الأقل مثال الأول شك رجل هل هذه الركعة هي الثالثة أو الثانية وغلب على ظنه أنها الثالثة فماذا يصنع يجعلها الثالثة ويأتي برابعة فقط لم يغلب على ظنه أنها الثالثة يجعلها الثانية هذا هو الذي دلَّ عليه حديث أبي سعيد وحديث ابن مسعود.

بقي بحث آخر في الموضوع متى يسجد للسهو هل هو قبل السلام أو بعده؟ نقول أما في الحال الأولى أي في حال بنائه على غالب ظنه فإنه يسجد بعد السلام وأما في الثانية إذا تردد بدون غلبة ظن فيسجد قبل السلام وهذا أيضاً يدل عليه الحديثان حديث ابن مسعود (فليتم عليه ثم يسجد سجدتين) ومعلوم أنه لا يتم الإتمام عليه إلا إذا سلم وللبخاري (بعد التسليم) وهو صريح في أنه يسجد بعد السلام أما الثاني حديث أبي سعيد فإنه قال (ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم) فصار الآن لنا في هذه المسألة نظران في الشك:

أولاً هل يبني على اليقين مطلقاً أم على غلبة ظنه مطلقاً أم يفرق بين الإمام وغيره؟ في المسألة عن الإمام أحمد ثلاث روايات والصحيح في هذه المسألة أن نقول إذا كان لديه غلبة ظن بنى على غالب ظنه سواء كان الإمام أو المأموم أو المنفرد، الإمام والمنفرد واضح، المأموم كيف يبني على غالب ظنه؟ يشك هل دخل مع الإمام في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية وإذا شك هذا الشك معناه أنه تردد هل صلى ثلاثاً أم أربعة أو يدخل مع الإمام والإمام راكع ثم يرفع رأسه الإمام ويقول سمع الله لمن حمده ولا يدري هل أدرك الإمام في الركوع أم أن الإمام رفع قبله فنقول إن كان عند الشاك غلبة ظن فليبن على غلبة ظنه ويسجد بعد السلام كما دل عليه حديث ابن مسعود وإذا كان ليس عنده غلبة ظن بنى على اليقين ويسجد قبل السلام كما دل عليه حديث أبي سعيد ولا فرق بين الإمام والمأموم والمنفرد لأن التفريق بين حالة غلبة الظن أو الشك والتردد ظاهر في الحديثين فإن قال قائل ما الحكمة في أنه إذا غلب على ظنه يكون السجود بعد السلام؟ وإذا كان شاكاً بدون غلبة ظن يكون قبل السلام؟ قلنا الحكمة ظاهرة لأنه إذا بنى على غالب ظنه فقد اتقى الله ما استطاع والعبادة في حقه تامة فلا ينبغي أن يدخل في الصلاة سجوداً زائداً فلهذا صار السجود بعد السلام أما إذا تردد بدون ترجيح فإن هذا الشك ينقص في الصلاة وهو سيبني على اليقين وإذا بنى على اليقين فهو سيحتاط وإذا كان ينقص الصلاة كان من الحكمة أن يجبر هذا النقص قبل أن تنتهي صلاته كما لو ترك التشهد الأول ناسياً فإنه يسجد قبل السلام جبراً للصلاة قبل انتهائها فالحكمة في هذا واضحة ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم علل قال (إن كان صلى خمساً _ في مسألة الشك بدون ترجيح _ شفعن صلاته وإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان) ينبني على هذا التعليل ما لو تيقن أنه مصيب فيما فعل هل عليه السجود أو لا؟ يعني بنى على اليقين وتبين له قبل

أن يسلم أنه مصيب فيما فعل فهل يلزمه السجود؟ مثال ذلك شك في صلاة الظهر هل صلى ثلاثاً أو أربعاً بدون ترجيح نقول له اجعلها ثلاثاً فجعلها ثلاثاً ولما جلس للتشهد الأخير تبين له أنه لم يزد في الصلاة وأن فعله صواب فهل عليه السجود أو لا؟ ننظر الحديث (إن كان صلى خمساً شفعن صلاته وإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان) فبعض العلماء قال لا يسجد إذا تبين أنه مصيب فيما فعله فإنه لا يسجد لأن سجود السهو جبر للنقص وقد تبين أن لا نقص وهذا هو المذهب أنه إذا تبين أنه مصيب فيما فعل فلا سجود عليه والقول الثاني عليه السجود ووجهه أنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها فكان لا بد من جبر هذا النقص لأنه حينما أتى بالثالثة مثلاً فهو شاك وكذلك إذا قدرنا أنه لم يزد وأنه ترجح عنده أنها كاملة نقول هذا التردد الذي حصل يجبر بسجود السهو ولكن يكون السجود بعد السلام والاحتياط أن يسجد وإن ترك لم نقل إنه آثم لأن الدليل ليس ظاهراً فيه. السائل: ترك الأفعال المسنونة علل بعلة لأنه يمكن التحرز منه وفي الأقوال استدل بدليل عام (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) فرَّق بين الأفعال والأقوال بالتعليل فهل هناك فرق؟ الشيخ: أقول لا فرق والتعليل عليل فالفعل يمكن التحرز منه إذا استحضر الإنسان أنه في صلاة يمكن التحرز منه والقول نفس الشيء لكن السجود ليس بواجب في الأمرين. السائل: جلس المأموم مع الإمام في التشهد الأخير فنسي المأموم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم الإمام وسلم معه ماذا يفعل؟ الشيخ: إذا قلنا بأن الصلاة على النبي ركن وجب عليه أن يعود في صلاته ويقرأ الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم يسلم ويسجد للسهو بعد السلام وإذا قلنا أنها سنة وليست بركن فلا حاجة أن يرجع وإذا قلنا أنها واجب فلا حاجة أن يرجع لكن عليه سجود السهو لترك الواجب وعلى كل حال إذا سجد فهو جيد.

السائل: الذي يسجد قبل السلام فسجد سجدتين للنقص ثم رفع رأسه من السجود فهل له أن يتشهد مرة أخرى؟ الشيخ: لا إذا كان السجود قبل السلام ما فيه إشكال لأنه سوف يسجد بعد انتهاء التشهد وقبل السلام لكن إذا كان السجود بعد السلام ففيه قولان للعلماء منهم من قال لا تشهد عليه وهو الصحيح ومنهم من قال عليه التشهد. القارئ: المسألة الثانية شك في ركن الصلاة فحكمه حكم تاركه لأن الأصل عدمه. المسألة الثالثة شك فيما يوجب سجود السهو من زيادة أو ترك واجب ففيه وجهان أحدهما لا سجود عليه لأن الأصل عدم وجوبه فلا يجب في الشك. الثاني أنه إن شك في زيادة لم يسجد لأن الأصل عدمها وإن شك في ترك واجب لزمه السجود لأن الأصل عدمه وإنما يؤثر الشك إذا وجد في الصلاة فإن شك بعد سلامها لم يلتفت إليه لأن الظاهر الإتيان بها على الوجه المشروع ولأن ذلك يكثر فيشق الرجوع إليه فسقط وهكذا الشك في سائر العبادات بعد فراغه منها. الشيخ: المسألة الثالثة شك فيما يوجب السجود سجود السهو من زيادة أو ترك واجب ففيه وجهان أحدهما لا سجود عليه لأن الأصل عدم وجوبها فلا تجب بالشك وهذا في الزيادة واضح أنه لا سجود عليه لأن الأصل عدمها مثال ذلك هو في التشهد الأخير الآن شك هل صلى خمساً أو هذه هي الرابعة نقول لا سجود عليه لماذا؟ لأن الأصل عدم الزيادة فلا يلتفت لهذا الشك يستثنى من هذا ما إذا شك في الزيادة وقت فعلها يعني في الركعة الأخيرة شك هذه الخامسة أو الرابعة وقد سبق قبل قليل فإنه يجب عليه سجود السهو لأنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها.

المسألة الثانية شك في ترك واجب قال لا أدري هل أنا تشهدت التشهد الأول أم لا؟ فيقول المؤلف فيه وجهان يقول أحدهما لا سجود عليه لأنه شك في وجود سبب الوجوب والأصل عدمه فترك التشهد الأول سبب لوجوب سجود السهو وهو الآن شك هل وجد هذا السبب أم لا والأصل عدمه وعلى هذا إذا شك هل تشهد التشهد الأول أم لا نقول لا شيء عليك ما لم تتيقن أنك تركته لماذا لأنه شك في وجود سبب الوجوب والأصل عدمه. وقيل بل عليه أن يسجد لماذا؟ قال لأن الأصل عدم فعل الواجب فيلزمه أن يسجد للسهو والمثال هو ما ذكرناه الآن شك هل تشهد التشهد الأول أم لا نقول يجب عليك سجود السهو لماذا؟ لأن الأصل عدم فعله الأصل عدم التشهد فيلزمه والصحيح في المسألة الثانية أنه يلزمه السجود إذا شك هل تشهد التشهد الأول أو لا فإنه يلزمه أن يسجد لأن الأصل عدم الفعل وهذا واضح وفيه أيضاً نبه المؤلف رحمه الله إذا شك بعد السلام فإنه لا يلتفت لهذا الشك لأنه شك بعد فراغ العبادة فلا يلتفت إليه إذ أن الأصل وقوع العبادة على وجه صحيح سليم ولأننا لو فتحنا هذا الباب لانفتح باب الوسواس وصار كل إنسان ينتهي من عبادة يشك هل أتمها أو لم يتمها فكان سد الباب أولى ولأنه يقول المؤلف يكثر فيشق الرجوع إليه فسقط وهذا يكثر عند الموسوسين الموسوس نسأل الله لنا ولكم العافية كلما فرغ من عبادة قال لعلي أنقصت. فصل القارئ: وسجود السهو لما يبطل عمده واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به ولأنه شرع لجبر واجب فكان واجباً كجبرانات الحج.

الشيخ: هذه قاعدة سجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب هذه القاعدة لكن بشرط أن يكون من جنس الصلاة أما إذا كان من غير جنسها كالكلام والأكل وما أشبه ذلك فهذا لا يبحث فيه في سجود السهو وإنما يبحث فيه في صحة الصلاة أو بطلانها فقوله لما يبطل عمده هذا وإن كان عاماً لكن يراد به ما كان من جنس الصلاة مثل ركوع سجود قيام قعود ترك ركن ترك واجب وما أشبه ذلك هذا هو الذي يجب السجود له أما ما لا يبطل عمده الصلاة فلا يجب السجود له مثل السنن، السنن لو تعمد الإنسان تركها فصلاته صحيحة أو رفع يديه في غير موضع الرفع أو تشهد في غير موضع التشهد لكن بدون جلوس مثل جلس لقول ربي اغفر لي فتشهد ناسياً ثم ذكر فقال ربي اغفر لي فهذا لا يوجب السجود لكن فيه الخلاف السابق. فصل القارئ: وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به ولأنه شرع لجبر واجب فكان واجباً كجبرانات الحج وجميعه قبل السلام لأنه من تمامها وشأنها فكان قبل سلامها كسجود صلبها إلا في ثلاثة مواضع: أحدها إذا سلم من نقصان في صلاته سجد بعد السلام لحديث ذي اليدين. الثاني إذا بنى على غالب ظنه سجد بعد السلام لحديث ابن مسعود.

الثالث إذا نسي السجود قبل السلام سجد بعده لأنه فاته الواجب فقضاه وعن أحمد أن جميعه قبل السلام إلا أن ينساه حتى يسلم وعنه ما كان من زيادة فهو بعد السلام لحديث ذي اليدين وما كان من نقصان أو شك كان قبله لحديث ابن بحينة وأبي سعيد فمن سجد قبل السلام جعله بعد فراغه من التشهد لحديث ابن بحينة فيكبر للسجود والرفع منه ويسجد سجدتين كسجدتي صلب الصلاة ويسلم عقيبهما وإن سجد بعد السلام كبر للسجود والرفع منه لحديث ذي اليدين ويتشهد ويسلم لما روى عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد وسلم وهذا حديث حسن ولأنه سجود يسلم له فكان معه تشهد كسجود صلب الصلاة فإن نسي السجود فذكره قبل طول الفصل سجد وإن تكلم وقال الخرقي يسجد ما لم يخرج من المسجد وإن تكلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام والكلام رواه مسلم وإن نسيه حتى طال الفصل أو خرج من المسجد على قول الخرقي سقط وعنه يعيد الصلاة وقال أبو الخطاب إن ترك المشروع قبل السلام عامدا بطلت صلاته لأنه ترك واجباً فيها عمدا فإن ترك المشروع بعد السلام عمداً أو سهواً لم تبطل صلاته لأنه ترك واجباً ليس منها فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج. الشيخ: هذا الفصل تضمن مسائل: المسألة الأولى متى يكون سجود السهو واجباً؟ والجواب ذكره في قوله سجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب فكل شيء إذا تعمدته أبطل الصلاة وهو من جنس الصلاة فإنه يجب السجود له وقولنا وهو من جنس الصلاة احترازاً مما لو تكلم في الصلاة فإن الكلام في الصلاة يبطل الصلاة فلو سها وتكلم فلا سجود فيه لكن على القول الراجح لا تبطل الصلاة وعلى المذهب تبطل الصلاة وقد سبق هذا إذاً لما يبطل عمده الصلاة إذا كان من جنسها مثل ركع مرتين أو سجد ثلاثاً أو جلس جلسة في غير محلها كل هذا يبطل الصلاة إذا تعمدها فإذا فعله سهواً وجب سجود السهو والتعليل كما ذكره المؤلف رحمه الله.

المسألة الثانية هل سجود السهو قبل السلام أو بعده؟ قال بعض العلماء إن هذا مما اختلفت فيه السنة فيفعل هذا مرة وهذا مرة يعني يسجد مرة قبل السلام ومرة بعد السلام وإن اقتصر على ما قبل السلام دائماً أو على ما بعده دائماً فلا حرج. والقول الثاني أنه قبل السلام مطلقا. والقول الثالث بعد السلام مطلقا. وذكر المؤلف رحمه الله أن محله كله قبل السلام إلا في ثلاث مسائل: الأولى إذا سلم عن نقص سواء كان النقص ركعة أو أقل مثال النقص عن ركعة سلم في الثالثة من الظهر مثال النقص عن أقل قام من السجدة الأولى في الركعة الأخيرة وتشهد وسلم النقص هنا ركعة أو أقل؟ أقل لأنه لم يترك إلا السجود والجلوس للتشهد فيسجد بعد السلام إذا كان عن زيادة إذا سلم عن نقص والسلام عن نقص هو في الحقيقة زيادة لأن الإنسان زاد سلاماً في غير محله. الثانية إذا بنى على غالب ظنه فيسجد بعد السلام لحديث ابن مسعود (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليبن عليه ثم ليسجد سجدتين بعد أن يسلم) وهذا فيما إذا شك مع الترجيح فإنه يبني على الراجح ويسجد بعد السلام. الثالث إذا نسي السجود قبل السلام سجد بعده وهذا واضح والصحيح في هذه المسألة أن سجود السهو إما عن زيادة وإما عن نقص فإن كان عن زيادة فبعد السلام لحديث عبد الله بن مسعود وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين فإن الرسول صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام فيهما ولأجل أن لا تجتمع زيادتان في الصلاة الزيادة التي سها فيها وسجود السهو وإن كان عن نقص ولا يتصور هذا إلا في ترك الواجب لماذا؟ لأنه إذا نقص ركناً صار كمن تركه فلابد أن يأتي به وبما بعده فإذا أتى به وبما بعده صار فيه زيادة إذاً النقص لا يكون إلا في ترك الواجب مثل ترك التشهد الأول ترك التسبيح في الركوع أو السجود ترك التكبير غير تكبيرة الإحرام وما أشبهها هذا يكون متى؟ قبل السلام فإذا نسيه أتى به بعد السلام.

الحال الثانية التي تكون قبل السلام إذا شك مع التساوي إذا شك في عدد الركعات ولم يترجح عنده شيء فإنه يبني على الأقل وإذا شك هل سجد مرتين أو مرة بنى على الأقل أيضاً وسجد قبل السلام من أجل أن لا يخرج من الصلاة إلا وقد جبرها هذا يكون قبل السلام وكذلك أيضاً يكون قبل السلام بترك الواجب ويكون بعد السلام في الزيادة وفي الشك إذا ترجح عنده الأمران فانحصر الآن في مسألتين قبل السلام ومسألتين بعد السلام هذا هو القول الراجح. المسألة الثالثة ذكر رحمه الله أنه إذا سجد بعد السلام فإنه يتشهد واستدل بالحديث الذي قال إنه حسن ولكن الله أعلم بحسنه بل في صحته نظر وحديث ذي اليدين صحيح أنه لم يتشهد وقياسه رحمه الله منتقض لأنه قال في القياس ولأنه سجود يسلم له فكان معه تشهد كسجود صلب الصلاة هذا لا شك أنه منتقض طرداً وعكساً أولاً سجود صلب الصلاة هل كل سجود بعده تشهد؟ ليس كل سجود بعده تشهد إذا قام إلى الثانية ليس فيه تشهد إذا قام إلى الرابعة في الرباعية ليس فيه تشهد ثم هو منتقض في سجود التلاوة على المذهب سجود التلاوة على المذهب فيه التكبير وفيه التسليم ومع ذلك ليس فيه التشهد وهو علل قال لأنه سجود يسلم له فكان فيه التشهد كسجود الصلاة فتبين أن هذا القياس منتقض لأن سجود التلاوة فيه التكبير وفيه التسليم ومع ذلك لا يشرع له التشهد. المسألة الرابعة إذا نسيه فهل يقضيه نقول إن كان الوقت قصيراً فليقضه وإن طال الفصل وعلى رأي الخرقي رحمه الله إن خرج من المسجد فإنه لا يسجد لأنه لم يتصل بالصلاة وقال شيخ الإسلام رحمه الله يسجد متى ذكر ولو طال الفصل لأن السجود لجبران الصلاة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فهذا إذا نسي نقول متى ذكرت فاسجد.

المسألة الخامسة لو تعمد ترك سجود السهو يعني تركه عمداً فهل تبطل الصلاة؟ يقولون رحمهم الله إن تعمد ترك ما قبل السلام بطلت صلاته لأنه نقص ما يجب أن يكون في الصلاة وإن تعمد ترك ما بعد السلام فإنها لا تبطل لأن ما بعد السلام كان بعد إنتهاء الصلاة وهو واجب لها وليس واجباً فيها بخلاف سجود السهو قبل السلام فإنه واجب فيها وترك الواجب للصلاة لا يبطل الصلاة بخلاف ترك الواجب فيها أفهمتم القاعدة هذه ترك الواجب للصلاة لا يبطل الصلاة وترك الواجب فيها يبطلها ولهذا لا تبطل الصلاة بترك الإقامة ولا بترك الأذان لأن هذا واجب للصلاة ولا بترك صلاة الجماعة على القول الراجح لأن ذلك واجب لها وليس واجباً فيها وتبطل بتعمد ترك التسبيح والتكبير غير تكبيرة الإحرام وكذلك بترك الأركان كلها. السائل: ما هو الراجح في مسألة إذا نسي سجود السهو وطال الفصل؟ الشيخ: يقرب والله أعلم أن الراجح ما ذهب إليه الأصحاب رحمهم الله أنه إذا طال الفصل سقط ولا يعيد الصلاة، فالصلاة لاتبطل به إلا إذا تعمد ترك سجود السهو الذي قبل السلام. فصل القارئ: فإن سها سهوين محل سجودهما واحد كفاه أحدهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) ولأن السجود إنما أخر ليجمع السهو كله ولولا ذلك فعله عقيب السهو لأنه سببه وإن كان أحدهما قبل السلام والآخر بعده ففيه وجهان أحدهما يجزئه سجود واحد لذلك ويسجد قبل السلام لأنه أسبق وآكد ولم يسبقه ما يقوم مقامه فلزمه الاتيان به بخلاف الثاني والثاني يأتي بهما في محلهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لكل سهو سجدتان) رواه أبو داود. الشيخ: والأقرب القول الأول أنه يكفيه سجود واحد ويكون قبل السلام يعني يغلب ما قبل السلام.

وقول المؤلف رحمه الله إنما أخر يعني سجود السهو في آخر الصلاة يجمع السهو كله ولولا ذلك لفعله عقب السهو لأنه سببه فيه نظر يعني في كونه أخر لهذه العلة نظر بل الظاهر والله أعلم أنه أخر من أجل أن لا يختل ترتيب الصلاة لأنه لو كان يسجد عقب السهو اختل ترتيب الصلاة فكان تأخيره هو الحكمة أما أنه أخر ليجمع السهو كله فهذا قد يبدو صحيحاً لكن يقال لو كان كذلك لانتقض فيما إذا لم يكن على الإنسان إلا سهو واحد كما لو سها بعد السجدة الأولى في آخر ركعة. فصل القارئ: وليس على المأموم سجود لسهوه فإن سها إمامه فعليه السجود معه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس على من خلف الإمام سهو فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه) رواه الدارقطني ولأن المأموم تابع لإمامه فلزمه متابعته في السجود وتركه. السائل: إذا كان المأموم ينقص في الصلاة ويزيد فهل يسجد سجود السهو؟ الشيخ: يتحمله الإمام لأنه ليس على المأموم سجود السهو كما يتحمل الإمام التشهد الأول. السائل: لو سها سهوين مختلفين قلتم أنه يسجد قبل السلام تغليباً لكن لو سجد بعد السلام؟ الشيخ: لا بأس ليس عليه شيء. القارئ: ويسجد المسبوق مع إمامه في سهوه الذي لم يدركه فإن كان السجود بعد السلام لم يقم المسبوق حتى يسجد معه وعنه لا سجود عليه هنا والأول المذهب فإن قام ولم يعلم فسجد الإمام رجع فسجد معه إن لم يكن استتم قائما وإن استتم قائماً مضى ثم سجد في آخر صلاته قبل سلامه لأنه قام عن واجب فأشبه تارك التشهد الأول.

الشيخ: الصحيح القول الثاني الرواية الأخرى أن المسبوق إذا كان سجود الإمام بعد السلام لا يسجد معه وذلك لتعذر المتابعة لأنه هنا لا تتم المتابعة إلا إذا سلم ولا يمكن أن يسلم فنقول إذا سلم الإمام فقم لقضاء ما فاتك ولو سجد للسهو ولكن هل تسجد الصحيح أنه إن أدركت سهوه سجدت وإن كان سهوه قبل أن تدخل معه فلا سجود عليك وإن لم تعلم فالأصل عدم الوجوب أما المذهب فعرفتموه المذهب يجب أن يسجد معه ولا يسلم فإن قام وجب عليه الرجوع إلا أن يستتم قائما فإن استتم فلا يرجع وعليه السجود ويكون قبل السلام لأنه ترك واجباً. القارئ: وإن استتم قائماً مضى ثم سجد في آخر صلاته قبل سلامه لأنه قام عن واجب فأشبه تارك التشهد الأول فإن سجد مع الإمام ففيه روايتان إحداهما يعيد السجود لأن محله آخر الصلاة وإنما سجد مع إمامه تبعاً فلم يسقط المشروع في محله كالتشهد والثانية لا يسجد لأنه قد سجد وانجبرت صلاته وإن لم يسجد مع إمامه سجد وجهاً واحدا. الشيخ: يقول وإن لم يسجد مع إمامه سجد وجهاً واحداً هذا على ما قال إنه المذهب أما على الرواية الثانية فكما علمتم أن نقول هو لا يسجد مع إمامه لكن إذا أنهى صلاته فإن كان أدرك سهو الإمام سجد وإلا فلا. القارئ: فإن ترك الإمام السجود فهل يسجد المأموم فيه روايتان إحداهما يسجد لأن صلاته نقصت بسهو إمامه ولم يجبرها فلزمه جبرها والثانية لا يسجد لأنه إنما يسجد تبعا فإذا لم يوجد المتبوع لم يجب التبع. الشيخ: هذا الفصل خلاصته أن المأموم ليس عليه سجود السهو يعني أنه يتحمله الإمام كما يتحمل الإمام التشهد الأول فيما إذا قام عنه ناسياً أو فيما إذا دخل الإنسان معه في الركعة الثانية من الرباعية فإنه يسقط عنه التشهد الأول ويلزمه أن يتشهد في الركعة الأولى تبعاً لإمامه.

المسألة الثانية إذا كان سجود الإمام قبل السلام وجب عليه اتباعه ولا إشكال فيه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وأنت إلى الآن مأموم لأن الإمام لم يسلم وإن كان السجود بعد السلام فالمذهب أنك تسجد معه لكن بدون أن تسلم ثم تقوم فتقضي ثم هل يلزمك السجود في آخر الصلاة فيه وجهان: الوجه الأول أنه يسجد. والثاني أنه لا يسجد والذي رجحنا في هذه المسألة أنه لا يسجد مع الإمام ثم إذا فرغ من صلاته فإن كان قد أدرك سهو الإمام سجد لأن صلاته ارتبطت بصلاة الإمام وقد حصل فيها السهو وهو مع إمامه وإلا فلا سجود عليه. المسألة الأخيرة إذا لم يسجد الإمام فإنه ذكر فيها قولين أحدهما يسجد والثاني لا يسجد والظاهر أنه يسجد إذا كان السهو قد لحق المأموم مثل أن يكون الإمام سها عن التشهد الأول وقام المأموم معه أما إذا كان السهو لم يلحق المأموم كما لو ترك الإمام التكبير في غير تكبيرة الإحرام والمأموم كبر فهنا السهو على الإمام فقط فلا يسجد المأموم هذا هو الصحيح في هذه المسألة الصحيح أن الإمام إذا لم يسجد فإن كان سهوه قد لحقك فاسجد وإن لم يلحقك فلا تسجد كيف ذلك مثال الذي يلحقك إذا ترك التشهد الأول فإنك سوف تقوم معه فتتركه فإذا لم يسجد فاسجد أنت ومثال الثاني الذي لم يلحق المأموم لو نسي أن يقول سبحان ربي الأعلى في السجود أو سبحان ربي العظيم في الركوع وسجد لذلك أو كان عنده شك وتردد وبنى على غالب ظنه وكان بناؤه صحيحاً فهنا الأمر تعلق بالإمام على وجه لا يلحق المأموم فلا يسجد إذا لم يسجد الإمام هذا خلاصة الفصل. السائل: ما هو مقدار الفصل؟ الشيخ: الفصل إذا أطلق الشارع أو أطلق العلماء الشيء نرجع فيه إلى العرف وكل ما أتى ولم يحدد ... بالشرع كالحرز فبالعرف احدد السائل: لوالمأموم يصلي مع إمام يقرأ التشهد بعد سجود السهو بعد السلام وهو يعلم فهل يلزمه المتابعة؟

الشيخ: نعم إذا كان المأموم لا يرى التشهد بعد سجود السهو والإمام يراه وجب على المأموم يتابعه. فصل القارئ: والنافلة كالفريضة في السجود لعموم الأخبار ولأنها في معناها ولا يسجد لسهو في سجود السهو لأنه يفضي إلى التسلسل ولا في صلاة جنازة لأنه لا سجود في صلبها ففي جبرها أولى ولا يسجد لفعل عمد لأن السجود سجود للسهو ولأن العمد إن كان لمحرم أفسد الصلاة وإن كان لغيره فلا عذر له والسجود إنما شرع في محل العذر. الشيخ: هذا الفصل واضح أن النافلة كالفريضة في أنه يجب فيها سجود السهو في كل ما يبطل عمده الصلاة ولا سجود في سجود السهو لأننا لو قلنا إن فيه سجوداً لأفضى إلى التسلسل فإذا سجد سها في السجود الأول عليه سجود سهو وربما يسهو في الثاني فيلزمه سجود السهو وهذا واضح وليس الأمر كما يذكر عن أبي يوسف والكسائي أنهما جلسا عند خليفة فقال الكسائي إن الإنسان إذا برع في علم من العلوم لم يحتج إلى غيره إذا صار بارعاً جيداً في علم من العلوم لم يحتج إلى غيره فمثلاً إذا كان بارعاً في النحو لم يحتج إلى الفقه فقال له أبو يوسف أرأيت إن سها في سجود السهو هل يجب عليه سجود السهو؟ قال الكسائي لا يجب قال فمن أين علمته من براعتك في النحو قال من قاعدة النحو أن المصغر لا يصغر لكن هذا غير صحيح وليس دليل لكن ما ذكره المؤلف رحمه الله هو الحق أنه يفضي إلى التسلسل كذلك لا سجود في السهو في صلاة الجنازة لأن صلاة الجنازة ليست هي ذات ركوع وسجود في أصلها ولا سجود في صلبها فجبرها من باب أولى. المسألة الثالثة لا سجود في عمد لماذا؟ لأن العمد إن كان مما يبطل الصلاة فإنه لا يجبره السجود وإن كان مما لا يبطل الصلاة فإنه لا حاجة إلى السجود فيه لأن السجود إنما هو للسهو. فصل القارئ: ومن أحدث عمداً بطلت صلاته لأنه أخل بشرطها عمدا وإن سبقه الحدث أو طرأ عليه ما يفسد طهارته كظهور قدمي الماسح وانقضاء مدة المسح.

وبرء من به سلس البول بطلت صلاته وعنه فيمن سبقه الحدث يوتضأ ويبني وهذه الصور في معناها والمذهب الأول لأن الصلاة لا تصح من محدث في عمد ولا سهو وله أن يستخلف من يتم بهم الصلاة وعنه ليس له ذلك لأن صلاته باطلة والمذهب الأول لأن عمر حين طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة فلم ينكره أحد فكان إجماعا وإن لم يستخلف فاستخلف الجماعة لأنفسهم أو صلوا وحداناً جاز قال أصحابنا وله أن يستخلف من لم يكن معه في الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة أبي بكر ولم يكن معه فأخذ من حيث انتهى إليه أبو بكر وإن كان مسبوقاً ببعض الصلاة فتمت صلاة المأمومين قبله جلسوا يتشهدون وقام هو فأتم صلاته ثم أدركهم فسلم بهم ولا يسلمون قبله لأن الإمام ينتظر المأمومين في صلاة الخوف فالمأمومون أولى بانتظاره. الشيخ: هذا الفصل يتضمن مسائل: أولاً من أحدث عمداً في صلاته بطلت لأنه أخل بشرطها ولا يحل له أن يحدث عمداً إلا أن يخاف ضرراً كما لو احتبست الريح فخاف منها ضرراً فأحدث فهنا لا إثم عليه لكن ينبغي في هذه الحال أن ينوي الخروج من الصلاة قبل الحدث حتى يحدث وهو ليس في صلاة لأن الخروج من الصلاة لاحتباس البول أو الغائط أو الريح جائز فينوي الخروج من الصلاة ثم يحدث وإن سبقه الحدث يعني أنه خرج منه البول بدون اختياره أو الريح بدون اختياره أو طرأ عليه ما يفسد طهارته كظهور قدمي الماسح وانقضاء مدة المسح هذه المسألة سبق أن القول الصحيح أن ظهور قدم الماسح لا يبطل وضوءه وأن انقضاء المدة مدة المسح لا ينقض الوضوء وعلى هذا فلو تمت المدة وهو في الصلاة فليستمر في صلاته وكذلك لو ظهر بعض القدم أو كل القدم فليستمر في صلاته لأن القول الراجح أن الوضوء لا ينتقض بتمام المدة ولا بظهور شيء من القدم.

المسألة الثالثة يقول أو برء من به سلس البول بطلت الصلاة ووجهه أن طهارة من به سلس البول طهارة ضرورة فإذا انقطع السلس صار الواجب أن يتطهر من جديد لأن طهارة الضرورة كان البول يخرج لكن عفي عنه للضرورة فلما امتنع وتوقف صار لابد أن يتوضأ من جديد والصحيح في هذه المسألة أنه لا ينتقض وضوؤه لأنه حدث له حال أكمل من الحال الأولى الحال الأولى متطهر والحدث يخرج والآن الحدث توقف فما هو الدليل على أن الحدث إذا توقف ممن به حدث دائم يبطل الوضوء ليس هناك دليل فالصواب في هذه المسائل الثلاث ظهور قدمي الماسح وانقضاء المدة وبرء من به سلس البول أن ذلك لا ينقض الوضوء وإذا لم ينقض لم يبطل الصلاة. قال وعنه فيمن سبقه الحدث يتوضأ ويبني وهذه الصورة في معناها والصواب أنه لا يبني وأنه إذا سبقه الحدث بطل وضوؤه وبطلت صلاته واستأنفها من جديد قال والمذهب الأول لأن الصلاة لا تصح من محدث في سهو ولا عمد لكن في مسألة من سبقه الحدث الصحيح أن المذهب أن الصلاة تبطل ويجب عليه الخروج ويتوضأ من جديد، وأما من توقف حدثه الدائم فالصحيح أن صلاته صحيحة وأن وضوءه لا ينتقض ثم تعرض المؤلف في المسألة الثالثة إذا كان إماماً فهل يستخلف من يتم بهم الصلاة؟ المذهب يستخلف، المذهب عند المتأخرين لا يستخلف إذا سبقه الحدث بل إذا سبقه الحدث انصرف وانصرف المأمومون وابتدؤوا الصلاة من جديد مثاله إمام يصلي بالناس وفي أثناء الصلاة خرج منه ريح فهنا نقول عن صلاته إنها بطلت لكن صلاة الذين خلفه هل تبطل؟ يقول فيها روايتان: الرواية الأولى أن صلاتهم لا تبطل.

والرواية الثانية أن صلاتهم تبطل فإذا قلنا إن صلاتهم تبطل فإنه لا يستخلف بهم أحداً لأنه لا حاجة للاستخلاف إذا بطلت الصلاة ولذلك قال وعنه ليس له ذلك أي ليس له أن يستخلف لأن صلاته باطلة والمذهب الأول لأن عمر رضي الله عنه حين طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة فلم ينكره أحد فكان إجماعاً وهذا هو الصحيح أن الإمام إذا سبقه الحدث فإن صلاته تبطل ويقول لمن وراءه يا فلان تقدم فأتم بهم الصلاة فإن لم يفعل قال المؤلف إن لم يستخلف فاستخلف الجماعة لأنفسهم أو صلوا وحداناً جاز يعني إذا لم يستخلف فإن قدم الجماعة واحداً منهم يتم بهم فذاك المطلوب وإلا أتموا وحدانا وإذا استخلف فهل نقول لا يستخلف إلا من كان معهم في الصلاة؟ الجواب لا ليس هو شرط لو أن رجلاً دخل وهو في حال حدثه فقال يا فلان تعال كمل بهم الصلاة صح بدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استخلفه أبو بكر في أثناء الصلاة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن معهم من أولها فإن سُبق الإمام الجديد المستخلف ببعض الصلاة فإن المأمومين لا يتابعونه لأنهم لو تابعوه لزادوا في صلاتهم ولكن إذا أتموا الصلاة جلسوا وانتظروا كما قال المؤلف رحمه الله ثم إذا وصل إليهم وأدركهم سلم بهم قال ولا يسلمون قبله ووجه ذلك أن صلاته صحيحة وهو إمامهم ولا يمكن للمأموم أن ينفرد عن إمامه إلا لسبب شرعي فينتظرونه ثم يسلموا به والله أعلم.

باب ما يكره في الصلاة

باب ما يكره في الصلاة القارئ: يكره الالتفات لغير حاجة لأن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل وهو في الصلاة فقال (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الرجل) حديث صحيح ولا تبطل الصلاة به ما لم يستدر بجملته أو يستدبر الكعبة ولا يكره للحاجة لأن سهل بن الحنظلية قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب قال وكان بعث أنس بن أبي مرثد طليعة رواه أبو داود وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت يميناً وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره رواه النسائي. الشيخ: هذه الفقرة فيها بيان حكم الالتفات في الصلاة وليعلم أن الالتفات في الصلاة نوعان التفات بالقلب والتفات بالجسد والكلام هنا عن الالتفات بالجسد فذكر المؤلف رحمه الله أنه مكروه واستدل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) يعني سرقة يسرقها الشيطان من صلاة العبد وهذا التعليل كما ينطبق على الالتفات الجسدي ينطبق على الالتفات القلبي لأن الشيطان يصد القلب عن الصلاة حتى أن الإنسان ينصرف وما كتب له من صلاته إلا البعض لكن إنما كان يكره الالتفات بالجسد لأن التحرز منه لا يشق بخلاف الالتفات بالقلب فإن التحرز منه يشق ولهذا لا يكره للإنسان إذا حصل على قلبه وسواس أو حديث نفس لكنه لا ينبغي أن يسترسل معه لأنه ينقص صلاته هذه مسألة. المسألة الثانية إذا التفت بجملته ليس بعنقه فقط أو استدبر القبلة بطلت صلاته لفوات شرط من شروط الصلاة.

المسألة الثالثة الالتفات المكروه إذا كان لحاجة فإن الكراهة تزول وقد قال الفقهاء رحمهم الله قاعدة المكروه تزيله الحاجة والحرام تزيله الضرورة ولا يستباح الحرام بالحاجة إلا إذا كان التحريم من باب تحريم الوسائل فإنه يباح للحاجة والحاجة دون الضرورة الضرورة تعني أن الإنسان يناله الضرر إذا لم يفعل والحاجة تعني أن الإنسان محتاج لذلك لكن بدون ضرورة مثال المحرم تحريم الوسائل وتبيحه الحاجة نظر الرجل إلى المرأة حرام لكنه محرم تحريم الوسائل لأن وجه المرأة في الأصل ليس بعورة لكن لما كان ذريعة ووسيلة إلى الفتنة والفاحشة صار حراماً ولما كان حراماً تحريم الوسيلة جاز للحاجة مثال الحاجة الخطبة مثال الحاجة الشهادة لو أراد أن يشهد على عين المرأة فله أن ينظر وجهها مثال الحاجة الدواء لو كان في المرأة داء في وجهها في عينها في أنفها في فمها جاز للرجل أن ينظر إليه لأن تحريم نظر الوجه تحريم وسائل فأباحته الحاجة ومثال ذلك أيضاً العرايا، العرايا مستثناة من تحريم ربا الفضل لأن ربا الفضل ممنوع لكونه وسيلة لربا النسيئة وربا النسيئة هو المقصود بالتحريم وهو الأكبر وهو الأصل ولهذا جاء في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه (إنما الربا في النسيئة) فحصل الربا في النسيئة حتى إن ابن عباس رضي الله عنهما أخذ بهذا الحديث وصار يبيح ربا الفضل ويقول يجوز للإنسان أن يبيع صاعاً بصاعين لكن يداً بيد إلا أنه فيما بعد لما ناظره بعض الصحابة رجع رضي الله عنه والشاهد من هذا أن نقول الالتفات المكروه تبيحه الحاجة وهو بالعنق والرأس وليس بالجسد، الالتفات بالجسد محرم ويبطل الصلاة إذاً تبيحه الحاجة، الحاجة مثل الإمام سها ولا يدري البعيد في طرف الصف لا يدري هل هو قام أو قعد فأراد أن يلتفت لينظر هل الإمام قعد أو قام افرض أنه سها عن التشهد الأول ولا يدري المأموم هل استتم قائماً فاستمر أو لم يستتم فرجع فأراد أن يلتفت فلا بأس ومثل أن يستأذن

عليه إنسان ولم يعرف صوته وأراد أن يلتفت لينظر من هو والحاجات كثيرة المهم أنه تبيحه الحاجة. القارئ: ويكره رفع البصر لما روى البخاري أن أنساً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم). الشيخ: رفع البصر إلى السماء في الصلاة يقول المؤلف إنه مكروه ومن غرائب الاستدلال أن يحكم على هذا الفعل بأنه مكروه ثم يستدل عليه بما يقتضي أن يكون من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما بال أقوام) وهذا الاستفهام للإنكار (يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم) فاشتد قوله في ذلك حتى قال (لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) هل يمكن أن يرد مثل هذا الوعيد وهذا الإنكار على شيء مكروه؟ لا يمكن ولهذا الصحيح أن رفع البصر إلى السماء والإنسان يصلي حرام بل من كبائر الذنوب لماذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد عليه وهذا مثل قوله فيمن رفع قبل الإمام (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار) فهو من كبائر الذنوب ولكن لو رفع رأسه وهو يصلي فهل تبطل صلاته جمهور العلماء على أنها لا تبطل وأصل ذلك أنهم يرون أنه مكروه والمكروه لا يبطل الصلاة وقال ابن حزم وجماعة من العلماء بل تبطل الصلاة لأنه فعل محرم منهي عنه بخصوصه في الصلاة والقاعدة أن ما نهي عنه بخصوصه في العبادة يكون مبطلاً لها وعللوا بعلة أخرى قالوا إن الإنسان يجب أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فعبر الله عن الكل بالوجه فالوجه إذاً مقصود بالذات فإذا رفع بصره إلى السماء فالغالب أنه يلزم من رفع البصر رفع الرأس وقد لا يلزم لكن الغالب، فإذا رفع بصره إلى السماء هكذا أين ولى وجهه؟ ولاه السماء فتبطل صلاته فجعلوا ذلك مبطلاً للصلاة لوجهين:

الوجه الأول أنه منهي عنه بخصوص الصلاة. والثاني أنه خالف ما أمر الله به من استقبال القبلة بالوجه وهو قول قوي جداً قول الظاهرية في هذه المسألة أقوى من قول الجمهور بأنه حرام ووفي بطلان الصلاة لا أجزم بأن أقول إنها باطلة وأنه يجب عليه أن يعيد لكن لا أشك أنه حرام بل من كبائر الذنوب لوجود الوعيد عليه كثير من الناس الآن نراهم إذا قالوا سمع الله لمن حمده رفع الإنسان رأسه حتى يكاد يخصر ظهره إلى الوراء وهذا خطأ. القارئ: ويكره أن يصلي ويده على خاصرته لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل مختصرا متفق عليه. الشيخ: الخاصرة فوق الحقوين لكن لماذا نهى؟ في رواية أخرى لأنه فعل اليهود وكأن اليهود في صلاتهم يضعون أيديهم على خاصرتهم فيه أناس الآن يكادوا يكون فعلهم اختصاراً رأيت كثيراً من الناس إذا وضع يده اليمنى على اليسرى يضع على الخاصرة اليسرى سألنا بعضهم مرة من المرات وقلنا لماذا قال لأن القلب هنا من اليسار فيضعونها على قلوبهم فنقول عادة الإنسان يضع يده على قلبه إذا كان خائفاً (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) فالغالب أن الإنسان إذا كان خائفاً يضع يده هكذا أما إنه يضع يده على جنبه فهذا خطأ ولذلك أنا أنصحكم إذا رأيتم أحداً على هذه الحال أن ترشدوه لأنهم لا يفعلون ذلك إلا تعبداً لكن على جهل والمتعبد على جهل هدايته سهلة المشكلة المتعبد على ما يظنه علماً وليس بعلم هذا البلاء. السائل: أخبرني من ناقش أحد الذين يضعون يدهم على خاصرتهم فشبهة هذا الرجل بأن هذا فعل عمر رضي الله عنه عندما طعن رضي الله عنه وأرضاه وضع يده على خاصرته يمسك أحشاءه وقال: عمر له سنة متبعة؟ الشيخ: صدق عمر له سنة متبعة لكن أولاً نطالبه بالدليل وثانياً نقول إذا طعنت من ها هنا فضع يدك على هذه هذا تمام الاقتداء.

القارئ: ويكره أن يكف شعره أو ثيابه أو يشمر كميه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعراً ولا ثوبا) متفق عليه. الشيخ: هذا أيضاً مما يكره أن يكف شعره وهذا فيما كان معهوداً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الرجال يطلقون شعور رؤوسهم فيكره أن الإنسان يكف شعره لماذا؟ من أجل أن يكون ساجداً على الأرض كما كانت بقية الأعضاء فيقال لماذا ترفع شعرك لماذا تكف؟ الجبهة أشرف من الشعر ومع ذلك تعفر بها الأرض فكيف ترفع شعرك؟ هذا قد ينبئ عن نوع من الاستكبار أن ينال شعرك الأرض فيغبر بها كذلك أيضاً أو ثيابه، ثيابه يعني يرفع ثوبه عند السجود يكره ذلك بل يجعل ثوبه على إطلاقه لأنه ربما إذا جعل إطلاقه يفترش على الأرض من الثوب أكثر مما إذا كفه والكف نوعان كف من اليمين إلى اليسار أو اليسار لليمين وكف بمعنى التشمير يعني الرفع وكلاهما مما لا ينبغي.

قال أو يشمر كميه يعني يفسخهما هكذا يرفعهما بل يدعهما على ما هو عليه واختلف العلماء هل هذا مكروه ولو كان الإنسان قد فعله لعمل قبل الصلاة أو أن النهي إنما هو عن قصد هذا الفعل عند الصلاة؟ بعض العلماء يقول النهي إنما هو عن تقصد الفعل عند الصلاة أما لو كان الإنسان قد شمر أكمامه أو رفع ثوبه لعمل قبل الصلاة أو ربط شعره بعضه ببعض لعمل قبل الصلاة فإن هذا لا يكره وهذا هو الظاهر أنه إنما يكون عن تقصد هذا الفعل وأما إذا كان قد حصل من قبل فلا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمرت أن أسجد وأن لا أكف) وقت الصلاة أو وقت السجود وأما ما كان قبل ذلك فإنه لا بأس به وكثير من العمال الآن تجده قد شمر ثوبه لا سيما الذين يعملون فيما سبق في الطين وما أشبه ذلك أو في سقاية الماء في البساتين تجده قد شمر ثوبه فهذا لا بأس به ومثل ذلك لو كان الثوب مشمراً حسب العادة لأن بعض الناس يكون ثوبه مشمراً بحسب العادة فمثلاً إذا كان الثوب إلى نصف الساق فهو في الحقيقة مشمر وكذلك بعض الناس يعتادون الثياب القصيرة المشمرة وإن كان السروال نازلاً فهذا أيضاً لا يكره وبعض الناس تكون أكمام يده قصيرة هذا أيضاً لا يدخل فما كان بأصل الخياطة والتفصيل فهذا غير داخل في هذه المسألة لكن الكلام ما كان راهياً رافياً ثم أراد الإنسان أن يكفه عند السجود فهذا هو الذي فيه النهي. السائل: هل الشماغ يلحق بكف الثوب؟ الشيخ: الناس يلبسون الشماغ على صفات متعددة فهذا نوع من اللبس ما يدخل في الحديث. القارئ: ويكره أن يصلي معقوصاً أو مكتوفا لما روي أن ابن عباس رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص فحله وقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف) رواه مسلم والأثرم.

الشيخ: المعقوص يعني لف الشعر هكذا وكان الصحابة فيما سبق رؤوسهم باقية ولهذا قال (لا أكف شعراً ولا ثوباً) هذا هو عقصه والمكتوف معناه الذي وضع يديه على كتفيه هكذا فالعقص من أوصاف الشعر إنسان عنده شعر كثير يعقده ويعقصه لأن المشروع في الشعر أن تبقيه حتى يسجد معك على الأرض إذا كان يصل إلى الأرض. السائل: ما حكم إذا ضفره كما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ الشيخ: المضفر ليس هو معقوص مسترسل بل يكون فوق رأسه مثلاً أو طرف الرأس أو فوق الرقبة. القارئ: ويكره أن يشبك أصابعه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج بين أصابعه رواه ابن ماجة ويكره فرقعة الأصابع لما روى علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة) رواه ابن ماجه ويكره التروح لأنه من العبث. الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر عدة مسائل: المسألة الأولى: يكره تشبيك الأصابع واستدل بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج بين أصابعه) رواه ابن ماجه لكن قد ينازع منازع في الاستدلال بهذا الحديث لأنه مجرد فعل ولم يقل لا تشبك فيقال إن النهي عن التشبيك ورد فيمن سبق إلى الصلاة أن لا يشبك بين أصابعه وإذا كان هذا فيمن سبق إلى الصلاة فمن كان في صلب الصلاة من باب أولى. وأما المسألة الثانية فهي فرقعة الأصابع يعني غمز الأصابع حتى يكون لها صوت ووجهه ظاهر فإنه من العبث وإذا كان الإنسان مع الجماعة أدى ذلك إلى أن يشوش على الناس وأما التروح وهو أن يتروح الإنسان بالمروحة فإنه مكروه لأنه من العبث لكن إذا كان لحاجة كما لو كان في غم شديد وحر شديد واحتاج إلى أن يتروح بالمروحة فلا بأس لأن القاعدة عند أهل العلم أن المكروه تبيحه الحاجة، ولو تروح بعمامته أي حركها مثلها يكره إلا لحاجة.

القارئ: ويكره ويكره أن يعتمد على يده في الجلوس لما روى ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل وهو يعتمد على يده رواه أبو داود. الشيخ: يعني يعتمد على يده في الأرض يجعل يده على الأرض ويعتمد عليها لكن لو دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس مثل أن يشق عليه الجلوس منتصباً فيضع يديه ليعتمد عليها فإن هذا حاجة لا بأس بها. القارئ: ويكره مسح الحصى لما روى أبو داود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم في الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى) من المسند. الشيخ: والحصى هو الذي تستر به الأرض وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مفروشاً بالحصباء وهي الحصى فلا يمسحها الإنسان لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس مثل أن يكون أمامه عند السجود حفرة فيحتاج إلى مسح الحصاء من أجل التسوية فهذا لا بأس به لأنه حاجة وقوله (فإن الرحمة تواجهه) هذا يشبه قول النبي عليه الصلاة والسلام (إن الله تعالى قبل وجهه) فإن الله إذا كان قبل وجهه فإن رحمة الله قريب من المحسنين. القارئ: أن يكثر مسح جبهته لقول ابن مسعود إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل أن يفرغ من الصلاة. الشيخ: ولأنه لا حاجة إليه فيكون من العبث لكن لو قال قائل إذا كنا نصلي على رمل فالعادة أن الرمل يلصق بالجبهة وربما يتناثر على العين فهل لي أن أمسحه كلما سجدت خوفاً من ذلك؟ فالجواب نعم لأنه حاجة. القارئ: ويكره النظر إلى ما يلهيه لما روت عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام فقال (شغلتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بأُمبجانيته) متفق عليه.

الشيخ: قوله إلى ما يلهيه سواء كان أمامه أو على مَسْجَده فإنه يكره أن ينظر إليه أما الذي أمامه فمثل ما يكتب في جدران القبلة سواء كان معلقاً أو منقوشاً على الجدار وأما الذي في مَسْجَده فكما يوجد في بعض فرش المساجد تكون موشاة أي فيها الوشي فإذا نظر الإنسان إليها ألهته لكن أحياناً إذا اعتاد الإنسان هذا الشيء فإنه لا يتلهى به لأن الإنسان أول ما ينظر إلى هذا الموشى فإنه يفكر فيه وينظر فيه لكن إذا داوم عليه فإنه لا يهتم به فالحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً. القارئ: ويكره أن يصلي وبين يديه ما يلهيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (أميطي عنا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي) رواه البخاري. ويكره كثرة التميل لقول عطاء إني لأحب أن يقل فيه التحريك وأن يعتدل قائماً على قدميه إلا أن يكون إنساناً كبيراً لا يستطيع ذلك فأما التطوع فإنه يطول على الإنسان فلابد من التوكئ على هذا مرة وعلى هذا مرة وكان ابن عمر لا يفرج بين قدميه ولا يمس إحداهما بالأخرى ولكن بين ذلك.

الشيخ: التميل يعني أن يعتمد مرة على الرجل اليمنى ومرة على الرجل اليسرى هذا في الفريضة مكروه لأنه حركة لا داعي لها والغالب أنها لا تشق على الشاب لأن أكثر ما يُقرأ هو طوال المفصل وهذا لا يشق على الشاب بحيث يحتاج إلى المراوحة بين قدميه لكن الكبير أو النفل الذي تطول فيه القراءة لا حرج عليه أن يراوح بين قدميه بل يستحب ذلك إذا كان هذا أريح له في الصلاة لأنه ربما إذا اعتمد على القدمين جميعاً مع طول القيام تتعب القدمان فإذا راوح بينهما مرة على هذا ومرة على هذا هان عليه ولهذا استثنى قال إلا أن يكون إنساناً كبيراً لا يستطيع ذلك فأما التطوع فإنه يطول الإنسان فلا بد أن يتوكأ على هذه مرة وهذه مرة وأما قوله وكان ابن عمر لا يفرج بين قدميه ولا يمس إحداهما بالأخرى ولكن بين ذلك فهذا في حال القيام في حال القيام لا تفرج بين القدمين ولا تلصق بينهما ولكن بين ذلك أي أنك تجعل موضع القدمين على حالهما بدون ضم ولا فتح ولا فرق في هذا بين الإنسان الذي يصلي مع الجماعة أو الذي يصلي وحده أو الإمام كلهم يجعلون القدمين على طبيعتهما لا فتح ولا ضم وأما ما يفعله بعض الناس اقتداءً بالصحابة كما زعم أنه يفتح قدميه فتحاً شديداً حتى يبقى ما بين الكتفين منفرجاً فهذا خلاف السنة كان الصحابة يلصق الإنسان كعبه بكعب أخيه ومنكبه بمنكبه وهذا يدل على التراص وليس يدل على أنك تفتح القدمين حتى تلصقها بكعب أخيك. السائل: في الحديث (فإن الرحمة تواجهه) كيف تواجهه؟ الشيخ: هذا مثل ما قلت لك كقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله قبل وجهك) وتواجه المصلي يعني إنها تجاهه ومناسبة الرحمة مع عدم مس الحصى لأن الإنسان إذا صار يمسح الحصى فإنه يكون عابثاً وقد يُحْرَم الرحمة بسبب هذا العبث. السائل: إذا احتاج الإنسان فتح قدميه في الصلاة حتى يسد الفرج؟

الشيخ: ليس سد الفرج بفتح القدمين وإنما سد الفرج بالتراص وأما إذا كان الذي أمامه له كتفان واسعان بحيث يكون كالهرم المقلوب هنا يحتاج إلى فتح قدميه أما إذا كان عادي فالغالب أن الإنسان إذا وقف وقوفاً طبيعياً تكون قدماه على حذاء منكبيه هذا الغالب. السائل: ما رأيكم في طريقة المؤلف في الاستدلال بقول عطاء وهو من التابعين؟ الشيخ: أقوال التابعين يستأنس بها وليست بحجة لكنه يستأنس بها لأن عطاء بن أبي رباح عالم كبير معروف. القارئ: ويكره تغميض العين نص عليه أحمد وقال هو من فعل اليهود. الشيخ: تغميض العين مكروه في حال الصلاة لأنه من فعل اليهود ولأن للعينين وظيفة وهو النظر إلى موضع السجود فإذا غمض عينيه فاتت هذه الوظيفة ولأن ظاهر حال النبي عليه الصلاة والسلام أنه يفتح عينيه لحديث عائشة السابق أنه نظر إلى أعلام الخميصة نظرة وهذا يدل على أنه لا يغمض عينيه لكن لو فرض أنه حدث شيء يحتاج معه إلى تغميض العينين مثل أن يصلي في بيته فأتى أحد الصبيان فجعل يتجول بين يديه ففي هذه الحال ربما يكون التغميض أدعى للخشوع ويسأل بعض الناس يقول أنا إذا غمضت عيني كان أدعى للخشوع فيقال له هذا من الشيطان هو الذي يجعلك تفعل هذا المكروه وأنت تعتقد أن هذا أدعى للخشوع فعود نفسك فتح العينين مع مراعاة الخشوع وأما أن تفعل المكروه من أجل الحصول على الخشوع فهذا ليس بمسوغ لك. القارئ: ويكره العبث كله وما يذهب بخشوع الصلاة ولا تبطل الصلاة بشيء من هذا إلا ما كان عملاً كثيرا. السائل: ما حكم الحديث الغريب؟ الشيخ: الغريب قد يكون صحيح ألم تعلم أن حديث (إنما الأعمال بالنيات) غريب. فصل القارئ: ولا بأس بعدِّ الآي والتسبيح لأنه روي عن طاووس والحسن وابن سيرين.

الشيخ: أولاً استدلال المؤلف رحمه الله بأنه روي عن طاووس والحسن وابن سيرين قد علمتم بأنه لا حجة بما قاله التابعي لكنه يستأنس به والصحيح أنه يكره أن يعد التسبيح والآي إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك وذلك لأن عدها حركة والأصل في الحركات في الصلاة الكراهة إلا ما دعت الحاجة إليه فإن دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس وإلا فلا والمراد التسبيح الذي في الصلاة أما التسبيح الذي بعدها فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه ولا بأس به لأنه طويل ولأن الإنسان في غير الصلاة فله أن يتحرك. القارئ: ولا بأس بقتل الحية والعقرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب. الشيخ: الأسودان الواقع أن السواد في العقرب فقط لكن هذا من باب التغليب وربما تكون بعض الحيات سوداء لكن غالب الحيات ليست سوداً فإن قال قائل قول المؤلف ولا بأس بقتل ثم استدل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة فكيف يكون هذا يحكم بالإباحة ورفع البأس ثم يستدل بما فيه الأمر؟ فالجواب أن يقال إن أمر الرسول عليه الصلاة والسلام هنا على سبيل الإباحة لأن الأصل في المصلي أن يمنع من الحركة لكن هذه حركة لأمر مقصود لكن ما لم تهاجمه فإن هاجمته الحية أو العقرب وجب عليه الدفاع لأن الإنسان مأمور بأن يدافع عن نفسه. السائل: التسبيح عبادة لله لماذا يعده في الصلاة؟ الشيخ: يمكن يعد وقد يكون محتاج إلى عدده لكونه إماماً ويخشى أن يطيل على الناس مثلاً أو لأنه يريد أن تكون صلاته متناسبة فيعد مثلاً سبحت في الركوع عشراً في السجود عشراً وما أشبه ذلك. القارئ: وإن قتل القملة فلا بأس لأن عمر كان يقتل القمل في الصلاة رواه سعيد، قال القاضي والتغافل عنها أولى ولا بأس بالعمل اليسير للحاجة لما قدمنا.

الشيخ: قوله التغافل عنها أولى ما لم تشغله، أحياناً ما يمكن يتغافل عنها تؤذيه وقتلها أقل حركة بكثير مما إذا أشغلت قلبه لكن الحكة بدون قمل هي التي نقول إن التغافل عنها أولى لأن الإنسان إذا تغافل عنها سكنت لكن إذا حكها انفتح عليه باب آخر إذا حك الكتف حكه الظهر وإذا حكه جاء البطن وهكذا لكن إذا تغافل عنها هدأت أما إذا كان قملاً فإن القمل لابد أن يسلم الإنسان من شره ويدافعه ويقتله إذاً كلام القاضي صحيح فيما إذا كانت لا تشغله أو مجرد حكة. فصل القارئ: فإن تثاءب في الصلاة استحب له أن يقضم فإن لم يقدر وضع يده على فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا تثاءب أحدكم فليقضم ما استطاع) وفي رواية (فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل) وهذا حديث حسن، وإن بدره البصاق بصق عن يساره أو تحت قدمه فإن كان في المسجد بصق في ثوبه وحك بعضه ببعض لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على المسجد فقال (ما بال أحدكم يقوم مستقبل القبلة فيتنخع أمامه أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه وإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا) ووصف القاسم فتفل في ثوبه ومسح بعضه على بعض رواه مسلم.

باب الجماعة

الشيخ: في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يبصق في الصلاة بين يديه لأنه يقوم بين يدي الله عز وجل والله تعالى قبل وجهه وقد أشار النبي عليه الصلاة والسلام بهذا المثل إلى أنه خلاف الأدب فإن أحداً من الناس لا يرضى أن يقوم شخصاً أمامه ثم يتنخع أمامه هذا من سوء الأدب العظيم فإذا كان هذا فيما بين المخلوقين فكيف فيما بين الخالق والمخلوق وفيه دليل على أن النخامة طاهرة لقوله (أو تحت قدمه) وفيه دليل أيضاً على أنه لا يجوز أن يتنخع في المسجد لقوله (فإن لم يجد فليقل هكذا) معناه إن لم يجد محلاً صالحاً مثل أن يكون في المسجد فإنه لا يجوز أن يتنخع فيه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (البصاق في المسجد خطيئة) وفيه دليل على أنه يجوز للعالم أن يصنع ما يستحيى منه من أجل التعليم لأن كون الإنسان يبصق أمام الناس في ثوبه ويحك بعضه بعض قد يكون مستكرهاً لكن إذا كان لأجل التعليم فإنه لا بأس به. القارئ: وإن سُلِّم على المصلي رد بالإشارة لما روى جابر قال أدركت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فأشار إلي فلما فرغ دعاني وقال (إنك سلمت علي آنفاً وأنا أصلي) متفق عليه الشيخ: لكن إذا خاف أن يكون المصلي جاهلاً وأنه لو سلم عليه لرد عليه السلام فلا يسلم. باب الجماعة القارئ: الجماعة واجبة على الرجال لكل صلاة مكتوبة لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) متفق عليه وليست شرطاً للصحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة) متفق عليه.

الشيخ: قال المؤلف باب الجماعة يعني الجماعة في الصلاة ثم بين حكمها رحمه الله وقال الجماعة واجبة على الرجال لكل صلاة مكتوبة فخرج بقيد الرجال النساء فلا تجب عليهن صلاة الجماعة لا منفردات ولا مع الرجال وخرج بقوله لكل صلاة مكتوبة جماعة القيام في ليالي رمضان والجماعة في صلاة الكسوف والجماعة في صلاة الاستسقاء فإنها ليست واجبة ثم استدل بالحديث وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره وهذا القول الذي ذكره المؤلف هو القول الأول وهو قول وسط بين قولين: القول الثاني أن الجماعة شرط لصحة الصلاة وأن من ترك الجماعة بلا عذر فصلاته باطلة وهذا اختيار ابن عقيل من أصحاب الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال إن الجماعة واجبة فإذا كانت واجبة فالقاعدة كل واجب في العبادة إذا تركه الإنسان عمداً فإن العبادة تبطل وإلا لم يصح أن نقول إنه واجب ولا شك أن هذا التعليل قوي لكن التعليل الذي يدل النص على خلافه يلغى كما سيأتي في كلام المؤلف القول الثالث أن الجماعة ليست واجبة وإنما هي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين وعلى هذا فإذا كان أهل الحي ألف نفر وذهب إلى المسجد منهم اثنان وصلوا في المسجد كفى عن الجميع

القول الرابع أنها سنة وأن الناس لو تركوا صلاة الجماعة لم يأثموا وهذا قول ضعيف جداً وليس هو مذهب الشافعي كما يذكر وأقصد أنه ليس مذهب الشافعي المذهب الشخصي لأنه قال لا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة أن يتركها بلا عذر ومثل هذه العبارة تدل على أنه يرى وجوبها كما هو القول الراجح فالحاصل الآن أن القول الراجح من أقوال العلماء في صلاة الجماعة أنها واجبة وأنها فرض عين على الرجال لكل صلاة مكتوبة والدليل على هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) متفق عليه ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم هَمَّ أن يحرقهم بالنار وحدث أصحابه بذلك ولا يمكن أن يهمَّ بشيء محرم ولا يمكن أن يهم بشيء يُحدِّث به أصحابه وهو سهل والذين قالوا بعدم الوجوب قالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم هَمَّ ولم يفعل فيقال سلمنا ذلك أنه هَمَّ ولم يفعل لكن ما الفائدة من تحديثه الناس بأنه هَمَّ أن يحرق بيوتهم بالنار هل الفائدة التحذير أو الفائدة التقرير وإقرارهم على ترك الجماعة؟ لا شك أنه الأول ولهذا نرى أن هذا الحديث نص في وجوب صلاة الجماعة وليس ظاهراً كما يدل على ذلك أيضاً قول الله تبارك وتعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) فهذه الآية تدل على أن صلاة الجماعة فرض عين وليست فرض كفاية لأنها لو كانت فرض كفاية لاكتفي بالطائفة الأولى فهي فرض عين وإذا كانت الجماعة واجبة في

حال التحام القتال ففي حال الأمن من باب أولى. قال وليست شرطاً للصحة نفى القول بذلك رداً على من زعم أنها شرط للصحة ثم استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم (تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة) متفق عليه ووجه الدلالة أنه لو كانت شرطاً لصحة الصلاة لم يكن في صلاة الفذ أجر إطلاقا. السائل: هل يقال الآن يجوز للإمام أن يحرق من تخلف عن الصلاة؟ الشيخ: لا يجوز لأن الرسول لم يفعل وقد نهى عن التعذيب بالنار ثم في رواية لكنها ضعيفة في المسند (لولا ما فيها من النساء والذرية). السائل: هل حديث (لا يعذب بالنار إلا رب النار) صحيح؟ الشيخ: الذي في الصحيحين أنه نهى أن يعذب بالنار. السائل: ما هو رأيكم فيمن يحمل قوله (الفذ) على من عنده عذر؟ الشيخ: غير صحيح حمله على من له عذر غير صحيح وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) ولأن المعذور لا إثم عليه. القارئ: وتنعقد باثنين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الاثنان فما فوقهما جماعة). الشيخ: الاثنان بكسر اللام لماذا لأن همزة الوصل إذا جاءت درج سقطت فيكون الثاء ساكناً واللام التي كانت ساكنةً قبل الهمزة ساكنة فيجب أن تحرك اللام فيقال الِاثْنان وأما النون واضحة أن نون المثنى تكسر. القارئ: (الاثنان فما فوقهما جماعة) رواه ابن ماجة فإن أم الرجل عبده أو زوجته كانا جماعة لذلك وإن أم صبياً في النفل جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أم ابن عباس في التهجد وإن أمه في فرض فقال أحمد لا يكون مسقطاً له لأنه ليس من أهله وعنه يصح كما لو أم رجلاً متنفلا.

الشيخ: تنعقد باثنين واستدل المؤلف بحديث ابن ماجه (الاثنان فما فوقهما جماعة) ويمكن أيضاً أن نستدل بحديث ابن عباس حين قام مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التهجد وكذلك حديث حذيفة وابن مسعود ووجه الدلالة أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل، والدليل أن الصحابة لما حكوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت به قالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة فاستثنوا ذلك مما يدل على أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل وهم قد حكوا أنه يوتر على راحلته قالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة المهم أن عندنا أدلة على انعقاد الجماعة باثنين وهل تنعقد بالصبي إن كان نفلاً فنعم وإن كان فرضاً ففيه روايتان عن أحمد والصواب أنها تنعقد بالصبي. السائل: بالنسبة لوجوب الجماعة بعض الأئمة يقول لا نلزم المخالف فيها فلا إنكار في مسائل الاجتهاد؟ الشيخ: كل مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها لكن مسائل الخلاف فيها الإنكار ولهذا بعض الناس يقول لا إنكار في مسائل الخلاف وهذا غلط بل لا إنكار في مسائل الاجتهاد وأما المخالف الذي لا وجه لمخالفته فهذا ينكر عليه. السائل: هل يراعى أهل البلد في الإنكار؟ الشيخ: إذا رأى ولي الأمر أن هذا الرجل لو أنه ترك واجتهاده لأضر بالناس فهذا له أن يمنعه كما صار الآن إظهار الوجه يجب أن ينكر على النساء اللاتي يظهرن الوجوه لأن هذا إعلان بما يراه أهل البلد منكراً. السائل: بعض الناس يقول لو كانت الصلاة جماعة واجبة لم يتركها النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار؟

الشيخ: يتبعون المتشابه يقول لو كانت واجبة ما ذهب النبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار هل إن الرسول قال إني أنا آمر رجلاً بالناس وأذهب إلى هؤلاء في حال ائتمام في حال صلاتهم الجماعة فيه احتمال لكن ظاهر الحديث أنه يذهب في هذه الحال يحرق عليهم بيوتهم بالنار فنقول هذا من باب إزالة المنكر والذين يوكل إليهم إزالة المنكر إذا ذهبوا وقت جماعة الناس لإزالة المنكر فلا حرج وربما يقال أيضاً انطلق برجال معهم حزم أنهم يصلون جماعة أيضاً. فصل القارئ: ويجوز فعلها في البيت والصحراء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أينما أدركتك الصلاة فصلِّ فإنه مسجد) متفق عليه وعنه أن حضور المسجد واجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد).

الشيخ: هذه مسألة أيضاً هل يجب أن تصلي في المساجد أو يجوز فعلها في البيت وفي الصحراء قدم المؤلف رحمه الله أنه يجوز فعلها في البيت وبناءً على ذلك يجوز للإنسان أن يصلي بامرأته في بيته ولا يشهد الجماعة وهذا هو المشهور من المذهب لكنه ضعيف جداً والصواب أنه يجب أن تكون في المسجد أولاً لهذا الحديث لكنه ضعيف (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) هذا الحديث ضعيف لكن هناك أدلة أخرى منها ما سبق في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم همَّ أن يأمر رجلاً أن يؤم الناس ثم ينطلق إلى قوم لا يشهدون الصلاة فيحرق عليهم بيوتهم بالنار لأن هؤلاء بإمكانهم أن يدفعوا العذاب عنهم بقولهم نصلي جماعة في بيوتنا فلم يكن لهم عذر في التخلف عن المسجد ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه رجل لأنه أعمى فقال (هل تسمع النداء) قال نعم قال (فأجب) وهذا نص صريح في أنه يجب حضور الجماعة في المساجد ولو أننا لو قلنا بهذا القول لزم منه تعطيل المساجد إذا قلنا كل إنسان يصلي جماعة بأهله في البيت فإن المساجد سوف تتعطل وحينئذٍ نفقد شعيرة من شعائر الإسلام ولأن عمل المسلمين من عهد نبيهم إلى اليوم إقامة الجماعة في المساجد وهذا شبه إجماع على أن هذا هو هدي الإسلام فالصواب أنها واجبة في المساجد ولا يجوز للإنسان أن يتخلف عنها ولكن ها هنا مسألة في وقتنا الحاضر أحياناً تكون المساجد إلى جنب مصلحة حكومية أو مدرسة وإذا خرجوا إلى المسجد فإنه أولاً إن كانوا طلاباً ضيقوا المسجد وربما يعبثون فيه وربما يتفرقون ولا يصلون فهل يرخص لهم في هذه الحال أن يصلوا في المدرسة الجواب نعم أولاً دفعاً لأذاهم وثانياً لأجل أن لا يهرب أحد عن الجماعة وثالثاً أن هذا ليس أمراً دائماً راتباً إنما هو أمر عارض في صلاة واحدة وكذلك يقال في بعض الدوائر التي لها مساس بعامة الناس لو أن أهل الدائرة أغلقوا الدائرة وذهبوا لتعطلت أمور الناس من جهة ولذهب بعض

هؤلاء الموظفين إلى بيوتهم كما هو واقع يخرج على أنه سيصلي ثم يذهب إلى البيت وإذا أحرى أنهم جاؤوا إلى العمل جاء هذا شيء شهد به الناس فمثل هؤلاء أيضاً نقول يرخص لكم في أن تصلوا مكانكم لما يترتب على ذلك من حفظ الوقت وعدم ضياعه ولأنهم إذا كانوا لهم مساس بالجمهور وعامة الناس يعطلون الناس إذا ذهبوا ولأنه ربما يكون هناك وثائق يصعب أن الإنسان يغلق الباب ثم يرجع ويفتح وإن تركها خاف عليها من الضياع أو من السرقة. القارئ: وفعلها فيما كثر فيه الجمع أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى) من المسند. الشيخ: أزكى هنا من الزكاء الذي هو النماء يعني أكثر أجراً وفي هذا دليل على أنه إذا دخل رجلان وقد صُليت الجماعة الأولى فإنهما يصليان جماعة لأن صلاتهما جميعاً أزكى من صلاة كل واحد وحده. القارئ: وإن كان في جواره مسجد تختل الجماعة فيه بغيبته عنه ففعلها فيه أفضل وإن لم تختل بذلك وثم مسجد آخر فالعتيق أفضل لأن الطاعة فيه أسبق وإن كان سواء فهل الأفضل قصد الأقرب أو الأبعد على روايتين.

الشيخ: أولاً لابد من دليل على هذا إذا كان في جوار المسجد تختل الجماعة بغيبته عنه فالأفضل أن يصلي في هذا المسجد على كل حال لأنه في هذه الحال ينشط الجماعة ويقويهم ويجبر خاطرهم فصار صلاته فيه أفضل من صلاته في غيره وهذا لأمر يعود إلى شيء خارج لا يتعلق بالمكان يقول وإن كان سواءً فهل الأفضل قصد الأبعد أو الأقرب؟ على روايتين فمن العلماء من قال يقصد الأقرب ومنهم من قال يقصد الأبعد فالذين قالوا إنه يقصد الأقرب قالوا لأنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يهجر الرجل مسجده إلى مسجد آخر هذا أو معناه والذين قالوا الأفضل أن يقصد الأبعد استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم ممشى) والحديث الثاني ليس فيه دليل واضح أن الإنسان يقصد الأبعد بل هو يدل على أن الإنسان إذا بعد مكانه عن المسجد فهو أفضل لا أن يقصد المكان الأبعد ويشبه هذا من بعض الوجوه قول من قال من أهل العلم إن الإنسان ينبغي له إذا قصد المسجد أن يدني الخطوات بعضها من بعض من أجل أن يكثر الأجر والصواب خلاف ذلك وأنه لا يسن لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (له في كل خطوة يخطوها) يعني الخطوة المعتادة فنحن نقول لا توسع الخُطا ولا تقربها اجعل مشيك مشياً معتادا ولك بكل خطوة يرفع لك بها درجة ويحط بها عنك خطيئة. أما الثاني وهو وكونه العتيق أفضل قالوا لأن الطاعة فيه أسبق فإذا كان الطاعة فيه أسبق صار هذا المكان محل عبادة لله عز وجل على وجه أسبق من الآخر فصار أولى في التقديم وهذا كله مع مراعاة المكان لكن قد يقصد الإنسان مسجداً آخر لحسن تلاوة إمامه أو لكونه عالماً أو لكونه فيه درس أو ما أشبه ذلك فيكون هذا الفضل لأمر خارج. القارئ: وإن كان البلد ثغراً فالأفضل اجتماع الناس في مسجد واحد لأنه أعلى للكلمة وأوقع للهيبة.

الشيخ: تعرفون الثغر يعني الحدود التي بين المسلمين والأعداء الأفضل أن يجتمعوا في مسجد واحد لأن ذلك أوقع للهيبة وأذل للأعداء. القارئ: وبيت المرأة خير لها فإن أرادت المسجد لم تمنع منه ولا تتطيب له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن) رواه احمد وفي رواية (ليخرجن تفلات) يعني غير متطيبات. الشيخ: أما النهي عن منع النساء من المساجد فهو في الصحيحين وغيره وأما (بيوتهن خير لهن) فليس في الصحيح. القارئ: وفي رواية (وليخرجن تفلات) يعني غير متطيبات ولا بأس أن تصلي المرأة بالنساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأم ورقة أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود. الشيخ: وعلم من قول المؤلف ولا بأس أنه لا يسن للنساء الجماعة وقد اختلف العلماء في هذا فمنهم من قال لا يسن للنساء أن يصلين جماعة في البيوت. ومنهم من قال يسن. ومنهم من قال يباح إن شئن صلين وإن شئن لم يصلين. فالأقوال فيها ثلاثة وحتى على القول بأنه يسن لهن أن يصلين جماعة فإنهن لا ينلن أجر صلاة الجماعة التي ينالها الرجال في المساجد يعني لا يحصلن على سبع وعشرين درجة لأن الأحاديث الواردة كلها في الرجال الذين تجب عليهم الجماعة والله أعلم. السائل: مسألة الصلاة في العتيق أفضل هذا ما ينتقض بالصلاة في المسجد الأقصى وهو أسبق من مسجد النبي عليه الصلاة والسلام والعبادة فيه أقدم ومع ذلك الصلاة في مسجد المدينة بألف صلاة وفي مسجد الأقصى بخمسمائة مع أنه أسبق؟ الشيخ: لا ما يدل على هذا، أصل النوع هنا النوعية في مسجد الرسول أفضل والمراد بالنوعية يعني أن هذا مسجد خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام وهو أفضل الرسل وهذاك إنما كان له فضل لأنه غالب الرسل من هناك. فصل القارئ: ويعذر في ترك الجماعة والجمعة بثمانية أشياء:

المرض لما روى ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) قالوا يا رسول الله وما العذر قال (خوف أو مرض) رواه أبو داود. الشيخ: لدينا دليل عام لكن المؤلف رحمه الله أتى بالدليل الخاص على ما فيه من المقال في سنده وصحته لأنه إذا أمكن أن تأتي بالدليل الخاص فهو أولى من الدليل العام لأن الدليل العام قد يدعي الخصم أنه مخصوص ولا يسلم بشموله لجميع الأفراد كما أن بعض علماء الأصول قالوا إن العام لا يتناول جميع أفراده على التعيين لكنه ظاهر فقط في تناول جميع الأفراد لكن هذا القول ضعيف أبطلته السنة القول بأنه لا يتناول جميع الأفراد ولكن هذا ظاهره هذا ضعيف أبطلته السنة والسنة هي قول الرسول عليه الصلاة والسلام (إنكم إذا قلتم ذلك) يعني السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) وهذا نص صريح في أن العام يتناول جميع أفراده فأنت الآن إذا أتتك مسألة فيها دليل خاص وفيها دليل عام فما هو الأولى؟ الدليل الخاص لاحتمال التخصيص أو منازعة الخصم فمثلاً قتل الصيد في الإحرام إذا كان عن غير عمد كرجل يمشي في السيارة وصدم صيداً بغير عمد هذا ليس فيه شيء لا إثم فيه ولا كفارة لقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) هذا دليل استدل به واحد من الناس والآخر قال (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) أيهما أليق بالقاعدة الثاني فيستدل بالخاص ثم يستدل بالعام، فالعام الذي أريد أن أقوله في مسألة من يعذر بالمرض في ترك الجماعة هو قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) وقوله (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) والآيات العامة في هذا كثيرة وكذلك الأحاديث.

القارئ: والخوف لهذا الحديث وسواء خاف على نفسه من سلطان أو لص أو سبع أو غريم يلزمه ولا شيء معه يعطيه. الشيخ: إلى هذا الحد إذا خاف من غريم يلزمه وليس عنده شيء يكفيه فهو معذور فالإنسان المفلس الذي له أناس يطلبونه كثيراً ويخشى أنه إذا خرج للمسجد وإذا واحد على عتبة الباب وواحد في الطريق وواحد على عتبة المسجد والثاني في الصف يخشى من هؤلاء فهو معذور إلى أن يجد وفاء يعني لو بقي كل حياته لا يصلي مع الجماعة خوفاً من الغرماء فإنه معذور لكن هؤلاء الغرماء يأثمون من وجهين: الوجه الأول أنه يلزمهم الإنظار في حق المعسر لقوله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ). الثاني أنهم كانوا سبباً في ترك هذا الرجل لصلاة الجماعة. القارئ: أو على ماله من تلف أو ضياع أو سرقة. الشيخ: وهذا أيضاً إذا خاف على ماله من تلف أو ضياع وكلمة مال مفرد مضاف تعم وظاهره أنه وإن قل لأنه لم يقيد ولهذا قالوا لو خاف الخباز على خبزه أن يحترق فله ترك الجماعة لأنه يضيع ماله ومن ذلك أيضاً إذا كان يخشى أن تفسد خلطة الإسمنت إذا ذهب يصلي فله أن يترك الجماعة وكذلك إذا خاف خلطة الجبس يعني الجص لأنه أسرع أيضاً من جمود الإسمنت فله أن يترك الجماعة كذلك إذا خاف على ماله من ضياع وعلى ولده من باب أولى فلو انطلق الصبي فلك أن تترك الجماعة وتلحق هذا الصبي وهذا يقع كثيراً في المسجد الحرام والمسجد النبوي أيام المواسم يأتي الإنسان بصبيه والصبي كما تعرفون ينطلق فهل نقول إنك تعذر بترك الجماعة لتبحث عن صبيك؟ الجواب نعم هذا من باب أولى أولى من المال. القارئ: أو يكون له دين على غريم يخاف سفره.

الشيخ: وهذه أيضاً، هذه لو نقولها للعامي يستغرب، ذكر له أن غريمه قدم البلد وأنه سوف يسافر الآن وهو يسمع الإقامة قد قامت الصلاة أين الغريم قالوا في الموقف موقف السيارات يدع الصلاة ويذهب إلى غريمه ليأخذ حقه منه وهذا يمكن أن يستدل عليه بقول الرسول عليه الصلاة والسلام (لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) لأن الإنسان إذا صلى مع الجماعة وهو يشعر بأن غريمه في الموقف وسيسافر هل يحضر قلبه في الصلاة؟ لا ما يحضر لأن انشغال قلبه أشد مما لو حضر الطعام لا سيما إذا كان ماله كثيراً وكان الغريم مماطلاً. القارئ: أو وديعة عنده إن تشاغل بالجماعة مضى وتركه أو يخاف شرود دابته أو احتراق خبزه أو صديقه أو ناطور بستان يخاف سرقة شيء منه أو مسافر يخاف فوت رُفقته. الشيخ: ناطور البستان الحارس هل له ترك الجماعة؟ نعم لأنه مؤتمن عليه فله أن يدع الجماعة ويصلي في مكانه والدليل على هذا أنه سوف ينشغل قلبه إذا ذهب يصلي ولو سرق هذا المكان لألزم به لأنه مفرط. القارئ: أو يكون له مريض يخاف ضياعه. الشيخ: كيف مريض يخاف ضياعه؟ الظاهر مراده بالمريض الذي ثقل به المرض حتى صار لا يميز فيخشى أن يخرج هذا المريض ويذهب يميناً وشمالاً فيضيع. القارئ: أو صغيراً أو حرمة يخاف عليها. الشيخ: هذه من أشد ما يكون في العذر، إنسان مثلاً معه امرأة لو قال لها ابقي عند باب المسجد خاف عليها وهي لا تدخل المسجد لأنها حائض مثلاً فيخشى عليها نقول أنت معذور لكن هل من المستحسن أن يبقى معها عند عتبة المسجد؟ لا نقول اذهب أنت وإياها إلى البيت أو إلى أي مكان. السائل: أين الدليل على هذه الأعذار بسبب الخوف لأن الأعذار لاتنتهي؟ الشيخ: ولتكن لا تنتهي الحمد لله (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) والحوادث لا يمكن الإحاطة بها الشريعة قواعد هذه المسائل التي ذكرها المؤلف لو ذهب إنسان يصلي مع جماعة لانشغل قلبه لأنه يخشى.

السائل: هذه الأعذار إذا علم بها العوام سيتهاونون بالجماعة؟ الشيخ: إذا كنت تخشى أن العامي يتهاون لا تعلمه إن جاء أحد يستفتي فأفتي بما ترى لكن لا تنشره بين الناس. السائل: هل الخوف من الغريم هو من الطلب أو من الضرب؟ الشيخ: لا بل من الطلب لازم يمسك يده ويقول اعطني. القارئ: والثالث والرابع المطر والوحل لما روي عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حي على الصلاة وقل صلوا في بيوتكم فعل ذلك من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض متفق عليه. الشيخ: في كلام ابن عباس رضي الله عنهما إشكال وهو أنه قال لا تقل حي على الصلاة ووجه ذلك أن قول حي على الصلاة يعني أقبلوا إلى الصلاة وإذا كانوا معذورين فكيف نقول أقبلوا على الصلاة فنقول بدل حي على الصلاة صلوا في رحالكم ولكن هل نقول حي على الفلاح نعم ربما نقول حي على الفلاح لأن الإنسان مفلح ولو صلى في بيته والحديث الآن ما فيه إلا حي على الصلاة ثم نقول هذا يقتضي أن ألفاظ الأذان ليست كلها تعبدية أي ليست كلها مما يتعبد به ولهذا قال العلماء لو قال في صلاته الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله لم تبطل صلاته ولو قال حي على الصلاة بطلت لأنها كلام آدميين ويدل عليه هذا الحديث أنها ليست ذكراً مقصوداً بذاته كما يقصد التكبير والتشهد. ومن فوائد حديث ابن عباس أنه رضي الله عنهما لما قال له قل صلوا في بيوتكم قال إن الجمعة عزمة يعني واجبة لأنه خشي أن يظن ظان أنها ليست بواجبة وأنها مستحبة فلهذا رخص لهم أن يصلوا في البيوت. ومن فوائده أيضاً أن المطر عذر في ترك الجمعة إذا كان يشق على الناس مع أن الجمعة الجماعة فيها أوكد من الصلوات الخمس ومع ذلك يعذر فيها الإنسان.

ومن فوائد الحديث الشخصية أن ابن عباس رضي الله عنهما ممن يميل إلى الرخص عكس ابن عمر فإنه كان يميل إلى التشديد ولهذا يقال إن الخليفة قال للإمام مالك رحمه الله لما أراد أن يصنف الموطأ قال تجنب تشديدات ابن عمر ورخص ابن عباس ولكن لو دار الأمر في مسألة مَّا بين أن نأخذ بالتشديد أو بالتسهيل أخذنا بالتسهيل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إن الدين يسر) وقوله (يسروا ولا تعسروا). القارئ: والخامس الريح الشديد في الليلة المظلمة الباردة وهذا يختص بالجماعة لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر منادياً فيؤذن ثم يقول على إثر ذلك (ألا صلوا في الرحال) في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر متفق عليه. الشيخ: هذه خاصة بالجماعة يعني لا في الجمعة وهذه القيود التي ذكرها تخرج الجمعة لأنه قال الرياح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة والجمعة لا تكون في الليل وهذا واضح أنه خاص بالجماعة يعني أنه عذر في ترك الجماعة ريح شديدة باردة في ليلة مظلمة وهذه قد تكون أشق من المطر إذا كانت ريح وشديدة وباردة والليلة مظلمة لا شك أن فيها تعب وذكر بعض الأصحاب أنه لا يشترط في الليلة أن تكون مظلمة لأن الإظلام والإسفار لا أثر له في المشقة وبناءً على ذلك نقول إذا كان هناك ريح شديدة باردة فإنها عذر في ترك الجماعة لكن لابد أن تكون باردة غير البرد المعتاد باردة شديدة وهذه لا شك أن مشقة الناس في الخروج إلى الجماعة أشد من مشقتهم في الخروج إلى الجماعة في مطر يبل الثياب. السائل: في الحديث قال (أو المطيرة في السفر)؟

الشيخ: السفر قد نقول إن هذا يدل على أنه في الحضر لا يكون عذراً لأن السفر مظنة شاقة بخلاف الحضر وقد يقال ما دامت العلة المشقة فهي تكون في الحضر وتكون في السفر لكن الحديث كما ترون ليس فيه ريح وليس فيه شديدة وإنما هي ليلة باردة ولا شك أن المراد بالليلة الباردة التي يشق على الناس الخروج من بيوتهم إلى المسجد أما الشيء المعتاد فهذا ليس بعذر لأننا لو قلنا أن البرودة المعتادة عذر في ترك الجماعة لكان الناس يتركون صلاة الجماعة في جميع الشتاء وأما قوله (في السفر) نقول ما دام العلة المشقة حتى في الحضر كذلك. القارئ: السادس أن يحضر الطعام ونفسه تتوق إليه. السابع أن يدافع الأخبثين أو أحدهما لما روت عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام ولا وهو يدافع الأخبثنين) متفق عليه.

الشيخ: هذا أيضاً من العذر أن يحضر الطعام ونفسه تتوق إليه فيعذر حتى يأكل ويشبع ثم ينصرف وكان ابن عمر رضي الله عنه على شدة تمسكه بالسنة كان يسمع المقيم يقيم الصلاة وهو يتعشى ولا يقوم من عشائه ولكن هذا مقيد بما إذا لم يجعل من عادته أن يكون عشاؤه في وقت صلاة الجماعة فإن جعل من عادته أن يكون عشاؤه وقت صلاة الجماعة فإنه لا يعذر لأنه يمكنه أن يقدم ويؤخر لكن إذا طرأ طارئ مثل أن يتأخر طهي الطعام أو الحصول عليه أو ما أشبه ذلك أو هو يتأخر لعذر له خارج البيت فهذا يعذر (إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل العشاء) فيعذر بترك الجماعة لأنه لو جاء إلى الجماعة فسوف يكون قلبه مشغولاً والمحافظة على ما يتعلق بذات العبادة أولى من المحافظة على ما يتعلق بوصفها فهنا إذا قدم الطعام فإن ذات العبادة سوف تختل بالخشوع وحضور القلب ويمكن أن نأخذ من هذا أن ما سبق ذكره من صور الخوف التي عدها المؤلف بشرط أن لا يتعمد وجودها في ذلك الوقت فإن تعمد وجودها في ذلك الوقت مثل أن يكون خباز لا يخبز إلا وقت الصلاة أو البناء لا يبني إلا وقت الصلاة وما أشبه ذلك فإنه يمنع لكن أحياناً تأتي الأمور على غير ما يريد الإنسان فإذا حصل ذلك فإنه يعذر على ما سبق وقوله (يدافع الأخبثين) الأخبثان هما البول والغائط ومثل ذلك مدافعة الريح فإنها إذا كان عند الإنسان ريح في بطنه وآذته فإننا نقول إنه يعذر بترك الجماعة ويذهب ويتنفس ثم يتوضأ ويرجع للجماعة. السائل: إذا كان هناك عمال غير مسلمين يعملون وقت الصلاة فهل نجبرهم بترك العمل؟ الشيخ: إذا كانوا حول المسجد فإننا نمنعهم لأن هذا كالمنابذة للمسلمين وجرح شعور المسلمين أما إذا كانوا بعيدين نتركهم. السائل: هل قولكم يعذر معناه الأفضل عدم الذهاب للجماعة؟

الشيخ: قولنا يعذر ليس معناه أنه لا يفعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى وهو يدافع الأخبثين أو بحضرة الطعام واختلف العلماء لو فعل فهل تصح صلاته؟ فمنهم من قال إنها تصح ولو مع المدافعة ولو مع توقان نفسه الطعام لأن النهي هنا من أجل أن يخشع في صلاته ويحضر قلبه في صلاته وهذا لابد أن يكون لكن ليس على الكمال والصحيح أنه إذا أدى ذلك إلى عدم حضور القلب نهائياً وانشغال الإنسان ولا سيما في مدافعة الأخبثين بحيث تجده يتعصر أو يتصبر فهذا قد نقول بعدم صحة الصلاة كما هو مذهب الظاهرية أما إذا كان يدافع لكن يستطيع أن يأتي بالصلاة بواجباتها وأركانها فهذا نقول الصلاة هنا مكروهة ولكنها لا تبطل. السائل: كيف نقول الصلاة صحيحة مع أن الحديث قال (لا صلاة)؟ الشيخ: نعم الحديث (لا صلاة) ولكن إذا علمنا أن العلة هو ذهاب الخشوع والرجل سيكون معه شيء من الخشوع فهذا لا يجوز إبطالها أما لو فقد الخشوع بالكلية وصار لا يدري ما يقول ولا يدري ما يفعل من شدة المدافعة فهنا يتوجه القول بأنها لا تصح صلاته. السائل: بعض الناس في رمضان يقرب إفطاره في وقت أذان المغرب؟ الشيخ: أقول هذا عارض مع أنه ليس من الحسن من الناحية الطبية حتى من الناحية الطبية لا ينبغي أن تأكل أكلاً تشبع فيه بعد فراغ المعدة اعط المعدة الطعام شيئاً شيئا ولهذا كثير من الناس يقتصرون عند الإفطار على تمرات قليلة وما تيسير ويجعلون العَشاء بعد صلاة العشاء وإما بين المغرب والعشاء. القارئ: الثامن أن يكون له قريب يخاف موته ولا يحضره لما روي أن ابن عمر اُسُتصِرخ على سعيد بن زيد وقد تجمر للجمعة فذهب إليه وتركها. فأما الأعمى فلا يعذر إذا أمكنه الحضور لما روى أبو هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال (أتسمع النداء بالصلاة) قال نعم قال (فأجب) رواه مسلم.

السائل: إذا كان الإمام في التشهد الأخير ثم دخل رجل المسجد فهل يدخل في الصلاة أم ينتظر جماعة أخرى؟ وهل يجوز إقامة الصلاة للجماعة الأخرى والإمام لم يسلم؟ الشيخ: إذا كان يعلم أنه يدرك جماعة فلا يجلس معه وإلا جلس وإن أقام الصلاة بمن معه فلا بأس لأن الإمام انتهت صلاته بالنسبة لنا ولم يسلم لكنه إذا كان قريباً من المصلين لا يفعل لئلا يشوش عليهم. فصل القارئ: ومن شرط صحة الجماعة أن ينوي الإمام والمأموم حالهما فإن نوى أحدهما دون صاحبه لم تصح لأن الجماعة إنما تنعقد بالنية فيعتبر وجودها منهما فإن نوى كل واحد منهما أنه إمام صاحبه لم يصح لأنه لا مأموم له وإن نوى كل واحد منهما أنه مأموم لم يصح لأنه لا إمام له وإن نوى أن يأتم بأحد الإمامين لا بعينه لم يصح لأنه لا يمكنه اتباعه وإن نوى الائتمام بهما لم يصح لذلك وإن نوى الائتمام بالمأموم أو المنفرد لم يصح لأنه ليس بإمام. الشيخ: إذاً لابد أن ينوي المأموم أنه مأموم والإمام أنه إمام فإن نويا أنهما إمام لم يصح لأنه لا مأموم له أو أنهما مأموم لم يصح لأنه لا إمام له وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لو نوى الائتمام بمن لم ينو الإمامة أنه لا يصح والصحيح أنه يصح يعني كرجلين وجدا شخصاً يصلي فاعتقداه إماماً واستمر هو في صلاته واستمرا في متابعته فالمذهب أن صلاتهما لا تصح لأن الإمام لم ينو أنه إمام وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن ذلك صحيح واستدل بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في رمضان في حجرة احتجرها بخصيف من النخل وصلى وراءه أناس دون أن يعلموه بأنهم يصلون وراءه وأجاب الذين يقولون بعدم الصحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون قد علم بهم فنوى أنه إمامهم وعلى كل حال إذا وقعت المسألة نقول الصحيح ما ذهب إليه مالك رحمه الله من أنه يصح أن ينوي الائتمام بمن لم ينو الإمامة. فصل القارئ: فإن أحرم على صفة ثم انتقل عنها ففيه ست مسائل:

إحداهن أحرم منفرداً ثم جاء إنسان فأحرم معه فنوى إمامته فيجوز في النفل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي في التهجد فجاء ابن عباس فأحرم معه فصلى به النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه وإن كان في فرض وكان يرجو مجيء من يصلي معه جاز أيضاً نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالصلاة وحده فجاء جابر وجبار فصلى بهما رواه أبو داود وإن لم يكن كذلك فعن أحمد لا يجزئه لأنه لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة وعنه ما يدل على الإجزاء لأنه يصح في النفل والفرض في معناه. الشيخ: وهذه الرواية هي الصحيحة أنه يصح أن ينوي الإمامة في أثناء الصلاة سواء دخل وهو يرجو أن يدخل معه أحد أم دخل وليس يرجو أن يدخل معه أحد ثم دخل معه أحد فإنه يصح لأنه ثبت في النفل وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل فإذا قال قائل ما هو الدليل على تساوي النفل والفرض؟ قلنا الدليل أن كلاً منهما يسمى صلاة وقد اشتركا في كل الأحكام إلا مسائل نادرة ولأن الصحابة رضي الله عنهم لما ذكروا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به قالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة فدل ذلك على أن الأصل تساوي النفل والفرض إلا بدليل. السائل: رجل من عادته أن يكون إماما وصلى مرة منفرداً على أنه إمام ناسياً متوهماً فهل تصح صلاته؟ الشيخ: صلاته صحيحة. السائل: لماذا نشترط أن ينوي الإمام أنه إمام هي أفعال لا تتغير؟ الشيخ: لارتباط صلاتهما بعضها ببعض ولهذا لو بطلت صلاة المأموم وهو واحد واستمر الإمام على نية الإمامة بطلت صلاته لأنه نوى أن يكون إماماً وهو منفرد.

القارئ: الثانية أحرم منفرداً فحضرت جماعة فأحب أن يصلي معهم فقال أحمد رضي الله عنه أعجب إلي أن يقطع الصلاة ويدخل مع الإمام فإن لم يفعل ودخل معهم ففيه روايتان إحداهما لا يجزئه لأنه لم ينو الائتمام في ابتداء الصلاة والثانية يجزئه لأنه لما جاز أن يجعل نفسه إماماً جاز أن يجعلها مأموماً. الشيخ: الإمام أحمد رحمه الله قال أعجب إلي أن أقطع الصلاة أو أحب على نسخة أخرى لكن لو قال قائل كيف يقطع الصلاة وقد دخل في فرض والمعروف أن من دخل في فرض فإنه لا يجوز له أن يخرج منه إلا بعذر شرعي فالجواب أن هذا قطع الصلاة من أجل أن يكملها وهناك فرق بين من يقطع الصلاة ليتخلص منها وبين من يقطعها من أجل أن يكملها ونظير ذلك لو أن إنساناً أحرم بالحج وفي أثناء فعله وبعد أن طاف قال أريد أن أجعل هذا الطواف والسعي للعمرة لأتخلص من الحج ففعل طاف وسعى وقصر ورجع لبلده فلا يجوز هذا ولو قال أريد أن أتحلل بعمرة لأكون متمتعاً جاز، أي أن هذا الإنسان أحرم بالحج قال لبيك حجة ولما طاف وسعى قال أريد أأجعلها عمرة فقصر ليصير متمتعاً نقول هذا جائز لماذا لأنه قطع هذا الفرض لينتقل إلى ما هو أكمل لا ليتخلص فهذا وجه قول الإمام أحمد رحمه الله ويمكن أن يؤخذ من إذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمن نذر أن يصلي في بيت المقدس قال له (صلِّ ها هنا) لأنه انتقل من مفضول إلى أفضل لكن المثال الذي يطابق وهو أقرب إلى المسألة التي ذكرها الإمام أحمد هي مسألة تحلل المفرد بالحج ليكون متمتعاً. القارئ: الثالثة أحرم مأموماً ثم نوى الانفراد لعذر جاز نحو أن يطول الإمام أو تفسد صلاته لعذر من سَبْقِ حدث أو نحوه لما روى جابر قال صلى معاذ بقومه فقرأ بسورة البقرة فتأخر رجل وصلى وحده فقيل له نافقت يا فلان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال (أفتان أنت يا معاذ) مرتين متفق عليه.

الشيخ: هذه المسألة يقول رحمه الله الثالثة أحرم مأموماً ثم نوى الانفراد لعذر جاز نحو أن يطول الإمام وكذلك أن يقصر الإمام بحيث لا يمكن هذا المأموم أن يتابعه مع الطمأنينة يعني لو كان الإمام يعجل ولا يمكن أن يتابعه إلا بالإخلال بالطمأنينة فهنا يجب وجوباً أن يفارقه، التطويل لا يجب أن يفارقه لكن يجوز أما عدم الطمأنينة فيجب أن يفارقه لأنني لا يمكن أن أتابعه إلا بترك ركن من أركان الصلاة وهذا يبطلها كذلك لو أن المأموم أصابه رعاف فانفتل من الصلاة فلا بأس أو أصابه حصر أو أصابته غازات ويشق عليه أن يبقى مع الإمام فله أن ينفرد ويصلي بقية الصلاة وحده المهم أن قول المؤلف لعذر ثم قال نحو أن يطول هذا مثال فقط وليس على سبيل الحصر. السائل: عند مسلم أن هذا الرجل الذي انفتل من الصلاة سلم ثم صلى في طرف المسجد؟ الشيخ: هذا انفرد به شيخ مسلم وأنكروا عليه. السائل: إذا أراد المنفرد قطع صلاته ليدخل في جماعة فهل يقطعها بأن يقلب الفرض إلى نفل ويكمل الصلاة أم أنه ينهي الصلاة؟ الشيخ: الإمام أحمد يقول أعجب إلي أن أقطعها يقطعها بتاتاً لأنه إذا قلبها نفلاً ما يأمن أن يفوته ركعة أو ركعتان مع هؤلاء الجماعة. السائل: صلى ركعتين منفرداً ثم رأى جماعة فدخل معهم ولم يقطع صلاته فماذا يفعل؟ الشيخ: فإذا قام الإمام إلى الثالثة جلس هو ثم إن شاء سلم وإن شاء انتظره. السائل: هل يجوز للمأموم أن يخرج من الصلاة إذا كان الإمام يلحن كثيراً؟ الشيخ: ما يخرج ويفتح عليه ويبين له الصواب إلا إذا كان يلحن كما قلت وأنه يرد عليه ولكن لو ما امتثل أو ما عرف أن يقيم الحرف فحينئذٍ له أن يخرج المهم العذر عام. القارئ: فإن نوى الانفراد لغير عذر فسدت صلاته لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر فأشبه ما لو تركها بغير نية المفارقة وفيه وجه أنه يصح بناءً على المنفرد إذا نوى الإمامة.

الشيخ: لكنه قياس عكسي هذا مأموم نوى الانفراد وذاك منفرد نوى الإمامة أو منفرد نوى الائتمام على الوجه الثاني الذي ذكره فيما لو حضرت جماعة وهو يصلي وهذا الوجه الذي ذكره هو مذهب الشافعي أنه يجوز للمأموم أن ينفرد بلا عذر لكن الصحيح أنه لا يجوز أن ينفرد بلا عذر لعموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وعلى القول أنه يجوز أن ينفرد عن الإمام بلا عذر على إحدى الروايتين به يزول الإشكال الذي حصل لبعض الناس فيما لو دخل شخص يريد صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء وقال كيف يصح أن ينفرد إذا قام الإمام إلى الرابعة لأنه صلى ثلاثاً فسوف يجلس ويسلم فكيف جاز الانفراد نقول أولاً أن المسألة ليست إجماعاً في أنه لا يجوز الانفراد بلا عذر وثانياً أنه في هذه الحال عنده عذر شرعي لأنه لا يجوز أن يصلي المغرب أربعاً فهو عذر شرعي فيجلس ويسلم ويقوم مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء. السائل: لو كانت الجماعة رجلين ثم المأموم خرج من الصلاة لعذر ماذا ينوي الإمام؟ الشيخ: ينوي الانفراد بخروج المأموم ينوي الانفراد. السائل: إنسان يدخل مع الإمام يقرأ الفاتحة وفيها خلل بيِّن هل يستمر معه؟ الشيخ: لا ما يستمر إذا كان يلحن لحناً يحيل المعنى ولم يمكن تقويمه فلا يستمر معه. السائل: دخل في التشهد الأخير وحضرت جماعة أخرى هل له أن يقطع صلاته؟ الشيخ: له ذلك لأنه لم يدرك الجماعة الأولى ويجوز أن يقلبها نفلاً ويكمل لكن كما قلت يفوته بعض الفريضة مع هؤلاء الذين دخلوا. القارئ: الرابعة أحرم مأموماً ثم صار إماماً لعذر مثل أن سبق إمامه الحدث فيستخلفه فإنه يصح وعنه لا يصح. الشيخ: والصحيح الأول أنه يصح ومعنى سبقه الحدث يعني أحدث في أثناء الصلاة. القارئ: وإن أدرك نفسان بعض الصلاة مع الإمام فلما سلم ائتم أحدهما بصاحبه في بقيتها ففيه وجهان فإن كان لغير عذر لم تصح.

الشيخ: ففيه وجهان الصحة وعدمها وبهذا نعرف أنه لا ينبغي إذا دخل اثنان قد فاتهما بعض الصلاة أن يقول أحدهما للثاني أنا إمامك فيما نقضي لأن المسألة كما عرفتم فيها وجهان وجه بالجواز ووجه بالمنع وليس فيه من يقول إنه يستحب ثم إن في فعل هذا تشويش على الناس إذا قام اثنان لقضاء ما فاتهما فصليا جماعة ولا سيما إذا كانت الصلاة جهرية ولم يدركا إلا ركعة واحدة. القارئ: الخامسة أحرم إماماً ثم صار منفرداً لعذر مثل أن يسبق المأموم الحدث أو تفسد صلاته لعذر فينوي الإمام الانفراد فيصح وإن كان لغير عذر لم يصح. الشيخ: معنى قوله لعذر يعني لو أن الإمام انفرد بنفسه وتخلى عن الإمامة فإنه لا يصح كما لو تخلى المأموم عن الائتمام أما لو انفرد المأموم بلا عذر فالإمام معذور في الواقع فقول المؤلف رحمه الله لعذر يعني من قبل الإمام ولتوضيح الصورة: إمام ومأموم إذا انفرد الإمام نقول إن كان لعذر فلا بأس وإن كان لغير عذر فلا يجوز مثال لغير عذر نفس الإمام وهو إمام فسخ الإمامة وأراد أن يصلي وحده نقول هذا لا يجوز لغير عذر أما إذا كان لعذر مثل أن يسبق المأموم الحدث فينصرف فيبقى الإمام وحده منفرداً فهذا لا بأس وكذلك لو أن المأموم قطع صلاته بلا عذر فبقي الإمام منفرداً فلا بأس لأن هذا ليس باختياره المأموم قطع صلاته بغير اختيار الإمام فبقي منفرداً معذوراً لأنه لا يمكنه أن يقول للمأموم لا تقطع صلاتك فصارت المسألة الآن ثلاث صور: الصورة الأولى قطع الإمام إمامته لغير عذر هذا لا تصح لأنه انتقل من إمامة إلى انفراد بلا عذر فبطلت صلاته. الثانية قطع الإمام إمامته لانقطاع صلاة المأموم لعذر فهذا جائز ولا إشكال فيه. الثالثة قطع الإمام إمامته لقطع المأموم ائتمامه بلا عذر فهنا تصح للإمام، والمأموم على كل حال قطع صلاته لا تصح له لماذا؟ لأنه ليس باختياره أن يجبر المأموم على البقاء فهو معذور.

القارئ: السادسة أحرم إماماً ثم صار مأموماً لعذر مثل أن يؤم غير إمام الحي فيزول عذر الإمام فيتقدم في أثناء الصلاة ويبني على صلاة الأول ويصير الأول مأموما ففيه روايتان إحداهما يصح لما روى سهل بن سعد قال ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فاستأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف متفق عليه والثانية لا يصح لأنه لا حاجة إلى ذلك وفعل الني صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون خاصاً له لأن أحداً لا يساويه. الشيخ: هذه المسألة السادسة انتقل من كونه إماماً إلى كونه مأموماً لعذر ومثاله ما ذكر إمام خلَّفه إمام الحي قال صلِّ بالناس فلما شرع في الصلاة حضر إمام الحي فهنا لإمام الحي أن يتقدم ويكون هو الإمام والذي كان إماماً يكون مأموماً والدليل على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين صلى أبو بكر بالناس فجاء النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الصلاة فجعل الصحابة رضي الله عنهم يصفحون بأيديهم وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى وصل النبي إلى مكانه فأراد أبو بكر أن يتأخر فدفعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرفع يديه أبو بكر يحمد الله أن الرسول عليه الصلاة والسلام رضي أن يكون أبو بكر إماماً له وهذه غبطة لكنه رضي الله عنه أصر على أن يتأخر والرسول يدفعه ويصر على التأخر إكراماً للرسول عليه الصلاة والسلام وقال ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكمل بهم الصلاة الرسول عليه الصلاة والسلام وأبو بكر تأخر حتى قام في الصف وهذه فيها غُرَر مسائل:

المسألة الأولى أن المخالفة للإكرام لا تعد معصية فإن أبا بكر خالف النبي عليه الصلاة والسلام ولكنه خالفه للإكرام فلا تكون هذه المخالفة معصية ونظيرها ما وقع لعلي بن أبي طالب في صلح الحديبية حيث جاء سهيل بن عمرو للمفاوضة في الصلح واتفقوا على أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل لا نعرف الرحمن ولكن اكتب باسمك اللهم فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اكتب باسمك اللهم) فكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قضى عليه محمد رسول الله قال سهيل لا يمكن تكتب محمد رسول الله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ولا منعناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله كغيرك من رجال قريش ننسبك إلى أبيك بعد أن كتب محمد رسول الله فقال النبي عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب امح محمد رسول الله اكتب محمد بن عبد الله قال والله ما أمحوها وأبى فقال الرسول عليه الصلاة والسلام أرينها فأراه إياها فمحاها الرسول عليه الصلاة والسلام بيده هذه مخالفة علي بن أبي طالب وإقسامه في رد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام هل يعد معصية؟ لا لماذا؟ إكراماً وتعظيماً للرسول عليه الصلاة والسلام ومن ثم أخذ شيخ الإسلام أن مخالفة الإنسان الذي حلف عليك إكراماً له لا يعد حنثاً ولا تجب فيه كفارة لأن الحنث مبناه على الإثم وهذا ليس فيه إثم فلو قال مثلاً والله إنك تدخل فقلت والله ما أدخل ولا دخلت هل نلزم الحالف الأول بالكفارة؟ لا لأنه أراد الإكرام وقد حصل لكن جموع العلماء على أنه يحنث ولا أريد أن ينفتح عليكم هذا الباب فتخالفونني في شيء مثل ما تقولون نحن (كلمة غير واضحة) من باب الإكرام أخشى ينفتح هذا الباب إنما القرائن لها أحوال وهذا الرسول عليه الصلاة والسلام قال (امحها واكتب محمد بن عبد الله).

ومن النكت في قضية صلح الحديبية أن الذين صاروا الآن يقولون قال محمد بن عبد الله وحكم محمد بن عبد الله دون أن يقولوا محمد رسول الله نقول إنهم تركوا ما ينبغي إلى ما لا ينبغي لأنه لو قيل محمد بن عبد الله ولم يوصف بالعبودية والرسالة التي هي أشرف أوصافه صار في القلب شيء بدل من أن تقول محمد بن عبد الله قل محمد رسول الله ولهذا انظر قريش قالوا ما نكتب محمد رسول الله نكتب محمد بن عبد الله فقال اكتب محمد بن عبد الله إذا قيل كيف الرسول عليه الصلاة والسلام يرضى بهذا يعدل عن بسم الله الرحمن إلى باسمك اللهم وعن محمد رسول الله إلى محمد بن عبد الله وشرط آخر أن من جاء مسلماً رده إليهم ومن ذهب منا من المسلمين فإنه لا يرد قلنا لأنه التزم حينما بركت الناقة ناقته عليه الصلاة والسلام بركت وحرنت رفضت أن تمشي فصاح الناس خلأت القصواء يعني حرنت وأبت أن تمشي فقال (والله ما خلأت القصواء) ودافع عنها وهي بيهيمة لأن الحق أحق أن يتبع ولا يمكن أن تغتاب البهيمة وهي خالية من هذا السوء قال (والله ما خلأت القصواء وما كان ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل) ثم قال (والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم عليها) أقسم فنفذ لو لم يجبهم على هذا ماذا يكون صار الحرب ببطن مكة لكن من حكمة الله عز وجل وما آتاه الرسول من الحكمة حصل ما حصل المهم الآن على أن المخالفة إكراماً لا تعد معصية لكنها تعد إكراماً واحتراماً وتعظيماً وأما قول المؤلف رحمه الله في هذه المسألة الرواية الثانية أنها لا تصح لأنه لا حاجة إلى ذلك ويحتمل الخصوصية فنقول الأصل عدم الخصوصية ومسألة إنه يحتاج أو لا يحتاج هذا أمر اعتباري ربما يحتاج إليه إمام الحي لكون نائبه ليس ذا قبول عند جميع الجماعة فيحب أن يتقدم هو ليكمل بهم الصلاة ويكون في هذا حاجة ثم لو فرض أنه لا حاجة لذلك وأن النائب أحسن من إمام الحي فما المانع من جواز ذلك وقد وقع من رسول

الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يقل إن هذا خاص بي فالأصل عدم الخصوصية ثم اعلموا أن بعض العلماء عفا الله عنا وعنهم يلجؤون إلى شيئين عند الضيق إذا ضاق عليهم الأمر لجؤوا إليه الأمر الأول النسخ فتجد العالم إذا عجز عن التخلص قال هذا منسوخ الثاني الخصوصية إذا عجز عن التخلص مما ورد قال هذا خاص بالرسول وهذا لا يجوز لأن الأصل عدم النسخ والأصل أن النصوص محكمة والنسخ لابد فيه من شرطين مهمين هما تعذر الجمع والعلم بالتاريخ والخصوصية الأصل فيها العدم ولهذا قال الله عز وجل لما قال (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) والقضية مع الرسول لم يقل لكي لا يكون عليك حرج بل قال (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) وهذا إشارة إلى أن ما أحل للرسول أحل لغيره وهذا نص واضح ولما أراد الله الخصوصية قال (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) يعني أحللنا لك امرأة مؤمنة (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ). فصل القارئ: وإذا أقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بغيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم وإن أقيمت وهو في نافلة خففها وأتمها إلا أن يخاف فوات الجماعة فيقطعها لأن الفريضة أهم وعنه يتمها لقول الله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).

الشيخ: قوله رحمه الله وإذا أقيمت الصلاة لم يشتغل بغيرها أما غيرها من أمور الدنيا فلا شك أنه لا يجوز أن يشتغل به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة) وأما اشتغاله بطاعة أخرى فإن كان ابتداءً فإنه لا يجوز يعني مثل رجل بعد أن أقيمت الصلاة ذهب يصلي راتبة أو ذهب يصلي فائتة كانت عليه فإن ذلك لا يجوز لعموم قوله (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) وفي رواية لأحمد وإن كانت سندها ضعيفاً (إلا التي أقيمت) وهذا هو المراد لا شك وإن كان استمراراً معناه أنه قد شرع في العبادة إن كان قد شرع في العبادة فإن كانت فريضة أتمها كما لو كان عليه فائتة ثم دخل فأقيمت الصلاة وقد شرع في الفائتة فإنه يتمها مثل كانت عليه صلاة الظهر فدخل وشرع في صلاة الظهر ثم أقام صلاة العصر نقول أتمها وهذا لا إشكال فيه لكن يتمها خفيفة من أجل أن يدرك الصلاة الحاضرة أما إذا كانت نافلة شرع في نافلة ثم أقيمت الصلاة فقد اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك على أقوال: القول الأول أن النافلة تبطل لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) وهذا نفي للصلاة ابتداءً واستمراراً وهذا رأي كثير من المحدثين أنه إذا أقيمت الصلاة وأنت في نافلة بطلت الصلاة لأن النفي إما لنفي الوجود وإما لنفي الصحة وإما لنفي الكمال ونفي الوجود هنا متعذر لأنه قد شرع فيبقى نفي الصحة وقال بعض العلماء يتم النافلة ويخففها إلا أن يخشى فوات الجماعة وبماذا تفوت الجماعة؟ اختلف فيه العلماء أيضاً فقيل تفوت إذا لم يدرك تكبيرة الإحرام قبل السلام وهذا هو المشهور من المذهب وبناءً على ذلك نقول أتم نافلتك حتى لا يبقى عليك إلا مقدار تكبيرة الإحرام فإذا لم يبق إلا هذه فاقطعها ولهذا قال إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها.

وقيل إنه لا يدرك الجماعة إلا بإدراك ركعة وعلى هذا فنقول أتم النافلة حتى يبقى على الإمام ركعة إذا لم يبق إلا ركعة اقطعها. وقال بعض العلماء لا يقطعها ولو فاتت الجماعة لا يقطعها ولو فاتت الجماعة لأن الله قال (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) وهذا عام وهو لو قطعها لأبطل عمله ولكن هذا القول ضعيف بلا شك والاستدلال بالآية في غير محله لأن المراد بقوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) يعني بالردة عن الإسلام ليس نهياً عن إبطال العمل مطلقا فها هو النبي عليه الصلاة والسلام دخل على أهله فقال (هل عندكم شيء) قالوا عندنا حيس قال (أرينيه فلقد أصبحت صائماً) فأكل فالآية ليس فيها النهي عن إبطال العمل يعني الخروج منه بعد الدخول فيه ليس هذا وأقرب الأقوال في هذه المسألة أن نقول إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة وإن أقيمت وأنت في الركعة الأولى فاقطعها وجه التفصيل أنه إذا صلى ركعة تامة فقد أدرك الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذا صلى ركعة في وقت يؤذن له بالتطوع فيكون أدرك التطوع فيتمها لكن يخفف لأن إدراكه شيئاً من واجب الصلاة أفضل من نافلة الصلاة أما إذا كان لم يصلِّ ركعة بأن أقام وهو في الركعة الأولى فليقطعها لعموم (فلا صلاة إلا المكتوبة) ولأنه لم يدرك النافلة في وقت يحل له فيه الدخول فيها ولأن التشاغل بالفريضة أفضل من التشاغل بالنافلة لقوله تعالى في الحديث القدسي (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه). القارئ: وإن أقيمت قبل مجيئه لم يسع إليها لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ائتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وروي (فاقضوا) متفق عليه.

الشيخ: روي (فأتموا) وروي (فاقضوا) فاختلف العلماء رحمهم الله فمنهم من أخذ بقوله (فأتموا) ومنهم من أخذ بقوله (فاقضوا) وفرق بين الإتمام والقضاء فالقضاء لما فات والإتمام للباقي ويتفرع على هذا الخلاف هل ما يقضيه أول صلاته أو آخر صلاته؟ إن قلنا القضاء لما فات فما يقضيه أول صلاته فإذا أدرك من الرباعية ركعتين ثم قام يقضي الركعتين الأخريين فإنه يقرأ الفاتحة وسورة ويقرأ الاستفتاح ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويطيل الركعتين الأخريين أكثر من الأوليين ومن قال إن الإتمام يفسر معنى القضاء وأن معنى (فاقضوا) يعني (أتموا) واستدلوا بقول الله تعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) قضاهن يعني أتمهن وبقوله تعالى (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ) قضى موسى الأجل يعني أتمه وقالوا إن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام يفسر بعضه بعضاً فمعنى اقضوا أي أتموا لأن تفسير اقضوا بأتموا وارد في اللغة العربية لكن تفسير أتموا باقضوا لم يرد لأن الإتمام بناء على ما سبق وعلى هذا فيكون القول الراجح أن ما يقضيه الإنسان من الصلاة الفائتة الذي فاته مع الإمام هو آخر صلاته سيقتصر فيه على الفاتحة ويخفف الركعتين اللتين يقضيهما اللهم إلا إذا كان الإمام يخفف تخفيفاً لو خفف دونه لفاتته الطمأنينة فهنا لا يخفف فإن قال قائل ما تقولون في المسبوق إذا زاد الإمام ركعة؟ يعني دخل مع الإمام في الركعة الثانية والإمام سها فصلى خمساً هل يلزمه أن يأتي بركعة أو لا يلزمه؟ فيه قولان للعلماء: فمنهم من قال يلزمه لأنه فاته ركعة ولا سيما إذا قلنا أن ما يقضيه هو أول صلاته فقد فاتته الركعة الأولى فيأتي بها وعلى هذا فيلغز في هذه المسألة ويقال رجل تعمد زيادة ركعة في صلاته فلم تبطل صلاته.

ومنهم من قال لا يلزمه أن يأتي بالركعة بل لا يجوز أن يأتي بها وهذا القول هو الصحيح فإن قال قائل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما فاتكم فأتموا) وهذا فاتته ركعة فيجب أن يتم قلنا لكنه لم يقل ما فاتكم فأتموا أو زيدوا قال (فأتموا) وهذا الذي أدرك الإمام فزاد ركعة هل يقال إن صلاته الآن ناقصة حتى تتم؟ لا هي تامة الآن فيكون قول الرسول (ما فاتكم فأتموا) يخرج ما إذا زاد الإمام ركعة لأن هذا أمر نادر والأحكام تبنى على الظواهر والكثير فلا يكون في قوله (فأتموا) دليل على أنه يأتي بالركعة الزائدة عمداً بل فيه دليل على أنه لا يأتي بها لقوله (فأتموا) فيقال هذا لم ينقص عليه شيء الآن حتى يطالب بالإتمام. السائل: بعض العلماء يقولون إذا أردت أن تقطع الصلاة لأمر ما فإنك تقطعها بالتسليم لحديث (وتحليلها التسليم)؟ الشيخ: هذا غير صحيح هو إذا قطعها يقطعها بلا سلام لأن التسليم آخرها وهنا لم تتم حتى يسلم لها بل يقطعها بدون شيء. السائل: إمام قام إلى الخامسة لو أن المأموم تيقن أن الإمام قام إلى خامسة فهو الآن يصلي مع إمام يعتقد بطلان الركعة. الشيخ: هذا لا يمكن أن تتيقن أنها خامسة لأنه قد يكون نسي الفاتحة وهذه ترد كثيراً، ومعلوم إذا أتى بركعة ما فيها الفاتحة لابد يأتي ببدلها وهذه دائماً تقع يقول الإمام للناس إذا سبحوا به وأصر قال إنه لم يقرأ الفاتحة في الركعة الأولى مثلاً. السائل: المسبوق إذا دخل مع الإمام الثانية وزاد ركعة نقول إن الركعة التي أتى بها الإمام إذا كانت زائدة تكون ركعة غير مشروعة فلا تحسب على قول الكثيرين فكيف تحسب للمسبوق وهي غير مشروعة؟

الشيخ: هي بارك الله فيك الإمام إما ناسي أو متعمد لكنه جبراً لركعة ترك فيها الفاتحة إن كانت الثانية فهذه ركعة معتد بها وإن كانت الأولى ناسياً فهو معذور به والمأموم أيضاً معذور لأنه تابع هذا الإمام قد يكون ما يعلم أنه حين دخل معه، دخل معه في الثانية ما يدري وقد يدري بواسطة التشهد إذا جلس يعرف أن هذه هي الثانية لكن هل هذه الزيادة مبطلة للصلاة؟ ما دام فيه احتمال أن الإمام قام لهذه الخامسة لأنه ترك ركناً في إحدى الركعات فأنا ما أتيقن أنه زائد. القارئ: ولا بأس أن يسرع شيئاً إذا خاف فوات الركعة لأنه جاء عن أصحاب رسول الله أنهم كانوا يعجلون شيئاً إذا خافوا الفوات فإن أدركه راكعاً كبر للإحرام وهو قائم ثم كبر أخرى للركوع فإن كبر واحدة أجزأه نص عليه واحتج بأنه فعل زيد بن ثابت وابن عمر وإن أدرك قدر ما يجزئ في الركوع مع الإمام أدرك الركعة وإن لم يدرك ذلك لم يكن مدركاً لها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أدركتم الإمام في السجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة) رواه أبو داود فإن أدركه في سجود أو جلوس كبر للإحرام وانحط من غير تكبير لأنه لم يدرك محل التكبير من السجود.

الشيخ: هذا واضح ما يحتاج إلى تعليق لكن قوله عجل بعض الشيء أو عجل شيئاً معناه شيئاً يسيراً عجلة لا تقبح ولا يكون لها صوت فإن قال قائل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لأبي بكرة (زادك الله حرصاً ولا تعد) قلنا لأن أبا بكرة عجل عجلة أدركها الرسول عليه الصلاة والسلام وسمعها وهذا يدل على أنها شديدة ولهذا قال الإمام أحمد لا بأس بعجلة لا تقبح وبه نعرف ما يفعله بعض الناس حين يدخل والإمام راكع يركض شديداً ويقول اصبروا إن الله مع الصابرين أو يتنحنح ويقال إن بعض الأئمة إذا سمع الذي يركض رفع مباشرة من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه يعاقبه وأنه في يوم من الأيام كأن هذا الإمام أطال الركوع وبعض المأمومين وده يسرع شوي فجعل يخبط برجليه كأنه رجل داخل فلما أحس به الإمام نهض وهذا قد يكون من بعض الناس يتحيل على سرعة الإمام إذا كان من عادته أنه إذا سمع الذي يخبط أو يعجل رفع لكن الأفضل في هذا أن يتأخر كما قال الأصحاب رحمهم الله يتأخر بشرط أن لا يشق على من خلفه فإن شق عليهم فهم أولى بالمراعاة من الرجل الداخل ثم هذا الذي دخل إما أن يتيقن أنه أدرك الركعة فقد أدركها يعني أدرك الركوع وإما أن يتيقن أنه لم يدرك الركوع فهو لم يدرك الركعة وإما أن يشك لا يدري هل وصل إلى الركوع قبل أن ينهض الإمام منه أو لا حينئذٍ نقول هو الآن شاك وكيف نعامل الشاك نقول هل عندك غلبة ظن أنك أدركت أو لم تدرك؟ إن قال نعم قلنا اعمل بغلبة الظن وابنِ عليه وإن قال ليس عندي غلبة ظن قلنا إنك لم تدرك الركعة بناءً على الأصل وعلى اليقين.

في المسألة الأولى التي فيها غلبة الظن هل يسجد للسهو إن قلتم لا أخطأتم وإن قلتم نعم أخطأتم يقال إن كانت هي الركعة الأولى وغلب على ظنه أنه أدركها فإنه يسقط سجود السهو لأن الإمام يتحمل عنه لأن العلماء قالوا إن المأموم إذا كان أدرك الصلاة من أولها فلا سجود عليه لكن قد يقول قائل إنما أسقطوا سجود السهو عن المأموم لئلا يخالف الإمام وهذا إنما يصدق فيما إذا كان سجود السهو قبل السلام أما بعده فلا تحق المخالفة فيقال نعم هذا وارد لكن كونه يسجد بعد سلام إمامه وهو لم يفته شيء هذا نوع مخالفة فلا يسجد. بقي علينا المسألة الأخيرة إذا أدرك الإمام ساجداً يقول إنه ينحط بلا تكبير لأنه لم يدرك محل تكبير من السجود صحيح يعني إذا أدرك الإمام ساجداً أو قاعداً فكبر للإحرام ثم اتبع الإمام بدون تكبير لماذا؟ لأنك الآن ستنتقل من قيام إلى قعود وهذا ليس بمشروع بخلاف الذي يدرك الإمام راكعاً فإن الإمام قد انتقل إلى الركوع من القيام وأنت الآن ستنتقل من القيام إلى الركوع فتكبر مع أن التكبير لمن أدرك الإمام راكعاً التكبير للركوع في حقه ليس بواجب لكنه أفضل. السائل: أما القعود فالانتقال من قيام إلى قعود التكبير غير مشروع لكن ما يقال إن الانتقال من قيام إلى سجود التكبير مشروع لأن السجود يكون بعد القيام؟ الشيخ: ليس بمشروع أيضاً لأن السجود يكون من رفع بعد ركوع أما الآن أنت سوف تنحط من قيام قبل ركوع وأما السجود الذي بعد الركوع فهو بعد الركوع فيفرق بين هذا وهذا فليس هناك سجود من قيام إلا بعد ركوع. السائل: ما هو المقدار أو الحد الذي يدرك به الركوع مع الإمام؟ الشيخ: الركوع بارك الله فيك يدرك فيما إذا كبرت للإحرام ثم أهويت وأدركت الإمام في حال ركوعه قبل أن ينهض يعني أنت اتفقت والإمام في حد الركوع. السائل: مسألة أن ينحط من قيام إلى سجود أو قعود بدون تكبير لماذا سقط التكبير وهو واجب؟

الشيخ: إذا جئت والإمام ساجد أو جالس بين السجدتين أو جالس للتشهد فكبر للإحرام ثم انزل بدون تكبير والتكبيرات هنا ليست واجبة لأنه لا يوجد قعود مشروع بعد القيام مباشرة ولا سجود مشروع بعد القيام مباشرة السجود المشروع بعد القيام إنما يكون بعد قيام قبله ركوع وهنا ليس قبله ركوع هذا وجهه. السائل: لو زاد الخامسة سهواً ثم سها فيها فهل يسجد للسهو؟ الشيخ: نعم يسجد للسهو لأنها في حكم الصلاة كما لو أحدث فيها بطلت. فصل القارئ: وإذا أحس بداخل في القيام أو الركوع استحب له انتظاره ما لم يشق على المأمومين لما روى ابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم ولأنه انتظار ليدرك المأموم على وجه لا يشق فلم يكره كالانتظار في صلاة الخوف إلا أن يكون الجمع كثيراً فإنه لا يستحب لأنه لا يبعد أن يكون فيهم من يشق عليه ولأنه يفوت حق جماعة كثيرة لأجل واحد ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك فضيلة الجماعة ويبني عليها.

الشيخ: قوله رحمه الله ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك فضيلة الجماعة إن أراد بذلك الفضيلة المطلقة ففيه نظر وإن أراد أنه أدرك شيئاً من فضيلة الجماعة فهذا صحيح ووجه هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فمنطوق هذا اللفظ أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ومفهومه من أدرك دون ذلك فإنه لم يدرك الصلاة وهذا عام في جميع الإدراكات وكما أنه لا يدرك الجمعة بالتكبير قبل سلام الإمام حتى يدرك ركعة كاملة فكذا هنا فصار الدليل على القول الراجح أنه لا يدرك الفضيلة المطلقة إلا بإدراك ركعة الدليل أثر ونظر، أثر وهو قوله (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) النظر القياس على إدراك صلاة الجمعة أن الإنسان لو أتى إلى الجمعة وكبر قبل سلام الإمام وقد فاته الركوع الأخير فإنه لا يصلي جمعة لأنه لم يدركها بل يصلي ظهراً. فصل القارئ: وما يدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته لا يستفتح فيه وما يقضيه أولها يستفتح إذا قام إليه ويستعيذ لقوله صلى الله عليه وسلم (وما فاتكم فاقضوا) والمقضي هو الفائت وعنه أن ما يدركه أولها وما يقضيه آخرها لقوله صلى الله عليه وسلم (وما فاتكم فأتموا) والأول المشهور.

الشيخ: إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما فاتكم فأتموا) وقال (ما فاتكم فاقضوا) والظاهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل إلا أحد اللفظين اللهم إلا أن يكون قالهما في زمنين مختلفين وإلا فلا يمكن أن يقول ما فاتكم فأتموا ما فاتكم فاقضوا هذا بعيد وأياً كان فإن أحسن ما يفسر به كلام النبي هو كلام النبي فإذا قال (فأتموا) وقال (فاقضوا) قلنا يجب أن نفسر القضاء بالإتمام لأن القضاء بمعنى الإتمام وارد في اللغة العربية بل في القرآن الكريم قال الله تبارك وتعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) قضاهن بمعنى أتمهن فالصحيح أن ما أدركه المسبوق أول صلاته يستفتح فيه ويستعيذ ويقرأ الفاتحة وسورة إن تمكن وأن ما يقضيه هو آخرها فلا يستفتح ولا يستعيذ إلا إذا قلنا بأنه يستعيذ في كل ركعة فيستعيذ في المقضي كما يستعيذ في المؤدى ويدل لهذا القول الصحيح أنه لو أدرك ركعة من المغرب فكيف يكون القضاء؟ قام فصلى ركعة ثم جلس للتشهد الأول ولو قلنا إن ما يدركه هو آخر صلاته لكان يصلي ركعتين بتشهد واحد. القارئ: لأنه يقرأ فيما يقضيه بالسورة بعد الفاتحة فكان أول صلاته كما لو بدأ به. الشيخ: كأنه يقول إنكم تقولون إنه إذا قام يقضي تقولون إنه يقرأ الفاتحة وسورة وهذا يدل على أن ما كان يقضيه أول صلاته فنقول هذا لا يلزمنا من وجهين: الوجه الأول أن نقول إننا لا نلتزم به ولا نقول إنه يقرأ سورة مع الفاتحة بل يقتصر على الفاتحة.

الثاني أن نقول إنه يقرأ سورة مع الفاتحة ويكون هذا قضاءً لما لم يدركه مع الإمام لأن الإمام في آخر الصلاة سوف يقتصر على الفاتحة وقد لا يتمكن المأموم من قراءة غيرها فإذا لم يتمكن فإنه يقرأ ما فاته ويكون ذلك داخلاً في عموم قوله (وما فاتكم فأتموا) لأن هذا فاتنا فلابد من إتمامه فصار التخلص من هذا الإلزام بأحد وجهين الوجه الأول أن نقول لا يقرأ مع الفاتحة سورة أخرى ولا يلزمنا لأننا نقول هذا آخر الصلاة وآخر الصلاة ليس فيه إلا الفاتحة الثاني أن نقول يقرأ سورة مع الفاتحة لكن هذا قضاء لما لم يقرأه في أول صلاته وبناءً على ذلك نقول إذا تمكن هذا المسبوق من قراءة سورة بعد الفاتحة في آخر صلاة الإمام فإنه لا يعيد السورة مرة ثانية. السائل: إن العقل ما يوافق على أن أول الصلاة يصير في آخرها؟ الشيخ: هذا صحيح هذا الترتيب المعقول أن ما أدركه هو أول صلاته لكن أنا أقول كأن المؤلف رحمه الله يريد أن يلزم القائلين بأن ما يقضيه آخر صلاته يلزمهم يقول إنكم تقولون إنه يقرأ سورة مع الفاتحة وهذا يدل على أن الذي يقضيه أول الصلاة نحن نقول ننفصل عن هذا الإلزام بأحد وجهين هما أن نقول لا تقرأ ولا دليل من السنة على أنه يقرأ فنقول اقتصر فيما تقضي على الفاتحة ولا تقرأ والثاني أن نقول اقرأ مع الفاتحة سورة لأنك لم تقرأها في أول صلاتك فيكون هذا مما يقضى لأن الصلاة لابد فيها من قراءة سورة مع الفاتحة في أولها ولم يحصل لك فلا تتمه إلا إذا قرأت. السائل: أدرك الإمام في التشهد الأخير هل نقول ادخل مع الإمام؟ وكيف نجيب على حديث أبي هريرة (ما أدركتم فصلوا)؟

الشيخ: نقول ادخل مع الإمام إلا إذا كان سيدرك جماعة أخرى من أول الصلاة فلا يدخل معه وحديث أبي هريرة محمول على قوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذا في الحقيقة لم يدركها فكونه يأتي بصلاة يدركها من أولها ويدرك فضل الجماعة المطلق خير من كونه يدخل مع الإمام في حال لا يدرك الصلاة معه. فإذا لم يدرك الجماعة فهل نقول أن الإنسان يخير بين أن يدخل مع إمام لم يدرك معه الجماعة وبين أن يصلي مع إمام يدرك معه الجماعة؟ الجواب الثاني. القارئ: فإن لم يدرك إلا ركعة من المغرب أو الرباعية ففي موضع تشهده روايتان إحداهما يأتي بركعتين متواليتين ثم يتشهد لأن المقضي أول صلاته وهذا صفة أول الصلاة ولأنهما ركعتان يقرأ فيهما بالسورة فكانتا متواليتين كغير المسبوق والثانية يأتي بركعة ثم يجلس لأنه يروى عن ابن مسعود وسعيد بن المسيب ومسروق فإذا جلس مع الإمام في تشهده الأخير كرر التشهد الأول فإذا قضى ما عليه تشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم سلم. الشيخ: وقوله الثانية يأتي بركعة ثم يجلس بناءً على أن ما يقضيه أول صلاته يعني حتى على هذا القول يقولون إنه يجلس عقب ركعة مع أنهم يقولون إنما يقضيه أول صلاته أما على القول بأنه يأتي بركعتين متواليتين فهذا مطرد.

وقوله إذا جلس مع الإمام في تشهده الأخير كرر التشهد الأول هذا أيضاً فيه خلاف فبعضهم قال إن كان جلوسه مع الإمام هو جلوسه الأول كرر التشهد مثل أن يكون أدرك مع الإمام ركعتين في رباعية فإن تشهد الإمام الأخير سيكون له تشهداً أولاً ففي هذه الحال يكرر التشهد الأول لأن لا يزيد فيه على ما يشرع فيه وأما إذا كان تشهد الإمام الأخير ليس تشهده الأول مثل أن يدخل معه في الركعة الأخيرة فإنه يكمل التشهد لأن هذا الجلوس ليس موضع جلوس له إلا لمجرد المتابعة فيتابعه بالقول كما يتابعه بالفعل وهذا له وجه ومنهم من قال بل يكمل التشهد لأنه لا دليل على تكرار التشهد مرتين فيكمل التشهد ويستمر إلى آخره فالأقوال إذاً ثلاثة أقوال: القول الأول ما ذهب إليه المؤلف وهو أنه يكرر التشهد مطلقاً سواء كان ذلك موضع تشهده أولا. والقول الثاني أنه يكرره إن كان موضع تشهده. والقول الثالث يستمر سواء كان موضع تشهده أو ليس موضع تشهده. ونقول نحن الأمر في هذا واسع إن كرر فعل خير وإن استمر فعل خير وليس هناك دليل يفصل بين هذه الأقوال الثلاثة. فصل القارئ: فإن فاتته الجماعة استحب أن يصلي في جماعة أخرى فإن لم يجد إلا من قد صلى استحب لبعضهم أن يصلي معه لما روى أبو سعيد أن رجلاً جاء وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (من يتصدق على هذا فيصلي معه) وهذا حديث حسن ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) ويجوز ذلك في جميع المساجد إلا أن أحمد كرهه في المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الشيخ: هذه إعادة الجماعة في مسجد واحد وإعادة الجماعة في مسجد واحد تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول أن يكون هذا المسجد للمارة فكل من مر صلى وذلك كالمساجد التي تكون في الطرقات مثل المساجد التي تكون في المحطات محطات البنزين أو غيرها فإعادة الجماعة فيها غير مكروهة قولاً واحداً لأن هذه للمارة ولا يمكن أن ينتظر الناس بعضهم بعضاً فنقول كلما جاءت جماعة صلوا لكن المكروه أن يدخل جماعة وقد شرعت الجماعة الأولى في الصلاة فيصلون وحدهم كما يوجد هذا في مساجد الطرق وهذا خطأ لأنه يؤدي إلى تقسيم المسلمين ولكن إذا قالوا نحن ندخل لم نصل المغرب وهؤلاء يحتمل أنهم يصلون العشاء قلنا هذا لا يضر لأنهم إذا كانوا يصلون العشاء فهم سفر سيصلونها ركعتين وهذا لا يغير صلاة المغرب بالنسبة لكم ادخلوا معهم فإن أدركتم آخر ركعة فأتوا بركعتين إذا كنتم تصلون المغرب وإن أدركتموه في أول ركعة فأتوا بركعة ولا إشكال في هذا أما أن تقيموا صلاة وحدكم فهذا غلط تفريق للمسلمين. القسم الثاني أن تتخذ إعادة الجماعة راتبة في غير مساجد الطرق فهذا بدعة مكروهة وهذا كان يفعل في المسجد الحرام قبل أن تستولي عليه الحكومة السعودية كان المسجد الحرام يصلي فيه أربعة أئمة كل إمام يصلي بمن يتبعونه في مذهبه فللحنابلة إمام وللشافعية إمام وللحنفية إمام وللمالكية إمام فيقال هذا المقام الحنفي هذا المقام المالكي هذا المقام الشافعي هذا المقام الحنبلي أحياناً ربما يتفقون جميعاً هذا يصلي مع الجهة الجنوبية وهذا يصلي مع الجهة الشمالية ولا شك أن هذا بدعة منكرة وموجبة لتفريق المسلمين ولهذا كان من حسنات الملك عبد العزيز رحمة الله عليه أن ألغى هذا وقال المسجد مسجد واحد فيكون إمامه واحداً ولا يمكن أن تتعدد الأئمة هذا لا شك في أنه بدعة منكرة.

القسم الثالث أن تكون إعادة الجماعة في هذا المسجد طارئة وهذا هو الذي يقع كثيراً فيأتي جماعة وقد صلى الناس في هذا المسجد وانصرفوا من الصلاة فهنا نقول كما قال المؤلف رحمه الله إنه يستحب أن يصلي في جماعة أخرى ودليل ذلك أولاً قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) وهذا عام. ثانياً أنه دخل رجل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالس بأصحابه فقال (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فقام إليه أحد الصحابة وصلى معه وهذه إقامة جماعة بعد جماعة أخرى.

ثالثاً ما استدل به المؤلف من عموم قوله صلى الله عليه وسلم (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) وهذا عام ولكن هذا الاستدلال بهذا الحديث يقتضي أن فضيلة الجماعة الثانية كفضيلة الجماعة الأولى أي أنها تكون بسبع وعشرين درجة وفي هذا عندي نظر فالظاهر أن الجماعة التي تكون أفضل بسبع وعشرين درجة إنما هي الجماعة الأولى أما الثانية فلا شك أن الجماعة أفضل من الانفراد ولكن لا تلحق أن تكون سبعاً وعشرين درجة هذا هو الظاهر هذا وقد بلغنا أن بعض العلماء قال إنها لا تعاد الجماعة إلا فيما إذا تصدق أحد عليه وهذا في الحقيقة من أبعد ما يكون عن القياس النظري وعن الدليل الأثري أما الدليل الأثري فقد علمتموه وأما القياس النظري فيقال إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تقام الجماعة مع شخص يُتصدق عليه فإقامتها مع شخص تكون فضيلة له من باب أولى لأن هذا المتصدق يقوم يصلي نفلاً والرجلان الداخلان اللذان فاتتهما الجماعة كل واحد منهما يصلي فرضاً فإذا جاز إقامة الجماعة في نفل فإقامتها في الفرض من باب أولى بل لو قال قائل إن الجماعة هنا تجب لكان له وجه لكن المؤلف يقول إنها تستحب وبناءً على قوله لو أن هذين الرجلين الداخلين تفرقا وصلى كل واحد وحده لم يكن عليهما إثم لكن فاتهما الأجر ولو قيل بوجوب الجماعة حينئذٍ لكان له وجه لكن الإنسان لا يجزم بوجوب الجماعة في مثل هذه الحال لأن الجماعة الواجبة هي الجماعة الأولى فإن قال قائل إن الذين يقولون لا تعاد الجماعة حتى في هذا الأمر العارض إلا في حال الصدقة استدلوا بأثر روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه دخل المسجد ومعه أصحابه وقد صلى الناس فانصرف إلى البيت وصلى فيقال في الجواب عن ذلك أولاً إن ابن مسعود رضي الله عنه قد روي عنه أنه دخل المسجد فرآهم قد صلوا فصلى جماعة بأصحابه هكذا نقله صاحب المغني عنه فيكون لابن مسعود في ذلك قولان.

ثانياً أن رجوع ابن مسعود وصلاته في بيته قضية عين ليست قولاً عاماً هي قضية عين أي فعل يحتمل ربما يكون ابن مسعود رضي الله عنه خاف إن أقام الجماعة أن يتهاون الناس بالحضور إلى الجماعة الأولى لأنه صحابي جليل فإذا رأوه في هذه الحال اقتدوا به فخاف أن إذا رآه الناس يصلي جماعة أن يتهاون الناس بحضور الجماعة الأولى ثانياً أنه رضي الله عنه ربما ذهب إلى بيته ليصلي بالجماعة الذين معه خوفاً من أن يكون في قلب الإمام إمام المسجد ما فيه قد يكون في قلبه ما فيه ويفكر لماذا تأخر ابن مسعود حتى فرغت الصلاة وجاء يصلي بأصحابه وهذا أمر وارد لا سيما الصحابي. ثالثاً أننا لا ندري فربما يكون ابن مسعود تذكر أنه ليس على وضوء فذهب إلى بيته ليتوضأ منه وهذا الاحتمال أضعف الاحتمالات فعلى كل حال نقول إن فعل ابن مسعود رضي الله عنه قضية عين تحتمل وجوهاً ثم هي معارضة بما يروى عنه أنه صلى ثم هي معارضة بما تدل عليه أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام والمعول على الأخير على ما دلت عليه السنة. فصل القارئ: ويتبع المأموم الإمام فيجعل أفعاله بعد أفعاله لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) متفق عليه والفاء للتعقيب وقال في حديث أبي موسى فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم رواه مسلم وقال البراء بن عازب كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده لم يحن أحد ظهره حتى يقع ساجداً فنقع سجوداً بعده متفق عليه. الشيخ: إذاً المتابعة تكون بأمرين المبادرة في الاتباع وعدم السبق ولهذا قال (إذا كبر فكبروا) والفاء يقول المؤلف إنها تدل على التعقيب وعلى هذا فليس من السنة أن يتأخر المأموم عن الإمام حتى وإن كان قد تأخر للدعاء فإن ذلك ليس من السنة.

القارئ: فإن كبر للإحرام مع إمامه أو قبله لم يصح لأنه ائتم بمن لم تنعقد صلاته. الشيخ: إذاً موافقته في تكبيرة الإحرام توجب أن لا تنعقد صلاته صلاة المأموم لأنه ائتم بمن لم تنعقد صلاته فإن الإمام لا تنعقد صلاته حتى يتم التكبير. القارئ: وإن فعل سائر الأفعال معه كره لمخالفة السنة ولم تفسد صلاته لأنه اجتمع معه في الركن وإن ركع أو رفع قبله عمداً أثم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام) والنهي يقتضي التحريم وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار) متفق عليه فظاهر كلام الإمام أحمد أن صلاته تبطل لهذا الحديث قال لو كان له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب وقال القاضي تصح صلاته لأنه اجتمع معه في الركن أشبه ما لو وافقه. الشيخ: والصواب الأول الصواب ما كان ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا سبقه بطلت صلاته لأنه فعل شيئاً محرماً في نفس العبادة وكما قال الإمام أحمد رحمه الله لو كان له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب إذاً لو ركع قبل الإمام متعمداً عالماً أنه لا يجوز فصلاته باطلة لأنه ارتكب محظوراً عالماً بذلك والمذهب أن صلاته لا تبطل لأن إمامه وافقه في الركن لكن مع ذلك هو آثم بسبقه وهذا مخالف للقواعد لأن القاعدة أن ما كان محرماً في العبادة فهو مبطل لها مفسد لها. السائل: ما الفرق بين الفساد والبطلان؟

الشيخ: لا فرق، فسدت صلاته، يعني بطلت وبطلت يعني فسدت فلا فرق بين الفاسد والباطل عند الحنابلة إلا في بابين من أبواب العلم الباب الأول في باب الإحرام والباب الثاني في باب النكاح فباب الإحرام يقولون إن الإحرام لا يبطل إلا بالردة فإذا ارتد الإنسان وهو محرم بطل إحرامه، ويفسد بالجماع قبل التحلل الأول فالنسك بالجماع قبل التحلل الأول فاسد ولا يقال إنه باطل وبالردة باطل ولا يقال إنه فاسد. والباب الثاني باب النكاح فما أجمع العلماء على فساده فهو باطل وما اختلفوا فيه فهو فاسد فالنكاح بلا ولي فاسد ونكاح المعتدة باطل لأنه مجمع على تحريمه. السائل: ما معنى اجتمع معه في الركن؟ الشيخ: لما ركع قبل الإمام ثم ركع الإمام بعده اجتمعا في الركوع وهو الركن وإنما قالوا ذلك لأجل أن يسلم لهم قولهم لو أنه ركع ورفع قبل ركوع إمامه بطلت لأنه لم يجتمع معه في الركن لكن هذا التعليل عليل، لأن التعليل الأول وهو أن هذا الرجل أتى بمحرم في الصلاة فوجبت أن تبطل هو الصحيح. السائل: ما وجه كراهة الإمام أحمد في إعادة الجماعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي دون غيرهما؟ الشيخ: وجه ذلك علله بأنه يخشى أن يتوانى الناس عن حضور الإمام الراتب وهذا يقتضي أن مراده إذا كان ذلك على سبيل الإعادة الراتبة يعني الدائمة كما يفعلون فيما سبق. القارئ: وإن فعله جاهلاً أو ناسياً فلا بأس وعليه أن يعود ليأتي بذلك معه فإن لم يفعل صحت صلاته لأنه سبق يسير لا يمكن التحرز منه فإن ركع ورفع قبل أن يركع إمامه وسجد قبل رفعه عمداً عالماً بالتحريم بطلت صلاته لأنه لم يأتم بإمامه في معظم الركعة وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته للعذر ولم يعتد بتلك الركعة لما ذكرنا.

الشيخ: انتبهوا لهذا التفصيل صار المأموم إذا سبق الإمام إلى الركن ففي بطلان صلاته قولان والصحيح البطلان هذا إذا كان عالماً ذاكراً أما إن كان جاهلاً أو كان ناسياً أو غافلاً أو سمع صوتاً ظنه تكبير الإمام فركع ثم تبين له الأمر فإنه يرجع يجب عليه أن يرجع ليأتي به بعد إمامه فإن لم يفعل يقول المؤلف إن لم يفعل صحت صلاته لأنه اجتمع معه في الركن قال وهذا السبق يسير لا يمكن التحرز منه فقولهم إنه يسير قد يسلم به وقولهم لا يمكن التحرز منه غير مسلم إذ يمكن التحرز يقال للمأموم انتظر هذه واحدة ثم قال فإن ركع ورفع قبل أن يركع إمامه وسجد قبل رفع الإمام عامداً عالماً بتحريمه بطلت صلاته لأنه لم يأتم بإمامه في معظم الركعة هذا إذا سبقه بركن بأن ركع ورفع قبل أن يركع الإمام فهنا سبق إمامه بركن لأنه أتى بالركوع تاماً قبل أن يركع الإمام يقول المؤلف إنه تبطل صلاته وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته للعذر ولم يعتد بتلك الركعة لما ذكرنا أي لأنه لم يأتم به في معظم الركعة هذا إذا سبقه بالركن فعندنا الآن السبق إلى الركن والسبق بالركن، السبق إلى الركن معناه أن المأموم يصل إلى الركن قبل الإمام لكن يوافقه الإمام فيه يعني الإمام يلحقه هذا في بطلان صلاته قولان والصحيح البطلان أما السبق بالركن فمعناه أن المأموم يفرغ من الركن قبل أن يصل إليه الإمام مثل أن يركع ويرفع قبل إمامه فهذا نقول إنه سبقه بركن إن كان عالماً ذاكراً بطلت صلاته بمجرد السبق بالركن وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته لكن تبطل ركعته وعللوا ذلك بأنه لم يأتم بإمامه في معظم الركعة حيث أنه ركع ورفع قبل إمامه والصحيح أنه لا فرق إذا كان جاهلاً أو ناسياً بين أن يسبقه إلى الركن أو يسبقه بالركن فإنه إذا كان جاهلاً ثم زال جهله يعود ليأتي بما سبق إمامه به بعد إمامه مثال ذلك رجل سمع صوتاً فظنه الإمام مكبراً للسجود فسجد ثم سمع الصوت مرة أخرى فظنه

الإمام رافعاً فرفع والإمام لم يسجد بعد هذا جاهل كيف نقول إن هذا تبطل صلاته بل نقول لما رفع من السجود ثم سجد الإمام يعود فيسجد بعد إمامه وتكون زيادته زيادة السجدة هنا غير مبطلة للصلاة لأنه معذور ومن هذا ما حدث أخيراً من رفع الصلاة على مكبر الصوت في المنارة فإن بعض المساجد إذا سمعوا تكبير من حولهم ظنوه إمامهم فركعوا أو سجدوا بل إن بعض المأمومين إذا كان قراءة جارهم في المسجد قراءة جيدة مجودة بصوت حسن يمشون مع هذا الإمام ويتركون إمامهم ما يدرون ما الذي قرأ يمشون مع هذا الإمام فإذا قال (وَلا الضَّالِّينَ) قالوا آمين وإن كان إمامهم في سورة أخرى وهذا من مفاسد رفع الصلاة بمكبر الصوت من فوق المنارة. الخلاصة أن العلماء يفرقون بين السبق إلى الركن والسبق بالركن والصواب أنه لا فرق بينهما وأنه متى كان السابق عالماً ذاكراً فصلاته باطلة مطلقاً وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة وعليه أن يعود ليأتي به بعد الإمام. القارئ: فإن ركع قبله فلما ركع رفع ففي بطلان الصلاة بذلك والاعتداد بالركعة مع جهله ونسيانه وجهان فإن ركع الإمام ورفع قبل ركوع المأموم عمدا بطلت صلاته لتركه المتابعة وإن كان لنوم أو غفلة ونحو ذلك لم تبطل لأنه سبق يسير ويركع ثم يدركه فإن سبقه بأكثر من ذلك لعذر ففيه وجهان أحدهما يفعله ويلحق كالمزحوم في الجمعة والثاني تبطل الركعة لأنها مفارقة كثيرة. الشيخ: هذا يقع كثيراً يغفل الإنسان أو لا يسمع صوت الإمام فيركع الإمام مثلاً ويرفع ولا يحس به إلا وقد قال سمع الله لمن حمده فماذا يصنع هل يلغي الركعة نقول لا يلغيها يركع ويرفع ويتابع الإمام فإن سبقه بأكثر من ذلك بأن ركع الإمام ورفع وسجد وذلك غافل ففي متابعته وجهان: الوجه الأول أنه يأتي بما سبقه به الإمام ثم يتابع.

والثاني تبطل هذه الركعة وليس هناك دليل ولكن هناك تعليل يقول لأنه إذا تخلف عن الإمام بركوع فإنه تخلف يسير بخلاف ما إذا تخلف عنه بأكثر الركعة فإنه كثير فلا يغتفر. وأما وجه الصحة فيقول لأن العذر قائم في القليل والكثير ما دمنا عذرناه بالتخلف القليل ولو كان بركن هام كالركوع فلنعذره بالتخلف الكثير وهذا هو الصحيح إلا إذا وصل الإمام إلى مكانه فإنه هنا لا يتوجه أن يقضي ما فاته بل تلغى الركعة الأولى للمأموم ويكون له ركعة ملفقة، مثاله مأموم تخلف عن الإمام فركع الإمام ورفع وسجد ورفع وقام يقرأ فأحس به حين قام يقرأ في الركعة الثانية فالآن تخلف عنه بركعة كاملة هنا لا نقول إنك تقضي ما فاتك لما في ذلك من الخلل الكبير بل نقول ابق على ما أنت عليه وتكون لك ركعة ملفقة معنى ملفقة أنها ملفقة من الركعة الأولى للإمام والركعة الثانية فإذا سلم الإمام فأتِ بهذه الركعة التي فاتت أما إذا كان الإمام لم يصل إلى مكانك فإنك تأتي بما تخلفت به وتتابعه وهذا هو الصحيح، الصحيح أنك تأتي بما تخلفت به عنه ولو كثرت إلا أن يصل إلى الموضع الذي أنت فيه. السائل: ركع الإمام ثم ركع المأموم معه فغفل فلم يحس إلا بعد قراءة الفاتحة من الركعة الثانية؟ الشيخ: يأتي بها ولو كان كثيراً والمسألة فيها خلاف لكن الراجح أنه يأتي بها ما لم يصل إلى مكانه وهنا لم يصل إلى مكانه. السائل: ما الحكم إذا تعمد المأموم إطالة الركن؟ الشيخ: إذا تعمد فإنه إذا فارق الإمام بركن واحد بطلت صلاته هذا هو المذهب أن التخلف كالسبق إلا إذا كان لعذر. السائل: إذا كان الإمام يستعجل في قراءة الفاتحة بحيث لا يستطيع الماموم القراءة؟

باب صفة الأئمة

الشيخ: إذا علمت أن الإمام يستعجل فالواجب عليك المفارقة أصلاً لأنك لا يمكن المتابعة مع القيام بالأركان فأنت إما أن تفوت المتابعة وإما أن تفوت الأركان فنقول فارقه لأنه إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أجاز من فارق إمامه للتطويل فمن فارق إمامه للإخلال بالأركان من باب أولى. السائل: ما الفرق في المعنى في قولنا أنها ركعة ملفقة أو أنها فاتته؟ الشيخ: الفرق بينهما أننا إذا قلنا ركعة ملفقة معناه أنه وافق الإمام في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية أما من حيث القضاء فلابد من القضاء لا نقول إنه لما وصل الإمام إلى مكانه فإنها تبطل الصلاة بل نقول تبقى ركعة ملفقة. باب صفة الأئمة القارئ: الكلام فيها في ثلاثة أمور أحدها صحة الإمامة والناس فيها على خمسة أقسام أحدها من تصح إمامته بكل حال وهو الرجل المسلم العدل القائم بأركان الصلاة وشرائطها فتصح إمامته وإن كان عبداً لأن أبا ذر وابن مسعود وحذيفة وناساً من أصحاب رسول الله قدموا أبا سعيد مملوكاً لأبي أسيد فصلى بهم ولأنه من أهل الأذان لهم فأشبه الحر. الشيخ: قوله وهو الرجل المسلم إلى آخره إذا قال قائل أليست المرأة أيضاً تصح إمامتها؟ فيقال تصح إمامتها في النساء دون الرجال والكلام الآن على من تصح إمامته بكل حال بمن كانوا من جنسه ومن لم يكونوا من جنسه والرجل احترازاً من المرآة واحترازاً من الصغير، والمسلم احترازاً من الكافر، والعدل احترازاً من الفاسق، القائم بأركان الصلاة وشرائطها احترازاً من العاجز عنها كالذي لا يستطيع القيام أو لا يستطيع الركوع أو عاري يؤم مستورين أو ما شابه ذلك.

القارئ: وتصح إمامة الأعمى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى رواه أبو داود، ولأن العمى فقد حاسة فأشبه فقد الشم وتصح إمامة الأصم لذلك فإن كان أصم أعمى فقال بعض أصحابنا لا تصح إمامته لأنه قد يسهو فلا يمكن تنبيهه والأولى صحتها لأنه لا يخل بشيء من واجبات الصلاة والسهو عارض فلا يبطل الصلاة احتمال وجوده كالجهل بحكم السجود. الشيخ: وهذا هو الصحيح أن الإنسان الأصم الأعمى تصح إمامته لكن لاشك أنه إذا كان سميعاً بصيراً فهو أولى. القارئ: وتصح إمامة ولد الزنا والجندي والخصي والأعرابي إذا سلموا في دينهم لدخولهم في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم) وتصح إمامة المتيمم بالمتوضئ لأن عمرو بن العاص صلى بأصحابه متيمما وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم ينكر عليه ولأن طهارته صحيحة أشبه الماسح. السائل: لماذا خص بالذكر ولد الزنا والجندي والخصي والأعراب في سلامة الدين؟ الشيخ: ولد الزنا لأنه قد يكون شؤم أبيه يلحقه والجندي كما تعرف الغالب على الجنود أنهم يتساهلون في بعض الأشياء والخصي لأن فيه نقصاً في الخلقة وليس كالرجل الكامل ولهذا لا يلقح والأعرابي واضح، نص المؤلف على هذا لأن بعض العلماء يقول ما تصح إمامتهم وإلا المسألة واضحة. فصل القارئ: القسم الثاني من لا تصح إمامته وهم نوعان أحدهما من لا تصح صلاته لنفسه كالكافر والمجنون ومن أخل بشرط أو واجب لغير عذر فلا تصح إمامته بحال لأنه لا صلاة له في نفسه أشبه اللاعب إلا في المحدث والنجس إذا لم يعلم هو والمأموم حتى فرغوا من الصلاة. الشيخ: المأموم المراد به الجنس هنا فيشمل الواحد والمتعدد.

القارئ: إذا لم يعلم هو والمأموم حتى فرغوا من الصلاة أعاد وحده لما روي عن عمر أنه صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فأهراق الماء فوجد في ثوبه احتلاماً فأعاد ولم يعد الناس وروى الأثرم نحو هذا عن عثمان وعلي وابن عمر ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعا ولأن هذا مما يخفى فكان المأموم معذوراً في الاقتداء به والنجاسة كالحدث لأنها مما تخفى ولا يعفى عن سائر الشروط لأنها ليست من مظنة الخفاء.

الشيخ: هذا القسم الثاني ممن لا تصح إمامته وهم نوعان أحدهما من لا تصح صلاته لنفسه كالكافر فمن لا تصح صلاته لنفسه لا تصح إمامته لغيره فالكافر لو كان إماماً فإنه لا تصح إمامته لكن إذا كان كافراً لا علامة على كفره وصلى بأناس فإن صلاتهم صحيحة لأنهم معذورون بخفائه كما لو أنه رجل ينكر الإيمان باليوم الآخر ولا يعترف به لكنه أمام الناس يصلي فهذا لا تصح إمامته لمن كان عالماً بحاله وأما من كان جاهلاً فإنه معذور تصح وظاهر كلام المؤلف أنها لا تصح مطلقاً وأنه متى علم أنه كافر وجبت عليه الإعادة وفي هذا نظر الصواب أن الجاهل بحال الإمام ليس عليه شيء كذلك المجنون كيف المجنون هل أحد يريد أن يقدم شخصاً مجنوناً؟ نقول نعم ربما يكون مجنوناً لكنه لا يظهر جنونه لكل أحد ولكن علمنا بعد أن شرع في الصلاة أنه مجنون فهذا ظاهر كلام المؤلف أن إمامته لا تصح بحال والصحيح أن من جهل حاله صحت صلاته خلفه كذلك من أخل بشرط أو واجب لغير عذر مثل أن لا يطمئن أو أن لا يسجد أو أن لا يركع أو أن يدع ما يجب من الذكر كتكبيرة الانتقال والتسبيح والتحميد والتسميع وما أشبه ذلك يقول فلا تصح إمامته بحال لأنه لا صلاة له في نفسه أشبه اللاعب إلا المحدث والنجس إذا لم يعلم هو والمأموم حتى فرغوا من الصلاة فإنه يعيد وحده وأما المأموم فلا وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لو علم المحدث بحدثه في أثناء الصلاة وجب عليه الإعادة ووجب على المأموين معه وهذا هو المذهب والصحيح خلاف ذلك وأنه إذا كان المأموم لا يعلم بحدث إمامه فائتمامه به صحيح سواء علم الإمام في أثناء الصلاة أو لم يعلم إلا بعد فراغها لأن العلة واحدة وهي جهل المأموم بحال الإمام ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتاه جبريل في أثناء الصلاة وأخبره أن في نعليه قذراً فخلعهما واستمر في صلاته وظاهر كلام المؤلف أنه لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة بطلت صلاته وبطلت صلاة المأموين

معه والصواب في مسألة النجاسة أنها لا تبطل صلاته إذا أمكنه التخلي عنها كما لو كانت في غترته نجاسة فهنا يمكن أن يتخلى عنها ويمضي في صلاته أو في نعليه فإنه يمكن أن يتخلى ويمضي في صلاته والقاعدة الآن أنه متى كانت صلاة الإمام باطلة على وجه لا يعلم بها المأموم فإن صلاة المأموم صحيحة سواء كان ذلك عن حدث أو عن نجاسة أو عن فسق لم نعلم به أو عن كفر لم نعلم به أو كان يركع ويسجد بدون ذكر وبدون قول المهم أن المأموم معذور بعدم العلم فالصواب أن صلاته صحيحة. القارئ: ولا يعفى عن سائر الشروط لأنه ليست من مظنة الخفاء فإن علم الإمام والمأموم ذلك في أثناء الصلاة لزمهم الاستئناف وحكي عنه في المأموم أنه يبني على ما مضى لو سبق الإمام الحدث والمذهب الأول لأن ما مضى بني على غير طهارة بخلاف من سبقه الحدث وإن علم بعض المأمومين دون بعض فالمنصوص أنهم يعيدون جميعاً لعدم المشقة فيه ويحتمل أن تختص الإعادة بمن علم لأنه اختص بالعلم المبطل فاختص بالبطلان كما لو أحدث. الشيخ: الصواب أنهم إذا لم يعلموا فإن صلاتهم صحيحة وأنه إذا علم الإمام في أثناء الصلاة انصرف وأمر من يتم بهم الصلاة لأن المأمومين معذورون وقد قال الله تبارك وتعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولو قلنا بعدم العذر للزم من ذلك أنه كلما تقدم إمام يقول المأمومون له هل أنت على طهارة هل ثيابك طاهرة لأن لا يقعوا في الحرج فيما لو تبين أنه محدث أو أن في ثوبه نجاسة فالصواب أن المأمومين إذا لم يعلموا فإنه لا إعادة عليهم سواء علم الإمام في أثناء الصلاة أو لم يعلم إلا بعد انتهائها.

القارئ: النوع الثاني الفاسق إما بالأفعال أو ببدعة لا تكفره ففي إمامته روايتان إحداهما تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة عن أوقاتها) قال قلت فما تأمرني قال (صلِّ الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة) من المسند وكان ابن عمر يصلي وراء الحجاج والحسن والحسين يصليان وراء مروان. والثانية لا تصح لأن جابراً قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان أو يخاف سوطه أو سيفه) رواه ابن ماجة ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة ويحتمل أن تصح الجمعة والعيد دون غيرهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهما خلف كل بر وفاجر ولأنها تختص بإمام واحد فالمنع منها خلف الفاسق يفضي إلى تفويتها فسومح فيها دون سائر الصلوات.

الشيخ: هذا الاحتمال هو المذهب أنها تصح الصلاة خلف الفاسق في الجمعة والعيد إذا تعذر خلف غيرهم لأننا لو قلنا لا تصلي لزم أن لا يصلي الجمعة دائماً وأن لا يصلي العيد أما الصلوات الخمس إذا قلنا لا تصلي أمكنه أن يصلي وحده أو أن يصلي في جماعة في مكان آخر والصحيح في هذا الرواية الأولى التي قدمها المؤلف وهو أن الفاسق تصح الصلاة خلفه سواء كان فاسقاً بالأقوال أو بالأفعال أو بالاعتقاد فإن الصلاة تصح خلفه لأن من صحت صلاته صحت إمامته إلا ما دل الدليل على خلافه ولأننا لو اعتبرنا هذا شرطاً لم نجد في يومنا الحاضر من يصلح للإمامة لأنه وإن كان الإنسان مستقيم الدين فيما بينه وبين الله لكن أين الذي يسلم من الغيبة بل كثير من أئمة المساجد لا تطيب لهم المجالس إلا بالغيبة نسأل الله العافية فالصواب إذاً أن الصلاة تصح خلف الفاسق وفعل الصحابة رضي الله عنهم يدل على ذلك فإن ابن عمر رضي الله عنه صلى خلف الحجاج مع أنه يمكن أن لا يصلي خلفه وقد يقال إن ابن عمر رضي الله عنه كان يصلي خلف الحجاج لأن لا يؤدي تخلفه عن الصلاة خلفه إلى فتنة وكذلك الحسن والحسين يصليان خلف مروان قد يقال أيضاً كذلك إنهما يخشيان من الفتنة لكن نقول إنه لا دليل على اشتراط أن يكون الإمام عدلاً صحيح أنه إذا كان عدلاً فهو أولى بلا شك لكن كوننا نجعل ذلك شرطاً لا تصح الصلاة إلا به فيه نظر وينبني على ذلك ما لو كان الإمام حالقاً لحيته فهذا فاسق بالأفعال وهل ينبني على ذلك ما إذا كان فاسقاً بجر ثوبه خيلاء أو ينبني على شيء آخر؟ هذا ينبني على شيء آخر وهو أننا إذا جعلنا من شرط صحة الساتر أن يكون مباحاً صار هذا الذي عليه الثوب النازل كالعاري تماماً فصلاته غير صحيحة وإذا لم تصح صلاته لم تصح إمامته ولهذا يجب أن نعرف الفرق بين رجل مسبل وبين رجل حالق لحيته الفرق بينهما أن إسبال هذا يتعلق بشرط من شروط الصلاة وأما حالق اللحية فلا، مع أن القول الراجح أنه

ليس من شرط صحة الساتر أن يكون مباحاً وأن الإنسان لو ستر عورته بمحرم فالستر ثابت لكنه آثم أما من يرى أن الإسبال مبطل للصلاة فهنا لا يصح الائتمام به لأنه سوف يأتم بمن يرى أن صلاته باطلة وهذا لا يستقيم. إذا اجتمع شخصان كل واحد منهما فاسق من وجه فأيهما يقدم؟ الأخف. شارب الدخان وحالق اللحية من يقدم؟ شارب الدخان لأن ذنبه أهون من وجهين الوجه الأول أنه لا نص على تحريمه والوجه الثاني أن شارب الدخان لم يجاهر به وإن جاهر فإنما يجاهر عند من كانوا حوله لكن حالق اللحية قد جاء النص بوجوب إعفاء اللحية وأيضاً حالق اللحية معلن إعلاناً تاماً بالمخالفة والمعصية فهو من المجاهرين والعياذ بالله. أيهما أولى شارب الدخان أو المغتاب؟ شارب الدخان أولى من الذي يغتاب لأن الغيبة كبيرة وشرب الدخان صغيرة لا يكون كبيرة إلا بالإصرار وعلى هذا فإذا اجتمع شخص معروف بالغيبة وأكل لحوم الناس وآخر شارب للدخان أيهما أولى؟ شارب الدخان مع أن هذا عند العامة شيء كبير. اجتمع شارب دخان وشارب خمر أيهما أولى؟ شارب الدخان أولى بالإمامة لأن شرب الدخان أهون من شرب الخمر. السائل: إذا أردنا أن نمنع مجموعة من العوام وهم يشربون الدخان والشيشة فنبدأ بالتوحيد والأشياء المهمة أم بتحذيرهم من الدخان؟

الشيخ: على كل حال الدعوة للتوحيد قبل كل شيء لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذاً إلى اليمن قال فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن إذا كانت دعوتنا إليهم بالأسهل سبباً لقبولهم للأعلى فلا مانع وهذا يكون من باب الوسيلة كما لو أعطيناهم دراهم للتأليف على الإسلام مثلاً لنفرض أن أناساً يعني يعظمون القبور على وجه الغلو فهل مثلاً نحدثهم أول ما نحدثهم عن ذلك أو نحدثهم أولاً فيما يجب في الطهارة والصلاة والأشياء التي تلين قلوبهم لها ثم بعد ذلك إذا قبلوا منا وأقبلوا علينا نهيناهم عن هذا على كل ينظر في هذا للمصلحة وإلا فالأصل أن الدعوة للتوحيد قبل كل شيء. فصل القارئ: القسم الثالث من تصح إمامته بمثله ولا تصح بغيره وهم ثلاثة أنواع المرأة يجوز أن تؤم النساء لما تقدم ولا يجوز أن تؤم رجلاً ولا خنثى مشكلا في فرض ولا نفل لقوله عليه السلام (لا تؤمن امرأة رجلا) ولأنها لا تؤذن للرجال فلم يجز لها أن تؤمهم كالمجنون.

الشيخ: أما الأول (لا تؤمن امرأة رجلا) ففي صحته نظر وأما الثاني في كونها لا تؤذن للرجال فإن هذه علة طردية وليست هي علة معنوية كونها ما تؤذن للرجال نقول لا تؤمهم إذاً ممكن أن نقول إذا كانت لا تؤذن للرجال أيضاً لا تكلمهم فهذا لا يصح التعليل به لكن يمكن أن يصح التعليل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وكوننا نعطيها القيادة في صلاتنا هذا تولية أمر ثم إن كونها إماماً فيه مفسدة وهي الفتنة العظمى لا سيما إن كانت شابة وكان صوتها رقيقاً وكان الذين وراءها شباباً فحدث ولا حرج فالحاصل أن العلة هي عموم الحديث (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) والفتنة، مع أن الفتنة في الحقيقة غير منضبطة يعني لو قال قائل أبطلوا إمامة المرأة فيما إذا كانت شابة حسنة الصوت حسنة الأداء والذين وراءها شباب أبطلوها لا بأس لكن إذا كانت عجوزاً والذين وراءها شيوخ وقراءتها مكسرة وصوتها رديء ليس هناك فتنة لكن يقال الفتنة لا تنضبط وكما قيل لكل ساقطة لاقطة فإغلاق الباب هو الأولى. إذاً هذه لا تصح إمامتها إلا لامرأة لا تصح إمامتها إلا بمثلها ولا تصح بأعلى منها مثل الرجل والخنثى إذا قال قائل الرجل واضح وأما الخنثى لاحتمال أن يكون رجلا والخنثى هو الذي لم يظهر خلقه إما أن يكون ذكراً أو أنثى وسبب عدم الظهور وجود إحدى أربع صور يقول الموفق رحمه الله في المغني إنه ذكر في الشام رجل ليس له إلا ثقب بين مخرج السبيلين ثقب واحد يخرج منه البول والغائط جميعاً ورجل آخر ليس له آلة ذكر ولا فرج أنثى وإنما فيه شيء كالورم يخرج منه البول رشحاً كالعرق والثالث ليس له شيء يخرج منه الفضلات من الأسفل وإنما يخرج من فوق إذا أكل الطعام وبقي في المعدة ما شاء الله تقيئه فهذه ثلاث صور الصورة الرابعة هي أن يكون له آلتان لا تتميز إحداهما عن الأخرى بأن يبول منهما جمعياً.

وأما إذا كان يبول من أحدهما فهو واضح إما ذكر أو أنثى لكن والحمد لله هو قليل بالنسبة للآدمين كثير بالنسبة للبهائم ولا سيما المعز فإنه يكثر فيها الخنثى وقد ورد سؤال من بعض الناس يسأل عن التضحية بالخنثى هل تجوز أو لا تجوز فما الجواب؟ تجوز لأنها مجزئة على كل احتمال إن كانت ذكراً فهي مجزئة وإن كانت أنثى فهي مجزئة. القارئ: الثاني الأمي وهو من لا يحسن الفاتحة أو يخل بترتيبها أو حرف منها أو يبدله بغيره كالألثغ الذي يجعل الراء غينا ومن يلحن لحناً يحيل المعنى مثل أن يضم تاء (أنعمت) أو يكسر كاف (إياكَ) أو يخل بتشديدة فإن الشدة قامت مقام حرف بدليل أن شدة راء الرحيم قامت مقام اللام لكن إن خففها أجزأته فهؤلاء إذا لم يقدروا على إصلاح قراءتهم أميون تصح صلاتهم بمثلهم ولا تصح بقارئ لأنه عجز عن ركن الصلاة فأشبه العاجز عن السجود فإن أم أميين وقارئاً صحت صلاة الأمين وفسدت صلاة القارئ.

الشيخ: هذا لو قيل بأنها لا تصح صلاة الجميع لكان قولاً وجيهاً وذلك لأنهم عصوا النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله) فتكون إمامة هذا الرجل الأمي في غير محلها ومعلوم أن المعصية إذا عادت إلى ذات العبادة أفسدتها فلو قيل ببطلان صلاة الجميع لكان له وجه نرجع الآن لقوله في الأمي، الأمي في الأصل هو الذي لا يقرأ ولا يكتب ومنه سمي العرب أميين لأنهم لا يقرؤون ولا يكتبون نسبة إلى الأم والإنسان يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً كما جاء في القرآن الكريم أما في الاصطلاح في باب صلاة الجماعة فهو ما ذكره المؤلف هو من لا يحسن أو يخل بترتيبها فمن يقرأ الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين ولا يقرأ إلا هكذا نقول هذا أمي وهذا في ترتيب الآيات وكذلك ترتيب الكلمات لو قال الحمد لرب العالمين الله كذلك أيضاً يخل بحرف منها فيسقطه مثلاً ومن ذلك ما نسمعه من بعض القراء يُخلِّون بالباء في ربّ حتى إنك تكاد أن تقول إنهم يقولون الحمد لله ربِ العالمين وأما إخلال بعضهم بكلمة نعبدْ هذا لا يحيل المعنى لأنهم يقرؤونها بالجزم كثير من الأئمة إذا سمعته يقرأ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لا يبين الضمة فهل نقول إن هذا إخلال بحركة أو نقول لأنه لما جاز الوقف بالسكون صار هذا كالذي أجرى الوصل مجرى الوقف على كل حال الذي ينبغي للإنسان أن يحرص ويعتني بالفاتحة كذلك أيضاً أو يبدله بغيره كالألثغ الذي يجعل الراء غيناً فيقول مثلاً الحمد لله غب العالمين لكن غريب من المؤلف أن يقول يبدل الراء غيناً والكثير ابدال الراء لاماً هذا هو الكثير كذلك أيضاً يقول أو يلحن لحناً يحيل المعنى مثل أن يضم تاء (أنعمتَ) لأنه يختل المعنى إذا قال صراط الذين أنعمتُ عليهم من يكون المنعم؟ القارئ والمنعم هو الله عز وجل أو يكسر الكاف (إياكَ) وهذا أطم وأعظم الكاف للخطاب وهو يخاطب الله فإذا قال إياكِ نعبد بدل إياك فهذا خطأ عظيم

جداً أو يفتح همزة (اهدنا) أهدنا يختل المعنى أو لا؟ كيف الاختلاف أهدنا من الإهداء واهدنا من الدلالة والتوفيق أو يقول ولا الظالين لأن هذا إبدال الضاد ظاءً يختل به المعنى لأن الظال معناه الذي صار مثل (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً) يعني صار وجهه مسوداً فإذا أبدل الضاء بظاء فقد أبدل حرفاً بحرف يختل معه المعنى فلا تصح قراءته الفاتحة وهذا أحد الوجهين في هذه المسألة والوجه الثاني في مذهب الإمام أحمد أن إبدال الضاد بظاء لا يضر وذلك لمشقة التحرز منه وقرب المخارج والعامي لا يفرق بين الضاد والظاء ولو أننا أفسدنا الصلاة بمثل ذلك لفسدت صلاة كثير من الناس ولهذا الصحيح أنه لو قال ولا الظالين فصلاته صحيحة، أو يخل بشدة فإن الشدة قامت مقام حرف صحيح إذا قال الحمد لله رب العالمين ولم يأتِ بالشدة فقد نقص حرفاً لأن كل حرف يشدد فهو حرفان والدليل استدل المؤلف بدليل لغوي بدليل أن شدة راء الرحيم قامت مقام حرف اللام هناك اللام القمرية واللام الشمسية اللام القمرية ظاهرة القمر، والشمسية الشمس غير ظاهرة لكن جعل بدل اللام الشين المشددة فالشين المشددة قامت مقام الشين الأصلية والشين التي وقعت بدلاً عن (أل) وكذلك الرحيم كما قال المؤلف رحمه الله الراء المشددة قامت مقام الراء الأصلية والراء التي جعلت بدلاً عن اللام لكن إن خففها أجزأته يعني إن أتى بها مسهلة من غير أن يشدد كثيراً فإنها تجزئه وهذا أيضاً من التيسير والحمد لله مثل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) شدد لكن ما تسمعها أنت من خلفه إنما هو في نفسه شددها فوقعت خفيفة بحيث إن السامع لا يشعر بأنه أظهرها. السائل: ما المقصود بقوله: أو يخل بترتيبها؟ الشيخ: ترتيب الآيات وكذلك ترتيب الكلمات لو قال الحمد لرب العالمين الله. السائل: قلتم إذا الإمام في الصلاة أسرع في الركوع والسجود فإن للمأموم أن يخرج فإذا خرج هل له أجر الجماعة؟ الشيخ: نعم لأنه معذور.

السائل: المسألة التي قلنا لو قيل إنها تبطل على الجميع لكان أولى فإذا كان الإمام راتباً ولا يحسن الفاتحة؟ الشيخ: إذا كان الإمام راتباً فالواجب أنه يزال وصلاة القارئ تبطل وصلاة الأميين ما تبطل على كلام المؤلف لكن ذكرنا أنه لو قيل ببطلان الصلاة صلاة الجميع لكان له وجه لأنهم عصوا الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله). السائل: بعضنا صلى خلف بعض الأئمة أعراب لا يحسنون القراءة حتى يخطؤون كثيراً فالآن ما حكم صلاتنا؟ الشيخ: صلاتكم التي مضت نرجو أن تكون مقبولة إن شاء الله. القارئ: وفي معنى هذا النوع من يخل بشرط أو ركن كالأخرس والعاجز عن الركوع والسجود والقيام والقعود والمستحاضة ومن به سلس البول وأشباههم تصح صلاتهم في أنفسهم وبمن حاله كحالهم. الشيخ: الذي نرى في هذه المسألة وهو العاجز عن الشروط والأركان أنها تصح صلاته بالقادر عليها إلا في مسألة القراءة لأن القراءة فيها نص (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وأما غيرها فمن صحت صلاته صحت إمامته فلو وجدنا إماماً يصلي بنا قارئاً لكنه لا يستطيع السجود لمرض في عينيه أو في ركبتيه أو ما أشبه ذلك ويسجد إيمائاً فالذي نرى أن الصلاة خلفه صحيحة لأنه هو اتقى الله ما استطاع ونحن كذلك اتقينا الله ما استطعنا فأتينا بالواجب من الركوع والسجود وغيرهما من الشروط والأركان. السائل: لماذا ذكر الأخرس؟ الشيخ: الأخرس كالأمي لحديث (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) هذا ما يقرأ أصلاً. السائل: إذا قرأ بنا إمام وأخل بالقراءة هل ننفصل أو ماذا نفعل؟ الشيخ: لا، ردوا عليه فإذا كان لا يقوَّم لو رددت عليه فهنا انفصل وجوباً. القارئ: ولا تصح لغيرهم لأنهم أخلوا بفرض الصلاة فأشبه المضجع يؤم القائم إلا في موضع واحد وهو العاجز عن القيام يؤم القادر عليه بشرطين.

الشيخ: أشبه المضجع يؤم القائم لماذا قال المضجع ما قال القاعد؟ لأن لا تدخل المسألة التي استثناها لأنه استثنى القائم يؤمه القاعد. القارئ: أحدهما أن يكون إمام الحي والثاني أن يرجى زوال مرضه ويصلون خلفه جلوسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم جالسا فصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون) متفق عليه فإن صلوا قياماً ففيه وجهان أحدهما لا تصح للنهي عنه والثاني تصح لأن القيام هو الأصل وقد أتوا به. الشيخ: نحن الآن نتكلم على من لا تصح صلاته إلا بمثله كالعاجز عن الأركان والشروط ويستثنى من ذلك إمام الحي المرجو زوال علته إذا عجز عن القيام فإنه يصلي قاعداً ويصلي الناس وراءه قعوداً لكن اشترط المؤلف رحمه الله شرطين أن يكون إماماً للحي يعني الإمام الراتب في المسجد وأن يكون ممن يرجى زوال علته وهذان الشرطان فيهما نظر والصحيح أنهما لا يشترطان لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) ولأن العلة وهي موافقة الإمام لا تختلف بنسبتها إلى إمام الحي أو غير إمام الحي أو من يرجى زوال علته ومن لا يرجى فالصواب أنه يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وإذا كان لا يستطيع القيام صلى قاعداً وصلوا وراءه قعوداً يقول المؤلف رحمه الله إن صلوا قياماً خلف من يصلي قاعداً فهل تصح صلاتهم؟ يقول رحمه الله فيها وجهان: الوجه الأول أن الصلاة لا تصح لأن في ذلك معصية لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (صلوا قعوداً). والوجه الثاني أنها تصح لأن الأمر بصلاتهم قعوداً ليس على سبيل الوجوب، ولكن القول بأن صلاتهم لا تصح قول قوي لأنهم ارتكبوا محظوراً في نفس الصلاة والقاعدة لمن ارتكب محظوراً في نفس العبادة فإنه يبطل العبادة لكن المذهب الأول أن الصلاة لا تبطل لكنهم أخطؤوا.

القارئ: فإن صلوا قياماً ففيه وجهان أحدهما لا تصح للنهي عنه والثاني تصح لأن القيام هو الأصل وقد أتوا به. الشيخ: لكن هذا التعليل لأن القيام هو الأصل وقد أتوا به هذا التعليل معارض بأن هذا أصل أبطلته السنة. القارئ: فإن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس أتموا قياما لأن عائشة قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مروا أبا بكر فليصل بالناس) فلما دخل أبو بكر في الصلاة خرج النبي صلى الله عليه وسلم فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر متفق عليه فأتموا قياما لابتدائهم إياها قياماً. الشيخ: هذا التخريج هو الصحيح يعني تخريج فعل النبي عليه الصلاة والسلام في آخر حياته حيث صلى قاعداً والناس خلفه قيام هذا التخريج الذي ذكره المؤلف هو المتعين لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في أثناء الصلاة وقد ابتدؤوها قياماً فلزم أن يتموها قياماً وإنما قلنا هذا هو المتعين لنجمع بينه وبين قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فيقال يصلون قعوداً ما لم يبتدئ بهم الصلاة قائماً فإن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فإنهم يتمون قياماً وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن هذا الحديث ناسخ لقوله صلى الله عليه وسلم (صلوا قعوداً) وعللوا ذلك بأن هذا في آخر حياته وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر ولكن يقال إن من شرط النسخ أن لا يمكن الجمع بين النصين فإن أمكن فلا يجوز النسخ لأن النسخ مقتضاه إبطال أحد النصين والجمع مقتضاه العمل بالنصين وما اقتضى العمل بالنصين فهو أولى مما اقتضى إبطال أحد النصين فالصواب هو ما ذكره المؤلف رحمه الله من أن الإمام إذا ابتدأ بهم قاعداً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً أما إذا ابتدأ بهم الصلاة جالساً فإنهم يصلون جلوساً.

السائل: إذا حضر الإمام الراتب والناس يصلون فتقدم إماماً فهل تسقط عنه قراءة الفاتحة؟ الشيخ: الإمام الذي حضر ثم أتم بهم الصلاة يبني على صلاة الأول لكن بالنسبة لقراءة الفاتحة لابد من قراءتها بالنسبة لهذا الذي حضر أخيراً لأنه لم يستمعها ولم يقرأها فلابد من أن يقرأ وإذا كان قد فاته شيء منها فإنه يقضيه ويجلس الناس الذين أتموا صلاتهم فمثلاً لو أن الإمام دخل وهم في الركعة الثالثة فيصلي بهم ما بقي ثم يقوم وهم يجلسون ينتظرون تسليمه. القارئ: فأما غير إمام الحي فلا يصح أن يؤم قادراً على القيام وهو جالس لعدم الحاجة إلى تقديمه مع عجزه. الشيخ: قوله لعدم الحاجة لتقديمه هذه علة فيها نظر لأن إمام الحي أحق من غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه) لكن الأقرأ أحق من غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فإذا اجتمع اثنان أحدهما قادر على القيام والثاني غير قادر لكن غير القادر أقرأ فالسنة تقتضي أن يقدم الأقرأ. القارئ: وإن لم يرجَ برؤه لم تجز إمامته لأنه لا يجوز استبقاؤه إماماً دائماً مع عجزه. الشيخ: هذا أيضاً فيه نظر يقول لابد أن يرجى زوال علته لأنه لو لم يرجَ زوال علته لم يجز أن يبقى إماماً فيقال هذا ليس إلينا هذا إلى الجهات المسؤولة هي التي تفصله أو تبدله ليس إلينا مادام باقياً يصلي بنا وهو إمام من قبل المسؤولين فلا يهمنا أن يرجى زوال علته أو لا.

لكن كيف نعرف أنه يرجى زوال علته أو لا؟ نعرف ذلك بنوع المرض المانع له فمثلاً إذا كان المرض قطع رجل مثلاً ولا يستطيع أن يعتمد على الرجل الأخرى لا بعصا ولا بغير عصا أو كان شلل في الأسفل أو ما أشبه ذلك عرفنا أنه لا يرجى زواله وإذا كان مرضاً عارضاً كوجع في ساقه أو فخذه أو ركبته ينتظر زواله فهذا مما يرجى زواله ولكن على كل حال الصحيح أنه لا فرق بين من يرجى زوال علته ومن لا يرجى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً). السائل: إذا قلنا أنه إذا ابتدأ قاعداً يجب عليهم أن يصلوا خلفه قعوداً وهذا هو الأقرب لكن إذا صلوا قياماً فهل تبطل صلاتهم؟ الشيخ: هذا يحتمل أن يقال إن صلاتهم تبطل لأنهم فعلوا أمراً منهياً عنه في نفس الصلاة ويحتمل أن يقال إنها لا تبطل لأنهم رجعوا إلى الأصل وهذه مخالفة في صفة الاقتداء والأقوى أن تبطل صلاتهم ويعيدون. السائل: إذا كان القارئ ممن لا يحسن القراءة في صلاة سرية هل الحكم سواء؟ الشيخ: إذا كان يدري أنه يلحن لحناً يحيل المعنى لا يجوز أن يأتم به إلا على القول الثاني الذي قلنا أنه إذا كان عاجزاً لا يستطيع كما لو كان ألثغ يبدل الراء غيناً أو لاماً ولا يستطيع أن يعدل فالصحيح أنه يجوز أن يصلي خلفه. القارئ: واحتمل هذا في القيام دون سائر الأركان لخفته بدليل سقوطه في النفل دونها. الشيخ: هذا التعليل عليل لأنه يقال والركوع والسجود يسقطان في النفل لأن الإنسان إذا صلى قاعداً في النفل فإنه يؤمئ بالركوع ويومئ بالسجود وأنتم تقولون إن العاجز عن الركوع والسجود لا يصح أن يكون إماماً للقادر عليهما فالصواب المطرد هو أن نقول يصح أن يأتم الإنسان القادر على الأركان بالعاجز عنها ولكن لابد من ملاحظة أن العاجز أحق بالإمامة لكونه أقرأ أو أعلم بالسنة أو ما أشبه ذلك.

القارئ: فإن كان أقطع اليدين فقال أبو بكر لا تصح إمامته لإخلاله بالسجود على عضوين من أعضاء السجود فأشبه العاجز عن السجود على جبهته وفي معناه أقطع اليد الواحدة وقال القاضي تصح إمامته لأنه لا يخل بركن الصلاة بخلاف تارك السجود على الجبهة. الشيخ: وبناءً على القول الصحيح يكون لا فرق الصلاة صحيحة ولا فرق بين الذي أقطع اليدين والعاجز عن السجود على الجبهة ومسألة من عجز عن السجود على الجبهة هل يسقط عنه بقية الأعضاء؟ المذهب يسقط وأن من عجز عن السجود على الجبهة لم يلزمه بغيرها والقول الصحيح أنه لا يسقط لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فإذا كان الرجل يستطيع أن ينحني إلى قرب الأرض ويضع يديه على الأرض لكن لا يستطيع أن يسجد لجروح في جبهته أو وجع في عينه أو ما أشبه ذلك فإنه يلزمه أن يأتي بما يقدر عليه فينحني إلى المكان أو الهيئة التي يعجز معها عن السجود ويضع يديه ويقرب من الأرض بقدر ما يستطيع. السائل: إمام يصلي ومعه طفلة صغيرة فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها فعند السجود بكت البنت فحصل هنا مفسدة إذا بكت أخرجت المصلين من الخشوع فحملها عند السجود على رأسه وأمسكها بيد وبذلك يكون سجد على ستة أعضاء فهل هذا يجوز؟ الشيخ: لا، أنا أرى أن مثل هذا يخفف بدل ما يطيل السجود إذا أتى بقدر الواجب وهو الطمأنينة والطمأنينة هي السكون وإن قل وحينئذٍ تزول المفسدة فلا بد أن يسجد على سبعة أعظم فالحديث (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه والكفين) فالأقطع الكف هو ما ذكره المؤلف.

القارئ: النوع الثالث الصبي تصح إمامته بمثله لأنه بمنزلته ولا تصح إمامته ببالغ في فرض نص عليه لأن ذلك روي عن ابن مسعود وابن عباس ولأنه ليس من أهل الكمال فلا يؤم الرجال كالمرأة وهل يؤمهم في النفل على روايتين إحداهما لا تصح لذلك والثانية تصح لأن صلاته نافلة فيؤم من هو في مثل حاله ويتخرج أن تصح إمامته لهم في الفرض بناءً على إمامة المتنفل للمفترض ولأن عمرو بن سلمة الجرمي كان يؤم قومه وهو غلام في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري. الشيخ: هذا التخريج هو الصواب بلا شك وليت المؤلف رحمه الله قدم النقل على العقل في هذه المسألة لأنه قدم رحمه الله التعليل على النص وهذا يعني تقديم العقل على النقل والأولى في الترتيب أن يقدم النقل على العقل وهذه القصة قصة عمرو بن سلمة الجرمي ثابتة في صحيح البخاري لأنه قال عليه الصلاة والسلام (يؤمكم أكثركم قرآناً) فنظروا في القوم فلم يجدوا أكثر من هذا الصبي قرآناً فجعلوه إمامهم وله ست أو سبع سنوات صغير فكان يؤم قومه فخرجت امرأة من القوم ذات يوم ووجدت أن إزاره رفيع تكاد تنكشف عورته فقالت غطوا عنا إست قارئكم والإست الدبر وليست القبل اللهم إلا تجوزاً يقول فاشتروا لي ثوباً جديداً فما فرحت بعد الإسلام فرحي بهذا الثوب لأن الناس في ذلك الزمن معدومون وهذا القول هو المتعين لوجود الدليل عليه وعلى هذا فلو وجدنا صبياً يصلي في الناس نافلة أو فريضة قلنا إمامته صحيحة على هذا القول الراجح صارت المسألة فيها ثلاثة أقوال: القول الأول الصحة في النفل دون الفرض. والقول الثاني الفساد في النفل والفرض. والثالث الصحة في النفل والفرض وهذا هو الصحيح. القارئ: القسم الرابع من تصح إمامته بمن دونه ولا تصح بمثله ولا أعلى منه وهو الخنثى المشكل تصح إمامته بالنساء لأن أدنى أحواله أن يكون امرأة ولا تصح برجل لأنه يحتمل أن يكون امرأة ولا خنثى مشكل لأنه يحتمل كون المأموم رجلا.

الشيخ: الخنثى المشكل مشكل فمن الخنثى المشكل؟ هو الذي لا يعلم أذكر هو أم أنثى وذلك بأن يكون له آله ذكر وأنثى يعني ذكراً وفرجاً يبول منهما جميعاً ولم يحصل له شيء يتميز به عن النساء أو عن الرجال هذا لا يصح أن يكون إماماً إلا بمن دونه من الذي دونه؟ المرأة فالخنثى المشكل يكون إماماً للمرأة ولا يكون إماماً للرجل ولا لمثله لما ذكر المؤلف لاحتمال أن يكون الخنثى أنثى والمأموم رجل وإمامة الأنثى للرجل لا تصح وإذا كان بمثله فيحتمل أن يكون الإمام هو الأنثى والمأموم هو الرجل أو بالعكس، والعكس يصح لكنه غير متيقن أما بالأنثى فواضح لكن إذا أمَّ أنثى أين تقف منه إلى جنبه لاحتمال أنه أنثى أو خلفه لاحتمال أنه ذكر؟ مشكل إذا وقفت خلفه وقفت منفردة مع إمام واحد وهذا يقتضي أن تكون صلاتها باطلة لكن لو وقفت عن يمينه لم تبطل صلاتها حتى لو قلنا إنه ذكر وهي أنثى فإن مقامها خلفه على سبيل الاستحباب وعلى هذا فيكون الاحتياط أن تقف إلى جنبه. فصل في إمامة المتنفل للمفترض القارئ: القسم الخامس المتنفل يصح أن يؤم متنفلاً وهل يصح أن يؤم مفترضا فيه روايتان إحداهما لا تصح لأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام فأشبه الجمعة خلف من يصلي الظهر والثانية تصح وهو أولى لأن جابراً روى أن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة متفق عليه وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم ثم صلى بالأخرى ركعتين ثم سلم رواه أبو داود وهو في الثانية متنفل يؤم مفترضين ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال فأشبه المتنفل يأتم بمفترض. الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر في هذه المسألة المتنفل يصح أن يؤم متنفلاً واضح وهل يصح أن يؤم مفترضاً فيه روايتان: الرواية الأولى لا تصح قال لأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام لأن المأموم سينويها فرضاً والإمام نفلاً ومعلوم أن الفرض لا تتأدى بنية النفل.

وقوله أشبه الجمعة خلف من يصلي الظهر فيه نظر ظاهر لأن الجمعة لا توافق الظهر الظهر أربع والجمعة ركعتان فيلزم المأموم الذي صلى يريد الجمعة خلف من يصلي الظهر يلزمه إما أن يخالف الإمام فيسلم قبله وإما أن يوافقه فيصلي أربعاً لكن لو قال رحمه الله لأن صلاة المأموم أعلى من صلاة الإمام لكان هذا هو التعليل صلاة المأموم فرض والإمام نفل لو قال هذا لكان واضحاً. الرواية الثانية تصح ثم ذكر حديث جابر رضي الله عنه في قصة معاذ، معاذ كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة فهو متنفل وهم مفترضون ثم استدل أيضاً المؤلف بصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة الخوف فإن أحد وجوهها أن يصلي بطائفة ركعتين ويسلم ثم بطائفة ركعتين ويسلم والثانية في حقه نفل لأنه لا يمكن أن يصلي فرضين لوقت واحد لكن الاستدلال بهذا فيه نظر لماذا لأن مسألة الخوف لحاجة أن يصلي المتنفل بالمفترض من أجل إقامة العدل بين الطائفتين لكن على كل حال هي تشبه المسألة من بعض الوجوه إلا أن حديث قصة معاذ أوضح في ذلك. وقوله ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال فأشبهتا المتنفل يأتم بمفترض هذا أيضاً فيه نظر في قوله فأشبه المتنفل يأتم بمفترض نقول لا شبه لأن المتنفل يأتم بمفترض ائتم بمن هو أعلى منه وأما المفترض بالمتنفل فيمن هو أدنى فهذا التشبيه فيه نظر. القارئ: وإن صلى الظهر خلف من يصلي العصر أو صلى العشاء خلف من يصلي التراويح ففيه روايتان وجههما ما تقدم. الشيخ: والصواب أنها تصح إذا صلى الظهر خلف من يصلي العصر فهي صحيحة وإذا صلى العشاء خلف من يصلي التراويح فهي صحيحة هذا الصحيح هذا القول هو الراجح لكن من صلى العشاء خلف من يصلي التراويح هل يسلم معه إن كان مسافراً سلم معه وإن كان مقيماً أتى بركعتين.

القارئ: فإن كانت إحدى الصلاتين تخالف الأخرى كصلاة الكسوف والجمعة خلف من يصلي غيرهما أو غيرهما خلف من يصليهما لم تصح رواية واحدة لأنه يفضي إلى المخالفة في الأفعال فيدخل في قوله عليه السلام (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه). الشيخ: هذه المسألة يقول إنها رواية واحدة يعني إذا صلى خلف من يخالفه في الأفعال كصلاة المغرب مثلاً خلف من يصلي العشاء أو صلاة العشاء خلف من يصلي المغرب فظاهر كلام المؤلف أنها لا تصح رواية واحدة في الصورتين وعلل ذلك بأنه يؤدي إلى المخالفة في الأفعال فيقال إذا كانت صلاة المأموم أقصر فهنا سوف يخالفه في الأفعال وإن كانت أكثر فإنه لن يخالفه لأنه سيبقى حتى يسلم الإمام ثم يأتي ثم يقوم فيقضي ما بقي عليه كالمسبوق فالتعليل فيه نظر أيضاً والصواب أن ذلك صحيح أي أنه يجوز أن يأتم بشخص تخالف صلاتُه صلاتَه في الأفعال فإذا صلى العشاء خلف من يصلي المغرب فالصلاة صحيحة وإذا سلم الإمام قام فأتى بالرابعة وهذا واضح فيما إذا كان المأموم مقيماً لكن لو كان مسافراً فماذا يصنع؟ الظاهر لي أنه يخير بين أن يسلم إذا قرأ الإمام التشهد الأول وقرأ هو التشهد الأخير يسلم لأن صلاته انتهت ويحتمل أن نقول كمِّل مع الإمام وأتِ بالركعة الرابعة لأنك ائتممت بإمام متم أتم صلاته لأن المغرب لا تقصر وإن كان الأمر بالعكس المغرب خلف العشاء فكذلك أيضاً نقول صلي المغرب خلف الإمام الذي يصلي العشاء فإذا قام إلى الرابعة فاجلس وتشهد وسلم ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء وإن كنت لا تريد أن تصلي العشاء فلا بأس أن تنتظر وأنت جالس حتى يصل الإمام وتسلم بعده فإن قال قائل هذا فيه مخالفة ظاهرة للإمام لأنك سوف تفارقه وتتشهد وتسلم والإمام في صلاته قلنا نعم هذا فيه مفارقة لكن المفارقة هنا مفارقة للعذر العذر الحسي أو الشرعي؟ العذر الشرعي لأنه لا يمكن أن تصلي المغرب أكثر من ثلاثاً فالمخالفة هنا مخالفة في

عذر شرعي كمخالفة الطائفة الأولى في صلاة الخوف حيث إنها تنفرد عن الإمام وتكمل الركعة الثانية وتسلم وتنصرف فهذا انفرد عن إمامه لعذر وكما لو أصيب الإنسان بمدافعة الأخبثين أو أحدهما وهو مع الإمام فهنا له أن ينوي الانفراد ويسلم وهذا الذي قلته هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبه نعمل وعملنا أيضاً أي صلينا المغرب خلف العشاء وجلسنا لما قام للرابعة وتشهدنا وسلمنا ثم أدركنا الإمام فيما بقي من صلاة العشاء. القارئ: وإن صلى من يؤدي الصلاة خلف من يقضيها أو من يقضيها خلف من يؤديها صحت رواية واحدة ذكره الخلال لأن الصلاة واحدة وإنما اختلف الوقت وخرَّج بعض أصحابنا فيها روايتين كالتي قبلها. الشيخ: الفرق بين الأداء والقضاء أن الأداء ما فعل في وقته والقضاء ما فعل بعد وقته هذا الفرق فهل يمكن أن يكون أحد يصلي الظهر قضاءً بمن يصليها أداءً؟ نعم وبالعكس كذلك مثاله رجل نام عن صلاة الظهر بالأمس ثم حضر المسجد الآن والناس يصلون الظهر فذكر أنه لم يصلِّ الظهر بالأمس لأنه نام عنها ونسي أن يصليها فنقول ادخل بنية صلاة الظهر بالأمس وكذلك بالعكس والصحيح أن ذلك صحيح كما قال المؤلف رحمه الله والتخريج فيه نظر. فصل القارئ: الأمر الثاني في أولى الناس بالإمامة وأتم ما روي فيه حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سناً أو قال سلما ولا يؤمَّنَّ الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) رواه أحمد ومسلم.

الشيخ: أولى الناس بالإمامة أتم ما فيه هذا الحديث حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وهل المراد أقرؤهم أكثرهم أو أقرؤهم يعني أجودهم بالقراءة يحتمل معنيين المعنى الأول الأكثر كما جاء في الحديث الصحيح (وليؤمكم أكثركم قرآناً) ويحتمل الأقرأ يعني الأجود في القراءة بحيث يؤديها على الوجه المطلوب والكل محتمل في هذا الحديث أما (وليؤمكم أكثركم قرآناً) فهذا صريح فإن قال قائل إذا اجتمع فقيه وأقرأ فمن يقدم؟ قلنا ظاهر الحديث أنه يقدم الأقرأ وليكن هو المعتمد لأن العمل بظاهر الأحاديث بل بظاهر النصوص عموماً هو الواجب إلا بدليل ويؤيد ذلك قوله (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) والعالم بالسنة عنده فقه أكثر ممن لم يعرف السنة فدل هذا على أنه إذا اجتمع قارئ وفقيه قدم القارئ، قوله (أعلمهم بالسنة) أي سنة هل المراد بالسنة عموماً أو بالسنة التي تتصل بالصلاة؟ الظاهر الثانية ويظهر أثر ذلك فيما لو كان عالماً بالسنة فيما يتعلق بالصلاة لكنه جاهل بالسنة فيما يتعلق بالمعاملات والأنكحة والفرائض وما أشبه ذلك وآخر بالعكس يقدم الأول لأنه أشد صلة بالصلاة وماذا ينتفع الإنسان الذي عنده علم بالبيوع وغيرها من العقود والتوثيقات ماذا يستفيد بالنسبة لما يتعلق بالصلاة؟ لا يستفيد شيئاً وماذا ينقص الرجل إذا كان عالماً بالسنة المتعلقة بالصلاة لكنه جاهل فيما سوى ذلك؟ لا ينقصه شيء إذاً (أعلمهم بالسنة) التي تتعلق بالصلاة (فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة) هجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وهذا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام واضح السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أولى ممن تأخروا ولهذا قال الله عز وجل (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) وهو صلح الحديبية يعني ومن كان دون ذلك (وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)

فإن كانوا في الهجرة سواءً أو كانوا ولدوا في دار الإسلام كلهم (فأقدمهم سناً) يعني أكبرهم أو قال سلماً والثانية لا تتأتى إلا فيما إذا كان الناس يدخلون في الإسلام واحداً فواحداً أما من كانوا في بلد الإسلام فلا يتصور إلا أن المراد أقدمهم سناً وهو الأكبر هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم ذكر ما يكون مستثنى من ذلك بقوله (ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته) ولو كان أقرأ من صاحب البيت فلو أن شخصاً دعا جماعة إلى بستانه وحضر وقت الصلاة وصلوا فمن الذي يقدم صاحب البستان وإن كان دون هؤلاء في القراءة كذلك لا يؤمنه في سلطانه كإمام المسجد الراتب فإنه مقدم على من سواه ولو كان في الجماعة من هو أقرأ منه وذلك لتقدم حق هؤلاء فالإمام الراتب في سلطانه في المسجد متقدم على الحادث وكذلك يقال في البيت يقول (ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) إلا بإذنه عائدة على كل الجمل الثلاثة (لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) في الصور الثلاث التكرمة: ما يقدم إكراماً للضيف هذه التكرمة لا تجلس إلا بالإذن فلو أن رجلاً قدم الطعام لكن صاحب البيت لم يقل تفضل إلا أن هذا الرجل كان جائعاً جداً فمن حين انتهى تقديم الطعام تقدم نقول هذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولهذا يرى الحاضرون أن هذا عنده سوء أدب ولهذا امتدح الشاعر نفسه في قوله: وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجلهم

فلا تقعد على التكرمة إلا بإذنه كما أنك لا تدخل بيته إلا بإذنه أحياناً يقدم صاحب البيت الطعام ثم يذهب إلى بيته يأتي بأشياء ليست ضرورية في الطعام وإذا كانت ليست ضرورية في الطعام ربما يتأخر كثيراً أو يحصل مشكلة في البيت يبقى في البيت يحلها والطعام موجود بين الحاضرين في هذه الحال هل يتقدمون للطعام أو ينتظرون رجوعه؟ ظاهر الحديث الثاني لا شك لكن بعض الناس يكون عنده جرأة ويقول يا جماعة تفضلوا تفضلوا الرجل ما قدم الطعام إلا لنا فيأذن لهم فهل له أن يأذن؟ فيه تفصيل إذا علم أن صاحب البيت يرضى بهذا وهو غالباً يرضى فلا بأس وتجد هذا الذي قال تفضلوا إذا جاء صاحب البيت سيقول له أنا أمن عليك وتقدمنا ربما يقول جزاكم الله خيراً كونكم تتقدمون ولا تنتظرونني ربما أنا لا أجيء إلا بعد مدة فهذه المسألة فيها تفصيل. عندي رواه أحمد ومسلم وأيهما أصح المسند أو صحيح مسلم؟ صحيح مسلم لا شك لكنهم يقدمون الإمام أحمد لإمامته وجلالته رحمه الله ولا سيما إذا كانت المؤلفات في مذهبه فإن تقديمه وجيه. القارئ: فأولى الناس بالإمامة السلطان للحديث وهو الخليفة أو الوالي من قبله أو نائبهما. الشيخ: إذاً إذا حضر السلطان إلى بلد مثلاً ودخل المسجد الجامع فمن يؤم الناس؟ السلطان ولو كان للمسجد إمام راتب لأن للسلطان الولاية العامة، حتى في الجمعة وهو قادم لهذا البلد على سفر؟ المذهب لا لأن هذا السلطان لا يصح أن يكون إماماً في الجمعة لكونه غير مستوطن في هذا البلد لكن الصحيح أنه يصح أن يكون إماماً وإن لم يكن مستوطناً كما أنه لو قيل إن السلطان مستوطن في جميع بلاده وعلى هذا حمل فعل عثمان رضي الله عنه في منى حيث أتم لكن هذا ليس بصحيح لأنه لو كان كذلك لكان السلطان لا يقصر أبداً وهذا لا يمكن.

القارئ: فإن لم يكن سلطان فصاحب البيت أحق للخبر وقال أبو سعيد مولى أبي أسيد تزوجت وأنا مملوك فدعوت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر وابن مسعود وحذيفة فحضرت الصلاة فتقدم أبو ذر فقالوا له ورائك فالتفت إلى أصحابه فقال أكذلك قالوا نعم فقدموني رواه صالح بإسناده في مسائله. الشيخ: لماذا؟ لأنه سلطان في بيته. القارئ: فإن أذن صاحب البيت لرجل فهو بمنزلته فإن اجتمع السلطان وصاحب البيت فالسلطان أولى لأن ولايته على البيت وصاحبه وإن اجتمع السلطان وخليفته فالسلطان أولى لأن ولايته أعم وإن اجتمع العبد وسيده في بيت العبد فالسيد أولى لأنه مالك للعبد وبيته وإن اجتمع المؤجر والمستأجر في الدار فالمستأجر أولى لأنه أحق بالمنفعة وإمام المسجد الراتب فيه بمنزلة صاحب البيت، لا يجوز لأحد أن يؤم فيه بغير إذنه لذلك ويجوز مع غيبته لأن أبا بكر صلى حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف مرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحسنتم) رواه مسلم فإن لم يكن ذو مزية من هؤلاء فأولاهم أقرؤهم لكتاب الله للخبر ولقول رسول الله الله صلى الله عليه وسلم (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) رواه مسلم. الشيخ: لماذا قلنا فليؤمَهم بالنصب مع أن لام الأمر تجزم؟ لأن الميم مشددة فحرك بالفتح لالتقاء الساكنين. القارئ: ويرجع في القراءة بجودتها وكثرة القرآن فإن كان أحدهم أجود والآخر أكثر قرآناً فالأجود أولى لأنه أعظم أجرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة) حديث حسن صحيح وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه.

فإن اجتمع قارئ لا يعرف أحكام الصلاة وفقيه أمي فالقارئ أولى للخبر ولأنه لا تصح صلاته خلف الأمي وإن كان الفقيه يقرأ ما يجزئ في الصلاة فكذلك للخبر وقال ابن عقيل الفقيه أولى لأنه تميز بما لا يستغنى عنه في الصلاة. الشيخ: فإذا قال قائل هل لكلام ابن عقيل وجه مع الحديث قلنا قد يكون له وجه وذلك أن الصحابة أقرؤهم لكتاب الله في الغالب هو أفقههم لأنهم لا يتجاوزن عشرة آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فالأقرأ منهم غالباً يكون أفقه لكن من أخذ بظاهر الحديث وعمومه فهو أولى كما شرحنا وقلنا إن قوله (أعلمهم بالسنة) يقتضي أن يكون أفقه ومع ذلك جعله في المرتبة الثانية. السائل: قوله صلى الله عليه وسلم (ولا يؤمَّنَّ الرجل الرجل ولا يجلس ... ) هل النهي هنا في الحالين للتحريم؟ الشيخ: للتحريم مع أن قوله (ولا يجلس على تكرمته ... ) من باب الآداب مع ذلك فهو محرم لأن هذه فيها اتلاف مال، لماذا تتلف مالي وأنا ما أذنت فإن قيل إن تقديم الطعام إذن صار إذناً عرفياً أو إذناً بالفعل. السائل: أليس الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة؟ الشيخ: بلى لكن هذه الولاية الخاصة ما استفادها الولي إلا من قبل الولاية العامة فيكون كالسيد مع عبده.

القارئ: فإن استويا في القراءة فأولاهما أفقههما للخبر ولأن الفقه يحتاج إليه في الصلاة فأشبه القراءة وإن استويا في ذلك فأولاهما أقدمهما هجرة وهو المهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام فإن استويا في ذلك فأكبرهما سنا للخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث (إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما) حديث صحيح ولأنه أقرب إلى الخشوع وإجابة الدعاء ويرجح بتقدم الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم (أقدمهم سلما) ولأنه إذا رجح بتقدم السن فالإسلام أولى فإن استويا في ذلك قدم أشرفهما نسبا وأفضلهما في أنفسهما وأعلاهما قدرا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (قدموا قريشاً ولا تقدموها) هذا ظاهر كلام أحمد وقال الخرقي إذا استويا في الفقه قدم أكبرهما سنا فإن استويا فأقدمهما هجرة وقال ابن حامد يقدم الشرف بعد الفقه ثم الهجرة ثم السن فإن استووا قدم أتقاهم وأورعهم لقول الله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ولأنه أقربهم إلى الإجابة. الشيخ: وما أشار إليه رحمه الله في التقديم بشرف النسب فيه نظر لأن هذا يقتضي أو يستلزم التفاخر بالأنساب لكن لو قيل إذا استووا في الصفات المذكورة في الحديث فيقدم أكثرهما مروءة وأحسنهما أدباً وما أشبه ذلك من الصفات المرغوبة المحبوبة لأنه إذا تقدم مثل هذا أحبه الجماعة الذين وراءه وأصل مشروعية الجماعة من جملة حكمها أنها سبب للألفة هذا هذا هو الصحيح ولهذا لو أننا اجتمعنا ووجدنا أن القوم تساووا في جميع الصفات المطلوبة لكن أحدهما من القبائل الشريفة المشهورة إلا أنه نكد فظ القول غليظ القلب عبوس الوجه لا يكاد يضحك أيضاً ويوجد أحد من الموالي لكنه طيب القلب منشرح الصدر منبسط الوجه وسألت الحاضرين أيهما أحب إليكم لقالوا الثاني إذاً مثل هذا يقدم حتى يأتلف الناس عليه والله أعلم.

القارئ: فإن استووا قدم أعمرهم للمسجد وأتمهم مراعاة له ويقدم الحر على العبد لأنه من أهل المناصب والحاضر يقدم على المسافر لأنه إذا أمَّ حصل جميع الصلاة في جماعة بخلاف المسافر والحضري على البدوي لأنه أجدر بمعرفة حدود الله تعالى وأحرى بإصابة الحق والبصير على الأعمى لأنه أقدر على توقي النجاسات واستقبال القبلة بعلم نفسه وقال القاضي هما سواء لأن الضرير لا يرى ما يلهيه ويشغله فذلك في مقابلة البصير فيستويان. الشيخ: الصواب الأول أن البصير أولى لكن يندر جداً أن يوجد تساوٍ في كل ما ذكره المؤلف لكن إذا وجد فالبصير أولى وذلك لأن البصير يحصل به مطلوب شيء والأعمى يزول به ما يخاف منه فيقدم الأول كما يقدم الواجب على ترك المحرم. القارئ: والأولى لإمام الحي إذا عجز عن القيام أن يستنيب لأن لا يلزمهم ترك ركن فإن استووا أقرع بينهم لأن سعداً أقرع بين أهل القادسية في الأذان ولا يرجح بحسن الوجه لأنه لا مدخل له في الإمامة. الشيخ: صحيح يعني جميع الأمور الخَلْقية لا يرجح فيها إذا لم يكن لها أثر في تحسين الصلاة وقولنا إذا لم يكن لها أثر احترازاً مما لو كان لها أثر كالأعرج مثلاً فإن الأعرج لا يستطيع أن يأتي بالصلاة على الوجه الأكمل قد يمد رجله أو يسجد سجوداً ليس مستقيماً أو ما أشبه ذلك. فصل القارئ: الثالث يكره إمامة اللحان لأنه نقص يذهب ببعضه الثواب وإمامة من لا يفصح ببعض الحروف كالضاد والقاف. الشيخ: أنا عندي كالصاد نسخة لأن الصاد قد لا يفصح بها الإنسان حيث إنها قريبة من السين. القارئ: وإمامة التمتام وهو من يكرر التاء والفأفاء الذي يكرر الفاء لأنهما يزيدان على الحروف.

الشيخ: هل يقال أن هذا الذي يسمونه الصدا من هذا النوع لأن الظاهر إنه يكرر الحرف ويشغل أيضاً ولهذا ينبغي أن ينهى عنه أنا سمعت أنه يوجد في بعض المساجد وهذا غلط والقرآن ما نزل ليكون اسطوانة لهو يحسن الإنسان صوته لكن لا يأتي بمثل هذه الآلات التي توجب تضعيف الحروف وأن يكون كأنه بوق. القارئ: وتصح الصلاة خلفهما لأنهما يأتيان بالحروف على الكمال فإن كان يجعل الضاد ظاء في الفاتحة فقياس المذهب أنه كالأمي لأنه يبدل حرفاً بغيره ويحيل المعنى فإنه يقال ظل يفعل كذا إذا فعله نهاراً. الشيخ: ولكن المذهب أنه لا بأس ولا يضر قالوا لتقارب المخرجين مخرجي الضاد والظاء ولأن أكثر العامة لا يستطيعون أن يفرقوا ولأننا لو سألنا الذي قال ولا الظالين ماذا تريد هل تريد ولا الظالين أي الظالين نهاراً قال أبداً أريد بالظال الذي ليس على هدى وهذا القول هو الصحيح أن إبدال الضاد ظاءً أو بالعكس لا يضر لتقارب المخرجين ومشقة التفريق بينهما. السائل: هل يدخل في اللحن من لا يراعي قواعد الترتيل؟ الشيخ: لا، اللحَّان ليس هو من اللحن ولكن من التلحين الذي يجعل القرآن كأنه لحن أغنية. السائل: هل جواز إبدال حرف الضاد ظاءً في جميع القرآن أم الفاتحة فقط؟ الشيخ: لا، في جميع القرآن لكن نُص على الفاتحة لأنها ركن. القارئ: ويكره أن يؤم قوماً أكثرهم له كارهون لما روى أبو أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها ساخط عليها وإمام قوم وهم له كارهون) وهذا حديث حسن. الشيخ: قوله (لا تجاوز صلاتهم آذانهم) يعني لا ترفع ولا تقبل وهم ثلاثة:

الأول (العبد الآبق) أي الهارب من سيده لا تقبل صلاته وظاهر الحديث أنها لا تقبل صلاته الفريضة ولا النافلة لأن صلاة مفرد مضاف فيعم وقيل لا تقبل النافلة فقط وأما الفريضة فتقبل لأن زمن الفريضة مستثنى شرعاً لا يملكه السيد، زمن الفريضة من يملكه؟ الله عز وجل هو لله حتى لو كان عند سيده ومنعه من أن يصلي فريضة فإنه لا يجوز أن يمتنع لكن لو منعه من النفل لزمه أن لا يتنفل وهذا القول هو الصحيح أن المراد بهذا صلاة النافلة. الثاني (امرأة باتت وزوجها عليها ساخط) هذا أيضاً ينبغي أن يستثنى منه الفريضة وأما النافلة فلا وذلك أن الزوج إذا دعا امرأته إلى فراشه وأبت سخط عليها فإذا قامت تتطوع فإن هذه الصلاة لا تقبل لأنها مأمورة بأن تجيب زوجها فتكون كأنها صلت في زمن مغصوب. الثالث (إمام قوم وهم له كارهون) هذا أيضاً لا تقبل صلاته وظاهر الحديث لا تقبل لا في الفرض ولا في النفل ولكن هل المراد الكارهون له بحق أو مطلقاً لأن الجماعة يكرهون الإمام بحق مثل أن يطيل بهم أكثر من السنة أو يصلي يوماً مبكراً ويوماً متأخراً أو يصلي صلاة لا يطمئن فيها أو ما أشبه ذلك هؤلاء يكرهونه بحق والثاني أن لا يكرهونه بحق يكرهونه مثلاً لأنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحثهم على الصلاة ويتفقدهم فيكرهونه فما المراد الأول أو الثاني؟ المراد الأول الذين يكرهونه بحق فإن اختلف الناس في ذلك منهم من يكرهه ومنهم من لا يكرهه فالعبرة بالأكثر إذا كان أكثرهم يكرهه بحق فإنه لا ينبغي أن يؤمهم وظاهر الحديث أن صلاته لا تقبل. القارئ: فإن كانوا يكرهونه لسنته أو دينه فلا يكره قال منصور قيل لنا إنما عُني بهذا أئمة الظلمة فأما من أقام بالسنة فإنما الإثم على من كرهه. الشيخ: أنا عندي مثلكم من أقام والظاهر أن الصواب فأما من قام بالسنة.

القارئ: ويكره أن يؤم نساءً أجانب لا رجل معهن ويكره أن يتقدم المفضول من هو أولى منه لأنه جاء في الحديث (إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال) احتج به أحمد. الشيخ: قوله رحمه الله أن يؤم نساءً أجانب لا رجل معهن يعني ولا امرأة من المحارم فإن كان معهن امرأة من محارمه فلا بأس وهذا يقع كثيراً في ليالي رمضان حيث تكون بعض البيوت فيها نساء كثير فيأتي رجل فيؤمهن يصلي بهن القيام فهذا لا بأس به. باب موقف الصلاة الشيخ: في الواقع أن هذه الترجمة فيها إجمال كبير لأن المراد باب موقف المأموم في صلاة الجماعة هذا المراد أما قوله موقف الصلاة فليس لها معنى تحتاج إلى تعديل. القارئ: إذا كان المأموم واحداً وقف عن يمين الإمام فإن كبر عن يساره أداره الإمام عن يمينه فإن جاء آخر كبر وتأخر أو صفا خلفه ولا يتقدم الإمام إلا إن كان الموضع ضيقا فإن كبر الثاني عن يساره أخرهما الإمام بيديه لما روى جابر قال سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقام يصلي فتوضأت ثم جئت حتى قمت عن يساره صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه فجاء جبار بن صخر حتى قام عن يساره فأخذنا بيديه جميعاً حتى أقامنا خلفه من المسند ورواه مسلم فإن صليا عن يمينه أو أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره جاز لما روي أن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل رواه أبو داود. الشيخ: غريب أن المؤلف رحمه الله يقول رواه أبو داود مع أنه في المسند. القارئ: ولأن الوسط موقف لإمام العراة وإمامة النساء فإن كان معهم امرأة قامت خلفهم لما روى أنس قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والمرأة خلفنا فصلى بنا ركعتين متفق عليه. الشيخ: وإذا كانت المرأة من محارم الرجل وصلى بها فأين تقف؟ تقف خلفه حتى وإن كانت من محارمه.

القارئ: فإن اجتمع رجال ونساء وصبيان وخناثى تقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء لما روى أبو مالك الأشعري أنه قال ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال أقام الصلاة فصف الرجال ثم صف خلفهم الغلمان ثم صلى بهم ثم قال هكذا قال عبد الأعلى لا أحسبه إلا قال صلاة أمتي رواه أبو داود فإن لم يكن مع الرجل إلا امرأة وقفت خلفه فإن كان معه صبي وقف عن يمينه لما روى ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الليل فقمت فوقفت عن يساره فأخذ بذؤابتي فأدارني عن يمينه) متفق عليه وإن كان معه رجل وصبي في فرض وقف بينهما كما في حديث ابن مسعود وجعل الرجل عن يمينه أو جعلهما عن يمينه وإن كان في نافلة وقفا خلفه على ما في حديث أنس. الشيخ: وفي هذا دليل على أن الثلاثة إذا اقتضت الحال أن يصفوا صفاً واحداً فإنهم لا يكونون عن يمين الإمام بل يكون الإمام بينهم هذا هو الأفضل لكن إن كانوا عن يمينه فلا بأس لكن الأفضل أن يكون الإمام بينهما. السائل: هل جمع خنثى خناثى أو خناثي؟ الشيخ: يصلح هذا وهذا. السائل: ما الفرق بين حديث جابر وجبار بن صخر وحديث ابن مسعود؟ الشيخ: حديث ابن مسعود رضي الله عنه نسخ. السائل: ما وجه التفريق بين النافلة والفرض في جعله عن يمينه وشماله؟ الشيخ: التفريق أنه لا يصح أن يصاف الصبي في الفريضة ولهذا نقول إذا كان في الفريضة يكون أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره بل يكون الرجل عن يمينه والصبي عن يساره. فصل القارئ: فإن وقف المأمومون قدام الإمام لم تصح صلاتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به). الشيخ: هذا الحديث استدل به المؤلف رحمه الله على أنه لا يصح أن يتقدم المأمومون على الإمام فما وجه الاستدلال؟

يمكن أن يقال وجه الاستدلال أن الرسول قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به) والإمام لابد أن يكون متقدماً وإلا لما كان إماماً وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء: منهم من قال إنه يصح أن يتقدم المأموم على الإمام مطلقاً لكنه خلاف السنة. ومنهم من قال إنه يصح أن يتقدم المأموم على الإمام في حال الضرورة والحاجة كما لو كان المسجد ضيقاً فاضطر الناس إلى أن يصلوا في السوق وليس خلف المسجد سوق وإنما السوق أمامه قالوا فمثل هذا يكون جائزاً لدعاء الحاجة وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو وسط بين قول من يقول إنه لا يصح أن يكون المأموم أمام الإمام مطلقا أو إنه يصح أن يكون المأموم أمام الإمام مطلقاً هذا قول وسط وهذا هو الذي ينبغي أن يعمل به لأنه أحياناً ولا سيما في مواسم الحج تكون المساجد بمكة ضيقة يحتاج الناس أن يصلوا من كل جانب. السائل: ألا يؤخذ عدم صحة الصلاة من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الدائم في كونه لم يتقدم عليه المأمومون أبداً؟ الشيخ: هي معروفة لكن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب. السائل: ما هو حد السن في الصبي الذي يصافه؟ الشيخ: إذا صار عنده تمييز صح أن يصافه. القارئ: وإن وقف الواحد خلف الصف أو خلف الإمام أو عن يساره لم تصح صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابراً لما وقفا عن يساره وروى وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد رواه أبو داود وعن علي بن شيبان قال صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم فانصرف ورجل فرد خلف الصف فوقف النبي صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم (استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف) رواه الأثرم، قال أحمد فيه وفي حديث وابصة هذا حديث حسن ولأنه خالف الموقف فلم تصح صلاته كما لو وقف قدام الإمام فإن صلى ركعة وحده لم تصح صلاته.

الشيخ: هذه المسائل إن وقف المأمومون قدام الإمام لم تصح صلاتهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وقد عرفتم مأخذ الدليل وإن وقف الواحد خلف الصف لم تصح صلاته لحديث وابصة بن معبد وعلي بن شيبان ولكن إذا لم يكن هناك عذر بأن صلى وحده خلف الصف مع إمكان أن يكون في الصف فهذا موضع خلاف بين العلماء: الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك وأبو حنيفة ونصف مذهب الأمام أحمد على أن الصلاة صحيحة ولو لغير عذر وحملوا قوله (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) على نفي الكمال، والمذهب المشهور عند أصحاب الإمام أحمد أن الصلاة لا تصح مطلقاً لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا صلاة لفرد خلف الصف) وهذا عام يشمل من أمكنه المصافة ومن لم تمكنه. والقول الثالث الوسط في هذه المسألة وهو أنه إن تعذر وقوفه في الصف لاستكمال الصف صحت صلاته وإلا فلا وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمهما الله وهو الصحيح فإذا جئت والصف تام فلا بأس أن تصلي وحدك لأنك معذور حيث لا تجد مكاناً فإن قال إنسان يمكن أن يجتذب واحداً من الصف ليكون معه قلنا لكن هذا لا يجوز: أولاً لأنه تصرف في الغير بغير حق. وثانياً جناية على الغير لأنه سوف يرجعه من الفاضل إلى المفضول. وثالثاً أنه يوجب أن يقع في الصف خلل وفرجة وهذه الفرجة سوف يأتي الناس شيئاً فشيئاً ليسدوها فيلزم من هذا أن يتحرك الصف كله وهذا لا داعي له. ومنها أنه ربما يشوش على هذا المصلي حتى يخبطه من ورائه ما هذا الذي جرني؟ فربما يخبطه ويضره لذلك نقول لا يجوز أن يجتذب أحداً فإن قال قائل إذاً دعوه يتقدم ليكون مع الإمام قلنا وهذا أيضاً فيه محاذير: المحذور الأول مخالفة السنة بانفراد الإمام في مكانه لأن السنة أن ينفرد الإمام في مكانه لا يكون معه أحد. ثانياً يلزم منه في الغالب تخطي الرقاب إنه يريد أن يمشي إذا كان مثلا قبله عشرة صفوف.

ثالثاً إذا قلنا يتقدم إلى الإمام ويقف معه ثم جاء آخر نقول تقدم إلى الإمام وكون معه جاء ثالث كذلك تقدم فيبقى مع الإمام صف كامل لكن لو قلنا صلِّ في مكانك الذي قدرت عليه وجاء آخر صف معه وانتهى الموضوع لهذا لا شك أن القول الراجح أنه يجوز إذا كان الصف تاماً أن يقف الإنسان وحده وصلاته صحيحة أما هذه القضايا التي وقعت فهي قضايا أعيان فربما كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم أن الصف لم يتم فأمره أن يعيد الصلاة وهو أيضاً فحوى الخطاب تدل على أن الصف فيه مكان لأنه قال (لا صلاة لفرد خلف الصف) يعني فيما يمكنه أن يصف فيه فعلى كل حال الصواب أن ذلك جائز وعندنا قاعدة شرعية عامة أن الواجب يسقط بالعجز.

المسألة الثانية يقول رحمه الله أو عن يساره لم تصح الصلاة إذا وقف المأموم واحد عن يسار الإمام فإن صلاته لا تصح الدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أدار جابراً وابن عباس حين وقفا عن يساره فجعلهما عن يمينه ومعلوم أن هذا لا يدل على الوجوب ولا على إبطال عبادة قام الدليل على صحتها لأن غايته أنه فعل وفعل الرسول المجرد يدل على الاستحباب لا يدل على الوجوب ولو كان ذلك واجباً أي أن يقف عن يمينه لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين انتهت الصلاة ولقال لا تعودا لذلك كما قاله لأبي بكرة رضي الله عنه وهذا القول أعني الوقوف عن يسار الإمام مبطلاً للصلاة قول ضعيف والصواب أنه لو وقف عن يسار الإمام مع خلو يمينه فصلاته صحيحة لكن ذلك خلاف السنة قد يقول قائل كون الرسول يتحرك في أثناء الصلاة والحركة مكروهة ويحرك غيره أيضاً ألا يدل على الوجوب نقول ربما يلتمس هذا دليلاً على الوجوب لكن كون النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل لهما أي لابن عباس وجابر لا تعودا يدل على أن المسألة على وجه الاستحباب وتجوز الحركة في الصلاة لفعل مستحب كما لو تقارب الصف فإننا نقول للناس ليقف بعضكم إلى بعض إذاً الصحيح في هذه المسالة أن الصلاة تصح لكنه خلاف السنة والصحيح فيمن صلى خلف الصف أنه إذا كان لعذر وهو تمام الصف فالصلاة صحيحة والصحيح في الصلاة قدام الإمام أنها تصح عند الحاجة ولا تصح إذا لم يكن هناك حاجة والله أعلم. السائل: هل يلزمه ينتظر حتى يرفع الإمام؟ الشيخ: لا يلزمه بل يدخل فوراً. السائل: هل العبرة في الصف الآن نهاية الفرشة التي تفرش بها المساجد أم الجدار؟ الشيخ: لا، العبرة إلى الجدار أو إلى الطريق أحياناً يكون الطريق مفصول وكونه لا يوجد فرشة فلا يريد أن يصلي على البلاط ما له عذر الفرشة ما هي بعذر ويؤمر بالإعادة.

القارئ: وإن جاء آخر فوقف معه أو دخل في الصف قبل رفع الإمام من الركوع صحت صلاته لأنه أدرك في الصف ما يدرك به الركعة وإن كان ذلك بعد رفع الإمام ففيه ثلاث روايات إحداهن تصح لأنه لم يصلِّ ركعة كاملة أشبه ما لو أدرك الركوع والثانية لا تصح لأنه لم يدرك في الصف ما يدرك به الركعة أشبه ما لو صلى ركعة والثالثة إن كان جاهلاً لم يعد وإن كان عالماً أعاد لما روى البخاري أن أبا بكرة انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصله فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (زادك الله حرصاً ولا تعد) فلم يأمره بالإعادة لجهله ونهاه عن العود والنهي يقتضي الفساد فإن فعل ذلك لغير عذر ولا خشي الفوات فحكمه حكم من خاف الفوات لأن الموقف لا يختلف لخيفة الفوات وعدمه ويحتمل أن لا يصح لأن الرخصة وردت في حق المعذور فلا يلحق به غيره. الشيخ: هذا حديث أبي بكرة قيل إنه روي بلفظ (زادك الله حرصاً ولا تُعِدْ) وبلفظ آخر (ولا تعدو) ولكن الصواب (ولا تَعُدْ) هذا هو الذي ثبتت فيه الرواية وأما قوله (ولا تعدو) فإن قوله (ولا تَعُد) يدخل فيه (لا تعدو) وأما قوله (ولا تُعِد) فلا حاجة إليها لأنه إذا لم يأمره بالإعادة فلا إعادة عليه فالصواب أن الذي صحت فيه الرواية (ولا تَعُد) من العود. السائل: ذكر بعض العلماء أن الإنسان إذا كان أقبل على الصف فقرب منه جداً والإمام راكع فإن ركع قبل الصف بخطوة أو خطوتين يدرك الركعة وإن انتظر حتى يصل للصف فاتته الركعة فإنه يركع فما رأيكم؟ الشيخ: الصحيح أنه ما يجوز أبداً اللهم إلا إذا ركع وهو واقف في مكان لا يُعدُّ خارجاً عن الصف يعني يعد إنه متأخر مثلاً أو متقدم وأما إذا كان ركع يحتاج إلى خطوات فهذا لا تصح صلاته فالمعيار إذا قيل هذا كأنه صاف مع الناس. السائل: لو ركع بعد ابتداء رفع الإمام من الركوع هل أدرك الركوع؟ الشيخ: إذا كان الإمام إلى الركوع أقرب إذاً أدركه. فصل

القارئ: ومن وقف معه كافر أو امرأة أو خنثى مشكل أو من صلاته فاسدة فحكمه حكم الفذ لأنهم من غير أهل الوقوف معه. الشيخ: وهذا إذا علم أن هذا كافر مثل أن يعرف أنه رجل يستهزئ بالله وآياته ورسوله أو علم أنها امرأة وهل يمكن أن تخفى المرأة؟ يمكن لأن بعض النساء يلبسن ثياباً كأنها ثياب رجال كذلك أيضاً خنثى مشكل يمكن يشكل؟ هذه يمكن لأن الخنثى المشكل قد يلبس ثياب رجال ومن صلاته فاسدة مثل أن يعلم أنه محدث هذا علم أن صلاته فاسدة فلا تصح مصافاته. القارئ: وإن وقف معه فاسق أو أمي أو متنفل كانوا معه صفا لأنهم من أهل الوقوف معه وإن وقف الصبي معه في النفل كانا صفاً لحديث أنس وإن كان في فرض احتمل أن يكون معه صفا لأنه كالمتنفل واحتمل أن لا يصح لأنه ليس من أهل الإمامة له فيه أشبه المرأة. الشيخ: والصحيح أنه يصح وقوله لأنه ليس من أهل الإمامة فيه هذا أيضاً ممنوع والصواب أن الصبي أهل للإمامة بالبالغ ويدل لهذا عموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وما رواه البخاري أيضاً في حديث عمرو بن سلمة الجرمي أنه أمَّ قومه وله ست أو سبع سنين وهذا نص صريح ولأن الأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل فإذا جازت إمامته في النفل فلتكن جائزة في الفرض أيضاً. القارئ: وإن وقف معه محدث أو نجس يعلمان بذلك فهو كالفذ وإن لم يعلما بذلك صحت صلاته لأنه لو كان إماماً له صحت صلاته. وإن وقفت المرأة في صف الرجال كره ولا تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها وقال أبو بكر تبطل صلاة من يليها لأنه خالف الموقف والأول أولى لأنها هي التي خالفت بوقوفها مع الرجال فلم تبطل صلاتها فصلاته أولى.

الشيخ: هذا يقع كثيراً في أيام الموسم في الحج أو في أيام موسم العمرة في رمضان تجد المرأة إلى جنب الرجل فهل هذا جائز نقول هذا ضرورة لكن إذا رأيت من نفسك شبهة فانعزل واطلب مكاناً آخر لأن بعض الناس قد تتحرك شهوته إذا قامت إلى جنبه امرأة وبعض الناس أيضاً ربما تفسد صلاته بحدث فإذا كانت المسألة لا يُخشى منها محظور وكان في ذلك ضرورة فلا بأس، فإن كان هناك صف من نساء كامل فهل يصف من ورائهن الرجال؟ الجواب نعم عند الضرورة. القارئ: فإن وقف اثنان خلف الصف فخرج أحدهما لعذر دخل الآخر في الصف أو وقف عن يمين الإمام أو نبه من يخرج فيقف معه فإن لم يمكنه نوى مفارقته وأتم منفردا لأنه عذر أشبه ما لو سبق إمامه الحدث فإن دخل المسبوق فوجد فرجة قام فيها وإن لم يمكنه قام عن يمين الإمام فإن لم يمكنه نبه رجلاً يتأخر معه فإن لم يفعل لم يكرهه ويصلي وحده أو ينتظر جماعة أخرى. الشيخ: المسألة الأخيرة فيها نظر والصواب أنك إذا أتيت والصف قد تم فإنك تصلي وحدك مع الجماعة يعني تصف وحدك ولا تتقدم إلى الإمام ولا تجتذب أحدا لأن التقدم إلى الإمام تحصل به مخالفة السنة في موقف الإمام إذ أن الإمام متميز بالموقف كما أنه متميز بكونه يقتدى به فإذا وقفت إلى جنبه صار كأنكما إمامان فإن جاء آخر وقف معكما وجاء الثاني والثالث صرتما صفاً لكن لو أنك صليت خلف الصف وجاء آخر صرتما اثنين واستقام الصف فالصواب أن الإنسان إذا جاء والصف تام فإنه يصف وحده وصلاته صحيحة وليُعلم أن القول ببطلان الصلاة صلاة الرجل خلف الصف مخالف للمذاهب الثلاثة فإن مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة كلها تقول إن وقوف الإنسان خلف الصف ولو لغير عذر لا يبطل الصلاة وهو رواية عن الإمام أحمد والرواية الثانية أنه تبطل الصلاة مطلقا سواء لعذر أو لغير عذر والصحيح أنه إذا كان لعذر كامتلاء الصف فلا بأس به.

السائل: بعض الناس يجد فرجة صغيرة فيضيق على المأمومين فهل لمن حصل له ضيق أن يرجع إلى الخلف؟ الشيخ: هو إذا كان يخشى من أن يشوش عليه صلاته من أجل الضيق فلا بأس أن يرجع القهقرى بل نقول هذا أولى لكن هذا الذي دخل في فرجة صغيرة وبدنه كبير يحرم عليه ذلك لأنه يؤذي الناس. السائل: في المسألة التي قبلها فإن لم يمكنه نوى مفارقته وأتم منفردا ما تحمل على المسألة الثانية أنه يبقى لوحده؟ الشيخ: المذهب إذا لم يمكنه الدخول لابد أن ينوي الانفراد والقول الصحيح يبقى وحده في الصف. فصل القارئ: السنة للمرأة إذا أمت نساءً أن تقوم وسطهن لأن ذلك يروى عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما وإن كانت معها امرأة وقفت عن يمينها وإن وقفت خلفها جاز لأن المرأة يجوز وقوفها وحدها بدليل حديث أنس. الشيخ: وهذا الذي قاله فيه نظر إذا كانت امرأة مع امرأة فلابد أن تصف إلى جنبها إلى اليمين إما وجوباً أو استحباباً حسب ما سبق لنا أن قلنا أن القول الراجح أن الإنسان لو صلى عن يسار الإنسان مع خلو يمينه فصلاته صحيحة لكنها خلاف الأولى والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل تماماً فيجب أن تصف معها إما إلى اليمين وهو الأفضل أو إلى اليسار وأما انفرادها خلف المرأة الواحدة فلا يجوز كالرجل وهو داخل في عموم (لا صلاة لمنفرد خلف الصف). فصل القارئ: والسنة أن يقف الإمام حذاء وسط الصف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (وسِّطوا الإمام وسدوا الخلل) رواه أبو داود وأن يتموا الصف الأول لما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أتموا الصف الأول فما كان من نقص فليكن في الصف الآخر) رواه أبو داود. الشيخ: هاتان مسألتان:

المسألة الأولى السنة أن يقوم الإمام وسط الصف لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (وسطوا الإمام وسدوا الخلل) هذا الحديث في صحته نظر لكن هو مقتضى القاعدة الشرعية لأن القاعدة الشرعية تقتضي العدل وليس من العدل أن يقوم الإمام في أيسر الصف بحيث يكون الناس كلهم على اليمين لأنه إجحاف فالوسط يكون هو الوسط ومن ذلك لو أن الإمام وقف في وسط الصف أول ما أقيمت الصلاة ثم دخل أناس آخرون فكثير من الناس يذهب إلى الأيمن ولو بعد ويدع الأيسر وهذا فيه نظر والصواب أن الأيمن أفضل من الأيسر عند التساوي أو التقارب ويدل لهذا أنه لما كان المشروع في حق الثلاثة أن يكون الإمام بينهم كان متوسطاً ولو كان الأيمن أفضل مطلقاً لكان هو الأيسر من الثلاثة فلما توسط بينهما دل على مراعاة التساوي من الجانبين فإذا تساويا أو تقاربا فلا شك أن اليمين أفضل. المسألة الثانية إتمام الصف الأول فالأول فإن هذا هو المشهور قال العلماء وينبغي تقارب الصفوف وقرب الإمام من الصف الأول والخطوط المعلمة هذه جيدة لأن الناس يتقاربون فيها. القارئ: وخير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم قال (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) رواه مسلم. وقال أحمد: ويلي الإمام الشيوخ وأهل القرآن ويؤخر الصبيان والغلمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى) رواه مسلم. الشيخ: لماذا كان خير صفوف النساء آخرها لأنه أبعد عن الرجال وكان خير صفوف الرجال أولها لأجل السبق إلى الصف الأول (ولو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لا ستهموا). السائل: بالنسبة للخطوط ما يقال إنها بدعة لأن بعض الناس يقول بإمكان الرسول عليه الصلاة والسلام أن يضع خطاً لكن لم يفعل؟

الشيخ: نقول هذه وسيلة فالناس لا يتعبدون بهذه الخطوط لكن يرون أنها وسيلة إلى تعديل الصفوف والوسائل لها أحكام المقاصد ولهذا لم يكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام تدوين الكتب ولا بناء المدارس ولا تنقيط القرآن ولا إعراب القرآن كل هذا حدث بعد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه وسيلة وأما قولهم إن الرسول يمكنه أن يفعل فليس بصحيح لأن أرض مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مفروشة بالحصباء وكيف يكون التخطيط مهما وضعوا من الخطوط سيزول ولو قالوا يمكن أن يجعل خيطاً قلنا الخيط فيه مضرة على الناس يعثرون به. السائل: بالنسبة لخير صفوف النساء آخرها في وقتنا النساء منفصلات أحياناً في مصلى خاص؟ الشيخ: هذا سؤال وجيه يقول خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها هذا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام حيث لا حاجز بين النساء والرجال أما في وقتنا فإن كثيراً من المساجد يكون للنساء مصلى خاص أو حاجز بينهن وبين الرجال فنقول في هذه الحال يكون خير صفوف النساء أولها كالرجال. فصل

القارئ: والسنة أن لا يكون الإمام أعلى من المأمومين لما روي أن عمار بن ياسر كان في المدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار فقام على دكان والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيديه واتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ من صلاته قال حذيفة ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أعلى من مكانهم) وقال عمار فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي رواه أبو داود، فإن فعل فقال ابن حامد تبطل صلاته لارتكابه النهي وقال القاضي لا تبطل لأن عماراً بنى على صلاته وعن أحمد لا بأس بهذا لما روى سهل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر ثم ركع ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم قال (أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بي وتعلَّموا صلاتي) متفق عليه ولا بأس بالعلو اليسير لأنه لا يحتاج فيه إلى رفع البصر المنهي عنه فيه بخلاف الكثير.

الشيخ: الآن فهمنا أن العلو علو الإمام على المأموم منهي عنه ولكن هل تبطل الصلاة أو لا تبطل؟ فيها قولان للعلماء كما رأيتم ثم هل العلو منهي عنه بمطلقه يعني أن مطلق العلو منهي عنه أو العلو الكثير؟ في هذا أيضاً خلاف والذي يظهر أن المراد بالنهي عن العلو إذا كان كثيراً أما العلو اليسير كدرجة المنبر والدرجتين فلا بأس بذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على المنبر وقال (إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلَّموا صلاتي) ثم إن التعليل الذي ذكر المؤلف أخيراً قال لأنه لا يحتاج إلى رفع البصر المنهي عنه فيه بخلاف الكثير ظاهره يشعر بأن المشروع في حق المأموم أن ينظر إلى الإمام لأن الإمام إذا كان رفيعاً يحتاج المأموم إلى رفع البصر وإذا كان ارتفاعه قليلاً لم يحتج إلى رفع البصر ومعلوم أن رفع البصر إلى السماء في الصلاة محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال (لينتهين أقوام عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم). السائل: العلو هنا هل هو علو مطلق كما يكون في بعض المساجد طابقين طابق يصلي فيه الإمام وطابق أسفل يصلي فيه بعض المأمومين؟ الشيخ: المؤلف ما ذكر القليل يشترط أن يكون العلو للإمام وحده فإن كان معه أحد فلا بأس يعني لو كان الإمام معه أناس في الطابق الأعلى فلا حرج. السائل: قول عمار: فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي هل هذا إقرار منه بسماع الحديث؟ الشيخ: يحتمل أنه إقرار منه بسماع الحديث لأنه قال ألم تسمع ويحتمل أنه قال ذلك يعني أنك لم تفعل إلا عن دليل. السائل: لو العلو ينهى عنه مطلقاً وأما الحديث فإنه للحاجة لذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل ذلك للتعليم؟ الشيخ: لو قيل ذلك لكان له وجه لكن يقال إن هذا ليست حاجة تبيح النهي إذ من الممكن أن يعلمهم بالقول كما هو دأبه كثيراً. القارئ: ولا بأس أن يكون المأموم أعلى من الإمام لذلك ويصح أن يأتم به من في أعلى المسجد وغيره إذا اتصلت الصفوف.

الشيخ: اشترط المؤلف للاقتداء فيمن كان خارج المسجد أن تتصل الصفوف وظاهره أنها إذا لم تتصل لم يصح الاقتداء ولو سمع صوتاً وهذا هو الأقرب لأن المراد بالجماعة الاجتماع أن يجتمع الناس في المكان كما يجتمعون في الأفعال ولأننا لو قلنا بصحة الاعتماد على مطلق الصوت لانفتح علينا باب لا يمكن سده الباب الذي لا يمكن سده أن يقول قائل أنا أصلي في بيتي خلف إمام المسجد الحرام لأن الصلاة تنقل على الهواء في التلفزيون وجماعتي أكثر من جماعتكم ومكان إمامي أفضل من مكان إمامكم فأنا صلاتي أتم من صلاتكم لأني أسمع وأشاهد حتى أسمع نَفَس الإمام وربما يكون سماعي لذلك أقوى من سماع بعض الذين في المسجد الذي في بلدي ولو فتح هذا الباب لحصل في ذلك شر كثير وإن كان بعض المعاصرين نسأل الله لنا ولهم الهداية قال إنه يصح أن يصلي الإنسان خلف المذياع قبل أن يأتي التلفزيون وكتب في ذلك رسالة سماها الإقناع في صحة الصلاة خلف المذياع وعلى هذا تجعل الراديو أمامك وتصلي خلف الإمام الذي تسمعه والصحيح أنه لابد أن يكون اجتماع في المكان. فصل

القارئ: يجوز أن يأتم بالإمام من في المسجد وإن تباعد لأن المسجد كله موضع للجماعة فإن كان بينهما حائل يمنع المشاهدة وسماع التكبير لم يصح الائتمام به لتعذر اتباعه وإن مَنَع المشاهدة دون السماع ففيه وجهان أصحهما صحة الصلاة لأن أحمد قال في المنبر إذا قطع الصف لم يضر ولأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم الاقتداء به لسماع التكبير فأشبه المشاهد والثاني لا يصح لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب والحجاب موجود ها هنا فإن كان المأموم في غير المسجد وبينهما حائل يمنع رؤية الإمام أو من وراءه لم تصح الصلاة لحديث عائشة وقال ابن حامد يمنع في الفرض وفي النافلة روايتان وعن أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبوابه مغلقة أرجو أن لا يكون به بأس ويشترط اتصال الصفوف وهو أن لا يكون بينهما بعد كثير لم تجر العادة بمثله واشترط أصحابنا أن لا يكون بينهما نهر تجري فيه السفن ولا طريق والصحيح أن هذا لا يمنع لأنه لا يمنع المتابعة إلا أن يكون عريضاً يمنع الاتصال. الشيخ: الله المستعان نهر ما يمنع الاتصال وتجري به السفن سبحان الله! ما أدري وما معنى هذا هل يريد جدول من النهر ساقي أما نفس النهر فإنه يمنع الإتصال ولا شك. السائل: هل يشترط اتصال الصفوف لمن يصلي أعلى المسجد؟ الشيخ: خارج المسجد يشترط وأعلى المسجد لا يشترط. السائل: على ماذا يدل حديث عائشة؟ الشيخ: هذا يدل على أن من كان خارج المسجد فإنه لا يصح اقتداؤه به إلا إذا اتصلت الصفوف فهذا حاجة لأنها لا تتصل الصفوف عادة إلا لامتلاء المسجد. السائل: المسجد الحرام يكون فيه تقطع للصفوف وتباعد فيما بينها؟ الشيخ: نعم يوجد كما قلت في المسجد الحرام تقطع للصفوف لكن ما داموا في المسجد فالصلاة صحيحة ولو تباعدت كما يوجد أيضاً في مسجد المدينة بعد السعة لكننا نقول إن هذا خلاف السنة والسنة أن يتقدموا إلى الأول فالأول. فصل

القارئ: ويستحب أن يصلي إلى سترة ويدنو منها لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم فلييصلِّ إلى سترة وليدنو منها) رواه الأثرم قال سهل كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر الشاة رواه البخاري ومسلم وقدر السترة مثل آخرة الرحل وذلك قدر الذراع أو عَظْم الذراع. الشيخ: من رؤوس الأصابع إلى المرفق ذراع، عظم الذراع يسقط منه الكف من مفصل الكف إلى المرفق. القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي ما مر وراء ذلك) رواه مسلم ويجوز أن يستتر بعصا أو بحيوان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان تركز له الحربة فيصلي إليها ويعرض البعير فيصلي إليه وقال نافع كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلاً إلى سارية قال ولني ظهرك فإن لم يجد سترة خط خطاً لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر وراءه) رواه أبو داود. قال أحمد رضي الله عنه الخط عرْضاً مثل الهلال وقد قالوا طولا وقد قالوا عرضا وأنا أختار هذا فإن لم يمكنه نصب العصا ولا الخط عرضها بين يديه لأنها تقوم مقام الخط ولا يصمد للسترة ولكن ينحرف عنها يسيراً لقول المقدام ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن ولا يصمد لها صمدا رواه أبو داود. الشيخ: هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وذهب إليه الأصحاب وقيل إنه لا ينحرف يميناً ولا يساراً وضعفوا هذا الحديث وقالوا إن ظاهر النصوص أنه يجعلها بين يديه صمداً وهذا لا شك أنه ظاهر النصوص أنه يجعلها بين يديه وهذا الحديث به لين كما ذكره في شرح الإقناع وغيره.

القارئ: وسترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه إلى سترة ولم يأمرهم أن يستتروا بشيء. فصل القارئ: وإذا مر من وراء سترته شيء فلا بأس للحديث فإذا أراد المرور دونها إنسان رده فإن لحَّ دفعه إلا أن يغلبه أو يحوجه إلى عمل كثير لما روى أبو سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا كان أحدكم يصلي إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان) متفق عليه فإن مر بين يديه لم يرده من حيث جاء لأنه مرور ثانٍ وإن صلى إلى غير سترة فمر من بين يديه شيء فحكمه حكم ما مر بينه وبين السترة للحديث ويتقيد ذلك بالقريب منه الذي لو مشى إليه فدفعه لم تفسد صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفع المار فتقيد به بدلالة الإجماع بما لا يفسد الصلاة فكذلك هذا. فصل القارئ: ويحرم المرور بين يدي المصلي لما روى أبو جهيم الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه) متفق عليه، ولا يقطعها شيء إلا الكلب الأسود البهيم الذي لا لون فيه سوى السواد لما روى أبو ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره مثل آخرة الرحل فإن لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود) قلت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال (الكلب الأسود شيطان) رواه مسلم. الشيخ: وهذا من عجائب الاستدلال يقول لا يقطعها إلا الكلب الأسود ثم يستدل بما يدل على أنه يقطعها الكلب الأسود والحمار والمرأة والله المستعان.

القارئ: وعن أحمد أن مرور المرأة والحمار يقطع الصلاة للحديث والمشهور الأول لأن عائشة رضي الله عنها قالت (عدلتمونا بالكلب والحمار لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة) متفق عليه وقال الفضل بن عباس (أتانا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية فصلى في صحراء وليس بين يديه سترة وحمارة لنا وكلبة يعبثان بين يديه فما بالا ذلك) رواه أبو داود فإن كان الكلب واقفاً بين يديه ففيه وجهان أحدهما حكمه حكم المار لأنه حصل بين يديه أشبه المار والثاني لا تفسد الصلاة لأن حكم الواقف يخالف حكم المار بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى البعير ويصلي وعائشة في قبلته ولا يرى ذلك كالمرور ومن غصب سترة فاستتر بها فهل تمنع ما مر وراءها فيه وجهان بناءً على الصلاة في الثوب المغصوب. الشيخ: والصواب أن السترة هذه تجزئ وتكفي ولو كانت مغصوبة حتى ولو كانت نجسة إذا لم يكن لها رائحة تشغله في صلاته فإنها تجزئ وقوله كالصلاة في الثوب المغصوب أيضاً قياس على ما فيه الخلاف وقد مر علينا في نظم الورقات أنه يشترط لصحة القياس الاتفاق على الأصل المقيس عليه فإذا لم يتفق المتناظران على الأصل لم يُلزم بالقياس. فصل القارئ: ولا حاجة في مكة إلى سترة ولا يضره ما مر بين يديه لأن المطلب قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيال الحجر والناس يمرون بين يديه رواه الخلال وكان ابن الزبير رضي الله عنه يصلي والطُّواف بينه وبين القبلة تمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى تمر ثم يضع جبهته في موضع قدمها.

باب قصر الصلاة

الشيخ: هذا أيضاً من الغرائب مر علينا قبل قليل أن الدليل أعم وهنا الدليل أخص لأن الدليل إنما ورد فيمن كان يصلي في المسجد الحرام ويمر الطائفون من عنده والمؤلف رحمه الله يقول لا حاجة في مكة إلى السترة ولا يضر ما مر بين يديه والصواب أنه يحتاج إلى السترة في مكة كما يحتاج إليها في غيرها وأن ما يقطع الصلاة في غير مكة يقطعها في مكة إلا من صلى حول المطاف ومر الطائفون من بين يديه فإنه هو الذي جنى على نفسه لأن الطائفين أحق بالمكان منه ومثل ذلك من صلى بمكان المارة عند الأبواب فإنه هو الذي اعتدى عليهم وصلى في أماكن مرورهم والله أعلم. باب قصر الصلاة القارئ: ولا يجوز قصر الصبح والمغرب بالإجماع لأن قصر الصبح يجحف بها لقلتها وقصر المغرب يخرجها عن كونها وترا. الشيخ: وأيضاً قصر الفجر لا يمكن لأنه كما قال يجحف بها ولأنه يجعلها وتراً وإذا جعلها وتراً لم تكن الصلوات المفروضة وترا أليس كذلك إذا كانت الفجر وتراً لم تكن الصلوات الخمس وتراً لأنها واحدة مع المغرب ثلاث تكون أربعة شفعاً وهذا على كل حال تعليل أو بيان للحكمة وإلا فالأصل هو النص والدليل. القارئ: ويجوز قصر الرباعية فيصليها ركعتين بشروط ستة.

الشيخ: قوله يجوز هذا التعبير في مقابلة المنع فلا ينافي أن يكون مستحباً لأن قصر الصلاة الرباعية في السفر سنة مؤكدة حتى قال بعض أهل العلم بوجوب ذلك ولولا شيء واحد عندي لقلت بالوجوب أي وجوب القصر الشيء الذي عندي هو أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أتم في منى وأنكر عليه الصحابة حتى أن ابن مسعود لما بلغه أنه أتم استرجع ورأى ذلك من المصائب وصلى خلفه إتماماً فقيل له في ذلك قال إن الخلاف شر ولو كان الصحابة يرون أن القصر واجب ما تابعوا عثمان على ذلك لأنه إذا رأوا أنه واجب صار الزيادة على القصر محرمة مبطلة للصلاة كما لو صلى الأربع ستاً مثلاً هذا هو الذي يجعلني أتوقف عن القول بالوجوب وإلا فالقول بوجوب القصر قول قوي جداً جداً لأن حديث عائشة صريح في ذلك فرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم أقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى وزيد في صلاة الحضر وعلى القول بالوجوب أكثر الأمة أو جمهور الأمة لأن هذا هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وفي العصور الوسطى كان أكثر الأمة على مذهب أبي حنيفة ولكننا يعكر علينا مسألة اتباع الصحابة رضي الله عنهم لعثمان مع أنه أتم إذاً قوله يجوز في مقابل المنع أي في مقابل قوله لا يجوز قصر الصبح والمغرب. السائل: ألا يدل إنكار الصحابة لعثمان على وجوب القصر لأن السنة لا ينكر عليها؟ الشيخ: لا، قد تنكر السنة، السنة قد تنكر لا سيما إن وقعت من خليفة وفي مجتمع عام. القارئ: أحدها: أن تكون في سفر طويل قدره أربعة برد وهي ستة عشر فرسخا ثمانية وأربعون ميلاً بالهاشمي وذلك نحو من يومين قاصدين. الشيخ: قَاصِدَيْن القصد ما بين الطرفين كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (والقصد القصد تبلغ) فمعنى قاصدين يعني ليس السير سريعاً ولا بطيئاً.

القارئ: لما روي عن ابن عباس أنه قال يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد ما بين عسفان إلى مكة وكان ابن عباس رضي الله عنهما وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الحل والشد فجاز القصر فيها كمسيرة ثلاثة أيام. وسواء كان في بر أو بحر لأن الاعتبار بالفراسخ وإن شك في قدر السفر لم يبح القصر لأن الأصل الإتمام فلا يزول بالشك والاعتبار بالنية دون حقيقة السفر فلو نوى سفراً طويلاً فقصر ثم بدى له فأقام أو رجع كانت صلاته صحيحة ولو خرج طالباً لآبق أو منتجعاً غيثا متى وجده رجع أو أقام لم يقصر ولو سافر شهراً. ولو خرج مكرهاً كالأسير يقصد به بلد بعينه فله القصر لأنه تابع لمن يقصد مسافة القصر فإذا وصل حصنهم أتم حينئذٍ نص عليه وإن كان للبلد طريقان طويلة وقصيرة فسلك البعيدة ليقصر فله ذلك لأنه سفر يقصر في مثله فجاز له القصر كما لو لم يكن له طريق سواه.

الشيخ: هذا الشرط الأول أن يبلغ المسافة التي عينها المؤلف رحمه الله وهي أربعة برد ستة عشر فرسخا ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية وقدرت بالكيلو بنحو واحد وثمانين أو ثلاث وثمانين كيلو هذه هي المسافة والمراد من كلام العلماء في هذا التحديد المراد التقريب لا التحديد لأن التحديد إلى هذا الحد نعلم علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرده إذ أنه يقتضي أن من كان في مكان هذا وهو دون ثمانية وأربعين ميلاً يقصر والذي في مكان القارئ لا يقصر لأنه تمت ثمان وأربعون ميلاً وهذا أمر لا يمكن ولهذا أنكر شيخ الإسلام هذا غاية الإنكار وقال لا يمكن هذا التحديد لم يكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام مساحين يمسحون الأرض حتى نقول أن مقدار شعيرة تميز بين من يصح له القصر ومن لا يصح هذا بعيد جداً واختار رحمه الله أن العبرة في ذلك بالعرف فما عده الناس سفراً فهو سفر وما لم يعدوه سفراً فليس بسفر وقال إن المسافة الطويلة في الزمن القصير سفر وإن الزمن الطويل في المسافة القصيرة سفر فالعبرة بمن يودع ويشيع ويستقبل حسب عادة الناس فيما سبق أما الآن فليس بوداع ولا تشيع فالعبرة بما عده الناس وقال إن هذا داخل تحت العموم أي عموم القاعدة المعروفة وهي: وكل ما أتى ولم يحدد ... بالشرع كالحرز فبالعرف احدد

وقال أقرؤوا الآيات (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ومعلوم أن الضرب يحصل بالسفر ولو قصر وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين والفقهاء يقولون لابد من ستة عشر فرسخاً فالصواب ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله لكن فيه آفة هذا القول الآفة هي أنه ليس بمنضبط ذاك الانضباط الذي يتمكن فيه الإنسان من الفصل في الحكم إذ قد يقال هذا سفر وهذا غير سفر فمثلاً بيننا وبين بريدة ثلاثين كيلو مثلاً لو أن الإنسان سافر ذهب لبريدة ليدرس ورجع في يومه لا شك إنه غير مسافر لكن لو ذهب إلى أقارب له هناك ليزورهم ويبقى عندهم يومين ثلاثة لعد ذلك سفراً فتأمل الآن لما طالت المدة صار سفراً مع قصر المسافة الآن الإنسان إذا سافر إلى الرياض ولو رجع في يومه يعتبره الناس مسافراً لأجل طول المسافة على كل حال انضباط هذا القول فيه صعوبة وإلا لا شك من الناحية النظرية أنه هو الذي تقتضيه الأدلة الشرعية. فإذا قال قائل إذا شككت هل هذا ينطبق عليه أنه سفر أو لا فالأصل عدم السفر الأصل وجوب الإتمام كما قال المؤلف في المسألة الآتية الأصل وجوب الإتمام ما دمت في شك فأتم إبراءً للذمة واحتياطاً ولهذا قال المؤلف إن شك في قدر السفر لم يبح القصر لأن الأصل الإتمام. ثم إن المؤلف رحمه الله قال العبرة بالنية لا بالفعل يعني مثلاً إذا أردت أن تسافر إلى مكة فإننا نقول لك أن تقصر من حين أن تخرج من بلدك أو حتى تصل ستة عشر فرسخاً الأول أو الثاني؟ الأول ما دمت نويت ما يبلغ المسافة فاقصر من حين أن تخرج من البلد خرج هذا الرجل من بلده وقصر ثم بدا له فعاد هل عليه أن يقضي الصلاة؟ لا لأنه أبرأ ذمته وأتى بما أمر ومن أبرأ ذمته وأتى بما أمر فإننا لا نلزمه بالإعادة.

ثم ذكر المؤلف أنه لابد من قصد معين فلو خرج إنسان يطلب آبقاً أو يطلب ضالة من إبله أو غنمه فإنه على رأي المؤلف لا يقصر لأنه متى وجد هذه الضالة أو هذا الآبق رجع وما يدرينا فلعله يرجع قبل أن يستكمل المسافة ولهذا قال بعض أهل العلم إنه يقصر إذا بلغ المسافة قصر وإن كان لا يدري متى ولا أين يجد هذا الضال لأن المسافة تحققت بالفعل والقول الثالث في المسألة أنه إذا نوى السفر وارتحل وعرف أن هذه الضالة ليست حول البلد بالقرائن فإن له أن يقصر وهذا القول هو الصحيح لأن المشقة يستوي فيها من قصد شيئاً معيناً ومن لم يقصد شيئاً معيناً ما دام الرجل خرج وشد رحله وأخذ عصاه وصار يضرب في الآفاق يميناً وشمالاً لماذا نقول إنه لا يجوز أن يقصر الصلاة. السائل: قلنا فيمن سافر ليفطر أنه لا يترخص برخص السفر وهنا قال إذا كان له طريقان فسلك أبعدهما فإن له أن يقصر؟ الشيخ: هو إذا سلك الأبعد بدون قصد لا شك أنه يقصر لأنه له غرض صحيح قد يكون الأبعد أسهل أو آمن أو ما أشبه ذلك لكن إذا قصد الأبعد ليقصر هذا محل الإشكال والذي يظهر أنه لا يقصر ولكن القول الراجح أن العبرة بما يسمى سفراً وعلى هذا لا فرق بين القصير والطويل. السائل: على قول من يقول باعتبار المسافة في القصر هل العبرة ببلوغ حد للبلدة أو منتهى البعد يعني يكون حد البلدة أقل مسافة القصر على قول المسافة ثم ينزل في وسط البلد مثلاً؟ الشيخ: العبرة بحدود البلد يعني مثل بعض البلاد الآن توسعت وكان بين مكة وجدة مسافة يومين على الإبل أما الآن مسافة يوم أو أقل على الإبل. السائل: قول شيخ الإسلام قصر المسافة وطول الإقامة أو العكس هل لها دليل أم مستنبطة؟ الشيخ: لا، على أنه سفر لأن الذي يذهب إلى بلد آخر يبقى يومين ثلاثة لابد يحمل معه متاع ولا تعتبر حال الناس اليوم، اليوم يوجد فنادق ويوجد مطاعم لكن فيما سبق لابد أن يحمل المتاع. فصل

القارئ: والثاني أن يكون السفر مباحا فإن سافر لمعصية كالآبق وقطع الطريق والتجارة في خمر لم يقصر ولم يترخص بشيء من رخص السفر لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها ولا يرد الشرع بذلك. الشيخ: هذا الشرط فيه خلاف أيضاً بين العلماء منهم من قال إنه يشترط أن يكون السفر مباحاً فإن عصى بسفره لم يقصر وإن عصى في سفره قصر عصى بسفره يعني أن السفر محرم كما مثل المؤلف رحمه الله آبق سفره محرم لأنه لا يجوز للعبد أن يأبق عن سيده كذلك أيضاً من سافر لأجل قطع الطريق هذا سفر محرم أو للتجارة في الخمر سفر محرم هذا لا يقصر وأما من عصى في سفره بأن يكون سفره مباحاً لكنه زنا وهو مسافر فإنه يقصر. يقول رحمه الله العلة إن هذا السفر محرم والقصر رخصة ولا ينبغي أن نرخص لشخص فعل محرماً لأن هذا إعانة على المحرم وقد اختلف العلماء في هذا الشرط فذهب كثير من العلماء إلى أن ذلك ليس بشرط لأن الحكم معلق بالسفر ثم من قال بوجوب القصر صار القصر عزيمة ولا شك وإذا لم نقل به فإنه هو الأصل ولهذا كان القول الصحيح أن المسافر إذا صلى ولم ينو القصر فإنه يصلي ركعتين وإن لم ينو القصر لأن الركعتين فرضه. والحكم معلق بالسفر (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يشترط أن يكون السفر مباحاً. السائل: إذا كان المسافر قبل أن يدخل المدينة أخر صلاة المغرب ليجمعها مع العشاء ودخل قبل أذان العشاء ولكن دخل في ضواحي المدينة كالمزارع حول المدينة هل يجب أن يصلي المغرب قبل أذان العشاء؟ الشيخ: لا يجب عليه حتى يصل إلى المدينة.

القارئ: والثالث شروعه في السفر بخروجه من بيوت قريته لأن الله تعالى قال (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ولا يكون ضارباً في الأرض حتى يخرج وله القصر بين حيطان البساتين لأنها ليست من حيطان البلد ولا تبنى للسكنى وإن خرب بعض البلد فصار فضاءً فهو كالصحراء وإن كانت حيطانه قائمة فقال القاضي لا يقصر حتى يفارقها لأنه يمكن السكنى فيها وقال القاضي الآمدي له القصر بينها لأنها غير معتمدة للسكنى فهي كالبساتين. الرابع أن ينوي القصر مع نية الإحرام وقال أبو بكر لا يحتاج إلى النية لأن من خُيِّر في العبادة قبل الدخول فيها خُيِّر بعد الدخول فيها كالصيام ولنا أن الأصل الإتمام فإطلاق النية ينصرف إليه كما لو نوى الصلاة مطلقا انصرف إلى الإنفراد الذي هو الأصل. الشيخ: والصواب أن هذا ليس بشرط يعني نية القصر ليست بشرط لأن الأصل في صلاة السفر هو القصر فلا يحتاج إلى نية وقول المؤلف رحمه الله الأصل الإتمام هذا ليس بصحيح فالحديث صحيح صريح بأن الأصل هو القصر أول ما فرضت الصلاة ركعتين فلما هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى وعلى هذا فلا حاجة إلى نية فلو كبر وقد عزبت نية القصر عن خاطره فإنه يصلي قصراً. السائل: بالنسبة للمطارات هل يجوز القصر فيها للمسافرين لأنها هل هي خارج البلد أم داخله؟ الشيخ: خارج البلد مثل مطار القصيم خارج البلد ومطار جدة خارج البلد ومطار الرياض خارج البلد المطار الجديد أما القديم صار الآن في وسط البلد. السائل: بعض المدن حولها بيوت متناثرة على بعد مسافة بالكيلومترات فهل تعد منها؟ الشيخ: لا تعد منها ما دام بينها مسافة ليست منها لابد تكون متصلة. السائل: يا شيخ أليس سبق معنا أنه ما لم يحدد شرعاً يحدد بالعرف والآن الناس لو سألتهم لقالوا هذه من عنيزة؟

الشيخ: نعم لكن ما يقال هذه من نفس المدينة لكن تابعة لها. السائل: إذا كانت المدينة ممتدة أكثر من مسافة القصر فهل يجوز لهم القصر؟ الشيخ: ما دام لم يخرج فإنه لا يقصر لو كانت عشر كيلو أو عشرين كيلو أو ثلاثين كيلو أو ألف كيلو. القارئ: فإن شك في نية القصر لزمه الإتمام لأنه الأصل فلو نوى الإتمام في ابتداء الصلاة أو في أثنائها أو ما يلزمه الإتمام كالإقامة أو قلب نيته إلى سفر قصير أو معصية لزمه إتمام الصلاة ولزم من خلفه متابعته لأن نية الأربع أو ما يوجبها قد وجد فلزمته الأربع كما لو نواه في الابتداء ومن قصر معتقداً تحريم القصر فصلاته فاسدة لأنه فعل ما يعتقد تحريمه. الشيخ: ولأنه متلاعب كيف يقصر وهو يعتقد أن القصر حرام وهذه لا تقع إلا مثلاً لو أن إنساناً أقام في بلد أكثر من أربعة أيام وكان يرى أن من نوى إقامة أربعة أيام فإنه يقصر ومن زاد فلا يقصر فنوى إقامة خمسة أيام ولكنه قصر وهو يعتقد أنه حرام فصلاته غير صحيحة لأنه متلاعب. السائل: إذا خرج من بلده إلى المطار وخرج من عامر بلده فإن له رخصاً كالقصر ولكن الحجز في المطار انتظار فلا يدري هل يطير أو لا هل يترخص؟ الشيخ: الأصل ما تيقن وهو أنه غير مسافر. السائل: لو نوى المسافر الإتمام ظناً منه أن الإمام مقيم فقصر الإمام فهل يتم هو أو يسلم مع الإمام؟ الشيخ: الظاهر في هذه الحال وجوب الإتمام عليه لكن في مثل هذا لا ينوي الإتمام ينوي أنها صلاة ظهر فقط ثم إن أتم إمامه أتم معه وإن لم يتم سلَّم معه. القارئ: الخامس أن لا تكون الصلاة وجبت في الحضر فلو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر لم يجز له قصرها لأنه تعين فعلها أربعاً فلم يجز النقصان فيها كما لو نوى أربع ركعات ولأن القضاء معتبر بالأداء والأداء أربع ومن سافر بعد دخول وقت الصلاة لم يقصرها لذلك وحكي عنه أن له قصرها لأنها صلاة مؤداة في السفر فأشبه ما لو دخل وقتها فيه.

الشيخ: قوله وحكي عنه أي عن الإمام أحمد وهذا هو الصحيح، الصحيح أنه إذا سافر بعد دخول الوقت فإنه يقصر كما أنه لو وصل البلد بعد دخول الوقت فإنه يتم فالعبرة بفعل الصلاة إن فعلتها في السفر فركعتان وإن فعلتها في الحضر فأربع أما لو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر فيصلي أربعاً ولو نسي صلاة سفر فقضاها في الحضر فإنه يصلي ركعتين اعتباراً بالمقضية لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها) يصلها يعني بعينها ووصفها (فليصلها إذا ذكرها) فعليه إن ذكر صلاة حضر في سفر صلى أربعا أو ذكر صلاة سفر في حضر فإنه يصلي ركعتين. السائل: الرسول صلى الله عليه وسلم سافر من المدينة ووصل أبيار علي وقصر فيها والآن العمران في المدينة متصل بأبيار علي فهل يجوز القصر عندها؟ الشيخ: لا ما أظنه اتصل على كل حال نفرض أنه اتصل إذا اتصل فإنها تكون من البلد ولا يجوز للإنسان أن يقصر فيها لأنها امتدت المدينة. القارئ: ولو أحرم بها في سفينة في الحضر فخرجت به في أثناء الصلاة أو أحرم بها في السفر فدخلت البلد في أثناء الصلاة لم يقصر لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر وجد أحد طرفيها في الحضر فغلب حكمه كالمسح. الشيخ: هذا صحيح. القارئ: وإن نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر أتمها لذلك. الشيخ: والصحيح أنه يصليها ركعتين لأنها وجبت كذلك ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فليصلها) قلنا وهذا يعود إلى عينها ووصفها. القارئ: وإن ذكرها في السفر أو في سفر آخر قصر لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر فكان له قصرها كما لو أداها ويتخرج أن يلزمه إتمامها إذا ذكرها في سفر آخر لأن الوجوب كان ثابتاً في ذمته في الحضر.

الشيخ: هذا تخريج ضعيف لأنه كان في الحضر ناسياً لها نعم لو ذكرها في الحضر ولكن تهاون ولم يصلها إلا في السفر لكان على القول بأنه يلزمه الإتمام إذا ذكرها في الحضر متخرجاً أما إذا كان قد بقي على نسيانه ففي هذا التخريج نظر ظاهر. القارئ: السادس أن لا يأتم بمقيم فإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام سواء ائتم به في الصلاة كلها أو جزء منها لأن ابن عباس سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الإنفراد وأربعاً إذا ائتم بمقيم فقال تلك السنة رواه الإمام أحمد وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولأنها صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة. الشيخ: قوله وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأنها صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين هذا من الغلط الواضح لأنها لم ترد من أربع إلى ركعتين وإنما زيدت الركعتان فصارت أربعاً وقوله فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة قياس غريب على كل حال الصواب في هذه المسألة أن الدليل الذي هو عمدة حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما هو أصح منه أيضاً وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فقوله (ما أدركتم فصلوا) يعم كل الأربع إذا أدركها (وما فاتكم فأتموا) يعم قضاء ما فاته من الأربع فالصواب أنه يجب عليه الإتمام سواء أدرك الصلاة من أولها أو من أثنائها حتى لو أدركه في الركعة الثالثة وصلى معه ركعتين فإنه لا يسلم معه بل يجب أن يأتي بالركعتين اللتين فاتته. السائل: لو دخل مع الإمام ولم يدرك من الصلاة إلا التسليم فقط ولم يقل شيئاً فهل يجب عليه الإتمام؟ الشيخ: يجب عليه الإتمام (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهو أدرك التشهد الحديث ليس فيه إن أدركتم ركعة فصلوا وما فاتكم فأتموا (ما أدركتم) عام. السائل: دخل عليه الوقت وهو في الحضر ثم سافر الآن يريد أن يصلي فماذا يصلي صلاة حضر أو سفر؟

الشيخ: الصحيح أنه يصلي صلاة سفر والمؤلف يقول صلاة حضر ولكنه ضعيف. القارئ: ولو أدرك المسافر من الجمعة أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعا لائتمامه بالمقيم. الشيخ: هذه غريبة وجه ذلك أنه إذا أدرك أقل من ركعة في الجمعة يلزمه أربعاً لو كان مقيماً لكن هنا مسافر وصلاة الظهر في حقه ركعتان وهو إذا قضى ركعتين فقد قضى ما فاته فيدخل في عموم قوله (وما فاتكم فأتموا) الصواب أنه لا يلزمه إلا ركعتان لأنه لم يخالف الإمام والفرق بينها وبين من ائتم بمقيم يصلي الظهر أن المقيم الذي يصلي الظهر كم صلى؟ أربعاً والذي يصلي الجمعة كم صلى؟ ركعتين فقول الرسول (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) يقال هذا أتم ما فاته ركعتان على هيئة الإمام لم يخالفه. السائل: قول الرسول (ما فاتكم فأتموا) هو أدرك جزءاً من ركعة وهو مقيم فيتم ما فاته وهو ركعتان؟ الشيخ: لكن صار الآن ما أدرك الجمعة وإذا لم يدرك الجمعة صار الواجب عليه أن يصليها ظهراً والفرق بين مسألتنا هذه وما تذكر أن هذه إنما وجبت عليه الظهر ركعتين لأنه مسافر. السائل: إذا صلى يوم الجمعة هل ينوي ظهراً أو جمعة؟ الشيخ: ينوي جمعة لأنه لو نوى ظهراً لفاته أجر الجمعة. القارئ: ومن ائتم بالمقيم ففسدت الصلاة لم يجز له قصرها بعد ذلك لأنها تعينت عليه تامة لائتمامه بمقيم. ومن أحرم مع من يظنه مقيما أو يشك فيه لزمه الإتمام وإن قصر إمامه اعتباراً بالنية وإن غلب على ظنه أنه مسافر لدليل فله أن ينوي القصر ويتبع إمامه فيقصر بقصره ويتم بإتمامه. الشيخ: ومما يغلب على الظن هذه المساجد التي تكون عند المحطات في الطرقات فإن الذي يغلب على الظن أن الذي يصلي فيها مسافر فينوي القصر ثم إن قدر أنه أتم يتابعه وكذلك فيما يظهر من كان في صالة الانتظار في المطارات فإن الذين يكونون في صالات المطارات الغالب أنهم مسافرون فإذا دخل مع الإمام نوى القصر ثم إن أتم أتم.

القارئ: وإن أحدث إمامه قبل علمه بحاله فله القصر لأن الظاهر أنه مسافر وإن أم المسافر مقيماً لزم المقيم الإتمام ويستحب للإمام أن يقول لهم أتموا فإنا قوم سفر لما روى عمران بن حصين أنه قال شهدت الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد (صلوا أربعا فإنا سفر) رواه أبو داود. الشيخ: وإنما استحب ذلك من أجل أن لا يغتر الجاهل فيسلم مع الإمام فإذا كان الإمام مسافراً فليقل أتموا فإنا قوم سفر لكن متى يقولوها يقولها قبل أن يدخل في الصلاة لأنه لو لم يقلها إلا بعد السلام لأوشك أن يسلم معه الناس فيقولها من قبل وإذا خشي أن أحداً دخل معه في الركعة الثانية فليقلها أيضاً بعد السلام ولا يضره. السائل: بعض البلدان عندهم جهل إذا قال لهم طالب العلم أنا مسافر فأتموا بعد السلام أخروه وقدموا غيره مقيماً؟ الشيخ: صحيح هذا وارد إذا قال يا جماعة أنا مسافر سأصلي ركعتين وإذا سلمت فأتموا قالوا ارجع نجعل واحداً ما يقصر لأنهم يظنون أنه إذا فعل هذا نقصهم نصف الصلاة سيتمونها فرادى لكن نقول (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فإذا كان هذا المسافر هو أقرأ القوم فليؤمهم ولا يتم الصلاة، المسافر لايتم. السائل: إذا صلى المسافر إمام وأتم وخلفه مسافر هل يتم معه؟ الشيخ: يتمون ويلزم المأموم متابعته كما لو كان مقيماً غير مسافر. القارئ: وإن أتم الإمام بهم صحت الصلاة وعنه تفسد صلاة المقيمين لأنهم ائتموا بمتنفل في الركعتين الأخيرتين والأول المذهب لأن الإتمام يلزمه بنيته. وإن نسي المسافر فقام إلى ثالثة فله أن يجلس ولا يلزمه الإتمام لأن الموجب للإتمام نيته أو ائتمامه بمقيم ولم يوجد فإن جلس سجد للسهو وله أن يتم.

فإن لم يعلم المأمومون هل سها أو نوى الإتمام لزمهم متابعته لأن حكم وجوب المتابعة ثابت فلا يزول بالشك فإذا اتبعوه فصلاتهم صحيحة لما ذكرنا فإن علموا أن قيامه لسهو فلهم مفارقته فإن تابعوه فقال القاضي تفسد صلاتهم لأنهم زادوا في الصلاة عمدا والصحيح أنها لا تفسد لأنها زيادة لا تفسد بها صلاة الإمام عمدا فلا تفسد بها صلاة المأموم كزيادات الأقوال فإذا صلى بهم الأربع سهوا سجد للسهو وليس بواجب عليه لأنها زيادة لا يبطل عمدها فلا يجب لها السجود كقراءة السورة في الثالثة. الشيخ: لأن القاعدة في سجود السهو أن ما أبطل الصلاة عمدُه وجب السجود لسهوه وما لا فلا. فصل القارئ: وللمسافر أن يقصر وله أن يتم لقول الله تعالى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فمفهومه أن القصر رخصة يجوز تركها وعن عائشة أنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت فقال (أحسنت) رواه أبو داود الطيالسي. الشيخ: هذا حديث باطل لا شك: أولاً أنه لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان قط لأنه لم يسافر إلى مكة في رمضان إلا في غزوة الفتح وبالاتفاق أنه لم يعتمر. الثاني كيف تفعل أم المؤمنين عائشة هذه المخالفة الرسول يقصر وهي تتم ويفطر وهي تصوم ثم تقولها للرسول صلى الله عليه وسلم ثم يقول (أحسنت) هذا واضح بطلانه ولهذا يعتبر هذا الحديث من الاحاديث الموضوعة. ] يوجد سقط بمقدار (6) أسطر قراءة مع الشرح من قوله (ولأنه تخفيف أبيح للسفر ... ) إلى قوله (وصاحبك يتم) [ فصل

القارئ: وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإن نوى دونها قصر وعنه إن نوى الإقامة أربعة أيام أتم لأن الثلاث حد القلة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا) رواه أبو داود فإذا أقام أربعاً فقد زاد على حد القلة فيتم والأول المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها وذلك أنه قدم لصبح رابعة فأقام إلى يوم التروية فصلى الصبح ثم خرج فمن أقام مثل إقامته قصر ومن زاد أتم ذكره الإمام أحمد قال أنس أقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة ومعناه ما ذكرناه لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وما بعده من العشرة وفي هذا الحديث دليل على أن من قصد بلداً ينوي الرجوع عنه قريباً فله القصر فيه لكون النبي صلى الله عليه وسلم قصر بمكة وهي مقصده. الشيخ: هذه المسألة إذا نوى المسافر الإقامة في بلد فهل ينقطع عنه حكم السفر ويلزمه حكم الإقامة؟ في هذا خلاف بين أهل العلم زاد على عشرين قولاً كما في المجموع شرح المهذب للنووي وإنما وصلت الأقوال إلى هذا لأنه ليس في المسألة نص قاطع يفصل في الخلاف فاختلف في هذا العلماء اختلافاً كثيراً: فمنهم من يقول إذا نوى أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم وإن نوى دونها قصر كما في كلام المؤلف في أول الفصل وبقي إذا نوى إحدى وعشرين هل يقصر أو لا لأنه قال إذا نوى أكثر من إحدى وعشرين يعني كم؟ اثنين وعشرين فما زاد وإن نوى دونها يعني عشرين وحينئذٍ تكون الإحدى وعشرون مسكوتاً عنها فهل يلزمه الإتمام أو لا؟ المذهب أنه يلزمه الإتمام.

القول الثاني إذا نوى الإقامة أربعة أيام أتم وإن نوى ثلاثاً لم يتم وعللوا ذلك بأن الثلاثة حد القلة بدليل أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً) رواه أبو داود وهذا قياس في مقابلة النص فيكون فاسد الاعتبار لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقام أربعة أيام قطعاً في حجة الوداع قبل أن يخرج إلى منى وعرفة ولأنه لا علاقة بين إقامة المهاجر ثلاثة أيام وإقامة المسافر لحاجته. القول الثالث أنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام فإنه يتم وإن أقام أربعة أيام فإنه لا يتم لكن لا يحسب يوم الدخول ويوم الخروج وعلى هذا تكون الأيام ستة وهذا مذهب الشافعي رحمه الله. والقول الرابع أنه إذا أقام أكثر من خمسة عشر يوماً أتم وإن نوى خمسة عشر فما دونها قصر وهذا مذهب أبي حنيفة.

والقول الخامس قول ابن عباس رضي الله عنه إن نوى إقامة تسعة عشر يوماً قصر وإن نوى أكثر أتم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة وذكروا أقاويل كثيرة لكن أرجحها ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أنه ما دام الإنسان لا ينوي الإقامة المطلقة في هذا البلد فهو مسافر فإذا أقام ينتظر حاجة متى انتهت عاد إلى بلده فهو مسافر وسيأتي في كلام المؤلف أن هذا هو الحكم بشرط أن لا يحدد الأيام وأنه إذا أقام لحاجة معينة فهو مسافر ولو أقام ألف سنة ما دام لم يحدد أيام والصواب أنه لا فرق بين تحديد الأيام وتحديد العمل فمن نوى إقامة محددة بعمل أو محددة بزمن فإنه مسافر ولا ينقطع سفره والناس يقولون إنه مسافر لو سئل شخص عن ابنه الذي يدرس في أمريكا أو فرنسا أو غيرها قال أين فلان قال مسافر إلى أمريكا إلى فرنسا إلى لندن للدراسة وهو داخل في عموم (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) وقوله تعالى (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) ومن المعلوم أن التجار يبقون لشراء سلعهم أو لبيع ما معهم يبقون أياماً أكثر من أربعة أيام بلا شك وينون ذلك ويتحرون المواسم ولنا في ذلك ورقات كتبناها جواباً لسؤال ورد علينا من أمريكا وهو أظن قبل حوالي عشر سنوات أو تسع سنوات وبسطنا فيه القول وبينا أن القول الراجح أن من تقيدت إقامته بزمن أو عمل فإنه يعتبر مسافراً. السائل: على الذي رجحناه هل له أن يترخص في الجمع وغيره من رخص السفر؟ الشيخ: نعم جميع رخص السفر تثبت له إلا مسألة الصيام ذكرنا أن الأولى أن لا يؤخر الصيام إلى رمضان الثاني لأسباب: أولاً أن تأكد الإفطار في السفر ليس كتأكد القصر. والثاني أنه ربما يحصل له عائق إذا تعددت الأشهر عليه فيعجز.

والثالث أنه إذا أخر الصيام حتى يصل إلى بلده فإنه سيبقى سنة أو سنتين أو ثلاثاً لم يصمه فرضاً وأما الصلاة فهو يصلي كل صلاة بوقتها إلا أنها مقصورة فنرى أنه لا يؤخر الصوم إلى ما بعد رمضان الثاني وحينئذٍ تكون فائدة ذلك أي فائدة القول بترخصه بالفطر أنه يفطر في أيام الصيف ويقضي في أيام الشتاء السائل: بالنسبة للسنة الراتبة؟ الشيخ: السنن الراتبة كما تعلم ليست مشروعة راتبة الظهر والمغرب والعشاء وأما بقية النوافل فهي مشروعة وكذلك أيضاً لو صلى بين يدي صلاة الظهر وخلفها بغير نية الراتبة فلا بأس لأن قول بعضهم من السنة للمسافر أن يدع السنة هذا قول باطل لا يصح على العموم بالاتفاق. القارئ: وفيه دليل على أن من قصد رستاقاً. الشيخ: الرستاق عندي يقول القرى المتعددة القريبة من بعضها. القارئ: وفيه دليل على أن من قصد رستاقاً يتنقل فيه لا ينوي إقامة في موضع واحد فله القصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر بمكة ومنى وعرفة عشرا. الشيخ: ودليل ذلك أن أنساً رضي الله عنه سئل كم أقمتم في مكة؟ قال أقمنا عشراً فعد منها أربعة أيام قبل الخروج إلى الحج وستة أيام في أيام الحج. القارئ: ومن كان بمكة مقيما فخرج إلى عرفة عازماً على أنه إذا رجع إلى مكة لا يقيم بها فله القصر من حين خروجه.

الشيخ: وهذا من غرائب الدنيا يقولون إن الحاج إذا خرج إلى منى في اليوم الثامن فهو خارج للسفر السفر إلى ماذا؟ إلى بلده لأنه ورد عليهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قصر في منى وقصر في مزدلفة وقصر في عرفة قالوا لأنه عزم على الرحيل من حين خرج في اليوم الثامن فجعلوا المقصود الذي لم يأتِ الرسول عليه الصلاة والسلام من المدينة إلا له جعلوا البدء بهذا المقصود بدء بالسفر والمغادرة وهذا لا شك أنه بعيد من الصواب وأن الحامل له هو الاعتقاد قبل الاستدلال وهذه آفة نعوذ بالله منها فيقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعزم السفر إلى المدينة من حين خرج اليوم الثامن بل عزم أن يخرج إلى منى ثم إلى عرفة ثم إلى مزدلفة ثم إلى منى هكذا عزم بلا شك وأنس بن مالك أعلم منهم بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم قال أقمنا بمكة عشرا فجعل خروجه إلى منى ومزدلفة وعرفة جعله من الإقامة بمكة ولو كان كما قالوا لكان أقام بمكة أربعة أيام. القارئ: ولو خرج المسافر فذكر حاجة في بلده قصر في رجوعه إليها فإذا وصل البلد فإن كان له به أهل أو مال أتم وإلا قصر فيه أيضا. الشيخ: قد يقال يمكن تصوير المسألة بأن يكون الرجل نوى الاستيطان في بلد وسافر منه وليس له فيه أهل ولا مال ثم عاد إليه لحاجته هكذا يمكن تصويره أما في الغالب فإنه لا يمكن أن يكون مستوطناً في بلد إلا وفيه أهل أو مال. القارئ: ومتى مر المسافر ببلد له به أهل أو ماشية أتم لأن ذلك يروى عن عثمان وابن عباس. الشيخ: يُجْمِع بمعنى يعزم لأن الإجماع في اللغة العزم والاتفاق والمراد به هنا العزم ومنه قوله تعالى (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ) أي اعزموه. فائدة: إعراب الآية يكون كالتالي: الواو حرف عطف وهو من باب عطف الجمل على الجمل فتكون شركاء منصوبة لفعل محذوف تقديره واْجمعوا شركاءكم.

القارئ: ومن لم يجمع على إقامة إحدى وعشرين صلاة قصر وإن أقام دهرا مثل من يقيم لحاجة يرجو إنجازها أو جهاد أو حبس سلطان أو عدو أو مرض سواء غلب على ظنه كثرة ذلك أو قلته. الشيخ: حتى لو غلب على ظنه أنه لا ينتهي إلا بشهر أو شهرين أو سنة أو سنتين فإنه يقصر لأنه لم يعزم على هذه الإقامة. القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يقصر الصلاة رواه البخاري. الشيخ: أي سفر هذا؟ عام الفتح. القارئ: وأقام بتبوك عشرين يوماً يقصر رواه الإمام أحمد وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه وبين الدخول. الشيخ: ابن عمر أقام ستة أشهر هل نوى أن يقيم ستة أشهر؟ لا، كم يقيم؟ على حسب ما ينتهي الثلج وهل الثلج يذوب في أربعة أيام؟ لا يذوب لا شك قد يذوب شهر يمكن إذا كان في آخر الشتاء وإن كان في أول الشتاء فإنه لا تزيده الأيام إلا برودة أو ثلجا ولهذا كان حديث ابن عمر مما استدل به شيخ الإسلام رحمه الله وابن القيم على أنه ما دام الإنسان لم يعزم إقامة تامة فإنه يقصر ولو نوى إقامة مقيدة بزمن أو عمل والغريب أن هؤلاء القوم يقولون إنه مسافر غير مسافر يقولون إن الجمعة لا تنعقد به يعني إذا قلنا بأنه لابد من أربعين رجلاً ووجدنا عشرة من الطلاب مقيمين في هذا البلد إلى أربع سنين مثلاً أو خمس يقولون لا يكمل بهم عدد الجمعة وإذا لم يوجد إلا طلاب في هذه المدينة فإنهم لا يقيمون الجمعة ولو أقاموها لم تصح لأنهم غير مقيمين لأنه لابد من الاستيطان وكذلك يقولون لا يصح أن يكون واحد منهم إماماً في الجمعة ولا خطيباً فيها وهذا تبعيض الأحكام بلا دليل. القارئ: وإن قال إن لقيت فلاناً أقمت وإلا لم أقم لم يبطل حكم سفره لأنه لم يعزم على الإقامة. فصل القارئ: والملاح الذي أهله معه في السفينة وحاجة بيته ولا بيت له غيرها وليس له نية المقام ببلد لا يقصر نص عليه.

الشيخ: لا يقصر هذا خبر المبتدأ الذي هو الملاح. القارئ: لأنه غير ظاعن عن بلده ومنزله فأشبه المقيم ببلد قال القاضي والمكاري والفيج. الشيخ: الفيج عندي هو المسرع في سيره الذي يحمل أخباراً من بلد إلى بلد أشبه رجل البريد. القارئ: قال القاضي والمكاري والفيج مثله في ذلك والأولى إباحة القصر لهما لدخولهما في النصوص المبيحة وامتناع قياسهما على الملاح لأنه لا يمكنهما استصحاب الأهل ومصالح المنزل في السفر وزيادة المشقة عليه في سفره لحمل أهله معه بخلاف الملاح. الشيخ: غير صحيح قول القاضي رحمه الله ضعيف وقول القاضي ينبني على أصحاب السيارات الكبيرة التي للأجرة الآن هم دائماً في السفر هل نقول إن هؤلاء لا يقصرون ولا يفطرون في رمضان الجواب لا، نقول يقصرون ويفطرون في رمضان وليسوا كالملاح الذي معه أهله في السفينة لأن الملاح الذي معه أهله في السفينة كأنه مقيم هذا بيته وهذا وطنه ولهذا لابد أن لا يكون له وطن أعني الملاح فإن كان له وطن يأوي إليه فإنه مسافر يعني لو فرضنا أن هذا الملاح يحمل معه أهله لانه يسافر إلى مسافات بعيدة إلى قارات أخرى لكن له وطن معروف يأوي إليه فإنه يكون مسافراً أما الملاح الذي ليس له أهل ولا وطن إلا هذا البحر ووطنه البحر وبيته السفينة هذا نقول إنه مقيم.

باب الجمع بين الصلاتين

باب الجمع بين الصلاتين الشيخ: أولاً يجب أن نعلم أن الجمع لا يجوز إلا لسبب لأن الله تعالى يقول (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأوقات وفصلها تفصيلاً تاماً فلا يجوز أن نخرج صلاة عن وقتها ولا أن نقدمها على وقتها إلا بدليل من الشرع وليس في الشرع ما يدل على جواز الجمع مطلقا بل لا يجوز الجمع إلا لسبب يقتضيه إما أن يكون في عدمه فوات مصلحة أو شيء من الحرج والمشقة فالجمع لأجل المطر لأنه يلزم من عدمه فوات مصلحة وهي الجماعة إذ يمكن كل واحد أن يصلي في بيته ويسلم من المشقة والجمع للمرض هذا من أجل الحرج والمشقة فله سببان إما فوات مصلحة مقصودة للشرع وإما حصول مشقة أما بدون ذلك فإنه لا يجوز الجمع فمن جمع تقديماً فصلاته باطلة ومن جمع تأخيراً فهو آثم وصلاته باطلة على القول الصحيح لأنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله.

القارئ: وأسباب الجمع ثلاثة أحدها السفر المبيح للقصر لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق متفق عليه وهذا لفظ مسلم وخص الخرقي الجمع بهذه الحالة إذا ارتحل قبل دخول وقت الأولى أخرها حتى يجمعها مع الثانية في وقت الثانية وروي نحوه عن أحمد والمذهب جواز الجمع لمن جاز له القصر في نزوله وسيره وله الخيرة بين تقديم الثانية فيصليها مع الأولى وبين تأخير الأولى إلى الثانية لما روى معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جمعيا وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار وإذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب قال الترمذي هذا حديث حسن وروى ابن عباس نحوه وروى أنس نحوه أخرجه البخاري ولأنها رخصة من رخص السفر فلم يعتبر فيها وجود السير كسائر الرخص.

الشيخ: هذه المسألة اختلف فيها العلماء هل يجوز الجمع للنازل أو هو خاص بالسائر فاختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعة من العلماء إلى أن الجمع للمسافر السائر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجمع إذا جد به السير ولأن السائر هو الذي يحتاج إلى الجمع وأما النازل فلا ولكن الصحيح أنه يجوز للنازل والسائر لكنه في حق السائر سنة وفي حق النازل رخصة فهذا هو الفرق بينهما السائر نقول اقتدِ بالرسول عليه الصلاة والسلام إن ارتحلت قبل أن تزيغ الشمس فأخر الظهر وإن ارتحلت بعد أن تزيغ الشمس فعجل العصر وكذلك يقال في المغرب إن ارتحلت قبل الغروب فأخر المغرب وإن ارتحلت بعد الغروب فعجل العشاء هذا هو الصحيح وأما النازل فله أن يجمع ولعل ظاهر حديث أبي جحيفة في نزول النبي صلى الله عليه وسلم في الأبطح بمكة يدل عليه حيث ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من قبة له من أدم وركزت له العنزة فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين فظاهر هذا أنه جمع مع أنه كان نازلاً وكذلك نزوله في تبوك فإنه ذكر أنه يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ولأن هذا أيسر على المسافر بلا شك فكونه يصلي جمعاً أيسر من كونه يصلي كل صلاة في وقتها ركعتين فإذا جاز للإنسان أن يقصر الصلاة فجواز الجمع من باب أولى فالتحقيق في هذه المسألة أن يقال من كان سائراً فالجمع في حقه سنة ومن كان نازلاً فالجمع في حقه رخصة. القارئ: فإن جمع بينهما في وقت الأولى اعتبر ثلاثة شروط أن ينوي الجمع عند الإحرام بالأولى لأنها نية يفتقر إليها فاعتبرت عند الإحرام كنية القصر وفيه وجه آخر أنه يجزئه أن ينوي قبل الفراغ من الأولى لأنه موضع الجمع بين الصلاتين فإذا لم تتأخر النية عنه جاز وقال أبو بكر لا يحتاج الجمع إلى نية كقوله في القصر وقد مضى الكلام معه.

الشيخ: والصواب قول أبي بكر أنه لا يحتاج الجمع إلى نية وكذلك القصر لا يحتاج إلى نية أما القصر فقد سبق الكلام فيه وبينا أنه هو الأصل في صلاة المسافر وما كان الأصل فإنه لا يحتاج إلى نية وأما الجمع فكذلك لأنه إذا وجد سببه صار الوقت أعني وقت الصلاتين وقتاً واحداً فلا حاجة إلى النية. السائل: ذكرنا أن القول الراجح في الجمع أنه لا يجوز إلا لسبب فكيف نرد على بعض الناس الذين يحتجون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير عذر ولا مطر في المدينة يقولون إن هذا دليل على أن الجمع جائز مطلقاً فكيف نرد عليهم؟ الشيخ: كيف نرد على من قال من صلى فالويل له لقول الله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) نقول كمل الآية نقول كمل حديث ابن عباس يقول ابن عباس أراد أن لا يحرج أمته وهذا واضح أن العلة هو الحرج فإذا انتفى الحرج فالواجب أن تصلى كل صلاة بوقتها ثم نقول تتبع المتشابهات منهج أهل الزيغ (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) فعندنا أدلة كالنهار وضوحاً في وجوب فعل كل صلاة في وقتها فكيف ندع هذه الأدلة الواضحة من أجل دليل مشتبه مع أنه لا دلالة فيه كما عرفت. القارئ: الشرط الثاني أن لا يفرق بينهما إلا تفريقاً يسيرا لأن معنى الجمع المتابعة والمقارنة ولا يحصل ذلك مع الفرق الطويل والمرجع في طول الفرق وقصره إلى العرف فإن احتاج إلى وضوء خفيف لم تبطل وإن صلى بينهما سنة الصلاة فعلى روايتين.

الشيخ: يعني هل يبطل أو لا والمذهب أنه يبطل إذا صلى راتبة بينهما واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن هذا ليس بشرط وقال إن معنى الجمع هو الضم وليس المراد ضم كل صلاة إلى أخرى وإنما المراد ضم وقت الثانية إلى وقت الأولى فله أن يجمع ولو طال الفصل بين الأولى والثانية لأن الجمع هو الضم وليس المتابعة نعم المقارنة قريبة من معنى الضم ولكنه يرى رحمه الله أن الضم ليس ضم إحدى الصلاتين للأخرى ولكنه ضم وقت إحدى الصلاتين إلى وقت الأخرى فيجوِّز التفريق. القارئ: الشرط الثالث وجود العذر حال افتتاح الأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية لأن افتتاح الأولى موضع النية وبافتتاح الثانية يحصل الجمع فاعتبر العذر فيهما فإن انقطع العذر في غير هذه المواضع لم يؤثر وإن جمع في وقت الثانية اعتبر أن ينوي التأخير للجمع في وقت الأولى إلى أن يبقى منه قدر فعلها واستمرار العذر إلى وقت الثانية ولا يعتبر وجوده في وقت الثانية لأنها صارت في غير وقتها وقد جوز له التأخير ولا تعتبر المواصلة بينهما في أصح الوجهين لأن الثانية مفعولة في وقتها فهي أداء على كل حال والأولى معها كصلاة فائتة.

الشيخ: يقول رحمه الله الشرط الثالث وجود العذر في ثلاث مواضع عند افتتاح الأولى وعند الفراغ منها وعند افتتاح الثانية فإذا جمع العشاء إلى المغرب فلابد أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح المغرب وعند السلام منها وعند افتتاح العشاء والتعليل كما ذكر المؤلف أما كونه يشترط عند افتتاح الأولى فلأنه لابد للجمع من النية وإذا لم يكن السبب موجوداً عند افتتاحها فكيف ينوي الجمع وأما افتتاح الثانية فلأنه هو الذي يحصل به الجمع فاعتبرت النية فيه فاعتبر وجود العذر فيه والصحيح أن ذلك ليس بشرط وأنه متى وجد العذر عند افتتاح الثانية جاز الجمع فلو صلى المغرب وليس عنده نية الجمع أو صلى المغرب وليس هناك مطر وبعد سلامه من المغرب أمطرت السماء فنوى الجمع فلا بأس بذلك وقد عمل بهذا شيخنا رحمه الله عبد الرحمن بن سعدي حيث صلى ذات يوم صلاة المغرب ولما خرج الناس رجعوا إليه وقالوا إنها تمطر مطراً شديداً فأمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى العشاء مع أنه لم ينو الجمع عند افتتاح الأولى ولم يوجد العذر أيضاً فالحاصل أن الصحيح أنه متى وجد العذر المبيح للجمع في وقت لا يحصل به التفريق فإنه يجوز أن يجمع بل قال بعض العلماء حتى لو لم يوجد العذر إلا بعد وقت طويل من سلامه من الأولى فله أن يجمع يعني أنه متى وجد العذر قبل خروج الوقت وقت الأولى جاز الجمع وهذا لا شك أنه من أوسع المذاهب ومن أيسرها على الناس لكن النفس لا تطيب بالقول به أي أنه إذا وجد العذر بعد مدة طويلة من الأولى فإنه يجوز لا أستطيع أن أجسر الآن على القول بهذا أما إذا وجد العذر بعد السلام الأولى بمدة قصيرة لا يحصل بها التفريق فلا شك في جواز الجمع.

إن جمع في وقت الثانية يقول لابد أن ينوي التأخير للجمع في وقت الأولى وظاهر كلامه ولو وجد السبب فلابد أن ينوي الجمع في وقت الأولى مثاله إنسان مسافر والسفر يبيح الجمع فهل يشترط أن ينوي الجمع في وقت الأولى؟ يرى المؤلف أنه لابد منه لأنه لو لم ينوه لكان قد أخر الأولى عن وقتها بدون نية الجمع وهذا حرام ولكن الصحيح أنه ما دام العذر موجوداً فإنه لا حاجة إلى أن ينوي جمع التأخير لأن وجود العذر مسوغ للجمع تقديماً أو تأخيراً فإذا كان مسافراً فوقت الأولى والثانية صار وقتاً واحداً فإن شاء صلاهما في وقت الأولى وإن شاء صلاهما في وقت الثانية. وأما قول المؤلف رحمه الله لأن الثانية مفعولة في وقتها فهي أداء على كل حال والأولى معها كصلاة الفائتة في هذا نظر ظاهر بل الأولى مصلاة في وقتها كالثانية ووجه ذلك أن الوقت صار واحداً للأولى والثانية فمن جمع في وقت الأولى صار كمن قدم الصلاة في أول وقتها ومن جمع في وقت الثانية صار كمن أخر الصلاة إلى آخر وقتها. فصل القارئ: والسبب الثاني المطر يبيح الجمع بين المغرب والعشاء لأن أبا سلمة قال من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء وكان ابن عمر يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء ولا يجمع بين الظهر والعصر للمطر قال أحمد ما سمعت بذلك وهذا اختيار أبي بكر وذكر بعض أصحابنا وجهاً في جوازه قياساً على صلاة الليل ولا يصح لأن المشقة في المطر إنما تعظم في الليل لظلمته فلا يقاس عليه غيره.

الشيخ: ولكن الصحيح أن نقول إن الجمع بين الظهر والعصر للمطر ثبت بالسنة لا قياساً على المغرب والعشاء ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر وهذا يدل على أنه كان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء للمطر وهذا هو الصحيح وقوله إنه لا مشقة إلا مع الظلمة يقتضي أنه في عصرنا الحالي الآن لا جمع ولا بين المغرب والعشاء لأن الإضاءة موجودة ويقتضي أيضاً أنه في أيام البيض لا يجمع بين المغرب والعشاء لوجود الإضاءة وإن كان ليس كإضاءة الشمس ولكن العلة هي المشقة فإذا وجدت المشقة بين الظهرين أو بين العشائين ثبت الحكم وهو الجمع. القارئ: والمطر المبيح للجمع هو الذي يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه والثلج مثله في هذا. الشيخ: وأما الذي لا يبل الثياب مثل النقط الصغيرة قليلة فهذا لا يجوز فيه الجمع والدليل على هذا أن ابن عباس لما حدث بالحديث الذي سمعتم قيل له ما أراد إلى ذلك؟ قال أراد أن لا يحرج أمته أي أن لا يلحقها الحرج وهذا يدل على أنه لابد من أذية بالمطر والمطر النقط اليسيرة لا تبل الثياب لا سيما في أيام الصيف أو مع الهواء فلا بد أن تبل الثياب وقوله تلحقه المشقة في الخروج فيه الظاهر أن هذا يترجح أنه ليس بشرط لأن بلل الثياب سوف يكون فيه مشقة وأذى ولا سيما في أيام الشتاء. القارئ: فأما الطل والمطر الذي لا يبل الثياب فلا يبيح الجمع لعدم المشقة فيه وهل يجوز الجمع لمن يصلي منفردا أو لمقيم في المسجد أو لمن طريقه إليه في ظلال؟ على وجهين أحدهما لا يجوز لعدم المشقة والثاني يجوز لأن العذر العام لا يعتبر فيه حقيقة المشقة كالسفر.

الشيخ: الصحيح أن من يصلي منفرداً كالذي يعذر بترك الجماعة ويصلي في بيته وكالنساء لا يجوز له الجمع والدليل أن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها فإذا لم يوجد سبب يبيح إخراجها عن وقتها فإنه لا يجوز العدول عن الأصل فمن صلى في بيته لعذر أو كان ليس من أهل حضور الجماعة فإنه لا يجمع وفي جواز الجمع مع الرخصة في أن يصلي الإنسان في بيته دليل على أهمية الجماعة وأنه يجوز الجمع لتحصيل الجماعة وقلت ذلك ليترتب عليه ما يلي لو كنا جمعاً وسنتفرق قبل دخول وقت الثانية فهل لنا أن نصلي جماعة جمعاً؟ الظاهر نعم لا فرق لأننا نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما جمع من أجل الجماعة، وأما مجرد المطر والوحل فقد كان يقول (صلوا في رحالكم) فإذا كان الناس لم يجتمعون وهم في بيوتهم قلنا لهم صلوا في رحالكم أما إذا اجتمعوا فنقول اجمعوا والذي أشرت إليه يقع كثيراً يكونوا جماعة الآن مجتمعين وسيصلون إلى منتهى سيرهم أو منتهى اجتماعهم ويتفرقون فيقولون هل نصلي الجماعة ونجمع أو نصلي الجماعة في الصلاة الحضارة والصلاة الباقية نصليها فرادى؟ نقول لكم أن تجمعوا لتحصيل الجماعة. السائل: كيف يعرف تأخير الجمع في يوم المطر؟ الشيخ: لا في يوم المطر الأرفق التقديم اللهم إلا أن يكون في وقت الأولى مطر شديد لا يستطيع الناس معه الخروج فيؤخرون لعلها تخف لكن هذا ينبغي أن لا يكون وارداً فالجمع للمطر الأرفق بالناس أن يكون تقديماً. السائل: إذا نزل مطر بعد صلاة الجمعة ولا يمكننا جمع العصر مع الجمعة فهل تسقط الجماعة في العصر؟ الشيخ: نقول من حضر صلينا بهم ومن كان عليه مشقة سقطت عنه الجماعة. السائل: إذا كان كل الجماعة طريقهم للمسجد ظلال فهل يجوز لهم الجمع؟ الشيخ: الظاهر أنه لا يجوز أن يجمعوا لأن المشقة غير موجودة الآن.

القارئ: والوحل بمجرده مبيح للجمع لأنه يساوي المطر في مشقته وإسقاطه للجمعة والجماعة فهو كالمطر وفيه وجه آخر أنه لا يبيح لاختلافهما في المشقة. الشيخ: والصحيح أنه يبيح الجمع الوحل يعني الزلق الصحيح أنه يبيح وقد يكون هذا أشد من المطر لأنه ربما يزلق الإنسان ثم يتأثر ينكسر أو ينجرح أو ما أشبه ذلك فالصواب أنه يجوز الجمع للوحل ولكن الآن في الوقت الحاضر عندنا في المدن لا في القرى هل يوجد الوحل؟ لا يوجد الآن الطرقات مزفلته لكن ربما يكون وحل غير الزلق وهو أن بعض الشوارع يكون غير متساوي فتجد مثلاً مناقع كثيرة تؤذي الناس فإذا كان يحصل أذية من هذه المناقع الكثيرة فإنه يجوز الجمع لأنه ليس فيه وحل لكن فيه مشقة بخوض هذه المياه وربما يكون الشارع ممراً للسيارات ثم ما ظنك إذا جاء صاحب السيارة قد أسرع إلى مائة وعشرين مثلاً أين يذهب هذا الماء؟ في الثياب. القارئ: وفي الريح الشديدة في الليلة المظلمة وجهان.

الشيخ: والأصح أنه إذا كان فيه مشقة فإنه يجمع وأنه إذا كانت الريح باردة برداً يؤذي الناس فإنه يجمع وإن لم تكن شديدة أحياناً في أيام الشتاء يكون فيه ريح ما هي شديدة عاصفة لكنها تؤذي الناس تصل إلى العظم فمثل هذا لا شك في جواز الجمع من أجله لأن العلة هي المشقة بترك الجمع فمتى وجدت المشقة بترك الجمع جاز الجمع الآن فهمنا أن السبب الثاني لا يجوز فيه الجمع إلا بين المغرب والعشاء فقط ولكن الصحيح أنه يجوز بين المغرب والعشاء وبين الظهر والعصر ولا فرق لأن المشقة موجودة في هذا وهذا ولكن ما رأيكم في عامل يشتغل وقال أنا أريد أن أجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء وأصليها إذا حضرت إلى النوم يجوز أو لا يجوز؟ هذا لا يجوز حتى فيما يظهر لي أنه لا يجوز أن يجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء اللهم إلا إذا لحقه بترك الجمع ضرر كما لو ألزم بعمل إن لم ينجزه في هذا الوقت فإنه يُبطَّل ويفصل ويكون في ذلك ضرر عليه في معاشه فهذا يجوز له الجمع. السائل: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين مع أنه لم يكن بينه وبين المسجد إلا الصوت ألا يدل على جواز الجمع؟ الشيخ: العبرة بالجماعة ليس بالإمام العبرة بالجماعة. السائل: في أيام الشتاء يغلب على الأيام أن تكون باردة؟ الشيخ: لا البرودة بدون ريح لا تجوز لأن البرودة بدون ريح زد ثوباً أو ثوبين وتسلم لكن مع الريح الريح وإن كان عليك ثياب تدخل مع الثياب. السائل: يقول بعض الناس للإمام إذا نزل مطر خفيف: أحيوا السنة واجمعوا؟

الشيخ: الذي يقول للناس إذا نزل المطر الخفيف أحيوا السنة واجمعوا نقول هذا أخطأ السنة وذلك أن ابن عباس لما سئل ما أراد إلى ذلك لم يقل أراد أن يخير الناس بل قال أراد أن لا يحرج أمته فعلم من هذا أن ابن عباس الذي روى هذا الحديث فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لدفع الحرج فإذا لم يكن حرج فالواجب الرجوع إلى النصوص المحكمة وهي وجوب فعل الصلاة في وقتها وهذه حقيقة من مساوئ طلب العلم الذي لا يتمعن فيه الإنسان ولا يتدبر تجده يأخذ بظاهر اللفظ مع أن في الحديث ما يدل على خلاف مأخذه فيكون كالذي قال (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) نقول اقرأ الحديث اقرأ آخره حتى يتبين لك. السائل: إذا كان في جماعة مسجد يعرفون أنهم كلهم يستطيعون الإتيان بالسيارات في وقت المطر فهل يجب عليهم الصلاة بدون جمع؟ الشيخ: الظاهر أنه يجوز لهم الجمع لأن الحضور على الراحلة ليس بواجب، والسيارات ليست كالظلال هذه سيخرجون من البيت وهي تمطر والمطر بينه وبين السيارة ثم إذا نزل إلا إذا كانت السيارة تريد أن تدخل إلى المسجد فهذا شيء ثاني. فصل

القارئ: والسبب الثالث المرض يبيح الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا لحقه بتركه مشقة وضعف لأن ابن عباس قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر متفق عليه وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر فلم يبق إلا المرض ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سهلة بنت سهيل وحمنة بنت جحش بالجمع بين الصلاتين لأجل الاستحاضة وهو نوع مرض ثم هو مخير بين التقديم والتأخير أي ذلك كان أسهل عليه فعله لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم إذا ارتحل بعد دخول الوقت ويؤخر إذا ارتحل قبله طلباً للأسهل فكذلك المريض وإن كان الجميع عنده واحدا فالأفضل التأخير فأما الجمع في المطر فلا تحصل فائدة الجمع فيه إلا بتقديم العشاء إلى المغرب فيكون ذلك الأولى والله سبحانه وتعالى أعلم. الشيخ: نعم إذا جاز الجمع فالأفضل أن يراعي السهولة ما كان أسهل وأيسر فهو أفضل إما التقديم وإما التأخير إلا أن بعضهم استثنى في مزدلفة التأخير مطلقاً وفي عرفة التقديم مطلقاً ولا وجه لهذا الاستثناء لأن عرفة الأسهل فيها التقديم لا شك إذ أن الناس بعد هذه الصلاة سوف ينصرفون إلى مواقفهم كل على موقفه وكذلك في مزدلفة الأفضل الأيسر التأخير لا شك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما وصل إليها بعد دخول العشاء ولهذا صلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره وحط رحله ثم صلى العشاء لأنه أيسر له وعلى هذا فلا استثناء في القاعدة أن الأفضل إذا جاز الجمع فعل ما هو الأيسر مطلقاً وإذا كان كذلك علم أن المسافر النازل الأفضل أن لا يجمع وإن جمع فلا بأس وأما المسافر السائر فالأفضل أن يجمع حسب ما تيسر له إما جمع تقديم أو جمع تاخير هذا هو القول الصحيح في مسألة الجمع في السفر. السائل: من به سلس البول هل يحق له الجمع؟

باب صلاة المريض

الشيخ: نعم من به سلس البول ويشق عليه الصلاة في كل وقت له أن يجمع كالمستحاضة تماماً ثم إن عندنا قاعدة متى لحق الإنسان مشقة في ترك الجمع جاز الجمع. السائل: قول المؤلف وإن كان الجمع عنده واحداً فالأفضل التأخير كيف يكون هذا؟ الشيخ: إذا قال أنا والله سواءً جمعت جمع تقديم أو جمع تأخير كله واحد مثلاً إن جمعت جمع تقديم وركبت ومشيت سهل وإن ركبت قبل أن أصلي المغرب والعشاء ثم عند أي محطة نزلت وصليت كله واحد عندي. باب صلاة المريض القارئ: إذا عجز عن الصلاة قائماً صلى قاعداً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (صلِّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب) رواه البخاري وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه قاعداً وهو شاكٍ وصفة جلوسه على ما ذكرنا في صلاة التطوع. الشيخ: كيف يجلس نقول يجلس متربعاً في حال القيام والركوع وفي حال الجلوس وفي حال السجود سيكون مفترشاً. القارئ: فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ويقرب وجهه من الأرض في السجود قدر طاقته. فإن سجد على وسادة بين يديه جاز لأن أم سلمة سجدت على وسادة لرمد بها ولا يجعلها أرفع من مكان يمكنه حط وجهه إليه. وإن أمكنته الصلاة قائماً وحده ولم تمكنه مع الإمام إلا بالقعود في بعضها فهو مخير فيها لأنه يفعل في كل واحد منهما واجباً ويترك واجبا وإن أمكنه القيام وعجز عن الركوع والسجود صلى قائما فأومأ بالركوع ثم جلس فأومأ بالسجود لأن سقوط فرض لا يسقط فرضا غيره. الشيخ: كل هذه واضحة إلا قوله إن أمكنه الصلاة قائماً وحده ولم تمكنه مع الإمام إلا بالقعود في بعضها فيقول إنه يخير وهذا أحد أقوال ثلاثة. القول الثاني يجب عليه أن يصلي في البيت قائماً لأن القيام ركن والصلاة مع الجماعة ليست بركن وإذا تعارض الركن وغيره قدم الركن فيجب عليه أن يصلي في بيته قائما.

القول الثالث تجب عليه الجماعة لأنه مأمور بالسعي إليها فإذا وصل مكان الجماعة فإن قدر على القيام قام وإن عجز صلى قاعداً وهذا القول أقرب الأقوال الثلاثة أنه يجب عليه الحضور ثم إذا حضر فإن قدر على القيام قام وإلا فلا لأن مخاطبته بالحضور إلى الجماعة سابقة على مخاطبته بالصلاة قائماً فيحضر ثم إن قدر صلى قائماً وإلا صلى قاعداً فهذه فالأقوال الآن ثلاثة. السائل: إن قدر على القيام بالعصا فهل يصلي قاعداً أم قائماً بالعصا؟ الشيخ: يقول المؤلف إذا قدر على القيام سواء على العصا أو على الجدار أو متمسكاً بواحد من الناس فمتى قدر على القيام أو على أي حال وجب عليه حتى قالوا لو قدر على القيام ولو كراكع يعني منحنياً فيجب أن يقوم. السائل: قول المؤلف (فإن سجد على وسادة جاز) يخالف حديث جابر أن الرسول رأى رجلاً يصلى على وسادة رمى بها. الشيخ: حديث جابر ضعيف وأثر أم سلمة أيضاً ليس بذاك القوي ولهذا نقول ترك الوسادة أفضل لأن ذلك من باب التنطع فنقول صلِّ ساجداً إن قدرت وإلا فبالإيماء ولا حاجة للوسادة والمؤلف اشترط في الوسادة أن تكون على أدنى ما ينزل إليه رأسه. القارئ: وإن تقوس ظهره فصار كالراكع رفع حال القيام قدر طاقته ثم انحنى في الركوع قليلاً آخر وإن كان بعينه رمد فقال ثقات من العلماء بالطب إن صليت مستلقياً أمكن مداواتك جاز ذلك لأن أم سلمة تركت السجود لرمد بها ولأنه يخاف منه الضرر أشبه المرض. الشيخ: الرمد نوع من مرض العين. فصل

القارئ: وإن عجز عن القعود صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه لحديث عمران وإن صلى على جنبه الأيسر جاز للخبر ولأنه يستقبل القبلة به وإن صلى مستلقياً على ظهره بحيث إذا قعد كان وجهه إليها جاز لأنه نوع استقبال ويحتمل أن لا يجوز لمخالفته الأمر وتركه الاستقبال بوجهه وجملته فإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى على ظهره ويومئ بالركوع والسجود برأسه فإن عجز فبطرفه ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتا. الشيخ: يقول رحمه الله الصلاة مضجعاً لها ثلاث حالات: الأولى أن يكون على جنبه الأيمن وهذا الأفضل. ثم على الجنب الأيسر وهذا جائز لكنه مفضول.

ثم مستلقياً بحيث يكون وجهه إذا قام إلى القبلة فهذا أيضاً جائز على المذهب والصواب أنه لا يجوز إلا إذا عجز عن الجنب لأن هذا الذي صلى مستلقياً جملته ليست إلى القبلة بخلاف من صلى على جنب فإن وجهه وجملة بدنه إلى القبلة فالصواب أنه لا يجوز أن يصلي مستلقياً ورجله إلى القبلة إلا إذا عجز عن الصلاة على جنبه، فإن عجز فبطرفه بطرفه أي بعينه والصلاة بالعين حديثها ضعيف ولهذا أسقطها كثير من أهل العلم وأما ما اشتهر عند العامة أنه يومئ بأصبعه فهذا لا أصل له لا في السنة ولا في كلام أهل العلم لكن لعل بعض العامة استحسنها لأنه يوقف أصبعه هكذا ثم إذا ركع يحنيه قليلاً ثم إذا سجد يقول هكذا قال هذا الأصبع صار كالرجل الأصبع يركع ويسجد فلتكن الصلاة في الأصبع لكن هذا لا أصل له أبداً وما علمت أحداً من العلماء قال به لكن يومئ بالطرف كيف يومئ بالطرف في حال الركوع يغمض قليلاً في حال السجود يغمض أكثر لكن شيخ الإسلام رحمه الله ينكر هذا ويقول إن ذلك لم يثبت لأن الحديث في هذا ضعيف لكن بقي أن يقال هل إذا عجز عن المراتب الثلاثة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقلنا إنه لا يصلي بعينه فهل تسقط الصلاة أو لا؟ الصحيح أنها لا تسقط لعموم قول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ومن المعلوم أن الصلاة عمل قلبي وعمل بدني فإذا تعذر العمل البدني بقي العمل القلبي وعليه فيكبر ويقرأ وإذا أراد الركوع نوى بقلبه أنه راكع وسبح تسبيح الركوع ثم نوى بقلبه أنه رفع من الركوع وهكذا بقية الصلاة وهذا القول أصح وإن كان من العلماء من يقول كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه إذا انتهت المراتب الثلاث فلا صلاة فيقال ما الدليل أليس الله يقول (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أوليس الصلاة عمل قلبي وبدني فإذا تعذر البدن وجب القلب. السائل: قوله وقال ثقات من العلماء هل يدل على عدم قبول خبر الواحد؟

الشيخ: ظاهر كلامه أنه لا يقبل لابد من ثقات والصحيح أنه يقبل قول الطبيب الواحد. فصل القارئ: وإن قدر على القيام أو القعود في أثناء الصلاة انتقل إليه وأتم صلاته. الشيخ: إن قدر على القيام من قعود وعلى القعود من اضطجاع يعني إذا قدر على الحالة الأكمل ينتقل إليها. القارئ: وإن ابتدأها قائماً أو قاعداً فعجز عن ذلك في أثنائها أتم صلاته على ما أمكنه لأنه يجوز أن يؤدي جميعها قائماً حال القدرة وقاعداً حال العجز فجاز أن يفعل بعضها قائماً مع القدرة وبعضها قاعداً مع العجز. الشيخ: إذا كان جالساً وقدر على القيام يقوم في أثناء الصلاة لعموم قوله (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) لو قرأ الفاتحة في حال نهوضه هل تصح قراءة الفاتحة يقولون لا تصح لأنه لما قدر على القيام صار الفرض أن يقرأ الفاتحة حال قيامه والصحيح أنه يصح لأن هذا النهوض انتقال من أدنى إلى أعلى حسب قدرته ولا يمكن أن نقول له إذا قدرت على القيام وأنت قاعد فاسكت حتى تتم قائماً لأن مثل هذا سيكون انتقاله إلى القيام ليس سريعاً سيكون بطيئاً في هذه الأثناء ربما يقرأ آيتين أو ثلاثة من الفاتحة فإذا قلنا أنه لا يصح معناه قلنا لابد أن تعيد هذه الركعة والصواب أنه إذا قرأ في أثناء نهوضه بعد القدرة على القيام فإن قراءته في حال النهوض صحيحة.

القارئ: ومن كان في ماء أو طين لا يمكنه السجود إلا بالتلوث والبلل فله الصلاة بالإيماء والصلاة على دابته لأن أنس بن مالك صلى المكتوبة في يوم مطير على دابته وروى يعلى بن أمية عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على ظهور دوابهم يومئون يجعلون السجود أخفض من الركوع رواه الأثرم والترمذي فإن كان البلل يسيرا لا أذى فيه لزمه السجود لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاته وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين متفق عليه، وهل تجوز الصلاة على الدابة لأجل المرض فيه روايتان إحداهما تجوز اختارها أبو بكر لأن مشقة النزول في المرض أكثر من المشقة بالمطر والثانية لا تجوز لأن ابن عمر كان ينزل مرضاه ولأن الصلاة على الأرض أسكن له وأمكن بخلاف صاحب الطين. فإن خاف المريض بالنزول ضرراً غير محتمل كالانقطاع عن الرفقة ونحوه فله الصلاة عليها رواية واحدة لأنه خائف على نفسه فأشبه الخائف من عدوه والله أعلم. الشيخ: كل هذه التفريعات يمكن أن تؤخذ من قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم). السائل: لو أن إنساناً صلى قاعداً يستطيع القيام لاعتقاده أنه يسقط عنه القيام جهل أن القيام يجب عليه في هذه الحال فهل يعيد صلاته؟ الشيخ: هذا ينبني على العذر بالجهل نقول إذا كان ذلك في الوقت فليعدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسيء في صلاته أن يعيد صلاته الحاضرة وأما إذا كان قد مضى الوقت فإنه لا يعيد. السائل: في الحديث (وكان يصلي على راحلته إلا المكتوبة) فهل يجوز الآن صلاة الفرض على وسائل النقل إذا استطاع أن يقيم الصلاة؟

الشيخ: إن الصلاة على الدواب الآن غير يعني مثل السيارات الآن يمكن الإنسان يصلي ويأتي بجميع الأركان والشروط فإذا كان يمكن أن يصلي على السيارة ويستقبل القبلة ويقوم في محل القيام ويركع ويسجد فلا بأس كالصلاة في السفينة ولا فرق لأن العلة من الصلاة على الراحلة فيما سبق أن الإنسان لا يتمكن من الوقوف ولا من الركوع ولا من السجود فكان الصلاة عليها صلاة ضرورة وإذا كان لا يستطيع الصلاة على السيارة نقول انتظر حتى تقف ويجب أن يقف حتى يصلي إذا خاف فوت الوقت.

باب صلاة الخوف

باب صلاة الخوف القارئ: تجوز صلاة الخوف في كل قتال مباح كقتال الكفار والبغاة والمحاربين ولا تجوز في محرم لأنها رخصة فلا تستباح بالمحرم كالقصر. الشيخ: قوله رحمه الله باب صلاة الخوف من باب إضافة الشيء إلى سببه يعني باب الصلاة التي سببها الخوف، الخوف من العدو ثم ذكر أنه لابد أن يكون القتال مباحاً كقتال الكفار ومراده المحاربون فأما الذين بيننا وبينهم عهد أو ذمة فقتالهم حرام إلا إذا نقضوا العهد فإنه يجوز قتالهم وإن خيف نقض العهد فإننا ننبذ إليهم العهد على سواء وقد مر علينا أن المعاهدين ينقسمون إلى ثلاثة أقسام مستقيمون وخائنون ومن خيف خيانتهم فالمستقيم نستقيم له (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) والخائن قد انتقض عهده والذين تخاف خيانته ننبذ إليه على سواء، البغاة جمع باغي وهم الذين يخرجون على الإمام بتأويل سائغ يعني يخرجون على ولي الأمر فيقاتلونه ولهم شبهة وهذا معنى قول الفقهاء بتأويل سائغ فهؤلاء يباح قتالهم حتى يرجعوا إلى الصواب ومن ذلك قوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) وهؤلاء طائفتان خرج بعضهما على بعض وصار يقاتل بعضهم بعضاً فمن بغى من الطائفتين وجب علينا قتاله وكذلك من بغى على الإمام وجب علينا قتاله الثالث المحاربون وهم الذين يقطعون الطرق ولا نتمكن منهم إلا بقتال هؤلاء لم يخرجوا على الإمام لكنهم خرجوا على الناس وصاروا يقطعون الطريق ولم نتمكن من القضاء عليهم إلا بالقتال فالمهم أنه لابد أن يكون القتال مباحاً وعلل المؤلف ذلك بقوله لأنه رخصة والرخصة لا تستباح بالمعصية. السائل: من خاف على المال في بيته من السرقة كيف يصلي؟ الشيخ: يصلي على حسب حاله. السائل: البغاة لهم تأويل سائغ، وإذا ليس لهم تأويل سائغ؟

الشيخ: يقول العلماء إذا اختل شرط من الشروط فهم خوارج يعاملون معاملة الخوارج. القارئ: والخوف على ضربين شديد وغيره فغير الشديد يجوز أن يصلي بهم على الصفة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحمد رضي الله عنه الأحاديث التي جاءت في صلاة الخوف كلها أحاديث جياد صحاح وهي تختلف فأقول إن ذلك كله جائز لمن فعله إلا أن حديث سهل بن أبي خيثمة أنكى في العدو فأنا أختاره وقال ستة أو سبعة تروى فيها كلها جائز فنذكر الوجوه التي بلغنا. الشيخ: في هذا خطأ نحوي ما هو؟ بلغنا الصواب بلغتنا والتأنيث هنا واجب لأنه ضمير وقد قال ابن مالك: وإنما تلزمُ فِعلَ مُضْمَرِ ... مُتَّصِلٍ أو مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ تبين لنا أن صلاة الخوف وردت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على وجوه متنوعة فهل هذه الوجوه تتبع المصلحة أو هي على التخيير مطلقا؟ الجواب تتبع المصلحة لأن بعضها قد لا يكون من المصلحة بل قد يكون متعذراً أن تقام صلاة الخوف على هذا الوجه إلا على وجه الإلقاء بالنفس إلى التهلكة واختياره حديث سهل بن أبي حثمة أولاً أنه أنكى بالعدو كما قال والثاني أنه موافق لظاهر القرآن فإنك إذا قرأت حديث سهل رضي الله عنه وقرأت الآية وجدت أنه أقرب الصفات إلى ما ذكره الله في كتابه. القارئ: فالوجه الأول منها: ما روى صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صلت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم متفق عليه فهذا حديث سهل الذي اختاره أحمد.

الشيخ: هذا إذا تأملته وجدته مطابقاً للآية قال (فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا) يعني أتموا صلاتهم (فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) وهذا من حسن الترتيب ومن كمال العدل لأن الطائفة الأولى أدركت مع النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة والثانية أدركت فضيلة أخرى الأولى أدركت فضيلة تكبيرة الإحرام والثانية أدركت فضيلة التشهد والتسليم ولهذا جعل الله تعالى الثانية هي التي صلت مع الرسول (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) الأولى يعتبر فاتها شيء من الصلاة وهي الركعة والطائفة الثانية لم يفتها شيء في الواقع لأن النبي صلى الله عليه وسلم انتظر الطائفة الثانية حتى قضت الركعة وسلم بهم وفي هذا دليل على سهولة الشريعة الإسلامية لأن صلاة الخوف هذه خالفت غيرها من الصلوات من وجوه: الوجه الأول أن الطائفة الأولى انفردت عن الإمام وسلمت قبله. والثاني أن الطائفة الثانية قضت ما فاتها قبل أن يسلم. ومنها أيضاً أن الإمام في الركعة الثانية يلزمه أن يطيلها أكثر من الركعة الأولى لأنه سينتظر قضاء الطائفة الأولى للركعة ثم ذهابهم ثم مجيء الطائفة الثانية ثم دخولها في الصلاة وقراءتها الفاتحة فهو سوف يطول الركعة الثانية أكثر من الأولى مع أن القاعدة في الصلوات أن الركعة الثانية أقصر من الأولى. السائل: المؤلف رحمه الله ذكر الإمام أحمد وقال رضي الله عنه فهل الترضي خاص بالصحابة أم عام؟ الشيخ: لا، عام بنص القرآن لكن تخصيص رجل معين جرت عادة العلماء أنهم لا يخصون إلا الصحابي فقط ولكن ليس حراماً أن تقول رضي الله عن فلان.

القارئ: ويشترط أن يكون في المسلمين كثرة يمكن تفريقهم طائفتين كل طائفة ثلاثة فأكثر ويقرأ الإمام في حال الانتظار ويطيل حتى يدركوه لأن الصلاة ليست محلاً للسكوت وتكون الطائفة الأولى في حكم الائتمام قبل مفارقته إن سها لحقهم حكم سهوه وسجدوا له وإن سهوا لم يلحقهم حكم السهو لأنهم مأمومون فإذا فارقوه صاروا منفردين لا يلحقهم سهوه وإن سهوا سجدوا لأنهم منفردون وأما الطائفة الثانية فيلحقها سهو إمامها في جميع الصلاة ما أدركوه معه وما لم يدركوه كالمسبوق ولا يلحقهم حكم سهوهم في شيء من صلاتهم لأنهم إن فارقوه فعلاً فهم موئتمون به حكماً لأنهم يسلمون بسلامه فإذا قضوا ما عليهم فسجد إمامهم سجدوا معه فإن سجد قبل إتمامه سجدوا معه لأنه إمامهم فلزمهم متابعته ولا يعيدون السجود بعد فراغهم من التشهد لأنهم لم ينفردوا عن الإمام فلا يلزمهم من السجود أكثر مما يلزمه بخلاف المسبوق. الشيخ: هذا في سجود السهو هل يلحق الطائفة الأولى أو لا؟ فنقول الراجح أنه إن سها فيما أدركوه لحقهم وإن سها بعد أن فارقوه لم يلحقهم أما الطائفة الثانية فتلزمهم متابعته في كل حال سواء أدركوا سهوه أم لم يدركوه. فصل القارئ: الوجه الثاني أن يقسمهم طائفتين يصلي بكل طائفة صلاة كاملة كما روى أبو بكرة قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو فصلى ركعتين ثم سلم فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً ولأصحابه ركعتين ركعتين رواه أبو داود. الشيخ: صلى أربعاً لكن غير متواصلة يعني صلى بطائفة ركعتين وبطائفة ركعتين فيكون صلاته بالطائفة الثانية صلاة متنفل وخلفه مفترض. فصل

القارئ: الوجه الثالث أن يصلي بهم كالتي قبلها إلا أنه لا يسلم إلا في آخر الأربع كما روى جابر قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا في ذات الرقاع فنودي بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله صلى كانت لرسول الله أربع ركعات وللقوم ركعتان رواه البخاري. الشيخ: ما الفرق بين هذا الوجه والذي قبله؟ أن الأول فيه تسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا لا، إذاً قوله (ما فاتكم فأتموا) يستثنى منه هذه الصفة من صلاة الخوف فإن القوم المتأخرين قد فاتهم ركعتان ومع ذلك لا يؤمرون بقضائهما. وذات الرقاع هذه غزوة قبل نجد كانت أرجلهم يأكلها الحفا فصاروا يجعلون عليها رقاعاً وقاية. فصل القارئ: الوجه الرابع ما روى عبد الله بن عمر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة متفق عليه فهذا الوجه جوز أحمد رضي الله عنه الصلاة به واختار حديث سهل لأنه أشبه بظاهر الكتاب وأحوط للصلاة وأنكى في العدو أما الكتاب فقوله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) وقوله (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) ظاهره أن جميع صلاتها معه وأن الطائفة الأولى قد صلت جميع صلاتها ولا يتحقق هذا في هذا الوجه وأما الاحتياط للحرب فإن كل طائفة تنصرف بعد الفراغ من صلاتها وتتمكن من الضرب والكلام والتحريض وغير ذلك وفي هذا الوجه تنصرف كل طائفة وهي في حكم الصلاة لا تتمكن من ذلك ولا يخلو من أن تمشي أو تركب وذلك عمل كثير يفسدها. الشيخ: يفسدها يعني في غير هذه الحال يعني لو احتاجوا إلى مشي طويل أو ركوب فإن صلاتهم لا تبطل لوجود الضرورة إلى ذلك. فصل

القارئ: الوجه الخامس إذا كان العدو في جهة القبلة بحيث لا يخفى بعضهم على المسلمين ولم يخافوا كمينا صلى بهم كما روى جابر قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا خلفه صفين والعدو بيننا وبين القبلة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي كان يليه مؤخراً في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحور العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجد ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا أخرجه مسلم. الشيخ: هذه الصورة معروفة الآن العدو قِبَل القبلة صفهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صفين فكبر بهم جميعاً وركع بهم جميعاً وسجد ومعه الصف الأول ثم قام فسجد الصف المؤخر وعلى هذا فيكون قيامهم بين الركوع والسجود أعني الصف المؤخر يكون طويلاً أو قصيرا؟ طويلاً لأنهم لم يسجدوا إلا بعد أن سجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورفع فلما قاموا تأخر الصف المقدم وصار في مكان الصف المؤخر وتقدم الصف المؤخر وصار في مكان الصف المقدم أولاً وفعلوا في الركعة الثانية كما فعلوا في الركعة الأولى وفي هذا دليل على جواز العمل وإن كثر في صلاة الخوف للضرورة إليه وفيه كمال العدل بين المصلين لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصف المقدم مؤخراً والمؤخر مقدماً لئلا يقول الصف المؤخر إن هؤلاء فضلونا في الصف المقدم في الركعتين جميعاً.

السائل: في الوجه الثالث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات بدون سلام هل يحمل على أنه سلم بعد ركعتين حمل المطلق على المقيد؟ الشيخ: لا، لأنه صريح كانت أربع ركعات ولقومه ركعتان. السائل: هل يفعل الوجه الخامس لو لم يكن العدو تجاه القبلة؟ الشيخ: لا ما يصح وليس هناك فائدة منها إلا إذا كان العدو تجاه القبلة. القارئ: فهذه الأوجه الخمسة جائزة لمن فعلها ولا نعرف وجهاً سادساً غير ما روى ابن عباس قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف والمشركون بينه وبين القبلة فصف صفاً خلفه وصفاً موازي العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ورجع هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم سلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولهم ركعة ركعة رواه الأثرم وكلام أحمد يقتضي كون هذا من الوجوه الجائزة إلا أن أصحابه قالوا لا تأثير للخوف في عدد الركعات فيدل على أن هذا ليس بمذهب له. الشيخ: والصواب ما دلَّ عليه عموم كلام الإمام أحمد أن كل وجه صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة صلاة الخوف فإن الصلاة به جائزة ولكن لاحظوا أننا ذكرنا فيما سبق أولاً أنه ليست المسألة على سبيل التخيير ولكنها على سبيل المصلحة فقد يجوز هذا الوجه في حال ولا يجوز في حال أخرى فحديث جابر الذي مرنا قريباً لا يجوز إذا كان العدو خلف ظهورنا أي فائدة أن نصطف صفين ويصلي بنا الإمام ثم يبقى الصف الأول قائماً لا فائدة من هذا. * (هنا يوجد سقط في قراءة المتن والشرح من قوله: (فصل) فإن صلى المغرب على حديث سهل ... ) إلى قوله: (ثم تكبر الطائفة وتدخل معه) القارئ: فإذا جلس للتشهد الآخر نهضت لقاء ما فاتها ولم تتشهد معه لأنه ليس بموضع تشهدها ويحتمل أن تتشهد معه إذا قلنا إنها تقضي ركعتين متواليتين لئلا يفضي إلى وقوع جميع الصلاة بتشهد واحد.

الشيخ: والصحيح في هذا أن الطائفة الأولى تصلي ركعتين معه وأنه يقوم بعد التشهد ويثبت قائماً حتى تعود الثانية فإذا صلت معه الركعة وجلس للتشهد قامت فقضت ركعتين تقرأ في الأولى بسورة مع الفاتحة ثم تتشهد لأن الصحيح أن ما يقضيه هو آخر صلاته ثم تقوم وتأتي بالركعة الثالثة بفاتحة الكتاب فقط ثم تجلس ويسلم الإمام بها فتكون الطائفة الأولى امتازت بإدراك ركعتين والثانية امتازت بإدراك جميع الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) والأولى أدركت ركعتين لكن انصرافها قبل سلام الإمام انصراف بأمر الله فتثاب عليه. السائل: ما الفرق بين ما رجحناه وبين كلام المؤلف رحمه الله؟ الشيخ: المؤلف يقول إن الطائفة الثانية إذا قامت تصلي ركعتين متواليتين على أحد الوجهين وعلى الوجه الثاني تصلي ركعتين بتشهدين لكن تقرأ في كلتا الركعتين سورة مع الفاتحة ونحن نقول تصلي ركعتين بتشهدين وتقرأ في الركعة الثالثة وهي الثانية المقضية بالفاتحة فقط. فصل القارئ: ويجوز صلاة الخوف للمقيمين لعموم قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) ولأنها حالة خوف فأشبهت حالة السفر ويصلي بكل طائفة ركعتين وتتم الطائفة الأولى بالحمد لله في كل ركعة والطائفة الأخرى بالحمد لله وسورة وفي موضع مفارقة الطائفة الأولى له وجهان على ما ذكرنا في المغرب. الشيخ: يعني هل تفارقه وهو في التشهد الأول أو تفارقه متى؟ إذا قام إلى الثالثة فيه وجهان كما سبق. القارئ: وإن صلى بطائفة ثلاث ركعات وبالأخرى ركعة أو صلى المغرب بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين جاز لأنه لم يزد على انتظارين ورد الشرع بهما.

الشيخ: لكن ينبغي أن يقيد هذا بما إذا لم يخالف الجيش فإن خالف وقال نريد أن تصلي بنا كما ورد فإنه يلزمه أن يصلي كما ورد لأن كونه يصلي بالأولى ركعة واحدة هذا بخس لها في الواقع فيقيد هذا الكلام بما إذا لم يحصل معارض فإن حصل معارض وقال نريد أن تطبق السنة ولا نسمح بحقنا إن كان لنا حق فإنه يتبع هذا المعارض. القارئ: وإن فرقهم أربع فرق وصلى بكل طائفة ركعة أو ثلاث فرق في المغرب صحت صلاة الأولى والثانية لأنهما فارقتاه لعذر وبطلت صلاة الإمام لزيادته انتظاراً لم يرد الشرع بمثله وصلاة الثالثة والرابعة لاقتدائهما بمن صلاته باطلة وقال ابن حامد إن لم يعلما ببطلان صلاته صحت صلاتهما للعذر فأشبه من صلى وراء محدث يجهل هو والإمام حدثه. الشيخ: أولاً هذا الكلام عليه مؤاخذتان: المؤاخذة الأولى ظاهر كلامه أنه يجوز أن يفرقهم أربع فرق مطلقا وليس كذلك بل يقيد هذا بما إذا لم يكن هناك ضرر فإن كان هناك ضرر إذا فرقهم أربع فرق بحيث تقل الفرقة وتكون صغيرة بالنسبة لمقابلة العدو فإن هذا يمنع وإن كان هي في الواقع لم تكن صغيرة إلى ذاك الحد لأنها ستجتمع مع إحدى الفرق الثلاث. المؤاخذة الثانية قوله إن صلاة الإمام تبطل لأنه انتظار لم يرد به الشرع فيقال وهذا الانتظار الذي لم يرد به الشرع زيادة تطويل الركن وزيادة تطويل الركن جائز حتى وإن لم يكن في صلاة الخوف فلو أطال الإنسان القيام في الركعة الثانية أكثر من الأولى لكان هذا غير مبطل للصلاة وإن كان الأفضل أن تكون الأولى أطول فالصحيح أن ينظر للمصلحة إذا كان من المصلحة أن يفرقهم أربع فرق فليفعل وتصح صلاته مع الطوائف الأربع كلها. السائل: إذا كان في صلاة الخوف إمام ومأموم واحد كأن يحاصرهما العدو؟

الشيخ: إمام ومأموم إذا كان لابد أن ينتظر المأموم نقول كبر مع الإمام واركع مع الإمام وارفع مع الإمام وعند السجود تبقى تنتظر لا يأتي العدو ثم إذا قام الإمام اسجد ثم قم معه في الثانية وهذه مسألة فرضية. السائل: مصلحة تفريقهم أربع فرق ليست واضحة لأن المصلحة في جعلهم فرقتين؟ الشيخ: وهذه بارك الله فيك قد تحدث أحياناً قد يكون في تفريقهم أربع فرق مصلحة إذا كان العدد كبيراً وتفريقهم أربع فرق قد تتغير به الوجوه عند العدو مثل ما فعل القعقاع بن عمرو في غزوه للفرس صار يرحل يعني الجيش يقابل العدو وبعضهم يذهب من بعيد يأتي كأنه مدد جديد فيهابه العدو المهم أن المصلحة ما يمكن الآن يتصورها الإنسان حتى تقع فعلاً. فصل القارئ: فإن صلى صلاة الخوف من غير خوف لم تصح لأنها لا تنفك من مفارق إمامه أو تارك متابعته أو قاصر مع إتمام إمامه أو قائم للقضاء قبل سلامه وكل ذلك مبطل إلا مع العذر إلا أن يصلي بكل طائفة صلاة تامة على حديث أبي بكرة. الشيخ: وهذا يرد إذا كان يصلي صلاة تامة على حديث أبي بكرة يبقى فيه مشكلة على المذهب أن الطائفة الثانية سوف تأتم بمتنفل وهي مفترضة وعلى القول الصحيح أنه يجوز للمفترض أن يصلي خلف المتنفل هذا يمكن ويرد أيضاً على هذا القول أنه سيفرق القوم إلى جماعتين وهذا بدعة لأن الواجب اجتماع القوم على إمام واحد بصلاة واحدة إلا لعذر فعلى كل تقدير نقول إنه لا ينبغي حتى لو قلنا بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل فإنه سيرد علينا محذور آخر وهو تفريق الجماعة الواحدة. فصل القارئ: قال أصحابنا لا يجب حمل السلاح في صلاة الخوف لأنه لو وجب لكان شرطاً كالسترة.

الشيخ: قال المؤلف رحمه الله قال أصحابنا وهذا من باب الورع أن ينسب القول إلى قائله ويفهم من هذا التعبير أن المؤلف رحمه الله لا يرى هذا الرأي وهو الصحيح أي أن الصحيح أنه يجب حمل السلاح يجب وليس شرطاً لصحة الصلاة لأنه لا علاقة له بها إذ أن المقصود منه المدافعة عن النفس فلا علاقة له بالصلاة ولا يمكن أن يكون كالسترة السترة تجب لأنه لو تجرد الإنسان منها لكان عرياناً وهذا ينافي الخشوع والخضوع لله أن يصلي وهو عاري يقف بين يدي الله عز وجل وعورته مكشوفة لكن السلاح لا يكون كذلك فالصواب أن حمل السلاح في صلاة الخوف واجب لأن الله تعالى قال (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) وقال في الطائفة الثانية (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) فالصواب الوجوب وهو دليل على وجوب حماية النفس مما يعرض لها من الأضرار. القارئ: ويستحب أن يحمل ما يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين ويكره ما يثقله كالجوشن وما يمنع كمال السجود كالمغفر وما يؤذي به غيره كالرمح متوسطا فإن كان في حاشية لم يكره. الشيخ: قوله أن يحمل من السلاح ما يدفع به عن نفسه بشرط أن لا يؤذي غيره وأن لا يخل بصلاته وأن لا يشق عليه لكن إذا قدر أنه في ضرورة إلى حمل الثقيل فهل يحمله نقول نعم يحمله ويتصبر على المشقة وكذلك من إلى جانبه يتصبر على الأذى لأن المقام مقام دفاع فإذا كان القوم معهم رشاشات ونحن معنا رشاشات لكن قلنا لا تحمله وأنت تصلي احمل السيف والسكين وما أشبه ذلك صار في هذا خطر على المسلمين فالصواب أنه يحمل من السلاح ما يدفع به عن نفسه بحسب الحاجة والضرورة.

القارئ: ولا يجوز حمل نجس ولا ما يخل بركن الصلاة إلا أن يخاف وقوع السهام والحجارة ونحوها به فيجوز للضرورة ويحتمل وجوب حمل السلاح للأمر به لقوله تعالى (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) وقوله تعالى (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) فيدل على الجناح عند عدم ذلك. الشيخ: صار ما ظنناه هو الواقع بالنسبة للمؤلف أنه يرى وجوب حمل السلاح وهذا هو الصحيح وأما حمل السلاح النجس فيجوز عند الضرورة، ومع عدم الضرورة لا يجوز لأنه لا يجوز للمصلي أن يحمل شيئاً نجساً وهو يصلي فإن قال قائل كيف تقولون هذا وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت ابنته زينب وأبوها أبو العاص بن الربيع مع أنه ليس هناك ضرورة قلنا إن النجاسة في معدتها طاهرة فالبول والعذرة في البطن طاهرة ولا يكون نجساً حتى ينفصل. السائل: قول المؤلف (ويكره ما يبطله كالجوشن وما يمنع كمال السجود كالمغفر) هل الحكم على العقال مثله؟ الشيخ: العقال لا يمنع كمال السجود هل أحد يرى أهل العقل ما يسجدون إلا الذي ينزله حدر هذا ما يمنع كمال السجود إلا أنه يستلزم أن يحول بينه وبين الأرض ما كان متصلاً به وهو مكروه عند العلماء. فصل

القارئ: الضرب الثاني الخوف الشديد مثل التحام الحرب والقتال ومصيرهم إلى المطاردة فلهم أن يصلوا كيفما أمكنهم رجالاً وركباناً يومئون بالركوع والسجود على قدر الطاقة ويتقدمون ويتأخرون ويضربون ويطعنون ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها وصلاتهم صحيحة وإن هرب هرباً مباحاً من عدو أو سيل أو سبع أو نار لا يمكنه التخلص إلا بالهرب أو كان أسيراً يخاف الكفار إن صلى أو مختفياً في موضع يخاف أن يُظهر عليه صلى كيفما أمكنه قائماً أو قاعداً أو مستلقياً إلى القبلة وغيرها بالإيماء بالسفر والحضر فإن أمن في صلاته أتمها صلاة آمن وإن ابتدأها آمناً فعرض له الخوف أتمها صلاة خائف لأنه يبني على صلاة صحيحة فجاز كبناء صلاة المرض على صلاة الصحة. الشيخ: هذا الضرب الثاني من صلاة الخوف إذا كان الخوف شديداً لا يمكن معه الصلاة على الوجوه السابقة فإنه على حالين: الحال الأولى أن تكون العقول ذاهبة ولا يتمكن الإنسان أن يستحضر شيئاً من صلاته لا قليلة ولا كثيرة ففي هذه الحال إن كانت الصلاة تجمع إلى ما بعدها ويزول هذا الخوف قبل خروج وقت الثانية فإنها تجمع لما بعدها وجوباً وإن كانت لا تجمع لما بعدها فلهم أن يؤخروها عن وقتها وعلى هذا يحمل ما ورد عن بعض الصحابة بعض القواد أنهم أخروا صلاة الفجر حتى طلعت الشمس وذلك لأن الإنسان في هذه الحال لا يستحضر قراءة ولا ركوعاً ولا سجوداً لأن قلبه طائر قلبه هواء فيؤخر حتى تنتهي هذه الأزمة.

الحالة الثانية: إذا كان يمكن أن يستحضر لكن لا يمكن أن يركع ويسجد ويقف للصلاة فهذا يصلي كما قال المؤلف على حسب حاله كاراً وفاراً مستقبلاً القبلة أو مستدبراً القبلة على حسب حاله لقول الله تبارك وتعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) ومعلوم أن الراجل الخائف سوف يقوم بما يؤمنه على أي حال كان ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه إن حصل هذا الخوف في أثناء الصلاة انتقل إليه وإن زال هذا الخوف في أثناء الصلاة انتقل إلى صلاة آمن كما قلنا في المريض إذا قدر على القيام في أثناء الصلاة أتمها قائماً وإذا عجز عن القيام في أثناء الصلاة أتمها قاعداً لعموم قول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ). السائل: إذا استطاع الإنسان في الحرب أن يصلي مع حضور القلب لكنه لا يستطيع الوضوء؟ الشيخ: إن أمكن تيمم وإن لم يمكن صلى بغير طهارة ولا يؤخرها عن وقتها إلا ما كانت مجموعة فالأولى أن يؤخر إذا كان المقصود الطهارة أما إذا كان لا يستطيع أن يأتي بالركوع والسجود وغير ذلك فكما قلت لكم إذا كانت تجمع لما بعدها يجب أن يجمع. القارئ: وإن رأى سواداً فظنه عدوا فصلى صلاة الخوف ثم بان أنه غير عدو أو بينه وبينه ما يمنع العبور أعاد لأنه لم يوجد المبيح فأشبه من ظن أنه متطهر فصلى ثم علم بحدثه قال أصحابنا ويجوز أن يصلوا في شدة الخوف جماعة رجالاً وركبانا ويعفى عن تقدمهم الإمام لأجل الحاجة كما عفي عن العمل الكثير وترك الاستقبال. الشيخ: واضح وصحيح ولا يوجد إشكال والقياس صحيح لأن هذا أخل بأركان الصلاة وشروطها. السائل: لو سمع غوثاً أن احتراقاً أو غرقاً هل نقول ينقذه وهو يصلي أم يقطع الصلاة؟ الشيخ: يقطع الصلاة لأن هذه لمصلحة الغير.

باب صلاة الجمعة

باب صلاة الجمعة القارئ: وهي واجبة بالإجماع وروى ابن ماجه عن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا من تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها أو جحوداً لها فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في أمره). الشيخ: لو استدل بالآية لكان أحسن لأن الله تعالى قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ). القارئ: ولا تجب إلا على من اجتمعت فيه شرائط ثمانية الإسلام والبلوغ والعقل لأنها من شرائط التكليف بالفروع والذكورية والحرية والاستيطان لما روى طارق بن شهاب قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو مرأة أو صبي أو مريض) رواه أبو داود، ولأن المرأة ليست من أهل الجماعات وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم جمعة فلم يصلِّ جمعة وفي العبد رواية أخرى أنها تجب عليه لأنها فرض عين من الصلوات فوجبت عليه كالظهر والأولى أولى للخبر ولأن العبد مملوك المنفعة محبوس على سيده أشبه المحبوس بدين. الشيخ: ننظر إلى الشروط الإسلام والبلوغ والعقل لا إشكال فيها والذكورية أيضاً لا إشكال فيها لأن المرأة ليست من ذوات الجماعة. الحرية يقول الذي أسقطها عن العبد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إلا أربعة عبد مملوك) وذهب بعض أهل العلم وهي رواية عن أحمد أنها تجب عليه لأنها فرض عين فهي مقدمة على حق السيد وفصَّل بعضهم في هذا وقال إنما أسقطت عن المملوك من أجل انشغاله بحق سيده فإذا أذن له في ذلك وجبت عليه لأنه من المؤمنين وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ).

وأما المسافر فدليله ما ذكره المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تصادفه الجمعة في السفر ولم يكن يصليها حتى في يوم عرفة صادف يوم الجمعة ولم يصلها قال صلى الظهر وهذا دليل واضح ولكن لو كان المسافر في مكان تقام فيه الجمعة فهل تجب عليه أو لا؟ الصحيح أنها تجب سواء نوى إقامة أربعة أيام أو أكثر أو أقل لعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) وهو من الذين آمنوا ولهذا لو قيل للمسافر هل أنت من الذين آمنوا فسيقول نعم نقول ما الذي أخرجك من هذا العموم؟ صلِّ (فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) إلا إذا خاف فوات رفقة أو تأخراً في سفره أو ما أشبه ذلك مما يتطلبه السفر فهنا يكون معذوراً بسبب سفره لا لفوات الأهلية.

الاستيطان: الاستيطان ضده على المشهور من المذهب شيئان الشيء الأول السفر والشيء الثاني الإقامة لأنهم يقسمون الناس إلى ثلاث أقسام مستوطن ومقيم ومسافر فالذي عليه الجمعة هو المستوطن والمسافر لا جمعة عليه والمقيم إن أقيمت بمستوطنين لزمته وإلا فلا وهو الذي يسمونه تجب عليه بغيره لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول إن تقسيم الناس إلى هذه الأقسام الثلاثة بدعة والناس إما مستوطنون أو مسافرون وليس هناك شيء ثالث ويظهر هذا بالمثال من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام دون الاستيطان فهو على المذهب مقيم وليس مستوطناً ولا مسافراً ولهذا لا تنعقد به الجمعة ولا يكون إماماً فيها ولا خطيباً فيها وأما على كلام الشيخ رحمه الله فيقول هذا الذي نوى إقامة أكثر من أربعة أيام دون الإقامة المطلقة هذا ليس مقيماً بل هو مسافر ثم إذا كان في بلد تقام فيه الجمعة وحضر أهل البلد وأقاموه إماماً لهم فلا بأس بذلك وهذا هو الذي عليه العمل الآن سواء في الطلاب المسافرين أو فيما إذا قدم إنسان إلى بلد وهو من المشايخ الكبار مثلاً أحياناً يقال له صلِّ بنا الجمعة فيصلي بهم الجمعة فلو جاءنا أحد المشايخ مثلاً من مكة أو من المدينة وقلنا صلِّ بنا الجمعة فصلى بنا الجمعة فصلاتنا باطلة على المذهب لأنه غير مستوطن حتى وإن أراد أن يبقى عندنا أسبوعاً أو شهراً فإنه لا يصح أن يصلي بنا الجمعة لأنه ليس بمستوطن وعلى هذا فنقول المقيم الذي أقام في بلد وليس في هذا البلد مستوطنون لا تلزمه الجمعة لأنه مسافر ولا تلزمه الجمعة إذا لم يكن معه مستوطنون على المذهب فإن وجد معه مستوطنون فإنها تلزمه بغيره. القارئ: السابع انتفاء الأعذار المسبقة للجماعة.

الشيخ: السابع انتفاء الأعذار هذه عند العلماء ليست بجيدة لأن انتفاء الأعذار معناه انتفاء الموانع ويفرقون بين الشرط وبين المانع ولهذا اختلفوا في باب الزكاة هل السوم شرط لوجوب الزكاة أو عدمه مانع وذكروا في هذا قولين للعلماء كما بحثها صاحب الفروع رحمه الله لكن من جهة المعنى العام نقول كل مانع فإنه يشترط لصحة الممنوع انتفاء ذلك المانع. القارئ: الثامن أن يكون مقيماً بمكان الجمعة أو قريباً منه وتجب الجمعة على أهل المصر قريبهم وبعيدهم لأن البلد كالشيء الواحد. الشيخ: حتى قالوا رحمهم الله تجب على أهل البلد ولو كانوا عن مسجد الجماعة فراسخ الفرسخ كم ميل؟ ثلاثة أميال فراسخ أقلها ثلاثة تسعة أميال الميل أكثر من الكيلو فيجب على أهل البلد إذا كان البلد واحد أن يحضروا لكن سيأتينا إن شاء الله أنه لا بأس بتعدد الجمع إذا ضاقت المساجد. القارئ: وتجب على من بينه وبين الجامع فرسخ من غيرهم. الشيخ: غير أهل البلد يعني لو كان مثلاً أناس نازلون خارج البلد لكن بينهم وبين الجامع أقل من الفرسخ فإنهم يحضرون. القارئ: ولا تجب على غيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الجمعة على من سمع النداء) رواه أبو داود ولم يمكن اعتبار السماع بنفسه فاعتبر بمظنته والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب إذا كان المؤذن صيتاً بموضع عال والرياح ساكنة والأصوات هادئة والعوارض منتفية فرسخ فاعتبرناه به. الشيخ: وعلى هذا فيكون سماع الأذان بالمايكرفون الآن لا عبرة به بل يقدر بأنه ليس هناك مايكرفون ولهذا اشترط أن تكون الرياح ساكنة لأن الرياح إذا كانت قوية نقلت الصوت إلى مكان بعيد. السائل: هل تحديده بالفرسخ صحيح؟ الشيخ: هذا مثل ما يقول لأن الرسول علقه بسماع النداء والغالب أنه يسمع النداء من فرسخ فأقل. السائل: هل يجوز شد الرحال إلى صلاة الجمعة لأنه عنده مسجد آخر ويشد الرحال مثلاً إلى جامع كبير؟

الشيخ: إذا كان المقصود البقعة فإن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد وإذا كان المقصود الخطيب وما يلقيه من العلم فشد الرحل لطلب العلم جائز. فصل القارئ: وهذه الشروط تنقسم أربعة أقسام: أحدها شرط للصحة والانعقاد وهو الإسلام والعقل فلا تصح من كافر ولا مجنون ولا تنعقد بهما لأنهما ليسا من أهل العبادات. الثاني شرط للوجوب والانعقاد وهي الحرية والذكورية والبلوغ والاستيطان فلا تنعقد الجمعة بمن عدمت فيه ولا يصح إمامتهم فيها لأنهم من غير أهل الوجوب فلم تنعقد بهم كالنساء وتصح منهم وتجزئهم عن الظهر وحضورها لغير النساء أفضل لأن سقوطها عنهم رخصة فإذا تكلفوا فعلها أجزأتهم كالمريض يتكلف الصلاة قائما. الشيخ: انتبه للشرط الثاني شرط الوجوب والانعقاد وهي الحرية والذكورية والبلوغ والاستيطان أربعة الحرية ضدها الرق فالرقيق لا تجب عليه ولا تصح منه الثاني الذكورية ضدها الأنوثة فالمرأة لا تجب عليها ولا تصح منها الثالث البلوغ فالصغير لا تجب عليه ولا تصح منه لكن تجزئه الاستيطان فغير المستوطن لا تصح منه ولا تجب عليه لكن لو حضروا أجزأتهم. السائل: ما وجه تسمية مستوطن ومقيم مع أن المقيم هو صاحب البلد؟ الشيخ: لا ما هو صحيح المقيم هو الذي ليس من أهل البلد لكنه كان ماراً به وأقام فيه لعمل شيخ الإسلام يقول ليس هناك فرق لكن هذا تقسيم مصطلح أليس عندنا الآن حتى من جهة النظام يقال فلان مقيم إذا كان من القادمين للبلد لعمل أو وافد فيقسمونهم مواطن ومقيم. السائل: قلنا لا تصح منهم وتجزئهم ما معنى هذا؟ الشيخ: معناه لا تنعقد بهم الجمعة لو فرضنا أنه يوجد ثلاثون مستوطنون وعشرة من هؤلاء الأصناف الأربعة فإنها لا تقام الجمعة على من يشترط الأربعين ولا تصح إمامتهم فيها ولا أن يكون خطيباً.

القارئ: الثالث شرط لوجوب السعي فقط وهو انتفاء الأعذار فلو تكلف المريض الحضور وجبت عليه وانعقدت به لأن سقوطها كان لدفع المشقة فإذا حضر زالت المشقة فوجبت عليه وانعقدت به كالصحيح. الرابع شرط الانعقاد حسب وهو الإقامة بمكان الجمعة فلو كان أهل قرية يسمعون النداء من المصر لزمهم حضورها ولم تنعقد بهم ولو حرج أهل المصر أو بعضهم إلى القرية لم تنعقد بهم الجمعة لأنهم غير مستوطنين بها والظاهر أنها تصح إمامتهم فيها لأنهم من أهل الوجوب. فصل القارئ: والأفضل لمن لم تجب عليه الجمعة أن لا يصلي الظهر قبل صلاة الإمام لأنه ربما زال عذره فلزمته الجمعة. الشيخ: هذا التعليل لأنه ربما زال عذره يدل على أنه إذا علم أنه لن يزول عذره كمريض مرض شديد يعلم أنه لا يزول فإن الأفضل أن يصلي الصلاة في أول وقتها يصلي الظهر في أول وقتها كالعادة وكذلك المرأة مثلاً لا نقول للمرأة انتظري حتى يصلي الناس الجمعة بل نقول صلي الظهر في أول وقتها كالعادة. القارئ: فإن صلى فقال أبو بكر لا تصح صلاته لذلك والصحيح أنها تصح لأنه صلى فرضه فلا تبطل بالاحتمال كالمتيمم فإن زال عذره فقياس المذهب لا تلزمه الجمعة لأنه أدى فرض الوقت فأشبه المعضوب إذا أَحَجَّ عن نفسه ثم برئ وإن لم يزل العذر فحضروها كانت لهم نفلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر (فصلها معهم تكن لك نافلة) رواه مسلم، ولأن الأولى أسقطت الفرض فأما من تجب عليه الجمعة إذا صلى الظهر قبل صلاة الإمام لم تصح لأنه ما خوطب بالظهر فإن فاتته الجمعة أعادها ظهرا لأنه خوطب بها حينئذٍ. وإن اتفق أهل بلد على ترك الجمعة وصلوا ظهرا لم تصح لذلك فإذا خرج وقت الجمعة لزمهم إعادة الظهر ولا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهل فرضها أن يصلي الظهر في جماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) متفق عليه فإن خاف التهمة استحب اخفاؤها ليدفعها عن نفسه

الشيخ: هذه الجملة الأخيرة مفيدة أن الإنسان ينبغي أن يدفع عن نفسه تهمة التفريط في واجب أو تهمة فعل المحرم وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتت إليه صفية في معتكفه وتحدثت عنده ساعة ثم خرج عليه الصلاة والسلام يشيعها فمر رجلان من الأنصار فأسرعا فقال (على رسلكما إنها صفية بنت حيي) قالا سبحان الله فقال عليه الصلاة والسلام (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً أو قال شراً) فهذا أصل دفع الإنسان عن نفسه التهمة وهناك أيضاً تعليل وهو أن نفسك أمانة فكما أنك تدافع عن عرض أخيك فلتدافع عن عرض نفسك أما كون الإنسان لا يبالي فهذا لا ينبغي لكن إذا وقعت بينه وبين شخص ما يوجب أن يحمل عليه فهنا يأتي دور العفو وهذا ليس من هذا الباب الذي نحن فيه. السائل: المعذور إذا صلى الظهر وكان الإمام قد صلى الجمعة قبل الزوال وهو قد صلى قبل الإمام فما حكم صلاته؟ الشيخ: لا تصح لأن المعذور الذي لا تلزمه الجمعة فرضه الظهر والظهر لا تدخل إلا بالزوال وهذا فيه لبس لأن بعض الأئمة يصلي قبل الزوال مع أنه بحث هذه القضية مجلس هيئة كبار العلماء وأصدروا أمراً بأنه لا يأتي الخطيب قبل الزوال. فصل القارئ: ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروط أحدها الوقت فلا تصح قبل وقتها ولا بعده بالإجماع. الشيخ: وأما غيرها فيشترط دخول الوقت وفرق بين قولنا إن الوقت شرط وأن دخول الوقت شرط.

القارئ: وآخر وقتها آخر وقت الظهر بغير خلاف فأما أوله فذكر القاضي أنها تجوز في وقت العيد لأن أحمد قال في رواية عبد الله يجوز أن يصلي الجمعة قبل الزوال يذهب إلى أنها كصلاة العيد لحديث وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن حجاج عن عبد الله بن سيدان قال شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل انتصاف النهار وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار ثم صليتها مع عثمان بن عفان رضوان الله عليهم أجمعين فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول قد زال النهار فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره وهذا نقل للإجماع وعن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة فنذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس رواه مسلم ولأنها صلاة عيد فأشبهت صلاة العيدين وقال الخرقي يجوز فعلها في الساعة السادسة وفي نسخةٍ الخامسة فمفهومه أنها لا يجوز قبل ذلك لأن ما رويناه تختص به والأفضل فعلها عند زوال الشمس صيفاً وشتاءً لا يقدمها إلى موضع الخلاف ولا يؤخرها فيشق على الناس لما روى سلمة بن الأكوع قال كنا نجمِّع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء متفق عليه فإن خرج الوقت وهم فيها فقال أحمد من أدرك التشهد أتمها جمعة فظاهره أنه يعتبر الوقت في جميعها إلا السلام لأن الوقت شرط فيعتبر في جميعها كالوضوء وقال الخرقي إن دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة أجزأتهم جمعة لأنه شرط يختص بالجمعة فلا يعتبر في الركعة الثانية كالجماعة في حق المسبوق وإن أدرك أقل من ذلك فهل يتمها ظهراً أو يستأنف على وجهين بناءً على المسبوق بأكثر من ركعة وقال القاضي متى تلبس بها في وقتها أتمها جمعة قياساً على سائر الصلوات فإن شرع فيها ثم شك في خروج الوقت أتمها جمعة لأن الأصل بقاؤه وإن ضاق الوقت عما يجري في الجمعة لم يكن لهم فعلها.

الشيخ: والصواب أن العبرة في ذلك بالركعة متى أدركوا ركعة من وقتها أتموها جمعة وإن أدركوا أقل من ذلك أتموها ظهراً لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة). السائل: ما الراجح في مجيء الإمام وصلاته وخطبته قبل الزوال؟ الشيخ: الراجح أنه لا يأتي قبل الزوال لأن الأئمة الثلاثة كلهم يقولون لا تصح قبل الزوال وهي رواية عن أحمد أيضاً وهذا غير متعارض مع حديث جابر لأن حديث جابر يقول نصلي ثم نذهب إلى رحالنا فنريحها حين تزول الشمس وحين تزول الشمس يحتمل أنها عائدة على قوله نصلي ويحتمل أنها متعلقة بقوله نريحها وعلى هذا فيكون الفرق أقل من الساعة نصف ساعة ونحوه أما من وقت صلاة العيد فهذه بعيدة. السائل: لو خطب الخطبة قبل الزوال والصلاة بعد الزوال؟ الشيخ: لا بأس إن شاء الله المذهب الذين يقولون لابد من الزوال يقولون لابد الخطبة والصلاة بعد الزوال. السائل: بعض الذين في الغرب لا يستطيعون حضور صلاة الجمعة بعد الزوال لوجود محاضرات دراسية بعد الزوال فهل يجوز لهم الصلاة قبل الزوال؟ الشيخ: الظاهر أن مثل الساعة قبل الزوال لا تضر إن شاء الله. فصل القارئ: الشرط الثاني أن يكون في قرية مبنية بما جرت العادة ببناء القرى به من حجر أو طين او لبن أو قصب مجتمعة البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة يسكنها أربعون من أهل الجمعة سكنى إقامة لا يضعنون عنها صيفاً ولا شتاءً فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة لهم لأن ذلك لا ينصب للاستيطان ولذلك كانت قبائل العرب حول المدينة فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بجمعة وإن كانت قرية يسكن فيها بعض السنة دون بعض أو متفرقة تفرقاً لم تجر به عادة لم تصح فيها الجمعة. الشيخ: هذا الشرط الثاني أن تكون في قرية مبنية بما جرت العادة ببنائه ببناء القرى به من حجر أو طين أو لبن أو قصب مجتمعة البناء الحجر واضح والطين كيف يبنى به إلا بلبن؟

كانوا في الأول يبنون بالطين فيجعلونه عروقاً يعني يبني مثلاً نصف متر فإذا يبس بنى عليه ثم كلما يبس بنى عليه وهذا أقوى من اللبن ثم صاروا يبنون من اللبن يقول أو قصب القصب: نوع من العيدان تبنى به المنازل في بعض الجهات والمهم أن المدار في ذلك إلى العادة والعرف ما عد مسكناً فإنه معتبر وتكون القرية مبنية به ولابد أيضاً أن تكون مجتمعة البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة فإن كانت متفرقة مثلاً هذا بيت وبعد مسافة بيت آخر وبعد مسافة بيت آخر هذه ما هي قرية لكن إذا كانت مجتمعة بما جرت به العادة فإنها قرية ولابد أيضاً أن يكون أهلها من أهل الجمعة يسكنونها سكنى إقامة وأهل الجمعة سيأتينا إن شاء الله بيانهم أنه كل بالغ عاقل حر ذكر مستوطن وعلى هذا فلو كان فيها أناس مقيمون لعمل مَّا كما يفعله بعض الشركات تبني مقراً _ يعتبر قرية فيه أكثر من خمسمائة نفر _ على جانب الخطوط إذا كانت تعمل في إصلاح الخط ويبقون في هذا لمدة ستة أشهر أو أكثر لكنهم لم يستوطنوا فيه فهؤلاء لا جمعة عليهم ولا تصح الجمعة منهم يعني لا يصح أن يقيموا الجمعة لأنهم ليسوا في قرية هذه مقر ما داموا محتاجين إليه ثم يتركونه كما يوجد الآن في بعض الطرقات التي انتهى إصلاحها. وقال فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة لهم لأن ذلك لا ينصب للاستيطان ثم استدل لذلك بأن القبائل قبائل العرب حول المدينة في خيامهم فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجمعة. السائل: في بعض المعسكرات الخيام في الصحراء وينصبون خياماً أو كرمانات مثل الغرف فيمكثون كثيراً في الصحراء لإخراج البترول مثلاً وفيه عمال كثير؟ الشيخ: ما تقام فيهم الجمعة حتى يستوطنوا. السائل: لو كان أناس الآن يعملون في مكان وكان قريب منهم بلدة تقام فيها الجمعة وذاك على حسب العمل أنهم لا ينصرفون في وقت الجمعة هل لهم أن يصلوا في مقرهم؟

الشيخ: لا يصلوا الجمعة لكنهم إذا كان بينهم وبين مكان إقامة الجمعة أكثر من فرسخ فلا جمعة عليهم ولو كان أقل لكن ما يستطيعون حسب وقت العمل (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا). القارئ: فإن اجتمعت هذه الشروط في القرية وجبت الجمعة على أهلها وصحت بها لأن كعباً قال أسعد بن زرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات رواه أبو داود قال الخطابي حرة بني بياضة قرية على ميل من المدينة ولأن هذا بناء استوطنه أربعون من أهل الجمعة فوجبت عليهم كأهل المصر وتجوز إقامة الجمعة فيما قارب البنيان من الصحراء لحديث أسعد بن زرارة فإن خربت القرية فلازموها عازمين على إصلاحها ومرمتها فحكمها باق وإن عزموا على النقلة عنها زال الاستيطان. فصل القارئ: الشرط الثالث اجتماع أربعين ممن تنعقد بهم الجمعة وعنه تنعقد بثلاثة لأنه جمع تنعقد بهم الجماعة وعنه بخمسين والمذهب الأول لأن جابراً قال مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة فينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن انفضوا فلم يبق معه إلا أقل من أربعين لم يتمها جمعة لأنه شرط فاعتبر في جميع الصلاة كالطهارة وهل يستأنف ظهراً أو يبني على صلاته؟ على وجهين بناءً على المسبوق وقياس المذهب أنهم إن انفضوا بعد صلاة ركعة أتمها جمعة لأنها شرط تختص الجمعة فلم يعتبر الركوع في أكثر من ركعة كالجماعة فيها.

الشيخ: الشرط الثالث أن يجتمع عدد من أهل الوجوب واختلف العلماء في ذلك العدد فمنهم من قال أربعون ومنهم من قال خمسون ومنهم من قال اثنا عشر رجلاً ومنهم من قال ثلاثة وشذ شذوذاً بالغاً من قال اثنان وأرجح الأقوال في ذلك الثلاثة إذا وجد في القرية ثلاثة مستوطنون وجبت إقامة الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجمعة أو قال الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان) ولأنه داخل في عموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) وهذا يحصل بثلاثة مؤذن وإمام ومأمور بالسعي فالصحيح أنها تنعقد بثلاثة. ولكن لو وجد العدد المطلوب في أول الصلاة ثم انصرف قبل تمامها فقيل إنهم يصلونها ظهراً وهل يتمون على ما صلوا أو يستأنفون؟ على قولين. وهل إذا أتوا بركعة تامة يتمونها جمعة أو يتمونها ظهراً سواءً استأنفوا أم لم يستأنفوا؟ على أقوال كما سمعتم والصحيح أنهم إن صلوا ركعة وشرعوا في الثانية أتموها جمعة يعني لو فرضنا أنهم أربعون رجلاً فدخلوا في الصلاة وهم أربعون ولما قام إلى الركعة الثانية ذهب منهم عشرة فالصحيح أنهم يتمونها جمعة وإن ذهبوا في الركعة الأولى فإنهم يتمونها ظهراً وأقول أربعون بناءً على اشتراط الأربعين ولكن القول الراجح أن الشرط أن يكونوا ثلاثة إمام ومؤذن ومأمور بالسعي. السائل: نقل ابن حزم رحمة الله عليه الإجماع على أن الجماعة تقام باثنين فلماذا لا نقول في صلاة الجمعة كذلك؟

الشيخ: كما سمعت الآية تدل أنه لابد من ثلاثة وكذلك الحديث (ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الجمعة) وأقل ما يمكن من العدد في قوله (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) أقله ثلاثة، عندنا منادي وعندنا إمام منادىً له وعندنا منادى وهو الذي قيل له (فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) ما يتصور أقل من ثلاثة. السائل: أحياناً يكون هناك معسكرات مغلقة قريبة من القرى ومن قوانينها أن من فيها لا يخرج، فهل يصلون الجمعة داخل المعسكرات؟ الشيخ: يصلونها ظهراً مثل المسجونين الذين في السجن في نفس المدن لا يقيمون الجمعة لأن هذا معذور. فصل القارئ: ولا يختلف المذهب أن المسبوق إذا أدرك الركوع مع الإمام في الثانية أنه يتمها جمعة وإن أدرك أقل من ذلك لم يتمها جمعة لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة) متفق عليه وفي لفظ (فليضف إليها أخرى) فأما من أدرك أقل من ذلك فقال الخرقي يبني على ظهر إذا كان قد دخل بنية الظهر وظاهر هذا أنه إن نوى جمعة لزمه الاستئناف لأنهما صلاتان لا تتأدى إحداهما بنية الأخرى فلم يجز بناؤها عليها كالظهر والعصر وقال أبو إسحاق ابن شاقلا ينوي جمعة لئلا تخالف نيته نية إمامه ثم يبني عليها ظهرا لأنهما فرض وقت واحد ردت إحداهما من أربع إلى ركعتين فجاز أن يبني عليها الأربع كالتامة مع المقصورة.

الشيخ: وما ذكره ابن شاقلا هو الصحيح وذلك لأن الإنسان إذا جاء يدخل مع الإمام لا يدري هل هذه هي الركعة الثانية فينوي الظهر أو الأولى فينوي جمعة ولو قلنا انتظر ربما تكون هذه هي الركعة الثانية فتفوته الجمعة ولهذا كان القول الراجح لا شك قول ابن شاقلا رحمه الله أنه يدخل بنية الجمعة ثم إذا تبين أنه لم يدرك الركعة الثانية أتمها ظهرا وإن لم ينو وهذا من التوسعة على المسلمين والقول إذا كان فيه توسعة ولم يكن مخالفاً بالنص فعليك به لأن أصل الدين مبني على اليسر والسهولة ومثل ذلك قوله أي ابن شاقلا فيما أظن أنه هو إن الإنسان يجوز أن يدخل في الصلاة بنية فرض الوقت ولا يحتاج إلى التعيين وهذا أيضاً من التيسير على الناس كثير من الناس مثلاً يأتي والإمام راكع في صلاة الظهر ثم يسرع ليدرك الركعة ويغيب عن ذهنه أن هذه هي الظهر لكن لا يغيب عن ذهنه أن هذه هي فرض الوقت وهذا أيضاً فيه توسعة على المسلمين وكثيراً ما ننسى نحن التعيين حتى ولو كان الإنسان أدرك الصلاة من أولها فإذا دخلت بنية أن هذه فرض الوقت كفى لأنه إن كان هو الظهر فإنه يلزم من نيتك فرض الوقت أن تكون الظهر. السائل: رجل أدرك مع الإمام في الجمعة التشهد الأخير ثم بعد ذلك علم أنه لابد أن يتم أربعاً. الشيخ: يستأنف الصلاة يعيدها أربعاً إلا إذا كان مسافراً فإذا كان مسافراً فإن فرضه ركعتان. فصل القارئ: من أحرم مع الإمام ثم زوحم عن السجود فأمكنه السجود على ظهر إنسان أو قدمه لزمه لما روي عن ابن عمر أنه قال إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه أو قدمه رواه أبو داود الطيالسي ولأنه يأتي بما يمكنه حال العجز فوجب وصح كالمريض يومئ فإن لم يمكنه ذلك انتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتبع الإمام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك في صلاة عسفان للعذر والعذر ها هنا قائم وكذلك إن تعذر عليه السجود لعذر من مرض أو نوم أو سهو.

الشيخ: هذه المسألة مهمة جداً وتقع كثيراً في أيام الزحام في المسجد الحرام والمسجد النبوي فالمذهب كما ذكر رحمه الله إذا أمكنه أن يسجد على ظهر إنسان سجد عليه أو على قدم الإنسان سجد عليه ولا يخفى أن هذا فيه شيء من النظر إن كان الذي أمامه امرأة كيف يسجد على ظهر امرأة أو على قدم امرأة وإن كان رجلاً ففي ظني أنه سوف يقع تشويشاً من هذا الرجل الذي سجد على ظهره وهو تصرف في الغير على وجه لا نعلم رضاه به ولهذا كان القول الثاني الذي ذكره المؤلف رحمه الله عند العجز أصح وهو أن ينتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتابع الإمام ويكون التخلف هنا عن الإمام لعذر وفي المسألة قول ثالث أنه يومئ يعني يجلس ويومئ بالسجود إيماءً لأن الإيماء بالسجود فرض من لم يقدر على السجود والقول الثاني والثالث متكافئان لا يتبين رجحان أحدهما على الآخر وذلك لأن القول الأول الذي هو الانتظار يحصل به محذور وهو التخلف عن الإمام والقول الثاني يحصل به محذور وهو الإيماء بدل السجود على الأرض لكن تحصل به موافقة الإمام والأول يحصل به السجود على الأرض وتتخلف عنه متابعة الإمام فهما عندي متقابلان متكافئان إذا عمل بأيهما شاء فأرجو أن لا يكون عليه بأس أما القول الذي قدمه المؤلف رحمه الله فإنه قول ضعيف وما ورد من الآثار فهو اجتهاد ما فيه نص يجب المصير إليه ثم إن الساجد على ظهر الإنسان في الواقع حتى لو سجد على ظهر الإنسان هل هيئته هيئة ساجد؟ لا لأنه يريد أن يسجد مفترشاً ثم يسجد على ظهره إلا إذا كان الذي أمامه قصير القامة وقصير الرجلين وصغير الجسم وهذا رجلاه طوال وكبير الجسم يمكن يكون كهيئة الساجد لكن إن كان مثله فلا يكون كهيئة الساجد. السائل: هل يجوز أن يدخل رأسه بين رجلي الذي أمامه عند الزحام؟ الشيخ: إذا أمكن لا بأس فالحقيقة أنه ما فاته شيء.

القارئ: فإن خاف فوات الركوع مع إمامه لزمه متابعته وترك السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا ركع فاركعوا) ولأنه مأموم خاف فوات الركعة فلزمه متابعة إمامه كالمسبوق فيركع مع إمامه وتبطل الأولى وتصير الثانية أولاه فإن سجد وترك متابعة إمامه بطلت صلاته إن علم تحريم ذلك لأنه ترك الواجب عمدا وإن لم يعلم تحريمه لم تبطل صلاته ولم يعتد بسجوده لأنه أتى به في موضع الركوع جهلا فهو كالساهي وقال أبو الخطاب يعتد بسجوده ويتم ركعته الأولى فإن أدرك الركوع أيضاً صحت له ركعتان وإن فاته الركوع فاتته الثانية وحدها فيقضيها بعد سلام إمامه وتصح جمعته قال ويسجد للسهو وقال القاضي هو كمن لم يسجد فإن أدرك الركوع صحت له الثانية وحدها وإن فاته الركوع وأدرك معه السجدتين سجدهما للركعة الأولى وصحت له ركعة ويقضي ركعة وتمت جمعته لإدراكه ركعة وإن فاتته السجدتان أو إحداهما قضى ذلك بعد سلام إمامه فتصح له ركعة وكذا لو ترك سجدتي الأولى خوفاً من فوات ركوع الثانية فركع معه وزوحم عن سجدتي الثانية فأمكنه السجود في التشهد سجد وإن لم يمكنه سجد بعد سلام الإمام وصحت له ركعة ومثلها لو كان مسبوقاً بالأولى وزوحم عن سجود الثانية وهل يكون مدركاً للجمعة في كل موضع لم يتم له ركعة إلا بعد سلام إمامه على روايتين إحداهما يكون مدركاً لها لأنه قد يحرم بالصلاة مع الإمام أشبه ما لو ركع وسجد معه والثانية لا جمعة له لأنه لم يدرك مع إمامه ركعة فأشبه المسبوق بركوع الثانية وعلى هذه الرواية هل يستأنف أو يتمها ظهراً على وجهين. وإن أحرم مع الإمام فزوحم وأخرج من الصف فصلى فذا لم تصح صلاته وإن صلى ركعة وأخرج في الثانية فأتمها وحده ففيه روايتان إحداهما يتمها جمعة لأنه أدرك مع إمامه ركعة فأشبه المسبوق والثانية يعيد لأنه فذ في ركعة كاملة.

الشيخ: الصحيح في هذه المسائل أنه يسجد إذا قام إمامه وزال الزحام ثم يقوم للثانية ويركع ولو بعد أن رفع إمامه من الركوع وذلك لأن تخلفه عنه إنما كان لعذر فإذا كان لعذر فإنه يعتد بالركعة الثانية وبالركعة الأولى وأما أن يقال إنه إذا خاف أن يفوته ركوع الثانية ترك السجدتين ثم ألغى الركعة الأولى فهذا فيه نظر لأن التخلف عن الإمام لعذر كالمتابعة وهذا هو الذي يطمئن إليه القلب وهو أسهل من هذه الصور التي ذكرها المؤلف رحمه الله فيقال متى زال الزحام فاسجد السجدتين اللتين فاتتا ثم قم للركعة الثانية متابعاً للإمام فإن أدركت الركوع فذاك وإن لم تدركه فلا حرج اركع ثم اتبع إمامك. السائل: مسألة السجود على الظهر أو على القدم لو علم من قرينة الحال أن هذا المسجود عليه يرضى بهذا؟ الشيخ: ما يصح وكما قلت لكم أنه لا يمكن أن يسجد على هيئة السجود أبداً. فصل القارئ: فإن أدرك مع الإمام ركعة فقام ليقضي فذكر أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة أو شك في إحدى السجدتين لزمه أن يرجع إن لم يكن شرع في قراءة الثانية فيأتي بما ترك ثم يقضي ركعة أخرى ويتمها جمعة نص عليه وإن ذكر بعد شروعه في قراءة الثانية بطلت الأولى وصارت الثانية أولاه ويتمها جمعة على المنصوص وفيه وجه آخر أنه لا تحصل له الجمعة لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة كاملة وهكذا لو قضى الثانية ثم علم أنه نسي سجدة لا يدري من أيهما تركها أو شك في ذلك فإنه يجعلها من الأولى وتصير الثانية أولاه فأما إن شك في إدراك الركوع مع الإمام لم يعتد له بالركعة التي مع الإمام وتصير ظهراً قولاً واحدا. الشيخ: أظن هذا واضح لكن القول الصحيح في المسألة في مسألة إذا ذكر أنه لم يسجد الصحيح أنه يرجع ما لم يصل إلى حد السجود وأنه ليس العبرة بكونه استتم قائماً أو شرع في القراءة أو ما أشبه ذلك الصحيح أنه يرجع ما لم يصل إلى حد المنسي.

القارئ: الشرط الرابع أن يتقدمها خطبتان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين يقعد بينهما متفق عليه وقد قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقالت عائشة رضي الله عنها إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة. الشيخ: لو استدل المؤلف بالآية لكان أولى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) ولم يقل فإذا قضي الذكر فدل هذا على أن هناك ذكراً يجب حضوره يكون قبل الصلاة وهذا استدلال واضح أما كون الرسول يخطب خطبتين ويقول (صلوا كما رأيتموني أصلي) فهذا قد ينازع فيه ويقال إن هذا خارج عن الصلاة فلا يدخل تحت الأمر وأما أثر عائشة فهذا ينظر فيه هل ثبت عنها ذلك أو لا؟ فإن كان ثبت عنها ذلك فقد قالته تفقهاً رضي الله عنها ويكون من اجتهادها وقد تخطئ وقد تصيب. القارئ: ومن شرط صحتها حضور العدد المشروط للصلاة لأنه ذكر اشترط للصلاة فاشترط له العدد كتكبيرة الإحرام فإن انفضوا وعادوا ولم يطل الفصل صلى الجمعة لأنه تفريق يسير فلم يمنع كالتفريق بين المجموعتين ويشترط لهما الوقت لذلك ويشترط الموالاة في الخطبتين فإن فرق بين الخطبتين أو بين أجزاء الخطبة الواحدة أو بينهما وبين الصلاة فإن طال بطلت وإن كان يسيراً بنى لأنهما مع الصلاة كالمجموعتين ويحتمل أن الموالاة ليست شرطا لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم يشترط الموالاة بينهما كالأذان والإقامة. الشيخ: نعم الصحيح أنه لا يشترط الموالاة بينهما وبين الصلاة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام يكلم رجلاً كلاماً طويلاً بعد الخطبة وقبل الصلاة فالصواب أنه ليس بشرط أما الموالاة بين الخطبة الواحدة أي بين أجزائها فالظاهر أنها شرط وأما الموالاة بين الخطبتين فالسنة إنما جاءت بفصل يسير بينهما.

القارئ: ولا يشترط لهما الطهارة نص عليه لذلك ولأنها لو شرطت لاشترط الاستقبال كالصلاة وعنه أنها شرط لأنه ذكر شرطت في الجمعة فأشبه تكبيرة الإحرام. الشيخ: قياس ضعيف جداً لأن تكبيرة الإحرام من الصلاة فلابد من أن تكون على طهارة أما الخطبتان فليستا من الصلاة بل أعلى ما يقال فيهما أنهما شرط لها فلا يشترط لها الطهارة. القارئ: ويشترط أن يتولاهما من يتولى الصلاة لذلك لكن يجوز الاستخلاف في الصلاة للعذر لأنه إذا جاز الاستخلاف في بعض الصلاة للعذر ففي الصلاة بكمالها أولى وعنه ما يدل على جواز الاستخلاف لغير عذر قال في الإمام يخطب يوم الجمعة ويصلي الأمير بالناس لا بأس إذا حضر الأمير الخطبة لأنه لا يشترط اتصالها بها فلم يشترط أن يتولاهما واحد كالصلاتين. الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه لا يشترط أن يتولاهما من يتولى الصلاة وأنه يجوز أن يتولاهما واحد ويصلي آخر بل يجوز أن يخطب واحد من الخطبة الأولى والثاني الثانية وثالث الصلاة لأن المقصود يحصل. القارئ: وهل يشترط أن يكون الخليفة ممن حضر الخطبة؟ فيه روايتان إحداها لا يشترط لأنه لا يشترط في صحة جمعته حضور الخطبة إذا كان مأموما فكذلك إذا كان إماما والثانية يشترط لأنه إمام فاشترط حضوره للخطبة كما لو لم يُستَخْلَف. الشيخ: الظاهر عدم الاشتراط. السائل: ما معنى استخلف؟ الشيخ: استخلف يعني أقام من يكمل بهم الصلاة الاستخلاف أن يجعل له خليفة يكمل الصلاة بالناس. فصل القارئ: وفروض الخطبة أربعة أشياء حمد الله تعالى لأن جابراً قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له والثاني الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله كالأذان.

الشيخ: قياس غريب هل كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تفتقر إلى ذكر الرسول أبداً الذبح والوضوء أشياء كثيرة التسبيح في الصلاة بعد الصلاة التكبير في العيدين لكن جاؤوا بشبه هذا يسمونه قياس الشبه وهي أن يتردد فرع بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبهاً وهذا القياس الذي ذكره المؤلف ما يصح لأن الأكثر أن لا يجب ذكر الرسول مع ذكر الله. القارئ: الثالث الموعظة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ وهي القصد من الخطبة فلا يجوز الإخلال بها. الشيخ: المؤلف رحمه الله قال الموعظة وغيره قال الوصية بتقوى الله وما قاله المؤلف أَسَدّ أنها الموعظة سواء بصيغة التقوى أو بصيغة الطاعة وما أشبه ذلك وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لابد من خطبة تتحرك بها القلوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب احمرت عيناه واشتد غضبه وعلا صوته فلابد من أن تحرك القلوب أما أن يأتي بورقة مكتوبة يقرأها عليهم كأنما يقرأها في مجلس فهذا إن أدى الواجب فهي خطبة ضعيفة. القارئ: الرابع قراءة آية لأن جابر بن سمرة قال كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا وخطبته قصدا يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس رواه أبو داود والترمذي. الشيخ: قلت لكم فيما سبق إن المؤلف رحمه الله في هذا الباب خاصة عنده أقيسة غريبة بعيدة كل البعد مثلاً هنا يقول ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت فيها القراءة كالصلاة هل الخطبة فرض على أنها صلاة أو فرض لصلاة؟ والقراءة إنما تجب في الصلاة ولهذا لا تجب القراءة في الوضوء وهو شرط فيه هذه من وجه ومن وجه آخر لو صح القياس لقلنا يجب أن يقرأ الفاتحة لأنها هي الفرض في الصلاة وأنا قلت هنا لتتبينوا أن أقيسة الفقهاء رحمهم الله أحياناً تكون بعيداً عن صحة القياس.

القارئ: ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت القراءة فيها كالصلاة وعن أحمد رضي الله عنه ما يدل على أنه لا يشترط قراءة آية فإنه قال القراءة في الخطبة على المنبر ليس فيه شيء مؤقت ما شاء قرأ. الشيخ: من الناحية التصريفية هل نقول ليس فيه شيء مُوَقَّت أو ليس فيه شيء مؤقت؟ يجوز الوجهان كالتوكيد والتأكيد يجوز فيها تأكيد وتوكيد (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) كذلك هذه قال الله تعالى (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) ولم يقل وقتت فيجوز الوجهان. نص الإمام أحمد رحمه الله لا يدل على عدم وجوب القراءة إنما يدل على عدم وجوب شيء معين ولهذا قال ليس فيه شيء مؤقت ما شاء قرأ ولم يقل إن شاء قرأ فإذا قال ما شاء قرأ معناه أنه يقرأ ولكن من غير تحديد يقرأ ما يشاء وظاهر كلامه رحمه الله أنه يقرأ ما شاء وإن لم تستقل الآية بمعنى ولكن الفقهاء اشترطوا أن تستقل بمعنى فمثلاً (مُدْهَامَّتَانِ) يقول لا تكفي مع أنها آية (ثُمَّ نَظَرَ) لا تكفي مع أنها آية لأنها لا تستقل بالمعنى لكن ظاهر كلام الإمام أحمد أنه يكفي آية ولو لم تستقل بمعنى ويمكن أن يسوق الآية في سياق كلام منه ويكون لها معنى مثلاً يقول في وصف الجنة جنتان فيهما كذا وكذا وكذا مد هامتان فتكون آية لكنها سيقت في كلام الخطيب إنما اشتراط قراءة آية وكون الخطبة لا تصح إلا بذلك في النفس منه شيء لأن المقصود بالخطبة هو الموعظة وبيان الأحكام وتحريك القلوب فقد يكون بآية وقد يكون بغير آية. القارئ: وتشترط هذه الأربعة في الخطبتين لأن ما وجب في إحداهما وجب في الأخرى كسائر الفروض.

الشيخ: الموعظة لا شك أنها شرط ولابد منها وخطبة بلا موعظة ليست بشيء وأما اشتراط حمد الله لعل القول بأنه لابد منه يؤيده أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا خطب حمد الله وأثنى عليه كلما ذكر الناس أنه خطب يقولون حمد الله وأثنى عليه فملازمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للحمد والثناء يدل على أنه لابد منه ثم إن الخطبة إذا لم تبدأ بالحمد كانت بتراء لا بركة فيها فالقول باشتراط الحمد قول قوي لكن لا يشترط له صيغة معينة بأن تقول الحمد الله بل لو قلت أحمد الله وأستعيذه أو أحمد الله وأثني عليه أو اللهم لك الحمد كفى وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يظهر أنها شرط وقد سبق أن التعليل الذي ذكره المؤلف في اشتراطها تعليل عليل فالصواب أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليست بشرط. السائل: لو اقتصر الإنسان على خطبة واحدة فيه محظور أم لا؟ الشيخ: لابد من خطبتين. السائل: ما حكم الجلسة بين الخطبتين؟ الشيخ: الجلوس أفضل وإن بقي قائماً فلابد أن يأتي بما يدل على أنه افتتح الخطبة الثانية لئلا يظن أنه سكت لمانع من الكلام ثم استمر. فصل القارئ: وسننها ثلاث عشرة أن يخطب على منبر أو موضع عال لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبره ولأنه أبلغ في الإعلام.

الشيخ: التعليل الثاني يدل على أنه كلما كان الشيء أبلغ في الإعلام كان أولى وعلى هذا فاستعمال مكبر الصوت في خطبة الجمعة أولى من عدم استعماله وقد كان أول ما خرج نزاع بين الناس هل يجوز أو لا يجوز فبعضهم قال إنه لا يجوز استعمال مكبر الصوت في الخطبة لأنه يشبه أبواق اليهود ومنعوا من أن توضع في مساجدهم وهكذا كل شيء يخرج جديداً على الناس تجد الناس يتنازعون فيه ثم يستقر الأمر على ما فيه الخير فالصواب أن استعمال مكبر الصوت من الأمور المطلوبة لأنه أبلغ في الإعلام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي رأى الأذان قال له (ألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك) وأمر عمه العباس بن عبد المطلب في غزوة الطائف أن ينادي الصحابة الذين أدبروا لأنه كان جهوري الصوت فدل هذا على أن ما قصد به الإعلام كان كلما ارتفع الصوت فيه فهو أولى فإذا قال قائل إذاً ما فائدة كونه على منبر أو موضع عال نقول الفائدة عظيمة وهي المشاهدة لأن كون الناس يرون الخطيب وانفعالاته وتأثراته أبلغ مما إذا سمعوا صوته فقط وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خطب احمرت عيناه واشتد غضبه وعلا صوته فلابد أن يتأثر وهذا لا يحصل إلا إذا كان على موضع عال ولهذا إذا جاءت نسخة من حال الخطيب قولية أو مرئية لم يكن تأثيرها كتأثير الخطيب حين يشاهد الآن، يخطب الخطيب أمام الناس خطبة يتأثر الناس منها كثيراً فإذا سمعوها مسجلة في الشريط لم يتأثروا بها ذاك التأثر بل قد يقول القائل هل هذه هي الخطبة التي سمعناها من فلان لعلها خطبة كانت قديمة لأنه لم يتأثر كذلك أيضاً لو شاهدناه عبر التلفاز وهو يخطب هل تكون مشاهدتنا له كمشاهدتنا له مباشرة؟ لا ولهذا نقول يسن أن يكون على موضع عالٍ ليراه الناس ولكن ما رأيكم في قوم حاضرين يشاهدون الخطيب لكن بأعينهم أو يشاهدون المعلم لكن بأعينهم يستفيدون؟ ما يستفيدون أبداً ما يستفيد إلا إذا أراد

الله أن ينتبه القلب. القارئ: الثاني أن يسلم عقيب صعوده إذا أقبل عليهم لأن جابراً قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم عليهم رواه ابن ماجه. الشيخ: قال الفقهاء رحمهم الله يسلم على من حول الباب لو دخل لأنه مر بهم ثم يسلم إذا أقبل على الناس السلام العام وهل يجب رد هذا السلام؟ فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين. هل يجب إن سمعنا خطيباً يسلم عبر الراديو أن نرد عليه السلام؟ لا، لأنه لا يسلم علينا. هل يجب إذا سمعنا مذيعاً عبر الراديو يسلم يقول أيها المستمعون الكرام السلام عليكم ورحمة والله؟ نعم لأنه يسلم على المستمعين ونحن مستمعون لكن الرد الذي لا يُسمع وما الفائدة منه؟ حصول الدعاء يعني أننا ندعو له الآن لكنه فرض كفاية ويبقى النظر هل نحن نعلم أن أحداً من الناس أسقط عنا هذا الفرض ورد السلام؟ ما نعلم إذاً الأصل شغل الذمة حتى نعلم براءتها وحينئذٍ نرد السلام. إذا كان المُسلِّم غير مسلم لأن بعض الإذاعات يكون المذيعون غير مسلمين هل نرد؟ نعم فماذا نقول؟ وعليكم وإذا قال السلام عليكم باللام الواضحة نقول عليكم السلام. القارئ: الثالث أن يجلس إذا سلم عليهم لأن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب رواه أبو داود. الرابع أن يخطب قائما لأن جابر بن سمرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب رواه مسلم وأبو داود وليس ذلك بشرط لأن المقصود يحصل بدونه. الخامس أن يجلس بينهما لما رويناه وليس بواجب لأنها جلسة للاستراحة وليس فيها ذكر مشروع فأشبهت الأولى.

السادس أن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا لما روى الحكم بن حزن قال (وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئاً على سيف أو قوس أو عصا فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات) رواه أبو داود ولأن ذلك أمكن له فإن لم يكن معه شيء أمسك شماله بيمينه أو أرسلهما عند جنبيه وسكنهما. الشيخ: هذا السادس أن يعتمد أي الخطيب على سيف أو قوس أو عصا يعني أو غيرهما مما يعتمد عليه لأن ذلك أمكن له وأقوى في التحمل لئلا يتعب جسمه ولأنه في الغالب أقوى في إطلاق الكلمات مما لو وقف بدون اعتماد ولهذا اختلف العلماء هل اعتماده على سيف أو قوس أو عصا هل هو مقصود بعينه أو مقصود لغيره؟ من العلماء من قال إنه مقصود بعينه وأنه ينبغي أن يعتمد على سيف أو قوس إظهاراً لعزة المسلمين وأن الإسلام انتصر بالسيف الذي فيه قطع الرقاب والقوس الذي فيه إرسال السهام ومنهم من قال إن هذا مقصود لغيره والمقصود هو الاتكاء سواء على هذا أو على هذا وأن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ على هذه دون قصد وإنما وقع اتفاقاً فقط وفي هذا أيضاً دليل على أن الخطيب في الجمعة ليس كالخطيب في غير الجمعة، الخطيب في غير الجمعة يتحرك وإذا جاء ذكر الله رفع أصبعه إلى السماء وإذا جاء شيء فيه انفعال قال هكذا بيده وهز يده وما أشبه ذلك لكن في الجمعة لا ولهذا جاءني قبل سنتين تقريباً رجل عامي قال والله خطبنا واحد وقام يهوشن قلت له كيف؟ قال يقول كذا وكذا وإما يلتفت هنا وإما يلتفت هنا نعم هذا غير مشروع هذا وإن كان يحمس الناس لكن في غير هذا الموضع لأن المقصود هنا الموعظة ولهذا قال المؤلف رحمه الله أمسك شماله بيمينه كيف؟ كذا شماله بيمينه لكن ما هو على الصدر أو أرسلهما عند جنبيه وأسكنهما يعني ما يتحرك. السائل: إذاً تسقط الورقة؟ الشيخ: لا يخطبون من ورقة ولهذا قالوا لا بأس أن يخطب من صحيفة ما كانوا يعتدون بهذا.

السائل: في بعض البلدان إذا أذن الأذان الأول يقوم الإمام يقول ترجمة الخطبة بغير العربية حتى إذا جاء وقت الأذان الثاني يخطب بالعربي. الشيخ: أنا أرى أنه إذا كان يخطب في قوم لسانهم غير عربي أن يخطب بلسانهم ولا حاجة للخطبة العربية لأن التعبد باللسان العربي ليس وارداً إلا في القرآن وإذا كنا نريد أن نبين لهؤلاء فليكن بلسانهم قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) وأي فائدة في أن يتكلم بلسان هؤلاء القوم ثم يأتي به بالعربية ليس فيه فائدة إلا إطالة الوقت عليهم وإملالهم وهذا غير مطلوب. السائل: بالنسبة للدرس قبل الخطبة في بعض البلاد كأنه واجب عندهم أنه ينبغي أن يقوم الخطيب أو غيره بإلقاء درس قبل الخطبة؟ الشيخ: هذا غلط بدعة تذهب فائدة السنة لأنه إن كان في موضوع الخطبة فلا فائدة منه وإن كان في غير موضوع الخطبة صار حديث الناس والتهوا به عن الخطبة فضاعت الفائدة. السائل: قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعمى (هل تسمع النداء) قال نعم قال (فأجب) هل نقول ذلك لمن يسمعه بمكبر الصوت؟ الشيخ: لا هذا يقاس بما لو أذن المؤذن من غير مكبر الصوت كما أن العكس كذلك لو كان الإنسان قريباً ولا يسمع المؤذن لصممه مثلاً هل يجيب أو لا يجيب؟ يجب والله أعلم. القارئ: السابع أن يقصد تلقاء وجهه لأن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراضاً عمن في الجانب الآخر. الثامن أن يرفع صوته لأن جابراً قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم ولأنه أبلغ في الإسماع.

الشيخ: هذا من آداب الخطبة أن يرفع صوته وأن يكون متأثراً بالخطبة ليكون مؤثرا لقول جابر كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم يعني العدو ومساكم ثم يقول (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله) يقول (أما بعد) وليس يقول ثم أما بعد كما أحدثها المحدثون نسمع بعض الإخوان يقول ثم أما بعد وهذه الثُّم جاءت من كيسه ولا وجه لها هنا لأن أما بعد كلام مستأنف وقد قيل إنها يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر لكن هذا فيه نظر لأنه لو كان يؤتى بها من أسلوب إلى آخر لكان يأتي بها كلما أتى بموضوع ولكنه يؤتى بها للدخول إلى موضوع الخطبة أو الكلام هذا هو الصحيح يؤتى بها للدخول في الموضوع وقوله (أما بعدُ) مبني على الضم لحذف المضاف إليه. (فإن خير الحديث كتاب الله) لا شك فكتاب الله حديث وهو خير الحديث خيره من كل وجه خيرية مطلقة.

(وخير الهدي) يعني السلوك والمنهج (هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فصار عندنا الآن شريعة وعندنا ما يحصل به الشريعة الكتاب تحصل به الشريعة والشريعة منهاج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالكتاب خير الحديث كتاب الله وفي هذا الحديث دليل على أن القرآن يسمى حديثاً وقد قال الله تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً) (وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها) شر الأمور جمع أمر والمراد به أمور الدين أما أمور الدنيا فالحادث فيها ليس ببدعة شرعية وقوله (وكل بدعة ضلالة) كل بدعة يعني كل محدثة ضلالة لأن البدعة هي ما ابتدع وأحدث ضلالة حتى وإن زعم صاحبها أنه على هدى وأنه يريد الخير فإنها ضلالة لا تزيده من الله إلا بعدا فإن قال قائل كيف نجمع بين هذا الحديث الذي يعلنه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الخطبة وبين قوله صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) قلنا الحمد لله أن ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقع فيه تناقض وإنما التناقض في الفهم فالبدعة التي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام هي بدعة الدين أن يأتي الإنسان بدين لم يشرع سواء كان عقيدة أو قول أو فعل والسنة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة) المراد بها الفعل يعني تنفيذ السنة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها حينما جاء الرجل بصرة أثقلت يده بعد أن حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الصدقة فإن هذا سن العمل بهذه السنة فكان أول الناس والناس له تبع أو يقال المراد بالسنة ما كان وسيلة لأمر مشروع كسنة تنقيط المصحف وإعرابه وجمعه وبناء المدارس وما أشبه ذلك هذه لا شك أنها سنة حسنة وإن كان لم يوجد أصلها في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبذلك تلتئم الأدلة هنا يقول (إن خير الحديث كتاب الله) ونسمع بعض إخواننا

يقول فإن أصدق الحديث كتاب الله فإن صحت هذه الجملة بهذا اللفظ عن الرسول عليه الصلاة والسلام فعلى العين والرأس وإن لم تصح فإنه قد بخس الحديث حقه لأن الخيرية خيرية مطلقة في الصدق في الخبر والعدل في الحكم وإصلاح المنهج وغير ذلك والصدق إنما يكون وصفاً للكلام فقط وليس لكل كلام بل للخبر من الكلام. السائل: بعضهم يقول إن أحسن؟ الشيخ: إن أحسن أقرب إلى قوله إن خير. القارئ: التاسع أن يكون في خطبته مترسلاً معربا مبيناً من غير عجلة ولا تمطيط لأنه أبلغ وأحسن. الشيخ: صحيح هذا لا شك أنه من المستحب إذا ترسل الخطبة وصار أيضاً أحياناً يفعل ما يوجب الانتباه بأن يزيد في قوة الصوت أو ما أشبه ذلك فهذا أيضاً من الأمور المطلوبة. القارئ: العاشر تقصير الخطبة لما روى عمار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة) رواه مسلم. الشيخ: هذا أيضاً من السنة أن يقصِّر الخطبة إلا إذا استدعت الحاجة أحياناً إلى التطويل بأن كان الموضوع يحتاج إلى بسط أو إلى زيادة إيضاح وما أشبه ذلك فعلى ما تدعو الحاجة إليه وإلا فالأفضل التقصير. القارئ: الحادي عشر ترتيبها يبدأ بالحمد لله ثم بالصلاة على رسوله ثم يعظ لأنه أحسن والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالحمد لله وقال (كل كلام ذي بالٍ لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر).

الشيخ: لم يذكر المؤلف التشهد ولم يذكر الآية أين يكون موضعها وقد جرت عادة الخطباء أن تكون الآية في آخر الخطبة لتكون كالدليل لما سبق ومن ثم تختار الآية المناسبة للخطبة فمثلاً إذا كان يدعو إلى فعل الخير أتى بالآيات التي تدل بالحث على فعل الخير ولم يذكر التشهد ولكن هذا يعتبر تقصيراً من المؤلف رحمه الله وإلا فالتشهد أمر مطلوب في الخطبة كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم أصحابه خطبة الحاجة وفيها وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله والتشهد في الخطبة كالحمد في الخطبة بل إن بعض العلماء قال إن التشهد فيها ركن وأنه لا تصح خطبة ليس فيها تشهد. السائل: بعض الناس الآن إذا انتهى الإمام من صلاة الجمعة قام ويتكلم ويعظ الناس فهل هذا جائز؟ الشيخ: هذا بارك الله فيك إذا كان ممنوعاً من قبل ولاة الأمور فالواجب السمع والطاعة وإذا لم يكن ممنوعاً فتركه أولى حتى إن الإمام أحمد قال لا يستمع إليه إلا أن يكون كتاباً من السلطان ولأن هذه الموعظة إما أن تكون في موضوع الخطبة فلا داعي لها وربما يكون فيها شيء من لمز الخطيب وأنه لم يوفِ بالمقصود وإن كانت خارجة عن موضوع الخطبة مسحت موضوع الخطبة من أفهام الناس وصار الذي في أذهانهم ما قيل بعد الصلاة فلهذا فيها ضرر كما أن فيها ضرراً أيضاً من وجه آخر وهي أن بعض الناس قد يكون له حاجة في الخروج من المسجد لكنه يخجل من أن يقوم أمام الناس فتجده محصوراً متعباً في مدافعة الأخبثين ولكنه لا يستطيع أن يخرج أمام الناس بسبب من الأسباب ثم يقال إنها إذا بقيت هذه الكلمة راتبة كل جمعة صارت الجمعة لها ثلاث خطب خطبتان قبلها وخطبة بعدها وهذا تغيير للهيئة والصفة التي جاءت بها السنة. القارئ: الثاني عشر أن يدعو للمسلمين لأن الدعاء لهم مسنون في غير الخطبة ففيها أولى وإن دعا للسلطان فحسن لأن صلاحه نفع للمسلمين فالدعاء له دعاء لهم.

الشيخ: الدعاء للمسلمين لا ينبغي أن يكون سنة راتبة لو صح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين في كل جمعة لأخذنا به لكنه ضعيف وعلى هذا فالدعاء للمسلمين لا ينبغي أن يكون دائماً في كل خطبة وكذلك الدعاء للسلطان لكن يفعله أحياناً. وإذا كان الدعاء للسلطان لا يرضي بعض الناس فيُدعى وإن لم يرضَ لأن بعض الناس نسأل الله العافية إذا رأى من السلطان انحرافاً قال لا تدعو له ادعو عليه بأن الله يهلكه وهذا غلط ادعو له بالهداية لأن الدعاء له كما قال المؤلف دعاء للمسلمين عموماً إذ بصلاحه صلاح الرعية غالباً. القارئ: الثالث عشر أن يؤذن لها إذا جلس الإمام على المنبر لأن الله تعالى قال (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) يعني الأذان قال السائب كان النداء يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث رواه البخاري وهذا النداء الأوسط هو الذي يتعلق به وجوب السعي وتحريم البيع لأنه الذي كان مشروعاً حين نزول الآية فتعلقت الأحكام به ويسن الأذان الأول في أول الوقت لأن عثمان سنه وعملت به الأمة بعده وهو مشروع للإعلام بالوقت والثاني للإعلام بالخطبة والإقامة للإعلام بقيام الصلاة.

الشيخ: قوله رحمه الله يسن الأذان الأول في أول الوقت وأول الوقت عند الحنابلة في صلاة الجمعة عند ارتفاع الشمس قيد رمح وعلى هذا فيكون المشروع في الأذان الأول يوم الجمعة أن يكون بعد ارتفاع الشمس بمقدار رمح لكن الأذان في هذا الوقت لا يفيد كثيراً لأنه لن يستجيب إلا النادر وكذلك على العكس من ذلك من لا يؤذن الأذان الأول إلا إذا زالت الشمس ثم بعد دقيقتين أو ثلاث يأتي الإمام ويؤذن الأذان الثاني هذا لا قيمة له في الواقع فأحسن ما يكون أن يكون قبل الوقت بساعة أو نحوها أي قبل الزوال بساعة أو نحوها حتى يتهيأ الناس للحضور إذا أذن الأذان الثاني. وقوله وكثر الناس زاد النداء الثالث كيف النداء الثالث؟ الإقامة حسبت لأنها تعتبر نداءً لكنها حسبت تبعاً وهذا الذي ظنه بعض الناس أي أنه يؤذن عند دخول الوقت الذي هو الزوال ثم يحضر الإمام فيؤذن مرة ثانية يشبه ما روي في أذان بلال وابن أم مكتوم في رمضان أنه ليس بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا فإن هذه الرواية شاذة ولا تستقيم وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في أذان بلال (ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم) وإذا كان لإيقاظ النائم حتى يتسحر ولإرجاع القائم حتى يتسحر فهل يمكن أن يحصل هذا وليس بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا؟ لا يمكن ولذلك لا شك أن بين أذانيهما وقتاً يتسع للسُّحور. السائل: هل يدعو للإمام أن يطيل الله عمره ولو كان عنده منكرات أو يدعو له بالهداية؟ الشيخ: لا، يدعو الله تعالى أن يطيل عمره في طاعته ولكن إذا قال اللهم اهدِ الإمام أحسن لأن الناس قد لا يتفطنون لقوله أطل عمره في طاعته أو قد يظنون أن هذا الداعي يحابي الإمام وليس له هم إلا أن يطيل عمر الإمام لكن إذا دعا له بالهداية والتوفيق وصلاح البطانة والاستقامة فهذا أحسن. فصل

القارئ: ولا يشترط للجمعة إذن الإمام لأن علي رضي الله عنه صلى بالناس وعثمان رضي الله عنه محصور ولأنها من فرائض الأعيان فلم يعتبر لها إذن الإمام كالظهر قال أحمد وقعت الفتنة بالشام تسع سنين فكانوا يجمِّعون لكن إن أمكن استئذانه فهو أكمل وأفضل وعنه أنها شرط لأنه لا يقيمها في كل عصر إلا الأئمة. الشيخ: والصحيح أنها ليست بشرط وأنها لو أقيمت الجمعة بغير إذن الإمام في مكان تقام فيه الجمعة فإنها صحيحة لكن إذا قال الإمام لا يقيم أحد الجمعة إلا بإذني فحينئذٍ يتعين أن يستأذن حفظاً للنظام وعدم التلاعب لأنه لو لم يرجع إليه لصار كل أهل حي يريدون أن يقيموا في مسجدهم جمعة فتحصل الفوضى أما كونها شرطاً لصحة الصلاة بحيث لا تصح الصلاة إلا بإذنه ففي النفس منه شيء. فصل القارئ: وتصلى خلف كل بر وفاجر لحديث جابر ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة وتختص بإمام واحد فتركها خلف الفاجر يفضي إلى الإخلال بها فلم يجز ذلك كالجهاد ولهذا أبيح فعلها في الطرق ومواضع الغصب صيانة لها عن الفوات. الشيخ: يعني لا يشترط في إمام الجمعة أن يكون عدلاً بل تصح خلف كل بَرٍّ وفاجر وعلل المؤلف رحمه الله ذلك: أولاً بحديث جابر السابق أن نصلي خلف كل بر وفاجر. والثاني أن هذا من عمل المسلمين فإن المسلمين ما زالوا يصلون خلف الأئمة الذين يقيمون الجمعة وهم ليسوا على بِر. والثالث أنها من شعائر الإسلام الظاهرة وظاهر كلام المؤلف أن ما كان من شعائر الإسلام الظاهرة فإنه يصح من البر والفاجر وعليه فيصح أذان الفاجر لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة ومن ثم قال العلماء إنه يشترط في الأذان أن يكون المؤذن عدلاً ولو ظاهرا. الرابع أنها تختص بإمام واحد فلو قلنا لا تصلى خلف فاجر لزم أن لا تقام الجمعة أبداً إذا كان الإمام فاجراً.

ويقول يجوز فعلها في الطرق ومواضع الغصب صيانة لها عن الفوات الصحيح أن هذا ليس من خصائص الجمعة وأن الصلاة في الطريق صحيحة والنهي عن الصلاة في الطريق ضعيف وأما مواضع الغصب يعني مثل أن تكون الأرض مغصوبة حول المسجد فيصلى فيها الجمعة فلا بأس والصحيح أنه حتى غير الجمعة وأن الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحة لكنه يأثم حيث منعها صاحبها وأما الصلاة فصحيحة لأن النهي لم يرد عن الصلاة بل النهي ورد عن الغصب فالجهة إذاً منفكة لو قيل لا تصلي في مكان حرام فصلى في مكان غصب بطلت الصلاة لكن لم يأتِ هكذا بل قيل لا تغصب (إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم) فالنهي إذاً ليس عن الصلاة ولكن عن الاغتصاب، اغتصاب الأرض فهو أمر خارج ولهذا كان القول الراجح في جميع المغصوبات كثوب السترة وماء الوضوء وما أشبه ذلك الصحيح أن عدم الغصب ليس شرطاً للصحة. السائل: الصلاة في المسجد الضرار ما حكمه؟ الشيخ: الصلاة في مسجد الضرار لا تصح لأن الله نهى عنه قال (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً). ومسجد الضرار ليس كالمغصوب ولهذا أرض مسجد الضرار حلال ليست حراماً لكن الصلاة فيه منهي عنها فلو صلى في مسجد الضرار بطلت صلاته. السائل: بعض المساجد مبنية على أرض مغصوبة والباني له الأوقاف فبعض الناس يتحرج من الصلاة فيه؟ الشيخ: على كل حال القول الصحيح أنه تصح الصلاة والإثم على من غصبه. فصل القارئ: وإذا فرغ من الخطبة نزل فأقيمت الصلاة فصلى بهم ركعتين يقرأ في كل ركعة بـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وسورة معها ويجهر بالقراءة للإجماع ونقل الخلف عن السلف.

الشيخ: هذا من خصائص الجمعة أنه يجهر فيها بالقراءة والحكمة والله أعلم اجتماع الخلق الكثير وتأكيد الاجتماع لكونهم على قارئ واحد ولهذا يسن الجهر بالقراءة النهارية في الجمعة وفي العيد وفي الكسوف وفي الاستسقاء لأنها صلوات يجتمع فيها الناس فيكون أكبر عدد ممكن على إمام واحد بخلاف السرية فإن السرية هذا يقرأ سورة وهذا يقرأ سورة ولا يجتمعون وكذلك أيضاً الليل يجهر فيه بالقراءة في الجماعة من أجل اجتماع القلب على قراءة واحدة. القارئ: ومهما قرأ به بعد أم الكتاب فيها أجزأه إلا أن المستحب أن يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين أو بـ (سبح) و (الغاشية) لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في الجمعة وعن النعمان بن بشير قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين والجمعة بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) رواهما مسلم. فصل القارئ: ومتى أمكن الغنى بجمعة واحدة في المصر لم يجز أكثر منها لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة وإن احتيج إلى أكثر منها جاز لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير فصار إجماعا ولأنها صلاة عيد فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة في غيرها. الشيخ: المؤلف رحمه الله استدل على جواز التعدد للحاجة: أولاً بفعل المسلمين فإن المسلمين منذ القرن الثالث يصلون عدة جمع وأخذ الناس ذلك صاغراً عن كابر وهذه حجة. الثاني قال ولأنها صلاة عيد فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة كغيرها يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى مصلى العيد وخلَّف علي بن أبي طالب يصلي بالضعفة في المسجد وهذا أصل.

القارئ: وإن استُغْنِيَ بجمعتين لم تجز الثالثة فإن صليت في موضعين من غير حاجة وإحداهما جمعة الإمام فهي الصحيحة ويحتمل أن السابقة هي الصحيحة لأنه لم يتقدمها ما يفسدها وبعد صحتها لا يفسدها ما بعدها والأول أولى لأن في تصحيح غير جمعة الإمام افتئاتاً عليه وتبطيلاً لجمعته ومتى أراد أربعون نفساً إفساد صلاة الإمام والناس أمكنهم ذلك. الشيخ: هذا تبع التعليل الأول يعني يقول يحتمل أن السابقة هي الصحيحة ولكن بماذا يكون السبق هل هو بالتقدم الزمني في تكبيرة الإحرام أو بالتقدم الزمني في إقامة الجمعة الصحيح الثاني والمذهب الأول لكن يقول الشيخ رحمه الله إن الأول هو الصحيح الأول أولى وعلل ذلك قال لأن في تصحيح غير جمعة الإمام افتياتاً عليه وتبطيلاً لجمعته ومتى أراد أربعون نفساً إفساد صلاة الإمام والناس أمكنهم ذلك ماذا يصنعون؟ يسبقون بالصلاة يجتمع ناس مثلاً في مسجد حي من الأحياء ويقول الإمام مثلاً والجماعة الآن يصلون في الجامع الكبير كل أهل البلد إلا القليل تعالوا نحن أربعون نفراً نريد نصلي الجمعة في مسجدنا ونريد أن سبق جمعة الإمام لكي تكون صلاة الإمام والناس كلهم صلاة باطلة وهذا تعليل جيد لأن بعض أهل الشر يفعلون هذا يقول ما دام الصحيحة هي السابقة بالإحرام تعال فإذا صلوا جمعتهم خطب الخطيب وصلوا الجمعة وذهبوا إلى المسجد الكبير الذي فيه الإمام نادوا بأعلى أصواتهم أيها الناس إن جمعتكم باطلة لأنكم مسبوقون وهذا ربما يقع على كل حال الصحيح أنه ما باشرها الإمام أو أذن فيها فإن تساوتا في الإذن أو عدمه فالسابقة ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذا. القارئ: فإن لم يكن لإحداهما مزية فالسابقة هي الصحيحة لما ذكرنا وتفسد الثانية وإن وقعتا معاً فهما باطلتان لأنه لا يمكن تصحيحهما ولا تعيين إحداهما بالصحة فبطلتا كما لو جمع بين أختين.

الشيخ: يعني كما لو جمع بين أختين في عقد واحد بأن قال أبوهما زوجتك ابنتيَّ فإنه لا يصح العقد واعلموا أن هذه المسألة هي مسألة فرضية في الواقع لأنه من يدرك ولا سيما في زمنهم رحمهم الله أن هاتين الجمعتين كانتا تكبيرة الإحرام فيهما واحدة في آن واحد هذا بعيد لكن إن وقع. القارئ: كما لو جمع بين أختين وعليهم إقامة جمعة ثالثة لأنه مصر لم تصلِّ فيه جمعة صحيحة وإن علم سبق إحداهما وجهلت فعلى الجميع الظهر لأن كل واحد لم يتيقن براءة ذمته من الصلاة وليس لهم إقامة الجمعة لأن المصر قد صليت فيه جمعة صحيحة. الشيخ: إذاً سوف يصلي هؤلاء جمعتين وظهرين. القارئ: وإن جهل الحال فسدتا وهل لهم إقامة الجمعة على وجهين أحدهما لا يقيمونها للشك في شرط إقامتها والثاني لهم ذلك لأننا لا نعلم المانع من صحتها والأصل عدمه وذكر القاضي وجهاً في إقامتها مع العلم بسبق إحداهما لأنه لما تعذر تصحيح إحداهما بعينها صارت كالمعدومة. الشيخ: والصحيح في هذه المسائل أنه إذا أقيمت بالفعل فإن الإنسان يتحرى المسجد الأول الذي تقام فيه الجمعة فيصلي فيه فإذا امتلأ صلى فيما أقيمت فيه الجمعة بعده وذلك لأن الضرر إنما كان في الزائد فالأول الذي وضع أولاً هو مسجد جمعة فيحرص الإنسان على أن يصلي فيه فإن امتلأ ففي المسجد الذي كان بعده فإن امتلأ ففي الثالث وإن شق عليه أو كان لا يعلم فيصلي في أي مسجد وتصح الصلاة أما أن نلزم العامة بإعادة الصلاة ونقول صلاتكم باطلة فهذا فيه مشقة على الناس تندفع بتيسير هذا الإسلام. القارئ: ولو أحرم بالجمعة فعلم أنها قد أقيمت في مكان آخر لم يكن له إتمامها وهل يبني عليها ظهراً أو يستأنفها؟ على وجهين أصحهما استئنافها لأن ما مضى منها لم يكن جائزاً له فعله ويعتبر السبق بالإحرام لأنه متى أحرم بإحداهما حرم الإحرام بالأخرى للغنى عنها.

الشيخ: وقد سبق لنا أن الصحيح أن المعتبر الأسبق إقامة وأن المسجد الذي كانت تقام فيه الجمعة هو الأصل والثاني هو الذي جاء كمسجد الضرار. السائل: إن كان إمام المسجد الأول صوفي فإن تمكن الشباب الملتزم من إقامة جمعة ولو كانت زائدة فهل يجوز لهم؟ الشيخ: لا ما يجوز يقال هذا الصوفي إن كان رجلاً خارجاً عن الإسلام فالواجب إزالته وإن كانت صوفيته لا تخرجه وقد نصب من ولاة الأمور فلا يجوز الاختلاف عليه. فصل القارئ: ولا يجوز لمن تجب عليه الجمعة السفر بعد دخول وقتها لأنه يتركها بعد وجوبها عليه فلم يجز كما لو تركها لتجارة إلا أن يخاف فوت الرفقة فأما قبل الوقت فيجوز للجهاد لما روى ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فقدم أصحابه وقال أتخلف فأصلي مع رسول الله ثم ألحقهم قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال (ما منعك أن تغدو مع أصحابك) فقال أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم) من المسند وهل يجوز لغير الجهاد؟ فيه روايتان إحداهما يجوز لأن عمر قال الجمعة لا تحبس عن سفر ولأنها لم تجب فأشبه السفر من الليل والثانية لا يجوز لما روى ... الدارقطني في الأفراد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره).

الشيخ: الحديث الأول حديث ابن عباس في قصة بعث عبد الله بن رواحة قد يعارض في استدلال المؤلف فيقال إن وقت الجمعة كوقت الظهر لا يدخل إلا بعد الزوال يعني إلا إذا زالت الشمس وعلى هذا فيكون سفر عبد الله بن رواحة قبل دخول الوقت والصحيح أنه يجوز أن يسافر ما لم يؤذن لها فإن أذن لها فإنه لا يجوز أن يسافر لقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فأوجب الله السعي عند أذان الجمعة وأما قبل ذلك فإنه لا يلزمه البقاء خصوصاً مثل أوقاتنا الآن إذا كان يمكنه أن يأتي بأهل طريق بحيث يعرج على بعض البلاد ويقيم فيها الجمعة. السائل: الاعتراض على استدلال المؤلف على حديث ابن عباس ما فهمته؟ الشيخ: عبد الله بن رواحة بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فقدم أصحابه وقال أتخلف فأصلي مع الرسول فهنا ذهبت السرية بعد دخول وقت الجمعة لأن على المشهور من المذهب يدخل وقتها إذا ارتفعت الشمس قيد رمح فيقول المؤلف يجوز للجهاد فنقول من يقول إنه دخل وقت الجمعة. فصل

القارئ: ويجب السعي بالنداء الثاني لما ذكرنا إلا لمن منزله في بعد فعليه أن يسعى في الوقت الذي يكون به مدركاً للجمعة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ويستحب التبكير بالسعي لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) متفق عليه وقال علقمة خرجت مع عبد الله يوم الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة) رواه ابن ماجه. الشيخ: في الحديث الأول من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة هل المراد بذلك أن يكون عليه جنابة بحيث يجامع أهله ثم يغتسل أو المراد غسل الجنابة يعني كغُسلها؟ الثاني هو المراد وقوله (ثم راح فكأنما قرب) لفظ الرواية بدون (في الساعة الأولى) ولهذا يحتاج إلى التخريج لأنها عندي (في الأولى) مصححه والذي أحفظه من البخاري أنه ليس فيها في الأولى (من راح فكأنما قرب) وهذا الرواح ليس معناه الذهاب بعد زوال الشمس وإنما المراد به مطلق الذهاب كما هو اللغة المشهورة عندنا الآن نقول فلان راح ولو كان في الليل فلان راح لكذا ولو كان في أول النهار فقوله (من راح) يراد به المشي أي مطلق الرواح خلافاً لمن فهم أن المراد من راح أي بعد زوال الشمس وعلى هذا فتكون الساعات كلها في خلال ربع ساعة وهذا بعيد فالصواب أن المراد (راح) أي ذهب فهي على مطلق الرواح.

وفيه أيضاً تفاوت الأجر بتفاوت العمل فيؤخذ منه حكمة الله عز وجل في المجازاة وأن الجزاء من جنس العمل أما لم كان هذا التفاوت؟ فهذا ليس إلينا لأن تقدير الأجور والثواب عند الله عز وجل وليس لنا من الأمر شيء فلا يقال لماذا كان الأول كأنما قرب بدنة والأخير كأنما قرب بيضة لأن هذا أمر يرجع إلى الله عز وجل وليس لنا إلا مطلق التسليم. وفيه أيضاً لماذا خص الكبش الأقرن؟ قالوا لأن الكبش الأقرن في الغالب يكون أقوى وأكبر حجماً فيميز على غيره ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أضحيته يختار الأقرن. وقد استدل بعض العلماء بجواز الأضحية بالدجاج قال لأنه قال (فكأنما قرب دجاجة) فجعلها في مصاف بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم فتجوز التضحية بالدجاجة بالديك فيقال له إذن جَوِّز الأضحية بالبيضة لأنه قال (فكأنما قرب بيضة) وهو استدلال غريب لكن بعض الناس يأخذ بظاهر اللفظ ولا ينظر إلى النصوص الأخرى الدالة على أن الأضاحي إنما هي من بهيمة الأنعام لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) وفي الحديث أيضاً أن الملائكة تستمع إلى الخطبة فبينما هي على أبواب المساجد مساجد الجمع فإنه إذا جاء الإمام تركت الكتابة وأنصتت للخطبة فإن قال قائل أي فائدة للملائكة بسماع الخطبة؟ قلنا إن وجودهم بركة وخير ويكون هذا من باب زيادة النعمة على مصلي الجمعة أن الملائكة تحضر وتستمع ثم هي إذا سمعت تعظيم الله عز وجل في هذه الخطبة وتلاوة آياته وموعظة المسلمين لا شك أنهم يزدادون إيماناً وإن كانوا هم على أعلى ما يكونوا من الإيمان لكن كلما قوي الإيمان كان أكمل. وفيه أيضاً في الحديث تسخير الله عز وجل لبني آدم الملائكة تسخر لهم تقف على أبواب المساجد تكتب كل من جاء الأول فالأول يعني كأنهم جنود جندهم الله عز وجل ليكتبوا الأول فالأول.

وفي هذا دليل على أن الخطبة تسمى ذكراً ونستفيد من هذه الفائدة وجوب حضور الخطبة واستماعها لقول الله تعالى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فنقول (إلى ذكر الله) أي إلى الخطبة فيستدل به على وجوب حضور خطبة الجمعة والاستماع إليها. وفي حديث علقمة مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه دليل على حرص الصحابة على التقدم في الجمعة وعلى تأسفهم إذا وجدوا غيرهم قد سبقهم لقول ابن مسعود (رابع أربعة) كأنه انتقد نفسه وأحب أن يكون هو الأول والمراد تقدم الإنسان في نفسه لا بمنديله ولا بكتابه ولا بكرسي المصاحف كما يفعل بعض الناس اليوم تجده يضع المنديل بعضهم يضع المسواك بعضهم يضع المفاتيح وما أبلغ أمنه إذا وضع المفاتيح لأنه يخشى أن يأتي إنسان يأخذ المفاتيح ويقول الحمد لله مفتاح سيارة ومفتاح باب لكن مع ذلك عندهم قوة أمن فالمراد بالتقدم إلى الجمعة أن يتقدم الإنسان بنفسه ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله في جواز وضع الشيء في المكان ليحجزه لنفسه؟ فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من منعه فمن أجازه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن ببناء الخيمة في المسجد وهذا نوع من الحجز لأن مكان الخيمة لن يصلي فيه أحد ولن يستقر فيه إلا صاحبه ومنهم من منع ذلك وقال إنه لا يجوز وأن هذا تحجر لمكانٍ غيرُه أحق به منه والراجح التفصيل في هذا أنه إذا وضع هذا الشيء ليحجز به المكان وهو قد خرج من المسجد لعذر وسيعود بعد انتهاء عذره فإن هذا لا بأس به لحاجة الإنسان إلى الخروج وإن كان وضع هذا المكان وخرج إلى بيته وأهله ومتجره فهذا جناية على من سبق لأنه أحق بهذا المكان منه. السائل: الذي ذكرته في زيادة الساعة الأولى قال محقق الكافي طبعة دار الفكر الشيخ سليم يوسف وهذه الزيادة انفرد بها مالك في الموطأ والحديث منسوب للشيخين وهذه الزيادة ليست عندهما فلم نثبتها في المتن وليست عندنا في الأصل.

الشيخ: لكن إذا قيل كيف نعرف أنها الأولى؟ نقول لأنه لما قال ومن راح في الثانية فيكون قوله من راح يعني في الأولى ومن راح يعني في الثانية فهو وإن لم تكن موجودة لفظاً فبقية الحديث يدل عليها. القارئ: ويستحب أن يأتيها ماشياً ليكون أعظم للأجر وعليه سكينة ووقار لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تأتوا الصلاة وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار) متفق عليه ويقارب بين خطاه لتكثر حسناته. الشيخ: أما كون الأفضل أن يأتيها ماشياً فكما قال المؤلف رحمه الله لأجل أن ينال أجر الخطا. وأما قوله رحمه الله ويقارب بين خطاه ففي هذا نظر لأن المقاربة بين الخطا أمر يقصد ولو كان من الأمور المشروعة لبينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة ويحط بها عنه خطيئة) فالمراد الخطوة المعتادة وأما أن يقصر خطاه بزيادة الأجر ففي هذا نظر ظاهر. وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (عليكم السكينة والوقار) الفرق بينهما أن الوقار في الظاهر والسكينة في الباطن قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) فيكون ساكن القلب مطمئناً وقوراً بحيث لا يتحرك حركات تخالف الوقار والمروءة. فصل القارئ: ويستحب أن يغتسل ويتطيب ويتنظف بقطع الشعر وقص الظفر وإزالة الرائحة لما روى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج) فلا يفرق بين اثنين ثم صلى ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه البخاري. الشيخ: قوله يستحب أن يغتسل سيأتي رواية أخرى عن أحمد أن الغسل واجب وقوله ويتطيب بماذا يتطيب؟ بالطيب البخور أو الدهن والدهن أبقى.

وقوله ويتنظف بيَّن التنظيف بقوله بقطع الشعر وقص الظفر وإزالة الرائحة، قطع الشعر الذي يسن قطعه مثل الشارب والأبط والعانة ولا تترك هذه الأشياء الثلاثة فوق أربعين يوماً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقتها ولو جعل الإنسان لنفسه موعداً معيناً حتى لا ينسى لكان حسناً مثل أن يتخذ أول جمعة في الشهر أو آخر جمعة أو ثاني جمعة أو ثالث جمعة من كل شهر لا تعبداً لله بهذا التوقيت ولكن لأجل أن لا ينسى لأن الإنسان إذا ترك التوقيت نسي فزاد على أربعين إلا إذا طال الشعر أو الظفر قبل الأربعين فتزال من حيث تطول. القارئ: وعنه أن الغسل واجب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (غسل الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأن يمس طيبا) رواه مسلم. الشيخ: المؤلف رحمه الله أخطأ في هذا الحديث من وجهين الوجه الأول أنه قال لما روي وهذه صيغة تدل على التضعيف. الثاني أنه قال رواه مسلم مع أن الجملة الأولى منه (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) قال في البلوغ إنه أخرجها السبعة كل أصحاب السنن والصحيح أخرجوها البخاري ومسلم والإمام أحمد كلهم أخرجوا هذا الحديث (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) وهذا هو الصحيح أنه واجب ويدل عليه أمور الأول لفظ (واجب) صريح في الوجوب وقد صدرت من أعلم الخلق بالشرط ومن أعلم الخلق بما يقول ومن أعلم الخلق بمدلولات الألفاظ ومن أفصح الخلق ومن أنصح الخلق فلا يمكن أن يطلق مثل هذا اللفظ وهو يريد من الأمة أن يدعوه إذا شاؤوا فهو صريح في الوجوب ومعلوم أن هذه العبارة لو وجدت في مصنف من المصنفات للفقهاء ما شك القارئ أن المصنف يرى أنه واجب فكيف وقد صدرت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

الثاني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) والأصل في الأمر الوجوب لأن الله هدد المخالف فقال (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الثالث أن الصحابة فهموا الوجوب فإن عثمان بن عفان رضي الله عنه أتى وعمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة وكأنه عرَّض به فقال والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت ثم أتيت فقال والوضوء أيضاً وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) فلامه على ذلك ولا موجب لصرفه عن الوجوب ليس فيه إلا حديث سمرة المرسل الركيك اللفظ وهو قوله (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) هذا الكلام بمجرد ما تسمعه تكاد تجزم أنه لم يخرج من مشكاة النبوة كلام ركيك وبعيد أن يكون الرسول قد قاله عليه الصلاة والسلام على ما في الخلاف من حديث الحسن عن سمرة ونقول أيضاً إيجاب ذلك على الناس أحوط من عدم الإيجاب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه). فإن قال قائل هل وجوبه كوجوب الغسل من حدث بحيث لو لم يفعل لم تصح صلاته؟ فالجواب لا لأن الصحابة يكاد يكون إجماعاً بينهم في قصة عمر أنه أي الاغتسال ليس بشرط لصحة الصلاة بل هو واجب للصلاة وليس شرطاً فيها. فإن قال قائل وهل يجزئ الغسل بعد الصلاة؟ فالجواب لا لأن الغسل للجمعة أي لصلاة الجمعة وإذا انتهت الصلاة فلا فائدة من الغسل لأنه انتهى المقصود.

أما السواك وأن يمس طيباً فهذا ليس بواجب بالاتفاق على أن أحد رواته ونسيت من هو وأظنه أبا سعيد قال أما الغسل فواجب وأما السواك فلا أدري وكأنه توقف لأن السواك لا يحصل به من التنظيف كما يحصل من الاغتسال ويتأكد الاغتسال في أيام الصيف وأيام الحر التي يكثر فيها العرق وتفوح الرائحة ولهذا توسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال إن غسل الجمعة واجب على من فيه رائحة لا تزول إلا بالاغتسال لكن العموم أولى أعني عموم الوجوب أولى من القول بالتقييد. السائل: ما إذا كانت الرائحة طبيعية لا يمكن أن تزول بالغسل؟ الشيخ: إذا كانت الرائحة طبيعة فلا يمكن أن تزول بالغسل لكن من الممكن أن يدهن بأطياب قوية تخفف الرائحة لأنه يوجد أطياب لها رائحة قوية تخفف الرائحة. السائل: بعض العطور التي يضعها الرجل قد تؤذي رجلاً آخر؟ الشيخ: إذا كان يؤذي أكثر الناس فلا يستعمله. القارئ: والمذهب الأول لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) قال الترمذي هذا حديث حسن والخبر الأول أريد به تأكيد الاستحباب ولذلك ذكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين. الشيخ: هذا غير مسلم ليسا واجبين وإذا سلمنا بإجماع العلماء يعني مثلا بأن العلماء أجمعوا على أن السواك والطيب غير واجبين فنقول خرج هذا بالإجماع أنه ليس بواجب ودلالة الاقتران ضعيفة ولم يقل بها إلا نفر قليل من العلماء ولهذا كان القول الصحيح أن الخيل حلال وإن كانت مقرونة في القرآن بالحمير والبغال. القارئ: ووقت الغسل بعد الفجر لقوله (يوم الجمعة) والأفضل فعله عند الرواح لأنه أبلغ في المقصود ولا يصح إلا بنية لأنه عبادة.

الشيخ: قوله رحمه الله وقت الغسل بعد الفجر هذا فيه احتمال لا شك لأن اليوم الشرعي يدخل بطلوع الفجر لكن لو أخره إلى ما بعد طلوع الشمس لكان أحسن لأنه إذا أخره حتى طلوع الشمس كان اغتساله في اليوم قطعاً وقبل طلوع الشمس أمر مشكوك فيه. وقوله ولا يصح إلا بنية لأنه من العبادة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات). القارئ: فإن اغتسل للجمعة والجنابة أجزأه وإن اغتسل للجنابة وحدها احتمل أن يجزئه لقوله عليه السلام (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) ولأن المقصود التنظيف وهو حاصل واحتمل أن لا يجزئه لقوله عليه السلام (وليس للمرء من عمله إلا ما نواه). الشيخ: الظاهر أنه روى الحديث بالمعنى (ليس للمرء من عمله إلا ما نواه) لأنه قريب من معنى (وإنما لكل امرئ ما نوى) والذي يظهر أنه يجزئ إذا نوى عن الجنابة وغاب عن ذهنه نية الغسل للجمعة فإنه يجزئه. لكن لو نوى للجمعة دون الجنابة هل يجزئه أو لا؟ لا يجزئه لأن غسل الجنابة عن حدث ولابد من رفعه بالنية وغسل الجمعة تنظيف وليس عن حدث ولا يجزئ الأدنى عن الأعلى. لو نواهما جميعاً؟ صح كما لو نوى بالراتبة تحية المسجد مع الراتبة وإن اغتسل أولاً عن الجنابة ثم عاد واغتسل للجمعة يجزئ أم لا؟ يجزئ بل قال الفقهاء إنه أكمل أن يغتسل للواجب أولاً ثم للمسنون ثانياً وقال ابن حزم رحمه الله لا يجزئ أحدهما عن الآخر بل لابد أن يغتسل أولاً للجنابة ثم ثانياً للجمعة وبناءً على هذا يكون إعادة الغسل مرتين يكون أحوط من وجه آخر إتقاءً لهذا القول الذي ذهب إليه ابن حزم وإن كنا نرى أنه قول ضعيف لكنه قد قيل. وأما قول المؤلف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) فقد سبق أن معناه كغسل الجنابة. فصل

القارئ: وإذا أتى المسجد كره له أن يتخطى الناس لقوله عليه السلام (ولم يفرق بين اثنين) إلا أن يكون إماماً ولا يجد طريقا فلا بأس بالتخطي لأنه موضع حاجة ومن لم يجد موضعاً إلا فرجة لا يصل إليها إلا بتخطي الرجل والرجلين فلا بأس فإن تركوا أول المسجد فارغاً وجلسوا دونه فلا بأس بتخطيهم لأنهم ضيعوا حق نفوسهم وإن ازدحم الناس في المسجد وداخله اتساع فلم يجد الداخل لنفسه موضعاً فعلم أنهم إذا قاموا تقدموا جلس حتى يقوموا وإن لم يرجو ذلك فله تخطيهم لأنه موضع حاجة. الشيخ: قول المؤلف رحمه الله كره أن يتخطى الناس في الاقتصار على الكراهة نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى الناس فقال له (اجلس فقد آذيت) والأمر للوجوب ولا سيما أنه علل ذلك بالأذية وأذية المسلمين محرمة ولا سيما إذا كان ذلك في وقت الخطبة فإنه مع أذيتهم بالتخطي يوجب أن تنشغل قلوبهم عن استماع الخطبة. أما ما ذكره من الإمام إذا لم يكن له باب من قبلة المسجد فنعم لأن تخطيه لحاجة وأما ما ذكره ممن رأى فرجة تركها من تقدم ففي النفس من هذا شيء لأن ظاهر الحديث في الرجل الذي يتخطى الناس العموم فهي قضية عين تحتمل أن الرجل يتخطى لفرجة ويحتمل أنه يتخطى لعله يجد فرجة لذلك لا نرى أن يتخطى لأجل الفرجة لكن نرى أن من تقدموا فلا ينبغي لهم أن يدعوا فرجاً كما نراه بعض الأحيان تجد في الصفوف الأولى متسعات يعني تكاد تقول كل رجل بينه وبين أخيه ما يسع لرجل آخر وهذا تضييق للمسجد ومنع لغيرهم ممن يأتي ليتخذ مكاناً. السائل: كيف نجيب على قولهم الذين يقولون إن قوله صلى الله عليه وسلم (واجب) هذا يرد في اللغة العربية كقولهم حافظت علي واجباً ويقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم لسان عربي مبين فهو من أهل اللغة فهو يأتي ما تدل عليه اللغة.

الشيخ: وهل إن كلمة واجب في اللغة لا تأتي إلا للمستحب؟ لا، وما هو الأصل؟ الأصل أنها تأتي للواجب فإذا كان الأصل أن تأتي للواجب فالواجب إجراء النصوص على ظاهرها ثم إن قول حققك علي واجب أولاً من قال إن هذه عبارة موروثة عن العرب قد تكون هذه عبارة عرفية ثم إن حق المسلم على المسلم واجب الأصل فيه الوجوب هذا الأصل ولهذا من استثنى من الحقوق الخمسة التي جمعها الرسول في قوله (حق المسلم على المسلم) خمسة من استثنى واحداً منها بأنه للاستحباب طولب بالدليل. السائل: من يقول غسل الجمعة لا يرفع الحدث مع أن الغسل واجب وغسل الجنابة واجب وهو يرفع الحدث فكلاهما واجب؟ الشيخ: نعم لكن غسل الجنابة عن حدث فإذا نوى ذلك اختفى، وغسل الجمعة للنظافة ليس عن حدث وأما وجوبه فهو واجب للنظافة فكيف يرفع حدثاً لم ينوه. القارئ: وليس لأحد أن يقيم غيره ويجلس مكانه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقيم الرجل الرجلَ من مقعده ويجلس فيه) متفق عليه وإن قام له رجل من مكانه وأجلسه فيه جاز لأن الحق له لكن إن كان المنتقل ينتقل إلى موضع أبعد من موضعه كره لما فيه من الإثار بالقربى. ولو قدم رجل غلامه فجلس في موضعه فإذا جاء قام الغلام وجلس مكانه فلا بأس به كان ابن سيرين يفعله وإن فرش له مصلى لم يكن لغيره الجلوس عليه وهل لغيره رفعه والجلوس في موضعه؟ فيه وجهان. وإن قام الجالس من موضعه لحاجة ثم عاد إليه فهو أحق به لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به) رواه مسلم وإن نعس فأمكنه التحول إلى مكان لا يتخطى فيه أحداً استحب له ذلك لما روى ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحول إلى غيره) من المسند وهو حديث صحيح. الشيخ: هذه مسائل في هذا القطعة:

المسألة الأولى أنه لا يجوز أن يقيم غيره ويجلس مكانه واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا يقيم الرجل رجلاً من مقعده ويجلس فيه) متفق عليه والنفي هنا بمعنى النهي وإذا جاء النفي بمعنى النهي فهو أبلغ في الزجر عنه لأن التقدير أن هذا أمر معلوم بحيث صار سجية وطبيعة بأن الإنسان لا يقيم غيره وظاهر كلام المؤلف أنه لا يقيم أخاه الصغير ولا ابنه ولا الصبي الصغير لعموم قوله وليس لأحد أن يقيم غيره ويجلس مكانه وهذا حق أنه لا يجوز أن يقيم الإنسان غيره ويجلس مكانه مهما كان هذا الغير. المسألة الثانية إذا قام له الرجل من مكانه وأجلسه فيه فهل له أن يقبل؟ الجواب نعم له أن يقبل لأن الحق للجالس الأول فإذا أسقطه فلا بأس. المسألة الثالثة هل للإنسان أن يقدم غيره في المكان الفاضل ويتأخر إلى المكان المفضول؟ يقول المؤلف إن هذا مكروه لما فيه من الإيثار بالقرب وهذا صحيح يعني لا ينبغي للإنسان أن يوثر غيره بالقربى لأنه سيحتاج إليها إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة أكبر مثل أن يؤثر أباه أو أحداً له فضل على الناس بمال أو علم أو ما أشبه هذا ويريد أن يؤثره تشجيعاً له ولغيره فهذا يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل. المسالة الرابعة إذا قدم أحداً يجلس في مكان فاضل حتى يحضر سواء كان غلامه أو ابنه الصغير أو غيرهما فهل له ذلك؟ يقول المؤلف إنه لا بأس واستدل بفعل ابن سيرين وابن سيرين من التابعين وفعله ليس بحجة وقوله ليس بحجة لأن العلماء اختلفوا في قول الصحابي هل يكون حجة أم لا فضلاً عن قول التابعي ولهذا نرى أن في النفس شيئاً وذلك أن هذا الذي قدم فجلس لم يتقدم لنيل الفضل له وإنما تقدم لنيل الفضل لغيره وغيره ليس له حق أن يتقدم في المكان الفاضل ويتأخر من سبقه بالمجيء فهو يشبه التحجر بقطعة المنديل أو بالسجادة أو ما اشبه ذلك.

المسالة الخامسة هل له أن يفرش شيئاً في مكان ليصلي فيه إذا حضر؟ المذهب أن ذلك جائز وليس لغيره أن يجلس فيه لأن هذا المصلى للذي فرشه ولا يجوز أن يصلي عليه فيتصرف في مال غيره لكن هل للغير أن يرفعه؟ يقول المؤلف إن فيه وجهين: الوجه الأول أن له أن يرفعه لأن هذا وضعه بغير حق والوجه الثاني ليس له أن يرفعه والمذهب أنه ليس له أن يرفعه إلا إذا أقيمت الصلاة ولا شك أنه لو رفعه سوف يكون بينه وبين صاحبه خصومة وشجار وعداوة وينظر كل واحد منهما إلى الآخر نظرة غضب ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح لكن ينصح هذا الرجل الذي يضع مصلى أو غيره يحجزه عن الناس الذين هم أحق به منه ينصح ويقال يا أخي لا تفعل هذا لأنك إذا فعلت حرمت غيرك المكان الفاضل وإذا فعلت فإنك تعتمد على أنك قد وضعت مكاناً لك في مقدم المسجد فتتهاون في الحضور والتقدم كما هو الشأن الآن فيما يشاهد الناس أن الذين يحجزون في الأماكن المتقدمة تجدهم لا يأتون إلا في آخر الناس لأنه يرى أنه قد ضمن لنفسه أن يكون في الصف الأول فيتأخر أما إذا قام من مجلسه لعذر ثم رجع فإنه أحق بمكانه وله أن يقيم من جلس فيه لكن ينغي له إذا خرج لعذر أن يضع في مكانه شيئاً يدل على أنه سيرجع لئلا يجلس فيه أحد فيحصل النزاع إذا رجع وقال قم عن مكاني وكلما حصل به درء المشاجرة بين المسلمين فهو خير. المسألة الأخيرة إذا نعس فالأفضل أن يتحول إلى مكان آخر واستدل له المؤلف بحديث في المسند وقال إنه حديث صحيح وربما يشهد له أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نام في السفر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس أمرهم أن يتحولوا إلى مكان آخر فارتحلوا إلى مكان آخر ولكن إذا لزم من هذا أن يتخطى رقاب الناس فنقول له لا تتخطى تبقى في مكانك وتحاول طرد النعاس بالتسوك أو تغيير الجلوس مثلاً أو إذا كان لا يؤثر على من إلى جانبه بالتحدث إليه قليلاً يعني قبل مجيء الإمام المهم أنه يحاول أن يطرد النعاس.

السائل: مجيء الإنسان مبكراً ولكنه متعب ويأتي فيضع مثلاً سجادة أو كتاب في موضعه ثم ينام في غير موضعه لكنه في المسجد؟ الشيخ: ما دام في المسجد فلا بأس. السائل: إذا قام رجل من مكانه يؤثر رجلاً فهل الأفضل قبول ذلك أم ينصحه أن لا يؤثر غيره؟ الشيخ: يقول إذا آثر غيره فهل الأفضل للمؤثَر أن يقول يا فلان لا تؤثر أحداً في مكانك الفاضل أو أن يقبل تحوله عنه وإيثاره؟ ينظر للمصلحة لأنك لو قلت له إنه لا ينبغي أن تفعل هذا ورددت إيثاره إياك صار في نفسه شيء لأنه ما قام إلا ليكرمك وأنت إذا رددته أهنته فالذي أرى أنك تقبل هذا الإيثار ثم بعد ذلك تنصحه. فصل القارئ: ويتستحب الدنو من الإمام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغُ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) رواه ابن ماجة والنسائي وإن حضر قبل الخطبة اشتغل بالتنفل أو ذكر الله وقراءة القرآن ويكثر من الدعاء لعله يوافق ساعة الإجابة ويكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ سورة الكهف لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقي الفتنة). فصل

القارئ: فإذا جلس الإمام على المنبر انقطع التنفل فإذا أخذ في الخطبة حرم الكلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت) متفق عليه، وروى ثعلبة بن مالك أنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر ولم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا وعنه لا يحرم الكلام لما روى أنس قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال يا رسول الله هلك الكراع هلك الشاء فادعو الله أن يسقينا وذكر الحديث متفق عليه والأول أولى وهذا يحتمل أنه في تكليم الخطيب دون غيره لأنه لا يشتغل بتكليمه عن سماع خطبته. الشيخ: الصواب المتعين في هذا أن الكلام حال خطبة الجمعة محرم ولا إشكال في هذا وأستغرب أن يكون للإمام أحمد رحمه الله رواية في عدم التحريم لأنه رضي الله عنه ورحمه من المتمسكين بالسنة والسنة في هذا واضحة وما أوردوه استدلالاً فإنه لا دليل فيه لأن هذا الرجل يكلم الخطيب فلا يشتغل بتكليمه عن سماع الخطبة إذ أن الخطيب سوف يكلمه ولا يخطب على تكليمه ويستثنى من ذلك ما إذا دعت الضرورة إلى الكلام كما لو تكلم لإنقاذ معصوم من هلكه فإن ذلك جائز مثل أن يرى شخصاً يخشى أن يسقط في بئر أو نحوه فيتكلم فهنا الكلام جائز بل هو واجب لأنه لإنقاذ معصوم.

وهل يتكلم جواباً لسؤال أو رداً لسلام؟ الجواب لا يرد السلام ولكن إذا انتهت الخطبة يقول للمسلم إنه لا يحل لك أن تسلم ولا يحل لغيرك أن يجيبك على سلامك لأن لا يتهمه بالكبرياء وليفهم الحكم فهو إذا أخبره بهذا استفاد فائدتين الفائدة الأولى له والفائدة الثانية لمن لم يجبه الفائدة لمن لم يجبه أنه يدفع عن نفسه تهمة الكبر والفائدة لمن لم يسلم أنه يعرف الحكم حتى لا يعود مرة ثانية ويسلم وهل يسكت المتكلم نقول أما بالاشارة فنعم وأما بالعبارة فلا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت) واللغو أن لا يدرك أجر الجمعة وعلى هذا فيكون معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ومن لغا فلا جمعة له) يعني أنه لا يدرك فضلها وليس المعنى أن صلاته تبطل بل صلاته صحيحة مجزئة ولا أظن في ذلك خلافاً لكن أجر الجمعة الخاص لا يناله لأنه لغا وفي مسند الإمام أحمد (أن الذي يتكلم والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً والذي يقول أنصت لا جمعة له). السائل: عندما نسمع ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في الخطبة فإننا نصلي عليه؟

الشيخ: لو صليت عليه هل هذا كلام أو دعاء؟ دعاء ثبت لوجود سببه فأنت تقول اللهم صلِّ وسلم عليه بحيث لا تشوش على من حولك أو تقول آمين لأن تأمينك على صلاة الخطيب بمنزلة دعائك أنت إذ أن المؤمِّن على دعاء يستمع إليه داعٍ ودليل هذا قوله سبحانه وتعالى في قصة موسى وهارون (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) والداعي موسى لكن قالوا إن هارون كان يؤمن فقال الله (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) فأنت إذا سمعت أحداً يصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنت تستمع إليه وقلت آمين كفى. السائل: مما لا شك فيه أن ما وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ولا الصحابة ولا السلف الصالح أنه مخالف للسنة هل ثبت عن السلف أنهم كانوا يرفعون أيديهم بين الخطبتين؟ الشيخ: يقولون ما ثبت بطريق العموم ولم ينقل فعدم النقل ليس نقلاً للعدم ومن المعلوم أن هذه الساعة ساعة إجابة وأن من آداب الدعاء رفع اليدين فإذا رفع أحد يديه فإننا لا ننكر عليه لأن هذا الوقت وقت إجابة وهذا هو الذي يتبين به إطلاق أن عدم النقل ليس نقلاً للعدم معناه ما ثبت بعموم أو نحوه فلا يحتاج إلى أن ينقل العمل به لأن الأصل أنهم يعملون به ويقال عدم النقل ليس نقلاً للعدم نعم لو نقل أنهم لا يفعلون حينها نقول لا تفعل ادعو الله بدون رفع اليدين كما تقول ربي اغفر لي في الصلاة وأنت لا ترفع يديك. السائل: ما حكم رفع اليدين في الخطبة؟

الشيخ: رفع اليدين في الخطبة أنكره الصحابة على بشر بن مروان لكن قد ثبت رفع اليدين في الخطبة في حال الاستسقاء وفي حال الاستصحاء وفي غير ذلك لا تُرفع الأيدي لا الخطيب ولا المستمع. السائل: ذكر بعض العلماء أنه إذا ورد النص العام فإنه لا يعمل بجزء منه إلا إذا ثبت عن السلف العمل به؟ الشيخ: نعم هذه قاعدة مهدومة لأن الأصل هو العمل والأصل أن العام شامل لجميع أفراده لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر التشهد (وعلى عباد الله الصالحين) قال (إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض). القارئ: والبعيد والقريب سواء في ذلك وقد روي عن عثمان أنه قال إن للمنصت الذي لا يسمع من الخطبة مثل ما للسامع إلا أن للبعيد أن يذكر الله ويقرأ القرآن سرا وليس له الجهر ولا المذاكرة في الفقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلق يوم الجمعة والإمام يخطب وروى أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة.

الشيخ: يقول رحمه الله القريب والبعيد في هذا سواء يعني كل من في المسجد لا يجوز لهم الكلام لكن من لم يسمع فله أن يذكر الله عز وجل أو يسبح أو يقرأ القرآن أو يطالع في الفقه بشرط أن لا يشوش على غيره فإن شوش على غيره فإنه يمنع ربما يكون مثلاً إنسان يقلب الكتاب ويسمع له صوت ويشوش على الناس فهذا يمنع ولو كان بعيداً ثم إن المؤلف رحمه الله استدل بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التحلق يوم الجمعة في اللفظ الأول التحلق والإمام يخطب وفي الثاني التحلق قبل الصلاة فيحتمل أنه أراد بما قبل الصلاة وقت الخطبة ويحتمل أنه أراد ما هو أوسع يعني حتى ما قبل ذلك فإن كان الأول فالنهي ظاهر لأن الناس إذا تحلقوا والإمام يخطب غفلوا عما يقول الخطيب وإن كان الثاني فإنه يحمل على ما إذا كان التحلق يضيق على من سبق إلى المسجد لأن يوم الجمعة يتقدم الناس فإذا كان هناك تحلق فإنه يضيق على المصلين الذين قدموا للجمعة من وجه وربما يشوش عليهم بالأصوات من وجه آخر فلهذا نهى عن التحلق أما لو كان هناك حلقة بعد صلاة الفجر يوم الجمعة وتنتهي قبل أن يبدأ حضور الناس فهذه لا نهي فيها. القارئ: ومن يسمع متكلماً لم ينهه بالقول للخبر ولكن يشير إليه ويضع أصبعه على فيه وإن وجب الكلام مثل تحذير ضرير شيئاً مخوفاً فعليه الكلام لأنه لحق آدمي فكان مقدماً على غيره ومن سأله الإمام عن شيء فعليه إجابته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الداخل (أصليت) فأجابه وسأل عمر عثمان فأجابه. الشيخ: إن سأله الإمام يقول فعليه الإجابة وجوباً أو استحباباً؟ إن كان الإمام ممن يصر على ما يتكلم به فإجابته واجبة لأنه لو لم يجبه لأعاد عليهم الطلب مرة ثانية وربما زجره وإن كان الإمام من أهل اليسر والتسهيل فإن الإجابة لا تجب إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة عامة كما لو انقطع تيار الكهرباء مثلاً أو مكبر الصوت وقال يا فلان أصلح هذا فهنا قال يجب أن يجيبه لأن لا تتعطل المصلحة.

قصة عمر مع عثمان ما هي؟ تأخر وقال أيضاً لم أزد على أن توضأت فقال له عمر والوضوء أيضاً وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل). القارئ: وفي رد السلام وتشميت العاطس روايتان إحداهما يفعله لأنه لحق آدمي فأشبه تحذير الضرير والأخرى لا يفعله لأن المُسلِّم سَلَّم في غير موضعه والتشميت سنة لا يترك لها الإنصات الواجب. الشيخ: الصحيح أنه لا يجوز لا رد السلام ولا تشميت العاطس ولو حمى وذلك لأن الاستماع إلى الخطبة أهم وإذا كان من نهى عن منكر يلغو فهذا مثله وكما قال المؤلف المسلِّم سلَّم في غير وقت تسليم لأن هذا وقت لا يسلم فيه على أحد. القارئ: ولا يتصدق على سائل والإمام يخطب وإذا لم يسمع الخطبة فلا بأس أن يشرب الماء. الشيخ: وإن كان يسمع ظاهر كلام المؤلف أنه لا يشرب لكن يقال إن احتاج وعطش عطشاً يشغله عن استماع الخطبة فلا بأس أن يقوم ويشرب. فصل في كلام الخطيب القارئ: ولا يحرم الكلام على الخاطب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم وعمر سأل عثمان أية ساعة هذه فإذا وصل الخطيب إلى الدعاء ففيه وجهان أحدهما يباح الكلام لأنه فرغ من الخطبة والثاني لا يباح لأنه تابع للخطبة أشبه التطويل في الموعظة. الشيخ: الوجه الثاني هو الصحيح أنه ما دام الخطيب لم يسكت فإن الواجب الإنصات. وظاهر كلام المؤلف لا يحرم الكلام مع الخاطب فللخاطب أن يتكلم بما شاء متى شاء وليس كذلك بل لا يتكلم إلا لمصلحة أو حاجة حتى الخطيب لا يتكلم إلا لمصلحة أو حاجة فأما لدون مصلحة أو حاجة فلا يجوز أن يتكلم فلو دخل أحد قد أوصاه الخطيب بشيء فلما دخل قال له اشتريت الذي وصيتك عليه وهو يخطب هذا لا يصح لكن لحاجة أو مصلحة لا بأس. فصل

القارئ: ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما لما روى جابر قال دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال (صليت يا فلان) قال لا قال (فصلِّ ركعتين) متفق عليه زاد مسلم ثم قال (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما). الشيخ: هذا الحديث استدل به بعض العلماء على وجوب تحية المسجد وعلل ذلك بأن الانشغال في التحية يستلزم الانشغال عن سماع الخطبة وسماع الخطبة واجب ولا ينشغل عن واجب إلا بواجب وفيه أيضاً دليل على تقديم الواجب على السنة والمستحب لقوله (وليتجوز فيهما) لأن الأمر بالتجوز من أجل التفرغ لاستماع الخطبة مع أن تطويل الإنسان في صلاة النفل بكثرة الدعاء والقراءة أفضل لكن لهذا العارض أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتجوز فيؤخذ من هذا القاعدة المعروفة أن الواجب مقدم على النفل إذا كان من جنسه أما إذا كان من غير جنسه فله تفصيلات. فصل القارئ: ويسن أن يصلي بعد الجمعة أربعا لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصلِّ بعدها أربعا) رواه مسلم وإن شاء صلى ركعتين لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق عليه وإن شاء صلى ستا لأن ابن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله.

الشيخ: هذه ثلاث صفات ركعتان وأربع وست لكن الرواية الثانية عن ابن عمر تحتاج إلى تخريج لأن المعروف أنه كان يصلي ركعتين في بيته فمن العلماء من قال إنه مخير كما مشى عليه المؤلف ومنهم من قال يسن ركعتان فقط ومنهم من قال يسن أربع ركعات ومنهم من قال إن صلاها في المسجد فأربع وإن صلاها في البيت فركعتان قال لأن السنة الفعلية أن الرسول صلى في البيت ركعتين والسنة القولية قال (فليصلِّ بعدها أربعاً) فيحمل هذا على ما إذا كان في المسجد وأما في البيت فلا يزيد على ما صلاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا شك أن الأحوط أن يصلي أربعاً سواءً في البيت أو في المسجد لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم مقدم على فعله وبعض العلماء قال يصلي ستاً لا لهذا الحديث الذي أشار إليه المؤلف حديث ابن عمر ولكن قال نجمع بين القول والفعل فالقول أربع والفعل ركعتان والجميع ست ركعات والأمر في هذا واسع لكن الذي تطمئن إليه النفس أنه يصلي أربعا سواءً في المسجد أو في بيته إلا إذا صح حديث ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ستاً فالأخذ بالأكثر هو الأفضل. القارئ: ويستحب أن يفصل بين الجمعة والركوع بكلام أو رجوع إلى منزله لما روى السائب بن يزيد قال قال لي معاوية إذا صليت صلاة الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بذلك رواه مسلم.

الشيخ: نعم فيسن أن يفصل بين الفرض وسنته سواءً الجمعة وغير الجمعة بكلام أو انتقال من مكانه أما الكلام فصريح (حتى تتكلم أو تخرج) وأما الانتقال من المكان فلأنه يحصل به الفصل بين الفرض والسنة إلا إذا كان لا مكان مثل أيام الزحام في المسجد الحرام والمسجد النبوي فلا بأس أن يصلي في مكانه على أن الأفضل أن يصلي الإنسان النوافل في البيت حتى في المسجدين المسجد الحرام والمسجد النبوي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي النوافل في بيته وقال (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة). السائل: هل الكلام هنا التسبيح أو كلام الآدميين؟ الشيخ: الظاهر والله أعلم أنه ما يحصل به التمييز سواءً كان تسبيحاً طويلاً أو كلام آدميين يعني يطول التسبيح ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم يقوم يصلي. فصل القارئ: ويستحب أن يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة (الم (1) تَنْزِيلُ) و (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة (الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ) و (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) رواه مسلم قال أحمد ولا أحب أن يداوم عليها لأن لا يظن الناس أنها مفضلة بسجدة.

الشيخ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهاتين السورتين كاملتين لأن فيهما مبدأ خلق الإنسان وأحواله ومنتهاه فيذكر الناس يوم الجمعة ببدء الخلق لأن يوم الجمعة بدء فيه خلق آدم وبأحوالهم وبمنتهى أمرهم لأن يوم الجمعة تقوم فيه الساعة لا لأن تنزيل فيها السجدة ولهذا يغلط بعض الأئمة يظن أن فجر يوم الجمعة يسن فيه السجدة بأي سورة وهذا غلط كما أن بعض الأئمة يفصل إحدى السورتين إما سورة السجدة وإما سورة الإنسان وهذا أيضاً غلط كما أن بعضهم يقرأ نصف (الم تنزيل) السجدة ونصف (هل أتى) وهذا أيضاً غلط فيقال إما أن تفعل السنة كما وردت وإما فاقرأ ما تيسر لك أما أن تفصم عرى السنة وتقسم ظهرها فهذا لا يليق بك فإما أن تقرأ السورتين كاملتين وإما أن تدعهما وتقرأ غيرهما وأما قول الإمام أحمد لا أحب أن يداوم ففيه نظر لأنه قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يديم ذلك وخشية ظن الناس أنها مفضلة بسجدة أو أن هذا أمر واجب هذا يزول بما إذا أخلف الإنسان في السنة مرة أو في الشهر مرة أو قال للناس أنه ليس بواجب. السائل: المسبوق في فجر الجمعة وفاتته ركعة هل يقرأ الإنسان أم السجدة؟ الشيخ: لا يقرأ السجدة لأنها فاتته السجدة إنما شرعت في الركعة الأولى وهذا الداخل فاتته الركعة الأولى إلا على قول من يقول إنما يقضيه أول صلاته فيقرأها وعلى هذا فيقرأ ما تيسير. فصل القارئ: فإذا اتفق عيد في يوم جمعة فصلوا العيد لم تلزمهم الجمعة ويصلون ظهرا لما روى زيد ابن أرقم قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم فصلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال (من شاء أن يجمِّع فليجمِّع) وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء الله) رواهما أبو داود.

وتجب الجمعة على الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنا مجمعون) ولأن تركه لها منع لمن يريدها من الناس وعنه لا يجب لأن ابن الزبير لم يصلها وكان إماماً ولأن الجمعة إذا سقطت عن المأمومين سقطت عن الإمام كحالة السفر فإن عجل الجمعة في وقت العيد أجزأته عن العيد والظهر في ظاهر كلامه لما روى عطاء قال اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال عيدان قد اجتمعا في يوم واحد فجمعهما وصلاهما ركعتين فلم يزد عليهما حتى صلى العصر وبلغ فعله ابن عباس فقال أصاب السنة.

الشيخ: إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد فتصلى العيد في وقتها والجمعة في وقتها هكذا جاءت السنة كما ثبت في صحيح مسلم من حديث النعمان بن بشير هذا بالنسبة للإمام يصلي العيد والجمعة وأما غير الإمام فمن حضر العيد سقط عنه حضور الجمعة سقوط حضور لا سقوط وجوب بمعنى أنه لو حضر لعد من أهل الجمعة ومن أهل وجوبها وانعقدت به الجمعة ومن لم يحضر وجب عليه حضور الجمعة لئلا يفوته عيد ولكن من حضر صلاة العيد وقلنا لا يجب عليك حضور الجمعة فهل يصلي الظهر أو لا؟ قال بعض العلماء لا يجب عليه صلاة الظهر والصحيح أن الظهر تجب عليه لأن الظهر صلاة أوجبها الله تعالى بالزوال وجعل الجمعة تحل محلها في وقتها فإذا لم يصلها هذا الرجل وجب عليه أن يصلي الظهر لأن سبب فرضها وهو الزوال قائم فوجب عليه أن يصلي فالصواب في هذه المسألة أن نقول الإمام يجب عليه أن يصلي صلاة العيد وصلاة الجمعة ومن حضر معه صلاة العيد فهو بالخيار إن شاء حضر الجمعة وإن شاء لم يحضر ولكن يجب عليه أن يصلي الظهر ولو قدمت الجمعة في وقت صلاة العيد فالمذهب تجزئ لأن وقتها يدخل من ارتفاع الشمس قيد رمح أعني وقت الجمعة فإذا قدمها فلا بأس لكن يلزم من ذلك أن تكون الخطبة قبل الصلاة بخلاف صلاة العيد فإن الخطبة تكون بعدها وهذا المذهب وأما على رأي الجمهور وهو أن الجمعة لا تصح إلا بعد الزوال فإنها لا تتأتى هذه الصورة أي أن يقدم الجمعة في مكان العيد لأن الجمعة لا تصح إلا بعد الزوال والأقرب أن يقال كما أشرنا أولاً تصلى العيد في وقتها والجمعة في وقتها ومن حضر العيد فهو بالخيار بالنسبة للجمعة لكن تجب عليه صلاة الظهر. السائل: من حضر العيد ولم يحضر الجمعة فكيف تصلى الظهر؟ الشيخ: لا تقام الجماعة في المساجد يصلونه في بيوتهم لأن إقامة الجماعة في المساجد هذه يحصل فيها تضارب وخلاف، وإن شاء الله يحصل بذلك أجر الجماعة ما دام أسقطه الله عنه.

السائل: رجل صلى في فجر الجمعة بالسجدة والإنسان فأنكر عليه رجل وقال لا تقرأ بهما لكي تخفف على الناس فما رأيكم؟ الشيخ: نحن نقول أتمها وقوله من أجل التخفيف على الناس نقول لا أحد أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال أنس بن مالك ما صليت وراء إمامٍ قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان الصحابة يقرؤون بسورة يوسف وسورة المؤمنين وغيرها من السور الطوال فمن أتى بالسنة فهو مخفف مهما كان والذي يثقل على الناس هو من أتى بما يخالف السنة أما من أتى بالسنة فهي خفيفة. السائل: أيهما أفضل الخطبة مع التقصير في القراءة أم تقصير الخطبة وتطويل القراءة ما السنة في ذلك؟ الشيخ: قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) تقصير الخطبة أفضل أولاً دفع المشقة عن الناس والثاني إذا كانت الخطبة قصيرة وعاها الناس وأحاطوا بها وإذا كانت طويلة لا سيما إن كانت المواضيع مختلفة تشتت على الناس أما الصلاة فكلما طال وقوف الإنسان بين يدي الله وطالت مناجاته مع الله فهو أفضل لا شك. السائل: في بعض الأماكن ربما لا يسمح في المسجد تقام فيه موعظة إلا يوم الجمعة في الخطبة؟ الشيخ: قصر قصر أحسن صحيح بعض الناس يقول الخطيب يقعد ساعة في الخطبة أو ساعة وربع لماذا يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أعوذ بالله هذا خلاف السنة تماماً. السائل: إذا دعا الإمام في الخطبة فالعوام عموماً يأمنون من وراء الخطيب هل نقول يحرم كلامهم؟

باب صلاة العيدين

الشيخ: لا هذا ليس كلاماً هذا دعاء لأن معنى آمين اللهم استجب وهذا مما يدل على قوة متابعتهم لخطيبهم ولهذا تجد الذي ينعس ما يقول آمين بقي علينا رفع الصوت الفقهاء يقولون يأمن سراً والآن كما تسمعون بعض الأحيان يرفعون أصواتهم والإنسان يعني يخاف الله إنه يقول لهم لا ترفعون أصواتكم مع أن الحامل لهم على هذا هو قوة الرجاء والإلحاح على الله عز وجل أما لو أنهم رفعوا أصواتاً منكرة بأن كانوا يرفعون أصواتهم رفعاً بيناً فهذا ينكر عليهم لكن رفعاً يعتبر ابتغى إلى ذلك قواماً ما يقدر الإنسان ينهاهم عن هذا الشيء لكن الفقهاء يقولون يسن سراً. السائل: بعض الإخوة استشكل وضع مصليات خاصة للنساء في بعض المساجد يصلين فيها في رمضان وكان الصفوف بين النساء والرجال غير متصلة فربما كأن النساء في مبنى منفصل في نفس المسجد بعيد بحيث المسجد محيط به؟ الشيخ: ما في بأس. باب صلاة العيدين القارئ: وهي فرض على الكفاية لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يداومون عليها ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة فكانت فرضاً كالجهاد ولا تجب على الأعيان لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر للأعرابي خمس صلوات فقال هل علي غيرها قال (لا إلا أن تطوع) متفق عليه. الشيخ: وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال للعلماء القول الأول ما ذكره المؤلف ولم يذكر سواه أنها فرض كفاية. والقول الثاني أنها سنة واستدل هؤلاء بما استدل به المؤلف على نفي وجوبها على الأعيان وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للأعرابي حين قال هل علي غيرها قال (لا إلا أن تطوع).

والقول الثالث أنها فرض على الأعيان وهذا القول أرجح الأقوال أنها فرض على الأعيان لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها وأمر بها حتى النساء مع أنه لم يأمر النساء بصلاة جماعة قط أمر بها حتى النساء وأن تتجنب الحيض المصلى وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أقرب الأقوال إلى الصواب أنها فرض عين وأن من تخلف عنها لغير عذر فهو آثم ولما فيها من المصلحة العظيمة وإظاهر الشعيرة وأما حديث هل علي غيرها قال: (لا إلا أن تطوع) فهذا بناءً على أن صلاة العيد لا تجب كل يوم وإنما تجب لسبب وما كان واجباً لسبب فإنه لا ينافي أن يقال إنه لا يجب كما تجب الصلوات الخمس. القارئ: فإن اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإمام لتركهم شعائر الإسلام الظاهرة فأشبه تركهم الأذان. الشيخ: نعم صحيح. القارئ: ويشترط لوجوبها ما يشترط للجمعة لأنها صلاة عيد فأشبهت الجمعة ولا يشترط لصحتها الاستيطان ولا العدد لأن أنساً كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما ولأنهما في حق من انتفت فيه شروط الوجوب تطوع فلم يشترط لها ذلك كسائر التطوع وقال القاضي كلام أحمد رضي الله عنه يقتضي أن في اشتراط الاستيطان والعدد وإذن الإمام روايتين. الشيخ: والظاهر أنه لابد من ذلك ويدل لهذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يسافر ويصادفه يوم العيد ولا يصلي العيد فلابد من أن يكون الإنسان مستوطناً في قرية أو مدينة لكن إذا أقيمت صلاة العيد ولو كنت مسافراً وجب عليك حضورها ووجب عليك أيضاً أن تصليها. فصل القارئ: ووقتها من حين ترتفع الشمس ويزول وقت النهي إلى الزوال. الشيخ: اشترط المؤلف أن ترتفع الشمس ويزول وقت النهي ومتى يزول؟ إذا كان الارتفاع قيد رمح.

القارئ: فإن لم يعلم بها إلا بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ركباً جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدو إلى مصلاهم رواه أبو داود. الشيخ: وهذ أحد الأقسام في قضاء الصلوات من الصلوات من إذا فاتت تقضي أي وقت مثل الصلوات الخمس ومن الصلوات من إذا فاتت لا تقضى ويقضي بدلها مثل الجمعة وكذلك الوتر على القول الراجح فإنه يشفع بركعة ومن الصلوات من إذا فات وقته قضي بعينه في وقت آخر مساوي لوقته الأول كصلاة العيد ومن الصلوات من إذا فاتت لا تقضى كصلاة الكسوف فإنها إذا انجلت الشمس لا تصلى. القارئ: ويسن تقديم الأضحى وتأخير الفطر لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم الأضحى ويؤخر الفطر ولأن السنة إخراج الفطرة قبل الصلاة ففي تأخير الصلاة توسيع لوقتها ولا تجوز التضحية إلا بعد الصلاة ففي تعجيلها مبادرة إلى الأضحية. الشيخ: وهذه من الحكمة وهي مراعاة العبادات بعضها مع بعض فتأخير صلاة الفطر مراعاة لاتساع وقت إخراج الفطرة وتعجيل صلاة الأضحى مراعاة لاتساع وقت التضحية. السائل: بعض الناس إذا فاتته الصلاة المكتوبة يصليها على وقتها في اليوم التالي هل لهذا القول مستند؟ الشيخ: هذا غلط وأبداً لا مستند له ولا أعلم قائلاً به الصلاة إذا فاتت لعذر تقضى متى زال العذر (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها). السائل: في صلاة العيدين قلتم أن صلاة العيد فرض على الرجال فهل هذا مراد أم أن النساء يدخلن في الوجوب؟ الشيخ: مراد فالنساء ليس فرض عين عليهن مع أنه لو قال قائل أنه فرض عليهن لم يبعد لأن الرسول أمر به حتى الحيض وذوات الخدور وأخرجنا النساء من الوجوب لأن الأصل أن المرأة ليست من أهل الجماعة فيكون أمرها هنا على الاستحباب.

السائل: ماهو الوقت الذي يحل فيه الذبح في الأضحية هل ينتظر إلى انتهاء الصلاة أو الوقت الذي يحل فيه الصلاة؟ الشيخ: لا، لابد أن ينتظر الصلاة ومن لا يصلون ينتظرون تقديراً متى ارتفعت الشمس قيد رمح وأنه حضر الإمام وصلى يعني في مقدار ربع ساعة بعد ارتفاعها قيد رمح يكون قد أدى الصلاة. فصل القارئ: ويسن أن يأكل في الفطر قبل الصلاة ويمسك في الأضحى حتى يصلي لما روى بريدة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي رواه الترمذي ويفطر على تمرات وتر لما روى أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات رواه البخاري وفي لفظ ويأكلهن وترا. الشيخ: هذا أيضاً من السنة في عيد الفطر أن يأكل تمرات وترا وفي عيد الأضحى أن لا يأكل حتى يضحي فيأكل من أضحيته. وفي هذا الحديث دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستعمل الوتر في أكله وإلا ما احتاج أن ينص على قوله ويأكلهن وترا فأما قول بعض الناس إذا صببت له شاهي أو قهوة مرتين يقول أوتر فهذا لا أصل له نعم الشراب ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتنفس فيه ثلاثاً وأظن ورد فيه الأمر بذلك لكن تقصد الإيتار في الأكل غير صحيح والدليل هذا الحديث يأكلهن وتراً فإن قال قائل لعل هذا من باب التوكيد قلنا نعم التوكيد يحتاج إلى بناءٍ على أصل فهل الأصل أن الرسول يأكل وتراً يعني يأكل لقمات وتراً التمر وتراً وغير ذلك من الأشياء وتراً هذا خلاف الظاهر. فصل في مكان إقامة صلاة العيد القارئ: والسنة أن يصليها في المصلى لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يفعلونها فيه. الشيخ: عبارة غير المؤلف والسنة أن يصليها في الصحراء وهذا هو الأصح لأنه في المصلى إذا قال قائل أين المصلى قد يكون مصلى في وسط البلد يضعون لهم شيئاً يصلون فيه فالسنة أن يصليها في الصحراء إظهاراً لهذه الشريعة.

القارئ: ويستحب أن يستخلف على ضعفة الناس من يصلي بهم في الجامع لأن علياً رضي الله عنه استخلف أبا مسعود البدري يصلي بضعفة الناس في المسجد وهل يصلي المستخلف ركعتين أو أربعاً؟ على روايتين بناءً على اختلاف الروايات في فعل أبي مسعود فقد رُوي أنه صلى بهم ركعتين ورُوي أنه صلى بهم أربعاً. الشيخ: والصواب أنه لا يصلي إلا ركعتين ولا يصح قياسه على الجمعة لأن الجمعة إنما كانت أربعاً إذا فاتت الإنسان لأن هذا الوقت وقت الظهر فإذا فاتت الجمعة صلى الظهر أما هذه فليس لها بدل ولهذا كان القول الراجح أنه إذا فاتت الإنسان فإنه لا يقضيها يعني مثلاً لو جئت والإمام قد انتهى من صلاة العيد فلا تصلِّ. القارئ: وإن كان عذر من مطر أو نحوه صلى في المسجد لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد رواه أبو داود. فصل في غسل العيد القارئ: ويسن الاغتسال للعيد والطيب والتنظف والسواك وأن يلبس أحسن ثيابه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع (إن هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك) فعلل ذلك بأنه يوم عيد ولأن هذا يوم يشرع فيه الاجتماع للصلاة فأشبه الجمعة وقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتم ويلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة رواه ابن عبد البر إلا أن المعتكف يستحب له الخروج في ثياب اعتكافه ليبقى عليه أثر العبادة.

الشيخ: هذا الفصل بين فيه المؤلف رحمه الله أن الإنسان ينبغي له أن يغتسل ويتطيب ويتنظف بإزالة ما يؤذي من الروائح ويتسوك ويلبس أحسن ثيابه كالجمعة لأن هذا يوم يجتمع فيه المسلمون فينبغي أن يكون الإنسان على أحسن هيئة قالوا ولأنه إذا سن في يوم الجمعة وهي عيد أسبوع متكرر ففي عيد العام من باب أولى لعدم المشقة فإذا أمكن للإنسان أن يخرج متطيباً متنظفاً لابساً أحسن ثيابه فهذا طيِّب. أما الاغتسال فلا يجسر الإنسان على القول باستحبابه لعدم وروده صريحاً والعبادات ليس فيها قياس لكن إن توقف التنظف على الاغتسال فهو يكون هنا مسنوناً لغيره وليس مسنوناً لذاته. وأما قوله إلا أن المعتكف يستحب له الخروج في ثياب اعتكافه فهذا يتناقض مع الأثر الذي رواه ابن عبد البر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعتم ويلبس بردة لأن الرسول كان يعتكف ومع ذلك يتجمل والصواب أن المعتكف كغيره يخرج متجملاً متنظفاً أولاً لأنه لا دليل على استثنائه وثانياً لأنه أبعد عن الرياء فإن الإنسان قد يغويه الشيطان ويدخل في قلبه الرياء. السائل: إذا قلنا باستحباب الغسل للعيد فمتى يكون أول وقته؟ الشيخ: إذا أراد أن يخرج بعد صلاة الفجر. السائل: هل يسوَّر المصلى ويجعل له خطوط باتجاه القبلة؟ الشيخ: إذا خيف أن يمتهن فإنه يسوَّر لأن بعض المصليات صار الناس يمتهنونها يخرجون في أيام الصيف إليها ويجلسون فيها لأنها نظيفة يجلسون فيها يتحدثون باللغو ويشربون الدخان ويلعبون أشياء غير مرضية فلهذا حجَّرها الناس. فصل في التبكير إلى صلاة العيد

القارئ: ويستحب أن يبكر إليها المأموم ماشياً مظهراً للتكبير لأن علياً رضي الله عنه قال من السنة أن يأتي العيد ماشيا رواه الترمذي وقال حديث حسن ولأنه أعظم للأجر ويتأخر الإمام إلى وقت الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله ولأن الإمام ينتظر ولا ينتظر وإذا غدا من طريق رجع من غيره لأن جابراً قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق رواه البخاري. الشيخ: هذا أيضاً من الأشياء المستحبة في صلاة العيد أن يخرج إليها مبكراً من حين أن يصلي الفجر حسب ما تيسر له وأن يكون مظهراً للتكبير المطلق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد هذا في غير الإمام أما الإمام فيسن له أن يتأخر لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذلك في الجمعة وأما ما يفعله بعض الناس من أئمة الجمع من التقدم إلى المسجد والجلوس حتى يأتي وقت الزوال فهذا خلاف السنة لا شك فبقاء الإمام في بيته أفضل من تقدمه في الجمعة أو في العيد. وأما مخالفة الطريق فهو سنة واختلف العلماء في علته بعد الاتفاق على أن المؤمن لا يسأل عن علة الحكم الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن كل ما فعله الرسول فهو حكمة لا شك لكن الحكمة والله أعلم إظهار الشعائر في أسواق البلد كلها لأنهم لو كان الناس لا يأتون إلا من الجهة التي يسهل فيها الخروج لامتلأت الأسواق من هذه الجهة وخلت الأسواق من الجهة الأخرى فكان في مخالفة الطريق إظهار للشعائر. وقيل لأجل أن يشهد له طريقان الأول والثاني.

وقيل من أجل أن يعطي الفقراء الذين يوجدون على الطرقات في هذا وهذا ولكن المعنى الأول أقرب وهو إظهار الشعائر وألحق بعض العلماء في ذلك صلاة الجمعة وقالوا يسن فيها مخالفة الطريق وألحق آخرون صلاة الجماعة وقالوا يسن فيها مخالفة الطريق وألحق في ذلك بعض العلماء كل عبادة حتى لو ذهبت لزيارة قريب أو لعيادة مريض قالوا فيسن أن يخالف الطريق وكل هذه الأقوال ضعيفة وذلك لأن العبادات مبناها على التوقيف وإذا كان الشيء قد وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يفعله علم أن فعله ليس بسنة ومن المعلوم أن الجمعة موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام والجماعة كذلك وعيادة المرضى كذلك ولم يرشد الأمة إلى مخالفة الطريق في هذا فالسنة عدم تقصد مخالفة الطريق إلا في العيدين لكن لو حصل هذا اتفاقاً بدون قصد فإنه لا ينهى عنه. السائل: قدوم الإمام متأخراً كيف ننزله في حديث (من أتى في الساعة الأولى) الحديث؟ الشيخ: مستثنى بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام والظاهر أنه يأخذ أتم الأجر لأنه لم يتخلف إلا للمتابعة ويحتمل أن يقال إنه ينقص من هذا الوجه كما نقصت الحائض مع تركها للصلاة بأمر الله ويقال أنت أيها الإمام لك ما هو أفضل من ذلك وهو قيادة هذا الجمع وتوجيه هذا الجمع وإرشادهم وتعليمهم. فصل في خروج النساء إلى العيد القارئ: قال ابن حامد ويستحب خروج النساء لما روت أم عطية قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين متفق عليه قال القاضي وظاهر كلام أحمد أن ذلك جائز غير مستحب ولا يلبسن ثوب شهرة ولا يتطيبن لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وليخرجن تفلات).

الشيخ: هذا الفصل فيه بيان حكم خروج النساء إلى صلاة العيد فبين رحمه الله أن ذلك مستحب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك ولكن إذا كانت المرأة حائضاً فإنها تعتزل المصلى كما في الحديث واشترط لذلك أن لا يلبسن ثياب شهرة وأن لا يتطيبن لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (وليخرجن تفلات) أي غير متجملات ولا متطيبات فإن فعلن ذلك كان خروجهن حراماً لما في ذلك من الفتنة. ويستفاد من هذا الحديث أي حديث أم عطية رضي الله عنها أن المسلمين في صلاة العيد يدعون الله عز وجل لقوله ودعوة المسلمين والظاهر أن هذا في خطبة العيد لأنها هي التي يكون فيها الدعاء عاماً. ويستفاد منه أن مصلى العيد مسجد لأنه ذكر شيئاً من لوازم ذلك وهو أن الحيض يعتزلن المصلى ولو لم يكن له أحكام المساجد لم يعتزلن المصلى ويتفرع على ذلك لو أن الرجل لو أتى إلى مصلى العيد فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أتى أحدكم مسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) فإن قال قائل إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة عيد فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما قلنا نعم لم يصلِّ قبلهما لأنه بادر بصلاة العيد فأغنت عن تحية المسجد وإذا أردتم أن تستدلوا بمثل هذا الاستدلال فنقول لكم أيضاً الجمعة ليس فيها تحية مسجد لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي الجمعة ولا يصلي قبلها ولا بعدها فالصواب أن مصلى العيد مسجد وأن له أحكام المساجد في كل شيء فيحرم على الجنب أن يمكث فيه ويحرم فيه البيع والشراء ويحرم على المرأة الحائض أن تجلس فيه. فصل في الأذان والإقامة لصلاة العيد

القارئ: وليس لها أذان ولا إقامة لما روى عطاء قال أخبرني جابر أن لا أذان للصلاة يوم الفطر ولا إقامة ولا نداء ولا شيء لا نداء يومئذ ولا إقامة متفق عليه وقال جابر بن سمرة صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين بلا أذان ولا إقامة رواه مسلم الشيخ: هذا أيضاً من أحكام صلاة العيد أنه ليس لها أذان ولا إقامة لأنها ليست كالفرائض المتعينة وقال بعض العلماء إنه ينادى لها الصلاة جامعة قياساً على الكسوف لكن هذا قياس مع الفارق وهو أيضاً صادم للنص أما كونه قياساً مع الفارق فلأن الكسوف يأتي بغتة وربما يكون الناس في غفلة فيحتاجون إلى التنبيه لقولهم الصلاة جامعة وأما العيد فإنه لا يأتي بغفلة يكون معروفاً إن كان عيد الفطر فهو إذا تم رمضان فما بعده العيد وإن كان عيد الأضحى فقد سبق العلم به من قبل وأما النص فلأن صلاة العيد وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينقل أنه كان ينادي لها بهذا أي بقوله الصلاة جامعة وعلى هذا فلا يشرع أن ينادي لها الصلاة جامعة لكن لو فرض أن ثبوت العيد لم يكن إلا بعد طلوع الشمس فهل لنا أن نمشي في الأسواق ننبه الناس الجواب نعم لا بأس أما أن نأتي بصيغة استعملت في الكسوف في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونضعها في هذا المكان فلا. فصل في فرائض وسنن صلاة العيد القارئ: وصلاة العيد ركعتان يقرأ في كل ركعة منهما بالحمد لله وسورة ويجهر بالقراءة بلا خلاف قال عمر رضي الله عنه صلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى رواه الإمام أحمد في المسند ويسن أن يقرأ فيهما بـ (سَبِّحِ) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) لحديث النعمان بن بشير ومهما قرأ أجزأه.

الشيخ: أو يقرأ فيهما (ق) و (اقْتَرَبَتِ) لأن هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قرأ (ق) و (اقْتَرَبَتِ) لكن ينبغي أن يلاحظ حال الناس في هذه الحال إذا كان هناك برد يؤذي الناس فلا يقرأ (ق) و (اقْتَرَبَتِ) لأن ذلك يشق عليهم كذلك إذا كان الحر شديداً كما لو لم يعلم بالعيد إلا بعد أن ارتفعت الشمس فلا يطيل عليهم أيضاً بقراءة ق واقتربت وكذلك أيضاً لو خاف من نزول مطر بأن تكون السماء مغيمة فالمهم أنه من السنة أن يقرأ في ركعتي العيد (ق) و (اقْتَرَبَتِ) ولكن ينبغي له أن يراعي أحوال الناس، في الفطر لو أطال لا بأس لكن في الأضحى إذا أطال فقد يشق على الناس بتأخيرهم عن ذبح ضحاياهم. القارئ: ويكبر في الأولى سبع تكبيرات منها تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الركوع) رواه أبو داود واعتدنا بتكبيرة الإحرام لأنها في حال القيام ولم نعتد بتكبيرة القيام لأنها قبله. الشيخ: أظن هذا واضح، الجملة الأولى فيها تكبيرات سبع أضفنا تكبيرة الإحرام إلى الست الزوائد لأنها أي تكبيرة الإحرام تكون في حال القيام وفي الثانية خمس تكبيرات ولم نضف إليها تكبيرة القيام لأن تكبيرة القيام تكون قبل استتمام القيام فليست من تكبيرات القيام. القارئ: ويسن أن يرفع يديه مع كل تكبيرة لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة وفي العيد رواه الأثرم.

الشيخ: أما تكبيرة الجنائز فواضح أنه يرفع مع كل تكبيرة لتمييز الانتقال بالفعل كما يميز بالقول فإن كل تكبيرة بعدها ذكر غير التكبيرة الأولى فلابد من تميز الانتقال بالقول وبالفعل ولهذا كان من السنة أن يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة وقد صح ذلك عن ابن عمر موقوفاً وكذلك مرفوعاً كما حققه الشيخ عبد العزيز بن باز في حاشية فتح الباري وأما العيد فكذلك أيضاً يسن رفع اليدين في التكبير لأن هذا تكبير في حال القيام فأشبه تكبيرة الإحرام وهذا من جهة القياس أما السنة فقد وردت في ذلك أيضاً لكنه يحتاج إلى تخريج كما سيكون ذلك إن شاء الله تعالى. القارئ: ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين وإن أحب قال الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم تسليما لأنه يجمع بين ما ذكرناه وموضع التكبير بعد الاستفتاح وقبل الاستعاذة والقراءة في الركعتين وعنه أنه قبل الاستفتاح أيضا اختارها الخلال وصاحبه والأول أولى لأن الاستفتاح لافتتاح الصلاة فيكون في أولها والاستعاذة للقراءة فتكون في أولها وعنه أنه يوالي بين القراءتين يجعلها في الأولى بعد التكبير وفي الثانية قبله لما روى علقمة أن عبد الله بن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال لهم إن هذا العيد قد دنى فكيف التكبير فيه فقال عبد الله تبدأ وتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر إلى أن قال وتركع ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وذكر الحديث فقال أبو موسى وحذيفة صدق ووجه الأولى أنه تكبير في إحدى ركعتي العيد فكان قبل القراءة كالأولى.

الشيخ: قوله كالأولى يعني كالركعة الأولى وهذا هو المعمول به الآن أن التكبير في الثانية يكون في أولها ولا يكون في آخرها وأما القول الثاني فيكون التكبير في آخرها من أجل أن تتساوى لها القراءتان وهذا التعليل كما تعلمون عليل لأن توالي القراءتين مستحيل إذ بين القراءة الأولى والثانية ركوع وسجود وقعود وقيام فالصواب أن التكبيرة في الثانية كالتكبيرة في الأولى يكون في الأول. فصل في السهو عن بعض التكبيرات القارئ: وتكبيرات العيد الزوائد والذكر بينها سنة لا يؤثر تركها عمداً وإن والى بين التكبير كان جائزا وإن نسي التكبير حتى شرع في القراءة لم يعد إليه لأنه سنة فلا يعود إليها بعد شروعه في القراءة كالاستفتاح. الشيخ: إذاً لو والى بين التكبير فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر فلا بأس وإن حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه بينها فحسن. السائل: بعض البلاد يكون مصلى العيد فيها غير ثابت فكل عيد يكون في مكان آخر فهل يأخذ حكم المسجد؟ الشيخ: ظاهر الأحاديث أن المراد بمصلى العيد الذي ثبت لأن مصلى العيد في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ثابت أما المصلى المتنقل فيحتاج إلى تأمل. السائل: قد يقول قائل أن منع الحيّض لأن لا يلوثوا المصلى لا لأنه مسجد؟ الشيخ: هذا لا يصح ولا يشترط في المصلى أن يكون مسوراً ما دام معد للصلاة فيه فهو مصلى. السائل: ما ضابط اعتزال الحيَّض عن المصلى؟ الشيخ: ضابطه إن كان مسوراً كما هو الغالب في مصليات العيد الآن فأن لا تدخل من داخل السور وإن كان غير مسور فأن لا تكون في المكان الذي يصلي فيه الناس غالباً. فصل في خطبتي العيد القارئ: فإذا سلم خطب خطبتين كخطبتي الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ويفارق خطبتي الجمعة في أربعة أشياء أحدها أن محلهما بعد الصلاة لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة متفق عليه.

الثاني أنه يسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متواليات والثانية بسبع ويكثر التكبير في أضعاف الخطبة لما روى سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير بين خطبتي العيدين. الثالث أن يحثهم في الفطر على إخراج الفطرة ويبين لهم ما يخرجونه ووقته وجنسه وفي الأضحى يرغبهم في الأضحية ويبين لهم ما يجزئ فيها ووقت ذبحها ويحثهم على الإطعام منها لأنه وقت هذا النسك فيشرع تبيينه. الرابع أنهما سنة لا يجب استماعهما ولا الإنصات لهما لما روى عبد الله بن السائب قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال (إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب) رواه أبو داود ويستحب أن يجلس عقيب صعوده ليستريح وقيل لا يجلس لأن الجلوس في الجمعة لموضع الأذان ولا أذان ههنا. الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه لا يجلس هذا الفصل فيه مسائل بيَّن فيها المؤلف رحمه الله ما تفارق فيه خطبة العيدين خطبتي الجمعة فبيَّن أن محلها بعد الصلاة وهذا أمر متفق عليه ولا إشكال فيه وقد قدمها بعض ولاة بني أمية فأنكر عليه الصحابة وقال لا يصح هذا فتعلل بأن الناس ينفرون عن سماع الخطبة بعد الصلاة ولكن هذه العلة عليلة والصواب أن محلها بعد الصلاة في كل حال والفرق بينها وبين خطبة الجمعة أن خطبة الجمعة شرط لصحة الصلاة والشرط يتقدم المشروط أما هذا فهو تكميل والتكميل يكون بعد الأصل. الثاني أنه يسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متواليات والثانية بسبع وهذا محل خلاف بين العلماء فمنهم من قال بذلك لكنه روي بحديث في صحته نظر لأنه مرسل وبعض العلماء يقول يبدأ خطبتي العيد بالاستفتاح بالحمد كسائر الخطب لأن هذا هو سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

الفرق الثالث أنه يحثهم في الفطر على إخراج زكاة الفطر وفي الأضحى يبين لهم الأضحية أما الأول ففيه نظر لأنه إذا بين أحكام زكاة الفطر في هذا الوقت فقد فات وقتها لأنه لا يجوز تأخير إخراجها إلى ما بعد الصلاة والصواب أن بيان أحكام زكاة الفطر إنما يكون في آخر خطبة من خطب رمضان أما في خطبة صلاة عيد الفطر فلا وجه له أما الأضحية فنعم يبين لهم ما يجب عليهم فيها لأن وقتها لم يفت بعد ولكن قد يقول قائل إن هذا ليس فرقاً بين خطبة الجمعة وخطبة العيد لأن ذكر هذه الأشياء في خطبة العيد من أجل المناسبة خطبة الجمعة أيضاً ينبغي أن تكون مناسبة للوقت ولحال الناس وحينئذٍ فقد اجتمعت خطبة العيد وخطبة الجمعة في المعنى فلا فرق.

الرابع أنهما سنة يعني خطبتي العيدين لا يجب استماعهما ولا الإنصات لهما ثم ذكر الأثر أما كونهما سنة فهذا هو الظاهر لأنهما كما قلنا أولاً من باب التكميل في الصلاة وهما يشبهان من بعض الوجوه خطبة صلاة الكسوف وخطبة صلاة الكسوف سنة وأما كونه لا يجب استماعهما ولا الإنصات لهما ففيه نظر بل هما في الاستماع والإنصات كخطبتي الجمعة لأننا لو قلنا لك أن تتكلم وتخاطب غيرك والناس يستمعون إلى الخطبة لزم من ذلك إيذاء المسلمين ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله هما في تحريم الكلام كخطبتي الجمعة لكن للإنسان أن يقوم وينصرف بخلاف خطبتي الجمعة فإنه يجب على الإنسان أن يحضر ليستمعهما لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) وبقي عليه فرق أهم من ذلك كله وهو أن خطبة العيد واحدة وخطبتي الجمعة اثنتان وذلك أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب مرتين إلا في حديث ضعيف وأكثر الأدلة تدل على أنه يخطب خطبة واحدة لكن إذا خشي الإنسان من أذىً يلحقه في ذلك وكانت عادة أهل البلد أن يخطبوا خطبتين فليخطب خطبتين لأن هذا قد ورد فيه هذا الحديث وإن كان ضعيفاً ولأنه عادة الناس. فصل في التنفل القارئ: ولا يتنفل قبل الصلاة ولا بعدها في موضع الصلاة لا في المسجد ولا في المصلى إماماً كان أو مأموما لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلها ولا بعدها متفق عليه ولا بأس أن يصلي بعد رجوعه لما روى أبو سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين رواه ابن ماجه.

الشيخ: هذا الحديث في حكم التنفل في مصلى العيد المؤلف رحمه الله قال لا يتنفل وكلمة لا يتنفل يحتمل أن تكون للتحريم ويحتمل أن تكون للكراهة لكن الظاهر أن مراده الكراهة وما استدل به على الكراهة لا يدل عليها في الواقع كون الرسول لم يفعل يدل على أن الفعل ليس بسنة لكن لا يدل على أن الفعل مكروه وفرق بين أن نقول الفعل ليس بسنة أو أن نقول الفعل مكروه والذي يظهر أنه لا دلالة في الحديث اطلاقاً على ما ذهب إليه المؤلف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ قبلهما حيث أنه شرع في الصلاة فلا حاجة أن يصلي قبلهما ولا بعدهما لأنه لما انتهت الخطبة انصرف ولهذا نقول إن الإنسان إذا دخل إلى مصلى العيد فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين إن كان بعد ارتفاع الشمس قيد رمح فقد زال وقت النهي ولا إشكال وإن كان قبل ذلك فوقت النهي باق لكن القول الراجح أن ما كان له سبب من التطوع فإنه لا ينهى عنه وقد سبق بحث هذه المسألة وعلى هذا فنقول من جاء إلى مصلى العيد قبل طلوع الشمس أو بعد طلوع الشمس فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين صحيح أنه إذا صلى ركعتين تحية المسجد فإنه لا يسن أن يتنفل يعني لا نقول قم صلِّ حتى يحضر الإمام كما نقول ذلك في صلاة الجمعة بل نقول اقتصر على تحية المسجد وأما بعد الرجوع فإن صح حديث ابن ماجة هذا فهو ظاهر أنه يصلي ركعتين وإن لم يصح فالظاهر والله أعلم أن الرسول صلى ركعتي الضحى لأنه أحياناً يصلي ركعتي الضحى. فصل فيمن فاته بعض التكبيرات

القارئ: ومن سبق بالتكبير أو ببعضه لم يقضه لأنه سنة فات محلها وقال ابن عقيل يأتي به لأن محله القيام وقد أدركه وإن أدركه في الركوع تبعه ولم يقض التكبير وجهاً واحدا وإن أدركه في التشهد قام إذا سلم الإمام فقضى ركعتين يكبر فيهما وإن أدركه في الخطبة استمع ثم قضى الصلاة إن أحب وفي صفة القضاء ثلاث روايات إحداهن يقضيها على صفتها لحديث أنس ولأنه قضى صلاة فكان على صفتها كغيرها الثانية يصليها أربعاً بسلام واحد إن أحب أو بسلامين لما روى الأثرم عن عبد الله بن مسعود قال من فاته العيد فليصل أربعا ولأنها صلاة عيد فإذا فاتت صليت أربعاً كالجمعة الثالثة هو مخير بين ركعين وأربع لأنه تطوع نهار فكانت الخيرة إليه فيه كالضحى. الشيخ: هذا الفصل تضمن مسائل: أولاً إذا سبق الإنسان بالتكبير أو ببعضه بالتكبير بأن أتى بعد انتهاء التكبير كله فهنا إذا دخل مع الإمام لابد أن يكبر تكبيرة الإحرام هل يقضي هذا التكبير يقول المؤلف رحمه الله لا يقضيه لأنه سنة فات محلها ونحن نقول أيضاً لا يقضيه لأنه سنة فات محلها ولأن الإمام يقرأ وقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نقرأ والإمام يقرأ إلا في فاتحة الكتاب فيكون التعليل من وجهين الوجه أنه سنة فات محلها والوجه الثاني يقرأ. وقال ابن عقيل يأتي به لأن محله قيام وقد أدركه فيقال نعم هو محل القيام لا شك لكن أدركه محله لانشغاله بمتابعة إمامه فقول ابن عقيل رحمه الله ضعيف. إن أدركه في الركوع تبعه ولم يقض التكبير وجهاً واحداً لأنه فاته محله حقيقة فلا يقضيه وجهاً واحداً يقول وإن أدركه في التشهد قام إذا سلم الإمام فصلى ركعتين يكبر فيهما يكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام وستاً زوائد وفي الثانية خمساً زوائد. وإن أدركه في الخطبة استمع ثم قضى الصلاة إن أحب وقوله إن أحب يدل على أن قضاء الصلاة ليس بواجب وهو كذلك لكن في صفة القضاء ثلاثة أقوال:

الأول وهي رواية عن أحمد أن يقضيها على صفتها وهذا أصح الأقوال الثلاثة إذا قلنا بالقضاء وذلك لأن القضاء يحكي الأداء. الثانية أن يقضيها أربعاً إما بسلامين أو بسلام واحد وذكر فيه الأثر عن ابن مسعود لكنه قول ضعيف ولا يصح قياسه على الجمعة لأن الجمعة إذا فاتت بقي فرض الوقت وهو الظهر أما هنا فليس للوقت فرض والثالث أنه مخير بين أن يقضيها ركعتين أو أربع ركعات وهذه أيضاً ضعيفة فالصواب أننا إذا قلنا بالقضاء فإنه يقضيها على صفتها وهذا هو المشهور من المذهب لكن الصحيح أنه لا يقضيها لا على صفتها ولا أربعاً لا بسلام واحد ولا بسلامين وذلك لأنها صلاة شرعت على وجه الاجتماع فلا تشرع على وجه الانفراد ولا يرد علينا قضاء الجمعة لأن الجمعة لا تقضى أيضاً وإنما تصلى فريضة الوقت وهي الظهر. فصل في التكبير يوم الفطر القارئ: ويشرع التكبير في العيدين. الشيخ: هذا العنوان غلط كيف يقول في التكبير يوم الفطر والمؤلف يقول في العيدين هذا ما يصلح. القارئ: ويشرع التكبير في العيدين لقول الله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) وعن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر حتى يسمع أهل الطريق قال القاضي والتكبير في الفطر مطلق غير مقيد على ظاهر كلامه يعني لا يختص بأدبار الصلوات وقال أبو الخطاب يكبر من غروب الشمس إلى خروج الإمام إلى الصلاة وهل يكبر بعد صلاة العيد على روايتين. الشيخ: التكبير سنة في عيد الفطر لأمر الله تعالى به لقوله (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) ولكنه مطلق ليس مقيداً بأدبار الصلوات فيكبر من غروب الشمس إلى شروع الإمام في الصلاة ويجهر به في الأسواق والبيوت والمساجد وأما النساء فلا تجهر به بل تقوله سراً. فصل في التكبير يوم الأضحى القارئ: فأما التكبير في الأضحى فهو على ضربين مطلق ومقيد.

فأما المطلق فالتكبير في جميع الأوقات من أول العشر إلى آخر أيام التشريق وأما المقيد فهو التكبير في أدبار الصلوات من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق قيل لأحمد بأي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق قال بالإجماع عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم وقد روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم عرفة ثم أقبل علينا فقال (الله أكبر) ومد التكبير إلى آخر أيام التشريق وصفة التكبير المشروع الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد لأن هذا يروى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما قال أبو عبد الله اختياري تكبير ابن مسعود وذكر مثل هذا ولأن في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر تكبيرتين ولأنه تكبير خارج الصلاة فكان شفعاً كتكبير الأذان.

الشيخ: ومن العلماء من قال يكبر ثلاثاً لأنه وتر والله عز وجل وتر يحب الوتر وأرى أن الأمر في هذا واسع إن شاء كبر ثلاثاً الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد وإن شاء كبر مرتين وإن شاء كبر ثلاثاً واثنتين يكون المجموع خمساً أي وتراً فالأمر في هذا واسع إنما فهمنا من كلام المؤلف رحمه الله أن التكبير المطلق من أول دخول شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق والمقيد من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق فيجتمع من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق فيها مطلق ومقيد وقال غيره من أصحابنا رحمهم الله المطلق من أول أيام ذي الحجة إلى غروب الشمس في اليوم التاسع ثم يبدأ التكبير المطلق بليلة العيد إلى أن يأتي الإمام أما بعد ذلك فليس فيه إلا مقيد وعلى هذا القول يجتمع فيما بين فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر مطلق ومقيد وينفرد المطلق بما قبل فجر يوم عرفة ابتداءً من أول شهر ذي الحجة وينفرد المقيد بما بعد صلاة العيد إلى عصر آخر أيام التشريق وفرق أيضاً بعض العلماء بابتداء المقيد فقال للمحلين من فجر يوم عرفة وللمحرمين بالحج من ظهر يوم العيد وقالوا لأنه من فجر يوم عرفة إلى فجر يوم العيد يكون الإنسان مشتغلاً بالتلبية إذ أن تلبية الحاج لا تنقطع إلا إذا شرع في رمي جمرة العقبة وكما قلت لكم الأمر في هذا واسع حتى لو أن الإنسان لم يكبر التكبير المقيد وجعل بعد الصلاة الأذكار المعروفة ثم بعد ذلك كبر فلا حرج كلها ذكر لله. السائل: سنية التكبير هل من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أو من فعل الصحابة؟

الشيخ: لا هو داخل في عموم قوله تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) وقالوا إن شهر ذي الحجة هو الشهر الذي يكون فيه الذبح فصار التكبير منه وبعض العلماء يقول لا يبتدئ التكبير إلا إذا رأى الذبائح لقوله (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ) فلا يبتدئ بالتكبير إلا إذا رأى الذبائح مثل يأتي للمبيع ويرى فيها الغنم والإبل والبقر تباع للأضحية فيكبر فوجه كونه سنة العمل كما قال الإمام أحمد إجماع الناس هذا عمل من قديم. فصل في موضع التكبير المقيد القارئ: وموضعه عقيب أدبار الصلوات المفروضات ولا يشرع عقيب النوافل لأنه لا أذان لها فلم يكبر بعهدها كصلاة الجنازة وإن سبق الرجل ببعض الفريضة كبر إذا سلم وإن صلاها كلها وحده ففيه روايتان إحداهما يكبر لأنه ذكر مشروع للمسبوق فأشبه التسليمة الثانية والثانية لا يكبر لأن ابن عمر كان لا يكبر إذا صلى وحده وقال ابن مسعود إنما التكبير على من صلى في الجماعة ولأنه مخصوص بوقت فخص بالجماعة كالخطبة والمسافر كالمقيم في التكبير والمرأة كالرجل قال البخاري النساء كن يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز مع الرجال في المسجد ويخفضن أصواتهن حتى لا يسمعهن الرجال وعن أحمد رضي الله عنه أنها لا تكبر ومن فاتته صلاة في أيام التكبير فقضاها فيها كبر وإن قضاها بعدها لم يكبر لأن التكبير مقيد بالوقت. الشيخ: التكبير المقيد أدبار الصلوات المفروضة ولكن هل يكون قبل الاستغفار وقبل اللهم أنت السلام ومنك السلام أو بعده نقول يكون بعد ذلك أي بعد أن يستغفر ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام. وإذا كان مسبوقاً ببعض الفريضة كبر إذا سلم.

وإن فاتته الفريضة مع الجماعة ففيه روايتان إحداهما يكبر والثانية لا يكبر وكما قلنا أولاً إن الأمر في هذا واسع فإذا كبر فلا بأس ولا ينهى عنه وإذا لم يكبر فلا بأس ولا يؤمر به. أما قول المسافر كالمقيم فصحيح والمرأة كالرجل لكنها تخفض صوتها ولا سيما إذا كان عندها رجال من غير محارمها. أما إذا قضى الصلاة بعد خروج وقتها فإن كان في زمن التكبير كبر وإن كان بعد انتهاء زمن التكبير فإنه لا يكبر لأنه فات وقته فلو أنه ذكر ليلة أربعة عشر أنه صلى عصر يوم الثالث عشر بغير وضوء فهنا يجب عليه القضاء فقضى في ليلة الرابع عشر فإنه لا يكبر لأنه فات وقت التكبير كما قال المؤلف رحمه الله. فصل القارئ: ويكبر مستقبل القبلة فإن أحدث قبل التكبير لم يكبر لأن الحدث يقطع الصلاة. الشيخ: والصحيح أنه يكبر فلو أحدث إنسان فيه ريح ضيقت عليه من حين ما سلم أطلقها فإنه يكبر لأنه لا يشترط للتكبير أن يكون على طهارة نعم لو أنه طال الوقت وانفصل التكبير عن الصلاة فهنا نقول سنة فات محلها. القارئ: وإن نسي التكبير استقبل القبلة وكبر ما لم يخرج من المسجد ويستحب الاجتهاد في العمل الصالح في أيام العشر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما العمل الصالح في أيام أفضل منه في العشر) قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء) أخرجه البخاري. الشيخ: الأمر كما قال المؤلف أنه ينبغي في الأيام العشر أن يجتهد في كل عمل صالح ومن ذلك الصوم والعجب من بعض طلبة العلم أنهم قالوا إنه لا يشرع الصوم في هذه الأيام وقال بعضهم إنه حرام فجعلها كأيام العيدين وأيام التشريق والعلة قالوا إن عائشة تقول ما رأيته صام العشر قط فيقال الرد على هذا من وجوه: الوجه الأول أن أم المؤمنين حفصة أخبرت أنه كان يصومها قال الإمام أحمد والمثبت مقدم على النافي.

ثانياً أن الصوم من العمل الصالح وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيهن أفضل من هذه الأيام العشر) ولا يخفى على أحد أن الصوم من العمل الصالح بل من أفضل الأعمال الصالحة حتى إن الله جل وعلا اختصه لنفسه قال (الصوم لي) فيدخل في العموم وقد بينا فيما سبق أن العموم ثابت شامل لكل أفراده بنص السنة حيث قال عليه الصلاة والسلام في قول المصلي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (إنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض). ثالثاً أن يقال الكراهة أو التحريم تحتاج إلى دليل مستقل وعدم الفعل لا يتضمن النهي فلو فرض أنه ليس في السنة (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله) فإنا نقول تحتاج الكراهة إلى دليل لأن عدم فعل الرسول لها لا يدل على الكراهة بل يدل على أن السنة تركها لكن إذا كان هناك أدلة تقتضي أن السنة الصوم فإنه يؤخذ بها.

باب صلاة الكسوف

باب صلاة الكسوف القارئ: وهي سنة مؤكدة عند كسوف الشمس أو القمر. الشيخ: باب صلاة الكسوف هذا من باب إضافة الشيء إلى سببه لا إلى زمنه لكن صلاة الظهر من باب إضافة الشيء إلى زمنه إذا لم نقل إن دخول الوقت سبب لوجوب الصلاة والكسوف هو احتجاب ضوء الشمس أو القمر بما جعله الله تعالى حجاباً فالشمس تنحجب بالقمر يحول بينها وبين الأرض والقمر ينحجب بالأرض تحول بينه وبين الشمس وذلك أن نور القمر مستفاد من الشمس فإذا وجد حائل يمنع منه انحجب النور وكسف القمر ولهذا تجدون الهلال أول ما يهل تجدونه ليس فيه نور لأن الجزء المقابل للشمس من القمر قليل جداً وكلما قرب من الشمس قلت المواجهة فَقَلَّ النور وتمام المواجهة في ليالي الإبدار ولهذا لا يمكن يوجد كسوف القمر إلا في ليالي الإبدار ولا خسوف الشمس إلا في ليالي الاستسرار أي في آخر الشهر حيث يمكن أن يحول القمر بين الأرض وبين الشمس وأما قول بعض العلماء في الخسوف إنه ذهاب ضوء أحد النيرين أو بعضه ففيه نظر لأنه لا يذهب لكن يكون هناك حجاب ثم إن للكسوف سببين سبب كوني وسبب شرعي أما السبب الكوني فهو ما ذكرنا لكم وهو هذا السبب الحسي كسوف القمر سببه أن الأرض تحول بينه وبين الشمس كسوف الشمس أن القمر يحول بينها وبين الأرض السبب الشرعي لا نعلمه نحن لكن علمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله يخوف بهما عباده). وقول المؤلف عن صلاة الكسوف إنها سنة مؤكدة أفادنا ثلاث فوائد: الفائدة الأولى أنها ليست بواجبة. والفائدة الثانية أنها ليست بسنة مطلقة.

والفائدة الثالثة أنها سنة مؤكدة والسنة المؤكدة أقوى من السنة المطلقة وقد اصطلح الحنفيون أصحاب أبي حنيفة على تسمية الواجب بالسنة المؤكدة فإذا قالوا سنة مؤكدة فهي بمعنى واجبة لكن عند الحنابلة وأكثر الأصوليين أن السنة المؤكدة هي التي يطلب فعلها بالتأكيد والصحيح أن صلاة الكسوف واجبة ودليل الوجوب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج فزعاً يجر رداءه وأمر بالصلاة حتى قال (الصلاة جامعة) واجتمع الناس كلهم وصلى تلك الصلاة الطويلة وعرض عليه ما عرض من آيات الله عز وجل من الجنة والنار وأمر في بعض ألفاظ الحديث بالفزع إلى الصلاة كأن عدواً أغار على المسلمين ففزعوا لدفعه وأمر بالصدقة والاستغفار والتكبير والعتق وكل هذه القرائن تدل على أن صلاتها واجبة وعلى الأقل أن نقول إنها فرض كفاية لا فرض عين أما أن يحصل الكسوف أو الخسوف ويبقى الناس في دنياهم بيعاً وشراءً وتمتعاً وترفهاً وكأن شيئاً لم يكن فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم المبالاة وعدم انصياع الناس إلى تخويف الله عز وجل فالصحيح أنها فرض وأقل ما نقول إنها فرض كفاية فإن قال قائل أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر الصلوات الخمس للأعرابي وقال هل علي غيرها قال (لا إلا أن تطوع) قلنا بلى لكن مراد النبي عليه الصلاة والسلام بذلك الصلاة اليومية المتكررة أما الصلاة التي لها سبب فهذه مقرونة بأسبابها. القارئ: لما روى أبو مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى يخوف الله بهما عباده وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم).

الشيخ: إنما قال (لموت أحد من الناس) لأن الشمس كسفت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حين مات ابنه إبراهيم وابنه إبراهيم مات وله ستة عشر شهراً وحزن عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وفاضت عيناه وقال (العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك أو قال بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) فقال الناس كسفت لموت إبراهيم لأن عندهم عقيدة فاسدة في الجاهلية أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا إذا مات عظيم أو ولد عظيم فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذه العقيدة لأنه لا أثر للحوادث الأرضية على الأحوال الفلكية الأحوال الفلكية عُلْيا مهما حدث في الأرض فإنه لا يؤثر فيها لكن قد يعاقب الله أهل الأرض بأحوال فلكية كالصواعق والبَرَد وما أشبه ذلك لكن أن تكون سبباً فاعلاً ما يحدث في الأرض حتى يتغير الجو هذا ليس بصحيح أبداً. واستفدنا من قوله (فإذا رأيتم منها شيئاً) أنه لو قدر أن الشمس كسفت بعد أن غابت فإنه لا صلاة ولو كسفت قبل أن تخرج فلا صلاة ولو كان هناك غيم ثقيل حجب رؤيتها عنا فلا صلاة حتى وإن علمنا بتقرير الفلكين أن هناك كسوفاً فإننا لا نأخذ بقولهم حتى نرى إذا رأيتموه وقد يحجب الله سبحانه وتعالى رؤية الشمس كاسفة أو القمر رحمة بالناس فيكون هذا حجاباً من الله عز وجل أن يخوف هؤلاء القوم فلا تلزم الصلاة في هذه الحال.

وقوله (حتى ينكشف) هل هي تعليل أو غاية؟ هل المعنى صلوا وادعوا لينكشف ما بكم أو استمروا في ذلك حتى ينكشف؟ هذا فيه احتمال فإن قلنا لينكشف فمعناه أننا نكتفي بأقل صلاة لأننا أوجدنا السبب وإذا قلنا حتى ينكشف فإننا نصلي حتى ينكشف وعلى هذا فإذا علمنا أن الكسوف سيطول وقته فحينئذٍ نطيل في الصلاة إذا جعلنا حتى للغاية وإذا انتهينا من الصلاة ولم ينجلِ؟ فهنا اختلف العلماء منهم من يقول تعاد الصلاة ومنهم من يقول لا تعاد أما إذا جعلناها للتعليل فمن المعلوم أن أدنى صلاة تكون سبباً فيجزئ من ذلك ركعتان مثلاً ولو خفيفتين ولكن الأظهر أنها للغاية وأننا مأمورون أن نصلي حتى ينكشف ما بنا. القارئ: وعن عائشة رضي الله عنها قالت خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث منادياً فنادى الصلاة جامعة وخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه وصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات متفق عليهما. الشيخ: هذا أيضاً من آيات الله الشرعية أن صلى صلاة لا نظير لها صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان والصلوات الأخرى في كل ركعة ركوع واحد وسجودان لكن لما كانت هذه الصلاة سببها آية كونية جعلها النبي صلى الله عليه وسلم آية شرعية خارجة عن المألوف والمعهود. القارئ: وتجوز جماعة وفرادى لإطلاق الأمر بها في حديث أبي مسعود والجماعة أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لها في جماعة وينادى لها الصلاة جامعة للحديث وتفعل في المسجد للخبر ولأن في وقتها ضيقا فلو خرجوا إلى المصلى خيف فواتها. الشيخ: هذه مسائل: أولاً أن كونها جماعة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نادى لها قال (الصلاة جامعة) وجمَّع بهم صلوات الله وسلامه عليه. وفيه أيضاً أنه لو أدوها فرادى لم يكن هناك مظهر خوف من الناس لأن كل إنسان يصلي في بيته ولا يدروا عنه.

وفي قوله تفعل في المسجد دون مصلى يعني مصلى العيد بل تفعل في المسجد ولكن هل تفعل في كل مسجد كما هو حال الناس اليوم أو في الجوامع؟ الجواب الثاني تفعل في جوامع هذا هو الأفضل لكن إذا خيف أن يتكاسل الناس عنها إذا قيل صلوا في الجوامع فلا بأس أن تصلى في كل مسجد. وقوله (الصلاة جامعة) أهي بالنصب أو بالرفع؟ يجوز الوجهان الصلاةَ جامعةً أي احضروا الصلاة جامعة ويجوز الصلاةُ جامعةٌ على أنها مبتدأ وخبر. فصل في صفة صلاة الكسوف القارئ: وصفتها أن يكبر للإحرام ويستفتح ثم يقرأ الفاتحة وسورة البقرة أو نحوها ثم يركع فيسبح نحواً من مائة آية ثم يرفع فيسمع ويُحَمِّد ويقرأ الفاتحة وآل عمران أو نحوها ثم يركع فيسبح نحواً من سبعين آية ثم يرفع فيسمع ويحمد ثم يسجد سجدتين يسبح فيهما نحواً من الركوع ثم يقوم إلى الثانية فيقرأ الفاتحة وسورة النساء ثم يركع ويسبح نحواً من خمسين آية ثم يرفع فيسمع ويحمد ويقرأ الفاتحة وسورة المائدة ثم يركع فيسبح نحواً من أربعين آية ثم يرفع ويسمع ويحمد ثم يسجد سجدتين نحواً من ركوعه ويتشهد ويسلم وليس هذا التقدير في القراءة والتسبيح منقولاً عن أحمد رضي الله عنه ولا هو متعين وما قرأ به بعد أم الكتاب فيها أجزأه. الشيخ: المؤلف رحمه الله معروف أنه مؤلف للكتابة على مذهب الإمام أحمد لكن لورعه لما ذكر هذا التقدير قال إنه ليس منصوصاً عن الإمام أحمد لئلا يظن الظان أن هذا منصوص عليه من كلام الإمام أحمد ولكنه ليس منصوصاً عليه وعلى حسب تقدير المؤلف يكون الإنسان قرأ في صلاة الكسوف ستة أجزاء وربع تقريباً فإذا قال قائل هذا تطويل على الناس قلنا من طال عليه القيام فليجلس ولن نفوت المصلحة العامة من أجل هذا وأيضاً هي سنة إذا قلنا هي فرض كفاية صارت فيما زاد عمن تحصل بهم الكفاية سنة فإذا شاء انصرف.

القارئ: لكن يستحب ذلك ليقارب فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيما روت عائشة رضي الله عنها قالت خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المسجد فقام وكبر وصف الناس وراءه فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعاً طويلا ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم قام فقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعاً هو أدنى من الركوع الأول ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات فانجلت الشمس متفق عليه وفي رواية أخرى فرأيت أنه قرأ في الأولى بسورة البقرة وفي الثانية سورة آل عمران. الشيخ: قولها فرأيت يعني ظننت فرأى هنا بمعنى ظن. القارئ: ويجهر بالقراءة ليلاً كان أو نهاراً لأن عائشة روت أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف رواه أبو داود، ولأنها صلاة شرع لها الجمع الكثير فسن لها الجهر كالعيد. الشيخ: فإن قال قائل كيف تقدر بسورة البقرة وهو قد جهر بها لأنه يلزم من جهره بها أن تكون مسموعة معلومة قلنا قد نعلم أن الإمام يقرأ جهراً ولكن لا ندري ماذا يقول لبعدنا عنه وهذا كثيراً ما يقع فلا يلزم من سماع الإمام أنه يجهر أن نسمع كل كلمة يقولها حتى نقول إنه قرأ بشيء معين. والمؤلف رحمه الله استدل على أن القراءة جهر بحديث عائشة وعلل ذلك بأنها صلاة شرع لها الجمع الكثير فسن لها الجهر كالعيد وكالجمعة أيضاً وهذا يدل على أنه إذا كانت الصلاة مما يجتمع له فإنه يجهر بها وذلك لأنه أقوى في الاتحاد إذ أن هؤلاء الجمع الكثير ينصتون لإمام واحد وهذه والله أعلم هي الحكمة من كون بعض الصلوات النهارية جهرية لأنها تجمع الناس الكثير فيكون سكوتهم وإنصاتهم لهذا الإمام المعين أقوى في الاتحاد على هذا الإمام.

القارئ: وإن صلى في كل ركعة ثلاث ركوعات على نحو ما ذكرنا جاز لأن عائشة روت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات وأربع سجدات رواه مسلم. الشيخ: على كل حال هذا الحديث لا يصح سواء من حديث ابن عباس أو من حديث عائشة لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلى في كل ركعة ثلاث ركوعات ووجه ذلك أن الكسوف بالاتفاق لم يحصل في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا مرة واحدة والثابت في الصحيحين أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان وما عدا ذلك فإنه شاذ لا يصح ومعروف أن من شروط صحة الحديث أن لا يكون شاذاً فكل ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى أكثر من ركوعين في كل ركعة فهو حديث لا يصح نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. القارئ: وإن جعل في كل ركعة أربع ركوعات جاز أيضاً لأنه يروى عن علي وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم والمختار الأول لأنه أصح وأشهر. الشيخ: ما هو الأول؟ ركوعان في كل ركعة هذا هو الأصح لكن روى مسلم في صحيحه عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى في كسوف ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات وفعل علي رضي الله عنه مما يحتج به وكأنه رضي الله عنه رأى الزيادة لأنه ظن أن الكسوف سيستمر طويلاً فزاد ولكنا نختار كما اختار المؤلف رحمه الله أن يصلي ركعتين في كل ركعة ركوعان فقط. القارئ: ووقتها من حين الكسوف إلى حين التجلي فإن فاتت لم تقضَ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا حتى يكشف الله ما بكم) وإن تجلت وهو في الصلاة أتمها وخففها وإن سلم قبل انجلائها لم يصلِّ أخرى واشتغل بالذكر والدعاء وإن استترت بغيم صلى لأن الأصل بقاء الكسوف وإن غابت كاسفة فهو كانجلائها لأنه ذهب وقت الانتفاع بنورها وإن طلعت الشمس والقمر خاسف فكذلك لما ذكرنا وإن غاب ليلاً.

الشيخ: يعني لا يصلى فلو طلعت الشمس وخسف القمر فإنه لا يصلى للكسوف لأنه ذهب وقت سلطانه ولأن ذلك لا يؤثر لأنه قد اتضح النهار فلا يصلى لها لكن هذا في الغالب نادر جداً لأن الغالب أن القمر يغيب قبل طلوع الفجر في زمن الإبدار لكن ربما يتأخر ويكون قريباً من المغرب أي من الغروب فتخرج الشمس قبل أن يغرب ولو طلع الفجر ثم خسف القمر يصلى أو لا؟ أما إذا قلنا بأن صلاة الكسوف لا تصلى في وقت النهي فإنه لا يصلى لأنهم صلوا الفجر وكذلك إن قلنا إن وقت النهي يدخل بطلوع الفجر فلا يصلى ولو كان قبل صلاة الفجر لكن الصحيح أنه يصلى إذا خسف بعد الفجر قبل الصلاة أو بعد الصلاة مباشرة فإنه يصلى لأن ذلك يظهر أثره في الجو بخلاف ما إذا طلعت الشمس فإنه لا يظهر له أثر. القارئ: فإن غاب ليلاً وهو كاسف لم يصلِّ كالشمس إذا غابت وقال القاضي يصلي لأن وقت سلطانه باق. الشيخ: والصواب الأول أنه إذا كسف بعد غروبه فإنه لا يصلى. فصل في الخطبة لصلاة الكسوف القارئ: وقال القاضي لم يذكر لها أحمد خطبة ولا رأيته لأحد من أصحابنا وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالصلاة دون الخطبة. الشيخ: وقال بعض العلماء إن لها خطبة بعدية راتبة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى وخطب ولأن الحاجة داعية إلى التذكير وعظ الناس فيكون لها خطبة ويخطب قائماً كما يخطب قائماً في خطبة الجمعة والذي يظهر أنه لا ينبغي أن يفوت الخطبة لأن الناس في حاجة إلى ذلك لا سيما في مثل عهدنا حيث إن الناس غفلوا وأعرضوا ولم يهتموا بهذه الأمور. فصل في اجتماع الكسوف والجنازة القارئ: وإذا اجتمع الكسوف والجنازة بدئ بالجنازة لأنه يخاف عليها وإذ اجتمع مع المكتوبة في آخر وقتها بدئ بها لأنها آكد وإن كان في أول وقتها بدئ بصلاة الكسوف لأنه يخشى فواتها وإن اجتمع هو والوتر وخيف فواتهما بدئ بالكسوف لأنه آكد.

الشيخ: لأنه آكد ولأنه يمكن قضاء الوتر بخلاف الكسوف، الوتر إذا فات لعذر شرعي فإنه يقضى في النهار والكسوف لا يقضى ففيه سببان. فصل في الصلاة للآيات القارئ: ولا يصلى لغير الكسوف من الآيات لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه إلا أن أحمد رضي الله عنه قال يصلي للزلزلة الدائمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الخسوف بأنه آية يخوف الله بها عباده والزلزلة أشد تخويفاً فأما الرجفة فلا تبقى مدة تتسع للصلاة. الشيخ: هذه المسألة مما اختلف فيها العلماء هل يصلى للآيات المزعجة غير الكسوف كالزلازل والصواعق والرياح الشديدة المستمرة أو لا يصلى إلا للكسوف؟ في هذا أقوال للعلماء والصحيح أن كل ما خرج عن المعهود مما فيه التخويف فإنه يصلى له مثل الزلزلة الدائمة أو الصواعق الدائمة أو الرياح الشديدة العاصفة أو غير ذلك مما يعد خارجاً عن المعهود مخوفاً للعباد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يخوف الله بهما) يعني بالشمس والقمر (عباده). السائل: في موضوع الصلاة لهذه الطوارئ كالريح وغيرها فقد جاء أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ذات مرة في غزوة من الغزوات وأخبر الصحابة بأنه ستهب ريح شديدة وأمرهم أن لا يخرجوا من رحالهم ولم يصلِّ عليه الصلاة والسلام هذه الصلاة مع شدة الريح؟ الشيخ: نعم لكنها ليست خارجة عن المعهود لكن إذا كانت خارجة عن المعهود بأن كانت دائمة ومستمرة وعاصفة فإنه يصلى لها وكذلك الرعد الشديد الصواعق وغير ذلك كل ما يخوف الله به العباد مما خرج عن المعهود فإنه يصلى له. السائل: كيف تكسف الشمس بعد الغروب؟ الشيخ: نعم تكسف أما في عهدنا الآن فواضح يعرفونها أما فيما سبق فلعلهم يشاهدون ابتداء الكسوف. السائل: بالنسبة للنساء هل يصلين جماعة أو فرادى في الليل صلاة الكسوف؟

باب صلاة الاستسقاء

الشيخ: لا بأس أن تصلي النساء جماعة أو فرادى وإتيانهم المسجد أحسن لأن نساء الصحابة حضرن وقد يقال إن نساء الصحابة حضرن كالعادة وبيوتهن خير لهن لكن تنظر للمصلحة إن رأت أنها إذا حضرت للمسجد أخشع لها فلتحضر. باب صلاة الاستسقاء القارئ: وهي سنة عند الحاجة إليها لما روى عبد الله بن زيد قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه. الشيخ: ترتيب المؤلف وغيره من الفقهاء جيد لأن صلاة الكسوف لدفع المكروه وصلاة الاستسقاء لحصول المطلوب والاستسقاء هو طلب السقيا سواء كان بالدعاء في البيت أو في حال الصلاة أو في خطبة الجمعة أو على وجه الصلاة المعروفة المهم أنه طلب السقيا من الله عز وجل وهو سنة عند الحاجة إليه ومتى تكون الحاجة؟ إذا أجذبت الأرض وقحط المطر وامتنع صار الناس في حاجة وكذلك لو لم تجذب في الأرض بأن يكون في محل يكون فيه الطل كثير ولكن نقصت المياه فيستسقى أيضاً لذلك. القارئ: وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد وهل يكبر فيهما تكبير العيدين على روايتين الشيخ: عندكم فيهما يعني في الركعتين. القارئ: إحداهما لا يكبر لأن عبد الله بن زيد لم يذكره والثانية يكبر لأن ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كما يصلي في العيدين حديث صحيح وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعا وخمسا رواه الشافعي في مسنده ولا وقت لها معين إلا أن الأَوْلى فعلها في وقت صلاة العيد لشبهها بها وذكر ابن عبد البر أن الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء.

الشيخ: والصواب أنه ينظر للمصلحة إن رأى أن يبكر بها بكر وإن رأى أن يتأخر أخر لأنه ليس فيها شيء يراعى، يراعى في عيد الفطر زكاة الفطر فتؤخر الصلاة وفي عيد الأضحى يراعى ذبح الأضحية فتقدم الصلاة لكن الاستسقاء ليس هناك شيء يراعى فيها فينظر للمصلحة إذا كان الجو بارداً فالأرفق بالناس أن يتأخر وإن كان العكس فالأرفق بالناس أن يتقدم فينظر للمصلحة. فصل في إذن الإمام للاستسقاء القارئ: وفي إذن الإمام روايتان بناءً على صلاة العيد إحداهما هو شرط لها قال أبو بكر فإن خرجوا بغير إذن الإمام صلوا ودعوا بغير خطبة والثانية يصلون ويخطب بهم أحدهم والأولى للإمام إذا أراد الاستسقاء أن يعظ الناس ويأمرهم بتقوى الله والخروج من المظالم والتوبة من المعاصي وتحليل بعضهم بعضا والصيام والصدقة وترك التشاحن لأن المعاصي سبب القحط والتقوى سبب البركات قال الله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). الشيخ: ذكر المؤلف رحمه الله أنه ينبغي للإمام أن يعظ الناس ويذكرهم ويعدهم يوماً يخرجون فيه ويأمرهم بالصدقة ويأمرهم أيضاً بالصوم وكل ما ذكر حسن إلا الصوم فإنه لم يرد أنه يكون سبباً لنزول الأمطار الصدقة سبب لنزول المطر ولهذا جاء في الحديث (ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء) وأما الصوم فلا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمر به ومن أجل أن هذا هو الشائع عند الفقهاء صار الاستسقاء إما في الاثنين وإما في الخميس لا تكاد تراه خارجاً عن ذلك فهذا هو السبب أن الناس كانوا اعتادوا أن يكون الاستسقاء يوم الاثنين أو يوم الخميس من أجل أنه يسن صومهما فإن صام الإنسان من أجل أنه يوم الاثنين أو من أجل أنه يوم الخميس لا لأجل الاستسقاء فهذا حسن وهذا سنة.

السائل: بالنسبة لصلاة الخسوف قول النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا حتى ينجلي) إذا صلينا ركعتين ولم ينجل فهل نعيد الصلاة؟ الشيخ: كما سمعت في الكافي قبل قليل أنها لا تعاد الصلاة ولكن يشتغلون بالاستغفار والتوبة وقراءة القرآن والذكر وما أشبه ذلك وقال بعض العلماء بل يصلي أيضاً لأن قول الرسول (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) يعم تكرار الصلاة إذا لم تنجل وأنا في تردد من هذا لكن أنا أرى الآن لما كان الناس يعلمون بزمن الكسوف أرى أن الإنسان يأخذ احتياطه من الأول بمعنى أنه يطيل القراءة ويطيل الركوع والسجود. السائل: بالنسبة للأحداث التي تأتي على غير المعهود كالريح والبرد وغيرهما ما هي كيفية هذه الصلاة وهل تصلى جماعة أي يدعى الناس إليها؟ الشيخ: تصلى كصلاة الكسوف تماماً ويدعى الناس إليها. القارئ: ويعد الناس يوماً يخرجون فيه ويأمرهم أن يخرجوا على الصفة التي خرج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متبذلاّ متواضعا متخشعاً متضرعاً حتى أتى المصلى فلم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد هذا حديث صحيح ويسن التنظيف وإزالة الرائحة لئلا يؤذي الناس بها ولا يلبس ثياب زينة ولا يتطيب لأن هذا يوم استكانة وخضوع. الشيخ: وكما ذكر ابن عباس رضي الله عنهما أنه خرج متواضعاً متخشعاً متضرعاً وهذا ينافيه التجمل أو التطيب فالأولى أن يخرج كعادته لكن إن كان فيه أذىً من رائحة منتة أو ما أشبه ذلك فليزلها لأنه سوف يجتمع بالناس. فصل فيمن يخرج لصلاة الاستسقاء القارئ: ويخرج الشيوخ والصبيان ومن له ذكر جميل ودين وصلاح لأنه أسرع للإجابة.

الشيخ: والصواب أنه يخرج جميع الناس الصغار والكبار من شيوخ وغلمان وكهول كل يخرج لأنه إذا كان هؤلاء قوم إجابة فعندنا حديث أن الشاب الذي نشأ في طاعة الله ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فالصواب أن يقال أنه يخرج جميع الناس الشيوخ والكهول والصبيان. القارئ: ويستحب أن يستسقي الإمام بمن ظهر صلاحه لأن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستسقى معاوية والضحاك بيزيد بن الأسود الجرشي وروي أن معاوية أمر يزيد بن الأسود فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي يا يزيد ارفع يديك إلى الله فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فما كان بأوشك من أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس وهب لها ريح فسقوا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم. الشيخ: وهذا كما قال إنه ينبغي أن يستسقي بأهل الصلاح الذين ترجى إجابتهم لفعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أن عمر أفضل الأمة لكن لقرابة العباس من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه وهذا مشروط بما إذا لم يخشَ فتنة للذي أقامه الإمام أن يستسقي للناس فإن خشي بذلك فتنة كما هو الغالب في عهدنا فإنه لا يفعل لأنه إذا قدر أن هذا الذي أقامه الإمام يستسقي أجاب الله دعائه ونزل المطر صار فتنة للناس وصار الناس يتوسلون به في كل حال فإذا خيفت الفتنة فإننا لا نتعرض لأمور يحصل بها فتنة الناس أو فتنة من أقامه الإمام مقامه لا نرتكب هذا خوفاً من الفتنة أما ما ذكره عن استسقاء معاوية رضي الله عنه بيزيد بن الأسود ففيه من آيات الله عز وجل ما هو ظاهر وقد وقع مثله قبله للنبي صلى الله عليه وسلم حين استسقى في خطبة الجمعة فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلاة والسلام.

القارئ: ولا يستحب إخراج البهائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرجها ولا إخراج الكفار لأنهم أعداء الله فلا يتوسل بهم فإن خرجوا لم يمنعوا لأنهم يطلبون رزقهم ويفردون عن المسلمين بحيث إن أصابهم عذاب لم يصب غيرهم. الشيخ: لكنهم يفردون عن المسلمون في المكان لا في الزمان يعني يكون اليوم واحداً لكن هؤلاء في جهة والمسلمون في جهة لأن إفرادهم بزمان ربما يصيب قضاءً وقدراً في نزول المطر في اليوم الذي استسقى فيه الكفار فيحصل بذلك فتنة عظيمة ويقال أجيب الكفار ولم يجب المسلمون ولهذا يقال قول المؤلف يفردون عن المسلمين مراده بالمكان ويدل عليه التعليل قال بحيث إن أصابهم عذاب لم يصب غيرهم. فصل في الخطبة لصلاة الاستسقاء القارئ: واختلفت الرواية في الخطبة فروي أنه لا يخطب وإنما يدعو لقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه وروي أنه يخطب قبل الصلاة لقول عبد الله بن زيد فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى وعنه أنه مخير في الخطبة قبل الصلاة وبعدها لأن الجميع مروي وعنه يخطب بعد الصلاة لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم خطبنا وهذا صريح ولأنها مشبهة بصلاة العيد وخطبتها بعد الصلاة. الشيخ: فعندنا الآن أقوال أولاً هل يوجد خطبة أو مجرد دعاء؟ فيه خلاف: فمن العلماء من قال لا يخطب ولكن يأتي فيدعو الله عز وجل لقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه والقول الثاني أن فيها خطبة لكن هل هي قبل الصلاة أو بعد الصلاة أو هو مخير فيها؟ وأولى الأقوال الثلاثة في الخطبة أنه مخير إن شاء قبل الصلاة وإن شاء بعدها لورود السنة في هذا وهذا وأما الاقتصار على الدعاء فقد يقال إن مراد ابن عباس رضي الله عنهما أنه أدرك أناساً يطيلون في الخطبة ويملون الناس.

القارئ: فإذا صعد المنبر جلس ثم قام فخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير لأنه لم ينقل أحد من الرواة خطبتين ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار مثل (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً) (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) ويكثر الدعاء والتضرع ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن قتيبة بإسناده عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الاستسقاء فتقدم فصلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه وقلب رداءه ورفع يديه وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي ثم قال (اللهم اسقنا وأغثنا اللهم اسقنا غيثاً مغيثا وحياً ربيعاً وجداً طبقاً غدقاً مغدقا مونقاً هنيئاً مريئاً مريعاً مربعاً مرتعا سابلاً مُسَبِّلاً مُجَلِّلاً دائماً دروراً نافعاً غير ضار عاجلاً غير رائث اللهم تحي به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغاً للحاضر منا والباد اللهم أنزل في أرضنا زينتها وأنزل في أرضنا سكنها اللهم أنزل علينا من السماء ماءً طهورا فأحي به بلدة ميتا وأسقه مما خلقت أنعاماً وأناسي كثيرة فالحيا الذي تحيي به الأرض. والجدا المطر العام. والطبق الذي يطبق الأرض. والغدق الكثير. والمونق المعجب. والمريع ذو المراعة والخصب والمربع المقيم من قولك ربعت بالمكان إذا أقمت به. والمرتع من قولك رتعت الإبل إذا رعت. والسابل المطر. والمسبِّل الماطر.

والسكن القوة لأن الأرض تسكن به وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال (اللهم اسقنا غيثاً مغيثا هنيئاً مريئاً غدقاً مجللا طبقاً عاماً سحاً دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد ما لا نشكوه إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من العذاب ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا) ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويحول رداءه يجعل اليمين يسارا واليسار يمينا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم تفاؤلاً أن يحول الله تعالى الجدب خصبا ولا يجعل أعلاه أسفله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ويدعو الله في استقباله. الشيخ: قال بعضهم الفائدة من قلب الرداء ثلاث فوائد الفائدة الأولى اتباع سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والفائدة الثانية التفاؤل. والفائدة الثالثة الإشعار بأن الإنسان سوف ينتقل من حال إلى أخرى من لباس إلى لباس لباس المعاصي إلى لباس التقوى وهذه مناسبة جيدة قد تكون مساوية لمناسبة التفاؤل أو أعظم فيكون في ذلك ثلاث فوائد ولكن هل هذا خاص بالرداء وما شابهه كالعباءة أو يشمل حتى الغترة والكوت وما أشبهه؟ الظاهر الأول أنه يختص بالرداء والكوت الشبيه بالرداء لأنه لباس على أعلى البدن فهو شبيه بالرداء أما الغترة فلا لأنها كالعمامة ولم ينقل عمن سلف أنهم كانوا يقلبون العمائم فتبقى الغترة كما هي عليه ولأن الغترة ليست لباس بدن بل هي لباس الرأس. السائل: إذا كان لا يحفظ هذا الدعاء هل يحسن يكتبه؟

الشيخ: والله إذا كان لا يحفظ هذا الدعاء وكتبه فينظر إن كان الناس يشعرون بأنها كأنها ورقة تقرأ فلا يفعل لأن الغالب أن الإنسان إذا ركز على القراءة ما يخشع قلبه يصير همه إقامة اللفظ المكتوب فقط وربما لو دعا بدعاء من عنده صار أشد تضرعاً إلى الله عز وجل وأشد انفعالاً في الدعاء لكن إذا بقي يقرأ هذه الصحيفة ما يكون عنده ذاك التأثير في الدعاء اللهم إلا أن يسلك طريقة خاصة بحيث مثلاً إذا دعا وكما هو السنة أن يرفع يديه يكون رافعاً الصحيفة بيديه وهو قد شدها إلى فوق فقد يحصل في هذا فائدة لكن لو كرر اللهم أغثنا اللهم أغثنا الرسول قرأها ثلاث مرات في خطبة الجمعة وهذه الأدعية أيضاً ربما يقال إنها تحتاج إلى تخريج وتحرير هل هي ثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أو لا. السائل: بالنسبة لدعاء الناس أحياناً يدعون بشيء غير واقع؟ الشيخ: لا تدعُ إلا بشيء واقع لأن الإنسان إذا دعا بشيء غير واقع والله قد أنعم عليه بوجوده صار هذا اعتداءً في الدعاء لكن لابد من أن يكون واقعاً. السائل: هل النساء يقلبن العباءة؟ الشيخ: نعم يقلبن العباءة وأما التكشف إذا حصل يمنع لأن هذا سنة والتكشف محرم لكن إذا كانت النساء بعيدة في طرف مصلى كبير وغالباً النساء والحمد لله عليهن ثياب ليست ثياب تبرج فهذا يشرع لهن. القارئ: ويدعو الله في استقباله فيقول اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا لأن عبد الله بن زيد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي فاستقبل القبلة ودعا وحول رداءه وجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويرفع يديه لأن أنساً قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه متفق عليه.

الشيخ: هذا الحديث ليس على عمومه لا يرفع يديه في شيء من الدعاء بل هو محمول على أحد أمرين إما أن المعنى لا يرفع يديه في شيء من الدعاء يعني في حال الخطبة وإما أن المراد لا يرفع يديه رفعاً كثيراً إلا في الاستسقاء وكلا الوجهين صحيح وحينئذٍ لا نحتاج إلى أن يقال إن هذا الحديث يعارضه أحاديث كثيرة تزيد على الثلاثين ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه في الدعاء نقول لا حاجة وليس هناك تعارض بل يحمل على أحد أمرين هما أن المعنى لا يرفع يديه في الدعاء حال الخطبة إلا في الاستسقاء ولهذا أنكر الصحابة رضي الله عنهم على بشر بن مروان لما رفع يديه في الخطبة في غير الاستسقاء أو يقال لا يرفع يديه رفعاً يبالغ فيه إلا في الاستسقاء. القارئ: فإن سقوا قبل الصلاة صلوا وشكروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله وإن صلوا ولم يسقوا عادوا في اليوم الثاني والثالث لأن الله يحب الملحين في الدعاء. الشيخ: أما قوله فْإن سقوا قبل الصلاة فإنهم يصلونها شكراً لله فهذا غلط لا وجه له لأن صلاة الاستسقاء ليست صلاة شكر بل صلاة رهبة ودعاء وإزالة شدة فإذا سقوا قبل الخروج فإنهم لا يخرجون وإن سقوا في أثناء الخروج يعني لما وصلوا إلى المصلى نزل المطر فهنا يحتمل أن يقال يصلون لأن ابتداء المجيء إلى الصلاة كان السبب موجوداً ويحتمل أن يقال لا يصلون بل يقول لهم الإمام انصرفوا فقد سقانا الله تعالى وما ذكر عن سليمان عليه الصلاة والسلام وإن كان ضعيفاً أنه خرج يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوامها للسماء تقول اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا رزقك قال ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم هذا الأثر فيه ضعف كثير فيه مقال لكن إن صح فهو أصل لما ذكرنا أنهم إذا سقوا قبل أن يخرجوا فلا يخرجون وإن سقوا بعد الخروج فيحتمل أن يصلوا ويحتمل أن لا يصلوا وهو الأقرب. فصل

القارئ: والاستسقاء على ثلاثة أضرب أحدها مثل ما وصفنا والثاني أن يستسقي الإمام يوم الجمعة على المنبر كما روى أنس أن رجلاً دخل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ثم قال يا رسول الله هلكت الأموال وتقطعت السبل فادعو الله يغيثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) وذكر الحديث متفق عليه الثالث أن يدعو عقيب الصلوات ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج ثيابه ليصيبها لما روى أنس في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر عن لحيته رواه البخاري. الشيخ: المؤلف رحمه الله بين أن الاستسقاء يقع على ثلاثة أوجه: الوجه الأول صلاة الاستسقاء أن يخرج الناس إلى المصلى ويصلون كما مر.

الوجه الثاني أن يستسقي في خطبة الجمعة ودليله ما ساقه المؤلف من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعو الله يغيثنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم ودعا (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) قال أنس فو الله ما في السماء من سحاب ولا قزعة يعني ما فيها سحاب عام ولا قطع من الغيم وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار سلع جبل معروف في المدينة تأتي من قبله السحب فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس فارتفعت في السماء فلما توسطت انتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر لم ينزل حتى تحادر المطر من لحيته وهذا يعني أنها بسرعة عظيمة لأن من عادة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقصر الخطبة ولا يطيلها وهذه السحابة جاءت وانتشرت ورعدت وبرقت يعني بلحظات لا شك في هذا ثم أمطرت ثم المطر نزل من العريش عريش المسجد حتى تحادر من لحية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي هذا آية عظيمة من آيات الله عز وجل وأنه إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون وفيها آية للرسول عليه الصلاة والسلام وأنه رسول الله حقاً لأنه دعا الله فأجابه والناس ينظرون وبقي المطر أسبوعاً كاملاً ثم جاء رجل أو الرجل الأول وقال يا رسول الله غرق المال وتهدم البناء فادعو الله يمسكها عنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) وجعل يشير عليه الصلاة والسلام فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت وخرج الناس يمشون في الشمس ففي هذا الحديث فوائد عظيمة جمة نشير إلى شيء منها:

فمن ذلك أنه يجوز للإنسان أن يخاطب الإمام وهو يخطب يوم الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينكر على هذا الرجل ولكن هل هذا جائز في كل شيء؟ لا إنما يجوز إذا كان هناك مصلحة عامة أما إذا كان لمصلحة خاصة فإنه لا يجوز لأن الأصل منع الكلام فيقتصر على ما ورد والذي ورد إنما كان لمصلحة عامة ومن ذلك لو أنه انقطع التيار الكهربائي أو انقطع سماع الميكرفون فلبعض الجماعة أن يكلم الإمام يقول إنه انقطع التيار لأن هذا مصلحة عامة. ومن فوائد هذا الحديث أن الإنسان إذا استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه ورفع الناس أيديهم لأن هذا هو الذي وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أما في غير ذلك أي في غير الدعاء بالاستسقاء والاستصحاء فإنه لا يرفع يديه في الخطبة ولا يرفع الناس أيديهم ولهذا أنكر الصحابة على بشر بن مروان حين دعا في خطبة الجمعة ورفع يديه. ومن فوائد هذا الحديث تصديق خبر الواحد إذا احتفت به القرينة قرينة الصدق لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صدَّق هذا الرجل الذي قال هلكت الأموال وانقطعت السبل ولم يقل نتأنى ونشوف هل هو صادق أو كاذب أو ما شابه ذلك لأن قرينة الحال تشهد بصدقه أولاً لأن مثل هذا الجذب لا يخفى على النبي عليه الصلاة والسلام وثانياً كون هذا الرجل يأتي يدخل المسجد والناس يستمعون الخطبة والرسول يخطب ثم يتجشم أن يتكلم هذا دليل على صدقه وأنه صادق. ومن فوائد هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يسأل منه الغوث في الأمر الذي لا يقدر عليه لأن الرجل قال ادعو الله يغيثنا ولم يقل أغثنا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقدر أن يغيث في هذا الأمر لكن لو كان الإنسان غريقاً في ماء وحوله رجل فقال أغثني أغثني انقذني فإنه يجوز لأنه قادر عليه.

ومن فوائد هذا الحديث بطلان دعوى المخرفين الذين يقولون إن الرسول عليه الصلاة والسلام على كل شيء قدير فإنهم في الحقيقة أرادوا بهذا رفع الرسول عليه الصلاة والسلام ولكنهم على العكس من ذلك ارتكبوا ما نهى عنه حيث نهى عن الغلو فيه وهم غلوا فيه. في هذا إشكال في قوله ادعو الله يغيثنا ولم يقل ادعو الله يغثنا مع أن الفعل المضارع مسبوق بطلب فلماذا لم يجزم؟ الجواب واضح لأن هذا الفعل المضارع ليس جواباً للطلب إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يدعو ولا يغاثون ولو كان إذا دعا أغيثوا قطعاً لقال ادعو الله يغثنا لكنه قال ادعو الله ثم بين هذا المطلوب بقوله يغيثنا فبقي الفعل مرفوعاً. ومن فوائد هذا الحديث تكرار الدعاء ثلاثاً لقوله (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثاً وإذا تكلم تكلم ثلاثاً ليفهم عنه وإذا سلم سلم ثلاثاً والتثليث وارد كثيراً في أشياء كثيرة. من فوائد هذا الحديث بيان قدرة الله عز وجل حيث أنشأ الله السحابة وأمطرت في هذه المدة القصيرة فهي دليل على كمال قدرته جل وعلا وعلى علمه وعلى سمعه وعلى رحمته كل هذه من لوازم إجابة الله دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام لولا سمعه ما سمع الدعاء لولا علمه ما نشأت السحب لكنه عالم قادر غني كريم رحيم سميع كل هذه من لوازم إجابة الدعاء.

ومن فوائد هذا الحديث أيضاً آية للرسول عليه الصلاة والسلام حيث أن الله أجاب دعاءه بهذه السرعة العظيمة فلم ينزل من المنبر إلا وقد تحادر المطر من لحيته صلوات الله وسلامه عليه فهي آية دالة على صدقه وقد تكون الآية دالة على كذب المدعي كما يذكر عن مسيلمة الكذاب يقال إنه جاءه قوم يشكون إليه غور بئرهم فقال أخرجوا إلي فخرج إليهم وأعطوه ماءً منها فأداره في فهمه ثم مجه في البئر وفيها شيء من الماء فلما مجه فيها غار الماء يعني هو يؤمل أنه يفور كما فار البئر في الحديبية لكن الأمر بالعكس هذه آية لا شك تدل على قدرة الله لكن آية لتكذيب هذا الرجل لا لتصديقه وكما جيئ إليه أيضاً بصبي قد تمزق شعر رأسه فجيء إليه لعله يمسح رأسه فينبت الشعر نباتاً طيباً قالوا إنه مسح رأسه لينبت فحتى الشعر الموجود زال هذه أيضاً آية لكنها على عكس ما يريد أما آيات النبي عليه الصلاة والسلام فهي على وفق ما يريد. ومن فوائد هذا الحديث في البقية التي لم يذكرها المؤلف جواز تكليم الخطيب بالمصلحة العامة حيث قال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فأقره النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائده أيضاً الآية العظيمة أن الرسول قال اللهم حوالينا ولا علينا وجعل يشير إلى النواحي بيده فيتفرق السحاب وصار المطر حول المدينة حتى سال الوادي الذي يسمى قناة شهراً كاملاً وفيه أيضاً حسن تصرف الرسول عليه الصلاة والسلام لأن الرجل قال ادعو الله يمسكها عنا والرسول عليه الصلاة والسلام لم يدعُ الله أن يمسكها بل دعا الله برفع الضرر وبقاء النفع ماذا قال (حوالينا ولا علينا) (حوالينا) بقاء النفع (ولا علينا) دفع الضرر فأجاب السائل بغير ما يتوقع لأن المصلحة في ذلك وهذا يسمى عند البلاغين أسلوب الحكيم أن يجاب السائل بخلاف ما يتوقع ثم إن في دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام أيضاً ملاحظة مهمة قال على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ما قال حوالينا ولا علينا حتى على السباخ والمدينة كما تعرفون فيها سباخ بل قال (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام) وهذا تخصيص بعد تعميم (على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) الآكام الجبال الضراب الروابي الصغيرة بطون الأودية الشعبان منابت الشجر الأراضي الرياض التي ينبت فيها الشجر.

أما الوجه الثالث فيقول أن يدعو عقب الصلوات وهذا لا يحضرني الآن دليل له لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان مرة في ناحية من المدينة فجاءه رجل يسأله أن يدعو الله بالغيث فقال (اللهم أغثنا حتى يقوم فلان فيسد ثعلب مربده بإزاره) ثعلب المربد يعني الذي يدخل معه الماء كان المربد وهو مجمع الزرع كان محوطاً وكان فيه فتحة للماء كما هو المعروف فأمطرت السماء وأمطرت وأمطرت وخاف الناس فجاؤوا لهذا الرجل وقالوا إن الرسول عليه الصلاة والسلام سأل الله السقيا حتى تقوم وتسد ثعلب مربدك بإزارك قم المطر ضرنا فقام الرجل فسد ثعلب مربده بإزاره فوقفت السماء سبحان الله هذه من آيات الله أيضاً ثم إن هناك أيضاً مواضع غير هذه السؤال في حال السجود في آخر الليل والسؤال عندما يشعر الإنسان بالاضطرار إلى نزول الغيث لأنه كلما كان الإنسان في ضرورة كانت إجابة الدعاء أقرب حتى الكافر الذي هو كافر ويعلم الله أنه سيكفر إذا دعا الله في حال الضرورة أجابه (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فينجيهم.

ثم ذكر المؤلف أنه يستحب أن يقف في أول المطر ويخرج ثيابه ليصيبها لما روى أنس رضي الله عنه في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر من لحيته والاستدلال بهذا الحديث فيه نظر لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتقصد أن يبقى على المنبر حتى ينزل المطر على رأسه ولحيته لكن هناك أدلة أخرى فإن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا نزل المطر حسر عن ثوبه حتى يصيب بدنه ويقول (إنه حديث عهد بربه) يعني خلق الآن هذا الذي يستدل به وقوله في أول المطر هل المراد في أول مطرة تأتي في السنة أو أول ما يبدأ المطر؟ المراد الثاني والفوائد التي في حديث أنس لم نستوعبها لا تظنوا أن ما ذكرناه هو كل الفوائد يوجد فوائد كثيرة ومنها بل من المهم منها اتخاذ شعر اللحية وأن الرسول عليه الصلاة والسلام ذو لحية وهو كذلك وكان عظيم اللحية عليه الصلاة والسلام كثة وكانت ترى لحيته وهو يقرأ في الصلاة تتحرك اللهم صلِّ وسلم عليه. فصل القارئ: فإن كثر المطر بحيث يضرهم أو كثرت مياه العيون حتى خيف منها استحب أن يدعو الله تعالى أن يخففه لأن في حديث أنس قال فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر) فانجابت عن المدينة انجياب الثوب متفق عليه وفي حديث آخر (اللهم حوالينا ولا علينا ويقول (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) الآية. الشيخ: وغيره ذكر أنه يقرأ (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) وهذا هو المقصود لكن كأن المؤلف رحمه الله استحب أن تقرأ الآية كلها.

كتاب الجنائز

(كتاب الجنائز) الشيخ: على ما هي عليه. القارئ: فإن كثر المطر بحيث يضرهم أو كثرت مياه العيون حتى خيف منها استحب أن يدعو الله تعالى. الشيخ: لأنه قال يضرهم وهذه جمع فيكون يدعو ضميرها ضمير جمع. القارئ: استحب أن يدعو الله تعالى أن يخففه لأن في حديث أنس قال فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر) فانجابت عن المدينة انجياب الثوب) متفق عليه وفي حديث آخر (اللهم حوالينا ولا علينا) ويقول (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) الآية. الشيخ: وغيره ذكر أنه يقرأ (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) وهذا هو المقصود لكن كأن المؤلف رحمه الله استحب أن تُقرأ الآية كلها وينبغي للإنسان إذا استشهد بآية وكان محل الاستشهاد في آخرها أن لا يقول الآية بل يأتي بمحل الشاهد. كتاب الجنائز القارئ: يستحب الإكثار من ذكر الموت والإستعدادُ له.

الشيخ: قوله كتاب الجنائز الجنائز جمع جنازة فمن اللغويين من قال جنازة وجنازة بمعنى واحد ومنهم من فرق وقال الجَنازة الميت والجِنازة ما يحمل عليه وهذا له وجهة نظر لأن الجنازة بالفتح حركته عليا فكانت للأعلى والجنازة بالكسر حركتها سفلى فكانت للأسفل وعلى هذا فتقول صليت على الجنازة ولا تقول صليت على الجنازة لأن الجنازة هي النعش وقول المؤلف يستحب الإكثار من ذكر الموت لأنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام بحديث فيه نظر (أكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت) وهل المراد ذكره أي تذكره بحيث أن الإنسان يتذكر هذا بنفسه أو ذكره بين الناس إذا صح الحديث فهو عام لكن ذكره بين الناس يجب على الإنسان أن يلاحظ الحال هل هي مناسب أن يتكلم بالموت أو غير مناسب قد لا يكون من المناسب أن يتذكر الموت في حفل عرس مثلاً أو ما أشبه ذلك فالإنسان يذكر غيره بالموت إذا اقتضت الحال هذا أما الاستعداد له فنعم يسن الاستعداد له وقد يجب فيما يجب على الإنسان أداؤه كالديون والعبادات الواجبة عليه وما أشبه ذلك فالاستعداد نوعان نوع واجب ونوع مستحب حسب ما يستعد به للموت. القارئ: فإذا مرض استحب عيادته لما روى البراء قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنازة وعيادة المريض متفق عليه.

الشيخ: وقوله استحب الصحيح أن عيادة المريض فرض كفاية وأنه إذا لم يقم بها من يكفي وجب على المسلمين عيادة أخيهم لأنها من حقوق المسلم على المسلم وكيف يليق بنا أن نعرف أن أخينا مريض في بيته ولا يعوده أحد منا فالصواب أن عيادة المريض فرض كفاية وأنه إذا كان المريض ذا رحم فعيادته فرض عين لأنها من صلة الرحم وقول المؤلف عيادة المريض ظاهره العموم لكن ينبغي أن يقيد بالعيادة في مرض جرت العادة بالعيادة فيه أما لو كان مريضاً مرضاً سهلاً كوجع الضرس ونحو ذلك فإنه لا يعاد لأن الغالب أنه لا ينحبس في بيته ولو قيل بضابط أنه يسن عيادة المريض الذي اقتضى مرضه أن ينحبس في البيت لكان هذا ضابطاً جيداً. القارئ: فإذا دخل عليه سأله عن حاله ورقاه ببعض رقى النبي صلى الله عليه وسلم ويحثه على التوبة ويرغبه في الوصية ويذكر له ما روى ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده) متفق عليه.

الشيخ: هذا مما يسن لعائد المريض أن يسأل المريض عن حاله كيف أنت؟ ويسأل كيف تصلي؟ كيف تتطهر؟ لأنه قد يخفى على بعض المرضى فرجل عاد مريضاً وقال له كيف حالك؟ وسأله كيف تصلي قال نسأل الله أن يتجاوز عنا لي خمسة عشر يوم وأنا أجمع بين الظهر والعصر وأقصر فقوله أجمع هذا صحيح يحل له الجمع إذا شق عليه الإفراد لكن أقصر لا يحل له فقال له صاحبه كيف تقصر وأنت في البلد قال المريض أليست القاعدة أن كل من جاز له الجمع جاز له القصر هذا ظنه وهذه القاعدة كل عامي يعرف أنها ليست قاعدة لأننا نجمع في حال المطر والبرد الشديد وما أشبه ذلك ولا نقصر فأقول إنه ينبغي أن يسأل عن حاله كيف تصلي وكيف تتطهر؟ ويخبره بما يجب عليه كذلك قوله يرقيه يعني يقرأ عليه وهذا يستحب أو يتأكد إذا رأى من المريض أنه متشوف لذلك وقوله أيضاً ببعض رقى النبي صلى الله عليه وسلم صحيح فإن خير الرقى رقى محمد عليه الصلاة والسلام وقوله ويحثه على التوبة صحيح لكن مع تنفيسه له في الأجل فلا يقول تب إلى الله ترى رجليك بالقبر ويضيق عليه لا ولكن يحثه على التوبة ويقول التوبة إلى الله عبادة من أجل العبادات والإنسان خطاء فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وما أشبه ذلك وكذلك الوصية يذكره لا سيما إذا كان هذا الرجل معروفاً بأنه يستدين من الناس ويستقرض وله معاملات فهنا يتأكد أن يذكره لكن إذا قال قائل إذا كان المريض إذا حُدِّث بهذا الحديث انزعج وخاف فهل نحدثه أو ندعه لأنه ربما يزيده كلامنا مرضاً لأن الناس ليسوا على مستوى واحد فهل نذكره؟

نقول أما ما يجب التذكير فيه فإنه قد يتوجه أن نذكره حتى وإن ارتاع يعني مثل أن يكون الإنسان له مداخلات بين الناس ونعرف أن عليه ديوناً فنذكره لكن بأسلوب بعيد عن أن يشعر بأن المعنى أنه دنا أجله ثم إن دنو الأجل ما هو في المرض كم من إنسان مرض وقرب نعشه واشتري كفنه وحفر قبره وعافاه الله عز وجل وكم من إنسان صحيح ليس فيه أدنى مرض ثم يموت أليس كذلك؟ فممكن أن الإنسان يأتي بأسلوب ينفس لهذا المريض في الأجل ويذكره الوصية. فصل فيمن يلي المريض القارئ: ويستحب أن يلي المريض أرفق أهله به وأعلمهم بسياسته وأتقاهم لربه وإذا رآه منزولاً به تعاهد بل حلقه فيقطر فيه ماءً أو شرابا ويندي شفتيه بقطنة ويلقنه قول لا إله إلا الله مرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) رواه مسلم ويكون ذلك في لطف ومداراة ولا يكرر عليه فيضجره إلا أن يتكلم بشيء فيعيد تلقينه لتكون آخر كلامه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أبو داود.

الشيخ: هذا أيضاً مما ينبغي ملاحظته أن يمرض المريض أقرب الناس إليه وأشدهم حنواً وعطفاً لأن هذا مما يزيد في صحته ويخفف عليه المرض والألم والقلق وإذا رأى أنه قد نزل به فإنه كما يقول المؤلف يستحب فيه أفعال وأقوال الأفعال أن يتعاهد بل حلقه بماء لأن ريقه ينشف وكذلك شفتاه تندى بماء ليسهل عليه النطق ويلقنه لا إله إلا الله لكن كيف التلقين؟ هل يأمره بلا إله إلا الله أو ينطق بلا إله إلا الله عنده بصوت يسمعه؟ الجواب الثاني لأنه ربما إذا أمره مع ضيق نفسه في تلك الحال ربما يكره هذا أو يقول لا أنت تأمرني أو ما أشبه ذلك فإذا ذكر الله عنده بصوت يسمعه انتبه وصار هذا تلقيناً فإن قيل ما الجواب عن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لعمه أبي طالب وهو محتضر (يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)؟ الجواب سهل أن أبا طالب كان كافراً وأشد ما يخشى أن يقول أبو طالب لا وإذا قال لا لم يزد عليه الأمر لأنه كان كافراً إن نطق بها فهي كسب وإن لم ينطق بها فهو غير ناطق بها ولهذا كان آخر ما قال والعياذ بالله أنه على ملة عبد المطلب بسبب رجلين كانا عنده قالا له أترغب عن ملة عبد المطلب؟ وإذا قال الذي يمرضه لا إله إلا الله ونطق المحتضر وقال لا إله إلا الله هل يعيد؟ لا لا يعيد ما دام هذا آخر كلامه لا يعيد لكن لو تكلم المحتضر بأي كلام فإنه يعيد حتى لو قال يا رباه أو أشكو إلى الله أو ما أشبه ذلك فليعد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله). القارئ: ويقرأ عنده سورة يس ليخفف عنه لما روى معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اقرأوا يس على موتاكم) رواه أبو داود.

الشيخ: هذا الحديث ضعفه كثير من أهل العلم وقال إنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حسنه قال إنه تقرأ يس على المحتضر وليس على الميت الذي نزعت روحه وعللوا ذلك بأن يس فيها ترغيب وترهيب ففيها (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) وفيها (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) وفي آخرها أيضاً (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وإذا أحس الإنسان المحتضر بأنه سيرجع إلى الله عز وجل وعنده إيمان _ نسأل الله أن يجعلني وإياكم من هؤلاء _ فإنه سوف يفرح وتهون عليه الدنيا لأنه يقول أنا أرجع إلى ربي الذي هو أرحم بي من أمي وأبي فلا يتكدر وقراءتها إن شاء الله لا بأس بها إن كان الحديث صحيحاً فهذا المطلوب وإن لم يكن صحيحاً فهي خير ولكن هل يقرؤها جهراً أو سرا؟ يقرأها بحيث يسمع المحتضر لا يجهر الجهر الذي يزعجه ولا يسر السر الذي لا يسمعه لأنه إذا قرأها على وجه لا يسمعه لم يستفد منها شيئاً ولم تتحرك لها نفسه وإن قرأها بصوت مرتفع ربما يزعجه ويقلقه. القارئ: ويوجهه إلى القبلة كتوجيهه في الصلاة لأن حذيفة رضي الله عنه قال وجهوني ولأن خير المجالس ما استقبل به القبلة.

الشيخ: هذه في النفس منها شيء أنه يسن أن يوجه إلى القبلة لأن النبي عليه الصلاة والسلام حضر أبا سلمة ووجده ميتاً وهو نفسه عليه الصلاة والسلام مات ولم ينقل أنهم يتقصدون أو يتعمدون توجيهه إلى القبلة ثم هذا الأثر عن حذيفة رضي الله عنه يحتاج إلى نظر في صحته فإذا صح فهو عمل صحابي وإذا كانت السنة لم ترد به فلا يعمل به كما لم نعمل بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه حين أمر أهله إذا دفنوه أن يقيموا عنده قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها فإننا نقول هذا ليس بصحيح وهذا اجتهاد منه وهدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه. السائل: هل يطلب من الشخص الذي عند المحتضر أن يقرأ سورة يس؟ الشيخ: على رأي من يرى أن الحديث حسن يكون سنة ولكني أقول إن ذكر هذا الحديث وإن كان فيه نظر فيقال الحمد لله نفعله فإن كان صحيحاً فهذا المطلوب وإلا فلا يضر إن شاء الله وقد ذكرنا لكم قاعدة ذكرها صاحب النكت على المحرر قال إن النهي إذا كان في حديث ضعيف يحمل على الكراهة والأمر يحمل على الاستحباب. السائل: ماكيفية تلقين الميت لا إله إلا الله هل يقال له لا إله إلا الله فقط أو يقال له لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره؟ الشيخ: يكفي لا إله إلا الله. السائل: وهل يزاد محمد رسول الله؟ الشيخ: لا. فصل في تجهيز الميت القارئ: فإذا مات أغمض عينيه لما روى شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح) من المسند ولأنه إذا لم تغمض عيناه بقيتا مفتوحتين فيقبح منظره.

الشيخ: لو أن المؤلف استدل بحديث أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة وقد شخص بصره فأغمض عينيه عليه الصلاة والسلام وقال (إن الروح إذا قبض اتبعه البصر) يعني أن البصر يبقى ضوء الإبصار فيه بعد أن تخرج الروح وهذا شيء شهد به الطب الحديث فكنا نظن أنه إذا خرجت الروح مع الجسد كل شيء بطل لكن لا يبطل والبصر يبقى ينظر هذه الروح التي خرجت منه وفي هذا دليل على أن الروح جسم وليست معنى أو وصفاً بل هي جسم يرى ولهذا تكفن بالكفن الذي تنزل به الملائكة من السماء فيغمض عينيه لما ذكر المؤلف من الحديث إذا صح ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أغمض عيني أبي سلمة رضي الله عنه ولئلا يقبح منظره عند التغسيل والتكفين ولئلا تكون الأعين مفتوحة للهوام في القبر ففيها فوائد ويبادر بالتغميض حتى لا يبرد الجسم لأنه إذا برد صعب فيبادر بذلك. القارئ: ويشد لحيته بعصابة عريضة يجمع لحييه ثم يشدها على رأسه لئلا ينفتح فوه فيقبح منظره ويدخل فيه ماء الغسل ويقول الذي يغمضه بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الشيخ: هذا فيه نظر يعني كونه إذا أغمضه يقول بسم الله وعلى ملة رسول الله فيه نظر لأن ذلك لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله. القارئ: ويلين مفاصله لأنه أسهل في الغَسل ولئلا تبقى جافة فلا يمكن تكفينه. الشيخ: كيفية تليين المفاصل أن يرد ذراعيه إلى عضديه وعضديه إلى صدره ثم يمد اليد ثم يعود ويمد وذلك لأنها إذا بردت الأعصاب بقيت على ما هي عليه أحياناً تأتي جنازة تكون ماتت وليس عندها أحد وقد قبض فخذيه إلى بطنه فتأتي هكذا منعقدة لأنها إذا بردت الأعصاب لم يمكن أن تلين. وفي الرجل يرد الساق إلى الفخذ ثم الفخذ إلى البطن ثم يمدها مرتين أو ثلاثاً حتى تلين ليسهل تغسيله ويبقى منظره ممدوداً. القارئ: ويخلع ثيابه لئلا يحمى جسمه فيسرع إليه التغير والفساد.

الشيخ: وأيضاً الصحابة لما توفي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالوا أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا؟ فإذا مات فإنه يسرع في خلع ثيابه ويغطيه فيسجى بشيء يكون ساتراً له حتى يحضر الماء وما يترتب على غسله ثم ينقل إلى سرير غسله ويغسل. القارئ: ويجعل على سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الأرض فتغيره ويترك على بطنه حديدة لئلا ينتفخ بطنه وإن لم يكن فطين مبلول. الشيخ: هذا فيه نظر لأن الحديدة لا تمنع الورم والانتفاخ فالانتفاخ لابد أن ينتفخ حتى لو كان عليه حديدة وإن وضع حديدة ثقيلة جداً فليس بمناسب وكذلك الطين ليس بمناسب لكن يغني عن ذلك كله الإسراع في تجهيزه لئلا يبقى جيفة عند أهله. القارئ: ويسجى بثوب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجي ببرد حبرة متفق عليه ويسارع في تجهيزه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) رواه أبو داود. الشيخ: ظهراني هذا مثنى غير مراد والمراد ظهر أهله لكن هكذا جاء في اللغة مثل لبيك وسعديك وما أشبهه. القارئ: وإن شُكّ في موته انتظر به حتى يتيقن موته بانخساف صُدغيه وميل أنفه وانفصال كفيه واسترخاء رجليه. الشيخ: إن شك في موته بأن مات بحادث أو بغتة فإنه ينتظر حتى يتيقن موته وله علامات منها يقول المؤلف رحمه الله انخساف الصدغين الصدغ هذا ينخسف لأن اللحيين تنفصل فإذا انفصلت اللحيين من العظم الناتئ انخسفت وكذلك أيضاً ميل أنفه إذا مات الإنسان مال أنفه والثالث انفصال كفيه تنفصل عن الذراعين وتنفصل الكف لأنها الآن مشدودة بالذراع فإذا مات ارتخت وانفصلت وبان الانفصال كذلك استرخاء رجليه فالقدمين تسترخي ما تقف هي الآن ولله الحكمة يعني مشدودة لكن إذا مات

استرخت وحدثنا شيخنا أن رجلاً طبيباً مروا بجنازة من عنده وإذا قدما الميت واقفة غير رخية فقال أنزلوا هذا الميت قالوا إنه مات وسنذهب ندفنه قال أنزلوه إنه لم يمت فقالوا ما الدليل قال لأن رجليه لم تسترخي فهذا دليل على أنه فيه روح ولكن يقوله غلبت عليه البرودة لأن الطبائع الأربع البرودة والحرارة والرطوبة واليبوسة إذا لم تكن متكافئة اعتلت الصحة يقول فجاء بسوط وجعل يضربه في مواضع معينة حتى حمي ثم تحرك فقال ارجعوا به إلى بيته والشيء هذا حدثنا به شيخنا رحمه الله عبد الرحمن بن سعدي وهذا يدل على أن استرخاء الرجلين من علامات الموت. القارئ: ولا بأس بالانتظار بها قدر ما يجتمع لها جماعة ما لم يخف عليه أو يشق على الناس ويسارع في قضاء دينه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وهذا حديث حسن فإن تعذر تعجيله استحب أن يتكفل به عنه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فسأل هل عليه دين قالوا نعم ديناران فلم يصل عليه فقال أبو قتادة هما علي يا رسول الله فصلى عليه رواه النسائي وتستحب المسارعة في تفريق وصيته ليتعجل ثوابها بجريانها على الموصى له.

الشيخ: إذن الإسراع في قضاء الدين واجب ولا يحل للورثه أن يتفكهوا بما خلفه الميت وعليه دين ولا يحل لهم أيضاً أن ينتظروا زيادة الأثمان كما لو خلف الميت أراضي أو عقارات وقالوا ننتظر بها حتى يزيد السعر فإن هذا حرام عليهم والواجب أن يبادروا والإنسان العاقل إذا عرف أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصل على من عليه الدين يحذر من الدين قليله وكثيره ولا يكون كصاحب السيارة التي اشتراها بمائة ألف وثمانية آلاف مع أنه يمكن أن يجد سيارة بعشرين ألف أو بأقل لأن هذا من السفه لكن مع الأسف أن الديون صارت الآن عند الناس من أسهل ما يكون حتى أن الإنسان أحياناً يقدم لك ورقة وإذا فيها أربعة ملايين أو خمسة ملايين نسأل الله العافية أكثر الناس أو كثير منهم لا يبالي وهذا غلط إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لم يرشد الرجل المحتاج للزواج أن يستقرض مهر للزوجة فما بالك بأن يتدين الإنسان أو يستقرض لأمور كمالية لا حاجة لها إطلاقاً والرجل الذي قال لا أجد ولا خاتم من حديد هل قال له استقرض؟ لا ما قال له استقرض مع أنه يمكن أن يستقرض عشرة دراهم ويعطيه إياها لكن لم يرشده لهذا وتجد الناس الآن نسأل الله العافية لا يهتمون إطلاقاً بالدين هذا مع أن الورثة كثير منهم لا يخاف الله ولا يرحم الميت يتفكه بالمال المخلف أو ينتظر زيادة الأثمان أو ما أشبه ذلك وكل هذا حرام والواجب المسارعة في قضاء الدين حتى إن العلماء قالوا ينبغي أن لا يصلى عليه حتى يقضى دينه لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسأل عند الصلاة هل عليه دين أم لا واستدل بهذه القصة على أن الميت لا يقضى دينه من الزكاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده زكوات لا شك من أول ما فرضت الزكاة يكون عنده زكوات ولم يتحملها عليه الصلاة والسلام ولكن لما فتح الله عليه وأفاء الله

عليه وكثرت الأموال عنده صار يتحملها وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء بل حكاه ابن عبد البر وأبو عبيد إجماعاً أنه لا تجزئ الزكاة في قضاء الدين على الميت لكن الصحيح أنه لا إجماع في المسألة ففيها وجه أنه يجوز ولكن الراجح أنه لا يجزئ أما الإسراع في تفريق الوصية فالعلماء رحمهم الله لا يعرفون وصايانا الآن، وصايانا الآن يكون فيها عقار وغالب الوصايا ولا سيما وصايا الأولين غالبها أضحية وعشاء في رمضان هذا غالبها لكن الوصايا في الأول تكون وصايا معينة لشخص معين إذا مت فأعطوا فلاناً كذا من الدراهم كذا من الأموال ولذلك يمكن أن يسارع في إنفاذ الوصية قبل الدفن أما وصايانا الآن فالأمر فيها مختلف. السائل: ما حكم تأخير الجنازة يعني عدم الصلاة عليها لمدة يوم فقط من أجل حضور بعض الأقارب؟ الشيخ: أما التأخير اليسير كالساعة والساعتين لا بأس وأما التأخير يوماً أو يومين وبعضهم أكثر من يومين يكون مثلاً ابنه أو أخوه في بلاد بعيدة ويؤخر فهذا لا يجوز لأن في ذلك إضراراً على الميت والميت إذا كان مؤمناً يقول قدموني قدموني ثم هو قد بشر بالجنة ولا يمكن أن يصل إليه نعيم الجنة حتى يدفن فيكون في هذا جناية عليه.

فإن قال قائل أليس النبي صلوات الله وسلامه عليه توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء قلنا بلى لكن الصحابة أخروا ذلك حتى ينصبوا خليفة بعده لئلا تخلو الأمة من وجود خليفة بينها على ظهر الأرض ولهذا لم يدفنوه حتى بايعوا أبا بكر رضي الله عنه هذا من وجه ومن وجه آخر أن الصحابة كانوا يأتون إليه يصلون عليه أرسالاً بلا إمام يعني صلوا عليه بدون إمام لأنه صلوات الله وسلامه عليه هو الإمام فكان يأتي الرجل يصلي عليه وحده والرجلان والثلاثة كل يصلي عليه وحده وصلى عليه حتى النساء وهذا يستدعي أن يتأخر دفنه لكن هذه العلة الأخيرة علة فيها نظر إذ يمكن الاستغناء عن الصلاة عليه حاضراً بعد الدفن ولكن يجاب عن ذلك بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الدفن فيها صعوبة لأنه دفن في بيته ليس ظاهراً لكل أحد وعلى كل حال الأمر الذي هو ظاهر جداً أن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر الصحابة في دفنه حتى لا تخلو الأمة من خليفة بعده وهذا أمر ظاهر. مسألة: إذا كنت تريد أن تقضي ديناً عن حي فسواء أعطيته ودفعه هو أو ذهبت أنت إلى غريمه وأوفيت عنه كله جائز. السائل: ما مثال قضاء الدين عن الميت؟ الشيخ: إنسان ميت عليه ألف ريال وليس له تركة فذهب رجل من الناس إلى دائنه وقال هذه ألف ريال عن فلان من الزكاة فهذا لا يجوز أما لو كانت صدقة تطوع فلا بأس. السائل: هل يدخل تحت الدين الذي يمنع الصلاة على الميت القروض التي يستقرضها الرجل من البنوك العقارية. الشيخ: نعم ما فيها شك تدخل في ذلك إلا إذا خلف وفاءً فإذا خلف وفاءً فلا بأس والمراد إذا خلف وفاءً عن أقساط حلت عليه من قبل أما إذا كان أوفى كل الأقساط فإن بقية الأقساط تكون على الورثة لأنهم هم الذين آل إليهم البيت. السائل: وهل يحاسب على الباقي؟ الشيخ: لا ما يحاسب على الباقي لأن البيت انتقل عنه الآن والبيت مرهون فيه تأمين.

باب غسل الميت

السائل: في البحرين أصبح عندنا عادة في كل مرة يأتي أناس متأخرون فيصلون على القبر ليس عمداً ولكن لا يدركون صلاة الجنازة فيأتون ويصلون على القبر فهل في هذا بأس الشيخ: هو بارك الله فيك ليس بسنة مطلقة الصلاة على القبر لكن من كان فيه نفع للمسلمين أو غناء للمسلمين فهذا يصلى على قبره كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبر التي كانت تقم المسجد أو كان إنساناً قريباً لك فتريد أن تشفي نفسك بالصلاة عليه أما كونك تخرج للمقبرة كل يوم وتصلي على من دفن اليوم أو أمس فهذا ليس بمشروع. السائل: هناك مشروع عند الأخوة بحيث إذا كانت هناك جنازة يتصل بجميع الأخوة لكي من يرغب أن يأتي الجنازة يحضر ولذلك يتكرر وجود الأخوة تقريباً يومياً عند الجنازة. الشيخ: لا بأس بهذا يعني إخبار الناس لأجل يكثر المصلين عليه لا بأس به والنعي الذي ورد النهي عنه النعي بعد الدفن أما قبل فلا بأس أن يعلم الناس من أجل أن يكثر عدد المصلين عليه. باب غسل الميت القارئ: وهو فرض على الكفاية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته ناقته (اغسلوه بماء وسدر) وأولى الناس بغسله من أوصي إليه بذلك لأن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فقدمت بذلك وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل ولأنه حق للميت فقدم وصيه فيه على غيره كتفريق ثلثه. الشيخ: فيه أيضاً تعليل ثالث مهم وهو أن الميت قد يكون فيه أشياء لا يحب أن يطلع عليها كل أحد ولا يحب أن يطلع عليها إلا شخص يأتمنه فيوصي أن يغسله فلان، رابعاً لأن الميت يحب أن يغسله من كان أعبد لله وأطوع لله فيختار شخصاً معينا ففي هذا الحكم أثر ونظر يعني آثار ونظر صحيح في أنه يقدم في

تغسيل الميت من أوصى وفي أثر أبي بكر الصديق رضي الله عنه جواز تغسيل المرأة زوجها بعد موته فإن قال قائل أليس قد وقعت الفرقة بينهما وأعظم فرقة؟ قلنا بلى لكن آثار النكاح باقية من وجوب العدة وثبوت الميراث وغير هذا فلذلك جاز للرجل أن يغسل امرأته وللمرأة أن تغسل زوجها. القارئ: فإن لم يكن له وصي فأولاهم بغسل الرجل أبوه ثم ابنه وإن نزل ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ثم الرجال من ذوي أرحامه ثم الأجانب لأنهم أولى الناس بالصلاة عليه وأولاهم بغسل المرأة أمها ثم جدتها ثم ابنتها ثم الأقرب فالأقرب ثم الأجانب. الشيخ: ولكن كل هذه الترتيبات التي قالها المؤلف رحمه الله مسبوقة بأمر مهم وهو أعلم الناس بكيفية التغسيل هذا مقدم على كل هذه الأولويات يعني بعد الوصي يقدم أعلم الناس بأحكام التغسيل كقول الرسول عليه الصلاة والسلام (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فإذا قدر أن في هؤلاء الذين رتبهم المؤلف من لا يحسن التغسيل فإنه لا يقدم لأن المحافظة على التغسيل أولى من التقديم ولا يستثنى من هذا إلا شيء واحد وهو الوصي. القارئ: ويجوز للمرأة غسل زوجها بلا خلاف لحديث أبي بكر ولقول عائشة (لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه) وفي غسل الرجل امرأته روايتان أشهرهما يباح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة (لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك) رواه ابن ماجة وغسل علي فاطمة فلم ينكره منكر فكان إجماعا ولأنها أحد الزوجين فأبيح للآخر غسله كالزوج والأخرى لا يباح لأنها فرقة أباحت أختها وأربعاً سواها فحرمت اللمس والنظر كالطلاق وأم الولد كالزوجة في هذا لأنها محل استمتاعه فإن طلق الرجل زوجته فماتت في العدة وكان الطلاق بائناً فهي كالأجنبية لأنها محرمة عليه وإن كانت رجعية وقلنا إن الرجعية مباحة له فله غسلها وإلا فلا. فصل

القارئ: ولا يصح غسل الكافر المسلم لأن الغسل عبادة محضة فلا تصح من كافر كالصلاة ولا يجوز للمسلم أن يغسل الكافر. الشيخ: ويدل على أنها عبادة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها حيث قال (اغسلوه بماء وسدر) فالغاسل الذي يغسل الميت ينبغي له أن يستشعر أن الرسول أمره بهذا حتى يكون قائماً بعبادة أي يمتثل بها أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى هذا فلا يصح أن يغسل الكافر مسلماً. فإذا كان لا يصلي وأراد أن يغسل ابنه هل يطاع أو لا؟ لا يطاع لأنه كافر والكافر لا يغسل المسلم. السائل: قوله رحمه الله لأنها فرقة أباحت أختها وأربعاً سواها ما معناها؟ الشيخ: معناه أن المرأة إذا ماتت جاز لزوجها أن يتزوج أختها بمجرد موت الزوجة التي معه هذا معنى أباحت أختها ومعنى قوله وأربعاً سواها أي إذا كانت هذه الميتة هي الرابعة جاز أن يتزوج الرابعة بدلاً عنها هذا معنى كلامه رحمه الله. مسألة: ذهب بعض العلماء إلى أن أم الولد لا تغسل سيدها وهذا أقرب إلى الصواب لأنها ليست زوجة ولهذا كانت أمهات الأولاد يبعن على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى عهد أبي بكر. السائل: إذا أوصى الرجل بأن يغسله رجل وكان هذا الوصي جاهلاً بصفة الغسل؟ الشيخ: يعلّم صفة الغسل. القارئ: ولا يجوز للمسلم أن يغسل كافراً وإن كان قريبه ولا يتولى دفنه إلا أن يخاف ضياعه فيواريه وقال أبو حفص العكبري يجوز ذلك وحكاه قولاً لأحمد لما روي عن علي أنه قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم (إن عمك الشيخ الضال قد مات قال اذهب فواره) رواه أبو داود والنسائي ولنا أنه لا يصلى عليه فلم يكن له غسله كالأجنبي والخبر يدل على مواراته وله ذلك لأنه (يتغير). الشيخ: الصواب يعيَّر بدل يتغير لأنه حتى لو دفن يتغير لكن يعير يقال هذا عم فلان جيفة كالحمار ويعير ياء مضمومة ثم عين مفتوحة ثم ياء مشددة مفتوحة ثم راء على حسب العوام.

القارئ: لأنه يعير بتركه ويتضرر ببقاءه قال أحمد رضي الله عنه في مسلم مات والده النصراني فليركب دابته وليسر أمام الجنازة، وإذا أراد أن يدفن رجع مثل قول عمر. الشيخ: هذا هو الصحيح أنه لا يجوز أن يُغَسّل الكافر ولا أن يكفن ولا أن يدفن مع المسلمين ولكنه يدفن في أي مكان غير مملوك لأحد للأسباب التي ذكرها المؤلف رحمه الله وهي أن لا يعير به وأن لا يتضرر ببقائه وأن لا يؤذي الناس برائحته وأن لا يزعج من رآه والمهم أنه يدفن لكف شره لا كرامة له ولكن لكف شره ومن هؤلاء الكفرة الذين لا يصلون فإذا مات من نعلم أنه لا يصلي فإن الواجب أن نخرج به إلى مكان غير مملوك ثم نحفر له حفرة بدون لحد ثم نرمسه فيها اتقاءً لشره واجتناباً لما يلوث به الجو من الرائحة الكريهة ولئلا يعير قريبه به ولئلا ينزعج من رآه. وهذه قلّ من يخاف الله عز وجل ويعمل بها تجد الإنسان يأتي بأبيه أو أخيه أو ابنه وهو يعلم أنه ما سجد لله سجدة ثم يقدمه للمسلمين يصلون عليه ويدفنه مع المسلمين فيتأذى منه الأحياء والأموات أما الأحياء فلأنهم صلوا على من لا يستحق الصلاة وأما الأموات فلأنه يعذب في قبره وربما يتأذون منه ومن صياحه وعويله والعياذ بالله وفي نقله رحمه الله عن الإمام أحمد قوله وليسر أمام الجنازة لأنه لا ينبغي لكافر أن يتقدم على مسلم فإذا كان لابد من خروجه معه خرج وصار أمام الجنازة ثم عند الدفن يرجع وهو لن يدفن في مقابر المسلمين بل في مقابر الكفار إذا كان لهم مقابر خاصة ثم عند الدفن يرجع كما قال الإمام أحمد يعني لا ينحبس من أجل أن يحضر دفنه لأنه لا فائدة من ذلك لا يمكن أن يدعى له بالمغفرة ولا بالتثبيت لأنه ليس أهلاً لهذا.

القارئ: ولا يجوز لرجل غسل امرأة غير من ذكرنا ولا لامرأة غسل رجل سوى زوجها وسيدها لأن أحدهما مُحَرَّم على صاحبه في الحياة فلم يجز له غسله كحال الحياة فإن مات رجل بين نساء أو امرأة بين رجال أو خنثى مشكل فإنه ييمم في أصح الروايتين لما روى واثلة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجال) أخرجه تمام في فوائده وعنه في الرجل تموت أخته فلم يجد نساء يغسلها وعليها ثيابها ويصب عليها الماء صبا والأول أولى لأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت فكان التيمم أولى كما لو وجد ماء لا يطهر النجاسة.

الشيخ: كلام المؤلف الذي يسمعه يقول إن المراد بتغسيل الميت هو التنظيف لأنه قال لا يحصل به التنظيف يعني الغسل من دون مس لكنه يحصل به التطهير ولهذا لو توضأ الإنسان بدون مس أو اغتسل بدون مس أجزأه فيحصل به التطهير لكن المؤلف يقول لا يحصل به التنظيف وإذا كانت العلة من وجوب غسل الميت هي التنظيف لزم من هذا أن نقول إذا تعذر غسله فإنه لا ييمم لأن التيمم لا يفيد شيئاً فإما أن ننظر إلى الغسل على أنه طهارة شرعية فمتى تعذر استعمال الماء في حقه فإنه ييمم وإما أن ننظر إلى أنها طهارة تنظيف وبناءً على ذلك إذا تعذر غسله فإنه لا ييمم والحقيقة أن ظاهر الأدلة أنه غسل تنظيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) وهذا يدل على أن المراد من ذلك التنظيف ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته راحلته يوم عرفة (اغسلوه بماء وسدر) ولا نعلم فائدة للسدر إلا التنظيف وبناءً على هذا فإذا تعذر تغسيل الميت إما لعدم وجود الماء أو لتمزق جلده بحريق أو نحوه فإنه لا ييمم وإنما تلف عليه أكفانه ويصلى عليه ويدفن وكون الرجل لا يغسل المرأة ولو كانت من أقاربه أو بالعكس هذا حق لأن الميت كله عورة ولا أحد يطلع على العورات إلا الزوج أو الزوجة فلهذا نقول لا يغسل فإن قال قائل ما دليلكم على أن الميت عورة قلنا قول الله تبارك وتعالى في سورة المائدة (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ). السائل: هل يقدم الزوج على نساء أهل الميتة أم تقدم النساء على الزوج؟ الشيخ: تقدم النساء على الزوج إلا إذا كانت الزوجة قد أوصت بذلك أو لم نجد من يحسن التغسيل.

السائل: وما الموقف من حديث عائشة رضي الله عنها (لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا لم يغسل رسول الله إلا نساؤه) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (لو مت قبلي لغسلتك)؟ الشيخ: يقال إن عائشة رضي الله عنها أرادت بيان الجواز وأن المرأة لا بأس أن تغسل زوجها وأما قول الرسول (لو مت قبلي لغسلتك) فقصده بهذا إظهار محبته لها وأنه يتولاها حية وميتة. السائل: رجل مات عن زوجة وأربع بنات وأختين شقيقتين وأولاد أخ فما لكل منهم. الشيخ: الزوجة لها الثمن والبنات لهن الثلثان والباقي للأختين الشقيقتين ولا شيء لأبناء الأخ الشقيق. السائل: يعني الأخوات يحجبن أبناء الأخ الشقيق؟ الشيخ: نعم لأنهن أقرب. السائل: ماذا نقول لمن يعترض على قتل ساب الرسول بقوله أن الكافر لا يقتل وهو مكذب وشاتم لله؟ الشيخ: الساب للرسول عليه الصلاة والسلام اعتدى على حق شخصي ولهذا يجب قتله ولو تاب وساب الله عز وجل اعتدى على حق الله والله عز وجل قد بين أن من تاب تاب الله عليه. القارئ: ويجوز للمرأة غسل صبي لم يبلغ سبع سنين نص عليه لأن عورته ليست بعورة وتوقف عن غسل الرجل الجارية قال الخلال القياس التسوية بين الغلام والجارية لولا أن التابعين فرقوا بينهما وسوى أبو الخطاب بينهما في الجواب جرياً على موجَب القياس. الشيخ: وذلك لأن عندهم من لم يبلغ سبع سنين فليس لعورته حكم لا في النظر ولا في المس والظاهر أنه إذا دعت الضرورة فلا فرق بين الرجل والمرأة فيجوز للرجل أن يغسل طفلة ماتت ولها أقل من سبع سنوات لا سيما إذا لم يكن هناك امرأة ولا سيما أيضاً إذا كانت ابنته أو أخته أو من قرابته. فصل في أمانة الغاسل

القارئ: وينبغي أن يكون الغاسل أمينا لما روي عن ابن عمر أنه قال لا يغسل موتاكم إلا المأمونون ولأن غير الأمين لا يؤمن أن لا يستوفي الغسل ويذيع ما يرى من قبيح وعليه ستر ما يرى من قبيح لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من غسل ميتاً ثم لم يفشِ عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) رواه ابن ماجه بمعناه. الشيخ: قوله رحمه الله وعليه ستر ما يرى من قبيح عليه تفيد الوجوب ولهذا عبر غيره بقول ويجب على الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنا فإن رأى حسناً فهل الأفضل أن يذيعه؟ نقول في هذا تفصيل إن خيفت الفتنة فلا يذعه وإن لم تخف فإن نشر محاسن إخوانه من الأمور المطلوبة أما إذا خيفت الفتنة بأن يكون قبره مزاراً أو تتعلق به الأفئدة فلا يبين. القارئ: وإن رأى أمارات الخير استحب إظهارها ليترحم عليه ويرغب في مثل طريقته وإن كان مغموصاً عليه في السنة والدين مشهوراً بذلك فلا بأس بإظهار الشر عنه لتحذر طريقته. الشيخ: هذا كالاستثناء من قوله وعليه ستر ما يرى من قبيح يعني إذا كان الإنسان مغموصاً عليه في السنة يعني صاحب بدعة يدعو لها ويحث عليها ثم رأى منه من غسله بعد موته ما يسوء من اسوداد وجه أو ما أشبه ذلك من العلامات السيئة فإنه يشيعه والفائدة من ذلك هو أن يحذر الناس من طريقته وهذا التعليل يوحي بأن المراد من كان داعية يدعو إلى بدعته لئلا يغتر الناس به الداعية أوكد أن نظهر مساوئه وسوء خاتمته من غير الداعية. القارئ: ويستحب ستر الميت عن العيون ولا يحضرَه إلا من يعين في أمره لأنه ربما كان به عيب يستره في حياته وربما بدت عورته فشاهدها. الشيخ: هذا تعليل جيد لا بأس به يؤدي إلى أن يقال لا يحضره إلا من احتيج إليه لمعاونة الغاسل في تقليب الميت أو تقريب الماء إليه أو الصب عليه أو ما أشبه ذلك. فصل في صفة الغسل

القارئ: ويجرد الميت عند تغسيله ويستر ما بين سرته وركبتيه روى ذلك الأثرم عنه واختاره الخرقي وأبو الخطاب لأن ذلك أمكن في تغسيله وأبلغ في تطهيره وأشبه بغسل الحي وأصون له عن أن يتنجس بالثوب إذا خلع عنه ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك بدليل أنهم قالوا لا ندري أنجرد النبي صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا رواه أبو داود والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم به وأقرهم عليه وروى المروذي عنه أن الأفضل غسله في قميص رقيق ينزل الماء فيه ويدخل الغاسل يده في كم القميص فيمرها على بدنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه. الشيخ: والصحيح الأول الصحيح أنه يجرد إلا عورته وهي ما بين السرة والركبة. القارئ: ولأنه أستر للميت ويستحب أن يوضع على سرير غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه لينصب ماء الغسل عنه ولا يستنقع تحته فيفسده. الشيخ: وهذا بناءً على أن سرير الغسل صفحة واحدة لكن الآن المعمول به عندنا أن سرير الغسل عوارض بمعنى أن الماء لا يبقى وعلى هذا فلا حاجة إلى أن نقول إنه يكون منحدراً نحو رجليه. القارئ: ويستحب أن يتخذ الغاسل ثلاثة آنية إناء كبير فيه ماء بعيداً من الميت وإناء وسط وإناء يغترف به من الوسط ويصب على الميت فإن فسد الماء الذي في الوسط كان الآخر سليما ويكون بقربه مجمر فيه بَخور لتخفي رائحة ما يخرج منه. الشيخ: وهذا الذي ذكره رحمه الله بناءً على ما سبق من أن الاغتسال عندهم في الأواني أما الآن فأصبح الأمر أيسر من هذا يضع اللي مثلاً في الصنبور ويصب على البدن ويدلكه ولا حاجة إلى أن يضع ثلاثة أواني إلا فيما إذا احتجنا إلى السدر وكذلك في الغسلة الأخيرة التي يجعل فيها الكافور فلابد من إناء. السائل: ما حكم حضور أكثر من المغسل والمساعد لكي يتعلموا صفة الغسل؟

الشيخ: هذا مكروه لأن التعليم هنا لا يتعلق بهذا الميت نفسه والتعليم يمكن أن يوصف الإنسان خارجاً في غير هذا الوقت سواء جعل هذا التطبيق بأن يأتي بجسد ويغسله أمام الناس أو يصفونه وصفاً وكثير من طلبة العلم إنما عرفوا التغسيل بالوصف. فصل في فرائض غسل الميت القارئ: والفرض فيه ثلاثة أشياء النية لأنها طهارة تعبدية أشبهت غُسل الجنابة وتعميم البدن بالغسل لأنه غسل فوجب فيه ذلك كغسل الجنابة وتطهيره من النجاسة وفي التسمية وجهان بناءً على غسل الجنابة. الشيخ: سبق أنه يشترط في الغاسل أن يكون مسلماً وأن يكون مميزاً وأن يكون عاقلاً هذا سبق أما التغسيل فيشترط فيه ثلاثة شروط. الشرط الأول النية لأنها عبادة والعبادة لابد فيها من النية فلو أن الميت مات بغرق وتطهر جسمه تماماً بالماء فإنه لابد من تغسيله ولو سقط ثوب نجس في ماء وطهر فإن الثوب يكون طاهراً لأن إزالة النجاسة لا يشترط فيها النية وأما تغسيل الميت فيشترط فيه النية. الشرط الثاني تعميم البدن بالتغسيل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اغسلوه بماء وسدر) ولقوله للنساء اللاتي يغسلن ابنته (اغسلنها) ولو استدل المؤلف بهذا لكان أحسن من استدلاله بالقياس على غسل الجنابة لأن هذا نص صريح اغسلوه فيعم جميع البدن (اغسلنها) يعم جميع بدنها. الشرط الثالث تطهيره من النجاسة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغاسلات لابنته (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) فدل هذا على أنه لابد من غسل تزول به النجاسة على أدنى تقدير. القارئ: ويسن فيه ثمانية أشياء أحدها أن يبدأ فيحنيَ الميت حنياً لا يبلغ به الجلوس ويمر يده على بطنه فيعصره عصراً دقيقاً ليخرج ما في جوفه من فضلة لئلا يخرج بعد الغسل أو بعد التكفين فيفسده.

الشيخ: يعني لو قال المؤلف بدل الحني الذي قد يشكل على الطالب لو قال أن يرفع رأسه وهذا هو المراد لأنه هو الآن مستلقي على سرير الغسل فيرفع رأسه لكن لا إلى حد القعود لأن ذلك متعب لكن يرفعه قليلاً ثم يعصر بطنه برفق ليخرج ما كان مستعداً للخروج حتى لا يتلوث البدن بعد التغسيل أو بعد التكفين. القارئ: ويصب عليه الماء وقت العصر صباً كثيرا ليذهب بما يخرج فلا تظهر رائحته والثاني أن يلف على يده خرقة فينجيه بها ولا يحل له مس عورته لأن رؤيتها محرمة فلمسها أولى ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة وينبغي أن يتخذ الغاسل خرقتين خشنتين ينجيه بإحداهما ثم يلقيها ويلف الأخرى على يده فيمسح بها سائر البدن لما روي أن علياً رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص الثالث أن يبدأ بعد إنجائه فيوضئه لما روت أم عطية أنها قالت لما غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) متفق عليه ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغُسل فكذلك الميت. الشيخ: الغَسل بالفتح التغسيل والغسل بالضم العبادة يعني هذه للفعل وهذه للمعنى.

القارئ: ولا يدخل فاه ولا أنفه ماء لأنه لا يمكنه إخراجه فربما دخل بطنه ثم خرج فأفسد وضوءه لكن يلف على يده خرقة مبلولة ويدخلها بين شفتيه فيمسح أسنانه وأنفه ويتتبع ما تحت أظفاره إن لم يكن قلمها بعود لين كالصفصاف فيزيله ويغسله كما يفعل الحي في وضوءه وغسله الرابع أن يغسله بسدر مع الماء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اغسلوه بماء وسدر) وقال للنساء اللاتي غسلن ابنته (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور) متفق عليه وظاهر كلام أحمد أن السدر يجعل في جميع الغسلات لظاهر الخبر وذكره الخرقي وقال القاضي وأبو الخطاب يغسل الأولى بماء وسدر ثم يغسل الثانية بماء لا سدر فيه كي لا يسلب طهوريته ولا يجعل فيه سدر صحيح ولا فائدة في ترك يسير لا يؤثر فإن أعوز السدر جعل مكانه ما يقوم مقامه كالخطمي والصابون ونحوه مما ينقي. الشيخ: الماء والسدر ظاهر الحديث أنه في كل غسلة وقال القاضي في الغسلة الأولى فقط والصحيح أنه ينظر إن احتيج إليه في كل غسلة استعمل في كل غسلة وإلا يكتفى بالأولى فقط لأن كثرته ربما تضعف الجلد وتُرهِّفَه ولأنه إضاعة مال لا فائدة منه أما الكافور فإنه يجعل في الغسلة الأخيرة وذكر في غسل بنت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يذكر في غسل الذي وقصته ناقته لأن الكافور من الطيب والمحرم لا يتطيب. القارئ: الخامس أن يضرب السدر ثم يبدأ فيغسل برغوته رأسه ولحيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بعد الوضوء بالصب على رأسه في الجنابة

الشيخ: يعني معناه أن الغاسل يعد ماء ثم يضع فيه السدر مدقوقاً ثم يضربه بيده حتى يكون له رغوة أي زبد فيأخذ هذه الرغوة ويغسل بها الرأس والوجه لأنه لو غسل الرأس بثفل السدر لبقي في رأسه حبات منه أما الرُّغوة فلا يبقى فيها شيء إذا أتاها الماء بعد ذلك ذهبت وأما استدلال المؤلف رحمه الله بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يبدأ غسل الجنابة بالإفاضة على رأسه فهذا بعد الوضوء ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النساء اللاتي يغسلن ابنته أن يبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها. القارئ: السادس أن يبدأ بشقه الأيمن لقوله عليه السلام (ابدأن بميامنها) فيغسل يده اليمنى وصفحة عنقه وشق صدره وجنبه وفخذه وساقه وقدمه ثم يقلبه على جنبه الأيسر ويغسل شق ظهره الأيمن وما يليه ثم يقلبه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر كذلك السابع أن يغسله وترا للخبر. الشيخ: الخبر (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك). القارئ: فيغسله ثلاثاً فإن لم يَنقَ بالثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع لا يزيد عليها لأنه آخر ما انتهى إليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم. الشيخ: في هذا نظر بل ثبت في صحيح البخاري أنه قال (أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) فالصواب أن الأمر راجع إلى اجتهاد الغاسل فقد لا ينظف الميت بالسبع فإذا نظف بالثمان أضاف إليه التاسعة ليقطعها على وتر فقول المؤلف رحمه الله لأنه آخر ما انتهى إليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر لأنه ثبت في صحيح البخاري أنه قال أو سبعاً أو أكثر من ذلك إذا رأيتن ذلك.

القارئ: ويمر في كل مرة يده ولا يوضئه إلا في المرة الأولى إلا أن يخرج منه شيء فيعيد وضوءه لأنه بمنزلة الحدث من المغتسل في الجنابة ولو غسله ثلاثاً فخرج منه شيء غسله إلى خمس فإن خرج بعد ذلك غسله إلى سبع فإن خرج بعد ذلك لم يعد إلى الغسل ويسد مخرج النجاسة بالقطن فإن لم يستمسك فبالطين الحر ويغسل موضع النجاسة. الشيخ: الطين الحر هو الذي يتماسك لأن الطين بعضه يكون قريباً من الرمل لا يتماسك وبعضه يكون متماسكاً يسمى الحر وإلى الآن في عرف الناس يقال أرض حرة يعني ذات طين متماسك فإن قال قائل في وقتنا الحاضر يعز هذا الطين ويقل أو لا يوجد؟ نقول ما قام مقامه من الأمور الحديثة يكفي لأن المقصود أن ينسد هذا الخارج وظاهر كلام المؤلف سواء كان الخارج من القبل أو الدبر أو من طعنة فيه أو ما أشبه ذلك لأنه لابد أن يحرص على إيقافها. القارئ: ويغسل موضع النجاسة ويوضأ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل انتهى إلى سبع واختار أبو الخطاب أنه لا يعاد إلى الغسل لخروج الحدث لأن الجنب إذا أحدث بعد غسله لم يعده ويوضأ وضوءه للصلاة. الشيخ: وما ذكره أبو الخطاب رحمه الله أقرب للصواب لأنه ليس هناك ما يوجب غسل الجنابة كل الأحداث التي تخرج بعد الموت لا توجب الغسل وعلى هذا فما ذهب إليه أبو الخطاب هو الصحيح أنه إذا خرج بعد انتهاء الغسل فإنه يُغسل المحل ويحرص على إيقاف الخارج ثم يوضأ. القارئ: الثامن أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً يشده ويبرده ويطيبه.

الشيخ: وهذه الثلاث فوائد الكافور يشد البدن ويصلب البدن والثاني يبرده والثالث يطيبه لأنه نوع من الطيب والكافور معروف عند الباعة الذين يبيعون مثل هذه الأشياء فيؤتى بالكافور ويدق ثم يخلط في الماء في آخر غسلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور) وفوائده الثلاث ذكرها المؤلف الشد والتبريد والتطييب وذكر بعضهم رابعة أنه يطرد الهوام عنه في القبر فرائحته الجيدة الطيبة تطرد الهوام فتكون الفوائد حينئذٍ أربعاً. القارئ: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ويستحب أن يُضْفَر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها لما روت أم عطية قالت ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها تعني ابنة النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه. الشيخ: ثلاثة قرون يعني الضفاير تجعل ثلاثة قرون وتلقى خلفها. السائل: ما الصفة المجزئة في غسل الميت؟ الشيخ: المجزئ أن يعم جميع بدنه بالغسل مرة واحدة كغسل الجنابة. السائل: الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال لأم عطية (أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) أليس المراد عند خروج شيء من بطنها. الشيخ: لا فأحياناً يكون المرضى فيهم وسخ كثير ما يكفيهم الغسلة ولا الغسلتين والثلاث لا سيما في الزمن الأول لما كان الناس يصعب عليهم أن يتنظفوا كل جمعة أو كل عشرة أيام وما أشبهها ولو كان المراد الخروج لقال إن خرج شيء. فصل القارئ: وكره أحمد تسريح الميت لأن عائشة قالت علام تنصون ميتكم يعني لا تسرحوا رأسه بالمشط ولأنه يقطع شعره وينتفه والماء البارد في الغسل أفضل من الحار لأن البارد يشده والحار يرخيه إلا من حاجة إليه لوسخ يقلع به أو شدة برد يتأذى به الغاسل ولا يستعمل الإشنان إلا لحاجة إليه للاستعانة على إزالة الوسخ.

الشيخ: الإشنان نبات معروف له حبيبات صغيرة يدق ثم هذه الحبيبات تنظف تماماً والحبيبات مثل الرمل لكنه خفيف فينظف بها إذا قال قائل الآن ما يوجد الإشنان؟ نقول يجزئ عنه الصابون والشامبو أيضاً الشامبو ينظف وفيه أيضاً رائحة طيبة. فصل القارئ: ويستحب تقليم أظافر الميت وقص شاربه لأن ذلك سنة في حياته ويترك ذلك معه في أكفانه لأنه من أجزائه وكل ما سقط من الميت جعل معه في أكفانه ليجمع بين أجزائه وفي أخذ عانته وجهان أحدهما يستحب إزالتها بنورة أو حلق لأن سعد بن أبي وقاص جز عانة ميت ولأنه من الفطرة فأشبه تقليم الأظافر والثاني لا يستحب لأن فيه لمس العورة وربما احتاج إلى نظرها وذلك محرم فلا يفعل لأجل مندوب. الشيخ: ومن العلماء من قال لا تقلم أظفاره ولا يقص شاربه ولا ينتف إبطه بل يبقى كما هو لأن الميت انقطع عمله والمقصود من إزالة هذه الأشياء كمال التطهير والميت لا يحتاج إلى ذلك لكن ما ذكره المؤلف لا بأس به أن يقال إن تقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الأبط جائز وأما حلق العانة فكما قال رحمه الله فيه كشف للعورة وربما احتاج إلى مسها فالأولى أن تبقى على ما هي عليه لكن في الوقت الحاضر يوجد أدهان يدهن بها المحل وإن لم ينظر إليها الإنسان وإن لم يمسها فهل نقول في هذه الحال تزال العانة بهذا المزيل؟ فيه احتمال لأن الحكم يدور مع علته إذا وجدت وجد وإذا فقدت فقد، بقي علينا الختان فإذا مات قبل أن يختن فهل نختنه بعد الموت؟ الجواب لا، والختان حرام لأنه قطع عضو ليس في حكم المنفصل أما ما سبق من الشعور والأظفار فإنه في حكم المنفصل وأما الختان فلا يحل لأنه أولاً ليس هناك ضرورة إليه إذ أن الختان إنما هو لتكميل الطهارة والميت قد انتهى والثاني أن فيه قطع جزء من الميت فلا يحل. السائل: بالنسبة للأسنان المركبة هل يجوز خلعها؟

الشيخ: الأسنان المركبة تؤخذ أما إن كانت ذهباً وفضة فإنها تؤخذ وجوباً لما في دفنها معه من إضاعة المال ولا سيما إذا كان الورثة قصاراً لكن إذا خيفت المثلة بحيث يكون الذهب ملبساً على سن أصلي فهنا ربما لو قلعناه انقلع السن فحينئذٍ لا نتعرض له يدفن معه ثم إن أجاز الورثة ذلك فالحق لهم لأن أسنان الميت بعد موته إذا كانت مالاً تكون للورثة إذا رضوا بأن يبقى عليه فلا بأس وإن لم يرضوا فإنه إذا علم أن الميت قد بلي يؤخذ من الميت وهذا ربما لا نعلم إلا بعد سنوات طويلة لكن ينتقل هذا الذهب أو الفضة من وارث إلى وارث. السائل: وإذا لم يكن السن ذهباً ولا فضة؟ الشيخ: هذا يخلع لأنه لا حاجة إليه. السائل: جعلها في كفنه هذه الأشياء ما دليل المؤلف على هذا؟ الشيخ: لأنها من أجزائه. السائل: والصحيح؟ الشيخ: إذا قلنا بأنها تؤخذ فأحسن شيء أن تكون في كفنه أحسن من لو وضعناها في نفس القبر. مسألة: من تعذر تغسيله هل ييمم أو لا؟ إذا قلنا إنها طهارة تعبد أي طهارة تغسيل الميت فإنه ييمم وإذا قلنا طهارة تنظيف فإنه لا ييمم لأن التيمم لا ينفعه ولكن إذا لم نجد إلا رِجْلاً من ميت يعني تقطعت أوصاله وطارت ما نعرف أين وقعت ووجدنا رجله فقط مع علمنا بأنه قد مات هل نفعل بالرِّجْل كما نفعل بالكل؟ الجواب نعم تغسل وتكفن ويصلى عليها أما لو وجدنا رجلاً لكن بقية المصاب باقية ومعلومة فإننا نأخذ الرجل ونضمها إلى الأصل برباط أو غيره ونصلي عليه جميعاً وإذا وجدنا الأصل دون الرِّجل صلينا عليه أيضاً ثم إذا وجدت الرِجْل بعد ذلك فإنه لا يصلى عليها لأنه قد صلي على جملة الميت وسقط الواجب. السائل: إذا صلي على الرِّجل وصاحبها ميت ثم وجد الأصل فهل تعاد الصلاة؟ الشيخ: يحسن أن تعاد ولكنها لا تجب لأنها سقطت. فصل

القارئ: والسقط إذا أتى عليه أربعة أشهر غسل وصلي عليه لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والسقط يصلى عليه) رواه أبو داود ولأنه ميت مسلم فأشبه المستهل ودليل أنه ميت ما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يوما ثم علقة مثل ذلك ثم مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكاً فينفخ فيه الروح) متفق عليه، ومن كان فيه الروح ثم خرجت فهو ميت ويستحب تسميته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سموا أسقاطكم فإنهم أسلافكم) فإن لم يعلم أذكر هو أم أنثى سمي اسماً يصلح لهما كسعادة وسلامة ومن له دون أربعة أشهر لا يغسل ولا يصلى عليه لعدم ما ذكرناه فيه. الشيخ: السقط هو الحمل إذا خرج قبل أوانه هذا إن كان قد نفخت فيه الروح وهو الذي تم له أربعة أشهر فحكمه كالحي تماماً يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع الناس ويسمى لأنه سيبعث وإن كان لم تنفخ فيه الروح وهو ما دون أربعة أشهر فلا حكم له هذا يدفن في أي مكان ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه لأنه ليس بإنسان هذا معنى كلام المؤلف لكن التسمية إذا لم نعلم أذكر كان أم أنثى وهذا بعيد لأن هذا سيكون متى؟ إذا نفخت فيه الروح وإذا نفخت فيه الروح فسيتبين أذكر أم أنثى ولكن لو فرض أننا لم نعرف أذكر هو أم أنثى فإنه يسمى بما يصلح لهما أي باسم صالح للأثنى والذكر مثل سَعادة وسلامة وهل سَعادة يصلح للرجل؟ يمكن في زمنهم وسلامة يصلح للذكر فيه من يسمى سلامة لكن هل تسمى به الأنثى؟ يمكن وفيه أيضاً سمرة وطلحة وعلى كل حال هذا شيء يتبع العرف يسمى بصالح لهما لأنه سوف يبعث يوم القيامة ويدعى باسمه. فصل

القارئ: والشهيد إذا مات في المعركة لم يُغَسّل رواية واحدة وفي الصلاة عليه روايتان إحداهما يصل عليه اختارها الخلال لما روى عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف متفق عليه والثانية لا يصلى عليه وهي أصح لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم رواه البخاري وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد بدليل أنه صلى عليهم بعد ثمان سنين. الشيخ: الصحيح في هذه المسالة أن المقتول شهيداً في المعركة لا يغسل لأنه لو غسل لزال أثر الدم الذي يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب اللون لون الدم والريح ريح مسك وكذلك لا يكفن بل يدفن في ثيابه وإنما لا يكفن من أجل أن تبقى ثيابه التي استشهد فيها عليه ونظير ذلك إذا مات وهو محرم فإنه يكفن في ثوبي إحرامه كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (كفنوه في ثوبيه) وكذلك لا يصلى عليه لماذا؟ لأن الصلاة شفاعة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) والشهيد غني عنها لأن الشهادة تكفر كل شيء من المعاصي إلا الدين الذي هو حق الآدمي فلابد من قضائه وإذا كان كذلك فإنه لا يصلى عليه ولهذا لم يصلّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على شهداء أحد وأما صلاته عليهم في آخر حياته صلوات الله وسلامه عليه فإن هذا من باب الدعاء لهم كالمودع وليست هي الصلاة على الجنازة لأن الصلاة على الجنازة يجب أن تكون قبل الدفن وهذا بعد الدفن بسنوات فالصواب ما ذكره المؤلف أولاً أنهم لا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم. ويدفنون في أي مكان؟ في مصارعهم التي استشهدوا فيها ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم برد من نقل من شهداء أحد أمر بردهم إلى مصارعهم.

القارئ: والخيرة في تكفين الشهيد إلى الولي إن أحب زمله في ثيابه ونزع ما عليه من جلد أو سلاح لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم رواه أبو داود وإن أحب نزع ثيابه وكفنه بغيرها لأن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن حمزة فيهما فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلاً آخر قال يعقوب بن شيبة هو صالح الإسناد. الشيخ: ولعل هذا لسبب اقتضى ذلك لأن حمزة رضي الله عنه كان كبير الجسم فلعله كفن في غير ثيابه والأصح أنه ليس لهم الخيار وأن الشهيد يكفن في ثيابه ويدفن في ثيابه كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. القارئ: وإن حمل وبه رمق أو أكل أو طالت حياته غسل وصلي عليه لأن سعد بن معاذ غسله النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه وكان شهيدا. الشيخ: هذا فيه تفصيل إذا حمل الشهيد وبه رمق ولكن هذا الجرح مما يقتل غالباً يعني أنه جرح موحي فينبغي أن يلحق بحكم من مات في أرض المعركة وأما قصة سعد بن معاذ فسعد بن معاذ بقي مدة طويلة بعد أن رمي بأكحله رضي الله عنه وسأل الله تعالى أن لا يميته حتى يقر عينه بحلفائه بني قريظة فعلى هذا نقول إن الدليل لا يطابق المدلول إلا إذا فصلنا وقلنا إذا كان جرحه موحياً بمعنى أنه مميت لا يمكن أن يحيا معه فهذا لا شك أنه في حكم من مات في المعركة ولو حمل فلو حمل مثلاً إلى مستشفى وقد تقطعت أوصاله وأمعاؤه لكن الرجل حي فهل نقول إن هذا كقضية سعد بن معاذ؟ لا فلا يصح الاستدلال.

القارئ: وإن قتل وهو جنب غسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد (ما بال حنظلة بن الراهب إني رأيت الملائكة تغسله) قالوا إنه سمع الهائعة فخرج ولم يغتسل رواه الطيالسي وإن سقط من دابته أو تردى من شاهق أو وجد ميتاً لا أثر به غسل وصلي عليه لأنه ليس بقتيل الكفار والذي لا أثر به يحتمل أنه مات حتف أنفه فلا يسقط الغسل الواجب بالشك. الشيخ: وهنا ينبغي أن يقال يقاس على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما إذا غاب الصيد بعد رميه ثم وجده ميتاً وليس به إلا أثر سهمه فما حكم هذا الصيد يعني رمى صيداً فغاب عنه ثم وجده ميتاً ليس فيه إلا أثر سهمه فهل يأكله أم لا؟ يأكله بناءً على الظاهر أنه مات بهذا الأثر كذلك هذا الذي قتل شهيداً قتل وهرب مثلاً أو حمله أحد المهم وجدناه بعد ذلك ميتاً لكن ليس به أثر إلا أثر السهم الذي نعلم أنه يميته ويقتله فهنا ينبغي أن يقال إنه شهيد لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه. السائل: المدينة الآمنة ويحاربها عدو فتقصف فيموت فيها أناس لا دخل لهم في الحرب فهل يعدون شهداء؟ الشيخ: هؤلاء ليس لهم حكم الشهيد المذكور لكن هم شهداء لأنهم قتلوا ظلماً والشهيد هو شهيد المعركة أما الذين يقتلون بمثل ما ذكرت فليسوا من الشهداء الذين لا يغسلون لكنهم شهداء عند الله لأنهم إنما قتلوا بسبب العداوة بينهم وبين المشركين وقتلوا ظلماً أيضاً فهؤلاء يعدون شهداء في الآخرة لكن في الدنيا لا لأنه ليس بالمعركة.

القارئ: ومن عاد عليه سلاحه فقتله فهو كقتيل الكفار لأن عامر بن الأكوع عاد عليه سيفه فقتله فلم يفرد عن الشهداء بحكم وقال القاضي يغسل ويصلى عليه لأنه ليس بقتيل الكفار ومن قتل من أهل العدل في المعترف فحكمه حكم قتيل المشركين وأما أهل البغي فقال الخرقي يغسلون ويصلى عليهم لأنه ليس لهم حكم الشهداء وأما المقتول ظلماً كقتيل اللصوص وقتيل ماله ففيه روايتان إحداهما يغسل ويصلى عليه لأن ابن الزبير غسل وصلي عليه ولأنه ليس بشهيد معترك أشبه المبطون والثانية لا يغسل لأنه قتيل شهيد أشبه شهيد المعترك. الشيخ: لكن الصواب الرواية الأولى أن المقتول ظلماً يغسل ويكفن ويصلى عليه ولا يمكن إلحاقه بقتيل المعركة لوجهين الأول أن قتيل المعركة هو الذي سلم نفسه وعرض صفحة عنقه للقتل باختياره والمقتول ظلماً ليس كذلك المقتول ظلما اعتدي عليه وقتل. ثانياً أن الذي قتل في معترك الجهاد بين المسلمين والكفار إنما قتل دفاعاً عن الإسلام فنيته عالية وهمته عالية بخلاف من قتل دفاعاً عن نفسه أو ماله فمن أجل ذلك نقول لا يجوز إلحاق المقتول ظلماً بشهيد المعركة بل يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه. السائل: هل ما قاله القاضي أن من رجع عليه سيفه يصلى عليه؟ الشيخ: الصحيح خلاف كلام القاضي. فصل القارئ: ومن تعذر غسله لعدم الماء أو خيف تقطعه به كالمجذوم والمحترق ييمم لأنها طهارة على البدن فيدخلها تيمم عند العجز عن استعمال الماء كالجنابة وإن تعذر غسل بعضه يمم لما لم يصبه الماء وإن أمكن صب الماء عليه وخيف من عركه صب عليه الماء صباً ولا يعرك. ومن مات في بئر ذات نفس أخرج فإن لم يمكن إلا بِمُثْلة وكانت البئر يحتاج إليها أخرج أيضا لأن رعاية حقوق الأحياء أولى من حفظه عن المثله وإن لم يحتج إليها ظمت عليه فكانت قبرا.

باب الكفن

الشيخ: في قول المؤلف رحمه الله من تعذر غسله يمم هذا مبني على هل تغسيل الميت عبادة لأن الموت حدث أو إن تغسيله تطهير؟ إن قلنا بالأول صح أن يقال إنه إذا تعذر تغسيله ييمم وكيفية تيميمه؟ أن يضرب الحي يديه على التراب ثم يمسح بهما وجهه وكفيه أما إذا قلنا إن هذا تطهير وتعذر التغسيل فإنه يسقط ويكفن بدون شيء. فصل القارئ: ويستحب لمن غسل ميتاً أن يغتسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من غسل ميتاً فليغتسل) رواه أبو داود الطيالسي. الشيخ: وفي نسخة أبو داود والطيالسي، والظاهر ما قرأه الطالب وعند التخريج يتبين الأمر. القارئ: ولا يجب ذلك لأن الميت طاهر والخبر محمول على الاستحباب والصحيح أنه موقوف على أبي هريرة كذلك قال أحمد فإذا فَرَغَ من غسله نشفه بثوب كي لا يبل أكفانه. باب الكفن القارئ: يجب كفن الميت في ماله مقدماً على الدين والوصية والإرث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته ناقته (كفنوه في ثوبيه) متفق عليه. الشيخ: وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يسأل هل عليه دين أو لا فقال كفنوه في ثوبيه دون أن يستفسر وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال. القارئ: ولأن كسوة المفلس الحي تقدم على دينه فكذلك كفنه فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه كسوته في حياته فإن لم يكن ففي بيت المال. الشيخ: فإن لم يمكن بأن كان بيت المال غير منتظم ومراجعته تحتاج إلى مدة فعلى من علم بحاله من المسلمين لأن تكفين الميت فرض كفاية لكن في الغالب أن هذه صورة مفروضة لأن أدنى ما يقال أن هذا الميت لابد أن يكون عليه ثياب عند موته والثياب إن كانت واسعة فربما توزع على البدن وتشمل وإلا قد تنقص عن الكفاية. القارئ: وليس على الرجل كفن زوجته لأنها صارت أجنبية لا يحل الاستمتاع فيها فلم يجب عليه كسوتها.

الشيخ: عندنا فلم تجب لكن يجوز الوجهان لأن التأنيث هنا غير حقيقي وهذه المسألة فيها خلاف فيرى بعض العلماء أنه يجب على الزوج أن يكفن امرأته إذا لم يكن لها مال والقول بأن علائق النكاح انقطعت غير صحيح لأنه يجوز لها أن تغسله ويجوز له أن يغسلها وهذا أعظم ما يكون من متعلقات النكاح وأيضاً يرثها وترثه وأيضاً عليها العدة فبقية آثار النكاح موجودة ثم إنه ليس من العشرة بالمعروف أن تموت زوجة الإنسان التي عاشت معه مدة طويلة في أكمل سعادة وإذا لم يجد لها كفناً قلنا لا يجب على الزوج اذهبوا إلى الناس استنجدوهم بكفن لها هذا ليس من العشرة بالمعروف ولا يليق فالصواب أنه إذا لم يوجد للزوجة مال تكفن به أن الزوج يكفنها إذا كان موسراً أما إذا كان معسراً فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها. فصل القارئ: وأقل ما يجزئ في الكفن ثوب يستر جميعه. الشيخ: عندي وأقل ما يكفي بدل يجزئ فتكون نسخة. القارئ: وقال القاضي لا يجزئ أقل من ثلاثة لأنه لو أجزأ واحد لم يجز أكثر منه لأنه يكون إسرافا ولا يصح لأن العورة المغلظة يسترها ثوب واحد فالميت أولى وما ذكره لا يلزم فإنه يجوز التكفين بالحسن وإن أجزأ دونه. الشيخ: ما قاله القاضي رحمه الله ضعيف والصواب أن الواجب كفن يستر جميع الميت وأما قوله إنه تجب الثلاثة لأنه لو أجزأ الواحد لكانت الثلاثة إسرافاً فيقال الإسراف إنفاق المال في غير محله وهذا في محله إذا كفن بثلاثة أثواب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كفن في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة.

القارئ: ويستحب تحسين الكفن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه) رواه مسلم ويكون جديداً أو غسيلا إلا أن يوصي الميت بتكفينه في خَلَق فتمتثل وصيته لأن أبا بكر رضي الله عنه قال كفنوني في ثوبي هذين فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت والأفضل تكفينه الميت في ثلاث لفائف بيض لقول عائشة رضي الله عنها كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة متفق عليه. الشيخ: سحولية نسبة إلى الساحل لأنها ترد من اليمن واليمن ساحل على البحر وما معنى قوله ليس فيها قميص ولا عمامة؟ قيل معناه ثلاثة زائدة على القميص والعمامة يعني ثلاثة لا يكون منها القميص والعمامة وعلى هذا فيستحب قميص وعمامة وثلاثة أثواب وقيل إن معنى ليس فيها قميص ولا عمامة نفي لوجود قميص وعمامة وهذا هو ظاهر اللفظ أنه كفن بثلاثة أثواب بيض سحولية وليس فيها قميص ولا عمامة ويدرج فيها إدراجاً. القارئ: ولأن حالة الإحرام اكمل أحوال الحي وهو لا يلبس المخيط فيها فكذلك حال موته.

الشيخ: هذا قياس من أضعف القياسات لكن الصواب أن يقال ولأن العمامة والقميص لا يحتاج إليها لأن الكفن لا يراد به الزينة بخلاف الحي فالحي قد ذكروا أنه يستحب له لبس العمامة على ما ذهبوا إليه رحمهم الله أما المحرم فله حال أخرى والمقصود أن يرحل الإنسان لربه فيكشف رأسه وأن يتحد المحرمون بثوب واحد إزار ورداء وعلى كل حال يكفينا أن نقول في دفع قول من يقول إنه تستحب العمامة والقميص أن ما ذهبوا إليه خلاف ظاهر اللفظ لأن الحديث الآن استدل به طائفتان طائفة تقول يستحب أن يكون في الكفن قميص وعمامة وعلى رأيهم يكون معنى الحديث ثلاثة أثواب زائدة على القميص والعمامة وهذا خلاف ظاهر اللفظ لا شك والذين ينفون ذلك يقولون الحديث صريح واضح ليس فيها قميص ولا عمامة يعني أنه لم يلبس قميصاً ولا عمامة لا زائداً على الثلاثة ولا واحداً من الثلاثة. السائل: الصحابة رضي الله عنهم لما غسلوا النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه هل خلعوه منه؟ الشيخ: نعم خلعوه لأن عائشة تقول كفن في ثلاثة أثواب. القارئ: والمستحب أن يؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها فيبسط على بساط ليكون الظاهر للناس أحسنها لأن هذه عادة الحي ثم تبسط الثانية فوقها ثم الثالثة فوقهما ويذر الحنوط والكافور فيما بينهن ثم يحمل الميت فيوضع عليهن مستلقيا ليكون أمكن لادراجه فيها ويكون ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه. الشيخ: عندي ويجعل ما عند رأسه بدل ويكون ما عند رأسه ضعوها نسخة. القارئ: ويجعل بقية الحنوط والكافور في قطن ويجعل منه بين إليتيه برفق ويكثر ذلك ليرد شيئاً إن خرج حين تحريكه ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتبان تأخذ إليتيه ومثانته ويجعل الباقي في منافذ وجهه ومواضع سجوده. الشيخ: عندي على منافذ.

القارئ: ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده ويجعل الطيب والذريرة في مغابنه ومواضع سجوده تشريفاً لهذه الأعضاء التي خصت بالسجود ويطيب رأسه ولحيته لأن الحي يتطيب هكذا وإن طيب جميع بدنه كان حسنا ولا يترك على أعلى اللفافة العليا ولا النعش شيء من الحنوط لأن الصديق رضي الله عنه قال لا تجعلوا على أكفاني حنوطا ثم يثني طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر فوق الطرف الآخر ليمسكه إذا أقامه على شقه الأيمن ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ثم يجمع ذلك جمع طرف العمامة فيرده على وجهه ورجليه إلا أن يخاف انتشارها فيعقدها وإذا وضع في القبر حلها ولا يحرق الكفن. الشيخ: عندي وإذا وضعه نسخة. القارئ: وإذا وضعه في القبر حلها ولا يخرق الكفن لأن تخريقه يفسده. الشيخ: وقال بعض العلماء يخرقه إذا خاف اللصوص لأنه يوجد والعياذ بالله لصوص ينبشون القبور ليأخذوا الأكفان فإذا خيف من هؤلاء خرق الكفن من أجل إفساده على اللصوص لكن المشكلة أن اللص لا يعلم أن كفن صاحب القبر مخرق حتى يتجنبه فإذا نبشه حصل في ذلك مفسدتان الأولى مفسدة اللصوص والثاني تخريق الكفن والإنسان يفعل ما يقدر عليه من السنة وإذا تعدى أحد عليها فليس من فعله فالمهم الصواب ما قاله المؤلف أن الأكفان لا تخرق حتى مع وجود اللصوص. القارئ: لا يجب الطيب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولأنه لا يجب على الحي فكذلك على الميت ولا يزاد الكفن على ثلاثة أثواب لأنه إسراف لم يرد الشرع به. الشيخ: ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الميت يبقى على النعش هكذا في الكفن ولا يسجى لا بعباءة ولا بغيرها لأنه يقول إنه يَجْعل اللفافة العليا أحسنها كما يفعل الحي ولكن لا شك أن وضع العباءة عليه أو السترة أحسن أما بالنسبة للمرأة فالأفضل أن يكون على نعشها مكبة يعني أعواد محنية توضع على النعش ويكون الستر من فوقها لئلا ينكشف جسمها أمام الناس.

القارئ: وإن كفن في قميص ومأزر ولفافة جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم (ألبس عبد الله بن أُبي قميصه كفنه فيه) متفق على معناه. الشيخ: عبد الله بن أبي كفنه الرسول عليه الصلاة والسلام في قميصه مع أنه رأس المنافقين فلم ذلك؟ قالوا لأن عبد الله بن أبي كان جسيماً وكان حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه جسيماً أيضاً ولما استشهد في أحد أعطى عبد الله بن أبي قميصه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليجعله لحمزة هكذا قيل والمسألة تحتاج إلى تحرير وقيل إنه فعل ذلك تأليفاً لابنه عبد الله فابن عبد الله بن أبي اسمه عبد الله وهو من أفضل الصحابة رضي الله عنهم فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم بقميصه تأليفاً لقلب ابنه عبد الله الذي هو من خيار الصحابة فإن صح الأول فهي مناسبة وإن لم يصح فالثاني مناسبته ظاهرة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم من هديه التأليف. درس جديد الشيخ: سبق لنا مسألة وهي فيما إذا خرج بعد تغسيل الميت شيء فهل يجب إعادة الوضوء أو الغسل؟ وقد حررها لنا الأخ خالد حامد وتبين لي أنه لا يجب الغسل ولا الوضوء فيما إذا خرج شيء بعد تغسيله لأن المقصود بتغسيله تغسيل ظاهره ولهذا قال (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) وأما ما خرج منه فهو وإن كان حدثاً بالنسبة للحي لكن الحي سيصلي ويؤمر بالطهارة من الحدث أما هذا فلا. وتغسيله الذي أوجبه الرسول علينا غسلناه فإذا خرج شيء فإننا نغسل مكان ما خرج منه الشيء مكانه وما حوله نطهره فقط ولا يجب وضوؤه ولا يجب إعادة غسله وهذا أيضاً الأصح من مذهب الشافعية على أنه لا يجب أن يعاد الغسل ولا الوضوء لأن هذا وإن كان ناقضاً في الحياة فإنه في الموت لا ينقض ولكن يجب أن يُغَسّل موضع النجاسة.

القارئ: ويجعل المئزر مما يلي جلده ولا يزر عليه القميص فإن تشاح الورثة في الكفن جعل ثلاث لفائف على حسب ما كان يلبس في حياته وإن قال أحدهم يكفن من ماله وقال الآخر من مال السبيل كفن من ماله لئلا يتعير بذلك ويستحب تجمير الكفن ثلاثا لأن جابراً روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا جمرتم الميت فجمروه ثلاثا). الشيخ: تجمير الكفن يعني تطييبه بالبخور لأن البخور إنما يتبين بالجمر فيجمر يعني توضع لفائف ثم تكون تحتها المبخرة من أجل أن تكتسب من رائحة الطيب. فصل القارئ: وتكفن المرأة في خمسة أثواب مئزر تؤزر به وقميص تلبسه بعده ثم تخمر بمقنعة ثم تلف بلفافتين لما روى أبو داود عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقى ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر ولأن المرأة تزيد في حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته فكذلك في موتها وتلبس المخيط في إحرامها فتلبسه في موتها. الشيخ: عندي في مماتها نسخة. فصل القارئ: فإن لم يجد إلا ثوباً لا يستر جميعه غطي رأسه وترك على رجليه حشيش لما روى خباب أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد ولم يكن له إلا نمرة إذا غطي رأسه بدت رجلاه وإذا غطي رجلاه بدا رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الاذخر) متفق عليه فإن كان أضيق من ذلك ستر به عورته وغطي سائره بحشيش أو ورق فإن كثر الموتى وقلت الأكفان كفن الاثنان والثلاثة في الكفن الواحد لما روى أنس قال كثرت القتلى وقلت الأكفان يوم أحد فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد وهو حديث حسن. السائل: الرجلين كيف يكفنون جميعاً؟ الشيخ: يدرجون في لفافة واحده. السائل: كيف يجعلون الثلاثة في كفن واحد؟

الشيخ: لا نعرف كيفية ذلك لكن كأنه والله أعلم تجد الواحد منهم عليه إزار وليس له رداء فتجمع الأزر يكفن بها ثلاثة جميعاً أو اثنان لأن حالهم ما هي معروفة لنا بالضبط. السائل: المعروف أن الشهيد لا يكفن والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع أمر أن يكفنوا. الشيخ: يكفنوا بثيابهم فالشهيد يكفن لكن بثوبه. السائل: وإن قال أحدهم يكفن من ماله وقال الآخر من مال السبيل. الشيخ: مال السبيل الوقف يعني مثلاً إنسان متبرع موقف أكفان للموتى فقال بعض الورثة من مال السبيل وقال الآخرون من ماله فيقدم الذي قال إنه يكفن من ماله. فصل القارئ: فإن خرج منه شيء يسير وهو في أكفانه لم يعد إلى الغسل وحمل لأن في إعادته مشقة ولا يؤمن مثله ثانياً وثالثا وإن ظهر منه كثير فالظاهر عنه أنه يحمل أيضاً لمشقة إعادته وعنه أنه يعاد غسله ويطهر كفنه لأنه يؤمن مثله في الثاني للتحفظ بالتلجم والشد. الشيخ: بالتلجيم نسخة لأن الميت لا يتلجم بنفسه إنما يُلَجَّم وقول المؤلف رحمه الله فالظاهر عنه أي عن الإمام أحمد وقوله عنه أي عن الإمام أحمد وهذا هو الأظهر أن الشيء اليسير لا يعاد غسله والشيء الكثير الذي يظهر على الكفن ويتبين يعاد لكن لا يعاد الغسل على ما رجحنا آنفاً بل يعاد غسل الموضع ثم يضرب عليه ما يمنع الخروج مرة ثانية. فصل

القارئ: وإذا مات المحرم لم يقرب طيباً ولا يخمر رأسه لأن حكم إحرامه باق فيجنب ما يتجنبه المحرمون لما روى ابن عباس قال بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (غسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) متفق عليه وعنه لا يغطى وجهه ولا رجلاه والظاهر عنه جواز تغطيتهما لأنه لم يذكرهما في حديث ابن عباس ولأن الحي لا يمنع من تغطيتهما فالميت أولى ولا يُلْبَس قميصاً إن كان رجلا لأنه ممنوع من لبس المخيط وإن كان امرأة جاز ذلك لأنها لا تمنع من لبس المخيط وجاز تخمير رأسها لأنها لا تمنع ذلك في حياتها وإن ماتت معتدة بطل حكم عدتها وفعل بها ما يفعل بغيرها لأن اجتناب الطيب في الحياة إنما كان لئلا يدعو إلى نكاحها وقد أمن ذلك بموتها. الشيخ: الحديث قال (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه) وهذا يدل على أن من عادتهم أنهم يحنطون الأموات وقوله في ثوبيه يعني إزاره ورداءه الذين مات فيهما. السائل: الميت المحرم هل يجوز غسله بما فيه طيب؟ الشيخ: لا يغسل بما فيه الطيب لأنه محرم وهذا يدلنا على ضعف قول من يقول من العلماء إنه إذا مات في إحرامه يقضى عنه ما بقي ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقضاء ما بقي عن هذا الرجل حتى وإن كانت فريضة ولأنه لو قضي عنه لانتهى إحرامه ولم تحصل له هذه الميزة العظيمة وهي أنه يبعث يوم القيامة ملبياً فصار في قضائه حرمان لهذا الميت من أن يبعث يوم القيامة ملبياً لأن نائبه أنهى نسكه

فالصواب الذي لا شك فيه أنه لا يقضى عن الميت ما بقي من نسكه ولو كان النسك فرضا لأنه انقطع عمله بموته ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك ولأنه لو أكمل عنه لم يبعث يوم القيامة ملبياً. السائل: بالنسبة للموتى الذين تقطعت أجزاؤهم ثم جمعت جمعاً كيف يكفنون؟ الشيخ: يكفنون بكيس أو ما أشبه ذلك.

باب الصلاة على الميت

باب الصلاة على الميت القارئ: وهي فرض على الكفاية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلوا على من قال لا إله إلا الله) ويكفي واحد لأنها صلاة ليس من شرطها الجماعة فلم يشترط لها العدد كالظهر وتجوز في المسجد لأن عائشة رضي الله عنها قالت ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد رواه مسلم وصلي على أبي بكر وعمر في المسجد وتجوز في المقبرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر في المقبرة ويجوز فعلها فرادى لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلي عليه فرادى والسنة فعلها في جماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بأصحابه ويستحب أن يصف ثلاثة صفوف لما روى مالك بن هبيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب) وهذا حديث حسن وإن اجتمع نساء فصلين عليه جماعة أو فرادى فلا بأس لأن عائشة رضي الله عنها صلت على سعد ابن أبي وقاص.

الشيخ: الصلاة على الميت كما قال المؤلف رحمه الله فرض كفاية لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بها في حديث أصح مما قاله المؤلف حيث قال (صلوا على صاحبكم) فأمر بالصلاة عليه ولأن الله تعالى قال (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً) وهذا يدل على أن من عادتهم الصلاة على الأموات وليس من شرطها الجماعة فلو صلوا عليها فرادى صح والنبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه الصحابة فرادى لأنهم كرهوا أن يتخذوا إماماً بين يدي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فصاروا يأتون يصلون عليه أفراداً الرجال ثم النساء والصلاة على الميت في المسجد جائزة وليست هي الأفضل بل الأفضل أن يوضع للجنائز مصلى خاص يصلى عليهم فيه لكن نظراً لما اعتاده الناس اليوم حيث يصلون على الأموات في المساجد لأنه أكثر جمعاً وأوسع صار الناس يعتادون هذا ويصلون على الجنائز في المساجد والصلاة على الجنائز في المساجد من باب الجائز وليست من باب السنة أما الصلاة في المقبرة فكذلك هي جائزة أن يصلى على الميت في المقبرة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى على قبر المرأة التي كانت تقم المسجد وهذا يدل على جواز صلاة الجنازة في المقبرة وعلى هذا فيكون هذا مخصصاً لعموم النهي عن الصلاة في المقبرة ويكون المراد بالنهي عن الصلاة في المقبرة الصلاة التي ليست صلاة جنازة أما هذه فلا بأس بها.

والمؤلف ذكر حديث مالك بن هبيرة أنه كان يصفهم ثلاثة صفوف لكن قد يقال إن معنى الحديث التكثير يعني (ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين) المراد بذلك التكثير وفعل مالك بن هبيرة رضي الله عنه كقول بعض العلماء في خطى المسجد أنه ينبغي أن يقصر الخطى من أجل أن تكثر وفي هذا نظر لا في هذا ولا في هذا أما حديث مالك بن هبيرة فإنه يحمل على ما جاء في السنة من وجه آخر أن المراد بذلك تكثير المصلين ثم لو قلنا نجزِّئهم ونجعل الإمام وواحد وخلفهما اثنين وخلفهما اثنين خالفنا السنة في تكميل الصف الأول فالأول فالظاهر لي أن المراد بحديث مالك بن هبيرة التكثير كما يشهد له ما ذكرناه (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيء إلا شفعهم الله فيه) وأما تقارب الخطى فيمن جاء إلى المسجد فهو أيضاً خلاف ظاهر السنة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (لا يخطو خطوة) والمراد الخطوة المعتادة ولو كان تقصير الخطى مطلوباً لبينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فصل القارئ: وأولى الناس بالصلاة عليه من أوصي إليه بذلك لإجماع الصحابة على الوصية بها فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب وابن مسعود أوصى بذلك الزبير وأبو بكرة أوصى به أبا برزة وأم سلمة أوصت سعيد بن زيد وعائشة أوصت إلى أبي هريرة وأوصى أبو سريحة إلى زيد بن أرقم فجاء عمرو بن حريث وهو أمير الكوفة يتقدم فقال ابنه أيها الأمير إن أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم فقدم زيد ولأنها حق للميت فقدم وصيه بها كتفريق ثلثه ثم الأمير لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه) وقال أبو حازم شهدت حسيناً عليه السلام حين مات الحسن. الشيخ: ليست عندي عليه السلام فالظاهر أنها من الطابع.

القارئ: وقال أبو حازم شهدت حسيناً حين مات الحسن وهو يدفع في قفى سعيد بن العاص ويقول تقدم لولا السنة ما قدمتك وسعيد أمير المدينة ولأنها إمامة في صلاة فأشبهت سائر الصلوات. الشيخ: قول المؤلف رحمه الله ثم الأمير بناءً على ما كانوا يعهدونه في ذلك الوقت أن الإمام هو الأمير أما في عهدنا الآن فإمام المسجد أحق من الأمير وذلك لأن إمام المسجد هو ذو سلطان في مكانه فيكون هو أحق نعم لو فرض أنه جاء من فوق الإمام كوزير شؤون المساجد فوزير شؤون المساجد الظاهر أنه أحق من إمام مسجد لأن ولايته على المساجد عامة ولو جاء رئيس الدولة كان أولى أيضاً أما أمير البلدة فالظاهر أن سلطان المسجد هو إمام المسجد. القارئ: ثم الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم أقرب العصبة ثم الرجال من ذوي أرحامه ثم الأجانب وفي تقديم الزوج على العصبة روايتان أشهرهما تقديم العصبة لأن عمر قال لقرابة امرأته أنتم أحق بها ولأن النكاح يزول بالموت والقرابة باقية. الشيخ: سبق أن النكاح لا يزول بالموت نهائياً بل هناك علاقات كالإرث والعدة والمهر وما أشبه ذلك. القارئ: والثانية الزوج أحق بها لأن أبا بكرة صلى على امرأته دون أخوتها ولأنه أحق منهم بغسلها فإن استووا فأولاهم أولاهم بالإمامة في المكتوبات للخبر فيه والحر أولى من العبد القريب لعدم ولايته فإن استووا وتشاحوا أقرع بينهم. الشيخ: الحمد لله أن هذه الأمور التي يفرضها الفقهاء ما توجد الآن والآن يتولى الصلاة على الجنائز إمام المسجد ثم إذا قدمت في غير وقت الصلاة يختار الناس من يرون أنه أقرب إلى التقوى وقدموه ولا شك أن من كان أقرب إلى التقوى أحق لأن المقام يقتضيه إذ أن المقام مقام دعاء وكلما كان الإنسان أتقى لله كان أقرب إلى الإجابة. فصل

القارئ: ومن شرطها الطهارة والاستقبال والنية لأنها من الصلوات فأشبهت سائرهن والسنة أن يقوم الإمام حذاء رأس الرجل ووسط المرأة لما روي أن أنساً صلى على رجل فقام عند رأسه ثم صلى على امرأة فقام حيال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المرأة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه قال نعم وهذا حديث حسن. الشيخ: والحكمة والله أعلم أن الرأس مقدمة البدن فكان وقوفه عنده أولى من بقية البدن وأما وسط المرأة فلأن القيام عنده أستر لها وهذا بناءً على أن نعوش النساء لا يكون عليهن مكبة فإذا قام الإمام عند وَسَطها ستر وسطها عمن وراءه هذا والله أعلم الحكمة في ذلك وقوله (هكذا رأيت) الجملة هذه استفهامية حذف منها أداة الاستفهام والتقدير (أهكذا) ولهذا أمثلة كثيرة في القرآن وغير القرآن (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) التقدير (أهم ينشرون) ولهذا كان ينبغي أن يقف الإنسان عند قوله تعالى (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) لأنه لو وصل لظن الظان أن جملة ينشرون صفة لآلهة وليس كذلك. القارئ: ويجوز أن يصلي على جماعة دَفْعة واحدة ويقدم إلى الإمام أفضلهم ويسوى بين رؤوسهم فإن اجتمع رجال ونساء وصبيان وخناثى قدم الرجال وإن كانوا عبيداً ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء لما روى عمار مولى الحارث بن نوفل قال شهدت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه فصلى عليهما وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة فسألتهم فقالوا السنة رواه أبو داود ولأنهم هكذا يصفون في صلاتهم وقال الخرقي يقدم النساء على الصبيان لحاجتهن إلى الشفاعة ويسوى بين رؤوسهم لأن ابن عمر كان يسوي بين رؤوسهم وعن أحمد ما يدل على أنه يجعل صدر الرجل حذاء وسط المرأة واختاره أبو الخطاب ليقف كل واحد منهما موقفه.

الشيخ: وهذا هو الأقرب فالآن إذا اجتمع أصناف رجال ونساء وقدمناهم بين يدي الإمام فمن الذي يلي الإمام؟ الرجال ثم الصبيان ثم النساء وكيف نضعهم أمامه؟ المذهب أن رأس الرجل يكون بحذاء وسط المرأة ليكون موقف الإمام مطابقاً للسنة في كل جنازة على حدة والقول الثاني تكون رؤوسهم سواءً ويقف الإمام عند الرأس لأن هذا موقف الإمام من جنازة الرجل فكان أحق بالمراعاة من جنازة المراة والأول أقرب للصواب. السائل: هل لإمام المسجد أن يقدم أحد أقرباء الميت في الصلاة عليه؟ الشيخ: لا بأس لا سيما إذا كان القريب مشهوراً بالتقى والعبادة والعلم فهنا قد يحسن أنه يقدم. السائل: ذكرنا أنه يجوز الصلاة في المقبرة على القبر وبعض العلماء يقول إنه يقتصر فقط على الصلاة على القبر كما ورد وأما الصلاة على الجنازة التي لم تدفن بعد داخل المقبرة فيبقى على الأصل وهو النهي فيصلى عليها خارج المقبرة ثم تدخل المقبرة؟ الشيخ: الأول أصح أنه يصلى على الجنائز في المقبرة كما يصلى على القبور لأن الصلاة على القبور أعظم وإذا كان الشرع أجاز أن يصلي الإنسان إلى القبر وهو منهي عنه بعينه (لا تصلوا إلى القبور) ففي مكان القبور من باب أولى. السائل: هل نقول إن الأصل عدم الصلاة فلما استثنيت هذه الحالة بقي على الأصل؟ الشيخ: لا ما دام عندنا قياس صحيح جلي فنأخذ به ولهذا صلاة الجنازة ليست صلاة مطلقة بل يقال صلاة جنازة فهي مقيدة. مسألة: الأصل أن ما ثبت للرجال ثبت للنساء وأنه كما يكفن الرجل بثلاثة أثواب كذلك المرأة. فصل القارئ: وأركان صلاة الجنازة ستة، القيام لأنها صلاة مكتوبة فوجب القيام فيها كالظهر.

الشيخ: القيام في الصلاة معروف أنه ركن من أركانها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً) الحديث وهذه صلاة فتدخل في العموم المعنوي أو العموم اللفظي أما العموم اللفظي فظاهر وأما العموم المعنوي فالقياس والمؤلف رحمه الله جعلها من باب العموم المعنوي. القارئ: الثاني أربع تكبيرات لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعا متفق عليه. الشيخ: هذا الاستدلال غير كافي في الواقع لأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه حرف واحد أنه اقتصر على أقل من ثلاث بل حافظ عليها وربما زاد يدل هذا على وجوب الأربع ويستأنس لهذا بقوله (صلوا كما رأيتموني أصلي) أما مجرد أنه كبر على النجاشي أربعاً فهذا لا يدل على الوجوب لأنه فعل والفعل لا يدل على الوجوب على القول الراجح. القارئ: الثالث أن يقرأ في التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن وقال إنه من السنة أو من تمام السنة حديث صحيح رواه البخاري ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة كالظهر الرابع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية لما روى أبو أمامة بن سهل عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى يقرأ في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة ولا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سراً في نفسه رواه الشافعي في مسنده وليس في الصلاة عليه شيء مؤقت وإن صلى كما يصلي في التشهد فحسن.

الشيخ: ليس في الصلاة عليه يعني على من؟ على النبي صلى الله عليه وسلم شيء مؤقت أي معين بل لو قال اللهم صل على محمد أو صلى الله على محمد أو الصلاة والسلام على محمد كفى لكن لا شك أن ما جاءت به السنة أفضل فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل كيف نصلي عليك قال قولوا (اللهم صل على محمد) إلى آخره. القارئ: الخامس أن يدعو للميت في الثالثة لذلك ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) رواه أبو داود ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به وما دعا به أجزأه السادس التسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تحليلها التسليم). الشيخ: هذا الترتيب إذا صح فيه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو أمامه بن سهل عن رجل من أصحاب النبي فظاهر وإن لم يصح فهو أيضاً مناسب لأن المقصود بالصلاة على الميت هو الدعاء له والدعاء من سننه الثناء على الله عز وجل ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء فهنا الثناء على الله عز وجل بماذا؟ بقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التكبيرة الثانية والدعاء للميت في الثالثة لكن يبدأ بالدعاء العام لأنه أعم وأشمل والدعاء العام يدخل فيه الميت الذي بين يديه فأنت تقول (اللهم اغفر لحينا وميتنا) ومنهم هذا الميت ثم تدعو له بخصوصه فتقول له اللهم اغفر له وارحمه وهذا مناسب جداً وقد ذكرنا له نظيراً وهو التحيات في التشهد تبدأ بالثناء على الله ثم بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ثم بالسلام عليك ثم بالسلام على عباد الله الصالحين وبَدَأْت بالسلام عليك دون العموم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ابدأ بنفسك) ولأن الرسول علم الأمة هكذا قال (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين). السائل: حديث ابن عباس فيه زيادة وسورة معه كذلك يعني الفاتحة وسورة فهل يجوز قراءة سورة مع الفاتحة؟ الشيخ: يجوز أن يقرأ مع الفاتحة سورة قصيرة أحياناً. فصل

القارئ: وسننها سبع رفع اليدين مع كل تكبيرة لأن عمر كان يرفع يديه في تكبيرة الجنازة والعيد ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فسن فيها الرفع كتكبيرة الإحرام. الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه يرفع يديه في كل تكبيرة من تكبيرات الجنائز أولاً لأنه صح عن ابن عمر بل صح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما صححه الشيخ عبد العزيز بن باز في حاشيته على فتح الباري وثانياً لأنه لو لم يرفع يديه لكان الانتقال إلى ركن آخر بدون حركة خلاف الصلوات فكل الصلوات ليس فيها انتقال من ركن إلى ركن إلا بحركة إما ركوع أو سجود أو قيام أو قعود وهنا ينتقل من قراءة الفاتحة إلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا اقتصر على مجرد التكبير صار انتقال بلا حركة وهذا خلاف المعهود في الصلوات فالقياس والحديث كلاهما يدل على أن من السنة أن يرفع الإنسان يديه في كل تكبيرة في صلاة الجنازة. القارئ: والثاني الاستعاذة قبل القراءة لقول الله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).

الشيخ: بارك الله فيكم هذه مسألة مهمة إذا قرأت القرآن فاستعذ لكن إذا ذكرت القرآن على أنه شاهد فلا حاجة للاستعاذة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً يستشهد بالآيات ولا يستعيذ لأنه لم يقصد القراءة إنما قصد الاستشهاد أو الاستدلال والعجب أن بعض الناس يقول لقول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) ما قال الله هكذا هل قال الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) لا ولذلك هذه من الأخطاء التي ترد على بعض الناس الذين يريدون أن يستمسكوا بالسنة ونعم ما أرادوا لكن يجب أن تطبق السنة حيث جاءت السنة فنحن إذا شاهدنا حديث (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار) قالوا أفلا نتكل يا رسول الله قال (لا) اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) وليس بالحديث ثم استعاذ وقرأ وأمثلة كثيرة لهذا لكن لو فرض أنه من السنة وأنه ثابت أو قال أحد بعموم قوله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) يشمل ما قرأه استشهاداً وما قرأه تعبداً وتحفظاً قلنا لا تقل قال الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فإذا فرغت فانصب) قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى (فإذا فرغت فانصب) فاجعل الاستعاذة منك ثم قل قال الله عز وجل.

القارئ: الثالث الإسرار بالقراءة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بها الرابع أن يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا) حديث صحيح وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده). الشيخ: وهذا هو الصواب أما قول بعض الفقهاء اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على السنة أظن هذا لفظه فهذا ليس بصحيح والصحيح ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان وإنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم للحياة الإسلام وللموت الإيمان لأن الحساب إنما يكون على ما في القلب وآخر لحظة في الدنيا التي يموت عليها الإنسان هي التي يبعث عليها يوم القيامة نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإيمان أما الحياة فالحياة مع مجتمع فيكفي الإسلام ظاهراً حتى وإن كان الإنسان منافقاً لأن المقصود الإسلام ظاهراً يعني أن يستسلم الناس لله عز وجل ظاهراً وحسابهم على الله عز وجل ولهذا اختار النبي عليه الصلاة والسلام الفرق بين الحياة والموت ففي الحياة قال أحيه على الإسلام وفي الموت قال توفه على

الإيمان فإذا قال قائل النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحييته منا) وهذا ينافي قولنا الاستسلام ولو ظاهراً قلنا إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) فجعل المنافقين من أصحابه لأنهم أصحاب له ظاهراً فيكون منا فالمنافق منا ظاهراً وإن كان عدونا فإبليس مثلاً أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم وإبليس أبى وهذا يدل على أن الخطاب موجه إليه مع أن الله يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ) لكن إبليس كان معهم وليس منهم لأنه خلق من نار وهم خلقوا من نور فليس منهم أصلاً ولا عملاً ولذلك استكبر وهم سجدوا لكنه وجِّه الخطاب إليه معهم لأنه مندمج فيهم متشبِّه بهم. القارئ: وفي آخر (اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضتها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئناك شفعاء فاغفر له) رواه أبو داود وعن عوف بن مالك قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت رواه مسلم. الشيخ: الله أكبر هذا دعاء عظيم من النبي عليه الصلاة والسلام لأن قوله (أبدله داراً خيراً من داره) واضح داراً خيرا من داره لأن دار الدنيا دار شقاء وتعب وعناء وكدر ولا يكاد يمضي على الإنسان يوماً يسر فيه إلا والذي بعده يساء فيه كما قال الشاعر: فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر

لكن دار الآخرة ليس فيها ذلك إذا كان الإنسان من أهل الجنة جعلني الله وإياكم منهم فالدار خير من دار الدنيا (أهلاً خيراً من أهله) هذه قد يكون فيها إشكال من خيرٌ من أهله؟ الحور وعلى كل حال الحور مختلف هل هم خير أو بنو آدم خير؟ لكن الخيرية تكون ببدل العين وتكون ببدل الوصف وهنا إذا غير الله وصف أهلك من سوء معاملة إلى حسن معاملة فإنه يقال إن الله أبدلك بخير منهم أليس الله يقول (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) مع أن الأرض هي الأرض ما تبدلت لكن تغيرت وكذلك يقال (زوجاً خيراً من زوجه) لا يعني ذلك أن زوجه لا يكونون معه لا، فهم يكونون معه لكن يبدل الله تعالى أحوالهم بحال أخرى غير الحال التي كانوا عليها في الدنيا، وقوله (حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت) هل هذا من باب تمني الموت المنهي عنه؟ الجواب لا بل لا بد من تمني هذا الدعاء لأنه لا يدري ربما يصلي عليه من لا يدعو هذا الدعاء وربما لا يصلي عليه النبي عليه الصلاة والسلام. القارئ: وإن كان طفلاً جعل مكان الاستغفار له اللهم اجعله لوالديه ذخرا وفرطاً وسلفاً وأجرا اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم فإن لم يعلم شراً من العبد قال اللهم لا نعلم إلا خيرا.

الشيخ: هذا الدعاء للطفل جمعه بعض العلماء رحمهم الله من عدة أحاديث وأتوا به فقوله اللهم اجعله ذخراً لوالديه وفرطاً وسلفاً وأجرا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من مات له ثلاثة من الولد واثنان من الولد كانوا ستراً له من النار وأما قوله الحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم فهو أيضاً بناء على أن صبيان المؤمنين عند إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما جاء ذلك في بعض ألفاظ حديث المعراج وأما قوله (قه برحمتك عذاب الجحيم) فقد أشكل على أهل العلم وقالوا كيف يدعى له بأن يقيه الله عذاب الجحيم مع أنه لا يعذب إذ أنه قد رفع عنه القلم؟ فأجاب بعضهم بأن هذا يكون عند الورود ورود الناس على جهنم في الصراط فإن الإنسان قد يتعذب من ذلك المرور ومنهم الأطفال ولكنه جواب يهتز ليس ثابتاً ولو دعا لوالديه بالرحمة والثواب والأجر لكان كافياً. القارئ: الخامس أن يقف بعد الرابعة قليلاً وهل يسن فيها ذكر على روايتين. الشيخ: على روايتين عن أحمد رحمه الله فالمذهب أنه لا ذكر فيها يقف ثم يسلم والوقوف ليس طويلاً أيضاً وقوف بقدر ما يتراد إليه نفسه ثم يسلم وقيل بل فيها ذكر ثم ما هذا الذكر؟ قيل إنه يقول اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله وقيل إنه يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وكل هذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام لكنه استحسان من بعض العلماء المهم هل فيها ذكر أو لا؟ المذهب ليس فيها ذكر والرواية الثانية عن أحمد أن فيها ذكراً وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الروايتين متساويتان لأنه لم يقدم واحدة على الأخرى بل قال على روايتين فمن قال ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة فحسن لأن شيخ الإسلام رحمه الله قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يختم بهذا الدعاء دعاءه.

القارئ: السادس أن يضع يمينه على شماله لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فوضع يمينه على شماله السابع الالتفات على يمينه في التسليمة. فصل القارئ: ولا يسن الاستفتاح لأن مبناها على التخفيف ولا قراءة شيء بعد الفاتحة لذلك وعنه يسن الاستفتاح. الشيخ: ولو أنه ذكر المؤلف القول بأنه لا بأس أن يقرأ بعد الفاتحة شيئاً في بعض الأحيان لكان هذا جيداً لأنه ثبت فيقال إذا قرأ شيئاً بعد الفاتحة فحسن في بعض الأحيان ولا سيما إذا كان مأموماً وأطال الإمام القراءة فلابد أن يقرأ المأموم ولا يسكت فيقرأ ما يظن أنه يكمله قبل تكبيرة الإمام. القارئ: ولا يسن تسليمة ثانية لأن عطاء بن السائب قال إن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم على الجنازة تسليمة واحدة رواه الجوجزاني ولأنه إجماع قال أحمد التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم. الشيخ: الظاهر إنه إبراهيم النخعي لأنه من أفقه التابعين. القارئ: ولا تسن الزيادة على أربع تكبيرات لأنها المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجمع عمر الناس على أربع تكبيرات وقال هو أطول الصلاة فإن كبر خمساً جاز وتبعه المأموم لأن زيد بن أرقم كبر على جنازة خمسا وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها رواه مسلم وعنه لا يتابع فيها اختاره ابن عقيل لأنها زيادة غير مسنونة.

الشيخ: هذا غريب أن تثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم يقال غير مسنونة بل يسن أن يكبر خمساً أحياناً وإن كان أكثر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكبر أربعاً هذا هو الأكثر وهو الأغلب لكن لو كبر خمساً لحديث زيد بن أرقم أحياناً فلا بأس وهذا من نشر السنة ولكن يبقى أن يقال ماذا يقول ما بين الرابعة والخامسة؟ لا أعلم في هذا شيئاً لكن اجتهاداً مني إذا أردت أن أكبر خمساً جعلت الدعاء العام بعد التكبيرة الثالثة والدعاء الخاص بعد التكبيرة الرابعة وهذا نرجو الله أن نكون موفقين فيه إلى الصواب. القارئ: وإن كبر ستاً أو سبعا ففيه روايتان إحداهما يجوز ويتابعه المأموم فيها لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر سبعا وكبر عليٌ على أبي قتادة سبعا والثانية لا يجوز ولا يتبعه المأموم فيها لأن المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خلافها لكن لا يسلم قبله وينتظره حتى يسلم معه لأنها زيادة قول مختلف فيه فلم يجز له مفارقة إمامه إذا اشتغل به كالقنوت في الصبح وإن زاد على سبع لم يتابعه ولم يسلم قبله قال أحمد وينبغي أن يسبح به الشيخ: يعني إذا جاوز السبع لأنه لم يرد أكثر من السبع. السائل: الزيادة على أربع تكبيرات هل هي راجعة إلى اختيار الإمام أو إلى صلاح المصلى عليه؟ الشيخ: لا راجعة إلى اختيار الإمام وهي سنة فإذا رأى أن يبينها للناس بالفعل فعل لأن البيان بالفعل غالباً يكون أثبت. السائل: إذا كبر الإمام ثلاثاً وسلم فماذا ينبغي على المأموم؟ الشيخ: يجب عليه أن ينبهه. السائل: إذا لم ينبه؟ الشيخ: إذا لم ينتبه يكبر المأموم ويحصل به فرض الكفاية. السائل: ورد أنه كبر على النجاشي تسعاً فهل هذه الرواية لا تصح؟ الشيخ: هذه شاذة لأن التي في الصحيحين أنه كبر عليه أربعاً. فصل

القارئ: فإن كبر على جنازة فجئ بأخرى كبر الثانية عليهما ثم إن جئ بثالثة كبر الثالثة عليهن ثم إن جئ برابعة كبر الرابعة عليهن ثم يتمم بسبع تكبيرات ليحصل للرابعة أربع تكبيرات فإن جيء بأخرى لم يكبر عليها لئلا يفضي إلى زيادة التكبير على سبع أو نقصان الخامسة من أربع وكلاهما غير جائز. الشيخ: قدمت جنازة فكبر عليها التكبيرة الأولى ثم جيء بأخرى فالأخرى كم تحتاج؟ أربع تكبيرات وستكون للأولى خمس ثم جيء بثالثة فتحتاج إلى أربع فتكون تكبيرات الأولى ستاً والثانية خمساً ثم جيء بالرابعة فيكبر عليها أربعاً وتكون للأولى سبعاً وللثانية ستاً وللثالثة خمساً وللرابعة أربعاً فإذا جيء بخامسة الآن ما تدخل معها لأنه يلزم من ذلك إما الزيادة على السبع بالنسبة للأولى وإما النقص عن الأربع بالنسبة للأخيرة وحينئذٍ يقال لا تدخلونها مع الجنائز وهذه مسائل ربما تقع في زمن الأوبئة وكثرة الأموات أما مع الأمراض والموت المعتاد فالظاهر أن هذا لا يقع لأن الجنائز يؤتى بها جميعاً ويصلى عليها صلاة واحدة. القارئ: وإن أراد أهل الأولى رفعها قبل سلام الإمام لم يجز لأن السلام ركن لم يأتِ به ويقرأ في التكبيرة الرابعة الفاتحة وفي الخامسة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لهم في السادسة لتكمل الأركان لجميع الجنائز. الشيخ: نعم يدعو لهم في السادسة هذا إن لم يدعو للأول فإن دعا للأول فقد انتهى لكنه سوف يبدأ بالفاتحة وهي محل الصلاة على الرسول بالنسبة للأولى ثم إذا جاءت الثالثة قرأ الفاتحة لها وهي بالنسبة للثانية محل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وللأولى محل الدعاء للميت حتى يصل إلى الرابعة فيقرأ الفاتحة ثم يمضي في بقية الدعاء. السائل: يكرر قراءة الفاتحة؟ الشيخ: نعم سيكررها ضرورة. السائل: قوله (اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده) هل نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ما ورد من إخلاص الدعاء للميت.

الشيخ: لا، إخلاص الدعاء للميت معناه أنه يدعو له بإخلاص وحضور قلب ولهذا كان الرسول يقول (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا ... ) إلى آخره. السائل: هل الفاتحة والدعاء أركان بحيث تبطل صلاة من لم يقرأ الفاتحة ويدعو؟ الشيخ: أما الفاتحة فركن لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وهذا عام في الجنازة وغيرها. فصل القارئ: ومن سبق ببعض الصلاة فأدرك الإمام بين تكبيرتين دخل معه كما يدخل في سائر الصلوات وعنه أنه ينتظر تكبير الإمام فيكبر معه لأن كل تكبيرة كركعة فلا يشتغل بقضائها فإذا سلم الإمام قضى ما فاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وما فاتكم فاقضوا) قال الخرقي يقضيه متتابعا فإن سلم ولم يقضه فلا بأس لأن ابن عمر رضي الله عنه قال لا يقضي ولأنها تكبيرات متوالية حال القيام فلم يجب قضاء ما فات منها كتكبيرات العيد وقال القاضي وأبو الخطاب يقضيه على صفته إلا أن ترفع الجنازة فيقضيه متواليا لعدم من يدعى له فإن سلم ولم يقضه فحكى أبو الخطاب عنه رواية أنها لا تصح قياساً على سائر الصلوات. الشيخ: هذا الفصل فيما إذا سبق الإنسان في صلاة الجنازة فذكر فيه مسائل أولاً هل يدخل مع الإمام على أي حال وجده؟ ذكر فيه قولين والصواب أنه يدخل معه على أي حال وجده لعموم قول النبي صلى

الله عليه وسلم (فما أدركتم فصلوا) ولكن دخل معه الآن هل يقرأ الفاتحة لأن هذه أول تكبيرة بالنسبة للمسبوق أو يدعو بما يدعو به الإمام الآن؟ يحتمل وجهين الوجه الأول أن يبدأ بقراءة الفاتحة لأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ولأنه لو قرأ الفاتحة لا يظهر فيه مخالفة الإمام بخلاف ما لو دخل معه في أثناء الفريضة ثم قضى ما فاته فإنه يظهر فيه مخالفة الإمام تماماً ويحتمل أن يقال إنه يقرأ ما يدعو به الإمام لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما أدركتم فصلوا) ولأنه ربما لا يتمكن بعد تسليم الإمام من قضاء ما فاته فيفوت ما هو أعظم مقصود بالصلاة على الميت وهو الدعاء للميت. ثانياً إذا قضاه فإذا سلم الإمام فهل يقضي متتابعاً أو يقضي ويدعو أو يسلم هذه ثلاث احتمالات نقول إذا كانت الجنازة سوف تبقى حتى يتمكن من التكبير والدعاء فليقض على حسب ما فاته فإذا قال قائل كيف تبقى الجنازة نقول يمكن أن تبقى الجنازة فيما إذا كان العدد محصوراً وحضر خمسة وصار الذين يقضون عشرة فإنه يمكن أن تبقى الجنازة لا ترفع حتى يتم هؤلاء العشرة ما فاتهم أو يكون هناك زحام شديد فينتظرون في حملها حتى يخف الزحام المهم إذا كان يمكن أن يقضي ما فاته على صفته قبل أن ترفع الجنازة فإنه يَفْعل وإذا كان لا يمكن فعندنا الآن حالان الحال الأولى أن يتابع التكبير ويسلم والحال الثانية أن يسلم مع الإمام فنقول أما سلامه مع الإمام فقد ذكر المؤلف أنها تبطل الصلاة به لأنه سلم قبل إتمامها وأما متابعة التكبير فقد ذكر أنه يتابع ولكن الذي يظهر أن له الخيار إما أن يتابع التكبير وينتهي قبل أن ترفع وإما أن يسلم مع الإمام لأنه لما انتهت صلاة الإمام انتهى الفرض أي فرض؟ فرض الكفاية فالآن قُضِيت الفريضة فيبقى ما عداه تطوعاً والإنسان يجوز له أن يخرج من التطوع لكن لا شك أن المتابعة أحسن من كونه يصلي مع الإمام دون أن يقضي ما فاته. السائل: ما صفة متابعة التكبير؟

الشيخ: كيفية المتابعة الله أكبر الله أكبر الله أكبر متوالية ويسلم بدون دعاء هذا إذا كان يخشى أن ترفع الجنازة أما إن كان ستبقى يكمل ما فاته على صفته. السائل: إذا دخل مع الإمام والجنازة لم ترفع ثم سلم الإمام فماذا يفعل؟ الشيخ: إذا سلم الإمام يبدأ بقراءة الفاتحة ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. فصل في الاسراع بالدفن القارئ: وإذا صلي عليه بودر إلى دفنه ولم ينتظر حضور أحد إلا الولي فإنه ينتظر ما لم يخش عليه التغيير فإن حضر من لم يصل عليه صُلِّيَ عليه جماعة وفرادى قال أحمد رضي الله عنه ولا بأس بذلك قد فعله عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى مرة لم يستحب له. الشيخ: إذن لا وجه لمن أنكر إعادة الصلاة على الميت جماعة ما دام قد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم فهم خير قدوة فإذا فاتت الإنسان الصلاة على الميت صلى عليه وحده إن لم يكن معه أحد وإن كان معه أحد صلوا عليه جماعة ولكن هل يسن للمصلين أن يعيدوا الصلاة معهم؟ فيها قولان فمن العلماء من قال يكره ومنهم من قال يسن لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معه فإنها لكما نافلة) والعمل على الأول الآن أي أن من صلى عليها لا يعيدها مع الآخرين. القارئ: ولا بأس بذلك قد فعله عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى مرة لم يستحب له إعادتها لأنها نافلة وصلاة الجنازة لا يتنفل بها. الشيخ: هذا غير مسلم أي قوله صلاة الجنازة لا يتنفل بها لأننا نقول إن في كلام المؤلف شيء من التناقض أليس قال إنه لا بأس بإعادة الجماعة عليها والثانية نافلة ففي كلامه نظر. القارئ: ومن فاتته الصلاة عليه حتى دفن صلى على قبره لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه متفق عليه.

الشيخ: لكن هل هذا سنة في كل ميت أو إذا كان هناك خصيصة من قرابة أو نفع من الميت أو ما أشبه ذلك؟ الظاهر الثاني لأننا لا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على كل من مات ولم يحضر جنازته إلا المرأة التي كانت تقم المسجد وكذلك لو كان إنسان له قريب مات ولم يحضر جنازته فصلى على قبره فلا بأس أما أن يقال يصلى على كل من مات بحيث تخرج كل يوم للمقابر تصلي على من دفن وأنت لم تحضر الصلاة عليه فهذا فيه نظر. السائل: ما معنى منبوذ؟ الشيخ: المنبوذ معناه كأنه وحده ليس مقرباً إلى القبور. مسألة: من شرط صلاة الجنازة حضور الجنازة بين يدي المصلي. القارئ: ولا يصلى على القبر بعد شهر إلا بقليل لأن أكثر ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعدما دفنت بشهر رواه الترمذى ولأنه لا يعلم بقاؤه أكثر من شهر فتقيد به.

الشيخ: هذه المسألة يقول المؤلف رحمه الله أنه لا يصلى على القبر بعد أن يمضي على دفنه شهر واستدل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعد بن عبادة بعدما دفنت بشهر لكن لا دليل في هذا على التقييد لأن ما وقع اتفاقاً أي مصادفة ليس تحديداً وهذه قاعدة معروفة أن ما وقع اتفاقاً فلا أسوة فيه مطلقاً وعلى هذا فنقول يصلي ولو بعد الشهر ولكن إلى متى؟ أقرب ما يقال إنه إذا كان هذا الرجل قد مات وأنت ممن تصح صلاته على الميت فصل عليه وأما إذا مات قبل أن تولد أو قبل أن تميز فلا تصل عليه لأنك غير مخاطب بالصلاة عليه في هذه الحال أصلاً فهذا أقرب ما يحدد به الصلاة على القبر أو على الميت فإن فاتت المدة وصار الإنسان يحب أن يدعو للميت نقول له ادع الله له ما في مانع زر قبره وادع الله له عند قبره فإن هذا لا بأس به فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه بعد سنوات عديدة لكن كلامنا على الصلاة ولهذا لا يسن لنا الآن أن نذهب إلى البقيع ونصلي على أمير المؤمين عثمان ولا أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر صلاة الجنازة لأنهم ماتوا قبلنا بأزمان كثيرة. فصل في الصلاة على الغائب القارئ: وتجوز الصلاة على الغائب وعنه لا تجوز لأن حضوره شرط بدليل ما لو كانا في بلد واحد والأول المذهب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي اليوم الذي مات فيه فصف بهم في المصلى وكبر بهم أربعا متفق عليه فإن كان الميت في أحد جانبي البلد لم يصل عليه من في الجانب الآخر لأنه يمكن حضوره فأشبه ما لو كانا في جانب واحد وقال ابن حامد يجوز قياساً على البعيد وتتوقت الصلاة على الغائب بشهر لأنه لا يعلم بقاؤه أكثر منه أشبه من في القبر.

الشيخ: هذه المسألة الصلاة على الغائب فيها خلاف فمن العلماء من يقول إنه تسن الصلاة على الغائب وعبر المؤلف هنا بتجوز دفعاً للمنع لا نفياً للاستحباب فمن العلماء من يقول يصلي على كل غائب حتى إن بعض العلماء من المبالغة في هذا القول إذا أراد أن ينام صلى صلاة الجنازة على كل من مات في هذا اليوم من المسلمين وهذه بدعة لا إشكال فيها فإنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن العلماء من

قال لا يصلى على غائب اكتفاءً بصلاة الحاضر ومن العلماء من فصل وقال إنه إذا كان الغائب الذي مات له غناء في المسلمين إما علم أو مال أو دفاع أو ما أشبه ذلك من المصالح العامة فإنه يصلى عليه وإلا فلا والحجة كلها بصلاة النبي عليه الصلاة والسلام على النجاشي لأننا نعلم علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على كل أحد مات غائباً أبداً ولا الصحابة لكن صلى على النجاشي وهذا هو الذي حفظ عنه ولم يحفظ عنه أنه صلى على غيره فلماذا صلى عليه؟ قيل إنه صلى عليه لما فيه من تلقي المهاجرين من المسلمين ونصرهم وهو مؤمن ما في شك وقيل إنه صلى عليه لأنه لم يوجد من يصلي عليه في بلده فصلى عليه صلاة الغائب فعندنا الآن الصلاة على كل ميت بدعة هذه واحدة الصلاة على من فيه مصلحة ومنفعة للمسلمين هذه وقعت من الرسول عليه الصلاة والسلام لكن ما العلة؟ إن قلنا إن العلة أن النجاشي كان فيه غناء ونفع للمسلمين الذين هاجروا إليه قلنا من لم يكن كذلك فلا يصلى عليه وإن قلنا العلة أنه لم يصل عليه لأنه في بلد نصرانية قلنا من صلي عليه في بلده ولو كان من أنفع عباد الله لعباد الله لم يصل عليه وهذا هو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيميه ووجه رجحانه أنه قد مات من المسلمين من فيه غناء عظيم للمسلمين من قتال وغيره ولم يحفظ أنه صُلِّي على أحد منهم فبطلت هذه العلة وثبتت العلة الأولى وهي أن النجاشي رحمه الله لم يصل عليه وعلى هذا فلو أن إنسان قتل في معركة ولم يعلم أين هو _ دفن مع هؤلاء الذين قتلوا ولم يعلم أين مصيره _ فإننا نصلي عليه وبناءً على ذلك ما قيل من أن سبعمائة نفر قتلوا في حرب البسناويين مع الصرب فهؤلاء لا نعلم هل صلي عليهم أم لا؟ فلابد أن نصلي عليهم لأننا لا نعلم هل صلي عليهم أم لا وليس قتلهم في المعركة حتى نقول إنهم شهداء ولكنه بعد المعركة والاستيلاء على البلد فهؤلاء يصلى عليهم وجوباً ويسقط الفرض بصلاة واحد من

المسلمين عليهم كذلك من فقد وأيُس من حياته ولم ندر عنه فهذا يصلى عليه صلاة الغائب لماذا؟ لأنه لم يصل عليه أما من كان قد صلي عليه وعلمت الصلاة عليه فهذا لا يصلى عليه وهذا التفصيل هو الصحيح في هذه المسالة ولكن إلى متى نصلي عليه نقول ما دامت الفريضة لم تؤدى فنصلي عليه متى علمنا ذلك ولو بعد مائة سنة فهذا ليس كالصلاة على القبر كما سبق هذا لا تقييد له ما دام هذا الرجل لم يصل عليه فلابد أن يصلى عليه ولو طالت المدة. القارئ: فإن كان الميت في أحد جانبي البلد لم يصل عليه من في الجانب الآخر لأنه يمكن حضوره فأشبه ما لو كانا في جانب واحد وقال ابن حامد يجوز قياساً على البعيد. الشيخ: الصواب أنه لا يجوز إذا كان في بلد واحد فإنه إما أن يمشي إلى المكان الذي فيه الميت وإما أن يدع الصلاة. القارئ: وتتوقت الصلاة على الغائب بشهر لأنه لا يعلم بقاؤه أكثر منه أشبه من في القبر. الشيخ: سبق لنا الكلام على هذا أيضاً وبينا أن الصحيح أنه غير مؤقت ثم قوله إنه لا يعلم بقاؤه أكثر من شهر يقال إذا كان لا يعلم فما هو الأصل؟ الأصل البقاء إذا كان لا يعلم. فصل القارئ: ويصلى على كل مسلم لما تقدم إلا شهيد المعركة.

الشيخ: قول المؤلف رحمه الله يصلى على كل مسلم لابد نعرف متى يصلى عليه نقول يصلى عليه منذ خلق وخرج من بطن أمه حياً ولا يمكن أن يخرج من بطن أمه حياً إلا إذا تم له أربعة شهور وعلى هذا فالسقط إذا بلغ أربعة أشهر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين وإن سقط قبل أربعة أشهر فإنه يدفن في أي مكان من الأرض ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه لأنه لم يكن بشراً الآن وقوله على كل مسلم خرج به من ليس بمسلم سواء كان كافراً أصلياً أو كافراً مرتداً ببدعة أو ترك عمل يُكَفِّر كالصلاة وما أشبه ذلك وقوله إلا شهيد المعركة لم يستثن رحمه الله سوى شهيد المعركة وقوله صحيح لا يستثنى من أموات المسلمين في عدم الصلاة إلا شهيد المعركة الذي قتل في المعركة وذلك لسببين: السبب الأول أن شهيد المعركة قد غفر له يغفر له كل شيء إلا الدين والصلاة يقصد بها الشفاعة لمن؟ للميت وشهيد المعركة لا يحتاج إلى شفاعة لأنه مغفور له كل شيء إلا الدين ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يفتح الله عليه يسأل عمن عليه دين لم يخلف وفاؤه فلا يصلي عليه. السبب الثاني في شهيد المعركة أن شهيد المعركة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصل على شهداء أحد حتى إنهم نقل بعضهم إلى المدينة فأمر بردهم إلى مصارعهم حتى يبعث يوم القيامة من مصرعه بثيابه التي قتل فيها فعندنا الآن دليل أثري ودليل نظري مبني على الأثر أيضاُ وغير ذلك من الشهداء الذين ثبتت بهم السنة يغسل ويكفن ويصلى عليه كغيره من الناس حتى المقتول ظلماً يغسل ويكفن ويصلى عليه وأما من قال من العلماء أن المقتول ظلماً لا يصلى عليه فقوله ضعيف. القارئ: وإن لم يوجد إلا بعض الميت غسل وصلي عليه وعنه لا يصلى عليه كما لا يصلى على يد الحي إذا قطعت والمذهب الأول لأن عمر رضي الله عنه صلى على عظام بالشام وصلى أبو عبيدة على رؤوس.

الشيخ: إذا وجد بعض ميت فإن كان قد صلي على جملته لم يصل على هذا البعض لماذا؟ لأنه قد صلي عليه وهذا البعض ليس ذا نفس مستقلة وإن كان لم يصل على جملته مثل رجل فُقِدَ في الحرب ولم يوجد إلا يده أو رجله أو رأسه فإننا نصلي عليه أما إذا قطع بعض الحي فإننا لا نصلي عليه لأن الجسد باقي حياً فهذا هو التفصيل في المسألة إذا وجد بعض حي؟ فالجواب لا يصلى عليه وإذا وجد بعض ميت؟ نظرنا إن كان قد صلي على جملته لم نصل عليه وإلا صلينا عليه. القارئ: ولا يصلي الإمام على الغال ولا على قاتل نفسه لما روى جابر بن سمرة قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه رواه مسلم وعن زيد بن خالد قال توفي رجل من جهينة يوم خيبر فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (صلوا على صاحبكم إن صاحبكم غل من الغنيمة) احتج به أحمد ويصلي عليهما سائر الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا على صاحبكم) قال الخلال الإمام ها هنا أمير المؤمين وحده وعن أحمد رضي الله عنه أن إمام كل قرية واليهم وأنكر هذا الخلال وخطَّأَ ناقله.

الشيخ: هذان صنفان من الناس الغال وقاتل النفس وينبغي أن نضيف إليهما المدين هؤلاء الثلاثة لا يصلي عليهم الإمام الذي هو أمير المؤمنين لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهما عقوبة لهما ونكالاً لغيرهما لئلا يتجرأ أحدً على الغلول أو على قتل نفسه أما غيره من الناس أي غير الإمام فإنه يصلي عليهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا على صاحبكم) أما المدين وهو الثالث فينبغي للإمام إذا قدم إليه شخص مدين أن يسأل هل خلف وفاءً إن قالوا نعم صلى عليه أو ضمنه أحد صلى عليه وإلا ترك الصلاة عليه ولو أن الناس فعلوا هذا لارتدع كثير من الناس عن الاستدانة إلا للضرورة وهذا من حكمة الشرع أن لا نصلي على المدين إذا لم يكن له وفاء لكن لا يصلي أمير المؤمنين فهل غيره مثله؟ الذي نرى أن من له كلمة في البلد من أمير أو قاض أو عالم أو غيرهم إذا ترك الصلاة فقد أصاب السنة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم بقي أن يقال المقتول حداً كالمرجوم مثلاً وقطاع الطريق وما أشبهه من المسلمين هل يصلى عليهم؟ الجواب نعم يصلى عليهم حتى الإمام يصلي عليه اللهم إلا أن يرى في ترك الصلاة عليه مصلحة مثل أن يدع الصلاة على قاطع الطريق فهذا حق. السائل: أحسن الله إليكم الجنين هل هو حي في جميع أطواره؟ الشيخ: لا ليس حياً قال النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن ذكر مائة وعشرين يوماً قال (ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح) فالحياة التي أنت تريد يعني أنه نامي صحيح هو ينمو لا شك لكن نموه كنمو الشعر. فصل القارئ: ولا تجوز الصلاة على كافر لقول الله تعالى (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) وقوله سبحانه (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) ومن حكمنا بكفره من أهل البدع لم يصل عليه قال أحمد لا أشهد الجهمي ولا الرافضي ويشهدهما من أحب.

الشيخ: الآيتان (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) هذه في المنافقين فمن علم نفاقه فإنه لا يجوز للمسلمين أن يصلوا عليه ولا أن يدفنوه مع المسلمين ولا أن يقوموا على قبره بالاستغفار له بعد الدفن إذا علمنا نفاقه أياً كان حتى لو كان أباك أو أمك كذلك أيضاً قال الله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) ما كان بمعنى أنه ممتنع شرعاً غاية الامتناع كما قال تعالى (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) فإذا جاء الكون المنفي فمعناه أنه مستحيل شرعاً أو قدراً أو هما (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) يعني أن يطلبوا من الله المغفرة فمن طلب من الله المغفرة لمشرك فإنه معتد في الدعاء لأنه طلب مالا يمكن شرعاً وهذا من الاعتداء في الدعاء والله تعالى يقول (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وقوله (وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) حتى لو كان أباك أو أمك أو ابنك أو ابنتك لا تستغفر لهم وهذا ليس عقوقاً هذا طاعة لله عز وجل لقد استأذن النبي صلى الله عليه وسلم ربه جلا وعلا أن يستغفر لأمه فلم يأذن له وأقرب الناس إلى الله من؟ الرسول عليه الصلاة والسلام وأحق الناس بالشفقة وحسن الصحبة من؟ الأم ومع وجود هذا السبب المقتضي التام لم يأذن له الله تعالى أن يستغفر لها مع أنها أمه ولا نعلم أن شفاعة الرسول نفعت أباه ولا أمه بينما نفعت عمه سبحان الله لماذا؟ لأن عمه حصل منه من الدفاع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يحصل من أبيه وأمه فلذلك شفع في عمه لكن لم تقبل على سبيل الإطلاق وإنما خفف عنه مع أنه يرى نفسه أشد الناس عذاباً فكأنه لم يخفف عنه فالذي خفف عنه وهو يرى أنه أشد الناس عذاب ما كأنه خفف

وكان في ضحضاح من نار يغلي منهما دماغه عليه نعلان يغلي منهما دماغه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم من الله جلا وعلا أن يزور قبر أمه فأذن له سبحان الله لكن يقف على قبرها ولا يقول اللهم اغفر لها لماذا؟ لأنها كافرة ورضى الله قبل كل شيء لا يمكن أن يستغفر لها لكن وقف على قبرها اعتباراً فبكى عليه الصلاة والسلام وأبكى من حوله لأنها أمه لكن رضا الرب عز وجل فوق كل شيء ما استغفر لها إطلاقاً صلوات الله وسلامه عليه والذين آمنوا كذلك لا يمكن أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى فلو مات ابن لشخص هو أعز الأبناء عنده في خدمته وطوعه لكنه لا يصلي فإنه لا يجوز له أن يستغفر له ولا أن يصلي عليه لماذا؟ لأنه كافر وطاعة الله ورسوله أحب إلينا من طاعة أنفسنا وأهوائنا هذا هو المؤمن حقاً

فلذلك قال تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وإبراهيم لما استغفر لأبيه كما في قوله تعالى (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) أجاب الله عنه في نفس الآية (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ) والأنبياء أحق الناس بالوفاء بالوعد فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) اللهم اجعل رضاك مقدم على رضاءنا يا رب العالمين هكذا المؤمن أما قول المؤلف ومن حكمنا بكفره من أهل البدع لم يصل عليه هذه عبارة عامة كل بدعي حكمنا عليه بالكفر فلا نصلي عليه لكن يبقى النظر ما هي البدعة المكفرة وغير المكفرة؟ ثم هل تنطبق على هذا أي التكفير لأنه عالم معاند أو لا تنطبق لأنه جاهل متبع؟ المسألة تحتاج إلى تحرير وتبيين وبيان ما البدعة المكفرة؟ وهل هذا كافر بها أو لا؟ لكن الإمام أحمد رحمه الله لورعه انظر كيف كان كلامه قال أحمد لا أشهد الجهميه ولا الرافضيه ويشهدهما من أحب يعني لأنه يقول ولا أمنع الناس فهو لورعه لا يشهد الجهمي ولا يشهد الرافضي لأنه يرى أنهما كافران ولكن من سواه لا يمنعهم يقول يشهدهما من أحب وهذا من ورعه لأن بعض الناس الذين هم دون الإمام أحمد بمراحل بل الإمام أحمد بالثريا وهم بالثرى لا يرضون أن أحداً يخالف أهواءهم أليس كذلك يوجد الآن أناس ما بلغوا من العلم ولا ربع ربع ربع ما عند الإمام أحمد ومع ذلك لا يرضون أن أحداً يخالفهم بل من خالفهم فهو مبتدع ضال يحذر الناس عنه الله المستعان إن هذا الذي يقول هكذا أو يعتقد هكذا هو المتبدع الضال إلا بشرط إذا التزم به فإننا نعذره ونقول امش على ما أردت والشرط أن يقول إنه رسول الله فالواجب

الطاعة والاتباع إذا قال هكذا فعلى كل حال هذا ما له إلا السيف لأنه كذب الله ورسوله وإجماع المسلمين لكن لا يمكن أن يقول إنه رسول الله نقول إذا تنزلت عن الرسالة فهل أنت معصوم؟ وهل أنت أوسع الناس علماً؟ وهل أنت أدق الناس فهماً؟ وهل أنت أتقى الناس؟ ما يمكن أن يدعي هذا لنفسه إذن أنت والناس سواء أنت مجتهد إما أن تصيب أو تخطئ ثم إني أقول وأكرر يا إخوان إذا أحد اعترض على رأي رأيته أنت فهذا لا يضرك شيئاً لأنه إن كان الصواب معك فقد باء بإثم الخطأ حيث أضل الناس بالمعارضة عن الحق ويبوء بإثمه (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ) وإن كان الخطأ منك فاحمد الله أن الله يسر للأمة الإسلامية من يمنع الخطأ عنها أما كون الإنسان إذا عارضه أحد قال أبداً هذا مخطئ هذا ضال هذا مبتدع هذا فيه كذا هذا غلط فالإنسان الذي يريد الحق حقاً لا يهتم فيمن رد عليه أو فيمن عارضه ويقول الحمد لله إن كان الحق معي فقد باء بالإثم وإن كان الحق معه فقد سَلِمْتُ أنا وبدل ما يتبعني مائة ألف مثلاً إذا أحد رد علي يتبعني كم؟ خمسين ألف أو أقل فأنا الآن بدل ما أبوء بإثم مائة ألف أسلم من خمسين ألفاً لكن أين العقل الذي يتمكن الإنسان به من الحكم هذا وبعض الناس إذا رد عليه أحد أعوذ بالله انتفخ قال يا لله هات الحبر والقلم هات الأوراق ثم قام يكثر من الرد على الثاني ثم ذاك أيضاً يرد عليه ثم هكذا نحن المسلمين فيما بيننا يرد بعضنا على بعض وليت الأمر يقتصر على رد ومردود لكل واحد منهم حزب أو أحزاب يتهارشون ويتهاوشون ربما هذا المتبوع لا يرضى أن هؤلاء الأتباع

يفعلون ما فعلوا لكن نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الشيطان الرجيم يعني ما وجد الإنسان لعب بهذه الامة إلا بالتحريش كما جاء في الحديث الصحيح (أن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم) هذا التحريش بدل ما يعبدون الأصنام ويتفرقون فيها صاروا يتفرقون في التحريش وهذه مشكلة ولذلك وقع في شَرَكِها من وقع من الناس اليوم بدأ كل واحد ينبري إلى قول أو إلى اتجاه معين أو منهج معين ثم يتبعه عليه آخرون ويكون القتال بين من؟ بين الأتباع ربما يتصالح الرؤوس ولكن الكرعان وما أشبه ذلك ما تتصالح وهذا من الخطأ. أولاً لا يجوز أن نعلق طريقنا ومنهجنا بشخص معين إلا من كان معه الحق نتبعه لكن نتروى وننتظر هل هذا المنهج الذي وثقنا بصاحبه هل هو سليم أو غير سليم؟ هل هو على منهج السلف أو غير منهج السلف؟ إذا كان غير سليم فالواجب على المؤمن أن يتبع السليم وإذا كان على غير طريق السلف فالواجب على المؤمن أيضاً أن يتبع طريق السلف هم خير الأمة وهم القدوة لكن هكذا أراد الله عز وجل والمهم أن كلام الإمام أحمد رحمه الله يدل على أنه ناصح أمين لا يصلي على الجهمي والرافضي لكن يقول يصلي عليهما ويشهدهما من أحب ما يحجر الناس على رأيه. السائل: العلمانيون يظهرون الإسلام في شيء من القول وفي بعض الكتابات وربما شهود أيضاً بعض الصلوات لكن المشهور عنهم والمستفيض والمتواتر كراهيتهم للإسلام والتنفير منه ومحاربته بما يستطيعون فهل يصلى على مثل هؤلاء؟

باب حمل الجنازة والدفن

الشيخ: من علم نفاقه لا يصلى عليه ولو صلى معنا لأن المنافقين يشهدون الصلاة مع الرسول عليه الصلاة والسلام لكن متى نعلم؟ المشكلة الآن أننا تكلمنا مع بعضهم أو من يقال إنه من رؤسائهم وقال أبداً أنا إنما سلكت هذا الطريق لأن هناك علمانية متطرفة إلحادية كفرية وأنه سلك هذا المسلك لينتشل الشباب من هذه العَلمانية ترى بالفتح العلمانية الكافرة الملحدة فكأنه يريد أن يسلك سبيلاً بين سبيلين لكن هل هذا المنهج صحيح؟ نعم إن كان ينتشله من هذه العلمانية الملحدة الكافرة ثم يقربهم إلى الإسلام ويبني كلامه على أدب إسلامي صحيح بعد الأدب الجاهلي فهذا ربما نقول أراد خيراً وإذا كان يشهد الجماعة ويتصدق ويحسن بجاهه فقد نظن به خيراً لكن رجل لا يعرف منه هذا الشيء ويقول أبداً طريقنا هي الصحيح ونحن نعرف أنه يريد أن ينكر الأديان لكن يتوسل بقول الأدب والأدباء وما أشبه ذلك إلى نبذ الدين فهذا شيء ثاني. السائل: لكن الاستفاضة إذا تعذر العلم أليست بكافية؟ الشيخ: يا أخي نحن قيل لنا الصوفية وما الصوفية والصوفية فيهم وفيهم لكننا رأينا بعض الصوفية ما بيننا وبينهم إلا خلاف يسير. باب حمل الجنازة والدفن القارئ: وهما فرض على الكفاية لأن في تركها هتكاً لحرمتها وأذى للناس بها وأولى الناس بذلك أولاهم بغسله وأولى الناس بإدخال المرأة قبرها محارمها الأقرب فالأقرب وفي تفضيل الزوج عليهم وجهان بناءً على ما مر في الصلاة فإن لم يكن فالمشايخ من أهل الدين وعنه النساء بعد المحارم اختاره الخرقي والأول أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة فنزل في قبر ابنته دون النساء رواه البخاري ورأى النبي صلى الله عليه وسلم نساءً في جنازة فقال (أتدلين فيمن يدلي) قلن لا قال (فارجعن مأزورات غير مأجورات) أخرجه ابن ماجة ولأن الدفن يحتاج إلى قوة وضبط ويحضره الرجال فتولي المرأة له تعريض لها للهتك.

الشيخ: كل هذه التعليلات عليلة لأن أصل المسألة عليلة الأصل أن النساء لا يخرجن إلى المقابر وأنهن ينهين عن ذلك ولهذا جاء في الحديث الأخير أن الرسول قال (ارجعن مأزورات غير مأجورات) فأمرهن بالرجوع وأخبرهن بالإزر وأما قوله (أتدلين فيمن يدله) فمراده تحديهن يعني هل خرجتن لأجل أن تدلين كما يدلي الرجال؟ فقلن لا قال إذن ارجعن فأصل تبعية المرأة للرجال في هذا غير واردة إطلاقاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تتبع النساء الجنائز فالحاصل أن قول الخرقي هذا ضعيف والتعليلات التي ساقها المؤلف لا حاجة لها ولا داعي لها ولا يمكن أن تخرج النساء مع الرجال في الجنائز. القارئ: والتربيع في حمل الجنازة مسنون لما روي عن ابن مسعود أنه قال إذا اتبع أحدكم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربع ثم ليتطوع بعد أو ليذر فإنه من السنة رواه سعيد بن منصور وصفته أن يبدأ فيضع قائمة السرير اليسرى على كتفه اليمنى من عند رأس الميت ثم من عند رجليه ثم يضع قائمة السرير اليمنى على كتفه اليسرى من عند رأسه ثم من عند رجليه. الشيخ: السرير الذي عليه الميت له أربع قوائم يبدأ الإنسان بالقائمة المقدمة اليسرى تكون على يمين الحامل والميت أيضاً فيبدأ بالقائمة المقدمة اليمنى ثم يتأخر ليأخذ بالقائمة المؤخرة نفس المكان ثم يعود إلى رأس الميت فيأخذ بقائمة السرير اليسرى التي هي على يسار الميت وكذلك عن يسار الحامل ثم يرجع. القارئ: وعنه أنه يدور فيأخذ بعد يسار المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة. الشيخ: وهذا أيسر في الغالب لا سيما مع الزحام لأنه إذا قلنا بالأول صار لابد أن يذهب من عند رأسه وهذا قد يكون شاقاً أما الصفة الثانية فهو بعد أن يأخذ بالمؤخرة اليمنى يأخذ بالمؤخرة اليسرى ثم بالمقدمة اليسرى. القارئ: فإن حمل بين العمودين فحسن روي عن سعد بن مالك وأبي هريرة وابن عمر وابن الزبير أنهم حملوا بين عمودي السرير.

الشيخ: السرير له قوائم أربع يحمل من بين القائمتين يكون بينهما ويحملها لكن هذا يحتاج إلى رجل قوي لأنه سيكون شاقاً عليه إلا أن يساعده أحد ويفعل مثل فعله فيمكن أن يكون سهلاً وأيضاً إذا كان السرير واسعاً يمكن أن يحمله اثنان كل واحد منهما طرفاً من السرير وهم في الوسط لكن هذا فيما إذا كان السرير واسعاً أما إذا كان ضيقاً فلا يمكن إلا واحد فقط وكل هذه ليست لازمة فإذا كان هناك زحام فاحمل كيفما تيسر. القارئ: والسنة الإسراع في المشي بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) متفق عليه ولا يفرط في الإسراع فيخضها ويؤذي متبعها. السائل: بارك الله فيك ما حكم حمل الميت على عربة تجرها الخيول؟ الشيخ: هذا فخر وخيلاء ولهذا لا يركب العربة على الخيول إلا الملوك والأمراء لكن الآن أصبح الحمد لله السيارات موجودة. السائل: يسمى بالجنازة العسكرية؟ الشيخ: هذا كما قلت لك الظاهر أن هذا من الفخر والخيلاء أن يحمل على عربة تجرها الخيول أو البغال. فصل القارئ: واتباع الجنازة سنة وهو على ثلاثة أضرب أحدها أن يصلي وينصرف والثاني أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من شهد جَنازة حتى يُصلَّى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان) قيل وما القيراطان قال (مثل الجبلين العظيمين) متفق عليه الثالث أن يقف بعد الدفن يستغفر له ويسأل الله له التثبيت كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دفن ميتاً وقف وقال (استغفروا له وأسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل).

الشيخ: رواه أبو داود وليت المؤلف أتى بلفظ الحديث لأن الحديث (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) وهذا فيه استعطاف للحاضرين (استغفروا لأخيكم) وهذا الاستعطاف يوجب أن يستغفروا له وقوله (فإنه الآن يسأل) أي يسأله الملكان وعلم من ذلك أن الإنسان قبل الدفن لا يُسأل وعلى هذا فالأموات الذين يجعلون في الثلاجات ينتظر بهم ما يحتاجون إلى الانتظار هؤلاء لا يحاسبون ولا تأتيهم الملائكة ولا يحصل لهم من النعيم ما يحصل لأهل القبور إذا كانوا من السعداء لكنهم قد حصل لهم البشارة عند الموت أما الآن فلا لأنهم لم يصلوا إلى مقرهم ومدفنهم وبناءً على ذلك لو مات الإنسان في البحر في السفينة ولم يمكن إبقاؤه إلى الشاطئ فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في البحر في الماء يجعل شيء يثقله كحجر ونحوه ثم يلقى في البحر وإلقاؤه في البحر يعتبر كالدفن يُسأَل له التثبيت ويستغفر له وهذه المسألة يلغز بها فيقال هل ينوب الماء عن التراب؟ نعم في هذه المسألة. القارئ: والمشي أمامها أفضل لما روى ابن عمر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما يمشون أمام الجنازة رواه أبو داود ولأنهم شفعاء لها والشافع يتقدم المشفوع وحيث مشى قريباً منها فحسن وإن كان راكباً فالسنة أن يكون خلفها لما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها) حديث صحيح ويكره الركوب لمشيعها إلا للحاجة لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما ركب في جنازة ولا عيد ولا بأس بالركوب في الانصراف لما روى جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرس حديث حسن رواه الترمذي ورواه مسلم. الشيخ: رواه الترمذي ورواه مسلم ما هو بموجود عندنا وعادة العلماء أن يقدموا الصحيحين على غيرهما. السائل: في حمل الجنازة هل نقدم السيارة لأنها أسرع أو نقول المشي.

الشيخ: حمل الجنازة على السيارة خطأ إلا لحاجة كقلة المشيعين أو برد شديد أو حر شديد أو مطر وإلا فحملها على الأكتاف هذا هو السنة لينتفع المشيعون وليكون ذلك عبرة لمن مروا به ولئلا يتخذ حال الحمل كحال الزفاف والولائم لكن إذا صار هناك حاجة لا بأس. السائل: هل وضع المسلم في تابوت فيه تشبه باليهود والنصارى؟ الشيخ: نعم هو تشبه لا شك فيه. السائل: ما حكم التلقين بعد الدفن وهل الميت يسمع سلام من يزوره؟ الشيخ: أما التلقين بعد الدفن فهذا ليس بصحيح لأنه ليس فيه إلا حديث أبي أمامة وهو ضعيف ولا يسن التلقين إنما يسن الاستغفار فتقف على القبر بعد الدفن وتقول اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم ثبته اللهم ثبته اللهم ثبته وتنصرف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا دعا ثلاثاً وأما تلقينه فهذا ليس بصحيح وأما كون الميت يسمع أو لا يسمع فهذا ورد أنه إذا انصرف عنه أصحابه فإنه يسمع قرع نعالهم وورد أيضاً أنه إذا سلم عليه من يعرفه رد الله عليه روحه فرد عليه السلام والعلماء في هذا بين طرفين ووسط منهم من أنكر سماع الأموات مطلقاً إلا فيما ورد كسماع قتلى قريش في بدر وكسماع الرجل إذا انصرف عنه أصحابه يسمع قرع نعالهم وقال نقتصر على ما ورد فقط وضعفوا حديث أبي داود الذي قال ابن عبد البر أنه صحيح أن الرجل إذا جاء إلى صاحب قبر يعرفه وسلم عليه فإن الله يرد عليه روحه ويرد عليه السلام ومن العلماء من بالغ في هذا الشيء وقال إنه لو جلس رجلان عند القبر يتحدثان في شيء سمعهما الميت وجعلوه يسمع كل شيء وهذا أيضاً فيه مبالغة والصحيح أنه يسمع الخطاب الموجه إليه. فصل

القارئ: وإذا سبقها فجلس لم يقف عند مجيئها وإن مرت به جنازة لم يستحب له القيام وعنه يستحب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تَخْلُفُه) رواه مسلم والأول أولى لقول علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد رواه مسلم وهذا ناسخ للأول. الشيخ: وهذا الذي اختاره المؤلف رحمه الله خلاف الصواب فالصواب أنه يقوم لها إذا مرت به وقعود النبي عليه الصلاة والسلام يحمل على بيان الجواز ليتبين أن الأمر في الأول ليس للوجوب وإنما هو للاستحباب فيبقى السنة أن يقوم لها وفي القيام لها من الاتعاظ وحضور القلب ما ليس في البقاء جالساً غير مبال بها وقد قام النبي عليه الصلاة والسلام لجنازة يهودي فقال (إن للموت فزعاً) فالصواب استحباب القيام وأما قعود الرسول عليه الصلاة والسلام فهو لبيان الجواز على أنه لا ينبغي أن يصار إلى النسخ بمثل هذا لأنه قد يقول قائل تعارض فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله والمقدم قوله وهذا هو الحق يعني لو فرض التعارض من كل وجه لأخذنا بقوله لكن التعارض في هذا ليس بوارد إطلاقاً إذ يمكن حمل القعود على بيان الجواز والخلاصة الآن أنه ينبغي للإنسان إذا مرت به الجنازة وهو قاعد أن يقوم حتى تمر من عنده وتُخَلِّفُه. القارئ: فأما من مع الجنازة فيكره أن يجلس حتى توضع عن الأعناق لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تبع جنازة فلا يجلس حتى توضع) رواه البخاري ومسلم وفي لفظ حتى توضع في الأرض رواه أبو داود. الشيخ: وهذا يبين أن الوضع المراد به الوضع في الأرض وليس المراد الوضع في القبر ثم إن الفقهاء رحمهم الله قالوا أن توضع في الأرض للدفن فلو فرض أنها وضعت لإصلاح الجنازة على النعش أو أنها وضعت لتعب الحاملين فلا يدخل في هذا يعني يبقى النهي ممتداً إلى أن توضع في الأرض للدفن.

القارئ: ويكره إتباع النساء الجنازة لما روت أم عطية قالت نهينا عن اتباع الجنائز متفق عليه. الشيخ: سبحان الله المؤلف قال يكره اتباع النساء الجنائز ثم أتى بحديث النهي وهذا يقتضي أن يكون حراماً ولو أنه أتى بآخر الحديث لكان له حجة حيث قالت (ولم يُعْزَم علينا) قالوا وفي قولها ولم يعزم علينا دليل على أن النهي للكراهة لكن مع ذلك فيه مناقشة أو منازعة لأن الذين قالوا إنه يحرم اتباع النساء للجنائز قالوا إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للنساء (ارجعن مأزورات غير مأجورات) وأما قول أم عطية (ولم يعزم علينا) فهذا ظن منها وتفقه منها فلا يعارض نهي النبي عليه الصلاة والسلام والأصل بقاء النهي على ما كان وهذا إلى الصواب أقرب لأن اتباع النساء الجنائز يحصل فيه من المفاسد ما الله به عليم اختلاط ونياح وربما تصفيق وزغرطة المهم أن القول الراجح أن اتباع النساء الجنائز محرم. القارئ: ويكره أن تتبع بنار أو صوت لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار) رواه أبو داود. الشيخ: أما الصوت فهو صوت النياحة لا تتبع بصوت وكذلك ما يوجد في بعض البلاد صوت الطبول والمزامير وأما النار فظاهر أنها لا تتبع بالنار ولكن هذا مقيد بما إذا لم يكن هناك حاجة فإن كان هناك حاجة كالليالي المظلمة فلا بأس أن يصطحبوا معهم سراجاً لأنهم محتاجون لهذا. فصل القارئ: ويجوز الدفن في البيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر دفنوا في بيت والدفن في الصحراء أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع وإنما دفن بالبيت كراهة أن يتخذ قبره مسجدا ولولا ذلك لأبرز قبره كذلك قالت عائشة رضي الله عنها متفق عليه.

الشيخ: يقول رحمه الله إنه يجوز الدفن في البيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر دفنوا في البيت وفي هذا المقال نظر وذلك لأن الدفن في البيت يؤدي إلى مفاسد كبيرة بل نقول لأن الدفن في البيت معصية للرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) ولهذه الجملة معنيان أحدهما لا تدفنوا فيها والثاني لا تجعلوها بمنزلة المقابر لا تصلوا فيها وكلاهما صحيح ولأن القبر في البيت يؤدي إلى فتنة ربما يؤدي إلى عبادته ولو على المدى البعيد ولأن الدفن في البيت يؤدي إلى امتهان الميت إن جعل في الساحة ولأنه يؤدي إلى الرهبة والخوف من الصبيان ونحوهم أو يؤدي إلى عدم المبالاة وعدم الاتعاظ في القبور وكلاهما مفسدة أما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنما دفن في بيته حذراً من هذا المحذور الكبير حذراً من أن يتخذ مسجداً ثم إنه ورد أيضاً أنه (ما من نبي مات إلا دفن حيث قبض) فيكون هذا أيضاً سبباً آخر وهذا لا يأتي في غير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما دفن صاحبيه معه فهذا أيضاً من خصائصهما لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان دائماً قريناً لهذين الرجلين كان يقول دائماً ذهبت أنا وأبو بكر وعمر وجئت أنا وأبو بكر وعمر فكانا صاحباه في الدنيا وصاحباه في القبر وسيكونان صاحبيه في الآخرة في المحشر فبهذا نجيب عما ذكره المؤلف رحمه الله بالنسبة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم فهو من خصائصه. القارئ: ويدفن الشهيد في مصرعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بشهداء أحد أن يردوا إلى مصارعهم) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي، وكان بعضهم قد حمل إلى المدينة وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة مكروه لأنه أذىً للأحياء والميت لغير فائدة.

الشيخ: هذا كما قال المؤلف حمل الإنسان ليدفن في غير بلده الذي مات فيه مكروه لما فيه من الأذية على المشيعين والأذية على الميت وتأخير الدفن أيضاً ولأنه ربما يحصل بذلك ضرر عام مثل أن يختار الناس الدفن في البقيع كل أحد يتمنى أن يدفن في البقيع فإذا قلنا بعدم الكراهة وأن البقيع محل يرجى لأهله المغفرة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) لو فتحنا الباب لامتلأت المدينة كلها مقبرة فلهذا نقول كل إنسان يدفن حيث مات في بلده إلا إذا كان في بلد كفر فإنه لا بأس بنقله اتقاءً للمكان السيء الذي يكثر به أموات الكفار مع أنه يجب أن تُمَيّز قبور المسلمين عن قبور الكفار. القارئ: وإن تنازع وارثان في الدفن في مقبرة المسلمين أو البيت دفن في المقبرة لأن له في البيت حقا فلا يجوز إسقاطه ويستحب الدفن في المقبرة التي فيها الصالحون لينتفع بمجاورتهم. الشيخ: كلام المؤلف رحمه الله في قوله لينتفع بمجاورتهم فيه نظر لأنه يحتاج إلى توقيف ونص والصالحون ينتفع بمجاورتهم في الدنيا لأنهم قد يحصل منهم أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تعليم أو ما أشبه ذلك وأما في الآخرة فإنه قد يكون الرجلان في قبر واحد أحدهما يعذب والثاني ينعم فالصواب أنه لا وجه لما قاله المؤلف من جمع الصالحين في مكان واحد وأما لو احتج محتج بما جرى لأبي بكر وعمر لقلنا إن هذا قياس مع الفارق. القارئ: وجمع الأقارب في الدفن حسن لتسهل زيارتهم والترحم عليهم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال (أَتَعَلَّمُ بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي) رواه أبو داود. الشيخ: أنا عندي أعلم ما هي مشكولة وعندكم مشكولة وأُعَلِّمُ يعني أجعل علامة أو أَعْلَمُ يعني أعرف.

القارئ: وإن تشاح اثنان في مقبرة مسبلة قدم السابق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به) وإن استويا في السبق أقرع بينهما ولا يدفن ميت في موضع فيه ميت حتى يبلى الأول ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الأرض. الشيخ: هذا صحيح لا يدفن ميت على ميت وذلك لأن الميت إذا قبر صار هذا المكان من اختصاصاته فكما لا يسكن أحد بيت أحد في الدنيا إلا برضاه فكذلك لا يقبر أحد على أحد اللهم إلا إذا دعت الحاجة فإنه يجوز أن يجمع رجلان في قبر واحد. مسألة: في مكة وغيرها الأراضي تختلف يعني بعض الأراضي تكون حارة تأكل اللحم والعظم بسرعة وبعضها تكون باردة ما تأكل هذا ولكن بعض العوام يقدرونها بأربعين سنة وهذا لا صحة له فقد وجد أناس دفنوا من زمان طويل ووجدوا على ما هم عليه لكنهم على كل حال بمجرد ما يبينون للهواء تكون عظامهم ولحومهم هشة وكان في مكة يحصل أوبئة كثيرة فيما سبق حتى قال بعضهم إنه يكون بالمئات يموتون في اليوم الواحد ويقولون إنها إذا ألّفت رفع البلاء ومعنى ألّفت يعني يموت في اليوم ألف واحد هذا مع قلة الناس لكن مع الأوبئة عظيمة صاروا لا يستطيعون أن يحفروا قبوراً فيضعون هذا مع القبو ويضعون الأموات فيه وقيل لي أيضاً أنهم يضعون عليه شيئاً يتلفه بسرعة كالنورة لأجل أن يأتوا إليه ثم يرصون العظام في جهة من هذا القبو ويدفنون من جديد وهذا للحاجة لا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الموتى في قبر واحد يوم أحد. السائل: أحسن الله إليكم رأيت أناساً في بعض البلدان إذا مر على الميت عدة أشهر في المقبرة وضعوا أكثر من ميت فوق بعض فهل هذا يجوز؟ الشيخ: لا يجوز وفيه أيضاً بعض الجهات يعمقون القبر ثم إذا مضى مدة غير بعيدة لكن عُلِم أن الميت قد زال تغيره حفروا ودفنوا آخر ولهذا تجدها طبقات هذا على كلام المؤلف لا يجوز. السائل: أحسن الله إليكم ما فيه فاصل بينهم؟

الشيخ: هذه تخضع في الواقع لتنظيم البلدة نفسها قد لا يكون هناك أماكن للقبور فيضطرون إلى مثل هذه الحال. السائل: بارك الله فيكم في قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم على الأرض أكل أجساد الأنبياء) أو كما قال صلى الله عليه وسلم هل يؤخذ من هذا الحديث أنه إن حفر للرجل ووجد أنه لم يتغير يعني بقي كما هو دليل على صلاحه؟ الشيخ: نعم ربما يكون هذا من الكرامة أنه خرج عن غيره بهذه الكرامة. السائل: بارك الله فيكم السؤال هل هذا على إطلاقه لأنه حفر قبر قسيس ووجد كما هو من مائة سنة عندنا في البلاد وطارت الدنيا به؟ الشيخ: هذا مصبر من الأصل ليوهموا على الناس أن لهم كرامات وهذا كما قال شيخ البطائحية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما تناظر معه في العقيدة وقال له سنمتحن ندخل النار فأينا لم تحرقه النار فهو صاحب الحق فقال له شيخ الإسلام ما في مانع لكن بشرط أن لا ندخل النار حتى نغتسل في النهر وإذا اغتسلنا في النهر ونظفنا أنفسنا دخلنا النار فانهزم الرجل لماذا؟ لأنه قد طلى نفسه بشيء ضد النار وشيخ الإسلام رحمه الله تفطن لهذا فقال له ذلك فهؤلاء القساوسة لا شك أنهم على دين باطل أبطلته الشريعة الإسلامية ولا يمكن أن يكون هذا كرامة لهم لكنهم ربما يتحايلون ويضعون عليه ما يصبِّرُه. فصل القارئ: ويستحب تعميق القبر وتوسيعه وتحسينه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (احفروا وأوسعوا وأعمقوا) رواه أبو داود قال أحمد يُعمَّق إلى الصدر لأن الحسن وابن سيرين كانا يستحبان ذلك ولأن في تعميقه أكثر من ذلك مشقة وقال أبو الخطاب يعمق قدر قامة وبسطة. الشيخ: رحمه الله قامة وبسطة عميق جداً لكن إلى الصدر نعم هذا أحسن شيء ثم إنه يختلف أيضاً فبعض الأراضي لو عمقنا إلى الصدر ربما تخرج الرائحة لأنها رمل والرائحة تتخلل الرمل فهذه يعمق أكثر.

القارئ: والسنة أن يلحد له لقول سعد بن مالك (الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم، قال أحمد ولا أحب الشق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اللحد لنا والشق لغيرنا) رواه أبو داود ومعنى الشق أنه إذا وصل إلى الأرض شق في وسطه شقاً نازلا فإن كانت الأرض رخوة لا يثبت فيها اللحد شق فيها للحاجة. الشيخ: يعني لو كانت الأرض رملاً فاللحد لا يمكن أن يستقيم لأن اللحد معناه أن نشق شقاً يسع الميت في جانب القبر مما يلي القبلة وسمي لحداً لميله إلى أحد الجانبين أما الشق فهو في وسط القبر تحفر حفرة نازلة في وسط القبر فهذا خلاف السنة إلا إذا دعت الحاجة بأن كانت الأرض رملية فإن اللحد لا يمكن أن يستقيم فحينئذٍ نحفر شقاً في وسط اللحد ثم نضع اللبن هكذا ثم نضع الميت ونضع عليه اللبن وهذا للحاجة لا بأس به. السائل: بارك الله فيك في قول النبي صلى الله عليه وسلم (اللحد لنا والشق لغيرنا) ما معنى لغيرنا؟ الشيخ: معنى لغيرنا أي للكفار. السائل: أحسن الله إليكم ما هي صفة الشق؟ الشيخ: الشق إنه يحفر حفرة كالقبر المعتاد لكن ما يجعل فيه لحد في جانبه الذي يلي القبلة بل يجعل اللحد في الوسط هذا هو الشق فهذا إذا كانت الأرض رملية نحتاج إليه لأنك لو لحدت انهد الرمل. السائل: وكيف يوضع اللبن؟ الشيخ: اللبن يوضع بالطول ليصير مثل الحوض لأجل أن يمنع من انهيال الرمل على الميت ثم يوضع الميت بين هذه اللبنات ثم يصف اللبن عليه فوق. الشيخ: يسأل ويقول بعض البلاد تعودوا على الشق وليس هناك حاجة إليه فهل إذا لحدنا يعتبر هذا من إحياء السنة الجواب نعم. فصل القارئ: ولا يدفن في القبر اثنان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبره فإن دعت الحاجة إليه جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كثرت القتلى يوم أحد.

الشيخ: عندنا كثر ما فيها تاء لكن على كل حال هي جائزة قال الله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا). القارئ: لما كثرت القتلى يوم أحد كان يجمع بين الرجلين في القبر الواحد ويسأل أيهم أكثر أخذاً للقرآن فيقدمه في اللحد حديث صحيح ويقدم أفضلهم إلى القبلة للخبر ويجعل بين كل اثنين حاجزاً من تراب ليصير كل واحداً منفرداً كأنه في قبر منفرد وإن دفن رجل وصبي وامرأة في قبر واحد جعل الرجل في القبلة والصبي خلفه والمرأة خلفهما وقال الخرقي تقدم المرأة على الصبي قال أحمد وإن حفروا شبه النهر رأس هذا عند رجل هذا جاز ويجعل بينهما حاجزا لا يلزق أحدهما بصاحبه فإن مات له أقارب بدأ بمن يخاف تغيره فإن استووا بدأ بأقربهم إليه على ترتيب النفقات فإن استووا قدم أسنهم وأفضلهم. الشيخ: الله أكبر هذه الأمور التي يذكرونها قد تكون بأوبئة يكثر الموتى فيها أو بحروب نسأل الله العافية يكثر فيها القتلى فالمهم أن السنة أن يفرد كل ميت بقبر فإن دعت الحاجة إلى جمع أكثر من واحد في قبر فلا بأس لكن كما قال المؤلف يجعل بين كل اثنين حاجز من تراب حتى يكون ذلك شبه القبر المنفرد وإذا كان لا يتأتى أن يكون بعضهم خلف بعض إما لصخرة تعرض أو ما أشبه ذلك جعلوا كالنهر ومعنى كالنهر أي أنهم يكونون طولاً رأس كل إنسان عند رجل الآخر حتى يتسع لهم المكان. فصل القارئ: ولا توقيت في عدد من يدخل القبر إنما هو بحسب الحاجة إليه نص عليه. الشيخ: معناه من يدخل القبر عند الدفن ليس فيه عدد محدود بل هو حسب الحاجة قد يكفي اثنان وقد يكفي واحد وقد لا يكفي الاثنان قد نحتاج إلى ثلاثة أو أربعة فيكفي واحد فيما لو كان صغيراً ويكفي اثنان فيما لو كان جسده عادياً ونحتاج إلى أكثر لو كان جسده ضحماً المهم أنه ينزل في القبر بقدر الحاجة.

القارئ: ولا توقيت في عدد من يدخل القبر إنما هو بحسب الحاجة إليه نص عليه ويسل الميت من قبل رأسه وهو أن يجعل رأسه عند رجلي القبر ثم يسل سلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه وإن كان الأسهل غير ذلك فعل الأسهل. الشيخ: وهذا مختلف فيه بعضهم يقول إنه يسل كما ذكر المؤلف يؤتى بالنعش من قبل رجلي القبر ثم يُنَزَّل الميت على رأسه حتى يستقر في اللحد وبعض العلماء يقول الأفضل أن يأتي به من جهة القبلة محاذياً رأسُه رأسَ القبر ورجلاه رجلي القبر ثم يُسَلَّم إلى من كان في القبر ويوضع في لحده والعمل عندنا على هذا وهذا هو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وأصحابه ومع هذا المؤلف يقول إن كان الأسهل غير ذلك فإنه يتبع الأسهل ومعلوم أن الأسهل ما عليه عملنا الآن وأما السل فصعب لأنه لابد أن تتجاوز القبر كله عند السل ثم تأتي به من جهة رجلي القبر ثم تسلمه للذين في القبر أما هذا فإنه يؤتى به على حذاء القبر تماماً رأسُه عند رأس القبر ورجلاه عند رجل القبر ثم تسلمه إلى الذين في القبر وهو أسهل بلا شك. القارئ: ويقول الذي يدخله بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا أدخل الميت القبر من المسند يضعه في اللحد على جانبه الأيمن مستقبل القبلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه) ويوسد رأسه بلبنة أو نحوها كالحي إذا نام ويُجْعل خلفه تراب يسنده لئلا يستلقي على قفاه وإن وطّأ تحته بقطيفة فلا بأس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تحته قطيفة كان يفرشها. الشيخ: يفترشها نسخة. القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تحته قطيفة كان يفترشها وينصب عليه اللبن نصباً لحديث سعد وإن جعل عليه طين فصب جاز لما روى عمرو بن شرحبيل.

الشيخ: عندنا وإن جعل عليه طن قصب، تصويب لأن الطين لا يمكن صبه وطن قصب بدل عن الإذخر الذي كان أهل مكة يجعلونه في القبور. القارئ: وإن جعل عليه طن قصب جاز لما روى عمرو بن شرحبيل أنه قال إني رأيت المهاجرين يستحبون ذلك ويكره الدفن في التابوت وأن يدخل القبر آجراً أو خشباً أو شيئاً مسته النار لأن إبراهيم قال. الشيخ: إبراهيم من هو؟ الطالب: النخعي؟ الشيخ: نعم النخعي. القارئ: لأن إبراهيم قال كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر ولأنه آلة بناء المترفين وسائر ما مسته النار يكره للتفاؤل بها. الشيخ: لكن ينبغي أن تكون اللبن طويلة بعض الشيء حتى تكون قوية في استنادها على جدار القبر لأنها لو كانت قصيرة ثم تراكم عليها التراب هبطت وهذا هو المعمول به الآن عندنا تجد اللبنات في المقبرة طويلة. فصل القارئ: ولا يخمر قبر الرجل لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قد مر بقوم وقد دفنوا ميتاً وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال إنما يصنع هذا بالنساء ويستحب ذلك للنساء للخبر ولئلا ينكشف منها شيء فيراه الحاضرون. الشيخ: يعني معناه إذا أردنا أن ننزل المرأة في قبرها نغطي القبر من أجل أن لا يرى الناس جسم المرأة أما الرجل فلا يغطى ولهذا كانت عبارة زاد المستقنع ويسجى قبر امرأة فقط. فصل القارئ: ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر لما روى الساجي أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر ولأنه يعلم أنه قبر فيتوقى ويترحم عليه ولا يزاد عليه من غير ترابه لقول عقبة بن عامر لا تجعلوا على القبر من التراب أكثر مما خرج منه رواه أحمد. الشيخ: عندي لا يجعل وعندكم لا تجعلوا.

القارئ: ويستحب أن يرش عليه الماء ليتلبد وروى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل سعداً ورش على قبره ماء رواه ابن ماجة وتسنيمه أفضل من تسطيحه لما روى البخاري عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً ولأن المسطح يشبه أبنية أهل الدنيا ولا بأس بتعليمه بصخرة ونحوها لما ذكرنا من حديث عثمان بن مظعون ولأنه يعرف قبره فيكثر الترحم عليه. الشيخ: أما رش الماء على القبر فالغرض منه تلبيد التراب وليس كما يظن العامة أن الغرض أن نبرد على الميت فإن الميت لا يبرده الماء وإنما يبرده ثوابه لكن من أجل أن يتلبد التراب وأما ما ذكره من كونه مسنماً فإنه أفضل لوجهين الأول لأن ذلك هو الذي يشابه قبور النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهم ولأنه إذا كان مسنماً فإنه يزل ماء المطر عنه يميناً وشمالاً وإذا كان مسطحاً فإنه يبقى فيه الماء ويخشى أن ينزل الماء إلى اللبن فتذوب اللبنة وينخسف القبر. السائل: إذا كان تعليم القبر مستحب ألا يخشى إذا كان المقبور من المشهورين كالعلماء وعلم قبره أن تكثر زيارته ثم يتبرك به؟ الشيخ: على كل حال إذا خشي هذا في بلد يعتادون الغلو في قبور الصالحين فلا ينبغي لكن مثل هذا عندنا والحمد لله إنما تُعَّلم من أجل أن من أراد أن يزوره ويدعو له فعل. السائل: أحسن الله إليك قبر ارتفع عن الأرض مقدار متر فالميت دفن على وجه الأرض ولو حفرنا القبر لخرج الماء؟ الشيخ: البناء عليه في هذه الحال من باب الضرورة إذا كان لا يمكن أن نحفر له لأن الأرض رخوة ويتسرب الماء إلى المكان المحفور فحينئذ يكون هذا ضرورة. فصل القارئ: ويكره البناء على القبر وتجصيصه والكتابة عليه لما روى جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبني عليه وأن يقعد عليه رواه مسلم زاد الترمذي وأن يكتب عليها وقال حديث صحيح ولأنه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت إليه.

الشيخ: قول المؤلف رحمه الله يكره البناء على القبر إن أراد بالكراهة كراهة التحريم فهذا حق وإن أراد بذلك كراهة التنزيه فهذا ضعيف والصواب أن البناء على القبور حرام ولا يجوز أولاً إن كان في مسبلة يعني في مقبرة مسبلة فإنه سوف يأخذ من الأرض هذه أكثر مما يحتاج وإن كان في مقبرة ملكاً له فإنه يخشى من تعظيمه والصلاة عنده وما أشبه ذلك فالصواب أن البناء على القبر محرم وكذلك تجصيصه حرام بأن يجصص التراب الذي على القبر والظاهر أيضاً أن تجصيص اللحد من هذا النوع يعني لو جصص اللحد فإنه يحرم لأن هذا إضاعة مال ومن زينة الدنيا وكذلك الكتابة عليه أيضاً حرام ولا يجوز أن يكتب على القبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة عليه في سياق البناء والتجصيص ولا دليل على إخراج الكتابة من التحريم لكن قال بعض مشايخنا إن المراد بالكتابة التي نهى عنها الرسول عليه الصلاة والسلام ما كانوا يفعلونه في الجاهلية يكتب على القبر هذا فلان ابن فلان وتذكر محاسنه وأما مجرد أن أكتب اسمه فقط للدلالة عليه فهذا لا بأس به وهذا القول جيد بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرن الكتابة بماذا؟ بالبناء والتجصيص الذي يكون به المغالاة في الميت وقبره وقوله (أن يقعد عليه) أيضا ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن النهي للكراهة والصواب أنه للتحريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه فتمضي إلى جلده أو قال جسمه خير من أن يجلس على القبر) وهذا يدل على تحريم أن الإنسان يجلس على القبر وانظر إلى هذا الحديث يتبين لك أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلو في القبور وعن إهانة القبور والدين الإسلامي وسط بين التفريط والإفراط فالبناء على القبور غلو في التعظيم والجلوس على القبور مهانة لصاحب القبر فجمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين هذا وهذا من أجل أن يكون الإنسان مستقيماً على العدل لا هذا ولا هذا.

القارئ: ولا يجوز أن يبنى عليه مسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) متفق عليه. الشيخ: الحديث أن الرسول لعن اليهود والنصارى قال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وقد ذكر ذلك حين ذكرت له أم سلمة كنيسة في أرض الحبشة فقال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). القارئ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) متفق عليه ويكره الجلوس عليه والاتكاء إليه والاستناد إليه لحديث جابر ويكره المشي عليه لما روى عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق) رواه ابن ماجه، فإن لم يكن له طريق إلى قبر من يزوره إلا بالوطأ جاز لأنه موضع حاجة. الشيخ: كلام المؤلف هذا فيه نظر من وجهين الأول أنه قال إنه يكره وطأ القبور والجلوس عليها والأدلة تدل على أنه يحرم وهذا فيه هذا الوعيد الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام الثاني أنه ذكر أنه إذا كان له قريب يريد أن يزوره وليس هناك طريق فإنه لا بأس أن يطأ على القبور وهذا أيضاً فيه نظر لأننا نقول أولاً ليس هناك ضرورة أن تذهب إلى قبر قريبك وتقف عليه وبالإمكان أن تقف قُبالته ولو بعيداً عنه وتدعو له هذه واحدة وأيضاً لا يمكن أن تكون القبور كلها مرصوفة بحيث لا يوجد بينها موطئ قدم لابد أن يكون هناك موطئ قدم لابد من هذا وكونه يقال إن هذا ضرورة فيه نظر فالصواب أنه لا يجوز الوطأ على القبور وأنه لا يجوز أن يطأ عليها من أجل أن يذهب إلى قبر قريب له. فصل

القارئ: ولا يجوز الدفن في الساعات المذكورة في حديث عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب رواه مسلم ويجوز الدفن في سائر الأوقات ليلاً ونهارا لأن النبي صلى الله عليه وسلم دُفِن ليلاً ودَفَنَ ذا البجادين ليلاً والدفن في النهار أولى لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زجر عن الدفن ليلا رواه مسلم ولأن النهار أمكن وأسهل على مشيعيها وأكثر لمتبعيها. الشيخ: هذه الأوقات الثلاثة إذا طلعت الشمس حتى ترتفع قيد رمح وعلى هذا فإذا وصلنا إلى المقبرة وطلعت الشمس نتوقف عن الدفن حتى ترتفع قيد رمح وحين يقوم قائم الظهيرة يعني عند الزوال وذلك نحو عشر دقائق وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب وتضيفها للغروب أن يكون بينها وبين الغروب كما بينها وبين الإشراق يعني في خلال ربع ساعة أو نحو ذلك هذه الأوقات نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نقبر فيها الأموات وأما الدفن فيما عدا ذلك فهو جائز سواء في الليل أو في النهار إلا إذا كان الدفن في الليل لا يتأتى فيه القيام بما يجب من إحسان الكفن والتغسيل وما أشبه ذلك فهنا ينهى عنه فيجمع بين الأحاديث الواردة في جواز الدفن ليلاً وبين الأحاديث الواردة في النهي بأن النهي فيما إذا لم يحسن الكفن وقصّروا في واجب الميت. فصل القارئ: وإذا ماتت ذمية حامل من مسلم لم تدفن في مقبرة المسلمين لكفرها ولا تدفن في مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم وتدفن مفردة ظهرها إلى القبلة لأن وجه الجنين إلى ظهرها.

الشيخ: هذا حكمة من الله عز وجل أن يكون الجنين وجهه إلى ظهر أمه وظهره إلى بطنها لأن ظهر الجنين أقوى على تحمل الكدمات وما أشبه ذلك فكان من حكمة الله عز وجل أن الجنين في بطن أمه يكون وجهه إلى ظهر أمه وظهره إلى وجه أمه فإذا ماتت ذمية وفي بطنها حمل من مسلم فإنها لا تدفن مع الكفار لأن ولدها مسلم ولا مع المسلمين لأنها كافرة لكن تدفن وحدها على الوجه الذي ذكره المؤلف رحمه الله. القارئ: وإن ماتت امرأة حامل وولدها يتحرك ورجيت حياته سَطَت عليه القوابل فأخرجنه ولا يشق بطنها لأن فيه هتكاً لحرمة متيقنة لإبقاء حياة موهومة بعيدة فإن لم يخرج تركت حتى يموت ثم تدفن ويحتمل أن يشق بطنها إن غلب على الظن أنه يحيا لأن حفظ حرمة الحي أولى. الشيخ: هذا هو الصحيح لا سيما في وقتنا الحاضر فإن عملية إخراج الجنين لا تعد مثلة فإذا ماتت امرأة وفي بطنها حمل يتحرك أجريت لها العملية فوراً وأخرج الجنين وليس في هذا مثلة إطلاقاً. القارئ: وإن بلع الميت جوهرة لغيره شق بطنه وأخذت لأن فيه تخليصاً له من مأثمها ورداً لها إلى مالكها ويحتمل أن يغرم قيمتها من تركته ولا يتعرض له صيانة عن المثلة به فإن لم يكن له تركة تعين شقه فإن كانت الجوهرة له ففيه وجهان أحدهما يشق بطنه لأنها للوارث فهي كجوهرة الأجنبي والثاني لا يشق لأنه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها حق الوارث. الشيخ: والصواب أنه لا يشق بطنه لأن هذا ماله وقد استهلكه في حياته فلا يحل أن يشق بطنه بل يبقى فإذا قدر أنه أي الميت بلي وصار رميماً أخذت الجوهرة ومثله الذهب. مسألة: تحية المسجد وكل صلاة لها سبب ليس عنها نهي لأن القول الراجح أن ذوات الأسباب لا نهي عنها. السائل: بارك الله فيكم الذمية هل يصلى عليها صلاة الجنازة؟ الشيخ: الذمية لا يجوز أن تصلى عليها صلاة الجنازة. السائل: ولدها مسلم؟ الشيخ: لكن هي ما يصلى عليها إذا مات يصلى على الجنين فقط أما هي فلا يصلى عليها.

السائل: والجنين في بطنها؟ الشيخ: نعم يصلى عليها والجنين في بطنها. القارئ: وإن بلع مالاً يسيراً لم يشق بطنه ويغرم القيمة من تركته وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخذ لأنه يمكن رده إلى صاحبه بغير ضرورة فوجب وإن دفن الميت بغير غسل أو إلى غير القبلة نبش وغسل ووجه لأن هذا مقدور على فعله فوجب إلا أن يخاف عليه الفساد فلا ينبش لأنه تعذر فسقط كما يسقط وضوء الحي لتعذره وإن دفن قبل الصلاة عليه احتمل أن يكون حكمه كذلك لأنه واجب فهو كغسله واحتمل أن يصلى على القبر ولا تهتك حرمته لأنه عذر. الشيخ: وهذا الاحتمال أصح أن يصلى على القبر لأنه يمكن أن يؤدي الواجب بالصلاة على القبر فلا حاجة أن ينبش. فصل القارئ: سئل أحمد رضي الله عنه عن تلقين الميت في قبره فقال ما رأيت أحداً يفعله إلا أهل الشام قال وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر ابن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه وقال القاضي وأبو الخطاب يستحب ذلك وروي فيه حديث عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم عند رأس قبره ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب ثم ليقل يا فلان ابن فلانة الثانية فيستوي قاعداً ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تسمعونه فيقول اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما فإن منكراً ونكيراً يتأخر كل واحد منهماً فيقول انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجتَه ويكون عند الله حجيجه دونهما فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه قال فلينسبه إلى حواء رواه الطبراني في معجمه بمعناه.

باب التعزية والبكاء على الميت

الشيخ: هذا الحديث ضعيف ولا يعتمد وهو شاذ أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل). السائل: سبق في درس أمس حديث (ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق) هل يدل على جواز قضاء الحاجة في وسط السوق. الشيخ: لا ومعناه أنه إذا كان لا يمكن أن تقضي حاجتك في السوق فلا يمكن أن تقضيها في المقابر هذا المعنى. السائل: هل ترون أنه يكون من السنة لو أن قائلاً في جنازة قال لأصحابه استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فهل هذا يكون قد أصاب السنة؟ الشيخ: طيب هذا لا بأس به. السائل: الذمية ألا يشق بطنها ويخرج منها الجنين المسلم؟ الشيخ: لا لأنها ماتت هي وإياه وما الفائدة من شقه. السائل: حتى يدفن في مقابر المسلمين؟ الشيخ: لا ما دام إنه دفن في مكان خال من قبور الشرك ما فيه مانع. باب التعزية والبكاء على الميت القارئ: التعزية سنة لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عزى مصاب فله مثل أجره وهو حديث غريب وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده لعموم الخبر ويكره الجلوس لها لأنه محدث ويقول في تعزية المسلم بالمسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك ورحم ميتك وفي تعزيته بكافر أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وتوقف أحمد عن تعزية أهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم وفيها روايتان إحداهما يعودهم لأنه روي أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول (الحمد لله الذي أنقذه من النار). الشيخ: أنقذه بي.

القارئ: فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) رواه البخاري والثانية لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدؤوهم بالسلام) فإن قلنا نعزيهم فإن تعزيتهم عن مسلم أحسن الله عزاءك وغفر لميتك وعن كافر أخلف الله عليك ولا نقص عددك. الشيخ: هذه كلمات استحسان من العلماء رحمهم الله وليس فيها آثار عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. السائل: إمام صلى على ميت فلم يكبر إلا ثلاثة فهل تجب الصلاة عليه بعد الدفن وإذا وجبت فهل لها مدة محددة؟ الشيخ: نعم يجب عليه أن يعيدها إلا إذا ذكرها في الحال فيأتي بتكبيرة رابعة ويسلم. السائل: إذا كان الميت قد دفن؟ الشيخ: إذن يصلى عليه على القبر. السائل: كيف نقول في تعزية أهل الذمة (ما نقص عددك) ونحن ندعو عليهم؟ الشيخ: ولا نقص عددك لأنه إذا زاد عددهم زادت الجزية لنا. السائل: هل يعزى الكفار من الموظفين؟ الشيخ: قد يقال إنهم لا يعزون لأن في هذا إكراماً لهم اللهم إلا ما جرت به العادة بين الدول مما لابد منه فهذا لا بأس به إن شاء الله. فصل القارئ: والبكاء غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد بن عبادة فوجده في غاشية فبكى وبكى أصحابه وقال (ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم) متفق عليه ولا يجوز لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة متفق عليهما ويكره الندب والنوح.

الشيخ: بين المؤلف في هذه القطعة أن البكاء غير مكروه وهذا إذا جاء بمقتضى الطبيعة أما مع التقصد فلا لكن إذا جاء بمقتضى الطبيعة فإنه لا بأس به ولا سيما إذا كان الحامل عليه الرحمة دون فقد الأحباب لأنه قد يؤجر على هذا لأن الراحمين يرحمهم الرحمن عز وجل ثم استدل لذلك بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن عبادة فوجده في غاشية بكى وبكى أصحابه وقال ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم متفق عليه لكن استثنى المؤلف أن لا يكون معه ندب ولا نياحة والندب هو تعداد محاسن الميت والنياحة أن يبكي بكاءً يشبه نوح الحمام لأن البكاء الذي يشبه نوح الحمام هذا مقصود فيه أن الإنسان يبكي على وجه يعرف به عدم الصبر على هذه المصيبة أما الأحاديث التي ذكرها أيضاً حين قال لا يجوز لطم الخدود ولا شق الجيوب ولا الدعوى بدعوى الجاهلية فإن ذلك يحدث عند المصائب في الجاهلية بل وفي الإسلام أيضاً ولكن هذا تبرأ منه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولعلكم تتعجبون أن يلطم الإنسان خده عند المصيبة لكنه لشدة المصيبة ينفعل حتى يلطم الخد كذلك شق الجيب لشدة المصيبة يشق جيبه وهذا ينبئ عن عدم الرضا وعدم الصبر والدعاء بدعوى الجاهلية أن يقول يا ويلاه يا ثبوراه وما أشبه ذلك أما حديث أنه (برئ من الصالقة والحالقة والشاقة) الصالقة التي ترفع صوتها بالندب أو بالنياحة والحالقة التي تحلق شعرها وكانوا في الجاهلية إذا أصيبت المرأة تحلق شعرها لأن اتخاذ الشعر عندهم أمر مطلوب محبوب ولهذا لم يكلف الله المرأة أن تحلق رأسها في النسك ولا أن تقصره تقصيراً بالغاً بل بقدر أنملة فقط وأما الشاقة فهي التي تشق الجيب.

القارئ: ونقل حرب عن أحمد كلاماً يحتمل إباحتهما واختاره الخلال وصاحبه لأن واثلة وأبا وائل كانا يستمعان النوح ويبكيان وظاهر الأخبار التحريم قال أحمد في قوله تعالى (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) هو النوح فسماه معصية وقالت أم عطية أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوح متفق عليه. الشيخ: هذا الذي نقل عن أحمد ما دام يحتمل أنه أباحه ويحتمل أنه لم يبحه فالواجب أن يحمل على أنه لم يبحه لأن الإمام أحمد رحمه الله معروف باتباع الآثار والتمسك بالسنة ولا يمكن أن يسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس منا) أو أنه (لعن النائحة والمستمعة) ثم يقول بإباحته هذا من أبعد ما يكون. القارئ: وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى وبالصبر والصلاة ويسترجع ولا يقول إلا خيرا لقول الله تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) الآيات وقالت أم سلمة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ما من عبد مسلم تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واَخْلِف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها قالت فلما توفي أبو سلمة قلتها فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم وقال لما مات أبو سلمة (لا تدعو على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) رواه مسلم. الشيخ: هكذا ينبغي وقول المؤلف ينبغي الظاهر أن مراده الوجوب يعني يجب على الإنسان أن يستعين بالله تعالى بالصبر والتحمل والصلاة وأن يفكر هل أحد من الناس بقي حتى يبقى هذا الذي فقده هذا المصاب قال أهل العلم رحمهم الله والمصاب له أربع حالات: الحال الأولى التسخط وعدم الصبر وربما يدعو على نفسه بالويل والثبور وربما يقدح في حكمة الله عز وجل وفي تقديره وهذا حرام بلا شك وربما يصل إلى درجة الكفر.

الحال الثانية الصبر وهو أن يمتنع عما يحرم كشق الجيوب ولطم الخدود وما أشبهها وهذا واجب. الحال الثالثة الرضا وهو أن تتساوى عنده المصيبة وعدمها باعتبار تقدير الله لها لا باعتبار وقوعها لأن تساويها مع عدمها باعتبار وقوعها أمر لا يطاق ولا يمكن لأحد أن يستقيم عليه لكن باعتبار قضاء الله تعالى لها يعني كأنه يقول لا يهمني حصلت أم لم تحصل ما دامت من فعل الله عز وجل فيكون راضياً بقضاء الله تعالى وقدره وهذا قد يقول قائل ما الفرق بينه وبين الصبر؟ يقال الفرق بينه وبين الصبر أن الصابر لم تتساوى عنده المصيبة وعدمها باعتبار تقدير الله عز وجل لكنه لم يتكلم بكلام حرام ولم يفعل فعلاً حراماً أما هذا فيقول أنا مع قضاء الله وقدره سواء هذا أو هذا.

الحالة الرابعة الشكر بأن يشكر الله عز وجل على هذه المصيبة وهذا قد يقوم بقلب إنسان مسرف على نفسه قد فعل معاصي كثيرة فإذا عجل له بالعقوبة شكر الله عز وجل على هذا وقال إنها تكفير لذنوبي وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وفي الحديث أن الله تعالى إذا أحب يعني إنساناً عجل له بالعقوبة في الدنيا حتى يخرج من الدنيا وهو بريء بإذن الله عز وجل ولعلكم تذكرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس منازعة في الموت من أجل أن يموت صلى الله عليه وسلم وهو أعلى ما يكون في درجة الصابرين لأن الصبر له منزلة عالية (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ويذكر أن الإمام أحمد رحمه الله لما حضرته الوفاة تمثل له الشيطان يعض أنامله ويقول فتني يا أحمد فقال له أحمد بَعْدُ بَعْدُ وقول الشيطان فتني يعني أنني لم أغوك لكنه قال بعد بعد وهو في سياق الموت لأنه ما دامت روحه لم تخرج فهو على خطر نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة فلذلك نقول إن الإنسان ربما يكون في مقام الشاكرين عند المصائب نظراً لأن الله خفف عنه العقوبة حيث عجل له ذلك في الدنيا فهذه أربع مقامات بالنسبة للمصاب، وأما حديث أم سلمة رضي الله عنها فإنه لما مات أبو سلمة وكان ابن عمها ومن أحب الناس إليها قالت هذه الكلمة لا شكاً في الموضوع ولكن إيماناً منها بقول الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت من خير من أبي سلمة ليس القصد من ذلك الشك في وعد الرسول عليه الصلاة والسلام لكن القصد أنها

تؤمل من هذا هل هو أبو بكر أوعمر أو عثمان فهي مترددة فيمن يكون خيراً لا في أن الله تعالى يخلف لها خيراً من أبي سلمة لأن هذا الاحتمال الثاني لا يمكن أن يقع من مثلها وهي أنها تريد أن تجرِّب هل يتحقق هذا أو لا؟ بل هي مؤمنة به ولذلك قالت هذا الكلام مع أن أبا سلمة من خيار الأزواج وما أن انقضت عدتها حتى خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لها خيراً من ذلك والحديث كما تعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حضر إلى أبي سلمة وقد حضرته الوفاة وجاء وقد دخل عليه وقد شق بصره أغمضه صلى الله عليه وسلم وقال (اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين وافسح له في قبره ونور له فيه واخلفه في عقبه) خمس كلمات أما الشيء الظاهري من هذه الكلمات فهو أن الله خلفه في عقبه لا شك لأن عقبه صار تحت رعاية النبي صلى الله عليه وسلم وأما الباقي فإننا نرجو الله تعالى أن يكون قد حقق ذلك بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فصل القارئ: ويستحب لأقرباء الميت وجيرانه إصلاح طعام لأهله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر قال (اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنهم قد أتاهم أمر شغلهم) رواه أبو داود فأما صنع أهل الميت الطعام للناس فمكروه لأن فيه زيادة على مصيبتهم وشغلاً لهم إلى شغلهم.

الشيخ: المؤلف رحمه الله تعالى استدل بدليل أخص من الحكم فقال إنه يستحب لأقارب الميت وجيرانه إصلاح الطعام لأهله بدون قيد والحديث يدل على أن هناك قيداً وهو أنهم إذا أتاهم ما يشغلهم من الانقباض والحزن والبكاء فإنه يصنع لهم الطعام وإلا فلا لأن (العلة المنصوصة توجب تخصيص الحكم بما تفيده هذه العلة) كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه) فإذا لم يحزن الثالث تناجي الاثنين فإنه لا حرج عليهما في ذلك هكذا الحديث (اصنعوا لآل جعفر طعاما) وليس مطلقاً (فقد أتاهم ما يشغلهم) ثم على تقدير أنه أتاهم ما يشغلهم وليس من المتيسر أن يجلبوا الطعام من المطاعم كما هو الحاضر الآن فإن طعاماً واحداً يكفي أما أن تساق إليهم الذبائح والموائد ويجتمع في البيت كثير من الأطعمة ثم يقولون نحن نحتاج إلى من يأكل هذه الأطعمة فيحضر الناس من يمين وشمال من أجل أكل هذه الأطعمة فهذه ليس من السنة كما هو الواقع الآن في كثير من البلاد الإسلامية وأما صنع أهل الميت الطعام فإن المؤلف يقول إنه مكروه وظاهر حديث جرير بن عبد الله البجلي قال (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة) فظاهر هذا الحديث أنه حرام أن يصنعوا الأطعمة إلى الناس ليأتوا إليهم لأن هذا الصحابي الجليل جرير بن عبد الله عده من النياحة. فصل

القارئ: ويستحب للرجال زيارة القبور لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت) رواه مسلم وإذا مر بها أو زارها قال ما روى مسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية وفي حديث آخر ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وفي حديث آخر اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم وإن زاد اللهم اغفر لنا ولهم كان حسنا.

الشيخ: في هذا الفصل بيان حكم زيارة القبور فبين أنها سنة لكن للرجال وزيارة القبور لا لدعاء أهل القبور ولكن للدعاء لهم ولا لتهييج الأحزان ولكن لتذكر الموت لأن الذين يزورنها أقسام منهم من يزور القبور ليدعوها وهذا شرك أكبر دعاء أهل القبور أن يجلبوا الخير ويدفعوا الشر سواء كان على سبيل العموم أوالخصوص هذا شرك أكبر ثانياً أن يزور المقبرة ليدعو الله عندها أي عند المقابر وهذا بدعة لأنه اعتقد أن الدعاء في هذا المكان أفضل من الدعاء في غيره وهذا يحتاج إلى دليل فهو بدعة وربما يكون سبباً لدعاء هؤلاء الأموات فيكون بدعة منهي عنه وليست المقبرة بأفضل من المساجد ولا بأفضل من مكان تتعبد لله به في بيتك ثالثاً أن يزور المقبرة للاعتبار وتذكر الموت وتذكر الآخرة وأن هؤلاء القوم كانوا بالأمس معك على ظهر الأرض وأصبحوا الآن مرتهنين بأعمالهم لا يستطيعون زيادة في الأعمال ولا نقصاً من السيئات فيعتبر ويتعظ ويعظ نفسه ويقول لا تدرين لعلك لا تصبحين إلا عندهم أو لا تمسين إلا عندهم وما أشبك ذلك من الوعظ والتذكير لنفسه وهذا هو الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (تذكر الآخرة) رابعاًً أن يزور المقابر لتهييج الأحزان كلما اشتاق إلى أمه أو أبيه خرج إلى المقبرة وجلس عند رأس القبر يبكي ويحن وهذا بدعة لا شك ومنكر وليس هذا الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام والإنسان ينبغي له أن ينسى المصيبة لا أن يفعل ما يذكر المصيبة وهذه خمسة مقاصد كلها تكون لمن زار المقبرة والمقاصد الشرعية أن يخرج إلى المقبرة للاعتبار والاتعاظ والدعاء إلى أصحاب القبور هذه الزيارة الشرعية وما سوى ذلك فإما شركية وإما بدعية.

السائل: بارك الله فيكم في بعض البلاد إذا مات ميتهم ذهبوا إلى المطابع وطبعوا أوراقاً بيضاء مكتوب فيها الميت وساعة الدفن ومكان ما يصلى عليه ثم يذهب بهذه الأوراق وتعلق على بعض الأمكنة ويتحرون أماكن أقرباء هذا الميت وتعليلهم أنه حتى يعلم أنه مات فيصلون عليه ويكثر العدد؟ الشيخ: الظاهر أن هذا لا بأس به يعني لا بأس بإعلام الأقارب أو غير الأقارب بأنه مات من أجل الصلاة عليه كما نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي يوم مات وأمر أصحابه أن يصلوا عليه. السائل: أحسن الله إليكم ما حكم الكتابة التي تكتب على أسوار المقابر صلوا على النبي ولا تنسوا دعاء الميت. الشيخ: الظاهر أنه لا بأس به تذكير يذكر الإنسان لكن صلوا على النبي هذه ما وردت لكن بعض المقابر يكتب عليها الدعاء المأثور.

الشيخ: بقي عندنا في كلام المؤلف الأدعية يقول المؤلف إذا زارها أو مر بها يقول السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين السلام عليكم خطاب فهل هذا من قوة الاستحضار أو إن أهل المقبرة يسمعون ما يقول؟ فيه احتمال لأن أهل المقبرة يسمعون فيقول السلام عليكم فيسمعون أو من قوة الاستحضار كما نقول نحن السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته مع أن الرسول ينقل إليه سلامنا وقوله من المؤمنين والمسلمين وهل هناك فرق بين الإيمان والإسلام؟ نقول نعم إذا قرن بينهما فبينهما فرق لأن الإيمان إيمان القلب وإقراره واعترافه ويقينه والإسلام إسلام الجوارح واستسلامها وهو أضعف حالاً من الإيمان يعني المسلم أضعف حالاً من المؤمن ودليل ذلك قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) وأكثر الناس اليوم إيمانهم إسلام أكثر الناس اليوم مسلمون لأنك إذا تأملت تصرفات الناس اليوم وجدتهم يعملون أشياء تنافي كمال الإيمان وما ينافي كمال الإيمان فإنه يتحول به الإنسان إلى أن يكون مسلماً أو مؤمناً ناقص الإيمان فلا يعطى مطلق الاسم قال (من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) كيف قال وإنا إن شاء الله مع أننا متيقنون أننا سوف نلحق بهؤلاء؟ فقيل إن المراد إن شاء الله لاحقون على الإسلام بكم لاحقون أي في الإسلام وهذا أمر غير متيقن إذ قد يحال بين الإنسان وبين حسن الخاتمة والعياذ بالله وقيل إن الاستثناء للمكان أي وإنا إن شاء الله بكم لاحقون في هذا المكان وهذا لاسيما في البقيع الذي هو أفضل بقاع الأرض في الدفن فيكون الاستثناء عائداً إلى اللحوق في المكان وقيل إن الاستثناء في (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) أن هذا للتحقيق يعني أننا لاحقون بمشيئة الله ونظيره قول الله تعالى (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)

مع أن هذا الدخول مؤكد محقق كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعمر (إنك آتيه ومطوف به) وهذا والله أعلم أقرب الأقوال أن الإنسان يقول إنا إن شاء الله أي متى شاء الله لحقنا بكم وإذا لحقنا فإنما نلحق بمشيئة الله وهذا لا يحتاج إلى تكلف ولا إلى صعوبة في الفهم أيضا وفيه أيضاً من الأدعية (نسأل الله لنا ولكم العافية) كيف يسأل العافية للأموات؟ العافية من العذاب وشدة العذاب وما أشبه ذلك لأن الميت يعذب في قبره فتسأل الله له العافية من هذا العذاب أما بالنسبة لنا فنحن مضطرون إلى العافية عافية الدين والدنيا فالقلوب مريضة والأجسام سقيمة وما لم يكن كذلك فهو عرضة له فلذلك نحتاج إلى الدعاء بالعافية لنا وفي حديث آخر يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين كذا منا أو منا ومنكم يحتاج إلى تحرير فإن لم يكن فيه منكم فالمعنى يرحم الله المستقدمين منا يعني منا معشر الأمة الإسلامية والمستأخرين وفي آخره اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم لا تحرمنا أجرهم ما هو أجرهم الذي لنا منهم؟ يعني يشمل كلما تقربنا به إلى الله فيهم فمثلاً منا من صلى عليهم ومن شيعهم ومن أصيب بهم والمتيقن أجر زيارتهم لا تحرمنا أجرهم أي أجر زيارتهم وهذا متيقن لكل من زار ولا تفتنا بعدهم فتنة حروب وقتال أو فتنة دين أو فتنة دنيا عن ماذا؟ عامة يشمل كل فتنة لا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم. فصل القارئ: وأما النساء ففي كراهية زيارة القبور لهن روايتان إحداهما لا يكره لعموم ما رويناه ولأن عائشة رضي الله عنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن، الثانية يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله زوارات القبور) وهذا حديث صحيح، فلما زال التحريم بالنسخ بقيت الكراهة ولأن المرأة قليلة الصبر فلا يؤمن تهيج حزنها برؤية قبور الأحبة فيحملها على فعل ما لا يحل لها فعله بخلاف الرجل.

الشيخ: الصحيح بلا شك أن زيارة النساء للقبور حرام بل من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن زائرات القبور وفي لفظ (زوارات القبور) فيحمل اللفظ الثاني على الأول ويقال إن صيغة المبالغة هنا ليست للكثرة بل هي للنسبة وفعّال تأتي للنسبة ولو مرة واحدة كما يقال فلان من النجارين وإن لم ينجر إلا مرة واحدة بل كما في قوله تعالى (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ليس المنفي الكثرة بل نسبة الظلم إليه تبارك وتعالى وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى بياناً واضحاً بطلان قول من يقول إن النسخ في قول الرسول عليه الصلاة والسلام (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها) عام للرجال والنساء وقال هذا لا يصح وإنما هو في الرجال فقط وما ذكره المؤلف رحمه الله من التعليل لا شك أنه قوي إن المرأة إذا زارت فهي رقيقة ضعيفة يتهيج حزنها برؤية قبور الأحبة وربما تنوح وربما تبقى المدة الطويلة عند القبر وربما يعترضها الفساق وربما يحدث لها وحشة إذا انفردت بالمقبرة ويختل عقلها بهذا المهم أن هناك مفاسد كثيرة في زيارة المرأة للقبور فإن قال قائل إن عائشة رضي الله عنها علمها النبي عليه الصلاة والسلام إذا زارت القبور أن تقول السلام عليكم دار قوم المؤمنين قلنا إن مراد الرسول عليه الصلاة والسلام ما إذا مرت المرأة بالمقبرة فلا بأس أن تقف وتدعو وأما أن تخرج من بيتها قاصدة المقبرة فهذا حرام بل من كبائر الذنوب. فصل

القارئ: ويستحب لمن دخل المقابر خلع نعليه لما روى بشير بن الخصاصية قال بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حانت منه نظرة فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال يا صاحب السِّبتيتين ويحك ألق سبتيتيك فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما رواه أبو داود فإن خاف الشوك إن خلع نعليه فلا بأس بلبسهما للحاجة ولا يدخل في هذا الخفاف لأن نزعها يشق وفي التِمِشْكات ونحوها وجهان أحدهما هي كالنعل لسهولة خلعها والثاني لا يستحب لأن خلع النعلين تعبد فيقصر عليهما. الشيخ: ظاهر كلام المؤلف رحمه الله في قوله يستحب لمن دخل المقابر خلع النعل أنه من حين أن تدخل تخلع والحديث يدل على أن المنهي عنه إنما هو المشي بين القبور وبينهما فرق وعلى هذا فلو كانت القبور في أقصى المكان فإنك لا تخلع نعليك من حين أن تدخل لأنه ليس المقصود إكرام الأموات بخلع النعل إنما المقصود دفع الأذية فيما إذا كان الإنسان يمشي بين القبور وهذا هو المراد ولعله مراد المؤلف رحمه الله فإن لم يكن مرادَه فهذا هو الحق إن شاء الله أن المنهي عنه إنما هو المشي بين القبور بالنعال وأما فيما سوى ذلك فلا وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في قصة الميت يحضره الملكان حتى إنه ليسمع قرع نعالهم وهم لابسوها في المقبرة. فصل القارئ: وإن دعا إنسان لميت أو تصدق عنه أو قضى عنه ديناً واجباً عليه نفعه ذلك بلا خلاف لأن الله تعالى قال (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ) ولقول سعد بن عبادة للنبي صلى الله عليه وسلم أينفع أمي إذا تصدقت عنها قال نعم متفق عليه. الشيخ: ما عندي متفق عليه.

القارئ: قال المخرج في نسختي لم أقف على هذه الرواية في الشيخين وقد أخرجها الترمذى في باب الزكاة من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال الترمذي في نهاية الحديث هذا حديث حسن وبه يقول أهل العلم. القارئ: وإن فعل عبادة بدنية كالقراءة والصلاة والصوم وجعل ثوابها للميت نفعه ذلك وفي الحي أيضا لأنه إحدى العبادات فأشبهت الواجبات ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرؤون ويهدون لموتاهم ولم ينكره منكر فكان إجماعا.

الشيخ: هذه المسألة مسألة إهداء القرب أو ثوابها للأموات فيه خلاف فمن العلماء من قال إنه لا ينفع الميت إلا ما جاءت به السنة فقط وما عداه فإنه لا ينتفع به الميت فيحصر ما جاءت به السنة ويقال ما عداه لا ينتفع به الميت ومنهم من قال إن القضايا التي جاءت بها السنة قضايا أعيان يعني وقع الأمر هكذا فسئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأجازه ولم يمنع ما سواه فيقاس عليه ما عداه وهذا أقرب إلى الصواب لأنه ما يدرينا لو وقع هذا الشيء أيمنعه الرسول عليه الصلاة والسلام أم لا يمنعه فالصواب أنه جائز ولكن الصواب أنه ليس من هدي السلف أن الإنسان يكثر من هذا الشيء ثم ينسى نفسه كما هو الواقع عند كثير من الناس الآن بل يقال استرشد بما أرشدك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليه حيث قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فالنبي عليه الصلاة والسلام أرشدك إلى الدعوة للميت وهذه أفضل من الصدقة له أو التسبيح له أو الصلاة أو الصوم أو العمرة وهذا أصح وهو أن يقال إهداء القرب للأموات نافع لكنه ليس بمشروع ولا مطلوب من الإنسان ولا مرغب فيه بل الدعاء أفضل حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل هل بقي من بر والدي بعد موتهما لم يذكر العمل لهما إطلاقاً بل قال الاستغفار لهما والصلاة عليهما يعني الدعاء وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا صلة لك إلا بهما ولم يذكر الصدقة ولم يذكر الصوم ولا الحج ولا غيرها مما يدل على أن العبادات تختص بالفاعل وأما الدعاء فبابه واسع كل المسلمين يدعو بعضهم لبعض السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين هذا يشمل كل صالح ميتاً كان أم حياً.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة القارئ: وهي أحد أركان الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت) متفق عليه. الشيخ: الأمر كما قال المؤلف رحمه الله إن الزكاة هي أحد أركان الاسلام للحديث وإذا تأملت هذه الأركان وجدتها إما بذل محبوب أو كفٌ عن محبوب أو صبرٌ على عمل فالصلاة صبر على عمل لأن لها شروطاً وأركاناً تحتاج إلى نوعٍ من المشقة والزكاة بذل محبوب لأن المال محبوب للإنسان لقوله تعالى: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) ولقوله: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً) وكم من إنسان لا يهمه أن يتعب في بدنه لكن يشق عليه أن يذهب درهمٌ من ماله وثالث كف عن محبوب وذلك في الصوم فإن الإنسان يكف نفسه عما يشتهيه من أكل وشرب ونكاح من أجل أن يتم التكليف ويُعلم أن الإنسان إنما يمتثل طاعة لله عز وجل لا لهوى في نفسه لأن الكثير من الناس لا يهمه أن يصوم لكن يهمه أن يبذل قرشاً واحداً من ماله وبعض الناس بالعكس فلهذا جعل الله عز وجل هذه الأركان العظيمة مبنيةً على هذه الأمور الثلاثة وهي صبر على عمل أو بذل عن محبوب أو كف عن محبوب القارئ: وتجب على الفور فلا يجوز تأخيرها مع القدرة على أدائها لأنها حق يصرف إلى أدمي توجهت المطالبة به فلا يجوز تأخيرها كالوديعة. الشيخ: يجب أن تؤدى على الفور متى ثبت الوجوب فإنه لا يجوز تأخير أدائها والتعليل الذي ذكره المؤلف لأنه حق لأدمي توجهت المطالبة به فيجب أداؤه كالوديعة، ولأنها دين في الواقع دين على الإنسان فيجب أن يبادر به، ولأن الإنسان لا يدري ماذا يعرض له؟ قد يتلف المال وتبقي الزكاة في ذمته وقد يموت وتبقى في ذمته ويتهاون الورثة بأدائها فلهذا كان لابد من أن يبادر بدفعها.

القارئ: ومن جحد وجوبها لجهله ومثله يجهل ذلك كحديث عهد بالإسلام عُرِّف ذلك ولا يحكم بكفره لأنه معذور وإن كان ممن لا يجهل مثله ذلك كفر وحكمه حكم المرتد لأن وجوب الزكاة معلوم ضرورة فمن أنكرهها كذب الله ورسوله، وإن منعها معتقداً وجوبها أخذها الإمام منه وعزَّره فإن قدر عليه دون ماله استتابه ثلاثاً فإن تاب وأخرج وإلا قتل وأخذت من تركته وإن لم يمكن أخذها إلا بالقتال قاتله الإمام لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال (لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها) رواه البخاري وتابعه الصحابة على ذلك فكان إجماعا.

الشيخ: تبين بهذه الجملة أن من جحد وجوب الزكاة نظرنا إن كان مثله يجهله عُرِّف بذلك حتى يعلم أنه واجب ثم إن أصر على إنكاره عومل معاملة من يعلم ذلك وإن كان ممن عاش في الإسلام وعلم وجوب الزكاة ولكنه أنكرها فإنه يكفر كُفرَ ردة والعياذ بالله ويقتل وإن أداها حتى لو أدى الزكاة وأكثر من الزكاة ولكنه قال إنها صدقة وليست واجبة فإنه يكون كافراً مرتداً يقتل ولكن إذا أقر بالوجوب وامتنع عن أدائها فكما قال المؤلف رحمه الله يأخذها الإمام منه ويعزره فلا يكفي مجرد الأخذ بل لا بد من التعزير والتعزير يكون بما يراه الإمام حيث يردعه وأمثاله وقيل إن التعزير أن يؤخذ شطر ماله بناء على حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال (فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا) ثم شطر المال هل المراد المال الذي فيه الزكاة وامتنع من أدائها أو جميع ماله الأول أظهر أي نأخذ شطر ماله الذي فيه الزكاة فإذا امتنع من زكاته وماله عروض أخذنا منه النصف بدلاً من ربع العشر تعزيراً له لكن لو رأى الإمام أن يأخذ شطر ماله كله حتى ما يؤدي زكاته مبالغة في التعزير ورأى أن ذلك أصلح للأمة فلا حرج فإن قدر عليه دون ماله يعنى الرجل موجود لكن المال ما يقدر عليه يقول المؤلف يستتاب ثلاثاً فإن تاب وأخرج وإلا قتل وإذا امتنع قوم من أدائها فإنهم يقاتلون لفعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولكن إذا قتل هل يقتل رده أو يقتل تعزيراً؟ الثاني، لأن الصحيح أنه لا أحد يكفر بترك شيء من أركان الإسلام سوى الشهادتين والصلاة لكنه يقتل من باب التعزير. السائل: لماذا سمي مانعو الزكاة بالمرتدين إن كان القتل تعزيراً؟ الشيخ: قتلهم لأنهم ارتدوا وقالوا إن هذه جزية ولم يقروا بوجوبها.

القارئ: وإن كتم ماله حتى لا تؤخذ زكاته أخذت منه وعزِّر وفي جميع ذلك يأخذها الإمام من غير زيادة بدليل أن العرب منعت الزكاة فلم ينقل أنها أخذ منهم زيادة عليها وقال أبو بكر يؤخذ معها شطر ماله بدليل ما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول (في كل سائمة في كل أربعين بنت لبون من أعطاها مؤتجراً فله أجرها ومن أبى فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا) رواه أبو داود وقال أحمد وهو عندي صالح. وهل يكفر من قاتل الإمام على الزكاة؟ فيه روايتان إحداهما يكفر لقول الله لقول الله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة: من الآية11) دل هذا على أنه لا يكونون إخواناً في الدين إلا بأدائها ولأن الصديق رضي الله عنه قال لمانعي الزكاة (لا حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار) والثانية لا يكفر لأن الصحابة رضي الله عنهم امتنعوا من قتالهم ابتداءً فيدل على أنهم لم يعتقدوا كفرهم ثم اتفقوا على القتال وبقي الكفر على الأصل. الشيخ: على الأصل يعنى على عدم الكفر لكن المرتدين في عهد أبي بكر رضي الله عنه منهم من قال إننا لا نسلم الزكاة لأنها جزية أو أخذت الجزية فامتنعوا فهؤلاء يقاتلون قتل المرتد لأنهم جحدوا وجوبها وأما من جحدها بخلاً أو قال إننا لا نسلمها إلا للرسول عليه الصلاة والسلام ولا نسلمه لمن بعده فهؤلاء لايقتلون كفراً ولكنهم يقاتلون ويقتلون حتى يستسلموا. فصل القارئ: ولا تجب إلا بشروط أربعة الإسلام فلا تجب على كافر أصلياً كان أو مرتدا لأنها من فروع الإسلام فلا تجب على كافر كالصيام.

الشيخ: لو أن المؤلف رحمه الله استدل بحديث معاذ لكان أحسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرْ أن يدعو أهل اليمن إلى الزكاة إلا بعد أن يستجيبوا للتوحيد ثم للصلاة فإن قال قائل وهل يأثم الكافر إذا لم يزكِّ؟ قلنا نعم يأثم لقوله تعالى عنهم: (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) وأعظم ما يطعم المسكين هو الزكاة فدل ذلك على أنهم يعاقبون عليها وهذا هو القول الراجح أن الكفار يعاقبون على سائرِ فروع الإسلام كما يعاقبون على أصله وأن من امتنع من الزكاة مع الإقرار بوجوبها فإنه لا يكفر لقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة فيمن آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته (إنه إذا كان يوم القيامة صُفِّح له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوي بها جنبه وجبينه وظهره كل ما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وهذا صريح أنه ليس بكافر إذ لو كان كافراً ما رأى سبيله إلى الجنة وعلى هذا فيكون المفهوم من هذه الآية (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) (التوبة: من الآية11) خص من الزكاة. السائل: بارك الله فيكم هل إذا امتنع قوم مثلاً من الزكاة ولم يردعهم أخذ شطر مالهم هل للإمام إذا رأى مصلحة أن يقتلهم يعنى أن يصل حد التعذيب إلى القتل؟ الشيخ: نعم إذا كانوا أفراداً يقتلهم. السائل: ما معنى قول أبي بكر رضي الله عنه والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة؟ الشيخ: المعنى أنهم إذا كانوا يقاتلون على ترك الصلاة فلنقاتلهم على ترك الزكاة.

القارئ: والشرط الثاني الحرية فلا تجب على عبد فإن ملكه سيده مالا وقلنا لا يملك فزكاته على سيده لأنه مالكه وإن قلنا يملك فلا زكاة في المال لأن سيده لا يملكه وملك العبد ضعيف لا يحتمل المواساة بدليل أنه لا يعتق عليه أقاربه إذا ملكهم ولا تجب عليه نفقة قريبه والزكاة إنما تجب بطريق المواساة فلا تجب على مكاتب لأنه عبد وملكه غير تام لما ذكرنا. الشيخ: هذه المسألة اشتراط الحرية وضدها الرق فالرقيق لا زكاة عليه والتعليل الصحيح أنه لا يملك وأن زكاة ما في يده على سيده ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع) فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن ماله للذي باعه ما لم يشترطه المبتاع وهذا لا ينبغي أن يعدل به قول أي إنسان من الناس إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قال (فماله للذي باعه) فلا حاجة إلى أن يذكر قول آخر في المسألة ونقول إنه لا يملك بالتمليك بلا إشكال. ولكن لو ملَّكه سيده فهل يملك؟ الظاهر أنه لا يملك وأن تمليك سيده له من باب الإباحة فقط وليس من باب التمليك وهذا هو المذهب لأن الذين يقولون بالفرق بين تمليك سيده وتمليك غيره يقولون إذا ملَّكه غيره فمعلوم أنه سينصرف إلى ملك سيده وإذا ملَّكه السيد فقد رضي أن يخرج جزءاً من ماله لهذا العبد ولكني أقول حتى وإن أخرج فإنما هو إباحة وليس بتمليك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ماله للذي باعه) فالصواب أن العبد لا يملك لا بتمليك سيده ولا بتمليك غيره وبناء على ذلك يكون المال الذي بيده زكاته على سيده.

وأما المكاتب فهو ليس بقنٍّ لأن المكاتب يملك شيئاً من منافعه إذ إنه يملك التصرف في ماله يبيع ويشترى من أجل أن يوفي سيده فهل نقول إنه لا زكاة عليه لأنه إلى الآن لم يتحرر (فالمكاتب عبد ما بقي عليه درهم) أو نقول لما كان له التصرف في ماله بدون مراجعة السيد صار كالمالك فتجب عليه الزكاة ثم إن قدر أن يرجع إلى الرق صارت الزكاة على السيد بعد رجوعه إلى الرق ولعل هذا أقرب أن يقال إن المال الذي بيد المكاتب يلزم المكاتب بدفع زكاته دون الرجوع إلى سيده ثم إذا قُدِّر أنه عجز أن يوفي وعاد هو وماله للسيد وجب على السيد أن يزكى هذا المال يبتدئ به حولاً. القارئ: فإن عتق وبقي في يده نصاباً استقبل به حولا. الشيخ: يعني عتقه وبقي في يده نصاباً يعنى بقي المال نصاباً وأحسبُ أن تكون بالرفع وبقي في يده نصابٌ استقبل به حولاً، من الذي يستقبل؟ المكاتب لأنه قبل ذلك ليس بمالك قبل هذا ليس بمالك فمثلاً إذا اتجر هذا المكاتب وفي خلال السنة وجد ما يوفي السيد به فأوفاه وقد مضي ثمانية أشهر من السنة فأوفى السيد وبقي معه ما يبلغ النصاب فزائداً فهل نقول إذا تمت السنة عليك أن تزكي هذا الذي بقي في يدك؟ يقول المؤلف لا بل يستقبل به حولاً فتلغى الأشهر الثمانية التي كانت قبل أن يعتق وعلى ما اخترناه في هذه المسألة نقول يبني على ما سبق فإذا تم الحول من ملكه إياه وجب عليه زكاته. القارئ: وإن عجز استقبل سيده بماله حولا لأنه يملكه حينئذ وما قبض من نجوم مكاتبه استقبل به حولاً لذلك. الشيخ: لماذا لا نقول إنها كجملة الديون؟ لأنه من الجائز أن العبد لا يوفي إذ إنه إذا عجز ولم يوفِ لم يبقَ في ذمته شيء للسيد فهو كالدين الذي على معسر أومماطل. السائل: ألم يتخلف فيه شرط الاستقرار؟ الشيخ: نعم لكن لما عتق تبين استقراره. السائل: قبل الأجل؟ الشيخ: قبل الأجل نعم لكن إذا ثبت الأمر الواقع تجب الزكاة.

القارئ: وإن ملك المعتق بعضه بجزئه الحر نصابا لزمته زكاته لأنه يملك ذلك ملكاً تاماً فأشبه الحر. الشيخ: المعتق بعضه يعني أن بعضه حر وبعضه رقيق لكن هل يتصور هذا يعني عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه والثاني باقٍ على ملكه وهو لا يستطيع أن يضمن قيمة ما أعتقه فهذا المعتق لا يستطيع أن يضمن قيمة ما لم يعتقه شريكه فهنا يبقى العبد مبعضاً ثم هل يستسعى فيقال اسعَ من أجل أن توفي حتى تعتق كلك؟ في هذه المسألة خلاف والصحيح أنه يستسعى لكن إذا استسعي فعجز بقي مبعضاً. القارئ: والشرط الثالث تمام الملك فلا تجب الزكاة في الدين على المكاتب لنقصان الملك فيه فإن له أن يعجز نفسه ويمتنع عن أدائه ولا في السائمة الموقوفة لأن الملك لا يثبت فيها في وجه وفي وجه يثبت ناقصا لا يتمكن من التصرف فيها بأنواع التصرفات وروى مهنا عن أحمد فيمن وقف أرضاً أو غنماً في السبيل فلا زكاة عليه ولا عشر هذا في السبيل إنما يكون ذلك إذا جعله في قرابته وهذا يدل على إيجاب الزكاة فيه إذا كان لمعين لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (في كل أربعين شاة شاة). الشيخ: والصحيح أنها لا تجب الزكاة في الموقف سواء كان على معين أم على سبيل العموم وذلك لأن الموقف عليه المعين لا يملك الوقف ملكاً تاماً إذ لا يملك التصرف فيه ببيع ولا شراء ولا هبة كذلك لو مات لم يورث عنه فملكه ناقص المهم أن هذا الشرط الثالث تمام الملك. القارئ: ولا تجب في حصة المضارب من الربح قبل القسمة لأنه لا يملكها على رواية وعلى رواية يملكها ملكاً ناقصاً غير مستقر لأنها وقاية لرأس المال ولا يختص المضارب بنمائها واختار أبو الخطاب أنها (جائزة) في حول الزكاة. لثبت الملك فيها.

الشيخ: (جارية) نسخة ثانية لأن جائزة مثل جارية أو قريبة منها في المعنى، المضارب له نصيب من الربح والمضارب الذي هو رب المال له أصل المال ونصيبه من الربح فمثلاً إذا أعطيت رجلاً عشرة آلاف ريال مضاربة وعند تمام الحول صارت خمسة عشر ألف ريال رأس المال عشرة وهذا فيه الزكاة لا إشكال فيه وخمسة آلاف الربح لرب المال منها ألفان وخمسمائة وللمضارب ألفان وخمسمائة تجب الزكاة في نصيب رب المال لأنها نما أصل ثابت أما نصيب المضارب وهو ألفان ونصف فإنها لا تجب فيها الزكاة لماذا؟ قالوا لأن ملكه ليس بتام إذ لو فرض أن هذا المال الذي فيه المضاربة نقص عن رأس المال بل لو كان على قدر رأس المال لم ينقص ولم يزد فإن هذا المضارب لا شيء له فيكون ملكه مزعزعاً ليس مستقراً ثم على فرض أن يقال مادام الحول قد تم وعنده هذا المال فلماذا لا نوجب الزكاة عليه لأنه تم الحول فيقال إن نصيب المضارب ليس على أصل حتى يكون تابعاً له بخلاف نصيب رب المال المضارب فإنه تابع لأصله الذي هو رأس المال وهو ثابت من أول الحول.

الآن هذا رجل مثلاً أعطى رجلاً عشرة آلاف ريال مضاربة وعند تمام الحول صارت خمسة عشر ألفاً ربحت خمسة آلاف اثنان ونصف لرب المال واثنان ونصف للمضارب حصة المضارب ليس فيها شي لماذا؟ لأنه لو قدر أن هذا المضارب الذي عمل كل هذه السنة لم يحصل على ربح لم يكن له شيء فربحه هذا الحاصل وقاية لرأس المال ولذلك لو فرضنا أن في أثناء السنة بلغت العشرة آلاف خمسة عشر ألفاً وفي آخر السنة رجعت إلى عشرة أين نصيب المضارب؟ لا شيء إذاً فملكه غير تام فلا تجب فيه الزكاة يورد علينا مورد يقول إذاً ربح رب المال أيضاً عرضة للخسارة أليس كذلك؟ فلماذا أوجبتم الزكاة فيه قلنا لأنه مبني على أصل تجب فيه الزكاة ثابت فلهذا أوجبناها في حصة رب المال لأن هذا نما ملكه دون المضارب لأنه لم يبن على أصل ثابت ولهذا لو فرضنا أن الرجل تكسب بماله وربح في عشرة آلاف ألفين ونصف هل تجب عليه الزكاة في ألفين ونصف؟ نعم تجب فهذا هو الفرق إذاً حصة المضارب ليس فيها زكاة فإن قسمت يعنى قبل تمام الحول بيوم قسم الربح وقيل يا رب المال خذ ألفين ونصف ويا أيها المضارب خذ ألفين ونصف حينئذٍ تجب الزكاة لماذا؟ لأنه الآن لا يمكن أن يكون وقاية لرأس المال لأن المضارب ملكه ملكاً تاماً. السائل: بارك الله فيك في ألفين ونصف التي لصاحب رأس المال هل تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب ومر عليه حول جديد؟ الشيخ: لا هي تبع الأول أنا أعطيك فائدة نتاج السائمة وربح التجارة تابع للأصل يعنى مثلاً إنسان عنده أربعين شاة وعند منتصف الحول صارت ثمانين وعند تمام الحول صارت مائة وواحداً وعشرين تجب الزكاة لماذا؟ لأن حول النماء والنتاج حول أصله والدليل عموم الأدلة فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كان إذا أرسل السعاة يقول اسألوهم هل هذا النماء جديد أو قديم؟ فيأخذ من الموجود ولو كان هناك اختلاف لسأل وقال هل هذا النتاج تم عليه الحول أو لا؟

السائل: وإذا كان عنده عروض التجارة كمحل مثلاً يقيم ما فيه ولا يحتاج إلى نظر إلى رأس ماله أصله؟ الشيخ: وهو كذلك عروض التجارة إذا تم الحول قوّم ما عندك مما تجب فيه الزكاة سواء زاد عن رأس المال أو نقص السائل: إذا قسم المال قبل العام بيوم نقول يجب على المضارب في ماله الزكاة كيف تجب الزكاة وهو لم يتم على تمام الملك إلا يوم واحد؟ الشيخ: أي هذا السؤال جيد ولهذا لا يبعد أن يكون هناك قول بأنه يبتديء الحول من جديد لكن هم يقولون لما كان أصله موجوداً والآن زال المحظور الذي هو وقاية رأس المال فوجبت عليه الزكاة. السائل: وإذا لم يمر على هذا المال إلا ستة أشهر لأنه من الربح؟ الشيخ: صحيح لكنه هو صار تبعاً هو من الربح لكن ليس هبة مجردة إنما هي نماء لشيء سابق تم له سنة. القارئ: وفي المغصوب والضال والدين على من لايمكن استفاؤه منه لإعسار أو جحدٍ أو مطل روايتان إحداهما لا زكاة فيه لأنه خارج عن يده وتصرفه أشبه دين الكتابة ولأنه غير تامٍ فأشبه الحلي والثانية فيه الزكاة لأن الملك فيه مستقر ويملك المطالبة به فوجبت الزكاة فيه كالدين على مليء ولا خلاف في وجوب الزكاة في الدين الممكن استيفاؤه ولا يلزمه الإخراج حتى يقبضه فيؤدي لما مضي لأن الزكاة مواساة وليس من المواساة إخراج زكاة ما لم يقبضه.

الشيخ: هذه مسألة زكاة الديون على الغير هل هي واجبة أو لا؟ نقول الديون إما أن تكون على من يمكن استيفاؤه منه شرعاً وعادةً فهذا كالموجود في الصندوق وإما أن يكون على من لا يمكن الاستيفاء منه شرعاً أوعادة فهذا الذي فيه الخلاف، فالأول كما لو كان للإنسان على شخص عشرة ألف ريال هذا الشخص يقول أنا مستعد متى شئت أعطيتك لكن صاحب الدين رجل طيب لا يحب أن يقول لأحد أعطني ماعندك لي فهذا فيه الزكاة لأن إبقاءه في ذمة الرجل باختياره وإرادته فكأنه في صندوقه ولكن لا يلزمه إخراج الزكاة حتى يقبضه فإذا قبضه زكاه لما مضى فلو قدر أنه بقي في ذمة المدين خمس سنوات فقبضه يؤديه خمس سنوات وهل يخصم منه قدر زكاته؟ الجواب لا لأنه أبقاه باختياره أما إذا كان على من لا يمكن مطالبته شرعاً أو عادة أو كان جاحداً أو مماطلاً ففيه روايتان عن الإمام أحمد وهما قولان في المذهب فالمذهب أن الزكاة فيه واجبة تجب ولكن لا يلزمه أداؤها حتى يقبضه فيزكي لما مضى ولو بقي عشر سنوات.

والقول الثاني أنه لا زكاة عليه في ذلك لأن المال ليس بيده ولا يمكنه أن يطالب به وإذا طالب فقد عجز وهذا القول هو الصحيح لأننا سواء قلنا إن الزكاة مواساة وهذا لا تحتمله المواساة أو قلنا إن الزكاة عبادة فيقال هذا مال لم يقدر عليه فلا زكاة عليه فيه ولكن هل يلزمه إذا قبضه أن يزكي في الحال لسنة واحدة أو يستأنف فيه حولاً جديداً؟ في ذلك خلاف منهم من يقول إنه يستأنف به حولاً جديداً لأنه قبل ذلك كان في حكم المعدوم فكأنه ملكه الآن فيستأنف به حولاً جديداً ومنهم من قال بل يزكيه لسنة واحدة قياساً على الثمرة التي قال الله فيها: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) وهذا ليس كالذي استجد ملكه فيه لأن الذي استجد ملكه فيه لم يملكه لا حقيقةً ولا حكماً أما هذا فهو ملكه حكماً فلهذا لو مات فإنه يورث من بعده وهذا أقرب إلى الصواب أنه يزكيه لسنة واحدة ولو بقي في ذمة المدين عشر سنوات ثم يدخله في ماله فصار الآن الحكم في زكاة الدين نقول أولاً إذا كان الدين على من لا تمكن مطالبته أو على من يعجز عن استخراجه منه شرعاً أو عادة ففيه قولان للعلماء الأول وجوب الزكاة فيه والثاني عدم الوجوب وعلى القول الأول لا يلزم الإخراج حتى يقبضه ولكن الصحيح أنه لا زكاة عليه فيه وأنه إذا قبضه زكّاه لسنة واحدة ثم أدخله في ملكه أما إذا كان على موسر يمكن أن يطالب ولو قال أعطني أعطاه بسهولة فالصحيح بل هو قول واحد أنه يلزمه زكاته لكن لا يلزمه إلا إذا قبضه. السائل: قول المؤلف لو أنه غير تام لأشبه الحلي، التشبيه هذا ما وجهه؟

الشيخ: وجه ذلك أن الحلي على القول بأنه لا زكاة فيه يقول لأنه هذا ليس متمحضاً للثمنية بل هو مستعمل فملكه فيه غير تام لكن هذا غير صحيح يعنى أن هذا القياس غير صحيح أولاً لأن ملك الإنسان للحلي ملك تام لا شك فيه لكن نقله الاستعمال إلى حكم الأشياء المستعملة هذا على القول بعدم الوجوب وأما إذا قلنا بالوجوب فإن القياس لا يصح إطلاقاً. السائل: ما تفسير العجز عجز العادة وعجز الشرع؟ الشيخ: نعم العجز العادي أن يكون من عليه الدين لا تمكن مطالبته إما لقرابته كالأب وإما لسلطانه وإما لمماطلته وتغيبه وما أشبه ذلك والشرعي أن يكون حاضراً وفياً لكن ليس عنده شيء. القارئ: وظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لأن المؤجل مملوك له تصح الحوالة به والبراءة منه. الشيخ: هذا هو الحق أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لأن المؤجل إنما أجله صاحبه باختياره والغالب أن المؤجل لابد أن يكون فيه زيادة يعنى إذا بيعت السلعة الآن نقداً بعشرة فالغالب أنك إذا بعت بمؤجل ستبيعه بأكثر فيكون التأجيل فيه مصلحة لك فالصواب أن الدين المؤجل كالدين الحال ولا فرق وهذا هو ظاهر كلام الإمام أحمد وأما قول بعض الناس في المؤجل أنا لا أزكي إلا رأس المال فإن هذا غلط يعنى بعض الناس الآن يبيع البيت الذي يساوي مائة نقداً بمئتين إلى سنتين مثلاً يقول أنا لا أزكي إلا مائة هذا غلط لأنك أنت الذي أجلت وأنت الذي أخذت الربح فيجب عليك أن تزكي الجميع. السائل: بارك الله فيك الدين الذي يؤخذ أقساط كيف يزكى إذا كان على الشيخ: كلما قبض شيئاً زكاه، المليء جائز أنه يفتقر وجائز أن يماطل أو ينسى ويجحد. السائل: أحسن الله إليك ما المقصود بقوله (لاخلاف)؟ الشيخ: لما ذكر القولين في الأول قال لا خلاف يعنى أن القولين متفقان في هذا القول يعنى لا خلاف في هذا أما على كون إجماعاً فالله أعلم. السائل: هل المراد بالحلي إذا كانت على مدين؟

الشيخ: لا ليس هو مراده الحلي على مدين بل مراده الحلي الذي يُلبس. القاريء: ولو أجر داره سنين بأجرة ملكها من حين العقد وجرت في حول الزكاة وحكمها حكم الدين. الشيخ: هذه أيضاً مسألة تقع كثيراً إذا أجر داره سنين بأجرة يقول إنه يملكها من حين العقد وعلى هذا فيكون حكمها حكم الدين لكن في النفس من هذا شيء لأن الأجرة تملك شيئاً فشيئاً ولهذا لو تلفت العين المؤجرة انفسخت الإجارة ولم يملك فالظاهر أن يقال إن الأجرة إذا تمت المدة حينئذٍ ملكها ملكاً تاماً وإذا لم تتم المدة فإنه إنما يملكها شيئاً فشيئاً فإذا أجر بيته لمدة سنة وأوفاه صاحب البيت عند تمام السنة فعلى كلام المؤلف يجب إخراج الزكاة فوراً لأنها تم لها سنة من حين العقد وعلى القول الثاني لا يلزمه لأنه لم يستقر إلا بعد تمام المدة وعلى هذا القول يستأنف فيها حولاً جديداً لكن شيخ الإسلام رحمه الله ذهب مذهباً آخر وقال إن قبض الأجرة بمنزلة الثمرة فمتى قبض الأجرة وجب عليه الزكاة وإن لم يتم حولها وهذا القول أقرب إلى الصواب وأسلم من الحسابات والشك فلو قيل بأنه إذا قبض الأجرة زكاها فوراً ثم أدخلها في ماله لكان هذا أقرب إلى الصواب وأقرب إلى الضبط أيضاً فالأقوال إذاً ثلاثة: الأول أنه يزكيه من حين العقد فإذا قبضه عند رأس الحول زكاه فوراً. والثاني أنه لا يلزمه حتى يتم لها حول من استيفائها لأنه قبل ذلك عرضة للانفساخ أوغير ذلك. والثالث أنه إذا قبضها زكاها فوراً كزكاة الثمرة لأن حقيقة الأمر أن الأجرة بالنسبة للعقار ثمرة هذا هو الحقيقة فقول الشيخ رحمه الله هو أقرب الأقوال الثلاثة السائل: ما الفرق بين الأقوال؟ الشيخ: الفرق أنه إذا كانت المدة نصف سنة مثلاً نصف سنة وقبض الأجرة فعلى المذهب لا زكاة فيها لأنه لم يتم لها حول وعلى ما اختاره الشيخ تجب الزكاة كذلك لو قبضه بعد سنتين فعلى المذهب يزكي لسنتين وعند الشيخ لسنة واحدة سنة القبض.

السائل: المستأجر يمكن يذهب إلى البيت فيرجع عن الإجارة فما تم الملك؟ الشيخ: لا إذا قبض الأجرة بعد تمام المدة يعنى بعد استيفاء المنفعة ليست أجرة مقدمة لأن الأجرة المقدمة عرضة للسقوط. السائل: إذاً لابد أن ينتهي الحول؟ الشيخ: لا فالحول أو ستة أشهر أو شهر واحد ليس بلازم على ما اختاره الشيخ أن يتم الحول. القارئ: وحكم الصداق على الزوج حكم الدين على الموسر والمعسر لأنه دين وسواء في هذا قبل الدخول وبعده لأنها مالكة لها. الشيخ: فيه احتمال أنه يسقط المهر فيما لو تبين به عيب قبل الدخول سقط المهر أو إذا طلق قبل الدخول يسقط النصف لكن يقولون إن الأصل عدم عدم السقوط. القارئ: فإن أسر رب المال وحيل بينه وبين ماله أو نسي المودِع لمن أودع ماله فعليه فيه الزكاة لأن تصرفه في ماله نافذ ولهذا لو باع الأسير ماله أو وهبه صح. الشيخ: المسألة فيها خلاف فمن العلماء من يقول إنه إذا نسي المال وبقي على ذلك سنوات ثم ذكر فإنه ليس عليه زكاة في المدة التي كان ناسياً فيها وهذا هو الصحيح لأنها قد حيل بينه وبين ماله بالنسيان أما إذا حبس هو عن المال فهذا محل نظر لأن العلة هنا ليست في المال ولكن في صاحب المال فقد يقال بوجوب الزكاة عليه لأنه يملك التصرف فيه يملك أن يبيعه ولو كان محبوساً عنه ويملك أن يهبه وقد يقال إنه لا زكاة عليه لأنه كالذي حيل بينه وبين ماله لكن الاحتياط أن يزكي. القارئ: وإذا حصل الضال في يد الملتقط فهو في حول التعريف على ما ذكرناه وفيما بعده يملكه الملتقط فزكاته عليه دون ربه ويحتمل أن لا تلزمه زكاته ذكره ابن عقيل لأن ملكه غير مستقر إذ لمالكه انتزعه منه عند مجيئه والأول أصح لأن الزكاة تجب في الصداق قبل الدخول وفي المال الموهوب للابن مع جواز الاسترجاع.

الشيخ: وبناءاً على ذلك فلو أن إنساناً وجد دراهم وعرفها سنة كاملة ولم يأتِ صاحبها فبعد تمام السنة تكون للواجد للملتقط من حين تمام الحول حول التعريف يبتدئ حول الزكاة ونماؤها بعد ذلك لمن بعد تمام الحول حول التعريف للواجد فنقول أنت الآن لك نماؤها فعليك زكاتها وأما نماؤها قبل ذلك فهو لصاحبها فإذا جاء صاحبها بعد تمام الحول وبعد أن تصرف وباع واشترى فيها ونمت فله من ماله ما تم عليه الحول فلو كانت اللقطة أصلها مائة وعند تمام الحول صارت مائتين وعند وجود صاحبها صارت ثلاثمائة كم يأخذ صاحبها؟ يأخذ مئتين وأما المئة الثالثة التي صارت بعد تمام السنة أي سنة التعريف فهي للواجد والظاهر أن ما ذكره المؤلف أصح وذلك لأن النظير الذي ذكره واضح فيه فالزكاة تجب في الصداق على المرأه قبل الدخول مع أنه عرضة للسقوط كله أو بعضه وكذلك المال الموهوب للابن يجب على الابن أن يزكيه مع أن أباه يمكن أن يرجع فيه لأن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه ومع ذلك تجب فيه الزكاة. القارئ: فإن أبرت المرأه زوجها من صداقها عليه أو أبرأ الغريم غريمه من دينه ففيها روايتان إحداهما على المبريء زكاة ما مضى لأنه تصرف فيه أشبه ما لو أحال به أو قبضه والثانية زكاته على المدين لأنه ملك ما ملك عليه قبل قبضه منه فكأنه لم يزل ملكه عنه ويحتمل أن لا تجب الزكاة على واحد منهما لأن المبريء لم يقبض شيئا ولا تجب الزكاة على رب الدين قبل قبضه والمدين لم يملك شيئا لأن من أسقط عنه شيئاً لم يملكه بذلك فأما ما سقط من الصداق قبل قبضه بطلاق الزوج فلا زكاة فيه لأنها لم تقبضه ولم يسقط بتصرفها فيها بخلاف التي قبلها وإن سقط لفسخها النكاح احتمل أن يكون كذلك لأنها لم تتصرف فيه واحتمل أن يكون كالموهوب لأن سقوطه بسبب من جهتها.

الشيخ: هذه مسائل مهمة المسألة الأول إذا أبرأ الإنسان غريمه من دينه فهل تجب عليه الزكاة أي على المبريء أو على المبرأ أو لا تجب على واحد منهما؟ في المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول أنها تجب على المبريء لأن الإبراء كالقبض ومعلوم أن الرجل إذا قبض دينه وجب عليه زكاته. والقول الثاني لا تجب لأن الرجل لم يملك شيئاً حتى نقول إنه تجب عليه الزكاة لكن تجب على المبرأ حتى لو فرض أنه كان فقيراً فإنها تجب عليه لأنه يكون كالدين. والقول الثالث الاحتمال الذي ذكره المؤلف أنها لا تجب على واحد منهما أما رب المال فلأنه لم يملكه ولم يقبضه وأما المدين فإنه كذلك لم يملكه فلا زكاة عليه فيه ولكن يبتدئ فيه حولاً وما ذكره المؤلف احتمالاً هو الأقرب أنها لا تجب لا على رب المال لأنه لم يقبضه ولا على المدين لأنه لم يملكه وعلى هذا فيبتدئ به المدين حولاً جديداً. المسألة الثانية يقول رحمه الله فأما ما سقط من الصداق قبل قبضه بطلاق الزوج فلا زكاة فيه لأنها لم تقبضه فلم يسقط بتصرفها فيه بخلاف التي قبلها يعنى كأن مورداً أورد أليس المرأه إذا تنصف صداقها قبل الدخول فإنه لا زكاة عليها في النصف الذي عاد للزوج أجاب بأن هناك فرقاً بين هذا وبين الإبراء لأن سقوط الدين عن المدين بالإبراء إنما سقط بفعل المبريء وأما سقوط نصف الصداق فإنه لم يسقط بفعل المرأه وإنما سقط بفعل الزوج لأن الزوج إذا طلق قبل الدخول صار للمرأه نصف الصداق فقط فإن سقط كله مثل أن يسلم الرجل قبل الدخول فإنه ينفسخ النكاح على المشهور من المذهب وحينئذٍ يسقط المهر لأن الفرقه هنا من قبل الزوجة فالزوج هو الذي أسلم وفيه رأى آخر يمر علينا إن شاء الله تعالى وبناء على ذلك هل تجب عليها الزكاة أم لا؟ نقول لا تجب لأنها لم تملكه ملكاً تاماً اللهم إلا أن يبقى حولاً كاملاً فيجب عليها الزكاة في هذا الحول. السائل: إذا أبراءت المرأة زوجها من صداقها فما الحكم؟

الشيخ: هي كالمدين. السائل: يا شيخ بالنسبة للقطة المال لم أتصور يعني نماؤها كيف وهو لا يجوز له أن يتصرف فيه إلا على سبيل التعريف فقط يعنى كيف إذا مر عليه سنة حول كامل فنماؤها لصاحبها كيف يتصرف فيها حتى ينمو في التجارة لا يجوز له أن يعنى يتاجر فيها وهو لم يملكها؟ الشيخ: ألا يجوز أن يكون النماء من كسبه إذا كان رقيقاً مثلاً أو كان ماشية والدراهم ما يمكن إلا إذا كان أُذن له في التصرف فيه من قبل الحاكم أو ما أشبه ذلك. السائل: الزوج إذا أسلم كان هو سبب في انفساخ العقد كيف تكون الزكاة في صداق الزوجة وهي أصلاً غير مسلمة؟ الشيخ: نعم هي غير مسلمة فليس عليها زكاة إذاً لا يصح المثال هنا إلا أن تسلم فتبتدئ حولاً أي نعم تنبيه طيب في هذه الصور يمكن تكون بالعكس أن يكفر الزوج وهي مسلمة بمعنى أنه عقد عليها وهما مسلمان ثم يكفر يتصور هذا. القارئ: الشرط الرابع الغنى بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) متفق عليه ولأن الزكاة تجب مواساة للفقراء فوجب أن يعتبر الغنى ليتمكن من المواساة والغنى المعتبر ملك نصابٍ خالٍ عن دين فلا يجب على من لا يملك نصابا لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة ولا فيما دون خمس أواقٍ صدقة) متفق عليه.

الشيخ: الشرط الرابع الغنى والغنى في كل موضع بحسب فمثلاً الغنى في الأخذ من الزكاة غير الغنى في وجوب الزكاة فالإنسان قد تجب عليه الزكاة وهو من أهل الزكاة الذين يأخذونها والمراد بالغنى هنا ملك نصاب زكوي أن يملك نصاباً زكوياً ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ ابن جبل (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) هذا دليل أثري والدليل النظري وهو غير مسلم تماماً ولأن الزكاة تجب مواساة للفقراء فيجب أن يعتبر الغنى ليتمكن من المواساة والغنى المعتبر ملك النصاب لكن قوله خالٍ عن دين هذا محل خلاف يعنى لو كان عند الإنسان نصاب وعليه دين بقدره فعلى كلام المؤلف لا يكون غنياً لأنه لابد أن يملك نصاباً خالياً من الدين لكن هذا فيه نظر كما سبق ودليل أنه لابد من ملك النصاب قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة يعنى من الإبل ولا فيما دون خمس أواقٍ (يعني من الفضة) صدقة) متفق عليه. القارئ: ومن ملك نصاباً وعليه دين يستغرقه أو ينقصه فلا زكاة فيه إن كان من الأموال الباطنة وهي الناض وعروض التجارة رواية واحدة لأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال بمحضر من الصحابة: (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم) رواه أبو عبيد في الأموال ولم ينكر فكان إجماعا ولأنه لا يستغني به ولا تجب الصدقة إلا عن ظهر غنى، وإن كان من الأموال الظاهرة وهي المواشي والزروع والثمار ففيه ثلاثة روايات: إحداهن لا تجب فيها الزكاة لذلك. والثانية فيها الزكاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يبعث سعاته فيأخذون الزكاة من رؤوس الأموال الظاهرة من غير سؤال عن دين صاحبه) بخلاف الباطن.

الثالثة أن ما استدانه على زرعه لمؤنته حسبه وما استدان لأهله لم يحسبه لأنه ليس من مؤنة الزرع فلا يحسبه على الفقراء فإن كان له مالان من جنسين وعليه دين يقابل أحدهما جعله في مقابلة ما يقضي منه وإن كانا من جنس جعله في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته تحصيلاً لحظهم. الشيخ: الذي عليه الدين هل تجب الزكاة في المال الذي بيده؟ في هذا تفصيل إن كان المال باطناً وهو ما لا يظهر للناس فلا زكاة عليه فيه على ما ذهب إليه المؤلف وقيل بل عليه الزكاة لأن الزكاة واجبة في المال لا في الذمة فكانت واجبة ومثال ذلك رجل بيده مئتا درهم وهي نصاب وعليه دين يبلغ مائة درهم فهل عليه زكاة إن قلنا بأن الدين يمنع وجوب الزكاة فلا زكاة عليه لأنه لم يبقَ عنده بعد الدين إلا مائة والمائة دون النصاب. والقول الثاني إنه تجب عليه الزكاة تجب عليه الزكاة وذلك لأن الزكاة واجبة في المال كما قال الله تبارك وتعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) ولأن النفوس متعلقة بالمال الذي بين يدي الإنسان لاسيما إذا كان صاحب عروض تجارة مشهوراً وهذا القول أقرب إلى الصواب فيقال أخرج زكاة مالك وإذا كنت محتاجاً إلى قضاء الدين أعطيناك من الزكاة ولا مانع من أن يكون الإنسان تجب عليه الزكاة وتحل له الزكاة ولو قيل بأن ما وجب أولاً قدم فإن كان الدين قد حل قبل وجوب الزكاة فهو أحق بالوفاء وإذا كان لم يحل بل حلت الزكاة قبله فهي أحق مثال ذلك لو كان على الإنسان دين مؤجل يحل بعد تمام الحول فهنا نقدم الزكاة لسبق حق الفقراء ولو حل قبل تمام الحول نقدم الدين لو قيل بهذا لكان قولاً جيداً ويكون فيه أيضاً مصلحة وهو حث أهل الشح والبخل على المبادرة بقضاء الدين وهذا قول لا بأس به.

أما الأموال الظاهرة وهي التي تظهر للناس وهي الحبوب والثمار والمواشي (بهيمة الأنعام) هذه أموال ظاهرة لأن الحبوب مزارع تشاهد والثمار نخيل تشاهد أيضاً والمواشي كذلك ففيها الروايات الثلاثة التي ذكر المؤلف الأول أنه لا زكاة فيها إذا كان على صاحبها دين ينقص النصاب والثاني عليه الزكاة بكل حال والثالثة فيه التفصيل إن كان الدين لمصلحة المال فلا زكاة عليه كالذي استدان لمؤنة الزرع والحرث والجز وما أشبه ذلك وكذلك بالنسبة للماشية استدان لتحصيل الماء لها وحملها إلى المرعى وما أشبه ذلك وإن كان لأمر خارج فإنه لا يمنع الوجوب وهذا قول وسط بين القولين لكن الأقرب أن الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يبعث السعاة لقبضها ولا يسألون الناس هل عليكم ديون أم لا) ولأنه ظاهر تتعلق به أطماع الفقراء ولأنه قد يدعي صاحبه أن عليه دين وليس كذلك. فصل القارئ: وتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ابتغوا في أموال اليتامى كيلا تأكلها الزكاة) أخرجه الترمذي وفي إسناده مقال وروي موقوفاً على عمر رضي الله عنه ولأن الزكاة تجب مواساة وهما من أهله ولهذا تجب عليهما نفقة القريب ويعتق عليهما ذو الرحم وتخرج عنهما زكاة الفطر والعشر فأشبها البالغ العاقل. الشيخ: الصحيح ما ذكره المؤلف رحمه الله من وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون ولا يعارض هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق) وذلك لأن ما ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام باعتبار التكليف البدنى والزكاة تكليف مالي تتعلق به الزكاة فتجب الزكاة في أموالهما ثم ذكر المؤلف رحمه الله لهذا نظائر وهو وجوب نفقة القريب عليهما لأن الحق تعلق بآخر وهو القريب وكذلك يقال في فعل الزكاة تعلقت حقوقهم في المال.

ثانياً يعتق عليهما ذو الرحم يعنى لو ملكا ذا رحم عتق عليهما وصورة المسألة أن الإنسان إذا اشترى أخاه من السوق وجد أخاه يباع رقيقاً فاشتراه عتق عليه بغير اختيار وكذلك كل ذي رحم منه فالصغير والمجنون لو ملكا ذا رحم بهبة أو نحوها فإنه يعتق عليهما مع أنه إذا عتق سيخرج عن ملكهما لكنه يعتق لأن هذا من الحقوق المالية ونحن كما رأيتم مثلنا بالإرث والهبة لأنه بالشراء لا يجوز لوليهما أن يشترى من يعتق عليهما لما في ذلك من إضاعة مالهما ولكن إذا وهب لهما أحد ذا رحم ملكاها ولكن يعتق عليهما وأيضاً يخرج عنهما زكاة الفطر وهما ليس بالغين ولا عاقلين. السائل: الأموال الباطنة والدين على القول بأن الذي سبق في الوجوب يقدم فإذا كان وجوبهما في وقت واحد أيهما يقدم؟ الشيخ: هذا إذا لم يكن له مدة يجب المبادرة في قضائه فيكون سابقاً على الزكاة. السائل: كيف نجمع بين وجوب الزكاة على المجنون والصغير وبين أنه لا يجوز إخراج الزكاة إلا بنية المزكي والمجنون لا نية له؟ الشيخ: نعم المجنون لا نية له والصغير أيضاً الذي دون التميز لا نية له لكن وليهما يخرجها. السائل: ولكن لو أخرج رجل عن رجل آخر هل هو مثله؟ الشيخ: هذا ضرورة ولي المجنون وولي الصبي يخرج عنهما للضرورة. السائل: عروض التجارة من الأموال الظاهرة أم الباطنة؟ الشيخ: هذه من الأموال الباطنة لأن الزكاة تجب في قيمتها وهي باطنة ما هي ظاهرة لكنه في الحقيقة قريبة من الأموال الظاهرة لأن مثل صاحب المتجر كل الناس يشاهدونه ويقولون هذا غني هذا عنده متجر عظيم لكنهم يعدونها من الأموال الباطنة الأموال الظاهرة ثلاثة فقط الحبوب والثمار والمواشي. فصل

القارئ: ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء لقوله صلى الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) يدل بمفهومه على وجوبها فيه عند تمام الحول ولأنه لو أتلف النصاب بعد الحول ضمنها ولو لم تجب لم يلزمه ضمانها كقبل الحول فإن تلف النصاب بعد الحول لم تسقط الزكاة سواء فرط أو لم يفرط لأنه مال وجب في الذمة فلم يسقط بتلف النصاب كالدين، وروى عنه التميمي وابن المنذر أنه إن تلف قبل التمكن سقطت الزكاة لأنها عبادة تعلقت بالمال فتسقط بتلفه قبل إمكان الأداء كالحج ولأنه حق تعلق بالعين فسقط بتلفها من غير تفريط كالوديعة والجاني فإن تلف بعض النصاب قبل التمكن سقط من الزكاة بقدره، وإن تلف الزائد عن النصاب (في السائمة) لم يسقط شيء لأنها تتعلق بالنصاب دون العفو، ولا تسقط الزكاة بموت من تجب عليه لأنه حق واجب تصح الوصية به فلم يسقط بالموت كدين الآدمي.

الشيخ: هذا الفصل خلاصته أنه هل يشترط لوجوب الزكاة إمكان الأداء أو لا؟ سبق أن الدين على القول الراجح إذا كان على معسر لا تجب فيه الزكاة لأن إمكان الأداء منه متعذر فتسقط الزكاة لكن إذا كان المال بين يديه فهل يشترط إمكان الأداء أو لا؟ المؤلف يقول إنه لا يشترط ولكن على هذا القول لو تلفت بعد تمام الحول وبعد وجوبها فهل يضمنها أو لا؟ المؤلف رحمه الله يرى أنه يضمنها ولكن الصواب أنه لا يضمنها حتى لو قلنا إنه لا يشترط إمكان الأداء فإنه لا يضمنه إلا أن يتعدى أو يفرط وأما تعليله بقوله ولأنه لو أتلف النصاب بعد الحول ضمنها فهذا غريب منه رحمه الله لأنه إذا أتلف النصاب بعد الحول هو الذي اعتدى عليه فيضمن حق أهل الزكاة فالصواب أن الزكاة تجب إذا تم الحول ولكن لو تلفت المال بعد تمام الحول بدون تعدٍ ولا تفريط فإنه لا ضمان عليه لأن هذا يشبه الوديعة والوديعة إذا تلفت بلا تعدٍ ولا تفريط فإنه لا ضمان على المودع كذلك صاحب المال فإن الزكاة عنده بمنزلة الوديعة والأمانة فإذا تلف المال بلا تعدٍ ولا تفريط فلا ضمان فإن قال قائل هو مفرط بكل حال لأنه أخّرَ المبادرة بإخراجها نقول ما جرت العادة بتأخيره كنصف اليوم ونحوه فهذا لا يعد تفريطاً أما إذا أخرها كثيراً حتى تلف المال أو احترق فحينئذٍ يكون مفرطاً فعليه الضمان وكلامنا فيما إذا لم يكن مفرطاً ولا متعدياً فإنه لا ضمان عليه لأن الزكاة في يده أمانة فهو كالمودع هذه خلاصة هذا الفصل أما إذا تلف بعض النصاب فهو على التفصيل هذا إذا تلف بعض النصاب بعد تمام الحول بتعدٍّ أو تفريط وجب عليه زكاة ماله كله الباقي والتالف وإن تلف بلا تعدٍّ ولا تفريط فإنه يجب عليه زكاة الباقي فقط لأن الزكاة وجبت عند تمام الحول ولكنه لا يضمن ما تلف وإن مات قبل أن تؤدى الزكاة فسينتقل المال إلى الورثة فهل عليهم زكاة مورثهم؟ الجواب نعم لأنها دين عليه وحق ثابت فعليهم أن يؤدوها إلى أهلها لكن لو

كان الرجل الميت تعمد عدم الزكاة يعنى هو نفسه يقول إنه ليس بمزكٍّ ليس تهاوناً في إخراجها لأن أحياناً يتراخى في إخراجها ويقول أخرجها غداً أو أخرجها بعد غد فيفاجئه الموت فهذا لا شك أنه يخرج عنه أحياناً يقول لا مالي ما فيه زكاة مثلاً ويتعمد عدم الإخراج فهل يجب على الورثة إذا مات أن يخرجوا الزكاة عنه؟ في هذا خلاف فيه قولان المشهور عند عامة العلماء أنها يجب إخراجها لأنها دين وقد وجبت عليه وتعلق بها حق الغير فيجب وإن كانت في هذه الحال لا تبرأ ذمته ويعتبر كالذي منعها بالمرة وذهب بعض أهل العلماء إلى أنها لا تخرج وأن الإثم عليه والورثة ليس لهم إلا صافي المال وهذا رجل تعمد أن لا يخرجها ولكن الأقرب أنها تخرج لتعلق حق أهلها بها لكنها لا تبرأ بها ذمته ولا ينفعه هذا الإخراج عند الله عز وجل لأنه قد تعمد أن لا يزكي والعجب أن بعض الناس يكون محافظاً على الصلوات محافظاً على صلة الرحم محافظاً على كل الأخلاق الفاضلة ولكن يمنع الزكاة والعياذ بالله وهذا حرمان عظيم تجده كريماً في غير الزكاة ولكن في الزكاة يكون بخيلاً وهذا والعياذ بالله من سوء العمل. السائل: أحسن الله إليك رجل عنده مواشٍ مثلاً وعنده إبل عشرة إبل واحدة منها ضاعت ولا زال في طلبها في شهر الزكاة أو واحدة منها مريضة يعنى مرضاً لا يرجى برؤه؟ الشيخ: المسألة الأول عنده عشر من الإبل ضاعت واحدة منها قبل تمام الحول إذاً المتيقن الآن زكاة خمس وفي الخمس شاة أما الأربعة الباقي فلا زكاة عليه فيها حتى يجد الضائع ولكن إذا وجد الضائع فهل يبتدئ به حولاً أو يزكي على كل حال نقول هذا مبنى على ما سبق وقد قررنا أن الصواب أنه يزكيه لسنة واحدة فلو فرض أن هذا الضائع بقي أربع سنوات ما وجده ثم وجده فيزكيه لسنة واحدة على القول الراجح عرفت وأما المريضة مرضاً لا يرجى برؤه فهي كالصحيحة يعنى لا بد أن تخرج الزكاة فيها.

السائل: لما حال عليها الحول جحد الزكاة قال لا زكاة في مالي ثم مات هل الورثة يزكون عنه؟ الشيخ: لا هذا كافر مات كافراً. السائل: من أخرج زكاة ماله وعين ثم تلفت قبل أن يسلمها؟ الشيخ: ينظر إن كان مفرطاً فعليه الزكاة يخرج هذه الزكاة التي عينها وإن كان ليس بمفرط فلا زكاة عليه. السائل: في المسألة السابقة إذا كان أولاده مسلمين فإنهم لا يرثون لأن الكفر مانع من التوارث؟ الشيخ: نعم هذا على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فهو يرى أن المرتد يورث ما نرجح هذا القول وشيخ الإسلام رحمه الله يقول إن الصحابة رضي الله عنهم ورثوا ورثة المرتدين في زمن أبي بكر رضي الله عنه لكن الصواب أنه لا توارث بين المسلم والكافر لأن حديث أسامة ابن زيد ثابت في الصحيحين (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم). السائل: إذا وجب الدين في الأموال الباطنة ووجبت الزكاة في آن واحد يتحاصان في المثال الذي ذكرنا إذا كان بيده مائتا درهم ووجبت به الزكاة وعليه مائة؟ الشيخ: نعم كم زكاة المئتين؟ ربع العشر خمسة يكون الدين يؤخذ اثنين ونصف وأهل الزكاة اثنين ونصف والمائه يؤديها هذه لابد منها. فصل القارئ: وفي محل الزكاة روايتان إحداهما: أنها تجب في الذمة لأنه يجوز إخراجها من غير النصاب ولا يمنع التصرف فيه فأشبهت الدين. والثانية: يتعلق بالعين لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) وفي للظرفية. الشيخ: وكذلك حديث معاذ (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وكذلك قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً).

القارئ: فإن ملك نصاباً مضت عليه أحوال لم تؤد زكاته وقلنا هي في الذمة لزمته الزكاة لما مضى من الأحوال لأن النصاب لم ينقص وإن قلنا تتعلق بالعين لم يلزمه إلا زكاة واحد لأن الزكاة الأولى تعلقت بقدر الفرض فينقص النصاب في الحول الثاني وهذا ظاهر المذهب نقله الجماعة عن أحمد الشيخ: وهذا أيضاً بناءاً على أن الدين يمنع الزكاة وإذا قلنا إنه لا يمنع الزكاة فإنه يؤدي عن كل ما مضى مثاله إنسان عنده أربعون شاة مضى عليها خمسة أحوال إن قلنا الزكاة في المال فإنها سوف تنقص واحدة في الحول الأول وتكون الأحوال الأربعة دون النصاب لا زكاة فيها وإذا قلنا في الذمة فقد وجبت في أمر خارج عن عين المال فتجب الزكاة لكل السنوات الخمس لأن الأربعين لم تنقص والراجح أن الزكاة تجب في كل السنوات الخمسة فهي تجب في عين المال ولها تعلق بالذمة وإذ قلنا بذلك استفدنا فائدة عظيمة وهي أن المالك لا يتأخر بعد هذا في إخراج الزكاة وهو إذا أخرجها أول الحول نقصت عن النصاب فلا تلزمه الزكاة فيما بعدها. القارئ: فإن كان المال زائداً عن نصابٍ نقص منه كل حول بقدر الفرض ووجبت الزكاة فيما بقي فإن ملك خمساً من الإبل لزمه لكل حول شاة لأن الفرض يجب من غيرها فلا يمكن (تعلقه) بعينها الشيخ: عندنا (تعلقها) في النص وما في النسخة الأخرى يصلح (تعلقها) للزكاة لأن الحديث عن الزكاة والتذكير له وجه. القارئ: وإن ملك خمساً وعشرين من الإبل فعليه للحول الأول ابنة مخاض وفيما بعد ذلك لكل حول أربع شياه. فصل القارئ: وتجب الزكاة في خمسة أنواع أحدها المواشي ولها ثلاثة شروط:

أحدها أن تكون من بهيمة الأنعام لأن الخبر ورد فيها وغيرها لا يساويها في كثرة نمائها ودرها ونفعها ونسلها فاحتملت المواساة منها دون غيرها ولا زكاة في الخيل والبغال والحمير والرقيق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) متفق عليه ولأنه لا يطلب درها ولا تقتني في الغالب إلا للزينة والاستعمال لا للنماء الشيخ: وهذا مشروط بما إذا لم تكن عروض تجارة فإن كانت عروض تجارة وجبت الزكاة فيها القارئ: ولا زكاة في الوحش لذلك وعنه في بقر الوحش الزكاة لدخولها في اسم البقر والأول أولى لأنها لا تدخل في إطلاق اسم البقر ولا تجوز التضحية بها ولا تقتنى لنماء ولا در فأشبهت الظباء. وما تولد بين الوحشي والأهلي فقال أصحابنا فيه الزكاة تغليباً للإيجاب والأولى أن لا تجب لأنها لا تقتنى للنماء والدر أشبهت الوحشية ولأنها لا تدخل في إطلاق اسم البقر والغنم. الشيخ: ولأن الأصل البراءة فلا تجب إلا بيقين لا يقال للناس بالاحتياط في هذا ونوجب الزكاة لأن الاحتياط لم يوجد سببه فهذه ليست أصلاً محلاً للزكاة حتى نسلك باب الاحتياط في إيجاب الزكاة فيها. السائل: يقول بعض العلماء أن استحقاق الزكاة في الدين متعلق بالعين؟ الشيخ: لا ما هو بصحيح فقد سبق لنا الخلاف في هذا سبق أن في المسألة ثلاثة أقوال وأنه لولا العمومات لقلنا إن القول الوسط هو الصحيح وهو أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة كالمواشي والزرع والثمار ويمنع الزكاة في غيرها وهذا القول اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله لكن ظاهر النصوص أنها متى ما وجد النصاب وجبت الزكاة سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة. السائل: إذا قدم الرجل الزكاة قبل تمام الحول ثم بعد ذلك أراد أن يقدم زكاته في نفس الوقت كل سنة هل له ذلك؟ الشيخ: له ذلك لأن معناه يقدم كل سنة بسنته السائل: حتى ولو ظن أنه ربما لو انتظر إلى تمام الحول يزيد ماله؟

الشيخ: إذا زاد يخرج الزيادة وإن نقص فقد اختار التطوع هو بنفسه وأخرج زكاته. السائل: من عنده مال محرّم فهل عليه الزكاة؟ الشيخ: أما إذا كان يريد أن يتلف هذا المال المحرم كإنسان عنده دخان مثلاً كراتين دخان إن كان يريد أن يتلفها فلا زكاة عليه وأما إذا كان يبقيها فعليه الزكاة لأنه يعتبر أن هذا مال ولا يمكن أن نجازيه على فعل محرم بأن نسقط الزكاة عنه. القارئ: الشرط الثاني: الحول لأن ابن عمر رضي الله عنهما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) رواه الترمذي وابن ماجه وأبو داود. ولأن الزكاة إنما تجب في مال نامٍ فيعتبر له حول يكمل النماء فيه وتحصل الفائدة منه فيواسي من نمائه فإن هلك النصاب أو واحدة منها في الحول أو باعها انقطع الحول. الشيخ: هذا إذا كانت للنماء أما إذا كانت للتجارة فإنه لا ينقطع الحول ببيعها وذلك لأن الأموال التجارية المقصود منها القيمة فسواء كانت هذه العين أو هذه العين أو هذه العين. القارئ: ثم إن نتجت له أخرى مكانها أو رجع إليه ما باع استأنف الحول سواء ردت إليه ببيع أو إقالة أو باعها بالخيار فردت به لأن الملك يزول بالبيع، والرد تجديد ملك، وإن قصد بشي من ذلك الفرار من الزكاة لم تسقط لأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط كالطلاق في مرض الموت. الشيخ: يعنى مثلاً إنسان لما قارب تمام الحول وعنده أربعون شاة ذهب فباع واحدة لتسقط عنه الزكاة نقول هذا إذا كان متحايلاً لإسقاط الزكاة فإن الزكاة لا تسقط والقاعدة عندنا أن كل من تحيل لإسقاط واجب فإن الواجب لا يسقط وكل من تحيل لاستباحة محرم فإن المحرم لا يباح هذه قاعدة يجب أن نفهمها في كل المسائل في الطلاق وفي النكاح وفي البيوع وفي أي شيء (كل من تحيل لإسقاط واجب أو لاستباحة محرم فإنه لا يباح).

القارئ: وإن نُتجت واحدة ثم هلكت واحدة لم ينقطع الحول لأنه لم ينقص وإن خرج بعضها ثم هلكت أخرى قبل خروج بقيتها انقطع الحول لأنها لم يثبت لها حكم الوجود في الزكاة حتى يخرج جميعها. الشيخ: خرج بعضها قصده في الانتاج انتاج الولادة هذه خرج بعضها ثم هلكت أخرى قبل خروج بقيتها انقطع الحول لأنها لم يثبت لها حكم وجود في الزكاة حتى يخرج جميعها هذه مثلاً شاة تولد طهر بعض الولد وماتت الشاة الأخرى انقطع الحول لأنه لا يحكم بوجودها إلا إذا انتهى خروجها السائل: إذا ولدت واحدة ثم ماتت واحدة صارت أربعين أيجب أن يخرج الزكاة وهذه التي نتجت ليست بسائمة؟ الشيخ: نعم هي تبع لأمها نتاج السائمة تبع لأمها. القارئ: وإن أبدل نصاباً بجنسه لم ينقطع الحول لأنه لم يزل في ملكه نصابٌ من الجنس جارٍ في حول الزكاة فأشبه ما لو نتج النصاب نصابا ثم ماتت الأمهات. الشيخ: هذا عنده أربعون شاة كل واحد ولدت واحداً وبعد أن ولدت واحداً ماتت كل الأربعين فالحول لم ينقطع لأن هذه الأربعين وجدت قبل موت الأمهات. القارئ: وإن باع عيناً بورق انبنى على ضم أحدهما إلى الآخر فإن قولنا يضم لم ينقطع الحول لأنهما كالجنس الواحد وإن قلنا لا يضم أنقطع الحول لأنهما جنسان. الشيخ: والصحيح أنهما جنسان إلا أموال الصيارف لأن أموال الصيارف يريدون بها التجارة فهي عروض التجارة السائل: أموال الصيارف أليست جنس واحد؟ الشيخ: لا، ذهب وفضة. السائل: إذا فقد بعض الشياه قبل تمام الحول ثم وجدها بعد تمام الحول؟ الشيخ: تجب الزكاة لأن هذا الضالة في حكم ملكه السائل: إذا ماتت في أثناء الولادة؟ الشيخ: في الولادة ماتت قبل أن يخرج بقية الولد ثم خرجت بقية الولد أو أخرجت لأن الغالب إذا ماتت ما عاد تخرج إلا بإخراج فهنا نقول انقطع الحول لماذا لأن الأم ماتت فنقص النصاب قبل أن توجد السخلة.

القارئ: وما نتج من النصاب فحوله حول النصاب لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال (اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه). الشيخ: يعنى يرجع بها على يديه لأن الرعاة في البر إذا ولدت البهائم أتوا بالأولاد يحملونها على أيديهم إلا إذا كان هناك مثلاً بهيمة كحمار يجعلون فيه الأولاد يعنى هذا عادة الرعاة فإن راعي الغنم يستصحب معه حماراً له مراحل أي رحل يكون مثلاً زمبيل كبير إذا ولدت الغنم وضع الأولاد في هذه المراحل فمعنى قوله يروح بها يعنى يرجع بها على يديه حامل لها على يديه تذهب نحن جربنا هذا كانت غنمنا تذهب في الصباح وتأتي بالسخلة في آخر النهار. القارئ: ولأنه من نماء النصاب فلم يفرد عنه بحول كربح التجارة. الشيخ: يعنى السخلة ويصلح (لأنه) بضمير المذكر. القارئ: وإن ماتت الأمهات فتم الحول على السخال وهي نصاب وجبت فيها الزكاة لأنها جملة جارية في الحول لم تنقص عن النصاب أشبه ما لو بقي من الأمهات نصاب. وإن ملك دون النصاب وكمل بالسخال احتسب الحول من حين (كمال) النصاب. الشيخ: عندي من حين (كمل) نسخة. القارئ: وعنه يحتسب من حين ملك الأمهات والأول المذهب لأن النصاب هو السبب فاعتبر مضي الحول على جميعه. الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه لا يحتسب إلا من تمام النصاب أما قبل ذلك فليس بشيء. القارئ: وأما المستفاد بإرث أو عقد فله حكم نفسه لأنه مال ملكه أصلاً فيعتبر لها الحول شرطاً كالمستفاد من غير الجنس. الشيخ: قوله (المستفاد بإرث أو عقد له حكم نفسه) يعنى في الحول لا في كمال النصاب وعلى هذا فإذا كان عند الإنسان مائة درهم ملكها في محرم ثم مات مورثه في أثناء السنة وحصل على مائة درهم من الميراث فهنا نقول المائة الدرهم التي حصل عليها في نصف السنة لا تجب زكاتها إلا إذا تم حولها ولكن فيها الزكاة وإن كانت دون النصاب لأنها تابعة للأول فهي تابعة للأول في النصاب وليست تابعة لها في الحول

مثلاً مائتا درهم فيها زكاة ملكها في محرم تجب زكاتها في محرم الثاني لكنه في جمادى الثانية مات لها وارث وملك مائة درهم صار عنده الآن ثلاثمائة جاء محرم الثاني نقول زكِّ عن مائتين أما المائة الثالثة لا تزكيها إلا إذا جاء جمادى الثانية فإذا قال هذه مائة لم تبلغ النصاب قلنا لكنها تضم إلى ما عندك في تكميل النصاب لا في الحول وأما ربح التجارة فيضم إلى أصله في النصاب وفي الحول وكذلك نتاج السائمة يضم إلى أصله في الحول وفي النصاب. ومثال السائمة هذا إنسان عنده مائة وخمسين شاة فيها شاتان وفي أثناء السنة جاءت بمائة وخمسين سخلة وإحداها جاءت بسخلتين فيها ثلاث شياه لكن نقول النتاج هذا تابع للأمهات مع أنه لم يحصل إلا في نصف السنة. ومثال ربح التجارة إنسان اشترى أرضاً بمائة ألف وفي أثناء الحول باعها بمائة وخمسين نقول إذا تم حول شرائه الأول ففيها الزكاة في الجميع في المائة والخمسين لأن الخمسين ربح التجارة يتبع الأصل في الحول وفي النصاب ونتاج السائمة يتبع الأصل في الحول والنصاب والمستفاد من غير ذلك يتبع الأصل في النصاب لا في الحول. السائل: هذا رجل عنده أربعون شاة وماتت شاة قبل الحول ثم نتجت أخرى بعد تمام الحول؟ الشيخ: يبتدئ الحول من جديد لأنه نقص النصاب قبل أن تلد. السائل: قول المؤلف (أو عقد) ماذا يعني؟ الشيخ: مثلاً إنسان عنده بيت فالبيت الذي يسكنه ما فيه زكاة ثم باعه في أثناء الحول بدراهم والدراهم فيها الزكاة فقد استفاد الدراهم التي فيها الزكاة بعقد كذلك الهبة لو وُهب في أثناء الحول فقد استفاد المال بالهبة وهي عقد لأن البيت الذي يسكنه ما فيه زكاة ما هو تجارة لو كان إنسان يبيع بالعقارات وباع هذا البيت الذي اشتراه للتجارة فإن هذا يتبع الأصل. السائل: من أين نأخذ التفريق؟ الشيخ: التفريق من الأدلة هذا واضح.

القارئ: ولا يبني الوارث حوله على حول الموروث لأنه ملك جديد فإن كان عنده ثلاثون من البقر فاستفاد عشراً في أثناء الحول فعليه في الثلاثين إذا تم حولها تبيع لكمال حولها فإذا تم حول العشرة ففيها ربع مسنة لأنها تم نصاب المسنة ولم يمكن إيجابها لانفراد الثلاثين بحكمها فوجب في العشرة (بقسطها منها) الشيخ: عندي بالعشر (بقسطها منه) في المخطوط أصح لأن (ها) لمؤنث و (عشر) لمؤنث كذلك التي قبلها (إذا تم حول العشرة) والصواب إذا تم حول العشر. وتصوير المسألة يقول رحمه الله إن كان عنده ثلاثون من البقر ففيها تبيع أو تبيعة فاستفاد عشراً في أثناء الحول بعقد كهبة إذا وهب له إنسان عشراً من البقر أو مات مورثه فملك بالإرث عشراً من البقر فعليه في الثلاثين تبيع لكمال حولها. ولو ملك في محرم ثلاثين بقرة وفي جمادى الأولى ملك عشر بقرات صار عنده الآن أربعين يزكى الثلاثين في محرم الثاني وفيه تبيع أو تبيعه ونزكى العشر في جمادى الثانية لكن فيها ربع مسنة لأن في الأربعين مسنةً وهذه عشر من أربعين فيكون عليه ربع مسنة فهنا تبعت العشر ما سبقها في النصاب لا في الحول قلنا في النصاب لأنها لولا تبعيتها في النصاب له لم يجب فيها شيء لأنها عشر والعشر ليس فيها شيء لكن تتبعه في النصاب دون الحول فنقول إذا تم حول الثلاثين فعليك تبيع أو تبيعة ولا يجب عليك في العشر شيء فإذا تم حول العشر فعليك ربع مسنة لأنها الآن إذا تم حولها أو أضافتها إلى الثلاثين صارت أربعين وفي الأربعين مسنة عليك إذاً في هذه العشر ربع مسنة السائل: لماذا لا يخرج عن أربعين مسنة؟ الشيخ: إذا شاء أن يخرج مسنة بأن عجل زكاة الثلاثين لايوجد مانع يعنى لو قال ليس بكلفة أن أبحث عن ربع مسنة أريد أن أخرج الآن مسنة كاملة عن الأربعين ويكون بالنسبة للثلاثين معجل ما فيه مانع.

فيكون مسنة وتكون بالنسبة للعشر معجلة لكن لو أراد أن يؤخر ولما وجبت الزكاة في العشر قال لا حاجة إلى أن أتكلف وأبحث عن ربع مسنة أريد أن أخرج الآن مسنة كاملة عن الأربعين قلنا لا بأس ويكون هذا من باب التعجيل. القاريء: وإن ملك أربعين من الغنم في المحرم وأربعين في صفر وأربعين في ربيع فتم حول الأولى فعليه شاة لأنها نصاب كامل مضى عليه حول لم يثبت له حكم الخلطة في جميعه فوجب فيه شاة كما لو لم يملك غيرها فإذا تم حول الثاني ففيه وجهان أحدهما لا شيء فيه ولا في الثالث لأنه لو ملكها مع الأول لم يجب فيه شيء. الشيخ: لماذا لم يجب فيه شيء؟ لأنها وقص ستكون الفريضة في مائة وعشرين ومائة وعشرين فيها شاة كالأربعين. القارئ: فكذلك إذا ملكه بعده لأنه يحصل وقصاً بين نصابين والثاني فيه الزكاة لأنه نصاب منفرد بحول فوجبت زكاته كالأول. وفي قدرها وجهان أحدهما: شاة لذلك والثاني: نصف شاة لأنه لم ينفك عن خلطة في جميع الحول وفي الثالث ثلث شاة لأنه لم ينفك عن خلطة لثمانين فكان عليه بالقسط وهو ثلث شاة. الشيخ: والظاهر أن الأول أصح لأنه لو كان ملكها كلها جميعاً لم يكن عليه شيء وتجدد ملك بعض النصاب لا يؤثر فالوجه الأول هو الأصح أن يقال ليس عليك شيء فإذا تم حول الثالث فعليه شاة إن تم حول الأول وإلا ننتظر أيضاً. ولو ملك في محرم أربعين إذا جاء محرم الثاني فيها شاة لتمام الحول وملك في صفر أربعين إذا جاء صفر هل يجب عليه شاة أو ربع شاة أو ماذا؟ وكذلك إذا ملك الأربعين الثالثة في ربيع الأول نقول الراجح أنه ليس عليه فيها شيء لأنها لو ملكها جميعاً في محرم لم يكن عليه إلا شاة واحدة فكذلك إذا تجدد ملك الأربعين والأربعين لم يجب عليه إلا شاة واحدة لأنه كما قلنا في القاعدة يتبع ما قبلها في النصاب دون الحول هذا إذا تبع ما قبله في النصاب فهو وقص ما فيه شيء.

السائل: لوكانت متفرقة شيء منها في المدينة وفي مكة فهل يجب على الثلاثة حول واحد أو ماذا؟ الشيخ: ظاهر الحديث لا يجمع بين المتفرق ولا يفرق بين مجمتع خشية الصدقة أن لكل واحد حكماً. السائل: لو كانت في نفس البلد؟ الشيخ: لا إذا كانت ترجع إلى مرعى يعني تأوي إلى شيء واحد مرعى واحد ومحلب واحد فهي خلطة ما فيها شيء لكن لو فرضنا أن إنساناً له في مكة وله في الرياض وله في القصيم صار لكل واحد حكم. القارئ: وإن ملك عشرين من الإبل في محرم وخمساً في صفر وخمساً في ربيع فعليه في العشرين عند حولها أربع شياه وفي الخَمْس الأولى عند حولها خُمُس بنت مخاض، وفي الخمْس الثانية ثلاثة أوجه أحدها لا شيء فيها والثاني عليه سدس بنت مخاض والثالث عليه شاة. الشيخ: ما يترجح لي في هذا شيء لأن فيها كسوراً سدس بنت مخاض أو عليه شاة لأنها مستقلة خَمْس الإبل فيها شاة. القارئ: الشرط الثالث السوم وهو أن تكون راعية، ولا زكاة في المعلوفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (في الإبل السائمة في كل أربعين بنت لبون وفي سائمة الغنم في كل أربعين شاة) فيدل على نفي الزكاة عن غير السائمة ولأن المعلوفة لا تقتنى للنماء فلم يجب فيها شيء كثياب البِذْلة.

الشيخ: هنا يحسن للمؤلف أن يقول فلا زكاة لأن الأحسن هنا (الفاء) دون الواو لأن هذه جملة مفرعة على ما قبلها والعطف بالفاء في التفريع أولى من العطف بالواو لاحتمال الاستئناف في الواو بخلاف الفاء ومن ثَمّ قلنا إن قول الله تبارك وتعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) إنه يعم ما إذا كان الأخوة محجوبين بالأب لأن هذه الجملة مفرعة على ما سبق ومتصل بها وأن ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وشيخنا عبد الرحمن السعدي في أنه إذا كان الأخوة محجوبين بالأب فإنهم لا يحجبون الأم إلى السدس قول ضعيف مخالف لظاهر الآية ومخالف لرأي جمهور العلماء فالمهم أن الفاء تدل على ارتباط ما بعدها بما قبلها على كل حال لابد. الشرط الثالث: أن تكون سائمة والسوم هو الرعي ومنه قوله تعالى: (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) أى تسيمون الأنعام أى ترعونها فلا زكاة في المعلوفة. القارئ: ويعتبر السوم في معظم الحول لأنها لا تخلو من علف في بعضه فاعتباره في الحول كله يمنع الوجوب بالكلية فاعتبر في معظمه الشيخ: إذاً لابد أن تكون سائمة الحول أو أكثره فمثلاً سبعة أشهر مع خمسة تكون سائمة وخمسة أشهر مع سبعة ليست سائمة وست مع ست ليست سائمة يعنى لابد أن يكون الرعي أكثر الحول. القارئ: وإن غصبها غاصب فعلَّفها معظم الحول فلا زكاة فيها لعدم السوم المشترط وإن غصب معلوفة فأسامها ففيه وجهان أحدهما: لا زكاة فيها لأن مالكها لم يسمها فلم يلزمه زكاتها كما لو علفها. والثاني: تجب زكاتها لأن الشرط تحقق فأشبه ما لو كمل النصب في يد الغاصب.

باب زكاة الإبل

باب زكاة الإبل القارئ: وهي مقدرة بما قدّره به رسول الله صلى الله عليه فروى البخاري بإسناده عن أنس أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له حين وجهه إلى البحرين: (بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطه في أربعٍ وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض فإن لم يكن بنت مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغ ستاً وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين ففيها بنت لبون أنثى فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة (الفحل) إلى ستين. الشيخ: في المخطوط (الجمل) نسخة. فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمسٍ وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليست فيها صدقة إلا أن يشاء ربها فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة). أوجب فيما دون خمس وعشرين غنماً لأنه لا يمكن المواساة من جنس المال لأن واحدة منها كثير وإخراج جزء تشقيص يضر بالمالك والفقير والإسقاط غير ممكن فعدل إلى إيجاب الشياه جمعاً بين الحقوق وصارت الشياه أصلاً لو أخرج مكانها إبلاً لم يجزئه لأنها عدل عن المنصوص عليه إلى غير جنسه فلم يجزئه كما لو أخرجها عن الشياه الواجبة في الغنم. ولا يجزيء إلا الجذع من الضأن والثني من المعز لأنها الشاة التي تعلق بها حكم الشرع في سائر موارده المطلقة. الشيخ: هذه زكاة الإبل بينها بعد أن ذكر الشروط العامة في السائمة ذكر زكاة كل نوع منها على حده

وذكر حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفيه فوائد منها جواز نقل العلم بالكتابة وهذا هو الذي عمل عليه المسلمون من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى يومنا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (اكتبوا لأبي شاة) فكتبوا له وقال أبو هريرة إنه ليس أحد من الناس أكثر حديثاً مني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب وهذا أمر والحمد لله مجمع عليه ولا إشكال فيه. وفيه أن خطبة الحاجة لا تجب في كل موضع وهي (إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره) إلى آخره لأن أبا بكر لم يذكره في هذا الكتاب المعتمد الذي يسير الناس عليه. وفيها أن من سئل الزكاة على الوجه الشرعي وجب عليه إعطاؤها وظاهره أنه وإن غلب على ظنه أن ولي الأمر لا يصرفها في مصارفها فإنه لو أعطاها ولي الأمر برئت ذمته والمسؤولية على ولي الأمر إذا سأل الصدقة على وجه شرعي يسلمها لكن إذا أمكن بعد علمه أن ولي الأمر لا يصرفها في مصارفها إذا أمكن أن يخفي ما يخفي منها كان ذلك واجباً عليه أما المصادمة والامتناع وأن يقول لا فلا يجوز لما في ذلك من الفساد. ومنها حكمة الشرع في إيجاب الزكاة فأوجب فيما دون خمس وعشرين من الإبل أوجب غنماً لأنه لا يحتمل المواساة من جنسها فأوجب فيها الغنم ولكن لو أخرج بدل الغنم إبلاً فيقول المؤلف رحمه الله إنه لا يجزي وفي هذا نظر والصواب أنه يجزيء إلا أن تكون الإبل أقل قيمة من الغنم فهنا لا يصح لأنه ربما يأتي يومٌ من الأيام تكون الغنم أغنى من بنت المخاض حيث أن خمساً وعشرين فيها بنت مخاض وأربع وعشرون فيها

أربع شياه ربما يأتي يوم من الأيام تكون أربع شياه أغلى بكثير من بنت المخاض فهنا لو أخرج عن أربع وعشرين بنت مخاض فإنه لا ينبغي القول بالإجزاء لأنه إنما فعل ذلك فراراً مما يجب أما لو كانت المصلحة للفقير في إخراج بنت مخاض فلا شك أنه يجوز لأننا نعلم والمؤلف رحمه الله يعلم حسب تعليله أنه إنما أوجبت الغنم فيما دون خمس وعشرين رفقاً بالمالك فإذا عاد الأمر إلى العكس رجعنا إلى الأصل وهو أن الأصل أن تكون زكاة الإبل من جنسها وفي هذا الحديث اعتبار الأوقاص وهو ما بين الفرضين هذا يُلْغَى ليس فيه زكاة تسامحاً مع المالك وهنا لم يراع حق الفقير لأن الأصل عدم الوجوب فلم يراع في ذلك جانب الفقير ولا يكمل الكسر فالأوقاص معتبرة في السائمة في الإبل والبقر والغنم وأيضاً. في هذا الحديث بيان أنه إذا زادت عن مائة وعشرين صار في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ففي مائة وعشرين ثلاث بنات لبون لو قال إنسان حقتان وألغى الكسر فهذا لا يجوز وفي مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة.

وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق وفي مائة وستين أربع بنات لبون وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون وفي مائة وثمانين حقتان وبنتا لبون، في مائة وتسعين ثلاث حقات وبنت لبون وفي مائيتين يتساوى الفرضان إن شاء أخرج خمس بنات لبون وإن شاء أربع حقاق وعلى هذا فقس كل ما زادت عشراً فسوف يتغير الفرض ولابد فإن جعلت الفرض واحداً مع زيادة العشر فاعلم أنك مخطيء في الإبل كلما زادت عشراً بعد مائة وعشرين فسوف يتغير الفرض ولابد فإن حسبت ولم يتغير الفرض فاعلم أن حسابك غلط واشترط المؤلف رحمه الله أنه لابد أن يكون جذعاً من الضأن وثني من الماعز وذلك لأن الشاة إذا أطلقت في عرف الشرع فالظاهر أن هذا هو السن المعتبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) وعلى هذا فلا تجوز السخلة لابد من جذع من الضأن أو ثني من الماعز والجذع من الضأن له ستة أشهر والثني من الغنم له سنة. السائل: هل يُعتبرمابين المائة والعشرين والمائة والثلاثين؟ الشيخ: ما بين العقد والعقد بين العشرة والعشرين والثلاثين والأربعين ما فيه شيء لأنه وقص لكن إذا زاد عشراً لابد أن يتغير الفرض إذا زاد عن العشرين والمائة فاعتبر العقود في كل أربعين بنت لبون الآن مثلاً مائة وعشرون في كل أربعين بنت لبون عندنا من الأربعينات ثلاث بنات لبون إذا زادت ووصلت إلى مائة وثلاثين جاءت الحقة وتنقص بنات اللبون فالواجب حقة وبنت لبون. السائل: ذكر المؤلف تعليل عند ذكر عدم إخراج الزكاة في الشياه المعلوفة بكونها لا تقتنى للنماء هل فيها زكاة بسبب آخر؟

الشيخ: زكاة المعلوفة إذا كانت للتجارة فهي عروض تجارة لأنها للنماء حتى لو كانت بعيراً واحداً أو شاة واحدة لكن إذا كان الإنسان أعدها لبيته يشرب اللبن ويأكل الأولاد أو يبيع ما زاد عن حاجته من أولادها أو من لبنها فهذه للاقتناء وليس على المؤمن في عبده ولا فرسه صدقه ولهذا تجب أحياناً الإنسان عنده بقرة لو يعطى بها الدنيا كلها ما باعها لأنه اتخذها لنفسه بخلاف التاجر فالتاجر لا يهمه فهو يشتري هذه اليوم ويبيع غداً ولاحظوا أن كلام المؤلف في السائمة وأما التجارة فالمعتبر فيها هو قيمته ولو فرض أن الغنم رخصت حتى لا تساوي الأربعون نصاباً من الفضة فليس فيها زكاة. السائل: بارك الله فيك هل يشترط في المخرج من الإبل من بهيمة الأنعام ما يشترط في سنة الأضحية من السلامة من العيوب؟ الشيخ: يقول المؤلف لابد أن يكون المخرج بصفة المخرج عنه الطيب طيباً والرديء رديئاً والمتوسط متوسطاً فإن كان مختلفاً فالوسط. القارئ: ويعتبر كونها في صفة الإبل ففي السمان الكرام شاة سمينة كريمة وفي اللئام والهزال لئيمة هزيلة لأنها سببها فإن كانت مراضاً لم يجوز إخراج مريضة لأن المخرج من غير جنسها ويخرج شاة صحيحة على قدر المال ينقص من قيمتها على قدر نقيصة الإبل. الشيخ: المريضة في الحقيقة أولاً أن لحمها ليس بطيب وثانياً أنها عرضة للهلاك القريب لأنها مريضة ولا حاجة تدعوا إلى ذلك لأنه من غير جنس المال والكلام الآن في إخراج الغنم عن الإبل أما لو كان يريد أن يخرج من الإبل والإبل كلها مراض أخرج مريضة لأنه لا يكلف أكثر مما عنده. القارئ: ولا يعتبر كونه من جنس غنمه ولا غنم البلد لأنها ليست سبباً لوجوبها فلم يعتبر كونها من جنسها كالأضحية. الشيخ: في هذا فيه نظر يعني لو كان عنده غنم من غنم البلد وأتي بغنم أخرى هذا فيه نظر لأن الأغنام تختلف وكذلك الإبل تختلف فالصواب أنه لابد أن تكون من نوعها والنوع أخص من الجنس.

القارئ: ولا يجزيء فيها الذكر كالمخرجة عن الغنم، ويحتمل أن يجزيء لأنها شاة مطلقة فيدخل فيها الذكر كالأضحية. الشيخ: القاعدة في المذهب أنه لا يجزيء الذكر ولابد من أن يكون أنثى إلا إذا كان النصاب كله ذكوراً فقالوا إنه يجزيء الذكر وهذا أيضاً فيه نظر لأن الصواب أنه يعتبر ما قرره الشرع مثل بنت مخاض لا يخرج عنها ابن مخاض حتى لو كان النصاب كله ذكوراً فإنه لابد أن يخرج ما نص عليه الشرع أما المذهب فحجتهم رحمهم الله يقولون إننا لا نكلفه أن يخرج من غير جنس إبله فيقال إذا قدرنا أن الإبل كلها جمال من أين تأتي بنت المخاض؟ هو مضطر للشراء الآن ونقول له مادام أنك تريد أن تشتري فاشتر لأن هذه الإبل ما هي والده حتى يكون عنده بنت مخاض فلابد من الشراء وحينئذٍ اشتر ما نص عليه الشرع. القارئ: فإن عدم الغنم لزمه شراء شاة وقال أبو بكر يجزئه عشرة دراهم لأنها بدل الشاة في الجبران ولا يصح لأن هذا إخراج قيمة فلم يجز كما في الشاة المخرجة عن الغنم وليست الدراهم في الجبران بدلاً بدليل إجزائها مع وجود الشاة. الشيخ: عندي في المخطوط لأنها بدل (شاة الجبران) وما عندي أصح أو لأنها بدل شاة في الجبران والجبران هو أن الإنسان إذا فقد سناً وجب عليه أخرج ما دونه وزاد شاتين أو عشرين درهماً فقدره النبي عليه الصلاة والسلام بعشرين درهماً ولكن الصواب أن هذا تقدير ويختلف باختلاف الأوقات ففي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الشاة عن عشرة دراهم لكن في عهدنا الآن الشاة تبلغ المئات فالصواب أنه يجبر بشراء الشاة. فصل القارئ: فإذا بلغت خمساً وعشرين أمكنت المواساة من جنسها فوجبت فيها بنت مخاض وهي التي لها سنة ودخلت في الثانية سميت بذلك لأن أمها ماخض أي: حامل بغيرها قد (حان ولادتها). الشيخ: عندي في المخطوط (قد حان ولادها).

القارئ: فإن عدمها أخرج ابن لبون ذكراً وهو الذي لها سنتان ودخل في الثالثة سمي بذلك لأن أمه لبون أي ذات لبن وصار نقص الذكورية مجبوراً بزيادة السن فإن عدمه أيضاً لزمه شراء بنت مخاض لأنهما استويا في العدم فأشبه ما لو استويا في الوجود ولأن تجويز ابن لبون للرفق به إغناءً له عن كلفة الشراء ولم يحصل الإغناء عنها هاهنا فرجع إلى الأصل ومن لم يجد إلا بنت مخاض معيبة فهو كالعادم لأنه لا يمكن إخراجها وأن وجدها أعلى من صفة الواجب أجزأته فإن أخرج ابن لبون لم يجزئه لأن ذلك مشروط بعدم ابنة مخاض مجزئة. وأن اشترى بنت مخاض على صفة الواجب جاز ولا يجبر نقص الذكورية بزيادة السن في غير هذا الموضع وقال القاضي: يجوز أن يخرج عن بنت لبون حقة وعن الحقة جذعاً مع عدمهما لأنه أعلى، وأفضل فيثبت الحكم فيها بالتنبيه ولا يصح لأنه لا نص فيهما وقياسهما على ابن لبون ممتنع لأن زيادة سنة يمتنع بها من صغار السباع ويرعى الشجرة بنفسه ويرد الماء ولا يوجد هذا في غيره. فصل القارئ: فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون وفي ست وأربعين حقة وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة سميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الفحل وتركب وبهذا قال في الحديث (طروقة الفحل) الشيخ: عندي في المخطوط (طروقة الجمل) نسخة. القارئ: وفي إحدى وستين جذعة وهي التي ألقت سناً ولها أربع سنين ودخلت في الخامسة وهي أعلى سن يؤخذ في الزكاة الشيخ: إذاً الثنية ما تدخل فإنه ليس في الزكاة ما تبلغ سن الثنية لأن الثنية لها خمس سنوات والجذعة أربع سنوات. القارئ: وفي ستٍ وسبعين ابنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة وإذا زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون وعنه (لا يعتبر) الفرض حتى تبلغ ثلاثين ومائة. الشيخ: عندي في المخطوطة (لا يتغير) وهو أحسن.

القارئ: فيكون فيها حقة وبنتا لبون والصحيح الأول لأن في حديث الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عند آل عمر بن الخطاب (فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون) وهذا نص وهو حديث حسن ولو زادت جزءاً من بعير لم يتغير الفرض به لذلك ولأن سائر الفروض لا تتغير بزيادة جزء ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة للحديث الصحيح. السائل: قول المؤلف (لا يتغير الفرض حتى تبلغ ثلاثين ومائة) ما معناه؟ الشيخ: يعنى مائة وواحد وعشرون ما يتغير، الفرض كمائة وعشرين حتى تبلغ مائة وثلاثين يعنى بدل مائة وعشرين نجعله مائة وثلاثين لكن الصحيح الأول لأن هو الذي دل عليه حديث أبي بكر رضي الله عنه أن مائة وإحدى وعشرين يتغير به الفرض. السائل: الحديث السابق ظاهره بأن الأنثى أفضل من الذكر والناس يعرفون أن الذكر لاسيما في إكرام الضيف أفضل من الأنثى فهل إذا نزل به ضيف وتوفر له هذا وهذا فهل يقدم الأنثى؟ الشيخ: أولاً أن كون الذكر أفضل من الأنثى عند الناس غير مسلّم ولهذا إذا رأى اللحمة الشديدة المضغ قالوا هذه لحمة جمل وإذا رأى اللحمة الهشة قالوا هذه لحمة أنثى. السائل: إذا كان عليهم زكاة بنت مخاض وليس عندهم وإنما عندهم ابن لبون فهل يجزيء؟ الشيخ: يجوز من باب أولى عن بنت مخاض يعنى الممنوع حقة عن بنت لبون فلا يقاس على ابن لبون عن بنت مخاض. فصل القارئ: فإذا بلغت مئتين اتفق الفرضان أربع حقاق أو خمس بنات لبون أيهما أخرج أجزأه وإن كان الآخر أفضل منه والمنصوص عنه فيها أربع حقاق وهذا محمول على أن ذلك فيها بصفة التخيير لأن في كتاب الصدقات الذي عند آل عمر رضي الله عنه فإذا كانت مئتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أيُّ السنين وُجدت عنده أخذت منه ولأنه اتفق الفرضان في الزكاة فكانت الخيرة لرب المال كالخيرة في الجبران. الشيخ: الجبران شاتان أو عشرون درهماً.

القارئ: وإن كان المال ليتيم لم يخرج عنه إلا أدنى السنين لتحريم التبرع بمال اليتيم فإن أراد إخراج الفرض من السنين على وجه يحتاج إلى التشقيص كزكاة لمئتين لم يجز وإن لم يحتج إليه كزكاة ثلاثمائة يخرج عنها حقتين وخمس بنات لبون جاز. الشيخ: زكاة المئتين خمس بنات لبون أو أربع حقاق وقوله (لم يجز وإن لم يحتج إليه كزكاة ثلاثمائة يخرج منها حقتين وخمس بنات لبون جاز) الظاهرأن قصده في ذلك لو أخرج خمس بنات لبون في المئتين وأربع حقاق وقال أنا أريد أن أخرج ثلاث حقاق وبنت لبون وقيمة نصف بنت اللبون لأنه ينقص زكاة عشر مما عنده وقال نريد نسلم جزء بنت لبون أو ما أشبه ذلك ما يصح فالتشقيص معناه أن يجعل الشيء أشقاصاً أى أجزاءً مثلاً الآن نقول في المئتين خمس بنات لبون أو أربع حقاق وقال أخرج حقتين ويقابلهن مئة من الإبل ولو قال سأخرج بنتي لبون فيقابلهن ثمانين من الإبل ويبقى عشرون والعشرون يريد أن يخرج عنهن نصف بنت لبون نقول ما يصلح هذا لأن هذا تشقيص يعنى تجزئه. وقول المؤلف (وإن لم يحتج إليه كزكاة ثلاثمائة يخرج عنها حقتين، وخمس بنات لبون) هذه ما فيها تشقيص والحاصل أنه لا يمكن أن يخرج عن الزكاة شيئا يحتاج إلى مشاركة لأن في ذلك ضرراً على رب المال وعلى أصحاب الزكاة حيث قد يحصل نزاع بينهم عند التقويم أو ما أشبه ذلك.

القارئ: وإن وجدت أحدى الفريضتين دون الأخرى أو كانت الأخرى ناقصة تعين إخراج الكاملة لأن الجبران بدل لا يصار إليه مع وجود الفرض الأصلي وإن احتاجت كل فريضة إلى جبران أخرج ما شاء منها فإن كان عنده ثلاث حقاق وأربع بنات لبون فله إخراج الحقاق وبنت اللبون مع الجبران أو بنات اللبون وحقة ويأخذ الجبران وإن أعطى حقة وثلاث بنات لبون مع الجبران لم يجزئه لأنه يعدل عن الفرض مع وجوده إلى الجبران ويحتمل الجواز فإن كان الفرضان معدومين أو معيبين فله العدول إلى غيرهما مع الجبران فيعطي أربع جذعات ويأخذ ثماني شياه أو يخرج خمس بنات مخاض وعشر شياه وإن اختار أن ينتقل من الحقاق إلى بنات المخاض مع الجبران أو من بنات اللبون إلى الجذعات مع الجبران لم يجز لأن الحقاق وبنات اللبون منصوص عليهن (فلا تصعد) إلى الحقاق بجبران ولا ولا ينزل إلى بنات اللبون بجبران. الشيخ: (فلا يصعد) نسخة بالمخطوط. الشيخ: هذه مسائل يمكن بالحساب تدرك فمن أخرج أقل فعليه الجبران ومن أخرج أكثر، فله الجبران تعرف بالحساب. فصل القارئ: ومن وجبت عليه فريضة فعدمها فله أن يخرج فريضة أعلى منها بسنة ويأخذ شاتين أو عشرين درهما أو فريضة أدنى منها بسنة أو معها شاتان وعشرون درهماً. الشيخ: بالرفع يصلح ومعها شاتين التقدير يدفع معها شاتين أو عشرين درهم لكن مادام الأولى شاتان فالأصل في العطف أن يكون المعطوف مساوياً للمعطوف عليه عشرون درهم.

القارئ: لما روى أنس في كتاب الصدقات الذي كتبه أبو بكر رضي الله عنه قال: (ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهماً ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطى شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقه فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما فأما إن وجبت عليه جذعة فأعطى مكانها ثنية بغير جبران جاز. وإن طلب جبراناً لم يعط لأن زيادة سن الثنية غير معتبر في الزكاة وإن عدم بنت المخاض لم يقبل منه فصيل بجبران ولا غيره لأنه ليس بفرض ولا أعلي منه. والخيرة في النزول والصعود والشياه والدراهم إلى رب المال للخبر فإن شاء أعطى شاة وعشرة دراهم أوأخذ ذلك جاز وذكره القاضي لأن الشاة مقام عشرة دراهم فكانت الخيرة إليه فيهما مفردين ويحتمل المنع لأن الشارع جعل له الخيرة له في شيئين وتجويز هذا يجعل له الخيرة في ثلاثة أشياء. الشيخ: عندي في المخطوط (من أراد إعطاء شاة وعشرة دراهم)، يعنى إن شاء أعطى شاتين أو عشرين درهماً أو شاة وعشرة.

القارئ: وإن كان النصاب مريضاً لم يجز له الصعود إلى الفرض الأعلى بجبران لأن الشاتين جعلتا جبراناً لما بين صحيحين فيكون أكثر مما بين المريضين وإن أراد النزول ويدفع الجبران جاز لأنه متطوع بالزيادة ومن وجبت عليه فرض فلم يجد إلا أعلى منه بسنتين أو أنزل منه بسنتين فقال القاضي يجوز أن يصعد إلى الأعلى ويأخذ أربع شياه أو أربعين درهما أو ينزل إلى الأنزل ويخرج معه أربع شياه أو أربعين درهماً لأن الشارع جوز له الانتقال إلى الذي يليه وجوز الانتقال من الذي يليه إلى ما يليه إذا كان هو الفرض وهاهنا لو كان موجوداً أجزأ فإذا عدم جاز العدول إلى ما يليه وقال أبو الخطاب لا يجوز لأن النص إنما ورد بالانتقال إلى ما يليه فأما إن وجد سناً يليه لا يجوز له الانتقال إلى الأبعد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الأقرب مقام الفرض ولو وجد الفرض لم ينتقل عنه فكذلك إذا وجد الأقرب لم ينتقل عنه. الشيخ: الظاهر أن كلام أبي الخطاب أحسن فمثلاً إنسان عليه فرض ولكنه ليس عنده فينتقل إلى الفرض الذي يليه من بنت المخاض إلى بنت لبون لكن ما عنده بنت لبون وعنده حقة ينتقل إلى الحقة لكن هل يأخذ جبرانين أو لا؟ هذا هو محل إشكال فعند القاضي يجوز أن يأخذ جبرانين لأنه لو انتقل من السن الذي عنده إلى الذي يليه استحق شاتين ولو انتقل من السن الذي يليه مكان الواجب استحق شاتين فتكون شاتان لهذا ولهذا أربع شياه هذا إذا كان معدوماً أما إذا كان موجوداً فلا إشكال أنها لا يجوز لأنه لو كان عنده بنت لبون والواجب عليه بنت مخاض وعنده بنت لبون وحقة فهنا نقول لا يمكن أن يأخذ جبرانين إذا أخرج الحقة لأنه أمكنه الأصل. مسألة: لا يمكن أن يذبح التبيع الذي وجب عليه لابد أن يعطيه المستحق حياً وله أن يقول للفقراء المستحقين للزكاة يا فلان ويا فلان ويا فلان هذا العجل بينكم.

باب صدقة البقر

مسألة ثانية هل يجوز إخراج القيمة عن الواجب عند الحاجة؟ الصحيح أنه لا بأس به فيجوز إخراج القيمة إذا احتاج إلى ذلك مثل أن يقول كم قيمة التبيع؟ قيمته مثلاً خمسمائة ريال يخرج خمسمائة ريال عند الحاجة كل الأموال الزكوية عند الحاجة لا بأس بذلك. القارئ: وإن أراد أن يخرج مكان الأربع شياة شاتين وعشرين درهماً جاز لأنهما جبران فيهما كالكفارتين ولا مدخل للجبران في غير الإبل لأن النص فيها ورد وليس غيرها في معناها. السائل: ماذا يفعل إذا لم يجد الواجب ولا الذي يليه؟ الشيخ: يشتري الواجب أو يخرج الأعلى بدون جبران؟ وعلى كل حال مادام عنده الحقة والواجب بنت مخاض وليس عنده بنت لبون نقول أخرج الحقة لكن هل نعطيه أربع شياه؟ لا ليس له إلا شاتين فقط. باب صدقة البقر القارئ: روى الإمام أحمد رضي الله عنه عن يحيى بن الحكم أن معاذاً قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدِّق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة فعرضوا علي أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين فقدمت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك). الشيخ: في المخطوط (ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعاً ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعاً ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربع أتباع وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئا). القارئ: فأول نصابها ثلاثون وفيها تبيع أو تبيعة وهو الذي له سنة ودخل في الثانية وفي الأربعين مسنة وهي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة ويتفق الفرضان في مائة وعشرين فيخرج رب المال أيهما شاء للخبر ولما ذكرنا في الإبل. فصل

القارئ: ولا يؤخذ في الصدقة إلا الأنثى لورود النص بها وفضلها بدرها ونسلها إلا الأتبعة في البقر حيث وجبت وابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمت فإن كانت ماشيته كلها ذكوراً جاز إخراج الذكر في الغنم وجهاً واحدا لأن الزكاة وجبت مواساة والمواساة إنما تكون بجنس المال ويجوز إخراجه في البقر في أصح الوجهين لذلك وفي الإبل وجهان أحدهما يجوز لذلك والآخر لا يجوز لإفضائه إلى إخراج ابن لبون عن خمس وعشرين وست وثلاثين وفيه تسويةٌ بين النصابين فعلى هذا يخرج أنثى ناقصة بقدر قيمة الذكر وعلى الوجه الأول يخرج ابن لبون عن النصابين ويكون التعديل بالقيمة ويحتمل أن يخرج ابن مخاض عن خمس وعشرين فيقوم الذكر مقام الأنثى التي في سنه كسائر النُصُب ويحتمل أن لا يخرج الذكر فعلى هذا يخرج أنثى ناقصةً بقدر قيمة الذكر وعلى الوجه الأول يخرج ابن لبون عن نصابين ويكون التعديل بالقيمة. فصل القارئ: والجواميس نوع من البقر والبخاتي نوع من الإبل والضان والمعز جنس واحد فإذ كان النصاب نوعين أو كان فيه سمان ومهازيل وكرام ولئام أخرج الفرض من أيهما شاء على قدر المالين فإن كان نصفين وقيمة الفرض من أحدهما عشرة ومن الآخر عشرين أخذه من أيهما شاء قيمته خمسة عشر إلا أن يرضى رب المال بإخراج الأجود. الشيخ: إذا اختلف النوع فإنه يأخذ من أحد النوعين على قدر المالين وإن أعطاه رب المال من الأطيب فهذا خير وإن أخذ المصَّدِّق أخذ من الأدنى فهل يحل له ذلك؟ الجواب لا لايحل له ذلك لأن هذا فيه ضرر على أهل الزكاة.

باب صدقة الغنم

باب صدقة الغنم القارئ: وأول نصابها أربعون: وفيها شاة إلى مائة وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدةً ففيها ثلاث شياه ثم في كل مائة شاةٍ شاة لما روى أنس في كتاب الصدقات (وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة فإن كانت سائمة الرجل ناقصةً عن أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها). وعن أحمد أن في ثلاثمائة وواحدة أربع شياه ثم في كل مائة شاةٍ شاة اختارها أبو بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلاثمائة غاية فيجب تغير الفرض بالزيادة عليها والأول أصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حكمها إذا زادت على الثلاثمائة في كل مائة شاة فإيجاب الأربع فيما دون الأربعمائة يخالف الخبر وإنما جعل الثلاثمائة حداً لاستقرار الفرض. الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه إذا بلغت ثلاثمائة وزادت ففي كل مائة شاة ففي الثلاثمائة ثلاث شياه وفي الأربعمائة أربع شياه والوقص الآن مائة وتسع وتسعون شاة كل هذا ما فيه شيء يعني ثلاثمائة وواحدة وثلاثمائة وتسع وتسعون الزكاة واحدة فيها ثلاث شياه وليس لنا أن نسأل لماذا هذا الفرق العظيم؟ نقول لأن هذا حكم الله ورسوله والله ورسوله أعلم وأحكم. فصل القارئ: ولا يجزيء في الغنم إلا الجذع من الضأن وهو ما له ستة أشهر والثني من المعز وهو الذي له سنة لما روى سعر بن ديسم قال أتاني رجلان على بعير فقالا إنا رسولا رسول الله صلي الله عليه وسلم لتؤدي صدقة غنمك قلت فأي شيء تأخذان؟ قالا عناقاً جدعة أو ثنية رواه أبو داود. ولأن هذا السن هو المجزيء في الأضحية دون غيره كذلك في الزكاة فإن كان في ماشيته كبار وصغار لم يجب فيها إلا المنصوص ويؤخذ الفرض بقدر قيمة المالين ولذلك قال عمر: اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي (على يده) ولا تأخذها منهم.

الشيخ: في المخطوط (على يديه) مثني وهي نسخة. القارئ: فإن كانت كلها صغاراً جاز إخراج الصغير لقول الصديق رضي الله عنه: لو منعوني عناقاً كان يؤدونها إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها ولا تودى العناق إلا عن صغار ولأن الزكاة تجب مواساة فيجب أن تكون من جنس المال وقال أبو بكر لا تجزيء إلا كبيرة للخبر. الشيخ: وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أن تؤخذ إما جدعة وإما ثنية وحينئذ نحتاج إلى الجواب عن حديث أبي بكر فيقال إن أبا بكر أراد بذلك المبالغة يعني لو منعوني حتى الصغيرة لقاتلتهم بدليل أن بعض ألفاظ الحديث لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لكن من حيث النظر قد يقال إن الأرجح أنه لا بأس في إخراج الصغيرة إذا كان النصاب كله صغاراً لأنه لا يكلف الإنسان شيئاً ليس في ماله منه. القارئ: فإن كانت ماشيته الصغار إبلاً أو بقرا ففيه وجهان أحدهما: تجزئه الصغيرة لما ذكرناه في الغنم وتكون الصغيرة الواجبة في ست وأربعين زائدة على الواجبة في ست وثلاثين بقدر تفاوت ما بين الحقة وبنت اللبون وهكذا في سائر النُصب تعدل بالقيمة والثاني لا يجزيء إلا كبيرة لأن الفرض يتغير بزيادة السن فيؤدي إخراج الصغيرة إلى التسوية بين النصابين فعلى هذا يخرج كبيرةً ناقصة القيمة بقدر نقص الصغار عن الكبار وعنه أيضا لا ينعقد على الصغار الحول حتى تبلغ سناً يجزيء في الزكاة لئلا يلزم هذا المحذور. الشيخ: كل هذه الروايات الثلاث تحتاج إلى تأمل أيها الأرجح لكن الأقرب إتباع النص في كل خمس وعشرين بنت مخاض ويمشى على ما جاء به النص لكن تكون جيدة أو تكون أقل بحسب قيمة الصغار هذا أقرب الروايات الثلاث مع أنها تحتاج إلى تأمل. السائل: هل بلوغ السن المعتبرة في المخرج فقط؟

الشيخ: النصاب ذكر المؤلف إذا كان فيه صغار وكبار هذا ما فيه إشكال لكن إذا كان كله صغار ذكر المؤلف فيها الخلاف هل لابد من أن يكون جدعاً وثنياً على قدر قيمة الصغار أو له أن يخرج من الصغار هذا في الغنم وفي الإبل والبقر الشارع قدره تبيعاً وتبيعة ومسناً ومسنة والإبل بنت مخاض وبنت لبون وحقة، وجذعة فهل يجب أن نخرج ما نص عليه الشرع أو نقول يخرج من الصغار أو نقول الصغار لا ينعقد عليها الحول لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال فيها كذا وكذا فلابد أن تبلغ السن المقدرة أقول هذه كلها تحتاج إلى تأمل لكن الذي نرى أنه أقرب هو أن يتبع في ذلك النص فالنص بنت مخاض وبنت لبون وحقة وجذعة. فصل القارئ: ولا يجزي في الصدقة هرمة ولا معيبة ولا تيس لقول الله تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) وروى أنس في كتاب الصدقات (ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس) وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان من عَبَد الله وحده وأنه لا إله إلا هو وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره) الشرط: رذالة المال والدرنة: الجرباء. فإن كان بعض النصاب مريضاً وبعضه صحيحا لم يأخذ إلا صحيحة على قدر المالين، وإن كان كله مريضاً أخذت مريضةً منه وقال أبو بكر: لا يؤخذ إلا صحيحةً بقيمة المريضة والقول في هذا كالقول في الصغار. فصل القارئ: ولا يؤخذ في الصدقة الرُبَّى وهي (التي تربى في البيت للبنها) الشيخ: عندي في المخطوط (التي تربي ولدها) وهي نسخة.

القارئ: ولا الماخض وهي الحامل ولا التي طرقها الفحل لأن الغالب أنها حامل ولا الأكولة وهي السمينة ولا فحل الماشية ولا فحل الماشية المعد لضرابها ولا حزرات المال وهي خياره تحزره العين لحسنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (إياك وكرائم أموالهم) متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله لم يسألكم خيره) وقال عمر رضي الله عنه لساعيه: لا تأخذ الربى ولا الماخض ولا الأكولة ولا فحل الغنم قال الزهري إذا جاء المصَّدِّق قسم الشاء أثلاثاً: ثلثاً خيار وثلثاً شراراً وثلثاً وسطا ويأخذ المصدق من الوسط فإن تبرع المالك بدفع شيءٍ من هذا أو أخرج عن الواجب أعلى منه من جنسه جاز لأن المنع من أخذه لحقه فجاز برضاه كما لو دفع فرضين مكان فرض فإذا دفع حقةً عن بنت لون أو تبيعين مكان الجذعة جاز ذلك ولأن التبيعين يجزيئان عن الأربعين مع غيرها فلأن يجزيئا عنها مفردةً أولى وقد روى أبو داود عن أبيّ بن كعب (أن رجلاً قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي فزعم أن ما عليّ فيه بنت مخاض فعرضت عليه ناقة فتية سمينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك الذي وجب عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك فقال ها هي ذه يا رسول الله فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له بالبركة). فصل

القارئ: ولا تجزيء القيمة في شيء من الزكاة وعنه تجزيء لأن المقصود غنى الفقير بقدر المال والأول المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الأعيان المنصوص عليها بياناً لما فرضه الله فإخراج غيرها ترك للمفروض وقوله: (فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر) يمنع إخراج ابن اللبون مع وجود ابنة المخاض ويدل على أنه أراد العين دون المالية فإن خمساً وعشرين لا تخلو عن مالية ابنة المخاض وإخراج القيمة يخالف ذلك ويفضي إلى إخراج الفريضة مكان الأخرى من غير جبران وهو خلاف النص واتباع السنة أولى وقد روي عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال (خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقرة من البقر) رواه أبو داود. الشيخ: هذه المسألة مختلف فيها القول الأول أنها لا تجزيء القيمة مطلقاً وهذا هو المذهب والقول الثاني أنها تجزيء إذا كانت بقدر الواجب وهو رواية عن أحمد والقول الثالث أن القيمة لا تجزيء إلا لحاجة أو مصلحة وهذا هو الصحيح إلا في صدقة الفطر فإن صدقة الفطر يجب أن تخرج صاعاً من طعام ولا تجزيء فيها القيمة أما قولنا لحاجة أو مصلحة فالحاجة مثل أن يبيع الإنسان نصابه بعد تمام الحول فهنا هو محتاج إلى أن يخرج القيمة لأن نصابه قد خرج عن ملكه وأما المصلحة فمثل أن يختار الفقير المال على البهائم فيقول أنا أحب هذا وهو أحب إلي وأريح لي فهذه مصلحة وهذا قول وسط بين القول بالجواز مطلقا والقول بالمنع مطلقا فيقال إذا كان هناك حاجة أو مصلحة فلا بأس وإلا فلا.

باب حكم الخلطة

باب حكم الخُلْطة القارئ: وهي ضربان خُلطة أعيان: بأن يملكا مالاً مشاعاً يرثانه أو يشتريانه أو غير ذلك وخُلطة أوصاف وهي أن يكون مال كل واحد منهما متميزاً فخلطاه ولم يتميزا في أوصاف نذكرها وكلاهما يؤثر في جعل مالهما كمال الواحد في شيئين أحدهما: أن الواجب فيهما كالواجب في مال الواحد فإن بلغا معاً نصباً ففيهما الزكاة وإن زادا على النصاب لم يتغير الفرض حتى يبلغا فريضة ثانية فلو كان لكل منهما واحد عشرون كان عليهما شاة وإن كان لكل واحد منهما ستون لم يجب أكثر من شاة. الشيخ: ستون مع ستين مجموعهما مائة وعشرون فيها شاة واحدة مع أنه لو انفردا لكان كل واحد عليه شاة. القارئ: وإن كان لهما مال غير مختلط تبع المختلط في الحكم فلو كان لكل واحد منهما ستون فاختلطا في أربعين لم يلزمهما إلا شاة في مالهما كله لأن مال الواحد يضم بعضه إلى بعض في الملك فيَضمُ الأربعين المنفردة إلى العشرين المختلطة فيلزم انضمامها إلى العشرين التي لخليطه فيصير الجميع كمالٍ واحد، ولو كان لرجل ستون شاةً كل عشرين منها مختلطة بعشرين لآخر فالواجب شاة واحدة نصفها على صاحب الستين ونصفها على الخلطاء على كل واحد سدس شاة لما ذكرناه فإن كان لأحدهم شاة مفردة لزمهم شاتان. والثاني أن للساعي أخذ الفرض من أيهما شاء سواء دعت إليه حاجة لكون الفرض واحدا أو لم تدع إليه حاجة بأن يجد فرض كل واحد منهما في ماله لأن مالهما صار كالمال الواحد في الإيجاب فكذلك في الإخراج ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) رواه البخاري يعنى: إذا أخذ الفرض من مال أحدهما. والأصل في الخلطة ما روى أنس في حديث الصدقات (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) ولأن الماليين صارا كالمال الواحد في المؤن فكذلك في الزكاة.

الشيخ: الخلطة نوعان خلطة أعيان وخلطة أوصاف فخلطة الأعيان: أن يشترك الرجلان في النصاب اشتراك ملك مثل أن يرثا من أبيهما أربعين شاة أو مائة شاة هذه نسميها خلطة أعيان وهذه ظاهر أنها إذا بقيت لم تقسم فإن الزكاة تؤخذ منها. والثاني: خلطة أوصاف: بأن يتميز مال كل واحد منهما عن الآخر لكن يشترك المالان فيما سيذكره المؤلف فهنا مال كل واحد منهما متميز عن الآخر لكن عند اختلاطهما يكونان كالمال الواحد ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) والخلطة قد تفيد تشديداً وقد تفيد تخفيفاً فإذا كان عند كل واحد عشرون شاة وخلطاها وجب عليهما شاة ولو لم يخلطاها فليس عليهما شيء إذاً الخلطة هنا صارت أشد وأوجبت التشديد ولو كان عند كل واحد منهما ستون شاة وخلطاها فصار مائة وعشرين لم يجب فيها إلا شاة واحدة فأفادت تخفيفاً. فصل القارئ: ويعتبر في الخلطة شروط خمسة: أحدها: أن تكون في السائمة ولا تؤثر الخلطة في غيرها وعنه تؤثر فيها خلطة الأعيان لعموم الخبر ولأنه مال تجب فيها الزكاة فأثرت الخلطة فيه كالسائمة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (والخليطان ما اجتمعا على الحوض والراعي والفحل) رواه الدارقطني.

الشيخ: الخلطة لا تؤثر إلا في بهيمة الأنعام فقط أما غيرها من الأموال فلا تؤثر وعلى هذا لو كان رجلان مشتركين في نخل لهما أنصافاً وهذا النخل نصاب واحد فقط فهل عليهما زكاة؟ ليس عليهما زكاة لأن نصيب كل واحد منهما لا يبلغ النصاب فلا زكاة وكذلك لو اشترك اثنان في مال وحيث أن نصاب الفضة مائتا درهم فأحدهما أتى بمائة والثاني أتى بمائة وصارا يبيعان ويشتريان فيه وفي آخر الحول صار المال ثلاثمائة كان بالأول مئتين وصار الآن ثلاثمائة هل فيها زكاة؟ ليس فيها زكاة مع أن النصاب مائتان لكن لو نظرنا لنصيب كل واحد منهما لكان دون النصاب والخلطة لا تؤثر إلا في البهائم السائمة فقط هذا هوالمشهور في المذهب والرواية الثانية عن أحمد رحمه الله أن خلطة الأعيان مؤثرة وهذا القول هو الراجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث العمال لأخذ الزكاة من الثمار ومعلوم أنه لا تخلو من الشركة لو لم يكن منها إلا أن المساقي وصاحب الأصل شريكان ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ مما بلغ النصاب ولا يسأل هل له مشارك أو لا؟ فالصواب أن الخلطة مؤثرة في خلطة الأعيان أما الأوصاف كما لو كان هذان المالان في مخزن واحد وفي متجر واحد ويبيعهما دلال واحد فهذه لا تؤثر في غير المواشي فصارت الخلطة الآن على نوعين النوع الأول خلطة الأعيان والصحيح أنها مؤثرة في المواشي وغيرها وخلطة أوصاف وهذه لا تؤثر إلا في المواشي فقط والحديث الذي ذكره المؤلف مستدل به على عدم تأثير الخلطة في غير السائمة لا يدل على ما أراد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الخليطان) يعنى أن خليطي الأوصاف ما اجتمعا في كذا وكذا.

القارئ: وهذا تفسير للخلطة المعتبرة شرعا فيجب تقديمه ولأن الخلطة في السائمة أثرت في الضرر لتأثيرها في النفع وفي غيرها لا تؤثر في النفع لعدم الوقص فيها وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة) دليل على اختصاص ذلك بالسائمة التي تقل الصدقة بجمعها لأجل أوقاصها بخلاف غيرها. الثاني أن يكون الخليطان من أهل الزكاة فإن كان أحدهما مكاتباً أو ذمياً فلا أثر لخلطته لأنه لا زكاة في ماله فلم يكمل به النصاب. الشيخ: الشرط الثاني واضح أنه لابد أن يكون الخليطان من أهل الزكاة فإن كان الخليط من غير أهل الزكاة فلا أثر له مثل أن يشترك ذمي ومسلم في ماشية اشتراك أوصاف فإن هذا الخلطة لا تؤثر ويعتبر مال المسلم وحده على حدة إن بلغ الزكاة ففيه الزكاة وإن لم يبلغ فلا زكاة فيه أما المكاتب فيقولون إنه ليس في ماله زكاة والصحيح أن في ماله الزكاة لأن هذا المكاتب إما أن يستطيع الوفاء فيعتق وإما أن لا يستطيع فيكون ماله لسيده فماله الآن له مالك، إما أن يملكه هو إن قدر على وفاء دين الكتابة وإما أن يملكه السيد فهو ليس ضائعاً. السائل: بارك الله فيكم ما الفرق بين خُلطة الأعيان وخلطة الأوصاف؟ الشيخ: الفرق بينهما أن خلطة الأوصاف كل واحد من الخليطين له مال مستقل وخلطة الأعيان المال مشترك بين الخليطين مثال ذلك رجلان مات أبوهما وخلف لهما مائة شاة الخلطة خلطة أعيان لأن كل واحد له من كل ذرة من الغنم نصيب والمثال الثاني رجلان كل واحد منهما له خمسون شاة فخلطاها يعني جعلاها سواءً يعني ترعى جميعاً وترجع من المرعى جميعاً والفحل واحد حسب ما سيذكر في الأوصاف الآن ما ل كل واحد منهما مستقل متميز عن الآخر كل واحد يعلم أنه هذه له وهذه لصاحبه. السائل: لو توفي رجل عن ابنين وارتد أحدهما بعد أخذ نصيبه كيف يزكي المسلم حقه؟

الشيخ: يزكي المسلم منهما حقه إذا كان يبلغ النصاب زكاه وإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة عليه إلا إذا كان عنده من جنسه فيضمه إليه والزكاة على نصفه أما الثاني ما عليه زكاة. السائل: الذي ماله من حرام هل عليه زكاة؟ الشيخ: نعم هذا ما تعتبر زكاته مطهرة لماله ولا مطهرة لإيمانه هذا حق الفقراء لابد أن يؤخذ منه والله ما يقبل إلا طيباً أرأيت الإنسان إذا سرق مالاً وتاب وتصدق به تخلصاً منه هل يقبله الله على أنه صدقة؟ لا يقبله لكن تبرأ به الذمة. السائل: لماذا لا نقيس عليه الفوائد المأخوذة من البنوك؟ الشيخ: إذا تاب لا بأس أن يصرفها في أي مصرف لكن لا يتقرب إلى الله تعالى بالصدقة بها يتقرب إلى الله بالتوبة منها. القارئ: الشرط الثالث: أن يختلطا في نصاب فإن اختلطا فيما دونه مثل أن يختلطا في ثلاثين شاة لم تؤثر الخلطة سواء كان له مال سواه أو لم يكن لأن المجتمع دون النصاب فلم تجب الزكاة فيه. الشيخ: وظاهره ولو كان له مال من جنس مختلط مثاله رجلان اختلاطا في ثلاثين شاة لكل واحد خمس عشرة شاة لكن أحدهما عنده خمس وعشرون شاة في مكان آخر فهذا عنده ما يبلغ النصاب أما الآخر الذي ليس عنده إلا خمس عشرة شاة فهذا ليس عليه شيء لكن الثاني هل يجب عليه شيء أو لا يجب؟ لا يجب لأنها متفرقة في مكان خمسٌ وعشرون شاة وفي مكان آخر خمس عشرة شاةً فلا يجب عليه لكن القول الراجح تجب عليه الزكاة لأنه ملك نصاباً ملك أربعين شاة.

القارئ: الشرط الرابع: أن يختلطا في ستة أشياء لا يتميز أحدهما عن صاحبه فيها وهي: المسرح والمشرب والمحلب والمراح والراعي والفحل لما روى الدارقطني بإسناده عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي) نص على هذه الثلاثة فنبه على سائرها ولأنه إذا تميز كل مال بشيء مما ذكرناه لم يصيرا كالمال الواحد في المؤن ولا يشترط حلب المالين في إناء واحد لأن ذلك ليس بمرفق بل ضرر لاحتياجهما إلى قسمته. الشيخ: أن يختلطا في ستة أشياء المسرح يعني مكان السرح فلا يكون أحدهما يسرح شرقاً والثاني غرباً بل يكون المسرح واحداً وهل يشترط الزمن؟ نعم يشترط يعني بحيث لا يكون أحدهما يسرح بالليل والثاني بالنهار إذاً المسرح مكاناً وزماناً. والمشرب يعني أنهما يشربان من ساقية واحدة ليس لأحدهما ساقية منفردة به. والثالث المحلب يكون حلبهما في مكان واحد وهل يشترط أن يخلط الحليب؟ لا ليس بشرط. والمراح يعني المأوى والمبيت يكون واحداً والراعي يكون واحداً فإن كان لكل واحد منهما راعٍ لماشيته فليس ذلك بخلطه أما لو كانا راعيين وكانا يرعيان جميع السائمة فهما كراعٍ واحد. والفحل يعني أنه ليس لأحدهما فحل يختص بطرق ماشيته بل الفحل يطرق ماشية هذا وماشية هذا فإن كان لكل واحد منهما فحل يختص بماشيته فليس هذا خلطة.

القارئ: الشرط الخامس أن يختلطا في جميع الحول فإن ثبت لهما حكم الانفراد في بعضه زكيا زكاة المنفردين فيه لأن الخلطة معنىً يتعلق به إيجاب الزكاة فاعتبرت في جميع الحول كالنصاب فإن كان مال كل واحد منهما منفرداً فخلطاه زكياه في الحول الأول زكاة الانفراد وفيما بعده زكاة الخلطة فإن اتفق حولاهما مثل أن يملك كل واحد منهما أربعين في أول المحرم وخلطاها في صفر فإذا تم حولهما الأول أخرجا شاتين فإذا تم الثاني فعليهما شاة واحدة. الشيخ: لأن الحول الأول ما فيه خلطة وعند كل واحد منهما أربعون نصاب. القارئ: وإن اختلف حولاهما فملك أحدهما أربعين في المحرم والآخر أربعين في صفر فخلطاها في ربيع أخرجا شاتين للحول الأول فإذا تم حول الأول والثاني فعليه نصف شاة فإن أخرجها من غير النصاب فعلى الثاني عند تمام حوله نصف شاة وإن أخرجها من النصاب فعلى الثاني من الشاة بقدر ماله من جميع المالين فإذا كان ماله أربعين ومال صاحبه أربعون إلا نصف شاة فعليه أربعون جزءاً من تسعة وسبعين جزءاً ونصف من شاة ونصف من شاة وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد دون صاحبه نحو أن يملكا نصابين فخلطاهما ثم باع أحدهما ماله أجنبيا فعلى الأول شاة عند تمام حوله لأنه ثبت له حكم الانفراد فإذا تم حول الثاني فعليه زكاة الخلطة لأنه لم يزل مخلطاً في جميع الحول. فصل

القارئ: فإن كان بينهما نصابان مختلطان فباع أحدهما غنمه بغنم صاحبه وأبقياها على الخلطة لم ينقطع حولهما ولم تزل خلطتهما وكذلك إن باع البعض بالبعض من غير إفراد قل المبيع أو كثر، فأما إن أفرداها ثم تبايعا ثم خلطاها وطال زمان الإفراد بطل حكم الخلطة وإن لم يطل ففيه روايتان إحداهما: لا ينقطع حكم الخلطة لأن هذا زمن يسير فعفي عنه والثاني: يبطل حكم الخلطة لأنه قد وجد الانفراد في بعض الحول فيجب تغليبه كالكثير فإن أفردا بعض النصاب وتبايعاه وكان الباقي على الخلطة نصابا لم تنقطع الخلطة لأنها باقية في نصاب وإن بقي أقل من نصاب فحكمه حكم إفراد جميع المال وذكر القاضي: أن حكم الخلطة ينقطع في جميع هذه المسائل ولا يصح لأن الخلطة لم تزل في جميع الحول والبيع لا يقطع حكم الحول في الزكاة فكذلك في الخلطة ولو كان لكل واحد أربعون مخالطة لمال آخر فتبايعاها مختلطة لم يبطل حكم الخلطة وإن اشترى بالمختلطة مفردة أو بالمفردة مختلطة انقطعت الخلطة وزكى زكاة المنفرد لأن زكاة المشتري تجب ببنائه على حول المبيع وقد ثبت لأحدهما حكم الانفراد في بعض الحول فيجب تغليبه. مسألة: المشتري يبني على هذا لأنها خلطة أوصاف لا خلطة أعيان حتى نقول انتقل فيها الملك. فصل

القارئ: إذا كان لرجل نصاب فباع نصفه مشاعاً في الحول فقال أبو بكر: ينقطع حول الجميع لأنه قد انقطع في النصف المبيع فكأنه لم يجر في حول الزكاة أصلا فلزم انقطاعه في الباقي، وقال ابن حامد: ولا ينقطع الحول فيما لم يبع لأنه لم يزل مخالطاً لمال جارٍ في حول الزكاة وحدوث الخلطة لا يمنع ابتداء الحول ولا يمنع استدامته وهكذا لو كان النصاب لرجلين فباع أحدهما نصيبه أجنبياً فعلى هذا إذا تم حول ما لم يبع ففيه حصته من الزكاة فإن أخرجت منه نقص النصاب فلم يلزم المشتري زكاة وإن أخرجت من غيره وقلنا: الزكاة تتعلق بالعين فلا شيء على المشتري أيضا لأن تعلق الزكاة بالعين يمنع وجوب الزكاة، وقال القاضي: لا يمنع فعلى قوله: على المشتري زكاة حصته إذا تم حوله وإن قلنا: تتعلق بالذمة لم يمنع وجوب الزكاة على المشتري لأن النصاب لم ينقص. فأما إن أفرد بعض النصاب وباعه ثم خلطه المشتري بمال البائع فقال ابن حامد: ينقطع حولهما لثبوت حكم الانفراد لهما وقال القاضي: يحتمل أن لا ينقطع حكم حول البائع لأن هذا زمن يسير. ولو كان لرجلين نصاب خلطة فاشترى أحدهما نصيب صاحبه أو ورثه أو اتهبه في أثناء الحول فهذه عكس المسألة الأولى صورةً ومثلها معنى لأنه في الأولى كان خليط نفسه ثم صار خليط أجنبي وهاهنا كان خليط أجنبي فصار خليط نفسه والحكم فيها كالحكم في الأولى لاشتراكهما في المعنى. ولو استأجر أجيراً يرعى غنماً بشاة منها فحال الحول ولم يفردها فهما خليطان وإن أفردها ونقص النصاب فلا زكاة فيهما لنقصانها وإن استأجره بشاة موصوفة صح وجرت مجرى الدين في منعها من الزكاة على ما مضى من الخلاف فيه. فصل القارئ: وذكر القاضي شرطاً سادساً وهو نية الخلطة لأنه معنىً يتغير به الفرض فافتقر إلى النية كالسوم والصحيح أنه لا يشترط لأن النية لا تؤثر في الخلطة فلا تؤثر في حكمها لأن المقصود بها الارتفاق بخفة المؤنة وذلك يحصل مع عدم النية.

الشيخ: ويظهر الفرق فيما إذا اختلط الغنم بدون علم أهلها فإنه على رأي القاضي لا تكون خلطة ولو اختلطت كل الحول وعلى الرأي أنه لا يشترط تكون خلطة وهذا أقرب لأن العبرة بالصورة. فصل القارئ: إذا أخذ الساعي الفرض من مال أحدهما رجع على خليطه بقدر حصته من المال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) فإذا كان لأحدهما الثلث فأخذ الفرض من ماله رجع على خليطه بقيمة ثلثيه، وأن أخذه من صاحبه رجع صاحبه عليه بقيمة ثلثه. فإن اختلفا في القيمة فالقول قول المرجوع عليه إذا عدمت البينة لأنه غارم فالقول قوله كالغاصب وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب بغير تأويل فأخذ مكان الشاة اثنتين لم يرجع على صاحبه إلا بقدر الواجب لأن الزيادة ظلم فلا يرجع بها على غير ظالمه الشيخ: الصحيح أنه يرجع وأنهما يتساوون في الظلم والعدل لأن الساعي أخذ اثنتين عن ماليهما فيرجع عليه بما ظلمه وهذا هو العدل. القارئ: وإن أخذه بتأويل فأخذ صحيحة كبيرة عن مراضٍ صغار رجع على صاحبه لأن ذلك إلى اجتهاد الإمام فإذا أداه اجتهاده إلى أخذه وجب دفعه إليه وكان بمنزلة الواجب وإن أخذ القيمة رجع بالحصة منها لأنه مجتهد فيه. فصل القارئ: فإذا كانت سائمة الرجل في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة وإن كان بينهما مسافة القصر فكذلك اختاره أبو الخطاب لأنه مال واحد فضم بعضه إلى بعض كغير السائمة وكما لو تقارب البلدان والمشهور عن أحمد أن لكل مال حكم نفسه لظاهر قوله عليه السلام (لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة) ولا يختلف المذهب في سائر الأموال أنه يضم مال الواحد بعضه إلى بعضه تقاربت البلدان أو تباعدت لعدم تأثير الخلطة فيها.

الشيخ: لو كان عند الإنسان متجران أحدهما في المدينة والثاني في مكة فإنه يضم بعضهما إلى بعض لأنهما مال واحد ولا أثر للخلطة كما سبق في غير المواشي وهذا واضح وهو الصحيح وأما قوله عليه الصلاة والسلام (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين المجتمع خشية الصدقة) لأن الساعي إذا جاء ليأخذ الصدقة فليس له إلا ما يشاهد فقط فقد يفرق الإنسان ماله يجعل مثلاً عشرين شاة في جهة وعشرين في جهة أخرى والساعي إذا جاء ليس له إلا ما شاهد هل يأخذ الزكاة في هذه الحال أو لا؟ لا يأخذ الزكاة لأنه لا يشاهد إلا عشرين فالصحيح في هذا أن مال الإنسان يضم بعضه إلى بعض في الماشية والزروع والحبوب والأثمان والعروض تباعد ما بينهما أو تقارب لأنه ماله فلا فرق. مسألة: الساعي لايأخذ من المتفرق فليس فيها شيء لكن هذا الذي يملك العشرين هنا والعشرين هناك فيما بينه وبين ربه يجب عليه أن يزكى. والقاعدة أن خلطة الأوصاف تكون كأنها مال واحد فإذا انفرد أحد الخليطين في بعض الحول فكأنما نقص النصاب وإذا نقص النصاب انقطع الحول فإذا أعيدت الخلطة صار كأنه ملك نصاباً جديداً فتعتبر الخلطة من رجوعه لا من الأول والظاهر لي أنه سواء طال الزمن أو قصر والمؤلف حكى الخلاف فيما إذا طال الزمن والظاهر أنه لا فرق لأنه إذا انقطعت الخلطة في يوم من الأيام فكأنما نقص النصاب وهو فعلاً نقص النصاب فلو أن أحد الخليطين أفرد ملكه لمدة عشرة أيام مثلاً نزح به إلى مكان آخر ليرعى هناك أو إلى مكان آخر ليشرب أو ليسقي بهائمه فينقطع فإذا أعاده ابتدأ حولاً جديداً، ومسألة الرجوع على أحد الشريكين هذا يظهر بالحساب ويعرف بالحساب. السائل: إذا تفرق المختلطان عمداً ليسقطا الزكاة عنهما فهل تؤخذ منها الزكاة أم لا؟ الشيخ: تؤخذ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولدينا حديث يعتبر جبلاً عظيماً في الشريعة (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فهذه الحيلة لا تنفع.

باب زكاة الزروع والثمار

فائدة: في آداب الخلاف إذا صار خلاف فلابد أن تذكر دليلك أو تعليلك الصحيح وتجيب عن دليل وتعليل المخالف وإلا ما تم لك القول ولو أوردت دليلاً ولم تجب عن دليل خصمك معناها أنك متوقف. السائل: بارك الله فيكم لو أن للإنسان خلطة مع إنسان في أربعين شاة على النصف وفي بلد آخر أيضاً أربعون شاة مع رجل آخر وبينهما أكثر من مسافة القصر والبلدان مختلفان فهل هذا على قاعدتنا أو لها حكم خاص هذه المسألة؟ الشيخ: لا هذه خلطة أوصاف تكون خلطة أوصاف عليه في البلد الأول نصف شاة وعليه في البلد الثاني نصف شاة. السائل: كيف يخرج نصف الشاة؟ الشيخ: يُقوَّم أو يتفق مع أصحاب الزكاة ببذل القيمة. باب زكاة الزروع والثمار القارئ: وهي واجبة بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر وفيما سقي من النضح نصف العشر) أخرجه البخاري وبالإجماع. الشيخ: هنا استدل المؤلف رحمه الله على وجوب زكاة الزروع والثمار بالقرآن والسنة والإجماع وهذا من أقوى الأدلة. القارئ: ولا تجب إلا بخمسة شروط أحدها أن يكون حباً أو ثمرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا زكاة في حب ولا ثمرٍ حتى تبلغ خمسة أوسق) رواه مسلم وهذا يدل على وجوب الزكاة في الحب والثمر وانتفائها عن غيرهما. الشيخ: هذا القول هو أرجح الأقوال وقيل إنها تجب في كل ما نبت من الأرض لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (فيما سقت السماء العشر) وما هنا اسم موصول تفيد العموم ولكن يقال نعم هذا عام لا شك إلا أن الأحاديث الأخرى تقيده مثل حديث (ليس فيما دون خمسة أوسق من حب ولا ثمر صدقة) أو باللفظ الذي ساقه المؤلف فهذا يدل على أن موضوع الزكاة هوالحب والثمر.

القارئ: الشرط الثاني: أن يكون مكيلا لتقديره بالأوسق وهي مكايل فيدل ذلك على اعتبارها. الشيخ: هذا دليله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس في ما دون خمسة أوسق) فدل هذا على اعتبار التوسيق وأن ما لا يوسق ليس فيها زكاة والوسق هو الحمل ومقداره ستون صاعاً فتكون خمسة الأوسق ثلاثمائة صاع بالصاع النبوي ومن العلماء من يقول إن الزكاة تجب في الحبوب والثمار مطلقاً سواء كانت توسق أو لا يعنى سواء كانت مكيلة أو غير مكيلة يعنى مثلاً الآن البرتقال ثمر لأنه نبات مأكولة يكون من الشجر فهل فيه زكاة على القول باشتراط التوسيق وأن يكون مكيلاً ليس فيه زكاة والراجح ما عليه عمل الناس الآن في بلادهم. السائل: ألا يقال إن الثمار لا توسق يعنى كيف يعرف مقدار الزكاة؟ الشيخ: في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام توسق كالتمر وأما البرتقال لا ما يوسق فما فيه زكاة. القارئ: الشرط الثالث أن يكون مما يدخر لأن جميع ما اتفق على زكاته مدخر ولأن غير المدخر لا تكمل لعدم التمكن من الانتفاع به في المآل فتجيب الزكاة في جميع الحبوب المكيلة المقتات منها والقطاني والأبازير والبزور والقرطم وحب القطن ونحوها وفي التمر والزبيب واللوز والفستق والعناب لاجتماع هذه الأوصاف الثلاثة وقال ابن حامد: لا زكاة في الأبازير والبزور ونحوها ولا تجب في الخضر كالقثاء والبطيخ والباذنجان لعدم هذه الأوصاف فيها وقد روى موسى بن طلحة أن معاذاً لم يأخذ من الخضر صدقة ولا تجب في سائر الفواكه كالجوز والتفاح والإجاص والكمثرى والتين لعدم الكيل فيها وعدم الادخار في بعضها. وقد روى الأثرم بإسناده (أن عامل عمر رضي الله عنه كتب إليه في كروم فيها من الفرسك ما هو أكثر غلة من الكرم أضعافاً مضاعفه فكتب إليه عمر ليس عليها عشر هي من العضاه) والفرسك: الخوخ.

ولا زكاة في الزيتون لأنه لا يدخر وعنه: فيه الزكاة لقول الله تعالى: (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) وقيل لم يرد بهذه الآية الزكاة لأنها مكية نزلت قبل وجوب الزكاة ولهذا لم تجب الزكاة في الرمان.

الشيخ: قال الله تعالى: (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الحصاد المعرف إنما هو للزروع فقط وأما الثمر فيقال فيها الجذاذ وما ذكر معه يقال فيها اللقلاط فلو قال قائل هذه الآية لا تدل على وجوب الزكاة في هذه الأشياء لأن قوله: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) يختص بالزرع بدليل أن الرمان مذكور فها وليس فيه زكاة وأما قوله لأنها مكية نزلت قبل وجوب الزكاة فهذا موضع خلاف بين العلماء هل الزكاة فرضت في مكة أولا؟ فمنهم من يقول إنها فرضت في مكة لكن كانت على حسب إرادة الإنسان وجوده وكرمه ولم تفرض فيها الأنصبة ومقدار الواجب إلا في المدينة وهذا قول قوي لأن فيه آيات كثيرة مكية تشير إلى الزكاة وبقي عندنا كلام المؤلف في التين يقول التين ليس فيه زكاة لأنه لا يدخر ولكنه جرى على الناس زمان في هذه البلاد وغيرها أنه يدخر حتى كانوا يجعلونه كالتمر في وسط الجصاص وهي عبارة عن حجرة صغيرة يوضع فيها التمر ويرص بالأحجار ويكون جيداً في أيام الشتاء كان الناس يكنزون التين كما يكنز التمر تماماً فيما سبق ولهذا كان القول الراجح في التين أن الزكاة واجبة فيه وهل العنب فيه زكاة أولا؟ فيه زكاة، لأنه يتخذ منه زبيب والزبيب مكيل مدخر وبعض التمر لا يتخذ منه الادخار لا يدخر ولا يؤكل إلا رطباً فهل فيه الزكاة؟ نعم فيه الزكاة لأن الأصل في جنسه أنه مدخر أما العنب الذي لا يأتي منه الزبيب فمن العلماء من قال إنه لا زكاة فيه وأعنابنا الموجود عندنا لا يتخذ منه الزبيب فلا زكاة فيه على هذا القول والراجح والله أعلم أن القول بالوجوب أحسن لأن كون نوع من هذه الثمار لا يدخر لا يدل على أن جنس الثمار غير مدخر.

مسألة: المعدن ليس من جنس الخارج من الأرض فالمعدن ذهب أو فضة فتجب فيه الزكاة بمقتضى نصوص وجوب الزكاة بالذهب والفضة. السائل: ما الدليل على شرط الادخار؟ الشيخ: التوسيق (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) لأنه لا يوسق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ما كان مدخراً. القارئ: ولا زكاة في تبن ولا ورق ولا زهر لأنه ليس بحب ولا ثمر ولا مكيل وعنه في القطن والزعفران زكاة لكثرته وفي الورس والعصفر وجهان بناءً على الزعفران وقال أبو الخطاب تجب الزكاة في الصعتر والإشنان لأنه مكيل مدخر والأول أولى لأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص. الشرط الرابع: أن ينبت بإنبات الآدمي في أرضه فأما النابت بنفسه كبزرِ قطونا والبطم وحب الإشنان والثمام فلا زكاة فيه ذكره ابن حامد لأنه إنما يملك بحيازته والزكاة إنما تجب ببدو الصلاح ولم يكن مُلكاً له حينئذ فلم تجب زكاتها كما لو اتهبه وقال القاضي: فيه الزكاة لاجتماع الأوصاف الأول فيه وما يلتقطه اللقاطون من السنبل لا زكاة فيه نص عليه أحمد رضي الله عنه وقال هو بمنزلة المباحات ليس فيه صدقة وما يأخذه الإنسان أجرة بحصاده أو يوهب له لا زكاة عليه فيه لما ذكرنا. الشيخ: لكن لو بقي عنده حتى تم عليه الحول نظرنا إن أراد به التجارة فعليه الزكاة وإن أراد به دفع الحاجة فلا زكاة عليه. القارئ: ومن استأجر أرضا أو استعارها فالزكاة عليه فيما زرع لأن الزرع ونفع الأرض له دون المالك ومن زرع في أرض موقوفة عليه فعليه العشر لأن الزرع طلق غير موقوف فإن كان الوقف للمساكين فلا عشر فيه لأنه ليس لواحد معين إنما يملك المسكين ما يعطاه منه فلم يلزمه عشره كما لو أخذ عشر الزرع غيره.

الشيخ: هذه مسائل مهمة إذا أستأجر أرضاً أو استعارها وزرع فيها فزكاة الزرع على المستعير والمستأجر لأنه هو مالك الزرع الذي فيه الزكاة ومن زرع في أرض موقوفة يعني شخص قال هذه وقف على ذريتي فزرع فيها يقول فعليه العشر وذلك لأن الزرع ملك له والوقف إنما هو في الأرض وإن كان الوقف للمساكين فلا عشر فيه أيضاً يعني لا زكاة فيه والسبب أن المساكين هم أهل الزكاة إذا أردنا أن نصرف الزكاة فهم أولي الناس بها ولهذا يقول لأنه ليس لواحد معين إنما يملك المسكين ما يعطى منه فلم يلزمه عشره كما لو أخذ عشر الزرع غيره يعني فلا زكاة عليه الذي أخذ العشر. مسألة: إذا زرع في أرض موقوفة عليه فعليه الزكاة في الزرع وإذا كانت الأرض موقوفة على المساكين فلا زكاة فيها بناءً على أن الخلطة لا تؤثر إلا في المواشي وهذه الأرض لعموم الناس فلا تجب الزكاة. السائل: بارك الله فيكم ما ظهر وجه الحصر من قوله صلى الله عليه وسلم (لا زكاة في حب ولا ثمر حتى تبلغ خمسة أوسق) ألا يقال هذا ذكر للمثال فقط؟ الشيخ: وجه الحصر أن الرسول قال (لا زكاة في حبٍ ولا ثمر) قال مفهومه أن غيرهما لا زكاة فيه أصلاً سواء بلغ هذا النصاب أم لم يبلغ. مسألة: المراد بالعشر جنس الزكاة ولهذا لوعبر بلفظ الزكاة لكان أحسن. فصل القارئ: الشرط الخامس: أن يبلغ نصاباً قدره خمسة أوسق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) والوسق: ستون صاعا لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الوسق ستون صاعا) رواه أبو داود والصاع خمسة أرطال وثلث والمجموع ثلاثمائة صاعٍ وهي ألف وستمائة رطل بالعراقي والرطل مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع وهو بالرطل الدمشقي المقدر بستمائة درهم ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلا وستة أسباع رطل.

والأوساق مكيلة وإنما نقل إلى الوزن ليحفظ وينقل قال أحمد وزنتُه يعني الصاع فوجدته خمسة أرطال وثلثاً حنطا وهذا يدل على أنه قدره من الحبوب الثقيلة فإن كان ماوجبت فيه الزكاة موزونا كالقطن والزعفران اعتبر بالوزن لأنه موزون ذكره القاضي وحكي أنه قال إذا بلغت قيمته قيمة خمسة أوسق من أدنى ما تخرجه الأرض ففيه الزكاة.

الشيخ: مقدر بالكيل هذا الأصل فالمكاييل نقلها العلماء رحمهم الله إلى الوزن لأن الوزن يبقى والمكيال ربما يزيد أو ينقص وتختلف الأصواع باختلاف البلدان فتجد مثلاً بعض الناس يكون الصاع عندهم صاعين في بلد آخر لكن الوزن مضبوط ويبقى عندنا اشكال في الوزن أن الموزون يختلف فبعضه ثقيل وبعضة خفيف فهل نعتبر الخفيف؟ إن اعتبارنا الخفيف معناه أنه سوف يزيد عن الصاع لأن الخفيف خفيف وإن اعتبرنا الثقيل فسوف ينقص عن الصاع قالوا إنه يقدر بالبر الجيد الذي يكون وزنه وزن العدس وكيفية ذلك أن تاخذ إناءً تجعل فيه العدس أو البر الجيد فتزن الإناء أولاً خالياً ثم تزنه بعد أن تضع فيه العدس أو البر فيكون الوزن على هذا وهذا سهل وقد قدرت أنا بحسب الكسر فبلغ الصاع ألفين وأربعين جراماً يعني كيلوين وأربعين جراماً هذا بالنسبة للبر الجيد وعلى هذا فقس وجدنا مكيال يقال إنه مد النبي عليه الصلاة والسلام كان قديماً وجد في بعض المحلات عندنا في عنيزة هذا المد مأخوذ من كذا من كذا من كذا من كذا إلى أن قال إنه مأخوذ من مد زيد بن ثابت عن مد النبي عليه الصلاة والسلام ما نعلم هل هذا صحيح أو لا؟ إنما نحن قدرناه بالوزن ووجدناه مقارباً أو موافقاً تماماً وعلى هذا يكون ثلاثمائة صاع تكون بالنسبة للكيلوات ستمائة واثنا عشر كيلواً بالبر الرزين يعني الجيد الدجن لا بالخفيف وعلى هذا الشعير خفيف أخف من البر وعلى هذا فينقص في الوزن بمعنى أن الصاع يكون أقل من هذا الوزن، كلما خف نقص الوزن وكلما ثقل لابد أن تزيد الوزن لأن الصاع حجم وليس وزناً.

القارئ: فإن كان الحب قيمته قيمة خمسة أوسق مما يدخر في قشره كالأرز فإن علم أنه يخرج عن النصف فنصابه عشرة أوسق مع قشره وإن لم يعلم ذلك أو شك في بلوغ النصاب خُيِّر بين أن يستظهر ويخرج عشره قبل قشره وبين قَشْرِه واعتباره بنفسه والعلس: نوع من الحنطة يزعم أهله أنه إذا خرج من قشره لا يبقى بقاء الحنطة ويزعمون أنه يخرج عن النصف فنصابه عشرة أوسق مع قشره ويعتبر أن يبلغ النصاب من الحب مصفَّى ومن الثمار يابسا. الشيخ: كلام المؤلف رحمه الله في مسألة القشر يقول إذا كان بعض الحبوب يدخر في قشره وأنه إذا أزيل القشر لم يبق مدة طويلة فينظر هذا القشر هل يساوي النصف إذا قيل نعم يساوي النصف نصابه عشرة أوسق لأن نصاب الحب الخالص خمسة وهذا نصابه عشرة وإذا قالوا يساوي أقل من النصف كالربع مثلاً يكون نصابه سبعة ونصف وعلى هذا فقس لأن بعض الحبوب لابد أن تبقى بقشرها وبالنسبة للبر إذا بقي بقشره فإنه تطول مدته ولهذا أرشد يوسف عليه الصلاة والسلام الملك الذي رأى: (سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَات) أمرهم أن يبقوه في سنبله حتى لا يفسد. القارئ: وعنه: يعتبر النصاب في الثمرة رطبا ثم يخرج منه قدر عشر رطبه تمراً ولا يصح لأنه إيجاب لزيادة عن العشر والنص يرد ذلك. الشيخ: يعني مثلاً لو كان هذا النخل يؤخذ رطباً والآن حولنا الكيل للوزن فهل نعتبر هذا الرطب بالوزن أولا؟ يقول لا نعتبره بالوزن لا يصح اعتباره بالوزن لأنه إيجاب لزيادة عن العشر والنص يرد ذلك إذا حولته إلى الوزن صار معناه أن القليل يبلغ النصاب فيكون العشر الواجب يكون عشرين أو أكثر وذلك لزيادة وزنه والصحيح أنه يعتبر الرطب تمراً لأن هذا هو وقت الجذاذ كما قال المؤلف من الثمار يابساً. فصل القارئ: وتضم أنواع الجنس بعضها إلى بعض (ليكمل) النصاب. الشيخ: (لتكميل) نسخة في المخطوط.

القارئ: كما ذكرنا في الماشية فيضم العلس إلى الحنطة والسلت إلى الشعير. الشيخ: هذه أنواع من الشعير والحنطة عندنا الحنطة الآن تسمى اللقيمي ومعيه وكنده وأمريكية كنده أي تأتي من كندا وأمريكية تأتي من أمريكا كل هذه جنس واحد وهي أنواع. القارئ: لأنهما نوعا جنس واحد ويضم زرع العام الواحد بعضه إلى بعض سواء اتفق وقت إطلاعه وإدراكه أو اختلف فيقدم بعضه على بعض ويضم الصيفي إلى الربيعي، ولو حصدت الذرة ثم نبتت مرة أخرى ضم أحدهما إلى الآخر لأنه زرع عام واحد فضم بعضه إلى بعض لأنه كالمتقارب وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض لذلك فإن كان له نخل يحمل حملين في العام ضم أحدهما إلى الآخر كالزرع وقال القاضي في موضع: لا يضم حمل الثاني إلى شيء، والأول أولى. الشيخ: على كل حال ذكره الفقهاء رحمهم الله ولا أدري هل هو واقع أو لا؟ لأن المعروف أن ثمرة النخل يكون في السنة مرة واحدة لكن ذكر بعض المؤرخين في ترجمة أنس بن مالك رضي الله عنه الذي دعى له النبي صلى الله عليه وسلم أن يبارك الله له في ماله أنه كان له بستان يحمل في السنة مرتين. فصل القارئ: ولا يضم جنس إلى غيره لأنهما جنسان متخلفان فلا يضم بعضها إلى بعض كالماشية وعنه: تضم كل الحبوب بعضها إلى بعض اختارها أبو بكر لأنها تتفق في قدر النصاب والمخرج والمنبت والحصاد أشبهت أنواع الجنس وعنه: تضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض اختارها الخرقي والقاضي لأنها تتقارب في المنفعة فأشبهت نوعي الجنس وهذا ينتقض بالتمر والزبيب لا يضم أحدهما إلى الآخر مع ما ذكرناه.

الشيخ: مسألة الضم المذهب أنه لا يضم جنس إلى آخر إلا في الذهب والفضة فيضم أحدهما إلى الآخر فإذا كان عنده نصف نصاب من الفضة ونصف نصاب من الذهب كُمِّل أحدهما بالأخر وأما الحبوب والثمار فلا يضم الجنس إلى آخر لأن كل جنس مستقل بنفسه والصواب أنه لا يضم حتى الذهب والفضة لا يضم أحدهما إلى الآخر فإذا كان عنده عشرة دنانير وعنده ثلاث أواقٍ من الفضة فالصواب أنه لا يكمل هذا بهذا وأن كل جنس لها حكمه الخاص فالمذهب لا يضم إلا الذهب والفضة فقط وما سواه لا يضم فمثلاً إذا كان عنده نصف نصاب من شعير ونصف نصاب من حنطة فلا شيء عليه والصحيح أنه لا شيء عليه حتى في الذهب والفضة وأنه لا يضم جنس إلى آخر لأن الشارع قدر فقال في الفضة: (فإن لم يكن إلا تسعون ومائة فليس فيه صدقة إلا أن يشاء ربها) وقال (ليس فيما دون خمس أوقٍ من الورق صدقة). السائل: أحسن الله إليك إذا كان عنده ذهب ومبلغ من المال كلاهما لا يبلغ النصاب لوحده فهل يضم الذهب إلى المال؟ الشيخ: لا يضمه إلا إذا كان المال للتجارة فلو كان عند الإنسان مثلاً ثلث نصاب من الذهب وثلث نصاب من الفضة وثلث نصاب من الماشية فإنه لا يضم بعضها إلى بعض وإذا كان عنده نصف نصاب من المال الأوراق النقدية ونصف نصاب ذهب فإنه يضم. السائل: الأوراق تعتبر ذهباً؟ الشيخ: هي تعتبر ذهباً فإن كانت لا تعتبر ذهباً وإنما تعتبر فضة فإنها لا تضم. فصل

القارئ: وقدر الزكاة: العشر فيما سقي بغير كلفة كماء السماء والعيون والأنهار ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح وغيرها للحديث الذي في أول الباب ولأن للكلفة تأثيراً في تقليل النماء فيؤثر في الزكاة كالعلف في الماشية فإن سقي نصف الستة بكلفة ونصفها بما لا كلفة فيه ففيه ثلاثة أرباع العشر وإن سقي بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر بالأكثر لأن اعتبار السقي في عدد مراته وقدر ما يشرب في كل مرة يشق ويتعذر فاعتبر بالأكثر كالسوم وقال ابن حامد: يجب بالقسط لأن ما وجب فيه بالقسط عند التماثل وجب عند التفاضل كزكاة الفطر عن العبد المشترك. وإن جهل المقدار غلبنا إيجاب العشر نص عليه لأنه الأصل. الشيخ: ما سقي بلا مؤنة ففيه العشر كالذي يشرب بعروقه أو كالذي يشرب بماء المطر أو بالأنهار هذا فيه العشر كاملاً لقلة مؤنته وما سقي بكلفة ففيه نصف العشر وما سقي نصف السنة بكلفة ونصف السنة بدون كلفة ففيه ثلاث أرباع العشر فإن اختلف بأن كان سقي ثمانية أشهر بكلفة وأربعة أشهر بلا كلفة اعتبر الأكثر قدراً والمؤلف لم يتعرض للنفع هنا وقال ابن حامد ما ذكر يجب بالقسط فإذا كان ثمانية أشهر وأربعة أشهر فإنه يقسم العشر ثلاثة أقسام ولكن المذهب أقرب إلى الصواب وأقرب إلى التصور والراحة فإن جهلنا المقدار فإنه يغلب ما فيها الأحظ للفقراء وهو العشر كاملاً. السائل: هل يعتبر الحرث والبذر في الكلفة؟ الشيخ: لا يعتبر إلا بالسقي لأن الحرث والبذر وما أشبه ذلك ما يتكرر يكون أول مرة وينتهي. السائل: بارك الله فيك إذا كان السقي بكلفة بسيطة مثلاً كمن على الأنهار ويصرفها إلى أرضه؟ الشيخ: العبرة باستخراج الماء وليست العبرة بتصريفه ولهذا لابد أن يصرف الماء حتى ولوكان بغير كلفة لابد أن يكون هناك سواقي وأحواض يكون فيها ماء فالعبرة باستخراج الماء. السائل: إذا حفر البئر ونبع الماء من نفسه؟

الشيخ: لا هو بغير كلفة فالآن مثلاً المطاق الآن هذه بغير كلفة يعني فيه مثلاً ناس يركزون مواسير في الأرض ثم تتفجر وتمشي على سطح الأرض هذه بغير كلفة لكن ما يسمونه الدينمو هذا بكلفة. القارئ: وإن اختلف الساعي ورب المال في قدر شربه فالقول قول رب المال من غير يمين لأن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم فإن كان لها حائطان فسقى أحدهما بمؤنة والآخر بغير مؤنة ضم أحدهما إلى الآخر في كمال النصاب وأخذ من كل واحد فرضه ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه قل أو كثر لأنه يتجزأ فوجب فيه بحسابه كالأثمان. الشيخ: هذا بخلاف الماشية، الماشية سبق أن فيها وقصاً وهو ما بين الفرضين وأن أربعين وستين ليس فيها إلا شاة لكن ما سوى الماشية فإنه لا وقص فيها فيكون ما زاد بحسابه. فصل القارئ: فإذا بدأ الصلاح في الثمار وأشتد الحب وجبت الزكاة لأنه حينئذٍ يقصد للأكل والاقتيات به فأشبه اليابس وقيل: لا يقصد لذلك فهو كالرطبة فإن تلف قبل ذلك أو أتلفه فلا شيء فيه لأنه تلف قبل الوجوب فأشبه ما لو أتلف السائمة قبل الحول إلا أن يقصد بإتلافها الفرار من زكاتها فتجب عليه لما ذكرنا. الشيخ: مثلاً إنسان عنده نخيل تبلغ النصاب أتتها جائحة قبل أن يبدو صلاحها فأتلفتها فليس عليه زكاة أيضاً هو نفسه لو أتلفها بمعنى أنه جزها وهي خضراء لم يبدُ فيه الصلاح وباعها هل عليه زكاة؟ لا ليس عليه زكاة لأنه لم يبدُ صلاحها إلا إذا قصد الفرار من الزكاة فإنه يلزم بها لأن كل من تحيل لإسقاط واجب فإنه يلزم بذلك الواجب.

القارئ: وإن تلفت بعد وجوبها وقبل حفظها في بيدرها وجرينها بغير تفريط فلا ضمان عليه سواء خرصت أم لم تخرص لأنها في حكم ما لم تثبت اليد عليه ولو تلفت بجائحة رجع بها المشتري على البائع وإن أتلفها أو فرط فيها ضمن نصيب الفقراء بالخرص أو بمثل نصيبهم وإن أتلفها أجنبي ضمن نصيب الفقراء بالقيمة لأن رب المال عليه تخفيف هذا بخلاف الأجنبي والقول في تلفها وقدرها والتفريط فيها قول رب المال لأنه خالص حق الله تعالى فلا يستحلف فيه كالحد وإن تلفت بعد جعلها في الجرين فحكمها حكم تلف السائمة بعد الحول. الشيخ: إذاً صارت المسألة لها ثلاث حالات قبل بدو الصلاح إذا تلفت بإتلافه أو بفعل الله عز وجل فليس فيها زكاة ما لم يقصد بإتلافها الفرار من الزكاة فعليه والحال الثانية تلفت بعد بدو الصلاح وقبل وضعها في الجرين فإن كان بتفريط منه أو تعدٍ منه فعليه ضمان الزكاة وإن لم يكن فلا زكاة عليه والثالثة إذا تلفت بعد إيوائها الجرين ووضعها في البيدر فعليه الضمان مطلقا سواء تلفت بتعد منه آو تفريط أو بلا تعد ولا تفريط والصحيح أن الحال الثالثة كالحال الثانية يعني إذا تلفت بغير تعد ولا تفريط فإنه لا ضمان عليه لأنها بقيت في يده أمانة إلا إذا فرط في تأخير دفعها إلى مستحقها فعليه الضمان. في الحال الثالثة لايضمن لأن هذا المال الذي بيده وهو ليس بمتعد ولا مفرط فهو كالوديعة. السائل: إن كان الماء يخرج بدون مؤنة لكن تأخذ عليه الدولة مقابل؟ الشيخ: فيه العشر لأنه إذا ظلم فلا يظلم غيره لا هذا ضريبة الدولة أصلاً ما تأخذ ضريبة على شيء نافع. السائل: أحسن الله إليك بعض أصحاب المزارع يزعمون أن عليهم مصاريف أخرى غير الماء؟ الشيخ: هذا لايعتبر كلفة لأن السنه إنما جاءت (فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بالنضح نصف عشر) نقتصر عليه أما إذا كان عليه نفقات أخرى لغير الماء فلا يمكن أن ينقص حق الفقراء. فصل

القارئ: ويستحب للإمام أن يبعث من يخرص الثمار عند بدو الصلاح لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد لله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يوكل منه رواه أبو داود وعن عتاب بن أسيد أنه قال أمرنا رسول الله أن نخرص العنب كما نخرص النخل فيؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا رواه أبو داود ويجزيء خارص واحد لحديث عائشة ولأنه يفعل ما يؤديه إليه اجتهاده فجاز أن يكون واحداً كالحاكم ويعتبر أن يكون مسلماً أميناً غير متهم ذا خبرة فإن كانت الثمرة أنواعا خرص كل نوع على حدته لأن الأنواع تختلف (منها) ما يكثر رطبه. الشيخ: (فمنها) نسخة في المخطوط. القارئ: ويقل يابسه ومنها خلاف ذلك فإن كانت نوعاً واحداً خير بين خرص كل شجرة منفردة وبين خرص الجميع دفعة واحدة ثم يعرِّف المالك قدر الزكاة ويخيره بين حفظها إلى الجذاذ وبين التصرف فيها وضمان حق الفقراء فإن اختار حفظها فعليه زكاة ما يؤخذ منها قل أو كثر لأن الفقراء شركاؤه فليس عليه أكثر من حقهم منها وإن اختار التصرف ضمن حصة الفقراء بالخرص فإن ادعى غلط الساعي في الخرص دعوى محتملة فالقول قوله بغير يمين وإن ادعى غلطاً كثيراً لا يحتمل مثله لم يلتفت إليه لأنه يعلم كذبه فإن اختار التصرف فلم يتصرف أو تلفت فهو كما لو لم يخير لأن الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة. الشيخ: إذا عرَّفه بالزكاة يخيَّر بين حفظها إلى الجذاذ وبين التصرف فيها وضمان حق الفقراء يعني أن يقول إما أن يبقى التمر كما هو إلى الجذاذ وإما أن تبيعه لكن تضمن تمراً بدله يعني ما هو لازم يخرج من عين الرطب والتمر. فصل القارئ: ويخرص الرطب والعنب لحديث عتاب ولأن الحاجة داعية إلى أكلهما رطبين وخرصهما ممكن لظهور ثمرتهما واجتماعها في أفنانها وعناقيدها ولم يسمع بالخرص في غيرهما ولا هو في معناهما لأن الزيتون ونحوه حبه متفرق في شجره مستتر بورقه.

الشيخ: وعلى هذا فلا يخرص الزرع من باب أولى وعمل الناس اليوم على خرص الثمار والزروع وذلك لأنه وإن كان في الزرع جهالة لكون الحب مستتراً بالقشر لكنه جهالة قريبة ليس جهالة كثيرة ولهذا يجوز بيع الحب في سنبله مع اشتراط العلم في البيع فإذا لم يمنع من ذلك إجماع فإن خرص الزروع كخرص الثمار. فصل القارئ: وعلى الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع توسعة على رب المال لحاجته إلى الأكل منها والإطعام ولأنه قد يتساقط منها وينتابها الطير والمارة وقد روى سهل بن أبي حثمة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) رواه أبو داود وعن مكحول قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال (خففوا على الناس فإن في المال العرية والواطئة والأكلة) رواه أبوعبيد. الشيخ: ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أن الخارص يدع الثلث أو الربع فهل المراد أنه لا يخرص إلا الثلثين أو الثلاثة أرباع؟ أو أن المعني أن يدع الثلث أي ثلث الزكاة أو الربع ربع الزكاة الأقرب هذا وأن الخارص مأمور بأن لا يأخذ الزكاة كلها بل يدع الثلث أو الربع وذلك لأن رب المال قد يكون له أقارب وأصحاب ومعارف يحب أن يعطيهم من الزكاة فإذا أخذت الزكاة كلها منه لن يبق لهؤلاء المعارف والأقارب شيء وهذا الذي ذكرناه يؤيده أن الأحاديث الصحيحة التي أصح من هذا الحديث قدّر فيها النبي عليه الصلاة والسلام العشر أو نصف العشر بدون ذكر حذف شيء منه وعلى هذا نقول فيما يسقى بلا مؤنة العشر كاملاً لكن ينبغي للخارص أن يدع الثلث من أجل أن يؤديه صاحب الزرع أو الثمر وما يسقى بمؤنة فيه نصف العشر كما جاء في الحديث فيجب إخراج العشر أو نصفه ثم يقال للخارص دع الثلث من الزكاة أو الربع لصاحبها.

القارئ: فالعرية نخلات يهب رب المال ثمرتها لإنسان والواطئة: السابلة والأكلة: أرباب الأموال ومن تعلق بهم فإن لم يترك الخارص شيئاً فله الأكل بقدر ذلك ولا يحتسب عليهم وإن لم يخرص عليهم فأخرج رب المال خارصاً فخرص وترك قدر ذلك جاز ولهم أكل الفريك من الزرع ونحوه مما جرت العادة بمثله ولا يحتسب عليهم. الشيخ: جرت العادة أن أهل الزرع إذا استوى الزرع أخذوا سنبلات وفركوها وأكلوها هذا الفريك فما جرت به العادة فلا بأس أن يأخذوه وإن لم تؤخذ منهم الزكاة وتؤخذ الزكاة مما بقي وذلك لأن ما جرت به العادة فإنه يجرى على العادة ويسامح فيها. فصل القارئ: فإذا احتيج إلى قطع الثمرة قبل كمالها لخوف العطش أو غيره أو لتحسين بقية الثمرة جاز قطعها لأن العشر وجب مواساة فلا يكلف منه ما يهلك أصل المال ولأن حفظ الأصل أحظ للفقراء من حفظ الثمرة لتكرر حقهم فيها كما هو أحظ للمالك فإن كفى التجفيف لم يجز قطعها وإن لم يكف جاز قطعها كلها. الشيخ: أنا عندي في المخطوط (فإن كفى التخفيف) نسخة والتخفيف أقرب للصواب. القارئ: وإن كانت الثمرة عنبا لا يجيء منه زبيب أو زبيبه رديء كالخمري أو رطب لا يجي منه تمر جاز (كالبرنبا) قطعه. الشيخ: أنا عندي في الخطوط ألف بعد الراء (كالبرابنا)، هذا معروف نوع من التمر وعلى كل حال يوجد رطب ما يمكن أن يكون تمراً إذا يبس ما ينفع ولا يوكل فإذا كان هذا النوع الرطب موجوداً في البستان فهو الذي أراد المؤلف. القارئ: قال أبو بكر: وعليه قدر الزكاة في جميع ذلك يابسا وذكر أن أحمد نص عليه وقال القاضي: لا يلزمه ذلك لأن الفقراء شركاؤه فلم يلزمه مواساتهم من غير جنس ماله.

الشيخ: وقول القاضي أصح يعني مثلاً على قول القاضي يجوز أن يخرج رطباً بدلاً عن التمر في هذا النخل الذي لا يأتي رطبه تمراً وكذلك العنب إذا قلنا بوجوب الزكاة في العنب الذي لا يأتي منه زبيب فإنه يجوز أن يخرج الزكاة عنباً رطباً لأن الزكاة وجبيت مواساةً بين الغني والفقير. القارئ: ويتخير الساعي بين مقاسمة رب المال الثمرة قبل الجذاذ بالخرص ويأخذ نصيبهم شجرات منفردة وبين مقاسمة الثمرة بعد جذها بالكيل ويقسم الثمرة في الفقراء وبين بيعها للمالك أو لغيره قبل الجذاذ وبعده ويقسم ثمنها في الفقراء فإن أتلفها رب المال فعليه قيمتها لأنه لا يلزمه تجفيفها فأشبه الأجنبي. الشيخ: هذا إذا كان قبل تعيينها وأما إذا عينها المالك وقال للعامل هذه صدقتي فإنه لا يجوز له أن يشتريها بعد ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن شراء الرجل صدقته) وقال: (إن هذا مثله مثل الكلب يقي ثم يعود في قيئه) لكن لو أن العامل قال لرب النخل: القيمة أنفع للفقراء فلنقدر الثمرة كلها بقيمتها فإذا كانت تساوي عشرة آلاف وهي مما تسقى بمؤنة فالواجب خمسمائة وإذا كان مما لا يسقى بمؤنة فالواجب ألف وهذا طيب لا بأس لأنه أحياناً يكون العامل ليس عنده مكان يجبي فيه التمر وثانياً ربما يكون الفقراء لا يريدون التمر يريدون المال النقد فإذا رأى العامل ذلك فله أن يفعل ومن ذلك ما كان معهوداً عندنا الآن في أن الرجل يبيع ثمرة نخله كله فحينئذ لا يكلف أن يشتري تمراً من السوق ليدفعه للفقراء بل نقول ما دام بعت ثمرة نخلك كله فإنك تخرج من الثمن نصف العشر إن كان يسقى بمؤنة والعشر كاملاً إن كان يسقى بلا مؤنة فصار يخرج القيمة فيما إذا طلبها الساعي ولكن هل للساعي طلبها؟ نقول: نعم إذا رأى أن ذلك أصلح للفقراء فلا بأس وكذلك إذا كان لمصلحة المالك بحيث يكون المالك قد باع بستانه كله ولم يكن عنده إلا ثمن البستان فنقول لا بأس أن يأخذ العامل الزكاة من القيمة.

مسألة: بعض العلماء قال إن الرطب الذي لا يتمر والعنب الذي لا يزبب ليس فيه زكاة لأن هذا يشبه الفاكهة لكن الفقهاء الذين يرون الوجوب يقولون: هذا أصله أنه يتمر في الرطب وأنه يكون زبيباً في العنب والنادر لاحكم له. السائل: متى يكون الخرص؟ الشيخ: إما قبل أن يتمر إذا بدأ به التمر أو إذا أتمر نهائياً. السائل: وإذا بدا صلاحه هل يخرص؟ الشيخ: لا ما يصلح إذا بدأ الصلاح لأنه لا يمكن ضبطه. فصل القارئ: وما عدا ذلك لا يجوز إخراج الواجب من ثمرته إلا يابسا ومن الحبوب إلا مصفى لأنه وقت الكمال وحالة الادخار، فإن كان نوعاً واحداً أخرج عشره منه جيداً كان أو رديئا لأن الفقراء بمنزلة الشركاء فيه وإن كان أنواعاً أخرج لكل نوع حصته لذلك ولا يجوز إخراج الرديء عن الجيد ولا يلزم إخراج الجيد عن الرديء لما ذكرنا ولا مشقة في هذا لأنه لا يحتاج إلى تشقيص وقال أبو الحطاب: إن شق ذلك لكثرة الأنواع واختلافها أخذ من الوسط وإن أخرج رب المال الجيد عن الرديء جاز وله ثواب الفضل لما ذكرنا في السائمة.

الشيخ: أراد المؤلف رحمه الله كيف يخرج زكاة الثمار فقال إنه يخرج من كل نوع بحصته فإذا قدرنا أن هذا البستان فيه برحي وفيه شقراء وفيه أم الحمام فإنه يجب أن يخرج من البرحي وحدها زكاتها ومن الشقراء وحدها زكاتها ومن أم الحمام كذلك حتى لو كانت نخلة واحدة من نوع فإنه يخرج زكاتها منها هذا هو المشهور من المذهب وقال بعض أهل العلم أنه إذا كثرت الأنواع وشق أن يخرج من كل نوع زكاته فإنه يخرج من الوسط فلا يخرج الطيب ولا يلزمه إخراج الطيب ولا يجزئه إخراج الرديء وهذا القول لا شك أنه أقرب إلى الصواب من الأول وأما ما يفعله بعض الناس عندنا تجد البستان ثمانين في المائة من النوع الجيد وعشرين في المائة من النوع الرديء فيخرج الزكاة من النوع الرديء فهذا حرام ولا تجزئه الزكاة لقول الله تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) والسلامة من هذا كله أن يخرج من القيمة لأنه إذا أخرج من القيمة قدر قيمة كل البستان رديئه وجيده ثم أخرج من القيمة وبذلك تبرأ الذمة. فصل القارئ: فأما الزيتون فإن لم يكن ذا زيت أخرج عشر حبه وإن كان ذا زيت فأخرج من حبه جاز كسائر الحبوب وإن أخرج زيتاً كان أفضل لأنه يكفي الفقراء مؤنته ويخرجه في حال الكمال والادخار. فصل القارئ: ويجوز لرب المال بيعه بعد وجوب زكاته لأن الزكاة إن كانت في ذمته لم يمنع التصرف في ماله. الشيخ: ونسخة في المخطوطة (لم تمنع). القارئ: كالدين وإن تعلقت بالمال لكنه تعلق ثبت بغير اختياره فلم يمنع التصرف فيه كأرش الجناية فإن باعه فزكاته عليه دون المشتري ويلزمه إخراجها عما تلزمه لو لم يبعه. الشيخ: يلزمه يعني الإخراج. فصل

القارئ: ويجتمع العشر والخراج في كل أرض فتحت عنوة، الخراج في رقبتها والعشر في غلتها لأن الخراج مؤنه الأرض فهو كالأجرة في الإجارة ولأنهما حقان يجبان لمستحقين فيجتمعان كالكفارة والقيمة في قتل الصيد المملوك على المحرم. وقال الخرقي: يؤدي الخراج ثم يزكي ما بقي لأن الخراج دين في مؤنة الأرض فأشبه ما استدانه لينفقه على زرعه وقد ذكرنا فيما استدانه رواية أخرى: أنه لا يحتسب به فكذلك يخرَّج هاهنا.

الشيخ: ولعل هذا مبني على القول بأن الدين يمنع وجوب الزكاة أو لا يمنع؟ وسبق أن في ذلك ثلاثة أقوال للعلماء، منهم من قال: يمنع ومنهم من قال: لا يمنع ومنهم من فرق بين الأموال الظاهرة والأموال الباطنة، لكن ماهو الخراج؟ إذا فتحت البلاد عنوة فإن الإمام يخير فيها بين أن يقسمها بين الغانمين وبين أن يوقفها على المسلمين ويضرب عليها خراجاً مستمراً تؤخذ ممن هي في يده والثاني فعله عمر رضي الله عنه قال: لأن المسلمين الذين لم يوجدوا الآن لهم حق فيها وعلى هذا فإذا فتحوا أرضاً عنوة يعني بالسيف والقوة غنموا الأراضي لأن الأراضي تكون للمسلمين - هذه المزارع - فتبقى الأرض إذا ضرب عليها الإمام خراجاً بأن قال مثلاً كل كيلو عليه مائة ريال كل سنة هذا هو الخراج فيجتمع في الأرض الخراجية عشر وخراج العشر الذي هو الزكاة والخراج الذي هو حق بيت المال وضرب مثلاً لذلك بالصيد المملوك إذا قتله المحرم فإن عليه الجزاء كما قال الله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) فإذا قتل المسلم غزالاً لشخص فالغزال من الصيد المحرم فيحرم على المحرم أن يقتلها والغزال لشخص مالك لها نقول يجب في هذه الغزال الجزاء حق لله وتجب القيمة أو المثل حقٌ للآدمي فاجتمع فيها ضمانان ولو قتلها خطأً فعليه قيمتها لمالكها وليس عليه جزاء لقوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ). فصل القارئ: ويجوز لأهل الذمة شراء الأرض العشرية ولا عشر عليهم في الخراج منها لأنهم من غير أهل الزكاة فأشبه مالو اشتروا سائمة ويكره بيعها لهم لئلا يفضي إلى إسقاط الزكاة وعنه: يمنعون شراءها لذلك اختارها الخلال وصاحبه فعلى هذا إن اشتروها ضوعف العشر عليهم كما لو اتجروا إلى غير بلدانهم ضوعف عليهم ما يؤخذ من المسلمين.

الشيخ: الظاهر الأول أنه لا عشر عليهم لأن الزكاة يُغلّب فيها جانب العبادة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن قال (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمسة صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة) فدل ذلك على أن الزكاة عبادة فتغلب فهؤلاء أهل الذمة لا نأخذ منهم الزكاة كيف نأخذ منهم الزكاة وهم لم يسلموا فالصواب المذهب في هذه المسألة وأن عليهم الخراج وليس عليهم الزكاة. فصل القارئ: وفي العسل العشر لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ في زمانه من قِرَب العسل من كل عشر قرب قربةً من أوسطها رواه أبو عبيد، وعن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (في العسل في كل عشر قرب قربة) رواه أبو داود والترمذى وقال الترمذى: في إسناده مقال ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كبير شيء ومقتضى هذا أن يكون نصابه عشر قرب والقربة مائة رطل كذلك ذكره العلماء في تقرير القرب التي قدروا بها في القلتين وقال أصحابنا: نصابه عشرة أفراق لأن الزهري قال: في عشرة أفراق فرق ثم اختلفوا وقال ابن حامد والقاضي في المجرد: الفَرَق ستون رطلا وحكي عن القاضي أنه قال: الفرق ستة وثلاثون رطلا والمشهور عند أهل العربية الفرق الذي هو ثلاثة آصع وهو ستة عشر رطلا.

باب زكاة الذهب والفضة

الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء هل في العسل زكاة أو لا؟ والآثار المذكورة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها نظر لكن قد صح عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ العشر لكن هل أخذه على أنه زكاة أو على أن صاحب العسل أراد عمر أن يأخذ منه هذا بسبب غير الزكاة؟ والاحتياط بلا شك أن يزكى العسل لأنه يشبه الخارج من الثمار والزروع إذ أن الكلفة فيه يسيرة ليس على الإنسان إلا أن يجمع نحلاً ويحصد منه العسل. باب زكاة الذهب والفضة القارئ: وهي واجبة لقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ولما نذكره من النصوص ولأنهما معدَّان للنماء فأشبها السائمة. الشيخ: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) معنى كنزها فسرته الآية أن لا ينفقها في سبيل الله وأعظم ما ينفق في سبيل الله من الأموال هو الزكاة وقوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) اقترنت الفاء بالخبر لأن (الذين) اسم موصول يشبه الشرط في العموم كقول النحويين في مثالهم: الذي يأتيني فله درهم والأصل الذي يأتيني له درهم، لكن لما أشبه الموصول اسم الشرط في عمومه جاز اقتران الخبر بالفاء. القارئ: ولا زكاة إلا في نصاب ونصاب الوَرِق مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون مثقالا لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب ولا أقل من مائتي درهم صدقة) رواه أبو عبيد والاعتبار بدراهم الإسلام التي وَزْنُ كل عشرة منها سبعة مثاقيل بغير خلاف

الشيخ: فتكون مئتا الدرهم بالمثاقيل مائة وأربعين مثقالاً لأن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل أما الدنانير فكل دينار مثقال فإذا كانت عشرون ديناراً فهي عشرون مثقالاً وإذا قلنا إن مائتا درهم مائة وأربعون مثقالاً فهي في الغرامات خمسمائة وخمسة وتسعون غراماً. القارئ: فإن نقص النصاب كثيرا فلا زكاة فيه للحديث ولقوله صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة) والأوقية أربعون درهما وإن كان يسيرا كالحبة والحبتين فظاهر كلام الخرقي لا زكاة فيه للخبر وقال غيره من أصحابنا: فيه الزكاة لأن هذا لا يضبط فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين. الشيخ: والظاهر أن قول الخرقي هو الصواب ما دام الشرع قد قدره فلنرجع إلى تقديره لأن الحبة أو الحبتين قد يكون ثمنهما كثيراً فالصواب أن التقدير تحديد وليس تقريباً. القارئ: ولا يضم الذهب إلى الفضة في إكمال النصاب لأنهما جنسان اختارها أبو بكر وفرّق بينهما وبين الحبوب لاختلاف نصابهما واتفاق نصاب الحبوب وعن أحمد رضي الله عنه أنه يضم لأن مقاصدهما متفقة فهما كنوعي الجنس.

الشيخ: الصحيح الأول أن الذهب لا يضم إلى الفضة في تكميل النصاب إلا في أموال الصيارفة وذلك لأن أموال الصيارفة يعدونها للتجارة فالذهب والفضة عروض تجارة مثال ذلك رجل ملك مائة درهم وعشرة دنانير هل عليه زكاة؟ إن قلنا بالضم فعليه زكاة لأنه ملك نصف نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة وإن قلنا بعدم الضم فلا زكاة عليه لأنه لم يملك نصاباً من الفضة ولا نصاباً من الذهب وهذا يأتي في الحلي إذا كان امرأة عندها حلي يبلغ نصف نصاب وعندها دراهم تبلغ نصف نصاب فهل عليها أن تزكي حليها؟ إن قلنا بالضم وجب أن تزكيه لأن مجموعهما نصاب وإن قلنا بعدم الضم فلا زكاة عليها والراجح أنه لا ضم بدليل أن الشعير لا يضم إلى الحنطة مع أن مقاصدهما واحدة كلها طعام وأما أنواع الحنطة وأنواع الشعير فيضم بعضها إلى بعض لأن الجنس واحد إذاً القول الراجح أنه لا يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب لدليلين أثري ونظري أما الأثري فإن الأحاديث كلها تدل على أن الفضة إذا لم تبلغ كذا فلا زكاة فيها والذهب إذا لم يبلغ كذا فلا زكاة فيه (ليس فيما دون خمس أوقٍ صدقة) يعني أوقٍ من الفضة (ليس فيما دون عشرون ديناراً صدقة) والدنانير هي الذهب فإذا أخذنا بهذا العموم فلا فرق أن يكون عنده من الجنس الآخر أو لا، وأما الدليل النظري أن يقال كما لا يضم البر إلى الشعير في تكميل النصاب فكذلك لا يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب. وأموال الصيارفة مستثناة لأن أموال الصيارف عروض تجارة الصيرفي عنده ذهب وفضة لو سألته لماذا؟ لقال: لأني أريد أن أتجر.

القارئ: ويضم أحدهما إلى الآخر فيحسب كل واحد من نصابه ثم يضم إلى صاحبه لأن الزكاة تتعلق بأعيانها فلا تعتبر قيمتها كسائر الأموال وعنه: تضم بالقيمة إن كان ذلك أحظ للفقراء فيقوّم الأعلى منهما بالآخر فإذا ملك مائة درهم وتسعة دنانير قيمتها مائة درهم وجبت زكاتها مراعاةً للفقراء ويجب في الزائد على النصاب بحسابه لأنه يتجزأ من غير ضرر فأشبه الحبوب. الشيخ: يعني إذا قلنا بالضم وهو قول مرجوح كما عرفتم فهل يضم بالقيمة أو بالأجزاء الصحيح أنه يضم بالأجزاء لا بالقيمة إلا إذا كانت عروضاً فيضم بالقيمة مثال ذلك عنده نصف نصاب من الفضة وربع نصاب من الذهب لكنه يبلغ نصف نصاب من الفضة بالقيمة فهل عليه زكاة؟ على الخلاف إذا قلنا الضم بالأجزاء فلا زكاة عليه وإن قلنا بالقيمة فعليه الزكاة والصواب أنه بالأجزاء ما لم يكن للتجارة ومن عنده نصف نصاب من الفضة وربع نصاب من الذهب يساوي نصف نصاب من الفضة (نصف نصاب من الفضة مائة درهم) وربع النصاب من الذهب الذي عنده يساوي مائة درهم فهل يكمل النصاب بذلك؟ على الخلاف وإذا قلنا إنه يضم بالأعيان فلا زكاة وإن قلنا يضم بالقيمة فعليه الزكاة فصار عندنا الآن ثلاث مراتب: أولاً: هل يضم الذهب إلى الفضة في تكملة النصاب في ذلك خلاف والراجح لا ضم إلا في أموال الصيارفة لأنها تجارة. ثانياً: إذا قلنا بالضم فهل يضم باعتبار القيمة أو باعتبار الأعيان ففي هذا خلاف فبعضهم قال يعتبر القيمة وبعضهم قال: يعتبر العين وهذا هو الصواب يعني إذا قلنا بالضم والمثال كما ذكرت لكم رجل عنده مائة درهم هذه نصف نصاب وعنده ربع نصاب من الذهب لكنه يساوي مائة درهم فإن قلنا الضم بالقيمة صار عنده مائتا درهم فيها الزكاة وإذا قلنا بالأعيان فلا زكاة لأنه ليس عنده إلا نصف نصاب وربع نصاب يعني ثلاثة أرباع نصاب فلا تلزمه الزكاة. السائل: النقود الورقية هل تضم إلى الذهب والفضة؟

الشيخ: النقود الورقية نعتبرها فضة لأنه مكتوب عليها ريال أو خمسة ريالات أو عشرة ريالات أو خمسين ريال أو مائة ريال أو خمسمائة ريال فهي تعتبر ملحقة بالفضة. فصل القارئ: والواجب فيها ربع العشر لقوله صلى الله عليه وسلم (في الرِقة ربع العشر) رواه البخاري والرقة: الدراهم المضروبة فيجب في المائتين خمسة دراهم وفي العشرين مثقالاً نصف مثقال ويخرج عن كل واحد من الرديء والجيد وعن كل نوع من جنسه إلا أن يشق ذلك لكثرة الأنواع واختلافها فيؤخذ من الوسط كما ذكرنا في الماشية وإن أخرج الجيد عن الرديء كان أفضل فإن أخرج رديئاً عن جيد زاد بقدر ما بينهما من الفضل لأنه لا ربا بين العبد وسيده. الشيخ: لا ربا بين العبد وسيده يعني بذلك الله فالزكاة حق لله عز وجل فإذا زاد عن الدراهم الرديئة من جنسها فلا حرج. القارئ: وقال القاضي: هذا في المكسرة عن الصحيحة أما المبهرجة فلا يجزئه بل يلزمه إخراج جيده ولا يرجع فيما أخرجه لله تعالى وفي إخراج أحد النقدين عن الآخر روايتان بناء على ضم أحدهما إلى الآخر. الشيخ: هذه مثلاً إذا كان عند امرأة حلي من الذهب فعلى كلام المؤلف لا تخرج من الدراهم لأن الدراهم نائبة مناب الفضة وإخراج الفضة عن الذهب لا يجوز إلا إذا قلنا بالضم فإنهما يكونان كنقد واحد لكن الصحيح عدم الضم فيبقى النظر الآن امراة عندها حلي نقول إذا قدرنا أن عندها أربعين سواراً متساوية القيمة والوزن فماذا تخرج؟ تخرج سواراً واحداً ولا تخرج القيمة لكن أحياناً لا يمكنها أن تخرج من الذهب وذلك لأنه ليس عندها شيء منفصل بعضه عن بعض بقدر الزكاة فحينئذ نضطر إلى إخراج القيمة فتقدر الحلي بقيمته من الفضة وتخرج من الفضة وهذا هو الذي عليه العمل الآن. القارئ: ومن ملك مشغوشاً منهما فلا زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابا فإن شك في بلوغه خيّر بين سبكه ليعرف وبين أن يستظهر ويخرج ليسقط الفرض بيقين.

الشيخ: بناءً على ما سبق في عرفهم من أن النقود أو الذهب والفضة قد يغش ويدخل فيه شيء ليس منه أما الآن والحمد لله فالأمور منضبطة ولا فيها غش يعرف الذهب عيار ثمانية عشر وعيار واحد وعشرين كلها معروفة. فصل القارئ: ولا زكاة في الجواهر واللآليء لأنها معدة للاستعمال فأشبهت ثياب البذلة وعوامل الماشية وأما الفلوس فهي كعروض التجارة تجب فيها زكاة القيمة.

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: (ولا تجب الزكاة في الجواهر واللآليء) والألماس وأشباه ذلك هذا الحكم صحيح لكن التعليل غير صحيح وهو قوله: (لأنها معدة للاستعمال فأشبهت ثياب البذلة) بل التعليل الصحيح لأنه لم يرد إيجاب الزكاة فيها والأصل براءة الذمة وأما التعليل الذي ذكره فهو منتقض فها هو الحلي تجب فيه الزكاة مع أنه معد للاستعمال فالصواب أن يقال: لا تجب الزكاة في هذا لأنه لم يرد إيجاب الزكاة فيها والأصل براءة الذمة وأما قوله: (عوامل المواشي) يريد بذلك الإبل العوامل التي يعدها الناس للحمل يحملون الأمتعة عليها أو البقر والإبل التي يعدونها للحرث هذه ما فيها زكاة لأن من شرط وجوب الزكاة السوم والسوم في العوامل والحراثات وما أشبه ذلك غير موجود ولهذا لو قدر أن إنسان عنده ماشية عوامل ولكنها تعيش على الرعي وجبت فيها الزكاة فالعلة في العوامل لا لأنها استعلمت لكنه لأنه فقد شرط من شروط الزكاة وهو السوم والسوم هو الرعي وأما الفلوس فيقول المؤلف: (إنها كعروض التجارة تجب فيها الزكاة في القيمة) الفلوس: يعني القروش يعني النقد المعدني من غير الذهب والفضة هذا كعروض التجارة ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: إن الفلوس عروضٌ مطلقا وإن كانت نقداً مستعملاً لكنها عروض ما فيها ربا وما فيها زكاة ما لم تعد للتجارة ويشبه الفلوس الأوراق النقدية لأنها ليست ذهباً ولا فضة لكن الناس يتعامل بها كما يتعاملون بالذهب والفضة وهذا محل خلاف بين العلماء رحمهم الله هل الأوراق النقدية تلحق بالنقد أو تلحق بالفلوس وقد ألف بعض المعاصرين كتاباً أسماه (إقناع النفوس بإلحاق أوراق الأناوط بعملة الفلوس) وانتصر لهذا انتصاراً كبيراً وعليه فلا يجري فيها الربا وليست فيها زكاة ما لم تعد للتجارة لكن هذا القول في نظري ضعيف والصواب أن فيها الزكاة وأنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل وهل يجوز أن يخرج الزكاة من عين الفلوس؟ يقول المؤلف تجب فيها

زكاة القيمة فلا يخرج منها كما لا يخرج من العروض فكذلك لا يخرج من الفلوس لكن عمل الناس خلاف ذلك لما كان الناس ليس عندهم من الدنيا ما عندهم اليوم كانوا يعطون الزكاة على قرش وقرشين يعطون الفقير قرشاً وقرشين ويفرح بهذا والآن لو تعطي الفقير ريالاً رده عليك بل البعض يرد عليك الخمسين ريالاً حتى تعطيه مائة أومائتين وإلا ما يقبل، وأنا أدركت أن الناس يعطون القرش الواحد من الزكاة ويقبله الفقير. مسألة: كل نقد ليس من الذهب والفضة فهو فلوس وموجود الآن ريالات معدنية لهواتف العملة هي نقد بمعنى أن الناس يتعاملون بها كما يتعاملون بالنقدين الذهب والفضة. فصل القارئ: ومن ملك مصوغاً من الذهب والفضة محرماً كالأواني وما يتخذه الرجل لنفسه من الطوق ونحوه وخاتم الذهب وحلية المصحف والدواة والمحبرة والمقلمة والسرج واللجام وتأزير المسجد ففيه الزكاة لأن هذا فعل محرم فلم يخرج به عن أصله. فإن كان مباحاً كحلية النساء المعتادة من الذهب والفضة وخاتم الرجل من الفضة وحلية سيفه وحمائله ومنطقته وجوشنه وخوذته وخفه ورانه من الفضة وكان معداً لتجارةٍ أو نفقةٍ أو كراءٍ ففيه الزكاة لأنه معد للنماء فهو كالمضروب. وإن أعد للبس والعارية فلا زكاة فيه لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس في الحلي زكاة) ولأنه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال مباح فلم تجب زكاته كثياب البذلة وحكى ابن أبي موسى عنه: أن فيه الزكاة لعموم الأخبار. الشيخ: المصوغ من الذهب والفضة ينقسم إلى أقسام: الأول: المحرم ففيه الزكاة على كل حال مثل أن يكون للمرأة سوار على شكل ثعبان هذا محرم لأنه لا يجوز لبس هذا أو يكون عليها قلادة على شكل أسد هذه محرمة وفيها الزكاة أو يكون للرجل خاتم من ذهب هذا محرم ففيه الزكاة إذا بلغ النصاب.

الثاني: أن يكون معداً للنفقة والتجارة والكراء ففيه الزكاة أيضاً فمثلاً امرأة عندها حلي تتجر به تبيعه وتشتري في الحلي هذا فيه الزكاة لأنه عروض تجارة وعروض التجارة لا تختص بمال دون مال كل ما أعد للتجارة ففيه الزكاة أو أعدته للنفقة بمعنى أن عندها حلياً كلما احتاجت باعت منه وأنفقت على نفسها ففيه الزكاة أو أعدته للكراء تكريه الناس كلما احتاجت النساء إلى لبس الحلي لعرس أو غيره أجرَّته إياهن ففيه الزكاة.

الثالث: أن يكون للاستعمال المجرد المباح يعني أن امرأة عندها حلي تستعمله وهو مباح ليس محرماً وليس فيه إسراف ولا خروج عن العادة ولا صور حيوان ولا غير ذلك فلا زكاة فيه لأنه معد للاستعمال فهو كثياب البذلة يعني كما لو لبس الإنسان ثياباً فالثياب مهما بلغت قيمتها فليس عليه فيها زكاة وكفراش البيت وكالسيارة وما أشبه ذلك كل هذه ليست فيها زكاة والحلي مثلها يستعمل للزينة فكما أن الرجل لو كان عنده ثياب للزينة أو كان عنده مشالح للزينة يستعملها فلا زكاة فيها فكذلك حلي المرأة هذا وجه قولنا إنه لا زكاة في الحلي المعد للاستعمال إذا كان حلالاً ليس حراماً لكن قال ابن قدامة في الكافي: حكى ابن أبى موسى عنه أي عن الإمام أحمد: أن فيه الزكاة لعموم الأخبار فالأخبار الواردة في زكاة الذهب والفضة عامة ما فيها تفصيل فإن قال قائل لماذا لم تذكر الحديث الذي استدل به المؤلف بل ركنت إلى التعليل وهو قوله (ليس في الحلي زكاة)؟ فالجواب أننا عدلنا عنه لأن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وما لم يصح فلا يجوز الاستدلال به وهو غير مطرد ولا منعكس إذ أن الحلي قد تجب فيه الزكاة وقد لا تجب فليس على إطلاقه فلا يصح الاستدلال به أما الرواية الثانية عن أحمد ففيه زكاة أي في الحلي والدليل عموم الأخبار مثل قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فلابد أن ينفق الذهب والفضة في سبيل الله على حسب ما جاءت به الشريعة فإن لم يفعل فهو كانز لها ومثل قوله صلى الله عليه وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يري سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وهذا وعيد عظيم شديد ومعلوم أن المرأة التي

عندها حلي صاحبة ذهب أو فضة إن كان حلياً من الذهب فهو ذهب وإن كان حلياً من الفضة فهو فضة فهي صاحبة ذهب وفضة فما الذي أخرجها من العموم؟ ثم إنه قد وردت السنة بخصوص الحلي بأحاديث صحيحة مثل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها: أتودين زكاة هذه؟ فقالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله) وهذا نص في عين المسألة أي في مسألة النزاع والنص في مسألة النزاع حاكم لقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ولا شيء يعارضه وقد قال ابن حجر رحمه الله عن هذا الحديث: إنه أخرجه الثلاثة وإسناده قوي وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: إن إسناده صحيح وله شواهد من حديث أم سلمة وغيرها فعلى هذا يكون القول الراجح في هذه المسألة وجوب زكاة الحلي من الذهب والفضة وليس لنا أن نتجاوز ما دل عليه كتاب الله في ظاهر عمومه ولا ما دلت عليه السنة النبوية في عمومها وخصوصها لأننا مسؤولون عن ذلك وأما القياس الذي ذكره المؤلف فهو قياس باطل: أولاً: أنه قياس في مقابلة النص والقياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار لا يؤخذ به. ثانياً: أنه قياس غير مطرد بدليل أن الإنسان لو جمع ثياباً كثيرة يعدها للنفقة فإنه لا تجب فيها الزكاة لكن لو أعدت المرأة الحلي للنفقة وجبت فيها الزكاة والمقيس يجب أن يكون موافقاً للمقيس عليه أيضاً ولو كان عند الإنسان ثياب كثيرة يؤجرها أو إبل كثيرة يؤجرها فإنه ليس فيها الزكاة ولو كان عند المرأة حلي من الذهب أوالفضة تؤجره لوجبت فيه الزكاة فإذاً لا قياس.

ثالثاً: أن نقول إن الثياب وما أشبهها الأصل فيها عدم الزكاة الأصل فيها أنها ليست فيها زكاة والذهب والفضة الأصل فيها الزكاة ومادام الأصل فيها الزكاة فإنه لا يمكن أن يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل فتبين بهذا أن القياس لا يصح لا طرداً ولا عكساً ولأنه في مقابلة النص فلا يلتفت إليه فالصحيح الذي تبرأ به الذمة ويسلم به الإنسان من العقوبة أن يخرج الزكاة من الحلي والحمد لله الأمر واسع وإنك لتعجب أن تكون امرأة فقيرة عندها حلي لا تلبسه لكنها كلما احتاجت باعت وأكلت لإنقاذ نفسها وامرأة عندها من الحلي الشيء الكثير للتزين به والتزين أمر كمالي نقول: الأولى عليها الزكاة والثانية ليس عليها زكاة أيهما أحق أن تسقط عنها الزكاة؟ الأولى لأن الأولى أعدته للضرورة وهذه إنما أعدته للكمال فلو أردنا أن نسقط الزكاة لأسقطنا عن الأولى دون الثانية ومن قال بعدم الوجوب يسقط عن الثانية دون الأولى وهذا القول أعني وجوب زكاة الحلي كما أنه مقتضى النص فهو قول أكثر العلماء لأن مذهب أبي حنيفه رحمه الله وجوب الزكاة فيه والعالم الإسلامي ولا سيما في القرون الوسطي حين كانت الخلافة لبني عثمان لا شك أن العالم الإسلامي أكثره على مذهب أبي حنيفة لا سيما في شرق أسيا وشمالها فليس القول هذا غريباً ولا شاذاً ولا نادراً. فصل القارئ: ولا فرق بين كثير الحلي وقليله لعدم ورود الشرع بتحديده وقال ابن حامد: إن بلغ حلي المرأة ألف مثقال فهو محرم وفيه الزكاة لأن جابراً قال: إن ذلك لكثير ولأنه سرف لم تجر العادة به فأشبه ما لو اتخذت حلي الرجال. فصل القارئ: فإن انكسر الحلي كسراً لا يمنع اللبس فهو كالصحيح إلا أن ينوي ترك لبسه وإن كان كسراً يمنع الاستعمال ففيه الزكاة لأنه صار كالنقرة. ولو نوى بحلي اللبس التجارة أو الكراء انعقد عليه حول الزكاة من حين نوى لأن الوجوب الأصل فانصرف إليه بمجرد النية كما لو نوى بمال التجارة القنية.

الشيخ: سبحان الله ولو كان عنده ثياب كثيرة أعدها للبس ثم نواها للتجارة هل تكون للتجارة؟ لا تكون للتجارة على المذهب وهذا أيضاً يدل على تناقض القياس الذي قاس منه. السائل: ما معنى النقرة؟ الشيخ: النقرة القطعة من الذهب. مسألة: قول الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) هذا ليس مراداً به العموم بالاتفاق لأنه عام أريد به الخاص ولهذا لا تجب الزكاة في الثياب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) وهذا بالإجماع. السائل: بارك الله فيك إذا أعد الحلي للكراء هل تخرج الزكاة من نفس الحلي أو ما جلبه من مال؟ الشيخ: على قول من يقول: إن الزكاة تجب في عين المال يعني يجب إخراجها من عين المال تجب من الحلي أو من الذهب إن كان من غير الحلي ولكن القول الراجح أنه يكفي الإخراج من القيمة. فصل القارئ: ويعتبر النصاب في المصوغ بالوزن لعموم الخبر فإن كانت قيمته أكثر من وزنه لصناعة محرمة فلا عبرة بزيادة القيمة لأنها معدومة شرعا وإن كانت مباحة كحلي التجارة فعليه قدر ربع عشره في زنته وقيمته لأن زيادة القيمة هاهنا لغير محرم فأشبه زيادة قيمته لنفاسة جوهره فإن أخرج ربع عشره مشاعاً جاز وإن دفع قدر ربع عشره وزاد في الوزن بحيث يستويان في القيمة جاز لأن الربا لا يجري ها هنا وإن أراد كسره ودفع ربع عشره مكسوراً لم يجز لأنه ينقص قيمته وإن كان في الحلي جواهر ولآليء وكان للتجارة قوم جميعه وإن كان لغيرها فلا زكاة فيها لأنها لا زكاة فيها منفردة فكذلك مع غيرها.

باب زكاة المعدن

الشيخ: يعتبر النصاب في المصوغ بالوزن لا بالقيمة فمثلاً إذا كان هذا الذهب يزن عشرين ديناراً فهو نصاب لكن هذه العشرون دينارا لا تساوي مائتي درهم هل تجب فيه الزكاة؟ نعم تجب فيه الزكاة وذلك لأن المعتبر الوزن لا القيمة ولو كان عنده ما وزنه عشرون ديناراً وقيمته أربعمائة درهم يعني أكثر من النصاب بالضعف فهل يخرج عن أربعمائة درهم أو عن عشرين ديناراً الجواب الأول إلا إذا كان للتجارة فإنه إذا كان للتجارة يقوم لأن مال التجارة العبرة بقيمته. السائل: ما معني قوله (فإن كان في الحلي جواهر ولآلي)؟ الشيخ: معنى (إذا كان الحلي فيه جواهر) يعني خواتم فيها فصوص أو أسورة فيها أيضاً فصوص فإن كان للتجارة قوم بما يساوي ومن جملته قيمة هذه الفصوص لأن الفصوص للتجارة وإن كان لغير التجارة فلا زكاة في هذه الفصوص لأنها مما لا زكاة في أصله فلا زكاة فيه إذا كان تبعاً لغيره. فإذا قال قائل: المؤلف يرى أنه لا زكاة في الحلي قلنا: نعم لكن المؤلف يرى أن الحلي المعد للكراء فيه الزكاة ويرى أن الحلي المحرم فيه الزكاة ويرى أن الحلي المعد للنفقة فيه الزكاة. باب زكاة المعدن القارئ: وهو ما استخرج من الأرض مما خلق فيها من غير جنسها كالذهب والفضة والحديد والنحاس والزبرجد والبلور والعقيق والكحل والمغرة وأشباهها والقار والنفط والكبريت ونحوها فتجب فيها الزكاة لقول الله تعالى: (وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْض) وروى الجوزجاني بإسناده عن بلال بن الحارث المزني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من معادن القبلية الصدقة) وقدرها ربع العشر لأنها زكاة في الأثمان فأشبهت زكاة سائر الأثمان أو تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة التجارة.

الشيخ: ما ذكره المؤلف رحمه الله من المعادن وأن فيه الزكاة مطلقا فيه نظر والصواب أن المعادن إن كانت مما فيه الزكاة ففيها الزكاة كمعادن الذهب والفضة وإذا كانت مما لا زكاة فيه كالنحاس والحديد والنفط وغيرها فإنه لا زكاة فيها ما لم يعدها للتجارة فإن أعدها للتجارة وجبت فيها الزكاة على أنها عروض تجارة. القارئ: ولا يعتبر لها حول لأنه يراد لتكامل النماء وبالوجود يصل إلى النماء فلن يعتبر له حول كالعشر ويشترط لها النصاب وهو مائتا درهم من الورق أو عشرون مثقالاً من الذهب أو ما قيمته ذلك من غيرهما لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أوقٍ صدقة) ولأنها زكاة تتعلق بالأثمان أو بالقيمة فاعتبر لها النصاب كالأثمان أو العروض. ويعتبر إخراج النصاب متواليا فإن ترك العمل ليلاً أو نهاراً للراحة أو لإصلاح الأداة أو لمرض أو إباق عبد فهو كالمتصل لأن ذلك العادة. وإن خرج بين النيليين تراب لا شيء فيه فاشتغل به فهو مستديم للعمل وإن تركه ترك إهمال فلكل دفعة حكم نفسها. الشيخ: يعني هذا الذي يستخرج المعدن إذا كان العمل متوالياً رد آخره إلى أوله في تكميل النصاب وإن كان متفرقاً بأن كان يأتي يوم ويستخرج ويبيع ثم يجيء اليوم الثاني ويستخرج ويبيع وما يستخرجه أقل من النصاب فهذا لا زكاة فيه وإن كانت بمجوعه يبلغ النصاب لأن لكل عمل حكماً مستقلاً. القارئ: قال القاضي: ويعتبر النصاب في كل جنس منفردا والأولى ضم الأجناس من المعدن الواحد في تكميل النصاب لأنها تتعلق بالقيمة فيضم وإن اختلفت الأنواع كالعروض ولا يحتسب بما أنفق على المعدن في إخراجه وتصفيته لأنه كمؤن الحصاد والزراعة ولا تجب على من ليس من أهل الزكاة لأنه زكاة ويمنع الدين وجوبه كما يمنع في الأثمان وتجب في الزائد على النصاب بحسابه لأنه مما يتجزأ ويخرج زكاته من قيمته كما يخرج قيمة العروض.

الشيخ: هذا الكلام على المعدن فيما كان معروفاً فيما سبق أن كل إنسان يملك أرضاً وفيها معدن فإن المعدن له ويتصرف فيه كما يشاء لكن أصبحت الآن الدول لا تعتبر بهذا وتمشي على أن الإنسان إذا وجد معدناً في أرض فإنه للدولة وبناءً على ذلك تنتفي جميع الأحكام التي ذكرها لا في وجوب الزكاة ولا في غيرها لأن مال الدولة يذهب إلى بيت المال فليس له مالك معين وحينئذ لا زكاة فيه والعمل على هذا الآن. فصل القارئ: فأما الخارج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر ففيه روايتان إحداهما: لا شيء فيه لأن ابن عباس قال: لا شيء في العنبر إنما هو شيء ألقاه البحر ولأنه قد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه فلم يسبق فيه سنة والثانية: فيه الزكاة لأنه معدن أشبه معدن البر. الشيخ: الصواب أنه لا زكاة فيها لأن الأصل عدم وجوب الزكاة فهو كاللباس ونحوه لا زكاة فيه لكنه لو أعده للتجارة انعقد الحول من إخراجه من البحر فإذا أتم الحول زكاه. القارئ: ولا شيء في السمك لأنه صيد فهو كصيد البر وعنه: فيه الزكاة قياساً على العنبر. الشيخ: والصواب أنه لا زكاة فيه على ما قدمه المؤلف رحمه الله والعنبر يطلق على شيئين على نوع من الطيب ويطلق على نوع من السمك كبير الذي يسمى العنبر سمك كبير جداً وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فنفذ الطعام في أيديهم حتى كان الواحد يأخذ التمرة يمصها بالصباح والمساء وهم على سيف البحر وإذا على سيف البحر شيء كالتل أو كالجبل فلما دنو منه وجدوه سمكة قد أخرجها الله لهم ووجدوا فيها شيئاً كثيراً وكبراً عظيماً حتى إنه يجلس في قحف عينها ثلاثة عشر رجلاً _ سبحان الله _ يعني قرية كبيرة وحتى أنهم أخذوا ضلعاً من أضلاعها ونصبوه ورحَّلوا أكبر جمل عندهم ودخل من تحتها وبقوا عليها وأكلوا وأتوا بشي منها إلى المدينة. فصل القارئ: ويجوز بيع تراب معادن الأثمان بغير جنسه ولا يجوز بجنسه لإفضائه إلى الربا.

باب حكم الركاز

الشيخ: هذا إذا كان المعدن فيه الربا فإنه لا يجوز أن يباع ترابه بثمن من جنسه لأنه يكون ربا يعني لو قدرنا أنه ذهب ومعلوم أن تخليص الذهب من الأحجار المختلطة به لابد أن يكون هناك شيء من الرذاذ من الذهب فأراد الإنسان أن يبع هذا التراب بذهب فإن ذلك لا يجوز لأن الربوي إذا بيع بجنسه فلابد من التساوي وإذا أراد أن يبعه بفضة جاز ولابد من القبض وإذا باعه بماشية جاز ولو بلا قبض. القارئ: وزكاته على البائع لأن رجلاً باع معدنا ثم أتى علياً رضي الله عنه فأخبره فأخذ زكاته منه ولأنه باع ما وجبت عليه زكاته فكانت عليه كبائع الحب بعد صلاحه وتتعلق الزكاة بالمعدن بظهوره كتعلقها بالثمرة بصلاحها ولا يخرج منه إلا بعد السبك والتصفية كالحب والثمرة. باب حكم الركاز القارئ: وهو مال الكفار المدفون في الأرض وفيه الخمس لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وفي الركاز الخمس) متفق عليه ولأنه مال كافر مظهور عليه بالإسلام فوجب فيه الخمس كالغنيمة ويجب الخمس في قليله وكثيره من أي نوع كان من غير حول لذلك ويجب على كل واجد له من أهل الزكاة وغيرهم لذلك. ومصرفه مصرف الفيء لذلك ولأنه روي عن عمر أنه رد بعض خمس الركاز على واجده ولا يجوز ذلك في الزكاة وعنه: أنه زكاة مصرفه مصرفها اختارها الخرقي لأن علياً أمر واجد الركاز أن يتصدق به على المساكين ولأنه حق تعلق بمستفاد من الأرض فأشبه صدقة المعدن والعشر وفي جواز رده على واجده وجهان لما ذكرنا من الروايتين ويجوز لواجده أن يفرق الخمس بنفسه نص عليه واحتج بحديث علي ولأنه أوصل الحق إلى مستحقه فبريء منه كما لو فرق الزكاة.

الشيخ: الدليل قوله عليه الصلاة والسلام: (في الركاز الخمس) وقد اختلف العلماء في قوله: (الخمس) هل هو للعهد أو لبيان المقدار؟ فإن قلنا للعهد (في الركاز الخمس) صار مصرفه مصرف الفيء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعله خمساً وإن جعلنا الخمس لبيان المقدار بقي أن ينظر إلى أين يصرف هل يصرف مصرف الزكاة أو فيما هو أعم؟ يحتمل هذا وهذا لكن على رأي من يرى أن (أل) هنا لبيان حقيقة المقدار يقول إنه يصرف مصرف الزكاة وجوباً فيكون في الفقراء والمساكين والعاملين عليها إلى آخره. السائل: القول الراجح في الركاز كونه يأخذه واجده أو يرجع إلى بيت المال؟ الشيخ: يأخذه واجده هذا هو الراجح. السائل: ألا يشبه هذا ما يجده الواجد من المعادن فيكون له؟ الشيخ: لا لأن هذا الركاز قد ملك أولاً والمعادن لم تملك هذا الفرق بينهما. السائل: في زكاة الحلي قلنا إنه إذا كان لا يستطيع أن يخرج من الذهب فله أن يخرج من القيمة فعلى أي شيء يحسب هل على ثمن الذهب أم ماذا؟ الشيخ: أولاً يحسب بالنسبة للنصاب يحسب على وزن الذهب فإذا قدرنا أن هذا الذهب لا يصل إلى نصاب وهو عشرون ديناراً أي عشرون مثقالاً لكن قيمته أكثر من النصاب بالنسبة إلى الفضة فهنا لا زكاة فيه مع أنه بلغ النصاب فيقدر قيمته ذهباً بغير تصنيع لأن هذه الصناعة حلال وليس فيها زكاة. السائل: هل يشمل أيضاً الركاز ما إذا وجد سفينة غارقة في البحر؟ الشيخ: لا لأنه سيأتينا إن شاء الله في الركاز أنه لابد أن يكون عليه علامات الجاهلية أي ما قبل الإسلام فإذا وجت علامة على هذا فهو ركاز. السائل: كم غراماً نصاب الذهب؟ الشيخ: الغرامات خمسة وثمانين غراماً وهذا أحوط بلا شك. السائل: بارك الله فيك عمل الناس اليوم على إخراج الزكاة لا يستطيعون أن يحسبوا الصناعة؟

الشيخ: هذا من باب التسامح وقد يكون الذهب الذي لم يصنع أغلى من المصنع لكن لو أردنا أن ندقق قلنا يجب عليهم الزكاة في الذهب فقط وذلك لأن التصنيع هذا منفعته مباحة. فصل القارئ: والركاز ما دفنه أهل الجاهلية ويعتبر ذلك برؤية (علامتهم) عليه. الشيخ: في المخطوط (علاماتهم) نسخة، لأنه ما يختلف المعنى كثيراً. القارئ: كأسماء ملكوهم وصورهم وصلبهم لأن الأصل أنه لهم فأما ما عليه علامات المسلمين كأسمائهم أو قرآنٍ ونحوه فهو لقطة لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه وكذلك إن كان على بعضه علامة الإسلام وعلى بعضه علامة الكفار لأن الظاهر أنه صار لمسلم فدفنه وما لا علامة عليه فهو لقطة تغليباً لحكم الإسلام. الشيخ: في الواقع أسماء الملوك والصور والصلب هذه تكون حتى في النقود التي بأيدي المسلمين لكن قد يقال إن هناك أشياء يختص بها الكفار يعني نقوداً خاصة معينة تكون لهم لا يخرجونها إلى خارج بلادهم فحينئذٍ يحكم بأنها ركاز. فصلٌ القارئ: ولا يخلو الركاز من أحوال أربعة. الشيخ: الصواب من حيث اللغة أن يقال من أحوال أربع لأن الحال مذكر لفظاً مؤنث معناً. القارئ: أحدها: أن يجده في موات فهو لواجده. الثاني: وجده في ملك آدمي معصوم ففيه روايتان إحداهما: يملكه واجده لأنه لا يملك بملك الأرض إذ ليس هو من أجزائها وإنما هو مودع فيها فجرى مجرى الصيد والكلأ يملكه من ظفر به كالمباحات كلها وإن ادعاه صاحب الأرض فهو له مع يمينه لثبوت يده على محله والثانية: هو لصاحب الأرض إن اعترف به فإن لم يتعرف به فهو لأول مالك لأنه في ملكه فكان له كحيطانه فإن كان الملك موروثاً فهو للورثة إلا أن يعترفوا أنه لم يكن لمورثهم فيكون لمن قبله فإن اعترف به بعضهم دون بعض فللمعترف به نصيبه وباقيه لمن قبله.

الشيخ: الظاهر في هذه المسألة أن يكون لمن وجده إلا من استؤجر لحفره فإن استؤجر لحفره فهو لمن استأجره وإلا فهو لمن وجده وذلك لأنه منفصل عن الأرض فلا يدخل في ملكها فيكون ملكاً لواجده كما لو وجد فيها كمأة أو شيئاً يخرج من الأرض فهو لواجده فالصواب أنه لواجده إلا إذا استؤجر لحفره فهو لمن أستأجره. القارئ: الثالث: وجده في ملك انتقل إليه فهو له بالظهور عليه وإن قلنا: لا يملك به فهو للمالك قبله إن اعترف به وإلا فهو لأول مالك. الرابع: وجده في أرض الحرب وقدر عليه بنفسه فهو له لأن مالك الأرض لا حرمة له فأشبه الموات وإن لم يقدر عليه إلا بجماعة المسلمين فهو غنيمة لأن قوتهم أوصلته إليه. الشيخ: وإذا كان غنيمة يقسم قسمة الغنيمة فهذا ركاز في أرض العدو في أرض الحرب لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين لهم شوكة فهذا يكون كأموال الكفار التي أخذناها بالقتال. القارئ: وإن وجد في ملك انتقل إليه ما عليه علامة الإسلام فادعاه من انتقل عنه ففيه روايتان: إحداهما: يدفع إليه من غير تعريف ولا صفة لأنه كان تحت يده فالظاهر أنه ملكه كما لو لم ينتقل عنه. والثانية: لا يدفع إليه إلا بصفة لأن الظاهر أن لو كان له لعرفه ولو اكترى داراً فظهر فيها دفين فادعى كل واحد من المالك والمكتري أنه دفنه ففيه وجهان: أحدهما: القول قول المالك لأن الدفين تابع للأرض والثاني: القول قول المكتري لأنه مودع في الأرض وليس منها فكان القول قول من يده عليه كالقماش. الشيخ: وهذا أقرب أنه للمستأجر إلا إذا وجد علامة أو قرينة تدل على أنه للمالك مثل أن يكون مدفوناً في مكان محكم يبعد أن المستأجر يقوم به فيكون بالقرينة لمالك الأرض. فصل

باب زكاة التجارة

القارئ: وإذا أستأجر أجيراً ليحفر له طلباً لكنز فوجد كنزاً فهو للمستأجر لأنه استأجره لذلك فأشبه ما لو استأجره ليحتش له وإن استأجره لغير ذلك فوجد كنزا فهو للأجير لأنه غير مقصود بالإجارة فكان للظاهر عليه كما لو استأجره ليحمل له فوجد صيدا. باب زكاة التجارة القارئ: وهي واجبة لما روى سمرة بن جندب قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع) رواه أبو داود ولأنه مال نامٍ فتعلقت به الزكاة كالسائمة ولا تجب إلا بشروط أربعة أحدها: نية التجارة لقوله: (مما نعده للبيع) ولأن العروض مخلوقة في الأصل للاستعمال فلا تصير للتجارة إلا بنيتها كما أن ما خلق للتجارة وهي الأثمان لا يصير للقنيه إلا بنيتها ويعتبر وجودها في جميع الحول لأنها شرط أمكن اعتباره في جميع الحول فاعتبر فيه كالنصاب. الشيخ: عروض التجارة هو ما أعده الإنسان للتكسب فكل مال أعده الإنسان للتكسب فهو عروض تجارة سواء كان من المواشي أو الثمار أو من الحبوب أو من السيارات أو من المكائن أو من أي شيء كل ما أعده الإنسان للتكسب فهو عروض تجارة لأن الإنسان يعرضه للبيع ولأنه يعرض ويزول ولا يبقي فتجد التاجر يعرض السلعة ويبيعها في المساء لأنه ليس له غرض بذاتها إنما الغرض الربح فكل ما أعد للتكسب فهو عروض تجارة وقد اختلف العلماء في وجوب الزكاة فيه والصواب المقطوع به أن فيه الزكاة لهذا الحديث الذي ذكره المؤلف حديث سمرة ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) وهذا الرجل إنما نوى بعروض التجارة التكسب بالقيمة همه قيمته لا تهمه أعيانها ولذلك لو كسَّبته بطرفة عين لباعها ولأن غالب أموال التجار هي العروض ولو أسقطنا الزكاة فيها لأسقطنا زكاة أموال كثيرة ولأنه عموم قوله صلى الله عليه وسلم (تؤخذ من أغنيائهم) تشمل من كان غنياً بعروض التجارة لكن لابد من شروط. السائل: ولو نوى بالخارج من الأرض للتجارة؟

الشيخ: صار عروض تجارة الذي عنده غلة ويريد أن يبيعها إذا صار مثلاً عنده بستان فيه عشرة أطنان (بُنّ) ليأكله سوف يبيعه وحتى في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان الناس يسلمون في الثمار السنة والسنتين ولذلك أوجب عليهم الرسول العشر فيما سقي بلا مؤنة ونصفه بما سقي بمؤنة هو اتخذه للنماء لكن سيبيعه يقول هذا يزكيه زكاة ثمار ثم بعد ذلك إذا صار يبيع ويشتري فيه يزكيه زكاة تجارة. القارئ: الثاني: أن يملك العروض بفعله كالشراء ونحوه بنية التجارة وعنه: تصير للتجارة بمجرد النية اختارها أبو بكر وابن عقيل للخبر ولأنه يصير للقنيه بمجرد النيه فلأن يصير للتجارة أولى وظاهر المذهب الأول لأن ما لا تتعلق به الزكاة من أصله لا يصير لها بمجرد النية كالمعلوفة إذا نوى بها الإسامة. الشيخ: الشرط الثاني: يقول رحمه الله: أن يملكها بفعله بنية التجارة فخرج بقولنا: بفعله ما لو ملكها بإرث فإن الإرث ليس بفعل الإنسان فإذا ملكها بإرث فإنها لا تكون للتجارة بالنية ما بقيت عنده فليس فيها زكاة فلو أن رجلاً ورّث سيارات كثيرة في معرض ولمَّا مات انتقلت السيارات التي في المعرض للورثة وليكن الوارث واحداً فهذا ليس عليه زكاة في السيارات ولو نوى للتجارة لأنه ملكها بغير فعله إذ أن الملك بالميراث ملك قهري ليس اختيارياً لو أراد الوارث أن يقول أنا لا أريد الإرث يلزمه ودخل في ملكه قهراً.

الثاني: أن يملكها بفعله بنية التجارة فلو ملكها بفعله بشراء مثلاً أو قبول هبة بنية الاقتناء ثم بدا له بعد ذلك أن يجعلها رأس مال ويتجر بها فإنها لا تكون للتجارة حتى يبيعها ثم يملك ثمنها بنية التجارة إذاً لا يمكن أن تنتقل للتجارة ما دام ملكها بغير نية التجارة حتى يبيعها ثم يملك ثمنها بنية التجارة لكن في المسألة قول آخر يقول رحمه الله: وعنه: تصير التجارة بالنية وعنه (عن الإمام أحمد رحمه الله) رواية أنه إذا نوى التجارة صارت للتجارة ولو كان بعد ملكه إياه بغير نية التجارة لعموم الحديث (فيما نعده للبيع) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات) ومثال ذلك إنسان ملك السيارة بنية الاقتناء ثم بدأ له أن يجعلها رأس مال التجارة فينعقد الحول من نيته ويزكيها متى ما تم الحول وعلى ما مشى عليه المؤلف الذي هو ظاهر المذهب لا تكون للتجارة فإذا قدرنا إنه نواها للتجارة في شهر محرم ولم يبعها إلا في شهر جمادى الأولى ونوى بها التجارة ينعقد الحول في جمادى الأولى على رأي المؤلف وعلى القول الثاني في محرم وهذا هو الصحيح ولاحظوا أننا قلنا: إذا نوى يعني إذا نواه رأس مال تجارة فإن نوى بيعه لغير التجارة لكنه هو لا يريده يعني هو عنده سيارة قديمة واشترى سيارة جديدة ووضع السيارة القديمة في المعرض للبيع لأنه طابت نفسه منها لا لأجل التجارة بها فهذا لا زكاة عليه ومثل ذلك لو كان عنده أراضي اشتراها لا للتجارة ثم إنه طابت نفسه وقال إني سأعمر بيتاً في غير هذا المكان وعرضها للبيع هل فيها زكاة؟ لا لأنها ليست للتجارة لكنه طابت نفسه منها وأراد أن يبيعها ومثل ذلك لو أُقطع أرضاً يعني أعطته الحكومة أرضاً وبقيت عنده مدة ومن حين أن ملكها من الدولة يريد أن يبيعها لأنه لايحتاجها فهل تكون للتجارة؟ لا تكون للتجارة لأن هذا ما نوى التجارة إنما نوى أنه لما كان غير محتاج للأرض يريد أن يبيعها فهذا ليست عليه زكاة لأنها

ليست للتجارة ليس فيها زكاة لأنه لم ينو بيعها تكسباً إنما نوى بيعها تخلصاً وأما المال فتجب الزكاة في عينه لأن المال نقود تجب الزكاة في عينه حتى ولولم ينو التجارة به حتى ولو نواه ليتزوج به أو ليشتري به بيتاً ليسكنه والنقود فيها الزكاة في عينها. السائل: أحسن الله إليكم ما الراجح قول المذهب أو قول الإمام أحمد في المسألة السابقة؟ الشيخ: الراجح أنها تكون للتجارة بنيته لكن لاحظ أنه يريد نية التجارة لا نية التخلص منها بأن تكون طابت نفسه ويريد أن يبيعها هذا ليست عليه زكاة. القارئ: وفارق نية القنية لأنها الأصل وكفى فيها مجرد النية كالإقامة مع السفر فعلى هذا إن لم ينو عند التملك ونوى بعده لم تجب الزكاة فيه لأنه نية مجردة ولو نوى بتملكه أنه للتجارة ثم نواه للقنية صار للقنية لأنها الأصل وإن نواه بعده للتجارة لم يصر لها حتى يبيعه.

الشيخ: هذه لها ثلاث حالات ذكر إنساناً اشترى أرضاً للتجارة ثم بدا له أن يبقيها ليعمر عليها سكناً لها انقطعت نية التجارة وصارت ليس فيها زكاة ثم بعد ذلك رجع ونواها للتجارة على نيته الأولى ليس فيها زكاة على ما مشى عليه المؤلف والصحيح أن فيها الزكاة هذا إذا كانت النية الأخيرة للتجارة أما لو نوى التخلص فلا زكاة عليه، نزيد أيضاً مثالاً آخر رجل اشترى أرضاً من مخطط أراضي للتجارة ففيها زكاة وفي أثناء الحول أشار عليه بعض أصحابه قالوا اعمر الأرض وابن فيها قال إذاً نويتها لأعمر عليها بيتاً انقطعت النية فليس فيها زكاة، وبعد مضي ثمانية أشهر قيل له: هذه الأرض ما لها مستقبل لا تعمر فيها للسُكنى اعمر في مكان آخر قال إذاً لن أعمر فيها بيتاً هل تكون للتجارة أو لا؟ أما على كلام المؤلف فلا تكون لأنها بَطَلت نية التجارة من الأول فلا تعود وأما على الرأي الثاني الذي روي عن أحمد فنقول: إن نوى التجارة يعنى نوى أن تكون هذه الأرض رأس مال له يتجر فيها ففيها زكاة وإن نوى التخلص منها يريد أن يبيعها فليس فيها زكاة وانتبهوا لهذه النقطة لأنها مهمة جداً الفرق بين أن ينوي ما كان للاقتناء للتجارة أو للتخلص إذا نوى التجارة على القول الراجح ففيها زكاة وإذا نوى التخلص فليس فيها زكاة والله أعلم. القارئ: الشرط الثالث: أن يبلغ قيمته نصاباً من أقل الثمنين قيمة فإذا بلغ بأحدهما نصاباً دون الآخر قوّمه به ولا يعتبر ما اشتراه به لأن تقويمه لحظ الفقراء فيعتبر ما لهم الحظ فيه ولو كان أثماناً قوّمه كالسلع لأنه وُجد فيه معنيان يقتضيان الإيجاب فيعتبر ما يتعلق به الإيجاب كالسوم والتجارة فإن بلغ نصاباً من كل واحد منهما قوّمه بما هو أحظ للفقراء فإن استويا قوّمه بما شاء منهما.

الشيخ: هذا أحد الشروط في عروض التجارة أن تبلغ قيمته نصاباً من أحد الثمنين الذهب والفضة فقد يبلغ نصاباً من الذهب ولا يبلغ نصاباً من الفضة وقد يبلغ نصاباً من الفضة ولا يبلغ نصاباً من الذهب مثال ذلك رجل عنده سلع تبلغ تسعة عشر ديناراً ومائتي درهم إن قومناها بالذهب لم تبلغ النصاب لأن نصاب الذهب عشرون ديناراً وإن قومناها بالفضة بلغت نصاباً لأن نصاب الفضة مائتا درهم فهل نقومها بالفضة لأنها غالب نقود الناس وهي الغالب في أيديهم أو نقومها بالذهب؟ يقول المؤلف نقومها بالأحظ فإذا بلغ بأحدهما نصاباً دون الآخر قوَّمه به يعني لا بالآخر وهل المعتبر ما اشتراها به أو المعتبر القيمة وقت الزكاة؟ يقول المعتبر القيمة وقت وجوب الزكاة فلو قدرنا أن رجلاً اشترى سلعة للتجارة بعشرة آلاف ريال وعند تمام الحول صارت تساوي خمسة آلاف ريال يزكي خمسة آلاف ريال ولو كان بالعكس اشتراها بخمسة آلاف ريال وصارت تساوي عشرة آلاف ريال يزكي عشرة آلاف ريال لأن المعتبر القيمة وقت وجوب الزكاة ولا يعتبر ما اشتريت به وإذا كانت التجارة أثماناً كأموال الصيارف حيث أن الصيارف أموالهم ذهب وفضة فهل نعتبر بالذهب أو بالفضة؟ نقول: إذا بلغت النصاب بأحد الثمنين وجبت الزكاة فهذا رجل صيرفي عنده خمسة دنانير لكنها تساوي مائتي درهم فيها الزكاة ولو كان لا يريد التجارة في هذا الخمسة الدنانير لم تجب فيها الزكاة لأنها لم تبلغ النصاب فصار ما أعد للتكسب يعتبر عروض تجارة فيه الزكاة وتعتبر قيمته بقطع النظر عن عينه وجوهره. القارئ: الشرط الرابع: الحول لقوله صلى الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) ويعتبر وجود النصاب في جميع الحول لأن ما اعتبر له الحول والنصاب في جميع الحول اعتبر وجوده في جميعه كالأثمان.

الشيخ: لكن هل يعتبر حول الحول عليه بعينه؟ الجواب لا، لأن هذا تاجر يمكن يشتري آخر سلعة قبل تمام الحول بشهر فهل نقول هذه السلعة التي اشتراها ليس فيها زكاة؟ لا لأن عروض التجارة الإنسان يبدل بعضها ببعض دائماً فإذا قدر أن الرجل كان عنده أرض للتجارة اشتراها بعشرة آلاف ريال وقبل تمام الحول بشهر باعها بأرض أخرى فهل نقول إن الحول انقطع أو لا زال مستمراً؟ لا زال مستمراً وكذلك لو باعها بدراهم ثم اشترى بالدراهم سيارات للتجارة فإن المعتبر حول الأرض لا حول ملك السيارات وإنسان عنده أرض اشتراها للتجارة فباعها قبل تمام الحول بمائة ألف ريال ثم اشترى بالمائة ألف ريال سيارات للتجارة هل نقول لابد أن يحول الحول على هذه السيارات أو نقول إذا مضى شهر يتم بها حول الأرض وجبت عليه الزكاة؟ الثاني وذلك لأن عروض التجارة لا تقصد أعيانها وإنما المقصود القيمة وإذا كان المقصود هو القيمة فلا فرق بين سلعة وأخرى. القارئ: ولو اشترى للتجارة عرضاً لا يبلغ نصابا ثم بلغه انعقد الحول عليه من حين صار نصابا الشيخ: اشترى عرضاً بقيمة لا تبلغ النصاب مثل أن يشتري عرضاً بمائة وخمسين درهماً ثم زادت السلعة فصارت تساوي مائتي درهم فإننا نعتبر النصاب من حين صار يساوي مائتي درهماً فإذا ملكه في شعبان وهو يساوي مائة وخمسين درهماً وفي ذي القعدة صار يساوى مائتي درهم فيبتديء الحول من ذي القعدة لأنه هو الذي تم به النصاب هذا ما لم يكن عنده مال آخر يتم به النصاب فإنه يعتبر من حول النصاب الذي كان عنده سابقاً لأن هذه عروض تجارة. القارئ: وإن ملك نصاباً فنقص انقطع الحول فإن عاد فنما فبلغ النصاب استأنف الحول على ما ذكرنا في السائمة والأثمان وإن ملك (نصاباً) في أوقات فلكل نصاب حول. الشيخ: عندي في المخطوط (نُصُباً) جمع.

القارئ: ولا يضم نصاب إلى نصاب لأن المستفاد يعتبر له حول أصله على ما أسلفناه وإن لم يكمل الأول إلا بالثاني فحولهما منذ ملك الثاني وإن لم يكمل إلا بالثالث فحول الجميع من حين كمل النصاب. الشيخ: هذا رجل ملك أنصبة في أوقات فلكل نصيب حول يعني ملك النصاب الأول في محرم والثاني في ربيع والثالث في رجب كل واحد له حوله وهذا يظهر كثيراً في مسألة الرواتب فالرواتب الإنسان لا يملكها دفعة واحدة كل شهر له راتب فهنا نقول: كلما ملك نصاباً انعقد حوله من ملكه وهذا بخلاف ربح التجارة فإن ربح التجارة يكون تبعاً للأصل فإذا قدر أنه ملك نصاباً في محرم وصار يبيع ويشتري به ولما قارب الحول زاد هذا النصاب وصار يساوي أكثر من نصاب فهل يزكي هذا الزائد وإن لم يتم حوله؟ الجواب: نعم يزكيه وإن لم يتم حوله لأن ربح التجارة تابع لأصله. مسألة: نفرض أن رجلاً ورث ميراثاً أو وهب له هذا النصاب فهل نقول هذا الذي وهب له يبني حوله على ما سبق أو يبتديء له حولاً؟ يبتديء حولاً وهنا فرق بين تكميل النصاب وبين الحول فالغنم مثلاً لو أن الإنسان عنده مثلاً أربعين شاة سائمة ثم في أثناء الحول اشترى سائمة أخرى فإنها تضم إليها في النصاب فقط لكن في مسألة الحول لا فلكلٍ حولٌ جديد إلا ربح التجارة ونتاج السائمة هذه القاعدة. السائل: الموظف في الدولة ألا يعتبر كالأجير فيكون انعقاد الحول من حين عقد الإجارة؟ الشيخ: لا الموظف لا يستحق راتبه إلا إذا تم الشهر فقط ولهذا جائز أن ينفصل أو يقال أو ما أشبه ذلك ولا يعطى إلا بالشهر لا يومياً وإن كان توزيع الراتب على الأيام فلا يضر. فصل

القارئ: ولا يشترط أن يملك العرض بعوض ذكره ابن عقيل وأبو الخطاب وقال القاضي: يشترط أن يملكه بعوض كالبيع والخلع والنكاح فإن ملكه بهبة أو احتشاشٍ أو غنيمة لم يصر للتجارة لأنه ملكه بغير عوض أشبه الموروث ولنا أنه ملكها بفعله أشبه المملوك بالبيع وفارق الإرث لأنه بغير فعله فجرى مجرى الاستدامة. الشيخ: إذاً يتلخص لنا أن في المسألة ثلاثة أقول: القول الأول: أنه لا يكون للتجارة إلا إذا ملكه بعوض فإن ملكه بغير عوض لم يصر للتجارة وهذا هو الذي أشار إليه المؤلف وهو قول القاضي رحمه الله فهو يشترط أن يملكه بعوض فإن ملكه بهبة فعلى رأي القاضي لا يكون للتجارة حتى يبيعه ويشتري بثمنه عرضاً آخر. القول الثاني: أنه يشترط أن يملكه بفعله سواء كان بعوض أو بغير عوض وعلى هذا الرأي إذا وهب له عرض من عروض التجارة ثم نواه للتجارة يكون للتجارة. القول الثالث: أنه لا يشترط أن يملكه بعوض ولا أن يملكه باختيار وأنه متى ملكه ثم نواه للتجارة صار للتجارة وهذا الذي رجحناه أولاً وأخيراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) ولحديث سمرة (أنهم يخرجون الزكاة عما يعدونه للبيع). فصل القارئ: وإذا اشترى نصاباً للتجارة بآخر لم ينقطع الحول لأن الزكاة تتعلق بالقيمة والقيمة فيهما واحدة انتقلت من سلعة إلى سلعة فهي كدراهم نقلت من بيت إلى بيت وإن اشتراه بأثمان لم ينقطع الحول لأن القيمة في الأثمان كانت ظاهرة فاستترت في السلعة وكذلك لو باع نصاب التجارة بنصاب الأثمان لم ينقطع الحول لذلك.

الشيخ: يعني تبادل السلع في عروض التجارة لا يقطع الحول فلو كان عنده أراضي للتجارة وفي نصف الحول باعها بسيارات للتجارة هل ينقطع الحول؟ لا ومتى يزكي السيارات؟ إذا تم حول الأرض ولو كان عنده سلع من نوع وفي أثناء الحول حولها إلى نوع آخر فإنه لا ينقطع الحول لأن الزكاة في القيمة والقيمة لم تختلف بتغيير أعيان التجارة ولو باعها بأثمان ليس بعرض تجارة فهل ينقطع الحول؟ لا كرجل عنده أراضي للتجارة وفي أثناء الحول باعها بدراهم قال أريد أن يكون عندي دراهم فهل ينقطع حولها؟ الجواب لا وعلى هذا فتبديل العروض بعضها ببعض لا يقطع الحول وتبديلها بأثمان كذلك لا ينقطع الحول والعلة أن الزكاة إنما تجب في عروض التجارة بالقيمة. السائل: فيما إذا استبدل العرض بالأثمان والعروض مكثت عنده ستة أشهر متى يزكي؟ الشيخ: إذا مضى للعروض سنة وجبت الزكاة مع أنه لم يمض على الدراهم إلا ستة أشهر كما لو أبدلها بعروض أخرى. السائل: إذا باع السلعة تخلصاً لا تجارة متى يبتديء حول الأثمان؟ الشيخ: يبتدأ حول الأثمان من البيع إنسان عنده أرض منحت له من قبل الدولة وصار يعرضها للناس وبقيت ستة أشهر ما بيعت ثم بيعت بعد ستة أشهر يبتدأ الحول من البيع يعني ما قبل ذلك ليست للتجارة. فصل القارئ: وإذا ملك للتجارة سائمة فحال الحول والسوم ونية التجارة موجودان فبلغ المال نصاب أحدهما دون الآخر كخمس من الإبل لا تبلغ قيمتها مائتي درهم أو أربعٍ تبلغ ذلك وجب زكاة ما وجد نصابه لوجود سببها خالياً عن معارض لها، وإن وجد نصابهما كخمس قيمتها مائتا درهم وجبت زكاة التجارة وحدها لأنها أحظ للفقراء لزيادتها بزيادة القيمة من غير وقص وسواء تم حولهما جميعاً أو تقدم أحدهما صاحبه لذلك. الشيخ: الخَمْس قيمتها مائتا درهم زكاتها ربع العشر أي خمسة دراهم وخمسة دراهم على كلام المؤلف أكثر من الشاة ولكن هذا في زمنه والآن الشاة أكثر لاشك فيؤخذ بالأحظ.

القارئ: وإن اشترى أرضاً أو نخلاً للتجارة فأثمرت النخل وزرعت الأرض فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر يزكي الثمرة والزرع زكاة العشر ثم يقوم الأرض والنخل فيزكيهما لأن ذلك أحظ للفقراء لكثرة الواجب وزيادة نفعه الشيخ: أكثر لأنه لو زكى الثمرة زكاة تجارة لكان فيها ربع العشر وإذا زكاها زكاة ثمرة صار فيها إما العشر كاملاً وإما نصف العشر فهو أكثر. فصل القارئ: وتقوم السلع عند الحول بما فيها من نماء وربح لأن الربح من نمائها فكان حوله حولها كسخال السائمة وما نما بعد الحول ضم إليه في الحول الثاني لأنه إنما وجد فيه ويكمل نصاب التجارة بالأثمان. الشيخ: هذا واضح أن الربح يتبع الأصل فإذا نما وقد بقي على تمام الحول شهر واحد فالنماء تابع للأصل. القارئ: لأن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة فهما جنس واحد وتخرج الزكاة من قيمة العروض لا من أعيانها لأن زكاتها تتعلق بالقيمة لا بالأعيان وما اعتبر النصاب فيه وجبت الزكاة منه كسائر الأموال. الشيخ: هذا هو المذهب أنه تخرج زكاة العروض من النقدين ولا تخرج من الأموال وهذا القول لاشك أنه أحوط أولاً: لأن زكاة العروض تجب في القيمة ولا تجب في الأعيان لأن الأعيان ليست مرادة للتاجر فالتاجر يشتري هذه السلعة اليوم ويبيعها غداً أو في آخر اليوم ليست مرادة له مراد التاجر في عروض التجارة القيمة فتجب الزكاة في القيمة فيخرج الزكاة من القيمة. ثانياً: أنه لو قلنا يخرجها من المال فهل هذا المال الذي عند التاجر يكون مرغوباً عند الفقراء قد لا يرغبه الفقير فيذهب ويبيعه بنصف قيمته أو أقل أو يبقيه عنده بالبيت تأكله الأرضة.

ثالثاً: أنه ربما يحابي نفسه فينظر إلى المال الكاسد عنده الذي لم يتيسر له البيع فيخرجه عن الزكاة فيكون ممن تيمم الخبيث لذلك كان القول بإخراج النقود أولى لكن لو فرض أن الأمور اختلفت وكان الأحب إلى الفقراء الإخراج من نفس أعيان المال فحينئذٍ يخرج منه يعني لو أن رجلاً تاجر تمر وعروض التجارة التي عنده تمر وكان الفقراء يحتاجون إلى التمر أكثر من الدراهم فهنا نقول أخرج من التمر لا بأس وأما إذا لم يكن أنفع للفقراء فالإخراج من القيمة ولابد ولو أن شخصاً وجبت عليه الزكاة من النقد وعرف أن هذا الفقير يحتاج إلى ثلاجة مثلاً أو غسالة أو حاجة أخرى فاشتراها له فهل يجوز أو لا؟ الجواب: لا يجوز لأن الواجب أن يعطيه نقوداً وهل له أن يقول إن لك عندي زكاة فهل توكلني أن أشتري لك بها شيئاً فيقول نعم أنا احتاج إلى الشيء الفلاني فاشتره لي من الزكاة التي لي عندك؟ هذا جائز لا بأس به. القارئ: وقدر زكاته ربع العشر لأنها تتعلق بالقيمة فأشبهت زكاة الأثمان وفيما زاد على النصاب بحسابه لذلك. الشيخ: (لذلك) لا بأس يصلح لكن نسختي المخطوطة (كذلك). القارئ: ويخرج عنها ما شاء من عين أو ورق لأنهما جميعاً قيمة. الشيخ: هذا صحيح يعنى إن شاء من الذهب وإن شاء من الفضة لكن الذي يناسب عامة الناس هو الفضة لأنه إذا كان عنده دينار وهو يحتاج إلى حاجة تساوي درهماً ماذا يعمل؟ يشق عليه أن يصرف ثم يشتري فالغالب أن الأرفق بالفقير أن تخرج الزكاة من الورق أي الفضة. فصل القارئ: وإذا تم الحول على مال المضاربة فعلى رب المال زكاة رأس المال وحصته من الربح لأن حول الربح حول الأصل وله إخراجها من المال لأنه مؤنته ووجبة لسببه ويحسبها من نصيبه لأنها واجبة عليه فتحسب عليه كدينه ويحتمل أن تحسب من الربح لأنها من مؤنة المال فأشبهت أجرة الكيال.

الشيخ: الصحيح هو الأول أنه إذا أخرجها من المال المضارب فيه فهي من رأس المال وليست من الربح لأن لو قلنا من الربح لخسر المضارب فهذا رجل أعطى شخصاً مائة ألف قال خذ واتجر بها فاتجر بها وربح فعلى رب المال زكاة رأس المال وزكاة نصيبه من الربح فإذا قدرنا أن مائة ألف ربحت عشرين ألفاً صار على رب المال زكاة مئة وعشرة آلاف ويريد أن يخرجها الآن هل يخرجها من الربح أو من رأس المال؟ نقول: يخرجها من رأس المال ولو أخرجها من الربح لنقص عن عشرين ألفاً وصار الضرر على العامل وهذا بخلاف أجرة الكيال لأن أجرة الكيال تتعلق بعين المال. القارئ: وفي زكاة حصة المضارب وجهان فمن أوجبها لم يجوز إخراجها من المال لأن الربح وقاية رأس المال وليس عليه إخراجها من غيره حتى يقبض فيؤدي لما مضى كالدين ويحتمل جواز إخراجها منه لأنهما دخلا على حكم الإسلام ومن حكمه وجوب الزكاة وإخراجها من المال. الشيخ: حصة المضارب فيها خلاف هل تجب الزكاة فيها أو لا؟ والصحيح أنه إذا تم الحول وهي لم تقسم أن فيها الزكاة لأنها ربح مال تجب زكاته فيجب عليه أن يزكيه ولأن هذا هو الظاهر من عمل الناس من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى اليوم أنه إذا وجبت الزكاة في المال أخرجت منه ومن ربحه ثم هل تخرج من المال أو تخرج من غيره؟ كلام المؤلف رحمه الله ذكر فيه الخلاف والظاهر أنها تخرج من نفس المال فمثلاً إذا كان أصل المال مائة ألف وربح عشرين ألفاً نقول على القول الصحيح أخرج زكاة مائة وعشرين أما عشرة فواضح أنها تجب فيها الزكاة لأنها تابعت لرأس المال وأما العشرة الثانية فزكاتها على القول الراجح واجبة أيضاً فنقول هذا المال المضارب فيه كلما حال الحول أخرجنا الزكاة من الموجود. السائل: المخاطب هل هو المالك يخرج عن مائة وعشرين أم المضارب في المال؟

الشيخ: سواءً قال المالك للمضارب أخرجها أو أخرجها هو المهم أن الزكاة تجب في المائة والعشرين ويقال لكل واحد منهما وكِّل الآخر. السائل: نحن قلنا إن من شروط الزكاة استقرار المال وحصة المضارب غير مستقرة؟ الشيخ: لا تم الحول الآن صحيح قبل الحول ما ندري لكن تم الآن الحول فوجبت الزكاة وهي مستقرة. السائل: ما هي الصورة التي لا يزكي بها المضارب حصته؟ الشيخ: المذهب لا يزكي مطلقاً حتى لو تم الحول لكن الصحيح هو ما ما ذكر المؤلف في الوجه الثاني. فصل القارئ: وإذا أذن كل واحد من الشريكين للآخر في إخراج زكاته. الشيخ: أنا عندي في المخطوط (في إخراج الزكاة). القارئ: فأخرجاها معاً ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه لأنه انعزل عن الوكالة بشروع موكله في الإخراج وإن أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الأول علم بإخراجه أو لم يعلم لأن الوكالة زالت بزوال ما وُكِّل فيه فأشبه ما لو وكله في بيع ثوب ثم باعه الموكل ويحتمل أن لا يضمن إذا لم يعلم لأن المالك غره. الشيخ: وهذا هو الأصح وفي مثل هذه الحال نقول الأفضل والأولى أن لا يوكِّل كل واحد منهما الآخر لأنه إذا وكَّل أحدهما الآخر فالذي يدفع الأول يكون أبرأ ذمة الجميع فإذا أخرج الثاني بعده فقد أخرج ما ليس بواجب فيضمن فنقول من الأصل أحدهما يوكل الآخر فقط. فصل القارئ: ومن اشترى شقصاً للتجارة بمائتي درهم فحال الحول وقيمته أربعمائة فعليه زكاة أربعمائة ويأخذه الشفيع بمائتي درهم لأن الشفيع يأخذه في الحال بالثمن الأول وزكاته على المشتري لأنه زكاة ماله ولو وجد به عيباً رده بالثمن الأول وزكاته على المشتري. السائل: إذا كان رب المال مسلماً والمضارب ذميّاً فالزكاة هل هي على المائة وعشرة فقط؟ الشيخ: نعم إذا كان الشريك ليس عليه زكاة فإن الزكاة على صاحبه. السائل: لو أن الربح لم يبلغ النصاب هل فيه زكاة؟

باب زكاة الفطر

الشيخ: يضاف إليه لأنه لا يمكن أن يبدأ الحول إلا إذا بلغ النصاب فمثلاً إذا أعطاه أقل من نصاب وبقي ستة أشهر لم يزيد ثم زاد حتى بلغ النصاب بعد مضي ستة أشهر يكون أبتدأ الحول من الستة الأشهر. السائل: هذا رأس المال والربح بلغا النصاب لكن الربح وحده لا يبلغ النصاب؟ الشيخ: ما يضر يزكي والمضارب تزكى حصته لأن الربح تبع للأصل. مسألة: الذي يظهر أن المضارب ما دام لم يقبض نصيبه فهو كالتابع حتى ولو تحاسبوا يزكي نصيبه ما دام أنهم لم يقسموه وإذا أخذ قبل تمام الحول فهو يضمه إلى ماله وإذا أخذه ملكه وانفصل عن الآخر. باب زكاة الفطر القارئ: وهي واجبة على كل مسلم لما روى ابن عمر قال: (فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك من المسلمين صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير فعدل الناس به نصف صاعٍ من بر على الصغير والكبير وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه. الشيخ: زكاة الفطر هذا من باب إضافة الشيء إلى سببه يعنى الزكاة التي سببها الفطر من رمضان وهي واجبة على كل مسلم صغيراً كان أو كبيراً حراً أو عبداً وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) يعني في يوم العيد قبل أن يخرجوا إلى الصلاة فدل ذلك على أنه لا تصرف بعد الصلاة وأنه إذا أخَّرها إلى ما بعد الصلاة بلا عذر فإنها لا تقبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وأما قول الفقهاء رحمهم الله إنها بعد الصلاة في يوم العيد مكروهة وبعد يوم العيد حرام فهذا قول ضعيف.

ثانياً: إذا قال قائل: إذاً امنعوها قبل يوم العيد قلنا: نعم لو لم يكن عندنا إلا هذا الحديث لمنعناها ولقلنا إنه لا يجزيء إخراجها قبل العيد لكن قد دلت السنة على أنه يجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين وقوله: (صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير) إنما نص على ذلك لأنه غالب قوتهم في ذلك العهد إما التمر وإما الشعير وفي حديث أبي سعيد قال: (كان طعامنا يومئذٍ التمر والشعير والزبيب والإقط) ولم يكن البر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كثيراً شائعاً منتشراً وإن كان موجوداً كما يدل عليه حديث الربا فقد قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر) لكنه ليس قوتاً عاماً للناس إنما قوتهم العام هذه الأربعة فقط التمر والزبيب والشعير والإقط فهل المقصود أعيان هذه الأطعمة أو المقصود الجنس؟ المقصود الجنس أى أنه ما كان طعاماً للناس أجزأ فلو فرض أن الناس عدلوا عن الشعير وصاروا لا يقتاتونه ولا يأكلونه وإنما هو للبهائم فإنه لا يجزيء حتى وإن كان مذكوراً في الحديث لأنه إنما ذكر في الحديث بناءاً على أنه طعام الناس أما الآن فلا وكذلك لو أن الناس صاروا يطعمون سوى هذه الأصناف كالرز مثلاً أو الذرة في بعض الأماكن هي طعامهم فإنها تجزيء بل لو فرض أنه في أمة لا يتغذون إلا باللحم فإنه يكون من اللحم. القارئ: وتجب على المكاتب عن نفسه للخبر ولأنه مسلم تلزمه نفقته فلزمته فطرته كالحر ولا تجب على كافر ولا على أحد بسببه فلو كان للمسلم عبد كافر أو زوجة كافرة لم تجب فطرتهما لقوله (من المسلمين) ولأنها زكاة فلم تلزم الكافر كزكاة المال وتجب على الصغير للخبر والمعنى. الشيخ: تجب على الصغير لحديث ابن عمر (على الصغير والكبير) وقوله: والمعنى المراد بعض المعنى وليس المعنى كله لأنه في حديث ابن عباس (فرضها النبي صلى الله عليه وسلم طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) أي المعنيين حصل؟ الثاني هو الذي حصل وهو طعمة المساكين.

القارئ: ويخرج من حيث يخرج نفقته لأنها تابعة لها ولا تجب على جنين كما لا تجب في أجنة السائمة ويستحب إخراجها عنه لأن عثمان رضي الله عنه كان يخرج عن الجنين. الشيخ: إذا قلنا بإخراجها عن الجنين فكم يخرج صاعاً وأحداً أو صاعين؟ فيه احتمال أنه اثنان وقد قلنا في الفرائض: إذا مات عن حمل فإنه يوقف له الأكثر من إرث ذكرين أو انثين احتياطاً فيقال الفرق أن ذاك حق للمخلوق فلزم فيه الاحتياط أما هذا فهو حق لله والأصل براءة الذمة فلا يخرج إلا عن جنين واحد. القارئ: فإن ملك الكافر عبداً مسلماً لم تجب فطرته لأن العبد لا مال له والسيد كافر وعنه: على السيد فطرته لأنه من أهل الطهرة فلزم السيد فطرته كما لو كان مسلما. الشيخ: ولكن هذه المسألة مسألة فرضية لأن الكافر لا يمكن أن يملك المسلم إذ أن بيع المسلم على الكافر لا يصح وإذا أسلم عند الكافر أجبر على إزالة ملكه كما ذكر العلماء في كتاب البيع. فصل القارئ: ولا تجب إلا بشرطين أحدهما: أن يفضل عن نفقته ونفقة عياله يوم العيد وليلته صاع لأن النفق أهم فتجب البداءة بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك) رواه مسلم وفي لفظ (وابدأ بمن تعول) رواه الترمذي. فإن فضل صاعاً واحداً أخرجه عن نفسه فإن فضل آخر بدأ بمن تلزمه البداءة بنفقته على ما نذكره في بابه إن شاء الله لأنها تابعة للنفقة فإن فضل بعض صاع ففيه روايتان إحداهما: يلزمه إخراجه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ولأنه لو ملك بعض العبد لزمته فطرته فكذلك إذا ملك بعض المؤدى لزمه أداؤه والثانية: لا يلزمه لأنه عدم ما يؤدي به الفرض فلم يلزمه كمن عليه كفارة إذا لم يملك إلا بعض الرقبة. الشيخ: الأقرب الأول وأنه إذا فضل بعض صاع فإنه يخرجه لأن هذا حق لأدمي فوجب أن يخرج منه ما استطاع.

القارئ: فإن فضل صاعاً وعليه دين يطالب به قدم قضاؤه لأنه حق أدمي مضيق وهو أسبق فكان أولى فإن لم يطالب به فعليه الفطرة لأنه حق توجهت المطالبة به فقدم على ما لم يطالب به ولا يمنع الدين وجوبها لتأكدها بوجوبها على الفقير من غير حول. الشرط الثاني: دخول وقت الوجوب وهو غروب الشمس من ليلة الفطر لقول ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان وذلك يكون بغروب الشمس فمن أسلم أو تزوج أو ولد له ولد أو ملك عبداً أو أيسر بعد الغروب لم تلزمه فطرتهم وإن غربت وهم عنده ثم ماتوا فعليه فطرتهم لأنه تجب في الذمة فلم تسقط بالموت ككفارة الظهار. الشيخ: قوله فمن أسلم أو تزوج العبرة بالعقد. السائل: في مسألة العقد قالوا في النفقات إنه لا يجب عليه نفقتها حتى تسلّم نفسها؟ الشيخ: نعم لأن النفقة في مقابل الاستمتاع وأما هذا فلا ولا يشترط هنا الدخول. فصل القارئ: والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة للخبر ولأن المقصود إغناء الفقراء يوم العيد عن الطلب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) رواه سعيد بن منصور وفي إخراجها قبل الصلاة إغناء لهم في اليوم كله فإن قدمها قبل ذلك بيومين جاز لأن ابن عمر كان يؤديها قبل ذلك بيوم أو يومين ولأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها فيحصل الغنى بها فيه وإن عجلها لأكثر من ذلك لم يجز لأن الظاهر أنه ينفقها فلا يحصل بها الغنى المقصود يوم العيد وإن أخرها عن الصلاة ترك الاختيار لمخالفته الأمر وأجزأت لحصول الغنى بها في اليوم. الشيخ: هذا ضعيف جداً لأن حديث ابن عباس صريح قال: (فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعدها فهي صدقة من الصدقات) فالصواب أنه يحرم تأخيرها عن صلاة العيد وأنه لو أخرها ثم

أخرجها بعد صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات ويكون آثماً حتى يتوب إلى الله فإن قال إنسان: لو لم يعلم بالعيد إلا في وقت متأخر ولم يتمكن من أدائها؟ قلنا: هذا عذر أو كان في البر وما علم بالعيد إلا بعد صلاة العيد فهذا عذر أو كان قد أعدها لإخراجها قبل الصلاة ثم سرقت ولم يتمكن فإذا كان لعذر فلا بأس. السائل: بارك الله فيكم هنا يقول إنه لا يجوز إذا كان تعجل إخراجها لأكثر من يومين فما قولكم في حديث أبى هريرة من (أن الشيطان كان يأتيه ثلاثة أيام وكان على صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم) قالوا الظاهر أنها كانت صدقة الفطر؟ الشيخ: هذا يجاب عنه والله اعلم بأن الرسول ليس وكيلاً للفقراء إنما وكيل للأغنياء ولا تدفع للفقراء إلا في حينها. القارئ: وإن أخرها عن اليوم أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته ولزمه القضاء لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين. فصل القارئ: ولا يشترط لوجوبها الغنى بنصاب ولا غيره لما روى أبو داود بإسناده عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أدوا صدقة الفطر صاعاً من بر أو قمح عن كل اثنين صغير أو كبير حر أو مملوك غني أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى)، ولأنه حق مالي لا يزيد بزيادة المال فلم يشترط في وجوبه النصاب كالكفارة. فصل القارئ: ومن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه مؤنته من المسلمين لما روى ابن عمر قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون) فيجب على الرجل فطرة زوجته وعبده وزوجة عبده لأن نفقتهم عليه فإن كان له عبد آبق فعليه فطرته لأنها تجب بحق الملك والملك لم يزله الإباق قال: أحمد ولا يعطي عنه إلا أن يعلم مكانه وذلك لأنه يحتمل أنه قد مات أو ارتد فلم تجب الفطرة مع الشك فإن علم حياته بعد ذلك لزمه الإخراج لما مضى.

وإن كانت له زوجة ناشز لم تلزمه فطرتها لأنه لا تلزمه نفقتها وقال أبو الخطاب: تلزمه فطرتها كما يلزم السيد فطرة الآبق وإن كان لزوجته خادم تلزمه نفقته لزمته فطرته وإن كان العبد لسادة فعليهم فطرته لأن عليهم نفقته وعلى كل واحد من فطرته بقدر ما يلزمه من نفقته لأنها تابعة لها فتقدرت بقدرها وعنه: على كل سيد فطرة كاملة لأنها طهرة فوجب تكميلها ككفارة القتل. الشيخ: والصحيح الأول أن على كل واحد منهم قدر ما يملكه. القارئ: ومن نصفه حر ففطرته عليه وعلى سيده لما ذكرنا ومن نفقته على اثنين من أقاربه أو الآمة التي نفقتها على سيدها وزوجها ففطرته عليهما كذلك، ومن تكفل بمؤنة شخص فمانه شهر رمضان فالمنصوص عن أحمد أن عليه فطرته لدخوله في عموم قوله (ممن تمونون) واختار أبو الخطاب أنه لا تلزمه فطرته كما لا تلزمه نفقته وحمل الخبر على من تلزمه المؤنة بدليل وجوبها على الآبق ومن ملكه عند الغروب ولم يمنهما وسقوطها عمن مات أو أعتق قبل الغروب وقدمانه. فصل القارئ: وعلى الموسرة التي زوجها معسر فطرة نفسها لأنه كالمعدوم وإن كانت أمة ففطرتها على سيدها كذلك، ويحتمل أن لا تجب فطرتهما لأن من تجب عليه النفقة معسر فسقطت كما لو كانت الزوجة والسيد معسرين. الشيخ: الصواب أنه إذا كان الزوج معسراً فإنه يجب على الزوجة أن تخرج فطرتها بل أن ظاهر السنة أن الزوجة يجب عليها فطرتها ولو كان زوجها موسراً لأن هذه زكاة واجبة على الإنسان نفسه وغيره متحمل عنه وعلى هذا فالمطالب بإخراج زكاة الفطر هو الإنسان نفسه لكن لو تبرع به والده مثلاً أو كان من عادتهم أن قيم البيت يخرج عمن في البيت جميعاً فأخرج عنهم فلا بأس. القارئ: ومن لزمت فطرته غيره فأخرجها عن نفسه بغير إذنه ففيه وجهان أحدهما: يجزئه لأدائه ما عليه والثاني: لا يجزئه لأنها تجب على غيره فلا يجزيء إخراجها بغير إذن من وجبت عليه كزكاة المال.

الشيخ: والصحيح الأول أنه إذا أخرجها عن نفسه برئت ذمته وسقط عن الآخر لأن المخاطب بها أولاً الإنسان نفسه وغيره يتحمل عنه. فصل القارئ: والواجب في الفطرة صاعٌ من كل مخرج لحديث ابن عمر ولما روى أبو سعيد قال: ... (كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من إقط أو صاعاً من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: إن مداً من هذا يعدل مدين قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه) متفق عليه. الشيخ: الواجب في الفطرة صاع وهل الصاع باعتبار العرف فيختلف باختلاف الأزمان والأماكن أو أن الصاع هو صاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ المشهور عند العلماء هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم وصاع الرسول عليه الصلاة والسلام أقل من الأصواع المعروفة عندنا وهو من البر الرزين يعني الجيد كيلوان وأربعون غراماً ويقاس على ذلك وكيفية هذا أن تتخذ إناءً يسع كيلوين وأربعين غراماً من البر الرزين الجيد فتضعه في هذا الإناء فإذا ملأه فكِلْ به ما سوى البر وحينئذٍ هل تعتبر بالوزن أو لا تعتبر؟ لا تعتبر بالوزن لأن الكيل مداره الحجم لا الثقل يعنى نتخذ إناءً يسع كيلوين وأربعين غراماً من البر الرزين الجيد ونملؤه ثم نجعله المقياس ونملؤه من كل شيء فيكون صاعاً سواء كان أثقل من البر أو أخف من البر وكيفية الكيل ليس على ما يعهد بعض الناس كنا نعهد أن الكيل يملأ المكيال يملأه ويزيد عليه حتى يكون فوق المكيال بقدر ما يتماسك الحب ولكن الكيل الصحيح أن يكون على مسح أي مستوٍ طرف الصاع وأما هذا التسنيم الذي يجعلونه فوق فهذا شيء عرفي وليس هو الأصل.

وقوله: من كل مخرج يعني من البر والتمر والشعير والزبيب والإقط وهنا في كلام حديث أبى سعيد الخدري صاعاً من طعامٍ أو صاعاً من تمر أليس التمر طعاماً؟ كيف أتى بأو؟ الظاهر أنه أتى بأو لوجهين الوجه الأول: أن العلماء قالوا المراد بالطعام هنا البر فيكون المعنى صاعاً من بر أو صاعاً من تمر أو صاعاً شعير أو صاعاً من إقط أو صاعاً من زبيب هذا قول أكثر الذين تكلموا على هذا الحديث وقيل إن الطعام هنا شامل للأربعة التي بعده وأن (أو) هنا للتقسيم أى تقسيم المجمل في كلمة طعام ونظيره قوله في الحديث الصحيح (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) (فأو) هنا لتقسيم المجمل في قوله (سميت به نفسك) لأن ما أنزله الله في كتابه فقد سمى به نفسه وما علمه أحداً من خلقه فقد سمى به نفسه وما استأثر به في علم الغيب عنده فقد سمى به نفسه وعلى هذا فيكون الطعام هو ما ذكر فيما بعد وهو أربعة ويؤيد ذلك أنه ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد بلفظ آخر (كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام وكان طعامنا التمر والشعير والزبيب والإقط) وهذا يفسر هذا المجمل الذي بين بالأربعة وهذا الذي أختاره على أن قوله (أو صاعاً من كذا) بعد قوله (صاعاً من طعام) يراد به التقسيم أو بيان المجمل ويدل لذلك أيضاً أن البر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام قليل جداً ما كل أحد يطعمه حتى جاءت الفتوحات وكثر الخير فصار البر طعاماً لأكثر الناس ولهذا لما جاء معاوية رضي الله عنه وتولى الخلاف وجاء المدينة قال: (أرى مداً من هذا يساوي مدين أو يعدل مدين من شعير) مما يدل على أن البر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ليس معروفاً ولا شائعاً وبقي أن يقال في وقتنا الحاضر البر طعام والتمر طعام والشعير ليس طعاماً والزبيب ليس طعاماً والإقط كذلك حتى البادية الآن ما تأكل الإقط على

أنه طعام فهل يقال: العبرة بالمعنى أو العبرة باللفظ؟ إن قلنا: العبرة بالمعنى قلنا: هذه الأصناف التي ليست قوتاً الآن لا تجزيء وإن أخذنا باللفظ قلنا: تجزيء على كل حال ويترتب على هذا أيضاً إذا قلنا: باللفظ قلنا: غيرها لا يجزيء إلا إذا عدمت حتى لو كان أفضل عند الناس وأطيب عند الناس كالرز مثلاً فإنه لا يجزيء إلا إذا عدمت هذه الأصناف فما هو الأرجح؟ فيما نرى أن العبرة بالمعنى ولهذا نص الإمام مالك رحمه الله أن الشعير لا يجزيء إلا لمن كانوا يأكلونه وأما من لا يأكله فلا يجزيئه وكذلك الإمام أحمد رحمه الله عنه روايتان في الإقط إذا كان لا يؤكل هل يجزيء أم لا؟ ثم إن المعروف عند العلماء أن العبرة في الأمور بمعانيها لا بألفاظها ونحن لا نعلم معنى يعلق به الحكم في كونه شعيراً أو تمراً أو زبيباً أو إقطاً أو براً ما له معنى إلا أنها كانت في ذلك الوقت طعاماً لهم فإن قال قائل: يرد عليكم حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير) قلنا: الجواب أن هذا سهل جداً لأن التمر والشعير في ذلك الوقت هما أساس الطعام ولهذا لم يذكر في حديث ابن عمر الزبيب والإقط ما ذكر لأن أهل المدينة في ذلك الوقت طعامهم الرئيس هو التمر والشعير فذكر النبي صلى الله عليه وسلم التمر والشعير على سبيل المثال وليس على سبيل التعين وكما هو معروف عند الفقهاء أن العبرة بالمعاني ولذلك عند ابن حزم رحمه الله لكونه ظاهرياً محظاً يقول لا يجزيء إلا التمر والشعير فقط ولا يجزيء غيرهما لكنه غريب مع أن في حديث أبى سعيد ذكر الزبيب والإقط.

وهل نأخذ بما قال معاوية رضي الله عنه وتبعه الناس على ذلك أو نأخذ بما ذهب إليه أبو سعيد؟ لاشك أن الاحتياط أن نأخذ بما قاله أبو سعيد لأن الظاهر أن التمر والشعير في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام مختلفان في القيمة ولو كان المقصود التقويم لقال: صاعاً من تمر أو ما يعادله من شعير مثلاً فالصواب في هذه المسألة أن ما ذهب إليه أبو سعيد رضي الله عنه وهو وجوب إخراج الصاع أقرب للصواب وأيضاً فيه فائدة عظيمة وهي أن لا يختلف الناس في التقدير ربما يختلف الناس في التقدير فيقول مثلاً: ثلثا صاع من البر يساوي صاعاً من الشعير ويأتي آخر ويقول: لا ربع صاع من البر يساوي صاعاً من الشعير فتختلف الأمة فإذا قلنا: أخرج صاعاً من البر أو التمر أو الشعير أو الزبيب أو الإقط اكتفينا والغريب أن شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله اختار ما ذهب إليه معاوية أنه يجزيء في الفطرة نصف صاع من البر. القارئ: ومن قدر على هذه الأصناف الأربعة لم يجزه غيرها. الشيخ: المؤلف ذكر أربعة أو خمسة؟ إذا اعتبرنا أن الطعام جنساً مستقلاً صارت خمسة طعام أو تمر أو شعير أو إقط أو زبيب. القارئ: لأنها المنصوص عليها وأيها أخرج أجزأه سواء كانت قوته أو لم تكن لظاهر الخبر ويجزيء الدقيق والسويق من الحنطة والشعير لقول أبي سعيد: لم نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من دقيق ثم شك فيه سفيان بعد فقال دقيق أو سلت رواه النسائي ولأنه أجزاء الحب يكال ويدخر فأشبه الحب. الشيخ: وقيل لا يجزيء الدقيق لأن الحب أصبر من الدقيق يعني يبقى مدة ولا يتغير والدقيق يفسد بسرعة لاسيما إذا لم يكن فيه ملح فإنه لا يبقى إلا أياماً قليلة ثم يفسد وأما الحب فلا يفسد وهذا القول أقرب إلى الصواب أن الدقيق لا يجزيء حتى ولو أن الإنسان احتاط وزاد فيه فإنه لا يجزيء لأن الحب أصبر وأبقى.

القارئ: ويجزيء إخراج صاع من أجناس إذا لم يعدل عن المنصوص لأن كل واحد منهما يجزيء منفرداً فأجزأ بعض من هذا وبعض من هذا كما لو كان العبد لجماعة وقال أبو بكر: يتوجه قول آخر أنه يعطي ما قام مقام هذه الخمسة لظاهر قوله: (صاعاً من طعام) قال: والأول أقيس. الشيخ: والظاهر أن الثاني هو الأقيس قول أبي بكر جيد أنه يجزيء ماقام مقامه وإن لم يكن منها مع القدرة عليه بقينا في كونه يخرج أجزاء في صاعٍ واحد يعنى خُمُس صاع تمر وخمس صاع بر وخمس زبيب وخمس صاع شعير وخمس صاع إقط يقول المؤلف: إن هذا جائز لكن في القلب من هذا شيء لأن الحديث (صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر) والشارع له نظر في اتحاد الجنس فكيف يعطى الإنسان صاعاً مكون من خمسة أجزاء قد لا ينتفع به الفقير؟ فالظاهر هنا أن الصواب خلاف ما قال المؤلف رحمه الله وأنه لا بد أن يكون الصاع من جنس واحد كما هو ظاهر النص. القارئ: وفي الإقط روايتان إحداهما: يجزيء إخراجه مع وجود غيره لأنه في الخبر والثانية: لا يجزيء إلا عند عدم الأصناف قال الخرقي: إن أعطى أهل البادية الإقط أجزأ إذا كان قوتهم وذلك لأنه لا يجزيء في الكفارة ولا تجب الزكاة فيه. الشيخ: هذا قيد جيد للخرقي أن الإقط يجزيء لأهل البادية بشرط أن يكون قوتهم وهذا نظر إلى المعنى. القارئ: فإن عدم الخمسة أخرج ما قام مقامها من كل مقتات من الحب والتمر وقال ابن حامد: يخرجون من قوتهم أي شيء كان كالذرة والدخن ولحوم الحيتان والأنعام.

الشيخ: عمم ابن حامد رحمه الله حتى في اللحم والمؤلف يقول في الأول: من كل مقتات من الحب والثمر يعني دون اللحم والصواب ما قاله ابن حامد: إنه إذا كان مثلاً في مكان يقتاتون لحوم الحيتان يجزيء اللحم لكن كيف يكيلون اللحم وهو موزون نقول أما إذا كان اللحم جافاً فكيله سهل وأما إذا كان موزون فإنه يزاد في الوزن لأن اللحم إذا طري يكون ثقيلاً فلا بد أن يزيد فإذا كان الصاع كيلوين وأربعين غراماً فليجعل أربعة كيلوات لأن الموزون مادام المقصود الكيل يحتاج إلى زيادةٍ في الوزن. فصل القارئ: والأفضل عند أبي عبد الله إخراج التمر لما روى مجاهد قال: قلت لابن عمر: إن الله قد أوسع والبر أفضل من التمر قال: إن أصحابي قد سلكوا طريقاً وأنا احب أن أسلكه فآثر الاقتداء بهم على غيره وكذلك أحمد ثم بعد التمر البر لأنه أكثر نفعاً وأجود. الشيخ: يعنى ثم الباقي على السواء والأفضل إخراج ما كان أنفع للفقراء هذا هو الصحيح لأن المقصود بها نفع الفقراء ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) وما كان أنفع لهم فهو أولى لكن ابن عمر رضى الله عنه من قاعدته التحري التام للسنة حتى إنه سلك مسلكاً غريباً في الإقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام وهو أنه يقتدي به صلى الله عليه وسلم حتى في الأمور التي وقعت اتفاقاً بدون قصد حتى كان في السفر يتحين المكان الذي بال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام فينزل ويبول فيه من شدة تحريه لكن هذا الأصل يقول شيخ الإسلام خالفه عليه جمهور الصحابة. فصل القارئ: ولا يجزيء الخبزُ لأنه خارج عن الكيل والادخار ولا حب معيب ولا مسوس ولا قديم تغير طعمه لقول الله تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) ولا تجزيء القيمة لأنه عدول عن المنصوص.

الشيخ: هذا خلافاً لمن قال: إن القيمة تجزيء لكنه قول ضعيف ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عيَّنها من أصناف مختلفة القيمة بلا شك فالتمر والشعير والبر والزبيب والإقط تختلف قيمها ومع ذلك فقدرها شرعاً غير مختلف وهو صاع فلما لم يختلف علمنا أن القيمة لا أثر لها ثم إنه لو قلنا بإخراج القيمة لم تكن من الشعائر لأنها حينئذٍ تكون خفية ولا يعلم بها ثم لو قيل بالقيمة أيضاً فمن يقدر القيمة ربما يحابي الإنسان نفسه فيقدر الصاع بدرهم وهو يساوي درهمين مثلاً لذلك لا ينبغي العدول عما جاءت به الشريعة وهو الصاع مما يطعم. فصل القارئ: والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي وهو بالرطل الذي وزنه ستمائة درهم رطلٌ وأوقية وخمسة أسباع أوقية قال أحمد: الصاع خمسة أرطال وثلث حنطه فإن أعطى خمسة أرطال وثلثاً تمراً فقد أوفى قيل له إن الصيحاني ثقيل قال: لا أدري؟ وهذا يدل على أنه يجب أن يحتاط في الثقيل بزيادة شيء على خمسة أرطال وثلث ليسقط الفرض بيقين. الشيخ: نحن قدرناها على حسب كلام الفقهاء رحمهم الله ووجدنا أنها كيلوان وأربعون جراماً بالبر الرزين يعني بالبر الجيد كيلوان وأربعون جراماً لكن من احتاط وأخرج ثلاث كيلوات عن الصاع فلا بأس ولا يعد هذا إسرافاً إن شاء الله وإن كان مالك رحمه الله كره أن يزيد على الصاع النبوي وقال: إن هذا مقدر شرعاً فلا تنبغي الزيادة عليه لكنه يقال: نحن نزيد لا على أنها واجبة لكن على أنها نفل. القارئ: ومصرفها مصرف زكاة المال لأنها زكاة. الشيخ: هكذا قال المؤلف رحمه الله وقيل لا يعطى منها إلا من تدفع حاجته في ذلك اليوم لحديث ابن عباس (طعمة للمساكين) فلا تصرف إلا للفقراء والمساكين فقط لا تصرف للمدين في قضاء دينه ولا تصرف في الرقاب ولا تصرف في ابن السبيل إلا أن يكون فقيراً وهذا القول أبرأ للذمة أن لا تعطى إلا من يأخذ الزكاة لحاجته لا للحاجة إليه.

القارئ: ويجوز إعطاء الواحد ما يلزم الجماعة كما يجوز دفع زكاة مالهم إليه وإعطاء الجماعة ما يلزم الواحد كما يجوز تفرقة ماله عليهم. الشيخ: أما الأول فواضح أن الواحد يعطى فطر جماعة يعني هذا فقير له عائلة اجتمع أهل البيت وعندهم عشرة فطر وأعطوه إياها فلا بأس حتى وإن لم يكن له عائلة أما العكس بأن يفرق الصاع الواحد على عدة ففي النفس من هذا شيء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم (فرضها صاعاً من طعام) وقال ابن عباس أنها طعمة للمساكين وما دون الصاع قد لا يكفي نعم لو قيل: يجوز تفريق الصاع على الجماعة بشرط أن لا ينقص عن إطعامهم ذلك اليوم لكان لا بأس به وبهذه المناسبة يجب أن نعلم أن ما يطعم للفقراء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: قدر فيه المعطى دون المدفوع وذلك في كفارة الظهار وكفارة اليمين وكفارة الجماع في نهار رمضان إطعام ستين مسكيناً ولم يذكر كم نطعمهم؟ وفي كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ولم يذكر كم نطعهم؟ الثاني: ما قدر فيه المدفوع دون المعطى كالفطرة قدر فيها المدفوع وهو صاع لكن لم يقدر المعطى ما قيل لعشرة ولا لعشرين أو لواحد. القسم الثالث: ما قدر فيه المدفوع والمعطى وذلك في فدية الأذى فإن الرسول صلي الله عليه وسلم قال في الصدقة: (إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع) فقدر المعطى وقدر المدفوع فلنمشِ على ما جاءت به السنة نقول أما الفطرة فتدفع صاعاً لواحد أو اثنين على حسب ما سبق من التفصيل وأما كفارة اليمين والظهار والجماع في نهار رمضان فيطعم المساكين سوءاً أعطاهم مداً من البر أو من الرز أو صنع لهم طعاماً من غداء أو عشاء وأطعمهم فلا بأس لأن الله قال: (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) وأما ما قدر فيه المدفوع والمعطى فيجب التزامه فنقول: تطعم في فدية الأذى ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع.

باب إخراج الزكاة والنية فيه

السائل: أحسن الله إليك ذكرنا بأن دفعها للفقير الذي يحتاج إليها في يوم العيد أبرأ لكن إذا أعطيناه عشرة فطر فمن المعلوم أنه لن يحتاج تلك العشرة وإنما يحتاج جزءاً من واحدة فتبقى العشرة ليس في حاجة لها؟ الشيخ: يعطى إلى نهاية السنة فالفقير يعطى من الزكاة ما يدفع حاجته كل السنة. السائل: ما رواه البيهقي وابن عدي (أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم) كيف يجاب عنه؟ الشيخ: نعم نحن أغنيناهم في هذا اليوم وزيادة هذا يدل على أن أقل ما يعطون ما يدفع السؤال في هذا اليوم. السائل: شيخ بارك الله فيك قلنا إن الأفضل إعطاء الفقير الأنفع وكثير من القائلين بجواز دفع القيمة يقولون إن القيمة أنفع له؟ الشيخ: لكن هل الدراهم مما نُص عليه هل هو طعام؟ الحديث طعام وهذا من حكمة الشرع أن يعطى طعام لأنه ربما يأتي في يوم من الأيام الطعام أحب إلى الفقير من الدراهم وربما نعطي الفقير دراهم ويذهب ويشتري بها أشياء غير مفيدة. باب إخراج الزكاة والنية فيه القارئ: لا يجوز إخراج الزكاة إلا بنيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) ولأنها عبادة محضة فافتقرت إلى النية كالصلاة ويجوز تقديمها على الدفع بالزمن اليسير كما في سائر العبادات ولأنه يجوز التوكيل فيها بنية غير مقارنة لأداء الوكيل ويجب أن ينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة أو صدقة المال أو الفطر فإن نوى صدقة مطلقة لم تجزه لأن الصدقة تكون نفلاً فلا تنصرف إلى الفرض إلا بتعيين ولو تصدق بجميع ماله تطوعاً لم يجزه لأنه لم ينوِ الفرض. الشيخ: يعني لم يجزِ عن الزكاة لأنه لم ينوِ الفرض. القارئ: ولا يجب تعين المال المزكى عنه فإن كان له نصابان فأخرج الفرض عن أحدهما بعينه أجزأه لأن التعيين (لا يضر). الشيخ: في نسخة المخطوطة (لايضره) هذا عنده نصابان فأخرج الفرض من أحدهما بعينه يعني لا من الآخر فلا بأس لأنه لا يشترط أن تكون من نفس المال.

القارئ: وإن أطلق عن أحدهما أجزأه لأنه لو أطلق لكان عن أحدهما فلا يضر التقييد به وإن نوى أنه إن كان الغائب سالماً فهو زكاته وإلا فهو عن الحاضر صح وكان على ما نوى وإن نوى أنه زكاة أو تطوع لم يصح لأنه لم يخلص النية للفرض وإن نوى أنه زكاة مالي وإن لم يكن سالما فهو تطوع صح لأنه هكذا يقع فلا يضر التقييد به ولو نوى إن كان أبي قد مات فصار ماله لي فهذا زكاته لم يصح لأنه لم يبن على أصل، وإن نوى عن ماله الغائب فبان تالفا لم يكن له صرفه إلى الحاضر لأنه عينه عن الغائب فأشبه ما لو أعتق عبداً عن كفارة لم يملك صرفه إلى أخرى. الشيخ: وهذا إذا نواه عن الغائب ودفعه أما لو عزل الزكاة في مكان وقال: هذه عن الغائب ثم تبين تالفاً فله أن يخرجها عن الحاضر لأن المال ما دام لم يستلمه الفقير فهو ملك لصاحبه يتصرف فيه كما يشاء ولهذا لو أنه عزل شيئاً من ماله يريد أن يتصدق به ثم بدا له أن لا يتصدق به فلا حرج لأنه لم يخرجه عن ملكه. فصل القارئ: وإذا وكل في إخراج الزكاة ونوى عند الدفع إلى الوكيل ونوى الوكيل عند الأداء جاز وإن نوى الوكيل ولم ينوِ الموكل لم يجزه لأنها فرض عليه فلم يجزه من غير نية وإن نوى الموكل عند الدفع إلى الوكيل ولم ينوِ الوكيل عند الدفع فقال أبو الخطاب: يجزيء لأن الذي عليه الفرض قد نوى ويحتمل أنه إن نوى بعد الأداء من الدفع لم يجزه لأن الأداء حصل من غير نية قريبة ولا مقارنة.

الشيخ: هذه التفاصيل في الوقع في النفس منها شيء لأن المؤلف يرى الآن أنه لابد من نيتين نية الموكل ونية الوكيل وأن الموكل ينوي عند دفعها للوكيل والوكيل ينوي عند دفعها لمستحقيها ولكن لو قيل: بأن الرجل لو قال لشخص: أخرج زكاة مالي فأتى إلى المال وأخرج منه بدون أن ينوي ذاك لو قيل: بأن هذا مجزيء لكان حقاً وهذا يقع كثيراً يكون المال مثلاً عند المضارب ويقول له صاحب المال: إني قد وكلت في إخراج زكاة المال ويخرجها المضارب وذاك لم يعلم متى أخرجها ولا كيف أخرجها؟ فهل نقول لا يجزيء؟ الصواب أنه يجزيء وأهم شيء هو أن الوكيل ينوي عند أدائها إلى مستحقيها هذا أهم شيء ثم يقال أيضاً أن الوكيل ليس بيده مال ووكل في إخراج زكاة ثم أخرجها وليس عنده مال لكن غاب عند إخراجه إياها غاب عن ذهنه أنها لفلان فهنا ينبغي أن يقال بالإجزاء لأن عنده نية سابقة وهي أن جميع ما في هذا المكان هو زكاة لفلان المهم أن التشديد في النية لهذا الحد في النفس منه شيء ويقال الأصل أن الوكيل إذا أخذ المال من الموكل يدفعه زكاةً فالأصل أنه نواه من حين أخذه وأنه إذا سلمه لمستحقه فقد نواه عن صاحبه. مسألة: الظاهر أن الجهات الموكلة أنها نائبة عن الفقراء وأن الإنسان إذا سلمها لهم بريء منها. مسألة: إذا اجتمع عند الإنسان زكوات متعددة وخلطها جميعاً فهل نقول لابد أن تعين عند الدفع أن فلاناً له عشرة من عشرين أو عشرة من خمس عشر أو ما أشبه ذلك أو يقال إنه لا بأس؟ فنقول أما إذا كان وكيلاً عن الفقراء مثل الجمعيات الخيرية الآن فلا بأس أن تخرج الزكاة من المجوع عن الجميع وأما إذا كان وكيلاً لشخص معين فلا شك أنه قد يكون هناك حرج في أن يقدر زكاة كل شخص بعينه ويضطر هنا إلى أن يجمعها جميعاً ويخرج والله سبحانه وتعالى يعلم نصيب كل واحد منهم. السائل: ما معنى كلام المؤلف (أنها افتقرت إلى النية كالصلاة)؟

الشيخ: يعني أنها ليست من الأمور العادية لأنها عبادة محضة فلابد فيها من نية (إنما الأعمال بالنيات). القارئ: وإن دفعها للإمام بريء منها بكل حال لأن يد الإمام كيد الفقراء. الشيخ: وأيضاً نائب الإمام مثل الإمام يعني الجمعيات الخيرية المفسوح لها حكمها حكم الإمام فلو أن الناس أدوا زكاتهم لهذه الجمعيات ثم احترقت أو سرقت فإنه لا ضمان يعني لا يجب على أهل الزكوات أن يضمنوها لأنها وصلت إلى محلها ولو أن إنساناً أعطى زكاته لشخص أن يفرقها ثم سرقت من هذا الشخص فعلى صاحبها أن يؤدي الزكاة ثم هل يضمن الوكيل أو لا؟ ينبني على التفريط وعدم التفريط فلو أعطيتك ألف ريال وقلت: هذه زكاة فرقها ثم إن هذه الزكاة سرقت فهل يجب على الذي أعطاها أن يخرج بدلاً عنها؟ نعم يجب أن يخرج بدلاً عنها لأن الوكيل هنا ليس وكيلاً للفقراء بل هو وكيل لصاحبها وهل يضمن هذا الذي سُرقت منه؟ نقول: إن كان قد تعدى أو فرط ضمن وإلا فلا ضمان. القارئ: وإن أخذها الإمام قهراً أجزأت من غير نية رب المال لأنها تؤخذ من الممتنع فلو لم تجزِ ما أخذت وهذا ظاهر كلام الخرقي ويحتمل أن لا تجزئه فيما بينه وبين الله تعالى إلا بنيتها لأنها عبادة محضة فلم تجزِ بغير نية كالمصلي كرها وهذا اختيار أبي الخطاب وابن عقيل وقال القاضي: تجزيء نية الإمام في الكره والطوع لأن أخذ الإمام كالقسم بين الشركاء والأولى أولى. الشيخ: الصواب أنها لا تجزيء فيما بينه وبين الله لأن هذا لم تطب بها نفسه والإمام أخذها منه كرهاً أما ظاهراً فتجزيء فلو أن الإمام عاد إلى صاحب الزكاة وقال أدِ الزكاة طوعاً فقال أديتها إليك. قال: هذا كرهاً، أخذتها منك كرهاً عليك، فإن الإمام لا يملك هذا وكذلك لا يطالب بها لكن فيما بينه وبين الله كيف نقول أنها تجزيء؟ وهو لم ينو التقرب بها إلى الله بل هو ممتنع منها غاية الامتناع ما أخذت منها إلا والسيف فوق رأسه.

السائل: المكره على دفع زكاته إذا تاب فهل يخرجها مرة أخرى؟ الشيخ: نعم يجب أن يدفع زكاة أخرى لأن هذه ما أجزأت لأنها أخذت منه كرهاً. فصل القارئ: ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل كمال النصاب لأنه سببها فلا يجوز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف ويجوز تعجيلها بعده لما روي عن علي رضي الله عنه: (أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في أن يعجل الصدقة قبل أن تحل فرخص له) رواه أبو داود، ولأنه حق مال أجل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله كالدين ودية الخطأ وفي تعجيلها لأكثر من عام روايتان إحداهما: يجوز لأنه عجلها بعد سببها. والثانية: لا يجوز لأنه عجلها قبل انعقاد حولها فأشبه ما لو عجلها قبل انعقاد وقت نصابها. الشيخ: في نسخة المخطوطة (قبل نصابها) يعني قبل تمام نصابها وكماله فالخلاصة الآن أنه يجوز تعجيل الزكاة بعد تمام النصاب وإن لم يتم الحول واستدل المؤلف بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقته) ولأن هذا دين عجله صاحبه قبل حلوله فلا بأس به وأما أن يعجل قبل تمام النصاب فإنه لا يجزيء لأنها لم تجب حتى الآن فإخراجها إخراج لها قبل وجود السبب كما لو كفر قبل أن أن يحلف والقاعدة أن تقديم الشيء قبل سببه لاغٍ وبعد سببه وقبل الشرط جائز لكن هل الأفضل التقديم أو لا؟ يقال: ينظر قد يكون الأفضل التقديم كما لو حدث في الناس مجاعة أو أن أحداً من الناس احتاج حاجة خاصة فإن هنا الأفضل التعجيل أما إن لم يكن هناك سبب فتأخيرها حتى تجب أولى ليكون الإنسان على يقين من وجوبها. السائل: إذا عجل لسنة وزاد المال خلالها؟ الشيخ: إذا زاد المال يخرج زكاة ما زاد. السائل: بارك الله فيك إذا عجَّل زكاته لمدة سنتين مثلاً في السنة الأولى ثم نقص المال عن النصاب هل يرجع في الزكاة التي أخرجها؟ الشيخ: ما يرجع فيها وتكون تطوعاً.

القارئ: فإن ملك نصاباً فعجّل زكاة نصابين عنه وعما يستفيده في الحول الآخر أجزأه عن النصاب دون الزيادة لأنه عجل زكاة الزيادة قبل وجودها ولو ملك خمساً من الإبل فعجل شاتين عنها وعن نتاجها فحال الحول وقد نُتجت خمساً فكذلك لما ذكرناه وإن ملك أربعين شاة فعجل عنها شاة ثم ماتت الأمهات وبقيت سخالها أجزأت عنها لأنها تجزيء عنها وعن أمهاتها لو كانت باقية فعنها وحدها أولى. الشيخ: لأنها إذا كانت هي وأمهاتها باقية زكاتها شاة لأنها ثمانون والثمانون زكاتها شاة كالأربعين. القارئ: بخلاف التي قبلها ولو ملك عرضاً قيمته ألف فعجل زكاة ألفين فحال الحول وقيمته ألفان أجزأه عن ألف واحد لما ذكرناها. الشيخ: ذكر رحمه الله القاعدة أن من عجل عن شيء معدوم لم يجزيء لأنه يشترط لتعجيل الزكاة أن يكون المعجل عنه موجوداً خذ هذه القاعدة والبقية تفريع عليه. فصل

القارئ: وإذا عجل الزكاة ولم تتغير الحال وقعت موقعها وإن ملك نصاباً فعجل زكاته وحال الحول وهو ناقص مقدار ما عجلها أجزأت عنه وإن ملك مائة وعشرين فعجل شاة ثم نُتجت أخرى قبل كمال الحول لزمه شاة ثانية لأن المعجل كالباقي على ملكه في إجزائه من الزكاة عند الحول فكذلك في إيجاب الزكاة وإن تغيرت الحال بموت الآخذ قبل الحول أو غناه أو ردته فإن الزكاة تجزيء عن ربها وليس له ارتجاعها لأنه أداها إلى مستحقها فبريء منها كما لو تلفت عند آخذها أو استغنى بها فإما إن تغيرت حال رب المال بموته أو ردته أو تلف النصاب أو بعضه أو بيعه أو حالهما معاً فقال أبو بكر والقاضي: الحكم كذلك لأنه دفعها إلى مستحقيها فلم يملك الرجوع بها كما لو لم يعلمه وقال ابن حامد: إن لم يعلمه رب المال أنها زكاة معجلة لم يكن له الرجوع عليه لأن الظاهر أنها عطية تلزم بالقبض فلم يكن له الرجوع بها وإن كان الدافع الساعي أو رب المال لكنه أعلن الآخذ أنها زكاة معجلة رجع عليه لأنه دفعها عن ما يستحقه القابض في الثاني فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كالأجرة إذا انهدمت الدار قبل السكنى ثم إن وجدها بعينها أو زائدة زيادة متصلة رجع بها لأن هذه الزيادة تدفع في الفسوخ فتبعت هاهنا وإن زادت زيادة منفصلة فهي (للفقراء). الشيخ: عندي في المخطوط (للفقير) ولعلها نسخة. القارئ: لأنها انفصلت في ملكه وإن نقصت لزم الفقير نقصها لأنه ملكها بقبضها فكان نقصها عليه كالمعيب وإن تلفت فعليه قيمتها يوم قبضها لأن ما زاد بعد ذلك أو نقص إنما هو في ملك الفقير فإن قال المالك: أعلمته الحال فأنكر الفقير فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر. الشيخ: هذا التفصيل كله لقول ابن حامد رحمه الله وهذا مما يدل على آفة التعجيل أنه لو تغيرت الحال فماذا يصنع؟ إنسان عجل الزكاة ثم افتقر هل يرجع إلى الفقير أو لا يرجع؟ فيها الخلاف الذي سبق

ولذلك كان الأفضل أن لا يخرج الإنسان زكاته إلا إذا تم الحول ووجبت الزكاة لكن قد تدعو الحاجة أو المصلحة إلى التقديم فحينئذٍ نقول لا بأس به إلا أنه بشرط تمام النصاب لابد أن يكون تمام النصاب ولابد أن يكون في الحولين فأقل فلو عجل عن ثلاثة أحوال فإنه لا يصح إلا عن حولين فقط. فصل القارئ: ولو عجلها إلى غني فافتقر عند وجوبها لم يجزه لأنه لم يعطها لمستحقها. الشيخ: مع أنه حين الوجوب كان مستحقاً لها لكن عند التعجيل هو غير مستحق أي غني. القارئ: وإن عجلها ودفعها إلى مستحقها ثم مات المالك فحسبها الوارث عن زكاته لم يجزه لأنها عجلت قبل ملكه فأشبه ما لو عجلها هو وإن تسلف الإمام الزكاة فهلكت في يديه لم يضمنها وكانت من ضمان الفقراء سواء سأله ربه المال أو الفقراء أو لم يسأله الجميع لأن يده كأيديهم وله ولاية عليهم بدليل أن له أخذ الزكاة بغير إذنهم فإذا تلفت من غير تفريطه لم يضمن كولي اليتيم. الشيخ: أما لو فرَّط فعليه ضمان بأن عجل زكاة ماشية وألقاها في البرد الشديد أو الحر الشديد فعليه الضمان. السائل: مامعنى سأله رب المال أو الفقراء؟ الشيخ: يعني سأله رب المال التعجيل يعني قال للإمام: أنا أحب أن أعجل زكاتي أو سأله الفقراء قالوا له: عجل لنا الزكاة. فصل القارئ: وظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز تعجيل العشر لأنه يجب بسبب واحد وهو بدو الصلاح في الثمرة والحب فتعجيله تقديم له على سببه وقال أبو الخطاب: يجوز تعجيله إذا ظهرت الثمرة وطلع الزرع ولا يجوز قبله لأن وجود ذلك كملك النصاب وبدو الصلاح كتمام الحول وأما المعدن والركاز فلا يجوز تقديم صدقتهما قولاً واحدا لأن سبب وجوبها يلازم وجوبها ولا يجوز تقديمها قبل سببها. الشيخ: الظاهر أن الصواب كلام القاضي أنه لا يجوز أن تقدم الزكاة حتى يبدو الصلاح.

باب قسم الصدقات

باب قسم الصدقات القارئ: يجوز لرب المال تفريق زكاته بنفسه لأن عثمان رضي الله عنه قال: (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه ثم ليزكِ بقية ماله) رواه سعيد بن منصور بنحوه وأمر علي واجد الركاز أن يتصدق بخُمُسه. وله دفعها للإمام عدلاً كان أو غيره لما روي سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد إخراج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى فقال: ادفعها إليهم فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد فقالوا: مثل ذلك ولأنه نائب عن مستحقها فجاز الدفع إليه كولي اليتيم قال أحمد: أعجب إلي أن يخرجها وذلك لأنه على ثقة من نفسه ولا يأمن من السلطان أن يصرفها. الشيخ: عندي في المخطوط (ولا يأمن السلطان) نسخة. القارئ: في غير مصرفها وعنه: ما يدل على أنه يستحب دفع زكاة الأموال الظاهرة إلى السلطان دون الباطنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه رضي الله عنهم (كانوا يبعثون سعاتهم لقبض زكاة الأموال الظاهرة دون الباطنة) وقال ابن أبي موسى وأبو الخطاب: دفعها إلى الإمام العادل أفضل لأنه أعرف بالمصارف والدفع إليه أبعد من التهمة ويبرأ به ظاهرا وباطنا ودفعها إلى أهلها يحتمل أن يصادف غير مستحقها فلا يبرأ به باطنا.

الشيخ: هذا الخلاف في الحقيقة ينبغي أن يقال: إنه يرجع إلى المصلحة فإذا كان السلطان معروفاً بالعدالة وكان صاحب المال لا يعرف الناس ولا يعرف المستحق ولا الأحق فهنا ينبغي أن يدفعها إلى الإمام وإذا كان الأمر بالعكس فالأفضل ألا يدفعها ولعل هذا التفصيل تجتمع فيه الأقوال لأن المقصود هو إبراء الذمة بيقين فمثلاً إذا كان هناك مجاهدون أو غارمون أو فقراء في أطراف البلاد لا ندركهم ولا نعرفهم والسلطان عادل ويعرفهم فهنا لا شك أن الدفع إليه أفضل من كونك لا تعرف إلا من حولك وربما يتخمون من المال وأنت لا تدري أما إذا كان غير عادل فإن الأفضل أن يؤدي الإنسان زكاته بنفسه لا سيما إذا كان يعلم أن هناك مستحقين من أقاربه فتكون صدقة وصلة. السائل: بعض الناس أعتاد أن يدفع الزكاة إلى أناس معينين واستمر على هذا الحال سنين حتى ولوكان الذين يأخذون الزكاة وقد اغتنوا ثم يستمر ويقول إنهم اعتادوا علينا ويأتون كل سنة ونستحي من ردهم أفلا يقال إن دفعها إلى الإمام وإن كان غير عادل أولى من إعطائها إلى هؤلاء؟ الشيخ: لا بل يقال: يعطيها لمستحقها ولا يدفعها إلى الإمام ولا يعطي هؤلاء وما ذكرت يقع كثيراً تجد هذا الرجل فقيراً وتعطيه ثم يغتني مثلاً جاءه ميراث أو جاءه ربح من أرض اشتراها أو ما أشبه ذلك ثم يجيء ويطلب العادة نقول ما نعطيه ونعظه نقول له: اتق الله ولا نعطيه غضب أو ما غضب لكن إذا كان قريباً وخيف أن يكون في ذلك قطيعة رحم فأعطيه من مالك من باب الصلة ويخلف الله عليك. السائل: بارك الله فيكم من المعلوم أن الزوجة ليس عليها أن تنفق على زوجها إن كان فقيراً فهل لها أن تؤدي زكاتها إلى زوجها؟

الشيخ: ابن حزم على ظاهريته يقول: إذا كانت الزوجة غنية والزوج فقير يجب عليها أن تنفق عليه والصحيح أنه لا يجب عليها لكن إذا كان عندها زكاة تعطيه من زكاتها هذا هو القول الراجح ولهذا لما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالصدقة أتته امرأة عبد الله بن مسعود وقالت: يا رسول الله إن عبد الله بن مسعود زعم أنه هو وولده أحق من تصدقت عليه؟ قال: (نعم زوجك وولدك أحق من تصدقتي عليه)، وأيضاً لدينا شيء مهم أقرا آية الزكاة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) إلى آخره ولا يمكن أن نخرج شيئاً منها إلا بدليل فمثلاً إذا كان الزوج فقيراً وزوجته غنية وعندها زكاة أليس داخلاً في اسم الفقراء؟ وهل يجب عليها أن تنفق عليه حتى نقول إنها تعطيه الزكاة لتوفر مالها؟ لا لكن لو أنها فقيرة والزوج غني وهي فقيرة تحتاج إلى طعام وكسوة وقال أعطيها من زكاتي؟ لا يجوز لأنه يجب عليه أن ينفق عليها فإذا أعطاها من زكاته وفر ماله ولذلك لو كان على الزوجة غرم كدين جاز أن يقضيه من زكاته وهي زوجته أو أن إنساناً له أب عليه دين والابن غني ينفق على أبيه ولم يجد الأب نقصاً في الإنفاق لكن على الأب دين سابق مثلاً وأراد الابن أن يقضي دين أبيه من زكاته يجوز لأنه لا يجب عليه أن يقضي دين والده فإذا قضاه فإنه لم يوفر ماله فأنت خذ الآية العامة: (إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ) وأي فرد من أفراد العموم يخرج لابد عليه من دليل فآل البيت فيه دليل يخرجهم وهو قوله صلى الله عليه وسلم (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) وهو خارج من العموم. (يوجد سقط صفحتين من المتن). القارئ: فإن كان متفرقاً زكى كل مال حيث هو فإن كان نصاباً من السائمة ففيه وجهان أحدهما: يلزمه في كل بلد من الفرض بقدر ما فيه من المال لئلا تنقل زكاته إلى غير بلده والثاني: يجزئه الإخراج في بعضها لئلا يفضي إلى تشقيص زكاة الحيوان.

الشيخ: وهذه المسألة الأخيرة ينبغي أن يقال: إنها ترجع إلى رأي الساعي القابض للزكاة فإذا رأى أنها تؤخذ من أحد المالين في أحد البلدين فلا بأس وإذا رأى على القول الراجح أن يأخذ القيمة فلا بأس أيضاً فتبقى المسألة غير مشكلة على القول الراجح. القارئ: وإن كان ماله تجارة يسافر بها قال أحمد رضي الله عنه: يزكيه في الموضع الذي أكثر مقامه فيه وعنه: يعطي بعضه في هذا البلد وبعضه في هذا وقال القاضي: يعطي زكاته حيث حال حوله لأن المنع منها يفضي إلى تأخير الزكاة وإن كان ماله في بادية فرق زكاته في أقرب البلاد إليها. الشيخ: قول القاضي جيد أنه يخرجه في المكان الذي تجب عليه الزكاة فيه ما دامت عنده فإذا وجبت عليه الزكاة وهو في المدينة وهو من أهل مكة مثلاً وعنده مال في مكة ومال في المدينة يخرجه في المدينة ولا بأس حتى لا يتضرر بالتأخير ونقل الزكاة. فصل القارئ: إذا احتاج الساعي إلى نقل الصدقة استحب أن يسم الماشية لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمها ولأن الحاجة تدعوا إلى ذلك لتميزها عن (غنم الجزية) والضوال. الشيخ: في نسخة المخطوطة (نعم الجزية). القارئ: ولترد إلى مواضعها إذا شردت ويسم الإبل والبقر في أصول أفخاذها لأنه موضع صلب يَقِلُّ ألم الوسم فيه وهو قليل الشعر فتظهر السمة ويسم الغنم في آذانها فيكتب عليها: (لله) أو زكاة.

الشيخ: الوسم معناه أن الإنسان يحمي حديدة على النار ثم يكوي بها المكان الذي يريد أن يسم فيه وهو وإن كان فيه إيلام لكن فيه حفظ للأموال فدل ذلك على أن إيلام الحيوان من أجل حفظه لا بأس به ومنه ما يفعل بعض الناس الذين يشترون الحمام لابد أن ينتفوا قوادمها من الأجنحة حتى لا تطير لأنها إذا اشتراها الإنسان سوف تطير إلى المكان الذي كانت تألفه من قبل فيقصون القوادم وينتفونها حتى تألف البيت لأنها لا تطير طيراناً فتألف البيت ثم بعد ذلك تخرج وتنبت من جديد لكن لو قصوها ما نبتت بقيت مقصوصة ولا تستطيع الطيران فالمهم أن مثل هذا التعذيب إذا كان للمصلحة فلا بأس به وإذا كان يجوز لنا أن نجرّ السكين على أوداجها ونزهق روحها لمصلحتنا فهذا مثله لكن نتحرى الأسهل فالأسهل ولكن الوسم يكتب عليها لله كيف نكتب عليها لله؟ يعني نضع ميسم مكتوب بشكل (لله) بدون همزة الوصل فإذا وضع على فخذ البعير ظهر (لله) لكن فيها مشكلة (لله) قد تكون من إبل الفيء لأن (لله) تصلح للزكاة والفيء فالذي يخصص ويعين هو كلمة (زكاة) الحروف في كلمة (لله) ثلاثة وفي كلمة (زكاة) أربعة لايوجد فرق بيّن أما الوسم الموجود الآن فالناس لا يَسِمُون بهذا يكون مثلاً لإبل الصدقة وسم معين إما دائرة وإما خطان مترادفان أو متقاطعان أو ما أشبه ذلك المهم أنه ليس على ما قاله الفقهاء رحمهم الله فيما نعلم إلا إذا كان في بعض البلاد وما ندري والمقصود الوسم الذي يعينها ولهذا هو مأخوذ من السمة وهي العلامة. القارئ: وإن وقف من الماشية شيء في الطريق أو خاف هلاكه جاز بيعه لأنه موضع ضرورة وإن باع لغير ذلك فقال القاضي: البيع باطل وعليه الضمان لأنه متصرف (في الإذن) ولم يؤذن له في ذلك. الشيخ: عندي في المخطوط (بالإذن) في نسخة والباء أصح من (في) لأنه حقيقة ما تصرف في الإذن إنما تصرف بالإذن فالباء للسببية.

باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم

القارئ: ويحتمل الجواز لأن قيس بن أبي حازم روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها فقال المصدق: إني ارتجعتها بإبل فسكت) رواه سعيد بن منصور ومعنى الارتجاع أن يبيعها ويشتري بثمنها غيرها. الشيخ: وقد يقال إن هذا لا دليل فيه لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أجاز التصرف فيكون موقوفاً على إجازة ولي الأمر إن أجاز التصرف فلا بأس وإن قال: أنا لا أرضى وأريد أن تضمنها فله ذلك. السائل: ماالضابط في المكان الذي لا تنقل إليه الزكاة؟ الشيخ: مسافة القصر. السائل: إذا كان يمكن الوسم بشيء غير النار؟ الشيخ: إذا وجدنا شيئاً نستغني به عن النار فهو أحسن. باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم القارئ: وهم ثمانية ذكرهم الله تعالى في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). الشيخ: بعد أن ذكر الله الأصناف قال (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) فما موقفنا من هذه الكلمة؟ أن نقول: سمعاً وطاعةً ثم أعقبها بقوله: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فقطع إي حكمة يتفلسف بها أحد من الناس ما فيه فلسفة فالله تعالى قطع فلسفة الناس بقوله: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). القارئ: ولا يجوز صرفها إلى غيرهم من بناء مساجد أو إصلاح طريق أو كفن ميت لأن الله تعالي خصهم بها بقوله (إنما) وهي للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه.

الشيخ: هذا صحيح هذا استلال جيد ولا حجة لمن قال إن قوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يشمل كل أعمال الخير لأن سبيل الله هو الطريق الموصل إليه نقول: هذا خطأ أولاً لأن الله ذكرها في باطن أشياء معينة يعني لو كانت في الآخر لقلنا: تعميم بعد تخصيص أو في الأول لقلنا: تخصيص بعد تعميم أما أن يذكرها في جوف المستحقين ويقول: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) فهذا يدل على أن المراد (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) شيء خاص وهو الجهاد في سبيل الله وأيضاً لو قلنا: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) عام لكل خير لكان ذكر الحصر لغواً لا فائدة منه فالصواب ما ذكره المؤلف رحمه الله وكما قلنا قبل قليل لا عبرة في فلسفة متفلسف بعد قول الله عز وجل: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ثم إن في هذا القول تضييق على الفقراء وتضييق لسُبُل الخير الأخرى لأن كثيراً من الناس قد يغلبه الشح ويقول أبني مسجداً بزكاتي وأستريح فيكون في هذا تضييق لطرق الخير وتضييق على الفقراء لأن بناء المسجد سهل ولكن صرفها إلى الفقراء يحتاج إلى تعب أولاً: البحث عن حال الإنسان هل هو فقير أو غير فقير؟ ثم من يتولى الصرف ومن يتولى الحساب لهذا مع كونه مخالف للآية هو أيضاً فيه ضرر على مستحقيه أعني القول بأن كلمة (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) عامة.

القارئ: ولا يجب تعميمهم بها وعنه: يجب تعميمهم والتسوية بينهم وأن يدفع من كل صنف إلى ثلاثة فصاعدا لأنه أقل الجمع إلا العامل لأن ما يأخذه أجرة فجاز أن يكون واحدا وإن تولى الرجل إخراجها بنفسه سقط العامل وهذا اختيار أبي بكر لأن الله تعالي جعلها لهم بلام التمليك وشرّك بينهم بواو التشريك فكانت بينهم على السواء كأهل الخمس والأول المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) أمر بردها في صنف واحد وقال لقبيصة لما سأله في حمالة: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) وهو صنف واحد وأمر بني بياضة بإعطاء صدقاتهم سلمة بن صخر وهو واحد فتبين بهذا أن مراد الآية بيان مواضع الصرف دون التعميم ولذلك لا يجب تعميم كل صنف ولا التعميم بصدقة واحد إذا أخذها الساعي بخلاف الخمس. الشيخ: والقول الثاني لا شك أنه خطأ وهو القول بوجوب التعميم لأن المراد بالآية ذكر الأجناس ليس ذكر الأشخاص فهو كأنه قال: هذه هي الأجناس وإذا صرفها في جنس واحد فلا بأس ثم السنة واضحة ظاهرة في أنه يجوز الاقتصار على صنف واحد. فصل القارئ: إذا تولى الإمام القسمة بدأ بالساعي فأعطاه عمالته لأنه يأخذ عوضا فكان حقه آكد ممن يأخذ مواساة وللإمام أن يعين أجرة الساعي قبل بعثه من غير شرط لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه ساعيا ولم يجعل له أجرة فلما جاء أعطاه فإن عين له أجرة دفعها إليه وإلا دفع إليه أجرة مثله. الشيخ: وعلى هذا يعطيه ولو غنياً لأنه هنا أعطاه لمصلحة الزكاة لا لنفسه فهو معطى للحاجة إليه لا لحاجته ولهذا يعطى مقدار أجرته ولو كان غنياً. القارئ: ويدفع منها أجرة الحاسب والكاتب والعداد والسائق والراعي والحافظ والحمال والكيال ونحو ذلك لأنه من مؤنتها فقدم على غيره.

الشيخ: هذا ما لم يكن هناك شيء من بيت المال يعطى العامل ويعطى هؤلاء الذين يعملون لمصلحة الزكاة فإن كان هناك شيء فإنهم لا يعطون من الزكاة يعني مثلاً لو كان لهم راتب شهري أو راتب عمل مقدر بالعمل من قبل الدولة من بيت المال فإنهم لا يعطون زكاة لئلا يضيقوا على أهلها أما إذا لم يكن لهم راتب شهري أو عملي فإنهم يعطون من الزكاة بقدر أجرتهم كما قال المؤلف. السائل: ما هو أقل من يدفع لهم من الزكاة على القول الثاني؟ الشيخ: في التعميم مثلاً الأصناف ثمانية كل صنف لابد أن يكون منه ثلاثة ويكون ثلاثة في ثمانية بأربعة وعشرين فإذا كانت زكاتك أربعة وعشرين ريال فاعطِ الفقير واحد والمسكين واحد والعاملين عليها واحد والمؤلفة قلوبهم واحد والغارمين واحد وفي سبيل الله واحد وابن السبيل واحد وهذا لا شك أنه غير صحيح أولاً: لأن السنة متظافرة في ذلك والثاني: في هذا مشقة عظيمة على الناس. السائل: هل للإمام أن يعطي العامل بالنسبة لما يجبي؟ الشيخ: إذا كان هذا أجرة مثل لا بأس فللإمام أن يقول للساعي: لك عشرة في المائة أو خمسة في المائة بشرط أن يكون هذا أجرة مثله. السائل: لو كان العامل يقوم بعملين كحاسب وسائق؟ الشيخ: يعطى على قدر عمله ما في مانع بشرط أن لا يخل بالعمل الآخر لو كان حاسباً وأخل بمسألة القبض والحفظ وما أشبه ذلك فلا يجوز. السائل: أحدهم عرض شقة للبيع فهل عليه زكاتها؟ الشيخ: الشقة التي يعرضها للبيع ما فيها زكاة يعني الإنسان ساكن في شقة وطابت نفسه منها. السائل: وإذا كان مشتريها للتجارة؟ الشيخ: إذا كان شراؤه لها للتجارة لازم من الزكاة. السائل: وإذا لم يكن عنده مال يعطيه الفقراء زكاة للشقة فماذا يفعل؟ الشيخ: ينتظر حتى يبيعها يقدر القيمة الآن ويقيدها وإذا باعها أخرجها. القارئ: والفقراء والمساكين صنفان وكلاهما يأخذ لحاجته إلى مؤنة نفسه والفقراء أشد حاجة لأن الله تعالى بدأ بهم والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم.

الشيخ: حقيقة المؤلف رحمه الله أحياناً يقول: لأن الله بدأ بها والصواب أن يقال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبدأ بما بدأ الله به) هذه رواية مسلم رواية النسائي (ابدأوا بما بدأ الله به) أحسن من قول المؤلف إن العرب تقول كذا لأن لدينا حقيقة شرعية غير اللغوية والحقيقة الشرعية مقدمة. القارئ: ولأن الله تعالي قال: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وقال (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) رواه الترمذي. الشيخ: الله المستعان هذا ضعيف بل أقرب شيء أنه موضوع لأن الحقيقة أن المساكين يحشرون في زمرته كيف هو يحشر هو في زمرتهم وعلى كل حال هو حديث موضوع لا عبرة به إنما التعليل أن يقال أن الله بدأ بهم فنبدأ بهم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (أبدأ بما بدأ الله به) ثانياً: أن الاشتقاق يدل على ذلك فالفقر معناه الخلو ومنه القفر المكان الخالي وهذا موافقة في الاشتقاق الأصغر وأما المساكين فهو من قولهم: أسكنتهم الفاقة والسكون لا يدل على الخلو فالإنسان ربما يسكن إذا كان متوسط الحال عند رجل غني فلذلك كانت مادة الفقر ومادة المسكنة تدل على أن الفقير أشد حاجة. القارئ: فدل على أن الفقراء أشد فالفقير من ليس له ما يقع موقعاً من كفايته من مكسب ولا غيره والمسكين الذي له ذلك فيعطى كل واحد منه ما تتم به كفايته.

الشيخ: الفقير والمسكين تبين لنا الآن أن بينهما فرقاً لكن إذا ذكر أحدهما وحده صار لا فرق بينهما فقوله تعالى: (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) (المائدة: من الآية89) يشمل الفقراء وقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) (الحشر: من الآية8) يشمل المساكين فالفقير والمسكين كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا وإن افترقتا اجتمعتا ولها نظائر ليس هذا موضع ذكرها بقي أن يقال ماذا يعطى المسكين والفقير؟ يعطى ما يكفيهما والكفاية إذا عرفنا أن هذا الفقير مثلاً له راتب وراتبه ألفا ريال لكنه ينفق ثلاثة آلاف ريال هل عنده كفاية؟ لا ما عنده كفاية نعطيه ما يكفي نعطيه في السنة اثني عشر ألفاً وعلى هذا فقس وكذلك لو كان له صنعة لكن لا تكفيه نعطيه ما يكفيه هو وعائلته وإذا أعطيناه أعني الفقير والمسكين ثم أغناهما الله عز وجل بإرث أو كسب فهل نسترجع ما أعطيناهما؟ لا لأنهما ملكاه ملكاً تاماً. القارئ: وإذا ادعى الفقر من لم يعرف بغنى قبل قوله بغير يمين لأن الأصل عدم المال وإن ادعاه من عرف غناه لم يقبل إلا ببينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش) رواه مسلم.

الشيخ: هذه البينة لابد فيها من ثلاثة يشهدون بأن فلاناً الذي كان غنياً أصابته فاقة فلو شهد اثنان لم يقبل والحكمة والله أعلم أن هذه الشهادة تتضمن شيئين استحقاق هذا الرجل ومضايقة الآخرين فاحتيج إلى اثنين بالنسبة إلى استحقاقه وإلى واحد بالنسبة إلى مضايقة الآخرين لأن هذا الرجل الذي قدرنا أن نعطيه عشرة آلاف سيحرم بقية الفقراء من هذه العشرة فلذلك صار لابد من ثلاثة والله أعلم بحكمة شرعه لكن هذا الذي يظهر لنا وعلى كل حال هذه البينة لابد فيها من ثلاثة رجال ما يقبل فيها النساء ومثلها أيضاً لابد من أربعة رجال الشهادة على الزنا أما بقية الأموال فيكفي فيها رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين مدعي. وقوله (من ذوي الحجى) الحجى العقل يعني الذين عندهم عقل وإدراك ليس ذوي العواطف الذي يعطف على هذا لأنه ابن أخيه أو لأنه عمه أو ما أشبه ذلك بل رجل عاقل لا يشهد لأحد إلا وهو يستحق. القارئ: وإن رآه جلداً وذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين لما روى عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أتيا رسول الله وهو يقسم الصدقة فسألاه شيئا فصّعد بصره فيهما وصوابه. الشيخ: صعد يعني رفع وصوبه نزل. القارئ: وقال لهما: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) رواه أبو داود. الشيخ: وهذا طبعاً إذا وثق منهما أما إذا لم يثق منهما ورأى عليهما علامة الكذب فإنه لا يلزمه أن يأخذ بقولهما لأنه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قال للرجل: (لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) أيظن أحد من الناس أنهم سوف يقولون ليسوا أغنياء هذا بعيد من الصحابة لكن في وقتنا الحاضر قد يؤول ويقول: لا حظ فيها لغني ويريد أن يكون غنياً له ملايين الدراهم لهذا لابد من القرائن. القارئ: وإن ادعى أن له عيالا فقال القاضي وأبو الخطاب: يقلد في ذلك (كما قلد) في حاجة نفسه. الشيخ: عندي (كما يقلد) نسخة.

القارئ: وقال ابن عقيل: لا يقبل إلا ببينه لأن الأصل عدم العيال فلا تتعذر إقامة البينة عليهم. الشيخ: قول ابن عقيل جيد يعني لو قال أنا بنفسي ما عليّ قاصر لكن عندي عشرة أبناء فهذا لابد من البينة إلا إذا كان يتعذر إقامة البينة لكونه رجلاً غريباً لا نعلم عنه فهذا نصدقه لكن إذا كان في البلد وقال عندي عشرة أبناء أو عشرون ولداً نقول لابد من البينة. القارئ: وإن كان لرجل دار يسكنها أو دابة يحتاج إلى ركوبها أو خادم يحتاج إلى خدمته أو بضاعة يتجر بها أو ضيعة يستغلها أو سائمة يقتنيها ولا تقوم بكفايته فله أخذ ما تتم به الكفاية ولا يلزمه بيع شيء من ذلك قل أو كثر.

الشيخ: (إذا كان لرجل دار يسكنها) تساوي مثلاً مائتي ألف هو ليس عنده شيء من المال وله الدار التي يسكنها هل نقول بعها واشترِ داراً بمائة ألف واستغن بالمائة الأخرى؟ لا، لأن الإنسان قد تتغير حاله وحياته إذا اختلف منزله الذي كان يألفه كذلك (دابة يحتاج إلى ركوبها) عنده دابة يستطيع لو باعها أن ينفق على نفسه من ثمنها كالسيارة مثلاً هل نقول بع السيارة واستغن بها عن الزكاة؟ لا لا يبيعها وكذلك إذا كان له (خادم يحتاج إلى خدمته) إنسان مثلاً مريض وليس له من يخدمه فاستأجر خادماً محتاجاً إليه وقال: أنا بنفسي ما عليّ قاصر لكن الخادم يحتاج إلى نفقة فإننا نعطيه أو (بضاعة يتجر بها) عنده مثلاً بضاعة تساوى مائة ألف يتجر بها هذه البضاعة تدر عليه بالكسب كل شهر أقل من كفايته يعطى من الزكاة ولا نقول له استهلك هذه البضاعة وإذا انتهت يرزقك الله لا يلزمه لأن الرجل يقول: عليّ ضرر بهذا أنا أتجر بهذه البضاعة ومع أنها تساوي المائة ألف وتكفيني ثلاث سنوات لكن درها الذي يأتيني منها ما يكفيني فلا يلزمه أن يبيعها كذلك (ضيعة يستغلها) ضيعة يعنى بستان يستغله يساوي مالاً كثيراً لكنه يستغله لينفق على أهله ومغله لا يكفي لنفقته يعطى من الزكاة ولا نقول بع هذه الضيعة وكذلك لو كان عنده دار (عمارة) يؤجرها تساوي مالاً كثيراً لكن غلتها ما تكفي له ولعيالها لا نلزمه بالبيع وكذلك أيضاً نقول: (سائمة يقتنيها) رجل عنده أربعون شاة يقتنيها لدرها ونسلها يبيع اللبن ويبيع أولادها إذا جاءوا ويأكل هو وعياله من نتاجها لا نقول بعها أو بع بعضها واستغن به عن الزكاة لأن هذا يضره كل هذا فيه والحمد لله سعة للناس إذا أخذنا بهذا القول والظاهر أنه قول صواب إن شاء الله. القارئ: الصنف الرابع: المؤلفة وهم السادة المطاعون في عشائرهم وهم ضربان: كفار ومسلمون فالكفار من يرجى إسلامهم أو يخاف شرهم.

الشيخ: عندنا في المخطوط بالإفراد (من يرجى إسلامه أو يخاف شره) مراعاة للفظ (من) وعلى الجمع مراعاة لمعناه فهي من حيث اللغة جائز هذا وهذا. القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيباً له في الإسلام. الشيخ: أولاً: المؤلفة قلوبهم المؤلف عرف ذلك بأنهم (السادة) جمع سيد (المطاعون) في عشائرهم وبناء على ذلك لو أننا أعطينا واحداً من الناس من الكفار تأليفاً لقلبه على الإسلام فظاهر كلام المؤلف أن ذلك لا يجزيء لأنه لابد أن يكونوا سادة وأن يكون لهم طاعة في عشائرهم والفرق واضح لأنهم إذا كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فإن إسلامهم يحصل به إسلام عشائرهم غالباً وهذه مصلحة كبيرة لا تحصل فيما إذا أعطينا فرداً لنتألفه على الإسلام لكن قد يقال إذا كنا نعطي الفقير من الزكاة لإنقاذه من موت البدن فإعطاؤنا إياه لإنقاذه من موت القلب من باب أولى ولاشك أن الإنسان محتاج إلى الإسلام أكثر من حاجته إلى الطعام والشراب فلو أن الآية عُممت وأُخذت بالتعميم وقيل: (المؤلفة قلوبهم) كل من يؤلف قلبه على الإسلام من سادة أو غير سادة لكان هذا أولى ثم الاستدلال بإعطاء هؤلاء من الغنائم قد ينازع فيه فيقال: الإعطاء من الغنائم أوسع من الإعطاء من الزكاة ولا يصح أن نستدل بالأعم على الأخص لأنه لابد أن يكون الدليل أعم من المدلول وعلى كل حال فنحن لا نحتاج إلى قضية صفوان لأن لدينا آية من كتاب الله لا نحتاج إلى هذا ونقول الدليل على إعطاء المؤلفة قوله تعالى: (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) يبقى النظر هل يختص في السادة المطاعين أو هو عام؟ الصحيح عندي أنه عام فكل من نرجو إسلامه إذا كان يحتاج إلى بذل شيء من الزكاة فإننا نعطيه إنقاذاً له من موت الدين.

القارئ: والمسلمون أربعة أضرب منهم من له شرف يرجى بإعطائه إسلام نظيره فإن أبا بكر الصديق أعطى عدي بن حاتم ثلاثين فريضة من الصدقة وأعطى الزبرقان بن بدر مع ثباتهما وحسن نياتهما. الشيخ: هذا صحيح يعني يقول: سيد مطاع في عشيرته مسلماً حسن الإسلام نعطيه لأجل أن يسلم نظيره وهذا يقع كثيراً ولنفرض أن مثلاً قبيلة صغيرة أسلم سيدها وحولها قبيلة صغيرة أيضاً لم يسلم فأعطينا سيد القبيلة المسلمة ثم إن سيد القبيلة الأخرى لما نظر إلى أن هذا السيد أُعطي هذا المال أسلم هذا أيضاً يحصل به الخير وهذا تأليف للغير فيجوز. القارئ: الثاني: ضرب نيتهم ضعيفة في الإسلام فيعطون لتقوى نيتهم فيه فإن أنساً قال حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن: طفق رسول لله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل وقال: (إني أعطي رجالاً حدثاء عهد بكفر أتألفهم) متفق عليه. الشيخ: هذا ليس كالأول هذا لتقوية إيمانه أما الأول فهو الكافر لدخوله في الإسلام والثاني لتقوية إيمانه. القارئ: الثالث: قوم إذا اعطوا قاتلوا ودفعوا عن المسلمين. الشيخ: وإذا لم يعطوا لم يقاتلوا ولم يدافعوا هذا أيضاً من التأليف. القارئ: الرابع: قوم إذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف فكل هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة لأنهم داخلون في اسم المؤلفة وقد سمى الله تعالى لهم سهما وروى حنبل عن أحمد رضي الله عنه أن حكمهم انقطع لأن عمر وعثمان رضي الله عنهما لم يعطياهم شيئا والمذهب: الأول فإن سهمهم ثبت بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ولا يثبت النسخ بالاحتمال وترك عمر وعثمان عطيتهم إنما كان لغناهم عنهم والمؤلفة إنما يعطون للحاجة إليهم فإن استغني عنهم فلا شيء لهم.

الشيخ: هذا التعليل الذي ذكره صحيح يعني أن عمر وعثمان لم يعطيا المؤلفة ليس لأنه نسخ الحكم إذ أنه لا نسخ بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن لأن الحاجة إليهم زالت وهم إنما يعطون للحاجة ومن المهم قوله في القسم الأول: كفاراً أعطوا لدفع شرهم يعنى ما نرجو إسلامهم لكن نخشى من شرهم فنعطيهم دفعاً لشرهم وهذا قد يحتاج الناس إليه في الوقت الحاضر يكون المسلمون ليس عندهم قدر في قتال هؤلاء الكفار ويخشون من شرهم فيعطون لدفع الشر ولكن بشرط أن نعرف أن هذا العطاء يوجب دفع الشر أما أن نعطيهم ونحن لا نأمن أن يمكروا بنا وأن يأخذوا ما نعطيهم ليقاتلونا به فهذا لا نعطيهم لكن إذا عرفنا من حالهم ومجريات أعمالهم أنهم إذا أعطوا شيئاً فإنهم يكفون شرهم عنا فلا بأس أن نعطيهم لكف الشر. السائل: الإعطاء للمؤلفة قلوبهم هل يكون من الغنائم قبل التوزيع أم بعده فالنبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أعطى المؤلفة قلوبهم ولم يعط أصحابه. الشيخ: فتح مكة ما فيه غنائم الغنائم في ثقيف بعد أن فتح مكة واستقر الأمر فيها خرج إلى أهل الطائف فهذه الغنائم غنائم أهل الطائف. السائل: هل يدخل في المؤلفة قلوبهم العصاة الذين يرجى رجوعهم عن المعصية؟ الشيخ: العصاة الذين يرجى رجوعهم عن المعصية وهم من المسلمين هؤلاء يقام عليهم الحد إن كانت معصيتهم لها حد أو التعزير إن كانت معصيتهم ليس لها حد. القارئ: الصنف الخامس: الرقاب وهم المكاتبون يعطون ما يؤدونه في كتابتهم ولا يقبل قوله: إنه مكاتب إلا ببينة لأن الأصل عدمها فإن صدَّقه (المولى) ففيه وجهان. الشيخ: عندي في المخطوط (سيده) نسخة وهو أصح لأنه ما صار مولى له بعد. القارئ: فإن صدقه سيده ففيه وجهان أحدهما: يقبل لأن السيد أقر على نفسه والثاني: لا يقبل لأنه متهم في أن يواطئه ليأخذ الزكاة بسببه.

الشيخ: هذا صحيح فالاحتمال الثاني وارد ولو كان ذلك شهادة لقلنا إنه يجر إلى نفسه نفعاً لكن هو يجر إلى نفسه نفعاً من وجه وضرراً من وجه آخر لأن هذا المكاتب سوف يخرج من ملكه وحينئذٍ نقول إذا قال العبد: إنه مكاتب وصدقه السيد نعطي السيد مال الكتابة ثم نقول للعبد اذهب أنت الآن حر فنسد على السيد باب حيلته. القارئ: وللسيد دفع زكاته إلى مكاتبه لأنه معه في باب المعاملة كالأجنبي ويجوز أن يردها المكاتب إليه لأنه يأخذها وفاءاً عن دينه فأشبه الغريم. الشيخ: هذا كاتب عبده على خمسة آلاف نصفها بعد ستة أشهر والنصف الثاني بعد ستة أشهر فأعطى زكاته لهذا العبد والعبد ردها عليه وفاءاً نقول هذا جائز ولا بأس كالغريم يعني كما لو كان لإنسان غريم فقير فأعطاه الطالب الذي هو الدائن أعطاه دراهم فأوفاه بها فلا بأس إذا لم يكن هناك مواطأة فإن كان هناك مواطأة فلا يجوز. القارئ: ولا يزاد المكاتب على ما يوفي كتابته. الشيخ: أنا عندي في المخطوط (على ما يؤدي في كتابته) نسخة. القارئ: ويجوز أن يدفع إليه قبل حلول النجم لئلا يحل وهو معسر فتنفسخ كتابتها. الشيخ: وهل مثل ذلك المدين؟ يعنى إنسان مدين عليه دين يحل بعد ستة أشهر هل يجوز أن يوفى دينه قبل أن يحل؟ فيه التفصيل إذا كان هذا المدين نعلم أنه لا يستطيع الوفاء إذا حل الدين نوفي عنه ولا حرج وأما إذا علمنا أنه يستطيع بأن يكون صاحب راتب جيد وأنه عند حلول أجل الدين سيوفي فهذا لا نعطيه لأنه ليس بحاجة إلى إلى الوفاء. القارئ: وهل يجوز الإعتاق من الزكاة؟ فيه روايتان إحداهما: يجوز لأنه من الرقاب فيدخل في الآية فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها وأن يشتريها كلها من زكاته ويعتقها ولا يجوز أن يشتري ذا رحمه المحرم عليه فإن فعل عتق عليه ولم تسقط الزكاة لأن عتقه حصل بسبب غير الإعتاق من الزكاة.

الشيخ: معناه لا يجوز أن يشتري عمه من زكاته لأنه يعتق بدون إعتاق هكذا علل المؤلف والصواب أنه يجوز لأنه إذا كان دفع الزكاة إلى القريب الذي من أهلها أفضل فكذلك إعتاق القريب يكون أفضل وأما قوله: بأنه حصل بغير إعتاق نقول: فيه نظر بل هذا حصل بإعتاقه لأنه اشترى هذا الرحم المحرم ولو أنه ما اشتراه لم يعتق فالصواب أنه يجوز أن يشتري ذا رحم محرم منه من الزكاة ويعتق عليه بمجرد الشراء فمن هو ذا الرحم المحرم؟ هو من يحرم عليه بنسب لو قدر أنه امرأة هذا هو ذو الرحم المحرم مثل العم، الخال، الأخ، ابن الأخ، ابن الأخت، وأما ابن العم فلا رحم بينهما ولو قدر أنه امرأة لجاز أن يتزوجها وأبو الزوجة ليس ذا رحم إنما هو صهر فذو الرحم هو الذي يحرم بينهما التناكح من أجل النسب يعنى الرحم. القارئ: ويجوز أن يفك منها أسيرا مسلماً لأنه فك رقبة من الأسر والرواية الثانية: لا يجوز الإعتاق منها لأن الآية تقتضي الدفع إلى الرقاب لقوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يريد الدفع إلى المجاهدين والعبد لا يدفع إليه. الشيخ: يقول يجوز أن ينفك منها أسير مسلم هذا صحيح لأنه داخل في الرقاب وهذا ما يعرف في لغة العصر بالرهائن يكون رهائن من المسلمين عند الأعداء ويقول الأعداء: لا نفكهم لكم إلا بشيء من المال فيعطون من الزكاة لفك هذه الرهائن فلا بأس وأما قوله: الرواية الثانية: أنه لا يجوز الإعتاق منها لأن الآية تقتضي الدفع إلى الرقاب لقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) لو قال كقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) لأن قوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) ليس تعليلاً للرقاب لكن الأقرب كقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) فيقال أيهما أولى أن نعطي مكاتباً من الزكاة يستعين بها على الكتابة أو أن نشتري عبداً من الزكاة أيهما أقرب إلى الدخول في قوله (وَفِي الرِّقَابِ) الثاني لاشك أنه أقرب.

ثانياً: قوله رحمه الله إن قوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يريد الدفع إلى المجاهدين المقيس عليه الذي جعله أصلاً فيه نظر لأن الآية الكريمة إذا تلوتها عرفت أنها قسمت المستحقين إلى قسمين قسم لابد من تمليكه وقسم لا يشترط تمليكه: (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) هؤلاء يُملّكون لأنه قال: (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) القسم الثاني: (وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فقال: (وَفِي الرِّقَابِ) وهذا يدل على أن المقصود أن تصرف في الرقاب بدون أن يملكها المعطى ولهذا نقول: لو أنه أوفى دين المكاتب دون أن يعطيه لأجزأ لأنه لا يشترط التمليك كذلك أيضاً نقول في سبيل الله القول بأنه يعطى منها المجاهد فقط ضعيف والصواب أنه يعطى المجاهد وتشترى منها الأسلحة وتشترى من الزكاة الأسلحة وإن لم يملِّكها للمقاتل فقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) تشمل شيئين الأول: أن نملك المجاهد ونقول: خذ هذه مثلاً ألف ريال جاهد بها والثاني: أن نشتري أسلحة ونعطيها للمجاهدين كل ذلك جائز وكل ذلك داخل في قوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) لأنه جاء التعبير القرآني بغير اللام الدالة على التمليك بل جاء بفي الدالة على الظرفية وكما أنه يجوز للإنسان إذا علم أن فلاناً عليه دين ولا يستطيع وفاءه أن يذهب إلى الدائن ويقول يا فلان أنت تطلب زيداً مائة ريال هذه مائة ريال وإن كان زيدٌ لم يعلم بذلك لأنها داخلة في قوله: (وَالْغَارِمِينَ) وعلى هذا فنقول الآية تدل على أنه يجوز أن يُشترى للمجاهدين سلاح يقاتلون به وأن تقضى الديون عن المدينين وإن لم يعلموا بذلك وأن يُشترى العبد من الزكاة ويعتق وإن لم يعلم بذلك لكن لابد أن يعلم بالعتق كي يتحرر.

القارئ: الصنف السادس: الغارمون وهم ضربان ضرب غرم لإصلاح ذات البين وهو من يحمل دية أو مالاً لتسكين فتنة أو إصلاح بين طائفيتين فيدفع إليه من الصدقة ما يؤدي حمالته وإن كان غنيا لما روى قبيصة بن مخارق قال تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ثم قال: يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك) رواه مسلم ولأنه يأخذ لمصلحة المسلمين فجاز له الأخذ مع الغنى كالغازي. الشيخ: الغارمون ذكرهم الله في الآية بفي وذكر العلماء أنهم ضربان الأول: من غرم لمصلحة الغير والثاني: من غرم لمصلحة نفسه فأما من غرم لمصلحة الغير فلابد أن يكون غرمه لأمر مهم جداً كأن يجد قبيلتين بينهما فتنة إما بدية قتيل بينهما أو بغير ذلك فأراد أن يصلح بين هاتين القبيلتين بمال تحمله هو فهذا لاشك أنه أتى معروفاً كبيراً ومصلحة عظيمة فكان من محاسن الإسلام أن يعان على الأمر وأن يساعد عليه وأن يشكر له هذا الفعل فيعطى من الزكاة بقدر ما تحمل أما إذا كانت المسألة فردية فإنه لا يعطى إذا كان غنياً كإنسان تحمل حمالة عن شخص أمسكه غريمه وقال أعطيني حقي وإلا حبستك الآن فجاء رجل محسن وقال حقك علي أنا أتحمل الحق هذا لاشك تحمل حمالة لمصلحة غيره لكنه ليس كالأول هذا لا نعطيه من الزكاة إلا إذا كان فقيراً إذا كان فقيراً تحل له الزكاة أعطيناه لأنه صار من الغارمين لأنفسهم وأما إذا كان غنياً فلا يعطى والفرق بينهما واضح ظاهر إذاً هذا الغارم لإصلاح الغير ولمصلحة الغير بشرط أن تكون مصلحة لها أهميتها.

القارئ: الضرب الثاني من غرم لمصلحة نفسه في مباح فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه ولا يعطى مع الغني لأنه يأخذ لحاجة نفسه فلم يدفع إليه مع الغنى كالفقير وإن غرم في معصية لم يدفع إليه قبل التوبة لأنه لا يؤمن أن يستعين بها في المعصية وفي إعطائه بعد التوبة وجهان أحدهما: يعطى لأنه يأخذ لتفريغ ذمته لا لمعصية فجاز كإعطائه لفقره والثاني: لا يعطى لأنه لا يؤمن عوده إلى المعصية. الشيخ: الغارم لنفسه لا يعطى إلا إذا كان فقيراً لا يستطيع الوفاء واشترط المؤلف رحمه الله أن يكون غرمه في غير معصية فيشمل ما إذا كان غرمه في واجب أو كان غرمه في مستحب أو كان غرمه في مباح من كان غرمه في واجب كرجل أدى فريضة الحج وهي غير واجبة عليه لكنها هي الفريضة رجل استلف لقضاء نذر عليه هذا غرم في واجب. الثاني: غرم في مستحب كرجل استدان من شخصٍ مالاً ليؤدي العمرة وليست واجبة عليه هذا غرم في مستحب. الثالث الغرم في مباح كرجل استدان شيئاً واشترى حاجة هو في غنى عنها وليست واجبة ولا مستحبة لكنه يريد أن يكون كزملائه مثلا هذا مباح ومن ذلك أن يشتري له بيتاً يعني عنده ما يستأجر به لكن قدر أن الرجل اشترى بيتاً فصار عليه غرم فنعطيه ونقضي دينه وهذا من قسم المباح. والرابع: في مكروه فظاهر كلام المؤلف أنه يعطى إذا غرم في مكروه لأنه ليس بمعصية.

الخامس: إذا غرم في معصية فإنه لا يعطى إلا إذا تاب وعلمنا توبته وأنه صادق فنقضي عنه مثال ذلك رجل ابتلي بشرب الخمر والعياذ بالله واشترى خموراً كثيرة يشربها وغرم بذلك أموالاً كثيرة فهنا هو غارم في الواقع لا شك في هذا فهل نعطيه ونقضي دينه نفك أسره أو لا؟ نقول نعطيه إذا تاب نقول أنت الآن غارم وفي ذمتك مال كثير ونحن مستعدون أن نقضي هذا الدين من الزكاة لكن بشرط أن تتوب فتاب إلى الله فنعطيه أولاً: لأن الرجل حسن منهجه وثانياً: تشجيعاً له على الاستمرار في ترك المعصية أما إذا لم يتب فإننا لا نعطيه مثاله رجل مبتلى بشرب الدخان وأكثر الديون التي عليه بل كل الديون عليه لشرب الدخان جاء وقال: إنه فقير ما عنده ما يوفي قوائم الدين اشترى حرام وقال اقضوا عني لا نقضي عنه إلا أن يتوب وهل بمجرد أن يقول أتوب إلى الله نقضي عنه؟ لا خصوصاً المبتلين بهذه الأشياء التي تلزمهم ويصعب الإنفكاك منها هؤلاء لا نقبل منهم مجرد أن يقولوا تبنا حتى ننتظر وعلمنا أنه صادق فإن القول الراجح أن نقضي دينه وفيه وجه أنه لا يقضى دينه لأنه يحتمل أن يرجع لكن نقول هذا الرجل رجع بعد أن تطهر من ذنوبه ولسنا ملزمين بأن يعصم الناس في المستقبل حتى الذي غرم في مباح يمكن في يوم من الأيام أن يستدين في شيء محرم إذاً يقضى الدين عن المدين إذا كان عاجزاً عنه بشرط أن يكون غارماً في غير معصية فإن غرم في معصية طالبناه أولاً بأن يتوب منها وإذا قدرنا أن هذا الرجل الغارم فقير يعني لا يستطيع أن يجد ما ينفقه على نفسه من طعام وشراب وكسوة وهو يشرب الدخان مثلاً هل نعطيه؟ في هذا تفصيل إن قال: أصرّف ما تعطونني في حاجة مباحة فهذا نعطيه وأما أن نعطيه ونطلق فالمبتلى بشرب الدخان وشبهه أول ما يصرف الدراهم في الدخان ما نعينه.

فإذا كان الرجل غير مستقيم وأنت تعرف أن المستحق غارم أو فقير لكن قلت له: اذهب فتب إلى الله وإذا تبت فأت ونساعدك هل هذا جائز؟ يعني بأن لا نعطيه مما يستحق إلا إذا حملناه على التوبة ربما نقول هذا جائز وربما ليس بجائز نقول ليس بجائز لأن الرجل مستحق (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) هو الآن استحق أن يعطى من الزكاة وكونه مثلاً حالقاً لحيته أو مسبلاً ثوبه أو كثير الغيبة والنميمة هذا إليه ما علينا منه وقد نقول: إنه جائز من باب الإصلاح والتربية إذا علمنا أنه إذا قلنا له هذا الكلام استقام وصار هذا عوناً على ترك المعصية فقد يكون هذا له وجه ولكني أخشى أنك إذا قلت هذا: ذهب ولم يرجع ولأنه مبتلى خصوصاً المبتلى مثلاً بإسبال الثوب أو بالغيبة يعني بعض الناس نسأل الله العافية مبتلى بالغيبة لا يمكن أن يجلس في مجلس إلا وهو يغتاب الناس يقل جداً أن يقلع منها فهذا ربما نقول: أعطه إذا كنت تيئس أو يغلب على ظنك أنه لن يستقيم فهنا أعطه لأنه محق وهو لن يستعين بها على المعصية أما إذا كنت ترجو فلا بأس أن تقول: يا فلان والله أنت مستحق لكن أعينك على نفسك أن تذهب وتتوب إلى الله عز وجل مما صنعت وأن تقلع عنه وعلى العين والرأس هذا طيب. القارئ: ولا يقبل قوله: إنه غارم إلا ببينه فإن صدقه الغريم فعلى وجهين.

الشيخ: يقول المؤلف: لايقبل قوله: إنه غارم إلا ببينه لأن الغرم لا تتعذر إقامة البينة عليه ولكن الصواب أن من لم يعرف بغنى فإنه يقبل قوله لأنه قد يتعذر إقامة البينة في المكان الذي هو فيه الآن فإن قال قائل: هل الوثائق بينه ولا سيما إذا كانت صورة وثيقة؟ نقول: من نظر إلى حال الناس اليوم قد يتوقف ويقول: ليس ببينة لأن كثيراً من الناس تكتب له الوثيقة في الديون ويحتفظ بها ويوفي كثيراً منه أو أكثره ثم يأتي بوثيقة يستجدي بها الناس فهذا يوجب الإنسان التوقف لكن المؤلف رحمه لله إذا أردنا أن نأخذ بكلامه نقول أى واحد يقول: إنه غارم لابد أن يقيم بينه إن صدقه الغريم هل يقبل أو لا؟ يقول المؤلف: فيه وجهان أى قولان للعلماء قول: إنه يقبل وقول ثان إنه لا يقبل لأن الغريم متهم وسبق نظير هذه فالغريم يتهم يمكن أن يتفق اثنان ويقول أحدهما: ادع أني أطلبك وأنا غريمك وأنا سأصدقك والذي تحصله يكون بيننا يمكن لاسيما في البلاد الفقيرة والذين يتحايلون على الأموال بكل شيء لكن كما قلنا: إذا غالب على ظنك صدق المدعي قُبل بلا بينة ولا حاجة لتصديق الغريم. القارئ: ويجوز للرجل دفع زكاته إلى غريمه وأخذها منه لما ذكرنا في المكاتب.

الشيخ: لكن بشرط أن لا يتواطآ على ذلك يعنى مثلاً يجوز للرجل أن يدفع الزكاة إلى غريمه ولاسيما إذا كان له غرماء آخرون فإذا أعادها عليه فلا بأس مثال ذلك أنا أطلب رجلاً عشرة آلاف ريال وعندي زكاة عشرة آلاف ريال فأعطيته إياها والرجل حريص على إبراء ذمته وهو لم يذهب ليشتري بها أشياء غير لازمه فأعطاني إياها يجوز لأنني أنا ما قلت له خذ زكاتي وردها علي لاسيما إذا كان له غرماء آخرون مثل أنا أطلبه عشرة آلاف ريال وفلان يطلبه عشرة والثالث يطلبه عشرة فجواز هذه واضح ولا إشكال فيها لكن الذي فيه توقف وتردد إذا كنت أعرف أن الرجل حريص على إبراء ذمته وأنه لا يطلبه أحد إلا أنا ثم أعطيته بقدر دينه عليه فهذه قد يتردد المرء في هذا لأنني أعرف أن هذا الرجل سوف يردها لي فإن قال قائل: إذا كنت تخشى من ذلك فأبرئه من الدين وانوه من الزكاة قلنا: هذا لا يجوز وهذا هو الذي جعلنا نتردد في إعطائه الدين الذي يطلبه صاحب الزكاة لأنه يكون كأنه حيلة على الإبراء. السائل: بارك الله فيك إذا اقترض الرجل من بنك ربوي قرضاً وظن أنه يقدر على الوفاء لكنه عجز وجاء وقال: أنا الآن تبت وندمت وأعلم سوء البنوك وأريد قضاء هذا الدين ويريد أن يوفى عنه الدين؟ الشيخ: هنا لاشك أننا إذا علمنا أن الرجل تاب لأن كثيراً من الناس لا يعرفون أن البنوك حرام لاسيما في بلاد لا تنتشر فيها وسائل الدعوة إذا علمنا أنه تاب حقيقة فلا شك في جواز قضاء الدين الذي هو رأس المال مثلاً عشرة آلاف جعلها البنك عليه اثني عشر ألفاً لا بأس أن نقضي عنه العشرة لأنه بحق لكن الزائد هل نقضيه عنه؟ هذا مشكل لأن صاحب البنك سوف يطالبه بها غصباً عليه فهل نعطيه أو نقول والله نحن نعطيك الشيء المباح والشيء الحرام لك أن تقول لصاحب البنك إنه لا حق لك علي إلا رأس مالك. مسألة: لو أن الإنسان ذهب إلى غريم المدين وأعطاه بدون علمه هل يجزيء؟ نعم يجزيء لأن الله قال: (وَالْغَارِمِينَ).

مسألة: لو أن الغارم كان ميتاً وليس له تركه وقُضي دينه من الزكاة يجزيء أو لا؟ لا يجزيء وحكاه ابن عبد البر وأبو عبيد بن سلام إجماعاً وأنه لا يجزيء لكن حقيقة أن فيه وجهاً في مذهب الإمام أحمد: أنه يجزيء والراجح عدم الإجزاء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانت الزكاة عنده وكان الميت يموت ليس له وفاء ولا يوفيه من الزكاة بل يعمد إلى ترك الصلاة عليه ولو انكسرت قلوب أهله ولا يدفع من الزكاة ولو كان دين الميت يجوز دفع الزكاة فيه وأعنى الدين الذي عليه لكان الرسول عليه الصلاة والسلام أرحم الخلق بالخلق يدفع عنه ويصلي عليه ولما فتح الله عليه وكثر المال عنده والمغانم صار يقضي الديون عن الأموات ويصلى عليهم. مسألة: لو أبرأ الإنسان غريمه بنية الزكاة إنسان مثلاً زكاته عشرة آلاف ريال وله غريم ضعيف مدين بعشرة آلاف ريال وقال: يا فلان إني عفوت عنك ونواها من الزكاة لا يجزيء قال شيخ الإسلام رحمه الله: بلا نزاع ووجه ذلك أن الدين بمنزلة الرديء في إخراج الزكاة عن الطيب لأن المال الذي بيدك تتصرف فيه كما شئت تبرعاً وتصرفاً كل شيء والدين ليس كذلك الدين قد يكون صاحبه لا يرجى أن يوفي ولا في المستقبل البعيد فيكون هذا كالتالف وأيضاً لا يمكن للإنسان أن يتصرف فيه كما يتصرف في المال الذي بيده لو أراد أن يبيعه على أحد ما صح ولو أراد أن يجعله أجرة في سكن ما صح فلذلك لا يجزيء إبراء الغريم الفقير من الزكاة بل نقول: أعطه من زكاتك إن شاء أوفاك وإن شاء أعطى غيرك. القارئ: الصنف السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان إذا نشطوا غزوا ويعطون قدر ما يحتاجون إليه لغزوهم من نفقة طريقهم وإقامتهم وثمن السلاح والخيل إن كانوا فرسانا وما يعطون السائس وحمولتهم إن كانوا رجالاً مع الغنى لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين ولا يعطى الراتب في الديوان لأنه يأخذ قدر كفايته من الفيء.

الشيخ: أفادنا المؤلف رحمه الله أنه لا يجوز أن نشتري سلاحاً للمجاهدين من الزكاة لكن نعطي المجاهد نقول اشترِ سلاحاً والصواب: أنه يجوز أن نشتري الأسلحة للمجاهدين في سبيل الله ونعطيهم إياها لكن على سبيل التمليك أم على سبيل العارية وإذا انتهوا ردوها إلى بيت المال؟ الأقرب الأول على سبيل التمليك لأن عموم قوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يشمل هذا ويحتمل أن يقال إذا اشتريت لهم الأسلحة فإنهم إذا انتهوا منها يردونها إلى بيت المال لأننا إذا اشتريناها لهم صارت كأنها وقف والوقف لا يملك إذا كان على وجه عام. القارئ: وفي الحج روايتان إحداهما: هو من سبيل الله فيعطى من الصدقة ما يحج به حجة الإسلام أو يعينه فيها مع الفقر لما روي أن رجلاً جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اركبيها فإن الحج من سبيل الله) والثانية: لا يجوز ذلك لأن سبيل الله إذا أطلق إنما يتناول الغزو ولأنه لا مصلحة للمسلمين في حج الفقير ولا حاجة به إلى إيجاب الحج عليه فلم يدفع إليه كحج النفل.

الشيخ: الصحيح أنه لا يعطى الفقير لحج فرضه من الزكاة لأننا نقول: إن الفقير إذا لم يكن عنده ما يحج به فليس عليه فرض إذ من شرط الوجوب: الاستطاعة وهذا ليس بمستطيع فحج الفقير الذي لا يقدر على الفريضة كحج النافلة تماماً لأنه حتى الآن لم يجب عليك فإن صح الحديث الذي ساقه المؤلف فإنه لا شك أنه لابد من القول به لكن الحديث لا يتبين لي صحته ولكن إن صح فالقول ما دل عليه الحديث وإن لم يصح فإنه لا يعطى الإنسان الفقير لفرض حجه من الزكاة بل يقال له إنه لا فرض عليك احمد الله على العافية وهذه مسألة صورتها إنسان عنده ما يكفيه لنفسه وعائلته مثلاً عنده راتب ثلاثة آلاف وهو ينفق على نفسه وعلى عائلته كل شهر ثلاثة آلاف وليس بحاجة لكنه لم يؤدِ الفريضة على قول من يقول إنه يعطى نعطيه ما يحج بها الفريضة خمسة آلاف أو عشرة آلاف الذي يكفيه وعلى القول الثاني: لا نعطيه وهذا القول هو الصحيح ما لم يصح الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم فإن صح فلا كلام. السائل: هل يلحق بالمجاهدين في سبيل الله طلبة العلم؟

الشيخ: نعم ألحقهم بعض العلماء بالمجاهدين وقالوا: إذا تفرغ إنسان قادر على التكسب لطلب العلم فإننا نعطيه من الزكاة وإن كان قوياً جلداً نعطيه من الزكاة من أجل أن نفرغه لطلب العلم لأن طلب العلم جهاد في سبيل الله إذ أن الدين الإسلامي قام بالعلم والسيف كما قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاس) فقرن إنزال الحديد بإنزال الكتب يدل على أنهما قرينان في ظهور دين الله عز وجل وعلى هذا فنقول: إنه إذا وجد طلبة علم قادرون على التكسب يستطيع الإنسان أن يعمل ويحصل ما تقوم به حياته لكن يريد أن يتفرغ لطلب العلم فهل نعطيه من الزكاة ليتفرغ لطلب العلم؟ الجواب: نعم نعطيه وهل نشتري من الزكاة كتباً للمكتبة التي يرتادها طلبة العلم؟ على القول بأنه يجوز أن نشتري أسلحة للمجاهدين: نعم يجوز أن نشتري كتباً لطلبة العلم أما إذا قلنا إنه لا يجوز أن نشتري بها أسلحة فلا يجوز أن نشتري بها كتباً. القارئ: الصنف الثامن ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به وله اليسار في بلده فيعطى من الصدقة ما يبلغه. الشيخ: سمي ابن سبيل لأنه ملازم للسبيل إلى الآن وهو في طريقه ملازم له فسمي ابن سبيل كما سمي طير الماء ابن الماء دائماً تكون على البحار والماء فيسمونه طير الماء. القارئ: فأما المنشي للسفر من بلده فليس ابن سبيل لأن السبيل الطريق وابنها الملازم لها الكائن فيها والقاطن في بلده ليس بمسافر ولا له حكم السفر فإن كان هذا فقيراً أعطي لفقره وإلا فلا، ومن كان سفره لمعصية فهل يدفع إليه بعد التوبة ما يرجع به؟ على وجهين كما ذكرنا فيمن غرم لمعصية.

الشيخ: لكن هذا يدفع عنه من باب أولى إنسان مثلاً وجدناها في أثناء الطريق قد سافر والعياذ بالله ليتمتع متعة محرمة في بلد ما فلما علمنا أنه يريد هذا نصحناه أن اتق الله هذا حرام ولا يجوز فقال: والله الآن ما معي شيء أرجع به إلى بلدي الآن تبت إلى الله سأرجع لكن ما عندي مال فهل نعطيه من الزكاة؟ نعم نعطيه هذا أولى من مسألة الرجل إذا تاب من المعصية لأنه واضح أنه يريد أن يرجع عن بلد المعصية. السائل: أحسن الله إليك هل يجوز دفع الزكاة لمن أراد الزواج؟ وما حكم من أخذها ظناً منه أنه تجوز له؟ الشيخ: إذا كان محتاجاً للزواج فلا بأس وليس عنده مهر هذه من أعظم الحاجات. فصل القارئ: ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر مما تندفع به حاجته فلا يزاد الفقير والمسكين على ما يغنيهما ولا العامل على أجرته ولا المؤلفة على ما يحصل به التأليف ولا الغارم والمكاتب على ما يقضي دينهما ولا الغازي على ما يحتاج إليه لغزوه ولا ابن السبيل على ما يوصله لبلده لأن الدفع لحاجة فوجب أن يتقيد بها وإن اجتمع في واحد سببان كالغارم الفقير دفع إليه بهما لأن كل واحد منهما سبب للأخذ فوجب أن يثبت حكمه حيث وجد.

الشيخ: ما قاله المؤلف صحيح هؤلاء المستحقون للزكاة لا يدفع إليهم إلا بقدر الحاجة فالفقير مثلاً نعطيه ما يغنيه لكن لم يبين المؤلف رحمه الله حد ما نعطي الفقير وقد بينه الفقهاء وقالوا: يعطى ما يكفيه وعائلته لمدة سنة وخصوها بالسنة لأن الزكاة تجب كل سنة لاسيما إذا كان الناس يعتادون أن يدفعوها في أول محرم كما قال المؤلف فيما مر علينا فيعطى مثلاً ما يكفيه وعائلته إلى سنة ثم نقتصر وقد ذكرت أن أقرب ما يمكن تمثيله في هذه المسألة رجل موظف راتبه ثلاثة آلاف ولكن لا يكفيه وعائلته إلا خمسة آلاف فهنا نعطيه أربعة وعشرين ألفاً أما من كان عنده مال يعني هو غير موظف وليس له مثلاً تجارة يتكسب بها ولا راتب ولا إجارة عقارات فهذا في الحقيقة ما تستطيع أن تقول هذا يكفى لمدة سنة لماذا؟ لأنه قد يعتريه زيادة الأسعار فيكون عنده مثلاً اثناعشر ألفاً وكل شهر له ألف لكن زادت الأسعار وصار يحتاج كل شهر ألفين لهذا نقول: أقرب مثال ما ذكرنا ولا بأس أن نمثل نقول إنسان عنده عشرة آلاف الآن موجودة في صندوقه تكفيه لمدة سنة نقول: هذا ما نعطيه لأن العشرة تكفيه لمدة سنة فإذا قال: ربما يحدث علي مرض أحتاج إلى علاج ربما تزيد السلع قلنا: في هذه الحال إذا جاءت الحاجة أعطيناه وانتهى الإشكال. فصل القارئ: وأربعة يأخذون أخذاً مستقراً لا يرجع عليهم بشيء الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة. وأربعة يأخذون أخذاً مراعاً الرقاب والغارمون والغزاة وابن السبيل إن صرفوه فيما أخذوا له وإلا استرجع منهم.

الشيخ: هؤلاء الأربعة الذين يأخذون أخذاً مستقراً لو أنه زالت حاجتهم في أثناء السنة فإنهم لا يردون ما أخذوا فلو أننا أعطينا فقيراً عشرة آلاف ريال بناء على أنه فقير وعشرة آلاف ريال تكفيه لمدة سنة ثم إن الله أغناه في أثناء السنة وملك عشرات الآلاف هل يرد ما أعطيناه؟ لايردها لأنه ملكها: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وأما الغرم فلو أننا أعطينا هذا الرجل ليقضي دينه فلما ذهب بها إلى الدائن قال الدائن: إني قد أبرأتك هل يردها أو لا؟ نعم يردها لأنه أعطيناه لقضاء الدين وقد أبريء منه ولو أنه أعطيناه لقضاء الدين وقال غريمه: إني إبرأتك لكنه محتاج هو نفس الفقير هل يجوز أن يصرف ما أخذه في فقره؟ لا لأنه أخذه على أنه يقضي به الدين فيجب أن يصرفه في هذا لكن لا بأس أن يقول للذي أعطاه الزكاة: إني قد برئت من الدين ولكني محتاج وفقير حينئذٍ له أن يقول: خذه لك لأنه أحياناً الإنسان يقضي الدين عن الفقير ولا يعطيه للفقير لأن الفقير إذا جاءه المال ولا سيما إن كان كثيراً أفسده لكن إذا قضينا دينه أبرأنا ذمته وصار حراً طليقاً من الديون فكثيراً ما يختار الإنسان قضاء الدين عن دفع الحاجة لأنه يعرف أن الفقير إذا أعطي ولاسيما إذا كان مالاً كثيراً لا يحسن التصرف فيه لكن إذا قضينا دينه انتفع به. القارئ: وإن فضل مع المكاتب شيء بعد أداء كتابته أو مع الغارم بعد قضاء غرمه أو مع الغازي بعد غزوه أو مع ابن السبيل بعد وصوله إلى بلده استرجع منهم فإن استغنوا عن الجميع ردوه وإن عجز المكاتب رجع على سيده بما أخذ لأن الدفع إليهم لمعنى لم يوجد وقال الخرقي إذا عجز المكاتب ورد في الرق وقد كان تصدق عليه بشيء فهو لسيده.

باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه

وأربعة يأخذون مع الغنى الغازي والعامل والغارم للإصلاح والمؤلفة لأنهم يأخذون لحاجتنا إليهم والحاجة توجد مع الغنى وسائرهم لا يعطون إلا مع الفقر لأنهم يأخذون لحاجتهم فيعتبر ذلك فيهم إلا أن ابن السبيل تعتبر حاجته في مكانه وإن كان له مال في بلده لأنه غير مقدور عليه فهو كالمعدوم ولا يستحب إعلام الآخذ أنها زكاة إذا كان ظاهره الاستحقاق لأن فيه كسر قلبه قال أحمد: ولم يبلغه بها يعني: لا يعلمه فإن شك في استحقاقه أعلمه كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم الرجلين الجلدين. الشيخ: هذا صحيح يعني إذا علمت أن الرجل أهل للزكاة لا تخبره لا تقل: هذه زكاة وإن شككت فأخبره تقول هذه زكاة (ولا تحل لغني ولا لقوي مكتسب) فإذا قال: إنه ليس بغني فهل يقبل قوله؟ الجواب نعم يقبل قوله ما لم تعرف أنه غير صادق فإن عرفت أنه غير صادق فلا تقبل وإن لم تعرف فاقبل وإن ترددت فتوقف حتى تتيقن ويكفي غلبة الظن فلو دفعت إليه تظن أنه من أهل الزكاة ثم تبين لك أنه ليس من أهلها أجزأت عنك. باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه القارئ: وهم ستة أصناف: الكافر لا يجوز الدفع إليه لغير التألف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) ولأنها مواساة تجب على المسلم فلا تجب للكافر كالنفقة. الشيخ: إذاً الكفر مانع من إعطاء الزكاة إلا إذا كان للتأليف. القارئ: الثاني: المملوك لأن ما يعطاه يكون لسيده ولأن نفقته على سيده فهو غني بغناه. الثالث: بنو هاشم لا يعطون منها إلا لغزو أو حمالة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الصدقة أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد) وسواء أُعطوا حقهم من الخمس أو منعوه لعموم الخبر ولأن منعهم لشرفهم وشرفهم باقٍ فينبغي المنع.

الشيخ: وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إنهم إذا منعوا الخمس واحتاجوا فإنهم يعطون لأنه لابد من دفع حاجتهم ولكن إذا نظرنا إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنما هي أوساخ الناس) قلنا: لا فرق بين أن يعطوا من الخمس أو ألا يعطوا وإذا نظرنا إلى أن إعطاءهم ودفع كفايتهم أمر واجب ماذا نفعل إذا كان الناس لا يتبرعون إلا من الزكاة وهؤلاء من آل البيت وليس لهم شيء من بيت المال هل يموتون جوعاً؟ هم إما أن يموتوا جوعاً وإما أن يتكففوا الناس وإما أن يهدي الله أحداً من الناس يعطيهم صدقة على أن صدقة التطوع أيضاً فيه خلاف هل تحل لهم أو لا؟ وما ذكر الشيخ رحمه الله هو الأقرب لأنه كوننا نرى هؤلاء يموتون جوعاً وعطشاً وبرداً وحراً ولا نعطيهم ونقول: أنتم من آل البيت مع أنهم ليس لهم من الخمس شيء هذا فيه نظر أو نقول: خذوا من الصدقة وقد يتصدق عليهم أو لا يتصدق عليهم. القارئ: الرابع: مواليهم وهو معتقوهم وحكمهم حكمهم لما روى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع اصحبني كيما نصيب منها فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: (إنا لا تحل لنا الصدقة وإن مولى القوم منهم) وهذا حديث صحيح ولأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب فحرمت عليهم الصدقة كبني هاشم. وفي بني المطلب روايتان إحداهما: تحل لهم لأن المنع اختص بآل محمد وهم بنو هاشم فلا يلحق بهم غيرهم والثاني: يحرم عليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) رواه البخاري ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فأشبهوا بني هاشم. الشيخ: والظاهر أنها تحل لهم وأما قول النبي عليه الصلاة والسلام (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) هذا في الخمس لأن بني المطلب ناصروا بني هاشم ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته المشهور جزى الله عنا عبد شمس ونوفلاً ... عقوبة شر عاجلاً غير آجل

أما بنو المطلب فكانوا معهم في النصرة والدفاع فلذلك استحقوا معهم الخمس وصاروا شيئاً واحداً أما الزكاة فلا ولهم أن يأخذوا منها. السائل: إذا أوصى الرجل أبناءه ألا يأخذوا من الصدقة وليسوا من بني هاشم هل نقول أن هذه وصية تنفذ؟ الشيخ: لا ما تنفذ هذا الرجل مات وليس من آل محمد ولهم أن يأخذوا إذا كانوا من أهل الزكاة ولا يجب عليهم تنفيذ وصيته. القارئ: الخامس: الغني لا تحل له الزكاة سوى من ذكرنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) وقوله (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) وهذا حديث حسن وفي ضابطه روايتان إحداهما: أنه الكفاية على الدوام إما بصناعة أو مكسب أو أجرة أو نحوه اختارها ابن الخطاب وابن شهاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قبيصة: (فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش) مدَّ إباحة المسألة إلى حصول الكفاية ولأن الغنى ضد الحاجة وهي تذهب بالكفاية وتوجد مع عدمها والثانية: أنه الكفاية أو ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب لما روى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشاً أو خدوشاً أو كدوحاً في وجه فقيل: يا رسول الله ما الغنى؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب) قال الترمذي: هذا حديث حسن. فعلى هذه الرواية إن كان له عيال فله أن يأخذ لكل واحد من عياله خمسين، نص عليه ولو ملك عروضاً تكثر قيمتها لا تقوم بكفايته جاز الأخذ رواية واحدة وإذا كان للمرأة زوج غني فهي غنية لأن كفايتها واجبة عليه وجوباً متأكدا فأما من تجب نفقته على نسيبه فله الأخذ من الزكاة. الشيخ: يعني على قريبه فالنسيب هو القريب. القارئ: لأن استحقاقه للنفقة مشروط بفقره فيلزم من وجوبها له وجود الفقر بخلاف نفقة الزوجة ولأن وجوبها بطريق الصلة والمواساة بخلاف غيرها.

الشيخ: ولأنه أيضاً ربما يقول لمن تلزمه نفقته أعطني ولا يعطيه ويكون في هذا كسر لقلبه وخجل فيعطى من الزكاة ما يغنيه والصواب أنها ليست مقيدة بخمسين درهماً الصواب أنها مقيدة بالكفاية فإذا قال قائل الإنسان إذا كان عنده أموال كثيرة وقلنا: إنها تكفيه لسنة ربما لا تكفيه لسنة ربما يجتاح ماله شيء أو يحتاج إلى إنفاق أو ما أشبه ذلك فيقال كما قال المؤلف رحمه الله: إما صناعة وإما أجرة وإما اكتساب وفي وقتنا هذا في الغالب الوظيفة فإذا قدرنا أن هذا الرجل وظيفته ألفا ريال ونفقته في الشهر على عياله ثلاثة آلاف ريال فهنا يحتاج اثني عشر ألفاً فيعطى اثناعشر ألفاً فإن قدر أن المؤنة زادت واحتاج أكثر يعطى وإن قدر أن المؤنة رخصت وزاد عنده شيء فهو له لأن الفقير يملك ما يعطى ملكاً مستقرا. القارئ: السادس من تلزمه مؤنته كزوجته ووالديه وإن علوا وأولاده وإن سفلوا الوارث منهم وغيره ولا يجوز الدفع إليهم لأن في دفعها إليهم إغناءً لهم عن نفسه فكأنه صرفها إلى نفسه وفيمن يرثه غير عمودي نسبه روايتان إحداهما: لا يدفع إليه لأن الله تعالى أوجب نفقته عليه بقوله: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) والثانية: يجوز لأنه ممن تقبل شهادته له فجاز الدفع إليه كالأجانب فإن كان محجوباً عن ميراثه أو من ذو الأرحام جاز الدفع إليه وإن كان شخصان يرث أحدهما صاحبه دون الآخر كالعمة مع ابن أخيها فللموروث دفع زكاته إلى الوارث لأنه لا يرثه وفي دفع الوارث زكاته إلى مورثه الروايتان وهل للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها؟ على روايتين إحداهما: يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزينب امرأة ابن مسعود: (زوجك وولدك أحق من تصدقتِ به عليهم) رواه البخاري ولأنه لا تلزمها نفقته فلم تحرم عليه زكاتها كالأجنبي والثانية لا يجوز لأنها تنتفع بدفعها إليه لوجوب نفقتها عليه وتبسطها في ماله عادة فلم يجز دفعها إليه كالولد.

الشيخ: هذا المانع الأخير ينبغي أن يقال: المدار فيه على منفعة الدافع إذا كان دفعه إلى أقاربه يحفظ ماله بذلك فإنه لا يجزيء وإذا كان لا يحفظ ماله بذلك فإنه يجزيء وعلى هذا فلو أدى الزكاة في غرم لأبيه أو ابنه أو زوجته أو زوجه فلا بأس لأنه لا يلزمه أن يقضي الدين عنهم فإذا كان لا يلزمه وهم محتاجون لقضاء الديون ودفع الزكاة عنهم فلا حرج أما إذا كان هؤلاء يجب الإنفاق عليهم وليس عندهم شيء ثم دفع الزكاة إليهم فهذا يوفر ماله بهذا الدفع فلا يحل فيكون المدار في مسألة الأقارب هل الإنسان في إعطائهم يوفر ماله؟ إن قلنا: نعم قلنا: لا يجزيء وإذا كان لا يوفر ماله بمعني أنه لا يلزمه أن ينفق عليهم أو يقضي دينهم فحينئذٍ له أن يدفع إليهم الزكاة في قضاء الدين أو النفقة ولنفرض مثلاً أن امرأةً عندها حلي تستعمله وتحتاج إليه وفيه زكاة ولها ولد فقير أيجوز أن تعطيه هذه الزكاة؟ نعم لأنه لا يلزمها أن تنفق عليه ليس عندها إلا هذا الحلي الذي تحتاجه لنفسها فنفقته ليست واجبة عليها فلها أن تعطيه من الزكاة فالضابط إذاً إذا كان الإنسان إذا دفعها إلى قريبه يوفر ماله منع وإن كان لا يوفر ماله فلا بأس، فإذا كان قادراً على الإنفاق فلا يجوز أن يعطيهم للنفقة إذا كانت تلزمهم نفقته وقضاء الدين لا بأس به ولا فرق بين الزوج والزوجة حتى الزوجة لها أن تدفع الزكاة إلى زوجها إذا كان فقيراً لأن الزوجة لا يلزمها أن تنفق على زوجها بكل حال وكونها تعطيه ثم يعود إليها مصلحة منه لا يضر لأنها سوف تطالب الزوج أن ينفق عليها. السائل: أحسن الله إليك كبر الولد واستقل عن أبيه في بيته وافتقر والأب كانت له زكاة فهل يخرجها له أو نقول يجب أن ينفق عليه؟ الشيخ: يجب أن ينفق عليه إذا كان يستطيع أما لو كان الأب عنده عائلة ولا يستطيع أن ينفق على هذا الابن فله أن يعطيه من زكاته ولو استقل لأنه ليس من شرط وجوب الإنفاق أن لا يستقل.

السائل: الآن بعض القبائل تنتسب إلى نسب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهل مثل هؤلاء إذا أخذوا الزكاة على جهل ولم يدروا أنها لا تجوز لهم ثم تبين لهم هل يضمنون ما أخذوا؟ الشيخ: أولاً الآن ليس فيه خمس فإذا كانوا فقراء فالذي نرى أنه تجوز لهم الزكاة فعلى هذا القول لا إشكال فيه أما على القول الثاني الذي لا تحل مطلقاً فيردون ما أخذوا ولو سنين كثيرة لكنه قول ضعيف. السائل: أحسن الله إليكم هل يلزم للآخذ أن يسأل أهذه من الزكاة أو من الصدقة؟ الشيخ: لا يلزمه إذا كان من أهل الزكاة وإذا لم يكن من أهل الزكاة لكن ظن الدافع أنه من أهل الزكاة فليسأل. فصل القارئ: ويجوز لكل واحد من هؤلاء الأخذ من صدقة التطوع لأن محمد بن علي كان يشرب من ساقيات بين مكة والمدينة وقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة. الشيخ: ويمكن أن يستدل لذلك بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنما هي أوساخ الناس) لأن الذي فيه التنظيف الصدقة الواجبة كما قال تعالي: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) يعني قد يؤخذ من هذا وكثير من العلماء يقول: إنه لا تحل لهم الصدقة الواجبة ولا المستحبة وهذا الأثر المروي عن محمد بن علي ينظر أولاً في صحته فإن صح فهو رأي كرأي غيره من العلماء وإن لم يصح فالأمر واضح على أن هؤلاء لا يمنعون من الشرب من السقايات ونحوها لأنهم لا يُملِّكونها والمقصود الصدقة التي يُملِّكونها أما هذا فهو يشرب كما يشرب الناس ويمشي فهو لم يختص بها ولم يتملكها يعني حتى لو قلنا: بأن صدقة التطوع محرمة على آل البيت فإن مثل هذا لا يحرم عليهم وذلك لأنهم لا يملكونه.

مسألة: من المهم فيما سبق أننا عرفنا الأصناف الثمانية التي فرض الله لهم الصدقة فأيُّ إنسان يقول عن شخص وهو من الأصناف الثمانية يقول عنه: لا يجزيء دفع الزكاة إليه نقول: عليك الدليل، فمثلاً إذا قال: الوالد لا يجوز دفع الزكاة إليه والوالدة لا يجوز والأخ لا يجوز وهو ممن اتصف بواحد من الأوصاف الثمانية نقول له: عليك الدليل، هذا هو الأصل ومن ثم سبق لنا أنه يجوز للإنسان أن يدفع زكاته إلى والده في قضاء الدين أو إذا كان لا يستطيع أن ينفق عليه لأن ماله قليل لا يستطيع أن ينفق على أبيه لكن عنده زكاة وأبوه فقير يعطى حتى وإن لم يكن في قضاء الدين فالعبرة بما لو وفّر ماله في الزكاة عليهم هذه القاعدة اعرفوها والدليل في هذا واضح: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) فإذا قال: لا تعطي أباك وهو فقير نقول له: هو أدرى هذا فقير مستحق بكتاب الله وهلم جرا. ويتبين مما سبق أن ما قاله المؤلف هو الظاهر وأن المحرم على آل البيت هي الصدقة المفروضة لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما هي أوساخ الناس) وقال الله عز وجل: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) فإذا كانت الصدقة تطهر فمعلوم أن الماء الذي يطهر به سوف يتأثر من الوسخ وعلى هذا فالقول الراجح في هذه المسألة أنه لا يحرم على آل البيت إلا صدقة الفريضة فقط أما النافلة فلا بأس.

القارئ: ويجوز لفقراء ذوي القربى الأخذ من وصايا الفقراء والنذور لأنها صدقة تطوع بها وفي أخذهم من الكفارة وجهان وعنه: منعهم من صدقة التطوع لعموم الخبر والأول أظهر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل معروف صدقة) حديث صحيح ويجوز اصطناع المعروف إليهم وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغازٍ في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل ابتاعها بماله أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إلى الغني) رواه أبو داود ولو أهدى المسكين مما تصدق به عليه إلى الهاشمي حل له لأن النبي صلى الله عليه وسلم (أكل مما تصدق به على بريرة وقال: إنها قد بلغت محلها). الشيخ: كل من أخذ مالاً بحق فله أن يدفعه إلى غيره بحق وإن كان هذا الثاني لا يحل أن يأخذه بالسبب الذي أخذه الأول فالنبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له الصدقة لا التطوع ولا الواجبة لكنه أكل من الصدقة التي بذلت إلى بريرة لأن بريرة أخذتها بحق ثم أخذها الرسول بحق مع أن الرسول لو أخذها بالسبب الذي أخذته بريرة لم تحل له لكن هذه قاعدة مفيدة أن من أخذ مالاً بحق ثم دفعه إلى آخر بحق حل للثاني وإن كان الثاني لو أخذه بالسبب الأول لم يحل وأما أخذه من الكفارة فيه شيء عندي يعني الوجه الثاني الذي ذكره المؤلف قد يكون أقرب إلى الصواب لأن الكفارة واجبة تشبه الصدقة فهي إلى الزكاة أقرب من الصدقة. فصل

القارئ: وإذا دفع رب المال الصدقة إلى غني يظنه فقيرا ففيه روايتان إحداهما: لا يجزئه لأنه دفعها إلى غير مستحقها فأشبه دفع الدين إلى غير صاحبه والثانية: يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفي بالظاهر لقوله للرجلين (إن شئتما أعطيتكما منها ولاحظ فيها لغني) وهذا يدل على أنه يجزيء ولأن الغنى يخفى فاعتبار حقيقته يشق ولهذا قال الله تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) وإن بان كافر أو عبداً أو هاشميا لم تجزئه رواية وحدة لأن حال هؤلاء لا تخفى فلم يعذر الدافع إليهم بخلاف الغني.

الشيخ: هذا الفصل معناه إذا دفع الإنسان الزكاة إلى من ظنه أنه من أهلها وتبين أنه ليس من أهلها فإنها لا تجزئه مثل ظن أن هذا ابن سبيل وهو ليس كذلك ظنه حراً فبان عبداً وما أشبه ذلك فإنها لا تجزئه إلا إذا دفعها إلى غني يظنه فقيراً فإنها تجزيء الدليل استدل المؤلف رحمه الله بما لا دلالة فيه استدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجلين الجلدين: (إن شئتما أعطيتكما ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) فأعطاهما فهل بان أنهما كانا قويين أو غنيين؟ لا إذاً لا يتم الاستدلال لكن هناك دليل واضح وهي قصة الرجل الذي حدَّث عنه النبي عليه الصلاة والسلام أنه خرج ذات يوم ليتصدق فتصدق فوقعت في يد سارق فأصبح الناس يتحدثون تُصدِّق الليلة على سارق فقال: الحمد لله على سارق ثم خرج الليلة الثانية فوضع صدقته في يد بغي يعني زانية والعياذ بالله فأصبح الناس يتحدثون تُصدِّق الليلة على زانية فقال: الحمد لله على زانية ثم خرج الليلة الثالثة فتصدق فوقعت صدقته في يد غني فأصبح الناس يتحدثون فقال: الحمد لله سارق وزانية وغني وهو يريد أن تقع في يد فقير متعفف فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت ممن تصدقت عليهم أما السارق فلعله يستغني مما تعطيه وكذلك الزانية تتعفف وكذلك الغني يعتبر فيتصدق لأن نيته طيبة فربما تفيد، هذا واضح أنه إذا أعطى زكاته إلى غني يظنه فقراً فإنها تجزيء بقينا إذا أعطاها لغير الغني ممن تحل لهم الزكاة فبان بخلافه يقول المؤلف: إنها لا تجزيء أعطى عبداً وهو فقير يظنه حراً فتبين أنه عبد يقول لا تجزيء ماذا يصنع؟ يأخذها من العبد وإذا العبد أبى فيضمنها للفقراء وهذه تذهب عليه وإذا أعطاها لكافر يظنه مسلماً ثم تبين أنه كافر والكافر لا تحل له الزكاة إلا في حال واحدة وهي التأليف فلو تبين أنه كافر لا تجزئه ماذا يصنع؟ يسترجعها منه ولو أبى فإنه يضمنها للفقراء ويطالب الكافر يوم القيامة وإذا أعطاها شخصاً من سائر الناس وتبين أنه

هاشمي والهاشمي من آل البيت وآل البيت لا تصح دفع الزكاة إليهم فماذا يصنع؟ نقول: إنها لا تجزيء استرجعها منه فإن أبى فعليك الضمان وعلَّل المؤلف رحمه الله بعلة عليلة قال: لأن حال هؤلاء لا تخفى فلم يعذر الدافع إليهم بخلاف الغني هذا في الواقع فيه نظر ما الذي يعلمنا أن هذا الرجل الذي عليه ثياب متقشفة وظاهر عليه البؤس ما أدري هل هو عبد أو حر ما الذي يعلمنا؟ كذلك أيضاً الكافر فالبلد فيه عمالة كثيرة عمال كثيرون كثير منهم كافر فخرجت بزكاتي وأعطيت هذا الرجل لأني تبين لي حسب ظني أنه مسلم ثم تبين أنه كافر ألا تخفي حاله؟ بلى ولذلك يسأل كثير من الناس يقول هل أسلّم على كل من لقيت من هؤلاء العمال وأنا لا أدري أمسلم هو أو كافر؟ فالحال تخفى كذلك أشد من هذا الهاشمي ألا تخفى حاله؟ أين الرجل الذي يعرف أنساب الناس ثم أين الرجل الذي يعرف أن هذا من بني هاشم فإذا أعطيت رجلاً في المسجد على أنه فقير وهو فقير لكنه من بنى هاشم وبنو هاشم لا تحل لهم الصدقة ثم تبين لي أن هذا الرجل من بني هاشم نقول ما تجزيء والصواب أن الزكاة تجزيء إذا دفعها إلى من يظنه أهلاً بعد التحري عند الشك فإذا غلب على ظنه أن هذا من أهلها فأعطاها أجزأت سواء كان المانع من إعطائه الغنى أو غيره هذا هو الصحيح لأن القياس هنا جلي واضح إذ لا فرق بين شخص غني تظنه فقيراً وبين شخص تظنه ليس من أهل البيت فيتبين أنه من آل البيت لا فرق فالقياس هنا جلي فإذا دلت السنة على أنه إذا تصدق على غني يظنه فقيراً فتبين أنه غني فالصدقة مقبولة فكذلك بقية الأصناف. فصل القارئ: وإذا تولى الرجل إخراج زكاته استحب أن يبدأ بأقاربه الذين يجوز الدفع إليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة) رواه الترمذي والنسائي ويخص ذوي الحاجة لأنهم أحق ومن مات وعليه دين وزكاة لا تتسع تركته لهما قسمت بينهما بحصصهما لأنهما تساويا في الوجوب فتساويا في القضاء.

الشيخ: المسألة الأولى واضحة أنه إذا كان أقاربه من أهل الزكاة فهم أولى من غيرهم لأن صدقته عليهم صدقة وصله. المسألة الثانية رجل مات وعليه زكاة ودين عليه مثلاً ألف ريال زكاة وألف ريال دين ولم يخلف إلا ألف ريال فماذا نصنع؟ يقول المؤلف: إنها تقسم بين الزكاة وبين الدين والمثال الذي ذكرنا تقسم نصفين خمسمائة تُعطى للزكاة في أهل الزكاة وخمسمائة تعطى في الدين وهذا الذي ذكره رحمه الله هو الأولى وقال بعض العلماء: يقدم حق الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) وبعضهم قال: يقدم الدين لأنه حق أدمي وحق الآدمي مبني على المشاحة فيقدم ولا أدرى أفيها قول آخر أن السابق منهما يقدم كما لو كان الدين قد حل قبل وجوب الزكاة أو لا؟ إن كان أحد قد قال بذلك: فهذا قول رابع وأقرب الأقوال ما مشى عليه المؤلف رحمه الله أنه يقسم بينهما لأن كلاً منهما دين ثابت في ذمة هذا الميت فتساويا وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) فالمعنى أنه إذا كان يقضى دين الآدمي فدين الله أولى بالقضاء وليس فيه ذكر التزاحم وكلامنا الآن في مسألة التزاحم. السائل: هل يجوز للغني أن يشتري زكاته من الفقير الذي أعطاه الزكاة؟ الشيخ: لا، لا يجوز فقد حمل عمر بن الخطاب على فرس له فأضاعه الذي أعطاه إياه فأراد عمر أن يشتريه فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال: (لا تأخذه وإن أعطاك بدرهم لا تعد في صدقتك فإن العائد في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) والتعليل أن هذا الفقير إذا كانت الشاة التي دفعتها إليه تساوي مائة سوف يبيعها عليه بثمانين كي يعطيه في العام القادم لأنه حاباه بها. السائل: بارك الله فيك الصدقة على المدين بقدر دينه ألا يدخل في شراء الصدقة وهو لم يشترط عليه قضاء الدين؟

باب صدقة التطوع

الشيخ: ما في مانع أبرأ ذمته ولا يدخل في باب الشراء لأن ما فيه محاباة هنا صاحب المال أبرأ ذمة هذا الرجل والرجل الذي أخذها يمكن أن يعطيها غيره لأنه ما قال ردها عليّ. باب صدقة التطوع القارئ: وهي مستحبة لقول الله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً). الشيخ: اليهود عليهم لعائن الله إلى يوم القيامة لما نزلت هذه الآية قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: إن ربك افتقر وليس بغريب عليهم بأن يسبوا الله ويسبوا رسوله هم آذوا موسى وسبوه وآذوا الله عز وجل وسبوا الله فيقال: قاتلكم الله أنى تؤفكون هل الدرهم التي أنت تتصدق بها هل تصل إلى الله أو إلى المخلوق؟ تصل إلى المخلوق لكن لكرم الله عز وجل جعل هذا كالقرض الذي يكون لزاماً عليه أن يثيب عليه ومعروف أن الإنسان إذا استقرض من آخر فإن لزاماً عليه أن يوفيه فجعل الله الصدقة التي ابتغى بها وجه الله جعلها كأنها استقراض لأبد من إيفائه وهذا من كرمه والعجب أنه هو الذي منَّ بالمال ثم يمن بالثواب عليه وهو الذي قال: (هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) إحساننا نحن من الله عز وجل هو الذي منَّ علينا به وأحسن علينا به ومع ذلك يقول: (هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) وهذا من كمال كرمه سبحانه وتعالى. القارئ: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله تعالى يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) متفق عليه. الشيخ: لفظ الحديث (من تصدق بعدل تمرة من طيب) لكن الذين ينقلونها من الأصول يقولون من كسب طيب والأصول فيها من طيب وهو أعم لأن من طيب يشمل ما طاب كسباً وعيناً فهو أعم وقوله

صلى الله عليه وسلم: (ولا يصعد إلى الله إلا الطيب) وجاء في القرآن: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ). القارئ: وصدقة السر أفضل لقول الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن صلة الرحم تزيد في العمر وصدقة السر تطفيء غضب الرب) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. الشيخ: المؤلف رحمه الله يقول: إن صدقة السر أفضل ولا شك أنها أفضل لأن فيها فائدتين عظيمتين لا تحصلان في صدقة الجهر:

الفائدة الأولى: أنها أقرب إلى الإخلاص والفائدة الثانية: أبعد عن كسر قلب المعطى لأنك إذا تصدقت على شخص أمام الناس انكسر قلبه فهاتان الفائدتان لا توجدان في صدقة العلانية وإنما توجدان في صدقة السر ولكن إذا دعي إلى الصدقة على سبيل العموم وتصدق الإنسان مثل أن يقوم شخص يجمع للمجاهدين في سبيل الله أو لفقراء في بلد ما فهل الأفضل أن تكون سراً أو تكون علناً؟ الثاني أفضل وهنا بالنسبة لكسر قلب المعطى لا ينكسر قلبه لأن هذه الصدقة لا تعطى لشخص معين أمام الناس لكن يبقى المصارعة الآن بين إعطائها سراً لأنه أشد إخلاصاً وبين إعطائها جهراً فنقول في هذه الحال إعطاؤها جهراً أفضل وذلك من أجل أن يُقتدى بالإنسان ولهذا لما جاء الأنصاري بِصُرةٍ معه حين دعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة أتى بصرة كثيرة فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فإذا كان إعطاؤك الصدقة جهراً يحصل به الاقتداء وأن الناس يتسارعون إلى ذلك صارت هنا أفضل من السر حينئذٍ نقول الصدقة سراً أفضل ما لم يكن هناك مصلحة فالعلانية أفضل ولهذا مدح الله الذين ينفقون أموالهم سراً وعلانية ولم يذكر المؤلف رحمه الله ما ثبت في الصحيح من (أن سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) الشاهد في الأخير (أخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) هذا ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. القارئ: والأفضل الصدقة على ذي الرحم للخبر.

الشيخ: الخبر هو (أن صلة الرحم تزيد في العمر) وهذا الحديث وأشباهه مما أشكل على بعض أهل العلم وقال كيف تزيد الصلة في العمر والعمر محدد (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ) فكيف تزيد فيه فيقال: هذا لا إشكال فيه والحمد لله هذا جاء في القرآن وجاء في السنة قال نوح لقومه: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً) فجعل ذلك من أسباب تأخيرهم إلى أجل مسمى وقال: (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ) ولا تناقض بين هذا وما قبله يعنى أن أجل الله إذا جاء بالعذاب لا يؤخر لكن إذا رجعتم إلى الله واستغفرتم الله قبل ذلك أخركم إلى أجل مسمى وكذلك (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) نقول لا تناقض والحمد لله لأن هذا الذي قاله الرسول عليه الصلاة والسلام من باب الحث على صلة الرحم وإذا كان الله قد قدر للإنسان أجلاً مسمى مبنياً على صلة الرحم فسوف تكون صلة الرحم وسوف يكون تأخير الأجل لأن القدر سر مكتوم لا نعلمه فمثلاً إذا وفق الإنسان وقبل هذا الحديث ووصل رحمه علمنا أن الله تعالى جعل له سبباً يكون به سعة الرزق وطول العمر وإذا لم يوفق علمنا أن الله تعالى قد أنقص عمره لأنه لم يوفق لذلك فهو قد كتب لا الذي وصل وزاد ولا الذي قطع ونقص عمره (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَاب) فعندي أن المسألة ما فيها إشكال حتى أننا نقول: من أراد أن يكون له أولاد فليتزوج ممكن نقول هكذا ولا لا؟ نعم نقول هذا وإذا قدر أن يتزوج علمنا أن الله قدر له أولاد لأنه سبب وجد فلا إشكال في قوله (صلة الرحم تزيد في العمر) وأما محاولة بعض العلماء أن يقول المراد بالزيادة هنا البركة فلاشك أن البركة فيها زيادة لكن ليست هي المرادة في الحديث.

القارئ: ولقول الله تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ) والصدقة في أوقات الحاجة أكثر ثوابا للآية. الشيخ: (فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) معنى المسغبة: المجاعة (يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ) جمع وصفين اليتم والقرابة كأولاد الأخ مثلاً فأولاد الأخ إذا مات أبوهم وهم صغار فهم أيتام وذوو مقربة. القارئ: وكذلك على من اشتدت حاجته ولقول الله تعالى: (أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ). الشيخ: إذا اجتمع فضيلة الوقت وحاجة الفقير يقدم حاجة الفقير فمثلاً إذا كان عند الإنسان زكاة وقدر أن الناس أصيبوا بمسبغة قبل حلول أجلها وكان أجل الزكاة عنده في رمضان وهو وقت فاضل ومحل للصدقة لكن اشتدت حاجة الفقراء قبل رمضان فالأفضل أن نبادر وأن ندفع حاجة الفقراء ولدينا قاعدة تشير إلى هذا إذا اجتمع في العبادة فضيلة تتعلق بمكانها أو زمانها أو في نفس العبادة فأولى بالمراعاة ما يتعلق بنفس العبادة ولهذا أمثلة قال العلماء الرمل في طواف القدوم أولى من الدنو من الكعبة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) فلو تعارض عند الإنسان أن يصلي الصلاة في أول وقتها لكن مع مدافعة الأخبثين أو أن يؤخرها وتزول المدافعة قلنا أخر. القارئ: والصدقة في الأوقات الشريفة كرمضان وفي الأماكن الشريفة تضاعف كما يضاعف غيرها من الحسنات والنفقة في سبيل الله تضاعف سبعمائة ضعف لقول الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ).

الشيخ: الصواب أن التضعيف إلى سبعمائة عام في كل الطاعات كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن عمل حسنة فإنه يكتب له عشرة حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ولكن لا شك أن الإنفاق في سبيل الله أفضل من الإنفاق في غيره والصدقة في رمضان أفضل من الصدقة في غيره والصدقة في الأماكن الفاضلة كمكة والمدينة أفضل ولهذا عند الفقهاء قاعدة تضاعف الحسنات والسيئات في زمان أو مكان فاضل وتضاعف السيئات بالكيفية ما هو بالعدد فالسيئة ما يمكن أن تُجزى بأكثر من سيئة لكن الفرق بالكيفية كلنا يعلم الفرق بين الضرب الشديد والضرب الخفيف. فصل القارئ: ومن عليه دين لا يجوز أن يتصدق صدقة تمنع قضاءه لأنه واجب (فلم يجز) تركه. الشيخ: عندي في المخطوط (فلا يجوز) نسخة، وهذا واضح يعني إنسان مثلاً عليه دين والدين هذا حال وتصدق نقول: لا تتصدق اقض الدين قال: أنا سأتصدق بعشرة ريالات وأنا علي عشرة آلاف وسأتصدق بعشرة ريالات فقط ماذا نقول له؟ العشرة ريالات هذه اعطها الدائن ويبقى عليك عشرة آلاف إلا عشرة ريالات والمرة الثانية كذلك وكما قال العوام: قطرة مع قطرة تأتي غديراً أو وداياً ففي هذا الشهر عندك عشرة تتصدق بها والشهر الثاني عشرة تتصدق بها أما إذا كان الدين مؤجلاً وإذا حل وعندك ما يوفيه فتصدق ولا حرج لأنك قادر وكذلك نفقة العيال فهي مقدمة على الصدقة ومن نعمة الله سبحانه وتعالى أن إنفاقك على أولادك صدقة بل إنفاقك على نفسك صدقة كما ثبت عن النبي صلي عليه الصلاة والسلام وهذه من سعة رحمة الله فالإنسان يقضي شيئاً واجباً عليه ومع ذلك يثاب ثواب الصدقة الواجبة لأن إنفاقك على نفسك وأولادك واجب.

القارئ: ولا يجوز تقديمها على نفقة العيال لأنها واجبة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) رواه أبو داود وروى أبو هريرة قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي دينار قال: (تصدق به على نفسك قال: عندي آخر قال: تصدق به على ولدك قال: عندي آخر قال: تصدق به على زوجك قال: عندي آخر قال: تصدق به على خادمك قال: عندي آخر قال: أنت أبصر) رواه أبو داود. الشيخ: وهذا واضح أن الواجب البداءة بالواجب وأول ما واجب عليك نفسك ابدا بنفسك ثم بمن تعول ولكن قد تكون هناك أحوال تطرأ يكون تقديم غير أهلك أمراً مؤكداً كدفع ضرورة جائع سيموت مثلاً. إذا أنقذته بطعام وأهلك لا يموتون لو لم تطعهم الآن هنا نقدم الجائع ندفع ضرورته. القارئ: فإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل لقول الله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ). الشيخ: هذا وصف الأنصار رضي الله عنهم: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا) يعني لا يجدون في صدورهم حاجة على المهاجرين مما آتاهم الله من فضل الهجرة والنصرة لأنه ما عندهم حسد: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)

القارئ: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة جهد من مقل إلى فقير في السر) رواه أبو داود ومن أراد الصدقة بكل ماله وكان يعلم من نفسه حسن التوكل وقوة اليقين والصبر عن المسألة أو كان له مكسب يقوم به وذلك أفضل له وأولى به لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه تصدق بكل ماله فروي عن عمر أنه قال: أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق مالاً عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: أبقيت لهم مثله فأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقال: الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء ابداً) وإن لم يثق من نفسه بهذا كره له لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غني) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد: (إنك أن تدع أهلك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) متفق عليه ويكره لمن لا صبر له على الإضاقة أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة. الشيخ: كل هذا صحيح لأن البداءة بالنفس أولى ثم بمن توجب مؤنتهم ثم بالأجانب. السائل: بعض الناس أحياناً يكون عليه دين ويكون لقريب أو صديق ولو تأخر عنه لما لامه ثم يقول إنه يحرج في بعض المواقف إلى أن يتصدق؟ الشيخ: ليست المسألة أن صاحب الدين يرضى أو يوافق لأن المسألة ذمتك وإلا كثير من الناس يستسلف من أخيه أو صديقه أو ما أشبه ذلك ويعلم أنه لا يهمه لو مكث عشرة سنين لكن العلة هي براءة الذمة لكن قد يقال: إنه إذا صار موقف حرج مثل ما قلت فربما يقال: إنه لا بأس به لأسيما إذا صار قريباً. السائل: توفي شخص عن دين وتعهد آخر بسداده لصاحبه هل تبرأ ذمة الميت بذلك؟

الشيخ: هذه فيها خلاف وقصة أبي قتادة رضي الله عنه لما تحمل الدينارين تقدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصلى على الميت قالوا: وصلاته عليه يدل على أنه برئت ذمته لكن في بعض روايات الحديث كان الرسول يسأل أبا قتادة حتى قال: (أديتهما قال: الآن بردت عليه جلدته) فهذا يدل على أنه لا يبرأ الميت منها براءة تامة حتى تقضى وذلك لأن الضامن قد يماطل وربما يعسر والأصل أن وجوب الدين على الميت ولو تعهد خطياً أو بشهود أو برضاء صاحب الدين.

كتاب الصيام

كتاب الصيام القارئ: صيام رمضان أحد أركان الإسلام وفروضه لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) الآيات، وعن أبي هريرة رضي عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس إذ أتاه رجل فقال يا رسول الله ما الإسلام؟ قال (أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان) متفق عليه. الشيخ: الصيام في اللغة الإمساك ومنه قوله تعالى (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً) أي إمساكاً عن الكلام بدليل قوله (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً) وقول الشاعر: خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

فهو الإمساك لكنه في الشرع هو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. التعبد لله ليس مجرد الإمساك، التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وفرض في السنة الثانية من الهجرة بالإجماع فصام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسع رمضانات بالإجماع وكان أول فرضه أن الإنسان مخير بين أن يصوم أو يفدي ثم لما اطمأنت النفوس قبلت الفريضة فألزم الله تعالى عباده أن يصوموا وجعل الفدية فيمن لا يستطيع أن يصوم إذا كان عجزه عجزاًُ لا يرجى زواله ثم إن الصيام من حكمة الله عز وجل حتى يتم أنواع التكليف لأن التكليف الذي كلف الله به العباد منه شيء يكون ببذل ما يحبه الإنسان مثل الزكاة فإن الزكاة بذل ما يحبه الإنسان كما قال تعالى (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً) وقد يكون التكليف بمشقة البدن كالحج وقد يكون التكليف بترك المحبوب مثل الصيام وقول المؤلف إنه أحد أركان الإسلام هذا أمر معروف وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ففي قوله (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فائدتان الفائدة الأولى تسلية هذه الأمة بأنها لم تلزم بشيء يشق عليها وحدها بل ألزمت به الأمم السابقة والفائدة الثانية بيان استكمال هذه الأمة للفضائل التي كانت لمن سبقها وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة أن الله تعالى استكمل الفضائل التي سبقت للأمم والآيات شرحها يطول فلا حاجة أن نتعرض لها إلا إجمالاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) التشبيه هنا للفرض بالفرض ولا يلزم أن يتساوى المفروض قد يكون صيامهم مخالفاً لصيامنا لكن الفرض متفق وقوله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الجملة

التعليلية لبيان الحكمة من إيجاب الصيام علينا وهي تقوى الله عز وجل ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) (أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) أتى بهذه الصيغة تقليلاً لها لتهون على النفوس فإنها ليست سنين ولا أشهراً ولا أسابيع بل هي أياماً ثم هي معدودات يدركها العد ويحصيها العاد (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) هذا تخفيف آخر فالمريض الذي يشق عليه الصوم والمسافر عليهما عدة من أيام أخر (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) أي يستطيعونه فدية طعام مسكين (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ذكر أن على المطيقين فدية وهي إطعام مسكين ثم بين أن الحكم هو مخير فيه (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) أي تطوع بالفدية (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وأن تصوموا خير لكم من الفدية، وهنا يحسن الوقوف (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ويحسن الوقوف أيضاً في كل موضع كان شبه هذا الموضع وقوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي إن كنتم من ذوي العلم فافهموا هذا واعلموه وإنما قلنا يحسن الوقوف لأنك لو وصلت وقلت (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) صارت الخيرية مشروطة بعلمنا وليس الامر كذلك ثم بين الله تعالى هذه الأيام المعدودات بأنها شهر فقال (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) وسُمي رمضان لأن تسميته كانت في وقت الحر الشديد والرمضاء فوضعه العرب لمناسبة زمنه وسَمَّوه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) وكأن هذا والله أعلم بيان للحكمة من تخصيص الصوم بشهر رمضان أنه الشهر الذي

أنزل الله فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان هدى للناس عموماً وهذا هداية الدلالة وبينات علامات واضحات من الهدى أي من العلم والفرقان: التمييز بين كل ما يحتاج للتمييز بين الحق والباطل والمؤمن والكافر والبر والفاجر والهدى والضلال وغير ذلك (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) سواء شهد الشهر بنفسه في برية لا يقتضي مخالفة الجماعة في صومه فليصمه وإن لم يسمع خبره أو شهده حكماً بأن كان في بلد فشهد بذلك شاهدان أو شاهد واحد وحكم القاضي بذلك فإنه يجب الصوم (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يقل وعلى الذين يطيقونه لأن هذه الآية ناسخة للآية الأولى فأوجب الله الصيام عيناً ثم رخص في الفطر لمن كان مريضاً وبين الله عز وجل أنه أراد بذلك التيسير على عباده فقال (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هذه خلاصة يسيرة من الكلام على هذه الآيات العظيمة. القارئ: ولا يجب إلا بشروط أربعة الإسلام فلا يجب على كافر أصلي ولا مرتد. والعقل فلا يجب على مجنون. والبلوغ فلا يجب على صبي لما ذكرنا في الصلاة وقال بعض أصحابنا يجب على من أطاقه لما روى عبد الرحمن بن أبي لبيبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان)، ولأنه يعاقب على تركه وهذا هو حقيقة الواجب والمذهب الأول: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ) ولإنه عبادة بدينة فلم يلزم الصبي كالحج وحديثهم مرسل ثم يحمل على تأكيد الندب كقوله (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) لكن يؤمر بالصوم إذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده كالصلاة.

الشيخ: يقول المؤلف لا يجب إلا بشروط أربعة الأسلام لا يجب على كافر أصلي ولا مرتد لكن هل يأثم بتركه؟ الجواب نعم يأثم بتركه ويعاقب عليه ولا سيما المرتد وعلى هذا فمن لا يصلي لا يجب عليه صوم رمضان ولو صام لم يصح لانه كافر مرتد لكنه يأثم بذلك عند الله عز وجل. والثانى: العقل فلا يجب على مجنون لأن الصيام نية وإمساك والمجنون لا نية له ولا يعقل ولا يفهم ولهذا رفع القلم عنه كما جاء في الحديث ومثل ذلك من فقد حاسته لكبر أو حادث لا يرجى زواله فإنه لا يجب عليه الصوم مثل المهذري كبير السن الذي بلغ سناً لا يحسن فيه القول فهو بمنزلة الصبي وليس عليه صوم وكذلك من أصيب بحادث أذهب عقله على وجه لا يرجى برؤه أما اذا كان يرجى برؤه بأن أغمي عليه فقط فهذا إذا أفاق فإنه يقضي لكن إذا زال عقله كلياً فإنه لا صوم عليه يعني وإذا لم يكن عليه صوم فلا فدية عليه. الثالث البلوغ فلا يجب على الصبي لأنه مرفوع عنه القلم ولأنه ليس أهلاً لأن يكلف لصغره وعدم تحمله وأما الرواية الثانية أنه يجب فإنها ضعيفة لكن العلماء قالوا يجب على ولي أمره أن يأمره به ويضربه عليه ليعتاده لأنه يحتاج إلى تعويد النفس وترويضها حتى إذا بلغ وإذا هو قد استعد وتهيأ.

القارئ: فإن أسلم كافر أو أفاق مجنون أو بلغ صبي في أثناء الشهر لزمهم صيام ما يستقبلونه لأنهم صاروا من أهل الخطاب فيدخلون في الخطاب فيه ولا يلزمهم قضاء ما مضى لأنه مضى قبل تكليفهم فلم يلزمهم قضاؤه كرمضان الماضي وإن وجد ذلك منهم في أثناء نهار لزمهم إمساك بقيته وقضاؤه، وعنه لا يلزمهم ذلك لأنه نهارٌ أبيح لهم فطر أوله ظاهراً وباطنا فلم يلزمهم إمساكه كما لو استمر العذر، ولأنهم لم يدركوا من وقت العبادة ما يمكنهم التلبس بها فيه فأشبه ما لو زالت أعذارهم ليلا وظاهر المذهب الأول لأنهم أدركوا جزءاً من وقت العبادة فلزمهم قضاؤها كما لو أدركوا جزءاً من وقت الصلاة ويلزمهم الإمساك لحرمة رمضان كما لو قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار وإن بلغ الصبي وهو صائم لزمه إتمام صومه رواية واحدة لأنه صار من أهل الوجوب فلزمه الإتمام كما لو شرع في صيام تطوع ثم نذر إتمامه قال القاضي ولا يلزمه قضاؤه لذلك وقال أبو الخطاب يلزمه القضاء كما لو بلغ في أثناء الصلاة. الشيخ: هؤلاء الثلاثة حدث سبب الوجوب في حقهم الصبي بلغ والثاني الكافر أسلم والثالث المجنون أفاق يعني أنه حدث سبب الوجوب في حق هؤلاء فما مضى لا يقضونه لأنهم ليسوا أهلاً للوجوب وما يستقبل يصومونه لأنهم صاروا أهلاً للوجوب بقينا في اليوم الذي يحدث فيه سبب الوجوب ماذا عليهم؟ فصارت الأحوال الآن ثلاثة الأولى ما مضى قبل وجود سبب الوجوب فهذا لا يلزمهم قضاؤه لأنهم ليسوا أهلاً لوجوبه. والثاني ما يستقبل يلزمهم فعله لأنهم صاروا أهلاً للوجوب.

والثالث إذا كان هذا في أثناء النهار مثال ذلك رجل كافر فأسلم في أثناء النهار أسلم قبل الزوال في اليوم العاشر نقول: الأيام التسعة لا يلزمه قضاؤها لأنه ليس أهلاً للوجوب والحادي عشر وما بعده يلزمه صيامها لأنه صار من أهل الوجوب وأما العاشر قال بعض أهل العلم إنه يلزمهم الإمساك والقضاء وهذا هو المذهب قالوا يلزمهم الإمساك لحرمة الزمن ويلزمهم القضاء لأنهم لم يصوموا يوماً كاملاً فلزمهم قضاؤه وقيل إنهم لا يلزمهم الإمساك ولا القضاء لأنهم ليسوا من أهل الوجوب في أول النهار والصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فهم ممن يباح لهم الأكل ظاهراً باطناً في أول النهار فلا يلزمهم إمساك ولا قضاء وهذا عكس القول الأول. القول الثالث يلزمهم الإمساك دون القضاء وهذا هو الراجح أنه يلزمهم الإمساك لأنهم صاروا من أهل الوجوب ولا يلزمهم القضاء لأنهم في أول النهار ليسوا من أهل الوجوب وهذا هو الذي تقوم عليه الأدلة فإنهم في أول النهار ليسوا من أهل الوجوب لا ظاهراً ولا باطناً وفي آخر النهار من أهل الوجوب ظاهراً وباطناً فيلزمهم الإمساك وأما القضاء فلا يلزمهم انتبهوا لهذه المسألة وهذا إذا حدث سبب الوجوب أما إذا ارتفع المانع فسيأتي إن شاء الله الكلام فيه.

وكلام أبي الخطاب رحمه الله حيث قال إنه يلزمه القضاء كما لو بلغ في أثناء الصلاة، فالصبي إذا بلغ في أثناء النهار والصواب كما علمتم أنه لا يلزمه القضاء لكن إذا بلغ في أثناء الصلاة فأبو الخطاب يرى أنه يلزمه قضاؤها لأنه شرع فيها على أنها نافلة والصحيح أنه لا يلزمه قضاؤها وأن الصبي إذا بلغ في أثناء الصلاة فإنه يكملها وتجزئه عن الفريضة لأنه قام بما أمر به وليست نفلاً مطلقاً فصلاة الصبي للظهر مثلاً هل هو يصليها على أنها نفلٌ مطلق أو يصليها على أنها صلاة ظهر؟ على أنها صلاة ظهر ووصفها بأنها نافلة قبل البلوغ وفريضة بعد البلوغ تتعلق بالصلاة نفسها لا يتعلق بالفاعل وعلى هذا فإذا بلغ في أثناء الصلاة فإنه لا قضاء عليه يستمر وتصح صلاته فريضة فإن قال إنسان كيف يبلغ في أثناء الصلاة؟ أما العانة فالظاهر أنه لا يمكن ذلك وأما الإنزال يمكن ولكن لو أنزل بطلت صلاته والزمن وهو تمام خمس عشرة سنة نقول: هذا الإنسان محرر ولادته في الساعة الواحدة من بعد الظهر في اليوم الخامس عشر من شهر محرم مثلاً وفي الساعة الواحدة من شهر محرم الذي يتم فيه خمس عشرة سنة حينئذ يكون بلغ فإذا صادف أن هذه الساعة هو يصلي قلنا هذا الرجل فى أول صلاته كان غير بالغ وفى آخر صلاته أصبح بالغاً والصحيح أنه لا يلزمه القضاء. فصلٌ القارئ: الشرط الرابع الإطاقة فلا يجب على الشيخ الذي يجهده الصوم ولا المريض الميئوس من برئه لقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) وعليه أن يطعم لكل يومٍ مسكيناً لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) قال ابن عباس كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما لا يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكيناً والحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا رواه أبو داود فإن لم يكن له فدية فلا شيء عليه للآية الأولى.

الشيخ: الإطاقة ضدها العجز والعجز نوعان عجز يرجى زواله وعجز لا يرجى زواله فأما العجز الذي لا يرجى زواله فقد بينه الله عز وجل في كتابه فقال: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) هذا نقول: انتظر حتى يزول المانع ثم تقضي الصوم أما العجز الذي لا يرجى زواله كالكبر والمرض الذي لا يرجى برؤه هذا لا يلزمه الصوم لأنه عاجز ولكن ماذا يصنع؟ يطعم عن كل يوم مسكيناً لقول الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ومعنى يطيقونه قيل معناها يتكلفونه أي يبلغ طاقتهم بحيث لا يحتملونه وقيل وهو الصحيح يطيقونه أي يدخل تحت طاقتهم ويدركونه بلا مشقة والدليل على هذا أنه ثبت في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه أول ما فرض الصيام كان الناس يُخيَّرون من شاء صام ومن شاء افتدى حتى أنزل الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) فلزم الصوم ويدل على هذا القول وإن كان ثابتاً في الصحيحين أيضاً هو ظاهر الآية (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) إذاً يخاطب الله الذين يستطيعون فقال (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ولكن وجه قول ابن عباس رضي الله عنه إنها نزلت في الكبير والشيخ والشيخة وجه ذلك والله أعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل الإطعام عديلاً للصوم حين كان التخيير بينهما فإذا تعذر الصوم رجعنا إلى الإطعام فنقول: لما تعذر الصوم على هؤلاء لزمهم الإطعام ولكن كيف الإطعام هل يطعمون إطعام ثلاثين مسكيناً أو يطعمون ثلاثين مسكيناً؟ يطعمون ثلاثين مسكيناً إن كان الشهر

ثلاثين أو يطعمون تسعة وعشرين مسكيناً إن كان الشهر تسعة وعشرين والفرق بين العبارتين إذا قلنا إطعام ثلاثين صار يجوز أن نعطيها واحداً وهذا لا يجوز لأن كل يوم له مسكين ولكن هل يعطي المساكين طعاماً يملكونه بأن يعطيهم رزاً أو تمراً أو ما أشبه ذلك أو له أن يطعمهم شيئاً ناضجاً؟ الصحيح أنه مخير وأن ينظر المصلحة إذا كانت المصلحة أن يعطي هؤلاء الفقراء الطعام وهم يطبخونه ويتولونه فهو أفضل وإذا كانت المصلحة في العكس فهو أفضل وهذا يختلف باختلاف الأحوال واختلاف الأزمان يأتي زمان على الناس لا يستطيع الفقير أن يطبخ الطعام فيكون هنا الأولى أن يعطاه ناضجاً فيدعى ثلاثون مسكيناً ويطعمون إما غداءً وإما عشاء وكان أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر كان يدعو ثلاثين فقيراً يطعمهم أدماً وخبزاً وهذا القول هو الصحيح أنه يجوز أن يطعمهم ناضجاً أو نيئاً ولكن الأفضل أن ينظر لمصلحة الفقير. السائل: تارك الصلاة إذا جمع إلى ذلك أنه لايصوم ثم تاب فماذا عليه؟ الشيخ: لا يقضي الصيام لأنه كافر حتى على القول الصحيح لو كان يصلي وهو مسلم ولكن ترك الصوم عمداًَ فإنه لا يقضي لأن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة إذا أخرها الإنسان عن وقتها بدون عذر شرعي فإنها لا تقبل منه لقوله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). السائل: ما معنى (أبيح لهم الفطر ظاهراً وباطناً)؟ الشيخ: ظاهراً وباطناً يعني أصلاً أنه لا يجب عليه الصوم بخلاف ما كان أصلاً يجب عليه الصوم فهذا يباح له ظاهرا وسيأتينا هذا إن شاء الله في وجود الموانع. السائل: لوكرر الإطعام على مسكين واحد فهل يجزيء؟ الشيخ: لا لا يكرره عليه هذا هو معنى قولنا قبل قليل هل يطعم ثلاثين أو يفرق إطعام ثلاثين، لا بد بعدد الأيام. فصل القارئ: ومن لزمه الصوم لم يبح له تأخيره إلا أربعة:

أحدها الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فلهما الفطر وعليهما القضاء وإطعام مسكين لكل يوم لما ذكرنا من الآية وإن أفطرتا خوفاً على أنفسهما فعليهما القضاء حسب كالمريض. الثاني الحائض والنفساء لهما الفطر ولا يصح منهما الصيام لما ذكرنا في باب الحيض، والنفاسُ كالحيض فنقيسه عليه ومتى وجد ذلك في جزء من اليوم أفسده وإن انقطع دمها ليلاً فنوت الصوم ثم اغتسلت من النهار صح صومها (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جُنباً من جماع ثم يغتسل ويتم صومه) متفق عليه وهذه في معناه. الثالث المريض له الفطر وعليه القضاء لقول الله تعالى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) والمبيح للفطر ما خيف من الصوم زيادته أو إبطاء برئه فأما ما لا أثر للصوم فيه كوجع الضرس والإصبع ونحوه فلا يبيح الفطر لأنه لا ضرر عليه في الصوم ومن أصبح صائماً فمرض في النهار فله الفطر لأن الضرر موجود والصحيح إذا خاف على نفسه لشدة عطش أو جوع أو شبق يخاف أن تنشق أنثياه ونحو ذلك فله الفطر ويقضي لأنه خائف على نفسه أشبه المريض ومن فاته الصوم لإغماء فعليه القضاء لأنه لا يزيل التكليف ويجوز على الأنبياء عليهم السلام ولا تثبت الولاية على صاحبه فهو كالمريض.

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله تعالى الثالث المريض. المريض له الفطر وعليه القضاء وقوله له الفطر اللام هنا للإباحة في مقابلة المنع أي المنع من الفطر فلا يمتنع أن يقول إن الفطر في حقه سنة بل إنه قد يجب الفطر وذلك أن المريض إن تضرر بالصوم لزمه الفطر وإن شق عليه بلا ضرر سن له الفطر وإن كان لا يشق عليه ولا يتضرر به فليس له الفطر وإن كان بعض العلماء قال إن له الفطر لعموم قوله (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ) فكل ما يسمى مرضاً فإنه يبيح الفطر سواء شق عليه أم لم يشق لكن الاحتياط أن يقال لا يفطر المريض إلا إذا كان عليه مشقة فقوله رحمه الله له الفطر في مقابل المنع يقول المؤلف وعليه القضاء لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) والمبيح للفطر ما خيف من الصوم زيادة المرض أو إبطاء برئه هذا هو المبيح فإذا خيف زيادة المرض أو إبطاء برئه أو المشقة بحيث يتعب المريض إذا صام فكل هذا يبيح له الفطر وأما ما لا أثر للصوم فيه كوجع الضرس والإصبع ونحوه فإنه لايبيح الفطر ما لم يكن هناك أشياء تترتب على هذا أما مجرد وجع الضرس فإنه لا يستفيد منه الإنسان إذا أفطر لكن لو قال له الطبيب إنك إذا أفطرت وأكلت الغذاء فإن هذا يهون عليك المرض مرض السن أو الضرس قلنا لا بأس لأنه أحياناً يكون نقص الغذاء سبباً لطول المرض والتألم ووجع العين مثله إذا كان يؤثر عليه الصوم فإنه يفطر وإذا كان لا يؤثر فإنه لا يفطر.

ومن أصبح صائماً فمرض في أثناء النهار فله الفطر لأن الضرر موجود معناه وإذا حدث ما يمنع الوجوب فهل له الفطر؟ نقول: نعم إذا حدث المرض في أثناء النهار وصار يشق عليه أو يخاف منه الضرر فله أن يفطر لأن الضرر موجود والصحيح إذا خاف على نفسه من شدة العطش أو جوع أو شبق يخاف تشقق الأنثيين أو نحو ذلك فله الفطر لأن هذا بمنزلة المرض إذا خاف العطش لكن ليس المراد مجرد العطش بل العطش الذي يخاف منه الهلاك أو يخاف منه الضرر مثلاً يوجد بعض الناس المصابين بالسّكر يحتاجون إلى الماء كثيراً فإذا كان هو ليس مريضاً يعني ظاهره أنه يروح ويأكل ويشرب نقول: إذا قال الأطباء إن فقد الماء يؤثر عليك وإنه يخشى عيك فله أن يفطر وكذلك الجوع يوجد بعض الناس لا يتحمل لاسيما في أيام الصيف وطول النهار لا يتحمل أن يبقى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ويخشى على نفسه الضرر فنقول: افطر والأمر واسع والحمد لله وإذا كان يخشى على نفسه من الشبق فإن له الفطر والشبق مرض وليس شدة الشهوة بل هو مرض وقد حدثني بعض المصابين به نسأل الله العافية أنه بمجرد ما يشتهي وتدور شهوته ينزل الماء إلى كيس الخصيتين ثم تنتفخ انتفاخاً عظيماً حتى ينزل ومثل هذا المرض مرض عظيم نسأل الله العافية فإذا كان يخشى تشقق أنثييه فله أن يفطر لأن هذا من أعظم المرض. قال ويقضي لأنه خائف على نفسه لأنه أشبه المريض. القارئ: ومن أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه لأن الصوم الإمساك ولا ينسب ذلك إليه وإن أفاق في جزء من النهار صح صومه لوجود الإمساك فيه وإن نام جميع النهار صح صومه لأن النائم في حكم المنتبه لكونه ينتبه إذا نبه ويجد الألم في حال نومه.

الشيخ: هذا واضح يعني يفرق بين الجنون والإغماء والنوم فإذا جُنَّ من قبل الفجر إلى غروب الشمس لا شيء عليه لا قضاء عليه وصومه غير صحيح لأنه ليس من أهل التكليف والمغمى إذا أغمي عليه من قبل الفجر إلى غروب الشمس يلزمه القضاء فإن أفاق جزءً من النهار وكان قد نوى الصوم قبل الإغماء فإنه يجزئه. والنائم لو نام قبل طلوع الفجر إلى أن غربت الشمس فصومه صحيح فالنائم ضد المجنون، المجنون ليس عليه قضاء والمغمى عليه قضاء ما لم يفق جزءاً من النهار وكان قد نوى من قبل الفجر والنائم صومه صحيح ولا شيء عليه والفرق ظاهر وهذا بخلاف الصلاة فإن القول الراجح في الصلاة أنه إذا أغمي على الإنسان بغير عمدٍ منه فإنه لا قضاء عليه كما لو أغمي عليه لمرض أو لحادث أو ما أشبه ذلك وإن أغمي عليه بقصد منه كما لو أغمي عليه ببنج فيكون هوالذى قد تعمد فيلزمه قضاء الصلاة. القارئ: الرابع السفر الطويل المباح يبيح الفطر للآية ولايباح الفطر لغيره لما ذكرنا في القصر ولا يفطر حتى يترك البيوت وراء ظهره لما ذكرنا في القصر وللمسافر أن يصوم ويفطر لما روى حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أصوم في السفر؟ قال (إن شئت فصم وإن شئت فافطر) متفق عليه والفطر أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصوم في السفر) متفق عليه، ولأنه من رخص السفر المتفق عليها فكان أفضل كالقصر.

الشيخ: أما السفر القصير الذي لا يبلغ المسافة أو لا يعد سفراً عند الناس فهذا لا يبيح له الفطر لقول الله تعالى (أَوْ عَلَى سَفَرٍ) واشترط المؤلف أن يكون مباحاً فإن كان محرماً وهو الذي عصى الله به فإنه لا يحل له الفطر مثل أن يكون هذا الرجل قد سافر لفعل الفاحشة أو لشرب الخمر أو قتال المسلمين أو ما أشبه ذلك فهذا سفره محرم وأما العاصي في سفره فهذا له الفطر والفرق بينهما أن الأول لم يحمله على السفر إلا المعصية أما الثاني فله غرض أخر لكن عصى في سفره. ونظير هذا وإن كان ليس من بحثنا إذا استأجر منك إنسان بيتاً يريد أن يضع فيه مسرحاً للهو فتأجيره حرام ولو استأجره منك ليسكنه ثم جعل منه مسرحاً للهو فتأجيره ليس بحرام والفرق أنه في الأول استأجره لفعل المحرم والثاني استأجره لفعل مباح لكنه فعل فيه المحرم.

اشترط المؤلف أن يكون طويلاً وأن يكون مباحاً لقوله تعالى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وقال المؤلف: للمسافر أن يصوم ويفطر والفطر أفضل ثم استدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصوم في السفر) وفيما ذهب إليه المؤلف نظر والصواب أن المسافر له أن يصوم ويفطر لأن الصحابة (كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم منهم الصائم ومنهم المفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم) وكذلك حديث حمزة بن عمرو الأسلمي حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم (إن شئت فصم وإن شئت فافطر) وأما قول المؤلف إن الفطر أفضل ففيه نظر أولاً: لأنه استدل بما هو أخص من العموم فإن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصيام في السفر) إنما قاله في حال معينة وهي أنه رأى زحاماً ورجلاً قد ضلل عليه والناس يتزاحمون عليه ينظرون ما حاله فقال ما هذا؟ قالوا صائم قال (ليس من البر الصيام في السفر) يعني إذا أدى إلى هذه الحال فليس من البر وهذا لاإشكال فيه ولا يقال إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب نقول: نعم العبرة بعموم اللفظ ولهذا قلنا يشمل هذا الرجل وغيره من كانت حاله كحاله لكن إذا علمنا أن الحكم رتب على حال معينة فإنه لا يجوز أن نعممه وإلا لقلنا إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل البر لأنه كان يصوم في السفر فالقول الراجح أن يقال من شق عليه الصوم في السفر فليس من البر أن يصوم ومن لم يشق عليه فالأفضل الصيام لوجوه ثلاثة:

الوجه الأول أنه فِعْل النبي عليه الصلاة والسلام فإنه كان يصوم في السفر قال أبو الدرداء رضي الله عنه (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في سفر في شدة الحر حتى إن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة) وعلى هذا نقول: إن الصوم في السفر أفضل لأنه سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ولأنه كان يصوم فجيء إليه بعد صلاة العصر وقيل يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام وينتظرون ما تفعل فدعى بماء بعد العصر وهو على ناقته عليه الصلاة والسلام فوضعه على فخذه فجعل يشرب والناس ينظرون فأفطر الناس ولم يبق إلا القليل صبروا لأن الشمس قريبة من الغروب فرجعوا إليه وقالوا يا رسول الله إن بعض الناس قد صام فقال (أولئك العصاة أولئك العصاة). الوجه الثاني أنه إذا صام مع الناس صار أنشط له وأسهل عليه والقضاء صعب وشاق ولهذا نجد بعض الناس يتساهل ويتهاون حتى يأتي رمضان الثاني وهو لم يصم وما كان أسهل فهو أولى وأحسن.

الوجه الثالث فضيلة الزمن لأن رمضان هو محل الصوم ووقته فكان أفضل أما مع المشقة فالفطر أفضل وليس الصوم من البر وأما مع المشقة الشديدة فالصوم حرام لأن النبي عليه الصلاة والسلام وصف القوم الذين بقوا صائمين بأنهم عصاة وهذا يعني أنه معصية فهذا هو التفصيل في مسألة صوم المسافر وذهبت الظاهرية كعادتهم في اتباع الظواهر إلى أن من صام في السفر أو في المرض فصومه باطل ولا صيام له لأن الله أوجب عليه عدة من أيام أخر فإذا صام في رمضان فقد صام قبل وقته ومن فعل العبادة قبل الوقت فعبادته غير صحيحة ولكن قولهم هذا مردود بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان الصحابة مع الرسول يصومون ويفطرون وهو نفسه صلى الله عليه وسلم قد صام والآية على تقدير محذوف والمعنى فمن كان مريضاً أو على سفر فأفطر وهذا لا إشكال فيه لكنهم رحمهم الله هم يتمسكون بالظاهر وربما يغفلون عن السنة وإلا فهم يتمسكون بالسنة كثيراً. السائل: قول المؤلف (حتى يترك البيوت وراء ظهره) كيف نجيب عما ورد عن الصحابة خلاف هذا؟ الشيخ: نعم هذا ثبت عن أنس رضي الله عنه كان إذا أراد السفر دعى بسفرته وأكل ثم ركب لكن لا تطيب النفس بهذا لأن قوله (عَلَى سَفَرٍ) تفيد العلو وأنه كما يقال على ظهر يعني شارع في السفر فالقول الراجح رأي الجمهور لا يجوز أن يفطر حتى يخلف بيوت القرية خلف ظهره وننكر على من فعله لكن من اجتهد وأداه اجتهاده إلى ذلك فله اجتهاده وحسابه على الله. السائل: المريض بالشبق كيف يقضي؟ الشيخ: يقضي إن هان عليه فإن استمر معه صار كالكبير الذي يشق عليه الصوم. السائل: ما المراد بالمشقة في السفر؟

الشيخ: التي حصلت بسبب السفر أما مشقة الصوم فهو حاصل حتى في البلد لكن هل يجوز للمسافر أن يأكل ويشرب أمام الناس؟ نقول: إذا كان عليه علامة السفر فلا بأس، وإذا لم يكن عليه علامة السفر فالأولى أن يأكل مختفياً لئلا يعرض نفسه للغيبة من وجه أو يغتر به الصبيان والصغار ويظنون أن الصوم ليس بفريضة. القارئ: ولو تحمل المريض والحامل والمرضع الصوم كره لهم وأجزأهم لأنهم أتوا بالأصل فأجزأهم كما لو تحمل المريض الصلاة قائماً. الشيخ: يعني لو أن المريض تكلف مع المشقة وصام أو المسافر أو الحامل أو المرضع فلا بأس يعني صيامهم صحيح لكن قد يكون منهي عنه إما نهي كراهية وإما نهي التحريم على حسب ما فصلناه سابقاً. القارئ: ومن سافر في أثناء النهار أبيح له الفطر لما روي عن أبي بصرة الغفاري (أنه ركب في سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع ثم قرب غداه فلم يجاوز البيوت حتى دعى بالسفرة ثم قال اقترب قيل ألست ترى البيوت؟ قال: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل) رواه أبو داود. الشيخ: الحامل والمرضع إذا كان يشق عليهما الصوم أو يخاف على الولد من الصوم كنقص الغذاء فإنه يباح لهما الفطر بل ربما يقال إذا خافتا على الولد من الفطر وجب عليهما الفطر لما في ذلك من إنقاذ المعصوم لكن هل يلزمهما القضاء أو الإطعام أو القضاء والإطعام؟ فيه أقوال للعلماء منهم من قال لا قضاء عليهما وإنما الإطعام فقط ومنهم من قال عليهما القضاء والإطعام إن أفطرتا خوفاً على الولد وأما إن أفطرتا خوفاً على أنفسهما أو على ولديهما مع النفس فعليهما القضاء فقط لأنهما في حكم المريض والمريض ليس عليه إطعام ليس عليه إلا القضاء.

ومنهم من قال عليهما القضاء ولا إطعام عليهما وهذا أقرب الأقوال عندي إلا إذا صح عن المعصوم أن عليهما الإطعام دون القضاء فإن قولنا مردود لكن إذا لم يكن هناك أثر عن النبى صلى الله عليه وسلم فإن أقرب شيء أن يقال إن عليهما القضاء فقط. ويشبهه من بعض الوجوه ما لو أفطر لإنقاذ معصوم من هلكه مثل أن يرى أناساً حاصرتهم النار ولا يتمكن من إنقاذهم إلا إذا أكل أو شرب ليقوى على ذلك فأكل أو شرب لإنقاذ المعصومين فهل يلزمه قضاء وإطعام أو قضاء فقط؟ قضاء فقط وهذا يدل على أن الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على الولد أنه ليس عليهما إلا القضاء ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الذي أفطر لإنقاذ معصوم يجب عليه القضاء والإطعام قياساً على الحامل والمرضع لكن الذي يظهر هو أن عليهما القضاء فقط لأن الأصل براءة الذمة وأن لا نلزم عباد الله بما لا نعلم أن الله ألزمهم به أو يغلب على ظننا أن الله ألزمهم به إذا كان مما يجري فيه غلبة الظن وهذه قاعدة ينبغي للإنسان أن يفهمها أنك لا تلزم عباد الله إلا شيئاًَ تعلم أو يغلب على ظنك إن كان يجري فيه غلبة الظن أن الله ألزمهم به وإلا فأنت في حل والحائض والنفساء لا تصومان وعليهما القضاء، وفي الأثر الذي استدل به المؤلف دليل على أن الإنسان إذا خرج من البيوت وإن كان يراها فإنه يفطر وإن لم يكن بينه وبين البيوت إلا ذراع واحد فإنه يفطر وإذا كانت الصلاة قد حانت فإنه يصلي قصراً لأنه ليس من شرط الترخص في رخص السفر أن يغيب عن البلد المهم أن يفارق ولو بخطوة واحدة. القارئ: ولأنه مبيح للفطر فأباحه في أثناء النهار كالمريض. الشيخ: كالمريض يعني لو أن شخصاً كان صائماً ثم مرض في أثناء النهار واحتاج إلى أن يفطر فله أن يفطر فيقال وكذلك المسافر مع أن فيه حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام.

القارئ: وعنه لا يباح لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا اجتمعا فيها غُلِّب حكم الحضر كالصلاة وإن نوى الصوم في سفره فله الفطر لذلك ولما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (خرج عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت. الشيخ: في المخطوطة (ينتظرون ما فعلت) نسخة. القارئ: فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن أناساً صاموا فقال أولئك العصاة) رواه مسلم. الشيخ: في هذا الحديث دليل على أن الله يسر على عباده حتى في هذه اللحظة ولم يبق إلا القليل من النهار شرب النبي صلى الله عليه وسلم الماء والناس ينظرون بعد صلاة العصر والذين لم يفطروا كأنهم والله أعلم قالوا إن الوقت قصير والغروب قريب فلنمضِ في عبادتنا لكن اتباع السنة خير من المشقة ولهذا لو أن إنساناً أراد أن يطيل في ركعتي الفجر راتبة الفجر أراد أن يطيل ويدعو قلنا له أخطأت لأن اتباع السنة أولى والسنة تخفيهما حتى لو قال أريد أن أبتهل إلى الله وأدعو الله قلنا لا يصح خفف الركعتين وادع ما بين الأذان والإقامة فِإنه حري أن يستجاب لك. القارئ: وله أن يفطر بما شاء وعنه لا يفطر بالجماع فإن أفطر به ففي الكفارة روايتان أصحهما لا تجب لأنه صوم لا يجب المضي فيه فأشبه التطوع.

الشيخ: الأصح أنه يفطر بما شاء فلو قدر أن أحداً من الناس كان ذاهباً إلى مكة للعمرة وكان صائماً ونامت إلى جنبه زوجته واشتاق إليها وجامعها وهو صائم وهي صائمة لا بأس على القول الراجح لأنه لا فرق بين الجماع وبين الأكل كلها على حد سواء (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) ولذلك إذا سألك سائل في مكة في أيام العمرة يقول إنه جامع زوجته في رمضان وهو صائم لا تقل عليك الكفارة قل له هل أنت مسافر أم من أهل مكة؟ لأنك إذا أطلقت وقلت عليك الكفارة وهو معتمر هذه مشكلة قد يأخذ كلامك على القبول ويكلف نفسه فيصوم شهريين متتابعين والتفصيل هنا لابد منه لأن أكثر من يوجد في الحرم في أيام رمضان مسافرون فإذا سئلت فلا بد أن تستفصل تقول هل أنت مسافر أم مقيم؟ إذا قال مسافر جاء للعمرة قلنا ليس عليك شيء وإذا قال إنه من أهل مكة ألزمناه بالكفارة. القارئ: وإذا قدم المسافر وبريء المريض وهما صائمان لم يبح لهما الفطر لأنه زال عذرهما قبل الترخص أشبه القصر وإن زال عذرهما أو عذر الحائض والنفساء وهم مفطرون ففي الإمساك روايتان على ما ذكرنا في الصبي ونحوه.

الشيخ: هذه مسألة فيها فرق دقيق إذا قدم المسافر وهو صائم قدم إلى بلده لزمه الإمساك لأنه شرع في صومٍ واجب واجتمع في حقه المبيح والحاضر فغلب جانب الحضر لكن إذا قدم مفطرا إلى بلده هل يلزمه الإمساك أو لا؟ في هذا روايتان عن الإمام أحمد الصحيح أنه لا يلزمه الإمساك لأن هذا اليوم يجوز له الفطر ظاهراً وباطناً فهو في أول النهار يأكل ويشرب ويتمتع بأهله فكذلك في أخر النهار وليس كالصبي كما قال المؤلف رحمه الله فالصبي طرأ عليه التكليف وهذا زال عنه المانع وبينهما فرق لأن الصبي قبل أن يبلغ ليس من أهل الصوم إطلاقاً فإذا بلغ صار من أهل الصوم فيلزمه الإمساك ولكن لا يلزمه القضاء كما سبق أما المسافر إذا قدم مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك حتى لو أمسك ماذا يستفيد إلا الجوع والعطش لكن إذا قال قائل يستفيد القيام بالواجب إذا قلنا بوجوب الإمساك قلنا من يقول بوجوب الإمساك ليس له دليل ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه (من أكل أول النهار فليأكل آخر النهار) هكذا ذكره في المغني عنه يعني من جاز له الأكل في أول النهار جاز له الأكل في أخر النهار وهذا هو القياس ولو قدم المسافر مفطراً ووجد امرأته قد طهرت من الحيض في ذلك اليوم هل يلزمها الإمساك الحائض؟ لا لأنه لزوال المانع ليس لحدوث الوجوب وعلى هذا فإذا قدم وهو مفطر وزوجته قد طهرت من الحيض في ذلك اليوم جاز له أن يجامعها في البلد ويمكن أن يلغز بها فيقال رجل مكلف بالغ عاقل جامع زوجته في نهار رمضان في منتصف رمضان وقلنا لهما بارك الله لكما في جماعكما كيف يمكن هذا؟ هذه تنطبق على هذه الصورة التي ذكرناها إذا قدم مفطراً والزوجة قد طهرت من الحيض في أثناء النهار فله أن يجامعها لعدم وجوب الإمساك وقوله إنه يجب الإمساك لاحترام الزمن نقول: الزمن هذا غير محترم في حق المسافر بدليل أنه في أوله يأكل ويشرب وكذلك الحائض فالزمن غير محترم في حقها لأن هذا اليوم ما يتبعض ما يمكن أن يكون

أوله محترم وآخره غير محترم هو يوم واحد. السائل: من صام تطوعاً ثم أفطر في النهار فهل عليه قضاء؟ الشيخ: الصحيح أنه ما عليه قضاء ما فيه نفل إذا أفسدته يلزمك قضاؤه إلا الحج والعمرة فقط، وليس له حكم النذر لأن الرسول دخل على أهله فقالت له إنه أهدي إلينا حيس فقال (أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل) لكن المعارضين يقولون صائماًَ أي صائماً عن الطعام ليس الصيام الشرعي فيقال الأصل أن ما نطق به الرسول عليه الصلاة والسلام فهو حقيقة شرعية هذا هو الأصل. السائل: من فارق البنيان وهو مسافر فأفطر ثم طرأ عليه شيء فرجع إليه أهله فما الحكم؟ الشيخ: هذا المسألة يقول رجل خرج إلى المطار تقع كثيراً خرج إلى المطار فأفطر لكن الرحلة الطائرة ما حضرت أو أنها أقلعت قبل وقتها المقرر وهو الآن مفطر فرجع إلى البلد هل يلزمه الإمساك أو لا؟ ينبني على القولين إن قلنا بأن المسافر إذا قدم مفطراً يلزمه الإمساك لزم هذا من باب أولى وإذا قلنا لا وهذا هو الراجح فإنه لا يلزمه. السائل: المريض إذا بريء في نهار رمضان وهو مفطر هل يلزمه الإمساك؟ الشيخ: لا هو مثل المسافر هؤلاء ثلاثة المريض إذا بريء والمسافر إذا قدم والمرأة إذا طهرت. القارئ: ومن أبيح له الفطر لم يكن له أن يصوم غير رمضان فإن نوى ذلك لم يصح لأنه لم ينو رمضان ولا يصلح الزمان لسواه.

الشيخ: يعني لو أن إنساناً أبيح له الفطر لكونه مسافراً فجاء اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من رمضان وقال سأصوم البيض لأن صوم البيض سنة وقال سأصوم البيض وأنا يباح لي الفطر نقول: لا يصح لأن هذا الزمن إنما هو لرمضان نظيره لو تضايق وقت المكتوبة فهل للإنسان أن يصلي نافلة؟ لا لأن الوقت تعين للمكتوبه وهذا رمضان تعين لصوم الفرض فإذا صام فيه تطوعاً وإن كان ممن يباح له الفطر فإنه لا يصح تطوعه ولا يحل له ذلك لأن هذا الزمن لرمضان ورخص لك أن تفطر من أجل التيسير عليك لكن لو نوى وسَأَلَنا بعد أن فعل قلنا إن الصوم لم يصح لا عن رمضان لأنك لم تنوه ولا عن البيض لأنها في وقت لا يتسع لغير رمضان ولا يجزيء أن ينوي النيتين فصوم رمضان أفضل من أيام البيض. فصلٌ القارئ: ولا يجب صوم رمضان إلا بأحد ثلاثة أشياء كمال شعبان ثلاثين يوماً لأنه تيقن به دخول رمضان. الشيخ: وجه اليقين أنه لا يمكن أن يزيد الشهر الهلالي على ثلاثين يوماً أبداً فإذا أكملنا شهر شعبان ثلاثين يوماً بحيث يكون ثبت دخوله بشاهدين عدلين فإنه يجب صوم رمضان لأن الشهر الهلالي لا يمكن أن يزيد على ثلاثين يوماًُ. القارئ: ورؤية الهلال لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) متفق عليه. الشيخ: هذا الثاني رؤية الهلال إذا رُئي الهلال ولو كان شهر شعبان تسعة وعشرين يوماً ولو قدر أن شعبان ثمانية وعشرين يوماً يصام لقوله (صوموا لرؤيته) ويتبين بذلك خطأ الرؤية في أول شعبان. القارئ: ويقبل فيه شهادة الواحد وعنه لا يقبل فيه إلا شهادة اثنين لما روى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين فإن شاهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا) رواه النسائي. الشيخ: هذا الحديث أخرجه أحمد في المسند وإسناده صحيح.

القارئ: وقال أبو بكر إن كان الرائي في جماعة لم يقبل إلا شهادة اثنين لأنهم يعاينون ما عاينه وإن كان في سفر فقدم قبل قوله وحده وظاهر المذهب الأول اختاره الخرقي وغيره لما روى ابن عمر قال (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام) رواه أبو داود، ولأنه خبر فيما طريقه المشاهدة يدخل به في الفريضة فقبل من واحد كوقت الصلاة والعبد كالحر لأنه ذكر من أهل الرواية والفتيا فأشبه الحر وفي المرأة وجهان أحدهما يقبل قولها. الشيح: في المخطوطة (يقبل خبرهما) وهي نسحة. القارئ: لأنه خبر ديني فقبل خبرها به كالرواية والثاني لا يقبل لأن طريقه الشهادة ولهذا لا يقبل فيه شاهد الفرع مع إمكان شاهد الأصل ويطلع عليه الرجال فلم يقبل من المرأة المنفردة كالشهادة بهلال شوال.

الشيخ: السبب الثاني لوجوب الصيام رؤية الهلال ويكفي فيه على القول الراجح رؤية واحد سواء انفرد أو مع جماعة والتعليل بأنه إذا كان مع جماعة يوجب التهمة لأنه كيف يراه وهم لا يرونه؟ هذا تعليل عليل مادام أن الرجل ثقة وشهد أنه رأى الهلال فإنه يجب أن يقبل ولهذا جاء حديث عبد الله بن عمر يؤيد هذا (أن الناس تراءوا الهلال يعني جعلوا يري بعضهم بعضاً الهلال فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه فصام وأمر الناس بالصيام) وكونهم لا يرونهم ربما يكون هناك قوة بصر فى الرائي ينفرد به دونهم وربما يزيغ البصر ولذلك تجد نفسك أحياناً ترى الهلال ثم إذا التفت وطلبته ثانية لم تره فالصواب أنه يقبل شهادة الواحد ولو كان معه جماعة وأما المرأة ففيه هذا الخلاف الذي ذكره المؤلف هل تقبل أو لا؟ والصواب أنها إذا كانت في مكان واحد يعني ما فيه رجال فإنها تقبل ولو قيل بالقبول مطلق كما هو المذهب لكان له وجهاً أما التعليل بأنه لا يقبل فيه شهادة الفرع مع إمكان شهادة الأصل فهذا لأنه خبر ديني ينبغي أن يحتاط فيه وشهادة الفرع هي أن يحمل الشاهد شهادته شخصاً آخر فيكون الشاهد الأول أصلاً والثاني فرعاً، مثلاً باع زيد على عمرو سلعة وعندهما شاهدان يشهدان على العقد هذان الشاهدان سافرا لكنهما حَمَّلا شهادتهما شخصين آخرين فقالا لهما اشهدا على شهادتنا بأننا نشهد بأن فلاناً باع على فلان كذا فالشهادة الثانية فرع والشهادة الأولى أصل. أما الشهادة بدخول الشهر فلا يقبل فيها الفرع مع إمكان الأصل وهذا يدل على أن فيها جانباً كبيراً من مراعاة الشهادة بخلاف الخبر فالخبر لو أخبرك إنسان بأن الوقت دخل وهو رأى أن الفجر قد طلع ولكنه ذهب لحاجته وقال لآخر إن الفجر قد طلع فإنه لا بأس أن يخبر بخبره وعلى كل حال المرأة الثقة إذا شهدت بأنها رأت الهلال فإنها تقبل ولاسيما إذا كانت في مكان ليس معها غيرها.

السائل: إذا رُئي القمر متباعداً عن الشمس فالشمس في المغرب والقمر في المشرق هل يثبت به الشهر؟ الشيخ: هذا مستحيل إذا كان بعيداً لا يمكن وهو يكون لليوم الثاني يعني مثلا هو في المشرق فالغالب أنه متعذر ويقال إنه يمكن أن يرى في الصباح في المشرق ثم يرى في المغرب في آخر النهار ليس في آن واحد في آخر النهار يقال هكذا والله أعلم، وتحرير هذه المسألة لو كان الهلال سابق على الشمس فهو ما يعتبر حيث لو غاب قبل الشمس بدقائق فهو لايعتبر به دخول الشهر وإن تأخر ولو بدقيقة مع أنه ما يمكن لكن فرضاً. السائل: هل لا بد من شهادة اثنين لدخول غير شهر رمضان؟ الشيخ: (إن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا) وخرج عن الحديث دخول رمضان بحديث ابن عمر. مسألة: الواقع عند الناس ليس فيه تصرف الآن لأن هذا موكول لجهات مسؤولة عند ولاة الأمور متى ما حكموا بدخول الشهر صمنا ومتى لم يحكموا فإننا لا نصوم، لكن المقصود تحرير المسألة من الناحية الفقهية أما من الناحية العمليه فالمسألة قد تعدتنا إلى جهات مسؤولة. القارئ: الثالث أن يحول دون مطلع الهلال ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو غتر وفيه ثلاث روايات إحداهنّ يجب الصيام لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدرووا له) متفق عليه يعني ضيقوا له العدة من قوله (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) أي ضيق عليه وتضييق العدة له أن يحسب شعبان تسعة وعشرين يوماً. الشيخ: يُحسب فعل مبني لما لم يسم فاعله "شعبان" وقولنا لما لم يسم فاعله أحسن من قولنا (مبني للمجهول) فالعبارتان تختلفان اختلافا عظيما يقول الله تعالى: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً) معلوم الخالق فهذا مبني لما لم يسم فاعله ولايقال مبني للمجهول لأن الخالق معلوم فالتعبير بما لم يسم فاعله أحسن مما يسمى مبني للمجهول.

القارئ: وتضيق العدة أن يحسب شعبان تسعة وعشرين يوماً وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا حال دون مطلعه غيم أو قتر أصبح صائما وهو راوي الحديث وعمله به تفسيرٌ له. الشيخ: هذه الرواية ضعيفة أنه إذا كان هناك غيم أو قتر وجب الصوم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (فإن غم عليكم فاقدروا له) فكلمة (اقدروا له) لا يصح أن نقول: إنها بمعنى ضيقوا عليه والتنظير بالآية الكريمة تنظير بما ليس بنظير لأن الآية (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ) ولفظ الحديث (فاقدروا له) ولم يقل (اقدروا عليه المعنى قدروا له هذا التقدير هل معناه أكملوا العدة ثلاثين يوما أو معناه اعملوا بالحساب؟ في هذا قولان للعلماء القول الأول (اقدروا له) أي أكملوا شعبان ثلاثين وهذا هو الذي ورد به الحديث (فإن غمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) وإذا كان القائل (فاقدروا له) هو الذي قال (فأكلموا العدة) فهو أعلم بما قال وليس فعل ابن عمر هو الذي يفسر الحديث مع وجود تفسير النبي صلى الله عليه وسلم له وعلى هذا نحمل قوله (فاقدروا له) أي أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً لأن هذا هو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقول: على فرض أن (اقدروا له) بمعنى اقدروا عليه لماذا لا نجعل المسألة أن نضيق على رمضان؟ حتى (يوافق أكملوا العدة ثلاثين) لأنك إذا أكملت شعبان ثلاثين ضيقت على رمضان أما القول الثاني فيقول (اقدروا له) أي اعملوا بالحساب من التقدير وهذا ذهب إليه بعض المعاصرين وأيدوه تأييداً بالغاً وعندي أنه لا وجه له مع وجود نص بين يوضح المعنى ونقول: نحن والحمد لله في حل ما دام نبينا عليه الصلاة والسلام وجهنا أن نكمل شعبان ثلاثين يوماً فلماذا نذهب إلى التقدير والعمل بالحساب؟ فلو قالوا إن قول الرسول (إنّا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب) ونحن الآن أمة العلم وكنا أمة أمية قبل أن يعلمنا الله الكتاب والحكمة على يد محمد صلى الله عليه وسلم فيقال هذا أيضاً تعليل لكن لا يقابل

به النص (أكملوا العدة ثلاثين) نص واضح وصريح أما فعل ابن عمر رضي الله عنهما فابن عمر رضي الله عنهما معروف بالتشدد والتحري والاحتياط ولهذا كان رضي الله عنه مما يفعل من الاحتياطات أنه إذا توضأ غسل داخل عينيه لأن العين من الوجه وكما يستنشق الإنسان ويتمضمض كذلك يغسل داخل عينيه حتى أدى به الأمر إلى أن كُفَّ بصره في النهاية وكان رضي الله عنه من شدة احتياطه كان يتحرى المكان الذي بال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام من أجل أن ينزل من بعيره ليبول فيه لكن هذا كما يقول شيخ الإسلام خالفه جمهور الصحابة في فعله وهو حق وأن ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل المصادفة فإنه ليس بسنة. القارئ: والثانية لا يصوم لقوله في الحديث الآخر (فإن غم عليكم فأكلموا ثلاثين يوماً) حديث صحيح، وقال عمار (من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم) حديث صحيح ولأنه شك في أول الشهر فأشبه حال الصحو. الشيخ: حديث عمار يؤيد أنه إذا كان هناك غيم أو قتر فإنه لا يجوز الصيام لقوله (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم) والغريب أن الذين قالوا بوجوب الصوم يقولون إن يوم الشك هو يوم الصحو إذا كان صحواً أما إذا كانت غيماً فليست يوم شك فيقال سبحان الله هل هناك شك مع الصحو؟ ترآه المسلمون فلم يروه ما عندهم شك أنه لم يهل والصواب الذي لا شك فيه أن يوم الشك هو ليلة الثلاثين من شعبان إذا كان هناك غيمٌ أو قتر. القارئ: والثالثة الناس تبع للإمام إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا لقوله عليه الصلاة والسلام (صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون) رواه أبوداود.

الشيخ: الناس تبع للإمام وهذه الرواية قوية جداً ويجب أن يكون العمل عليها بمعنى أنه إذا كان هناك جهة مسؤولة عن الحكم بدخول الشهر أو بخروجه فإن الواجب الاجتماع وعدم الاختلاف حتى لو جاء إنسان وشهد بأنه رأى الهلال ولكن لم يعتبر به فإنه لا يصوم إلا إذا أراد أن يصوم سراً فربما نقول: لا بأس وأما صومه علناً فهذا يمنع منه لأن هذا مخالفة للجماعة وشق للعصا وشق العصا ليس معناه حمل السلاح فقط فالمخالفة لولي الأمر يعتبر من شق العصا أو ابتداء شق العصا لأن الشق عندما تشقه هل ينشق جميعاً وإلا شيئاً فشيئاً؟ حتى القميص ما تشقه جميعا شيئاً فشيئاً فإذا ظهرت المخالفة والمبارزة لأولياء الأمور في مثل هذا معناه أن الأمور ستكون فوضى ولهذا بعض الناس مثلاً في الدول الأخرى إذا سمعوا أن المملكة مثلاً صاموا ولكن ولاة أمورهم لم يحكموا بدخول الشهر بعضهم يصوم وهذا غلط نقول: الموافقة للجماعة هي السنة والمطالع تختلف وسيأتينا إن شاء الله في الفصل الذي يليه أن المسألة محل خلاف بين العلماء ولكن الراجح أن من كان تحت ولاية فإنه لا يتعدى ما تقوله هذه الولاية إن اخطأوا فعلى أنفسهم وإن أصابوا فللجميع. مسألة: حديث (صومكم يوم تصومون) فيه مقال لاشك فيه ولكنه مطابقٌ تماماً للقواعد العامة الشرعية وهو وجوب اتفاق الكلمة وعدم الاختلاف لا سيما في مثل هذه الأمور. فصلٌ القارئ: وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم لأنه ثبت ذلك من رمضان.

الشيخ: سبق لنا قبل ذلك أن صوم رمضان يجب بواحد من أمور ثلاثة إما رؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين أو أن يكون ليلة الثلاثين غيم أو قترٌ وأن الصواب أنه لا يجب الصوم إن كان هناك غيمٌ أو قتر بل إن هذا حرام وقلنا إننا ندرس هذا الآن يعني في عصرنا هذا دراسة نظرية أما الدراسة العميلة فهذا الأمر راجع إلى ولاة الأمور إذا ثبت عندهم دخول الشهر بأي طريقة رأوها وجب علينا اتباعهم لئلا نشق عصا المسلمين وذلك لأن الشارع له نظر عظيم في عدم الاختلاف أرأيتم المصلي الآن إذا كان مسبوقاً ودخل مع الإمام في الركعة الثانية تختلف صلاته اختلافاً عظيماً لسبب وجوب متابعة الإمام تجده مثلاً يجلس التشهد الأول للإمام وهو غير محل جلوس له ويقوم إذا قام الإمام للركعة الرابعة وهو محل جلوس له فالدين الإسلامي له نظر عظيم في اجتماع الكلمة لأن الأمة إذا تفرقت انشق العصا وكما قلنا فيما سبق إن انشقاق العصا ليس يأتي دفعة واحدة وإنما يكون شيئاً فشيئاً يكون بالأول بالكلام ثم يكون بالسهام وكم من كلمة أوقدت سعيراً عظيماً وهذا هو المشاهد والواقع يشهد له وراقبوا البلدان لتنظروا فيها كيف تكون كلمة توقد نيراناً عظيمة ثم تجد الذين انغمسوا في ذلك الآن يتمنون الخلاص ولا يلقونه، إنسان كلمني بالهاتف من بلاد ما يقول حرية المسلمين في أسبانيا أحسن من حريتهم في بلادنا يقول بلادنا يجبرونا على أن نلبس ثوباً معيناً وألا نلبس القميص وألا نتخذ اللحى وفي أسبانيا البس ما شئت واعف لحيتك وأذن بالصلاة ويجتمع الناس لها كل ذلك من أجل الخلاف على ولاة الأمور لأن ولاة الأمور في الواقع هم الذين بيدهم السلطة وهل من المعقول أن بيضة تلاطم حجرا أو أن شخصاًَ يقابل القنابل بسكين المطبخ؟ ليس بصحيح هذا والإنسان لا يحكم على الشيء بمقتضى نار الغيرة ولكن ينظر للمصالح والمفاسد وما يترتب على ذلك من أذى له ولغيره في المستقبل بل وأذى للدعوة التي كان ينشدها وللدين

الذي كان يريد أن يقيمه فالمسألة ليست هينة لكن لو أتى الأمر على وجهه لحصل الخير والهدوء وطابت نفوس الولاة وقالوا نعم هؤلاء يروننا شيئا ويروننا سلطة وتنازلوا عن بعض ما يريدون وهذا شيء مجرب لذلك نرى أن مقابلة الشيء بالعنف لا يزيد الأمر إلا شدة وأن أول الشر يكون بكلمة يظنها الإنسان بسيطة يقول هذا من الصدع بالحق ويقول هذا من إنكار المنكر المعلن يجب إنكاره علنا ًوما أشبه ذلك دون أن ينظر في العواقب وكما قال الله عز وجل في القرآن الكريم (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) ثم فسدت الأمور إذا جاءهم الأمن قالوا يا ناس اطمئنوا ما عندكم شيء ولا خوف ثم أفسدوا استعداد الناس لمواجهة عدوهم لأنه أذاعوا أن الأمر أمن وأن الأمر هين بينما أن ولاة الأمور يستعدون للأمر وعندهم خوف من العدو ولكن هؤلاء ثبطوا الناس أو الخوف كذلك جعلوا يذيعونه قال الله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ) عليه الصلاة والسلام في حياته وإلى سنته بعد مماته وإلى أولي الأمر منهم وهنا أتى العطف بحرف الجر يعني لم يجعله تابعاًَ محضا (إلى الرسول وإلى ولي الأمر) بخلاف الطاعة يعني هنا مسألة سياسية قد يكون عند ولاة الأمور ما ليس عند هؤلاء (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ) وأصل الاستنباط استخراج الماء من باطن الأرض والباطن ليس ظاهراً وهؤلاء الذين يستنبطون عندهم ما ليس عند هؤلاء الذين يأخذون بالظاهر لذلك نقول: نحن نتكلم في مسألة الهلال وثبوت الصوم بالنسبة لوقتنا الحاضر على أنها مسألة نظرية أما عمليا فالمرجع في ذلك إلى ولاة الأمور إذا أثبتوا دخول الشهر أو خروجه بما يرونه طريقاً شرعياً فإننا نتبعهم والحمد لله ليس علينا بأس ونحن نتحدث عن بلادنا ولله الحمد بلادنا في هذه الأمور ترتكز على الطريقة الشرعية تماماً (صوموا لرؤيته وأفطروا لرويته) حتى إنهم

أحياناً قد تكون الشهادة خلاف الواقع لكن نظرا لشدة تمسكهم بظاهر السنة (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) يأخذون بهذا ويجعلون ذلك في ذمة الشاهد فعلى كل حال مثل هذه الأمور لا ينبغي للإنسان أن يخرج عن الجماعة نعم لو فرضنا أن إنساناً في البر وحده ورأى الهلال وليس عنده في هذا إشكال ولا يرى مخالفة الجماعة ولو خروجاً على ما كان عليه الإمام فصام أو أفطر بناءً على رؤيته فهذا هو الذي يسعه عند الله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) وهذا رآه ولا يحصل بذلك مخالفة الجماعة ولا الشذوذ عما يراه ولاة الأمر لكن إنسان في وسط البلد مخالف تجده مثلاً رأى هلال شوال وتيقن أنه رأى هلال شوال ولكنه لم يثبت عند المحاكم فخرج إلى السوق معه طعام يأكله أمام الناس يعني أني مفطر وأن اليوم يوم عيد الفطر نقول: هل هذا يليق؟ لا نقول إذا كان لا تطيب نفسك بصومه بناء على رؤيتك فأفطر سراً أما أن تعلن مخالفة الجماعة ما يمكن ولولي الأمر أن يعزر مثل هذا ويؤدبه على ما فعل لأن المسألة ليس كل من شاء حكم لنفسه ولم يبالِ بأمر الجماعة. السائل: بعض طلبة العلم الصغار يقولون نحن لانتبع الذين يستنبطون في العلم، لأنا نخشى الله عز وجل ولأن المسالة مبنية على الأدلة والله سبحانه وتعالى يقول (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) ويقولون إن لديهم الأدلة الواضحة من القران والسنة على إنكار المنكر، وهذا أمر يتعلق بديننا ونحن لا نتبع الناس فنكون مقلدين فبماذا تجيبون بارك الله فيكم؟

الشيخ: نقول بارك الله لهم في نيتهم لكن أخطأوا المنهج الآن لو وضعت يدك على عينك تشوف نصف الناس وهؤلاء نظروا إلى النصوص من جانب وتركوها من جانب آخر فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طبقات أي إذا نهيت عن منكر فلا يخلو من أحوال إما أن ينتقل الناس إلى منكر أعظم فهذا بالإجماع أنه لا يجوز يجب السكوت عن المنكر هذا دفعاً لما هو أنكر منه وأعظم منه وهذا بنص كتاب الله (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) مع أن سب آلهة المشركين واجب أو على الأقل مطلوب وإذا كان سبهم يقتضي سب إلهنا عز وجل المنزه عن كل عيب ونقص فإنه يحرم لأنه يترتب على سب آلهتهم سب الله وهو أعظم ولو أنك نهيت إنساناً عن شرب الدخان وشرب الدخان محرم لكن تعلم إذا قلت يا فلان اتق الله واترك الدخان قال والله صحيح أن الدخان مؤذٍ ومضر وليس فيه لذة فذهب وجاء بجرة خمر وشرب منها لأنك نهيته عن هذا فقال هذا أهون هل يجوز هذا وإلا ما يجوز؟ لا يجوز ولهذا انظر إلى فقه العلماء هذا شيخ الإسلام رحمه الله مر بقوم من التتر يشربون الخمر وربما يلعبون القمار ومعه صاحب له فقال ليش ما نهيتهم؟ قال هؤلاء لو نهيناهم لذهبوا يقتلون الناس ويقعون في أعراضهم وتلهيهم بما هم عليه من المنكر أهون من كونهم يذهبون إلى هذا.

ولهذا لو تراجع كلام ابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين يكون جيدا فالمنكر إذا كان يزول إلى ماهو أنكر منه فإنه لا يجوز إنكاره درءاً لأعلى المفسدتين بأدناهما، ونحن لا نقول: لا تنكروا المنكر لكن لا تهاجموا ولاة الأمور لأن هذا ما ينفع فولاة الأمور ما ينفع فيهم المهاجم لأن الشيطان يدخل في مخيلتهم أشياء قد لا تكون طرأت على بالك أو أنها طرأت على بالك لأن بعض الذين ينكرون المنكر والله أعلم بالنيات قد يكون مقصودهم أن يتولوا السلطة ما ندري؟ الله أعلم نبرأ إلى الله من هذا الشيء لكن أنكر المنكر مثلاً البنوك حرام فهل مثلا من العقل أن تهاجم الدولة ليش تسمح لها وهي حرام؟ أو من العقل أن تقول للناس يا أيها الناس احذروا هذه البنوك يحرم عليكم أن تودعوا فيها، لا تعاملوها، اهجروها، قاطعوها أيهما أنفع للمجتمع؟ الثاني أنفع للمجتمع والأغاني مثلا في الإذاعات وغير الإذاعات موجودة هل مثلاً من الحكمة أن تهاجم وزارة الإعلام تقول فَعَلت وتركت وما أشبه ذلك أم أن تقول يا أيها الناس احذروا هذه المعازف فإنها حرام ولا يغرنكم انتهاك الناس لها ولا كثرة استعمالها ولا كثرة بثها في الإذاعات فإن هذا لا يوجب تحليل ما حرم الله وتحذرهم وتبين الأدلة الدالة على المنع أيها أنفع للناس؟ لا شك أنه الثاني وأنا لست أقول في هذا اسكتوا عن الجهات المسؤولة لكن ناصحوها إما بطريق مباشر أو غير مباشر فإن حصل الهُدى فهو للجميع وإن لم يحصل فأنت سلمت وبرئت ذمتك هذا الذي نقوله ومن زعم أننا نريد بذلك أن يبقى المنكر منكراً ويسكت عنه هذا ليس بصحيح، بعض السلف الذين يدندن حولهم الناس يقول لي بعضهم أن هذا الرجل الذي يدنون حوله إنه إمام في العقيدة الأشعرية حتى وصف لي بعضهم بأنه أشعري جلد ولم نر أحداً تكلم على عقيدته وقال هذا أشعري أبدا لكن لأنه قال كلمة ربما أنها تكون في صالح بعض الدعاة صار يدندن حولها ثم نقول: السلف لهم اجتهادات لا في

العبادات ولا في غيرها أليس بعض السلف يقوم الليل كله؟ وهذا وهو غير مصيب أليس بعض السلف يقولون إذا دخلت في صلاتي فأتوا فاقطعوا رجلي حتى لا أحس بها؟ يعني معناه أنه لا يتصور الواقع مع إقباله على الصلاة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول أنا أجهز جيشي وأنا في الصلاة أو ليس النبي عليه الصلاة والسلام في صلاته يسمع بكاء الصبي ويتصوره ويعرف كيف يحصل لأمه ثم يوجز في صلاته؟ والله ليسوا خيراً من الرسول عليه الصلاة والسلام هؤلاء مجتهدون يخطئون ويصيبون ولعلك قد مر بك في صحيح البخاري قصة أسامة مع الذين كلموه في شأن عثمان ماذا قال لهم وهم في عهد الصحابة الحق لا يقاس بالرجال إطلاقاً عندنا نصوص من القرآن والسنة مبينة موضحة والحمد لله فالشريعة الإسلامية كلها مبنية على شيئين تحصيل المصالح أو بعضها بقدر الإمكان وإعدام المفاسد أو تقليلها بقدر الإمكان هذا الأساس الذي بنيت عليه الشريعة الإسلامية ما بعث الله الرسل إلا ليصلحوا الناس في دين الله وفي معاملة عباد الله فيجب أن يكون لدينا عقول نوازن بين الأشياء فالآن لو فرضنا أن لك ابناً أخطأ عليك خطيئة وانتهت القضية وحصلت المفسدة هل من المصلحة أن تداويه بهجره وطرده من البيت؟ والأمر قد انقضى ولا سيما في هذا الزمن أنك لو طرته من البيت أين يذهب؟ هل يأتي يبكي عند رأسك ويقبل قدميك ويقول يا أبي اسمح لي؟ إنما يذهب مع صاحبه والله أعلم أين يتجهون؟ فالإنسان يجب أن ينظر للمصالح أنت لا تريد أن تشفي غليلك من هذا الأمر المنكر أو أن تبرده هذه الغيرة الفائرة أنت تريد أن تصلح عباد الله امشِ على شرع الله وأنت في حل. السائل: يا شيخ ما ضابط هذا المصالح والمفاسد؟

الشيخ: الإنسان يعرفها بالواقع، المصالح والمفاسد تكون بالنتيجة فالإنسان ينظر للنتيجة هي التي تزن الأشياء لأنني قد أقول إن هذه مصلحة والثاني يقول هذه غير مصلحة وربما يقع النزاع ولا سيما إذا كان الإنسان يدين الله بهذا الشيء وعازم عليه وما عنده فيه إشكال لكن أنت انظر للنتيجة يعني هاتِ لي أي ثورة من الثورات صار الناس فيها أصلح من ذي قبل؟ ما تستطيع أبدا فأنت انظر للمصالح والمفاسد والأمة الإسلامية قبل أن تختلف كانت مهيبة يخافها الناس من كل جانب ونصروا بالرعب مسيرة شهر ولما تفرقوا صار بعضهم يقتل بعضاً يعني انشغلوا بقتال بعضهم بعضاً عن قتال الكفار ولا أدعي أني أنا الحاكم على المصالح أو المفاسد أنا أقول انظر للواقع. السائل: ذكرنا أن هذا الطريق غير صحيح في الإنكار لكن ما موقفنا يا شيخ ممن تبنى هذا الرأي؟

الشيخ: موقفنا ممن تبنوا هذا الرأي أن نسأل الله لهم الهداية والبصيرة ولكن لا يجوز أن يكون بيننا وبينهم عداء لأن العداوة ليست بين المسلمين لكن نناصحهم ونبين للناس أن هذه الطريق غير صحيحة حتى لا يغتر الناس بهم لأن العامة عندهم غيرة عارمة لاسيما في الوقت الحاضر والحمد لله فيظنون أن مثل هذه الطرق أنها سليمة ونبين أنها غير سليمة ونبين النتائج التي حصلت فقد حصلت مفاسد كثيرة ولم يحدث شيء على مايريد هؤلاء لكن لو كانت المسألة بهدوء ومشورة وسلوك الطرق التي توصل إلى المقصود حصل خيرٌ كثير فالمهم أنا أوصيكم باعتباركم طلبة علم وباعتبار أنكم شباب مقبل على خير إن شاء الله أن تلتزموا دائماً بالحكمة وأن لا تخطوا خطوة مثل هذه الخطوة العظيمة إلا وأنتم تعرفون أين موطيء قدمكم حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها وأنا أجزم والعلم عند الله أن الذين تورطوا في هذه المسألة في بلاد ما يتمنون أن الأمر لم يكن بكل قلوبهم لأنهم تجرؤا على محارم واضحة قتلوا الأبرياء قتلوا المعاهدين قتلوا المستأمنين بأي طريقة هذه؟ من أحل هذا؟ سبحان الله بيننا وبينكم كتاب الله وسنة رسوله. فصلٌ القارئ: وصومه واجب بالنص والإجماع.

الشيخ: الكلام هذا مختصر جداً مع أنه مهم جداً يقول المؤلف إذا رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم والدليل لأنه ثبت ذلك اليوم من رمضان وصومه واجب بالنص والإجماع صوم رمضان ولكن متى يدخل رمضان هل إذا رؤي في بلد يثبت في جميع البلاد؟ هذا موضع خلاف بين العلماء منهم من قال: لا يثبت في جميع البلاد بل من رآه ثبت الحكم في حقه ومن لم يره لم يثبت الحكم في حقه واستدلوا لذلك بقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وهذه جملة شرطية تفيد اختصاص الحكم بمن شهد فيخرج بمنطوقها المفهوم وهو من لم يشهد فإنه لا يجب عليه الصوم والدليل الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا) وفي لفظ (صوموا لرؤيته) (وإذا رأيتموه فأفطروا) وهؤلاء لم يروه فقوله (إذا رأيتموه) منطوقه وجوب الصوم عند الرؤية ومفهومه عدم الوجوب إذا انتفت الرؤية.

ثالثاً: القياس الصحيح على التوقيت اليومي فإنه بالإجماع أن لكل جهة من الأرض حكمها في التوقيت اليومي وأنه إذا طلع الفجر على قوم لزمهم الإمساك وإذا غربت الشمس على قومٍ حل لهم الفطر وإن كانت البلاد الأخرى لم تكن كذلك وهذا بالإجماع ولم يعارض فيه أحد مع أن فيه عموماً كعموم (إذا رأيتموه فصوموا) وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) ومعلومٌ أن هذا الحكم يختص بمن تحقق فيه هذا الشيء ومن لا فلا ولهذا كان القول الراجح بلا شك ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه إذا اختلفت مطالع الهلال فلكل قومٍ مطلعهم قال واختلاف المطالع ثابت باتفاق أهل المعرفة وعلى هذا فما توافق في مطلع الهلال ومغربه فالحكم واحد وإن تباعدت البلاد وإذا اختلف المطلع فإنه يختلف فيه الحكم وهذا أقرب مايكون إلى القواعد وعرفتم أيضاً أنه موافق للكتاب والسنة والقياس الصحيح وفي المسالة قول آخر ذهب إليه المؤلف وهو أنه إذا رُؤي في أقصى المشرق لزم أقصى المغرب أن يصوموا وإذا رؤي في أقصى المغرب لزم أهل المشرق أن يصوموا مع أن هذا يختلف فيه المطالع وكذلك بالنسبة للشمال والجنوب وهذا هو المذهب واستدلوا بعموم قوله (إذا رأيتموه فصوموا) وقالوا إن الخطاب للمسلمين عموماً فإذا رآه واحد منهم لزم الجميع.

والقول الثالث في المسألة أن الناس يرجعون إلى عمل السلطة والولاية فإذا كانت الولاية واحدة فإذا ثبت في جهة منها لزم كل من تحت هذه الولاية ولو تباعدت الأقطار وإلا فلا وهذا الذي عليه العمل الآن، العمل الآن حسب الولايات مثلاً هذه المنطقة يحكمها ناس وهذه المنطقة يحكمها ناس يجعلون كل منطقة لها حكمها لئلا يحصل الخلاف والنزاع وهذا وإن كان فيه وجهة نظر من جهة الاتفاق وعدم الاختلاف بين أمة واحدة محكومة بحكم واحد لكنه من الناحية النظرية ليس بجيد لأنه مثلاً إذا كانت الحدود بين دولتين وليس بين الدولتين إلا هذا الحد الذي يكون خمسة أذرع فمثلاً هل من المعقول أن تراه هذه الدولة ثم نقول: الدولة التي بيننا وبينها خمسة أذرع لايلزمكم الحكم هذا بعيد لكن من ناحية أن الناس ينضوون تحت ولاية واحدة ولا يختلفون له وجه نظر وهذا هو الذي عليه العمل على أنه مع الأسف الشديد أن بعض الحكومات تجعل العمل تابع للسياسة فإذا كانت العلاقات جيدة بين دولة وأخرى صاروا تبعاً لها وإذا كانت العلاقة رديئة أصبح لكل أهل بلد مطالعهم وهذا تلاعب بالشرع هذا لا يجوز إطلاقاً فإما أن يقال نعمل بالولاية ومن كان تحت ولاية واحدة فلهم حكم واحد إن صام الناس صاموا وإن أفطر الناس أفطروا وإما أن نقول: بأن رؤية الواحد رؤية للجميع أما التلاعب بدين الله فهذا لا يجوز بقي علينا من كانوا في بلاد الغرب وليس هناك دولة مسلمة تراعي هذا الأمر وتراقب القمر فمن يتبعون؟ أقرب ما يكون للنظر أن يتبعوا أقرب البلاد إليهم إذا كانوا يحكمون بالرؤية لأن هذا هو المعقول ومن العلماء من قال إنهم يتبعون مكة لأن مكة أم القرى كما سماها الله عز وجل فمتى ثبت في مكة لزم الناس الذين ليس لهم دولة مستقلة إسلامية لزم الناس اتباعها صوماً وفطراً ولكن الأقرب الأول أن يتبع أقرب البلاد الإسلامية إلى هذه البلاد الغربية إلا إذا كان للجالية المسلمة في هذه البلاد الكافرة إذا كان لهم

رابطة تربطهم فإنهم يتبعون الرابطة ولا يشذون عنها لأنها تعتبر بمنزلة الإمام. السائل: إذا كانت يا شيخ الرابطة هذه لا تعتمد على الرؤية وإنما على الحساب فماذا نصنع؟ الشيخ: لكن هل إذا قلنا إن الحساب لا عبرة به هل ممكن أن نعتمد على الرؤية هناك في تلك البلاد؟ إذا كان يمكن بحيث يخرج أناس مرضيون في نظرهم وأمانتهم فنعم لا نعتمد رأي الرابطة ما دامت تحكم بالحساب أما إذا تعذر فقد سبق لنا أن بعض العلماء يقول (فإن غم عليكم فاقدروا له) أنه من التقدير الذي هو حساب منازل القضاء. القارئ: ومن رأى الهلال فردت شهادته لزمه الصوم لقوله عليه الصلاة والسلام (صوموا لرؤيته) فإن أفطر يومئذٍ بجماع فعليه القضاء والكفارة لأنه أفطر يوماً من رمضان بجماع تام فلزمته كفارة كما لو قبلت شهادته. ولا يجوز الفطر إلا بشهادة عدلين الحديث عبد الرحمن بن زيد، ولا أنها شهادة على هلال لا يدخل بها في العبادة فلم يقبل فيه الواحد كسائر الشهور ولا تقبل فيها شهادة رجل وامرأتين لذلك ولا يفطر إذا رآه وحده لما روي أن رجلين قدما المدينة وقد رأيا الهلال وقد أصبح الناس صياما فأتيا عمر فذكرا ذلك له فقال لأحدهما أصائم أنت؟ قال: بل مفطر. قال ما حملك على هذا؟ قال لم أكن لأصوم وقد رأيت الهلال وقال الآخر: أنا صائم قال ما حملك على هذا؟ قال: لم أكن لأفطر والناس صيام فقال: للذي أفطر لولا مكان هذا لأوجعت رأسك رواه سعيد.

الشيخ: هذه المسألة اختلف فيها العلماء فالمشهور كما قاله المؤلف إذا رأى وحده هلال شوال وجب عليه الصوم لأن هلال شوال لا يثبت إلا برؤية شاهدين وما دام لم يثبت شرعاً فإنه يجب عليه أن يصوم وقيل له أن يفطر سراً والأقرب أن لا يفطر سراً لاحتمال الوهم في رؤيته مخالفة الجماعة مفسدة ظاهرة فلا ينبغي له أن يخالف الجماعة بأمر يحتمل فيه الوهم وهذا أقرب إلى الصواب ولأنه أحوط بخلاف ما ذكرناه في أول الفصل بالنسبة للصوم لأنه إذا صام يوماً والناس لم يصوموا لا يضره. القارئ: ولأنه محكوم به من رمضان أشبه الذي قبله فإذا صام الناس بشهادة اثنين ثلاثين يوماً فلم يروا الهلال أفطروا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين ثم أفطروا) حديث حسن. الشيخ: المؤلف رحمه الله أحياناً يتعجب الانسان منه (فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) هذا في الصحيحين أو أحدهما وكان ينبغي له أن يستدل به لأنه أحسن من هذا اللفظ الذي ساقه. القارئ: وإن صاموا لأجل الغيم فلم يروا الهلال لم يفطروا لأنهم إنما صاموا احتياطاً للصوم فيجب الصوم في آخره احتياطا وإن صاموا بشهادة واحد فلم يروا الهلال ففيه وجهان أحدهما لا يفطرون لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وإن شهد اثنان فصوموا وأفطروا) ولأنه فطر يستند إلى شهادة واحد فلم يجز كما لو شهد بهلال شوال. والثاني يفطرون لأن الصوم ثبت فوجب الفطر باستكمال العدة تبعاً وقد يثبت تبعاً ما لا يثبت أصلا بدليل أن النسب لا يثبت بشهادة النساء أصلا ويثبت بها الولادة ثم يثبت النسب للفراش على وجه التبع للولادة. الشيخ: وهذا هو الأقرب فالصواب أنه إذا صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً أفطروا سواءً رأوا الهلال أو لم يروه لأنه يثبت تبعاً ما يثبت استقلالاً. السائل: قول عمر في الأثر السابق (لولا مكان هذا لأوجعتك) ما فهمت هذا؟

الشيخ: يحتمل المراد المكان الذي هم فيه احتراماً له كما قال للرجلين الذين رفعا صوتهما عند قبر النبي عليه الصلاة والسلام (لولا أنكما في مسجد الرسول ولستما من أهل هذا البلد لأوجعتكما ولضربتكما) يحتمل لولا صاحبك فتركت ذلك إكراماً لصاحبك وهذا أقرب إلى اللفظ. السائل: شهادة الصبي هل تقبل في باب الصيام؟ الشيخ: لا تقبل لا بد أن يكون بالغا عاقلاً. فصلٌ القارئ: ومن كان أسيراً أو في موضع لا يمكنه معرفة الشهور بالخبر فاشتبهت عليه فإنه يصوم شهراً بالاجتهاد لأنه اشتبه عليه وقت العبادة فوجب العمل بالتحري كمن اشتبه عليه وقت الصلاة فإن لم ينكشف الحال فصومه صحيح لأنه أدى فرضه باجتهاده أشبه المصلي يوم الغيم وإن انكشف الحال فبان أنه وافق الشهر أجزأه لأنه أصاب في اجتهاده وإن وافق بعده أجزأه لأنه وقع قضاء لما وجب عليه فصح كما لو علم وإن بان قبله لم يجزئه لأنه صام قبل الخطاب أشبه المصلي قبل الوقت وإن صام بغير اجتهاد أو غلب على ظنه أن الشهر لم يدخل فصام لم يجزئه وإن وافق، لأنه صام مع الشك فأشبه المصلي شاكاً في أول الوقت. الشيخ: إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يعلم دخول الشهر فإنه يتحرى ويصوم لقول الله تبارك وتعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) وقوله (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ومن القواعد المعروفة إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن فهذا يرجع إلى غلبة ظنه ثم لا يخرج إما أن يوافق الشهر وإما أن يكون بعده وإما أن يكون قبله هذه ثلاث حالات لا يكون سواها فإن وافق الشهر فصومه صحيح وإن كان بعده فصومه صحيح لكنه يكون قضاءً وإن كان قبله فصومه غير صحيح لأنه صام قبل الوقت كمن صلى قبل الوقت ويحتمل أن يكون صومه صحيحاً لأنه أدى ما يجب عليه فبرئت ذمته وهذا أقرب إلى يسر الشريعة وسهولتها أما إذا بقيت الحال على ما هي عليه فإن صومه صحيح لكن كلامنا إذا بان الأمر على خلافه. فصل

القارئ: ووقت الصوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس لقول الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ). الشيخ: قول المؤلف (الفجر الثاني) يفيد أن هناك فجراً أول وهو كذلك وقد ذكر العلماء أن بين الفجرين ثلاثة فروق: الفرق الأول: أن الفجر الأول يكون مستطيلاً في الأفق كذنب الذئب وأما الفجر الثاني فيكون معترضاً في الأفق يعني يمتد من الشمال إلى الجنوب وأما ذاك فيمتد من الشرق إلى الغرب. الفرق الثاني أن الفجر الأول يكون ما بينه وما بين الأفق مظلم يعني كأنه نور مقطوع وأما الفجر الثاني فيكون ما بينه وبين الأفق مضيئاً. والفرق الثالث أن الفجر الأول ينطمس بعد ذلك يعني أنه يرجع الجو مظلما وأما الفجر الثاني فلا يرجع الجو مظلماً بعده بل لا يزال الضوء منتشراً حتى تطلع الشمس فهذه ثلاثة فروق بين الفجر الثاني والفجر الأول أما مقدار ما بينهما فيختلف أحياناً يكون بينهما نصف ساعة وأحياناً يكون بينهما ساعة إلا ربع على حسب الظواهر الكونية الأفقية. القارئ: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق) حديث حسن.

الشيخ: قول المؤلف (حديث حسن) فيه نظر إذا كان قد رواه مسلم وقوله في الحديث (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال) لأن بلالاً رضي الله عنه يؤذن عند قرب الفجر وبيَّن الرسول عليه الصلاة والسلام لماذا يؤذن؟ فقال (ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم) القائم الذي يصلي يرجعه حتى يتسحر والنائم يوقظه ثم قال عليه الصلاة والسلام (فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) هذا غير السياق الذي ذكره المؤلف (فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) أما اللفظ الذي ساقه المؤلف فيقول (ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق) المستطيل الذي يكون طولاً في السماء والمستطير الذي يكون عرضاً يشبه جناح الطائر لأن الطائر إذا أراد أن يطير يفرد جناحيه فلهذا سماه مستطيراً. القارئ: وعن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس أفطر الصائم) متفق عليه ويجوز الأكل والشرب إلى الفجر للآية والخبر. وإن جامع قبل الفجر ثم أصبح جُنباً صح صومه لأن الله تعالى لما أذن في المباشرة إلى الفجر ثم أمر بالصوم دل على أنه يصوم جُنبا وقد روت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جُنباً من جماع غير احتلام ثم يغتسل ويصوم) متفق عليه.

الشيخ: أراد المؤلف أن يبين أن الإنسان يجوز له أن يأكل ويشرب ويجامع إلى أن يطلع الفجر لأن الله قال (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) فقال (يَتَبَيَّنَ) ولم يقل حتى يطلع حتى (يَتَبَيَّنَ) ولا يكون إشكال فيه (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وإذا كان يجوز أن يجامع حتى يطلع الفجر لزم من ذلك أن يطلع الفجر وهو على جنابة، هذا وجه الدلالة من القرآن أما السنة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح ُ جُنبا منً جماع أهله ويصوم وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) وقولها (من غير احتلام) هذا من باب التأكيد وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتلم لأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه ومن كان كذلك فإنه لا يمكن أن يحتلم لأنه لو احتلم لكان الفعل محرماً حيث أنه يدرك ذلك بقلبه وهو صلى الله عليه وسلم لا ينام ولذلك قال العلماء إن من خصائصه أنه لا يحتلم. السائل: أحسن الله إليكم ما الجواب عما ذكره ابن كثير رحمه الله في احتلام النبي صلى الله عليه وسلم حيث فصل فقال إن أريد بالاحتلام تلاعب الشيطان فهذا ممتنع في حقه عليه الصلاة والسلام وإن أريد خروج الفائض من جسده من الماء فهذا يقع منه؟ الشيخ: والله ما أعرف هذا المعروف عن العلماء أنه من خصائص الرسول أنه لا يحتلم والاحتلام معروف أن الإنسان يرى في المنام مثل ما قالت أم سليم ترى في منامها ما يرى الرجل، والتفصيل هذا ما مر علينا والمعروف أنه لا يحتلم مطلقاً. السائل: بارك الله فيك بعض الناس يترك جزءاً يسيراً من الليل لكي يتحقق أنه صام النهار كله؟

الشيخ: لا هذا القول ضعيف جداً لأنه قال (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) ولو كان يجب أن يمسك جزءً من الليل لقال حتى يقرب. السائل: أحسن الله إليك، طلوع الفجر الثاني هل هو محدد بالتوقيت أم يأخذ فترة من الزمن؟ الشيخ: إذا رأيت المشرق مضيئاً فقد أقبل النهار كما جاء في الحديث والتقاويم فيها تقديم خاصة في صلاة الفجر فيها تقديم خمسة دقائق على الأقل. القارئ: وإن أصبح وفي فيه طعام أو شراب فلفظه لم يفسد صومه وإن طلع الفجر وهو يجامع فاستدام فعليه القضاء والكفارة لأن استدامة الجماع جماع وإن نزع فكذلك في اختيار ابن حامد والقاضي لأن النزع جماع كالإيلاج وقال أبو حفص لا قضاء عليه ولا كفارة لأنه تارك للجماع وما عُلِّق على فعل شيء لا يتعلق على تركه. الشيخ: الصواب بلا ريب ما ذهب إليه أبو حفص رحمه الله وأنه ليس عليه إثم ولا قضاء هو فعل ما يباح له جامع قبل أن يطلع الفجر ثم طلع الفجر ومن حين طلوعه نزع وأخرج ذكره من فرج امرأته فكيف نقول: إن عليه الإثم والقضاء والكفارة أو على الأقل نقول: عليه القضاء والكفارة؟ الصحيح أنه ليس عليه شيء لأنه فعل فعلاً مأذوناً فيه وما ترتب على المأذون فليس بمضمون فإن قال قائل لماذا يتأخر لماذا لم يتقدم حتى ينهي جماعه قبل طلوع الفجر؟ قلنا لأن الله أذن له بذلك وهو حر وربما لا يطرأ عليه إلا في ذلك الوقت أو ربما يكون قادم من سفر أو ما أشبه ذلك من الأحوال فالصحيح أنه لا شيء عليه لا قضاء ولا كفارة ولا إثم أما لو استمر بعد أن تبين له الفجر فلا شك أنه آثم وأنه منتهك لحرمة اليوم فتلزمه الكفارة لأنه جامع في يوم الصوم فلزمه القضاء. القارئ: وإن أكل شاكاًَ في طلوع الفجر صح صومه لأن الأصل بقاء الليل وإن أكل شاكاً في غروب الشمس بطل صومه لأن الأصل بقاء النهار.

الشيخ: إن أكل شاكاً في طلوع الفجر فصومه صحيح لأن الله قال: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ) والشاك لم يتبين له لكن لو تبين أنه بعد طلوع الفجر فهل عليه القضاء؟ الصحيح أنه لا قضاء عليه وربما يذكره المؤلف لكن هذا التعليق على الكلام هنا لا بأس به فالصحيح أنه لا قضاء عليه لأنه فعل ما هو مأذون فيه فله أن يأكل ويشرب حتى يتبين له الفجر وهذا لم يتبين له فأكل أوشرب ثم تبين بعد ذلك أنه في النهار نقول: لا قضاء عليه ولا أثم ولا كفارة إن كان مجامعاً، وأما إذا أكل شاكاً في غروب الشمس فإنه حرام عليه لأنه لا يجوز أن يفطر حتى يتيقن أن الشمس غربت والشك ليس بيقين فإذا أكل أو شرب ويقول والله ما أعرف هل غابت الشمس أم لا؟ نقول: هذا حرام عليك لا تأكل ولا تشرب حتى تتبين غروب الشمس فإن غلب على ظنه أن الشمس غربت دون أن يتيقن فالمذهب لا يجوز أن يفطر حتى يتيقن والصحيح أنه يجوز أن يفطر وأنه لا قضاء عليه ولو تبين أنه في النهار لما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما (أن الناس أفطروا في يوم غيم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس ولم يؤمروا بالقضاء) وهذا دليل على أنه لا قضاء عليهم إذ لو كان القضاء من شرع الله لبينه الرسول عليه الصلاة والسلام ولو بينه لحفظه الله ونقل إلينا لأن الشريعة محفوظة فلما لم يكن شيء من ذلك علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالقضاء وأنه لا قضاء عليهم ووقعت هذه المسألة في زمن عمر رضي الله عنه مرتين فمرة قال: اقضوا يوماً مكانه الخطب سهل ومرةً قال: إننا لم نتجانف لإثم فلا قضاء علينا لكن السنة حاكمة على كل أحد وهو أنه لا قضاء عليهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالقضاء السائل: من جامع في نهار رمضان هل يلزمه الإمساك عن الأكل والشرب؟

باب النية في الصوم

الشيخ: إذا كان ممن يباح له الفطر كالمسافر فلا يلزمه الإمساك وإذا كان ممن لا يباح له فيجب عليه الإمساك ودليل هذا أن فعله هذا محرم فلا يستبيح به الواجب. السائل: أليس الجماع مفسد ومن المفطرات؟ الشيخ: يفسد صومه ولا يأكل ولا يشرب لأن هذا الوقت محترم في حقه ولم يكن في الشرع ما يدل على أن حرمته زالت بخلاف ما إذا كان مسافراً. السائل: بارك الله فيكم علام نحمل فعل بعض الصحابة ومنهم أبو بكر رضي الله عنه فقد صح عنهم أنهم كانوا يأكلون حتى يرتفع؟ الشيخ: هذا الفعل اجتهاد لكن بين أيدينا كلام الله (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) وما بعد الغايه مخالف لما قبله. السائل: ومن قال خيط الفجر هو النهار؟ الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم فسره بأنه بياض النهار والنهار ما يتم طلوعه إلا بطلوع الشمس. باب النية في الصوم القارئ: لا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصيام الواجب إلا بنية من الليل لكل يوم لما روت حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) رواه أبو داود ولأنه صوم مفروض فاعتبرت فيه النية من الليل لكل يوم كالقضاء ونحوه وعنه تجزئه النية في أول رمضان لجميعه لأنه عبادة واحدة والأول المذهب لأن كل يوم عبادة منفردة لا يتصل بالآخر ولا يفسد أحدهما بفساد الآخر فأشبه أيام القضاء.

الشيخ: الصحيح الرواية الثانية أنه تجزئه نية واحدة من أول الشهر ما لم يوجد مبيح للفطر في أثناء الشهر فلا بد من استئناف النية فمثلاً إنسان سافر في أثناء رمضان انقطعت النية فإذا أراد أن يصوم بعد أن أفطر قلنا لابد من تجديد النية أما وليس هناك ما يبيح الفطر ولم يفطر فإنه تجزئه النية الأولى لأنك لو سألت كل إنسان حين دخل رمضان أتريد أن تصوم كل الشهر؟ لقال نعم وبناءً على ذلك يظهر أثر الخلاف في المثال فلو أن رجلاً نام قبل غروب الشمس اليوم ونحن في رمضان وبقي نائما ًحتى طلع الفجر من الغد فصومه على المذهب غير صحيح لأنه لم ينو من الليل كل يوم بليلته وعلى القول الثاني صومه صحيح وهو الصحيح. القارئ: وفي أي وقت من الليل نوى أجزأه للخبر ولأن الليل محل النوم فتخصيص النية بجزء منه يفوت الصوم ومن أكل أو شرب بعد النية لم تبطل نيته لأن إباحة الأكل والشرب إلى الفجر دليل على أن نيته لم تفسد به. الشيخ: هذا صحيح وهو خلاف ما يقوله العامة فالعامة يقولون إذا انتهيت من السحور وعقدت النية فإنه لا يمكن أن تأكل وهذا غير صحيح ما دام الليل باقياً فلك أن تأكل ولو نويت الصوم فلو أن الإنسان تسحر وانتهى من سحوره وعزم على أنه لن يأكل ولن يشرب ثم بدا له بعد ذلك وقبل الفجر فله أن يأكل ويشرب لأن الحكم منوط بطلوع الفجر. فصل القارئ: ويجب تعيين النية لكل صومِ يومٍ واجب وهو أن يعتقد أنه صائمٌ غداً من رمضان أو من كفارته أو من نذره وعنه لا يجب تعيين النية لرمضان لأنه يراد للتمييز وزمن رمضان متعين له لا يحتمل سواه والأولى أصح لأنه صوم واجب فافتقر إلى التعيين كالقضاء فلو نوى ليلة الشك إن كان غداً من رمضان فهو فرض وإلا فهو نفل أو نوى نفلاً أو أطلق النية صح عند من لم يوجب التعيين لأنه نوى الصوم ونيته كافية ولا يصح عند من أوجبه لأنه لم يجزم به والنية عزم جازم.

الشيخ: الصواب في هذه المسألة إذا قال إن كان غداً من رمضان فصومه فرض وإلا فنفل أنه ينعقد لقوله النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير (فإن لك على ربك ما استثنيتي) وهذا في العبادة وكما علمتم أنه يجوز الاستثناء في الدعاء أيضاً. فالصواب جواز ذلك وعلى هذا فإذا كان ليلة الثلاثين من شعبان وخاف الإنسان أن يثبت الشهر فلينم على هذه النية فإذا لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر وعلم أن هذا اليوم من رمضان فنيته صحيحة وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأما إذا نوى نفلاً وعين فإنه لا يجزئه عن الفريضة وقول المؤلف رحمه الله إنه يجزيء عند من لم يشترط التعيين فيه نظر لأن هذا لم ينو صوماً مطلقاً بل نوى نفلاً وفرق بين الصوم المطلق وصوم النفل لأن النفل عين أنه نفل فكيف يجزيء عن الفريضة؟ أما لو نوى صوماً مطلقاً أنه صائم ولا في قلبه نوع الفريضة عن رمضان أوغيره فهذا نعم عند من يرى أنه لا يشترط التعيين يكون صومه صحيحاً لكن الظاهر أنه لا بد من التعيين لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمريء ما نوى). القارئ: وإن نوى إن كان غداً من رمضان فأنا صائم وإلا فلا لم يصح على الروايتين لأنه شك في النية لأصل الصوم. ولا يفتقر مع التعيين إلى نية الفرض لأنه لا يكون رمضان إلا فرضا وقال ابن حامد يحتاج إلى ذلك لأن رمضان للصبي نفل. الشيخ: الصواب أنه يتجه لرمضان ولا يشترط أن ينوي الفرض لأن رمضان لا يقع إلا فرضاً والإنسان يعرف نفسه ليس بصبي سيعرف نفسه أنه بالغ. القارئ: ومن نوى الخروج من صوم الفرض أبطله لأن النية شرط فى جميعه فإذا قطعها في أثنائه خلا ذلك الجزء عن النية فيفسد الكل لفوات الشرط.

الشيخ: يقول إن نوى الخروج من صوم الفرض أبطله يعني بطل الصوم لكن لو نوى أن يكون نفلاً وهو لم يأكل ولم يشرب ولم يفعل مفطراً انعقد على أنه نفل ولهذا عبر بعضهم قال من نوى الفطر فكمن لم ينو ولم يعبر بقوله أفطر لأنه إذا قال أفطر معناه أنه لا يمكن أن يبني آخر اليوم على أوله فإذا قال كمن لم ينو صار لو نوى النفل في آخر اليوم أجزأه وهذا هو الواقع فإذا نوى الإفطار من الفرض ثم لم يأكل ولم يشرب ونوى أن يكون نفلاً أجزأه لأن النفل يصح بنية من أثناء النهار. السائل: لونذر صيام يوم معين لكن حدثته نفسه أن يقطع الصيام وليس بعزم؟ الشيخ: الصحيح أن التردد لا يبطل النية لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه حتى يعزم على الفصل أما التردد هل يفطر أو لا يفطر؟ الصحيح أنه لا يفطر وأما إذا عزم على فعل محظور عزم أن يأكل وعدل عن هذا الفعل فإنه لا يفطر لأنه إنما أراد فعل المحظور ولم يفعله وهذا حتى المشهور من المذهب أنه إذا عزم على فعل المحظور ولم يفعله فإنه لا تبطل عبادته كما لو نوى أن يتكلم في أثناء الصلاة ولكن لم يتكلم. مثال ذلك رجل يصلي وسمع قرع الباب وألح المستأذن في القرع فهم المصلي أن يبطل صلاته لأجل أن يرد عليه يعني هم أن يكلمه ولكنه لم يفعل فصلاته صحيحة الحاصل أن التردد في النية لا يضر على القول الراجح والعزم على فعل محظور لا يبطل العبادة قبل فعله لأن بطلان العبادة مرتب على فعل المحظور ولم يفعله. فصلٌ القارئ: ويصح صوم التطوع بنية من النهار لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال (هل عندكم شيء؟) قلنا لا قال (إني إذاً صائم) رواه مسلم.

الشيخ: الخلاصة الآن أن العزم على إبطال العبادة يبطلها سواءً في الصيام أو غيره والعزم على فعل المحظور في العبادة لا يبطلها حتى يفعل والتردد في النية هل يقطعهما أو لا؟ الصحيح أنه لا يبطلها لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى ينتقل منه. فصل القارئ: ولأن في تجويز ذلك تكثيراً للصيام لأنه قد تعرض له النية من النهار فجاز كما سومح في ترك القيام والاستقبال في النافلة لذلك. الشيخ: إذاً التطوع يجزيء في أثناء النهار والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل هل عندكم شيء؟ قالوا لا قال (إني إذاً صائم) و (إذاً) ظرفٌ للحال يعني من الآن أكون صائماً فدل ذلك على أنه يصح أن يصوم النفل من أثناء النهار ولكن يثاب على اليوم كاملاً أولا يثاب إلا من النية؟ في هذا قولان للعلماء منهم من قال إذا صححنا صومه وجب أن يكون له ثواب ذلك اليوم كله لأنه ليس هناك صومٌ يكون نصف نهار ومنهم من قال بل لا يثاب إلا من النية وعللوا ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما الأعمال بالنيات) وإذا كانت الأعمال بالنيات فما سبق النية ليس منوياً فلا يثاب عليه وهذا هو الصحيح وينبني على ذلك إذا كان صوم النفل مما عُيِّن فإنه وإن صح الصوم لا يجزيء عن المعين مثاله: رجل في أثناء اليوم الثالث عشر من الشهر نوى أن يصوم الأيام البيض فعقد النية من نصف النهار فهل يجزئه هذا عن صوم اليوم الثالث عشر؟ على الخلاف إن قلنا إنه يثاب من أول النهار أجزأه وإن قلنا لا يثاب إلا من النية لم يجزئه لأن هذا لم يصم ثلاثة أيام من النهار بل صام يومين ونصف يوم أما ما ليس معين كالنفل المطلق فهذا وإن أثيب ثواب نصف اليوم لم يضره (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره). السائل: قبل غروب الشمس أفطر فهل يثاب على ما مضى من اليوم؟ الشيخ: لا يثاب لأنه أفسد العبادة.

باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

القارئ: وفي أي وقت نوى من النهار أجزأه في ظاهر كلام الخرقي لأنه نوى (في) النهار أشبه ما قبل الزوال واختار القاضي أنه لا يجزيء بنية بعد الزوال لأن النية لم تصحب العبادة في معظمها أشبه ما لو نوى مع الغروب قال أحمد من نوى التطوع من النهار كتب له بقية يومه وإذا جَمَّع من الليل كان له يومه. الشيخ: واذا أجمع أي عزم لأن الإجماع في اللغة العزم، وكلام الخرقي وكلام القاضي أصحهما كلام الخرقي وأنه يصح ولو بعد الزوال ثم الثواب ذكرناه قبل قليل لكن الإمام أحمد قال من نوى التطوع من نهار كتب له بقية يومه أي أنه يثاب على ذلك من النية كتب له بقية يومه يعني من حين نوى وإذا أجمع من الليل كان له يومه. القارئ: فظاهر هذا أنه إنما يحكم له بالصيام من وقت النية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى) وقال أبو الخطاب يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من أول النهار لأن صوم بعضه لا يصح. الشيخ: يعني فإذا كان الشرع قد صحح الصوم من أثناء النهار لزم أن ينسحب الحكم على أوله لأن صوم بعض يوم لا يصح شرعاً لكن ما قاله الإمام أحمد أقيس وأقرب للصواب إنه إنما يثاب من وقت النية (إنما لكل أمريء مانوى). باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة القارئ: يحرم على الصائم الأكل والشرب للآية والخبر فإذا أكل أو شرب مختاراً ذاكراً لصومه أبطله لأنه فعل ما ينافي الصوم لغير عذر سواءً كان غذاءً أو غير غذاء كالحصاة والنواة لأنه أكل وإن استعط أفسد صومه لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) رواه أبو داود وهذا يدل على أنه يفسد الصوم إذا بالغ فيه بحيث يدخل إلى خياشيمه.

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله يحرم على الصائم الأكل والشرب للآية وهي قوله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) والخبر حديث أبي هريرة (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وكذلك الحديث القدسي يقول الله تعالى (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) ثم قال (إن أكل أو شرب ذاكراً لصومه مختاراً بطل) الذاكر ضده الناسي والمختار ضده المكره بقي قيد ثالث ليته جاء به عالماً وضده الجاهل، وقوله (سواء كان غذاءً أو غير غذاء) المأكول والمشروب ثلاثة أقسام قسم نافع وقسم ضار وقسم لا نافع ولا ضار وكلها تفطر فالنافع كالتمر والخبز والماء والعصير وما أشبه ذلك والضار كالخمر والدخان والحشيش وما أشبهه والذي ليس فيه نفع ولا ضرر كما مثل به المؤلف كالحصاة وخرزة السبحة وما أشبهها هذه ليست بها نفع ولا ضرر ومع ذلك تفطر الصائم إذاً كل ما دخل جوفه فإنه مفطر على أي حال كان فان قال قائل أرأيتم لو أن الطبيب نزّل الآلة الكاشفة على المعدة (المنظار) فهل تفطر أو لا؟ نقول: إن كان فيها مادة دواء يمكن أن يستقر في المعدة فإنها تفطر أما إذا كان مجرد آلة فهذا الآلة لن تبقى في المعدة سوف تسحب لأنه بمجرد ما ينظر إلى المعدة ويكشف عليها يطلع الآلة لكن إن كان فيها مادة دهنت بها لتسهيل دخولها فإنها تفطر.

فائدة: حديث أبي داود (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) صحيح أو حسن ثم إن المبالغة في الاستنشاق يشكو بعض الناس أنه إذا بالغ تأثر واحتقن الماء في خياشيمه وآلمته الخياشيم فمثل هذا لا يلزم ويقال يكفي أن تدخل الماء في منخريك يعني ليس بلازم أن تشفطه لأن بعض الناس حسب ما نسأل يقول إنه يشق عليه إذا دخل الماء إلى خياشيمه بقي فيها ثم آلمه فنقول: الواجب إدخال الماء في المنخرين فقط وما زاد على ذلك فهو سنة ما لم يكن في ذلك ضرر فإن كان فيه ضرر فإنه يكون ممنوعاً منه لقوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً). القارئ: وإن أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو إلى دماغه مثل أن احتقن أو داوى جائفة بما يصل جوفه أو طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه بما يصل جوفه أو قطر في أذنه فوصل إلى دماغه أو داوى مأمومة بما يصل إليه أفطر لأنه إذا بطل بالسعوط دل على أنه يبطل بكل واصل من أي موضع كان ولأن الدماغ أحد الجوفين فأبطل الصوم ما يصل إليه كالآخر. الشيخ: هذه مسائل ينبغي أن نذكر كل مسألة وحدها:

أولاً يقول إن أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان استثنى الفقهاء رحمهم الله الإحليل يعني الذكر فقالوا إذا أوصل إلى جوفه شيئاً عن طريق الذكر فإنه لا يفطر وذلك لأن البول يخرج من المثانة رشحاً وإذا كان يخرج منها رشحاً فإنه إذا أدخل شيئاً من ذكره لم يدخل إلى جوفه ولكن الصحيح خلاف ما قاله المؤلف وخلاف المذهب أيضاً وهو أنه لا يفطر بشيء من ذلك وضرب لهذا أمثلة وكذلك إذا وصل إلى دماغه مثلُ أن احتقن فإذا احتقن فكلام المؤلف يدل على أنه يفطر لأن الحقنة وصلت إلى جوفه عن طريق الدبر والصحيح أنه لا يفطر لأن هذا لا يسمى أكلاً ولا شرباً ولا يعطي الجسم ما يعطيه الأكل الشرب فلا يشمله النص لا لفظاً ولا معنى لا لفظاً لأنه ليس بأكل ولا شرب ولا معنى لأنه لايحصل به ما يحصل من الأكل والشرب كذلك يقول (أو دواى جائفة) الجائفة هي الجرح الذي يصل إلى الجوف كالبطن مثلاً إنسان انخرق بطنه فصار يداويه بدواء يقول المؤلف إنه يفطر بذلك والصحيح أنه لا يفطر لأن هذا ليس بأكل ولا شرب ولا يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب (أو طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه بما يصل جوفه) إنسان طعن نفسه بسكين مع البطن فدخلت السكين إلى الجوف يقول المؤلف إنه يفطر والصحيح أنه لا يفطر لأنه ليس أكلاً ولا شرباًَ ولا بمعني الاكل والشرب وقوله (طعنه غيره بإذنه) هل يجوز للغير أن يطعنه إذا أذن له؟ لو قال يا فلان جزاك الله خيراً خذ هذه السكين اطعن بطني يجوز أولا؟ لا لا يجوز بل يجب عليه أن يمنعه من ذلك حتى لو رآه يريد أن يطعن نفسه وهو قادر على منعه وجب عليه أن يمنعه لأن هذا من باب إنكار المنكر ومن باب إنقاذ المعصوم لكن الفقهاء رحمهم الله يذكرون المسائل في كل باب بحسبه لو جاءت هذه في الجنايات لقالوا إنه يحرم ولا يجوز لكن الكلام على أنه هل يحصل الفطر بذلك أو لا؟ الصحيح لا أما كلام المؤلف فنعم.

(أو قطر في أذنه فوصل إلى دماغه) فإنه يفطر أيضاً لأن الدماغ أحد الجوفين لكنه الجوف الأعلى والمعدة الجوف الأسفل فإذا قطر في أذنه فوصل إلى دماغه فإنه يفطر والصحيح أنه لا يفطر لأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب ولا يصل إلى مكان الأكل والشرب (لأنه إذا بطل بالسعوط دل على أنه يبطل بكل واصل من أي موضع كان أو داوى مأمومة بما يصل إليه أفطر) المأمومة هي الجرح الذي في الرأس ووصل إلى أم الدماغ وأم الدماغ في جوف الرأس فإذا دواى المأمومة ووصل إلى الدماغ فإنه يفطر بناء على القياس الذي ذكره المؤلف أنه جوف فما وصل إليه فهو كالواصل إلى المعدة وهذا قياس ليس بصحيح فالصواب أنه لا يفطر بذلك وقوله (أفطر بالسعوط) ما هو السعوط؟ السعوط من الأنف فيقال في الجواب عن هذا أولاً أن السعوط ورد في النص ما يدل على أنه طريقٌ يحصل به الفطر وهو حديث لقيط بن صبرة (بالغ في الاستشناق إلا أن تكون صائماً). ثانياً أن السعوط إذا أدخل من الأنف شيء فإنه يصل إلى المعدة ويتغذى به الإنسان. ثالثاً: أنه مما جرت العادة بإيصال الطعام منه إلى المعدة جرت به العادة وهومنفذ واضح يصل إلى المعدة فقياس ما سواه عليه قياس مع الفارق والقياس مع الفارق لا عبرة به. القارئ: وإن اكتحل فوصل الكحل إلى حلقه أفطر لأن العين منفذ لذلك يجد المكتحل مرارة الكحل في حلقه ويخرج أجزاؤه في نخاعته وإن شك في وصوله لكونه يسيراً كالميل ونحوه لم يفطر نص عليه وإن أقطر في إحليله شيئاً أو أدخل ميلاً لم يبطل صومه لأن ما يصل المثانة لا يصل إلى الجوف ولا منفذ بينهما إنما يخرج البول رشحا فهو بمنزلة ما لو ترك في فيه شيئاًَ وإن ابتلع ما بين أسنانه أفطر لأنه واصل من خارج يمكن التحرز عنه فأشبه اللقمة.

الشيخ: المسألة الأولى إن اكتحل فوصل الكحل إلى حلقه فإنه يفطر والصحيح أنه لا يفطر بالكحل ولو وصل إلى حلقه ولو نزل إلى معدته وذلك لأن العين ليست منفذاً وقول المؤلف إنها منفذ فيه نظر حتى لو قدر أن الكحل يسري في العروق حتى يصل إلى الحلق فإن هذا ليس منفذاً معتاداً للأكل والشرب فليس أكلاً ولا شرباًَ ولا بمعنى الأكل والشرب ثم يقال ينتقض عليكم بما ذكرتموه أن الإنسان لو وطيء على حنظل والحنظل معروف فإنه إذا فُقيء الحنظل يجد طعمه في حلقه يدخل مع المسام حتى يصل إلى الحلق ومع ذلك يقولون إنه لا يفطر لأن الرِّجل ليست منفذاً معتاداً فيقال والعين أيضاً ليست منفذا معتاداً وعلى هذا فيجوز للصائم أن يكتحل ولو بما يصل إلى حلقه ولا شيء عليه لكن إذا وصل إلى حلقه وأحس بطعمه ووصل الطعم إلى الفم فإنه يجب عليه أن يتفله فإن لم يفعل وابتلعه صار مفطراًُ بذلك، بقي عندنا لو أن إنساناً أُدخل في معدته الكشاف كشاف دقيق يسمى بلغة الطب "منظار" لو أدخل في معدته منظار وهو صائم هل يفطر أو لا؟ في هذا تفصيل إن كان في هذا المنظار أدوية لتسهيل مروره فإنه يفطر لأن هذا الدواء سوف يباشر المعدة وهو قد دخل من الفم وإن لم يكن فيه شيء فإنه لا يفطر لأن هذا المنظار سوف يخرج لن يبقى في المعدة ولئلا يقال ما الفرق بينه وبين الخرز لو ابتلع خرزا فإنه يفطر فما الفرق بينهما؟ نقول: الفرق أن هذا سوف يخرج من المعدة فلا يبقى فيها، على كل حال متى ما صحبه شيء صار مفطرا فلا يجوز استعماله للصائم في رمضان ويؤخر إلى الليل وإلا فالأمر واسع وإذا ابتلع ما بين أسنانه سواء عن طريق الخلال أو عن طريق اللسان يعني حاول بلسانه أن يخرج ما بين أسنانه وابتلعه أو عن طريق الخلال فإنه يفطر لأنه ابتلع طعاماً ولو كان قليلا لكن ذكر الفقهاء مسألة هنا في مسألة ابتلاع ما بين الأسنان قالوا إذا أخرجه بالخلال فلا يبتلعه حتى في غير الصيام وإن أخرجه بلسانه ابتلعه اذا

لم يكن صائماً ولا يظهر لي وجه التفريق بين هذا وهذا والأولى أن لا يبتلعه إذا كان يخشى أن يكون قد تلوث بأوساخ الأسنان ومن هنا نعلم أن الإنسان لو ابتلع ما بين أسنانه من لحم الإبل انتقض وضوؤه مع أنه شيء يسير لأنه يسمى أكلاً وإن كان يسيراً. السائل: وإن استنشق بخوراً فما الحكم؟ الشيخ: إذا استنشق بخورا فإنه إن كان يصل إلى جوفه فلا يجوز لأنه في معنى الشرب لأنه أجزاء ولهذا لو استنشق طيبا وشم طيباً فإنه لا يفطر لأنه ليس له أجزاء تتصاعد وتدخل في الجوف. السائل: ما حكم استخدام بخاخ الربو للمريض؟ الشيخ: بعض الناس يصاب بضيق التنفس فيضخ بمضخة لكن قالوا إن هذه ما تصل إلى المعدة وإنما تفتح القنوات الهوائية فقط وقد صدرت فتوى من دار الإفتاء أنها لا تفطر وهو الذي نفتي به لكن هناك شيء أظنه كلبسات هذا الغبار يدخل في الجوف فلا يستعمل إلا إذا كان الإنسان مريضاً فإنه يفطر ويستعمله فإن كان يرجى زوال هذا المرض ينتظر حتى يزول وإن كان لا يرجى أطعم عن كل يوم مسكين. السائل: في مسألة البخور لو نظرنا إلى العلة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام وهو أنه (يدع طعامه وشرابه وشهوته) والبخور ليس طعاما ولا شرابا لأن الإنسان لا يتغذى أو يشبع أو يروى إذا شم البخور؟ الشيخ: ليس بشرط أن يكون شراباً نافعاً ولهذا لو أنه ابتلع حصاة أو خرزة فإنه يفطر فإذا أدخلت أي شيء ولو كان لا ينتفع به الجسم لو بلع الإنسان الخرزة السبحة ما فيها نفع إطلاقاً تخرج كما هي صار مفطراً. السائل: أحسن الله إليك لكن دلالة الأحاديث على مثل هذه المسألة الفرعية من أي وجه؟ الشيخ: العموم فهذه تعتبر طعاماً أو شراباًَ لكنها هي لا تنفع ليس بشرط أن ينتفع وإلا كان نقول يجوز للإنسان أن يبلع الأشياء التي ما لها غذاء مثل العلوك وغيرها. فصلٌ

القارئ: وما لا يمكن التحرز منه كابتلاع ريقه وغربلة الدقيق وغبار الطريق والذبابة تدخل في حلقه لا يفطِّره لأن التحرز منه لا يدخل تحت الوسع ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. الشيخ: الذي لا يمكن التحرز منه ولم يقصده الإنسان فهذا لا يضر أما لو تقصده فينظر إذا دخل من أنفه ووصل إلى جوفه فإنه يفطِّر فلو أن إنساناً مثلاً يغربل الدقيق وجعل يستنشقه عمداً حتى وصل إلى جوفه فإنه يفطر بذلك لأنه تعمد إدخال هذه الأجزاء من الدقيق إلى جوفه أما إذا كان لا يمكن التحرز منه فإنه لا يضر. القارئ: وإن جمع ريقه ثم ابتلعه لم يفطر لأنه يصل من معدته أشبه ما لو لم يجمعه وفيه وجه أخر أنه يفطره لإمكان التحرز منه. الشيخ: الصحيح أنه لا يفطِّره لأنه لم يُدخِل شيئاً من الخارج بل هذا ريقه جمعه وابتلعه، وإن كان الفم له حكم الظاهر لأن الفم حكمه حكم الظاهر ولذلك لو أنه تمضمض بالماء فإنه لا يضره ولهذا تجب المضمضة في الوضوء وفي الغسل لأنه في حكم الظاهر. القارئ: وإن ابتلع النخامة ففيها روايتان إحداهما يفطر لأنها من غير الفم أشبه القيء والثانية لا يفطر لأنها لا تصل من خارج وهي معتادة في الفم أشبه الريق.

الشيخ: النخامة الصحيح أنه لا يفطر بها لأنها لم تدخل من خارج بل هي من البدن ولكن لا يجوز أن يبتلع النخامة إذا وصلت إلى فمه لأنها مستقذرة وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أن بلع النخامة إذا وصلت إلى الفم حرام لاستقذارها واستهجانها وربما تحمل إمراضاً تتأثر بها المعدة فلذلك نقول إنه يحرم ولكن الكلام على أنها هل تفطر أولا؟ الصحيح أنها لا تفطر وهذا في النخامة التي تصل إلى الفم فأما النخامة التي تنزل من الخياشيم إلى الحلق فهذه لا تفطر قولاً واحداً لأنها لم تصل إلى شيء في حكم الظاهر فلم تدخل إلى البدن من خارج فلا تفطر حتى على المشهور من المذهب وما يفعله بعض الموسوسين الذين يشددون على أنفسهم إذا أحس بالنخامة من خياشيمه إلى حلقه جعل يحاول إخراجها فهذا غلط يقال أولاً أن هذا لا يضرك وثانيا أن هذا من باب التشديد والتنطع بالعبادة والتشديد والتنطع بالعبادة مما نهي عنه. القارئ: ومن أخرج ريقه من فمه ثم ابتلعه أو بلع ريق غيره أفطر لأنه بلعه من غير فمه أشبه ما لو بلع ماءً. الشيخ: هذا صحيح إذا أخرج الريق إلى الشفتين ثم عاد فابتلعه فهذا يفطر لأنه انفصل من الفم وكذلك لو أخرج السواك بعد أن تسوك ثم أعاده مرة ثانية إلى الفم وفيه ريق ثم امتصه في فمه وبلع الريق فإنه يفطر. القارئ: ومن أخرج درهماً من فمه ثم أدخله وبلع ريقه لم يفطر لأنه لا يتحقق ابتلاع البلل الذي كان عليه ولذلك لا يفطر بابتلاع ريقه بعد المضمضة والتسوك بالعود الرطب ولا بإخراج لسانه ثم إعادته.

الشيخ: من أخرج درهما من فيه ثم أدخله وبلع ريقه لم يفطر لأنه لا يتحقق ابتلاع البلل والدرهم هي النقود من الفضة هذا إنسان وضع في فمه درهماً ثم أخرجه ثم أعاده في فمه مرة ثانية وهذا ربما يستعمله بعض الناس لتنظيف الدرهم ربما يكون فيه وسخ فيدخله في فمه ويحركه بلسانه من أجل أن يتنظف فهذا الرجل أخرج الدرهم فوجد أنه ما زال فيه وسخاً فأدخله ثانية فهذا لا يفطر لأنه كما قال المؤلف لا يتقين انفصال شيءٍ من الريق دخل إلى الجوف كما أن الرجل لو تمضمض فإنه لا يلزمه أن يتفل ريقه كما يفعله بعض الموسوسين بل نقول إذا توضأت ومججت الماء فلا تكلف نفسك بعدها حتى لو أحسست بطعم الماء في فمك فإنه لا يضرك وهذا هو ظاهر هدي الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح أنهم لا يتكلفون ولا يتنطعون في دين الله يقول المؤلف (ولذلك لا يفطر بابتلاع ريقه بعد المضمضة والتسوك بالعود الرطب) التسوك بالعود الرطب بشرط ألا يكون له طعم فإنه لا يضره لأنه وإن كان رطباً ليس جافاً لا يتحقق الإنسان أن هذه الرطوبة انفصلت من السواك ودخلت في جوفه أما لو كان له طعم وابتلع الطعم فإنه يفطر لأننا نتحقق أن جزءاً منه دخل في جوفه يقول رحمه الله (ولا بإخراج لسانه ثم اعادته) انسان أخرج لسانه وهو رطب عليه الريق ثم أعاده ولنفرض أنه جمع ريقه على لسانه ثم أخرجه ثم رده لماذا لايفطر؟ لأنه لم ينفصل بخلاف الذي أخرج ريقه إلى ما بين شفتيه ثم أعاده فهذا فارق محله ودخل من خارج فيكون مفطراً. القارئ: ولو سال فمه دما أو خرج إليه قلس أو قيء فازدرده أفطر لأن الفم في حكم الظاهر وإن أخرجه ثم ابتلع ريقه ومعه شيء من النجس أفطر وإلا فلا.

الشيخ: عندنا بالمخطوطة (منجس) نسخة والمسألة هذه يقول (إذا سال فمه دماً) وهذا يحصل لبعض الناس تكون لثته رديئة إذا تسوك خرج الدم فهنا يجب أن تنتبه لهذا إذا حصل فلا تبتلعه لأن الدم ليس مما يخرج من الفم ليس معتاداً ًفإن بلعته وأنت عالم بالحكم فإنه سوف يأتينا إن شاء الله أنه من شروط المفطرات العلم فإنك تفطر ولكن هل يجوز أن يبتلع الإنسان هذا الدم؟ لا ولو كان غير صائم لعموم قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) وكذلك أيضاً (لو خرج إليه قلس أو قيء فازدرده أفطر) القلس ما يخرج من المعدة عند التجشي مثلاً إنسان تجشى فخرج منه قلس وهو ما دون ملئ الفم ثم ابتلعه فإنه يفطر لأن هذا القلس وصل إلى الفم والفم في حكم الظاهر ثم عاد إلى الجوف فيفطر بذلك وكذلك القيء والقيء ما كان ملء الفم أو أكثر فمثلاً إنسان خرج منه قيء يعني أحس باضطراب المعدة حتى خرج ما فيها أو بعضه ثم ما بقي ابتلعه فإنه يفطر ووجه ذلك ظاهر أن هذا الطعام أو الشراب خرج إلى ما كان في حكم الظاهر وهو الفم ثم عاد إلى المعدة فكان مفطراً، (وإن أخرجه ثم ابتلع ريقه ومعه شيء من المنجس أفطر وإلا فلا) إن أخرجه ضد إزدرده يعني أخرج هذا القيء أو القلس أو الدم ثم ابتلع ريقه فإن كان معه شيء من القلس أو القيء أو الدم أفطر وإن لم يختلط به شيء فإنه لا يفطر وهذا واضح وقول المؤلف (من المنجس) يدل على أن دم الآدمي وقيئه وقلسه نجس وهذه فيها خلاف بين العلماء وليس هناك دليل على نجاسة دم الآدمي إلا ما خرج من السبيل القبل أو الدبر وليس هناك دليل أيضاً على نجاسة القيء ومن المعلوم أن القيء يكثر مع الناس ولو كان نجساً لكان مما تتوافر الدواعي على نقل تطهيره ومن المعلوم أيضاًَ أن الأطفال الصغار يتقيئون بين أيدي أمهاتهم ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أمر بغسل قيئه لكن البول أمر بغسله وبين حكمه وسكوته عن القيء دليل على أنه ليس بنجس ومن

المعلوم أن القاعدة العامة عندنا أن الأصل في الأشياء الطهارة فلا ينجس شيء منها إلا بدليل والأصل في الأشياء الحل فلا يحرم شيء منها الا بدليل إلا العبادات فالأصل فيها الحظر والمنع إلا بدليل مشروعية والله أعلم. فصلٌ القارئ: ومن استقاء عمداً أفطر ومن ذرعه فلا شيء عليه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه). الشيخ: عندي بالمخطوطة (فليس عليه قضاء) نسخة. القارئ: ومن استقاء عمداً فليقض) حديث حسن وإن حجّم أو إحتّجم أفطر لقوله صلى الله عليه وسلم (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفسا وقال أحمد حديث ثوبان وشداد بن أوس صحيحان. الشيخ: هذا الفصل ذكر فيه المؤلف رحمه الله شيئين مما يحصل بهما الفطر الأول القيء وهو معروف والثاني الحجامة. أما القيء فقد قسمه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قسمين قسم غلب وقسم طُلب فما غلب فإنه لا يفطر لأنه بغير اختيار الإنسان وما طلب فإنه يفطر أما الأول وهو ماغلب فإنه لا يفطر فعلته ظاهره وهو أن الإنسان لم يختره ولم يرده ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها وأما الثاني فوجهه أنه إذا طلب القيء فقاء خلت معدته من الطعام فلحقه الضعف الذي قد لا يستطيع أن يكمل صومه إلا بمشقة فكان من رحمة الله تعالى أن جعل القيء عمداً مفطراً وإذا كان مفطراً قلنا إن كان الصوم واجباً حرم الاستقاء وإن كان نفلاً جاز الاستقاء وقلنا له كل واشرب حفاظاً على صحته فتبين بذلك أن الفطر بالقيء المتعمد هو وجه النظر والقياس.

وأما الحجامة فنقول إذا حجم الإنسان فإنه سوف يكون باختياره أو احتجم أي طلب من يحجمه فسيكون أيضا باختياره ولهذا لم يقسمها الرسول صلى الله عليه وسلم كما قسم القيء بل قال (أفطر الحاجم والمحجوم) والحديث صححه الإمام أحمد وغيره ولا معارض له على وجه صحيح وفي حديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهومحرم واحتجم وهو صائم) وفيه كلام للعلماء فليس معارضاً صحيحاً ونقول أما فطر المحجوم فظاهر مناسبته للحكمة والغاية الحميدة التي جاءت بها الشريعة لأن المحجوم سينزف منه دمٌ كثير ومعلوم أن هذا يضعف البدن ويرهق البدن فمن رحمة الله بعباده أن من احتجم أفطر وحينئذ نقول إن كان احتجامه لضرورة جاز في الفرض والنفل ونقول له الآن كل واشرب وإن كان لغير ضرورة حرم في الفرض وجاز في النفل ونقول لمن كان متنفلا وأراد أن يحتجم احتجم ولكن كل واشرب لأنك أفطرت من أجل أن تعيد للبدن قوته فكان هذا مناسباً تماماً للحكمة لكن ما هي الحكمة في الحاجم؟ الحاجم لم يخرج منه دم قال بعض أهل العلم إن هذا تعبد ما ندري لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أفطر الحاجم) وقلنا سمعاً وطاعة وعلى العين والرأس أما ما الحكمة؟ فعقولنا أقصر من أن تدرك جميع حكم الله ولا ندري لكننا نتعبد لله بذلك وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الحكمة أن الحاجم حسب الطريقة المعروفة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لابد أن يمص القارورة التي يحجم بها وعند المص لا بد أن يصعد إليه شيء من دم الإنسان من غير أن يشعر بدخوله لكن تعمد أن يمص وهو يعرف أنه لا بد أن يجتذب نفسه شيئاً من الدم وإذا وصل إلى معدته شيء من الدم أو غير الدم فإنه يفطر فإن كانت هذه العلة مستقيمة فذاك وإن لم تكن العلة مستقيمة فالعلة طاعة الله ورسوله (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ونحن

عبيد مربوبون إذا قال ربنا شيئاً وإذا قال رسوله شيئاً قلنا سمعاً وطاعة ربما يكون تعبد الإنسان بما لا يعقل حكمته أبلغ من تعبده بما يعقل حكمته لأنه إذا تعبد ما يعقل حكمته حمله على التعبد بذلك السمع والعقل إذا كان يعقل حكمته واذا كان لا يعقل صار أشد انقياداً وذلاً للشرع لأنه يتعبد لله بما لا يعقل معناه لا يتعبد إلا لمجرد السمع والطاعة إذاً هذان نوعان مما يفطر وهما القيء عمداً لا بد أن تقيد والثاني الحجامة ولكن يسأل بعض الناس إذا هاجت كبده أي معدته فهل عليه أن يمسكها وهل له أن يستقيء حتى يستريح؟ لأنه أحياناًُ تموج وتهيج المعدة ويحب الإنسان أن يستقيئ فهل نقول يلزمك أن تمسكها وتردها إذا كان صومك فرضاً أو نقول إذا هاجت وماجت فاستخرجها حتى لا تكون ضرراً عليك؟ الجواب إذا كان هناك ضرر لا شك أنا نقول استخرجها وأفطر ولكن إذا كان ما فيه ضرر فهنا نقول لا تستخرجها ولا تردها إن غلبتك فدعها وإن سكنت فلا تستخرجها وقال بعض العلماء القول بالإفطار بالقيء والحجامة قولٌ على خلاف القياس فلا يعمل به لأن الإفطار بما دخل لا بما خرج كما أن الوضوء مما خرج لا مما دخل سبحان الله من أين جاءت القواعد هذه؟ فالوضوء مما خرج لا مما دخل لئلا ينتقض الوضوء بلحم الإبل لأن لحم الإبل داخل وهنا قالوا الفطر بما دخل لا بما خرج لئلا يبطل الصوم بالحجامة والقيء فنقول عفا الله عنكم إننا لا يمكن أن نعارض قول الله ورسوله بمثل هذه التعليلات العليلة ومن أين أخذتم هذه القواعد؟ أمن الكتاب؟ أو من السنة؟ أو من الإجماع؟ من قال هذا؟ نقض الوضوء بما جعله الشرع ناقضاً سواء كان داخلا أو خارجا والإفطار بما جعله الشارع مفطراً سواءً داخلاً أم خارجاً هذا الصواب أما أن نقعد قواعد ليس لها إلا مجرد طرد في أكثر المسائل هذا ليس بصحيح.

صحيح أن أكثر ما ينقض إذا خرج لا ما دخل لكن إذا جاءت السنة لابد أن نقول بها وكذلك في مسألة الفطر أن الأكثر مما دخل لا مما خرج لكن مع ذلك يفطر ثم نقول لهم ما تقولون لو استمنى فأمنى أيفطر أم لا؟ وهو مما خرج المهم على كل حال أنه لا يمكن لإنسان عارض الكتاب والسنة إلا وجدت في قوله خللاً أول خلل المخالفة ثم النقض بالعلل والحكم التي هو يقر بها على كل حال الصحيح أن من استقاء عمداً أفطر ومن غلبه القيء فلا يفطر وأن من حجم أو احتجم فانه يفطر. فائدة: شيخ الإسلام رحمه الله له رسالة صغيرة اسمها حقيقة الصيام مفيدة جداً لطالب العلم لو رجعتم إليها استفدتم إن شاء الله. فصلٌ القارئ: وتحرم المباشرة للآية فإن باشر فيما دون الفرج أو قبل أو لمس فأنزل فسد صومه فإن لم ينزل لم يفسد لما روي عن عمر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً قبلت وأنا صائم قال (أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم؟) قلت لا بأس قال (فمه؟) رواه أبو داود، شبه القبلة بالمضمضة لأنها من مقدمات الشهوة والمضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم يفطر كذلك القبلة.

الشيخ: عندنا بالمخطوطة (لكونها من مقدماته) نسخة، هذه المسألة يقول تحرم عليه المباشرة للآية الحكم التحريم والدليل الآية فلننظر هل الآية تدل على التحريم ننظر يقول الله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) إلى آخر الآية، لكن المباشرة التي في القرآن والملامسة التي في القرآن لا تكون إلا للجماع كل مواضع ذكر المباشرة في القرآن والملامسة في القرآن للجماع فقوله (بَاشِرُوهُنَّ) أي جامعوهنّ كما يدل على ذلك سبب نزول الآية أنه الجماع وعلى هذا فلا دليل في الآية على ما قال ثم ظاهر كلامه رحمه الله أن المباشرة حرام لمن تحرك شهوته ولمن لا تحرك هذا أيضاً ليس بصحيح ويدل عليه حديث عمر حيث قال رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم (صنعت اليوم أمراً عظيماً قبلت وأنا صائم قال أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم قلت فلا بأس قال فمه؟) يعني فما الذي يجعلك تفطر مثلاً أو نقول مه بمعنى كف عن السؤال فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن ذلك لا بأس به كما لو تمضمض الإنسان فإنه لا يفطر كذلك لو قبل فإنه لا يفطر ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن قبلة الصائم فأشار إلى أم سلمة وبينت أنه كان يقبل فقيل يا رسول الله أنت غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال إني لأعلمك بالله وأتقاكم له) أو كلمة نحوها فهذا دليل على جواز القبلة للصائم حتى وإن كان بشهوة حتى ولو أمذى على القول الصحيح لأن الله تعالى وسَّع على العباد والإنسان ولا سيما الشاب قد لا يستطيع أن يبقى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يستمتع بأهله لكن إذا عرف الإنسان من نفسه أنه سريع الإنزال وشديد المحبة لأهله فهنا نقول اترك التقبيل لأن هذا عرضة إلى إفساد الصوم وهي وسيلة قريبة كثير من الناس ليس سريع الإنزال أو قوي الشهوة أو ليس شديد المحبة لأهله فلا يحصل الإنزال بسرعة فالصواب إذاً أن القبلة حلال سواء كانت بشهوة

أوبغير شهوة ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عمر رضي الله عنه هل أنت فعلت ذلك بشهوة أم لا؟ بل ظاهر حديث عمر صنعتُ شيئاً عظيماً أنها كانت بشهوة. القارئ: ولو احتلم لم يفسد صومه لأنه يخرج من غير اختياره. الشيخ: أفاد المؤلف رحمه الله بأن ما يحصل للصائم بغير اختياره من المفطرات لا يفسد الصوم وهو كذلك فلو احتلم الإنسان وهو نائم صائم فلا شيء عليه حتى لو فرض أنه نام على تفكير يفكر في الجماع وانتشر ذكره ونام على هذه الحال فإنه لا يفطر لأنه حين إنزال المني ليس مختاراً لذلك. القارئ: وإن جامع ليلاً فأنزل نهاراً لم يفطر لأن مجرد الإنزال لا يفطر كالاحتلام وإن كرر النظر فأنزل فسد صومه لأنه إنزال عن فعل في الصوم أمكن التحرز عنه أشبه الإنزال باللمس وإن صرف بصره فأنزل لم يفطر لأنه لا يمكن التحرز عنه وإن أنزل بالفكر لم يفطر لذلك وإن استمنى بيده فأنزل أفطر لأنه إنزال عن مباشرة أشبه القبلة وسواء في هذا كله المني والمذي لأنه خارج تخلله الشهوة انضم إلى المباشرة به فأفطر به كالمني إلا في تكرار النظر فلا يفطر إلا بإنزال المني في ظاهر كلامه لأنه ليس بمباشرة.

الشيخ: خلاصة هذه الجمل أنه إذا أنزل عن فعل وهو يقظان فسد صومه سواء كان الفعل بيده أو بتدحرجه على الأرض أو ما أشبه ذلك وإذا أنزل بغير فعل فإنه لا يفسد صومه مثل أن يفكر فينزل فإنه لا يفسد صومه لأنه لا فعل منه وإذا أنزل بنظر فإن كان بنظرة واحدة وصرف بصره فإنه لا يفطر وإن كان بتكرار النظر فإنه يفطر والمذي كالإنزال إلا في تكرار النظر فإنه إذا أمذى به فإنه لا يفطر بخلاف الإمناء والصحيح أنه لا يفطر بالمذي مطلقا وأن الإنسان لو باشر زوجته بتقبل أو ضم أو ما أشبه ذلك فأنزل مذياً فإنه لا يفطر. لعدم وجود الدليل على ذلك بقي أن يقال والمني أيضاً لا يفطر به حتى ولو كان بفعله لأنه ليس هناك دليل على ذلك؟ فيقال نعم هو ليس هناك دليل واضح في هذه المسألة لكن قد يستدل على ذلك بقوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي (إنه ترك طعامه وشاربه وشهوته من أجلي)، والمني شهوة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أراءيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر) ومعلوم أن الذي يوضع هو المني ففي هذا الحديث والذي قبله إذا ضم بعضهما إلى بعض ما يدل على أن إنزال المني إذا كان من فعله فإنه يفطر وأما قول المؤلف (فإن جامع ليلاً فأنزل نهارا) فمراده بذلك المني الذي كان من الجماع الأول وأما إذا أنزل نهاراً بفعل جديد فعلى ما سمعتم لكن ربما يجامع الإنسان ويخرج المني لكن لايتكامل خروجه ثم يبقى شيء يخرج بعد طلوع الفجر. السائل: إذا تبرع الصائم بالدم فهل هو كالحجامة؟

الشيخ: أحسنت هذا سؤال جيد يقول إذا تبرع الإنسان بدمه وهو صائم فهل هو كالمحجوم؟ الجواب نعم إذا أخذ منه كثير بقدر دم الحجامة بحيث يضعف به البدن فإنه يفطر وحينئذ نقول إذا كان الصوم واجباًُ فإنه لا يجوز أن يأذن بسحبه منه إلا إذا كان الثاني مضطراً فحينئذ نقول لا بأس أن يسحب منك وافطر أما إذا كان نفلاً فالأمر واسع وإذا كان الثاني غير مضطر فإنه لا يسحب منه ينتظر إلى الليل. السائل: بالنسبة للدكتور الذي يسحب الدم؟ الشيخ: هذا سؤال جيد يقول بالنسبة للدكتور الذي يسحب الدم هل نقول هو كالحاجم يفطر؟ على الراجح لا يفطر أما على المذهب فإنه يفطر فلأنهم يقولون إن إخراج الدم بغير الحجامة لا يفطر حتى لو أخرج الإنسان أكثر من دم الحجامة فإنه لا يفطر لأنهم يرون أن المسالة تعبدية فيقتصر على ما جاء به النص وأما على رأي شيخ الإسلام فشيخ الإسلام يطرد القاعدة يقول حتى الحاجم لو حجم بآلة بدون مص فإنه لا يفطر كذلك الطبيب. السائل: بارك الله فيكم ما يؤخذ للحرارة لو أخذه الصائم كتحميله من أسفل فهل تفطر؟ الشيخ: الصحيح أنها لا تفطر بناءً على أن الحقنة لا تفطر فالحقنة على قاعدة المذهب تفطر لأن الحقنة عند أهل المذهب مفطرة. السائل: من ذرعه القيء وهو يصلي هل يخرج من الصلاة أو يمسكها في سره أو ماذا يفعل؟ الشيخ: هو إذا كان لا يمكن فليخرج من الصلاة خصوصاً على قول من يرى أن القيء إذا كان كثيراً نقض الوضوء فهذا لابد من الخروج وهو أيضاً لو بقي يلوث المسجد فيتعدى ضرره. السائل: ما رأيكم في حديث ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة بالحجامة؟ الشيخ: حديث أبي سعيد أنه أذن فيها لا يدل على هذا وحتى هذا الحديث يكون ضعيفاً لأن حديث أوس وشداد أصح منه على كل حال أنا أحلتكم على رسالة حقيقة الصيام لشيخ الإسلام ففيها فوائد جمة ما تجدونها في غيرها. السائل: عرفنا أن الحجامة تفطر ولكن ما حكمها على الصائم؟

الشيخ: محرمة على الصائم الفرض إلا للضرورة يعني أحياناً يهيج الدم بالإنسان حتى يغمى فحينئذ لا بأس عليه أن يحتجم. مسألة: سبق لنا أن الإمذاء لا يفطر به الصائم ولو حصل عن تقبيل أو مباشرة ونحو ذلك لعدم الدليل والقاعدة أن ما ثبت بدليل لا ينقض إلا بدليل فهذا الرجل صائم يعني بمقتضى الشريعة فلا يمكن أن نفسده إلا بدليل وسبق لنا أن الإمناء يفطر به الصائم كما هو قول جمهور الأمة والمذاهب الأربعة وذكرنا الدليل وأن دلالته خفية وأنها مركبة من دليلين. فصلٌ القارئ: وما فعل من هذا ناسياً لم يفطره لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) متفق عليه وفي لفظ (فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله تعالى) فنص على الأكل والشرب وقسنا عليه سائر ما ذكرناه.

الشيخ: هذا دليل خاص في أن من فعل مفطراً ناسياً فلا شيء عليه ولدينا دليل عام وهو قوله تبارك وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت وقال صلى الله عليه وسلم (إنما أطعمه الله وسقاه) يؤخذ منه فائدة عظيمة وهي أن الناسي لا يضاف فعله إليه ولو فعله إنما ذلك من عند الله عز وجل ويقول المؤلف رحمه الله وقسنا عليه سائر ما ذكرناه بقي عليه واحد لم يذكره وهوالجماع وسيأتينا إن شاء الله قول المؤلف فيه ولكن القول الصحيح أن الجماع كغيره وأن الإنسان لو جامع زوجته ناسياً فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة عليه لعموم الأدلة وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم الأكل والشرب لأنه أكثر فنصف الناس ليس عندهم زوجات ومن عندهم زوجات فأكثر مايكون لديهم هو الأكل والشرب فتخصيصه بذلك لأنه الغالب وإلا فلو أن الإنسان نسي وجامع زوجته فإنه لا شيء عليه وقال بعضهم بل عليه الكفارة والقضاء لأن النسيان في الجماع نادر ولأنه لو نسي لم تنس زوجته فيقال قد يكون صائماً تطوعاً وزوجته مفطرة فلا تظن أنه صائم ولكن هذا لا يفيد لأن صوم التطوع ليس فيه كفارة ولكن على كلام الفقهاء يبطل صومه والصحيح أن القاعدة مطردة كل محظور فعله الإنسان ناسياً فإنه لا يضره لا بإفساد العبادة ولا بالكفارة المرتبة على ذلك الفعل. القارئ: وإن فعله مكرها لم يفطر لقوله صلى الله عليه وسلم (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء) فنقيس عليه ماعداه. الشيخ: هذا دليل خاص لكنه دليل بقياس وإذا أردنا أن نجعل المسألة من باب القياس فالأولى أن نأتي بالآية (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فإنه إذا كان يعذر بالإكراه على الكفر فما دونه من باب أولى.

القارئ: وإن فعله وهو نائم لم يفطر لأنه أبلغ في العذر من الناسي. الشيخ: هذا أيضا كذلك لو فعله وهو نائم فإنه لا يفطر يعني لو قبل زوجته وهو نائم وأنزل أو ما أشبه ذلك فإنه لا يفطر بهذا لأن النائم لا ينسب إليه فعل بدليل قوله تبارك وتعالى في أصحاب الكهف (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) فأضاف تقليبهم إليه مع أنهم هم الذين يتقلبون لكنهم لما كانوا نائمين لم ينسب الفعل إليهم فان قال قائل ما تقولون فيما لو انقلب نائم على طفل فقتله؟ الجواب عليه الدية والكفارة وذلك لأن قتل النفس لعظمه لا يشترط به القصد. القارئ: وإن فعله جاهلاً بتحريمه أفطر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أفطر الحاجم والمحجوم) في حق رجلين رآهما يفعلان ذلك مع جهلهما بالتحريم ولأنه نوع جهل فلم يعذر به كالجهل بالوقت وذكر أبو الخطاب أنه لا يفطر لأن الجهل عذر يمنع التأثم فيمنع الفطر كالنسيان.

الشيخ: هذا كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا فعل هذه المفطرات جاهلاً فإنه لا يعذر فيفسد صومه وعليه القضاء واستدل بحديث (أفطر الحاجم والمحجوم) وهما لا يعلمان أن الحجامة مفطرة ومع ذلك قال (أفطر الحاجم والمحجوم) وقد أورد ابن القيم هذا الحديث على شيخه الذي يقول إنه لا يفطر مع الجهل ولا يفسد صومه مع الجهل فقال إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقل أفطرتما فاقضيا فهو لم يخاطبهما وإنما ذكر حكماً عاماً فمراده الجنس لا الشخص ثم هذان الرجلان نُظر في فعلهما إذا انطبقت عليه الأدلة بأنه يجب عليهما القضاء أو أن صومهما فسد عملنا به وإلا فلا وهذا الذي قاله الشيخ رحمه الله جواب سديد لأن الرسول لم يوجه الخطاب إليهما ويقول أفطرتما إنما قال (أفطر الحاجم والمحجوم) ثم ينظر في انطباق هذا الحكم على هذين الرجلين إذا كانا جاهلين فعندنا أدلة تدل على أن الجهل يعذر به فالصواب أن الجهل يعذر به فلو فعل واحداً من هذه المفطرات جاهلاً فإنه معذور لدينا أدلة عامة وأدلة خاصة الأدلة العامة (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقوله (َلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الخاصة عدي بن حاتم رضي الله عنه كان يريد أن يصوم وكان يقرأ الآية (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) فجعل تحت وسادته عقالين وهو الخيط الذي تربط به يد الناقة أحدهما أسود والثاني أبيض وجعل يأكل ويشرب وينظر إلى العقالين فلما تبين له أحدهما من الأخر أمسك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له (إن وسادك لعريض أن وسع الخيط الأبيض والأسود) لأن الخيط الأبيض والأسود هما النهار والليل وهذه الوسادة تحتها الليل والنهار قاله النبي عليه الصلاة والسلام من باب المداعبة فالرسول يعلم أنه لم يضع الليل

والنهار تحت الوسادة ولم يأمره بالقضاء وهذا جهل بالحكم حيث فهم من الآية ما لم يقصد بها وأما قول المؤلف رحمه الله انظر إلى التعليل والقياس يقول ولأنه نوع جهل فلم يعترف به كالجهل بالوقت فقاس المختلف فيه على المختلف فيه والقياس من شرطه أن يكون الأصل المقيس عليه متفقاً عليه بين الخصمين وهذا غير متفق عليه فنحن نقول الجهل بالوقت أيضا عذر يمنع الصائم من فساد الصوم ودليل ذلك ما رواه البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس فهؤلاء أفطروا جهلاً بالوقت ولم ينقل أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرهم بالقضاء ولو كان القضاء من شرع الله لأمرهم به ولنقل لأنه شريعة لابد أن تبقى فلما انتفى ذلك علم أن القضاء ليس بواجب وأما قول هشام بن عروة لما سئل عن القضاء قال أو بدٌ من قضاء؟ يعني لا بد أن يقضوا فهذا رأيه وعروة أبوه أفقه منه قال لا قضاء ومعلوم أنه إذا تنازع رجلان في مسألة فالمرجع إلى الكتاب والسنة فالصواب أنه إذا أكل جاهلاً بالوقت سواء من أخر الليل أو من أوله فإن صومه صحيح ولا يلزمه القضاء حتى في الجماع ولهذا لو جامع ظناً منه أن الليل باقٍ فتبين أنه في نهار فصومه صحيح ولا شيء عليه ومن جهل بوجوب القضاء وهو يدري أن هذا مفطر وأن هذا حرام لكن لم يعلم أنه يلزمه القضاء فهل يلزمه؟ نعم يلزمه وكذلك لو جامع في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصوم ولم يعلم أنه يلزمه الكفارة فإن الكفارة لاتسقط عنه لأن الجهل بالعقوبة ليس عذرا بل العذر هو الجهل بالحكم ودليل ذلك قصة المجامع فإن المجامع لم يعلم بما يلزمه من الكفارة ومع ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة.

القارئ: وإن تمضمض أو استنشق فدخل الماء حلقه لم يفطر لأنه واصل بغير اختياره ولا تعديه فأشبه الذباب الداخل حلقه وإن بالغ فيهما فوصل الماء ففيه وجهان أحدهما لا يفطر لأنه بغير اختياره والثاني يفطر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لقيط بن صبره حفظاً للصوم فدل على أنه يفطره ولأنه تولد بسبب منهي عنه فأشبه الإنزال عن مباشرة وإن زاد على الثلاث فيهما فوصل الماء فعلى الوجهين وإن أكل يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أو أن الفجر لم يطلع وقد طلع أفطر لما روي عن حنظلة قال (كنا بالمدينة في رمضان وفي السماء سحاب فظننا أن الشمس قد غابت فأفطر بعض الناس ثم طلعت الشمس فقال عمر من أفطر فليقض يوماً مكانه) رواه سعيد بن منصور بنحوه ولأنه أكل ذاكراً مختارا فأفطر كما لو أكل يظن أن اليوم من شعبان فبان من رمضان. الشيخ: ما ذكره رحمه الله في مسالة المبالغة الصحيح أنه لا يفطر لأن المبالغ ما تعمد أن ينزل الماء إلى جوفه ولكن الماء تهرب فنزل إلى جوفه كما أنه لو تمضمض تمضمضاًَ ليس شرعياً ليس عن وضوء ثم نزل الماء من هذه المضمضة إلى جوفه فإنه لا يفطر.

وأما ما ذكره رحمه الله في مسألة الوقت إذا أكل يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أو أن الفجر لم يطلع وقد طلع أفطر فهذا فيه نظر والصواب أنه لا يفطر في المسألتين وذلك لأنه فعل ما أُذن له فيه أما من أكل ولم يتبين له طلوع الفجر ثم تبين فإنه أكل بأمر الله لقوله (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ) فكيف نقول لشخص فعل ما أمره الله به وأباحه له إنك مسيء فاقض، هذا بعيد مع أنه داخل في عموم ما سبق (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وحديث عدي بن حاتم أيضاً يدل عليه لأن عدي بن حاتم أكل بلا شك بعد أن طلع الفجر وارتفع وأما الثاني فأسأل الله أن يعفو عن المؤلف أتى بأثر عمر وترك المرفوع حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما رواه البخاري (أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس ولم يؤمروا بالقضاء) ثم إنه أيضاً ترك أثراً عن عمر ربما يكون أصح من الذي رواه سعيد وهو أنه رضي الله عنه لما سألوه أنقضي؟ قال إنا لم نتجانف لإثم وهذا الجواب قاعدة من قواعد الشريعة يعني أننا فعلنا ما أحل لنا ومن فعل ما أحل له فإنه لا يؤثم ولا يلزم بقضاء فيكون في هذه المسألة عن عمر روايتان رواية أمرهم بالقضاء ورواية لم يأمرهم بالقضاء وبين لهم أنهم لم يتجانفوا لإثم فإما أن تحمل رواية القضاء على الاحتياط وإما أن تحمل على أن هذا سنة وليس بواجب أن عمر يرى أنه سنة وليس بواجب وعلى كل حال فرأي عمر رضي الله عنه نأخذ بما وافق السنة وهو أنه لا قضاء وهذا هو الصحيح وحينئذ نقول من شرط الفطر بالمفطرات عموماً حتى في الجماع شروط ثلاثة:

العلم وضده الجهل وسواءً كان الجهل في الوقت أو الجهل في المفطر هل يفطر أو لا؟ والثاني الذكر وضده النسيان والثالث الإرادة وضده الإكراه أوعدم الإرادة كالذي يطير إلى أنفه شيء من الغبار أوالدخان أوما أشبه ذلك هذه الشروط الثلاثة هي التي تشترط لإلزام الصائم بالقضاء في الواجب وإفساد الصوم سواءً كان واجباً أو نفلاً فإذا تخلف واحد من هذه الشروط فالصوم صحيح ولايترتب عليه شيء لا قضاء ولا كفارة. السائل: متى يعذر بالجهل؟ الشيخ: الواجب تركه لا يعذر به الإنسان بدليل أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يعذر المسيء في صلاته وهو جاهل قال (صلِّ فإنك لم تصلِ) فترك الواجب لا بد من فعله ما دام الطلب قائماً يعني في وقت الصلاة أما إذا فات الوقت فهذا ينظر هل صاحبنا مفرِّط او غير مفرِّط؟ وكلامنا الذي ذكرناه في الشروط الثلاثة إنما هو في فعل المحرم الممنوع انتبه لهذا أرأيت لو سهى بالصلاة أو نسي الصلاة فإنه يصليها إذا ذكرها ولا تسقط عنه. السائل: أحسن الله اليكم ذكرنا في مسالة (ولأنه نوع جهل فلا يعذر به كالجهل بالوقت) وقلنا إن المؤلف قاس مختلفا فيه على مختلفٍ فيه، هل المؤلف حين ما قال كالجهل بالوقت يقصد وقت الصيام أووقت الصلاة؟ الشيخ: لا مقصوده وقت الصيام ولذلك جاء بالمسألتين التي ذكرنا لو أكل يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه طالع يجب عليه القضاء وكذلك لو ظن أن الشمس غربت يجب عليه القضاء. السائل: ما الفرق بين من بالغ في الاستنشاق فدخل الماء إلى حلقه وبين من باشر فأنزل وهو لم يرد الإنزال؟ الشيخ: هذا إيراد جيد لكن قلنا من يعلم أنه سريع الإنزال يمنع لكن الإنسان ما يعلم إلا أنه في هذه المرة حصل الإنزال هذا لا يفطر أما عندما يعرف أنه ينزل بمجرد ما أنه تقوى شهوته فهذا يمنع من أن يباشر لكن الاستنشاق ليس كل استنشاق يصل الماء إلى الحلق.

السائل: الجاهل الذي قلنا إنه إذا كان مفرطاً أو غير مفرط في الواجب قد يعيش الرجل بين العلماء ويعمل العمل ولا يدري أنه على حق ولا يعلم أنه على غير الحق إلا بعد سنوات هل هذا مفرط؟ الشيخ: الظاهر أنه مفرط لأن هذا الفعل الذي خالف فيه سيكون مشهوراً بين الناس. السائل: وإذا كان ليس مشهوراً بين الناس كرفع القدمين في أثناء السجود بعض الناس استمر على هذه الحال سنوات؟ الشيخ: ربما نقول إن هذا لم يفرط وأنه لا يلزمه إلا قضاء الصلاة الحاضرة فقط لكن لو كان قد سمع أن رفع أحد الأعضاء يبطل السجود ولكن قال (لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) يعني بعض الناس ياخذ الآية هذه يأخذها دليلاً في كل شيء يقول لا تسألوا. ولا بد أن نعرف ما سبق أنه لا يُفطِّر شيء مما سبق إلا بثلاثة شروط العلم وضده الجهل والذكر وضده النسيان والثالث الاختيار وضده ما كان إكراها أو عن غير قصد. هذه الشروط بينا فيما سبق أنه دل عليها الكتاب والسنة بأدلة عامة وأدلة خاصة وبناءً على ذلك مادام الأمر واضح والحمد لله في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر أسهل من أن نرجع إلى التفاصيل في بعض كتب العلماء ونقول هذه القاعدة قاعدة عريضة مأخوذة من القرآن والسنة الصحيحه.

وإذا شككنا في شيء هل يدخل في المفطرات أو لا؟ فالأصل أنه غير مفطر لأن الصوم ثبت بدليل شرعي فلا يمكن أن ينقض إلا بدليل شرعي مثلاً الإبرة توخز في المريض اختلف الناس فيها ولا سيما عند أول ظهروها فنقول عند الاختلاف بدون مستند شرعي في هذه المسالة نأخذ بالأصل وهو أن الأصل صحة الصوم إلا بدليل واضح على الإفساد وهذه مسألة مهمة لطالب العلم ولا يقول الإنسان إننا لو فتحنا هذا الباب لتساهل الناس نقول نحن نبين الشرع والعمل على غيرنا يجب أيضاً أن نبين للناس الشرع فلو سألك سائل مثلا قال إنه جامع زوجته يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه طالع ماذا نقول له؟ لا شيء عليه. ولو سألك سائل في مكة في رمضان أنه جامع زوجته اليوم ماذا تقول له؟ إذا كان متعمداً أفطر لكن إن كان الصوم واجبا عليه فإنه يقضي ويكفر وإن لم يكن واجباً أفطر ولا أثم عليه إلا القضاء والأول يلزمه الإمساك بقية اليوم والثاني لا يلزمه لأن الصوم في حقه ليس بواجب. فصلٌ القارئ: وعلى من أفطر القضاء لقوله صلى الله عليه وسلم (من استقاء فليقض) ولأن القضاء يجب مع العذر فمع عدمه أولى وعليه إمساك سائر يومه لأنه أمر به في جميع النهار فمخالفته في بعضه لا تبيح المخالفة في الباقي. الشيخ: وهذا فيمن أفطر بلا عذر أما من أفطر بعذر فله أن يأكل بقية يومه مثاله لو أفطر إنسان لإنقاذ معصوم في رمضان فهل يلزمه أن يمسك بقية اليوم؟ لا لا يلزمه لأن هذه البقية لا تنفعه ولأن هذا الرجل قد أُذن له بانتهاك حرمة هذا اليوم بل إن هذا اليوم لا حرمة له في حقه لأنه اضطر للفطر فإذاً لا حرمة لباقي اليوم ومثل ذلك على القول الراجح من قدم من السفر مفطراًَ فإنه لا يلزمه إمساك بقية اليوم. القارئ: ولو قامت البينة بالرؤية بعد فطره فعليه القضاء والإمساك لذلك.

الشيخ: يعني لو قامت البينة في أثناء النهار وهو مفطر لزمه الإمساك ولزمه القضاء أيضاً أولاً لأنه لم ينو من أول النهار وثانياً لأنه أكل وشرب في أول النهار وأما لزوم الإمساك فلأنه ثبت أن هذا اليوم من رمضان وقال شيخ الإسلام إنه لا يلزمه القضاء وإنما يلزمه الإمساك لأنه قبل أن يعلم بدخول الشهر كان جاهلاً معذوراً وأما النية فالنية تتبع العلم وهو لم يعلم ولوعلم قبل أن يطلع الفجر قلنا انو لكنه لم يعلم فالنية تتبع العلم إذ غير المعلوم لا تمكن نيته فيرى رحمه الله أنه يمسك ولا يقضي بل قال لو لم يعلم بدخول الشهر إلا بعد غروب الشمس فإنه لا يلزمه قضاء هذا اليوم لأنه أكل وشرب وجامع من غير علم فيحسب له هذا اليوم مع أنه لم يصمه لوجود مانع وهو الجهل لكن الأحوط أن يقضي لأن هذا الرجل ليس كمن أفطر لعذر في رمضان فإنه حينما كان يأكل ويشرب في أول النهار يعتقد أنه من شعبان وهو فرق بين إنسان أكل أو شربا ناسياً أو جاهلاً وهو يعتقد أن هذا اليوم من رمضان وإنسان آخر لم يعلم به فأرى بناءً على هذا الفرق وإن كان فرقاً ليس له إلا قدم واحد أرى أنه من أجل هذا الفرق أن يحتاط فيقضي ويمسك لأن الإمساك ما فيه إشكال حتى عند شيخ الإسلام ابن تيميه يجب الإمساك. القارئ: ولا تجب الكفارة بغير الجماع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها المحتجم ولا المستقيء ولأن الإيجاب من الشرع ولم يرد بها إلا في الجماع وليس غيره في معناه لأنه أغلظ ولهذا يجب به الحد في ملك الغير والكفارة العظمى في الحج ويفسده دون سائر محظوراته ويتعلق به اثنا عشر حكما.

الشيخ: أي في الجماع وبعضهم أوصلها إلى أربعمائة حكم والجماع هو تغييب الحشفة في الفرج لكن تتبع هذا الأمر فيه كلفة ومشقة والمهم أن تعرف الحكم في كل بابٍ على حدة وإن أمكن أن تجمعها فهذا طيب وما قاله رحمه الله من أن الكفارة لا تجب إلا بالجماع هو الحق خلافاً لمن قال تجب الكفارة بإلامناء أو بالفطر عمداً ولو بالأكل والشرب فإن هذه كلها أقوال لا دليل عليها إنما تجب الكفارة بالجماع خاصة في نهار رمضان لمن كان الصوم واجباً عليه فقولنا في نهار رمضان يخرج ما لو جامع في قضاء رمضان يعني إنسان عليه أيام من رمضان وكان يقضيها فجامع فليس عليه كفارة لأن جماعه ليس في نهار رمضان وقولنا والصوم واجب عليه يخرج من جامع في سفر أو جامع في مرض فإنه ليس عليه كفارة لأن الصوم ليس واجباً عليه في هذه الحال. فصلٌ القارئ: ومن جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل فعليه القضاء والكفارة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء فقال يا رسول الله وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تجد رقبة تعتقها؟) قال لا، قال (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟) قال لا، قال (فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟) قال: لا، قال فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي رسول الله بفرق تمر فقال (أين السائل خذ هذا فتصدق به) فقال الرجل أفعلى أفقر مني يا رسول الله؟ والله ما بين لابيتها يريد الحرتين أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه فقال (أطعمه أهلك) متفق عليه.

الشيخ: هذا الحديث فيه بيان حكم من جامع وفيه فوائد منها صراحة الصحابة رضي الله عنهم في السؤال عن الدين وأنهم لا يمنعهم الحياء عن التفقه في دين الله ومنها أن الصحابة من أحرص الناس على معرفة الحق بل هم أحرص الناس ولهذا جاء يسأل في هذا المكان مع وجود الناس ويقول هلكت وأهلكت كما في ألفاظ الحديث الأخرى ومنها أن الرجل كان عالماً بدليل أنه قال هلكت وإن كان فيه احتمال أنه أخبر بعد أن حدث قومه أو أحداً من الناس يعلم بأنه جامع زوجته فقال هلكت ولكن الأصل عدم ذلك وسواء أخبر أو لم يخبر، وعندنا قاعدة عامة وهي أن من تناول مفطراً جاهلاً فلا شيء عليه وفيه أيضا أن كفارة الجماع في نهار رمضان كفارة مغلظة لأنها عتق رقبة أوصيام شهرين متتابعين أوإطعام ستين مسكين ولا يوجد لها نظير في الكفارات إلا كفارة الظهار ومنها أن كفارته على الترتيب والذي يبدأ به أولاً عتق الرقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يجد فإطعام ستين مسكين ومنها أنه لا فرق بين أن يجامع في يوم أوفي يومين أو ثلاثة أو أربعة هذه تحتاج إلى مناقشة وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصله لم يقل هل جامعت قبل اليوم؟ ولو كان الحكم يختلف لاستفصل لأن الأمر ليس بهين افرض أن هذا الرجل كان حديث عهد بعرس ليس الصحابي أعني غيره حديث عهد بعرس وكان يجامع زوجته كل يوم في رمضان كم يجب عليه من شهر؟ يجب عليه إذا قلنا تتكرر بتكرر الأيام يجب عليه ستون شهراً وإلا فشهران وإذا كان الحكم يختلف هذا الاختلاف المتباين كان لابد أن يستفصل المسؤول عن ذلك فيقول هل جامعتها قبل هذا اليوم أو لا؟ وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم وهو وجه في مذهب الإمام أحمد رحمه الله لكننا لا نفتي به وإن كنا نرى أنه من حيث النظر قوي لكن لا نفتي به لأن الإنسان الشاب حديث العرس يأنس بهذه الفتوى يعني يجامع زوجته كل يوم أو في اليوم مرتين كل شهر رمضان ويقول الأمر سهل، صيام شهريين متتابعين أو

بعد يتكاسل يقول والله ما قدرت أنا موظف ومشغول فيطعم ستين مسكيناً فالمسألة وإن كانت من حيث النظر قوية لكن النظر شيء والإفتاء شيء آخر وهذا من فقه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو حق وسياسة حكيمة إذا خشيت من الناس أن يتتابعوا على أمر محرم فلا بأس أن تعاملهم بالأغلظ لأنه إذا كان فاعل المحرم يعزر ويحدث له عقوبة فكيف إذا أردنا أن نمنعه من أن يفعل المحرم لذلك نرى أن الفتوى في ذلك غير وجيهة وإن كانت قوية في النظر لئلا يتتايع الناس في هذا الأمر العظيم فإن عمر كان يعلم أن طلاق الثلاث واحدة وأن الرجل إذا قال أنتي طالق أنتي طالق أنتي طالق فهي واحدة وكانت كذلك في أول عهده في سنتين من عهده لكن لما رأى الناس تتايعوا في هذا الأمر وهلكوا فيه وتجرؤوا على المحرم ألزمهم بما ألزموا به أنفسهم لأن القائل أنتي طالق أنتي طالق أنتي طالق ماذا يريد؟ يريد البينونة فألزمهم رضي الله عنه بذلك ومنعهم من الرجوع ولذلك قال (أرى الناس قد تتايعوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم) إذاً هو رأي اتخذه عمر سياسة لمنع الناس من هذا الفعل المحرم والتعجل فيما جعل الله لهم فيه أناة وكذلك بيع أمهات الأولاد كان جائزاً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعهد أبي بكر تباع أم الولد لكن لما رأى عمر أن الناس لن ينتهوا عن هذا وأنهم يفرقون بين السرية وأولادها الصغار ينكسر قلبها ويفزع الصغار فمنع بيع أمهات الأولاد سياسة وفي عهد الرسول (لما حذر الرسول عليه الصلاة والسلام من التفريق بين المرأة وولدها) التزم الناس بهذا وصاروا لا يفرقون بين أمهات الأولاد وأولادهم إلا إذا كبروا واستقل الولد تباع لكن عمر رأى المنع مطلقاً لأن الناس تهاونوا في هذا الأمر فكان هذا سياسية فهذه مسألة ينبغي لطالب العلم أن يلاحظها في الفتوى ومثلاً النقاب جائز من حيث هو نقاب وكان النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ينتقبنَ

ولا إشكال في هذا ولانقول هو حرام وهو موجود في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مقر له لكن إذا علمنا أن القول في إباحته يفضي إلى شر وفتنة وأن غالب النساء لم تتقيد بما يجب أن تتقيد به وأنها تخرج عينها مكحولة من أحسن كحل وهي عين جميلة فاتنة ثم قد تأتي بالملصقات التي تلصق على العين لتجميلها فالتي عينها غير جميلة الآن بدأنا يستعملن اللاصقات فتكتحل وتوسع النقاب وما تجعله على قدر النظر هذا أول شهر أو أول سنة وفي السنة الثانية توسعه قليلاً حتى يظهر الحاجبان والوجنتان وهذا هو الواقع الآن بدأت بعض النساء نسأل الله العافية والسلامة يتلثمن ويقلن هذا مثل النقاب وغداً يكشفنّ فمثل هذا إذا امتنع الإنسان من الافتاء بجوازه وقال أنا لا أفتي بجوازه فهذا ليس فيه بأس وهو لم يقل أنا أقول إنه حرام أولا أقول إنه حرام أقول لا أفتي بجوازه وهذا يدل على أنه يراه جائزاً لكن لا يفتي به نظراً للمصلحة وحماية الناس من الفتنة والتسيب في مثل هذه الأمور نحن الآن بصدد الحديث على حديث أبي هريرة رضي الله عنه فنقول هذا الحديث يدل بظاهره أنه لا فرق بين من جامع في يوم أو في أكثر من يوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل مع كون الأمر صعباً شديداً وأما الذين يقولون إنه يجب عليه أن يكفر عن كل يومٍ كفارة فعللوا ذلك بعلة جيدة قالوا لأن كل يوم عبادة مفردة لا سيما إذا قلنا إنه يجب أن ينوي لكل يوم نية في رمضان فقالوا إن كل يوم منفرد ولهذا لو فسد صوم اليوم لم يفسد صوم أمس مما يدل على أن كل يوم عبادة مستقلة وهذا لا شك أنه تعليل قوي وإذا أخذ به الإنسان حماية للناس من التسيب والتلاعب فلا حرج عليه في ذلك إن شاء الله أولاً لقوة تعليله وقد تكون قوة هذا التعليل مقابلة لقوة ظاهر الحديث حديث أبي هريرة فيقال الآن عندنا علة قوية مع ظاهر النص فهل نغلب هذه أو هذه؟ محل نظر لكن الوجه الأول أولى أنه لا فرق إلا أنه لا حرج أن نأخذ بهذا

القول وأن كل يوم له كفارة مستقلة بخلاف من قتل أنفساً فإن من قتل أنفساً لابد لكل نفسٍ من كفارة فلو أن رجلاً حصل عليه حادث وهو فيه مفرط أو معتدي ومات معه عشرة لزمه أن يعتق عشرة رقاب فإن لم يجد صام عشرين شهراً ولا نقول هنا بالتداخل لأن كل نفس لا تجني على نفس أخرى وكل نفس مستقلة وفي الحديث أيضاً من الفوائد تسهيل الشرع على العباد لقوله صلى الله عليه وسلم (هل تجد رقبة تعتقها؟ قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال لا قال فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال لا) وهذا لاشك أنه تيسير على المكلف إذا لم يستطع فإنه ينزل إلى ما دون ذلك فإن لم يستطع إطعام ستين مسكيناً ماذا يكون أمره؟ قال بعض العلماء إنها تسقط عنه لأنه لا واجب مع العجزوقد قال الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) وقال بعض العلماء تكون في ذمته ديناً متى وجد أطعم لأنه بمنزلة الدين والذي يظهر أنها تسقط ما لم يحصل على ذلك في وقته وحينه فإنه يلزمه أن يكفر فلو مثلاً لزمته الكفارة اليوم فوجد الإطعام في أخر النهار أو من الغد فهذا لا نقول إنه معدم بل نقول يلزمه والدليل على هذا أنه لما قال هذا الرجل لا أستطيع وجاء التمر أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به ولو سقطت لم يأمره وفيه أيضاً دليلٌ على إعطاء ولي الأمر ما يتصدق به على الفقراء وكان هذا من عادة الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك من كان أكثر مساساً بالناس وأعرف بالناس فإن إعطاؤه أو الاستنارة برائه مفيد ويؤخذ من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب من سؤاله ومن قوله في الأخير أين السائل؟ وهو كذلك فالرسول عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عليه فإن الله أطلعه من الغيب على من لم يطلع به غيره ومن فوائد هذا الحديث ما نعود إليه ثانية صراحة الصحابة وأن الإنسان يذكر وصفه على أي حال كان لما قال تصدق به قال أعلى

أفقر مني؟ وكثير من الناس يتستر ولاشك أن التستر خير قال الله تعالى (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) لكن هذا في سؤال الناس لا يسألون الناس إلحافاً أما في بيان حالهم عند الحاجة فلا بأس وفيه أيضاً جواز الحلف على غلبة الظن يؤخذ من قوله (فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني) لأن هذا الرجل لم يذهب إلى كل بيت يسألهم بلا شك لكن هذا غالب ظنه فحلف على غالب ظنه فإن قال قائل إذا كان هذا الرجل ليس عنده أي تمر أو أية حبة أو أي ثوب زائد على ما يلبس هل يوجد أحد أفقر منه؟ نعم الفقير المدين يكون مثله في مصروفاته اليومية وعليه دين فيكون أفقر وأيضاً قد ورد اليمين على غلبة الظن فإن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الله بن سهل وعبد الرحمن بن سهل قال لهم (تحلفون خمسين يميناً على من قتل صاحبكم) في قصة القسامة ومعلوم أنهم لم يروا ولم يشهدوا لهذا قالوا لم نر ولم نشهد فكيف نحلف؟ لكن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم اليمين يدل على جواز ذلك ومما يستفاد من هذا الحديث حسن خلق الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه ضحك وهذا يدل على انبساطه من هذا الرجل لو كان عندي لقلت ما تشكر نعمة الله ما تخاف الله وماذا يدريك أنه ما في البلد أهل بيت أفقرمنك؟ لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم الناس وهو على خلق عظيم فضحك منبسطا منشرحاً صدره عليه الصلاة والسلام ضحك حتى بدت أنيابه والأنياب هي ما وراء الرباعيات والأسنان هي الثنايا ثم الرباعيات ثم الأنياب ثم قال (أطعمه أهلك) سبحان الله دليل على أن الإنسان يكون أهل لكفارته لأنه قال (أطعمه أهلك) هكذا استدل بعض العلماء وقالوا إن الفقير إذا وجبت عليه كفارة فأعطاه إنسان ما يكفر فله أن يأخذها إذا كان فقيراً لكن هذا القول فيه نظر والاستدلال بهذا الحديث له فيه نظر أيضاً لأن أهل هذا الرجل لا يبلغون ستين مسكيناً إما بالتأكيد أو بغلبة الظن ولم يستفسر النبي صلى

الله عليه وسلم أن أهله يجدون لكن لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً علم أنه لا يستطيع أن يؤدي الكفارة وسقطت عنه وهو يريد أن يطعم أهله وفيه أيضاً هذه الغنيمة التي رجع بها هذا الرجل كأنك تتصور أن هذا الرجل خرج من امرأته وهو يقول سأذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وربما يكون قلبه يرجف خوفاً ولهذا وردت أحاديث فيها ألفاظ فيها نظر كونه جاء ينتف شعره ويشق ثوبه وما أشبه ذلك هذه كلها ألفاظ لا أظنها تصح لكن لاشك أن الرجل جاء خائفاًَ فزعاً وأنه خرج من أهله على هذه الحال ومع ذلك رجع إليهم بطعام بتمر سبحان الله هكذا ينبغي أن ندعو الناس لكن يجب أن نعرف الفرق بين رجل جاء تائباً نادماً يطلب الخلاص هذا نعامله بما تقتضيه حاله ونلين له في القول ونيسرله الأمر وهذا من خلق الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أمرنا أن نقتدي به. القارئ: وسواء في هذا وطء الزوجة والأجنبية والحية والميتة والآدمية والبهمية والقبل والدبر لأنه وطء في فرج موجب لغسل أشبه وطء الزوجة ولأنه إذا وجب التكفير بالوطء في المحل المملوك ففيما عداه أولى ويحتمل أن لا تجب الكفارة بوطء البهيمة لأنه محل لا يجب بالحد بالوطء فيه أشبه غير الفرج. الشيخ: وهذا القول أقرب إلى الصواب لأن هذا الفرج لا يباح بحال وكما قال المؤلف رحمه الله لا يجب حد الزنا بالوطء فيه وأيضاً على القول الراجح لا يجب الغسل إذا وطأ بهيمة ما لم ينزل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) ومعلوم أن البهيمة ليس لها ختان فالصواب أن وطء البهيمة وإن كان بعض الناس والعياذ بالله قد قلبت طبيعتهم ويتلذذ به لكنها لا توجب شيئاً إلا أن واطيء البهيمة يعزر وتقتل البهيمة قتلاً لا تذكى ذكاة تقتل وترمى للكلاب فإن كانت ملكاً للواطيء فقد تلفت عليه وإن كانت لغيره وجب عليه ضمانها ولا تؤكل.

القارئ: وفي الجماع دون الفرج إذا أنزل روايتان إحداهما تجب به الكفارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل السائل عن الوقاع والثانية لا تجب لأنه مباشرة (لا يفطر) بغير إنزال. الشيخ: عندي بالمخطوطة (لا تفطر) نسخة. القارئ: فأشبه القبلة ولا يصح قياسه على الوطء في الفرج لما بينهما من الفرق وإنما لم يستفصله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه فهم منه الوقاع في الفرج بدليل ترك الاستفصال عن الإنزال. الشيخ: وهذا هو الصحيح أن الإيقاع بدون إنزال لا يوجب الكفارة. القارئ: وتجب الكفارة على الناسي والمكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل السائل عن حاله وعن أحمد: كل أمرٍ غلب عليه الصائم فليس عليه قضاءٌ ولا غيره فيدخل فيه الإكراه والنسيان لقول النبي صلى الله عليه وسلم (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه النسائي، وقياساً على سائر المفطرات وقال ابن عقيل إن كان الإكراه إلجاء مثل أن استدخل ذكره وهو نائم أو مغلوب على نفسه فلا كفارة عليه لأنه لا فعل له وفي فساد صومه احتمالان وإن كان بالوعيد ونحوه فعليه القضاء لأن الانتشار من فعله ولا كفارة عليه لعذره.

الشيخ: والصواب في هذه المسألة أنه إذا كان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه لعموم الأدلة السابقة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم الجاهل الذي أكل بعد طلوع الفجر بالقضاء ولم يلزم الناس جميعاً الذين أفطروا قبل غروب الشمس بالقضاء وقال (من أكل أو شرب وهو ناسي فليتم صومه) ولا فرق كلاهما محظور وكلاهما مفطر لكن ربما يقول قائل النسيان في الجماع بعيد لأنه ليس كالأكل والشرب ولأنه متعلق بطرف أخر والطرف الأخر ينبهه فالنسيان غيروارد وأما الجهل يقع ولكن إذا كان جاهلاً بوجوب الكفارة عالماً بتحريم الجماع فهل تلزمه الكفارة؟ نعم تلزمه لأنه انتهك المحرم عن علم ولأن الرجل الذي جاء يستفتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يعلم بالكفارة بل سأل عنها وهكذا جميع الأشياء التي فيها حد أو كفارة إذا كان الإنسان عالماً بها وجاهلاً بالعقوبة والكفارة فإنه لا يعذر فلو زنى ثيب وقال إنه لايدري أن عليه الرجم ولكن يدري أن الزنى حرام انتهكه فعليه الرجم وأما قوله في تعليل وجوب الكفارة ولو كان عن جهل أو إكراه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل فيقال إن الرجل صرح بما يدل على أنه كان عالماً لأنه يقول هلكت وهذا يدل على أنه كان عالماً ولم يقل أخبروني أني هلكت حتى نقول إنه علم بعد الوقاع ثم إن مثل هذا يرد كثيراً يذكر السلف الصالح أن من فعل كذا فعليه كذا فيظن بعض الناس بهذه العبارة العموم وهي نعم عامة لكنها مقيدة بألا يوجد مانع يمنع الوجوب بأدلة أخرى وهذا يقع حتى في كلام الفقهاء رحمهم الله يقول إذا جامع قبل التحلل الأول فسد حجه ولزمه كذا وكذا هذا حكم لكن هل الحكم لا يكون له موانع؟ بلى وهذه المسألة ينبغي أن نتفطن لها وهوأن الرسول علم من حال هذا الرجل أنه كان عالماً وأنه جاء يريد التخلص مما وقع منه لقوله إني هلكت وخلاصة الكلام الآن أن الجماع كغيره من المفطرات إذا وقع من جاهل أو ناسٍ أو مكره يعني

غير مريد فإنه لا يفطر به وليس عليه الكفارة. السائل: بالنسبة للكفارة بوطيء الدبر كاللواط والميت هل تجب؟ الشيخ: نعم إذا فرض أنه يشتهي هذا الشيء إنسان وحصل منه الوقاع وهي ميتة فعليه الكفارة. السائل: من فعل محرم وهو يعلم أنه محرم لكن لا يعلم أنه مخرج من الملة؟ الشيخ: نعم يخرج من الملة يعني من ترك الصلاة وهو لا يعلم أنه يخرج من الملة لكن يعلم أنه حرام خرج من الملة. فصلٌ القارئ: في وجوب الكفارة على المرأة روايتان إحداهما تجب لأنها إحدى المتواطئين فلزمتها الكفارة كالرجل والثانية لا تلزمها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر امرأة المواقع بكفارة ولأنه حق مال يتعلق بالوطء من بين جنسه فاختص بالرجل كالمهر. الشيخ: والصواب أن عليها الكفارة إذا كانت مختارة عالمة وأما كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر وجوبها على المرأة فلأن المرأة لم تقر ولم تأتِ تستفتي فيحتمل أنها كانت نائمة أو ناسية أو جاهلة أو مكرهة فأمرها عند الرسول عليه الصلاة والسلام مجهول وهو إنما أفتى من جاء يستفتي والعلة الموجبة للكفارة على الرجل موجودة في المرأة فإن التلذذ وانتهاك حرمة الصوم هو موجود في المرأة أيضاً فالصواب الذي يكاد يكون مقطوعاً به أن المرأة إذا كانت مختارة فعليها الكفارة كالرجل تماماً. القارئ: فإن كانت ناسية أو مكرهة فلا كفارة عليها رواية واحدة لأنها تعذر بالعذر في الوطء ولذلك لا تحد إذا أكرهت على الزنا بخلاف الرجل والحكم في فساد صومها كالحكم في الرجل المعذور.

الشيخ: الآن عفوا عن المرأة إذا كانت مكرهة أو ناسية وهذا يمكن أن يخرّج من هذا القول القول بأن الرجل أيضاً يعفى عنه وهو تخريج قريب والصحيح العفو عنهم جميعاً أن المرأة إذا كانت جاهلة أو ناسية أو مكرهة فلا شيء عليها أما قوله إذا أكرهت على الزنى فإنها لا تحد والرجل إذا أكره على الزنا فإنه يحد فهذا أيضاً فيه نظر والصواب أن الرجل وإن أكره على الزنا فلا حد عليه لعموم الأدلة وقولهم إنه لا يمكن أن يجامع إلا بانتشار ولا انتشار إلا عن إرادة وهذا يدل على تعذر صورة الإكراه نقول هذا غير صحيح بل إذا هيئ لإنسان امرأة شابة جميلة وزينت وطيبت ومكيجت وهو شاب وقيل لابد أن تجامعها وإلا قتلناك ثم دنا منها هل يمكن أن ينتشر ذكره أو لا؟ يمكن فقوله إنه لا يمكن إكراه الرجل على الجماع فيه نظر والواجب في مثل هذه الأمور أن الإنسان ينظر للواقع وأما الفروض الذهنية فهي غير واردة في الأمور الشرعية صحيح أن إكراهه بعيد خصوصاً أن الإنسان إذا كان عنده خوفٌ من الله عز وجل ربما لا يستطيع أن يجامع لعدم انتشار ذكره لكن النفوس مجبولة على أنه إذا حصل مثل هذا التهييء للإنسان الشاب أن يفعل والخلاصة أن المكره على الزنى من رجل أو امرأة ليس عليه حد لعموم الأدلة. القارئ: ولا تجب الكفارة بالوطء في غير رمضان لعدم حرمة الزمان. الشيخ: حتى في القضاء ليس فيه كفارة لكن إذا وجدت شروط الإفطار صار مفطراً فعليه القضاء. فصلٌ القارئ: ومن لزمه الإمساك في رمضان فعليه الكفارة بالوطء وإن كان مفطراً لأنه وطء حرم لحرمة رمضان فوجبت به الكفارة كوطء الصائم. الشيخ: مثال ذلك لو قدم الإنسان مفطراً من سفر وجامع زوجته فإنه تجب عليه الكفارة لأنه يلزمه الإمساك وهذا بناء على القول بلزوم الإمساك أما على القول الراجح أنه إذا قدم مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك فإنه إذا جامع في هذه الحال لا كفارة عليه.

القارئ: ومن جامع وهو صحيح مقيم ثم مرض أو جنّ أو سافر لم تسقط الكفارة عنه لأنه أفسد صوماً واجباً في رمضان بجماع تامٍ فوجبت الكفارة وجوباً مستمراً كما لو لم يطرأ عذر. الشيخ: هذا صحيح لأنه لو جامع في رمضان وهو مقيم ثم سافر فالمسافر له أن يفطر ولو كان سفره في أثناء النهارفهل نقول في هذه الحال لا كفارة عليه لأنه أخر النهار قد أبيح له الفطر أو نقول إن عليه الكفارة؟ نقول عليه الكفارة لأنه حين الوطء كان صائماً صوماً واجباً في رمضان. القارئ: وإن وطيء ثم وطيء قبل التكفير في يوم واحد فعليه كفارة واحدة بلا خلاف لأنها عبادة تكرر الوطء فيها قبل التكفير فلم تجب أكثر من كفارة كالحج وإن كان ذلك في يومين ففيه وجهان أحدهما تجزئه كفارة واحدة لأنه جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها فتداخلا كالحدود وكالتي قبلها والثاني تلزمه كفارتان اختاره القاضي لأنه أفسد صوم يومين بجماع فوجبت كفارتان كما لو كانا في رمضانين فإن كفر عن الأول فعليه في الثاني كفارة وجهاً واحداً لأنه تكرر السبب بعد استيفاء حكم الأول فوجب أن يثبت للثاني حكمه كسائر الكفارات.

الشيخ: إذا كفر ثم أعاد الوطء فعليه أن يكفر للوطء الثاني سواءً أكانا في يوم واحد أو في أيام وسبق لنا مسائل مهمة في مسألة الجماع أولاً المرأة هل عليها كفارة؟ قلنا إن الصحيح أن عليها كفارة لأن الرجال والنساء سواء ما لم يوجد دليل يفرق بينهما والإجابة عن حديث المجامع سهلة لأن المرأة لم تحضر ولم تقر وربما تكون في حال تعذر فيها فهي في الحقيقة مسكوت عنها وليس مسقطاً عنها الكفارة وفرق بين المسكوت عنها وبين المسقط عنه الكفارة لو قال الرسول لا كفارة عن امرأتك قلنا نعم لكن هي مسكوت عنها لأن قضيتها لا ترى وربما يشير قوله هلكت وأهلكت ربما يشير هذا إلى أنه أكرهها وإلا لقال هلكت وهلكت امرأتي وعلى كل حال القول الراجح بلا شك هو أن المرأة عليها الكفارة إذا كانت مطاوعة وسبق لنا أنه إذا تكرر الجماع في يوم قبل التكفير لزمه كفارة واحدة بالاتفاق وإذا تكرر في يومين قبل التكفير ففيه وجهان ورجحنا من حيث النظر أنه لا يلزمه إلا كفارة واحدة ولكننا لا نفتي بذلك نظراً لسد باب التهاون في هذا الأمر لأنه قد يهون على الإنسان أن يجامع زوجته كل يوم في رمضان ويؤدي كفارة واحدة هذه مسائل ينبغي للطالب أن يتفطن لها لأنه ربما يأتيه إنسان مثلاً ذكر له أنه كان يجامع كل يوم أو عشرة أيام مثلاً ولم يكفر وأنه تائب ونادم ونعرف أنه رجل من أهل الرجولة فهذا ربما نفتيه سراً بأن يكفيه كفارة واحدة كما كان العلماء يفعلون هذا رحمهم الله يفتون بالمسائل التي يخافون من إنزلاق الناس فيها يفتون فيها سراً كعبد السلام بن تيميه جد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان يفتي بأن الطلاق الثلاث واحدة لكن كان يفتي به سراً كما نقله عنه حفيده وأصل هذه الأمور أن العلم يقصد به شيء وراء العلم وهو تربية الناس وإقامتهم على الحق وأنه مهما أمكن التربية إذا لم تخالف الشرع فاسلكها فلو أن أحداً مثلاً يقول إن ستر الوجه ليس بواجب بمقتضى الدليل عندي قلنا لك

رأيك ولا نلزمك برأينا لكن هل من المصلحة أن تنشر هذا الرأي في قوم ملتزمين بتغطية الوجه؟ ليس من المصلحة لست ترى أن كشف الوجه واجباً حتى تقول سأبينه ليقوم الناس بالواجب ترى أنه مباح وربما ترى في ضميرك أنه مباح وتركه أفضل إذاً كيف تنشر للناس ما يوجب التهاون في هذا الأمر؟ فهذه المسائل انتبهوا لها بارك الله فيكم ربوا الناس مادام الناس الآن متمسكين بلزوم تغطية الوجه وليس عندهم في هذا إشكال وليس كشفه واجب حتى نقول نبين للناس دعهم على ما هم عليه لأنهم إذا كشفوا وجوههم صاروا آثمين عند بعض العلماء وليس آثمين عندك أنت الذي تبيح كشف الوجه بل هم فاعلون للأفضل لكن لو كشفوا الوجه صاروا عند من يرى وجوب ستره صاروا آثمين فكيف توقع الناس بالإثم وهم في سلامة منه. فصل القارئ: والكفارة عتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتبعين فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً للخبر وعنه أنها على التخيير بين الثلاثة لما روي عن أبي هريرة أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو (يطعم) ستين مسكيناً. رواه مسلم ومالك في الموطأ. الشيخ: (أو إطعام) نسخة بالمخطوطة أنسب للسياق الذي قبلها (أو صيام شهرين). القارئ: وأو للتخير والأول المذهب لأن الحديث الأول أصح وهو متضمن للزيادة. الشيخ: ثم يقال إن الأول متضمن للزيادة وهو (هل تجد؟ هل تستطيع؟) ثانياً أن هذا لا ينافي الترتيب وكون (أو) تأتي لا ينافي الترتيب إذ أن المعنى أو صيام شهرين متتابعين إن لم يجد رقبة والحديث واحد رواه أبو هريرة فيحمل هذا على الأول يقيناً وتكون الكفارة على الترتيب.

القارئ: وإن عجز عن الأصناف كلها سقطت لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي أخبره بحاجته إليها بأكلها ويحتمل أن لا تسقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه المكتل وأمره بالتكفير بعد إخباره بعجزه والأول أولى لأن الإسقاط أخر الأمرين فيجب تقديمه. الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه عند العجز تسقط وهو الموافق أيضاً للقاعدة العامة (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) وللقاعدة التي أخذها أيضاً العلماء من هذه الآية أنه لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة إذا كانت الضرورة تندفع به وهاتان قاعدتان مهمتان لا واجب مع العجز دليلها (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) ولا محرم مع الضرورة إذا كان تندفع به دليلها قوله تعالى (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ويصوم يوماً مكان اليوم الذي أفسده لأنه أفسد يوماً فيجب عليه قضاؤه فلو شرع في الصلاة ثم أفسدها فإنه يقضيها أما لو كان لم يصم من الأول فلا قضاء عليه لأنه تعمد ترك هذا اليوم. السائل: رجل إذا جاء رمضان يصوم ويصلي وإذا فات رمضان ترك الصلاة واستمر على هذا سنوات ثم تاب وكان في رمضان يجامع زوجته فلما تاب التزم بالواجبات والسنن واستقام هل تجب عليه الكفارة؟ الشيخ: من المعلوم أننا لانلزمه بقضاء الصلاة لأنه كان يتركها عمدا ومن المعلوم أيضا أن هذا لم يترك الصلاة تركا مطلقا ومن المعلوم أيضا أنه يفسد صيامه بالجماع فهل نقول بالقول الثاني الذي ذكره المؤلف رحمه الله بتداخل كفارات الأيام وأنه يجزئه كفارة واحدة بناءً على أن هذا لو ألزمناه بأن يكفر عن كل يومٍ كفارة ربما يرتد ويقول لو استقمت لزمني هذا الأمر فهل من حسن التربية أن نأخذ بالقول الثاني الذي له وجهة من النظر، كما أسلفنا فيما سبق لو أنه استفتاني وعرفت أن الرجل تاب توبةً نصوحة لقلت يكفيك كفارة واحدة ولكن لا تخبر الناس بذلك.

باب القضاء

باب القضاء القارئ: يجوز تفريق قضاء رمضان لقول الله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وهذا مطلق يتناول التفريق وروى الأثرم بإسناده عن محمد بن المنكدر أنه قال (بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء رمضان فقال لو كان على أحدكم دينٌ فقضاه من الدرهم والدرهمين حتى يقضي ما عليه من الدين هل كان ذلك قاضياً دينه؟ قالوا نعم يا رسول الله قال فالله أحق بالعفو والتجاوز منكم) رواه الدارقطني. الشيخ: هذا مرسل لأنه رواه محمد بن المنكدر يقول بلغني، والأمر كما قال رحمه الله إنه يجوز لمن عليه قضاء أن يقضي متتابعاً ومتفرقاً لقول الله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يقل فشهرٌ من شهورٍ أخر قال (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وهذا يشمل المتفرق والمتتابع ولأن عائشة رضي الله قالت كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان وهذا يدل على أنها لو قضته يوماً ثم يوماً مفطرة أنه لا بأس به وهو كذلك. القارئ: والمتتابع أحسن لأنه أشبه بالأداء وأبعد من الخلاف. الشيخ: العلة التتابع أفضل لأنه أشبه بالأداء فإن رمضان كان متتابعاً وأسلم من خلاف من قال يجب القضاء فوراً وهو قول ضعيف لا يعول عليه ولأنه أسبق إلى الخيرات لأن القضاء خير وكلما قدمت فهو خير ولأنه أسرع في إبراء الذمة ولأنه أحوط فإن الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت ثم يبقى هذا الصوم ديناً في ذمته وقد يصوم الولي وقد لا يصوم وقد يطعم وقد يتأخر بالإطعام فعلى كل حال التتابع لاشك أنه أفضل وأحسن. القارئ: ويجوز له تأخيره ما لم يأتِ رمضانٌ آخر لأن عائشة رضي الله عنها قالت (لقدكان يكون علي الصيام من رمضان فلا أقضيه حتى يجئ شعبان) متفقٌ عليه ولا يجوز تأخيره لغير عذرٍ أكثر من ذلك لأنه لو جاز ذلك لأخرته عائشة ولأن تأخيره غير مؤقتٍ إلحاقاً له بالمندوبات.

الشيخ: ودليل ذلك أولاً أثر عائشة فواضح حيث قالت فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان وأما الثاني فلأننا إذا قلنا بجواز تأخيره إلى ما بعد رمضان لألحقناه بالنوافل إذا لم يكن له حد صار يجوز تأخيره إلى الأبد وهذا إلحاقٌ له بالنوافل يعني يجعله كأنه نافلة وتعليلٌ ثالث ولأن رمضان الثاني بمنزلة خروج وقت الصلاة ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلى وقت آخر لأن القضاء مابين رمضانين ثم يأتي شهرٌ آخر له متعلقاته. القارئ: فإن أخره لعذرٍ فلا شئ عليه لأن فطر رمضان يباح للعذر فغيره أولى وسواءٌ مات أو لم يمت لأنه لم يفرط في الصوم فلم يلزمه شئ كما لو مات في رمضان. الشيخ: هذه مسألة مهمة إذا أخره لعذر فإنه لا شئ عليه لا إطعاماً ولا قضاء فلو أن إنساناً مرض في رمضان مرضاً يرجى برؤه ثم استمر به المرض حتى مات فلاشئ عليه لا يصوم عنه وليه ولا يطعم عنه لماذا؟ لأنه لم يستطيع الصوم وقولنا يرجي برؤه احترازاً مما لو جاءه رمضان وهو لا يرجى برؤه هذا ليس فرضه الصيام وإنما فرضه الإطعام فيطعم عنه وينتهي أمره في رمضان وهذه مسألة قد يغلط فيها بعض الطلبة قد يظن أن المسألة الأولى كالمسألة الثانية ولكن بينهما فرق لأن فرض المريض في المسألة الأولى الصوم أن يصوم بدل ما ترك ولم يستطيع بعد ذلك فسقط عنه كما لو مات في رمضان أو مات في شعبان وأما الثانية ففرضه الإطعام أصلا يعني هذا الذي لا يرجى برؤه في رمضان فلاصوم عليه أصلا وإنما يجب عليه الإطعام فنطعم عنه في نفس الشهر وينتهي أمره. القارئ: وإن أمكنه القضاء فلم يقض حتى جاء رمضان آخر قضى وأطعم عن كل يومٍ مسكينا لأن ذلك يروى عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم.

الشيخ: عندي بالمخطوطة (وإن أمكنه الصيام) نسخة، رمضان مما زيد فيه الألف والنون وما زيد فيه الألف والنون سواء كان علما أم صفة فإنه يشترط العلمية أو الوصفية وليس مجرد زيادة الألف والنون مانعا من الصرف حتى تنضم إليه العلمية أو الوصفية ولهذا لو جاءك إنسان في آخر شعبان وقال أنا أدعوك إلى زيارتي فقلت إن شاء الله بعد رمضانٍ قال إن شاء الله من يوم نفطر قلت من يوم نفطر من رمضانٍ فجاءك بعد العيد قال أوف أقول له أنا ما عينت قلت بعد رمضانٍ نعم لكن هذا من باب التورية ولاسيما في مخاطبة العوام ويمينك على مايصدقك به صاحبك فهل تجوز هذه التورية؟ إذا لم يكن ظالماً فتجوز على رأي بعض العلماء وكذلك إذا كان لمصلحة ومثل ذلك إذا قال متى تزورني؟ قلت بعد غدٍ وبعد غدٍ يمتد إلى يوم القيامة فمثل هذه الأشياء يتخلص بها الإنسان لأن بعض الناس يكرر ويلزم وهذا ممكن ترضيه فيما بعد تقول يا أخي إني أقول لك بعد غدٍ وتقول له في نفس الوقت بعد غدٍ إلى يوم القيامة حتى يزول ما في قلبه لئلا يقول أنت خدعتني أو ما أشبه ذلك. القارئ: ولأن تأخير القضاء عن وقته إذا لم يوجب قضاءً أوجب كفارة كالشيخ الهرم.

الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء إذا أخره إلى رمضان الثاني بلا عذر ثم قضاه فمنهم من يرى أنه يلزمه كفارة إطعام مسكين مع كل يوم بناءً على هذه الآثار التي أشار إليها المؤلف رحمه الله تعالى ومنهم من يقول لا إطعام عليه لعموم قول الله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يذكر شيئاً ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شئ ولعل إفتاء هؤلاء الثلاثة إنما كان من باب الاحتياط أو من باب التعزير أو ما أشبه ذلك وأما إثبات حكمٍ شرعيٍ بها مع وجود عمومٍ في القرآن وتركٍ في السنة فلا يمكن أن نلزم عباد الله بمثل هذا ولكن لاشك أن الاحتياط أن يطعم وأما إلزام الناس بذلك فلا وكثيرٌ من الناس الذين يسألون الآن يرون أن الإطعام أثقل عليهم من القضاء ولهذا تجدهم يفرحون إذا قلت لهم لا يجب عليكم إلا الصيام ويسألون عن هذا الإطعام وأما القياس فهو قياسٌ مع الفارق وهو مما يدلنا على أن الإنسان يجب أن يستدل قبل أن يعتقد انظر إلى القياس (ولأن تأخير القضاء عن وقته إذا لم يوجب قضاءً أوجب كفارة) وهذا أوجب قضاء وأيضا القياس على الهرم غلط لأن الهرم يكفر في وقت الأداء ما فيه تأخير ولكن كما قلت لكم سابقا إن الإنسان إذا اعتقد أولاً صار يحاول أن يثبت ما اعتقد ولو على وجهٍ مستكره فالصواب أن يقال الآثار على العين والرأس لكن هل قالوا ذلك على سبيل الوجوب أو على سبيل الاحتياط وكف النفس عن ذلك في المستقبل؟ وأما القياس على الهرم فهو قياسٌ بعيد. القارئ: وإن فرط فيه حتى مات قبل رمضانٍ آخر أُطعِم عنه عن كل يوم مسكين لأن ذلك يروى عن ابن عمر.

الشيخ: لم يذكر المؤلف أن يصام عنه مع أنه فرط ولم يقض بلا عذر وإنما لم يذكره لأن المشهور من المذهب أنه لا يقضى عن الميت إلا صوم النذر فقط، وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة وهو صحيح (من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه) هذا في النذر لكن لا دليل على التخصيص ويا سبحان الله كيف يخصص الحديث في النذر مع أن النذر وقوعه نادر وصيام رمضان وقوعه كثير ما أكثر الذي يموت قبل أن يقضي رمضان وما أقل الذي يكون عليه نذر فيقضى عنه وحملنا الحديث على أمرٍ نادر مع وجود أمرٍ أكثر بكثير ليس بصواب فالصواب أنه يقضى عنه ولكن لا على سبيل الوجوب لأننا لو قلنا يجب على الولي أن يصوم لزم من ذلك تأثيمه بالترك وقد قال الله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) إذاً فنطعم عنه إذا قال الولي إنني لن أصوم قلنا أطعم من تركته، وإذا لم يكن له تركة قلنا إن تبرع أحدٌ بالإطعام عنه فمشكور ومثاب وإن لم يفعل أحد سقط عنه لأنه لم يجد شئاً. القارئ: وإن مات المفرط بعد أن أدركه رمضانٌ آخر فكفارةٌ واحدةٌ عن كل يومٍ يجزئه نص عليه لأن الكفارة الواحدة أزالت تفريطه فصار كالميت من غير تفريط قال أبو الخطاب عليه لكل يومٍ فقيران لأن كل واحدٍ يقتضي كفارة فإذا اجتمعا وجب بهما كفارتان كما لو فرط في يومين. الشيخ: وكأن أبا الخطاب رحمه الله قاس الإطعام على الصيام فإنه كما تقدم قريباً إذا أخره إلى رمضان آخر بدون عذر لزمه الصوم والكفارة فكذلك إذا أخر الكفارة إذا مات فعليه الكفارة فيكون عليه كفارتان ولكن الصحيح أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة. القارئ: ويجوز لمن عليه قضاء رمضان التطوع بالصوم لأنها عبادة تتعلق بوقتٍ موسعٍ فجاز التطوع بها في وقتها قبل فعلها كالصلاة وعنه لا يجوز لأنها عبادة يدخل في جبرانها المال فلم يجز التطوع بها قبل فرضها كالحج والأول أصح لأن الحج يجب على الفور بخلاف الصيام.

الشيخ: يجوز لمن عليه قضاء رمضان التطوع بالصوم قبل القضاء ما لم يبق على رمضان الثاني بقدر ما عليه من الفرض فإن بقي على رمضان الثاني بقدر ما عليه من الفرض لم يصح التطوع لأن الوقت الباقي للفريضة فلا يمكن أن تحل محلها النافلة لكن يستثنى من ذلك صوم ستة أيامٍ من شوال فإنه لو صامها يصح الصوم لكنه لا ينال الأجر المرتب عليها وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان ثم أتبعه بستٍ من شوال فكأنما صام الدهر) وذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (من صام رمضان ثم أتبعه) ومن عليه قضاء لا يصح أن يقال إنه صام رمضان ثم إنه إذا قدرنا أنه عليه خمسة عشرة يوماً من رمضان وصام الستة أيام من شوال كم صام، صام واحداً وعشرين يوما ولم يصم شهراً وستة أيام وإنما جُعل صوم الشهر والستة أيام بمنزلة صيام الدهر لأن صوم رمضان بعشرة أشهر وصوم ستة أيامٍ من شوال بشهرين وهذا الذي تطوع بها قبل أن يتم رمضان لم يحصل له هذا الشئ وبقي أن يقال القول الراجح كما قدم المؤلف رحمه الله أنه يجوز أن يتطوع الإنسان بالصوم قبل قضاء رمضان لكن أيهما أولى؟ الأولى القضاء لأن القضاء واجب والتطوع ليس بواجب ومن الحكمة أن يقدم الإنسان الواجب قبل التطوع لأن التطوع لو مات لم يكن لازماً له في ذمته والفرض يكون لازماً فلاشك أن من الحكمة أن يقدم الواجب على التطوع وقول المؤلف رحمه الله في التعليل (لأنها عبادة دخل في جبرانها المال فلم يجب التطوع بها قبل فعلها كالحج) وعندي بالمخطوطة (قبل فعلها) لكن ما عندكم أيضا صحيح وهذا تعليلٌ عليل أن نقول دخل في جبرانها المال لأن الصوم الأصل في جبرانه القضاء قضاء الصوم لا المال ولا يجب المال إلا للإنسان الذي ليس عليه صوم يعني لا يمكن أن يجمع بين الصوم والمال أبداً إلا على الرأي القول الضعيف فيمن أخر القضاء بلا عذر وإلا فلا يمكن وأما جبران الجماع في نهار رمضان فهو من أجل الجماع ومن أجل انتهاك الزمن

أيضا ولهذا لو جامع في القضاء لم يجب عليه كفارة فالمهم أن مثل هذه الأقيسة أقيسةٌ ضعيفة جداً لا ينبغي للإنسان أن يعتمد على مثلها. القارئ: ولا يكره قضاؤه في عشر ذي الحجة لأن عمر كان يستحب القضاء فيها ولأنها أيام عبادةٍ فلم يكره القضاء فيها كعشر المحرم وعنه يكره لأن علياً كرهه ولأن العبادة فيها أحب الأعمال إلى الله تعالى فاستحب توفيرها على التطوع. الشيخ: أما كراهة علي فيعارض استحباب عمر وعمر أقرب للصواب من علي رضي الله عنهما جميعا وأما قوله إن العبادة فيها أحب الأعمال إلى الله فيقال والفرض أحب إلى الله من النفل وعلى هذا فالحديث يؤيد رأي عمر رضي الله عنه أن يقضيها في هذه الأيام ولكن هل يتقصد أن يقضيها في هذه الأيام أو المبادرة بها أفضل من تأخيرها إلى هذه الأيام؟ الثاني أولى لأن المبادرة فيها قضاء الواجب فلو قال قائل هل الأفضل أن أقضي ما علي من رمضان في شوال أو أنتظر عشر ذي الحجة؟ قلنا في شوال للمبادرة إلى الخير ولو فرض أن الإنسان صار له عذر إلى آخر يوم من ذي القعدة فحينئذٍ يمكن أن يسأل هل ترون أن أصوم عشر ذي الحجة تطوعاً أو قضاءً ماذا نقول؟ نقول قضاءً أفضل أولاً لأثر عمر وثانياً لما فيه من المبادرة إلى الخير وثالثاً أن الفرائض أحب إلى الله من النوافل كما قال الله تعالى في الحديث القدسي (ما تقرب إليّ عبدي بشئٍ أحب إليّ مما افترضته عليه). السائل: في قضاء رمضان لو أفطر الإنسان في القضاء فهل يحق له ذلك؟ الشيخ: لا يجوز أن يفطر في قضاء رمضان بغير عذرٍ شرعي لأن كل من دخل في فرضٍ وجب عليه إتمامه وكل من دخل في نفلٍ لم يجب عليه إتمامه إلا الحج والعمرة. السائل: لو كان عليه قضاء أيام قضاها في شوال هل يدخل فيها الأجر والثواب؟ الشيخ: نعم يعني لو أتم القضاء في شوال والست في آخر شوال فلا بأس.

باب ما يستحب وما يكره

باب ما يستحب وما يكره القارئ: ينبغي للصائم أن يحرس صومه عن الكذب والغيبة والشتم والمعاصي لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤٌ صائم) متفقٌ عليه. الشيخ: في تعبير من المؤلف بقوله روي نظرٌ ظاهر جداً لأنه قال الحديث متفقٌ عليه ومثل هذا لا يقال فيه روي بل يقال ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن مر علينا الكثير من هذا ومر علينا أنه يجزم بالحديث وهو ضعيف جداً وهذا قد يتساهل فيه بعض الناس وقوله عليه الصلاة والسلام (إن سابه أحدٌ أو قاتله) قاتله بالسلاح وإلا بالمضاربة؟ الثاني لأنه إذا قاتله بالسلاح يدافع عن نفسه بالسلاح كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام فيمن استفتاه (رجلٌ جاء يأخذ مالي؟ قال لا تعطه قال إن قاتلني؟ قال قاتله قال أرأيت إن قتلني؟ قال فأنت شهيد وإن قتلته؟ قال فهو في النار) وقوله (فليقل إني صائم) ظاهر الحديث سواء كان الصوم فرضاً أم نفلاً فإن كان فرضاً فالغالب أنه لا رياء فيه لأن الناس كلهم صائمون وإن كان نفلاً فهل يقوله أو يقال هذا رياء فلا يقوله؟ من العلماء من قال إنه يقوله ومنهم من قال إنه لا يقوله لئلا يدخله الرياء والصواب أنه يقوله لاسيما إذا كان هذا اليوم مما يسن صومه لعله ينشطه أن يصوم هذا اليوم مثل يوم الإثنين أو الخميس أو الأيام البيض ولكننا نقول يقوله مطلقاً يقول إني صائم وفائدة هذا القول أولاً توبيخ هذا الذي أراد أن يسبه أو يقاتله وثانياً بيان أنه قادرٌ على مقابلته لكنه ترك الأمر لله عز وجل وثالثاً أن هذا أدعى إلى الكف عنه لأن المعتدي إذا علم أنه إنما تركه أو ترك مقاتلته لهذه العبادة فسوف يخجل ويمتنع فكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم هو الأمر المطابق للحكمة تماماً.

القارئ: ويستحب للصائم السُحور لما روى أنسٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تسحروا فإن في السُحور بركة) متفقٌ عليه ويستحب تأخير السُحور وتعجيل الإفطار لما روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تزال أمتي بخير ما أخروا السُحور وعجلوا الفطور) من المسند. الشيخ: في إسناده ابن لهيعة يكتب حديثه وعلى كل حال هو مختلط فمن روى عنه قبل الاختلاط فحديثه حسن وإلى الصحة أقرب ومن روى بعد الاختلاط فحديثه فيه نظر ولكن هناك حديث سهل بن سعد في الصحيحين (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) ولكن المؤلف جاء بهذا لأنه جمع بين الفطر والسُحور على كل حال في هذا دليل على رأفة الله تعالى بالخلق ورحمته إياهم وتيسيره عليهم ألا يتعجل الإنسان بالسُحور بل يؤخره حتى يعلم أنه يدركه قبل أن يطلع الفجر لا بزمنٍ كثير ولكن على التحري والفطور أيضاً ينبغي أن يعجل من حين أن تغرب الشمس ويغيب قرنها الأعلى تفطر حتى ولو كنت ترى شعاعها أو ترى النور جيداً أفطر فإن هذا أفضل قال الله تعالى في الحديث القدسي (أحب عبادي إليّ أعجلهم فطرا) وهذه من الرحمة وبهذا نعرف خطأ أولئك الموسوسين الذين يقولون أمسك قبل طلوع الفجر بخمس دقائق وفعلاً يوقتون أذانهم على هذا أي على وقتٍ قبل أن يطلع الفجر بخمس دقائق وهذا غلط عظيم غلطٌ من وجهين من جهة الصيام ومن جهة الصلاة أما من جهة الصيام فلأنهم يحرمون عباد الله ما أحل الله لهم لأن الله أحل لنا أن نأكل ونشرب حتى يتبين الفجر والنبي صلى الله عليه وسلم قال (كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتومٍ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) ثانياً من جهة الصلاة ربما يكون بعض الناس حينذاك قد تطهر وتهيأ للصلاة ومن حين أن يؤذن يقوم ويؤدي الفريضة أو يؤدي الراتبة ثم الفريضة وهذا خطر عظيم لأنه لو كبر للإحرام قبل الوقت بدقيقةٍ واحدة فصلاته نافلة لا تجزيء عن الفريضة وهذا خطر ومادام الله عز وجل يسر لنا (حَتَّى

يَتَبَيَّنَ لَكُمُ) والرسول قال (حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) يقال له أصبحت أصبحت ثم يذهب يؤذن المسألة فيها سعة والحمد لله ولكن بعض الناس يضيق ما وسع الله فيضيق على نفسه وعلى عباد الله وحدثني رجلٌ ثقة عن مؤذنٍ أعمى لا يؤذن ولو أذن الناس يقول لأنه إذا طلع الفجر شممت ريحة ويقول إنه جُرب ولوحظ أنه إذا أذن رأوا الفجر، وهذا أيضاً ثبت طباً من جهة الفلك أن نور الفجر سبحان الله العظيم يرسل أشياء مثل الغازات وأشياء خفية مايدركها إلا مثل ذاك الرجل الذي شمه قوي واستحب بعض الأطباء أنك عند طلوع الفجر تفتح النوافذ حتى يدخل إليها ذلك الذي يأتي مع الشمس والفجر ولله في خلقه شؤون. السائل: لماذا لا يكون مؤذن البلد واحداً مثلاً كما في بعض البلدان يجعلون مؤذناً واحداً يؤذن في مكان ثم ينقل إلى سائر المساجد عن طريق مكبرات الصوت؟ الشيخ: هذا بارك الله فيك من قبل كان الناس يعتمدون على أذان الجامع قبل اليوم والبلد ما اتسعت لا يؤذنون حتى يؤذن الجامع ولا يؤذنون للمغرب حتى يؤذن أيضاً وأنا أدركت وغيري أدرك منكم كان المدفع بالأول للغروب عند الصرحية على الصنقر يسمونها الصنقر وكان الريس رحمه الله إذا غابت الشمس وهو في المنارة قبل أن يأتي الكهرب يشير لهم بخرقة حمراء فيطلق المدفع وبعد أن جاء الكهرب صار فيه لمبة حمراء إذا غابت الشمس ولعها ثم أطلق المدفع كانت المسألة ممكنة والآن ما يمكن - اللهم إلا إن وضعنا هنا محطة إذاعة في كل بلد فإذا دخل الوقت يؤذن والروادي مفتوحة في كل الجهات يمكن. القارئ: ويستحب أن يفطر على رطب فإن لم يجد فعلى تمرات فإن لم يجد فعلى الماء لما روى أنسٌ قال (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن فعلى تمرات فإن لم يكن حسا حسواتٍ من ماء) وهذا حديثٌ حسن.

الشيخ: يفعل هذا عليه الصلاة والسلام تحقيقاً للفطر وإلا فقد يكون الإنسان لا يشتهي أن يأكل تمراً أو أن يشرب ماءً ولكن تحقيقاً للفطر ينبغي أن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وليبادر بذلك وهل يقدم الطعام سوى التمر على الشراب؟ الجواب لا لأن بإمكان الرسول عليه الصلاة والسلام أن يأخذ خبزاً إن كان عنده وعلى هذا فلو كان عند الإنسان طعاماً وليس عنده تمر قلنا أفطر على ماء وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث (فإن لم يكن فليفطر على ماءٍ فإنه طهور) وإذا لم يجد شيئاً كمسافر غابت عليه الشمس وهو صائم وليس معه شئ فعند العامة يمص أصبعه ويفطر واختار بعض العامة أن يبل غترته بريقه ثم يفصلها ثم يمصها ويكون هذا أفطر على ريقه وكل هذا لا أصل له فنقول إذا لم تجد شيئاً تأكله أو تشربه فانوِ بقلبك أنك أفطرت. القارئ: ولا بأس بالسواك لأن عامر بن ربيعة قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم) وهذا حديثٌ حسن.

الشيخ: نعم ذكره البخاري تعليقاً وقول المؤلف لا بأس بالسواك الظاهر أنه أراد بذلك دفع من يقول إنه مكروه وإلا فالأصل أن السواك سنة لاشك فيه لكن هل يسن في أول النهار وآخره؟ الصحيح أنه يسن في أول النهار وآخره للصائم لعموم الأحاديث الواردة في فضل السواك مثل قوله صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب) ومثل قوله (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) و (مع كل وضوء) وهذه أدلة عامة لم يستثن منها شئ مع كثرة الصيام من الرسول عليه الصلاة والسلام ومن المسلمين في عهده وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يسن للصائم بعد الزوال أن يتسوك لأنه يذهب رائحة خلوف فم الصائم لأن فم الصائم في آخر النهار تكون رائحته كريهة لما يخرج من البخار من المعدة الخالية من الطعام والشراب قالوا فيكره أن يتسوك لأنه يزيل بذلك أثر عبادةٍ تعبد لله بها فهو كغسل دم الشهيد إذا قتل فإن الشهيد إذا قتل يدفن في ثيابه ودمه ولا يغسل لأن دمه يبقى فيه يخرج يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك فيقال في هذا أولاً لا قياس في العبادات وثانياً هذا القياس مخالف لظاهر النصوص فلا يعول عليه وثالثاً من قال إن الإنسان يسن له إذا حصل أثر من العبادة أن يبقي هذا الأثر ولو كان مستكرهاً في النفوس من قال هذا؟ ولو كان كذلك لقلنا للحاج الأشعث الأغبر إذا حللت من إحرامك فلا تزل هذا الشعث والغبر لأنه أثر عبادة ولم يقل به أحدٌ من أهل العلم فالصواب أن السواك باقٍ على سنيته للصائم أول النهار وآخر النهار ولكن إذا كان للسواك طعم فإن الصائم لا يبتلعه لأنه إذا ابتلعه فقد أدخل جوفه شيئاً طارئاً عليه فيكون بذلك مفطراً أما إذا كان لا طعم له فلا بأس أن يبتلع ريقه ولو كان السواك في فمه ولا يضر.

القارئ: وهل يكره بالعود الرطْب على روايتين إحداهما لا يكره لأنه يروى عن عمر وعليٍ وابن عمر والأخرى يكره لأنه لا يؤمن من أن يتحلل منه أجزاءٌ تفطره. الشيخ: الصحيح أنه لا فرق بين الرطب واليابس لكن الرطب إذا كان له طعمٌ فإنه لا يبتلع طعمه. فصلٌ القارئ: وتكره القبلة لمن تحرك شهوته لأنه لا يأمن إفضاءها إلى فساد صومه الشيخ: عندي بالمخطوطة (من إفضائها) نسخة. القارئ: ومن لا تحرك شهوته فيه روايتان إحداهما يكره لأنه لا يأمن حدوث شهوة. الشيخ: أنا عندي في المخطوطة بالتاء (تكره) يعني القبلة وهي أصح إذ أن الضمير إذا عاد إلى مؤنث ولو كان مجازياً وجب تأنيث الفعل معه. القارئ: والأخرى لا تكره (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم) متفق عليه لما كان أملك لإربه وقد روي عن أبي هريرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له فأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب رواه أبو داود.

الشيخ: هذا الحديث اختلف العلماء في تصحيحه فمنهم من قال إنه ضعيف ومنهم من قال إنه حسن أما أن يصل لدرجة الصحة ففيه نظر والثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقبل وهو صائم وسئل عن ذلك وكانت عنده أم سلمة فقال للسائل سل هذه فأخبرته (أن النبي صلى الله عليه كان يباشر وهو صائم ويقبل وهو صائم فقال يا رسول الله إنك قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك فقال والله إني لأعلمكم بالله وأخشاكم له) وهذه إحالة على فعل الرسول عليه الصلاة والسلام تدل على أن لنا به أسوة والصواب أن القبلة جائزة حتى لمن تحرك شهوته ولا دليل على المنع والأصل الحل إلا من عرف من نفسه سرعة الإنزال فإنه لا يقبل خوفاً من فساد صومه وقياساً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فالصواب أنها جائزة ولا بأس بها والأصل الحل ولم يحرم الله علينا إلا الجماع (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) والمباشرة كلها في القرآن هي الجماع (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) إلى أن قال (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فإن خاف الإمذاء فقط؟ إن قلنا بأنه يفطر بالإمذاء حرمت القبلة وإن قلنا لا يفطر به وهو الصحيح لم تحرم لأنها ستؤدي إلى فعلٍ جائز. السائل: بعضهم إذا دعي لصلاة المغرب في الجماعة قبل أن يفطر احتج بتعجيل الفطر وبأنه لا صلاة مع حضرة الطعام؟ الشيخ: نقول صدقت جائز ما فيه شيء إذا كان مشتاقاً له كان ابن عمر يأكل ويتعشى ويسمع صوت الإمام ولو فاتت صلاة الجماعة معذور لكن يمكن هذا يكون نادراً من الناس. السائل: لو أكل الصائم في النهار علكاً؟

الشيخ: هذا أولاً نحن ننهى عنه لا لأنه حرام فالعلك للصائم لا يفطر ما لم يكن له طعمٌ يجري بريقه لكننا لا نحبذ هذا أولاً لإساءة الظن به فمن يدري أن الذي في فمه علك أو تمرة مثلاً؟ وثانياً لئلا يقتدي به من لا يعرف الحكم فيظن أن الأكل للصائم لا بأس به أما إنسان في بيته مثلاً وأكل لباناً لأجل أن يخفف بطنه فهذا لا بأس به. السائل: الحجر هل يجوزوضعه للصائم في الفم؟ الشيخ: لا هذا ربما إذا أدخل الحجر في فمه وله طعم ثم جمع الريق عليه ابتلع ريقه وفيه طعم أما إذا لم يكن فيه طعم إطلاقاً فلا بأس لكنني أظن أن الإنسان يمكن أن يجمع ريقه بدون أن يضع في فمه حجراً. السائل: بارك الله فيكم على القول بالتفريق كما في حديث أبي داود بين الشيخ والشاب يحتمل أن هذا الشاب عرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقرب إلى الإمناء؟ الشيخ: لوصح الحديث لقلنا إنه ينزل على هذا بمعنى أن الشاب قريب أن يحصل منه الإنزال إذا قبل زوجته ويكون فيه فائدة عظيمة لوصح وهو اختلاف الفتوى بحسب حال المستفتي وهذه مسألة مهمة جداً ولها أمثلة كثيرة ذكر ابن القيم جملة منها في إعلام الموقعين أن الفتوى تختلف بحسب اختلاف الأحوال والأزمان. القارئ: والحكم في اللمس وتكرار النظر كالحكم في القبلة لأنهما في معناها ويكره أن يذوق الطعام فإن فعل فلم يصل إلى حلقه شئ لم يضره وإن وصل شئٌ فطره. الشيخ: قوله يكره ذوق الطعام لم يستثنِ المؤلف شيئاً لكن ينبغي أن يستثنى منه ما إذا ذاقه لحاجة كامرأةٍ في المطبخ تريد أن تذوق الطعام ما مدى كثرة الملح أو ما أشبه هذا فإذا كان لحاجة فلا بأس أما إذا كان يعبث أومن أجل أن يتلذذ بطعم الطعام في فمه فهذا يكره.

القارئ: ويكره مضغ العلك القوي الذي لا يتحلل منه شئ فأما ما يتحلل منه أجزاءٌ يجد طعمها في حلقه فلا يحل مضغه إلا أن لا يبلع ريقه فإن بلعه فوجد طعمه في حلقه فطرَّه، وإن وجد طعم ما لا يتحلل منه شئٌ في حلقه ففيه وجهان أحدهما يفطره كالكحل والثاني لا يفطره لأن مجرد الطعم لا يفطر كمن لطخ باطن قدميه بالحنظل فوجد مرارته في حلقه لم يفطره. الشيخ: يقولون إنه إن لطخ الإنسان باطن قدمه به أحس بطعمه في حلقه لأنه قوي المرارة ثم إن بعض الناس يستعمله من أجل تليين الطبيعة إذا كان فيه يبوسة في الخارج منه فإن هذا يلين الطبيعة بمنزلة المسهل وهذا حسب التجربة وهذه المسألة التي ذكرها المؤلف تدلنا على أن القول الصحيح في مسألة الكحل أوالتقطير في الإذن إذا وصل الحلق فإنه لا يفطر لأن العلة واحدة هم يعللون مسألة الحنظل إذا لطخ به باطن القدم يقولون لا يفطر لأن القدم ليس منفذاً معتاداً فيقال وكذلك العين والأذن، ليست منفذاً معتاداً ولا أحد يحاول أن يوصل الطعام إلى المعدة من طريق العين أو الأذن. القارئ: ويكره الغوص في الماء لئلا يدخل مسامعه فإن دخل فهو كالداخل من المبالغة في الاستنشاق لأنه حصل بفعل مكروه فأما الغسل فلا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً ثم يغتسل.

الشيخ: الغوص في الماء معناه أن يكون الإنسان عنده بركة أو بحر أو نهر فيسبح فيه ويغوص يقول المؤلف إنه يكره والكراهة حكم شرعي تحتاج إلى دليل شرعي أو تعليل صحيح تشهد له النصوص بالصحة وإذا رجعنا إلى هذه المسألة لم نجد دليلاً وإذا نظرنا إلى التعليل وجدنا أنه عليل لأنه يقول لأنه يدخل مسامعه أين المسامع؟ لعله يريد مسامه هي عندي مسامعه أيضاً لكن المسامع كما تعلمون لا تجمع لأن الإنسان ليس عنده إلا مسمعان الأذن اليمنى والأذن اليسرى والمسام قد تكون أقرب يعني مسام البدن لكن لنجعلها مسامعه فيقال إذا دخل إلى مسامعه هل يصل إلى حلقه؟ لا وقياسه على الاستنشاق قياسٌ ضعيف لأن الاستنشاق من قبل الأنف منفذٌ عادي قريب بخلاف ما يدخل في الأذن فالصواب إذاً أنه لا يكره للصائم أن يغوص في الماء لكن يخشى في غوصه من أن يدخل الماء إلى أنفه فيقال وإذا دخل إلى أنفه وهو لم يقصد فلا حرج عليه. فصلٌ القارئ: ويكره الوصال وهو أن يصوم يومين لا يفطر بينهما لما روى أنسٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تواصلوا قالوا إنك تواصل قال إني لست كأحدكم إني أطعم وأسقى) متفقٌ عليه فإن أخر فطره إلى السحر جاز لما روى أبو سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) أخرجه البخاري.

الشيخ: عندي بالمخطوطة (إلى السحر) وعلى كل حال المعنى واحد لأن (حتى السحر) بمعنى (إلى السحر) قال تعالى (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أي إلى مطلع الفجر والوصال كما قال المؤلف رحمه الله أن يصوم يومين لا يفطر بينهما وهو مكروه ما لم يتضرر به الإنسان فإن تضرر كان حراماً لأن الله تعالى قال (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وقد استدل عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية على جواز التيمم خوفاً من أذى البرد فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية فأجنب فتيمم في ليلةٍ باردة فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال (أصليت بأصحابك وأنت جنب) قال يا رسول الله ذكرت قول الله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) فتيممت فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه أو أنيابه فأقره على استدلاله مع أنه لن يموت في الغالب من البرد لكن يتضرر به فدل هذا على أن كل ما فيه ضرر على البدن فهو حرام فالوصال مكروه ما لم يكن فيه ضرر فإن كان فيه ضرر كان حراماً ثم ذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه (نهى عن الوصال) ولكن الصحابة ظنوا أن نهيه إياهم رأفةً بهم لا اختياراً للأفضل فواصلوا فتركهم النبي عليه الصلاة والسلام يواصلون حتى رؤي الهلال فقال (لو تأخر الهلال لزدتكم) كالمنكل لهم يعني جعل تركهم يواصلون حتى يعلموا أن الوصال لا خير فيه فمثلاً لو كان الوصال من أول الشهر وتأخر عشرين يوماً فإنهم ينكلون عن هذا ولن يعودوا إلى الوصال ولما نهاهم عن الوصال أوردوا عليه إشكالاً قالوا إنك تواصل يعني فنحن لا نعصيك أسوة وليس يريدوا أن يقولوا لم تنه عما تفعل؟ أبداً ما أرادوا هذا إطلاقاً يعني لو أرادوا هذا كان فيه توبيخٌ للرسول صلى الله عليه وسلم وهم لم يريدوه بل أرادوا أنهم يواصلون أسوةٌ بالرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم (إني لست كأحدٍ منكم إني أطعم

وأسقى) وهنا يقع الإشكال كيف يطعم ويسقى؟ لأنه إذا كان يطعم ويسقى فلا وصال إذ أن الوصال أن لا يأكل الإنسان ولا يشرب ولا يأتي مفطراً بين اليومين فأكثر فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يطعم ويسقى فإنه لم يواصل في الحقيقة؟ أجاب بعضهم عن هذا بأنه يطعم ويسقى من طعام وشراب الجنة وطعام وشراب الجنة لا يقاس بطعام وشراب الدنيا وهذا أيضاً فيه نظر لأن طعام وشراب الجنة إن كان يغذي فهو بمعنى طعام وشراب الدنيا وإن كان لا يغذي فإنه لا يغني شيئاً في الوصال فبطل هذا الجواب وأحسن ما قيل فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لشدة اتصال قلبه بربه ينسى الحاجة إلى الطعام والشراب ومثل هذا اليقين الذي يحصل للرسول عليه الصلاة والسلام لا يحصل لأحدٍ من الخلق ولهذا قال (لست كأحدٍ منكم) فإن قال قائل تلهي الإنسان أو انشغاله بمحبوبه يؤدي إلى نسيان نفسه من الطعام والشراب؟ قلنا نعم وقد قال الشاعر لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد

باب صوم التطوع

يعني أنها إذا اشتغلت بأحاديثك نسيت الطعام والشراب وهذا شئٌ مجرب حتى الإنسان مثلاً إذا جلس إلى صديقه الذي هو صديقه حقيقة فإنه يبقى ساعات لا يدري أنه فاتت كل هذه الساعات تروح الساعة كأنها دقيقة واليوم كأنه ساعة ولا يهمه وهذا الجواب هو الجواب الذي لا يرد عليه شئ وخلاصة الأمر أن الوصال مكروهٌ ما لم يتضرر به الإنسان فإن تضرر به الإنسان فإنه محرم ثانياً أن الأصل هو التأسي بالرسول عليه الصلاة والسلام ما لم يدل الدليل على اختصاصه بالحكم بدليل أنه قال (لست كهيأتكم) حتى تتأسوا بي فهم أيضاً من كلام المؤلف الذي استدل له بالحديث الصحيح أن من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر كأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال إن كان ولا بد فإلى السحر لا بد أن تتسحروا ولكن إذا سألنا سائل أيهما أفضل أن أواصل إلى السحر أو أن أعجل بالفطر؟ الثاني أفضل وهذا مما يؤيد ماكنا قلناه ونقوله إن الشيء قد يُقرُّ وهو عبادة لكن لا يشرع فهنا الوصال أقره الرسول صلى الله عليه وسلم إلى متى؟ إلى السحر لكن لم يشرعه بل قال (إنه لا يزال الناس بخيرٍ ما عجلوا الفطر) باب صوم التطوع القارئ: وهو مستحب لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به الصيام جُنة والذي نفس محمدٍ بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه) متفقٌ عليه

الشيخ: صوم التطوع من باب إضافة الشئ إلى نوعه يعني الصوم من هذا النوع والتطوع ما سوى الفريضة اصطلاحاً عند العلماء وأصله فعل الطاعة ولو واجبة حتى المصلي فريضةً أو الصائم فريضة يقال له متطوع لكنه اصطلاحاً وعرفاً عند الفقهاء هو ما عدا الفريضة، من نعمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل لكل عبادة من العبادات الخمس فريضةً وتطوعاً لأن التطوع تجبر به الفرائض يوم القيامة وما منا أحد إلا وفي فرائضه نقص وهذا النقص يجبر بالتطوع من جنس العبادة فلا تجبر الصدقة بتطوع الصلاة ولا الصلاة بتطوع الصدقة ولكن الصلاة تجبر بصلاة التطوع والزكاة تجبر بالصدقة.

الصوم له تطوع وهو ماعدا صوم رمضان فكله تطوع وهو سنة وسيأتي إن شاء الله تفصيله واستدل المؤلف بهذا بالحديث القدسي وهو قوله تبارك وتعالى (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) كل عمل ابن آدم له فسر بلفظٍ آخر (الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) أي أجزي بدون حساب إذا كانت الأعمال الحسنة بعشرة أمثالها فهذا الحسنة بثوابٍ لا يعلمه إلا الله ثوابٍ على الله تعالى هو يجزي به وما أعظم الثواب إذا كان من أكرم الأكرمين سبحانة وتعالى وقوله (فإنه لي) إذا قال قائل وبقية العبادات لمن؟ لله فكيف قال لي؟ نقول لأن الصوم أخلص ما يكون في العبادات إذ أنه سرٌ بين العبد وبين ربه يكون عندك في المجلس عشرة رجال منهم رجلٌ صائم لا تدري هل هو صائم أم لا؟ لكن الله يدري والصلاة لا يمكن أن يقوم الإنسان بتطوع إلا وهو يشاهد لأنها أفعال وأقوال وكذلك الصدقة وكذلك الحج وبقية الأعمال لا بد أن ترى ولكن الصيام سرٌ بين العبد وبين ربه فهو أعظم ما يكون إخلاصه فإذا كان خالصاً لله ما فيه رياء كما قال بعض السلف الصيام لا رياء فيه لأنه أمرٌ خفي إلا إن تسلط الإنسان على نفسه وقال للناس أنا أصوم أصوم يوم وراء يوم هذا صار فيه رياء لكن إذا كان بينه وبين ربه كان لا رياء فيه لأنه لا يرى وقوله (الصيام جُنة) الجُنة بضم الجيم ما يستتر به عن الأعداء وهي مثل التُرس والتُرس مثل الطشت والطشت مثل الصحن هذه يأخذها المقاتل إذا أحد أهوى إليه بسيفٍ أو بسهم جعل هذا بينه وبين ما أهوي به عليه فهو جُنة يقي فكيف كان الصوم جُنة؟ نقول هو جُنةٌ للمتقين من الأعمال السيئة لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل له والجهل فليس لله حاجة في أن يدع

طعامه وشرابه) إذاً هو جٌنة يقي الإنسان من الأعمال السيئة إذا حفظ صومه وهو جُنة أيضاً من النار يوم القيامة لأن في الجنة باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون فصار جُنةً في الدنيا وجُنةً في الآخرة ثم أقسم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (والذي نفس محمدٍ بيده لخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) خُلوُفه ما يخرج من فمه من نتن ورائحةٍ كريهة ولا سيما في آخر يوم الصوم هذه مكروهة في مشام الناس لكنها عند الله أطيب من ريح المسك لأنها ناشئةٌ عن طاعته كدم الشهيد عليه يخرج يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك (للصائم فرحتان فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه) فرحتان يفرحهما فرحةٌ في الدنيا وفرحةٌ في الآخرة فرحة الدنيا إذا أفطر فرح بفطره فرح بفطره لأنه أدى فريضةً من فرائض الله أو طاعةً من طاعاته أو فرح بفطره لأنه أحل له ما كان ممنوعاً منه أو الأمران؟ الأمران فالنفس بطبيعتها تفرح إذا أحل لها ما حرم عليها من قبل والنفس الزكية تفرح إذا قضت الفريضة أو تقربت إلى الله بالتطوع فالإنسان إذا أفطر يفرح أولاً أنه أتم طاعةَ لله وثانياً أنه أبيح له ما كان حراماً أما فرحه إذا لقي ربه فيفرح بصومه أي بأنه صام لأنه يجد الثواب عند الله ليس كالأعمال الأخرى الحسنة بعشرة أمثالها بل هو ثوابٌ عظيم لا يقدر قدرَه إلا الله عز وجل. السائل: بعض الناس يقول بأن في هذا الحديث إثبات الشم لله تعالى فهل هذا صحيح؟ الشيخ: يحتمل أنه يدل على إثبات الشم لله ولا غرابة كما أن الله يسمع ويبصر ويتكلم ويحتمل أنه يقول (أنه أطيب عند الله من ريح المسك) باعتبار مشامنا نحن لأن المسك هو أعلى ما يكون في شمنا. السائل: بارك الله فيك مارأيكم لو قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل ويشرب من جهة نفسه فهو مواصل لكن يطعم أي يطعمه الله عز وجل ويسقيه بحيث لا يشعر بالجوع والعطش؟

الشيخ: لا ما يصلح هذا المعنى. السائل: الإنسان يرى رؤية أنه يأكل أو يشرب وهو صائم ويجد أثر ذلك هل يمكن أن يحمل عليه؟ الشيخ: في المنام صحيح لأنه ورد لكن هذا يرد للرسول ولغيره فلا يصلح أن يقول (لست كهيأتكم) يعني يوجد ناس يعني حسبما نسمع من القصص وأقول لكم قصة رجل وكان في البلد امرأة فقيرة جارة له وكان يعطيها كل يوم قدحاً من اللبن ثم إن هذا الرجل صاحب أسفار وفي أحد أسفاره انقطع به السير وعطش عطشاً عظيماً ونام تحت شجرة وإذا بهذه العجوز التي كان يعطيها تأتي إليه بقدحه الذي كان يسقيها فشرب اللبن وقام نشيطاً وشربه في المنام ممكن. السائل: قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشرة أمثالها إلا الصيام) هذا يدل أن مختلف فليست الحسنة بعشرة أمثالها بل أعظم كيف نقول من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر لأن الحسنة بعشرة أمثالها؟ الشيخ: لا فالعلماء قالوا للتقدير فقط يعني لماذا جعله كصيام الدهر وأما فضل الصوم نفسه فعلى ما على ماهو عليه يعني الإنسان إذا صام يوماً فأجره ليس الحسنة بعشر أمثالها لكن هذه الأيام الستة وثلاثين صارت كأنها إثنا عشر شهراً ويعطى أجر إثنا عشر شهراً بغير تقدير. السائل: من نوى الوصال إلى السحر فرأى نفسه لا يستطيع فأكل أو شرب فهل يفسد صومه كله؟ الشيخ: رجل نوى الوصال إلى السحر ثم جاع في أثناء الليل فأفطر وأكل وشرب هل يفسد صوم النهار؟ لايفسده واضح هذا. السائل: بالنسبة لحديث أبي هريرة (من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) نسب الإطعام والسقي إلى الله عز وجل مع أن الإطعام والشرب كان حقيقة؟

الشيخ: هذا لأن فعل الناسي لا ينسب إليه أنساه الله تعالى ليمن عليه بالطعام والشراب الطعام حقيقة كتمر سكري وماء عذب، وأفضله ما روى عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوما) متفقٌ عليه. القارئ: وأفضله ماروى عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً). الشيخ: هذا أفضل الصيام يعني هذا أفضل من أن يصوم الدهر كله الأفضل أن يصوم يوماً وهذا لله ويفطر يوماً وهذا لنفسه فلله عليه حق وللنفس عليه حق فيعطي كل ذي حقٍ حقه وفي الحديث دليل على تفاضل الأعمال عند الله عز وجل لقوله (أحب) لأن أحب اسم تفضيل وفيه دليل أيضاً على إثبات المحبة أن الله يحب عز وجل وهذا تكرر عندنا كثيراً وبينا أن هذا مذهب أهل السنة والجماعة وفيه أيضاً أن صيام التطوع مشروع لمن سبق كما أنه واجبٌ على من سبق لقوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) لكن لو قال قائل أنا لو صمت يوماً وأفطرت يوماً صار عندي كسل عن طلب العلم وإن أفطرت صار هذا أقوي فأيهما يقدم؟ الثاني لأن طلب العلم لأن طلب العلم أفضل من جميع العبادات التي يتطوع بها. القارئ: ويستحب صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر لما روى أبو هريرة قال (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث صيامِ ثلاثة أيامٍ من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام) متفقٌ عليه.

الشيخ: صيامِ ويصح صيامُ على أنها خبر لمبتدأ محذوف وصيامِ على البدلية، الشاهد قوله (ثلاثة أيام من كل شهر) ويستفاد من قوله (ركعتي الضحى) استحباب المداومة على ركعتي الضحى وهذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله منهم من قال إن ركعتي الضحى ليستا بسنة ومنهم من قال إنها سنة دون المداومة عليها ومنهم من قال إنها سنة مع المداومة عليها ومنهم من فصَّل فقال من له قيامٌ من الليل فالأفضل أن لا يداوم ومن لا قيام له كأبي هريرة فالأفضل أن يداوم وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لكن لو قيل إن المداومة عليها سنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يصبح على كل سلامة من الناس صدقة كل يومٍ تطلع فيه الشمس) ثم قال (ويجزيء من ذلك ركعتان) لو قيل إنها بناءً على هذا الحديث تسن كل يوم لكان له وجه لأن هذا قول من الرسول عليه الصلاة والسلام ومن الذي يجزم بأنه أدى الصدقة عن جميع أعضائه لا أحد إلا أن يشاء الله لكن نقول إذاً صلِّ ركعتين تكفيك عن صدقة كل عضو. القارئ: ويستحب أن يجعلها أيام البيض لما روى أبو ذرٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أباذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) وهذا حديثٌ حسن.

الشيخ: صيام أيام البيض هذا من باب إضافة الموصوف إلى الصفة والتقدير أيام الليالي البيض وسميت هذه الليالي الثلاث بيضاً لابيضاضها بنور القمر ومن لم يدرك الكهرباء عرف ميزة هذه الثلاث للإضاءة وفيها أيضاً فائدة صحية ذكرها أهل العلم وقال إن الإنسان بدنه كالقمر في هيجان الدم وأنه إذا صام في هذه الأيام الثلاثة عاد هيجان الدم طبيعياً فإن قال قائل هل يحصل صيام ثلاثة أيام من كل شهر التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله) هل يحصل فيما لو فرقها؟ الجواب نعم يحصل وهل يحصل فيما لو صامها أول الشهر؟ الجواب نعم، قالت عائشة رضي الله عنها فيما صح عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر لا يبالي أصامها في أول الشهر أو وسطه أو آخره) لكن تسن في الأيام الثلاثة كما نقول تسن صلاة الضحى والأفضل في آخر الضحى مثلاً. القارئ: ويستحب صومُ الإثنين والخميس لما روى أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصوم يوم الإثنين ويوم الخميس) رواه أبو داود فسئل عن ذلك فقال (إن أعمال الناس تعرض يوم الإثنين والخميس). الشيخ: ويوم الإثنين أوكد من يوم الخميس لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين قال (ذاك يومٌ ولدت فيه وبعثت فيه أو أنزل عليّ فيه) وفي آخر الحديث (فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) يقوله النبي عليه الصلاة والسلام وفي هذا دليل على أن أعمال النبي صلى الله عليه وسلم تعرض على الله عز وجل لأن الله تعالى رب العالمين تعرض عليه لبيان كمال سلطانه وملكه عز وجل كما تعرض أعمال الرعية على ملوكها وإلا فهو عالمٌ بذلك جل وعلا قبل أن تعرض عليه بل عالمٌ بذلك قبل أن يعملها العباد وإنما ذلك لبيان كمال سلطانه تبارك وتعالى وملكه.

القارئ: ويستحب الصيام في المحرم لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم) رواه مسلم وهذا حديثٌ حسن. الشيخ: يشطب على عبارة (وهذا حديثٌ حسن) وما أحسن عبارة المؤلف رحمه الله حيث قال يستحب الصيام في المحرم أي في الشهر المحرم الذي هو أول شهور السنة الهجرية لأنه لا يسن صيامه كاملاً خلافاً لبعض العلماء الذين قالوا إنه يسن صيامه كاملاً لحديث عائشة رضي الله عنها (ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط غير رمضان) وقالت أكثر ما يصوم من الشهور شهر شعبان فإكثار الصيام في شعبان أوكد من إكثاره في المحرم لكن ما صيم في المحرم فهو أفضل من غيره من بقية الشهور. القارئ: ويستحب صيام عشر ذي الحجة لما روى ابن عباسٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من أياٍم العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشيءٍ من ذلك) وهذا حديث حسن صحيح. الشيخ: إذا قال قائل إنه لم يذكر الصيام قلنا هو داخل في العمل الصالح لاشك وهو أفضل الأعمال الصالحة وإن قال قائل إن عائشة نفت أنه يصوم العشر قالت ما رأيته صائم العشر قط قلنا إن نفيها هذا معارضٌ بحديث حفصة أنه كان لا يدع صيامها أي العشر والمثبت مقدمٌ على النافي لا سيما إذا كان له أصل يشهد له وهو هذا الحديث (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر). السائل: أفلا يكون الصيام في العشر من ذي الحجة أفضل من الصيام في المحرم؟ الشيخ: ربما نقول هذا لكن ما دام ورد حديث صريح في أفضل الصيام يكون الصيام وإن كان فاضلاً في العشر من ذي الحجة لكنه في محرم أفضل لأنه لفظ صريح.

السائل: قد تقرر بأن الحسنة بعشرة أمثالها والحديث قيد أن من صام رمضان وأتبعه بست من شوال معلوم أن من صام غير شوال فالحسنة بعشرة أمثالها يكون أيضاً شهرين؟ الشيخ: لا هذا يجاب عنه بأن ثواب الست تلحق بثواب رمضان ومعلوم أن ثواب الفرض أفضل أو يجاب عنه بأن الحسنة بعشرة أمثالها لا تساوي الحسنة بعشرة أمثالها بالنسبة للست لأن الست بالنسبة لرمضان كالراتبة بالنسبة للصلوات وفضل الرواتب أكثر من فضل النفل المطلق. القارئ: وصوم يوم عرفة كفارة سنتين وهو التاسع من ذي الحجة وصوم عاشوراء كفارة سنة وهو العاشر من المحرم لما روى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) وقال في صيام يوم عاشوراء (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده) رواه مسلم، ولا يستحب لمن بعرفة أن يصوم ليتقوى على الدعاء لما روى ابن عمر قال حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ومع أبي بكرٍ فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه فأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه) حديثٌ حسن. الشيخ: يقال يوم عرفة للحاج لا يسن صيامه لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمه وقد قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة والحكمة من ذلك أن يتقوى على الدعاء والذكر لأن أفضل دعاء يوم عرفة ما كان في آخر النهار وأشد ما يكون الصائم كسلاً في آخر النهار ولا سيما مع طول النهار وشدة الحر فلهذا ينهى عن الصيام يوم عرفة بعرفة وأما من قال إن الحديث عام (صوم عرفة يكفر السنة التي قبله والتي بعده) فيقال لهم هذا هدي النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا يصومه ولم يأمر أحداً بصومه وإنما رغب فيه على سبيل العموم ومن المعلوم أن العام يدخله التخصيص.

القارئ: ومن صام شهر رمضان وأتبعه بستٍ من شوال وإن فرقها فكأنما صام الدهر لما روى أبو أيوبَ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صام شهر رمضان وأتبعه بستٍ من شوال فكأنما صام الدهر كله) رواه مسلم. الشيخ: سبق لنا أن النفل قبل القضاء فيه روايتان رواية بالجواز ورواية بالمنع وهو المذهب وأما صيام الست من شوال فلا بد أن تكون بعد القضاء وقبله لا تصح لأن الحديث (ثم أتبعه). فصلٌ القارئ: ويكره إفراد الجمعة بالصيام لما روى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده) متفقٌ عليه وإفراد يوم السبت بالصوم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) وهذا حديثٌ حسنٌ (صحيح). الشيخ: (صحيح) ليست عندي بالمخطوطة. القارئ: فإن صامهما معاً لم يكره لحديث أبي هريرة ويكره إفراد أعياد الكفار بالصيام لما فيه من تعظيمها والتشبه بأهلها ويكره صوم الدهر لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له فكيف بمن صام الدهر؟ قال (لا صام ولا أفطر) حديثٌ حسن ولأنه يشبه التبتل المنهي عنه ويكره إفراد رجب بالصوم لما فيه من تشبهه برمضان وقد روي عن خرشة قال رأيت عمر رأيت عمر يضرب أكف الناس حتى يضعوها في الطعام يعني في رجب ويقول إنما هو شهرٌ كانت الجاهلية تعظمه ثم يقول صوموا منه وأفطروا وروى سعيد ومنصور أوله بمعناه ولم يقل فيه (صوموا منه وأفطروا).

الشيخ: هذا الفصل ذكر فيه المؤلف رحمه الله الأيام التي يكره صومها أولاً يوم الجمعة يكره صومه يعني إفراده إفراد يوم الجمعة وأيضاً يزاد قيدٌ آخر إفراد يوم الجمعة لكونه يوم الجمعة أما لو أفرد يوم الجمعة لأنه لا يتفرغ إلا في هذا اليوم فلا بأس لأنه لم يفرد يوم الجمعة لأنه يوم الجمعة ولكن لأنه لا فراغ له إلا في هذا اليوم ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام) أخرجه مسلم، ودليل المسألة قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده) وحينئذٍ نسأل لماذا لا نحمل النهي على التحريم؟ فالرسول أكد النهي (لا يصومن) فلماذا لا نقول إنه حرام؟ نقول لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أباح صومه إذا ضم إليه يومٌ قبله أو يومٌ بعده ولو كان صومه حراماً ما صار حلالاً بالضم كصوم يوم العيد مثلاً فإنه لا يجوز صومه ولو ضم إليه يوماً آخر قبله أو بعده فإن قال قائل ما هي الحكمة من النهي عن صوم يوم الجمعة مع أنه يومٌ فاضل فهو عيد الأسبوع؟ قلنا لكونه عيد الأسبوع نهي عن صومه وليتفرغ الناس فيه للعبادة لأن يوم الجمعة له عبادات خاصة فمن أجل أن يتفرغوا فيه نهي عن إفراده وكذلك يكره إفراد يوم السبت بالصوم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) وهذا حديثٌ حسن وإنما يكره إفراده لأن النبي صلى الله عليه وعلى وسلم قال في صوم يوم الجمعة (إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) ولأنه دخل على إحدى أمهات المؤمنين وهي صائمة يوم الجمعة (فقال لها أصمتي أمس؟ قالت لا قال أتصومين غداً؟ قالت لا قال فأفطري) فدل ذلك على أن صوم يوم السبت إذا ضم إليه يوم الجمعة ليس بمكروه ولا منهياً عنه وهذا الحديث الذي أشار إليه المؤلف قال بعض العلماء إنه منسوخ لحديث أبي هريرة وحديث أم المؤمنين رضي الله عنها

وقيل إنه شاذ لمخالفته الحديث الصحيح فلا يعتمد ولهذا اختلف العلماء في صوم يوم السبت أي في إفراده والصحيح ما ذهب إليه المؤلف لأنه قولٌ وسط وهو أنه يكره إفراده ولا يكره جمعه إلى يوم الجمعة وكذلك أيضاً قال المؤلف إن صامهما لم يكره لحديث أبي هريرة ويكره إفراد أعياد الكفار بالصيام لما فيه من تعظيمها والتشبه بأهلها، فيكره أن يفرد أعياد الكفار بصوم وبناءً على ذلك يكره إفراد يوم الأحد لأن يوم الأحد عيد للنصارى هو جمعتهم فيكره إفراده لأن فيه نوعا من التشبه به بتعظيم هذا اليوم والعجيب أن بعضهم قال يسن صومه لأن أيام الأعياد في الشريعة الإسلامية منهيٌ عن صومها فتكون أعياد الكفار على العكس مأموراً بصومها ولكن ينبغي أن يقال كذلك إن خيف من ذلك أي من إفراد صومها أن يفتتن الكفار والناس بالصوم ويقولون إنه صيم لأنه يومٌ معظم فهنا الكراهة قوية جدا ومتوجهة وإن كان الناس لا يعلمون شيئاً كما كنا من قبل لا نعرف أن عيد النصارى هو يوم الأحد ولا نهتم بهذا فلا بأس لأنه يومٌ من الأيام لم يرد النهي عنه والعلة مفقودة في قومٍ لا يدرون عن أعياد الكفار. إذاً أعياد رأس السنة للكفار يكره أن يصومها لأن في ذلك نوعاً من تعظيمها فيكره إفرادها. ويكره صوم الدهر ولو قال ولو قيل بتحريمه لكان له وجه لأنه قل أن يصوم أحدٌ الدهر كله إلا ويضيع شيئاً من شرائع الله لكن المذهب أنه يكره أن يصوم الدهر كله ومعلومٌ أن هذا يستثنى منه الأيام التي يحرم صومها فإن صومها حرام مثل يوم العيدين وأيام التشريق والصحيح أن أقل أحواله الكراهة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صام من صام الأبد) ولأن عبد الله بن عمرو بن العاص لما طلب أن يزده في الصيام قال (لا أفضل من ذلك) وهو صوم يومٍ وفطر يوم.

والخامس إفراد رجب بالصوم فإنه يكره لأن رجب كأحد الأشهر الأربعة الحرم ليس له عبادة خاصة لا صوم ولا صلاة ولا غيرها لكنه كالأشهر الحرم لأنه واحدٌ منها يحرم فيه ما يحرم فيها والذي يحرم فيها هو ابتداء القتال للكفار فهو حرام في الأشهر الحرم على القول الراجح لكن إذا كان امتداداً لقتالٍ سابق فلا بأس أو خيف هجوم الكفار فلا بأس أن نبدأه أما بدون سبب فإن الله سبحانه وتعالى حرم القتال في الأشهر الحرم وكانوا في الجاهلية يعظمون رجب ويؤدون فيه العمرة ولهذا صار محرماً القتال فيه ويوجد الآن مع الأسف مخلفات من الجاهلية في المسلمين فإن من الناس الآن من يعظم رجب ومن يذهب ويعتمر فيه ومن يذهب إلى المدينة ويزور المسجد النبوي يسمونها الرجبية يعني من أول الشهر أما ليلة سبعٍ وعشرين فالمشهور عندهم أنها ليلة المعراج فيحتفلون بها ولكن هذا ليس بصحيح لم يثبت أن ليلة سبعٍ وعشرين من شهر رجب ليلة المعراج ولو ثبت أنها ليلة المعراج لكان فيها فضل لرسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى في وقته ولهذا مرت ليلة سبع وعشرين من رجب كم سنة بعدها مرت تقريباً ثلاث عشرة سنة ولم يقم الرسول صلى الله عليه وسلم لها احتفالاً ولا أقام ذلك الصحابة رضي الله عنهم كما قلت لا يصح أن الرسول عليه الصلاة والسلام عرج به ليلة سبع وعشرين من رجب وإن الظاهر والله أعلم أنه عرج به في ربيعٍ الأول لأن ربيعاً الأول هو الذي ابتدأ الوحي فيه ولأنه هو الذي فرضت فيه الصلاة وفرض الصلاة إنما كان ليلة المعراج فأقرب ما يكون هو ربيع الأول على أن المسألة ليست بذاك فلم يثبت أنها في ربيع الأول ولا في غيره لأنه فيما سبق كانوا لا يعتنون بالتاريخ وأول مااعتنوا بالتاريخ في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان عمر رضي الله عنه يضرب أكف الناس ليضعوها في الطعام لأن ولايته كانت حزماً وقوة رضي الله عنه فإذا رأى أحداً صام في رجب ضرب يده وفي بعض النسخ (حتى يضعه) وعندي

(حتى يضعوها) على الأول معناه أنه هو الذي يباشر فيمسك يد الرجل ويدخلها في الطعام وهذا من قوته رضي الله عنه في دين الله. القارئ: وقال أصحابنا يكره صوم يوم الشك وهو اليوم الذي يشك فيه هل هو من شعبان أو من رمضان إذا كان صحواً ويحتمل أنه محرمٌ لقول عمار (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) والمعصية حرام، رواه أبو داود والترمذي بنحوه وصححه، وكذلك استقبال رمضان باليوم واليومين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون رجلاً كان يصوم صياماً فليصمه) متفقٌ عليه، وما وافق من هذا كلِه عادةً فلا بأس بصومه لهذا الحديث وقد دل هذا الحديث بمفهومه على جواز التقدم بأكثر من يومين وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان) وهذا حديثٌ (حسن). الشيخ: في نسخة بالمخطوطة (صحيح). القارئ: فيحمل الأول على الجواز وهذا على نفي الفضيلة جمعاً بينهما.

الشيخ: فيكون معناه فأمسكوا عن الصيام أي على وجه الأفضلية، نرجع إلى تتبع المسائل هذه قال أصحابنا يكره صيام يوم الشك وهو الذي يشك فيه هل هو من شعبان أم من رمضان؟ إذا كان صحواً التفسير ليوم الشك بأنه يشك هل هو من رمضان أم من شعبان صحيح لكن قوله (إذا كان صحواً) غير صحيح لأنه إذا كان الجو صاحياً وترآء الناس الهلال ولم يروه هذا ليس فيه شك أن الليلة من شعبان وإنما يكون الشك إذا كان هناك غيمٌ أو قتر فإذا كان هناك غيمٌ أو قتر فإنه يُنهى أن يصوم الناس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا رأيتموه فصوموا) إذا رأيتموه ونحن لم نره والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن الجو يكون غائماً أحياناً وصحواً أحياناً ولهذا قال عمار بن ياسر (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) وقول المؤلف رحمه الله يحتمل أنه محرم واستدل بأثر عمار بن ياسر وهو مرفوعٌ حكماً كما هو اصطلاح المحدثين ولكنه محمول على من صامه احتياطاً فإنه يحرم عليه لتعدي حدود الله لأن الرسول إنما أمر بالصوم إذا رأيناه فإذا صامه قبل الرؤية فقد تنطع في دين الله وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (هلك المتنطعون) وكذلك استقبال رمضان باليوم واليومين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجلاً كان يصوم صياماً فليصمه) هذا أيضاً من المكروهات وقيل من المحرمات فإذا بقي عن رمضان يوم أو يومان و (أو) هنا إما أن تكون للتنويع أو للشك أما للشك فاليوم الثامن والعشرين يحتمل أنه قبل رمضان بيوم أويومين فيكون ابتداء النهي من ثمانية وعشرين يحتمل أن يكون تسعة وعشرين وأن الليلة من رمضان فيكون هذا الرجل قد صام صوماً يحتمل أن يكون احتياطاً لرمضان فيدخل في عداد المتنطعين ثم ذكر المؤلف رحمه الله الحديث الثاني في النهي عن الصيام من منتصف شعبان وجمع بينه وبين حديث النهي عن تقدم رمضان بصوم

يومٍ أو يومين بأن الأول النهي عن الصيام من منتصف شعبان للأفضلية يعني لا تصم على وجه الأفضلية وإن صمت فلا شيء عليك وأما النهي عن تقدم رمضان بصوم يومٍ أو يومين فعلى الكراهة وذهب بعض العلماء إلى أنه على التحريم وأن الصوم بعد منتصف شعبان وإلى أن يبقى على رمضان يومٌ أو يومان على سبيل الكراهة لأن حديث النهي عن الصوم من منتصف شعبان ورد بصيغة النهي (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) فعندنا الآن جمعان الجمع الأول للمؤلف وهو أن النهي عن تقدم رمضان بيومٍ أو يومين للكراهة والأمر بالإمساك عن الصوم من منتصف شعبان للأفضلية. الثاني أن النهي عن الصوم قبل رمضان بيومٍ أو يومين للتحريم والنهي عن الصوم من منتصف شعبان إلى أن يكون بينه وبين رمضان يومٌ أو يومان هذا للكراهة والقول الثالث أن حديث النهي عن صوم رمضان عن الصوم بعد منتصف شعبان حديثٌ شاذ فلا عمل عليه فعلى هذا يكون الصوم مباحاً ويبقى على الأصل وعلة كونه شاذاً أنه مخالفٌ لحديث الصحيحين حديث أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ أو يومين) فمفهومه أن تقدمه بأكثر من ذلك لا بأس به فهذه أقوالٌ ثلاثة في هذه المسألة. السائل: عفى الله عنكم كثيراً ما يرد عندنا في النصوص أن نقول إن هذا الفعل من العبادة جائزٌ لا مستحب مع أنه إن فعله يثاب عليها إذا أثيب ألا تعد في حقه هو أنها مستحبةً؟ الشيخ: لا، يقال إتباع السنة أولى من فعلها كالذي يعيد الصلاة بعد وجود الماء وقد صلاها بالتيمم نقول الأول أصاب السنة فهو أفضل من الذي صار له الأجر مرتين. السائل: من قام بصيام داود على الواقع وبدأ بيوم الخميس سنقع في النهي عن إفراد صيام مثلاً يوم السبت؟

الشيخ: نحن قلنا لكم قبل قليل المنهي عنه أن تخصصه بالصوم أما إذا كان هناك سبب مثل أن يكون الإنسان لا يتفرغ إلا في يوم السبت أو الجمعة أو كان هناك سبب بأن كان بقي عليه من صيام ثلاثة أيام من الشهر يومٌ واحد ولم يبق في الشهر إلا يوم السبت أو الجمعة. السائل: حديث عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان إلا قليلاً هل يقوي تضعيف حديث أبي هريرة ويرفع أمر الصيام بعد منتصف شعبان من مجرد الإباحة إلى الاستحباب؟ الشيخ: ربما يستدل به لذلك وربما يقال إن هناك فرقاً بين أن يبتدئ الصيام من منتصف شعبان أو أن يبدأه من أوله فإذا ابتدأه من أوله فهو استمرارٌ في الصوم. السائل: بارك الله فيكم كيف الجمع بين النهي عن صيام أيام العيد للكفار وبين صيام عاشوراء؟ الشيخ: الجمع هو أن الرسول صام عاشوراء وأمر الناس بصيامه وقال لليهود نحن أحق بموسى منكم فهذا ثبت فيه النص فيتبع. فصلٌ القارئ: ويحرم صوم العيدين عن فرضٍ أو تطوع فإن صامهما فقد عصى ولم يجزئاه عن فرض لما روى أبو عبيدٍ مولى ابن أزهر قال شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فقال (هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم واليوم الآخر تأكلون من نسككم) متفقٌ عليه.

الشيخ: هذا الفصل في بيان ما يحرم صومه من أيام السنة فمنها العيدان عيد الفطر وعيد الأضحى لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صومهما وقوله رحمه الله يحرم صوم العيدين عن فرضٍ أو عن تطوع يعني عام فإن صامهما عصى ولم يجزئاه أما كونه عاصياً فظاهر لأنه ارتكب النهي وأما كونه لا يجزئانه عن الفريضة فلقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود وهذا عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله بل عليه نهي الله ورسوله ثم ذكر أثر عمر رضي الله عنه وبين أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صيام يوم الفطر من الصوم ليكون حاجزاً بيناً بين ما يجب صومه وما لا يجب لأنه لو وصل صيام رمضان بصيام يوم العيد لم يتبين الشهر مما بعده وهو يشبه النهي عن تقدم رمضان بصوم يومٍ أو يومين، أما الثاني فعلله بأنه يومٌ نأكل فيه من النسك ولو صام الإنسان لفات هذا الأمر وهذا مما يدل على وجوب الأكل من الأضحية لأنه إذا حرم الصوم من أجل الأكل دل ذلك أن الأكل واجب وإليه ذهب الكثير من أهل العلم وبه نعرف أن أولئك الذين يرسلون الدراهم للأضحية في أي مكان من العالم أنهم على خطأ لأنهم لم يقيموا هذه الشعيرة العظيمة التي تشوف الشارع إلى أن تكون في البلاد الإسلامية كلها ولأن الذين يرسلون هذه الدراهم ليضحى بها أمرهم مشكل من الذي يتولى ذبحها؟ وهل يسمي أو لا يسمي؟ ثم إذا اجتمعت دراهم كثيرة فمن الذي يستطيع أن يشهد بأن أضحيته ذبحت في أيام الذبح قد تكون من الزحمة والكثرة لا تذبح الا بعد أيام الذبح؟ ثم لو فرض أنها لم تكثر تلك الكثرة العظيمة فمن الذي يضمن أن توجد المواشي في ذلك المكان حتى تستوعب كل ما أرسل إليها لكن بعض الناس تكون عندهم عاطفة بدون تأمل وبدون تعقل والشرع له نظر أن تكون الأضاحى في البيوت إظهاراً لشعائر الله عز وجل.

القارئ: ولا يجوز صيام أيام التشريق لما روى نبيشة الهذلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيام التشريق أيام أكلٍ وشرب وذكرٍ لله عز وجل) رواه مسلم. الشيخ: يعني كأن النبي عليه الصلاة والسلام بيّن أن وضعها الشرعي أن تكون أيام أكل وشرب وذكرٍ لله والأكل والشرب يقوي الإنسان على ذكر الله عز وجل فهذا موضوع أيام التشريق وهي ثلاثة أيام من بعد عيد الأضحى أما رمضان فليس فيه أيام تشريق والتشريق هنا بمعنى وضع اللحم في الشمس وكانوا فيما سبق يشرحون اللحم ويضعون عليه الملح ثم ينشرونه في الشمس من أجل أن ييبس فيدخرونه عندهم كل السنة أو أقل أو أكثر حسب ما عندهم من اللحم المهم أن التشريق هو وضع اللحم في الشمس مأخوذ من شروق الشمس حتى ييبس ويمكن ادخاره فهذه الأيام لا يجوز صومها لأنها وضعت شرعاً للأكل والشرب والذكر والصوم يمنع من هذا الأكل والشرب ويكسل البدن عن ذكر الله عز وجل. القارئ: وفي صيامها للفرض روايتان إحداهما يحرم لهذا الحديث والثانية يجوز لما روي عن ابن عمر وعائشة أنهما قالا (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي) رواه البخاري وقسنا على صوم المتعة كل فرضٍ لأنه في معناه.

الشيخ: إذاً أيام التشريق لا يجوز صومها تطوعاً وهل يجوز أن تصام عن فريضة؟ في ذلك قولان لأهل العلم وهذان القولان إذا قلنا بجواز صومهما في الفريضة فهل يجوز لكل فرض كالنذر مثلاً وقضاء رمضان أو خاصة فيمن لم يجد الهدي ممن أحرم بمتعةٍ أو قران ولم يجد الهدي؟ حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم يدل على أنه لم يرخص في صومها إلا لمن لم يجد الهدي ومعلومٌ أن التخصيص يختص بالصورة التي وقع فيها التخصيص وإذا قلنا إن النص ورد بتحريم صيام أيام التشريق ثم جاء هذا الترخيص فيختص بالصورة التي فيها التخصيص وهي صيام من لم يجد الهدي كما قالت عائشة وابن عمر مثال ذلك رجل حج متمتعاً أو حج قارناً فعليه هدي فإن لم يجد صام ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةً إذا رجع وأما قول المؤلف رحمه الله إنه يجوز صيام الفرض فيها في غير من لم يجد هدي فهذا غير صحيح والقياس لم يتم وذلك لأن الصيام عن دم المتعة خصه الله تعالى في الحج وهذا مفقودٌ فيما سواه من الفرض إذ أن ما سواه من الفرض يمكن أن تصومه في أي وقت لكن الأيام الثلاثة قال الله تعالى (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) وأيام التشريق من أيام الحج فالصواب أنه يحرم صوم أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي وأيضاً شرط آخر لمن لم يجد الهدي في صيام الثلاثة التي في الحج وليس في صيام السبعة فلو أن الإنسان الذي لم يجد الهدي صام الثلاثة أيام قبل الطلوع يعني قبل يوم عرفة ثم شرع في صوم السبعة في أيام التشريق فصومه محرم ولا يصح فمن ثم نعلم أنه لا بد من قيدين أن يكون صومها لمن لم يجد هدي من المتمتعين والقارنين والشرط الثاني أن تكون للأيام الثلاثة التي في الحج. فصلٌ

القارئ: ومن دخل في صيام تطوعٍ فله الخروج منه ولا قضاء عليه وعنه عليه القضاء لأنها عبادةٌ فلزمت بالشروع كالحج والأول المذهب لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (قلت يا رسول الله أهديت لنا هدية أو جاءنا زَوْر وقد خبأت لك شيئا قال ماهو؟ قلت حيس قال هاتيه فجئت فأكل ثم قال قد كنت أصبحت صائما) رواه مسلم ولأن كل صومٍ لو أتمه كان تطوعا لا يلزمه إتمامه وإن خرج منه لم يلزمه قضاؤه كما لو اعتقده من رمضان فبان من شعبان.

الشيخ: من شرع في صوم تطوع فهل له أن يفطر بلا عذر أو لا يجوز إلا بعذر؟ من العلماء من قال إنه لا يجوز إلا بعذر قياساً على الحج والعمرة لأن الله تعالى قال (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وهذا الأمر قبل أن ينزل فرض الحج لأنه كان في غزوة الحديبية في السنة السادسة من الهجرة ووجوب الحج إنما كان في التاسعة أو العاشرة فمن العلماء من قال كل عبادة ولو تطوعاً شرع فيها فإنه لا يجوز الخروج منها إلا بعذر والصواب أنه يجوز الخروج من صوم التطوع بلا عذر لكن يكره إلا لغرضٍ صحيح وقلنا يكره لأن الله تعالى قال (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) ولأن فيه عزوفاً عن إتمام العبادة وهروباً من إتمامها فلا ينبغي للإنسان أن يخرج حتى من النفل إلا لسببٍ شرعي ولغرضٍ صحيح وأما حديث عائشة فلعل النبي صلى الله عليه وسلم كان مشتهياً للطعام ويريد أن يعطي نفسه حظها ولهذا قال لقد كنت أصبحت صائماً صياماً شرعياً ولكن لننظر هل القياس على الحج والعمرة صحيح؟ فإن قلنا إنه صحيح وقلنا يجب على من شرع في تطوعٍ أن يتمه وأجاب عن الحديث بأن معنى قوله (فلقد أصبحت صائماً) أي صوماً لغوياً والصوم اللغوي بمعنى الإمساك مطلقاً سواء كان عبادة أو غير عبادة، الجواب أننا لا نسلم ذلك أما الحج والعمرة فإن ما اختص بلزوم الإتمام في النفل لأنهما يشبهان الجهاد في سبيل الله والجهاد في سبيل الله إذا شرع فيه لا يجوز له العدول عنه يلزم الإتمام ويدل لهذا أن الله تعالى ذكر هذه الآية بعد قوله (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وهذا إشارةٌ إلى أن الحج والعمرة من الجهاد في سبيل الله ويؤيد ذلك ويرشحه حديث عائشة رضي الله عنها قالت (يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال عليهن جهادٌ لا قتال فيه الحج

والعمرة) وعلى هذا فلا يصح قياس بقية العبادات على الحج والعمرة وأما الحديث فنقول حمله على المعنى اللغوي خلاف الأصل وخلاف القاعدة التي اتفق عليها الأصوليون وهي أن الحقيقة تحمل على ما يقصده المتكلم فما جاء في لسان الشارع من الألفاظ يحمل على الحقيقة الشرعية ولا بد وهذا هو الأصل وعليه يكون قول الرسول صلى الله عليه (أصبحت صائماً) أي صياماً شرعياً. السائل: رجل عليه صيام كفارة وتعمد أن يؤخر هذه الكفارة كي يتخللها عيد الأضحى وأيام التشريق حتى يستريح بعض الشئ فهل التصرف هذا صحيح؟ الشيخ: لا يجوز هذا فهذا من باب التحيل على إسقاط واجب وهو التتابع ولا يحل له ذلك وينبغي إذا أفطر يوم العيد أو أيام التشريق ينبغي أن نلزمه بالاستئناف معاملةً له بنقيض قصده. السائل: أيام التشريق إن وافقت عادة تصام كاثنين وخميس هل تصام؟ الشيخ: لا لا يصوم أبد إلا من لم يجد الهدي من المتمتعين أو القارنين. السائل: حديث أبي هريرة (أن عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي) قلنا إنه (لي) يعني أكثر موافقة الإخلاص هل نقول إن الصائم تطوع يعني الأفضل أنه لا يسيّر على أحد أو لا يزور أحداً حتى لا يدعى إلى طعام فينكشف أنه صائم؟ الشيخ: ينظر للمصلحة قد يكون أنه من المصلحة أن صائم التطوع يظهر صيامه ليقتدي به إخوانه وقد يكون من المصلحة ألا يظهره والأصل في العبادات كلها أن إخفاءها أولى هذا الأصل ما لم يوجد مصلحة أو دليل. القارئ: وإن كان الصوم مكروها فالفطر منه مستحب لما روي عن جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال (أصمتي أمس؟ قالت لا قال أتريدين أن تصومي غداً؟ قالت لا قال فأفطري) أخرجه البخاري ومسلم. الشيخ: في هذا الحديث دليلٌ واضح على أن صوم يوم السبت إذا ضم إليه غيره فإنه لا بأس به لأنه مكروه إفراده لكن نصصت على السبت لأن بعض الإخوان من المعاصرين قال لا يجوز صومه مطلقاً إلا في الفرض.

القارئ: وسائر التطوعات من الصلاة والاعتكاف وغيرهما كالصوم إلا الحج والعمرة وعنه أن الصلاة أشد فلا يقطعها ومال إليها أبو إسحق الجوزجاني لأن الصلاة ذات إحلالٍ وإحرام فأشبهت الحج والمذهب الأول لأن ما جاز ترك جميعه جاز ترك بعضه كالصدقة والحج والعمرة يخالفان غيرهما لأنه يمضي في فاسدهما فلا يصح القياس عليهما. الشيخ: الصحيح أن الصلاة وغيرها سواء وأنه لا ينبغي الخروج من التطوع إلا لغرضٍ صحيح وأما بدون غرض فلا ينصرف عن ربه عز وجل وقد شرع في طاعته. القارئ: ومن دخل في واجبٍ كقضاءٍ أو نذرٍ غير معينٍ أو كفارة لم يجز له الخروج منه لأنه تعين بدخوله فيه فصار كالمتعين فإن خرج منه لم يلزمه أكثر مما كان عليه. الشيخ: من دخل في واجب كقضاء رمضان ونذرٍ غير معين أو كفارة لم يجز له الخروج منها والمعين من باب أولى نذرٌ غير معين مثل أن يقول لله عليّ أن أصوم يوماً ثم شرع في الصوم نقول لا يجوز أن تخرج منه لأن هذا واجب وقد شرعت فيه فيلزمك إتمامه وأما المعين فمثل أن يقول لله عليّ نذرأن أصوم يوم الاثنين القادم فشرع في الصوم يوم الاثنين هذا لا يحل له أن يقطعه لأنه واجبٌ من وجهين من جهة التعيين ومن جهة الفرضية لأنه واجب عليه بالنذر وكذلك أيضاً لو لم يبق من شعبان إلا بمقدار ما عليه من رمضان السابق فهنا تكون أيام متعينة للقضاء فلا يجوز الخروج فإذا كان لا يجوز الخروج في الموسع فالمضيق من باب أولى. فصل القارئ: ويستحب تحري ليلة القدر لقول الله تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) وهي في رمضان لأن الله تعالى أخبر أنه أنزل فيها القرآن وأنه أنزله في شهر رمضان فيدل على أنها في رمضان.

الشيخ: يقول يستحب تحري ليلة القدر يتحراها من أجل أن يقوم فيها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) فتختص ليلة القدر من العبادات بالقيام وأما ما يفعله بعض الناس الآن في مكة أو قريباً من مكة أو بعيداً منها يتحرونها بأداء العمرة فيها فهذا بدعة يكون الإنسان إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة إذا تقصد تعيين هذه الليلة لأن أي إنسان يتعبد لله تعالى بعبادة يضعها في وقت لم يضعها الشرع فيه فهو مبتدع بصفة العبادة وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحثنا على شئٍ في ليلة القدر إلا على القيام فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع لأمته شيئاً يقربهم إلى الله إلا دلهم عليه ولو كان غيرها من الأعمال الصالحة يشرع فيها لبينه الرسول عليه الصلاة والسلام (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) ثم إن هذه الليلة سميت ليلة القدر إما لشرفها وهي شريفة لا شك وإما لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة لقول الله تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان:4) أي يفصل ويبين كل أمرٍ من أمر الله عز وجل وشؤونه سبحانه وتعالى في عباده (حَكِيمٍ) مبنيٍ على الحكمة فهل يمكن أن نقول إنها سميت ليلة القدر للوجهين جميعاً؟ نعم نقول سميت ليلة القدر لشرفها وعلو قدرها وسميت ليلة القدر لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة وهي كما قال المؤلف في رمضان قطعاً ودليل ذلك قول الله في القرآن الكريم (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) و (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقال (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) فيؤخذ من مجموع الدليلين أنها في رمضان قطعاً وهذا يسميه العلماء الاستدلال المركب يعني أن الحكم يؤخذ من دليلين مركبين ونظير ذلك قول العلماء رحمهم الله أقل مدة الحمل التي يعيش فيها بعد وضعه ستة أشهر إستدلالاً بقوله تعالى

(وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وفي آيةٍ أخرى (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) وفصاله يعني انفصاله عن أمه وتمام رضاعه فإذا أضفت الآيتين بعضهما إلى بعض صارت النتيجة أن أقل الحمل ستة أشهر والفصال في عامين وهذا يرد كثيراً ومن ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الخروج عن الأئمة إنه لا يجوز (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) ثم سألوه لما ذكر أن بعض الأئمة يكون فيه كذا وكذا قالوا (أفلا ننابذهم؟ قال لا ما صلوا) فجعل المانع من قتالهم ومنابذتهم هي الصلاة وهو لم يجز منابذتهم وقتالهم إلا بالكفر البواح فينتج من هذا أن ترك الصلاة كفر بواح وهذا حكمٌ مركب من دليلين وله نظائر لمن تأمل فتبين بهذا أن ليلة القدر في رمضان وبه يتبين أيضاً ضعف قول من يقول إن ليلة القدر ليلة النصف من شعبان فإن هذا لا أصل له لأنه معارضٌ للقرآن الكريم وما عارض القرآن فهو باطل ثم هل هي في أول رمضان أو في آخره؟ كان النبي عليه الصلاة والسلام يعتكف العشر الأول من رمضان تحرياً لليلة القدر ثم اعتكف العشر الأوسط ثم رأى في المنام ما يدل على أنها في العشر الأواخر حين رآها صلى الله عليه وسلم ورأى أنه يسجد في صبيحتها في ماءٍ وطين فأمطرت السماء ليلة إحدى وعشرين فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر في الطين حتى رأوا على جبهته أثر الماء والطين ثم قال (من كان متحريها فليتحرها في العشر الأواخر) فصارت الآن في العشر الأواخر ولا تكون في الأوسط ولا تكون في الأول من الشهر بل تكون في العشر الأواخر منه ثم إن جماعة من الصحابة أُروا ليلة القدر أُروها في السبع الأواخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) لكن هذا الحديث خاصٌ بتلك السنة فقط أما في عموم السنوات فهي من ليلة إحدى وعشرين إلى آخر الشهر كل هذه الليالي تتحرى فيها

والدليل على هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام بقي يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى مات ولو كانت انحصرت في السبع الأواخر ما كلف الأمة ولا كلف نفسه أن يعتكف جميع العشر لكنها في تلك السنة التي رأوها في السبع الأواخر قال من كان متحريها يعني في تلك السنة فليتحراها في السبع الأواخر، وقوله تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أولاً ليس لنا أن نسأل لماذا خصت ألف شهر؟ لأن التقدير في الأجور والعبادات لا مدخل للعقل فيه فلا يحل لنا أن نسأل لماذا اختصت بكونها خيراً من ألف شهر هذا علمه عند الله ولا يجوز السؤال عنه، والخيرية هنا هل هي في العمل بمعنى أن العمل فيها يساوي العمل في ألف شهر أو في الخير والبركة أو في أي شيء؟ نقول هي خيرٌ من كل خيرٍ يكون في ألف شهر. القارئ: وأرجأه الوتر من ليالي العشر الأواخر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) وفي لفظ (فاطلبوها في العشر الأواخر في الوتر منها) متفقٌ عليها. الشيخ: الحديث الأول ذكرنا أنه في سنةٍ خاصة والحديث الثاني عام. القارئ: وقال أبي بن كعب إنها ليلة سبعٍ وعشرين أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ليلةُ صبيحتها تطلع الشمس ليس لها شعاع وأمارتها تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء ليس لها شعاع فعددنا وحفظنا، هذا الحديث صحيح أخرجه مسلم إلى قوله ((شعاع)) فهذا أصح علاماتها. الشيخ: لكن لو قال قائل هذه العلامة لا تكون إلا بعد انتهائها لأن الله قال (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) فما الفائدة أن يذكر لنا علامة بعد فوات المعلم؟ نقول الفائدة أن الإنسان يزداد سروراً واستبشاراً إذا كان وفق في تلك الليلة للقيام ولا شك أنه إذا قيل للإنسان بعد فعله أصبت سيسر وإذا قيل لم تصب فإنه لا يسر وفيه أيضاً علامات أخرى ذكر منها ما يأتي في الحديث.

القارئ: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ليلةٌ بلْجة سمْحة لا حارةٌ ولا باردة تطلع الشمس صبيحتها بيضاء لا شعاع لها من المسند. الشيخ: (بلجة سمحة) البلج معروف هو ضياء الوجه يقال أبلج أي وجهه مضئ والسمحة واضحة يعني أنها سهلة يجد الإنسان فيها اطمئناناً وسروراً وانبساطاً وانشراح صدر هذا هو معناها وأما قوله لا حارة ولا باردة هذا في زمن يكون ما قبلها وما بعدها حاراً نسبياً أو بارداً نسبياً لكن لو وقعت في الشتاء فستكون باردة أو في الصيف فستكون حارة لكن بالنسبة لما قبلها وما بعدها تكون في زمن الشتاء أدفأ مما قبلها وبعدها وفي زمن الصيف أبرد مما قبلها وبعدها أما أن تكون كأنك في وسط الربيع وهي في قلب الشتاء فأظن أن هذا ليس مراداً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ لو كان مراداً وبقيت الليالي العشرة كلها باردة لكان لكانت ليلة القدر في هذه السنة لا توجد إذا كانت كل الليالي باردة بناءً على أن هذا هو حال الجو معناها ما فيه فلو قلنا إنها لا حارة ولا باردة وصار وقت الشتاء في قلب الشتاء وصارت الليالي كلها باردة معناها لن توجد ليلة القدر وكذلك بالعكس إذا كان الجو حاراً لكن أراد النبي والله أعلم أنها بالنسبة لما قبلها في زمن الشتاء تكون أدفأ وفي زمن الصيف تكون أبرد هذا الظاهر والله أعلم إذا صح الحديث. القارئ: وروى أبو سعيدٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (قد أُريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في صبيحتها في ماءٍ وطين) قال أبو سعيد فأمطرت تلك الليلة وكان المسجد على عريشٍ فوكف المسجد فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف علينا وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين) متفقٌ عليه.

الشيخ: هذا أيضاً مما يدل على أنها في العشر الأواخر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً العشر الأوسط ثم أرُي ليلة القدر لكنه أنسيها وسبب نسيانها أنه خرج صلى الله عليه وسلم فتلاح رجلان أي تنازعا في أمرٍ بينهما فنسيها النبي عليه الصلاة والسلام وكان هذا خيراً أن نسيها لأنه لو عينها بليلة بعينها لم ينشط الناس على قيام العشر كلها ولقالوا نقتصر على هذه الليلة ولما عرف الإنسان الحريص من غير الحريص لأن قيام ليلة يسهل على كل أحد لكن قيام عشر ليال فيه صعوبة لا أحد يصبر عليه إلا من كان حريصاً على نيل الأجر والثواب فكان في هذا حكمة. السائل: ليلة القدر هل لها علامات معينة للدخول في ذات الليلة في حين معين بالليل؟ الشيخ: كل الليلة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ولم يصح ما يذكر من انفتاح السماء أو ظهور ضوء. السائل: إذا رأى الأنسان في صبيحة ليلة القدر علامة مثلاً ظهرت الشمس بلا شعاع فهل يكون هذا مسوغ لأن يتكاسل بقية الأيام؟ الشيخ: هذا سؤال جيد يقول إذا عرف أن ليلة القدر قد مضت حين رأى الشمس بيضاء ليس لها شعاع فهل معناه أن يدع هذا بقية العشر؟ لا أنا أخشى أن يحرم الأجر بتكاسله وأرجو أن يكون قيام الليالي بعدها كالتطوع بعد الفريضة يعني يكمل به أجر إدراكها. السائل: بماذا يحصل القيام؟ الشيخ: القيام يحصل بما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام لما قالوا يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا قال (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) فنقول إذا قمت مع الإمام في أول الليل وفي آخر الليل إن كان يأتي في آخر الليل حتى ينصرف فقد حصلت على الأجر.

فإن قال قائل ما تقولون فيما إذا كان المسجد فيه إمامان يتناوبان فهل تجعلون كل إمامٍ صلاته منفردة عن الآخر بمعنى أن من شهد الصلاة مع الإمام الأول في أول الليل وانصرف الإمام ثم جاء الثاني في آخر الليل فمن أدرك الأول حتى انصرف فقد قام الليل كله ومن أدرك الثاني حتى انصرف فقد قام الليل كله؟ الظاهر لا لأن هذين الإمامين قاما في هذا المسجد بالتناوب فهما كإمامٍ واحد وعلى هذا فلا بد من أن يقوم مع الأول والثاني وإلا فلا يحصل له أجر. السائل: تخصيص ليلة السابع والعشرين بإحيائها فبعض ناس يحيون فقط ليلة السابع والعشرين؟ الشيخ: يجوز للإنسان أن لا يقوم كل العشر لأن قيام العشر تطوع لكن قل هل يدرك ليلة القدر من اقتصر على ليلة سبع وعشرين؟ لأن كثيراً من العامة الآن إذا كانت ليلة سبع وعشرين غصت المساجد بهم وقبلها وبعدها لا يحضر ولا نصف الذين حضروا ليلة سبع وعشرين نقول هذا غلط أولاً الصحيح أن ليلة القدر تتنقل قد تكون هذا العام في سبع وعشرين وفي العام التالي في ثلاث وعشرين وثانياً أن هذا الرجل لا يدري هل يصيب أو يدرك الأجر الذي كان يريده في قيام ليلة القدر أو لا يدركه لكن يقع هذا من الكسل. السائل: هناك من يقول إن القيامين المتصلين في ليلة واحدة هو بدعة وليس بسنة ما تعليقكم عليه؟

الشيخ: الذين يقولون إن الفصل بين القيام الأول والثاني وتبديل الإمام الأول بالثاني بدعة عليهم الدليل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل قال (مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت ما صلى) ولم يقيد أمته بشئٍ معين وكان السلف الصالح يصلون أربعاً ثم يستريحون ثم يصلون أربعاً ثم يستريحون ثم يصلون ثلاثاً فيمن يقتصر على إحدى عشرة، فالصحيح أنه ليس ببدعة لأن الذين يفعلون هذا لا يقصدون التعبد لكن يقصدون راحة الناس لأن الناس لو جمعت عليهم كل الركعات لتعبوا وملوا وأما كون الأئمة تتبادل فهذا في نفسي منه شئ لكن لا أستطيع أن أقول هو بدعة وأقول ما دام الإمام قادراً ونشيطاً على أن يصلي في أول الليل وآخره فهذا هو الأحسن والأفضل. السائل: أحسن الله إليكم (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) فهل من يقوم ليلة القدر في المسجد الحرام ستكون له خير من مائة ألف ليلة القدر في أي مكان سواه؟ الشيخ: العلماء يقولون رحمهم الله إن الأعمال الصلحة تضاعف في كل مكانٍ وزمانٍ فاضل فمن صلى في مكة ليلة القدر صار كمن صلى مائة ألف ليلة قدر كما نقول في الجمعة من صلى جمعة فهو كمن صلى مائة ألف جمعة أو أفضل. السائل: هل يجوز ختم القرآن في هذه الليلة الواحدة إن استطاع الإنسان؟ الشيخ: كان بعض السلف يختم القرآن في رمضان خاصة كل ليلة ولكن الأفضل ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أنه يختمه في ثلاثة أيام. القارئ: والحديثان يدلان على أنها تتنقل في ليالي الوتر من العشر لأن كل واحدٍ منهما يدل على وجود علامتها في ليلة فينبغي أن تجهد في ليالي الوتر من العشر كله. الشيخ: نسخة بالمخطوطة (يتهجد). القارئ: ويكثر من الدعاء لعله يوافقها ويدعو بما روي عن عائشة أنها قالت (يارسول الله إن وافقتها فبم أدعو؟ قال قولي اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعفُ عني) رواه الترمذي وقال حديثٌ صحيح.

الشيخ: العفوُّ من أسماء الله عز وجل وهو المتجاوز عن سيئات عباده ثم إن قرن بالمغفرة صار في مقابل ترك الواجب والمغفرة في مقابل المحرم وإن ذكر وحده صار شاملاً لترك الواجب وفعل المحرم كما أن المغفرة إذا ذكرت وحدها شملت النوعين جميعاً لكن إذا قُرنا فالعفوُّ في مقابل ترك الواجب والغفور في مقابل فعل المحرم وانظر إلى كون الإنسان يجتهد في العمل الصالح ثم يطلب العفو وهذا غاية الذل والانكسار بين يدي الله عز وجل اللهم اعف عنا.

كتاب الاعتكاف

كتاب الاعتكاف القارئ: وهو لزم المسجد لطاعة الله تعالى وهو مستحب لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده) متفقٌ عليه وليس بواجب لأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلوه ولا أمر به إلا من أراده ويجب بالنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري. الشيخ: الاعتكاف في اللغة معناه الالتزام للشئ لقول الله تعالى عن ابراهيم (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) أي ملازمون لها وفي الشرع لزوم المسجد لطاعة الله ليس لزوم المسكن ولا لزوم المكان لزوم المسجد لطاعة الله لقول الله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) وقوله لطاعة الله يعني لأجل أن يتعبد لله عز وجل أما لو لزم المسجد يعني لشغل في المسجد أو ما أشبه ذلك أو لأنه أريح له وأسكن فهذا ليس باعتكاف أن يكون لازماً المسجد لطاعة الله وبه نعرف أن ما يفعله بعض المعتكفين من اجتماع بعضهم إلى بعض وانشغالهم بالحديث وربما يكون حديث لغوٍ لا فائدة منه وربما يكون حديث لهوٍ محرم أن هذا ينافي المقصود من الاعتكاف وظاهر كلام العلماء رحمهم الله أن المعتكف ينبغي له أن يشتغل بالعبادة القاصرة يعني مثل الصلاة والذكر قراءة القرآن وما أشبه ذلك دون العلم والاستماع إليه لأنه عبادة متعدية لكن قد يقال إنه إذا كان العلم لا يحصل لك إلا في هذا الوقت فحضوره أولى من الاقتصار على العبادة القاصرة كما يوجد في بعض المحلات يكون العالم مثلاً في هذا المسجد ولا يحصل للمعتكفين الانتفاع بعلمه إلا في هذا الوقت فهنا قد يقال إن الاشتغال بالعلم أفضل لأن نفعه متعدٍ أما إذا لم يكن هناك سبب يرجح جانب التعلم والتعليم فالأفضل أن يقتصر على العبادة القاصرة ثم ذكر المؤلف حكمه وأنه سنة وأنه ليس بواجب إلا بالنذر وكل ما ذكره رحمه الله فهو صحيح ومؤيدٌ بالأدلة. فصلٌ القارئ: ويصح من الرجال والنساء.

الشيخ: أما الرجال فمعروف والنساء لقول عائشة (ثم اعتكف أزواجه من بعده) وأما منعه صلى الله عليه وسلم من اعتكاف نسائه فإنه خرج ذات يوم فوجد فيه أخبية للنساء وخاف أن تكثر أخبية النساء لأن نساؤه تسع معناه سيكون في المسجد تسعة أخبية وهذا ربما يضيق على الناس فأمر بالأخبية أن تنقض وترك الإعتكاف تلك السنة ثم اعتكف العشر الأول من شوال قضاءً لأنه صلى الله عليه وسلم كان من عادته أنه إذا عمل عملاً أثبته ولو كان في غير محله ولهذا لما شغل عن الركعتين بعد الظهر بالقوم الوافدين وقضاها بعد العصر أثبتها عليه الصلاة والسلام وصار يصلي كل يوم ركعتين بعد العصر. القارئ: وليس للمرأة أن تعتكف بغير إذن زوجها لأنه يملك استمتاعها فلا تملك تفويته بغير إذنه وليس للعبد الاعتكاف بغير إذن سيده لأنه يملك نفعه فإن أذن لهما صح منهما لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يعتكفن بإذنه، وإن شرعا فيه تطوعا فلهما إخراجهما منه وإن كان بإذنهما لأنه لا يلزم بالشروع فيه. الشيخ: لكن هذا الذي قاله المؤلف أنهما إذا شرعا فيه تطوعاً فللسيد والزوج إخراجهما قد يقال فيه نظر لأن النفل لا يلزم بالشروع فيه باعتبار الفاعل أما باعتبار الآذن فقد يقال إن هذا من باب الوعد والعهد والوفاء بالوعد واجب لا سيما في العبادة هو لو لم يأذن لكان أهون عليهما من أن يرجع في إذنه ولهذا يقال إن هذا التعليل فيه نظر لأن كون الإنسان يجوز أن يخرج من النفل باعتبار الفاعل أما باعتبار من أذن لغيره أن يفعل وقد علم أن الاعتكاف في جميع العشر ثم لما انتصف العشر قال اخرجوا هذا فيه نظر لكن لو أنه حين قال لزوجته اخرجي رأت من المصلحة أن تخرج لئلا يقع في قلبه شئ فهل لها ذلك؟ نعم لها ذلك. القارئ: وإن كان منذوراً مأذوناً فيه لم يجز إخراجهما منه سواء كان معيناً أو مطلقا لأنه يتعين بالشروع ويجب إتمامه فلم يجز التحليل منه كالصوم.

الشيخ: أنا عندي بالمخطوطة (التحلل) نسخة. القارئ: وإن كان النذر والدخول فيه بغير إذن فلهما منعهما من ابتدائه وإخراجهما منه بعد الشروع فيه لأنه نذر يتضمن تفويت منافع مملوكةٍ لغيرهما فأشبه نذر عارية عبد غيره. السائل: لم يتضح لي وجه الدلالة على التعريف الشرعي وهو لزوم المسجد لطاعة الله بقوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)؟ الشيخ: وجه الدلالة أن الله قال (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فجعل الحكم متعلقٌ بما يدع إذا عكفوا في المسجد وإذا انتفت الأحكام في اعتكافٍ ليس في المسجد فمعناه أنه ليس بشرعي لأن الاعتكاف الشرعي لا بد أن تترتب أحكامه عليه. السائل: يا شيخ قيل إن الآية (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فإن كنتم عاكفون في غير المساجد فلكم أن تباشروهن؟ الشيخ: إذاً المباشرة تنافي الاعتكاف والدليل أن الله نهى عن ذلك (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ) وهذا مجمعٌ عليه أن الجماع يفسد الاعتكاف وإذا انتفت الأحكام الشرعية عن عمل دل على أنه ليس بشرعي فما دام أنه إذا صار الإنسان عاكفاً في بيته مثلاً يجوز أن يجامع زوجته ما صار اعتكاف إذ لو كان اعتكافاً شرعياً لترتبت أحكامه عليه. السائل: بعض طلبة العلم خاصة في العشر الأواخر في مكة يفضل أن يسكن بجانب الحرم ويصلي الصلاة في الحرم يقول لأنه إذا اعتكفت تكثر الخلطة خاصةً في العشر الأواخر؟ الشيخ: لا بأس يعني يقول بعض الناس في المسجد الحرام لا يحب أن يعتكف لكثرة الفتن فأنا أقول هذا لا يعتكف قد يكون الاعتكاف في حقه محرماً إذا كان يخشى على نفسه الفتنة لأن بعض الناس ما يستطيع أن يجابه الأشياء هذه. السائل: إذا اعتكف القاضي في المسجد هل يحكم بين الناس في المسجد؟ الشيخ: نعم يحكم في المسجد ولا بأس. فصلٌ

القارئ: والمكاتب كالحر في الاعتكاف لأنه لا حق للسيد في نفعه ومن نصفه حرٌ إن لم يكن بينهما مهايأة فهو كالقِن لتعلق حق سيده بنفعه في زمن اعتكافه وإن كان بينهما مهايأةٌ فهو في زمن سيده كالقِن وفي زمن نفسه كالحر لعدم حق السيد فيه. الشيخ: المبعض الذي بعضه حر وبعضه رقيق وهذه مختلفٌ في إمكانها هل تمكن أو لا؟ لكن الصحيح أنها ممكنة والمهايأة أن يقول لك يوم ولي يوم إذا كانوا أنصافاً لك يوم أنت حرٌ فيه ولي يوم وإذا كانوا أرباعاً للسيد ربعه فللسيد يوم من أربعة المهم أنه يقال إذا كان بينهما مهايأة فله أن يعتكف في الزمن الذي يملكه أي المبعض ولا يعتكف في الزمن الذي يملكه سيده إلا بإذن السيد. فصلٌ القارئ: ولا يصح إلا بنية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ولأنه عبادةٌ محضةٌ فأشبه الصوم وإن كان فرضاً لزمه نية الفرضية ليميزه عن التطوع كصوم الفرض وإن نوى الخروج منه ففيه وجهان أحدهما يبطل كما لو قطع نية الصوم والثاني لا يبطل لأنه قربةٌ تتعلق بمكان فلا يخرج منها بنية الخروج كالحج. الشيخ: القياس الثاني ضعيف جداً والصواب أنه إذا نوى الخروج انقطع الاعتكاف إذا نوى الخروج بمعنى أنه نوى أن يبطله لا إذا نوى الخروج بلا موجب فإنه لا يبطل حتى يخرج والفرق إذا نوى الخروج أي قطع الاعتكاف انقطع ولو كان في المسجد وأما إذا نوى الخروج بغير سببٍ يقتضيه فإن الاعتكاف لا ينقطع حتى يخرج كالصائم إن نوى قطع الصوم فإنه ينقطع وإن نوى أن يأكل فإنه لا ينقطع حتى يأكل. فصلٌ

القارئ: ويصح بغير صوم وعنه لا يصح إلا به لما روى ابن عمر أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال (اعتكف وصم) رواه أبو داود والمذهب الأول لما روي عن عمر أنه قال (يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوفِ بنذرك) متفقٌ عليه ولو كان الصوم شرطاً لم يصح في الليل منفردا ولأن كل عبادةٍ صح بعضها بغير صوم صح جميعها بغيره كالحج والأفضل الصوم ليجمع بين العبادتين ويخرج من الخلاف فعلى هذه الرواية يصح اعتكاف ليلةٍ وبعض يوم وعلى الأخرى لا يصح أقل من زمنٍ يصح فيه الصوم وإن نذر أن يعتكف بصوم لزمه لأنه صفة مقصودةٌ في الاعتكاف فلزم بالنذر كالتتابع. الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء منهم من قال لا اعتكاف إلا بصوم ومنهم من قال يصح بلا صوم لأنهما عبادتان منفردتان كل واحدة منفردة عن الأخرى هذا من جهة التعليل ومن جهة الدليل حديث عمر أنه نذر أن يعتكف ليلة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أوف بنذرك) وعمر لم يقل أن أعتكف وأصوم قال (أوف بنذرك) وهو لم ينذر إلا الإعتكاف وأما الجواب عن قوله (اعتكف وصم) إن صح الحديث فهذا على سبيل الاستحباب لكن قد ورد حديث بلفظٍ آخر (لا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) ولهذا اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يصح الاعتكاف إلا بصوم بناءً على الحديث الذي ذكره المؤلف وعلى حديث (لا اعتكاف إلا بصوم). الساائل: بعض الناس يبنون بيوتاً في الفضاء ويعتكفون فيها فإذا خرجوا يخبرون بأخبار الغيب يقولون يحصل كذا في وقت كذا ما حكم هؤلاء هل تجوز الصلاة خلف هؤلاء؟ الشيخ: لا تصح الصلاة خلفهم لأن الذي يدعي علم الغيب كافر وكل إنسان يدعي علم الغيب فهو كافر وإذا كان من أتى الكاهن فصدقه بما يدعي من علم الغيب فقد كفر بما أنزل على محمد والكاهن من باب أولى.

السائل: هل الصحيح أن كلاهما جائز أقصد الاعتكاف بصوم أو بغير صوم؟ الشيخ: نعم هو جائز لكن الاعتكاف المشروع الذي يطلب من الإنسان أن يفعله هو الاعتكاف في العشر الأواخر وهذا لا يمكن إلا بصوم وأما كون الرسول عليه الصلاة والسلام يعتكف في شوال لما ترك الاعتكاف في العشر الأواخر فهذا قضاءٌ لاعتكافٍ كان من المفروض أن يكون بصوم. السائل: لو اعتكف ليلة واحدة من ليالي العشر فهل يكون هذا الاعتكاف مشروع وجائز أم جائز فقط؟ الشيخ: والله أنا في شك من كون الإنسان يقتصر على بعض العشر هل يكون هذا الاعتكاف مشروعاً أم لا؟ لأن الاعتكاف الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم والذي سنَّه للأمة أن يعتكف جميع العشر تحرياً لليلة القدر. فصلٌ القارئ: ولا يصح من رجلٍ ولا امرأةٍ إلا في المسجد لقول الله تعالى (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ولا يصح من الرجل إلا في مسجدٍ تقام فيه الجماعة لأنها واجبةٌ عليه فلا يجوز تركها ولا كثرة الخروج الذي يمكن التحرز منه والأفضل أن يعتكف في الجامع لأن ثواب الجماعة فيه أكثر.

الشيخ: وظاهر كلام المؤلف بل صريحه أن الاعتكاف يجزيء في كل مسجد من مساجد الدنيا في مشارق الأرض ومغاربها وأما ما روي عن حذيفة رضي الله عنه أنه أتى عبد الله بن مسعود وقال قومٌ عكوفٌ بين دارك ودار أبي موسى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فقد قال له عبد الله بن مسعود لعلهم حفظوا ونسيت وأصابوا وأخطأت فعلل روايته رضي الله عنه بأمرين أمر حديثي وأمر حكمي الأمر الحديثي لعلهم حفظوا ونسيت والأمر الحكمي لعلهم أصابوا وأخطأت كيف ذلك؟ يعني على فرض أنك لم تنس ما حفظت يكون المراد بالنفي هنا نفي الكمال فيكونون هم مصيبين وحذيفة مخطئ وبهذا نعرف أنه لاوجه لمن تمسك بهذا الحديث وقال إنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ثم نقول كيف يقول الرب عز وجل (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) يخاطب به الأمة كلها ويأتي بصيغة منتهى الجموع ثم نقول لا يصح إلا في ثلاثة مساجد لا يتمكن منها إلا أقل من واحد بالألف من الأمة من عباد الله؟ هذا بعيد جداً وحمل النص على الأمر النادر دون الأمر الكثير هذا من معايب الاستدلال ولهذا قلنا فيمن قال في حديث عائشة (من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه) قلنا من حمله على النذر فقد أبعد الصواب لأن النذر باعتبار قضاء صوم رمضان نادر وقليل جداً فكيف يحمل على أمر قليل جداً ويترك ما هو الأكثر؟ هذا من الخطأ في الاستدلال فالصواب أن الاعتكاف جائزٌ في كل مسجد لكن لا شك أنه إذا كان في المساجد الثلاثة التي تقصد وتشد الرحال إليها لا شك أنه أفضل ولا أحد يعارض في ذلك حتى لو كان الإنسان في مكة وقال هل أعتكف في مسجدي أو أعتكف في المسجد الحرام؟ قلنا في المسجد الحرام إلا إذا ترتب على ذلك إنه يكثر خشوعه في مسجده وإقباله على الله عز وجل ويسلم من الضوضاء ومشاهدة من يكونون خطراً في مشاهدته إياهم فهنا نقول مسجدك أفضل يعني مثلاً واحد في مكة قال إذا اعتكفت في مسجد

الحي فهو أخشع لي وأكثر عبادة وأسلم من الفتن فهل أعتكف فيه أو في المسجد الحرام؟ نقول اعتكف فيه نقول بالأول لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى بالمراعاة من الفضيلة المتعلقة بزمانها أو مكانها. القارئ: ويصح من المرأة في جميع المساجد لعدم وجوب الجماعة عليها. الشيخ: المرأة لا تعتكف في بيتها لا بد أن تعتكف في المسجد أما الرجل فلا بد أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه مما تقام فيه الجماعة والفرق بينه وبين المرأة أن المرأة لا تلزمها الجماعة فأي مسجد أعد للصلاة فيه وإن كانت لا تقام فيه الجماعة فلها أن تعتكف فيه أما الرجل فلا بد أن يكون في مسجدٍ تقام فيه الجماعة لأنه لو لم يكن كذلك للزم من اعتكافه إما ترك الجماعة وإما كثرة الترداد إلى المسجد الذي يُجمع فيه ثم إن هذه الاطلاقات من كلام العلماء في أن المرأة تعتكف نقول ما لم يلزم من ذلك محذور فإن لزم من ذلك محذور فلا تعتكف بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بنقض الأبنية التي بنتها زوجاته خوفاً من التفاخر فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام منع النساء من الاعتكاف بعد أن ضربن الأبنية خوفاً من التفاخر المذموم شرعاً فكذلك لو خيف من المرأة إذا اعتكفت في المسجد المحذور أن تفتتن هي أو يفتتن بها قلنا لا تعتكف وعلى هذا فإن في المسجد الحرام يوجد نساءٌ يعتكفن لكن يلزم من هذا أن المرأة تكون نائمة والرجال يمرون منها يميناً وشمالاً وربما إذا نامت تتكشف فيحصل من هذا محذور فيقال الحمد لله الاعتكاف سنة وإذا لزم منه محذور فإنه لا يسن.

القارئ: ومن نذر الاعتكاف في مسجدٍ بعينه جاز الاعتكاف في غيره لأن الله تعالى لم يعين لأداء الفرض موضعا فلم يتعين بالنذر إلا المساجد التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) متفقٌ عليه فإنها تتعين بالنذر فإن نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لم يجزئه الإعتكاف في غيره لأنه أفضلها وإن نذره في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يعتكف في المسجد الحرام لفضله عليه ولم يجز في المسجد الأقصى لأنه مفضول وإن نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى جاز له الاعتكاف فيهما لأنهما أفضل منه بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام) رواه مسلم، وفي "المسند" عن رجالٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال يوم الفتح يا نبي الله إني نذرت لأصلين في بيت المقدس فقال النبي صلى الله عليه وسلم (والذي بعث محمداً بالحق لو صليت ههنا لقضى عنك ذلك كل صلاةٍ في بيت المقدس).

الشيخ: تبين الآن أنه لا بد أن يكون الاعتكاف في مسجد واستدل المؤلف رحمه الله بقوله تعالى (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) وسبق بيان وجه الاستدلال وهل يشترط أن يكون أحد المساجد الثلاثة؟ قلنا لا يشترط وبينا ضعف الاستدلال بحديث حذيفة رضي الله عنه وأن ابن مسعود رضي الله عنه أعله بنسيان حذيفة أو خطئه ولكن هذه المساجد غير المساجد الثلاثة إذا كان من رجل فلا بد أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة كل وقت وإن كان من أنثى فإنه لا يشترط ذلك لعدم وجوب الجماعة عليها وظاهر كلام المؤلف أنه يصح أن تعتكف الأنثى في مصلاها في البيت لأنه لم يستثن ولكن الصحيح إن كان هذا مراد المؤلف فإنه لا يصح أن تعتكف في مصلى بيتها لأنه لا يسمى مسجداً ولعل المؤلف يخرج من ذلك فيقول إن مصلاها في بيتها ليس بمسجد وإن كان بعض الفقهاء استثنى مسجد بيتها لكن ليس بمسجد. البحث الثالث هل المساجد سواء بالنسبة للرجل؟ نقول إن تخلل اعتكافه جمعة فالأفضل في مسجد الجامع لئلا يحتاج إلى الخروج إلى صلاة الجمعة أو ترك صلاة الجمعة لأنه إما أن يبقى في معتكفه فيترك صلاة الجمعة أو يخرج إلى الجمعة فيغادر معتكفه.

رابعاً إذا نذر الاعتكاف في مسجد غير المساجد الثلاثة فهل يلزمه؟ ظاهر كلام المؤلف أنه لا يلزمه ولو تميز الذي نذر الاعتكاف فيه بميزة والصواب أنه إذا تميز بميزة فإنه يتعين ومعنى يتميز بميزة أي بفضيلة فإنه يتعين ولا يجوز أن يعتكف في غيره مثل أن يتميز بكثرة الجماعة فإن هذا أمرٌ مقصود للشرع كلما كانت الجماعة أكثر فهي أفضل أو يتميز بكونه أقدم لأن القدم ميزة وفضيلة لأن القديم كثرت فيه العبادة والتعبد لله عز وجل أو يتميز بكونه مسجد جامع فلا يتحول إلى مسجدٍ لا تقام فيه الجمعة لأن مسجد الجامع أفضل فالمهم أنه إذا نذر الاعتكاف في مسجدٍ سوى المساجد الثلاثة فإن لم يتميز بشيء أو انتقل عما لم يتميز إلى ما تميز فهذا لا بأس به وأما أن ينتقل من متميز إلى ما دونه فهذا لا يجوز. البحث الخامس إذا نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة فالمساجد الثلاثة أفضلها المسجد الحرام ثم المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى فإن عين الأفضل لم يجز فيما دونه وإن عين المفضول أجزأ فيما فوقه فإذا نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى جاز أن يعتكف في المسجد النبوي وفي المسجد الحرام وإذا نذر في المسجد النبوي جاز في المسجد الحرام فقط وإذا نذر في المسجد الحرام لم يجز في غيره لأنه أفضل المساجد الثلاثة. فصلٌ القارئ: فإن عين بنذره زمناً تعين ولزمه أن يعتكف فيه لأن الله تعالى عين لعباده زمناً فتعين بالنذرفإن نذر اعتكاف العشر الأواخر لزمه دخول معتكفه قبل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين ويخرج منه بعد غروب شمس الشهر لأن ذلك هو العشر تاماً كان الشهر أو ناقصا وعنه أنه يدخل معتكفه إذا صلى الصبح لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصلي الصبح ثم يدخل معتكفه) متفقٌ عليه.

الشيخ: الصواب الأول أنه إذا نذر العشر فإنها تدخل بغروب الشمس يوم عشرين فيكون ليلة إحدى وعشرين موجوداً في المسجد لأن ليلة إحدى وعشرين هي إحدى الليالي التي يمكن أن تكون فيها ليلة القدر وأما حديث عائشة فجمع العلماء بينه وبين دخوله قبل غروب الشمس بأن هذا المعتكف الخاص الذي ينقطع به عن الناس مثل أن يكون قد تحجر حجرة في المسجد أو ما أشبه ذلك وهذا الجمع حسن لأنه لا شك أن العشر الأواخر تدخل بغروب الشمس ليلة إحدى وعشرين أي يوم عشرين. السائل: إذا بُني المسجد ولكن لم تصل فيه الجماعة لاصلاحات هل يجوز فيه الاعتكاف؟ الشيخ: إذا بني المسجد ولكن لم يصل فيه بعد لانتظار بعض الاصلاحات فهل يصح فيه الاعتكاف؟ نقول يصح ولكن تبقى عندنا مسألة وهي صلاة الجماعة وإذا كانوا جماعة واعتكفوا فيه فلا بأس. السائل: الانتقال من مسجد إلى ما يماثله بعد أن نذر أن يعتكف في الأول ما حكمه؟ الشيخ: الانتقال إلى ما يماثله لا بأس به لكن الأفضل ألا ينتقل لأنه ليس له خصوصية تتعلق بالاعتكاف ولا يتعين بالتعيين. القارئ: وإن نذر عشر ليالٍ من الشهر فخرج الشهر ناقصا لزمه قضاء ليلةٍ عن العاشرة لأنه صرح بذلك. الشيخ: كلام المؤلف هذا يقال في مناقشته إن الرجل عين عشراً من رمضان وهنا لم تكن عشراً من رمضان بل هي تسع ثم إن غالب الناس يرون العشر يعني ما بدأ من ليلة إحدى وعشرين سواء نقص الشهر أم كمل فالصواب أنه لا يلزمه القضاء لا سيما إن كان نذره في يوم عشرين مثلاً أما لو كان نذره قبل العشرين فيحتمل أن يقال إن هذا الرجل معه إمكانية أن يحتاط ويعتكف قبل أن تدخل العشرة الأخيرة. القارئ: وإن نذر اعتكاف شهرٍ بعينه لزمه دخول معتكفه قبل غروب الشمس من أوله ويخرج منه بعد غروبها من آخره تاماً كان الشهر أو ناقصا لأن ذلك هو الشهر.

وإن نذر اعتكاف شهرٍ مطلقٍ خير بين اعتكاف ما بين هلالين وبين اعتكاف ثلاثين يوماً بالعدد لأن شهر العدد ثلاثون يوما ويلزمه التتابع لأن الشهر بإطلاقه ينصرف إلى التتابع لأن الشهر بإطلاقه ينصرف إلى التتابع فلزمه كما لو نذر يوما وفيه وجهٌ آخر لا يلزمه التتابع لأنه معنىً يصح فيه التفريق فلم يجب التتابع فيه بمطلق النذر كما لو نذر اعتكاف ثلاثين يوما ويدخل في نذره الليل والنهار لأن الشهر عبارةٌ عنهما وإن نذر اعتكاف ثلاثين يوماً لم يلزمه التتابع لأن الأيام المطلقة توجد بدون تتابع والنذر يقتضي ما تناوله لفظه وقال القاضي يلزمه التتابع لما ذكرنا في الشهر فعلى قوله تدخل الليالي في نذره وعلى الأول لا تدخل الليالي إلا أن ينويها أو يشترطها بلفظه لأن اليوم اسم لبياض النهار والتثنية والجمع تكرارٌ للواحد فإن شرط التتابع لزمه ودخل في نذره الليالي التي في خلل الأيام وكذلك لو نذر الليالي متتابعةً دخل في نذره الأيام التي في خللها لأن ذلك يدخل في خلل نذره المتتابع فلزمه كأيام العشر.

الشيخ: هذه المسألة لا بد فيها من توضيح إذا نذر شهراً معيناً لزمه التتابع ضرورة أن الشهر المعين متتابع فإذا قال لله عليّ نذرٌ أن أعتكف شهر شعبان لزمه التتابع وجه ذلك ضرورة أن الشهر المعين متتابع وإن نذر ثلاثين يوماً لم يلزمه التتابع وإن نذر شهراً وأطلق ففي ذلك تفصيل على القول الراجح خلافاً لما يفيده كلام المؤلف إن نذر شهراً مطلقاً قال لله عليّ نذرٌ أن أعتكف شهراً، نقول هل نويت أنه متتابع؟ إن قال نعم فعلى نيته وإن قال لا فينظر أيضاً هل شرط التتابع أم لا؟ إن كان شرط لزمه التتابع وإن كان لم يشترط ولم ينو لم يلزمه التتابع؟ لأن الشهر يطلق على الشهر المعين الذي هو متتابع ويطلق على ثلاثين يوماً فلا يلزمه، وأما الشهر المطلق فالصحيح أن الشهر المطلق لا يلزم فيه التتابع وهذا هو المشهور من المذهب ومثله لو نذر صوم شهر إن عين الشهر لزمه التتابع وإن قال شهراً ونوى متتابعاً أو قيده بالتتابع لزمه التتابع وإن قال شهراً وأطلق لم يلزمه التتابع. القارئ: وإن نذر اعتكاف يومٍ لزمه دخول معتكفه قبل طلوع الفجر، ويخرج منه بعد مغيب الشمس ليستوفي اليوم يقينا ولا يجوز تفريق ذلك في ساعات لأن اليوم اسمٌ للكامل المتتابع فإن قال لله عليّ أن أعتكف أيام هذا الشهر أو لياليه أو شهراً بالليل أو بالنهار لزمه ما نذر ولم يدخل فيه ما سواه لأنه إنما يلزمه بلفظه فيجب ما يتناوله اللفظ، وإن نذر اعتكافاً معيناً متتابعاً ففاته لزمه قضاؤه متتابعا لأن التتابع صفةٌ فيه فلم يجز الإخلال بها في القضاء وإن لم يقل متتابعا ففيه وجهان أحدهما يلزمه التتابع لأن الأداء متتابعٌ فأشبه ما لو تلفظ بالتتابع والثاني لا يلزمه لأن التتابع في الأداء حصل ضرورة التعيين لا من نذره فلم يجب في القضاء كقضاء رمضان فإن لم يكن التتابع واجباً في الأداء لم يجب في القضاء بطريق الأولى.

الشيخ: هذه المسائل التي ذكرها رحمه الله في النذر الحقيقة أن وقوعها قد يكون نادراً أو وقوع بعضها قد يكون نادراً لكن العلماء رحمهم الله يذكرون المسائل التي يمكن أن تقع ولو بعيدة لما في ذلك من تمرين الطالب على استنتاج الأحكام ومعرفتها ولعل صورةً تظن أنها لا تقع أو بعيدةً أن تقع ولكن تقع. السائل: أحسن الله إليك لو نذر أن يصوم شهراً هل يصوم تسعاً وعشرين أو ثلاثين؟ الشيخ: إذا نوى شهراً معيناً فعلى ما كان وإن قال شهراً ودخل من أول يوم من الشهر على أنه سيكمل هذا الشهر فهو على عدد الشهر سواء كان تسعاً وعشرين أم ثلاثين وأما إذا نوى شهراً ودخل من أثناء الشهر فيكمل ثلاثين. السائل: أحسن الله إليكم المرأة إذا نذرت أن تعتكف العشر الأواخر من رمضان وحاضت في بعض الأيام ثم طهرت فإذا طهرت هل يلزمها إكمال ما بقي من أيام؟ الشيخ: يلزمها إكمال ما بقي مادامت باقية ويلزمها التتابع من رمضان وأما القضاء فلا وإذا كان النذر هذا قصدها أن تقيم اعتكاف التطوع فهو إذاً قضاء العشر الأواخر فات وقته لا يلزمها والصيام لا بد أن تقضيه. فصلٌ القارئ: ولا يجوز الخروج من المسجد إلا لما لا بد له منه لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إليّ رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) متفقٌ عليه ولا خلاف في جواز الخروج لحاجة الإنسان وإن احتاج إلى مأكولٍ أو مشروبٍ وليس له من يأتيه به فله الخروج إليه لأنه مما لا بد له منه وإن حضرت الجمعة وهو في غير موضعها فله الخروج إليها لأنها واجبةٌ بأصل الشرع فلم يجز تركها بالاعتكاف كالوضوء وإن دعي إلى إقامة شهادةٍ تعينت عليه أو صلاة جنازةٍ تعينت عليه أو دفنها أو حملها فعليه الخروج لذلك لأن وجوبه آكد لكونه حق آدمي ولا يبطل اعتكافه بشئٍ من هذا ما لم يطل الزمان لأنه خروجٌ يسيرٌ مباحٌ فلم يبطل به الاعتكاف كحاجة الإنسان.

الشيخ: يقول المؤلف لا يجوز الخروج من المسجد إلا لما لا بد منه واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يدني إلى عائشة رضي الله عنها رأسه فترجله وهو في المسجد وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان متفقٌ عليه ففي هذا الحديث دليل على أن المرأة يستخدمها الزوج بالمعروف لأن النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم عائشة في ترجيل رأسه وفيه أيضاً دليل على أنه إذا خرج بعض المعتكف لا يبطل اعتكافه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه إلى عائشة وهي في الحجرة وهو في المسجد وفيه أيضا جواز خروج المعتكف لحاجة الإنسان والحاجة إما لداخل وإما لخارج فحاجته للداخل كاحتياجه للأكل والشرب وتدفئة الجسم أو تخفيف الثياب إذا كانت حراً أو ما أشبه ذلك وحاجته للخارج كالبول أو الغائط يعني هذه حاجة بل شبه ضرورة وأما الريح إن قلنا يخرج فهذا خلاف ظاهر الحديث وإن قلنا لا يخرج لزم من هذا أن يحدث في المسجد بالريح لأن الإنسان المصاب بكثرة الرياح يكون مشقة حبس الريح مثل مشقة حبس البول أو الغائط فمن العلماء من يقول لا بأس بإخراج الريح في المسجد بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في منتظر الصلاة (إنه لا يزال في صلاة ما لم يحدث أو يخرج من المسجد) وعندي في هذا الاستدلال بهذا الحديث نظر لأن انقطاع كونه في صلاة بالريح يدل على أن هذا من باب العقوبة ولا عقوبة على جائز ثم إن إخراج الريح في المسجد مما تتأذى به الملائكة لأنه يتأذى به الإنسان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) والصحيح أن إخراح الريح من الدبر في المسجد دائرٌ بين الكراهة والتحريم وأما الإباحة فلا وعلى هذا نقول اخرج من باب المسجد يعني حتى تزول الريح ثم ارجع وقوله رحمه الله إن حضرت الجمعة وهو في غير موضعها يعني وهو ممن تلزمه الجمعة فإنه يجب أن يخرج لها لأن هذا مما لا بد منه شرعاً فكما أنه يخرج لما لا بد منه حساً

فليخرج لما لا بد منه شرعاً وقولنا وهو من أهلها احترازاً مما إذا كان مريضاً يعذر في ترك الجمعة لمرضه فإنه لا يلزمه الحضور وكذلك احترازاً من المرأة إذا كانت معتكفة في المسجد فإنها لا تخرج إلى الجمعة لأنها ليست من أهلها وكذلك قول المؤلف رحمه الله إذا دعي لإقامة شهادة تعينت عليه أو حضور جنازة تعين عليه حضورها أو ما أشبه ذلك فهذا يجوز والخلاصة أنه إذا خرج لواجبٍ شرعي فخروجه جائز لكن تقييده ذلك بما إذا لم يطل الزمان فيه نظر والصواب أنه لا يبطل اعتكافه ولو طال الزمان ما دام خروجه بقدر الحاجة لأن دفن الجنازة وحملها ربما يستغرق وقتاً طويلاً فالصواب أن المسألة ليست مقدرة بطول الزمن وقربه بل بقدر الحاجة. فصلٌ القارئ: وإذا خرج لذلك فليس عليه العجلة في مشيه أكثر من عادته لأن ذلك يشق عليه ويجوز أن يسأل عن المريض أو غيره في طريقه ولا يعرج إليه ولا يقف لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة) متفقٌ عليه، ولأنه بالوقوف يترك اعتكافه وبالسؤال لا يتركه. الشيخ: يسأل كثير من الناس إذا خرج لحاجة وكان يحب أن يسأل عن أهله لأنه مسافر فهل يقف ليكلمهم بالهاتف؟ الجواب: لا لأن عائشة تقول لا أسأل عن المريض إلا وأنا مارة والهاتف ربما يستغرق وقتاً إلا إذا كان بيده هاتف يسأل وهو خارج للحاجة لا بأس بل له أن يسأل ولو كان في وسط المسجد. القارئ: وإن احتاج إلى قضاء الحاجة وثم سقايةٌ أقرب من منزله وأمكنه التنظيف فيها وهو مما لا يحتشم من دخولها ولا نقص عليه فيه لم يكن له المضي إلى منزله لأنه خروجٌ لغير حاجة.

الشيخ: السقاية كما نقول نحن حمامات يعني الإنسان بينه وبين بيته حمامات يستطيع أن يدخل الحمامات ويتوضأ وليس عليه في ذلك غضاضة فإنه لا يجوز أن يتعدى إلى بيته لأنه أمكنه أن يقتصر على قدر الحاجة ولو قيل ما دامت الحاجة حصلت وأبيح له الخروج فإنه لا بأس أن يذهب إلى بيته لأنه ربما تكون السقاية هذه مزحومة ولا يتيسر له أن يدخل فيها أما إذا كان ممن يحتشم عنها فمعلومٌ أنه يذهب إلى بيته ولا حرج. القارئ: وإن كان له منزلان فليس له قصد الأبعد لذلك فإن خشي ضرراً أو نقصاً في مروءته أو انتظاراً طويلا فله قصد منزله وإن بعد فإن بذل له صديقٌ أو غيره الوضوء في منزله لم يلزمه لأنه يحتشم ويشق عليه. الشيخ: عندي بالمخطوط وإن بذل له (صديقه) نسخة، فإذا كان الصديق يفرح أن يدخل بيته ليتوضأ منه فهنا نقول اذهب إلى بيته وتوضأ وتحصل على أجرين أجر القرب والثاني أجر إدخال السرور على الصديق لكن لو دخل على الصديق والصديق لما دخل صديقه إلى الحمام ذهب يأتي بالقهوة والشاي بسرعة ليشرب فهل يشرب؟ نقول لا يقف حتى وإن كان وهو واقف ليشرب لا يقف. السائل: ألا ترون أنه من لازم نوم الصحابة في المسجد خروج الريح؟ الشيخ: الله المستعان، لكن هل ناموا ليحدثوا؟ لا فما دام ما ناموا لهذا الغرض وفرق بين الإنسان يملك حبسه وهو مستيقظ وبين إنسان نائم فالنائم مرفوع عنه القلم ولا يرد علينا هذا. السائل: أحسن الله إليكم هل الأفضل لطالب العلم أن يعتكف في العشر الأواخر أم أن يتتبع الجلوس لحلقات العلم؟ الشيخ: أيهما أفضل طلب العلم أو الاعتكاف؟ طلب العلم لا شك أفضل لكن إذا كان العلم يدرك مثل شيخه موجود في البلد وإذا لم يدركه الآن يدركه فيما بعد فالاعتكاف أفضل لكن أحياناً يأتي مشايخ في المسجد هذا الذي يعتكفون فيه ما يحصلهم في غير هذ الوقت فهنا نقول إن طلب العلم أفضل.

السائل: إذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم فعلا مجرد من الأمر فإنه لا يعدو كونه مستحبا وهنا استدل بحديث عائشة أنه كان صلى الله عليه وسلم يمد رأسه فترجله وترتب عليه هذه الأحكام أنه لا يخرج؟ الشيخ: نعم تقول لا يخرج إلا لحاجة الإنسان فامتناعه عن الخروج إلا لحاجة الإنسان يدل أن المعتكف لا يخرج ثم الآية (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) تقتضي الاعتكاف باللزوم وأصل الاعتكاف مأخوذ من اللزوم. فصلٌ القارئ: ولا يخرج لعيادة مريض ولا حضور جنازةٍ لم تتعين عليه وعنه أنه يشهد الجنازة ويعود المريض ولا يجلس ويقضي الحاجة ويعود إلى معتكفه لأن ذلك يروى عن عليٍ رضي الله عنه والأول أولى لقول عائشة رضي الله عنها (السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ولا يشهد جنازةً ولا يمس امرأةً ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه) رواه أبو داود، ولكن إن كان متطوعا فله ترك اعتكافه لفعل ذلك ثم يعود إلى الاعتكاف وإن كان واجباً لم يجز له تركه لما ليس بواجب. الشيخ: ما ذكره رحمه الله صحيح أنه لا يخرج لمثل هذه العبادات لأن الاعتكاف سابقٌ عليها ومراعاته أولى وللحديث الذي ذكره حديث عائشة رضي الله عنها ولكن لو قال قائل إذا كان المريض قريباً له جداً وعيادته له من صلة الرحم وعدم العيادة قطيعة أو كان المريض أباه أو أمه فعيادتهما بر وترك العيادة عقوق فهل نقول له أن يخرج لأن هذا كالشهادة المتعينة عليه؟ الجواب نعم له أن يخرج لأن هذا كالشهادة المتعينة عليه ولأن بر الوالدين وصلة الأرحام من الواجب لكن كلام المؤلف رحمه الله في عيادة المريض أنها غير ذي حقٍ خاص فلا يخرج لأنه ليس متعين عليه. السائل: الغرفة التي بداخل المسجد هل يجوز الاعتكاف فيها؟

الشيخ: هذه فيها احتمال من نظر إلى مطلق كلام الفقهاء قال إنها من المسجد لأنه يقول الحجرة والغرفة التي يحيط بها جدار المسجد من المسجد ومن نظر إلى أنها بنيت لا على أنها من المسجد وأنها حجرة للإمام فهي كبيوت الرسول عليه الصلاة والسلام فبيوت الرسول أبوابهن إلى المسجد ومع ذلك هو بيت ما يخرج الرسول عليه الصلاة والسلام إليه فالاحتياط أن المعتكف لا يكون فيها ولكن عرف الناس عندنا الآن أن الحجر التي في المساجد تعتبر من المسجد. السائل: الآن الاعتكاف في الحرم بعض الناس عندما يخرج للإفطار توجد مطاعم أكلها جيد ولكن قد يستغرق ساعة من خروجه حتى رجوعه بعد إفطاره وبعضها يكون سريع فهل نقول بما أنه معتكف يأخذ فقط ما يسد حاجته؟ الشيخ: هو كذلك يعني لو كانت المطاعم راقية لكنها بعيدة من الحرم أو مزدحمة ومطاعم قريبة تكفي الحاجة نقول لا تذهب بعيداً ليس هذا هو بيتك. السائل: أحسن الله إليك هل الخروج للاتيان بكتب العلم يعد مما يباح حال الاعكتاف؟ الشيخ: لا إلا إذا أشكلت عليه مسألة يعني دعت الحاجة إلى معرفتها فنعم. القارئ: وإن شرط فعل ذلك في نذره فله فعله وكذلك إن شرط العشاء في أهله جاز لأنه يجب بعقده فكان الشرط فيه إليه كالوقف وإن شرط أنه متى مرض أو عرض له عارضٌ خرج جاز شرطه لذلك.

الشيخ: على كل حال هذا واضح أنه إذا شرط أنه متى مرض أو عجز عن إتمام الاعتكاف بأنه يخرج هذا جوازه ظاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جوز مثل هذا الشرط فيما هو آكد من الاعتكاف وهو الإحرام فقد قال لضباعة بنت الزبير (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني فإن لك على ربك ما استثنيتي) لكن كونه يشترط أن يتعشى في بيته أو يتغدى في بيته أو ينام في بيته في هذا نظر لأن هذا ليس له فيه مقصود شرعي اللهم إلا أن تطرأ حالات يكون الإنسان فيها خائفاً إن بقى في المسجد أو ينام في المسجد أو ما أشبه ذلك فهذا لكل حالةٍ لبوس أما في حال الأمن وكوني أشترط أن أتغدى في بيتي وأتعشى في بيتي فلا هذا ليس باعتكاف. القارئ: وإن شرط الوطء في اعتكافه أو الفرجة أو النزهة أو البيع للتجارة أو التكسب بالصناعة في المسجد لم يصح شرطه لأن هذا ينافي الاعتكاف فلم يصح شرطه كتركه الإقامة في المسجد. الشيخ: هذا معلوم ولأن الوطء يفسد الاعتكاف فإذا شرط أن يجامع مثلاً كأن يكون حديث عهدٍ بعرس واشترط في اعتكافه أن ينام مع أهله كل عشر رمضان ويجامع أين الاعتكاف هنا؟ على كل حال هذا لا يصح وخلاصة الكلام الآن أن خروج الإنسان من المعتكف ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول أن يخرج لما لا بد منه شرعاً أو حساً فهذا جائزٌ سواءٌ اشترطه أم لم يشترطه فإن اشترطه كان ذلك تأكيداً مثل الأكل والشرب والبول والغائط وشهادة تعينت وحضور جنازة تعينت وما أشبه ذلك. الثاني ما يصح بشرط وهو ما فيه مقصود شرعي لكنه ليس بواجب مثل عيادة المريض وشهود الجنازة وزيارة القريب وما أشبه ذلك. والقسم الثالث ما لا يصح لا بشرطٍ ولا بغيره وهو أن يشترط ما ينافي الاعتكاف فإن هذا لا يجوز. السائل: لو شرط أن يشهد المباراة في الاعتكاف؟ الشيخ: لا يجوز هذا شرطٌ باطل، ينافي الاعتكاف فلا يصح هذا الشرط. الساائل: قول المؤلف (كتركه الإقامة في المسجد) مامعنى هذه العبارة؟

الشيخ: كما لو دخل الاعتكاف وقال بشرط ألا أقيم في المسجد فأين الاعتكاف. فصلٌ القارئ: وإن خرج لما له منه بد بطل اعتكافه فإن كان ناسيا فقال القاضي لا يبطل لأنه فعل المنهي عنه في العبادة ناسياً فلم يبطلها كالأكل في الصوم وقال ابن عقيل يبطلها لأنه ترك الاعتكاف فاستوى عمده وسهوه كترك النية. الشيخ: الأقرب في هذه المسألة قول القاضي رحمه الله لأنه فعل مفسداً ناسياً فالقاعدة أنه لا يفسد كما لو تكلم في الصلاة ناسياً أو أكل ناسياً في الصوم أو ما أشبه ذلك وكذلك لو كان جاهلاً وخرج يظن أنه لا بأس بالخروج فلا يبطل الاعتكاف. القارئ: وحكم المكره حكم الناسي لأنه في معناه في العفو بالخبر الوارد فيهما. الشيخ: ويتصور الإكراه فيما لو حصل في المسجد اشتعال نار أو ما أشبه ذلك أو خوف من المطر أن يسقط المسجد هذا مكره فإذا خرج ثم تبين أنه لا خطر ورجع فإن اعتكافه باقٍ. القارئ: وإن خرج بعض جسده جاز (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف إلى عائشة فتغسله) متفقٌ عليه. وله صعود سطح المسجد لأنه منه ولهذا منع الجنب من اللبث فيه وفي رحبة المسجد ما يدل على روايتين وجمع القاضي بينهما بحملهما على حالين فقال إن كان عليها حائطٌ وباب فهي كالمسجد لأنها معه تابعةٌ له وإن لم تكن محوطةً لم يثبت لها حكمه. الشيخ: وهذا الذي قاله القاضي هو الصحيح يعني إذا كانت في الرحبة يعني الحوش الذي يكون أمام المسجد أو عن يمينه أو عن يساره أو خلفه إذا كان يشمله حائط المسجد فهو منه فلا يضر المعتكف لو خرج إليه وإن كان خارج المسجد لكنه جعل احتياطا إن كثر الجماعة صلوا فيه فهذا ليس من المسجد. القارئ: وإن خرج إلى منارةٍ خارجةٍ من المسجد بطل اعتكافه لأنها ليست منه قال أبو الخطاب ويحتمل ألا يبطل لأن منارة المسجد كالمتصلة به.

الشيخ: وهذا لأن المنارة إذا كانت في المسجد فإنه لم يخرج من المسجد وإن كانت خارجةً عنه فقد خرج وتعليل أبي الخطاب تعليل عليل لأنها إذا كانت منفصلة عن المسجد فهي خارجةٌ منه والله تعالى قال (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ولو قلنا إنه لا يضر لأنها تابع لقلنا أيضاً لا يضر لو خرج للحمامات حمامات المسجد لأنها تابعةٌ له، فالصواب ما ذكره المؤلف رحمه الله أنه إذا خرج إلى منارةٍ خارج المسجد فإنه يعتبر خارجاً من المسجد. فصلٌ القارئ: وإذا دعت الحاجة إلى ترك الاعتكاف لأمرٍ لا بد منه كحيض المرأة أو نفاسها أو وجوب الاعتداد عليها في منزلها أو لمرضٍ يتعذر معه الاعتكاف إلا بمشقةٍ شديدة أو لوقوع فتنةٍ يخاف منها على نفسه أو ماله أو منزله أو لعموم النفير والاحتياج إلى خروجه فله ترك الاعتكاف لأن هذا يسقط به الواجب بأصل الشرع وهو الجمعة والجماعة فغيره أولى وإذا زال العذر _ والاعتكاف تطوع _ فإن شاء رجع إليه وإن شاء لم يرجع لأنه لا يلزم بالشروع. الشيخ: هذا واضح إذا خرج المعتكف وترك الاعتكاف لأمرٍ لا بد منه كحيض المرأة ونفاسها لأنها إذا حاضت أونفست لا يحل لها أن تبقى في المسجد وكما لو مات زوجها وهي معتكفة وجب عليها أن تخرج أو لمرضٍ يتعذر معه الاعتكاف إلا بمشقةٍ شديدة أو لوقوع فتنةٍ يخاف منها على نفسه أو ماله أو منزله أو لعموم النفير والاحتياج إلى خروجه فله ترك الاعتكاف وكل هذا فيما إذا كان واجباً أما إذا كان نفلاً فله أن يخرج ولو لغير سبب لأن كل نفلٍ شرع فيه الإنسان فهو جائز خروجه منه إلا الحج والعمرة وبناءً على هذا نقول إن كلام المؤلف محمولٌ على ما إذا كان الاعتكاف واجباً وهو المنذور لكن يختلف النفل عن المنذور بأن المنذور لا يخرج إلا للضرورة وإذا زالت الضرورة وجب عليه الرجوع ما دامت الأيام باقية وأما النفل فله أن يخرج لغير ضرورة وله أن لا يرجع إذا كانت ضرورة وانتهت.

القارئ: وإن كان منذورا لم يخل من ثلاثة أحوال: أحدها أن يكون نَذَر أياما معلومةً مطلقة فعليه إتمام باقيها حسب لأنه يأتي بالمنذور على وجهه الثاني نذر أياماً متتابعة غير معينة فهو مخيرٌ بين البناء والقضاء وكفارة يمين وبين أن يبتدئها ولا كفارة عليه. الثالث نذر مدةً معينةً فعليه قضاء ما ترك وكفارة يمين لتركه فعل المنذور في وقته إلا في الحيض والنفاس فإنه لا كفارة في الخروج له لأنه خروجٌ لعذرٍ معتادٍ فأشبه الخروج لحاجة الإنسان وذكر القاضي أن كل خروجٍ لواجب كالشهادة المتعينة والنفير العام وقضاء العدة فلا كفارة فيه لأنه خروجٌ واجب أشبه الخروج للحيض وذكر أبو الخطاب روايةً تدل على أن كل من ترك المنذور لعذر لا كفارة عليه قياساً على خروج الحائض من الاعتكاف الشيخ: ذكر المؤلف رحمه الله أن الاعتكاف المنذور لا يخلو من ثلاث حالات: الأولى أن يكون نذر أياماً معلومةً مطلقة مثل أن يقول لله عليّ نذر أن أعتكف عشرة أيام فقط ولم يذكر متتابعة ولا غير متتابعة فهنا إذا خرج لعذر ثم زال العذر فإنه يكملها لأنه لا يشترط فيها التتابع. والثانية إذا نذر أياماً متتابعة لكن لم يعين وقتها فهذا يخير بين أن يتم وعليه كفارة يمين وبين أن يبتديء ولا كفارة عليه ووجه ذلك أنه إذا أتم فقد أخل بالتتابع والإخلال بالتتابع تجب فيه كفارة يمين وإذا استأنف فقد أتى بها على الوجه المنذور ولم يفت شئٌ من نذره. الحال الثالثة أن ينذرها أياماً متتابعة في وقتٍ معين كأن يقول لله عليّ نذر أن أعتكف عشرة أيام في العشر الأواخر من رمضان فهنا حددها فإذا انقطعت بعذر فإنه يجب عليه أن يقضيها متتابعة لأنه نذرها متتابعة وعليه الكفارة لفوات الوقت وهذه أشدها. السائل: أحسن الله إليك الرجل إن نذر نذراً متتابعاً يعني اعتكافاً ثم أمره والداه أو أحدهما بأمرٍ لا بد لها هل يلزمه الخروج أم يكمل؟

الشيخ: إذا كان هناك ضرورة بمعنى أنه لو لم يُجِب لتضررا بذلك أو هلكا وجب عليه الخروج وإن كان أمراً معتاداً فلا يجب فإذا كانت الأيام التي نذرها معينة فحينئذٍ يجب عليه أن يعتكف متتابعاً ويكفر لخروجه عن الوقت وهذا كما يكون في الاعتكاف يكون في الصيام إذا نذر صيام أيامٍ مطلقة وأفطر يوماً منها لعذر أو لغير عذر فإنه يكمل مثل أن يقول لله عليّ نذر أن أصوم عشرة أيام فقط ثم أفطر يوماً الأيام نقول كمل ولا عليك لأن هذه أيام مطلقة وحصلت منك والثاني نذر صيام عشرة أيام متتابعة ثم أفطر لغير عذر فهنا نقول له استأنف ولا كفارة عليك لأنه لم يعينها بوقت وأما إن عينها بوقت فهذا يلزمه أن يستأنف ويتابع وعليه كفارة يمين لفوات الوقت. السائل: سطح المسجد إذا بني عليه مسكن هل تزول تبعيته للمسجد أم أنه يقال بالمنع من بناء المساكن فوقه كما قال بعضهم لأنه تابع للمسجد ولا يصح لبث الجنب والحائض فيه؟ الشيخ: لا يجوز أن يبنى فوق المسجد بناء للسكنى لأن الهواء تابعٌ للقرار لكن لو أن شخصاً عمر عمارة ثم جعل أسفلها مسجداً فأعلاها ليس بمسجد ولا يمكن أن يعتكف فيها بناءً على أنها فوق المسجد. السائل: شخص اعتكف نفلاً ثم خرج لغير عذر هل يرجع ويجدد النية أم يواصل؟ الشيخ: لغير عذر بطل الأول وما يمكن أن يكمل عليه إذا كان لعذر لا بأس أن يرجع بنيته الأولى. فصلٌ القارئ: ويحرم على المعتكف الوطء لقول الله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فإن وطيء فسد اعتكافه لأن الوطء إذا حرم في العبادة أفسدها كالصوم والحج والعامد والساهي سواء لأن الجماع في العبادة يستوي عمده وسهوه بدليل الحج والصوم ولا كفارة عليه نص عليه وعنه عليه الكفارة لأنها عبادةٌ يفسدها الوطء فوجبت به الكفارة كالحج والأول المذهب لأنها عبادةٌ لا تجب بأصل الشرع ولا تلزم بالشروع فلا يجب بإفسادها كفارة كصوم غير رمضان وهذا ينقض القياس الأول.

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله إن المعتكف يحرم عليه أن يطأ دليله قول الله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) والمباشرة هي الجماع فإن جامع فسد اعتكافه لأنه ارتكب منهياً عنه في العبادة بخصوصه فأفسدها كما لو أكل في الصوم أو تكلم في الصلاة. والعبادة إذا فعل منهياً عنه فيها بخصوصه فإنها تفسد به يقول المؤلف والعامد والساهي سواء لأن الجماع يستوي عمده وسهوه بدليل الحج والصوم هذا حكمٌ وقياس لكنه قياس غير مسلم لأن الأصل الذي بُني عليه غير مسلم والقول الراجح في هذه المسألة أن جميع المحظورات في العبادة إذا فعلت سهواً أو جهلاً أو إكراهاً فإنها لا تضر العبادة في شئ ولا تبطل وبناءً على ذلك نقول للمؤلف إننا لا نسلم لك الأصل الذي قست عليه وما الدليل على أن هذا المحظور يستوي فيه العمد والسهو والجهل والعلم فالصواب أنه إذا جامع ناسياً لم يفسد اعتكافه ولكن هذا قد يكون من أندر النادر لأنه لن يجامع في المسجد إنما يتصور الجماع فيما لو خرج إلى حاجة ثم نسي وجامع زوجته وهذا أيضاً بعيد لأن المتلبس بالاعتكاف سيكون ذاكراً له فالنسيان بعيد والجهل أيضاً قد يكون بعيداً لكنه أقرب من النسيان والصواب أنه لا شئ عليه في الحالين، ومثل ذلك الإكراه فلو أن امرأةً كانت معتكفة وخرجت لما لا بد لها فيه من الخروج وجامعها زوجها مكرهة فإن اعتكافها لا يبطل لعموم الأدلة الدالة على رفع حكم الإكراه فيمن أكره على شئ على فعل محرم وأما قولهم إن عليه الكفارة بالجماع فيه فهذا ليس بصواب والكفارات لا قياس فيها ولذلك نقول إن الصائم إذا تعمد الفطر فلا كفارة عليه مع أنه لو تعمد الفطر بالجماع فعليه كفارة وذلك لأن الكفارات ليس فيها قياس ولا يمكن أن يكون الجماع في الصوم أو في الحج مساوياً للجماع في الاعتكاف حتى نقول لا بد أن يلحق بهم ثم بأي شيءٍ تلحقه؟ أتلحقه بكفارة الجماع في الحج فتوجب بدنة؟ أم بالجماع في

الصوم فتوجب عتق رقبة أم ماذا؟ فالصواب أنه لا كفارة عليه حتى لو تعمد فإنه يكون آثماً لارتكابه النهي ويفسد اعتكافه وليست عليه كفارة. القارئ: واختلف موجبوا الكفارة فيها فقال القاضي هي ككفارة الوطء في رمضان قياساً لها عليها وعن أبي بكر هي كفارة يمين لأنها كفارة نذرٍ فكانت كفارة يمين كسائر كفاراته وأما المباشرة فيما دون الفرج فإن كانت لغير شهوةٍ فهي مباحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدني رأسه إلى عائشة فترجله وهو معتكف وإن كانت لشهوةٍ فهي محرمة لقول عائشة (السنة للمعتكف ألا يمس امرأةً ولا يباشرها). الشيخ: قولها (السنة ألا يمس) ليس المراد بالسنة هنا ما يقابل الواجب بل المراد السنة الواجبة لأن المراد الطريقة والسنة تطلق على الطريقة ولو كانت واجبة ومنه قول أنس رضي الله عنه (من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ثم قسم). القارئ: فإن فعل فأنزل أفسد اعتكافه وإلا فلا كقولنا في الصوم. وإن شرب مسكراً أو ارتد فسد اعتكافه لأنه خرج بذلك عن أن يكون من أهل المسجد فصار كالخارج منه وكل موضعٍ فسد اعتكافه التطوع فلا قضاء عليه ولا غيره لأنه لا يلزم بالشروع فهو كصوم النفل وإن كان نذراً متتابعاً بطل ما مضى منه واستأنف لأن التتابع وصفٌ في الاعتكاف أمكن أن يأتي به فلزمه كعدة الأيام وإن كان نذره مدةً معينةً ففيه وجهان أحدهما يبطل ما مضى ويستأنف لأنه اعتكافٌ متتابعٌ فأشبه المقيد بالتتابع لفظا والثاني لا يبطل الماضي لأن التتابع حصل ضرورة التعيين والتعيين مصرحٌ به في النذر فالمحافظة على المصرح به أولى فعلى هذا يقضي ما أفسده ويتم كما لو أفسده لعذر وعليه كفارةٌ في الوجهين جميعا. الشيخ: هذا في المدة المعينة وهي القسم الثالث مما سبق مدة معينة قال لله عليّ نذر أن أعتكف ما بين أول يوم والعاشر عشرة أيام هذا عينه فلزمه التتابع.

السائل: أحسن الله إليك من نذر نذراً كنذر صلاةٍ أو اعتكافٍ أو صوم وعين المدة وعين الوقت الذي سيصوم فيه أو يصلي فتركه عمداً فهل نقول هو كترك صلاةٍ فلا يفعله وعليه إثم؟ الشيخ: لا هذا واجب بأصل الشرع حدده الشرع أما هذا فهو الذي حدده بنفسه. السائل: إذا كفَّر ألا يسقط عنه النذر في حال نذر التتابع ولم يفعل التتابع؟ الشيخ: لا التكفير هنا عن فوات الأيام حيث صامها في غير محلها أو اعتكفها في غير محلها إن كان اعتكافاً لأنه نذر لله أيامٍ متتابعة إما بلفظه وإما بضرورة المدة وإذا كان في مدة معينة وأفسد الصوم أو الاعتكاف نقول يستأنف ما دام متتابعاً يستأنف ويكفر لأن بعض المنذور وقع خارج المدة المعينة كما لو لم يعتكف في المدة المعينة أو لم يصم في المدة المعينة مطلقا فترك الجزء كترك الكل. فصلٌ القارئ: وليس للمعتكف بيعٌ ولا شراء إلا لما لا بد منه كالطعام ونحوه ولا يتكسب بالصنعة لأن الاعتكاف لزوم طاعة الله وعبادته في المسجد والتجارة فيه تنافيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن البيع والشراء في المسجد) وهو حديثٌ حسن. الشيخ: لو فرض أن المعتكف حلاق يحلق بالأجرة وجاءه أناس فحلقهم في المسجد فهذا لا يجوز ويبطل اعتكافه لأنه فعل ما ينافي الاعتكاف إلا أن يقول لهم أنا سأحلقكم تبرعاً فهذا لا بأس ولا يبطل الاعتكاف إلا أنه يجب عليه ألا يؤذي المسجد بالشعور التي تتساقط من الحلق ومثله لو كان خياطاٌ وأتى إليه إنسان وقال هذا ثوبي قد انشق خطه فقال لا بأس ثم لما تمت الخياطة قال أعطني الأجرة فهذا نقول حرامٌ عليه ويبطل الاعتكاف أما لو خاطه تبرعاً وصدقة وإحساناً فلا بأس. السائل: البيع والشراء هل يمنع منه؟ الشيخ: كذلك يبطل ويحرم البيع والشراء في المسجد ويبطل الاعتكاف.

القارئ: فإن خرج ترك اعتكافه ولا يخيط في المسجد ولا يعمل صنعة سواءٌ كان محتاجاً إلى ذلك أو لم يكن لأن المسجد لم يبن لذلك قال أحمد رضي الله عنه في المعتكف يخيط لا ينبغي له أن يعتكف إذا كان يريد أن يعمل وإن فعل شيئاً من ذلك في المسجد لم يفسد اعتكافه لأنه لا ينافيه. الشيخ: فعلُه بدون أجرة لا بأس به لأنه لا ينافي الاعتكاف. فصلٌ القارئ: وليس له أن يبول في المسجد في إناء لأن هذا يقبح ويفحش فوجب صيانة المسجد عنه كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله. الشيخ: المسألة الأولى فيها نظر يعني لو فرض أن الإنسان له حجرة في المسجد واحتاج إلى البول ويشق عليه أن يخرج من المسجد إلى موضع البول وكان عنده إناء فبال فيه فهنا لم يلوث المسجد بشئ ولا ضرر على المسجد فيه وهو أيضاً قد يكون محتاجاً لذلك أو غير محتاج المهم أن قول المؤلف فيه نظر أما قول المؤلف رحمه الله يقبح ويفحش فهذا صحيح إذا أراد أن يبول أمام الناس أو في مكان مصلاهم فهو قبيح لا شك أما إذا كان في حجرة في المسجد والحجرة قلنا إنها إذا كانت قد أحاط بها المسجد فهي منه ففيه نظر وأما قوله كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله فهذا قياسٌ مع الفارق لأنه إذا بال في أرضه فقد لوث المسجد ولا يناسب لا عقلاً ولا شرعاً أن يلطخ المسجد بالنجاسة ثم يذهب يغسلها. القارئ: وإن أراد الفصد أو الحجامة أو القيئ فيه فهو كذلك لأنه إراقة نجاسةٍ فهو كالبول وإن دعت إلى ذلك ضرورةٌ خرج من المسجد ففعله كما يخرج لحاجة الإنسان وإن استغنى عنه فليس له فعله وللمستحاضة الاعتكاف وتحترز بما يمنع تلويث المسجد لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (اعتكفَتْ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد امرأةٌ من نسائه فكانت ترى الحمرة والصفرة وربما وضعت الطشت تحتها وهي تصلي) أخرجه البخاري ولأن هذا لا يمنع الصلاة فلم يمنع الاعتكاف بخلاف ما قبله. فصلٌ

القارئ: ويجوز للمعتكف الأكل في المسجد ويضع سفرةً أو غيرها يسقط عليها ما يقع منه كيلا يتلوث المسجد ويغسل يده في طشتٍ ليُفرغ خارج المسجد ولا يجوز له الخروج لغسل يده لأنه خروجٌ لما له منه بد وله أن يتنظف ويرجل شعره ويغسله (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وهو معتكف)، وله أن يتطيب ويلبس رفيع الثياب لأن هذه عبادةٌ لا تحرم اللبس فلا تحرم ذلك كالصوم وله أن يتزوج ويشهد النكاح لذلك وله أن يحدث غيره ويأمر بحاجته. الشيخ: هل له أن يتزوج وهو معتكف؟ نعم لأن هذا لا ينافي الاعتكاف وعقد النكاح من الأمور المطلوبة وهذا ربما يحتاج إليه الإنسان مثل أن يكون ولي المرأة يريد أن يسافر من البلد وصادف أن الخاطب معتكف فهنا يمكن أن يزوجه وهو في المسجد وإلا فالغالب أن الحاجة لا تدعو لذلك. السائل: إذا وضع في ركن المسجد غرفة ولكن بابها ليس إلى المسجد وهم اتخذوها على أنها ليست من المسجد فهل تدخل فيه وهي أصلاً من أرض المسجد؟ الشيخ: تكون من المسجد وعلى ذلك يمنع من الشراء ونحو ذلك إلا إذا كان من الأصل لما خططوا المسجد أخرجوا هذا الجانب منه لأن يكون دكاناً مثلاً. السائل: هل يجوز أن يخرج لغسل اليد؟ الشيخ: المؤلف يقول لا يجوز لأن له من ذلك بداً ولكن قد يقال في بعض الأحيان لا بد له من ذلك مثل أن يأكل طعاماً كثيرَ الدسم فهذا لا بد أن يخرج وقد لا يكون عنده مناديل والمناديل أيضاً لا تنقي تمام الانقاء. السائل: هل يستطيع أن يوكل بالبيع والشراء؟ الشيخ: نعم يصح. القارئ: لما روت صفية رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني) متفقٌ عليه.

الشيخ: في هذا دليل على حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام مع أهله وقد قال هو صلوات الله وسلامه عليه (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وفيه دليل على جواز تحدث المعتكف مع أهله لما في ذلك من الإيناس وإدخال السرور عليهم وفيه مشروعية القيام مع المغادر ليقلبه تكريماً له ومن ذلك ما يفعله بعض الناس حيث يقوم مع من خرج إلى الباب ويفتحه له. فصل القارئ: ويستحب له التشاغل بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن واجتناب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش والاكثار من الكلام فإن ذلك مكروهٌ في غير الاعتكاف ففي الاعتكاف الذي هو استشعارٌ بطاعة الله تعالى ولزوم عبادته وبيته أولى ولا يبطل الاعتكاف بشئٍ من ذلك لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحرمه كالصوم. الشيخ: ولأن التحريم هنا ليس خاصاً بالاعتكاف فتحريم السباب والشتم واللعن والقذف وما أشبه محرم في الاعتكاف وغيره والقاعدة أن المحرم في نفس العبادة هو الذي يبطله وأما المحرم في خارجها فلا يبطله. فصلٌ القارئ: فأما التزام الصمت فليس من شريعة الإسلام لما روى قيس بن مسلم قال دخل أبو بكرٍ الصديق على امرأةٍ من أحمس فرآها لا تتكلم فقال ما لها لا تتكلم؟ فقالوا حجت مصمتةً. الشيخ: يعني أنها حجت وصمتت منذ أن بدأت بالحج. القارئ: فقال لها تكلمي فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية فتكلمت) رواه البخاري، وعن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا صُمات يوم إلى الليل) رواه أبو داود فإن نذر ذلك فهو كنذر المعاصي على ما سيأتي.

الشيخ: إذا قال قائل أليس النبي صلى الله عليه وعلى وسلم قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فأمر بالصمت إلا لمن يقول الخير؟ فالجواب أن نقول إنه مأمورٌ بأن يقول الخير والخير في الكلام إما أن يكون لذات الكلام كالذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم والدعوة إلى الله وما أشبه ذلك وإما أن يكون خيراً لغيره أي لما يقصد به من إيناس الجليس وإدخال السرور عليه وغير ذلك فهذا خير وإن كان في نفسه ليس خيراً ولكنه لما قصد به الخير وهو في نفسه غير محرم صار من الخير فقول النبي صلى الله عليه وسلم (فليقل خيراً) يشمل ما هو خير في نفسه كذكر الله تعالى ويشمل ما هو خير من أجل الإصلاح بين الناس فإذا كان الأمر كذلك فلا داعي للصمت فكون الإنسان يصمت تعبداً لله نقول هذا بدعة وهذا من صنيع الجاهلية والعياذ بالله تأتي إليه وتقول يا فلان هل ترغب كذا؟ وهو ساكت يا فلان تحب نخرج ننظر إلى الأمطار والأودية؟ وهو ساكت هل هذا من الشريعة في شئ؟ أبداً لكن قد يقول إذا أفطر مثلاً إذا كان صائماً أو إذا كان حاجاً وتحلل قد يقول إني صمت لئلا أقول شراً فأنا أقول إنك صمت عن قول خير لأن الرد على أخيك المسلم من الخير لا شك. القارئ: قال ابن عقيل ولا يجوز جعل القرآن بدلاً من الكلام لأنه استعمالٌ له في غير ما هو له فهو كتوسد المصحف وقد جاء (لا يناظر بكتاب الله) أي لا يتكلم به عند الشئ تراه كأن ترى رجلاً جاء في وقته فتقول (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) وذكر أبو عبيدٍ نحواً من هذا.

الشيخ: هذا الذي ذكره ابن عقيل حق لا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً عن الكلام فإذا أراد أن يقول لابنه اذهب اشتر لنا خبزاً قال (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) وما أشبه ذلك ورأيت قصةً عجيبة في جواهر الأدب قديماً لما كنا صغاراً تقريباً صفحة ونصف امرأة عابدة يكلمها رجل كلما كلمها جاءت بآية من القرآن فسأل أولادها لماذا؟ قالوا هذه أمنا لها كذا وكذا من السنوات لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيغضب عليها الرحمن نقول هذا الزلل بعينه لكن الجهل وأما قوله (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) فلا يصح أن تجعل لأن المخاطب بها هنا موسى وأي إنسانٍ يقال له موسى ولو فرض أن الرجل اسمه موسى جاء هذا الرجل مصادفة أو مواعدة فقالها لا بأس كما استشهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين (جاء الحسن والحسين يعثران بلباسٍ لهما فنزل من المنبر وأخذهما وقال صدق الله (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ففرق بين من يستشهد بالشئ على نظيره ومن يجعل هذا بدلاً عن هذا فالمستشهد بالقرآن على نظيره هذا لا بأس به وأما من يجعل القرآن بدلاً عن الكلام فهذا لا يجوز. السائل: أحسن الله إليك صفية لما قام الرسول صلى الله عليه وسلم يقلبها إلى البيت هل فيه دليل على جواز الخروج لغير ضرورة؟ الشيخ: لا ليس فيه دليل لأن الرسول قلب امرأة خرجت متأخرة في الليل فرأى أنه لا بد من الخروج وقد تكون هذه حال خاصة لأن بعض النساء ما تستطيع أن تخرج في الليل اطلاقاً. السائل: ما حكم المباشرة في الاعتكاف بدون إنزال ولا جماع؟ الشيخ: المباشرة بدون إنزال وبدون شهوة لا بأس بها.

السائل: ما وجه التفريق بين المباشرة يعني غير الجماع وغيرها من المفسدات كالبيع والشراء مع أنها في حديثٍ واحد وهو حديث عائشة؟ الشيخ: المباشرة التي ليس فيها إنزال لا تفسد الاعتكاف كما هو فعل الرسول عليه الصلاة والسلام مع عائشة حتى بشهوة لا تفسد كالصائم. السائل: أليس النظر إلى السماء في الصلاة محرم يا شيخ والقاعدة التي ذكرناها قبل قليل وهي أن الفعل المحرم في العبادة يبطلها هل تستقيم؟ الشيخ: هذا قال به بعض العلماء إذا رفع نظره إلى السماء تبطل صلاته وهذا هو مقتضى القاعدة لكن جمهور العلماء على أنها لا تفسد وكأنهم قالوا إن هذا من باب ترك الخشوع والخشوع ليس بواجب لكن القول بأن صلاته تبطل قولٌ قوي لا شك (لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتد غضبه في ذلك حتى قال لينتهن أو لتخطفن أبصارهم). فصلٌ القارئ: وأما إقراء القرآن وتدريس العلم ومناظرة الفقهاء ومذاكرتهم وكتابة العلم فحكي فيه روايتان إحداهما يستحب اختارها أبو الخطاب لأن ذلك أفضل العبادات لتعدي نفعه ويمكن فعله في المسجد فكان مستحباً له كالصلاة والثانية لا يستحب وهو ظاهر المذهب لأن الاعتكاف عبادةٌ شرط لها المسجد فلم يستحب ذلك فيها كالطواف والصلاة وعلى هذه الرواية فعله لهذه الأمور أفضل من اعتكافه الشاغل عنها قال المروذي قلت لأبي عبد الله إن رجلاً يقريء في المسجد يريد أن يعتكف لعله أن يختم في كل يوم؟ فقال إذا فعل هذا كان لنفسه وإذا قعد في المسجد كان له ولغيره يقريء أحب إليَّ.

الشيخ: هل المعتكف الأفضل أن يقتصر على قراءة القرآن والذكر والعبادة أو أن يعلم العلم ويناظر ويذاكر؟ فيها قولان لكن إذا دار الأمر بين أن يعتكف إذا قلنا بأن الأفضل أن يقرأ القرآن ولا يناظر ولا يعلم ولا يتعلم فهل الأفضل أن يدع الاعتكاف لهذه الأمور أو أن يعتكف ويدع هذه الأمور؟ الثاني أفضل ولا شك لأن تعليم العلم أفضل من الاعتكاف اللهم إلا أن يريد إحياء سنة مثل أن يكون هذا البلد لا يعرف أهله الاعتكاف ولا يثق بعضهم ببعض فلو اعتكف عاميٌ لم يثق به الناس ولم يجعلوه أسوة وهذا طالب علم أراد أن يحيي هذه السنة فأنا أقول لهذا الأفضل أن تعتكف وذلك لأن اقتداء الناس بالفعل أقوى من اقتدائهم بالقول وإلا فمن الممكن أن طالب العلم يقول للناس اعتكفوا فإن الاعتكاف سنة لكن الناس يقتدون بالفعل أكثر مما يقتدون بالقول والخلاصة أنه إذا دار الأمر بين أن يشتغل المعتكف بقراءة القرآن والذكر والعبادات خاصة وينشغل عن العلم والتعليم والمناظرة والمذاكرة أو يشتغل بالثاني دون الأول فالانشغال بالثاني دون الأول أفضل اللهم إلا أن يكون هناك سببٌ خاص يقتضي الأول. فصلٌ القارئ: ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان استحب أن يبيت ليلة الفطر في معتكفه ثم يخرج إلى المصْلى في ثياب اعتكافه لأن أبا قلابة وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا مجلزٍ والمطلب بن حنطب وابراهيم النخعي كانوا يستحبون ذلك ولأنها ليلةٌ تتلو العشر ورد الشرع بالترغيب في قيامها والعبادة فيها فأشبهت ليالي العشر والله سبحانه وتعالى أعلم. الشيخ: هذا الفصل تضمن مسألتين: المسألة الأولى هل يستحب أن يبقى ليلة العيد في معتكفه ولا يخرج إلا إلى مصلى العيد؟ والمسألة الثانية هل يخرج إلى العيد متجملاً متطيباً أو في ثياب اعتكافه؟

أما المسألة الأولى فلا دليل عليها إلا هذه الآثار التي ذكرها والآثار عن التابعين ليست بحجة وبناءً على ذلك لو قال إنسان هل الأفضل أن أبقى ليلة العيد في المسجد وهو معتكف أو أن أذهب إلى أهلي في تلك الليلة أستأنس بهم ويستأنسون بي؟ قلنا الثاني أفضل لأنه ليس هناك دليل على استحباب البقاء ليلة العيد. وأما المسألة الثانية وهي أن يخرج في ثياب اعتكافه فهذا أبعد من الأول يعني القول باستحبابه أبعد من الأول لأن العيد يسن فيه بالتجمل وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يتجمل يوم العيد لأنه يوم فرح وسرور ثم إنه إذا خرج في ثوب اعتكافه ربما يكون في قلبه رياء يشير إليه الناس يقولون هذا فلان معتكف خرج بثيابه الرثة ثياب البذلة ولا شك أن ما يخشى منه أن يقع الإنسان في مفسدة فإن اجتنابه هو المصلحة والصواب أنه يخرج حتى ولو بقي في المسجد لو فرضنا أن الرجل غريب في البلد ليس له أحد وبقي في المسجد تلك الليلة نقول اخرج متجملاً ومن العجب أن بعض العلماء قاس هذه المسألة على دم الشهيد قال إن الشهيد يدفن بثيابه بدمه لأن هذا أثر عبادة فيبقى في قبره على ما مات عليه ولكن يقال أولاً لا قياس في مثل هذه الأمور لأن الشرع إذا فرق بين شيئين وجد السبب في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يقسه ولم يفعله فإنه يجب أن تفرد كل مسألة بحكمها ثم إن الشهيد قد توفي ولا حاجة أن نخلع ثيابه ثم نغسلها وبقاء دمه عليه أحسن أما المعتكف فهو حيٌ مأمورٌ بأن يتجمل كما يتجمل الناس ولوقلنا إن آثار العبادة ينبغي أن تبقى لقلنا إن المحرم أيضاً إذا حل التحلل الأول ينبغي أن تبقى ثياب الإحرام عليه حتى ينتهي الحج ولا قائل بذلك. السائل: أحسن الله إليك طالب علمٍ اعتكف وافتتح بمدينةٍ أخرى معرض للكتاب وأراد أن يذهب ليشتري ولو لم يخرج يخاف أن يغلق المعرض قبل أن ينتهي اعتكافه فهل يبطل اعتكافه؟

الشيخ: نعم يبطل اعتكافه لا شك لأن هذا له منه بد إذ يمكنه أن يوكل أحداً من أصحابه ويشتريه له. السائل: هل يجوز للمعتكف أن يتحول من مسجدٍ إلى مسجد بعذر؟ الشيخ: لا يجوز له، إلا إذا خاف أن يسقط عليه المسجد مثلاً أو خاف من اللصوص هذه ضرورة فيجوز. السائل: حفظكم الله قوله تعالى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) ما معنى اللمم؟ الشيخ: اللمم هذا اختلف العلماء فيه فمنهم من قال إن (اللَّمَمَ) يعني الشئ القليل من الكبائر والاستثناء منقطع وبعضهم يقول (إِلَّا اللَّمَمَ) يعني الصغائر لأن الصغيرة بالنسبة للكبيرة قليلة، وأما الشئ المباح فهو ما يدخل في هذا أصلاً. السائل: بارك الله فيكم رجلٌ اشتهى أهله في ليل من اعتكافه فهل يخرج من اعتكافه؟ الشيخ: الافساد يفسده سواء نذر وإلا لغير نذر لكن الخروج منه أو افساد الاعتكاف إن كان نذراً حرم عليه افساده وإن كان تطوعاً جاز أن يفسده يعني شابٌ معتكف اشتهى أهله فهل الأفضل أن يبقى في اعتكافه مع المشقة أو الأولى أن يخرج إلى أهله ويقضي حاجته؟ الثاني أولى لأن النكاح أفضل من نوافل العبادة. السائل: إذا نذرت امرأة عشرة أيام معينة أن تعتكف فحاضت في آخر يوم العاشر هل نقول اعتكافها تام وإلا؟ الشيخ: الظاهر إنه يتم لأن هذا عذر مثلما إنها لو صامت عن كفارة مما يجب فيه التتابع وهي كفارة إذا أفطرت لعذر فإنها لا تستأنف بل تكمل وتقضي يوماً. السائل: أحسن الله إليك أحياناً معرض الكتاب يكون للإنسان له بدٌ في الخروج إليه لا سيما وإن كان لا يعرف الكتب جيداً إلا هو ولا يأمن الذي يوكله عليه فهل يصح خروجه حينئذٍ أو لا بد عليه أن يشترط ويصح شرطه حينئذٍ؟ الشيخ: هذا له منه بد كما قلنا يمكن أن يوصي إنساناً يقول اشتر الكتاب الفلاني واشتراطه يصح لأن هذا مقصود شرعي أما لو كان تاجر مكتبة فإنه لا يصح.

السائل: قيام ليلة العيد وإحياء ليلة العيد أيش حكمه؟ الشيخ: الحديث الوارد فيها ضعيف ثم لو فرض أنه يعني حسن ويمكن أن يحتج به فإنه لا نقول: أحيي ليلة العيد في المسجد أحيها في بيتك أفضل وصلاة النافلة في بيتك أفضل. السائل: هل يصح للإنسان أن يعتكف عشرين يوماً متواصلة؟ الشيخ: الصحة يصح وأما السنة فما فيها اعتكاف مسنون إلا العشر الأواخر من رمضان فقط لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف في غير العشر الأواخر إلا مرةً ترك الاعتكاف في العشر الأواخر فقضاه في شوال.

كتاب الحج

كتاب الحج القارئ: قال الموفق أبو محمدٍ رحمه الله تعالى في كتاب الكافي كتاب الحج: الحج من أركان الإسلام وفروضه لقول الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ولما روينا فيما مضى وروى مسلم عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا فقال رجلٌ أكل عامٍ يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني ما تركتكم). الشيخ: يقول رحمه الله الحج من أركان الإسلام وهذا بالإجماع لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام). وفُرض في السنة التاسعة من الهجرة ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة لسببين: السبب الأول: أنه كان عام الوفود يفد المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة فكان بقاؤه في المدينة أنفع للمسلمين والإسلام.

والسبب الثاني: أنه في ذلك العام كان المشركون مشاركين للمسلمين في الحج وفيهم من يطوف البيت عرياناً ولهذا نادى أبو بكر في العام التاسع ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فأراد الله تعالى أن يخلص حجة نبيه للمسلمين خاصة وعلى أكمل ما يكون من الزينة بدون عري ولا تهتك. والحج اشترط الله تعالى فيه الاستطاعة (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)، والاستطاعة شرطٌ في جميع أركان الإسلام لكنه خص الحج لأنه أكبر مشقةً من غيره إذ فيه الأسفار والنفقات والأتعاب البدنية والنفسية لأن السفر قطعة من العذاب أما الصلاة فليس فيها سفر والصيام ليس فيه سفر والزكاة كذلك، ولهذا اشترط الله تعالى الاستطاعة مع أنها شرطٌ في جميع العبادات لكنه ذكرها في الحج لأنه أكبر مشقةً من غيره، ثم إن من نعمة الله أن الحج لا يجب إلا مرة واحدة في العمر بنص الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) إذا قال قائل إذا كنا لا نستطيع لم يجب علينا الحج وإن كان مكرراً كل عام؟ نقول لما استطعتم باعتبار المجموع لا باعتبار كل فرد لنفرض أن المسلمين كلهم يستطيعون الوصول إلى مكة لكن هل يستطيعون أن يؤدوا الحج وهم مليار مسلم؟ لا ولهذا لا يقال إن قوله (لما استطعتم) ليس لها فائدة لأن أصل وجوب الحج لا يجب إلا على المستطيع بل نقول لها فائدة لأن الإنسان باعتبار الشخص الواحد قد يكون مستطيعاً لكن باعتبار اجتماع الناس في هذا المكان لا يستطاع فلهذا قال (لما استطعتم) ثم قال (ذروني ما تركتكم) إذن الحج لا يجب إلا مرة فما زاد فهو تطوع إلا بالنذر، فالنذر أمرٌ عارض يلزم الإنسان به نفسه فإذا نذر الحج صار واجباً عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه). القارئ: وتجب العمرة على من يجب عليه الحج، لقول الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ).

الشيخ: وجه الاستدلال بهذه الآية خفي لأن الآية كما ترون إنما هي في إيجاب الإتمام لمن شرع فيهما لكن يقال إذا تساويا في وجوب الإتمام بعد الشروع فهما متساويان أيضاً في ابتداء الإحرام هذا وجه الدلالة وإلا لو أن أحداً نازع وقال هذه الآية في وجوب الإتمام لا في الوجوب الابتدائي قلنا إذا وجب الإتمام فهذا دليل على أنهما يشتركان في وجوب الابتداء والمسألة فيها خلاف أعني مسألة وجوب العمرة. القارئ: ولما روى الضبي بن معبد قال (أتيت عمر فقلت إني أسلمت يا أمير المؤمنين وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما فقال: هديت لسنة نبيك) رواه النسائي. الشيخ: وجه ذلك أن عمر رضي الله عنه جعلهما من سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقرّه على قوله (مكتوبان علي). والعمرة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال القول الأول أنها فرض واجب على كل أحد ولكن فرضيتها دون فرض الحج والثاني أنها سنة لكل أحد، والثالث واجبة على الآفاقي غير واجبة على أهل مكة، بل إنها غير مشروعة لأهل مكة أصلاً فالأقوال ثلاثة والأقرب والله أعلم أنها واجبة على الجميع وأنها فرضٌ لكن فرضيتها دون فرضية الحج لأنها ليست من أركان الإسلام بخلاف الحج.

القارئ: ويجب ذلك في العمر مرة لحديث أبي هريرة، ولا يجوز لأحدٍ دخول مكة بغير إحرام لما روي عن ابن عباس أنه قال (لا يدخل مكة إلا محرم إلا الحطابين)، إلا أن يكون دخوله لقتالٍ مباح (لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر) متفقٌ عليه. ودخل أصحابه غير محرمين، أو من يتكرر دخوله كالحطّاب والحشّاش والصيّاد فلهم الدخول بغير إحرام لحديث ابن عباس فإنه استثنى الحطابين وقسنا عليهم من هو في معناهم ولأن في إيجاب الإحرام عليهم حرجاً فينتفي بقوله تعالى (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فإن دخل من يجب عليه الإحرام بغير إحرام فلا قضاء عليه لأنه لو وجب قضاؤه للزمه الدخول للقضاء قضاءً فلا يتناهى فسقط لذلك. الشيخ: والصحيح أنه لا يجب في العمر إلا مرة وأنه يجوز دخول مكة لمن أدى الفريضة بلا إحرام ولا دليل على وجوب الإحرام لمن دخل مكة وقد أدى الفرض فالصواب أن الإنسان إذا أدى الفريضة مرة في حجٍ أو عمرة فالباقي تطوع إن شاء أحرم وإن شاء فلا وبناء على هذا القول تسقط التفريعات التي ذكر من استثناء الحطابين والحشاشين وما أشبه ذلك. فصلٌ القارئ: ولا يجب الحج والعمرة إلا بشروطٍ خمسة الإسلام والبلوغ والعقل لما تقدّم والحرية والاستطاعة لقول الله تعالى (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فيدل هذا على أنه لا يجب على غير مستطيع والعبد غير مستطيع لأنه لا مال له ومنافعه مستحقة فهذا أعظم عذراً من الفقير.

الشيخ: قوله رحمه الله الإسلام هذا ظاهر والبلوغ ظاهر أنه شرطٌ للوجوب والعقل كذلك فهؤلاء الثلاثة لا يجب عليهم الحج وأما الحرية ففي النفس من هذا شيء وذلك لأن الرقيق إذا أذن له سيده فما المانع من أن نقول إن الحج واجبٌ عليه لدخوله في عموم قوله تعالى (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وهذا مستطيع فلو قال له سيده اصحبنا في الحج سنحج وصحبه فهل نقول إن هذا يسقط عنه الحج لأنه رقيق؟ المذهب نعم نقول إن شاء ذهب معه ورجع بدون إحرام وبدون حج لكن في النفس من هذا شيء والأقرب أنه مستطيع وهو داخلٌ في عموم الناس المذكور في قول الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) أما غير المستطيع كالمريض ونحوه فالأمر ظاهر أنه لا حج عليه. القارئ: وهذه الشروط تنقسم لثلاثة أقسام قسمٌ يشترط للصحة وهو الإسلام والعقل فلا يصح من كافرٍ ولا مجنون لما ذكرنا في الصوم وقسمٌ يشترط للإجزاء وهو البلوغ والحرية لما روى ابن عباسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما صبيٍ حج ثم بلغ فعليه حجةٌ أخرى وأيما عبدٍ حج ثم عتق فعليه حجةٌ أخرى) رواه الشافعي والطياليسي في مسنديهما ولأنه فعل العبادة وهو من غير أهل الوجوب فلم يجزئه إذا صار من أهل الوجوب كالصبي يصلي ثم يبلغ في الوقت وإن وجد البلوغ أو العتق في الوقوف بعرفة أو قبله أجزأهما عن حجة الإسلام لأنهما أتيا بالنسك حال الكمال فأجزأهما كما لو وجد ذلك قبل الإحرام وإن وجد بعد الوقوف في وقته فرجعا فوقفا في الوقت أجزأهما أيضاً لذلك وإن فاتهما ذلك لم يجزئهما لفوات ركن الحج قبل الكمال. الشيخ: هذان الشرطان شرطان للإجزاء وهما البلوغ والحرية فلو حج الصبي أو حج الرقيق فالحج صحيح لكن لا يجزئ عنهم فيجب على الصبي إذا بلغ أن يحج ويجب على الرقيق إذا عتق أن يحج ولكن الصحيح أنه بالنسبة للرقيق ليس بشرط وأنه إذا حجّ في رقه فحجه مجزئ.

القارئ: الثالث شرطٌ للوجوب حسب وهو الاستطاعة فلو تكلف العاجز الحج أجزأه ووقع موقعه لأنه إنما سقط عنه رفقاً به فإذا تحمله أجزأه كما لو تحمل المريض الصلاة قائما لكن إن كان بالحج كلاً على الناس لمسألته إياهم وتثقيله عليهم كُره له لأنه يضر بالناس بالتزام ما لا يلزمه وإن لم يكن كلاً على أحد لقوته على المشي والتكسب بصناعة أو معاونة من ينفق عليه فهو مستحبٌ له لقوله تعالى (يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ) ولأنه التزامٌ للطاعة من غير مضرةٍ لأحد فاستحب كقيام الليل. الشيخ: والصواب أنه إذا كان يمكنه أن يحج ولو على قدميه لكن دون أن يكون كلاً على الناس فإنه واجب عليه لأنه مستطيع وكما استدل المؤلف رحمه الله بالآية (يَأْتُوكَ رِجَالاً) فإذا كان هذا الرجل قوياً جلداً يستطيع أن يذهب مع الناس ويخدمهم وربما يعطونه أجرة فإنه يلزمه وما الذي يسقطه والآية عامة (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) بماله وبدنه. فصلٌ

القارئ: والاستطاعة في حق البعيد الزاد والراحلة لما روى ابن عمر قال (جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ما يوجب الحج؟ قال: الزاد والراحلة) قال الترمذي هذا حديثٌ حسن، ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافةٍ بعيدةٍ فاشترط لوجوبها الزاد والراحلة كالجهاد، والزاد هو ما يحتاج إليه من مأكول ومشروبٍ وكسوةٍ لذهابه ورجوعه، فإن وجد ذلك لذهابه دون رجوعه لم يلزمه الحج لأن عليه في غربته ضرراً ومشقةً وغيبةً عن أهله ومعاشه وإن وجد ما يكفيه لذهابه ورجوعه بثمن مثله في الغلاء والرخص أو بزيادةٍ لا تجحف بماله لزمه وتعتبر القدرة على الماء وعلف البهائم في منازل الطريق على ما جرت به العادة ولا يكلف حمل ذلك من بلده لما فيه من المشقة التي لا يمكن تحملها ويعتبر قدرته على أوعية الزاد والماء لأنه لا يستغني عنها، ويشترط وجدان راحلةٍ تصلح لمثله بشراء أو كراء وما يحتاج إليه من آلتها الصالحة لمثله من محملٍ أو زاملةٍ أو قتب على ما جرت به عادة مثله وما لا يتخوف الوقوع منه ويكون ذلك فاضلاً عما يحتاج إليه لقضاء دينٍ حالٍ ومؤجل ونفقة عياله إلى أن يعود وما يحتاجون إليه من مسكنٍ وخادم لأن هذا واجبٌ عليه يتعلق به حق آدمي فكان أولى بالتقديم كنفقة نفسه وإن احتاج إلى النكاح لخوف العنت قٌدم لأنه واجبٌ لدفع الضرر عن نفسه فأشبه النفقة وإن لم يخف وجب الحج لأنه تطوعٌ فلم يسقط به حج الواجب.

الشيخ: دل كلام المؤلف رحمه الله أنه لا بد أن يكون ما يستطيع به الحج فاضلاً عن نفقته وديونه وقوله حالة أو مؤجلة فيها نظر أما الحال فنعم لأنه يجب عليه قضاؤه فوراً وأما المؤجل فينظر إذا كان يغلب على ظنه أنه عند حلول أجله سوف يوفي فهذا قادر ومن ذلك ما يوجد الآن على كثير من الناس في صندوق التنمية العقارية تجد الإنسان مثلاً عنده بيت بناه من القرض والقرض يحل منه في كل سنة جزءٌ يسير يستطيع وفاءه إذا حل فهل نقول هذا لا يجب عليه الحج مع أنه الآن في يده ما يستطيع به الحج؟ فالمهم أن الحال كما قال المؤلف رحمه الله مقدَّم على الحج لا شك في هذا وأما المؤجل ففيه تفصيل إذا كان الإنسان يعرف من نفسه أنه قادر على وفائه عند حلول أجله وعنده الآن مال يستطيع أن يحج به فإنه يجب عليه الحج لدخوله في عموم قوله (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وإن كان لا يثق من نفسه الوفاء فإنه يبقي هذه الدراهم حتى يأتي موعد الوفاء فيوفي بها. القارئ: ومن له عقارٌ يحتاج إليه للسكنى أو إلى أجرته لنفقته أو نفقة عياله أو بضاعةٍ يختل ربحها المحتاج إليه لذلك أو آلاتٌ لصناعته المحتاج إليها أو كتب من العلم يحتاج إليها لم يلزمه صرفه في الحج لأنه لا يستغني عنه أشبه النفقة ومن كان ذلك فاضلاً عن حاجته كمن له بكتابٍ نسختان أو له دارٌ فاضلة أو مسكنٌ واسعٌ يكفيه بعضه فعليه صرف ذلك في الحج ومن لم يكن له مالٌ فبذل له ولده أو غيره مالاً يحج به لم يلزمه قبوله.

الشيخ: أما غير الولد فنعم لا يلزمه قبوله لكن لو قبل فلا بأس يعني لو أن صديقاً له أعطاه مالاً يحج به وقبله وحج به فلا حرج وأما إذا بذله ولده فالصحيح أنه يلزمه قبوله ويحج به لأن الولد من الكسب كما جاء في الحديث (إن أولادكم من كسبكم) ولأن الولد لا منَّة له على أبيه فيما يعطيه فانتفى الضرر فالصواب أنه إذا بذله ولده وجب عليه الحج لكن العكس لو بذله الوالد قال يا بُني خذ هذه نفقة الحج حج بها مع زملائك فهل يلزمه؟ الظاهر أنه يلزمه أيضاً لدخوله في قوله (مَنِ اسْتَطَاعَ) ولأنه لا منَّة في ذلك فالحاصل أنه إذا بذل له النفقة من لا منّة له عليه فقد استطاع وأما من يخشى أن يمن عليه ولو في المستقبل فإنه غير مستطيع. القارئ: وإن بذل له أن يحج عنه أو يحمله لم يلزمه قبوله لأن عليه فيه منّة ومشقة فلم يلزمه قبوله كما لو كان الباذل أجنبياً. الشيخ: العبارة فيها قلق. فصلٌ القارئ: فأما المكي ومن بينه وبين مكة دون مسافة القصر فلا يشترط في حقه راحلة ومتى قدر على الحج ماشياً لزمه لأنه يمكنه ذلك من غير مشقةٍ شديدة. الشيخ: في كلامه نظر حتى المكي ومن بينه وبين مكة دون المسافة إذا كان لا يستطيع أن يمشي فلا بد من راحلة فلو أن المؤلف رحمه الله جعل المسألة على إطلاقها في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكفى فيقال متى استطاع الإنسان بنفسه أو براحلة أن يحج وجب عليه ومتى لم يستطع لا بهذا ولا بهذا لم يجب وهذا كما أنه في الحج كله فكذلك أيضاً في أجزاء الحج فمن عجز أن يطوف ماشياً طاف راكباً ولهذا لما قالت إحدى أمهات المؤمنين للنبي عليه الصلاة والسلام عند طواف الوداع إنها مريضة قال (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) فأذن لها بالركوب لعجزها عن المشي فعلى هذا من كان من أهل مكة أو بينه بين مكة دون المسافة ولا يستطيع المشي فإنه لا بد أن يكون قادراً على راحلة.

القارئ: وإن عجز عن المشي وأمكنه الحبو لم يلزمه لأن مشقته في المسافة القريبة أكثر من السير في المسافة البعيدة. الشيخ: صحيح. فصلٌ القارئ: واختلفت الرواية في ثلاثة أشياء. الشيخ: الرواية أي عن الإمام أحمد رحمه الله، فإن قال قائل قد يشكل على طالب العلم ما يرد عن الإمام أحمد من أقوالٍ متعددة في مسألة واحدة فيقال إن تعدد الأقوال عنه رحمه الله في مسألة واحدة يدل على ورعه وعلى سعة علمه وأنه رحمه الله يقول بحسب ما ينتهي إليه وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع فيسمع شيئاً ويقول به ثم يسمع شيئاً آخر يكون راجحاً عنده فيقول به قد يكون له في المسألة الواحدة خمس روايات على الأحكام الخمسة وهي مسألة واحدة وأكثر ما سمعت وما يحضرني الآن هو قوله في هلال رمضان إذا كان هناك غيم أو قتر فعنه في ذلك خمس روايات على الأحكام الخمسة وعنه أن الناس تبعٌ للإمام يصومون بصومه ويفطرون بفطره وفي قولٍ سابع في المذهب العمل بعادةٍ غالبة يعني مثلاً إذا مضى شهران كاملة فالثالث ناقص أو بالعكس. القارئ: واختلفت الرواية في ثلاثة أشياء وهي إمكان المسير وهو أن تكمل الشرائط فيه وفي الوقت سعةٌ يتمكن من السير لأدائه وتخلية الطريق وهو أن لا يكون في الطريق مانعٌ من خوفٍ ولا غيره والمحرم للمرأة. الشيخ: هذه ثلاثة أشياء الأول إمكان السير أو المسير، والثاني الطريق أن لا يكون فيه موانع أو عوائق والثالث محرم المرأة، هل هذه شرطٌ للوجوب أو للأداء؟ وينبني عليها ما سيذكره رحمه الله. القارئ: فروي أنها من شرائط الوجوب لا يجب الحج بدونها لأنه لا يستطاع فعله بدونها فكانت شرطاً للوجوب كالزاد والراحلة وعنه أنها شروطٌ للزوم الأداء دون الوجوب لأنها أعذارٌ تمنع نفس الأداء فقط فلم تمنع الوجوب كالمرض وإذا قلنا هي من شرائط الوجوب فمات قبل تحققها فلا شيء عليه كالفقير وإن قلنا هي من شرائط لزوم السعي فقط فاجتمعت فيه الشرائط الخمس حُجَ عنه كالمريض.

الشيخ: هذا ما يترتب على القول بأنها شرطٌ للوجوب أو في لزوم الأداء فإذا ماتت المرأة وهي غنية وقادرة على الحج بنفسها ولكن لم تجد محرماً ثم ماتت فهل يحج عنها من مالها ويكون الحج ديناً في مالها أو لا؟ إن قلنا إن وجود المحرم شرطٌ للوجوب فإنه لا يحج عنها لأن الحج لم يجب عليها، وإن قلنا إنه شرطٌ للزوم الأداء وجب أن يحج عنها لأن الأداء في حقها الآن تعذر لأنها ماتت فيحج عنها وهذه المسألة ليست هينة ولا يقال إذن نحج عنها فالأمر سهل، لأنه قد يكون خلفها من الورثة من هو قاصر إما مجنون أو صغير أو ما أشبه ذلك فلا يمكن أن نأخذ من تركتها شيئاً إذا قلنا إن هذا شرطٌ للوجوب هذا ما يترتب على هذه المسألة. كذلك أيضاً لو أن الإنسان أغناه الله تعالى قبل الحج بخمسة أيام ولا يدرك الوصول إلى مكة إلا بعشرين يوماً ثم مات هل يقضى عنه أو لا؟ على القول بأنه شرطٌ للوجوب لا يقضى عنه لأنه لم يجب عليه، وعلى القول بأنه شرطٌ للزوم الأداء يقضى عنه. والذي يظهر لي والله أعلم أنها شرطٌ للوجوب وذلك لأنه لا يستطيع إما حساً وإما شرعاً وإما وقتاً أما شرعاً فمثل المحرم للمرأة، وأما وقتاً فكما لو تمت شروط الوجوب في زمنٍ لا يتمكن فيه من الوصول إلى مكة، وأما حساً فكما لو كان في الطريق ما يعوقه ويمنعه من الوصول إلى مكة فالصواب أنها شرطٌ للوجوب.

القارئ: وإمكان السير معتبرٌ بما جرت به العادة فلو أمكنه السير بأن يحمل على نفسه ما لم تجري به عادةٌ لم يلزمه لأن فيه مشقةً وتغريراً وتخلية الطريق عبارةٌ عن عدم الموانع فيها بعيدةً كانت أو قريبة، براً أو بحراً الغالب السلامة فيه فإن لم يكن الغالب السلامة لم يلزمه كالبر إذا كان فيه مانع فإن كان الطريق آمناً لكنه يحتاج إلى خفارةٍ كثيرةٍ لم يلزمه الأداء لأنه كالزيادة على ثمن المثل في شراء الزاد وإن كانت يسيرة فقال ابن حامد يلزمه لأنها غرامةٌ ممكنة يقف الحج على بذلها فلزمته كثمن الزاد. وقال القاضي لا يلزمه لأنها رشوةٌ في الواجب فلم تلزمه كسائر الواجبات. الشيخ: الخفارة هي ما يؤخذ على الإنسان لحمايته وكان في الأول القبائل منتشرة في الطرق ومن القبائل قومٌ قطاع طريق إذا مر المسافر أخذوا ماله ويأتي أحدٌ من هذه القبيلة ويقول للراكب أنا أحميك منها بشرط أن تعطيني كذا وكذا، فإذا مر بالقبيلة وعدوا عليه صاح الخفير وقال دونكم أنا فلان بن فلان فإذا عرفوا أنه منهم تركوا المسافر وهذه تسمى خفارة لأنها تعطى للخفير الذي يمنع من العدوان على هذا الرجل، فهل الخفارة مانعة من الوجوب؟ ذكر المؤلف رحمه الله أنه إذا كانت كثيرة فإنها تمنع الوجوب وإذا كانت يسيرة ففيها قولان قول ابن حامد وقول القاضي والصواب أنها لا تمنع الوجوب إذا كان قادراً عليها لأنها من نفقات السفر فإذا كان قادراً عليها فإنها لا تمنع وجوب الحج قليلةً كانت أو كثيرة. وقول القاضي رحمه الله لأنها رشوة في الواجب فيقال ليست هذه رشوة لكنها دفع ظلمٍ عن نفسه، والرشوة التي ورد النهي عنها ما قصد بها إبطال الحق أو إحقاق الباطل وأما ما قُصد به دفع الظلم فهذا ليس برشوة بل هو حرامٌ على الآخذ جائزٌ للمعطي فتعليل القاضي رحمه الله عليل. السائل: ما حكم الخفارة؟

الشيخ: الخفارة حرام إلا إذا كان متيقناً أنه سيعدى عليه فإذا تيقنا ذلك وقال أنا أحميك فهذه مثل الأجرة. السائل: لو أن المرأة بذلت مالاً لمحرمها ليحج بها فأبى فهل يكون آثماً؟ الشيخ: لا يكون آثماً لكن لو فُرض أن المحرم لم يؤد الفريضة وقالت أنا أعطيك مالاً تكون لي محرماً وتحج فهل يلزمه أن يحج الآن لأنه قادر أو لا يلزمه؟ يحتمل أن يلزمه ذلك لأنه الآن قادر ولا منّة لأحدٍ عليه وهو يأخذ أجرة كالجمَّال. فصلٌ القارئ: فأما السلامة وكونه على حالٍ يمكنه الثبوت على الراحلة فهو شرطٌ للزوم الأداء خاصة فإن عدم ذلك لمرضٍ لا يرجى برؤه أو كبر أقام من يحج عنه ويعتمر لما روى أبو رزينٍ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إن أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ ولا العمرة ولا الظعن قال: حج عن أبيك واعتمر) وهو حديثٌ حسن. الشيخ: في هذا الحديث دليل على وجوب العمرة لأنه قال لا يستطيع الحج ولا العمرة قال حج عن أبيك واعتمر وقد ثبت أن القول الراجح وجوب العمرة لكن وجوبها أقل تأكداً من وجوب الحج. القارئ: فإن برئ بعد أن حج عنه فلا حج عليه لأنه أتى بما أمر به فخرج عن عهدته كما لو لم يبرأ. الشيخ: هذا فيه فائدة عظيمة وهو أن الإنسان إذا أبرأ ذمته من العبادة سقطت ولها صور منها هذه المسألة، إذا أقام من يحج عنه ويعتمر بناءً على أن مرضه لا يرجى برؤه فحج عنه ثم شفاه الله فإنه لا يلزمه الحج مرةً ثانية لأن ذمته برئت ومثل ذلك المريض الذي قيل له إن المرض لا يرجى زواله فأطعم عن الصيام ثم شفاه الله وعافاه وصام من السنة الثانية فلا يلزمه قضاء السنة التي سبقت لأن ذمته برئت.

القارئ: وإن كان مرضه يرجى زواله لم يجز أن يستنيب لأنه يرجو القدرة فلم تكن له الاستنابة كالصحيح الفقير فإن استناب ثم مات لم يجزئه ووجب الحج عنه لأنه حُج عنه وهو غير ميئوس منه فلم يجزئه الحج كما لو برئ، وهل يجوز لمن يمكنه الحج بنفسه أن يستنيب في حج التطوع فيهما روايتان إحداهما يجوز لأنها حجةٌ لا يلزمه أداؤها فجاز له الاستنابة فيها كالمعضوب والثانية لا يجوز لأنها عبادةٌ لا تجوز الاستنابة في فرضها فلم تجز في نفلها كالصلاة. الشيخ: وهذا أقرب من حيث مراعاة التعبد لله فهذا رجل قادر على أن يحج بنفسه فأعطى من يحج عنه فيقال كيف يصح هذا وهل العبادة سلعة تباع وتشترى؟ لا، العبادة تعبّد لله عز وجل بتعظيمه ومحبته والتقرب إليه فإما أن تفعلها بنفسك وإما أن لا تنيب غيرك وهذا القول أقرب إلى الصواب لأنه كما لا يجوز للإنسان أن يقول لإنسان توضأ عني صلِّ عني كذلك لا يقول تطوع، فإذا قال قائل هذا رجلٌ ثري ويحب أن يشارك الناس في الحج ولكنه لا يريد أن يحج بنفسه نقول يعطي من ماله من يريد الحج وهو إذا أعان حاجاً فقد حج كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الغازي أن من أعانه فقد غزا فنقول يا أخي هذه الدراهم التي تريد أن تبذلها لإنسان ليقوم عنك بالحج أعطها هؤلاء الفقراء الذين لم يؤدوا فريضة الحج وهو أفضل لك. فصلٌ القارئ: ومن كملت الشرائط في حقه لزمه الحج على الفور ولم يجز له تأخيره لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة) رواه ابن ماجة، وعن عليٍ رضي الله عنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ملك زاداً وراحلةً تبلّغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً) رواه الترمذي ولأنه أحد أركان الإسلام فلم يجز تأخيره إلى غير وقت كالصيام.

الشيخ: هذا الفصل خلاصته أنه يجب على من تمت الشروط بحقه أن يبادر بالحج وأتى المؤلف بأدلةٍ فيها ضعف، أثر علي والأثر الآخر أظنه عن ابن عباس لكنه أيضاًَ فيه ضعف، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة هل يجب الحج على الفور إذا تمت الشروط أو لا؟ الصحيح أنه واجب على الفور وأنه لا يجوز التأخير لعموم الأدلة الدالة على وجوب فعل المأمور فوراً ولأنه قد تعرض عوارض تمنعه من الحج. فصلٌ القارئ: وحج الصبي صحيح لما روى ابن عباسٍ قال (رفعت امرأة صبياً فقالت يا رسول الله: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر) رواه مسلم، والكلام فيه في أربعة أمور أحدها في إحرامه إن كان مميزاً أحرم بإذن وليه ولا يصح بغير إذنه لأنه عقدٌ يؤدي إلى لزوم مالٍ فلم ينعقد منه بنفسه كالبيع وإن كان غير مميزٍ أحرم عنه وليه الذي يلي ماله ومعنى إحرامه عنه عقده الإحرام له فيصير الصبي بذلك محرماً دون الولي كما يعقد له النكاح فلذلك صح أن يحرم عنه الولي محلاً كان أو محرماً ممن حج عن نفسه وممن لم يحج فإن أحرمت عنه أمه صح في ظاهر كلام أحمد لأنه قال يحرم عنه أبواه وهو ظاهر حديث ابن عباس وقال القاضي: لا يصح لعدم ولايتها على ماله وفي سائر عصباته وجهان بناءً على القول في الأم فأما الأجنبي فلا يصح إحرامه عنه وجهاً واحداً. الشيخ: حج الصبي صحيح ودليله واضح صريح حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما (أن امرأةً رفعت صبياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ألهذا حج؟ فقال: نعم ولك أجر).

وأما الإحرام فإن كان مميزاً أحرم بنفسه والمميز من بلغ سبع سنوات وقيل من يفهم الخطاب ويرد الجواب وإن لم يبلغ سبع سنوات، وإذا لم يفهم الخطاب ولم يرد الجواب فليس بمميز ولو بلغ ثمانية سنوات وهذا هو الصحيح لكن الغالب أن السبعة يكون بها التمييز ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع) فإذا كان مميزاً أحرم بنفسه فيقول له وليه أحرم بعمرة أو بحج وإن كان غير مميز عقد له وليه الإحرام. من الولي؟ الولي هو الذي يلي ماله وهو الأب أو وصيه أو الحاكم وقيل الولي من يتولى أمره من أبٍ أو أمٍ أو عمٍ أو خالٍ أو غير ذلك فإذا أعطي الصبي خاله يسافر به معه إلى مكة فهذا وليه وهذا القول هو الراجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة التي قالت: ألهذا حج؟ قال: (نعم ولك أجر) فكل من يتولاه في هذه السفرة فهو وليه فيحرم عنه أي ينوي أن هذا الصبي صار محرماً لا أن ينوي أنه هو أحرم عن الصبي لأن هذا لا يستقيم لكن ينوي أن هذا الصبي دخل في الإحرام وإذا فعل ذلك انعقد إحرام الصبي. القارئ: الثاني أن ما قدر الصبي على فعله كالوقوف بعرفة ومزدلفة فعليه فعله وما لا يمكنه فعله كالرمي فعله الولي عنه، لما روى جابرٌ رضي الله عنه قال (كنا إذا حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لبينا عن الصبيان ورمينا عنهم) رواه ابن ماجة وإن أمكنه المشي وإلا طيف به محمولاً فقد روى الأثرم عن أبي أسحاق أنَّ أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنه طاف بابن الزبير في خرقة ولا يرمي عن الصبي إلا من أسقط فرض الرمي عن نفسه. الشيخ: وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنَّ الصبي إذا أحرم يلزمه حكم الإحرام فيفعل كل ما يقدر عليه من واجبات الحج كالوقوف بعرفة ومزدلفة والمبيت في منى وما يعجز عنه يقوم به الولي كالرمي وما لا يمكن فعله بنفسه ولكن بحمله يحمل كالطواف والسعي فعلى هذا تكون الأفعال ثلاثة: الأول ما يفعله بنفسه كالوقوف.

والثاني ما يفعله محمولاً كالطواف والسعي. والثالث ما يفعل عنه كالرمي. وقال أبوحنيفة وأصحابه لا يلزمه أحكام النسك بالتزامها وله أن يرفض الإحرام ويتخلص قال في الفروع وهذا متوجه لأنه ليس أهلاً للالتزام وعلى هذا فيجوز رفض الإحرام ولا يلزم بشيء فإذا عنّ للصبي وهو محرم أن يتخلّص وقال والله ما أنا بجالس بإزار ورداء أريد الثياب فعلى مذهب أبي حنيفة وما اختاره صاحب الفروع نقول لابأس نخلع ثياب الإحرام ونلبسه ثيابه وكذلك لو تضايق من الطواف هذا في الحقيقة قولٌ قوي لأن الصبي ليس أهلاً للالتزام والدليل على هذا أن العلماء رحمهم الله قالوا إنه لا يصح نذر الصبي لأنه ليس أهلاً للالتزام فلو نذر الصبي الذي دون البلوغ أن يصلي ركعتين لم يلزمه أن يصلي لأنه ليس أهلاً لذلك، وهذا هو الذي نفتي به أي أن الصبي لا يلزم بإكمال النسك ولا يترتب على فعله المحظور شيءٌ أبداً لأنه غير مكلف وليس أهلاً للالتزام وهو الذي في أوقاتنا هذه لا يسع الناس العمل إلا به لأنهم يحرمون بهم من الميقات يريدون الخير والأجر ولكن تؤذيهم الصبيان فإذا قلنا بهذا القول صار فيه سعةًُ للناس. القارئ: الثالث أنَّ ما فعله من محظورات الإحرام إن كان مما يفرق بين عمده وسهوه فلا فدية فيه لأن عمد الصبي خطأ وإن كان مما يستوي عمده وسهوه كجزاء الصيد ونحوه ففيه الفدية وفي محلها روايتان إحداهما تجب في مال الصبي لأنه واجبٌ بجنايته فلزمه كجنايته على آدمي والثانية تجب على وليه لأنه أدخله في ذلك وغرَّر بماله.

الشيخ: الثالث جناية الصبي في الإحرام إن كان مما يفرق بين عمده وخطئه وسهوه وذكره فإنه لا شيء عليه مثل لبس المخيط، والطِيْب وأما إذا كان مما لا يفرق كجزاء الصيد فإنه تلزمه الفدية ولكن الصحيح أنه لا يفرق في محظورات الإحرام هذا التفريق وأن جميع محظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه أعلاها الجماع في الحج قبل التحلل الأول وأدناها الطِيْب وشبهه فالصواب أن جميع المحظورات لا فرق بينها إذا فُعلت جهلاً أو نسياناً أو إكراهاً لم يترتب على فعلها شيءٌ إطلاقاً لا فدية ولا فساد نسك ولا غيرها، لعموم الأدلة (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ولقوله تعالى في الصيد (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) فمفهومه أن غير المتعمد لا شيء عليه وهو الصواب وبناءً على ذلك نقول لا شيء على الصبي في فعل محظورات الإحرام كلها لأنه لا قصد له وليس أهلاً للالتزام. القارئ: وإن وطئ الصبي أفسد حجه ووجبت الفدية ويمضي في فاسده وعليه القضاء إذا بلغ وهل يجزئه القضاء عن حجة الإٍسلام ينظر فإن كانت لو صحت أجزأت وهو أن يبلغ في وقوفها أو قبلها أجزأ القضاء أيضاً وإلا فلا. الشيخ: وعلى القول الذي رجحناه إذا وطئ فلا شيء عليه لكن على كل حال هذا قريب من الفرض صبي ذو سبع سنين أو ثمان سنين يطأ في حج لكن فرض المسائل تمرين للذهن. القارئ: الرابع أن ما يلزمه من النفقة بقدر نفقة الحضر فهو في ماله لأن الولي لم يكلّفه ذلك وما زاد ففي محله روايتان كالفدية سواء.

الشيخ: هذا صحيح ما زاد عن نفقة الحضر فإنه يكلف الصبي زيادة لكن إذا قيل إذا كان لا يمكن أن يبقى الصبي في الحضر وأن سفره مع وليه أمر ضروري فينبغي أن يقال تجب النفقة على كل حال في مال الصبي لأن السفر به من مصلحته وضرورته فلو كان عند الإنسان يتيمٌ لأخيه وأراد الحج بأهله فهنا لا يمكن أن يبقى اليتيم في البيت وحده لا بد من سفره به فإذا زادت النفقة على نفقة الحضر بأن كان نفقته بالحضر الشهر خمسمائة ريال وفي سفر الحج تكلف ألف وخمسمائة هذه الألف أتكون على عمه؟ أو في ماله؟ الصحيح أنها تكون في ماله لأن سفره به من ضرورته ومصلحته، أما إذا لم يكن هناك ضرورة ولا مصلحة ولكن استصحبه لأن الولد صاح لما رأى أولاد وليه سيسافرون وقال نأخذه معنا فهنا ما قاله المؤلف وجيه أنَّ ما زاد على نفقة الحضر فهو في مال الولي. مسألة: الجراد في الحرم يجب أن يمنع الولي الصبي من صيده لكن في غير الحرم إذا قلنا بأن الصبي لا يلزم بمقتضيات الإحرام فلا يلزمه. إذا صاد الصبي في الحرم فإن كان الصبي ليس له اختيار فلا شيء عليه وإن كان له اختيار فيقال إنه يلزم بفدية الصيد لإمكان منعه وقد يقال لا لأن هذا الصبي ليس من أهل الوجوب هذا على القول الذي رجحناه أما على المذهب فيجب على كل حال. فصلٌ في حج العبد القارئ: وهو صحيحٌ لأنه من أهل العبادات فصح حجه كالحر والكلام فيه في أربعة أمور:

أحدها أنه إن أحرم صح إحرامه بإذن سيده وبغير إذنه لأنها عبادةٌ بدنية فصحت منه بغير إذن سيده كالصلاة فإن أحرم بإذن سيده لم يجز تحليله لأنها عبادةٌ تلزم بالشروع فلم يملك تحليله إذا شرع بإذنه كقضاء رمضان وإن أحرم بغير إذنه فقال أبو بكر لا يملك تحليله لذلك وقال ابن حامد له تحليله وهو أصح لأن حق السيد فيه ثابتٌ لازم فلم يملك العبد إبطاله بما لا يلزمه كالاعتكاف فإن أذن له ثم رجع قبل إحرامه فهو كمن لم يأذن فإن لم يعلم العبد رجوعه حتى أحرم ففيه وجهان بناءً على الوكيل هل ينعزل بالعزل قبل علمه به على روايتين. الشيخ: حج العبد صحيح لأنه من أهل العبادات وسبق أن القول الراجح في حج العبد أنه مجزئ: أولاً إذا أحرم بإذن سيده هذا واضح أن إحرامه صحيح وليس بآثم، وإن أحرم بغير إذنه فهذا له صور: الصورة الأولى أن يمنعه من الإحرامٍ، فإذا استأذنه أن يحج قال لا تحج فحج فهنا إحرامه غير صحيح لأن سيده منعه. الثاني أن يأذن له كأن يستأذن أن يحج فيقول نعم حج فهذا يصح إحرامه ولا إشكال فيه. الثالث أن لا نعلم هل أذن أو لا؟ فهذا محل الخلاف الذي ذكره المؤلف رحمه الله هل يصح إحرامه أو لا؟ والصحيح أنه يصح لكن لسيده تحليله ومعنى تحليله أن يقول أبطل النسك وتحلل منه ولكن هل الأولى أن يبقيه أو يحلله؟ الأولى أن يبقيه لا شك لأنه سيلحقه حرج إذا حلله.

وإذا أذن له ثم رجع فإن علم العبد برجوعه قبل أن يحرم فإحرامه غير صحيح وإن لم يعلم حتى أحرم فهل له تحليله أم لا وهو مبنيٌ على القول بعزل الوكيل هل ينعزل قبل علمه بالعزل أو لا ينعزل إلا بعد علمه؟ الصحيح أنه لا ينعزل إلا بعد علمه لأن تصرفه مبنيٌ على أصل والأصل بقاء ماكان على ماكان مثاله في الوكيل وكلتك أن تبيع هذا البيت وبقي البيت معك على أنك ستبيعه ثم إني عزلتك وبعد أن عزلتك وأثبت ذلك بشهود بعته أنت قبل أن تعلم بعزلي إياك فهل يصح البيع؟ الصحيح أنه يصح البيع إذا ثبت أن هذا الوكيل لم يعلم وقيل لا يصح البيع بناءً على أنه ينعزل قبل العلم بالعزل والله أعلم. القارئ: الثاني إذا نذر العبد الحج انعقد نذره لأنه مكلف فانعقد نذره كالحر فإن كان بإذن سيده لم يملك منعه من الوفاء به لأنه أذن في التزامه وإن كان بغير إذنه فله منعه ذكره ابن حامد وقال القاضي لا يجوز لأن تجويز ذلك يفضي إلى تمكينه من التسبب في إبطال حق سيده ومتى عتق فعليه الوفاء به ولا يفعله إلا بعد حجة الإسلام. الشيخ: لكن كيف يتصوّر أن يأذن السيد لعبده في النذر؟ يتصوّر إذا قال مثلاً العبد لسيده أنا أريد أن أجعل نذراً على نجاحي في كذا فقال لله عليّ نذر إن نجحت أن أحج وقد أذن له سيده في ذلك مع أن النذر مكروه وبعض العلماء حرمه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عنه) وقال (إنه لا يأتي بخير) وقال (إنه لا يرد شيئاً) وقال (إنه لا يقدم شيئاً ولا يؤخره) كل هذا ثابتٌ في الصحيح وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى إذا أراد قضاءً قضاه سواءً نذرت أم لم تنذر لكن هذا النذر يستخرج الله به منك لأنك بخيل أو يستخرج الله به عبادة لأنك لا تفعل العبادات ولهذا ما أكثر الذين يندمون إذا نذروا ثم يأتون إلى أبواب العلماء فيقولون خلصونا.

القارئ: الثالث أن ما جنى العبد مما يوجب الفدية فعليه فديته بالصيام فقط لأنه كالمعسر وأدنى منه فإن ملّكه السيد هدياً وأذن له في الفدية به وقلنا إنه يملك فعليه الفدية به وإلا ففرضه الصيام وإن تمتع أو قرن بإذن سيده فهدي التمتع والقران عليه لأن النسك له فكانت الفدية عليه كالزوجة إذا فعلته بإذن زوجها وقال القاضي هو على سيده لأنه بإذنه. الشيخ: ولكن إذا قلنا إنه عليه وهو لا يملك فإنه يعدل إلى الصيام لقوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ) والفدية كما قال ما فيها إلا الصيام لكن إذا ملّكه سيده فالصحيح أنه يجب عليه أن يفديه بالمال. القارئ: الرابع أن العبد إذا وطئ أفسد حجه وعليه المضي في فاسده ويصوم مكان البدنة ثم إن كان الإحرام مأذوناً فيه لم يكن لسيده تحليله منه وإن لم يكن مأذوناً فيه فله تحليله لأن هذا الإحرام هو الذي كان صحيحاً فحكمه في ذلك حكمه. فصلٌ في حج المرأة القارئ: في حج المرأة ثلاثة أمور أحدها أنه لا يحل لها السفر إليه بغير محرم لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا ومعها ذو محرم) متفقٌ عليه.

الشيخ: ليت المؤلف رحمه الله أتى بحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب يقول: لا تسافر امرأةٌ إلا مع ذي محرم) بدون قيد لأنه أعم، فإن قال قائل (لا تسافر امرأةٌ إلا مع ذي محرم) مطلق وحديث أبي هريرة الذي معنا مقيد بمسيرة يوم؟ فالجواب على هذا أن التقييدات الواردة في ذلك مختلفة فدل هذا على أن القيد في كل واحدٍ منها ليس مقصوداً وأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك إما بناءً على الغالب وإما بناءً على سؤال السائل أو ما أشبه ذلك فالمهم أنه لما اختلفت القيود تعارضت فتساقطت فوجب الأخذ بالمطلق وهو أن كل ما يسمى سفراً فإن المرأة لا يحل لها أن تسافر إلا مع ذي محرم وهذا القول هو الراجح، أما إذا قلنا (مسيرة يوم إلا ومعها ذو محرم) فهل نقيد اليوم بالزمن؟ أو بالمسافة التي تكون في اليوم في ذلك الوقت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إن قلنا بالأول صار يمكن أن تسافر لأمريكا بدون محرم من المملكة لأنها تقطعه في يوم بل في أقل وإذا قلنا بالثاني وهو المراد مسيرة يوم بحسب السير في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام صار هذا دليلاً على مسألة مهمة وهي أن السفر شرعاً لا يتقيد بيومين كما هو المعروف عند أكثر العلماء أن السفر الذي تقصر فيه الصلاة ويحل فيه الفطر ويمسح فيه ثلاثة أيام في الخف هو ما بلغ يومين فإن هذا الحديث يدل على أن مسيرة يوم تعتبر سفراً وهذا القول هو الراجح أن السفر معتبرٌ بما يعد سفراً عند الناس. القارئ: والمحرم زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو بسببٍ مباح كأبيها أو أخيها من نسبٍ أو رضاع.

الشيخ: قوله من تحرم عليه على التأبيد احترازاً ممن تحرم عليه إلى أمد فإنه ليس محرماً لها كالمعتدة، أما أخت الزوجة وعمتها وخالتها فليست حراماً عليه والمحرم هو الجمع فالله عز وجل لما قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ) قال (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْن) ولم يقل وأخوات نسائكم قال (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْن) ولهذا من قال إن أخت الزوجة حرام على الزوج فهو خلاف عبارة القرآن بل المحرم الجمع، إذن مثال المحرم إلى أمد المعتدة (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ). قوله بنسب أي بقرابة وهم الأصول والفروع وفروع الأب الأدنى وإن نزلوا وفروع الأب الأعلى دون من نزل منهم فإن فروع الأب الأدنى هم الإخوان والأخوات وإن نزلوا أما فروع الأب الأعلى فهم الأعمام أعمامك أعمام أبيك أعمام جدك هؤلاء هم المحرمون أما من نزل منهم فلا ولهذا أبناء العم وأبناء الخال ليسوا من المحارم هذا الضابط فيمن يحرم من النسب وقوله أو سببٍ مباح السبب المباح الرضاع والمصاهرة فالرضاع بيّن النبي عليه الصلاة والسلام من يحرم فيه فقال (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، المصاهرة تتعلق بأربعة هم أصول الزوج وفروعه، وأصول الزوجة وفروعها دون حواشي الزوج ودون حواشي الزوجة. أصول الزوج وفروعه حرامٌ على الزوجة نفسها فقط فلا يجوز للمرأة أن تتزوج بأحدٍ منهم كأبي زوجها أو ابن زوجها ويثبت التحريم بمجرد العقد.

أصول الزوجة وفروعها حرام على الزوج خاصة لكن فروعها يشترط فيهم الدخول بالمرأة أي الجماع فلو عقد على امرأةٍ ثم طلقها قبل الدخول صارت أمها محرماً له وبنتها غير محرم لأنه لم يدخل بها إذن أصول الزوج وفروعه وأصول الزوجة يثبت فيهم التحريم بمجرد العقد أما فروعها فلا يثبت إلا بالدخول، وقوله أو سببٍ مباح احترازاً من السبب المحرم مثل الملاعنة فإنها حرامٌ على الملاعن على التأبيد لكن سبب التحريم محرم وهو رمي الزوجة بالزنا وكذلك بنت المزني بها على القول بأنها حرام لكن الصحيح أن بنت المزني بها وأم المزني بها ليست حراماً على الزاني إذا تاب لأن أم المزني بها ليست من أمهات نسائنا وبنتها ليست من ربائب نسائنا ومن ألحق السفاح بالنكاح فقد أبعد، وأبعد منه مَن ألحق اللواط بالنكاح وقال أم الملوط به حرامٌ على اللائط وكذلك بنته حرامٌ على اللائط وهذه أقوال كلها ضعيفة لا شك لأنها حرام فلا تثبت شيئاً. القارئ: كأبيها وأخيها من نسبٍ أو رضاع وربيبها ورابها وأما عبدها فليس بمحرمٍ لها لأنها تحل له إذا عتق وليس بمأمون عليها ومن حرمت عليه بسببٍ محرمٍ كالزنا أو وطء الشبهة فليس بمحرم لأن تحريم ذلك بسببٍ غير مشروع فأشبه التحريم باللعان ونفقة المحرم عليها لأنه من سبيلها فكان عليها نفقته كالراحلة ولا يلزمه الخروج معها إلا أن يشاء لأنه تكلفٌ شديد لم يلزمه لأجل غيره كالحج عن الغير. الشيخ: هذا هو الصحيح أنه لا يلزمه أن يسافر معها أي المحرم حتى لو بذلت النفقة لأننا لو قلنا بالوجوب للزم تأثيمه إذا تخلف فيكون ممن وزر وزر أخرى فالصحيح أنه لا يجب. القارئ: وإن مات المحرم في الطريق مضت إن كانت قد تباعدت وإن كانت قريبةً رجعت وإن حجت امرأةٌ بغير محرمٍ أساءت وأجزأها حجها كما لو تكلف رجلٌ مسألة الناس وحج.

الشيخ: هذا هو الأقرب أنها إذا حجت بلا محرم فهي آثمة وحجها صحيح ولكن هل تترخص برخص السفر؟ لا تقصر الصلاة ولا تفطر في رمضان ربما تكون بلادها بعيدة وتسافر من قبل رمضان وكذلك أيضاً لا تمسح على الخفين ثلاثة أيام لأن هذا سفر محرم وقد سبق أن بعض العلماء يقول إن السفر تستباح به الرخص وإن كان محرماً وسبق ذكر الخلاف فيه. القارئ: الثاني أنه ليس للرجل منع زوجته من حج الفرض لأنه واجبٌ بأصل الشرع فأشبه صوم رمضان ويستحب لها استئذانه جمعاً بين الحقين وله منعها من حج التطوع لأن حقه ثابتٌ في استمتاعها فلم تملك إبطاله بما لا يلزمها كالعبد. الشيخ: هذا القياس غريب هنالك دليل أوضح من هذا وأبين وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) وأيهما أشد منعاً من الاستمتاع الصوم أو السفر للحج؟ لا شك أنه السفر للحج فلو أن المؤلف استدل بهذا الحديث لكان أولى من هذا القياس الذي قد ينازع فيه فالحاصل أنه لا يحل لها أن تتطوع بعمرةٍ أو حج إلا بإذن زوجها أما إذا وجب عليها الحج فريضة فإنها تحج ولو أبى الزوج لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. القارئ: فإن أحرمت به فحكمها حكم العبد على ما فصّل فيه. الثالث أنها ليس لها الخروج للحج في عدة الوفاة لأنها واجبةٌ في المنزل تفوت فقدمت على الحج الذي لا يفوت فإن مات زوجها في الطريق بعد تباعدها مضت في سفرها لأنه لا بد من سفر فالسفر الذي يحصل به الحج أولى وإن كانت قريبةً رجعت لتقضي العدة في منزلها. مسألة: الحج بالخادمات لاشك أنَّ سفرها معهم ومصاحبتها لهم أسلم لها من أن تبقى في البيت وحدها أو أن تعطى أحداً من الجيران أو الأقارب فلذلك نحن نفتي بأنها تذهب معهم للعمرة والحج إذا لم يبق أحدٌ في البيت. فصلٌ

القارئ: ومن وجب عليه الحج فمات قبل فعله وجب الحج عنه لما روى ابن عباسٍ رضي الله عنهما (أن امرأةً سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج قال: حجي عن أبيك) رواه النسائي ولأنه حقٌ مستقرٌ تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدَيْن ويحج عنه من رأس ماله لأنه واجبٌ فكان من رأس المال كالدَيْن. الشيخ: قوله من رأس ماله يعني لا من الثلث أو غيره مما أوصى به، فإذا أوصى الميت بثلثه مثلاً ثم مات وعليه حج فإنه يؤخذ الحج من رأس المال أولاً ثم تقسم التركة على الوصية والورثة بعد أخذ ما يجب. فصلٌ القارئ: ويستناب عنه وعن المعضوب من حيث وجب عليهما إما من بلدهما أو الموضع الذي أيسرا فيه ولا يجزئ الحج عنهما من الميقات لأن الحج واجبٌ عليه من بلده فوجب أن تكون النيابة عنه منه لأن النائب يقوم مقامه فيما وجب عليه فيؤدي من حيث وجب. الشيخ: هذا ما ذهب إليه المؤلف والصواب أنه يجوز أن يحج عنه من حيث وجب أو من دون ذلك مما يلي مكة أو من مكة لأن السعي ليس واجباً لذاته ولكنه واجبٌ لغيره بدليل أن الإنسان لو ذهب إلى مكة لتجارة ثم عند الميقات نوى الحج هل نقول ارجع إلى بلدك وأنشأ السفر من بلدك للحج؟ أو نقول أحرم من الميقات؟ الثاني أي أحرم من الميقات فدل هذا على أن السعي من البلد إلى الميقات أو إلى مكة ليس مقصوداً إلى ذاته فلو مات الإنسان مثلاً في باكستان وقد وجب علي الحج ووجدنا شخصاً يمكن أن يحج عنه من الميقات من ذي الحليفة فعلى ما مشى عليه المؤلف نقول لا بد أن يحج عنه من باكستان وعلى القول الراجح يحج عنه من الميقات فإذا كان النائب يأتي بما وجب في الحج كالإحرام من الميقات مثلاً فإنه يكفي ويدل لهذا ما ذكرناه من أن الإنسان لو سافر إلى مكة لا يريد الحج ثم بدا له أن يحج فإنا لا نقول له ارجع إلى بلدك وأنشئ السفر منه.

القارئ: وإن خرج للحج فمات في الطريق استنيب عنه من حيث انتهى إليه لأنه أسقط عنه ما ساره وإن مات بعد فعل بعض المناسك فعل عنه ما بقي لأن ما جاز أن ينوب عنه في جميعه جاز في بعضه كالزكاة. الشيخ: إن مات في أثناء الطريق أقمنا عنه من يحج من حيث مات ولنا على القول الراجح أن نقيم من يحج عنه من الميقات. وإن مات في أثناء الحج يقول المؤلف رحمه الله إنه يقضى عنه ما بقي والصواب أنه لا يقضى عنه ما بقي ودليل ذلك حديث عبد الله بن عباس (أن رجلاً وقصته ناقته وهو واقفٌ بعرفة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحطنوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) وإذا قلنا يقضى عنه تحلل من إحرامه بتحلل النائب وحينئذٍ لا يبعث يوم القيامة ملبياً فالصواب بلا شك أنه إذا مات في أثناء النسك فإنه لا يقضى عنه ما بقي بل يفعل به كما أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى إننا لا ننشئ له كفناً جديداً بل نكفنه في الإزار والرداء الذي كان محرماً فيه كالشهيد إذا قتل فإنه يدفن في ثيابه التي قتل فيها. وقوله رحمه الله ما جاز أن ينوب عنه في جميعه جاز في بعضه هذه غير صحيحة أليس يجوز أن ينوب الإنسان في الصيام عن الميت؟ بلى هل يجوز أن يصوم شخص إلى الظهر والثاني يصوم من الظهر إلى العصر؟ لا فهذا القياس غير صحيح، وأما الزكاة فلأنها حقٌ مالي كل درهم منها منفردٌ عن الآخر. القارئ: وسواءٌ كان إحرامه لنفسه أو عن غيره فإن لم يخلّف الميت تركةً تفي بالحج عنه من بلده حج عنه من حيث تبلغ نصّ عليه أحمد في الوصية بالحج لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم) ولأنه قدر على أداء الواجب على القصور فلزمه كمن قدر على الصلاة قاعدا وذكر القاضي أنه لا يحج عنه لأنه لا يمكن أداء الحج على الكمال والأول أولى.

الشيخ: لا شك أن الأول أولى للآية وللقياس على الصلاة لمن عجز عن القيام أن يصلي قاعداً. السائل: من ملك المال وهو قادر ثم مات هل يحج عنه؟ الشيخ: المذهب يقضى عنه لكن ابن القيم رحمه الله قال في الحج والزكاة إذا علمنا أن الرجل تعمّد الترك فإنه لا يقضى عنه لأن ذلك لا ينفعه وقال إن هذا هو الذي تقتضيه القواعد الشرعية وما قاله هو الصحيح أننا إذا علمنا أن الإنسان ترك هذا قصداً وتهاوناً فإننا لا نقضيه عنه أعني الحج إلا على قول من يقول إنه لا يجب على الفور فإنه يقضى عنه وأما الزكاة فما قاله ابن القيم وجيه لكن قد يقال إن الزكاة تعلّق بها حق آخر وهم أهل الزكاة فيجب على الورثة أن يخرجوها لهم لأنه إذا كان الميت فرّط فيها فإن الزكاة حقٌ لغيره فتخرج. مسألة: إذا مات الإنسان في حجة الإسلام فإنه لا يجب القضاء عنه بإنشاء حجة أخرى. فصلٌ القارئ: فإن اجتمع على الميت مع الحج دَيْن آدمي احتمل تقديم الدَيْن لتأكده بحاجة الآدمي إليه وغنى الله عن حقه واحتمل أن يتحاصا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الحج عمن عليه الحج. قال: أرأيت لو كان على أخيك دَيْنٌ أكنت قاضيه؟ قال: نعم قال: فاقض فالله أحق بالوفاء) رواه النسائي، فعلى هذا يؤخذ ما يخص الحج فيصنع به ما صنع بتركة من لم يخلّف ما يفي بالحجة الواجبة.

الشيخ: فهمنا أن الميت إذا مات ولم يؤدِّ الواجب في الحج فإنه يحج عنه من التركة، من رأس المال وإذا اجتمع مع واجب الحج واجب دَيْن على آدمي فهل يقدم حق الآدمي لأنه مبنيٌ على المشاحة وحق الله مبنيٌ على التسامح؟ أو يقدّم حق الله لقوله صلى الله عليه وسلم (اقض الله فالله أحق بالوفاء) لأن أحق اسم تفضيل يدل على ترجيحه بالوفاء وأما حق الآدمي فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه) فيؤدي الله عنه أو يتحاصان؟ هذه ثلاثة أقوال وهذا القول الثالث هو أرجحها أنهما يتحاصان ويكون معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام (فالله أحق بالوفاء) أنه إذا جاز قضاء دين الآدمي فجواز قضاء دَيْن الله من باب أولى هذا هو معناه، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يذكر له مسألة تعارض أو اجتماع دَيْن الآدمي مع دَيْن الله، فإذا قدرنا أن عليه ألفاً والحج بألف ولم نجد إلا ألفاً نعطي صاحب الدَيْن خمسمائة ونحج بخمسمائة ومعلومٌ أن الخمسمائة لا تفي بالحج من بلده نقول نحج بها من حيث بلغ على المذهب من نصف الطريق أو ثلثي الطريق حسب ما تبلغ. فصلٌ القارئ: ويستناب عن الميت وإن لم يأذن لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالحج عنه ولا إذن له عُلم أن الإذن غير معتبر. الشيخ: قوله عن الميت وإن لم يأذن هذه العبارة فيها قلق لأن الميت لا يمكن أن يصدر منه إذن ولا عدم إذن وكان التعبير السليم أن يقول وإن لم يوص لكن قد يقال إن الميت يأذن قبل أن يموت مثل أن يحس الإنسان بالموت فيقول لبعض الناس أذنت لك أن تحج عني ثم يموت بعد الحج فعلى كل حال مراد المؤلف رحمه الله بقوله وإن لم يأذن أي إن لم يوص بالحج عنه بعد موته أو يأذن في حياته ثم يتأخر موته.

القارئ: ولا تجوز النيابة عن الحي إلا بإذنه لأنه من أهل الإذن فلم تجز النيابة عنه بغير إذنه كأداء الزكاة وتجوز النيابة عنهما في حج التطوع لأن ما جاز فرضه جاز نفله كالصدقة فأما القادر على الحج بنفسه فلا تجوز له الاستنابة في الفرض لأنه عليه في بدنه فلا ينتقل عنه إلا في موضع الرخصة للحاجة المعلومة وبقي فيما عداه. فصلٌ القارئ: ولا يجوز أن ينوب في الحج من لم يسقط فرضه عن نفسه لما روى ابن عباسٍ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شبرمة؟ قال: قريبٌ لي. قال: هل حججت قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسك، ثم حج عن شبرمة) رواه داود، ولا يجوز أن يعتمر عن غيره من لم يعتمر عن نفسه قياساً على الحج، ولا يجوز أن يتنفل بهما من لم يسقط فرضهما ولا أن يؤدي النذر فيهما وعليه فرضهما لأن التنفل والنذر أضعف من حج الإسلام فلم يجز تقديهما عليه كالحج عن غيره فإن أحرم عن غيره أو نذره أو نفله قبل فرضه انقلب إحرامه لنفسه عن فرضه وعنه يقع عن غيره ونذره ونفله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما لكل امرئ ما نوى) والأول المذهب لحديث ابن عباس في الحج عن غيره ووجود معناه في النذر والنفل.

الشيخ: من عليه فريضة الحج لا يحج عن غيره، ومن عليه فريضة العمرة لا يعتمر عن غيره، فإن خالف فاعتمر عن غيره أو حج عن غيره وهو لم يؤد الفرض مع كونه فرضاً عليه ففيه خلاف فقيل إنه يقع عن نفسه وقيل يقع عمن نواه ثم يؤدي الفريضة بعده، أما من قال إنه يقع عن نفسه فاستدلوا بحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما في قصة شبرمة حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمة وأما من قال إنه يقع حسب ما نوى قال لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) وهذا الرجل يلبي من أول إحرامه إلى آخر إحرامه يقول لبيك عن فلان فكيف تقع عن نفسه وهو لم ينو وهذا القول أقيس لا سيما أن الألفاظ في حديث شبرمة مختلفة حتى إنه ليكاد المرء أن يحكم عليها بالاضطراب لكثرة الاختلاف فيها وقوله (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) نصٌ محكم لا إشكال فيه لكنه يأثم إذا أدّى عن غيره قبل أن يؤدي عن نفسه، أما من لم يكن الحج فرضاً عليه كإنسان فقير استنابه غني في حج فهذا لا بأس أن يحج عن غيره وذلك لأن الحج في حقه ليس واجباً عليه، فإذا حج عن غيره وهو لم يحج عن نفسه عجزاً عن الحج فلا بأس. مسألة: إذا قلنا إنه يقع عن نفسه فإنه يرد النفقة إلى صاحبها. القارئ: ولو أمر المعضوب من يحج عنه تطوعاً أو نذراً وعليه حجة الإٍسلام انصرف إليها لأن فعل نائبه كفعله وهكذا إن حج عن ميت نذراً لله أو نفلاً قبل حجة الإسلام وإن استنيب عنهما من يحج النذر والفرض في عامٍ واحد صح لأنه لم يتقدّم النذر على حجة الإسلام وأي النائبين أحرم أولاً وقع عن حجة الإسلام لتحريم تقديم النذر عليها وإن استنابه اثنان فأحرم عنهما لم يقع عن واحدٍ منهما ووقع عن نفسه لأنه يتعذر وقوعه عنهما وليس أحدهما أولى به من الآخر.

باب المواقيت

الشيخ: مثل ذلك لو حج عن أبيه وأمه حجةً واحدة فقال لبيك عن أبي وأمي فإنه لا ينصرف إلى أبيه وأمه بل يكون له لأن النسك الواحد لا يقع عن اثنين. القارئ: وإن أحرم عن أحدهما لا بعينه احتمل ذلك أيضاً لذلك واحتمل صحته، لأن الإحرام يصح مبهما فصح عن المجهول وله صرفه إلى من شاء منهما فإن لم يصرفه حتى طاف شوطاً لم يجز عن واحدٍ منهما لأن هذا الفعل لا يلحقه فسخ وليس أحدهما أولى به من الآخر وإن أحرم عن أحدهما وعن نفسه انصرف إلى نفسه لأنه لما تعذر وقوعه عنهما كان هو أولى به. باب المواقيت القارئ: وللحج ميقاتان ميقات مكانٍ وميقات زمان، فأما ميقات المكان فالمنصوص عليه خمسة لما روى ابن عباسٍ قال (وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجدٍ قرنا ولأهل اليمن يلملم قال فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها) متفقٌ عليه، وعن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عرق) رواه أبو داود فهذه المواقيت لكل من مر عليها من أهلها ومن غيرهم للخبر. الشيخ: المواقيت مأخوذة من الوقت والوقت هو الزمن لكنه غلب على المواقيت المكانية والزمانية هذه المواقيت وقّتها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي متفاوتة في القرب من مكة أبعدها ذو الحليفة وهو ميقات أهل المدينة والحكمة في ذلك والله أعلم أن ميقات أهل المدينة كان قريباً من المدينة من أجل أن تتقارب خصائص الحرمين لأن الناس إذا أحرموا من قرب المدينة صاروا من حين أن ينتهوا من حد حرم المدينة يدخلون في خصائص حرم مكة وأما بقية المواقيت فهي متقاربة.

ذو الحليفة تسمى الآن أبيار علي ووقَّت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام الجحفة والشام يشمل كل ما كان شمال الحجاز سوريا، فلسطين وغيرها الجحفة قرية كانت قديمة لكن دعا النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة أن ينقل الله حمى المدينة إلى الجحفة فنزع أهلها عنها واجتاحتها السيول وخربت فأحدث الناس ميقاتاً آخر وهو رابغ، ورابغ أبعد من الجحفة عن مكة ووقَّت لأهل نجد قرناً وفي لفظٍ قرن المنازل وهو وادٍ معروف ويسمى الآن السيل بعضهم يقول السيل وبعضهم يقول السيل الكبير ووقَّت أيضاً لأهل اليمن يلملم وهو جبل أو مكان يسمى الآن السعدية هذه أربعة ثبتت بها الأحاديث ثبوتاً بيّناً الخامس ذات عرق فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّته لأهل العراق لكن ذلك ليس في الصحيح ولا في أحدهما إنما في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه وقَّتها لأهل العراق لأنهم جاءوا إلى عمر وقالوا يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل نجدٍ قرن المنازل وإنه جورٌ عن طريقنا يعني مائل يتعبنا أن نميل إليه فقال: انظروا إلى حذوها من طريقكم فنظروا إلى حذوها من طريقهم فإذا هو ذات عرق فكان توقيتها من عمر رضي الله عنه لكن لا يبعد أن يكون توقيتها من عمر موافقةً لتوقيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن عمر رضي الله عنه كان دائماً موفقاً للصواب، فإن قال قائل كيف وقَّت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل الشام وهي لم تفتح ولأهل العراق وهي لم تفتح؟ قلنا هذا من علامات نبوته لأن توقيتها لهم يعني أنهم سوف يحجون هذا البيت بعد إسلامهم فيكون هذا من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال ابن عبد القوي رحمه الله في داليته المشهورة قال: وتوقيتها من معجزات نبينا ... لتعيينها من قبل فتح المعدد

قوله (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) حتى إذا جاء الشامي عن طريق المدينة وجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة هذا ظاهر الحديث وذهب مالكٌ رحمه الله وأصحابه إلى أنه يجوز أن يؤخر الشامي إحرامه إلى الجحفة واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: لأن الشامي إذا مر بالمدينة كان له ميقاتان أصليٌ وبدل، الأصلي الجحفة، والبدل ذو الحليفة فيخيّر بينهما إن شاء أحرم من الأصلي وإن شاء أحرم من البدلي لكن جمهور العلماء على خلاف ذلك وأنه يجب أن يحرم من أول ميقاتٍ يمر به وهذا ظاهر الحديث (ولمن أتى عليهن من غير أهلهنَّ) ثم هو أحوط وأبرأ للذمة فكان أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ولأن من أحرم من ذي الحليفة لم يقل أحدٌ من الناس أنك أخطأت ولكن من أخّر إحرامه إلى الجحفة قال له بعض الناس إنك أخطأت فكان الأولى أن يقال بالقول الثاني الذي عليه الجمهور وهو أن من مر من ميقاتٍ وجب عليه الإحرام منه ولو كان ميقاته دونه.

ولكن هل هو من كل من مر به؟ لا بل ممن يريد الحج أو العمرة فلو مر به لا يريد الحج والعمرة ولكن فيما بعد بدا له أن يحج أو يعتمر قلنا له أحرم من حيث بدا لك، وفي هذا الحديث من كان دون هذه المواقيت فميقاته من مكانه حتى أهل مكة يحرمون من مكة وإحرامهم بالحج من مكة ظاهر فإن أهل مكة أحرموا من مكة بالحج وكذلك المحلون من الآفاقيين أحرموا من مكة كالصحابة الذين حلوا من إحرامهم متمتعين أحرموا من مكة لكن بقينا في العمرة هل يحرم أهل مكة من مكة في العمرة أو لا؟ ذهب بعض العلماء إلى ذلك وقال يجوز أن يحرموا من مكة أخذاً بظاهر الحديث ولكن هذا قولٌ ضعيف فالصواب أنَّ أهل مكة يحرمون بالعمرة من الحل ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لأخي عائشة حين أرادت أن تحرم بعمرة ليلة الحصبة قال (اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة) فإن قيل إن عائشة من الآفاقيين فالجواب أن هذا ليس بمؤثر لأن الآفاقي إذا أراد الحج وهو في مكة يحرم من مكة فلو كانت العلة كونها من أهل الآفاق لقلنا إن أهل الآفاق يحرمون بالحج من الحل من خارج الحرم ولكن العلة هو أنه لا بد لكل نسكٍ من أن يجمع الإنسان فيه بين الحل والحرم ففي العمرة نقول اخرج إلى الحل وأحرم، وفي الحج نقول إنه سوف يجمع بين الحل والحرم وذلك بالوقوف بعرفة لأن عرفة من الحل ثم إن الوافد إلى البيت لا بد أن يفد إليه من خارج الحرم وإلا لكان طوافه طوافاً غير طواف نسك والدليل أن طواف الإفاضة يكون بعد الوقوف بعرفة فيفد الإنسان إلى البيت من الحل كذلك العمرة نقول لا بد أن تخرج إلى الحل حتى تفد إلى البيت من الحل.

ومن أراد الحج والعمرة وتجاوز الميقات بلا إحرام فهل هو آثم؟ أو نقول إن الرسول وقَّتها لا على سبيل الوجوب؟ الجواب هو آثم والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقَّتها على سبيل الوجوب لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) وهذا خبرٌ بمعنى الأمر والخبر بمعنى الأمر أوكد من إتيان الأمر بصيغته لأن إتيانه بلفظ الخبر يدل على أنه أمرٌ مفروغ منه ولا بد منه فالصواب أنه يجب على من أراد الحج والعمرة إذا مر بهذه المواقيت أن يحرم فإن لم يفعل فهو آثم لا شك لكن هل يجب عليه دم فدية لذلك؟ أكثر العلماء يقولون بهذا وأنه يجب على من ترك واجباً أن يذبح فدية في مكة توزع على الفقراء جبراً لما نقص واستدلوا لهذا بأثر ابن عباس رضي الله عنهما المشهور عنه وهو (من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فليهرق دماً) والحقيقة أنه عند تمحيص هذا الخبر بعد صحة نقله إلى ابن عباس رضي الله عنهما أن يقال إنه ليس على عمومه وأنتم لا تأخذون بعمومه أيضاً فإن ظاهره أن من ترك شيئاً من نسكه ولو غير واجب فعليه أن يريق دماً وكذلك من نسي ثم نقول (فليهرق دماً) اللام للأمر وهل الأمر للوجوب؟ ليس للوجوب في كل موضع بل قد يكون لغير الوجوب لكن يرشح كونه للوجوب أنه ترك واجباً والواجب لا يجبر إلا بواجب فعلى كل حال الاحتياط أن يؤمر الإنسان بدم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء وإنما قلنا إن هذا هو الاحتياط لأننا لو قلنا لإنسان تاركٍ لواجبٍ من واجبات الحج أو العمرة ليس عليك دم لكن استغفر الله وتب إليه يقول سهل فقط التوبة أملأ لك منى ومزدلفة وعرفات كلها توبة ولا تأخذ مني ولا قرش، فالحاصل أني أقول إن إلزام الناس بالدم في ترك الواجب لا شك أنه من باب سد الذرائع عن التهاون بالواجبات فنحن نقول للناس قال العلماء كذا وكذا ونحن مقتنعين بأن فيه سداً للذريعة بلا شك وإلا لتهاون الناس بواجبات

الحج. القارئ: ومن منزله بين الميقات ومكة فميقاته منزله للخبر وميقات من بمكة منها وسواء في ذلك أهلها أو غيرهم للخبر. الشيخ: يعني بالخبر عموم قوله (وكذلك أهل مكة يهلون من مكة). القارئ: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المتمتعين من أصحابه فأحرموا منها وعنه فيمن اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة أهلّ من الميقات فإن لم يفعل فعليه دم وذكر القاضي فيمن دخل مكة محرماً عن غيره بحجٍ أو عمرة ثم أراد أن يحج عن نفسه أو دخل مكة محرماً لنفسه ثم أراد أن يحرم عن غيره بحجٍ أو عمرة أنه يلزمه الإحرام من الميقات فإن لم يفعل فعليه دم لأنه جاوز الميقات مريداً للنسك لنفسه وأحرم دونه فلزمه دمٌ كما لو تجاوزه غير محرم ولنا الخبر، وأن كل ميقاتٍ لمن أتى عليه فكذلك مكة ولأن هذا حصل بمكة حلالاً على وجهٍ مباح فكان له الإحرام منها بلا دم كما لو كان الإحرامان لشخصٍ واحد. الشيخ: ما قاله المؤلف هو الصحيح أن من أحرم عن نفسه أولاً من الميقات ثم أراد أن يحرم عن غيره بحجٍ أو بعمرة فإنه يحرم من مكة إلا أنه في العمرة يخرج إلى الحل. مسألة: لو تجاوز الميقات وقال أنا أريد أن أزور أقارب لي دون الميقات إلى مكة ثم أرجع إذا جاء وقت الحج فأحرم فلا بأس. القارئ: ومن أي موضعٍ في مكة أحرم جاز لأنها كلها موضع للنسك وإن أحرم خارجاً منها من الحرم جاز أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في حجة الوداع (إذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى فأهلوا من البطحاء) وهي خارج من مكة ولأن ما اعتبر فيه الحرم استوت البلدة فيه وغيرها كالنحر.

الشيخ: يقول رحمه الله ومن أي موضعٍ بمكة أحرم جاز سواءٌ من وسطها أو أطرافها لأنها كلها موضعٌ للنسك وإن أحرم خارجاً منها من الحرم جاز أيضاً يعني خارج مكة لكنه في نفس الحرم جاز أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في حجة الوداع (إذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى فأهلوا من البطحاء) وهي خارجٌ من مكة لكنها ليست خارج الحرم هي في الحرم ولأن ما اعتبر فيه الحرم استوت فيه البلدة التي هي مكة وغيرها كالنحر ولهذا يجوز أن ننحر الهدي في مكة وأن ننحره في منى قال الإمام أحمد مكة ومنىً واحد وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام (فجاج مكة طريقٌ ومنحر). القارئ: وميقات العمرة للمكي ومن في الحرم من الحل لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر أخاها عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم) متفقٌ عليه، وكانت بمكة يومئذ ومن أي الحل أحرم جاز لأن المقصود بالإحرام منه الجمع بين الحل والحرم في النسك لأن أفعال العمرة كلها في الحرم إلا الإحرام بخلاف الحج فإنه يفتقر إلى الحل للوقوف بعرفة فيحصل الجمع بين الحل والحرم. الشيخ: صحيح. مسألة: من تجاوز ميقاتين كمن جاء من المدينة وتجاوز ذا الحليفة والجحفة فإنه إذا أراد أن يحرم يرجع إلى ذي الحليفة لأنه الميقات الذي لزمه أن يحرم منه أولاً. فصلٌ القارئ: ومن جاوز الميقات مريداً لموضعٍ قبل مكة ثم بدا له الإحرام أحرم من موضعه كما أن من دخل مكة يحرم منها وإن مر به عبدٌ أو كافرٌ أو صبيٌ فأسلم الكافر وعتق العبد وبلغ الصبي دونه أحرموا من موضعهم ولا دم عليهم لأنهم أحرموا من الموضع الذي وجب عليهم الإحرام فيه فأشبهوا المكي والمتجاوز غير مريد لمكة وعنه في الكافر يسلم يخرج إلى الميقات فإن خشي الفوات أحرم من موضعه وعليه دم والصبي والعبد في معناه لأنهم تجاوزا الميقات غير محرمين، قال أبو بكر وبالأول أقول وهو أصح لما ذكرناه.

الشيخ: وما ذكر أنه الأصح فهو الأصح، يعني إذا لم يبلغ إلا بعد أن تجاوز الميقات أو لم ينو إلا بعد أن تجاوز الميقات فإنه يحرم من مكانه ولا شيء عليه. القارئ: ومن لم يكن طريقه على ميقات فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم لما روى ابن عمر قال (لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجدٍ قرنا وهو جورٌ عن طريقنا وإنا إن أردناه شق علينا قال: فانظروا حذوها من طريقكم فحدَّ لهم ذات عرق) رواه البخاري ولأن هذا مما يدخله الاجتهاد والتقدير فإذا اشتبه على الإنسان صار إلى اجتهاده فيه كالقبلة فإن لم يعلم حذو الميقات احتاط فأحرم قبله لأن تقديم الإحرام عليه جائزٌ وتأخيره حرام. الشيخ: صحيح وعلى هذا نقيس نحن الذين يسافرون إلى مكة عن طريق الجو نقول إذا حاذيتم الميقات من فوق فأحرموا كما قال عمر رضي الله عنه (انظروا إلى حذوها من طريقكم) فإذا كان على يمينه ميقات وعلى يساره ميقات فبأيهما يأخذ؟ بالأقرب إليه لا بالأول فإن تساويا أخذ بالأبعد لأنهما إذا تساويا فلا مزية لأحدهما على الآخر وعلى هذا فإذا جاء الشامي من طريقٍ بين الجحفة وبين ذي الحليفة فهل نقول أحرم من حين أن تحاذي ذا الحليفة؟ أو ينتظر حتى يصل إلى الجحفة؟ الثاني لأنها أقرب أما إذا كانت ذو الحليفة أقرب بأن كان ذهب شرقاً بعيداً عن الجحفة فحينئذٍ يحرم إذا حاذى ذا الحليفة. نبّه المؤلف رحمه الله على مسألة وهي إذا خفي عليه فإنه يحتاط، وهنا ينبغي أن ننبّه الذين في الطائرة فإن بعضهم يقول أنتظر حتى نصل إلى الميقات ونحاذي الميقات وربما يتجاوز والطائرة كما تعلمون سريعة يتجاوز قبل أن يعقد النية نقول احتط وتقدم أنت مثلاً لو كانت الطائرة تحاذي الميقات بعد أربعين دقيقة من مطارها في القصيم فلا حرج أن تحرم بعد خمسٍ وثلاثين دقيقة ولا تخاطر. فصلٌ

القارئ: والأفضل أن لا يحرم قبل الميقات لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرموا من ذي الحليفة فإن أحرم قبله جاز لأن الصُبيّ بن معبد أحرم قبل الميقات قارنا فذكر ذلك لعمر فقال هديت لسنة نبيك. الشيخ: قد سبق أن مراد عمر (هديت لسنة نبيك) يعني في القران لا الإحرام من الموضع الذي قبل الميقات لكن عمر أقرّه. القارئ: ومن بلغ الميقات مريداً للنسك لم يجز له تجاوزه بغير إحرام لما تقدم من حديث ابن عباس. الشيخ: الواقع أن حديث ابن عمر أوضح في وجوب الإحرام لأن حديث ابن عمر لفظه (يهلّ أهل المدينة .... ) وهو خبرٌ بمعنى الأمر أما حديث ابن عباس فهو يقول (وقَّت) وهذا ليس صريحاً في الوجوب ولهذا لم نقل إن الإنسان يجب عليه أخذ شعره الذي يستحب أخذه قبل أن يتم له أربعون يوماً مع أن الرسول وقَّت في ذلك أربعين يوماً. القارئ: فإن تجاوزه غير محرمٍ لزمه الرجوع ليحرم منه لأن من قدر على فعل الواجب لزمه فإن رجع فأحرم منه فلا دم عليه لأنه أدى الواجب فأشبه من لم يتجاوزه فإن لم يمكنه الرجوع لخوفٍ أو خشية الفوات فأحرم من موضعه أو أحرم من موضعه لغير عذرٍ فعليه دم لأنه ترك الواجب من مناسك الحج فإن رجع بعد ذلك إلى الميقات لم يسقط الدم لأنه استقر عليه بإحرامه من دونه، فأشبه من لم يرجع. الشيخ: الخلاصة الآن أن الإنسان إذا تجاوز الميقات وهو مريدٌ للنسك بلا إحرام نقول يجب عليك أن ترجع فتحرم منه فإن لم يمكن خوفاً على نفسه أو خشية فوات الوقوف بعرفة أو ما أشبه ذلك وكلام المؤلف رحمه الله وغيره من العلماء السابقين بناءً على أن السير يكون على الإبل أو الأقدام أو ما أشبه ذلك أما الآن فالأمر سهل يمكن أن يرجع ويحرم منه فإن لم يرجع لعذرٍ أو لغير عذر استقر عليه الدم فإن رجع بعد إحرامه إلى الميقات فإنه لا يسقط عنه الدم لأنه أحرم من دون الميقات فاستقر عليه الدم.

القارئ: فإن أحرم المكي بالحج من الحلّ الذي يلي عرفة فهو كالمحرم من دون الميقات وإن أحرم من الحلّ الذي يلي الجانب الآخر ثم سلك الحرم فهو كالمحرم قبل الميقات وإن أحرم بالعمرة من الحرم انعقد إحرامه كالذي يحرم بعد ميقاته ثم إن خرج قبل الطواف إلى الحل وعاد ففعل أفعالها تمت عمرته وعليه دم وإن لم يخرج وفعل أفعالها ففيه وجهان أحدهما يجزئه ويجبرها بدم كالذي يحرم من دون ميقاته والثاني لا يجزئه لأنه نسكٌ فكان من شرطه الجمع بين الحلّ والحرم كالحج فعلى هذا لا يعتد بأفعاله وهو باقٍ على إحرامه حتى يخرج إلى الحلّ ثم يأتي بها.

الشيخ: إن أحرم المكي بالحج من الحل الذي يلي عرفة فهو كالمحرم من دون الميقات يعني أن عليه دماً بناءً على أن المكي يجب أن يحرم بالحج من مكة وإن أحرم من الحلّ الذي يلي الجانب الآخر ثم سلك الحرم فهو كالمحرم قبل الميقات مثلاً أحرم من جهة جدة ثم مر بمكة عابراً إلى عرفة فهو كالمحرم قبل الميقات لأن ميقاته مكة والصحيح أن المكي يجوز أن يحرم بالحج من مكة وأن يحرم بها من الحلّ كذلك من كان آفاقياً فأتى بالعمرة ثم بقي في مكة وأراد أن يحرم بالحج فله أن يحرم بالحج من مكة أو خارج من مكة من الحلّ وبناء ً على ذلك فالمتمتع إذا أراد أن يحرم بالحج من عرفة يوم عرفة فالإحرام صحيحٌ جائز وكذلك المكي لو خرج كالعامل والشرطي وما أشبه ذلك إلى عرفة وهو يريد الحج ولكنه أخَّر الإحرام إلى يوم عرفة فلا بأس ويحرم من عرفة هذا القول هو الراجح يقول وإن أحرم بالعمرة من الحرم انعقد إحرامه كالذي يحرم بعد الميقات ثم إن خرج قبل الطواف إلى الحلّ وعاد ففعل أفعالها تمت عمرته وعليه دم وإن لم يخرج وفعل أفعالها ففيه وجهان أحدهما يجزئه ويجبرها بدم كالذي يحرم من دون ميقاته والثاني لا يجزئه لأنه نسك فكان من شرطه الجمع بين الحلّ والحرم كالحج فعلى هذا لا يعتد بأفعاله وهو باقٍ على إحرامه حتى يخرج إلى الحلّ ثم يأتي بها، ولكن الصحيح أنه يجزئه وعليه الدم. السائل: من أنشأ الإحرام من دون الميقات كأهل جدة فهل يحرم من بيته أو من سائر البلد؟ الشيخ: الأفضل من بيته لكن يجزئه من أي مكان من البلد أما خارج البلد فإن كان من ورائه فلا بأس وإن كان من دونه إلى مكة فلا يجوز. فصلٌ القارئ: وميقات الزمان شوالٌ وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة لقول الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات) معناه وقت الحج لأن الحج أفعالٌ وليس بأشهر فلم يكن بدٌ من التقدير وعن ابن مسعودٍ وجابرٍ وابن الزبير أنهم قالوا: أشهر الحج شوالٌ وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة.

الشيخ: قول المؤلف رحمه الله إن أشهر الحج هي شهران وعشرة أيام فيه نظر وقد ذهب مالك رحمه الله إلى أن أشهر الحج ثلاثة شوال وذو القعدة وذو الحجة وهذا القول هو الصواب وذلك لأن الأشهر جمع وأقل الجمع ثلاثة لا اثنان وبعض الثالث ومن المعلوم أن الذين قالوا إن أشهر الحج شهران وعشرة أيام أن في قولهم نظراً وذلك لأن بعض أفعال الحج تقع بعد اليوم العاشر مثل الرمي والمبيت بمنى وكذلك طواف الإفاضة إذا أخره عن يوم العيد والسعي فالقول الراجح أن أشهر الحج ثلاثة وأنه لا يجوز أن يؤخر شيئاً من أفعال الحج عن هذه الثلاثة إلا لعذر وعلى هذا فقول بعض العلماء إن الطواف في الحج لا حد له وأنه يجوز أن يؤخر إلى محرم وصفر وربيع ولكن يبقى عليه بقية المحظورات قولٌ ضعيف والصواب أنه لا يجوز أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج عن أشهر الحج إلا لعذر كما لو نفست المرأة قبل أن تطوف وبقيت أربعين يوماً في نفاسها فلا يحل لها الطواف إلا في شهر محرم هذا عذر ولا بأس به أو كان مريضاً لا يستطيع أن يطوف وأخره إلى ما بعد ذي الحجة فلا بأس. القارئ: والاختيار أن لا يحرم بالحج قبل أشهره لأنه تقديمٌ للعبادة على وقتها فكره كتقديمها على ميقات المكان فإن فعل انعقد إحرامه لأنه أحد الميقاتين فانعقد الإحرام بالحج قبله كالآخر. الشيخ: هذا كلام الفقهاء رحمهم الله عندنا والقول الثاني أنه لا يصح الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج وهذا أقرب إلى الصواب لأن الله قال (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات) وإذا كان وقت الحج أشهراً معلومات فلا يقدم عليه كالصلاة لا تقدم على وقتها وعلى هذا القول فإذا أحرم بالحج قبل دخول أشهر الحج انعقد عمرة ونقول طف واسع وتحلل بعد الحلق أو التقصير وهذا القول هو الراجح وأما الاقتصار على الكراهة مع الانعقاد ففيه نظر.

القارئ: فأما العمرة فلا ميقات لها في الزمان ويجوز الإحرام بها في جميع السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (عمرةٌ في رمضان تعدل حجة) متفقٌ عليه (واعتمر في ذي القعدة وفي ذي الحجة مع حجته) رواه أنس وهو حديثٌ صحيح. الشيخ: العمرة ليس لها وقت تفعل في أي وقت من السنة وظاهر كلام المؤلف وغيره أيضاً أنه يجوز أن يعتمر الإنسان بعد التحلل الأول من الحج يعني يعتمر في أيام التشريق وكره بعض العلماء أن يعتمر قبل انتهاء أعمال الحج فلا عمرة في أيام التشريق ولا في ليالي أيام التشريق ولا قبل الطواف والسعي وهذا على قول من يقول إنه لا يصح إدخال العمرة على الحج واضح والأقرب أن يكره الإتيان بالعمرة وقد بقي عليه شيءٌ من أعمال الحج لأنه لايزال متلبساً بنسك أو بعض متعلقات النسك. وقوله رحمه الله إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (عمرةٌ في رمضان تعدل حجة) ليس المراد بالمعادلة المكافأة فلا تجزئ عمرةٌ في رمضان عن فريضة الحج مثلاً لأنه لا يلزم من المعادلة في الثواب المعادلة في الإجزاء ولهذا من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ولا تجزئ هذه الكلمات عن رقبةٍ واحدة (وقل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن ولو كررها ثلاثاً لم تجزئ عن القرآن بل لا تجزئ ولا عن الفاتحة لو لم يقرأ الفاتحة في الصلاة.

وقوله اعتمر في ذي القعدة ثم قال وفي ذي الحجة الصواب أنه لم يعتمر في ذي الحجة وإنما كانت عمره في ذي القعدة كلها عمرة الحديبية كانت في ذي القعدة وعمرة القضاء في ذي القعدة، وعمرة الجعرانة في ذي القعدة وعمرته في حجه في ذي القعدة لأنه أحرم في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة نعم إن أراد المؤلف أن أفعال العمرة من الطواف والسعي لما دخلت في الحج كانت في ذي الحجة فهذا له وجه، إذن اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة عمر، وقد تردد ابن القيم رحمه الله أيهما أفضل أن يعتمر في أشهر الحج أو في رمضان؟ توقف فيه رحمه الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة وقال (عمرةٌ في رمضان تعدل حجة) لامرأةٍ تخلَّفت عن حجها معه فيحتمل الخصوصية لها كما قال في ذلك بعض العلماء قال إن قوله (عمرةٌ في رمضان تعدل حجة) يعني هذه المرأة فقط لكن الأصل عدم الخصوصية إلا أن كون الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتمر في رمضان مع تيسره له قد يقول قائل إن العمرة في أشهر الحج أفضل ولكن الذي يظهر لي أن العمرة في أشهر الحج أفضل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لما كان العرب قد تقرر عندهم في عقيدتهم أنه لا اعتمار في أشهر الحج ويرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور فكرر النبي صلى الله عليه وسلم العمرة في أشهر الحج من أجل ترسيخ الجواز في أشهر الحج وإبطال تلك العقيدة وأما كونه لم يعتمر في رمضان فيقال إن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس كسائر الناس لو اعتمر لاعتمر الناس معه وحصل في ذلك مشقة على الناس في أيام الصيام والرحيل والنزول فلهذا تركه عليه الصلاة والسلام. فإذا قال قائل لماذا لم يعتمر حين فتح مكة وقد بقي فيها تسعة أيام قبل أن يدخل شهر شوال؟

قلنا لأن العمرة من مكة ليست مشروعة فهو عليه الصلاة والسلام لم يخرج إلى الحلّ ليعتمر لأن هذا غير مشروع ولذلك لم يرد الخروج من مكة للإحرام من الحلّ إلا في قضيةٍ معينة وهي قصة عائشة رضي الله عنها ولولا أنها ألحت على الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأذن لها لكن ألحت في أمرٍ ليس حراماً فأذن لها. مسألة: الحكم فيمن أحرم ونسي لباسه عليه ثم تذكر في أثناء المسير أن يخلع هذه الثياب ويستمر ولو لم يذكر إلا بعد أن تم النسك فليس عليه شيء لأن محظورات الإحرام يسقط إثمها وفديتها في حال النسيان والجهل والإكراه. السائل: رجل حج مع أمه وما استطاعت الأم أن تطوف طواف الإفاضة وقد طاف طواف الإفاضة ثم رجع بأمه إلى بلده حتى يرجع ليطوف بها الإفاضة وطواف الوداع لنفسه فماذا عليه؟ الشيخ: أما طواف الوداع لنفسه فلا ينفعه لأنه خرج من مكة بغير طواف ووصل إلى بلده لكن عليه دم لترك هذا الطواف يذبح في مكة ويوزع على الفقراء، أما أمه فلا بأس لكن أمه تبقى على إحرامها أي على ما بقي من محظورات الإحرام وهو ما يتعلق بالنساء حتى ترجع وتطوف. السائل: هناك من العلماء من قال إنه لا يوجد دليل يمنع الرمي قبل الزوال وأن الرسول صلى الله عليه وسلم رمى يوم العيد ضحىً ورمى أيام التشريق بعد الزوال وخاصةً أن كثيراً من أهل العلم سمحوا بالرمي بعد المغرب فقالوا إنه ليس هناك دليل يمنع الرمي قبل الزوال فما قولكم حفظكم الله؟ الشيخ: نقول بارك الله فيك هناك دليل من السنة ومن أقوال الصحابة، أما من السنة فإن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأذن للضعفة أن يرموا قبل الزوال مع حاجتهم إلى ذلك لأن وقت الزوال حر وأذن لهم أن يرموا قبل طلوع الشمس يوم العيد. ثانياً أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتحيَّن زوال الشمس فإذا زالت رمى قبل أن يصلي الظهر فكأنه عليه الصلاة والسلام ينتظر زوال الشمس بفارغ الصبر ولهذا قدَّم الرمي على الصلاة.

ثالثاً أن الدين الإسلامي دين السهولة واليسر ومن المعلوم أن رمي الناس من أول النهار أيسر وأسهل لا من جهة برودة الجو ولا من جهة امتداد الوقت ولو كان هذا جائزاً لبينه الرسول عليه الصلاة والسلام للأمة بقوله أو فعله. رابعاً أن الأصل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام (خذوا عني مناسككم) اتباعه إلا بدليل ولا دليل من سنته القولية ولا الإقرارية ولا الفعلية على جواز الرمي قبل الزوال. وأما قوله تعالى (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) فهذا مطلق بيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام بأن المراد بذكره في أيامٍ معدودات في الرمي خاصة ما بعد الزوال. وأما من قال أنه يمتد إلى الغروب فحجته أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يؤقت آخره فلم يقل لا ترموا بعد الغروب وحجة أخرى قال إن الزحام الشديد الموجود الآن في عصرنا الحاضر يقتضي جواز التأخير لأن هذا ضرورة ولا يتمكن أكثر الناس من مزاحمة الناس كما تعلمون الآن قد تحصل وفيات بسبب هذا الزحام. السائل: جزاكم الله خير، شيخنا أقرأ عن السلف أن الصحابة كانت تحج منىً بالتكبير أيام التشريق ومن الملاحظ هذه الأيام أننا لا نكاد نسمع تكبير ونلاحظ أن إذا كبرت مجموعة كأنه لا بد أن يتوافق تكبيرهم مع بعض ولاحظنا أنا إذا فعلنا ذلك أنه يشترك الناس ويرتفع التكبير فهل يجوز التكبير الجماعي ليس لذاته ولكن للتشجيع؟

باب الإحرام

الشيخ: والله يا أخي لا يمكن أن نداوي ترك السنة بفعل البدعة فإذا كان الصحابة مع نبيهم ليسوا يكبرون ولا يلبون جماعياً بل قال أنس (منا المكبر ومنا المهل) فإنا لا نبتدع في الدين من أجل أن لا نترك السنة نقول نبيّن للناس أنه سنة وأن الإنسان ينبغي له أن يجهر بالتكبير كما كان الصحابة يفعلون وأنت الآن ترى أن الناس قد ضيعوا هذه السنة مع الأسف في التلبية أيضاً تمر بك قوافل السيارات الكثيرة لا تسمع ملبياً مع أن الصحابة كانوا يصرخون بالتلبية صراخاً كما قال جابر (كنا نصرخ بها صراخاً) ومع ذلك تمر بك قوافل الحجيج مع الأسف لا تسمع من يقول لبيك لما كان الناس في الأول يأتون على الإبل نجد ما شاء الله العج والثج موجوداً تجدهم شعثاً غبراً على ظهور الإبل يلبون حتى تسمع أصواتهم في الجو كله لكن لما جاءت السيارات المريحات والمكيفات والمقطعات خفت الصوت. ولا بأس إذا قلت مثلاً الله أكبر لا إله إلا الله وسمعني الآخر وقال الله أكبر لا إله إلا الله فلا بأس وليس تكبيراً جماعياً المعروف عندنا أن التكبير الجماعي أن يكون واحد يكبر والباقون يتبعونه بصوت واحد. باب الإحرام القارئ: يستحب الغسل للإحرام لما روى زيد بن ثابت (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرّد لإهلاله واغتسل) حديثٌ حسن وعن جابرٍ قال (أتيتنا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميسٍ محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع. قال: اغتسلي ثم استثفري بثوبٍ ثم أحرمي) رواه مسلم. فإن لم يجد ماءاً لم يتيمم لأنه غسلٌ مسنونٌ يراد للتنظيف فلا يسن التيمم عند العجز عنه كغسل الجمعة وقال القاضي: يستحب له التيمم قياساً على غسل الجنابة. الشيخ: إذن هذه من مستحبات الإحرام أن يغتسل عند إرادة الإحرام لفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمره النفساء بذلك يدل على أنه سنة حتى للنفساء والحائض أن تغتسلا عند الإحرام.

فإن قال قائل لو أن الإنسان اغتسل قبل أن يسافر خوفاً من أن يكون هناك ضيق أو لا يكن هناك ماء فهل تحصل السنة؟ نقول إذا كان في مدىً قريب فلا بأس تحصل مثل لو كان اغتسل عند ركوبه للسيارة فهذا الزمن قريب. أما في الطائرة فمن المعلوم أنه لا يتمكن من الاغتسال وحينئذ يغتسل قبل أن يركب الطائرة. وقول المؤلف رحمه الله: إنه لا يتيمم إذا لم يجد الماء أو تعذر استعماله بمرضٍ أو نحوه أقرب من القول بأنه يتيمم لأن الظاهر من هذا الغسل هو التنظيف ولهذا شرع للحائض والنفساء مع أن الحائض والنفساء لا تطهران فدل هذا على أن المقصود التنظيف. القارئ: ويتسحب له التنظيف بإزالة الشعر والشعث وقطع الرائحة وتقليم الأظافر لأن الغسل شرع لذلك. الشيخ: هذا إذا كان يحتاج إلى ذلك يعني إذا كان الشعر وافراً عنده في الشارب أو في الأبط أو في العانة وأما إذا لم يحتج كما لو كان أزال ذلك عن قرب فلا حاجة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهذا التنظيف. القارئ: ثم يتجرد من المخيط في إزارٍ ورداءٍ أبيضين نظيفين جديدين أو غسيلين لما روى ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وليحرم أحدكم في إزارٍ ورداءٍ ونعلين) ويستحب أن يتطيب في بدنه لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت وقالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) متفقٌ عليهما ولا يتطيب في ثوبه فإن فعل فله استدامته حتى ينزعه فمتى نزعه ثم لبسه فعليه الفدية لأن الإحرام يمنع ارتداء الطيب دون استدامته.

الشيخ: هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أنه لا يتطيب في ثوبه وهذا النفي يحتمل التحريم ويحتمل الكراهة ومعلومٌ أنه إن كان بعد عقد الإحرام فهو للتحريم وأما قبل عقد الإحرام فقيل إنه للكراهة وقيل للتحريم والصحيح أنه لا يجوز أن يلبس الإحرام المطيَّب لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال (لا يلبس ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) فالصواب أنه لا يجوز أن يطيب ثوب الإحرام أما البدن فيطيبه كما ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لإحرامه قبل أن يحرم. القارئ: ولو نقل الطيب عن بدنه من موضعٍ إلى موضع آخر فعليه الفدية وإن سال بالحر وغيره إلى موضعٍ آخر فلا فدية عليه لأنه ليس من جهته. الشيخ: انتقال الطيب من الموضع الذي تطيب به أولاً له ثلاث حالات: الحال الأولى أن يتعمَّد نقله ليتسع المكان المطيب من البدن. والحال الثانية أن يسيل الطيب بنفسه. والحال الثالثة أن لا يتعمد نقله ولكنه يكون من ضروريات عمله المشروع. أما الأول فلا شك أنه حرامٌ عليه أن يتعمد نقل الطيب من موضع إلى موضع ليتسع مكان الطيب مثل أن يأخذ الطيب من رأسه ويضعه على عضده أو على كفيه أو على صدره فهذا حرام. والحال الثانية إذا سال الطيب على بدنه فإن ذلك لا شيء عليه لأن هذا كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا بد منه ولا سيما في أيام الحر.

الحال الثالثة أن ينقله لعملٍ مشروع بدون قصد مثل أن يتوضأ ويمسح رأسه المضمخ بالطيب ومن المعلوم أنه سوف يعلق بيده فهذا ظاهر كلام المؤلف أن عليه فدية والصحيح أنه لا فدية عليه ولا شيء عليه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ينظر وبيص المسك في رأسه وهو محرم وكان يغتسل وهو محرم ويخلل شعره بيده وهو محرم ولازم ذلك أن يعلق بيده ثم هو أيضاً من الحرج أن نقول إنه إذا مسح الإنسان رأسه وعلق بيده طيب يجب عليه أن يزيله فوراً فيكون عنده صابون كلما أراد أن يتوضأ هذا حرج ومشقة. فصلٌ القارئ: ويستحب أن يحرم عقب صلاةٍ إما مكتوبةٍ أو نافلة وروى الأثرم قال: سألت أبا عبد الله أيما أحب إليك الإحرام في دبر الصلاة وإذا استوت به ناقته فقال كلٌ قد جاء في دبر الصلاة وإذا علا البيداء وإذا استوت به ناقته فوسّع فيه كله والمذهب الأول لما روى سعيد بن جبير قال ذكرت لابن عباسٍ إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من صلاته ثم خرج فلما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته واستوت به قائمةً أهل فأدرك ذلك منه قومٌ فقالوا أهل حين استوت به راحلته وذلك أنهم لم يدركوا إلا ذلك ثم سار حتى علا البيداء فأهل فأدرك ذلك منه قومٌ فقالوا أهل حين علا البيداء) رواه أبو داود وهذا فيه فضل بيانٍ وزيادة علم فيتعين الأخذ به وتقديمه على ما خالفه.

الشيخ: والصحيح التوسعة في ذلك أن الإنسان إن شاء أحرم عقب الصلاة وإن شاء إذا ركب وإن شاء إذا علت به على البيداء إذا كان من ذي الحليفة لأن ذا الحليفة نازلة ويعلو الإنسان إذا خرج منها وكونه لا يحرم إلا إذا ركب فيه توسعة للإنسان لأن الإنسان ربما يتشاغل بعد صلاته بحوائجه وما أشبه ذلك فيحتاج إلى أن يتطيب مثلاً فإذا قلنا أحرم من حين أن تصلي لم يتمكن من الطيب الذي هو مشروع عند الإحرام وإذا قلنا انتظر حتى تركب تمكن منه فالغالب أن الإنسان يكون معه فسحة والأمر في هذا والحمد لله واسع. فصلٌ القارئ: وينوي الإحرام بقلبه ولا ينعقد بغير نية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ولأنها عبادةٌ محضةٌ فافتقرت إلى النية كالصلاة فإن لبى من غير نية لم يصر محرما وإن نوى الإحرام من غير تلبيةٍ انعقد إحرامه لأنه عبادةٌ لا يجب النطق في آخرها فلم يجب في أولها كالصوم. الشيخ: غريب مثل هذه الأقيسة الواقع أنه إذا نوى بدون تلبية انعقد النسك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) وهذا نوى الدخول في النسك فإذا نوى الدخول في النسك فقد دخل، وإن لبى بدون نية من غير قصد الإحرام فلا يكون شيئاً، كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا رأى ما يعجبه في الدنيا قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة. القارئ: وإن نوى إحراماً فسبق لسانه إلى غيره انعقد إحرامه بما نواه دون ما نطق به لأن النية هي الإحرام فاعتبرت دون النطق. فصلٌ

القارئ: ويستحب أن ينطق بما أحرم به ويعينه ويشترط فيه أن محلي حيث حبستني فيقول اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني وإن حبسني حابسٌ فمحلي حيث حبستني لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهلَّ بعمرة ومنا من أهلَّ بحجٍ وعمرة ومنا من أهلَّ بحج) وعنها قالت (دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضُباعة بنت الزبير فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية فقال: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني) متفقٌ عليهما. ويفيد هذا الشرط شيئين أحدهما أنه متى عاقه عائقٌ من مرضٍ أو غيره فله التحلل والثاني أنه إذا حلّ لذلك فلا شيء عليه من دمٍ ولا غيره وغير هذا اللفظ مما يؤدي معناه يجري مجراه قال ابن مسعود: اللهم إني أريد العمرة إن تيسرت لي وإلا فلا حرج علي لأن المقصود المعنى وإنما اعتبر اللفظ لتأديته له. الشيخ: الله أكبر هذه قاعدة مفيدة أن العبرة أن المرجع المعنى دون اللفظ بل إن اللفظ إذا خالف ما في قلبه فالعبرة على ما في قلبه كما سبق لو أراد أن يقول لبيك حجة فقال لبيك عمرة فالعبرة بما في قلبه. هذه القطعة من كلام المؤلف تضمنت مسائل: أولاً يقول: يستحب أن ينطق بما أحرم به ويعينه ويشترط فظاهر كلامه أنه يستحب النطق بالنية ولهذا فسّر هذا المعنى بقوله فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي فهذا فيه نظر والصواب أنه لا ينطق بالنية لأنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال اللهم إني أريد النسك ولا أحد من الصحابة وحينئذٍ يكون الحج كغيره من العبادات لا ينطق فيه بالنية وأما التلبية فهي إظهارٌ لما سبق لا إنشاء وإلا فالإنسان يقول لبيك عمرة لبيك حجة لبيك عمرةٌ وحجة وهذا إخبارٌ عما في ضميره وليس إنشاءً.

المسألة الثانية يقول (يشترط فيه أن محلي حيث حبستني) وهذا أيضاً فيه نظر وقد اختلف العلماء رحمهم الله في اشتراط من أراد الإحرام هل هو سنة مطلقاً أو منكرٌ مطلقاً أو فيه تفصيل: فمنهم من قال يسن لكل من أراد الإحرام بعمرة أو حج أن يشترط. ومنهم من قال إنه لا يشترط وأنكر ذلك كابن عمر رضي الله عنه. ومنهم من قال بالتفصيل فقال إن كان هناك سبب يقتضي ذلك فليفعل وإلا فلا، السبب مثل أن يكون الإنسان فيه أثر مرض ويخشى أن يعجز أو امرأة تخشى أن يأتيها الحيض فتشترط أو ما أشبه ذلك فهذا يسن في حقه أن يشترط لئلا يشق على نفسه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضُباعة بنت الزبير قال (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني) وأما من لا يخشى من عائق فلا يشترط لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يشترط هو عند إحرامه فتمام الاقتداء به أن لا يشترط من لا يخاف العائق وأن يشترط من يخاف العائق الأول اقتدى بفعله والثاني اقتدى بقوله وهذا هو الذي تجتمع فيه الأدلة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله بقي أن يقال الحوادث في هذا الزمان كثيرة وعلى هذا فنقول كل من أراد أن يحرم فليشترط فيقال هذا غير صحيح بل الحوادث في هذا الزمان قليلة لأنك لو أحصيت السيارات وما فيها من ركاب لوجدت العدد الهائل ولنقل إن الحجاج مليون حاج قد يموت مائة حاج من الحوادث فنسبة مائة لمليون ليست بشيء ثم إن الحوادث موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فها هو الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة وعلى هذا فنقول الأفضل أن لا تشترط ولكن لو اشترطت وقلنا بأن الاشتراط ليس بسنة فالظاهر أنه لا ينفعه ما دمنا قلنا إن الاشتراط ليس بسنة إلا لمن خاف من عائق فإنه إذا اشترط فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً غير مؤثر ويحتمل أن ينفعه لكن الاحتمال الأول أقرب أنه لا ينفعه.

الثالث في هذه القطعة هل الاشتراط في العبادات في كل شيء بحيث أنه مثلاً لو أراد أن يدخل في الصلاة وقد توقع أن يزوره إنسانٌ كبير فنوى بقلبه أنه إن استأذن هذا الإنسان الكبير يقطع الصلاة؟ الظاهر لا لأنه لا قياس في مثل هذا إذ أن الحج مدته تطول ومشقته أعظم والصلاة ونحوها مدتها يسيرة ويمكن أن يخفف ويحصل المقصود. الرابع ماذا يستفيد إذا اشترط سواءٌ قلنا إنه يشترط مطلقاً أو لسبب يستفيد فائدتين: الفائدة الأولى أنه يتحلل من إحرامه ويقال البس ثيابك وامش إلى أهلك. الثانية أنه ليس عليه دم إحصار لأنه استثنى على ربه وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إن لك على ربك ما استثنيت). الخامس وهو من أهم ما في هذه القطعة أن العبرة في الألفاظ بمعانيها وما دلت عليه وهذه القاعدة يجب أن تطرد في كل شيء في العبادات والمعاملات في الأنكحة والبيوع والأوقاف وغيرها وبناءً على ذلك نقول لو زوَّج ابنته بقوله ملَّكتك بنتي فقال قبلت فإن القول الراجح أن النكاح ينعقد لأن هذا هو المعنى ولو قال خليت امرأتي فهو طلاقٌ صريحٌ لأن هذا هو العرف وقد يكون قول القائل خليت امرأتي أبلغ من قوله طلقت عند العامة فالحاصل أن الألفاظ قوالب للمعاني والعبرة بالمعاني في كل شيء. السائل: هل يجوز للمشترط أن يتحلل إذا خشي المرض ورأى علاماته؟ الشيخ: لا يجوز أن يتحلل من إحرامه إلا إذا تحقق المرض الذي لا يتمكن معه من إتمام النسك. فصلٌ

القارئ: ويجوز الإحرام بنسكٍ مطلق وله صرفه إلى أيها شاء وإن أحرم بمثل ما أحرم به فلان صح لما روى أبو موسى قال (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء فقال لي: بم أهللت قال: قلت لبيك بإهلالٍ كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحسنت فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أمرني أن أحل) متفقٌ عليه ثم إن تبين له ما أحرم به فلان فإحرامه مثله وإن تبين أن فلاناً لم يحرم فله صرفه إلى ما شاء كالمطلق لأنه عقد الإحرام وعلَّق عين النسك على إحرام فلان فلما لم يحرم فلانٌ بطل التعيين وبقي المطلق وإن علم أن فلاناً أحرم ولم يعلم بما أحرم أو شك هل أحرم أم لا؟ فهو كالناسي لإحرامه وللناسي لما أحرم به صرفه إلى أي نسكٍ شاء لأنه إن صادف ما أحرم به فقد أصاب وإن صرفه إلى عمرة وكان إحرامه بغيرها فإن فسخه إليها جائزٌ مع العلم فمع الجهل أولى، وإن صرفه إلى قرانٍ وكان إحرامه بعمرة فقد أدخل عليها الحج وهو جائز وإن كان مفرداً فقد أدخل العمرة على الحج وهو لغوٌ لا يفيد ولا يقدح في حجه كما لو فعله مع العلم وإن صرفه إلى الإفراد وكان معتمراً فقد أدخل الحج على العمرة فصار قارناً ولا تبطل العمرة بترك نيتها فإن كان قارناً فهو على حاله لذلك والمنصوص عن أحمد رضي الله عنه أنه يجعل المنسي عمرة قال القاضي: هذا على سبيل الاستحباب لأن ذلك مستحبٌ مع العلم فمع عدمه أولى فعلى هذا إن صرفه إلى عمرة فهو متمتعٌ حكمه حكم من فسخ الحج إلى العمرة وإن صرفه إلى القران لم يجزئه عن العمرة إذ من المحتمل أن يكون مفرداً فلم يصح إدخاله العمرة على حجه ولا يلزمه دم القران لأنه شاكٌ فيما يوجبه ويصح له الحج هاهنا وفيما صرفه إلى الإفراد فإن كان شكه بعد الطواف لم يكن له صرفه إلا إلى العمرة لأن إدخال الحج على العمرة بعد الطواف غير جائز فإن صرفه إلى إفرادٍ أو قران تحلل بأفعال الحج ولم يجزئه عن واحدٍ من النسكين لأنه شاكٌ في

صحته ولا دم عليه للشك فيما يوجبه إلا أن يكون معه هديٌ فيجزئه عن الحج لأن إدخال الحج على العمرة في حقه جائزٌ بعد الطواف. الشيخ: هذا الفصل فيه مسألة مهمة وهي هل يجوز للإنسان أن يحرم بمثل ما أحرم به فلان وهو لا يدري؟ الجواب نعم لأن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه أحرم بما أحرم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذلك علي بن أبي طالب أحرم بما أحرم به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى هذا فإذا كان شخصٌ واثقاً برجلٍ في علمه ودينه وأحرم بمثل ما أحرم به فلا حرج لأن هذا عملٌ أجازه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن أبا موسى أمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يحل متمتعاً وأما علي فقال له إن معي الهدي فلا تحل فأشركه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هديه ولم يحل لأن من ساق الهدي لا يمكن أن يحل قبل أن يبلغ الهدي محله. فإن جهل ما أحرم به فلان بمعنى أنه لم يتفق بفلان حتى وصل إلى مكة ولم يدر فماذا يجعله؟ نقول الأفضل أن تجعله عمرة لأنه على تقدير أنه أحرم بالحج فإن فسخ الحج إلى العمرة جائز هذا هو الأحسن لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة. فصلٌ القارئ: وإن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد إحرامه بإحداهما ولا يلزمه للأخرى قضاءٌ ولا غيره لأنهما عبادتان لا يلزم المضي فيهما فلم يصح الإحرام بهما كالصلاتين ولو فسد نسكه ثم أحرم بغيره من جنسه لم يلزمه للثاني شيء ولم يصح لذلك. فصلٌ

القارئ: وهو مخيرٌ إن شاء أحرم متمتعاً أو مفرداً أو قارنا لحديث عائشة والتمتع هو الإحرام بعمرةٍ من الميقات فإن فرغ منها أحرم بالحج من مكة في عامه والإفراد الإحرام بالحج مفرداً والقران الإحرام بهما معاً أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الإحرام بالحج قبل الطواف لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (أهللنا بعمرةٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هديٌ فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً) متفق عليه فإن أحرم بحجٍ ثم أدخل عليه عمرةً لم يصح ولم يصر قارناً لأنه لم يرد بذلك أثر ولا هو في معنى ما جاء به الأثر لأن إحرامه بها لا يزيده عملاً على ما لزمه بإحرام الحج ولا يغير ترتيبه بخلاف إدخال الحج على العمرة ومن طاف للعمرة ثم أحرم بالحج معها لم يصح لأنه قد أتى بمقصودها وشرع في التحلل منها إلا أن يكون معه هديٌ فله ذلك لأن من ساق هدياً لا يجوز له التحلل حتى ينحر هديه لقول الله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) فلا يتحلل بطوافه ويتعين عليه إدخال الحج على العمرة ويصير قارنا بخلاف غيره. الشيخ: هذا الفصل يتضمن أموراً الأمر الأول أن الإنسان إذا أراد الإحرام فإنه مخيَّر بين ثلاثة أنساك التمتع والإفراد والقران لحديث عائشة قالت (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهلَّ بعمرة ومنا من أهلَّ بحج ومنا من أهلَّ بعمرة وحج وأهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج) وهذا التخيير تخيير إباحة والأفضل كما سيأتي في الفصل الذي بعده الأفضل التمتع وقيل إن الإنسان لا يخيّر بين هذه الأنساك وأنه يجب عليه التمتع إلا أن يكون قد ساق الهدي لكن هذا القول ضعيف لأن الخلفاء الراشدين أجمعوا كلهم على أن التمتع ليس بواجب حتى من ليس معه هدي.

والعلماء مختلفون في أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للصحابة الذي غضب من أجل عدم فعلهم لما أمرهم به فقيل إنه للوجوب وقيل إنه للاستحباب وعلى القول بالوجوب هل هو لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة أو لهم فقط. جمهور العلماء على أنه للاستحباب وأعني بجمهور العلماء من يجوزون فسخ الحج إلى العمرة للتمتع لأن بعض العلماء يقول لا يجوز فسخ الحج إلى العمرة ليصير متمتعاً لكن هذا القول ضعيف إذاً هل يجب على الإنسان أن يخلع نية الحج القارن والمفرد إلى تمتع أو لا يجب؟ نقول الصحيح أنه لا يجب. ومن العلماء من قال هو واجب ومنهم من قال هو واجب على الصحابة فقط وهذا القول اختاره شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله وهو أصوب من غيره وإنما قلت فيما سبق الصحيح أنه لا يجب أعني لا يجب على الأمة وإنما يجب على الصحابة فقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم واجههم به ولأنهم لو تمنعوا من ذلك في ذلك الوقت لبطلت مشروعيته لأنهم هم مقدَّم الأمة ولأن أبا ذر سئل عن هذه المسألة هل هي لهم خاصة أو للناس عامة؟ قال بل هي لنا خاصة فيُحمل قوله رضي الله عنه على أن المراد بذلك الوجوب وهذا أعدل الأقوال وأحسن الأقوال وعلى هذا فيكون التمتع ليس بواجب. كذلك أيضاً في هذا الفصل تبين معنى التمتع والإفراد والقران فالتمتع أن يحرم بالعمرة من الميقات في أشهر الحج ويحج من عامه هذه قيود: الأول أن يكون إحرامه بالعمرة من الميقات. والثاني أن يكون في أشهر الحج فالأول الميقات المكاني والثاني الميقات الزمني وعلى هذا لو أحرم بالعمرة في آخر يوم من رمضان وأداها ليلة العيد لم يكن متمتعاً لأنه أحرم بالعمرة قبل دخول أشهر الحج ولو أنه أحرم بالعمرة ولم يحج من عامه وحج في العام الآخر فليس بمتمتع لأنه لم يحرم بالحج في عامه. فإن نوى التمتع وأحرم بالعمرة وحل منها ثم بدا له أن لا يحج فهل له ذلك؟ نعم له ذلك لأنه لم يحرم بالحج والنية بدون عمل لا تلزم.

أما الإفراد أن يحرم بالحج مفرداً. والقران ذكر المؤلف له صورتين: الصورة الأولى أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً. والصورة الثانية أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، أما دليل الصورة الأولى فهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أتاه آتٍ وقال صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة وحجة وفي لفظٍ عمرةٌ في حجة) هذا قران أحرم بهما معاً وأما دليل الصورة الثانية فهو حديث عائشة (أنها أحرمت بالعمرة ثم حاضت في أثناء الطريق قبل أن تطوف فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحج) وظاهر الحال أن هذه الصورة لا تصح إلا عند الضرورة إذا تعذر على الحاج أن يطوف لكن العلماء أجمعوا أنه جائز سواءٌ كان ذلك لعذر أو لغير عذر. بقي صورةٌ ثالثة ذكر المؤلف أنها لا تصح وهو أن يُدخل العمرة على الحج يعني أن يحرم أولاً بالحج ثم يدخل العمرة على الحج فهل يكون قارنا؟ ً في هذا للعلماء قولان القول الأول ما مشى عليه المؤلف وهو أنه لا يكون بذلك قارناً بل هو باقٍ على إفراده ولم يذكر دليلاً وإنما ذكر تعليلاً.

والثاني أنه يصح إدخال العمرة على الحج ويكون بذلك قارناً واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم أولاً بالحج ثم جاءه آتٍ فقال قل عمرة وحجة فأدخل العمرة على الحج وهذا يحتاج إلى تقديم مسلَّمات ربما يذكرها لكنه قولٌ ليس ببعيد إذ أن تعليل المؤلف لا يكفي في المنع فتعليله أنه يقول إدخال العمرة على الحج لا يستفيد به الحاج عملاً زائداً ووجه ذلك أن عمل المفرد وعمل القارن واحد فإذا أدخل العمرة على الحج فإنه لا يستفيد بهذا الإدخال شيئاً يعني لا يستفيد زيادة عمل لكن لو أحرم بالعمرة ثم أدخل الحج عليها وهي الصورة الثانية للقران فإنه يستفيد زيادة الأعمال لأنه لو اقتصر على العمرة لكان يكفيه أن يطوف ويسعى ويقصّر أما لما أدخل الحج عليها صار لا بد أن يقف بعرفة وبمزدلفة ويرمي الجمرات ويبيت بمنى فاستفاد بإدخال الحج على العمرة زيادة العمل لكن هذا قد يقال إنه فرق غير مؤثر وأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) وهو إذا طاف بعد إدخال العمرة على الحج سينوي الطواف عنهما وإذا سعى سينوي السعي عنهما وبناءً على ذلك يتبين لي أنه لا بأس من إدخال العمرة على الحج ويصير بذلك قارناً فيكون للقران ثلاث صور: الأولى أن يحرم بهما معاً. الثانية أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يُدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. الثالثة أن يحرم بالحج أولاً ثم يدخل العمرة عليها.

اشترط المؤلف رحمه الله في الصورة الثانية أن يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها وقال بعض أهل العلم بل ولو بعد الشروع في طوافها واختاره كثيرٌ من العلماء أنه يصح إدخال الحج على العمرة ولو بعد الشروع بعد طوافها بل ولو بعد السعي ما دام لم يتحلل وهذه مسألة خطيرة أضرب لكم مثلاً يتبين بها خطورتها أنه لو طاف للعمرة أولاً طوافاً صحيحاً ثم سعى للعمرة وقصَّر وتحلل وتبين أن السعي غير صحيح إما لنقص الشوط أو لغير ذلك من الأشياء المبطلة ثم أحرم بالحج واستمر وانتهى منه فعلى ما ذهب إليه المؤلف يكون حجه غير صحيح لأنه أدخل الحج على العمرة بعد الطواف وإدخال الحج على العمرة بعد الطواف لا يصح إلا من كان معه هدي كما سنذكر إن شاء الله وعلى القول الثاني يكون حجه صحيحاً ويكون قارناً وعلى هذا فلا يلزمه إلا طواف الإفاضة والسعي لأن السعي الأول غير صحيح فيلزمه السعي ولا شك أن هذا فرقٌ عظيم بين القولين والقول الثاني قد يتعين القول به أحياناً فيما لو أتى إنسان جاهل وأدخل الحج على العمرة وهو لا يعلم أن العمرة فاسدة ثم يمضي مثلاً إلى بلده ويتكلف ويشق عليه إذا قلنا حجك غير صحيح معناه أن فريضة الإسلام لم تسقط عنه إذا كان فريضة. ولا يصح إدخال الحج على العمرة بعد الطواف إلا في حالٍ واحدة وهي إذا ساق الهدي فإذا ساق الهدي فإنه يطوف للعمرة ويسعى ثم يحرم بالحج قبل أن يحلق أو يقصّر لأن الحلق أو التقصير مع سوق الهدي قبل بلوغ الهدي محله لا يجوز وفي هذه الصورة يحرم بالحج قبل الفراغ من العمرة وبعد الطواف والسعي ويكون بذلك كما قال المؤلف قارناً وهذا تسليمٌ من المؤلف رحمه الله بجواز الإحرام بالحج بعد طواف العمرة لتعذر التحلل. فصلٌ

القارئ: وأفضل الأنساك التمتع لما روى جابر أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهلوا بالحج مفرداً فقال لهم (حلوا من إحرامكم بطوافٍ بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة فقالوا: كيف نجعلها متعةً وقد سمينا الحج قال: افعلوا ما أمرتكم فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل ما أمرتكم به ولكن لا يحل مني حرامٌ حتى يبلغ الهدي محله قال: ففعلوا) متفقٌ عليه. وعنه إن ساق الهدي فالقران أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل إذ كان معه الهدي، وقد روى أنسٌ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة) متفقٌ عليه والأول أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولحللت) فيدل هذا على فضيلة المتعة وقد روى عمرٌ وعليٌ وسعدٌ وابن عمر وحفصة وعائشة وعمران بن حصين رضوان الله عليهم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً وإنما منعه الحلّ سوق الهدي) ومعنى حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل الحج على العمرة حين امتنع عليه الحلّ منها ثم بعد التمتع الإفراد لأنه يأتي بنسكين كاملين والقارن يقتصر على عمل الحج ثم القران بعدهما.

الشيخ: ذكر المؤلف رحمه الله أن الأفضل التمتع مطلقاً حتى وإن ساق الهدي فالتمتع أفضل لكن ماذا يصنع إذا كان قد ساق الهدي ثم أتى بالطواف والسعي وهو متمتع؟ نقول له أحرم بالحج وتكون متمتعاً وهذا القول يناقض قوله في الفصل الذي قبله إنه يكون قارنا ودائماً الأقوال الضعيفة تتناقض فنقول كيف يصح أن يسميه متمتعاً وهو لم يتمتع بما أحل الله طرفة عين. لأننا قلنا له من حين أن تطوف وتسعى فتلبَّس بإحرام الحج قبل أن تحل فأين التمتع. ولذلك الرواية الثانية عن الإمام أحمد هي المتعيّنة وهي التي يدل عليها الدليل أنه إن ساق الهدي فالقران أفضل لتعذر التمتع في حقه إذ لا يمكن أن يحل بعد الطواف والسعي فالصواب أنه إذا ساق الهدي فالقران أفضل بل لو قيل إنه متعين في هذا الحال لكان له وجه لتعذر التمتع لأن التمتع غير ممكن مع سوق الهدي.

لكن يبقى النظر هل الأفضل أن يسوق الهدي ولا يتمتع أو أن يترك الهدي ويتمتع؟ الرسول عليه الصلاة والسلام ساق الهدي ولم يتمتع ولم يترك الهدي حتى يتمتع ثم إن في سوق الهدي من إظهار الشعائر ولا سيما فيما سبق لما كانوا يسيرون على الجمال وعلى الأرجل من إظهار الشعائر ما لم يكن فيما لو ساقه ثم فيه أيضاً من نفع الفقراء ما لا يوجد إذا لم يسقه فالواقع أن المسألة فيها احتمال أن نقول له سق الهدي واقرن أو نقول لا تسق الهدي وتمتع والغريب أن المؤلف رحمه الله استدل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم على أن التمتع أفضل ولو ساق الهدي فاستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل وزعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان متمتعاً لكن منعه من الحلّ سوق الهدي ولكن القول المتعين بالنسبة لحج النبي عليه الصلاة والسلام ما قاله الإمام أحمد قال: لا أشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً والمتعة أحب إليَّ هذا كلام الإمام أحمد فإن قال قائل ما تقولون فيما ذكره المؤلف عن عمر وعلي وسعد وابن عمر وحفصة وعائشة وعمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت متمتعاً؟ قلنا معنى تمتعه أنه تمتع بترك إحدى السفرتين لأنه حصل له عمرة وحج في سفرٍ واحد ولو فرقهما لكان يأتي لكل واحد بسفر فهو في الواقع متمتع كما أن المتمتع الذي يأتي بالعمرة ويبقى إلى الحج متمتع أيضاً، فالصواب المتعين ما ذهب إليه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً ويجاب عن تسميته متمتعاً في بعض ألفاظ الصحابة بأحد أمرين إما أن يقال إنه تمتع بسقوط إحدى السفرتين وإما أن التمتع في لسان الصحابة ليس هو التمتع المعروف في لسان الفقهاء وأن التمتع في لسان الصحابة هو الجمع بين نسكين في سفرٍ واحد مطلقاً.

يقول المؤلف يليه الإفراد وعلل ذلك بأنه يأتي بالنسكين كاملين ويعني هذا أن المفرد إذا حج اعتمر بعد الحج وهذا فيه نظر لأن العمرة بعد الحج لم تكن معروفةً عند السلف ولم تقع إلا في قضيةٍ واحدة معينة ومن المعلوم أن الصحابة منهم المفرد ومنهم القارن ومنهم المتمتع فهل الذين أفردوا خرجوا إلى الحلّ وأتوا بالعمرة بعد الحج؟ لا ولهذا يكون تعليل المؤلف رحمه الله بأنه يأتي بنسكين كاملين يكون تعليلاً عليلاً ونقابله بأن القارن يمتاز عن المفرد بحصول نسكين اقتدى فيهما بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبأن القارن يحصل منه هدي لأن القارن عليه هدي كالمتمتع وهذا زيادة على المفرد فالصواب أن الأفضل التمتع ثم القران وإن لم يسق الهدي ثم الإفراد هذا هو الصواب في هذه المسألة. فصلٌ القارئ: ويستحب للقارن والمفرد إذا لم يكن معهما هديٌ أن يفسخا نيتهما بالحج وينويا عمرةً مفردة ويحلا من إحرامهما بطوافٍ وسعيٍ وتقصير ليصيرا متمتعين لحديث جابر ويروى عن إبراهيم الحربي أنه قال: قال سلمة بن شبيب لأحمد بن حنبل يا أبا عبد الله كل شيءٍ منك حسنٌ جميل إلا خُلةً واحدة تقول بفسخ الحج فقال أحمد قد كنت أرى أن لك عقلاً عندي ثمانية عشرة حديثاً صحاحاً جياداً كلها في فسخ الحج أتركها لقولك فأما من ساق الهدي فليس له ذلك للحديث ولقول الله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ).

الشيخ: في هذا الفصل بيّن المؤلف رحمه الله أنه يستحب للقارن والمفرد إذا لم يكن معهما هدي أن يحوّل الإحرام إلى عمرة ليصيرا متمتعين فأما إن كان معهما هدي فقد علمتم أنه لا يمكن ذلك لأن من معه الهدي لا يمكن أن يتحلل حتى يبلغ الهدي محله وفي قوله رحمه الله ليصيرا متمتعين دليلٌ على أنه لو فسخ الحج مفرد أو قارنٌ ليتخلص من ذلك ويذهب إلى أهله فإنه لا يحل له هذا يعني مثلاً إنسان ذهب إلى مكة وأحرم بالحج مفرداً لكن لما رأى الزحام والمشقة قال أحوّل هذا الحج إلى عمرة ثم أطوف وأسعى وأقصّر وأرجع إلى أهلي فلا يحل ذلك وإنما يحل لمن أراد أن يحج ليصير متمتعاً ووجه الحلّ في هذه المسألة أولاً أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك. وثانياً أنه ينتقل من مفضولٍ إلى أفضل أي من إقران أو إفراد إلى تمتع وأما من فسخ نية الحج أو القران ليهرب فهذا لم يتحوّل من مفضولٍ إلى أفضل بل تهرب مما يلزمه من إتمام الحج أو العمرة حيث قال الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ). فإن كان معهما هدي فلا يحل أن يفسخا الإفراد والقران إلى عمرة لتعذر التحلل في حقهما لسوق الهدي. فصلٌ القارئ: ويجب على المتمتع دم لقول الله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) والدم الواجب شاةٌ أو سبع بدنة للآية قال أبو حمزة سألت ابن عباسٍ عن المتعة فأمرني بها وسألته عن الدم فقال فيها جزورٌ أو بقرةٌ أو شاة أو شرْكٌ في دم) متفقٌ عليه. الشيخ: جزور يعني ناقة كاملة بقرة كاملة شاة كاملة شركٌ في الدم يعني سُبع بدنة أو سُبع بقرة. القارئ: ولا يجب الدم إلا بشروطٍ خمسة أحدها أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام لقول الله تعالى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) وحاضر المسجد أهل الحرم ومن بينه وبينه دون مسافة القصر لأن الحاضر القريب والقريب دون مسافة القصر.

الثاني أن يعتمر في أشهر الحج لأن المعتمر في غير أشهره لم يجمع بين النسكين فلم يجب عليه دمٌ كالمفرد ولو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج وحلَّ منها في أشهره لم يكن متمتعاً لأن الإحرام نسكٌ لا تتم العمرة إلا به ولأنه أتى به في غير أشهر الحج فلم يصر متمتعاً كالطواف. الثالث أن يحج من عامه فإن أخَّر الحج إلى عامٍ آخر لم يكن متمتعاً لأن المتمتع بالعمرة إلى الحج يقتضي الموالاة بينهما ولم يوال فأشبه المعتمر في غير أشهر الحج. الرابع أن لا يسافر بينهما سفراً يقصر فيه لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال (إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع فإن خرج ثم رجع فليس بمتمتع) ولأنه إذا سافر لزمه الإحرام من الميقات أو من حيث انتهى إليه فلا يترفه بأحد السفرين فأشبه المفرد. الشيخ: في هذا الفصل البحث في مسائل:

أولاً يجب على المتمتع دم والدليل قول الله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) لكن بشروط الأول ألا يكون من حاضري المسجد الحرام لقول الله تعالى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَام) يقول المؤلف هم أهل الحرم ومن بينه وبين الحرم مسافة قصر يعني من حدود الحرم إلى ثمانين كيلو أو واحد وثمانين كيلو وقيل حاضروا المسجد الحرام هم أهل الحرم فقط لأن من كان خارجه ليس فيه والآية تقول (حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) وبناءً على ذلك نقول من كانوا في عرفة فليسوا من حاضري المسجد الحرام ومن كانوا في التنعيم فليسوا من حاضري المسجد الحرام وإن كانوا في مكة ويحتمل أن يقال حاضروا المسجد الحرام من كانوا داخل حدود الحرم أو حدود مكة لأنه من البعيد أن نقول إن الذين في التنعيم وقد اتصل بنيان مكة إليهم ليسوا من حاضري المسجد الحرام بل هم من أهل مكة لا شك فيقال حاضروا المسجد الحرام هم من كانوا داخل حدود الحرم أو في مكة حتى لو فرضنا أن مكة اتسعت وخرجت إلى ما وراء الحدود فيعتبر هذا من حاضر المسجد الحرام لأن مكة ولو اتسعت فإن أهلها يعتبرون أهلاً لها وحاضرون وإلا لقلنا إن من خرج إلى أطراف مكة التي خارج الحرم لقلنا إن هذا مسافر يحل له أن يقصر وليس كذلك فالأقرب أن حاضري المسجد الحرام هم من كان داخل حدود الحرم أو داخل حدود مكة.

الشرط الثاني أن يعتمر في أشهر الحج يعني أن يجمع بين العمرة والحج في أشهر الحج فإن اعتمر قبل دخول أشهر الحج وأتى بحجٍ فقط فليس بمتمتع لقوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي) وهذا يدل على أنه لولا هذه العمرة لم يحصل له تمتع بل كان باقياً على إحرامه ولا يمكن أن يبقى على إحرام الحج إلا إذا أحرم بالحج في أشهر الحج على القول الراجح وبهذا نعرف أنه لا بد أن تكون العمرة في أشهر الحج. الشرط الثالث أن يحج من عامه لقوله (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) وهذا يدل على أن الحج لولا هذا التمتع لبقي محرماً ولا يمكن أن يحرم هذا العام ولا يؤدي الحج إلا في العام الثاني لأن الحج أشهرٌ معلومات وهذا يدل على أنه لا بد أن يحج في عامه فإن أحرم بالعمرة في أشهر الحج ولكن لم يحج في عامه فليس بمتمتع. الشرط الرابع ألا يسافر بينهما سفر قصر وللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال القول الأول ما ذهب إليه المؤلف ألا يسافر بينهما مسافة قصر سواءٌ إلى بلده أو غير بلده وعلى هذا فإذا حج رجلٌ من أهل المدينة متمتعاً وخرج من مكة إلى الطائف ثم عاد من الطائف محرماً بالحج فليس بمتمتع وذلك لأنه سافر بينهما مسافة قصر وإذا لم يكن متمتعاً فليس عليه دم. القول الثاني أنه إن سافر إلى بلده ثم عاد محرماً بالحج فليس بمتمتع وإن سافر إلى غير بلده فهو متمتع فمثلاً إذا حج الإنسان من أهل المدينة ثم خرج إلى الطائف بعد العمرة ورجع من الطائف محرماً بالحج فهو على هذا القول متمتع لأنه لم يسافر إلى بلده وإن رجع إلى المدينة ثم أحرم بالحج في رجوعه من المدينة إلى مكة صار غير متمتع وإذا كان من أهل الرياض فأتى بالعمرة في أشهر الحج ثم ذهب بعد العمرة إلى المدينة ورجع منها محرماً بالحج فهو متمتع على هذا القول الثاني وعلى القول الأول ليس بمتمتع.

أما القول الثالث فيقول إنه متمتع بكل حال حتى وإن رجع إلى بلده وأحرم بالحج من ميقاته والصواب القول الوسط أنه إذا رجع إلى بلده ثم عاد من بلده محرماً بالحج فليس بمتمتع ووجه ذلك أنه أنشأ للحج سفراً مستقلاً عن الأول فلا يصح بناء الحج على العمرة وهذا هو الثابت عن عمر رضي الله عنه وابنه أنه إذا رجع إلى دويرة أهله فليس بمتمتع وإلا فهو متمتع. السائل: هل يجوز أن ننسخ من الأشرطة التي كتب عليها أن حقوق الطبع محفوظة وهل يتغير الحكم إذا كان النسخ للتوزيع أي للدعوة وليس للتجارة؟ الشيخ: الظاهر لي أنه إذا كان النسخ يعني على وجهٍ خاص شخصي أنه لا بأس وأما إذا كان للاتجار مثل أن ينسخ محل تسجيل هذه الأشرطة فإنه لا يجوز لما في ذلك من الاعتداء على حق أخيه أما طالب يريد أن ينسخ من طالب فلا بأس. السائل: إذا كان حفظكم الله للتوزيع على عامة الناس؟ الشيخ: الظاهر لا يجوز أيضاً لأن التوزيع هذا يؤثر على تجارة الموزع الأول لكن مثل هذا يستأذن فلعل الأول يأذن له إذا كان في الأمر خير. القارئ: الخامس أن يحل من عمرته فإن أدخل عليها الحج لم يجب دم المتعة لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (أهللنا بعمرةٍ فقدمنا مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة قالت: ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكرٍ إلى التنعيم فاعتمرت معه فقال: هذه مكان عمرتك فقضى الله حجها وعمرتها ولم يكن في شيءٍ من ذلك هديٌ ولا صومٌ ولا صدقة) متفقٌ عليه ولأنه يصير قارناً أشبه ما لو أحرم بهما.

الشيخ: هذا الشرط الخامس أن يحل من عمرته فإن لم يحل من عمرته فإنه ليس بمتمتع ولهذا قال: لم يجب عليه دم المتعة ثم هل يجب عليه دم القران؟ نقول إن كان أدخل الحج على العمرة قبل الشروع في طوافها فصحيح وعليه دم القران وإن كان بعد الشروع في طوافها فإحرامه بالحج لا يصح على المذهب وإذا لم يصح صار معتمراً فقط إلا إذا كان معه الهدي فإنه يصح أن يدخل الحج على العمرة ولو بعد الطواف ويصير قارناً. وفي حديث عائشة رضي الله عنها تقول أهللنا بعمرة فقدمنا مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة كان حيضها في موضعٍ يقال له سرف بين مكة والمدينة فلم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، أما عدم طوافها بالبيت فلأنها حائض والحائض لا يمكن أن تمكث في المسجد والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر النساء أن يخرجن يوم العيد وأمر الحُيَّض أن يعتزلن المصلى فدل ذلك على أن الحائض لا يمكن أن تمكث في المسجد وطوافها بالبيت نوعٌ من المكث وأما السعي فهي لم تسع لأنها لم تطف والسعي بعد الطواف في العمرة ولا يصح أن يقدَّم السعي على الطواف في العمرة وإنما رُخّص في الحج على خلافٍ في ذلك فالحج يجوز أن تقدم السعي على الطواف (لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل قال: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف قال: لا حرج) وأما العمرة فلا يصح تقديم السعي فيها على الطواف ومن قاسها على الحج فقد أبعد النجعة لظهور الفرق التام بين الحج والعمرة أولاً أنه لا قياس في العبادات يعني في هيئاتها وصفاتها لا يمكن أن يجري القياس لأنها تعبدية توقيفية. ثانياً أنه لو قدّم السعي على الطواف في العمرة لاختلت لأنه ليس فيها إلا ركنان فقط وهما الطواف والسعي والإحرام فإذا قدّم السعي على الطواف صار هذا انقلاباً مغيّراً تغيراّ كاملاً بخلاف الحج.

ثالثاً أن الأنساك يوم العيد في الحج كثيرة فكان من يسر هذا الدين أن يرخّص للناس في التقديم والتأخير لأن النسك يوم العيد خمسة أنساك الرمي والنحر والحلق والطواف والسعي فلو ألزم الناس بالترتيب بينها لكان في ذلك نوعٌ من الحرج والمشقة لكن رخّص لهم في أن يقدموا بعضها على بعض فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما سُئل يوم العيد عن شيءٍ قُدّم أو أُخّر إلا قال (افعل ولا حرج) لذلك لا يصح قياس العمرة على الحج لهذه الوجوه وإن كان روي عن بعض السلف جواز تقديم السعي على الطواف في العمرة إذا كان ناسياً ولكن الذي يظهر لي من الأدلة أنه لا يصح تقديم السعي على الطواف في العمرة ولو كان ناسياً. القارئ: وذكر القاضي أنه يشترط أن ينوي في ابتداء العمرة أو أثنائها أنه متمتع لأنه جمع بين عبادتين فافتقر إلى النية كالجمع بين الصلاتين وظاهر الآية يدل على عدم اشتراط هذا ولأنه يوجد التمتع بدونه والترفه بترك أحد السفرين فلزمه دمٌ كما لو نوى.

الشيخ: وما ذهب إليه القاضي هو الصواب أنه لا بد من نية التمتع وليس ظاهر الآية كما قال المؤلف رحمه الله كما سنبين إن شاء الله، لكن ما الفرق بين قول القاضي وبين ما ذهب إليه المؤلف؟ الفرق هو أنه لو أن رجلاً أتى بعمرةٍ في أشهر الحج وليس من نيته أن يحج وبقي في مكة حتى جاء الحج فحج فعلى كلام المؤلف يكون متمتعاً يلزمه الهدي وعلى قول القاضي لا يكون متمتعاً فلا يلزمه الهدي لأنه نوى عمرةً مفردة لا ينوي التمتع بها إلى الحج فلا يكون متمتعاً وما قاله القاضي رحمه الله هو ظاهر الآية الكريمة لأن الله قال (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي) وكلمة تمتع إلى الحج يدل على أن هناك قصداً ونية أنه لما كان قدم مكة في أشهر الحج وكان المتوقع أن يحج لأن هذه أشهر الحج لكنه أتى بالعمرة ليحل منها فيتمتع بها إلى الحج فظاهر الآية مع القاضي رحمه الله وهو الصواب. فصلٌ القارئ: وفي وقت وجوبه روايتان إحداهما إذا أحرم بالحج لقول الله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي) وبإحرام الحج يفعل ذلك فيجب الدم والثانية إذا وقف بعرفة لأن الحج لا يحصل إلا به وهو معرضٌ للفوات قبله فلا يحصل التمتع. الشيخ: الفائدة من هذا أننا إذا قلنا وقته كذا أُعتبر كونه قادراً أو غير قادر في ذلك الوقت فإذا قلنا إن المعتبر الإحرام بالحج وأحرم بالحج يوم الثامن وكان غنياً معه مال ثم سُرق منه المال قبل يوم عرفة فلما كان يوم عرفة لم يكن معه مال فعلى القول بأن المعتبر الإحرام بالحج يلزمه الهدي وعلى القول بأن وقت الوجوب عرفة لا يلزمه وفيه قولٌ ثالث أن المعتبر فجر يوم النحر لأنه هو اليوم الذي يكون به النحر فعلى كل حال على اختلاف الأقوال يعتبر قدرته على الهدي أو عدم قدرته بحسب هذا الاختلاف.

القارئ: فأما وقت ذبحه فقال أحمد: إن قدم مكة قبل العشر ومعه هديٌ نحره عن عمرته لئلا يضيع أو يموت أو يسرق فإن قدم في العشر لم ينحره حتى ينحره بمنى لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قدموا في العشر فلم ينحروا حتى نحروا بمنى فجوَّز النحر قبل إحرامه بالحج لأنه حق مالٍ يتعلق بسببين فجاز تقديمه على أحد سببيه كالزكاة. الشيخ: والصحيح خلاف قول الإمام رحمه الله في هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل عدم تحلله بكونه ساق الهدي فلا يحل حتى ينحر والحكم المعلق بسبب لا يزاد عليه سببٌ آخر أما على رأي المؤلف فالسبب أنه ساق الهدي وأنه قدم بعد دخول العشر وعلى كلام الإمام أحمد إذا ساق الهدي يريد به الحج وقدم قبل العشر فله أن ينحره خوفاً من هذا التعليل الذي ذكره أن يسرق أو يضيع أو ما أشبه ذلك لكنه مما يستغرب عن الإمام أحمد رحمه الله لأن ظاهر الحديث هو تعليق الحكم بسوق الهدي سواءٌ قدم بعد دخول العشر أو قبله وكون الصحابة قدموا بعد دخول العشر هذا أمرٌ اتفاقي ليس أمراً قصدياً حتى يعلق به الحكم لكن لو قال أنا لا أريد التمتع أنا أريد العمرة فقط وسقت الهدي للعمرة فهل له أن يذبحه؟ نعم لأنه ما ساقه في الحج. فصلٌ القارئ: فإن لم يجد الهدي فعليه صوم ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةٍ إذا رجع لقول الله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُم) وتعتبر القدرة في موضعه لأنه مؤقت له بدل فاعتبرت قدرته في وقته كالوضوء ووقت صيام الثلاثة قبل يوم النحر لقول الله تعالى (فِي الْحَجِّ) والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة ليحصل صومها أو بعضه بعد إحرام وإن قدًَّمها على ذلك بعد إحرام العمرة جاز لأنه وقتٌ جاز فيه نحر الهدي فجاز فيه الصيام كبعد إحرام الحج ومعنى قوله (فِي الْحَجِّ) أي في وقته.

الشيخ: إذا لم يجد الهدي ولا ثمنه لأن قول الله تعالى (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِد) أي لم يجد هدياً ولا ثمنه (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) قوله (فِي الْحَجِّ) يفسره حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لا يجد الهدي) وعلى هذا فالاختيار أن يكون صومها في أيام التشريق لأن أيام التشريق أيام حج أما ما ذهب إليه المؤلف بأنه يصوم قبل الحج ويكون آخرها يوم عرفة فهذا خلاف الحديث الصحيح الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم بعرفة وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة لكن الفقهاء رحمهم الله لما قالوا الأفضل أن يكون يوم عرفة اضطروا إلى أمرٍ آخر وهو أن يقدّم الإحرام بالحج بدلاً من أن يكون اليوم الثامن يجعله في اليوم السابع وهذا أيضاً فيه مخالفه للسنة لأن السنة أن يكون الإحرام بالحج في اليوم الثامن وعلى هذا فنرى أن أفضل أوقاتها هي الأيام الثلاثة أيام التشريق.

وقوله إن قدمها على الإحرام بالحج وبعد الإحرام بالعمرة فلا بأس هذا حق لأن قوله (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم (دخلت العمرة في الحج) يدل على أنه لا بأس أن يصوم هذه الأيام الثلاثة من بعد إحرامه بالعمرة لكن الغريب من كلام المؤلف رحمه الله أنه قال: فإن قدّمه بعد ذلك على إحرام العمرة جاز لأنه وقتٌ جاز فيه نحر الهدي فجاز فيه الصيام كبعد الإحرام بالحج هذا غريب لأن هذا التعليل لا ينطبق على المذهب إذ أن المذهب أن وقت ذبح هدي التمتع من بعد صلاة العيد أو قدرها يعني يوم النحر ولا يجوز أن يقدَّم على يوم النحر لكن فيه خلاف بين العلماء إنما كون المؤلف رحمه الله على مذهب الحنابلة الذين يرون أنه لا يجوز أن يقدَّم ذبح هدي التمتع على يوم العيد ثم يجعله علة لجواز تقديم الصيام هذا من الغرائب اللهم إلا أن يكون للمؤلف رأيٌ يوافق مذهب الشافعي وغيره من أهل العلم بأنه يجوز أن يذبح هدي التمتع من حين الإحرام بالعمرة كالصيام والراجح أنه لا يجوز أن يقدم الهدي على يوم العيد لأنه لو كان تقديم الهدي على يوم العيد جائزاً لفعله النبي عليه الصلاة والسلام ليطيب قلوب أصحابه يعني لنحَر وحَل. القارئ: ولا يجوز تقديم النحر ولا الصوم قبل إحرام العمرة لأنه تقديمٌ له على سببه فأشبه تقديم الزكاة على النصاب. الشيخ: تقديم الزكاة على النصاب يعني لو أن الإنسان يتوقع أنه سيملك نصاباً وليس بيده الآن إلا نصف نصاب فأخرج الزكاة فإنه لا يجزئه لأن هذا تقديمٌ للشيء على سببه ومثله أيضاً لو قدَّم كفارة اليمين على اليمين فإنه لا يجزئه أما لو قدَّم الزكاة قبل الحول فإنه يجزئه لأنه تقديمٌ للشيء على شرطه دون سببه وكذلك لو قدَّم كفارة اليمين على الحنث بعد اليمين أجزأ أيضاً لأنه تقديمٌ للشيء على شرطه بعد سببه وقد أشرنا إلى هذا في منظومة قواعد الفقه.

القارئ: ويصوم السبعة إذا رجع إلى أهله للآية ولما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةً إذا رجع إلى أهله) متفقٌ عليه فإن صامها بعد حجه بمكة أو في طريقه جاز لأنه صومٌ واجبٌ جاز تأخيره في حق من يصح منه الصوم فجاز تقديمه كرمضان في حق المسافر. الشيخ: يعني كما يجوز للمسافر أن يصوم في رمضان ولا يؤخره للقضاء فهذا يجوز لكن أيضاً القياس فيه نظر لأن صوم المسافر في رمضان صومٌ في وقته الأصلي وتقديم صوم المتعة تقديمٌ في غير وقته الأصلي لأن وقته الأصلي إذا رجع إلى أهله فلذلك لا يصح القياس وهذا القياس وأشباهه مما يرد علينا كثيراً في كلام المؤلف يسمى قياس الشبه وهو ضعيف جداً في الأقيسة لأنه ليس قياس علة ولا قياس دلالة فهو ضعيف لكن إذا قيل ما هي العلة في جواز التقديم. يقال العلة في جواز التقديم والله أعلم أن الله تعالى إنما أوجب السبعة عند الرجوع لأنه في السفر قد يحتاج إلى الفطر كما رخص له في الفطر في رمضان فإذا قدمه فلا حرج لأن تأخيره إلى الرجوع إلى أهله رخصة وإلا فالأصل أن يبادر لأن الكفارة واجبة في الذمة فالأصل المبادرة. على أن بعض العلماء قال (إِذَا رَجَعْتُمْ) أي من الحج لقوله (صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) أي من الحج ولكن الصحابة أعلم منا بمراد الله حيث فسروه بأن المعنى إذا رجعتم إذا رجع إلى أهله.

القارئ: ولا يجب التتابع في شيءٍ من صوم المتعة لأن الأمر به مطلق فلم يجب التتابع فيه كقضاء رمضان فإن لم يصم الثلاثة قبل يوم النحر صام أيام منى في إحدى الروايتين لقول ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم (لم يرخص في صوم أيام التشريق إلا للمتمتع إذا لم يجد الهدي) والثانية لا يصومها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق ويصوم بعد ذلك عشرة أيام وهل يلزمه لتأخيره دم؟ فيه روايتان إحداهما يلزمه لأنه أخر الواجب من المناسك عن وقته فلزمه دمٌ كتأخير الجمار والثانية لا يلزمه دم لأنه صومٌ واجبٌ يجب القضاء بفواته فلم يجب عليه بفواته كفارةٌ كصوم رمضان وقال القاضي: إن أخره لغير عذرٍ لتفريطه لزمه وإن أخره لعذرٍ لم يلزمه. الشيخ: إذاً الأقوال ثلاثة أنه يلزمه دم مطلقاً، والثاني لا يلزمه مطلقاً، والثالث التفصيل إن كان أخره لعذر لم يلزمه شيء وإلا لزمه ولكن قد يقول قائل الرجل إنما صام لأنه لا يجد الهدي فكيف تلزمونه بدم؟ الجواب أنه يبقى في ذمته أو يقال على ما سيأتي أن من لم يجد الدم الواجب لترك واجب فعليه صيام عشرة أيام فعلى هذا التقدير يلزمه أن يصوم عشرين يوماً والصحيح أنه إذا أخرها لعذر فلا شيء عليه كما لو أخر رمضان عن وقته وإذا أخرها لغير عذرٍ فهو آثم. القارئ: وإن أخر الهدي الواجب لعذرٍ من ضياع نفقةٍ ونحوها فليس عليه إلا قضاؤه كسائر الهدي الواجب وإن أخره لغير عذرٍ ففيه روايتان إحداهما لا يلزمه إلا قضاؤه لذلك، والثانية عليه هديٌ آخر لما روي عن ابن عباسٍ أنه قال (من تمتع فلم يهد إلى قابل يهدي هديين) ولأنه من نسكٍ مؤقتٍ فوجب بتأخيره دمٌ كالرمي. فصلٌ

القارئ: ومن دخل في الصوم ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إليه لأنه صومٌ شرع فيه لعدم الهدي فلم يلزمه الانتقال عنه كصوم السبعة وله الانتقال عنه كصوم السبعة وله الانتقال إليه لأنه الأصل وهو أكمل وإن وجب عليه الصوم فلم يشرع فيه حتى قدر على الهدي ففيه روايتان إحداهما لا يلزمه الهدي لأن الصوم استقر عليه أشبه الشارع فيه والثانية يلزمه لأنه وجد المبدل قبل شروعه في البدل أشبه الواجد له حال الوجوب. الشيخ: والظاهر أنه لا يلزمه الانتقال إلى الهدي بعد استقرار الصوم لكن في الغالب أنه أيسر له من الصيام لأنه تبرأ به ذمته حالاً وهو واجد غني فأما إذا شرع في الصوم مثل أن يكون صام الأيام الثلاثة قبل أن يخرج إلى عرفة ثم رزقه الله مالاً بعد ذلك فإنه لا يلزمه أن ينتقل لأنه شرع في البدل. فصلٌ القارئ: ويجب على القارن دم لأنه يروى عن ابن مسعودٍ وابن عمر رضي الله عنهما ولأن القران نوع تمتعٍ فيدخل في عموم الآية ولأنه ترفه بترك أحد السفرين فلزمه دمٌ كالمتمتع ويشترط ألا يكون من حاضري المسجد وحكمه حكم دم المتعة فيما ذكرنا. الشيخ: هذا هو الذي عليه جمهور العلماء أن القارن عليه هدي مثل المتمتع وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس عليه هدي لأنه يخالف المتمتع بأن المتمتع تمتع بحلٍّ بين العمرة والحج فلزمه الهدي شكراً لله على ذلك وأما القارن فلم يحصل له هذا وهذا هو ظاهر الآية لأن الله قال (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج) ولم يقل فمن تمتع بالعمرة والحج وكلمة إلى تدل على الغاية والغاية لها طرفان ابتدائي ونهائي وهذا يدل على أن الهدي إنما يلزم المتمتع الذي حلَّ بين العمرة والحج وأما القارن فلا يلزمه لكن من قاسه على المتمتع فأرجو ألا يكون في قياسه خلل لأن هذا الرجل تمتع بسقوط أحد السفرين عنه. فصلٌ

القارئ: وإذا حاضت المتمتعة قبل الطواف للعمرة فخشيت فوات الحج أو خشي ذلك غيرها أحرم بالحج مع العمرة وصار قارناً لحديث عائشة ولأنه يجوز إدخال الحج على العمرة لغير عذرٍ فمع خشية الفوات أولى. الشيخ: لكن نقول إنه في هذا الحال إذا كان هذا فرضه وجب عليه أن يدخل الحج على العمرة لئلا يفوته الحج وعلى هذا فالفائدة من هذا الفصل هو أنه إذا كان الذي أحرم بالعمرة يخشى فوات الحج وهذا هو فرضه فإنه يجب عليه أن يدخل الحج على العمرة ويصير قارناً أما إذا لم يكن هذا فرضه فإنه شاء بقي على عمرته ولو فاته الحج لأنه تطوع. فصلٌ القارئ: وتجزئ عمرة القارن وعمرة المفرد من أدنى الحل عن عمرة الإسلام وعنه لا تجزئان لقول النبي عليه السلام لعائشة لما أعمرها أخوها: (هذه مكان عمرتك) والصحيح الأول لقول الصُبي بن معبد لعمر إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما. يعني أهللت بالمكتوبتين فقال عمر: هديت لسنة نبيك. ولأنها عمرةٌ صحيحةٌ فكانت مجزئةً كعمرة المتمتع والمكي ولأن الحج مع تأكيده يجزئ الإحرام به من مكة فالعمرة من أدنى الحلّ أولى وأما حديث عائشة فهو حجةٌ على إجزاء إحدى العمرتين المختلف فيهما ولا حجة فيه على عدم الإجزاء في الأخرى لأنه إنما أعمرها من التنعيم تطيّيباً لقلبها لما سألته ذلك ولم يبدأها به. الشيخ: هذا صحيح ووجه ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجتك وعمرتك) فدل هذا على أن العمرة الأولى صحيحة وباقية لكن قال (هذه مكان عمرتك) تطييباً لقلبها لأنها قالت: يا رسول الله ينصرف الناس بحجةٍ وعمرة وانصرف بحج ومرادها بذلك العمرة المستقلة وأما العمرة التي دخلت في الحج وصارت بها قارنة فهذا ليس مرادها. السائل: ما هو الراجح في مسألة تأخير هدي التمتع؟ الشيخ: الصحيح أنه من أخَّره لعذر يذبحه متى ذكر كالصلاة المفروضة وليس عليه أن يذبح هديين.

الشيخ: سبق معنا في مسألة وقت ذبح هدي التمتع أنه لا يجوز تقديمه على يوم النحر وأما الصوم فيجوز تقديمه من حين الإحرام بالعمرة فيه قولٌ ثاني في الهدي وهو ظاهر تعليل الموفق رحمه الله وهو مذهب الشافعي أنه يجوز تقديم الهدي على يوم النحر كالصوم وقد استحسنه بعض العلماء المعاصرين لئلا يضيع اللحم في أيام منى وأفتى بذلك استحساناً وهذا حسن لا شك لكن يعكر عليه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر) ولو كان النحر جائزاً لنحر ليحل وتطيب نفوس أصحابه وإلا فالقول هذا جيد لولا النص والإنسان مأمور باتباع النص والحسن ما دل عليه النص ولعل الحكمة من ذلك والله أعلم ليتحقق كون يوم النحر يوم نحر ويتحقق كون أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله عز وجل. فصلٌ القارئ: ويسن للمحرم التلبية لأن النبي صلى الله عليه وسلم لبى ورفع صوته وأمر برفع الصوت بها وصفتها لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. لما روى ابن عمر أن هذه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم متفقٌ عليه.

الشيخ: لبيك يعني إجابة وإقامة تتضمن المعنيين لأنها من ألب بالمكان إذا أقام فيه ومن لبى الشخص إذا أجاب دعاءه فهي من المعنيين وثنيت لمطلق التكرار وليس لقصد حقيقة التثنية والإنسان يلبي ربه في كل طاعةٍ يعملها لو سئلت لم توضأت؟ قلت إجابةً لله فلا حصر للتلبية بمرتين فهي مثناهٌ يقصد بها مطلق التكرار ونظيره قوله تعالى (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) ليس المراد مرتين فقط بل مطلق التكرار وقوله (لبيك اللهم لبيك) أي يا الله (لبيك) تأكيد (لبيك لا شريك لك) فهذا فيه تحقيق الإخلاص لأن نفي الشريك أو نفي الشركة لتحقيق الإخلاص وهذا من النفي المتضمن للإثبات فليس نفياً محضاً أيضاً بل هو نفي يتضمن الإخلاص (إن الحمد والنعمة لك) يروى إن الحمد ويروى أن الحمد والكسر أحسن لأنه أعم وأشمل إذ لو قلت لبيك أن الحمد لقيدت التلبية بكون الحمد له يعني لأن له الحمد فإذا كسرت صارت الجملة استئنافية فتكون أعم والمعنى إن الحمد والنعمة لك في كل حال سواءٌ لبيتك أو لم ألبك (إن الحمد والنعمة لك والملك) الحمد وصفُ المحمود بالكمال والنعمة الفضل والله عز وجل يحمد على ما له من صفات الكمال وما له من الفضل والإنعام والملك بالضم أو بالنصب يجوز الوجهان لأن إن استكملت العمل في قوله لك وقد قال ابن مالك: وجائزٌ رفعك معطوفاً على ... منصوب إن بعد أن تستكملا فيجوز والملكُ بالضم ويجوز الملكَ بالنصب فعلى النصب تكون معطوفة على اسم إن وعلى الرفع تكون مبتدأ والخبر محذوف والتقدير والملك لك (ولا شريك لك) تأكيد للإخلاص وقول المؤلف إنها سنة هذا أحد الأقوال في المسألة وهناك قول آخر أنها واجب تجبر بدم وهناك قول ثالث أنها ركنٌ لا ينعقد الإحرام إلا بها كتكبيرة الإحرام والأقرب والله أعلم أنها سنةٌ مؤكدة ورفع الصوت بها كذلك لكن للرجال فقط أما النساء فلسن ممن يطلب منهن رفع الصوت.

القارئ: وتجوز الزيادة عليها لأن عمر زاد لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبيك وزاد ابنه لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغبة إليك والعمل وزاد أنس لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً وسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر ولا تستحب الزيادة لاقتصار النبي صلى الله عليه وسلم عنها. الشيخ: لعله والله أعلم أراد المؤلف لعدم زيادة النبي صلى الله عليه وسلم عنها لكن سها وهذا من المسائل التي كنت أقررها واستنكرها بعض الناس وهو جواز الشيء دون مشروعيته فهنا المؤلف يقول يجوز الزيادة والصحابة أيضاً استعملوها زادوا لكن مع ذلك لا تستحب هذه الزيادة مع أن الرسول أقرها وقررنا هذه القاعدة وذكرنا لها أمثلة منها قصة الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية فكان إذا قرأ يختم بقل هو الله أحد فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينكر عليه لكن هل شرع ذلك للأمة؟ لا، لا بقوله ولا بفعله. ومنها قصة سعد بن عبادة في استئذانه أن يجعل مخرافه صدقة لأمه فأذن له لكن هل شرع للأمة أن يتصدق الإنسان عن أمه بعد موتها؟ لا وكذلك أيضاً الرجل الذي قال إن أمي افتلتت نفسها ولو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها. قال نعم ولكن لم يشرع ذلك للأمة. أيضاً هذه التلبية كان لا يزيد على التلبية التي يلبي بها ويسمع أصحابه يزيدون ولم ينكر عليهم ولكن هل يشرع أن نزيد كما زادوا أو أن نقتصر كما قال الرسول؟ الثاني بلا شك لأن الرسول هو الأصل في الأسوة. القارئ: قال جابر (وأهلّ الناس بهذا الذي يهلون ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته) رواه مسلم ويستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها لأنه موضعٌ شرع فيه ذكر الله تعالى فشرع فيه ذكر رسوله كالأذان.

الشيخ: هذا قياسٌ غير صحيح هل كل ما شرع فيه ذكر الله يشرع فيه ذكر الرسول؟ لا بل في بعض المواضع يكره ذكر الرسول عند الذبح تقول باسم الله ويكره أن تصلي على الرسول عليه الصلاة والسلام عند الوضوء تقول بسم الله ولا تقول اللهم صل على محمد قياس الشبه ضعيف جداً، ومعناه إذا شابه الشيء الآخر ولو في صورة واحدة جعله قياساً مطرداً وهذا فيه نظر لكن ورد في حديث فيه نظر أنه يصلى بعد التلبية على النبي صلى الله عليه وسلم. القارئ: ثم يسأل الله الجنة ويستعيذ من النار. الشيخ: هذا أيضاً ورد فيه حديث لكن في صحته نظر. القارئ: ويستحب ذكر إحرامه في تلبيته لقول أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لبيك عمرةً وحجة) متفقٌ عليه، وقول ابن عباس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يلبون بالحج قال أحمد إذا لبى القارن بهما بدأ بالعمرة لحديث أنس وقال أبو الخطاب لا يستحب ذكر الإحرام فيها. الشيخ: والصحيح أنه يستحب أن يذكر إحرامه وأن يقول لبيك اللهم حجاً إن كان مفرداً لبيك اللهم عمرة إن كان متمتعاً لبيك اللهم عمرةً وحجاً إن كان قارناً إظهاراً لشعائر الله عز وجل وليس هذا من باب الرياء وإنما هو من باب التأسي برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. مسألة: هل لنا أن نزيد نحن أيضاً على التلبية؟ إن قلنا بالسعة وقلنا ما دام الرسول أقر جنس الزيادة فليزد الإنسان ما شاء بشرط أن لا يكون فيه معارضة لنص إما مثلاً شرك أو ما أشبه ذلك وإن قلنا بأن لا نزيد على ما أقر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة عليه فهو أحسن وهو أولى والأولى بلا شك الاقتصار على تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم لكن قد روى الإمام أحمد بسندٍ صحيح أنه كان يقول (لبيك إله الحق) أعني النبي صلى الله عليه وسلم فإذا زاد هذه الكلمة أحياناً فهو طيب. فصلٌ

القارئ: ويستحب البداءة بالتلبية إذا ركب راحلته لقول ابن عباسٍ أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحرام حين فرغ من صلاته فلما ركب راحلته واستوت به قائمةً أهلّ أي لبى ويستحب رفع الصوت بها لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال) حديثٌ صحيح ولا يجهد نفسه في ذلك لئلا ينقطع صوته فتنقطع تلبيته. الشيخ: هذا تعليل لا بأس به لكن هناك دليل أصح أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر قال (أيها الناس اربعوا على أنفسكم) أي ارفقوا بها وليت المؤلف استدل بذلك وعلى هذا فقول جابر كنا نصرخ بها صراخاً يعني من غير مشقة وكلفة. القارئ: ولا ترفع المرأة صوتها إلا بقدر ما تسمع رفيقتها لأنها يخاف الافتتان بها ويستحب الإكثار منها لأنها ذكر. الشيخ: العلماء رحمهم الله هم المربون حقيقة يعني المرأة لا تجهر ولا بالذكر فالذي تتعبد به لله وتتقرب إليه خوفاً من الفتنة فما بالك بالنساء اليوم! ترفع المرأة صوتها حتى بغير الذكر مع أن الفتنة في الوقت الحاضر أشد من الفتنة في عهد الصحابة بلا شك ولهذا ينبغي لنا أن نبين للنساء أن المرأة وإن لم يكن صوتها عورة على القول الراجح لكن المشروع في حقها أن تخفض الصوت في كل مجالات الكلام إلا إذا لم يكن عندها إلا نساء مثل أن تقوم بخطبة أو موعظة في سطة النساء فهذا لا شك أنه جائز.

القارئ: ولأنه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مسلمٍ يضحي لله يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه) رواه ابن ماجة ويتأكد استحبابها في ثمانية مواضع إذا علا نَشَزاً أو هبط وادياً أو تلبَّس بمحظورٍ ناسياً وفي دبر الصلوات المكتوبات وإذا التقت الرفاق وفي إقبال الليل والنهار وبالأسحار لأن النخعي قال: كانوا يستحبون التلبية دبر الصلوات المكتوبة وإذا هبط وادياً وإذا علا نشزاً وإذا لقي راكباً وإذا استوت به راحلته ولأن في هذه المواضع ترتفع الأصوات ويكثر الضجيج وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الحج العج والثج) وهو حديثٌ غريب والعج: رفع الصوت، والثج: إسالة الدماء، وحكم التلبية دبر الصلوات حكم التكبير في أيام عيد النحر وتجزئ التلبية مرة واحدةً لعدم الأثر في تكرارها ولا بأس بالزيادة لأنها زيادة ذكرٍ وتستحب التلبية في المسجد الحرام ومنى وسائر مساجد الحرم وبقاعه لأنها مواضع النسك ولا يستحب إظهارها في مساجد الحل وأمصاره لما روي عن ابن عباسٍ أنه سمع رجلاً يلبي بالمدينة فقال إن هذا لمجنون إنما التلبية إذا برزت. الشيخ: وقال شيخ الإسلام رحمه الله إن التلبية إنما تكون للسائر الماشي وأما الماكث فلا يلبي وذلك لأن التلبية إجابة دعوة والنازل القاعد لم يتحرك حتى يقال إنه مجيبٌ للدعوة وقال إنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لبى وهو مقيم بعرفة أو مزدلفة أو منى إنما كان يلبي في حال سيره لكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة فمن أخذ بهذا العموم قال إنه يلبي في حال سيره وفي حال إقامته وهذا هو ظاهر كلام المؤلف. السائل: ما حكم المتمتع الذي ليس معه هدي ولم يتمكن من الصيام في الحج؟ الشيخ: يصومها إذا رجع ثلاثاً وسبعاً فتكون عشرة.

باب محظورات الإحرام

باب محظورات الإحرام القارئ: وهي تسعة أحدها الجماع لقول الله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ) قال ابن عباس الرفث: الجماع، وتحرم المباشرة فيما دون الفرج لشهوة لأنه محرمٌ للوطء فحرم المباشرة لشهوةٍ كالصيام ويحرم عليه النظر لشهوة لأنه نوع استمتاع فأشبه المباشرة. الشيخ: قوله باب محظورات الإحرام تكتب بالظاء المشالة لأنها من الحظر وهو المنع ومحظورات الإحرام ممنوعاته وهو من باب إضافة الشيء إلى سببه يعني المحظورات التي سببها الإحرام. وقوله إنها تسعة إذا قال قائل ما هو الدليل؟ قلنا الدليل على ذلك هو التتبع والاستقراء وهذا شيءٌ معروف عند الفقهاء رحمهم الله فإن قيل لماذا هذا الحصر في المحظورات؟ قلنا لأن السنة جاءت بمثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) فحصر وعدّد وبيّن وقال صلى الله عليه وسلم (سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وذكر الحديث، وهذا أيضاً حصرٌ فهذا مما جاء أصله في السنة والعلماء رحمهم الله ذكروا ذلك لتقريب العلم لطالب العلم ولا شك أن هذا يقرب لأننا لو قلنا لطالب العلم المبتدئ ابحث أنت في الكتاب والسنة في المحظورات لأمضى أوقاتاً كثيرة وربما لا يستطيع استيعابها فهذا من نعمة الله عز وجل وتيسيره لعباده أن يسر علماء ثقات يذكرون هذه الأشياء ويبينونها للناس. أولها الجماع وهو أعظمها لما يتبين مما يترتب عليه ودليل ذلك قوله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ) والرفث فسره ابن عباس رضي الله عنهما وهو من أعلم الأمة بالتفسير بأنه الجماع.

أما مقدماته فقال إنها تحرم أيضاً المباشرة فيما دون الفرج لشهوة لأنه محرّمٌ للوطء لأنه أي الإحرام محرّم للوطء فحرم المباشرة لشهوةٍ كالصيام وكذلك يحرم عليه النظر لشهوة ولو ممن يحل النظر إليها وعلل ذلك بأنه نوع استمتاع وهو أيضاً ذريعة إلى ما فوقه من مباشرة والمباشرة مع كونها استمتاعاً ذريعةً إلى ما فوقها من الجماع. القارئ: الثاني عقد النكاح لا يجوز للمحرم أن يعقده لنفسه ولا لغيره ولا يجوز عقده لمحرمٍ ولا على محرمة لما روى عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) رواه مسلم ولأن الإحرام يحرّم الطيب فحرم النكاح كالعدة. الشيخ: هذا قياس غريب عندنا دليل عن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أنه نهى أن ينكح المحرم أو ينكح أو يخطب. فحرم كل ذريعةٍ يمكن أن توصل إلى الاستمتاع ثم إن الإنسان إذا نكح وهو محرم أين يكون قلبه؟ عند أهله يتلهى بذلك عن تكميل النسك وينشغل عن ذكر الله عز وجل فلهذا سُد الباب وأيضاً الخِطبة بكسر الخاء حرام يحرم على المحرم أن يخطب امرأة. القارئ: وإن فعل فالنكاح باطل لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه. الشيخ: هذه قاعدة مهمة النهي يقتضي فساد المنهي عنه. القارئ: ولا بأس بالرجعة لأنها إمساكٌ للزوجة بدليل قول الله تعالى (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ولأنها تجوز بغير وليٍ ولا شهود ولا إذنها فلم تحرم كإمساكها بترك الطلاق. الشيخ: معناه قاس الرجعة التي هي رد الزوجة بعد طلاقها على من لم تطلق وعلى كل حال كما قلت لكم من قبل أن غالب قياساته رحمه الله في هذا الباب كلها من قياس الشبه الضعيف لكن لا بأس بالرجعة لأنها ليست نكاحاً والأصل فيما لم ينه عنه الحلّ ولهذا أخذوا من هذا قاعدة أن الاستدامة أقوى من الابتداء وهذا صحيح والرجعة استدامة والطيب سبق أنه يسن عند الإحرام ولو بقي بعده وتجديد الطيب بعد الإحرام محرم.

القارئ: وعنه لا يحل لأنه عقدٌ لإباحة البضع أشبه النكاح. الشيخ: هذه الرواية ضعيفة أنها لا تحل مراجعتها في الإحرام والتعليل بأنها عقد غير صحيح أيضاً لأن العقد لا بد أن يكون بين متعاقدين والرجعة ليست كذلك الرجعة من الزوج فقط، يقول راجعت زوجتي سواءٌ رضيت أم لم ترض. القارئ: ويجوز أن يشهد في النكاح لأن العقد الإيجاب والقبول وليس للشاهد فيهما شيء. الشيخ: صحيح. القارئ: وتكره الخطبة للمحرم وخِطبة المحرمة للخبر. الشيخ: ومقتضى قوله للخبر أن تكون محرمة لأن الحديث واحد (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) فكيف نوزعه ونقول النهي في الجملتين الأوليين للتحريم وفي الثالثة للكراهة الصواب أنها حرام فإن قال قائل اشتغال الإنسان بعد عقد النكاح أشد تعلقاً بالمرأة من الخطبة قلنا أيضاً انشغال الإنسان في الخطبة قد يكون أشد لأن الذي عقد استراح لكن الذي خطب دون أن يعلم ماذا كان ربما ينشغل هل أطاعوا هل عصوا، ماذا يريدون وما أشبه ذلك وربما يتردد عليهم فالصواب أن خطبة المحرم حرام. القارئ: ولا يجب بالتزويج فدية لأنه عقدٌ فسد بالإحرام فأشبه شراء الصيد. الشيخ: شراء الصيد لم يحرَّم والمحرم قتل الصيد كما في الآية الكريمة لا شراؤه ولا تملكه وأما قوله لا يجب بالتزويج فدية فنحن معه لأنه لم يذكر فيه فدية والأصل براءة الذمة لكن سيأتينا أنهم أوجبوا في لبس المخيط وفي الطيب الفدية وعللوا ذلك بأنه للترفه وأظن أن ترفه الإنسان بعقد النكاح له لا سيما إذا كان شاباً أبلغ من أن يلبس ثوباً وهو عليه إزار ورداء ولذلك هذا الشاب الذي عقد له النكاح على امرأةٍ كان يرغبها ربما يرى أنه يمشى على الهواء وليس على الأرض من شدة الفرح على كل حال نحن معهم في أنها لا تجب الفدية لأن الأصل براءة الذمة ولو أننا طردنا هذا في جميع المحظورات إلا ما جاء النص به لكان هذا جيداً.

القارئ: الثالث قطع الشعر لقول الله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) نصَّ على حلق الرأس وقسنا عليه سائر شعر البدن لأنه يتنظف ويترفه به فأشبه حلق الرأس وقص الشعر وقطعه ونتفه كحلقه ولا يحرم عليه حلق شعر الحلال لأنه لا يترفه بذلك. الشيخ: الدليل الآن أخص من المدلول ولا يستدل بالأخص على الأعم والعكس صحيح يعني يستدل بالأعم على الأخص ولهذا قلنا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لكن الاستدلال بالأخص على الأعم هذا فيه نظر لكن إذا قيل يقاس هذا على هذا ننظر هل تمت أركان القياس وشروطه فنقبله أم لم تتم فإننا لا نقبله فالمنصوص عليه من الشعر الذي لا يحلق هو الرأس، أما غير الرأس كالشارب والإبط والعانة هل يلحق بالرأس؟ قد يقال لا يصح القياس أولاً أن شعر الرأس ليس مما يطلب إزالته بل قال بعض أهل العلم إن شعر الرأس مما يطلب إبقاؤه بخلاف الشعور الأخرى فإنها مما يطلب إزالتها فربما يكون قد نسي أن يتنظف بحلق هذه الشعور وإزالتها ثم يذكر وهو محرم فيحتاج إلى ذلك وإن كان ليس ضرورة. ثانياً أن حلق الرأس إنما حرّم لأنه يتعلق به نسك وهو التحلل لأنه لن يتحلل إلا بحلق أو تقصير وأما الشعور الأخرى فلا يتعلق بها التحلل يتحلل الإنسان بدون أن يزيلها ولهذا ذهب أهل الظاهر إلى أن المحرم إنما هو حلق الرأس فقط دون غيره من الشعور بقي أن يقال هل قص الشعر كحلقه؟ الجواب نعم لا شك أن قصه كحلقه وأننا إذا قلنا لا يحرم إلا الحلق فهذه ظاهريةٌ محضة ليس لها حظٌ من النظر وذلك لأن التقصير أيضاً نسك فلا يقصر الإنسان ولا يأتي بهذا النسك قبل أن يحل منه.

القارئ: وإن خرج في عينيه شعرٌ أو استرسل شعر حاجبيه فغطى عينيه فله إزالته ولا فدية عليه لأن الشعر آذاه فكان له دفع أذاه من غير فديةٍ كالصيد، وإن كان الأذى من غير الشعر كالقمل فيه والقروح برأسه أو صداعٍ أو شدة الحر عليه لكثرة شعره فله إزالته وعليه الفدية لما نذكره ولأنه فعل المحرم لدفع ضرر غيره فلزمته الفدية كما لو قتل الصيد لمجاعةٍ بخلاف من آذاه الشعر. الشيخ: نعم هذا أيضاً صحيح يعني لو نزل في عينيه شعر وقلنا بتحريم إزالة الشعر من غير الرأس ونزل بعينيه فلا بأس أن يزيله لأن ذلك لدفع أذاه كالصائل عليه كما أن الصيد وهو مؤكدٌ تحريمه إذا صال عليك ولم يندفع إلا بالقتل فلك قتله ومثل ذلك لو نزل شعر الحاجب وكان كثيرا يغطي نظره فله أن يقص منه ما يدفع به الأذى عن نفسه وأما إذا أزال الشعر لدفع أذى غيره مثل أن يكون في الرأس قمل يستظل بهذا الشعر وأراد أن يحلق الرأس من أجل أن يذهب القمل فعليه الفدية وهذا نص القرآن قال الله تعالى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ) وحديث كعب ين عجرة يفسر ذلك حيث جيئ به محمولاً إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الحديبية والقمل يتناثر على وجهه من المرض والوسخ فقال: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، ثم أمره أن يحلق رأسه ويفدي لأن هنا إنما أتلفنا الشعر لدفع أذى غيره به ومن هنا أخذ ابن رجب رحمه الله قاعدة في قواعد الفقه من أتلف شيئاً لدفع أذاه لم يضمنه وإن أتلفه لدفع أذاه به ضمنه مثال رجل صالت عليه شاة ولم تندفع إلا بالقتل فقتلها لا يضمنها وآخر جاع واضطر إلى ذبح الشاة وهي لغيره وأكلها يضمن فالأولى أتلفها لدفع أذاها والثانية لدفع أذى غيرها أي لدفع أذاه بها.

القدر الذي يوجب الفدية من حلق الشعر فيه خلاف بعض العلماء يقول إن قطع شعرة فعليه إطعام مسكين وإن قطع شعرتين فإطعام مسكينين وإن قطع ثلاث شعرات فدم يعني دم أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام ولكن هذا القول ضعيف لأن قطع ثلاث شعرات ليس حلقاً ولا تقصيراً أيضاً ولهذا يلزم من قال إن الفدية في ثلاث شعرات أن يقول إن ثلاث شعرات تجزئ في التقصير لكن الصحيح خلاف ذلك وأنه لا تلزمه الفدية في مثل هذا بقي علينا إذا حلقه لحاجة ولكنه لم يستوعب الرأس ولم يحلق إلا جزءاً يسيراً منه مثل أن يحلق محلات محل المحاجم فهل عليه فدية؟ المذهب أن عليه فدية لأنه حلق جزءاً من رأسه بيناً واضحاً فعليه فدية وقال شيخ الإسلام لا فدية عليه وهو الصحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في رأسه وهو محرم وبالضرورة سيحلق محل المحاجم ولم ينقل أنه فدى والله علق الفدية بحلق الرأس كله (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ) وعلى هذا فحلق شعر الرأس إن كان جميعه فعليه الفدية وإن كان بعضه لحاجة فهو مباح ولا فدية عليه وإن كان بعضه لغير حاجة فهو حرام ولا فدية عليه وإن كان شعرة أو شعرتين فهذا ليس فيه شيء إطلاقاً هذا هو القول الراجح في هذه المسألة. القارئ: الرابع تقليم الأظفار يحرم لأنه جزءٌ ينمي ويترفه بإزالته أشبه الشعر وإن انكسر ظفره فله إزالته ولا فدية عليه كالشعر المؤذي وإن قصَّ أكثر مما انكسر فعليه فدية وإن احتاج إلى مداواة قرحة لا يمكنه مداواتها إلا بقص ظفره فعل وعليه الفدية كحالق الرأس دفعاً لأذى قمله.

الشيخ: الرابع تقليم الأظفار الدليل الترفه فهل الترفه مما نيط به الحكم إن كان كذلك قلنا لا تركب سيارةً مكيفة ولا تغتسل بصابون ولا تغسل وسخ ثوبك ولا وسخ بدنك إذ كل هذا ترفه ولا تنزل بخيمة مكيفة ولا تستعمل المروحة باليد لأن كل هذا ترفه ولا تأكل لحم الدجاج لأنه ترفه فيما سبق على كل حال نقول من قال إن العلة هو الترفه يعني ليس عندنا دليل على تحريم قطع شيءٍ من البدن إلا قوله (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ) وقد علمتم أن التعليل الواضح من ذلك هو أن الشعر يتعلق به التحلل فهو نسك ولهذا قياس الظفر على الشعر أضعف من قياس بقية الشعر على شعر الرأس وليس هناك دليل يدل على تحريم قطع الأظفار للمحرم ولا على وجوب الفدية فيها أيضاً لكن على ما قال الفقهاء أو جمهور الفقهاء يقولون إنه حرام يحرم على المحرم أن يقص أظفاره فإذا فعل فعليه الفدية لكن في الظفر إطعام مسكين والاثنان إطعام مسكينين والثلاثة دم ومع ذلك فالدم هذا دم تخيير بينه وبين إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام فإن انكسر ظفره وآذاه يقص هذا المنكسر فقط الذي يندفع بقصه الأذى ولا شيء عليه لأنه أتلفه لدفع أذى إن كان فيه قرحة كما قال المؤلف تحتاج إلى قص الظفر فقص الظفر من أجل مداواة هذه القرحة جائز للحاجة إلى ذلك ولكن عليه الفدية وهذا مبنيٌ على أن قص الظفر فيه الفدية أما على القول الثاني فلا فدية الراجح عندي عدم التحريم وعدم وجوبه لكني لا أفتي بذلك خوفاً من تهاون الناس، الناس الآن يحترمون الإحرام احتراماً بالغاً ولو قلنا هذا شيء فيه حلال تهاونوا فيه أكثر والإنسان ينظر إلى ما يترتب على الفتوى من آثار وما دمنا لم نرتكب شططاً في هذا الأمر غاية ما هنالك أن الناس يتجنبون قص الأظفار ولو جاءوا وسئلوا بعد أن قصوا الأظفار لقلنا لا شيء عليهم.

القارئ: الخامس لبس المخيط يحرم عليه لبس كل ما عمل للبدن على قدره أو قدر عضوٍ منه كالقميص والبرنس والسراويل والخف، لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن رجلاً قال (يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلبسن القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحداً لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا يلبس من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس) متفقٌ عليه.

الشيخ: الخامس لبس المخيط وهذه العبارة لم ترد لا في القرآن ولا في السنة وإنما قيل أول من تكلم بها فقيه التابعين إبراهيم النخعي رحمه الله لكنها ليست في القرآن ولا في السنة ومن أجل العدول عمَّا جاءت به السنة في هذا صار الناس الآن يتساءلون عن الحذاء المخروز ويتساءلون عن الكمر المخروز وما أشبه ذلك ولا يرون بأساً في لبس الفنيلة المنسوجة بدون خياطة لأنها عندهم ليست مخيطة ولو أننا أخذنا بما جاءت به السنة لزال عنا إشكالاتٌ كثيرة وصار أهون من هذا التعميم فيقول رحمه الله لبس المخيط يحرم عليه لبس كل ما عُمل للبدن على قدره كالقميص مثلاً أو قدر عضوٍ منه كالسراويل والكم وما أشبه ذلك ثم ضرب أمثلة فقال كالقميص والبرنس والسراويل والخف وهذه منصوصٌ عليها وبقي عليه واحد وهو العمامة ثم ذكر ما رواه ابن عمر (أن رجلاً قال يا رسول الله ما يلبس المحرم) وهذا السؤال ورد على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة قبل أن يخرج إلى الحج فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يلبس القميص) والسؤال عن الذي يلبس لا عن الذي لا يلبس فهل في الجواب مخالفة للسؤال؟ لا وذلك لأن اللبس وعدمه نفيٌ وإثبات فإذا نفينا صار الباقي مثبتاً فإذا قيل لا تلبس كذا ولا كذا ولا كذا صار المعنى البس ما سوى ذلك ومن المعلوم أن ما يلبسه المحرم أكثر مما لا يلبسه فلهذا عدل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى ما يمكن حصره وهو الذي لا يلبس ويكون ما لا يمنع جائزاً وهذا من حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه أعطي مجامع الكلم واختصر له الكلام قال (لا يلبس القميص) عندي القمص جمعاً ولكن المعنى واحد والقميص هو الدرع، والدرع ثيابنا التي علينا الآن هذا القميص والثاني (ولا العمائم) وهو ما يكوَّر على الرأس والثالث (ولا السراويلات) بالجمع وهي ما يلبس في الرجلين ويقطَّع لكل رجلٍ كم (ولا البرانس) البرانس جمع برنس قال العلماء وهي ثيابٌ واسعة لها

أكمام ولها غطاءٌ يتصل بالرأس ويلبسها المغاربة مشهورة عندهم (ولا الخفاف) معروف ما يلبس من الجلد ونحوه على الرجل (إلا أحداً لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين) فرخَّص لمن لا يجد النعلين أن يلبس الخفين ولكن يقطعهما أسفل من الكعبين (ولا يلبس من الثياب شيئاً مسه زعفران) والزعفران طيبٌ معروف (ولا الورس) قال العلماء والورس أيضاً حبٌ ينبت في اليمن كثيراً له رائحةٌ طيبة فهو شبيهٌ بالزعفران والمعنى لا يلبس ثوباً مطيباً هذا معنى قوله مسه زعفران أو ورس لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أحياناً يعبّر بالمثال حتى يلحق به ما كان مثله، لا يلبس خمسة أشياء القميص، العمائم، السراويل، البرانس، الخفاف هذه لا تلبس لذاتها ولا يلبس ما مسه الزعفران ولا الورس لغيره لا لذاته وعليه فلا يلبس رداء مسه الزعفران أو الورس ولا إزاراً الطاقية ليست عمامة لكننا نقول إنها تمنع من قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الذي مات (لا تخمروا رأسه) وهذا تخميرٌ للرأس بلباس. يجوز أن يلبس إزاراً مخيطاً ليس مفتوحاً يعني فلو أن إنساناً مثلاً خاط إزاره ولبسه فليس بسراويل ولا قميص فيجوز لبسه. لو استعمل هذه الأشياء على غير اللباس يعني تلفف بالقميص مثلاً يجوزلأن الرسول قال لا يلبس واللفافة ليست لبساً ولهذا نرى أنه ينبغي للإنسان أن يعتمد على النص فهو خيرٌ من تعميمٍ يوجب التخليط وهو قولنا لبس المخيط لأنه أشكل على العامة ثم إنه قد يتناول أشياء لا يحرمها الشرع فنقول إذا أردنا أن نحدد الموضوع حقيقةً لا يلبس هذا الشيء ولا نتعدى الحدود والذي يمنع الخلق أو يرخص لهم هو الله عز وجل أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الساعة ليست من المنصوص ولا في معنى المنصوص كذلك المناظر وسماعة الأذن.

فإن قال قائل لم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع الخفين وهل هذا إلا إفسادٌ لهما؟ قلنا حتى تخرج عن صفة الخفين ولهذا قال: أسفل من الكعبين وتكون أشبه بالنعل. القارئ: وسواءٌ في هذا ما كان من خرقٍ أو جلد مخيط بالإبر أو ملصق بعضه إلى بعض لأنه بمعنى المخيط. الشيخ: خير من هذا أن نقول لأنه في معنى المنصوص عليه لأنه لا يوجد نص يقول المخيط حرام. القارئ: والتبان والران كالسراويل لأنه في معناه. الشيخ: التبان السروال القصير. القارئ: وإن شق الإزار وجعله ذيلين شدهما على ساقيه لم يجز لأنه كالسراويل وتجب الفدية باللبس لأنه محرمٌ في الإحرام فتعلقت به الفدية كالحلق. الشيخ: إيجاب الفدية بلبس المخيط بناءً على هذا القياس العليل نرى أنه لا يصح إلا إذا أجمع العلماء على ذلك فالإجماع حجة وإلا فإيجاب الفدية بلبس المخيط فيه نظر ولكن القياس لو أردنا أن نقيس لقلنا لأن هذا فعل ممنوعاً في الإحرام فلزمته الفدية كالحلق وهو قريبٌ مما قال المؤلف لكن نحن نفتي بلزوم الفدية وهي على التخيير كما تعرفون لئلا يتوان الناس ويتهاونوا لأنه لو قيل لهم لا فدية عليكم هان الأمر على الناس. القارئ: ولا يجوز له عقد ردائه عليه لأن ابن عمر قال: لا تعقد عليك شيئاً ولأنه يصير بالعقد كالمخيط.

الشيخ: هذا فيه نظر والصواب أنه يجوز أن يعقد الرداء وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما فهو على سبيل الاحتياط وابن عمر رضي الله عنه من أشد الصحابة رضي الله عنهم فالصواب أن عقد الرداء جائز لكن نظراً للخلاف ينبغي للإنسان أن لا يفعله إلا عند الحاجة وشبكه بدون عقد نقول كالعقد فيكره على ما ذهب إليه المؤلف وهذا إذا كان الشبك في مشبكٍ واحد أما ما يفعله بعض الناس يشبك الرداء من عند الحنجرة إلى العانة ففي جواز هذا نظر لأن هذا صار كالقميص أما إذا عقده الإنسان ولا سيما عند الحاجة فلا بأس لأن بعض الناس يحتاج إلى عقده مثل أن يكون هو الذي يتولّى الطبخ أو إحضار الشاي أو القهوة أو ما أشبه ذلك. القارئ: ولا يجوز له أن يزره عليه ولا يخله بشوكةٍ ولا غيرها ولا يغرز طرفيه في إزاره لأنه في معنى عقده وله أن يعقد إزاره لأنه يحتاج إليه لستر العورة ولذلك جاز للمرأة لبس المخيط في إحرامها لكونها عورة وله أن يشد وسطه بعمامةٍ أو حبل ولا يعقده ولكن يدخل بعضه في بعض. الشيخ: لا شك أن هذا لا دليل عليه يعني كون الإزار له أن يعقده لأنه يحتاج إليه لستر العورة وله أن يشد وسطه بعمامة أو حبل ولا يعقده ولكن يدخل بعضه في بعض هذا لا دليل عليه ولهذا نقول لك أن تشد وسطك بخيط أو عمامة وأن تعقده. القارئ: وله أن يلبس الهميان الذي فيه نفقته ويدخل السيور بعضها في بعض فإن لم يثبت عقده لقول عائشة أوثق عليك نفقتك رواه سعيد بن منصور بمعناه ولأن هذا مما تدعو الحاجة إلى عقده فجاز كالإزار فأما المنطقة وما لا نفقة فيه فلا يجوز عقده لعدم الحاجة إليه فإن احتاج إلى عقد المنطقة لوجع ظهره فعل وفدى نص عليه لأن هذا نادرٌ فأشبه حلق الشعر لوجع الرأس. الشيخ: عرفنا أنه لا يشد على وسطه شيئاً إطلاقاً وأنه إن احتاج إلى شد الشيء فإنه يفعله ولكن عليه الفدية وأما ما فيه النفقة فقد دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس بشده مثل الكمر توضع فيه النفقة وما أشبهها.

القارئ: فأما القباء ونحوه فقال الخرقي يطرحه على كتفيه ولا يدخل يديه في كميه لأنه لا يحيط ببدنه أشبه الاتشاح بالقميص وقال القاضي عليه الفدية لأنه لبس المخيط على العادة في لبسه فلزمه الفدية كما لو أدخل يديه في كميه. الشيخ: والمشلح مثل القباء كان قديماً يأتي لباس يسمونه الزبون له أكمام يلبسه الإنسان ويدخل كميه لكن العباءة أو المشلح أهون منه إذ أنه ليس لليد كمٌ مستطيل وإنما لليد فتحة كما هو معروف أما القباء فله يد لكن على كل حال الصحيح أنه إذا لبسه على الهيئة المعتادة فإنه لا ينبغي لأنه يخرج بذلك عن كون هيئته هيئة محرم. القارئ: ومن لم يجد إزاراً فله لبس السراويل ولا فدية عليه لما روى ابن عباسٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين) متفقٌ عليه ومن عدم الرداء لم يبح له لبس القميص لأنه يمكنه أن يرتدي به على صفته ولا يمكنه أن يأتزر بالسراويل ومتى وجد الإزار لزمه خلع السراويل للخبر. الشيخ: قال (من لم يجد السراويل) وعلى هذا فإذا لم يجد الإزار عند الإحرام ولبس السراويل ثم وجد الإزار فيجب عليه أن يخلعه. مسألة: لا يجوز للمحرم أن يشرب قهوة فيها زعفران قد ظهر ريحه أما إذا زال ريحه بالطبخ فلا بأس. القارئ: ويحرم على المحرم لبس الخفين للخبر فإن لم يجد نعلين لبس الخفين ولا يقطعهما ولا فداء عليه لحديث ابن عباس وعنه لا يلبسهما حتى يقطعهما أسفل من الكعبين فإن فعل افتدى لأن في حديث ابن عمر زيادة والزيادة من الثقة مقبولة.

الشيخ: والصحيح الأول أنه إذا لم يجد النعلين فليبس الخفين ولا يقطعهما وعلى هذا فيكون الأمر بالقطع منسوخاً ووجه النسخ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يذكر هذا القيد في عرفة وإنما ذكره في المدينة قبل أن يخرج والناس في عرفة أكثر منهم في المدينة وإذا كان يخاطب الأكثر ولم يأمر بالقطع دل هذا على أن الله خفف على العباد ونسخ الأمر بالقطع وإلا فلو كان القطع واجباً لبلغه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الأمة في الجمع الأكثر وهو جمع يوم عرفة وهذا القول هو الراجح أنه لا يقطع كما أن في القطع أيضاً إضاعة لماليتهما لكن لو ثبت وجوب القطع لقلنا هذه الإضاعة ليست إضاعة في الواقع لأنها جاءت امتثالاً للأمر وقوله فإن فعل فدى هذا بناءً على أن جميع محظورات الإحرام ما عدا عقد النكاح فيها فدية وقد سبق لنا أن الذي ينبغي أن لا نلزم المسلمين بالفدية إلا فيما دل عليه الدليل. القارئ: وإن لبس خفاً مقطوعاً مع وجود النعل فعليه الفدية للخبر. الشيخ: إذا لبس خفاً مقطوعاً مع وجود النعل فهو حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبح لبس الخف إلا عند عدم النعل وقال بعض العلماء إن له أن يلبس الخف المقطوع يعني الذي ليس له ساق وهو نازل عن الكعبين قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه من قبل لأنه كالنعل لما قطع صار كالنعل ولكن الأقرب للفظ الحديث أنه لا يجوز.

القارئ: وليس له لبس الجمجم واللالكة في ظاهر كلام أحمد لأنه في معنى الخف المقطوع، فإن لم يجد النعلين فله لبس ذلك من غير فداءٍ كالخفين قال أحمد لا يلبس نعلاً لها قيد وهو السير المعترض على الزمام ويقطع العقب يعني الشراك قال القاضي إذا كانا عريضين يستران القدم فلا فدية فيه لأن حكمهما أخف من حكم الخف وقد أباح لبسه عند عدم النعل من غير قطع فهاهنا أولى ومن وجد نعلاً لا يمكنه لبسها لبس الخف وافتدى نص عليه لأن إسقاط الفدية مشروطٌ بعدم النعل والقياس أنه لا فدية عليه لأن العجز كالعدم في الانتقال إلى البدل وقد قام مقامه ههنا في الجواز فكذلك في سقوط الفدية. الشيخ: هذا هو الصحيح لا شك فيه أنه إذا جاز اللبس للعدم جاز اللبس لعدم تمكنه من السير في النعل وليس عليه فدية ولا تحريم. القارئ: فأما المحرمة فلها لبس المخيط كله إلا النقاب والقفازين والبرقع وشبهه لما روى ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ما أحبت من ألوان الثياب من معصفرٍ أو خزٍ أو حليٍ أو سراويل أو قميصٍ أو خف) رواه أحمد بإسناده. الشيخ: هذا صحيح المرأة لا يحرم عليها من اللباس إلا النقاب والقفازان لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا تلبس القفازين) وقال (لا تنتقب) وما عدا ذلك من اللباس المباح لها قبل الإحرام فهو مباح لها بعد الإحرام. القارئ: وروى البخاري منه (لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين) ولأن إحرام المرأة في وجهها فحرم عليها تغطيته.

الشيخ: قوله لأن إحرام المرأة في وجهها يظنه بعض الناس أنه حديث وليس كذلك ثم على تقدير صحة هذه العبارة إحرام المرأة في وجهها فالمعنى أن المرأة إنما يحرم عليها اللباس المختص بالوجه وهو النقاب وكذلك المختص بالكفين وهو القفازان وأما قوله فحرم عليها تغطيته ففيه نظر والصواب أن الحرام عليها إنما هو لبس النقاب وأما تغطيته فليس حراماً لكن لا شك أن الأفضل إبداؤه أي إبداء الوجه ما لم يمر الرجال قريباً منها فيجب عليها التغطية، وأما تغطية اليدين بغير القفازين فلا بأس وكذلك تغطية الوجه بغير النقاب لا بأس به إلا أن الأفضل أن يبقى الوجه مكشوفاً ما لم يمر من حولها الرجال. القارئ: وإن احتاجت إلى ستره سدلت على وجهها من فوق رأسها ما يستره لما روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان الرجال يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على رأسها فإذا جاوزونا كشفناه رواه أبو داود، قال القاضي ويكون ما تسدله متجافياً لا يصيب البشرة ولم أجد هذا عن أحمد ولا هو في الحديث والظاهر أنه غير معتبر. الشيخ: لا شك أن هذا هو الصواب أنه غير معتبر وعلى ما ذهب إليه القاضي يجب أن تلف المرأة على رأسها لفافة بحيث إذا سدلت الخمار يكون الخمار بعيداً عن الوجه وهذا مشقة. فصل

القارئ: السادس تغطية الرأس لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس العمائم ولقوله في الذي مات محرما (لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) ويحرم تغطية بعضه لأن النهي تناول جميعه ولا يجوز أن يعصبه بعصابةٍ ولا سير ولا يجعل عليه شيئاً يلصق به سواءٌ كان فيه دواء أو لا دواء فيه ولا يطينه بطينٍ ولا حناء ولا دواء يستره لأنه نوع تغطية وفيه الفدية لما ذكرنا في اللباس فإن حمل عليه طبقا أو وضع يده عليه فلا بأس لأنه لا يقصد به الستر ولو ترك فيه طيباً قبل إحرامه لم يمنع من استدامته لقول عائشة رضي الله عنها كأني أنظر إلى وبيص الطيب في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ولا يمنع من تلبيده بصمغٍ وعسل ليتلبد ويجتمع الشعر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إني لبدت رأسي) وهو محرم متفقٌ عليه.

الشيخ: هذا القطعة من كلام المؤلف رحمه الله فيها تحريم تغطية الرأس للمحرم ودليلها حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الذي وقصته ناقته في يوم عرفة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تخمروا رأسه) أي لا تغطوه وكذلك تحريم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس العمامة فإنه يدل على تحريم كل ملبوسٍ على الرأس كالطاقية والغترة ونحوها وأما قوله فإنه لا يعصبه بسيرٍ ونحوه فهذا محل نزاع فإن من العلماء من قال يجوز أن يعصبه بالسير لأن من عصبه بالسير لا يقال إنه غطى رأسه فلا يحرم ودليل ما قاله المؤلف رحمه الله أن المنهي عنه يتناول جميع الأجزاء فإذا قلت مثلاً لا تأكل هذه الخبزة فإنه يشمل كل جزءٍ فيها كلها ممنوعة فإذا قيل لا تغطوا رأسه شمل جميع الرأس فلا يغطى بأي شيء ولا شك أن الأحوط ألا يغطيه لكن إذا دعت الضرورة إلى ذلك فلا بأس يعني إذا دعت الضرورة إلى أن يعصب رأسه لوجعٍ كان به أو شج أو ما أشبهها فلا بأس بهذا وقوله لا يحرم عليه إذا حمل عليه طبقاً أو وضع يده عليه لأنه لا يقصد به الستر ومن ذلك إذا وضع عليه العفش فإنه لا بأس ولكن لو أنه أراد الحمل مع الستر فهل يغلب جانب الحظر ونقول إنه ممنوع أو يقال إنه ما دام يريد بذلك الحمل فلا بأس والستر يكون تبعاً؟ الظاهر الأول لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إنما الأعمال بالنيات) وصورة ذلك أن يقول أنا أستطيع أن أحمل الشنطة على كتفي مثلاً أو الفراش على كتفي لكن أحب أن أغطي رأسي عن الشمس فأحمل على الرأس نقول إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى.

يقول أيضاً ولا يمنع من تلبيده بصمغٍ وعسل ليتلبد ويجتمع الشعر يعني لا بأس أن يضع على شعره صمغاً وعسلاً من أجل أن لا ينتفش ويثبت ومن المعلوم أنه إذا فعل ذلك فسوف يكون هذا الصمغ والعسل مانعاً من مباشرة الماء للشعر لكنه لا بأس به ولهذا أبيح المسح على العمامة مع كونه يمنع مباشرة الرأس وخفف في ذلك بالنسبة للرأس دون اليد والوجه والقدم لأن أصل تطهير الرأس مسامحٌ فيه لا يجب فيه إلا المسح وبناءً على ذلك نقول إذا لبدت المرأة رأسها بالحناء فهل لها أن تمسح عليه عند الوضوء أو نقول لا بد أن تزيل الحناء؟ الأول. لا بأس أن تمسح عليه ولو كان فيه حناء يمنع مباشرة الماء. القارئ: ولا يمنع من تغطية وجهه لأن عثمان وسعداً وعبد الرحمن بن عوفٍ وزيد بن ثابتٍ أجازوه وعنه يمنع منه لأنه في بعض لفظ حديث ابن عباسٍ في الميت المحرم (ولا تخمروا وجهه ولا رأسه) متفقٌ عليه. الشيخ: ولا شك أن الاحتياط أن لا يغطي الوجه ولكن لو غطاه فلا بأس لأن اللفظ المتفق عليه (ولا تخمروا رأسه) وأما زيادة (ولا وجهه) ففيها خلاف بين الرواة فمن صححها قال إنه يحرم تغطية الوجه ومن لم يصححها قال إنها شاذة والعبرة بما عليه الأكثر وهذا هو المشهور من المذهب أن تغطية المحرم وجهه ليس بحرام لكن الخروج من الخلاف ولا سيما عند الشبه القوية في الدليل أولى.

القارئ: وفي تظليل المحمل روايتان إحاداهما ليس له أن يتظلل به لأن ابن عمر قال إضحَ لمن أحرمت له أي ابرز للشمس ولأنه ستر رأسه بما يقصد به الترفه أشبه تغطيته وتلزمه الفدية لما ذكرنا والثانية له أن يتظلل لأنه ليس بمباشرٍ للرأس أشبه الخيمة وله أن يتظلل بثوبٍ على عود لما روت أم الحصين قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافعٌ ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة رواه مسلم ولا بأس بالتظلل بالخيمة والسقف والشجر وأشباه ذلك لأنه لا يلازمه أشبه ظل الجبال والحيطان. الشيخ: إذاً الستر ينقسم على هذا أربعة أقسام مباشر يقصد به الستر، ومباشر لا يقصد به الستر، ومنفصل يقصد به الستر ولكنه ملازم للإنسان، ومنفصل يقصد به الستر لكنه غير ملازم، فالأقسام إذاً أربعة: الأول ما كان مباشراً يقصد به الستر وهذا حرام لأن هذا تغطيةٌ للرأس وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تخمروا رأسه). الثاني مباشر يعني ملاصقاً للرأس لا يقصد به الستر فهذا لا بأس به مثل حمل المتاع على الرأس ونحوه ومن ذلك أيضاً الحناء لأن الذي يحني رأسه لا يقصد به ستره لكنه يقصد مصلحة أخرى. الثالث غير ملاصق لكنه ملازم كالاستظلال بالمحمل والسيارة والشمسية وما أشبه ذلك فالمذهب أنه حرام وأنه لا يجوز أن يستظل بهذه الأشياء لأنها ملازمةٌ له فالشمسية بيده تسير بسيره والمحمل أو السيارة هو أيضاً يسير بسيرها فهو ملازم لها فيكون بذلك حراماً.

الرابع ما كان غير ملازم كالخيمة والشجرة والجبل والصخرة هذه لا بأس بها بالإجماع لأنه ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضربت له القبة بنمرة وجلس فيها) ولكن الصحيح أن ما ليس بستر فهو حلال ومعلومٌ أن الستر إنما يكون بالملاصق أما غير الملاصق فهو منفصل والرأس بادي وأما قول ابن عمر إضحَ لمن أحرمت له فهذا على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب ثم لو فرض أن ابن عمر رضي الله عنهما يرى وجوب ذلك فإن السنة تدل على عدم ذلك أي على عدم الوجوب وبناءً على هذا يجوز أن يستظل الإنسان بالشمسية وبالسيارة المسقوفة وما أشبه ذلك أما على المشهور من المذهب فلا يجوز حتى السيارة المسقوفة لا يجوز للمحرم أن يركبها إلا إذا كشف السقف فلا بأس. فصل

القارئ: السابع الطيب يحرم عليه استعماله في بدنه وثيابه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الميت المحرم (ولا تقربوه طيبا) وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يلبس من الثياب ما مسه ورسٌ أو زعفران) وتجب به الفدية لما ذكرنا في اللباس ويحرم عليه المبخر بالطيب والمصبوغ به قياساًٍ على المزعفر ولا يجوز أن يأكل طيباً ولا أن يكتحل به ولا يستعق به ولا يحتقن به لأنه استعمالٌ للطيب وإن كان في الطعام طيبٌ يظهر ريحه لم يجز أكله لأنه يأكل طيبا وإن لم يظهر له ريحٌ جاز أكله وإن ظهر لونه لأن المقصود ريحه دون لونه وإن ظهر طعمه فظاهر كلام أحمد المنع منه لأن الطعم لا يكاد ينفك عن الرائحة وإن لبس ثوباً كان مطيبا وانقطع ريحه وكان بحيث إذا رش فيه ماءٌ فاح ريحه فعليه الفدية لأنه مطيب وإلا فلا وإن فرش فوق المطيب ثوبٌ صفيقٌ يمنع الرائحة والمباشرة فلا فدية عليه بالنوم عليه وإن كان الحائل بينهما ثياب بدنه فعليه الفدية لأنه يمنع من استخدام الطيب في ثيابه كما يمنع منه في بدنه والطيب كل ما يتطيب به أو يتخذ منه طيب كالمسك والكافور والعنبر والزعفران والورس والورد والبنفسج والأدهان المطيبة بشيء من ذلك كدهن الورد والبنفسج والخيري والزنبق ونحوها وفي الريحان الفارسي روايتان إحداهما ليس بطيب لأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال في المحرم: يدخل البستان ويشم الريحان ولأنه إذا يبس ذهبت رائحته وأشبه نبت البرية والثانية هو طيب لأنه يتخذ للطيب أشبه الورد وفي سائر النبات الطيب الرائحة الذي لا يتخذ منه طيب كالمرزنجوش والنرجس والبرم وجهان قياساً على الريحان وقال أبو الخطاب في الورد والخيري والبنفسج والياسمين روايتان كالريحان والصحيح أنه طيب لأنه يتخذ منه طيبٌ فهو كالزعفران فأما نبت البرية كالشيح والقيصوم والإذخر والخزامى والفواكه كالإترج والتفاح والسفرجل والحناء فليس بطيب لأنه لا يقصد للطيب ولا يتخذ منه طيب فأشبه العصفر وقد ثبت أن

العصفر ليس بطيب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولتلبس ما شاءت من ألوان الثياب المعصفر) وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحرمن في المعصفرات. الشيخ: الطيب هو الذي يستعمل للطيب ويتخذ منه الطيب هذا الضابط وهذه الأنواع التي ذكرها رحمه الله ما هي إلا أمثلة بقي أن يقال هناك أشياء مطيبة هي في نفسها ليست بطيب لكن مطيبة فحكمها حكم ما كان طيباً في نفسه مثل بعض الصابون يكون فيه طيب واضح ليس مجرد نكهة لكن طيب بحيث إن الإنسان إذا غسل به ظهرت ظهر ريحه في يده هذا حكمه حكم الطيب وأما مجرد الرائحة والذي إذا غسل به الإنسان لم يكن له رائحة هذا لا بأس به لأنه من جنس التفاح والنعناع والزهور الطيبة الرائحة. القارئ: وإن مس المحرم طيباً يعلق بيده فعليه الفدية لأنه طيب يده وإن مس ما لا يعلق بيده كقطع الكافور والعنبر فلا فدية لأنه لم يتطيب. الشيخ: هذا صحيح وبهذا يجب الحذر من استلام الحجر الأسود لأن بعض الناس نسأل الله لهم الهداية يحسنون ويسيئون بعض الناس يملأ الحجر الأسود طيباً حتى إنه في بعض الأحيان تجده يجري وهذا لا شك أنهم آثمون لأنه سوف يلجؤون المحرمين إلى ترك الاستلام أو يستلمون ثم يتعبون في إزالة هذا الطيب الذي علق بأيديهم فلذلك يجب الحذر أنك إذا قربت من الحجر وشممت رائحة فلا تمسح لئلا يعلق بيدك أما إذا كان لا يعلق فلا بأس مثل قطع الكافور والعود أيضاً وما أشبهها. القارئ: وإن شمه فعليه الفدية لأنه يستعمل هكذا. الشيخ: قوله وإن شمه فعليه الفدية في هذا نظر لأن الشم ليس استعمالاً للطيب فهو لم يستعمله في بدنه ولا في ثوبه وإنما شمه شماً وربما يحتاج الإنسان إلى ذلك مثل أن يريد شراء طيب فيحتاج إلى الشم فهل نقول لا تشتر الطيب وأنت محرم أو اشتره بدون شم ففيه نظر.

القارئ: وإن شم العود فلا فدية عليه لأنه لا يستعمل هكذا ولا تقصد رائحته وإن تعمد لشم الطيب مثل أن دخل الكعبة وهي تجمر أو حمل مسكاً ليشم رائحته أو جلس عند العطار لذلك فعليه الفدية لأنه شمه قاصداً له مبتدئاً به في الإحرام فأشبه ما لو باشره وإن لم يقصد ذلك كالجالس عند العطار لحاجةٍ أخرى أو دخل الكعبة ليتبرك بها أو حمل الطيب من غير مسٍ للتجارة فلا يمنع منه لأنه لا يمكن التحرز منه فعفي عنه. الشيخ: هذه المسائل أيضاً في بعضها نظر ذكرنا أنه إذا شمه فالصحيح أنه لا بأس به وهذا لا يعد استعمالاً كذلك أيضاً إذا جلس عند العطار ليشم رائحة العطر فإذا قلنا إنه ليس بمحظور فله أن يجلس أما إذا جلس عند العطار ليتحدث إليه في أمرٍ من الأمور أو ليشتري منه أشياء أخرى فلا يضره ذلك كذلك إذا دخل الكعبة وهي تجمر وفيها البخور يتطاير دخانه فإننا نقول لا تتعمد ذلك لأنك إذا تعمدت فإن البخور يعلق بالثوب أما إذا دخلها ليصلي فيها كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا بأس. وقول المؤلف رحمه الله ليتبرك بها في هذا نظرٌ ظاهر لأن الكعبة لا يتبرك ببنائها إنما يتبرك بدخولها تعبداً لله واستناناً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولهذا قال عمر رضي الله عنه للحجر الأسود حين قبله قال إني لأعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ففي قول المؤلف رحمه الله ليتبرك بها نظرٌ ظاهر ولا يتبرك بشيء من الكعبة إطلاقاً ولولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم مس الركن اليماني والحجر الأسود ما مسسناه. فصل القارئ: والثامن الصيد حرامٌ صيده وقتله وأذاه لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) وقوله (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً).

الشيخ: (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) هذا عامٌ في كل صيد حتى صيد البحر لكن قوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً) هذا خصص العموم فصار المحرم هو صيد البر أما صيد البحر فلا بأس به. القارئ: فإن أخذه لم يملكه لأن ما حرم لحق غيره لم يملكه بالأخذ من غير إذنه كمال لغيره وعليه إرساله في موضعٍ يمتنع فيه فإن تلف في يده ضمنه كمال الآدمي للآدمي وإن كان الصيد لآدميٍ فعليه رده إليه لأنه غصبه منه ويحرم عليه تنفيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة (لا ينفر صيدها) متفقٌ عليه وهذا في معناه فإن نفره فصار إلى شيء فهلك به ضمنه لخبر عمر رضي الله عنه ولأنه هلك بسببٍ من جهته فأشبه من نصب له شركاً فهلك به ويحرم عليه الإعانة على قتله بدلالةٍ بقولٍ أو إشارةٍ أو إعارة آلة لما روى أبو قتادة (أنه كان مع أصحابٍ له محرمين وهو لم يحرم فأبصروا حماراً وحشيا وأنا مشغولٌ أخصف نعلي فلم يؤذنوني به وأحبوا لو أني أبصرته فركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح قالوا والله لا نعينك عليه -وهذا يدل على اعتقادهم تحريم الإعانة عليه- ولما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم قال هل منكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمها) متفقٌ عليه ولأن ما حرم قتله حرمت الإعانة عليه كالآدمي. الشيخ: الحقيقة أن الإنسان بشر لو أتى بآيةٍ من كتاب الله تدل على ما ذكره نصاً وهي (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) لكان هذا أولى مما ذكره للاستدلال بالقياس والله عز وجل يقول (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ومن أعان محرماً على قتل صيد فهو أعانه على الإثم والعدوان وكذلك من أعان حلالاً على قتل صيد فإنه قد كان له أثرٌ في قتله فحرم عليه.

القارئ: فإن فعل فقتله حلالٌ فالجزاء على المحرم لأن ذلك يروى عن عليٍ وابن عباسٍ رضي الله عنهما ولأن فعله سبب إتلافه فتعلق به الضمان كتنفيره وإن قتله محرمٌ آخر فالجزاء بينهما وإن كان المدلول رأى الصيد قبل الدلالة فلا شيء فيها لأنها لم تكن سبباً لإتلافه وإن ضحك المحرم عند رؤية الصيد ففطن الحلال فلا شيء فيه لأن في حديث أبي قتادة (فبينا أنا مع أصحابي إذ ضحك بعضهم فنظرت فإذا حمار وحش وفي رواية إذ أبصرت بأصحابي يتراءون شيئاً فنظرت فإذا حمار وحش) ويحرم عليه الأكل مما أشار إليه أو أعان عليه أو كان له أثرٌ في ذبحه مثل أن يعيره سكينا لحديث أبي قتادة ويحرم عليه أكل ما صاده أو صيد لأجله لما روى جابرٌ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (صيد البر لكم حلالٌ ما لم يقصيدوه أو يصد لكم) قال الترمذي هذا أحسن حديثٍ في الباب ويباح أكل ما عدا ذلك للحديثين فإن أكل مما منع من أكله مما لزمه ضمانه كالذي صاده أو دل عليه لم يضمنه بالأكل لأنه قد ضمنه بالقتل فلم يضمنه بالأكل كشاة غيره وكذلك إن وجب على غيره ضمانه وإن لم يكن ضمن بالقتل كالذي صاده حلالٌ من أجله ضمنه بالأكل بمثله لحما لأنه إتلاف جزءٍ للصيد حرمه الإحرام فتعلق به الضمان كإتلاف أجزاء الحي وإن ذبح المحرم الصيد حرم على كل أحد لأنه منع من الذبح لحق الله فلم يبح ذبحه كالمجوسي وما حرم عليه لدلالةٍ أو إعارة آلة أو صيد لأجله لم يحرم على الحلال لأنه لا فعل منه فيه. السائل: إذا دل المحرم حلالاً على الصيد فصاده الحلال؟ الشيخ: الراجح أنه لا جزاء عليه لأنه لم يباشر القتل خلافاً لما مشى عليه المؤلف رحمه الله. فصلٌ

القارئ: ويحرم عليه شراء الصيد واتهابه لما روى ابن عباس أن الصعب بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشيا فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال (إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم) متفقٌ عليه ولأنه سببٌ يتملك به الصيد فلم يملكه به المحرم كالاصطياد ومتى ملك الصيد بجهةٍ محرمة حتى حل لم يبح له وعليه إرساله فإن تلف أو أتلفه فعليه فداؤه لأنه تلف بسببٍ كان في إحرامه فضمنه كما لو جرحه فمات بعد حله وإن ذبحه بعد التحلل لم يبح عند القاضي لأنه صيدٌ لزمه ضمانه فلم يبح بذبحه كحال الإحرام وقال أبو الخطاب يباح لأنه ذبحه في حال حله فأبيح كغيره. الشيخ: الظاهر أن ما قاله أبو الخطاب هو الأرجح لأن إمساكه حرام وإبقاءه في ملكه حرام لكن لما حل صار آثماً بإمساكه وإذا ذبحه فهو حلال فالظاهر أن ما قاله أبو الخطاب أصح. القارئ: وإن أحرم وفي ملكه صيدٌ لم يزل ملكه عنه لأنه ملكٌ فلا يزول بالإحرام كملك البضع وله بيعه وهبته وإن كان في يده المشاهدة أو قفصٍ أو حبلٍ معه فعليه إرساله فإن لم يفعل فأرسله إنسانٌ فلا ضمان عليه لأنه ترك فعل الواجب فإن تركه حتى تحلل فحكمه حكم ما صاده، وإن مات من يرثه وله صيدٌ ورثه لأن الملك بالإرث يثبت حكماً بغير اختياره ويثبت للصبي والمجنون فأشبه استدامة الملك ويحتمل أن لا يملكه لأنه ابتداء ملكٍ فأشبه الشراء. الشيخ: والأصح الأول أنه يملكه لأنه كما قال في التعليل يثبت حكماً بغير اختيار. فصلٌ القارئ: والصيد المحرم ما جمع ثلاثا أحدهما أن يكون من صيد البر لأن صيد البحر حلال لقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ). الشيخ: قوله رحمه الله (صيد البحر وطعامه) لم يتم الاستدلال بهذه الآية لأنه لا يتم حتى يذكر قوله (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً) فليت المؤلف جاء بهذا.

القارئ: وصيد البحر ما يفرخ فيه ويأوي إليه وأما طير الماء فهو من صيد البر المحرم لأنه يتعيش في البحر ولا يعيش فيه وفي الجراد الجزاء لأن ذلك يروى عن عمر ولأنه لا يعيش إلا في البر فهو كسائر الطير وعنه لا جزاء فيه لأنه يروى عن ابن عباسٍ أنه من صيد البحر ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريقٍ ضعيف. الشيخ: والصواب الذي لا شك فيه أنه من صيد البر لأنه لا يعيش إلا في البر فما روي عن عمر رضي الله عنه هو الصحيح. القارئ: الثاني أن يكون وحشيا فأما الأهلي كبهيمة الأنعام والدجاج فليس بمحرم لأنه ليس بصيد ولذلك يباح ذبح الهدايا والأضاحي والاعتبار في ذلك بالأصل لا بالحال فلو تأنس الوحشي كحمار الوحش والغزال والحمام لم يحل وفيه الجزاء ولو توحش الإنسي لم يحرم. الشيخ: وعلى هذا فالحمام الذي يوجد في مكة يعتبر صيداً لأن أصله وحشي لا يأنس بالآدميين ولا يبقى معهم. القارئ: الثالث أن يكون مباحا فلا يحرم قتل غيره بالإحرام ولا جزاء فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (خمسٌ من الدواب ليس على المحرم جناحٌ في قتلهن الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور) متفقٌ عليه فثبت إباحة هذه الخمسة بالنص وقسنا عليهن ما في معناهن مما فيه أذى فأما غير المأكول مما لا أذى فيه فيكره قتله ولا جزاء فيه لأن الصيد ما كان مأكولا إلا أن ما تولد بين مأكولٍ وغيره كالسِمع وهو ولد الضبع من الذئب والعسبار ولد الذئبة من الضبع يحرم قتله وفيه الجزاء تغليباً لحرمة القتل كما غلبت فيه حرمة الأكل والمتولد بين أهليٍ ووحشيٍ يحرم قتله وفيه الجزاء تغليباً للتحريم. الشيخ: ما ذكره من المتولد من مأكولٍ وغيره فهو حرام ولا يحرم قتله لأنه لا يسمى صيداً والله عز وجل إنما حرم علينا الصيد والحرام ليس بصيد فالصواب أنه لا يحرم قتله والغالب أن مثل هذه أيضاً من المؤذيات فتكون داخلةً في الخمس التي أباح النبي صلى الله عليه وسلم قتلها في الحل والحرم.

القارئ: وفي الثعلب الجزاء مع الخلاف في أكله تغليباً للتحريم. الشيخ: هذا أيضاً ضعيف لأنه إذا كان مختلفاً في أكله فالذي يرى أنه حلال ليس عنده في ذلك شبهة أنه صيد والذي يرى أنه حرام ليس عنده شبهة في أنه ليس بصيد وليس هذا مثل المتولد بين أهلي ووحشي فإن المتولد بين أهليٍ ووحشيٍ يحرم قتله وفيه الجزاء كما قال المؤلف رحمه الله. والأقرب في الثعلب أنه ذو نابٍ من السباع لكن النيس حلال لأن النيس ليس له ناب من السباع ولا يأكل إلا الجمار والعلف وما أشبهه ومذهب الحنابلة أن النيس حرام لكن لا يوجد دليل على التحريم. القارئ: وفي القمل روايتان إحداهما لا شيء فيه لتحريم أكله وأذاه فهو كالبراغيث والثانية فيه الجزاء لأنه يترفه بإزالته وأي شيء تصدق به كان خيراً منه قال القاضي وإنما الروايتان فيما ألقاه من شعره وأما ما ألقاه من ظاهر بدنه أو ثوبه فلا شيء فيه روايةً واحدةً لشبهه بالبراغيث. الشيخ: والصواب أنه لا يحرم وأنه يجوز للمحرم أن يتفلى ويقتل القمل وهذا من باب إزالة المؤذي وليس من باب الترفه ولهذا يتأذى الإنسان بالقمل ويحب أن يزيله عن نفسه فالصواب أنه لا بأس به ولا حرج فيه. مسألة: الجراد جزاؤه قيمته وقد يكون غالياً وقد يكون رخيصاً يمكن تكون الواحدة بريال ويمكن تكون عشرة بريال فينظر. الشيخ: غير المأكول حلال لكن غير المأكول منه مؤذٍ ومنه غير مؤذي: فالمؤذي يسن قتله لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (خمسٌ يقتلن ليس على المحرم جناحٌ في قتلهن) وفي لفظٍ (يقتلن في الحل والحرم) يدل على الأمر بقتلهن.

والقسم الثاني غير مؤذي ينقسم إلى قسمين ما نهي عن قتله فينهى عن قتله في الإحرام وغير الإحرام فقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد) وما لم ينهَ عن قتله فهو مسكوتٌ عنه فيكون مما عفي عنه لكن بعض العلماء قال ما لم ينهَ عن قتله ولم يؤمر بقتله فإنه لا يقتل لأنه يسبح الله عز وجل وفي قتله تفويتٌ لتسبيح الله سبحانه وتعالى وأيضاً إذا قتله الإنسان قد يعتاد العدوان على ذوات الأرواح فيكون لا يرحم ذوات الأرواح مع أن من لا يرحم لا يرحم ولا شك أن الأولى عدم قتله أما إذا آذى فإن قتله جائز بل إذا كان من طبيعته الأذى فقتله سنة. فصلٌ القارئ: وما حرم من الصيد حرم كسر بيضه وفيه الجزاء لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (في بيض النعام يصيبه المحرم يضمنه) رواه الدارقطني ولأنه خارجٌ من الصيد يصير منه مثله فهو كالفرخ وإن كسر بيضاً لم يحل له أكله ولا يحرم على حلال لأنه لا يحتاج إلى ذكاة وقال القاضي يحرم على كل أحدٍ قياساً على الصيد. الشيخ: الصحيح الأول لأن له مالية ولا يشترط له الذكاة لكن بالنسبة للكاسر لا يحل له أكله لأنه يحرم عليه كسره فمنع منه. القارئ: وإن كسر بيضاً مَذِرَاً فلا شيء عليه لأنه ليس بحيوانٍ ولا يخلق منه حيوان فهو كالأحجار. الشيخ: المذر الفاسد ويسمى عند العامة عندنا (مارج) أي فاسد.

القارئ: قال أصحابنا إلا بيض النعام فإن لقشره قيمة والأول أولى وإن نقل بيض صيدٍ وجعله تحت آخر فحضنه وأفرخ فلا شيء عليه وكذلك إن كسره فخرج منه فراخٌ فعاشت وإن لم تعش الفراخ أو لم تحضنه أو ترك مع بيضه شيئاً نفر منه الصيد فلم يحضنه ضمنه لأنه أتلفه وإن باض في طريقه أو على فراشه فنقله فلم يحضنه الصيد حتى تلف ففيه وجهان أحدهما يضمنه لأنه أتلفه لمصلحته فأشبه ما لو قتله للمجاعة والثاني لا شيء عليه لأنه ألجأه إلى إتلافه فأشبه ما لو صال عليه صيدٌ فدفعه فقتله وإن افترش الجراد في طريقه فقتله بالمشي عليه ففي الجزاء وجهان كذلك. الشيخ: الراجح أن البيض إذا كسره فهو حرامٌ عليه ويضمنه كما قال المؤلف ولكن ليس حراماً على غيره ولكنه يضمنه ما لم يخرج منه فرخٌ فيعيش فإن خرج منه فرخٌ وعاش فلا جزاء عليه. السائل: في بعض السنين في المسجد الحرام كان الجراد كثيراً جداً بحيث لا يمكن أن يمشي أحد إلا ويدوس على جراد لتعذر المشي. الشيخ: إذا تعذر فلا شيء عليه لكن لا يتقصد دهسه وعليه أن يتقي ما أمكن (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ). مسألة: حمار الوحش قال شيخنا عبد الرحمن السعدي _ أنا أروي لكم عنه _ أنه يقول هو الوضيحي وما زلنا نقول به لكن يمكن يسمى المخطط كذلك، على كل حال كلهن حرام لأنهن من الصيد. فصلٌ القارئ: وإن احتاج المحرم إلى لبس المخيط أو تغطية رأسه أو الطيب لمرضٍ أو شدة حرٍ فعله وعليه الفدية قياساً على الحلق وإن اضطر إلى الصيد فله أكله وعليه جزاؤه لأنه أتلفه لمصلحته فأشبه ما ذكرناه وإن صال عليه صيد فقتله دفعاً عن نفسه فلا جزاء فيه لأنه حيوانٌ قتله لدفع شره فلم يضمنه كالآدمي وقال أبو بكرٍ عليه الجزاء لأنه قتله لمصلحة نفسه فأشبه ما لو قتله لأكله والأول أصح. الشيخ: بلا شك أن الأول أصح وقول أبي بكر ضعيف جداً لأنه ما قتله لمصلحة نفسه قتله للدفاع عن نفسه.

القارئ: وإن خلص صيداً من سبعٍ أو شبكةٍ ليرسله فتلف ففيه وجهان أحدهما يضمنه لأنه تلف بفعله فيضمنه كالمخطئ والثاني لا يضمنه لأنه تلف بفعلٍ مباحٍ لمصلحته فلم يضمنه كالآدمي يتلف بمداواة وليه. الشيخ: ولا شك أنه لا يضمنه لأن هذا التصرف لمصلحة الصيد ثم إن المؤلف رحمه الله وغيره ممن يعلل بهذا التعليل في غفلةٍ عن قوله تعالى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَم) فإن قوله (متعمداً) تخرج هذه الصورة أي فيما لو خلصه من شيء فمات. إذا اضطر إلى الصيد يعني جائع ولو لم يأكل لمات يحل له أن يقتله والظاهر أنه يكون حلالاً في هذه الحال ولا يكون ميتة لا يحل له منها إلا ما يسد رمقه وعليه الجزاء لأنه قتله لمصلحة نفسه. فصلٌ القارئ: يكره للمحرم حك شعره بأظفاره كي لا ينقطع فإن انقطع به شعره لزمته فدية. الشيخ: وهذا الذي قاله في حك الشعر لا دليل عليه فلا يكره حتى إن عائشة رضي الله عنها قالت لو لم أستطع حكه بيدي لحككته برجلي. القارئ: ويكره الكحل بالإثمد غير المطيب لأنه زينة والحاج أشعث أغبر وهو في حق المرأة أشد كراهة لأنها محل الزينة ولا فدية فيه لأن وجوبها من الشارع ولم يرد بها هاهنا. الشيخ: ما أحسن هذا التعليل أن وجوب الفدية من الشارع ولم يرد الشرع بإيجابه هذه القاعدة لو جعلناها في جميع محظورات الإحرام وقلنا جميع محظورات الإحرام إذا لم يرد الشرع بفدية فيها فالأصل براءة الذمة والقياسات قد تكون قياسات مع الفارق وقد تكون قياسات في مقابلة النص وإذا لم يكن هناك دليل للكحل بالإثمد إلا ما ذكره فلا وجه للكراهة لأنه لم يحرم على المحرم الزينة وإلا لقلنا لا تلبس إحراماً نظيفاً أو جديداً ولا تغتسل والأصل عدم الكراهة إذا لم يكن هناك دليل إلا ما ذكره المؤلف وأنا لا أعلم دليلاً سواه فإنه ليس بمكروه. القارئ: ويكره لبس الخلخال والتزين بالحلي لذلك وهو مباحٌ لحديث ابن عمر.

الشيخ: وهذا صحيح أن لبس الخلخال والحلي وما أشبه ذلك يؤدي إلى الفتنة وحكمه في الإحرام كحكمه في الحل وعلى هذا فإذا لم يكن محظور ولا فتنة كالمرأة بين النساء فلا بأس. القارئ: ويكره أن ينظر في المرآة لإصلاح شيء لأنه نوع تزين. الشيخ: وهذا أيضاً غير صحيح الصواب أنه لا يكره أن ينظر في المرآة وأن التعليل الذي ذكره عليل فمن قال إنه يكره للمحرم أن يتزين؟ وأما (أشعث أغبر) أو (أتوني شعثاً غبراً) فهذا باعتبار الحال لكن هل يشرع للحاج أن يتقصد ذلك؟ لا يشرع وإلا لقلنا امش في الغبار أو الأشياء التي يكون فيها الإنسان أشد شعثاً وغبرة وهذه المسألة ينبغي لطالب العلم أن يتفطن لها فمثلاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في الرباط (إنه إسباغ الوضوء على المكاره) هل نقول يسن للإنسان أن يتوضأ بالماء البارد وعنده ماءٌ ساخن؟ لا لكن إذا لم يكن عنده إلا الماء البارد وأسبغ الوضوء في هذه الحال دخل في الرباط كذلك مسألة الحاج فالحاج مشغول بنسكه فإذا كان أشعث أغبر من أجل السفر وسير الإبل والغبار وما أشبه ذلك فإنه لا يقال إنه لا ينبغي إزالة ذلك وهو يشبه أيضاً كراهة بعض العلماء التسوك للصائم آخر النهار لئلا يزيل الرائحة فمثل هذه المسائل ينبغي أن يقال إن جاءت بلا قصد فلا بأس بها وأما أن يتقصدها الإنسان فلا ومثل ذلك أيضاً إذا كان للإنسان بيتان أحدهما قريب من المسجد والآخر بعيد لا نقول اذهب إلى البعيد من أجل أن تأتي إلى المسجد بخطوات أكثر أو إذا كان هناك طريقان أحدهما بعيد والثاني قريب نقول الأفضل أن تقصد البعيد أو يقال أيضاً الأفضل أن تقارب الخطى كل هذه من الأمور التي فيها نظر. القارئ: ويكره أن يدهن بدهنٍ غير مطيب لذلك وعن أحمد في جوازه روايتان إلا أنه يحتمل أن تختص الروايتان بدهن الشعر لأنه يزيل الشعث ويسكن الشعر ويزينه. الشيخ: وهل تسكين الشعر مكروه والرسول صلى الله عليه وسلم قد لبد رأسه في الإحرام!!

القارئ: ويباح التدهن في غيره لأن للمحرم أكل الدهن فكان له أن يدهن به. الشيخ: الإدهان يلين الجلد ويزين الملمس فإذا قالوا إنه يكره ماسبق فيكره هنا أيضاً فهذا مما يدل على أن الشيء الذي ليس له أصل من الشرع لا بد أن يكون فيه تناقض. القارئ: وقد روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ادهن بدهنٍ غير مقتت أي غير مطيب يعني وهو محرم إلا أنه من رواية فرقد وهو ضعيف، ولا فدية فيه بحال لما ذكرنا. الشيخ: الذي ذكره أن إيجاب الفدية إنما يكون من الشارع ولم يرد. القارئ: وينبغي أن ينزه إحرامه عن الشتم والكذب والكلام القبيح والمراء لقول الله (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَج) قال ابن عباس الفسوق المنابزة بالألقاب وتقول لأخيك يا فاسق يا ظالم. الشيخ: قوله رحمه الله وينبغي أن ينزه إحرامه عن الكذب والشتم هذا معناه لمعنىً يخص الإحرام وإلا فإن هذه الأشياء حرام حتى في الحل فالكذب حرام والشتم حرام والكلام القبيح حرام والمراء بالباطل حرام لكن قصده أنها يتأكد طلبها في حال الإحرام وإلا فهي حرام لا شك. القارئ: والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه. الشيخ: والجدال ينبغي أن يفصل فيه فيقال الجدال المأمور به لا بد منه فلو أن رجلاً من أهل البدع جادلك وأنت محرم فلا نقول لا تجادله بل نقول جادله لأن هذا من فعل الخير الذي يكمل به النسك لكن الجدال الذي ليس فيه فائدة هذا الذي ينهى عنه كما يحدث في مجالس كثيرٍ من الناس يتجادلون في كثيرٍ من الأشياء ربما لا يكون فيها فائدة وربما يكون فيها مضرة بسبب فلان قال كذا وفلان قال كذا وما أشبهها أما الجدال لإبطال الباطل أو إثبات الحق فإنه مأمورٌ به في حال الإحرام وغيرها وقد يتعين ببعض المواضع. القارئ: وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) متفقٌ عليه.

الشيخ: كيومَ بالفتح العلة في ذلك أنها أضيفت إلى المبني ولهذا لو أضيفت إلى معرب أعربت كقوله (إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فإذا أضيفت إلى مبني فالأفصح البناء على الفتح. القارئ: ويستحب له قلة الكلام إلا فيما ينفع لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ففي حال الإحرام والتلبس بطاعة الله تعالى والاستشعار بعبادته أولى. الشيخ: وقوله إلا فيما ينفع يشمل ما كان نافعاً لذاته وما كان نافعاً لغيره فالنافع لذاته مثل القرآن والتسبيح والتكبير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم والنافع لغيره هو الذي يقصد به أنس الصحبة والرفقة فهو مباح والمقصود به إدخال الأنس على الرفقة والصحبة ولهذا لو أن أحداً حج مع رفقته وصار كلما جلس مجلساً اشتغل بالقرآن أو بالذكر ولم يدخل عليهم السرور قلنا هذا خلاف هدي النبي عليه الصلاة والسلام فهدي النبي عليه الصلاة والسلام أنه يدخل السرور على من رافقه وصاحبه. السائل: هل الأولى للإنسان أن يشتغل بالدعوة في الطواف والسعي لأن هناك منكرات كثيرة أم يشتغل بعبادته الخاصة؟ الشيخ: الأفضل أن يشتغل بالعبادة الخاصة حتى في إجابة الأسئلة إذا كان يلهيه لا ينبغي. فصلٌ القارئ: ولا بأس أن يغتسل المحرم بالماء والسدر والخطمي ولا فدية عليه وعنه عليه الفدية والأول أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الميت المحرم (اغسلوه بماءٍ وسدر) وقال عبد الله بن حنين امترى ابن عباسٍ والمسور بن مخرمة في غسل المحرم رأسه فأرسلوني إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم قال فصب على رأسه مقبلاً ومدبرا وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل متفقٌ عليه.

الشيخ: وهذا السؤال غريب يدل على ذكاء المرسل وهو ابن عباس رضي الله عنه لم يقل اسئله هل الرسول يغسل رأسه بل كيف يغسل وكأن الأمر أمرٌ مسلم والظاهر أن ابن عباس كان رواه عن أبي أيوب أو ما أشبه ذلك. القارئ: ويجوز أن يحتجم ولا يقطع شعراً لما روى ابن عباسٍ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم) متفقٌ عليه. الشيخ: سبحان الله هل يمكن أن يحتجم في رأسه ولا يقطع شعراً؟ لا يمكن المذهب أنه يحتجم وإذا قطع شعراً فدى والصحيح أنه يحتجم وإذا قطع شعراً فلا فدية لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ولم ينقل عنه أنه فدى فإن قال قائل لماذا لا تقيسونه على حلق الشعر من الأذى وتقولون إن هذا حلق رأسه لمصلحة نفسه؟ فيقال ظاهر الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفد وليس نصاً في الواقع لأنه ما قال _ ولم يفدِ _ ولهذا لو أن أحداً عارض وقال عدم ذكر الفدية ليس ذكراً للعدم لأننا قد علمنا أن أخذ الشعر من الرأس يوجب الفدية لكن الجواب عن هذا الإشكال وهو إشكالٌ في محله أن يقال إن الله تعالى قال (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ) والنسك يتعلق بحلق الرأس كله وهذا هو الذي فيه الفدية أما إذا حلق هذا الجزء اليسير فإنه لا فدية فيه لكن إن كان لغير عذر فهو حرام وإن كان لعذرٍ فهو حلال فالعذر الحجامة أو أن يكون هناك شجة في رأس الإنسان يحتاج إلى أن يقص الشعر حولها أو يحلقه فهذا يكون الحلق حلالاً ولا فدية فيه ولهذا كان أصح المذاهب في هذه المسألة مذهب مالك رحمه الله أن الذي فيه الفدية هو الذي يماط به الأذى وهو الذي يشمل ثلثي الرأس أو نحوها أو أكثر وأما ما دون ذلك فلا فدية فيه لكن إما أن يحرم وإما أن يحل فمع العذر يحل ومع عدمه يحرم وهذا هو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام في مسألة الحجامة أنه لا يجب عليه الفدية لما حلقه من شعر الحجامة.

القارئ: ويجوز أن يفتصد كما يجوز أن يحتجم ويتقلد بالسيف عند الضرورة لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا في عمرة القضية متقلدين سيوفهم ولا بأس بالتجارة (والتكسب بالصناعة) لقول الله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) قال ابن عباسٍ كانت ذوالمجاز وعكاظ متجراً للناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) في مواسم الحج رواه البخاري. الشيخ: قوله في مواسم الحج هذه ليست قراءة لكنها تفسير من ابن عباس رضي الله عنهما والآية عامة. فصلٌ القارئ: ومن جامع أفسد حجه وعليه بدنة سواءٌ كان عالماً أم جاهلا عامداً أم ناسيا لأنه في معنىً يتعلق به قضاء الحج فاستوى عمده وسهوه كالفوات. الشيخ: هذا هو التاسع من محظورات الإحرام وهو الجماع يقول فمن جامع أفسد حجه وعليه بدنة ولكن هذا مشروطٌ بما إذا جامع قبل التحلل الأول وبماذا يحصل التحلل الأول؟ المشهور من المذهب وعليه أكثر أهل العلم أنه لا يحصل التحلل الأول إلا بالرمي والحلق أما النحر على كلام العلماء رحمهم الله لا علاقة له بالتحلل لكن الرمي والحلق وقال بعض أهل العلم بل يتحلل بالرمي وحده وعلى هذا فهذه المسألة كبيرة جداً تحتاج إلى تحرير لأن بعض العلماء قال إن التحلل الأول يحصل بالرمي فقط وكتب في ذلك رسالة فالمسألة تحتاج إلى تحرير إذا جامع قبل التحلل الأول فسد حجه ويترتب عليه أعني الجماع قبل التحلل الأول خمسة أمور أولاً الإثم والثاني فساد النسك والثالث وجوب المضي فيه والرابع قضاؤه من العام القادم والخامس بدنة كل هذه تترتب على الجماع قبل التحلل الأول.

المؤلف يقول من جامع فسد حجه وعليه بدنة سواءٌ كان جاهلاً أوعالماً عامداً أو ناسياً أما قوله فسد حجه فهذا يكاد يكون كالإجماع من الصحابة رضي الله عنهم وأما لزوم البدنة فقال بها أيضاً الصحابة روي عنهم عن عدةٍ منهم ولم يروَ عن غيرهم خلافه وأما كونه جاهلاً أو عالماً عامداًَ أو ناسياً فهذا ليس بصحيح والصحيح أنه لا يترتب على الجماع شيء من أحكامه إلا إذا كان عالماً ذاكراً غير مكره لأن هذه هي القاعدة في جميع محظورات العبادات كل محظورات العبادات لا يمكن أن يترتب أثرها إلا بهذه الشروط الثلاثة العلم والذكر وعدم الإكراه. فإن قال أنا لا أدري أنه يترتب على الجماع هذه الأمور لكني أدري أنه حرام فهل يعذر؟ لا لأن الجهل بالعقوبة ليس بعذر فإن العالم بالحكم قد انتهك الحرمة وقوله لأنه معنىً يتعلق به قضاء الحج فاستوى عمده وسهوه كالفوات هذا غلط يعني تعليلٌ عليل إن لم نقل إنه ميت لماذا لا نقول لأنه محظور من محظورات الإحرام فلا يترتب عليه حكمه إذا كان جاهلاً أو ناسياً أما الفوات فالفوات ترك واجب لأنه إذا فات الحج معناه أنك لم تقم ببقية أركانه فمن فاته الحج يتحلل بعمرة ويحج من العام القادم. القارئ: وإن حلق أو قلم ناسياً أو جاهلا فعليه الفدية لأنه إتلاف فاستوى عمده وسهوه كإتلاف مال الآدمي ويتخرج أن لا فدية عليه قياساً على اللبس.

الشيخ: لا شك أن هذا التخريج هو الصواب يقول إذا حلق أو قلم ناسياً أو جاهلاً فعليه الفدية وذكر أنه إتلاف فاستوى عمده وسهوه كإتلاف مال الآدمي وهل حرم الحلق وتقليم الأظفار لأنه إتلاف أو لأنه ترفه؟ هم قالوا لأنه ترف فكيف مرةً يكون إتلافاً ومرةً يكون ترفهاً ثم إذا قدرنا أنه إتلاف فما قيمة قلامة الظفر؟ لا شيء ولهذا يتبين لك ضعف الأقوال إذا كانت بعيدةً عن القواعد الشرعية هناك تعليل آخر أحسن من تعليل المؤلف ومع ذلك فيه نظر قال لأنه إتلافٌ فاستوى فيه العمد وغيره كجزاء الصيد لأن جزاء الصيد من أجل الإتلاف فيكون هذا مثله فنقول هذا قياس مع الفارق أيضاً قلامة ظفر تقيسها بغزالة لا يستقيم هذا ثم إننا نمنع الحكم في الأصل المقيس عليه ونقول إن الصيد إذا كان جاهلاً أم ناسياً فلا ضمان عليه. القارئ: وإن قتل الصيد مخطئاً فعليه جزاؤه لأنه ضمان مال فأشبه ضمان مال الآدمي وعنه لا جزاء عليه. الشيخ: نعم هو ضمان مال لا شك لكن لله والله تعالى لما علم عباده (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال قد فعلت بخلاف مال الآدمي فالقياس إذاً قياسٌ مع الفارق فلا يصح. القارئ: وعنه لا جزاء عليه لقول الله تعالى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) مفهومه أنه لا شيء في الخطأ. الشيخ: هذا هو القول الصحيح يعني هذه الرواية عن أحمد هي القول الراجح المتعين لأن الله قال (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) فقيده بوصفٍ مناسبٍ للحكم وهو العمد فإنه يناسب أن يحكم عليه بالجزاء فكيف نلغي هذا الوصف والله تعالى قد اعتبره وقيد به الحكم فهذه الرواية هي الصواب. القارئ: وإن تطيب أو لبس ناسياً أو جاهلا فلا فدية عليه لما روى يعلى بن أمية أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة وعليه أثر خلوق. الشيخ: خلوق يعني طيب.

القارئ: فقال يا رسول الله كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي قال اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك أثر الخلوق واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك متفقٌ عليه ولم يأمره بفديةٍ لجهله وقسنا عليه الناسي لأنه في معناه. الشيخ: هذا الاستدلال استدلال جيد يقول إنه قال افعل كذا ولم يأمره بفدية مع دعاء الحاجة إلى بيان ذلك لو كان يلزمه وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يسير عليها في كل النصوص لكن أحياناً العلماء رحمهم الله بعضهم يسير عليها في موضع ولا يسير عليها في موضعٍ آخر ولكن الصواب أنها قاعدة صحيحة وأنها سليمة فليمش عليها وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى بيان شيء ولم يبين كان ذلك دليلاً على أنه لا اعتبار به. القارئ: وعنه عليه الفدية لأنه فعلٌ حرمه الإحرام فاستوى عمده وسهوه كالحلق والأول المذهب. الشيخ: المذهب أصح. القارئ: ومتى ذكر الناسي أو علم الجاهل فعليه إزالة ذلك فإن استدامه فعليه الفدية لأنه تطيب ولبس من غير عذر فأشبه المبتدئ به. الشيخ: لو قال استدامه بلا عذر فأشبه من ابتدأه على كل حال ما ذكره المؤلف صحيح أنه متى ذكر أو علم وجب عليه التخلي عن المحظور سواء كان طيباً أو لبساً أو غير ذلك يغسله وإذا غسله بيده انتقل الطيب إلى يده نقول هذا لا بأس به لأنه للتخلص منه. القارئ: وحكم المكره حكم الناسي لأنه أبلغ منه في العذر وإن مس طيباً يظنه يابساً فبان رطبا ففيه وجهان أحدهما عليه الفدية لأنه قصد مس الطيب والثاني لا فدية عليه لأنه جهل تحريمه فأشبه من جهل تحريم الطيب. الشيخ: الصواب لأنه جهل حاله: هذا جهل حال لأنه مسه يظنه يابساً لا يجهل أن الطيب حرام لكن يظنه يابساً فبان رطباً فنقول لأنه جهل الحال فكان كجاهل الحكم والصواب أنه لا شيء عليه لأنه معذور فلو مس طيباً يظن أنه يابس فتبين أنه رطبٌ وعلق بيده فلا شيء عليه ولكن عليه أن يبادر فيزيل ما علق بيده.

باب الفدية

القارئ: ومن طُيب أو حُلق رأسه بإذنه فالفدية عليه لأن ذلك ينسب إليه وإن حلق رأسه مكرهاً أو نائما فالفدية على الحالق لأنه أمانةٌ عنده فالفدية على من أتلفه بغير إذنه كالوديعة. الشيخ: أما الأول فصحيح أن من طُيب أو حُلق رأسه بإذنه فعليه الفدية لأن ذلك بإذنه ورضاه فهو كالفاعل والآذن والراضي كالفاعل. وأما الثاني وهو من حلق رأسه مكرهاً أو نائماً فالفدية على الحالق ففيه نظر لأن هذا ليس مالاً وإنما هو تعبد لله تعالى بترك الحلق وهذا الرجل النائم أو المكره لم ينتهك حراماً فلا شيء عليه والحالق لا شيء عليه لأنه ليس بمحرم ولكن قد يعزر هذا الحالق بما يراه الإمام باعتدائه على أخيه. القارئ: وإن حلق وهو ساكتٌ لم ينكر فالفدية عليه كما لو اتلفت الوديعة وهو يقدر على حفظها فلم يفعل. الشيخ: هذا صحيح لكن لو علل ذلك بأنه رضي بفعل المحظور فيه لكان أحسن لأن مسألة الوديعة أموال وليست عبادات لكن يقال في هذا الذي حلق وهو ساكت إن سكوته إقرارٌ وإذن. القارئ: وإن كشط من جلده قطعةً عليها شعرٌ أو قطع أصبعاً عليها ظفرٌ فلا فدية عليه لأنه زال تبعاً لغيره فلم يضمنه كما لو قطع أشفار عيني إنسان فإنه لا يضمن أهدابها. باب الفدية القارئ: من حلق رأسه وهو محرمٌ فعليه ذبح شاةٍ أو إطعام ثلاثة أصوع لستة مساكين لكل مسكينٍ نصف صاع أو صيام ثلاثة أيام لقول الله تعالى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) وروى كعب بن عجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعلك تؤذيك هوام رأسك قال نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احلق رأسك وصم ثلاثة أيامٍ أو أطعم ستة مساكين لكل مسكينٍ نصف صاع تمر أو انسك بشاة) متفقٌ عليه.

الشيخ: والفدية هنا على التخيير وقد بدأ الله تعالى بالأسهل في ذلك الوقت وهو الصيام ثم الإطعام ثم النسك لكن أيها أعلى باعتبار نفع الفقراء؟ النسك ثم الإطعام ثم الصيام وفي هذه الفدية قدر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدفوع والمدفوع إليه، فالمدفوع قدره نصف صاع والمدفوع إليه ستة مساكين. وقد يكون الواجب مقدراً والمدفوع إليه غير مقدر كالفطرة فالواجب فيها صاع وليس المدفوع إليه مقدراً يجوز أن تعطي الصاع الواحد لعدة فقراء ويجوز أن تعطي الواحد عدة أصواع. وهناك قسمٌ ثالث يقدر المدفوع إليه دون المدفوع وهذا هو الأكثر ككفارة اليمين إطعام عشرة مساكين وكفارة الظهار إطعام ستين مسكيناً وكفارة الجماع في رمضان. القارئ: وسواءٌ حلق لعذرٍ أو غيره وعنه فيمن حلق لغير عذر عليه الدم من غير تخيير لأن الله تعالى خير بشرط العذر فإذا عدم الشرط زال التخيير والأول أولى لأن الحكم ثبت في غير المعذور تبعاً له والتبع لا يخالف أصله وإنما الشرط لإباحة الحلق لا التخيير. الشيخ: هذا هو الأقرب أن الفرق بين المعذور وغيره هو الإثم بالحلق إن كان غير معذور لزمته الفدية مع الإثم وإن كان معذوراً فإنه لا إثم عليه لكن تلزمه الفدية لأنه انتهك هذا المحظور لمصلحة نفسه فلم يسقط عنه فهو كالذي يقتل صيداً ليأكله فإنه لا يسقط عنه جزاؤه. القارئ: وفي حلق أربع شعراتٍ ما في حلق الرأس كله لأنها كثير فتعلقت بها الفدية كالكل.

الشيخ: قوله (لأنها كثير) النبي صلى الله عليه وسلم قال (الثلث والثلث كثير) فإذا عللنا بالكثرة فيجب أن نربط الحكم بثلث الرأس كما قال به بعض أهل العلم وقال إن الذي فيه الفدية هو ما كان من ثلث الرأس فأكثر لأننا ما دمنا عللنا ذلك بالكثرة فالكثرة بنص الحديث أنها الثلث وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم وقال لا فدية فيما دون الثلث ثم إنه إذا قطع ثلاث شعرات من رأسه لا يتبين أنه حلق ولا أنه قطع ولهذا الإنسان يجد في مثل هذه المسائل حرجاً أن يلزم الناس بشيء لم يتبين له في الكتاب والسنة قد يقول الإنسان هذا سهل إطعام ستة مساكين والخير كثير والحمد لله لكن ليست المسألة سهولة المدفوع المسألة هل هو حكم شرعي يقابل الإنسان به ربه يوم القيامة أنه ألزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به؟ هذه المشكلة ثم إن هذا الإطعام الذي هو سهل اليوم قد يكون في يوم من الأيام صعباً فالحاصل أني أود من إخواني الطلبة أن ينتبهوا لهذا الشيء أن الله سيسألهم إذا أوجبوا شيئاً لم يدل عليه الدليل سيسألهم لماذا ألزمتم عبادي بما لم ألزمهم به فما الجواب والآية (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ)، (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ) وهذا يدل على أن الرأس كله. القارئ: وفي الثلاث روايتان إحداهما كالكل قال القاضي هي المذهب لأنها يقع عليها اسم الجمع المطلق فهي كالأربع والثانية لا يجب فيها ذلك وهي اختيار الخرقي لأن الثلاثة آخر القلة وآخر الشيء منه. الشيخ: وعلى ما أومأنا إليه نقول كلها غير صحيحة الأربع ما فيها فدية والثلاث ما فيها فدية وإن قلنا بالوجوب فالثلاث فيها الفدية لأنها جمع وأما قوله إنه زالت بها القلة فصارت تبعاً للقليل فغير صحيح لأنه لما زالت بها القلة بلغت إلى حد الكثرة.

القارئ: وفيما دون ذلك ثلاث روايات إحداهن في كل شعرة مدٌ من طعام لأن الله تعالى عدل الحيوان بالطعام هاهنا وفي الصيد وأقل ما يجب منه مدٌ من طعام فوجب والثانية قبضةٌ من طعام لأنه لا تقدير له في الشرع فيجب المصير إلى الأقل لأنه اليقين. الشيخ: ومن قال إن اليقين هو قبضة ثم إن القبضة تختلف بعض الناس يده كبيرة وبعض الناس يده صغيرة ولهذا نقول كل هذا تحكم بلا دليل وأما أن الله عدل الطعام بالفدية فيقال هذا فيما أوجب الفدية وأنتم لا توجبون الفدية فيما دون الثلاثة وهذا يقتضي أن ما دون الثلاثة ليس فيها شيء. القارئ: والثالثة درهم لأن إيجاب جزءٍ من الحيوان يشق فصرنا إلى قيمته وأقل ذلك درهم. الشيخ: من يقول أقل ذلك درهم؟! الجزء من الحيوان قد يساوي مائة درهم وقد لا يساوي إلا درهماً وأنا أذكر أنه مر علينا سنوات نشتري الشاة بأربعة قروش أي خُمس ريال. القارئ: وإزالة الشعر بالقطع والنتف والنورة وغيرها كحلقه لأنها في معناه والأظفار كالشعر في الفدية سواء لأنها في معناها وفي بعض الشعرة أو الظفر ما في جميعه كما أن في القصيرة مثلما في الطويلة وإن حلق شعر رأسه وبدنه فعليه فديةٌ واحدة لأنه جنسٌ واحدٌ فأجزأته فديةٌ واحدة كما لو لبس عمامةً وقميصا وهذا اختيار أبي الخطاب وحكي روايةٌ أخرى أن عليه فديتين اختاره القاضي لأن حلق الرأس يتعلق به النسك دون شعر البدن فيخالفه في الفدية. الشيخ: الأصح الرأس فقط وشعر البدن ليس فيه دليل على أنه محرم وأن فيه فدية. القارئ: ومن أبيح له الحلق فهو مخيرٌ في الفدية قبله وبعده كما يتخير في كفارة اليمين قبل الحنث وبعده.

الشيخ: لأن الله قال (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) لكن الكفارة قبل الحنث تسمى تحلة لأنه حل اليمين وبعد الحنث تسمى كفارة لأنه انتهك حرمة اليمين فصارت كفارة، لو قال أنا سأحلف أن لا أخرج من البيت ثم أخرج الكفارة للحلف الذي سيحلفه؟ لا يصح لأنه قبل السبب أما قبل الشرط فلا بأس. مسألة: لو لبس عمامةً وقميصاً فهل نقول فدية واحدة لأن الجميع لبس أو نقول فديتان لأن هذا على الرأس وهذا على البدن؟ هذا فيه خلاف لكن ينبغي أن يفرق بين ما إذا لبس عمامةً وقميصاً أو غطى رأسه ولبس قميصاً الأول يسمى لبساً فيكون الجنس واحداً والثاني يسمى تغطية ولبساً فيكون بينهما فرق ويكونان جنسين. فصلٌ

القارئ: ومن لبس أو غطى رأسه أو تطيب فعليه الفدية مثل حلق رأسه لأنه في معناه فقسناه عليه وإذا لبس عمامةً وقميصاً وسراويل وخفين فعليه فدية واحدة لأنه جنسٌ واحدٌ فأشبه ما لو طيب رأسه وبدنه وإن لبس وتطيب وحلق وقلم فعليه لكل جنسٍ فدية لأنها أجناسٌ مختلفة فلم تتداخل كفاراتها كالأيمان والحدود وعنه إن فعل ذلك دفعةً واحدة ففديةٌ واحدة لأن الكل محظورٌ فأشبه اللبس في رأسه وبدنه وإن كرر محظوراً واحداً فلبس ثم لبس أو تطيب ثم تطيب أو حلق ثم حلق ففديةٌ واحدة ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني وعنه إن فعله لأسباب مثل من لبس أول النهار للبرد ووسطه للحر وآخره للمرض ففديات لأن أسبابه مختلفةٌ فأشبه الأجناس المختلفة والأول أولى لأن الحكم يتعلق بالمحظور لا بسببه فأشبه الحالف بالله ثلاثة أيمان على شيء واحدٍ لأسبابٍ مختلفة وقليل اللبس والطيب وكثيره سواء وحكم كفارة الوطء في التداخل مثل ما ذكرنا لأنها ليست ضمانا فأما جزاء الصيد فلا تداخل فيه وكلما قتل صيداً حكم عليه وعنه أنه يتداخل كسائر الكفارات وعنه لا يجب الجزاء إلا في المرة الأولى لقول الله تعالى (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) ولم يذكر جزاء والأول المذهب لقول الله تعالى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وهذا يقتضي كل قاتل ومثل الصيدين أكثر من مثل واحد ولأنه ضمان مالٍ يختلف باختلافه فوجب في كل مرةٍ كضمان مال الآدمي قال أحمد روي عن عمر وغيره أنهم حكموا في الخطأ وفيما قتل ولم يسألوه هل كان قتل قبل هذا أو لا.

الشيخ: والصحيح أن جزاء الصيد بتعدد المصيد حتى ولو كان بفعلٍ واحد مثل أن يرمي فيصيب عدة طيور فعليه لكل طيرٍ جزاء لأن الله تعالى قال (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وكما يلزم المثل في الصفة والهيئة يلزم المثل في العدد وأما تكرار اللبس فإن كان لبس لعذرٍ دام فلا حرج أن يكرر مثل أن يلبس للبرد في أول النهار وفي وسط النهار لا برد فيعود ويلبس الإزار والرداء ثم في آخر النهار حدث البرد فنقول البس ولا تتعدد الكفارة لأنه إنما استباح لبس المخيط لسبب وهو البرد فكأن هذا المحظور انحل في حقه ولم يبقَ عليه محرماً هذا هو الضابط فيما يتكرر، الجماع أيضاً لو جامع ثم جامع ثم جامع فإنه يتكرر إلا إذا كان لم يكفر عن الأول. فصلٌ القارئ: وإذا وطئ المحرم في الفرج في الحج قبل التحلل الأول فعليه بدنةٌ لأن ذلك يروى عن ابن عباسٍ رضي الله عنه وسواءٌ كان الفرج قبلاً أو دبرا من آدميٍ أو بهيمةٍ لأنه وطءٌ في فرج أشبه وطء الآدمية وإن وطئت المحرمة مطاوعةً فعليها بدنة لأنها أفسدت حجها بالجماع فوجبت عليها البدنة كالرجل وإن وطئ الرجل محرمةً مطاوعةً فعلى كل واحدٍ منهما بدنة لأن ابن عباسٍ قال للمجامع اهد ناقة ولتهد ناقة ولأنه إفساد حج شخصين فأوجب بدنتين كالوطء من رجلين وعنه يجزئهما هديٌ واحد لأنه جماعٌ واحدٌ فأشبه ما لو أكرهها فإن وطئها نائمةً أو مكرهةً ففيها روايتان إحداهما أن الواجب هديٌ واحدٌ عليه دونها لأنها معذورةٌ فلم يلزمها كفارةٌ كالمكرهة على الوطء في الصيام والثانية يجب هديان لأنه إفساد حج اثنين فعلى هذا يتحملها الرجل عنها لأن الإفساد وجد منه فكان موجبه عليه كما تجب عليه نفقة قضائها ويحتمل أن تكون عليها لأنها وجبت لفساد حجتها.

الشيخ: هذا الأخير ثقيل صعب والصواب أنها إذا وطئت نائمة أو مكرهة فلا شيء عليها لأنها معذورة ولا شيء على الرجل أيضاً لأنه جماعٌ واحد من شخصٍ واحد فلا يوجب أكثر من فدية ولكنه يأثم إذا أكرهها أو وطئها نائمة وهل يفسد حجها؟ لا على القول الراجح لا يفسد لأنه عن غير عمد. القارئ: ويحتمل أن تكون عليها لأنها وجبت لفساد حجها وإن وطئ في العمرة أو وطئ في الحج بعد التحلل الأول فعليه شاةٌ لأنه فعل محظور لم يفسد حجا فلم يوجب بدنةً كالقبلة. الشيخ: وعليه شاة ويجب أن نعلم أن كل ما أوجب شاةً من المحظورات فهو على التخيير بين الشاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين. القارئ: ومتى وطئ المحرم دون الفرج أو قبل أو لمس لشهوة فلم ينزل فعليه شاةٌ لأنه فعلٌ محرمٌ بالإحرام لم يفسد بالحج فوجبت به الشاة كالحلق وإن أنزل فعليه بدنة لأنه استمتاعٌ بالمباشرة أوجب الغسل فأوجب البدنة كالوطئ في الفرج وإن نظر فلم ينزل فلا شيء عليه وإن نظر فصرف بصره فأنزل فعليه شاة وإن كرر النظر حتى أنزل ففيه روايتان إحداهما شاةٌ يروى ذلك عن ابن عباس ولأنه ليس بمباشرة فلم يوجب البدنة كما لو صرف بصره والثانية فيه بدنة اختارها الخرقي لأنه إنزالٌ بإستمتاعٍ فأوجب البدنة كالمباشرة. الشيخ: والصواب أنه لا يوجب البدنة وأن البدنة لا تجب إلا في الجماع قبل التحلل الأول في الحج وأما الإنزال بالمباشرة أو الجماع فيما دون الفرج وما أشبه ذلك فلا يوجب البدنة هذا هو القول الراجح في المسألة. أما إذا كرر النظر فأنزل فينبغي أن تجب الشاة وأما إذا نظر ثم صرف بصره فلا شيء عليه ولو أنزل لأن إنزاله بعد صرف بصره ليس للنظر بل للتفكير في المنظور والتفكير على القول الراجح ليس فيه شيء. القارئ: وإن فكر فأنزل فلا شيء عليه كما ذكرنا في الصوم وإن أمذى في هذه المواضع فهو كمن لم ينزل لأنه خارجٌ لا يوجب الغسل أشبه البول.

الشيخ: وفي هذا دليل على أن الإمذاء في الصوم لا يفسد الصوم كما هو الراجح والفقهاء قالوا إن الإمذاء يفسد الصوم والصواب أنه لا يفسده ولا يمكن أن يقاس المذي على المني لاختلافهما في الحكم وفي الحقيقة والماهية والأثر. فصلٌ القارئ: ومن لزمته بدنةٌ أجزأته بقرة لأن جابراً قال وهل هي إلا من البدن ولأنها تقوم في الأضاحي والهدايا مقامها فكذا هنا ويجزؤه سبعٌ من الغنم لذلك. الشيخ: لكن بعض أهل العلم قال في غير جزاء الصيد فاستثنى جزاء الصيد وقال إن جزاء الصيد إذا وجبت فيه بدنة لم تجزئ البقرة لأن الله تعالى قال (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وهذا القول لا شك أنه وجيه لأنه إذا ذبح بقرةً في مقام البدنة لم يكن آتياً بما يلزمه من وجوب المماثلة. القارئ: وإن لم يجد هدياً فعليه صيام ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعة إذا رجع لأن ابن عمر وابن عباسٍ وعبد الله بن عمروٍ قالوا للواطئين اهديا هديا فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعة إذا رجعتم وهم الأصل في ثبوت حكم الوطء وإليهم المرجع فيه فكذا في بدله وقال بعض أصحابنا تقوم البدنة فيشتري بقيمتها طعاماً يتصدق به فإن لم يجد صام عن كل مدٍ يوماً قياساً على البدنة الواجبة في فدية النعامة. الشيخ: هذا قياسٌ مع الفارق والصواب أن من لزمته البدنة وقدر عليها فليفعل وإلا فلا شيء عليه وما روي عن هؤلاء الصحابة الذين ذكروا فيحمل على الاستحباب.

باب جزاء الصيد

باب جزاء الصيد القارئ: يجب الجزاء في الصيد لقول الله تعالى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وهو ضربان ما له مثلٌ من النعم وهي بهيمة الأنعام فيجب فيه مثله للآية وهو نوعان الضرب الأول ما قضت الصحابة فيه فيجب فيه ما قضت لأنه حكم مجتهد فيه واجتهادهم أحق أن يتبع فمن ذلك الضبع قضى فيها عمر وابن عباسٍ بكبش وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيها بذلك رواه أبو داود وغيره وقال الترمذي هو حديثٌ حسنٌ صحيح. الشيخ: قال الله تبارك وتعالى في جزاء الصيد (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) وأول من يدخل في هذا الوصف وهو العدالة الصحابة رضي الله عنهم فما قضت به الصحابة لا يجوز العدول عنه أولاً لأنهم هم أعلم منا وأقرب إلى الصواب وأقوى أمانة. وثانياً أنه لو فتح الباب لكل واحدٍ أن يجتهد لم يقر قرارٌ للناس لكان كل قومٍ يأتون يقول هذا ليس مثل هذا بل مثله كذا فتضطرب الأمة فلهذا نقول ما قضت به الصحابة فلا عدول عنه ومن ذلك الضبع فيها كبش وقضاء الصحابة أن في الضبع كبشاً يدل على أنها حلال وأنها من الصيد وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها كما قاله الإمام أحمد رحمه الله إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضى فيها بكبش. القارئ: والنعامة قضى فيها عثمان وعلي وزيد وابن عباس ومعاوية ببدنة. الشيخ: لأن أقرب ما يكون شبهاً به البدنة. القارئ: وحمار الوحش فيه روايتان إحداهما فيه بقرة لأن عمر قضى فيه بها والثانية فيه بدنة لأن أبا عبيدة وابن عباسٍ قضيا فيه بها وقضاء عمر أولى لأنه أقرب إلى ما قضي به وعن ابن مسعودٍ أنه قضى في بقرة الوحش ببقرة وقال ابن عباسٍ في الأيل بقرة. الشيخ: على كل حال الآن اختلف عمر وابن عباس وأبو عبيدة والصواب مع عمر لا شك لأنه أقرب.

القارئ: وقال ابن عمر في الأروى بقرة وقضى عمر في الظبي بشاة وفي اليربوع بجفرة وهي التي لها أربعة أشهرٍ من المعز. الشيخ: هذه كلها أنواع من الظباء الآيل والتيتل والأروى كلها أنواع من الظباء. القارئ: وفي الأرنب بعناق وهي أصغر من الجفرة وفي الضب بجدي. الشيخ: في الأرنب عناق مع أن الأرنب أكبر بكثير من اليربوع ومع ذلك جزاؤه أقل من أجل المماثلة فهي ليست من باب التقويم بل من باب المماثلة. القارئ: والضرب الثاني ما لم تقضِ فيه الصحابة فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة لقول الله تعالى (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ويجوز أن يكون القاتل أحدهما لدخوله في العموم ولما روى طارق بن شهاب قال خرجنا حجاجاً فأوطأ منا رجل يقال له إربد ضباً ففزر ظهره فقدمنا إلى عمر فسأله إربد فقال له احكم فيه يا إربد قال أنت خيرٌ مني يا أمير المؤمنين وأعلم فقال عمر إنما أمرتك أن تحكم ولم آمرك أن تزكيني فقال إربد أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر فذلك فيه رواه سعيد بن منصور ولأنه واجبٌ لحق الله فجاز أن يكون من وجب عليه أميناً فيه كالزكاة. الشيخ: وقيل إنه لا يصح أن يكون حكماً إذا كان هو القاتل لأن الله قال (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) وقاتل الصيد في الإحرام ليس بعدل حتى يتوب ولأنه متهم فيما يجب عليه والفرق بينه وبين الزكاة أن هذا غرمٌ منفصل وأما الزكاة فهو إخراج واجبٍ في ماله فكان أخف وهذا الأثر إن صح عن عمر فلعله لسببٍ رآه لأن هذه قضية عين فلعله رأى أن إربد تاب لله عز وجل فصح أن يكون حكما. القارئ: وفي كبير الصيد كبيرٌ مثله وفي صغيره صغيرٌ مثله وفي كل واحدٍ من الصحيح والمعيب مثله وإن فدى الذكر بالأنثى جاز لأنها أفضل وإن فدى الأنثى بالذكر ففيه وجهان أحدهما لا يجزئ لذلك والآخر يجزئ لأن لحمه أوفر وهو المقصود. الشيخ: ولكن الأقرب أنه لا يجزئ الذكر عن الأنثى لأن الأنثى أطيب لحماً وأرق.

القارئ: وإن فدى أعور بعينٍ من أخرى جاز لأن المقصود منهما واحد وإن فدى معيباً بمعيبٍ من جنسٍ آخر لم يجز لأنهما مختلفان. الشيخ: مثال معيب بعيبٍ من جنس آخر مثل لو كان أعور وأعرج فلا يجزيء أحدهما عن الآخر لاختلاف الجنس وأما إذا كان أعرج بيد وأعرج برجل فالظاهر أن الجنس واحد وأنه يجزئ هذا عن هذا. القارئ: وإن أتلف صيداً ماخضاً ففيه قيمة مثله ماخضاً قاله القاضي لأن قيمته أكثر من مثله وقال أبو الخطاب فيه مثله ماخض للآية. الشيخ: وقول أبي الخطاب أقرب إلى الصواب ولكن إذا لم يجد بأن وجد أنثى غير حامل ففي هذه الحال يخرجها ويخرج الفرق بين الحامل والحائل. القارئ: وإن جنى على ماخضٍ فأتلف جنينها ففيه ما نقصها كما لو جرحها وإن خرج حياً ثم مات ضمنه بمثله. الشيخ: فصارت المماثلة تكون في الجنس وفي الشبه وفي الصغر وفي الكبر وفي العيب والسلامة بقدر الإمكان. القارئ: والثاني ما لا مثل له وهو الطير وشبهه من صغار الصيد ففيه قيمته إلا الحمام فإن فيه شاة لأن عمر وعثمان وابن عمر وابن عباسٍ قضوا في حمام الحرم بشاة والحمام كل ما عب الماء وهدر كالحمام المعروف واليمام والجوازل والقماري والرقاطي والدباسي والقطا لأن هذا كله حمام وقال الكسائي كل مطوقٍ حمام فعلى هذا يكون الحجل حماما وعلى الأول ليس بحمام وما كان أصغر من الحمام ففيه قيمته لأنه لا مثل له وما كان أكبر منه ففيه وجهان أحدهما فيه قيمته لأن القياس يقتضيها في جميع الطير تركناه في الحمام لقضاء الصحابة ففي ما عداه يبقى على القياس والثاني فيه شاة لأن إيجابها في الحمام تنبيهٌ إلى إيجابها فيما هو أكبر منه وقد روي عن ابن عباسٍ وجابرٍ أنهما قالا في الحجلة والقطا والحبارى شاة شاة وإن نتف ريش طائرٍ ففيه ما نقص فإن عاد فنبت ففي ضمانه وجهان كغصن الشجرة إذا نبت وفي بيض الصيد قيمته.

الشيخ: فصارت الطيور كلها تضمن بالقيمة إلا الحمام لقضاء الصحابة وإلا ما كان أكبر من الحمام ففيه الوجهان الوجه الأول أنه يضمن بالقيمة لأنه لا مثل له والثاني يضمن بالشاة لأن إيجاب الصحابة رضي الله عنهم شاةً في الحمامة يدل على أن ما فوقها من باب أولى والراجح أن مالم تقضِ فيه الصحابة من الطيور ففيه القيمة فقط. فصلٌ القارئ: ومن وجب عليه جزاء صيدٍ فهو مخير بين إخراج المثل أو يقوم المثل ويشتري بقيمته طعاما ويتصدق به أو يصوم عن كل مدٍ يوما لقول الله تعالى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاما) فأو للتخيير، وعنه أنها للترتيب فيجب المثل فإن لم يجد أطعم فإن لم يجد صام ككفارة القتل وعنه لا إطعام في الجزاء وإنما ذكره ليعدل الصيام والمذهب الأول لأنه ظاهر النص فلا تعويل على ما خالفه.

الشيخ: صحيح لكن هل يقوم المثل أو يقوم الصيد؟ المؤلف يقول إنه يقوم المثل وقيل إنه يقوم الصيد لأنه هو الذي حصل به العدوان وأما المثل فلا يقوم ولكلٍ من القولين وجه أما من قال يقوم المثل فقال إن التقويم بدلٌ عن الأصل والأصل هو المثل وأما من قال إنه يقوم الأصل يعني الصيد قال إن المثل إنما جعله الشارع قيمةً للصيد فإذا لم يأخذ به الإنسان فإنه يرجع إلى الأصل وهي قيمة الصيد وأياً كان تارةً يكون قيمة الصيد أكثر وتارةً تكون قيمة المثل أكثر أما إذا تساوت القيمتان فلا يظهر أثرٌ للخلاف لكن إذا اختلفت القيمتان بأن كان هذا الصيد نادر الوجود فأقول إن المسألة محتملة هل يقوم المثل أو يقوم الصيد؟ ولم يظهر لي ترجيح في هذا من زمان ولكن إذا قلنا إنه يقوم المثل فبما يعادله من الطعام إذا لم يختر المثل الطعام ربما يكون كثيراً فإذا قدرنا أنه قوم المثل بمائتي ريال والصاع بريالين فيكون فيها مائة صاع أي أربعمائة مد فنقول لهذا الرجل صم أربعمائة يوم هذا عدل الطعام!! فالنفس في قلق من هذا والله عز وجل يقول (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ) وأطلق سبحانه وتعالى (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً) أي ما يعادل إطعام المسكين صياماً وهي في الحقيقة من المسائل التي تحتاج إلى تحريرٍ تام في باب المناسك. فصلٌ القارئ: وإن اشترك جماعةٌ في قتل صيدٍ فعليهم جزاءٌ واحد وعنه على كل واحدٍ جزاء لأنها كفارة قتلٍ أشبهت كفارة قتل الآدمي وعنه إن كفروا بالمال فجزاءٌ واحد وإن كفروا بالصيام فكفارات والأولى أولى لأن ذلك يروى عن عمر وابنه وابن عباس ولأنه بدلٌ متلفٌ يتجزأ فيقسم بدله بين المشتركين كالديات وقيم المتلفات. الشيخ: لكن في الصيام إذا قدرنا أنه سيكون على كل واحد صيام عشرة أيام ونصف يجبر النصف ولا بد لأن الصوم لا يصح إلا يوماً كاملاً فيلزم كل واحد أن يصوم أحد عشر يوما.

القارئ: وإن اشترك حلالٌ وحرام فلا شيء على الحلال وهل يكمل الجزاء على الحرام أو يكون حكمه حكم المشارك الحرام فيه وجهان. الشيخ: والأقرب أنه ليس عليه إلا النصف لأن القتل حصل من فعلين. القارئ: وإن جرح صيداً ضمنه وفي ضمانه وجهان أحدهما يضمنه بمثله من مثله لأن ما وجب ضمان جملته بمثله وجب في بعضه مثله كالمكيلات. الشيخ: وعلى هذا يكون معنى قوله جرح صيداً أي قطع منه عضواً لأن الجرح لا يكون فيه جزءٌ متلف ولهذا قال يضمنه بمثله من مثله فإذا قطع يده مثلاً وجب عليه يدٌ من مثله أو أذنه وجب عليه أذنٌ من مثله وإن كانت الأذن ليست لها قيمة ولكن قد يكون لها قيمة باعتبار تقويمها مع الجملة. القارئ: والآخر تجب قيمة قدره من مثله لأن الجزء يشق إخراجه فصرنا إلى قيمته. الشيخ: لكن هذا يجاب عنه بأنه إذا شق إخراجه عجزنا عن ضبط المماثلة فحيئذٍ يكون كالصيد الذي ليس له مثل يرجع إلى القيمة. القارئ: وإن جرح صيداً فأزال امتناعه فقتله حلالٌ أو سبع فعلى المحرم جزاء جميعه لأنه سبب تلفه وإن قتله محرمٌ آخر فعلى الأول ما نقصه والباقي على الثاني وإن برئ وزال نقصه فلا شيء فيه كالآدمي وإن نقص فعليه نقصه وإن برئ غير ممتنعٍ فعليه جزاء جميعه لأنه عطله فصار كالتالف وإن غاب ولم يعلم خبره فعليه نقصه لأنه المتيقن. فصلٌ القارئ: والقارن والمفرد والمعتمر سواءٌ في جزاء الصيد وسائر الكفارات لأنهم سواءٌ في الإحرام فوجب استواؤهم في ذلك. فصلٌ القارئ: وصيد الحرم حرامٌ على الحلال والحرام لما روى ابن عباسٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يختلى خلالها ولا يعضد شوكها ولا ينفر صيدها فقال العباس إلا الإذخر فإنا نجلعه لبيوتنا وقبورنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر) متفقٌ عليه وحكمه في الجزاء حكم صيد الإحرام.

الشيخ: في هذا الحديث دليلٌ على عظمة تحريم هذا البيت وأن الله حرمه يوم خلق السماوات والأرض فإن قال قائل أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (إن إبراهيم حرم مكة) فنقول بلى لكن المراد بتحريم إبراهيم مكة أنه أظهر تحريم مكة وبينه وإلا فإن هذا البلد حرامٌ بحرمة الله منذ خلق السماوات والأرض إلى أن تقوم الساعة وفي هذا الحديث دليلٌ على جواز مراجعة الحاكم وولي الأمر لأن العباس راجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينكر عليه وفيه دليل على أن الفاضل قد يغيب عنه ما يظهر للمفضول مثل قول العباس إلا الإذخر فإنه لبيوتهم وغيره والنبي عليه الصلاة والسلام يعلم هذا لا شك لكن قد يغيب على الإنسان الفاضل ما يتبين لمن دونه وفيه دليلٌ على جواز الاستثناء بدون اتصال في المستثنى منه لأن العباس ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد انتهاء الخطبة وفيه دليل على أنه لا يشترط في الاستثناء أن ينويه قبل تمام المستثنى منه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينوِ ذلك وهذا والذي قبله هو الصحيح أن الاستثناء يجوز وإن لم ينوه إلا بعد تمام المستثنى منه وأنه يجوز ولو حصل فصل لكن بشرط أن يكون الكلام واحداً فإن استثنى بعد الانقطاع وبعد مفارقة المجلس فإنه لا يصلح الاستثناء بل لا بد من إعادة الجملة السابقة حتى يصح الاستثناء منها وفيه أيضاً في هذا الحديث دليل على أن بعض الناس قد يكون مفتاحاً للخير والتيسير وعلى العكس من ذلك من يكون سبباً للتضييق على الناس ولهذا جاء في الحديث (من أعظم الناس جرماً رجلٌ سأل عن مسألةٍ لم يحرمها الله فحرمت من أجل مسألته) لأنه يكون بذلك سبباً للتضييق على الناس وفيه دليل على حرمة الآدمي في مكة لأنه إذا ثبتت هذه الحرمة للأشجار وهي جماد وثبتت للصيد أيضاً فما بالك بالإنسان وفيه أيضاً دليل على أنه لا يجوز قطع الشوك من الشجر في مكة لقوله (ولا يعضد شوكها) وما لا شوك

فيه من باب أولى فإن قال قائل الناس يضطرون إلى طريق فيه أشجارٌ كثيرة من الشوك فهل يجوز لهم أن يزيلوها عن الطريق الجواب نعم إذا لم يكن لهم طريقٌ إلا هذا فإنه يجوز كما لو اضطر الإنسان إلى أكل الصيد في الحرم فإنه يقتله ويأكله فإن قال قائل إذا كانت الشجرة في أرضٍ لي نبتت بفعل الله وأنا أريد أن أبني هذه الأرض نقول إذا كان يمكنك أن تبني في الجانب الذي ليس فيه شجرة فافعل وإن كان لا يمكنك بحيث تكون الأشجار منتشرة أو المكان صغيراً فالظاهر أن هذا من جنس الاضطرار وأن له أن يقلعها لا يقال إن لها حرمة لأننا نقول حرمة الآدمي أوكد وأعظم وإذا فرضنا مثلاً أن جميع مكة مفروشة بالأشجار نقول لأهل مكة لا تبنوا هذا فيه صعوبة. الشيخ: وأضاف في الحديث (خلاها)، (شوكها) هذا إلى مكة ليخرج به ما ينبته الآدمي فإن ما يغرسه الآدمي كالنخل والعنب وما أشبهها ليس بحرام لأن هذا ينسب إلى مالكه الذي غرسه والمراد الأشجار التي نبتت بغير فعل الآدمي كما أن القول الراجح أن الإنسان إذا أدخل صيداً إلى الحرم فإنه ملكه حلال ولا يلزمه إطلاقه وله أن يذبحه. القارئ: وحكمه في الجزاء حكم صيد الإحرام لأنه مثله في التحريم فكان مثله في الجزاء والسمك في التحريم كصيد البر لعموم قوله (لا ينفر صيدها) ولأن حرمته بمحله وهما في المحل سواء وعنه لا يحرم لأنه لا يحرمه الإحرام فلم يحرمه الحرم كالسباع وسائر الحيوانات كلها. الشيخ: وهذه الرواية الثانية هي الصواب بلا شك وأن صيد البحر في الحرم ليس حراماً فلو فرض أن بحيرة صارت في الحرم وظهر فيها أسماك فإن الأسماك هذه حلال لأن الله تعالى يقول (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً).

القارئ: وسائر الحيوانات حكمها في الحرم حكمها في الإحرام فما حرمه الإحرام من الصيد حرمه الحرم وما أبيح فيه من الأهلي وغير المأكول لم يحرمه الحرم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم) رواه مسلم، إلا أن القمل لا يحرمه الحرم رواية واحدة. الشيخ: وسبق لنا أن القمل القول الراجح فيه أنه لا يحرم وأنه يجوز للمحرم أن يتفلى. القارئ: ويجب الجزاء على كل قاتل في الحرم مسلما كان أو كافرا صغيرا أو كبيرا لأن حرمته لمحله وهو ثابت بالنسبة إلى كل قاتل. الشيخ: فإذا قال قائل ليس الكافر مكلفا بشرائع الإسلام حتى يسلم قلنا إن هذا من باب ضمان الإتلاف ويستوي فيه الكافر وغيره. فإن قال قائل كيف يقتل الكافر صيدا في الحرم؟ فالجواب يمكن إما أن يقتله وهو في الحل والصيد في الحرم وإما أن يدخل معاندا وهو كافر فيدخل الحرم المهم أن المقصود التصوير فهل إذا قتل الكافر صيدا في الحرم يلزم بالجزاء؟ الجواب نعم لا تعبداً لله ولكن ضماناً للمتلف. وإن أحرم الكافر وقتل الصيد وهو محرم؟ نقول لا يصح إحرامه ولا جزاء عليه فيما قتل من الصيد إلا أن يكون في الحرم. القارئ: ولو قتل محرم صيدا حرميا لزمه جزاء واحد لأن المقتول واحد فكان جزاؤه واحدا كما لو قتله حلال. الشيخ: وقيل إذا قتل المحرم صيدا في الحرم لزمه جزاءان لأنه اجتمع سببان للتحريم كونه في الحرم وكونه محرما ولكن الراجح أنه جزاء واحد وهذا كما قيل في القارن إنه إذا قتل صيدا لزمه جزاءان لأنه جامع بين الحج والعمرة أي بين نسكين والصحيح أنه لا يلزمه إلا جزاء واحد في المسألتين جميعا. فصل القارئ: ومن ملك صيدا في الحل فأدخله الحرم لزمه رفع يده عنه وإرساله فإن تلف في يده أو أتلفه ضمنه وإن ذبحه صار ميتا لأن الحرم سبب لتحريم الصيد فحرم استدامة إمساكه كالإحرام.

الشيخ: وسبق أن الصحيح أن له الدخول به وأنه ملكه والفرق بينه وبين الإحرام الذي قاسه عليه أن هذا ليس صيد حرم فهو لم يدخل في التحريم أصلاً وأما الإحرام فإن المحرم ممنوع من أن يتملك الصيد وممنوع من أن تكون يده المشاهدة عليه. القارئ: وإن أمسكه في الحرم فأخرجه إلى الحل لزمه إرساله كالمحرم إذا أمسك الصيد حتى حل. الشيخ: هذا صحيح. القارئ: وإن رمى من الحل صيدا في الحرم أو أرسل كلبه عليه فقتله أو قتل صيدا على غصن في الحرم أصله في الحل ضمنه لأنه صيد حرمي معصوم بمحله. الشيخ: وإن قتله على غصن شجرة أصلها في الحرم والغصن في الحل فلا شيء عليه. القارئ: وإن رمى من الحرم صيدا في الحل أو أرسل كلبه عليه أو قتل صيدا على غصن في الحل أصله في الحرم فلا ضمان فيه لأنه صيد حل قاتله حلال فلم يضمن كما لو كان قاتله في الحل وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ينفر صيدها) يدل بمنطوقه على تحريمه في الصورة الأولى وبمفهومه على حله في الثانية وعن أحمد فيهما جميعاً روايتان فإن كانا جميعا في الحل فدخل السهم أو الكلب الحرم ثم خرج فقتل صيدا في الحل لم يضمن بحال لأن الصيد والصائد جميعا في الحل وإن رمى صيدا في الحل فدخل السهم الحرم فقتل فيه صيدا ضمنه لأن العمد والخطأ واحد في الضمان. الشيخ: والصحيح أنه لا يضمن يعني أنه رمى صيدا في الحل وهو أيضا في الحل ثم إن السهم طاش وأصاب صيدا في الحرم فالصحيح أنه لا ضمان عليه لأن الله اشترط في وجوب الضمان أن يكون متعمدا. القارئ: وإن أرسل كلبه على صيد في الحل فدخل فقتله في الحرم أو قتل غيره ففيه روايتان إحداهما لا يضمن لأن للكلب اختيارا وقد دخل باختياره فلم يضمن جنايته بخلاف السهم والثانية إن كان الصيد قريبا من الحرم ضمنه لتفريطه بتعرضه للاصطياد في الحرم وإن كان بعيدا لم يضمن لعدم تفريطه ولا يؤكل لأنه صيد حرمي وقال أبوبكر عليه الضمان بكل حال.

الشيخ: الصواب أنه لا يضمن لو دخل الكلب لأن للكلب اختيارا. السائل: هل الصلاة في الحرم تعدل مائة ألف صلاة في الحل؟ الشيخ: لا الصحيح أنها في المسجد الذي فيه الكعبة فقط لأنه روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) فنص على مسجد الكعبة لكن الصلاة في مساجد الحرم أفضل من الصلاة في مساجد الحل والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزل بالحديبية في جانب الحل منها وكان يصلي في الحرم فدل ذلك على أن الصلاة في الحرم أفضل من الصلاة في الحل لكن المضاعفة المخصوصة إنما هي في مسجد الكعبة ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام) ومن المعلوم أن الرحال لا تشد إلى مسجد في مكة غير مسجد الكعبة فالذي تضاعف فيه الصلاة هو الذي تشد إليه الرحال. السائل: هناك بعض المحلات إذا اشتريت أكثر من خمسين ريالا يعطونك ورقة لسحب جائزة تكون سيارة أو ما شابه ذلك هل هذا يجوز؟ الشيخ: إذا كنت لا تشتري الحاجة إلا لأجل الدخول في المسابقة فهذا لا يجوز أو كان هذا المحل قد رفع قيمة السلعة من أجل المسابقة فلا يجوز أيضا أما إذا كنت محتاجا إلى السلعة وكان ثمنها كالثمن في بقية المحلات فإن ذلك لا بأس به لأنك في هذه الحال إما أن تكون سالما أو أن تكون غانما فلا يكون من الميسر. السائل: وإذا اشتريت نوعاً من البضاعة يعطونك بعض الأشياء المصاحبة لهذه البضاعة هل هذا جائز؟ الشيخ: نعم هذا جائز أيضا لأنه إذا كان الإنسان إما سالما وإما غانما فلا بأس.

السائل: مقدار الأضحية في البحرين حوالي مئتين وسبعين ريالا لكنك تشهد الأضحية وفي بنغلاديش والهند وما شابه ذلك حوالي مائة وخمسين ريال لكن من باب التسهيل على المواطنين نريد تنزيل إعلان حتى يكون مقدار الأضحية حوالي مائتين وخمسين ريالا والجمعية لها الحق أن تنحر هذه الأضحية في المكان المناسب هل هذا يجوز؟

الشيخ: لا يا أخي هذا في الحقيقة تعطيل لهذه الشعيرة المقصود من الأضحية التعبد لله عز وجل بسفك دمها هذا هو الأصل كما قال الله تعالى (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) وليس المقصود مجرد انتفاع الفقير باللحم فمجرد الذبح قربة فلا أرى لكم أن تفتحوا هذا الباب دعوا الناس يضحون في بيوتهم ويظهرون شعائر الإسلام في البيوت ويعرف أن هذا عيد أضحى وأن أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل فدعوا هذا وحذروا منه أيضا حتى لا تتعطل الشعيرة لأن أكثر الناس الآن كما تعرف عندهم كسل وإذا أتى الله بقوم يأخذون منه الدراهم يخرجها من جيبه ويذهب إلى بنغلاديش أو غيرها من البلاد ويذبح هناك على أننا لا ندري ماالذي يذبح ولا ندري من الذابح ولا ندري كيف تفرق ولا ندري هل تذبح في الوقت أو بعده كل هذه الاحتمالات واردة كيف نذهب في هذه الشعيرة إلى مثل هذه المخاطر لو أن الناس انكبوا على هذا بقيت البلاد بلا شعيرة أضحية مع أن الله قال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) وقال (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِس) فبدأ بالأكل ومتى يأكل الإنسان إذا كان هو في البحرين أو في المملكة السعودية وتذبح أضحيته في بنغلاديش أو في غيرها من البلاد الإسلامية ومن أراد أن ينفع إخوانه وهو صادق فلينفعهم بدراهم وليتقرب إلى الله تعالى بذبح أضحيته يذكر اسم الله عليها (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (36) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) ما قال لأجل أن ينتفع الفقراء (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (34) فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) فمع الأسف

أن كثيراً من الناس الآن صاروا يظنون أن الواجبات المالية التي أوجبها الله ما هي إلا انتفاع مادي فقط ولا يشعرون بالتقرب إلى الله والتعبد له بذبح الأضاحي مثلا أو ذبح العقيقة أو إخراج صدقة الفطر في مكانهم وهذا غلط وسفه. السائل: يا شيخ هل ترون عدم جواز إخراج الأضحية إلى خارج البلد؟ الشيخ: أنا أرى أنها لا تصح بمعنى أنها ليست أضحية كما ضحى النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام ضحى في المدينة وذبح أضحيته بيده وسمى وكبر هذه هي السنة ولهذا لما أراد الهدي بعث هدياً إلى مكة لكن في الأضاحي ما بعثها إلى مكة ضحى بها في المدينة. السائل: هناك من يخبرنا أن من إخواننا في الهند والنيبال وبنغلاديش لا يذوقون اللحم ولا مرة في السنة؟ الشيخ: يا أخي أضف إلى أضحيتك التي تشتريها بمئتين وسبعين ريال مثلا أضف مائة ريال وأرسل المائة ريال إلى النيباليين والبنغلاديشيين وغيرهم واشتروا لهم لحما هناك. السائل: هل المحاذاة للمواقيت تكون بأن يصل الإنسان إلى نقطة تبعد من مكة قدر بعد الميقات الأصلي؟ أم أن يصل الإنسان إلى نقطة على خط يصل بين ميقاتين أصليين؟ أم أن يصل الإنسان إلى أقرب نقطة في الميقات من الميقات الأصلي في طريقه إلى مكة؟ الشيخ: الجواب إذا كان أقرب المواقيت إليه يبعد عن مكة يومين مثلاً فإذا بقي عليه يومان على مكة أحرم أي على قدر المسافة لكن لا بد أن ينظر إلى أقرب المواقيت إليه. القارئ: وإن جرحه في الحل فدخل في الحرم فمات فيه لم يضمنه وحل أكله لأنه ذبحه في الحل وإن وقف صيد في الحرم والحل فقتله ضمنه تغليباً للتحريم. الشيخ: هذه المسائل تكاد تكون فرضية لأنه كيف يتصور أن يعلم الإنسان أن مقدم هذا الصيد في الحرم ومؤخره في الحل يعني ما هناك حد فاصل كحد السيف لكن العلماء رحمهم الله يذكرون مثل هذه المسائل التي قد لا تقع لأجل التمرين.

القارئ: وإن أمسك طائرا في الحل فهلك فراخه في الحرم ضمن الفراخ وحدها لأنه أتلفها في الحرم. الشيخ: هذه الجملة تدلنا على أنه لا ينبغي للإنسان أن يصيد الطيور في وقت فراخها لأن هذا يقتضي هلاك الفراخ لكننا لا نقول إنه حرام لأنه لم يقصد أن يهلك الفرخ ولهذا ترمى المدن والقرى بالمنجنيق وإن قتلت من لا يجوز قتله لأن هذا غير مراد وسبق لنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام حرق نخيل بني النضير مع أنه قد يكون في النخيل حشرات أو طيور وما أشبه ذلك لأن هذا غير مقصود. القارئ: وإن أمسك الطائر في الحرم فهلك الفراخ في الحل ضمن الطائر وحكم الفراخ حكم ما لو رمى من الحرم صيدا في الحل لأن صيد الحل هلك بسبب كان منه في الحرم وإن نفر صيدا حرميا فهلك في نفوره بسبع أو غيره في حل أو حرم ضمنه لأنه هلك بتنفيره المنهي عنه. الشيخ: لكن لو قال قائل هذا يخالف القاعدة إذا اجتمع متسبب ومباشر فالضمان على المباشر والجواب عنه أن نقول المباشر لا يمكن إحالة الضمان عليه هو نفر صيدا في الحرم فأكله السبع نقول الضمان على المنفر لأنه لا تمكن إحالة الضمان على المباشر الذي هو السبع. القارئ: وإن سكن من نفوره ثم هلك لم يضمنه لأن هلاكه بغير سببه وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه دخل دار الندوة فعلق رداءه فوقع عليه حمام فخاف أن يبول عليه فأطاره فانتهزته حية فقال أنا أطرته فسأل من معه فحكم عليه عثمان ونافع بن عبد الحارث بشاة. الشيخ: هذا الأثر في نفسي منه شيء أولا أن الحمام لا يبول وإنما يزرط ولهذا يقال زرط الحمام. وثانيا أن عمر رضي الله عنه قال إني أطرته يعني فضمنه وهذا قد يكون على سبيل الاحتياط وأما على سبيل الوجوب فليس بظاهر لأن هذا إنما أطاره لدفع أذاه وخوفه من أن يتأذى الرداء وهل نقول إن الإنسان إذا أراد أن يتخلص من أذى أحد فعليه الضمان؟ هذا بعيد. فصل

القارئ: ويحرم قلع شجر الحرم وحشيشه كله لحديث ابن عباس (إلا الإذخر) وما زرعه الإنسان لأنه كالحيوان الأهلي. الشيخ: قوله (إلا الإذخر) وجه الاستدلال بهذا الاستثناء على العموم ما ذكره بعض العلماء الأصوليين أنه قال الاستثناء معيار العموم وهذا صحيح لأن الاستثناء يدل أن الحكم يشمل ما سوى المستثنى فيكون في ذلك دليل على العموم وانتبه لقول المؤلف شجر الحرم وحشيشه حيث إن المراد بذلك الشجر المضاف إلى الحرم والحشيش المضاف إلى الحرم فأما شجرالآدمي الذي زرعه وحشيشه فلا يحرم ولهذا قال المؤلف وما زرعه إنسان وقوله لأنه كالحيوان الأهلي هذا في الحقيقة تعليل عليل بل نقول إن ما زرعه الإنسان لم يدخل في لفظ النص لأن لفظ النص أضيف الحشيش والشجر إلى الحرم فلا يحتاج إلى استثناء لأنه لم يدخل أصلا. القارئ: وإن غرس شجرة فقال أبو الخطاب له قلعها لأنه أنبته الآدميون فأشبه الزرع وإن أخذه من الحرم فغرسه لم يبح قلعه لأنه حرمي ويحتمل كلام الخرقي تحريم قلع الشجر كله لقوله عليه الصلاة والسلام (ولا يعضد شجرها). الشيخ: لكن كلام الخرقي رحمه الله الذي ذكر المؤلف أنه يحتمل ضعيف جدا والصواب كلام أبي الخطاب بلا شك أن الشجر إذا غرسه الآدمي فهو ملكه يتصرف فيه بما شاء وكذلك الزرع. القارئ: وذكر القاضي وأبو الخطاب أنه يباح قطع الشوك والعوسج لأنه بمنزلة السباع في الحيوان والحديث صريح في أنه (لا يعضد شوكها) واتباعه أولى. الشيخ: أولى هنا بمعنى أوجب ولا شك أنه أوجب إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نص على الشوك قال (لايعضد شوكها) فكيف يجوز أن نقول يجوز قطع الشوك هذا مخالفة لنص صريح ومعلوم أن القياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار.

القارئ: ولا بأس بقطع ما يبس لأنه بمنزلة الميت وأخذ ما تناثر أو يبس من الورق أو تكسر من الشجر والعيدان بغير فعل الآدمي لذلك وما قطعه آدمي لم يبح له ولا لغيره الانتفاع به في ظاهر كلام أحمد لأنه قطع محرم لحرمة الحرم فأشبه ذبح الصيد ولا يجوز أخذ ورق الشجر الأخضر لأن في بعض الألفاظ (ولا يخبط شجرها) ولأنه يضر بالشجر أشبه نتف ريش الطير. فصل القارئ: ويجب الجزاء في ذلك فيجب في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة لما روي عن ابن عباس أنه قال في الدوحة بقرة وفي الجزلة شاة والدوحة الكبيرة والجزلة الصغيرة وإن قطع غصنا ضمنه كأعضاء الحيوان فإن خلف مكانه فهل يسقط الضمان؟ على وجهين أحدهما لا يضمنه كشعر الآدمي والثاني يضمنه لأنه أتلفه وإن قلع شجرة لزمه ردها إلى موضعها كمن صاد صيدا لزمه إرساله فإن أعادها فيبست ضمنها لأنه أتلفها وإن نبتت كما كانت لم يضمنها كالصيد إذا أرسله وإن نقصت ضمن نقصها كالصيد سواء. الشيخ: في هذا الفصل بين المؤلف رحمه الله الجزاء في شجر الحرم والصحيح أنه لا جزاء فيه لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما روي عن ابن عباس فإن صح عنه فإنه يحمل على أن هذا من باب التعزير والتعزير بالمال جائز على القول الراجح ويدل لعدم الوجوب أن الأصل براءة الذمة وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما ذكر تحريم قلع الشجر وقطعه لم يبين للناس جزاءً ولا يصح أن يقاس على الحيوان لأن الحيوان ذو روح مأكول يأكله الآدمي ويتنعم به والنفس تدعو إليه فجعل الجزاء ليكون ذلك أبلغ في الردع عن انتهاك الصيد فالقياس قياس مع الفارق. السائل: قطع الإذخر لغير حاجة هل يجوز؟ الشيخ: هذا سؤال مهم الظاهر أنه لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أجازه للحاجة. فائدة: حكم ماتزرعه البلدية في الشوارع كحكم ما يزرعه الآدمي لنفسه. فصل

القارئ: ويحرم قطع حشيش الحرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يختلى خلاها) ويضمنه بقيمته كما يضمن صغار الصيد بقيمته وإن استخلف، فهل يسقط الضمان؟ على وجهين. الشيخ: يقول رحمه الله ويحرم قطع حشيش الحرم واستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يختلى خلاها) وهذا حق والحكمة من تحريم قطع الأشجار والحشائش تأكيد الأمان في هذا المكان لأنه إذا كانت الأشجار والحشائش محترمة في هذا المكان والصيود وهي غير آدمية محترمة فالآدمي من باب أولى فالحكمة من ذلك تأكيد التحريم وتأكيد الأمان في هذا المكان وأما قوله ويضمنه بقيمته كما يضمن صغار الصيد فقد قدمنا أن القول الراجح أنه لا ضمان في شجرالحرم وحشيشه لعدم وجود الدليل في ذلك وأما قوله كما يضمن صغار الصيد فهذا فيه نظر فقد مر علينا في جزاء الصيد أن الصغير يضمن بمثله ولو قال كبيض الصيد لأنه لا مثل له لكان أقرب مع أن الاختلاف بين الحشيش وبين الصيد ظاهر لأن الصيد وردت الشريعة بجزائه وأما الحشيش والشجر فلم ترد. القارئ: وفي إباحة رعيه وجهان أحدهما يباح لأن الحاجة تدعو إليه فأشبه قطع الإذخر والثاني يحرم لأنه تسبب إلى إتلافه كإرسال الكلب على الصيد. الشيخ: هذا قياس في مقابلة النص وقياس لا يصح هل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعه مائة من الإبل ومعه راحلته والصحابة معهم رواحلهم هل كمموا أفواهها؟ أبدا ولهذا لا حاجة إلى هذا القياس بل نقول إن الرعي لا بأس به بل إنه ثبت أن رسول الله رخص للرعاة أن يدعوا الرمي أيام التشريق بل يرمون يوما ويتركون يوماً إذاً لا شك في جواز الرعي وسواء رعت البهيمة بنفسها أو أرسلها ترعى لا فرق في هذا. القارئ: وتباح الكمأة لأنه لا أصل لها فأشبهت الثمرة. الشيخ: الكمأة هي الفقع وقوله الكمأة المراد كل أنواع الكمأة سواء كانت كمأة أو عساقل أو بنات الأوبر لأنها ثلاثة أصناف وإليها يشير الشاعر بقوله:

ولقد جنيتك أكمأً وعساقلاً ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر فالمهم أن الكمأة لا بأس بها فإذا وجدت كمأة في الحرم فلا بأس أن تأخذها. إذا قال قائل إذا كان الحشيش قد ملأ الأرض واحتجت إلى وضع الفراش على هذا الحشيش ومن المعلوم أنه إذا وضع عليه الفراش فسوف يتكسر ويذبل وييبس فهل يجوز لي ذلك؟ نعم يجوز ولا شك في هذا لأن ذلك لا يمكن التحرز منه إطلاقا، وهل يضمن؟ إذا قلنا بالجواز فعلى قول من يرى أن فيه الضمان يضمنه لأنه أتلفه لمصلحة نفسه فهو كالرأس إذا حلقه لمصلحة نفسه ولكن كما علمتم أن القول الراجح أنه لا ضمان في الحشيش والشجر. فصل القارئ: ويكره إخراج تراب الحرم وحصاه لما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كرهاه ولا يكره إخراج ماء زمزم لأنه يستخلف ويعد للإتلاف فأشبه الثمرة. الشيخ: والصحيح أنه لا يكره إخراج الحصى فإن صح ما روي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما فلعلهما خافا من أن يكون هناك غلو في هذه الحصاة وتعلق بها وأما إذا كان أمرا عاديا فلا كراهة لأن الحصى نفسه ليس له حرمة حتى نقول إنه أخرجه من مكان احترامه إلى مكان امتهانه. فصل القارئ: ويحرم صيد مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وشجرها لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة فقال (اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثلما حرم إبراهيم مكة) وفي لفظ (ولا يقطع شجرها) متفق عليه. ولا جزاء في صيدها وشجرها لأنه موضع يجوز دخوله بغير إحرام فأشبه صيد وج. الشيخ: هذا التعليل يسمونه تعليل اللقب ليس له تأثير في الواقع (لأنه موضع يجوز دخوله بلا إحرام فلم يكن في صيده جزاء كوادي وج) لكن للقائل أن يعكس فيقول فيه الجزاء لأنه صيد محرم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلما حرم إبراهيم مكة) فجعل تحريم المدينة كتحريم مكة وعلى هذا يكون في صيدها الجزاء وفيه خلاف يذكره المؤلف رحمه الله.

القارئ: ولأن الإيجاب من الشارع ولم يرد به وعنه فيه الجزاء وهو سلب القاتل لآخذه لما روي أن سعداً ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاء أهل العبد فكلموه أن يرد عليهم فقال معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أن يرد عليهم رواه مسلم وفي لفظ قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم وقال من وجد أحدا يصيد منه فليسلبه رواه أبو داود. الشيخ: وهي رواية عن أحمد رحمه الله أن فيه الجزاء وهو سلب القاتل ولعل هذا والله أعلم من باب التعزير وليس من باب الواجب. القارئ: وحد حرمها ما بين لابتيها بريد في بريد وقال أحمد هكذا فسر أنس بن مالك وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما بين لابتيها حرام) متفق عليه. الشيخ: وقد ورد تحديد ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام (ما بين عير إلى ثور) وعير جبل معروف في المدينة ولا يزال حتى الآن بهذا الإسم وثور قيل أنه جبل صغير وراء أحد وهذه المسافة كما قال المؤلف بريد في بريد والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال. السائل: هل يجوز قطع السدر في الحرم للحاجة قياساً على الإذخر؟ الشيخ: إذا عمت الحاجة في ذلك فلا بأس أما الحاجة الخاصة فقد يقال إنه يجوز وقد يقال لا يجوز لأن قطعه متحقق المضرة وهي مخالفة الشرع والانتفاع به في الدواء قد يفيد وقد لا يفيد أما لو اضطر إليه ليأكل فيسلم من الموت فهذا لا شك أنه جائز يعني لو أن إنسانا جائعاً ووجد شجراً له أوراق وهو محتاج إلى أكل هذه الأوراق وإن لم يفعل هلك فحينئذ نقول لا بأس للضرورة. فصلٌ القارئ: ويفارق حرم مكة في أن من أدخل إليها صيدا من خارج فله إمساكه وذبحه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول (يا أبا عمير ما فعل النغير) متفق عليه وهو طائر كان يلعب به فلم ينكر عليهم إمساكه.

الشيخ: سبق أن القول الراجح أنه يجوز إدخال الصيد إلى حرم مكة وهو ملك لصاحبه لا يلزمه إطلاقه ويجوز له ذبحه وعلى هذا فلا فرق يعني مثلاً لو اصطاد أرنبا خارج حرم مكة ودخل حرم مكة فهي له يمسكها ويذبحها ويأكلها وكذلك في الجراد لو أنه أمسك جرادا في خارج الحرم وملأ الأكياس منه فلما دخل الحرم فعلى المذهب يجب عليه أن يفك أفواهها ويطير الجراد ولكن هذا الجراد ملكه لو أن أحداً أمسكه خارج الحرم رجع عليه به لأنه ملكه ولكن الصحيح إذا دخل الحرم ومعه صيد فالصحيح أنه ملكه يمسكه ولا حرج عليه وعلى هذا فلا فرق بين مكة وبين المدينة وأما ما ذكره عن النغير فهذا طائر صغير مع شخص صغير يلعب به وكان قد فرح به فرحا كثيرا فمات فاغتم الصبي فكان النبي عليه الصلاة والسلام يمازحه يقول (يا أبا عمير ما فعل النغير) فاستدل به العلماء على فوائد كثيرة منها جواز تكنية الصغير لأنه كناه فقال يا أبا عمير ومنها مداعبة الصبيان ومنها جواز تسليط الصبي على الطيور يعني لو أمسكنا عصفوراً وأعطيناه الصبي فلا بأس لكن إذا شاهدناه يعذبه لا نمكنه. القارئ: ويجوز أن يأخذ من شجرها ما تدعو الحاجة إليه للمساند والوسائد والرحل ومن حشيشها ما تدعو الحاجة إليه للعلف لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرم المدينة قالوا يا رسول الله إنا أصحاب عمل وأصحاب نضح وإنا لا نستطيع أرضا غير أرضنا فرخص لنا فقال القائمتان والوسادة والعارضة والمسند فأما غير ذلك فلا يعضد ولا يخبط منها شيء) رواه الإمام أحمد. الشيخ: ولقائل أن يقول ليس هذا بفرق لأن النبي صلى عليه وسلم استثنى من حرم مكة ما يحتاج الناس إليه كالإذخر وعلى هذا فيكون استثناء ما ذكر في المدينة لأن الناس أصحاب زرع وحرث فهم محتاجون لهذه الأشياء وعليه فلا يكون هناك فرق بين شجر مكة وشجر المدينة.

القارئ: فأما صيد وج وشجره وهو واد من أودية الطائف فحلال لأن الأصل الحل وقد روي فيه حديث ضعفه أحمد وذكره الخلال في كتاب العلل. الشيخ: هذا الوادي معروف حتى الآن بوادي وج وهو واد كبير وقد ورد فيه حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرمه ولكن الحديث ضعيف وعلى تقدير صحته فإنه يحمل على أنه حرمه أي حماه كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحمي بعض الأراضي لإبل الصدقة وإبل الجهاد وما أشبه ذلك. وعلى هذا فلا يكون هناك حرم في الأرض إلا حرمان حرم مكة وحرم المدينة ويكون في قول بعض الناس إن المسجد الأقصى ثالث الحرمين يكون فيه نظر وذلك لأنه يوهم أنه حرم وإن كان من حيث اللغة لا يوهم لأنه قال ثالث الحرمين ولم يقل ثالث المحرمات فالإضافة إلى الحرمين لكن البعد عن الاشتباه أحسن فيقال ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال وهذا يكون مطابقا تماما للحديث. السائل: قول بعضهم الحرم الجامعي ونحوه هل يجوز ذلك؟ الشيخ: هذا حرم لغوي لا شرعي مثل قول الفقهاء حريم البئر كذا وكذا فهو حرم لغوي لكن إن كان يخشى أن يشتبه على بعض الناس فليتجنب لكن الظاهر الآن أنه صار عرفا اصطلاحيا حرم الجامعة يعني ما ضمه سورها. السائل: الآن ياشيخ دخلت الأشهر الحرم فهل للصبيان ونحوهم صيد العصافير؟ الشيخ: الطيور وخصوصا العصافير الآن الظاهر أنها ما تصاد لأنها بدأت تفرخ هذا وقت فراخها أما الأشهر الحرم فلا يمتنع فيها الصيد بل إن العلماء اختلفوا هل يحرم فيها القتال أو لا؟ أكثر العلماء على أن تحريم القتال منسوخ في الأشهر الحرم والصحيح أنه ليس بمنسوخ وأنه لا يجوز إبتداء الكفار بالمقاتلة في الأشهر الحرم ويجوز قتال الدفاع ويجوز استمرار القتال السابق عن الأشهر كما في قصة قتال الطائف فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتلهم في ذي القعدة.

مسألة: حرم المدينة أخف من جهة أن حرم مكة مجمع عليه ومن جهة أن حرم مكة يشرع لقاصده الإحرام ومن جهة أن حرم مكة فيه بيت الله عز وجل وقبلة المسلمين أما المدينة ففيها خلاف بين علماء السلف والخلف هل هي حرم أو غير حرم ولكن الصحيح أنها حرم. السائل: الذي يسافر بمفرده بالطائرة في هذه الأيام فهل ينطبق عليه الحديث (المسافر شيطان) علماً بأن الطائرة مزدحمة بالناس؟ الشيخ: لا، كم في الطائرة من راكب؟ أقول هذه ما فيها إشكال، نحن الآن نرى أن المسافر في سيارته في الخطوط المعمورة ليس منفردا يعني مثلا عندنا الآن طريق الرياض القصيم لو ذهب الإنسان وحده في سيارته فهو غير مسافر وحده لأن الخط مملوء فهو كالذي يسير وحده بسيارته في داخل البلد. السائل: أحسن الله إليكم شيخنا ما حكم إيداع مبلغ من المال في بنك ربوي عندما يأمر المسؤول بذلك؟ الشيخ: الموظفون ليس عليهم ذنب إذا أحيلوا على البنوك والذنب على من أودع في البنوك هذا إن كان في ذلك ذنب لأن الإيداع في البنوك إن كانت لا تتعامل إلا بالربا مائة بالمائة فالإيداع فيها حرام لأن المودع يعلم أن ماله سيذهب في الربا أما إذا كان للبنوك موارد أخري غير الربا كالمقاولات والتجارات وما أشبه ذلك فالإيداع فيها ليس بمحرم لكن تركها أولى. السائل: أحسن الله إليكم يا شيخنا هل يجوز لشخص يحج مجانا لكونه عاملا أو نحوه أن يحج عن غيره حجة بدل ويستفيد من مال حجة البدل لنفسه؟ الشيخ: نعم إذا وافق من أعطاه المال فلا بأس وإلا فلا يجوز إلا إذا كان ذهابه مع هذه الحملة يعمل يعني بمعنى أنهم أسقطوا عنه النفقة والأجرة من أجل عمله فهنا لا بأس بذلك لأن أهل الحملة في هذا الحال لن يمنوا عليه. فصل

القارئ: وما وجب من الهدي والإطعام جزاء للصيد لزم إيصاله إلى مساكين الحرم لقول الله تعالى (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) وكذلك دم التمتع والقران لأنه نسك فأشبه الهدي ودم فدية الأذى يختص بالمكان الذي وجب سببه فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بالذبح والإطعام بالحديبية ولم يأمر بإيصاله إلى الحرم ونحر علي رضي الله عنه حين حلق رأس الحسين بالسقباء وفي معناه ما وجب بلبس أو طيب أو نحوه وقال القاضي ما وجب بفعل محظور فيه روايتان إحداهما محله حيث وجد سببه كفدية الأذى والإحصار والثانية محله الحرم لقول الله تعالى (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وقال ابن عقيل إن فعل المحظور لعذر يبيحه فمحل هديه موضع فعله وإن فعل لغير عذر فمحله الحرم وأما هدي المحصر فمحل نحره محل حصره لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية روى البخاري نحوه وبين الحديبية والحرم نحو ثلاثة أميال ولأنه جاز التحلل في غير موضعه للحصر فيجوز النحر في غير موضع النحر وعن أحمد لا يجوز نحره إلا في الحرم لقول الله تعالى (هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ) فعلى هذا يبعثه إلى الحرم ويواطئ من يبعثه على اليوم الذي ينحره فيه فيحل حينئذ وأما الصيام كله فيجزئه بكل مكان لأنه لا نفع فيه لأهل المكان فلم يختص بالمكان كرمضان. الشيخ: هذه القطعة تفيد أن الدماء الواجبة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول ما يجب أن يكون في الحرم وهو جزاء الصيد ودم المتعة والقران وكل دم وجب لترك واجب فهذا يجب أن يكون في الحرم أي داخل حدود الحرم سواء في مكة أو في منى أو في مزدلفة أو في غيرها من الأمكنة المهم أن يكون داخل حدود الحرم.

والثاني ما يكون حيث وجد سببه وهو دم الحصار إذا أحصر الإنسان أي منع من الوصول إلى مكة فإنه يذبح هدي الإحصار حيث كان حصره ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نحر هديه في الحديبية حيث حصر ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يدخل الهدي إلى داخل الحرم بل نحره في مكانه ومعلوم أن الحديبية بعضها من الحل وبعضها من الحرم ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نازلا في الحل ويصلي في الجانب الحرمي منها. الثالث ما وجب لفعل محظور كحلق الرأس ولبس الثياب وما أشبه ذلك غير جزاء الصيد فهذا على المذهب يخير بين أن يذبحه في مكان فعل المحظور لأنه مكان سببه أو في مكة لأن الأصل في الهدايا أن تبلغ الكعبة وهذا هو المذهب وهو الصحيح أن الإنسان يخير في ما وجب لفعل محظور سوى جزاء الصيد بين أن يذبحه في مكانه لوجود سببه فيه أو ينقله إلى مكة لأن الأصل في الهدايا أن تكون بالغة الكعبة. وذكر المؤلف الخلاف في هذه المسألة أن بعض الأصحاب قال لا بد أن يوصله إلى مكة قياسا على جزاء الصيد وبعضهم قال بالتفصيل إن كان فعله لعذر ففي مكانه لحديث كعب بن عجرة وإن فعله لغير عذر فيجب أن يوصله إلى الكعبة أي إلى الحرم لكن المذهب هو الأول وهو الصحيح. السائل: قول المؤلف رحمه الله وما وجب من الهدي والإحصار جزاء للصيد وجب إيصاله إلى مساكين الحرم فهل يعني هذا أنه لا يجوز إخراج لحم الهدي خارج مكة؟ الشيخ: الهدي الذي يجب توزيع جميعه لا يجوز أن يخرج عن مكة مثل ما وجب لترك واجب أو فعل محظور هذا لا بد أن يوزع جميع لحمه في مكة وأما الذي يجوز الأكل منه مثل دم المتعة فيجوز أن ينقل منه إلى خارج مكة بعد أن يذبح في الحرم لكن يجب أن يعطى فقراء الحرم منه ولكن إذا قبضته الدولة فالدولة نائبة عن الفقراء فإذا قبضته فكأنه قبضه الفقراء وحينئذ لها أن ترسله إلى الخارج. فصل (في وجوب الذبح في الحرم)

القارئ: وما وجب لمساكين الحرم لم يجز ذبحه إلا في الحرم وفي أي موضع منه ذبح جاز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وطريق) رواه ابن ماجه مفهومه أنه لا يجوز النحر في غيره مما ليس في معناه. الشيخ: إذاً لا بد فيما وجب في الحرم أن يذبح في الحرم ويفرق في الحرم وبناءً على ذلك لو أن الإنسان ذبح هدي المتعة والقران في عرفة كما فعله بعض الناس لأنها أوسع من منى وأوسع من مزدلفة فلو ذبح هديه في عرفة ثم دخل بلحمه إلى الحرم فإنه لا يجزئه لأنه لم يذبحه في مكان ذبحه. وقيل إنه يجزئ لأن العلة في ذبحه في الحرم من أجل إيصاله إلى أهل الحرم وقد أوصله إذا دخل بلحمه إلى الحرم لكن الأقرب أنه لا يجزئ لأن المقصود أمران: أحدهما أهم من الآخر الأمر الأول الذبح لله عز وجل وهو عبادة مستقلة بنفسه. والثاني نفع الفقراء فإذا تخلف الأول وذبحه في مكان آخر ومن المعلوم أن الحل دون الحرم في الفضيلة يعني لو أنه ذبحه في الحرم فقد انتقل من مفضول إلى أفضل لكن كونه يذبحه في الحل فيذبحه في مكان مفضول معرضا عن الفاضل فهذا لا يجزئ فالصواب أنه لا يجزئ إذا ذبحه خارج الحرم ولو فرق لحمه في الحرم إذاً ما وجب في الحرم يجب ذبحه وتفريق ما يجب تفريقه من لحمه في الحرم. القارئ: وإذا نحره وفرقه على المساكين فإن أطلقها لهم يقتطعونها جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بدنات خمسا ثم قال من شاء فليقتطع. رواه أبو داود. الشيخ: إذاً إذا ذبحه جاز أن يفرقه بنفسه وأن يأذن للمساكين أن يأخذوا منه.

فإن ذبحه وتركه فإنه لا يجزئه إلا إذا كان حوله مساكين أخذوه أما إذا ذبحه ورمى به فلا يجزئه لأن الله قال (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) ومن ذبح ورمى به وليس حوله من يأخذه فلم يطعم فلا يجزئ وعلى هذا ما نشاهده في أماكن كثيرة في منى وحولها مما ذبح وترك لا يجزئ أهله لأنه لا بد من أمرين إما أن يفرق هو بنفسه اللحم الواجب تفريقه وإما أن يأذن لهم بأخذه. القارئ: ومساكين الحرم من حله من أهله وغيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقها لمن حضره. الشيخ: وفيهم من ليس من أهل مكة فالحجاج الذين مع الرسول عليه الصلاة والسلام نحو مائة ألف وأهل مكة في ذلك الوقت قليل أقل بكثير من هذا فإذا قيل مساكين الحرم فالمراد من كان في الحرم من المساكين من مستوطن وغير مستوطن. لم يذكر المؤلف رحمه الله ما الذي يجب توزيعه من الهدي فنقول القاعدة كل ما وجب جبرانا فإنه لا يؤكل منه كالدم الذي لترك واجب والدم الذي لفعل محظور فهذا لا يؤكل منه بل يعطى المساكين لأنه لجبران نقص أو انتهاك محرم فيكون كالكفارة وما وجب شكرانا فهذا يأكل منه الإنسان ويهدي ويتصدق مثل دم المتعة والقران فالإنسان يأكل منه ويهدي ويتصدق وما يجب بذله من ذلك فهو أقل ما يقع عليه اسم اللحم.

باب دخول مكة وصفة العمرة

أما دم الإحصار فإن غلبنا جانب الجبران قلنا لا يؤكل وإن غلبنا جانب الشكران قلنا إنه يؤكل وإذا نظرنا إلى الأمر وجدنا أننا نغلب جانب الشكران أنه شكر لله عز وجل على التحلل من النسك الذي تلبس به ولهذا لا يجزئ هذا النسك عن الفريضة ولو كان جبرانا لأجزأ عن الفريضة لأنه يجبرها فهو من باب الشكران ولهذا عبر الله عنه كما عبر عن دم المتعة فقال جل وعلا (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وقال تعالى في التمتع (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وقال في جزاء الصيد وفدية الأذى (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فدل ذلك على الفرق وعليه فدم الإحصار يجوز أن تأكل منه وأن تهدي وتطعم الفقراء لكن لا بد من إطعام الفقراء. أما الزمن فدم المتعة والقران زمنه كزمن الأضحية يعني في يوم العيد وما بعده ثلاثة أيام. وأما غيره فوقته وقت وجود سببه مثل ما وجب لفعل محظور أو ترك واجب أو ما أشبه ذلك فحيث وجد السبب. باب دخول مكة وصفة العمرة القارئ: ويستحب لمن أراد دخول مكة أن يغتسل ويدخلها من أعلاها من ثنية كَداء ويخرج من أسفلها لما روي عن ابن عمر أنه كان يغتسل ثم يدخل مكة ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وقال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى متفق عليهما.

الشيخ: أولاً يسن لمن أراد دخول مكة أن يغتسل استعدادا للطواف حول البيت والثاني أن يدخل من أعلاها ودخوله من أعلاها وخروجه من أسفلها هل هذا تعبد أو لأنه أسهل؟ على كلام المؤلف أنه من باب التعبد وعلى هذا فإذا جئت من طريق جدة تدور حول مكة وتدخل من أعلاها من الشرق وقال بعض أهل العلم إن هذا من باب الأسهل وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دخل من أعلاها وخرج من أسفلها لأنه أسهل فإن تيسر لك أن تدخل من أعلاها وتخرج من أسفلها فهذا هو المطلوب وإن لم يتيسر كما هو الغالب في عصورنا هذه فادخل حيث تيسر لك. وأما الاغتسال فهل نقول إن الاغتسال في السيل الآن للإحرام يغني عن الاغتسال لدخول مكة لأنه ليس بينه وبين دخول مكة إلا ساعة أو نحوه أو نقول إذا أردت تطبيق السنة عند دخول مكة قف واغتسل؟ هذا محل تردد عندي أنا متردد في ذلك لأن الذين يغتسلون في السيل أو يغتسلون في رابغ يقدمون إلى مكة دون أن يحصل لهم شعث أو غبرة فالمقصود حاصل وفيما لو قلنا بأنه سنة عند دخول مكة مع قرب اغتسالهم للإحرام مشقة على الناس وربما يأتي إنسان يقول أنا أريد أن أفعل السنة ويفعلها الثاني والثالث فيحصل زحام فالظاهر إن شاء الله أنه يكتفى بالاغتسال إذا كان عند ركوبه إلى مكة أما من أحرم من ذي الحليفة فالمسافة بعيدة فيغتسل عند دخول مكة. القارئ: ويستحب أن يدخل المسجد من باب بني شيبة لقول جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ارتفاع الضحى فأناخ راحلته عند باب بني شيبة ودخل المسجد رواه مسلم. الشيخ: وهذا كالأول هل هو مقصود أم حصل اتفاقا؟

وباب بني شيبة يقابل الباب الذي يدخل منه الناس الآن من عند المسعى وكان باب بني شيبة أدركناه كان فيه قوس على عمودين قريبا من مقام إبراهيم ومكان زمزم وأنا أتعجب كيف يسع الناس هذا القليل من الأرض يعني باب بني شيبة كان قريبا جدا إلى مقام إبراهيم وإلى مكان زمزم لكن الآن إذا أخذت اتجاها خطا مستقيما تخرج من عند ما يسمونه الآن باب السلام. القارئ: ويستحب أن يدعو عند رؤيته البيت ويرفع يديه لما روى ابن جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال (اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة وبرا وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وبرا) رواه الشافعي في مسنده. الشيخ: هذا الحديث ضعيف لأنه مرسل ولهذا لم يستحبه بعض أهل العلم وقال ليس هناك دعاء عند رؤية البيت وإنما يدخل المسجد الحرام ويقول كما يقول في أي مسجد آخر. القارئ: وعن سعيد بن المسيب أنه كان حين ينظر إلى البيت يقول (اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام) ذكر الأثرم هذا الدعاء وزاد (الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله الحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلا الحمد لله على كل حال اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام وقد جئتك لذلك اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت) وما زاد من الدعاء فحسن. الشيخ: ولكن إذا قلنا بأن العبادات توقيفية كما هو واضح فإنه إذا لم يثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يقال لأن هذا سنة قولية وفعلية ومكانية فلا بد من ثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإلا فيقال هذا اجتهاد ممن فعله وليس كل مجتهد مصيباً. فصل البدء بالطواف عند القدوم

القارئ: ويبدأ بالطواف لما روت عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ ثم طاف بالبيت) متفق عليه ولأن الطواف تحية المسجد فاستحبت البداءة به كالركعتين في غيره من المساجد. الشيخ: أما الأول فصحيح ولا حاجة للتعليل الذي ذكره المؤلف فيكفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يقدم مكة يبدأ بالطواف قبل أن يذهب إلى بيته ينيخ راحلته صلوات الله وسلامه عليه عند البيت ويطوف وأما قوله رحمه الله ولأن الطواف تحية المسجد فهذا غير صحيح تحية المسجد الحرام كغيره من المساجد لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين) لكن من دخل ليطوف فطاف كفته ركعتا الطواف عن تحية المسجد. القارئ: وينوي المتمتع به طواف العمرة وينوي المفرد والقارن الطواف للقدوم. الشيخ: والأول ركن والثاني سنة يعني الطواف هذا ركن بالنسبة للمتمتع وسنة بالنسبة للقارن والمفرد والدليل على سنيته حديث عروة بن المضرس أنه سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صبيحة يوم العيد في مزدلفة أنه أتى من جبل طي ولم يدع جبلا إلا وقف عنده ولم يذكر أنه دخل مكة وطاف ولم ينبهه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك فدل على أن طواف القدوم ليس بواجب بالنسبة للقارن والمفرد. القارئ: ويسن الاضطباع فيه وهو أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن ويتركه مكشوفا ويرد طرفيه على منكبه الأيسر لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى رواه أبو داود.

الشيخ: عمرة الجعرانة كانت في ذي القعدة حين رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الطائف ونزل في الجعرانة فدخل ليلاً مع بعض أصحابه وليس مع الجميع فأتى بعمرة عليه الصلاة والسلام واضطبع وكيفية الاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر في جميع الطواف وليس في الثلاثة الأشواط الأولى منه وليس في السعي بعده ولا في السير قبله خلافاً لما عليه عامة المسلمين اليوم مع الأسف أنهم يضطبعون من حين أن يحرموا ولكن هذا جهل منهم والواجب على طلبة العلم أن ينبهوا على هذا. القارئ: ويطوف سبعاً يبتدئ بالحجر الأسود فيستلمه لقول جابر حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ومعنى استلامه مسحه بيده ويستحب تقبيله لما روى أسلم قال رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك متفق عليه فإن لم يمكنه تقبيله استلمه وقبل يده لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم استلمه وقبل يده رواه مسلم. الشيخ: المؤلف رحمه الله تعبيره بقوله (لما روي) مع أنه في مسلم على غير اصطلاح المحدثين لأن روي إنما تقال في الحديث الضعيف فيجب أن ينتبه لهذا. القارئ: فإن استلمه بشيء في يده قبله لما روى ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن رواه مسلم وإن لم يمكنه أشار بيده إليه لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير كلما أتى الركن أشار إليه وكبر. الشيخ: هذه المراتب أربعة أعلاها أن تستلم وتقبل ثم أن تستلم بيدك وتقبلها ثم أن تستلم بشيء في اليد كمحجن أو مقصرة أو ما أشبه ذلك وتقبلها ثم الإشارة ولا تقبل لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام ولأنه لا يمكن قياس الإشارة على الاستلام لأن الاستلام قد باشر الحجر.

فإن قال قائل هل إذا علمت أنني لن أصل إليه بيدي هل يسن أن أحمل عصا حتى أستلم به الحجر وأقبل العصا؟ نقول لا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحمل المحجن إلا من أجل البعير فهو لحاجة ثم إنه فيه أذية للناس فلذلك لا يسن أن يحمل الإنسان العصا من أجل أن يستلم بها الحجر. وفي قول عمر رضي الله عنه إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع إشارة إلى كمال توحيده رضي الله عنه وأن النفع والضرر إنما هو بالله أما الأحجار وغيرها فلا تضر ولا تنفع. وفيه أيضاً رد لما يفعله بعض الناس الآن من التبرك في مس الكعبة من أي جانب كان وقد رأينا بعض الناس يكون معه أطفاله فيستلم الركن اليماني ثم يمسح أطفاله بيده ولا شك أنه أراد بذلك التبرك وهذا غلط يجب على طلبة العلم إذا رأوا أحدا يفعل ذلك أن يبينوا له أن هذا ليس بمشروع وأن هذه الأحجار لا تنفع ولا تضر ولو أنا قدسنا الكعبة لأنها حجر لكان هذا نوع من الوثنية لكنا نقدسها لأنها بيت الله ولا نقدسها إلا على حسب ما جاءت به شريعة الله فقط. وفيه أيضا قوة التأسي من عمر رضى الله عنه برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقبلك ما قبلتك.

وفيه أيضا أن بعض أفعال الحج تعبدي محض لا نعلم له علة إلا مجرد التعبد وكون الإنسان يتعبد الله بما لا يعقل معناه هذا أكمل في العبادة صحيح أن الإنسان إذا علم المعنى وعقله يكون أشد قبولا للعبادة لأن نفسه تطمئن أكثر لكن إذا تعبد بشيء لم يعلم الحكمة منه كان هذا أدل على ذله وخضوعه لله عز وجل وأنه مسلِّم لشرعه كما هو مسلِّم لقدره ومن ذلك كوننا نأخذ حجرات ونرمي بها مكاناً معيناً وأعنى بذلك الجمرات هل هذا إلا عبادة محضة وتسليم للشرع؟ وأما ما ذكر أن الشيطان تعرض لإبراهيم في هذا المكان وأنه رماه بالحصى فهذا لا صحة له بل يقال أن هذا موضع رماه النبي صلى الله عليه وسلم بأحجار فنحن نتعبد لله تعالى متأسين برسوله الله عليه الصلاة والسلام. القارئ: ويستحب أن يقول عنده ما روى عبد الله بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند استلامه بسم الله والله أكبر إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. الشيخ: وهذا الحديث فيه ضعف لكنه صح من فعل ابن عمر رضي الله عنهما فقوله في الابتداء طيب (بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك) يعني أفعل هذا إيمانا بك (وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم). القارئ: ويحاذي الحجر بجميع بدنه ليستوعب جميع البيت بالطواف ثم يأخذ في الطواف على يمين نفسه ويجعل البيت على يساره ويطوف سبعا يرمل في الثلاثة الأولى.

الشيخ: قوله يحاذي الحجر بجميع بدنه هذا المذهب وأنه لا بد أن تحاذي الحجر بجميع البدن وقيل إذا حاذاه ببعض بدنه كفى وهذا ينفعك عند الزحام الشديد ولكن الاحتياط أن تحاذيه بجميع البدن ومن نعمة الله عز وجل أنه وضع الآن خط بنيّ يعرف به ابتداء الطواف وانتهاء الطواف أيضاً وكان فيما سبق هناك خطان أحدهما على يمين الحجر والثاني على يساره بحيث يكون الحجر متوسط بينهما لكن حصل في ذلك مفسدة فصاروا يبدؤون من الخط الذي دون الحجر وينتهون بالخط الذي قبل الحجر وهذا معناه أنهم لم يكملوا الطواف فيسر الله عز وجل إزالة الخطين واقتصر على خط واحد يبتدئ من قلب الحجر نسأل الله تعالى أن يوفق الحكومة لما فيه الخير، وأن يديم هذا الخط حتى لا يلتبس الأمر لأنه كان بالأول ولا سيما مع الزحام وبعد الإنسان عن الكعبة يحصل عندهم ارتباك هل أنا وازنت الحجر أم لم أوازنه وتجد الإنسان ربما يأخذ مسافة كبيرة احتياطية مع المشقة الشديدة عليه لكن الحمد لله هذا ريَّح الناس. القارئ: ويطوف سبعا يرمل في الثلاث الأول منها وهو إسراع المشي مع مقاربة الخطى ولا يثب وثبا. الشيخ: هذا الرمل له سبب سببه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما صالح قريشا في الحديبية على أن يأتي معتمرا في العام القادم وجاء أراد المشركون أن يشمتوا بالرسول وأصحابه فقالوا إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب يعني حمى المدينة نجلس وننظر فجلسوا نحو دار الندوة من شمال الكعبة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا في الأشواط الثلاثة من الحجر إلى الركن اليماني وأن يمشوا ما بين الركنين. أولا لم يأمرهم في إكمال السبعة لئلا يشق عليهم ذلك.

وثانيا أذن لهم أن يمشوا ما بين الركنين لأنهم في هذا المكان يغيبون عن قريش لا يشاهدونهم والمقصود من الرمل إغاظة المشركين وإذا غابوا عنهم لا يدرون عنهم لكن في حجة الوداع رمل النبي عليه الصلاة والسلام في الأشواط الثلاثة كلها من الحجر إلى الحجر فعلم بهذا أن هذه السنة ثابتة ولو زال سببها وأنها أيضا زيدت على ما كانت عليه عند وجود السبب لأنها في ذلك الوقت كانت مبنية على السبب مع التعبد لله عز وجل بإغاظة المشركين أما في حجة الوداع فهي تعبد محض فهل نحن إذا رملنا نتذكر أن سبب هذا الرمل إغاظة المشركين؟ قليل من يتذكر هذا ولكن ينبغي أن نشعر بهذا أننا نفعله تعبدا لله واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونذكر أننا مأمورون بكل ما يغيظ الكفار بل قد قال الله تعالى (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) وقال تعالى (وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِح) فينبغي أن نتذكر هذه المعاني الجليلة أن أصل هذا الرمل هو إغاظة المشركين. وقول المؤلف في تفسيره إسراع المشي مع مقاربة الخطى هل المعنى أنه يتقصد تقريب الخطى أو المعنى الإسراع بدون مد الخطوة لأنه جرت العادة أن الإنسان إذا أسرع تمتد خطوته؟ يحتمل هذا وهذا والثاني عندي أقرب أن المعنى إسراع المشي لكن بدون أن يمد خطوه بل يكون على العادة وأما ما يفعله بعض الناس الآن في الرمل من كونه يمشي الهوينا ولكن يهز كتفيه كأنه يرقص فهذا لا شك أنه خطأ حتى ولو في الزحام من قال أنه يشرع هز الكتفين؟ في الزحام امش على العادة لا تشق على الناس ولا تشق على نفسك.

إذا كان محمولا أو كان على عربية فهل يشرع لحامليه أن يرملوا ولمن يدف العربية أن يسرع؟ قال بعض العلماء لا لأن الإسراع إنما المقصود به بيان جلد الطائف وقوته والمحمول لا يتحرك وكذلك المدفوف وعندي في هذا توقف ويحتاج إلى تحرير إن شاء الله تعالى وربما نحرره. القارئ: ويمشي أربعاً لحديث جابر وروى ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا متفق عليه ولا يرمل في غير هذا الطواف لذلك فإن ترك الرمل في الثلاث لم يقضه في الأربع لأنه سنة فات محلها فلم يقضه في غيره كالجهر في الأوليين لا يقضى في الأخريين. الشيخ: ولأنه لو قضاه في الأربعة الباقية لفوت السنة في الأربعة لأن الأربعة السنة فيها المشي وكما قال المؤلف سنة فات محلها كما أن الإنسان لو شرع في الفاتحة ونسي الاستفتاح فإنه لا يشرع له قضاؤه ويقال إنه سنة فات محلها وكذلك ما ذكره المؤلف الجهر في الأوليين لا يقضى في الأخريين لأنه لو قضاه لفوت السنة في الأخريين لأن السنة فيها الإسرار. السائل: هل يشرع الإنكار على من يتمسح مثلاً بالكعبة وما أشبه ذلك وهو يطوف؟ الشيخ: نعم ما لم يصل الحد إلى الإخلال بالطواف مثل أن يكون الناس كثيرين ولو ذهب ينصح كل واحد لفاته مقصود الطواف هذه واحدة والشيء الثاني لا بد أن يغلب على الظن قبول الحاج لأن بعض الناس ما يقبل أبدا وربما يقول لك أنت وهابي. القارئ: ولو فاته الرمل والاضطباع في هذا الطواف لم يقضه فيما بعده كمن فاته الجهر في الصبح لم يقضه في الظهر ويكون الحجر داخلا في طوافه لأن الحجر من البيت.

الشيخ: قوله إن الحجر من البيت هذا ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلي في الكعبة فقال لها (صلي ها هنا فإن الحجر من البيت) فظاهره أن جميع الحجر من البيت لكن المشهور عند العلماء الذي من البيت من الحجر نحو ستة أذرع ونصف تقريبا عند منحنى الحجر ولكن العلماء متفقون على أنه لا بد أن يكون الحجر داخلا في طوافه وأن الإنسان لو دخل من الفتحتين اللتين بين الحجر والبناء القائم فإن طوافه لا يصح. القارئ: ولا يطوف على جدار الحجر ولا شاذروان الكعبة لأنه من البيت فيجب أن يطوف به. الشيخ: لقوله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ) ولم يقل في البيت ولو قال في البيت لصح أن يطوف داخل الحجر لأنه طاف في البيت لكنه تعالى قال (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ) والباء تقتضي الاستيعاب كما هي في قوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُم) أي بجميع الرؤوس.

وقوله ولا شاذروان الكعبة ما الشاذروان هذا الطوق المحيط بالكعبة من أسفل كان مبنياً مسطحا ويمكن الطواف به أما الآن فلا يمكن الطواف به لأنه مزحلق لا يمكن للإنسان أن يطوف عليه إلا بتعب وعناء شديد واتكاء على أكتاف الناس مثلا لكن لا يجوز الطواف به وقول المؤلف لأنه من البيت هذا فيه نظر وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله إن الشاذروان ليس من البيت وإنما جعل عمادا له والبيت هو الجدار القائم أما هذا فهو عماد يعني ردف للجدار وليس من البيت وبناءً على هذا لو أن الإنسان يطوف حول الكعبة قريبا منها ثم زحم شديدا وصعد على هذا الشاذروان وجعل يمشي والناس قد زحموه متكئا على أكتافهم فعلى كلام المؤلف لا يصح طوافه وعلى ما ذهب إليه شيخ الإسلام يصح طوافه فنحن نقول قبل أن يشرع الإنسان في الطواف لا تطف على الشاذروان لكن لو جاءنا وقال لنا إنه وقع له مثل هذا الحال في طواف الإفاضة مثلا هل نقول إن حجك لم يتم الآن؟ على كلام المؤلف نقول لم يتم وعلى ما ذكره الشيخ نقول إن طوافك صحيح لأن الطواف على الشاذروان صحيح. السائل: ماذا يقول المستلم للحجر الأسود وماذا يقول المؤشر لأن بعض أهل العلم يفرقون في ذلك وهل يسن السجود عليه؟ الشيخ: لا فرق بين المستلم والمؤشر كلاهما يكبر عند الاستلام أوعند الإشارة ولا فرق إنما الفرق في الابتداء وبقية الأشواط ففي الابتداء يقول بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وفي الدوران في الأشواط يكبر فقط. أما السجود عليه فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فعله ولكن ليس فيه سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام متبعة.

القارئ: ولا يستلم الركن العراقي ولا الشامي لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني وما تركت استلامهما منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما في شدة ولا رخاء رواه مسلم وقال ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم استلم الركنين اللذين يليان الحجر إلا لأن البيت لم يتم على قواعد ابراهيم عليه السلام متفق عليه ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك. الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله إنه لا يستلم الركن العراقي ولا الشامي والركن العراقي هو الذي يلي الحجر الأسود وأما الشامي فهو الذي يليه من الغرب لا يستلمهما لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يستلمهما وهذه عبادة والعبادات توقيفية وما رآه ابن عمر رضي الله عنهما من العلة في عدم استلامهما صحيح لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنى الكعبة على أوسع من هذا ولما هدمها قريش وعمروها قصرت بهم النفقة فرأوا أن يخرجوا جزءاً منها وسموه الحطيم لأنه حطم من الكعبة أو الحجر لأنه حجّر وبقي الحجر الأسود والركن اليماني على قواعد إبراهيم ولهذا سن استلامهما وقد رأى ابن عباس رضى الله عنهما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يطوف ويستلم الأركان كلها فأنكر عليه فقال له معاوية ليس شيء من البيت مهجورا فقال له ابن عباس لقد رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يستلم إلا الركنين اليمانيين وقد قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فرجع معاوية. فأقول ماذا لو رأى ابن عباس الآن جهال الأمة الإسلامية يستلمون كل شيء الأركان وغير الأركان وهذا كله بسبب الجهل وعدم تعليم العلماء للعامة وإلا فأظن أن العامة لو بين لهم من يثقون به في بلادهم لحصل خير كثير.

القارئ: وكلما حاذى الحجر كبر ويقول بين الركنين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار لما روى عبد الله بن السائب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ما بين ركن بني جمح والركن الأسود رواه أبو داود ويقول في بقية الطواف اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بما أحب. الشيخ: أما التكبير عند محاذاة الحجر فهذا سنة لاشك ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا يكبر عند محاذاة الركن اليماني ولهذا لم يذكره المؤلف رحمه الله لعدم وروده ولا يشير إلى الركن اليماني أيضا عند الزحام لعدم وروده ولا يصح القياس على الحجر الأسود لأن الحجر الأسود أوكد من الركن اليماني ولأنه يسن فيه التقبيل والركن اليماني لا يسن فهل نقول أيضا يسن التكبير في الركن اليماني قياسا على الحجر الأسود؟ لا إذاً نقول لا يسن فيه أيضاً الإشارة لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما قوله يقول فيما بين الركنين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فللحديث الذي أشار إليه ولكن إذا كان المطاف زحمة وانتهى من هذا الدعاء قبل أن يحاذي الحجر فإنه يكرره وأما مازاده بعض العوام وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار فهذه من أكياسهم ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما نهاية الذكر الوارد ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وإذا لم يصل إلى الحجر الأسود كرره.

وأما ما ذكره المؤلف اللهم اجعله حجا مبرورا فهذا استحسان من المؤلف وليدع الإنسان بما شاء لأنه لم يرد فيه شيء معين إلا التكبير عند الحجر الأسود وقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار واختير أن يكون هذا الدعاء في هذا المكان لأنه منتهى الشوط وكان من عادة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه يختم دعاءه بهذا الدعاء (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). القارئ: ويستحب أن يدنو من البيت لأنه المقصود فإن كان يمكنه الرمل بعيدا ولا يمكنه قريبا فالبعيد أولى لأنه يأتي بالسنة المهمة. الشيخ: أما قوله إذا تعارض الدنو من البيت والرمل فيقدم الرمل فهذا صحيح وذلك لأن القرب من الكعبة لم يكن فيه سنة وإنما هو اختيار من العلماء أن يكون أقرب إلى البيت لأنه هو المقصود وأما الرمل فقد ثبت به السنة فكان أوكد هذا من وجه ومن وجه آخر أن الرمل سنة تتعلق بذات العبادة والدنو من البيت سنة تتعلق بمكانها والمحافظة على ما يتعلق بذات العبادة أولى من المحافظة على ما يتعلق بمكانها أو زمانها ولهذا سن تأخير صلاة الظهر عند اشتداد الحر لأن ذلك أقرب إلى الخشوع في الصلاة وتأكد أن يؤخر الإنسان الصلاة إذا حضر الطعام أو دافعه الأخبثان مع أن الصلاة أول الوقت أفضل لكن تؤخر عن الأفضل في الزمان مراعاة لما يتعلق بذات العبادة وكذلك هنا نقول الرمل متعلق بذات العبادة فهو أولى من مراعاة المكان وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم وربما أيضا نمثل بإنسان وجد مكانا بالصف الأول وبقربه رجل له رائحة كريهة ويخشى إذا وقف في هذا المكان أن يتأثر في صلاته فنقول لا بأس أن تنتقل إلى مكان آخر مفضول مراعاة لما يتعلق بذات العبادة. القارئ: ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف لأنه صلاة والصلاة محل القرآن.

الشيخ: هذا التعليل فيه نظر بل لأنه ذكر من أفضل الذكر (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديث عائشة (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) وأما قوله لأنه صلاة والصلاة محل القرآن فيقال له الصلاة في بعض أركانها ليست محلاً للقرآن بل ينهى الإنسان أن يقرأ القرآن فيه كالركوع والسجود فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أوساجدا) حتى قال بعض العلماء إذا قرأ الإنسان وهو راكع أو ساجد بطلت صلاته لأنه أتى بقول منهي عنه فهو ككلام الآدميين الذي نهي عنه في الصلاة فالحاصل أن التعليل الصحيح أن يقال لا بأس بقراءة القرآن لأنه ذكر بل هو أفضل الذكر وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله). القارئ: ويجوز الشرب في الطواف لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب في الطواف رواه ابن المنذر. الشيخ: ويجوز الأكل في الطواف ويجوز الكلام ولا تجب قراءة الفاتحة فيه ولا يجب فيه التكبير ولا يجب استقبال القبلة فهو يخالف الصلاة في أكثر ما يتعلق بالصلاة وبه نعرف ضعف الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) فهذا الحصر غير صحيح بل أبيح في الطواف أشياء كثيرة تحرم في الصلاة. القارئ: ويستحب أن يدع الحديث كله إلا ذكر الله أوقراءة القرآن أو دعاءً أو أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباحكم فيه الكلام فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير) رواه الترمذي.

الشيخ: كل ماذكره صحيح إلا أنه إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشغله عن المقصود بالطواف فإنه يدعه يعني لو كان كل خطوة يرى منكراً وإذا أراد أن ينهى عن هذا المنكر انشغل عن الطواف لا سيما إن وجد من يجادله فلا يفعل محافظة على المقصود بالطواف وأما الحديث فقد عرفتم أنه ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فصل (في ركعتي الطواف) القارئ: فإذا فرغ من الطواف صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم يقرأ فيهما بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وسورة الإخلاص لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين قرأ فيهما قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد رواه مسلم وإن صلاهما في غير هذا الموضع أو قرأ غير ذلك أجزأه. الشيخ: هاتان الركعتان سنة عند جمهور العلماء وذكر بعض أهل العلم وأظنه مذهب مالك رحمه الله أنهما واجبتان واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تقدم إلى مقام إبراهيم قرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) وجعل هذا الفعل تفسيرا للآية والأمر في الآية للوجوب فقرر وجوبهما ولكن جمهور العلماء على أنهما سنة وعلى كل حال فلا ينبغي للإنسان تركهما فإن تيسر في هذا المكان أي خلف مقام إبراهيم فهذا الأفضل فإن لم يتيسر ففي أي مكان من المسجد صلاهما أجزأ. فإن قال إن صليت خلف المقام انشغلت بالناس وربما أضيق المطاف فأيهما أفضل أن أصلي في هذا المكان أو أن أتأخر وأصلي بطمأنينة؟ الثاني لأن هذا يتعلق بذات العبادة. وفي هاتين الركعتين تستحب سنتان. الأولى أن يقرأ في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية أن يقرأ قل هو الله أحد مع الفاتحة.

والثانية أن يخففهما لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخففهما وإذا كانت السنة تخفيفهما فالمكث بعدهما ينهى عنه وذلك لأنك إذا مكثت بعدهما فقد حجزت ما لا تستحق عن غيرك لأن هذا المكان لمن أراد أن يصلي ركعتين خلف المقام وإذا كانت السنة أن تخفف ذات الركعتين فمن باب أولى أن تخفف الجلوس بعدهما فلا تجلس ولا حاجة للدعاء لكن بعض الجهال يأبون إلا أن يبقوا ويطيلوا الركوع والسجود والقراءة ويبقون يدعون بعد الصلاة وكل هذا من الجهل. فصل (في شرائط الطواف) القارئ: ويشترط لصحة الطواف تسعة أشياء الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة لحديث ابن عباس وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يطوف بالبيت عريان) متفق عليه ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فاشترط فيها ذلك كالصلاة وعنه فيمن طاف للزيارة ناسياً لطهارته حتى رجع فحجه ماض ولا شيء عليه وهذا يدل على أنها تسقط بالنسيان وعنه فيمن طاف للزيارة غير متطهر أعاد ما كان بمكة فإذا رجع جبره بدم وهذا يدل على أن الطهارة ليست شرطا إنما هي واجب يجبره الدم وكذلك يخرج في طهارة النجس والستارة لأنها عبادة لا يشترط فيها الاستقبال فلم يشترط فيها ذلك كالسعي والوقوف.

الشيخ: يقول يشترط لصحة الطواف تسعة أشياء وشرط الشيء معناه أنه إذا تخلف فسد الشيء وهذا يحتاج إلى أدلة واضحة يمكننا أن نلاقي الله تعالى بها إذا أفسدنا عبادة عباد الله ولا يكفي الظنون أو التعليلات العليلة فمثلاً يقول يشترط الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة أما ستر العورة فلقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يطوف بالبيت عريان) ولكن هل هذا يدل على فساد الطواف لو طاف عرياناً؟ يحتمل ذلك أو يقال هذا خالف في لباس وهذا شيء والطواف شيء آخر منفك لكن لا ينبغي أن يقال فيمن طاف عرياناً أنه يصح طوافه إذا كان عارياً بالكلية أما لو كان في إزاره شق ولم يعلم به أو كان إزاره خفيفاً ولم يقل الناس إن هذا أساء بلباس هذا الإزار فلا ينبغي أن يقال إن هذا طوافه باطل أما لو خلع والعياذ بالله إزاره بالكلية وصار يطوف عرياناً هذا لا بأس أن نقول لا طواف له لأنه يشبه المستهزئ ولأن الناس أيضاً لا يمكن أن يمكنوه. أما الطهارة فيقول رحمه الله لأنها عبادة تتعلق بالبيت فاشترط فيها ذلك كالصلاة، لو أن المؤلف استدل بحديث ابن عباس السابق (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) كما استدل به غيره لكان أحسن من هذا التعليل قد يقول قائل الاعتكاف يتعلق بالبيت (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ) ومع ذلك لا تشترط الطهارة في الاعتكاف. ثم ذكر المؤلف رحمه الله الطهارة من النجاسة بمعنى أن لا يكون على الإنسان أو على بدنه أو على ثوبه أو في بقعته نجاسة كالصلاة وهذا أيضاً فيه نظر والصواب أنه إذا تطهر فهو أفضل لكن لو فرض أن الإنسان طاف بإزار نجس فإنه لا إعادة عليه أما إذا كان ناسياً أو جاهلاً فالأمر واضح وأما إذا كان متعمداً فليس هناك دليل يدل على هذا. ثم ذكر المؤلف عنه فيمن طاف للزيارة ناسياً لطهارة حتى رجع فحجه ماض ولا شيء عليه وهذا يدل على أنها تسقط بالنسيان وسقوطها بالنسيان يدل على أنها ليست بشرط.

يقول وعنه فيمن طاف للزيارة غير متطهر أعاد ما كان بمكة فإذا رجع جبره بدم وهذا يدل على أن الطهارة ليست شرطاً وإنما هي واجب يجبره الدم فكذلك يخرج في طهارة النجس والستارة لأنها عبادة لا يشترط فيها الاستقبال فلم يشترط فيها ذلك والصواب أن يقال في التعليل لأنه لم يرد ما يدل على اشتراط هذا لصحتها وانتفاء الدليل كافٍ في عدم الإفساد بالعدم والصواب عندي أنه لا يشترط الطهارة في الطواف إلا طهارة الجنابة لأن الجنب ممنوع من المكث في المسجد لقوله تعالى: (وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) فيكون بقاؤه بقاءً محرماً كبقاء الحائض والحائض قد منعها رسول صلى الله عليه وسلم من الطواف. أما الطهارة من الحدث فليست بشرط ولكن لا يعني ذلك أننا نهون الأمر عند الناس ونعلن هذا ونقول أيها الناس طوفوا بلا وضوء لكن إذا جاءنا إنسان بعد أن فرغ من طوافه وقال إنه لم يتوضأ أو إنه أحدث في أثناء الطواف واستمر فإننا لا نأمره بالإعادة أما تهوين ذلك في نفوس الناس فهذا ليس بصواب لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاف طاهراً متوضئً وهذا سنة لا شك، هذا الذي نراه الصواب إن شاء الله. القارئ: الرابع النية لأنها عبادة محضة فأشبهت الصلاة. الشيخ: النية لاشك أنه لا تصح الأعمال إلا بها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات) لكن هل تشترط النية لكل جزء من أجزاء الحج أو تكفي نية عامة هذا محل إشكال فمن العلماء من يقول تشترط النية لكل جزء من أجزاء الحج فالطواف له نية والسعي له نية والرمي له نية والوقوف له نية وما أشبه ذلك.

ومنهم من قال هذه أجزاء لا يشترط لها نية خاصة كما أن المصلي لا ينوي الركوع إذا أراد الركوع ولا السجود ولا الجلوس ولا القيام فإذا نوى الحج فهذه النية تعنى أنه نوى الحج بجميع أجزائه فلا حاجة لأن ينوي لكل جزء وهذا القول قد يكون أقرب للصواب كما أنه أيسر للعباد لأن كثيراً من الناس يأتي ومع الزحام الشديد ينوي أنه يطوف فقط لا أنه للعمرة أو أنه للحج ينوي الطواف هكذا فنقول له في هذه الحال إن طوافك صحيح مجزئ لأنه لو سألك سائل بعد انتهاء الطواف ماذا أردت من هذا الطواف لقلت الحج أو العمرة. القارئ: الخامس الطواف بجميع البيت فإن سلك الحجر أو طاف على جدار الحجر أو على شاذروان الكعبة لم يجزئه لأن الله تعالى قال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق) وهذا يقتضي الطواف بجميعه والحجر منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحجر من البيت) متفق عليه. الشيخ: نعم هذا صحيح لا بد من الطواف بجميع البيت فإن طاف ببعضه فإنه لا يجزئه لقوله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ) والباء للاستيعاب وليست للظرفية وإن كانت تأتي للظرفية لكن هنا لا تكون للظرفية وسبق الكلام على الطواف على الشاذروان وأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال إنه يجزئ وقلنا إن الإنسان لا يتعمد ذلك لكن لو فرض أنه مع الزحام الشديد أراد أن ينجو بنفسه فصعد على الشاذروان وصار يطوف فإن ذلك يجزئه. القارئ: السادس الطواف سبعاً فإن ترك منها شيئاً وإن قل لم يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعا فيكون تفسيراً لمجمل قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق) فيكون ذلك هو الطواف المأمور به وقد قال عليه السلام (خذوا عني مناسككم).

الشيخ: هذا أيضاً صحيح لا بد من الطواف سبعاً فإن نقص فطوافه غير صحيح فلا بد من استيعاب السبعة والدليل ما ذكره المؤلف رحمه الله أن الله أجمل فقال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق) ولم يذكر عدداً ولكن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعاً بياناً لهذا المجمل وبيان المجمل له حكم المبين فيكون ذلك واجباً. وهناك أيضاً تعليل آخر يقال إنه لو كان النقص على السبعة جائزاً لفعله النبي عليه الصلاة والسلام حين أتى لعمرة القضاء لأنه أيسر على الناس. القارئ: السابع أن يحاذي الحجر في ابتداء طوافه بجميع بدنه فإن لم يفعل لم يعتد بذلك الشوط واعتد له بما بعده ويأتي بشوط مكانه ويحتمل ألا يجب هذا لأنه لما لم يجب محاذاة جميع الحجر لم تجب المحاذاة بجميع البدن. الشيخ: وهذا الاحتمال هو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقوله ولأنه لما لم يجب محاذاة جميع الحجر لم تجب المحاذاة بجميع البدن يحمل هذا على ما إذا كان الإنسان ضعيفاً أو يقال إنهم جعلوا حاشية الحجر من الحجر لكن هذا أيضاً بعيد على كل حال على كلام المؤلف لا بد أن يحاذي الإنسان الحجر بجميع بدنه سواء استوعب الحجر كله أو لم يستوعب إلا بعضه أو كان عريضاً جداً وصار الحجر في نصف صدره. السائل: هل يصح الطواف أو السعي بدون أن يذكر الله؟ الشيخ: أما على كلام الفقهاء فليس بشرط يعني لو دار بدون أن يتكلم ولا بكلمة فطوافه صحيح وكذلك السعي لكنه ناقص لا شك. القارئ: الثامن الترتيب وهو أن يطوف على يمينه فإن نكسه لم يجزئه لما ذكرنا في السادس ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فكان الترتيب فيه شرطاً كالصلاة. الشيخ: الترتيب بهذا المعنى المذكور لاشك أنه واجب أنه يطوف ويجعل البيت عن يساره.

وهنا مسألة في الواقع تشكل من الناحية العلمية ومن الناحية العملية وهي أن بعض الناس في الزحام لا يتسنى له أن يكون البيت عن يساره في كل الطواف مع الزحام قد يلقي ظهره إلى الكعبة أو وجهه أو ما أشبه ذلك فهل نقول إن هذا جزء يسير كالالتفات في الصلاة وأنه يسامح عنه لاسيما إذا كان الإنسان يُحمل على ذلك حملاً أو يقال إذا حصل مثل هذا فيلغى هذا الشوط ويأتي بدله بشوط آخر؟ يعفى عنه لأنه يسير ولأنه أيضاً يحمل على هذا حملاً فالظاهر إن شاء الله أنه يعفى عنه لأنه يصدق عليه أنه طاف وجعل البيت عن يساره. ولكن لماذا جعل البيت عن اليسار في الطواف لماذا لم يجعل عن اليمين لأن اليمين أفضل؟ فقال بعضهم لأن القلب بيسار الجسد وهو بيت الرب في جسد الإنسان والكعبة بيت الرب في الأرض فكان الأنسب أن يجعلها عن يساره لأجل أن يتقارب البيتان. وقال بعضهم إنما جعل ذلك لأن الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى يعنى إذا درت فإن الاعتماد يكون على اليسار هذا هو الأغلب وقد يدور الإنسان بجعل الاعتماد على اليمين لكن الأغلب على اليسار فروعي الأغلب في دوارن الإنسان وهذه مراعاة لمصلحة جسدية. والثالث أنه يجعل البيت عن يساره لأنه إذا قابل الحجر وحاذاه فإنه يبدأ باليمين واليمين مما يلي الباب وإذا بدأ باليمين صار البيت عن يساره. والرابع أن وجه الكعبة هو ما فيه الباب وما خلفه يسمى دبر الكعبة والبداءة بما يقابل وجهها أولى.

والخامس أن هذا فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكفى ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة وقد قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ولهذا علل ابن عباس إنكاره على معاوية بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله وقد قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وابن عمر علل ذلك بأنهما ليسا على قواعد إبراهيم فالمهم أن المؤمن إذا قيل له هذا قضاء الله ورسوله انتهى ويكون هذا أريح له أيضاً لأن كل تعليل مما سمعتم يمكن أن يورد عليه ما ينقضه. القارئ: التاسع الموالاة شرط لذلك إلا أنه إذا أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة فإنه يصلى ثم يبني لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم وعنه إذا أعيا في الطواف فلا بأس أن يستريح وقال إذا كان له عذر بنى وإن قطعه من غير عذر أو لحاجة استقبل الطواف وعنه فيمن سبقه الحدث روايتان إحداهما يستأنف قياساً على الصلاة والثانية يتوضأ ويبني إذا لم يطل الفصل فيخرج في الموالاة روايتان إحداهما هي شرط كالترتيب والثانية ليست شرطاً حال العذر لأن الحسن غشي عليه فحمل فلما أفاق أتمه.

الشيخ: الموالاة معناه أن تكون الأشواط متتابعة لا يفرق بينها لكن استثنى المؤلف إذا أقيمت الصلاة فإنه يقطع الطواف ويصلي مع الجماعة ولا يمكن أن يطوف وهم يصلون وظاهر كلام المؤلف أنه لا يقطع الطواف لاستماع خطبة الجمعة وأنه يستمر في طوافه ولو كان الإمام يخطب وذلك لأن طوافه لا يشغله عن استماع الخطبة فيستمر ولكن إذا صلى ثم أراد أن يكمل قيل يبدأ من أول الشوط وقيل يبدأ مما وقف عليه وهذا القول هو الصحيح أنه يبدأ مما وقف عليه لأن ما سبقه قد وقع على وجه شرعي وما وقع على وجه شرعي فإنه لا يمكن إبطاله إلا بدليل شرعي فما هو الدليل؟ ومادامت الموالاة سقطت لهذا العذر فإن ما سبق من الشوط يعتبر في محله فيكمل من حيث وقف وكذلك أيضاً إذا حضرت جنازة فإنه يصلي لأن الصلاة على الجنازة فرض كفاية فلا ينبغي أن يحرم من أجر هذا الفرض فيصلي ثم يكمل. وهذه الروايات التي ذكرها المؤلف رحمه الله، وعنه إذا أعيا في الطواف لا بأس أن يستريح وقال إذا كان له عذر بنى وهذه الرواية هي الصحيحة أنه إذا أعيا وتعب فلا بأس أن يستريح ثم يكمل وكذلك يقال في السعي وإن قطعهم لغير عذر أو لحاجة استقبل الطواف وعنه فيمن سبقه الحدث روايتان إحداهما يستأنف قياساً على الصلاة والثانية يتوضأ ويبني إذا لم يطل الفصل والرواية الثانية تدل على أنه لا يشترط في الطواف الطهارة لأنه لو اشترطت الطهارة لبطل الطواف بالحدث وإذا بطل بالحدث لم يمكن البناء على ما سبق. فصل (في سنن الطواف) القارئ: وسننه استلام الركن وتقبيله أو ما قام مقامه من الإشارة والدعاء والذكر في مواضعه والاضطباع والرمل والمشي في مواضعه لأن ذلك هيئة في الطواف فلم تجب كالجهر والإخفات في الصلاة وركعتا الطواف ليست واجبة لأن الأعرابي لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرائض ذكر الصلوات الخمسة قال فهل علي غيرها قال (لا إلا أن تطوع) متفق عليه.

الشيخ: هذا الحديث يستدل به كثير من العلماء على نفي الوجوب في بعض الصلوات وعندي أن الاستدلال به فيه نظر لأن الأعرابي إنما سأل عن الصلوات الدائمة التي تكون كل وقت أما العارضة فهذه مقرونة بأسبابها وقد يدل الدليل على الوجوب وقد يدل الدليل على الاستحباب. هذا الحديث يستدل به على نفي وجوب الوتر لأنه يتكرر كل يوم فلو كان هناك صلاة واجبة في اليوم والليلة غير الخمسة لبينها الرسول عليه الصلاة والسلام وأما أن يجعل دليلاً على كل شيء حتى ما قرن بسبب فهذا توسع في الاستدلال لا وجه له وهذا كالذي يستدل بنفي الواجبات في الصلاة بحديث المسيء في صلاته أو الذي يستدل بوجوب كل صفة وهيئة للصلاة بحديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) فهذا غلو في النفي والإثبات فيقال هنا إن هذا الحديث لا يدل على نفى وجوب صلاة ركعتي الطواف لأن المقصود به الصلوات المتكررة كل يوم أما ما له سبب فهو مقرون بسببه ولهذا لا نستدل به على عدم وجوب تحية المسجد أو على عدم وجوب صلاة الكسوف أو على عدم وجوب صلاة العيد أو ما أشبه ذلك ولكننا نعرف أن هذا واجب أو غير واجب من دليل آخر. القارئ: ولأنها صلاة لم يشرع لها جماعة فلم تجب كسائر النوافل ولكنها سنة مؤكدة وإن صلى المكتوبة بعد طوافه أجزأته عنهما. الشيخ: إن صلى المكتوبة بعد طوافه أجزأته عنهما الدليل أن المقصود أن يصلي بعد الطواف وهذا يحصل بالفريضة وربما يستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين طاف للوداع صلى صلاة الفجر ثم ركب وإن كان هذا قد يعارض بأن يقال ليس فيه نفي لركعتي الطواف. السائل: ذكرنا بأن الجنب لا يجوز طوافه بالبيت لأنه ممنوع من البقاء في البيت أفلا يلزم على هذا أنه لو توضأ جاز له أن يطوف؟ الشيخ: نعم يلزم على هذا وهو صحيح لو توضأ جاز أن يطوف لأنه يجوز المكث في المسجد إلا إذا قلنا بوجوب الطهارة من الحدث فلا. السائل: هل تجب الموالاة بين الطواف والسعي؟

الشيخ: لا تجب الموالاة لو طاف أول النهار وسعى في آخر النهار فلا بأس. السائل: هل يشرع استلام وتقبيل الحجر الأسود من غير طواف؟ الشيخ: لم يتبين لي أنه يشرع إنما هو من سنن الطواف أما تقبيل بلا طواف فلا أعلم أنه ورد. القارئ: فإن جمع بين الأسابيع وصلى لكل أسبوع ركعتين جاز لأن عائشة والمسور ابن مخرمة فعلا ذلك. الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله إذا جمع أسابيع يعنى طاف سبعاً ثم سبعاً ثم سبعاً ولم يصلّ بينهما فإنه يصلي لكل أسبوع ركعتين لأن كل سبعة أشواط لها ركعتان. وهذا يدلنا على مسألة تقع في الجمع بين الصلاتين إذا جمع بين المغرب والعشاء فهل نقول إن صلاة ركعتين تكفي عن راتبتي المغرب والعشاء أو يصلي أربعاً؟ يصلي أربعاً فلا تتداخل الركعتان بل إن عدم تداخل الركعتين في الصلاتين المجموعتين أولى من عدم تداخل الركعتين في الأسابيع. القارئ: ولا تجب الموالاة بينهما لما ذكرنا. الشيخ: قوله (بينهما) أى بين الطواف والركعتين وأما الموالاة بين أجزاء الطواف فقد سبق أنها شرط. القارئ: وأن يطوف ماشياً فإن طاف راكباً أجزأه لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره وأمر أم سلمة فطافت راكبة من وراء الناس حديث أم سلمة متفق عليه ويجوز أن يحمله إنسان فيطوف به لأنه في معنى الراكب.

الشيخ: هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ولكن المذهب أنه يشترط أن يطوف ماشياً إلا لعذر والاستدلال بحديث أم سلمة فيه نظر لأن الدليل أخص من المدلول فإن أم سلمة اشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في طواف الوداع أنها مريضة فقال لها (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) ويفرق بين الطواف لعذر والطواف لغير عذر وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكباً على بعيره فهذا لفائدة عظيمة وهي أن يراه الناس ويستنوا به يعنى أن يفعلوا مثلما فعل فحديث أم سلمة لعذر وحاجة وحديث النبي صلى الله عليه وسلم لمصلحة عظيمة ولهذا كان الاحتياط بلا شك ألا يطوف راكباً إلا لعذر والمحمول كالراكب والذي يدف بعربية كالراكب أيضا إذا كان لعذر فلا شك في جوازه وإذا كان لغير عذر ففي جوازه نظر. القارئ: وإن طاف راكباً أو محمولاً لغير عذر ففيه روايتان إحداهما يجزئه لأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقا وهذا قد طاف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً وهو صحيح، والثانية لا يجزئه لأنها عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكباً لغير عذر كالصلاة فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن ابن عباس قال (إن الناس كثروا عليه يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب) رواه مسلم. الشيخ: إذاً صارت المسألة لمصلحة وكما ذكرنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام ركب ليراه الناس ويتأسوا به ولهذه العلة التي ذكرها ابن عباس رضى الله عنهما والاحتياط بلا شك ألا يطوف راكباً إلا لعذر. فصل

القارئ: والمرأة كالرجل إلا أنها إذا قدمت مكة نهارا استحب لها تأخير الطواف إلى الليل لأنه أستر لها إلا أن تخاف الحيض فتبادر الطواف لئلا يفوتها التمتع ولا يستحب لها مزاحمة الرجال لاستلام الحجر بل تشير بيدها إليه قال عطاء كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم فقالت امرأة انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت انطلقي عنك وأبت وليس في حقها رمل ولا اضطباع لأنه يستحب لها التستر ولأن الرمل شرع في الأصل لإظهار الجلد والقوة ولا يقصد ذلك من المرأة ولذلك لا يسن الرمل في حق المكي ومن جرى مجراهم وقال ابن عباس وابن عمر ليس على أهل مكة رمل وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا أحرم من مكة لم يرمل. الشيخ: هذا الفصل بين المؤلف رحمه الله أن المرأة كالرجل في الطواف إلا فيما استثني: منها أن الأفضل للقادم إلى مكة أن يبادر بالطواف اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم أما المرأة فقال إنه يستحب لها أن تؤخر الطواف لأنه أستر لها ومعلوم أن هذه العلة في وقتنا الحاضر منتفية وعلى هذا فيسن لها أن تبادر بالطواف كما يبادر الرجل. كذلك أيضاً قال إنها لا تستلم الحجر إذا كان هناك مزاحمة والصحيح أن هذا لها وللرجال لكن يختلف الرجل عنها بأن الزحام اليسير بالنسبة للرجل لا يمنع استحباب استلام الحجر وأما الزحام الذي يذهب الخشوع ويكون الإنسان بين الحياة والموت فهذا لا يسن له أن يستلم الحجر ولا يحاول ذلك أما المرأة فمجرد الزحام ولو يسيراً يمنع من استحباب استلامها الحجر.

ومنها أنه ليس لها رمل ولا اضطباع أما عدم الاضطباع فظاهر وأما الرمل فلأن المقصود بالرمل في أصل مشروعيته هو إظهار الجلد والقوة والمرأة لا يقصد منها ذلك ولأنها لو رملت لكان ذلك في بعض الأحيان سبباً لانكشاف عورتها ولست أقصد بالعورة السوأة ولكن انكشاف شيء من بدنها وبهذا نعرف خطأ أولئك النساء اللاتي يرملن في الطواف وكذلك لا تسعى في بطن الوادي إلا أنه يعكر على السعي أن أصل مشروعية السعي هو تذكر حال أم إسماعيل وأم إسماعيل في مكان السعي أى في بطن الوادي كانت تسعى لكن حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن المرأة لا يسن لها الرمل في الطواف ولا السعي بين العلمين بين الصفا والمروة ولأنه قد يكون السبب له حال والحكم المرتب على هذا السبب له حال أخرى انظر إلى سبب الرمل في الطواف أليس سببه أن النبي عليه الصلاة وسلام أراد من الصحابة أن يظهروا قوتهم وجلدهم ولهذا أمرهم أن يمشوا ما بين الركنين لكن الحكم لم يبق وصار الناس الآن يرملون كل الأشواط الثلاثة أهل مكة ليس عليهم رمل لأنهم أحرموا من قريب من البيت ومن أحرم من قريب من البيت فلا رمل عليه ويدل لذلك أن الصحابة الذين أحرموا بالحج من الأبطح لم يرملوا في الطواف وعلى هذا فنقول إن من أحرم من مكة فإنه ليس عليه رمل كذلك من كان من أهل مكة وإن أحرموا من الحل ليس عليهم رمل وإنما الرمل للآفاقيين. فصل

القارئ: وإذا فرغ من الركعتين سعى بين الصفا والمروة ويستحب أن يستلم الحجر ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقى عليه حتى يرى البيت فيستقبله ويدعو لأن جابراً قال في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) نبدأ بما بدأ الله تعالى به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبله فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات قال أحمد ويدعو بدعاء ابن عمر ذكر نحواً من هذا وزاد لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك اللهم جنبني حدودك اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبيائك ورسولك وعبادك الصالحين اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسولك وإلى عبادك الصالحين اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى واغفر لي في الآخرة والأولى واجعلني من أئمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لي خطيئتي يوم الدين اللهم إنك قلت ادعوني استجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه ولا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا على الإسلام اللهم لا تقدمني لعذاب ولا تؤخرني لسوء الفتن رواه سعيد بن منصور وما دعا به فحسن. الشيخ: في هذه الجملة مسائل: المسألة الأولى إذا فرغ من الركعتين وأراد السعي بين الصفا والمروة رجع إلى الركن أى إلى الحجر الأسود فاستلمه وهذا الاستلام ليس فيه تقبيل وهو سنة لمن أراد الخروج للسعي وأما من طاف وخرج لغير السعي فليس بسنة وكذلك لو لم يتيسر له الاستلام فالظاهر أنه لا يشير إليه.

فإن قال قائل ما هي الحكمة في أن يستلمه الإنسان بعد انتهاء الركعتين وقد استلمه في طوافه؟ فالجواب أن يقال هذا من سنة رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والله أعلم ما هي الحكمة هذا ما عندي الآن وربما تظهر الحكمة بالتأمل. وتشتمل هذه القطعة على أنه يخرج إلى الصفا من بابه وكان في الأول المسجد الحرام له أبواب دون المسعى وإنما استحب العلماء أن يخرج إلى الصفا من بابه لأنه أيسر له ولأن هذا هو الظاهر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. ومما يؤخذ من هذه القطعة أن الإنسان إذا دنا من الصفا يقرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) قبل أن يصعد عليه ولا يعيد هذا مرة ثانية وهذه الآية التي تلاها الرسول صلى الله عليه وسلم هي كالآية التي تلاها حين تقدم إلى مقام إبراهيم لأجل أن يشعر نفسه بأنه فعل ذلك تعبداً لله تعالى وامتثالاً لأمره.

ومما يؤخذ منها أيضاً هل يكمل الإنسان فيقول نبدأ بما بدأ الله به أو إن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها تشريعاً لا تعبداً بها؟ يحتمل هذا وهذا فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نبدأ أو قال أبدا بما بدأ الله به تشريعاً كأنه يقول للناس بدأت بالصفا لأن الله بدأ بها ويحتمل أن تكون من تمام الذكر وأن الإنسان يقول (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أبدأ بما بدأ الله به ليطابق اللسان القلب فإن القلب لاشك أراد أن يبدأ بالصفا واتجه إليه لكن من أجل أن اللسان يطابق القلب ويؤكد أنه إنما بدأ بالصفا لأن الله بدأ به هذا لفظ حديث جابر ونأخذ منه فائدة وهو أن الأصل في ترتيب القول ترتيب الفعل يعني إذا ذكر الله أشياء مرتبة بقوله فهي مرتبة بفعله ولهذا استدل العلماء على وجوب الترتيب في أعضاء الوضوء بهذا الحديث قالوا إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشار إلى هذا أن الترتيب القولي يقتضي الترتيب الفعلي فإن الله قال (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ) فبدأ بالصفا وقال (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) فبدأ بالوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين وهذا لا شك استدلال في محله. ومما يؤخذ من هذه القطعة أن الإنسان يصعد الصفا حتى يرى البيت أى الكعبة فيستقبلها ويمد يديه مد الدعاء وليس كما يفعل العامة الآن يشيرون إليه إشارة تكبير الصلاة ويقول ما ذكره المؤلف من ذكر الله عز وجل وما ثبت به الحديث ويدعو بين ذلك فيكرر الذكر ثلاث مرات ويدعو مرتين ثم ينزل متجهاً إلى المروة. السائل: هل يشرع شرب ماء زمزم بعد الطواف؟ الشيخ: الفقهاء يرون أن شرب ماء زمزم في يوم العيد فقط لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوم العيد.

القارئ: ثم ينزل فيمشي حتى يكون بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد نحواً من ستة أذرع فيسعى سعياً شديداً حتى يحاذي الميلين الأخضرين الذين بفناء المسجد وحذاء دار العباس. الشيخ: هذا الذي وصف المؤلف رحمه الله لا تدركونه اليوم لأن المعالم تغيرت كثيراً كان بالأول المسجد الحرام ينتهي قبل أن تصل إلى الصفا بينه وبين الصفا سوق وشارع تمشي منه السيارات وأنا أذكر أن الناس يسعون وإذا جاءت السيارة وقفوا لتقطع المسعى في زاوية المسجد بعد أن ينتهي هذا الشارع هناك عمود معلق كما قال المؤلف عمود أخضر لكن لا يتصل بالأرض مجعول علامة لكن هذا العمود بعد أن تقطع الشارع والشارع هذا هو مجرى السيل يعنى هو الوادي وبين طرف الشارع إلى هذا العمود نحو ستة أذرع فلهذا قال العلماء إلى أن يكون بينك وبين هذا العمود ستة أذرع أما الآن والحمد لله وضعت أعلام خضراء على الجانبين وفوقها أنوار خضراء أيضاً حتى يكون الذي لا يراها من اليمين أو الشمال يرى الإضاءة اقترح بعض الناس أن يكون أيضاً تحت القدمين بلاط أخضر لكن هذا الاقتراح تبين أنه غير وجيه لأنه لو كان هناك شيء لكان هؤلاء الجهال يقفون على هذا الأخضر ثم يعوقون الناس وأكثر الناس ليس عندهم علم وبصيرة فلهذا رئي ألا يوضع شيءٌ في الأرض ويكفي الأعمدة على اليمين والشمال والأنوار. وقول المؤلف رحمه الله يسعى سعياً شديداً يعنى يركض ركضاً شديداً حتى رئي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تدور به إزاره من شدة السعي وهذا مقيد بما إذا لم يشق على الإنسان بأذية له أو لغيره فإن كان لا يمكن إلا بأذية له أو لغيره فلا يؤذِ يمشي حسب ما يستطيع.

القارئ: ثم يمشي حتى يصعد المروة فيرقى عليها ويقول كما قال على الصفا ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه حتى يكمل ذلك سبعا يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع أخرى يفتتح بالصفا ويختم بالمروة لأن جابراً قال ثم نزل يعنى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي. الشيخ: اللفظ الذي نعرفه من حديث جابر (حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى) وفرق بين (سعى) و (رمل) السعي أشد من الرمل فإن صحت هذه اللفظة فالمراد بها السعي. القارئ: حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا فلما كان آخر طوافه على المروة) ذكر الحديث رواه مسلم ويدعو فيما بينهما ويذكر الله تعالى قال أبو عبد الله كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله) وهو حديث حسن صحيح. الشيخ: وهذا الجعل شرعي فهو بمعنى إنما شرع لأن الجعل كوني وشرعي فقول الله تعالى (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ) هذا الجعل المنفي شرعي وقوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً) هذا جعل كوني. فصل القارئ: والواجب من هذا ثلاثة أشياء استيفاء السبع فإن ترك منها شيئاً وإن قل لم يجزئه وإن لم يرق على الصفا والمروة وجب استيعاب ما بينهما بأن يلصق عقبيه بأسفل الصفا ثم يلصق أصابع رجليه بأسفل المروة ليأتي بالواجب كله.

الشيخ: الآن ما في حد حتى يلصق العقبين بأسفل الصفا والأصابع بأسفل المروة لكن كان ذلك فيما سبق درج مثل درج الباب من أراد أن يصعد صعد على هذا الدرج ومن لم يرد أن يصعد استوعب ما بين الدرج وعلى هذا فتلصق عقبيك في آخر درجة من درجات الصفا وتلصق أصابعك في آخر درجة من درج المروة أما الآن فليس موجوداً لكن الممر الذي جعل للعربيات حده هو المسعى الواجب إذا انتهى الممر انتهى الواجب وليس بلازم أن تصعد ولا أن تطوف حول الدائرة إذا كنت تسعى من فوق يكفي أن تصل إلى جدار الدائرة سواء في المروة أو في الصفا وهم الآن صغروا الدائرة التي في الصفا فاتسع الممر الذي من ورائها وكذلك اتسع ما قبلها من المسعى فالحاصل الآن أن الإنسان إذا استوعب ممر العربيات فقد أتى بالواجب وإن صعد واستقبل القبلة كما قال المؤلف فهو أفضل. القارئ: والبداءة بالصفا لخبر جابر. الشيخ: خبر جابر أنه قال فبدأ بالصفا فرقى عليه. القارئ: فإن بدأ بالمروة لم يعتد له بذلك الشوط واعتد له بما بعده. الشيخ: فيكون سعى ستة أشواط فلا بد أن يعود إلى المروة وذلك لأن الشوط الأول الذي ابتدأه من المروة قد لغى. القارئ: وترتيب السعي على الطواف فلو سعى قبله لم يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سعى بعد طوافه وقال (خذوا عني مناسككم) ولو طاف وسعى ثم علم أن طوافه غير صحيح لعدم الطهارة أو غيرها لم يعتد له بسعيه لفوات الترتيب.

الشيخ: الترتيب بين الطواف والسعى شرط لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتبه كذلك ولأن الله تعالى قال (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) فبدأ بذكر البيت ولأن الطواف أهم لقوله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) والذي ينبغي أن يبدأ بالأهم فالأهم لذلك كان الترتيب بين الطواف والسعي واجبا فلو بدأ بالسعي قلنا أعد السعي يعني لو سعى ثم طاف قلنا له أعد السعي لأن السعي الأول لاغي في غير محله وهذا في العمرة واضح وكذلك في الحج لا بد أن يتقدم الطواف السعي إلا أنه من رحمة الله عز وجل رخص للعباد أن يقدموا السعي على الطواف أي طواف الإفاضة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له سعيت قبل أن أطوف قال (لا حرج) والحديث أخرجه أبو داود وهو صحيح فاختلف العلماء في تخريج هذا وكيف يسعى قبل أن يطوف ويقول رسول الله (لا حرج)؟ قالوا هذا في القارن والمفرد قدّم السعي بعد طواف القدوم فأولوا هذا التأويل لأنهم أصلوا قاعدة وهي أنه لا يجوز تقديم السعي على الطواف قالوا فإذا ورد الحديث بجواز تقديم السعي على الطواف وجب حمله علي الصورة التي وردت وهي سعي القارن والمفرد بعد طواف القدوم فيكون سعى قبل أن يطوف وهذا رأي الجمهور أنه لا يجوز تقديم السعي على طواف الإفاضة إلا القارن والمفرد إذا قدماه بعد طواف القدوم ولكن الذي يظهر أنه جائز في طواف الإفاضة لوجهين: الوجه الأول أن من المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يسأل عن التقديم والتأخير في ذلك اليوم وأن السعي الذي سأل عنه السائل كان في ذلك اليوم من جملة الأنساك وليس بعد طواف القدوم. ثم إن السعي بعد طواف القدوم لا يحتاج إلى السؤال عنه لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد سعى بعد طواف القدوم فلا حاجة أن يسأل عنه وهو حج الرسول عليه الصلاة والسلام.

ثالثاً أن السعي والطواف إنما هو في عبادة الحج لأن الرسول كان يسأل يوم النحر وذلك في زمن الحج فالصواب أنه يجوز في سعي الحج أن يقدم على طواف الإفاضة وأما سعي العمرة على طوافها فلا يجوز حتى وإن كان ناسياً فإننا نقول اذهب فأعد السعي أو جاهلاً نقول اذهب وأعد السعي لكن ذكر بعض العلماء ومنهم عطاء فيما أظن أنه لا بأس إذا كان ناسياً أي أنه إذا سعى ناسياً قبل أن يطوف في العمرة أجزأه لكن القلب لا يطمئن إلى هذا القول. فإذا قال قائل لماذا لا نقيس العمرة على الحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العمرة حج أصغر)؟ قلنا لا نقيس للفرق لأنك لو قدمت السعي في العمرة على الطواف لأخللت إخلالاً بيناً إذ أن العمرة تتكون من ركنين الطواف والسعي وأما الحج فلا يختل إذا قدم على الطواف لكثرة أنساكه ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص في يوم العيد بالتقديم والتأخير دفعاً للمشقة لأن الناس لو قيل لهم لا بد أن ترموا جميعاً وتنحروا جميعاً وتطوفوا جميعاً وتسعوا جميعاً لكان في ذلك مشقة لكن إذا كان هذا يرمي وهذا ينحر وهذا يطوف وهذا يسعى صار في ذلك سعة للمسلمين. فصل القارئ: ويسن الطهارة والستارة وعنه أنهما واجبتان لأنه أحد الطوافين أشبه الطواف بالبيت والأول المذهب لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حين حاضت (اقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) أخرجه مسلم والبخاري. الشيخ: هذا الحديث ليس على ظاهره فقوله عليه الصلاة والسلام (غير ألا تطوفي بالبيت) قد ثبت في موطأ الإمام مالك رحمه الله أنه قال لها (غير ألا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة) وكذلك صح عنها في البخاري أنها قضت الطواف والسعي وأنها لم تقرب البيت إلا بعد الوقوف بعرفة فلا يكون في هذا الحديث دليل على أنها تسعى خصوصاً وأن عائشة لو سعت لكان هذا السعي لم يسبقه طواف وهو مشكل على ما تقتضيه الأدلة.

لكن يقال في الجواب على القياس على الطواف إن العبادات ليس فيها قياس وإلا لقلنا أيضاً تجب الطهارة في الوقوف وفي الرمي وفي غيرها من مشاعر الحج وأما الطواف بالبيت فللحديث المروي في ذلك (الطواف بالبيت صلاة) على أنه سبق لنا أن القول الراجح أن الطواف لا تشترط له الطهارة من الحدث الأصغر. القارئ: ونحوه قالت عائشة إذا طافت المرأة بالبيت فصلت ركعتين ثم حاضت فلتطف بالصفا والمروة ولأنها عبادة لا تتعلق بالبيت فلم يشترط لها ذلك كالوقوف، ويسن أن يرقى على الصفا والمروة ويرمل بين العلمين ويمشي ماسوى ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولا يجب لما روي عن ابن عمر أنه قال إن أمش فقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا شيخ كبير رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ويسن الموالاة بينه لأن النبي صلى الله عليه وسلم والى بينه ولا يجب لأنه نسك لا يتعلق بالبيت فلم يشترط له المولاة كالرمي وقد روي أن سودة بنت عبد الله بن عمر سعت وقضت طوافها في ثلاثة أيام ويسن أن يمشي فإن ركب جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم سعى راكبا ولما ذكرنا في الموالاة. الشيخ: إذاً الموالاة على كلام المؤلف في السعي ليست واجبة ولا شرطاً فيجوز أن يسعى شوطاً في أول النهار وشوطاً عند الزوال وشوطاً بعد العصر وشوطاً في نصف الليل وشوطاً في الفجر وشوطاً في الضحى من الغد وشوطاً بعد الظهر من الغد لو فعل ذلك لأجزأ ولا يشك إنسان أن مثل هذا لا يقال إنه سعى سبعة أشواط لأن السعي عبادة واحدة يتصل بعضها ببعض فالصواب أن الموالاة فيه شرط وهو المذهب وأنه لا يجوز أن يفرق إلا لعذر مثل أن يحتاج إلى قضاء الحاجة أو يتعب فهذا له أن يفرق وأما بدون عذر فإنه يعتبر متلاعباً.

فإن قال قائل أليس الله يقول (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) فجعل الله تعالى هذه العشرة كاملة مع أنها مفرقة؟ قلنا لا قياس في العبادات وأيضاً المقصود سبعة أيام كل يوم منفرد عن الآخر أما السعي فهو عبادة واحدة فلماذا لا نقول إن الموالاة فيه شرط كما قلنا الموالاة شرط في الوضوء وشرط في الصلاة وكل عبادة إذا كانت مكونة من هيئة فلا بد أن تتم هذه الهيئة أما أن تجزأ وتجعل عضين فهذا يخالف ما جاءت به السنة. السائل: أيهما أفضل السعي راكباً أم ماشياً لأن النبي سعى راكباً وهل تقاس الآن العربة على الركوب؟ الشيخ: الأفضل أن يسعى ماشياً لكن له أن يركب والعربة حكمها حكم الركوب. القارئ: والمرأة كالرجل إلا أنها لا ترقى على الصفا والمروة ولا ترمل في طواف ولا سعي لما ذكرنا في الرمل في الطواف وليس على أهل مكة رمل كذلك نص عليه. فصل

القارئ: فإذا فرغ من السعي فإن كان متمتعاً لا هدي معه قصر من شعره وحل من عمرته لما روى ابن عمر قال تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجته ومن لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة وليقصر وليحلل متفق عليه وإنما جعل التقصير هاهنا ليكون الحلق للحج فأما من ساق الهدي فليس له التحلل للحديث وعنه أنه يقصر من شعره خاصة ولا يمس شاربه ولا أظفاره لما روى معاوية قال قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص عند المروة حديث صحيح رواه مسلم، وعنه إن قدم في العشر لم يحل لذلك وإن قدم قبل العشر نحر وتحلل كالمعتمر غير المتمتع ومن لبد فهو كمن أهدى لما روت حفصة أنها قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحلل أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي وقلدت هدياً فلا أحل حتى أنحر متفق عليه، فأما المعتمر الذي لا يريد التمتع فإنه يحل وإن كان في أشهر الحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة فحل ونحر هديه. الشيخ: هذا الفصل فيه أن الإنسان إذا فرغ من السعي فإن كان متمتعاً لا هدي معه قصر من شعره وحل من عمرته وهل هذا وجوباً أو استحباباً؟ الصواب أنه استحباب وأن التمتع ليس بواجب بل الأنساك الثلاثة كلها جائزة لكن من ساق الهدي فالقران في حقه أفضل ومن لم يسقه فالتمتع في حقه أفضل وبذلك تجتمع السنة القولية والفعلية.

وفي هذا الفصل أن المتمتع يمكن أن يسوق الهدي والصواب أنه إذا ساق الهدي فإنه لا يحرم بالتمتع لتعذره لأن التمتع لا بد فيه من إحلال ومن معه الهدي لا يمكن أن يحل والعجب أن المؤلف رحمه الله وكذلك من قبله من الفقهاء ومن بعده يقولون إنه إذا ساق الهدي وهو متمتع وطاف وسعى فإنه لا يقصر ويحرم بالحج وقد سبق لنا هل هذا يعتبر قراناً أو تمتعاً؟ منهم من يرى أنه قران ومنهم من يرى أنه تمتع ولكن أصل المسألة غير صحيحة وغير واردة يعني أن يسوق الهدي وهو متمتع. وفي هذا الفصل أنه إذا قدم في العشر ومعه هدي فإنه لا يحل لفعل النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم ومن قدم قبل ذلك فإنه يحل ولكن الصحيح أن الحكم واحد وأن من ساق الهدي في حجه أو في عمرته وهو متمتع فإنه يجعله قراناً أي أن من قدم مكة ومعه الهدي فليس له إلا القران. وأما قوله رحمه الله إن التلبيد كسوق الهدي يعني فإذا لبد رأسه امتنع التحلل فهذا فيه نظر ظاهر لأن الذي يمنع التحلل ليس هو التلبيد بل هو سوق الهدي قال الرسول عليه الصلاة والسلام (إن معي الهدي فلا أحل) وأما تلبيد الرسول عليه الصلاة والسلام فلأنه كان عازماً على ألا يأتي رأسه إلا في يوم العيد فلبده والتلبيد أن يضع على الرأس ما يلبد الشعر من صمغ وعسل ونحوه لئلا ينتفش فالصواب أن التلبيد ليس كسوق الهدي وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام (إني لبدت رأسي وقلدت هدياً) فهذا بيان للواقع والذي يمنع التحلل هو سوق الهدي فقط. وأما إذا قدم مكة لا للحج بل للعمرة فإنه إذا وصل إلى مكة وأدى العمرة نحر وحل وهذا لا إشكال فيه والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة ونحر هديه وحل. فصل (في وجوب السعي) القارئ: والسعي ركن لا يتم الحج إلا به لقول عائشة رضي الله عنها (طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة وطاف المسلمون وكانت سنة ولعمري ما أتم الله حج من لم يطف بينهما) رواه مسلم.

وعن حبيبة بنت أبي تجراة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) رواه أبو داود وعنه أنه سنة لا شيء على تاركه لقول الله تعالى (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ) مفهومه أنه مباح وفي مصحف أبيّ وابن مسعود (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) وهذا لا ينحط عن رتبة الخبر قال القاضي الصحيح أنه واجب يجبره الدم وليس بركن جمعاً بين الدليلين وتوسطاً بين الأمرين. الشيخ: فصار في السعي ثلاثة أقوال: القول الأول أنه ركن. والثاني أنه سنة. والثالث أنه واجب والأظهر أنه ركن وأنه لا يتم الحج والعمرة إلا به كما قالت عائشة رضي الله عنها وأما قوله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) فيعرف معنى الآية بمعرفة سبب النزول وسبب النزول أن الصحابة رضي الله عنهم تحرجوا من الطواف بين الصفا والمروة لأنه كان فيهما صنمان فتحرجوا من الطواف بهما فأنزل الله هذه الآية: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ويدل على أن المقصود بذلك بيان مشروعية الطواف بالصفا والمروة أنه قال (مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ويكون قوله (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ) دفعاً للتحرج مما وقع في نفوس الصحابة رضي الله عنهم فنفي الجناح ليس المراد به رفع الإثم بل رفع التحرج الواقع عند الصحابة رضي الله عنهم. فصل (السعي بين الصفا والمروة) القارئ: ولا يسن السعي بين الصفا والمروة إلا مرة في الحج ومرة في العمرة فمن سعى مع طواف القدوم لم يعده مع طواف الزيارة ومن لم يسع مع طواف القدوم أتى به بعد طواف الزيارة فأما الطواف بالبيت فيستحب الإكثار منه والتطوع به لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من طاف بالبيت وصلى ركعتين فهو كعتق رقبة) رواه ابن ماجة.

الشيخ: السعي بين الصفا والمروة ليس بمشروع إلا في حج أو عمرة وأما الطواف فهو مشروع كل وقت ولكن هل الأفضل أن نكثر من الطواف في أوقات المواسم أو لا؟ الصواب أنه ليس من السنة ولا من الأفضل أن نكثر وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع لم يطف إلا طواف النسك فقط فطاف طواف القدوم وطاف طواف الإفاضة وطاف طواف الوداع مع أنه بقي أربعة أيام قبل الطلوع ولم ينزل إلى مكة ليطوف فدل هذا على أنه ليس من السنة ولا من الأفضل أن تكثر الطواف في أيام المواسم لأن في البيت من هو أحق منك ممن حج أو اعتمر فقول المؤلف رحمه الله أنه يسن في كل وقت فيه نظر بل يقال أما إذا كان الإنسان في مكة أو كان قادماً إليها ولم يكن هناك مواسم فلا بأس وأما إذا كان في موسم الحج فالأفضل أن لا يزيد على طواف النسك.

باب صفة الحج

باب صفة الحج القارئ: يستحب لمن بمكة الخروج يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة قبل صلاة الظهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يومئذٍ فصلى الظهر بمنى فمن كان حراماً خرج على حاله ومن كان حلالاً من المكيين والمتمتعين أحرم بالحج وفعل ما فعله عند الإحرام من الميقات ومن حيث أحرم من الحرم جاز لأن جابراً قال أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما حللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى فأهللنا من الأبطح والمستحب أن يطوف بالبيت سبعا ويصلي ركعتين ثم يستلم الركن وينطلق منه مهلاً بالحج لأن عطاء كان يفعل ذلك ويفعل في إقامته بمنى ورواحه منها ووقوفه مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جابر ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فسار حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم لم يصل بينهما شيئاً ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه فاستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا أولى ما فعل اقتداء برسول الله. الشيخ: ذكر المؤلف في هذه القطعة من كلامه صفة الحج وصفة الإحرام زماناً ومكاناً وهيئة.

أما الزمن فيكون قبل صلاة الظهر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى منى قبل صلاة الظهر يوم الثامن وهو الذي يسمى يوم التروية وسمي بذلك لأن الناس كان يتروون فيه الماء إذ أن المشاعر قبل الأزمنة الأخيرة كان ينقل إليها الماء نقلاً فخرج عليه الصلاة والسلام ومعه الذين حلوا من إحرامهم وهم المتمتعون أحرموا من جديد والذين لم يحلوا بقوا على ما كانوا عليه وخرجوا. وقول المؤلف رحمه الله من حيث أحرم من الحرم جاز يفهم منه أنه لا يصح أن يحرم من الحل في الحج إذا كان في مكة وأنه لا بد أن يحرم من مكة أو من الحرم وفي هذا خلاف بين أهل العلم منهم من قال إنه يحرم من مكانه سواء كان في الحل أو الحرم ومنهم من قال يحرم من الحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة) والمذهب الأول أنه يحرم من الحرم كله ومن الحل وقالوا إنه إذا أحرم من الحل فإنه سوف يخرج إلى منى وهي من الحرم فيكون قد جمع في إحرامه بين الحل والحرم ولكن لا شك أن الاحتياط أن يحرم من مكانه وأن لا يترك الإحرام حتى يخرج إلى الحل ويظهر ذلك في المثال لو أن أحداً من أهل مكة أراد أن يحرم بالحج أو من المتمتعين الذين حلوا فانتظر حتى خرج الناس إلى عرفة وأحرم من عرفة فعلى القول بأنه يجوز من الحل والحرم يكون هذا الرجل لم يترك واجباً وعلى القول بأنه لا بد أن يحرم من الحرم يكون هذا قد أحرم من غير الميقات فيلزمه دم. وقول المؤلف رحمه الله (المستحب أن يطوف بالبيت سبعاً ويصلي ركعتين ثم يستلم الحجر وينطلق منه مهلاً بالحج) هذا ليس بصحيح بل هذا بدعة وإن فعله عطاء لأن عطاء من التابعين وليس صحابياً وفعله ليس بحجة وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يتقدم أحد منهم حين أرادوا الخروج إلى منى إلى الحرم ويطوفوا به بل خرجوا من مكانهم إلى منى محرمين رأساً فهذا الذي ذكره المؤلف أنه مستحب ليس بصحيح.

وأما ما ساقه فقال إن جابراً قال ركب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر فالأمر كذلك وصلاها عليه الصلاة والسلام قصراً بلا جمع لأنه لم يجمع في حجه إلا في عرفة ومزدلفة يقول (إن النبي صلى الله عليه وسلم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت له بنمرة فسار حتى أتى عرفة فوجد القبة ضربت له بنمرة). نمرة قرية تقع في الغربي الجنوبي من عرفة وهي مستراح فمكث فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليستريح ولهذا أمر أن تضرب له قبة بنمرة ولم يأمر أن تضرب له قبة بمنى لأنها من مشاعر الحج وأما نمرة فليست من مشاعر الحج ولهذا أمر أن تضرب له قبة بنمرة ولما قالوا ألا نضرب لك بيتاً بمنى قال (لا منى مناخ من سبق). وأما قوله (فسار حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة) فقد ظن بعض العلماء أن هذا يدل على أن نمرة من عرفة لأنه قال سار حتى أتى عرفة فوجد القبة ضربت له بنمرة ولكن هذا ليس بصحيح لأن مراد جابر بقوله حتى أتى عرفه يعني حتى صار منتهى سيره عرفة ونزل بنمرة في طريقه وقصد جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خالف قريشاً لأن قريشاً يقولون إن أهل الحرم لا يخرجون من الحرم بل يقفون في مزدلفة كما قال في هذا الحديث (ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تفعل في الجاهلية) لكن النبي عليه الصلاة والسلام مضى حتى أتى عرفة أي حتى صار منتهى سيره إلى عرفة. يقول فنزل بها أي في القبة حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي.

قوله أمر يدل هذا على أنه لا غضاضة في الأمر في مثل هذه الأمور يعني أنه إذا كان الإنسان أمير القوم وأمرهم أن يرحلوا له راحلته وأن يضربوا له القبة وأن يقربوا طعامه أو ما أشبه ذلك فهذا ليس من المسألة المذمومة لأن هؤلاء الذين معه يرون أنهم مؤتمرون بأمره وأنهم بمنزلة الخدم له فكما أنه ليس من المسألة المذمومة أن تقول لابنك أعطني كذا أو لخادمك أعطني كذا فهذا مثله. يقول حتى أتى بطن الوادي وهو بطن وادي عرنة وهو وادٍ مشهور معروف يفصل بين عرفة وبين مزدلفة ولهذا قال العلماء كل مشعرين فبينهما وادي فعرفة ومزدلفة بينهما عرنة ومزدلفة ومنى بينهما محسر. يقول حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس وأذن بلال ثم أقام. نزل عليه الصلاة والسلام في بطن الوادي وفيه دليل على أن النزول في بطن الوادي نهاراً لا بأس به أما المبيت به ليلاً فقد ورد النهي عن ذلك لأن الإنسان لا يدري ربما يفجؤه الماء ويحصل عليه بذلك الضرر لكن في النهار لا بأس للإنسان أن ينزل لصلاة أو طعام أو ما أشبه ذلك يقول فخطب الناس ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر. في هذا دليل على أن المستحب في عرفة الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم وفيه أيضاً دليل على أن المسافر لا يصلي الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصل الجمعة في عرفة مع أن وقفته كانت يوم الجمعة لكن السفر ليس محلاً لإقامة الجمعة ولهذا خطب الناس قبل أن يؤذن ولو كانت جمعة لخطب بعد الأذان وصرح جابر بأنه صلى الظهر ثم أقام فصلى العصر.

يقول ثم لم يصل بينهما شيئا لأن المسافر لا يسن له أن يصلي الرواتب وإلا فمن المعلوم أن بين الظهر والعصر راتبة الظهر البعدية ثم ركب صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف يعني حتى أتى الموقف الذي اختار أن يقف فيه وهو شرقي عرفة ووقف فيه عليه الصلاة والسلام وقال (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) وكأنه يقول للناس لا تتعبوا أنفسكم وتأتوا إلى هذا المكان كونوا على أمكنتكم فكل عرفة موقف لكنه اختار أن يكون هناك والحكمة والله أعلم ليكون في مؤخرة القوم لأن من عادته عليه الصلاة والسلام إذا كان في سفر صار في آخر القوم حتى يتفقد من يتخلف في عرفة أو ما أشبه ذلك. يقول رحمه الله (فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات) والصخرات معروفة كبيرة عند الجبل الذي وقف عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وما زالت موجودة حتى الآن وقد حاول بعض الناس أن يزيلها وأن يجعل المكان مستراحاً لكن لم يحصل له ذلك والحمد لله لأنه لو حصل ذلك لكان هذا المكان منتزهاً للناس ولزالت حرمته لكن بقيت الصخرات على ما كانت عليه. وقوله (وجعل حبل المشاة بين يديه) حبل المشاة يعني طريقهم وشبهه بالحبل لأنه موطئ الأقدام له أثر كالحبل الممدود وقيل إن حبل المشاة عبارة عن رمل مندعث بين هذه الصخرات يمشي معه المشاة (فاستقبل القبلة ولم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص) استقبل القبلة وجعل يدعو رافعاً يديه وهو راكب ولما سقط زمام ناقته أمسكه بإحدى يديه وهو رافع الأخرى عليه الصلاة والسلام وبقي يدعو إلى أن غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص يعني بذلك قرص الشمس (ودفع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا أولى ما فعل اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم) دفع صلى الله عليه وسلم وقد شنق لناقته القصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله من شدة شنقه لها وهو يقول (أيها الناس السكينة السكينة) ولكنه إذا وجد متسعاً أسرع.

القارئ: ويستحب أن يخطب الإمام خطبة يعلم الناس مناسكهم وفعلهم في وقوفهم ودفعهم في أول ما تزول الشمس. الشيخ: قوله (أن يخطب الإمام خطبة يعلم الناس مناسكهم وفعلهم في وقوفهم) هذا لا شك أنه مناسب أن يذكر هذا لكن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم خطبة عظيمة بين فيها مقاصد عظيمة من الإسلام وقال (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وقال (اتقوا الله في النساء) وخطبة الرسول عليه الصلاة والسلام هذه معروفة مشهورة تولاها بعض العلماء بالشرح وآخر من علمت تولى ذلك الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله فله رسالة في شرح هذه الخطبة. القارئ: ويقصر الخطبة لأن سالم بن عبد الله قال للحجاج يوم عرفة إن كنت تريد أن تصيب السنة فقصر الخطبة وعجل الصلاة فقال ابن عمر صدق رواه البخاري ويأمر بالأذان فينزل فيصلي بهم الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين للخبر ومن لم يصل مع الإمام جمع في رحله لأنهما صلاتا جمع فشرع جمعهما في حق المنفرد كصلاتي المزدلفة ثم يصير إلى موقف عرفة وأين وقف منها جاز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (عرفة كلها موقف) رواه أبو داود وهي من الجبل المشرف على عرفة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر إلى بطن عرنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عرنة) رواه ابن ماجه والأفضل الوقوف في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يقف راكبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف راكبا ولأنه أمكن له من الدعاء وقيل الراجل أفضل لأنه أروح لراحلته ويحتمل أن يكونا سواء.

الشيخ: والأرجح أن يقال يفعل ما هو أرجح إلى قلبه وأحضر وأجمع لدعائه لأنه لو ركب الآن واجتمع الناس كلهم على ظهر السيارة قد لا يتمكن الإنسان من الدعاء كما يريد لكن لو كان نازلاً في الأرض وانفرد في مكان وحده أو مع رجل أو رجلين من أصحابه ودعا هذا لاشك أنه أحضر لقلبه وأخشع فالأولى أن يقال يفعل ما هو أخشع لقلبه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فوقف راكباً لأنه يعلم الناس بقوله وفعله. فصل (في الذكر والدعاء) القارئ: ويجتهد في الذكر والدعاء لأنه يوم رغبة ترجى فيه الإجابة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما من يوم أكثر أن يعتق الله عبيداً من النار من يوم عرفة فإنه ليدنو عز وجل فيباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء) رواه مسلم والنسائي وابن ماجه ويدعو بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أكثر دعاء الأنبياء قبلي ودعائي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي قدير اللهم اجعل لي في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا ويسر لي أمري) ويدعو بدعاء ابن عمر رضي الله عنه الذي ذكرناه ويختار من الدعاء ما أمكنه. فصل (في الوقوف بعرفة)

القارئ: وقت الوقوف من طلوع فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر النحر لما روى عروة بن مضرس بن أوس بن لام قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله إني جئت من جبلي طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه) حديث صحيح، وقال أبو حفص العكبري أول وقته زوال الشمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعده والأول أولى للخبر ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة فكان وقتاً للوقوف بها كالذي بعده ووقوف النبي صلى الله عليه وسلم لم يستوعب الوقت بدليل ما بعد الغروب. الشيخ: أما ما ذكره أبو حفص العكبري هو الذي عليه جمهور العلماء أن وقت الوقوف من زوال الشمس وقالوا إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً) مجمل بينه فعل الرسول عليه الصلاة والسلام وأما ما ذكره من التعليل فهو تعليل عليل وهو قوله ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة فكان وقتاً للوقوف كالذي بعد الزوال فيقال هذا القياس ليس بصحيح لأن في أيام التشريق ما قبل زوال الشمس من أيام التشريق ومع ذلك لا ترمى إلا بعد زوال الشمس والمسألة عند التأمل تكاد تقول إن الأدلة متكافئة في كون ما قبل الزوال وقتاً للوقوف أو لا. لأن كون الرسول عليه الصلاة والسلام يبقى في نمرة إلى الزوال ثم لم يأت إلا بعد أن زالت الشمس مع أنه بإمكانه أن يرتحل من نمرة قبل الزوال أو يواصل السير حتى ينزل مرة واحدة يؤيد قول الجمهور أن وقت الوقوف من الزوال فقط وحديث عروة يؤيد المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن وقت الوقوف من الفجر إلى الفجر أي من الفجر يوم التاسع إلى الفجر يوم العاشر.

القارئ: ومن حصل في عرفة في وقت الوقوف قائماً أو قاعداً أو مجتازاً أو نائماً أو غير عالم بأنه عرفة فقد أدرك الحج للخبر ومن كان مغمى عليه أو مجنوناً لم يحتسب له به لأنه ليس من أهل العبادات بخلاف النائم لما ذكرنا في الصيام ومن فاته ذلك فقد فاته الحج قال ابن عقيل والسكران كالمغمى عليه لأنه ليس من أهل العبادات. الشيخ: إذاً لو الإنسان نام قبل أن يصل إلى عرفة وحمله أهله وهو نائم ثقيل النوم وبقي نائماً في سيارته حتى مغيب الشمس ثم دفعوا به معهم فحجه صحيح لأنه وقف بعرفة وليس فاقداً للعقل بخلاف السكران والمجنون فإنه ليس لهم حج ويكون الحج قد فاتهم ويعاملون معاملة من فاته الحج والمغمى عليه كالمجنون لأنه لا يستطيع أن يستيقظ بخلاف النائم فإنه يمكن أن يستيقظ. القارئ: ولا يشترط للوقوف طهارة ولا سترة ولا استقبال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة إذ حاضت (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) وأمرها فوقفت قال أحمد رضي الله عنه يستحب أن يشهد المناسك كلها على وضوء لأنه أكمل وأفضل ويجب أن يقف حتى تغرب الشمس لأن النبي صلي الله عليه وسلم وقف كذلك فإن دفع قبل الغروب ثم عاد فلا دم عليه لأنه جمع بين الليل والنهار فإن لم يعد فعليه دم لأنه ترك نسكاً واجبا ولا يبطل حجه لحديث عروة بن مضرس. الشيخ: وهذه مسألة أيضاً فيها خلاف هل يجب أن يقف إلى الغروب أو يجوز أن يدفع قبله فمن العلماء من قال إنه يجوز أن يدفع قبل الغروب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعروة (وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه) ولم يقل أو نهاراً وبقي إلى الغروب وإذا تم حجه وقضى تفثه فهذا يعني البراءة من الدم لكن إذا تأمل الإنسان حق التأمل وجد أنه لا بد أن يبقى إلى الغروب. أولاً لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد قال (خذوا عني مناسككم).

ثانياً أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يختار الأيسر من الأعمال ومعلوم أن الناس إذا دفعوا قبل غروب الشمس أي في النهار فهو أيسر مما إذا دفعوا بعد الغروب لأنهم إذا دفعوا بعد الغروب أظلم الليل ولا يختار النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أشق على المسلمين إلا لوجوبه. ثالثاً أن في البقاء حتى تغرب الشمس مخالفة للمشركين لأن المشركين كانوا يدفعون من عرفة قبل أن تغرب الشمس إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كالعمائم على الرجال دفعوا ولا ينتظرون الغروب فمن دفع قبل ذلك فقد شابه المشركين وعدل عن سنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام فالأقرب أن البقاء إلى الغروب واجب ويبقى هل في كل واجب تركه الإنسان دم سيأتي إن شاء الله الكلام في الواجبات ويتبين الأمر. القارئ: ومن وافى عرفة ليلاً أجزأه ولا دم عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه) رواه أبو داود ويستحب أن لا يدفع قبل الإمام قال أحمد وما يعجبني أن يدفع إلا مع الإمام لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفعوا قبله. الشيخ: أما الآن فلا إمام ولا مأموم كل إمام نفسه لأن الأمة كما تعرفون كثيرة جداً والطرق تحتاج إلى ترتيب من الجنود فلا يمكن أن يتبع الإمام والله المستعان. فصل (في الدفع إلى مزدلفة)

القارئ: ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة ويسير وعليه السكينة وإذا وجد فرجة أسرع لقول جابر (وأردف رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة وسار وهو يقول أيها الناس السكينة السكينة حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما) وقال أسامة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق فإذا وجد فرجة نص) يعني أسرع متفق عليه ويكون في الطريق يلبي ويذكر الله تعالى لما روى الفضل (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة) متفق عليه فإذا وصل مزدلفة أناخ راحلته ثم صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما لخبر جابر وروى أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام فصلى المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلوا ثم حلوا رواه مسلم وإن صلى المغرب في طريق مزدلفة ترك السنة وأجزأه لأن الجمع رخصة فجاز تركها كسائر الرخص. الشيخ: ما قاله المؤلف رحمه الله في أنه يجمع بين المغرب والعشاء هذا هو الواقع بالنسبة إلى حال الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه سار من أقصى عرفة إلى مزدلفة وهذا على الإبل يحتاج إلى مدة ولهذا كان جمع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع تأخير لأنه لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد دخول وقت العشاء.

وقول المؤلف رحمه الله إنه لو صلاها في الطريق أجزأ لأن الجمع رخصة هذا هو رأي الجمهور وخالف في ذلك ابن حزم وجماعة معه وقالوا لو صلى في أثناء الطريق لم تصح صلاته لأن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال (الصلاة أمامك) ولكن الصحيح رأي الجمهور وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة ولم يصل في الطريق رفقاً بالناس لأنه لو وقف وصلى في الطريق صار في هذا تعب ومشقة ولا سيما أنه في ذلك الوقت ليس هناك إضاءات فيشق على الناس فكان عليه الصلاة والسلام من حسن تسييره للحجاج أنه أخر صلاة المغرب والعشاء حتى أتى مزدلفة ولكن لو وصل إلى مزدلفة قبل صلاة العشاء فهل يسن له جمع التأخير اقتداءً بالرسول عليه الصلاة والسلام أو يقال صل المغرب ثم انتظر حتى يأتي وقت العشاء أو يقال صل المغرب والعشاء جمع تقديم؟ يرى بعض العلماء الأول ويقول إن الرسول جمع جمع تأخير ويرى بعض العلماء الثاني ويستدل بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه وصل إلى مزدلفة قبل العشاء ثم أذن وصلى المغرب ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أذن فصلى العشاء والحديث صحيح ويرى بعضهم أنه يصلي من حين أن يصل ويجمع جمع تقديم ويقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام جمع جمع تأخير لأنه أرفق بالناس والآن الأرفق بالناس أن يصلوا جمعاً متى وصلوا فيكون إذا وصل متقدماً يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم وهذا هو المناسب لا سيما في أوقاتنا الحاضرة فإنه قد يشق على الإنسان أن يجد ماء يتوضأ به فيكون الأرفق به أن يجمع جمع تقديم من حين أن يصل ولكن لو لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل فهل يؤخر؟ نقول لا شك أنه إذا تمكن من أن ينزل ويصلي قبل فوات الوقت أن هذا هو الواجب لكن إذا كان يشق عليه فهل يؤخر حتى يصل إلى مزدلفة؟ إن قلنا بأن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر قلنا إذا شق عليه النزول في أثناء الطريق أخر إلى أن يصل إلى مزدلفة ما لم يخش طلوع الفجر وأما إذا

قلنا بأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل وهو القول الراجح نقول صل ولو على ظهر السيارة إذا لم تتمكن من النزول لأنه أحياناً لا يتمكن الإنسان من النزول لكثرة السيارات لا يستطيع أن يخرج عن الخط ولا أن يقف في الخط ففي هذه الحال على القول بأن وقت العشاء إلى منتصف الليل يتعين عليه أن يصلي على ظهر سيارته على حسب حاله يفعل ما يقدر عليه إذا أمكن جماعة أو فرادى المهم أن لا يخرج الوقت. القارئ: ثم يبيت بمزدلفة حتى يطلع الفجر ثم يصلي الفجر في أول وقتها ثم يأتي المشعر الحرام فيقف عليه ويستقبل القبلة ويدعو ويكون من دعائه اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق فإذا أفضتم من عرفات ثم يقف حتى يسفر جدا ثم يدفع قبل طلوع الشمس إلى منى فإذا أتى بطن محسر أسرع حتى يجاوزه ثم يسير حتى يأتي جمرة العقبة فيرميها لقول جابر في حديثه (ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الصبح حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جدا فدفع قبل طلوع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى حتى أتى الجمرة _ يعني جمرة العقبة _ فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصاة الخذف).

الشيخ: إذا جمع في مزدلفة اضطجع حتى يطلع الفجر ولا ينبغي إحياء تلك الليلة بقراءة أو ذكر أو تسبيح بل الأفضل أن ينام ولاسيما إذا كان قد تعب واحتاج إلى الراحة كما هي ظاهر حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه من حين صلى الظهر وهو في عمل إلى أن وصل إلى مزدلفة وهذا شاق لا سيما في الأزمان السابقة فإذا وصل إلى مزدلفة فإن الأفضل أن يريح بدنه وأن يضطجع إلى أن يطلع الفجر وقول جابر رضي الله عنه (اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الصبح) هنا طوى ذكر الوتر وذكر سنة الفجر فهل يعني ذلك أن الوتر يسقط ليلة مزدلفة وكذلك سنة الفجر أو يقال إن عدم الذكر ليس ذكراً للعدم؟ الثاني لأن عدم فعل الوتر وسنة الفجر محتمل وعمومات الأدلة محكمة تدل على أنه يوتر ويصلي سنة الفجر فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً بل أمر فقال (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ولم يكن يترك سنة الفجر لا حضراً ولا سفراً بل رغب فيها على الإطلاق حتى قال (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) وسكوت جابر عنهما لا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلهما ولهذا كان الصحيح أنه يصلي الوتر ويصلي سنة الفجر. وقوله (حتى أتى المشعر الحرام) هل هناك مشعر حلال ومشعر حرام؟ الشيخ: نعم المشعر الحرام مزدلفة لأنه في الحرم والمشعر الحلال عرفة لأنه في الحل فإن عرفة ليست من الحرم.

القارئ: وأين وقف من مزدلفة جاز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر) وحدها ما بين مأزمي عرفة وقرن محسر ويستحب أخذ حصى الجمار منها ليكون مستعداً بالحصاة حتى لا يشتغل بجمعه في منى عن تعجيل الرمي ومن حيث أخذه جاز وعدده سبعون حصاة ويستحب أن يكون مثل حصى الخذف ويلقطهن لقطا لما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة إلقط لي حصاً فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول أمثال هؤلاء فارموا ثم قال أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين رواه ابن ماجه. الشيخ: أفادنا المؤلف رحمه الله أنه لا يتعين أن يذهب إلى المشعر الحرام بل يقف بعد صلاة الفجر في أي مكان لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسع لأمته فقال (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر) وبطن محسر ليس من منى وسبق أن ذكرنا أن بين كل مشعرين وادياً فبين عرفة ومزدلفة عرنة وبين مزدلفة ومنى محسر أما حدها فالآن ولله الحمد عليه أعلام الحكومات الإسلامية منذ عهد قديم جعلت لها أعلاماً ولا سيما في عهدنا هذا فإن الحكومة السعودية وفقها الله جعلت أعلاماً بينة واضحة فما كان دون هذه الأعلام فهو من منى وما كان وراءها فهو من مزدلفة.

وتضمنت هذه القطعة أيضاً أنه يستحب أخذ الحصى من مزدلفة وليس فيه دليل لكن فيه تعليلاً وهو ألا يشتغل بلقطه إذا وصل إلى منى لأن الأفضل أن يبادر بالرمي لأن رمي الجمرة بمنزلة تحية المسجد لداخل المسجد بالنسبة إلى منى وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفع من مزدلفة راكباً على بعيره فلم يحط رحله حتى رمى الجمرة مما يدل على سرعة المبادرة بذلك ولكن هذا التعليل الذي ذكره رحمه الله تعليل عليل لأن تقيده بمزدلفة يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ابن عباس أن يلقط له الحصى في أثناء الطريق فيمكن أن يكون من مزدلفة أو من وادي محسر أو من منى أو قريباً من الجمرة. ثم أشار المؤلف رحمه الله أنه يلقط الحصى لقطاً لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (القط لي الحصى) يعني لا يحثوها بيده حثياً ثم يختار بل نقول القطها لقطاً من الأرض على واحدة واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذا. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن تعليم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكون بالقول ويكون بالفعل لأن التعليم بذلك أبلغ وأبين فإن العين تبصر وتشاهد وشهود العين أقوى من شهود القلب ولذلك ينبغي لطالب العلم وخصوصاً في المسائل التي يصعب تصورها أن يبين للناس بالقول والفعل كما كان نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل هذا.

وفيه التحذير من الغلو في الدين والغلو هو الزيادة والزيادة في الدين نقص ولهذا حذر منها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين أنها سبب للهلاك وقال (إنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) ووجه ذلك ظاهر لأن الغلو خروج عن حدود الله وقد قال الله تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا) ولأن الغلو تطرف يستلزم تطرفاً آخر من جانب التفريط فالغلو تطرف في الإفراط ولا بد أن يكون هناك جانب آخر يقابل هذا الجانب فيكون هناك تفريط فإذا انقسمت الأمة إلى مفرِط ومفرّط حصل بذلك الهلاك بالعداوة والبغضاء والتنابز بالألقاب وغير ذلك ولا يلزم أن يكون المراد بقوله (أهلك من كان قبلكم الغلو) لا يلزم أن يكون هذا الهلاك عقوبة حسية معلومة بل من أعظم العقوبات والهلاك العقوبة القلبية أن يتنافر الناس ويتنازعوا فعلى ضوء هذا الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام ينبغي ألا نغلو في دين الله حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام تبرأ من الغلاة الذين قالوا نقوم ولا ننام أو نصوم ولا نفطر أو لا نتزوج النساء أو لا نأكل اللحم تبرأ منهم فقال (من رغب عن سنتي فليس مني) ثم إن الواجب على طالب العلم فيما حدث من الأمور التي لم تكن معلومة من قبل ولا معروفة ألا يتسرع في الحكم عليها بل يجب أن يتأنى وينظر هل النصوص تدل عليها دلالة واضحة أو لا؟ وهل الأمة محتاجة إليها حاجة ضرورية أو كمالية أو لا؟ حتى لا يتسرع.

القارئ: والمبيت بمزدلفة واجب يجب بتركه دم لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف به وسماه موقفا وليس بركن لقوله عليه الصلاة والسلام (الحج عرفة) ويجوز الدفع منها بعد نصف الليل لما روت عائشة رضي الله عنها قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم أفاضت رواه أبو داود ولا بأس بتقديم الضعفه ليلاً لهذا الحديث ولما روى ابن عباس قال كنت فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى متفق عليه ولا يجوز الدفع قبل نصف الليل فمن خرج قبل ذلك ثم عاد إليها في ليله فلا دم عليه ومن لمن يعد فعليه دم فإن وافاها بعد نصف الليل فلا دم عليه كما قلنا في عرفة سواء. الشيخ: أفادنا المؤلف رحمه الله أن المبيت في مزدلفة واجب وليس بركن والفرق بين الواجب والركن أن الواجب لا يفسد الحج بتعمد تركه ولكن فيه دم على المشهور عند العلماء أما الركن فلا يصح الحج إلا به حتى لو فرض أنه حصر عنه ولم يتمكن لم تتم حجته ولم تسقط عنه الفريضة. وقد اختلف العلماء هل المبيت بمزدلفة ركن أو واجب أو سنة وأعدل الأقوال وأوسطها أنه واجب وليس بسنة وأما الدليل على وجوبه فلأن النبي صلى الله عليه وسلم امتثل أمر ربه في قوله (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) وبين صلى الله عليه وسلم هذا الذكر بفعله فإنه بات وذكر الله تعالى في هذا المكان أول ما وصل إليه عليه الصلاة والسلام وذكر الله تعالى أيضاً عند الانصراف منه فإنه بدأ أول ما وصل إلى مزدلفة بالصلاة وانصرف منها بعد الذكر بعد الصلاة. وأما القول بالركنية فاستدل المؤلف رحمه الله لنفيه بقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) ولو كان الوقوف أو المبيت بمزدلفة ركناً لقال ومزدلفة فلما لم يقل ذلك علم أنه ليس بركن.

فإن قال قائل يرد عليكم على تقرير هذا الدليل الطواف بالبيت فإنه ركن ومع ذلك لم يكن إلا بعد عرفة وكذلك السعي على القول بركنيته فيقال إن الطواف والسعي تشارك العمرة فيهما الحج يعني ليسا مختصين بالحج لكن الركن المختص بالحج عرفة وما عدا ذلك من الأفعال المختصة بالحج ليست بركن وبهذا ينتفي هذا الإيراد. وأفاد المؤلف رحمه الله أنه يجوز الدفع منها بعد نصف الليل. نقول في مناقشة هذا القول أولاً نحتاج إلى دليل بتقييد هذا بنصف الليل دليلهم على ذلك يقولون إن المبيت واجب وإذا بات أكثر الوقت فقد حصل الواجب وبعد منتصف الليل يكون قد أمضى أكثر الليل فيكتفى به ولكننا نقول إن الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الدفع من مزدلفة قبل الفجر كلها تدل على أنه في آخر الليل يعني في السحر وكانت أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما تراقب القمر فإذا غاب دفعت ومعلوم أن القمر لليلة العاشر لا يمكن أن يغيب عند منتصف الليل ولا قريباً منه لا يغيب إلا في الثلث الأخير من الليل وهذا هو القول الراجح أنه لا عبرة بالنصف العبرة بذهاب الثلثين أو نحو ذلك لأن أفعال الصحابة تبين المقصود.

ثم ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يجوز الدفع لغير الضعفة والمذهب أنه يجوز الدفع للضعفة وغير الضعفة حتى الأصحاء والأقوياء لهم أن يدفعوا بعد منتصف الليل ولكن الصواب أنه لا يجوز إلا لمن كان ضعيفاً ويبقى النظر في تحقيق المناط في الوقت الحاضر ففي الوقت الحاضر كل الناس ضعفاء إلا رجلاً أعطاه الله كبراً في الجسم وقوة فهذا ليس بضعيف لكن غالب المسلمين اليوم مع هذا الزحام ضعفاء ولهذا نرى أن يرخص للناس في الدفع من مزدلفة قبل الفجر لأنهم كلهم ضعفاء. الضعفاء في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لا يخافون على أنفسهم كما يخاف الناس اليوم هذا ما أظن، لا شك أنهم دون الأقوياء لكن لا يحصل الزحام وهذا العنف وهذه العجرفة يأتي الواحد كالجمل كبراً وقوة منفعلاً حنقاً على الشيطان فيدعس من أمامه مهما كان هذا لا يوجد في الصحابة فالواقع أننا نرى أن الناس اليوم ينبغي أن يفتح لهم باب التيسير ويقال ادفعوا في آخر الليل ويوسع على الناس.

ويستفاد من ترخيص الرسول عليه الصلاة والسلام للضعفة أن يتقدموا فيرموا مع إمكانهم أن يتأخروا فيرموا في آخر اليوم لكن من أجل أن يشاركوا الناس فرحتهم بالعيد بالتحلل ومن أجل أن يقوموا بالأنساك التي تفعل يوم العيد على الترتيب الأفضل وإلا فمن الممكن أن يقال ادفعوا مع الناس بعد صلاة الفجر ولا ترموا إلا العصر والعصر سيكون خالياً لكن من أجل أن يرموا مبكرين ويشاركوا الناس في التحلل ويأتوا بالأنساك التي تكون في يوم العيد على وجه الترتيب الأفضل أذن لهم الرسول عليه الصلاة والسلام في التقدم ويؤخذ منه أنه لا يجوز تقديم الرمي في أيام التشريق على الزوال وجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأذن للضعفة الذين يزاحمهم الناس يوم العيد لم يأذن لهم في أيام التشريق أن يرموا قبل الزوال والعلة واحدة بل إن وقت الرمي في غير يوم العيد أقل من وقت الرمي في يوم العيد لأنه من الزوال ويوم العيد للضعفاء من آخر الليل وللأقوياء من بعد طلوع الشمس. فصل (في رمي الجمرات) القارئ: فإذا وصل منى بدأ برمي جمرة العقبة لأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بها ولأنها تحية منى فلم يقدم عليها شيء كالطواف في المسجد والمستحب رميها بعد طلوع الشمس لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) من المسند.

الشيخ: هذا سبق الكلام عليه والعجب أن بعض العلماء المعاصرين قال يدفع من مزدلفة إذا كان من أهل الأعذار في آخر الليل أو بعد منتصفه على اختلاف القولين ولكن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس وهذا القول قليل الفقه إذ ما الفائدة من تقدمه إذا لم يرم فالصواب أنه إذا وصل يرمي الجمرة لأن الرسول عليه الصلاة والسلام بدأ برمي الجمرة حين وصل وهي كما قال المؤلف تحية منى وهذا هو الفائدة من تقدمهم وأيضاً حديث أبي داود الذي ذكره (أن أم سلمة رمت الجمرة قبل الفجر) وأيضاً في الصحيح أن ابن عمر كان يذهب بأهله يأذن لهم أن يدفعوا فيوافون الفجر أو قبل الفجر ويرمون فالصواب أنه إذا جاز الدفع من مزدلفة جاز الرمي متى وصل إلى منى ولو قبل الفجر. القارئ: وأول وقته بعد نصف الليل لحديث عائشة. الشيخ: لكن لاحظوا أنه لا بد أن يتقدمه شيئان الوقوف بعرفة وبمزدلفة لا بد من هذا لقوله تعالى (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) فهذان نسكان متواليان بنص القرآن فيبقى النسك الثالث منى وما يكون فيها من أعمال الحج متأخراً عن هذا وهذا. القارئ: ويستحب من كان راكباً أن يأتيها راكبا لما روى جابر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول (لتأخذوا عني مناسككم) رواه مسلم. الشيخ: لكن هذا الآن لا يمكن يعني لو قيل للحوافل التي تأتي إلى منى كلهم يذهبون إلى جمرة العقبة بالسيارات لا يمكن هذا في الوقت الحاضر ومن هنا نعرف أن ما يذكره العلماء رحمهم الله من مثل هذه الأحكام إنما يتكلمون في ذلك حسب زمنهم ولكن الآن من شاهد الناس لا يمكن أن يقول إن من كان راكباً فالأفضل أن يرميها راكباً بل قد نقول أنه لو رماها راكباً لكان إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة لأنه يؤذي الناس.

القارئ: ويستحب أن يستبطن الوادي ويستقبل القبلة ويرمي على حاجبه الأيمن لما روى عبد الرحمن بن يزيد قال لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي واستقبل القبلة وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن ثم رمى بسبع حصيات ثم قال والله الذي لا إله غيره من هاهنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة متفق عليه وإن رماها من فوقها جاز لما روي عن عمر جاء والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها. الشيخ: يقول رحمه الله يستحب أن يستبطن الوادي يعني يأتي من بطن الوادي ويستقبل القبلة ويرمي على حاجبه الأيمن يمشي من بطن الوادي فتكون الجمرة على يمينه فيرميها وهو مستقبل القبلة من عند الحاجب الأيمن لكن هذه الصفة لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام وهذا الحديث غريب المؤلف جعله متفقاً عليه مع أن المتفق عليه أن ابن مسعود رضي الله عنه وقف فجعل مكة عن يساره وجعل منى عن يمينه واستقبل الجمرة وقال هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة فهذا الحديث المؤلف جعله من الصحيحين ولكن ليس من الصحيحين وعندي تعليق على الحديث بقلمي يقول هو بهذا اللفظ غير متفق عليه وإنما هو لفظ رواية الترمذي وهي رواية شاذة ولفظ الصحيحين المتفق عليه أنه جعل منى عن يمنيه والكعبة عن يساره وهو المعتمد. القارئ: ويقطع التلبية عند البداءة بالرمي لقول الفضل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ولأن التلبية للإحرام وبالرمي يشرع في التحلل منه فلا يبقى للتلبية معنى ويكبر مع كل حصاة لحديث جابر وعن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم استبطن الوادي ورمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة الله أكبر الله أكبر اللهم اجعله حجاً مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا) رواه حنبل في مناسكه.

الشيخ: ولكن حديث جابر ليس فيه إلا التكبير فقط يقول الله أكبر الله أكبر فقط يعني مع كل حصاة تكبيرة واحدة فليس فيها بسملة كما يصنع بعض العوام الآن يقول بسم الله والله أكبر لا صحة له. القارئ: ويرفع يديه في الرمي حتى يرى بياض إبطيه، ولا يجزئه الرمي بغير الحجر من المدر والخزف ولا بحجر قد رمي به لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بلقطه من غير المرمى ولأن ما تقبل من الحصى رفع والباقي مردود فلا يرمى به. الشيخ: قوله لا يجزئه الرمي بغير الحجر من المدر والخزف، المدر هو حجر من الطين والخزف الطين المشوي ومثل ذلك الإسمنت لا يجزئ فمثلاً لو وجد الإنسان صبة من الإسمنت قد صبت على الأرض وأخذ يكسر منها فإنها لا تجزئه لا بد من حجر ودليل ذلك ظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بحصى مثل حصى الخذف. وأما قوله ولا بحجر قد رمي به واستدل أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بلقطه من غير المرمى أما كونه رمى بحصى فنعم وأما كونه أمر بلقطه من غير المرمى دليلاً على أن ما رمي به لا يصح الرمي به فلا وجه لذلك لأن من المعلوم أن لقطه قبل أن يصل إلى مكان الرمي أسهل وليس من المعقول أن الرسول يقول القطوا الحصى من المكان الذي رمي به ولا سيما أن الرسول سيكون أول من يرمي فليس بالمكان حصى لكن آفة العالم أن يعتقد أولاً ثم يستدل ثانياً فانظر كيف حمّل هذا الدليل ما لا يحتمله من الاستدلال وهذا غلط والواجب على الإنسان أن يكون تابعاً للدليل وألا يجعل الأدلة تابعة لما يعتقد فيلوي أعناقها أو يستدل استدلالاً مستكرهاً. لكن الذين قالوا لا يرمى بحجر رمي به عللوا ذلك بأنه كالماء المستعمل في الطهارة الواجبة والماء المستعمل في الطهارة الواجبة لا يجزئ الوضوء به مرة ثانية وكالعبد إذا أعتق فإنه لا يعتق مرة أخرى وهذا القياس غير صحيح أيضاً.

أما الأول وهو أنه يقاس على الماء الذي تطهر به فيقال نحن لا نسلم هذا الحكم في الأصل المقيس عليه وإذا لم نسلمه في الأصل سقط القياس لأن من شرط القياس عند المناظرة أن يكون الأصل متفقاً عليه بين الطرفين وهذا غير متفق عليه فنحن نقول من الذي قال لكم إن الماء المستعمل لا يستعمل مرة ثانية في الطهارة فهو لم يخرج عن كونه ماءً والماء يتطهر به. وأما قولهم كالرقيق فهذا أيضاً غير صحيح لأن الرقيق إذا حرر لم يكن رقيقاً والحصى إذا رمي به ظل حصى ثم نقول أيضاً هذا الرقيق لو هرب إلى بلاد الكفر ثم جرى بيننا وبينهم قتال ثم أسرناه صار رقيقاً يعتق فالصحيح أنه يجوز الرمي بحصى قد رمي به ولا بأس. لكن أورد على هذا أنه يلزم على هذا القول أن تجزئ حصاة واحدة عن جميع الحجيج فهذا الإلزام غير صحيح لا أحد يقول به ولا يجوز أن يلزم به القائل بإجزاء الرمي بحجر قد رمي به أبداً فالصواب أنه يجوز الرمي بحجر قد رمي به لكن صحيح أنه ليس من السنة أن الإنسان يقف على الحوض ويبدأ يأخذ من الحوض ويرمي لكن لو أخذ من حصى متناثرة من الحوض فلا بأس وهذا يحتاج الإنسان إليه أحياناً لأنه قد يسقط منه حجر قبل الحوض وحينئذٍ يحتاج إلي أن يأخذ الحصى من قريب من الحوض فلا بأس في ذلك حتى فيما يظهر على المذهب لا بأس به لأنه لا يتيقن أن هذه الحصاة قد رمي بها فيجوز أن تكون وقعت من صاحبها أو رماها ثم طارت فلم تسقط في الحوض أو ما أشبه ذلك. القارئ: وإن رمى بحجر كبير أجزأه لأنه حجر وعنه لا يجزئه لأنه منهي عنه. الشيخ: الثاني أصح أنه لا يجزئه لأن الرسول قال (فبأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين) فكيف يجزئ الرمي بحجر قد نهى عنه فالصواب أنه لا يجزئ ثم إن الرمي بالحجر الكبير فيه خطر على الناس لأن هذا الحجر لو وقع على رأس إنسان لتأثر تأثراً كبيراً لا سيما إذا رماه شخص بقوة شديدة.

القارئ: ولا يجزئه وضع الحصى في المرمى بغير رمي لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى. الشيخ: صحيح يعني لو وقف على الحوض وبدأ يضعها وضعاً فهذا لا يجزئ لا بد من مسمى الرمي لكن لا يشترط أن يرفع يده حتى يرى بياض إبطه هذا ليس بشرط الشرط أن يكون رمياً. القارئ: فإن رمى السبع دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى سبع رميات. الشيخ: هذا صحيح لو رمى السبع جميعاً فإنه لا يجزئه إلا عن واحدة ولو قيل إنه لا يجزئه مطلقاً لم يكن بعيداً ولا عن واحدة لأن هذه صفة ليست بمشروعة فلا تكون مقبولة ولم يكن هناك دليل على أن مثل هذا يقبل. فلو قال قائل أليس الرجل إذا طلق ثلاثاً وقع واحدة مع أنه ليس بمشروع أعني الطلاق الثلاث قلنا بلى ولكن هذا ورد به النص (كان الطلاق الثلاث واحدة) لكن هل كان السبع الحصيات واحدة هذا لم يرد فأقرب ما يكون لولا أنه جهل لقلنا هذا استهزاء لكن هذا لا يقع إلا من جاهل فإذا قلنا له صح منك حصاة واحدة نقول هذا لا يضرك أن تبدأ من جديد وأن ترمي بسبع حصيات. القارئ: فلو رمى ووقعت الحصاة في غير المرمى واستقرت لم تجزئه وإن طارت فوقعت في المرمى أجزأته لأنها حصلت فيه برميه. الشيخ: لو قال تدحرجت كان أقرب من طارت ومراده أنها تدحرجت أو نحو ذلك. القارئ: وإن وقعت على ثوب إنسان أو محمله ثم طارت إلى المرمى أجزأته وإن رماها الإنسان عن ثوبه أو وقعت بحركة المحمل لم تجزئه لأنها لم تصل برميه وإن رماها من مكان عال فتدحرجت إلى المرمى أجزأته لأنها حصلت فيه بفعله وإن وقعت في غير المرمى فأطارت أخرى إلى المرمى لم تجزئه لأن التي رماها لم تصل. الشيخ: صحيح التي رماها لم تصل، الفقهاء رحمهم الله يذكرون أشياء غريبة يعني تتعجب كيف أفهامهم أو أفكارهم تصل إلى هذا الحد لكن في بعض الأحيان يذكرون هذا من باب التمرين على القواعد.

القارئ: وإذا فرغ من الرمي انصرف ولم يقف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف عندها فإن أخر الرمي إلى المساء رمى ولا شيء عليه لما روى ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل بمنى قال رجل رميت بعد ما أمسيت فقال (لا حرج) رواه البخاري، فإن لم يرم حتى جاء الليل لم يرم وأخره إلى غدٍ بعد الزوال لأن ابن عمر قال ذلك. الشيخ: هذا المذهب لأنه يشترط ألا تغرب الشمس فإن غربت فلا بد أن يؤخره إلى غد بعد الزوال وقال بعض أهل العلم بل يرمي ولو بعد غروب الشمس وهذا القول هو الراجح لا سيما عند الحاجة في مثل أوقاتنا هذه وقال بعض العلماء يرمي ولو بعد طلوع الفجر ولو بعد طلوع الشمس لكنه في الليل أداء وفيما بعد ذلك قضاء فيكون الفائدة أنه يجوز تأخيره إلى الليل ولا يجوز إلى طلوع الفجر فإن قدر أنه فرط أو نام أو خاف من الزحام فإنه يقضيه في النهار صباحاً وهذا أقرب إلى الصواب أنه إذا فاته الرمي اليوم لعذر فإنه يرميه من الغد في الضحى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) ولم يقل فليصلها إذا دخل وقتها من اليوم الثاني بل قال إذا ذكرها وليس هذا بأشد من الصلاة. السائل: ما هو ضابط حجم المرمى؟ الشيخ: حجم المرمى الآن موجود في الأحواض هذه الأحواض المحوضة هي مكان المرمى على كل حال بعض الناس قالوا مادام أنها من زمان ما ينبغي أن نتوسع وإلا ففيه اقتراحات كثيرة أن يوسع الحوض والآن كما ترى في الجسر الحوض واسع لكن أسفله ضيق بحيث يقع الحصى في المرمى فبعض الناس قالوا لو أنها توسع وتجعل كما جعل الأعلى منصبة إلى الأسفل لكن رأى أكثر الإخوان من المشايخ ألا تغير. السائل: هل ترمى جمرة العقبة الكبرى من جهة واحدة فقط في أسفل الجسر لأن الحوض غير كامل؟

الشيخ: لا مانع أن ترمى من كل الجهات كانت بالأول ترمى من جانب واحد لأنها كانت عقبة جبل لا أحد يصعده أما الآن فالحمد لله زال هذا لكن إذا رميتها من الخلف من الشرق لا بد أن تقع الحصاة في الحوض. فصل (في ذبح الهدي) القارئ: ثم ينصرف فيذبح هدياً إن كان معه وإن كان واجباً عليه ولا هدي معه اشتراه فذبحه لقول جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (إنه رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثة وستين بدنة بيده) ويسن أن ينحر بيده لهذا الحديث ويجوز أن يستنيب فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عليا فنحر ما غبر. الشيخ: معناه أنه إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد فالأفضل أن يذبح هديه إن كان معه وإلا فاشتراه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رمى الجمرة انصرف إلى المنحر فنحر كما في حديث جابر رضي الله عنه وقد أهدى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مائة بدنة فنحر ثلاثة وستين بيده وأعطى علياً فنحر الباقي ثم أمره أن يقوم عليها ويتصدق بلحمها وجلودها وجلالها إلا أنه أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة فجعلت في قدر وطبخت فشرب من مرقها وأكل من لحمها ففي هذا دليل على فوائد أولاً أنه ينبغي للإنسان أن يباشر ذبح هديه بيده لأن الذبح عبادة فكونك تباشره بيدك أفضل من كونك تستنيب غيرك وفيه أيضاً تأكد الأكل من الهدي لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها وقد قال بعض العلماء إن الأكل من الهدي واجب لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم به بل إن الله قدمه على إطعام الفقير فقال (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَر)

ومنها أيضاً النكتة الغريبة اللطيفة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح ثلاثة وستين بيده قال العلماء على قدر السنوات التي عاشها صلى الله عليه وسلم فإنه عاش ثلاثاً وستين سنة. فإن قال قائل لماذا أعطى علي ابن أبي طالب دون غيره من الصحابة؟ فالجواب عن ذلك من وجهين: الوجه الأول أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشرك علياً في هديه. والثاني أن علياً كان له عملٌ كبير في هذا الهدي لأنه قدم بجزء كبير منه من اليمن فلهذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم نائباً عنه ثم على فرض أن هذا من مناقب علي ابن أبي طالب فإن تميز الإنسان بمنقبة خاصة لا يقتضي أن يكون له الفضل المطلق فهناك فضل مقيد وفضل مطلق فقد يمتاز بعض الصحابة بفضل مقيد لكن غيره أفضل منه على وجه الإطلاق فعكاشة ابن محصن امتاز عن بعض الصحابة بل عن أكثر الصحابة بأنه ممن يدخل الجنة من غير حساب ولا عذاب ولا يقتضي ذلك أن يكون له الفضل المطلق على أبي بكر وعمر وعثمان وأمثالهم فيجب التمييز بين الفضل المطلق والفضل المقيد. هذا الحديث دليل على جواز استنابة الغير في ذبح الهدي ولكن لا بد أن يكون الغير موثوقاً من حيث العلم ومن حيث الأمانة، من حيث العلم لئلا يقع في أمر محظور شرعاً مثل أن يذبح ولا يسمي أو يذبح ولا ينهر الدم وأن يكون أميناً يتصدق فيما ينبغي الصدقة به. القارئ: وحد منى ما بين العقبة وبطن محسر فحيث نحر منها أو من الحرم أجزأه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وطريق) الشيخ: وعلى هذا فوادي محسر ليس من منى وجمرة العقبة ليست من منى لأنه قال ما بين جمرة العقبة ووادي محسر. فصل

القارئ: ثم يحلق رأسه ويستحب أن يكبر عند حلقه لأنه نسك ويستقبل القبلة ويبدأ بشقه الأيمن لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه ثم الأيسر رواه أبو داود ويجوز أن يقصر من شعره إلا أن أحمد قال من لبد رأسه أو عقص أو ظفر فليحلق لأن عمر وابنه أمرا من لبد رأسه أن يحلق ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من لبد فليحلق) فأما غير هؤلاء فيجزئهم التقصير بالإجماع والحلق أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق وقال (اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال في الرابعة والمقصرين) والمرأة تقصر ولا تحلق لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس على النساء حلق إنما على النساء تقصير) رواه أبو داود ولأن الحلق في حقها مثلة فلم يكن مشروعا ومن لا شعر له فلا شيء عليه لأنها عبادة تتعلق بمحل فسقطت بذهابه كغسل اليد في الوضوء ويستحب أن يمر الموسى على رأسه لأن ابن عمر قال ذلك. الشيخ: هذا الفصل في الحلق ذكر فيه أنه يكون الحلق بعد النحر لقوله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) وذكر فيه أنه يستحب أن يكبر عند حلقه لأنه نسك وهذا فيه نظر والصحيح أنه ليس بسنة لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما قوله لأنه نسك فيلزم من ذلك أن نقول يكبر أيضاً عند الوقوف بعرفة وعند المبيت بمزدلفة فالحاصل أن الصواب أنه ليس بسنة. يقول يستقبل القبلة وهذا أيضاً فيه نظر وإن كان بعض العلماء رحمهم الله قال إن كل عبادة الأفضل أن يكون مستقبل القبلة فيها إلا بدليل وبنوا على ذلك أن المتوضئ يسن أن يستقبل القبلة عند وضوئه لكن في هذا نظر فيقال استقبال القبلة عبادة ولا يشرع إلا إذا جاءت به السنة.

وأما البداءة بالأيمن فصحيح للحديث الذي ذكره ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالأيمن في وضوئه وغسله. وأما تلبيد الرأس وعقصه أو ضفره فيقول المؤلف إنه لا بد من الحلق وتلبيد الرأس أن يضع عليه شيئاً من الصمغ أو العسل حتى لا ينتفش وهذا قد يصعب على الإنسان أن يقصره فيكون المشروع في هذا الحلق. ذكر أيضاً من مسائل هذا الباب أن المرأة لا تحلق لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير) رواه أبو داود ولأنه مثلة لأن المرأة إذا حلقت صار الحلق في حقها مثلة يعني مشوهاً لخلقتها. وذكر أيضاً في هذا الفصل أنه لو كان الإنسان أقرع الرأس ليس له شعر فإنه يسقط عنه الحلق والتقصير لعدم المحل كما لو قطعت يده فإنه لا يلزمه أن يغسل بدلها العضد ولكن يقول يستحب أن يمر الموسى على رأسه هذا فيه نظر إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات في هذا الصلع فيحتاط فنعم وعليه يحمل حديث ابن عمر إن كان ثبت عنه وأما إذا تيقن أنه ليس هناك شعرات فإمرار الموسى على الرأس عبث وهذا كقول بعض العلماء أن الرجل الأخرس إذا أراد أن يقرأ يحرك لسانه وشفتيه وهذا لا معنى له والصواب أنه إذا كان أقرع الرأس فإنه لا يسن له إمرار الموسى على رأسه لعدم الفائدة فهو عبث والشريعة لا تأتي بالعبث إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات يسيرة فالأولى من باب الاحتياط أن يفعل. فصل (في الحلق والتقصير) القارئ: وفي الحلاق والتقصير روايتان إحداهما ليس بنسك إنما هو استباحة محظور لأنه محرم في الإحرام فلم يكن نسكا كالطيب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا موسى أن يتحلل بطواف وسعي ولم يذكر تقصيرا. الشيخ: وذلك حين قدم من اليمن.

القارئ: والثانية هو نسك وهو أصح لقول الله تعالى (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) ولأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر به بقوله (فليقصر وليحلل) ودعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة والتفاضل إنما هو في النسك وقال عليه السلام (إنما على النساء التقصير). الشيخ: استدل المؤلف بأدلة واضحة على أن التقصير والحلق نسك منها قوله تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه وأصحابه يدخلون مكة ويطوفون بالبيت ويقصرون فقال (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ) يعني أراه رؤيا صدق وحق ثم أكد ذلك بقوله (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) وهذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات اللام والنون والقسم. لكن في قوله (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) قد يقول قائل فيها إشكال وهو أن يقال إن شاء الله لتدخلن وإن لم يشأ فلا تدخلون فيبقى الأمر معلقاً؟ والجواب عن ذلك أن يقال هذا التعليق للتحقيق فهو كقول زائر القبور وإنا إن شاء الله بكم لاحقون والمعنى أنكم ستدخلون ذلك بمشيئة الله فهو من باب التحقيق وبعث الاطمئنان في قلوب الصحابة وأنكم ستدخلون بمشيئة الله لأن الذي وعدكم قادر على تحقيق وعده. الدليل الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في قوله (فليقصر وليحلل). الدليل الثالث دعا للمحلقين ثلاثاً ولو كان التقصير إطلاقاً من المحظور فقط لم يستحق فاعله أن يدعى له ولهذا قال التفاضل إنما هو في النسك. والدليل الرابع قوله عليه الصلاة والسلام (إنما على النساء التقصير) وعلى تفيد الوجوب وهذا هو الصحيح أن التقصير والحلق نسك.

وأما الذين قالوا إطلاق من محظور فنقول لهم ماذا تقولون لو أن الإنسان رمى ونحر وتطيب أترونه مجزئاً عن الحلق والتقصير إن قالوا نعم: قلنا الآن طردتم قاعدتكم لكن خرجتم عن مقتضى السنة وإن قالوا لا: نقول لهم نقضتم قاعدتكم لأن الإطلاق من المحظور يكون بأي نوع من أنواع المحظورات يفعله الإنسان ولهذا لما قال بعض العلماء إن السلام في الصلاة ليس ذكراً مشروعاً فيها وإنما إطلاق من محظور لأن الإنسان يحظر عليه أن يكلم الناس في الصلاة والسلام عليهم كلام ومخاطبة لهم فهو إطلاق من محظور لما رأى هذا الرأي قال إنه إذا انتهى من التشهد ثم فسى فهو مجزأ عن السلام لأن الفساء إطلاق من محظور أو تكلم بأي كلام فقد تمت صلاته ولاشك أن هذا نوع من العبث ولولا أننا نعلم حسن نية القائلين بذلك لكان نوعاً من الاستهزاء. القارئ: فإن قلنا هو استباحة محظور فله الخيرة بين فعله أو تركه والأخذ من بعضه دون بعض ويحصل التحلل الأول برمي الجمرة قبله فيحل له كل محرم بالإحرام إلا النساء وما يتعلق بهن من الوطء والعقد والمباشرة لما روت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر (إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا يعني من كل شيء إلا النساء) رواه أبو داود وعنه يحل كل شيء إلا الوطء في الفرج. الشيخ: وهذه المسألة مهمة جداً أعني هل يحصل التحلل برمي الجمرة أو لا بد من إضافة الحلق أو التقصير إليه؟ لأنه يترتب عليه مسائل عظيمة كفساد النسك مثلاً إذا قلنا لا يحصل التحلل إلا بالرمي والحلق وجامع بين الرمي والحلق فسد نسكه وترتب عليه خمسة أمور الإثم وفساد النسك والمضي فيه والقضاء من العام القادم والخامس البدنة وإذا قلنا إنه يحل التحلل الأول بالرمي فإنه لا يفسد النسك لكن يفسد الإحرام. وإذا قلنا بالتحلل الأول فما الذي يحل به؟ قيل يحل به جميع المحظورات إلا النساء وما يتعلق بهن من عقد النكاح والخطبة والمباشرة وما أشبهها.

والقول الثاني لا يحرم إلا الجماع فقط وما عداه فهو حلال. وينبني على هذا ما إذا عقد النكاح بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني فإن قلنا إنه لا يحل من الجماع ودواعيه فالنكاح باطل وإذا قلنا إنه يحل من كل شيء إلا الجماع فالنكاح صحيح وهذه كثيراً ما ترد يكون العقد بين التحلل الأول والتحلل الثاني فعلى المذهب وهو أنه لا يحل من الجماع ودواعيه يكون العقد باطلاً وإن شئت قل فاسداً لأنه مختلف فيه فيجب عليه إعادته بعد التحلل الثاني وعلى القول الثاني يكون العقد صحيحاً وما زلت متردداً في الراجح في مسألة التحلل أما مسألة ما يحل له فالظاهر أن الأقرب أن المحرم الجماع فقط لقوله (إلا النساء). القارئ: وإن قلنا إنه نسك فعليه الحلق أو التقصير من جميع رأسه لقول الله تعالى (مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) وحلق النبي صلى الله عليه وسلم جميع رأسه وعنه يجزئه بعضه كالمسح ويقصر قدر الأنملة لأن ابن عمر قال ذلك وإن أخذ أقل من ذلك جاز لأن الأمر به مطلق. الشيخ: هذه مسألة خلافية هل يجب في التقصير أن يعم جميع الرأس؟ نقول أما أن يعم كل شعرة فهذا لا لأن هذا لا يحصل إلا بالحلق وأما أن يعم الظاهر منه بحيث تتبين أثر تقصيره فهذا هو الواجب وأما أن يقص شعرات من جانب أو الجوانب الأربعة فهذا لا يكفي. القارئ: ولا يحصل التحلل الأول إلا به مع الرمي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وليقصر وليحلل) والأولى حصول التحلل بالرمي وحده لحديث أم سلمة عن ابن عباس مثله.

الشيخ: المؤلف رحمه الله استدل بأنه لا يحصل التحلل إلا بالحلق مع الرمي لقوله صلى الله عليه وسلم (وليقصر وليحلل) لكن هناك دليل قد يكون أوضح منه وهو قول عائشة رضي الله عنها كنت أطيب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ولم تقل ولحله إذا رمى أو تقول ولحله قبل أن يحلق بل قالت قبل أن يطوف بالبيت وظاهر هذا أنه لا حل إلا الحل الذي يليه الطواف بالبيت والحل الذي يليه الطواف بالبيت لا يكون إلا بعد الحلق أو التقصير والمسألة مبنية على حديث أم سلمة إن صح فهو قاطع للنزاع فإن لم يصح فالأمر على ما قاله الفقهاء رحمهم الله أنه لا حل إلا بالرمي والحلق أو التقصير وحديث أم سلمة فيه شذوذ في المتن وكذلك شذوذ في العمل لأن حديث أم سلمة هذا هو الذي فيه أنه إذا غربت الشمس يوم العيد فإنهم يرجعون حلالاً كما كانوا بالأمس وهذا شاذ لا عمل عليه. القارئ: وإن أخر الحلاقة إلى آخر أيام النحر جاز لأن تأخير النحر جائز وهو مقدم على الحلق فالحلق أولى وإن أخره عن ذلك ففيه روايتان إحداهما عليه دم لأنه ترك النسك في وقته فأشبه تأخير الرمي والثانية لا شيء عليه سوى فعله لأن الله تعالى بين أول وقته بقوله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ولم يبين آخره ولأنه لو أخر الطواف لم يلزمه إلا فعله فالحلق أولى. الشيخ: استدل رحمه الله على جواز تأخير الحلق أو التقصير لأن الله تعالى ذكر أوله ولم يذكر آخره فعلى هذا يكون مؤقتاً في أوله غير مؤقت في آخره ومن هنا نعرف صحة التعليل بتأخير الرمي إلى الليل حيث كان من جملة العلة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين أوله ولم يبين آخره.

وقوله رحمه الله في التعليل الآخر أنه يجوز تأخير الطواف فإذا جاز تأخير الطواف فالحلق من باب أولى لأن الطواف ركن والحلق إما واجب أو استباحة محظور لكن مع هذا نقول لا يجوز تأخيره أبد الآبدين كما ذكره الفقهاء رحمهم الله فإن الفقهاء يقولون لا حد لآخر وقت الطواف ولا وقت الحلق لكنه يبقى إذا أخر الطواف يبقى على ما بقي من إحرام والصحيح أن له حداً وهو انتهاء شهر ذي الحجة لأن الله تعالى قال (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) فلا يجوز تأخير طواف الإفاضة ولا الحلق أو التقصير عن شهر ذي الحجة اللهم إلا لعذر كما لو كانت المرأة نفساء لا يمكنها أن تطوف إلا بعد انتهاء شهر ذي الحجة فهذا عذر وأما مع عدم العذر فلا يجوز تأخير الطواف ولا تأخير الحلق أو التقصير عن شهر ذي الحجة لقول الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ). القارئ: ويستحب لمن حلق أن يأخذ من شاربه وأظفاره لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه قلم أظفاره. الشيخ: هذا الحديث يحتاج إلى إثبات وهل هو صحيح أو لا؟ القارئ: ولا بأس أن يتطيب لقول عائشة طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت متفق عليه. الشيخ: قوله رحمه الله لا بأس أن يتطيب يحتمل وجهين: الوجه الأول أنه على ظاهره يعني أنه إذا حل التحلل الأول فلا بأس أن يتطيب.

والوجه الثاني أن يكون المراد به استحباب التطيب ويكون نفي البأس من باب الأمر بعد النهي بمعنى أن قوله لا بأس يراد به رفع الحرج عمن تطيب بعد التحلل الأول فلا ينافي أن يكون مستحباً كما قال صاحب الفروع رحمه الله عند قول بعض الفقهاء وللقارن والمفرد أن يفسخا نيتهما إلى عمرة ليصيرا متمتعين قال والتعبير بهذا يراد به دفع من قال إنه لا يجوز فلا ينافي أن يكون مشروعاً وهذا هو الظاهر أن مراد المؤلف بقوله لا بأس رفع الحظر فلا ينافي أن يكون مشروعاً ويدل لذلك أنه استدل لهذا بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث كانت عائشة تطيبه لحله قبل أن يطوف بالبيت ولأن الطيب مستحب في كل وقت يعني ينبغي للإنسان أن يكون على طيب دائم لأن الطيب يألفه الطيبون والطيب يشرح صدر من قابلك أو سلم عليك أو جلس إليك فهو سنة مطلقة في كل وقت لا سيما إذا حل التحلل الأول وهو الآن بصدد الانصراف إلى بيت الله عز وجل والتعبد له بالطواف فإنه هنا يتأكد استحبابه. فصل (في الخطبة يوم النحر) القارئ: ويسن أن يخطب الإمام يوم النحر خطبة يعلمهم فيها الإفاضة والرمي والمبيت بمنى وسائر مناسكهم لما روى ابن عمر قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال في خطبته (إن هذا يوم الحج الأكبر) رواه البخاري ولأنه يوم فيه وفيما بعده مناسك يحتاج إلى العمل بها فشرعت فيه الخطبة كيوم عرفة.

الشيخ: واقتصار المؤلف على هذا في بيان الخطبة فيه نظر والصواب أنه ينبغي في هذه الخطبة أن يذكر أصول الدين ودعائمه وحكم العدوان على الناس والمال والنفس والعرض لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرر تحريم هذا ومتى يسهل أن يتجمع الناس إليك من كل فج في مثل هذا اليوم؟ فلهذا ينبغي أن يذكر ما أشار إليه المؤلف رحمه الله ويذكر دعائم الإسلام وأصوله العظيمة ليقررها ولهذا قرر الرسول عليه الصلاة والسلام بالاستفهامات المثيرة حيث قال أتدرون أي يوم هذا أتدرون أي شهر هذا أتدرون أي بلد هذا وهو يعلم لكن يريد أن يسترعي انتباههم لأمر يذكره بعد فلما قررهم بأن هذا يوم النحر وهذا البلدة مكة وهذا الشهر شهر حرام قال (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا). وقوله رحمه الله أنه ينبغي للإمام ولم يذكر أي وقت ولكن وقتها الضحى حين يكون الناس متأهبين للاستماع إليها وإن جعلها بعد صلاة الظهر فلا بأس. وقوله (إن هذا يوم الحج الأكبر) هذا تفسير لقوله تعالى (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ويوم الحج الأكبر هو يوم العيد وليس يوم عرفة وإنما سمي يوم الحج الأكبر لأنه يفعل فيه أنساكاً خمسة وهي الرمي ثم الحلق ثم النحر ثم الطواف ثم السعي. الشيخ: فائدة خطبة النبي عليه الصلاة والسلام في منى كانت يوم العيد ضحى بين الجمار هذه ثلاثة فوائد أنها يوم العيد وأنها في الضحى وأنها بين الجمار ووقف يسأل بعد صلاة الظهر. فصل (في الإفاضة)

القارئ: ثم يفيض إلى مكة فيطوف بالبيت طوافاً ينوي به الزيارة ويسمى طواف الزيارة وطواف الإفاضة وهو ركن الحج لا يتم إلا به لقوله الله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وروت عائشة أن صفية حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحابستنا هي قالوا يا رسول الله إنها قد أفاضت قال فلتنفر إذاً) متفق عليه فدل على أنه لا بد من فعله. الشيخ: هذا الطواف هو طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة أما كونه طواف إفاضة فلأن الناس يفيضون يوم العيد إلى مكة وأما كونه طواف زيارة فلأن الناس خرجوا إلى الحل وهي عرفة ثم عادوا من الحل إلى الحرم فطافوا فصار ذلك زيارة كزيارة البعيد إلى بلد قريبه ولهذا سميت العمرة زيارة لأن الناس يزورون فيها البيت بعد أن أتوا إليه من المحل.

هذا الطواف يقول المؤلف رحمه الله إنه ركن الحج ظاهر كلامه وتعبيره أنه أعظم ركن خاص بالحج وليس كذلك بل الركن الخاص بالحج هو عرفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) فلو قال المؤلف ركن من أركان الحج لكان أولى في التعبير واستفيد من قوله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) بعد قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أن الطواف يكون بعد النحر وبعد التحلل لأن قوله (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) يعني يزيلوا الأوساخ والأذى بتقليم الأظافر وغير ذلك (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) يعني ذبائحهم (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وهو كذلك لكن السنة وردت أنه لا بأس أن يقدم على الرمي والحلق والذبح كما سيأتي إن شاء الله لكنه لا يقدم على المبيت بمزدلفة ولا على الوقوف بعرفة لأن الله تعالى قال (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) فدل هذا على أن مزدلفة هي التي تلي عرفة ثم قال (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) وهذا لا يكون إلا بعد مزدلفة ولهذا قال العلماء من شرط صحة طواف الإفاضة أن يكون بعد الوقوف والمبيت. واستدلاله رحمه الله جيد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في صفية (أحابستنا هي) قال هذا عليه الصلاة والسلام استنكارا وتألماً ولهذا في بعض ألفاظ الحديث (عقرى حلقى أحابستنا هي) لأنها إذا حاضت وهي لم تطف طواف الإفاضة وجب انتظارها فإذا انتظرها النبي عليه الصلاة والسلام لزم من ذلك أن ينتظره كل الصحابة فدل ذلك على أنه إذا حاضت المرأة قبل أن تطوف طواف الإفاضة فلا بد أن تبقى حتى تطوف وأنه يلزم محرمها أن يبقى معها لقوله (أحابستنا هي). فإن قال قائل إذا كان يلحقه في هذا ضرر بأن كان مربوطاً برحلة ولا يمكنه أن يتأخر عنها فماذا يصنع؟ قيل للعلماء في هذا أربعة أقوال:

قول أن المرأة تطوف وهي حائض وعليها دم. وقول آخر أنها تسافر لكنها تبقى على ما بقي من إحرامها حتى تعود إلى البيت يعني لا يقربها زوجها ولا يعقد عليها إذا لم تكن متزوجة إلى أن تطوف ولا شك أن هذا مشقة عظيمة ونحن نعلم من قوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أن الدين الإسلامي لا يمكن أن يأتي بمثل هذا إطلاقاً. القول الثالث أنها تتحلل التحلل الثاني وتكون محصرة وعلى هذا ترجع بدون حج لأنه بقى عليها ركن من أركان الحج فنقول اذبحي فدية ثم ارجعي إلى بلدك بدون حج وهذا أيضاً مشقة عظيمة ربما تكون هذه المرأة قد جمعت نفسها لهذا الحج منذ أن كانت في الصغر ثم نقول ارجعي بلا حج. القول الرابع أنها تطوف ولاشيء عليها وهذا يقترب من القول الأول أنها تطوف وعليها دم لكنه يخالفه في أنه لا يوجب الدم والأصل عدم الوجوب فإذا قلنا بجواز الطواف هنا للضرورة قلنا أين الدليل على وجوب الدم ولا دليل عليه وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الحق لقوة أدلته ولكن لاحظ أن من كان هنا في المملكة العربية السعودية فليس عليه ضرر في أن تسافر المرأة على ما بقي من إحرامها ثم إذا طهرت رجعت وكملت النسك ولكن مع الأسف أن بعض الأخوة صاروا يتسرعون وقالوا حتى التي في هذا البلد تطوف وهي حائض للضرورة وتمشي وهذا غير صحيح فإن الذين في البلد متيسر عليهم جداً أن يرجعوا لكن مثلاً من كانت في بلاد أخرى بعيدة لا يمكن أن ترجع إلا بمشقة فهذا يتوجه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

القارئ: وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر لحديث أم سلمة والأفضل فعله يوم النحر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رمى الجمرة أفاض إلى البيت في حديث جابر وإن أخره جاز لأنه يأتي به بعد دخول وقته فإذا فرغ منه حل له كل شيء لقول ابن عمر أفاض بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه يعني النبي صلى الله عليه وسلم وعن عائشة مثله متفق عليهما وإن أفاض قبل الرمي حل التحلل الأول ووقف الثاني على الرمي فإن فات وقته قبل رميه سقط وحل التحلل الثاني بسقوطه وهذا في حق من سعى مع طواف القدوم وأما من لم يسع فعليه أن يسعى بعد طواف الزيارة ويقف التحلل على السعي. الشيخ: وظاهر كلامه بل صريحه أنه يحصل التحلل الأول بالطواف مع الحلق في قول المؤلف وإن أفاض قبل الرمي حل التحلل الأول يعني مع الحلق على القول بأنه يتوقف عليه الحل فإن قلنا لا يتوقف عليه الحل حل بالطواف والقاعدة عند الفقهاء رحمهم الله أنه يحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة: الرمي والحلق والطواف إذا فعل اثنين منها فإنه يكون حل التحلل الأول وعلى قول من يقول إن الحلق لا علاقة له بالتحلل إذا فعل واحداً من اثنين إما الطواف وإما الرمي. فإن قال قائل السنة إنما جاءت بالرمي (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) فإذا طاف ولم يرم فكيف تقولون إنه يحل التحلل الأول؟ والجواب عن هذا أن يقال نعم السنة لم ترد بذلك لكن لما كان يتوقف على الطواف الحل الثاني كان هذا دليلاً على أن له تأثيراً في التحلل ولا نعلم تأثيراً له في التحلل إلا إذا قلنا بأنه يحل به التحلل الأول إذا اقتصر عليه ولكن مع ذلك في نفسي من هذا شيء والظاهر أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالرمي ثم الحلق على حسب ما سيتبين لنا إن شاء الله في البحث وأما تعليق التحلل بالطواف والسنة لم ترد به ففيه نظر ومسائل العبادات فوق ما نتصوره من القياس والنظر.

القارئ: قال أصحابنا يحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف ويحصل التحلل الثاني بالثالث إن قلنا الحلق نسك وإن قلنا ليس بنسك حصل التحلل الأول بواحد من اثنين وهما الرمي والطواف وحصل التحلل الثاني بالثالث. فصل (في طواف القدوم وطواف الزيارة) القارئ: قال أحمد رضي الله عنه في المتمتع إذا دخل مكة لطواف الزيارة يبدأ قبله بطواف القدوم ويسعى بعده ثم يطوف للزيارة بعدهما وهكذا القارن والمفرد إذا لم يكونا دخلا مكة قبل يوم النحر ولا طافا للقدوم فإذا دخلاها للإفاضة بدءا بطواف القدوم وسعيا بعده ثم طافا للزيارة لأن طواف القدوم مشروع فلا يسقط بتعين طواف الزيارة إلا أنه قال في المرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت فخشيت فوات الحج أهلت بالحج وكانت قارنة ولم يكن عليها طواف القدوم واحتج أحمد رضي الله عنه بقول عائشة رضي الله عنها فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم متفق عليه قال الشيخ لم يتبين لي من هذا الحديث إلا أن طواف القدوم في حقهم غير مشروع لكونهم لم يطوفوا بعد الرجوع من منى إلا طوافاً واحداً ولو شرع طواف القدوم لطافوا طوافين ولأن عائشة لم تطف للقدوم حين أدخلت الحج على العمرة ولم تكن طافت له قبل ذلك ولأن طواف القدوم تحية المسجد فسقط بتعين الفرض كتحية المسجد في حق من دخل وقد أقيمت المفروضة.

الشيخ: وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله أصوب مما ذهب إليه الإمام أحمد فالإمام أحمد رحمه الله يرى أن من لم يطف طواف القدوم من المفرد والقارن فإنه يطوف للقدوم أولاً ثم للزيارة والمتمتع كذلك يرى أنه يطوف للقدوم ثم للزيارة ولكن هذا فيه نظر ظاهر لأنه خلاف ظاهر السنة والتعليلات التي ذكرها المؤلف في الرد عليه ظاهرة فالصواب أنه لا يطوف إلا طوافاً واحداً سواء كان متمتعاً أو قارناً أو مفرداً لم يكن طاف للقدوم أو قارناً أو مفرداً وطاف للقدوم فالمهم أنه لا يطوف إلا طوافاً واحداً فأما المتمتع فواضح لأن طواف القدوم صار في حقه في طواف العمرة وأما المفرد والقارن إذا لم يطوفا للقدوم فلأن طواف الإفاضة أغنى عن طواف القدوم وإذا كان طواف العمرة يغني عن طواف القدوم فطواف الإفاضة من باب أولى فالصواب ما ذهب إليه المؤلف وأنه ليس هناك إلا طواف واحد. فصل (في يوم الحج الأكبر) القارئ: يوم الحج الأكبر يوم النحر لما تقدم من حديث ابن عمر، سمي بذلك لكثرة أفعال الحج فيه فإنه يفعل ستة أشياء الوقوف في المشعر الحرام ثم الإفاضة إلى منى ثم الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم طواف الزيارة.

الشيخ: ثم السعي لم يذكره المؤلف لكن إذا أردنا أن نعد ما قاله رحمه الله فالسعي أيضاً لأن الذين تمتعوا مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم سعوا ذلك اليوم ولهذا قال له رجل (يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف) فصار الذي يفعل سبعة ونحن ذكرنا سابقاً أن الذي يفعل خمسة وهذه الخمسة هي التي تفعل بعد الوصول إلى منى لأن الوقوف عند المشعر الحرام والإفاضة من مزدلفة إلى منى هذه قبل الوصول إلى منى على أن عد الإفاضة إلى منى نسكاً فيه نظر لأن الإفاضة إلى منى من باب الوسائل ليست مقصودة ولهذا لو سير بالإنسان وهو نائم من مزدلفة إلى منى فحجه صحيح لا نقص فيه أما الوقوف بعد صلاة الفجر في مزدلفة فهذا صحيح هذا يكون يوم العيد فالحاصل أن الذي يفعل يوم العيد بعد الوصول إلى منى خمسة أشياء وأما الذي يفعل في يوم العيد فهو سبعة إذا عددنا الإفاضة من النسك. القارئ: والسنة ترتيبها هكذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها في حديث جابر وغيره فإن فعل شيئاً قبل شيء جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له يوم النحر في النحر والحلق والرمي والتقديم والتأخير قال (لا حرج) متفق عليه فإن فعل ذلك عالماً ذاكراً ففيه روايتان أحدهما لا شيء عليه للخبر والثانية عليه دم لأن الله تعالى قال: (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ولأن الحلق كان محرماً قبل التحلل الأول ولا يحصل إلا بالرمي.

الشيخ: والصواب الرواية الأولى أنه لا شيء في تقديم بعضها على بعض لأن في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ما سئل عن شيء يومئذٍ قدم ولا أخر إلا قال (افعل ولا حرج) وكلمة افعل تدل على المستقبل وقوله لا حرج تدل على انتفاء الإثم ولم يقل لا تعد كما قال لأبي بكرة في الصلاة فالصواب أن ذلك الترتيب من باب المستحب وليس من باب الواجب وهو من نعمة الله عز وجل ورحمته بالخلق أن جعل الناس في حل من الترتيب من أجل أن يختلف الناس هذا يرمي وهذا ينحر وهذا يطوف وهذا يسعى. بقي علينا مسألة النحر إذا قدمه على الرمي هل نقول لا بد أن تطلع الشمس أو لا؟ ظاهر كلام الفقهاء رحمهم الله أنه لا بد أن تطلع الشمس وترتفع قيد رمح ويمضي من الوقت ما تكون به صلاة العيد ولكن الراجح أنه يدخل الوقت من طلوع الفجر لأن أهل منى ليس عندهم صلاة عيد حتى ينتظروها وهذا هدي وليس بأضحية وهذا ما جزم به شيخ الإسلام في شرح العمدة أنه يدخل وقت النحر من فجر يوم العيد على أن بعض العلماء قال إنه يدخل من حين الإحرام بالحج وبعضهم قال يدخل من حين انتهائه من العمرة وبعضهم قال يدخل من حين شروعه في العمرة لكن كل هذه أقوال ليس عليها دليل. السائل: بعض النساء تأخذ الحبوب لتمنع الحيض في الحج. الشيخ: لا بأس للحاجة بشرط استئذان الطبيب. فصل (في المبيت بمنى) القارئ: ثم يرجع إلى منى من يومه فيمكث بها ليالي أيام التشريق لما روت عائشة قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق.

الشيخ: انظروا إلى البركة العظيمة إن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند المشعر الحرام حتى أسفر جداً ثم سار وسير الإبل تعرفون سرعتها إلا أنه أسرع في وادي محسر ثم رمى الجمرة ثم ذهب إلى المنحر فنحر ثلاثة وستين بعيراً ونحر عليٌّ ما بقي ثم أمر من كل بعير بقطعة ثم طبخت وأكل من لحمها وشرب من مرقها ثم دعا الحلاق فحلق ثم لبس وتطيب ثم نزل إلى مكة وطاف طواف الإفاضة كل هذا في ضحى يوم العيد وقد قيل إن حجته كانت في وقت الاعتدال الربيعي يعنى في وقت تساوي الليل والنهار، والنهار ليس بذاك الطويل لكن هذه بركة قد يبارك الله سبحانه وتعالى للعبد في عمله حتى ينهي في وقت قليل ما لا ينهيه غيره في وقت كثير وهذه من بركات العمر نسأل الله أن يبارك لنا ولكم في أعمارنا صلى الظهر بمكة وشرب من زمزم وخرج وفي الصحيحين من حديث أنس أنه صلى الظهر في منى فاختلف العلماء هل يرجحون حديث جابر أنه صلى في مكة الظهر لأن جابر ضبط حجته تماماً منذ خرج من المدينة حتى أنهى الحج فيكون أولى بالترجيح أو حديث أنس لأنه في الصحيحين ولكن الذي نرى أنه لا حاجة للترجيح لإمكان الجمع ومتى أمكن الجمع عدل عن الترجيح لأن الترجيح يعني إلغاء المرجوح والجمع إعمال الراجح والمرجوح والجمع بينهما أن نقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في مكة الظهر ثم خرج إلى منى فوجد بعض أصحابه لم يصل الظهر فصلى بهم الظهر معادة فيكون صلاها مرتين بمكة وهي فريضة وفي منى وبهذا يزول الإشكال. القارئ: وهل المبيت بها واجب أم لا فيه روايتان إحداهما ليس بواجب لقول ابن عباس إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت ولأنه مبيت بمنى فلم يجب كليلة عرفة.

الشيخ: هذا وصف طردي لا يتعلق به حكم ولا يصح القياس فيه فلا نقول لما كان المبيت بمنى قبل عرفة غير واجب صار هذا غير واجب لأن المبيت بمنى ليلة عرفة غير واجب لحديث عروة بن مضرس وأما هذا فقد ثبت أن الرسول رخص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقايته والترخيص يكون في مقابلة العزيمة. القارئ: والثانية هو واجب لأن ابن عمر روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته متفق عليه فيدل على أنه لا رخصة لغيره فعلى هذا إن تركه فقال أحمد يطعم شيئا تمراً أو نحوه وخففه وهذا يدل على أنه أي شيء تصدق به أجزأه وعنه في ليلة مد وفي الليلتين مدان وعنه في ليلة درهم وفي ليلتين درهمان لما ذكرنا في الشعر وعنه في ليلة نصف درهم فأما الليلة الثالثة فلا شيء في تركها لأنها لا تجب إلا على من أدركه الليل بها فإن تركها في هذه الحال مع الليلتين الأوليتين فعليه في الثلاث دم في إحدى الراويتين. الشيخ: الآن تبين لنا أن المبيت بمنى أمره خفيف من وجوه: الوجه الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس من أجل سقايته أن يبيت في مكة ولو كان واجباً لم يرخص له أن يدع الواجب العيني على نفسه من أجل مصلحة غيره.

وثانياً أن الإمام أحمد رخص فيه فمرة قال عليه قبضة من طعام يطعم شيئاً ومرة قال الليلة فيها مد وفي الليلتين مدان وعنه في الليلة درهم وفي الليلتين درهمان فالمسألة في ليالي أيام التشريق ليست بذات الأهمية الكبيرة ومن العجب أن بعض الناس الآن من حين ما يسأله السائل يا فلان إني نزلت إلى مكة لأقضي الحج ثم تعبت في الرجوع إلى منى ولم أرجع إلا عند الفجر قال عليك دم لهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله في عباد الله وأن لا يتجرأ على إيجاب شيء لم يوجبه الله أو تحريم شيءٍ لم يحرمه الله لأن الله يسألك عن ذلك فالمسألة هينة في مسألة المبيت ولهذا ليس هناك دليل على وجوب المبيت إلا حديث العباس وهو استدلال ليس بذاك القوي أيضاً لأن الرخصة قد تأتي في غير مقابلة العزيمة كما في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية أو الأهلية ورخص في لحوم الخيل مع أن لحوم الخيل لم تكن حرمت من قبل فقد يراد بالترخيص الحل مطلقاً وإن لم يسبقه تحريم والحاصل أن المسألة سهلة بالنسبة للمبيت وما أكثر ما يقع للحجاج إذا نزلوا إلى مكة في يوم العيد من أجل الطواف والسعي فيتأخرون من أجل زحام السيارات أو عدم سهولة المرور من أي طريق كان فمثل هؤلاء نقول لا شيء عليهم. ثانياً الآن منى لا يوجد بها مكان وكثير من الناس يحاول ولا يجد مكاناً فهل نقول لهؤلاء إنكم حصرتم عن واجب فعليكم دم وانزلوا حيث شئتم أو نقول انزلوا حيث شئتم بدون دم؟

الثانية لأنه إذا رخص في ترك المبيت للحاجة فللتعذر من باب أولى لاشك لكن نرى أنه يجب أن ينزلوا أقرب ما يكون إلى مخيمات الحجاج حتى يكون الحجيج كلهم على مظهر واحد وفي مكان واحد لا نقول إنه لما سقط المبيت في منى فلهم أن يبيتوا في أي مكان كما قال الفقهاء إذا سقط عن الحادة المكث في بيت زوجها فلتكن في أي مكان بل نقول هؤلاء حجيج وينبغي أن يكون الحجيج على مظهر واحد فأنتم ليس عليكم أن تخلقوا مكاناً لكم في منى أو أن تنزلوا على رؤوس الخيام لكن انزلوا عند آخر خيمة في منتهى الحجاج وهذا والحمد لله فيه من التيسير على عباد الله ما هو ظاهر لكن بعض الناس نسأل الله لهم الهداية إذا لم يجدوا مكاناً في منى يذهبون إلى العزيزية وإلى مكة وكأنهم يقولون لما سقط عنا الوجوب لتعذره فلنسكن فيما شئنا نقول ليس هكذا بل انزلوا حيث نزل الحجاج كما نقول في المسجد إذا امتلأ. فصل (في وقت رمي الجمار) القارئ: ثم يرمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق بعد الزوال كل جمرة في كل يوم بسبع حصيات يبتدأ بالجمرة الأولى وهي أبعدها من مكة وتلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويستقبل القبلة ويرميها كما وصفنا جمرة العقبة ثم يتقدم عنها إلى موضع لا يصيبه الحصى فيقف وقوفاً طويلا يدعو الله رافعاً يديه ثم يتقدم إلى الوسطى فيجعلها عن يمينه ويرميها كذلك ويفعل من الوقوف والدعاء فعله في الأولى. الشيخ: وهذا والله أعلم أنه يجعل الثانية عن يمينه لأن في ذلك الوقت ما كان الطريق مستوياً بل كان هذا يهبط منه إلى بطن الوادي من أجل أن يأتي جمرة العقبة فكان يأتيها من قبل اليمين لكن في كلا الحالين يرمي مستقبل القبلة فيجعل الجمرة بينه وبين القبلة وفي وقتنا هذا وفي الزحام الشديد نقول اسلك ما هو أيسر لك سواء أتيتها من القبلة أو من الخلف الشرق أو من اليمين أو من الشمال المهم أن تؤدي الرمي وأنت مطمئن مستريح تعرف كيف ترمي وما تقول في رميك.

القارئ: ثم يرمي جمرة العقبة بسبع على صفة رميه يوم النحر ولا يقف عندها لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة يقف عند الأولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها رواه أبو داود. الشيخ: قيل إنه لا يقف عند جمرة العقبة لأنها آخر العبادة والدعاء إنما يكون في جوف العبادة وقيل إنه لا يقف لضيق المكان لأنها مجرى الوادي ففيه ضيق ويحتمل المعنيين جميعاً يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقف لأنه لو وقف لوقف الناس والمقام ضيق ويحتمل أنه إنما لم يقف لأن هذا هو آخر العبادة فيكون الدعاء خارجها. القارئ: ولا يجزئه الرمي إلا بعد الزوال مرتبا للخبر فإن نكسه فبدأ بالثالثة ثم بالثانية ثم بالأولى لم يعتد له إلا بالأولى وإن ترك الوقوف والدعاء فلا شيء عليه لأنه دعاء مشروع فلم يجب كما في سائر المشاعر.

الشيخ: قوله ولا يجزئه الرمي إلا بعد الزوال دليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال وقال (خذوا عني مناسككم) ولم يأذن لأحد أن يرمي قبله مع أن الناس في حاجة إلى الرمي قبله ولا سيما الضعفاء الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدفعوا ليلة النحر بليل فرخص لهم في تقديم الرمي يوم النحر ولم يرخص لأحد في تقديم الرمي على زوال الشمس وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يرمي قبل الزوال ويدل لذلك أيضاً أن الرمي بعد الزوال أشق على الناس من الرمي قبله لأن الرمي قبله في وقت الصباح وبرودة الجو بخلاف ما بعد الزوال ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لكان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله ويرخص لأمته فيه لأنه عليه الصلاة والسلام لم يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ولأن كون الرسول عليه الصلاة والسلام يرمي من حين أن تزول الشمس قبل صلاة الظهر يدل على أنه لا يجوز الرمي قبله كأنه يرتقب أو يترقب بفارغ الصبر أن تزول الشمس ولهذا قدم الرمي على الصلاة مع أن الأفضل في صلاة الظهر أن تقدم فعلم من هذا أن الرمي قبل الزوال لا يجزئ ولأن ابن عمر رضي الله عنهما يقول كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا يعنى نطلب الحين الذي يكون فيه الرمي فإذا زالت الشمس رموا فالقول الراجح أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال ولا يجزئ في الأيام الثلاثة كلها حتى في المتعجل لا يجوز له أن يرمي قبل الزوال خلافاً لمن قال به كعطاء بن أبي رباح رحمه الله وبعض أصحاب أبي حنيفة وراوية عن أحمد أنه يرمي قبل الزوال عن المتعجل لكن لا يخرج من منى إلا بعده ولكن الراجح أنه لا يجوز الرمي مطلقا. فصل (في عدد الجمار التي ترمى)

القارئ: ولا ينقص من سبع والمشهور عن أحمد أن استيفاءها غير واجب وقال من رمى بستة حصيات لا بأس وخمس حسن وأقل من خمس لا يرمي أحد وأحب إلي سبع لما روى سعد قال رجعنا من الحجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضنا يقول رميت بست وبعضنا يقول رميت بسبع فلم يعب في ذلك بعضنا على بعض رواه الأثرم وعنه أن استيفاء السبع شرط لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بسبع وقال (خذوا عني مناسككم) فعلى هذه الرواية إن أخل بحصاة من الأولى لم يصح رمي الثانية فإن لم يعلم من أي الجمار تركها حسبها من الأولى ليسقط الفرض بيقين. الشيخ: هكذا قال رحمه الله إذا تيقن بعد انصرافه من رمي الجمرات الثلاث أنه ترك رمي حجر واحد وهو لا يدري أهو في الأولى أم في الثانية أم في الثالثة فالمؤلف يقول يجعله في الأولى لأجل أن يرمي الثانية والثالثة رمياً كاملاً فيكون قد سلك باب الاحتياط والصحيح خلاف ذلك فالصحيح أنه يجعلها من الأخيرة لأن الأصل في الرمي الصحة حتى يتيقن الفساد ونظير ذلك من استيقظ من نومه ووجد على نفسه أثر جنابة ولا يدري أهو من هذه النومة أو من النومة التي قبلها فليجعله من الأخيرة لأنه هو المتيقن فالصواب أنه يجعله من الأخيرة هذا إذا لم نقل إنه يسمح في ترك حصاة أو حصاتين كما قاله المؤلف أنه نص الإمام أحمد رحمه الله.

القارئ: فإن ترك الرمي كله حتى مضت أيام التشريق فعليه دم لأنه ترك نسكاً واجبا فإن ترك حصاة أو اثنتين فعلى الرواية الأولى لا شيء عليه وعلى الثانية يخرج فيها مثل ما ذكرنا في ليالي منى وعنه من رمى بست ناسياً فلا شيء عليه فإن تعمده تصدق بشيء وإن أخر رمي يوم إلى آخر أو أخر الرمي كله إلى اليوم الثالث ترك السنة ولا شيء عليه لكنه يقدم بالنية رمي الأول ثم الثاني ثم الثالث لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي فجاز تأخيره إلى آخر وقته كتأخير الوقوف بعرفة إلى آخر الليل وإنما وجب الترتيب بالنية لأنها عبادات يجب الترتيب فيها مع فعلها في أيامها فوجب مع فعلها مجموعة كالصلوات. الشيخ: يقول رحمه الله إن أخر رمي يوم إلى آخر أو أخر الرمي كله إلى اليوم الثالث ترك السنة ولا شيء عليه أما كونه ترك السنة فواضح وأما قوله ولا شيء عليه فالصحيح أنه يأثم وأنه لا يجوز أن يؤخر رمي يوم إلى اليوم الآخر إلا لعذر كما لو كان منزله في أقصى منى ويشق عليه أن يتردد كل يوم وكالإنسان المريض الذي يشق عليه أن يرمي كل يوم ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوما فقوله رخص يدل على أن رميها كل يوم عزيمة والعجب أنهم رحمهم الله استدلوا على وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق بحديث رخص للعباس أن يبيت بمكة من أجل سقايته ولم يستدلوا بقوله رخص للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً على وجوب الرمي كل يوم في يومه فالصواب أن الرمي كل يوم في يومه واجب إلا لعذر. وأما قوله إنها عبادة واحدة فيقال إذاً صلاة ظهر يوم السبت وظهر يوم الأحد هل تقولون بجواز تأخير صلاة ظهر يوم السبت إلى ظهر يوم الأحد؟ لا يقولون بهذا إذاً لا يجوز تأخير رمي اليوم الحادي عشر إلى اليوم الثاني عشر.

وقوله رحمه الله لأن أيام التشريق كلها أيام للرمي يجب أن يعلم أنه لا يريد بذلك أن الأيام كلها سواء قبل الزوال أو بعدها أيام للرمي وإنما يقول إن الوقت الذي يرمى فيه شائع بين الأيام الثلاثة. فصل (فيمن يجوز له ترك المبيت بمنى) القارئ: ويجوز لرعاة الإبل وأهل سقاية الحاج بترك المبيت ليالي منى وترك رمي اليوم الأول إلى الثاني أو الثالث إن أحبوا أن يرموا الجميع في وقت واحد والرمي في الليل فيرمون رمي كل يوم في الليلة المستقبلة لحديث ابن عمر في الرخصة للعباس وقال عاصم بن عدي رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاة الإبل أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما حديث صحيح ولأنهم يشتغلون بالرعاية واستقاء الماء فرخص لهم ذلك وكل ذي عذر من مرض أو خوف على نفسه أو ماله كالرعاة في هذا لأنهم في معناهم لكن إن غربت الشمس عليهم بمنى لزم الرعاة البيتوتة دون أهل السقاية لأن الرعاة رعيهم في النهار فلا حاجة لهم في الخروج ليلا فهم كالمريض تسقط عنه الجمعة وإن حضرها وجبت عليه وأهل السقاية يستقون بالليل فلا يلزمهم المبيت. الشيخ: مثل الرعاة والسقاة من يشتغلون في المصالح العامة كالشرط وأهل الإطفاء والممرضين والأطباء ورجال المرور وما أشبههم كل من يسعى للمصالح العامة فإنه يسقط عنه المبيت قياساً على ترخيص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للعباس في ترك المبيت من أجل سقاية الحاج وكذلك أصحاب الرعي رخص لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن كان يشتغل بمصالح المسلمين فهو مثلهم أما من كان له عذر خاص كمريض احتاج أن يخرج من منى إلى المستشفى أو إلى بيته لأنه أريح له فهذا ألحقه بعض العلماء بمن يشتغلون بالمصالح العامة وبعضهم لم يلحقه وما دمنا سبق أن قلنا إن مسألة المبيت بمنى أمره سهل فإننا نقول لا بأس للمريض ومن ضاع له شيء وخرج ليطلبه وما أشبه ذلك لا بأس أن يدع المبيت ويشتغل بنفسه. فصل

(في الاستنابة في الرمي) القارئ: ومن عجز عن الرمي جاز أن يستنيب عنه لأن جابراً قال لبينا عن الصبيان ورمينا عنهم والأفضل أن يضع كل حصاة في يد النائب ويكبر النائب فإذا رمى عنه ثم برئ لم يلزم إعادته لأن الواجب سقط بفعل النائب وإن أغمي على إنسان فرمى عنه إنسان فإن كان أذن له جاز وإلا فلا. الشيخ: هذه مسألة النيابة في الرمي لا تجوز إلا عند الضرورة وذلك لأن الرمي بعض أجزاء الحج وقد قال الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للرعاة أن يوكلوا ولا للسقاة فدل هذا على أنه لا بد أن يباشر الرمي بنفسه وهو كذلك وما يفعله بعض الناس اليوم من التهاون غلط وخطأ فالواجب أن يرمي بنفسه فإذا كان يخشى من الزحام أخره إلى الليل وقد جربنا ذلك ورأينا أن الرمي بالليل أسهل وأقرب إلى الخشوع، إذاً النيابة لا تجوز إلا للضرورة فإذا قال أنا لا أستطيع أن أرمي كل يوم لكن بإمكاني أن أجعلها في آخر يوم قلنا لا تنيب غيرك ما دمت تقدر ولو في آخر يوم. وقوله رحمه الله إنه يجعل الحصاة في يد النائب يعني معناها أن المستنيب يذهب هو والنائب ويضع الحصاة في يده ويرمي لكن في وقتنا الحاضر هذا غير ممكن لأنه إذا وصل إلى هناك يرمي بنفسه لكن لعلهم يريدون إذا كان صغيراً لا تلحق رميته إلى المرمى. فصل (في خطبة يوم النفر) القارئ: ويسن أن يخطب الإمام يوم النفر وهو يوم أوسط أيام التشريق ويعلم الناس حكم التعجيل والتأخير وتوديعهم لما روي عن رجلين من بني بكر قالا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته أخرجه أبو داود ولأن بالناس حاجة إلى أن يعلمهم ذلك فشرعت الخطبة فيه كيوم عرفة.

الشيخ: أوسط أيام التشريق الثاني عشر يخطبهم ليعلمهم النفر وأحكام التوديع وغير ذلك مما يحتاجون إليه والآن ولله الحمد ممكن أن يكون هذا عن طريق الإذاعة بأن يجعل في ذلك الوقت من يتكلم من أهل العلم بواسطة الإذاعة ويا حبذا لو جعلت إذاعة خاصة في المشاعر في هذه الأيام لكان هذا جيداً لأنه يكون أعم. أيام الحج ستة الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر كل واحد منها له اسم خاص الثامن التروية، والتاسع عرفة، والعاشر النحر، والحادي عشر القر، والثاني عشر النفر الأول، والثالث عشر النفر الثاني. فصل (في النفر بعد الرمي) القارئ: وإذا رمى اليوم الثاني وأحب أن ينفر نفر قبل غروب الشمس وسقط عنه المبيت تلك الليلة والرمي بعدها وإن غربت وهو في منى لزمته البيوتة والرمي من الغد بعد الزوال لقول الله تعالى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه) رواه الترمذي واليوم اسم لبياض النهار وإن رحل وخرج ثم عاد إليها لحاجة لم يلزمه المبيت ولا الرمي لأن الرخصة قد حصلت له بالتعجيل. الشيخ: إذا أراد التعجل فلا بد أن يخرج قبل غروب الشمس لقول الله تعالى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) وفي للظرفية وإذا غابت الشمس انتهى الظرف وإذا انتهى الظرف لم يكن هناك محل للمظروف الذي هو التعجل ولكن إذا كان الرجل قد ارتحل وهدم الخيام ورحّل متاعه ومشى لكن لكثرة الزحام لم يتمكن من الخروج قبل غروب الشمس فهل يستمر في سيره أو نقول قف وانزل؟

الجواب الأول يستمر ولا حرج عليه وكذلك لو ارتحل قبل الزوال وخرج من منى فلما زالت الشمس رجع ورمى فلا بأس أيضاً لأنه يصدق عليه أنه تعجل في يومين وأما إذا غابت الشمس في اليوم الثاني عشر وهو في منى ولم يتأهب للرحيل فإنه يلزمه البقاء لأن الله جعل الحجاج لهم حالان تعجل في يومين، وتأخر فيما سوى ذلك فيجب عليه أن يبيت ويرمي من الغد. السائل: الذين ينزلون خارج منى لضيق منى إذا أرادوا التعجل هل يكفيهم نية التعجل دون المغادرة؟ الشيخ: نعم يجزئهم ذلك لأنهم ليسوا في منى ومكانهم هذا مكان ضرورة مثل أكل الميتة بحسب الحاجة. القارئ: قال بعض أصحابنا يستحب لمن نفر أن ينزل المحصب ثم يدخل مكة لما روى نافع قال كان ابن عمر يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع هجعةً ويذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه وقال ابن عباس وعائشة ليس نزول الأبطح بسنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه متفق عليه وهذا لفظ عائشة رضي الله عنها. الشيخ: هذا في زمن كان المحصب خالياً أما الآن فإنه منازل وعمائر لا يمكن للإنسان أن ينزل فيه وهذا اختلف فيه العلماء فمنهم من قال النزول فيه سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين رمى الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر نزل في هذا المكان وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة ثم قام في آخر الليل صلوات الله وسلامه عليه فنزل إلى البيت الحرام وطاف ثم صلى الفجر ثم انصرف إلى المدينة وقال بعض أهل العلم إنه ليس بسنة وإنما نزله النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أنه أسهل للخروج وليستريح وهذا رأي عائشة رضي الله عنها وابن عباس. فإن قال قائل إذا دار الأمر بين كون فعل الشيء سنة أو من أجل مراعاة السفر فهل نقول إن الأصل فيما فعل في العبادة أنه سنة أو نقول الأصل عدم المشروعية حتى يقوم دليل على أنه مشروع؟

الظاهر الثاني خصوصاً وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يشرع فيه شيئاً زائداً على العادة يعني ليس له دعاء ولا وقوف ولا شيء فهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام نزله ليكون أسهل لخروجه ولأجل أن يستريح. فصل (في طواف الوداع) القارئ: ومن أراد المقام بمكة فلا توديع عليه لأن الوداع للمفارق ومن أراد الخروج لم يجز له ذلك حتى يودع البيت بطواف لما روى ابن عباس قال أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض متفق عليه ويجعل الوداع في آخر أمره ليكون آخر عهده بالبيت فإن ودع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة لزمته إعادته للخبر وإن صلى في طريقه أو اشترى لنفسه لم يعده لأن هذا لا يخرجه عن كونه وداعا. الشيخ: والظاهر أن مكثه لغداء أو عشاء لا بأس به لأن هذا من جنس شراء الحاجة في طريق فلو قدر أنه طاف للوداع ثم مشى ونزل على بعض أصحابه أو أقاربه وتعشى عندهم أو تغدى ثم سافر فلا بأس أو نزل مطعماً فأكل أو شرب ثم سافر فلا بأس. القارئ: وإن خرج ولم يودع لزمه الرجوع ما كان قريباً يمكنه الرجوع فإن لم يفعل أو لم يمكنه الرجوع فعليه دم فإن رجع بعد بلوغه مسافة القصر لم يسقط عنه الدم لأن طوافه لخروجه الثاني وقد استقر عليه دم الأول والمرأة كالرجل إلا إذا كانت حائضاً أو نفساء خرجت ولا وداع عليها ولا فدية للخبر إلا أنه يستحب لها أن تقف على باب المسجد فتدعو بدعاء المودع. الشيخ: وهذا ليس بصحيح أعني وقوفها عند باب المسجد لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولما قيل له إن صفية قد أفاضت قال (فلتنفر إذاً) ولم يقل فلتذهب إلى باب المسجد وتدعو بدعاء المودع فالصواب أن المرأة الحائض أو النفساء ليس عليها وداع وتخرج بدون أن تذهب إلى المسجد الحرام فتدعو. القارئ: وإن نفرت فطهرت قبل مفارقة البنيان لزمها التوديع لأنها في البلد وإن لم تطهر حتى فارقته فلا رجوع عليها لأنه لم يوجد في حقها ما يوجبه في البلد.

السائل: هل يرمي الوكيل الجمرات الثلاث عن نفسه ثم يعود ليرمي عن الموكل أو يجزئ لو رمى كل جمرة عن نفسه ثم عن الموكل؟ الشيخ: الصحيح أنه يجوز أن يرمي عن نفسه وعن موكله في موقف واحد يعني يرمي السبع عن نفسه ثم السبع عن موكله ثم يذهب إلى الجمرة الثانية فيرمي السبع عن نفسه ثم عن موكله ثم يرمي الجمرة الثالثة عن نفسه أولاً ثم عن موكله ثانياً لأن ظاهر فعل الصحابة الذين رموا عن الصبيان أنهم لم يكونوا يكملون ثم يرجعون ولأن إلزام الناس في هذا الوقت بمثل هذا العمل فيه مشقة من غير دليل بيّن. السائل: وبالنسبة للمريض الذي لم يرم في اليوم الأول ثم أراد أن يرمي في اليوم الثاني عن يومين هل يفعل كذلك أو يجب عليه أن يرمي الجمار الثلاث ثم يعود مرة ثانية؟ الشيخ: لا هذا لا بد أن يرمي أولاً عن اليوم الأول كاملاً لأن العبادات هذه لشخص واحد فلا بد فيها من الترتيب. فصل (فيما يستحب للمودع أن يقول أو يفعل) القارئ: ويستحب للمودع أن يقف في الملتزم بين الركن والباب كما روي عن عبد الله بن عمر أنه قام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطها بسطاً وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله رواه أبو داود ويدعو فيقول اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بيتك وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فأصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني واجمع لي بين خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير وما زاد على ذلك من الدعاء فحسن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

الشيخ: هذا الدعاء مما اختاره بعض أهل العلم ولكنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو دعاء مناسب وجامع ويظهر فيه الخضوع لله عز وجل والتضرع إليه فإن تيسر لإنسان فليدع به وإن لم يتيسر فليدع بما شاء ثم إن هذا الموضع الملتزم ما بين الركن والباب عند الوداع في الوقت الحاضر يصعب جداً على الإنسان أن يصل إليه إلا بإيذاء وتأذي والإيذاء والتأذي منتفيان شرعاً وقد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لعمر إنك رجل قوي فلا تزاحم فتؤذي الضعيف فإن وجدت فرجة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر فلا ينبغي للإنسان أن يزاحم تلك المزاحمة الشديدة التي نشاهدها ثم إن الناس يجتمعون فيضيقون المطاف أيضاً وهذه أذية أخرى. فصل (فيما يجزئ عن طواف الوداع) القارئ: ومن ترك طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأ عن طواف الوداع لأنه يحصل به المقصود منه فأجزأ عنه كإجزاء العمرة عن طواف القدوم وصلاة الفرض عن تحية المسجد وإن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة لقوله عليه الصلاة والسلام (وإنما لامرئٍ ما نوى) وحكمه حكم من ترك طواف الزيارة يبقى على إحرامه أبدا حتى يرجع فيطوف للزيارة إلا أن إحرامه عن النساء حسب لأنه قد حل له بالتحلل الأول كل شيء إلا النساء. الشيخ: سبق أن طواف الوداع واجب والغرض منه أن يكون آخر عهد الإنسان بالبيت الطواف ومن ثمَّ قال العلماء إذا أخر طواف الزيارة وهو طواف الإفاضة فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع وعلل المؤلف بعلتين أولاً أنه يحصل به المقصود فأجزأ كإجزاء طواف العمرة عن طواف القدوم. والثاني أنه حصل به المقصود حيث كان آخر عهده بالبيت الطواف وهذا واضح. ولكن هذا العمل له ثلاثة حالات: الحال الأولى أن ينوي طواف الإفاضة فيجزئ عن طواف الوداع. والثاني أن ينوي طواف الوداع فلا يجزئ عن طواف الإفاضة. والثالث أن ينويهما جميعاً.

فأما الأولى والثالثة فواضح أما الثانية وهي أن ينوي طواف الوداع فإنه لا يجزئ عن طواف الإفاضة لأن طواف الإفاضة ركن لا بد منه وهو مقصود لذاته فلا يجزئ عنه الواجب ولكن المؤلف فرع على هذا أنه يبقى على ما بقي من إحرامه حتى يرجع إلى البيت ويطوف وهذا كما قال رحمه الله. ولكن هل إذا رجع يحتاج إلى عمرة أو نقول له أن يرجع محلاً ويدخل مكة محلاً ويطوف ويرجع؟ الأحوط الأول أنه يحرم بعمرة أولاً من الميقات ثم يطوف ويسعى ويقصر ثم يطوف للإفاضة لأنه جاء إلى الميقات أو مر بالميقات وهو يريد نسكاً فالاحتياط أن يأتي بالعمرة وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه لو أتى بعمرة بعد التحلل الأول صح وهذا أتى بعمرة بعد التحلل الأول فكان هذا صحيحاً. فصل القارئ: وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد وإن قتل صيداً فجزاؤه واحد وعنه عليه طوافان وسعيان لقول الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وتمامهما بأفعالهما ولنا قول عائشة وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافاً واحداً متفق عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما قرنت (يسعك طوافك لحجك وعمرتك) رواه مسلم، ولأنهما عبادتان من جنس واحد اجتمعتا فدخلت أفعال الصغرى في الكبرى كالطهارتين. الشيخ: نعم هذا هو الصحيح أن القارن عمله كعمل المفرد لا فرق وأنه إذا قتل صيداً فعليه جزاء واحد لقول الله تعالى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ولو أوجبنا عليه جزاءين لألزمناه بأكثر من المثل وهذا يحتاج إلى دليل. فصل (في أركان الحج وواجباته وسننه) القارئ: أركان الحج الوقوف بعرفة وطواف الزيارة وفي الإحرام والسعي روايتان وواجباته الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى الليل والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل والرمي وطواف الوداع وفي الحلق والمبيت بمنى روايتان.

وسننه الاغتسال وطواف القدوم والرمل والاضطباع فيه واستلام الركنين وتقبيل الحجر والإسراع والمشي في مواضعهما والخطب والأذكار والدعاء والصعود على الصفا والمروة. وأركان العمرة الطواف وفي الإحرام والسعي روايتان. وواجبها الحلق في إحدى الروايتين. وسننها الغسل والدعاء والذكر والسنن التي في الطواف والسعي. فمن ترك ركناً لم يتم نسكه إلا به ومن ترك واجباً فعليه دم ومن ترك سنة فلا شيء عليه. الشيخ: العلماء رحمهم الله إذا ذكروا صفة العبادة ذكروا بعد ذلك ما هو الواجب فيها وما هو المستحب وهذا لا شك أنه من حسن التعليم لأن التفصيل يأتي بعد التصور فإذا تصور الإنسان العبادة بذكر الصفة حينئذ يميز له بين الواجب وغير الواجب المؤلف رحمه الله انتهى من ذكر صفة الحج والعمرة فأراد أن يميز بين الواجب والركن والسنة والحقيقة أن التمييز صعب جداً لأنه يحتاج إلى دليل يدل على هذا التميز وإلا لقلنا الجميع واجب أو الجميع سنة فلا بد أن يكون هناك دليل، يقول أركان الحج الوقوف بعرفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) الثاني طواف الزيارة يعني طواف الإفاضة لقول الله تعالى (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ). فإن قال قائل الآية تدل على وجوبه لكن لا تدل على ركنيته قلنا حديث صفية رضي الله عنها حين قال النبي صلى الله عليه وسلم (أحابستنا هي) يدل على أنه ركن لا يتم الحج إلا به.

الثالث وفي الإحرام والسعي روايتان الإحرام لا يريد بذلك لبس الإحرام يريد بذلك نية الدخول في النسك ولا شك أنها ركن لكن من لم يقل إنها ركن يقول هي شرط لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالبنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وإلا فلا أحد يقول إنه سنة وأن الإنسان إن شاء نوى وإن شاء لم ينو لكن إما أنها شرط وإما أنها ركن وسواء هذا أو هذا فنحن نقول النية يذكرها العلماء في بعض العبادات شرطاً كما قالوا في شروط الصلاة منها النية وفي شروط الوضوء وأحياناً يذكرونها أنها ركن كما قالوا في الحج والخلاف يكاد يكون لفظياً المهم أنه لا بد من نية الإحرام فلو أن الإنسان لم ينوِ وفعل مثل ما يفعل الناس دون نية فإنه لم يحج فلا بد من النية. الرابع السعي والسعي سبق أن فيه للعلماء ثلاثة أقوال أنه ركن أنه واجب يجبر بدم أنه سنة وأضعف الأقوال القول بأنه سنة والقول بأنه ركن أو واجب يكادان يتكافآن لأن كلاً منهما له دليل وهذه المسألة تحتاج إلى تحرير لأن الناس يحتاجون إليها وترك السعي كثير فتحتاج المسألة إلى تحرير. أما الواجبات فيقول رحمه الله وواجباته الإحرام من الميقات لو قال المؤلف أن يكون الإحرام من الميقات لكان أوضح لأنه قد يفهم من قوله الإحرام من الميقات يفهم منها أنها صفة واحدة والواقع أن الأمر ليس كذلك بل الواجب أن يكون الإحرام من الميقات فإذا قلت الإحرام من الميقات ربما يفهم أن الواجب نفس الإحرام من الميقات فيدخل فيه الإحرام يعني الواجب الإحرام بوصفه من الميقات لكن إذا قلت أن يكون الإحرام من الميقات صار الإحرام لا يدخل في الواجب هنا لأنه سبق أنه ركن ومراد المؤلف بقوله الإحرام من الميقات مراده ما ذكرت أن يكون الإحرام من الميقات وليس مراده الإحرام نفسه.

يقول رحمه الله والوقوف بعرفة إلى الليل هنا نفس الشيء لو قال واستمرار الوقوف بعرفة إلى الليل كان أوضح يعني الواجب أن يستمر الوقوف بعرفة إلى الليل والليل يحصل بغروب الشمس لقوله تعالى في الصيام (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم). ما هو الدليل على كون الإحرام من الميقات واجباً؟ الدليل حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) وذكر تمام الحديث وجه الدلالة أن هذا خبر بمعنى الأمر. ووجه كون الوقوف بعرفة إلى الغروب واجباً أولاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة إلى الغروب وقال (خذوا عني مناسككم). ثانياً أن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في عرفة إلى الغروب وتجشم ظلمة الليل ولو كان الدفع قبل الغروب جائزاً لدفع قبل الغروب لما فيه من التيسير والتسهيل. ثالثاً أن في الدفع بعد الغروب مخالفة للمشركين فإن المشركين يدفعون قبل الغروب هذه ثلاثة أدلة ترجح أن البقاء في عرفة إلى الغروب واجب وأنه لا يجوز الدفع قبل ذلك. وقال بعض أهل العلم إنه ليس بواجب واستدلوا بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن مضرس (من شهد صلاتنا هذه ووقف حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولكن يقال إن هذا الحديث مطلق (وقف ليلاً أو نهاراً) هذا من العبارات المطلقة والمطلق يحمل على المقيد فيقيد هذا بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل هذا التعبير صحيح لأن أصل المبيت واجب وكونه إلى نصف الليل واجب أيضاً فيجب المبيت في مزدلفة والاستمرار إلى نصف الليل الدليل قول الله تعالى (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) والأصل في الأمر الوجوب ولحديث عائشة رخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله وذكرت ترخيصه لسودة وقالت لأن أكون استأذنت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما استأذنت سودة لكان أحب إلي من مفروح به فهذا يدل على وجوب المبيت في مزدلفة ولكن قال إلى نصف الليل هذا محل نظر فإن ظاهر فعل الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبعده أنهم دفعوا في آخر الليل وإذا نظرنا في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها تنتظر غروب القمر تبين لنا أن الدفع إنما يكون بعد ثلثي الليل لأن القمر في تلك الليلة لا يغيب إلا في هذا الوقت أو نحوه وهذا أيضاً فيه خلاف من العلماء من قال إنه ركن ومنهم من قال إنه سنة وعلى الخلاف فمنهم من قال إذا نزل في مزدلفة وصلى المغرب والعشاء فله الدفع من أول الليل ولهذا نرى بعض الحجاج إذا صلى المغرب والعشاء دفع بناءً على هذا القول وعند العامة أهم شيء أن تلقط الحصى فذكر الله عندهم في المشعر الحرام هو التقاط حصى الجمرات وهو عندهم أهم من صلاة المغرب والعشاء والمراد الجهال منهم. رمي الجمرات من واجبات الحج ودليله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى وقال (خذوا عني مناسككم) وأنه أمر أن نرمي مثل حصى الخذف ونهى عن الغلو وأنه أمر الضعفة من أهله أن يتقدموا إلى منى خوفاً من الزحام عند الرمي ولو كان الرمي أمراً مستحباً ليس بواجب لأبقاهم معه وإذا وصلوا إلى منى وكان زحاماً تركوه فكونه يثلم ليلة المزدلفة من أجل أن يتقدم هؤلاء إلى الجمرات ليرموا يدل على أن الرمي واجب وهو كذلك.

يقول رحمه الله وطواف الوداع واجب ودليله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) وحديث ابن عباس أحد ألفاظه منه (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض). قال وفي الحلق وفي المبيت بمنى روايتان وقد سبق أن الراجح وجوب الحلق وأن الراجح وجوب المبيت بمنى لكن ليس تأكده كتأكد بقية الواجبات. ثم قال رحمه الله وسننه الاغتسال عند الإحرام وعند دخول مكة وعند الوقوف بعرفة وذكر الفقهاء رحمهم الله أيضاً عند المبيت بمزدلفة ورمي الجمرات لكن هذا لا يصح إنما صح عند الوقوف ودخول مكة وعند الإحرام. وقوله رحمه الله وطواف القدوم هكذا قال وبعض العلماء قال إنه واجب أي طواف القدوم واستدل بما استدللنا به على بقية الواجبات بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف القدوم وقال (خذوا عني مناسككم) لكن القائلين بأنه سنة يقولون إنه يدفع هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن مضرس (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر طواف القدوم لكن للمنازع أن يقول وما الذي أدراكم أن عروة دخل مكة فربما يكون عروة جاء إلى المشاعر رأساً فالله أعلم لكن لا ينبغي للإنسان أن يدع طواف القدوم لأن القول بوجوبه ليس ببعيد وحديث عروة بن مضرس ليس فيه دلالة واضحة على أنه ليس بواجب. يقول والرمل والاضطباع يعني في طواف القدوم ووجه كونهما سنة أنهما صفتان في واجب فهما غير مقصودين بذاتهما والمقصود هو الطواف ولهذا كانا سنة ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بهما. قال واستلام الركنين وتقبيل الحجر استلام الركنين يعني بهما الركن اليماني والحجر الأسود وتقبيل الحجر ولم يقل وتقبيل الركن اليماني لأنه ليس بسنة وكذلك بقية الأركان لا يسن استلامهما ووجه كونهما سنة أنهما صفتان في عمل مقصود بذاته.

والإسراع والمشي في مواضعهما يعني بذلك الإسراع في وادي محسر والإسراع بين العلمين في السعي والمشي فيما عدا ذلك. والخطب في عرفة ويوم النحر وأوسط أيام التشريق ثلاثة خطب ولم يذكر المؤلف رحمه الله الوقوف أي الوقفات في مواضعها والوقفات ست على الصفا وعلى المروة وفي عرفة وفي مزدلفة وبعد رمي الجمرة الأولى وبعد رمي الجمرة الوسطى لكنها تختلف بالطول والقصر. وكذلك الأذكار والدعاء أيضاً سنة وظاهر كلام الأصحاب رحمهم الله أن الإنسان لو طاف ولم يتكلم بكلمة وسعى كذلك ووقف بعرفة كذلك وفي مزدلفة كذلك وفي بقية الحج كذلك أنه يجزئ لكن لا أعلم كيف يكون هذا حجاً أصبح الحج كأنه رسم لا معنى له لكن مع هذا ربما تقع من إنسان جاهل يمشي مع الناس لا يذكر ولا يدعو فلا نقول أعد حجك ومن سننه الصعود على الصفا وعلى المروة ولكن هذا للرجال فقط. والمؤلف رحمه الله فاته شيء كثير من السنن أهم مما ذكر وأدخل شيئاً من السنن وهي خارج عن الإحرام فالاغتسال مثلاً ليس سنة في الإحرام ولكنه سنة للإحرام فهو خارج منه لكنه ترك الصلاة خلف المقام ورفع اليدين على الصفا والنزول بنمرة وابتداء الوقوف بعرفة من الزوال والوقوف عند المشعر الحرام ولذلك لو قال رحمه الله (ومن سننه الاغتسال) لكان أولى لأن من قرأ (وسننه) ظن أن هذا على سبيل الحصر وليس كذلك ولكن كما نعلم أن الإنسان مهما كان بشر يفوته الكثير ويقول الله تعالى (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) ولكن المؤلف رحمه الله وغيره من العلماء يشكرون على ما بذلوا من تقريب العلم للأمة الإسلامية وسهرهم على ذلك وتعبهم فنسأل الله تعالى أن يثيبهم على هذا وأن يجزيهم عن أمة المسلمين خيرا.

قال وأركان العمرة الطواف وفي الإحرام والسعي روايتان الطواف ودليله ما سبق في دليل طواف الحج وفي الإحرام والسعي روايتان هل الإحرام شرط أوهو ركن والصحيح أنه ركن متضمن للشرط والسعي فيه روايتان وقد سبق أن السعي فيه ثلاثة أقوال وأن أضعف الأقوال القول بأنه سنة. وواجباتها الحلق في إحدى الروايتين وفي الأخرى أنه ليس بواجب ولكنه إطلاق من محظور وسكت رحمه الله عن كون الإحرام من الميقات في العمرة لكنه ذكره في الحج والصواب أنهما سواء وأنه يجب أن يكون إحرام العمرة من الميقات كما كان إحرام الحج واجباً من الميقات. ولم يذكر طواف الوداع للعمرة لأن طواف الوداع قد اختلف العلماء في وجوبه أصلاً هل هو واجب أو سنة؟ والصحيح أنه واجب والقائلون بأنه واجب قالوا إنه يجب في الحج ولا يجب في العمرة والصحيح أنه واجب في العمرة لأن العمرة حج أصغر كما جاء ذلك في حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه (لا يمس القرآن إلا طاهر والعمرة حج أصغر) ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ليعلى بن أمية (اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) وهذا يشمل ما يصنع في الحج من تجنب المحظورات والطواف والسعي وخرج الوقوف والمبيت والرمي بالإجماع فلا يدخل في هذا العموم وأما قول من قال لا يجب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يذكره إلا في الحج فيقال هنا تأخر وجوبه فلذلك لا ينفي أن يكون واجباً في العمرة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر مرتين أدى فيهما العمرة أداءً كاملاً الأولى عمرة القضاء والثانية عمرة الجعرانة ولم ينقل عنه أنه طاف أو لم يطف لكن يقال إن هذا قبل أن يوجب طواف الوداع لأن طواف الوداع لم يوجب إلا في حجة الوداع.

يقول فمن ترك ركناً لم يتم نسكه إلا به ومن ترك واجباً فعليه دم ومن ترك سنة فلا شيء عليه من ترك ركنا لم يتم نسكه إلا به فإن أحصر لم يتم نسكه لأنه يتحلل ويستفيد من ذلك أي من رخصة الإحصار أنه تحلل وحل له كل شيء لكن نسكه لم يتم فلو حصر عن الطواف طواف الإفاضة مثلاً وقد وقف بعرفة ومزدلفة ورمى الجمرات لكنه حصر عن طواف الإفاضة فنقول له إن حجك لم يتم فإذا رجعت إلى أهلك رجعت بغير حج. فصل (في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده) القارئ: فإذا رجع قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا قفل متفق عليه ويستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من زاراني أو زار قبري كنت له شفيعا أو شهيدا) رواه أبو داود الطيالسي. الشيخ: الحديث ضعيف. القارئ: ويصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام) وقوله عليه الصلاة والسلام (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) متفق عليه. الشيخ: هذا الفصل ذكر فيه المؤلف رحمه الله ما يسن أن يقوله إذا رجع من سفره يقول آيبون أي راجعون، تائبون أي من الأعمال السيئة، عابدون أي متذللون إلى الله تعالى بالعبودية الشرعية لا بالعبودية القدرية لأن العبودية القدرية لا يمدح الإنسان عليها إذ أنها تكون في الكافر وفي المسلم والتي يمدح عليها الإنسان ويثاب عليها هي العبودية الشرعية، لربنا حامدون الحمد وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم. ثم ذكر الدليل على ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا قفل فيقوله إذا قفل من البلد التي هي منتهى سفره ويقوله كذلك إذا أقبل على بلده.

أما قول المؤلف رحمه الله ويستحب زيارة قبر النبي وقبر صاحبيه فلا شك أنها سنة لمن كان في المدينة أو حولها ممن لا يحتاج إلى شد رحل وأما ما يحتاج إلى شد رحل فقد اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال التحريم والكراهة والإباحة والأقرب أنه حرام لأنه ذريعة إلى الغلو في القبور وربما يظن الظان أن شد الرحل إلى هذا من أجل ذات المقبور فيؤدي هذا إلى عبادته وتوليه تولي نصرة وإغاثة فالأقرب التحريم وقوله رحمه الله وقبر صاحبيه يعني بهما أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ومن المعلوم أن اختيار أبي بكر وعمر أن يدفنا إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم من كمال صحبتهما له لأن هذين الرجلين هما وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم اللذان لا يذهب إلا بهما وما أكثر ما يقول ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ورجعت أنا وأبو بكر وعمر وفعلت أنا وأبو بكر وعمر وآمنت أنا وأبو بكر وعمر كما قال في البقرة التي كان صاحبها ركب عليها وكان يؤذيها بهذا الركوب وقالت إنا لم نخلق لهذا قال وأنا أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر ولا شك أن هذا من مناقبهما والعجب أنهما عند الرافضة قاتلهم الله هما أبعد الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شك أن بقاءهما صاحبين له في الحياة وبعد الممات أن ذلك من مناقبهما التي لم يدركها أحد من الصحابة رضي الله عنهم. وأما الحديث الذي ساقه (من زارني أو زار قبري كنت له شفيعاً وشهيداً) رواه أبو داود الطيالسي فهو ضعيف جداً ولا يبعد أن يكون موضوعاً كما قال شيخ الإسلام كل حديث ورد في فضل زيارة قبره خاصة فهو حديث ضعيف أو موضوع.

وقوله يصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم استدل له بقوله (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام) وهذا الحديث يدل على فضل الصلاة في مسجده واختلف العلماء في ذلك فقيل إن المراد بذلك الصلاة التي تسن في المساجد كالصلوات الخمس وقيام رمضان وما أشبهها وأما سوى ذلك فليس هكذا وهؤلاء أرادوا أن يخرجوا صلاة النافلة فإنها في البيت أفضل من المسجد حتى وأنت في المدينة صلاتك النافلة في بيتك أفضل من صلاتك إياها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك مكة صلاتك النافلة في بيتك أفضل من صلاتك إياها في المسجد الحرام ولكن يقال الحديث عام صلاة في مسجدي هذا لم تقيد فتشمل كل الصلوات ولكن ما يسن أن يكون في البيت فكونه في البيت أفضل ففائدة ذلك أن الإنسان إذا صلى في جماعة صلواته الخمس صارت خيراً من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام إذا صلى تحية المسجد فتحية المسجد خير من ألف تحية فيما سواه إلا المسجد الحرام إذا جاء وصلى ينتظر الصلاة فصلاة الانتظار هذه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام أما أن نقول اذهب وتقصد أن تصلي التطوع في المسجد دون بيتك فهذا ليس بصحيح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) وكان هو نفسه يصلي السنة في بيته وقوله (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) هذا إذا قصد المسجد أما إذا قصد شد الرحل إلى المسجد لغرض آخر لا للبقعة فلا بأس فلو شد الإنسان الرحل إلى مسجد فيه خطيب ينتفع به أكثر من غيره فلا بأس أو شد الرحل إلى مسجد ليصلي فيه ويدرك حلق الذكر والعلم فلا بأس لكن إذا شد الرحل من أجل البقعة فلا شيء يشد إليه الرحل إلا هذه المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى. السائل: ما حكم ترتيب زيارة المدينة مع الحج؟

باب ما يفسد الحج وحكم الفوات والإحصار

الشيخ: العلماء رحمهم الله ذكروا الزيارة هنا مع الحج لأنه فيما سبق يصعب على النائي أن يفرد الزيارة في سفر والحج في سفر فكانوا يأتون إلى الحج ويأتون إلى المدينة ولكن يجب أن يبين للعامة أنه لا علاقة بين الحج والزيارة. السائل: قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل منى منحر وكل مكة منحر وطريق) ما المقصود حفظكم الله بطريق؟ الشيخ: طريق يعني موصلة إلى المشاعر فلا نلزم أن نسلك إلى عرفة الطريق الذي سلكه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو إلى مزدلفة أو إلى منى مثلاً الرسول في منى سلك الطريق الوسطى التي تخرج إلى جمرة العقبة ما يلزم أن نسلك الطريق الوسطى. باب ما يفسد الحج وحكم الفوات والإحصار القارئ: ومن وطئ في الفرج فأنزل أو لم ينزل في إحرام الحج قبل التحلل الأول فقد فسد حجه وعليه المضي في فاسده لما روي عن ابن عمر أن رجلا سأله فقال إني واقعت امرأتي ونحن محرمان فقال أفسدت حجك انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون واحلق إذا حلقوا فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هديا فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم وقال ابن عباس وعبد الله بن عمر مثل ذلك رواه سعيد بن منصور وروي أيضا عن عمر رضي الله عنه ولا مخالف له فكان إجماعا ولأنه لا يمكنه التحلل من الإحرام إلا بأفعاله. الشيخ: هذا الباب ذكره المؤلف رحمه الله معنونا بأمرين: الأول ما يفسد الحج ولا يفسد الحج إلا محظور واحد وهو الجماع قبل التحلل الأول أما بقية المحظورات فلا تفسد الحج وهذا مما خرج به الحج عن العبادات فإن جميع العبادات تفسدها محظوراتها إلا الحج فلا يفسده إلا الجماع قبل التحلل الأول ومن جامع قبل التحلل الأول فإنه يترتب عليه إذا كان عامدا خمسة أمور الإثم وفساد النسك ووجوب المضي فيه والقضاء والبدنة.

أما إذا كان جاهلا لا يدري أن الجماع حرام فلا شيء عليه إطلاقا وإذا كان عالما بأن الجماع حرام لكن لم يعلم بما يترتب عليه فإنه لا يعذر لأنه انتهك حرمة العبادة عن قصد فلزمه ما يترتب على ذلك ويدل على هذا قصة الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان وهو يعلم أنه حرام لكنه لا يدري ما يترتب عليه فجاء يستفتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فألزمه بالكفارة. وذكر رحمه الله الآثار الواردة في أنه يفسد الحج ويلزمه المضي فيه والقضاء من العام القادم وبدنة وقوله في الأثر (فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) هذا الأثر لا بد من تحقيقه. القارئ: وعليه القضاء على الفور للخبر ولأنه حج واجب بالشرع فكان واجبا على الفور كحجة الإسلام ويجب عليهما الإحرام للقضاء من حيث أحرما أولاً أو من قدره إن سلكا طريقا غيرها لأنه قضاء لعبادة فكان على وفقها كقضاء الصلاة ويفسد حج المرأة للخبر ولأنها أحد المتجامعين فأشبهت الرجل وعليها القضاء ونفقة القضاء عليها إن كانت مطاوعة كالرجل وإن كانت مكرهة فعلى الزوج لأنه ألزمها ذلك فكان موجبه عليه. الشيخ: وظاهر كلام المؤلف أن المكرهة عليها كفارة والصحيح أنه لا كفارة عليها لأن الله أسقط الحكم عن المكره في أعظم من ذلك وهو الكفر فقال (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّه) والصواب كما ذكرنا أولا في محظورات الإحرام أن من فعل محظورا من محظورات الإحرام جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا إثم عليه ولا كفارة. القارئ: ولا فرق بين العمد والسهو والعلم والجهل للخبر.

الشيخ: الخبر أن الصحابة قضوا بذلك ولم يستفصلوا فيقال هذا القضاء قضاء عين يعني قضاء في قضية عين فقد يكون عند الصحابة رضي الله عنهم علم بأن هؤلاء انتهكوا الحرمة عن علم كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على المجامع دون أن يستفصله لأنه يعلم أنه جاء يعتذر لأنه عالم وما بالنا ننسى الأدلة القوية الصحيحة الصريحة الموافقة لرحمة الله وشريعة الله في أن من كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها لا حكم لفعله لماذا ننسى هذه أدلة مثل الجبال (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال الله قد فعلت (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وفي أصل الدين (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) فلماذا ننسى هذه الأدلة العظيمة من أجل قضايا عينية قد يكون المفتي فيها عالم بحال الشخص فإذا جاءك رجل استفتاك وتعلم أنه متعمد فلا حاجة أن تستفصل ولهذا يعتبر مثل هذا الاستدلال استدلالاً ضعيفاً فالصواب أن لدينا أدلة محكمة ما استثني منها شيء في أن من كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا شيء عليه هذه أدلة محكمة عامة فلتبق على عمومها وما ورد من القضايا العينية تحمل على حال لا عذر فيها. القارئ: ولأنه معنى يوجب القضاء فاستوى فيه ذلك كالفوائت.

الشيخ: الفرق بينهما ظاهر الفوائت ترك واجب فلو ترك الصلاة نسيانا يجب عليه قضاؤها لأنها واجب متعلق بذمته لا يسقطه النسيان وكذلك لا يسقطه الجهل ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المسيء في صلاته أمره أن يعيد الصلاة وقال إنك لم تصل لأن هذا ترك واجباً والذمة مشغولة بهذا الواجب حتى يقوم به أما هذه فهي فعل محرم فعله الإنسان في حال يعذر بها ويسقط بها الإثم بالاتفاق فإذا كان كذلك فليسقط عنه حكم هذا المحظور لأن هذا المحظور أصبح في حال هذا الرجل ليس معصية ولا مخالفة لأنه جاهل أو ناسي فهو حين فعله لم يتعمد الإثم ولم يتجانف الإثم ولهذا لما أفطر الناس في زمن عمر قبل أن تغرب الشمس ثم ظهرت من غيم كان قد غطاها قالوا يا أمير المؤمنين ماذا نفعل قال إننا لم نتجانف لإثم هذه كلمة عظيمة يعني أننا لم نتعمد الفطر قبل غروب الشمس فإذا لم نتجانف الإثم فكيف يقال رفع عنكم الإثم ووجبت عليكم الكفارة والكفارة إنما تجب من أجل سداد الخلل الذي حصل بالإثم فلهذا القياس والمعنى والنصوص كلها تدل على أن فعل المحظور مع الجهل أو النسيان أو الإكراه لا أثر له. القارئ: ولا فرق بين الوطء في القبل والدبر من أدمي أو بهيمة لأنه وطء في فرج أشبه وطء فرج الآدمية. الشيخ: أما قوله لا فرق في الوطء بين القبل والدبر فهذا وجيه لأن الإنسان قد يتلذذ بالدبر أكثر من القبل ممن نكس الله فطرته فإنه يرفع إلينا رجال يطالبون زوجاتهم بأن يكون جماعهم بالدبر إكراها ولا يجامعونهم في القبل لكن هؤلاء نكس الله قلوبهم والعياذ بالله فالمهم أنه يتلذذ به.

أما البهيمة فالإنسان يتردد في هذا هي لا شك أنها حرام لكن هل يحصل تلذذ بوطء البهيمة كما يحصل التلذذ في وطء الآدمية لا أعتقد حتى من ابتلي بذلك ما يرى أنه يتلذذ كما يتلذذ بجماع الآدمية فهذه فيها نظر فإن كانت المسألة إجماعا فلا نخرج عن الإجماع وإن كان فيها خلاف فالصواب قول من يقول إن ذلك لا يفسد النسك لكن إن حصل إنزال فعليه فدية الأذى كما هو المعروف في الإنزال. فصل القارئ: ويتفرقان في القضاء لأن ابن عباس قال ويتفرقان من حيث يحرمان حتى يقضيا حجهما وفيه وجهان أحدهما أنه واجب لأن ابن عباس ذكره حكما للمجامع فكان واجبا كالقضاء والثاني لا يجب لأنه حج فلم يجب فيه مفارقة الزوجة كغير القضاء ولأن مقصود الفراق التحرز من إصابتها وهذا وهم لا يقتضي الوجوب ومعنى التفرق اجتناب الركوب معها على بعير واحد والجلوس معها في خباء ولكن يكون قريبا منها يراعي حالها لأنه محرمها. الشيخ: الصحيح أن التفرق إن كان الإنسان يخشى على نفسه فهو واجب وإن كان آمنا فهو سنة فقط ويكون فيه نوع من العقوبة والردع لأنه كما استمتع الاستمتاع المحرم وهو أعظم الاتصالات اتصالا فينبغي أن يفرق بينهما أما إذا كان يخشى على نفسه فالواجب الحذر. فصل (فيمن وطئ دون الفرج) القارئ: ومن وطئ دون الفرج أو قبل أو لمس فلم ينزل لم يفسد حجه وإن أنزل ففيه روايتان إحداهما يفسد حجه لأنه إنزال عن مباشرة أشبه الوطء في الفرج والأخرى لا يفسد وهي أصح لأنه فعل لا يجب الحد بجنسه ولا مهر ولا يتعلق به حكم بدون إنزال أشبه النظر ولا يفسد النسك بغير ما ذكرنا من المحرمات كلها بغير خلاف. الشيخ: الصحيح في مسألة الإنزال أنه لا يفسد النسك لا حجا ولا عمرة والتعليل كما قال المؤلف رحمه الله لأنه فعل لا يجب الحد به فلا يفسد النسك. فصل (فيمن وطئ بعد التحلل الأول)

القارئ: ومن وطئ بعد التحلل الأول وقبل الثاني لم يفسد حجه لأنها عبادة لها تحللان فوجود المفسد بعد أولهما لا يفسدها كالصلاة ولكنه يخرج إلى الحل فيحرم ليطوف للزيارة بإحرام صحيح وإن وطئ المعتمر في عمرته أفسدها وعليه إتمامها وقضاؤها كالحج ويتعلق بالماضي في الفاسد من الأحكام وتحريم المحرمات ووجوب الفدية فيها مثل ما يتعلق بالصحيح سواء لأنه باق على الإحرام فتعلق به ذلك كالصحيح. الشيخ: يعني لو جامع بعد التحلل الأول يعني بعد أن رمى على القول بأنه يحصل التحلل الأول بالرمي أو بعد أن رمى وحلق على القول الثاني فإن حجه لا يفسد لأنه قد تحلل منه وانتهاك التحريم الثاني الضعيف ليس كانتهاك التحريم الأول القوي لأن حرمة الإحرام قبل التحلل الأول أقوى من حرمته بعد التحلل الأول فحرمة الإحرام نقصت ولهذا جاز له جميع المحظورات إلا النساء فعلى هذا نقول إذا جامع بعد التحلل الأول لم يفسد نسكه لكن يقول المؤلف إنه يجب عليه أن يحرم من الحل ليطوف محرما كأنه يقول يفسد ما بقي من إحرامه فلا بد أن يجدد هذا الذي فسد وهذه مسألة في النفس منها شيء يعني لو قيل إن هذا الرجل يكون آثما وأنه يبقى على حله لأن إلزامه بالعودة إلى الإحرام يحتاج إلى دليل قوي ولا أعلم دليلاً قويا وعلى هذا الاحتمال نقول له استغفر الله وكفر ثم استمر في نسكك. فصل (في فوات الحج)

القارئ: ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع) رواه الأثرم وعليه أن يتحلل بأفعال العمرة وهي طواف وسعي وتقصير لأن ذلك يروى عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم قال عمر لأبي أيوب حين فاته الحج اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت وقال ابن أبي موسى يمضي في حج فاسد يعني أنه يلزمه المبيت والرمي والصحيح الأول لقول الصحابة ولأن المبيت تبع للوقوف فيسقط بسقوطه ويجب عليه القضاء على الفور وعنه لا قضاء عليه إن كانت نفلا وإن كانت فرضا فعلها بالوجوب السابق قياسا على سائر العبادات والمذهب الأول لأنه قول الصحابة المسمين ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم ولأن الحج يلزم بالشروع فيلزم قضاؤه كالمنذور بخلاف غيره. الشيخ: والصحيح الأول أنه لا قضاء عليه إذا كانت نفلا إلا أن يكون هناك تفريط منه بأن تأخر بغير عذر حتى فاته الحج فهنا نقول هو الذي فوت الحج على نفسه فيلزمه القضاء وأما إذا فاته بغير قصد وقد أدى فريضة الإسلام فإنه لا يلزمه أن يعيده مرة ثانية لكن القول بأنه يتحلل بعمرة قول وجيه فإذا فاته الحج بأن لم يصل إلى عرفة إلا بعد طلوع الفجر قلنا له الآن لا حج لك فاتك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) وقد فات لكن ادخل إلى مكة وطف واسع وقصر أو احلق وانتهت عمرتك فإذا سأل هل يلزمني أن أحج من العام القادم قلنا إن كنت لم تؤد الفريضة فحج العام القادم بالخطاب الأول أي على أنها فريضة لا أنها مقضية وإن كنت قد حججت فلا شيء عليك هذا هو الذي تدل عليه الأدلة أما ما ورد عن الصحابة فيقال فيه ما سبق أنها قضايا أعيان وتحمل على أنه فوت الحج بتفريط منه.

القارئ: ويجزئه القضاء عن الحجة الواجبة بغير خلاف لأن الحجة لو تمت لأجزأت عن الواجب فكذلك قضاؤها لأنه يقوم مقام الأداء ويجب على من فاته الحج هدي وعنه لا هدي عليه لأنه لو لزمه هدي لزم المحصر هديان للفوات والإحصار والصحيح الأول لأنه قول الصحابة المسمين ولأنه حل من إحرامه قبل إتمامه فلزمه هدي كالمحصر ويخرجه في سنة القضاء لما روى سليمان بن يسار أن هبار بن الأسود حج من الشام فقدم يوم النحر فقال له عمر انطلق إلى البيت فطف به سبعاً وإن كان معك هدي فانحرها ثم إذا كان عام قابل فاحجج وإن وجدت سعة فاهد وإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله تعالى رواه الأثرم فعلى هذا العمل لأنه قول منتشر لم يعرف له مخالف فإن عدم الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع وقال الخرقي يصوم عن كل مد من قيمة الشاة يوما لأنه أقرب إلى معادلة الهدي كبدل جزاء الصيد وقول عمر رضي الله عنه أولى. الشيخ: إذاً عليه دم وقيل إنه لا دم عليه وهذا أقرب إلى الصواب إلا إذا قلنا بوجوب القضاء عليه إذا كان هو الذي فرط فحينئذٍ نقول عليك القضاء وعليك هدي لأنك أنت الذي فرطت وأما إذا لم يفرط وفاته بغير اختياره وقد أدى الفريضة فليس عليه قضاء ولا هدي أما إذا كان هذا هو الفريضة فقلنا إنه يلزمه الحج من العام القادم بالخطاب الأول والهدي يلزمه إن لزمه يعني إن أتى بنسك قران أو تمتع لزمه الهدي وإلا فلا. فصل (فيمن أخطأ يوم عرفة) القارئ: وإذا أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك لأنه لا يؤمن مثل ذلك في القضاء فيشق وإن وقع لنفر منهم لم يجزئهم لأنه لتفريطهم وقد روي أن عمر قال لهبار ما حبسك قال كنت أحسب أن اليوم يوم عرفة فلم يعذر بذلك.

الشيخ: هذه أيضا من نعمة الله عز وجل يعني لو أخطأ الناس فوقفوا في اليوم العاشر وبعد أن وقفوا ثبت أن هذا اليوم هو العاشر وليس اليوم التاسع بأن جاء رجلان يشهدان أنهما رأيا هلال ذي الحجة في ليلة يكون فيها هذا اليوم الذي وقفوه هو اليوم العاشر فإنه يجزئهم الحج لأن الهلال ما اشتهر عند الناس لا ما رؤي في الأفق فإذا لم يشتهر ويستهل ويتبين فهو شرعا ليس هلالا ولأن القضاء في مثل هذا يشق على الناس لو قلنا لكل الحجيج مليون نفر حجكم كله غير صحيح لأنكم وقفتم في اليوم العاشر تقضونه في السنة الثانية قالوا أيضا في السنة الثانية من يأمن أن نقف في اليوم العاشر بدلا عن اليوم التاسع وهذا صحيح فيبقى الأمر شاقا على الناس أما لو أخطأ نفر قليل فهؤلاء إذا أخطأوا نقول حجكم غير صحيح وليعلم أن كلام المؤلف رحمه الله في وقت يمكن أن يقع هذا لكن في وقتنا الحاضر والحمد لله لا يمكن أن يقع هذا لا يمكن أن يقف نفر قليل فيخطئون لأن الحكومة وفقها الله لا تأذن لأحد أن يقف بعرفة بعد الناس وحينئذٍ لا يمكن أن يقع الخطأ عمليا إلا من الجماعة كلهم. السائل: شخص مرض قبل يوم عرفة وشعر أنه إذا واصل سيتعب فهل يلغي حجه؟ الشيخ: إذا كان قد اشترط إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني حل ولا شيء عليه وإلا لزمه أن يبقى على متابعة الحج حتى ينتهي والصحيح أنه إذا خشي مشقة كبيرة ولم يتمكن من إتمامه الصحيح أنه يكون كالمحصر بالعدو بمعنى أنه يتحلل ويذبح هديا إذا استيسر له ويحج من العام القادم إذا كان حجه فرضا. فصل (في الإحصار)

القارئ: وإذا حصر المحرم عدو من المسلمين فمنعه المضي فالأفضل التحلل وترك قتاله لأنه أسهل من قتال المسلمين وإن كان مشركا لم يجب قتاله إلا أن يبدأ به لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتل الذين أحصروه وإن غلب على ظن المحرم الظفر استحب القتال ليجمع بين الجهاد والحج وإن غلب على ظنه خلاف ذلك استحب الانصراف صيانة للمسلمين عن التغرير ثم إن وجد طريقا آمنا لم يجز له التحلل قرب أم بعد لأنه قادرعلى أداء نسكه فأشبه من لم يحصر فإن كان لا يصل إلا بعد الفوات مضى وتحلل بعمرة وفي القضاء روايتان إحداهما يجب لأنه فاته الحج أشبه من أخطأ الطريق والثانية لا قضاء عليه لأنه تحلل بسبب الحصر أشبه من تحلل قبل الفوات وإن لم يجد طريقا آمنا فله التحلل لقول الله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حصره العدو بالحديبية فتحلل ولأنه لو لزمه البقاء على الإحرام لحرج لأنه قد يبقى الحصر سنين وله أن يتحلل وقت الحصر سواء كان معتمرا أو مفردا أو قارنا وعنه في المحرم بالحج لا يحل إلا يوم النحر ليتحقق الفوات لأنه لا ييأس من زوال الحصر وكذلك من ساق هديا لا يتحلل إلا يوم النحر لأنه ليس له النحر قبل وقته والصحيح الأول للآية والخبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم ساق هديا فنحره وحل قبل يوم النحر ولأن الحج أحد الأنساك فأشبه العمرة ولو وقف الحل على يقين الفوات لم يجز الحل من العمرة لأنها لا تفوت. الشيخ: هذا الفصل لبيان من أحصر عن إتمام النسك ذكر رحمه الله أنه إذا حصره عدو من المسلمين فالواجب الانصراف لأنه لا يمكن قتال المسلمين قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) وإن كان من المشركين فله ثلاث حالات: الحالة الأولى أن يغلب على ظننا أنه أقوى منا فهنا ننصرف.

والثانية أن يغلب على ظننا أننا أقوى منه وأننا سنقضي عليه فهنا لا ننصرف وإذا قاتلنا قاتلناه لقوله تعالى (وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ). الثالثة أن لا يغلب على ظنه لا هذا ولا هذا فهو مخير إن شاء مضى وقاتل إن قاتلوه وإن شاء انصرف وفي حال الانصراف ماذا يصنع يتحلل ينحر هديه ثم يحلق رأسه في الآية الكريمة لم يذكر الله تعالى إلا النحر ولم يذكر الحلق ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحلق وحتّم وغضب لما تأخر المسلمون وعلى هذا فيجب عند الإحصار شيئان الأول نحر الهدي والثاني الحلق أما القضاء ففيه قولان للعلماء منهم من قال إنه يقضي ومنهم من قال إنه لا يقضي والصحيح أنه لا قضاء وأن تسمية عمرة القضية أو عمرة القضاء ليس لأنه قضى ما فات فإنَّ كثيرا ممن كان معه في الحديبية لم يكونوا معه في عمرة القضاء لكنها مأخوذة من المقاضاة يعني المصالحة كما جاء في نص الصلح هذا ما قاضى عليه محمد وعلى هذا فسميت عمرة القضاء لأنها وقعت في المقاضاة أي في الصلح. ولكن إذا لم يتحلل إلا بعد الفوات أي فوات الحج بطلوع الفجر يوم النحر فهل يعطى حكم الفوات ونقول يجب عليه القضاء لأنه فاته الحج ومن فاته الحج يجب عليه القضاء أو يعطى حكم المحصر؟ ذكر المؤلف في ذلك روايتين والصواب أنه يعطى حكم المحصر بل الصواب أنه لا يلزم القضاء إذا فات الحج إلا إن وقع ذلك بتفريط منه أو كان الذي تلبس به هو الفريضة. فصل (فيمن كان معه هدي)

القارئ: فإن كان معه هدي لم يحل حتى ينحره لقول الله تعالى (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وله ذبحه حيث أحصر وعنه إن قدر على الحرم أو على إرساله إليه لزمه ذلك ويواطئ رجلا على اليوم الذي يذبحه فيه فيحل حينئذ لأنه قادر على الذبح في الحرم فأشبه المحصر في الحرم والأول أصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في الحديبية وهي من الحل باتفاق أهل السير ولذلك قال الله تعالى (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّه) ولأنه موضع حله فكان موضع ذبحه كالحرم ويجب أن ينوي بذبحه التحلل به لأن الهدي يكون لغيره فلزمته النية ليميز بينهما ثم يحلق لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وهل يجب الحلاق أو التقصير أو لا مبني على الروايتين فيه هل هو نسك أم لا فإن قلنا هو نسك حصل الحل به وبالهدي والنية وإن قلنا ليس بنسك حصل الحل بهما دونه. الشيخ: والصواب أنه يجب الهدي بنص القرآن ويجب الحلق بالسنة لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم به ولأنه نسك فيجب فعله لأنه مقدور عليه وكل ما قدر عليه من النسك في حال الإحصار فإنه واجب.

ولم يذكر المؤلف رحمه الله ما إذا أحصر بغير العدو كما لو أحصر بمرض أو ذهاب نفقة أو كسر أو ما أشبه ذلك فالمشهور من المذهب أنه لا تحلل بذلك وأنه يبقى على إحرامه حتى يقدر على الوصول إلى البيت قالوا لأن الآية جاءت في صلح الحديبية والإحصار كان فيها بسبب العدو ولكن الصحيح أنه يتحلل بذلك لعموم قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وأما قوله تعالى (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ) فهذا ليس دليلا على أن قوله (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) خاص بالعدو وإنما هذا الحكم عاد إلى بعض أفراد العام وإذا عاد الحكم إلى بعض أفراد العام لم يلزم التخصيص كما في قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء) إلى قوله (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) فإن هذا الحكم إنما يعود على بعض المطلقات فلا يستلزم التخصيص ومثله حديث جابر (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فلا يقال إن آخر الحديث يقتضي التخصيص في قوله (في كل ما لم يقسم) وأنه لا شفعة إلا في الأراضي وشبهها والصواب أن الشفعة في كل شيء على كل حال في مسألتنا هذه الصواب أن الإحصار يكون بالمرض وذهاب النفقة والكسر والعدو وغير هذا. فائدة: إذا اشترط الإنسان أن محلي حيث حبستني ففاته الحج هل يتحلل؟ نقول نعم يتحلل لكن الأفضل له في هذا الحال أن يتحلل بعمرة حتى لا يضيع عليه النسك. السائل: هل يعتبر الزحام من الإحصار؟ الشيخ: الجواب لا لأن الزحام يمكن أن يخف في وقت من الأوقات. فصل (فيمن لم يجد هديا)

القارئ: وإن لم يجد هديا صام عشرة أيام ثم حل لأنه دم واجب للإحرام فكان له بدل ينتقل إليه كدم التمتع ولا يحل إلا بعد الصيام كما لا يحل إلا بعد الهدي فإن نوى التحلل قبله لم يحل وكان على إحرامه حتى يذبح أو يصوم لأنه أقيم هاهنا مقام أفعال الحج. الشيخ: هذا ما ذهب إليه المؤلف أن المحصر إذا لم يجد هديا صام عشرة أيام ثم حل ففيه مسألتان: المسألة الأولى أنه يجب عليه أن يصوم عشرة أيام. والثانية أنه لا يحل حتى يصومها. والصحيح أنه لا يجب عليه صوم وإذا لم يجد الصوم حل بمجرد الإحصار ودليل ذلك أن الله تعالى قال (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ولم يذكر بدلا وفي هدي التمتع قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) وكونه ذكر البدل في هدي التمتع وسكت عن هذا يدل على أنه لا يجب والقياس لا يصح لأن هدي التمتع هدي شكران على حصول النسكين مع التمتع بما أحل الله بينهما وهذا هدي يشبه الجبران وإن كان يتضمن الشكر لله عز وجل على إذنه بالتحلل لكن هو أيضا فيه نوع من الجبران لما فاته من بقية النسك فالصواب أنه لا يجب عليه الصيام وأن المحصر إذا لم يجد هديا حل بدون صيام. فصل (في قضاء العمرة أو الحج) القارئ: وليس عليه قضاء وعنه يجب عليه القضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى عمرة الحديبية وسميت الثانية عمرة القضية. الشيخ: هذا الفصل غريب فإنه لا يحتاج إلى فصل لأن هذا مبني على ما سبق ولا بد أن يكون هذا من النساخ سهوا أو خطأ عادة أن الفصول يؤتى فيها بمسائل جديدة لا يبنى على ما سبق وهنا مبني على ما سبق بحرف العطف أيضا.

القارئ: ولأنه حل من إحرامه قبل إتمامه فلزمه القضاء كمن فاته الحج ووجه الأولى أنه تطوع جاز التحلل منه مع صلاح الوقت له فلم يجب قضاؤه كما لو دخل في الصوم يعتقده واجباً فلم يكن فأما الخبر فإن الذين صدوا كانوا ألفا وأربعمائة والذين اعتمروا معه في القضاء كانوا نفرا يسيرا ولم يأمر الباقين بالقضاء والقضية الصلح الذي جرى بينهم وهو غير القضاء ويفارق الفوات لأنه بتفريطه. الشيخ: المؤلف رحمه الله أصاب في سياق الدليل والتعليل لكن بدأ بالتعليل قبل الدليل والحقيقة أنه لا حاجة لنا أن نعلل ولا أن نقيس هذا القياس الذي فيه نظر بل لنا أن نقول لا يجب القضاء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمر به والذين قضوا في عمرة القضاء أقل من الذين أحصروا ولو كان القضاء واجباً لأمرهم بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا هو الدليل وهو دليل واضح وأما تسميتها عمرة القضاء أو عمرة القضية فلما ذكر أنها سميت بذلك لأنه من باب المقاضاة يعني المصالحة بينه وبين قريش. فصل (في زوال الاحصار) القارئ: فإن لم يحل المحصر حتى زال الحصر لم يجز له التحلل لأنه زال العذر وإن زال بعد الفوات تحلل بعمرة وعليه هدي للفوات لا للحصر لأنه لم يحل به وإن فاته الحج مع بقاء الحصر فله الحل به لأنه إذا حل به قبل الفوات فمعه أولى وعليه الهدي للحل ويحتمل أن يلزمه هدي آخر للفوات. الشيخ: والصواب أنه يلزمه هدي واحد للإحصار فقط. القارئ: وإن حل بالإحصار ثم زال وأمكنه الحج من عامه لزمه ذلك إن قلنا بوجوب القضاء أو كانت الحجة واجبة لأن الحج على الفور وإلا فلا ومن كان إحرامه فاسدا فله التحلل بالإحصار لأنه إذا حل من الصحيح فمن الفاسد أولى فإن زال الحصر بعد الحل وأمكنه الحج من عامه فله القضاء فيه ولا يتصور القضاء للحج في العام الذي أفسده فيه إلا في هذا الموضع.

الشيخ: وعلى هذا فيكون مما يلغز به يقال رجل أفسد حجه وقضاه في سنة واحدة يكون هذا إذا أحصر في الحج الفاسد وتحلل منه ثم أمكنه أن يحج فهنا نقول حج وانوه قضاءً عن الفاسد وحينئذٍ يكون هذا العام حصل له حجتان ولنقل مثلا إنه أحرم بالحج في اليوم الثامن في منى وفي منى جامع زوجته هذا جماع قبل التحلل الأول فحصر أي منع من الوقوف بعرفة حيث صده عدو عن الوقوف بعرفة وحصروه فتحلل بعمرة وانتهى ثم إنه زال الحصر نقول الآن أحرم بالحج لأنه زال الحصر وينويه قضاء عن الحج الفاسد لأن الحج الفاسد تحلل منه فيكون حج وقضاء في عام واحد ولا يتصور هذا إلا في هذا الموضع. فصل (فيمن صد عن عرفة) القارئ: ومن صد عن عرفة وتمكن من البيت فله أن يتحلل بعمرة لأن له ذلك من غير حصر فمعه أولى وعنه لا يجوز له التحلل بل يقيم على إحرامه حتى يفوته الحج ثم يحل بعمرة لأنه إنما جاز له التحلل بعمرة في موضع يمكنه الحج من عامه ليصير متمتعا وهذا ممنوع من الحج فلا يمكنه أن يصير متمتعا. فصل (في الحصر الخاص) القارئ: والحصر الخاص مثل أن يحبسه سلطان أو غريم ظلما أو بحق لا يقدر على إيفائه والعبد إذا منعه سيده والزوجة يمنعها زوجها كالعام في جواز التحلل لعموم الآية وتحقق المعنى فيه فأما من أحصره مرض أو عدم نفقة ففيه روايتان إحداهما له التحلل لعموم الآية ولأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى) رواه النسائي ولأنه محصر فأشبه من حصره العدو والثانية ليس له التحلل لأن ابن عباس وابن عمر قالا لا حصر إلا حصر العدو ولأنه لا يستفيد بالحل الانتقال من حاله والتخلص من الأذى به بخلاف حصر العدو. الشيخ: سبق أن الصواب أنه يحصل به الحصر.

باب الهدي

باب الهدي القارئ: يستحب لمن أتى مكة أن يهدي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى في حجته مائة بدنة رواه البخاري ولم يقل في حجته ويستحب استسمانها واستحسانها لقول الله تعالى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) قال ابن عباس هو الاستسمان والاستحسان والاستعظام وأفضل الهدي والأضاحي الإبل ثم البقر ثم الغنم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) متفق عليه. الشيخ: هذا الحديث فيه دليل على أنه لا يحصل على هذا الأجر إلا إذا اغتسل وقوله (غسل الجنابة) المعنى كما يغتسل للجنابة وليس من شرطه أن يكون الغسل عن جنابة وقوله (ثم راح) المراد بالرواح هنا مجرد الذهاب وليس الذهاب بعد زوال الشمس لأن الذهاب بعد زوال الشمس لا يتضمن هذه الساعات الخمس بل هو قليل جدا إذ أن يوم الجمعة كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يبرد فيها بل يصليها من حين أن تزول الشمس وربما صلاها قبل أن تزول. وجه الاستدلال من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الإبل للأسبق ويليها البقر ويليها الغنم إلا أن بعض أهل العلم قال في العقيقة إن الأفضل فيها الغنم لأن هذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن المؤلف ما تكلم على العقيقة وربما يتكلم عليها في موضعها. السائل: إذا أحصر عن الواجب فما هو الحكم؟ الشيخ: إذا أحصر عن الواجب فالأمر سهل يذبح دماً ويوزعه على الفقراء وينجبر بذلك حجه. فائدة: التقديم هنا الإبل ثم البقر ثم الغنم فيما إذا أخرج كاملا أما الغنم فالواحد منها أفضل من سبع البدنة.

القارئ: ويجوز للمتطوع أن يهدي ما أحب من كبير الحيوان وصغيره وغير الحيوان استدلالا بهذا الحديث إذ ذكر فيه الدجاجة والبيضة. الشيخ: يعني هدي التطوع لك أن تهدي ما شئت صغيرا كان أم كبيرا من بهيمة الأنعام أو من غيرها حتى من الطعام واستدل المؤلف رحمه الله بهذا الحديث فإن الدجاجة والبيضة ليست من بهيمة الأنعام والمقصود بالهدي هو نفع الفقراء في مكة. القارئ: والأفضل بهيمة الأنعام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى منها فإن كانت إبلا سن إشعارها بأن تشق صفحة سنامها اليمنى حتى يسيل الدم ويقلدها نعلا أو نحوها لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة ثم دعا ببدنه فأشعرها في صفحة سنامها اليمنى وسلت الدم عنها بيده رواه مسلم. الشيخ: أولا كيف تشعر وفي ذلك إيلام لها؟ والجواب عن ذلك أن يقال هذا الإيلام فيه مصلحة تربو على مفسدته وهو إظهار الشعائر لأن هذه الناقة أو هذا البعير إذا مر من عند الناس وقد أشعر علم أنه هدي فكان في ذلك إظهار للشعيرة. ولماذا قلد النعال والخرق البالية وما أشبه ذلك؟ الجواب ليعلم أن هذا من نصيب الفقراء فهم اللذين يلبسون النعال المقطعة والثياب المرقعة فيعلم الناس أن هذا من نصيب الفقراء فإن قال قائل أفلا يخشى أن يكون في ذلك رياء؟ قلنا خشية الرياء ترد على كل عبادة والإنسان المؤمن إذا أشعرها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم لتعظيم شعائر الله خلا قلبه من الرياء. وفي هذا الحديث أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سلت الدم عنها بيده فهل في ذلك دليل على طهارة الدم؟

هناك احتمال أن يكون الدم طاهرا لأنه لم يذكر أن الرسول غسل يده ولكن غسله يده وارد بلا شك وهناك احتمال أنه يعفى عن يسير الدم كما عليه الجمهور وإلا فهو نجس لا شك فإن كل دم يخرج من حيوان ميتته نجسة فهو نجس وخرج بقولنا ميتته نجسة ما ميتته طاهرة كالسمك إلا أنه يستثنى من هذا الآدمي فإن ميتته طاهرة ودمه نجس على رأي الجمهور لكن لو قال قائل ما هو الدليل على استثناء الآدمي؟ فإذا كانت ميتة الآدمي طاهرة فليكن دمه طاهر وإذا كان ما أبين من الآدمي من الأجزاء طاهرا فليكن الدم كذلك طاهراً على كل حال هذه مسألة بحثناها في باب إزالة النجاسة لكن هذا الحديث لا يدل على طهارة هذا الدم لوجود الاحتمالات وما وجد فيه الاحتمال سقط به الاستدلال على عين المسألة التي هي أحد الاحتماليين وليس المعنى أنه يسقط الاستدلال به مطلقا وإلا فقد يكون هناك أدلة تعين أحد الاحتماليين فلا يبقى النص مجملا. القارئ: ولأنها ربما اختلطت بغيرها أو ضلت فتعرف بذلك فترد وإن كانت غنما قلدت آذان القرب والعرى لقول عائشة كنت أفتل القلائد للنبي صلى الله عليه وسلم فيقلد الغنم ويقيم في أهله حلالًا أخرجه البخاري ومسلم نحوه، ولا يشعرها لضعفها ولأنه يستتر موضع الإشعار بشعرها وصوفها. الشيخ: بشعرها إن كانت معزاً وصوفها إن كانت ضأناً وهذا تعليل صحيح ويكفي في ذلك السنة أنها لم ترد بإشعار الغنم لكن تقلد ما ذكره من آذان القرب. فصل (في شرائط وجوب الهدي) القارئ: ولا يجب الهدي بسوقه مع نيته كما لا تجب الصدقة بالمال بخروجه به لذلك ويبقى على ملكه وتصرفه ونماؤه له حتى ينحره وإن قلده وأشعره وجب بذلك كما لو بنى مسجدا وأذن للصلاة فيه وإن نذره أو قال هذا هدي أو لله وجب لأنه لفظ يقتضي الإيجاب فأشبه لفظ الوقف.

الشيخ: هذه المسألة بماذا يتعين الهدي؟ يتعين الهدي بفعل ما يدل عليه من إشعار أو تقليد ويتعين باللفظ بقوله هذا هدي أو لله أو نحو ذلك ويتعين بالذبح إذا ذبحه مع نيته صار هديا. أما شراؤه مع النية فإنه لا يتعين به مثلا إنسان اشترى من السوق شاة يريدها هديا فإنها لا تكون هديا وله إبدالها وبيعها والتصرف فيها ونماؤها له لأن مجرد النية لا يتعين به الهدي كما لو أخذ دراهم معينة يريد أن يتصدق بها فإنها لا تكون صدقة وكما لو بنى بيتا يريد أن يوقفه ولكنه لم يقل هذا وقف فإنه لا يكون وقفا.

القارئ: وله ركوبه عند الحاجة من غير إضرار به لأن أبا هريرة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها فقال يا رسول الله إنها بدنة فقال اركبها ويلك في الثانية أو في الثالثة متفق عليه وفي حديث آخر قال اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا رواه أبو داود فإن نقصها الركوب ضمنها لأنه تعلق حق غيره بها وإن ولدت فولدها بمنزلتها يذبحه معها لما روي أن علياً رضي الله عنه رأى رجلا يسوق بقرة معها ولدها فقال لا تشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها فإذا كان يوم النحر فانحرها وولدها ولأنه معنى تصير به لله تعالى فاستتبع الولد كالعتق وله أن يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها لحديث علي ولقول الله تعالى (لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً) ولا يجوز أكثر من ذلك للخبر ولأن اللبن غذاء الولد فلا يجوز منعه منه كما لا يجوز منع الأم علفها فإن لم يمكنه المشي حمله على ظهرها لأن ابن عمر كان يحمل ولد البدنة عليها فإن لم يمكنه حمله ولا سوقه صنع به كما يصنع بالهدي الذي يخشى عطبه وإن كان عليها صوف في جزه صلاح لها جزه وتصدق به لأنها تسمن بذلك فتنفع المساكين وإن لم يكن في جزّه صلاح لم يجز أخذه لأنه جزء منها وينفع الفقراء عند ذبحها وإن أحصر نحره حيث أحصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه بالحديبية وإن تلف من غير تفريط لم يضمنه لأنه أمانة عنده فلم يضمنه من غير تفريط كالوديعة فإن تعيب ذبحه وأجزأه لأنه لا يضمن جميعه فبعضه أولى. الشيخ: كل هذا فيما إذا تعين بالتعيين أما ما كان واجبا في الذمة فإنه إذا فرط ضمنه. السائل: هل يجوز تصوير المرضى لعرضهم على المتبرعين مثل المحترقين حتى يعرضوا على المتبرعين للتبرع لحالتهم؟ الشيخ: إذا كان هناك ضرورة فلا بأس وإلا فلا. السائل: قول ابن عباس حول استسمان واستحسان واستعظام فماذا يقدم حفظكم الله الاستسمان أو الاستعظام؟

الشيخ: هذا ينظر إلى حاجة الناس إذا كان الناس في حاجة إلى اللحم فالاستعظام أولى وإذا كانوا بحاجة إلى الترفه فالاستسمان أولى وإذا كانت الحسنى من البهائم أغلى ثمنا وأنفس عند أهلها فهي أفضل. السائل: هل يجوز أو يستحب للمتمتع بعد أن يحل أن يشتري هديه ويقلده للاستحباب الذي ذكر؟ الشيخ: لا الظاهر هذا فيمن ساقه هو الذي يستحب أن يشعره ويقلده أما من اشتراه من السوق ليذبحه فهذا لا يسن فيه الإشعار ولا التقليد. السائل: إذا قلنا إن المقصود من إشعار البدن وتقليدها تعظيم شعائر الله عز وجل وبيان أنها مما يختص به الفقراء هل يمكن أن يقوم مقام ذلك الأصباغ الموجودة بأن يكتب عليها هذه هدي أو ما أشبه ذلك؟ الشيخ: الجواب أقول لا السنة أولى أن تتبع. السائل: هل البقر يشعر؟ الشيخ: فيها قولان للعلماء فمن قال إنه يلحق بالإبل قال إنه يشعر ومن قال يلحق بالغنم لأنه يذبح كما تذبح الغنم ولأنه أقل تحملا من الإبل قال لا يشعر. فصل (في عجز الهدي عن الوصول إلى الحرم)

القارئ: وإن عجز عن المشي أو عطب دون محله نحره موضعه وصبغ نعله الذي في عنقه في دمه فضرب بها صفحته ليعرفه الفقراء وخلى بينه وبينهم ولم يأكل منه هو ولا أحد من رفقته لما روى ذؤيب أبوقبيصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول إن عطب منها شيء فخشيت عليه موتاً فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من رفقتك رواه مسلم ولأنه متهم في التفريط فيها ليأكلها أو يطعمها رفقته فمنعوا من أكلها لذلك فإن لم يذبحها عند خوفه عليها حتى تلفت ضمنها لأنه فرط فيها فلزمه ضمانها كالوديعة إذا رأى من يسرقها فلم يمنعه وإن أتلفها ضمنها لأنه أتلف مالاً تعلق به حق غيره فضمنه كالغاصب ويلزمه أكثر الأمرين من قيمتها أو هدي مثلها لأنه لزمته الإراقة والتفرقة وقد فوتهما فلزمه ضمانهما كما لو أتلف شيئين فإن كانت قيمتها وفق مثلها أو أقل لزمه مثلها وإن كانت أكثر اشترى بالفضل هديا آخر فإن لم يسع اشترى به لحما وتصدق به لأنه أقرب إلى المفوت ويحتمل أن يتصدق بالقيمة وإن أكل مما منع من أكله ضمنه بمثله لحما كما ذكرنا. وإن أتلفها غيره فعليه قيمتها لأنه لا تلزمه الإراقة فلزمته قيمتها كغيرها ويشتري بالقيمة مثلها فإن زادت فالحكم على ما ذكرنا فيما إذا ماأتلفها صاحبها وإذا اشترى هديا فوجده معيبا فله الأرش ويحتمل أن يكون للمساكين لأنه بدل عن الجزء الفائت من حيوان جعله لله تعالى فكان للمساكين كعوض ما أتلف منه بعد الشراء ويكون حكمه حكم الفاضل عن المثل ويحتمل أن يكون له لأن النذر إنما صادف المعيب بدون الجزء الفائت فلم يدخل في نذره فلا يستحق عليه بدله.

الشيخ: خلاصة هذا الفصل أنه إذا ساق الهدي فعجز عن المشي أو عطب دون محله فإنه يذبحه ولا يدعه يموت فإن تركه يموت مع قدرته على ذبحه ضمنه وإذا ذبحه فإنه لا يأكل منه لا هو ولا رفقته للحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله ولأن الإنسان يتهم قد يتعجل ويتسرع في ذبحه خوفا من تلفه وهو يمكن أن يعيش فلما كانت التهمة واردة منع الإنسان من ذلك. أما إذا أتلفه غيره فيقول إنه يضمنه بالقيمة وهذا مبني على أن الحيوان ليس مثليا والصحيح أن الحيوان من المثليات وأنه يجب ضمانه بمثله ما لم يتعذر ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استسلف بكرا ثم لما أفاء الله عليه أمرهم أن يعطوا الرجل بدل بكرة فقالوا إنا لم نجد إلا خيارا رباعية فقال لهم أعطوه فإن خير الناس أحسنهم قضاءً وكان صلى الله عليه وسلم يستسلف على إبل الصدقة البعير بالبعيرين والبعيرين بالثلاثة وهذا يدل على أن الحيوان مثلي وهو كذلك في الواقع لكن إن تعذر المثل بأن لم يوجد إلا أكبر منه أو أصغر منه أو أحسن منه فحينئذٍ لا يلزم الإنسان إلا بالقيمة. فصل (في زوال الملك عن الهدي) القارئ: ولا يزول ملكه عن الهدي والأضحية بإيجابهما نص عليه وله إبدالهما بخير منهما وقال أبو الخطاب يزول ملكه وليس له بيعه ولا إبداله لأنه جعله لله تعالى فأشبه المعتق والموقوف ووجه الأول أن النذور محمولة على أصولها في الفروض وفي الفرض لا يزول ملكه وهو الزكاة وله إخراج البدل فكذلك في النذور وأما بيعها بدونها فلا يجوز لأن فيه تفويت حق الفقراء من الجزء الزائد فلم يجز كما لو أخرج في الزكاة أدنى من الواجب ولا يجوز إبدالها بمثلها لأنه تفويت لعينها من غير فائدة تحصل.

الشيخ: معناه أن الهدي إذا تعين فهل يزول ملك المهدي أو لا؟ في هذا قولان للعلماء أحدهما أنه يزول ملكه والثاني أنه لا يزول والصحيح أنه يزول ملكه ويدل لهذا أنه لو كان لا يزول ملكه للزمه الضمان بكل حال مع أنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط وهذا يدل على أن الهدي بيده أمانة فالصواب أنه يزول ملكه فإذا قال هذا هدي فهو كما لو قال عن البيت هذا وقف لكن هل له أن يبدله؟ نقول إن كان البدل أدنى فليس له ذلك لأنه يفوت الجزء الأعلى على مستحق هذا الهدي وإن كان البدل أعلى فله ذلك ويدل لهذا حديث الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وقال يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس فقال صلها هاهنا فأعاد عليه قال صلها هاهنا فأعاد عليه فقال شأنك إذن يعني إلزم شأنك إذن فدل ذلك على أن الانتقال من مفضول إلى أفضل في النذر المعين جائز فكذلك يقال في الهدي المعين وكذلك يقال على القول الراجح في الأوقاف إذا أراد الإنسان أن ينقلها إلى ما هو أفضل فله ذلك. إذا أبدله بمثله فليس له ذلك لأنه نقل لملكه المعين بدون فائدة والأصل أنه لما عين تعين فلا يبدله بمثله. القارئ: فصل في وجوب الهدي في الذمة. الشيخ: هذا العنوان خطأ والصواب في حكم الواجب من الهدي في الذمة. القارئ: ومن وجب في ذمته هدي فعينه في حيوان تعين لأن ما وجب به معين جاز أن يتعين به ما في الذمة كالبيع ويصير للفقراء فإن هلك بتفريط أو غيره رجع الواجب إلى ما في الذمة كما لو كان له عليه دين فباعه به طعاما فهلك قبل تسليمه فإن تعيب أو عطب فنحره لم يجزئه لذلك وهل يعود المعين إلى صاحبه فيه روايتان إحداهما يعود ذكره الخرقي فقال صنع به ما شاء لأنه إنما عينه عما في ذمته فإذا لم يقع عنه عاد إلى صاحبه كمن أخرج زكاته فبان أنها غير واجبة عليه والأخرى لا يعود لأنه صار للمساكين بنذره فلم تعد إليه كالذي عينه ابتداء.

الشيخ: هذه المسألة إذا وجب عليه هدي في ذمته كهدي التمتع أو هدي جزاء الصيد أو ما أشبه ذلك فعينه قال هذا عن هدي التمتع أو هذا عن جزاء الصيد فإنه كما سبق على القول الراجح يكون للفقراء فإذا هلك أو ضل أو تعيب أو أصابه ما لا يمكن الإجزاء معه فإن عليه بدله على كل حال سواء فرط أو لم يفرط لأنه وجب في الذمة فلا بد من أن يؤديه كاملا من غير نقص. وإذا ذبح بدله ثم عاد الذي ضل أو برئ من العطب أو ما أشبه ذلك فهل يعود هذا إلى ملكه أو لا يعود؟ في هذا قولان للعلماء أصحهما ما ذهب إليه الخرقي رحمه الله أنها إذا رجعت إليه رجعت ملكا له ووجهه أنه أتى ببدله ولا يمكن أن يجمع له بين البدل والمبدل منه لأن الرجل أبرأ ذمته فلا تعود إليه هذه التي ضلت أو عطبت إلا ملكا له لأنه أتى ببدلها وهذا هو الصحيح. القارئ: وهل تعود إلى ذمته مثل المعين أو مثل الواجب في الذمة؟ ينظر فإن تلف بغير تفريط لم يلزمه أكثر مما في الذمة لأن الزائد إنما تعلق بالعين فسقط بتلفها وإن تلف بتفريط لزمه أكثر الأمرين لأنه تعلق بالمعين حق الله تعالى فإذا أتلفه فعليه مثل ما فوته. الشيخ: هل يجب عليه ما يجزئ أو يجب عليه مثل الذي تلف؟ نقول إن تلف بتفريطه وجب عليه مثل الذي تلف وإن تلف بغير تفريط وجب عليه ما يجزئ يعني الواجب في الذمة والواجب في الذمة هو ما يجزئ ولنفرض أنه اشترى لهدي التمتع شاة جيدة طيبة سمينة فعطبت بغير تفريط منه فهل يجب عليه أن يشتري شاة سمينة يذبحها عن التي عطبت؟ الجواب لا لأنه غير مفرط أما إن فرط فهلكت وجب عليه مثلها لأنه هو الذي أتلفها بصفتها الجيدة على مستحقيها وهم الفقراء.

القارئ: وإن ولد هذا المتعين تبعه ولده لما ذكرنا في المعين ابتداء فإن تعيبت الأم فبطل تعينها ففي ولدها وجهان أحدهما يبطل تبعا كما ثبت تبعا والثاني لا يبطل لأن بطلانه في الأم لمعنى اختص بها بعد استقرار الحكم في ولدها فلم يبطل فيه كما لو ولدت في يد المشتري ثم ردها لعيبها. الشيخ: وهذا محل تردد قد يقال إنه يتبعها وقد يقال إنه لا يتبعها لأنه لما بطل في الأم بطل في الولد لكن الأحوط أن يقال له اذبحه لأن الأم بطل التعين فيها لمعنى يختص بها حيث إنها عطبت وأخذ بدلها وقلنا أن البدل يكفي عنها وإذا وجدت فإنه لا يجب ذبحها لكن إذا كان لها ولد فالاحتياط أن يذبحه. فصل (في ذبح الهدي بغير أمر صاحبه) القارئ: وإذا ذبح هديه أو أضحيته إنسان بغير أمره في وقته أجزأ عنه لأنه لا يحتاج إلى قصده فإذا فعله إنسان بغير إذنه وقع الموقع ولا ضمان على الذابح لأنه حيوان تعين إراقة دمه على الفور حقا لله تعالى فلم يضمنه كالمرتد.

الشيخ: وهذه من غرائب العلم إنسان عرف أن هذه الشاة هدي لفلان فقام فذبحها بغير توكيل منه وبغير أمر ولا إذن فما الحكم يقول المؤلف هنا تجزئ لأن هذه العين تعين ذبحها لتعينها أضحية أو هديا فإذا أتلفها متلف فلا ضمان كما لو قتل المرتد فإنه لا يقتص منه وإن كان قتل المرتد لولي الأمر فهذه الشاة التي تعينت هديا أو أضحية الذي يتولى ذبحهاه صاحبها فهي الآن مستحقة للذبح فإذا ذبحها ذابح قلنا هذا افتيات على صاحبها لكنها تجزئ عن صاحبها وهذه من الغرائب أن يقال شخص أجزأت عنه عبادة لم يعلم بها ولم ينوها فيقال لا غرابة في ذلك لأن الرجل لما عينها تعينت للذبح وإن كان حين ذبحها لم ينوِ ذبحها لكن أصل تعينها إنما عينها لتذبح ولكن مثل هذا لو علمنا أن قصده العدوان فهل يعزر أو لا؟ نعم يعزر ولو قال صاحبها أنا لا أرضى أنه يتولى ذبحها هذا افتيات علي وأنا أطالبه بضمانها وهي له فهذا يتوجه أن يقال نعم له ذلك حتى لا يفتات أحد على أحد وإن كان في الأصل لا يجوز لأنه لما ذبحها تعينت وصار هذا اللحم هديا يوزع على الفقراء فلا يصح أن يؤخذ بدله شاة لتذبح لكن لو رأى ولي الأمر أن في هذا مصلحة لكان هذا متوجه. السائل: هل هذا خاص بهذه الصورة مثلاً في الزكاة لو علم رجل بأن هذه الشياه زكاة فلان فأخرجها بغير علمه وأعطاها لمستحقه هل تجزئ؟ الشيخ: لا تجزئ عن الزكاة والفرق بينهما أن الزكاة لا تتعين حتى لو قال عن شاة هذه عن أربعين شاة عندي ما تتعين أما الأضحية فإنها تتعين فإذا ذبحت وقعت في الموقع أما مسألة الزكاة فللمزكي أن يغير رأيه ويخرج شاة أخرى سواء كانت مثل الشاة الأولى أو أقل. فصل (في حكم الأكل من الهدي)

القارئ: ويجوز الأكل من هدي التمتع والقران لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن متمتعات إلا عائشة فإنها كانت قارنة لإدخالها الحج على عمرتها وقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة قالت فدخل علينا بلحم بقر فقلت ما هذا فقيل ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه رواه مسلم ولأنه دم نسك فجاز الأكل منه كالأضحية. الشيخ: رحم الله أبا محمد عنده حديث صريح صحيح أحسن من هذا وهو حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها هذا حديث صحيح صريح من فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. القارئ: ولا يجوز الأكل من واجب سواهما لأنه كفارة فلم يجز الأكل منه ككفارة اليمين وعنه له الأكل من الجميع إلا المنذور وجزاء الصيد. الشيخ: والأقرب أن ما وجب كفارة فإنه لا يأكل منه لأنه كفارة فلو قيل بالأكل منه لعادت المنفعة إلى المكفر ولهذا ذكرنا فيما سبق أن دم الشكران يجوز الأكل منه ودم الجبران لا يجوز الأكل منه وأن من هدي الشكران هدي التمتع والقران أما المحصر فذكرنا أنه يحتمل أنه شكران حيث إن الله خفف فأذن للإنسان إذا أحصر أن يتحلل ويهدي ويحتمل أنه جبران لأنه أسقط شيئاً من واجبات النسك والظاهر لي والله أعلم أن الهدي الذي ذبحه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه في الحديبية أنهم أكلوا منه فيكون أقرب إلى كونه دم شكران.

القارئ: ولا يجوز الأكل من الهدي المنذور في الذمة لأنه نذر إيصاله إلى مستحقيه فلم يجز أن يأكل منه كما لو نذر لهم طعاماً وما ساقه تطوعا استحب الأكل منه سواء عينه أو لم يعينه لقول الله تعالى (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) وأقل أحوال الأمر الاستحباب وقال جابر أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكل منها وحسا من مرقها ولأنه دم نسك فأشبه الأضحية قال ابن عقيل حكمه في الأكل والتفريق حكمها وقال جابر كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال كلوا وتزودوا فأكلنا وتزودنا رواه البخاري ومسلم نحوه والمستحب الاقتصار على اليسير في الأكل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في بدنه وإن أطعمها كلها فحسن فإن النبي صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات ثم قال من شاء اقتطع رواه أبو داود وظاهر هذا أنه لم يأكل منها شيئا ويجوز للمهدي تفريق اللحم بنفسه ويجوز إطلاقه للفقراء استدلالا بهذا الحديث.

الشيخ: كلام المؤلف أن الهدي المنذور لا يجوز الأكل منه ولو قيل بجواز الأكل منه لأن الناذر إذا قال لله علي نذر أن أهدي هديا وهدي التطوع يؤكل منه فهو يريد الهدي الذي يتطوع به الإنسان لكن هنا مسألة غير مسألة الهدي لو نذر الإنسان أن يذبح شاة أو بعيرا لحصول نعمة أو زوال نقمة كما يفعل بعض الناس يقول إن شفى الله مريضي فلله علي نذر أن أذبح شاة أو أن أذبح بعيرا فهل يأكل منه أو لا يأكل؟ نقول الأصل أن ما كان في مقابلة نعمة فالمراد به شكر النعمة وإذا كان المراد به الشكر صار حقا للفقراء والمساكين فلا يأكل منه شيئا إلا لو دلت القرينة على أن المراد أن يطعم الجيران وأن يفعل حفلا كما لو قيده بالعرس مثلا مثل أن يقول إن تزوج ابني فلله علي نذر أن أذبح بعيرا فهذا نعلم أنه لا يريد بهذا التقرب إلى الله بالبعير أو شكر النعمة وإنما أراد أن يوسع الحفل ويكبره فهذا له أن يأكل والحاصل أن النذر في مقابلة النعمة أو اندفاع نقمة الأصل فيه أنه شكر لله عز وجل فيكون للفقراء كقوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) إلا إذا قامت قرينة على أن المراد بذلك الذبح العرفي يعني غير القربة فيعمل بهذه القرينة. فصل (فيمن نذر هديا دون تحديده)

القارئ: إذا نذر هديا مطلقا فأقل ما يجزئه شاة أو سبع بدنة أو بقرة لأن المطلق يحمل على أصله في الشرع ولا يجزئ إلا ما يجزئ في الأضحية ويمنع فيها من العيب ما يمنع فيها وإن عينه بنذره ابتداء أجزأه ما عينه كبيرا أو صغيرا أو حيوانا أو غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فكأنما قرب دجاجة وكأنما قرب بيضة) وإذا أطلق بالنسبة إلى مكانه وجب إيصاله إلى فقراء الحرم لأن ذلك المعهود في الهدي وإن عين الذبح بمكان غيره في نذره لزمه ذلك ما لم يكن فيه معصية لما روي أن رجلا قال يا رسول الله إني نذرت أن أنحر ببوانة قال هل بها صنم قال لا قال أوف بنذرك رواه أبو داود. فصل (فيما يجزئ من وجب عليه هدي) القارئ: ومن وجب عليه دم أجزأه ذبح شاة أو سبع بدنة أو بقرة لقول ابن عباس في هدي المتعة شاة أو شرك في دم فإن ذبح احتمل أن يكون جميعها واجب كما لو اختار التكفير بأعلى الكفارات واحتمل أن يكون سبعها واجبا وباقيها تطوعا لأن سبعها يجزئه فأشبه ما لو ذبح سبع شياه. الشيخ: إذا وجب عليه دم أجزأه شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة فإن ذبح بدنة عن الشاة فهل يكون الواجب السُبع أو تكون هي كلها واجبة؟ ذكر فيها احتمالين والظاهر أنه على حسب ما نوى إذا ذبح بدنة فنوى سبعها فقط صار الواجب السُبع والباقي لحم يفعل به ما شاء وإن نواها مطلقا عما وجب في ذمته فهل يقال إنه يثاب ثواب الواجب على سُبع منها والباقي يثاب ثواب التطوع أو يقال ينسحب حكم الواجب على جميعها لأن الواجب لم يتميز؟ الظاهر أنه ينسحب على جميعها لأنه لم يخصص السُبع للواجب فهذا هو الأقرب والفرق بينه وبين ما إذا عين شاة من سبع شياه ظاهر جدا لأن الشاة من سبع شياه متميزة منفصلة.

القارئ: ومن وجب عليه بدنة بنذر أو قتل نعامة أو وطء أجزأه سبع من الغنم لأنها معدولة بسبع والشياه أطيب لحماً وقد روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال إن علي بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن رواه ابن ماجه، وقال ابن عقيل إنما يجزئ ذلك مع عدم البدنة لأنها بدل فيشترط فيه عدم المبدل والأول أولى لما ذكرنا. الشيخ: لكن قال بعض أهل العلم هذا صحيح أن سبعة شياه تجزئ عن البدنة والبقرة لأنها أطيب لحما وأكثر نفعا إلا في جزاء الصيد فإن الشياه لا تجزئ عن البدنة وذلك لأن المعتبر في جزاء الصيد المثلية وهذه تفوت فلو ذبح سبع شياه عن النعامة فإنه لا يجزئ لأن النعامة الواجب فيها البدنة لكن المذهب مطلقاً أنه تجزئ سبع شياه عن البدنة أو البقرة حتى في جزاء الصيد. القارئ: وإن وجبت عليه بدنة فذبح بقرة أجزأته لما روى جابر قال كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل له والبقرة فقال وهل هي إلا من البدن رواه مسلم وقال ابن عقيل إن نذر بدنة لزمه ما نواه فإن لم ينو شيئا ففيه روايتان إحداهما هو مخير على ما ذكرناه والثانية إن لم يجد البدنة أجزأته بقرة فإن لم يجد فسبعا من الغنم وعنه عشر لأنه بدل فلا يجزئ مع وجود الأصل فأما من وجب عليه سبع من الغنم فإنه يجزئه بدنة أو بقرة لأنها تجزئ عن سبع في حق سبعة ففي حق واحد أولى. الشيخ: إذا وجب عليه بدنة فذبح عنها بقرة تجزئ لكن ينبغي أن يقال إلا في جزاء الصيد لأن جزاء الصيد لا بد فيه أن يكون مثله.

باب الأضحية

وقال ابن عقيل إن نذر بدنة لزمه ما نواه فإن لم ينو شيئا ففيه روايتان إحداهما مخير على ما ذكرناه أي بين البدنة والبقرة والثانية إن لم يجد البدنة أجزأته بقرة وهذه الرواية أولى لأنه إذا نذر البدنة ثم قلنا تجزئ البقرة فقد أجزأ الأدون عن الأعلى فالبعير أكثر لحما والبقر أيضا عند بعض الناس لا يؤكل فالصواب أنها لا تجزئ اللهم إلا إذا كان الناس يحبون أكل لحم البقر أكثر مما يحبون أكل لحم الإبل فحينئذ قد يقال بالإجزاء لأنه وإن كانت أقل حجما فهي أرغب عند الناس وأطيب. وإذا وجب عليه سبع من الغنم فهل تجزئه بقرة أو بدنة؟ الجواب نعم وقيل إنها لا تجزئ ولكن ينبغي أن يقال بالإجزاء ما لم يكن ذلك في جزاء الصيد فإن جزاء الصيد لا بد فيه من المماثلة وقوله وعنه عشر من الغنم لأن بعض العلماء رحمهم الله قال إن البعير عن عشر وإن البقرة عن سبع وقال بعضهم البعير عن عشر في الأضحية والبقرة عن سبع أما في الهدي فكلتاهما عن سبع لأنه ورد في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى مع أصحابه وأنهم ذبحوا عن البدنة عشرة لكن المشهور عند أكثر أهل العلم أن البدنة والبقرة كلتاهما عن سبع. السائل: إذا هرب الهدي فرماه ومات أيجزئ؟ الشيخ: الجواب نعم يجزئ لأن لها أوابد كما قال رسول الله كأوابد وحش فما ند فاصنعوا به هكذا. باب الأضحية القارئ: وهي سنة مؤكدة لما روى أنس رضي الله عنه قال ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما متفق عليه قال أبوزيد الأملح الأبيض الذي فيه سواد وقال ابن الأعرابي هو الأبيض النقي.

الشيخ: أفادنا المؤلف رحمه الله في هذه الجملة أن الأضحية سنة مؤكدة فاستفدنا أن السنن قد تكون مؤكدة وقد تكون غير مؤكدة وللعلماء في هذا اصطلاح فعند الحنفية إذا قالوا سنة مؤكدة فهذا يعني أنه واجب ولكن الجمهور على أن السنة المؤكدة لا تصل إلى حد الواجب وهو كذلك في كلام المؤلف رحمه الله واستدل على كونها سنة مؤكدة بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث ضحى بكبشين أملحين أقرنين الكبش هو العظيم من الخراف من الضأن والأقرن هو ذو القرون وذو القرون أكمل خلقة مما فقدهما والأملح بينه المؤلف رحمه الله أنه الأبيض النقي وقيل الذي فيه سواد يعني أن بياضه مختلط بالسواد. القارئ: والتضحية أفضل من الصدقة بقيمتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم آثارها على الصدقة. الشيخ: هذا صحيح التضحية أفضل من الصدقة بثمنها حتى وإن كان في الناس مجاعة فإن الأضحية أفضل ولهذا لما حصلت مجاعة في المدينة في عام من الأعوام أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن لا يدخروا فوق ثلاث يعني أن يوزعوا اللحم كله لا يزيد على ثلاثة أيام وفي العام الثاني بيّن لهم أنه إنما نهاهم عن الادخار فوق ثلاث من أجل الدافة التي دفت وأن لهم أن يأكلوا ويدخروا ما شاؤوا فدل هذا على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة ولو كان هناك مجاعة وهو كذلك لأن ذبح الأضحية أهم ما فيه التقرب إلى الله عز وجل بالذبح قال الله تعالى (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) فيحصل بالأضحية التقرب إلى الله بالذبح والصدقة ويدل لذلك أن الله قرن النحر بالصلاة فقال (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وقال تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فذبحها أفضل من الصدقة بثمنها لما يترتب على الذبح من القربان والتقرب إلى الله عز وجل.

القارئ: وليست واجبة لأنه روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان عن أهلهما مخافة أن يرى ذلك واجبا وروت أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي) رواه مسلم. الشيخ: أولا نفى المؤلف الوجوب والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم وقد بسطنا ذلك في كتابنا كتاب الأضحية والذكاة فمن أراد أن يتوسع في هذا فليرجع إليه وظاهر كلام شيخ الإسلام رحمه الله أنها واجبة لأنها شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة ولأن الله تعالى عوض بها المسلمين في بلادهم عن الهدي الذي يشرع للحجاج فهناك آيات وأحاديث تدل على الوجوب وأما ما ذكره رحمه الله عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فمن المعلوم أن قولهما حجة لكن إذا خالف النص فالعبرة بالنص. ثم اعلم أن من العلماء من استدل بالحديث الذي أورده المؤلف عن أم سلمة على أن الأضحية ليست واجبة لقوله (وأراد أحدكم أن يضحي) ولكن هذا لا ينفي الوجوب كما لو قلت إذا دخل وقت الظهر وأردت الصلاة فتوضأ هل أحد يقول إن مثل هذه العبارة تدل على أن الصلاة غير واجبة؟ فقوله (أراد أن يضحي) من المعلوم أن إرادتي تابعة لمراد الشرع فإذا دلت الأدلة على وجوب الأضحية فإن هذا لا يعد معارضا لها ولا مانعاً للوجوب. وقوله (فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا) فيه زيادة الثالث وهو البشرة يعني الجلد فلا يأخذ من هذه الأشياء الثلاثة الشعر والأظفار والبشرة. القارئ: قال القاضي هذا نهي كراهية لا تحريم بدليل قول عائشة كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها بيده ثم يبعث بها ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي متفق عليه.

الشيخ: هذا غريب من بعض العلماء أن يستدل بمثل هذا الحديث على أنه ليس للتحريم لأن الحديثين غير واردين على شيء واحد هذا في الهدي وحديث أم سلمة في الأضحية ولا يصح نقل أحدهما للآخر ثم إن هذا أيضا مقيد بالعشر والهدي الذي يبعثه الرسول عليه الصلاة والسلام غير مبين في الحديث فكيف يعارض به حديث أم سلمة لكن يفتح الله على من يشاء وأشد ما يكون في مثل هذا الاستدلال الذي لا وجه له إذا اعتقد الإنسان الشيء قبل أن يستدل وهذه آفة عظيمة تحصل لطالب العلم المستدل أن يحاول حمل النصوص على ما كان يعتقد فتجده يستدل استدلالا مستكرها أو بعيدا ولهذا الموفق رحمه الله عارض من استدل به. القارئ: ويمكن حمل الحديث على ظاهره في التحريم ولا تعارض بين الحديثين لأن أحدهما في الأضحية والآخر في الهدي المرسل ولو تعارضا لكان حديث أم سلمة خاصا في الشعر والظفر فيجب تقديمه فإن فعل استغفر الله تعالى ولا فدية عليه. الشيخ: هذا أيضاً وجه آخر لو فرض التعارض فعائشة تقول رضي الله عنها (ولا يحرم عليه شيء أحله الله له) هذا عام وحديث النهي عن الأخذ من الشعر والظفر والبشرة خاص. واختلف العلماء لماذا نهي عن أخذ الشعر والظفر فقيل لأن الأضحية فدية تفدي الإنسان من النار فينبغي أن يكون الفداء واقعا على جميع أجزاء البدن. وهذا التعليل عليل أولا لأن كونها فدية يتقي بها الإنسان النار فيه حديث ضعيف لا تقوم به حجة. وثانيا أن نقول إذا أعتق الله العبد عتق كله سواء أخذ من أظفاره أم لم يأخذ. وقال بعض أهل العلم إن الحكمة من ذلك هو أن يشارك الناس الحجاج في بعض خصائص الإحرام لأن الإحرام لا يؤخذ من الشعر ولا من الظفر فمن أجل المشاركة نهي عن الأخذ من ذلك. وقيل إنه تعبدي بمعنى أن العلة في ذلك هو نهي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا أسلم أما أن يتمحل الإنسان عللا غير مطردة فهذا لا ينبغي. فصل (فيما يجزئ في الأضحية)

القارئ: ولا يجزئ إلا بهيمة الأنعام لقول الله تعالى (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ). الشيخ: وهي ثلاثة وهي الإبل والبقر والغنم وسميت بهيمة لأنها لا تتكلم. القارئ: ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني من غيره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تذبحوا إلا مسنة فإن عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن) رواه مسلم والثنية من البقر هي المسنة ومن الإبل ما كمل لها خمس سنين قاله الأصمعي. الشيخ: الجذع من الضأن ما تم له نصف سنة وله علامة وهو أن ينام الشعر على ظهره أما الثني من الغنم فما له سنة ومن البقر سنتان ومن الإبل خمس سنوات إذن عندنا شرطان الشرط الأول أن تكون من بهيمة الأنعام والشرط الثاني أن تبلغ السن المحددة شرعا. القارئ: وأفضلها البياض لأنه صفة أضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ما كان أحسن لونا. فصل (في إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة) القارئ: وتجزئ البدنة عن سبعة وكذلك البقرة لقول جابر كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها رواه مسلم ويجوز أن يشتركوا فيها سواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم القربة والباقون اللحم لأن كل سبع مقام شاة ويجوز أن يقسموا أنصباءهم لأن القسمة إفراز حق والحاجة داعية إليه. الشيخ: وهل المراد سبعة أشخاص أو سبع من الغنم؟ الثاني هو المراد أي أن السُبع يقوم مقام شاة وبناء على ذلك لو أن الإنسان ضحى بسُبع من البقر أو الابل عنه وعن أهل بيته لكفى حتى لو كان أهل بيته ألفا ولهذا قال المؤلف رحمه الله لأن كل سُبع مقام شاة يعني يقوم مقام الشاة. ولا فرق بين أن يريد الجميع القربة أو بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم فلو كان أحدهم يريد أضحية والثاني يريد هديا والثالث يريد فدية والرابع يريد لحما فلا بأس به.

ولا بد أن يكونوا مشتركين فيها من قبل الذبح فلو ذبحها ثلاثة عنهم ثم جاء إنسان بعد الذبح وقال أشركوني فأشركوه فإن ذلك لا يصح لأنها قد ماتت بالذبح ولا يمكن الاشتراك فيها بعد ذبحها. وهل لو اشترك ثلاثة فاشتروها ثم جعلوا ينتظرون الناس فجاء أناس بعد الشراء وقبل الذبح وشاركوا الثلاثة والثلاثة لم يعينوها عن أنفسهم فهل يجوز؟ نعم يجوز لأن ثلاثة لم يعينوها عن ثلاثة ولم يذبحوها فهم ينتظرون الناس فإذا جاء الناس وتلاحقوا فيما بينهم فجائز. ولو تبين زيادة واحد ذبحوها على أنهم سبعة وتبين زيادة واحد أنهم ثمانية فماذا يصنع؟ قال الفقهاء يذبحون شاة لأحدهم وفي هذه الحال صارت الشاة الآن مشاعة بين الثمانية لكن هذا للضرورة وإلا فإن الغنم لا يشترك فيها اثنان على وجه الشيوع أبداً. فصل (في استحباب نحر الهدي بيد صاحبه) القارئ: ويستحب أن ينحر الهدي والأضحية بيده لحديث أنس ويجوز أن يستنيب فيه لما ذكرنا في الهدي ويجوز أن يستنيب كتابياً لأنه من أهل الذكاة ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم لأنها قربة فالأفضل أن لا يليها كافر بالله وعنه لا يجوز أن يليها كافر لذلك. الشيخ: والصحيح أنه لا يصح إلا عند الضرورة. القارئ: ويستحب لمن استناب أن يحضرها لما روى أبوسعيد أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة احضري أضحيتك يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها ويقول عند الذبح بسم الله والله أكبر لحديث أنس وإن قال اللهم هذا منك ولك اللهم تقبل مني أو من فلان فحسن لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال على أضحيته (اللهم هذا منك ولك عن محمد وأمته بسم الله والله أكبر) ثم ذبح وفي رواية قال (بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمة محمد) ثم ضحى رواه مسلم وليس عليه أن يقول عن فلان لأن النية تجزئ. الشيخ: وإن قال عن فلان فهو جيد كما يقول اللهم تقبل هذا عن محمد وآل محمد يقول هذا عن فلان. فصل (في وقت ذبح الهدي والأضحية)

القارئ: وأول وقت الذبح في حق أهل المصر إذا صلى الإمام وخطب يوم النحر لما روى البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى) متفق عليه وفي حق غير أهل المصر قدر الصلاة والخطبة لأنه تعذر في حقهم اعتبار حقيقة الصلاة فاعتبر قدرها وقال ....

كتاب البيع

كتاب البيع القارئ: البيع حلال لقول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وهو نوعان. الشيخ: البيع حلال كما قال المؤلف رحمه الله واستدل له بقول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وتحليل البيع من محاسن الشريعة وذلك لأن الإنسان ربما يحتاج إلى دراهم وليس عنده إلا عروض فكيف يحصل الدراهم؟ يحصلها إذا باع ما عنده من العروض من عقارات أو سيارات أو أقمشة أو أطعمة فيحصل الدراهم كذلك أيضاً ربما يكون الإنسان الذي عنده الدراهم محتاجاً إلى شيء معين من الأموال كسيارة أو نحوها بماذا يحصلها؟ يحصلها بالبيع فالبيع من محاسن الشريعة وقد يجب البيع أحياناً وقد يجب الشراء أحياناً فيجب الشراء مثلاً على من وجد ماء يباع وليس معه ماء وهو يريد الصلاة فهنا يجب عليه أن يشتري ويجب البيع على من كان عنده فضل وأحتاج إليه آخر كإنسان عنده ماء يحتاج إليه آخر فيبيعه عليه وجوباً فالمهم أن البيع الأصل فيه الحل لكن قد يجب أحياناً وقد يجب الشراء أحياناً ولم يعرفه المؤلف لأنه ظاهر لكن عرفه غيره من الفقهاء فقالوا هو (مبادلة مال بمال على التأبيد غير ربا وقرض) فقولنا (على التأبيد) خرج به الإجارة لأن الإجارة غير مؤبدة وقولنا (غير ربا) خرج به الربا فليس ببيع ولو صار فيه تبادل مال بمال وقولنا (وقرض) خرج به القرض أيضاً فإن القرض وإن كان مبادلة مال بمال لكنه ليس بيعاً فأنت تعطيني ريال قرضاً وأعطيك بدله ريالاً هذا تبادل ولكن ليس على سبيل المعاوضة بل هو على سبيل الإحسان والإرفاق فلا يكون بيعاً. القارئ: وهو نوعان أحدهما الإيجاب والقبول فيقول البائع بعتك أو ملكتك أو لفظاً بمعناهما. الشيخ: قوله وهو نوعان ليس المراد به البيع نوعان وإنما ما ينعقد به البيع نوعان الإيجاب وهو اللفظ الصادر من البائع والقبول وهو اللفظ الصادر من المشتري أو من يقوم مقامه. القارئ: فيقول البائع بعتك أو ملكتك أو لفظاً بمعناهما ثم يقول المشتري ابتعت أو قبلت أو نحوهما.

الشيخ: أفادنا المؤلف رحمه الله أن البيع ليس له صيغة معينة بل كلما دل على البيع أنعقد به والصواب أن هذا ثابت في جميع العقود تنعقد بما دل عليها دون تحديد لفظ معين حتى النكاح لو قال مثلاً لشخص ملكتك بنتي فقال قبلت يصح مع أنه ما ذكر التزويج وكذلك الوقف لو قال هذا على فلان وعياله ليس هناك حاجة أن يقول وقفت لأن هذا معروف على فلان وعياله يعني وقف فالصواب إذاً أن الجميع العقود تنعقد بما دل عليها عرفاً بدون تحديد لفظ. القارئ: فإن تقدم القبول الإيجاب بلفظ الماضي فقال ابتعت هذا منك بكذا فقال بعتك صح لأن المعنى حاصل فأشبه التعبير بلفظ آخر. الشيخ: إذا حصل المقصود سواء تقدم الإيجاب أو تأخر مع أن الأصل أن الإيجاب هو المتقدم لكن لو حصل العكس مع فهم المعنى فلا بأس. القارئ: وإن تقدم بلفظ الطلب فقال بعني فقال بعتك صح لأنه تقدم القبول أشبه لفظ الماضي وعنه لا يصح لأنه لو تأخر عن الإيجاب لم يصح فلم يصح متقدماً كلفظ الاستفهام. الشيخ: هذه الرواية ضعيفة لأن الرجل إذا قال بعتك كذا فقال بعني ما أحد يقول هذا أي إذا تقدم الإيجاب وقال بعتك كذا ماذا يقول المشتري؟ يقول اشتريت أما قوله بعني ما أحد يقول ذلك وقياس بعني السابقة للإيجاب على بعني التابعة للإيجاب قياس مع الفارق العظيم بعني هذا بمائة فقال نصيبك ولم يقل بعتك ولا بعت عليك بل قال نصيبك فينعقد البيع ومعنى نصيبك يعني هذا نصيبك ولا يكون نصيباً له إلا بعد تمام عقد البيع فالمهم أننا لا ننظر إلى اللفظ بكل لفظ دل عليه سواء كان سابق أو لاحق. القارئ: وإن أتى بلفظ الاستفهام فقال أبعتني ثوبك فقال بعتك لم يصح متقدماً ولا متأخرا لأنه ليس بقبول ولا استدعاء.

الشيخ: هكذا قال المؤلف رحمه الله لكن هذا في خرم للقاعدة لأنك إذا قلت ابعتني ثوبك بعشرة فقال بعتك ماذا يفهم الناس؟ أنه تم البيع فالصواب أن هذه الصورة لا ينبغي أن تخرج عما سبق فيقال كل ما دل على العقد فهو نافذ لكن على كل حال كلما كان العقد أبين وأضح كان أحسن لئلا يحصل نزاع في المستقبل فيحصل خصومة وملاحاة. القارئ: الثاني المعاطاة مثل أن يقول أعطني بهذا خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه فيصح لأن الشرع ورد بالبيع وعلق عليه أحكاماً ولم يعين له لفظا فعلم أنه ردهم إلى ما تعارفوه بينهم بيعا والناس في أسواقهم وبيعاتهم على ذلك وحكي عن القاضي أنه يصح في الأشياء اليسيرة دون الكثيرة لأن العرف إنما جرى في اليسير والحكم في الهبة والهدية والصدقة كالحكم في البيع وذلك لاستواء الجميع في المعنى. الشيخ: المعاطاة ذكر المؤلف لها صورتين الأولى أن يقول أعطني بهذا خبزاً والخبز كم بالريال؟ أربعة فأخذ أربعة خبز وأعطاه إياه فالآن عندنا معاطاة من جانب البائع لأن المشتري قال أعطني الصيغة صيغة قبول أو قال خذ هذا الثوب بدينار فأخذه وهذه تقع كثيراً في المزيادة يقول من يأخذ هذا من يأخذ هذا الثوب بريال من يأخذ بعشرة فيجيء واحد يأخذه ويسلم العشرة فالمعاطاة هنا من المشتري وقد تكون المعاطاة من الجانبين يكون مثلاً سلعة مكتوب عليها الثمن ريال موضوعة على الدكان فيأتي إنسان فيأخذ السلعة ويضع الريال بدون كلام لا من البائع ولا من المشتري فهذا معاطاة من الجانبين البائع ما تكلم والمشتري ما تكلم لكن هذا معروف فهذا الرجل ما وضع هذه السلعة أمام دكانه وكتب على كل سلعة رقم ثمنها إلا وهو يريد أن يَسْلَمَ من أعطني لا تعطني بكم وما أشبه ذلك إذن البيع ينعقد بالمعاطاة وهي كل فعل دل

على العقد كما إن الإيجاب والقبول كل لفظ دل على الإيجاب أو دل على القبول فالمعاطاة كل فعل دل على العقد وأما تقيد القاضي بأنه في الشيء اليسير فهذا في الحقيقة وإن لم يقيد لأن الناس لا يبيعون بالمعاطاة الشيء الكثير فلا يجئ واحد عنده مثلاً عقار يسوى مليون ريال يبيعه بالمعاطاة بل يبيعه بالإيجاب والقبول والكتابة والإشهاد فالناس دون أموالهم وإنما نحن نقول ينعقد بالمعاطاة هذا في الأصل لأنه لم يرد لفظ معين من الشرع حتى نتبعه. فصل القارئ: ويشترط له الرضا لقول الله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) إلا فيما يجب فإن أكره على بيع غير واجب لم يصح لعدم الرضا المشترط وإن أكره على بيع واجب صح لأنه قول حمل عليه بحق فصح كإسلام المرتد ولا يصح من غير عاقل كالطفل والمجنون والسكران والنائم والمبرسم لأنه قول يعتبر له الرضا فلم يصح من غير عاقل كالإقرار.

الشيخ: يقول إلا فيما يجب والذي يجب مر علينا في زاد المستقنع وذلك في المحجور عليه المحجور عليه لفلس يجبر على أن يبيع ماله ويستوفى دينه إذن الرضا لابد منه والرضا شرط في جميع العقود حتى في النكاح على القول الراجح حتى في البكر حتى في أبيها لا يجوز أن تزوج امرأة إلا برضاها بكراً كانت أم ثيبة وسواء كان الولي أباها أم غيره جميع العقود لابد فيها من الرضا قال تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فإذا أكره الإنسان على البيع فإنه لا يصح ولا ينعقد ومثله الإجارة وعلى هذا فلو أن الحكومة فرضت على المؤجر سنوات معينة وتمت وقال صاحب الملك للمستأجر أخرج فقال أبداً عندي قانون أني ما أخرج فهل يحل لهذا المستأجر أن يبقى بغير رضا المؤجر؟ لا لأنه يوجد الآن في بلاد أخرى غير بلادنا أنه إذا أستأجر الإنسان العقار مدة معينة لا يخرج فنقول للمستأجر أنت إن بقيت بعد تمام المدة التي قدرها المؤجر فإنك غاصب ولا تصح صلاتك على قول كثير من العلماء في هذا البيت لأن من شرط صحة الصلاة أن لا تكون في بقعة مغصوبة فصلاته غير صحيحة ويُخشى إن مِتَّ فيه ألا يختم لك بحسن الخاتمة لأنك غاصب والغاصب آثم فلا يحل لك أن تبقى فإذا قال هذا القانون القانون في المادة الثالثة والخمسون مثلاً أن من أجر بيتاً فإنه لا يمكن أن يُخرٍج المستأجر إلا برضا المستأجر فماذا نقول؟ نقول هل هذا القانون قانون سماوي؟ لا إذن أضرب به عرض الحائط أو اجعله تحت القدمين أنت الآن لا يمكن أن ينفعك واضع هذا القانون يوم القيامة إذا قيل لك لما سكنت في بيت أخيك بغير حق لا ينفعك فالقانون لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال أبداً إلا ما كان موافقاً للكتاب والسنة قوله ولا يصح من غير عاقل كالطفل والمجنون والسكران إلى أخره المراد بالطفل من لم يصل إلى حد التميز فإن كان مميزاً صح تصرفه فيما جرت به العادة كالبيضة والرمانة والبطيخة وما أشبه ذلك مما جرى به

باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز

العرف والمجنون لا يصح بيعه ولا شرائه مطلقاً لأنه لا عقل له ولا يمكن أن تتأتى منه الإرادة والسكران كذلك لا يصح بيعه ولا شرائه لأن السكران فاقد العقل والنائم كذلك لا يصح بيعه ولا شرائه لأنه لا عبرة بقوله حتى لو سمعنا النائم يقول إني بعت مالي الفلاني على زيد فإنه لا عبرة بهذا الإقرار وكذلك أيضاً المبرسم البِرْاسَم داء يصيب الإنسان في رأسه فيهذي ويكون كلامه غير منضبط هذا أيضاً لا يصح تصرفه بيعه ولا شرائه ولا غيره قال (لأنه قول يعتبره الرضا فلم يصح من غير عاقل). باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز القارئ: كل عين مملوكة يباح نفعها واقتناؤها من غير ضرورة يجوز بيعها كالمأكول والمشروب والملبوس والمركوب والعقار والعبيد والإماء لقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وقد أشترى النبي صلى الله عليه وسلم من جابر بعيرا ومن أعرابي فرسه ووكل عروة بن الجعد في شراء شاة وباع مدبراً وحلساً وقدحا وأقر أصحابه على بيع هذه الأعيان وشرائها. الشيخ: الضابط فيما يجوز بيعه (كل عين مملوكة) احترازاً مما لا يملك كالماء في نقع البئر فالماء في نقع البئر ليس مملوكاً لصاحبه حتى صاحب البئر لا يملكه و (يباح نفعها) احترازاً مما لا يباح نفعها كالكلاب لغير ما سيذكر ويباح أيضاً اقتنائها (من غير ضرورة) احترازاً مما يباح اقتنائه للضرورة ككلب الماشية والصيد والحرث هذه أيضاً لا يجوز بيعها لأنه لا يباح اقتنائها إلا عند الضرورة وقوله (يجوز بيعها) هذا خبر قوله (كل عين) يعني كل عين متصفة بهذه الصفات يجوز بيعها إذن الشروط هي أن تكون العين مملوكة مع إباحة النفع وإباحة الاقتناء من غير ضرورة يعني أو حاجة ثم مثل لذلك ثم ذكر الأدلة على جواز بيع الأعيان المملوكة المتصفة بهذه الصفات. القارئ: ويجوز بيع دود القز وبزره لأنه منتفع به.

الشيخ: دود القز هي دودة معروفة تنسج الحرير الطبيعي الأصلي فلو نظرنا إلى الدودة ليس لها قيمة لكن لها مصلحة عظيمة وهي الانتفاع بها في المآل كذلك أيضاً بزر هذا الدود وهو معروف عند أهل الصنف فهو حبات تنمى ثم تكون دودة ثم يخرج منها القز الذي هو الحرير وقوله (لأنه منتفع به) يعني في المآل. القارئ: وبيع النحل في كوارته ومنفرداً عنها إذا رؤيا وعلم قدره وبيع الطير الذي يقصد صوته كالهزار والبلبل والببغة لأنه يشتمل على منفعة مباحة أشبه الأنعام ويجوز بيع الهر الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله في النحل لابد أن يرى ويعلم قدره وهذا فيه صعوبة لكن يقال العلم هنا بقدر الإمكان إذ أن كوننا نعلم بعدد النحلات بعسيبها وما أشبه ذلك فيه صعوبة لكن يكفي أن يغلب على الظن أن مقداره كذا أو مقداره كذا فيصح للحاجة وكذلك الطير الذي يقصد صوته كالهِزَار والبلبل والببغة. القارئ: ويجوز بيع الهر وسباع البهائم والطير التي تصلح للصيد. الشيخ: قوله (يجوز بيع الهر) هذا إحدى الروايتين عن أحمد والرواية الثانية أنه لا يجوز بيع الهر لأنه ورد فيه حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه (نهى عن بيع السنور) والسنور هو الهر وعلله ابن رجب رحمه الله وغيره من أهل العلم بأن الهر ليس له ثمن في الواقع لأنه من الأشياء الدارجة بين الناس فهو يشبه الحطب ويشبه الماء يبتذل عادة فلا يجوز بيعه نعم لو أن الهر أنفرد بشيء معين واشتُريَ من أجله بأن كان هذا الهر يصيد الفأر لأن بعض الهرر يصيد الفأر وكذلك أيضاً يقتل العقرب ويقتل الوذق ويقتل الصراصر فإذا اتُخذَ لهذا فقد يقال بأنه جائز لأن فيه منفعة مباحة.

القارئ: وسباع البهائم والطير التي تصلح للصيد كالفهد والبازي ونحوهما غير الكلب في إحدى الروايتين وهي اختيار الخرقي والأخرى لا يجوز واختارها أبو بكر وابن أبي موسى فقالا لا يجوز بيعها لنجاستها فأشبهت الكلب والأول أصح لأنه حيوان أبيح نفعه واقتنائه من غير وعيد في جنسه فجاز بعيه كالحمار وبهذا يبطل ما ذكراه. الشيخ: الصحيح ما ذكره المؤلف ورجحه وهو جواز بيع السباع التي تصلح للصيد لأن فيها منفعة مباحة إلا الكلب واستثني الكلب لأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه نهى عن بيع الكلب) وهو الذي أراد المؤلف إخراجه بقوله (واقتنائه من غير وعيد في جنسه) لأن الكلب فيه الوعيد على ما اقتناه بلا حاجة وهو أنه ينقص من أجره كل يوم قيراط إذن جميع السباع الصالحة للصيد يجوز بيعها إلا الكلب لكن لو أحتاج الإنسان إلى كلب ووجده عند شخص وأبى هذا الشخص أن يبيعه فما الحكم؟ هل يجوز لمن احتاجه أن يشتريه؟ نعم يجوز لكن لا على أنه بيع وشراء ولكن على أنه استنقاذ لهذا الكلب من هذا الرجل فالذي أخذه وأعطى القيمة يجب أن يعتقد بأن هذا ليس بيعاً ولا شراءاً لأنه لو أعتقد أنه بيع وشراء لكان في ذلك معصية للرسول عليه الصلاة والسلام فهذا الذي باعه وأبى أن يبيعه إلا بدراهم هل تحل له هذه الدراهم؟ لا لأننا نقول لهذا الرجل إن لم يكن لك به حاجة فالواجب عليك إرساله لأنه لا يجوز اقتناء الكلب إلا للأمور الثلاثة فإذا لم يكن لك به حاجة فالواجب إرساله وإن كان لك به حاجة فإنه لا يجوز أن تأخذ عن ذلك ثمناً لأن الرسول نهى عنه وإلا فقد يقول أنا لا أخذ ثمن لكن أنا أريد أن أتنازل عن حقي في هذا الكلب لهذا الرجل نقول هذا تحيل وهو في الحقيقة بيع إذن جميع السباع التي يصطاد بها أو يحترز بها الإنسان فإنه يجوز بيعها إلا الكلب فهذه قاعدة مفيدة.

القارئ: ويجوز بيع الجحش الصغير والفهد الصغير وفرخ البازي لأنه يصير إلى حال ينفع فأشبه طفل العبيد وما ينفع من بيض الطير لمصيره فرخاً فهو كفرخه لأن مآله إلى النفع وقال القاضي لا يجوز بيعه لعدم نفعه في الحال قال أحمد أكره بيع القرد قال ابن عقيل هذا محمول على بيعه للإطافة به واللعب فأما بيعه لحفظ المتاع فيجوز لأنه منتفع به وقال أحمد أكره بيع لبن الآدميات فيحتمل التحريم لأنه مائع خرج من آدمية أشبه العرق ويحتمل كراهة التنزيه لأنه طاهر منتفع به أشبه لبن الشاة.

الشيخ: بيع القرد يقول أحمد أكره بيعه بيع القرد ومن مصطلحات أصحاب الإمام أحمد أنه إذا قال أكره فيعني به التحريم وعلى هذا فيكون بيع القرد حرام وما أجدر هذا القول بالصحة وهو أنه يحرم بيعه لأن القرد يشبه الآدمي حتى في الشهوة إذا رأى المرأة الجميلة تحس أنه يحب أن يأتيها وربما فعل ذلك فلهذا القول بتحريم بعيه قول وجيه وفائدة الفرد قليلة المؤلف يقول (يحمي المتاع) لكن لعله يحميه وهو حراميه لأنه قد يأكل المتاع فلا يُأمن عليه أما بيع لبن الآدميات الإمام أحمد يقول أكره بيع لبن الآدميات فيحتمل كما قال المؤلف التحريم ويحتمل الكراهة لكن حتى لو احتمل التحريم فإنه غير مُسلّم لأن لبن الآدميات مائع ينتفع به فأشبه لبن البهائم الأخرى وأما تشبيهه بالعرق فمن أبعد ما يكون من التشبيه لأن العرق له رائحة منتنة ولا يتغذَّى به ولا ينتفع به أما اللبن فإنه شراب طيب ينتفع به ويتغذَّى به بل إن الله تعالى جعل للبن الآدمية ثمناً فقال (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) والمعقود عليه على القول الراجح في باب الإجارة هو اللبن وأما قول بعض العلماء إن المعقود عليه عمل المرضعة من حمل الصبي وإلقامه الثدي وما أشبه ذلك فهذا قول بعيد لأن حمل هذا الطفل وإلقامه الثدي هل هو مقصود لذاته أو لغيره؟ لغيره بلا شك ولهذا إذا لم يكن بها لبن هل يمكن للإنسان أن يعطي طفله لهذه المرأة التي ليست لها لبن من أجل أن تضعه على فخذيها وتلقمه الثدي؟ لا فالصواب أنه يجوز بيع لبن الآدميات لكن كيف يمكن يبيع لبن الآدمي؟ يمكن بأن تحلبه فربما تكون امرأة عندها لبن كثير وليس عندها من يشربه فتحلبه في أواني وتبيعه ويقال هذا لبن الآدمية ويشربه الطفل. السائل: إذا اشترينا لبن امرأة وأرضعناه الطفل فهل تكون أُمّاً له؟

الشيخ: نعم إذا أرضعناه خمس مرات تكون أماً وهذه المسألة في الحقيقة التنبه لها طيب فلابد أن نعرف لبن أيُّ امرأة هو؟ لأنه ربما تكون المرأة قد أرضعت أطفالاً آخرين فيكونوا إخوة للطفل الذي اشتري له هذا اللبن ونحن لا نعلم فلذلك لابد أن نعلم من أين هذا الحليب من فلانة بنت فلان. السائل: هل العبرة بالطاسة؟ الشيخ: العبرة بالشربة يعني مثلاً إذا أرضعناه الآن ولو قليلاً ثم ترك اللبن ثم بعد ساعتين أو ثلاث أرضعناه فهذه رضعة ثانية ولو كانت طاسة واحدة. السائل: هل اللبن ملك للمرأة وهل يجوز لها أن تمتنع من الإرضاع؟ الشيخ: هذا معلوم إذا خرج اللبن فهو ملك لها ويجوز للمرأة أن تمتنع من الرضاع إلا لضرورة مثل إذا لم يقبل ثدي غيرها وخيف عليه التلف وجب أن ترضع. القارئ: فصل ويجوز بيع العبد المرتد لأنه مملوك منتفع به وخشية هلاكه لا يمنع بيعه كالمريض فإن علم المشتري حاله فلا شيء له لأنه رضي بعيبه وإن لم يعلم فله الرد أو الأرش قتل أو أسلم كالمعيب. الشيخ: واضح هذا مثل إنسان أشترى عبداً مرتداً والمرتد معروف إن لم يعد للإسلام وجب قتله فهل يجوز؟ نقول نعم يجوز إذا قال قائل إذا قتل ما منفعة المشتري؟ نقول منفعته أنه ربما يعتقه وربما يكون له مال فيرثه يعني بالولاء فلابد أن يكون له مصلحة ويقول المؤلف رحمه الله (خشية هلاكه لأنه بائع كالمريض) بقي أن يقال هل للذي أشترى المرتد الخيار خيار العيب؟ فيه تفصيل إن علم بأنه مرتد فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة وإن لم يعلم فله الخيار. القارئ: ويصح بيع العبد الجاني عمداً أوخطأً على النفس أو ما دونها لأنه حق تعلق برقبته غير متحتم فأشبه القتل بالردة فإن كانت الجناية موجبة للقصاص فهي كالردة وإن كانت موجبة للمال فهو على السيد لأنه رضي بالتزام ما عليه فإن كان معسراً فللمجني عليه رقبة العبد إن شاء فسخ العقد ورجع به وإن شاء رجع على البائع بالأرش. الشيخ: يعني أرش الجناية.

القارئ: وإن كان قاتلاً في المحاربة فكذلك في قول بعض أصحابنا لأنه ينتفع به إلى قتله ويعتقه فيجر ولاء ولده فصح بيعه كالزَّمِن وحكمه حكم المرتد وقال القاضي لا يصح بيعه لأنه متحتم القتل فلا منفعة فيه فأشبه الميت. الشيخ: الأول أصح وهو أنه يصح بيعه وهذا إذا وصل إليه الحاكم أما إذا تاب قبل القدرة عليه فقد انتفى عنه القتل. فصل في رباع مكة القارئ: وفي بيع رباع مكة وإجارتها روايتان إحداهما يجوز لأن عمر رضي الله عنه أشترى من صفوان بن أمية دار بأربعة آلاف وأشترى معاوية من حكيم بن حزام دارين بمكة ولأنها أرض حية لم ترد عليها صدقة محرمة فجاز بعيها كغيرها والثانية لا يجوز لأنها فتحت عنوة ولم تقسم بين الغانمين فصارت وقفاً على المسلمين فحرم بيعها كسواد العراق والدليل على فتحها عنوة قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنما أحلت لي ساعة من نهار) متفق عليه وقالت أم هاني يا رسول الله أني أجرت حموين لي فزعم ابن أم علي أنه قاتلهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم (قد أجرنا من أجرتي) وقتلت ابن خطل ومِقْيس بن صبابة ولو فتحت صلحاً لم يجوز قتل أهلها. الشيخ: هذه المسألة من المسائل المهمة لأن الناس واقعون فيها بيع رِباع مكة وإجارتها أولاً مكة تنقسم إلى قسمين:

قسم محل مشعر للمسلمين فهذا لا يجوز بيعه ولا إجارته كعرفة ومزدلفة ومنى لأن هذه مشاعر فلا يجوز بعيها ولا إجارتها كالمساجد إذ أن الناس لابد أن يكونوا فيها فلا يمكن لأي إنسان أن يتملك فيها ويبيع ويشتري أو يؤجر وهذا فيما أظن متفق عليه بين العلماء لم يختلف فيه أحد لأن هذه مشاعر محل عبادة للمسلمين فلا يجوز لأحد أن يتملكها لا ببيع ولا إجارة ولكن إذا كان قد سُلّط عليها من سُلّط وتملكوها وأبو أن يمكنوا المسلمين منها إلا بأجرة فإنه يدفع الأجرة والإثم على الآخذ قلّت الأجرة أو كثرت وسوف يجد حسابه يوم القيامة حين لا يجد ولياً ولا نصيراً لأن هذا في الحقيقة مثل من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه. قسم آخر من مكة ليس مشعراً إذ أن الإنسان يمكن أن يحج ويعتمر بدونه فهذا أختلف فيه العلماء على ثلاثة أقوال: القول الأول أنها كغيرها من البلاد تملك بيعاً وشراءاً وتأجيراً وهذا هو مذهب الشافعي رحمه الله وعليه عمل الناس اليوم من قديم الزمان أن بيوت مكة تملك ملكاً تاماً تباع وتؤجر كسائر البلدان. والقول الثاني أنها لا تملك ولا يجوز بيعها ولا إجارتها وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ولكن يقال من استغنى عن بيته فليتركه بدون أجرة ومن احتاجه فهو أحق. القول الثالث اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول هي تباع وتملك وتوقف ولكن لا تؤجر لأن من استغنى عن منفعتها وجب عليه بذلها لمحتاج إليها وأما الملك فهي تملك ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (هل ترك لنا عقيل من دور أو رِباع) وهذا يدل على أنها تملك بالإرث وتملك كذلك بالبيع والشراء

لكن منفعتها هي التي نقول لصاحبها إن استغنيت عنها فأبذلها للحجاج فإن قال أنا مستغن عنها ومادمتم تحرمون علي الأجرة سأغلقها لأن الحجاج إذا نزلوا أفسدوها فهل له عذر في ذلك؟ الجواب نعم له عذر لأن بعض الحجاج يدمرون المسكن ويكتبون عليه الحاج فلان بن فلان والمرأة كذلك تكتب اسمها وقد أريت حجاج يكتبون أسمائهم على أبواب الحجر ويدمرون المنزل وقول شيخ الإسلام قول قوي لا شك في ذلك قال شيخ الإسلام وكانت بيوت مكة على عهد عبد الله بن الزبير رضي الله حين كان خليفة على الحجاز مطبقاً للسنة كانت البيوت مفتوحة من استغنى عن حجرة أو غرفة دخلها الحجاج وسكنوا فيها لكن العمل الآن على القول بأنها مملوكة وتباع وتشترى وترهن وتؤجر أما التعليل الذي علل المؤلف به ذلك فهو عليل يعني التعليل بأنها فتحت عنوة عليل جداً وإنما العلة أنها حرم يأوي الناس إليها من كل فج عميق وقد قال الله تعالى (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ) يعني المقيم (وَالْبَادِ) يعني الأفقي ولهذا لو استشارنا أحد وقال ماذا تشيرون علي أنا عندي دراهم أريد أن أشتري به عقاراً أستغله هل تشيرون أن أضعه في مكة أو في المدينة أو بلد آخر؟ نقول لا تضعه في مكة ولا تساهم في شركة تستغل بالتأجير مادمت المسألة ذات خلاف بين العلماء ومن العلماء المحققين كابن تيمية رحمه الله من منع التأجير فأنت في سعة أشتري عقار في المدينة أو في مكان آخر حتى تبرأ ذمتك وفي (حديث أم هانيء) أم هانيء هذه ما صلتها بالرسول أنها بنت عمه لأن أباها أبو طالب وقالت له (زعم ابن أمي) تعني علي فهو أخوها الشقيق لكن قالت (ابن أمي) لأن العرب جرت عادتهم إذا أرادوا الاستعطاف الكامل ينسبون ذلك إلى الأم كقول هارون لموسى (يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) مع أن موسى وهارون أخوان وفي الحديث دليل على جواز تأمين الواحد من المسلمين

بمعنى أن من أجار كافراً فإنه ينفذ إجارته. القارئ: فصل ولا يجوز بيع أرض الشام وسواد العراق ونحوهما مما فتح عنوة لأن عمر رضي الله عنه وقفه على المسلمين وأقره في يد أربابه بالخراج الذي ضربه يكون أجرة له في كل عام ولم يُقدّر مدتها لعموم المصلحة فيها وقد أشتهر ذلك في قصص نقلت عنه وعن أحمد أنه كره بيعها لأنه يأخذ ثمن الوقف وأجاز شرائها لأنه كالاستنقاذ لها فجاز كشراء الأسير وتجوز إجارتها لأنها مستأجرة في يد أربابها وإجارة المستأجر جائزة فأما المساكن في المدائن فيجوز بيعها لأن الصحابة رضي الله عنهم اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر رضي الله عنه وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير فكان إجماعا. الشيخ: من المعلوم أن المسلمين إذا فتحوا البلاد بلاد الكفر فأموالهم غنيمة وذراريهم ونسائهم سبي ورجالهم المقاتلة والمعينون يخير الإمام فيهم بين أمور أربعة (فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) هذا أثنين يعني إما يمن عليهم ويطلقهم وإما أن يفيدهم إما بمال وإما بأسير مسلم وإما أن يقتلهم وإما أن يسترقهم فهذه أربعة أحكام في هؤلاء الرجال المقاتلون أو من يعين على القتال برأي أو نحوه أما الأراضي فالأراضي يخير الإمام

بين قسمها بين الغانمين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وبين وقفها للمسلمين كما فعل عمر في أرض الشام والعراق إذاً المغنوم يكون على النحو التالي الأموال تكون غنيمة وتقسم أما النساء والذرية فهم سبايا يعني يكونوا أرقاء بمجرد السبي والثالث الرجال المقاتلون أو من يعين على القتال يخير الإمام فيهم بين أمور أربعة القتل أوالمن بدون ثمن أوالفداء إما بمال وإما بأسير مسلم والرابع الاسترقاق وفي الرابع خلاف بين العلماء ماذا يفعل الإمام من هذه الأربعة؟ عندنا قاعدة مهمة كل من خُيّر لمصلحته هو فهو مخير يفعل ما يراه أصلح لنفسه اختيار تشهي وكل من خُيّر لولاية فإنه يجب عليه أن يفعل الأصلح يعني من خُيّر وهو متصرف لغيره فالواجب أن يفعل ما هو أصلح أما الأراضي فقلنا أن الإمام يخير فيها بين أمرين إما أن يقسمها بين الغنامين ويقول مثلاً أنت يا فلان لك القطعة هذه وفلان له القطعة هذه إلى أخره وإما أن يقفها فيجعلها وقفاً ويضرب عليها خراجاً يشبه الأجرة كل عام يُسلّم من انتفع بهذه الأرض كذا وكذا كالأجرة تماماً لكن بقي أن يقال كيف تقول إنها أجرة وهي لم تحدد بمدة؟ أجابنا المؤلف رحمه الله قال للمصلحة فيقال كل من ملك هذه الأرض بشراء أو هبة أو إرث فعليه خراجها وهذه الأراضي الفقهاء يرون أنه لا يجوز بيعها وأما المساكن التي عمرت والمزارع والأشجار فتباع لكن نفس الأرض ما تباع لأنها وقف والوقف لا يجوز بيعه والمسألة أيضاً فيها خلاف ومازال الناس من قديم الزمان يتبايعون هذه الأراضي لأن الخراج الآن لا يُسلّم وإذا لم يُسلّم الخراج فالأنفع البيع حتى يتوسع الناس فيها ويبثون فيها ويعمرونها السائل: قوله يتبايعوها من غير نكير فكان إجماعاً، ماذا يقصد؟ الشيخ: أي إجماع عملي مادام لا يوجد أحد منكر والعلماء يرونها تباع وتشترى. السائل: ما الأصل في تحريم بيع الموقوف والخلاف الموجود بين أهل العلم؟

الشيخ: الأدلة موجودة مرصودة في زاد المعاد في هدي خير العباد وأنا ذكرت دليلاً شرعياً (الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَاد) ودليل نظري وهو أن هذا محل الحج والعمرة للمسلمين ولا يمكن للإنسان أن يتحجره لكن ذكرنا أيضاً رأياً آخر أنه يجوز البيع وهذا غير المشاعر المشاعر لا يجوز مطلقاً. القارئ: فصل قال أحمد لا أعلم في بيع المصحف رخصة ورخص في شرائه وقال هو أهون وذلك لأن ابن عمر وابن عباس وأبا موسى كرهوا بيعه ولأنه يشتمل على كلام الله فيجب صونه عن الابتذال والشراء أسهل لأنه استنقاذ له فلم يكره كشراء الأسير وقال أبو الخطاب يجوز بيعها مع الكراهة وفي شرائها وإبدالها روايتان فإن بيعت لكافر لم يصح رواية واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المسافرة بالقرآن إلي أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم فلم يجوز تمليكهم إياه وتمكينهم منه ولأنه يمنع من استدامة ملكه فمنع ابتداء كنكاح المسلمة. الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف هل يجوز بيع المصحف أم لا؟ فمن العلماء من قال لا يجوز بيعه لأنه ابتذال له ولهذه الآثار التي أشار إليها المؤلف رحمه الله والقول الثاني أنه يجوز بيعه وشرائه والصحابة كرهوا ذلك

لسبب وهو وجوب نشر القرآن بين المسلمين والمصاحف في ذلك الوقت قليلة عثمان رضي الله عنه كم كتب من مصحف؟ وبعث إلى الآفاق وقل من يكتب المصحف فإذا قلنا أنه تباع صار الإنسان يحتكرها ولا يبيعها إلا بغالي الثمن وحينئذ يحرموا المسلمين من قراءة القرآن أما في وقتنا والحمد الله فالأمر بالعكس المصاحف كثيرة جداً وإذا أبى أحداً أن ننتفع بمصحفه إلا بشراء وجدنا من يبذله ويبيعه ولهذا كان الصواب أن بيعه وشرائه لا بأس به ومازال المسلمون يعملون بذلك من أزمنة متطاولة وكنا ونحن صغار نسمع الذي ينادي على المصحف لا يقول من يشتري المصحف يقول من يشتري البطاعة والبطاعة الجلاد الذي يكون على المصحف وذلك لورع السابقين الأولين وسلامة قلوبهم ظنوا أنه إذا قال من يشتري البطاعة وبعت عليك البطاعة واشتريت البطاعة يعني أنني لم أبيع المصحف ولكن الصواب الذي لا شك فيه أنه جائز وأنا لم أبيع القرآن ونظير ذلك لو أن إنسان قال يقرأ عليك القرآن بدراهم قلنا هذا حرام ولو قال أعلمكم القرآن بدراهم يجوز والآن حينما نبيع المصحف لسنا نبيع كلام الله كلام الله لو نبيع أنفسنا ما بعناه لكن نبيع الورق الحبر التعب أما القرآن فلا نبيعه ولذلك نرى أنه لا بأس به ولا إشكال فيه. فصل القارئ: ولا يجوز بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام لما روى جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) متفق عليه.

الشيخ: هذه الأشياء الأربعة الخمر لا يجوز بيعه والخمر كلما أسكر كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام والميتة كل ما مات حتف أنفه أو بغير ذكاة شرعية وإن شئت فقل كلما مات بغير ذكاة شرعية فيدخل ما مات بمرض ويدخل ما مات بخنق وما أشبه ذلك والخنزير معروف حيوان خبيث والأصنام كذلك يعني كلما أتخذ صنماً يعبد من دون الله فإنه حرام لأن الأول مخل بالعقل والثاني مخل بالبدن وكذلك الثالث لكن الفرق بين الثاني والثالث أن إضرار الثاني عارض وإضرار الثالث لازم والأصنام مخلة بالدين وممكن أن نأخذ من هذا أن كل ما أخل بالعقل أو بالبدن أو بالدين وإن لم يكن من هذه الأصناف الأربعة فإن بيعه حرام وفي الحديث (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر) بهذا اللفظ وفيه إشكال أولاً أن الجمع بين الرب عز وجل وبين رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالواو والثاني أن الخبر جاء مفرداً مع أن المبتدأ مركب من شيئين فيقتضي أن يكون خبره مثنى أما الأول فيقال ما كان طريقه التشريع فلا بأس أن يُقرن بين الله وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بالواو وجه ذلك أن ما أقره الرسول أو حكم به فهو من حكم الله وليس ذلك من باب الند أو الضد لأن حكم الرسول حكم لله قال الله تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وقال تعالى (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) وأما الثاني (حَرَّم) فيقال إن حَرَّم خبر للأول (إن الله حرم) ويكون الثاني من باب عطف الجملة على الجملة تكون رسوله مبتدأ والخبر محذوف أي

ورسوله حرم وهذا أحسن شيء أو يقال لما كان حكم الله ورسوله واحداً صح أن يخبر عنهما بواحد ويستثنى من الميتة ما كان مباحاً فهل يقال إنه مستثنى أو يقال إنه لم يدخل من الأصل؟ إن قلنا بالأول صار من باب العام المخصوص وإن قلنا بالثاني صار من باب العام الذي أريد به الخصوص وهل الحكم يختلف أو لا يختلف؟ الحكم لا يختلف لأن كل منهما إذا ادعاه مدعي قلنا عليك الدليل لو أدعى مدعي أن العام قد خص قلنا هات الدليل ولو أدعى مدعي أن العام يراد به الخصوص قلنا هات دليل والمهم أنه يستثنى من الميتة الميتة المباحة كميتة السمك. القارئ: ولا يجوز بيع مالا نفع فيه كالحشرات وسباع البهائم والطير التي لا يصاد بها ومالا يؤكل من الطير ولا بيضه لأنه لا نفع فيه فأشبهت الخنزير. الشيخ: هذا التعليل الذي ذكر المؤلف تعليل واضح أنه غير صحيح تعليل عليل لأن الخنزير حرم لضرره وخبثه هذه الأشياء لا نقول لأنه ليس فيها نفع فأشبهت الخنزير بل نقول لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن إضاعة المال) وبذل المال فيما لا نفع فيه إضاعة له لا شك فيعلل في منع بيع هذه الأشياء بأنه من باب إضاعة المال وقد نُهي عنه. القارئ: ولا يجوز بيع الحر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ذكر منهم رجلاً باع حراً فأكل ثمنه) متفق عليه. الشيخ: وهذا لا شك أنه حرام بل هو من كبائر الذنوب فإذا قال قائل هؤلاء قوم جياع باعوا أولادهم ليأكلوا وينقذوا أنفسهم من الهلاك فهل يجوز أن أشتري منهم؟ الجواب لا يجوز هذا حرام حتى وإن كانوا لا يحيون إلا بذلك فليموتوا لأنه لا يجوز أن يباع الحر. القارئ: ولا يجوز بيع مالا ليس بمملوك كالمباحات قبل حيازتها لأنها غير مملوكة أشبهت الحر.

الشيخ: هذا صحيح والمباحات يعني مثلاً الأعشاب والكمأة وغيرها مما يجنيه الإنسان من الأرض فإنه لا يبيعه حتى يملكه فلو جاء رجل إلى بدوي وحوله أرض واسعة وقال له البدوي أشتري مني كلاء هذه الأرض فإنه لا يجوز لماذا؟ لأنه لا يملك الكلاء إلا إذا حشه وحازه وقبل ذلك ليس ملكاً له. القارئ: ولا يجوز بيع الدم ولا السرجين النجس لأنه مجمع على تحريمه ونجاسته أشبه الميتة. الشيخ: هذا التعليل يدل على أن الدم المباح يجوز بيعه كالكبد والطحال ودم القلب يجوز بيعه لأنه مباح أما بيع الدم لغير أكله ليحقن في المريض كما يوجد الآن إذا احتاج الإنسان إلى دم حقنوا به دماً فهل يجوز أو لا؟ ظاهر الأدلة أنه حرام لا يجوز لكن إذا لم يوجد إلا بعوض فهنا يدفع العوض ويكون الآثم الآخذ وأما الدافع فليس بآثم وأما السرجين النجس يعني ما تدفن به الأرض عند زرعها ويسمى عند الناس السماد فالنجس لا يجوز بيعه مثل سرجين الحمر وسرجين الآدمي عذرة الآدمي مع أن القول الراجح أنه يجوز يعني أن يسمد بها لكن لا يجوز بيعها لأنها نجسة العين وأما السرجين المتنجس فيجوز بيعه لأن تطهيره ممكن فهو كالثوب المتنجس السرجين المتنجس مثل سماد بال عليه رجل أو بال عليه حمار وأراد إنسان أن يبيعه نقول لا بأس بعه لأنه يمكن تطهيره فهو كالثوب المتجنس وأما قوله رحمه الله (لأنه مجمع على تحريمه) فهذا في الدم صحيح أن الدم حرام بالنص والإجماع وأما السرجين النجس فليس مجمع على تحريمه أكثر العلماء على جواز السماد بالسرجين النجس. القارئ: ولا يجوز بيع شحم الميتة لأنه منها وفي حديث جابر (قيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه تدهن بها الجلود وتطلى بها السفن ويستصبح بها الناس فقال لا هو حرام) متفق عليه.

الشيخ: الصحابة هل سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام عن هذه المنافع أو عن بيعها؟ هم سألوا عن بيعها لأنه لما حرم عليه الصلاة والسلام بيع الميتة قالوا هذه الأشياء ينتفع بها أيجوز بيعها أم لا؟ قال (لا هو - أي البيع - حرام) هذا هو الصواب في معنى الحديث وقال بعض أهل العلم (لا) أي لا تنتفعوا بها (هو) أي الانتفاع (حرام) وبناءاً على هذا فإنه لا يجوز دهن الجلود بها ولا طلي السفن ولا الاستصباح بها ودهن الجلود معروف لأن الجلد إذا دهن بالدهن صار ليناً ولم يتكسر وطلي السفن بها أيضاً مفيد لأن الخشب إذا كان قد روي بالدهن لا يدخله الماء والثالث الاستصباح الاستصباح يجعلون الشحوم في إناء وفي الإناء فتيلة ثم يوقدون النار في هذه الفتيلة ومادام الدهن باقياً فإنها تبقى هذه الفتيلة مضيئة بدلاً عن بدلاً عن اللمبات في وقتنا فكانوا يفعلون هذا فقال (لا هو حرام) وعلى تفسيرنا وهو الصحيح فإنه يجوز أن تدهن بها الجلود لكن الجلود غير التي تستعمل في لبس ونحوه لأنك إذا استعملتها في لبس ونحوه والدهن لم يزل صرت مستعملاً لثوب نجس أو ما أشبه ذلك وتطلى بها السفن لا بأس لا بأس أن تطلى بها السفن ولا تفسد على الناس ويستصبح الناس أيضاً لا بأس ولكن منع العلماء رحمهم الله من الاستصباح بها في المساجد لأنه إذا استصبح بها في المساجد وثار الدخان منها وعلق بالجدران تنجست وهذا المنع مبني على أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة أما على قول من يقول إن النجاسة إذا استحالت إلى شيء آخر طهرت فلا بأس بالاستصباح بها إلا إن يخشى أن تتسرب النجاسة إلى المسجد فهنا تمنع من أجل ذلك وهنا يمكن التحرز عنها بأن يوضع في طشت حتى إذا تسرب شيء فإنه يتسرب في هذا الطشت.

القارئ: وما نجس من الأدهان كالزيت فظاهر المذهب تحريم بيعها قياساً على شحم الميتة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) وعنه يباع لكافر ويعلم بحاله لأنه يعتقد حله في جواز الاستصباح بها روايتان إحداهما لا يجوز لأنه دهن نجس فأشبه شحم الميتة والثانية يجوز لأنه أمكن الانتفاع بها من غير ضرر أشبه الانتفاع بالجلد اليابس. الشيخ: هذه مسائل أولاً ما تنجس من الادهان كالزيت فظاهر المذهب تحريم بيعها قياساً على شحم الميتة لكن هذا القياس قياس مع الفارق لأن الميتة نجسة بعينها وهذا الدهن أصله طاهر طرأت عليه النجاسة لكن نقول إن قلنا بأن الأدهان المتنجسة لا يمكن تطهيرها فالقول بمنع بيعها واضح لأنه لا يمكن أن تطهر وإذا قلنا بأنه يمكن أن تطهر فإن بيعها يجوز لأنها تشبه الثوب النجس والثوب النجس يجوز بيعه والصحيح أنه يمكن تطهيرها بأن تلقى النجاسة وما حولها فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن الدهن تموت فيه الفأرة فقال عليه الصلاة والسلام أو السمن فقال صلى الله عليه وسلم (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) أيضاً يقول رحمه الله (وفي جواز الاستصباح بها روايتان) والصحيح أن الاستصباح بها جائز من باب أولى لأننا قلنا إن الصحيح جواز الاستصباح بالنجس فالمتنجس من باب أولى طيب قال أبو الخطاب. السائل: لماذا يجوز بيع الضبع وهو يفترس؟ الشيخ: الضبع حلال ليست لها ناب ولا يفترس إلا عند الضرورة القصوى يعني ليس من طبعه العدوان يقولون ما يفترس إلا عند الضرورة القصوى أو إذا أحد هاجمه ولهذا جعلها النبي عليه الصلاة والسلام من الصيد فأوجب على المحرم إذا قتلها شاة.

القارئ: وفي جواز الاستصباح بها روايتان إحداهما لا يجوز لأنه دهن نجس فأشبه شحم الميتة والثانية يجوز لأنه أمكن الانتفاع بها من غير ضرر أشبه الانتفاع بالجلد اليابس قال أبو الخطاب ويتخرج على جواز الاستصباح بها جواز بيعها قال القاضي ولا تطهر بالغسل لأنه لا يتأتى فيها العصر ويتخرج أنها تطهر بصبها في ماء كثير ثم تترك حتى تطفوا فتأخذ والعصر إنما يعتبر فيما يتأتى العصر فيه بدليل الحجر والأخشاب اختاره أبو الخطاب فأما غير الأدهان كالخل واللبن فلا تطهر وجهاً واحداً. الشيخ: هذه مسألة أختلف فيها العلماء رحمهم الله الماء سبق أنه يطهر على المذهب فيطهر الماء بواحد من أمور ثلاثة إما أن يضاف إليه ماء كثير حتى يزول التغير هذه واحدة وإما أن ينزح منه حتى يزول التغير وهذا يكون في الآبار لأن الآبار كلما نزح منها تجدد الماء وإما أن يزول تغير الماء بنفسه لكن غير الماء هل يمكن تطهيره؟ الصحيح أنه يمكن فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأدهان ماذا قال؟ قال في الفأرة تموت في السمن قال (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) إذاً يمكن أن تطهر فإذا كان يمكن في الأدهان أن تطهر جاز بيعها لأنها تكون كالثوب المتنجس الذي إذا غسلته صار طاهراً فالصواب أن جميع المائعات يمكن أن تطهر حتى اللبن حتى المرق يمكن أن يطهر لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فإذا زالت النجاسة طعمها وريحها ولونها ولم يبقى شيء فهو طهور. القارئ: فصل ولا يجوز بيع الكلب وإن كان معلماً لما رواه أبو مسعود الأنصاري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن ثمن الكلب وقال ثمن الكلب خبيث) متفق عليه ولا غُرمَ على قاتله لأنه لا قيمة له وقد أساء من قتل كلباً يباح اقتنائه ولا يباح اقتنائه.

الشيخ: إذا بيع الكلب حرام حتى المعلم وأما قول بعض العلماء رحمهم الله إن النهي عن بيع الكلب محمول على الكلب الذي لا يباح اقتنائه فهذا فيه نظر لأن الكلب الذي لا يباح اقتنائه لا يبيعه أحد إنما الذي يمكن أن يقع عليه عقد البيع والكلب الذي يباح اقتنائه المعلم بالصيد أو بالحرث أو بالماشية ولا يمكن أن يحمل الحديث على شيء نادر ويترك ما هو كثير فهذا خطأ في التصرف في الأدلة إذاً نقول الكلب لا يجوز بيعه سواء كان معلماً أم غير معلم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعه وهل يضمنه من قتله يقول المؤلف أنه (لا يضمنه) لأن نهي الشارع عن بيعه يستلزم ألا قيمة له وما ليس له قيمة فليس بمضمون ولكن هل يجوز قتله؟ الجواب لا لا يجوز لأنه عدوان على صاحبه ولأنه ربما يسبب فتنة ولهذا حكم المؤلف بأنه مسيء فقال (وقد أساء من قتل كلباً يباح اقتنائه) وهل يعزر؟ نعم يعزر ولكن بماذا؟ يعزر على القول الراجح بما يكون رادعاً له فإن شاء الحاكم قال يحبس وإن شاء قال يضرب في السوق وإن شاء قال يضمن أكثر من قيمته لو يباع فالمهم أن له أن يعزره بما يردعه وأمثاله عن العدوان على حق الغير. القارئ: ولا يباح اقتناء كلب إلا لصيد أو حفظ ماشية أو حرث لما روى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع نقص من أجره كل يوم قيراط) متفق عليه ويجوز تربية الجرو.

الشيخ: كيف أخذ المؤلف أنه لا يباح؟ لأن العقوبة قد تكون بحصول مكروه وقد تكون بفوات محبوب وهنا من النوع الثاني فوات المحبوب فكونه ينقص كل يوم من أجره قيراط فهذا لا شك أنه فوات محبوب فيكون هذا دليلاً على أنه حرام ولا يجوز والعجب أن الكفار سبحان الله العظيم يقتنون الكلاب ويعتنون بها ويغسلونها كل يوم بالمنظف والصابون والشامبو ويطيبونها يضعون فيها الطيب وعلى كل حال سبحان الله الخبيثات للخبيثين لما كان هؤلاء خبثاء أنجاس صارت نفوسهم تألف النجس الخبيث لكن هل إذا غسلوه وطيبوه ونظفوه هل يطهر؟ لا لأن نجاسته عينية فلا يمكن أن يطهر أبداً إلا في مسألة واحدة على خلاف بين العلماء وهي لو سقط في مملحة وصار ملحاً فهذا الكلب سقط في مملحة والمملحة إذا سقط فيها شيء يكون ملحاً حتى الحديد لو تضع فيها حديدة تأتيها بعد مدة تجدها قطعة ملح فهذا الكلب سقط في مملحة وصار ملحاً فهل يبقى نجساً أو طاهراً؟ على الخلاف بعض العلماء يقول إن النجاسة إذا استحالت طهرت لأن هذا ما يقال له كلب بل يقال هذا ملح وبعضهم يقول لا مادام أصله نجساً فهو نجس وعلى كل حال فإنه لا يباح اقتناء الكلب مع أنه يوجد من اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار من يقتني الكلاب وهذا ليس بغريب لأن الخبيثات للخبيثين لكن المشكل أن فينا نحن المسلمين من صار يقتني الكلاب بدون حاجة وصار يفعل بها ما يفعل هؤلاء النصارى حتى قيل لي أنه يوجد في سيارات بعض الناس كلب وراء المرتبة وهذا حرام ولا يحل لأنه تشبه بهؤلاء الكفرة وقوع فيما حذر منه الرسول عليه الصلاة والسلام لكن لو قال قائل أنا في قصر نائي بعيد عن البلد وأحتاج إلى كلب يحرسني ويحرس أهلي أيجوز اقتنائه؟ نقول نعم يجوز اقتنائه لأنه إذا جاز اقتناء الكلب لحراسة الماشية والزرع فالإنسان من باب أولى ولا إشكال في هذا. القارئ: ويجوز تربية الجرو الصغير لذلك لأنه قصد به ما يباح فيأخذ حكمه كالجحش الصغير.

الشيخ: التشبيه بالجحش الصغير غريب لأن الجحش الصغير يباع حتى أبوه وأمه فهذا قياس مع الفارق لكن نعم التعليل الأول صحيح أنه إنما رُبِّيَ من أجل مصلحة مباحة. القارئ: ولأنه لو لم يقتني غير المعلم لم يمكن تعليمه فتعذر اقتناء المعلم وفيه وجه آخر أنه لا يجوز اقتناء لأنه ليس من الثلاثة. الشيخ: لماذا ليس من الثلاثة؟ لأنه صغير لا يحرس الماشية ولا الحرث ولا يصيد. القارئ: فإن اقتنى كلب الصيد من لا صيد به جاز للحديث وفيه وجه آخر أنه لا يجوز لأن اقتنائه لغير حاجة أشبه من اقتنائه للماشية ولا ماشية له. الشيخ: وهذا الوجه أقرب للمعنى لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إلا كلب صيد) ليس معناه إلا كلب صيد لمن لا يصيد وكلب ماشية أيضاً ليس معناه كلب ماشية لمن لا ماشية عنده فالصواب أن من لا يحتاجه لا يجوز له أن يقتنيه حتى وإن كان من كلاب الصيد المعروفة وإن كان من كلاب الماشية أو كلاب الحرث. السائل: لو أن الحاكم ضمَّنَ قاتل الكلب هل نقول يأخذ صاحبه أم يوضع في بيت المال؟ الشيخ: لا إذا ضمن الحاكم القاتل الكلب فيكون في بيت المال إلا إذا خاف الفتنة وأن صاحبه بدوي ما يعرف يقول هذا الذي قتل كلبي لابد أقتله هو وهذه قد تقع من بعض البادية فهنا لا بأس أن يعطي صاحبه ما يرضى به. السائل: حديث جواز اتخاذ (كلب الصيد والماشية والزرع) كيف يتخذ الكلب إذا لم يشترى؟ الشيخ: يتخذ الكلب بأن يكون هو أخذ من الصحراء كلباً فعلمه. السائل: إذا لم يتيسر ذلك؟ الشيخ: وربما يتيسر فإذا وجدت كلباً عند شخص وقلت أعطني قال أنا أصيد به فهو معذور لكن إذا كان لا يصيد به فيجب عليه أن يبذله لك فإن لم يفعل فلك أن تعطيه شيئاً ويكون هو الآثم. السائل: كيف نعزر من قتل الكلب مع أن الشرع أمر بقتل الكلب؟ الشيخ: أمر الرسول بقتل الكلاب ثم نهى عنه إلا الكلب الأسود. فصل

القارئ: ولا يجوز بيع المعدوم لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم وبيع المعدوم بيع غرر ولأن تحريم بيع الثمرة قبل بدو صلاحها تنبيه على تحريم بيعها قبل وجودها فلا يجوز بيع الثمرة قبل خلقها ولا بيع الماء العد الذي له مادة كماء العيون والآبار لأنه بيع لما يتجدد وهو في الحال معدوم. الشيخ: ماء العد يعني ماء الآبار فالآبار يسمى ماءها ماء عد والبرك ليس ماءها ماء عد لأنها يحقن فيها الماء وقوله (بيع لما يتجدد وهو معدوم) مثل أنت عندك بئر تِبِش بالماء وتريد أن تبيع الماء وهو لم يوجد بعد في البئر فهذا لا يجوز لأنه بيع معدوم لأنك بعت ما يتجدد كما لو قلت أبيع عليك ما تحمله هذه الشجرة من الثمر فهذا بيع بما يتجدد وهو غير معلوم بل هو معدوم وسيأتينا إن شاء الله أن بيع نقع البئر لا يصح لأن الناس شركاء فيه. والمهم أن حديث أبي هريرة يعتبر قاعدة في البيوع (نهى عن بيع الغرر) فمثلاً اللبن في الضرع لا يجوز لأنه غرر والحمل في البطن لا يجوز لأنه غرر والسمك في الماء لا يجوز لأنه غرر وهلم جرا. فصل القارئ: ولا يجوز بيع مالا يقدر على تسلميه كالطير في الهواء والسمك في الماء والعبد الآبق والجمل الشارد الفرس العائر والمغصوب في يد الغاصب لحديث أبي هريرة.

الشيخ: هنا أحال على حديث أبي هريرة لأنه بيع غرر يقول المؤلف (لا يجوز بيع مالا يقدر على تسلميه كالطير في الهواء) مثاله إنسان عنده حمام في الهواء قال سأبيع عليك الحمام نقول ما يجوز وهو في الهواء وقال بعض العلماء إن ألفت الرجوع جاز ثم إن رجعت فهو على بيعه وإن لم ترجع فله الفسخ وهذا القول أقرب للصواب لأن الآن ما فيه ضرر فكثير من الطيور الأليفة إذا صار في الصباح ذهبت تطلب الرزق ثم رجعت في آخر النهار فإذا كانت معلومة بأن كان المشتري قد راءها بالأمس وليست مشكلة عليه ولكنها الآن غير موجودة في عُشها وقال أبيعها عليك ليس في ذلك مانع ثم إن رجعت فالبيع بحاله وإن لم ترجع فللمشتري الخيار وأما السمك في الماء أيضاً فإنه لا يجوز أن يبيع السمك في الماء إلا إذا كان الماء محصوراً كَبِرْكَة وكان الماء صافياً بحيث يشاهد السمك فلا بأس لأن هذا معلوم مقدور على تسليمه لكنه فيه نوع من التعب أما إذا كان يريد أن يبيع عليه سمكة تتصل بالمحيط الأطلسي فهذا لا يجوز لأنها تهرب في البحر لكن إذا كان في شيء محصور والماء صافي وهي مشاهدة يشاهدها المشتري والبائع فلا بأس لأن العلة هو ما جاء في الحديث هي الغرر وهنا لا غرر لكن صحيح أن فيه نوع مشقة في إمساكه وهذا لا يضر. فصل القارئ: ولا يجوز بيع مالا يقدر على تسلميه كالطير في الهواء والسمك في الماء والعبد الآبق والجمل الشارد والفرس العائر والمغصوب في يد الغاصب لحديث أبي هريرة.

الشيخ: حديث أبي هريرة هو (نهى عن بيع الغرر) لكن المغصوب يجوز أن يباع على الغاصب نفسه لكنه إذا منعه إلا في ببيعه صار حراماً في حق الغاصب ومباحاً في حق المالك كذلك أيضاً إذا بيع المغصوب على قادر على أخذه من الغاصب كأن يبيع المغصوب على الأمير مثلاً فالأمير يستطيع أن يأتي بالغاصب ويأخذ المغصوب منه فهنا قد زال الغرر فيجوز فيكون بيع المغصوب لا يصح إلا إذا بيع على غاصبه أو على قادر على أخذه وكذلك أيضاً الطير في الهواء سبق لنا أنه إذا ألف الرجوع على القول الراجح صح البيع ثم إن رجع فالبيع بحاله وإن لم يرجع فللمشتري الفسخ وكذلك أيضاً السمك في الماء قلنا إذا كان في محيط معلوم يرى من صفاء الماء فإنه لا بأس ببيعه لعدم الغرر. القارئ: وقال ابن مسعود لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر ولأن القصد بالبيع تمليك التصرف ولا يمكن ذلك فيما لا يُقدر على تسليمه فإن باع طيراً له في برج مغلق الباب أو سمكاً في بركة معدة للصيد وكان معروفاً بالرؤية مقدوراً على تناوله بلا تعب جاز بيعه لعدم الغرر فيه فإن أختل بعض ذلك لم يجز وإن باع الآبق لقادر عليه أو المغصوب لغاصبه أو لقادر على أخذه منه جاز لذلك وإلا فلا. فصل القارئ: ولا يجوز بيع ما تجهل صفته كالحمل في البطن واللبن في الضرع والبيض في الدجاج والنواة التمر لحديث أبي هريرة وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع المجر) والمجر شراء ما في الأرحام وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع المضامين والملاقيح) قال أبو عبيد الملاقيح ما في البطون وهي الأجنة والمضامين ما في أصلاب الفحول وما سواه يقاس عليه. الشيخ: الأجنة يتصور بيعها لكن ما في ظهور الذكور كيف يكون؟ بأن يقول أبيع عليك أول ضِرَاب يقوم به الجمل فلا يصح لأنه إذا لم يصح بيع الحمل فهذا من باب أولى لأنه قد يُلقح وقد لا يُلقح.

القارئ: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يباع صوف على ظهر أو لبن في ضرع) رواه ابن ماجه وعنه في بيع الصوف على الظهر روايتان إحداهما لا يجوز للخبر ولأنه متصل بالحيوان فلم يجوز إفراده بالبيع كأعضائه والثانية يجوز بشرط جزه في الحال لأنه معلوم ممكن تسليمه فجاز بيعه كالزرع في الأرض. الشيخ: وهذه الرواية أصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) وهذا ليس بغرر إذا كان الصوف معلوماً مشاهداً فلا غرر فيه ولكنه يقول المؤلف أنه (يجزّ في الحال) لئلا ينمو بعد عقد البيع فيؤدي إلى جهالة النامي وإذا أدى إلى جهالة النامي صار المعقود عليه مجهولاً. السائل: في بعض البلاد بعض الناس عندهم خيول ذكور وخيولهم جيدة ويأتينا الناس من بلاد أخرى لنزو الفرس وصاحب الفرس يضطر أن يدفع لصاحب الخيل مبلغاً ثم ينزوها له؟ الشيخ: هذا سيأتينا وسوف يذكره المؤلف وهو عسف الفحل وعسف الفحل نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام لأنه مجهول حتى لو نزى عليها هل نحن نضمن أن يلقحها؟ لكن لو فُرض أن الخيل أبى إلا ببيع والآخر مضطر له فيكون من جنس الأشياء التي يحرم بيعها وإذا أمتنع الإنسان فللشخص أن يبذل عوضاً لأنه كالاستنقاذ. السائل: ما معنى الغرر؟ الشيخ: (الغرر) المعنى الجهالة.

القارئ: فصل ولا يجوز بيع الأعيان من غير رؤية أو صفة يحصل بها معرفة المبيع في ظاهر المذهب لحديث أبي هريرة ولأنه مجهول عند العاقد فلم يصح بيعه كالنوى في التمر فعلى هذا يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب وشعر الجارية وعنه يجوز لأنه عقد معاوضة فأشبه النكاح فعلى هذا هل يثبت له خيار الرؤية على روايتين أحدهما لا خيار له لأنه عقد معاوضة صح مع الغيبة فأشبه النكاح والثانية يثبت له الخيار عند الرؤية في الفسخ والإمضاء لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من اشترى ما لم ير فهو بالخيار إذا رأى) ويكون خياره على الفور للحديث وقيل يتقيد بالمجلس لأنه خيار ثابت بمقتضى العقد فتقيد بالمجلس كخيار المجلس فإن أختار إمضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم لأنه تعلق بالرؤية ولأنه يؤدي إلى الزام العقد في مجهول الصفة وإن اختار الفسخ أنفسخ لأن الفسخ يصح في مجهول الصفة ويعتبر لصحة العقد الرؤية من التعاقدين.

الشيخ: هذه المسألة لابد أن يكون المبيع معلوماً من ثمن أو مثمن إما برؤية بأن يراه أمامه والرؤية إما مقارنة للعقد وإما سابقة للعقد في زمن لا يتغير فيه المبيع أو صفة فيما يمكن انضباطه بالصفة لابد فإن باع ما لم يراه وما لم يوصف له فالبيع غير صحيح لحديث أبي هريرة (نهى عن بيع الغرر) ولأنه يؤدي إلى النزاع والخصومة فوجب أن يكون باقياً والقول الثاني أنه يجوز أن يبيع أو أن يشتري ما لم يره وما لم يوصف له وله الخيار إذا راءه وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولكن القول الأول أصح أنه لا يمكن صحة البيع إلا إذا كان معلوماً برؤية أو صفة وعلى القول بالصحة إذا راءه ولم يعجبه وفسخ البيع فهل نقول إن النماء الحاصل فيما بين عقد البيع والرؤية يكون للمشتري كبيع الخيار أو نقول إنه لم ينعقد البيع لأن انعقاد البيع مربوط بالرؤية والعلم؟ الظاهر الثاني لهذه العلة ولأننا لو قلنا إن النماء يكون للمشتري بالصفة لكان في ذلك حلية على أن الإنسان يشتري أشياء لم يراها ولم توصف له وصفاً مطابقاً ثم إذا مضى مدة وراءه قال أنا فسخت البيع ويأخذ النماء لأنه قد يكون النماء كثيراً في مدة وجيزة وعلى كل حال القول الذي تطمئن إليه النفس أنه لابد من العلم إما برؤية والرؤية إما مقارنة وإما سابقة على العقد في زمن لا يتغير فيه وإما بوصف ينضبط فإذا قال بعت عليك سيارتي التي في موقف السيارات ماذا يكون؟ على الخلاف إذا قلنا إن البيع يصح بدون رؤية أو صفة قلنا البيع صحيح ثم له الخيار إذا راءها وإذا قلنا أنه لا يصح فإنه لا يصح نقول إما أن تصف السيارة وصفاً منضبطاً وإما أن يراها المشتري ثم يشتريها. القارئ: ويعتبر لصحة العقد الرؤية من المتعاقدين جميعا لأن الرضا معتبر منهما فتعتبر الرؤية التي هي مظنة له منهما جمعيا.

الشيخ: يعني فلو كان المشتري راءه والبائع لم يره لم يصح ويتصور هذا في رجل له سيارة في بلد آخر ولم يرى هذه السيارة ثم باعها على إنسان راءها فإنه لا يصح لأن البائع الذي باع ما لم يره ربما لو راءها ما باعها بهذه القيمة أو ربما لا يبيعها أبداً إذاً فلابد من الرؤية من البائع والمشتري فإذا قال قائل إذا كان البائع في بلد والمال المبيع في بلد آخر وقد راءه المشتري وأنتم تقولون لا يصح لأن البائع ما راءه فما الطريق؟ قلنا الطريق أن يوكل أحداً في البلد الذي فيه المبيع فيبيع والوكيل يقوم مقام الموكل. القارئ: فصل فإن رأيا المبيع ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا تتغير العين فيه صح في صحيح المذهب وعنه لا يصح لأن ما كان شرطاً أعتبر وجوده حال العقد كالشهادة في النكاح ولنا أنه معلوم عندهما. الشيخ: قوله (لنا) يعني دليلنا. القارئ: ولنا أنه معلوم عندهما أشبه ما لو شاهدا حال العقد أو أشترى منه داراً كبيرة وهو في طرفها والشرط العلم وهو مقارن للعقد ثم إن وجد المبيع لم يتغير لزم وإن وجده ناقصاً فله الخيار لأن ذلك كالعين وإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري لأن الثمن يلزمه فلا يلزمه إلا ما اعترف به وإن عقد بعد الرؤية بزمن يفسد فيه ظاهرا لم يصح لأنه غير معلوم وإن أحتمل الأمرين ولم يظهر التغير فالعقد الصحيح لأن الأصل سلامته. السائل: في بعض البلاد تكون بعض البيوت مغصوبة ملكتها الحكومة للناس ولا يمكن عودتها لأصحابها هل يجوز للناس أن يتبايعونها فيما بينهم؟

الشيخ: هذا سؤال مهم يعني بيع المغصوب الذي لا يمكن رده لصاحبه هل يجوز شرائه؟ الجواب أما إذا كان بناءاً على نظام نظمته الدولة مثل أن تقول لا أحد يملك بالإحياء إلا بعد إذن الدولة وهذا تملك بدون إذن فلا بأس أو كذلك أُخذ منه ماله عقوبةً له كالذي يؤخذ في مخالفة المرور أو ما أشبه ذلك من السيارات التي عند المرور فهذه يجوز شرائها لأنها لن تعود إلى أصحابها ولأنها أخذت بحق أما ما كان غصباً محضاً فالظهار أنه لا يجوز وإن كان ليس عائداً إلى أصحابه لكن يشتريه من يتحمل وزره ولأنه لو اشتريناه في هذه الحال لكان في ذلك إغراء للدولة الظالمة أن تغصب أموال الناس وتبيعها. فصلٌ القارئ: ويصح البيع بالصفة في صحيح المذهب إذا ذكر أوصاف السَّلم لأنه لما عدمت المشاهدة للمبيع وجب استقصاء صفاته كالسلم وإذا وجده على الصفة لزم العقد وإن وجده على خلافها فله الفسخ فإن اختلفا في التغير فالقول قول المشتري لما ذكرناه وعنه لا يصح البيع بالصفة لأنه لا يمكن استقصائها والمذهب الأول لأنه مبيع معلوم بالصفة فصح بيعه كالمُسلم فيه وبيع الأعمى وشراؤه بالصفة كبيع المصير بها فإن عدمت الصفة وأمكنه معرفة المبيع بذوق أو شم صح بيعه وإلا لم يصح لأنه مجهول في حقه. الشيخ: معرفته بذوق مثل العسل طيب ومعرفته بالشم مثل الطيب. فصلٌ القارئ: ولا يجوز بيع عبد من عبيد ولا شاة من قطيع ولا ثوب من أثواب ولا أحد هذين العبدين لأنه غرر فيدخل في الخبر ولأنه يختلف فيفضي إلى التنازع.

الشيخ: اعتاد الناس اليوم أن يقول البائع لقطيع الغنم للمشتري خذ ما شئت بمائة ريال أو بمائتين ريال فظاهر كلام المؤلف أن ذلك لا يجوز والصحيح أنه جائز وذلك لأن البائع أعلى سعر عنده هو مائة ريال وإذا كان أعلى سعر مائة ريال في أطيب شاة عنده فإنه لا غرر والمشتري له الخيار يأخذ مثلاُ أردأ شيء أو أعلى شيء فإن أخذ أردأ شيء فإنه قد رضي بذلك وإن أخذ أعلى شيء فإن البائع قد رضي بذلك والصواب أن مثل هذا جائز أن يقول هذا القطيع أمامك خذ منه ما شئت بمائة ريال مثلاً وهو يعرف أن أعلى سعراً لهذا القطيع مائة ريال. القارئ: ويجوز بيع قفيز من صُبرة ورطل زيت من دن أو رَكوَة لأن أجزائه لا تختلف فلا يفضي إلى التنازع فإن باع جريباً من ضيعة يعلمان جربانها صح وكان المبيع مشاعاً منها فإن كانت عشرة أجربة فالمبيع عشرها وإن لم يعلما جربانها لم يصح لأنه لا يُعلم قدره منها فيكون مجهولا.

الشيخ: الصحيح أنه يصح إذا قال بعتك جَريباً من هذه الأرض فإنه يصح وإن لم يعلم مقدار جربانه لكن هم يعللون ذلك يقول لأن الجريب معلوم من مجهول فيؤدي إلى جهالة الباقي فيقال وأي شيء يضر أنا اشتريت منك مثلاً مائة متر من هذه الأرض أي فليس هناك مانع فلا غرر ولا ظلم ولا جهالة لكن لابد أن نُحدد مكان القطعة التي يريدها وذلك لأن أمكنة القطع تختلف فالقريب من الشارع ليس كالبعيد والذي له جهتان ليس كالذي ليس له إلا جهة فإذا كانا حددنا فقلنا مثلاً مائة متر من الجهة الفلانية على الشارع الفلاني فلا بأس وكذلك سبق أن ذكرنا صورة يستعملها الناس اليوم وهي إذا كان عنده قطيع من غنم وجاءه مشتري وقال له خذ ما تريد من هذا القطيع بمائة ريال المذهب لا يجوز لأنها لم تتعين الشاة التي يريد أن يأخذها والصحيح أنها جائزة لأن البائع مطمئن أنه لا يمكن أن يكون في هذا القطيع ما يزيد على مائة والمشتري له الخيار فلا ضرر لا على المشتري ولا على البائع ونحن لدينا قاعدة من الشرع (نهى عن بيع الغرر) وكما ذكرنا فيما سبق أن مدار المعاملات المحرمة في ثلاثة أشياء وهي الغرر والظلم والربا فإذا انتفت هذه فالصور لا حصر لها وكنونا نضيق على عباد الله بدون دليل من عند الله ورسوله هو جناية على الخلق ثم إذا حرمنا ما تدعو الضرورة إليه من معاملات الناس بدون دليل معناه أننا سلَّطناهم على ارتكاب المحرم مع التهاون لأنهم سيفعلون فإذا قلت هذا حرام ولكن يجد نفسه مضطراً إليه سوف يفعل ولو كان حراماً لكن إذا التمست ما يكون به الحل فهذا لا شك أنه خير للناس وأحسن. فصلٌ القارئ: ومالا تختلف أجزائه كصبر الطعام وزق الزيت يكتفى برؤية بعضه لأنها تزيل الجهالة لتساوي أجزائه ولأنه تتعذر رؤية جميعه فاكتفي ببعضه كأساسات الحيطان.

الشيخ: لا شك أن مالا تختلف أجزائه يجوز رؤية أعلاه ودليل ذلك من السنة حديث صاحب الطعام الذي مر به النبي صلى الله عليه وسلم في السوق وكان صاحب طعام يعرض طعامه فأدخل النبي صلى الله عليه وسلم يده فيه فإذا أسفله مبلول فقال (ما هذا؟ قال أصابته السماء يا رسول الله قال هلا جعلته فوق) فهذا يدل على أن مثل ذلك لا بأس به ولا يمكن أن تنظر كل تمرة من إناء يسعه عشرين كيلو مثلاً فجاز لأن أجزائه لا تختلف للدليل والتعليل الذي ذكره المؤلف رحمه الله. القارئ: وما تشق رؤيته كالذي مأكوله في جوفه يكتفى برؤية ظاهره لذلك. الشيخ: ما مأكوله في جوفه مثل الرومان وكذلك أيضاً البرتقال والموز مأكوله في جوفه. القارئ: ومالا تخلف أجزائه كصبر الطعام وزق الزيت. الشيخ: صبر الطعام يعني الكومة. القارئ: يكتفى برؤية بعضه لأنها تزيل الجهالة لتساوي أجزائه ولأنه تتعذر رؤية جميعه فأكتفي ببعضه كأساسات الحيطان وما تشق رؤيته كالذي مأكوله في جوفه يكتفى برؤية ظاهره لذلك، وكذلك أساسات الحيطان وطي الآبار وشبهها ويجوز بيع الباقلاء والجوز واللوز في قشرته والحب المشتد في سنبله لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد فمفهومه جواز بيع المشتد ولأنه مستور بما خلق فيه فجاز بيعه كالذي مأكوله في جوفه ولأن قشره الأعلى من مصلحته لأنه يحفظ رطوبته وادخار الحب في سنبله أبقى له فجاز بيعه فيه كسلت وأرز ومالا تشق رؤية جميعه يشترط رؤية جميعه على ما أسلفناه. السائل: قوله (ويجوز بيع قفيز من صبرة) ما معناه؟ الشيخ: القفيز نوع من المكيال والصبرة الكومة من الطعام مثاله إنسان عنده صبرة من الطعام وقال أبيع عليك عشرة كيلو من هذه الصبرة ووزن الصبرة مائة كيلو فالبيع جائز جائز وهذا معنى قفيز من صبر فإذا كان لا يُدرى كم مقدارها هل هي مائة كيلو أو أكثر أو أقل فباع عليك عشرة كيلو منها فالمؤلف يرى أن ذلك لا يجوز والصحيح أنه يجوز.

السائل: ما معنى قوله (فإن باع جريباً من ضيعة)؟ الشيخ: الضيعة البستان الضيعة البستان والجريب مسافة مساحة معلومة من الأرض. السائل: إذا وقع العقد على ما لم يره ثم رأه وصلح له فهل يمضي البيع أم لا؟ الشيخ: المذهب لا يجوز والصحيح أنه يجوز وله الخيار إذا رأه. فصل القارئ: إذا قال بعتك هذه الصبرة صح وإن لم يعرف قدرها لأن ابن عمر قال (كنا نبتاع الطعام من الركبان جزافاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) متفق عليه ولأن غرر ذلك منتفي بالمشاهدة فأكتفي بها وإن باعه نصفها أو ثلثها أو جزءاً منها مشاعاً صح لأن من عرف شيئاً عرف جزئه وإن قال بعتكها كل قفيز بدرهم صح لأن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم لإشارته إلى ما يعلم مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين وهو كيل الصبرة فجاز كما لو باعه مرابحة لكل عشرة درهم ولو قال بعتك بعض هذه الصبرة لم يصح لأن البعض مجهول ولو قال بعتك منها كل قفيز بدرهم لم يصح لأنه باعه بعضها. الشيخ: كلام المؤلف في هذه المسألة ضعيف فإذا قال البائع بعتك منها كل قفيز بكذا فلا بأس ويأخذ المشتري ما أراد من القفزان والثمن مقدر بالقفزان أما إذا قال بعتكها كل قفيز بكذا فلا يصح لأن البيع وقع على كل الصبرة فإذا قال البائع بعتك من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم فالمؤلف يقول أنه لا يصح لأنه لا يدري ماذا يأخذ المشتري قد يأخذ عشرة أقفزة وقد يأخذ مائة قفيز وقد لا يأخذ إلا واحدة فهو مجهول وهذه المسألة نظير ما قلنا فيما إذا قال البائع للمشتري خذ من هذا القطيع ما شئت بمائة ريال وقلنا إن الصواب جواز ذلك وكذلك إذا قال البائع للمشتري بعتك من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم فلا بأس لأن البائع معتمد على أنه لو يأخذها كلها لكان أحب إليه.

القارئ: ولو قال بعتكها على أن أزيد قفيزاً لم يصح لأن الزائد مجهول فإن قال على أن أزيدك قفيزاً من هذه الأخرى صح لأن معناه بعتكها وقفيزاً من هذه وإن قال على أن أزيدك قفيزاً من هذه أو أنقصك قفيزاً لم يصح لأنه لا يدري أيزيده أم ينقصه وإن قال بعتكها كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزاً من هذه الأخرى وهما يعلمان قدر قفزانها صح لأنهما إذا علماها عشرة فمعناه بعتك كل قفيز وعشرٍ بدرهم وإن لم يعلما قدرها لم يصح لجهالة الثمن لأنه يصير قفيزاً وشيئاً لا يعلمان قدره بدرهم لجهلهما بكمية قفزانها وكذلك إن قال على أنقصك قفيزا وإن جعلا للقفيز الزائد ثمناً مفردا صح في الحالين. فصل القارئ: ويكتفى بالرؤية فيما لا تتساوى أجزائه كالأرض والثوب والقطيع من الغنم لما ذكرناه في الصبرة وفيه نحو من مسائلها. الشيخ: قوله رحمه الله (ويكتفى بالرؤية) لو قال ولابد من الرؤية لكان أصح لأن القول ويكتفى بالرؤية معناه وبغيرها أيضاً وأن الرؤية كافية عما سواها وليس كذلك بل المراد أنه لابد من الرؤية فيما لا تستوي أجزائه حتى يكون الإنسان على علم فالأرض لا تتساوى أجزائها لأن فيها السهل والحزم والوادي والجبل وفيها أيضاً ما كان على الطريق القائم وما كان على غير طريق فتختلف أجزائها وكذلك الثياب تختلف ففيها الطويل والقصير والأبيض والأحمر وما أشبه ذلك والأحمر إذا كان خالصاً فإما أن يحرم لبسه أو يكره والغنم كذلك فيها اختلاف كثير. القارئ: ولو قال بعتك من الدار من هاهنا إلى هاهنا جاز لأنه معلوم وإن قال عشرة أذرع ابتدئها من هاهنا لم يصح لأنه لا يدري إلى أين ينتهي.

الشيخ: هكذا قال المؤلف رحمه الله والصواب أنه يصح ولنفرض أن إنسان جار لك وقال أنا أحتاج من بيتك أو من حوشك مثلاً عشرة أذرع فقال البائع لا بأس خذ من الجدار تمام عشرة أذرع كل ذراع بألف ريال فليس هناك جهالة في المبيع خصوصاً إذا كانت المسافة التي سيُأخذ منها العشرة معلومة فمثلاً قدرنا أن الحوش مائة ذراع وأخذنا منه عشرة أذرع فكأننا أخذنا العُشر فليست هناك جهالة أبداً فالصواب أن ذلك جائز ولا يدخل هذا في النهي عن بيع الغرر لأنه معلوم. القارئ: ولو قال بعتك نصف داري مما يلي دراك لم تصح نص عليه لذلك. الشيخ: الصواب أنه يصح فإذا قال بعتك نصف داري مما يلي دارك صح لأنه يمكن أن يعلم بأن يذرع فيُعرف. القارئ: وإن قال بعتك من هذا الثوب من أوله إلى هاهنا صح لأنه معلوم. الشيخ: ليس المراد بالثوب المخيط بل المراد بالثوب قطعة القماش أما الثوب المخيط فإنه لا يمكن أن يُجزّء. القارئ: وقال القاضي إن كان ينقصه القطع لم يصح لعجزه عن التسليم إلا بضرر والأول أصح لأن التسليم ممكن والضرر لا يمنع الصحة إذا التزمه كما لو باعه نصف مشاعاً أو نصف حيوان. الشيخ: يعني لو باعه نصف مشاعاً وطالب المشتري أن يقسم فإنه يقسم أو باعه نصف حيوان وطالب المشتري أن يذبح ويعطيه نصفه فعل ذلك. فصلٌ القارئ: ويشترط لصحة المبيع معرفة الثمن لأنه أحد العوضين فيشترط العلم به كالمبيع ورأس مال السلم.

الشيخ: الفقهاء رحمهم الله يستعملون القياس دائماً فيما يمكن فيه استعمال النص فهنا لو قال يشترط لصحة البيع معرفة الثمن لأن جهله غرر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن بيع الغرر) كانت ثبوت العلم بالثمن بالنص وهذا أولى ونقول هذا لا اعتراضاً على الفقهاء لأن الفقهاء رحمهم الله يريدون من طالب العلم أن يكون عنده قدرة على إلحاق الأشياء بنظائرها لكني أقول من حيث الاستعمال لا شك أننا إذا اعتمدنا على الدليل الأثري أولى ثم نلحقه بالدليل النظري لأن الدليل الأثري يوجب للإنسان منافع كثيرة منها الرجوع إلى الأصل وهو الدليل من الكتاب والسنة ومنها الطمأنينة لأن الإنسان يطمئن ويرى أن له حجة عند الله عز وجل إذا عمل بهذا ومنها أنه لا يمكن لأحد أن يعارض لأنك إذا استعملت القياس فربما ينازعك منازع ويقول لا أوافق على القياس ومنها محبة الله ورسوله لأنك تشعر بأنك تابع للكتاب والسنة وهذا يؤدي إلى محبتك لله ورسوله لأن الله شرع لك هذا ولأن الرسول شرع لك هذا فتزداد محبتك لله ورسوله فلذلك أوصيكم بالاعتماد ما استطعتم على النصوص من الكتاب والسنة وإذا لم تجدوا ماء فتيمموا أي اذهبوا إلى القياس وهذا هو الذي ضر كثيراً من العلماء رحمهم الله أنهم رجعوا إلى القياس فتناقضوا في كثير من المسائل ولهذا يسمون أهل الرأي لأنهم لا تكاد تجد في مؤلفاتهم الاعتماد على الأدلة وعكسهم الظاهرية الذين لم يلتفتوا إلي المعقول إطلاقاً ولكنهم متناقضون لأنهم أحياناً يرجعون إلي القياس وعلى كل حال ليس هذا موطن بحث هذه المسألة والقصد أنه متى ما وجد النص فلا يُعدل به شيء واستعمال النص في هذه المسألة سهل جداً (نهى عن بيع الغرر) والثمن إذا كان مجهولاً فهو غرر وانتهينا. القارئ: وإن باعه بثمن مطلق في موضع فيه نقد معين انصرف إليه وإن لم يكن فيه نقد معين لم يصح لجهالته.

الشيخ: هذه المسالة لا تقع في الوقت الحاضر فيما أعلم يعني أن يكون في بلد ما نقدان متساويان ويستعملهم الناس على السواء فهنا إذا قدرنا أن هناك دراهم مثلاً تبع السعودية ودراهم تبعٌ لبلد آخر وهي رائجة في البلد على السواء وقلت بعتك بدرهم لا يصح لأنه لا يدري أي الدرهمين المقصود لكن إذا كان من المعروف أن الرائج والأكثر هو الدرهم الفلاني صح ويحمل المطلق عليه. القارئ: وإن باعه سلعة برقمها أو بما باع به فلان وهما لا يعلمان ذلك أو أحدهما أو بما ينقطع به السعر لم يصح لأنه مجهول.

الشيخ: هذه المسألة مما اختلف فيها العلماء إذا قال الزبون للتجار بكم هذه السلعة قال التاجر مكتوبٌ عليها الثمن فربما يكون التاجر لا يعرف عنها شيئاً والمشتري أيضاً لا يعرف يقول المؤلف أنه لا يصح البيع والحقيقة أن هذا أولى بالصحة مما إذا قدره البائع لأن المقدَّرَ هنا مقدَّر إما من قِبَل الدولة وإما من قِبَل الشركة فهو مقدر بثمن يشترك فيه الناس كلهم فالصواب أنه إذا باعها برقمها فالبيع صحيح وأنه أولى بالصحة من تعيين البائع الثمن وذلك لأن البائع قد يزيد في الثمن والمشتري لا يدري والمسألة الثانية إذا قال بعتك بما باع به فلان يقول المؤلف لا يصح وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن يكون فلان من العمداء المعتمدين في السوق أو غيرهم من الناس والصواب أنه يصح إذا كان فلان ممن عرف في السوق واعتمد لأن بعض التجار يكون عمدة عند الناس لأنه يعرف الأثمان ويقدر الأشياء بأثمانها والناس ينتابونه ويشترون منه كثيراً فإذا قلت أنا لا أعرف السلع ولا أعرف ثمنها لكن اذهب واسأل فلان فالذي يبيع به فهي لك به يقول المؤلف أنه لا يصح والصواب أنه يصح إذا كان فلان ممن عرف بأنه عمدة وأن الناس ينتابونه وأن أسعاره معتبرة أما لو قال اذهب إلى فلان وأسأله هذا ما يصح لأننا لا ندري ماذا يقدرها به فلان وفلان هذا ليس معروفاً بين الناس وليس عمدة في البيع والشراء أما إذا كان عمدة فالصواب أنه يصح وقول المؤلف (بما ينقطع به السعر) يعني إذا قال البائع للمشتري اذهب وأعرض هذه السلعة في السوق ونادي عليها بالمزيادة فإذا وقفت على سعر ما فهي لك به يقول المؤلف لا يصح لكن نقول هنا أيما أشد غرراً وجهالة أن يقول هي بمائة وربما لا يدري البائع والمشتري عن الثمن أو إذا قال البائع للمشتري اذهب وأعطها من ينادي عليها فإذا أنقطع السعر فهي لك أيهما أقرب إلى موافقة الحقيقة في الثمن؟ الجواب الثاني بلا شك وحينئذ نقول إذا باعه بما ينقطع به السعر

فالصواب أن ذلك جائز إذا قال قائل ربما تكون الأشياء رخصة والبائع يظنها باقية على سعرها الأول فيندم البائع؟ نقول البائع بائع على كل حال ولن يبيع بأكثر من سعر الناس إلا إذا أراد الغش والخداع وإلا فالناس في السوق ولم يمنعوا من المزايدة كذلك بالعكس لو أن المشتري ظن أنها رخيصة ولكن الأسعار زادت وزاد فيها الناس حتى رَبَت فالمشتري حينئذ سوف يندم لأنه زاد عليه السعر فنقول هو أي المشتري شاري بأي ثمن لأنه يريد أن يدفع حاجته فإذا كان كذلك فإن البائع لم يزد عليه عما في السوق حتى لو ذهب إلى السوق ولم يجد إلا بهذا الثمن فالصواب أنه جائز لكن في مثل هذه الحالة نقول تطييباً للقلوب وإزالةً للضغائن يقول البائع للمشتري إذا أنقطع السعر فأنت بالخيار إن شئت خذها وإن شئت أتركها وكذلك بالنسبة للبائع يقول المشتري للبائع إذا أنقطع السعر فأنت أيضاً بالخيار فحينئذ يحصل المقصود للطرفين ويكون كل واحد منهما وعد الآخر بأخذها. القارئ: وإن قال بعتك بألف درهم ذهباً وفضة لم يصح لأنه لم يبين القدر من كل واحد منهما. الشيخ: هذه المسألة فيها تفصيل إذا كان سعر الذهب والفضة واحداً وقال بعتك بمائة ذهباً وفضة نحمل الكلام الآن على المناصفة لأنه قال ذهب وفضة فالعدل أن نجعلهما خمسين من الدنانير وخمسين من من الدراهم والسعر معروف وهو خمسين دينار يعني خمسمائة درهم فيكون الثمن خمسمائة وخمسين درهماً لكن نصفها ذهب فهذا ليس فيه جهالة في الواقع أما إذا كان سعر الذهب يختلف كما هو المعهود الآن فهنا لا يصح أن يقول بعتك بمائة ذهباً وفضة لأن هذا فيه جهالة عظيمة قد يقدر أن قيمة الدينار عشرة فإذا هو بعشرين أو يقدر عشرة فإذا هو بخمسة.

القارئ: وإن باعه بعشرة نقدا أو بخمسة عشرا نسيئة أو بعشرة صححا أو بعشرين مكسرة لم يصح لم يصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيعتين في بيعة) حديث صحيح ولأنه لم يعقد على ثمن بعينه أشبه إذا قال بعتك أحد هذين العبدين. الشيخ: والصواب الصحة إذا قال بعتك هذا الشيء بعشرة نقداً ويسميها مقلدوا الناس بعضهم ببعضاً يسمونها كاشاً ولا أدري كلمة كاش هل هي لغة عربية أو أجنبية وعلى كل حال أقول استعمال كلمة نقد أحسن من استعمال كلمة كاش لأنها هي لغة الفقهاء وهي اللغة العربية وكوننا نجاري الناس لا ينبغي إلا إذا قال العامي ما معنى نقد فحينئذ نقول له كاش ويكون ذلك ترجمة والترجمة جائزة وعلى كل حال إذا قال بعتك هذا الكتاب بعشرة نقداً أو عشرين نسيئة فقال المشتري قبلت يقول المؤلف أنه لا يصح ويفسر هذا بأنه بيعتين في بيعة والصحيح أنه لا ينطبق عليه الحديث إطلاقاً ولا يدل عليه الحديث لأن هذا بيعة واحدة بثمنين مُخيَّر بينهما فلا يوجد بيعتان في بيعة فالبائع يقول بعشرة نقداً أو عشرين نسيئة وأخذ المشتري العشرة فليس هناك جهالة فهما لم يتفرقا إلا وقد عُيِّن الثمن ولو قال البائع بعشرة نقداً أو عشرين نسيئة فأخذه المشتري بعشرين نسيئة ذهب فليس في ذلك شيء ولو قال البائع خذه بعشرة نقداً ولك إلى الغد وفي الليل جاء المشتري بالعشرة فإنه يصح على القول الراجح وإذا مضى اليومان لزمه بعشرين فالصواب أنه صحيح وأنه لا يدخل في بيعتين في بيعة وأن هذا بيعة واحدة بثمنين مُخيَّر بينهما. القارئ: ويتخرج أنه يصح بناءاً على قوله في الإجارة وقيل معنى (بيعتين في بيعة) أن يقول بعتك هذا بمائة على أن تبيعني دارك بألف أو على أن تصرفها لي بذهب وأيّاً ما كان فهو غير صحيح.

الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف إذا قال بعتك بيتي هذا بشرط أن تبيعني بيتك يقول المؤلف لا يجوز لأنه بيعتان في بيعة وهذا أقرب من الأول أن يكون بيعتين في بيعة لأنك تقول بعت عليك بشرط أن تبيع عليَّ فهاتان بيعتان في بيعة ولكن الصحيح أنه جائز إلا إذا كان حيلة على الربا بأن قال أقرضك مثلاً عشرين ألفاً بشرط أن تبيع عليَّ دارك هذا لا يجوز لأنه قرض جرا نفعاً وكذلك أيضاً إذا تضمن ربا مثل أن يقول أبيع عليك ذهباً مصنوعاً صناعة جديدة على أن تبيع علي ذهبك المصنوع صناعة قديمة وبينهما اختلاف في الميزان فهذا أيضاً لا يصح لأن فيه ربا فضل فالصواب أن اشتراط عقد في عقد جائز ما لم يتضمن محرماً من ربا أو جهالة إذاً كلا المعنيين لا يدخلان في معنى بيعتين في بيعة فما هي (بيعتان في بيعة)؟ نقول فسرها الرسول عليه الصلاة والسلام وليس لنا أن نتجاوز ما فسره لأنه هو المتكلم هو الذي نهى عن بيعتين في بيعة وهو الذي فسرها لنا فقال (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) وقوله (أوكسهما) يعني أنقصهما أو (الربا) يعني إما أن يأخذ بالناقص ولا يكون عليه شيء فهو حلال أو الربا فالرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بيّن وفصّل أن بيعتين في بيعة إما أن يأخذ بأنقصهما فيكون حلالاً وإما أن يأخذ بأكثرهما فيكون ربا فلا نتعداه وكيف يكون ذلك؟ أن أبيعك بيتي بمائة ألف إلي سنة فهذه بيعة تامة ثم رجعت إليك فأخذته منك بثمانين نقداً وأعطيتك ثمانين فهذه بيعة فهاتان بيعتان الأولى والثانية وقوله (في بيعه) أي في مبيع فيحمل قوله (في بيعه) أن معناه في مبيع فالمبيع الآن واحد وورد عليه عقدان أول وثان فإن أخذ البائع بالأول فهو الربا وإن أخذ بالثاني فهو أوكسهما وليس بربا وتوضيحاً للمثال بعتك هذا البيت بمائة ألف ريال لمدة سنة ثم أخذته منك بثمانين ألفاً نقداً وأعطيتك ثمانين فالآن أعطيتك ثمانين وفي ذمتك لي مائة ألف فهذا ربا وحقيقة الأمر أن

هذا البيع يراد به إعطاء ثمانين بمائة فإن قلت اشتريته منك بثمانين ولا شيء لي عندك فهنا أخذت بأوكسهما وليس في ذلك شيء عليه نقول إن البيعتين في بيعة المنهي عنهما هما مسألة العينة كما فسرها بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وكما هو صريح الحديث (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا). السائل: يقولون في نفس الحديث أن الذي يقول بع هذا بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة أنه باع العشرة والسلعة هذه لا تجاوز ثمنها عشرة دراهم فعشرة دراهم هذه باعها بعشرين كأنه أربا؟ الشيخ: أنت لم تبع العشرة لأنك ما أخذتها بعشرة ثم عدت وقلت اجعلها مؤجلة بعشرين لكن لو أخذت بعشرة ثم أنقطع الخيار ثم بعد ذلك رجعت وقلت أنا أخذتها منك بعشرة ظناً مني أني أدركت اليوم عشرة لكن لم أدرك اجعلها عشرين إلى سنة فهذا حرام لأنه أستقر عليك الثمن بعشرة فلا يجوز أن تجعله عشرين في مقابل الآجل لكن نقول من الأصل أنا ما أخذتها بعشرة أنا خُيِّرتُ بين ثمنين وأخذت بالعشرة ومسائل الخلاف يجب على الإنسان أن يتحرى فيها الدقة فلا يأخذ الشيء مسلّماً كما مر علينا في مسائل كثيرة في البيع كالبيع بما يبيع الناس والبيع بالرقم البيع والبيع كما يبيع فلان المشهور المعتمد فكل هذه المسائل يقول المؤلف لا يصح وإذا تأملت وجدت أنها أولى بالصحة من الثمن المقطوع من جانب البائع. القارئ: وإن باع بثمن معين تعين لأنه عوض فتعين بالتعيين كالمبيع فعلى هذا إن وجده مغصوباً بطل العقد وإن وجده معيباً فرده أنفسخ العقد لرد المعقود عليه فأشبه رد المبيع وعن أحمد أن الثمن لا يتعين إلا بالقبض فتنعكس هذه الأحكام.

الشيخ: الثمن يتعين بالتعيين كما يتعين المبيع فإذا قلت مثلاً لشخص أعطني بالعشرة هذه التي يدي دفاتر مثلاً فالآن الورقة التي بيدي تتعين ولا أستطيع أن أبدلها لأن العقد وقع عليها بعينها فالنقد يتعين بالتعيين كما يتعين المبيع وهذه الرواية هي المذهب وهي الصحيحة وقيل أن الثمن لا يتعين بالتعيين وأن للمشتري الذي عين الثمن أن يبدله ويغيره لأن الثمن الذي هو النقد الدراهم والفضة مثلاً لا يُرَاد أعيانها ولا يهتم إذا سقطت الورقة النقدية فأخذها وأعطاه ورقة أخرى لا يهتم بهذا لأن الثمن واحد فلذلك أختلف العلماء هل تتعين بالتعيين أولا وهذا فيما إذا كان الثمن نقداً يعني دراهم أو فضة أما إذا كان الثمن عيناً فلا شك أنه يتعين بالتعيين رواية واحدة مثل أن أقول اشتريت سيارتك بهذه السيارة فهنا الثمن سيارة وفي عين فتتعين بذاتها ولا إشكال فيه ولهذا نقول الفرق بين الثمن والمثمن ما دخلت عليه الباء فهو الثمن هذه القاعدة ما دخلت عليه الباء فهو الثمن مثلاً اشتريت منك سيارة بهذه السيارة فالثمن هنا السيارة الثانية ولو قلت اشتريت منك العشرة دراهم التي بيدك بهذا الكتاب فالكتاب هنا هو الثمن ولأنه هو الذي دخلت عليه الباء فكل ما دخلت عليه الباء فهو الثمن ويتعين الثمن بالتعيين كما يتعين المثمن وهذا كلام المؤلف رحمه الله، ثم قال المؤلف (فعلى هذا إن وجده مغصوباً بطل العقد) يعني إن وجد الثمن الذي عينه مغصوباً بطل العقد لأنه وقع على مالا يملكه المشتري ومعنى مغصوباً يعني أن المشتري غصب هذا الثمن مثلاً غصب عشرة ريالات وجاء بها إلي وأشترى بها مني حاجة وعينها عند العقد فتبين أنها مغصوبة يقول المؤلف يبطل البيع لأن المشتري لا يملكها ثم قال المؤلف (وإن وجده معيباً فرده أنفسخ العقد) يعني إن

وجد البائع أن هذا الثمن معيباً فمثلاً وجد الورقة النقدية مزيفة أو مشققة ثم ردها فإنه ينفسخ العقد ثم قال المؤلف (وعن أحمد أن الثمن لا يتعين إلا بالقبض فتنعكس الأحكام) معناه إذا قلنا أن الثمن لا يتعين بالتعين فقال المشتري للبائع اشتريت منك هذا الكتاب بهذه الدراهم التي بيدي ثم تم البيع وأخذ البائع الثمن وتبين أن الثمن مغصوب أو مسروق فالعقد على هذا القول صحيح ويلزم المشتري بعوضه يعني بأن يعطي البائع عشرة أخرى من عنده وكذلك إذا وجد البائع بعد إن استلم الثمن المعين وجده معيباً ثم رده للمشتري فإنه لا يبطل ويلزم المشتري بدله. القارئ: وإن باعه بثمن في الذمة لم يتعين فإذا قبضه فوجده مغصوباً لم يبطل العقد وإن رده لم ينفسخ لأن الثمن في الذمة. الشيخ: قوله (بثمن في الذمة) لا يلزم أن يكون مؤجلاً فإذا قلت اشتريت منك كتاباً بعشرة ريالات والريالات معي في جيبي وبعد أن تم البيع أخرجت من جيبي عشرة وأعطيتك إياها فهذا ثمن في الذمة لأن العشرة التي في جيبي عند العقد لم تعين فتكون في الذمة فلا يلزم من كلمة الذمة أن يكون الثمن مؤجلاً. فصل القارئ: ولا يجوز بيع الملامسة والمنابذة لما روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيعتين الملامسة والمنابذة) والمنابذة أن يقول إذا نبذة إليَّ هذا الثوب فقد وجب البيع والملامسة أن يمسه بيده ولا ينشره متفق عليه ولأنه إذا علق البيع على نبذ الثوب ولمسه فقد علقه على شرط وهو غير جائز.

الشيخ: الملامسة والمنابذة ثبت النهي عنها وكما ذكر المؤلف مثالها ليس فيها ملامسة من الجانبين فاللمس من جانب واحد بأن يقول أيُّ ثوب تلمسه فهو عليك بكذا فهذا لا يصح لأن فيه غرر وجهالة فربما يلمس ثوباً يساوي مائة أو ثوباً يساوي عشرة فهو مجهول وبناءاً على ذلك لو كانت الثياب مستوية القيمة لا يختلف أحدها عن الآخر فإن ذلك جائز فإذا قال قائل الحديث عام؟ قلنا إن السنة يفسر بعضها بعضاً وحديث أبي هريرة (نهى عن بيع الغرر) يدل بمفهومه على أن كل بيع لا غرر فيه فهو جائز فيحمل النهي عن الملامسة عن ملامسة فيها غرر، ولو أننا أبقينا كل نص على عمومه لتناقضت السنة بل يخص عموم السنة بما يخصها نعم وأما المنابذة فمثالها لو قال أيُّ ثوب تنبذه عليَّ فهو بمائة فهذا لا يصح ومعنى تنبذه أي ترمي به عليَّ فلا يصح لأنه ربما يرمي عليه ثوباً يساوي خمسة ريالات أو عشرة وهو يريده بمائة وربما يخطئ فيرمي عليه ثوباً يساوي مائتين ففيه جهالة لكن نجد الآن في بعض الدكاكين يقولون كل شيء بثلاثة ريالات هل هو من هذا النوع؟ لا لأنه لا يمكن أن يجد ما يساوي أكثر من ثلاثة ريالات كأنهم يقولون كل الذي في الدكان لا يوجد شيء يساوي أكثر من ثلاثة ريالات فلا توجد جهالة والإنسان يختار ما شاء ويشبه هذا ما ذكرناه من قبل أن يقول البائع للمشتري مثلاً أدخل في قطيع الغنم وخذ منه ما شئت بمائة ريال والبائع يدري أنه لا يمكن أن تزيد الواحدة عن مائة ريال فهذا لا بأس به لعدم وجود الجهالة. القارئ: وإذا باعه قبل نشره فقد باعه مجهولا فيكون غررا. الشيخ: هذا صحيح وأما مسألة تعليق البيع بالشرط فليس به بأس مادام الشرط معلوماً مثل أن يقول بعت عليك سيارتي بعشرة آلاف إن رضي أبي ثم ذهب إلى الأب فقال رضيت فالبيع صحيح لأن هذا ليس بربا ولا ظلم ولا غرر.

القارئ: ولا يجوز بيع الحصاة لما روى أبو هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة) رواه مسلم وهو أن يقول ارمِ هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا وقيل هو أن يقول بعتك من هذه الضيعة بقدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا وكذا وكلاهما غير صحيح لأنه غرر. الشيخ: بيع الحصاة سواء فُسر بهذا أو هذا فهو بيع مجهول مثل أن يكون دكان فيه أنواع من البضائع فقال البائع للمشتري ارمِ حصاة على هذه البضائع أي بضاعة تقع عليها الحصاة فهو بكذا فهذا لا يجوز لأنه مجهول لكليهما أما البائع فظاهر لأنه لا يدري ماذا يصوب المشتري الحصاة إليه وأما المشتري فقد يخطئ أحياناً يرمي الإنسان الحصاة يريد هدفاً معين ثم تصيب غيره إذاً هو مجهول لهذا ولهذا فلذلك نهي عنه لما فيه من الغرر وكذلك أيضاً الحصاة من الضيعة الضيعة مثل البستان أو الأرض أو ما أشبه ذلك قال البائع للمشتري خذ الحصاة هذه وارمها والمدى الذي تصل إليه فهو عليك بكذا فلا يجوز لأنه غرر حتى لو كان المشتري يعرف من نفسه أنه رجل قوي وأنه إذا رمى الحصاة ستبلغ ثلاثمائة متر مثلاً فلا يصح لأنه وإن كان هذا ظنه بنفسه لكن ربما تخلل يده عند الرمي أو ربما يقابلها ريح شديدة تردها عما أراد أو أي سبب من الأسباب ففيه جهالة فهو للبائع قطعاً مجهول وللمشتري الغالب أنه مجهول لأنه لا يستطيع أن يحدد مدى ما تصل إليه الحصاة إذا رمى بها وكل هذه الأشياء التي جاء بها الحديث كلها في الحقيقة عبارة عن أمثلة للقاعدة العامة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر). السائل: شخص أراد شراء شيء بمائة درهم مثلاً ثم تذكر أن معه صرف في جيبه بعد أن عين هذه الدراهم فردها مرة أخرى بعد إن أستلم المبيع ثم أعطى البائع من الصرف الذي في جيبه؟ الشيخ: هذا ينبني على الروايتين إن قلنا إنها تتعين بالتعيين فإنه لا يملك أن يبدلها وإن قلنا لا تتعين ملك ذلك.

السائل: إذا كان الثمن بعد الرمي يعني يقول المشتري لصاحبه سأرمي هذه الحجر فإذا بلغ المحل الفلاني أبيعه مثلاً بمائة. الشيخ: هذا ما في مانع إذا كان العقد بعد الرمي لكن لا أحد يفعل هذا إلا أنه فيه خبل لأنه كيف سيجعل الحصاة هي التي تعين ما يريد. السائل: في بعض البضائع تكون مغلفة محطوطة في كيس أو كرتون وإذا فتحت الكرتون يجب أن تدفع قيمتها ويكون اسم البضاعة مكتوب بالخارج؟ الشيخ: لو تغيرت عما كتب عليها في الكرتون أرجعتها. السائل: بعض الكتب تجيء مغلفة ما ندري ما اسم الكتاب أو المادة التي فيه؟ الشيخ: لا هذا ما يصلح إذا صرت ما تدري ماذا يوجد في الكتاب لكن لابد أن تعرف مثلاً أنه كتاب سبل السلام شرح بلوغ المرام ومغلف فهذا إذا اختلف فلك رده لأنه عين. القارئ: ولا يجوز بيع حبل الحبلة لما روى ابن عمر قال (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة) متفق عليه، قال أبو عبيد هو بيع ما يلد حمل الناقة وقيل هو بيع السلعة بمثن إلى أن يلد حمل الناقة وكلاهما لا يجوز لأنه على التفسير الأول بيع معدوم مجهول وعلى الثاني بيع الثاني بثمن إلى أجل مجهول.

الشيخ: هذا واضح بيع حبل الحبلة له تفسيران الأول أن يبيعه ولد حمل هذه الناقة فهذا لا يجوز لأنه معدوم ومجهول قد تلد ناقة وقد لا تلد قد تلد جملاً ولأن الناقة قد تموت وقد تحيا وقد تلد اثنين أو ثلاثة فالمهم أنه لا يجوز لأنه مجهول معدوم أو قال بعتك هذا بثمن إلى أن يلد حمل الناقة فهذا أيضاً لا يجوز لأننا لا ندري متى تلد فهو أشد جهالة وكذلك لو قال إلى أن تلد الناقة فلا يجوز لأن الثمن مؤجل بأجل مجهول وهذا يؤدي إلى النزاع والاختلاف أما لو قال اشتريت منك هذا الثوب إلى ميسرة حتى يرزقني الله فإنه يجوز لأن قوله حتى يرزقني الله إنما هو تأكيد إذ أنه لا يلزمه أن يسلم الثمن إلا إذا رزقه الله مادام البائع يعلم أنه فقير فإن مقتضى العقد ألا يطالبه بالثمن إلا إذا رزقه الله فيكون هذا الشرط تأكيداً ولهذا قالت عائشة (يا رسول الله إن فلان قَدِم له بَزٌّ من الشام فلو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى ميسرة) فأرسل إليه النبي عليه الصلاة والسلام ولكنه لم يقبل وامتنع أن يبيعه لأنه يريد أن يأخذ الثمن ويرجع إلى أهله. القارئ: ولا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل كمجيء المطر وقدوم زيد وطلوع الشمس لأنه غرر. الشيخ: الصواب في هذا التفصيل إذا علق البيع على شرط مستقبل فإن كان معلوماً فلا بأس وإن كان مجهولاً فلا والمؤلف مثَّل بأمثلة يقول كمجيء المطر وهذا غير معلوم وكذلك قدوم زيد غير معلوم أما طلوع الشمس فهو معلوم وعلى هذا فإذا وقته بطلوع الشمس فلا بأس لأنه معلوم والتعليق لا يؤدي إلى الجهالة فإذا قال قائل ماذا تقولون لو تلف المبيع فيما بين هذا العقد وبين طلوع الشمس؟ نقول لو تلف فإنه على ضمان البائع لأن العقد معلق بطلوع الشمس فيبقى في يد المشتري أمانة لا يلزمه الضمان. القارئ: ولأنه عقد معاوضة فلم يجوز تعليقه على شرط مستقبل كالنكاح.

الشيخ: هنا قاس شيئاً مختلف فيه على مختلف فيه فالنكاح من قال أنه لا يصح إذا كان معلقاً فهو قياس على قياس مختلف فيه وهذا لا ينفع لأن من شرط القياس اتفاق الخصمين على حكم الأصل وهذا له أمثلة عند الفقهاء رحمهم الله منها مثلاً قالوا لا يجوز رمي الجمرات بحصى قد رُمي به كما لا يجوز استعمال الماء إذا استعمل في طهارة واجبة فالمذهب إذا استعمل الماء في طهارة واجبة فإنه يكون طاهر غير مطهر فيقولون إذا رَمى بحصاة رُمي بها فإنه لا يصح الرمي قياساً على ما إذا توضأ بماء قد توضئ به فنقول نحن لا نسلم بالأصل الذي قستم عليه وإذا لم نسلم بالأصل لم نسلم بالمقيس ولذلك كان الصحيح أنه يجوز للإنسان أن يرمي الجمرات بحصاة رمي بها لأنها حصاة وقد أورد بعض العلماء على هذا أنه إذا قلتم بهذا القول لزم من قولكم أن يكفي الحجاج حصاة واحدة؟ نقول نحن ملتزمون دع الحاج يأخذ الحصاة ويرميها سبعة مرات عن نفسه ويجئ آخر نفسه كذلك والحجاج مليونين مثلاً لكن هذا إلزام بأشياء لا يمكن أن تكون ولكن نحن نلتزم وماذا يضر وعلى كل حال هذا جاء استطراداً ونقول إن القياس يشترط فيه ثبوت الأصل عند الخصم الذي تريد أن تحتج عليه أما فإذا أنكر الأصل فكيف تقيس عليه ما هو فرعه. فصل القارئ: ولا يجوز بيع العنب والعصير لمن يتخذه خمرا ولا السلاح لأهل الحرب أو لمن يقاتل به في الفتنة ولا الأقداح لمن يشرب فيها الخمر لأنه معونة على المعصية فلم يجوز كإيجاره داره لبيع الخمر.

الشيخ: لو قال لأنه معونة على المعصية وقد قال الله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) أما (فلم يجز كإيجار داره) فعدل إلى القياس مع وجود النص وهذا تقصير في الاستدلال فالواجب إذا وجد النص ألا نعدل عنه وأن نستدل به وعلى كل حال كل شيء علمت أنه يراد به فعل محرم فلا يجوز لك بيعه فإن قلت أنا لا أدري؟ قلنا ما الذي يغلب على ظنك لأنه أحياناً لا يدري الإنسان مائة بالمائة فنقول إذا غلب على ظنك أن هذا الرجل إنما اشترى هذا الشيء للمعصية حَرُمَ عليك البيع فإن ترددت فالأصل الحل وإن غلب على ظنك أنه اشتراها لمباح فهو حلال. القارئ: ولا يجوز بيع العبد المسلم لكافر لأنه يمنع من استدامة ملكه عليه فلم يصح عقده عليه كالنكاح. الشيخ: استثنى بعض العلماء من ذلك من يعتق عليه أي يعتق على الكافر فإنه إذا باع العبد على كافر يعتق عليه بالشراء فلا بأس لأن هذا من مصلحة العبد والذي يعتق عليه بالشراء هو إما أنه ذو رحم منه وإما أنه قد علق عتقه بملكه إياه على القول بجواز تعليق العتق بالملك ومثال الأول أن تبيع شخص كافر عبداً مسلماً والعبد أخ لهذا الكافر فهنا إذا بعته عليه فبمجرد ما يقول قبلت يعتق وحينئذ لا ضرر على العبد بل في بيعه فائدة وهي عتقه ومثال الثاني أن يقول الكافر إن اشتريت فلاناً فهو حر فهنا يجوز بيعه عليه لأنه بمجرد شرائه يعتق عليه. القارئ: فإن أسلم في يده أو في يد موروثه ثم انتقل إليه بالإرث أجبر على إزالة ملكه عنه لأن في تركه في ملكه صغارا فإن باعه أو وهبه لمسلم أو أعتقه جاز وإن كاتبه ففيه وجهان أحدهما يجوز لأنه يصير كالخارج عن ملكه في التصرفات والثاني لا يجوز لأنه يزيل الملك فلم يقبل كالتزويج.

الشيخ: وهذا هو الصحيح أن المكاتبة لا تكفي لأنه ربما يعجز الرقيق عن الوفاء وحينئذ يعود إلى الرق فلا فائدة منها فالصواب إذا قال أنا أكاتبه قلنا لا بل يجب أن تزيل ملكك عنه فوراً إما ببيع أو هبة أو غيرهما. القارئ: وإن ابتاع الكافر مسلماً يعتق عليه بالشراء ففيه روايتان أحدهما لا يصح لأنه عقد يملك به المسلم والثانية يجوز لأن ملكه يزول حال ثبوته فلا يحصل به صغار وإن حصل فقد حصل له من الكمال بالحرية فوق ما لحقه برق لحظة وإن قال الكافر لمسلم أعتق عبدك عني وعليَّ ثمنه ففيه وجهان بناءاً على ما ذكرناه لأنه بقدر بيعه للكافر وتوكيل البائع في عتقه. الشيخ: العبارة عندي (لأنه يُقَدَّر بيعه) والعبارة غير واضحة وعلى كل حال كما قلنا إذا قال أعتق عبدك عني وعليَّ ثمنه فقال المسلم لعبده المسلم أنت حر عن فلان الكافر فهذا لا يضره شيئاً وليس فيه صغار بل فيه مصلحة. فصل القارئ: ولا يجوز أن يُفَرَّق في البيع بين ذوي رحم محرم قبل البلوغ لما روى أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من فَرَّقَ بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) حديث حسن وعن علي رضي الله عنه قال وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما فعل غلامك) فأخبرته فقال (رده رده) رواه الترمذي وقال حديث حسن، فإن فرق بينهما فالبيع باطل رضيت الأم ذلك أم كرهته نص عليه لأنه فيه إسقاطاً لحق الولد وهل يجوز التفريق بينهما بعد البلوغ فيه روايتان أحدهما لا يجوز لعموم الخبر والثانية يجوز لأن سلمة بن الأكوع أتى أبا بكر الصديق رضي الله عنه بامرأة وأبنتها في غزوة فنفله أبو بكر ابنتها ثم استوهبها النبي صلى الله عليه وسلم من سلمة فوهبها له رواه مسلم وهذا تفريق ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أهديت له أختان مارية وسيرين فأمسك مارية ووهب أختها لحسان بن ثابت. فصل

القارئ: ولا يجوز أن يبيع عيناً لا يملكها ليمضي ويشتريها ويسلمها لما روى حكيم بن حزام أنه قال لنبي صلى الله عليه وسلم إن الرجل يأتي لي يلتمس من البيع ما ليس عندي فأمضي إلى السوق فأشتريه ثم أبيعه منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تبع ما ليس عندك) حديث صحيح ولأنه بيع مالا يقدر على تسلميه أشبه بيع الطير في الهواء. الشيخ: هذه المسألة وهي بيع مالا يملك تنقسم إلى قسمين الأول أن يبيع عليه عيناً معينة ثم يذهب ويشتريها فهذه لا إشكال في تحريمها لأنه لا يقدر على ذلك مثل أن يأتي إنسان ويقول أنا قد أعجبتني دار فلان فقال له البائع اشتراه مني وهو لايملكه فاشتراه منه ثم ذهب البائع الذي لايملك الدار واشتراها من صاحبها فهذا لا يصح لأنه وقع العقد على ما لايملك وهذا لا إشكال فيه لكن إذا باع عليه موصوفاً بأن قال بعني السلعة الفلانية وهي ليست عنده لكن البائع أضمر أنه سيشتريها مثل أن يأتي إليه المشتري يقول أنا أريد منك صحيح البخاري وهو ليس عند البائع فباعه عليه وذهب البائع واشتراه من المكتبة وأعطاه المشتري فهذا ظاهر حديث حكيم أنه لا يجوز لأنه باع ما لم يملك ولكن هذا يشكل عليه مسألة السَّلم فالسَّلم كان الصحابة يبيع الإنسان التمر أو نحوه ويأخذ الدراهم ولكنه مؤجل فيقول البائع للمشتري

أعطني ألف ريال بألف كيلو تمر مثلاً بعد ستة أشهر فهذا جائز وهو السَّلم الذي كان الصحابة يفعلونه وهنا المُسْلَم إليه باع ما ليس في ملكه وبعض العلماء فرق وقال إن السَّلم مؤجل وهذا حال والسَّلم الحال لا يصح وهذا واضح إذا قلنا بأن السَّلم الحال لا يصح لكن على القول بأن السَّلَم يصح ولو حالاً يبقى الإشكال وتَخلُّصاً من هذا كله أن نقول عِدْهُ ولا تبيع عليه ولا تعقد معه بل قل أنا آتي لك بصحيح البخاري بعد العصر مثلاً وإذا أتيت به عقدنا البيع فهذا لا بأس به ولا حرج فيه لكن المشكل أن يعقد البيع لأنه قد يعجز عنه فربما يقول أنا أبيع عليك البخاري بكذا ظناً منه أنه سوف يُحَصِّلُه ثم إذا ذهب إلى المكتبة قال صاحب المكتبة انتهى ما عندنا شيء وحينئذ يبقى إشكال ونزاع فلهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم (عن بيع ما ليس عنده) فصار بيع ما ليس عنده له صورتان الأولى أن يبيع شيئاً معيناً وهذا لا إشكال في منعه وأنه غير جائز لأنه ليس ملكاً وليس قادراً عليه إذ قد يمتنع مالكه من البيع والثانية أن يبيع عليه موصوفاً في الذمة ليس عنده ويذهب ويشتريه فهذا هو ظاهر حديث حكيم بن حزام والحديث يقول (لا تبع ما ليس عندك) ووجه النهي في هذا ليس لأنه باع ما لا يملك ذلك لأنه باع شيئاً في ذمته لكن الحكمة من النهي أنه قد يظن أنه قادر على إحضاره ثم لا يستطيع فيحصل الغرر والتغرير والنزاع والخصومة. القارئ: فإن باع مال غيره بغير إذنه ففيه روايتان أحدهما لا يصح لذلك والثانية يصح ويقف على إجازة المالك فإن أجازه جاز وإن أبطله بطل لما روى عروة بن الجعد البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة فاشترى به شاتين ثم باع إحداهما بدينار في الطريق قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار وبالشاة فأخبرته فقال (بارك الله لك في صفقة يمينك) رواه الإمام أحمد والأثرم ولأنه عقد له مجيز حال وقوعه فوقف على إجازته كالوصية.

الشيخ: هذه المسألة يسميها العلماء تصرف الفضولي يعني أن تبيع ملك غيرك فالمشهور من المذهب أنه لا يصح حتى لو أذن له وحتى لو كنت تعلم أنه يرغب أن يبيعها فإنه لا يصح لأنك لست مالكاً ولا وكيلاً والقول الثاني أنه يصح ويقف على إجازة المالك ودليله كما ذكر المؤلف فإن عروة بن الجعد رضي الله عنه اشترى وباع أشترى شاتين وقد وُكِّلَ أن يشتري شاة واحدة وباع شاة بعد أن دخلت ملك الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأجازه النبي عليه الصلاة والسلام ولم يقل رد البيع فدل ذلك على أن تصرف الفضولي إذا وافق صاحبه فإنه ينفذ وهذا القول هو الراجح لكن المشكل إذا أبى والمشتري قد أشترى على أن الملك ملك من باع عليه وحينئذ يقع شقاق ونزاع فماذا نصنع؟ نقول إذا كان الذي باع قد آذن المشتري بأنه ملك فلان فلا عذر للمشتري لأنه دخل على بصيرة وإن لم يؤذنه فإن هذا الذي تصرف تصرفاً فضولياً يغرم ما فات على المشتري لأن المشتري قد يفوته بعض الشيء والذي نرى في هذه المسألة أنه لا يجوز للإنسان أن يتسرع في بيع أملاك الناس لكن لو فرضنا أنك تعلم أن صاحبك الذي أنت له بمثل الأخ وأنه حريص على بيع ملكه وبعته له فإن هذا لا بأس به مثال ذلك تعلم أن صاحبك يريد بيع سيارته وأنه يرغب رغبة أكيدة فجاء إنسان واشترها منك وبعتها عليه ثم أخبرت صاحبك فقال جزاك الله خيراً أنا أرغب هذا فهذا لا بأس أن تُقدم على بيعها لأنك تعلم علم اليقين أن صاحبك سيرضى بذلك.

القارئ: وإن اشترى بعين مال غيره شيئاً بغير إذنه فهو كبيعه فإن أشترى له شيئاً بغير إذنه بثمن في ذمته ثم نقد ثمنه من مال الغير صح الشراء لأنه تصرف في ذمته لا في مال غير ويقف على إجازة المشتري له لأنه قصد الشراء له فإن أجازه لزمه وإن لم يجزه لزم من اشتراه لأنه لا يلزمه ما لم يأذن فيه والبيع صحيح ويلزم المشتري فإن باع مال غيره وهو حاضر فلم ينكر ذلك فهو كبيعه في غيبته فإن السكوت ليس بإذن فإنه محتمل كغير الإذن فلا يتعين كونه إذنا والله أعلم. الشيخ: ولو قيل في هذه المسألة إذا باع لغيره وهو حاضر وسكت فإنه يُنظر إلى قرائن الأحوال لأنه ربما يبيع مالا لغيره وهو حاضر ويسكت لأن هذا الغير لا يحب أن يبيعه على شخص ما إما لاحترامه له وتعظيمه إياه فلا يحب أن يقع بينه وبينه عقد بيع أو لأنه قد يعتب عليه أنه يهبه إياه مثل أن يكون قريباً له جداً ويخشى إن باشر البيع أن صاحبه يعتب عليه بأن يقول لماذا لم يعطني إياه مجاناً فينبغي أن يقال في هذه المسألة إذا باع ماله وهو حاضر وسكت إن دلت القرينة على أنه راضي فالبيع صحيح وإلا فلا لأنه قد يكون حاضراً ولا يستطيع أن يتكلم أو يكون غافلاً أو ما أشبه ذلك وهذا كله بناءاً على عدم جواز تصرف الفضولي أما على القول بأنه يجوز فالمسألة واضحة أنه إذا أجاز ولو كان ساكتاً فإنه يصح.

باب بيع النجشي والتلقي وبيع الحاضر لباد وبيعه على بيع غيره والعينة

باب بيع النجشي والتلقي وبيع الحاضر لباد وبيعه على بيع غيره والعينة القارئ: وهي بيوع محرمة لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لباد) متفق عليه ومعنى النجش أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغتر به المشتري ويقتدي به فهو حرام لأنه خداع والشراء صحيح وعنه أنه باطل لأن النهي يقتضي الفساد والأولى أصح لأن النهي عاد إلى غير العاقد فلم يؤثر فيه وللمشتري الخيار إن غبن غبناً يخرج عن العادة سواء كان بمواطاة البائع أو لم يكن لأنه غبن للتغرير بالعاقد فأثبت الخيار كتلقي الركبان ولو قال البائع أعطيت بهذه السلعة كذا كاذبا فاشتراها المشتري لذلك فالبيع صحيح وله الخيار لما ذكرناه.

الشيخ: هذا النجش محرم كما قال المؤلف رحمه الله واستدل له بنهي النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من العدوان على حق أخيه ثم ما هو سبب النجش؟ الجواب إما أن يكون كراهة للمشتري ويريد أن ينكد عليه وإما أن يكون محاباة للبائع لأنه صاحبه أو قريبه فيريد أن يزيد الثمن له وإما هذا وهذا يعني أنه يريد محاباة البائع ويكره المشتري فيريد أن يزيد عليه الثمن وأما من زاد وهو يريد الشراء فهذا جائز باتفاق المسلمين ومازال المسلمون يتزايدون في السلع فتعرض السلع فيقول هذا بعشرة ويقول الثاني بأحد عشر والثالث بعشرين وما أشبه ذلك فبيع المزايدة ليس فيه بأس باتفاق المسلمين ثم أنه إذا ثبت النجش فإن للمنجوش الخيار بين الإمضاء بالثمن الذي استقر عليه العقد وبين الفسخ فإن قال قائل وهل تجعلون له الأرش بمعنى أن تقولوا أمسك السلعة بثمنها المعتاد الخالي عن النجش كما قلتم في خيار العيب؟ نقول لا لا نقول بهذا بل نقول للمنجوش إما أن تمسكها بالقيمة وإما أن تردها لأن هذا ليس فوات مقصود في عين السلعة حتى نقول إنه مثل العيب بل هذا زيادة في الثمن فإما أن تأخذها به وإما أن تردها ولو قال البائع أعطيت في السلعة مائة ريال وهو كاذب؟ فإنه لا يجوز ويعتبر هذا من النجش فللمشتري الخيار ولو أن البائع قدر قيمتها بأكثر بكثير من ثمنها الحقيقي وهذا يوجد كثيراً في السباكة وغيرها فيقدر الشيء بأضعاف قيمتها والمحتاج سوف يشتري فإذا تبين أنه قد زاد فهذا نجش للمشتري الخيار ولو قال البائع اشتريتها بمائة وهو كاذب وإنما اشتراها بخمسين لكن قال بمائة من أجل أن يزيد الثمن فهذا أيضاً من النجش ولو قال البائع للمشتري هي بثمانين وهو يبيع بستين لكن جرت العادة أن الناس يماكسونه حتى ينزل من ثمنه إلى ستين فجاء رجل سليم القلب وقال للبائع بكم هذه فقال البائع بثمانين فقال المشتري خذ هذه ثمانين فهل يجوز أو لا؟ هذا لا يجوز بل نقول الواجب عليك إذا قدرت القيمة

بثمانين وأراد المشتري أن يأخذها أن تقول أصبر أنا قدرتها بثمانين وحددت الثمن بثمانين بناءاً على أنك ستماكسني كما يماكسني الناس أمَّا وأنت غير مماكس فإن قيمتها الحقيقة ستون فإذا قال البائع هكذا وقال المشتري أنا أرضى بثمانين فهذا الأمر إليه لكن كون البائع يحدد الثمن بزيادة عن القيمة بناءاً على أنه جرت العادة أنه يُماكس حتى ينزل من القيمة ثم إن هذا المشتري أخذها بما حدها به فهذا لا يجوز ولابد أن يبين البائع للمشتري أمر قيمة السلعة ومبنى المعاملات أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به فهذا الصحيح ويُذكر أن جرير بن عبد الله البجلي وهو ممن بايع الرسول عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم أنه اشترى فرساً بمائتي درهم أو دينار - الشك مني - فلما أخذه وركبه وإذا هو يساوي أكثر فرجع إلى البائع وقال إن الفرس يساوي أربعمائة فلما عاد ووجده جيداُ رجع إلى البائع وقال يساوي ستمائة حتى أوصله إلى ثمانمائة وهذا هو الذي يبارك له في بيعه وإن كان البائع الأول قد يكون عالماً بأن قيمته ثمانمائة لكنه محتاج فباعه بمائتين من أجل أن يأخذ حاجته من الدراهم لكن لا شك أن من تمام النصح إذا عرفت إن صاحبك إما مضطر وإما مغتر أن تحدد له الثمن الحقيقي. السائل: ما الحد الأعلى فيما يأخذ البائع من الربح فأحياناً تكون بعض السلع غير موجودة في البلد الذي هو فيه فيجلبها من الخارج ويكون مثلاً اشتراها بمائة ولو قال بخمسمائة لشتراها منه الناس فما هو الحد الذي يأخذه ولا يكون عليه حرام؟ الشيخ: الواجب أن ينظر إلى قيمة هذه السلعة في السوق. السائل: إذا لم توجد في سوق البلد الذي هو فيه؟ الشيخ: ننظر في البلد المجاور وهو يعرف والتجار يعرفون. السائل: لكن إذا كانت السلع النادرة مثلاً من خارج البلاد؟

الشيخ: أنا أرى أن هذا من جنس المحتكر فإذا كانت السلعة لا توجد إلا عنده فإنه يبيع بما جرت به العادة من الربح ولا يحتكر لكن المشكل أن بعض الباعة يقولون إذا قدرنا الثمن بقليل قال المشتري هذا ليس بجيد وتركه وهذا يكثر في ملابس النساء فالمرأة إذا قلت لها هذا الثوب بعشرين ريال وهذه هي قيمته قالت لا هذا ليس بجيد فتذهب لدكان الثاني فإذا قال لها هذا بمائتين قالت هذا هو الطيب وأخذته وهذا واقع والآن يقولون أنهم يشترون من بلاد مجاورة كالرياض مثلاً فيشترون الثياب الثوب بعشرين ريال أو ثلاثين ريال ثم يأتون به إلى القصيم ويبعونه بثمانين ريال ويقولون نخشى أن نقول بأربعين ونكسب عشرة تقول المرأة هذا ليس بجيد وتتركه وهذه مشكلة ولكن نحن نقول لهم أنتم اتقوا الله (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ). السائل: أحياناً يجد الشخص الناس يتزايدون في السلعة فيقول نزيد في السعر لا محاباة للبائع ولا إضرار بالمشتري أي أنه يزيد بدون غرض الشراء؟ الشيخ: هذا محرم هذا حرام عليه لأن هذا إضرار بالمسلمين فلا يجوز لابد أن يكون لك غرض صحيح إما أنك تريد السلعة بنفسها أو أنها رخيصة في نظرك حتى ارتفع سعرها وتركتها أو لأي غرض. فصل القارئ: وتلقي الركبان أن يخرج الرجل من المصر يتلقى الجلب قبل دخوله فيشتريه فيحرم للخبر ولأنه يخدعهم ويغبنهم فأشبه النجش والشراء صحيح وعنه أنه باطل للنهي والمذهب الأول لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار) رواه مسلم والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح ولأن النهي لضرب من الخديعة أمكن استدراكها بالخيار فأشبه بيع المصراة وللبائع الخيار إن

غبن غبناً يخرج عن العادة فإن لم يغبن فلا خيار له ويحتمل أن له الخيار للخبر والأول المذهب لأنه إنما يثبت لدفع الضرر عن البائع ولا ضرر مع عدم الغبن والحديث يحمل على هذا وجعل النبي صلى الله عليه وسلم له الخيار إذا هبط السوق يفهم منه الإشارة إلى معرفته بالغبن فإن خرج لحاجة غير قصد التلقي فقال القاضي لا يجوز له الشراء لوجود معنى النهي ويحتمل الجواز لعدم دخوله في الخبر والبيع للركبان كالشراء منهم لأن النهي عن تلقيهم لدفع الغبن والشراء والبيع فيه واحد. الشيخ: هذا أيضاً صحيح أنه يحرم تلقي الركبان ولكن ظاهر الحديث أنه لا فرق بين الركبان الذين يعرفون السعر والذين لا يعرفون طرداً للباب وإلا فيحتمل أن يقال الركبان الذين جرت العادة أنهم يجلبون السلع إلى هذا البلد وهم يعرفون أقيامها لا بأس أن يتلقاهم ولكن يقال إنه ممنوع لأننا لو قدرنا أن البائعين الذين تلقوا خارج البلد قد رضوا بالسعر بقي حق للآخرين الذين في البلد لأن الإنسان إذا تلقى الركبان واشترى منهم قبل دخول البلد حَرَمَ أهل البلد من السلع التي قد يريدها كثير من الناس ولا يستطيعون الخروج لها فصار التلقي منهياً عنه مطلقا سواء كانوا قاصدين البلد وهم يعرفون أو لا ولكن هل البيع يبطل أو يصح؟ الصواب الذي لا شك فيه أنه لا يبطل بل هو صحيح لكن للبائع أن يختار أحد الأمرين إما أن يمضي أو لا يمضي ثم ذكر المؤلف هل له الخيار سواء غبن أم لم يغبن وذكر في ذلك قولين فظاهر الحديث أن له الخيار سواء غبن أم لم يغبن ويحتمل ألا يكون له الخيار إلا إذا غبن لكن الأخذ بظاهر الحديث أولى أن للبائع الخيار فإن كان مغبوناً فليغبنه وإن كان غير مغبون فلأجل تعزير هذا المتلقي الذي تلقى مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التلقي فيقال إن البائع له الخيار سواء غبن أم لم يغبن حتى يسد الباب على المتلقين. فصل

القارئ: وبيع الحاضر للبادي هو أن يخرج الحاضر إلى جلَّاب السلع فيقول أنا أبيع لك فهو حرام للخبر ولأن فيه تضييقاً على المسلمين إذ لو تُرك الجالب يبيع متاعه باعه برخص فإذا تولاه الحاضر لم يبعه برخص وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله (لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) وعنه لا بأس به وحمل الخبر على أنه أختص بأول الإسلام لما كان عليهم من الضيق والمذهب الأول للخبر والمعنى. الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر ما هو أخصُّ من الدليل حيث أنه خصَّ البيع بما إذا خرج الحاضر إلى البادي يعني تلقَّاه وقال أنا أبيع لك وظاهر الحديث العموم وأن الحاضر لا يبيع للبادي مطلقا فيكون الحكم أخص من الدليل. القارئ: قال أصحابنا إنما يحرم بشروط خمسة أحدها أن يكون الحاضر قد قصد البادي ليتولى ذلك والثاني أن يكون البادي جاهلاً بالسعر لأنه إذا كان عالماً به فهو كالحاضر والثالث أن يكون قد جلب السلعة ليبيعها فإن جلبها ليدخرها فلا ضرر على الناس في بيع الحاضر له ذكر الخرقي هذه الثلاثة وذكر القاضي شرطين آخرين أن يقصد بيعها بسعر يومها ويتضرر الناس بتأخير بيعه فإذا اجتمعت هذه الشروط فالبيع باطل للنهي عنه وعنه أنه صحيح لأن النهي عنه لمعنى في غيره.

الشيخ: ننظر إلى هذه الشروط هل الحديث يؤيدها أم لا (لا يبيع حاضر لبادي دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) ربما نفهم من قوله (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) أنه يشترط أن يكون البادي جاهلاً بالسعر لأنه إذا كان عالماً فلن يبيع إلا بالسعر وحينئذ لا يحصل من ورائه كسب وكذلك ربما نأخذ الشرط أن يقصده الحاضر وأنه إذا قصده البادي فإنه لم يرد أن يبيع برخص وإذا كان كذلك فيكون كالعالم بالسعر ومازال الناس الآن على هذا تجد الرجل يأتي بسيارته مثلاً قادماً بها من خارج البلد مما فيه الخضروات أو غيرها ثم يقف بها عند الدلال ويقول بعها لي ولا يسع الناس العمل إلا بهذا ولو أن هذا الذي جاء جالباً قال له الحاضر لا أبيع لأن هذا حرام ثم ذهب لثاني قال لا أبيع ثم ذهب لثالث قال لا أبيع فهنا ربما يضطر إلى أن يبيع برخص شديد إذا لم يجد من يبيع له أو ربما يخرج إلى بلد آخر ويبيع هناك فعمل الناس الآن على خلاف ذلك والظاهر أن اشتراط أن يكون جاهلاً بالسعر وألا يقصده الحاضر الظاهر أنه يؤخذ من الحديث من التعليل وهو قوله (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض). القارئ: فأما شراء الحاضر للبادي فصحيح لأنه لا يضيق على الناس فيه فإذا شرع ما يدفع به الضر عن أهل المصر لا يلزم شرع ما يتضرر به أهل البدو فإن الخلق في نظر الشارع على السواء. الشيخ: المعنى أنه إذا شرع ما يدفع به الضرر عن أهل المصر وهو عدم التلقي لا يلزمه أن يشرع ما يتضرر به أهل البدو لأن الكل في نظر الشارع سواء ومعلوم أنه إذا جاء البادي وقال للحاضر اشتري لي السلعة الفلانية أنه لا ضرر لا على البادي ولا على أهل البلد. فصل

القارئ: وأما البيع على بيع أخيه فهو أن يقول لمن أشترى شيئاً في مدة الخيار أنا أبيعك مثله بدون هذا الثمن أو أجود منه بهذا الثمن فيفسخ العقد ويشتري سلعته فيحرم للخبر ولأن فيه إفسادا وشبهاً بالنجش وإن فسخ البيع فأشترى سلعته فالشراء باطل للنهي عنه وشراؤه على شراء أخيه كبيعه على بيعه ويحتمل أن البيع صحيح لأن النهي لمعنى في غير العقد. الشيخ: قول المؤلف (لمن أشترى شيئاً في مدة الخيار) مفهومه أنه إذا انتهى الخيار فلا بأس مثال ذلك اشترى شخص من زيد سيارة واشترط الخيار ثلاثة أيام فذهب آخر إلى زيد وقال أنا أعطيك مثل هذه السيارة بأقل فهذا حرام لأنه بإمكان المشتري الآن أن يفسخ البيع ويذهب ويشتري من الجالب الجديد فأما إذا كان قد انتهى الخيار واشترى السيارة وتفرقا من المجلس فجاء آخر وقال لو أتيت إليَّ لأعطيتك مثلها بأقل أو أحسن منها بمثل الثمن فظاهر كلام المؤلف أن ذلك جائز والحديث عام (لا يبع بعضكم على بيع بعض) فيشمل ما في زمن الخيار وما بعده لكن نعم لو طالت المدة فحينئذ لا بأس أن يأتي إلى الشخص بعد شهر أو شهرين ويقول عندي مثلها بأقل وإنما قلنا إن الحديث عام لأن بيعه على بيع أخيه بعد انتهاء مدة الخيار يوجب أن يقلق المشتري ويقول كيف غلبني البائع فربما يكون في قلبه شيء على البائع ويعتقد أنه غشه وأنه خدعه وهذا القول هو الصواب أنه يحرم سواء كان في مدة الخيار أو بعد انتهاء المدة لكن هذا إذا كان في زمن قريب أما إذا بعد الزمن واحتمل تغير الأسعار واطمأن المشتري لا بأس. السائل: لو كان البائع ظالماً للمشتري فجاء آخر وقال للمشتري من باب النصيحة ردّ هذه السلعة وتعال أنا أعطيك أحسن منها أو ردها؟

الشيخ: هذه قد نقول إنها مصلحة للمشتري وليست للذي عرض عليه البيع يعني مثلاً لو أنه لما سأله قال اشتريت هذه السيارة بعشرين ألف وعلم علم اليقين أن البائع قد خدعه وأنها لا تساوي إلا عشرة فقال له ذلك فهذا من باب النصيحة وليس هناك ضرر ويكون الذي جنى على نفسه البائع الأول. فصل القارئ: فأما سومه على سوم أخيه فننظر فيه فإن كان البائع أنعم للمشتري البيع بثمن معلوم حرم على غيره سومه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يسم الرجل على سوم أخيه) رواه مسلم وإن لم ينعم له جاز سومها لما روى أنس أن رجلاً شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الشدة والجهد فقال له (ما بقي لك شيء) قال بلى قدح وحلس فأتاه بهما فقال (من يبتاعهما) فقال رجل أنا أبتاعهما بدرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (من يزيد على درهم) فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه قال الترمذي هذا حديث حسن ولأن فاطمة بنت قيس ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن معاوية وأبا جهم خطباها فأمرها أن تنكح أسامة متفق عليه فإن ظهرت منه أمارات الرضى من غير تصريح به فقال القاضي لا تحرم المساومة لخبر فاطمة ويحتمل أن تحرم لعموم النهي وليس في خبر فاطمة إمارة على الرضى. الشيخ: السوم على سومه كما قال المؤلف ينظر إن كان عارض السلعة قد أقتنع ورضي بالسوم وما بقي إلا أن يطلق العقد فهنا يحرم السوم عليه لأنه عدوان وأما إذا كان صاحب السلعة لم يرض بل قال من يزيد مثلاً فلا بأس تزيد على سومه لأنك في هذه الحال لم تعتد عليه فصار السوم فيه تفصيل إن كان الجالب قد اطمأن للسائم ورضي بذلك لكن لم يطلق العقد حرم السوم على سومه وإن كان لم يرض بذلك ويعرف هذا بالقرائن أو بعرض صاحب السلعة السلعة على الناس فهنا لا بأس أن تزيد. فصل

القارئ: فأما بيع العينة فهو أن يبيع سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها منه بأقل من الثمن حالا فلا يجوز لما روى سعيد عن غُندر عن شعبة عن أبي إسحاق عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل قالت دخلت على عائشة أنا وأم ولد زيد بن أرقم فقالت أم ولد زيد إني بعت غلاماً من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها بئس شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب ولا تقول مثل هذا إلا توقيفاً سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ولأن ذلك ذريعة إلى الربا لأنه أدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة والذرائع معتبرة. الشيخ: بيع العينة هي أن يبيع شيئاً بثمن مؤجل ثم يشتريه من المشتري بأقل نقداً مثل أن يبيع عليه هذه السيارة بخمسين ألفاً إلى سنة ثم يعود ويشتريها منه بأربعين ألفاً نقدا فهذه هي العينة وسميت عينة لأن البائع الذي باعها أولاً احتاج إلى العين أي إلى النقد ولم يجد من يقرضه فأحتال على هذا بهذه الحيلة على الربا والأصل سد الذرائع ومنع الحيل وقول عائشة رضي الله عنها (أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب) إنما قالت ذلك لأن سيئة الربا سيئة عظيمة فهو من أكبر المحرمات وهو من الموبقات التي عدها النبي صلى الله عليه وسلم فتكون هذه السيئة تطيح بثواب الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا أن يتوب. القارئ: فإن اشتراها بسلعة جاز لأنه لا ربا بين الأثمان والعروض وإن اشترها بنقد غير الذي باعها به فقال أصحابنا يجوز لأن التفاضل بينهما جائز ويحتمل التحريم لأن النساء بينهما محرم.

الشيخ: وهذا أقرب يعني مثلاً باعه السلعة بذهب ثم اشتراها بفضة فالفقهاء يقولون لا بأس لأنه ليس بين الفضة والذهب ربا فضل والمؤلف يقول (يحتمل التحريم) وذلك لأن الفضة بينها وبين الذهب ربا نسيئة وهنا كأنه اشترى ذهباً بفضة إلى أجل وهذا محرم والمثال لو أنه اشترى السيارة بخمسين ألف درهم مؤجلة ثم جاءه البائع وقال أعطنيها بعشرة دنانير عشرة دنانير تساوي أربعين درهم فهذا لا يجوز والسبب لأنه حيلة على بيع ذهب بفضة مع تأخير القبض فالاحتمال الذي ذكره المؤلف رحمه الله احتمال قوي. القارئ: وإن اشتراها من غير المشتري أو اشتراها أبو البائع أو ابنه جاز. الشيخ: صحيح لكن بشرط ألا يكون أبوه أو ابنه شريكاً له فإن كان شريكاً له فلا يجوز ومثاله رجل باع هذه السيارة على زيد بخمسين ألف مؤجلة ثم اشترها أبو زيد منه بأربعين نقداً فهنا لا بأس وذلك لأن مال الابن مستقل ومال الأب مستقل أما إن كان شريكين فإنه لا يجوز. القارئ: وإن نقصت السلعة لتغير صفتها جاز لبائعها شراؤها بأقل من الثمن لأن نقص الثمن لنقصان السلعة.

الشيخ: وهذا صحيح لكن بشرط أن يكون النقص من الثمن بمقدار نقص السلعة لا من أجل التأجيل والتعجيل أما إذا كان من أجل التعجيل والتأجيل فهذا حرام مثال ذلك باع علي سيارة بخمسين ألف مؤجلة ثم تغيرت صفتها بما ينقص عشر الثمن مثلاً فهنا لا نقول اشترها بما تريد من الثمن بل نقول اشترها بحيث لا ينقص من الثمن إلا العشر فقط لأننا إذا اعتبرنا النقص فلابد ألا ننقص عن سبب النقص وأعيد المثال للمرة الثانية ونقول إذا باع هذه السيارة بخمسين ألفاً إلى أجل ثم تغيرت صفتها بما ينقصها عشرة آلاف فصارت الآن تساوي أربعين ألف فإذا اشتراها هذا الرجل وهو البائع الأول بأربعين ألفاً فلا بأس لأن الذي نقص عن الخمسين في مقابل نقصها وأما إذا اشترها بثلاثين ألفاً فلا يجوز لأنه الآن صار هناك نقص في الثمن مقابل نقص السلعة وصار نقص آخر مقابل التعجيل والمهم أن كلام المؤلف ليس على الإطلاق بل نقول إذا نقصت صفتها فلا بأس أن يشتريها بمقدار ما نقصت الصفة فقط دون مراعاة التأجيل. القارئ: وإن نقصت لتغير السوق أو زادت لم يجز شراؤها بأقل لما ذكرناه. الشيخ: هذه مسألة نقصان السعر هل هو كنقصان القيمة أو لا؟ المذهب أن نقصان السعر ليس كنقصان القيمة فلو فُرض أن هذه السيارة التي بيعت بخمسين ألف إلى أجل نقصت قيمتها وصارت الآن لا تساوي إلا أربعين ألف إلى أجل فهل يجوز أن يشتريها بأربعين؟ الجواب على كلام المؤلف لا لماذا لأن عين المبيع

ليس فيها نقص والنقص هنا إنما هو في رغبات الناس وفي الجلب والطلب وتوضيحاً للمثال نقول باع الشخص هذه السيارة بخمسين ألفاً مؤجلة إلى سنة فلو اشترها بأربعين ألفاً نقداً لا يجوز ثم تغير ثمن السلعة وصارت لا تساوي إلا أربعين ألفاً مؤجلة فاشترها بأربعين ألف مؤجلة يقول المؤلف إن هذا لا يجوز لأن نقص السعر غير معتبر مع أن البائع الأول اشترها بما تساوي لو بيعت الآن مؤجلة إلى هذا الأجل لكن ما ذكره المؤلف رحمه الله أحوط وأسد لباب الربا أن نقول حتى لو تغير السعر فلا تشترها أما لو تغيرت لنقص العين فهذا يجوز بشرط أن يكون النقص عن الثمن في مقابلة نقص العين بدون زيادة ولو سُدَّ الباب مطلقاً لكان أحسن أيضاً لأننا إذا قلنا بشرط أن يكون النقص بقدر نقص العين ربما لا ينضبط هذا وربما يتجرأ الناس ويجعلون الخدش اليسير ينقص به شيء كثير من أجل أن ينزلوا القيمة فسد الباب أولى لكن لو باعها المشتري الذي اشترها بثمن مؤجل وباعها على آخر ثم اشترها البائع الأول من الآخر بأقل فإنه يجوز ولو بأقل. فصل القارئ: فإن باعها بثمن حال نقده ثم اشترها بأكثر منه نسيئة لم يجز نص عليه لأنها في معنى التي قبلها سواء.

الشيخ: هذه الصورة واضحة إنسان باع سلعة بثمن نقد وأخذه ثم اشترها بثمن مؤجل مثل أن يبيع هذه السيارة بأربعين ألفاً نقدا ويأخذها من المشتري ثم يعود ويشتريها منه بخمسين ألفاً إلى سنة وهذه تسمى عكس مسألة العينة وفيها عن الإمام أحمد رحمه الله روايتان رواية يجوز إذا لم يكن حيلة ورواية أخرى أنها كمسألة العينة ولا تجوز والصواب الرواية الأولى وأنها تجوز إذا لم تكن حيلة لأن محذور الربا فيها بعيد في الحقيقة والعينة إنما وردت فيما إذا باعها بمؤجل ثم أشترها بأقل منه نقداً لأن الحيلة فيها واضحة أما هذه فلا فإن الحيلة فيها غير واضحة والأصل في المعاملات الحل حتى يقوم الدليل على المنع والعجيب أن المؤلف رحمه الله ما ذكر الرواية الأخرى عن الإمام أحمد وهي رواية حرب حيث نقل عن الإمام أحمد أنها تجوز إذا كانت بلا حيلة. فصل القارئ: وإن باع طعاماً إلى أجل بثمن فلما حل الأجل أخذ منه بالثمن طعاما لم يجز لأنه ذريعة إلى بيع طعام بطعام نسيئة فهو في معنى ما تقدم. الشيخ: صورة هذه المسألة إذا باع براً بثمن مؤجل فلما حل الأجل أتى البائع إلى المشتري وقال أعطني الثمن فقال المشتري ما عندي دراهم لكن عندي هذا الشعير خذه عن البر يقول المؤلف إن هذا لا يجوز لماذا؟ لأن البر بالشعير يجري بينهما ربا النسيئة ويخشى أن تكون الصفقة الأولى ذريعة لبيع البر بالشعير بدون قبض هكذا قال والصحيح أنه جائز لأن محظور الربا هنا بعيد فهذا رجل باع براً على شخص بدراهم فلما حل الأجل قال ما عندي شيء لكن عندي هذا الشعير وليس عندي سواه أو قال عندي هذا الرز وما عندي سواه فهل نقول هذا لا يجوز؟ هذا فيه نظر بل نقول يجوز لكن بشرط أن يأخذها بسعر يومها فإذا كان الصاع من هذا الشعير يساوي ريالين فإنه لا يجوز أن يأخذه بأقل بمعنى أن يقول أعطنيه بريالين إلا ربع لكي نزيد الاستيفاء فهذا لايجوز لأنه حينئذ يكون ربح فيما لم يدخل في ضمانه.

القارئ: وكل شيئين حرم النساء فيهما لم يجز أخذ أحدهما عن الآخر قبل قبض ثمنه وقياس قول أصحابنا في مسألة العينة أنه يجوز هاهنا أخذ ما يجوز التفاضل بينه وبين الطعام المبيع. الشيخ: هذا القياس هو الذي صححناه في الفقرة السابقة أنه لا بأس به فمثلاً الشعير والبر يجوز بينهما التفاضل دون النساء فهنا نقول لا بأس إذا أخذه لكن كما قلنا سابقاً بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يدخل في ضمانه. فصل القارئ: ومن اشترى مكيلاً أو موزوناً لم يجز له بيعه حتى يقبضه في ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه والخرقي وماعداهما يجوز بيعه قبل قبضه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من ابتاع طعاماً فلا يبيعه حتى يستوفيه) وقال ابن عمر رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يُضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤوه إلى رحالهم متفق عليهما وهذا لا يخلو من كونه مكيلاً أو موزونا والحديث يدل بصريحه على منع بيعه قبل قبضه وبمفهومه على حل بيع ما عداه وعن أحمد أن المنع من البيع قبل القبض يخص المطعوم لاختصاص الحديث به وما ليس بمطعوم من المكيلات والموزونات يجوز بيعه قبل القبض وعنه أن المنع يختص ما ليس بمتعين كقفيز من صبرة ورطل زيت من دن وما بيع صبرة أو جزافاً جاز بيعه قبل قبضه وهو قول القاضي وأصحابه لأنه يتعلق به حق توفيته بخلاف غيره وعنه أن كل مبيع لا يجوز بيعه قبل قبضه لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار) رواه أبو داود وقال ابن عباس أحسب كل شيء بمنزلة الطعام ولأنه لم يتم ملكه علي أشبه المكيل والمذهب الأول. الشيخ: هذه المسألة فيها عدة روايات الرواية الأولى وهي المذهب أيضاً أنه إذا أشترى مكيلاً أو موزوناً سواء كان مطعوماً أو غير مطعوم فإنه لا يجوز أن يبيعه حتى يقبضه فإن باعه قبل قبضه فالبيع غير صحيح

والدليل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) والدليل هنا أخص من المدعى فالدليل خاص بالطعام والمدلول عليه وهو المدعى عمم في كل مكيل أو موزون لكن يقولون إن الغالب أن الذي يُجلب في الأسواق هو الطعام وعلى هذا فتخصيصه بالطعام بناءاً على الغالب وما كان مبني على الغالب فإنه لا مفهوم له وعليه فنلحق به كل مكيل وموزون بيع بكيل أو وزن لأنه يحتاج إلى توفية إذ أن المشتري يحتاج إلى أن يكيله أو يزنه لأنه بيع عليه بالكيل والوزن فلابد أن يكيله ليعرف مقدار ثمنه والرواية الثانية أن المنع من البيع قبل القبض يختص بالمطعوم وما ليس بمطعوم يجوز بيعه قبل القبض والرواية الثالثة أن المنع يختص بما ليس بمتعين كقفيز من صبرة فمثلاً إذا كان هناك صبرة طعام يعني كومة طعام باع عليَّ صاحبه قفيزاً منه فلا يجوز أن أبيع هذا القفيز حتى يعين ويميز ويكال ويعطنيه وقبل ذلك لا يجوز لأنه مبهم فهو كغير المقدور على تسليمه وما بيع صبرة جميعاً أو جزافاً جاز بيعه قبل قبضه والرواية الرابعة أن كل مبيع لا يجوز بيعه قبل قبضه مطلقاً سواء مطعوم أو غير مطعوم وسواء مكيل أو غير مكيل حتى لو كان حيواناً أو غير حيوان فالمهم كل مبيع لا يجوز بيعه حتى يقبض ودليل ذلك ما أشار إليه المؤلف من الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار) يعني إلي رحالهم وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من ابتاع طعاماً فلا يبيعه حتى يستوفيه) قال ابن عباس رضي الله عنهما أحسب كل شيء بمنزلة الطعام أو قال لا أحسب كل شيء إلا مثله يعني لا يباع حتى يقبض وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يجوز بيع الشيء حتى يقبض والعلة أنه إن كان يحتاج إلى توفية كالكيل والوزن فلأنه لم يستوف بعد وإن كان لا يحتاج فلأنه إذا باعه فالغالب أنه لا يتعجل بيعه إلا لربح

فيه وإذا ربح فيه وهو مكان البائع فإنه سيبقى في قلب البائع شيء إما حسد وإما سوء ظن بالمشتري فيقول غبنني وما أشبه ذلك فلهذا يمنع من بيع كل شيء في مكان الشراء حتى يحوزه المشتري إلى رحله وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله واستنبطه ابن عباس من الحديث هو الأقرب وفيه أيضاً أن الرسول (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار) فعليه نقول لا يباع الشيء في مكان شرائه حتى يحوزه المشتري لكن يبقى عندنا إشكال وهو ما يباع في الأسواق ويجلب في محل البيع العام ثم يبيعه البائع وينصرف فيأتي المشتري ويبيعه فهل نقول إن رفع يد البائع عنه يعتبر قبضاً لأن السوق ليس للبائع بل السوق عام لكل أحد والتخلية بين المشتري وبين السلعة يعتبر قبضاً؟ هذا هو الأقرب وعليه العمل تجد الآن الفاكهي الذي يأتي بالفاكهة أو الخضروات أو ما أشبه ذلك يأتي إلى السوق ويبيع حمولة السيارة ثم ينصرف ويبيعها الإنسان في مكان شرائها ولا يعد الناس في ذلك غبناً ولا غرراً بل إن البائع نفسه يعرف أن المشتري سوف يربح ولن يكون في نفسه شيء وهذا هو الذي لا يسع الناس العمل إلا به الآن يعني لو قيل لابد أن يكون للجالبين مكان وللبائعين مكان آخر صار فيه ضيق على الناس فهذا والله أعلم أقرب ونرجو ألا نكون أخطأنا فيه. السائل: بالنسبة السيارات التي تباع في الموانيء البحرية تأتي السيارة من الخارج وعليها سعر يسمونه سعر البطاقة يكون ملصقاً على زجاج السيارة الأمامية فيأتي المشتري ويدفع السعر ويأخذ السيارة مع إن التجار المستوردين حتى الآن ما ضموها إلى رحالهم ومعارضهم ووكالتهم؟ الشيخ: الظاهر أنها تدخل في هذا الحديث إلا إذا جرت العادة أن تنزيلها في المكان هذا يعتبر قبضاً إذا جرت العادة أنه يعتبر قبضاً فهو قبض.

السائل: جرت عادة بعض التجار في بعض البلاد ربما للحاجة أنهم يشترون البضاعة من مطعوم مثلاً قبل ورودها حتى إلى الميناء بيوم أو يومين إذا أخبروا أن الباخرة التي تحمل هذه البضاعة ستصل غداً مثلاً أو بعد يومين يبدؤن في بيع البضاعة؟ الشيخ: هذه لا يجوز بيعها بالتعيين أما بالوصف فلا بأس يقول بعت عليك مثلاً مائة كيس رز بكذا وكذا وصفته كذا وكذا فهذا ليس فيه مانع ويكون متعلق بالذمة لا بالحمولة أما لو باع ما في الحمولة فهذا غرر لأنه قد تعطب السفينة بغرق أو غيره فلا يقدر عليها السائل: لكن العادة أنه لو فعلاً غرقت سيستلم ماله؟ الشيخ: لكن يستلم ماله من أين ثم إذا قدرنا أنها إذا تلفت تتلف على حساب البائع ربما يحصل مشاجرات ومنازعات وربما يطالب صاحب السفينة وتطول المدة فيمنع من ذلك إلا إذا كان موصفاً في الذمة فلا بأس. القارئ: وما بيع بصفة أو برؤية متقدمة فهو كالمكيل لأنه يتعلق به حق توفيه فأشبه المكيل والموزون. الشيخ: هذا إذا كان معين وبيع بالصفة وليس المقصود ما كان في الذمة لأن الموصوف إما أن يكون في الذمة وإما أن يكون معين مثال المعين أن يقول بعت عليك سيارتي التي في الموقف الموجودة الآن وصفتها كذا وكذا فهذا بيع معين موصوف والذي برؤية متقدمة أن يكون المشتري قد رأى السيارة أمس وأتفق مع مالكها اليوم فهذا معلوم برؤية متقدمة وهذا أيضاً لا يجوز بيعه حتى يقبضه لأنه لم يستوفيه بعد. القارئ: وما حرم بيعه قبل قبضه لم يجز بيعه لبائعه لعموم النهي ولا الشركة فيه لأنه بيع لبعضه. الشيخ: قوله (لم يجوز بيعه لبائعه) ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه يجوز بيعه لبائعه لأن العلة من بيعه هو خوف الربح وأن يكون في قلب بائعه شيء فإذا باعه لبائعه فلا بأس ثم إن ظاهر قوله (فلا يبيعه حتى

يقبضه أو حتى يستوفيه) يدل على أنه إذا كان المشتري هو البائع فلا بأس لأن البائع قد قبضه والآن عند البائع وكذلك أيضاً عند شيخ الإسلام يرى أنه إذا باعه بمثل الثمن أو أقل فلا بأس وكل هذا في الحقيقة يعود إلى تخصيص العموم بالعلة ولكن التخصيص بالعلة لابد أن تكون العلة مفهومة معلومة والعلة التي ذكرها الشيخ رحمه الله علة مستنبطة قد يكون الرسول عليه الصلاة والسلام أرادها أو لم يردها فلهذا لا يقوى ذلك على تخصيص العموم فالظاهر أنه لا يجوز بيعه لا على بائعه ولا إذا باعه برأسماله لأن الحديث عام فيكون ما قاله المؤلف هو الأقرب. القارئ: لعموم النهي ولا الشركة فيه لأنه بيع لبعضه ولا التولية لأنه بيع بمثل الثمن الأول. الشيخ: التولية كما عرفنا فإن شيخ الإسلام يجوزها ومعنى (الشركة فيه) أن يبيع عليه بعضه مثلاً اشترى طعاماً قدره مائة صاع ثم باع منه خمسين صاعاً فلا يجوز لأنه إذا منع بيع الكل منع بيع البعض إذ لا فرق والتولية أن يقول بعتك إياه برأس ماله فالصواب أنه لا يجوز لعموم الحديث واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه جائز وهذا يسمى تولية قد عرفنا فيما سبق في دراسة زاد المستقنع أن البيع إما تولية والثاني شركة الثالثة مرابحة والرابع مواضعة. القارئ: فأما الثمن في الذمة فيجوز بيعه لمن هو في ذمته لما روى ابن عمر قال كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ بدل الدراهم الدنانير ونبيع بالدنانير فنأخذ بدلها الدراهم فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما شيء) رواه أبو داود.

الشيخ: وفي لفظ آخر قال (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء) فهو أوفى من هذا السياق الذي ذكره المؤلف رحمه الله ومعنى الجملة أنه يجوز بيع الدين لمن هو في ذمته أيّ دين كان سواء دراهم أو دنانير أو طعام أو أي شيء يجوز أن يُباع لمن هو في ذمته ولكن بشرطين الشرط الأول أن يكون بسعر يومه والشرط الثاني القبض قبل التفرق وهذا فيما إذا بيع بما لا يباع به نسيئة مثال ذلك إنسان في ذمته لشخص مائة صاع بر فأراد أن يشتريها ممن هي له فقال أنا سأعطيك عوض عن هذه المائة صاع بر بمائتي صاع شعير فهذا جائز لأن بيع البر بالشعير يجوز متفاضلاً لكن لابد من القبض في نفس المكان لأن بيع البر بالشعير لابد فيه من التقابض ولابد أيضاً أن يكون بسعر يومه بحيث تكون مائتين صاع من الشعير تقابل مائة صاع بر في الثمن فإن كانت لا تقابل بأن كان الثمن مائتين صاع شعير أكثر من مائة صاع بر فهذا لا يجوز لأنه لو فعل لكان قد ربح فيما لم يدخل في ضمانه وهذا حرام ثم نأتي إلى حديث ابن عمر كانوا يبيعون البعير بعشرة دنانير ثم يأتي المشتري ويقول خذ مني دراهم مائة درهم بعشرة دنانير أو يبيعها بالدراهم ويأخذ عنها دنانير قال الرسول عليه الصلاة والسلام (لا بأس) لكن بشرط ألا تتفرق قبل القبض لماذا؟ لأن بيع الذهب بالفضة يجب فيه التقابض في مجلس العقد واللفظ الثاني (بسعر يومها) فلو

أخذها بغير سعر يومها مثاله باع البعير بعشرة دنانير وقيمتها اليوم مائة درهم لكنه أخذ مائة وعشرة دارهم حرام لأنه الآن جاءه ربح عشرة في سلعة لم تدخل في ضمانه لأنها مازالت في ذمة المشتري ولو أخذ بدل عشرة دنانير تسعين درهم فهل يجوز؟ إن نظرنا إلى ظاهر الحديث قلنا لا يجوز لكن إذا نظرنا إلى المعنى قولنا يجوز لأن هذا الرجل الذي أخذ تسعين درهماً عن عشرة دنانير تنازل عن بعض حقه والرسول عليه الصلاة والسلام قال (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها) احترازاً من الزيادة وأما النقص فلا بأس وإنما اشترط النبي عليه الصلاة والسلام ذلك لأنه ليس من عادة الإنسان غالباً أن يأخذ أقل من حقه فمنع الرسول عليه الصلاة والسلام من الزيادة لأن هذه هو الغالب دون النقص لأنه نافذ لكن لو نقص فلا بأس. القارئ: ولا يجوز بيعه لغير من هو في ذمته لأنه معجوز عن تسليمه فأشبه بيع المغصوب لغير غاصبه.

الشيخ: يقول رحمه الله بيع الدين على من هو عليه جائز وسبق أن فيه شروط الشرط الأول أن يبيعه بسعر بسعر يومه والثاني إذا باعه بما يجري فيه الربا فلابد أن يقبضه بمجلس العقد وإذا باعه لغير من هو عليه يقول المؤلف إنه لا يجوز مثاله في ذمة زيد لي مائة صاع بر فأتاني آت وقال بيع عليَّ ما في ذمة فلان من البر فبعته عليه المؤلف يقول لا يجوز وذلك لأنه غير مقدور عن تسليمه معجوز عن تسليمه إذ أن المشتري إذا ذهب إلى من هو في ذمته قد يماطل به وقد ينكره ويحتاج إلى خصومه فهو غير مقدور على تسلميه كالمغصوب فإنه لا يجوز أن يباع مادام في يد الغاصب لكن بعض أهل العلم قال يجوز بشرط أن يكون المشتري قادراً على استنقاذه ممن هو في ذمته فإذا كان قادراً فلا مانع وهذا له وجهة نظر وهو أنه معلوم مقدور على تسلمه الآن لكن فيه إشكال من جهة أن الإنسان باع ما لم يدخل في ضمانه فهو كبيع ما ليس عنده وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع مالا ليس عنده فهذا يجعل الإنسان يتوقف في جواز بيعه ولو على قادر على أخذه أما المغصوب فقد سبق لنا إنه إذا بيع على قادر على أخذه فإن البيع صحيح. القارئ: وما كان من الدين مستقراً كالقرض فهو كالثمن وما كان غير مستقر كالمُسلم فيه لم يجز بيعه بحال لا لصاحبه ولا لغيره لقوله عليه السلام (من أسلَم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) رواه أبو داود.

الشيخ: الدين المستقر كثمن المبيع على ما سبق يعني يجوز بيعه على من هو عليه بالشرطين السابقين ألا يربح فيه وأن يقبضه إذا باعه بما يشترط فيه القبض أما غير المستقر يقول لا يجوز بيعه لا من هو عليه ولا على غيره ومثل لذلك بالمُسلم فيه والمُسلم فيه هو المبيع وصورة المسألة أن يأتي الفلاح إلى التاجر ويقول أنا محتاج دراهم وليس عندي شيء الآن فيتفق مع التاجر على أن يعطيه ألف ريال بخمسمائة صاع بر فيكون الصاع بريالين ويتفق معه على هذا فيعطيه التاجر ألف ريال فنسمي هذا سلماً لأن المشتري قدم

الثمن والبائع أخر السلعة المثمن إذا حل الأجل فهل يجوز أن يبيع التاجر هذا المسلم فيه على المسلم إليه أو لا يجوز؟ يقول المؤلف إنه لا يجوز ثم أستدل بحديث (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) لكن الحديث ضعيف فلا يحتج به وثانياً ما المانع أن يقول للذي في ذمته السلم أعطني بدله طعاماً آخر ما المانع؟ نقول الواقع أنه لا مانع والأصل في البيع والشراء الحل لكن يحتاج إلى شيء وهو ألا يربح في هذا لأننا لو قلنا بجواز الربح بقي كلما حل الأجل باعه بشيء آخر وربح وحينئذ يكون كآكل الربا أضعافاً مضاعفة المثال بصورة أخرى لو أسلم ألف ريال بخمسمائة صاع فلما حلّ الأجل قال صاحب الدين سلم الخمسمائة صاع قال المدين ما عندي لكن عندي ستمائة صاع شعير فهل يجوز أن يعطيه عن البر شعيراً؟ الجواب على كلام المؤلف لا يجوز وعلى القول الذي رجحناه يجوز بشرطين التقابض قبل لتفرق لأن بيع البر بالشعير لابد فيه من التقابض والثاني ألا يربح بحيث تكون قيمة ستمائة صاع شعير هي قيمة خمسمائة صاع بر ولو قلنا بجواز الربح وصارت قيمة ستمائة صاع الشعير أكثر من قيمة خمسمائة صاع بر وقال الدائن نجعله شعيراً ستمائة صاع فقال المدين لكن ما عندي شيء الآن إلا بعد ستة أشهر فجاءت الستة أشهر وليس عنده شعير فحوله إلى بر بزيادة فيكون عمله كالذين يأكلون الربا أضعافاً مضاعفة فكلما حل أجل نوع من الطعام أشترى به نوع آخر بزيادة فيكون ربا كالذي يقول لمدينه إذا حل الأجل وهو ألف ريال قال ما عندي قال إذن نجعله بألف ومائتين إلى سنة وحل الأجل في السنة الثانية فقال نجعله ألف وأربعمائة وهكذا فهذا هو الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه وهو الذي قال الله عنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً) والخلاصة أن دين السلم كغيره يجوز بيعه لمن هو عليه بشرط ألا يربح ونزيد شرطاً آخر أن يكون القبض قبل التفرق فيما إذا باعه بشيء يشترط فيه

القبض قبل التفرق، والخلاصة فيما سبق من المسائل أن بيع الدين على ما هو عليه على القول الراجح جائز مطلقاً سواء كان ثمن مبيع أو قرض أو قيمة متلف أو أرش جناية أو أي دين لكن بالشرطين المذكورين إن كان مما يشاركه في علة الربا فإنه لابد من التقابض والشرط الذي لابد منه على كل حال هو ألا يربح وإذا كان إذا باعه على غيره فإن كان الغير غير قادر على أخذه فلا يجوز لأن هذه مخاطرة والغالب إن البائع الذي باع الدين على فلان الغالب أنه سيكون الثمن أقل فسيبيع ما يساوي المائة بثمانين والمشتري قد يقبض فيأتيه مائة بدل ثمانين وقد لا يقبض فيخسر الثمانين فهذا لا يجوز لكن إذا كان المشتري قادراً على أخذه من المدين فهذا جائز. فصل القارئ: وكل عقد ينفسخ بتلف عوضه قبل قبضه كالإجارة والصلح حكمه حكم البيع فيما ذكرناه ومالا ينفسخ كالخلع والعتق على مال والصلح عن دم العمد جاز التصرف في عوضه قبل قبضه طعاماً أو غيره وكذلك أرش الجناية وقيمة المتلف والمملوك بإرث أو وصية أو غنيمة إذا تعين ملكه فيه لأنه لا يتوهم غرر الفسخ بهلاك المعقود عليه جاز بيعه كالوديعة والصداق كذلك قاله القاضي لأنه لا ينفسخ العقد بتلفه فهو كعوض الخلع وقال الشريف وأبو الخطاب هو كالمبيع لأنه يخشى رجوعه بانفساخ النكاح بالردة فأشبه المبيع.

الشيخ: هذا الضابط وهو أن كل عقد ينفسخ بتلف عوضه قبل قبضه كالإجارة حكمه حكم البيع في أنه لا يجوز على غيره من هو عليه ويجوز على من هو عليه الإجارة مثلاً استأجرت منك بعيراً كل يوم بعشرة ريالات وقبضت البعير وتلف هل تثبت الإجارة أو ينفسخ العقد؟ الجواب ينفسخ العقد أو استأجرت منك بيتاً سنة أو سنتين أو أكثر وانهدم البيت ما حكم العقد؟ الجواب ينفسخ فالعقد هنا ينفسخ بتلف العين التي تم العقد عليها لكن لو أن امرأة خالعت زوجها ثم لم تقدر على بذل الخلع فهل ينفسخ الخلع؟ الجواب لا حتى لو خالعته على شيء معين وتلف على وجه تضمنه هي فإن الخلع لا ينفسخ وعلى هذا فيكون التصرف فيه جائزاً لأنه حتى لو تلف أو عُجِز عن تسلميه فالعوض باقي ولا ينفسخ فلا ضرر عليه ولكن القول الثاني أنه كالمبيع قول قوي لا شك والعلة واحدة وهي عدم قدرة المشتري على الاستيفاء سواء كان عوض خلع أو صداقاً أو قيمة متلف أو أرش جناية أو ثمن مبيع أو قرض أو أجرة فالذي يظهر لي أن قول أبي الخطاب والشريف هو الصحيح أنه يجوز العقد على كل ما ثبت في الذمة ثم إذا تم البيع فهو لازم لكن على من هو عليه أما على غير من هو عليه فعرفتم أن المذهب لا يجوز والقول الثاني إذا كان قادراً عليه بلا مشقة فلا بأس. فصل

القارئ: وقبض كل شيء بحسبه المكيل المبيع مكايلة قبضه كيله لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله) رواه مسلم وإن بيع جزافاً فقبضه نقله لما روى ابن عمر قال (كنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه) رواه مسلم وقبض الذهب والفضة والجوهر باليد وسائر ما ينقل قبضه نقله وقبض الحيوان أخذه بزمامه أو تمشيته من مكانه ومالا ينقل قبضه التخلية بين مشتريه وبينه لا حائل دونه لأن القبض مطلق في الشرع فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحياء والإحراز والعادة ما ذكرناه وعنه أن القبض في جميع الأشياء بالتخلية مع التميز لأنه قبض فيما لا ينقل فكان قبضاً في غيره. الشيخ: القبض يختلف وقد مر علينا حكم بيع الشيء قبل قبضه وحكم تلفه قبضه وما أشبه ذلك فالقبض عليه مدار أحكام كثيرة لكن بماذا يحصل القبض؟ بينه رحمه الله فقال (قبض كل شيء بحسبه) وعلى هذا

فيرجع في ذلك إلى العرف فما عده الناس قبضاً فهو قبض المكيل المبيع مكايلة قبضه كيله وإن كان في مكانه فإذا باع الإنسان هذه الصبرة كل صاع بدرهم فلا يكفي في قبضها أن ينصرف البائع ويقول خذ صبرتك بل لابد من أن تكال فإذا كيلت فهذا قبض وإن كانت في مكانها وكذلك إذا بيع جزافا فقبضه نقله أي نقله من مكانه إلى مكان المشتري أو إلى مكان آخر إذا كان يريد أن يبيعه في سوق آخر وظاهر الأدلة أن ما يباع مجازفة في السوق فإنه لا يجوز لمشتريه أن يبيعه حتى ينقله إلى سوق آخر والظاهر أنه إذا كان السوق طويلاً ونقله من طرفه إلى طرفه الآخر كفى وسبق لنا أن عادة الناس الآن أنا ما أوتي به إلى السوق العام فإن قبضه يكون بالتخلية بينه وبين المشتري لأن السوق ليس ملكاً لفلان دون فلان أما الذهب والفضة قبضه يكون باليد خذ وهات هذا قبض وأما ما ينقل يكون قبضه بنقله مثل الطعام إذا لم يباع مكايلة أو الأدوات أو الآلات مثل مكائن السيارات وما أشبهها فهذه يكون قبضها بنقلها وأما قبض الحيوان فيكون بأخذه بزمامه أو تمشيته عن مكانه وهل يكفي أن يركب الحيوان بدون أخذ الزمام؟ نعم وظاهر كلام المؤلف أنه لا يكفي لكن نقول إذا جرت العادة بأن ركوب المشتري للحيوان كأخذه لزمامه قلنا هذا قبض مادام أن المرجع للعرف وأما ما لاينقل فقبضه التخلية بين مشتريه وبينه ومثل ما لاينقل كالأخشاب والأشياء الكبيرة كالأحجار فهذا قد لا ينقل بمعنى أن الشخص لو اشترى خشباً فإنه لا يمكن أن ينقله على الكتف ويمشي به ولهذا يكفي التخلية بينه وبين المشتري ليحصل القبض ومن ذلك أيضاً البيوت لا تنقل فإذا أعطاه المفتاح وخلا بينه وبينها فهذا قبض لها ولهذا علل فقال المؤلف (لأن القبض مطلق في الشرع فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالأحياء والإحراز) الإحياء يعني إحياء الأرض الميتة مثلاً إذا استولى شخص ما على أرض بيضاء ليست ملكاً لأحد فهل تكون له بمجرد أن يضع يده عليها؟ الجواب لا

لابد من إحيائها والإحياء يكون بما جرت العادة أنه إحياء وسيأتينا إن شاء الله في باب إحياء الموات وقوله (الإحراز) الإحراز يعني الحفظ وليس له حد معين بل يختلف فحرز الذهب والفضة يكون بالصناديق وراء الأبواب المغلقة وحرز الطعام يختلف إذا كانت البلاد آمنة يمكن أن يكون إحرازه بأن تضعه على عتبة الباب في الدكاكين مثلاً فتختلف الأحراز بحسب الأزمان وبحسب الأماكن وبحسب الولاة بعض الناس يكون في بلد ولاته أقوياء يكون الحرز الضعيف جداً قوياً وكذلك يختلف باختلاف الإيمان فالناس يختلفون إذا كان الشعب مؤمناً ويرى تحريم أخذ المال ويحترم حدود الله عز وجل فهو ليس كالشعب المتهاون في ذلك، ثم قال المؤلف (وعنه أن القبض في جميع الأشياء بالتخلية مع التميز) والتخيلة يعني أن يتخلى البائع ويميز نصيب المشتري وهذا في غير ما بيع بالكيل أو الوزن قد يكون له وجهة نظر وبناءاً على ذلك نقول الطعام الذي يباع جزافاً ويتخلى عنه صحابه يعتبر هذا قبضاً له فيجوز بيعه ولو في مكانه. فصل القارئ: وما يعتبر له القبض إذا تلف قبل قبضه انفسخ العقد وهو من مال البائع لأنه تلف قبل تمام ملك المشتري عليه فأشبه ما تلف قبل تمام البيع فإن أتلفه المشتري أستقر عليه الثمن لأنه تلف بتصرفه فاستقر الثمن عليه كما لو قبضه وإن أتلفه أجنبي لم ينفسخ العقد لأنه له بدلاً يرجع إليه فلم ينفسخ العقد كما لو تعيب ويخير المشتري بين الفسخ والرجوع على البائع بالثمن لأنه تلف بغير فعل المشتري أشبه ما لو تلف بفعل الله وبين إتمام العقد والرجوع ببدله لأن الملك له. الشيخ: إذا اشترى ما يعتبر له القبض فتلف قبل قبضه كالمكيل الذي اشتراه مكايلة فإنه يعتبر له القبض فإذا تلف قبل ذلك فله أربع حالات:

الحالة الأولى أن يتلف بفعل الله عز وجل مثل أن يحترق بنار أو سيل أو ما أشبه ذلك فهنا ينفسخ البيع ولا رجوع للمشتري على البائع اشترى مثلاً هذه الصبرة من الطعام مكيالة فجاءها مطر بدون تعدٍّ ولا تفريط من البائع واقتلعها وذهب بها فهنا نقول ينفسخ البيع لأن المشتري في هذه الحال لا يمكن أن يرجع على أحد. الحالة الثانية إن أتلفه المشتري استقر عليه الثمن لأن إتلافه إياه كقبضه فلو أن المشتري أتلف ما اشتراه مكايلة بفعله كأن يحرقه بالنار أو ما أشبه ذلك ولو خطأً فإنه يتلف عليه لأنه هو المتلف ولو قال قائل في هذه الحال لماذا لا تجعلونه على البائع لأنه لم يُقْبض فيضمنه المشتري للبائع ثم يرجع البائع على المشتري بما ضمَّنه إياه؟ نقول هذا تطويل بلا فائدة بل نقول إذا أتلفه المشتري فإنه من ضمانه ويستقر عليه الثمن. الحالة الثالثة إن أتلفه أجنبي لا البائع ولا المشتري وليس من فعل الله عز وجل فهنا يخير المشتري بين أمرين إما أن يفسخ البيع ويرجع بالثمن على البائع والبائع يرجع بالضمان على المتلف وإما يبقي العقد ويرجع على المتلف والبائع انتهى سُلِّم حقه وانتهت القضية من جانبه لكن هل المشتري يختار الفسخ ويرجع بالثمن أو يختار الإبقاء ويرجع على المتلف؟ لا شك أنه سوف يتبع الأحسن له فإن كانت القيم قد زادت وارتفعت فسوف يختار إمضاء البيع والرجوع على المتلف وإن كان العكس فسوف يختار فسخ البيع ويرجع على البائع. القارئ: فإن أتلفه البائع احتمل أن يبطل العقد لأنه يضمنه إذا تلف في يده بالثمن فكذلك إذا أتلفه وقال أصحابنا الحكم فيه حكم ما لو أتلفه أجنبي. الشيخ: هذه هي الحالة الرابعة والذي ذكره الأصحاب هو الأقرب أنه إذا أتلفه البائع خير المشتري بين الفسخ ويرجع بالثمن وبين الإبقاء ويرجع بقيمة المتلف وهنا كما قلنا سابقاً سيختار الأصلح والأكثر له فصارت الأقسام الآن أربعة: 1. إذا تلف بفعل الله. 2. إذا تلف بفعل المشتري.

3. إذا تلف بفعل أجنبي. 4. إذا تلف بفعل البائع. القارئ: وإن تعيب قبل قبضه فهو كما لو تعيب قبل بيعه لأنه من ضمان البائع. الشيخ: معناه أن العيب كالتلف إذا تلف المبيع قبل القبض فالعيب كالتلف تماماً (¬1). فصل القارئ: وإذا باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه ولم تكن يد بائعها عليها أنفسخ البيع لأن الثمن هلك قبل القبض بغير فعل آدمي فإن كانت يده عليها فهو كإتلافه له وإن باعها مشتريها ثم هلك الشعير قبل قبضه أنفسخ العقد الأول ولم يبطل الثاني لأن ذلك كان قبل فسخ العقد وعلى بائعها الثاني قيمتها لأنه تعذر عليه ردها وهكذا إن كان بدله شقصاً فأخذه الشفيع انفسخ البيع الأول وعلى المشتري رد قيمة الشقص ويأخذ من الشفيع قيمة الطعام لأنه الذي اشترى به الشقص وعلى المشتري رد قيمة الشقص ويأخذ من الشفيع قيمة الطعام لأنه الذي اشترى به الشقص. فصل القارئ: ومالا يحتاج إلى قبض إذا تلف فهو من مال المشتري لما روى حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حياً مجموعا فهو من مال المشتري ذكره البخاري وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يمنعه البائع قبضه فيضمنه لأنه تلف تحت يد عادية أشبه ما لو تلف تحت يد الغاصب وسواء حبسه على قبض الثمن أو غيره إلا أن يكون قد أشترط عليه الرهن في البيع. ¬

_ (¬1) ثم رجع الشيخ للمخطوطة ووجد العبارة (كما لو تعيب قبل بيعه) كما في المطبوعة، وقال إن العبارة غير واضحة – وكان الشيخ قد شرحها على أنها (كما لو تعيب قبل قبضه).

باب تفريق الصفقة

الشيخ: الذي لا يحتاج إلى قبض يكون من ضمان المشتري بمجرد تمام العقد ولو كان في مكانه عند البائع وقوله رحمه الله (ما لم يمنعه البائع من قبضه) صحيح فإن منعه البائع من قبضه فالضمان على البائع ويضمنه ضمان غصب يعني يضمنه بمثله إن كان مثلياً وقيمته إن كان متقوماً وقوله رحمه الله (سواء حبس على قبض الثمن أو غيره) فيه نظر والصواب أنه إذا حبسه على قبض الثمن فلا ضمان عليه وكيف ذلك؟ يعني إذا باعه على شخص ثم راءه يريد أن يماطل فللبائع أن يحبسه أي يحبس المبيع عنده ويقول إذا أتيت بالثمن أعطيتك إياه هذا هو الصواب أما المذهب فلا لا يحبسه وإن حبسه فهو ضامن ويعللون قولهم بأن الواجب عليه أصلاً ألا يبيع على شخص مماطل فلماذا لم يحتاط لنفسه والجواب عن هذا الإيراد أن يقال ليس كل الناس إذا أراد أن يبيع على شخص ذهب يسأل عنه هل هو مماطل أو غير مماطل والأصل دفع الثمن لا المماطلة فيه والذي ذكرناه أنه يجوز حبس المبيع على ثمنه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه وهو الصواب. باب تفريق الصفقة القارئ: إذا باع ما يجوز بيعه ومالا يجوز بيعه صفقة واحدة كعبد وحر وخل وخمر وعبده وعبد غيره أو دار له ولغيره ففيه روايتان أحدهما تفرق الصفقة فتجوز فيما يجوز بيعه بقسطه من الثمن ويبطل فيمالا يجوز لأن كل واحد منهما له حكم منفرد فإذا اجتمعا بقيا على حكمهما كما لو باع شقصاً وسيفا والثانية يبطل فيهما لأنه عقد واحد جمع حلالاً وحراماً فبطل كالجمع بين الأختين ويحتمل أن يصح فيما يجوز فيما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء كدار له ولغيره ونحوها والقفيزين المتساويين لأن الثمن فيما يجوز بيعه معلوم ويبطل العقد فيما عدا هذا كالعبدين لأن ثمن ما يجوز بيعه مجهول لكون الثمن ينقسم عليهما بالقيمة وقسط الحلال منهما مجهول كما لو صرح به فقال بعتك هذا العبد بقسطه من الثمن لم يصح فكذا هاهنا فإن قلنا يصح.

الشيخ: هذه مسألة تفريق الصفقة والصفقة هي عقد البيع وسميت بذلك لأنهم كان يعتادون أن الرجل إذا باع على أخيه ضرب بيده على يده كأنه يقول تم العقد فالصفقة إذاً هي عقد البيع وعقد البيع إذا جمع بين ما يجوز بيعه ومالا يجوز فما الحكم هل يبطل في الجميع أو يصح فيما يصح ويبطل فيما يبطل؟ ذكر المؤلف الخلاف. قوله (كعبد وحر) الحر لا يجوز بيعه والعبد يجوز بيعه مثاله قال البائع للمشتري بعتك هذين بألف ريال فالصفقة هنا واحدة والمبيع متعدد بعضه يجوز عقد البيع عليه وبعضه لا يجوز الثانية (خل وخمر) الخل يجوز بيعه والخمر لا يجوز مثاله باعه قارورتين إحداهما خل والثانية خمر بعشرة ريالات قوله (عبده وعبد غيره) عبد غيره أي الذي لم يوكله ببيعه مثاله أمسك عبده وعبد غيره وباعهما جميعاً بثمن واحد عقداً

واحداُ فقال بعتك هذين العبدين بعشرة آلاف ريال فالصفقة في هذه الأمثلة كلها جمعت بين ما يصح بيعه ومالا يصح يقول المؤلف فيه روايتان أي عن الإمام أحمد رحمه الله إحداهما تفريق الصفقة (فتجوز فيما يجوز بيعه بقسطه من الثمن ويبطل البيع فيما لا يجوز لأن كل واحد منهما له حكم منفرد فإذا أجتمع بقيا على حكمهما كما لو باع شقص وسيفاً) فلو باع حراً وعبداً بعشرة آلاف الحر شاب نشيط متعلم فاهم والعبد شيخ كبير جاهل فباعهما بعشرة آلاف ريال على القول بالصحة نقول الحر قيمته الحر نقدرها مثلاً بتسعة آلاف وخمسمائة والعبد الكبير الجاهل المركب نقدره بخمسمائة نقول الآن صح بيع العبد بخمسمائة والحر على كل حال لا يصح بيعه وكذلك قوله (خل وخمر) باع قارورة من الخل وقارورة من الخمر بعشرة ريالات كيف نقوم؟ الجواب نقوم الخمر خلاً الخل من الشعير والخمر من العنب أيهما أكثر قيمة لو كان كلاهما خلاً لا شك خل العنب أكثر فالآن هاتان قارورتان إحداهما خمر والثانية خل فباعهما جميعاً بثمن واحد والخمر من العنب والخل من الشعير كيف نقوم؟ ثمانية ريالات وريالين ونمشي على هذا وكذلك (عبده وعبد غيره) والمهم أن الرواية الأولى أن العقد صحيح فيما يصح فيه العقد وباطل فيما يبطل فيه العقد ولكن له الخيار كما سيأتي وأما الرواية الثانية أن العقد لا يصح فيهما جميعاً لأنه أجتمع مبيح وحاظر فغلب جانب الحظر ونقول البيع غير صحيح وترد السلعة للبائع ويأخذ المشتري الثمن والمذهب الأول وهو تفريق الصفقة فما كان يجوز عقد البيع عليه فبيعه صحيح ومالا فلا وقوله رحمه الله (كما لو باع شقصاً وسيفاً) يعني باع شقصاً وسيفاً بيعاً صحيحاً فيصح في الشقص وفي السيف والشقص يعني النصيب من أرض أو بيت أو ما أشبه ذلك فهو إذا باع على هذا الإنسان نصيبه من هذه الأرض وسيفاً يصح البيع أو لا يصح؟ الجواب يصح ومعلوم أن الشقص سيكون فيه شفعة وعند أخذ الشريك بالشفعة ماذا نصنع؟ نقسط

الثمن عليهما أي على قيمة الشقص وقيمة السيف وهذا هو الذي أوجب للمؤلف أن يأتي بمثال الشقص والسيف وذلك لأن الشقص إذا أخذه الشريك بالشفعة فلابد أن يُقوَّم بقسطه من الثمن والمثال إنسان عنده سيف وهو سيف مشهور بتار من أحسن السيوف يساوي عشرة آلاف وعنده نصيب من الأرض له فيها شريك أي في الأرض شريك فباع نصيبه من الأرض والسيف بعشرين ألف والأرض تساوي خمسة آلاف والسيف يساوي عشرة آلاف فقام الشريك في الأرض وطالب بالشفعة فبكم نقوم الشقص من أجل أن نسقط ثمنه من مجموع الثمن؟ الجواب خمسة آلاف لأن الثمن عشرين ألف والشقص خمسة آلاف والسيف عشرة آلاف فيكون خمسة عشرة ألف يعني أنه نقص الربع قد وقع البيع بعشرين ألف فنوزع العشرين على ثلاثة أثلاث ثلثين للسيف وثلث للشقص فهذا معنى الكلام. القارئ: كما لو صرح به فقال بعتك هذا العبد بقسطه من الثمن لم يصح فكذا هاهنا فإن قلنا يصح علم المشتري الحال فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة ولا خيار للبائع بحال وإن لم يعلم المشتري الحال فله الخيار لأن عليه ضرراً في تفريق الصفقة.

الشيخ: هذه المسألة إذا قلنا بتفريق الصفقة وهو القول الراجح إن شاء الله فالمشتري له الخيار بين أن يأخذ ما يصح العقد عليه بقسطه من الثمن وبين أن يرد البيع لأن تفريق الصفقة عليه قد يضره قد يكون مثلاً أشترى هاتين العلبتين على أنهما خل لأنه عنده ضيوف يريد أن يكرمهم ولكن تبين أن واحدة منهما خمر وحينئذ لا يتم الإكرام فيقول فات مقصودي فنقول لك الخيار رد البيع كله وأما البائع يقول المؤلف لا خيار له لأنه عالم بالحال كما إن المشتري إذا علم بالحال فليس له الخيار يعني لو أن المشتري علم أن أحد المبيعين لا يصح عقد البيع عليه فلا خيار له كما لو عرف أن هذا الرجل باع عبده وعبد غيره فإنه لا خيار له لدخوله على بصيرة المؤلف يقول البائع يقول لا خيار له بالحال بناءً على أنه عالم لكن إذا كان جاهلاً كرجل تاجر لا يدري عن كل أمواله فله الخيار أيضاً والمهم أن الأولى أن نأتي بعبارة أعم فنقول لمن جهل الحال الخيار ليشمل ذلك البائع والمشتري لكن صحيح أن البائع في الغالب لا يخفى عليه الأمر لكن قد يخفى فإذا أتينا بعبارة وللجاهل في الحال الخيار صار هذا هو العدل فإن كان الجاهل هوالبائع فله الخيار وإن كان الجاهل هو المشتري فله الخيار. القارئ: وإن اشترى معلوماً ومجهولاً بطل العقد فيهما لأن ما يخص المعلوم من الثمن مجهول. الشيخ: علم من قوله (لأن ما يخص المعلوم من الثمن مجهول) أنه لو قدر لكل واحد منهما ثمناً فقال بعتك هذا الجمل وجمل آخر في المرعى كل واحد بعشرة فهل يجوز في المعلوم أو لا يجوز؟ الجواب التعليل يدل على الجواز مادام أنه قدر لكل واحد منهما ثمناً فيصح في المعلوم ولا يصح في المجهول.

القارئ: ولو باع قفيزين من الحلال بثمن واحد فتلف أحدهما قبل قبضه لم ينفسخ العقد في الباقي منهما سواء كانا من جنس واحد أو جنسين لأن حدوث الجهل بثمن الباقي منهما لا يوجب جهالة المبيع حال العقد قال القاضي ويثبت للمشتري خيار الفسخ لتفريق الصفقة عليه فأشبه ما قبلها. فصل القارئ: فإن جمع بين عقدين مختلفي الحكم كبيع وإجارة أو صرف. الشيخ: البيع والإجارة واضح أنهما مختلفان حكماً لأن البيع يقع على العين والإجارة تقع على المنافع والصرف أيضاً يختلف عن البيع لأن الصرف بيع نقد بنقد وله شروط والبيع ليس كذلك وإن كان الصرف نوعاً من البيع في الواقع لأنه بيع نقد بنقد لكن له أحكام خاصة فلهذا قال أنه يختلف الحكم بينه وبين البيع غير الصرف. القارئ: فإن جمع بين عقدين مختلفي الحكم كبيع وإجارة أو صرف بعوض واحد صح فيهما لأن اختلاف حكم العقدين لا يمنع الصحة كما لو جمع بين ما فيه شفعة ومالا شفعة فيه وفيه وجه آخر لا يصح لأن حكمهما مختلف وليس أحدهما أولى من الآخر فبطل فيهما فإن البيع فيه خيار ولا يشترط التقابض فيه في المجلس. الشيخ: والصرف لا خيار فيه وكذلك يشترط فيه التقابض في المجلس. القارئ: ولا ينفسخ العقد بتلف المبيع والصرف يشترط له التقابض وينفسخ العقد بتلف العين في الإجارة.

الشيخ: لأن تلف المبيع يكون على نصيب المشتري إلا ما كان من ضمان البائع كما سبق ولا ينفسخ العقد وكذلك أيضاً الصرف لا ينفسخ بتلف المبيع والإجارة تنفسخ بتلف المؤجر ولهذا قال (وينفسخ العقد بتلف العين في الإجارة) وعلى كل حال هذه المسألة إذا جمع بين شيئين في عقد لا بأس به مثل أن يقول أجرتك بيتي وبعتك عليك السيارة بكذا وكذا فهنا إجارة للبيت وبيع للسيارة أو قال أجرتك هذا البيت وبعت عليك هذا البيت يصح لأن أحد البيتين ثبت ملكه بالبيع والثاني ثبت ملكه بالإجارة لكن لو شرط قال بعتك بيتي بشرط أن تستأجر البيت الثاني فالمذهب لا يصح والصحيح أنه يصح وعلى هذا فإذا جمع بين عقدين بلا شرط فهو صحيح وإن جمع بينهما بشرط فعلى المذهب غير صحيح والصواب أنه صحيح والتعليل واضح وهو أن ما جاز جمعه بلا شرط جاز جمعه بشرط لأنه لا يترتب على ذلك مفسدة. القارئ: وإن جمع بين نكاح وبيع بعوض واحد فقال زوجتك ابنتي وبعتك داري بمائة صح. الشيخ: لو قال زوجتك بنتي وبعتك داري بمائة يصح وتكون المائة عوضاً عن المبيع وصداقاً للمرأة. القارئ: صح في النكاح لأنه لا يفسد بفساد العوض وفي البيع وجهان. الشيخ: والصواب الصحة لكن لو طلق قبل الدخول فسوف تستحق المرأة نصف المهر فكيف نعرف؟ الجواب يقسط يعني يؤتى بأناس أهل خبرة ويقال كم يساوي البيت وكم صداق مثل هذه المرأة ويقسط العوض على ذلك القارئ: وإن جمع بين بيع وكتابة فقال لعبده بعتك عبدي هذا وكاتبتك بمائة بطل البيع وجهاً واحدا لأنه باع عبده لعبده فلم يصح كبيعه إياه من غير كتابة وهل تبطل الكتابة يُخرَّج على الروايتين في تفريق الصفقة.

الشيخ: الصحيح أنه يجوز وتفرق الصفقة وخلاصة هذا الفصل أنه إذا جمع بين عقدين فإن الجمع صحيح إذا لم يكن بشرط وإذا كان بشرط فالمذهب لا يصح والصحيح أنه يصح ما لم يتضمن محظوراً شرعياً فإن تضمن محظوراً شرعياً بأن قال بعتك بيتي هذا فقال اشتريته منك بمائة بشرط أن أقرضك كذا وكذا وكان ثمن البيت أكثر من قيمته الحقيقة فهنا نقول أنه ربح في قرض فلا يجوز. السائل: قلنا إنه لو باع خمراً وعصيراً صفقة واحدة يصح في العصير ويبطل في الخمر ونقدر الخمر عصيراً ثم نقسط الثمن على ذلك فلماذا لا نقول نبقي خمر على ما هي عليه ونقدر ثمنها خمراً عند من يبيعهاكأهل الذمة؟ الشيخ: لا يجوز لأن بيع الخمر غير صحيح والبيع الآن على مسلم فلا يمكن أن نقدر القيمة على أنها خمر وكل شيء محرم فإنه لا يجوز اعتباره حتى الأمة مثلاً لو أن الإنسان قتل أمة غير مغنية وأمة مغنية فهل نقوم قيمتها على أنها مغنية أوغير مغنية؟ الجواب نقدرها على أنها غير مغنية لأن كل ما زاد بوصف محرم فلا عبرة به. فصل القارئ: ولو باع رجلان عبداً لهما بثمن واحد صح لأن حصة كل واحد منهما من الثمن معلومة ولو كان لكل واحد منهما قفيز وكانا من جنس واحد فباعاهما صفقة واحد صح لذلك وإن كان المبيع مما لا ينقسم عليه الثمن مثل أن كان لكل واحد منهما عبد فباعاهما صفقة واحدة أو وكلّا رجلاً فباعهما أو وكل أحدهما الآخر فباعهما بثمن واحد لم يصح لأن كل واحد منهما مبيع بحصته من الثمن فلم يصح كما لو صرح به ويحتمل أن يصح بناءً على تفريق الصفقة أو كما لو كاتب عبدين كتابة واحد بعوض واحد. الشيخ: هذا هو الصحيح الاحتمال الثاني هو الصحيح لأنه لا توجد جهالة وغاية ما هنالك أنه إذا لم يصطلحا أن يُؤتى بأهل الخبرة ويقال بكم تقدرون عبد فلان وبكم تقدرون عبد الآخر فمثلاً إذا كان ثمن

باب الثنيا

العبدين عشرة آلاف وقالوا نقدر عبد فلان بعشرة آلاف وعبد الآخر بثمانية آلاف فالجميع ثمانية عشر ألف فهل نقول أنهما يقتسمان العشرة آلاف سواء أو من عبده قيمته ثمانية آلاف ينقص؟ الجواب ينقص بمقدار العشر وهلم جرا فالصواب أنه يجوز أن يبيع عبديهما بثمن واحد ثم إن اصطلحا فيما بعد فالأمر إليهما وإن لم يصطلحا فإنه يقسط الثمن على قيمة العبدين. السائل: هل قول الفقهاء أن كل قرض جر نفعاً فهو رباً فهل هذا في كل الأحوال؟ الشيخ: نعم وهو قول الفقهاء وفيه حديث لكنه ضعيف ولكن المعنى يقتضيه لأنه لولا قصد الإرفاق والإحسان في القرض لكان حراماً لأني لو بعت عليك درهم بدرهم تعطيني إياه بعد أسبوع مثلاً لا يجوز أما القرض إذا أقرضتك لو يبقى عندك عشرة سنوات جاز. السائل: لو أقرضني رجل مثلاً وأنا أعمل في محل بيع وعليه زحام شديد من الناس فقمت وأتيته بالبضاعة وأعفيته من الوقوف في الزحام وبعته بنفس ما أبيع به الناس فهل هذه الخدمة جائزة؟ الشيخ: الظاهر أن هذا لا بأس لأنه ليس فيها منفعة مال أما إذا كان فيها منفعة مال فلا يجوز لأنك تريد أن تخدمه في شيء جرت العادة بخدمته فيه فلا بأس. باب الثنيا القارئ: إذا باع حائطاً وأستثنى شجرة بعينها أو قطيعاً واستثنى شاة بعينها صح لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن الثنيا إلا أن تعلم) قال الترمذي هذا حديث صحيح وهذه معلومة وإن استثنى شجرة أو شاة يختارها لم يصح للخبر وإن استثنى أصعاً معلومة أو باع نخلة وأستثنى أرطالاً معلومة فعنه أنه يصح للخبر والمذهب أنه لا يصح لأن المبيع إنما علم بالمشاهدة والاستثناء يغير حكم المشاهدة فإنه لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة.

الشيخ: هنا ثلاثة أنواع من الاستثناء الأول إذا باع حائطاً واستثنى شجرة بعينها أو قطيعاً يعني من الغنم واستثنى شاة بعينها فهذا جائز ولا إشكال لأن المستثنى الآن معلوم والباقي معلوم أيضاً والصورة الثانية إذا استثنى شجرة أو شاة يختارها فهذا لا يصح لأنه مجهول فلو قال مثلاً بعتك حائطي إلا نخلة أختارها فهذا لا يصح لأننا لا نعلم ماذا يختار فيكون مجهول وكذلك أيضاً إذا باعه القطيع وقال بعتك هذا القطيع يعني مجموعة من الغنم إلا شاة أختارها فلا يصح لأنه لا يُدرى ماذا يختار من القطيع والصورة الثالثة إذا باع نخلة واستثنى أرطالاً معلومة أو باع صبرة واستثنى آصعاً معلومة ففي ذلك روايتان عن الإمام أحمد الأولى يصح والثانية لا يصح ومثال ذلك قال بعتك هذه النخلة واستثنيت من ثمرها رطلاً فالمذهب لا يصح لأنه إذا أخذ الرطل بقي ما بعده غير معلوم فلا ندري ماذا يبقى بعد الرطل والصحيح أن ذلك جائز لأن البائع استثنى شيئاً معلوماً فدخل في (نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الثنيا حتى تعلم) وهذه معلومة فإذا أخذ الرطل صار الباقي معلوماً بالمشاهدة ولا إشكال فيه وكذلك لو باع عليه صبرة يعني كومة من طعام واستثنى صاعاً منها فالمذهب أنه لا يصح والصحيح أنه يصح لأنه إذا أخذ الصاع فالباقي معلوم بالمشاهدة الصورة الرابعة أن يبيعه الثمرة ويستثني جزءاً مشاعاً معلوماً منها كالنصف والربع والثلث وما أشبهها فهذا جائز لأنه معلوم بالنسبة مثل أن يقول بعتك هذه النخلة يعني ثمرها إلا العشر فإنه يصح ومن ذلك أيضاً أن يقول بعتك بستاني هذا كله واستثنيت الزكاة فإنه يصح لأنه معلوم بالنسبة إذ أن الزكاة نصف العشر فيما يسقى بمؤونة والعشر كاملاً فيما يسقى بلا مؤونة. القارئ: ولو باعه الصبرة إلا قفيزا لم يصح لذلك فإن باعه قفيزاً من هذه الصبرة إلا مكوكا صح لأن القفيز معلوم والمكوك منه معلوم.

الشيخ: قوله (إذا باعه قفيزاً من هذه الصبرة) القفيز مكيال معروف وأستثنى من القفيز مكوكاً والمكوك جزء معلوم من القفيز فكأنه الآن باعه قفيزاً إلا مكوكاً وهذا صحيح. القارئ: وإن باعه داراً إلا ذراعا وهما يعلمان ذرعاتها جاز وكان مشاعاً. الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله (إن باعه داراً إلا ذراعاً) فهم يعلمون أن الدار عشرة أذرع مثلاً فإنه يجوز لأنه معلوم بالنسبة يعني إذا كانت عشرة أذرع واستثنى ذراع كأنه استثنى عشرها ولهذا قال (وكان مشاعاً منها). القارئ: وإلا لم يجز كما لو باعه ذراعاً منها. الشيخ: (وإلا) يعني وإلا يعلمان ذرعها (لم يجز) لأنه كالقفيز من الصبرة. مسألة: لو باعه داراً إلا ذراعاً مما يلي بيته يصح أو لا يصح؟ على القول الراجح يصح أما على المذهب ما يصح إلا إذا كان يعلمان ذرعها فإذا كان يعلمان ذرعها فربما يجوز على المذهب وأنا أشك في أنهم يجيزون هذا أيضاً لأنه إذا قال إلا ذراعاً مما يلي بيتي فهذا كالمعين بخلاف ما إذا قال إلا ذراعاً منها فهذا مشاع لكن على القول الراجح أنه جائز ولا حرج فيه كقوله بعتك الصبرة إلا قفيزاً منها. القارئ: وإن باعه سمسماً إلا كسبه أو قطناً إلا حبه أو شاة إلا شحمها أو فخذها لم يصح لأنه مجهول فيدخل في الخبر.

الشيخ: ما هو كسب السمسم أنا لا أعرف ما هو بالضبط لكن لعله ألياف السمسم أو قوله (أو شاة إلا شحمها) هذا مجهول لأن الشحم منه ما هو منفرد كالألية والثِّرب وما على الكلى أو على القلب ومنها ما هو مختلط باللحم لا يمكن الإحاطة به فإذا باعها إلا شحمها فإنه لا يجوز وإذا باعها إلا فخذها يقول المؤلف أيضاً أنه لا يجوز وإذا باعها إلا رأسها فالمذهب أنه يجوز وهو كذلك أيضاً حتى الفخذ على القول الراجح أنه جائز فالفخذ والألية وكل جزء منفرد فإنه يجوز استثنائه لأنه معلوم بالمشاهدة فلو باعه الشاة وقال إلا رقبتها أو إلا ورأسها أو إلا رجلها أو إلا يدها أو إلا أليتها كل هذا جائز لأن هذا معلوم بالمشاهدة لكن لو قال بعتك هذه الشاة إلا كبدها نقول الكبد لا شك أنها متميزة لكنها داخلة فلا تُشاهد والقلب كذلك متميز لكنه داخل والرئة متميزة لكنها داخلة والكلى متميزة لكنها داخلة فهذه الذي يظهر أنه لا يصح ونقول انتظر حتى يُخرج وبيع وأشتري أما ما كان مشاهداً معلوماً فالصحيح أنه لا بأس به. القارئ: وإن استثنى حملها فعنه أنه يصح لأن ابن عمر أعتق جارية واستثنى ما في بطنها وعنه لا يصح وهو أصح للخبر.

الشيخ: الصحيح الأول أنه يصح ولا يعارض الخبر لأن الخبر نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذا معلوم وإذا باعه الحامل شاة أو بعيراً أو غيرها وأستثنى الحمل فكأنه باعها حائلاً فإن قال قائل الحمل الآن مجهول وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر؟ قلنا إن استثنائه استبقاء وليس ابتداء تعويض وفرق بين الاستبقاء والابتداء فإذا قال قائل يمكن أن يكون واحد أو أثنين أو ذكر أو أنثى أو يخرج حياً أو ميتاً؟ قلنا كل هذا لا يرد علينا أنه من باب الغرر لأن هذا من باب الاستبقاء وقدر أنه باعها حائلاً أليس البيع يصح وهذا مثله فإذا قال قائل ربما تموت البهيمة من الوضع؟ قلنا وإذا ماتت فهذا احتمال وارد لكنه قليل بالنسبة للواقع ثم لو قُدّر أنه وقع فإن البهيمة لم تمت بسبب الحمل أي بسبب أن صاحب الحمل الذي استثناه تعدى عليها حتى نقول إنها مضمونة عليه ويكون المشتري هو الذي خاطر ورضي وعلى كل حال الصواب أنه إذا باع حاملاً واستثنى حملها فإن البيع صحيح والاستثناء صحيح ولا ينافي الخبر. القارئ: فإن باع جارية حاملاً بحر وقلنا استثناء الحمل صح هاهنا وإن قلنا لا يصح ثم ففيه وجهان أحدهما لا يصح لأنه استثناه في الحقيقة والثاني يصح لأنه قد يقع مستثنى بالشرع مالا يصح استثناؤه بالشرط بدليل بيع الأمة المزوجة. الشيخ: الصواب أنه يصح كما لو كانت حاملاً برقيق وأستثنى حملها بائعها فإنه لا بأس به فالصواب أنه يصح والمستثنى بالشرع أقوى لأن المستثنى بالشرع لا يملك البائع أن يعقد عليه البيع فيكون استثنائه أقوى لكن كيف تكون حامل بالحر وهي أمة؟ نقول هذه تتصور فيما لو وطئت بشبهة يكون الواطيء ظن أنها زوجته مثلاً فإن الولد يكون حراً وعليه ضمانه لسيدها لأنه هو الذي أتلفه عليه لأنه لو كان نكاحاً لكان الولد رقيقاً للسيد.

القارئ: وإن باع حيواناً مأكولاً واستثنى رأسه وجلده وسواقطه صح نص عليه لأنها ثنيا معلومة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلي المدينة مر براعٍ فذهب أبو بكر وعامر بن فهيرة فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها. الشيخ: وهذا واضح أنه يصح الجلد معلوم والرأس معلوم والسواقط وهي الكوارع معلومة وعلى ما ذكرنا حتى لو استثنى الفخذ واستثنى اليد بعضوها أو استثنى الرقبة أو استثنى الألية فهو جائز والسلب هو الجلد والقاعدة في باب الثنيا أن يكون المستثنى معلوماً سواء علمت نسبته إلى المستثنى منه أم لم تعلم فمثلاً إذا قال بعتك هذه الصبرة من الطعام إلا قفيزاً يصح على القول الراجح لأن القفيز معلوم والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن الثنيا إلا أن تعلم) فلو قال بعتك هذا القطيع إلا شاة منه ففيه تفصيل إذا كانت الغنم متساوية القيم فالاستثناء يصح لأنها معلومة وإن لم تكن متساوية فإنه على القول الراجح الذي نصحح فيه تصرف الفضولي نقول يصح فإذا أتى بالشاة التي تختارها فللمشتري الخيار يأتي به فإذا قال نعم خذها صح البيع ولا يحتاج إلى إعادة العقد لأن هذا من باب إجازة ما مضى وكما عرفنا أن من العلماء من يقول يصح بيع ما لم يره وله الخيار إذا راءه ويصح البيع بالصفة وله الخيار إذا رأه والمهم أنه نأخذ هنا قاعدة أن ما اختلف العلماء فيه من أنواع المعاملات فالأصل فيه الحل ولهذا نقول لمن منع لابد أن تأتي بالدليل فإذا جاء الدليل ووجدنا أنه ينطبق على الأدلة المناعة منعنا المعاملة. القارئ: فإن متنع المشتري من ذبحها لم يجبر وعليه قيمة ذلك لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قضى في رجل أشترى ناقة وشرط ثنياها فقال أذهبوا معه إلى السوق فإن بلغت أقصى ثمنها فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها وعن الشعبي قال قضى زيد بن ثابت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقرة باعها رجل واشترط رأسها بالشروى يعني أن يعطيه رأساً مثل رأس.

الشيخ: وعلى هذا يصح لأن المستثنى الآن معلوم بالمشاهدة فلو استثنى الرأس أو الجلد أو السواقط وهي الأكراع يصح وذكرنا أن مثل ذلك أيضاً اشتراط الألية والفخذ والعضد وما أشبه ذلك لأن هذه معلوم فإن قال قائل وهل تقولون إن مثل ذلك أن يشترط الكبد والقلب والرئة؟ الجواب لا لأن هذه غير معلومة فهي في باطن الجوف فليست معلومة بالمشاهدة والأكباد قد تختلف صغراً وكبراً وكذلك القلوب. فصل القارئ: ومن باع شيئاً وأستثنى منفعته مدة معلومة كجمل اشترط ركوبه إلى موضع معين ودار أستثنى سكنها شهرا وعبدٍ استثنى خدمته سنة صح لما روى جابر أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملاً وأشترط ظهره إلى المدينة متفق عليه ولأنها ثنيا معلومة فتدخل في خبر أبي هريرة. الشيخ: إذا اشترط البائع استثناء الرأس أو الجلد أو الأكراع إذا وامتنع المشتري من ذبحها فإن عليه قيمتها لأنها لم تدخل في ملكه بسبب استثناء البائع كما قال المؤلف رحمه الله فإن قال قائل لماذا لا تجعلونه يضمنها بمثلها؟ قلنا لأنها دخلت بالتقويم فهي مستثناة من شيء مبيع عُوِّض عنها بالقيمة فلا يمكن أن نقول لابد أن تأتي برأس بدله وهذا هو الظاهر ولو قيل بأنه يجب أن يأتي برأس مثله إذا أمكن فهو جيد وقول المؤلف (ومن باع شيئاً واستثنى منفعته مدة معلومة) ذكر أنه لابد أن تكون المدة معلومة وأن تكون المنفعة معلومة أيضاً وضرب لذلك مثلاً بجمل أشترط ركوبه إلى موضع معين وكذلك لو أشترط ركوبه إلى زمن معين لكن بين نوع استعماله في هذا الزمن فلا بأس. القارئ: فإن عرض المشتري على البائع عوضها لم يلزمه قبوله لأن حقه تعلق بعينها فأشبه ما لو استأجرها وإن أراد البائع اجارتها تلك المدة فقال ابن عقيل يصح في قياس المذهب لأنه استحق نفعها فملك إجارتها كالمستأجر.

الشيخ: هذا صحيح لكن لو قال المشتري لما رأى أن البائع أجرها فقال المشتري أنا أحق بها ولي الشفعة فهل يملك ذلك؟ ظاهر كلامهم أنه لا يملك ولكن الصحيح أنه يملك ذلك لأن هذا من دفع الضرر عنه أن يأتي إنسان غير البائع يسكنها فإن فيه ضرر عليه ومادام البائع قد تخلَّى عنها ولم يتمسك بها فإن مشتريها أحق بها من غيره لأن معه الأصل والمنفعة فرع مثال ذلك رجل باع بيتاً وأستثنى سكناه مدة سنة فقبل المشتري ثم إن البائع أراد أن يؤجر البيت هذه السنة فهل يملك ذلك أو لا؟ المؤلف يقول يملكه ونقل عن ابن عقيل أنه يملك ذلك لأن المنفعة له أي للبائع كالمستأجر يستأجر بيتاً لمدة سنة فله أن يؤجره لكن بشرط ألا يؤجره لأحد أكثر منه ضرراً فلو أن مشتري البيت قال للبائع مادمت تريد أن تؤجره فأنا أحق به أنا أعطيك الأجرة فهل يملك ذلك أو لا؟ الجواب ظاهر كلام الفقهاء أنه لا يملك والصواب أنه يملك ذلك وأنه يقال للبائع خذ الأجرة التي تريد أن تؤجرها به من المشتري ولا تدخل عليه أناس قد يضرونه. القارئ: وإن أتلف المشتري العين فعليه قيمة المنفعة لتفويته حق غيره وإن تلف بغير تفريط فكلام أحمد رضي الله عنه يقتضي ذلك بعمومه ويحتمل أن لا يضمن لأن البائع لم يملك منفعة من جهة المشتري فلم يلزمه عوضها له كما لو تلفت النخلة المبيعة مؤبرة بثمرتها والحائط الذي استثنى منه شجرة ويحمل كلام أحمد على من فرط. الشيخ: هذا هو المتعين فالمتعين أنه لو تلفت هذه العين فلا ضمان على المشتري لأن البائع لم يملك هذه المنفعة من جهة المشتري وإنما ملكها بالاستبقاء لا بتجديد الملك ومعنى بالاستبقاء أنه لما أستثنى المنفعة التي تكون تابعة للأصل أبقاها على ملكه فالصواب المتعين أنها لو تلفت فلا ضمان على المشتري ولكن إن فرط في تلفها فهنا يتوجه أن يُضمَّن الأجرة للبائع.

السائل: قلنا إنه لا يجوز استثناء الكبد ألا نقول إن هذا يؤول للعلم خاصة إذا كان سيذبح البهيمة في نفس الوقت؟ الشيخ: لا يجوز لئلا يتجاسر الناس على هذا الشيء ثم إن هذا مشكل إذا استثناها وصارت الكبد صغيرة. السائل: وغن كان رضي بذلك؟ الشيخ: لا يكفي ونقول إذا كنت راضي فإذا ذبحناها واخرجنا الكبد فاستثنيها ونَزِّل من القيمة. السائل: قلنا يصح استثناء الحمل فما الفرق بينه وبين الكبد؟ الشيخ: نعم لأن الحمل منفصل أما الكبد فهو من الأجزاء فالحمل لا بأس باستثناءه على القول الراجح لأنه كأنه باعها على أنها حائل. السائل: هل يقاس على الحمل اللبن لأن كل واحد منهما منفصل؟ الشيخ: نعم مثلاً لو باعه شاة لبوناً وأستثنى اللبن الموجود الآن فيها فلا بأس. القارئ: وإن باع المشتري العين صح وتكون المنفعة مستثناة في يد المشتري فإن لم يعلم به فله الخيار لأنه عيب فهو كالتزويج في الأمة. الشيخ: هذا واضح. القارئ: ومن باع أمة واستثنى وطأها لم يصح لأنه لا يحل إلا في تزويج أو في ملك يمين ومن استثنى مدة غير معلومة لم يصح للخبر. الشيخ: من ذلك أن يقول مثلاً بعتك بيتي بمائة ألف على أن أبقى ساكناً فيه حتى أجد بيتاً فهنا المدة معلومة غير معلومة فلا يصح والصحيح أن ذلك صحيح بشرط أن يذكر مدة أعلى بأن يقول استثنيت سكناه حتى أجد بيتاً في خلال سنة فهذا لا بأس به لأن أكثر ما عند المشتري أن يسكن البائع سنة فإذا وجد بيتاً قبل السنة انتهت مدة الاستثناء، وأما صار استثناء البائع وطء الأمة المبيعة لا يصح لأنه إذا باعها أنتقل الملك إلى المشتري والله عز وجل يقول (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) وهنا انتقل الملك عنه فلا يصح.

باب الشروط في البيع

باب الشروط في البيع القارئ: باب الشروط في البيع. الشيخ: يجب أن نعلم أن لدينا شروط شيء وشروطاً في شيء فما هو الفرق؟ الفرق من وجهين الأول شروط الشيء تتوقف عليه صحته والشروط في الشيء يتوقف عليه لزومه فيمن شرط له ذلك الشيء فقولنا شروط الشيء تتوقف عليه صحته مثلاً نقول شروط البيع ثمانية إذا فُقد واحد منها لم يصح البيع أما الشروط في البيع لا تتوقف عليه صحته فلو اشترط المشتري في العبد أن يكون كاتباً فهل نقول إذا تبين أنه غير كاتب فالعقد باطل؟ الجواب لا لكن يتوقف عليه لزومه فيمن شرط له فنقول لمن شرط له أن العبد كاتب الخيار له إن شاء أمضى البيع وإن شاء رده لعدم الوفاء بالشرط والفرق الثاني شروط الشيء موضوعة من قبل الشرع والشروط في الشيء موضوعة من قِبِلِ المتعاملين ببيع أو إجارة أو غير ذلك فهذا هو الفرق ويمكن أن نزيد فرقاً ثالثاُ فنقول شروط الشيء شروط ثابتة شرعاً سواء اشترطت أم لم تشترط وأما الشروط في الشيء بعضها ثابت إذا كانت مما يحل شرطه وبعضها محرم لاغي إذا كانت مما لا يحل شرطه فهذه ثلاثة فروق بين شرط الشيء والشرط في الشيء فالشروط في البيع في هذا الباب الذي معنا هي التي وضعها المتعاقدان. القارئ: وهي على أربعة أضرب أحدها ما هو من مقتضى البيع كالتسليم والرد بالعيب فهذا لا أثر له لأنه بيان وتأكيد لمقتضى العقد. الشيخ: مثاله باع عليه بيتاً وقال بشرط أنك تسلمني البيت وأسلمك الثمن فحكم هذا الشرط لا أثر له سواء شرط أم لم يشرط لأن هذا هو مقتضى العقد، مثال آخر باعه البيت وقال المشتري بشرط أني أتصرف فيه كما شئت ببيع أو هبة أو صدقة أو وقف أو غير ذلك فهذا لا حاجة له لأنه ثابت بمقتضى العقد. القارئ: الثاني ما هو من مصلحته كالخيار والأجل والرهن والضمين فهذا شرط صحيح لازم ورد الشرع به نذكره في مواضعه.

الشيخ: هذا الشرط من مصلحة العقد كالخيار والخيار هنا يعني خيار الشرط مثل أن يبيعه داراً ويقول لي الخيار لمدة شهر فهذا من مصلحة العقد وأما الأجل فبأن يقول اشتريت منك هذا البيت بشرط أن تؤجل الثمن لمدة كذا وكذا وأما الرهن فواضح بأن تقول بعته عليك بكذا بشرط أن ترهنني كذا وكذا أما الضمين فهو أن تأتي له بضامن. القارئ: الثالث شرط ينافي مقتضى العقد وهو نوعان أحدهما ما لم يبن على التغليب والسراية كشرط ألا يملك ولا يتصرف ولا يسلم أولا يعتق أو إن أعتق فالولاء له أو متى نفق المبيع وإلا رده أو إن خسر فيه فعلى البائع فهذا شرط باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما أرادت شراء بريرة فاشترط أهلها ولاءها (اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ثم قال من أشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) متفق عليه وهل يفسد البيع به فيه روايتان إحداهما لا يفسد لحديث بريرة والثانية يفسد لأنه إذا فسد الشرط وجب رد ما في مقابلته من الثمن وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولا. الشيخ: والصواب ما دل عليه الحديث أن الشرط فاسد والعقد صحيح فإذا أشترط البائع الذي باع العبد أن ولائه له أي للبائع فالعقد صحيح والشرط باطل والدليل على ذلك حديث بريرة أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها اشترتها وأشترط أهلها أن يكون الولاء لهم فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشرط ولم يبطل البيع ومثله إذا شرط ألا يملك فقال بعتك هذا على ألا تملكه وألا تتصرف فيه وما أشبه ذلك وقوله (لا يسلم) يعني لا يبيعه سلماً قوله (أو لا يعتق) يعني لا يعتق العبد.

القارئ: النوع الثاني أن يشتريه بشرط أن يعتقه ففيه روايتان إحداهما الشرط الفاسد لأنه ينافي مقتضى البيع فأشبه ما قبله والثانية يصح لأن عائشة اشترت بريرة لتعتقها فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا إن امتنع المشتري من العتق أجبر عليه في أحد الوجهين لأنه عتق مُستَحَقٌ عليه فأجبر عليه كما لو نذر عتقه والثاني لا يجبر عليه لأن الشرط لا يوجب فعل المشروط كما لو شرط رهناً أو ضميناً لم يجبر ولكن يثبت للبائع خيار الفسخ كمشترط الرهن فإن مات العبد رجع البائع على المشتري بما نقصه شرط العتق وإن كان المبيع أمة فأحبلها أعتقها وأجزأه لأن الرق باق فيها. الشيخ: إذا اشترط أن يعتقه ففيه روايتان إحداهما الشرط فاسد والثاني الشرط صحيح والصواب أن الشرط صحيح لأن البائع قد يكون له في ذلك غرض فإذا قال قائل إذا كان البائع قد اشترط على المشتري أن يعتقه فما فائدة المشتري؟ قلنا فائدته أن يكون الولاء له فإذا قال قائل ما فائدة البائع إذا باعه وأشترط على المشتري أن يعتقه؟ قلنا فائدته أنه يأخذ الثمن فربما يكون الرجل هذا ما يستطيع أن يعتق العبد وهو يرغب أن العبد يُعتق وهو ليس عنده مال فباعه وشرط أن يُعتق ومن المعلوم أنه إذا باعه وشرط أن يعتق فسوف ينقص الثمن كثيراً لكن هو يقول يكفيني ما يحصل من الثمن فصار كلٌّ من البائع والمشتري في هذه المسألة له له غرض صحيح. السائل: إذا امتنع المشتري من العتق فما الحكم؟ الشيخ: الصواب أنه إذا أمتنع عن العتق أجبر عليه فإن لم يفعل أعتقه القاضي. القارئ: الرابع مالا ينافي مقتضى العقد ولا هو من مصلحته وهو نوعان أحدهما أن يشترط عقداً آخر مثل أن يبيعه بشرط أن يبيعه عين أخرى أو يؤجره أو يسلفه أو يشتري منه أو يستسلف فهذا شرط فاسد يفسد العقد به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل بيع وسلف ولا شرطان في بيع) قال الترمذي هذا حديث صحيح ونهى عن بيعتين في بيعة وهذا منه.

الشيخ: هذا الرابع مهم جداً لابد أن نعرفه معرفة تامة وهو مالا ينافي مقتضى العقد ومعناه أن العقد يبقى على ما هو عليه والبائع ينتفع بالثمن والمشتري ينتفع بالسلعة ولا هو من مصلحته يعني من مصلحة العقد كالرهن والأجل وما سبق فهذا نوعان أحدهما أن يشترط عليه عقد آخر مثل أن يبيعه بشرط أن يبيعه عين أخرى قال أبيعك سيارتي بشرط أن تبيع عليَّ سيارتك يقول المؤلف إن هذا الشرط فاسد مفسد للعقد ولو قلنا أنه فاسد غير مفسد للعقد لصح البيع الأول ولم يلزم البيع الثاني يعني صح أن يبيع السيارة لكن لا

يلزمه المشتري أن يبيعه سيارته لكن المؤلف يقول لا يصح العقد لا الأول ولا الثاني والصحيح أن هذا الشرط جائز لأن فيه مصلحة وليس فيه مضرة والأصل في المعاملات فإذا قال أبيعك سيارتي بشرط أن تبيع لي سيارتك ليس هناك مانع فيكون المشتري لا يريد سيارته التي عنده والبائع كذلك لا يريد أن يتخلى عن السيارة لأنه لابد له من سيارة وكذلك أيضاً لو قال بعني بيتك بمائة ألف ريال فقال البائع أبيعك بيتي بمائة ألف ريال بشرط أن تؤجرني بيتك لمدة شهرين حتى أجد بيتاً أشتريه فهل يصح أو لا يصح؟ على كلام المؤلف لا يصح لأنه شرط عليه عقداً آخر والصواب أنه صحيح لأنه ليس هناك مانع لا ظلم ولا غرر ولا ربا فكل شيء واضح وصريح وفيه مصلحة للمتقاعدين قوله (أو يسلفه) يعني يعطيه سلفاً أي سلماً وهذا غير الاستسلاف لأن الاستسلاف هو القرض فمعنى يسلفه يعني يقول أنا ما عندي مانع أن أبيع عليك سيارتي لكن بشرط أن تعطيني سلماً ألف ريال ثمن حب قمح أعطيك إياه بعد سنة لأجل أن يستفيد بائع السيارة من ثمن السيارة ومن الدراهم التي أُسلمت إليه والمثال بصورة أخرى جاءني رجل يقول بيع عليَّ سيارة فقلت ما في مانع أبيعها عليك لكن بشرط أن تسلفني يعني تسلم إليَّ عشرة آلاف ريال ثمن رز أعطيكه بعد سنة فعندنا الآن بيع وعندنا سلم فهل هذا يجوز أو لا؟ المؤلف يقول لا يجوز والصحيح أنه جائز لكن ما فائدة اشتراط بائع السيارة أن يسلم إليه المشتري ثمناً لرز يسلمه له بعد سنة؟ الجواب فائدته أنه يستفيد من الثمن الذي قُدِّم إليه مع ثمن السيارة قوله (أو يشتري منه) مثاله جاء إليَّ شخص وقال أريد أن تبيعني الفيلا الشرقية قلت ما في مانع لكن بشرط أن تشتري مني الفيلا الغربية الغربية لأني أريد أن يكون الفيلتان سواء فقال ما في مانع فعقدنا البيع للشرقية بمائة ألف وللغربية بمائة ألف أوبأقل أو أكثر المؤلف يقول إن هذا لا يجوز والصحيح أنه جائز ولا بأس به وسواء عين لكل واحدة

منهما ثمناً خاصاً أو اشترهما جميعاً بثمن واحد لا بأس قوله (أو يستلسف) يعني يستقرض وهذا هو الذي لا يجوز لماذا؟ لئلا يؤدي إلى سلف يجر نفعا والسلف الذي يجر نفعاً محرم ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا يحل سلف وبيع) مثال ذلك طلب رجل من آخر أن يبيع عليه بيته فقال لا بأس بشرط أن تسلفني مائة ألف فسلفه فهنا المشتري سلفه سلفاً جر نفعاً لأن البائع سوف يراعي إقراضه وسوف يبيع عليه ما يساوي مائة بتسعين لكي يأخذ القرض فيكون المقرض الآن استفاد لأنه سيقرض البائع المائة ألف ولكنه نزل له من ثمن البيت ما يكون منفعة له فلهذا إذا اجتمع بيع وسلف بالشرط فهذا لا يجوز أما بدون شرط فلا بأس قوله (فهذا شرط فاسد يفسد العقد به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل سلف وبيع) معلوم أنه إذا قال الرسول لا يحل سلف وبيع فلا يمكن لأحد أن يقول إن ذلك حلال أبداً لكن وقوله صلى الله عليه وسلم (ولا شرطان في بيع) بعض العلماء يقول كل بيع تضمن شرطين فهو فاسد سواء كان الشرطان من مقتضى العقد أو مصلحة العقد أو لا يتعلق بمقتضاه ولا مصلحته لا شرطان في بيع وشرطان نكرة في سياق النفي فتعم وبعضهم يقول إن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام المطلق يجب أن يحمل على المقيد فيحمل قوله (ولا شرطان) على شرطين إذا اجتمعا صار باجتماعهما محظور شرعي وإذا

انفردا لم يكن في ذلك محظور شرعي وأما مجرد الشرطين فهذا بعيد أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام أراده مثال ذلك رجل باع على شخص بيتاً وشرط المشتري على البائع أن يزين هذه الحجرة يعني يجعل فيها ديكوراً وأن يفتح باباً للحجرة الثانية فهذان شرطان فهل نقول هذا حرام؟ لا أحد يقول إن هذا حرام وكذلك كما ذكرنا أن الراجح أنه إذا شرط عليه أن يبيع عليه بيتاً آخر أو حاجة أخرى فإن ذلك لا يضر وعلى هذا فنقول إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أراد بقوله (شرطان في بيع) كل شرطين إذا اجتمعا حصل باجتماعهما محظور وإذا انفردا لم يحصل بواحد منهما محظور قوله (ونهى عن بيعتين في بيعة وهذا منه) الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة لكن من قال إن هذا منه؟ لأن العلماء مختلفون فمنهم من قال إن (بيعتان في بيعة) أن يقول خذ هذا الكتاب بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة ومنهم من قال إن (بيعتان في بيعة) أن يقول بعتك هذا الكتاب بشرط أن تبيعني كتابك ومادام أن العلماء لم يتفقوا على تفسير الحديث فإنه يجب أن يطبق الحديث على ما تدل عليه السنة والسنة دلت على أن البيعتين في بيعة هي مسألة العينة تماماً حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) وصورتها أن يبيع شيئاً بثمن مؤجل مثل أن يبيع سيارته على شخص قال هذه السيارة بعتها عليك بعشرة آلاف لمدة سنة فالثمن الآن مؤجل فأخذها المشتري ثم عاد البيع إليه وقال بعنيها بثمانين نقداً فباعها فهاتان بيعتان في بيعة البيعة الأولى والبيعة الثانية ولهذا قال الرسول (فله أوكسوهما أو الربا) إن أخذ البائع بالبيعة الأولى فقد رابا لأن حقيقة الأمر أنه أخذ مائة بثمانين وإن أخذ بالبيعة الثانية أخذ بأوكسهما أي بأنقصهما ومعلوم أننا إذا وجدنا من كلام النبي عليه الصلاة والسلام ما يفسر كلامه المجمل فإن الواجب الأخذ به وهذا الذي قلته هو الذي فسره به شيخ الإسلام

ابن تيمية رحمه الله وهو واضح لا غبار عليه وإنما كانت البيعتان في بيعة على الوجه الذي ذكرت محرمتين لأنها حيلة على ربا النسيئة والفضل بإدخال سلعة بينهما غير مقصودة فهو إما حيلة وإما ذريعة ولهذا سمى ابن عباس رضي الله عنهما هذه البيعة سماها (دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة) يعني قطعة من القماش. القارئ: الثاني أن يشترط المشتري منفعة البائع في المبيع فيصح إذا كانت معلومة مثل أن يشتري ثوباً ويشترط على بائعه خياطته قميصا أو فِلعة ويشترط حذوها نعلا. الشيخ: فلعة معطوفة على قوله (ثوباً) لا على قوله (قميصاً). القارئ: أو حطباً ويشترط حمله لأن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة حطب واشترط عليه حملها وأشتهر ذلك فلم ينكر ولأنه بيع وإجارة فصح كما لو باعه عبده وأجره داره في عقد واحد وقال الخرقي إن شرط مشتري الرطبة جزها على بائعها بطل العقد فيحتمل أن يخص قوله بهذه الصورة وشبهها لإفضائه إلى التنازع فإن البائع يريد قطعها من أعلاها لتبقى له منها بقية والمشتري يريد الاستقصاء عليها ويحتمل أن يعدى حكمها إلى كل عقد شرط فيه منفعة البائع لأنه شرط عقداً في عقد فأشبه ما قبله.

الشيخ: هذه المسألة هي أن يشترط المشتري على البائع نفعاً في المبيع مثل أشترى منه قطعة قماش وقال اشتريتها منك بعشرة بشرط أن تخيطها ثوبا أو قطعة جلد وقال بشرط أن تخرزها نعلاً فالآن أشترط المشتري على البائع نفعاً وهو في الأول خياطة الثوب وفي الثاني خرز الجلد والمنفعة الآن في المبيع يقول المؤلف إن هذا جائز لكن الشرط منفعة البائع في المبيع أما إن شرط منفعة البائع في غير المبيع مثل لو قال اشتريت منك هذا الثوب بشرط أن تخرز لي هذا النعل هل يجوز أو لا الجواب لا يجوز لأن هذه هي المسألة الأولى وهي بيع وإجارة أما المسألة التي ذكرنا فهي شرط في منفعة في المبيع فقوله (أن يشترط منفعة البائع في المبيع) يعني أن يشترط على البائع منفعة في المبيع والمشترط هو المشتري مثال ذلك أشترى منه قطعة قماش وقال اشتريتها منك بعشرة بشرط أن تخيطها لي قميصاً فوافق فالآن الشرط شرط منفعة أي منفعة البائع يعني أن المشتري اشترط أن ينتفع من البائع فهنا منفعة البائع من باب إضافة المنفعة إلى الفاعل لكن على أنه مطالب بها فصورة المسألة مرة أخرى اشترط المشتري على البائع نفعاً يكون في نفس المبيع والمثال اشترى قطعة قماش بخمسين ريال قال بشرط أن تخطيها لي قميصاً ويذكر المنفعة فهل يجوز أو لايجوز؟ الجواب يجوز لأن هذه منفعة في المبيع كما لو أشترط على البائع أن يكون حسن الخط إذا باعه عبداً مثلاً أو ما أشبه ذلك لأن هذه منفعة في المبيع وأما لو أن المشتري أشترط على البائع نفعاً في غير المبيع فهذا ينبني على الخلاف في المسألة الأولى في النوع الرابع وهي أن يشترط عقد آخر فإذا لم يكن هناك محظور شرعي فهذا جائز لكن على المذهب ليس بجائز مثال ذلك اشتريت ثوباً من بائع وقلت له اشتريته منك بمائة بشرط أن تُرقِّع لي ثوبي الثاني فعلى كلام المؤلف الآن لا يجوز لأن المنفعة في غير المبيع فكأنه جمع بين بيع وإجارة يعني جمع بين عقدين في عقد فلا يصح وأهم

شيء أن نعرف القاعدة الآن إذا أشترط المشتري على البائع نفعاً في المبيع فما الحكم؟ جائز وإن أشترط المشتري على البائع نفعاً في غير البيع فهو على المذهب ليس بجائز لأنه بيع وإجارة وعلى القول الذي صححناه في النوع الرابع يصح مادامت الإجارة معلومة ومفهومة فإنه لا بأس أما الخرقي رحمه الله فيقول (إن شرط مشتري الرطبة جزئها على بائعها بطل العقد) والرطبة هي البرسيم وعلى لغتنا وهي لغة عربية القت فإذا اشترى قتاً واشترط على البائع أن يحصده أي يجزه البائع يقول الخرقي (هذا لا يصح) فيحتمل أنه أراد هذه الصورة ويحتمل أنه أراد العموم وهذه الصورة وجه عدم صحتها قال (فأن البائع يريد أن يقطعها من أعلاها) لأنه يستفيد بجزها من أعلاها فائدتين بقاء الأصول وسهولة الجز لأن قطف أعلاها أسهل وأما المشتري فيريد أن تجز من أسلفها لأنه أكثر لها فيحتمل أن الخرقي رحمه الله قال إن هذه الصورة لا تصح لأنها تؤدي إلى التنازع فالبائع يقول نجز من فوق والمشتري يقول من تحت فيحصل نزاع ويحتمل أنه أراد أنه لا يصح مطلقاً فيكون الخرقي رحمه الله بذلك مخالفاً للمذهب في هذه المسألة. القارئ: وقال القاضي لم أجد بما قال الخرقي رواية في المذهب والمذهب جوازه فإن شرط شرطين مثل إن شرط خياطة الثوب وقصارته وفي الحطب حمله وتكسيره أو اشترط منفعة البائع واشترط البائع منفعة المبيع مدة معلومة فسد العقد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا شرطان في بيع) وإن شرط منفعة مجهولة لم يصح لإفضائه إلى التنازع.

الشيخ: يقول رحمه الله (إن شرط شرطين مثل إن شرط خياطة الثوب وقاصرته) يعني تنظيفه حتى يكون أبيض فإنه لا يجوز لأنه جمع بين شرطين وأستدل له المؤلف بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا شرطان في بيع) عطفاً على قوله (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع) والصواب أنه يصح أن يشترط شرطين في منفعة المبيع كأن يشترط عليه حمل الحطب وتكسيره وكذلك خياطة الثوب وتقصيره وقوله (أو اشترط منفعة البائع) يعني في غير مبيع لأن في المبيع سبق أنه جائز إذا شرط منفعة البائع في المبيع قوله (واشترط البائع منفعة المبيع) معناه أن المشتري اشترط نفع البائع في غير المبيع والبائع اشترط منفعة المبيع فإنه لا يصح أو نقول اشترط منفعة البائع مطلقا واشترط البائع منفعة المبيع فيكون شرطان لكن من كل واحد (اشترط منفعة البائع) يعني أن المشتري قال أشترط عليك كذا وكذا منفعة أو أن البائع اشترط منفعة المبيع ومثاله باع بيتاً على شخص فقال المشتري للبائع بشرط أن تُركِّب الأبواب وقال البائع للمشتري وبشرط أن أسكنه سنة فهنا عندنا شرطان شرط من البائع على المشتري وشرط من المشتري على البائع فعلى ما قال المؤلف نقول هذا لا يحل وإن كان هذان الشرطان بالنسبة لكل واحد شرطاً واحد لكنهما شرطان في عقد أحدهما للبائع والثاني للمشتري وسبق أن الصواب أن قوله (لا شرطان في بيع) المراد الشرطان اللذان يتضمنان محظوراً شرعياً (¬1) ¬

_ (¬1) ثم بعد الشرح قرئت على الشيخ حاشية على الفصل الذي شرحه من المخطوطة وهذا نصها ..

قال الزركشي حمل القاضي مجرد الشرطين على الإطلاق أي سواء كانا صحيحين أو فاسدين كان شرط ألا يبيع ولا يهب في مصلحة العقد كالرهن والضمين أو في غير مصلحته كأن يشتري منه حزمة حطب ويشترط عليه حملها أو تكسيرها زاعماً أن هذا ظاهر كلام أحمد ومستدل بإطلاق الحديث وكذلك قال ابن عقيل في التذكرة معللاً بأن اشتراط الشرطين مفضي إلى اشتراط الثلاثة ومالا نهاية له وعن أحمد أنه فسرها بشرطين صحيحين ليسا من مصلحة العقد ونحو هذا فسر القاضي في شرحه وأختاره أبو محمد وأبو البركات وصاحب التلخيص وزعم أبو محمد أن ما كان من مقتضاه كاشتراط تسليم المبيع أو حلول الثمن لا يؤثر فيه بلا خلاف وعن أحمد أنه فسرهما بشرطين فاسدين وأستشكل بأن الواحد يؤثر في العقد فلا حاجة إلى التعدد وليس بشيء لأن الواحد في تأثيره خلاف أما الشرطان فلا خلاف في تأثيرهما والله أعلم). الشيخ: الصحيح هذا أن المراد بالشرطين المحرمين هما اللذان يتضمنان محظوراً شرعياً سواء كانا فاسدين باجتماعهما وإذا أنفرد أحدهما لم يفسدا أو كانا من الأصل فاسدين. فصل القارئ: فإن شرط في البيع أنه باعه فهو أحق به بالثمن ففيه روايتان إحداهما لا يصح لأنه شرطان في بيع لأنه شرط أن يبيعه إياه وأن يعطيه إياه بالثمن ولأنه شرط ينافي مقتضى العقد لأنه شرط ألا يبيعه لغيره والثانية يصح لأنه يروى عن ابن مسعود أنه اشترى أمة بهذا الشرط وإن قلنا بفساده فهل يفسد به البيع فيه روايتان.

الشيخ: هذه المسألة باع عليه شيئاً وقال أشترط عليك أنك إن بعته فأنا أحق به بالثمن فهذا له صورتان الصورة الأولى أن يقول إن بعته فأنا أحق به لثمن يعني الذي تم عليه العقد بيني وبينك وهذا لا يجوز لأنه يؤدي إلى النزاع إذ قد تزيد السلعة وقد تنقص أما إذا قال بالثمن الذي يتم عليه في ذلك الوقت فالصحيح أن هذا جائز ولا بأس به لأن البائع قد يكون له غرض مقصود ولنفرض أن المبيع عبد وخاف البائع أنه إذا باعه المشتري على غيره أساء معاملته فقال إن بعته فأنا أحق به بالثمن فهذا لا شك أنه غرض مقصود ولا ضرر فيه على المشتري لأنه سوف يدفع إليه الثمن الذي يستقر عليه في ذلك الوقت فالصواب أن هذا جائز أنه يجوز للبائع أن يقول إن بعته فأنا أحق به بالثمن وكذلك أيضاً من الغرض المقصود إذا باع عليه داراً وكان محتاجاً إلى ثمنها في ذلك الوقت ثم قال للمشتري إن بعتها فأنا أحق بها بالثمن فلا بأس بها. فصل القارئ: وكل موضع فسد العقد لم يحصل به ملك وإن قبض. الشيخ: قوله (كل موضع فسد العقد لم يحصل به الملك) المعنى كل موضع فسد فيه العقد يعني صار فاسداً فإنه لم يحصل به ملك وإن قبض يعني جميع العقود الفاسدة لا يحصل بها الملك. القارئ: وكل موضع فسد العقد لم يحصل به الملك وإن قبض لأنه مقبوض بعقد فاسد فأشبه ما لو كان الثمن ميتة ولا ينفذ تصرف المشتري فيه وعليه رده بنمائه المنفصل والمتصل وأجرة مثله مدة مقامه في يده ويضمنه إن تلف أو نقص بما يضمن به المغصوب لأنه ملك غيره حصل في يده بغير إذن الشرع أشبه المغصوب ولا حد عليه إن وطئ للشبهة وعليه مهر مثلها وأرش بكارتها إن كانت بكرا والولد حر لأنه من وطئ شبهة ويحلق نسبه به لذلك ولا تصير به الجارية أم ولد لأنها ولدت في غير ملك وإن حكمنا بفساد الشرط وحده فقال القاضي يرجع المشترط بما نقص لأنه إنما سمح به لأجل الشرط فإذا لم يحصل رجع بما سمح به.

الشيخ: هذه المسألة مسألة مهمة عظيمة كل موضع فسد به العقد لم يحصل به ملك لا بالنسبة للسلعة ولا بالنسبة للثمن ويعامل معاملة الغاصب مثلاً باع عليه سيارة بعد نداء الجمعة الثاني وهو ممن تلزمه الجمعة حكم العقد فاسد وصاحب السيارة أخذ السيارة وذهب بها وأستعملها فنقول في هذه الحال يجب عليه ضمان السيارة إن نقصت ويجب عليه أجرة مثلها وأن يردها إلى صاحبها مثال آخر عقد عقداً بعد نداء الجمعة الثاني على شاة وأخذها وبقيت عنده شهراً كسب منها لبناً وكسب منها صوفاً وغير ذلك فنقول عليه ضمان اللبن لأنها ليست ملكه وضمان الصوف الذي أخذه لأنها ليست ملكه وإذا ماتت فعليه ضمانها وكذلك يقال في الثمن بالنسبة للبائع إذا أنتفع به والصواب أن حكم المقبوض بعقد فاسد كحكم المقبوض بعقد صحيح إلا أنه متى تبين الفساد وجب فسخ العقد وكل يرجع بما أُخذ منه فالبائع يرجع بالسلعة فيأخذ السلعة والمشتري يأخذ الثمن ولا يمكن أن يقاس على الغصب لأن الغصب أُخذ المغصوب من مالكه بغير رضاه وهذا أخذ برضاه ثم إن كل واحد منهما يعتقد أنه يتصرف في ملكه هو نفسه لا في ملك غيره بخلاف الغاصب فالصواب أن ما قبض بعقد فاسد كالمقبوض بعقد صحيح ولكن يفرق بينه وبين العقد الصحيح بأنه متى علم فساد العقد وجب إلغاء العقد ورجوع كل واحد منهم بماله. السائل: قوله (وأرش بكارتها إن كانت بكراً) ما معناه؟ الشيخ: مثاله لو كان المبيع جارية بكراً فجامعها المشتري فإن البكارة ستزول فعليه أرش البكارة وأرش البكارة هو الفرق بين قيمتها بكراً وقيمتها ثيباً مع أنه إنما جامعها على أنها ملكه ومع ذلك يضمن أرش البكارة لبائعها وكذلك أيضاً عليه مهر مثلها والولد يكون حراً بينما لو أخذنا بما قال إنها على ملك البائع لكان الولد رقيقاً لمالكها لكن يكون الولد حر ويعتق على من جامعها فيضمن قيمته لسيدها والصواب خلاف ذلك فالصواب أنه حر ولا ضمان فيه.

السائل: اشتراط البعض في الكتب نسخ الكتب ويضع عليها حقوق وكذلك الأشرطة فهل هذا الشرط ملزم للمشتري؟ الشيخ: إذا التزم به فنعم لأن في هذا يكون ضرر على المُصدِّر الأول إلا إذا علمنا أن المُصدِّر الأول محتكر بمعنى أنه قد كسب أكثر مما أنفق فحينئذ ليس له حق أن يحتفظ بحقوق الطبع ولكن إذا علمنا أن الرجل لو أنه فُتح الباب وطبعت هذه النسخ يتضرر فشرط ألا يطبعها فلا بأس. السائل: المشتري لا يلتزم بشرط عدم النسخ للكتب أو الأشرطة؟ الشيخ: يجب عليه أن يلتزم. فصل القارئ: ولا يجوز البيع بعد النداء للجمعة قبل الصلاة لمن تجب عليه الجمعة لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْع) فإن باع لم يصح للنهي ويجوز ذلك لمن لا تجب عليه الجمعة لأن الخطاب بالسعي لم يتناوله فكذلك النهي والنداء الذي تعلق به السعي والنهي هو الثاني الذي يكون عند صعود الإمام المنبر لأنه الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلق الحكم به وإنما زاد الأول عثمان رضي الله عنه وفي النكاح والإجارة وجهان.

الشيخ: البيع بعد نداء الجمعة الثاني لمن تلزمه الجمعة حرام لقوله تعالى (وَذَرُوا الْبَيْع) فإذا وقع صار باطلاً لأن تصحيحه مع النهي مضادة لله تبارك تعالى وعلى القاعدة المعرفة أن كل شيء منهي عنه يوصف بالصحة والفساد يقع فاسداً وأما الذي لا يوصف بالصحة والفساد فتترتب عليه أحكامه مثل الظهار فالظهار منهي عنه لكنه لا يوصف بالصحة والفاسد أي لا يقال ظهار فاسد وظهار غير فاسد ولهذا تتعلق أحكامه عليه ولو كان حراماً أما ما يكون صحيحاً وفاسداً فما وقع على وجه النهي فإنه يكون فاسدا مثل الطلاق فالطلاق في الحيض يقع فاسد لأن من الطلاق ما هو صحيح ومنه ما هو فاسد بخلاف الظهار ومثله الإيلاء محرم ولكن ليس منه ما هو صحيح وفاسد ولهذا تترتب عليه أحكامه. القارئ: ويجوز ذلك لمن لا تجب عليه الجمعة لأن الخطاب بالسعي لم يتناوله فكذلك النهي. الشيخ: هذا صحيح من لا تجب عليه الجمعة كالمرأة والمريض ونحوهما يجوز لهما البيع والشراء بعد نداء الجمعة الثاني لكن مع طرف لا تجب عليه الجمعة فلو أن امرأة باعت على رجل تجب عليه الجمعة صار ذلك حراماً وذلك لأن البيع لا يتم إلا بطرفين فإذا كان أحدهما حراماً غلب جانب الحظر ولأننا لو أبحنا ذلك لكان من باب إباحة التعاون على الإثم والعدوان. القارئ: والنداء الذي تعلق به السعي والنهي هو الثاني الذي يكون عند صعود الإمام المنبر لأنه الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلق الحكم به وإنما زاد الأول عثمان رضي الله عنه وفي النكاح والإجارة وجهان أحدهما حكمهما حكم البيع لأنهما عقدا معاوضة والثاني يصحان لأنهما غير منصوص عليهما وليسا في معنى المنصوص عليه لأنهما لا يكثران فلا تؤدي إباحتهما إلى ترك الجمعة بخلاف البيع.

الشيخ: البيع عرفنا أنه لا يصح لأن الله نص عليه (فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْع) والإجارة هل تلحق بالبيع أو لا؟ فيها قولان للعلماء ذكر المؤلف أنهما وجهان والوجهان معناه قولان للأصحاب وليسا للإمام أحمد فالإجارة شك أنها كالبيع تماماً وذلك لأن الإجارة هي بيع المنافع فهي داخلة أما النكاح فقد يقول قائل أنه لا يدخل وذلك لندرته ولأنه ليس عقد معاوضة كما زعم المؤلف رحمه الله فالنكاح ليس عقد معاوضة بدليل أنه يصح بدون ذكر العوض فلو تزوجت امرأة بدون ذكر المهر يجوز النكاح أما لو عقد عقد إجارة بدون ذكر الأجرة لا يصح ولو قال قائل كل ما شغل عن الحضور فهو محرم قياساً على البيع لو قال قائل بهذا لكان هو القياس الصحيح أن نقول كل ما شغل عن الحضور فهو حرام حتى وإن كان جلوساً بين الأصحاب بدون عقد وعلى هذا القول الذي اخترناه تحرم الإجارة ويحرم عقد النكاح ويحرم عقد المساقاة وعقد المزارعة وجميع العقود. فصل القارئ: ولا يحل التسعير لما روى أنس قال غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله قد غلا السعر فسعِّر لنا فقال (إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة) قال الترمذي هذا حديث صحيح ولأنه ظلم للبائع بإجباره على بيع سلعته بغير حق أو منعه من بيعها بما يتفق عليه المتعاقدان وهو من أسباب الغلاء لأنه يقطع الجلب ويمنع الناس من البيع فيترفع السعر.

الشيخ: التسعير معناه أن يلزم ولي الأمر الباعة بأن يبيعوا بشيء محدد معين فهو حرام ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غلا السعر في عهده وطلبوا منه أن يسعر أبى وقال (إني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة) يعني في دم ولا في مال وهذا إحياء بأن التسعير ظلم ولكن الصحيح أن التسعير له أسباب فإذا كان أسبابه منع الظلم فلا بأس به بل قد يجب وإذا كان أسبابه الظلم صار حرام فمثلاً إذا غلا السعر إما لكثرة المستهلكين وكثرة الناس وإما لقلة المحصول فهنا لا يحل أن نسعر فمثلاً إذا كان مائة كيلو من التمر تساوي مائة ريال في العادة لكن كثر الوافدون على البلد فإذا كثر الوافدون على البلد فلابد أن يزاد السعر لأنهم سوف يستهلكون أكثر فهنا لا يجوز أن نقول للناس لا تبيعوا بالسعر الأول لأن في ذلك ظلماً عليهم وكذلك أيضاً لو أن الثمار نقصت وقل المحصول وغلا السعر لقلة الثمار فهنا لا يجوز أن سعر وهذا هو الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أنه في ظلم أما إذا كان السبب هو الاحتكار وأن التجار احتكروا هذه السلعة وصاروا يلعبون بالناس إن شاءوا رفعوها وإن شاءوا خفضوها فهنا يجب على ولي الأمر أن يتدخل وأن يمنع من رفع السعر عن الربح المناسب وليس هذا من باب التسعير الذي هو الظلم بل هذا من باب تنظيم أحوال الخلق ولو فُتح الباب لهؤلاء المحتكرين للعبوا بالناس والدليل على هذا الآن أنك في المدن الكبيرة تأتي إلى صحاب الدكان فتقول بكم هذه الحاجة فيقول لك بمائة وتذهب إلى دكان آخر بجانبه فتسأله عن سعرها فيقول لك بخمسين فهذا يدل على التلاعب فإذا قال

قائل أنا آتي لأصحاب الدكاكين الفخمة الغالية الإيجار ويقول بمائة لكن آتي على الذين يعرضون سلعهم على الأسياب فيقول هذه بعشرين لأنه ما خسر شيئاً والأول خاسر نقول هنا يتدخل ولي الأمر ولا يُمكّن أحداً من الناس أن يفسد على أهل الأسواق أسواقهم لأننا لو مكنَّا هذا من أن يعمل كما يشاء لأضررنا بالناس والإضرار العام لا يراعى فيه المصلحة الخاصة وقد ذكر ابن القيم رحمه الله وقبله شيخ الإسلام رحمه الله أن عمر رضي الله عنه كان يطرد الذين ينزلون إلى السوق ويخفضون الأسعار وذلك لئلا يفسدوا على الناس تجارتهم لكن لو علمنا أن هؤلاء الناس محتكرون وأنهم يرفعون الأسعار كثيراً أكثر من الربح المناسب فحينئذ نرغمهم على أن يبيعوا بالسعر المناسب ونعطيهم ربحاً مناسباً وهذا القول الذي أختاره شيخ الإسلام رحمه الله كما في السياسية الشرعية وغيرها وهو الذي لا تقوم مصالح الخلق إلا به ومن هذا الآن الأدوية فهي عندنا مسعرة لأنها لو تركت للصيادلة لقالوا الحبة التي تساوي خمسة بخمسين والمريض سوف يشتريها يريد العافية فيلعبون بالناس لكن من المصلحة أن تسعر وكذلك أيضاً الخبز مسعر لأن هذه الأشياء لابد أن تتدخل الحكومة فيها لمصلحة الخلق ولهذا عقد المؤلف الفصل الذي بعده أما قوله رحمه الله (لأنه ظلم للبائع لإجباره على بيع سلعته بغير حق) نقول نحن ما أجبرناه على بيع سلعته بل نقول السعر المناسب كذا ولا نقول يلزمك أن تبيع بل إن شئت فبيع وإن شئت أبقها لكن من المعلوم إن التجار سوف يبيعون ويديرون تجارتهم ولا يعطلونها فنحن ما أجبرناه قوله (أو منعه من بيعها بما يتفق عليه المتعاقدان) نقول اتفاق المتعاقدين هل يدل على أن هذا هو السعر الحقيقي قد يجيء مسكين غرلا يدري فتقول له هذا مسجل طيب وماركته طيبة سوف نبيعه عليك بخمسمائة فلما ذهب إلى السوق قالوا هو بثلاثين ريال فنقول هذا قد يغتر به كثير من الناس فقوله (بما يتفق عليه المتعاقدان) هذا

ليس هو المقياس ومن ثم جاءت الشريعة بإثبات خيار الغبن لئلا يخدع أحد وقوله (وهو من أسباب الغلاء لأنه يقطع الجلب ويمنع الناس من البيع فيرتفع السعر) هذا فيه نظر لأن الجالب الذي عنده السلعة لابد أن يجلب على المدن ولا يمكن أن يبقى السلعة عنده إن كان زارعاً في مزرعته أو إن كان صاحب ماشية في ماشيته فلا يمكن هذا لأنه لابد أن يجلب ففي كلام المؤلف رحمه الله نظر في هذه العلة الثالثة وقوله (يمنع الناس من البيع فيرتفع السعر) نقول له يرتفع السعر لأنه إذا جاء الدور الثاني الذي ذكره في الفصل الذي بعده ما امتنع الناس. فصل القارئ: والاحتكار محرم لما روى سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من احتكر فهو خاطيء) رواه مسلم وأبو داود والاحتكار المحرم ما جمع أربعة أوصاف أن يشتري قوتاً يضيق به على الناس في بلد فيه ضيق فأما الجالب فليس بمحتكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون) ولأنه لا ضرر على الناس في جلبه ومن أستغل من أرضه شيئاً فهو كالجالب ولا يمنع من احتكار الزيت وما ليس بقوت لأن سعيد بن المسيب راوي الحديث كان يحتكر الزيت ومن اشترى في حال الرخص على وجه لا يضيق على أحد فليس بمحتكر لأنه لا ضرر فيه بل ربما كان نفعا.

الشيخ: يقول الاحتكار محرم ما جمع أربعة أوصاف أولاً (أن يشتري قوتاً) فالبائع ليس بمحتكر والذي عنده غلة فلم يبيعها ليس بمحتكر فلابد أن يشتري مثاله رجل غني مر على السوق وأشترى جميع ما فيه من الرز والرز قوت، الوصف الثاني يقول (قوتاً) بخلاف غيره فلو أن رجلاً من الأغنياء مر على السوق وأشترى جميع ما فيه من أجهزة التسجيلات فلا يدخل في هذا أو مر التاجر الغني على السوق وأشترى جميع ما فيه من البرتقال لا يدخل في هذا لأن البرتقال ليس بثوت الوصف الثالث يقول (يضيق به على الناس) فإن كان لا يضيق يعني أن الناس إن لم يقتاتوا هذا اقتاتوا الشيء الثاني فليس بمحتكر الوصف الرابع يقول (في بلد فيه ضيق) أما المدن والواسعة الكبيرة التي لا يمكن أن يضيق الإنسان فيها على الناس ولو أشترى كميات كبيرة فهذا ليس بمحتكر هكذا حد المؤلف رحمه الله الاحتكار وفيه نظر والصواب أن الاحتكار أن يمتنع من بيع ما يحتاج الناس إليه وليس في البلد غيره يعني غير هذا المحتكر فهذا الاحتكار سواء اشترى أو كان عنده من مزرعته أو غير ذلك فالمهم أن يمنع بيع ما يحتاج الناس إليه وليس عند غيره مثله يعني ينفرد بذلك فهذا هو المحتكر وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من احتكر فهو خاطيء) فقال خاطيء ولم يقل مخطيء لأن من ارتكب الخطيئة عن عمد فهو خاطيء ومن أرتكبها عن غير عمد فهو مخطيء فهذا هو الفرق بينهما مثل قاسط ومقسط القاسط الجائر والمقسط العادل، والمؤلف قد أتى بعدة مفاهيم فقال (فأما الجالب فليس بمحتكر) هذا ضد قوله (أن يشتري) و (احتكار الزيت) ضد قوله قوتاً وكذلك أيضاً قوله (من اشترى في حال الرخص على وجه لا يضيق على أحد) ضد قوله (يضيق به على الناس) فليس بمحتكر وكذلك أيضاً قوله (في بلد يضيق فيه) داخل في هذا. فصل

القارئ: وبيع التلجئة وهو أن يخاف الرجل ظالماً يأخذ ماله فيواطئ رجل يظهر بيعه إياه ليحتمي بذلك ولا يريدان بيعاً حقيقيا فلا يصح لأنهما ما قصداه وهو كبيع المكره. الشيخ: بيع التلجئة كما قال المؤلف يعني البيع الملجأ إليه مثاله إنسان عنده سيارة فخاف من ظالم أن يأخذ السيارة فذهب إلى شخص له جاه وشرف ومكانة عند هذا الظالم وقال يا فلان أنا أخاف من فلان يأخذ سيارتي وأنا أريد أن أبيعها عليك تلجئة حتى إذا رأى أن السيارة لك أمتنع من أخذها واتفقا على ذلك فهل يجوز أو لا يجوز؟ الجواب يجوز لكن البيع ما يصح لأنهما لما يريداه ولم يختاراه وإنما قصد بذلك الفرار من الظلم يبقى النظر هو للملجأ جائز لكن هل هو للملجأ جائز أو لا؟ الجواب هو جائز بل قد يكون واجباً لأنه إذا علم أنه إذا وقع العقد عقد التلجئة سلم الإنسان من الظلم وجب عليه لأن دفع الظلم عن الإنسان واجب لكن إن عقداه تلجئة ثم ادعى الملجيء أنه بيع حقيقي وأدعى الملتجيء أنه بيع صوري فمن القول قوله؟ القول قول الملجأ أي الأول لأن الأصل في العقود أنها حقيقية لا صورية فلابد من إثبات أنه بيع تلجئة. السائل: لوقال قائل أن الأسواق يحكمها قانون العرض والطلب ووجود التنافس بين التجار والتاجر يحب أن يبيع السلعة فلا يرد أصلاً أن التسعير يكون بسبب الظلم وأنه يمكن أن يتلاعب التجار بالأسعار لأن هذا التاجر وغيره يحب أن يبيع ووجود التنافس مع وجود العرض والطلب هو الذي سيحكم السوق فلا مجال للتسعير فكيف نرد عليه؟

باب الخيار في البيع

الشيخ: نقول نرد عليه بأن المسألة فيها طرف من هذا وطرف من هذا فإذا قلنا بالتسعير لظلم الناس مثل أن يتفق التجار على الاحتكار كما قال المؤلف فإذا اشترى هؤلاء التجار هذه السلعة التي يحتاج الناس إليها ولا يوجد في السوق غيرهم فاشتروها ثم احتكروها وصاروا يبيعونها يكسبون فيها العشرة مائة لابد من التسعير عليهم فإذا قلنا بجواز التسعير أو بوجوبه في بعض الأحيان فإنه يجب على ولي الأمر أن يراقب الأسواق ساعة بساعة حتى إذا كثر الطلب رفع السعر وإذا قل خفض السعر لأنه مادام التزم أنه يقوم بالعدل فلابد من مراعاة الناس ساعة وساعة. السائل: لكن ما كان الرسول يفعل ذلك؟ الشيخ: لأنه ما كان هناك ظلم كان الصحابة رضي الله عنهم يؤثر بعضهم أخاه على نفسه. باب الخيار في البيع القارئ: وهو على ضربين. الشيخ: الخيار أسم مصدر اختار يختار اختياراً هذا المصدر والخيار اسم مصدر اختار وهو الأخذ بخير الأمرين في نظره هذا الخيار يقال اخترت كذا أي أخذت بخير الأمرين فيما أرى وذكر المؤلف رحمه الله أنه على ضربين القارئ: أحدهما خيار المجلس فلكل واحد من المتبايعين الخيار في فسخ البيع ما لم يتفرقا بأبدانهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) متفق عليه والتفرق أن يمشي أحدهما عن صاحبه بحيث إذا كلمه الكلام المعتاد في المجلس لا يسمعه لأن ابن عمر كان إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقيله مشى هنيهة ثم رجع وهو راوي الحديث وأعلم بمعناه ولأن الشرع ورد بالتفرق مطلقا فوجب أن يحمل على التفرق المعهود وهو يحصل بما ذكرناه.

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله إن المتابيعين إذا تبايعا فكل واحد منهما بالخيار مادام لم يتفرقا بأبدانهما وإنما نص على قوله (بأبدانهما) إشارة إلى قول من يرى أن المراد بالتفرق التفرق بالأقوال بمعنى أن البائع لما قال بعت عليك قال المشتري قبلت فهنا لا خيار لكن لو قال بعت ثم قال والله أنا رجعت فهذا الخيار وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم لكنه قول ضعيف جداً لأنه إذا حصل عدم القبول لم يكن هناك بيع إذ أن البيع لابد فيه من إيجاب وقبول فحمل الحديث على أن المراد به التفرق بالأقوال ضعيف جداً ولهذا جاء في لفظ الحديث (وكانا جميعاً) إشارة إلى أن المراد مجتمعين في المكان ولكن يبقى فعل ابن عمر رضي الله عنه كونه إذا باع شيئاً أو إذا اشترى شيئاً قام وأنصرف خطوات حتى لا يسمع صوت صاحبه من أجل ألا يكون له الخيار فهل هذا جائز؟ الصحيح أنه ليس بجائز وأن فعل ابن عمر رضي الله عنه من جملة ما خالف فيه النص وليس غريباً أن يخطئ الإنسان في رأيه أو يهم في حفظه فمثلاً ابن عمر رضي الله عنه وهم في قوله إن الرسول عليه الصلاة والسلام أعتمر في رجب كما ذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها وقالت وهم أبو عبد الرحمن وكذلك أيضاً في كونه إذا حج أو أعتمر قبض على لحيته وقص ما زاد على القبضة مع أنه هو راوي الحديث فالأول خطأ في الحفظ والثاني خطأ في الفهم وهذا أيضاً وإن كان لا أدري هل روى (ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله) كما جاء في الحديث لكنه رضي الله عنه في فعله نظر لأن هذا يتضمن إسقاط حق أخيه بلا مقصود شرعي سوى الإسقاط فإن قيامه إلى مكان ما حتى يسقط الخيار ليس له فيه مقصود شرعي وما المقصود به إسقاط الخيار وهذا حق لأخيه البائع أو المشتري فالصواب أنه لا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله وأما قوله رحمه الله (وهو راوي الحديث وأعلم بمعناه) فهذه جملة ترد كثيراً من العلماء فيجاب عن ذلك أن راوي الحديث قد يخطئ في المعنى لكنه أراد بقوله

(أعلم بمعناه) أراد بقوله أنه فسره بأن المراد بالتفرق هنا التفرق بالأبدان هذا الذي أراده المؤلف رحمه الله وهذا حق أن المراد بالحديث ما لم يتفرقا بأبدانهما. القارئ: فإن لم يتفرقا بل بُني بينهما حاجز أو أرخي بينهما ستر أو نحوه أو ناما أو قاما عن مجلسهما فمشيا معاً فهما على خيارهما لأنهما لما يتفرقا. الشيخ: هذه من الأشياء التي يلفظها الفقهاء رحمهم الله وإن كانت قليلة الوقوع يقول المؤلف (بني بينهما حاجز) مثاله إذا كان البائع على يمين المشتري فقال له بعتك كذا بكذا ثم جاء شخص وبنى حاجزاً بينهما فهل يبقيان على الخيار؟ الجواب نعم لأن هذا الحاجز كرجل جلس بينهما مع أن هذا نادر لكن في تصوير المسألة ما في مانع ثم قال (أو أرخي بينهما ستر) هذه أقرب إمكاناً من الأول ثم قال (أو ناما) يعني أن لهما زمان لم يناما فقال البائع بعتك عليك وقال المشتري قبلت ثم صارت رؤوسهما على صدورهما فناما نقول على كل حال المسألة فرضية وإلا كيف سيبيع ويشتري يناما من حين ما أوجبا العقد لكن كما قلنا الفقهاء رحمهم الله لا يريدون أن يبقى صورة في مخيلة الإنسان إلا ذكروها من باب التمرين والتطبيق ثم قال (أو قاما عن مجلسهما فمشيا معاً) هذا واضح وهذا كثيراً ما يقع مثلاً البائع والمشتري تبايع في هذا المكان وقاما جميعاً من المكان ومشيا جميعاً نقول لا زالا على خيارهما لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما لم يتفرقا) وإذا قدرنا أنهما في سيارة أو في طائرة قد تبقى عشرة ساعات في الجو فإن الخيار باق وحينئذ يقال إذا شئتما ألا يبقى فقولا لا خيار بيننا وإذا قالا لا خيار بيننا انتهى الخيار يعني إذا خفت أن يطول المجلس وأن صحابك يندم على العقد ويفسخ فالحمد الله الأمر واسع قل لا خيار بيننا.

القارئ: وإن فر أحدهما من صاحبه بطل خيارهما لأن ابن عمر كان يفارق صاحبه بغير أمره ولأن الرضى في الفرقة غير معتبر كما لا يعتبر الرضى في الفسخ وإن أكرها على التفرق ففيه وجهان أحدهما يبطل الخيار لأنه لا يعتبر الرضى من أحد الجانبين فكذلك منهما والثاني لا يبطل لأنه معنى يلزم به البيع فلا يلزم به مع الإكراه كالتخاير فعلى هذا يكون الخيار لهما في المجلس الذي زال عنهما الإكراه فيه حتى يفارقاه فإن أكره أحدهما بطل خيار الآخر كما لو هرب منه وللمكره الخيار في أحد والوجهين. الشيخ: مثل هذه الحالة يحسن إذا رأيا أنهما سيكرهان يحسن أن يقطع الخيار لأن كونه يبقى على خياره إلى أن يفترقا من المجلس الذي زال فيه الإكراه قد يكون في مضرة ومشقة قد يكرهان على التفرق لمدة يوم أو يومين أو أكثر فمثل هذا ينبغي إذا حصل الإكراه أن يقول بعضهما لبعض لا خيار ويسقط الخيار. السائل: المبايعة عن طريق التلفون متى ينتهي فيها الخيار؟ الشيخ: الظاهر أن المبايعة بالتلفون بمجرد الإيجاب والقبول ينتهي لأنهما ليسا في مجلس الآن فكل واحد في مكان. فصل القارئ: فإن تبايعا على أن لا خيار بينهما أو قالا بعد البيع اخترنا إمضاء العقد أو أجزنا العقد ففيه روايتان إحداهما هما على خيارهما لعموم الخبر والثانية لا خيار لهما لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما صاحبه فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع). الشيخ: عجيب من المؤلف رحمه الله أن يقول لعموم الخبر مع أن الخبر الثاني في الصحيحين ثم يعبر عن الخبر الثاني بقوله (لما روي) والصواب بلا شك أنه يسقط الخيار لهذا الحديث والحديث في الصحيحين.

القارئ: وفي لفظ (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون البيع كان على خيار فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع) متفق عليهما وفي لفظ (أو يقول أحدهما لصاحبه اختر) رواه البخاري وهذه زيادة يجب قبولها فإن قال أحدهما لصاحبه اختر فسكت فخيار الساكت بحاله لأنه لم يوجد منه ما يبطله وفي خيار القائل وجهان أحدهما يبطل للخبر ولأنه جعل الخيار لغيره فلم يبق له شيء والثاني لا يبطل كما لو قال لزوجته اختاري فسكتت لم يبطل خياره في الطلاق. الشيخ: الصواب بلا شك أنه يبطل كما في الحديث والقياس هنا فيه نظر ظاهر لأن الطلاق وقوله (اختر) يملكهما الزوج وأما إذا قال لصاحبه أختر فهو يملك ولا يملك حق صاحبه فالقياس فيه نظر مع كونه مصادم للنص. فصل القارئ: ويثبت خيار المجلس في كل بيع للخبر ولأنه شرع للنظر في الحظ وهذا يوجد في كل بيع وعنه لا يثبت في الصرف والسلم وما يشترط فيه القبض في المجلس لأنه لا يثبت فيه خيار الشرط.

الشيخ: قاس المؤلف أصلاً على فرع والصحيح أنه يثبت في كل بيع لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (البيعان) وقوله (إذا تبايع الرجلان) هذا من جهة الدليل الأثري أما الدليل النظري أن الخيار شرط للنظر في الأحظ والإنسان قد يكون مشفقاً على السلعة حريصاً عليها فإذا بيعت عليه هبطت قيمتها عنده فمن ثم شرع الشارع له الخيار لأن كثيراً من الناس تتعلق نفسه بشيء من الأِشياء ويرغب فيها جداً جداً فإذا بيعت عليه هبطت في عينه وهذا يقع في السيارات ويقع في العقارات ويقع في العمارات في كل شيء لهذا كان من الحكمة والرحمة أن شرع الخيار لطرفين مادام في المجلس وأما قوله (وعنه لا يثبت في الصرف والسلم) نقول هذه رواية ضعيفة لأن الصرف والسلم بيع كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) ومن الأصناف المختلفة الذهب والفضة وهذا هو الصرف وكونه يُثبت أن ذلك بيع يدخل في قوله (البيعان بالخيار) ولا شك أنه يثبت فيهما خيار المجلس وأما قوله (وما يشترط فيه القبض في المجلس لأنه لا يثبت فيه خيار الشرط) فهنا أيضاً منازعة في المقيس عليه وهو خيار الشرط أولاً أنه لا يصح القياس لظهور الفرق بينهما وثانياً أنا لا نسلم أن ما يشترط فيه القبض لا يجوز فيه خيار الشرط بل نقول خيار الشرط جائز حتى فيما يشترط فيه القبض فلو أن رجلاً اشترى ذهباً من صاحب دكان بعشرة آلاف ريال وسلم العشرة آلاف ريال وأخذ الذهب وقال لي الخيار حتى أشاور أهلي وأراجعهم فالصحيح أن هذا جائز فإن أمضى البيع فقد حصل التقابض وإن لم يمضه رجع وأخذ دراهمه وأعطى صاحب الذهب ذهبه. فصل

القارئ: الضرب الثاني خيار الشرط نحو أن يشترط الخيار في البيع مدة معلومة فيجوز بالإجماع ويثبت فيما يتفقان عليه من المدة المعلومة وإن زادت على ثلاث لأنه حق يعتمد الشرط فجاز ذلك فيه كالأجل. الشيخ: خيار الشرط أن يتبايعا فيقول أحدهما للآخر لي الخيار مدة ثلاثة أيام أو يقول كل واحد منهما لنا الخيار ثلاثة أيام فهذا جائز لكن لابد أن يكون مدة معلومة لأن المجهولة تؤدي إلى النزاع والخصومة وما يؤدي إلى النزاع والخصومة فإنه منفي شرعاً فالعلة لأنه يؤدي إلى الخصومة والنزاع كذلك أيضاً يستدل لهذا بحديث ابن عباس (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم). القارئ: ويجوز شرطه لأحدهما دون صاحبه ولأحدهما أكثر من صاحبه لأنه ثبت بشرطهما فكان على حسبه ولو اشترى شيئين صفقة واحدة وشرط الخيار في أحدهما بعينه صح وإن شرطه في غير معين منهما أو لأحد المتبايعين غير معين لم يصح لأنه مجهول فأشبه بيع أحد العبدين وإن شرط الخيار لأجنبي صح وكان مشترطاً لنفسه موكلاً لغيره فيه لأنه أمكن تصحيحه على هذا الوجه فتعين. الشيخ: مثال ذلك قال اشتريت منك هذا البيت بشرط الخيار لأبي مدة شهر وهذا واضح إذا كان الأجنبي المراد بالأجنبي هنا ماعدا المتعاقدين وهذا واضح إذا كان للأجنبي علاقة بالبائع لكن إذا لم يكن هناك علاقة فهذا أيضاً إن كان هذا الأجنبي من ذوي المعرفة في البيوع والأثمان فلا بأس لأن هذا غرض صحيح مثل أن يقول اشتريت منك هذا البيت بمائة ألف ولفلان صاحب المكتب العقاري الخيار عشرة أيام فلا بأس بذلك لكن إذا شرطه لأجنبي لا لغرض صحيح ففي النفس من هذا شيء مثل أن يقول الخيار لفلان وهو واحد من الناس لا علاقة له بين البائعين ولا معرفة له في أسعار البيوت ذلك لأن هذا في الحقيقة ليس فيه غرض صحيح يرمي إليه شرط الخيار لأجنبي فيحتاج إلي نظر في هذا هل العلماء اختلفوا فيه أو لا.

القارئ: ولمشترط الخيار الفسخ بغير رضى الأجنبي وللأجنبي الفسخ إلا أن يعزله المشترط. الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنه إذا شرطه لأجنبي صار الخيار للشارط وللأجنبي وأنه أي الشارط يملك الفسخ ولهذا قال (ولمشترط الخيار الفسخ بغير رضى الأجنبي وللأجنبي الفسخ إلا أن يعزله المشترط). القارئ: ولو شرط الخيار للعبد المبيع صح لأنه كالأجنبي وقال القاضي إن جعل الأجنبي وكيلاً فيه صح وأن أطلق الخيار لفلان أو قال هو لفلان دوني لم يصح لأن الخيار جعل لتحصيل الحظ للمتعاقدين بنظرهما فلا يكون لمن لا حظ له. الشيخ: القاضي رحمه الله يقول (أو قال هو لفلان دوني لم يصح) لأن الأصل في الخيار أنه لمصلحة المتعاقدين فإذا قال لفلان الأجنبي دوني ما حصل الغرض وكذلك إذا أطلق فقال الخيار لفلان فإنه لا يصح على كلام القاضي أما إن جعله وكيلاً فقال لي الخيار مدة شهر ووكيلي فلان يختار أو لا يختار فهذا واضح أنه جائز كما لو وكله في أصل العقد وكذلك ما أشرنا إليه من قبل إذا كان هذا المشتري جعل الخيار لأجنبي من العقد لكنه بينه وبينه صلة كأبيه وأخيه وما أشبه ذلك فلا بأس أو جعل الخيار لمن له علم بالأسعار فلا بأس أيضاً أما إن جعله لأجنبي بدون قصد فعلى رأي المؤلف يصح ولا على رأي القاضي لا يصح ورأي القاضي أقرب للصواب. القارئ: وإن كان العاقد وكيلاً فشرط الخيار للمالك صح لأن الحظ له وإن جعله للأجنبي لم يصح لأنه ليس له توكيل غيره وإن شرطه لنفسه صح لأن له النظر في تحصيل الحظ وإن قال بعتك على أن أستأمر فلان في مدة معلومة صح. الشيخ: قوله (أستأمر) بمعنى أشاور. القارئ: وله الفسخ قبل استئماره لأن ذلك كناية عن الخيار وإن لم يجعل له مدة معلومة فهو كالخيار المجهول. الشيخ: يعني فلا يصح. فصل

القارئ: وإذا شرط الخيار إلى طلوع الشمس أو غروبها أو إلى الغد أو إلى الليل صح لأنه وقت معلوم ولا يدخل الغد ولا الليل في مدة الخيار لأن إلى للغاية وموضوعها لفراغ الشيء وانتهائه. الشيخ: كلام المؤلف أنه إذا قال إلي غد لم يدخل الغد وعرفنا الآن أنه يدخل والمؤلف يرى أنه متى دخل النهار انقطع خياره لأن انتهاء الغاية لا يدخل لكن عرف الناس الآن أنه إذا قال إلي باكر أو إلى غد يريد جميع النهار فهل نتبع المعنى اللغوي يعني الحقيقة اللغوية أو الحقيقة العرفية إذا تخالفا؟ الجواب نغلب الحقيقة العرفية إذا اختلفت مع الحقيقة اللغوية وكذلك إذا قال (إلى الليل) يفهم الناس أنه إلى أول الليل مثل إذا كان بينهم جلسات بعد العشاء أو بعد المغرب فيفهم أنه إلى هذا الوقت وليس المعنى إلى غروب الشمس وعلى كل حال إذا تعارضت الحقائق العرفية مع ما ذكره المؤلف فإننا نتبع الحقائق العرفية. السائل: بيع المزايدة هل يدخل فيه خيار المجلس أو لا يدخل لأنه إذا ثبت ذلك لأنه قد يحصل مشاكل بين الناس. الشيخ: جرى العرف بارك الله فيك أنه إذا قال نصيبك أو خذ الله يربحك انتهى فلا خيار لكن لو تحاكما فالقاضي ينظر في الموضوع ولكن ظاهر بيع الناس إذا قال نصيبك انتهى ولهذا إذا أعطاه إياه فإنه يبدأ ينادي على سلعة أخرى. القارئ: وإن شرطاه ثلاثاً أو ساعات معلومة فابتدأ مدته من حين العقد لأنها مدة ملحقة بالعقد فكان بدؤها منه ولأن جعله من حين التفرق يفضي إلى جهالته لأنه لا يدرى متى يفترقان ويحتمل أن يكون بدء مدته من حين التفرق لأن الخيار ثابت في المجلس حكماً فلا حاجة إلى إثابته بالشرط فعلى هذا إن جعلا بدأه من العقد صح لأن بدايته ونهايته معلومان ويحتمل أن لا يصح لأن ثبوت الخيار بالمجلس يمنع ثبوته بغيره وعلى الوجه الأول لو جعلا بدأه من التفرق لم يصح لجهالته.

الشيخ: في هذا نظر فيقال نعم جهالة الابتداء صحيح لأنهما لا يعلمان متى يفترقان لكن جهالته نفسه ليس هناك جهالة والظاهر إن هذا أيضاً يرجع فيه إلى العرف والعرف أنه إذا لم يطل المجلس فالناس يتساهلون فيه أما لو طال المجلس مثل بقيا نصف يوم في مكان واحد وقد جعلا الخيار ثلاثة أيام فإذا قلنا ابتدائه من العقد كم فيبقى لهما يومين ونصف وإذا قلنا من التفرق يبقى لهما ثلاثة أيام فنحن في مثل هذا نقول إذا كانت المدة قليلة فالأمر في هذا واسع أما إذا كانت طويلة يعني أنهما يعلمان أنه سوف يطول جلوسهما فلابد أن يذكرا ابتداء مدة الخيار. فصل القارئ: فإن شرطا خياراً مجهولاً لم يصح لأنها مدة ملحقة بالعقد فلم يصح مجهوله كالتأجيل وهل يفسد العقد به على روايتين وعنه أنه يصح مجهولاً لقوله عليه السلام (المسلمون على شروطهم) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. الشيخ: الصواب أنه لا يصح مجهولاً والحديث لا يدل عليه لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) له تتمة (إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) والآجال المجهولة محرمة لا يجوز اشتراطها كما في السلم (إلى أجل معلوم)، فالصواب أنه لا يصح مجهولاً ثم الصواب أن الاستدلال بهذا الحديث غلط وكل ما جاء مطلقاً من الكتاب والسنة فإنه يحمل على المقيد لأن الشرع واحد فيحمل مطلقه على مقيده وعامه على تخصيصه. القارئ: فعلى هذا إن كان الخيار مطلقاً مثل أن يقول لك الخيار متى شئت أو إلى الأبد فهما على خيارهما أبداً أو يقطعاه. الشيخ: يعني إلا أن يقطعاه لكن إلى متى لو قال لك الخيار أبداً أو لك الخيار متى شئت فهذا مشكل وحتى الموت إذا قلنا إن خيار الشرط يورث فهو كذلك مشكل فيتسلسل إلى أن تقوم الساعة فالصواب أنه لا يصح لأن هذا النزاع فيه والخصومة ظاهرة.

القارئ: وإن قال إلى أن يقدم زيد أو ينزل المطر ثبت الخيار إلى زمن اشتراطه أو يقطعاه قبله وإن شرطاه إلى الحصاد أو الجذاذ ففيه روايتان أحدهما هو مجهول لأن زمن ذلك يختلف فيكون كقدوم زيد والثانية يصح لأن مدة الحصاد تتقارب في العادة في البلد الواحد فعفي عن الاختلاف فيه. الشيخ: أما إذا شرطه إلى أن يقدم زيد وقدوم زيد ليس له زمن معتاد فيمكن أن يقدم بعد سنة أو سنتين أو بعد يوم أو يومين فهنا لا يصح للجهالة وإن كان قدوم زيد له زمن معتاد كما لو علمنا أن زيداً كان يأتي في الصيف لهذا البلد وفي الشتاء للبلد الثاني فقلت إلى قدوم زيد فهذا معناه إلى مجيء وقت الصيف وهذا صحيح وأما إذا كان لا يعلم فلا يصح كذلك أيضاً إذا قال حتى ينزل المطر ونحن نعلم في الغالب أن المطر ينزل في الوقت الفلاني مثلاً هذا قريب لكن جهالته أعظم من جهالة المسألة الأولى لأنه أحياناً لا ينزل المطر في كل العام أما الحصاد أو الجذاذ يقول (ففيه روايتان) والصحيح أنه جائز لأن الحصاد والجذاذ كما قال المؤلف زمنه متقارب ولو اختلف عشرة أيام أو عشرين يوم لا يضر فلذلك الصحيح أنه يصح. فصل القارئ: فإن شرط خياراً مجهولاً لم يصح لأنها مدة ملحقة بالعقد فلم يصح مجهوله كالتأجيل وهل يفسد العقد به على روايتين وعنه أنه يصح مجهولا لقوله عليه السلام المؤمنون عند شروطهم لقوله عليه السلام (المسلمون على شروطهم) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح فعلى هذا إن كان الخيار مطلقا مثل أن يقول لك الخيار متى شئت أو إلى الأبد فهما على خيارهما أبداً أو يقطعاه وإن قال إلى أن يقدم زيد أو ينزل المطر ثبت الخيار إلى زمن اشتراطه أو يقطعاه قبله وإن شرطاه إلى الحصاد أو الجذاذ ففيه روايتان أحدهما هو مجهول لأن زمن ذلك يختلف فيكون كقدوم زيد والثانية يصح لأن مدة الحصاد تتقارب في العادة في البلد الواحد فعفي عن الاختلاف فيه.

الشيخ: الصحيح في هذا أن الشرط المجهول لا يصح وقوله عليه الصلاة والسلام (المسلمون على شروطهم) هذا المطلق يقيد بأن لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً ولا شك أن المجهول يؤدي إلى النزاع والعداوة والبغضاء لكن لو قال لك الخيار إلى أمد أقصاه دخول شهر رمضان يعني وجعله مفتوحاً فهذا لا بأس به لأن حقيقة الأمر أنه معلوم وكذلك إذا قال إلى أن يقدم زيد وكان له عادة في القدوم كإنسان معروف أنه يبقى في بلد ستة أشهر وفي بلد آخر ستة أشهر فهذا جائز لأنه معلوم وكذلك إذا قال إلى الحصاد أو الجذاذ لأن مدته معلومة والخلاف فيه متقارب وحينئذ يأخذ بالوسط يعني لا بأول الحصاد ولا بآخر الحصاد. القارئ: وإن شرطه إلى العطاء يريد وقت العطاء صح لأنه معلوم وإن أراد نفس العطاء فهو مجهول لأنه يتقدم ويتأخر وإن شرط الخيار شهراً يوما يثبت ويوماً لا ففيه وجهان أحدهما يثبت في اليوم الأول لأنه معلوم يلي العقد ويبطل فيما بعده لأنه إذا لزم لم يعد إلى الجواز ويحتمل أن يبطل الشرط كله لأنه شرط واحد فإذا فسد في البعض فسد في الكل. الشيخ: ويحتمل وجهاً ثالثاً وهو أن يقال إذا كان اليوم الذي يثبت فيه الخيار هو اليوم الذي يلي العقد فلا بأس يعني يصح في اليوم الأول وإن كان غير معين فإنه لا يصح لأنه قد يكون اليوم الأول ليس فيه خيار وصورة المسألة أن يقول بعتك هذا ولي الخيار عشرة ريال يوم يثبت ويوم لا يثبت فهذا لا يصح لأنه إذا ثبت في اليوم الأول ثم جاء الثاني ولم يثبت معناه أنقطع الخيار فلا يعود مرة ثانية لكن هل يبطل من أصله أو يبطل فيما عدا اليوم الأول؟ ذكر فيه الخلاف ولكننا نقول إنه يصح إذا جعل اليوم الأول هو الذي يثبت به الخيار. فصل

القارئ: ولمن له خيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه لأنه عقد جعل إلى اختياره فجاز مع غيبة صاحبه وسخطه كالطلاق ومتى انقضت مدته قبل الفسخ لزم العقد على كل حال لأنها مدة ملحقة بالعقد فبطلت بانتهائها كالأجل ويبطل الخيار بالتخاير كما يبطل خيار المجلس به ولو ألحقا بالعقد خياراً بعد لزومه لم يحلقه لأنه عقد لازم فلم يصر جائزاً بقولهما كالنكاح وإن فعلا ذلك في مدة الخيار جاز لأنه جائز فجاز إبقاؤه على جوازه. الشيخ: قوله (ويبطل الخيار بالتخاير) يعني إذا خَيَّرَ أحدهما الآخر بطل خياره كخيار المجلس وقوله (ولو ألحقا بالعقد خياراً بعد لزومه لم يلحقه) أي لو أنهما بعد أن تفرقا رجع أحدهما إلى الآخر وقال اجعل لي الخيار مدة يومين أو ثلاثة فألحقاه بالعقد المؤلف يقول لا يصح لأن العقد وقع لازماً فلا يكون جائزاً بفعلهما إذ أنهما ليس لهما أن يغيرا الحكم الشرعي ويحتمل أن يقال إنه يصح لأن لزوم العقد إنما هو باختيارهما ولهذا لو جعلا خياراً في أثناء العقد جاز أما إذا فعلا ذلك في مدة الخيار فلا بأس مثل أن يقول لي الخيار لمدة يومين وفي اليوم الثاني قبل تمامه جاء وقال أحب أن نزيد في مدة الخيار إلى يومين آخرين فهذا لا بأس به لأن العقد الأول مازال على اختياره يعني لم يلزم بعد فجاز زيادة الخيار فيه وكما قلنا لكم إن الذي يظهر أنهما إذا اتفقا ولو بعد التفرق ولو بعد لزوم البيع على أن يكون الأمر خياراً لمدة يومين أو ثلاثة فلا بأس لأن الحق لهما. فصل القارئ: وينتقل الملك إلى المشتري في بيع الخيار بنفس العقد وعنه لا ينتقل إلا بعد انقضائه لأنه عقد قاصر لا يفيد التصرف فلم ينقل الملك كالهبة قبل القبض والأول ظاهر المذهب لأن البيع سبب لنقل الملك فنقل عقيبه كالمطلق ولأنه تمليك فأشبه المطلق وليس منع التصرف لقصور السبب بل لتعلق حق البائع بالمبيع.

الشيخ: قوله (بل لتعلق حق البائع بالمبيع) هذا فيه نظر لأن الحق في الخيار للبائع وللمشتري والصواب أن الخيار إنما شرع من أجل الفسحة للبائع وللمشتري أن يفسخا العقد لأنه إذا وجب العقد لا يمكن أن يفسخاه ولكن من رحمة الله تعالى أن جعل لهما حقاً في تنفيذ الخيار فهو في الحقيقة لمصلحة الطرفين وليت أن المؤلف رحمه الله استدل بالحديث بدلاً عن هذه التعاليل التي قد تكون مسلمة وقد تكون غير مسلمة لو قال لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً له مال فماله للذي باعه ما لم يشترط المبتاع) فإن هذا يدل على أن العبد يكون للمشتري لأن قوله (فماله للذي باعه) أي وأما هو فللمشتري ومعلوم أن البيع ينعقد بصورة الإيجاب والقبول فهذا الحديث أوضح من تعليله رحمه الله وهو أن يقال الملك ينتقل إلى المشتري بمجرد تمام العقد ولو في زمن الخيار والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً له مال فماله للذي باعه) يعني وأما العبد فهو للمشتري وهذا نص صريح أو كالصريح في انتقال ملك السلعة إلى المشتري بمجرد العقد. القارئ: وما يحصل من غلة المبيع في مدة الخيار. الشيخ: هذا مفرع على ما سبق في انتقال الملك هل ينتقل بمجرد العقد أو بانتهاء مدة الخيار؟ القارئ: وما يحصل من غلة المبيع في مدة الخيار أو نمائه المنفصل فهو للمشتري سواء فسخا العقد أو أمضياه لأنه نماء ملكه الداخل في ضمانه فيدخل في قوله عليه السلام (الخراج بالضمان) وعلى الرواية الأخرى هو للبائع والحكم في ضامنه كالحكم في ضمان المبيع المطلق.

الشيخ: النماء قد يقول قائل هل يمكن أن يكون نماء بين عقد البيع وانتهاء الخيار؟ فالجواب يقال نعم خصوصاً إذا كان الخيار خيار شرط قد يشترط المشتري أو البائع الخيار لمدة أسبوع وفي هذا الأسبوع قد يكون هذا البيت في مكان رفيع الأجرة يعني أجرته في اليوم مائة ريال فيكون النماء أو الكسب سبعمائة ريال وهذه مهمة وكذلك النماء مثل ما يحصل من لبن أو صوف أو ما أشبه ذلك في هذه المدة وعلى كل حال إن قلنا إن الملك ينتقل بالعقد فما حدث من نماء أو كسب بعد العقد فهو للمشتري وعلى القول بأنه لا ينتقل إلا بانتهاء مدة الخيار نقول ما حصل من نماء أو كسب بين العقد وانتهاء مدة الخيار يكون للبائع والصحيح أنه للمشتري والحديث كما علمنا واضح بأنه للمشتري. فصل القارئ: وليس لواحد من المتبايعين التصرف في المبيع في مدة الخيار لأنه ليس بملك للبائع فيتصرف فيه ولا انقطعت عنه علاقته فيتصرف فيه المشتري. الشيخ: إذن البائع لا يتصرف فيه مثاله باع عليه سيارة ومدة الخيار أسبوع البائع لا يمكن أن يتصرف في السيارة لا بتأجير ولا ببيع ولا برهن ولا بغير ذلك لأننا إن قلنا إن الملك ينتقل بمجرد العقد فالسيارة ليست ملكاً له وإن قلنا لا ينتقل إلا بتمام الخيار فلأنه تعلق بها حق المشتري وكذلك أيضاً المشتري لا يتصرف لأننا إن قلنا بعدم انتقال الملك إليه فالمبيع ليس ملكاً له وإن قلنا بانتقاله فقد تعلق به حق البائع فلا يتصرف أحدهما في هذا المبيع بل يبقى معطلاً لا يتصرف فيه ولكن قد يقول قائل إن إبقائه معطلاً فيه إضاعة للمال المنهي عنه وعلى هذا ينبغي أن يقال إنه يستغل في مدة الخيار ويكون الكسب لمن له الملك إن قلنا الملك للبائع حتى يتم مدة الخيار فهو له وإن قلنا للمشتري فهو له أما بقائه معطلاً لا سيما في أشياء يفوت بها مال كثير إذا عطلت فهذا إضاعة للمال. القارئ: فإن تصرفا بغير العتق لم ينفذ تصرفهما لذلك.

الشيخ: قوله (بغير العتق) سيأتينا إن شاء الله التفصيل فيه لكن الصواب أن العتق كغيره وأنه إذا منع التصرف في غير العتق منع في العتق من باب أولى لأن العتق يقع عبادة وإذا قلنا إن التصرف حرام فهل يمكن أن يتقرب إلى الله بما حرمه الله؟ لا يمكن فالصواب أن جميع التصرفات على قاعدة المذهب لا تجوز ولا تصح. القارئ: وعنه في تصرف المشتري أنه موقوف إن فسخ البائع بطل وإن لم يفسخ صح لعدم المبطل له ذكرها ابن أبي موسى. الشيخ: هذا قول وجيه أن المشتري إذا باعه مثلاً فإننا نقف يعني بمعنى أننا نصحح العقد لكن لا نمكن المشتري من استلامه ولا من تصرفه حتى ينتهي الخيار ثم إن بقي البائع لم يفسخ فالتصرف صحيح وإن فسخ فالحق له. القارئ: وإن كان الخيار للمشتري وحده صح لذلك وإن أعتق المشتري العبد عتق لأنه عتق من مالك تام الملك جائز التصرف فنفذ كما بعد المدة فإن قلنا الملك للبائع نفذ عتقه ولا ينفذ عتق من لا ملك له لأنه عتق من غير مالك فأشبه الأجنبي. الشيخ: قوله (إن أعتق المشتري العبد عتق لأنه عتق من مالك تام الملك جائز التصرف فنفذ كما بعد المدة) هذا إذا كان الخيار للمشتري وحده فهنا لا شك أنه إذا أعتق العبد نفذ لأنه لا منازع له ولا حق للبائع فيه وعتقه إياه يدل على أنه أختار إمضاء البيع وقوله (فإن قلنا الملك للبائع نفذ عتقه) يعني على الرواية الثانية أن الملك للبائع فإذا كان الملك له نفذ عتقه وقوله (ولا ينفذ عتق من لا ملك له) يعني هذا إن قلنا أنه لا ملك للمشتري في مدة الخيار لم ينفذ وإن قلنا لا ملك للبائع لم ينفذ وعلى هذا فينفذ من قلنا إن الملك له لكن الصحيح أنه إذا كان الخيار للطرفين فإنه لا ينفذ عتق المشتري ولو كان مالكاً لتعلق حق البائع فهو كالمرهون كما أن المرهون لا يصح أن يعتقه فكذلك هذا الذي فيه الخيار.

القارئ: وفي الوقف وجهان أحدهما هو كالعتق لأنه تصرف يبطل الشفعة والصحيح أنه لا ينفذ لأنه لا يبنى على التغليب ولا يسري إلى ملك الغير أشبه البيع. الشيخ: قوله (لأنه لا ينبني على التغليب ولا يسري) احترازاً من العتق لأن العتق مبني على التغليب وأيضاً يسري إلى ملك الغير فإن الرجل لو كان له عبد مشترك بينه وبين آخر ثم أعتق نصيبه سرى العتق إلى نصيب الآخر وضمن قيمته لصاحبه ولكن الصحيح أنه لا ينفذ عتق فيما إذا كان الخيار لهما جميعاً أو كان الخيار للبائع وحده ولو قلنا بانتقال الملك إلى لمشتري والخلاصة أنه إذا كان هناك خيار شرط فالملك على القول الراجح للمشتري والتصرف حرام على البائع وعلى المشتري أما البائع فلأنه تصرف في غير ملكه وأما المشتري فلأنه تصرف يوجب بطلان حق صاحبه وهذا إذا كان الخيار لهما أو للبيع أما إذا كان الخيار للمشتري فإنه ينفذ تصرفه وتصرفه يعتبر إمضاءً للبيع. فصل القارئ: فإن وطيء المشتري الجارية فلا حد عليه ولا مهر فإن ولدت منه فالولد حر ولا تلزمه قيمته وتصير أم ولد لأنه وطئ مملوكته وإن وطئ البائع فعليه المهر لأنه وطءٌ في غير ملك وإن علم التحريم فولده رقيق لأنه لا يلحقه نسبه كما لو وطيء بعد المدة وإن جهل التحريم فلا حد عليه وولده أحرار وعليه قيمتهم يوم الولادة لأنه يعتقد أنه يحبلها في ملكه فأشبه المغرور من أمة ولا تصير أم ولد بحال. الشيخ: استفدنا من قوله (وإن جهل التحريم فلا حد عليه) أنه لا يجب الحد إلا على عالم بالتحريم فلو فرض أن رجلاً أسلم حديثاً ولم يدرِ أن الزنا حرام وزنى بامرأة فلا حد عليه لأنه غير عالم فإن علم بالحكم ولم يعلم بالحد فعليه الحد لأنه لا يعذر بجهل العقوبة.

القارئ: قال بعض أصحابنا وعليه الحد إن علم التحريم وأن البيع لا ينفسخ به وذكر أن أحمد نص عليه لأن وطأه لم يصادف ملكا ولا شبهة ملك والصحيح أنه لا حد عليه لأن أهل العلم اختلفوا في ملكه لها وحل وطئها وهذه شبهة يدرأ الحد بها ولأن ملكه يحصل بوطئه فيحصل تمام وطئه في ملكه فلا يجب الحد به وإن قلنا بالرواية الأخرى انعكست هذه الأحكام. الشيخ: الرواية الأخرى أن الملك للبائع. فصل القارئ: وطء البائع فسخ للبيع لأنه دليل على الاسترجاع فأشبه من أسلم على أكثر من أربع فوطئ إحداهن كان اختياراً لها ووطء المشتري رضى بالمبيع وإبطال لخياره لذلك وسائر التصرفات المختصة بالملك كالعتق والكتابة والبيع والوقف والهبة والمباشرة واللمس لشهوة وركوب الدابة لسفر أو حاجة والحمل عليها وشرب لبنها وسكنى الدار وحصاد الزرع ونحوه إن وجد من المشتري بطل خياره. الشيخ: الأمثلة اتي ذكرها المؤلف في بعضها نظر لكن القاعدة أن كل تصرف يدل على الاختيار فإنه يبطل الخيار وشرب اللبن لا يدل على الاختيار لأن المشتري إذا اشترى شاة واشترط الخيار لمدة ثمانية أيام أو عشرة أيام فلابد أن يشرب لبنها لأنه إنما جعل الخيار لينظر في هذا اللبن هل هو كثير أو قليل وهل هي تدر بسرعة أو لا وعلى كل حال هذه الأمثلة قد ينازع في بعضها ولكن القاعدة العامة هي كل تصرف يدل على الاختيار فهو فسخ للخيار.

القارئ: لأنه يبطل بالتصريح بالرضى فبطل بدلالته كخيار المعتقة يبطل بتمكينها زوجها من وطئها وإن تصرف البائع بذلك ففيه وجهان أحدهما هو فسخ للبيع لذلك والآخر لا يكون فسخا لأن الملك انتقل عنه فلم يكن تصرفه استرجاعاً كمن وجد ماله عند مفلس فتصرف فيه وقال أبو الخطاب هل يكون تصرف البائع فسخاً للبيع وتصرف المشتري رضىً بالبيع وفسخاً لخياره على وجهين وأما ركوب المشتري الدابة لينظر سيرها وطحنه على الرحى ليختبرها فلا يبطل الخيار لأن الاختبار هو المقصود بالخيار وإن أستخدم العبد ليختبره لم يبطل خياره لذلك وإن أستخدمه لغير ذلك ففيه روايتان إحداهما يبطل خياره لأنه تصرف منه أشبه الركوب للدابة والثانية لا يبطل لأنه لا يختص الملك أشبه النظر وإن قبلت الجارية المشتري لشهوة لم يبطل خياره لأنها قبلة لأحد المتابيعين فلم يبطل خياره كقبلتها للبائع ولأنا لو أبطلنا خياره بهذا أبطلناه من غير رضاه بالمبيع ولا دلالة عليه ويحتمل أن يبطل خياره إذا لم يمنعها لأن إقراره عليه رضى به. الشيخ: وهذا أقرب أنه إذا رضي بذلك وأقرَّها فهذا لا شك يدل على أنه أختارها وإلا لمنعها. فصل القارئ: وإن أعتق المشتري الجارية أو استولدها أو أتلف المبيع أو تلف في يده لم يبطل خيار البائع لأنه لم يوجد منه رضى بإبطاله وله أن يفسخ ويرجع ببدل المبيع وهو مثله إن كان مثليا وإلا قيمته يوم أتلفه وعنه أن خياره يبطل بذلك اختارها الخرقي لأنه خيار فسخ فبطل بتلف المبيع كخيار الرد بالعيب. فصل القارئ: وإن مات أحد المتبايعين بطل خياره ولم يثبت لورثته لأنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة ويتخرج أن يورث قياساً على الأجل في الثمن.

الشيخ: هذا هو الصحيح أنه إذا مات في خيار الشرط فإنه يورث أما إذا مات في خيار المجلس فإنه لا يورث لأنه بطل بالتفرق فإن الموت أعظم تفرق فالتفصيل هذا هو الصواب أن خيار الشرط مورث وخيار المجلس لا يورث والفرق ظاهر لأن خيار المجلس يبطل بتفرقهما ولا فرقة أعظم من الموت وأما خيار الشرط فليس معلق بذاتيهما بل هو حق من حقوق الملك أو المالك فيثبت ورثته من بعده. القارئ: وإن جن أو أغمي عليه قام وليه مقامه لأنه قد تعذر منه الاختيار مع بقاء ملكه وإن خرس فلم تفهم إشارته فهو كالمجنون وإن فهمت إشارته قامت مقام لفظه وإن مات في خيار المجلس بطل خياره وفي خيار صاحبه وجهان أحدهما يبطل لأن الموت أعظم التفرق والثاني لا يبطل لأن الفرقة بالأبدان لم تحصل. الشيخ: الصواب الأول أنه يبطل خياره وخيار صاحبه. السائل: الرجوع في الهبة إذا مات الواهب قبل أن يقبض الموهوب الهبة هل على الورثة أن يسلمونه الهبة؟ الشيخ: إذا مات الواهب قبل أن يقبض الموهوب الهبة بطلت الهبة. السائل: إذا علم الإنسان بأن شيئاً ما منهي عنه لكنه لا يعلم تحريمه أو كراهته فقط فهل يرتب عليه ما رُتِّب عليه شرعاً؟

باب الربا

الشيخ: أما إن وصلت إليَّ فأُرتِّب عليه لأني أرى أن مجرد مخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام حتى في الأمر المكروه غلط وأنا قلت هذا مراراً قلت ليس من الأدب مع الله رسوله إذا أمر الله بشيء أن تقول هل هو للوجوب أو الاستحباب؟ أو أمر الرسول بشيء تقول هل هو للوجوب أو الاستحباب؟ أو نهى الله ورسوله عن شيء تقول هل هو للكراهة أوالتحريم؟ هل كان الصحابة يقولون هذا؟ هل كانوا إذا أمر الرسول يقولون يا رسول الله أنت عازم أولست بعازم؟ ما كانوا يقولون هذا لكن قلت نعم عند وقوع الشيء أي عند وقوع المخالفة حينئذ ينظر الإنسان هل الأمر للوجوب أو للاستحباب هل النهي للكراهة أو للتحريم؟ وهذه المسألة مهمة جداً وتمام التعبد أنك إذا سمعت الله يأمرك تقول سمعنا وأطعنا ولا تقول هل الأمر للوجوب أو الاستحباب قل سمعنا وأطعنا وإذا كان الصحابة لما نزلت (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّه) شق عليهم ذلك وجاءوا يشكون الأمر إلى الرسول قال لهم قولوا سمعنا وأطعنا فكيف إذا جاء أمر صريح نهي صريح وعلى كل حال إذا رفعت إليَّ وقال أنا أدري أن الرسول نهى عنها لكن ما أدري هل هو للكراهة أو للتحريم أنا أرى أني أقيم عليه الحد اللهم إلا أن يكون قتلاً فهنا قد يتوقف الإنسان. باب الربا القارئ: الربا محرم لقول الله تعالى (وَحَرَّمَ الرِّبا) وما بعدها من الآيات وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه) متفق عليه.

الشيخ: العيب في بعض الفقهاء ومنهم المؤلف أنهم يعبرون بصيغة التمريض عن الحديث الصحيح الذي لا إشكال فيه فهنا يقول (وروي) ثم يقول (متفق عليه) هذا لا يستقيم وهذا مما عيب على الفقهاء رحمهم الله وليس هذا محل شك حتى نقول الفقيه ليس عنده علم بالحديث يعني يبلغ درجة المحدثين فيعذر إذا قال وروي في حديث لا يدري عن درجته أما وهو يدري عن درجته فيقول روي ثم يقول متفق عليه فهذا لا شك عيب كبير واقتصاره على أن الربا محرم أيضاً فيه نظر بل ينبغي أن يقول وهو من كبائر الذنوب بل من موبقات الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اجتنبوا السبع الموبقات) وذكر منها أكل الربا فهو في الحقيقة من أكابر الذنوب حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله إنه لم يرد في ذنب دون الشرك من العقوبة مثلما ورد في أكل الربا ولهذا كان يشدد رحمه الله في سد الذرائع الموصلة إلى الربا حتى إنه كان يحرم تحريماً باتّا مسألة التورق التي أختلف فيها الفقهاء وقال عنه تلميذه ابن القيم كان يراجع في ذلك

أحياناً ولكنه يأبى أن يقول إلا أنها حرام وعلى كل حال الربا من كبائر الذنوب ولا شك أن آكل الربا والعياذ بالله مشبه لليهود الذين كانوا يأكلونه وأنه فعل ما يبعد إجابة دعائه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين ذكر (الرجل يطيل السفر أشعت أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه وحرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنا استجاب لذلك) وآكل الربا مريض كمريض السرطان يعني إذا عوَّد نفسه أكل الربا لا يمكن أن يقلع عنه يصاب بمرض حتى لو تبين له التجارة المباحة الرابحة اختار باب الربا لأنه مرض والعياذ بالله وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الذي يأكل الحرام مثل الذي يأكل ولا يشبع والذي يأكل ولا يشبع ما يستفيد من أكله يكون دائماً نهماً يطلب الأكل وقوله عليه الصلاة والسلام (لعن الله آكل الربا) يحتمل أن يكون خبراً محضاً ويحتمل أن يكون خبراً بمعنى الدعاء وعلى كلٍّ فإنه يدل على أن الربا من كبائر الذنوب لأنه رتبت عليه اللعنة إما دعاءً وإما خبراً وهذا اللعن للعموم فلا يجوز أن نشهد على شخص معين يأكل الربا بأنه ملعون لأنه قد يكون له من الحسنات ما يمحو آثار الربا لكن نقول على سبيل العموم وهكذا يقال في كل نصوص الوعيد وكل نصوص الوعد أن تقال على التعميم لا على التعيين فمثلاً نحن نقول كل من وعمل صالحاً فله جنات المأوى نزلاً لكن هل نقول لشخص معين نراه مؤمناً يعمل الصالحات أنه من أهل الجنة؟ لا إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه مسألة يجب على طالب العلم أن ينتبه لها وآكل ربا واضح أنه انتفع به انتفعاً دنيوياً أما موكله فهو خسران كذلك وموكل الربا هو الذي يعطي الربا فهو خسران فكيف كان ملعوناً مساوياً لآكله كما جاء في آخر الحديث وقال (هم سواء) نقول لأن كونه يوكل الربا يدل على رضاه به وإعانته عليه ومن أعان على فعل فهو كفاعله و (شاهديه) لأن شاهدتهما أيضاً تدل على رضاهما به وعلى إثابته وكذلك يقال في

(الكاتب) لأنه إذا كتب الربا دل على رضاه به وعلى ثبوته بكتابته وهل يستفاد من هذا الحديث أن الكاتب لا يكون شاهداً لأنه قال (شاهديه وكاتبه)؟ الجواب لا يدل على هذا بل يدل على أن الإثبات يكون بشاهدين وكاتب ولكن يجوز أن يكون الكاتب أحد الشاهدين. القارئ: وهو على ضربين ربا الفضل وربا النسيئة. الشيخ: تكلمنا على الربا فيما سبق وقلنا إن الربا هو الزيادة ومنه قوله تبارك وتعالى (فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَت) أي علت وأما في الشرع فهو زيادة في أشياء يحرم فيها التفاضل وليس كل زيادة تسمى ربا في الشرع فلو بعت سيارة بسيارتين فهو جائز وإن كانت قيمة السيارتين أكثر لأن السيارات ليس فيها ربا. القارئ: وهو على ضربين ربا الفضل وربا النسيئة. الشيخ: والأصل هو ربا النسيئة وهو الأشد ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الربا في النسيئة) يعني الربا الأغلظ هو في النسيئة يعني بالتأخير أما ربا الفضل فهو وسيلة ولذلك صار فيه خلاف في العصر الأول ولكن الحمد الله أستقر الإجماع على تحريم ربا الفضل وربا النسيئة. القارئ: والأعيان المنصوص على الربا فيها ستة مذكورة في حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الذهب بالذهب مثلاً بمثل والفضة بالفضة مثلاً بالمثل والتمر بالتمر مثلاً بمثل والبر بالبر مثلاً بمثل والشعير بالشعير مثلاً بمثل والملح بالملح مثلاً بمثل من زاد أو ازداد فقد أربى بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يداً بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد) رواه مسلم.

الشيخ: قوله عليه الصلاة والسلام (الذهب بالذهب مثلاً بمثل) ظاهره ولو اختلفا في المعيار كواحد وعشرين وأربعة وعشرين وذلك لأن الخلط الموجود في هذا الذهب خلط لإصلاحه كخلط الملح بالبر ونحوه والنبي عليه صلاة والسلام أطلق أن الذهب بالذهب مثلاً بمثل فإذا قال قائل لا يمكن لإنسان أن يبيع ذهباً بذهب وهو دونه في المعيار؟ قلنا بلا يمكن مثل أن يكون هذا الحلي أحسن في الصنعة من الحلي الآخر وأقل منه بالنسبة للمعيار فتكون زيادته في الصنعة مقابل لزيادته في المعيار وهما سواء وأيضاً هذا الخلط ليس خلطاً مقصوداً لذاته وإنما هو مقصود لإصلاح الذهب وتقويته لأن الذهب كما يقولون إذا لم يكن فيه الخلط من النحاس فإنه يكون ليناً لا يستقيم وكذلك يقال في الفضة وقوله (التمر بالتمر) أيضاً لا يزاد أحد الجزئين على الآخر ولو اختلفا في المنافع والمذاق والبقية خذها على هذا. القارئ: واختلفت الرواية في علة الربا ثلاث روايات. الشيخ: العبارة ركيكة ولعل الصواب (واختلفت الرواية في علة الربا على ثلاث روايات).

القارئ: واختلفت الرواية في علة الربا فيها على ثلاث روايات فأشهرن أن علته في الذهب والفضة الوزن والجنس وفي غيرهما الكيل والجنس لما روي عن عمار أنه قال العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين فما كان يداً بيد فلا بأس به إنما الربا في النساء إلا ما كيل أو وزن ولأنه لو كانت العلة الطعم لجرى الربا في الماء لأنه مطعوم قال الله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) فعلى هذا يحرم التفاضل في كل مكيل أو موزون من جنس سواء كان مطعوماً كالقطنيات أو غير مطعوم كالإشنان والحديد ويجري الربا فيما كان جنسه مكيلاً أو موزونا وإن تعذر الكيل فيه أو الوزن إما لقلته كالتمرة والقبضة وإما دون الأرزة من الذهب والفضة وإما لعظمه كالزبرة العظيمة وإما للعادة كلحم الطير لأنه من جنس فيه الربا فجرى فيه الربا كالزبرة العظيمة وما نسج من القطن والكتان لا ربا فيه نص عليه لحديث عمار وما عمل من الحديد ونحوه إن كان يقصد وزنه جرى فيه الربا لأنه تقصد زنته فجرى فيه الربا كلحم الطير ومالا تقصد زنته لا يجري فيه الربا كالثياب. الشيخ: هذه الرواية هي المذهب أن العلة في الذهب والفضة الجنس والوزن والعلة في غيرهما الكيل وعلى هذا فيجري الربا في كل مكيل سواء كان يؤكل أو لا يؤكل ويجري الربا في كل موزون سواء كان ذهب أو فضة لكن كوننا نقول الوزن والجنس فيه نوع من التناقض إذا قلنا يجري الربا في الحديد والرصاص والصفر وما أشبه ذلك لأن هذه جنسه ليس ذهباً ولا فضة فلو قيل الوزن فقط لكان التعميم ممكناً هذا المذهب لكن ما المرجع في الوزن والكيل يعني ما مرجع كون هذا الشيء موزوناً وكون هذا الشيء مكيلاً سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر البحث.

القارئ: والرواية الثانية العلة في الذهب والفضة الثمنية غالبا وفيما عداهما كونه مطعوم جنس لما روى معمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام إلا مثلاً بمثل رواه مسلم ولأنه لو كان الوزن علة لم يجز إسلام النقد في الموزونات لأن اجتماع المالين في أحد وصفي علة ربا الفضل يمنع النساء بدليل إسلام المكيل في المكيل فعلى هذه الرواية يحرم التفاضل في كل مطعوم بيع بجنسه من الأقوات والأدام والفواكه والأدوية والأدهان المطيبة وغيرها وإن لم يكن مكيلاً ولا موزونا كالبطيخ والرمان والبيض ونحوها.

الشيخ: هذه الرواية يقول المؤلف (العلة في الذهب والفضة الثمنية) لكنه قيدها بقوله (غالبا) لأننا لو قلنا الثمنية فقط لانتقض علينا بالحلي فإن الحلي من الذهب والفضة يجري فيه الربا كما في حديث فضالة بن عبيد حين أشترى قلادة فيها ذهب وخرز بثني عشر ديناراً فلما فصلها وجد فيها أكثر من أثني عشر ديناراً فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع حتى تفصل ولهذا قال غالبا وأما غير الغالب فنقول الذهب والفضة يجري فيه الربا بكل حال سواء كان ثمناً أم لم يكن أما غير الذهب والفضة إذا كان ثمناً جرى فيه الربا وبناءاً على ذلك يجري الربا في الفلوس لأنها ثمن وفي الأوراق النقدية لأنها ثمن والقول الثاني في المسألة هذه أنه لا ربا في الفلوس ولا في الأوراق النقدية لكن هذا ليس عليه عمل ولا ينبغي أن يكون عليه عمل لأننا إذا قلنا بذلك أجزنا البنوك لأنهم الآن يتعاملون بالأوراق النقدية فإذا قلنا لا ربا فيها صار عملهم حلالاً طيباً والصواب أن العلة الثمنية غالباً إلا في الذهب والفضة لأن الذهب والفضة يجري فيه الربا بكل حال وماعداهما يقول المؤلف (كونه مطعوم الجنس) فعليه يجري الربا في كل مطعوم سواء كان يكال أو لا أو يوزن أو لا أو يقتات أو لا بل حتى بين التفاحتين يجري الربا أما بين التفاحة وبرتقالة فلا يجري الربا مع أنها مطعومات لكنها ليست مطعوم من جنس واحد فهذه من جنس وهذه من جنس وقوله (لو كان الوزن علة لم يجز إسلام النقد في الموزونات) نقول إن أصحاب القول الأول انفصلوا عن هذا الإيراد وقالوا أنه يستثنى من ذلك النقدان فإنه يجوز إسلامهما في الموزون والمكيل واستدلوا لهذا بحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم).

القارئ: والرواية الثالثة العلة كونه مطعوم جنس مكيلاً أو موزونا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام إلا مثلاً بمثل والمماثلة المعتبرة هي المماثلة في الكيل والوزن فدل على أنه لا يحرم إلا في مطعوم يكال أو يوزن ولا يحرم فيما لا يطعم كالإشنان والحديد ولا فيما لا يكال كالبطيخ والرمان.

الشيخ: هذه الرواية أقرب الروايات لأنك إذا تأملت البر والتمر والشعير وجد أنها مكيلة وفي نفس الوقت مطعومة ففيها الكيل والطعم بل فيها زائد على ذلك وهو القوت أنها قوت تقتات وتدخر والواجب ألا نلحق بهذه المذكورات المعينة في الحديث إلا ما كان مطابقاً لها تماماً لأن الأصل الحل أحل الله البيع فكل بيع فهو حلال إلا ما دلت النصوص على تحريمه ونحن لا نجزم بأن كل مكيل ففيه ربا أو كل موزون فيه ربا لا نجزم بهذا وعلى هذا فيجب أن نعتني بتحقيق المناط في مسألة الأعيان المعينة في الحديث وأن نلحق بها ما كان يماثلها تماماً فالبر والتمر والشعير كلها في الحقيقة أقوات وكلها مدخرة وكلها مكيلة فيبقى عندنا الملح والملح يقول شيخ الإسلام إنه مما يصلح به الطعام فالناس مضطرون إليه وطعام بلا ملح لا ذوق له ولا شهية له فلما كان الطعام محتاجاً إليه ولابد منه أجري مجرى الطعام وأما الذهب والفضة فالعلة كونهما ذهب وفضة بدليل جريان الربا في الحلي لكن هناك أيضاً ما يدل على أن العلة الأخرى مقصودة وهي الثمنية لأنها في الواقع أي الذهب الفضة هي أثمان الأعيان فالناس تقول بعني الدار بمائة جنيه يعني بمائة دينار أو بعني البعير بعشرة دراهم أو بدينار مثلاً فهي قيم الأشياء فالثمنية فيها واضحة ومعلوم أنها إذا كانت قيم الأشياء صارت محلاً لتلاعب التجار واستعمال الربا فيها فالظاهر أن نقول في مسألة الذهب والفضة العلة الثمنية كما قال المؤلف (غالباً) وما خرج عن الثمنية من الذهب والفضة فإن العلة فيه أنه ذهب وفضة وبعض العلماء يقول لا يقاس غيرها عليها إطلاقا وهؤلاء الظاهرية يقولون لا يمكن أن يحلق بهذه الأعيان الستة سواها لأن النبي عليه الصلاة والسلام أفصح الخلق وقد خص عليه الصلاة والسلام بأنه اختصر له الكلام وأعطي جوامع الكلم فلو كان ما ذكره هؤلاء القياسيون لكان الرسول يأتي بلفظ عام يريح الأمة من الخلاف والنزاع فلما عين هذه الأشياء وجب

أن تتعين والقياس عندهم كما هو معروف غير صحيح باطل ومن العلماء الفقهاء الذين يعتبرون القياس دليلاً شرعياً من قال يقتصر على هذه الستة كابن عقيل من فقهاء الحنابلة وعلل ذلك لأنه لما اختلفت الأمة في علة الربا وليس هناك نص فاصل وجب اطراحها لأن كل علة يحتمل أن تكون هي العلة أو تكون العلة غيرها فليست محل اتفاق وإذا لم تكن محل اتفاق فالواجب الاقتصار على النص وإلغاء العلل المظنونة التي قد تكون هي العلة في حكم الشرع وقد تكون غيرها فصار الآن امتناع إلحاق غير هذه الستة بها له وجهان الوجه الأول هو إبطال القياس أصلاً وهذا مذهب الظاهرية والثاني عدم اتفاق العلماء على علة معينة فإذا كانت العلل مختلفة بين العلماء فلتطرح هذه العلل. السائل: القول الذي اخترناه هل جمع بين الروايتين الثانية والثالثة أم الثالثة فقط؟

الشيخ: لا هو من الثانية والثالثة في الواقع وأنا أقول يجب أن نتدبر هذه الأعيان المنصوص عليها تدبراً تاماً حتى نحقق المناط هل إن الرسول حرم الربا في البر لأنه مطعوم أو لأنه مكيل أو لأنه جامع بين كونه مكيلاً ومطعوماً وقد يأتينا إنسان ثالث ويقول هناك علة ثالثة وهي أنه مدخر وقوت فألحقوا هذه العلة به وقولوا المكيل المطعوم القوت وكذلك الشعير فالشعير في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان قوتاً وهو أكثر استعمالاً فالمسألة فيها شيء من التأمل وأما الذهب والفضة فجاء في الحديث الذي لم يذكره المؤلف (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) وأُورد على هذا أنه مقتضى هذا الحديث أنك لو اشتريت صاعاً من البر بدرهم فلابد من التقابض؟ ولكن هذا ليس بواجب يعني أنه يجوز أن تشتري صاعاً من البر بدرهم وإن لم تقبض والدليل على هذا هو السلم في حديث ابن عباس كان الناس يعطون دراهم لثمار لم تأتي بعد يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) المسألة هذه ليست هينة بل خطيرة جداً لأن مرتكب الربا عليه الوعيد الشديد ولأننا أيضاً إذا ضيقنا على الناس وحرمنا عليهم ما لم يحرمه الله أصبح الأمر مشكل فهذا يحتاج إلى نظر عميق وتأمل وعسى الله أن يأتي بالفتح. السائل: اختلاف العيار في الذهب الآن بالموازين الدقيقة يمكن تحديد الفرق بالضبط ونسبة الذهب وما خلط به فهل يختلف الحكم الآن؟ الشيخ: هذا لا يضر لأن هذا كالملح في الطعام لا أثر له وهذا ظاهر السنة وظاهر كلام العلماء أنه لا فرق أما لو كان متميزاً بأن يكون هذا قد خلط فيه شيء متميز مثلاً شريط من النحاس أو شريط من الرصاص فهذا واضح. السائل: إذاً ما هو الضابط؟ الشيخ: الضابط ما سمي ذهباً فهو ذهب. السائل: الساعة إذا طليت بالذهب هل نقول إنها يجري فيها الربا؟

الشيخ: إذا طليت بشيء له جرم فإنها تمنع من أن تباع بذهب وإن كان ليس له جرم مجرد لون فلا بأس لأن هذا مجرد زينة. السائل: أثر عمار (العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين فما كان يداً بيد فلا بأس به) مع أن هذه الأصناف التي ذكرها ليست ربوية؟ الشيخ: نعم لكن هناك قول للعلماء أنه إذا بيع الشيء بالشيء نسيئة جرى فيه الربا ولو لم يكن ربوياً وسيأتي إن شاء الله الكلام عليه. السائل: من أراد أن يبيع الحلي وفيه أحجار كريمة هل نلزمه بأن ينزعها منها؟ الشيخ: لا بل يبيعه بغير الذهب وينتهي الإشكال أي يبيعه بالنقد أو يبيعه بسيارة أو يبيعه بجمل لأن المشكلة إذا بيعت بعضها ببعض إما إذا بيعت بشيء آخر فلا إشكال. فصل القارئ: وما يجري فيه الربا اعتبرت في المماثلة فيه في المكيل كيلا وفي الموزون وزنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب وزناً بوزن والفضة بالفضة وزن بالوزن والبر بالبر كيلاً بكيل والشعير بالشعير كيلاً بكيل) رواه الأثرم ولا يجوز بيع مكيل بنجسه وزنا ولا موزوناً كيلاً للخبر. الشيخ: لعله (ولا موزونٍ بجنس) وعلى كل حال المراد ولا موزون بجنسه كيلا هذا المراد. القارئ: ولأنه لا يلزم من تساويهما في أحد المعيارين التساوي في الآخر لتفاوتهما في الثقل والخفة. الشيخ: المكيل إذا بيع بجنسه لابد أن يكون البيع كيلاً والموزون لابد أن يكون وزناً لأنه يختلف قد يكون هذا البر دَجِناً ثقيلاً والآخر خفيفاً فيكون نصف الصاع من هذا الدِّجن الثقيل يوازن صاع من هذا فلا تحصل المماثلة وكذلك يقال في الموزون إذا بيع كيلاً. القارئ: ولا يجوز بيع بعضه ببعض جزافاً من الطرفين ولا من أحدهما. الشيخ: جزافاً يعني بلا كيل ولا وزن مثل قال أعطيك هذه الكومة وتعطيني فهذه الكومة هذا لا يجوز أو قال أعطيك صاعاً من هذا البر بهذه الكومة من البر أيضاً لا يجوز.

القارئ: لما روى جابر قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) رواه مسلم. الشيخ: الحديث (نهى عن بيع الصبرة) والصبرة هي الكومة من الطعام (لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) فُهم من الحديث (لا يعلم مكيلها) أنه لو علم مكيلها وباعها بمثل هذا الكيل فإنه لا بأس بذلك ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله لو باع صبرة من طعام بصبرة من طعام مثله ثم كيلتا فكانتا سواء فالبيع صحيح لأنه حصل المقصود فإذا علم إن هذه الكومة صاع من البر وأبدلناه بصاع من البر ونحن نعلم أن هذه كيلت قبل عشر دقائق مثلاً ولم تتغير ولم يأتها ما يرطبها فهذا لا بأس به لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يعلم مكيلها) ولو بعنا صبرتين إحداهما بالأخرى وكيلتا فكانتا سواء فالبيع صحيح. القارئ: ولأن المماثلة لا تعلم بدون الكيل من الطرفين فوجب ذلك ومالا يكال ولا يوزن يعتبر التمثال فيه بالوزن لأنه أحصر ومنه مالا يتأتى كيله. الشيخ: وما يوزن يعتبر بالوزن وعمل الناس الآن أنهم انتقلوا من الكيل إلى الوزن فصاروا يبيعون البر بالوزن ولا بأس إذا كانوا لا يبيعون بعضه بعض ولا بأس أن يبيعوه جزافاً أما إذا بيع بعضه ببعض فلابد من الكيل. فصل القارئ: والمرجع في الكيل والوزن إلى عادة أهل الحجاز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المكيال مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة) ومالا عرف له بالحجاز يعتبر بأشبه الأشياء به بالحجاز في أحد الوجهين لأن الحوادث ترد إلى أقرب الأشياء شبهاً بها وهو القياس والثاني ترد إلى عرفه في موضعه لأن مالا حد له في الشرع يرد إلى العرف كالقبض والحرز.

الشيخ: إذاً قال لنا قائل ما هو الضابط فيما يكال أو يوزن؟ نقول نرجع إلى عرف الحجاز في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فالكيل لأهل المدينة والوزن لأهل مكة وما ليس له عرف فالصحيح أنه يعتبر عرفه في موضعه فإن كان يوزن فموزون وإن كان يكال فمكيل لأن رده إلى أقرب شبهاً به في الحجاز فيه صعوبة وفيه أيضاً عدم ضبط قد يقول هذا مشابه وقد يقول الآخر غير مشابه فليرجع في ذلك إلى ما يتعارفه الناس بينهم. فصل القارئ: والجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسر سواء في جواز البيع متماثلا وتحرميه متفاضلا للخبر وفي بعض ألفاظه (الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها) رواه أبو داود وفي لفظ (جيدها ورديئها سواء). الشيخ: هذا صحيح التبر والمضروب التبر هو القطع من الذهب أو الفضة والمضروب هو الذي جعل دراهم أو دنانير كله سواء لابد أن يتساوى وقوله (الصحيح هو المكسور أو المكسر) الصحيح الدرهم التام والمكسر أجزاء الدرهم كالربع والنصف والثلث. فصل القارئ: ولا يحرم التفاضل إلا في الجنس والواحد للخبر والإجماع وكل شيئين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة فهما جنس كأنواع التمر وأنواع البر وإن اختلفا في الاسم من أصل الخلقة فهما جنسان كالستة المذكورة في الخبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الزيادة فيها إذا بيع منها شيء بما يوافقه في الاسم وأباحها إذا بيع بما يخالفه في الاسم فدل على أن ما اتفقا في الاسم جنس وما اختلفا فيه جنسان. الشيخ: ولهذا نقول الجنس متعدد بأنواعه والنوع متعدد بأفراده فمثلاً التمر جنس متعدد بأنواعه والسكري منه نوع لأنه متعدد بأفراده فالجنس اسم خاص يشمل أنواعا.

القارئ: وعنه أن البر والشعير جنس لأن معمر بن عبد الله قال لغلامه فيهما لا تأخذن إلا مثلاً بمثل (فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل) رواه مسلم والمذهب الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأعيان الستة (إذا اختلفت هذه الأصناف الستة فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم وقال (لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يداً بيد) رواه أبو داود وحديث معمر لابد فيه من إضمار الجنس الواحد. الشيخ: لا يحتاج أن يقول الجنس الواحد بل نقول عن بيع الطعام بالطعام هو عام لكنه مخصوص بما إذا كان من جنسه ويفسره حديث عبادة (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) وربما يقال لعل معمر لم يبلغه حديث عبادة وظن أن ما كان طعاماً فإنه يحرم فيه التفاضل سواء اتفق الجنس أم لم يتفق لكن المرجع هو السنة. فصل القارئ: والمتخذ من أموال الربا معتبر بأصله فما أصله جنس واحد فهو جنس واحد وإن اختلفت أسماؤه وما أصله أجناس فهو أجناس وإن اتفقت أسماؤه فدقيق الحنطة والشعير جنسان ودهن اللوز والجوز جنسان وزيت الزيتون والبطم جنسان وكذلك خل العنب وخل التمر وعنه أنهما جنس والأول أصح لأنهما فرعا أصلين مختلفين فكانا جنسين كالأدقة وفي اللحم ثلاث روايات إحداهن أنه كله جنس واحد لأنه أشترك في الاسم الواحد حال حدوث الربا

فيه فكان جنساً واحدا كالتمر والثانية أنه أربعة أجناس لحم الأنعام ولحم الوحش ولحم الطير ولحم دواب الماء لأنها تختلف منفعتها والقصد إلى أكلها فكانت أجناسا والثالثة أنها أجناس لأنها فروع أجناس فكانت أجناساً كالتمر الهندي والبرني وبهذا ينتقض دليل الرواية الأولى والثانية لا أصل لها فعلى هذه الراوية لحم بهيمة الأنعام كلها ثلاثة أجناس ولحم بقر الوحش والأهلية جنسان وكل ما انفرد باسم وصفة فهو جنس وقال ابن أبي موسى لا خلاف عن أحمد أن لحم الطير والسمك جنسان وفي الألبان من القول نحو مما في اللحم لأنها من الحيوانات يتفق أسمها فأشبهت اللحم. الشيخ: الصواب أن هذه أجناس باعتبار أصولها وعلى هذا فلحم الضأن والمعز جنس واحد لأن كلها غنم فهي جنس واحد أما لحم الضأن والبقر جنسان فيجوز أن أبيع رطلاً من لحم البقر برطلين من لحم الغنم أو بالعكس وهذا إذا قلنا بجريان الربا فيه أما إذا قلنا بعدم جريان الربا في اللحم فالمسألة واضحة يجوز التافضل بكل حال وسبق أن ذكرنا اختلاف العلماء رحمهم الله في علة الربا. السائل: ما هو القول المعتمد في هذه الأقيسة في علة الربا مثل اللحم وغيره مما ذكر لأننا لم نرجح شيئاً؟ الشيخ: هو ما رجحنا شيء لأنها ما نضجت عندي المسألة تماماً لأن عندهم كل موزون ففيه الربا واللحم عندهم موزون والحديد موزون والرصاص وما أشبه ذلك كلها موزونة لكن ما نضجت عندنا فإما أن نتبع الأصل ونقول الأصل في البيع الحل إلا ما قام الدليل على التحريم فليس هناك دليل قائم يغتنمه الإنسان. السائل: حتى لو قلنا بقول الظاهرية لكن ليس تباعاً للظاهرية بل لاضطراب العلل عند الجمهور؟

الشيخ: لا شك أن الرز والذرة والدخن وما أشبه ذلك تلحق بالبر فهذا الإنسان يطمئن إليه اطمئناناً تاماً لكن كوننا نلحق الأشنان بالبر هذا بعيد أو نلحق اللحم أيضاً لكن نعم لو فرض أنه قوت أناس يتقوتنه وييبسونه ويكون عندهم من جنس البر لقلنا بجريان الربا أما عندنا الآن اللحم ما يعتبر مثل هذا والظاهر لي أن اللحم ما فيه ربا إلا إذا جاء دليل عن الرسول عليه الصلاة والسلام بخصوص اللحم فمعلوم أن قول الرسول هو العمدة. فصل القارئ: واللحم والشحم والكبد والطحال والرئة والكلية والقلب والكرش أجناس لأنها مختلفة في الاسم والخلقة قال بعض أصحابنا الشحم والألية جنسان لذلك وقالوا اللحم الأبيض والأحمر الذي على الظهر والجنبين جنس لاتفقاهما في الدسم والقصد ويحتمل أن يكون الشحم الذي يذوب بالنار كله جنساً واحدا لاتفاقهما في اللون والصفة الذوب بالنار وقد قال الله تعالى (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا) فاستثناه من الشحم. الشيخ: معلوم أن الشحم يكون في الأيلاء ويكون على الظهر ويكون في البطن فهل يعتبر جنساً واحداً؟ كلام المؤلف يقول أنه ليس جنساً واحداً بل هو أجناس لكن الاحتمال الأخير الذي ذكره رحمه الله أقرب وهو أن الشحم كله جنس واحد. فصل القارئ: ولا يجوز بيع ما فيه ربا بعضه ببعض ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه كمد بُرٍّ ودرهم بمد ودرهم أو بمدين أو درهمين. الشيخ: هذان مع كل منهما من غير جنسه يعني مد بر بمدين أو درهمين كذلك وتسمى هذه عند الفقهاء مسألة مد عجوة ودرهم وفيها الرواية التي سيذكرها المؤلف. القارئ: وعنه ما يدل على الجواز إذا كان مع كل واحد منهما من غير جنسه أو كان المفرد أكثر ليكون الزائد في مقابلة غير الجنس والأول المذهب.

الشيخ: في هذه الرواية (وعنه ما يدل على الجواز إذا كان مع كل واحد منهما من غير جنسه) جعل لمقابلة غير الجنس في مقابلة الآخر مثلاً مد ودرهم بمد ودرهم يقول أجعل المد في مقابل الدرهم والدرهم في الطرف الثاني في مقابل المد ولا شك أن بيع المد بدرهم جائز سواء كان المد والدرهم الثمن أو المثمن أما الثاني إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره بحيث يكون الزائد في مقابل المصاحب، قال المؤلف (أو كان المفرد أكثر ليكون الزائد في مقابلة غير الجنس) مثاله مد ودرهم بمدين الرواية تقول أنه جائز لأننا نقول مد مقابل مد والمد الزائد مقابل الدرهم لكن بشرط أن يكون المد الثاني لا يساوي أقل من الدرهم أو أكثر لأنه إن كان أقل أو أكثر دخل النقص أو الزيادة على المد بالمد ولهذا يقول (ليكون الزائد في مقابلة غير الجنس) وهذا القول وهو الرواية الثانية أصح إلا أنها يخشى منها ألا يكون هناك دقة في تقويم الزائد مقابل الطرف الآخر بمعنى أن يبيع عليه مدين بمد ودرهم لكن الدرهم يساوي مد ونصف أو لا يساوي إلا نصف مد فحينئذ تكون الزيادة أو النقص لكن إذا تيقينا أن الزائد على المد مقابل الزائد في الطرف الآخر بدون زيادة ولا نقص فهذا لا وجه للمنع منه والمثال باع عليه مدين بمد ودرهم قيمة المدين درهمان وقيمة المد الذي مع الدرهم درهماً هنا صار الدرهم في مقابل المد هذا لا إشكال فيه لكن إذا كان المد يساوي درهمين وباعه بمد ودرهم فمعناه أنه نقص من الجانب الآخر وصار هناك زيادة في الجانب الثاني فلا يجوز لأنه ربا فالمهم أننا نقول يجوز بشرط أن يكون الزائد في الطرف الآخر في مقابل الجنس الآخر في الطرف الثاني لا يزيد عليه ولا ينقص. السائل: إذا اختلفت الصور مثل لو أبدل ذهباً بذهب مصنوع؟

الشيخ: مسألة الصنعة ليس لها دخل هنا وربما يذكرها المؤلف إن شاء الله أو نذكرها نحن بمعنى أنه إذا كانت الزيادة في مقابل الصنعة مثلاً هذا ذهب يساوي عشرة آلاف وذهب آخر يساوي عشرة آلاف ومائة لأنه مصنوع صناعة مرغوبة وجيدة والأول ليس كذلك فمن العلماء من يقول إنه جائز إذا كانت الزيادة في مقابلة الصنعة ومنهم من يقول أنه ليس بجائز وهذا لا شك أنه أحوط. القارئ: لما روى فضالة بن عبيد قال أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادة في ذهب وخرز ابتاعها بتسعة دنانير فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا حتى تميز بينهما) رواه أبو داود، ولأن الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفي القيمة أنقسم الثمن عليهما بقدر قيمتهما بدليل ما لو اشترى شقصاً وسيفا فإن الشفيع يأخذ الشقص بقسطه من الثمن وإذا قسم الثمن على القيمة أدى إلى الربا لأنه إذا باع مدا قيمته درهمان ودرهما بمدين فقيمتهما ثلاثة حصل في مقابلة الجيد مدة وثلث فأما إذا باع نوعين مختلفي القيمة من جنس بنوع واحد من ذلك الجنس كدرهم صحيح ودرهم قُرَاضة بصحيحين فقال القاضي الحكم فيها كالتي قبلها لذلك وقال أبو بكر يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الفضة بالفضة مثلاً بمثل) ولأن الجودة ساقطة فيما قوبل بجنسه لما تقدم وعن أحمد منع ذلك في النقد وتجويزه في غيره لأنه لا يمكن التحرز من اختلاط النوعين. الشيخ: والظاهر أنه إذا لم يكن ربا فلا بأس به لعموم قول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) فهو بيع لا ربا فيه فيكون حلالاً بأي صورة وقع. السائل: في بعض المحلات تباع كراتين معينة فإذا فتح الكرتون وجد ثلاث ريالات فهل في ذلك شيء؟ الشيخ: لا هذه تافة وغير مقصودة. فصل القارئ: ولا يجوز بيع خالصه بمشوبه كحنطة فيها شعير أو زوان بخالصة أو غير خالصة. السائل: ماهي الزوان؟ الشيخ: ما أدري ما هي الزواني.

القارئ: أو لبن مشوب بخالص أو مشوب أو عسل في شمعه بمثله إلا أن يكون الخلط يسيراً لا وقع له كيسير التراب والزوان ودقيق التراب الذي لا يظهر في الكيل لأنه لا يخل بالتماثل ولا يمكن التحرز منه. الشيخ: الخالص بالمخلوط لا يجوز كصاع بر ليس فيه خلط بصاع بر لكن فيه شعير وهذه إذا كان الخلط كثيراً أما الخلط اليسير كحبة أو حبتين في الصاع أو عشرة حبات أو ما أشبه فهذا لا يضر لأنه لا يأخذ منه بر غالباً فالشيء اليسير الذي لا يمكن التحرز منه لا بأس به أما شيء بيِّن نصفه شعير ونصفه حنطة بصاع كله حنطة فهذا لا يجوز. فصل القارئ: وما اشتمل على جنسين بأصل الخلقة كالتمر فيه النوى فلا بأس ببيع بعضه ببعض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح بيع التمر بالتمر وقد عَلِمَ أن في كل واحد نوى ولو نزع النوى ثم ترك مع التمر صار كمسألة مد عجوة لزوال التبعية. الشيخ: إذا باع تمر بتمر يجوز مع أن في كل واحد منهما ما ليس من جنسه لكنَّ هذا تابع والنبي صلى الله عليه وسلم قال (التمر بالتمر مثلاً بمثل) ولو نزع النوى وباع التمر ونواه بتمر آخر ونواه فلا يجوز سواء نزع النوى من التمر الثاني أم لم ينزع لأنه يكون كمسالة مد عجوة ودرهم. القارئ: ولو نزع من أحدهما نواه ثم باعه بتمر فيه نواه فكذلك وإن باع النوى بمثله والمنزوع بمثله جاز لأنه جنس متماثل وإن باع المنزوع وحده بالنوى جاز فيه التفاضل لأنهما جنسان. الشيخ: كأن يعطيه صاعين من النوى بصاع من التمر فلا بأس سواء كان التمر فيه نواه أو كان منزوع النوى.

القارئ: وإن باع النوى بتمر فيه نواه ففيه روايتان إحداهما لا يجوز لأنه في معنى مسألة مد عجوة والثانية يجوز لأن ما فيه الربا غير مقصود في أحد الجانبين فلم يمنع كبيع دار مموهٍ سقفها بذهب وكذلك يُخرَّج في بيع شاة لبون بلبن أو ذات صوف بصوف أو لبون بمثلها فإن كانت محلوبة اللبن جاز وجهاً واحدا لأن الباقي لا أثر له فهو كالتمويه في السقف ويجوز بيع شاة ذات صوف بمثلها وجهاً واحدا لأن ذلك لو حرم لحرم بيع الغنم بالغنم قال أبو بكر يجوز بيع نخلة مثمرة بمثلها وبتمر لأن التمر عليها غير مقصود ومنعه القاضي لكون الثمرة معلومة يجوز إفرادها بالبيع بخلاف اللبن ومنع القاضي بيع اللحم بجنسه إلا منزوع العظام لأن العظم من غير جنس اللحم فأشبه الشمع في العسل ويحتمل الجواز لأن العظم من أصل الخلقة فأشبه النوى في التمر بخلاف الشمع. الشيخ: والأخير هو الصحيح فالصحيح أنه جائز إلا إذا كان العظم كثيراً وأما ما جرت به العادة فلا بأس. فصل القارئ: وما فيه خلط غير مقصود لمصلحته كالماء في خل التمر والذبيب ودبس التمر والملح في الخبز والشيرج في الخبيص ونحوه لا يمنع بيعه بمثله لأنه لمصلحته فأشبه رطوبة الرطب ولا يجوز بيعه بخالص كخل الذبيب بخل العنب والخبز الرطب باليابس كما لا يجوز بيع الرطب بالتمر.

الشيخ: مر علينا أنه لا يباع الربوي بجنسه ومعه من غير الجنس أو مع الاثنين من غير الجنس وذكرنا الخلاف فيما إذا كان مع الاثنين من غير الجنس وأن بعض العلماء أجازه وأجاز أيضاً إذا بيع الربوي بمثله ومعه من غير جنسه بشرط أن يكون الثاني مساوي له في القيمة بحيث يكون زائداً على المخلوط بقدر قيمة الخليط أما الشيء الذي غير المقصود وإنما هو لمصلحة الربوي كالماء في خل التمر والزبيب وكذلك دبس التمر فهذا لا يضر فيجوز أن يبيع الإنسان التمر لا دبس فيه بتمر فيه دبس لأن هذه الدبس المخلوط مع التمر لمصلحته من أجل أن يكون رطباً ومن أجل أن يكون ألذ وأحلى ومثله أيضاً الملح في الدقيق والملح في الخبز لا يضر. فصل القارئ: ولا يجوز بيع نيئه بمطبوخه لأن النار تذهب برطوبته وتعقد أجزاءه فتمنع تساويهما ويجوز بيع مطبوخه بمثله إذا لم يظهر عمل النار في أحدهما أكثر من الآخر لتساويهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان في ثاني الحال كالخبز بالخبز والشواء والسكر والعسل المصفى بالنار بمثله. الشيخ: النيئ بالمطبوخ لا يجوز ولو تساويا وذلك لأن النار تذهب الرطوبة من المطبوخ فلا تتحقق به المساواة وأما إذا كان مطبوخاً بمطبوخ فلا بأس لكن بشرط أن يتساويا فيما أخذته النار من كل واحد منهم. فصل القارئ: ولا يجوز بيع حبه بدقيقه وعنه الجواز إذا تساويا وزنا لأن الدقيق أجزاء الحب فجاز بيعه به كما قبل الطحن والمذهب الأول لأن البر ودقيقه مكيلان.

الشيخ: الصحيح الرواية الثانية أنه يجوز بيع الحب بدقيقه إذا استويا وزناً لأن استواءهما وزناً يدل على أنه لا فرق بينهما أما كيلاً فلا لأن الحب إذا طحن ازداد فتجد الصاع من الحب يكون بالدقيق صاعاً ونصف أو نحو ذلك لكن بالوزن يكون متساوي لأن الدقيق الذي في جوف الحبة لم يزد بالطحن لكن لابد أن يكون الخارج من الرحى خارجاً كله بمعنى أنه عندما نريد أن نضع صاعاً من القمح في الرحى ونطحنه ثم نبدله بصاع من القمح غير مطحون لابد أن لا يتأخر أجزأ من الطحين وإذا كنا نريد أن نزنه زال الإشكال فلابد أن نزن الدقيق بالحب الذي لم يطحن حتى يكونا سواء في الميزان. القارئ: ولا بيع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنا ولا يمكن التساوي في الكيل. الشيخ: هذا أيضاً فيه خلاف وهو بيع المكيل وزناً فإن من العلماء من أجازه وقال إن الضبط بالوزن أقوى من الضبط بالكيل فيجوز أن أبيع عليك رطلاً من البر برطل من البر لكن بشرط أن يستويا وزناً بوزن وبشرط أن يستويا في النشاف والرطوبة لأنه من المعلوم أنه إذا كان أحدهما أكثر رطوبة من الآخر فسوف يكون وزنه أثقل. القارئ: ولا بيع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزناً، ولا يمكن التساوي في الكيل، لأن الطحن فرق أجزاء الدقيق ونشرها، ويجوز بيع كل واحد من الدقيق والسويق بمثله إذا تساويا في الكيل والنعومة، لما ذكرنا في المطبوخ بمثله، ولا يجوز إذا تفاوتا في النعومة لأنه يمنع تساويهما في الكيل إلا على قولنا يجوز بيع الحب بدقيقه وزناً. السائل: لو زدنا في وزن الحب الذي لم يطحن وكانت الزيادة في مقابل العمل للطحن؟

الشيخ: المذهب لا يعتبرون هذا ما زاد بالصنعة لا عبرة به وهذا هو الأقرب أنه لا عبرة به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال التمر الطيب الذي يأخذ الصاع منه بالصاعين من الرديء قال (هذا عين الربا) فمنع الرسول عليه الصلاة والسلام من الزيادة في مقابلة الوصف لكن لقائل أن يقول هذا زيادته بأصل الخلقة بخلاف ما زاد بالصنعة فإنه زاد بعمل آدمي ولكن مع ذلك سد الباب أولى لأننا حتى لو قلنا بجواز الزيادة مقابل الصنعة فهل نحن نضمن إن الزيادة في غير المصنوع بقدر قيمة الصنعة تماماً؟ لا ندري قد يضيفون أكثر من قيمة الصنعة لذلك نرى أن سد الباب أولى ويقال الحمد الله الأمر واسع بيع هذا الذهب الذي غير مصنع وأستلم الدراهم ثم اشتري ذهب مصنع. السائل: المؤلف رحمه الله يقول (ولا يجوز بيع حبه بدقيقه وعنه الجواز إذا تساويا وزناً) معلوم أن المذهب هو الأول ونحن رجحنا الرواية الثانية فما وجه الترجيح في ذلك؟ الشيخ: المذهب أنه لا يجوز فالمكيل لا يباع إلا كيلاً والموزون لا يباع إلا وزناً ونحن رجحنا الرواية الثانية ووجه ذلك لأن التساوي حاصل فمادام بالوزن فالتساوي حاصل. السائل: وفي الأشياء الأخرى مثل الحبوب الغير مطحونة ماذا يقال فيها؟ الشيخ: هناك رواية أعم من هذا وهي أن ما يباع كيلاً ويعتبر بالكيل فإنه يجوز أن يعتبر بالوزن ولا عكس لكن بشرط التساوي في الرطوبة واليبوسة. فصل القارئ: ولا يجوز بيع أصله بعصيره كالزيتون بزيته والسمسم بالشيرج والعنب بعصيره لأنه لا يتحقق التماثل بين العصير وما في أصله منه ويجوز بيع العصير بالعصير لما ذكرنا في المطبوخ ولا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه لما روى سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع اللحم بالحيوان) رواه مالك في الموطأ ولأنه جنس فيه الربا بيع بأصله الذي فيه منه

فلم يجز كالزيتون بالزيت وإن باع اللحم بحيوان لا يؤكل جاز لعدم ما ذكرناه وإن باعه بحيوان مأكول غير أصله وقلنا هما جنس واحد لم يجز وإلا جاز. فصل القارئ: ويجوز بيع اللبن باللبن حليبين كانا أو رائباً وحليبا لأن رائب لبن خالص إنما فيه حموضة ولا يجوز بيع لبن بما استخرج منه من زبد وسمن ومخيض ولا زبد بسمن لأنه مستخرج منه أشبه الزيتون بالزيت وعنه يجوز بيع الزبد باللبن إذا كان أكثر من الزبد الذي في اللبن والسمن مثله وهكذا مسألة مد عجوة والظاهر تحريمه ولا يجوز. الشيخ: قوله (والظاهر تحريمه) يعني سداً للباب لأن ضبط كون هذا أكثر وأقل أو ما أشبه ذلك صعب فسد الباب أولى وهكذا المحرمات الشديدة تجد الشارع يسد كل طريقاً يمكن أن يوصل إليها فمثلاً الزنى سد الشارع كل طريق يوصل إليه فسد خروج المرأة متبرجة وكشف وجهها وتطيبها وما أشبه ذلك مع أن الأصل أن هذا جاز لكن خوفاً من الفتنة منع منها والربا أيضاً كمسألة العينة وهي أن يبيع شيئاً بمثن مؤجل ويشتريه بأقل نقداً سد الشارع الباب لئلا يتخذ وسيلة للربا مع أنها في صورتها الظاهرة مباحة فهي رجل باع شيئاً ثم اشتراه وعلى كل حال نقول في هذه المسائل التي ذكرها المؤلف رحمه الله مسألة عجوة ودرهم إذا كان المنفرد أكثر من الذي معه شيء نقول سد الباب أولى إبعاداً عن الربا ووسائله وذرائعه. القارئ: ولا يجوز بيع لبن مائع بجامد لأنهما يتفاضلان ويجوز بيع السمن والزبد والمخيض واللباء والجبن والمصل بمثله إذا تساويا في الرطوبة والنشافة ولم ينفرد أحدهما بمس النار له ويجوز بيع السمن بالمخيض متفاضلا لأنه ليس في أحدهما شيء من الآخر وبيع الزبد بالمخيض نص عليه لأن اللبن في الزبد يسير غير مقصود أشبه الملح في الشيرج ولا يجوز بيع شيء من هذه الأنواع بنوع لم ينزع زبده كالجبن والمصل لما ذكرنا في بيعه باللبن. فصل

القارئ: ولا يجوز رطبه بيابسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الرطب بالتمر) متفق عليه وعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل بيع الرطب بالتمر فقال (أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهاه عن ذلك) رواه أبو داود فنهى وعلل بأنه ينقص عن يابسه. الشيخ: قول الرسول عليه الصلاة والسلام (أينقص الرطب إذا يبس) لا يخفى عليه هذا الأمر أنه ينقص لكن أراد أن يبين العلة في المنع التي يطمئن إليها حتى السائل وهذا من حسن تعليمه عليه الصلاة والسلام ونظيره أن رجلاً قال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلام أسود وهو أبيض والمرأة بيضاء فكأنه يريد لماذا تلد غلام أسود والأب أبيض والأم بيضاء فقال له النبي عليه الصلاة والسلام وقد علم أنه صاحب إبل فقال ألك إبل قال نعم قال ما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال نعم فهنا من أين جاء الأورق قال الأعرابي لعله نزعه عرق يمكن أجداده أو جداته فيها شيء أورق قال وأبنك هذا أو قال غلامك لعله نزعه عرق فالنبي عليه الصلاة والسلام دائماً يقرب الأحكام بما يقر به السائل حتى يكون ذلك أبلغ في الطمأنينة.

القارئ: فدل على أن كل رطب يحرم بيعه بيابسه ويجوز بيع رطبه برطبه لأن مفهوم نهيه عن بيع الرطب بالتمر إباحة بيعه بمثله ولأنهما تساويا في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز بيعه به كاللبن باللبن وذكر الخرقي أن اللحم لا يباع إلا باللحم إلا إذا تناهى جفافه فدل على أن كل رطب لا يجوز بيعه بمثله اختارها أبو حفص لأنهما لم يتساويا حال الكمال والمذهب الجواز وقال القاضي لم أجد بما قال الخرقي رواية عن أحمد فصل ويجوز بيع العرايا وهو بيع الرطب على رؤوس النخل خرصاً بالتمر على وجه الأرض كيلاً لما روى أبو هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرية في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق) متفق عليه وإنما يجوز بشروط خمسة أحدها أن يكون دون خمسة أوسق وعنه يجوز في الخمسة لأن الرخصة ثبتت في العرية ثم نهى عما زاد على الخمسة وشك الراوي في الخمسة فردت إلى أصل الرخصة والمذهب الأول لأن الأصل تحريم بيع الرطب بالتمر خولف فيما دون الخمسة بالخبر والخمسة مشكوك فيها فترد إلى الأصل. الشيخ: يُعارض هذا بأن يقال الأصل في البيوع الحل فلا يحرم إلا ما تُيقن أنه حرام ولا نتيقن أنه حرام إلا إذا زادت على الخمسة واضح والنظر الذي ذكره المؤلف معارض بنظر آخر لكن يقال سلوك الاحتياط أولى وإذا كان محتاجاً فليبع تمره ويشتري الرطب. القارئ: الثاني أن يكون مشتريها محتاجاً إلى أكلها رطبا لما روى محمود بن لبيد قال قلت لزيد بن ثابت ما عرياكم هذه فسمى رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطباً يأكلونه وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العاريا بخرصها من التمر يأكلونها رطبا متفق عليه.

الشيخ: عندنا تعليق على قوله (متفق عليه) يقول: جاء في هامش الأصل قوله متفق عليه وهم فإن هذا الحديث لم يخرج في الصحيحين ولا في أحدهما بل ولا شيء من السنن وليس لمحمود بن لبيب عن زيد رواية في شيء من الكتب الستة بل وليس هذا الحديث في مسند أحمد ولا السنن الكبير البيهقي وقد فتشت عليه في كتب كثيرة فلم أرى له إسناداً (¬1) والله الموفق للصواب. القارئ: والرخصة الثابتة لحاجة لا تثبت مع عدمها فإن تركها حتى تتمر بطل البيع لعدم الحاجة. الشيخ: لا شك أنه إذا تركها حتى تتمر عمداً فالبيع باطل لأنه تحيل على شراء الرطب بالتمر لكن أحياناً يتركها عجزاً لمرض أو لغيره أو يقول اليوم أو غداً أو بعد غداً فهل نقول يبطل البيع؟ الظاهر أنه لا يبطل في هذه الحال وصورة المسالة رجل فقير جاء وقت الرطب وليس عنده دراهم وعنده تمر من العام الماضي فجاء إلى صاحب البستان وقال يا فلان أنا ليس عندي دراهم وأريد الرطب أتفكه به مع الناس نقول لا بأس لكن اخرص الرطب كم يأتي تمراً فقال يأتي التمر خمسين صاع فعنده الآن تمر خمسين صاع فتبادلا فهل هذا يجوز أو لا يجوز؟ الجواب يجوز لكن هذا الفقير الذي سلم التمر وأخذ الرطب تركه على النخل حتى صار تمراً فهل يبطل البيع لأنه إنما جاز الرطب بالتمر من أجل أن يتفكه هذا الفقير مع الناس والآن أتمر الرطب فهل يبطل؟ المؤلف يقول أنه يبطل البيع لأن الحاجة الآن زالت ونحن نسلم للمؤلف بهذا ونقول يبطل لكن إذا تركها عمداً أما إذا تركها لعذر فالظاهر أن البيع لا يبطل لأن الحيلة هنا بعيدة فلا ينبغي أن نبطل لا سيما أن الفلاح أخذ التمر وربما تصرف فيه ببيع أو هبة أو أكل. القارئ: الثالث أن لا يكون له نقداً يشتري به للخبر. ¬

_ (¬1) قال الشيخ محمد بن عثيمين بعد أن كلف أحد الطلبة ببحث الحديث فلم يجده لا في البخاري ولا في مسلم وإنما وجد أصل الحديث عن العرايا فقال رحمه الله: لعل أبا محمد رحمه الله أراد الأصل.

الشيخ: قوله (للخبر) ما هو الخبر؟ (أنهم قالوا: نقد بأيديهم) كما في الحديث. القارئ: الرابع أن يشتريها بخرصها للخبر (ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا) متفق عليه. الشيخ: وهنا قام الخرص مقام اليقين والخرص ظن وتخمين فقام مقام اليقين لدعاء الحاجة وتعذر اليقين فاليقين متعذر لأنه رطب فكيف نعرف أنه يساوي هذا التمر كيلاً. القارئ: ولابد أن يكون التمر معلوماً بالكيل للخبر وفي معنى الخرص روايتان إحداهما أن ينظر كم يجيء منها تمرا فيبيعها بمثله لأنه يخرص في الزكاة كذلك والثانية يبيعها بمثل ما فيها من الرطب لأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال بالكيل فإذا خولف الدليل في أحدهما وأمكن ألا يخالف في الآخر وجب ولا يجوز بيعها برطب ولا تمر على نخل خرصاً. الشيخ: الظاهر أنها بما تؤول إليه خرصاً لا باعتباره في الوقت الحاضر لأنها تختلف لكن بما تؤول إليه بمعنى أن يقال هذا الرطب لو كان تمراً كم يكون من صاع قال يكون خمسين صاع وهو عنده من التمر خمسون صاعا. القارئ: الخامس أن يتقابضا قبل تفرقهما لأنه بيع تمر بتمر فاعتبرت فيه أحكامه إلا ما استثناه الشرع والقبض فيما على النخل بالتخلية وفي التمر باكتياله فإن كان حاضراً في مجلس البيع اكتاله وإن كان غائباً مشيا إلى التمر فتسلما وإن قبضه أولاً ثم مشيا إلى النخلة فتسلمها جاز واشترط الخرقي كون النخلة موهوبة لبائعها لأن العرية أسم لذلك.

الشيخ: اشتراط الخرقي رحمه الله ضعيف وإن كان العارية في الأصل الهبة لكن نقلت إلى معنى آخر في الشرع هذه الشروط خمسة الأول أن تكون دون خمسة أوسق وفيما هو خمسة أوسق روايتان والثاني أن يكون المشتري محتاجاً إلى الرطب والثالث ألا يكون عنده نقد يشتري به والرابع أن يشتريها بالخرص يعني مايكون هكذا جزافاً بأن يقول خذ هذا التمر في هذا الكيس وأعطني هذه الثمرة التي على النخلة فلابد من الخرص والخامس أن يتقابضا قبل التفرق فإن كان التمر حاضراً تحت النخلة قال خذ التمر وخلي بيني وبين النخلة وإن كان في بيته قال خلي بيني وبين النخلة ثم يمشيان جميعاً إلي البيت ويسلمه التمر والخلاصة أن العارية مستثناة من ربا الفضل لأن الأصل أنه لا يجوز بيع التمر بالرطب لأنه ينقص إذا جف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فهي مستثناة للحاجة وأخذ العلماء رحمهم الله من ذلك أن ما حرم تحريم الوسائل فإنه يجوز عند الحاجة ولا يشترط فيه الضرورة وهذه قاعدة مفيدة ما حرم تحريم الوسائل أباحته الحاجة وكذلك ما كان مشتبهاً في تحريمه تبيحه الحاجة وهذه أيضاً قاعدة مفيدة كثيرا لأن بعض المسائل يشك الإنسان في تحريمها فإذا أخذنا بهذه القاعدة وقلنا إن الحاجة تخفف التحريم لأن الأصل عدمه صارت مفيدة لك إذاً ما حرم تحريم الوسائل تبيحه الحاجة وما حرم على سبيل الاحتياط للشك فيه تبيحه الحاجة وانظر الآن مثلاً وجه المرأة محرم يحرم النظر إليه خوفاً من الفتنة المؤدية إلى الفاحشة لكن إذا احتيج إلى النظر إلى وجه المرأة كان جائزاً وإن لم يكن ضرورة حتى قال الفقهاء رحمهم الله للبائع أن يقول للمرأة إذا أرادت أن تشتري منه اكشفي وجهك لكي أعرفك إذا جاءت بالثمن ويجوز نظر الشاهد لوجه المشهود عليها ويجوز نظر الخاطب لوجه المخطوبة لأنه محرم تحريم الوسائل فالشروط الآن خمسة الأول أن يكون دون خمسة أوسق وفي الخمسة خلاف الثاني أن يكون المشتري محتاجاً إلى أكل الرطب

والثالث أن لا يكون معه نقد يشتري به الرابع أن يشتريها بالخرص بمعنى أن يخرص الرطب كم يجئ تمراً ثم يعطى صاحب النخل بمثل ذلك الخرص والخامس أن يتاقبضا قبل التفرق لئلا يقعا في ربا النسيئة ولو فرض أن المشتري يحتاج أكثر من خمسة أوسق لأنه مضياف والعائلة كثيرة ولا يكفيه خمسة أوسق نقول لا بأس يشتري من صاحب البستان هذا خمسة ومن صاحب البستان الآخر خمسة وهكذا فالمهم أن لا يقع العقد على أكثر من خمسة وإن تعدد البائعون. القارئ: واشترط أبو بكر والقاضي حاجة البائع إلى بيعها وحديث زيد بن ثابت يرد ذلك مع أن اشتراطه يبطل الرخصة إذا لا تتفق الحاجتان مع سائر الشروط فتذهب الرخصة فعلى قولنا يجوز لرجلين شراء عريتين من واحد وعلى قولهما لا يجوز إلا أن ينقصان لمجموعهما عن خمسة أوسق ولا يجوز لواحد شراء عريتين فيهما جميعاً خمسة أوسق لأنه في معنى شرائهما في عقد واحد. الشيخ: هذه المسألة فيها نظر أنه لا يجوز لواحد شراء عريتين فيهما جميعاً خمسة أوسق فنقول نعم إذا كان في عقد واحد فهذا صحيح أما في عقدين مختلفين فلا مانع لأنه كما قلنا سابقاً ربما يكون المشتري يحتاج أكثر من ذلك لكثرة الضيفان عنده أو كثرة عائلته أو ما أشبه ذلك. فصل القارئ: قال ابن حامد لا يجوز بيع العرايا في غير ثمرة النخل لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم وعن بيع العنب بالزبيب وعن كل ثمر بخرصه) وهذا حديث حسن ولأن غير التمر لا يساويه في كثرة اقتياته وسهولة خرصه فلا يقاس عليه غيره وقال القاضي يجوز في جميع الثمار لأن حاجة الناس إلى ربطها كحاجتهم إلى الرطب ويحتمل الجواز في التمر والعنب خاصة لتساويهما في وجوب الزكاة فيهما وورود الشرع بخرصهما وكونهما مقتاتين دون غيرهما.

الشيخ: الصحيح أن الرخصة إذا وردت في شيء فإنه يلحق به ما شابهه فقط فإذا قدرنا أن هناك أناس يقتاتون التين كما يقتاتون التمر فإنه يجوز أن يشترى التين الرطب بالتين اليابس بشروط العرايا وقد ذكر لنا آباءنا وأجدادنا أنهم كانوا هنا يقتاتون التين كما يقتاتون التمر سواءً بسواء فإذا كان كذلك فإننا نقول تجوز العرايا في كل ما شابه التمر في كونه قوتاً وكما أن الناس يحتاجون إلى التفكه في الرطب يحتاجون أيضاً إلى التفكه في العنب والتفكه في التين أما التعميم ففيه نظر والتخصيص فيه نظر يعني تخصيصها بالتمر والعنب فيه نظر وتعميمها في كل شيء فيه نظر والصواب أن يقال يتعدى الحكم إلى ما شابه المرخص فيه فقط. فصل في ربا النسيئة القارئ: كل مالين اتفقا في علة ربا الفضل كالمكيلين والموزونين أو المطعومين على الرواية الأخرى لا يجوز بيع أحدهما بالآخر نساءً ولا التفرق قبل القبض. الشيخ: الفرق بين النساءً والتفرق في القبض أن نساءً اشترط فيه التأخير لأجل يومين أو ثلاثة أو أكثر وأما التفرق بالقبض هو لم يشترط فيه التأخير لكنهما لم يتقابضا. القارئ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد) وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير إلا هاء وهاء) متفق عليه.

الشيخ: (هاء وهاء) بمعنى خذ وأعطي فهي أسم فعل أمر وعندنا نقول هاك فهل هي متصرفة من هاء أو هي اسم فعل مستقل إذا نظرنا إلى كلام النحويين فالظاهر أنها سم فعل مستقل إذا قال قائل إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد يتناول ما إذا بيع بر بدراهم هل يجب التقابض الصنف اختلف فهي دارهم من الفضة وبر فظاهر الحديث أنه يجب التاقبض قبل التفرق؟ فنقول نعم هذا هو ظاهر الحديث لكن هذا الظاهر معارض بما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من الترخيص في السلم قال ابن عباس (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسفلون في الثمار السنة والسنتين فقال من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) والسلم تقديم الثمن وتأخير المثمن فليس فيه التقابض بل فيه نساء أيضاً فيقال كما قال الفقهاء رحمهم الله ليس أحدهما نقدا فيشترط هذا فإن كان أحدهما نقداً جاز النساء سواء فيما وافقه في العلة كالحديد على رأي من يرى أن العلة الوزن أو لم يوافقه في العلة كالمكيل فالدراهم بحديد على القول بأن العلة الوزن تجوز ودليله حديث ابن عباس (في كيل معلوم ووزن معلوم) فعلى هذا يكون الاستثناء هكذا كلما اختلفت أصناف المبيعات التي فيها الربا فإنه يجوز فيها الفضل دون النساء إلا إذا كان أحدهما نقداً فإذا كان أحدهما نقداً فلا بأس من النساء. السائل: إذا كان صاحب الرطب محتاجاً إلى التمر فهل تجوز له مسالة العرايا؟ الشيخ: ظاهر السنة أنه لا يجوز يعني لو احتاج صاحب النخل إلى تمر فإنه لا يجوز لأنه بإمكانه أن يبيع الرطب ويشتري تمر والرطب أغلى عند الناس في وقته من التمر. السائل: ما هو الفرق بين الحاجتين حاجة صاحب النخل وصاحب التمر؟

الشيخ: الفرق السنة والأصل منع بيع الرطب بالتمر فإذا جاءت الرخصة في شيء منه يقتصر على ما ورد فقط والقاعدة أن ما ورد فيه الرخصة وأصله التحريم أقتصر على ما ورد لأن الأصل عموم التحريم في كل صورة. السائل: إذا أحتاج صاحب التمر إلى ثلاثة أوسق من الرطب فهل له أن يشتري أربعة أوسق؟ الشيخ: لا، لا يجوز لأن ما قيد بحاجة يتقدر بقدرها. القارئ: وما اختلفت علتهما كالمكيل والموزون إذا لم يتفقا في الطعم جاز التفرق فيهما قبل القبض رواية واحدة وفي النساء فيهما روايتان. الشيخ: الفرق بين التفرق والنساء أن النساء يشترط التأخير يعني يشترط أحد المتعاقدين على الآخر تأخير القبض وأما عدم القبض قبل التفرق فهذا بدون شرط. القارئ: وما لم يوجد فيه علة ربا الفضل كالثياب والحيوان ففيه روايات أربع إحداهن تجوز النساء فيهما لما روي عن عبد الله بن عمر وقال (أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن استسلف إبلا فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى مجيء المصدق) من المسند، والثانية لا يجوز لما روى سمرة قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) قال الترمذي هذا حديث صحيح والثالثة يحرم النساء في الجنس والواحد لهذا الخبر ويباح في الجنسين عملاً بمفهومه والرابعة يباح مع التساوي ويحرم مع التفاضل في الجنس والواحد لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نساءً ولا بأس به يداً بيد) قال الترمذي هذا حديث حسن وعن ابن عمر أن رجلاً قال يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل فقال (لا بأس به إذا كان يداً بيد) رواه أحمد في المسند ولا خلاف في جواز الشراء بالأثمان نساءً من سائر الأموال موزوناً كان أو غيره لأنها رؤوس الأموال فالحاجة دعاية إلى الشراء بها نساء وناجزاً.

الشيخ: والصواب ما دل عليه حديث عبد الله بن عمر والأول وهو جواز النساء والتفاضل لأنها ليست من الأموال الربوية والحاجة داعية إلى أن يأخذ الواحد باثنين وأما الرواية الثانية فهذا إن صح الحديث لأنه من رواية الحسن وقد قيل أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة لكن إن صح فالمراد إذا كان المقصود اللحم فإذا كان المقصود اللحم صار كأنه بيع لحم بلحم وهو لا يجوز نسيئة والثالثة يحرم النساء في الجنس الواحد لهذا الخبر ويباح في الجنسين أيضاً هذا يؤيد هذا الحمل أنه إذا كان المراد بذلك اللحم والرابعة أنه يباح مع التساوي ويحرم مع التفاضل الحديث يظهر عليه أثر الضعف لأن مثل هذا الأسلوب بعيد من أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم وصيغة الحديث تدل على أنه موقوف والله أعلم. فصل القارئ: فإن تفرقا قبل القبض فيما يشترط القبض فيه بطل العقد وإن تفرقا قبل قبض بعضه بطل في غير المقبوض وفي المقبوض وجهان بناءً على تفريق الصفقة. الشيخ: قال المؤلف (بناءً على تفريق الصفقة) وسبق أن القول الراجح تفريقها فإذا باع عبداً وحراً بمائة صح في العبد ولم يصح في الحر. القارئ: وما وجب التماثل فيه إذا بيع عيناً بعين فوجد في أحدهما عيب من غير جنسه بطل البيع لأنه يفوت التمثال المشترط وإن كان البيع في الذمة جاز إبداله قبل التفرق وهل يجوز بعد التفرق فيه روايتان إحداهما يجوز إذا أخذ البدل في مجلس الرد لأن قبض بدله يقوم مقامه والثانية يبطل العقد برده لأنهما تفرقا قبل قبض العوض وإن كان عيبه لمعنى لا ينقص ذاته كالسواد في الفضة والخشونة فيها فالعقد صحيح وليس له أخذ الأرش لأنه يخل بالتماثل وله الخيار بين فسخ العقد أو الإمساك وليس له البدل إن كان البيع عيناً بعين وإن كان البيع في الذمة فحكمه حكم القسم الذي قبله فأما مالا يجب التماثل فيه فله أخذ أرشه لأن التفاضل فيه جائز.

باب بيع الأصول

الشيخ: يعني كذهب بفضة فهذا يشترط فيه القبض وأما التماثل فغير شرط فإذا باع ذهباً بفضة فوجد في أحدهما عيباً قلنا الآن لك أن تأخذ أرش العيب لكن لا تتفرق إلا بعد أخذه. القارئ: وحكمه فيما سوى ذلك حكم ما قبله. الشيخ: انتهى باب الربا وأقسامه. باب بيع الأصول القارئ: من باع نخلاً مؤبراً فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع فتكونُ له وإن لم تؤبر فهي فتكون له. الشيخ: قوله (فتكون له) هذه يغلط فيها كثير من الناس الآن يظن إنها معطوفة على (إلا أن يشترطها) ولو قلنا إنها معطوفة على هذا فسد المعنى لأنه يكون المعنى إلا أن يشترط المبتاع فأن تكون لها ولكن فتكون هذه كالجواب لقوله إلا أن يشترطها فهي مستأنفة والتقدير فهي تكون له. القارئ: وإن لم تؤبر فهي للمشتري إلا أن يشترطها البائع فتكون له لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع) متفق عليه. الشيخ: صورة المسألة إنسان عنده بستان فيه نخل فباعه على آخر بنخله والنخل فيه ثمر مؤبر يعني ملقح والتلقيح أن يأخذ طلع الفحل ويوضع في ثمرة النخلة فإذا باعها بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع لأنه عمل فيها عملاً تصلح فيه الثمرة فكانت الثمرة له وأما إذا باعها قبل أن تؤبر فالثمر تباع للأصل فيكون للمشتري هذا معنى كلام المؤلف ودليله واضح وعلته واضحة فالدليل صريح بالتقسيم (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع) فمفهومه من باعها قبل أن تؤبر فثمرتها للمشتري والتعليل كما ذكرنا.

القارئ: فجعل المؤبرة للبائع فدل على أن غير المؤبرة للمبتاع ولأنها قبل التأبير نماء كامن لظهوره غاية فتبع الأصل قبل ظهوره ولم يتبعه بعده كالحمل وطلع الفحال كغيره ويحتمل أنه للبائع قبل تشققه لأنه يوجد كذلك والطلع ظاهر فهو كالتين والصحيح الأول للخبر لأن المقصود ما في داخل الطلع للتلقيح ولم يظهر فيتبع الأصل كطلع الإناث. الشيخ: لكن طلع الفحال ليس فيه تأبير وطلع الفحال في فالنخل ذكور وإناث فينبغي أن يقال طلع الفحال إذا تشقق فهو للبائع وقبل تشققه يكون للمشتري لأنه إذا تشقق برز وظهر ولم يبقى إلا أن يأخذ ويوضع في النخل الأنثى. القارئ: فإن أبر بعض الحائط دون بعض فما أبر للبائع وما لم يؤبر للمشتري في ظاهر كلام أحمد وقول أبي بكر للخبر وقال ابن حامد الكل للبائع لأن اشتراكهما في الثمرة يؤدي إلى الضرر واختلاف الأيدي فجعلنا ما لم يظهر تبعاً للظاهر كأساسات الحيطان تتبع الظاهر منها ولم يجعل الظاهر تبعاً للباطن كما لا تتبع الحيطان الأساس في منع البيع للجهالة. الشيخ: والصحيح في هذا أن ما أوبر فهو للبائع وما لم يؤبر فهو للمشتري على ظاهر الحديث إلا في شجرة واحدة فإنه إذا أوبر بعض الثمرة تبعه الباقي لأن العادة أنها لا تؤبر جميعاً ولأننا لو قلنا إن المشتري يشارك البائع حصل في هذا ضرر فنقول ما لم يؤبر فهو للمشتري وما أؤبر فهو للبائع إلا في شجرة واحدة فإذا أوبر بعضها فهي كلها للبائع. القارئ: وإن كان المبيع حائطين لم يتبع أحدهما صحابه لأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة لانفراد أحدهما عن الآخر وإن أبر نوع من الحائط لم يتبع النوع الآخر في قول القاضي لأن النوعين

يختلفان في التأبير وقال أبو الخطاب يتبعه لئلا يفضي إلى سوء المشاركة في الجنس الواحد وإن أبر بعض ما في الحائط فأفرد بالبيع ما لم يؤبر فهو للمشتري لأنه لم يؤبر منه شيء وإن أبر بعض الحائط فباعه ثم أطلع الباقي في يد المشتري فالطلع له لأنه حادث في ملكه فكان له كما لو لم يؤبر منه شيء. الشيخ: قوله (وإن كان المبيع حائطين لم يتبع أحدهما صاحبه لأنه لا يفضي إلي سوء المشاركة) مثاله حائط أوبر وحائط لم يؤبر فليس في هذا إشكال فالحائط الذي لم يؤبر للمشتري والمؤبر للبائع لأنه ليس هناك سوء مشاركة قوله (وإن أوبر نوع من الحائط لم يتبع النوع الآخر في قول القاضي لأن النوعين يختلفان في التأبير) هذا بعض مما أشرنا إليه إذا أؤبر نوع من الحائط يعني كالأحمر مثلاً والأصفر لم يؤبر يقول القاضي أنه لا يتبع أحدهم الآخر لأن كل واحد متميز عن الثاني ومعروف وليس فيه اشتباه ولا سوء مشاركة قوله (وقال أبو الخطاب يتبعه لئلا يفضي إلى سوء المشاركة في الجنس الواحد) قول أبي الخطاب ضعيف ونحن نرى فوق ما قال القاضي رحمه الله فنقول إذا أوبر البعض دون البعض فما أوبر للبائع وما لم يؤبر للمشتري ولو كان من نوع واحد قوله (وإن أوبر بعض ما في الحائط فأفرد بالبيع ما لم يؤبر فهو للمشتري) وهذا واضح يعني إذا لم يبع الحائط جميعاً فالمؤبر لم يبعه وباع الذي لم يؤبر فإنه يكون للمشتري لأنه لم يؤبر منه شيء قوله (وإن أوبر بعض الحائط فباعه ثم أطلع الباقي في يد المشتري) يعني كان هناك في تفاوت في طلعه يقول المؤلف (فالطلع له لأنه حادث في ملكه كما لو لم يؤبر منه شيء) لكن نقول هذا لا يوجد عندنا فيما يبدو وهو أنه يؤبر شيء ثم يطلع الثاني من جديد.

السائل: أغلب الناس اليوم يجهلون أحكام البيوع فإذا تعارف الناس في بلد معين على أن الرجل إذا باع بستان فيه نخل سواء أبر أو لم يؤبر فإن النخل يكون للمشتري ثم عرف البائع بعد أن طلب العلم هذا الحديث فقال للمشتري بعد أن أبره وباعه البستان وجاء التمر قال أنا أبرت وأريد الثمر وتنازعا فما الحكم؟ الشيخ: إذا كان العرف مطرداً أن المؤبر يتبع الأصل فالشرط العرفي كالشرط اللفظي والرسول عليه الصلاة قال (إلا أن يشترط المبتاع) فإذا كان إلا أن يشترط المبتاع فمعناه أنه إذا شرطه فهو له لكن يبقى عندنا إشكال وهو أنه إذا كان شرطه انه له فهو فقد باعه ثمرة قبل بدو صالحها فماذا نقول؟ نقول هذا ثبت تبعاً ويثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً ولهذا قال الفقهاء في بيع الثمرة قبل بدو صالحها إذا باعها على صاحب الأصل فلا بأس وإن كان قولهم هذا ضعيفاً لأنهم يقولون صار الثمر تبعاً لكن قولهم هذا ضعيف وسيأتي إن شاء الله فصار طالب العلم الذي درس في السعودية ما يمكن أن يتحيل على الذي باعه في الجزائر. فصل القارئ: وكل عقد ناقل للأصل كجعله صداقاً وعوض خلع أو أجرة أو هبة كالبيع فيما ذكرنا لأنه عقد يزيل الملك عن الأصل فأزاله عن الثمرة قبل الظهور كالبيع. فصل

القارئ: وسائر الشجر على ستة أضرب أحدها ما يقصد زهره كالورد والقطن الذي يبقي أعواماً فهو كالنخل إن تفتحت أكمامه وتشقق جوزه فهو للبائع وإلا فهو للمشتري كالطلع سواء الضرب الثاني ماله ثمرة بارزة كالعنب والتين فما كان منه ظاهراً فهو للبائع لأنها ثمرة ظاهرة فهي كالطلع المؤبر وما ظهر بعد العقد فهو للمشتري لأنه حدث في ملكه الثالث ماله قشر لا يزل إلا عند الأكل كالرمان والموز فهو للبائع إن كان ظهر لأن قشره من مصلحته فهو كأجزاء الثمرة الرابع ماله قشران كالجوز واللوز فهو للبائع بنفس الظهور لأن قشره لا يزايله في الغالب إلا بعد الجذاذ فهو كالرمان وقال بعض أصحابنا إن تشقق قشره الأعلى فهو للبائع وإلا فهو للمشتري لأنه لا يدخر في قشره الأعلى بخلاف الرمان الخامس ما يظهر ثمره في نوره ثم يتناثر نوره فيظهر كالتفاح والمشمش فما تناثر نوره فهو للبائع وما لم يتناثر فهو للمشتري لأنه لا يظهر إلا بعد تناثر نوره فكان كتأبير النخل ويحتمل أنه للبائع بظهور نوره لأن استتار الثمرة بالنور كاستتار ثمرة النخل بعد التأبير بالقشر الأبيض السادس ما يقصد ورقه كالتوت فيحتمل أنه للمشتري بل كل حال قياساً على سائر الورق ويحتمل أنه إن تفتح فهو للبائع وإلا فهو للمشتري لأنه هاهنا كالثمر. الشيخ: كل هذه أصناف ما نعرفها ولا نقدر نتكلم على شيء ما نعرفه. فصل القارئ: وإذا أشترى شجراً عليه ثمرة للبائع لم يكلف نقلها إلا أوان الجذاذ لأن نقل المبيع على حسب العادة ولهذا لو اشترى متاعاً ليلاً لم يكلف نقله حتى يصبح ولو باع متاعاً كثيراً في دار لم يكلف تفريغها إلا على العادة ولم يلزمه جمع دواب البلد لنقله دفعة واحدة فإذا بلغ الجذاذ

كلف نقله وإن كان بقائه أنفع له لأنه أمكن نقله عادة وإن أصاب الشجر عطش خيف هلاكه ببقائه عليه ففيه وجهان أحدهما لا يلزم قطعه لأنهما دخلا في العقد على ترك الثمرة إلى أوان الجذاذ والثاني يلزم قطعه لأن المشتري رضي بذلك إذا لم يضر به وهذا فيه ضرر كثير وإن أراد أحدهما سقي ماله لمصلحته فله ذلك وإن أضر بصاحبه لأنه رضي بالضرر لعلمه أنه لابد من السقي وإن سقي لغير مصلحته لم يمكن منه لأنه سفه. فصل القارئ: وإن باع أرضاً بحقوقها دخل فيها من غراس وبناء في البيع وإن لم يقل بحقوقها ففيه وجهان أحدهما يدخل أيضا لأنه متصل بها للبقاء فهو كأجزائها والثاني لا يدخل لأن الأرض أسم للعرصة دون ما فيها وإن قال بعتك هذا البستان دخل الجميع في البيع لأن البستان اسم للأرض ذات الشجر. الشيخ: إذا باع أرضاً وفيها غراس أو فيها بناء دخل في البيع لأن هذا الغراس والبناء فرع والأرض أصل والفرع يتبع أصله وسواء قال بحقوقها أم لم يقل لكن الأولى لمن يكتب بين البائع والمشتري أن يقول بحقوقها لئلا يرد علينا القول الثاني وهو أنه إذا لم يقل بحقوقها لم يدخل الغراس ولا البناء ولهذا نقرأ في كثير من الوثائق وثائق بيع الأراضي يقول باعه بحقوقها وحدودها أيضاً فينبغي أن يتنبه لهذا والمهم أن القول الراجح ما قدمه المؤلف أنه إذا باعها وإن لم يقل بحقوقها فالغراس والبناء يتبع الأصل.

القارئ: وإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة كالحنطة والشعير والجزر والفجل لم يدخل في البيع لأنه نماء ظاهر لفصله غاية فلم يدخل في بيع الأرض كالطلع المؤبر وسواء كان نابتاً أو بذرا لأن البذر مودع في الأرض فلم يدخل في بيعها كالركاز ويكون الزرع مبقى إلى حين الحصاد كما أن الثمرة تبقى إلى حين الجذاذ فإن أراد البائع قطعه قبل وقته لينتفع بالأرض لم يكن له ذلك لأن منفعة الأرض إنما حصلت مستثناة عن مقتضى العقد ضرورة إبقاء الزرع فتقدرت ببقائه كما لو باع داراً فيها متاع لا ينقل في العادة إلا في شهر فيكلف نقله في يوم لينتفع بها في بقيته والحصاد على البائع وعليه إزالة ما يبقى من عروقه المضرة بالأرض وتسوية حفره لأنه حصل بفعله لاستصلاح ملكه فأشبه من باع داراً فيها حجر للبائع فقلعه فتحفرت الأرض وإن اشترطها المشتري في المبيع كانت له كالثمرة المؤبرة ولا تضر جهالته لأنه دخل في البيع تبعاً للأرض فأشبه الثمرة بعد تأبيرها وإن لم يعلم المشتري بالبذر فله الخيار لأنه عيب في حقه لما يفوت عليه من نفع الأرض فإن قال البائع أنا أحوله على وجه لا يضر وفعل سقط الخيار لزوال العيب وإن أشترى نخلاً ذات طلع مؤبر لم يعلم تأبيره فله الخيار أيضا وإن بذل البائع قطعه لم يسقط الخيار لأن الضرر لا يزول بقطعه لأنه يفوت عليه ثمرته عاما. الشيخ: الزرع الذي يبقى في الأرض لو قال البائع أنا أريد حصد الزرع وأزرعها شيء آخر فهل له ذلك؟ الجواب ليس له ذلك لأنه إنما يملك بقائه في الأرض كالاستثناء فقط فلو قال مثلاً الآن باقي على الزرع خمسة أشهر أنا سأقلع الزرع هذا وأبذر مكانه بطيخاً يأتي في أربعة أشهر فليس له لكن إن اتفق هو وصاحب الأرض الذي اشتراها فلا بأس. فصل

القارئ: وإن كان في الأرض ماله أصل يجز مرة بعد أخرى فالجزة الظاهرة عند البيع للبائع والأصول للمشتري سواء كان مما يبقى عاما كالهندبا أو أكثر كالرطبة لأن أصوله تركت للبقاء فهي كالشجرة وما ظهر منه وجرت العادة بأخذه فهو كالثمرة المؤبرة وعلى البائع قطعه في الحال لأنه لا حد له ينتهي إليه ولأنه يطول والزيادة للمشتري وما تتكرر ثمرته مع بقاء أصله كالقثاء والباذنجان والبطيخ أو يقصد زهره كالبنفسج ونحوه فكذلك الأصول للمشتري وثمرته الظاهرة وزهره للبائع لأنه تؤخذ ثمرته مع بقاء أصله فهو كالبقول. فصل القارئ: وإن كانت الأرض حجارة مدفونة أو ركاز لم يدخل في البيع لأنه ليس من أجزئها إنما هو مودع فيها لنقل عنها فهو كالقماش فإن كانت الأحجار من نفس الأرض أو أساسات الحيطان أو كان فيها معدن باطن كمعدن الذهب والفضة دخل في البيع لأنه من أجزائها أو متروك للبقاء فيها فهو كالبناء. الشيخ: واضحة هذه ولا تحتاج تعليق. فصل القارئ: وإن باعه داراً دخل فيها ما أتصل بها كالرفوف المسمرة والخوابي المدفونة فيها للانتفاع بها والحجر السفلاني من الرحى المنصوب والأبواب المنصوبة وفي الحجر الفوقاني والمفتاح وجهان أحدهما يدخل لأنه من مصلحة ما هو داخل في البيع فهو كالباب.

الشيخ: رجل باع داراً فيدخل فيها ما أتصل بها كالرفوف المسمرة وأما الرفوف التي لم تسمر فلا تدخل لأنها منفصلة كما لو جعل الإنسان رفوفاً أسندها إلى الجدار ووضع فيها الكتب فهذه لا تدخل لأنها غير مسمرة قوله (الخوابي المدفونة فيها للانتفاع بها) هذه تدخل والخوابي هي عبارة عن أواني كبيرة من الخزف يدخل فيها التمر والسمن وما أشبه ذلك إذا كانت مدفونة فيها للانتفاع دخلت قوله (الحجر السفلاني من الرحى المنصوب) قال الرحى المنصوب لأن الرحى غير المنصوب لا ما يدخل والرحى هي حجران يطحن فيهما فإذا كانت منصوبة دخل الحجر الأسفل دون الأعلى فإذا باعها وسكت ثم جاء ليأخذ الأعلى فهل يمنعه المشتري أو لا يمنعه؟ الجواب يمنعه لأنه ملكه فلم يدخل في البيع لأنه منفصل لكن هذه القول ضعيف ولذلك هناك وجه آخر أنه يدخل لأنه هل يمكن أن تقوم الرحى بدون الجزء الأعلى؟ لا يمكن فهو داخل كما أنه لا يمكن أن يلبس الإنسان خفاً واحداً فهذا داخل فالوجه الثاني أنه يدخل هو الصواب قوله (الأبواب المنصوبة) وهذه كذلك تدخل والأبواب المُسنَّدة لا تدخل لأنها منفصلة قوله (المفتاح) لا يدخل على المذهب وفيه وجه آخر أنه يدخل فعلى هذا إذا باع عليه فيلا وفيها خمسون باباً فإنه يأخذ كل المفاتيح لأنها لا تدخل فهي منفصلة لكن هذا القول ضعيف ولا شك لأن الكيلون في الباب والباب مسمر متصل فهو من جنس الحجر الفواقني بالنسبة للرحى والصواب بلا شك أن المفتاح يدخل ولهذا إذا باعها عليه يقول المشتري سلمني المفتاح. القارئ: والثاني لا يدخل لأنه ينفرد عنه فهو كالدلو وما هو منفصل عنها مما ليس لمصلحتها كالدلو والحبل والبكرة والقفل لم يدخل في البيع لأنه منفصل عنها غير مختص بمصلحتها أشبه الفرش التي فيها.

باب بيع الثمار

الشيخ: الدلو والحبل لا يدخل في البيع والدلو والحبل فيما سبق كان في البيوت آبار عليها بكرات وفيها حبل يسمى الرشا وفيها أيضاً دلو المؤلف رحمه الله يقول الدلو والحبل لا يدخل وهذا حق لأن الدلو والحبل منفصل والبكرة يقول لا تدخل وهي التي ينزل بها الحبل وتسمى عندنا المحالة تدور لكن ينبغي أن يقال البكرة إن كانت مسمرة دخلت في البيع وإن كانت موضوعة وضعاً على الخشبتين لم تدخل وهذا مقتضى القاعدة لكن كل ما لا يدخل إذا شرطه المشتري دخل بالشرط لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع). القارئ: وإن باعه قرية لم تدخل مزارعها في البيع إلا بذكرها لأن القرية أسم للأبنية دون المزارع. الشيخ: إذا باع القرية فهل تدخل مزارعها؟ يقول المؤلف إن المزارع لا تدخل لكن ينبغي أن يقال أما المزارع متصلة فهي داخلة لأنها منها وكذلك المزارع التي في جوف القرية وأما المزارع المنفصلة بالطرقات والشوارع فهذه لا تدخل إلا بشرط. باب بيع الثمار القارئ: لا يجوز بيع الثمر والزرع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع لما روى ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها) متفق عليه وفي لفظ (نهى عن بيع الثمار حتى تزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن من العاهة) رواه مسلم ولأن في بيعه ضرر من غير حاجة فلم يجز كما لو شرط التبقية فإن باعها بشرط القطع جاز لأنه يأخذها قبل تلفها فيأمن الغرر وإن باعها لمالك الأصل ففيه وجهان أحدهما يصح لأنها تحصل لمالك الأصل فجاز كما لو باعهما معاً والثاني لا يصح لأنه أفردها بالعقد أشبه ما لو باعها لغيره وإنما يصح إذا باعهما لأنها تدخل تبعاً كالحمل مع أمه وإذا بدا الصلاح جاز بيعها بشرط القطع ومطلقاً وبشرط التبقية للخبر ولأنه أمن العاهة فجاز بيعه كسائر الأموال.

الشيخ: بيع ثمر النخل والزرع لا يجوز إلا إذا صلح للأكل والجني فإذا باعها قبل بدو صلاحه فالبيع باطل إلا إذا شرط القطع لأنه إذا شرط القطع أنتفع بها في الحال وأمن من العاهة ولكن يشترط مع ذلك إذا شرط قطعها في الحال أن ينتفع بها بعد القطع فإن كانت ثمرة لو قطعت قبل بدو صلاحها لم تصلح لا لأكل البهائم ولا لأكل الآوادم فإنه يجوز بيعها ولو بشرط القطع لأن بيعها حينئذ يكون إضاعة للمال فقوله (من غير شرط القطع) يجب أن يضاف إليه شرط آخر وهو أن ينتفع بها بعد القطع مثال ذلك الآن النخل عندنا لم يبدو صلاحه في هذا الوقت مثلاً فلو باع الثمرة الآن لا يجوز إلا إذا شرط القطع فإذا شرط القطع فلا بأس لكن ننظر هل إذا قطعها هل ينتفع بها إن قيل نعم ينتفع بها تأكلها البهائم صح وإن قيل لا لا تأكلها ولا البهائم في هذا الوقت فإنه لا يصح لما فيه من إضاعة المال وكذلك الزرع إذا كان في سنبله لم يشتد بعد فإذا باع الزرع في هذه الحال قلنا لا يصح إلا إذا شرط جزه الآن وهو مما ينتفع به فلا بأس ويكون جزه على أنه علف أما إذا بدأ الصلاح فله أن يبيعه بشرط القطع في الحال ومطلقاً وبشرط التبقية فعندنا الآن ثلاثة صور الصورة الأولى أن يبيعه ويشترط جزه في الحال بعد بدو الصلاح الآن الصورة الثانية أن يبيعه ويشترط المشتري التبقية، الصورة الثالثة أن يبيعه ولا يشترط الإبقاء ولا القطع كل الصور الثلاث تصح فإن قال قائل ما الفائدة من شروط القطع؟ نقول نعم لأن البائع ربما يشترط القطع على المشتري للتخفيف عن النخلة مثلاً أو من أجل أن يخلي الأرض من الزرع ليزرعها مرة أخرى أو بزرع آخر إذاً نقول بيع الثمار قبل بدو الصلاح لا يصح إلا في صورة واحدة بشرط القطع في الحال إن نفع وبيعها بعد بدو الصلاح جائز في الصور الثلاث.

السائل: لوباع أرضاً أو داراً وفيها كنز من ذهب أو نحوه وانتقلت إلى ملك المشتري ثم هذا المشتري جاء ليزرعها أو ليعمرها فخرج فيها هذا الكنز فهو لمن؟ الشيخ: هل الكنز مودع أو بأصل الخلقة. السائل: الظاهر أنه مودع. الشيخ: إذا كان مودع فيكون لمن وجده. السائل: لو أن العامل الذي يحفر أو يزرع أو يبني هو الذي وجده فهل يكون له؟ الشيخ: نعم يكون للعامل إلا إذا كان العامل قد أستأجر لحفره فهو للمالك. فصل القارئ: وبدو الصلاح في ثمرة النخل أن يحمر أو يصفر وفي العنب أن يسود أو يتموه وفي الحب أن يشتد أو يبيض وفي سائر الثمار أن يبدو فيه النضج أو يطيب أكله لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب) متفق عليه ونهى عن بيع الثمرة حتى تزهو قيل وما تزهو قال تحمار أو تصفار ونهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى يسود رواه الترمذي. الشيخ: بدو الصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو صفر لأن ثمر النخل إما أن يكون أحمر وإما أن يكون أصفر ويوجد نخل يبقى أخضر لكنه يتبين صلاحه بكونه يحلولي ويكون أهش من قبل فهذا علامة صلاحه والعنب أن يسود وهل كل عنب يسود لا؟ ولهذا قال (أو يتموه) يعني يلين حتى يكثر فيه الماء وبعضهم عبر بقوله (حتى يطيب أكله) وهذا أحسن وأبين فالعنب لا يباع إلا إذا طاب أكله على أي لون كان وعلى أي قساوة كان والدليل ذكره المؤلف رحمه الله وفي الحديث قيل (وما تزهو) والاستفهام عن الفعل لا يرد ولهذا لابد أن يقدر وما معنى تزهو لأن نفس الفعل الصيغة ما يستفهم عنها وإنما يستفهم عن المعنى وعليه فنقول ما اسم استفهام مبتدأ والخبر محذوف والتقدير وما معنى تزهو قال (تحمار أو تصفار) قوله (تحمار أو تصفار) هل المعنى تميل إلى الحمرة أو الصفرة أو يكمل فيها الحمرة أو الصفرة؟ الثاني أولى لقوله في الحديث الثاني (أن يحمر أو يصفر) أي إذا تبين أنها حمراء أو صفراء.

القارئ: وإذا بدا الصلاح في نوع جاز بيع ما في البستان منه وعنه لا يباع إلا ما بدا صلاحه للخبر والأول أظهر لأن ذلك يؤدي إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة. الشيخ: رحمه الله هذا غريب كيف نعلل بالخبر ثم نقول الأول أظهر ثم نعلل بعلة غير صالحة فالصواب أنه إذا باع النوع جميعاً كفى بدو الصلاح في واحدة منه وإذا أراد أن يبيعه على انفراد فلابد أن يكون الصلاح في كل واحدة لأن كل صفقة منفردة عن الأخرى وإذا باعه جميعاً قلنا أنه إذا بدا الصلاح في واحدة من هذا النوع جاز بيع جميع النوع إذا باعه جميعاً مثل أن يبيع السكري جميعاً والسكري خمسين نخلة مثلاً وليس فيه إلا واحدة فقط مصفرة فإنه يجوز بيعها لأنها صفقة واحدة في نوع واحد أما إذا أراد أن يبيع جميع ثمر البستان ولم يوجد شيء بدا فيه الصلاح إلا السكري وبقية الأنواع كالبرحي وأم خشب وأم الحمام لم يبد فيها الصلاح فعلى كلام المؤلف أنه يجوز والصواب أنه لا يجوز لأن هذا مختلف فهذا نوع مستقل وهذا نوع مستقل ولذلك يقول رحمه الله (وعنه لا يباع إلا ما بدا صلاحه للخبر) وهذا هو الصواب وأما قوله (والأول أظهر لأن ذلك يؤدي إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة) فيقال ليس هناك ضرر ولا مشقة ولا سوء مشاركة لأن السكري واضح والأنواع الأخرى واضحة فأين المشاركة كل يأتي إلى نخله ويأخذه فالصواب ما دل عليه الحديث ولهذا نقول أنه إذا باع الثمر فإن باع كل نخلة وحدها فلابد أن يبدو الصلاح في كل نخلة وإن باعه جميعاً اكتفينا من كل نوع بواحدة وإن باعه أنواعاً فكذلك. فصل القارئ: وبدو الصلاح في ثمرة النخل أن يحمر أو يصفر وفي العنب أن يسود أو يتموه وفي الحب أن يشتد أو يبيض وفي سائر الثمار أن يبدو فيه النضج أو يطيب أكله لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب) متفق عليه.

الشيخ: سبق لنا أن مثل هذا التعبير لا ينبغي في الأحاديث الصحيحة (روي) مع أنه متفق عليه الذي ينبغي أن يجعل بدلها وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن هذا من باب التساهل ولعل العذر للمؤلف ومن سلك مسلكه أنه ذكر أنه متفق عليه فيزول توهم الضعف. القارئ: ونهى عن بيع الثمرة حتى تزهو قيل وما تزهو قال تحمار أو تصفار ونهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى يسود رواه الترمذي وإذا بدا الصلاح في نوع جاز بيع ما في البستان منه وعنه لا يباع إلا ما بدا صلاحه للخبر والأول أظهر لأن ذلك يؤدي إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة. الشيخ: سبحان الله كيف يقال للخبر ثم يقال الأول أظهر وهذا معناه أن مخالفة الخبر هي الأظهر فالتعبير فيه نظر والصواب ما دل عليه الخبر فإذا باع الثمرة أفراداً بأن باع كل شجرة وحدها فلابد أن يبدو الصلاح في كل شجرة مثلاً إنسان عنده عشرون نخلة عشرة منها قد بدا صلاحها وعشرة لم يبد نقول إذا باع كل واحدة لوحدها صار كل بيعة صفقة مستقلة فلابد أن يكون في كل نخلة باعها بدو الصلاح ولا يمكن أن يخالف الخبر وهو صريح في هذه المسألة وقول المؤلف إن هذا أي لو أننا قلنا إنه لابد من بدو الصلاح للجميع فهذا يؤدي إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة نقول الحمد لله من قال لابد من المشاركة يقال الذي لم يبدو صلاحه لا يباع ويكون لصاحب الأصل حتى يبدو صلاحه. القارئ: وفي سائر الجنس وجهان مضى توجيههما في التأبير ولا يختلف المذهب أن بدو الصلاح في بعض الشجرة صلاح لجميعها.

الشيخ: هذا لا شك أن صلاح الثمرة في بعض الشجرة صلاح لجميع ثمرها فمثلاً هذه نخلة فيها خمسة أعذق الصلاح في عذق منها والبقية خضراء لم تحمر ولم تصفر فهل يبيع هذه الشجرة جميعاً أو نقول بع واحدة من هذه الأعذق والباقي لا تبيعه؟ الجواب الأول وهذا هو الذي فيه المشقة لو قلنا أنه لابد أن يبدو الصلاح في جميع أعذقها لكان هذا مشقة عظيمة إذاً إذا بدا الصلاح في بعض الشجرة الواحدة فهو بدو لها جميعاً أما في شجرات أخرى ولم يبدو في شجرة فهذه لا تباع حتى يبدو صلاحها لكن لو باعها جميعا وكانت من الأجناس متعددة فإننا نقول الجنس كالشجرة الواحدة إذا بدا الصلاح في جنس فهو بادي في جميع الجنس مثال ذلك رجل عنده بستان فيه نخل متعدد الأنواع مثلاً سكري وبرحي وشقر وأم الحمام أربعة أصناف فإذا باعه جميعاً ووجدنا في واحدة من البرحي قد بدا صلاحه والبقية لم يبد وواحدة من السكري بدا صلاحها صلاحها والبقية لم يبد وواحدة من الشقر بدا صلاحها والبقية لم يبد وواحدة من أم الحمام بدا صلاحها والبقية لم يبد فإذا باعها جميعاً نقول لا بأس لأن هذا نوع واحد وقد بدا صلاح شجرة واحدة منه والصفقة واحدة فيصح. القارئ: ولا يختلف المذهب أن بدو الصلاح في بعض الشجرة صلاح لجميعها وأن بدو صلاح جنس ليس بصلاح لجنس آخر لأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة فإن بدا صلاح ثمرة بستان لم يكن صلاحاً لثمرة غيره وعنه يكون صلاحاً فيما قاربه لأنهما يتقاربان في الإدراك والمذهب الأول. الشيخ: هل فيما قاربه مكاناً أو فيما قاربه جنساً ونوعاً؟ الجواب الظاهر المعنيان أي جنساً ومكاناً وذلك لأن بعض النخل معروف يتأخر بدو الصلاح فيه ومعروف أيضاً أن المناطق تختلف الآن نحن هنا في الجزيرة العربية الجنوب يبدو صلاحه قبل الوسط والوسط قبل الشمال مع أن الجنس والنوع واحد وعلى هذا فيكون قول المؤلف رحمه الله (فيما قاربه) أي مكاناً ونوعاً.

القارئ: والمذهب الأول لأنه يفضي إلى سوء المشاركة وإن بدا الصلاح في ثمرة بستان فأفرد بالبيع ما لم يبد صلاحه لم يجز لأن لم يبد صلاح شيء من المبيع أشبه البستان الآخر وفيه وجه آخر أنه يجوز لأنه يجوز بيعه مع غيره فجاز منفرداً كالذي بدا صلاحه. الشيخ: هذا تعليل عليل يقول (لأنه يجوز بيعه مع غيره) فالجواب نعم يجوز بيعه مع غيره تبعاً ويثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً أما إذا صار مستقلاً فإنه لا يجوز. السائل: ما معنى سوء المشاركة؟ الشيخ: سوء المشاركة أي مشاركة البائع والمشتري إذا قلنا يصح فيما بدا صلاحه دون ما لم يبدو صارا شريكين في الثمرة ويحصل النزاع بينهما. فصل القارئ: وإذا ابتاع ثمراً أو زرعاً بعد صلاحه لم يكلف قطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ لأن ذلك العادة في نقله فحمل البيع عليه لما ذكرنا في الثمر المؤبر وإن احتاجت إلى سقي لزم البائع سقيها لأن عليه تسليمها في أوان حصادها ولا يحصل إلا بالسقي فلزمه بخلاف ثمرة البائع وإن تلفت بجائحة من السماء رجع على البائع لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بوضع الجوائح) وفي لفظ قال (إن بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حقك) رواهما مسلم ولأنها تأخذ حالاً فحالاً فكانت من ضمان البائع كالمنافع في الإجارة.

الشيخ: إذا أشترى ثمراً أو زرعاً بعد صلاحه فإنه لا يلزم بقطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ ولكن إذا جاء أوان الجذاذ والحصاد وقال المشتري أريد أن يبقى الثمر حتى يتحرك السوق وتزداد القيمة وقال البائع صاحب الشجرة بل جذه أو أحصده فإنه يلزم المشتري بحصاده أو جذاذه لأنه ليس له حق الانتفاع بالأرض في مسألة الزرع ولا حق الانتفاع بالشجرة في مسألة الثمرة إلا بقدر الحاجة فقط لأنه ملك غيره ولذلك لو تلفت هذه الثمرة بعد أوان الجذاذ أو الحصاد فضمانها على المشتري. (¬1) السائل: لو اشترط البائع عدم الضمان إذا تلف الثمر بجائحة ونحوه فهل له ذلك؟ ¬

_ (¬1) تنبيه: ذكر أحد الطلبة زيادة على النسخة المطبوعة بعد قوله بخلاف ثمرة البائع فقال: (المؤبرة على أصول المشتري لا يلزمه سقيها لأنه لا يلزمه تسليمها وإن تلفت بجائحة من السماء فهي من ضمان البائع)، فعلق الشيخ (يحتمل أن هذا أصل ويحتمل أن يكون حاشية لأن المعنى بخلاف ثمرة البائع يريد به رحمه = الله أنه إذا باع الإنسان ثمراً قد أوبر فالثمرة للبائع فهل يلزم المشتري أن يسقيها؟ لا وذلك لأن البائع لم يملكها من قِبَله بل ملكها لأنه أبرها فليس ملكاً جديداً بل هو مستمر ولو تلفت هذه الثمرة فإنه لا يضمنها المشتري).

الشيخ: لعله سيذكره المؤلف لكن على كل حال لو أن البائع خاف أن يفسد الثمر الذي باعه وقال للمشتري لا أضمن لك نقص الثمرة إذا تلفت بجائحة أو نقصت فإن هذا الشرط باطل (كل شرط ليس في كتاب الله باطل وإن كان مائة شرط) لكن لو فرض أن فيها العيب الآن موجود وقال البائع اشترط عليك أنك لا ترجع علي بهذا العيب فهنا له الشرط فلو زاد العيب فلا شيء للمشتري أما لو عابت بشيء آخر أو تلفت بشيء آخر فعليه الضمان فلو شرط ألا ضمان عليه الثمرة الآن ليس فيها عيب قلنا هذا الشرط لا يصح لأنه مخالف للحديث ولأنه ميسر لأنه إذا قيل إذا أصابها شيء فهي ترجع فإن الثمن سوف ينقص ثم إن لم يصيبها شيء صار المشتري غانماً وإن أصابها شيء صار بالعكس فهو ميسر. القارئ: والجائحة مالا صنع لآدمي فيها. الشيخ: هذه الجائحة تعرفيها مالا صنع لآدمي فيها مثل أن تتلف بشدة الحر أو تتلف بالرياح أو تتلف بالأمطار أو ببرد ينزل من السماء ويلحق بها ما أتلفه اللصوص الذين لا يمكن تضمينهم كما لو عدى قوم على قرية وأتلفوا ثمارها فأخذوها فهذا مثل الجائحة لأنه لا يمكن تضمينهم وأما إذا كان المتلف آدمي معيناً فذكره المؤلف. القارئ: فإن أتلفها آدمي فللمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين الإمساك ومطالبة المتلف بالقيمة.

الشيخ: أيهما أحسن أن يفسخ ويرجع بالثمن أو يمضي البيع ويطالب المتلف؟ إن قلتم الفسخ فهو خطأ إن قلتم الإمضاء وهو مطالبة المتلف فهو خطأ لأنه إذا كان الثمن أكثر من القيمة فأيهما أحسن له؟ الجواب الفسخ فإذا قدرنا الآن أنه اشتراها بمائة ريال وقيمتها الآن تساوي ثمانين فلو ضمنها المتلف يأخذ ثمانين ولو فسخ ورجع بالثمن يأخذ مائة وإن كان العكس ينعكس الحكم يكون الإمضاء أولى له ويطالب المتلف بالقيمة فإن قال قائل كيف تجعلون الخيار للمشتري ولا تجعلوه للبائع؟ قلنا لأن المشتري هو صاحب الحق هو الذي يُضمن له حقه فكان الخيار له دون البائع والقاعدة عندنا أنه إذا باع الإنسان ثمرة هذه النخلة ثم أصابها شيء من السماء وأتلف الثمرة يضمنها البائع وإذا أتلفها آدمي مثلاً جاء رجل في الليل وأتلفها جذها أو ذهب بها فهنا نقول للمشتري الخيار إن شاء أمضى البيع وطالب المتلف وإن شاء فسخ البيع ورجع بالثمن والبائع يطالب المتلف وقلنا أن المشتري سيأخذ بالذي هو أربح له ولماذا يجعل الخيار للمشتري دون البائع؟ قلنا لأن صاحب الحق هو المشتري فيختار ما يرى أنه أحسن له. القارئ: وظاهر المذهب أنه لا فرق بين القليل والكثير إلا أن يكون التالف يسير جرت العادة بتلف مثله قال أحمد لا أقول في عشر تمرات ولا عشرين تمرة ولا أدري ما الثلث وذلك لأن الشرع أمر بوضع الجوائح ولم يجعل له حداً فوجب رده إلى ما يتعارفه الناس وعنه أن ما دون الثلث من ضمان المشتري لأن الثمرة لابد من تلف شيء منها فلابد من حد فاصل والثلث يصلح ضابطا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (والثلث كثير). الشيخ: والظاهر الأول أن ما جرت العادة بالتسامح فيه فلا ضمان فيه على البائع وأما ما لم تجر العادة بالتسامح فيه فإنه من ضمان البائع.

القارئ: وإن بلغت الثمرة أو الزرع أوان الحصاد فلم ينقل حتى هلك فهو من ضمان المشتري لأنه لا يلزمه النقل أي لا يلزم البائع نقله فكان التفريط منه أي المشتري فاختص الضمان به. الشيخ: هذا واضح يعني مثلاً لو أن المشتري أبقى الثمار بعد أوان جذاذها حتى نزل المطر وأتلفها فهي من ضمان المشتري لأنه هو الذي فرط بتأخير أخذها. القارئ: وإن اختلفا في التلف أو في قدره فالقول قول البائع لأنه غارم ولأن الأصل السلامة. الشيخ: هذه من الضوابط التي يذكرها الفقهاء رحمهم الله قال رحمه الله (لأنه غارم) وإذا كان غارماً كان من أدعى غرمه مدعياً والآخر منكر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي) ومأخذ هذا الضابط أن كل غارم مقبول القول فإذا كان غارماً صار من يدعي عليه مدعياً والمدعى عليه منكراً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) أما القول (ولأن الأصل السلامة) فهذا صحيح أيضاً فهو ضابط دليله قوله عليه الصلاة والسلام فيمن أشكل عليه هل أحدث أم لا قال (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فالأصل السلامة. القارئ: ولو أشترى الثمرة مع الشجرة أو الزرع مع الأرض زال الضمان عن البائع بمجرد العقد لأنه حصل التسليم الكامل بتسليم الأصل فأشبه بيع الدار. فصل القارئ: وإذا اشترى ثمرة شجرة فحدثت ثمرة أخرى فاختلطا ولم يتميز أو حنطة فانثالت عليها أخرى لم يبطل البيع لأن المبيع باق إنضاف إليه غيره فأشبه ما لو أشتبه العبد المبيع بغيره ويشتركان كل واحد بقدر ماله إن علم قدره وإلا وقف حتى يصطلحا ويحتمل أن يبطل العقد لتعذر تسليم المستحق فأشبه تلف المبيع.

الشيخ: الأول أصح لأن كل واحد منهم له عين في هذا المشترك فيقال إن علم قدر مال كل واحد بأن عرف أن المنهال قدره مائة صاع وأن المنهال عليه قدره خمسون صاعاً قلنا المال بينكما أثلاثاً لهذا ثلثان ولهذا ثلث فإن تعذر بأن كان كل واحد منهما لا يعلم مقدار ماله فإنه يوقف حتى يصطلحا ولكن إلى متى؟ نقول حتى يصطلحا وهما إذا علما أنه لابد من اصطلاح فسوف يصطلحان. القارئ: ولو باع الأصل وعليه ثمرة له فحدثت للمشتري ثمرة اختلطت بها لم يبطل العقد لأن المبيع هو الشجر ولم يختلط بغيره ويشتركان في الثمرة كما بينا ولو باع ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع فتركها حتى بدا صلاحها أو جزة من الرطبة فطالت حيلة فالعقد باطل من أصله نص عليه لأن الحيل لا تجوز في الدين وإن لم تكن حيلة ففيه روايتان إحداهما يبطل العقد لأن التبقية معنى حرم اشتراطه لحق الله تعالى فأبطل العقد حقيقة كالنسيئة في الربويات والثانية لا يبطل لأنها زيادة في عين المبيع فلم يبطل بها البيع كسمن العبد قال القاضي والزيادة للمشتري لذلك وعن أحمد أنهما يشتركان في الزيادة على كلتا الروايتين لحصولها في ملك المشتري بسبب الأصل الذي للبائع وعنه يتصدقان بها قال القاضي هذا على سبيل الاستحباب لاشتباه الأمر فيها فينظر كم قيمتها قبل بدو الصلاح وبعده فيشتركان فيها أو يتصدقان بها وإن جهلت القيمة وقف الأمر حتى يصطلحا.

الشيخ: أصل المسألة يقول (لو باع ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع) بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بدون هذا الشرط ما حكمه؟ لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها) فلو اشترى ثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع فلا بأس به ولكنه تركها حتى بدا صلاحها حيلة يعني أن شرائه إياه قبل بدو الصلاح حيلة يتوصل بها إلى شراء الثمر قبل بدو الصلاح فهنا نقول الحيلة محرمة فيبطل العقد لأننا لو صححنا الحيل على محرمات الله ما بقي للتحريم فائدة ولهذا قال (فالعقد باطل من أصله نص عليه) لكن إذا لم يكن حيلة مثلاً اشترى ثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع لكنه أصيب بمرض أو سافر أو تكاسل وتهاون حتى بدا الصلاح فيقول المؤلف (فيه روايتان إحداهما يبطل العقد) أي كما لو أراد الحيلة، والمسألة مرة أخرى نقول إذا أشترى ثمراً لم يبدو صلاحه بشرط القطع فالبيع صحيح لكنه فعل ذلك حيلة لشرائه قبل بدو الصلاح فتركه حتى بدا الصلاح فالعقد يبطل ولا شك لأن الحيل لا تبيح المحرم ولا تسقط الواجب ولو تركه حتى بدا صلاحه لغير الحيل إما لمرض أو سفر أو أنه نسي أو تغافل أو ما أشبه ذلك ففيه روايتان الرواية الأولى أن العقد يبطل لأنه فات الشرط الذي هو القطع عند الشراء فصار بيع ثمرة قبل بدو صلاحها فبطل والقول الثاني أنه لا يبطل العقد لأن الرجل ما تحيل وإنما اشتراه بشرط القطع لكن حيل بينه وبين القطع يقول المؤلف رحمه الله (والثانية لا يبطل لأنها زيادة في عين المبيع فلم يبطل بها البيع كسمن العبد) أي زيادة في المبيع فهي زيادة لأن هذا الثمر اشتراه قبل بدو

صلاحه فلم يتكامل نمائه ثم تكامل نمائه وبدا صلاحه فهذه زيادة فنقول كل يرجع إلى أصله فالذي اشترى الثمر أولاً له الثمر والزيادة هذه لا يستحقها فتكون لبائع الثمرة؟ يقول المؤلف (قال القاضي والزيادة للمشتري لذلك) أي لأنها زيادة في عين المبيع فكانت للمالك والقول الثاني قال المؤلف (وعن أحمد أنهما يشتركان في الزيادة على كلتا الروايتين لحصولها في ملك المشتري بسبب الأصل الذي للبائع) هذه الراوية الثانية يقول الزيادة ليست للمشتري ولا للبائع بل الزيادة مشتركة بينهما لأن الزيادة بالنسبة للثمرة في ملك المشتري وبالنسبة إلى أن الزيادة إنما كانت من أصل الشجرة هي التي نما الثمر حين كانت حاملة له فيكونان مشتركين في هذه الزيادة فتقدر القيمة حين بيعه وتقدر حين بدو الصلاح وما بينهما هو الزيادة فيكون على هذه الراوية مشتركاً بينهما وهذا قول قوي لأن فيه نوعاً من العادلة فلولا الشجرة ما نمت الثمرة ولولا أصل الثمر ما حصلت الزيادة فمقتضى العدل أن تكون الزيادة بينهما نصفين قال المؤلف رحمه الله (وعنه يتصدقان بها قال القاضي هذا على سبيل الاستحباب لاشتباه الأمر فيها) هذه رواية أخرى عن أحمد يقول إن الزيادة يتصدقان بها لأنها مشتبهة لإنه إن نظرنا إلى أنها زيادة في عين كانت للمشتري قلنا إنها للمشتري وإن نظرنا إلى أنه لا يمكن أن تكون هذه الزيادة بدون الأصل قلنا هي للبائع فهي إذاً مشتبهة وطريق التخلص أن يتصدقا بها والله تعالى يعلم من هي له فيعطي ثواب الصدقة لمن هي له لكن القاضي رحمه الله وهو من أئمة المذهب تأول هذا النص عن أحمد على أنه للاستحباب لاشتباه الأمر وما قاله القاضي جيد يعني إيجاب الصدقة عليهما وهي زيادة حصلت من أصل الشجرة ومن الثمرة المبيعة وهي ملك للمشتري فيه نظر فالصواب أن يقال إن سلكا طريق الورع وتصدقا بها فهو خير وربما يكون هذا الخير خيراً لهما مما لو اقتسماها في الدنيا لأنه سيبقى ثوابها في الآخرة

قال المؤلف (فينظر كم قيمتها قبل بدو الصلاح وبعده) فإذا قال قيمتها قبل بدو الصلاح مائة وبعد بدو الصلاح مائة وخمسين تكون الزيادة التي يتصدق بها خمسين ولهذا قال المؤلف (فيشتركان فيها أو يتصدقان بها) ثم قال (وإن جهلت القيمة وقف الأمر حتى يصطلحا). السائل: الزيادة التي يشتركان فيها تكون من متى إلى متى؟ الشيخ: من البيع إلي بدو الصلاح فهذه هي الزيادة وتكون من وقت البيع. السائل: القت كيف يبدو صلاحه مع أنه ليس إلا زرع؟ الشيخ: ليس فيه صلاح فهذا القت وشبهه يباع إذا تكامل نموه وقبل ذلك لا يباع إلا إذا شرط أنه يجز في الحال. السائل: ما هو الراجح في مسألة الزيادة الحاصلة؟ الشيخ: نرجح أن البيع باقي ويشتركان في الزيادة. فصل القارئ: وإذا كانت شجرة تحمل حَملين فباع أحدهما عالماً أنه يحدث الآخر فيختلط بالأول فالبيع باطل لأنه باع مالا يقدر على تسلميه لأن العادة فيه الترك فيختلط بالآخر ويتعذر التسليم. الشيخ: هذا واضح بمعنى أنه في بعض الأشجار تحمل حملين أي مرتين فباعها صاحبها وهو يعرف أنه سيحصل حمل آخر يختلط بالحمل الأول الذي باعه فيقول المؤلف رحمه الله (البيع باطل) لأنه عالم بأنه ستحمل الحملة الأخرى ويختلط كل واحد بالآخر على وجه لا تتميز فيه وهذا يبطل البيع. فصل

باب بيع المصراة

القارئ: ولا يجوز بيع الرطبة ونحوها مما يثبت أصله في الأرض ويأخذ ما يظهر منه بالقطع دفعة بعد أخرى إلا أن يبيع الظاهر بشرط القطع في الحال لأن ما في الأرض مغيب وما يحدث منه معدوم فلم يجز بيعه كالذي يحدث من الثمرة وإذا باع القثاء والباذنجان ونحوها لقطة لقطة جاز ويكون للمشتري جميع اللقطة وما حدث للبائع قال القاضي ويجوز بيع أصولها صغاراً كانت أو كبارا مثمرة أو غير مثمرة لأنه أصل تكرر منه الثمرة فأشبه الشجر ويكون حكمه حكم الشجر في أن ما كان من ثمر ظاهر عند البيع فهو للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري ولا يجوز بيع الفجل والجرز ونحوهما في الأرض لأن المقصود منها مغيب فأشبه بيع النوى في التمر. السائل: ما هي القثاء؟ الشيخ: القثاء مثل الخبز. باب بيع المصراة القارئ: لا يجوز بيع المصراة فإن باعها فالبيع صحيح فإن كانت من بهيمة الأنعام ولم يعلم المشتري ثم علم فهو مخير بين ردها وإمساكها لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعاً من تمر) متفق عليه ولأن هذا تدليس بما يختلف الثمن به فأثبت الخيار كتسويد شعر الجارية قال أبو الخطاب متى علم التصرية فله الخيار لأنه علم سبب الرد فملكه كما لو علم العيب وقال القاضي لا يثبت له الرد إلا عند انقضاء ثلاثة أيام لأن اللبن قد يختلف لاختلاف المكان وتغير العلف فإن مضت الثلاثة بانت التصرية ويثبت الخيار على الفور وقال ابن أبي موسى إذا علم التصرية فله الخيار إلى تمام ثلاثة أيام من حين البيع لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعاً من تمر) رواه مسلم.

الشيخ: وهذا القول هو المتعين وهو قول ابن أبي موسى لأن الحديث دالٌّ عليه فإذا علم بالتصرية فإن شاء رد فوراً وإن شاء انتظر إلى اليوم الثاني والثالث لأنه كما قال قد يختلف اللبن باختلاف العلف أو باختلاف وحشة البهيمة وأنسها أو ما أشبه ذلك والمهم مادام أن النص قد ورد بثلاثة أيام فإنه يأخذ به. فصل القارئ: ويلزم مع ردها صاعاً من تمر بدلاً عن اللبن الموجود حال العقد للخبر ويكون جيداً غير معيب لأنه واجب بإطلاق الشرع فأشبه الواجب في الفطرة وإن ردها قبل حلبها لم يلزمه شيء لأنه بدل اللبن ولم يأخذه وإن ردها بعد حلبها ولبنها موجود غير متغير ففي وجهان أحدهما يرده ولا شيء عليه لأنه بحاله لا عيب فيه والثاني عليه صاع تمر ولا يلزم البائع قبول اللبن لأنه يسرع إليه التغير وكونه في الضرع أحفظ له فإن تغير اللبن فعليه الثمن ولا يلزم البائع قبول اللبن لتغيره وقال القاضي يلزمه قبوله لأن القبض حصل فيه باستعلام المبيع فإن لم يقدر على التمر فقيمته في الموضع الذي وقع عليه العقد لأنه بمنزلة عين أتلفها ولو رضي بالتصرية وأصاب عيباً سواها فله ردها لأن رضاه بعيب لا يمنع الرد بما سواه وعليه مع الرد صاع تمر لأنه عوض للبن التصرية فيكون عوضاً له مطلقا ويحتمل أن لا يلزمه هاهنا إلا مثل اللبن لأن الأصل وجوب ضمان اللبن بمثله خولف فيما إذا رد مصراة من أجل التصرية للخبر ففيما إذا ردها لعيب آخر يبقى على الأصل كما لو كانت غير مصراة وفيها لبن وإن اشترى شاة غير مصراة فحدث لها لبن فاحتلبه ثم ردها بعيب فلا شيء عليه لأن اللبن حدث في ملكه وإن كان فيها لبن يسير لا يخلو الضرع من مثله فلا شيء فيه لأن مثل هذا لا عبرة به وإن كان كثيراً فعليه مثله لأن الأصل ضمان اللبن بمثله فلا يبطل بمخالفته في لبن التصرية وإن كان باقياً

انبنى على رد لبن التصرية لما ذكرنا فإن قلنا لا يرده فبقائه كتلفه وهل له رد المبيع يخرج على الروايتين فيمن اشترى ثوباً فقطعه ثم علم عيبه. الشيخ: سبق لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قدر قيمة اللبن في المصراة بالتمر من أجل قطع النزاع قدره بالتمر دون غيره لأنه أقرب ما يكون شبهاً باللبن. فصل القارئ: فإن كانت المصراة أمة أو أتانا ففيه وجهان أحدهما لا رد له لأن لبنها لا عوض له ولا يقصد قصد لبن الأنعام والثاني له الرد لأن الثمن يختلف بذلك لأن لبن الأمة يحسن ثدييها ويرغب فيها ظئراً ولبن الأتان يراد لولدها فإن حلبها فلا شيء عليه للبنها لأنه لا قيمة له.

الشيخ: ذكر المؤلف مسألتين المسألة الأولى إذا كانت المصراة أمة فيكون فيه وجهان أحدهما لا رد له لأن لبنها لا عوض لها وهذا غير صحيح بل لبن الأمة له عوض ولهذا لو بيع لبن بعد حلبه فإنه جائز ولأن المرضعة قال الله تعالى فيها (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) على ماذا؟ الجواب على اللبن وما ذهب إليه بعض العلماء من أن المراد أجور حمل الطفل وإلقامه الثدي فهذا لا وجه له لأن الذي يسترضع لولده هل يريد أن تحمل الولد وتضعه في حجرها وتلقمه الثدي ولو كان جافاً؟ لا وإنما يريد اللبن ولهذا نقول إن المرضعة المستأجرة يراد بذلك لبنها وما قبله من الحركة ووضعه في الحجر وإلقامه الثدي هذا مراد لغيره وليس مراد لذاته لكن المؤلف رحمه الله بنى على أن لبن المرضع ليس هو المعقود عليه بناءً على أنه لا يصح عقد الإجارة عليه والصواب أن اللبن مقصود بلا شك وأن له قيمة أما لبن الأتان فلا قيمة له لأنه لبن محرم ولكن إن قلنا إنه لا قيمة له فإن نقص لبن الأتان يعتبر عيباً ونقصاً لأن الإنسان إذا اشترى أتان ذات لبن يريد أن يسقيه ما عنده من صغار الحمر فهو مراد بلا شك فالصواب أن التصرية تجري في لبن الأتان وأنه إذا علم أنها مصراة فله الخيار لكن إذا ردها هل يرد معها شيئاً؟ الجواب لا يرد معها شيئاً لأن اللبن لا قيمة له. السائل: تصرية الأمة لم يتبين لي كيف تصر الأمة؟ الشيخ: مثلاً يقال لها لا ترضعي الولد أو لا تحلبي اللبن فينبغي إذا راءها المشتري وإذا ثديها كبير قال هذه ما شاء الله عندها لبن كثير. السائل: إذا تعذر وجود التمر فما الحكم؟ الشيخ: تأخذ قيمته. السائل: إذا وجد التمر ولكن في قوم لا يأكلون التمر فما الحكم؟ الشيخ: الظاهر أنه في هذه الحال إذا كان أهل المكان لا يأكلون التمر فيرجع إلى قيمته أو يعطون من الطعام المقارب. فصل

القارئ: وكل تدليس بما يختلف به الثمن يثبت خيار الرد قياساً على التصرية كتجعيد شعر الجارية وتسويده وتحمير وجهها. الشيخ: التدليس ضابطه أن يظهر السلعة بمظهر مرغوب فيه وليست كذلك كما ذكر المؤلف رحمه الله (كتجعيد شعر الجارية) والجارية يعني الأنثى يجعده يعني يجعله جعداً بدل أن يكون سبطاً والفرق بينهما ظاهر الجعد يكون قوياً ويكون معكرشاً وهو مرغوب عند بعض الناس والسبط أيضاً مرغوب عند بعض الناس لكن الغالب الأول فتسويده بعد أن كان أبيضاً وتبيضه بعد أن كان أسوداً لكن العكس لا يمكن ولكن ألم تعلموا أن النساء الآن بدأنا يخترن اللون الأبيض على اللون الأسود سبحان الله انقلاب يخترن اللون الأبيض على اللون الأسود فهن يسألن دائماً عن صبغه بالبياض ليس بياضاً ناصعاً كالثوب بل يكون أشهب. القارئ: وجمع الماء على الرحى وقت عرضها على المشتري. الشيخ: كانوا في السابق يأخذون من النهر ساقية ويضعون عليها الرحى وباندفاع الماء تتحرك البكرة وإذا تحركت بسرعة أخرجت ماء أكثر فيأتي البائع مثلاً عند العرض ويسد الجدول أو الساقية التي أخذها من النهر فإذا أراد عرضها فتح السد فانطلق الماء بقوة فتزداد حركة البكرة ويزداد حركة الماء فهذا تدليس لأنه لو رجعنا إلى أصلها ما كانت بهذه القوة. القارئ: فإن حصل ذلك بغير قصد كاجتماع اللبن في الضرع بغير تصرية واحمرار وجه الجارية لخجل أو تعب فهو كالتدليس لأن الخيار ثبت لدفع الضرر عن المشتري فلم يختلف بالقصد وعدمه كالعيب وإن رضي المشتري بالمدلس فلا أرش له لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بين إمساك المصراة بغير شيء وردها مع التمر.

باب الرد بالعيب

الشيخ: وقيل بل له الأرش في الفرق بين قيمتها مدلسة وقيمتها غير مدلسة ولكن الأصوب أنه لا يخير فيقال إما أن تردها وإما أن تبقيها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من غش فليس منا) فيقال للمغشوش وهو المدلس عليه يقال له إما أن تمسكها بدون عوض وإما أن تردها كما أن المعيب أيضاً سيأتينا إن شاء الله تعالى أن بعض أهل العلم يقول لا أرش له فلا أرش لمن وجد الشيء معيباً فيقال إما أن تمسكه معيباً وإما أن ترده لأن الأرش عوض عن الجزء الفائت وهذا يحتاج إلي رضا من الطرفين. فصل القارئ: وإن دلس بما لايختلف به الثمن كتبييض الشعر وتسبيطه فلا خيار للمشتري لأنه لا ضرر في ذلك. الشيخ: قوله تسبيطه هذا ما لم يكن رغبة الناس في السبط فإن كان الرغبة في السبط صار تدليساً. القارئ: وإن علف شاة فظنها المشتري حاملا أو سود أنامل العبد ليظنه كاتباً أو حداداً. الشيخ: تسويد الأنامل ليظن أنه كاتب هذا مما يختلف به الوقت فالآن الإنسان يكتب ولا يكون في أنامله شيء من الحبر فهم يمثلون حسب وقتهم رحمهم الله. القارئ: أو كانت الشاة عظيمة الضرع خلقة فظنها كثيرة اللبن فلا خيار له لأن ذلك لا ينحصر فيما ظنه المشتري فإن سواد الأنامل قد يكون لولع أو خدمة كاتب أو حداد أو شروعه في ذلك. الشيخ: فإن سواد الأنامل قد يكون لولع ومعنى الولع يعني توليع النار ولهذا يقول إن هذا ربما يكون لغير مالكه لتوليع النار لا لكونه كاتباً. القارئ: وانتفاخ البطن قد يكون للأكل فظن المشتري غير ذلك طمعاً لا يثبت له خياراً. باب الرد بالعيب القارئ: من علم بسلعته عيباً لم يحل له بيعها حتى يبينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه عيب إلا بينه له) رواه ابن ماجة.

الشيخ: لا شك أنه لا يجوز للإنسان إذا علم عيباً في السلعة إلا أن يبينها وما يفعله بعض الناس الآن في بيع السيارات تحت الميكرفون كما يقولون تجده يبيعها وهو يعلم أن بها عيباً ويقول للمشتري أبيع عليك طارات العجلات من أجل إذا وجد بها عيباً يقول أنت صابر به وهذا لا يبرئه عند الله عز وجل ولهذا كان القول الراجح في مسألة البيع بشرط البراءة أنه إذا كان البائع عالماً بالعيب فإنه لا يبرأ وإن كان غير عالم فإنه يبرأ كرجل اشترى سيارة ولم تبقى عنده إلا يوماً أو يومين ثم باعها وهو لا يدري هل فيها عيب فقال للمشتري أنا أبيع عليك إطار العجلات أو الكبوت كما يقولون أو الهيكل وصبر فإنه لا يرجع إذا وجد عيب لأنه أبرأ البائع أما إذا كان البائع يعلم فإنه لا يبرأ بذلك هذا هو الراجح في هذه المسألة وعدم البيان حرام لأدلة كثيرة منها هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله ومنها قول الرسول عليه الصلاة والسلام محذراً (إن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) ومنها قوله عليه الصلاة والسلام (المؤمن أخو المؤمن) والأدلة في هذا كثيرة. القارئ: فإن باع ولم يبين فالبيع صحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم صحح بيع المصراة مع نهيه عنه وحكي عن أبي بكر أن البيع باطل لظاهر النهي. الشيخ: والصواب أن البيع صحيح لكن للمشتري الخيار. القارئ: ومن أشترى معيباً أو مصراة أو مدلساً يعلم حاله فلا خيار له لأنه بذل الثمن فيه راضياً به عوضا فأشبه مالا عيب فيه وإن لم يعلم فله الخيار بين رده وأخذ الثمن لأنه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم ولم يسلم له فثبت له الرجوع بالثمن كما في المصرا وبين إمساكه وأخذ أرشه لأن الجزء بالعيب يقابله جزء من الثمن فإذا لم يسلم له كان له ما يقابله كما لو تلف في يده ومعنى الأرش أن ينظر بين قيمته سليماً ومعيبا فيؤخذ قدره من الثمن فإذا نقصه العيب عشر قيمته فأرشه عشر ثمنه لأن ذلك هو المقابل للجزء الفائت.

الشيخ: إذا اشترى معيباً عالماً بعيبه فلا خيار له وإذا اشترى معيباً غير عالم بعيبه فإن له الخيار بين أن يرده ويأخذ الثمن إن كان قد سلم الثمن وبين أن يبقيه وله الأرش الأرش قسط ما بين قيمته صحيحاً ومعيباً فإذا كان قيمته صحيحاً مائة وقيمته معيباً ثمانون فالأرش الخمس فنقدره بالجزء المشاع والمثال إذا اشتراه بمائتين ثم قوم وقيل قيمته سليماً مائة وقيمته معيباً ثمانون فالفرق بين القيمتين الخمس فنضع من المائتين الخمس أي أربعين فهذا هو تقدير الأرش أما الرد فظاهر فإن المشتري يملك الرد لأنه اشتراه سليماً فبان معيباً وهو لم يرض به وأما الأرش فعلل المؤلف هذا بأن الثمن في مقابلة المبيع سليماً فكل قرش منه يقابل جزءاً من هذا المبيع فإذا فُقد جزءٌ بالعيب لزم أن ينزل من الثمن بقدر ولكن الراجح قول شيخ الإسلام رحمه الله وهو أن يخير المشتري بين الرد أو الإمساك مجاناً وأما الأرش فيقول إن الأرش هذا عقد جديد لا يمكن أن يجبر البائع لكن لو فرضنا أن البائع مدلس فهنا يتوجه القول بإلزامه بالأرش إذا اختاره المشتري تنكيلاً له أما إذا علمنا أن الرجل سليم صادق النية وتبين العيب فكيف نلزمه بالأرش هو يقول أنا إنما بعت السلعة هذه إن جاءت بالثمن هذا ولا ردها عليَّ فكيف نلزمه فالقول الراجح إذاً أن المشتري يخير بين الرد وأخذ الثمن كاملاً والإمساك بلا أرش لأن الأرش معاوضة في الواقع إلا إذا علمنا أن البائع مدلس فحينئذ نعامله بالأغلظ والأشد ونقول الخيار للمشتري إن شاء أمسكها بالأرش وإن شاء ردها. فصل

القارئ: فإن نما المبيع المعيب نماء متصلاً كالسمن والكبر والتعلم والحمل والثمرة قبل الظهور وأراد الرد رده بزيادته لأنها لا تنفرد عن الأصل في الملك فلم يجزئه رده دونها فإن كانت منفصلة كالكسب واللبن وما يوهب له والولد المنفصل والثمرة الظاهرة رد الأصل وأمسك النماء وعنه ليس له رده دون نمائه والأول المذهب لما روت عائشة أن رجلاً أبتاع غلاما فاستغله ما شاء الله ثم وجد به عيباً فرده فقال يا رسول الله إنه استغل غلامي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) رواه أبو داود.

الشيخ: الآن هذا المعيب نمى وأراد المشتري رده فهل له حق في هذا النماء نقول في هذا تفصيل إذا كان النماء متصلاً فليس له الحق يرده بنمائه ولا يأخذ عن النماء عوضاً وإذا كان منفصلاً فالنماء له ويرده بدون بدون النماء مثال الأول السمن اشترى شاة هزيلة ثم نمت عنده وسمنت ثم تبين بها عيب وأراد ردها اشتراها هزيلة بمائة والآن تساوي مائتين وأراد الرد نقول ردها والنماء الذي حصل هل يعوض عنها أو لا يعوض يقول المؤلف أنه لا يعوض لأنه متصل والصحيح أنه يعوض عنه لأن هذا النماء حصل بفعل المشتري على وجه صحيح لأن هذا ملكه والنماء أيضاً ملكه فيكون له وحينئذ نقول إذا رددت قُوّم هذا المبيع هزيلاً وقوم سميناً والفرق بين القيمتين يسلمه البائع للمشتري لأن النماء المتصل حصل بفعل المشتري فهو يأتي بالعلف ويأتي بالماء يحوطها عن البرد وعن الحر فهو قد تعب عليها وهذا النماء من فعله فالصواب أن النماء المتصل كالنماء المنفصل وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الحق ولا فرق في الواقع وكذلك أيضاً التعلم اشترى عبداً فعلمه وبعد تعليمه وجد فيه عيباً نقول إن شئت فأمسك وعلى شيخ الإسلام ليس لك أرش وإن شئت رده ولك النماء وهو فرق ما بين قيمته متعلماً وقيمته أمياً أما الحمل والثمرة قبل الظهور واضح الحمل يعني أنه اشترى جارية وزوجها عبداً وحملت فالحمل الذي في بطنها مملوك الآن عبد فهو قبل الظهر تابعٌ لها كالسمن فلا يرجع به المشتري إلا على القول الراجح أنه يرجع به فإن خاف المشتري ألا يعوض عن هذه الزيادة يعني مثلاً خاف أنه لو رفع الأمر إلى قاضي يرى أن الزيادة المتصلة تتبع أصلها وليس لها قيمة فالحيلة سهلة بدل أن يردها يأخذ بالأرش على القول بجواز الأرش نقول أبقه عندك وخذ الأرش وهو فرق ما بين قيمة هذا المعيب سليماً وقيمته معيباً أما إذا كانت منفصلة يقول المؤلف (كالكسب واللبن وما يوهب له) يعني للعبد إذا وهب له شيء ثم يقول

(والولد المنفصل والثمرة الظاهرة رد الأصل وأمسك النماء) مثاله اشترى شاة حائلاً ثم حملت وبعد وضعها علم أن فيها عيباً ولا تستكثر تقول كل هذه المدة ما علم بالعيب نعم يمكن قد يكون عيباً خفياً لا يعلم به إلا بعد مدة فردها المشتري فالولد يكون للمشتري لأن هذا نماء منفصل فهو له وكذلك لو كسب العبد مثلاً اشترى عبداً ماهراً جيداً في التجارة فكسب أكثر من ثمنه ثم وجد به عيباً فرده فالكسب الذي حصل للمشتري أو وهبه له أي للبعد لأن ما يوهب للعبد فهو لسيده فيكون الموهوب للعبد ملكاً للمشتري قال المؤلف (وعنه ليس له رده دون نمائه) يعني المتصل والمنفصل وهذا خلاف القول الصحيح تماماً لأن القول الصحيح النماء كله المتصل والمنفصل كله للمشتري والمذهب التفصيل بين النماء المتصل والمنفصل والمتصل للبائع والمنفصل للمشتري هذا يقول ليس له رده لنمائه لا المتصل ولا المنفصل لكن هذه رواية ضعيفة ولهذا ردها وقال الأول المذهب وذكر الحديث والحديث رجل ابتاع غلاماً فاستغله فاستغله ما شاء الله ثم وجد به عيباً فرده فقال يا رسول الله إنه استغل غلاماً فقال النبي صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) الخراج يعني الكسب والعطاء والرزق كما قال تعالى (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) والباء هنا للبدلية يعني أنه كما أنه مضمون عليه أي على المشتري فخراجه له يعني كسبه بالضمان الباء للبدلية يعني كما أن ضمان هذا المبيع لو هلك على المشتري لأنه ملكه فيكون خارجه له وهذه قاعدة أصلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الخراج بالضمان يعني من عليه ضمان شيء فله كسبه وله نمائه هذا معنى الحديث وهذا الحديث أيضاً يدلنا على القول الراجح أن النماء المتصل كالمنفصل يكونان للمشتري لعموم الخراج بالضمان. السائل: شخص باع سلعة معيبة ثم ندم على ذلك؟

الشيخ: باع سلعة معيبة ثم ندم يعني ولم يخبر المشتري فهذا أمره يسير إن كان يعلم المشتري استحله وإن كان لا يعلمه فإنه يقدر الأرش وهو فرق ما بين قيمتها معيبة أو سليمة ثم يتصدق به عن هذا الرجل المجهول ويبرأ بذلك. السائل: رجل كان غشاش مدة كبيرة وبعد ذلك تاب إلى الله عز وجل ولا يدري كم دخل عليه من الأموال فماذا يفعل؟ الشيخ: أما الذين يعرفهم فالأمر واضح يستحلهم وينتهي الموضوع والذين لا يعرفهم يتصدق عنهم بالفرق بين هذا المغشوش بين قيمته سليماً ومعيباً وإذا كان لا يدري فليتحرَّ بقدر المستطاع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. السائل: لم يتضح لي كلام شيخ الإسلام في رد الأرش؟ الشيخ: مثلاً اشتريت كتاباً من شخص بعشرة ريالات على أنه سليم ثم تبين أن بعض الصفحات فيها بياض فهذا عيب شيخ الإسلام يقول إما أن ترد الكتاب وتأخذ الثمن أو تبقيه عندك ولا تأخذ الأرش هذا المعنى والمذهب يقول خذ الأرش ونحن نقول القول ما قاله شيخ الإسلام في هذه المسألة إلا إذا علمنا أن البائع قد خدعه. القارئ: إلا أن الولد إن كان لآدمية لم يملك ردها دونه لأن فيه تفريق بينهما وذكر الشريف أن له ردها لأنه موضع حاجة أشبه من ولدت حراً فباعها دونه والأول أولى لأن الجمع ممكن بأخذ الأرش أو ردهما معها. الشيخ: استثنى المؤلف الولد إذا كان من آدمية يعني فلا يمكن أن يردها ويبقي ولدها لأن هذا يستلزم التفريق بين الوالدة وولدها وهو حرام فماذا يصنع يقول المؤلف إما أن يأخذ الأرش يعني يدفع الأرش للبائع وتبقى عنده الأم والولد ويقال حينئذ أنه مثل تعذر الرد لأنه إذا تعذر الرد تعين الأرش فيقال هذا تعذر الرد أي رد الأم وحدها فيأخذ الأرش ويبقيها وإما أن يردها مع ولدها إذا كان يمكن أن ترد مع الولد بحيث يكون الولد مملوكاً ويأخذ ثمن الولد من البائع.

القارئ: فإن كان المبيع حاملا فولدت عند المشتري ثم ردها رد الولد معها لأنه من جملة المبيع والولادة نماء متصل. الشيخ: هذا واضح يعني لو كانت الحامل حين الشراء وهي حامل ثم ولدت فالحمل يرد معها لأن العقد وقع عليها وهي حامل فشمل الأم وما في بطنها فإذا ردها فلابد أن يرد الولد معها. فصل القارئ: وإن تعيب المعيب عند المشتري ففيه روايتان إحداهما له أرش العيب وليس له رده لأن في رده ضررا فلا يزال الضرر بالضرر والثانية يرده وأرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برد المصراة بعد أخذ لبنها ورد عوضه ولأن جواز الرد كان ثابتا فلا يزول إلا بدليل ولا نص في منع الرد ولا قياس فيبقى بحاله. الشيخ: هذه القاعدة تذكرنا فيما سبق أن ما كان ثابتاً بدليل فلا يزول إلا بدليل والمسألة هي إذا اشترى معيباً ثم تعيب عنده فهل له أن يرده على البائع أو نقول لما تعيب تعذر الرد؟ الصواب أن له أن يرده لكن يرد النقص الذي حصل بالعيب عنده ويسميه المؤلف أرش وهو نقص. القارئ: فإن دلس البائع العيب فتعيب عند المشتري أو تلف بفعله أو غيره فالمنصوص أنه يرجع بالثمن ولا شيء عليه لأنه مغرور والقياس يقتضي التسوية بين المدلس وغيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب على مشتري المصراة عوض لبنها مع التدليس وجعل الخراج بالضمان ولم يفرق بين مدلس وغيره. الشيخ: المذهب الأول والمذهب في الحقيقة من حيث التربية والمنع من الظلم أولى بلا شك لأننا إذا قلنا هذا المدلس الظالم نعاقبه بأنه كلما حصل عند المشتري فإنه عليه ولا ضمان على المشتري فهذا جيد حتى يردع الناس عن التهاون في كتم العيوب وغير ذلك.

القارئ: وعن أحمد أن المبيع إذا كان صانعا أو كاتبا فنسي عند المشتري يرده بالعيب ولا شيء معه وهذا يحتمل أن يكون فيمن دلس العيب دون غيره لأن الصناعة والكتابة متقومة تضمن في الغصب وعلله القاضي أنه ليس بنقص في العيب ويمكن تذكره فيعود. الشيخ: وعلى كل الحال المذهب أوجه من وجه والقول الثاني أوجه من وجه آخر لأن الخراج بالضمان ومعلوم أن المبيع قبل رده بالعيب من ضمان المشتري لكن المذهب أرجح حتى يسد الباب باب التدليس ويقال إن المشتري لو علم بالعيب ما أبقاه على ملكه فلا ينافي الحديث (الخراج بالضمان). فصل القارئ: وما تعيب قبل قبضه وهو مما يدخل في ضمان المشتري فهو كالعيب الحادث في يده وإن كان مما ضمانه على البائع فهو كالعيب القديم لأن من ضمن جملة المبيع ضمن أجزائه الشيخ: بعض المبيعات يكون ضمانها على البائع حتى يقبضها المشتري فإذا تعيبت فيما بين العقد وبين القبض فهو كالعيب القديم وإذا كان الشيء مما يدخل في ضمان المشتري من حين العقد فما تعيب من حين العقد فهو على مشترى هذا معنى العبارة مثال ذلك إذا اشترى طعماً مائة صاع ثم تعيب قبل أن يقبضه فضمانه على البائع فيكون كالعيب القديم يعني للمشتري الخيار ولو أشترى شيئاً معين لا يحتاج كيل فتعيب فهو على المشتري. فصل القارئ: وإن وطيء المشتري الأمة ففيه روايتان أحدهما ليس له ردها وله الأرش لأن الوطء يجري مجرى الجناية لا يخلو من عقر أو عقوبة والثانية له ردها إن كانت ثيبا ولا شيء معها لأنه معنى لا ينقص عينها ولا قيمتها ولا يتضمن الرضاء بالعيب فأشبه الاستخدام وإن كانت بكرا فهو كتعيبها عنده فإن ردها رد أرش نقصها كما لو عابت عنده. الشيخ: والصحيح أنه له الخيار مادام لم يعلم فله الخيار ويبقى النظر هل يضمن نقصها بزوال بكارتها نقول إن كان البائع مدلساً فإنه لا يضمن وإن كان غير مدلس فإنه يضمن أي المشتري. فصل

القارئ: فإن لم يعلم بالعيب حتى هلك المبيع بقتل أو غيره أو أعتقه أو وقفه أو أبق أو باعه أو وهبه فله الأرش لأنه تعذر عليه الرد وإن فعل ذلك مع علمه بالعيب فلا أرش له لرضاه به معيبا ذكره القاضي وقال أبو الخطاب في المبيع والهبة رواية أخرى له الأرش ولم يعتبر علمه وهو قياس المذهب لأننا جوزنا له إمساكه بالأرش وتصرفه فيه كإمساكه وإن باعه قبل العلم ثم رجع إليه ببيع أو غيره فله رده أو أرشه لأن ذلك أمتنع عليه لخروجه من ملكه وبرجوعه إليه عاد الإمكان. السائل: قوله في الوطء لا يخلو من عقر أو عقوبة ما معناه؟ الشيخ: كلمة عقر لا أدري وما معناها لكن عقوبة معروف أن الوطء يوجب العقوبة إذا كان بغير حلال أما من عقر فلا يظهر. فصل القارئ: وإن باع بضعه أو وهبه فله أرش الباقي فأما أرش ما باع فينبني على ما قلنا في بيع الجميع وفي جواز رد الباقي بحصته من الثمن روايتان إحداهما يجوز ذكره الخرقي لأن رده ممكن والأخرى لا يجوز لأن فيه تبعيض الصفقة على البائع فلم يجز كما لو كان المبيع عينين ينقصهما التفريق.

الشيخ: الصواب إذا رضي بهذا فلا بأس إذا رضي البائع بأن يرد عليه ما بقي من المبيع فلا حرج أما إلزامه فلا يلزم لأنه تفرقت الصفقة عليه بتلف بعض المبيع أو بيع أو نحو ذلك أقول فإن علم أن فيه عيباً فباع بعضه مع علمه بالعيب فهذا ليس له الخيار لأن بيعه إياه رضا وأما إذا لم يعلم إلا بعد أن باع فنقول في جواز رد الباقي بحصته من الثمن روايتان إحداهما المنع والثانية الجواز والصواب أنه جائز إذا رضي البائع بذلك مثال هذا رجل اشترى طعاماً وباع نصفه ثم علم أن فيه عيباً ومن المعلوم أن ما باعه لا يمكن رده لكن الثاني هل يرده أو لا المؤلف ذكر في ذلك روايتين رواية أنه يجوز أن يرده بقسطه من الثمن وراوية أخرى لا يجوز وتعليل الرواية الأخرى التي فيها عدم الجواز أن في ذلك تبعيضاً للصفقة على البائع وهذا ضرر عليه فأقول إذا رضي البائع بذلك فلا مانع فإذا قال الذي بيع يقدر بأرشه وهذا رده علي وأعطيك قسطه من الثمن. القارئ: ولو اشترى شيئين فوجد بأحدهما عيبا فله ردهما معاً أو إمساكهما وأخذ الأرش فإن أراد رد المعيب وحده ففيه الروايتان إلا أن يكونا مما ينقصهما التفريق كمصراعي باب وزوجي خف أو ممن لا يحل التفريق بينهما كالأخوين فليس له إلا ردهما أو إمساكهما مع الأرش لأن في ردهما تفريقاً محرما أو ضرراً بالبائع لنقصان قيمة المردود بالتفريق.

الشيخ: إذا اشترى شيئين فوجد بأحدهما عيباً مثلاً اشترى سيارتين فوجد في إحداهما عيباً يقول المؤلف رحمه الله له ردهما جميعاً لأن الصفقة واحدة فلو قال البائع أنا لا أقبل إلا السيارة التي فيها عيب فما جوابنا له نقول الصفقة واحدة والرجل أشترى السيارتين يريدهما جميعاً فله أن يردهما جميعاً قوله (أو إمساكهما وأخذ الأرش) وهذا مبني على القاعدة عند الفقهاء أن من أطلع على العيب فهو بالخيار بين الرد أو أخذ الأرش فإن أراد رد المعيب وحده ففيه الروايتان أي الروايتان اللتان سبقتا وقلنا إنه إذا رضي البائع بذلك فلا بأس قوله (إلا أن يكونا مما ينقصهما التفريق) فهذا لا يمكن أن يرد أحدهما (كمصراعي الباب وزوجي خف) يعني إنسان اشترى باباً له مصراعان أتعرفوا المصارع. السائل: عندما يقول فتح الباب على مصراعيه يعني ما بين ....

الشيخ: هو شق الباب يعني باب مكون من شقين فوجد بأحد الشقين عيباً فأراد أن يرده فقال البائع لا يمكن ترده يقبل قول البائع لأن في ذلك ضرراً عليه ولهذا قال (إلا أن يكونا مما ينقصهما التفريق كمصراعي باب) قوله (زوجي خف) الرجلان يحتجان إلى خفين اشترى خفين ليلبسهما فوجد في أحد الخفين عيباً فهل يرده وحده؟ لا لأن في ذلك ضرراً على البائع فنقول إما أن ترد الجميع أو تأخذ الأرش لو قال المشتري أنه ليس له إلا رجل واحدة ويريد أن يرد الثانية قلنا ولو كان كذلك لأن الضرر باقي على البائع كذلك أيضاً إذا كان ممن لا يحمل التفريق بينهما (كالأخوين) فليس لهما ردهما وكيف الأخوين مثل اشترى رقيقين أخوين والرقيقان الأخوان لا يمكن أن يفرق بينهما فوجد في أحدهما عيباً فأراد أن يرده ويبقي الآخر نقول لا إما أن ترد الجميع وإما أن تبقي الجميع ولك الأرش لماذا؟ لأنه قد يكون البائع لا يتضرر بهذا لكن التفريق بينهما شرعاً لا يجوز وهنا يحتاج أن نعرف من الذي يحرم التفريق بينهما شرعاً من المملوكين يقول العلماء كل من حرم التناكح بينهما بنسب فالتفريق بينهما حرام، مثل أخوان يحرم التفريق بينهما ولو كانا ابنا عم لا يحرم التفريق لأنه لا يحرم التناكح بينهما ولو كانا أخوان من الرضاع فإنه لا يحرم التفريق فنحن قيدنا أن يكون ذلك بنسب ولوكانا بنت الزوج وزوجة الأب يجوز التفريق لأن التحريم بينهما بالمصاهرة لا بالنسب. القارئ: وإن تلف أحد المبيعين ووجد بالآخر عيبا فعلى الروايتين وإن اختلفا في قيمة التالف فالقول قول المشتري لأنه كالغارم فهو كالمستعير والغاصب.

الشيخ: قوله رحمه الله (إن اختلفا في قيمة التالف) مثل إذا قال البائع قيمة التالف ألف وقال المشتري قيمته ثمانمائة فعندنا الآن مدعي ومدعى عليه البائع مدعي وهي دعواه زيادة القيمة والمشتري مقر بالقيمة التي أقر بها فيدخل هذا في قوله صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) ولهذا أخذ العلماء رحمهم الله من هذا الحديث قاعدة أن كل غارم فالقول قوله فعلى هذا إذا اختلفا في قيمة التالف فالغارم المشتري فنقول القول المشتري لأن ما زاد على قوله دعوى من البائع والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول (البينة على المدعي واليمين على من أنكر). القارئ: وإن كانا معيبين باقيين فأراد رد أحدهما وحده فهي كالتي قبلها وقال القاضي ليس له رد أحدهما لأنه أمكنه ردهما معا ولو كان المبيع عيناً واحدة فأراد رد بعضها لم يملك ذلك وجهاً واحداً لأن فيه تشقيص المبيع على البائع وإلحاق لضرر الشركة به. فصل القارئ: وإن اشترى اثنان شيئا فوجداه معيبا فرضيه أحدهما ففيها روايتان إحداهما للآخر رد نصيبه لأنه جميع ما ملكه بالعقد فملك رده بذلك كما لو أنفرد والأخرى ليس له رده لأن المبيع خرج عن ملك البائع كاملا فلم يملك المشتري رده مشقصا كما لو اشترى العين كلها ثم رد بعضها. الشيخ: الصحيح أنه له رده لأنه حق للمشتري لكن إذا علم البائع أنهما شركيان أما إذا ظنه لواحد فهنا قد يقال أنه لا يجوز له رده لأن البائع لم يعلم لكن إذا علم أن هاذين المشتريين شريكان فوجد في المبيع عيب فإن لأحدهما أن يرد نصيبه. القارئ: ولو ورث اثنان خيار عيب في سلعة فرضي أحدهما سقط رد الآخر لأن العقد عليها واحد بخلاف شراء الاثنين فإنه عقدان وإن اشترى واحد من أثنين شيئا فوجده معيبا فله رد نصيب أحدهما عليه منفردا لأنه يرد عليه جميع ما باعه. فصل

القارئ: ومن اشترى معيباً فزال عيبه قبل رده مثل أن يشتري أمة مزوجة فطلقها الزوج فلا خيار له نص عليه أحمد لأن الضرر زال ولو اشترى مصراة فصار لبنها عادة فلا خيار له وإن قال البائع أنا أزيل العيب مثل أن يشتري أرضاً فيها حجارة تضرها فقال البائع أن أقلعها في مدة لا أجرة لها أو أشترى أرضاً فيها بذر للبائع فقال أنا أحوله سقط الرد لأن الضرر يزول من غير ضرر. الشيخ: وهذا صحيح لكن بشرط ألا يفوت غرض المشتري فالأرض التي فيها الحجارة إذا قال البائع أنا أزيلها فهنا قد يتأخر ذلك ويحلق المشتري ضرر فإذا لم يكن ضرر فإنه لا رد له لكن لو بقي بعد إزالة الأحجار آثار تضر بالأرض فله الفسخ. السائل: لو اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج فإن المشتري ربما يتضرر لأنه لابد أن يستبرئها؟ الشيخ: إذا أراد إنسان أن يبيع أمة لابد أن يستبرئها قبل ولكن لو فرض أنه ما استبرئها وقال المشتري هو الذي يجب عليه الاستبراء فهذا لا شك أنه ضرر على المشتري فله الخيار. فصل القارئ: ذكر القاضي ما يدل على أن في خيار العيب روايتين إحداهما هو على التراخي لأنه خيار لدفع الضرر المتحقق فكان على التراخي كخيار القصاص فعلى هذا هو على خياره ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى من التصرف على ما ذكرنا في باب الخيار والثانية هو على الفور لأنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال فأشبه خيار الشفعة ولو حلب لبنها الحادث أو ركبها ليردها أو ليختبرها لم يكن رضى لأنه حق له إلى أن يرد فلم يمنع منه. الشيخ: الصحيح أنه يرجع في هذا إلى العرف إذا أخر الرد أو المطالبة بالأرش مدة تدل عرفاً على أنه راضي فإنه يسقط الخيار وإلا فله الخيار فالأصل بقاء الخيار ولكن إذا أخرها مثلاً عشرة أيام بعد أن علم لا للتجربة فإنه يسقط خياره هذا هو العرف أما أن يبقى شهر أو شهرين وهو يقول العيب على التراخي متى شئت رددت فهذا لا يُمكَّن منه. فصل

القارئ: وله الرد من غير رضى صاحبه ولا حضوره لأنه رفع عقد جعل إليه فلم يعتبر ذلك فيه كالطلاق ويجوز من غير حكم حاكم لأنه مجمع عليه فلم يحتج إلى حاكم كفسخ المعتقة للنكاح. فصل القارئ: والعيوب هي النقائص المعدودة عيبا فما خفي منها رجع إلى أهل الخبرة به فمن العيوب في الخلقة المرض والجنون والجذام والبرص والعمى والعور والعرج والعفل القرع والصمم والخرس والأصبع الزائدة والناقصة والحول والخوص والسبل وهو زيادة في الأجفان والبخر والخصا والتخنيث وكونه خنثى والحمق البات والتزوج في الرقيق فأما عدم الختان فليس بعيب في الصغير لأنه لم يفت وقته ولا في الكبير المجلوب لأن ذلك عادتهم وهو عيب في الكبير المولود في الإسلام لأن عادتهم الختان والكبير يخاف عليه فأما العيوب المنسوبة إلى فعله كالسرقة والإباق والبول في الفراش فإن كانت من مميز جاوز العشر فهي عيب لأنه يذهب بمال سيده أو يفسد فراشه وليس عيباً في الصغير لأنه لا يكون لضعف بنيته أو عقله والزنا عيب لأنه يوجب الحدود وكذلك شرب المسكر والحمل عيب في الأمة لأنه يخاف منه عليها وليس بعيب في غيرها لعدم ذلك والثيوبة وكون الأمة لا تحيض ليس بعيب لأن الإطلاق لا يقتضي وجود ذلك ولا عدمه وكذلك كونها محرمة على المشتري بنسب أو رضاع أو إحرام أو عدة لأن ما يختص بالمشتري لا ينقص ثمنها وسائر ذلك يزول عن قرب ومعرفة الغناء والحجامة ليس بعيب لأن النقص فعل ذلك لا العلم به والكفر وكونه ولد زنا ليس بعيب لأن الأصل في الرقيق الكفر ولا يقصد فيهم النسب وكون الجارية لا تحسن الطبخ والخبز ليس بعيب لأن هذه صناعة فالجهل به كالجهل بسائر الصنائع.

الشيخ: هذا فيه مسائل تحتاج إلى مناقشة أولاً يقول (معرفة الغناء ليس بعيب) فيقال بل هو عيب لأن التي تعرف الغناء لابد أن تعكف عليه وهذا يضر بالسيد من وجه وهو أيضاً حرام من وجه آخر فلا شك أنه عيب، قوله (الحجامة) إذا كان هذا الرقيق حجاماً فإن ذلك ليس بعيب لأن الأرقاء لا يأنفون من كونهم حجامين أما (الكفر) يقول المؤلف أنه ليس بعيب وهذا من الغرائب مثلاً اشترى أمة فإذا هي كافرة يقول المؤلف ليس بعيب لأن الأصل في الرقيق الكفر وهذا مُسلَّم فيما لو كان الرقيق من سبي يعني إنسان في القتال في سبيل الله فسبوا نساءً وصار سهم هذا الرجل كافراً فهنا قد نقول إن الأصل الكفر لأنهم لم يسبوا إلا الآن أما رقيق مازال في دار الإسلام نقول الأصل فيه الكفر فالصواب أن الكفر عيب لما في ذلك من الإضرار بالسيد والإضرار بأهله وأولاده وما أشبه ذلك وقوله (كون الجارية لا تحسن الطبخ والخبز ليس بعيب) هذا أيضاً فيه نظر لأن مثل الطبخ والخبز لا يجهله أحد فالأصل في الجارية أن تكون عارفة بالطبخ والخبز وشغل البيت هذا هو الأصل فإذا كانت لا تعرف يقول لها السيد اطبخي فلا تعرف أن تطبخ أو اخبزي ولا تعرف أن تخبز فهذا عيب بلا شك والصواب أن العيب كل ما ينقص قيمة المبيع عادة هذا هو الضابط ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة كما قاله المؤلف. السائل: قول المؤلف في الصغير (لأنه لا يكون لضعف بينته أو عقله) ما معناه؟ الشيخ: يعني لأن هذا لا يكون لضعف بنيته لو كان كبيراً ولا علقه لو كان كبيراً فلو كان كبيراً وصار يبول في الفراش قلنا هذا عيب لماذا؟ لأن البنية ما تقتضي أن يبول في الفراش وكذلك العقل لكن الصغير يبول في الفراش. فصل

القارئ: وإن شرط في المبيع صفة مقصودة مثل أن شرط الأمة بكرا أو جعدة أو العبد كتابا أو ذا صناعة أو فحلا أو خصياً أو مسلما أو الدابة هملاجة أو الفهد صيوداً أو الشاة لبونا فبان خلاف ذلك فله الرد لأنه لم يُسلَّم له ما بذل الثمن فيه فملك الرد كما لو وجده معيباً وإن شرط الأمة سبطة أو جاهلة فبانت جعدة أو عالمة فلا خيار له لأنها زيادة وإن شرطها ثيباً فبانت بكرا فكذلك ويحتمل أن له الخيار لأنه قد يشترط الثيوبة لعجزه عن البكر. الشيخ: هذه شروط في الصفات التي لابد من تحققها عند الشرط قال المؤلف (إن شرط صفة مقصودة مثل أن شرط الأمة بكراً) هذه صفة مقصودة فوجدها ثيباً أو جعدة فوجدها سبطة الرأس أو العبد كاتباً أو ذا صنعة فوجده بخلاف ذلك أو فحلاً فوجده خصياً أو خصياً فوجده فحلاً وذلك لأن كل إنسان له غرض قد يشترط أن يكون العبد فحلاً من أجل أن يزوجه أمة عنده وينتج من ذلك أولاد أرقاء وقد يشترط أن يكون خصياً ليأمنه على أهله قوله (أو الدابة هملاجة) يعني سريعة السير سهلة السير فبانت بخلاف ذلك قوله (أو الفهد صيوداً) الفهد من الأشياء التي تُعلَّم الصيد كالصقر والكلب وما أشبه ذلك فاشترط في الفهد أن يكون صيوداً ولكنه لم يكن كذلك فله الخيار وقوله (أو الشاة لبوناً) يعني كثيرة اللبن وهل يصح مقدراً بمعنى أن يقول إنها تحلب صاعاً أو مداً أو ما أشبه ذلك؟ جرت عادة الناس عندنا أنه يصح فيقول هذه البقرة حلوب تحلب في الوجبة صاعاً يعني في أربعة وعشرين ساعة أو أقل أو أكثر لكن الفقهاء رحمهم الله لا يرون التقدير لأنه قد لا يتمكن منه وإنما يكتفون بكونها لبوناً.

القارئ: وإن شرطها كفارة فبانت مسلمة ففيه وجهان أحدهما لا خيار له لأنها زيادة والثاني له الخيار لأنه يتعلق به غرض صحيح وهو صلاحها للمسلم والكافر وإن شرطها حاملاً صح وقال القاضي قياس المذهب أنه لا يصح لأن الحمل لا الحكم له والصحيح الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في الدية بأربعين خلفة في بطون أولادها ولأن الحمل يثبت الرد في المعيبة ويوجب النفقة للمبتوتة ويمنع كون الدم فيه حيضا والطلاق فيه بدعة. الشيخ: الصحيح ما ذكره الموفق رحمه الله. القارئ: ويجوز الفطر في رمضان للخوف عليه ويمنع إقامة الحد والقصاص وإن شرط في الطير مصوِّت أو في الديك أنه يصيح في وقت من ليل صح لأن ذلك عادة له فجرى مجرى الصيد في الفهد وقال بعض أصحابنا لا يصح لأنه يجوز أن يوجد وأن لا يوجد. الشيخ: هذه المسألة إذا اشترط في الديك أنه يصيح في وقت معين فهل يصح هذا الشرط أو لا يصح؟ فيه قولان القول الأول أنه يصح لأنه معتاد والثاني أنه لا يصح لأنه لا يمكن إستداركه والمسألة محتملة إن نظرنا إلى إن الأصل بقاء العادة على ما كانت قلنا الشرط صحيح والناس يحتاجون إلى هذا فيما سبق احتياجاً بيناً لأن الساعات قليلة وبعض الديكة يوقت توقيتاً تاماً عند الآذان يصيح ولهذا سئلت عائشة متى كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الليل قالت (إذا صاح الديك) مما يدل أن بعض الديكة يكون لها وقت محدد لكن استدراكه مشكل لأن الديك ربما ينام أو يكون مريضاً أو ما أشبه ذلك فاستدراكه صعب ولو قيل إنه يصح اشتراط أن يكون مصوِّتاً وأن يكون صوته جميلاً لكان هذا الشرط صحيحاً لأن بعض الديكة يكون صوته جميلاً وبعضها لا. السائل: ما معنى أن استدراكه مشكل؟ الشيخ: معناه أنه ما يمكن إذا لم الديك يؤذن تلك الليلة قلنا يخصم عليك من الراتب لأنه لو كان مؤذن بشر استدركناه.

القارئ: وإن شرط أن يجيء من مسافة ذكرها صح لأن ذلك عادة وفيه قصد صحيح ليبلغ الأخبار فهو كالصيد في الفهد وقال القاضي لا يصح لأنه تعذيب للحيوان وإن شرط الغناء في الأمة وفي الكبش منطاح وفي الديك أنه مقاتل لم يصح لأنه منهي عنه فهو كالزنا في الأمة. الشيخ: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل). السائل: إذا شرط أن يجيء من مسافة فهل هذا شرط صحيح؟ الشيخ: نعم هذا الشرط صحيح كما قال المؤلف. فصل القارئ: وإذا اشترى ما مأكوله في جوفه فوجده معيبا فله الرد وعنه لا شيء له لأنه لا تدليس من البائع ولا يمكنه معرفة باطنه والأول أصح لأن عقد البيع اقتضى السلامة فإذا بان معيباً ملك رده كالعبد. الشيخ: إذا قلنا بأنه يصح فهل يجوز للبائع أن يشترط على المشتري أنه إن وجده معيباً فلا رد له؟ الجواب نعم يصح بشرط ألا يكون مدلساً أي علم عيبه وكتمه ثم شرطه على المشتري فهذا لا يقبل وهذا يقع كثيراً في الرمان ويقع كثيراً في البطيخ لكن إذا اشترى بطيخة على أنها ناضجة وتبين أنها لم تنضج فهل له الرد؟ الجواب لا إلا إذا شرط أنها ناضجة ولذلك في مثاله الحبب بعضهم يشقه لكي يتبين أن هذا النوع على هذا الوصف. القارئ: وإن كان مما لا قيمة له كبيض الدجاج والجوز الخرب والرمان الفاسد رجع بالثمن كله لأن هذا ليس بمال فبيعه فاسد كالحشرات وإن كان الفساد في بعضه رجع بقسطه وإن مما لمكسوره قيمة كجوز الهند وبيض النعام فقال الخرقي يرجع بالثمن وعليه أرش الكسر كما لو كان المبيع ثوباً فقطعه. الشيخ: بيض النعام إذا كان فاسداً يبقى أواني لأنه كبير وقوي صلب فإذا قدرنا أن الرجل شق البيضة واستخرج ما فيها فإذا هو فاسد فهنا يكون للقشر قيمة فيرده ويرد أرش كسره فإن لم يكن لكسره أرش فإنه يرده بدون أرش.

القارئ: واختار القاضي أنه إن كان الكسر لا يزيد على ما حصل به استعلام المبيع رده ولا شيء عليه لأن ذلك حصل ضرورة استعلام المبيع والبائع سلطه عليه فلم يمنع الرد كحلب لبن المصراة وإن زاد على ذلك. الشيخ: قول القاضي الصحيح يعني إذا كسر على قدر ما يعلم ما في جوفه هل هو فاسد أو غير فاسد فليس عليه أرش وذلك لأن البائع سلطه عليه ومعلوم أنه لا يمكنه الوصول إلى معرفة ما في بطنه إلا بهذا الكسر فلا شيء له. القارئ: وإن زاد على ذلك خرج فيه روايتان كسائر المعيب الذي يعيب عنده. فصل القارئ: وإن اشترى ثوباً لا ينتقصه نشره فنشره فله رده بالعيب وإن كان ذلك ينقصه فهو كجوز الهند. الشيخ: معنى (نشره) يعني فلَّه هذا الثوب خفيف جداً إذا فلَّه ربما يتمزق ثم إذا فله وقد أعتيد عند بيعه أن يكون غير مفلول فإنه سينقص ويقال هذا الثوب مستعمل مثلاً أما إذا كان لا ينقصه فلا يضر. القارئ: وإن صبغ الثوب ثم وجده معيباً فله الأرش لا غير وعنه يرده ويكون شريكاً للبائع بقيمة الصبغ وعنه يرده ويأخذ زيادته بالصبغ والأول المذهب لأن إجبار البائع على بذل ثمن الصبغ إجبار على المعاوضة فلم يجز لقوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ). السائل: ما معنى الآية؟ الشيخ: المعنى أن الله نهى أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم فهذا الرجل اشترى الثوب وصبغه إلى أحمر لأنه يريد أحمر أو أسود ثم وجد به عيباً فهنا هل نقول ليس لك إلا الأرش لأنه تعذر الرد أو نقول لك الرد وتعطى قيمة الصبغ؟ هذا محل الخلاف فمنهم من يقول أنه لا يمكن أن يرده لأنه صبغه وتعذر الرد بدون الصبغ فله الأرش ومنهم من قال له أن يرده ويعطى قيمة الصبغ. فصل

القارئ: وإذا اشترط البائع البراءة من كل عيب لم يبرأ لأن البراءة مرفق في البيع لا يثبت إلا بالشرط فلم يثبت مع الجهالة كالأجل وعنه يبرأ إلا أن يكون البائع علم بالبيع فكتمه لما روي أن ابن عمر باع عبداً من زيد بن ثابت بشرط البراءة بثمانمائة درهم فأصاب به عيبا فأراد رده على ابن عمر فلم يقبل فترافعا إلى عثمان فقال عثمان لابن عمر أتحلف أنك لم تعلم بهذا العيب فقال لا فرده عليه وهذه القصة اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعا ويتخرج أن يبرأ مطلقا بناءً على قوله في صحة البراءة من المجهول ولأنه إسقاط حق من مجهول لا تسليم فيه فصح كالعتاق

الشيخ: هذه مسألة مهمة إذا اشترط البائع البراءة من كل عيب مثلاً قال بعتك هذا الكتاب وتبرئني من كل عيب فيه قال المشتري اشتريت فالمذهب لا يصح البراءة لأن العيب الآن مجهول فلم يعينه لم يقل فيه بياض أو فيه تشقق أو فيه تشطيب وعبث فهو مجهول فلا يبرأ مثل باع عليه السيارة بشرط أن يبرئه من كل عيب فأبرئه المشتري فلا يصح لأن ذلك مجهول والمشتري مخاطر أيضاً ومعلوم أن الثمن في هذه الحال سوف يكون بين ثمن السلعة سليمة وثمنها معيبة لأن كل واحد منهما مخاطر فإن تبين سلامتها صار الغانم المشتري وإن تبين عدم السلامة الغارم البائع وكل عقد يكون دائراً بين غنم وغرم فإنه ميسر فلا يصح ولكن الرواية الثانية عن أحمد التي أختارها شيخ الإسلام رحمه الله أنه إذا كان البائع غير عالم بالعيب صح الشرط وإن كان عالماً لم يصح لأنه إذا كان غير عالم فهو معذور والحاجة تدعو إلى هذا كثيراً قد تشتري السيارة أنت وبعد يوم أو ثلاثة تبيعها وأنت لم تدري ما فيها من العيوب فشرط البراءة من العيب في هذه الحال مصلحة لا شك مصلحة للجميع أما إذا كان البائع عالماً ولكنه دلس على المشتري فإن هذا لا يبرأ حتى لو أبرئه المشتري من العيب فإن للمشتري حق الرجوع إذا علم بالعيب وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو المروي عن الصحابة فزيد بن ثابت اشترى من عبد الله بن عمر رضي الله عنهما اشترى منه عبداً بثمانمائة درهم فوجد فيه زيد عيباً فأراد رده إلى ابن عمر ولكنه لم يقبل اضطر إلى التحاكم إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فعرض عثمان الحلف على ابن عمر ولكنه أبى أن يحلف تورعاً وإلا فنعلم من حال ابن عمر وورعه رضي الله عنه أنه لو كان عالماً بالعيب ما أبى أن يحلف لكن تورعاً منه أبى أن يحلف فرده عليه، قال المؤلف رحمه الله (وهذه القصة اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً) وأما قوله (يتخرج أن يبرأ مطلقاً بناءً على قوله) أي الإمام أحمد (في صحة البراءة من المجهول)

باب بيع المرابحة والمواضعة والتولية والإقالة

هذا على القول الثاني عن الإمام أحمد في صحة البراءة من المجهول وهذا التخريج غير صحيح لأن البراءة من المجهول دين على شخص غير معلوم فإذا قال المدين للدائن أبرئني من الدين قال أنت بريء فقلنا للدائن هل تعلم قدر الدين؟ قال لا أعلم لكن حتى لو كان مائة ألف أو مائة ريال فأنا قد أبرئته فهذه المسألة ليس فيها معاوضة فالإبراء من الدين ليس فيه معاوضة وأما مسألة العيب في المبيع فهي معاوضة فالتخريج هنا غير صحيح فالإبراء من المجهول جائز لأن الحاجة تدعو إليه وفيه خير في الواقع لأن المبرئ محسن والمبرأ محسن إليه ليس فيه معاوضة إطلاقاً فيقاس هذا على هذا ليس بصحيح. القارئ: وإن قلنا بفساد الشرط فالبيع صحيح لأن ابن عمر باع بشرط البراءة فأجمعوا على صحته ويتخرج فساده بناءً على الشروط الفاسدة. الشيخ: لكن الصحيح أن البيع صحيح لكنه لا يبرأ من العيب وعلى المذهب يقولون لو تم البيع ثم قال البائع يا فلان أنا أخشى أن تجد فيه عيباً فأبرئني فقال أبرئتك من العيوب فإن هذا صحيح وذلك لأنه أبرئه بعد تمام العقد فكأنه إبراء من دين بمعنى أنه بعد أن تمت المعاوضة أبرئه فكأنه إبراء من دين ولكن القول الراجح ما أنه متى كان البائع عالماً بالعيب فإنه لا يبرأ منه سواء أبرئه قبل العقد أو مع العقد أو بعد العقد. باب بيع المرابحة والمواضعة والتولية والإقالة الشيخ: بقي عليه رحمه الله بيع التخبير بالثمن لكن التخبير بالثمن في الواقع يدخل في التولية أو المرابحة أوالمواضعة. القارئ: بيع المرابحة أن يخبر برأس ماله ثم يبيع به وبربح فيقول رأس مالي فيه مائة بِعْتُكَهُ بها وربحِ عشرة فهذا جائز غير مكروه لأن الثمن معلوم وإن قال بعتك بها وربح درهمٍ في كل عشرة أو قال ده يازده أو ده درازده. الشيخ: الظاهر أنها لغة فارسية تعني العشرة أثني عشر (¬1). ¬

_ (¬1) تنبيه (بعد أن سأل الشيخ أحد الطلبة الذين يعرفون اللغة الفارسية).

القارئ: فهو صحيح أيضاً جائز غير مكروه لأن الثمن معلوم فهي كالتي قبلها لكن كره أحمد لأن ابن عمر وابن عباس كرهاه لأنه بيع الأعاجم ولأن الثمن قد لا يعلم في الحال. الشيخ: بيع المرابحة له صورتان الصورة أن يقول اشتريته بمائة وبيعتكه بمائة وعشرة أو بمائة وربح عشرة هذا ل إشكال فيه أنه جائز لأن الثمن معلوم والربح معلوم أو يقول اشتريته بمائة وبِعْتُكَه بعشرة بالمائة هذا أيضاً جائز أما قول ده يازده أو ده درازده وما أشبهها فهذه كرهها الإمام أحمد لأنه تشبه الربا ومنه قول إخواننا هنا بعتك إياه العشرة أحدى عشر أو العشرة أثنى عشر أو الشعرة خمسة عشر هذا أيضاً مكروه لأنه يشبه بيع الدراهم بالدراهم مع الزيادة ولهذا كرهه ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما وهذه في الصورة الثانية أن يقول بعتكه العشرة بأحد عشر أو خمسة عشرة وما أشبهها بل قل بعتكها بعشرة والربح ريال بدل أن تقول عشرة أحد عشر حتى أنه في إحدى الروايات عن أحمد في هذه المسألة أن تقول بعتك العشرة أحد عشر حرام. السائل: هل التحفظ على الصيغة فقط في قولهم (العشرة أحدى عشر)؟ الشيخ: لا لأنها تشبه الربا العشرة أحدى عشر يعني كأني بعتك عشرة بأحدى عشر. السائل: لكن المنع هل هو من جهة الصيغة فقط؟ الشيخ: المنع من جهة الصيغة ومن الجهة اللغة أيضاً. فصل القارئ: ولا يخبر إلا بما يلزم من الثمن وما يزاد فيه مدة الخيار يخبر به لأنه من الثمن وما حط عنه في الخيار نقصه لذلك وما كان بعد لزوم العقد لا يخبر به لأنه تبرع من أحد المتعاقدين لا يلزمه فلم يخبر به كما لو وهبه شيئا.

الشيخ: هذه المسألة إذا باع بالتخبير بالثمن فلابد أن يذكر ما يزاد في الثمن وما ينقص منه فمثلاً إذا اشتراها بمائة وجعل الخيار للبائع لمدة يومين ثم جاء البائع وقال أنا ندمت وأريد أن تكون بمائة وعشرة فهنا إذا أراد المشتري أن يبيع بالتخبير بالثمن لا يقول المشتري هي علي بمائة وعشر بل يقول هي بمائة ثم زاد البائع عشرة لأن هذا أقرب إلى الصدق والأمانة وكذلك لو أنه اشتراه بمائة وجعل لنفسه الخيار ثم ذهب إلى البائع وقال إني أريد أن تكون بثمانين وإلا أردها عليك قال البائع هي بثمانين فلابد أن يذكر المشتري النقص فلا يقول إن اشتريتها بمائة فخذها بمائة بل لابد يقول اشتريتها بمائة ثم حُطَّ من الثمن عشرون أما لو كان بعد لزوم البيع بعد أن اشتراها بمائة وتم البيع والخيار ثم أتاه البائع وقال يا فلان لنظر لحالك ولمحبتي لك ولصداقتك عندي أجعلها عليك بثمانين فهنا إذا باعها المشتري بالثمن لا يحتاج أن يقول إن اشتريتها بمائة ثم حط منه عشرات لماذا؟ لأن التنزيل كان بعد تمام البيع ولزومه فلا يلزمه أن يخبر به، أما لو كان هذا قبل لزوم البيع فإنه لا يجوز أن يقول اشتريته بمائة إلا إذا قال ولكن نقصت الثمن إلى ثمانين وهل يقول إني اشتريتها بثمانين رأساً إذا نقص الثمن لا يقول بل لابد أن يخبر بالواقع وكل هذا تحرياً للصدق واجتناباً للكذب وإلا إذا قال تحصلت عليها بثمانين فليس هناك ضرر على المشتري الآخر. القارئ: وإن نمت العين ولم يزد على رأس المال فإن كان النماء منفصلاً لم تنقص به العين فله أخذه ويخبر برأس المال لأنه في مقابلة العين دون نمائها وعنه أنه يبين ذلك لأنه أبعد من اللبس.

الشيخ: هذه واضحة مثلاً اشترى شاة بمائة ثم حملت ووضعت فمعلوم أن قيمة الشاة مائة ولم تنقص ولم تزد بعد الولادة فهل يقول هي عليَّ بمائة ولا يذكر النماء أو لابد أن يذكر النماء؟ الصحيح أنه لا يجب أن يذكر النماء لأن هذا النماء بعد لزوم العقد فهو له فله أن يقول هي علي بمائة وإن لم يذكر نمائها ومثله أيضاً مثل نماء الولادة لو حلبها وباع حليبها واستفاد منه فإنه لا يلزمه أن يخبر بهذا لأن الثمن في مقابلة العين كما قال المؤلف لكن قوله (وعنه) أي عن الإمام أحمد (أنه يبين ذلك لأنه أبعد من اللبس) والصواب أنه لا يلزمه أن يبين. القارئ: وإن عمل في العين عملاً من قصارة أو خياطة أو حمل أخبر بالحال على وجهه سواء عمله بنفسه أو بأجرة قال أحمد يبين ما اشتراه به وما لزمه. الشيخ: ولهذا كان بيع المساومة أهون من بيع المرابحة والتولية والتخبير فبيع المساومة في الحقيقة تبرأ به الذمة فيخرج البائع السلعة في السوق ويقول من يسوم سواء اشتراها بكثير أو بقليل وسواء نمت أو لم تنم فالمساومة أسهل من المرابحة لكن إذا كان الإنسان يريد أن يبيع بالمرابحة فلابد أن يبين هذه الأمور. القارئ: فإن ضم إلى ذلك رأس المال وأخبر أنه اشترى به لم يجز لأنه كذب وإن قال تحصل علي بكذا لم يجز فيما عمله بنفسه لأنه كذب وجاز فيما أستأجر عليه في أحد الوجهين لأنه صادق والآخر لا يجوز وهو ظاهر كلام أحمد لأن فيه تلبيسا فلعل المشتري لو علم الحال لم يرغب فيه لكون ذلك العمل مما لا حاجة به إليه فأشبه ما أنفق عليه في مؤنته وكسوته فإنه لا يجوز الإخبار به وجهاً واحدا وكذلك كري مخزنه وحافظه إلا أن يخبر بالحال على وجهه فإن ذلك لا يزيد في ثمنه. الشيخ: كل هذا من باب التحري في الصدق ولهذا قلنا إن بيع المساومة أسهل وكيفيته أن يخرج السلعة إلى السوق ويقول من يسومها. فصل

القارئ: فإن نقص المبيع لمرض أو تلف جزء أو تعيب أو وجد به عيبا أو جني عليه فأخذ أرشه أخبر بالحال على وجهه وقال أبو الخطاب يحط الأرش من الثمن ويخبر بما بقي فيقول تقوم علي بكذا والأول أولى لأنه أبعد من اللبس والفرق بين الأرش والكسب أما الأرش عوض ثمن فهو كثمن جزء بيع منه والكسب لم ينقص به المبيع. السائل: لو أنه أنقص بعد تمام العقد من الثمن وذلك أنه رأى أنه مغبون هل يلزمه أن يبين ذلك عند البيع؟ الشيخ: إذا رأى المشتري أنه مغبون حقيقة فيجب أن يبين فيقول اشتريته بمائة ثم بعد لزوم العقد تبين أني مغبون فطلبت من البائع أن ينزل فَنَزَّل فلابد أن يبين ولهذا مسألة البيع بالتولية شديد. السائل: لو أراد أن يبيع السيارة مساومة فهل يلزمه أن يقول السيارة صدمت من هذا الباب وصدمة متوسطة صدمة من الخلف صدمة خفيفة وهكذا أم لا يلزمه؟ الشيخ: أما إذا كان أثر الصدم ظاهر لا يخفى فلا يلزمه أن يبين وأما إذا كان يخفى فيلزمه أن يبين لأنه أحياناً قد تكون الصدمة خفيفة ويكون المهندس جيداً فلا تجد على السيارة شيئاً فيجب أن يبين لأن الصدمة مهما كانت لابد أن تنقص القيمة. السائل: في بيع التولية هل في جميع الصور يلزمه أن يبين قبل تمام البيع؟ الشيخ: كل ما لزم من زيادة أو نقص قبل تمام البيع لابد أن يبينه. القارئ: لو جنى العبد ففداه المشتري لم يزد ذلك من رأس المال لأنه ليس من الثمن ولا زاد به المبيع وإن نقص المبيع لتغير الأسعار فقال أصحابنا لا يلزمه الخبر به لأنه صادق بدونه والأولى أنه يلزمه لأن المشتري لو علم ذلك لم يرض به فجرى مجرى نقصه بعيب. الشيخ: هذا الذي قاله المؤلف لا شك أنه هو الصواب مثلاً إذا أشترى سلعة فأول ما تأتي السلعة تكون غالية فاشتراها مثلاً بمائة ثم كثرت في السوق وصارت تساوي خمسين فهنا يجب إذا باعها برأس المال أن يبين ويقول إن اشتريتها بمائة أول ما وردت وهي غالية والآن تساوي خمسين.

القارئ: وإن حط بعض رأس المال وأخبر بالباقي لم يجز لأنه كذب وتغرير بالمشتري. الشيخ: أقول أين الفقهاء ينظرون بيع الناس الآن. فصل القارئ: فإن اشترى اثنان شيئاً وتقاسماه فقال أحمد لا يبيع أحدهما مرابحة إلا أن يقول اشتريناه جماعة ثم تقاسمناه وإن اشترى شيئين بثمن واحد ثم أراد بيع أحدهما أو أشترى شجرة مثمرة فأخذ ثمرتها أو شاة فأخذ صوفها أو لبنها الذي كان فيها. الشيخ: قوله (لبنها الذي كان فيها) أي حين البيع لأن اللبن الذي يكون من بعد البيع هو من النماء المنفصل فيكون لصاحبها ولا يلزمه أن يخبر به القارئ: ثم أراد بيع الأصل مرابحة أخبر بالحال على وجهه ولا يجوز بيعه بحصته من الثمن لأن قسمة الثمن طريقه الظن واحتمال الخطأ فيه كثير ومبنى المرابحة على الأمانة فلم يجز هذا فيه فإن كان المبيع مما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء كالمكيل والموزون من جنس جاز بيعه بحصته من الثمن لأنه ينقسم على أجزائه وجزؤه معلوم يقينا. الشيخ: مثل اشترى مائة صاع بر وباع نصفها وهو قد اشتراها بمائة ريال وباع النصف بخمسين ريال فله أن يقول في النصف الباقي إن رأس ماله خمسون. القارئ: وإن أسلم في ثوبين صفقة واحدة بثمن واحد فأخذهما على الصفة فالقياس جواز بيع أحدهما بحصته من الثمن لأن الثمن منقسم عليهما نصفين وما زاد على الصفة في أحدهما لم يقابله شيء من الثمن فجرى مجرى النماء الحادث بعد الشراء. فصل القارئ: فإن اشتراه من أبيه أو ممن لا تقبل شهادته له لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره لأنه متهم في حقهم أنه يحابيهم وإن اشتراه من غلام دكانه أو غيره حيلة لم يجز بيعه مرابحة وإن لم يكن حيلة جاز لأنه لا تهمة في حقه.

الشيخ: هذا الفصل ينبغي أن يقال أنه مبني على التهمة لا على القرابة فالإنسان ربما يتهم في صديقة أكثر ما يتهم في أبيه وولده ومعنى ذلك أن الإنسان قد يشتري من صديقة قد يساوي عشرة بعشرين فهو لا يحب أن يتصدق على صديقه مباشرة ولا أن يهبه الهبة مباشرة لكنه اشترى منه سلعة تساوي عشرة بعشرين فهذه محاباة فإذا أراد أن يبيعه مرابحة سيقول اشتريته بعشرين وهو لو اشتراه من غير صدقيه لم يشتريه إلا بعشرة ففي هذه الحال يجب أن يبين فيكون خلاصة هذا الفصل أن الإنسان إذا اشترى ممن يتهم بمحاباته وجب عليه أن يبين لأنه أحياناً يكون بينه وبين أبيه مشاحة في البيع والشراء بمعنى أنه لا يحابي أباه وأبوه لا يحابيه فحينئذ لا تهمة وأحياناً يكون بينه وبين أخوه إلفة كبيرة فيحابي أخاه فهنا لابد أن يبين. فصل القارئ: وإن اشترى شيئاً ثم باعه بربح ثم اشتراه فأعجب أحمد رضي الله عنه أن يخبر بالحال على وجهه أو يطرح الربح من الثمن الثاني ويخبره بما بقي لأن هذا مذهب ابن سيرين ولأن الربح أحد نوعي النماء فيخبر به في المرابحة كالولد والثمرة ولعل هذا من أحمد على سبيل الاستحباب لأنه أبلغ في البيان ويجوز الإخبار بالثمن الثاني وحده لأنه الثمن الذي حصل به هذا الملك فجاز الخبر به وحده كما لو خسر فيها. الشيخ: مثاله اشترى كتاباً بعشرة وباعه بخمسة عشر فربح خمسة ثم اشتراه ثانية بعشرة فهل يسقط الربح لأن المعقود عليه شيء واحد فيقول إذا أراد أن يبيعه مرابحة اشتريته بخمسة لأنه اشتراه بعشرة ثم باعه

بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة فعلى القول بأنه لابد أن يسقط الربح يقول إذا باعه مرابحة أنه اشتراه بخمسة فيسقط الربح من الثمن الثاني لكن يقول الموفق إن هذا من أحمد على سبيل الاستحباب يعني أنه يخبر ويقول اشتريته بعشرة وبعته بخمسة عشر ثم اشتريته بعشرة وأبيعه عليك مرابحة بعشرة ولكن هذا ليس على سبيل الوجوب فله أن يقتصر على الإخبار بالثمن الثاني فيقول اشتريته ويبيع عليه مرابحة بعشرة لأن هذا هو الثمن الذي حصل به الملك الأخير. فصل القارئ: فإن بان للمشتري أن البائع أخبر بأكثر من رأس المال فالبيع صحيح لأنه زاد في الثمن فلم يمنع صحته كالتصرية ويرجع عليه بالزيادة وحظها من الربح لأنه باع برأس ماله وما قدره من الربح فإذا بان رأس المال كان مبيعاً به وبقدره من الربح وإن أختار المشتري رد المبيع فله ذلك نص عليه لأنه ربما كان غرضه الشراء لسلعة واحدة بجميع الثمن وظاهر كلام الخرقي أنه لا خيار له لأنه رضي المبيع بثمن حصل له بدونه فلم يكن له خيار كما لو اشترى معيباً فبان صحيحا فأما البائع فلا خيار له لأنه باع برأس ماله وقدره من الربح وحصل له ما عقد به وفي سائر ما يلزمه الإخبار بالحال على وجهه فلم يفعل يخير المشتري بين أخذه بما اشترى به وبين الفسخ لأنه ليس للمبيع ثمن غير ما عقد به.

الشيخ: مثاله اشترى كتاباً بعشرة وباعه مرابحة وقال للمشتري إنه بأحد عشر الآن هو كذب عليه فهل البيع صحيح أو باطل؟ المؤلف يرى أنه صحيح وللمشتري الخيار إن شاء أخذه بأحد أعشر وإن شاء رده وذلك لأنه دلس عليه وغشه ولهذا قال (يرجع عليه بالزيادة وحظها من الربح في المرابحة _ ثم قال _ نص عليه لأنه ربما كان غرضه الشراء لسلعة واحدة بجميع الثمن وظاهر كلام الخرقي أنه لا خيار له لأنه رضي المبيع بثمن حصل له بدونه فلم يكن له الخيار) يعني أن الخرقي يقول إذا حُطَّ الزائد الذي كذب به البائع فلا خيار له لأنه حصل للمشتري المبيع الآن بثمن أقل فلا خيار له لكن الصحيح أن له الخيار ولو لم يكن من هذا إلا عقوبة البائع الذي كذب وأخبر بأكثر مما اشترى. القارئ: وإن اشتراه بثمن مؤجل فلم يبين فعنه أنه مخير بين الفسخ وأخذه بالثمن حالا لأن البائع لم يرض بذمة المشتري فلا يلزمه الرضى بها وعنه يخير بين الفسخ وأخذه بالثمن مؤجلا لأنه الثمن الذي اشترى به البائع والتأجيل صفة له فأشبه المخبر بزيادة في القدر وإن علم ذلك بعد تلف المبيع حبس المال بقدر الأجل. الشيخ: هذا واضح أنه إذا اشتراه بثمن مؤجل وأخبر بالثمن ولم يخبر بالتأجيل فهو لا شك أنه غاش فإذا علم المشتري بالتأجيل فهو بالخيار إن شاء أخذه بالأجل وإن شاء رده لأنه لا شك أنه بالأجل سوف يزيد الثمن فالصحيح أنه له الخيار بين أن يفسخ البيع وبين أن يأخذ بالثمن مؤجلاً لأن البائع في الحقيقة خدعه وغره. فصل

القارئ: وإن أخبر بثمن ثم قال غلطت والثمن أكثر ففيه ثلاث روايات إحداهن لا يقبل قوله إلا ببينه لأنه مقر على نفسه فلم يقبل قوله في الغلط إلا ببينة كالمضارب يقر بربح والثانية إن كان معروفا بالصدق قبل قوله وإلا فلا لأنه لما دخل معه في المرابحة فقد ائتمنه والقول قول الأمين مع يمينه والثالثة لا يقبل قوله وإن أقام بينة ما لم يصدقه المشتري لإقراره ابتدأً بكذب بينته فأشبه ما لو أقر بدين.

الشيخ: الأقوال ثلاثة القول الأول لا يقبل إلا ببينة والثاني يقبل بدون بينة إذا كان معروفاً بالصدق والأمانة والثالثة لا يقبل ولو ببينة أما كونه لا يقبل إلا ببينة فهذا هو الأصل أن المدعي عليه البينة مثال ذلك باعه الكتاب مرابحة وقال إن ثمنه عشرة ثم عاد وقال إني غلطت والثمن خمسة عشر فإذا قبلنا قوله قلنا للمشتري إما أن تأخذه بخمسة عشر وإما أن ترده لكن هل نقبل قول البائع أولا؟ هذا فيه الروايات الثلاث الرواية الأولى أنه لا يقبل أنه أخطأ إلا ببينة تشهد أن اشتراه بخمسة عشر والرواية الثانية إن كان معروفاً بالصدق قبل قوله وإلا فلا لأن المشتري دخل على أنه أمين لأنه هو الذي قال أخبرني بالثمن فإذا كان هذا المدعي للغلط أميناً قبلنا قوله بلا بينة ووجهه ما ذكره المؤلف أن المشتري الذي قال اشتريته منك بالثمن مع المرابحة قد ائتمنه على ذلك فإذا قال البائع إني غلطت والثمن هو خمسة عشر بدل من عشرة فهو أمين يقبل قوله بلا بينة لكن لابد من اليمن ولو كان معروفاً بالصدق والراوية الثالثة أنه لا يقبل ولو أقام بينة لأنه ابتداءاً يكذبها مثال ذلك قال بعتك إياه بالثمن مرابحة وهو عشرة ريالات ثم عاد وقال إني غلطت والثمن خمسة عشر فقال المشتري أقم بينة فأقام البائع بينة والبينة شهدت أن الثمن كان خمسة عشر يقول المؤلف إنه لا يقبل ولو بالبينة ويأخذه المشتري بعشرة ولماذا لا يقبل مع أنه أقام بينة؟ قال المؤلف لأن كلامه الأول يكذب البينة إذ أن كلامه الأول يقول أنه عشرة والآن يدعي أنه خمسة عشر والبينة تشهد به فهو مكذب وهذه الرواية لا شك أنها ضعيفة جداً لأنه لم يكذب فهو يقول أنا قلت هذا لكني غلطت والغلط وارد على كل إنسان فالصواب أنه إذا كان البائع معروفاً بالصدق والأمانة فإن قوله مقبول لكن بيمينه وحينئذ نقول للمشتري إما أن تأخذه بالثمن الصحيح الذي هو خمسة عشر وإما أن ترده.

السائل: إذا قال البائع للمشتري إذا وجدت السلعة بأقل مما أعطيتك فسوف أعطيكها بأقل مما وجدت؟ الشيخ: هذا لا بأس به على القول الراجح لأنها تؤول إلى العلم. القارئ: فإن قلنا بقبول بينته فقال المشتري أحلفوه أنه وقت البيع لم يعلم أن ثمنها أكثر فعلى البائع اليمين فإن نكل أو أقر لم يكن له غير ما وقع عليه العقد لأنه عقد بهذا الثمن عالما فلم يكن له غيره كالمشتري إذا علم العيب حال الشراء. الشيخ: الصواب أنه إذا أقام البائع بينة فإنه لا يُحلَّف إلا إذا جَرَحَ المشتري البينة فله أن يُحلِّفه لأنه يبقى بلا بينة إذا كانت البينة مجروحة أما إذا كانت البينة عادلة فلا حاجة أن يُحَلَّف. القارئ: وإن حلف خير المشتري بين فسخ العقد لأنه لم يرضه بأكثر مما بذله وبين قبوله مع إعطائه ما غلط به حظه من الربح لأن البائع إنما باعها بهذا الثمن ظناً أنه رأس المال فعليه ضرر بالنقصان منه فإذا أخذها المشتري بذلك فلا خيار للبائع لأنه قد زال عنه الضرر بالتزام المشتري ما غلط به وإن اختار الفسخ فقال البائع أنا أسقط الزيادة عنك سقط الفسخ لأنه قد بذلها له بالثمن الذي وقع عليه العقد وتراضيا به. الشيخ: هذا صحيح يعني إذا قال البائع للمشتري بعد أن غلط خذها بما اتفقنا عليه وقال المشتري أنا أريد الفسخ فإنه لا يُمَكَّنُ من الفسخ لأن الضرر قد زال لكن إن رأى القاضي أن يُمَكِّن المشتري من الفسخ تأديباً للبائع حيث أُتُّهِم فلا بأس. فصل القارئ: وبيع التولية هو البيع بمثل الثمن الذي اشترى به وحكمه حكم المرابحة فيما ذكرنا ويصح بلفظ البيع ولفظ التولية لأنه مؤدٍ لمعناه. الشيخ: بيع التولية هو البيع برأس المال مثاله اشترى كتاباً بعشرة وقال للآخر بعتك هذا الكتاب تولية أي بعته بعشرة وسمي بذلك لأن المشتري الثاني وَلِيَ المشتري الأول وصار بعده فلذلك سمي تولية.

القارئ: قال أحمد ولا بأس ببيع الرقم وهو الثمن الذي يكتب على الثوب ولابد من علمه حال العقد ليكون معلوما فإن لم يعلم فالبيع باطل لأن الثمن مجهول وقال المساومة عندي أسهل من المرابحة لأن بيع المرابحة يعتبر به أمانة واسترسال من المشتري ويحتاج إلى تحري الصدق واجتناب الريبة وقال في رجلين اشتريا ثوباً بعشرين ثم اشترى أحدهما من صحابه باثنين وعشرين فإنه يخير في المرابحة بإحدى وعشرين لأنه أشترى نصفه بعشرة ونصفه بأحد عشر.

الشيخ: قوله رحمه الله (لا بأس ببيع الرقم وهو الثمن الذي يكتب على الثوب ولابد من علمه حال العقد) هذه المسألة أختلف فيها العلماء منهم من قال إن البيع بالرقم لابد أن يكون معلوماً قبل العقد وذلك لأن البائع ربما يرقم عليك أكثر من الثمن عشرة مرات فإذا قال أنا أبيعه بالرقم وهو غير معلوم فإنه لا شك أنه يحصل فيه غرر لكن هذا والقول الثاني أنه يجوز البيع بالرقم إذا كان الرقم من جهات مسؤولة كما يوجد الآن في الأدوية فالأدوية مكتوب عليها الثمن والذي كتبها الجهات المسؤولة فليس فيه غرر بخلاف الرقم الذي يضعه البائع فهذا لابد من علمه فصار القول الراجح في هذه المسألة أن الرقم إذا كان موضوعاً من جهات مسؤولة فإنه لا بأس به وأما إذا كان غير موضوع من جهات مسؤولة فإنه لا يصح والفرق ظاهر لأن الرقم إذا كان من جهات مسؤولة فقد أُمِنَ فيه التلاعب وإذا كان من البائع حصل فيه التلاعب فإذا قال بعتك هذا الشيء برقمه وهو مغطى بورقة مثلاً ولا يدري ما هو لا شك أنه غرر عظيم أما إذا كان مرقماً من جهات مسؤولة فهذا أبلغ في طمأنينة المشتري من البيع بالمساومة ولا شك في هذا قوله (المساومة عندي أسهل من المرابحة) وصدق رحمه الله أن المساومة أسهل من المرابحة لأن المرابحة صعبة يحتاج الإنسان أن يبين الثمن ويبين ما حصل من زيادة أو نقص أو ما أشبه ذلك كما سبق في البيع مرابحةً لكن المساومة فيها خطر من جهة أن البائع يزيد في الثمن فيشتريها بمائة ويقول بمائتين وكل واحدة ثمنها لها آفة في الواقع المساومة لها آفة والمرابحة لها آفة أيضاً فالمرابحة ربما يشتريها في زمن الغلاء فإذا باعه مرابحة سيكون الثمن غالياً وإذا كان المساومة ربما أن المشتري لا يشتري إلا بالسعر الحاضر. القارئ: وقال في رجلين اشتريا ثوباً بعشرين ثم اشترى أحدهما من صحابه باثنين وعشرين فإنه يخبر بالمرابحة بإحدى وعشرين لأنه أشترى نصفه بعشرة ونصفه بأحد عشر.

الشيخ: فالجميع واحد وعشرون وهذا أسهل مما ذكره المؤلف وإلا فعلى قاعدة المؤلف لابد أن يقول في المرابحة اشتريت مع شريكي بعشرين ثم اشتريت نصيب شريكي بإحدى وعشرين. فصل القارئ: وبيع المواضعة أن يخبر برأس المال ثم يبيع به ووضيعة كذا أو يقول ووضيعة درهم من كل عشرة وحكمه حكم المرابحة في تفصيله فإذا قال رأس مالي فيه مائة بعتك بها ووضيعة درهم من كل عشرة فالثمن تسعون لأن المحطوط العُشر وعشر المائة عشرة وإن قال بوضيعة درهم لكل عشرة كان الحط من كل أحد عشر درهماً درهما والباقي تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم لأنه إذا قال لكل عشرة درهم كان الدرهم من غيرها فيكون من كل أحد عشر درهماً درهم وإذا قال من كل عشرة كان الحط منها فيكون عشرها. الشيخ: هذا يحتاج إلى حُسَّاب وفيه صعوبة ولذلك ينبغي العدول عنها إلى الطريقة الأولى يقول بعتك بها ووضيعة درهم من كل عشرة فإذا كان بوضيعة درهم من كل عشرة نقول ضع عشرة هنا وعشرة هنا وعشرة هنا ثم خذ من كل واحد درهماً فيبقى تسعون ولكن إذا قال وضيعت درهم لكل عشرة أخذ الوضيعة من العشرة الأولى درهم فيبقى تسعة وثمانين ثم ينقص وينقص حتى يظهر الحساب كما قال المؤلف ويحتاج إذا كان هناك حاسب جيد يعرف الجبر والمقابلة يخرجها لنا أو نقول إن هذه معاملة نادرة ونتركها تذهب وأظن أن الثاني أولى. فصل القارئ: وإذا اشترى نصف عبد بعشرة واشترى آخر نصفه بعشرين ثم باعاه بثمن واحد مساومة فالثمن بينهما نصفان لأنه عوض عنه فيكون بينهما على حسب ملكيهما فيه وإن باعاه مرابحة فكذلك في إحدى الروايتين لذلك والأخرى هو بينهما على قدر رؤوس أموالهما لأن بيع المرابحة يقتضي كون الثمن في مقابلة كل واحد منهما وقيل المذهب رواية واحدة أنه بينهما نصفان والقول الآخر وجه خرجه أبو بكر. فصل

القارئ: وإقالة النادم في البيع مستحبة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أقال نادماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة) أخرجه أبو داود. الشيخ: إقالة النادم يعني النادم على ما وقع من العقد سواء كان المشتري أو البائع لأن الإنسان قد يبيع الشيء ثم يندم أو يشتري ثم يندم وإقالته يعني موافقته على طلبه الفسخ فإذا جاء البائع بعد البيع وهو نادم على البيع وقال للمشتري أنا بعتك هذا وأنا نادم أطلب منك الفسخ نقول الأفضل للمشتري أن يفسخ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أقال نادماً) والذي أعرف أن الرواية (من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة) والغالب أنه إذا وقعت الإقالة للنادم أن العاقبة تكون حميدة للمقيل ولهذا بحسب ما تتبعنا من المعاملات أنه إذا وقعت الإقالة صار فيها خير للمقيل فمثلاً إذا جاء المشتري للبائع وقال أنه ندم ويريد من البائع أن يقيله فأقاله فإنه حصلت وقائع كثيرة أن السلعة يزيد ثمنها فيكون هذا الخير للبائع الذي أقالها والعكس بالنسبة للمشتري مع ما فيها من الأجر والإحسان لأخيه. القارئ: وهي فسخ في أصح الروايتين وعنه أنها بيع لأنها نقل الملك بعوض على وجه التراضي فكانت بيعا كالأول والأول أولى لأن الإقالة في السَّلم تجوز إجماعا وبيع السلم لا يجوز قبل قبضه ولأن الإقالة الرفع والإزالة ومنه أقال الله عثرته وذلك هو الفسخ ولأنها تتقدر بالثمن الأول وتحصل بلفظ لا ينعقد به البيع فكانت فسخاً كالرد بالعيب فعلى هذا تجوز في المبيع قبل قبضه ولا تجب بها شفعة وتتقدر بالثمن ومن حلف لا يبيع فأقال لا يحنث وعلى الأخرى تنعكس هذه الأحكام إلا بمثل الثمن فإنه على وجهين أصحهما أنها تتقدر به لأنها خصت بمثل الثمن كالتولية فإن أقال بأكثر منه لم يصح وكان الملك باقياً للمشتري لأنهما تفاضلا فيما يعتبر فيه التماثل فلم يصح كبيع درهم بدرهمين.

الشيخ: الإقالة أن أحد المتبايعين يندم فيطلب من صاحبه فسخ البيع وحَلَّهُ فهل يعتبر هذا بيعاً ويعتبر فسخاً؟ الصواب بلا شك أنه فسخ ولهذا المؤلف رحمه الله استدل بالإجماع على جواز الفسخ بالسلم ولو كان بيعاً لم يجز وعلى هذا ينبني مسائل المسألة الأولى أنها تحصل بلفظ لا ينعقد به البيع فإن المقيل يقول للآخر أقلتك ولا يقول بعتك وكل منهما يعتقد أن المسألة ليست نقل ملك إلى ملك وإنما هي تشبه الإبراء، والثانية أنها تجوز في المبيع قبل قبضه وقد سبق لنا أنه لا يجوز بيع الشيء إلا بعد القبض والإقالة تجوز قبل القبض وأيضاً لا تجب بها شفعة ففي الملك المشترك بين رجلين إذا باع أحدهما نصيبه على ثالث فللآخر الذي لم يبع أن يأخذ هذا النصيب بالشفعة لأنه بيع لكن لو كانت إقالة بأن باعه نصيبه ثم جاء المشتري للذي باع عليه نصيبه وقال إني ندمت وأريد أن تقيلني فأقاله فحينئذ يرجع هذا النصيب المبيع للبائع الأول الذي هو الشريك فهل لشركيه أن يأخذه بالشفعة لأنه انتقل إليه من المشتري؟ الجواب لا لأن هذا ليس ببيع، قوله (وتتقدر بالثمن الأول) المعنى أنه إذا أقاله فإنه لا يأخذ منه شيئاً فمثلاً إذا اشترى هذا الكتاب بعشرة ثم جاء المشتري للبائع وقال له يا فلان أنا ندمت أريد أن تقيلني فقال البائع أنا ما عندي مانع أقيلك لكن بدرهم فأرد عليك تسعة وآخذ درهم فهل هذا يجوز أو لا يجوز؟ يقول المؤلف إنه لا يجوز ولو كان بيعاً لجاز أن يبيع بأكثر من الثمن وأقل من الثمن لكن هذه المسألة فيها خلاف يعني هل تجوز الإقالة بأكثر من الثمن أو لا تجوز؟ والصواب أنها تجوز لأن محذور الربا فيها بعيد جداً والمقيل ليس يريد أن يتحيل على هذه الإقالة بأن يأخذ عشرة بتسعة أو بالعكس كما قال هذا ابن رجب رحمه الله في قواعده أن محذور الربا فيها بعيد وعمل الناس اليوم على الربح يعني كثيراً ما يأتي المشتري للبائع يقول أنا ندمت أقلني فيقول البائع لا أقيلك إلا بكذا

باب اختلاف المتبايعين

وكذا مثلاً اشترى منه بيتاً بمائة ألف ريال ثم جاء المشتري إلى البائع وقال أنا ندمت وأريد أن تقيلني فقال البائع نعم أقيلك لكن بعشرة آلاف ريال فعمل الناس اليوم على هذا وأنه جائز وهذا هو الصحيح ولأن السلعة إذا ردت إلى البائع فالغالب أنها تنقص فيكون في ذلك ضرر على البائع، ثم يقول المؤلف ويترتب على هذا أن من حلف لا يبيع فأقال فإنه لا يعتبر بائعاً فلا حنث عليه وصورة المسألة رجل قال والله لا أبيع اليوم شيئاً ثم جاءه صاحبه الذي باع عليه وقال أقلني فأقاله فإنه لا حنث عليه لأن الإقالة ليست بيعا وهذا صحيح. باب اختلاف المتبايعين القارئ: إذا اختلفا في قدر الثمن والسلعة قائمة تحالفا لما روى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة والبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع) رواه ابن ماجه وفي لفظ (تحالفا) ولأن البائع يدعي عقداً بثمن كثير ينكره المشتري والمشتري يدعي عقداً ينكره البائع والقول قول المنكر مع يمينه ويبدأ بيمين البائع لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل القول ما قال البائع وكان جنبته أقوى لأنهما إذا تحالفا رجع المبيع إليه فكانت البداية أولى كصاحب اليد.

الشيخ: صورة المسألة إذا كانت السلعة الآن قائمة فقال البائع بعتها بمائة وقال المشتري بل بثمانين فالحديث يدل على أن القول قول البائع فإما أن يقبل به المشتري وإما يترادَّا ولهذا قال في الحديث (فالقول ما قال البائع أو يترادن) يعني إذا لم يقتنع المشتري بقول البائع فإنهما يترادان فالبائع قال هي بمائة والمشتري قال بل بثمانين فهنا القول قول البائع فيحلف أنها بمائة فإن قبل المشتري فذاك وإن لم يقبل ردت إليه ووجه كون القول البائع أنه لم يقر أن السلعة خرجت عن ملكه إلا بهذا القدر المعين والمسألة ليس فيها بينة فإن كان هناك بينة تشهد بما قال البائع أو بما قال المشتري عملنا بها بدون يمين ولكن الحديث يقول (ليس بينهما بينة) والسلعة الآن قائمة ولا يمكن أن خرجها عن ملك البائع قهراً عليه لأن البائع إنما أقر أنها خرجت عن ملكه بمائة فكيف نخرجها بثمانين فالحديث دل على ما دل عليه القياس أن القول قول البائع. القارئ: ويجب الجمع في اليمين بين النفي والإثبات لأنه يدعي عقداً وينكر آخر فيحلف عليهما فيقدم النفي فيقول والله ما بعته بكذا ولقد بعت بكذا لأن الأصل في اليمين أنها للنفي ويكفيه يمين واحدة لأنه أقرب إلى فصل القضاء فإن نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه وإن رضي أحدهما بما قال الآخر فلا يمين وإن حلفا ثم رضي أحدهما بما قال الآخر أجبر على القبول لأنه قد وصل إليه ما ادعاه وإن لم يرضيا فكل واحد منهم الفسخ ويحتمل أن الفسخ للحاكم لأن العقد صحيح وإنما يفسخ لتعذر إمضائه في الحكم فأشبه نكاح المرأة إذا زوجها الوليان والأول المذهب.

الشيخ: إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر فالقول الراجح أن القول قول البائع فيحلف أنه باعها بمائة فإن رضي المشتري فذاك وإن لم يرض أخذ السلعة والمذهب لابد أن يتحالفا ولابد أن يأتي بنفي وإثبات ولابد أن يقدم النفي على الإثبات وكل هذه أقوال ليس عليها دليل فمثلاً البائع يقول والله ما بعته بثمانين وإنما بعته بمائة والمشتري يقول والله ما اشتريته بمائة وإنما اشتريته بثمانين ولكن لا حاجة لهذا فيكفي البائع أن يقول والله لقد بعته بمائة أو يقول والله ما بعته إلا بمائة يكفي هذا وكذلك المشتري يكفي أن يقول والله ما اشتريته بمائة أو والله ما اشتريته إلا بثمانين فهذا يحصل به المقصود فإذا حلف كل واحد منهما على ذلك حينئذ يترادان البيع ولا حاجة إلى حاكم والقول بأنه يحتاج إلى حاكم ليس بصحيح إلا إذا تنازعا فلم يمكن الفصل بينهما إلا بالحاكم فهنا يكون الذهاب إلى الحاكم من باب الضرورة والحاكم إذا قيل فالمقصود به هو القاضي. القارئ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أو يترادان البيع) فجعله إليهما وفي سياقه أن ابن مسعود رواه للأشعث بن قيس وقد أختلف في ثمن المبيع فقال الأشعث فإني أرى أن أرد البيع ولأنه فسخ لاستدراك الظلامة أشبه رد المعيب. فصل القارئ: وقال القاضي ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أن الفسخ ينفذ ظاهراً وباطنا لأنه فسخ لاستدراك الظلامة فأشبه رد المعيب واختار أبو الخطاب أن المشتري إن كان ظالماً ففسخ البائع ينفذ ظاهراً وباطنا لعجزه عن استيفائه حقه فملك الفسخ كما لو أفلس المشتري وإن كان البائع ظالما لم ينفذ فسخه باطنا لأنه يمكنه إمضاء العقد فلم ينفذ فسخه ولم يملك التصرف في المبيع لأنه غاصب. الشيخ: الصواب أن من كان منهما كاذباً فإن العقد في حقه لا ينفسخ باطناً وإن كنَّا نفسخه ظاهراً ونرد المبيع إلى البائع والثمن للمشتري لكن فيما عند الله عز وجل الكاذب لا ينفسخ في حقه. فصل

القارئ: وإن اختلفا بعد تلف المبيع ففيه روايتان إحداهما يتحالفان ويفسخان البيع لأن المعنى الذي شرع له التحالف حال قيام السلعة موجود حال تلفها فيشرع ويجب رد قيمة السلعة فإن اختلفا في قيمتها وجب قيمة مثلها موصوفاً بصفاتها وإن زادت على ما ادعاه البائع لأن الثمن سقط ووجبت القيمة. الشيخ: هذه المسألة فيما إذا اختلفا في الثمن فقال البائع أنه مائة وقال المشتري إنه ثمانون بعد أن تلفت السلعة يقول المؤلف (وجب قيمة مثلها) لأنها دخلت عليه بالقيمة فيتفق على أن صفتها كذا وكذا ويُسأل عن قيمتها فإذا وجدت أنها تساوي مثلاً مائة وخمسين والبائع يقول إنها بمائة فهل نعطي البائع مائة وخمسين أو نعطيه ما ادعاه فقط؟ الجواب أولاً لنعلم أن المشتري إذا علم أن قيمتها ستبلغ مائة وخمسين فسوف يقر للبائع بأنها بمائة وهذا واضح ثانياً المؤلف رحمه الله يقول إن البائع يعطى قيمتها ولو زادت على ما ادعاه لأن الثمن سقط بالتحالف والثمن هنا مائة في قول البائع وثمانون في قول المشتري فهذا الثمن بعد التحالف سقط وكأن المشتري الآن أتلف سلعة البائع إتلافاً عادياً فيرجع إلى القيمة وفي النفس من هذا شيء وعليه إذا زادت قيمتها تالفة على ما ادعاه البائع من الثمن فينبغي ألا يعطى البائع إلا ما ادعاه وذلك لأن البيع تم بينهما على هذا ولن نعدل للتفاسخ إلا عند تعذر إمضاء البيع وحينئذ نقول الآن البيع ماضي وليس لك أيها البائع إلا ما أقررت به وهو مائة وكما قلنا إن المشتري إذا علم أن قيمتها ستزيد على ما ادعاه البائع فإنه سوف يرضى بقول البائع. القارئ: فإن اختلفا في الصفة فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه غارم والثانية القول قول المشتري مع يمينه اختارها أبو بكر. الشيخ: قوله (والثانية) أي الرواية الثانية في أصل المسألة.

القارئ: لقوله في الحديث (والبيع قائم بعينه) فمفهومه أن لا يشرع التحالف مع تلفها ولأنهما اتفقا على انتقال المبيع إلى المشتري بثمن واختلفا في الزائد الذي يدعيه البائع وينكره المشتري والقول قول المنكر وإنما ترك هذا مع قيام السلعة لإمكان التراد ولا يمكن رد السلعة بعد تلفها. الشيخ: قوله رحمه الله (فإن اختلفا في الصفة فالقول قول المشتري مع يمينه) هذا صحيح لأنه غارم والقاعدة المبينة على الحديث أن كل غارم فالقول قوله مع يمينه. القارئ: وإن تقايلا المبيع أو رد بعيب ثم اختلفا في الثمن فقال البائع هو قليل وقال المشتري هو كثير فالقول قول البائع لأن البيع قد انفسخ والبائع منكر لما يدعيه المشتري لا غير وإن مات المتبايعان فورثتهما بمنزلتهما لأنها يمين في المال فقام الوارث فيها مقام الموروث كاليمين في الدعوى وإن كان المبيع بين وكيلين تحالفا لأنهما عاقدان فتحالفا كالمالكين. فصل القارئ: وإن اختلفا في قدر المبيع فقال بعتك هذا العبد بألف فقال بل هو والجارية فالقول قول البائع نص عليه لأنه ينكر بيع الجارية فاختصت اليمين به كما لو اختلفا في أصل العقد. الشيخ: هذ إذا ادعى المشتري أن المبيع عينان وقال البائع بل عين واحدة فمعلوم أن القول قول البائع لأنه منكر. القارئ: وإن قال بعتك هذا العبد فقال بل بعتني هذا الثوب حلف كل واحد منهما على ما أنكره خاصة ثم إن كان العبد في يد البائع فليس للمشتري أخذه لأنه لا يدعيه وإن كان في يد المشتري فليس للبائع أخذه لذلك إلا أن يتعذر عليه ثمنه فيفسخ البيع ويأخذه والثوب يقر في يد البائع ويرد إليه إن كان عند المشتري وإن قامت بينة بالعقدين ثبتا وإن قامت بينة بأحدهما ثبت ويحلف المنكر للآخر ويبطل حكمه. فصل

القارئ: وإن اختلفا في صفة الثمن رجع إلى نقد البلد نص عليه فإن كان فيه نقود رجع إلى أوسطها وعلى من القول قوله اليمين لأن الظاهر صدقه فكان القول قوله كالمنكر وقال القاضي يتحالفان. الشيخ: هذه المسألة فيما إذا اختلفا في صفة الثمن فقال أحدهما أنه دولار وقال الآخر بل ريالات سعودية فإذا كانوا في أمريكيا كان الثمن بالدولار وإذا كانوا في السعودية كان الثمن بالريال. فصل القارئ: وإن اختلفا في أجل أو شرط أو رهن أو ضمين ونحوه ففيه روايتان إحداهما القول قول من ينكره مع يمينه لأنه منكر فأشبه منكر العقد من أصله والثانية يتحالفان لأنهما اختلفا في صفة العقد فأشبه ما لو اختلفا في قدر الثمن. الشيخ: هذه فيها مسائل منها اختلفا في الأجل بأن قال المشتري إن الثمن مؤجل وقال البائع إنه حال فالمدعي هنا المشتري وذلك لأن الأصل حلول الثمن فمثلاً إذا باعه سيارة بخمسين فقال البائع إن الثمن حال وقال المشتري إن الثمن مؤجل فالمشتري مدعي والبائع منكر والبنية على المدعي واليمين على من أنكر وظاهر كلام المؤلف أننا لا نرجع للقرائن بأن ننظر للثمن فمن المعلوم أن الثمن المؤجل يختلف عن الثمن الحاضر فإذا كان قول البائع يؤيده الواقع بأن كانت القيمة قليلة فيما لو كان الثمن مؤجلاً فالقول قول البائع وإذا كان العكس القول قول المشتري فلو نظر على ما يدعيه كل واحد منهما هل يوافق الواقع أم لا لكان هذا قولاً وجيهاً لأن المدعي لما يخالف الواقع هو مدعي لما يخالف الظاهر وهو ظاهر قوي يرجح على الأصل. القارئ: وإن اختلفا فيما يفسد العقد القول قول من ينفيه لأن الظاهر من حال المسلم تعاطي الصحيح وإن قال أحدهما كنت مكرهاً أو مجنونا فالقول قول الآخر لأن الأصل معه وإن قال كنت صغيراً فكذلك نص عليه لأنهما اختلفا فيما يفسد العقد فقدم قول من يدعي صحته ويحتمل أن القول قول مدعي الصغر لأن الأصل معه.

الشيخ: صورة المسألة رجل اشترى من شخص سيارة ثم أدعى البائع أنه صغير من أجل ألا يصح البيع لأن الصغير لا يصح تصرفه وادعى المشتري أن البائع بالغ من أجل أن يصحح العقد فهل نقول إن الأصل في العقود الصحة وأن هذا بالغ أو نقول إن الأصل الصغر حتى يقوم دليل على أنه بلغ؟ الجواب نقول الواقع أن عندنا أصلين أصل أن هذا البائع لم يبلغ وأصل أن الأصل الصحة وهذه الدعوة تكون حين كون المدعي للصغر بالغاً أما إذا كان إلى الآن لم يبلغ فالمسألة واضحة أنه يرجع إلى الحاكم. القارئ: وإن قال عبد بعتك بغير إذن سيدي فأنكره المشتري فالقول قول المشتري لأن الأصل الصحة وإن أنكره السيد فالقول قوله لأن الأصل معه ولا دليل على خلافه. الشيخ: هذه المسألة قد تشتبه على بعض الناس وهي إذا اشترى شخص من عبد شيئاً ثم قال العبد بعتك بغير إذن سيدي فالقول قول المشتري لأن الأصل صحة العقد وأما إذا قال السيد أنا لم آذن له فالقول قول السيد لأن الأصل عدم الإذن وهذه المسألة قد يقول قائل كيف نقبل قول السيد ولا نقبل قول العبد؟ نقول لأن قول العبد خلاف الظاهر فهذا عبد ومعه سلعة يبيعها ثم يقول إن سيدي لم يأذن لي هذا بعيد والأصل الصحة أما مسألة أن السيد لم يأذن فهذا يقع كثيراً قد يتجرأ العبد على أن يبيع شيئاً من ملك سيده والسيد لم يأذن له. السائل: إذا قال العبد إن السيد قد أذن لي فهل تقبل دعواه؟ الشيخ: لا تقبل دعوى العبد على السيد أنه قد أذن له. القارئ: وإن قال أحد المتصارفين تفرقنا قبل القبض أو أدعى فسخ العقد وأنكره الآخر فالقول قول المدعي الصحة لأن الأصل معه. الشيخ: المتصارفان هما اللذان باع أحدهما على الآخر ذهباً والآخر باع عليه فضة فالقول قول مدعى الصحة هذا الأصل فالأصل أن من أدعى فساد عقد وأدعى الآخر صحته فالقول قول مدعي الصحة إلا إذا وجد ما يناقض ذلك.

القارئ: وإن اختلفا في عيب يحدث مثله فأدعى كل واحد منهما أنه حدث عند صاحبه ففيه روايتان إحداهما القول قول البائع لأن الأصل عدم العيب والثانية القول قول المشتري لأن الأصل عدم القبض للجزء الفائت وعدم استحقاق ما يقابله من الثمن. الشيخ: الصحيح أن القول قول البائع لأن الأصل عدم العيب الأصل السلامة وعدم العيب فإذا اشترى شيئاً وقال إن فيه عيب من أجل أن يرده فقال البائع بل هو سليم وليس هناك بينة فالقول قول البائع لأن الأصل السلامة وعدم العيب إلا إذا كان هناك ما يمنع قول أحدهما فيعمل به فالإصبع الزائدة يكون القول فيها قول المشتري لأنه لا يمكن أن تحدث والجرح الطري الذي ينزف دماً يكون القول قول البائع لكن إذا كان يحتمل هذا وهذا فالقول قول البائع على الصحيح وإلا فالمسألة فيها خلاف. القارئ: وإن رد بعيب فقال البائع ليس هذا المبيع فالقول قوله لأن الأصل سلامة المبيع وبقاء العقد وإن قبض المسلم فيه أو المبيع بالكيل ثم قال غلطت علي في الكيل ففي وجهان أحدهما القول قول البائع لأن الأصل السلامة من الغلط والثاني القول قول المشتري لأن الأصل عدم القبض لما أنكر قبضه وإن كان قبضه جزافا فالقول قوله في قدره وجهاً واحد. الشيخ: كلام المؤلف صحيح. فصل القارئ: وإن باعه بثمن معين وقال كل واحد منهما لا أسلم ما بعته حتى أقبض عوضه جعل بينهما عدل يقبض منهما ويسلم إليهما معاً لأنهما سواء في تعلق حقوقهما بالعين وإن كان البيع بثمن في الذمة أجبر البائع على تسليم المبيع أولاً لتعلق حق المشتري بعينه فقدم على ما تعلق بالذمة كأرش الجانية مع الدين ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن.

الشيخ: قوله (في الذمة) ليس معناه مؤجل فمثلاً إذا قلت اشتريت منك هذا الكتاب بعشرة ريالات فالكتاب معين والثمن في الذمة فهنا نقول يُسلَّم أولاً المعين ثم الذي في الذمة أما إذا باعه بمعين بأن قال بعتك هذه الساعة بهذه الساعة ثم اختلفا فقال المشتري أعطني حتى أعطيك الثمن وقال البائع أعطني حتى أعطيك السلعة ماذا نعمل؟ نقول يُأتى برجل عدل ويأخذ الساعة من البائع ومن المشتري ثم يسلم ساعة المشتري إليه وساعة البائع إليه هذا إذا كان معين أما إذا كان الثمن غير معين بأن قال اشتريت منك هذا الكتاب بعشرة ريالات فنقول يجب على البائع أن يسلم السلعة أولاً ثم يأخذ الثمن ثانياً. الشيخ: نحن فإن كان معسراً أو ماله أو ماله لأن الواو لا يستقيم المعنى فيها عند غائب فيه بالرفع ولم يصح أو ماله غائباً يعني أو كان ماله غائبا. القارئ: فإن كان معسراً أو ماله غائباً في مسافة القصر فللبائع فسخ البيع لأن عليه ضرراً في تأخير الثمن فجاز له الرجوع إلى عين ماله كما لو أفلس المشتري وإن كان الثمن حاضراً أجبر على دفعه في الحال وإن كان في داره أو دكانه حجر عليه في المبيع وفي سائر ماله حتى يسلمه لئلا يتصرف في المبيع فيضر بالبائع. الشيخ: هذه غير موجودة عندنا وإلا لكانت مشكلة فالنزاع في هذا لا يوجد اليوم وإلا كان نقول نحجر عليه ونكتب على دكانه إعلان بأنه لا يبايعه أحد ولا يشاريه حتى يسلم الثمن فهذه فيها صعوبة لكن لندرة وقوعها عندنا الحمد لله كفنا الله إياها. القارئ: وإن كان غائباً دون مسافة القصر ففيه وجهان أحدهما له الفسخ لأنه تعذر الثمن للإعسار أشبه الإفلاس والثاني لا يفسخ ولكن يحجر على المشتري لأنه في حكم الحاضر أشبه الذي في البلد والصحيح عندي أنه لا يجب عليه تسليم المبيع ما لم يحضر الثمن ويمكن أخذه لأن في تسليمه بدون ذلك ضرراً وخطراً بفوات الثمن عليه فلم يلزمه تسليم عوضه قياساً على العوض الآخر. الشيخ: الذي صححه الموفق هو الصحيح وهو ما يعبر عنه العلماء بحبس المبيع على ثمنه يعني هل للبائع حبس المبيع على ثمنه أو لا؟ الصحيح أن له حبسه على ثمنه خصوصاً إذا كان المشتري معسراً أو مماطلاً فكيف يفرط بماله يعطيه المشتري وهو لا يدري أيعطيه الثمن أو لا فالصواب أن له حبس المبيع على ثمنه.

كتاب السلم

كتاب السلم القارئ: السلم أن يسلم عيناً حاضرة في عوض موصوف في الذمة إلى أجل. الشيخ: السلم أن يسلم عيناً حاضرة كالدراهم في عوض موصوف بالذمة فيقول اشتريت منك مائة صاع بر بمائة ريال وينقد الريال ولابد أن يكون المسلم فيه مؤجلاً بأجل ولهذا قال المؤلف (إلى أجل) فهنا أولاً مُسلَم ومُسلَم فيه ومُسلِم ومُسلَمٍ إليه فالمُسلِم هو المشتري والمُسْلَم إليه هو البائع والمُسلم هو الثمن والمُسلم فيه هو المثمن والمثمن لابد أن يكون موصوفاً في الذمة فلا يصح الثمن في عين فلو قلت اشتريت منك هذه السيارة بعوض قدره كذا وكذا والبيع مؤجل إلى سنة لا يصح أما إذا أجل الثمن فلا بأس أما أن تكون عين حاضرة فليس هذا بسلم بل هو بيع عين بعين لابد أن يكون السلم موصوفاً في الذمة ولابد أن

يكون إلى أجل وظاهر كلام المؤلف إلى أجل قليل أو كثير لكن الفقهاء رحمهم الله قالوا لابد أن يكون لهذا الأجل تأثير في القيمة يعني له وقع في الثمن _ والمثال مرة أخرى نقول أتيت إلى فلاح عنده نخل فقلت أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع من التمر يحل بعد سنة فهذا جائز والدليل أنه قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار وأجاز ذلك وبه نعرف أن حديث عبادة بن الصامت (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يد بيد) أنه يستثنى ما إذا كان أحدهما نقداً أي دراهم أو دنانير فإنه يجوز أن تسلم الدراهم والدنانير في بر أو تمر أو شعير أو ملح ولو إلى أجل وهل في السلم مصلحة للمتعاقدين؟ نعم فيه مصلحة للمتعاقدين فالمشتري يستفيد زيادة المثمن لأنه إذا كان الصاع بريال مثلاً نقداً فهو سيشتريه بأقل من ريال مؤجلاً والبائع يستفيد تعجيل الثمن. القارئ: وهو نوع من البيع ينعقد بلفظ البيع والسلم والسلف وتعتبر فيه شروط البيع ويزيد بشروط ستة أحدها أن يكون مما ينضبط بالصفات التي يختلف الثمن باختلافها ظاهرا لأنه بيع بالصفة فيشترط إمكان ضبطها. الشيخ: قوله رحمه الله (يزيد بشروط ستة) هذه إذا تأملها الإنسان لم تكن ستة فمثلاً اشتراط أن يكون منضبطاً بالصفة هذا متفرع من قولنا يشترط أن يكون المبيع معلوماً. القارئ: فيصح السلم في المكيل والموزون والمذروع لما روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قدم المدينة وهم يسلفون الثمار السنتين والثلاث فقال (من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) متفق عليه. الشيخ: السلم من العقود التي أقرها الإسلام ولكن أدخل عليها شروطاً لأن العقود في الجاهلية منها ما أنكره الإسلام كعقود الربا ومنها ما أقره الإسلام علىما هو عليه كالمضاربة ومنها ما أقره الإسلام وأدخل عليه شروطاً تصححه كالسلم.

القارئ: وقال عبد الله بن أبي أوفى وعبد الرحمن بن أبزى كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والذبيب فقيل أكان لهم زرع أم لم يكن قال ما كنا نسألهم عن ذلك رواه البخاري. الشيخ: وهذا دليل على أنه يصح السلم في زرع أو تمر حتى إلى غير الفلاح ولكن إذا كان إلى غير الفلاح فكيف يوفي؟ الجواب يشتري إذا حل الأجل ويوفي. القارئ: فثبت جواز السلم في ذلك بالخبر وقسنا عليه ما يضبط بالصفة لأنه في معناه ويصح في الخبز واللبأ والشواء لأن عمل النار فيه معتاد ممكن ضبطه بالنشافة والرطوبة فصح السلف كالمجفف بالشمس وقال القاضي لا يصح في الشواء واللحم المطبوخ لأن عمل النار فيه يختلف فلا ينضبط. الشيخ: الصحيح الأول لأنه حتى لو أختلف فالاختلاف هنا يسير والشواء معروف أنه يشوى الجزء من اللحم على وجه معروف بين الناس ولا يحتاج إلى تحرير. السائل: ما معنى اللبأ؟ الشيخ: اللبأ هو اللبن أول ما تلد البهيمة يسمى لبأ لأنه يقع أصفر وإذا أحمي في النار تجمد. فصل القارئ: ولا يصح فيما لا ينضبط كالجوهر واللؤلؤ والزبرجد والياقوت والعقيق ونحوها لأنها تختلف اختلافاً متبايناً بالكبر والصغر وحسن التدوير وزيادة ضوئها ولا يمكن تقديرها ببيض العصفور ونحوه لأنها تختلف. الشيخ: بيع هذه الأشياء يصح لأنها مرئية يراها الإنسان لكن وصفها لا يمكن فهو صعب جداً لكن السلم في الفناجين أو الأسطال أو الأباريق أو الأواني؟ يجوز لأنه يمكن يمكن ضبطها خصوصاً في عهدنا الآن. القارئ: وفي الحوامل من الحيوان والشاة اللبون والأواني المختلفة الرؤوس والأوساط وجهان أحدهما لا يصح أن يسلم فيه لأن الصفة لا تأتي عليه والولد واللبن مجهول والثاني يصح لأن الحمل واللبن لا حكم لهما مع الأم بدليل البيع.

الشيخ: قوله (والثاني يصح لأن الحمل واللبن لا حكم لهما مع الأم بدليل البيع) هذا هو الصحيح أنه يصح في الحوامل وذوات اللبن فتقول مثلاً هذه عشرة آلاف ريال بمائة شاة حامل أو بمائة شاة لبون وما أشبه ذلك. القارئ: والأواني يمكن ضبطها بسعة رأسها وأسفلها وعلو حائطها فهي كالأواني المربعة وما فيه خلط من غيره ينقسم أربعة أقسام أحدها ما خلطه لمصلحته وهو غير مقصود في نفسه كالأنفحة في الجبن والملح في الخبز والشيرج والماء في خل التمر فيصح السلم فيه لأنه يسير للمصلحة الثاني أخلاط متميزة مقصودة كثوب منسوج من شيئين فيصح السلم فيه لأن ضبطه ممكن وفي معناه النبل والنشاب وقال القاضي لا يصح السلم فيهما لأن فيه أخلاطاً ويختلف طرفاه ووسطه فأشبه القسي والأول أصح لأن أخلاطه متميزة ممكن ضبطها والاختلاف فيه يسير معلوم بالعادة فهو كالثياب من جنسين بخلاف القسي. الشيخ: الأول وهو قوله (ما خلطه يسير لمصلحته) هذا لا بأس به ولا إشكال فيه كالإنفحة في الجبن الجبن هو الحليب المجبن والأنفحة هي عبارة عن اللباء الذي يكون في معدة الوليد فإذا ولدت الشاة طفلاً صغيراً وذبح حين كان يشرب اللباء وأخذت المعدة فاللباء الذي فيها جبن يعني يُجَبِّنُ الأشياء لو وضعت ملعقة صغيرة منه في كأس ثم تحميه على النار جَبَّنَهَا وصار كأنه قطعة ثلج فهذا لا يضر لأنه يسير مقصود وقد جرت العادة بالتسامح فيه وكذلك الملح في الخبز أيضاً لا يضر لأنه لمصلحته وهو يسير وقد جرت العادة به أما الثاني فيقول المؤلف (أخلاط متميزة مقصودة كثوب منسوج من شيئين) هذا أيضاً يصح السلم فيه لأنه يمكن ضبطه لا سيما إذا أراه نموذجاً منه والصحيح ما ذكره المؤلف لا ما قاله القاضي رحمه الله. القارئ: الثالث المغشوش كالبن المشوب والحنطة فيها والحنطة فيها الزوان فلا يصح السلم فيه لأن غشه يمنع العلم بقدر المقصود فيه فيكون فيه غرر.

الشيخ: هذا صحيح لأن اللبن المشوب من يستطيع أن يقدره؟ الجواب لا أحد يستطيع، قال الشاعر يصف قوماً استضافهم: حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط يعني جاءوا بلبن مشوب حتى صار مثل. القارئ: الرابع أخلاط مقصودة غير متميزة كالغالية والند والمعاجين فلا يصح السلم فيه لأن الصفة لا تأتي عليه وفي معناه القسي المشتملة على الخشب والقرن والقصب والغزل والتوز فلا يصح السلم فيها للعجز عن مقادير ذلك وتميز ما فيه منها وفيه وجه آخر أنه يصح السلم فيها كالثياب. الشيخ: الواقع أن هذه الأشياء التي ذكرت في القسم الثالث والرابع إذا تطورت الصناعة وصار هذا الخلط المقصود مضبوطاً تماماً فلا بأس فلو ورد في الأسواق أخلاط من الطيب لكنها معروفة بالدقة فلا بأس والآن يوجد شيء يسمى الند وهو عبارة عن أطياب مخلوطة فإذا أسلم إليه مالاً بعيدان الند فلا بأس وإن كانت مخلوطة لكنها معروفة لا تختلف وكل هذه الشروط تُأخذ من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه (وسلم نهى عن بيع الغرر). فصل القارئ: وفي الحيوان روايتان أظهرهما صحة السلم فيه لأن أبا رافع قال (أستسلف النبي صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا) رواه مسلم ولأنه يثبت في الذمة صداقاً فصح السلم فيه كالثياب والثانية لا يصح لأنه يختلف اختلافاً متباينا مع ذكر أوصافه الظاهرة فربما تساوى العبدان في الصفات المعتبرة وأحدهما يساوي أمثال أصحابه وإن استقصى صفاته كلها تعذر تسلميه.

الشيخ: في هذا نرجع إلي ما سبق فإذا أمكن وصفه فلا بأس فالحيوان يمكن وصفه وإذا اختلف لا يختلف إلا يسيراً لكن العبيد صعب جداً فمثلاً لو قال أسلمت إليك عشرة آلاف في عبد صفته كذا وكذا فهذا لا يكفي مهما قال أولاً لأنه قد يكون نادراً وثانياً أن وجه الإنسان يختلف اختلافاً عظيماً فبعض الناس تجد وجهه مبتسماً وصدره منشرحاً وإذا رأيته سرك وبعض الناس بالعكس فمثلاً قلت أسلمت لك كذا وكذا في عبد سنه كذا وطوله كذا وعرضه كذا ولونه كذا وعيناه كذا ووجهه كذا فهل يمكن أن الإنسان يدرك أن يأتي بهذا على الوصف المطلوب؟ الجواب لا يمكن أبداً وربما كان هناك عبدان متفقان في الصفات والسن والجسم وكل شيء لكن أحدهما إذا رأيته ربما لا تنام من الحزن والآخر إذا رأيته انشرح صدرك وسررت به فهنا ينبغي أن يقال إذا كان الحيوان إنساناً فلا يصح السلم فيه لصعوبة وصفه وإن كان حيواناً فالأمر سهل حتى الحيوان إذا لم يطب لك فإن كان مما يأكل فما أحسن أن تذبحه وتأكله وإن كان لا يأكل فالبيع. القارئ: وفي المعدود من الجوز والبيض والبطيخ والرمان والبقل ونحوه روايتان إحداهما لا يصح لذلك والثانية يصح لأن التفاوت يسير ويمكن ضبطه بعضه بالصغر والكبر وبعضه بالوزن وفي الرؤوس والأطراف والجلود من الخلاف مثل ما فيما قبله. فصل القارئ: الشرط الثاني معرفة قدره بالكيل إن كان مكيلا وبالوزن إن كان موزونا وللذرع إن كان مذروعاً لحديث ابن عباس ولأنه عوض غير مشاهد يثبت في الذمة فاشترط معرفة قدره كالثمن. الشيخ: حديث ابن عباس (فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وحتى لو فرض أنه لم يأتي هذا القيد في الحديث فإنه داخل في العموم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن بيع الغرر). القارئ: ويجب أن يكون ما يقدر به معلوماً عند العامة فإن قدره بإناء أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح لأنه قد يهلك فيجهل قدره وهذا غرر لا يحتاج العقد إليه.

الشيخ: أي لابد أن يسلم في مكيال معلوم عند العامة كالصاع والمد وما أشبه ذلك فلو قال أسلمت إليك مائة ريال بملء هذا الإناء مائة مرة فلا يصح لأن الإناء ربما يتلف أو يسرق أو يخفيه أحدهما فيؤدي ذلك إلى التنازع فلا يصح وكذلك الصنجة أي ما يقدر الشيء به وزناً لابد أن تكون معلومة والمعلوم عندنا الآن في الوزن هو الكيلو. القارئ: وإن أسلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا فعنه لا يصح لأنه مبيع اشترط معرفة قدره فلم يجز بغير ما هو مقدر به كالربويات وعنه ما يدل على الجواز لأنه يخرجه عن الجهالة وهو الغرض ولابد من تقدير. الشيخ: هذه الرواية هي الصحيحة أنه يجوز أن يسلم في المكيل وزناً وفي الموزون كيلاً وعمل الناس الآن في المكيل الوزن فصعب على الإنسان أن يكيل آلاف الأصواع ولهذا يقدرونها الآن بالوزن فالصواب أنه يجوز أن يسلم في البر وزناً وفي السكر كيلاً السكر لأن السكر يقدر بالوزن فإذا قدره بالكيل فلا بأس. القارئ: ولابد من تقدير المذروع بالذرع فأما المعدود فيقدر بالعدد وقيل بالوزن لأنه يتباين والأول أولى لأنه يقدر به عند العامة والتفاوت يسير ويضبط بالصغر والكبر ولهذا لا تقع القيمة بين الجوزتين والبيضتين. الشيخ: المعنى أنه لا وقع في القيمة فيقال مثلاً في البيض كل عشرة بريال وإن اختلفت بعض الشيء ولكن الحمد لله الآن مسألة المعدود أصبحت أمراً ظاهراً فهذه الأشياء الآن تقدر بألات معروفة مضبوطة تماماً فإذا قلت مثلاً مائة ساعة موديل كذا نوع كذا فهي منضبطة تماماً. القارئ: فإن كان يتفاوت كثيراً كالرمان والبطيخ والسفرجل والبقول قدره بالوزن لأنه أضبط لكثرة تفاوته وتباينه ولا يمكنه ضبطه بالكيل لتجافيه في المكيال ولا بالحزم لأنه يختلف ويمكن حزم الكبيرة والصغيرة فتعين بالوزن لتقديره.

الشيخ: خلاصة هذا الشرط أنه لابد أن يكون معلوم القدر بالكيل في المكيل والوزن في الموزون والعد في المعدود والذرع في المذروع وإن خالف بأن جعل المكيل موزوناً أو الموزون مكيلاً فلا بأس على القول الراجح أما المعدود فإن ظهر التفاوت كثيراً فإنه لا يجوز لأنه يؤدي إلى التنازع وإن كان يسيراً فلا بأس وأما المذروع فلابد من ذرعه لا يمكن ضبطه إلا بالزرع. فصل القارئ: الشرط الثالث أن يجعلا له أجلاً معلوما فإن أسلم حالاً لم يصح لحديث ابن عباس. الشيخ: حديث ابن عابس هو قوله صلى الله عليه وسلم (إلى أجل معلوم) وهذا مبني على أن هذه الجملة (إلى أجل معلوم) يعود فيها الشرط إلى المعنيين جميعاً وهما الأجل وكونه معلوماً وقال بعض العلماء إن هذا يعود إلى قوله (معلوم) فقط في قوله (إلى أجل معلوم) يعني أنه إذا كان مؤجلاً فليكن الأجل معلوماً وبناءً على هذا القول لا يشترط التأجيل فيصح السلم في الشيء الحال بأن يقول هذه مائة ريال بمائة صاع ولا يقدر أجلاً فهذا لا بأس به على القول بأن الشرط يعود إلى أن يكون الأجل معلوماً لا إلى أجل معلوم. القارئ: ولأن السلم إنما جاز رخصة للرفق ولا يحصل الرفق إلا بالأجل فلا يصح بدونه كالكتابة فإن كان بلفظ البيع صح حالا قال القاضي ويجوز التفرق قبل قبض رأس المال لأنه بيع ويحتمل أن لا يجوز لأنه بيع دين بدين. الشيخ: ما قاله القاضي هو الصحيح والعمل عليه الآن فتجد الرجل يقول لصاحبه أرسل لي كذا وكذا من الحاجات وهو لم يقبضها ولا يعطيه الثمن ثم بعد ذلك يعطيه الثمن فيقول مثلاً بكم تبيع الكيس من الرز فقول البائع أبيعه بمائة فيقول له أرسل لنا كيساً ولا يسلمه الثمن وكذلك البائع لم يحضر المبيع بعد فما قاله القاضي هو الصحيح وهو عليه العمل الآن.

القارئ: ويشترط في الأجل ثلاثة أمور أحدها كونه معلوماً لقول الله تعالى (إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى) وللخبر فإن جعله إلى المحرم أو يوم منه أو عيد الفطر ونحوها جاز لقول الله تعالى (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاس) وإن قدره بغير ذلك مما يعرفه الناس ككانون وعيد للكفار يعرفه المسلمون جاز لأنه معلوم لا يختلف وقال ابن أبي موسى لا يصح لأنه لا يعرفه كثير من الناس. الشيخ: المؤلف قيد ذلك بأن يعرفه المسلمون مثل شهر كانون فلا بأس لأن كانون علم على شهر معين لكن عيد الكافر ينبغي ألا يصح الأجل إليه لأن العيد شعار ديني عند الكفار فلا يجوز أن تجعل آجال بيوع المسلمين إلى هذا الشعار الديني وإذا قال العلماء يصح أو لا يصح فهل يلزم من قولهم لا يصح أنه حرام؟ الجواب نعم إلا يلزم ذلك فكل شيء فاسد فهو حرام نص على هذا أهل العلم وهو حقيقة لأنه إذا كان فاسداً ثم إنك عملت به صار هذا مضاد للشرع فالقاعدة أن كل فاسد حرام سواء من الشروط أو العقود أوغيرها. القارئ: وإن كان مما لا يعرفه المسلمون كالشعانين وعيد الفطير لم يصح وجهاً واحداً لأن المسلمين لا يعرفونه ولا يجوز تقليد أهل الذمة فبقي مجهولاً. الشيخ: كلام المؤلف جيد في قوله (لا يجوز تقليد أهل الذمة) هذا جيد جداً فمثلاً عيد الميلاد معلوم عند المسلمين لكنه شعار ديني فلا يجوز أن تجعل آجل البيوع والإيجارات وما أشبهها إلى عيد الميلاد وشبهه من الأعياد الدينية عندهم. القارئ: وإن جعلا الأجل إلى مدة معلومة كشهر معين تعلق بأولها ولو قال محله في رمضان فكذلك لأنه لو قال لزوجته أنت طالق في رمضان طلقت في أوله ولو أحتمل غير الأول لم يقع الطلاق بالشك.

الشيخ: المعنى أنه لو أحتمل غير الأول أي غير أول الشهر لكان احتماله في آخر الشهر مشكوكاً فيه ولا يقع الطلاق بالشك لكن لو أن إنسان عكس قال مادام الأمر محتملاً أن يكون في أول الشهر أو أخره فإيقاعه في أول الشهر مشكوك فيه أيضاً فلا يمكن أن نجزم إلا في آخر الشهر ولو قال قائل إذا كان محله في رمضان فقولوا في الوسط أي وسط رمضان فلا وكس ولا شطط فلا نضر البائع ولا نضر المشتري ولو قيل بهذا لكان جيداً. القارئ: وإن جعله اسماً يتناول شيئين كربيع تعلق بأولهما وإن قال ثلاثة أشهر أنصرف إلى الهلالية لأن الشهور في لسان الشرع فإن كان أثناء الشهر كمل بالعدد ثلاثين والباقي بالأهلة. الشيخ: والصواب أنه بالأهلة مطلقاً سواء في أثناء الشهر أو في أول الشهر ومثل ذلك قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) فالصواب أنه لا فرق بين أن يكون ابتداء المدة في أثناء الشهر أو من أوله فهي تكمل كلها بالأهلة. السائل: البلاد التي يكون فيها المسلمون ينطقون بغير العربية يستعملون الشهور غير العربية فما الحكم؟ الشيخ: لا مانع إذا كانوا لا يعرفون إلا أشهر أخرى غير عربية فلا بأس وإن كان ينبغي أن ينقلوا إلى الأشهر العربية. السائل: بالنسبة للآجال التي يقال فيها إلى رأس السنة مثلاً لكن هم لا يقصدون عيد الكفار؟ الشيخ: إذا لم ينص على العيد وقال على رأس السنة فلا بأس لأن حتى أعياد الكفار بالنسبة لرأس السنة تختلف بعض الأعياد تتقدم رأس السنة بأربعة أيام أوخمسة أيام وبعضها يتأخر فالمهم إذا لم يقيد بالعيد فلا بأس. السائل: ما الفرق بين قولهم في الأجل إلى رمضان أو في رمضان؟ الشيخ: إذا قال إلى رمضان فهو يحل في آخر يوم من شعبان أو أول يوم من رمضان وإذا قال في رمضان ينبغي أن يقال أنه إذا قال في رمضان أن يحل في وسط الشهر.

القارئ: الأمر الثاني أن يكون مما لا يختلف فإن جعله إلى الحصاد والجذاذ والموسم لم يصح لأن ابن عباس قال: لا تتبايعوا إلى الحصاد والدياس ولا تتبايعوا إلا إلى شهر معلوم ولأن ذلك يختلف ويفرب ويبعد فلم يجز جعله أجلاً كقدوم زيد وعنه أنه قال أرجو أن لا يكون به بأس لأن ابن عمر كان يبتاع إلى العطاء ولأنه لا يتفاوت تفاوتاً كثيرا فإن أسلم إلى العطاء يريد به وقته وكان معلوماً جاز وإن أراد نفس العطاء لم يصح لأنه يختلف. الشيخ: هذه المسألة في تأجيل السلم بالحصاد والجذاذ فيه روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله رواية أنه لا بأس به وراوية أخرى أنه لا يجوز والصواب أنه جائز ولا بأس به لأن وقت الحصاد معلوم والاختلاف فيه يسير ومثل هذا جرت العادة بالتسامح فيه ومثله كذلك قدوم الحجاج في الزمن الأول فإن قدوم الحجاج في الزمن الأول يكون متقارباً أما الآن فإن الحجاج يختلفون اختلافاً كثيراً فلا يصح التأجيل به وأما ما روي عن ابن عباس (لا تبايعوا للحصاد والدياس) فلعله أراد أن يبيع نفس الذي جذ ونفس الذي ديس فيكون النهي مصباً على العين لا على الأجل لأن الفلاح ربما يقول أنا أؤجل السلم حتى أحصد ويعني بذلك أنه يبيع ما حصد أو حتى أحز ويعني بذلك جذاذه وهذا لا شك أنه مجهول أما الحصاد بمعنى وقت الحصاد فالصواب الرواية الثانية عن أحمد أن ذلك جائز وكذلك إذا أسلم إلى العطاء يعني عطاء الديوان ومثله عندنا الآن في الوقت الحاضر الرواتب فهذا لا بأس به لأن الاختلاف فيها يسير أما إذا أراد نفس العطاء فهذا لا يصح لأنه قد يحصل في وقته وقد لا يحصل. القارئ: الأمر الثالث أن تكون مدة لها وقع في الثمن كالشهر ونصفه ونحوه فأما اليوم ونحوه فلا يصح التأجيل به لأن الأجل إنما اعتبر ليتحقق المرفق ولا يتحقق إلا بمدة طويلة.

الشيخ: قوله (المرفق) يعني مكان الرفق أو ليتحقق الرفق وهذا الشرط فيه نظر وذلك لأن الحديث يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام (إلى أجل معلوم) وأجل نكرة تشمل الكثير والقليل ولكن من المعلوم عادة أنه لابد أن يكون الأجل طويلاً لأن باذل الدراهم سيخفض من القيمة فإذا كان الصاع يساوي درهماً فإنه سوف يخفف من القيمة فلا يعطيه إلا درهماً إلا ربعاً مثلاً إذ أن المبيع سوف يتأخر تسليمه وهذا هو الأغلب أنه لابد أن يكون بأجل له وقع في الثمن والتمثيل بالشهر ونصفه ونحوه أيضاً يختلف فأحياناً تكون السلع غير مستقرة فيكون الأجل القليل له وقع في الثمن وأحياناً تكون مستقرة فلا يكون له وقع في الثمن إلا إذا كان في مدة طويلة وكذلك أيضاً ربما يكون عقد السلم قرب الموسم كموسم الحج مثلاً فهنا لا شك أن المدة القليلة سيكون لها وقع في الثمن بمناسبة الموسم لأن الموسم ترتفع به الأسعار والخلاصة أن القول الراجح أنه لا يشترط الأجل ولا كونه له وقع في الثمن وأن السلم يصح حتى في الحال وسبق الكلام على هذا. القارئ: فإن أسلم في جنس إلى أجلين أو آجال مثل أن يسلم في خبز ولحم يأخذ كل يوم أرطالاً معلومة جاز لأن كل بيع جاز إلى أجل جاز إلى آجال كبيوع الأعيان ويجوز أن يسلم في جنسين إلى أجل واحد لما ذكرنا. الشيخ: يعني يجوز أن يسلم في جنس واحد إلي أكثر من أجل فيقول أسلمت إليك ألف ريال بمائة صاع من البر نصفها يحل في رجب والنصف الثاني في شوال فهذا جائز وكذلك العكس أن يسلم في شيئين إلى أجل واحد كأن يقول أسلمت إليك مائة ريال بخمسين صاعاً من البر وخمسين صاعاً من الشعير تحل في رجب فهذا جائز. السائل: ما هو الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تبع ما ليس عندك) وبين إجازتنا أن يعقد على الشيء عقد سلم وهو حال؟

الشيخ: في السلم هو على شيء موصوف في الذمة فالفرق أن قوله صلى الله عليه وسلم (لا تبع ما ليس عندك) يقصد العين أما الموصوف في الذمة فهذا غير معين ولهذا نطالب الذي باع الشيء الموصوف بالذمة نطالبه بإيجاده على كل حال وأما الشيء المعين لو تلف ما نطالبه به. فصل القارئ: الشرط الرابع أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله مأمون الانقطاع فيه لأن القدرة على التسليم شرط ولا تتحقق إلا بذلك فلو أسلم في العنب إلى شباط لم يصح لأنه لا يوجد فيه إلا نادراً. الشيخ: شباط شهر إفرنجي يرافق الشتاء فلو أسلم في العنب إلى شباط فهذا لا يمكن أن يوجد فيه عنب في شباط وذلك في عصر المؤلف رحمه الله أما في عصرنا فيوجد وذلك بخزنه في المبردات والثلاجات وعلى كل حال نرجع للأصل لابد أن يكون المسلم فيه موجوداً وقد الحلول في مكانه وهذا المهم لأنه لو أسلم في شيء لا يمكن وجوده في وقته في ذلك المكان صار في هذا تعجيز ومغامرة لكن لابد أن يوجد وهنا نتعرض لمسألة يستعملها المقاولون في البناء يقول مثلاً أبني لي هذا البيت في خلال ستة أشهر فإن انتهت الستة فعليك خصم كل يوم مائة ريال أو ألف ريال أو ما يتفقان عليه فهل يجوز هذا أو لا يجوز؟ الجواب نقول إن ضرب مدة يمكن فيها انتهاء البناء فهذا جائز وإن ضرب مدة لا يمكن فيها انتهاء البناء فهذا لا يجوز لأنه في المسألة الأخيرة يكون المقاول مغامراً ومن المعلوم أنه إذا قصر مدة الإنشاء فسيكون السعر أعلى وحينئذ يكون إما غانماً وإما غارماً وأما إذا كانت المدة في وقت يمكن أن ينتهي فيه البناء فهذا لا بأس به. القارئ: ولا يصح السلم في ثمرة بستان بعينه ولا قرية صغيرة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى وقال اليهودي من تمر حائط بني فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما من حائط بني فلا ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى رواه ابن ماجه.

الشيخ: هذا الحديث ليس فيه دلالة على ما ذهب إليه المؤلف لأن كونه من حائط بني قد يكون معجوزاً عنه حين حلول الأجل لكن إذا أراد أن يسلم إليه بتمر من بستانه فإن بستانه يستطيع أن يوفي منه أما من بيع من حائط فحائط بني فلان قد يكون المسلم إليه قادراً على تحصيله وقد يكون غير قادر ولهذا ينبغي أن يكون في ذلك تفصيل فيقال إن عينه مما يملكه المسلم إليه فلا بأس به وإن كان من حائط آخر فإنه لا يجوز لأنه داخل في بيع ما ليس عنده ولا يتمكن من الوفاء وهذا القول الذي ذكرته هو الذي عليه عمل الناس اليوم وفيما سبق كان الفلاحون يأتون إلى التجار ويسلم التجار إليهم دراهم في تمر من نخيلهم أو في حب من زرعهم وهذا لا بأس به فصار في هذا على القول الراجح تفصيل وهو أنه إن عينه من بستانه الذي يملكه فلا بأس بذلك وإن عينه من بستان آخر فإنه لا يجوز لكن لو قال من حائط بني فلان أو ما يماثله فهل يجوز؟ نعم يجوز لأننا علمنا من قوله من حائط بني فلان أو ما يماثله أنه أراد هذا النوع الطيب. القارئ: ولأنه لا يؤمن تلفه فلم يصح كما لو قدره بمكيال معين ولا يصح السلم في عين لذلك ولأن الأعيان لا تثبت في الذمة. السائل: ما حكم السلم في العين؟ الشيخ: السلم في العين لا يصح لأنه إذا أسلم في العين ملكها المشتري وإذا ملكها فكيف تبقى؟ فنقول بدلاً من أن تقول سلم أذكر أنه بيع فقل بعت عليك هذا الشيء ويبقى عنده حسب الشرط. السائل: السلم إذا كان إلى أجل مثلاً إلى سنة فإنه حينئذ ربما يرتفع سعر الشيء الذي أسلم فيه وربما ينخفض جداً فيكون المسلم إما غانماً أو غارماً؟ الشيخ: هذا لا بأس به وليس غانماً أو غارماً لأن الغانم والغارم بمقتضى العقد أما هذا فهو غانم وغارم بحسب السعر وكما يقول العوام حظه ونصيبه. فصل

القارئ: الشرط الخامس أن يضبط بصفاته التي يختلف الثمن بها ظاهرا فيذكر الجنس والنوع والجودة والرداءة والكبر والصغر والطول والقصر والعرض والسمك والنعومة والخشونة واللين والصلابة والرقة والصفاقة والذكورية والأنوثية والسن والبكارة والثيوبة واللون والبلد والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك مما يقبل هذه الصفات ويختلف بها. الشيخ: يقول المؤلف (أن يضبط صفاته التي يختلف الثمن بها ظاهراً) يعني وأما الصفات اليسيرة التي لا يختلف بها الثمن إلا قليلاً فلا يشترط قال الإمام أحمد كل سلم يختلف فلا يمكن أن تضبط الصفات ضبطاً كاملاً كأنما تشاهدها يقول المؤلف (فيذكر الجنس والنوع) والصحيح أن ذكر النوع كافي عن ذكر الجنس لأن الجنس أعم والنوع أخص فمثلاً يقول أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع من البر حنطة والبر كما هو معروف أنواع منه الحنطة والمعيَّا والصماء والقيمي والجرباء فهذه خمسة أنواع فعلى قول المؤلف لابد أن تذكر الجنس والنوع فتقول مثلاً أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع من البر حنطة لكن نحن نقول إذا ذكر الأخص شمل الأعلى فلا يشترط ذكر الجنس فيكفي ذكر النوع لأنه إذا ذكر النوع تحدد الجنس قطعاً ثم قال المؤلف يذكر (الجودة والرداءة والكبر والصغر) وهذا صحيح لابد أن يقول جيد أو رديء وكذلك في الكبر والصغر لابد أيضاً أن يذكر أنه من النوع الكبير أو من النوع الصغير أو من النوع المتوسط وقوله (الطول والقصر) هذا فيما لو أسلم بحيوان أو بإنسان رقيق أما المذروع فلابد أن يحدد الذرع وقوله (العرض والسمك) والعرض والسمك هذا فيما لو أسلم في خشب أو غيره وقوله (النعومة والخشونة) هذا مثاله القماش وقوله (اللين والصلابة ... الخ) وعلى كل حال الصحيح في هذا الشرط أن يذكر الصفات التي يختلف بها الثمن اختلافاً ظاهراً هذا هو الضابط.

القارئ: الشرط الخامس أن يضبطه بصفاته التي يختلف الثمن بها ظاهرا فيذكر الجنس والنوع والجودة والرداءة والكبر والصغر والطول والقصر والعرض والسمك والنعومة والخشونة واللين والصلابة والرقة والصفاقة والذكورية والأنوثية والسن والبكارة والثيوبة واللون والبلد والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك مما يقبل هذه الصفات ويختلف بها ويرجع فيما لا يعلم منها إلى تفسير أهل الخبرة فإن شرط الأجود منها لم يصح لأنه يتعذر عليه الوصول إليه فإن وصل إليه كان نادرا وإن شرط الأردأ فيه وجهان أحدهما لا يصح لذلك والثاني يصح لأنه يمكنه تسليم المسلم أو خير منه من جنسه فيلزم المسلم قبوله. الشيخ: إذا قال المسلم أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع بر أجود ما يكون فإن هذا لا يصح لتعذر الوصول إليه لأنه ما من جيد إلا وفوقه أجود والأجود فوقه أجود وإلى ما لا نهاية فيتعذر الوفاء وإن أمكن فإنه لا يكون إلا نادراً ولكن بعض العلماء قال إنه يصح أن يقول الأجود ويحمل قوله الأجود على أجود ما يكون في السوق في البلد الذي هو فيه وهذا القول هو الصحيح لأن هذا هو المتعارف عليه فأنا إذا قلت أجود ما يكون أو من أجود ما يكون فليس معناه أني أريد أن تطوف بأقطار الدنيا حتى تصل إلى شيء ليس فوقه شيء بل المراد أجود ما يكون في السوق وهذا شيء متعارف عليه ولا يختلف فيه اثنان ولهذا كان القول الراجح أنه لا بأس به فإذا أحضره المُسلَم إليه وقال هذا أجود ما يكون فقال المُسلِم لا انظر الدكان الفلاني فيه أجود منه فنقول الآن للمُسْلِم أن يطالب المُسْلَم إليه بالأجود أما إذا قال اذهب إلى السوق لن تجد أحسن منه فهذا ما الذي يمنع منه، ثم قال المؤلف رحمه الله (إذا شرط الأردأ فيه وجهان) فذكر المؤلف الخلاف في الأردأ ولم يذكر الخلاف في الأجود لما سيأتي.

وليعلم أنه إذا شرط الأردأ فإنه كالأجود في وجوده لأنه ما من رديء إلا وهناك ما هو أردأ منه إذا أحضر له ما هو أجود مما وصف فإنه يلزم المسلم قبوله لأنه أوفاه خيراً من حقه وإذا أوفاه خيراً من حقه لزمه القبول ولهذا لو أنك بعت عليه بقرة وشرط أنها ذات لبن وأنها يحلب منها في اليوم والليلة صاع فأتيت إليه ببقرة يحلب منها في اليوم والليلة صاعان وقال لا الشرط الذي بيني وبينك صاع فهل يلزمه أن يقبل ما تحلب صاعين؟ الجواب نعم يلزمه لأن الزيادة في الصفات يلزم قبولها وهذه هي جادة المذهب أن الزيادة في الصفات يلزم قبولها فإذا اتفق هو وإياه على سلم في أردأ ما يكون فهل يجوز أو لا؟ فيه وجهان المذهب أنه لا يجوز وهناك وجه آخر أنه يجوز وهو في الحقيقة مبني على المذهب لأنه إذا جاء بأردأ ما يكون في السوق فقال المسلم الذي دفع الثمن أنا أشترط عليه الأردأ فإنه لا يلزم المسلم إليه أن يطوف البلاد كلها حتى يجد ما هو أردأ لأنه من المعلوم أنه ما من رديء إلا ودونه ما هو أردأ منه لكن نقول إذا جاء بأجود مما يجب في ذمته لزم القبول حتى لو فرض أنه في البلد نفسه لم يأتِ بالأردأ فإنه يلزمه القبول لأنه إذا أتاه بما هو أجود مما وصف فهذا خير له ولا يرده إلا رجل سفيه والخلاصة الآن نقول إنه إذا أشترط الأجود فعلى كلام المؤلف لا يصح وإن شرط الأردأ ففيه وجهان والصحيح أن شرط الأردأ والأجود كلاهما جائز. القارئ: وإن أسلم في جارية وابنتها لم يصح لأنه يتعذر وجودهما على ما وصف وإن استقصى صفات السلم بحيث يتعذر وجوده لم يصح لأنه يعجز عن تسليمه.

الشيخ: نستفيد من قولهم رحمهم الله (أنه إذا وصفه بصفات يندر وجودها ويعز وجودها فإنه لا يصح) نستفيد فائدة يستعملها الآن البناءون فيتفق المقاول والتاجر مثلاً على أن يبني له بيتاً في خلال ستة أشهر فإن لم ينجز ذلك في خلال ستة شهر خصم عليه كل يوم مائة وهذا يفعلونه حماية لهم لئلا يتلاعب المقاول لأنه ربما يتفق معه على ستة أشهر ثم يأخذ مقاولات كثيرة ولا يتمكن فهل يجوز هذا الشرط لأنه إذا جاز هذا الشرط ربما يستوعب الخصم نصف ما تمت به المقاولة أو أكثر فهل يجوز هذا الشرط؟ نقول فيه تفصيل إن حدد مدة يمكن في العادة والعرف أن ينجزه فيها فلا بأس أما إذا حدد مدة لا يمكن فيها ذلك فهذا لا يجوز فمثلاً إذا اتفق معه على أن يبني له فيلا فيها حجر وغرف علوية وسفلية فهذه يقيناً لا يمكن أن يبينها في خلال ستة أشهر مع ذلك جعل المدة ستة أشهر فهل يجوز هذا الشرط؟ الجواب لا لأنه مغامر أما إذا كان يمكن وأنه إذا بناها بناءاً مستمراً وحسب العادة والعرف أمكن ذلك فلا بأس بهذا الشرط وهذا الحكم الذي ذكرناه يمكن أخذه من قول الفقهاء هنا (إن الأوصاف النادرة في السلم لا يجوز اشتراطها). القارئ: الشرط السادس أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد قبل تفرقهما. الشيخ: رأس مال هو الثمن أي الدراهم التي يبذلها المشتري. القارئ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلف فليسلف في كيل معلوم) والإسلاف التقديم ولأنه إنما سمي سلماً وسلفاً لما فيه من تقديم رأس المال فإذا تأخر لم يكون سلما فلم يصح ولأنه يصير بيع دين بدين فإن تفرقا قبل قبضه بطل وإن تفرقا قبل قبض بعضه بطل فيما لم يقبض وفي المقبوض وجهان بناءً على تفريق الصفقة ويجوز أن يكون في الذمة ثم يعينه في المجلس ويسلمه.

الشيخ: الشرط هو قبض الثمن وليس تعيين الثمن فإذا قال أسلمت إليك ألف ريال بخمسمائة صاع والدراهم الآن ليست معه لكن جاء بها غلامه وهما بمجلس العقد ثم سلمها لها هل هذا جائز أو لا؟ نقول المؤلف يقول أن يقبض الثمن وليس أن يعنيه فإذا قال أسلمت إليك ألف ريال بخمسمائة صاع وليست الدراهم في يده لكن جاء بها الغلام ثم سلمها له فإن هذا جائز لأنه قبض الثمن ولو أنه قال أسلمت إليك هذه الدراهم بمائة صاع بر فهل هذا جائز أو لا؟ هذا جائز من باب أولى لأن هذه المسألة الأخيرة التي فرضناها فيها تعيين الثمن والمسالة الأولى في الذمة ثم أحضر الثمن. القارئ: ويجب أن يكون معلوماً كالثمن في البيع فإن كان معيناً فظاهر كلام الخرقي أنه يكتفى برؤيته لأنه ثمن عرض معين أشبه ثمن المبيع وقال القاضي لابد من وصفه لقول أحمد ويصف الثمن ولأنه عقد لا يمكن إتمامه وتسليم المعقود عليه في الحال ولا يؤمن أنفساخه فوجب معرفة رأس المال بالصفات ليرد بدله كالقرض في الشركة فعلى هذا لا يجوز أن يكون رأس المال إلا ما يجوز أن يسلم فيه لأنه يعتبر ضبط صفاته فأشبه المسلم فيه. الشيخ: عندنا الآن الدراهم والدنانير معلومة فبمجرد أن أقول لك مائة ريال سعودي مثلاً تعرف أنه على هذا الوصف أي الريال لكن فيما سبق الدراهم والدنانير تختلف صغراً وكبراً وثقلاً وخفة ولذلك لابد من وصفها والتعليل الذي ذكره القاضي جيد لأنه يخشى أن ينفسخ العقد فإذا أنفسخ العقد فالمشتري بأي ثمن يرجع؟ فلابد من وصفه وعلى هذا فنقول لابد من وصف الثمن إذا كان يختلف أما إذا كان لا يختلف فالتعيين كافٍ. السائل: هل يصح أن يشترط المشتري فيقول إن نفع هذا الدواء فإن العقد ينفذ وإلا رجعت عليك بثمن الدواء؟ الشيخ: هل الدواء يلزم منه الشفاء؟ لا يلزم وعليه فالشرط فاسد لأنه شرط لا يقدر عليه. فصل

القارئ: وكل مالمين جاز النساء بينهما جاز إسلام أحدهما في الآخر وما لا فلا فعلى قولنا يجوز النساء في العروض لأنه يصح إسلام عرض في عرض وفي ثمن فإن أسلم عرضاً في آخر بصفته فجاءه به عند المحل ففيه وجهان أحدهما يلزمه قبوله لأنه أتاه بالمسلم فيه على صفته فلزم قبوله كغيره والثاني لا يلزم قبوله لأنه يفضي إلى كون الثمن هو المثمن وإن أسلم صغيراً في كبير فحل السلم وقد صار الصغير على صفة الكبير فعلى الوجهين.

الشيخ: الإسلام يكون بالنقد فيسلم النقد ويكون المسلم فيه عرضاً هذا واضح دارهم ببر وقد يسلم عرضاً في عرض مثل أن يسلم براً ببر أو تمراً بتمر فهذا صحيح لكن يبقى عندنا أن المؤلف يقول (كل مالين جاز النساء بينهما جاز إسلام أحدهما في الآخر) وعلى هذا فيكون التمثيل بغير ما يجري فيه الربا فلو أنه أسلم مثلاً ساعة بساعة فهذا عرض بعرض فعند حلول الأجل أتى بنفس الساعة التي هي العرض فهل يلزمه القبول أو لا؟ يقول المؤلف (فيه وجهان أحدهما يلزمه قبوله لأنه أتاه بالمسلم فيه على صفته فلزم قبوله كغيره والثاني لا يلزم قبوله لأنه يفضي إلي كون الثمن هو المثمن) المثال بصورة أخرى أسلمت إليك مثلاً قلم أعطيتك هذا القلم وقلت خذ القلم على أن تأتني بقلم صفته كصفة هذا القلم تماماً فلما حل الأجل وإذا القلم لم يتغير ولم يحصل عليه شيء ينقص القيمة فأتى بالقلم نفسه الذي أنا أعطيته إياه فهل يلزمني قبوله؟ هذا محل الوجهين أحدهما يلزم لأنه أتى بالمسلم فيه على صفته والثاني لا يصح لأنه كون يسلم إليه قلم بقلم يقتضي أن العوض غير المعوض فإذا رد إليَّ ما أسلمته إليه صار الثمن هو المثمن كذلك ثم قال المؤلف (وإن أسلم صغير في كبير فحل السلم وقد صار الصغير على صفة الكبير فعلى الوجهين) مثاله أسلم إليه طفلاً من الضأن وقال أسلمت إليك هذا الطفل من الضأن وله أربعة أشهر بشاة لها ثمانية أشهر والأجل بيننا أربعة أشهر فلمَّا مضت المدة فإذا الطفل الأول الذي له أربعة أشهر قد صار له ثمانية أشهر فجاء به إلي وقال هذا بيني وبينك فهل يصح أو لا يصح؟ يقول المؤلف على الوجهين ففي وجه يصح وفي وجه لا يصح والظاهر لي أنه لا يصح للتضاد والتضاد هو أن الثمن غير المثمن عند جميع الناس

فكيف يصح أن يكون الثمن هو المثمن وأي فائدة في أن أعطيك طفل الضأن ثم يكبر ثم تأتي به لي دعه عندي ويكبر فعلى كل حال القول الراجح أنه لا يصح وأن للمسلم أن يقول للمسلم إليه لا أقبل. فصل القارئ: ولا يشترط وجود المسلم فيه قبل المحل لا حين العقد ولا بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فلم ينههم عنه وفي الثمار ما ينقطع في أثناء السنة فلو حرم لبينه ولأنه يثبت في الذمة ويوجد عند المحل فصح السلم فيه كالموجود في جميع المدة. الشيخ: إذا أسلم براً بشعير فإنه لا يجوز لأن كل شيئين حرم النساء بينهما حرم إسلام أحدهما بالآخر لاشتراط القبض. السائل: ما الفرق بين المَحَل والمَحِل؟ الشيخ: المَحَل هو مكان الحلول والمحِل هو زمانه. فصل القارئ: ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره في حديث ابن عباس ولا في حديث زيد بن سعنة ولأنه عقد معاوضة أشبه البيع ويكون الإيفاء في مكان العقد كالبيع فإن كان السلم في موضع لا يمكن الوفاء فيه كالبرية تعين ذكر مكان الإيفاء ولأنه لابد من مكان لا قرينة تعين فوجب تعيينه بالقول وإن كان في موضع يمكن الوفاء فيه فشرطه كان تأكيدا وإن شرطاً مكاناً سواه ففيه روايتان إحداهما لا يصح لأنه ينافي مقتضى العقد والثانية يصح لأنه عقد بيع فصح شرط مكان الإيفاء فيه كالبيع وبهذا ينتقض دليل الأولى.

الشيخ: مكان الوفاء هل يشترط في السلم بأن يقول أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع على أن يكون الوفاء في مكة هل هذا شرط؟ نقول ليس بشرط لأن أصل وجوب الوفاء في مكان العقد فمثلاً نحن الآن في عنيزة لا يحتاج أن نقول الوفاء في عنيزة لأن عنيزة بلد يمكن الوفاء فيه فيحمل المطلق على ما يعلم بقرينة الحال ويكون الوفاء في البلد الذي عقد فيه السلم فإن أراده في غيره وقال أنا أريد أن توفيه بمكة مثلاً ففيه روايتان لكن الصحيح أنه لا بأس بذلك لكن إن عقده في مكان لا يمكن الوفاء فيه كأن يعقد في لجة البحر أو في برية فهل يشترط ذكر مكان الوفاء؟ المؤلف يقول يشترط ذكر مكان الوفاء والصحيح أن في هذا تفصيلاً فإن كنا نعلم أن هذا التاجر المُسْلِم له بلد معين تجارته فيه فلا حاجة لذكر المكان لأن قرينة الحال تدل على أن الوفاء في مكان تجارة هذا الرجل فإذا كان الرجل من أهل المدينة وعقد السلم في البر بين مكة والمدينة وهو قد أتى من مكة إلى المدينة ومتجره في المدينة فإننا نعلم علم اليقين أن هذا الرجل لا يريد أن يكون الوفاء بالبر ولا يريد أن يكون الوفاء في مكة إنما يريد أن يكون الوفاء في المدينة فيكتفى بظاهر الحال أما إذا كان الرجل في كل مكان له تجارة فلابد أن يذكر مكان الوفاء. فصل القارئ: يجب تسليم السلم عند المحل على أقل ما وصف به سليماً من العيوب والغش فإن كان في البر قليل تراب أو دقيق تبن لا يأخذ حظاً من الكيل وجب قبوله لأنه لا يقنصه وإن نقص الكيل لم يلزم قبوله لأنه دون حقه وإن أحضره بصفته وجب قبوله وإن تضمن ضررا لأنه حقه فوجب قبوله كالوديعة فإن أمتنع دفعه إلى الحاكم وبرئ لذلك.

الشيخ: إذا أراد المسلم إليه أن يوفي على أقل ما وصف برئت ذمته وعلى أكثر تبرأ من باب أولى لكن إذا جاء الذي عليه الحق بأحسن مما وجب عليه فهل يلزم من له الحق القبول؟ المؤلف يرى أنه يلزم القبول وسبق الإشارة إلى هذه بقاعدة عامة وهي أن الصفات لا يشترط قبولها لكن لو فرض أن هذا الرجل الذي أتى بأكثر مما يجب عليه أنه صاحب مَن (أي أنه يمن على الناس) وخشي صاحب الحق أن يجعل من ذلك مِنَّةً عليه يقطع بها رقبته كلما حل الذكر فهنا نقول لا يجبر على القبول لما عليه من الضرر. القارئ: فإن كان أجود من حقه في الصفة لزم قبوله لأنه زاده خيرا وإن طلب عن الزيادة عوضاً لم يجز لأنها صفة ولا يجوز إفراد الصفات بالبيع. الشيخ: لو أن المؤلف قال لم يجب لكان أولى أما قوله (لم يجز) نقول ما المانع وأما قوله (لأنها صفة ولا يجوز إفراد الصفات بالبيع) فيقال نعم هي صفة تزيد بها القيمة فإذا جاء بأجود وقال هذا أجود مما اتفقنا عليه ولكني أريد أن تعطيني عوضاً عنه لأن ما اتفقنا عليه الصاع بدرهم واحد وهذا الصاع بدرهم ونصف فأريد أن تعطيني عوضاً عن زيادة الصفة المؤلف يقول لا يجوز والصحيح أنه جائز ما المانع لكن لا يجب المعاوضة فهنا ثلاثة أشياء فهل يجب على المُسْلِم أن يعطي المُسْلَم إليه إذا أتاه بأجود أن يعطيه معاوضة على الزائد؟ الجواب لا يجب وهل يلزمه قبوله؟ على المذهب يلزمه القبول ثم هل يجوز أن يأخذ المسلم إليه عوضاً عن هذه الصفة الجيدة؟ المؤلف يرى أنه لا يجوز والصحيح أنه يجوز لأن الصفة الجيدة لابد أن تزيد بها القيمة وكلام المؤلف ضعيف في هذه المسألة والصواب أن يقال لم يجب قبوله ولكن لو قبل وأعطاه زيادة فلا بأس. السائل: لم أفهم صورة المسألة؟

الشيخ: أنا مثلاً أعطيتك مائة ريال على مائة صاع بر من الوسط تسلمها لي بعد سنة فلما حل الأجل أعطيتني بر من الجيد فأنا أقبل هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى خياراً رباعياً لكن لو قلت أنت أنا أعطيتك من الجيد فأريد أن تعطيني الفرق بين الجيد والوسط فعلى كلام المؤلف لا يجوز والصحيح أنه جائز. القارئ: وإن جاءه بأردأ من حقه لم يجب قبوله وجاز أخذه وإن أعطاه عوضاً عن الجودة الفائتة لم يجز لذلك ولأنه بيع جزء من السلم قبل قبضه. الشيخ: هذه المسالة فيها نظر وقوله (إذا جاءه بأردأ من حقه لم يجب قبوله) هذه واضحة يعني كأن الشرط أنه بر من أجود أنواع البر فجاءه ببر رديء فلا يجب عليه أن يقبل لأن العقد خالي ما اتفق عليه الطرفان لكن إذا قال خذ هذا الرديء وأعطيك الفرق بين الجيد والرديء فعلى كلام المؤلف لا يجوز وهذه عكس المسألة التي قبلها والصحيح أنه يجوز فإذا قال ما عندي إلا هذا وأنا لا أشك إن هذا أقل مما اتفقنا عليه لكن خذه وأعطيك الفرق فالمؤلف يرى أنه لا يجوز والصواب أنه جائز لأنه ليس فيه ظلم ولا غرر ولا ربا. القارئ: وإن أعطاه غير المسلم فيه لم يجز أخذه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) رواه أبو داود ولأنه بيع للسلم قبل قبضه فلم يجز كما لو أخذه عنه ثمناً وقال ابن أبي موسى فيه رواية أخرى فيمن أسلم في بر فرضي مكانه شعيراً مثل كيله جاز ولعل هذا بناءً على رواية كون البر والشعير جنسا والصحيح غيرها.

الشيخ: الصحيح في هذه المسألة أنه يجوز أن يصرف السلم إلى غيره وأنه إذا أعطاه غير المسلم فيه واتفقا على ذلك فلا بأس لكن إذا كان يجري بينه وبين المسلم فيه الربا وجب القبض قبل التفرق مثال ذلك رجل أسلم في مائة صاع بر وعند حلول الأجل قال المسلم إليه أنا ليس عندي بر لكن أعطيك بدله تمراً واتفقا على ذلك فعلى ما مشى عليه الأصحاب العقد باطل ولا يجوز وهو الذي قاله المؤلف وعلى القول الراجح العقد صحيح لكن يجب أن يقبض التمر في مجلس العقد لماذا؟ لأن التمر والبر يجري بينهما ربا النسيئة فلو اتفقا على العقد ثم لم يقبض التمر إلا بعد مجلس العقد صار ذلك باطلاً ودليل هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله ابن عمر قال (كنا نبيع الإبل بالدراهم ونأخذ عنها الدنانير ونأخذها بالدراهم ونبيعها بالدنانير فقال صلى الله عليه وسلم لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيئا) وهذا بيع دين بدين لكن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترط فنقول دين السلم كغيره فيجوز أن يأخذ عن البر تمراً لكن بشرط التقابض قبل التفرق وألا يكسب يعني ألا يأخذ تمراً عوضه أكثر

من البر لأنه إذا أخذ تمراً عوضه أكثر من البر فقد كسب فيما لم يدخل في ضمانه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن، فإن قال قائل بماذا تجيبون عن حديث (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره)؟ قلنا الحديث إن صح فعلى العين والرأس وإن لم يصح فلا حجة فيه لكن إذا صح فإن معنى قوله (فلا يصرفه إلى غيره) أي في سلم غيره والسياق واضح (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) أي إلى سلم غيره لأن هذا لا يمكن أن يصرفه إلا بزيادة وإذا صرفه بزيادة صار هذا فعل الجاهلية إما أن توفي وإما أن تربي مثال ذلك أسلم مائة ريال بمائة صاع وحل الأجل فالواجب على المسلم إليه الآن مائة صاع قال عندك مائة صاع سنصرفه إلى سلم آخر فاجعل المائة ريال التي أعطيتك في مائة صاع رز فهذا لا يجوز لأنه لا يمكن أن يعمل بهذه المعاملة إلا بزيادة لأنه سوف يتأخر التسليم وهو سيأخذ عن هذا التأخير زيادة فيكون هنا أولاً أنه ربح فيما لم يدخل في ضمانه وثانياً أنه يشبه ربا الجاهلية الذي يقولون فيه إما أن تقضي وإما أن تربي والخلاصة أنه إذا صح الحديث فالجواب عنه أي فلا يصرفه إلي سلم آخر لأنه في هذه الحال لابد أن يزيد فيكون داخلاً في الربا من وجه ورابحاً فيما لم يدخل في ضمانه من وجه آخر وكلاهما منهي عنه وأما إذا صرفه في الحاضر قال بدل التمر أعطيك بر أو بدل البر أعطيك تمراً فما المانع وليعلم أن الأصل في البيوع الحل إلا ما قام الدليل على منعه لقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) فأي صورة من البيع يقول لك فيها إنسان ما إنها حرام فإنك تقول له أين الدليل لكن أي صورة تقول إنها حلال فليس عليك دليل يعني لا تطالب بالدليل لأن الأصل الحل والقاعدة أن كل ما كان الأصل فيه شيئاً معيناً فما خرج عن الأصل فعلى من أخرجه الدليل.

القارئ: وإن أعطاه غير نوع السلم جاز قبوله ولا يلزم وقال القاضي يلزم قبوله إذا لم يكن أدنى من النوع الذي شرطه لأنه من جنسه فأشبه الزائد في الصفة من نوع واحد والأول أصح لأنه لم يأتِ بالمشروط فلم يلزم قبوله كالأدنى بخلاف الزائد في الصفة فإنه أحضر المشروط مع الزيادة ولأن أحد النوعين يصلح لما لا يصلح له الآخر بخلاف الصفة. الشيخ: إذا أتاه بشيء من نوعه لكن الجنس واحد التمر أنواع فإذا أسلم إليه في تمر سكري لكنه أحضر له تمر شقر فالنوع الآن اختلف فإن كان تمر الشقر أردأ فلا شك أنه لا يلزم المُسْلِم أن يقبله لأنه دون حقه وإن كان مثله أو أحسن فإن القول الراجح كما رجحه المؤلف أنه لا يلزمه القبول لأنه اختلف النوع حتى وإن كان هذا النوع أغلى من النوع الذي شُرط لأنه قد يصلح هذا النوع من التمر لشيء والنوع الآخر لا يصلح فالتمور الآن منها مالا يصلح أن تكنزه يعني تجبنها ومنها ما يصلح فتختلف والمهم أنه إذا جاءه بنوع غير ما شرط فإنه لا يلزمه القبول وإن قبله فلا بأس. فصل القارئ: فإن أحضره قبل محله أو في غير مكان الوفاء فاتفقا على أخذه جاز وإن أعطاه عوضاً عن ذلك أو نقصه من السلم لم يجز لأنه بيع الأجل والحمل وإن عرضه عليه فأبى أخذه لغرض صحيح مثل أن تلزمه مؤنة لحفظه أو حمله أو عليه مشقة أو يخاف تلفه أو أخذه منه لم يلزم أخذه وإن أباه لغير غرض صحيح لزمه لأنه زاده خيراً فإن أمتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليأخذه لما روي أن أنساً كاتب عبداً له على مال فجاءه به قبل الأجل فأبى أن يأخذه فأتى عمر رضي الله عنه فأخذه منه وقال أذهب فقد عتقت ولأنه زاده خيراً. الشيخ: خلاصة ذلك أن المدين إذا أتى بالدين قبل حلوله فهل يلزم الدائن أن يقبله؟ الجواب يلزمه إلا أن يكون في ذلك ضرراً عليه. فصل

القارئ: وإذا قبضه بما قدره به من كيل أو غيره برئ صاحبه وإن قبضه جزافا قدره فأخذ قدر حقه ورد الفضل أو طالب بتمام حقه إن كان ناقصا وهل له التصرف في قدر حقه قبل تقديره على وجهين أحدهما له ذلك لأنه قَدْرُ حقه وقد أخذه ودخل في ضمانه والثاني ليس له ذلك لأنه لم يقبضه القبض المعتبر. الشيخ: والظاهر الأول فالظاهر أن له أن يتصرف في مقدار حقه فإذا أتى إليه بكيس وقال خذ حقك منه وأردد الباقي فله أن يتصرف بقدر حقه ويعتبر تصرفه قبضاً فمثلاً هو يطلبه عشرون صاعاً وهذا الكيس يبلغ ثلاثين صاعاً فله أن يبيع منه عشرة أصواع أو خمسة عشر صاعاً لأنه على قدر حقه. القارئ: وإن اختلفا في القبض فالقول قول المسلم لأنه منكر وإن اختلفا في حلول الأجل فالقول قول المسلم إليه لأنه منكر. فصل القارئ: وإن تعذر تسليم السلم عند المحل فللمسلم الخيار بين أن يصبر إلى أن يوجد وبين فسخ العقد والرجوع برأس ماله إن كان موجودا أو مثله إن كان مثليا أو قيمته إن لم يكن مثليا وقيل ينفسخ العقد بالتعذر لأن السلم في ثمرة هذه العام وقد هلكت فأنفسخ العقد كما لو أشترى قفيزاً من صبرة فهلكت والأول أصح. الشيخ: قوله (الأول أصح) ما هو الأول؟ الجواب أي أنه يخير المسلم بين الفسخ أو الصبر لأنه حقه فإن شاء فسخ وإن شاء صبر فإذا كان الأنفع له أن يفسخ فسخ وأخذ الثمن وإن كان الأنفع له أن يصبر صبر

القارئ: لأن السلم في الذمة لا في عين وإنما لزمه الدفع من ثمرة هذا العام لتمكنه من دفع الواجب منها فإن تعذر البعض فله الخيرة بين الصبر بالباقي وبين الفسخ في الجميع وله أخذ الموجود والفسخ في الباقي في أصح الوجهين لأنه فسخ في بعض المعقود عليه أشبه البيع وفي الآخر لا يجوز لأن السلم يقل فيه الثمن لأجل التأجيل فإذا فسخ في البعض بقي البعض بالباقي من الثمن وبمنفعة الجزء الذي فسخ فيه فلم يجز كما لو شرطه في ابتداء العقد وتجوز الإقالة في السلم كله إجماعا وتجوز في بعضه لأن الإقالة معروف جاز في الكل فجاز في البعض كالإبراء وعنه لا يجوز لما ذكرنا في الفسخ والأول أصح لأن باقي الثمن يستحق به باقي العوض فإذا فسخ العقد رجع بالثمن أو ببدله إن كان معدوما وليس له صرفه في عقد آخر قبل قبضه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) وقال القاضي يجوز أخذ العوض عنه لأنه عوض مستقر في الذمة فأشبه القرض فعلى هذا يصير حكمه حكم القرض على ما سيأتي. الشيخ: سبق الكلام على هذا الحديث وأنه يجوز أن يأخذ عوض السلم ما شاء إلا أنه إذا كان يجري بينهما ربا النسيئة وجب القبض قبل التفرق. السائل: لو أسلم في بر وأعطاه شعيراً؟ الشيخ: لا يجوز لأن الشعير والبر صنفان. فصل القارئ: ولا يجوز بيع السلم قبل قبضه (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه وعن بيع ما لم يضمن) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولفظه لا يحل. الشيخ: الصواب جواز بيعه لكن على نفس المسلم إليه أما على غيره فإنه لا يجوز لأنه قد يتعذر القبض فإذا أسلمت مائة ريال بمائة صاع بر في ذمة رجل ثم جاء الرجل وقال إنني لم أحصل البر فبعه عليَّ أشتريه منك فالصواب أن هذا جائز لأنه ليس فيه غرر ولا ربا ولا ربح فيما لم يضمن وأما إذا باعه على غيره فهذا لا يجوز لأنه قد يتعذر الاستيفاء. السائل: لو باعه على المسلم إليه فهل يشترط عدم الربح؟

الشيخ: نعم يشترط ألا يربح وأن يقبضه في مجلس العقد إذا كان يجري بينهما النساء. القارئ: ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه فلم يجز بيعه كالطعام قبل قبضه ولا تجوز التولية فيه ولا الشركة لما ذكرنا في الطعام ولا الحوالة به لأنها إنما تجوز بدين مستقر والسلم بعوض الفسخ. الشيخ: الصواب جواز الحوالة به والحوالة به أن يكون للمسلم إليه دين في ذمة شخص فيقول المُسْلَم إليه للمُسلِم أحلتك بما في ذمتي لك على فلان فلا مانع في ذلك وأما قوله أنه دين غير مستقر فيقال جميع الديون غير مستقرة فمن يضمن أن فلان الذي عليه الدين يوفني على كل حال؟ القارئ: ولا تجوز الحوالة على من عليه سلم لأنها معاوضة بالسلم قبل قبضه. الشيخ: الصحيح جواز الحوالة عليه وليست بيعاً حتى الناس لا يسمون الحوالة بيع فإذا كان لإنسان على شخص مسلم إليه مائة صاع وآخر يطلب المُسلِم مائة صاع فقال أحلتك بالمائة صاع على ما في ذمة المسلم إليه فلا مانع في ذلك إذا قبل. القارئ: ولا يجوز بيع السلم من بائعه قبل قبضه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) ولأنه بيع للمسلم فيه فلم يجز كبيعه من غيره. الشيخ: سبق لنا أن الصحيح جواز بيعه ممن هو عليه لكن بشرط ألا يربح وشرط آخر هو التقابض قبل التفرق إذا باعه في شيء يجري بينهما ربا النسيئة وذكرنا قاعدة وهي أن الأصل في البيوع الحل فأي إنسان يقول هذا حرام نقول هات الدليل وذكرنا أيضاً سابقاً أن الأصول التي ينبني عليها النهي في البيوع ثلاثة وهي الغرر والظلم والربا والربا من الظلم لكن قد يأتي أحياناً ربا بلا ظلم. فصل القارئ: وإذا قبضه فوجده معيبا فله رده وطلب حقه لأن العقد يقتضي السلامة وقد أخذ المعيب عما في الذمة فإذا رده رجع إلى ما في الذمة وإن حدث به عيب عنده فهو كما لو حدث العيب في المبيع بعد قبضه على ما مضى.

باب القرض

باب القرض القارئ: ويسمى سلفاً وأجمع المسلمون على جوازه واستحبابه للمقرض. الشيخ: القرض هو أن يعطي مالاً ويأخذ عوضه على سبيل الإحسان والإرفاق لا على سبيل المعاوضة وإنما هو إحسان وإرفاق وجوازه من محاسن الشريعة لأنه يحتاج إليه المستقرض وينتفع به المقرض فهو مصلحة محضة وليس كما زعم بعض الناس أنه على خلاف القياس بل هو على القياس وأعلم أنه لا يوجد شيء ثبت في الشريعة ويكون على خلاف القياس أبداً بل كل ما في الشريعة فهو على وفق القياس ولا يخرج عن نظائره إلا لسبب وأما قول المؤلف أجمع المسلمون على جوازه هذا باعتبار المستقرض يعني أجمعوا على أنه يجوز للإنسان أن يقول للشخص يا فلان أقرضني كذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف البشر استقرض ولو كان في هذا دناءة أو سؤال للغير ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام وأما بالنسبة للمقرض مستحب بالإجماع لدخوله في قوله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وهذا إحسان. القارئ: وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة) رواه ابن ماجه. الشيخ: لكن هذا الحديث ضعيف والضعيف لا يحتج به ويكفينا عنه ما ذكرناه من الآيات الكريمة (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). القارئ: ويصح بلفظ القرض وبكل لفظ يؤدي معناه نحو أن يقول ملكتك هذا على أن ترد بدله فإن لم يذكر البدل فهو هبة وإذا اختلفا فالقول قول المملك لأن الظاهر معه لأن التمليك بغير عوض هبة. الشيخ: قوله (نحو أن يقول ملكتك هذا على أن ترده بدله) نقول عندنا شيئان التمليك واشتراط الرد البدل فإن لم يذكر البدل فهو هبة فإذا اختلفا فالقول قول المُمَلَّك.

القارئ: ويثبت الملك في القرض بالقبض لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض فوقف الملك عليه كالهبة ولا خيار فيه لأن المقرض دخل على بصيرة أن الحظ لغيره فهو كالواهب ويصح شرط الرهن فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (رهن درعه على شعير أخذه لأهله) متفق عليه. الشيخ: يعني أنه لو قال المقرض لا أقرضك إلا برهن ففعل فلا بأس وأما استدلال المؤلف فهو استدلال يحتاج إلى نظر وهو أن الذي وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعقد البيع لكن يقال القياس ظاهر فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذه بعقد البيع ثبت في ذمته الثمن والمقترض أيضاً يثبت في ذمته الثمن فيقال إذا صح الرهن في الدين الثابت في الذمة بالبيع فليكن كذلك في الدين الثابت بالذمة في القرض فإن قال قائل لو أشترط المقرض الرهن وقال لا أقرضك حتى ترهنني بيتك ففعل فهل يصح القرض؟ نعم يصح ولا تتوهم أن هذا قرضاً جر نفعاً لأن المقرض لم ينتفع بشيء غاية ما هنالك أنه وثق ماله بالرهن وإذا أوفى المقترض فإنه سيوفيه ما أقرضه بدون زيادة وبهذا التقرير يندفع ما ظنه بعض الناس فيما يسمونه بالجمعية والجمعية أن يقوم مجموعة من الموظفين مثلاً ويتفقون على أنهم يقتطعون من رواتبهم جزءاً الأول منهم في الشهر الأول وللثاني في الشهر الثاني والثالث في الشهر الثالث وهلم جرا لكن بعض الناس يظن أن هذا قرض جرّ نفعاً فيقال أين النفع الذي جراه فهذا الرجل أقرض ألفاً ورد عليه ألف والقرض الممنوع هو الذي ينتفع به المقرض فقط أما إذا كان الانتفاع من الطرفين فلا بأس به ولهذا صرح بعض العلماء أنه لو قال أنا لا أقرضك حتى تكون مزارعاً في أرضي لأن المالك يريد أن تعمر الأرض فإذا قال ذلك واتفقا عليه فلا بأس مع أن المالك الآن أنتفع والمقترض أنتفع أيضاً وحينئذ خرج عن الربا لأن الربا إنما يكون فيه الزيادة لآخذ الربا فقط أما هنا فالانتفاع للجميع.

القارئ: وإن شرط فيه الأجل لم يتأجل ووقع حالا لأن التأجيل في الحال عدة وتبرع فلا يلزم كتأجيل العارية. الشيخ: الصواب في هذا أنه يتأجل فإذا استقرض منه وقال إلى مدة شهر أو سنة فإنه يتأجل ولا يجوز للمقرض أن يطالب به قبل الأجل ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ودليله من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب فهو باطل) وهذا في كتاب الله لأنه لم يستحل حراماً ولم يحرم حلالاً ودليل آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (آية المنافق ثلاثة _ ومنها _ إذا وعد أخلف) فالصواب أنه إذا أؤجل يتأجل إلى الأجل الذي عيناه ولأننا لو قلنا بعدم صحة الشرط لكان يلزم عليه ضرر كبير على المستقرض فإن الإنسان قد يستقرض مثلاً عشرة آلاف ليشتري بيتاً ويقول للمقرض أجله إلى سنة ثم إذا اشترى البيت قال التأجيل غير صحيح وأريدك أن تعطيني مالي الآن فيلزم من هذا ضرر كبير والضرر منفي شرعاً وعلى هذا فالصواب أنه يلزم بالتأجيل وأما قياسه على العارية فنحن نمنع الأصل وإذا منعنا الأصل منعنا الفرع فنقول العارية تتأجل بالتأجيل أيضاً فلو جاء شخص لإنسان وقال أعرني هذا الإناء ثلاثة أيام لأنه سيأتيني ضيوف فيقول نعم خذه ثلاثة أيام ثم بعد ساعة أو ساعتين قال له هات العارية فهذا لا يجوز فالصواب أن العارية تتأجل والقرض يتأجل إذا أشترطه الطرفان لعموم الأدلة ولا دليل على المنع. القارئ: وإن أقرضه تفاريق ثم طالبه به جملة لزم المقترض ذلك لما قلناه فإن أراد المقرض الرجوع في عين ماله وبذل المقترض مثله فالقول قول المقترض لأن الملك قد زال عن العين بعوض فأشبه البيع اللازم وإن أراد المقترض رد عين المال لزم المقرض قبوله لأنه بصفة حقه فلزمه قبوله كما لو دفع إليه المثل. فصل

القارئ: ويصح قرض كل ما يصح السلم فيه لأنه يملك بالبيع ويضبط بالصفة فصح قرضه كالمكيل إلا بني آدم فإن أحمد رضي الله عنه كره قرضهم فيحتمل التحريم أختاره القاضي لأنه لم ينقل ولا هو من المرافق ولأنه يفضي إلى أن يقترض جارية يطأها ثم يردها ويحتمل الجواز لأن السلم فيهم صحيح فصح قرضهم كالبهائم. الشيخ: القول يمنع قرض الآدمي أصح لما ذكره المؤلف مما يترتب عليه من المفاسد ومادام أن المؤلف قال في الفصل الذي قبله إذا رد عين ما أقترضه لزم المقرض قبوله فهنا ربما يقترض جارية ويستمتع بها قل في غير الوطئ فيستمتع بها بالتقبيل والمباشرة وغير ذلك وإذا صار في الصباح ردها عليه وقال هذا مالك وهذا شيء غريب فلو فتح الباب فما أكثر الذين يلجونه ويفسدون به فالصواب منع قرض بني آدم ويقال إذا كنت تريد أن تستقرضه فهناك طريق آخر وهو الشراء اشتري بثمن مؤجل ويكون ملكك السائل: أذا طلب الشخص من تاجر أن يشتري له سيارة ويسجلها عليه دين بأكثر فما حكم هذا البيع؟

الشيخ: صورة المسألة أن شخص يقول أنا أريد السيارة الفلانية من المعرض الفلاني فيقول التاجر نعم ثم يذهب التاجر ويشتريها من المعرض ثم يبيعها على هذا الشخص بدراهم مؤجلة زائدة عن الثمن فإن هذا تماماً هو القرض بعينه لأن حقيقته أنه أقرضه الثمن بزيادة فلو اشتراها نقداً بخمسين ألف مثلاً وباع على هذا الإنسان بستين ألف إلى سنة وهو لا يريد تملكها ولا طرأ على باله ذلك ولولا هذا الذي طلبها ما اشتراها فيكون هذا الشراء وسيلة إلى زيادة القرض الذي أعطاه ولهذا نحن نرى أن هذا أشد مما لو قال أعطني خمسين ألف بستين ألف إلى أجل فهذا أشد لأن هذا فيه حيلة وأعلم أن الحلية على المحرم تجعله أشد تحريماً لأنه يتضمن الوقع في مآثمه ومضاره وزيادة الخديعة والخيانة ولهذا كان كفر المنافقين أعظم من الكفر الصريح قال أيوب السختياني رحمه الله إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون وصدق رحمه الله لأن الذي يأتي الربا صريحاً على وجهه يعرف أنه عصى الله فيقع في قلبه الخجل من الله عز وجل ويحدث توبة لكن إذا كان يرى أن هذا العمل حلال وخديعة ماذا يكون؟ لا يتوب ويستمر في عمله ويرى أنه خرج من الحرام والعبرة في الأمور بمقاصدها لا بصورها ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام (أنه يأتي أناس يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) وهي الخمر والآن الخمر تسمى بغير اسمها فيسميها المستحلون لها المشروبات الروحية وما أقدرها حتى تكون روحية نعم اللهم عافنا. السائل: ما الحكم فيما لو اقترض الإنسان ديناً وهو يعلم أن دخله المادي لا يساعده على تسديد هذا الدين؟

الشيخ: هذا لا يجب نقول أنه حرام من جهة القرض لكن نقول كل إنسان يجعل على نفسه وهو غير قادر عليه فإنه إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة ولهذا لم يأذن الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أراد أن يتزوج المرأة وليس عنده شيء والقصة معروفة فلم يقل له استقرض فدل هذا على أن الرسول لا يريد من الإنسان أن يشغل ذمته بالديون. القارئ: فأما مالا يصح السلم فيه كالجواهر ففيه وجهان أحدهما لا يجوز ذكره أبو الخطاب لأن القرض يقتضي رد المثل وهذا لا مثل له والثاني يجوز قاله القاضي لأن مالا مثل له تجب قيمته والجواهر كغيرها في القيمة. الشيخ: قول القاضي هو الصحيح أنه يجوز ثم إن أمكن أن يرد القرض على صفة ما أقترض فهذا الواجب وإن لم يمكن فالقيمة ولكن متى نقدر القيمة أنقدرها بوقت القرض أم وقت الوفاء؟ الظاهر بوقت القرض لأنه من حين أن دخلت ملك المقترض صارت ثابتة في ذمته قيمتها. القارئ: ولا يجوز القرض إلا في معلوم القدر فإن أقرضه غضة لا يعلم وزنها أو مكيلاً لا يعلم كيله لم يجز لأن القرض يقتضي رد المثل وإذا لم يعلم لم يتمكن من القضاء. الشيخ: هذا معلوم أنه لابد من معرفة القدر لأنه إذا لم يعرف القدر حصل النزاع والشقاق بين المقرض والمقترض. فصل

القارئ: ويجب رد المثل في المثليات لأنه يجب مثله في الإتلاف ففي القرض أولى فإن أعوز المثل فعليه قيمته حين أعوز لأنها حينئذ ثبتت في الذمة وفي غير المثلي وجهان أحدهما يرد القيمة لأن ما أوجب المثل في المثلي أوجب القيمة في غيره كالإتلاف والثاني يرد المثل لما روى أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم أستسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل للصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْرَهُ فرجع إليه أبو رافع فقال يا رسول الله لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً فقال (اعطه إياه فإن من خير الناس أحسنهم قضاء) رواه مسلم ولأن ما يثبت في الذمة في السلم يثبت في القرض كالمثلي بخلاف الإتلاف فإنه عدوان فأوجب القيمة لأنه أحصر والقرض ثبت للفرق فهو أسهل فعلى هذا يعتبر مثله في الصفات تقريبا فإن قلنا يرد القيمة اعتبرت حين القرض لأنها حينئذ تجب. الشيخ: الخلاصة أنه يرد المثل في المثليات فإن أعوز المثل بمعنى تعذر الوصول إليه فله القيمة وقت الإعواز يعني وقت التعذر ووجه ذلك أن المثل ثبت في ذمة المقترض إلى أن تعذر فتجب القيمة حين التعذر أما لو أقترض غير مثلي فإن الواجب القيمة وتكون حين القرض لأنه من حين القرض انتقل ملك هذا المتقوم إلى المقترض فلزمته القيمة وقت القرض فالفرق أن المثلي إذا أعوز وجبت قيمته حين الإعواز والمتقوم تجب قيمته حين القرض والفرق بينهما أنه في المثلي ثبت المثل في ذمة المقترض إلى وقت الإعواز أما المتقوم فإنه من حين أقترض ثبتت القيمة. السائل: ما معنى قوله (لأنه أحصر)؟ الشيخ: أحصر يعني أقرب إلى طلب المثل لأن المثل ربما تطول المدة فيقول هذا مثله أو يقول هذا غير المثل. فصل

القارئ: ويجوز قرض الخبز ورد مثله عدداً بغير وزن في الشيء اليسير وعنه لا يجوز إلا بالوزن قياساً على الموزونات ووجه الأول ما روت عائشة قالت قلت يا رسول الله إن الجيران يقترضون الخبز والخمير فيردون بزيادة ونقصان فقال (لا بأس إنما ذلك من مرافق الناس) وعن معاذ أنه سئل عن اقتراض الخبز والخمير فقال سبحان الله إنما هذا من مكارم الأخلاق فخذ الكبير واعط الصغير وخذ الصغير واعط الكبير خيركم أحسنكم قضاء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك رواهما أبو بكر في الشافي. الشيخ: يجوز اقتراض المطعوم فيقترض الخبز ويرد مثله ويقترض التمر ويرد مثله لكن هل يرد الخبز وزناً أو يردها عدداً؟ نقول الأمر في هذا واسع لأنه من المرافق فإذا ردها عدداً فلا بأس وإن ردها وزناً فلا بأس حسب ما يتفق المقرض والمقترض مثلاً الشابورة يجوز اقتراضها لكن هل تكون عدد أو وزنا؟ نقول إذا كانت متساوية فبالعدد وإلا فبالوزن. فصل القارئ: فإن أقرضه فلوساً أو مكسرة فحرمها السلطان وتركت المعاملة بها فعليه قيمتها يوم أخذها نص عليه لأنه منع إنفاقها فأشبه تلف أجزائها فإن لم تترك المعاملة بها لكن رخصت فليس له إلا مثلها لأنها لم تتلف إنما تغير سعرها فأشبهت الحنطة إذا رخصت. الشيخ: هذه المسألة فيما إذا أقرضه فلوساً والفلوس مثل القروش المعدنية فهذه فلوس وقوله (أو مكسرة) يعني مجزئه لأن الدراهم والدنانير كانت تجزأ في الوقت السابق فإذا حرمها السلطان أي منع المعاملة بها فحينئذ سوف لا تساوي شيئاً فماذا يجب على المقترض؟ يقول المؤلف رحمه الله (فعليه قيمتها يوم أخذها)

هكذا قال رحمه الله وفي هذا نظر ظاهر بل يجب أن نقول عليه قيمتها حين حرمها السلطان كما قلنا فيما سبق في المثلي عليه قيمته وقت إعوازه فالصواب أن له القيمة حين حرمها السلطان لكن لو حرمها إلى بدل يعني جعل بدل الريال ريال فله البدل لأن هذا البدل هو قيمة ما حرم وقت التحريم فيلزمه البدل وعلى هذا فإذا أستقرض إنسان مائة ريال فضة ثم حرمها السلطان وحولها إلى أوراق وأراد أن يوفي فهل نقول كم قيمة الفضة أو يدفع بالورق؟ الجواب يدفع بالورق لأن الورق هو قيمتها وقت التحريم فهو الواجب لكن ماذا لو لم يمنع السلطان المعاملة بها ولكنها رخصت فماذا يصنع؟ يقول المؤلف أنه يعيدها بنفسها ولو رخصت وسبب ذلك يقول المؤلف (لأنها لم تتلف إنما تغير سعرها فأشبهت الحنطة إذا رخصت) لكن نقول هذا قياس مع الفارق لأنه إذا حرمت المعاملة بها لم تكن نقداً الآن بل صارت كأنها سعلة من السلع كأنها ثوب أو كأنها إناء فالصواب أنه إذا حرمت المعاملة بها فله القيمة وقت المعاملة سواء رخصت أو زادت أو بقيت على سعرها. السائل: إذا أصبحت العملة لا قيمة لها فما هو الحكم؟ الشيخ: هذا يكون مثل المثلي إذا تعذر يعني لو فرض أن نقد الدولة أوراق ثم حرمت المعاملة بها ولم ترد الدولة بدلها للناس أصبحت لا قيمة لها فتعتبر كالمثلي إذا أعوز أو سقطت الدولة وصار النقد لا يساوي شيئاً أو كانت حروب أهليه تنقص العملة فهذه ينظر ما قيمتها وقت إلغائها. فصل القارئ: ولا يجوز أن يشترط في القرض شرطاً يجر به نفعا. الشيخ: قوله (ولا يجوز أن يشترط) أي المقرض (شرطاً يجر به نفعاً) أي لنفسه أي أن المقرض يشترط شرطاً على المقترض يعود بالنفع لنفسه فلا يجوز ذلك لأنه إذا فعل ذلك صار معاوضة ولم يكن إرفاقاً.

القارئ: مثل أن يشترط رد أجود منه أو أكثر أو أن يبيعه أو أن يشتري منه أو يؤجره أو يستأجر منه أو يهدي له أو يعمل له عملاً ونحوه (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وعن أبي ابن كعب وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنهم نهوا عن قرض جر منفعة ولأنه عقد إرفاق وشرط ذلك يخرجه عن موضوعه. الشيخ: إذا شرط منفعة له فواضح أنه أراد المعاوضة والمتاجرة والقرض عقد إرفاق ولهذا يجوز أن يقرضه دينار اليوم ولا يوفيه إلا بعده عشرة أيام ولو أنه باعه دينار على أن يرد بدله بعد عشرة أيام لكان البيع حراماً. القارئ: وإن شرط أن يوفيه في بلد آخر أو يكتب له به سفتجة إلى بلد في حمله إليه نفع لم يجز لذلك فإن لم يكن لحمله مؤنة فعنه الجواز لأن هذا ليس بزيادة قدر ولا صفة فلم يفسد به القرض كشرط الأجل وعنه في السفتجة مطلقاً روايتان لأنها مصلحة لهما جميعا وإن شرط رد دون ما أخذ لم يجز لأنه ينافي مقتضاه وهو رد المثل فأشبه شرط الزيادة ويحتمل إلا يبطل لأن نفع المقترض لا يمنع منه لأن القرض إنما شرع رفقاً به فأشبه شرط الأجل بخلاف الزيادة. الشيخ: هذا الاحتمال هو الصحيح لأن المقترض لابد أن ينتفع وإلا فما فائدته في القرض أما السفتجة فتسمى في عرف الناس الحوالة مثل أن يكون شخص له مال في مكة وهو في المدينة فاقترض من شخص مالاً وأحاله به على ماله في مكة فهذا لا بأس به ويسمى سفتجة والصحيح أنه لا بأس بأخذ عمولة عليها لأن فيها مصلحة للطرفين فالمحيل يستفيد السلامة سلامة ماله الآخر يستفيد الأجرة. القارئ: وكل موضع بطل الشرط فيه ففي القرض وجهان أحدهما يبطل لأنه قد روي (كل قرض جر منفعة فهو ربا) والثاني لا يبطل لأن القصد إرفاق المقترض فإذا بطل الشرط بقي الإرفاق بحاله.

الشيخ: هذا يعتبر ضابط وهو كل موضع بطل الشرط فيه ففي القرض وجهان والصواب أنه إن أخرجه عن موضعه وهو الإرفاق بطل وإن لم يخرجه فإنه لا يبطل ومعلوم أن المنفعة الخاصة بالمقرض تخرجه عن موضوعه لأن المقرض في هذه الحال لم يقرضه تقرباً إلى الله ولا إحسان إليه وإنما أقرضه للمصلحة المالية فيكون كالمعاوضة تماماً. فصل القارئ: وإن وفى خيراً منه في القدر أو الصفة من غير شرط ولا مواطأة جاز لحديث أبي رافع وإن كتب له به سفتجة أو قضاه في بلد آخر أو أهدى إليه هدية بعد الوفاء فلا بأس لذلك وقال ابن أبي موسى إن زاده مرة لم يجز أن يأخذ في المرة الثانية وجهاً واحداً. الشيخ: إن وفى خير منه فلا بأس يعني بأن أقترض منه صاعاً من البر رديئاً فأعطاه جيداً أو أقترض جيداً فأعطاه أجود فلا بأس وكذلك في القدر لو أقترض منه درهمين فأعطاه ثلاثة بدون شرط فلا بأس بذلك وقال بعض أهل العلم أنه لا تجوز الزيادة في القدر إلا بعد أن يوفيه ثم يعود إليه مرة ثانية ويعطيه ما شاء وعللوا ذلك بأن الهدية لا تجوز إلا بعد الوفاء فإذا قارنت الزيادة الوفاء فإنه حرام ولا شك أن الأولى بالمقرض إذا زاده في القدر أن يرده لئلا يكون ذلك سبباً للربا ومأخذ ابن أبي موسى رحمه الله مأخذ جيد أنه إذا زاده مرة لم يجز أن يأخذ منه في المرة الثانية لأنه إذا زاده مرة صار متشوفاً إلى الزيادة فإذا جاء يستقرض منه فهو متشوف إلى أن يزيده فيكون تشوفه إلى هذه الزيادة كالاشتراط. القارئ: ولا يكره قرض المعروف بحسن القضاء. الشيخ: المعنى أنه إذا كان هناك إنسان معروف بأنه رجل كريم يوفي أكثر وأحسن مما وجب عليه فلا يكره أن يقرضه ولذلك لم يكره قرض النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه أحسن الناس وفاءً.

القارئ: وذكر القاضي وجهاً في كراهته لأنه يطمع في حسن عادته والأول أصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معروفاً بحسن القضاء فلم يكن قرضه مكروها ولأن خير الناس أحسنهم قضاء ففي كراهة قرضه تضييق على خير الناس وذوي المروآت. الشيخ: التعليل الذي ذكره المؤلف جيد فالصواب أن من عرف بحسن القضاء والكرم فيه فإنه لا يكره إقراضه وإن كان الإنسان قد يتشوف إلى حسن القضاء والزيادة فيه لكن إذا قلنا بكراهة ذلك صار الرجل المعروف بالبخل الذي إن لم ينقصك لم يزدك يستحب إقراضه والثاني الرجل الكريم المعروف بحسن القضاء يكره إقراضه وهذه مشكلة. فصل القارئ: وإن أهدى له قبل الوفاء من غير عادة أو أستأجر منه بأكثر من الأجرة أو أجره شيئاً بأقل أو استعمله عملاً فهو خبيث إلا أن يحسبه من دينه لما روى الأثرم أن رجلاً كان له على سماك عشرون درهما فجعل يهدي إليه السمك ويقومه حتى بلغ ثلاثة عشر درهما فسأل ابن عباس فقال أعطيه سبعة دراهم. الشيخ: السماك هنا يهدي للرجل من أجل أن يؤجل ولا يطالبه بالدين وقد يكون أهدى إليه من أجل أنه أسدى إليه معروفاً فصار يهدي إليه لكن يجب على المقرض في هذه الحال أن يقيد كل ما أهداه إليه المستقرض ثم يقومه وينزله من دينه. القارئ: وروى ابن ماجه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك) فإن كان بينهما عادة بذلك قبل القرض أو كافأه فلا بأس لهذا الحديث. الشيخ: قوله (كافأه) يقصد المقرض أي أن المستقرض أهدي إليه هدية وليس من عادته أن يهدي إليه فكافأه بأن أعطاه ما يقابلها مثل أن يهدي إليه ساعة تساوي عشرين فيكافأه بأن يهدي إليه قلماً يساوي

عشرين وإلا فلا يأخذ ومن ذلك ما يوجد الآن بعض التلاميذ يهدي إلى الأستاذ هدية فالأفضل أن يردها الأستاذ مادام يدرسه وإن خاف أن ينكسر قلبه فليأخذها وليكافأه بدلاً عنها. فصل القارئ: فإن أفلس غريمه فأقرضه ليوفيه كل شهر شيئاً منه جاز لأنه إنما انتفع باستيفاء ما يستحق استيفاؤه. الشيخ: هذه تقع مثلاً يكون الغريم أفلس فأقرض قرضاً يتجر به وكلَّما حصل من الربح جاء به إلى المقرض فلا بأس لأن هذا المقرض لم يستفيد زيادة بل هو أحسن إلى صاحبه وصاحبه أبرأ ذمته ومن هنا نعرف أن ما يسميه الناس الآن بالجمعية لا تدخل في القرض الذي جر نفعاً لأن جميع المقرضين ما انتفعوا بزيادة كل واحد منهم أقرض الآخر وسيوفيه بدون زيادة وصفتها أن يجتمع عشرة أو أكثر أو أقل ويخصموا من راتبهم شيئاً معيناً يعطونه واحداً منهم ثم في الشهر الثاني يعطون آخر في الشهر الثالث يعطون ثالثاً فهذا لا بأس ولا حرج به إطلاقاً بل هو إحسان وقضاء حاجة لأن الإنسان ربما يحتاج في بعض الشهور أكثر من راتبه. القارئ: ولو كان له طعام فأقرضه ما يشتريه به ويوفيه جاز لذلك. الشيخ: هذا في الحقيقة نادر لأنه إذا كان سيقرضه ما يوفيه به فإنه يؤجله وينظره ولا حاجة أن يقرضه فإذا قال قائل ربما يحتاج الطعام الذي كان أقرضه من قبل؟ قلنا إذا احتاج الطعام الذي كان أقرضه من قبل يشتريه بنفسه. القارئ: ولو أراد تنفيذ نفقة إلى عياله فأقرضها رجلاً ليوفيها لهم فلا بأس لأنه مصلحة لهما لا ضرر فيه ولا يرد الشرع بتحريم ذلك قال القاضي ويجوز قرض مال اليتيم للمصلحة مثل أن يقرضه في بلد ليوفيه في بلد آخر ليربح خطر الطريق وفي معنى هذا قرض الرجل فلاحه حباً يزرعه في أرضه أو ثمناً يشتري به بقراً وغيرها لأنه مصلحة لهما وقال ابن أبي موسى هذا خبيث.

الشيخ: الصحيح أنه جائز لأنه مصلحة لهما فالزارع استفاد الزرع وصاحب الأرض استفاد زرع أرضه وهذا ما أشرنا إليه من قبل وقلنا إن القرض الذي يحرم هو الذي يجر نفعاً يختص به من المقرض أما إذا كان لهما جميعاً أو للمقترض وحده فلا بأس. فصل القارئ: وإذا قال المقرض إذا مِتُّ فأنت في حل فهي وصية صحيحة. الشيخ: هي وصية صحيحة بشرط ألا تزيد على الثلث فإن زادت على الثلث وقفت على إجازة الورثة. القارئ: وإن قال إن مِتَّ فأنت في حل لم يصح لأنه إبراء علق على شرط. الشيخ: الصحيح أنه صحيح وأن الإبراء على شرط لا بأس به فلو كان لشخص دين في ذمة رجل وقال له إن فلعت كذا فقد أبرأتك فلا حرج وما المانع فهو شرط لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً ولا يوقع في ربا ولا في ظلم فالصواب أن الإبراء المعلق على شرط جائز وليس فيه بأس. القارئ: وإن قال اقترض لي مائة ولك عشرة صح لأنها جعالة على ما بذله من جاهه. الشيخ: هذا صحيح ولا مانع في ذلك. القارئ: وإن قال تكفل عني بمائة ولك عشرة لم يجز لأنه يلزمه أداء ما كفل به فيصير له على المكفول فيصير بمنزلة من أقرضه مائة فيصير قرضاً جر نفعا. الشيخ: إذا قال تكفل عني بمائة ولك عشرة فالذي قال هذا كان الدين الذي عليه مائة فكفله هذا الرجل ثم إن هذا الرجل طالبه الدائن بالوفاء لأن الكفيل يلزم بالوفاء عن مكفوله فإذا أوفاه فسيوفيه مائة ويأخذ من المكفول مائة وعشرة فيكون حينئذ قرضاً جرا نفعاً فلا يجوز. القارئ: ولو أقرضه تسعين عدداً بمائة عدداً وزنهما واحد وكانت لا تتفق برؤوسهما فلا بأس به لأنه لا تفاوت بينهما في قيمة ولا وزن وإن كانت تتفق في موضع برؤوسهما ما لم يجز لأنها زيادة. الشيخ: هذا ليس موجود عندنا الآن لأن التعامل عندنا بالعدد لا بالوزن. فصل

القارئ: فإن أقرضه نصف دينار فأتاه بدينار صحيح وقال خذ نصفه وفاء ونصفه وديعة أو سلماً جاز وإن أمتنع من أخذه لم يلزمه لأن عليه ضرراً في الشركة والسلم عقد يعتبر فيه الرضى ولو أقرضه نصفاً قراضة على أن يوفيه نصفاً صحيحاً لم يجز لأنه شرط زيادة والله أعلم. الشيخ: مثل هذا لو جاء إنسان إلى شخص يطلبه خمسين ريالاً وجاء الغريم ليوفيه وليس معه إلا مائة وقال هذه مائة وخمسين تبقى عندك وديعة فلا بأس لكن لو صارفه مصارفة وقال أصرف لي المائة قال ما عندي إلا خمسين فلا يجوز لأن المصارفة بيع نقد بنقد أما المسألة الأولى فهو وفاء ويبقى الباقي عند الموفى وديعة فلا يكون مصارفة. السائل: إذا قال الرجل لأخيه أقرضني وكما علمت من حسن قضائي وأنا أبذل لمن أقرضني إهداء ونحو ذلك فهل يجوز؟ الشيخ: الظاهر أنه يجوز إذا لم يكن هناك شرط فإن فهم من هذا أنه شرط وقال أقرضني عشرة ملاين مثلاً وأنا تعرفني أني رجل وفي ورجل أعطي أكثر مما آخذ فإذا علم إن هذا مثل الشرط فهذا لا يجوز أما إذا قصد بذلك تشجيعه على أن يقرضه وليس من نيته أن يوفيه أكثر فلا بأس والأعمال بالنيات. السائل: بالنسبة للجمعية التي تكون بين الموظفين مثلاً هل يلزم كتابة ورقة إثبات بين أطراف الجمعية؟ الشيخ: قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) فأمر بالكتابة لأن الإنسان ما يدري ما يعرض له قد ينسى هو أو ينسى المدين أو يموت أحدهما. السائل: قد يأتي إنسان إلى صاحب دكان يريد أن يصرف عنده فيقول ما عندي مثلاً إلا أربعين فيقول صاحب المال لصاحب الدكان يبقى عندك وديعة فهل هذا جائز؟ الشيخ: لا يصح هذا لأنه لو قيل بهذا لكان كل واحد يريد ربا النسيئة يتخلص بهذا. السائل: فإن اشترى من صاحب الدكان سلعة وكان معه مائة ريال ولم يكن عند صاحب الدكان صرف فقال المشتري الباقي اجعله وديعة عندك؟

باب الرهن

الشيخ: هذا لا بأس به والفرق بينهما أن السلع مع النقود ليس بينها ربا نسيئة وليست مصارفة فإذا قال المشتري هذه مائة ريال وهو اشترى بخمسين فإن الخمسين تبقى وديعة لأن هذه الخمسين ليس لها عوض بالنسبة لصاحب الدكان. السائل: في حال أراد المصارفة ولم يجد غير هذا الدكان وصاحب الدكان ليس عنده ما يكفي للصرف مثلاً عنده مائة ويريد صرفها وهو محتاج لخمسين فما العمل؟ الشيخ: يقول لصاحب الدكان خذ هذه المائة واجعلها رهناً عندك وأقرضني خمسين ريالاً. باب الرهن القارئ: وهو المال يجعل وثيقة بالدين ليستوفى منه إن تعذر وفاؤه من المدين ويجوز في السفر لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي الحضر لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعه متفق عليه ولأنه وثيقة جازت في السفر فتجوز في الحضر كالضمان والشهادة.

الشيخ: التوثيقات أنواع منها أن يتوثق الإنسان بالكتابة لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) هذه التوثقة لابد أن يكون الكاتب معروف الخط وإلا لضاعت فائدته ثانياً التوثقة بالشهادة لقوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) والثالث الإيستيثاق بالرهن لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) والرابع الإستيثاق بالضمان لقوله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) ويدخل في الضمان الكفالة لكن الفرق بينهما أن الكفيل يلتزم بإحضار بدن المكفول لا بالدين الذي عليه والضمان يلتزم بالدين الذي عليه سواء أحضره أم لم يحضره فهذه التوثيقات كلها حماية لحقوق الناس والرهن هو أن الغريم الذي عليه الدين يعطي صاحبه ما يستوثق به وقد يكون أكثر وقد يكون أقل وقد يكون مساوي يعني الرهن قد يكون أقل من الدين وقد يكون أكثر وقد يكون مساوياً وقد يكون حين الرهن أقل من الدين وعند الوفاء أكثر من الدين كما لو رهنه أرضاً على دين مقداره ألف وكانت الأرض عند الرهن لها تساوي خمسمائة وعند الوفاء تساوي ألفين فهي عند عقد الرهن أقل من الدين وعند الوفاء أكثر وقد يكون بالعكس والمهم أنه لابد أن يكون هناك توثقة سواء كان الرهن أكثر من الدين أو أقل أو مساوي ويجوز في الحضر والسفر كما قاله المؤلف رحمه الله وأما قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) فهذا بيان لحال لابد منه وهو أنه إذا كان تعامل رجلان في سفر وليس عندهما كاتب وخاف صاحب الحق أن يضيع حقه فهنا يكون الرهن لأن هذه حاجة واضحة ولذلك أشترط الله عز وجل أن يكون مقبوضاً فقال

(فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي غير السفر لا بأس ألا يقبض كما سيأتي إن شاء الله تعالى أنه القول الراجح وأما الدليل على جواز الرهن في الحضر؟ فما ذكرته عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم أشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعه) وفي هذا الحديث جواز معاملة اليهود بالبيع والشراء وفيه أيضاً جواز رهنهم لآلات الحرب لأن الدرع من آلات الحرب لكن عند الأمن من مكرهم أما إذا خيف مكرهم يعني يستعملوا هذا الرهن الذي كان من آلات الحرب في حرب المسلمين فهؤلاء لا يجوز أن يرهنوا. فصل القارئ: ويجوز الرهن بعوض القرض للآية وبثمن المبيع للخبر وكل دين يمكن استيفاؤه منه كالأجرة والمهر وعوض الخلع ومال الصلح وأرش الجناية والعيب وبدل المتلف قياساً على الثمن وعوض القرض. وفي دين السلم روايتان إحداهما يصح الرهن به للآية والمعنى والأخرى لا يجوز لأنه لا يأمن هلاك الرهن بعدوان فيصير مستوفياً حقه من غير المسلم فيه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم في شيئاً فلا يصرفه إلى غيره). الشيخ: الصحيح بلا شك أنه يجوز الرهن بدين السلم وأما كونه إذا هلك أستوفي من الرهن فلا بأس ولا مانع من ذلك وحديث (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) سبق أنه ضعيف وأنه إن صح فالمعنى لا يصرفه إلى سلم آخر فالمعنى (إلى غيره) أي من أنواع السلم. فصل القارئ: ولا يجوز الرهن بمال الكتابة لأنه غير لازم فإن للعبد تعجيز نفسه ولا يمكن استيفاؤه من الرهن لأنه لو عجز صار هو والرهن لسيده.

الشيخ: ما ذكره المؤلف رحمه الله في الكتابة واضح لكن ما هي الكتابة؟ الكتابة أن يشتري العبد نفسه من سيده بمال مؤجل وهي جائزة بل واجبة إذا طلبها العبد وعلمنا أن فيه خيراً كما قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) فيأتي العبد ويقول لسيده أنا أريد أن أشتري نفسي منك فيجيبه السيد فلا بأس بل هو مأمور بذلك إن علم فيه خيراً والخير قال العلماء الصلاح في الدين والقدرة على الكسب فإذا حصلت الكتابة وقال السيد للعبد أعطني رهناً يقول المؤلف لا يصح لأننا إذا فرضنا أن العبد عجز فإنه يرجع الرهن والعبد للسيد فلا فائدة وهذا واضح لكن يشكل عليه من أين للعبد المال حتى يرهنه؟ لأن المال الذي في يده لسيده فيقال ربما يتبرع أحداً من الناس ويعطيه ما يرهنه للسيد فإذا كانت الصورة هذه فالصحيح جواز الرهن لأننا إذا قدرنا أن العبد عجز للسيد أن يستوفيه من الرهن الذي تبرع به الرجل الآخر وإذا استوفاه عتق العبد ولا يملك تعجيز نفسه في هذه الحال فلهذا تصوير هذه المسألة فيه صعوبة وذلك لأننا نقول إن كان الرهن من العبد فهذا غير ممكن لأنه لا يملك وإن كان من غيره فما المانع فإذا قالوا أنه يمكن أن العبد يعجز نفسه ويقول عجزت فلا يثبت العتق؟ نقول إذا قال عجزت وكان الرهن من غيره فإن السيد يستوفي من هذا الرهن ويعتق العبد. السائل: لو استوفى السيد المال من الرهن الذي تبرع به رجلٌ آخر للعبد فلمن يكون الولاء؟ الشيخ: يكون الولاء للسيد لأنه هو الذي أعتقه والرهن إنما جعل للاستيفاء فقط إلا إذا باعه عليه فهذا شيء آخر. القارئ: ولا يجوز بما يحمل العاقلة من الدية قبل الحول لأنه لم يجب ولا يعلم أن مآله إلى الوجوب فإنه يحتمل حدوث ما يمنع وجوبه ويجوز الرهن به بعد الحول لأنه دين مستقر.

الشيخ: العاقلة هي العصبة أو ذكور العصبة الذين يحملون الدية فيما إذا قتل الإنسان خطاءاً يعني لو إنسان دهس رجلاً فإن الدية تكون على عاقلته فإذا قال أولياء الميت المقتول نحن نريد أن تعطونا رهناً فإنه لا يلزمهم ولا يصح الرهن لأنه ربما في أثناء السنة يفتقر أحدهم أو يموت أما بعد تمام الحول واستقرار الدية على العاقلة فإنه يجوز الرهن لأن العاقلة تؤجل عليهم الدية ثلاث سنوات فمثلاً إذا مضى سنة ثبتت الدية فإذا جاء أولياء المقتول وطالبوا بها وقالوا أعطونا إياها قالوا ليس عندنا الآن شيء لكن نعطيكم رهناً يجوز أو لا؟ يجوز لأن الدية الآن ثبتت واستقرت فأما إذا كان قبل السنة فلا يجوز لأنهم يقولون لا يلزمنا أن نسلم قبل السنة لأنه ربما يوجد مانع يمنع من وجوب الدية علينا. القارئ: ولا يجوز بالجعل في الجعالة قبل العمل لعدم الوجوب ويجوز بعده وقال القاضي يحتمل جواز الرهن به قبل العمل لأن مآله إلى الوجوب. الشيخ: قول القاضي أصح لأنه إن وجب الجعل فالرهن يُؤَمِّن وإن لم يجب فإنه يعاد الرهن لصاحبه. القارئ: ولا يصح الرهن بما ليس بثابت في الذمة كالثمن المتعين والأجرة المتعينة والمنافع المعينة نحو أن يقول أجرتك داري هذه شهرا لأن العين لا يمكن استيفاؤها من الرهن ويبطل العقد بتلفها. الشيخ: قوله (لا يصح الرهن بما ليس بثابت في الذمة كالثمن المتعين) الثمن المتعين مثل أن يقول اشتريت منك مائة صاع بهذه السيارة فهنا لا حاجة لأن السيارة الآن أصبحت ملكاً للبائع فلا حاجة إلى الرهن كذلك (الأجرة المتعينة) بأن قال استأجرت منك هذه الدار بهذه الدراهم لكنها ما تثبت إلا بعد استيفاء المنفعة فلا يصح أن نجعل فيها رهناً لأنها هي عينها ثابتة للمؤجر. السائل: نريد توضيحاً للمسألة الأولى؟

الشيخ: توضيحاً للمسألة الأولى نقول إذا اشترى منه شيئاً بثمن مؤجل وهذا الثمن المؤجل هو هذه السيارة التي عينها لكن لا يسلمها إلا بعد سنة لأنها ثمن مؤجل نقول لا حاجة للرهن هنا لأن نفس الثمن معين وسيبقى للبائع ملكاً له لكن لا يجب تسلميه على المشتري إلا إذا تمت المدة. القارئ: وقياس هذا أنه لا يصح الرهن بالأعيان المضمونة كالمغصوب والعارية والمقبوض على وجه السوم لتعذر استيفاء العين من الرهن. الشيخ: الصواب جواز الرهن بالأعيان المضمونة كالمغصوب فلو أن رجلاً أقر بالغصب وقال إنه قد غصب السيارة الفلانية فقال صاحبها أدني إياها قال الآن هي ليست حاضرة لكن آتي بها بعد أسبوع مثلاً فقال صاحب السيارة لا أطلقك حتى ترهنني شيئاً فهنا لا مانع في الواقع من ذلك لأن الأصل الضمان وكذلك العارية فالعارية سبق أنها على المذهب من الأعيان المضمونة بكل حال فإذا جاء إنسان وقال أعرني كذا وكذا فقال لا أعيرك إلا إذا رهنتني فالمؤلف يقول لا يصح الرهن والصواب أنه يصح وكذلك يقول المؤلف في المقبوض على وجه السوم أنه لا يصح الرهن فيه والصواب أنه يصح فعلى هذا يكون الرهن صحيح سواء وثق لدين أو وثق لعين وهذا هو الأرجح أن الأعيان المضمونة لا بأس أن يكون فيها رهن وكذلك الديون في الذمم لا بأس أن يكون فيها رهن. القارئ: وإن جعله بقيمتها كان رهناً بما لم يجب ولا يعلم أن مآله إلى الوجوب وقال القاضي قياس المذهب صحة الرهن بها لصحة الكفالة بها. الشيخ: ما قاله القاضي وهو الصحيح كل شيء تصح به الكفالة يصح به الرهن لأن المقصود بالرهن هو التوثقة. فصل

القارئ: ويصح الرهن بالحق بعد ثوبته لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) إلى قوله (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) ومع ثبوته وهو أن يشترط الرهن في عقد البيع أوالقرض لأن الحاجة داعية إليه فإنه لو لم يشترطه يلزم الغريم الرهن وإن رهن قبل الحق لم يصح في ظاهر المذهب اختاره أبو بكر والقاضي لأنه تابع للدين فلا يجوز قبله كالشهادة واختار أبو الخطاب صحته فإذا دفع إليه رهناً على عشرة دراهم يقرضها إياه ثم أقرضه لزم الرهن لأنه وثيقة بحق فجاز عقدها قبله كالضمان. الشيخ: قول أبو الخطاب هو الصواب وعلى هذا فيجوز الرهن قبل ثبوت الحق وبعده ومعه لكن إذا كان بعده فإنه لا يلزم المدين يعني لو قال الدائن بعد أن ثبت الدين في ذمة المدين لو قال أعطني رهناً وكان الدين مؤجلاً فقال المدين لا أعطيك فله الحق لكن لو اتفقا على الرهن فلا بأس. فصل القارئ: ولا يلزم الرهن من جهة المرتهن. الشيخ: الراهن هو الذي أعطى الرهن وهو المدين والمرتهن هو الذي أخذ الرهن وهو الدائن والرهن لا يلزم في حق المرتهن لأن الحق له فإذا شاء بعد أن يرهن الشيء قال للراهن خذ رهنك أنا لا أريد الرهن ذمتك تكفيني. القارئ: لأن العقد لحظه وحده فكان له فسخه كالمضمون له ويلزم من جهة الراهن لأن الحظ لغيره فلزم من جهته كالضمان في حق الضامن ولأنه وثيقة فأشبه الضمان الشيخ: صحيح هذا فيكون هذا العقد لازم من طرف جائز من طرف آخر. القارئ: ولا يلزم إلا بالقبض لقول الله تعالى (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) ولأنه عقد إرفاق فأفتقر إلى القبض كالقرض وعنه في غير المكيل والموزون أنه يلزم بمجرد العقد قياساً على البيع والأول المذهب لأن البيع معاوضة وهذا إرفاق فهو أشبه بالقرض.

الشيخ: الصواب أنه يلزم بمجرد العقد إذا كان المرهون معيناً بأن قال رهنتك بيتي أو سيارتي أو ما أشبه ذلك فإنه يلزم وإن كان الراهن ساكناً للبيت أو مستعملاً للسيارة وهذا الذي عليه العمل من قديم الزمان وأما الآية الكريمة فإن الآية في قضية معينة خاصة (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) بل إن الآية تدل على أنه لا يشترط القبض في الرهن لكن في هذه الحال المعاملة في سفر وليس هناك كاتب فمتى تكون التوثقة؟ هل بمجرد الرهن أو لابد من القبض؟ لابد من القبض لأننا لو قلنا بأن الرهن يفيد بلا قبض لقلنا لا نحتاج إلى رهن لأن المدين مادمنا واثقين منه فإننا لا نحتاج إلى رهن فالآية ليس فيها دليل لأن الآية في قضية معينة فهي فيمن تداين في سفر فطلب صاحب الدين رهناً فقال المدين أرهنك سيارتي ولكن السيارة معه لا يستفيد لأنه لو كان يريد أن يثق به في رهن لم يقبض لو وثق به من الأول ولا يحتاج إلى رهن فلا تتم التوثقة في هذه الصورة إلا إلا بقبض الرهن والله سبحانه وتعالى أرشدنا إلى شيء نتوثق به ولا يمكن أن نتوثق في هذه الصورة إلا بالقبض فالصواب أن القبض ليس شرطاً للزوم ويدل على ذلك عموم قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وهذا عقد الرهن عليه فيجيب عليه الوفاء به ولا فرق بين أن يكون مكيلاً أو موزوناً أو غيرهما وأما مسألة القرض فالقرض إذا لم يقبض فهو عِدة إذا قال أنا أقرضتك مثلاً مائة ريال ولم يسلمه إياها فهذه عِدة والعِدة على المذهب لا يلزمه الوفاء بها كما لو أراد أن يتصدق بدراهم جعلها في يده ليتصدق بها على فقير ثم لما رأى الفقير لم يتصدق فهل هذا جائز أو لا؟ هذا جائز لأن الفقير لم يقبض المال والفرق بين القرض وبين الرهن واضح جداً الرهن المقصود به التوثقة وهي حاصلة سواء قبض أم لم يقبض لكن لا نشك أن من كمال التوثقة أن يقبضه وهذا لا إشكال فيه

لكن إذا كان لم يقبضه وكان الرهن واضحاً مثل أن رهن الإنسان بيته وهو ساكن فيه فالمذهب لا يلزم الرهن ويجوز لصاحب البيت أن يبيع البيت وأن يتصرف فيه بما شاء لكن لو قلنا بهذا القول لفسدت معاملة الناس لأن أكثر الناس الآن يرهنون بيوتهم وسياراتهم وهم ساكنون في البيت ومستعملون للسيارة فلو قلنا إن هذا الرهن لا يلزم لتلاعب الناس قال أرهنك بيتي بمائة ثم إذا فارق المجلس باع البيت هذا غير صحيح والمهم أن الصواب أنه لازم بالعقد والجواب عن الآية أن الله سبحانه وتعالى ذكر أعلى التوثقة في سورة معينة والدليل على لزومه بالعقد قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). القارئ: وإذا كان الرهن في يد الراهن لم يجز قبضه إلا بإذنه لأنه له قبل القبض فلا يملك المرتهن إسقاط حقه بغير إذنه كالموهوب. الشيخ: المذهب أنه إذا كان الرهن بيد الراهن والراهن هو المطلوب فإنه إذا قال المرتهن للراهن أعطني الرهن لأني لا أثق بك ولا آمنك فرفض الراهن يقول المؤلف (لم يجز قبضه إلا بإذنه) وهذه مشكلة لأنه إذا قال لا أعطيك إياه فإنه يحتاج أن يرفع الأمر للقاضي فتحدث خصومة ونزاع فإذا قلنا باللزوم بدون قبض استراح الجميع حتى نفس الراهن يصبح لا يهمه أن يكون الرهن بيده أو بيد هذا المرتهن إذا كان لا ينتفع بالرهن كما لو رهن الرجل ساعة أو رهنت المرأة حليها وما أشبه ذلك. القارئ: وإن كان في يد المرتهن فظاهر كلامه لزومه بمجرد العقد لأن يده ثابتة عليه وإنما يعتبر الحكم فقط فلم يحتج إلى قبض كما لو منع الوديعة صارت مضمونة وقال القاضي وأصحابه لا يلزم حتى تمضي مدة يتأتى قبضه فيها. الشيخ: قوله (فظاهر كلامه) يعني كلام الإمام أحمد وعلى كل حال على ما قلنا فالصواب أنه يلزم بمجرد العقد ولا يحتاج أن نقول تمضي مدة يمكن أن يقبضه فيها أو لا. القارئ: ولو كان غائباً لا يصير مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله.

الشيخ: إذا كان غائباً فإنه لا يكون مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله وهذه واضحة. القارئ: وقال القاضي وأصحابه لا يلزم حتى تمضي مدة يتأتى قبضه فيها ولو كان غائباً لا يصير مقبوضا حتى يوافيه هو أو وكيله ثم تمضي مدة يمكن قبضه فيها لأن العقد يفتقر إلى القبض ولا يحصل القبض إلا بفعله أو إمكانه ثم هل يفتقر إلى إذن الراهن في القبض على وجهين أحدهما لا يفتقر إليه لأن إقراره عليه كإذنه فيه والثاني يفتقر لأنه قبض يلزم به عقد غير لازم فافتقر إلى الإذن كما لو لم يكن في يده. السائل: إذا اشترط القبض في السفر فهناك إشكال فمثلاً زيد وعمرو سافرا إلى مكان معين وأقترض زيد من عمرو مبلغ على أن يرهنه سيارته فإذا اشترطنا القبض وأخذ عمرو السيارة فإنه انتفع بها والقاعدة أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا؟ فما الجواب على هذا الإشكال؟ الشيخ: لا هو لن ينتفع بها وعلى المذهب تبقى السيارة معطلة وإذا استعملها فإنه يكتب عليه أجرتها وتكون الأجرة تابعة للرهن. السائل: قلنا بأن الرهن لا يحتاج إلى قبض وإنما يكفي فيه مجرد العقد الآن أحسن الله إليك صندوق التنمية العقاري ما يحصل فيه قبض ما يحصل فيه قبض ومع هذا تضيع الحقوق الناس ما يسددون الناس لا يسددون فتضيع الحقوق؟ الشيخ: لو اشترطنا القبض للزم من ذلك أن البنك العقاري يقبض جميع هذا البيوت التي دفعها. مسألة: إذا أذن صاحب الحق في بيع الرهن سواء كان الرهن بيت أو سيارة أو أي شيء فإن أشترط أن تكون قيمته رهناً بدله صارت رهناً فتؤخذ القيمة وتوضع مثلاً في بنك أو غيره وتبقى تحت تصرف المرتهن وإن لم يشترط ذلك فإن أذنه في البيع فسخ للرهن. فصل القارئ: وإذا أذن في القبض ثم رجع عنه قبل القبض أو قبل مضي مدة يتأتى القبض فيها لما في يده فهو كمن لم يأذن لأن الإذن قد زال.

الشيخ: هكذا قال المؤلف رحمه الله ولكن سبق لنا أن القبض ليس بشرط وإذا لم يكن شرطاً صار فرضه على المسألة لا حاجة إليه لكن على القول بأنه شرط نقول هل يجوز أن يمتنع من الأذن بعد أن أذن أو لا؟ الجواب لا يجوز لأنه لما أذن صار كالعقد المشروط فيه القبض فلا يجوز له أن يرجع. القارئ: وإن أذن فيه ثم جن أو أغمى عليه زال الإذن لخروجه عن كونه من أهله ويقوم ولي المجنون مقامه إن رأى الحظ في القبض أذن فيه وإلا فلا. الشيخ: وفي الإغماء إذا زال الإغماء فإنه يأذن من جديد. القارئ: وإن تصرف الراهن في الرهن قبل قبضه بعتق أو هبة أو بيع أو جعله مهراً بطل الرهن لأن هذه التصرفات تمنع الرهن فأنفسخ بها وإن رهنه بطل الأول لأن المقصود منه ينافي الأول. الشيخ: يخشى أن هذا المتحيل إذا رهنه وأذن في القبض ثم رجع فيه ثم رهنه آخر فالرهن الأول يبطل فيُخشى أيضاً أن الرهن الثاني يبطل ثم يحصل بذلك تلاعب بالناس فهذا القول الذي بنى عليه المؤلف قول ضعيف والصواب أنه إذا أذن في القبض فليس له أن يرجع. القارئ: وإن دَبَّرَهُ أو أجره أو زوَّج الأمة لم يبطل الرهن لأن هذه التصرفات لا تمنع البيع فلا تمنع صحة الرهن وإن كاتب العبد وقلنا يصح رهن المكاتب لم يبطل بكتابته لأنه لا ينافيها وإن قلنا لا يصح رهنه بطل بها لتنافيهما. فصل القارئ: وإن مات أحد المتراهنين لم يبطل الرهن لأنه عقد لا يبطله الجنون أو مآله إلى اللزوم فلم يبطله الموت كبيع الخيار ويقوم وارث الميت مقامه في الإقباض والقبض فإن لم يكن على الراهن دين سوى دين الرهن فلوارثه إقباضه وإن كان عليه دين سواه فليس له إقباضه لأنه لا يملك تخصيص بعض الغرماء برهن وعنه له إقباضه لأن المرتهن لم يرض بمجرد الذمة بخلاف غيره والأول أولى لأن حقوق الغرماء تعلقت بالتركة قبل لزوم حقه فلم يجز تخصيصه به بغير رضاهم. الشيخ: وعلى القول بأنه لا يشترط القبض يثبت حق المرتهن بالرهن ولو كان هناك غرماء.

القارئ: كما لو أفلس الراهن فإن أذن الغرماء في إقباضه جاز لأن الحق لهم فإذا قبضه لزم سواء مات قبل الإذن في القبض أو بعده. فصل القارئ: وإن حجر على الراهن قبل القبض لم يملك إقباضه فإن كان الحجر لسفه قام وليه مقامه كما لو جن وإن كان لفلس لم يجز لأحد إقباضه إلا بإذن الغرماء لأن فيه تخصيص المرتهن بثمنه دونهم. الشيخ: الفرق بين الحجر لسفه والحجر لفلس أن السفه زوال الرشد مثل أن يختل عقل هذا الرجل فيحجر عليه لسفه والفلس كثرة الديون بحيث تكون الديون أكثر من ماله الموجود فهنا يحجر عليه بطلب الغرماء. فصل القارئ: ومتى امتنع الراهن من إقباضه وقلنا إن القبض ليس بشرط في لزومه أجبره الحاكم وإن قلنا هو شرط لم يجبره وبقي الدين بغير رهن وهكذا إن انفسخ الرهن قبل القبض إلا أن يكون مشروطاً في بيع فيكون للبائع الخيار بين فسخ البيع وإمضائه لأنه لم يُسَلَّم له ما شَرَطَ فأشبه ما لو شرط صفة في المبيع فبان بخلافها وإن قبض الرهن فوجده معيبا فله الخيار لأنه لم يُسَلَّم له ما شَرَطَ فإن رضيه معيبا فلا أرش له لأن الرهن إنما لزم فيما قبض دون الجزء الفائت وإن حدث العيب أو تلف الرهن في يد المرتهن فلا خيار له لأن الراهن قد وفى له بما شرطه فإن تعيب عنده ثم أصاب به عيباً قديما فله رده وفسخ البيع لأن العيب الحادث عنده لا يجب ضمانه على المرتهن وخرجه القاضي على الروايتين في البيع وإن علم بالعيب بعد تلفه لم يملك فسخ البيع لأنه قد تعذر عليه رد الرهن لهلاكه. فصل

القارئ: ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع ديونه لأنه وثيقة به فكان وثيقة بكل جزء منه كالضمان فإن رهن شيئاً من رجلين أو رهن رجلان رجلاً شيئا فبريء أحدهما أو برئ الراهن من دين أحدهما انفك نصف الرهن لأن الصفقة التي في أحد طرفيها عاقدان فلا يقف انفكاك أحدهما على إنفكاك الآخر كما لو فرق بين العقدين وإن أراد الراهن مقاسمة المرتهن في الأولى أو أراد الراهنان القسمة في الثانية ولا ضرر فيها كالحبوب والادهان أجبر الممتنع عليها وإن كان فيها ضرر لم يجبر عليها كغير الرهن ويبقى الرهن مشاعا. فصل القارئ: واستدامة القبض كابتدائه في الخلاف في اشتراطه للآية ولأنها إحدى حالتي الرهن فأشبهت الابتداء فإن قلنا باشتراطه فأخرجه المرتهن عن يده باختياره إلى الراهن زال لزومه وبقي كالذي لم يُقْبَض مثل أن أجره إياه أو أودعه أو أعاره أو غيرِ ذلك فإن رده الراهن إليه عاد اللزوم بحكم العقد السابق لأنه أقبضه باختياره فلزم به كالأول وإن أزيلت يد المرتهن بعدوان كغصب ونحوه فالرهن بحاله لأن يده ثابتة حكما فكأنها لم تزل. الشيخ: هذه ربما قد يكون فيها خديعة الراهن أقبض المرتهن الرهن ثم جاءه يوم من أيام على سرعة وقال يا فلان أعرني هذا وهو قد رهنه إناءً ثم قام المرتهن فأعطاه إياه إعارةً لأنه ظن أنه حين جاء بهذه العجلة أنه في ضرورة فحينئذ يزول لزوم الرهن ويبقى الرهن بالخيار إن شاء أذن له ورد عليه وإن شاء أبقاه ومثل هذه الحيلة لا يمكن الحياد عنها إلا إذا قلنا بالقول الراجح أنه لا يشترط للزومه القبض. فصل القارئ: والرهن أمانة في يد المرتهن إن تلف بغير تعد منه لم يضمنه ولم يسقط شيء من دينه لما روى الأثرم عن سعيد بن المسيب قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرهن لا يَغْلَق، والرهن ممن رهنه. الشيخ: هنا لو قلنا بأنه يسقط الدين لكان أغلق.

باب ما يصح رهنه وما لا يصح

القارئ: ولأنه وثيقة بدين ليس بعوض عنه فلم يسقط بهلاكه كالضامن وإن كان الرهن فاسداً لم يضمنه لأن مالا يضمن بالعقد الصحيح لا يضمن بالعقد الفاسد وإن وقت الرهن فتلف بعد الوقت ضمنه لأنه مقبوض بغير عقد وإن رهنه مغصوبا لم يعلم به المرتهن فهل للمالك تضمين المرتهن؟ فيه وجهان أحدهما لا يُضَمِّنُهُ لأنه دخل على أنه أمين والثاني يُضَمِّنُهُ لأنه قبضه من يد ضامنه فإذا ضمنه رجع على الراهن في أحد والوجهين لأنه غرَّه والثاني لا يرجع لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه. الشيخ: قاعدة المذهب في هذا أنه له أن يُضَمِّنَ هذا وهذا لكن يستقر الضمان على الراهن لأنه هو الذي غصبه وهو بيد المرتهن أمانة. القارئ: وإن ضمن الراهن فهل يرجع على المرتهن؟ على وجهين إن قلنا يرجع المرتهن لم يرجع الراهن وإن قلنا لا يرجع ثَمَّ رجع هاهنا وإن أنفك الرهن بقضاء أو إبراء بقي الرهن أمانة لأن قبضه حصل بإذن مالكه لا لتخصيص القابض بنفعه فأشبه الوديعة. الشيخ: رحم الله الفقهاء ما أبقوا للقضاة شيء فكل شيء مذكور. السائل: المرتهن بعد ما قبض الرهن من الراهن حصل حجر على الراهن لفلسه فهل له أن يوفي دينه أو يسترد خلال أمواله؟ الشيخ: يستحق أن يستوفي دينه من الرهن لأن الرهن الآن رهن صحيح وقبضه المرتهن فصار لازماً. فصل القارئ: إذا حل الدين فوفاه الراهن أنفك الرهن وإن لم يوفه وكان قد أذن في بيع الرهن بيع واستوفي الدين من ثمنه وما بقي فله وإن لم يأذن طولب بالإيفاء أو ببيعه فإن أبى أو كان غائبا فعل الحاكم ما يراه إجباره على البيع أو القضاء أو بيع الرهن بنفسه أو بأمينه والله أعلم. الشيخ: هذه هي فائدة الرهن أنه إذا حل الدين ولم يوفِ يباع الرهن ويستوفى من ثمنه. باب ما يصح رهنه وما لا يصح القارئ: يصح رهن كل عين يصح بيعها لأن مقصود الرهن الاستيثاق بالدين باستيفائه من ثمنه عند تعذر استيفائه من الراهن وهذا يحصل مما يجوز بيعه.

الشيخ: أما مالا يجوز بيعه كما لو رهنه كلب صيد فإنه لا يصح الرهن مع أن كلب الصيد ربما يكون عند الراهن أغلى من آلاف لكن يقولون لا يصح رهنه لماذا؟ لأنه لا يباع فلا تحصل فائدة للمرتهن بذلك، كذلك لو رهنه ولده الصغير قال أعطيك ولدي رهناً قالوا لا يصح لأن الولد لا يمكن بيعه فلو قَبِلَ لكان معناه أنه يغذي له ولده مجاناً. القارئ: ويصح رهن المشاع لأنه يجوز بيعه فجاز رهنه كالمفرز. الشيخ: المفرز يعني الذي أفرز من غيره يعني قُصِدَ فيشبه كلمة المقصود. القارئ: ثم إن اتفقا على جعله في يد المرتهن أو يد عدل وديعة للمالك أو بأجرة جاز وإن اختلفا جعله الحاكم في يد عدل وديعة لهما أو يؤجره لهما محبوسا قدر الرهن للمرتهن وإن رهن نصيبه من جزء من المشاع وكان مما لا ينقسم جاز وإن جازت قسمته احتمل جواز رهنه لأنه يصح بيعه واحتمل أن لا يصح لاحتمال أن يقتسماه فيحصل المرهون في حصة الشريك. الشيخ: الصواب الجواز بلا شك. القارئ: ويصح رهن العبد المرتد والجاني لأنه يجوز بيعهما وفي رهن القاتل في المحاربة وجهان بناءً على بيعه. الشيخ: قوله (رهن القاتل في المحاربة) نقول في هذه الحال سوف يقتل على كل حال لكن الفقهاء يصورون الأِشياء البعيدة والأشياء التي قد تكون مستحيلة. القارئ: ويصح رهن المدبر في ظاهر المذهب لظهوره في بيعه ويصح رهن من علق عتقه بصفة توجد بعد حلول الدين لإمكان استيفائه من ثمنه وإن كانت الصفة توجد قبل حلول الدين لم يجز رهنه لأنه يمكن استيفاؤه من ثمنه وإن كانت تحتمل الأمرين احتمل أن يصح رهنه لأن الأصل بقاء العقد والعتق قبله مشكوك فيه فهو كالمدبر واحتمل أن لا يصح رهنه لأنه يحتمل العتق قبل حلول الأجل وهذا غرر لا حاجة إليه.

الشيخ: مثل أن يعلق عتق العبد بنزول المطر والدين مؤجل مثلاً إلى ستة أشهر فهنا لا يدري متى ينزل المطر قد ينزل المطر قبل تمام الستة أشهر فيعتق ولا يتمكن المرتهن من استيفاء الحق وسبق لنا في مثل هذه الأمور بالنسبة للرهن أنها جائزة لأنه إما غانم وإما سالم اللهم إلا في بيع شُرِطَ فيه الرهن فهنا لا شك أنه سيكون غارماً إذا لم يحصل مقصوده. القارئ: فإن مات سيد المدبر وهو يخرج من الثلث أو وجدت الصفة عتق وبطل الرهن، ولا يصح رهن المكاتب لتعذر استدامة قبضه ويتخرج أن يصح إن قلنا استدامة القبض غير مشترطة وأنه يصح بيعه ويكون ما يؤديه من نجوم كتابته رهناً معه وإن عتق بقي ما أداه رهناً. الشيخ: الصحيح أن استدامة القبض في الرهن غير مشترطة وعمل الناس اليوم على هذا فتجد الفلاح يستدين من الرجل على ثمره والنخل بيده والرجل يرهن سيارته وهي في يده فالعمل الآن على أن القبض ليس بشرط وهو الصحيح. القارئ: وإن عتق بقي ما أداه رهناً كالقن إذا مات بعد الكسب وجميع هذه المعاني عيوب لها حكم غيرها من العيوب. فصل القارئ: ويصح رهن ما يسرع إليه الفساد لأنه مما يجوز بيعه وإيفاء دينه من ثمنه فأشبه الثياب فإن كان الدين يحل قبل فساده بيع وقضي من ثمنه وإن كان يفسد قبل الحلول وكان مما يمكن إصلاحه بالتجفيف كالعنب جفف ومؤنة تجفيفه على الراهن لأنه من مؤنة حفظه فأشبه نفقة الحيوان وإن كان مما لا يجفف فشرطا بيعه وجعلا ثمنه رهناً فعلا ذلك وإن لم يشرطاه ففيه وجهان أحدهما يصح الرهن ويباع كما لو شرطاه لأن الحال تقتضي ذلك لكون المالك لا يعرض ملكه للتلف فحمل مطلق العقد عليه كما يحمل على تجفيف العنب والثاني لا يصح لأن

البيع إزالة ملكه قبل حلول الحق فلم يجبر عليه كغيره وإن شرط أن لا يباع فسد وجهاً واحدا لأنه إن وفى بشرطه لم يمكن إيفاء الدين من ثمنه وإن رهنه عصيراً صح لذلك فإن تخمر خرج من الرهن لأنه لا قيمة له فإن عاد خلاً عاد رهنا لأن العقد كان صحيحاً فلما طرأ عليه معنى أخرجه عن حكمه ثم زال المعنى عاد الحكم كما لو ارتد أحد الزوجين ثم عاد في العدة عادت الزوجية وإن كان استحالته قبل القبض لم يعد رهنا لأنه ضعيف فأشبه الردة قبل الدخول. الشيخ: والصواب أنه يعود رهناً لأن المانع زال وسبق أيضاً أن الصحيح عدم اشتراط القبض وإذا لم يشترط فكأنه استحال بعد القبض. فصل القارئ: ويصح رهن الثمرة قبل بدو صلاحها والزرع الأخضر مطلقا وبشرط التبقية لأن الغرر يقل فيه لاختصاصه بالوثيقة مع بقاء الدين بحاله بخلاف البيع قال القاضي ويصح رهن المبيع المكيل والموزون قبل قبضه لأن قبضه مستحق للمشتري فيمكنه قبضه ثم يقبضه وإنما منع من بيعه لئلا يربح فيما لم يضمنه وهو منهي عنه وإن رهنه ثمرة إلى مَحِلٍ تحدث فيه أخرى لا تتميز فالرهن باطل لأنه مجهول حين حلول الحق فلا يمكن إمضاء الرهن على مقتضاه وإن رهنها بدين حال أو شرط قطعها عند خوف اختلاطها جاز لأنه لا غرر فيه فإن لم يقطعها حتى اختلطت لم يبطل الرهن لأنه وقع صحيحا لكن إن سمح الراهن ببيع الجميع أو اتفقا على قدر منه جاز وإن اختلفا وتشاحا فالقول قول الراهن مع يمينه لأنه منكر. فصل القارئ: ويصح رهن الجارية دون ولدها لأن الرهن لا يزيل الملك فلا يحصل التفريق فيه فإن احتيج إلى بيعها بيع ولدها معها لأن التفريق بينهما محرم والجمع بينهما جائز فتعين وللمرتهن من الثمن بقدر قيمة الجارية منه وكونها ذات ولد عيب لأنه ينقص من ثمنها. فصل القارئ: ولا يصح رهن مالا يجوز بيعه غير ما ذكرنا. الشيخ: قوله (غير ما ذكرنا) أي الثمرة والزرع قبل بدو صلاحه والزرع قبل اشتداد حبه ورهن الجارية بدون ولدها.

القارئ: كالوقف وأم الولد والكلب ونحوها. الشيخ: أم والولد غير مسألة المملوك مع الجارية لأن المملوك مع الجارية كلاهما ملك أما أم الولد فهي التي أتت بولد من سيدها والولد حينئذ حرٌ لا يمكن بيعه. القارئ: لأنه لا يمكن إيفاء الدين منه وهو المقصود ولا يصح رهن مالا يقدر على تسلميه ولا المجهول الذي لا يجوز بيعه لأن الصفات مقصودة في الرهن لإيفاء الدين كما تقصد في البيع للوفاء بالثمن. الشيخ: وسبق أن القول الراجح في هذه الأمور الجواز إلا في بيع شرط فيه الرهن فمثلاً ما لا يقدر على تسلميه إن قدرنا على التسليم فالمرتهن غانم وإن لم نقدر فليس بغارم لأن ثمن المبيع لم ينقص ولم يتضرر فمثلاً إذا قال أنا أرهنك الحمام التي تطير في الجو وهي ملكه تأوي إلى بيتها في آخر النهار فالمذهب لا يصح والصواب أن هذا جائز لأنه ليس عليه ضرر فإما أن ينتفع المرتهن وإما أن لا يتضرر. السائل: الجارية لو وضعت بيد المرتهن فإنه قد يطأها فما الحكم في ذلك؟ الشيخ: توضع عنده وإذا كان المرتهن غير ثقة فإنها توضع عند آخر أمين أما إذا كان المرتهن ثقة ومعروف بالصلاح والعفة وعنده أهله وأولاده والجارية ستكون عنده في البيت فلا مانع ومع ذلك إذا خيف فإنه تكون عند إنسان أمين وسبق لنا وعلى القول الراجح أن الجارية يمكن أن تبقى عند سيدها. السائل: أم الولد إذا مات ولدها أو كبر فهل يجوز أن يرهنها؟ الشيخ: يجوز أن يرهنها إذا قلنا بجواز بيعها وإن قلنا بعدم الجواز لا يجوز الرهن لأنه لا يستفيد. السائل: وضع البطاقة الشخصية أو وضع الرخصة رهناً ما حكمه؟ الشيخ: لو رهن بطاقته الشخصية أو نحوها مما ليس بمال لكن الإنسان محتاج لها فالمذهب لا يصح والقول الثاني أنه يصح لأننا نقول عقود التوثقة يسامح فيها بالغرر وذكرنا هذا في القواعد الفقهية وشرحناه.

السائل: قول المؤلف رحمه الله (إن احتيج إلى بيعها بيع ولدها معها لأن التفريق بينهما محرم والجمع بينهما جائز) كيف يكون التفريق محرم والجمع جائز؟ الشيخ: قصده أنه غير ممنوع قصده ومعلوم أن عدم التفريق بينهما واجب. السائل: قول المؤلف (وإن اختلفا جعله الحاكم في يد عدل وديعة لهما أو يؤجره لهما) من المقصود بقوله (يؤجره)؟ الشيخ: المعنى يؤجره الحاكم لأن الرهن لا يمكن أن يكون بيد المرتهن ولا بيد الراهن أما إذا أمكن أن يكون بيد المرتهن وجب. السائل: ما حكم بيع أمهات الأولاد؟ الشيخ: الصحيح أنه يجوز بيع أمهات الأولاد. فصل القارئ: ولا يصح رهن مالا يجوز بيعه غير ما ذكرنا كالوقف وأم الولد والكلب ونحوها لأنه لا يمكن إيفاء الدين منه وهو المقصود ولا يصح رهن مالا يقدر على تسلميه ولا المجهول الذي لا يجوز بيعه لأن الصفات مقصودة في الرهن لإيفاء الدين كما تقصد في البيع للوفاء بالثمن. الشيخ: سبق أن الصحيح جواز رهن مالا يقدر على تسلميه لأن المرتهن إن حصل له الرهن فقد غنم وإن لم يحصل فقد سلم أما الوقف وأم الولد والكلب فلا فائدة في رهنها أصلاً لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبيعها أما الذي لا يقدر على تسلميه أو المجهول فهو إذا قدر عليه باعه. القارئ: ولا رهن مال غيره بغير إذنه ويتخرج جوازه ويقف على إجازة مالكه كبيعه. الشيخ: هذا التخريج جيد لأن الصحيح جواز تصرف الفضولي في كل شيء إلا مالا يمكن شرعاً فلو بعت سيارة أخيك أو بيته أو أجرته ورضي بذلك فالعقد صحيح. القارئ: فإن رهن عيناً يظنها لغيره وكانت ملكه ففيه وجهان أحدهما يصح لأنه صادف ملكه والثاني لا يصح لأنه عقده معتقداً فساده. الشيخ: والمذهب الصحة لأن العبرة بما في نفس الأمر فلو أن إنسان رهن بيتاً لحي ثم تبين أن هذا الحي قد مات وأن وارثه هو هذا الذي رهن البيت فالرهن صحيح لأنه تبين ملكه.

القارئ: ولا يصح رهن المرهون من غير إذن المرتهن لأنه لا يملك بيعه في الدين الثاني فإن رهنه عند المرتهن بدين آخر مثل أن رهنه عبداً على ألف ثم استدان منه ديناً آخر وجعل العبد رهناً بهما لم يصح لأنه رهن مستحق بدين فلم يجز رهنه بغيره كما لو رهنه عند غير المرتهن. الشيخ: الصحيح في هذه المسألة الجواز فالصحيح أنه يجوز زيادة دين الرهن المسألة الأخيرة هذه يعبر عنها بزيادة دين الرهن والصواب أنه جائز فلو أن شخصاً استدان من آخر عشرة آلاف وأرهنه سيارته ثم استدان منه خمسة آلاف وأرهنه السيارة فالصواب جواز هذا لأن السيارة مشغولة برهن المرتهن نفسه فإذا رضي أن يزيد في الدين فلا بأس وهذا هو الذي عليه عمل الناس من قديم ولهذا يأتي الفلاح ويستدين من التاجر ويحرث ثم يحتاج ويستدين أخرى ويقول هذا داخل في الرهن السابق والحكام عندنا يحكمون بهذا بأن الرهن صحيح. فصل القارئ: ولا يصح رهن مالا يجوز بيعه من أرض الشام والعراق ونحوهما مما فتح عنوة في ظاهر المذهب لأنها وقف وما فيها من بناء من ترابها فحكمها حكمها وما جدد فيها من غراس وبناء من غير ترابها إن أفرده بالرهن ففيه روايتان إحداهما لا يصح لأنه تابع لما لا يجوز رهنه فهو كأساسات الحيطان والثانية يجوز لأنه مملوك غير موقوف وإن رهنه مع الأرض بطل في الأرض وفي الغراس والبناء وجهان بناءً على تفريق الصفقة. الشيخ: هذا أظنه نسخ من زمان والظاهر أنه مازال أهل الشام والعراق يتبايعون الأراضي بيع المال وهو الذي عليه عمل الناس من قديم الزمان حتى من وقت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. السائل: قوله (من غير ترابها) ما معناه؟ الشيخ: يعني أنهم يحفرون الأرض ثم يأتون بتراب من الخارج ويزرعون عليه لكن هذا غير ممكن. فصل

باب ما يدخل في الرهن وما لا يدخل وما يملكه الراهن وما لا يملكه وما يلزمه وما لا يلزمه

القارئ: وفي رهن المصحف روايتان كبيعه وإن رهنه أو رهن كتب الحديث أو عبداً مسلماً لكافر لم يصح لأنه لا يصح بيعه له ويحتمل أن يصح إذا شرطا كونه في يد مسلم ويبيعه الحاكم إذا أمتنع مالكه لأن الرهن لا ينقل الملك إلى الكافر بخلاف البيع ولا يجوز رهن المنافع لأنها تهلك إلى حلول الحق ولو رهنه أجرة داره شهراً لم يصح لأنه مجهول. الشيخ: الصحيح أنه يصح رهن المنافع لأنه يجوز عقد العوض عليها فتؤجر العين المرهونة وتجعل أجرتها رهناً وأما قوله (إن رهنه أجرة داره شهراً لم يصح) ففيه نظر أيضاً لأن الغالب أن الأجرة معلومة وإذا كانت مجهولة فكما قلنا فيما سبق أن رهن المجهول صحيح. القارئ: ولو رهن المكاتب من يعتق عليه لم يصح لأنه لا يملك بيعه. طالب: عندي يا شيخ لأنه لا يملك بيعه. الشيخ: يملك بيعه في احتمال لأنه يملك بيعه لأنه إذا رهنه وهو يعتق عليه فإنه لم يتملكه المرتهن والمكاتب يجوز بيعه نصححها لأنه يملك بيعها أحسن أنتظر ولو رأى المكاتب من يعتق عليه تحتاج إلي مراجعة راجعها راجعها كلما تريد تجدها في المغني ولا في الشرح الكبير لابد نتكلم عليها أنت صاحب القراءة راجعها. باب ما يدخل في الرهن وما لا يدخل وما يملكه الراهن وما لا يملكه وما يلزمه وما لا يلزمه القارئ: جميع نماء الرهن المنفصل والمتصل يدخل في الرهن ويباع معه لأنه عقد وارد على الأصل فثبت حكمه في نمائه كالبيع أو نماء حادث من غين الرهن أشبه المتصل ولو أرتهن أرضاً فنبت فيها شجر دخل في الرهن لأنه من نمائها سواء نبت بنفسه أو بفعل الراهن ويدخل فيه الصوف واللبن الموجودان والحادثان لدخولهما في البيع وإن رهنه أرضاً ذات شجر أو شجراً مثمراً فحكمه في ذلك حكم البيع وإن رهنه داراً فخربت فأنقاضها رهن لأنها من أجزائها وإن رهنه شجراً لم تدخل أرضه في الرهن لأنها أصل فلا تدخل تبعا.

الشيخ: هذا ما لم يكن العرف على خلافه والعرف عندنا أنه إذا رهنه نخلة أو باع عليه نخلاً أو ما أشبه ذلك يريدون النخل والأرض فإذا كان العرف على خلاف ما قاله الفقهاء فإنه يأخذ به إذا كان مطرداً. فصل القارئ: ولا يملك الراهن التصرف في الرهن باستخدام ولا سكنى ولا إجارة ولا إعارة ولا غيرها بغير رضى المرتهن ولا يملك المرتهن ذلك بغير رضى الراهن فإن لم يتفقا على التصرف كانت منافعه معطلة تهلك تحت يد المرتهن حتى يفك لأن الرهن عين محبوسة على استيفاء حق فأشبهت المبيع المحبوس على ثمنه وإن اتفقا على إجارته أو إعارته جاز في قول الخرقي وأبي الخطاب لأن يد المستأجر والمستعير نائبة عن يد المرتهن في الحفظ فجاز كما لو جعلاه في يد عدل ولا فائدة في تعطيل المنافع لأنه تضييع مال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وقال أبو بكر لا يجوز إجارته فإن فعلا بطل الرهن لأن الرهن يقتضي الحبس عند المرتهن أو نائبه فمتى وجد عقد يقتضي زوال الحبس بطل الرهن وقال ابن أبي موسى إن أجره المرتهن أو أعاره بإذن الراهن جاز وإن فعل ذلك الراهن بإذن المرتهن فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر يخرج من الرهن لأن المستأجر قائم مقام الراهن فصار كما لو سكنه الراهن. الشيخ: على القول الراجح أنه لا يشترط القبض نقول إذا تصرف فيه الراهن تصرفاً لا يؤثر على الرهن فهو صحيح كالإجارة مثلاً فالإجارة لا شك أنها من صالح الطرفين من صالح الراهن ومن صالح المرتهن أما كونها من صالح الراهن فلأنه قد تكون هذه الإجارة تقضي دينه أو بعضه وأما كونه من صالح المرتهن فلزيادة التوثقة لأنه سوف يضم إلى الرهن قيمة الإجارة أي الأجرة فإن أبى المرتهن وأبى الراهن فلا شك أنهما سفيهان وحينئذ ينتقل الأمر إلى الحاكم ويُؤْجِرُهُ عليهما. فصل

القارئ: ولا يمنع الراهن من إصلاح الرهن كمداواته بما لا يضر وفصده وحجمه عند حاجته إليه وودج الدابة وتبزيغها وإطراق الإناث عند حاجتها لأنه إصلاح لماله من غير ضرر فلم يمنع منه كالعلف وإن أراد قطع شيء من بدنه لخبيثة فيه وقال أهل الخبرة الأحوط قطعها فله فعله وإن ساووا الخوف في قطعها وتركها فامتنع أحدهما من قطعها فله ذلك لأن فيه خطراً بحقه. الشيخ: قوله (وقال أهل الخبرة الأحوط قطعها فله فعله) لأنه من مصلحة الطرفين. القارئ: وللراهن مداواة الماشية من الجرب بما لا ضرر فيه كالقطران بالزيت اليسير وإن خيف ضرره كالكثير لم يملكه وليس له قطع الأصبع الزائدة والسلعة لأنه يخاف منه الضرر وتركها لا يضر. الشيخ: الصحيح أن له ذلك خاصة في وقتنا هذا فله ذلك لأنه ليس فيه ضرر إطلاقاً ولهذا نقول إن قول الفقهاء يحرم قطع الأصبع الزائدة هذا بناءً على ما كان في وقتهم كما حرم بعضهم قطع البواسير والآن أصبح قطع البواسير شيئاً يسيراً كأنها شوكة نقشت فكذلك قطع الأصبع الزائد أصبح الآن ليس فيه خطر فالصواب أن ذلك جائز وأنه إذا طلبه الراهن لم يملك المرتهن أن يمنعه قوله (السلعة) في عبارة عن مادة خبيثة تنطلق من الرأس أو الصدر أو الظهر وتتعلق وقد رأيناها في بعض الناس قديماً. القارئ: وليس له الختان إن كان لا يبرأ منه قبل محلِّ الحق لأنه ينقص ثمنه وإن كان يبرأ قبله والزمان معتدل لم يمنع منه لأنه يزيد به الثمن ولا يضر المرتهن وليس للمرتهن فعل شيء من ذلك بغير رضى الراهن. الشيخ: لأن المرتهن ليس مالكاً والراهن مالك فالراهن له فعل ذلك والمرتهن ليس له فعله. السائل: قول المؤلف (وإن رهنه داراً فخربت فأنقاضها رهن) هل الأنقاض تباع يافضيلة الشيخ؟ الشيخ: إذا لم يكن الانتفاع بها إلا بالبيع فإنها تباع وتكون قيمتها رهناً أما إذا كان يمكن الانتفاع بها مثل أن تكون لبنات تكسرت ويمكن إعادتها وبناء البيت من جديد فإنها لا تباع.

(تنبيه: نقص في فصل ولا يملك الراهن بيع .... ص 106) القارئ: فلم يصح كتزويج العبد. الشيخ: الصحيح منع التزويج لكن لو اتفق المرتهن والراهن على التزوج يجوز لأن الحق له. فصل القارئ: ولا يجوز له عتق الرهن لأن فيه إضراراً بالمرتهن وإسقاطَ حقه اللازم فإن فعل نفذ عتقه نص عليه لأنه محبوس لاستيفاء حق فنفذ فيه عتق المالك كالمحبوس على ثمنه وعنه لا ينفذ عتق المعسر لأنه عتق في ملكه يبطل به حق غيره فاختلف فيه الموسر والمعسر كالعتق في العبد المشترك فإن أعتق الموسر فعليه قيمته تجعل مكانه رهنا لأنه أبطل حق الوثيقة بغير إذن المرتهن فلزمته قيمته كما لو قتله. الشيخ: ما ذكره المؤلف وما فرَّع عليه غير صحيح نقول عتق المرهون حرام ولا ينفذ والغريب أن المؤلف يقول لا يجوز ثم يقول أنه ينفذ وهذا مخالف لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (أيُّ شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) ومخالف للقاعدة المتفق عليها أن ما عاد التحريم فيه إلى ذاته فهو باطل لا يصح فالصواب أنه لا يصح ولا فرق بين المعسر والموسر والرواية الثانية عن أحمد أن المعسر لا ينفذ عتقه لتعذر أخذ القيمة منه لأنه فقير والموسر ينفذ عتقه لأنه يمكن أن تؤخذ قيمة العبد المُعْتَق من هذا الموسر وتكون رهناً بدله والصواب أنه لا يعتق لا الموسر ولا المعسر أي لا ينفذ عتق الموسر ولا عتق المعسر. القارئ: فإن أعتق المعسر فالقيمة في ذمته إن أيسر قبل حلول الحق أخذت منه رهنا وإن أيسر بعد حلول الحق طولب به خاصة لأن ذمته تبرأ به من الحقين معاً وتعتبر القيمة حين الإعتاق لأنه حال الإتلاف. الشيخ: المعسر سبق أنه على المذهب تكون القيمة في ذمة المعسر. فصل

القارئ: وليس للراهن وطء الجارية وإن كانت لا تحبل لأن من حرم وطؤها يستوي فيه من تحبل ومن لا تحبل كالمستبرأة فإن وطئ فلا حد عليه لأنها ملكه فإن نقصها لكونها بكرا أو أغضاها فعليه ما نقصها إن شاء جعله رهناً وإن شاء جعله قصاصاً من الحق وإذا لم تحمل منه فهي رهن بحالها كما لو استخدمها وإن ولدت منه فولده حر وصارت أم ولد له لأنه أحبلها بحر في ملكه وتخرج من الرهن موسراً كان أو معسراً رواية واحدة لأن الإحبال أقوى من العتق ولذلك ينفذ إحبال المجنون دون عتقه وعليه قيمتها يوم إحبالها لأنه وقت إتلافها وإن تلفت بسبب الحمل فعليه قيمتها لأنها تلفت بسبب كان منه. فصل القارئ: وكل ما منع الراهن منه لحق المرتهن إذا أذن فيه جاز له فعله لأن المنع منه لحقه فجاز بإذنه فإن رجع عن الإذن قبل الفعل سقط حكم الإذن فإن لم يعلم بالرجوع حتى فعل فهل يسقط الإذن؟ فيه وجهان بناءً على عزل الوكيل بغير علمه فإن تصرف بإذنه فيما ينافي الرهن من البيع والعتق ونحوهما صح تصرفه وبطل الرهن لأنه لا يجتمع مع ما ينافيه إلا البيع فله ثلاثة أحوال أحدها أن يبيعه بعد حلول الحق فيتعلق حق المرتهن بالثمن ويجب قضاء الدين منه إلا أن يقضيه من غيره لأن مقتضى الرهن بيعه واستيفاء الحق من ثمنه الثاني أن يبيعه قبل حلول الحق بإذن مطلق فيبطل الرهن ويسقط حق المرتهن من الوثيقة لأنه تصرف في عين الرهن تصرفاً لا يستحقه المرتهن فأبطله كالعتق الثالث أن يشترط جعل الثمن رهنا أو تعجيل دينه من ثمنه فيصح البيع والشرط لأنه لو شرط ذلك بعد حلول الحق جاز فكذلك قبله وإن أذن له في الوطء والتزويج جاز لأنه منع منه لحقه فجاز بإذنه فإن فعل لم يبطل الرهن لأنه لا ينافيه فإن أفضى إلى الحمل أو التلف فلا شيء على الراهن لأنه مأذون في سببه وإن أذن له في ضربها فتلفت به فلا ضمان عليه لأنه تولد من المأذون فيه كَتَوَلُّدِ الحمل من الوطء. فصل

القارئ: ويلزم الراهن مؤنة الرهن كلها من نفقة وكسوة وعلف وحرز وحافظ وسقي وتسوية جذاذ وتجفيف لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه) وهذا من غرمه ولأنه مُلكُهُ فكانت نفقته عليه كالذي في يده فإن احتاج إلى دواء أو فتح عرق لم يلزمه لأن الشفاء بيد الله تعالى وقد يحيا بدونه بخلاف النفقة. الشيخ: ينبغي أن يقال في مسألة الدواء إذا عُلِمَ أو غلب على الظن أنه ينتفع به فإنه يلزمه لما في ذلك من حفظ ماله وحفظ حق المرتهن وأما كون الشفاء بيد الله فهذا لا شك فيه لكن الرهن عبداً وهذا العبد مريض مرضاً نعلم أنه إذا دوي شفاه الله حسب التقرير الطبي أو يغلب على الظن شفاؤه فالصواب أنه يلزمه. القارئ: ولا يجبر على إطراق الماشية لأنه ليس مما يحتاج إليه لبقائها وليس عليه ما يتضمن زيادة الرهن فإن احتاجت إلى راعٍ لزمه لأنه لا قوام لها بدونه فإن أراد السفر بها ليرعاها ولها في مكانها مرعى تتماسك به فللمرتهن منعه لأن فيه إخراجها عن يده ونظره وإن أجدب مكانها فللراهن السفر بها لأنه موضع حاجة فإن اتفقا على السفر بها واختلفا في مكانها قدمنا قول من يطلب الأصلح فإن استويا قدم قول المرتهن لأنه أحق باليد. فصل

القارئ: وليس للمرتهن أن ينتفع من الرهن بشيء بغير إذن الراهن لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه) ومنافعه من غنمه ولأن المنافع ملك للراهن فلم يجز أخذها بغير إذنه كغير الرهن إلا ما كان مركوباً أو محلوبا ففيه روايتان إحداهما هو كغيره لما ذكرنا والثانية للمرتهن الإنفاق عليه ويركب ويحلب بقدر نفقته متحرياً للعدل في ذلك سواء تعذر الإنفاق من المالك أو لم يتعذر لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرهن يركب بنفقته ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة) رواه البخاري وفي لفظ (فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته ويركب) فإن أنفق متبرعاً فلا شيء له رواية واحدة وليس له استخدام العبد بقدر نفقته وعنه له ذلك إذا أمتنع مالكه من الإنفاق عليه كالمركوب والمحلوب قال أبو بكر خالف حنبل الجماعة والعمل على أنه لا ينتفع من الرهن بشيء لأن القياس يقتضي ذلك خولف في المركوب والمحلوب للأثر ففي غيره يبقى على القياس. الشيخ: الصواب أنه يجبر الممتنع منهما فيما إذا طلب أحدهما تأجير البيت أو غيره مما يمكن تأجيره بلا ضرر فإنه يجبر الممتنع لأن في عدم ذلك إضاعة للمال وضرراً على المالك وعلى المرتهن أما لو كانت المسألة على خطر أن يتلف الرهن أو ينقص نقصاً أكثر من أجرته فحينئذ للمرتهن أن يمتنع وكذلك للراهن. السائل: لو أنه رهنه سيارته فهل للمرتهن أن يزودها بالوقود والزيت على حساب الراهن وينتفع بها أم ماذا؟ الشيخ: لا يفعل لأن الفرق بين المركوب والسيارة السيارة تبقى معطلة ولا تموت لكن المركوب والمحلوب لو لم ينفق عليه لهلك. السائل: لو أن المرتهن أنفق على المحلوب فشرب وزاد حليبه فهل له بيعه؟

الشيخ: لا بل بقدر النفقة فمثلاً إذا كان ينفق عليها عشرة ريالات في اليوم ويبيع منها حليب بعشرين فله عشرة والشعرة الأخرى تبقى رهناً لأنها من نماء الرهن. السائل: هل يجوز للمرتهن وطء الجارية إذا كانت رهناً عنده؟ الشيخ: على كل حال من المعلوم أن المرتهن لا يطء الجارية لكن إذا أذن له صاحبها وأحبلها فإن قلنا بجواز بيع أمهات الأولاد فلا إشكال وإن قلنا بعدم الجواز فحينئذ يبطل الرهن. السائل: السيارة المرهونة إذا كان على المرتهن كُلفةً في المكان الذي يوقف فيه السيارة فهل يباح لها ركوبها؟ الشيخ: لا، لأن هذه الكلفة تكون على مالكها. السائل: ماذا لو لم يرض مالكه بدفع هذه الكُلفة؟ الشيخ: إذا أبى أن يدفع فربما يقال في هذه الحال تؤجر السيارة بقدر النفقة. السائل: هل للمرتهن أن يركبها؟ الشيخ: لا ليس له أن يركب إلا بإذن الراهن. فصل القارئ: وإن أنفق المرتهن على الرهن متبرعاً لم يرجع وإن أنفق بإذن الراهن بنية الرجوع رجع بما أنفق لأنه نائب عنه فأشبه الوكيل وإن أنفق بغير إذنه معتقداً للرجوع نظرنا فإن كان مما لا يلزم الراهن كعمارة الدار لم يرجع بشيء لأنه تبرع بما لا يلزمه فلم يرجع به كغير المرتهن وإن كان مما يلزمه كنفقة الحيوان وكفن العبد فهل يرجع به؟ على روايتين بناءً على من قضى دينه بغير إذنه. الشيخ: هذا تفصيل واضح وجيد. فصل القارئ: فإذا أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع به بغير عوض والرهن في قرض لم يجز لأنه يصير قرضاً جر منفعة وإن كان في غير قرض جاز لعدم ذلك.

الشيخ: هكذا قال المؤلف والصحيح العموم أنه لا يجوز إذا كان في ذمته دين لأحد أن ينتفع بشيء من ماله إلا إذا نوى مكافئته أو احتسابه من دينه لأننا لو قلنا يجوز صار هذا الدائن يستمتع بشيء من ماله ويسقط لا يستوفي وحينئذ يكون كالذي يزيد الدين بمرور الأيام فلا يحل فالصواب أن غير دين القرض كدين القرض ولا فرق وقد كان بعض الناس فيما سبق يستدين الفلاحون منهم ثم فإذا أرادوا أن يخرجوا للنزهة ونحو ذلك أرسلوا للفلاح وقالوا أعطنا الحمار نريد أن نخرج عليه في نزهة فيعطيهم الحمار كل أسبوع مرة أو كل شهر مرة وهذا حرام لأن منفعة الحمار الآن صارت زائدة عن الدين الذي وجب على المدين وكما قلت أن ذلك يفضي إلى أن يسكت الدائن عن المدين في مقابل أن ينتفع بماله أو ما أشبه ذلك. القارئ: وإن أذن له في الانتفاع بعوض مثل أن أجره إياه فإن حاباه في الأجرة فهو كالانتفاع بغير عوض. الشيخ: قوله (كالانتفاع بغير عوض) أي في التحريم وإلا فبينهما فرق ولا شك لأن الانتفاع بغير عوض لا يستفيد المطلوب شيئاً وبأجرة أقل يستفيد لكن قصده قوله (فهو كالانتفاع بغير عوض) أي في التحريم. القارئ: وإن لم يحابه فيها جاز في القرض وغيره لكونه ما انتفع بالقرض إنما انتفع بالإجارة وقال القاضي ومتى استأجره المرتهن أو استعاره خرج من الرهن في مدتهما لأنه طرأ عليه عقد أوجب استحقاقه في الإجارة برضاهما فإذا انقضى العقد عاد الرهن بحكم العقد السابق والصحيح أنه لا يخرج بذلك عن الرهن لأن القبض مستدام فلا تنافي بين العقدين لكنه في العارية يصير مضمونا لكون العارية مضمونة. الشيخ: كلام الموفق أصح كلام القاضي رحمه الله. فصل القارئ: وإن انتفع به بغير إذن الراهن فعليه أجرة ذلك في ذمته فإن كان الدين من جنسها تقاصت هي وقدرها من الدين وتساقطا وإن تلف الرهن ضمنه لأنه تعدى فيه فضمنه كالوديعة.

باب جناية الرهن والجناية عليه

الشيخ: في هذه المسألة إذا أنتفع به بغير إذنه وبدون إجارة فإنه إذا تلف ضَمِنَهُ لأنه متعدى. باب جناية الرهن والجناية عليه القارئ: إذا جنى الرهن على أجنبي تعلق حق المجني عليه برقبته وقدم على المرتهن لأنه يقدم على المالك فأولى أن يقدم على المرتهن فإن سقط حق المجني عليه بعفو أو فداء بقي حق المرتهن لأنه لم يبطل دائما وإنما قدم حق المجني عليه لقوته فإذا زال ظهر حق المرتهن وإن كان الحق قصاصاً في النفس اقتص منه وبطل الرهن وإن كان في الطرف اقتص له وبقي الرهن في باقيه وإن كان مالاً أو قصاصاً فعفي عنه إلى مال فأمكن إيفاء حقه ببيع بعضه بيع منه بقدر ما يقضي به حقه وباقيه رهن وإن لم يمكن إلا ببيع جميعه بيع فإن استغرق ثمنه بطل الرهن وإن فضل منه شيء تعلق به حق المرتهن وإن كان أرش الجناية عليه أكثر من ثمنه فطلب المجني عليه تسلميه للبيع وأراد الراهن فداؤه فله ذلك لأن حق المجني عليه في قيمته لا في عينه ويفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته في أحد الوجهين لأن ما يدفعه عوض عنه فلم يلزمه أكثر من قيمته وفي الآخر يلزمه أرش الجناية كلها أو تسلميه لأنه ربما رغب فيه راغب فاشتراه بأكثر من قيمته فينتفع به المجني عليه وإن أبى الراهن فداؤه فللمرتهن فداؤه بمثل ما يفديه به الراهن وحكمه في الرجوع بذلك حكم ما يقضي به دينه فإن شرط جعله رهناً بالفداء مع الدين الأول لم يصح لأنه رهن فلم يجز رهنه بدين سواه وأجازه القاضي لأن المجني عليه يملك إبطال الرهن بالبيع فصار كالجائز قبل القبض والزيادة في دين الرهن قبل لزومه جائزة ولأن الحق متعلق به وإنما ينتقل من الجناية إلى الرهن بخلاف غيره.

الشيخ: سبق لنا أن الصحيح جواز زيادة الدين في الرهن يعني مثلاً لو رهن داراً بعشرة آلاف ريال ثم استدان من المرتهن وقال هذا الدين يلحق الدين السابق فالمذهب أنه لا يجوز والصواب أنه جائز لأن هذا لا يبطل حق أحد إذ أن العين المرهونة الآن مرهونة لواحد في الدين الأول وفي الدين اللاحق. فصل القارئ: فإن جنى على سيده جناية لا توجب قصاصاً فهي هدر لأنه مال لسيده فلا يثبت له مال في ماله كما لو لم يكن رهناً. الشيخ: هذه القضية لا نحب أن يطلع عليها العبيد لأنهم لو اطلعوا عليها لجنوا على أسيادهم فبدل من أن يقطع يد سيده يشق بطنه مثلاً لأن شق البطن على المذهب ليس فيه قصاص وهذه مشكلة فلعلهم لا يطلعون على هذا. القارئ: وإن كانت موجبة للقود فيما دون النفس فَعَفَى على مال سقطت مطلقاً لذلك وإن أحب القصاص فله ذلك لأن القصاص يجب للزجر والحاجة تدعو إلى زجره عن سيده. الشيخ: لكن الضرر سيكون على السيد فمثلاً لو أن العبد قطع يد سيده قطعاً يوجب القصاص فقال أريد أن تقطع يده نقول أقطع يده وإذا قطع يده سوف تنقص قيمته كثيراً لكن ربما يقول السيد أنا أريد أن أتشفى من هذا العبد الذي كفر النعمة لأني أنفق عليه بكسوة ونفقة وسكن وغير ذلك وهو يفعل هكذا أنا أريد التشفي. القارئ: وإن كانت على النفس فللورثة القصاص وليس لهم العفو على مال في أحد الوجهين لما ذكرنا في السيد ولأنهم يقومون مقام الموروث ولم يكن له العفو على مال فكذلك وارثه والثاني لهم ذلك لأن الجناية حصلت في ملك غيرهم فأشبه الجناية على أجنبي. الشيخ: ما هي الفائدة على هذا القول؟ نقول الفائدة تتعلق بذمة العبد فمتى عتق بأي سبب من الأسباب ألزم بأرش الجناية أو بالدية مادام أن المسألة قتل. فصل

القارئ: فإن جنى على موروث سيده ولم ينتقل الحق إلى سيده فهي جناية على أجنبي وإن انتقل إليه وكانت الجناية موجبة للقصاص في طرف فمات المجني عليه فللسيد القصاص والعفو على مال لأن المجني عليه ملك ذلك فملكه وارثه وإن كانت على النفس فكذلك في أحد الوجهين والثاني ليس له العفو على مال كما لو كانت الجناية على نفسه وأصلهما هل يثبت للمورث ثم ينتقل إلى الوارث أم للوارث ابتداء؟ فيه روايتان فإن قلنا يثبت للوارث ابتداء فليس له العفو على مال كالجناية على طرف نفسه وإن قلنا يثبت للموروث فله العفو على مال لأن الحق ينتقل إليه على الصفة التي كان لموروثه لكون الاستدامة أقوى من الابتداء وإن كانت الجناية موجبة للمال أو كان الموروث قد عفي على مال ثبت ذلك للسيد لذلك فيقدم به على المرتهن. فصل

القارئ: وإن جنى على عبد لسيده غير مرهون فحكمه حكم الجناية على طرف سيده وإن كان مرهوناً عند مرتهن القاتل بحق واحد والجناية موجبة للمال أو عفا السيد على مال ذهبت هدرا كما لو مات حتف أنفه وإن كان رهناً بحق آخر تعلق دين المقتول برقبة القاتل إن كانت قيمة المقتول أكثر من قيمة القاتل أو مساوية لها وإن كانت أقل تعلق برقبة القاتل بقدر قيمة المقتول فأي الدَّيْنَين حل أولاً بيع فيه فيستوفى من ثمنه وباقيه رهن بالآخر وإن كان المقتول رهناً عند غير مرتهن القاتل وكانت الجناية موجبة للقصاص فللسيد الخيرة بين القصاص والعفو على مال لأنه يتعلق به حق غيره ويثبت المال في رقبة العبد فإن كان لا يستغرق قيمته بيع منه بقدر أرش الجناية ويكون رهناً عند مرتهن المجني عليه وباقيه رهن بدينه وإن لم يمكن بيع بعضه بيع كله وقسم ثمنه بينهما على حسب ذلك وإن كانت الجناية تستغرق قيمته فالثاني أحق به وهل يباع أو ينقل فيجعل رهناً عنده؟ فيه وجهان أحدهما لا يباع لعدم الفائدة في بيعه والثاني يباع لأنه ربما زاد فيه مزايد فاشتراه بأكثر من قيمته فكل موضع قلنا للسيد القصاص أو لوارثه فاقتص فقال بعض أصحابنا عليه قيمته تجعل مكانه لأنه أتلف الرهن باختياره ويحتمل أن لا يجب عليه شيء لأنه اقتص بإذن الشارع فلم يلزمه شيء كالأجنبي. فصل القارئ: وجنايته بإذن سيده كجنايته بغير إذنه إلا يكون صبياً أو أعجمياً لا يعلم تحريم الجناية فيكون السيد هو الجاني يتعلق به القصاص والدية كالمباشر لها ولا يباع العبد فيها وقيل يباع إذا كان معسراً لأنه باشر الجناية والأول أصح لأن العبد آلة ولو تعلقت به الجناية بيع فيها وإن كان سيده موسراً.

الشيخ: قصد المؤلف رحمه الله لو أن السيد قال لهذا للعبد أقتل هذا الرجل والعبد لا يدري عن قتله أنه حرام كأعجمي أو لا يعلم التحريم فهنا المخاطب السيد لأن العبد عند سيده بمنزلة الآلة فيكون هو المخاطب أي السيد وهذه المسألة تحتاج إلى تحرير وبحث لأنها يتعلق بها مسائل مثل لو أن السلطان أمر بالقتل من لا يعلم ظلمه فيه؟ وغير ذلك من المسائل التي ذكرها العلماء. فصل القارئ: وإن جُنِيَ على الرهن فالخصم الراهن لأنه مالكه ومالك بدله فإن كانت الجناية موجبة للقصاص فله أن يقتص أو يعفو فإن اقتص ففيه وجهان أحدهما عليه قيمته تجعل مكانه لأنه أتلف مالاً استحق بسبب إتلاف الرهن فغرم قيمته كما لو كانت الجناية موجبة للمال والثاني لا شيء عليه لأنه لم يجب بالجناية مال ولا أستحق بحال وليس على الراهن السعي للمرتهن في اكتساب مال وإن عفا على مال أو كانت الجناية موجبة للمال كان رهناً مكانه فإن عفا الراهن عن المال لم يصح عفوه لأنه محل تعلق به حق المرتهن فلم يصح عفو الراهن كما لو قبضه المرتهن وقال أبو الخطاب يصح وتؤخذ منه قيمته وتكون رهناً لأنه أتلفه بعفوه وقال القاضي تؤخذ قيمته من الجاني فتجعل مكانه فإذا زال الرهن ردت إلى الجاني كما لو أقر على عبده المرهون بالجناية وإن عفا الراهن عن الجناية الموجبة للقصاص إلى غير مال انبنى على مُوجَبِ العمد فإن قلنا أحد شيئين فهو كالعفو عن مال وإن قلنا القصاص فهو كالاقتصاص فيه وجهان. فصل

باب الشروط في الرهن

القارئ: إذا أقر الراهن أن العبد كان جنى قبل رهنه فكذبه المرتهن وولي الجناية لم يسمع قوله وإن صدقه ولي الجناية وحده قُبِلَ إقراره على نفسه دون المرتهن فيلزمه أرش الجناية لأنه حال بين المجني عليه وبين رقبة الجاني بفعله فأشبه ما لو قتله فإن كان معسراً فمتى أنفك الرهن كان المجني عليه أحق برقبته وعلى المرتهن اليمين أنه لا يعلم ذلك فإن نكل قضي عليه وفيه وجه آخر أنه يقبل إقرار الراهن لأنه غير متهم لأنه يقر بما يخرج الرهن من ملكه وعليه اليمين لأنه يبطل بإقراره حق المرتهن فيه وإن أقر أنه كان أعتقه عتق لأنه يملك عتقه فملك الإقرار به فيخرج العبد من الرهن ويؤخذ من الراهن قيمته تجعل مكانه ولا يقبل قوله في تقديم عتقه لأنه يسقط به حق المرتهن من عوضه. فصل القارئ: وإن أقر رجل بالجناية على الرهن فكذبه الراهن والمرتهن فلا شيء لهما وإن صدقه الراهن وحده فله الأرش ولا حق للمرتهن فيه لإقراره بذلك وإن صدقه المرتهن وحده أخذ الأرش فجعل رهناً عنده فإذا خرج من الرهن رجع إلى الجاني ولا حق للراهن فيه والله وسبحانه وتعالى أعلم. باب الشروط في الرهن الشيخ: الشروط في الرهن تخالف شروط الرهن تخالفها من وجهين الأول الشروط في الرهن من وضع المتعاقدين وشروط الرهن من وضع الشرع ثانياً شروط الرهن شروطٌ لصحته والشروط في الرهن شروطٌ للزومه لأن من فات غرضه بفوات الشرط فله الخيار وهذه في جميع العقود.

القارئ: يصح شرط جعل الرهن في يد عدل فيقوم قبضه مقام قبض المرتهن لأنه قبض في عقد فجاز التوكيل فيه كقبض الموهوب ومادام العدل حاله فليس لأحدهما ولا للحاكم نقله عن يده لأنهما رضياه ابتداء وإن اتفقا على نقله جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما وإن تغيرت حاله بفسق أو ضعف عن الحفظ أو عداوة لهما أو لأحدهما فمن طلب نقله منهما فله ذلك لأنه متهم في حقه ففي بقائه في يده ضرر ثم إن اتفقا على من يضعانه عنده جاز وإن اختلفا وضعه الحاكم في يد عدل وإن اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم وعمل بما يظهر له وإن مات العدل لم يكن لوارثه إمساكه إلا بتراضيهما لأنهما ما ائتمناه وإن رده العدل عليهما لزمهما قبوله لأنه متطوع بحفظه فلم يلزمه المقام عليه فإن أمتنع أجبرهما الحاكم فإن تغيبا أو كانا غائبين نصب الحاكم أميناً يقبضه لهما لأن للحاكم ولاية على الغائب الممتنع من الحق وإن دفعه الحاكم إلى أمين من غير امتناعهما ولا غيبتهما ضمن الحاكم والأمين معاً لأنه لا ولاية له على غير الممتنع والغائب فإن امتنعا أو غابا فلم يجد حاكماً فتركه عند عدل آخر لم يضمن لأنه حال حاجة وإن أودعه مع قدرته على الحاكم ضمن لأنه يقوم مقامهما. الشيخ: قوله رحمه الله (وإن دفعه الحاكم إلى أمين من غير امتناعهما ولا غيبتهما ضمن الحاكم والأمين معاً) نقول أما ضمان الحاكم فواضح لأنه تصرف تصرفاً لا يملكه لكن الأمين كيف نضمنه والأمين إنسان يغلب على ظنه أن تصرف الحاكم صحيح فكيف نضمنه فهذا حاكم معروف بالعدالة أعطى أمينه هذا الرهن ثم نقول إذا تلف ضمن الحاكم والأمين هذا فيه نظر! نعم لو علم الأمين أن الحاكم تصرف تصرفاً لا يملكه حينئذ نقول يظهر أنه يشارك الحاكم الضمان أما إذا كان لا يعلم فالضمان على الحاكم فقط ويؤيده قولهم في باب الجنايات إن أمر به الحاكم أي بالقتل ظلماً من لا يعرف ظلمه فيه فالضمان على الحاكم.

القارئ: وكذلك لو أودعه من غير امتناعهما ولا غيبتهما ضمن هو والقابض معاً وإن امتنع أحدهما ولم يجد حاكماً لم يكن له دفعه إلى الآخر فإن فعل ضمن لأنه يمسكه لنفسه والعدل يمسكه لهما فإن رده إلى يده زال الضمان. الشيخ: كل هذا مبني على أن قبض الرهن شرط للزوم أما على القول الذي رجحنا سابقاً أنه يجوز أن يكون الرهن عند الراهن ويبقى لازماً فكل هذه التفريعات تنتهي ويقال إن الحاكم يجعله عند المرتهن أو عند الراهن ولا حرج بل للاثنين جميعاً أن يتفقا على جعله إما عند المرتهن أو عند الراهن وإذا كان هناك عرف مطرد كما هو موجود عندنا الآن بأن الرهن يكون في يد الراهن اتبع العرف لأن الإنسان الآن يرهن سيارته وهو يعمل عليها يعمل ويرهن بيته وهو ساكنه وهذا الذي عليه العمل وهو الصواب. فصل القارئ: وإن شرط جعله في يد اثنين صح الشرط ولم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه لأن المتراهنين لم يرضيا إلا بحفظهما معا فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالوصيين فإن سلمه أحدهما إلى صحابه ضمن نصفه لأنه القدر الذي تعدى فيه فإن مات أحدهما أو تغير حاله أقيم مُقَامُهُ عدل. فصل القارئ: وكل من جاز توكيله جاز جعل الرهن على يديه مسلماً كان أو كافراً عدلاً أو فاسقا ذكراً أو أنثى لأنه جاز توكيله في غير الرهن فجاز فيه كالعدل ولا يجوز أن يكون صبياً أو

مجنوناً لأنه غير جائز التصرف فإن فعلا كان قبضه له وعدمه واحداً وإن كان عبداً فله حفظه بإذن سيده ولا يجوز بغير إذنه لأن منافعه لسيده فلا يجوز تضييعها في الحفظ من غير إذنه وإن كان مكاتباً وكان بغير جعل لم يجز لأنه ليس له التبرع وإن كان بجعل جائز لأنه له الكسب بغير إذن سيده فإن لم يشرط جعله في يد أحد فهو في يد المرتهن لأنه المستوجب للعقد فكان القبض له كالمتهب فإن قبضه ثم تغيرت حاله في الثقة أو الحفظ أو حدث بينهما عداوة فللراهن دفعه إلى الحاكم ليزيل يده ويجعل في يد عدل لأنه لم يرض بحفظه في هذه الحال وإن اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم وعمل بما بان له وإن مات المرتهن نقل عن الوارث إلى عدل لأن الراهن لم يرض بحفظه. فصل القارئ: إذا شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل عند حلول الحق صح شرطه لأن ما صح توكيل غيرهما فيه صح توكيلهما فيه كبيع عين أخرى فإن عزلهما الراهن صح عزله لأن الوكالة عقد جائز فلم يلزم المقام عليها كما لو وكل غيرهما أو وكلهما في بيع غيره ولو مات المرتهن لم يكن لوارثه البيع لأنه لم يؤذن له ويتخرج أنه لا يملك عزلهما لأنه يفتح باب الحيلة فإن عزل المرتهن العدل عن البيع لم يملكه إلا في الحال الذي يملكه الراهن لأنه وكيله خاصة وإن أذنا في بيع الرهن فتلف بجناية وجعلت قيمته مكانه فقال القاضي قياس المذهب أن له بيعها لأنه يجوز له بيع نمائه تبعا فيبع قيمته أولى والصحيح أنه لا يملك بيعها لأنه لم يؤذن له فيه ولا هي تبعاً لما أذن فيه بخلاف النماء. الشيخ: لكن إذا جعلت قيمته مكانه فالقياس أن له أن يبيعه لأنه لما أتلف العبد مثلاً أو الشاة أو البعير وضمنت بالقيمة صارت القيمة تحل محل الأصل. السائل: ما الفرق بين قولنا (المُوجِب) وقولنا (المُوجَب)؟ الشيخ: المُوجِب ما أَوجَبَ الشيء والمُوجَب ما أَوجَبَه غيره فالدليل مُوجِب والحكم مُوجَب مثل قولنا المُقتضِي والمُقتضَى. السائل: حكم بتضمين الأمين؟

الشيخ: كما قلنا سابقاً تضمين الأمين إن علم فلا بأس أن يُضَمَّن لكن إذا لم يعلم فالأصل أن تصرف الحاكم تصرف جائز. فصل القارئ: وإن إذنا له في البيع بنقد لم يكن له خلافهما لأنه وكيلهما وإن أطلقا أو اختلفا باع بنقد البلد لأن الحظ فيه فإن كان فيه نقود باع بأغلبها فإن تساوت باع بما يرى الحظ فيه لأن الغرض تحصيل الحظ. الشيخ: الذي ينبغي إذا اختلفت النقود أن يبيع بجنس الدين لأنه أخصر وأسلم من الخسارة فمثلاً إذا كان الدين فضة فإنه لا يبيع بذهب وفي الأوراق النقدية إذا كان الدين بالدراهم السعودية فإنه لا يبيع بالدولار وإذا كان بالدولار فإنه لا يبيع بالدراهم السعودي والمهم أنه إذا كان هناك نقود متعددة فإنه يبيع بجنس الدين، وقوله رحمه الله (إن أذنا له) الضمير في (له) يعود على العدل الذي بيده الرهن والفاعل في (أذنا) يعود على الراهن والمرتهن. القارئ: فإن تساوت باع بجنس الدين لأنه يمكن القضاء منه فإن لم يكن فيها جنس الدين عين له الحاكم ما يبيع به وحكمه حكم الوكيل في وجوب الاحتياط في الثمن على ما سنذكره فإذا باع وقبض الثمن فتلف في يده من غير تعد فلا ضمان عليه لأنه أمين. الشيخ: قوله (من غير تعد) يجب أن يضيف فيقول ولا تفريط والفرق بين التعدي والتفريط أن التعدي فعل مالا يجوز والتفريط ترك ما يجب إلا أن يقال يمكن أن يحمل كلام المؤلف رحمه الله بقوله (من غير تعد) أي من غير عدوان فيشمل التفريط والتعدي لكن على كل حال المعنى أي من غير تعدٍ ولا تفريطٍ. القارئ: وهو من ضمان الراهن لأنه ملكه فإن أنكر الراهن تلفه فالقول قول العدل مع يمينه لأنه أمين فهو كالمودع فإن قال ما قبضته من المشتري فالقول قول العدل لذلك ويحتمل أن لا يقبل قوله لأن هذا إبراء للمشتري وإن خرج الرهن مستحقا فالعهدة على الراهن دون العدل لأنه وكيل.

الشيخ: الاحتمال الذي قاله المؤلف ضعيف والصواب أنه يقبل قوله وكونه يستلزم إبراء المشتري يقال هذا مقتضى الأمانة. القارئ: وإن استحق بعد تلف الثمن في يد العدل رجع المشتري على الراهن دون العدل لأنه قبض منه على أنه أمين في قبضه وتسلميه إلى المرتهن وإن كان الثمن باقياً في يد العدل أو المرتهن رجع المشتري فيه لأنه عين ماله قبض بغير حق وإن وجد المشتري بالمبيع عيباً فرده بعد قبض المرتهن ثمنه لم يرجع عليه لأنه قبضه بحق ولا علىلعدل لأنه أمين ويرجع على الراهن إلا أن يكون العدل لم يُعلِم المشتري أنه وكيل فيكون رجوعه عليه ثم يرجع هو على الراهن فإن تلف المبيع في يد المشتري ثم بان مستحقا فلمالكه تضمين من شاء من الراهن والعدل والمرتهن لأن كل واحد منهم قبض ماله بغير حق ويستقر الضمان على المشتري لأن التلف حصل في يده ويرجع على الراهن بالثمن الذي أخذ منه وإذا باع العدل الرهن بيعاً فاسداً وجب رده فإن تعذر رده فللمرتهن تضمين من شاء من العدل والمشتري أقل الأمرين من قيمة الرهن أو قدر الدين لأنه يقبض ذلك مستوفياً لحقه لا رهنا فلم يكن له أكثر من دينه وما بقي للراهن يرجع به على من شاء منهما وإن وفى الراهن المرتهن رجع بقيمته على من شاء منهما ويستقر الضمان على المشتري لحصول التلف في يده. فصل القارئ: وإذا ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن فأنكره ففيه وجهان أحدهما القول قول العدل لأنه أمين فإذا حلف برئ ويرجع المرتهن على الراهن والثاني القول قول المرتهن لأنه منكر والعدل إنما هو أمينه في الحفظ لا في دفع الثمن إليه فإذا حلف رجع على من شاء منهما فإذا رجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن لأنه يقر ببراءة ذمته منه ويدعي أن المرتهن ظلمه وغصبه وإن رجع على الراهن رجع الراهن على العدل لتفريقه في القضاء بغير بينة إلا أن يكون قضاؤه بحضرة الراهن أو ببينة فماتت أو غابت فلا يرجع عليه لعدم تفريطه.

الشيخ: الصحيح أنه إذا فرط رجع عليه كما هو المذهب لكن إذا كان الشيء يسيراً لم تجر العادة بالإشهاد عليه فإنه لا يعد مفرطاً لأنه ليس من الممكن إذا أوفى مائة ريال لرجل ذي شرف وسيادة أن يشهد عليه وحينئذ لا يعد مفرطاً. القارئ: وعنه لا يرجع على العدل بحال لأنه أمين ولو غصب المرتهن الرهن من العدل ثم رده إليه زال الضمان لأنه رده إلى وكيل الراهن في إمساكه فأشبه ما لو أذن له في دفعه إليه ولو كان الرهن في يده فتعدى فيه ثم زال التعدي لم يزل الضمان لأن استئمانه زال بذلك فلم يعد بفعله. الشيخ: هذه قاعدة في كل شيء حتى في المُودَع لو أنه أخرج الوديعة من حرزها ثم ردها إلى الحرز لم يكن أميناً لأنه تعدى في الأول وكل أمين تعدى فإن ائتمانه يزول وتكون يده يد غاصب. فصل القارئ: وإذا رهن أمةً رجلاً وشرط جعلها في يد امرأة أو ذي رحم لها أو ذي زوجة أو أمة جاز لأنه لا يفضي إلى الخلوة بها وإن لم يكن كذلك فسد الرهن لإفضائه إلى خلوة الأجنبي بها. الشيخ: بهذا نعرف خطورة ما يفعله بعض الناس اليوم في الخدم تجده يأتي بالخادم عنده في البيت وتكون امرأته موظفة في تدريس أو غيره ثم يخلو معها في البيت وهذا خطر فهو في الحقيقة نار وضع فيها ملح لابد أن يكون هناك شر فالواجب الحذر من هذا والتحذير منه أيضاً. القارئ: ولو اقترض ذمي من مسلم مالاً ثم رهنه خمراً لم يصح لأنها ليست مالا وإن باعها الذمي أو وكيله وأتاه بثمنها فله أخذه فإن امتنع لزمه وقيل له إما أن تقبض أو أن تبرئ لأن أهل الذمة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيح. الشيخ: هذا صحيح ومن ذلك مسائل الخلاف بين العلماء فمثلاً إذا قبضها الإنسان معتقداً حلها ثم أعطاها أحداً فهي له حلال. فصل

القارئ: فإن شرط ما ينافي مقتضى الرهن نحو أن يشترط أن لا يسلمه أو لا يباع عند الحلول أو لا يستوفى الدين من ثمنه أو شرط أن يبيعه بما شاء أو لا يبيعه إلا بما يرضيه فسد الشرط لأن المقصود مع الوفاء به مفقود وإن شرط أنه متى حل الحق ولم توفني فالرهن لي بالدين أو بثمن سماه فسد لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يغلق الرهن) رواه الأثرم ومعناه استحقاق المرتهن له لعجز الراهن عن فكاكه ولأنه علق البيع على شرط مستقبل فلم يصح كما لو علقه على قدوم زيد. الشيخ: الصحيح في هذه المسألة جواز ذلك وفعله الإمام رحمه الله حيث رهن نعليه عند رجل وقال له إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا فالنعلان لك وهذا ليس فيه محظور شرعي وهو من مصلحة الطرفين ومن المعلوم أن الراهن لا يمكن أن يقول إن النعلين لك وهو يرى أنهما أكثر من دينه هذا لا يمكن أن يكون وكذلك أيضاً صاحب الدين الذي له الدين لن يقبل هذا إلا وهو يعلم أن هذا الرهن الذي قيل له إن لم يأتِ بالدين صحابه فهو لك إلا وهو يعلم أنه سيكفيه فالصواب أن ذلك جائز ولا محظور فيه إطلاقاً ثم إن قياسه على البيع المعلق أيضاً هو قياس على شيء متنازع فيه وشرط القياس أن يتفق الطرفان على حكم الأصل وإلا فلا يصح القياس فالصواب في هذا أيضاً وهو البيع المعلق أنه جائز إذا علق بشيء معلوم مضمون. القارئ: وإن قال أرهنك على أن تزيدني في الأجل لم يصح لأن الدين الحال لا يتأجل وإذا لم يثبت الأجل فسد الرهن لأنه في مقابلته. الشيخ: الصحيح جواز هذا فإذا حل دينه وقال الدائن أعطني الدين فقال المدين ما عندي شيء لكن أرهنك وتؤجل الدين مرة ثانية فلا بأس وليس في هذا محظور إطلاقاً بل فيه مصلحة للطرفين المدين يُنَفَّسُ له بزيادة الأجل والدائن يكون له توثقة.

القارئ: وإن شرط أن ينتفع المرتهن بالرهن في دين القرض لم يجز وإن كان بدين مستقر في مقابلة تأخيره عن أجله لم يجز لأنه بيع للأجل وإن كان في بيع فعن أحمد جوازه إذا جعل المنفعة معلومة كخدمة شهر ونحوه فيكون بيعاً وإجارة وإن لم تكن معلومة بطل الشرط للجهالة وبطل البيع لجهالة ثمنه وماعدا هذا فهو إباحة لا يلزم الوفاء به، وإن قال رهنتك ثوبي هذا يوما ويوماً لا أو وقته فالرهن فاسد لأنه ينافي مقتضاه وكل شرط يسقط به دين الرهن يفسده ومالا يؤثر في ضرر إحداهما كاشتراط جعل الأمة في يد أجنبي عزب لا يفسده وفي سائر الشروط الفاسدة وجهان أحدهما يفسد بها الرهن والآخر لا يفسد بناءً على الشروط الفاسدة في البيع ويحتمل أن ما ينقص المرتهن يبطله وجهاً واحداً وفي سائرها وجهان أحدهما يبطل الرهن لأنه شرط فاسد فأبطله كالأول والثاني لا يبطله لأنه زائد فإذا بطل بقي العقد بأحكامه. الشيخ: الصواب ما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام في القاعدة العظيمة (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) وفي كتاب الله أن جميع الشروط جائزة إلا ما دل الدليل على منعه لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وهذا يشمل الوفاء بأصل العقد وبوصفه وهو الشروط ولقوله تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) ولقوله في مدح عباد الله الصالحين (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) فالصواب أن الأصل في الشروط الحل والصحة واللزوم إلا ما دل دليل على منعه وهذه الأمثلة التي ذكرها المؤلف منها ما هو مُسَلَّم ومنها ما هو غير مُسَلَّم وإذا شككنا في الأمر في كل شيء نرجع إلى الأصل. السائل: الأمين إذا فرط أوتعدى فهل يزول وصفه بالأمانة على الإطلاق أم في هذه الأمانة فقط؟

باب خلاف المتراهنين

الشيخ: لا بل في هذه الأمانة فقط فلو فرضنا أن شخصاً أعطاك وديعة صرة من ذهب فحفظتها وصرة من فضة فاستنفقتها فهنا زالت الأمانة في صرة الفضة فقط. باب خلاف المتراهنين القارئ: إذا قال رهنتني كذا فأنكر أو اختلفا في قدر الدين أو قدر الرهن فقال رهنتني هذين قال بل هذا وحده أو قال رهنتني هذا بجميع الدين قال بل نصفه أو قال رهنتنيه بالحال قال بل بالمؤجل فالقول قول الراهن لأنه منكر والأصل عدم ما أنكره ولأن القول قوله في أصل العقد فكذلك في صفته. الشيخ: كلها هذه واضحة المسائل ولا يخفى أن كل مَنْ قلنا القول قوله فلابد من اليمين. القارئ: فإن قال رهنتني عبدك هذا قال بل ثوبي هذا لم يثبت الرهن في الثوب لرد المرتهن له. الشيخ: الاختلاف في رد الدين قلنا فيما سبق أنه إذا أدعى أحدهما ما كان بعيداً فلابد من البينة أما مالا يحتمل فهو أصلاً مرفوض لا تسمع الدعوة فيه. القارئ: فإن قال رهنتني عبدك هذا قال بل ثوبي هذا لم يثبت الرهن في الثوب لرد المرتهن له وحلف الراهن على العبد وخرج بيمينه وإن قال أرسلت وكيلك فرهن عبدك على ألفين قبضها مني فقال ما أذنت له في رهنه إلا بألف سئل الرسول فإن صدق الراهن حلف على أنه ما رهنه إلا بألف ولا قبض غيرها ولا يمين على الراهن لأن الدعوى على غيره وإن صدق المرتهن حلف الراهن وعلى الرسول ألف لأنه أقر بقبضها ويبقى العبد رهناً على ألف واحدة ومن توجهت عليه اليمين فنكل فهو كالمقر سواء. الشيخ: يقصد أنه يقضى عليه بالنكول كأنه أقر إذ أنه لا يندفع الحق عنه إلا باليمين قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اليمين على من أنكر). فصل القارئ: فإن قال رهنتني عبدك هذا بألف فقال بل بعتكه بها أو قال بعتنيه بألف فقال بل رهنتكه بها حلف كل واحد منهما على نفي ما أدعي فسقط ويأخذ السيد عبده وتبقى الألف بغير رهن. فصل

القارئ: وإن قال الراهن قبضت الرهن بغير إذني فقال بل بإذنك فالقول قول الراهن لأنه منكر وإن قال أذنت لك ثم رجعت قبل القبض فأنكر المرتهن فالقول قوله لأن الأصل عدم الرجوع وإن كان الرهن في يد الراهن فقال المرتهن قبضته ثم غصبتنيه فأنكر الراهن فالقول قوله لأن الأصل معه وإن أقر بتقبيضه ثم قال احلفوه لي أنه قبض بحق ففيه وجهان أحدهما يحلف لأن ما ادعاه محتمل والثاني لا يحلف لأنه مكذب لنفسه وإن رهنه عصيراً ثم وجد خمرا فقال المرتهن إنما اقبضني خمرا فلي فسخ البيع وقال الراهن بل كان عصيرا فقال أحمد رضي الله عنه فالقول قول الراهن لأنه يدعي سلامة العقد وصحة القبض فظاهر حال المسلم استعمال الصحيح فكان القول قول من يدعيه كما لو اختلفا في شرط يفسد المبيع ويحتمل أن القول قول المرتهن بناءً على اختلاف المتبايعين في حدوث العيب.

الشيخ: وهذه قاعدة مفيدة وهي أنهما إذا اختلفا في صحة العقد أو فساده فالقول قول من يدعي الصحة لأن الأصل في عقود المسلمين السلامة لكن اختلفوا فيما إذا أدعى أحد المتعاقدين أنه عقد وهو صغير لم يبلغ فقال بعضهم إن القول قول من يدعي الصِّغَر لأن الأصل عدم البلوغ وقال بعضهم القول قول من يدعي الصحة لأن الأصل السلامة وهذا فيما إذا كان الصغير حين الإدعاء بالغاً أما إذا كان صغيراً فالأمر ظاهر لا يزال صغيراً لكن لو قال أنا بعتك سيارتي وأنا لم أبلغ فقال بل إنك بالغ فمنهم من يقول القول المشتري لأنه يدعي سلامة العقد وصحته وهذا هو الأصل في عقود المسلمين ومنهم من يقول القول قول البائع الذي يدعي الصِّغَر لأن الأصل عدم البلوغ وهنا الاختلاف في شرط سابق أما لو كان الاختلاف في شرط لاحق مثل أن يقول بعتنيه بعد آذن الجمعة الثاني فلا يصح والثاني قال بل قبله فيصح فالقول قول من يدعي أنه قبله لأن الأصل الصحة والسلامة والراجح عندي في مسألة الصغر أنه ينظر إلى القرائن إذا كانت مدة العقد بعيدة ويمكن أن يكون قد باعه قبل أن يبلغ فالقول قول من يدعيه وأما إذا كانت قريبة والاحتمال قوي فالأصل الصحة. القارئ: ولو كان الرهن حيواناً فمات واختلفا في حياته وقت الرهن أو القبض فحكمه حكم العصير وإن أنكر المرتهن قبضه فالقول قوله لأن الأصل معه وإن وجده معيباً واختلفا في حدوثه ففيه وجهان مبنيان على الروايتين في البيع. فصل القارئ: إذا كان لرجل على آخر ألف برهن وألف بغير رهن فقضاه ألفا وقال قضيت دين الرهن فقال هي عن الألف الآخر فالقول قول الراهن سواء اختلفا في لفظه أو نيته لأنها تنتقل منه فكان القول قوله في صفة النقل وهو أعلم بنيته ولو دفعها بغير لفظ ولا نية فله صرفها إلى أيهما شاء كما لو دفع زكاة أحد الألفين فإن أبرأه المرتهن من أحدهما فالقول قول المرتهن لذلك وإن أطلق فله صرفها إلى أيهما شاء ذكره أبو بكر.

الشيخ: من أوضح ما يكون طيب هذا الراهن قضاء ألف وكان عليه ألفان أحدهما برهن والثاني بغير رهن فقال الدائن أنت دفعت الألف الذي بغير رهن ليبقى الألف الثاني برهن ويكون الرهن عند المدفوع إليه عند الدائن وقال الدافع وهو الراهن بل قضيت الألف التي فيها الرهن من أجل أن يفك الرهن ويأخذ رهنه فالقول قول الراهن لأنه هو الغارم ولأنه أعلم بنيته وعكس هذه المسألة إذا كما لو كان للمرتهن دينان أحدهما برهن والرهن في يد المرتهن والثاني بلا رهن فأبرأه من أحد الألفين ثم قال المرتهن بعد ذلك أبرئتك من الألف التي ليس فيها رهن ليبقى الألف الباقي برهن وقال الراهن بل ابرئتني من الألف التي فيها الرهن لأجل أن يفك رهنه فالقول قول المرتهن لأنه هو الذي أبرئه فالقول قوله فإذا قال أنا أريد الدين الذي فيه رهن قلنا القول كقولك ويبقى الدين الثاني في مقابل الرهن. فصل القارئ: وإن كان عليه ألفان لرجلين فأدعى كل واحد منهما أنه رهنه عبده بدينه فأنكرهما حلف لهما وإن صدق أحدهما أو قال هو السابق سلمه إليه وحلف للآخر وإن نكل والعبد في يد أحدهما فعليه للآخر قيمته تجعل رهنا لأنه فوته على الثاني بإقراره للأول أو بتسليمه إليه وقال القاضي هل يرجح صاحب اليد أو المقر له يحتمل وجهين فإن قال لا أعلم المرتهن منهما أو السابق حلف على ذلك والقول قول من هو في يده منهما مع يمينه وإن كان في أيديهما أو يد غيرهما فالحكم في ذلك كالحكم فيما إذا ادعيا ملكه. فصل القارئ: فإن ادعى على رجلين أنهما رهناه عبدهما بدينه فأنكراه فالقول قولهما وإن شهد كل واحد منهما على الآخر قبلت شهادته لأنه لا يجلب بهذه الشهادة نفعاً ولا يدفع بها ضرراً وإن أقر أحدهما وحده لزم في نصيبه وتسمع شهادته على صاحبه لما ذكرناه. فصل

القارئ: وإن ادعى المرتهن هلاك الرهن بغير تفريط فالقول قوله لأنه أمين فأشبه المودع وإن ادعى الرد ففيه وجهان أحدهما يقبل قوله لذلك والثاني لا يقبل لأنه قبضه لنفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر. الشيخ: هذا فيه إشارة لمن يقبل قوله في الرد والذي يقبل قوله في الرد إن كانت العين عنده لمصلحة مالكها المحضة فالقول قوله في الرد كالوديعة وإذا كانت لمصلحة القابض المحضة فلا يقبل قوله كالعارية فالعارية بيد المستعير لمصلحة المستعير فإذا أدعى الرد لم يقبل قوله والثالث أن تكون لمصلحتهما جميعاً كالعين المستأجرة فالعين المستأجرة فيها مصلحة للمؤجر وهو مالك العين وفيها مصلحة للمستأجر وهو مالك المنفعة فهل يقبل قوله في الرد؟ فيه قولان في المذهب منهم من رجح بأن القول قول من هي بيده ومنهم من قال بالعكس ومثل هذا ينبغي أن يقال إنه ينظر إلى القرائن ولو ضعفت فمن شهدت له قرينة بالصدق قبل قوله فالأحوال ثلاثة. القارئ: وإن أعتق الراهن الجارية أو وطئها فأدعى أنه بإذن المرتهن فأنكره فالقول قول المرتهن لأن الأصل معه فإن نكل قضي عليه وإن صدقه فأتت بولد فأنكر المرتهن مدة الحمل فالقول قوله لأن الأصل عدمها وإن وطئها المرتهن بإذن الراهن وادعى الجهالة وكان مثله يجهل ذلك فلا حد عليه لأن الحد يدرأ بالشبهات ولا مهر لأنه حق للسيد فسقط بإذنه والولد حر يلحقه بنسبه لأنه من وطء شبهة ولا تصير أم ولد لأنه لا ملك له فيها وإن لم تكن له شبهة فعليه الحد والمهر وولده رقيق. السائل: إذا اتفقت القرائن فكيف نرجح بين أقوال المدعين؟ الشيخ: لا يمكن أن تتفق القرائن أبداً فلابد أن أحدهما يكون أقوى أمناً وإيماناً من الآخر واتفاقها نادر جداً. السائل: لو تلفت العارية واتفقا في سبب التلف لكن اختلفا هل حدث ذلك بتفريط أو لا فما هو الحكم؟

الشيخ: المذهب في العارية أنه ضامن بكل حال سواء فرط أم لم يفرط والصحيح أن العارية كغيرها من الأمانات إن تعد أو فرط ضمن وإلا فلا ضمان عليه. السائل: فإن اختلفا في السبب هل يعد تفريطاً أو لا فإلى ماذا نرجع؟ الشيخ: إذا اختلفا في كون هذا الشيء تفريطاً أم لا واتفقا على ما حصل لكن أدعى الذي عنده أنه ليس تفريط وأدعى المالك أنه تفريط فإننا نرجع إلى العرف.

كتاب التفليس

كتاب التفليس القارئ: ومن لزمه دين مؤجل لم يجز مطالبته به لأنه لا يلزمه أداؤه قبل أجله ولا يجوز الحجر عليه به لأنه لا يستحق المطالبة به فلم يملك منعه من ماله بسببه فإن أراد سفراً يحل دينه قبل قدومه منه فلغريمه منعه إلا برهن أو ضمين مليء لأنه ليس له تأخير الحق عن محله وفي السفر تأخيره وإن لم يكن كذلك ففيه روايتان إحداهما له منعه لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر فملك منعه كالأول والثانية ليس له منعه لأنه لا يملك المطالبة به في الحال ولا يعلم أن السفر مانع منها عند الحلول فأشبه السفر القصير وإن كان الدين حالاً والغريم معسراً لم تجز مطالبته لقول الله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة).

الشيخ: وإن كان ذو عسرة فيها إشكال وهو رفع ذو مع أن المتبادر أن تكون منصوبة والجواب أنها تامة فالمعنى إن كان ذو عسرة أي إن وجد والمعنى أن المدين إذا كان معسراً فَنَظِرَة إلى ميسرة أي فعلى الطالب نَظِرَة أي انظارٌ إلى ميسرة وحذف الخبر هنا من أجل أن يكون الذي يبدر إلى ذهن المخاطب وسمع المخاطب هو الإنظار دون الوجوب لأن كلمة فنظرة وقعها في النفس أعظم من قولنا فعليه نظرة وهذا من بلاغة القرآن وهنا استفدنا أولاً الاختصار وثانياً وقوة وقع الكلام على النفس لو أن فقيراً أتى إلى شخص وقال أريد أن تبيعني شيئاً إلى أجل لأني الآن ليس عندي شيء فقال البائع إلى متى فقال الفقير إلى أن ييسر الله عليَّ فهل هذا الشرط جائز مع أنه مجهول لأنه قال متى يسر الله عليَّ؟ نقول هذا الشرط جائز لا لأنه مجهول أو معلوم لكن لأنه وهو مقتضى العقد إذ أن مقتضى العقد أن الإنسان الفقير إذا بيع عليه فإنه لا يطالب إلا بعد الميسرة فيكون هذا كالتأكيد ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن رجلاً قدم ببز له من الشام فقالت له عائشة يا رسول الله لو أرسلت إلى فلان قدم له بز من الشام فأرسله إليه وقال له في الأجل إلى ميسرة فأبى الرجل) لم يبيع فدل ذلك على جواز شراء الفقير بأجل إلى ميسرة.

القارئ: ولا يملك حبسه ولا ملازمته لأنه دين لا يملك المطالبة به فلم يملك به ذلك كالمؤجل فإن كان ذا صنعة ففيه روايتان إحداهما يجبر على إجارة نفسه لما روي أن رجلاً دخل المدينة وذكر أن وراءه مالا فداينه الناس ولم يكن وراءه مال فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سرقا وباعه بخمسة أبعرة وروى الدارقطني نحوه وفيه أربعة أبعرة والحر لا يباع فعلم أنه باع منافعه ولأن الإجارة عقد معاوضة فجاز أن يجبر عليه كبيع ماله وإجارة أم ولده والثانية لا يجبر لما روى أبو سعيد أن رجلاً أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (تصدقوا عليه) فتصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك) رواه مسلم ولأنه نوع تكسب فلم يجبر عليه كالتجارة. الشيخ: الرواية الأولى أصح إذا صح الحديث وفيها أيضاً دليل قياس فهذا رجل عليه دين ولكنه قادر على التكسب فهل نجبره أن يتكسب ليقضي دينه؟ الحديث الأول يدل على ذلك لأن الرسول باعه بخمسة أبعرة وهو حر والحر لا يباع فإذا تعذر بيع عينه تعين بيع منافعه وهذا هو الكسب ولأنه قادر على الوفاء بكسبه فلزمه الوفاء به كالقادر على الوفاء بماله ولا فرق وأما الحديث الثاني الذي رواه مسلم فلا يعارضه لأن الجواب عنه سهل فهذه قضية عين يحتمل أن هذا الرجل الذي خسر في بيعاته يحتمل أنه عاجز عن التكسب فلم يجبره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما قوله (لأنه نوع تكسب فلم يجبر عليه كالتجارة) فيقال التجارة لا يلزم بها إذا كان معسراً وهو قادر وإذا قلنا نعم ففرق بينها وبين المنافع التجارة قد يتجر الإنسان ويخسر فيزداد دينه لكن المنافع هو كسبان على كل حال فهو سيعطى أجرة فالقياس هنا فيه نظر والحديث لا يعارض الحديث الأول والقياس مع الحديث الأول هو أن القادر على الوفاء بكسبه كالقادر على الوفاء بماله ولا فرق. فصل

القارئ: وإن كان موسراً فلغريمه مطالبته وعليه قضاؤه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) متفق عليه فإن أبى فله حبسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليُّ الواجد يحل عقوبته وعرضه) من المسند فإن لم يقضه باع الحاكم ماله وقضى دينه لما روي أن عمر رضي الله عنه قال إن أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال سابق الحاج فادَّان معرضاً فمن كان له عليه مال فليحضر فإنا بائعو ماله وقاسموه بين غرمائه رواه مالك في الموطأ بنحوه فإن غيب ماله حبسه وعزره حتى يظهره. الشيخ: قوله (فادَّان) يعني تدين وقوله (عزره حتى يظهره) يفيد أنه يكرر التعزير ولو كل يوم حتى يظهره وهذا ليس كالتعزير على فعل محرم لأن التعزير على فعل محرم لا يكرر إذ أنه إذا عزر على فعل محرم انتهى عنه وانتهى الموضوع لكن التعزير على ترك واجب يكرر حتى يقوم بالواجب. القارئ: ولا يجوز الحجر عليه مع إمكان الوفاء لعدم الحاجة إليه وإن تعذر الوفاء وخيف من تصرفه في ماله حجر عليه إذا طلبه الغرماء لئلا يدخل الضرر عليهم.

الشيخ: المدين ينقسم إلى أقسام الأول ألا يكون عنده شيء يوفي به فهذا يجب انظاره ويحرم طلبه ومطالبته وحبسه وتعزيره دليل ذلك (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة) الثاني أن يكون عنده مال يكافئ الدين أو يزيد عليه فهذا يلزم بالوفاء بدون حجر وللحاكم أن يبيع ما شاء من ماله ويوفي به ودليله قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مطل الغني ظلم) والظلم لا يجوز إقراره إلا إذا رضي المظلوم فالحق له والثالث أن يكون ماله دون دين يعني أن الدين أكثر فهذا يحجر عليه إذا طلب الغرماء ذلك أو بعضهم والحجر هو أن يمنع من التصرف في ماله أي في عين ماله سواء كان المال عيناً قائمة أو في الذمة فلا يجوز أن يبرئ من الدين الذي في ذمة المعسر أو الغني لأن هذا يضر بالغرماء واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن الحجر يثبت سواء حكم به الحكم أم لا ولكن الحجر في التبرع خاصة وأن من دينه قدر ماله يحرم عليه أن يتبرع بالمال لا بصدقة ولا بوقف ولا بهدية ولا بهبة وأما التصرف بالبيع والشراء على وجه لا يضر به فهذا جائز أما إذا بلغ الحاكم وحكم بالحجر عليه منع من التصرف بماله مطلقاً فيقبض على يده فلا يتصرف لا بتبرع ولا بغيره. فصل

القارئ: فإن ادعى الإعسار من لم يعرف له مال فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدمه وإن عرف له مال أو كان الحق لزمه في مقابلة مال كثمن مبيع أو قرض لم يقبل قوله إلا ببينة لأن الأصل بقاء المال ويحبس حتى يقيم البينة فإن قال غريمي يعلم إعساري فعلى غريمه اليمين أنه لا يعلم ذلك وإن أقام البينة على تلف المال فعليه اليمين معها أنه معسر لأنه صار بهذه البينة كمن لم يعرف له مال وإن شهدت بإعساره فادعى غريمه أن له مالاً باطناً لم تلزمه يمين لأنه أقام البينة على ما أدعى وتسمع البينة على التلف وإن لم يكن ذا خبرة باطنة لأنه أمر يعرف بالمشاهدة ولا تسمع على الإعسار إلا من أهل الخبرة بحاله لأنه من الأمور الباطنة فإن كان في يده مال فأقر به لغيره سئل المقر له فإن كذبه بيع في الدين وإن صدقه سلم إليه فإن قال الغريم أحلفوه أنه صادق لم يستحلف لأنه لو رجع عن الإقرار لم يقبل منه وإن طلب يمين المقر له احلفناه لأنه لو رجع قبل رجوعه.

الشيخ: هذه المسألة فيها نظر إذا أقر أنه لفلان ... الخ، والصواب التفصيل أنه إذا أقر أنه لفلان وكان هناك شبهة بأن كان فلان من أصدقائه الخاصين وكان هذا المدين لا يبالي أقضى دينه أم لا فهنا لا يكفي الإقرار بل لصاحب الدين أن يُحَلِّفَهُ ويُحَلِّفَ مَنْ أُقِرَّ لَهُ أيضاً لاحتمال أنه كاذب وهذه تقع كثيراً فيمن عندهم النعرة القبلية فتجد الواحد منهم يشهد ويحلف لصاحبه وإن كان يعلم أنه كاذب لأنه من قبيلته ولأنه صديقه وما أشبه ومثل هذه المسائل التي يذكرها الفقهاء رحمهم الله يذكرونها على سبيل العموم وعلى سبيل الإطلاق لكن تقيد بالقرائن بلا شك لا سيما في المعاملات نعم العبادات يتوقف فيها على ما جاءت به الشريعة لكن في المعاملات يعمل بالقرائن ولهذا عمل شاهد يوسف بالقرينة لما قالت امرأة العزيز حين هرب منها يوسف عليه الصلاة والسلام ووجد سيدها عند الباب (قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) اتهمته مع أنها هي التي تدعوه إلى نفسها ثم الحاكم حكم وقال إن كان قميصه قُدَّ من قُبُلٍ فهي صادقة وهو كاذب وإن كان قميصه قُدَّ من دُبُرٍ فهو صادق وهي كاذبة والقرينة هنا هي شق الثوب إذا كان من الأمام فمعناه أنه هو الذي طلبها وشقت ثوبه للفرار منه وإذا كان من الخلف فمعناه أنه هو الذي هرب وليس منه طلب بل هي التي لحقته وجرت القميص حتى تمزق فهذا عمل بالقرائن ومن العمل بالقرائن قصة داود وسليمان وهي قصة غريبة خرجت امرأتان بابنين لهما فأكل الذئب ابن الكبيرة فادعت الكبيرة أن ابن الصغيرة ابنها والصغيرة تنفي ذلك وتقول هو ابني ثم تحاكمتا إلى داود عليه الصلاة والسلام فأخذ بدعوى الكبيرة اجتهاداً منه وقال هذه الصغيرة الشابة يأتيها الولد في المستقبل وهذه عجوز كبيرة تحتاج إلى ولد فحكم به للكبيرة ثم خرجت المرأتان ومرتا بسليمان ولعلهما مازالتا في نزاع فأخبرتا سليمان بما

حكم به داود فقال لا أنا أشق الولد نصفين ودعا بالسكين نصف تأخذه الكبيرة ونصف تأخذه الصغيرة فرحبت الكبيرة بهذا الحكم ووافقت أما الصغيرة فقالت يا نبي الله هو لها مالي فيه دعوى فحكم به لصغيرة كيف عرف أنه للصغيرة؟ لأنها أشفقت عليه وقالت ولدي يبقى حياً وإن لم يكن عندي أما الكبيرة فكان ولدها قد تلف فقالت يتلف هذا معه ألا يشبه هذا ما حدث في زماننا الآن بمحكمة التمييز؟ نقول فيها نوع شبه وعلى كل حال أنا أقول إن القرائن يعمل بها لكن القرائن ليست مبنية على التهمة بل على الحقيقة فالقرائن لها أثرها فما ذكره المؤلف رحمه الله في هذا الفصل من الدعاوي هو حكم عام لكن القضية المعينة يجب أن يكون لها الحكم الذي تقضيه القرائن والأحوال. فصل القارئ: فإن كان ماله لا يفي بدينه فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمته إجابتهم لما روى كعب بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله) رواه سعيد بن منصور بنحوه عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، ولأن فيه دفعاً للضرر عن الغرماء فلزم ذلك كقضائهم ويستحب الإشهاد على الحجر ليعلم الناس حاله فلا يعاملوه إلا على بصيرة.

الشيخ: تبين لنا الآن أن الدين والمال إن كان المال أكثر فلا حجر وإن كان مساوياً فلا حجر وإن كان الدين أكثر فهنا يثبت الحجر لكن بسؤال الغرماء أو بعضهم والحجر معناه أن نمنع المفلس من التصرف في ماله لا في ذمته لأن ماله الآن تعلق به حق الغرماء فنقول لا تبع ولا تشتري ولا تهب ولكن هل يثبت الحجر بمجرد أن يزيد الدين على ماله ونقول الآن لا يجوز لك تتصرف يضر بالغرماء أو لابد من الحجر؟ فيه قولان للعلماء والصحيح أنه لا يحل له أن يتبرع بشيء من ماله مادام دينه أكثر من ماله وذلك لأن وفاء الدين واجب والتبرع بالمال ليس بواجب حتى وإن كان صدقة فإذا قال أريد أن أعطي هذا الفقير عشرة ريال نقول لا تعطه عشرة ريال فإذا قال الدين كثير مائة ألف قلنا لا تعطه عشرة ريالات ولكن أعطهن الغريم الذي يطلبك ويبقى عليه مائة ألف إلا عشرة ريال وهلمجرا تنقص شيئاً فشيئاً حتى تنتهي. القارئ: ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها منع تصرفه في ماله فلا يصح بيعه ولا هبته ولا وقفه ولا غير ذلك لأنه حجر ثبت بالحاكم فمنع تصرفه كالحجر للسفه وفي العتق روايتان إحداهما لا يصح لذلك ولأن حق الغرماء تعلق بماله فمنع صحة عتقه كما لو كان مريضاً. الشيخ: قوله (كما لو كان مريضاً) يعني كما لو كان السيد مريضاً مرض الموت وأعتقه فإنه لا ينفذ منه إلا الثلث فقط. القارئ: والثانية يصح لأنه عتق من مالك رشيد صحيح أشبه عتق الراهن. الشيخ: هذا قياس على شيء لا يسلم المؤلف رحمه الله قال (لو أن المحجور عليه أعتق عبداً) ولنفرض أن العبد نصف ماله فمعناه أنه ضيع على الغرماء نصف ما يستحقون ويقول أن القول الثاني صحيح وقاسه على الراهن وهو المدين الذي رهنه عبده ثم أعتقه فالمذهب أن العتق ينفذ والصحيح أنه لا ينفذ لا عتق الراهن ولا عتق المحجور عليه.

القارئ: وإن أقر بدين أو عين في يده كالقصار والحائك يقر بثوب لم يقبل إقراره لذلك ويلزم في حقه يتبع به بعد فك الحجر عنه وإن توجهت عليه يمين فنكل عنها فهو كإقراره. الشيخ: قوله (لذلك) يعني لتعلق حق الغرماء بماله والصورة هذه واضحة إنسان بعد أن حجر عليه قال هذا الثوب الذي عندي لفلان فلا يقبل إقراره بالنسبة للغرماء ويقبل إقراره بالنسبة لصاحب الثوب فيُطَالَب به بعد فك الحجر عنه ويقول المؤلف رحمه الله (كالقصار والحائك) مع أن الغالب أن القصار صادق والقصار هو الذي يفصل الثياب فإذا حجرنا على هذا القصار الذي يفصل الثياب وهو يقول هذا الثوب لفلان فلا شك أن القرينة تدل على صدقه ومع ذلك يقولون لا تقبل لكن لو أن صاحب الثوب جاء يدعيه مع إقرار القصار فهنا ينبغي أن يقال إن الإقرار صحيح وأن الثوب يعطى لصاحبه أما على المذهب فيكون الثوب يدخل في ماله ويباع ويُعْطَى الغرماء ويضمن لصاحب الثوب بعد فك الحجر. القارئ: وإن تصرف في ذمته بشراء أو اقتراض أو ضمان أو كفالة صح لأنه أهل للتصرف والحجر إنما تعلق بماله دون ذمته ولا يشارك أصحاب هذه الديون الغرماء لأن من علم منهم بفلسه فقد رضي بذلك ومن لم يعلم فهو مفرط ويتبعونه بعد فك الحجر عنه كالمقر له. الشيخ: قوله (يتبعونه) أي أصحاب الديون الذين أقر لهم بعد الحجر. القارئ: وهل للبائع والمقرض الرجوع في أعيان أموالهما إن وجداها على وجهين أحدهما لهما ذلك للخبر ولأنه باعه في وقت الفسخ فلم يسقط حقه منه كما لو تزوجت المرأة معسراً بنفقتها والثاني لا فسخ لهما لأنهما دخلا على بصيرة بخراب الذمة أشبها من أشترى معيباً يعلم عيبه. الشيخ: الصحيح أنهما يرجعان بعين مَالِهِمَا نعم لو عَلِما أنه محجور عليه فقد فرطا أما إذا جهلا وهو رجل معروف يبيع ويشتري مع الناس ثم تبين أنه محجور عليه فلابد أن يرجعا بمالهما. القارئ: وإن جنى المفلس.

الشيخ: قوله (المُفَلَّسُ) يعني الذي حكم بتفليسه بفتح اللام. القارئ: وإن جنى المفلس جناية توجب مالاً لزمه وشارك صاحبه الغرماء لأنه حق ثبت بغير رضى مستحقه فوجب قضاؤه من المال كجناية عبده وإن ثبت عليه حق بسبب قبل الفلس ببينة شارك صاحبه الغرماء لأنه غريم قديم فهو كغيره. فصل القارئ: الحكم الثاني أنه يتعلق حقوق الغرماء بعين ماله فليس لبعضهم الاختصاص بشيء منه سوى ما سنذكره ولو قضى المفلس أو الحاكم بعضهم وحده لم يصح لأنهم شركاؤه فلم يجز اختصاصه دونهم ولو جُنِيَ عليه جناية أوجبت مالاً أو ورث مالاً تعلقت حقوقهم به وأن أوجبت قصاصاً لم يملكوا إجباره على العفو إلى مال لأن فيه ضرر بتفويت القصاص الواجب لحكمة الأحياء. الشيخ: مثال ذلك هذا الذي حجر عليه جنى عليه جاني وقطع يده عمداً واليد فيها نصف الدية فقال الغرماء اعفوا إلى دية قال لا أنا أريد القصاص وهو إذا أقتص لم يحصل على على مال فهل يلزمونه على أن يعفوا إلى المال؟ لا، لا يلزمونه وذلك لأن الإنسان يريد القصاص للتشفي فلا يتشفى بكونه يأخذ دية. القارئ: ولا يجبر على قبول هبة ولا صدقة ولا قرض عرض عليه ولا المرأة على التزوج لأن فيه ضرر بلحوق المنة أو التزوج من غير رغبة ولو باع بشرط الخيار لم يجبر على ما فيه الحظ من رد أو إمضاء لأن الفلس يمنعه إحداث العقود لا امضاؤها وليس للغرماء الخيار لأن الخيار لم يشرط لهم وإن وهب هبة بشرط الثواب لزم قبوله لأنه عوض عن مال فلزم قبوله كثمن المبيع ولا يملك إسقاط ثمن مبيع ولا أجرة ولا أخذه رديئاً ولا قبض المسلم فيه دون صفته إلا بإذن الغرماء لما ذكرناه. الشيخ: الخلاصة أنه لا يجوز أن يتصرف تصرفاً يضر بالغرماء وأما لا يضر بهم فلا بأس لأنه لم يحجر عليه لسفه حتى نقول إن تصرفه غير صحيح وإنما حجر عليه لمصلحة الغرماء فما أضر بهم منع وما لم يضر بهم لم يمنع ولهذا يصح إقراره في ذمته واستدانته في ذمته وما أشبهها.

القارئ: وإن أدعى مالاً له به شاهد حلف وثبت المال وتعلقت حقوقهم به وإن نكل لم يكن للغرماء أن يحلفوا لأن دعواهم لهذا المال غير مسموعة فلا يثبت بأيمانهم كالأجانب ولأنهم لو حلفوا لحلفوا على إثبات مال لغيرهم وكذلك الحكم في غرماء الميت إذا لم يحلف الوارث لم يحلفوا لما ذكرنا. فصل القارئ: والحكم الثالث أن للحاكم بيع ماله وقضاء دينه ويستحب أن يحضره عند البيع لأنه أعرف بثمن ماله وجيده ورديئه فيتكلم عليه وهو أطيب لقلبه ويحضر الغرماء لأنه أبعد من التهمة وربما رغب بعضهم في شراء شيء فزاد في ثمنه أو وجد عين ماله فأخذها فإن لم يفعل جاز. الشيخ: لكن إذا زاد أحد الغرماء في الثمن وخيف منه ألا يوفي بناءاً على أن له ديناً على هذا المحجور عليه ففي هذه الحال لا نقبل منه الزيادة لأن هذه الزيادة ستعود بالنقص على بقية الغرماء إلا إذا نقد الثمن أو أتى برهن أو ضمين. القارئ: لأن ذلك موكول إليه ويقيم منادياً ينادي على المتاع فإن عين الغرماء أو المفلس منادياً ثقة. الشيخ: في النسخة الأولى (فإن عين المفلس والغرماء) الواو يعني اتفق الاثنان على منادي ثقة أما على النسخة الثانية (أو) إن عين المفلس أو الغرماء أي أحدهما لكن إذا اختلفوا فلابد أن يتدخل القاضي. القارئ: فإن عين الغرماء أو المفلس منادياً ثقة أمضاه الحاكم وإن لم يكن ثقة رده لأن للحاكم نظرا فإنه ربما ظهر غريم آخر وإن اختلفوا في المنادي قدم الحاكم أوثقهما وأعرفهما فإن تطوع بالنداء ثقة لم يستأجر لأن فيه بذل الأجرة من غير حاجة وإن عدم بذلت الأجرة من مال المفلس لأن البيع حق عليه ويقدم على الغرماء بها لأنه لو لم يعط لم يناد وكذلك أجرة من يحفظ المتاع والثمن ويحمله. الشيخ: هؤلاء مقدمون على الغرماء لأن عملهم يتعلق بنفس المال وهو لمصلحة الغرماء فلا نقول إنهم يشاركون الغرماء في الدين ويوزع عليهم بالقسط بل نقول يقدمون لأنهم يعملون لمصلحة الغرماء.

القارئ: ويباع كل شيء في سوقه لأن أهل السوق أعرف بقيمة المتاع وأرغب وطلابه فيه أكثر فإن باعه في غيره بثمن مثله جاز لأنه ربما أداه اجتهاده إلى ذلك لمصلحة فيه ويبدأ ببيع ما يسرع إليه الفساد لأن في تأخيره هلاكه ثم بالحيوان لأنه يحتاج إلى العلف ويخشى عليه التلف ثم بالأثاث لأنه يخشى تلفه وتناله اليد ثم بالعقار لأنه أبعد تلفاً وتأخيره أكثر لطالبيه فيزداد ثمنه. السائل: وإذا أقر بعد الحجر عليه بدين فهل يدخل صاحب الدين مع الغرماء؟ الشيخ: إذا ثبت في ذمته دين قبل الحجر عليه فصاحب الدين يشارك الغرماء لكن بشرط أن تكون هناك بينة على أن الدين ثبت في ذمته قبل الحجر عليه. السائل: لو كان لشخص دين على أحد فهل يجوز له أن يستأجره إن كان أهلاً لهذا العمل؟ الشيخ: له أن يستأجره وإذا انتهى العمل قال مثلاً أجرتك خمسة آلاف وأنا أطلبك خمسة آلاف لكن بشرط أن يكون عند هذا المُسْتَأجَر ما يقوم بنفقته فإن لم يكن عنده ما يقوم بنفقته صار معسراً ويجب إنظاره. السائل: لو كان عليه بعض الديون ولكن بعضها مؤجل بأجل بعيد فهل كل الآجال تحل عند الفلس؟ الشيخ: إذا كان بعض الديون مؤجل وبعضها غير مؤجل أو بعضها مؤجل بأجل بعيد فهذه ذكروا أنه لا يحل المؤجل ويبقى في ذمته حتى ييسر الله عليه. القارئ: ومن وجد من الغرماء عين ماله فهو أحق بها ومن اكترى من المفلس دارا أو ظهراً بعينه قبل الحجر عليه فهو أحق به. الشيخ: قوله (من وجد من الغرماء عين ماله فهو أحق بها) عين ماله أي بأن يكون باعه بالأمس سيارة مثلاً وحجر عليه اليوم والسيارة مازالت معه والبيع بالأمس صحيح فهذا الذي وجد عين ماله مقدم على الغرماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من وجد عين ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به).

القارئ: ومن اكترى من المفلس دارا أو ظهراً بعينه قبل الحجر عليه فهو أحق به لأنه استحق عينه قبل إفلاسه فأشبه ما لو اشترى منه عبدا وإن اكترى منه ظهراً في الذمة فهو أسوة الغرماء لأن دينه في الذمة أشبه سائر الغرماء وإن كان في المتاع رهن أو جانٍ قدم المرتهن والمجني عليه بثمنه لأن المرتهن لم يرض بمجرد الذمة بخلاف سائر الغرماء وحق المجني عليه يقدم على حق المرتهن فعلى غيره أولى وإن فضل منه فضل رده على التركة وإن لم يف بحقهما فلا شيء للمجني عليه لأنه لا حق له في غير الجاني ويضرب المرتهن مع الغرماء بباقي دينه لأن حقه متعلق بالذمة مع تعلقه بالعين وإن بيع له متاع فهلك ثمنه واستحق المبيع رجع المشتري بثمنه وهل يقدم على الغرماء فيه وجهان أحدهما يقدم لأن في تقديمه مصلحة فإنه لو لم يقدم تجنب الناس شراء ماله خوفاً من الاستحقاق فيقل ثمنه فقدم به كأجرة المنادي والثاني لا يقدم لأنه حق لزمه بغير رضى صاحبه أشبه أرش جنايته ثم يقسم ما أجتمع من ماله بين الغرماء على قدر ديونهم. الشيخ: إذا ضاق المال فإنه ينسب الموجود للدين فإذا كان الموجود نصف الدين أعطي كل واحد نصف دينه فإذا قدرنا أن الدين عشرة آلاف والموجود خمسة يعطى كل واحد نصف دينه قَلَّ أو كثر فمن له ألف يعطى خمسمائة ومن له ريالان يعطى ريالاً. القارئ: فإن ظهر غريم بعد القسمة نقضت وشاركهم لأنه غريم لو كان حاضراً لشاركهم فإذا ظهر بعد ذلك قاسمهم كما لو ظهر للميت غريم بعد قسم ماله وإن أكرى داره عاما وقبض أجرتها فقسمت ثم أنهدمت الدار رجع المكتري على المفلس بأجرة ما بقي وشاركهم فيما اقتسموه لأنه دين وجب بسبب قبل الحجر فشارك به الغرماء كما لو انهدمت قبل القسمة. فصل

القارئ: الحكم الرابع أن ما وجد عين ماله عنده فهو أحق بها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به) متفق عليه وله الخيار بين أخذه أو تركه وله أسوة الغرماء سواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو أكثر لأن الإعسار ثبت للفسخ فلا يوجبه كالعيب. الشيخ: بالنسبة لمن وجد عين ماله فإن قيمة عين ماله إما أن تكون أكثر أو أقل أو مساوية فإذا كانت أقل مثل أن يكون باعها بألف والآن تساوي خمسمائة وقال أريد أن أخذها بخمسمائة واضرب مع الغرماء بما بقي فليس له ذلك بل يقال له إما أن تأخذها ولا شيء لك وإما أن تضم إلى بقية المال وإذا كانت أكثر وأراد أن يأخذها فله ذلك بأن يكون باعها بخمسة والآن تساوي عشرة فله ذلك مع أنه سوف يكون فيه إضرار على الغرماء فلو قال الغرماء لهذا الرجل الذي وجد عين ماله نحن ندفع لك الثمن الذي بعتها به ودعاه ندخلها مع المال حتى يكثر فالظاهر أن لهم ذلك وأن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (فهو أحق به) يعني عند التزاحم وضيق المال أما إذا لم يكن تزاحم ولا ضيق مال وقيل للرجل نسلمك ما بعت به فالظاهر أنه ليس له الحق في أن يأخذ السلعة. القارئ: ولا يفتقر إلى حاكم للخبر ولأنه فسخ ثبت بنص السنة فلم يفتقر إلى حاكم كفسخ النكاح بالعتق تحت العبد وفيه وجهان أحدهما أن الخيار على التراخي لأنه رجوع لا يسقط إلى عوض فكان على التراخي كالرجوع في الهبة والثاني هو على الفور اختاره القاضي لأن في تأخيره إضرار بالغرماء لتأخير حقوقهم ولأنه خيار يثبت في البيع لنقص في العوض أشبه الرد بالعيب.

الشيخ: الرد بالعيب سبق أن الصواب فيه أنه على التراخي لكنه يُضْرَبُ له أجلٌ بحيث لا يضر بالغرماء فيقال له أنت الآن أحق بسلعتك ولكن هل تريد السلعة أو تضرب مع الغرماء؟ فقال أمهلوني وكلما قالوا له في ذلك قال أمهلوني فهنا يقال له لا يمكن بل يقال له لك يوم أو يومان إما أن تختار هذا أو هذا. القارئ: فإن حكم حاكم بسقوط الخيار فقال أحمد رضي الله عنه ينقض حكمه لأنه يخالف صريح السنة ويحتمل أن لا ينقض لأنه مختلف فيه. الشيخ: الاحتمال الثاني أصح وذلك إذا كان الذي نقضه عنده علم ونعلم أنه فعل ذلك اجتهاداً أما إذا كُنَّا لا نعلم أو اتهمنا هذا القاضي أنه أراد المحاباة للغرماء فلا شك أنه لا يمكن أن يسقط الخيار وهذا المثال ذكروه في باب القضاء أن القاضي لا ينقض حكمه في هذا ولو نقل هذا الاحتمال إلى هناك لأنه قد يغيب عن ذهن الإنسان ما ذكره الموفق هنا. القارئ: ولو بذل الغرماء لصاحب السلعة ثمنها ليتركها لم يلزمه قبوله للخبر ولأنه تبرع بدفع الحق من غير من هو عليه فلم يجبر المستحق على قبوله كما لو أعسر بنفقة زوجته فبذلها غيره. الشيخ: هذا فيه نظر لأنه كونه يأبى لا شك أن فيه إضرار على الغرماء وكذلك الزوجة إذا أعسرت زوجها بنفقتها وقام بعض المحسنين وقال أنا أعطيك النفقة فليس لها الفسخ لأنها أصبح الآن ليس عليها ضرر فإن قالت فيه المنة قلنا المنة ليست عليكِ في هذه الحال بل المنة على الزوج وعلى هذا فيكون المقيس والمقيس عليه كلاهما فيه نظر.

القارئ: وسواء ملكها المفلس ببيع أو قرض لعموم الخبر ولو أصدق امرأة مالا وأفلست قبل دخوله بها ثم ارتدت أو طلقها ووجد عين ماله فهو أحق بها ولو أستأجر شيئاً فأفلس قبل مضي شيء من المدة فللمؤجر الرجوع فيه لأنه وجد عين ماله وإن كان بعد مضي المدة فهو غريم بالأجرة وإن كان بعد مضي شيء منها فهو غريم لأن المدة كالمبيع ومضي بعضها كتلف بعضه وقال القاضي له الفسخ فإن كان للمفلس زرع فعليه تبقيته بأجرة مثله. فصل القارئ: ولا يملك الرجوع إلا بشروط خمسة أحدها أن يجدها سالمة فإن تلف بعضها أو باعه المفلس أو وهبه أو وقفه فله أسوة الغرماء لقوله عليه السلام (من أدرك متاعه بعينه فهو أحق به) والذي تلف بعضه لم توجد عينه فإن كان المبيع عبدين أو ثوبين فتلف أحدهما أو بعضه ففي السالم منهما روايتان أحدهما له الرجوع فيه بقسطه لأنه وجده بعينه والثانية لا يرجع لأنه لم يجد المبيع بعينه أشبه العين الواحدة وإن كان المبيع شجرة مثمرة فتلفت ثمرتها فله أسوة الغرماء لأنهما كالعين الواحدة إلا أن تكون الثمرة مؤبرة حين البيع فاشترطها المبتاع فهما كالعينين لأن الثمرة لا تتبع الأصل فهي كالولد المنفصل وإن نقص المبيع صفة مثل أن هُزِلَ أو نسي صناعة أو كبر أو كان ثوباً فخلق لم يمنع الرجوع لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين المال فيتخير بين أخذه ناقصا أو يكون أسوة الغرماء بكل الثمن وإن فقئت عينه فهو كتلف بعضه وإن شج أو جرح أو افتضت البكر فكذلك في قول أبي بكر لأنه نقص جزء ينقص قيمته فأشبه ما لو فقئت عينه وقال القاضي قياس المذهب أن له الرجوع لأنه فقد صفة فهو كالهزال ثم إن كان لا أرش له لكونه حصل بفعل الله تعالى أو فعل المفلس فلا شيء للبائع مع الرجوع وإن كان له أرش فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصة ما نقص من ثمنه فينظر ما نقص من قيمته فيرجع بقسطه من الثمن لأنه مضمون على المشتري للبائع بالثمن والأرش للمفلس على الجاني.

السائل: ذكرتم بارك الله فيكم أن حديث (من وجد متاعه بعينه ... الخ) المراد به عند التزاحم فما المراد بقولنا عند التزاحم؟ الشيخ: المراد تزاحم الدين والقيمة بحيث يتنازع الغرماء مع صاحب السلعة فهو يقول هذا عين مالي أريد أخذه سواء زاد أو نقص وهم يقولون له نعطيك الثمن ويدخل في المال والمؤلف يرى أن القول قول صاحب السلعة لظاهر الخبر ونحن نرى أن صاحب السلعة ليس له حق وتوجيهنا للحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن فيه ضرر فإن كان فيه ضرر على المفلس وعلى الغرماء فلا يمكن ذلك فيقيد الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) فما دام أن صاحب السلعة مثلاً قد باعها بمائة ريال وهي الآن تساوي مئتين فلا يضره شيء إذا دفعوا له مائة. فصل القارئ: فإن كان المبيع زيتاً فخلطه بزيت آخر أو لتَّ به سويقاً أو صبغاً فصبغ به ثوبا أو مسامير فسمر بها باباً أو حجراً فبنى به أو لوحاً فجعله في سفينة أو سقف أو نحو ذلك لم يكن له الرجوع لأنه لا يقدر على أخذ عين ماله في بعض الصور ولا يقدر في بعضها إلا بإتلاف مال المفلس ولا يزال الضرر بالضرر. الشيخ: كلام المؤلف هنا هو في رجوع البائع بعين ماله إذا حجر على المشتري. القارئ: وإن كانت حنطة فطحنها أو زرعها أو دقيقاً فخبزه أو زيتاً فعمله صابوناً أو غزلاً فنسجه أو ثوباً فجعله قميصا أو حباً فصار زرعاً أو بيضاً فصار فرخاً أو نوىً فنبت شجراً أو نحوه مما يزيل أسمه فلا رجوع له لأنه لم يجد متاعه بعينه لتغير اسمه وصفته. الشيخ: وهذه هي الحكمة من كون الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال (متاعه بعينه) معناه أنه ما تغير بزيادة ولا نقص ولا تغيير. فصل

القارئ: وإن اشترى ثوباً فصبغه أو قصره أو سويقاً فلته بزيت فلصاحبهما الرجوع فيهما لأن عين مالهما قائمة مشاهدة لم يتغير أسمها ولا صفتها ويصير المفلس شريكهما بما زاد عن قيمتهما لأن ما حصل من زيادة القيمة بالصبغ وغيره فهي للمفلس لأنها حصلت بفعله في ملكه وإن نقص الثوب لم يمنع الرجوع لأنه نقص صفة فهو كالهزال وإن لم يزد بالقصارة سقط حكمها لعدم أثرها في الزيادة وإن اشترى أرضاً فزرعها ثم أفلس فللبائع الرجوع فيها لما ذكرنا ويكون الزرع مبقى إلى الحصاد بغير أجرة لأن العوض في مقابلة الأرض لا في مقابلة المنفعة فإذا فسخ عادت إليه الرقبة دون المنفعة المستثناة شرعاً كما لو باعه أمة فزوجها ثم رجع فيها دون منفعة بضعها. فصل القارئ: الشرط الثاني أن لا يكون البائع قبض من ثمنها شيئا فإن قبض بعضه فلا رجوع له لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئاً فهي له وإن كان قد قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء) رواه أبو داود ولأن في الرجوع بالباقي تبعيض الصفقة على المفلس فلم يجز كما لو يقبض شيئا. فصل القارئ: الشرط الثالث أن لا يتعلق بها حق غير المفلس فإن خرجت عن ملكه ببيع أو غيره لم يرجع لأنه تعلق بها حق غيره أشبه ما لو أعتقها وإن رهنها سقط الرجوع لذلك وإن تعلق بها أرش جانية سقط الرجوع لأنه يقدم على حق المرتهن فهو أولى بالمنع ويتوجه أن لا يمنع لأنه لا يمنع تصرف المشتري بخلاف الرهن فعلى هذا إن شاء رجع فيها ناقصة بعيب الجناية وإن شاء فله أسوة الغرماء فإن كان دين الرهن أو أرش الجناية بقدر بعضه منع الرجوع في الجميع لأنه منع الرجوع في بعضها فمنعه في جميعها كبيع بعضها وقال القاضي يرجع في باقيها بقسطه لأنه

لا مانع فيه وإن كان المبيع شقصاً مشفوعاً ففيه وجهان أحدهما للبائع الرجوع أختاره ابن حامد للخبر ولأنه إذا رجع فيه عاد الشقص إليه فزال الضرر عن الشفيع لعدم شركة غير البائع. القارئ: والثاني الشفيع أحق لأن حقه آكد بدليل أنه ينتزع الشقص من المشتري وممن نقله إليه المشتري بخلاف البائع وإن باعه المفلس أو وهبه ثم عاد إليه ففيه وجهان أحدهما له الرجوع للخبر ولأنه وجد عين ماله خالياً عن حق غيره أشبه إذا لم يبعه والثاني لا يرجع لأن هذا الملك لم ينتقل إليه منه فلم يملك فسخه. الشيخ: الظاهر أن الثاني أصح لأنه لما باعه أولاً سقط حق صاحب العين فإذا عاد فاشتراه فهذا ملك متجدد. القارئ: وإن كان المبيع صيدا فوجده البائع بعد أن أحرم سقط الرجوع لأنه تملك للصيد فلم يجز مع الإحرام كشرائه. الشيخ: هذا فيه شيء لأنه يقال هذا ليس تملكاً جديداً ولكنه يشبه الفسخ فلو قيل بأن له أن يعود لكنه لا يدخل ملكه بمعنى أنه يمنع من اليد المشاهدة لكان له وجه فنقول ارجع واعطه من ليس بمحرم واجعله وديعة عنده. فصل القارئ: الشرط الرابع كون المفلس حياً فإن مات فالبائع أسوة الغرماء لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فإن مات فصاحب المتاع أسوة الغرماء) رواه أبو داود وفي لفظ (أيما امرئ مات وعنده مال امرئ بعينه اقتضى من ثمنه شيئاً أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء) رواه ابن ماجه ولأن الملك انتقل عن المفلس فسقط الرجوع فيه كما لو باعه. فصل

القارئ: الشرط الخامس أن لا يزيد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة فإن وجد ذلك منع الرجوع ذكره الخرقي لأنه فسخ بسبب حادث فمنعته الزيادة المتصلة كالرجوع في الصداق للطلاق قبل الدخول وعن أحمد رضي الله عنه له الرجوع للخبر ولأنه فسخ فلم تمنعه الزيادة كالرد بالعيب فأما الزيادة المنفصلة كالولد والثمرة الظاهرة والكسب فلا يمنع الرجوع لأنه يمكن الرجوع في العين دونها والزيادة للمفلس في ظاهر المذهب لأنها نماء ملكه المنفصل فكانت له كما لو ردها بعيب أو رجعت إلى الزوج بالطلاق ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) رواه أبو داود يدل على أن النماء للمشتري لكون الضمان عليه وقال أبو بكر هي للبائع قياساً على المتصلة والفرق ظاهر لأن المتصلة تتبع في الفسوخ دون المنفصلة. فصل القارئ: فإن باعها حائلاً فحملت فالحمل زيادة متصلة لأنه يتبع أمه في العقود والفسوخ ولا يمكن الرجوع فيها دونه فهو كالسمن ويحتمل أن يرجع فيها دون ولدها يتربص به حتى تضع لأنه جزء لانفصاله غاية فأشبه الثمرة وإن أفلس بعد وضعها فهو زيادة منفصلة له الرجوع في الأم دون الولد إلا أن تكون أمة فلا يجوز التفريق بينهما ويخير بين دفع قيمة الولد ليملكهما وبين بيعهما معاً فيكون له من الثمن ما يخص الأم وإن باعها حاملاً فلم تزد قيمتها فله الرجوع وإن زادت القيمة لكبر الحمل أو وضعه فهي زيادة متصلة وإن زاد أحدهما خرج على الروايتين فيما إذا كان المبيع عينين فتلفت إحداهما وقال القاضي له الرجوع فيهما على كل حال ومن جعل الحمل لا حكم له جعل حكمها حكم المبيعة حائلاً سواء. الشيخ: لا شك أن الحامل تختلف عن الحائل وأن الحمل قد وقع العقد عليه لأنه وإن كان متصلاً فهو في حكم المنفصل بخلاف بقية الأعضاء كاليد والرجل. فصل

القارئ: فإن باع نخلاً حائلاً فأطلعت ثم أفلس المشتري قبل تأبيرها فالطلع زيادة متصلة لأنها تتبع في البيع وقال ابن حامد حكمها حكم المنفصل لأنه يمكن فصله وأفراده بالبيع بخلاف السمن وإن أفلس بعد تأبيرها فهي زيادة منفصلة تكون للمفلس متروكة إلى الجذاذ كما ولو اشترى النخل وكذلك الحكم في سائر الشجر وفي الأرض ينبت فيها الزرع فإن اتفق المفلس والغرماء على تبقيته أو قطعه فلهم ذلك وإن اختلفوا وله قيمةٌ مقطوعاً قدم قول من طلب القطع لأنه أقل غرراً ولأن الطالب للقطع إما غريم يطلب حقه أو مفلس يطلب تبرئة ذمته فإن أقر المفلس للبائع بالطلع لم يقبل إقراره لأنه يسقط به حق الغرماء فلم يقبل كإقراره بغريم آخر وعلى الغرماء اليمين أنهم لا يعلمون برجوع البائع قبل التأبير لأن اليمين تثبت في جنبتهم ابتداء وإن أقر الغرماء لم يقبل لأن الملك للمفلس ويحلف المفلس ويثبت الطلع له ينفرد به دونهم لإقرارهم أنه لا حق لهم فيه وله تخصيص بعضهم به وقسمته بينهم فمن أباه قيل له إما أن تأخذه أو تبرئه لأنه للمفلس حكما فقد قضاهم ما ثبت له فلزمهم قبوله كما لو أدى المكاتب نجومه فأدعى سيده تحريمه فإن قبضوا الثمرة بعينها لزمهم ردها إلى البائع لإقرارهم له بها وإن قبضوا ثمنها لم يلزمهم رده لأنهم إنما اعترفوا له بالعين لا بالثمن وإن شهد الغرماء للبائع بالطلع وهم عدول قبلت شهادتهم لأنهم غير متهمين. السائل: ما الفرق بين المُفَلَّسِ والمُفلِس؟ الشيخ: المُفلَّسِ من حكم بتفليسه بمعنى أنه حكم عليه بالتفليس ومنع من التصرف في ماله والمُفلِس الفقير قبل أن يحكم عليه. السائل: رجوع البائع بحقه لو وجد عين ماله كمال هو هل يشترط له إذن الحاكم؟ الشيخ: لا يشترط لكن أصل الحجر لابد أن يكون بنظر الحاكم لأن الحاكم هو الذي سوف يوزع المال.

السائل: إذا مات إنسان وعليه دين وله غرماء وواحد من الغرماء له رهن عند الميت فهل يصبح الرهن له إذا جده بعينه أم أنه يشارك الغرماء؟ الشيخ: لا له الحق في الرهن بمعنى أنه يباع الرهن ويستوفي منه وقد يكون الرهن أكثر من دينه وقد يكون أقل فيختص هو بالرهن حتى يقضي دينه. فصل القارئ: وإن اشترى أرضاً فغرسها أو بنى فيها ثم أفلس فللبائع الرجوع في الأرض ثم إن طلب المفلس والغرماء قلع الغراس والبناء فلهم ذلك وعليهم ضمان ما نقصها القلع وتسوية الحفر لأنه نقص حصل بفعلهم لتخليص ملكهم فأشبه المشتري مع الشفيع وإن أبوا القلع فللبائع دفع قيمته ويملكه لأنه حصل لغيره في ملكه بحق فملك ذلك كالشفيع فإن أبى ذلك سقط الرجوع لأن فيه ضرراً على المشتري ولأن عين ماله مشغولة بملك غيره أشبه الحجر المبني عليه هذا قول ابن حامد وقال والقاضي يحتمل أن له الرجوع لأن شغل ملكه بملك غيره لا يمنع الرجوع إذا كان أصلا كالثوب إذا صبغ فإذا رجع فاتفق الجميع على البيع بيع وأعطي كل واحد حقه وإن أبى بعضهم احتمل أن يجبر عليه لأنه معنى ينفصل به أحدهما عن صاحبه أشبه بيع الثوب المصبوغ واحتمل أن لا يجبر صاحب الأرض ويباع الشجر وحده لأنه ممكن بخلاف الصبغ. الشيخ: الظاهر أن مثل هذا الأولى أن تباع من بين الجميع أو يجبر صاحب الأرض على أن يأخذ الشجر بقيمته فإذا قال أنا أريد أرضي، نقول نعم لكن لابد أن تأخذ الشجر بقيمته وإلا تباع وإذا بيعت نقول تقوم الأرض خالية من الشجر والبناء وتقوم وفيها الشجر والبناء وما بين القيمتين فهو نصيب المفلس والغرماء. فصل

القارئ: وإن اشترى غِرَاساً فغرسه ثم أفلس فلم يزد فللبائع الرجوع فيه ويقلعه ويضمن النقص فإن أبى قلعه فبذل المفلس والغرماء قيمته ليملكوه فلهم ذلك كالتي قبلها وإن أرادوا قلعه فلهم ذلك ولا ضمان عليهم لأن المفلس اشتراه مقلوعاً فلم يلزمهم مع رده لذلك شيء آخر ولا إبقاءه في أرضهم بغير استحقاق وإن زاد سقط الرجوع في قول الخرقي وعلى رواية الميموني يحتمل ذلك أيضا لأن النماء فيه قد حصل من أرض المفلس فلم يملك البائع أخذه ويحتمل أن له الرجوع كما لو سمن العبد من طعامه وإن اشترى من رجل أرضاً ومن آخر غرساً فغرسه فيها فلصاحب الأرض الرجوع وفي صاحب الأرض الغرس التفصيل الذي ذكرناه فإن رجعا معاً فالحكم فيهما كما لو كان الغرس في أرض المفلس. الشيخ: هذه مسائل نادرة الوقوع لكن الفقهاء رحمهم الله يذكرون أشياء قد تكون نادرة الوقوع وبعضها قد يكون غير ممكن تمريناً للطالب على القواعد التي تذكر والله على كل شيء قدير قد يأتي زمن يحصل فيه مثل هذه الأشياء. فصل القارئ: وإن أفلس وعليه دين مؤجل لم يحل. الشيخ: قوله (لم يحل) هذه جواب لمن وليست صفة قوله (دين مؤجل) والمعنى أنه إن أفلس فإنه لا يحل.

القارئ: لأن التأجيل حق له فلم يبطل بفلسه كسائر حقوقه قال القاضي لا يحل رواية واحدة وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنه يحل لأن الفلس معنى يوجب تعلق الدين بماله فأسقط الأجل كالموت فإن قلنا لا يحل اختص أصحاب الديون الحالة بماله دونه لأنه لا يستحق استيفاء حقه قبل أجله وإن حل دينه قبل القسمة شاركهم لمساواته إياهم في استيفائه فأشبه من تجدد له دين بجناية المفلس عليه وإن أدرك بعض المال شاركهم فيه لذلك فإن كان المؤجل برهن خص به لأن حقه تعلق بعينه فإن وجد عين ماله فقال أحمد يكون موقفا إلى أن يحل فيختار الفسخ أو الترك لأن حقه تعلق بالعين فقدم على غيره كالمرتهن فإن كان ماله سلما فأدرك عين ماله رجع فيها وإن لم يدركها وحل دينه قبل القسمة ضرب بالمسلم فيه وأخذ بقسطه من جنس حقه إن كان في المال وإلا اشترى به من جنس حقه ودفع إليه ولا يجوز أن يأخذ غير ما أسلم فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم من (أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) رواه ابن ماجه وأبو داود. الشيخ: سبق الكلام على هذا الحديث وأنه ضعيف وأنه إن صح فالمراد لا يصرفه إلى سلم آخر فقوله (إلى غيره) يعني إلى سلم آخر لأنه إذا صرفه إلى سلم آخر لزم من ذلك أن يزيد فيكون هذا من باب الربا أضعاف مضاعفة. فصل القارئ: فإن مات إنسان وعليه دين مؤجل ففيه روايتان إحداهما لا يحل اختارها الخرقي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من ترك حقاً فلورثته) والتأجيل حق له فينتقل إلى ورثته لأنه لا يحل به ماله فلا يحل ما عليه كالمجنون. الشيخ: قوله (ماله) بالفتح يعني الذي له وما اسم موصول والمعنى أنه لو كان للميت دين مؤجل فإنه لا يحل بل يبقى على أجله للورثة فكذلك الذي عليه.

القارئ: والثانية يحل لأن بقاءه ضرر على الميت لبقاء ذمته مرتهنة به وعلى الوارث لمنعه التصرف في التركة وعلى الغريم تأخير حقه وربما تلفت التركة وعلى كلتا الروايتين يتعلق الحق بالتركة كتعلق الأرش بالجاني. الشيخ: هذه المسألة فيها روايتان والمثال إذا مات الإنسان وعليه دين مؤجل فهل يحل أو لا يحل؟ فيه روايتان والمذهب أنه لا يحل بشرط أن يوثق الورثة برهن محرز أو كفيله مليء فإن لم يوثقوا حل مثال ذلك رجل مات وعليه عشرة آلاف ريال مؤجلة إلى سنة فنقول الأجل باقي لأنه حق للورثة إذ أن الورثة وجب على مورثهم حق مؤجل فانتقل إليهم بهذه الصفة لكن بشرط أن يوثقوا لصاحب الحق إما برهن محرز يكفي للدين وإما بكفيل مليء يعني شخص يضمن الحق إذا حل بشرط أن يكون مليء أي قادراً على الوفاء بماله وبدنه وقوله وهذا هو المذهب وهو الصحيح لأن في هذا القول حفظ لحقوق الجميع فإذا قال الورثة لن نأتي برهن ولن نأتي بكفيل نقول إذاً يحل وفي هذه الحال إذا حل الدين فهل يسقط شيء من الدين أو يحل الدين كاملاً؟ نقول يحل الدين كاملاً إلا إذا رضي صاحب الدين مثاله إنسان توفي وعليه عشرة آلاف ريال مؤجلة إلى سنة والورثة أبوا أن يقيموا كفيل مليء أو يوثقوا الدين برهن فماذا نقول؟ الجواب يحل الدين وتسلم عشرة آلاف الآن من تركته لكن هل نقول تسلم عشرة آلاف كاملة أو نقول يخصم منها الفرق بين الذي يحل بعد سنة والذي حل الآن؟ نقول بل تحل كاملة إلا إذا وافق صاحب الدين وقال مادام أنكم تعطوني الدين حالاً فأنا أنزل لكم منه، فله ذلك.

القارئ: وعلى كلتا الروايتين يتعلق الحق بالتركة كتعلق الأرش بالجاني ويمنع الوارث التصرف فيها إلا برضى الغريم أو توثيق الحق بضمين مليء أو رهن يفي بالحق إن كان مؤجلا فإنه قد يكونون أملياء فيؤدي تصرفهم إلى فوات الحق فإن تصرفوا قبل ذلك صح تصرفهم كتصرف السيد في الجاني ويلزمهم أقل الأمرين من قضاء الدين أو قيمة التركة لأنه لا يلزمهم أكثر من وفاء الدين ولا أكثر من التركة ولهذا لو كانت باقية لم يلزمهم أكثر من تسليمها وإن تلفت التركة قبل التصرف فيها والتوثيق منها سقط الحق كما لو تلف الجاني.

الشيخ: في كلام المؤلف رحمه الله دليل على أن الورثة لا يلزمهم قضاء الدين إذا لم يخلف المدين تركة سقط حق الغريم ولا يلزم الورثة أن يسددوا عنه لأنه (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) نعم لو كان الميت قريباً قرابة قوية كأبيه أو ابنه أو أخيه أو ما أشبه ذلك فهنا ينبغي أن يسددوا عنه من أموالهم إذا كان لديهم مال وأما الوجوب فلا يجب فإن قيل وهل يوفى من الزكاة؟ فالجواب لا، لا يوفى من الزكاة لأن الزكاة للأحياء فقط والأموات إن كانوا أخذوا أموال الناس يريدون أدائها أدى الله عنهم وإن كانوا أخذوها يريدون إتلافها فليسوا أهلاً للرحمة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (من أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) ويدل لهذا أن بعض أهل العلم حكى إجماع العلماء على أنه لا يقضى من الزكاة دينٌ على ميت لأن الزكاة إنما هي للأحياء وأيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم تقدم إليه جنائز وعلى أصحابها ديون فكان لا يوفيها من الزكاة لكن لما أفاء الله عليه وكثرت الغنائم صار يوفيها عليه الصلاة والسلام ونقول أيضاً لو فتح هذا الباب يعني قضاء الديون عن الأموات لبقي الغرماء الأحياء لا يحصل لهم شيء لأن الناس سوف ينقبون عن الدفاتر السابقة فإذا كان عليهم دين يقضونها من الزكوات فيبقى الغرماء من الأحياء لا يحصل لهم شيء من الزكاة ونقول أيضاً إذا قضينا الدين عن الميت فإنما يحصل بذلك براءة ذمته فقط لكن إذا قضينا الدين عن الحي حصل بذلك فائدتان الأولى قضاء دينه والثانية حفظ ماء وجهه وسلامته من الذل أمام الغرماء فلا ينبغي أن نعدل عن هذا إلى هذا لكن نعم لو فرض أنه لا يوجد غرماء أحياء فقد يتوجه القول بإخراجها في دين الأموات على ما في ذلك من ثقلٍ عندي على أن أصناف الزكاة باقية كما هي.

القارئ: وإن قضى الورثة الدين من غير التركة أو منها جاز وإن أبى الجميع باع الحاكم من التركة ما يقضي به الدين وإن مات المفلس وعليه دين مؤجل فوثق الورثة للمؤجل اختص أصحاب الحالَّة بالتركة وإن أبوا ذلك حل دينه فشاركهم لئلا يفضي إلى إسقاط دينه بالكلية. السائل: هل يمنع الورثة من التصرف في التركة إذا كان على مورثهم دين؟ الشيخ: لا يمنعون بل لهم التصرف في عين التركة لأن الدين لم يتعلق بعين التركة بل هو في ذمة الميت أما ما تعلق بعين التركة كالمرهون فإنهم ليس لهم التصرف فيه. السائل: إذا اتفق شخص ما مع بنك من البنوك على أن يشتري البنك قطعة أرض ثم هو يشتريها من البنك بقيمة أعلى مما اشتراها به البنك فهل هذه المعاملة جائزة؟ الشيخ: هذا لا يجوز أولاً لأنه بيع لما لا يملك وثانياً هو حيلة على الربا فبدلاً من أن يقول أنا أقرضك قيمتها وهي الآن تساوي أربعين ألفاً قال أعطيك أربعين ألف وتوفيها لي بعد سنة بستين ألف فهذه حيلة لكن لو كانت الأراضي موجودة عند صاحبها وجاء إنسان وقال أريد أن أشتري هذه الأرض ستين ألف مؤجلة فلا بأس وقولهم إنه لو شاء لردها فنقول هذه مغالطة في الواقع لأن هذا الذي جاء وعين الأرض وقال اشترها لي وبعها عليَّ مؤجلة مقسطة لا يمكن أن يدعها ثم لو فرض أنه تركها فإن التجار سوف يحترز من معاملته مرة أخرى ولذلك يذكر لي أن الذين يستعملون هذه الطريقة ثم يحصل منهم تراجع عن ما تم الاتفاق عليه فإنهم يضعونه في القائمة السوداء بمعنى أنهم لا يعاملوه بعد هذا. السائل: بعض التجار يشتري أرضاً ويقول إنه سوف يبني عمارة مؤلفة من طوابق متعددة ثم يبيع هذه الطوابق التي لم تبنَ بعد ويجمع أموال من المشترين فهل هذه المعاملة جائزة؟ الشيخ: هذا لا يجوز هذا لأنه باع شيئاً مجهولاً فهو شيء مفروض في الذهن. السائل: حتى لو ذكر المواصفات لكل طابق وما يحتويه من الشقق والغرف؟

الشيخ: حتى المواصفات مهما كانت ولهذا قال العلماء في كتاب البيع يشترط أن يكون معلوماً برؤية أو صفة في غير الدار ونحوها وقالوا إن الدار لا يمكن أن تباع بالصفة لابد من رؤيتها ولهذا لو يأتي إنسان من أشد الناس وصفاً ويصف لك بيت فيه حجر وغرف وساحات وما أشبه ذلك ما يمكن أن تتصوره كما لو شاهدته. السائل: حتى لو أراه شيئاً قريباً من مثل ما سيباع عليه؟ الشيخ: أبداً لا يصح وهذا بيع الأنموذج وفيه خلاف ثم نقول إنه قد حصل في هذا تلاعب وذلك أن أناس جمعوا أموالاً كثيرة على هذا الأساس وتلاعبوا بالناس وإلى الآن ما بدؤوا بالتنفيذ والناس الآن ضاجين منهم يقولون لعبوا بنا قالوا سننشئ عمارات في هذه الأرض ولم يفعلوا شيئاً وأخذوا أموال الناس والله أعلم هل ترجع هذه الأموال أو لا ترجع. فصل القارئ: وإذا حجر على المفلس وهو ذو كسب يفي بمؤنته ومؤنة من تلزمه مؤنته فذلك في كسبه لأن ماله لا يخرج فيما لا حاجة إلى إخراجه فيه وإن لم يف كسبه بمؤنته كملناها من ماله وإن لم يكن ذا كسب أنفق عليه وعلى من تلزمه مؤنته من ماله بالمعروف في مدة الحجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ابدأ بنفسك ثم بمن تعوله) وفيمن يعوله من تكون نفقته ديناً كالزوجة وإذا قدم نفقة نفسه على نفقة الزوجة وجب تقديمها على سائر الديون ولأن تجهيز الميت يقدم على دينه اتفاقاً فنفقة الحي أولى لأن حرمته آكد من حرمة الميت.

الشيخ: قوله (يقدم على دينه اتفاقاً) الظاهر أن قصده عند الحنابلة لأن بعض أهل العلم يقول إن الدين المتعلق بعين التركة مقدم على مؤنة التجهيز لكن لعل المؤلف يريد بكلمة (اتفاقاً) أي في مذهب الحنابلة، وهذا الفصل واضح ونمثل له فنقول إذا حجر على الإنسان فإنه يمنع من التصرف في ماله ثم إن كان له كسب يفي بنفقته ونفقة عياله فهذا هو المطلوب ويبقى ماله للغرماء وإن لم يكن له كسب وجب أن يُعطى من ماله الذي حجر عليه فيه ما يقوم بمؤنته ومؤنة عياله واستدل المؤلف لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) واستدل أيضاً بتعليل وهو أن نفقة الزوجة دين تكون دين على الزوج إذا كان، واستدل أيضاً بتعليل وهو أن نفقة الزوجة تكون دين على الزوج إذا كان معسراً فلو قلنا أنه لا ينفق عليها لزمه دين لزوجته فتتراكم الديون عليه فتقدم وذكر أيضاً تجهيز الميت يقدم على دينه اتفقاً ومراده بذلك الدين المرسل أما الدين الذي فيه رهن أو ما أشبه ذلك ففيه خلاف أو يقال قوله (اتفاقاً) إذا أردنا أن نعمم فالمراد اتفاقاً بين فقهاء الحنابلة وفي قوله (فنفقة الحي الأولى لأن حرمته آكد من حرمة الميت) دليل على أن قضاء دين الميت من الزكاة لا يجوز لأننا لو فتحنا الباب لانسد باب قضاء الدين عن الأحياء ولو قلنا إنه يجوز أن يقضى دين الميت من الزكاة لكان الناس الآن يراجعون دفاترهم القديمة وديون آبائهم وأجدادهم ثم يقضونها من زكواتهم ويبقى الأحياء بغير قضاء وقد ذكرنا هذا سابقاً وقولنا فيه ثلاثة أو أربعة أوجه تدل على أن ذلك لا يجوز أي قضاء دين الميت من الزكاة أما التبرع فلا بأس أن يتبرع أحد ليقضي دين الميت عنه. القارئ: ويقدم نفقة من تلزمه مؤنته من أقاربه لأنهم جروا مجراه ولذلك عتقوا عليه إذا ملكهم.

الشيخ: قوله رحمه الله (لأنهم جروا مجراه ولذلك عتقوا عليه إذا ملكهم) فيه نظر لأنه لا يعتق عليه بالملك إلا مَنَ كان مِنْ محارمه لا من أقاربه كعمه وخاله وأخيه وأمه وأبيه وابنه وبنته لكن ابن عمه لو ملكه لم يعتق عليه لأنه لو قدر أنه امرأة لجاز له أن يتزوجها والمهم أن الذين يعتقون بالملك هم المحارم لا من تلزمه نفقتهم. القارئ: وكذلك نفقة زوجته لأنها آكد من نفقة أقاربه وتجب كسوتهم أيضاً لأن ذلك مما لابد منه ويكون ذلك من أدنى ما ينفق على مثلهم أو يكتسي مثلهم فإن كانت لهم ثياب هي أرفع من كسوة مثلهم بيعت واشترى لهم كسوة مثلهم ورد الفضل على الغرماء. الشيخ: وكذلك نقول لو كان عنده مثلاً سيارة يحتاجها للركوب ويغني عنها ما دونها فإنه تباع هذه السيارة ويشترى له بأقل ويكون الزائد يضاف إلى حق الغرماء وكذلك البيت لو فرض أن له بيت يسكنه يساوي مثلاً مليون ويمكن أن يسكن في بيت يساوي خمسمائة ألف فإنه يباع البيت الذي يساوي مليون ويشترى له بيت بخمسمائة ألف ويوفر خمسمائة ألف للغرماء.

القارئ: وإن مات منهم ميت كفن من ماله لأنه يجري مجرى كسوة الحي ويكفن في ثلاثة أثواب كغيره ويحتمل أن يكفن في ثوب واحد لأن الزائد فضل يستغنى عنه ولا تباع داره التي لا غناء له عن سكناها لأنه مما لابد منه أشبه الكسوة فإن كانت واسعة يكفيه بعضها بيع الفاضل منها إن أمكن وإلا بيعت كلها واشتري له مسكن مثله وإن لم يكن له مسكن أستؤجر له مسكن لأن ذلك ممالا لابد منه ورد الفضل على الغرماء ولا يباع خادمه الذي لا يستغني عن خدمته وإن كان مسكنه وخادمه وثيابه أعيان أموال الناس أفلس بها ووجدوها فلهم أخذها للخبر ولأن حقوقهم تعلقت بالعين فكانت أقوى من غيرها ويحتمل أن من لم يكن له مسكن ولا خادم فاستدان ما اشتراهما به وأفلس بذلك الدين أن يباع مسكنه وخادمه لأنهما بأموال الغرماء فتبقيتهما له إضرار بهم وفتح باب الحيلة للمفاليس في استدانة ما يشترون به ذلك فيبقى لهم. الشيخ: هذا الاحتمال ضعيف لأن حق الغريم في هذه الحال لا يتعلق بعين الخادم أو المسكن لكن لو علمنا أنه متحيل فلنا أن نبيعه قطعاً لحيلته أما إذا لم نعلم فالأصل أن ماله محترم. فصل القارئ: وإذا قُسِمَ ماله بين غرمائه ففيه وجهان أحدهما يزول الحجر عنه لأن المعنى الذي حجر عليه من أجله حفظ المال وقد زال ذلك فيزول الحجر لزوال سببه والثاني لا يزول إلا بفك الحاكم له لأنه حجر ثبت بالحاكم فلا يزول إلا به كالحجر على السفيه وإذا فك الحجر عنه فلزمته ديون ثم حجر عليه ثانيا شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني إلا أن الأولين يضربون ببقية ديونهم والآخرون يضربون بجميع ديونهم.

باب الحجر

باب الحجر القارئ: يحجر على الإنسان لحق نفسه لثلاثة أمور صغر وجنون وسفه لقول الله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فدل على أنه لا تسلم إليهم قبل الرشد وقوله (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ). الشيخ: قوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) يعني اختبروهم بأن يعطوهم أشياء يسيرة يبيعون ويشترون حتى تعرفوا أنهم أهل للتصرف أو لا وقوله (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) يعني البلوغ المعروف وقوله (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) يعني أبصرتم منهم رشداً (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) لأن الحجر زال عنهم وقوله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) لم يقل أموالهم إشارة إلى أنه يجب أن يعتبر الإنسان مال السفيه الذي بيده كماله يعني فكما تحافظون على أموالكم حافظوا على أموالهم أيضاً ولا تؤتوها السفهاء. القارئ: ولأن إطلاقهم في التصرف يفضي إلى ضياع أموالهم وفيه ضرر عليهم ويتولى الأب مال الصبي والمجنون لأنها ولاية على الصغير فقدم فيها الأب كولاية النكاح ثم وصيه بعده لأنه نائبه فأشبه وكيله في الحياة ثم الحاكم لأن الولاية من جهة القرابة قد سقطت فثبتت للسلطان كولاية النكاح ولا تثبت لغيرهم لأن المال محل الخيانة ومن سواهم قاصر الشفقة غير مأمون على المال فلم يله كالأجنبي. الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف يعني هل يلي هؤلاء القصر سوى الأب ووصيه كالأم مثلاً هل تلي مال أيتامها الذين في حجرها أو لا؟ فيه خلاف والصحيح أن غير هؤلاء يلي الأموال إذا علم منه الأمانة وحسن التصرف وجمعاً بين القولين نقول للقريب الذي ليس بأب ولا وصي نقول له اذهب إلى الحاكم وأطلب منه الولاية فإذا ولاه اتفق القولان في توليه مال هذا القاصر.

القارئ: ومن شرط ثبوت الولاية العدالة بلا خلاف لأن في تفويضها إلى الفاسق تضييعاً لماله فلم يجز كتفويضها إلى السفيه. الشيخ: إذاً الذين يحجر عليهم لمصلحتهم هم ثلاثة الصغير والمجنون والسفيه والمراد بالسفيه هنا البالغ العاقل لكنه سفيه لا يحسن التصرف في ماله إذا أعطيناه المال ذهب يفسده بالألعاب النارية أو ما أشبه ذلك وهذا وإن كان بالغاً عاقلاً فإنه يجب الحجر عليه والولي إما الأب أو وصيه أو الحاكم ولم نقل وكيله لأن وكيله يكون في الحياة ولا إشكال فيه والوصي يكون بعد الموت بأن يقول الأب مثلاً وصي على أولادي فلان. فصل القارئ: وليس لوليه التصرف في ماله بما لا حظ له فيه كالعتق والهبة والتبرعات والمحاباة لقول الله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) وقوله عليه السلام (لا ضرر ولا ضرار) من المسند وفي هذه إضرار فلا يملكه. الشيخ: قوله (من المسند) يعني أنه رواه الإمام أحمد قوله (المحاباة) هذا واضح أنه لا يجوز وقوله (العتق) أي أنه لا يجوز أن تعتق من مال الصبي فإذا قال قائل العتق فيه أجر وفيه ثواب والصدقة فيها أجر وثواب؟ قلنا لكن هذا لا يجوز من غير المالك والمالك الآن ليس أهلاً لذلك وقوله عز وجل (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) يعني أحسن في المال وقوله (لا ضرر ولا ضرار) الفرق بينهما أن الضِّرَار مقصود فيه الضَّرر والضَّرر حاصل بلا قصد فيجب رفع الضَّرر ويحرم الضِّرار ويرفع أيضاً لكن الفرق بينهما أن من أضر غيره بقصد فهو ضِرَارٌ وبغير قصد فهو ضَرَرٌ. السائل: المحجور عليه هل له أن يسقط دينه عن غيره؟ الشيخ: لا يملك ذلك فكل التبرعات له لا تجوز سواء دين أو عين. السائل: والوصي هل يمكن أن يكون من غير أقرباء الميت؟

الشيخ: نعم لأن الأب مثلاً قد يجد من هذا الرجل الذي ليس من أقاربه كفاية وأمانة أكثر من أقاربه ولا أظن أحداً يريد أن يولي على أولاده إلا من يرى أنه أنفع وأصلح. السائل: ما هو الضابط في الذي تلزم نفقته على الشخص؟ الشيخ: الضابط هو القرآن الكريم قال تعالى (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) فكل من يرث شخصاً فعليه نفقته لكن بشروط معروفة وهو غنى المُنفِقِ وحاجة المُنْفقِ عليه. السائل: إذا كان عند إنسان زكاة ماله وهناك قريب له فقير ممن تلزمه نفقته لكن صاحب الزكاة لا يستطيع الإنفاق على هذا القريب فهل له أن يعطيه من الزكاة؟ الشيخ: نعم إذا كان لا يستطيع الإنفاق عليه فله أن يدفع إليه زكاته سواء كان هذا القريب فرع له أو أصل أو حاشية. القارئ: ولا يأكل من ماله إن كان غنيا لقوله سبحانه (وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ) وإن كان فقيراً جاز لقول الله تعالى (وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف) وليس له إلا أقل الأمرين من أجرته أو قدر كفايته لأنه يستحقه بالعمل والحاجة معاً فلم يملك إلا ما وجدا فيه. الشيخ: إذا كان فقيراً فقد قال الله تعالى (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف) والفقهاء رحمهم الله قالوا له الأقل من الأجرة أو الأكل فإذا قدرنا أن الأجرة مائة ريال في الشهر وأكله مائتين ريال فليس له إلا مائة وإذا قدرنا بالعكس فليس له إلا مائة ريال لكن ظاهر الآية الكريمة أن له أن يأكل ولو زاد على أجرته لقوله (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف) لكنه لا يسرف في الأكل وهذا الظاهر هو الأولى والفرق بينه وبين الأجير المحض إن هذا ليس أجيراً محضاً بل هذا ولي عنده شفقة وعنده عناية بمال السفيه فيستحق الأكل بالمعروف سواء زاد على الأجرة أو نقص عنها لكن لو كانت الأجرة أكثر فهنا يتفق ظاهر الآية وما ذكره الفقهاء أنه لا يستحق الزائد على الأكل بالمعروف.

القارئ: ثم إن كان أباً فلا شيء عليه لأن له أن يأخذ من مال ولده وإن كان غيره ففيه روايتان إحداهما يضمن عوض ما أكله إذا أيسر لأنه استباحة للحاجة فلزمه عوضه كالمضطر. الشيخ: هذه الرواية ضعيفة جداً والقول بأنه إذا أيسر يرد ما أكله ضعيف لأن الآية صريحة أنه يأكل على وجه الإباحة. القارئ: والثانية لا شيء عليه لأن الله تعالى أمر بالأكل ولم يذكر عوضا ولأنه أجيز له الأكل بحق الولاية فلم يضمنه كرزق الإمام من بيت المال وإذا كان خَلْطُ مال اليتيم بماله أرفق له مثل أن يكون ألين في الخبز وأمكن في الأدم خَلَطَهُ وإن كان إفراده خيراً له أفرده لقول الله تعالى (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ). الشيخ: قوله (يكون ألين في الخبز) كيف يكون ألين في الخبز؟ نقول نعم لأن الخبز إذا أردفت بعضه على بعض صار ليناً وقوله (وأمكن في الأدم) هذا فيما إذا خُلِطَ الخبز جميعاً في إيدام واحد فهو أمكن له وعلى كل حال نقول إن الله يقول (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) وإذا كانوا إخواناً لنا فإننا سوف نجتهد فيما هو صَلاحٌ لهم. فصل القارئ: وله أن يتجر بماله لما وري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من ولي يتيماً فليتجر بماله ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) رواه الترمذي ولأنه أحظ لليتيم لتكون نفقته من ربحه كما يفعل البالغ في ماله ولا يتجر إلا في المواضع الآمنة لئلا يغرر بماله والربح كله لليتيم لأن المضارب إنما يستحق بعقد وليس له أن يعقد مع نفسه لنفسه فإن أعطاه لمن يضارب له به جاز.

الشيخ: له أن يتجر بمال اليتيم لكن هذا واجب أو مباح؟ نقول الأصل أنه مباح وأما الوجوب فقد يقول قائل إنه إذا رأى المصلحة في الاتجار به وجب عليه وقد يقول قائل إنه لا يجب لأن الاتجار عمل قد يكون شاقاً وقد يحلق الإنسان هم هل يربح أو لا يربح ويترتب عليه أشياء فنقول إنه لا يمنع من الاتجار به، ثم نقول الربح لمن يكون؟ الجواب هو لليتيم فلو قال أنا أتجر به وأخذ نصف الربح كما لو كنت مضارباً فالجواب لا، لا يجوز لأنه ولي لكن لو أعطاه غيره مُضاربة فلا بأس إذا رأى في هذا مصلحة. القارئ: لأن العلاء بن عبد الرحمن روى عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم مضاربة ولأن ذلك يفعله الإنسان في مال نفسه طلباً للحظ وللمضارب من الربح ما وافقه الولي عليه لأن الولي نائبه فيما فيه مصلحته وهذا من مصلحته فجاز كفعله له في ماله. فصل القارئ: ويجوز أن يشتري له العقار لأن الحظ فيه يحصل منه الفضل ويبقى الأصل فهو أحظ من التجارة وأقل غَرَراً وله أن يبنيه لأنه في معنى الشراء قال أصحابنا ويبنيه بالآجر والطين ليسلم الآجر عند إنهدامه والصحيح أنه يبنيه بما جرت عادة أهل بلده لأنه أحظ وأقل ضرراً ولا يجوز تحمل ضرر عاجل لتوهم نفع عند الهدم والظاهر أنه لا ينهدم إلا بعد زوال ملكه عنه. الشيخ: هذه ملاحظة عجيبة لأنهم قالوا (يبينه بالآجر والطين ليسلم الآجر عند إنهدامه) أي أنه نقض فيما بعد سلم لَبِنَ الآجر لكن ما قاله الموفق هو الصحيح أنه يبنيه بما جرت به العادة سواء بالآجر أو بغير ذلك والآن الناس لا يبنون بالآجر بل يبنون بالمسلح من حديد وصبات. القارئ: ولا يجوز بيع عقاره لغير حاجة لما فيه من تفويت الحظ الحاصل به ويجوز للحاجة قال أصحابنا لا لايجوز إلا لحاجة إلى نفقة أو قضاء دين أو غبطة لزيادة كثيرة في ثمنه كالثلث فما فوقه والمنصوص أن للوصي بيعه إذا كان نَظَرَاً لهم من غير تقييد بهذين.

الشيخ: وهذا المنصوص هو الصحيح فليس بلازم أننا لا نبيعه إلا لحاجة أو لِغِبْطةٍ كثيرة قد يرى بيعه ليشتري عقار آخر أحظ منه وإن لم يكن زائداً على الثلث مثلاً. القارئ: وقد يكون الحظ في بيعه لغير هذا لكونه في مكان لا غلة له أو له غلة يسيرة فيبيعه ويشتري بثمنه ما يكثر عليه أو يكون له عقاران يُعمِّرُ أحدهما بثمن الآخر فلا وجه لتقييده بهذين. فصل القارئ: ولا يجوز أن يودع ماله إلا لحاجة ولا يقرضه إلا لحظه مثل أن يخاف هلاكه أو نقصانه ببقائه فيقرضه ليستوفيه كاملاً ولا يقرضه إلا لمليء يأمن جحده أو مطله ويأخذ بالعوض رهناً استيثاقاً له وإن لم يأخذ جاز في ظاهر كلامه وإن أراد الولي السفر لم يكن له المسافرة بماله لأنه يخاطر به لكنه يقرضه أو يودعه أميناً والقرض أولى لأنه مضمون بخلاف الوديعة. الشيخ: على كل حال الوديعة القرض قد يكون أحدهما أوثق من الآخر القرض يكون آمن من أن تسرق أو تتلف لأنه يثبت في ذمة المقترض لكن فيه آفة أخرى وهي أن يفتقر أو يماطل أو ما أشبه ذلك وأما فهي الوديعة عرضة للتلف لكنها آمن من جهة أن المُودَعَ سواء افتقر أو بقي غنياً هي باقية وعلى هذا فنقول ينظر أيهما أصلح القرض أو الإيداع وأما وضعها في البنوك وما أشبه ذلك فهل هو قرض أو إيداع؟ الجواب هو قرض وإن كان الناس يسمونه إيداعاً فهو غلط لأن الذي يودع في البنوك يعلم أن البنك يضع هذه الدراهم في صندوقه ويبيع بها ويشتري ويضمنها لصاحبها وهذا حقيقة القرض ولهذا قال العلماء رحمهم الله إذا أذن للمودع أن ينفقها فهذا قرض. فصل

القارئ: وله كتابة رقيقه وعتقه على مال للحظ فيه مثل أن يكاتبه أو يعتقه بمثلي قيمته لأنها معاوضة فتجوز للحظ فيها كالبيع ولا يجوز ذلك بمثل قيمته لأنه لا حظ فيه قال أبو بكر يتوجه جواز العتق بغير عوض للحظ مثل أن يكون له جارية وابنتها تساويان مائة لأجل اجتماعهما وتساوي إحداهما مفردة مائتين فتساوي قيمة الباقية مثلي قيمتهما مجتمعتين. الشيخ: المؤلف يقول إنه لا يجوز أن يكاتبه أو يعتقه على مال إلا إذا كان فيه حظ بأن يكون يساوي مائة ويعتقه على مائتين وذكر أبو بكر يتوجه جواز عتقه بغير عوض للحظ ومثاله ما ذُكِرَ جارية وابنتها تساويان مائة لأجل اجتماعهما وتساوي إحداهما مفردة مائتين فتساوي قيمة الباقية مثلي قيمتهما مجتمعتين والمعنى أنه عنده جارية وبنتها لو باعهما جميعاً أُخذا بمائة لكن لو باع واحدة أخذت بمائتين لأن المشتري لا يريد أن يجمع إماءً يريد أمة واحدة فيقول أمة واحدة بمائتين أحب إليَّ من أمتين بمائة لأن أمتين بمائة سيكون عليه نفقة وتعب وأمة واحدة بمائتين أهون عليه فيقول هنا يجوز أن يعتقها مجاناً لأن عتقها أنفع. السائل: لماذا قلنا أنه ليس للولي أن يتأخر هو بمال من تحته مضاربة؟ الشيخ: لأنه ربما يحابي نفسه وكل إنسان وكيل أو ولي أو ناظر لا يمكن أن يعامل نفسه بهذا الذي هو وكيلٌ عليه وهذه قاعدة عامة حتى وإن كان أميناً لأن الأمين يجرئ غير الأمين. السائل: الولي قلنا إنه له أن يأكل بالمعروف من مال القاصر لكن إذا كان للولي عائلة فهل يدخلون معه في ذلك؟ الشيخ: يأكل هو بالمعروف فقط دون من تلزمه مؤنته. السائل: إذا كان الولي هو أحد الورثة وعمل بالمال الموروث تجارةً فهل له نصيب من ربح هذه التجارة؟ الشيخ: نعم له ربح نصيبه فقط فإذا كان له مثلاً النصف من المال فله النصف من الربح. فصل

القارئ: وينفق عليه نفقة مثله بالمعروف من غير إسراف ولا إقتار لقول الله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) ويقعده في المكتب بغير إذن الحاكم ويؤدي أجرته لأنه من مصالحه العامة فجرى مجرى نفقته ويشتري له الأضحية إن كان موسراً لأن فيه توسعة للنفقة عليه في يوم جرت العادة بها وتطييباً لقلبه فجرى مجرى رفيع الثياب لمن عادته ذلك. الشيخ: الكلام هنا في المحجور عليه لحظ نفسه أي لسفه قوله (ويشتري له الأضحية) في عرفهم سابقاً أن الأضحية شيء كبير يفرح الناس به واليتيم أو السفيه يفرح إذا ضُحِّيَ له لكن في عهدنا الآن الصِّغار لا يأبهون بها ولا يهتمون بها بل جرت عادة الناس قبل مدة أنه لا يضحى إلا عن الميت حتى أنه إذا قيل لأحدهم تريد أن تضحي قال أنا لم أمت كأنه يعني أنه لا يضحى إلا عن الأموات لكن هذا والحمد لله قد زال ولا شك لأنه اعتقادٌ خاطئ لأن أصل الأضحية هي عن الأحياء ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ضحى عن الميت أبداً فقد ماتت بناته وأبنائه مات له زوجتان عليه الصلاة والسلام وأستشهد عمه حمزة رضي الله عنه ومع ذلك ما ضحى لأحد منهم والأضحية إنما هي للحي ولهذا جاء في الحديث (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله) على أن هناك من العلماء من قال لا تصح الأضحية للميت ولم يكتف بقوله أنها غير مشروعة بل قال لا تصح لأن العبادات مبناها على التوقيف ولم يرد، قالوا وقياسها على الصدقة على أن الصدقة وردت عن الميت هو قياس في غير محله لأن الصدقة يقصد بها مع التقرب إلى الله محض مصلحة الفقير وأما الأضحية فأهم شيء فيها التقرب إلى الله بالذبح. فصل القارئ: وللأب بيع ماله بماله لأنه غير متهم عليه لكمال شفقته وليس ذلك للوصي ولا للحكام لأنهما متهمان في طلب الحظ لأنفسهما فلم يجز ذلك لهما.

الشيخ: المعنى لو أن الأب أراد أن يشتري من مال ولده الذي هو وليٌّ عليه شيئاً فلا بأس بذلك لكن لو أراد الحاكم (القاضي) أو الوصي أن يفعل ذلك فلا. فصل القارئ: وإذا زال الحجر عنه فأدعى وليه الانفاق عليه أو تلف ماله فالقول قوله لأنه أمين عليه فقبل قوله كالمودع وإن ادعى أنه لا حظ له في بيع عقار لم يقبل إلا ببينة وإن قال الولي أنفقت عليك عامين فقال ما مات أبي إلا منذ عام فالقول قول الغلام لأن الأصل حياة أبيه وقد اختلفا فيما ليس الوصي أميناً فيه فكان القول قول مدعى الأصل. فصل القارئ: وإذا بلغ الصبي وعقل المجنون ورشدا انفك الحجر عنهما من غير حاكم ولا يفك قبل ذلك لقول الله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وقسنا عليهم المجنون لأنه في معناهم والبلوغ للغلام بأحد ثلاثة أشياء أحدها إنزال المني لقول الله تعالى (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم) رواه أبو داود والثاني كمال خمسة عشر سنة لما روى ابن عمر قال (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني في القتال وعرضت عليه وأنا ابن خمسة عشر سنة فأجازني) متفق عليه والثالث إنبات الشعر الخشن حول القبل لما روى عطية القرظي قال (عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكوا في فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظر إليَّ هل أنبت فنظروا فلم يجدوني أنبت فخلوا عني وألحقوني بالذرية) متفق عليه. الشيخ: عندي رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح القارئ: عندي متفق عليه في أصل نسخة الكافي وما ذكرته حاشية يا شيخ

الشيخ: راجعها تراجعها لأن بينهما فرق بين رواية البخاري ومسلم ورواية أكتبها من الطاهر عند الشيخ هذا نعم. القارئ: ولأنه خارج يلازمه البلوغ غالبا يستوي فيه الذكر والأنثى فكان بلوغاً كالاحتلام وبلوغ الجارية بهذه الثلاثة وتزيد بشيئين الحيض لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) رواه الترمذي وقال حديث حسن ولأنه خارج يلازم البلوغ غالباً أشبه المني والثاني الحمل لأنه لا يكون إلا من المني فإذا ولدت المرأة حكمنا ببلوغها حين حكمنا بحملها فإن كان خنثى مشكل فحيضه علم على بلوغه وكونه امرأة وخروج المني من ذكره علم على بلوغه وكونه رجلا لأن الحيض من الرجل ومني الرجل من المرأة مستحيل أو نادر. الشيخ: قوله (لأن الحيض من الرجل مستحيل) ليس قوله (من الرجل) خبرٌ لحيض لأن هذا لا يستقيم والمعنى لأن الحيض من الرجل مستحيل ومني الرجل من المرأة مستحيل وهذا الكلام في الخنثى الذي آلة ذكر وآلة أنثى فإذا خرج منيٌّ من ذكره فهذا يستحيل أن يكون امرأة. القارئ: وقال القاضي ليس ذلك بدليل لجواز أن يكون من خلقة زائدة لكن إن اجتمعا فقد بلغ لأنه إن كان رجلاً فقد أمنى وإن كانت امرأة فقد حاضت. الشيخ: المؤلف رحمه الله جعل الحمل من علامات البلوغ والأمر ليس كذلك لأن علامات البلوغ في المرأة أربعة الأول تمام خمس عشرة سنة إنبات الشعر يعني العانة والثالث إنزال المني بشهوة والرابع الحيض وأما الحمل فهو دليل على البلوغ وليس يحصل به البلوغ ولذلك نحكم ببلوغها منذ نشأ الحمل لأنه لا يمكن أن تحمل إلا عن إنزال فالحمل علامة على البلوغ وليس به البلوغ. فصل

القارئ: ويستوي الذكر والأنثى في أنه ينفك عنه الحجر برشده وبلوغه للآية ولأن المرأة أحد نوعي الآدميين فأشبهت الرجل وعنه لا يدفع إليها مالها حتى تلد أو تتزوج ويمضي عليها حول في بيت الزوج لأن ذلك يروى عن عمر رضي الله عنه فإن لم تتزوج فقال القاضي عندي أنه يدفع إليها مالها إذا عنست وبرزت للرجال. الشيخ: الصواب الأول أنها إذا بلغت وهي رشيدة يدفع إليها مالها. فصل القارئ: والرشد الصلاح في المال لأن ابن عباس قال في قوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) قال إصلاحاً في أموالهم ولأن الحجر عليه لحفظ ماله فيزول بصلاحه كالعدل ولأن الفسق معنى لو طرأ بعد الرشد لم يوجب الحجر فلم يمنع من الرشد كالمرض فإن كان فسقه يؤثر في تلف ماله كشراء الخمر ودفعه في الغناء والقمار فليس برشيد لأنه مفسد لماله. الشيخ: ولو كان لدفعه أي المال لكان أحسن نسخة. الشيخ: الرشد هو الصلاح في المال لا الصلاح في الدين فلو فرض أنه فاسق لكنه لا يصرف أمواله في فسقه فهو رشيد أو كافر فهو رشيد وعلى هذا فيتامى الكفار إذا بلغوا ورشدوا يعطون مالهم نعم لو كان فسقه يؤثر في تلف ماله فليس برشيد وهذا الذي قاله المؤلف مشكل غاية الإشكال لأننا لو قلنا بهذا القول لزم أن يكون شارب الدخان سفيهاً غير رشيد وأن لا يعطى ماله وهذا شيء لا يمكن أن يعمل به الآن وقول إن الذين يشربون الدخان أو الذين يستعملون المسكرات أو المخدرات لا يعطون أموالهم فهذا لا أظن أن أحداً تثبت قدماه على هذا القول لكن نقول نعطيه المال ونراقبه فإذا بذله في الحرام حينئذ نعزره بما تقتضيه معصيته وعليه فنقول أنه إذا كان يفسد ماله في هذه المحرمات لكنه رشيد يعرف يبيع ويشتري ويتصرف مع الناس بالأخذ والعطاء فإننا لا نقول أنه غير رشيد لأننا لو قلنا أنه غير رشيد لزم من ذلك أن نحجر عليه وأن نمنعه من ماله ولا يمكن أن يقول به أحد. فصل

القارئ: وإنما يعرف رشده باختباره لقول الله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) يعني اختبروهم واختبارهم تفويض التصرفات التي يتصرف فيها أمثالهم إليهم من تجارة أو نيابة ويفوض إلي المرأة ما يفوض إلى ربة البيت من استئجار الغزالات وتوكليها في شراء الكتان والاستيفاء عليهن. الشيخ: ما ذكره المؤلف غير موجود عندنا الآن فهل ربة البيت الآن تأتي بالغزالات لكي يغزلن أو تأتي بالكتان وهو يشبه القطن لكي تنسج هذا غير موجود الآن لكن يكفي أن تعرف الطبخ وتدبير المنزل وما أشبه ذلك كالتصرف في لباسها فإذا عرفنا أننا لو أعطيناها المال راحت تشتري به كل موضة جديدة فهذه ليست رشيدة. القارئ: ووقت الاختبار قبل البلوغ في ظاهر المذهب لقوله سبحانه (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) ولأن تأخيره يؤدي إلى الحجر على البالغ الرشيد حتى يختبره ولا يختبر إلا المراهق المميز الذي يعرف البيع والشراء فإذا تصرف بإذن وليه صح تصرفه لأنه متصرف بأمر الله تعالى فصح تصرفه كالرشيد وفيه وجه آخر. الشيخ: قوله (وفيه وجه آخر) نسخة وفي نسخة أخرى (وفيه رواية أخرى) وتحتاج إلى الرجوع للإنصاف والفرق بين الرواية والوجه أن الرواية عن الإمام أحمد والوجه عن أصحاب الإمام أحمد من المشايخ الكبار. القارئ: وفيه وجه آخر لا يختبر إلا بعد البلوغ لأنه قبله ليس بأهل للتصرف لأنه لم يوجد البلوغ الذي هو مظنة العقل فكان عقله بمنزلة المعدوم وفي تصرف الصبي المميز بإذن وليه روايتان بناءً على هذا فأما غير المأذون فلا يصح تصرفه إلا في الشيء يسير لأن أبا الدرداء اشترى من صبي عصفوراً فأرسله.

الشيخ: لعل أبا الدرداء وجد هذا الصبي يلعب بالعصفور لعباً يؤذيه فاشتراه فداءً له ولذلك اشتراه وأرسله ولم ينتفع به وهذا يسمى استنقاذاً وعليه فإذا وجدت مع صبي طيراً أو شيئاً يلعب به من الحيوانات ويؤذيه فمن الخير أن تشتريه منه وتطلقه إلا إذا خفت أنك إذا أطلقته تبعه الصبي وأخذه مرة أخرى. السائل: هل شراء بعض النساء بعض الفساتين التي تصل إلى خمسة آلاف أو ستة آلاف يعد من الإسراف؟ الشيخ: هذا يرجع إلى أحوال الناس قد يكون في وقت من الأوقات إسرافاً وقد لا يكون وقد يكون إسرافاً بالنسبة لهذه المرأة دون الأخرى. السائل: لكن عند أوساط الناس في هذه الأيام هل يعد مثل هذا من الإسراف؟ الشيخ: الظاهر أن هذا يعد من الإسراف في وقتنا هذا لكن لا يعد من الإسراف بالنسبة لنساء الأمراء والوزراء وما أشبه ذلك. فصل القارئ: ومن لم يؤنس منه رشد لم يدفع إليه ماله ولم ينفك الحجر عنه وإن صار شيخا للآية ولأنه غير مصلح لماله فلم يدفع إليه كالمجنون وإن فك الحجر عنه فعاود السفه أعيد عليه الحجر لما روى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعاً فأتى الزبير فقال أني قد ابتعت بيعاً وإن علياً يريد أن يأتي أمير مؤمنين عثمان فيسأله الحجر علي فقال الزبير أنا شريكك في البيع فأتى علي عثمان فقال إن ابن جعفر قد أبتاع بيع كذا فاحجر عليه فقال الزبير أنا شريكه فقال عثمان كيف أحجر على رجل شريكه الزبير؟ وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فتكون إجماعاً. الشيخ: وجه الدلالة من هذا الحديث أن علي بن أبي طالب أراد من عثمان رضي الله عنه أن يحجر على عبدالله بن جعفر ولولا أن ذلك جائز ما طلبه لكن الزبير رضي الله عنه دفع هذا بكونه شاركه ومعروف أن الزبير رضي الله عنه رشيد في البيع والشراء كما هو رشيد في دينه رضي الله عنه.

القارئ: ولأن السفه يقتضي الحجر لو قارن فيقتضيه إذا طرأ كالجنون ولا يحجر عليه إلا الإمام أو نائبه لأن علياً سأل عثمان الحجر على ابن جعفر ولم يفعله بنفسه ولأن معرفة التبذير تحتاج إلى نظر لأن الغبن قد يكون تبذيراً وقد يكون غير تبذير فيحتاج إلى نائب الإمام كالحجر للفلس ولأنه مختلف فيه أشبه الحجر للفلس ولا يلي عليه إلا الإمام أو نائبه لأنه حجر ثبت به فكان هو الولي كحجر المفلس. الشيخ: لكن الإمام إذا رأى أن يكل هذا إلى أحد من أقاربه فلا بأس والخلاصة أن من زال سفه أعطي ماله فإن عاد إليه السفه أعيد عليه الحجر تعليل أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً وهذا الأثر الذي ذكره المؤلف في قصة عبد الله بن جعفر مع عمه أبي طالب ثم ذكر تعليلات أخرى ولكنه قال إنه إذا عاد فلا يلي ماله إلا الإمام فلا يعود الحجر إلا بإذن الإمام ولا يليه إلا الإمام ولكن الإمام أن يوكل من شاء. فصل القارئ: ويستحب الإشهاد عليه وإظهار الحجر لتجتنب معاملته فمن عامله ببيع أو قرض لم يصح ولم يثبت به الملك فإن وجد المعامل له ماله أخذه وإن أتلفه السفيه فهو من ضمان مالكه علم أو لم يعلم لأنه سلطه عليه برضاه. الشيخ: معنى العبارة هذه أنه لو أن أحداً عامل السفيه بعد أن حجر عليه فباع عليه شيئاً مثل لو باع عليه سيارة فالسفيه لن يعطيه شيئاً من المال لأن ماله محجور عليه فإذا تلفت السيارة فلا ضمان على السفيه وإنما ضمانها على مالكها لأنه هو الذي سلطه على ماله. القارئ: وإن غصب مالاً أو أتلفه ضمنه لأن صاحبه لم يرض ذلك ولأن الحجر على الصبي والمجون لا يسقط عنهما ضمان المتلف فهذا أولى وإن أُودِعَ مالاً فتلف لم يضمنه سواء فرط في الحفظ أو لم يفرط لأنه تلف بتفريط صاحبه لتسليمه إليه وإن أتلفه ففيه وجهان أحدهما يضمنه لأن صاحبه لم يرض إتلافه أشبه المغصوب والثاني لا يضمنه لأن صاحبه فرط بالتسليم إليه.

الشيخ: الراجح أنه لا يضمن بناءً على القاعدة السابقة لأنه سلطه على ماله فهو الذي دفع ماله إليه. القارئ: وإن أقر بمال لم يلزمه حال حجره لأنه حجر عليه لحظه فلم يقبل إقراره بالمال كالصبي والمجنون ولأن قبول إقراره يبطل معنى الحجر لأنه يداين الناس ويقر لهم قال أصحابنا ويلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه كالمفلس وفيه نظر لأن الحجر عليه لعدم رشده فهو كالصبي ولأن ثبوت إقراره في ذمته لا يفيد الحجر معه إلا تأخير الضرر إلى أكمل حالتيه إلا أن يريدوا أنه يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى فأما إن كان ثابتاً في ذمته فلا يسقط بالحجر عليه وإن أقر بحد أو قصاص لزمه لأنه محجور عليه في ماله لا في نفسه فإن عفا ولي القصاص إلى مال ففيه وجهان أحدهما له ذلك لأن من ثبت له القصاص ثبتت له الخيرة كما لو ثبت ببينة والثاني لا يصح لئلا يواطئ من يقر له بالقصاص ليعفو على مال يأخذه وإن أقر بنسب قبل لأنه ليس بمال وينفق على الغلام من بيت المال لأن إقرار السفيه بما يوجب المال غير مقبول. الشيخ: قوله (وينفق على الغلام) يعني الذي أقر به مثل أن يقول هذا أبني هذا أخي وما أشبه ذلك فيقبل لأن الشارع له تشوف في ثبوت النسب وأما الأنفاق عليه فيكون على بيت المال. القارئ: وإن طلق امرأته صح لأن الحجر يحفظ المال والطلاق يوفره ولا يضيعه. الشيخ: قوله (يوفره ولا يضيعه) هذا من وجه ولكن قد يلزم بأكثر لأنه إذا طلق امرأته وكان فيه شهوة فإنه سيبتغي امرأة جديدة وعلى كل حال نقول الطلاق لا يراعي فيه المال فإذا طلق وقع طلاقه لأن مسألة حب المرأة أو كراهتها شيء يرجع إلى النفس لا إلى المال. القارئ: فإن خالع جاز لأنه إذا جاز الطلاق بغير مال فبالمال أولى ولا تدفع المرأة إليه المال فإن فعلت لم يصح القبض ولم تبرأ منه إلا بالدفع إلى وليه وإن تلف كان من ضمانها.

الشيخ: قوله (كان من ضمانها) يعني إن تلف المال بيد الزوج السفيه كان من ضامن المرأة والخلاصة أن السفيه الذي حجر عليه لسفه من أعطاه ماله فلا ضمان على السفيه سواء أعطاه إياه ببيع أو إعارة أو أي شيء وأما إذا تسلط السفيه على مال غيره فهو ضمان ولهذا قلنا إن الراجح في الوديعة أنه لا يضمن مطلقاً حتى لو أتلفه هو أي السفيه فإنه لا ضمان عليه. فصل القارئ: وإن أذن له الولي في النكاح صح منه لأن حاجته تدعوه إلى ذلك وليس بآلة للتبذير وقال القاضي يصح من غير إذن الولي لما ذكرناه وإن أذن له في البيع ففيه وجهان أحدهما يصح منه لأنه عقد معاوضة فصح منه بالإذن كالنكاح والثاني لا يصح لأن المقصود منه المال وهو محجور عليه فيه ولأن الحجر عليه لتبذيره فالإذن له إذن فيما لا مصلحة فيه وإن حلف انعقدت يمينه لأنه مكلف ويكفر بالصوم لأنه ممنوع من التصرف في المال فأشبه العبد. الشيخ: أما كونه يصح حلف السفيه فنعم لكن كونه يكفر بالصوم مع قدرته على المال فهذا غير صحيح والصواب أنه يكفر بالمال لأن الله تعالى قال (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) فالصواب أنه يكفر بالمال لكن لو علمنا أن هذا السفيه كثير الحلف دائماً يحلف ويحلف فربما يقال يحجر عليه ونقول له صم وذلك حتى لا يعود إلى الحلف مرة ثانية.

القارئ: وإن أحرم بالحج صح لأنه من أهل العبادات فإن كان فرضاً لزمه إتمامه ويجب الإنفاق عليه إلى أن يفرغ منه لأنه مال يحتاج إليه لأداء الفرض فوجب وإن كان تطوعاً لا تزيد نفقته على نفقة الإقامة أو تزيد وله كسب إذا أضافه إليها أمكنه الحج لزمه إتمامه وإن لم يكن كذلك ففيه وجهان أحدهما على الولي تحليله لأن في إتمامه تضييعاً للمال فيما لا يلزمه والثاني ليس له تحليله بناءً على إحرام العبد بغير إذن سيده ويتحلل بالصوم كالعبد. الشيخ: الصحيح أنه يلزمه الإتمام لأنه شرع فيه ولأنه من أهل الوجوب فهو بالغ عاقل فيلزمه إتمامه سواء زادت نفقة الإتمام على نفقة الإقامة أم لم تزد. فصل القارئ: وإن وجب له القصاص فله استيفاؤه لأن القصد التشفي ودرك الثأر وله العفو على مال لأنه تحصيل فإن عفا إلى غير مال وقلنا الواجب القصاص عيناً سقط إلى غير شيء وإن قلنا الواجب أحد شيئين وجبت الدية لأنه ليس له إسقاط المال. فصل القارئ: ولا ينفذ عتقه لأنه إتلاف لماله وحكي عنه أنه يصح لأنه مكلف مالك أشبه الراهن ويصح تدبيره ووصيته لأنه محض مصلحة لتقربه به إلى الله تعالى عند غناه عن المال وإن نذر عبادة بدنية أنعقد نذره لأنه لا حجر عليه في بدنه وإن نذر صدقة مال لم يصح ويكفر عن نذره بالصيام وقياس قول أصحابنا أنه يلزمه الوفاء به عند فك حجره كالإقرار. الشيخ: الظاهر أنه لا يلزمه الوفاء كما قال المؤلف رحمه الله وأنه يكفر كفارة يمين. فصل

القارئ: وهل للمرأة الرشيدة التبرع من مالها بغير إذن زوجها فيه روايتان إحداهما لها ذلك لقوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن) وقبوله لصدقتهن حين تصدقن ولأنه من وجب دفع ماله إليه لرشده نفذ تصرفه فيه بغير إذن غيره كالرجل وعنه لا تهب شيئاً إلا بإذن زوجها ولا ينفذ عتقها لما روى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها) رواه أبو داود وكلام أحمد عام في القليل والكثير وقال أصحابنا لها التبرع بالثلث فما دون وما زاد فعلى روايتين. الشيخ: قوله (وكلام أحمد) يعني الرواية التي أشار إليها في قوله (وعنه لا تهب شيئاً إلا بإذن زوجها) والصواب أن لها أن تهب ما شاءت إلا ما يتعلق بالزينة لزوجها فليس لها أن تهب شيئاً لأن ذلك يضر بالمعاشرة بينها وبين زوجها وأما قوله (ولو من حليكن) فمعلوم أن الحلي يتعلق بالزينة للزوج لكن يجاب عن ذلك بأن المرأة قد عرفت أن زوجها يأذن بمثل هذا أو يقال إن الحلي إذا كان كثيراً فإنه لا يضر التصدق منه وخصوصاً إذا كان الزوج هو الذي أشترى هذه الزينة لها من أجل أن تتجمل له. فصل القارئ: وهل لها الصدقة من ماله بالشيء اليسير بغير إذنه فيه روايتان إحداهما لها ذلك لأن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما (أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها وله مثله بما كسب ولها بما أنفقت وللخازن مثل ذلك من غير أن ينقص من أجورهم شيء) وعن أسماء أنها قالت يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل عليَّ الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما أدخل علي؟ قال ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك) متفق عليهما.

الشيخ: والوعاء هو شد فم القربة حتى لا يخرج منها الماء والمعنى لا تحبسي النفقة لأن من أنفق أخلف الله عليه كما جاء في الحديث (أنه في صباح كل يوم ملكان يقول أحدهما اللهم أعطي كل منفقاً خلفاً والثاني يقول اللهم أعطي كل ممسك تلفاً). القارئ: ولأن العادة السماح بذلك فجرى مجرى صريح الإذن والثانية لا يجوز لما روى أبو أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تنفقن المرأة شيئاً من بيتها إلا بإذن زوجها) قيل يا رسول الله ولا الطعام قال (ذلك أفضل أموالنا) رواه سعيد والترمذي ولأنه تبرع بمال غيرها فلم يجز كالصدقة بثيابه والله تعالى أعلم. الشيخ: الجمع بين حديثين هو أنه يحمل الأول على ما جرت العادة بالسماح به والثاني بما لم تجر به العادة أو بما نهاها زوجها لأن بعض الأزواج يقول لزوجته لا تنفقي شيئاً من البيت حتى إن بعض الطعام يفسد وهي لا تنفقه لأنه قد قال لها لا تنفقي، فصار الذي يقال في هذه المسألة أن ما جرت العادة بالسماح به ولم ينه عنه الزوج فإنه يجوز للمرأة أن تتصدق به وما لم تجر به العادة أو صرح الزوج بمنعها منه فإنه لا يجوز لها أن تتصدق بشيء منه.

كتاب الصلح

كتاب الصلح القارئ: وهو ضربان أحدهما الصلح في الأموال وذلك نوعان أحدهما الصلح على الإنكار مثل أن يدعي على إنسان عيناً في يده أو ديناً في ذمته لمعاملة أو جناية أو إتلاف أو غصب أو تفريط في وديعة أو مضاربة ونحو ذلك فينكره ثم يصالحه بمال فإنه يصح إذا كان المنكر معتقداً بطلان الدعوى فيدفع المال افتداء ليمينه ودفعاً للخصومة عن نفسه والمدعي يعتقد صحتها فيأخذه عوضاً عن حقه الثابت له لأنه يصح مع الأجنبي فيصح بين الخصمين كالصلح في الإقرار ويكون بيعاً في حق المدعي لأنه يأخذ المال عوضاً عن حقه فيلزمه حكم إقراره حتى لو كان العوض شقصاً وجبت الشفعة وإن وجد به عيباً فله رده.

القارئ: ويكون إبراء في حق المنكر لاعتقاده أن ملكه للمدعي لم يتجدد بالصلح وأنه إنما دفع المال افتداء لنفسه لا عوضا فلو كان المدعى شقصاً لم تجب فيه شفعة ولو وجد به عيباً لم يملك رده كمن اشترى عبداً قد أقر بحريته فإن كان أحدهما يعلم كذب نفسه فالصلح باطل في الباطن وما يأخذه بالصلح حرام لأنه يأكل مال أخيه بباطله ويستخرجه منه بشره وهو في الظاهر صحيح لأن ظاهر حال المسلمين الصحة والحق. الشيخ: هذا الصلح على إنكار مثاله لو قال المدعي هذا الكتاب لي وقال من بيده الكتاب ليس لك فتصالحا فقال المدعي أعطني عشرة ريالات وأسقط الدعوى فأعطاه من بيده الكتاب عشرة ريالات الآن سقطت الدعوى لكن هو في حق المدعي بيع لأنه يعتقد أنه أخذ العشرة عوضاً عن ملكه فهو بيع وأما بالنسبة للمنكر فهو إبراء لأنه يعتقد أن الكتاب ملكه وأنه لا حق للآخر عليه لكنه دفع الدراهم من باب دفع الشر ودفع المخاصمة فيكون في حقه إبراء وبقي أن يقال هل هذا الصلح صحيح؟ نقول أما إذا كانت الدعوى حقيقة فالصلح لا شك أنه صحيح لكنه في حق الذي يعلم الواقع غير صحيح يعني لو قدر أن الكتاب ملك للمدعي والمدعى عليه الذي بيده الكتاب منكر ويعلم أن الكتاب ملك للمدعي لكنه أنكر لأن المدعي ليس عنده بينة فتصالحا على عشرة ريالات فالصلح بالنسبة للمدعي صحيح ظاهراً وباطناً وبالنسبة للمنكر صحيح ظاهراً لا باطناً لأن صاحبه لم يرض بالعشرة إلا لأنه ليس عنده بينة أما لو كان الأمر بالعكس أي أن المدعي كاذب فالصلح في حق من بيده الكتاب صحيح ظاهراً وباطناً وفي حق المدعي صحيح ظاهراً لا باطناً.

القارئ: فإن صالح عن المنكر أجنبي صح فإن كان بإذنه فهو وكيله وقائم مقامه وإن كان بغير إذنه فهو افتداء له وإبراء لذمته من الدين أو الدعوى وذلك جائز بغير إذنه بدليل أن أبا قتادة قضى دين الميت ولا إذن له لكن إن كان بغير إذنه لم يرجع عليه لأن الدين لم يثبت عليه ولأنه أدى عنه ما لم يلزمه أداؤه فكان متبرعا وإن كان بإذنه رجع عليه لأنه وكيله. الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنه إذا صالح عن المنكر أجنبي صح سواء كان بإذنه أو بغير إذنه أما إذا كان بإذنه فلا شك أنه صحيح لكن إذا كان بغير إذنه فقد يقول المدعى عليه أنه إذا صالح عني أتهمني الناس بأني قد أخذت الكتاب غصباً أو ما أشبه ذلك فلا أريد ذلك وهذا يقع كثيراً أنه قد يقول رجل أجنبي للمدعى عليه أنا أسدد عنك وأصالحه عنك فيقول المدعى عليه لا أريد أن تسدد عني لأنه ما ثبت للمدعي حق عليَّ وأنت إذا سددت عني أتهمني الناس بأني مبطل فهذه المسألة تحتاج إلى زيادة تحرير فيما إذا صالح بغير إذنه والمسألة هذه على ثلاثة أقسام الأول أن يأذن والثاني أن يمنع والثالث أن يسكت أما إذا أذن فالأمر ظاهر وإذا سكت فكذلك الأمر ظاهر أنه يصح أن يصالح الأجنبي عنه لكن إذا منع قال لا أريد أن أحداً يصالح عني وأنا حر في مالي وأنا إذا شئت صالحت وإذا شئت لم أصالح فهذه محل نظر تحتاج إلى تحرير. القارئ: وإن صالح الأجنبي عن نفسه ليصير الحق له من غير اعتراف للمدعي بصحة الدعوى لم يصح لأنه يشتري ملك غيره وإن اعترف بصحة دعواه والمدعى دين لم يصح لأن بيع الدين

لا يصح مع الإقرار فمع الإنكار أولى وإن كان عينا لا يقدر المصالح على تخليصها لم يصح لأن بيعها لا يصح مع الإقرار فمع الإنكار أولى وإن كان يقدر على استنقاذها صح لأنه اشترى منه ماله الممكن تسلمه فصح كما قلنا في بيع المغصوب ثم إن قدر على انتزاعها استقر الصلح وإن عجز فله الفسخ لأنه لم يسلم له المعقود عليه فرجع في بدله فإن قال الأجنبي للمدعي أنا وكيل المنكر في صلحك وهو معترف لك في الباطن جاحد في الظاهر فصالحه لم يصح لأن الصلح في هذه الحال لا يصح من المنكر فكذلك من وكيله وقال القاضي يصح ومتى صدقه المنكر ملك العين ولزمه ما أدى عنه وإن أنكر حلف وبرئ وإن دفع المدعي إلى المنكر مالاً ليقر له ففعل ثبت الحق وبطل الصلح لأنه يجب عليه الإقرار بالحق فلم يحل له أخذ العوض عما وجب عليه ولو صالح امرأة لتقر له بالزوجية أو بالرق لم يصح لذلك ولأنه يحرم عليها بذل نفسها لمن يطأها بعوض وإن بذلت عوضاً للمدعي عن دعواه صح لأنها تدفع شره عن نفسها ويأخذ العوض عن حقه فيها كعوض الخلع وقيل لا يصح في الزوجية لأن الزوج لا يأخذ عوضاً عن الزوجية في غير الخلع. الشيخ: الصحيح الصحة دفعاً لشره فهذا رجل أمسك بامرأة وقال أنت زوجتي فقالت لا، فهنا من المعلوم أنه لن يثبت النكاح إلا ببينة لكن إذا كانت هي لا تريد أن تذهب إلى القاضي ويقول لها أحضري البينة وافعلي وافعلي فصالحت هذا الرجل وقالت فكني من شرك وسأعطيك كذا وكذا فالصواب أن هذا جائز لأنه لدفع الشر لكنه جائز للمرأة لا لهذا الرجل المدعي. القارئ: ولو صالح شاهداً ليترك الشهادة عليه أو سارقاً لئلا يرفعه إلى السلطان فالصلح باطل لأنه لا يحل أخذ العوض عن ترك الشهادة الواجبة وليس رفعه إلى السلطان حقاً يجوز الاعتياض عنه. فصل

القارئ: النوع الثاني الصلح مع الاعتراف وهو ثلاثة أقسام أحدها أن يعترف له بدين فيبرئه من بعضه ويستوفي باقيه فلا بأس بذلك لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط حقه ولا من استيفائه قال أحمد رضي الله عنه ولو شفع فيه شافع لم يأثم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر فوضعوا عنه الشطر وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر ويجوز للقاضي فعل ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله. الشيخ: قوله (ويجوز للقاضي) لكن بشرط أن يكون المدين قد أقر وأما إذا لم يكن أقر فربما يضغط على المدعي حتى يسقط بعض الحق وهذا لا يجوز لأنه سوف يسقطه خوفاً من أنه إذا طلب من القاضي أن يحكم يفوته الحق كله والمدين قد أقر له. القارئ: وإن أمكن الغريم الوفاء فامتنع حتى أبرئ من بعضه لم يجز لأنه هضم للحق وأكل مال بالباطل ولو قال الغريم أبرأتك من بعضه بشرط أن توفيني بقيته أو على أن توفيني باقيه لم يصح لأنه جعل إبراءه عوضاً عما أعطاه فيكون معاوضاً لبعض حقه ببعض ولا يصح بلفظ الصلح لأن معنى صالحني عن المائة بخمسين أي بعني وذلك غير جائز لما ذكرنا ولأنه ربا ولو صالحه عن مائة مؤجلة بخمسين حالة لم يجز لذلك لأن بيع الحلول غير جائز وإن صالحه عن الحالة بأقل منها مؤجلة لم يصح لأن الحال لا يتأجل بالتأجيل. الشيخ: وإن صالحه عن الحالة بأكثر فهو حرام من باب أولى لأن هذا هو الذي يسمى قلب الدين فمثلاً إذا حل عليه مائة وقال أنا ما عندي شيء قال أصالحك على أن تكون مائة وعشرين إلى سنة هذا حرام والصحيح في مسألة المصالحة أنه إذا صالح عن المؤجل بعضه حالاً فإنه لا بأس به ولا فرق بين أن يقول أسقطت وبين أن يقول صالحت لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ فالصواب أنه إذا صالح عن المؤجل ببعضه حالاً فلا بأس.

القارئ: وما يسقطه لا مقابل له إلا أن يسقطه اختياراً منه بغير عوض ولو اعترف له بداره فصالحه على أن يسكنه فيها مدة أو يبني عليها غرفة ونحو ذلك لم يصح لأنه لا عوض له. فصل القارئ: القسم الثاني أن يعترف له بعين في يده فيهب له بعضها ويستوفي باقيها فيصح لما ذكرنا في الإبراء إذا فعل هذا اختيارًا من غير منع الغريم ووهب له بغير شرط كما ذكرنا في الإبراء. فصل القارئ: القسم الثالث أن يعترف له بعين أو دين فيصالحه على غيره وذلك ثلاثة أضرب أحدها أن يعترف له بنقد فيصالحه على نقد فهذا صرف يعتبر له شروطه الثاني أن يعترف له بنقد فيصالحه على عرض أو بعرض فيصالحه على نقد أو عرض فهذا بيع تثبت فيه أحكامه كلها الثالث أن يعترف له بنقد أو عرض فيصالحه على منفعة كسكنى دار أو خدمة فهذا إجارة تثبت فيه أحكامها ولو تلفت العين التي صالح عليها بطل الصلح فإن كان قد مضى بعض المدة بطل فيما بقي بقسطه ولو اعترفت المرأة بدين فصالحته على أن تزوجه نفسها صح وكان صداقاً لها ولو اعترفت له بعيب في مبيع فصالحته على نكاحها صح فإن زال العيب رجعت بأرشه لأنه الصداق ولم يسم الخرقي الصلح في الإنكار صلحا. الشيخ: إذا اعترف له بعين أو دين قال أنا أعترف بأن هذا الكتاب لك فهذا اعترف بعين أو اعترف بدين بأن قال أنا أعترف بأن في ذمتي لك مائة ريال فصالحه على غيره لأنه إذا صالحه على شيء من العين أو على شيء من الدين فقد سبق في فصل الصلح مع الاعتراف في النوع الثاني أما هنا فهو على ثلاثة أضرب:

أحدها (أن يعترف له بنقد فيصالحه على نقد) فهذا صرف بأن يعترف له بعشرة جنيهات ويصالحه على مائة درهم فهذا صرف يشترط فيه التقابض قبل التفرق ويشترط أيضاً شرطاً آخر وهو أن لا يربح المصالح من ذلك شيئاً لأنه لو ربح لربح فيما لم يضمن وقد أستفتى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (كان نبيع الإبل بالدراهم ونأخذ الدنانير أو بالدنانير ونأخذ الدراهم فقال لا بأس أن تأخذها بسعر يومها _ هذا شرط _ ما لم تتفرقا وبينكما شيء) فقوله (بسعر يومها) يعني بأن لا تربح في ذلك فإن ربحت في ذلك فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك فيكون حراماً. الضرب الثاني (أن يعترف له بنقد فيصالحه على عرض) مثل أن يقول في ذمتي لك مائة ريال لكن سأعطيك هذا الكتاب فهو اعترف بنقد وصالح عنه بعرض لأن الكتاب عرض وليس نقد (أو بعرض فيصالحه على نقد أو عرض) بأن يقول هذا الكتاب لك لكن أصالحك بأن أعطيك بدله فهذه الساعة هذا أقر بعرض وصالح بعرض أو يقول الكتاب لك لكن سأصالحك عنه بعشرة ريالات فهذا عرض بنقد يقول المؤلف (فهذا بيع تثبت به أحكام البيع كلها) وهذا أمر واضح. الضرب الثالث (أن يعترف له بنقد أو عرض فيصالحه على منفعة) وذلك بأن يعترف المدعى عليه بنقد فيقول عندي لك ما ادعيت وهو مائة ريال ثم يصالحه بمنفعة فيقول لكن أصالحك على أن تسكن بيتي لمدة شهر (أو بعرض) وذلك بأن يعترف له بعرض ويقول عندي لك ساعة مثلاً أو عندي لك قلم أصالحك عليه على أن تسكن بيتي لمدة شهر فصار المصالح به منفعة يقول المؤلف إن هذا إجارة كأنه أجره بيته بهذا الذي أقر له به سواء نقد أو عرض، ومن المسائل التي ذكرها المؤلف الصداق وذلك إذا اعترفت المرأة له بدين وقالت نعم عندي لك دين لكن أريد أن تتزوجني وتجعل الدين مهر فهذا يصح لكن لابد أن شروط العقد تكون موجودة بأن يكون بولي وبشهود إلى آخره. فصل

القارئ: وإذا اعترف له بشيء لم يجز أن يصالح بأكثر منه من جنسه لأن الزائد لا مقابل له ولو اعترف بقتل خطأ فصالحه بأكثر من الدية من جنسها لم يجز وإن كان من غير جنسها جاز لأنه معاوضة ولو أتلف شيئاً قيمته مائة فصالحه على مائة وعشرة لم يجز لذلك وإن صالحه على عرض جاز وإن كثر لأنه بيع ولو أجل العوض الواجب بالإتلاف لم يصر مؤجلاً بتأجيله. الشيخ: الصحيح أنه يكون مؤجل والمؤلف يقول (لم يصر المؤجلاً) لأن قاعدة المذهب أن الحال لا يتأجل والصواب أنه يتأجل لأنه إحسان ممن له الحق على صاحب الحق فإن التأجيل وتأخير الاستيفاء لا شك أنه إحسان فكيف نقول لا يصح يقول المرلف لأن الحال لا يتأجل لكن نقول من أين لكم هذه القاعدة؟ قالوا لأن هذا العقد ثبت بدون تأجيل فليكن على ما ثبت قلنا لكن صاحب الحق وافق على التأجيل وأقل ما فيه أن يكون وعداً والوعد يجب الوفاء به. السائل: قول المؤلف (وإذا أعترف له بشيء لم يجز أن يصالح بأكثر منه من جنسه) هل هذا مطلقاً أم هو خاص بالربويات؟ الشيخ: لا بل مطلقاً لأنه يأخذه بغير حق إذا أقر له بمائة صاع فكيف يقول له أصالحك بمائة وعشرين هذا لا يحتاج إلى صلح بل نقول أوفه المائة صاع وإذا شئت أن تهبه العشرين فلا بأس. السائل: المصالحة على النقد بالنقد كيف يكون التقابض؟ الشيخ: يأتي العوض والثاني يكون قد قبض مثلاً أنا في ذمتي لفلان عشرة دنانير وصالحني عنها بمائة درهم فهنا آتيه بمائة درهم وأعطيه إياها والدنانير قد قبضت لأنها في ذمتي. حتى في الصرف يجوز أن تصارف شخصاً في دين في ذمته ولا حاجة لإحضاره يعني فلا يحتاج أن نقول حضر الدراهم ثم اتفق معه لأن ما في الذمة مقبوض. السائل: قوله (لم يصر مؤجلاً) قلنا أن الراجح أنه يتأجل فما ثمرة الخلاف؟

الشيخ: ثمرة الخلاف أنه إذا قلنا لا يتأجل فللمُؤجِّلِ أن يطالب في الحال بعد التأجيل فلو قال خذ هذه المائة ألف ريال ديناً مؤجلة إلى سنة فأخذها المدين واستنفقها ثم جاءه الدائن من صباح اليوم التالي وقال أعطني المائة ألف فالمذهب أن هذا جائز والصحيح أنه لا يجوز وأنه يتأجل لكن على المذهب في القرض أنه من يوم أن تعطيه القرض فلك أن تطالبه به في الحال. السائل: هل يجوز صرف النقد بتقد في المسجد؟ الشيخ: هل الصرف بيع أو لا؟ الجواب هو بيع وهل يجوز البيع في المسجد؟ الجواب لا يجوز لكن بعض العلماء استثنوا من هذا ما يفعله كثير من الناس إذا مر به المسكين في المسجد وليس مع الإنسان من فئات النقد إلا ما هو أكثر مما يريد أن يعطي هذا المسكين مثلاً يريد أن يعطيه ريال وليس معه إلا عشرة قالوا فلا بأس أن يقول هذه فئة عشرة وأعطني تسعة لأن ظاهر الحديث (لا أربح الله تجارتك) يقتضي أن يكون هذا فيما إذا قصد به التجارة وهذا ما قصد التجارة لأن هذا قصده منفعة الفقير فأجازه بعض علمائنا وأظنه إن شاء الله لا بأس به. السائل: الصلح مع الاعتراف ليس فيه نزاع فلماذا نسميه صلحاً؟ الشيخ: هذا من باب التجوز ولا هو في الحقيقة بيع. فصل القارئ: وصلح المكاتب والمأذون له من العبيد والصبيان من دين لهم ببعضه لا يصح إذا كان لهم به بينة أو أقر لهم به لأنه تبرع وليس لهم التبرع فإن كان على الإنكار صح لأن استيفاءهم للبعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه. فصل

باب الصلح فيما ليس بمال

القارئ: ويصح الصلح عن المجهول الذي لا سبيل إلى معرفته عيناً كان أو دينا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في رجلين اختصما إليه في مواريث درست (استهما وتوخيا الحق وليحلل أحدكم صاحبه) رواه أبو داود وسواء كان الجهل من الجانبين كالحقوق الدارسة أو ممن عليه الحق لأن الحاجة تدعو إليه فأما ما يمكن معرفته فلا يجوز قال أحمد إن صالحوا امرأة من ثمنها لم يصح ولو قال الوارث لبعضهم نخرجك عن الميراث بألف أكره ذلك حتى يعرفه ويعلم ما هو إنما يصالح الرجل الرجل عن الشيء لا يعرفه ولا يدري ما هو أو يكون رجلاً يعلم ماله على الآخر والآخر لا يعرفه فيصالحه فأما إذا علم فلم يصالح إنما يريد أن يهضم حقه ولأن هذا لا حاجة إليه فلم يجز كبيع المجهول. الشيخ: في قوله (إن صالحوا امرأة من ثمنها لم يصح) هذا ينبغي أن يقال إلا إذا كانت التركة تحتاج إلى مدة طويلة في تنضيدها وقسمتها وطلبت هي أن يعطوها ما تيسر حتى تنتفع فهذا لا بأس به فالصواب أنه يجوز أن تصالح عن ثمنها إذا دعت الحاجة إلى ذلك وكيفية هذا هو ما ذكرناه بأن تكون التركة تحتاج إلى مدة طويلة في تنضيدها وتصفيتها فتقول أنا أصالحكم على حقي منها وتأخذ مما جرى عليه الصلح وتنصرف فهذا لا بأس به ولا محظور فيه. باب الصلح فيما ليس بمال القارئ: يصح الصلح عن دم العمد بما يزيد على الدية وينقص عنها لأن المال لم يتعين فإن خرج العوض حراً أو مستحقا رجع بقيمته ولو صالح عن دار فخرج العوض مستحقا رجع في الدار لأنه بيع فإذا فسد عوضه تبينا فساده والصلح في الدم إسقاط فلم يعد بعد سقوطه ورجع ببدل العوض وهو القيمة.

الشيخ: قوله (بما يزيد على الدية) فيه خلاف بين أهل العلم فمن العلماء من يقول لأولياء المقتول أن يصالحوا على أكثر من الدية ومنهم من يقول لا، ليس له إلا الدية أو القصاص وظاهر السنة هذا أنه إما الدية بدون زيادة وإما القصاص لكن قد ورد عن بعض الصحابة أنه لا بأس أن يزيدوا على الدية وأخذ به الإمام أحمد رحمه الله والعمل على هذا الآن فنجد أنه يجري أحياناً قتل يتم فيه شروط قصاص ويحكم بالقصاص ثم يصالحه عن الدية بأضعافها حتى لا يقتل القاتل. فصل القارئ: وإذا أراد أن يجري في أرض غيره ماء له غناء عن إجرائه فيها لم يجز إلا برضاه لأن فيه تصرفاً في أرض غيره بغير أذنه فلم يجز كالزرع فيها فإن صالحه على موضع القناة جاز إذا بينا موضعها وطولها وعرضها لأنه بيع لموضع من أرضه ولا حاجة إلى بيان عمقها لأن قرارها لمشتريها يعمق ما شاء وإن شرط أن أرضها لرب الأرض كان إجارة يفتقر إلى معرفة عقمها ومدتها كإجارتها للزرع فإن كان رب الأرض مستأجراً لها جاز أن يصالح على إجراء ماء فيها في ساقية محفورة مدة لا تتجاوز مدة إجارته وليس له حق حفر ساقيه لأنه إحداث شيء لم تتناوله الإجارة. الشيخ: إذا قال قائل كيف يجري الماء بدون حفر؟ نقول يضع حدود للماء ويجريه. القارئ: وكذلك إن كانت الأرض وقفاً عليه وإن صالح رجلاً على أن يجري على سطحه أو أرضه ماء المطر جاز إذا كان السطح الذي يجري ماؤه معلوما لأن الماء يختلف بصغره وكبره ومعرفة موضع الميزاب الذي يجري الماء إليه لأن ضرره يختلف ولا يفتقر إلى ذكر المدة لأن الحاجة تدعو إلى هذا ولأن هذا لا يستوفي به منافع السطح بخلاف الساقية. الشيخ: الجهالة هنا يسيرة لأنه قد يقول قائل لا ندري قد يكثر المطر ويكون دائماً فتتعطل منفعة هذا السطح وقد يكون قليلاً؟ فيقال هذا مما يعفى عنه لأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بهذا بمعنى أنه لا سبيل إلى إجراء الماء على السطح إلا بهذا فيغتفر.

القارئ: ومن كانت له أرض لها ماء لا طريق له إلا في أرض جاره وفي إجرائه ضرر بجاره لم يجز إلا بإذنه لأنه لا يملك الإضرار به بالتصرف في ملكه بغير إذنه وإن لم يكن فيه ضرر ففيه روايتان إحداهما لا يجوز لما تقدم والثانية يجوز لما روي أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً من العريض فأراد أن يمر به على محمد بن مسلمة فمنعه فقال له عمر لم تمنع جارك ما ينفعه ولا يضرك تشربه أولاً وأخرا؟ فقال له محمد لا والله فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك فأمره عمر رضي الله عنه أن يمر به ففعل رواه سعيد بن منصور ولأنه نفع لا ضرر فيه فأشبه الاستظلال بحائطه. الشيخ: الصحيح أنه إذا احتاج الجار إلى إجراء الماء على أرض جاره إلى أرض أخرى فإنه له الحق سواء أذن صاحب الأرض أم لا لأن في هذا منفعة بدون مضرة أما لو كان فيه مضرة وقال الجار إنه يريد أن يجعل أرضه بيتاً أو نحو ذلك فلا بأس أما إذا كانت هي أرض زراعية وهذا الساقي يمر بها بدون أيضرر فكونه يمتنع فإن هذا يكون من المضارة ولهذا يقول عمر (والله ليمرن به ولو على بطنك) وهذا كقول أبي هريرة رضي الله عنه لما كان أميراً على المدينة وروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة _ أو _ خشبه في جداره) قال أبو هريرة (مالي أراكم عنها معرضين)، (عنها) أي عن هذه السنة معرضين (والله لارمين بها بين أكتافكم) يعني إن لم ينفذ ذلك على الجدر فإني أجعلها على الأكتاف. فصل القارئ: ولا يجوز أن يشرع إلى الطريق النافذ جناحاً وهو الروشن على أطراف خشب مدفونة في الحائط. الشيخ: قوله (يُشرع) بضم الياء، وقوله (جناحاً) هو ما يسمى الآن بـ (البرندة). القارئ: (ولا ساباطا). الشيخ: ما هو الساباط؟ الطالب: الساباط هو الذي يكون على حائطين وسقفه يطل على الطريق وهو على الهواء ليس قاعدة تحته وإنما أطرافه على الحائطين.

الشيخ: نعم وهو يشبه ما يسمى بالكبري الآن وهذا كان موجوداً فيما سبق في البلاد لأن الطرق ليست واسعة فتجده يجعل على هذا الجدار وهذا الجدار قبة يعبر بها من هذا إلى هذا وكان هذا لشيخنا عبد الرحمن رحمه الله كان بيته مشطراً تجد مثلاً باب مع هذه الجهة وباب آخر مع جهة بعيدة يحول بينهما شارع تجاهه بواسطة الساباط. القارئ: ولا ساباطا وهو المستولي على هواء الطريق على حائطين لأنه بناء في ملك غيره بغير إذنه فلم يجز كالبناء في أرض الطريق. الشيخ: الصحيح في هذا أنه جائز فالجناح والساباط كلاهما يجوز على الطريق وذلك لأنه ليس فيه ضرر بل قد يكون فيه مصلحة المستطرقين فأحياناً إذا جاء المطر والناس حول هذا الساباط أو حول الروشن انتفعوا وتظللوا به عن المطر وكذلك عن الشمس في أيام الصيف فالصواب أنه جائز بشرط ألا يلحق الطريق ضرر فإن لحق الطريق ضرر منع فمثلاً إذا كان الساباط رفيعاً لا يضر بالمارة فلا بأس به لكن لو احتاج الطريق إلى إلى ردم وارتفاع وصار الساباط نازلاً عليه فحينئذٍ يزال الساباط. القارئ: ولا ميزابا ولا يبني فيه دكة لذلك. الشيخ: قوله (ولا ميزاباً) الصواب أنه يجوز إخراج الميزايب على الشوارع بشرط أن لا يكون فيها ضرر وقد كانت الميازيب على عهد النبي عليه الصلاة والسلام وقد جرت بها العادة وجرت بها السنة أن تخرج إلى الطريق لكن إذا كان الميزاب نازلاً يخشى أن يضرب رأس الراكب أو ما أشبه هذا فإنه يؤمر به بإزالته بأن يجعل ساقياً على الجدار كما كان معروفاً فيما سبق في الميازيب القريبة فقد كانوا يجعلون ساقياً في الجدار يمر به السيل. القارئ: ولا يبني فيها دكة لذلك.

الشيخ: هذا صحيح فلا يجوز أن يبني دكة مثل عتبة الباب فإن بعض الناس تجده يجعل عتبة مدرج أربع أو خمس وهذا لا يجوز لكن لو كان الطريق واسعاً ووافق ولي الأمر وهو الإمام أو نائبه على هذا فلا بأس أما إذا كان ضيقاً بحيث إنه بحيث لولا هذه الدكة لمرت السيارتان معاً وبهذه الدكة لا تمر السيارتان إذا تقابلتا في هذا الطريق فإن هذا لا يجوز حتى لو أذن به ولي الأمر لأن ولي الأمر يتصرف للناس بحسب المصلحة بل إن بعض العلماء رحمهم الله قالوا لو زاد في تلييس الجدار مقدار شعرة حرم عليه ذلك. القارئ: لأنه يضر بالمارة أشبه بناء بيت ولا يباح ذلك بإذن الإمام لأنه ليس له الإذن فيما يضر بالمسلمين وسواء أضر في الحال أو لم يضر لأن هذا يراد للدوام وقد يحدث الضرر فيه وقال ابن عقيل يجوز أن يأذن الإمام فيما لا ضرر فيه لأنه نائب عن المسلمين فجرى مجرى أذنه في الجلوس. الشيخ: كلام ابن عقيل جيد لكن بشرط أن يؤخذ على صاحب الدكة أنه متى حصل ضرر أزالها والمذهب لا يجوز مطلقاً حتى بإذن الإمام لأنه إذا لم يضر الآن ربما يضر في المستقبل لكن نقول مادام الآن لا ضرر فيه وصاحب البيت محتاجاً له فهذا فيه منفعة وليس فيه مضرة ويؤخذ تعهد على صاحب البيت بأنه إذا حصل ضرر في المستقبل يرفعه. فصل القارئ: ولا يجوز أن يفعل هذا في ملك إنسان ولا درب غير نافذ إلا بإذن أهله لأنه حقهم فلم يجز التصرف فيه بذلك بغير إذنهم.

الشيخ: الدرب غير النافذ هو المسدود وذلك بأن يكون البيت في آخر الشارع يسد الطريق فالحق في هذا الطريق لأهله الذين أبوابهم عليه وليس الذين جدرانهم عليه لأن بعض الناس ربما يكون جداره على هذا الطريق وباب بيته على جهة أخرى لكن أهل هذا الطريق هم الذين أبوابهم عليه فلا يجوز أن يخرج دكة ولا ميزاباً ولا روشناً ولا ساباطاً إلا بإذن أهله وظاهر كلام المؤلف العموم لكن التعليل يقتضي أن له إخراج ذلك فيما دون أبواب بيوتهم مثل أن يكون بيته هو آخر بيت وقبل بيته بأربعة أمتار مثلاً تبدأ الأبواب فتكون الأربعة أمتار التي من وراء الأبواب من خصائص صاحب البيت فيجوز أن يضع فيها دكة وأن يضع فيها روشناً وأن يفتح فيها باباً لأن ما دون أبواب البيوت من حقه هو فقط. القارئ: فإن صالحه المالك أو أهل الدرب بشيء معلوم جاز لأنه يجوز بإذنهم بغير عوض فجاز بعوض كما في القرار وقال القاضي لا يصح الصلح عن الجناح والساباط لأنه بيع للهواء دون القرار. الشيخ: الصحيح الأول بلا شك أنه يجوز أن يصالح أهل السوق بوضع الجناح في الساباط لأن الحق لهم والجناح يسمى عند قوم بلكونة وعند آخرين برندة وعند آخرين جناح وقولنا برندة لأن التعريب جائز ويكون المعرب عربياً كما في قوله (سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) واللغة العربية واسعة فيها ترادفات كثيرة والخلاصة أن الدرب المشترك حق لأهل الدرب الذين أبوابهم شارعة فيه وأقصاه من أخره يملك الحق فيه صاحب آخر بيت لكن فيما دون أبوابهم فله أن يخرج فيه الساباط والروشن والدكة والميزاب لأن الحق له وأما ما كان من وراء الأبواب إلى فم السوق فهذا لا يجوز إلا بإذنهم لأنهم هم أهله. فصل القارئ: وإذا حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره فطالبه بإزالتها لزمه ذلك لأن هواء ملكه ملكه فإن لم يزله فلمالك الأرض إزالتها بالقطع وغيره كما لو دخلت بهيمة جاره داره ملك إخراجها.

الشيخ: صورة المسألة إنسان له نخلة وأعسابها متدلية على ملك جاره فلجاره أن يطالبه بإزالتها بقطعها أو ليها فإن لم فعل فله قطعها هو ولكن إذا قطعها فهل يرجع بالأجرة على مالكها؟ الجواب نعم يرجع بذلك ويلزم تسليم الأجرة لأننا لو لم نقل بهذا لماطل وترك جاره يتضرر وتغطى الشمس عنه وأما البهيمة إذا دخلت بهيمة جاره داره فإنه يملك إخراجها لكن ليس من المروءة أن يخرج البهيمة لأنه إذا أخرجها ضاعت وضلت ومن حسن الجوار أن يبقيها عنده ويقول لجاره إن بهيمتك عندي بل حتى الناس الآن يلمونه لو أنه أخرجها وتركها تذهب لما في ذلك من الإساءة لكن الفقهاء رحمهم الله يذكرون الأحكام بقطع النظر عن كونه حرام أو غير حرام فهذا شيء آخر. القارئ: فإن صالحه على تركها بعوض جاز عند ابن حامد وابن عقيل لأن الجهالة هاهنا لا تمنع التسليم فلم تمنع الصحة كالصلح عن المواريث الدارسة ولأن هذا مما يحتاج إليه ويسامح فيه فجرى مجرى سمن المستأجر للركوب وهزاله وقال القاضي يصح في اليابس المعتمد على حائط ولا يصح في الرطب لأنه يزيد ويتغير ولا في غير المعتمد لأنه لا قرار له وقال أبو الخطاب لا يصح في الجميع لأن الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقص ويذهب.

الشيخ: كل هذا من التشديد في الواقع والصحيح أنه يجوز أن يصالح بعوض في الرطب وغير الرطب لأن هذا مما يتسامح فيه فمثلاً عسيب النخل لو صالح عليه وهو قصير ثم زال فهذا مما يتسامح فيه عادة وكذلك غصن الشجرة فإنه يكون يمتد أكثر فيقال هذا مما يجري فيه التسامح وهناك قول آخر أنه يصح بشرط أن يكون يابساً وثابتاً لأن اليابس لا يزيد وثابت لأنه إذا كان غير ثابت تحركه الرياح فإذا حركته الرياح مرة يشغل هذا الهواء ومرة يشغل هذا الهواء إلى هذه الدقة والقول الثالث أنه لا يصح المصالحة مطلقاً وعلى هذا فليس لنا إلا قطعه المصالحة المصالحة قد تكون بأجرة مقطوعة فهذا إذا قدر أن الغصن انكسر أو احترق فإن صاحب الغصن لا يطالب الآخر وأما إذا كان أجرة كل سنة بأن نقول كل سنة تمضي فعليك عشرة مثلاً فهنا إذا أنقطع أو أحترق سقط باقي الأجرة. السائل: إذا كانت شجرة في داخل سور البيت ثم خرجت إلى الخارج في الشارع بأغصانها فهل يلزم صاحبها بإزالتها أم أن عمله هذا جائز؟ الشيخ: هذا جائز وهو من جنس الميزاب في الشارع إلا إذا آذت المارة فيلزمه إزالتها. السائل: إذا كانت تؤذي بأوراقها المتساقطة؟ الشيخ: أوراقها لا تؤذي لأن هذا مما يتسامح فيه وبالنسبة للوضع الحالي هناك الذين يكنسون الأسواق والشوارع. السائل: عفا الله عنك أحياناً في بعض النظم تلزم البلدية بأن يرتد جدار حائط المالك خمسة أمتار مثلاً تجاه طريق ومترين لكل جهة ونحو ذلك فهل هذا يجوز؟ الشيخ: الأحسن أن هذا السؤال يوجه إلى دار الإفتاء لكي يصدر فيه حكم عام. السائل: لو أخرج بهيمة جاره من دارها وضاعت فهل يضمن؟ الشيخ: لا ليس عليه شيء مادام أنه فعل ماله فعل. السائل: أحياناً بعض الجيران يشكو أن جاره يشغل آلة لإصلاح البيت مثلاً ولها صوت مرتفع فيقول لجاره احضر بدلها تكون أخف صوتاً فهل له ذلك؟

الشيخ: العلماء يقولون ليس له الحق أن يضع أشياء لها صوت وهو يجد دونها مثاله الآن يوجد بعض المكيفات لها صوت مزعج وبإمكانه أن يأتي بأخف. القارئ: وإن صالحه في جزء من ثمرتها معلوم ففيه وجهان أحدهما المنع للجهالة فيه وفي عوضه والثاني يجوز لأن هذا يكثر في الأملاك المتجاورة وفي القطع إتلاف وإضرار فدعت الحاجة إلى الصلح بجزء من الثمرة لأنه أسهل. الشيخ: كلامنا الآن فيما إذا امتدت أغصان الشجرة إلى أرض الجار فإنه يطلب إما القطع وأما اللي فإن رضي الطرفان بأن تبقى بشيء معلوم شهري كشعرة ريالات كل شهر أو أقل أو أكثر ففيه خلاف والصحيح أن ذلك جائز لدعاء الحاجة إليه وإن صالحه بجزء من الثمرة ففيه كما يقول المؤلف وجهان أحدهما المنع للجهالة والثاني الجواز وهذا هو الصحيح المتعين لأنه كما تجوز المزارعة بجزء من الزرع والمساقاة بجزء من الثمرة فكذلك هذا فيجوز أن يصالحه ويقول هذا الغصن المتدلي لي نصف الثمر الذي يكون فيه فلا بأس بذلك لأنه كالمزارعة أو المساقاة تماماً. القارئ: ولو أمدت عروق شجرة حتى أثرت في بناء غيره أو بئره فعليه إزالته لأن قرار ملك الإنسان ملكه فهو كهوائه ولو مال حائطه إلى ملك جاره أو طريق لزم إزالته.

الشيخ: امتداد العروق أفدنا المؤلف رحمه الله أنه قسمان قسم يلحق الجار ضرر فهنا تلزم إزالة العروق حتى لو أدى إلى موت الشجرة لأنه لا يزال الضرر بالضرر بمعنى أنه لا يمكن أن نقول نزيل ضرر الجار صاحب الشجرة مع وجود الضرر على جاره واضح وهذا يقع كثيراً فيما يسمى بالقبو أحياناً تمتد العروق إلى القبو وربما تنفذ الحجارة المطوية وربما ينفتح الماء مع هذا العرق فيتضرر الجار بلا شك فيلزم صاحب الشجرة إزالتها أما إذا كان لا يضره فظاهر كلام المؤلف أنه لا يلزمه ولهذا قال (حتى أثرت في بناء غيره أو بئره) فظاهره أنه إذا لم تؤثر لم تلزم الإزالة وذلك لأن هذا مما جرت العادة به أن تمتد عروق الشجرة إلى ملك الجيران لا سيما إذا كان ملك الجار يسقى وملك صاحب الشجرة لا يسقى فإن العروق بإذن الله تتجه إلى الندى أي إلى ما يسقى، فإن لم تؤثر على البناء لكنها تمنع النبات بحيث تشتبك العروق بعروق الجار وتؤثر على شجره وثمره فهنا نقول تجب إزالتها لكن كيف تزال؟ نقول يؤتى مثلاً بأناس يحفرون على حد ملك الجار ثم يقطعون العروق حتى لا تمتد فإن امتدت مرة أخرى قطعت لإزالة الضرر ثم قال المؤلف (ولو ... مال حائطه إلى ملك جاره أو إلى طريق لزمه إزالته) أي لزمه إزالة الحائط لأنه إذا مال شغل شيئاً من الهواء وصار عرضة للسقوط فيكون بذلك ضرر فتلزم إزالة الجدار. فصل القارئ: ليس للإنسان أن يفتح في حائط جاره طاقاً ولا يغرز فيه وتداً ولا مسماراً ولا يحدث عليه حائطاً ولا سترة بغير إذنه لأنه تصرف في ملك غيره بما يضر به فلم يجز كهدمه.

الشيخ: الجدار الذي بين الجارين تارة يكون لأحدهما وتارة يكون بينهما فإذا كان لأحدهما فإنه لا يجوز للآخر أن يحدث فيه شيئاً بلا شك لأن الملك ليس له بل لغيره وأما إذا كان بينهما فإنه أيضاً لا يحدث فيه شيئا إلا بإذن شريكه لأن الجدار مشاع لكن نقول في هذه المسألة أي فيما إذا كان الجدار مشتركاً نقول لكل واحد منهما أن يتصرف في الجدار بما جرت به العادة فمثلاً لو أراد أن يليسه من جهته لم يمنعه الآخر فلا يقول الجدار بيني وبينك وأنا لا أريد التلييس بل نقول مادام يريد أن يليسه من جهته ولا يأخذ من جاره شيئاً فما المانع بل هذا مما يزيد الجدار قوة وكذلك لو أراد أن يفتح فيه روزنة والروزنة مثل الرف لكنها في صلب الجدار وتسمى مشكاة قال تعالى (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) فله أن يفعل لأن هذا مما جرت به العادة إلا إذا أدى إلى إضعاف الجدار فهنا ليس له ذلك وأما إذا كان الجدار لأحدهما بحيث بناه أولاً ثم جاء جاره وبنى إلى جنبه فالجدار للأول فله أن يتصرف فيه بما شاء فله أن يفتح طاقاً وله أن يغرز فيه وتداً وله أن يدق فيه مسماراً لأن الجدار ملكه لكنه ليس له أن يفتح طاقاً يضر بجاره مثاله لو كان جاره بنى حجرة إلى جنب الجدار وأراد صاحب الجدار أن يفتح طاقاً إلى الحجرة فإنه يمنع لأن هذا يضر بصاحب الحجرة فيدخل عليه البرد في الشتاء ويدخل عليه السموم في الصيف فيضره ومعلوم أنه لا يحل للإنسان أن

يحدث في ملكه ما يضر بجاره أما إذا كان الجار ليس له بناء على هذا الجدار بمعنى أنه حوش مراح فله أن يفتح فيه الطاق فإذا قال الجار لا تفتح الطاق لأنك إذا فتحت الطاق سمعت كلامي وكلام أهلي وأنا لا أريد هذا؟ قلنا أليس له أن يرفع جداره أصلاً حتى يصل إلى أسفل الطاق؟ الجواب بلى فلو أراد أن يرفع الجدار كله إلى حد الطاق من أسفل له ذلك والآن هو لا يريد أن يرفع الجدار وإنما يريد أن يرفع جزءاً من الجدار فله ذلك وأنت لا ضرر عليك لأنك أنت الآن تتكلم في مراح ينقل الأصوات ويبعدها والخلاصة إذا كان الجدار لأحدهما لم يملك الآخر إحداث أي شيء فيه وإذا كان الجدار بينهما فلكل واحد منهما أن يحدث في هذا الجدار ما جرت به العادة. القارئ: وليس له وضع خشبة عليه إن كان يضر بالحائط أو يضعف عن حمله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وإن كان لا يضر به وبه غنى عنه لم يجز عند أكثر أصحابنا لأنه تصرف في ملك غيره بما يستغني عنه فلم يجز كفتح الطاق وغرز المسمار وأجازه ابن عقيل لخبر أبي هريرة ولأن ما أبيح لا تعتبر له حقيقة الحاجة كانتزاع الشقص المشفوع والفسخ بالعيب وإن احتاج إليه بحيث لا يمكنه التسقيف إلا به جاز لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة على جداره) متفق عليه ولأنه انتفاع لا ضرر فيه دعت الحاجة إليه فوجب بذله كفضل الماء لبهائم غيره وذكر القاضي وأبو الخطاب أنه لا يجوز إلا لمن ليس إلا حائط واحد ولجاره ثلاثة وقد يتعذر التسقيف على الحائطين غير المتقابلين فالتفريق تحكم.

الشيخ: المسألة هل يجوز للجار أن يضع خشبه على جدار جاره بدون رضى جاره؟ الجواب إن كان يضر الجدار أو كان الجدار ضعيفاً لا يتحمل فهنا ليس له أن يضعها إلا برضى جاره لأنه لا يجوز الإضرار بالغير وإن كان الجدار يتحمل ولا ضرر فيه فإن كان الجار محتاجاً إلى وضعه بحيث تكون الخشب قصيرة وجدار الجار بالعرض فهنا لا بأس أن يضعها بدون إذن الجار لأنه محتاج إليها وإن كان ليس محتاجاً إليها بأن كانت الحجرة مربعة يعني طولها عرضها فله أن يفعل أو لا في هذا خلاف بين العلماء منهم من قال إن له أن يفعل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبه على جداره) ولأن هذا لا يضر الجدار بل لا يزيده إلا قوة وتماسكاً وحماية عن الشمس والهواء وهذا القول هو الراجح أنه لا يجوز منع الجار من وضع خشبه على جدار جاره إلا إذا كان هناك ضرر أو كان الجدار لا يتحمل. القارئ: فأما وضع الخشب في حائط المسجد مع الشرطين ففيه روايتان إحداهما يجوز لأن تجويزه في ملك الآدمي المبني حقه على الضيق تنبيه على جوازه في حق الله المبني حقه على المسامحة والسهولة والثانية المنع اختارها أبو بكر لأن الأصل المنع خولف في الآدمي المعين فيبقى فيما عداه على مقتضى الأصل ويتخرج على هذه الرواية أن يمنع من وضعه في ملك الجار إلا بإذنه لما ذكرنا للرواية الأولى. الشيخ: الصواب أن جدار المسجد كغيره فإذا لم يكن على الجدار ضرر وكان الجدار يتحمل فإن له أن يضعه سواء استأذن الإمام أم لم يستأذن والمراد بالإمام هنا إمام السلطة لا إمام الجماعة.

القارئ: فإن صالحه المالك على وضع خشبة بعوض في الموضع الذي يجوز له وضعه لم يجز لأنه يأخذ عوض ما يجب عليه بذله وإن كان في غيره جاز سواء كانت إجارة في مدة معلومة أو على التأبيد بشرط كون الخشب معلوماً برؤية أو صفة والبناء معلوم والآلة معلومة ومتى زال الخشب لسقوط الحائط أو غيره فله إعادته لأنه أستحق بقاءه بعوض ولو كان له رسم طرح خشب فصالحه المالك بعوض على أن لا يعيده عليه أو ليزله عنه جاز لأنه لما جاز أن يصالحه على وضعه جاز على نزعه. الشيخ: قوله (لو كان له رسم طرح خشب فصالحه المالك بعوض على أن لا يعيده عليه أو ليزيله عنه جاز) المعنى لو أستأجره على أن يضع على جداره الخشب ثم سقط الجدار وصالحه بعوض على أن لا يعيده أو يزيله عنه جاز. فصل القارئ: فإن كان له دار بابها في زقاق غير نافذ وظهرها إلى الشارع فله فتح باب إلى الشارع لأن له حقاً في الاستطراق فيه وإن كان بابها إلى الشارع لم يكن له فتح باب إلى الزقاق للاستطراق لأنه لا يجوز له أن يجعل لنفسه حق الاستطراق في مكان مملوك لأهله لا حق له فيه ويحتمل الجواز لما نذكره في الفصل الذي يليه. الشيخ: صورة المسألة إنسان له بيت في طريق غير نافذ وله باب في نفس الطريق فله أن يبقى بابه وله أن يفتح باباً مما يلي فم السوق وله أن يفتح باباً من ظهر البيت إذا كان على الشارع النافذ وإن كان العكس بأن كان باب البيت مما يلي الشارع وليس له باب في الزقاق فليس له أن يفتح لأن الزقاق حق لمن أبوابهم فيه وهذا ليس له باب فيه. القارئ: وله أن يفتح مكاناً للضوء والنظر لا يصلح للاستطراق لأن له رفع جميع حائطه فرفع بعضه أولى وإن فتحه باباً يصلح للاستطراق وقال لا أجعله طريقاً بل أغلقه وأسمره ففيه وجهان أحدهما له ذلك لما ذكرنا والثاني لا يجوز لأن الباب دليل على الاستطراق فيجعل لنفسه حقا.

وإن كان له داران باب إحداهما أو بابهما في زقاقين غير نافذين بينهما حائط فأنفذ إحداهما إلى الأخرى جاز في أحد الوجهين لأن له رفع الحائط من بينهما وجعلهما داراً واحدة فرفع بعضه أولى والثاني لا يجوز لأنه يجعل الزقاقين نافذين ويجعل الاستطراق في كل واحد منهما من دار لا حق لها فيه وكل موضع لا يجوز إذا صالح أهل الدرب بعوض أو أذنوا له بغير عوض جاز لأن المنع لحقهم فجاز لهم أخذ العوض عنه كسائر حقوقهم. الشيخ: في هذه التفاصيل دليل على أئمتنا وعلماءنا رحمهم الله قد شملوا ببحوثهم جميع ما يمكن أن يقع بل ربما بحثوا في أشياء لا تقع مما يدل على توسع الفقه الإسلامي وكل هذه التفاصيل مأخوذة من قواعد معلومة في الشرع وهو أنه لا يجوز لأحد أن يعتدي على حق أخيه إلا بإذنه ما لم يكن ممنوعاً من قبل الشرع وليس لأحد أن يعتدي على أمر محرم شرعاً ولو رضي صاحبه لأن حكم الله فوق كل حكم هذا هو خلاصة هذه المسائل والصور التي ذكرها المؤلف رحمه الله. السائل: هلل للرجل أن يوقف سيارته أمام باب بيت غيره؟ الشيخ: هذا حسب العرف فالآن لا يوقف الإنسان سيارة أمام بيت الرجل إلا إذا كان إيقافاً مؤقتاً كما لو كان مثلاً في دعوة ووقفها فقد جرت العادة بأنه لا بأس بها إلا إذا كان الباب باب سيارة فإن الناس الآن يمتعون من ذلك ويقولون يخشى أن يحتاج الإنسان إلى خروجه بسيارته ويجد هذا قد أغلق عليه الباب. السائل: إذا بنى الإنسان مسجداً وتبرع بمكان من أرضه لذلك المسجد ثم نزح الناس من هذه المنطقة إلى مكان آخر فهل تعود الأرض له أم لا لأنه أخرجها لله؟ الشيخ: إذا نزح الناس عن المكان فإنه يجب على هذا المتبرع أن يبيعه وينقله إلى مكان آخر بمعنى يبني مسجد آخر في مكان آخر ولا يمكن أن يلغيه لأنه أخرجه لله.

السائل: يحدث أن الإنسان يبني في ملكه مسجداً ثم ينتقل ببناء جديد إلى طرف مزرعة مثلاً ثم يبني هناك مسجد آخر فماذا يفعل في المسجد الأول علماً بأن المسجد يصلي فيه هو وأولاده فقط وليس له جيران؟ الشيخ: إذا كان ليس في المسجد باب على الشارع فالظاهر أنه حسب نيته فإذا كان بناه على أنه مسجد مؤبد فهو يجب أن يبقى وإذا كان عليه ضرر بالرجوع إليه لأن المكان مثلاً تقدم وأتسع من الناحية الأخرى ففي هذه الحال تقدر قيمته ويبني بدله في الجهة الثانية عرضاً عن المسجد الأول. السائل: إذا فتح الشخص طاقاً في جداره لكنه يطل على حوش جاره بحيث يكشف على أهل جاره فهل له ذلك؟ الشيخ: لا، لا يجوز فمثلاً لو نزل الطاق بحيث يكون قامة الرجل متوسط لا يحجزها لم يجز لأنه يجب على الأعلى سترة تمنع مشاهدة الأسفل. السائل: هل هو النافذة؟ الشيخ: نعم وهي التي يسميها بعض النس الدريشة. فصل القارئ: فإن كان بابه في زقاق غير نافذ فأراد تقديمه نحو أوله جاز لأنه يترك بعض حقه وإن قدمه نحو آخره لم يجز لأنه يجعل لنفسه الاستطراق في موضع لم يكن له ويحتمل الجواز لأن له رفع حائطه كله فيملك رفع بعضه ولأن ما يلي حائطه فيئا له فملك فتح الباب فيه كحالة ابتداء البناء فإن له ابتداء البناء جعل بابه حيث شاء فتركه له لا يسقط حقه منه.

الشيخ: الظاهر أن مثل هذه المسائل يرجع فيها إلى العرف فإذا جرى التسامح بين الناس في مثل هذه الأمور مشينا على هذا العرف فمثلاً زقاق صغير ليس بنافذ لصاحب الباب أن ينقل الباب إلى فم الزقاق وليس له أن ينقله إلى أسفله لأنه لا حق له في الاستطراق فيما وراء بابه، لكن ينبغي أن يقال مثل هذه المسائل ليس فيها نص بين فيرجع فيها إلى العرف فإذا تعارف الناس أن صاحب البيت له أن يضع الباب حيث شاء عُمل به وأما قول المؤلف (لأن له رفع حائطه كله) فهذا فيه نظر لأن الباب يكون الدخول والخروج محصوراً في نقطة معينة لكن لو هدم الجدار كله وجعل كل بقية بيته مفتوحاً لم يصبح كالباب المحصور. القارئ: ولو تنازع صاحبا البابين في الدرب ففيه وجهان أحدهما يحكم بالدرب من أوله إلى الباب الأول لهما لأن يدهما عليه واستطراقهما فيه وسائر الدرب للآخر لأن اليد له لاستقراطه وحده والثاني هو بينهما لأن لهما جميعاً يداً وتصرفا فعلى الوجه الأول لصاحب الباب الصدارني جعل آخر الدرب دهليزاً يختص به عن سائر أهل الدرب لأنه ملكه خاصة وعلى الثاني لا يجوز لأنه مشترك بين الجميع. الشيخ: الصحيح أنه لا يجوز لأن جعله دهليزاً معناه أنه نقدم بابه إلى آخر باب من جيرانه ويبقى بقية السوق له يختص به وهذا لا شك أن فيه شيئاً من التضييق عليهم لأنهم ربما إذا كان السوق مفتوح إلى الأخر ربما تأتي سيارة ترجع على الوراء فيكون لها فسحة وربما يكون عند تنزيل الأغراض والأمتعة يكون لها فسحة وصورة هذه المسالة نقول هذا الطريق المسدود انتهت أبواب الجيران إلى نصفه والذي في أسفله واحد فمن نصفه إلى أسفله لهذا الواحد فلصاحب هذا البيت الواحد الذي في الأسفل أن يجعله دهليزاً

لبيته فيقدم الباب ويدخل بقية السوق لأنه لا يشاركه فيه أحد فنقول هذا فيه نظر لأن في بقية السوق مصلحة للآخرين ولأنه ربما تهدم البيوت وينشئونها من جديد ويجعلون أبواب البيوت متأخرة في الداخل فإذا قدم بابه صار كأنه ملكه فالصحيح أنه لا يجوز فقول المؤلف (وعلى الثاني لا يجوز) نقول هذا هو الصحيح. فصل القارئ: إذا كان بينهما حائط مشترك فانهدم فدعا أحدهما صاحبه إلى عمارته فأبى أجبر لأنه إنفاق على ملك مشترك يزيل الضرر فأجبر عليه كإطعام العبد المشترك ولأن في تركه ضرا فأجبر عليه كالقسمة فإن لم يفعل باع الحاكم ماله وأنفق عليه فإن لم يكن له مال أقترض عليه وأنفق وإن أنفق الشريك بإذنه أو أذن الحاكم رجع عليه بالنفقة والحائط بينهما كما كان قبل انهدامه وعنه لا يجبر لأنه إنفاق على ملك لا يجب لو أنفرد به فلم يجب مع الاشتراك كزرع الأرض. الشيخ: الصواب الأول أنه يجبر عليه لأن إبقائه بدون بناء ضرر وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ضرر ولا ضرار). القارئ: وإن أراد شريكه بناءه لم يمنع لأنه يعيد رسماً في مشترك فلم يمنع كعوض الخشب الذي له رسم فإن بناه بآلته عاد بينهما كما كان برسومه وحقوقه لأنه عاد بعينه وليس للباني فيه إلا أثر تأليفه وإن بناه بآلة من عنده فهو للباني ليس لشريكه الانتفاع به وللباني نقضه إن شاء لأنه ملكه خاصة ولو بذل له شريكه نصف قيمته لئلا ينقضه لم يجبر على قبولها لأنه لما لم يجبر على إنشائه لم يجبر على إبقائه وعلى الرواية الأولى يجبر على تركه لأنه يجبر على إنشائه فيجبر على إبقائه فإن كان للشريك على الحائط رسم انتفاع قلنا للباني إما أن تأخذ منه نصف القيمة وتمكنه من إعادة رسمه وإما تأخذ بناءك ليبني معك لأن القرار مشترك بينهما فلم يجز أن يسقط حق شريكه. فصل

القارئ: وإن كان السفل لأحدهما والعلو للآخر فانهدم السقف الذي بينهما فالحكم فيه كالحائط المشترك سواء لأنه ينفعهما فهو كالحائط بينهما وأيهما هدم الحائط أو السقف فعليه إعادته إلا أن يخاف سقوطه ويجب هدمه فصير كالمنهدم بنفسه وإن انهدمت حيطان صاحب السفل لم يملك صاحبه إجبار صاحب العلو على مباناته لأنه ملكه خاصة وعنه يجبر لأنهما ينتفعان به فأشبه الحائط المشترك وهل لصاحب العلو إجبار صاحبه على بنائه؟ على روايتين وليس لصاحب السفل منع صاحب العلو من بنائه إن أراده فإن بنائه بآلته فهو على ما كان لا يملك أحدهما نقضه وإن بناه بغير آلته فقال أحمد رضي الله عنه لا ينتفع به صاحب السفل حتى يؤدي القيمة فيحتمل أن ليس له السكنى لأن فائدة الحيطان أكثرها للسكنى ويحتمل أنه ليس له طرح الخشب ونصب الوتد ونحوه دون السكنى لأن ذلك هو الانتفاع بالحائط مباشرة ولبانيه نقضه لأنه ملكه ولا يجبر على إبقائه بالقيمة لأنه لا يجبر على ابتدائه. الشيخ: هذا الفصل قد يظن الظان أنه لا يتصور ولكنه متصور كثيراً فقد يكون عمارة أسفلها لأناس وأعلاها لآخرين وأحياناً يكون أسلفها مسجداً وأعلاها مسكناً وأحياناً بالعكس فهذا شيء متصور والجدار الأسفل كما أنه مصلحة للأسفل فهو مصلحة أيضاً للأعلى فلو قال صاحب الجدار الأسفل أنا لا أبني لكن أنت قَوِّم أعمدة فهنا لا يلزم الأسفل أن يقوم أعمدة لأن المصالحة خاصة بصاحب العلو. فصل القارئ: فإن كان بينهما دولاب أو ناعورة يحتاج إلى عمارة فذلك كالحائط المنهدم سواء وإن كان بينهم قناة أو عين ففي إجبار الممتنع من عمارتها روايتان فإن بناها أحدهما لم يملك منع صاحبه من نصيبه لأنه ليس له فيها إلا أثر الفعل.

الشيخ: الدولاب عبارة عن جنزير فيه أواني مثل السطول لها رحى تدور فيها فتنزل هذه الأواني على بطنها فإذا صعدت صعدت على ظهرها فهي تدور ظهرها إلى فوق وبطنها إلى أسفل فإذا وصلت إلى الماء غرقت من الماء ثم ارتفعت وإذا ارتفعت يكون بطنها إلى فوق ويكون مملوء من الماء ثم تصب في ساقي يصب على البركة وهكذا فهذا هو الدولاب أما الناعورة فالظاهر والله أعلم أنها من جنس المواسير وأنا لا أعرفها لكن الظاهر أنها من جنس المواسير والمهم أن القاعدة عندنا التي ينبغي أن نجعل كل هذه التفاريع عليها هي أن المشترك بين شخصين إذا احتاج إلي زيادة في التجديد لم يجبر أحدهم وإن احتاج إلى دفع ضرر أجبر الآخر فهذه هي القاعدة فلو كان بينهما جدار من لَبِنٍ من الطين وقال أحدهما أريد أن أهدمه وأعيده من الطوب الأسمنت وقال الثاني لا فهل يجبر الثاني؟ الجواب لا يجبر لأن هذا ليس فيه دفع ضرر بل فيه تجديد منفعة، فإن انهدم هذا الجدار وقال أحدهما أريد أن أعيده على جدار من الطوب وقال الثاني بل من اللَّبِن الأول، فأيهما الذي يتبع؟ الجواب يتبع الثاني الذي يقول أعيده من اللبن أولاً اللهم إلا إذا تساوت القيمة أي قيمة اللبن من الأسمنت ومن الطين فهنا نقول من طلب الأعلى أجيب ومن امتنع منه أجبر فأيهما أعلى لبن الطوب من الأسمنت أو من الطين؟ الجواب لبن الطوب من الأسمنت وهذه هي القاعدة في هذه المسائل كلها أما الحقوق فهذا يرجع إلى العرف. السائل: ما فرق بين الضرر والضرار؟ الشيخ: الضرر هو الذي يكون بلا قصد والضرار الذي يكون بقصد.

السائل: الأشياء المشتركة التي يثبت فيها الخلاف بين الناس كثير من الأحيان يدعي كل واحد منهما ضرر تساوى الأمران يعني كل منهما أقام بينة على أن هذا الحائط مثلاً يقول يحجب مني الشمس فأريد أن يبقى والآخر يقول هذا الحائط أريد أن أهدمه حتى يدخل عليَّ الهواء والشمس بفإذا أدعى كل واحد منهما ضرراً الأول لإبقائه والآخر لإزالته فقول من نأخذ به؟ الشيخ: هذا يرجع إلى أهل الخبرة فيه لكن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يتبين الأمر. السائل: لو وجد جاران وأراد أحدهما أن يبني بينه وبين جاره جداراً وعرض على صاحبه أن يعينه على هذا الجدار فأبى ثم بناه لوحده فهل له أن يمنعه من الاستفادة من هذا الجدار؟ الشيخ: لا ليس له ذلك فليس له أن يمنعه أن يغرز خشبه عليه أما أن يستغل بفتح روزن أو دق وتد وما أشبه ذلك فله أن يمنعه لكن الشيء الذي يكون من مصلحة الجدار ومصلحة الجار فإنه لا يمنعه منه. فصل القارئ: ليس للمالك التصرف في ملكه بما يضر جاره نحو أن يبنيه حماماً بين الدور أو مخبزاً بين العطارين أو يجعله دار قصارة تهز الحيطان أو يحفر بئراً تجتذب ماء بئر جاره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجه والدارقطني بنحوه ولأنه تصرف يضر بجيرانه فمنع منه كالدق الذي يهز الحيطان وليس له سقي أرضه بما يهدم حيطانهم وإن كان لهم سطح أعلى من سطح جاره فعلى الأعلى بناء سترة بين ملكيهما ليدفع عنه ضرر نظره إذا صعد سطحه.

الشيخ: كل هذا يؤخذ من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) ومن قوله (من ضار ضار الله به) ومن قوله (لا ضرر ولا ضرار) والفرق بين الضرر والضرار أن الضرار مقصود هو أن يقصد الإنسان الضرر والضرر أن يأتي بدون قصد، يقول المؤلف رحمه الله (ليس للمالك التصرف في ملكه بما يضر جاره نحو أن يبينه حماماً بين الدور) لأن هذا يضر بالرطوبة وكثرة الناس والرائحة كذلك أيضاً إذا بنى مخبزاً بين العطارين لأن الظاهر أن ريحة الإحرار والبخار تؤثر

على الجو فمن جاء للعطارين ليشتري لا يستطيع أن يعرف رائحة الطيب بدقة فهذا ضرر فلهم أن يمنعوه من بناء المخبز بين العطارين قوله (أو يجعله دار قصارة تهز الحيطان) يعني غسيل ثياب وكيف تهز الحيطان؟ نقول لأنه جرت العادة أنه إذا اتسخ الثوب وسخاً شديداً وضعوه على حجر كبير ثم جاءوا بخشبة مدقة أو شبهها فيدقونه بها من أجل أن يتسرب الوسخ فهذا إنسان جعل داره قصارة فإنه مع الضرب تتهز الحيطان فله أن يمنعه من ذلك قوله (أو يحفر بئراً تجتذب ماء جاره) هذا أيضاً ضرر عظيم لكن ماذا يصنع إذا حفر بئراً وهو لا يريد الإضرار بجاره لكن نقص الماء، فبماذا نلزمه؟ الجواب نلزمه بطم البئر ولا يستخرج منها الماء، ولو أنه جعل حول بيته ماطوراً للكهرباء بمعنى أنه لا يوجد كهرباء عامة في البلد فجعل في بيته ماطوراً للكهرباء فهل يمنع من ذلك أو لا؟ الجواب يمنع لأن له صوتاً عظيماً وربما يهز الأرض، ولو كان عنده حفل عرس ووضع مكبرات الصوت حول الجيران فهل لهم أن يمنعوه؟ الجواب لهم أن يمنعوه لأن هذا يقلق راحتهم ويمنعهم من النوم والمهم أن القاعدة العامة هي أن يمنع الضرر عن جيرانه فإن اختلفوا فقال صاحب الضرر الذي يدعى عليه الضرر ليس في هذا ضرر وقال جاره بل فيه ضرر فإنه يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه إذا كان له سطح أعلى من سطح جاره وجب على الأعلى أن يتخذ سترة تمنع مشارفة الأسفل ولا يقول للأسفل ضع جداراً طويلاً حتى لا أشرف عليك منه بل نقول أنت أيها الأعلى يجب عليك أن تضع جداراً يمنع مشارفة الأسفل فإن كان بينهما شارع بمعنى أنهما ليسا جارين متلاصقين بل بينهما شارع وهذا له درائش مطلة على الشارع لكن من وقف عند هذه الدريشة رأى بيت الرجل الآخر من وراء الشارع فهل نلزمه بأن يرفع الدريشة؟ الجواب نعم نلزمه بأن يرفعها أو يضع زجاجاً مثلجاً بحيث لا يرى من ورائه بيت جاره.

باب الحوالة

باب الحوالة القارئ: وهي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. الشيخ: مثال ذلك رجل له دين على زيد ولزيد دين على عمرو فقال زيد للرجل أحلتك على عمرو فقبل فالآن انتقل الدين من ذمة زيد إلى ذمة عمرو وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أحيل على مليء فليتبع). القارئ: وهي عقد إرفاق منفرد بنفسه ليست بيعا بدليل جوازها في الدين بالدين وجواز التفرق قبل القبض واختصاصها بالجنس الواحد وأسم خاص فلا يدخلها خيار لأنها ليست بيعاً ولا في معناه لكونها لم تبن على المغابنة. الشيخ: ومن أجل هذا جاز القرض لأنه عقد إرفاق فيجوز مثلاً أن أقرضك عشرة دراهم وتعطيني عوضها بعد شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين مع أنني لو بعت عليك دراهم بدراهم لم يجز إلا بشرط القبض في المجلس ولهذا إذا كان القرض يجر نفعاً إلى المقرض صار محرماً لأنه قصد فيه المعاوضة والمغابنة كما قال المؤلف. القارئ: والأصل فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) متفق عليه. الشيخ: قوله صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) الغني هو القادر على الوفاء فمطله أي منعه صاحب الدين ظلم ولكن متى يتحقق المطل؟ الجواب يتحقق المطل في الدين الحال إذا طلبه صاحبه وفي الدين المؤجل إذا حل أجله فمثلاً إذا اشتريت من شخص سلعة بثمن مؤجل إلى دخول شهر ذي الحجة وجب على المشتري أن يوفي فور دخول شهر ذي الحجة ولا يؤخر لأن تأجيله يدل على المطالبة به عند حلول الأجل ضِمناً، أما الحال فإنه لا يجب أداؤه إلا بالمطالبة وقيل إن المؤجل إذا حل فهو كالحال من الأصل وأن فائدة التأجيل أن صاحب الدين لا يملك المطالبة مادام الأجل باقياً فإذا تم الأجل ملك المطالبة ولكنه لا يقال إن الذي عليه الدين أنه مماطل حتى يطالب به رب الدين.

القارئ: ولا تصح إلا بشروط أربعة أحدها أن يحيل على دين مستقر لأن مقتضاها إلزام المحال عليه الدين مطلقا ولا يثبت ذلك فيما هو بعرض السقوط. الشيخ: قوله (فيما هو لعرض السقوط) المعنى أي ما هو عرضة للسقوط. القارئ: ولا يعتبر استقرار المحال به. الشيخ: عندنا الأن دين محال به ودين محال عليه صورة المسألة زيد له في ذمة عمرو مائة ريال فأحاله عمرو على خالد بمائة ريال فالدين الذي على عمرو محال به وعلى خالد محال عليه وعندنا كذلك محال ومحيل فالمحال هو الطالب والمحيل هو المطلوب فصار عندنا دينان وعاقدان فالدينان يقال له محال به ومحال عليه وأما العاقد فيقال محيل ومحال. القارئ: لجواز أداء غير المستقر ولا تجوز الحوالة بدين السلم ولا عليه لأنه لا تجوز المعاوضة عنه به ولا عنه. الشيخ: سبق لنا أن القول الراجح أن دين السلم كغيره تجوز المعاوضة به وتجوز المعاوضة عنه وأن الحديث (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) حديث ضعيف وإن صح فالمراد إذا تضمن ذلك ربا. القارئ: ولو أحال الزوج زوجته قبل الدخول بصداقها صح وإن أحالت المرأة به عليه لم يصح لأنه غير مستقر وإن أحال المشتري البائع بثمن المبيع في مدة الخيار صح وإن أحال البائع به عليه لم يصح لذلك وإن أحال المكاتب سيده بنجم قد حل عليه صح وإن أحال سيده به عليه لم يصح لذلك وإن أحيل على المكاتب بدين غير مال الكتابة صح لأن حكمه حكم الأحرار في المداينات وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه فهو توكيل في الاقتراض. الشيخ: معنى التوكيل في الاقتراض أي أنه وكله أن يقترض من هذا المحال عليه ليستوفي منه مثال ذلك عمرو يطلبك مائة ريال فأحلته على زيد وقلت أحلتك على زيد وليس عنده شيء فهو توكيل في الاقتراض هل يملك المحال عليه أن يقول لا؟ الجواب نعم له ذلك ليس عليه شيء.

القارئ: وإن أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه فهو توكيل في الاقتراض وإن حال من لا دين عليه على من له عليه دين فهو توكيل في الاستيفاء وإن أحال من عليه دين على من لا دين عليه فهو ملتمس إيفاء دينه وليس شيء من ذلك حوالة إذ الحوالة تحول الحق وانتقاله ولا حق هاهنا يتحول وإنما جاز التوكيل بلفظ الحوالة لاشتراكهما في معنى وهو تحول المطالبة من الموكل إلى الوكيل كتحولها من المحيل إلى المحتال. فصل القارئ: الشرط الثاني تمثال الحقين لأنها تحويل الحق فيعتبر تحوله على صفته ويعتبر التمثال في ثلاثة أشياء الجنس فلو أحال من عليه أحد النقدين بالآخر لم يصح والصفة فلو أحال على المصرية بأميرية أو عن المكسرة بصحاح لم يصح والحلول والتأجيل فإن كان أحدهما حالاً والآخر مؤجلا أو أجل أحدهما مخالفاً لأجل الآخر لم يصح وإن صحت الحوالة فتراضيا على خير مما أحيل به أو دونه أو تعجيله أو تأخيره أو الاعتياض عنه جاز لأنه دين ثابت فجاز فيه ذلك كغير المحال به.

الشيخ: هذا شرط أن يتماثل الحقان في الجنس والصفة والحلول والتأجيل وذلك لأنهما إذا اختلفا في الجنس صار هذا بيعاً فيدخل في بيع الدين بالدين مثال ذلك أحال بذهب على فضة إنسان مدين لشخص بعشرة دنانير وله على آخر أي المدين له على آخر مائة درهم فأحال صاحب الدنانير على صاحب الدراهم فهذا لا يجوز لأن حقيقته أنه بيع دين بدين وأيضاً بيع ذهب بفضة بدون التقابض حتى لو فرض أنه من غير الذي يجري بينهما الربا مثل أحال شخصاً يطلبه براً على آخر بتمر فإنه لا يجوز وذلك لأنه يكون بيعاً فيكون بيع دين بدين والأمر الثاني الصفة فلو أحال بشيء أحسن وأسوق بين الناس على ما دونه يقول المؤلف أنه لا يحل ولو كان على ما فوقه فإنه لا يحل أيضاً لأنه لابد من التساوي في الصفة ولنضرب مثلاً بغير الدراهم والدنانير فمثلاً لو كان عليه مائة صاع بر جيد أحال على شخص آخر عليه مائة صاع بر متوسط يقول المؤلف إن هذا لا يجوز وكذلك لو كان عليه مائة صاع بر متوسط أحال على

مائة صاع بر جيد فإنه لا يجوز وهذا إذا كان على سبيل المعاوضة له وجه لكن إذا كان على سبيل المسامحة ورضي من له الدين بالأنقص أو من عليه الدين بالأكمل فما المانع لا أجد لهذا مانع مادام المسألة على سبيل التسامح فمثلاً هو مطلوب مائة صاع بر رديء أحال على مائة صاع بر جيد ما المانع فهو رضي لنفسه بالأنقص على وأحال على الأكمل وبالعكس أيضاً لو كان عليه مائة صاع بر جيد وأحال بمائة صاع بر رديء فما المانع لأن صاحب الدين الآن رضي بالأقل وأختار هذا وكذلك أيضاً من باب أولى مسألة الحلول والتأجيل إذا كان عليه دين حال مائة درهم حالة وأحال صاحبها على شخص آخر بمائة مؤجلة فهذا كما لو أجلها المستحيل على صاحب الدين فلا مانع إذا قال المستحيل أنا راضي أن تحولني على فلان ولو كان الدين مؤجلاً فما المانع من هذا أو كان عليه دين مؤجل وأحاله على دين حال فما المانع هذا زاده خيراً فالذي يظهر لي أن الحلول والتأجيل والصفة أنها ليست بشرط إلا أن يمنع من ذلك إجماع فهذا لا نخالف الإجماع إما إذا لم تكن المسألة إجماعية فالصحيح أن ذلك جائز وأنه من باب المسامحة. فصل

القارئ: الشرط الثالث أن يكون بمال معلوم على مال معلوم لأنه يعتبر فيهما التسليم والتماثل والجهالة تمنعها ولا يصح فيما لا يصح السلم فيه لأنه لا يثبت في الذمة وإنما تجب قيمته بالإتلاف ويصح في كل ما يثبت مثله في الذمة بالإتلاف من الأثمان والحبوب والأدهان وفيما يصح السلم فيه غير ذلك كالمذروع والمعدود وجهان أحدهما لا تصح الحوالة به لأن المثل لا يتحرر فيه ولهذا لا يضمن بمثله والثاني يصح لأنه يثبت في الذمة ويحتمل أن يبني الحكم فيه على القرض إن قلنا يقضي في هذا بمثله صحت الحوالة به لأنه يثبت في الذمة بغير السلم وإلا فلا لأنه لا يثبت في الذمة إلا بالسلم ولا تصح الحوالة في السلم وإن كان عليه إبل من قرض وله مثل ذلك على آخر صحت الحوالة بها لأنه إن ثبت في الذمة مثلها صحت الحوالة وإن ثبت قيمتها فالحوالة بها صحيحة وإن كان له إبل من دية فأحال بها على من له عليه مثلها من دية أخرى صح ويلزمه إعطائه أدنى ما يتناوله الاسم وقال أبو الخطاب في وجه آخر أنه لا صح وإن كان عليه إبل من الدية وله مثلها قرضاً فأحال بها ففيه وجهان أحدهما يصح لأن الخيرة في التسليم إلى المحيل وقد رضي بتسليم ماله في ذمة المقترض والثاني لا يصح لأن الواجب في القرض في إحدى الروايتين القيمة فقد أختلف الجنس وإن أحال المقترض من له الدية بها لم يصح وجهاً واحدا لأننا إن قلنا الواجب القيمة فالجنس مختلف وإن قلنا يجب المثل فللمقترض مثل ما أقرض في صفاته وقيمته والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك. الشيخ: هذه صور قد يصعب تصورها لكن القاعدة أنه لابد أن يكون في معلوم على معلوم. السائل: إذا اختلف النوعان على المذهب فهل يجوز الإحالة يعني مثلاً دولار بريال؟ الشيخ: لا يجوز لأن هذه صفة فلا يجوز. السائل: حتى إذا كان الأمر مبني على المسامحة بينهما؟ الشيخ: والله ما أدري لأن هذه في معاوضة ولأن الجنس اختلف.

السائل: إذا تفاهما على أنه متى أخذ المبلغ المخالف للمبلغ المحال عليه يحوله ويعطيه؟ الشيخ: إذا كان بشرط فإنه لا يجوز وأما إن اصطلحا على القيمة في وقت القبض فلا بأس. فصل القارئ: الشرط الرابع أن يحيل برضاه لأن الحق عليه فلا يلزمه أداؤه من جهة بعينها ولا يعتبر رضى المحال عليه لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله وقد أقام المحتال مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الدفع إليه كما لو وكله بالاستيفاء منه. الشيخ: عندنا الآن محيل ومحال عليه فالمحيل لابد من رضاه والمحال عليه لا يشترط رضاه وبقي المحتال وهو الطرف الثالث فصله المؤلف رحمه الله فلو أن صاحب الحق قال للمطلوب أعطني حقي فقال له ما عندي شيء فقال صاحب الحق لك دين على فلان حولني عليه فهل يلزمه أن يحيله؟ الجواب لا يلزمه أن يحيله لأنه لابد من رضى المحيل أما أن يجبر فلا لكن نقول يجبر على أن يستلم الدين الذي له ثم يوفي إذا طلب الغرماء وأما المحال عليه فلا يشترط رضاه فلو أن المحتال صار أشد إلحاحاً من المحيل ولما أحيل عليه هذا الشريك قال لا أقبل أنا لا أعرفك أنا صاحبي فلان فهل له أن يرفض؟ نقول ليس له ذلك بل للمحتال أن يقول له إن فلان يأخذ حقه بنفسه وبوكيله وأنا اعتبرني وكيلاً له. القارئ: وأما المحتال فإن كان المحال عليه مليئاً وهو الموسر غير المماطل لم يعتبر رضاه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) ولأن للمحيل إيفاء الحق بنفسه وبوكيله وقد أقام المحال عليه مقامه في الإيفاء فلم يكن للمحتال الامتناع. الشيخ: المؤلف فسر المليء بأنه الموسر غير المماطل وهذا يحتاج إلى زيادة قيد فنقول الذي يمكن مطالبته فلابد من هذا لأنه قد يحيله على موسر غير مماطل لكن لا تمكن مطالبته لو ماطل، فلو أحيل على أبيه لم

يلزمه القبول ولو أحيل على أمير لم يلزمه القبول لماذا لأن الأول لا تمكن مطالبته شرعاً الذي هو الأب والثاني لا تمكن مطالبته عادة. القارئ: وإن لم يكن مليئاً لم يلزمه أن يحتال للحديث. الشيخ: الحديث دل على هذا بالمنطوق أو بالمفهوم؟ الجواب بالمفهوم ودل على الأمر بالاتباع إذا كان على مليء. القارئ: ولأن عليه ضرراً في قبولها فلم يلزمه كما لو بذل له دون حقه في الصفة فإن رضي بها مع ذلك صحت كما لو رضي بدون حقه. فصل القارئ: إذا صحت الحوالة برئ المحيل من الدين لأنه قد تحول من ذمته فإن تعذر الاستيفاء من المحال عليه لموت أو فلس حادث أو مطل لم يرجع على المحيل كما لو أبرئه. الشيخ: لماذا؟ لأن المحيل برئ وكونه يعتذر الوفاء فيما بعد فهذا ليس إليه. القارئ: وإن كان مفلساً حين الحوالة ولم يرض المحتال بالحوالة فحقه باقي على المحيل لأنه لا يلزمه الاحتيال على مفلس وإن رضي مع العلم بحاله لم يرجع لأن الذمة برئت من الحق فلم تعد إلى الشغل كما لو كان مليئاً، وإن رضي مع الجهل بحاله ففيه روايتان إحداهما لا يرجع لذلك والثانية يرجع لأن الفلس عيب في المحال عليه فكان له الرجوع كما لو اشترى معيباً ثم علم عيبه وإن شرط ملاءة المحال عليه فله شرطه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) رواه أبو داود ولأنه شرط شرطاً مقصودا فإذا بان خلافه ملك الرد كما لو شرطه في المبيع. الشيخ: الآن فهمنا أنه إذا رضي المحتال بعدم ملاءة المحيل فإنه لا يرجع لأنه دخل على بصيرة وأما إن لم يرض فالمذهب يقولون إنه لا يرجع كذلك لأنه رضي ولماذا لم يحتاط لنفسه فيشترط لكن الصحيح أن له الرجوع لا سيما إذا علمنا أن المحيل قد خدع المحتال وأحاله على غير مليء فإن له الرجوع أما لو شرط فقال أنا أقبل الحوالة بشرط أن يكون مليئاً فله شرطه لأن المسلمين على شروطهم. فصل

القارئ: إذا اشترى عبداً فأحال البائع بثمنه أو أحال البائع عليه بثمنه فبان حراً أو مستحقا فالحوالة باطلة لأن البيع باطل ولا دين على المشتري يحيل به أو يحال عليه فإن اتفق المحيل والمحال عليه على ذلك وكذبهما المحتال لم يسمع قولهما كما لو باعا عبداً ثم أقرا بحريته ولا تسمع لهما بينة لأنهما أكذباها لدخولهما في البيع وإن أقامها العبد سمعت وبطلت الحوالة وإن صدقهما المحتال في حرية العبد وأدعى أن الحوالة بدين آخر فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل صحة الحوالة فكان صدقه أظهر فإن أقاما بينة بذلك سمعت لأنهما لم يكذباها. الشيخ: خلاصة هذا أن الحوالة مبنية على أصل فإذا تبينت أن الأصل باطل بطلت الحوالة فإذا أحيل بثمن مبيع أو أحيل به عليه فبان البيع باطلاً فإنه لا حوالة لأنه إذا بطل الأصل بطل الفرع. فصل القارئ: وإن اشترى عبداً وأحال البائع بثمنه ثم وجده معيباً ثم رده قبل قبض المحتال من المحال عليه بطلت الحوالة لأنها بالثمن وقد سقط بالفسخ ذكره القاضي ويحتمل أن لا تبطل لأن المشتري نقل حقه إلى ما في ذمة المحال عليه فلم تبطل بالفسخ كما لو أعطاه عن الثمن ثوباً ثم فسخ العقد لم يرجع في الثوب وإن كان الرد بعد قبض المحتال لم تبطل لأن ذمة المحال عليه برئت بالقبض منه ويرجع المشتري على البائع وإن اشترى عبداً فأحال البائع عليه أجنبياً بالثمن فرده المشتري بعيب لم تبطل الحوالة لأن ذمة المشتري برئت بالحوالة من البائع فصار كأنه قبض منه وتعلق به هاهنا حق غير المتعاقدين وهو المحتال بخلاف التي قبلها ويرجع المشتري على البائع بالثمن.

الشيخ: هنا يفرق بين الفسخ وبين البطلان فإذا تبين البطلان بطلت الحوالة وأما إذا صار فسخاً فالحوالة باقية ولكن لكل منهما أن يحيل على الآخر فإذا فسخ البيع فمعناه أن البائع لا يستحق الثمن وإذا كان لا يستحقه فإنه إن قبض الحوالة أخذت منه وإن قال لا أنا سآخذ الثمن من المحال عليه قلنا خذه لكن يرجع به المشتري عليه، وله أن يحيله يعني فيقول البائع للمشتري _ لما فسخ البيع _ إني أحلتك على الذي أحلتني عليه من قبل. فصل القارئ: وإذا أمر رجل بقبض دين له من غريمه ثم اختلفا فقال أحدهما كانت وكالة بلفظها وقال الآخر كانت حوالة بلفظها فالقول قول مدعي الوكالة لأنه يدعي بقاء الحق على ما كان وينكر انتقاله وإن اتفقا على أنه قال أحلتك بالألف وقال أحدهما كانت حوالة حقيقة وقال آخر كانت وكالة بلفظ الحوالة ففيه وجهان أحدهما القول قول المدعي الوكالة لذلك والثاني القول قول مدعي الحوالة لأن الظاهر معه لموافقته الحقيقة ودعوى الآخر المجاز وإن قال أحلتك بدينك فهي حوالة بكل حال. الشيخ: الصحيح أنه إذا اتفقا على أنه قال أحلتك فإنها حوالة كما لو قال أحلتك بدينك أما إذا قال أمرتك أن تقبض فقال إنك أمرتني على أنها حوالة وقال بل على أنها وكالة فالقول قول مدعي الوكالة لأن الأصل بقاء الحوالة على ما كان عليه. فصل

القارئ: وإذا قال المدين لغريمه قد أحلتك بدينك فلاناً فأنكر فالقول قوله مع يمينه فإن أقام المدين بينة بذلك سمعت ليسقط عنه حق المحيل فإن كانت بحالها فأدعى أجنبي على المدين أن رب الدين أحاله به فأنكره فأقام الأجنبي بينة ثبت في حقه وحق الغائب لأن البينة يقضى بها على الغائب ولزم دفع الدين إليه فإن لم تكن له بينة فاعترف المدين له بصحة دعواه ففيه وجهان أحدهما يلزمه الدفع إليه لاعترافه له بوجوب حقه عليه وانتقال دينه إليه فأشبه ما لو قامت به بينة والثاني لا يلزمه الدفع إليه لأنه لا يأمن إنكار المحيل ورجوعه عليه فكان له الاحتياط في تخليص نفسه كما لو أدعى الوكالة فإن دفعه إليه ثم أنكر المحيل الحوالة وحلف ورجع على المحال عليه فأخذ منه لم يرجع المحال عليه على المحتال لأنه معترف له أنه استوفى حقه وإنما المحيل ظلمه وإن أنكر المدين الحوالة انبنى على الوجهين إن قلنا يلزمه الدفع مع الإقرار لزمته اليمين على الإنكار وتكون على نفي العلم لأنها على نفي فعل الغير وإن قلنا لا يلزمه الدفع مع الإقرار لم تلزمه اليمين مع الإنكار لعدم فائدتها وليس للمحتال الرجوع على المحيل لاعترافه ببراءة ذمته ويسأل المحيل فإن صدق المحتال ثبت ثبتت الحوالة لأن رضى المحال عليه غير معتبر وإن كذبه حلف له وسقطت الحوالة وإن نكل المحال عليه عن اليمين فقضي عليه واستوفي منه ثم أنكر المحيل الحوالة فله أن يستوفي من المحال عليه لأنه معترف له بالألف مدع أن المحتال ظلمه. فصل القارئ: فإن كان عليه دين فادعى رجل أنه وكيل ربه في قبضه فصدقه لم يلزمه دفعه إليه لما ذكرنا في الحوالة وإن أنكر لم تلزمه اليمين لأنه لا يلزمه الدفع مع الإقرار فلم تلزمه اليمين مع الإنكار.

الشيخ: هذا إنسان عليه دين فجاءه رجل فقال إن صاحب الدين وكلني في قبضه منك فقال صدقت أنت رجل صدوق وليس عندي إشكال في صدقك لكن لن أعطيك المال، وهذا يمكن أن يحدث، لماذا؟ لأنه ربما ينكر صاحب الدين الوكالة فيقول ما وكلته، فإذا أنكر الوكالة لزم المدين أن يوفيه فيوفيه ويرجع على أدعى أنه وكيل أما لو ثبت ببينة فإنه يلزمه أن يوفي لأنه لا ضرر عليه لأن قد أثبت ذلك بالبينة نعم وهذا حقيقة قد يستغربها الإنسان كيف يصدقه الوكيل ولا يعطيه لقول نعم لأن فيها طرف ثالث وهو الموكل لأنه قد ينكر والوكالة وحينئذ يلزم هذا أن يضمن. القارئ: فإن دفعه إليه فأنكر رب الدين الوكالة حلف ورجع على الدافع ثم رجع الدافع على الوكيل إن لم يكن أعترف بصدقه لأنه لم يثبت أنه وكيل وإن كان اعترف له لم يرجع عليه لأنه اعترف بصحة دعواه وأن الموكل ظلمه فلم يرجع على غير ظالمه وإن كان المدفوع وديعة فوجدها ربها أخذها وإن تلفت في يد الوكيل تلزمه مطالبة من شاء منهما فإن طالب الوكيل لم يرجع على أحد لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه وإن طالب المودع وكان قد اعترف بالوكالة لم يرجع على أحد لما ذكرناه في الدين وإن لم يكن اعترف للوكيل رجع عليه. فصل القارئ: فإن كان عند رجل دين أو وديعة فجاء رجل فادعى أنه وارث صاحبهما وقد مات ولا وارث له سواه فصدقه لزمه الدفع إليه لأنه لا يخشى تبعة وإن كذبه فعليه اليمين أنه لا يعلم ذلك لأنه لزمه الدفع مع الإقرار فلزمته اليمين مع الإنكار. فصل

القارئ: فإن كان لرجل ألف على اثنين كل واحد منها ضامن لصاحبه فأحاله أحدهما بها برئا منها لأن الحوالة كالتقبيض وإن أحال صاحب الألف به على أحدهما صحت الحوالة لأنها مستقرة في ذمة كل واحد منهما وإن أحال عليهما جميعاً ليستوفي من كل واحد منهما نصفها صحت لأن ذلك للمحيل فملك الحوالة به وإن أحال عليهما ليستوفي من أيهما شاء صحت أيضا لأنه لا فضل في نوع ولا عدد ولا أجل وإنما هو زيادة استيثاق فأشبه حوالة المعسر على المليء ولهذا لو أحالاه على واحد صح.

كتاب الضمان

كتاب الضمان الشيخ: اعلم أن الأشياء التي يتوثق بها الإنسان لحقه هي الشهادة والكتابة والضمان والكفالة والرهن فكل هذه مما يوثق حق الإنسان فالشهادة أن يشهد عليه والكتابة أن يكتب المحقوق بالحق الذي عليه والرهن أن يعطي من له الحق رهناً والضمان هو الباب الذي نحن فيه والكفالة أيضاً ستأتي إن شاء الله. القارئ: وهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام دينه. الشيخ: لو قال المؤلف رحمه الله وهو التزام الإنسان بما على غيره لكان أوضح من ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه فول قال أن يلتزم ما على غيره من دين كان هذا الضمان. القارئ: فإذا قال لرجل أنا ضامن مالك على فلان أو أنا به زعيم أو كفيل أو قبيل أو حميل أو هو عليَّ صار ضامناً له وثبت في ذمته مع بقائه في ذمة المدين ولصاحب الدين مطالبة من شاء منهما لقول الله تعالى (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ). الشيخ: هذا قاله صاحب العزيز قال (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) يعني أنا ضامن.

القارئ: وقول النبي صلى الله عليه وسلم (الزعيم غارم) حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وروى سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل ليصلي عليه فقال (هل عليه دين) قالوا نعم ديناران قال (هل ترك لهما وفاءً) فقالوا لا فتأخر فقيل لما لا تصلي عليه فقال (ما تنفعه صلاتي وذمته مرهونة إلا إن قام أحدكم فضمنه) فقام أبو قتادة فقال هما عليَّ يا رسول الله فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ولا يبرأ المضمون عنه بمجرد الضمان في الحياة رواية واحدة وفي الميت روايتان إحداهما يبرأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على الميت حين ضمنه أبو قتادة والثانية لا يبرأ وهي أصح لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أبا قتادة عن الدينارين الذين ضمنهما فقال قد قضيتهما فقال (الآن بردت جلدته) رواه أحمد رضي الله عنه ولأنه وثيقة بدين فلم يسقط كالرهن وكحال الحياة ومتى برئ الغريم بأداء أو إبراء برئ الضمان لأنه تبع فزال بزوال أصله كالرهن وإن أبرأ الضامن لم يبرأ المضمون عنه لأن الوثيقة انحلت من غير استيفاء فلم يسقط الدين كالرهن. فصل القارئ: ولا يصح إلا من جائز التصرف فأما المحجور عليه لصغر أو جنون أو سفه فلا يصح ضمانه لأنه تبرع بالتزام مال فلم يصح منهم كنذر الصدقة وخرج بعض أصحابنا ضمان الصبي بإذن وليه على الروايتين في صحة بيعه وقال القاضي يصح ضمان السفيه ويتبع به بعد فك حجره وهذا بعيد لأن الضمان مجرد ضرر وتضييع للمال فلم يصح منه كالعتق ولا يصح ضمان العبد والمكاتب بغير إذن سيدهما لأنه التزام فلم يصح منهما بغير إذن كالنكاح ويصح بإذنه لأن المنع لحقه فزال بإذنه ويؤديه المكاتب مما في يده وهل يتعلق برقبة العبد أو بذمة سيده على وجهين. فصل

القارئ: ويصح ضمان دين الميت المفلس وغيره لحديث أبي قتادة ولا يعتبر رضى المضمون له ولا المضمون عنه للخبر ولا معرفة الضامن لهما لأنه لا يعتبر رضاهما فأشبه الأجانب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل أبا قتادة عن معرفتهما ويحتمل أن تعتبر معرفتهما ليؤدي إلى أحدهما ويرجع على الآخر بما غرم عنه ويحتمل أن تعتبر معرفة المضمون له ليؤدي إليه ولا تعتبر معرفة المضمون عنه لعدم المعاملة بينه وبينه ولا يصح إلا برضى الضامن لأنه التزام مال فلم يصح من غير رضى الملتزم كالنذر. الشيخ: فهمنا المضمون عنه لا يشترط رضاه والضمان يشترط رضاه لأنه هو المتبرع والمضمون له لا يشترط رضاه فإذا قال المضمون عنه للضامن لا تضمني أنا لست مماطلاً ولا معدماً ولا أريد أن تضمني وقال المضمون له بل أنا أريد أن يضمن، فمن يقبل قوله؟ الجواب المضمون له، لأنه لا يشترط رضى المضمون عنه حتى وإن كان بعض الناس يرى أن قيام أحد يضمنه يعتبر قدحاً فيه وأنه مماطل أو معسر لأن بعض الوجهاء والأعيان يأنفون من أن يقوم أحدٌ فيضمنهم فيقول أنا لست مماطل ولست معسراً والأموال عندي كثيرة والحمد لله وأنا مليء، فهل نقول إن الحق عليك وليس لك وإذا طالب الذي له الحق أن يُضمن له ضُمِنَ له وإذا كنت لا تريد أن يضمنك أحد سَلِّم ما عليك الآن واستريح فالمهم أنه لا يشترط إلا رضى الضامن فقط. فصل

القارئ: ويصح ضمان اللازم لخبر أبي قتادة وضمان الجعل في الجعالة لقول الله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) وضمان كل حق مالي لازم أو مآله إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار وبعدها والأجرة والصداق قبل الدخول وبعده وأرش الجناية نقداً أو حيونا لأنها حقوق مالية لازمة أو مآلها إلى اللزوم فصح ضمانها كالدين والجعل ويصح ضمان الأعيان المضمونة كالغصوب والعواري لأنها مضمونة على من هي في يده فأشبهت الدين ويصح ضمان عهدة المبيع عن كل واحد منهما لصاحبه وهو أن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسلميه أو إن ظهر فيه عيب أو استحق أو وجد ذلك في المبيع غرمه الضامن لأن ذلك لازم فإنه إنما يتعلق بالضامن حكم لعيب أو غصب ونحوهما وهذا كان موجوداً حال الضمان فصح ضمانه كالدين وإن استحق الرجوع لأمر حادث كتلف المبيع قبل قبضه أو أخذه بشفعة فلا شيء على الضامن وإن ضمن البائع أو غيره للمشتري قيمة ما يحدثه من غراس أو بناء أو ما يلزمه من أجرة إن خرج المبيع مستحقاً صح ويرجع على الضامن بما لزمه من ذلك لأنه يستند إلى أمر وجودي ويصح أن يضمن الضامن ضامن ثاني لأن دينه ثابت فصح ضمانه كالأول ويصير الثاني فرعاً للضامن حكمه معه حكم الضامن مع الأصيل. الشيخ: عهدة المبيع معناه أن الإنسان إذا أراد أن يشتري شيئاً من شخص مجهول وخاف أن يكون المبيع مسروقاً أو مغصوباً أو أن يظهر فيه عيب فيتقدم أحد ويقول أنا أضمن العهدة يعني إن ظهر مغصوباً أو مسروقاً أو ظهر فيه عيب فأنا ضمان مع أن هذا شيء معلق لكن المصلحة تقتضي ذلك فإذا كانت المصلحة تقتضي ذلك فلا مانع لأن الأصل في العقود الصحة والجواز إلا إذا اشتملت على غش أو ظلم أو ربا فإنها تحرم وهنا ليس هناك أي محظور. فصل

القارئ: ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها لأنها غير مضمونة على من هي في يده فكذلك على ضامنه وإن ضمن لصاحبها ما يلزم بالتعدي فيها صح نص عليه أحمد رضي الله عنه لأنها تصير مضمونة على المضمون عنه ولا يصح ضمان مال الكتابة وعنه يصح لأنه يجوز أن يضمن عنه دين آخر والمذهب الأول لأن مال الكتابة غير لازم ولا يفضي إلى اللزوم لأنه يملك تعجيز نفسه ولأن الضمان لتوثيق الحق ومالا يلزم لا يمكن توثيقه وفي ضمان مال السلم روايتان إحداهما يصح لأنه دين لازم فأشبه القرض والثانية لا يصح لأنه يفضي إلى استيفائه من غير المسلم إليه فأشبه الحوالة به. الشيخ: والصحيح أنه يجوز لضمان دين السلم وكذلك بالنسبة للوديعة يجوز أن يضمن التعدي فيها أو التفريط فيها لأنها إذا تلفت من غير تعدي ولا تفريط فإن المودع لا يضمن وإذا لم يضمن الأصل لم يضمن الفرع أما التعدي أو التفريط فإن المودع إذا تعدى أو فرط فإنه يضمن وحينئذ لو سألك سائل هل يصح ضمان الأمانات يعني الودائع؟ فالجواب أما ضمانها إذا تعدى أو فرط فهذا جائز وأما إذا لم يتعد ولم يفرط فهذا ليس بجائز. فصل القارئ: ويصح ضمان المعلوم والمجهول قبل وجوبه وبعده لقوله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) وحمل البعير يختلف فهو غير معلوم وقد ضمنه قبل وجوبه ولأنه التزام حق من غير معاوضة فأشبه النذر وإن قال ألق متاعك في البحر وعليَّ ضمانه صح لأنه استدعاء إتلاف بعوض لغرض صحيح فصح كقوله أعتق عبدك وعليَّ ثمنه. الشيخ: قوله (لغرض صحيح) المقصود به هنا خوف الغرق يعني أنه ينجو من الغرق مثاله سفينة محملة تكاد تغرق فقال أحد الركاب لمن له حِملها ألق متاعك وعليَّ ضمانه فهذا يجوز لأنه يشبه أنه اشتراه منه بثمنه. فصل

القارئ: ويصح ضمان الحال مؤجلا لأن الغريم يلزمه أداؤه في جميع الأزمنة فجاز للضامن التزام ذلك في بعضه كبعض الدين وإن ضمن المؤجل حالاً لم يلزمه لأنه لا يلزم الأصيل فلا يلزم الضامن ويقع الضمان مؤجلاً على صفته في ذمة الضامن وإن ضمن الدين المؤجل وقلنا إن الدين يحل بالموت فمات أحدهما حل عليه الدين وبقي في ذمة الآخر إلى أجله ولا يملك ورثة الضامن الرجوع على المضمون عنه قبل الأجل لأنه لم يحل فصل القارئ: وإذا قضى الضامن الدين بإذن المضمون عنه رجع عليه لأنه قضى دينه بإذنه فهو كوكيله وإن ضمن بإذنه رجع عليه لأنه تضمن الإذن في الأداء فأشبه ما لو أذن فيه صريحا وإن ضمن بغير إذنه وقضى بغير إذنه معتقداً للرجوع ففيه روايتان إحداهما يرجع أيضا لأنه قضاء مبرئ من دين واجب لم يتبرع به فكان على من هو عليه كما لو قضاه الحكام عند امتناعه والثانية لا يرجع لأنه تبرع فلم يرجع به كما لو بنى داره أو أعلف دابته بغير إذنه فإن اختلفا في الإذن فالقول قول من ينكره لأن الأصل عدمه. الشيخ: الصحيح أنه يرجع عليه مادام نوى الرجوع عند القضاء أنه يرجع سواء كان الضمان بإذن المضمون عنه أو لا، لأنه قضى عنه ديناً واجباً بنية الرجوع فجاز له المطالبة به. السائل: المؤلف استدل على جواز ضمان المجهول بقوله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) ألا يقال إن حمل البعير معروف ويحمل على ما جرت به العادة فلا يكون في الآية دليل؟ الشيخ: قوله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ) نقول من الذي جاء به؟ الجواب لا ندري فهو مجهول. فصل القارئ: ويرجع الضامن بأقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين لأنه إن قضاه بأقل منه فإنما يرجع بما غرم وإن أدى أكثر منه فالزائد لا يجب أداؤه فقد تبرع به.

الشيخ: هذا الكلام صحيح وواضح لأنه إذا كان الدين المضمون ألفاً ورضي صاحب الحق بثمانمائة فإنه لا يرجع إلا إذا قال صاحب الحق أعطني ثمانمائة والباقي خذه من صاحبك فهنا لا بأس يأخذ من صاحبه الزائد وهو مائتان. القارئ: وإن دفع عن الدين عرضا رجع بأقل الأمرين من قيمته أو قدر الدين وإن قضى المؤجل قبل أجله لم يرجع قبل الأجل لأنه تبرع بالتعجيل وإن أحال به الغريم رجع بأقل الأمرين مما أحال به أو دينه سواء قبض الغريم من المحال عليه أو لم يقبض لأن الحوالة كالتقبيض وإن ضمن الضامن ضامن آخر فقضى الدين رجع على الضامن ثم رجع الضامن على المضمون عنه وإن قضاه الضامن رجع على الأصيل وحده فإن كان الأول ضمن بلا إذن والثاني ضمن بإذن رجع الثاني على الأول ولم يرجع الأول على أحد في إحدى الروايتين. فصل القارئ: وإن ضمن بإذنه فطولب بالدين فله مطالبة المضمون عنه بتخليصه لأنه لزمه الأداء بأمره ولا يملك المطالبة قبل ذلك لأنه لا يملك الرجوع قبل الغرامة فلا يملك المطالبة قبل أن يطالب وإن ضمن بغير إذنه لم يملك المطالبة به لأنه لا دين له ولا هو وكيل صاحب الدين ولا لزمه الأداء بإذن الغريم فأشبه الأجانب. الشيخ: إذا طُلِبَ الضامن فله أن يطالب المضمون عنه بالوفاء لأنه لزمه الأداء بأمره ولا يملك المطالبة قبل ذلك لأنه لم يطالب. فصل القارئ: وإذا دفع المضمون عنه قدر الدين إلى الضامن عوضاً عما يقضيه في الثاني لم يصح لأنه جعله عوضاً عما يجب عليه في الثاني فلم يصح كما لو دفع إليه شيئاً عن بيع لم يعقده ويكون ما قبضه مضموناً عليه لأنه قبضه على وجه البدل فأشبه المقبوض ببيع الفاسد وفيه وجه أنه يصح لأن الرجوع بسببين ضمان وغرم فإذا وجد أحدهما جاز تعجيل المال كتعجيل الزكاة فإن قضى الدين استقر ملكه على ما قبض وإن برئ قبل القضاء وجب رد ما أخذ كما يجب رد الثمن إذا لم يتم البيع. فصل

باب الكفالة

القارئ: إذا أدعى الضامن القضاء فأنكره المضمون له فالقول قوله مع يمنيه لأن الأصل معه وله مطالبة من شاء منهما فإن استوفى من الضامن لم يرجع على المضمون عنه إلا بأحد القضائين لأنه يدعي أن المضمون له ظلمه بالأخذ الثاني فلا يرجع به على غيره وفيما يرجع به وجهان أحدهما بالقضاء الأول لأنه قضاء صحيح والثاني ظلم والوجه الثاني يرجع بالقضاء الثاني لأنه الذي أبرأ الذمة ظاهراً فأما إن استوفى من المضمون عنه فهل للضامن الرجوع عليه؟ ينظر فإن كذبه المضمون عنه بالقضاء لم يرجع لأنه لم يثبت صدقه وإن صدقه وكان قد فرط في القضاء لم يرجع بشيء لأنه أذن له في قضاء مبرئ ولم يوجد وإن لم يفرط رجع وسنذكر التفريط في الوكالة إن شاء الله فإن اعترف المضمون له بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يلتفت إلى إنكاره لأن الدين حق للمضمون له فإذا أقر بقبضه فقد أقر بأنه صار للضامن ولأنه يثبت القضاء بالإقرار فملك الرجوع به كما لو ثبت ببينة وفيه وجه آخر أن القول قول المضمون عنه لأنه منكر. طالب: وإن كذب المضمون عنه القضاء عند الأداء. الشيخ: كل باب الضمان يعود إلى ضمان الدين لصاحب الحق وليس ضمان صاحب الدين بل ضمان الدين وعلى هذا فلو أحضر المضمون عنه لم يبرأ حتى يقضي الدين وأما الكفالة فهي التزام بإحضار بدن المكفول وليس دينه وهذا فرق مهم جداً لأن الكفيل إذا أحضر المكفول برئ سواء أوفي أو لم يوف إلا في مسائل ستأتي إن شاء الله. باب الكفالة القارئ: تصح الكفالة ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحاكم بحق يصح ضمانه لأنه حق لازم فصحت الكفالة به كالدين ولا تصح بمن عليه حد أو قصاص لأنها تراد للاستيثاق بالحق وهذا مما يدرأ بالشبهات.

الشيخ: قوله رحمه الله (وهذا مما يدرأ بالشبهات) فيه نظر وهذا لا يمكن من غير من يجب عليه فمثلاً الكفالة في القصاص لنفرض أن الكفيل لم يقدر على المكفول فهل نقتص منه؟ لا نقتص لكن لو قيل أنه يكلفه فإن لم يكن إحضار بدنه ألزم بالدية فهذا لا بأس لأن هذا أصبح كأنه ضمان إذ أنه التزام بحق مالي يمكن استيفائه من غير من هو عليه وكذلك مسألة الحد فإنه لا عوض عن الحد فلو قال شخص للحاكم مثلاً أخرج فلان من الحبس وأنا أكلفه لك وأحضره لتقيم عليه الحد فإن هذا لا يصح، لماذا؟ لأن هذه الكفالة في الحقيقة ليس فيها كبير فائدة إذ أنه إذا عجز عن إحضاره لم يستوف الحد من الكفيل ومسألة الدرء بالشبهات فهذه ما فيها شبهة هذه واضحة والمهم أنه لا كفالة في حد وأما القصاص فالصحيح أنه يفصل فيه إذا قال أنا أكفل إحضاره لتقتصوا منه فإن تعذر فلا أكفل لكم إلا الدية ورضوا بذلك صح. القارئ: ولا تصح بالمكاتب لأنه لا يلزمه الحضور فلا يلزم غيره إحضاره كالأجانب وتصح الكفالة بالأعيان المضمونة كالمغصوب والعواري لأنه يصح ضمانها ولا تصح في الأمانات إلا بشرط التعدي فيها كضمانها سواء. الشيخ: الكفالة بالأعيان المضمونة تصح كالمغصوب مثلاً إنسان غاصب وغيَّبَ المغصوب وأحضر إلى مجلس الحكم فقال كفيله أنا أكفله لما غصب فهذا جائز لأنه إذا تعذر إحضاره رجعنا عليه بالمال وكذلك العواري أما الأمانات فلا تصح الكفالة فيها لأن الأصل وهو المكفول لا يجب عليه ضمان الأمانات لكن إذا ضمن التعدي فيها جاز. فصل القارئ: وإذا صحت الكفالة فتعذر إحضار المكفول به لزمه عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الزعيم غارم) ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب الغرم بها كالضمان. الشيخ: لو قال المؤلف ولأننا لو لم نوجب الضمان لم يكن للكفالة فائدة هذا هو الصحيح وهو التعليل الصحيح فنحن لو لم نوجب هذا لكانت الكفالة عديمة الفائدة.

القارئ: فإن غاب المكفول به أمهل كفيله قدر ما يمضي إليه فيعيده لأن ما لزم تسلميه لم يلزم إلا بإمكان التسليم فإن مضى زمن الإمكان ولم يفعل لزمه ما عليه أو بذل العين التي كفل بها. السائل: الكفالة هل تصح بأي صيغة أم يشترط لها صيغة معينة؟ الشيخ: بل بكل ما دل عليها فجميع العقود تنعقد بما دل عليها مطلقاً على القول الراجح واستثنى الفقهاء رحمهم الله النكاح فإنه ينعقد بلفظ أنكحت أو زوجت والصحيح أن جميع العقود تنعقد بما دل عليه وكذلك الفسوخ تنعقد بما دل عليها. القارئ: فإن مات أو تلفت العين بفعل الله تعالى سقطت الكفالة لأن الحضور سقط عن المكفول به فبرئ كفيله كما يبرأ الضامن ببراءة المضمون عنه ويحتمل أن لا يسقط ويطالب بما عليه. الشيخ: قوله (إن مات) أي المكفول (أو تلفت العين) أي المكفول بها والصواب أنها تسقط الكفالة إن تعذر تسليم المكفول فإن كان المكفول الرجل فقد مات وإن كان مكفول العين فقد تلفت. القارئ: وإن سلم المكفول نفسه أو برئ من الحق بأداء أو إبراء برئ كفيله لأن الحق سقط عن الأصيل فبرئ الكفيل كالضمان وإن أبرأ الكفيل صح كما يصح إبراء الضامن ولا يبرأ المكفول به كالضمان وإن قال رجل أبرئ الكفيل وأنا كفيل بمن تكفل به ففيه وجهان أحدهما يصح لأنه نقل الضمان إلى نفسه فصح كما لو أحال الضامن المضمون له على آخر والثاني لا يصح لأنه شرط في الكفالة أن يبرئ الكفيل فهو شرط فاسد فمنع صحة العقد. الشيخ: والصواب أنه صحيح ولا مانع وفيه فائدة. فصل

القارئ: وإذا قال أنا كفيل بفلان أو بنفسه أو بدنه أو وجهه صحت الكفالة وإن كفل ببعض بدنه فقال القاضي لا يصح لأن مالا يسري إذا خص به بعض الجسد لا يصح كالبيع وقال غيره إن كفل بعضو لا تبقى الحياة بدونه كالرأس والقلب والظهر صحت لأنه لا يمكن تسلميه بدون تسليم البدن فأشبه الوجه وإن كفل بغيرها كاليد والرجل ففيه وجهان أحدهما لا يصح لأن تسليمه بدون البدن ممكن والثاني يصح لأنه لا يمكن تسليمه على صفته دون البدن فأشبه الوجه. الشيخ: الآن هل نقول البعض إذا كان يطلق على الكل صح مثل الوجه والرقبة وإن كان لا يطلق على الكل لم يصح كالأذن والعين والرجل والقدم وهذا أقرب شيء ولو قال قائل إنه إذا كفل البعض صح مطلقاً إلا إذا كان هذا منفصلاً أو في حكم المنفصل كالسن والشعر والظفر كما قالوا في الطلاق أنه إذا طلق جزءاً لا ينفصل وقع الطلاق وإذا كان ينفصل لم يقع وهذه الصور الفقهاء يصورنها وإلا ليس هناك من يقول أكفل لك وجه فلان. فصل القارئ: إذا علق الكفالة والضمان على شرط أو وقتهما فقال أنا كفيل بفلان أو ضامن ما عليه فقال القاضي لا يصح لأنه إثبات حق لآدمي فلم يجز ذلك فيه كالبيع وقال أبو الخطاب والشريف أبو جعفر يصح لأنه ضمان أو كفالة فصح تعليقه على شرط كضمان العهدة فعلى هذا لو قال كفلت بفلان على أني إن جئت به وإلا فأنا كفيل بفلان أو ضامن ما عليه صح فيهما عندهما ولم يصح عند القاضي لأن الأول مؤقت والثاني معلق على شرط.

الشيخ: الصحيح الجواز والأقيسة التي ذكروها رحمهم الله منها مالا يصح ومنها ما هو غير مسلم فتعليل القاضي رحمه الله بأنه لا يصح التوقيت كالبيع نقول أولاً أن بينهما فرقاً البيع نقل ملك وهذا ضمان والملك باقي ولا ضرر فيه على أحد وثانياً أن نقول من الذي يقول إن البيع لا يصح معلقاً من قال هذا؟ يحتاج إلى دليل والأًصل في الشروط الحل والصحة والإلزام بما التزم به الشارط إلا بدليل فالصواب إن الشروط في جميع العقود صحيحة هذا هو الأصل كما أن جميع العقود الأصل فيها الصحة إلا بدليل فأي إنسان يقول لك هذا شرط غير صحيح فقل له أين الدليل؟ لكن لو أن إنسان تعبد لله بعبادة فإننا نمنعه حتى يأتي بدليل فالواجب إتباع الأصل كما قلنا ذلك في المنظومة (إن يقع شك فأتبع الأصل) فالصواب في هذا أنه يجوز الضمان والكفالة معلقاً وموقتاً ودليلنا على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً). فصل القارئ: وتصح الكفالة ببدن الكفيل كما يصح ضمان دين الضامن وتجوز حالة ومؤجلة كالضمان ولا تجوز إلى أجل مجهول لأنه حق لآدمي فلم يجز إلى أجل مجهول كالبيع. الشيخ: هذا فيه نظر البيع عقد معاوضة مبني على المشاحة والمقاطعة وهذه عقد توثقة إن حصلت فهذا المطلوب وإن لم تحصل فالحق باقي فالصواب أنها تصح إلى أجل مجهول مثل أن يقول أنا ضامن هذا الرجل إلى أن يحضر أبوه أو أنا كافل به إلى أن يحضر أخيه ليس في هذا مانع إطلاقاً وهذا يقع أيضاً والناس محتاجون إليه فيقول مادام أبوه غير حاضر فأنا ضمان وإذا حضر فأبوه فإنه هو الذي يتولى أمره أيضاً أنا أكفله حتى يأتي أبوه. القارئ: وتجوز الكفالة مطلقة ومقيدة بالتسليم في مكان بعينه فإن أطلق ففي أي موضع أحضره وسلمه إليه على وجه لا ضرر عليه فيه برئ وإن كان عليه ضرر لم يبرأ بتسليمه وكذلك إذا سلمه قبل المحل قياساً على من سلم المسلم فيه قبل محله أو غير مكانه.

الشيخ: الله المستعان هذا قياس فيه نظر لو سلم الكفيل قبل المحل لم يبرأ ووجهه أن صاحب الحق لا يمكن أن يطالب الكفيل الآن لأن الدين لم يحل إذاً ما الفائدة من تسليمه؟ فالتعليل الصحيح أن يقال أنه إذا سلمه قبل المحل لا يبرأ لأن صاحب الدين وهو المكفول له لا يمكنه المطالبة بدينه وأي فائدة من الإتيان بالكفيل والدين سيحل بعد سنة أما مسألة الدين قبل محله فهذه مسألة أخرى والصحيح أنه إذا سلمه الدين قبل محله لزمه أخذه إلا إذا كان عليه ضرر. القارئ: وإن كفل واحد لأثنين فسلمه إلي أحدهما أو أبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر لأنه حق لأثنين فلم يبرأ بأداء حق أحدهما كالضمان وإن كفل اثنان لرجل فأبرأ أحدهما لم يبرأ الآخر كما في الضمان وإن سلمه أحدهما لم يبرأ الآخر لأنه برئ من غير استيفاء الحق فلم يبرأ صاحبه كما لو برئ بالإبراء ويحتمل أن يبرأ كما لو أدى أحد الضامنين الدين وإن قال الكفيل أو الضامن برئت مما كفلت به لم يكن إقراراً بقبض الحق لأنه قد يبرأ بغير ذلك. الشيخ: قوله (وإن قال الكفيل) الأوجه أن يقال (وإن قال للكفيل) أي قال صاحب الحق فتكون العبارة هكذا (وإن قال للكفيل أو الضامن برئت مما كفلت به لم يكن إقراراً بقبض الحق لأنه قد يبرأ بغير ذلك) وهذه العبارة مشكلة وتحتاج إلى مراجعة. فصل القارئ: إذا طولب الكفيل بإحضار المكفول به لزمه أن يحضر معه لأنه وكيل في إحضاره فإن أراد إحضاره من غير طلب والكفالة بإذنه لزمه الحضور معه لأنه شغل ذمته من أجله بإذنه فكان عليه تخليصه كما لو استعار عبده فرهنه وإن كفل بغير إذنه لم يلزمه الحضور معه لأنه لم يشغل ذمته ولا له قبله حق. الشيخ: ولو قيل بأنه لا يلزم الكفيل الحضور مطلقاً لكان وجيهاً لأن المقصود إحضار المكفول فإذا حضر فسواء حضر الكفيل أو لا، وذلك مثل أن يرسل الكفيل مكفوله مع خادمه أو مع عبده أو ما أشبه ذلك. فصل

القارئ: إذا كفل إنساناً أو ضمنه ثم قال لم يكن عليه حق فالقول قول خصمه لأن ذلك لا يكون إلا بمن عليه حق فإقراره به إقرار بالحق وهل يلزم الخصم اليمين فيه وجهان مضى توجيههما فيمن أقر بتقبيض الرهن ثم أنكره وطلب يمين المرتهن والله أعلم.

كتاب الوكالة

كتاب الوكالة القارئ: يصح التوكيل في الشراء لقول الله تعالى (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ). الشيخ: إباحة الوكالة لا شك أنها من محاسن الشريعة ومن تيسيرها وذلك لأن الإنسان قد لا يتمكن من الوصول إلى ما يريد إلا بوكالة وهي تشبه الاستعانة بالغير لأن المُوَكِّل إذا وَكَّلَ شخصاً فقد استعان به وهنا نسأل هل هي مباحة أو مندوبة أو محرمة؟ الجواب أما بالنسبة للمُوكِّل فإنها مباحة وأما بالنسبة للوكيل فإنها سنة لأنها من الإحسان والإعانة وقد قال الله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) واستدل المؤلف رحمه الله لجوازها بالآية الكريمة (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) فإذا قال قائل القصة هذه ليست لهذه الأمة؟ فالجواب أن ما قصه الله علينا في القرآن الكريم فإنه عبرة لنا فإذا قُصَّ ولم ينكر فهو عبرة لنا يعني لنا أن نفعله، والعلماء رحمهم الله دائماً يستدلون بما في القرآن الكريم، وفي هذه الآية جواز التوكيل وجواز الاشتراك لقولهم (بِوَرِقِكُمْ) فإن ظاهر أن النقد الذي معهم مشترك وفيها أيضاً جواز طلب الأعلى والأزكى من الطعام وأن هذا لا يعد إسرافاً لقوله (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً) وفيها أيضاً رد لكلام الفقهاء في باب السلم رحمهم الله حيث قالوا إنه إذا شرط الأردأ أو الأجود لم يصح لأنه ما من جيد إلا وفوقه أجود منه فيقال إن هؤلاء وكلوه في شراء الأزكى ويُحْمَلُ الأردأ والأجود على ما في السوق وفيها أيضاً جواز التوكيل بالشراء والحمل فلو وكلت شخصاً ليشتري لك شيئاً فإنه من لازم الوكالة أن يشتريه ويأتي به لا أن يشتريه ويضعه في الدكان فالمطلوب أن يحضره ويكون قولهم (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) من باب التوكيد.

القارئ: ولما روى عروة بن أبي الجعد قال (أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً اشتري له به شاة) رواه البخاري (أو أضحية) ولأن الحاجة داعية إليها فإنه لا يمكن كل أحد شراء ما يحتاج إليه فدعت الضرورة إليها وتجوز في سائر عقود المعاملات قياساً على الشراء وفي تملك المباحات كإحياء الموات والاصطياد لأنه تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز التوكيل فيه كالشراء. الشيخ: أما أحياء الموات فلا شك أنه جائز فلو وَكَّلَ شخصاً أن يحي له مواتاً فلا بأس لكن الاصطياد والاحتشاش قد يتوقف فيهما الإنسان لأن هذا شيء يملكه الإنسان بفعله فيكون لمن اصطاد أو لمن حَشَّ لكن الفقهاء رحمهم الله يقولون لا بأس به ويكون اصطياده وكالة. القارئ: وتجوز في عقد النكاح لأن النبي صلى الله عليه وسلم وَكَّلَ عمرو بن أمية الضمري فتزوج له أم حبيبة وتجوز في الطلاق والعتاق والخلع والرجعة لأنها في معنى النكاح.

الشيخ: الخلع هو فراق زوجته بعوض وليس طلاقاً بل هو فسخ واختلف العلماء رحمهم الله إذا وقع الخلع بلفظ الطلاق هل يكون فسخاً أو يكون طلاقاً فإن قلنا إنه طلاق حُسِبَ من الطلاق وإن قلنا إنه فسخ لم يحسب، ومثاله أن تطلب المرأة من زوجها أن يطلقها بعوض وليكن ألف ريال فطلقها على عوض ألف ريال وكان قد طلقها قبل ذلك مرتين فإذا قلنا إنه طلاق لم تحل له إلا بعد زوج وإذا قلنا إنه فسخ حلت له بعقد والقول الراجح أنه فسخ كالخلع وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وقال ابن عباس رضي الله عنهما (كل ما كان فيه عوض فليس بطلاق) وأما قوله في حديث ثابت بن قيس (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) فهذه الكلمة (طلقها تطليقة) لا تصح وإذا لم تصح بقينا على الأصل أن هذا فراق بعوض فهو فداء كما سماه الله عز وجل (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِه) إذاً الخلع هو فراق الزوجة بعوض سواء كان بلفظ الفسخ أو الفداء أو الفراق أو الطلاق على القول الراجح، وأما الرجعة فهي أن تكون امرأة مطلقة فيوكِّل زوجها شخصاً فيقول له راجعها عني. القارئ: وتجوز في إثبات الأموال والحكومة فيها حاضراً كان الموكل أو غائبا لما روي أن علياً وكَّل عقيلاً عند أبي بكر رضي الله عنهم وقال ما قضي عليه فعليَّ وما قضي له فلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان وقال إن للخصومة قحماً يعني مهالك وهذه قضايا في مظنة الشهرة ولم تنكر فكانت إجماعا ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك بأن يكون له حق أو عليه ولا يحسن الخصومة أو لا يحب حضورها ويجوز التوكيل في الإقرار لأنه إثبات حق فأشبه البيع. الشيخ: لكن في الإقرار يجب أن يحدد له فيقول أنت وكلي في الإقرار بما يدعيه عليَّ فلان ما لم يتجاوز عشرة آلاف مثلاً وعليه فيتقيد بما قيده الموكِّل.

القارئ: ويجوز في إثبات القصاص وحد القذف واستيفائهما في حضرة الموكل وغيبته لأنه حق آدمي أشبه المال وقال بعض أصحابنا لا يجوز استيفاؤهما في غيبته وقد أومأ إليه أحمد رضي الله عنه بأنه يجوز أن يعفو الموكل فيكون ذلك شبهة ويجوز التوكيل في حقوق الله تعالى المالية لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها. الشيخ: إذا وكل في القصاص فالإمام أحمد رحمه الله أومأ إلى أنه لابد أن يحضر المُوكِّل لأنه ربما يوكله في القصاص في الصباح ثم يشار على المُوكِّل بأن يعفو عن القصاص فيعفو ويكون الوكيل قد أعتمد أن ينفذ القصاص، وما أومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله قوي خصوصاً في القصاص الذي يتضمن إتلاف نفس ولهذا بعض الناس الآن إذا كان له قصاص على شخص وطُلِبَ منه أن يعفو عنه ويسمح قال لا أسامح لا بد أن يجرى القصاص، فإذا حضر الناس صاح صاحب القصاص وقال اشهدوا أني عفوت عنه ابتغاء وجه الله، لأجل أن يكون هذا أوقع في نفس الذي يراد قصاصه وليكون هذا تشجيع للناس. القارئ: وفي إثبات الحدود واستيفائها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) متفق عليه.

الشيخ: التوكيل في إثبات الحد في قوله (فإن اعترفت) وفي إقامته في قوله (فارجمها) وهذا الحديث استدل به من يرى أنه لا يشترط في الإقرار بالزنا التكرار وهو القول الراجح لا سيما إذا اشتهر كما في قصة هذه المرأة وأما الاستدلال باشتراط التكرار بالقياس على الشهادة وبكون الرسول صلى الله عليه وسلم ردد ماعزاً ففيه نظر لأن الشهادة بالزنا لو ثبتت بالواحد لكان في ذلك انتهاك لأعراض الناس فاحتيط فيها بحيث لا يقبل الشهادة في الزنا إلا أربعة رجال وأما قصة ماعز فالظاهر والله أعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام شك في أمره لأنه سأله فقال (أبك جنون) ومثل هذا لا يقال إلا لمن هو مشكوك فيه حتى أنه أمر من كان حاضراً أن (يقوم فيستنكهه) يعني يشمه هل هو شارب أو لا، فالصواب أن الإقرار بالزنا مرة واحدة يثبت به الحد لا سيما إذا اشتهر وبان كهذه القصة. القارئ: ولا تجوز في العبادات البدنية لأن المقصود فعلها ببدنه فلا تحصل من فعل غيره إلا في الحج لما سبق في بابه. الشيخ: قوله (إلا في الحج) نقول نعم لكن بشروط كما سبق منهما أن يكون عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله فله أن يقيم من يحج عنه وقوله (في العبادات البدنية) احترازاً من العبادات المالية كالصدقات فإنه لا بأس بالتوكيل فيها. فصل القارئ: ولا تجوز في الأيمان والنذور لأنها تتعلق بعين الحالف فلا تدخلها النيابة ولا في الإيلاء واللعان والقسامة لأنها أيمان ولا في الشهادة لأن غيره لا يقوم مقامه في مشاهدته. الشيخ: في الشهادة مثل أن يأمر شخص يقول يا فلان اذهب فاشهد عني، والذي يؤدي الشهادة هذا الموكَّل فهذا لا يصح لأن الشهادة يشترط فيها العلم ومثل هذا لا يحصل به العلم أما لو قال اذهب يا فلان اشهد لأني مشغول والذي يؤدي الشهادة هذا الوكيل فلا بأس بها. القارئ: ولا في الاغتنام لأنه يتعلق بالحضور فإذا حضر النائب كان السهم له ولا في الالتقاط لأنه بأخذه يصير لملتقطه. فصل

القارئ: ولا يصح التوكيل في شيء مما لا يصح تصرفه فيه لأن من لا يملك التصرف بنفسه فبنائبه أولى. الشيخ: قوله (مما لا يصح تصرفه فيه) أيهما يقصد الوكيل أم الموكِّل؟ الجواب يشمل الموكِّل والوكيل لكن مراد المؤلف هنا الموكِّل. القارئ: فلا يصح توكيل طفل ولا مجنون ولا سفيه لذلك ولا توكيل المرأة في النكاح ولا الفاسق في تزويج ابنته ولا المسلم لذمي في شراء خمر لذلك فأما من يتصرف بالإذن كالعبد والصبي والوكيل فإن أذن لهم في التوكيل جاز وإن نهوا عنه لم يجز وإن أطلق لهم الإذن فلهم التوكيل فيما لا يتولون مثله بأنفسهم أو يعجزون عنه لكثرته لأن تفويضه إليهم مع العلم بهذا إذن في التوكيل وفيما سوى ذلك روايتان إحداهما لا يجوز لهم التوكيل لأنهم يتصرفون بالإذن فاختص بما أذن فيه ولم يؤذن في التوكيل والثانية يجوز لأنهم يملكون التصرف بأنفسهم فملكوه بنائبهم كالمالك الرشيد. الشيخ: والصحيح أنهم لا يملكون هذا وذلك لأن المُوَكِّل قد يعتمد على فلان ولا يعتمد على فلان فقد يرى أن هذا فيه الكافية في معرفة الأمور والمماكسة وما أشبه ذلك ولا يرى أن غيره يقوم مقامه لكن في مثل هذه الحال إذا كان الوكيل يخشى أن لا يتمكن فليطلب من المُوَكِّل الإذن من قبل فيقول يا فلان أنا مستعد أن أباشر الشيء بنفسي لكن إذا كان هناك مانع أتأذن لي أن أُوكِّلَ غيري، فإذا قال نعم فله أن يُوَكِّلَ، وإن قال لا، فهنا يقول له إذاً لا أتوكل عنك. وهذا الذي ذكرته يظهر جداً فيما يختلف فيه القصد فلو وَكَّلَ شخصاً يحج عنه لأنه يرضاه في دينه وفي علمه ثم جاء هذا المُوَكَّل ووكَّل آخر ليحج عن الأول فالوكالة غير صحيحة فلا تصح لأني قد أرضى أن يحج عني محمد ولا أرضى أن يحج عني زيد. القارئ: فإن قال لوكيله اصنع ما شئت ملك التوكيل لأنه مما يشاء وولي اليتيم كالوكيل فيما ذكرناه.

الشيخ: قوله (وولي اليتيم كالوكيل فيما ذكرناه) فيه نظر ظاهر لأن ولي اليتيم كالمالك إذ أن ولايته ثابتة بإذن الشارع فهي أصلية وأصيلة بخلاف الوكيل فالصواب أن على ولي اليتيم أن يعمل بما يراه أصلح كما قال عز وجل (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وأما أن يقال له لا توكل أحداً!! فإن هذا فيه نظر لأنه قد يرى ولي اليتيم أن من المصلحة أن يوكل غيره. القارئ: ويملك الولي في النكاح التوكيل فيه من غير إذن المرأة لأن ولايته من غير جهتها فلم يعتبر إذنها في توكيله كالأب وخرج القاضي غير ولاية الإجبار على الروايتين في الوكيل والفرق بينهما ظاهر. الشيخ: قوله (غير ولاية الإجبار) يعني أن الأخ لا يجبر أخته على النكاح أما البنت فالمذهب أن أباها يجبرها والصحيح أنه لا إجبار. فصل القارئ: ومن ملك التصرف لنفسه جاز له أن يتوكل فيه ومن لا فلا فيجوز توكيل الفاسق في قبول النكاح ولا يجوز في الإيجاب لأنه يجوز أن يقبل النكاح لنفسه. الشيخ: من ملك التصرف لنفسه في شيء من الأشياء جاز أن يتوكل فيه والأمثلة تدل على ذلك ومن لا فلا، وعلى هذا فإذا وكَّل الأب فاسقاً في تزويج بنته فإنه لا يجوز لأنه يشترط في الولي أن يكون عدلاً، ولو وكَّل الزوج فاسقاً في قبول النكاح جاز لأنه لا يشترط في القبول أن يكون عدلاً. القارئ: وقال القاضي لا يجوز فيهما لأن من لا يجوز أن يكون وكيلاً في إيجابه لا يكون وكيلاً في قبوله كالمرأة. الشيخ: الصواب الكلام الأول وقول القاضي ضعيف. القارئ: ويجوز توكيل المرأة في الطلاق لأنه يجوز توكيلها في طلاق نفسها فجاز في غيرها.

الشيخ: هذا فيه نظر فقياس التوكيل بطلاق غيرها على التوكيل بطلاق نفسها فيه نظر، لأنه من المعلوم أنها إذا وُكِّلت في طلاق نفسها فإنها لن تُطلِّقَ إلا حيث رأت المصلحة في التطليق لكن لو وُكِّلت بطلاق غيرها فقد تُطلِّق هذا الغير وهي تعلم أنه ليس من مصلحته لكن حقداً أو كراهية أو ما أشبه ذلك فالصحيح أن المرأة أن تُوَكَّل في طلاق نفسها كما يجوز أن تُخير، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخير نسائه، وأما توكيلها في طلاق غيرها ففي صحته نظر ووجه هذا النظر أنها قد لا تراعي المصلحة في طلاق غيرها وربما إذا لم تكرمها هذه المرأة التي وُكِّلت بطلاقها فإنها تُطَلِّقُها على الفور. القارئ: ولا يجوز للعبد والمكاتب التوكيل إلا بإذن سيدهما ولا الصبي إلا بإذن وليه وإن كان مأذونا له في التجارة لأن التوكيل ليس من التجارة فلا يحصل الإذن فيه إلا بالإذن فيها. السائل: توكيل الرجل الفاسق في تزويج ابنته هذا يحصل كثيراً خصوصاً لمن لا يعيش في هذه البلاد فهل يشترط في الولي العدالة؟ الشيخ: سيأتينا إن شاء الله أنه ليس من شرط الولي أن يكون عدلاً ولو قلنا بهذا القول فإنه ما بقى أحد يزوج بنته فمن من الناس مَنْ يكون سالماً من الكبائر أو الإصرار على الصغائر إلا نادراً فالغيبة الآن مثلاً هي فاكهة المجالس عند كثير من الناس. فصل القارئ: وتصح الوكالة بكل لفظ دل على الإذن وبكل قول أو فعل دل على القبول مثل أن يأذن له في بيع شيء فيبيعه ويجوز القبول على الفور والتراخي نحو أن يبلغه أن فلاناً وكله منذ عام فيقول قبلت لأنه إذن في التصرف فجاز ذلك فيه كالإذن في الطعام.

الشيخ: القبول بالقول أن يقول قبلت والقبول بالفعل أن يباشر بالفعل فلو قال وكَّلتُكَ أن تبيع السيارة فقال أيها الناس من يسوم ولم يقل قبلت فإن هذا يكون قبولاً بالفعل وظاهر كلام المؤلف أن إيجابها لا يصح بالقول ولكنه ليس كذلك فإنه حتى التوكيل يصح بالفعل مثاله أن يكون رجلاً قد أعدَّ هذا الدكان لبيع الأشياء ولم يقل أنه أعده لبيع التمر فجاء فوجد في الدكان أكياساً من التمر وهو معروف أنه يبيع في هذا الدكان فهذا يكون وكالة بالفعل لأن صاحب الكيس الذي جاء به لم يقل له وكَّلتُك لكنه مادام أنه وضعه في المكان الذي تباع فيه التمور فهذا يعني التوكيل وعليه فنقول تصح الوكالة بالقول وبالفعل إيجاباً وقبولاً. القارئ: ويجوز تعلقيها على شرط نحو أن يقول إذا قدم الحاج فأنت وكيلي في كذا أو في بيع ثوبي. الشيخ: في نسختي (أو فبع ثوبي) وعلى كل حال قصده أنه يجوز هذا وهذا سواءٌ قال وكلتك أن تبيع ثوبي أو قال فبع ثوبي. فصل القارئ: ولا تصح إلا في تصرف معلوم فإن وكله في كل قليل وكثير لم يصح لأنه يدخل فيه كل شيء فيعظم الغرر وإن كان وكله في بيع ماله كله أو ما شاء منه أو قبض ديونه كلها أو ما شاء منها أو الإبراء منها صح لأنه يعرف ماله ودينه فيعرف أقصى ما يبيع ويقبض فيقل الغرر وإن قال اشتر لي ما شئت أو عبداً بما شئت فقال أبو الخطاب لا يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن لأن ما يمكن شراؤه يكثر فيكثر الغرر وإن قدر له أكثر الثمن وأقله صح لأنه يقل الغرر وقال القاضي إذا ذكر النوع لم يحتج إلى تقدير الثمن لأنه إذن في أعلاه وقد روي عن أحمد فيمن قال ما اشتريت من شيء فهو بيننا أن هذا جائز وأعجبه وهذا توكيل في شراء كل شيء ولأنه أذن في التصرف فجاز من غير تعيين كالإذن في التجارة.

الشيخ: والصحيح أن ذلك يصح مثل أن يقول وكَّلتُك في كل قليل أو كثير تشتريه من الميناء مثلاً أو من السوق، ومن المعلوم أنه إذا قال وكَّلتُك في كل شيء لا يريد أنه وكَّلَه في طلاق زوجاته أو إعتاق عبيده أو إيقاف أملاكه لا يريد هذا بل يريد في كل شيء يرى أن فيه مصلحة وهذا يقع كثيراً فقد يكون الموكِّل لا يعرف السوق ولا يعرف البيع والشراء فيوكِّلُ شخصاً فيقول أنت وكلي في كل شيء ترى فيه مصلحة فلا بأس بهذا. فصل القارئ: ولا يملك من التصرف إلا ما يقتضيه إذن الموكل نطقاً أو عرفا لأن تصرفه بالإذن فاختص ما تناوله الإذن فإذا وكله في الخصومة لم يملك الإقرار ولا الإبراء ولا الصلح لأن إذنه لا يقتضي شيئاً من ذلك وإن وكله في تثبيت حق لم يملك قبضه لأنه لم يتناوله النطق ولا العرف فإنه قد يرضى للتثبت من لا يأمنه على القبض وإن وكله في القبض فهل يملك تثبيته فيه وجهان أحدهما يملكه لأنه طريق القبض فكان التوكيل في القبض توكيلاً فيه والثاني لا يملكه لما ذكرنا في التي قبلها وإن وكله في البيع لم يملك الإبراء من ثمنه ويملك تسليم المبيع لأن العرف يتناوله ولأنه من تمام العقد وحقوقه ولا يتهم فيه ولا يملك قبض الثمن لأن اللفظ لا يتناوله وقد يرضى للبيع من لا يرضاه للقبض إلا أن تقتضيه الحال بأن يكون بحيث لو تركه ضاع.

الشيخ: خلاصة هذا الفصل أن من وُكِّلَ في شيء لم يملك سوى ما وُكِّل فيه فإذا وكله في الخصومة فقال خاصم عني فلاناً وهو ما يسمى في العرف بالمحامي فإنه لا يملك الإبراء ولا يملك القبض وإنما يملك الإثبات فقط وما سوى ذلك فلا، وإذا وكَّله في البيع يقول الفقهاء: إنه لا يملك قبض الثمن لأنه قد يرضى للبيع من لا يرضاه لقبض الثمن وهذا صحيح إلا إذا عارضه العرف أو القرينة فمثال ما عارضه العرف أن يكون العرف عند الناس أن البائع وهو الدلال هو الذي يقبض الثمن، أو اقتضته الحال مثل أن يبيعه على شخص لا يعرفه فهنا لا بد أن يوثِّق الثمن وإما أن يقبضه، ولو وكَّلَه في القبض فهل يملك الخصومة أو لا يملك؟ الجواب لا يملك الخصومة لأنه ربما إذا خاصم لم يكن ألحن من خصمه فيغلبه الخصم ويكون المُوكِّل ألحن من الخصم فينتفع. مسألة: هل يجوز أن يوكل الإنسان المحامي عنه؟ نقول إن خاف أن يضيع حقه فلا بأس وإن كان لا يخاف فلا داعي لأنه يُخْشَى أن يجلب له المحامي أشياء ليس لها أصل لكي يغلب بالبيان والقوة. فصل القارئ: فإن وكله في البيع في وقت لم يملكه قبله ولا بعده لأنه قد يختص غرضه به في زمن لحاجته فيه وإن وكله في بيعه لرجل لم يملك بيعه لغيره لأنه قد يقصد نفعه أو نفع المبيع بإيصاله إليه وإن وكله في بيعه في مكان الثمن فيه أكثر أو أجود لم يملكه في غيره لأنه قد يفوت غرضه وإن تساوت الأمكنة أو قدر له الثمن ملك ذلك لأن الغرض فيهما واحد فالإذن في أحدهما إذن في الآخر وإن وكله في بيع فاسد لم يملكه لأنه منهي عنه ولا يملك الصحيح لأنه لم يأذن له فيه وإن قدر له الثمن في البيع لم يملك البيع بأقل منه لأنه لم يأذن له فيه نطقاً ولا عرفا ويملك البيع بأكثر منه سواء كانت الزيادة من جنس الثمن أو غيره لأنه مأذون فيه عرفا لأنها تنفعه ولا تضره.

الشيخ: قوله (ويملك البيع بأكثر منه ... ) نقول هذا ما لم يُحَدِّدْ له فيقول بعه على فلان بعشرة فهنا لا يجوز أن يبيعه بأكثر لأنه حدد وقد يريد نفع المشتري فقد يريد الموكِّل نفع المشتري ولا يريد أن تأخذ منه شيئاً أكثر فإذا باعه بأكثر فإنه لا يحل، لكن لو قال أبيعه بأكثر وأعطي المالك الذي وكلني العشرة فقط، قلنا هذا أشد جرماً لأنك ضررت الرجل الذي عين ولم تنفع الذي وكَّلك، إذاً نقول إذا باع بأكثر فالبيع صحيح إلا إذا علمنا أن للموكِّل غرضاً في عدم الزيادة فلا تجوز الزيادة. القارئ: وإن باع بعضه بدون ثمن جميعه لم يجز وإن باعه بجميعه صح لما ذكرناه وله بيع باقيه لأنه أذن فيه ويحتمل أن لا يملكه لأنه حصل غرضه ببيع بعضه فلا يبقى الإذن في باقيه وإن وكله في شراء شيء لم يملك شراء بعضه لأن اللفظ لا يقتضيه. الشيخ: قوله (لأن اللفظ لا يقتضيه) نقول إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك مثل أن يقول أريد عشرة كيلو من هذه السلعة فلا يجد عند صاحب الدكان إلا خمسة لكنه يعرف أنه سيجد الخمسة في مكان آخر فهنا نقول لا بأس أن يشتري خمسة من الأول ويشتري من الدكان الآخر خمسة، أما إذا كان فيه احتمال أن لا يجد سوى هذه الخمسة وقد وكَّله في عشرة فإنه لا يشتريها مثل أن يكون الرجل الذي عنده هذه السلعة لا توجد عند غيره ولكن لم يجد إلا خمسة منها فهنا نقول لا تشتر لأنه لم يجد البقية.

القارئ: وإن قال له بعه بمائة درهم فباعه بعرض يساوي أكثر منها لم يجز لأنه لم يأذن فيه نطقاً ولا عرفا وإن باعه بمائة دينار أو بتسعين درهماً وعشرة دنانير ففيه وجهان أحدهما لا ينفذ لأنه خالفه في الجنس كالتي قبلها والثاني ينفذ لأنه مأذون فيه عرفا لأنه يرضى الدينار مكان الدرهم عرفا وإن وكله في بيع عبيد أو شرائهم ملك ذلك صفقة واحدة وصفقات لأن العرف جاري بكلا الأمرين وإن أمره بصفقة واحدة لم يملك التفريق وإن اشتراهم صفقة واحدة من رجلين جاز لأن الصفقة من جهته واحدة. السائل: لو وكَّله في شراء شيء فاشترى بأكثر مما جرى به العرف فهل عليه الضمان؟ الشيخ: عليه ضمان الزيادة لأنه اشترى بأكثر من ثمنه ولذلك نقول إذا رأى أنه زائد فإنه يجب عليه أن يراجع الموكِّل. السائل: وهل كذلك لو باع؟ الشيخ: نعم وكذلك لو باع بأقل. السائل: هل يجوز للمسلم أن يوكل الذمي أو الكافر فيما يجوز له ويحرم على المسلم في بيع أو شراء أو إجارة ونحو ذلك مثل لباس الذهب للرجال أو الحرير أو الخمر؟ الشيخ: لا يجوز لأن الموكِّل لا يجوز له أن يبيع هذا الشيء. السائل: ذكر أن شيخ الإسلام نقل عن بعض السلف هذه الصورة فهل هذا صحيح؟ الشيخ: لا، فليس كلام شيخ الإسلام في هذا بل هو في مسألة أخرى وهي أنه لمَّا أراد الكفار أن يبذلوا الخمر بدلاً عن الجزية منعهم عمر رضي الله عنه وقال (وَلُّوهُم بيعها وخذوا ثمنها) وقوله (ولوهم بيعها) ليس معناه خذوها وبيعوها بل المعنى هم يبيعونها ويأتون بالدراهم لكم. السائل: لو أن الوكيل أراد أن يتصرف فيما لم يؤذن له فيه ولكنه يعلم أنه إذا تصرف ثم راجع الموكِّل أنه يأذن له فهل له التصرف؟ الشيخ: لا بأس إذا كان فيه مصلحة مثل الرجل الذي وكَّله الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشتري به شاة أضحية بدينار فاشترى اثنتين وباع واحدة بدينار. فصل

القارئ: وإن وكله في البيع وأطلق لم يملك البيع بأقل من ثمن المثل لأن أذنه تقيد بذلك عرفا لكون غير ذلك تضييعاً لماله وهو لا يرضاه ولو حضر من يطلبه بأكثر من ثمن المثل لم يجز بيعه بثمن المثل لأنه تضييع لمال أمكن تحصيله وإن باع بثمن المثل فحضر من يزيد في مدة الخيار لم يلزمه الفسخ لأنها زيادة منهي عنها ولا يأمن رجوع صاحبها عنها. الشيخ: قوله (منهي عنها) من قبل مَنْ؟ الجواب من قِبَلِ الزائد لأن الزائد هو المنهي عنه فإذا بِعْتَ هذا الكتاب على شخص ونحن في مجلس الخيار لم يجز لأحد أن يزيد في الثمن ويقول أنت في الخيار افسخ البيع وبع عليَّ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه) وهذا أبلغ من سومه على سوم أخيه، إذاً الوكيل يتقيد بثمن المثل فلا يجوز النقص وأما الزيادة على ثمن المثل فلا بأس بها لأنها من مصلحة الموكِّل. القارئ: فإن باع بأقل من ثمن المثل أو بأقل مما قدر له فعنه البيع باطل لأنه غير مأذون فيه وعنه يصح ويضمن الوكيل النقص لأنه فوته ويصح البيع لأن الضرر يزول بالتضمين. الشيخ: لو قال بعه بعشرة وباعه بثمانية فهل يصح البيع أو لا؟ قيل إنه يصح ويضمن النقص وهو درهمان وقيل لا يصح لأنه إنما أذن له بمقدار معين فإذا تصرف على غير هذا الوجه فإنه لم يؤذن له فيه وكذلك يقال إذا كانت قيمتها عشرة وباعها بثمانية وإن لم يقدر له فهل يصح البيع أو لا يصح؟ الذي يظهر أن البيع صحيح لأنه في هذه الحال لم يحصل للموكِّل نقص ولو قلنا بعدم الصحة صار في ذلك ضرر على المشتري الذي اشتراه وانتهى وربما لا يعلم أن الموكِّل قد قدَّر الثمن أو لا يعلم أن ثمن المثل هو هذا الذي اشتراه بأقل منه فالقول الراجح في هذه المسألة أن البيع صحيح ويضمن النقص ووجه ذلك أنه لم يفوت على الموكِّل شيئاً هذا وجه وهناك وجه آخر أن الحق تعلق بثالث وهو المشتري.

القارئ: ولا عبرة بما يتغابن الناس به كدرهم في عشرة لأنه لا يمكن التحرز منه وهل يلزم الوكيل جميع النقص أم ما بين ما يتغابن الناس به ومالا يتغابنون به على وجهين. الشيخ: في هذه المسألة هل نقول لو باع بأنقص إنه يضمن كل النقص أو يضمن ما زاد على ما يتغابن به الناس فمثلاً إذا كان ثمن المثل عشرة وباعه بتسعة ونصف فهل يضمن؟ الجواب لا يضمن لأن هذا مما يتغابن به الناس فنصف من عشرة تعني واحد من عشرين وهذا جرت به العادة فتجد هذا يبيع بعشرة وذا بتسعة ونصف وذا بأحد عشر فهذا ما يتغابن الناس به، لكن إذا قلنا إنه باعه بثمانية فهل يضمن ريال ونصف أو يضمن ريالين فهذه هي المسألة التي ذكر المؤلف أنها على وجهين أي هل يضمن النقص كله أو يضمن النقص الزائد على ما يتغابن به الناس والراجح ما دل عليه الدليل. القارئ: وكل موضع قلنا لا يملك البيع والشراء فحكمه فيه حكم الأجنبي وقد ذكرناه لأن هذا غير مأذون فيه. الشيخ: قوله (فحكمه فيه حكم الأجنبي) يشير المصنف هنا إلى تصرف الفضولي فإذا قلنا أنه لا يصح لكن وافق الموكِّل فالصحيح أنه إذا وافق فلا بأس وأن جميع التصرفات الفضولية إذا أقرها مَن الحق له فهي ماضية نافذة ويدل لهذا أن أبا هريرة رضي الله عنه أذن للذي أخذ من الطعام ولم يضمِّنه الرسول صلى الله عليه وسلم بل وافق على فعله. فصل القارئ: وإن وكله في الشراء فأطلق لم يجز أن يشتري بأكثر من ثمن المثل لما ذكرنا وإن اشترى بأقل من ثمن المثل أو أقل مما قدر له صح لأنه مأذون فيه عرفا فإن قال لا تشتره بأقل من مائة لم يملك مخالفته لأن نصه مقدم على دلالة العرف.

الشيخ: إذا قال لا تشتره بأقل من مائة فالمصنف يرى أنه لا يملك أن يشتري بتسعين لكن هل نقول في هذه الحال يجوز للوكيل أن يشتري بمائة؟ الجواب لا يجوز لأن في هذا ضرر على عامة الناس لأن البائع إذا باع بمائة فسوف يجعل هذا قاعدة يبيع بها وقد كان في الأول يبيع بتسعين فلاحظوا هذه المسألة فإن مسألة البيع والشراء لها تعلق بشخص ثالث فنحن نقول إذا قال اشتر بمائة ولا تشتر بأقل فإننا نقول لا يمكن أن يبذل مائة فيما هو في السوق بتسعين لأن في هذا ضرر على الناس لكن لو علمنا أن قوله اشتر بمائة يعني من الطيب فهنا لا يشتر بأقل وهذا هو الذي يقع عند كثير من العامة يقول اشتر لي من الجيد الذي سعره مائة فمعنى ذلك أي لا تشتر لي من الذي سعره بتسعين أو ثمانين فإذا علمنا أن مراده الجيد فالأمر ظاهر لا بأس به فلا يشتر بأقل. القارئ: وإن قال اشتره بمائة ولا تشتره بخمسين فله شراؤه بما فوق الخمسين لأنه باق على دلالة العرف وإن قال اشتر لي عبداً وصفه بمائة فاشتراه بدونها جاز. الشيخ: قوله (وصفه بمائة) يعني قال اشتر لي عبداً صفته كذا وكذا بمائة وعليه فنقول قوله (وصفه) تابعٌ للذي قبلها ويحسن أن تقف فتقول اشتر لي عبداً وصفه فتقف ثم تقول بمائة. القارئ: وإن خالف الصفة لم يلزم الموكل وإن لم يصفه فاشترى عبداً يساوي مائة بأقل منها جاز وإن لم يساو المائة لم يلزم الموكل وإن ساوى ما اشتراه به لأنه خالف غرضه وإن قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى شاتين تساوي إحداهما ديناراً صح لحديث عروة ولأنه ممتثل للأمر بإحداهما والثانية زيادة نفع وإن لم تساو ديناراً لم يصح فإن باع الوكيل شاة وبقيت التي تساوي دينارا فظاهر كلام أحمد صحته لحديث عروة ولأنه وفى بغرضه فأشبه إذا زاد على ثمن المثل.

الشيخ: لا شك أن ظاهر كلام أحمد هو الصحيح وهذا مما يدل على أن تصرف الفضولي صحيح وجائز إذا أجازه الآخر فما المانع، لأن هذا ليس ممنوعاً لحق الله حتى نقول إنه لا يجوز ولو تراضى الطرفان بل هو لحق آدمي فإذا وافق على البيع أو الشراء فلا بأس. فصل القارئ: وإن وكله في الشراء نسيئة فاشترى نقدا لم يلزم الموكل لأنه لم يؤذن له فيه وإن وكله في الشراء بنقد فاشترى بنسيئة أكثر من ثمن النقد لم يجز لذلك وإن كان بمثل ثمن النقد وكان فيه ضرر مثل أن يستضر بحفظ ثمنه فكذلك وإذا لم يستضر به لزمه لأنه زاده خيرا وإن أذن له في البيع بنقد لم يملك بيعه نسيئة وإن أذن له في البيع نسيئة فباع بنقد فهي كمسألة الشراء سواء وإن عين له نقداً لم يبع إلا به. الشيخ: المعنى أن الشراء إن كان نقداً يوجب نقص الثمن فإنه لا يجوز وكذلك إذا كان النقد يؤدي إلى ضرر الموكِّل بحيث يكون الزمن زمن خوف وإذا قبض الثمن الآن فهو على خطر وإذا تأخر إلى زوال الخوف فهو آمن، فالمهم أنه إذا كان للموكِّل غرض بأن يكون البيع نسيئة فإنه لا يجوز للوكيل أن يبيع نقداً. القارئ: وإن أطلق لم يبع إلا بنقد البلد لأن الإطلاق ينصرف إليه فإن كان فيه نقدان باع بأغلبهما وإن قدر له أجلاً لم تجز الزيادة عليه لأنه لم يرض بها وإن أطلق الأجل جاز وحمل على العرف في مثله لأن مطلق الوكالة يحمل على المتعارف ولا يملك الوكيل في البيع والشراء شرط الخيار للعاقد معه لأنه لا حظ للموكل فيه وله شرط الخيار لنفسه ولموكله لأنه احتياط له. فصل

القارئ: إذا قال اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يقع للموكل لأنه لم يرض بالتزام شيء في ذمته فلم يجز إلزامه وإن قال اشتر لي في ذمتك ثم انقد هذا فيه فاشتراه بعينه صح للموكل لأنه أمره بعقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدينار وتلفه فعقد له عقداً لا يلزمه مع تلفه فزاده خيرا ويحتمل أن لا يصح لأنه أراد عقداً لا يبطل باستحقاقه ولا تلفه ففوت ذلك وإن أطلق فله الأمران لأن العرف جار بهما. الشيخ: هذا الفصل لا يكاد يعرفه إلا طلبة العلم إن عرفوه والعامي لا يفرق بين أن يقول اشتر لي بهذا الدينار أو اشتر لي في ذمتك وانقد هذا الدينار لكن الفقهاء جزاهم الله خيراً يصورون المسائل وقد تكون نادرة الوقوع تمريناً للطالب ولأنه ربما يحتاج إليها في يوم من الأيام. السائل: إذا قال الوكيل لموكله اشتر لي هذه الحاجة بمائة دينار مثلاً فهل للوكيل أن يتصرف لمصلحة نفسه فيشتريها بأقل من مائة ويأخذ الباقي؟ الشيخ: لا يجوز فهذا من الخيانة لأن بعض الناس قد يفعل هذا الشيء فيشتريها بثمن أرخص مما قُدِّر له أو أرخص من قيمة المثل ثم يبيعها على الموكِّل بأكثر وهذه خيانة فالواجب عليه إذا كان يريد أن يستفيد أن يقول وكِّلني أن اشتري لك بعوض وتبرأ ذمته.

مسألة: لو أن البائع باع على الوكيل بأقل من ثمن المثل مراعاة له لأنه صاحبه ولو علم أن السلعة للآخر الذي وكَّله ما راعاه، فهل نقول في هذه الحال للوكيل أن يأخذ فرق ما بين ثمن المثل وما وقع عليه العقد؟ هذا محل نظر يعني قد يقول الإنسان له أن يأخذ ما بين القيمتين فمثلاً يشتريها من البائع الذي راعاه بثمانية وثمن المثل عشرة ويقول للموكِّل إن الثمن عشرة أو نقول مادام أنه وكله واشتراها الوكيل لموكله فالأعمال بالنيات ويكون ما نزل محاباة لهذا الشخص من حظ الموكِّل وهذا لا شك هو الأبرأ للذمة والأورع لكن إذا أراد أيضاً أن يكون صريحاً فليقل للبائع يا فلان أنا ما اشتريتها لي إنما اشتريتها لفلان فهذا يكون فيه مصلحة للبائع حتى لا ينزل شيء من الثمن وفيه إبراء للذمة ويقول للموكِّل اشتريتها بعشرة. فصل القارئ: وإن وكله في شراء موصوف لم يجز أن يشتري معيبا لأن إطلاق البيع يقتضي السلامة ولذلك يرد بالعيب فإن اشترى معيباً يعلم عيبه لم يقع للموكل لأنه مخالف له وإن لم يعلم بالعيب فالبيع صحيح كما لو اشترى لنفسه فإن علم الموكل فرضي به فليس للوكيل رده لأن الرد لحقه فسقط برضاه وللوكيل الرد قبل علمه لأنها ظلامة حصلت بعقده فملك دفعها كالمشتري لنفسه ولا يلزمه التأخير لأنه حق تعجل له وله أن يرضى به ويسقط خياره فإن حضر الموكل فرضي به استقر العقد وإن اختار الرد فله ذلك لأن الشراء له ولم يرض بالعيب فإن أنكر البائع كون الشراء للموكل فالقول قوله ويرد المبيع على الوكيل في أحد والوجهين لأنه ابتاع المعيب ومنعه الرد لرضاه بعيبه والثاني ليس له الرد عليه لأنه غير البائع وللمشتري أرش العيب لأنه فات الرد به من غير رضاه فإن تعذر ذلك من البائع لزم الوكيل لأنه ألزمه المبيع.

الشيخ: إذا وكَّله في شراء موصوف بأن قال اشتر لي ناقة فليس له أن يشتري معيبة لأن الإطلاق يقتضي السلامة لكن لو اشتراها وهو لم يعلم فإن له الرد لأنه وكيل ولكن هل للبائع أن يقول أنت اشتريتها لفلان انتظر لا تفسخ العقد حتى تراجع موكِّلك؟ الجواب إذا قال هذا فليس للوكيل أن يقبل فله أن يقول أنا وكيل واشتريت معيباً ولي رده فإن حضر الموكِّل ورضي بالعيب فليس للوكيل رده لأنه إنما اشتراه للموكِّل وقد رضي بالعيب، أما إذا كان معيناً بأن قال اشتر لي جمل فلان أو بعير فلان فاشتراه فلا شيء عليه لأنه عيَّنه له لكن من الأمانة إذا علم أن فيه عيباً أن لا يشتره حتى يؤذنه ويخبره فلا يقول إن الرجل عين لي هذا بل نقول له أنت أمين ثم نقول ربما هو عيَّنه لك وهو لا يدري أن فيه عيباً ومن الأمانة أن تخبره فتقول أنت طلبت مني أن اشتري لك هذا الشيء المعين ولكن تبين لي أن فيه عيباً. القارئ: وإن قال البائع موكلك قد علم بالعيب فرضي به فالقول قول الوكيل مع يمينه أنه لا يعلم ذلك لأن الأصل عدمه فإن قال أخر الرد حتى يعلم موكلك لم يلزمه التأخير. الشيخ: قوله (أنه لا يعلم ذلك) نقول أو كذلك لا يعلم رضاه به فقد يقول أنا أدري أنه عَلِمَ لكن لا أَعْلَمُ أنه رضي فأحلف أنه لم يرض بذلك. القارئ: فإن أخر وقلنا الرد على الفور لم يسقط خياره ذكره القاضي لأنه لم يرض به ويحتمل أن يسقط لتركه الرد مع إمكانه فإن رده فقال الموكل قد كنت رضيته معيباً فصدقه البائع انبنى على عزل الوكيل قبل علمه لأن هذا كذلك وإن أنكره البائع فالقول قوله أنه لا يعلم ذلك وإن وكله في شراء شيء عينه فاشتراه فوجده معيباً ففيه وجهان أحدهما يملك الرد لأنه معيب لم يرض به العاقد والثاني لا يملكه بغير رضى الموكل لأنه قطع نظره واجتهاده بالتعيين فإن قلنا يملكه فحكمه حكم غير المعين. فصل

القارئ: إذا وكله في قبض حقه من زيد فمات زيد لم يملك القبض من وارثه لأنه لم يتناوله إذنه نطقاً لأنهم غيره ولا عرفاً لأنه قد يرضى بقاء حقه عندهم دونه وإن قال اقبض حقي الذي قِبَلَ زيد فله القبض من وارثه لأن لفظه يتناول قبض الحق من غير تعرض للمقبوض منه. الشيخ: نُلاحظ هنا فرقاً دقيقاً فإذا قال اقبض ديني من زيد ثم مات زيد فإنه لا يملك قبضه من الوارث أما إذا قال اقبض حقي الذي عند زيد ومات فإنه يملك قبضه من الوارث أو قال اقبض حقي الذي قِبَلَ زيد فإنه يملك القبض من الوارث لكن مثل هذه التعبيرات قد يفهمها طالب العلم ولكن العامي لا يفهمها فللقاضي أن يرجع إلى عرف العوام وأنه إذا قال اقبض حقي من زيد فإنه يعني الحق الذي قِبَلَهُ سواء منه في عينه أو من وارثه إن مات. القارئ: وإن وكل وكيلين في تصرف لم يكن لأحدهما الإنفراد به لأنه لم يرض بأحدهما وإن وكله في قضاء دين تقيد بالإشهاد لأنه لا يحصل الاحتياط إلا به فإن قضاه بغير بينة فأنكر الغريم ضمن لتفريطه.

الشيخ: وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يضمن سواء كان الدين قليلاً أو كثيراً ولكن تعليله يدل على التفريق بين القليل والكثير فلو قلت يا فلان هذه عشرة ريالات أعْطاه لصاحب هذه البقالة، فَأَعطاهَا له ولم يُشهد ثم إن صاحب البقالة أنكر إما نسياناً أو عمداً فكلام المؤلف يدل على أن هذا الوكيل يضمن سواء كان بأجرة أو بغير أجرة لأنه مفرط والواجب أن يُشهد فيأخذ مثلاً رجلين ليشهدا على عشرة ريالات فالحكم الذي قاله المؤلف يقتضي أنه يُضمِّنه الوكيل والتعليل يقتضي أنه لا يضمن لأن الناس لا يعدون هذا تفريطاً فكل الناس يوفون عشرة وعشرين ريال وما أشبه ذلك بغير بينة ولو أنك قلت لصاحب دكان مثلاً تشتري منه حوائج أنا لا يمكن أن أوفيك إلا بحضور الشهود فإن غالب الظن أنه لا يعاملك فيما بعد أبداً لكن الشيء الكبير كألف ريال وألفين ريال وما أشبه ذلك لابد أن يكون الوكيل مشهداً على القبض والآن والحمد لله صار هناك شيء يسير وهو الفاتورة فالآن ممكن للوكيل أن يقول أعطني فاتورة وتكون هذه الفاتورة سنداً ووثيقةً على الغريم الذي استوفى حتى ولو بخمسة ريالات أو عشرة أو أكثر أو أقل. القارئ: وإن أشهد بينة عادلة فماتت أو غابت لم يضمن لأنه لا تفريط منه وإن قضاه بحضرة الموكل من غير إشهاد ففيه وجهان أحدهما يضمن لأنه ترك التحفظ والثاني لا يضمن لأنه إذا كان المؤدى عنه حاضرا فهو التارك للتحفظ. الشيخ: الصحيح أنه لا يضمن لأن الموكل موجود والتفريط منه فلو قال مثلاً هذه عشرة آلاف ريال اعطها فلاناً وصادف أن فلاناً هذا حضر قبل أن يسلمها إليه وسلمها بحضرته فلا ضمان على الوكيل لأنه إن كان هناك تفريط فهو من الموكِّل. القارئ: وإن قضاه ببينة مختلف فيها ففيه وجهان أحدهما يضمن لأنه ترك التحفظ والثاني لا يضمن لأنها بينة شرعية أشبهت المجمع عليها. فصل

القارئ: إذا اشترى لموكله ثبت الملك للموكل لأنه قبل العقد لغيره فوجب أن ينقل الملك إلى ذلك الغير كما لو تزوج لغيره ويثبت الثمن في ذمته أصلاً وفي ذمة الوكيل تبعا وللبائع مطالبة من شاء منهما كالضمان في أحد الوجهين وفي الآخر لا يثبت إلا في ذمة الموكل وليس له مطالبة غيره. الشيخ: وظاهر كلامه سواء علم البائع أنه وكيل لفلان أو لم يعلم فله مطالبة الموكِّل والوكيل ولكن الراجح أنه إذا علم أن هذا وكيل فليس له مطالبته وإنما يطلب من الموكِّل فإن علم بعد ذلك أنه وكيل وهذا الوكيل فقير لا يمكن مطالبته فذهب للموكِّل فقال له طريقك على الذي اشترى منك أما أنا ما اشتريت منك، فهل يملك الموكِّل هذا لا؟ الجواب لا يملك لأنه قد علم أنه وكيله فيقول أنت الأصل ومطالبتي للوكيل فرع، لأن الذي ملك هذا المبيع هو الموكِّل. القارئ: فإن دفع الثمن فوجد البائع به عيبا فرده على الوكيل فتلف في يده فلا شيء عليه لأنه أمين وللبائع المطالبة بالثمن لأنه دين له فأشبه سائر ديونه وللوكيل المطالبة به لأنه نائب للمالك فيه. فصل القارئ: والوكالة عقد جائز من الطرفين لكل واحد منهما فسخها لأنه إذن في التصرف فملك كل واحد منهما إبطاله كالإذن في أكل طعامه وإن أذن لوكيله في توكيل آخر فهما وكيلان للموكل لا ينعزل أحدهما بعزل الآخر ولا يملك الأول عزل الثاني لأنه ليس بوكيله وإن أذن له في توكيله عن نفسه فالثاني وكيل الوكيل ينعزل ببطلان وكالة الأول وعزله له لأنه فرعه فثبت فيه ذلك كالوكيل مع موكله وللموكل عزله وحده لأنه متصرف له فملك عزله كالأول.

الشيخ: هذه المسائل من الأشياء التي تخفى على العوام فإذا أذن له أن يوكِّل صار وكيلاً وإن أذن له أن يوكِّل عن نفسه فالوكيل هو الأول، مثاله إذا قال يافلان أنا وكَّلْتُكَ أن تبيع هذا الشيء ووَكِّل أنت مَنْ شئت، أي وكِّل في بيعه عني فحينئذ يكون للموكِّل وكيلان، الأول والمأذون له أما إذا قال وكِّل عنك فالوكيل الثاني وكيل عن الوكيل الأول فللأول أي الوكيل الأول أن يعزل الثاني لأنه وكيله، ففي الصورة الأولى ليس له ذلك لأنه وكيل الموكل وهذه من العبارات الدقيقة التي يُفَرَّقُ فيها بين عبارتين متقاربتين. السائل: إذا أُعطي الشخص عشرة آلاف لسداد دين فهل يصح له أن يعطي بدلها شيك بالمبلغ ويُبقي العشرة آلاف عنده؟ الشيخ: الظاهر أنه ليس له ذلك لأن ذلك سوف يتعب الغريم بالذهاب إلى البنك وحمل الشيك وما أشبه ذلك فقد يكون فيه ضرر وإذا أراد فعل ذلك فإنه يطلب من الوكيل أن يودعها في حسابه ثم هو يوفي صاحب الدين ويحوِّل المال إلى حسابه. فصل القارئ: وإذا خرج الموكل عن أهلية التصرف لموت أو جنون أو حجر أو فسق في ولاية النكاح بطلت الوكالة لأنه فرعه فيزول بزوال أصله. الشيخ: قوله (لأنه) أي الوكيل (فرعه) أي فرع الموكِّل. القارئ: فإن وجد ذلك أو عزل الوكيل فهل ينعزل قبل علمه فيه روايتان إحداهما ينعزل لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضاه فلم يفتقر إلى علمه كالطلاق والثانية لا ينعزل لأنه أمر فلا يسقط قبل علمه بالنهي كأمر الشارع.

الشيخ: الصواب أنه لا ينعزل قبل علمه لأنه يترتب على هذا مفاسد منها لو وكَّل رجلاً في القصاص فذهب الوكيل واقتص من الجاني فعزله الموكِّلُ قبل أن يقتص فإذا قلنا إنه ينعزل قبل العلم وجب عليه القصاص لأنه قتله متعمداً إلا أن يرفع ذلك بالشبهة فهذا شيء آخر وكذلك أيضاً لو أمره أن يبيع بيته ثم باعه وأثبته بالوثيقة عند كاتب العدل أو عند القاضي وكان قد عزله قبل أن يبيع البيت فعلى القول بأنه ينعزل قبل العلم يكون البيع باطلاً، فالصواب أنه لا ينعزل قبل العلم لأنه تصرف تصرفاً لم يثبت زواله والأصل بقاء الوكالة فالرجل غير معتدي ولا ظالم بل هو تصرف بحق، ومن ذلك أيضاً لو حصل من هذا الوكيل أن تصرف وقد أصيب الموكِّلُ بالجنون مثلاً وهو لم يعلم فعلى كلام المؤلف يكون تصرفه غير صحيح على القول بأنه ينعزل وعلى القول الثاني يكون تصرفه صحيحاً. القارئ: وإن أزال الموكل ملكه عن ما وكله فيه بإعتاق أو بيع أو طلاق التي وكله في طلاقها بطلت الوكالة لأنه أبطل محليته. الشيخ: هذه المسألة تنبني على مسألة العزل قبل العلم لكن مراد المؤلف إذا علم الوكيل أن موكِّله أعتق العبد فقال مثلاً خذ هذا العبد بعه ثم إنه أي المالك أعتقه فهنا تبطل الوكالة، أو قال بع هذه الدار ثم علم الوكيل أن صاحبه باعها فإن الوكالة هنا تبطل لأن تصرفه فيها بالبيع يدل على أنه عدل عن الوكالة ولكن لو قال الوكيل أنه قد تعب بالسوم عليها والمناداة وما أشبه ذلك فهل يستحق على ذلك أجرة أو لا؟ الصحيح أنه يستحق لأن الفسخ الآن من قِبَلِ الموكِّل وأما الوكيل فلم يحدث منه أي تقصير، ولو قلنا إنه لا يلزمه لصار كل إنسان يوكِّلُ شخصاً يسوم على هذا البيت فإذا سام عليه وتعب في ذلك ذهب الموكِّلُ إلى آخر ثم باع عليه وترك الوكيل بلا شيء، فالصواب أنه يستحق أجرة المثل أو مما قدِّر له بقدر ما تعب فيه.

قوله (طلاق التي وكله في طلاقها) مثاله إنسان وكل شخصاً فقال وكَّلتُك في طلاق امرأتي ثم قام الزوج فطلق زوجته فهل يقول الوكيل أنا أطلقها أيضاً؟ الجواب لا، لكن لو قال قائل هي الآن في العدة وهي رجعية والرجعية يلحقها الطلاق على كلام الفقهاء فهل يملك الوكيل أن يطلق الآن؟ الجواب نقول لا يملك ذلك وإن كانت رجعية يلحقها الطلاق لأننا لو قلنا أن الرجعية يلحقها الطلاق فإن الوكيل لا يملك الطلاق كما لو وكَّلَه في طلاقها مرة واحدة فإنه لا يملك أن يطلقها مرتين. القارئ: وإن وطئ الزوجة أو دبر العبد أو كاتبه بطلت الوكالة لأن ذلك يدل على رجوعه إذ لا يجتمع مقصود هذه التصرفات مع البيع والوطء يدل على رغبته في زوجته. الشيخ: في مسألة الوطء قد يقول قائل هذا لا يدل على أنه عدل عن توكيله في الطلاق، وقد يقال أنه عدل لأن كونه يطأ زوجته يمتنع أن يطلق الوكيل في هذه الحال لأن الطلاق في طهر جامع فيه لا يجوز والقاعدة في هذا أن كل تصرف من الموكِّل يدل على رجوعه عن الوكالة فإنه يقتضي بطلان الوكالة. القارئ: وإن وكله في الشراء بدينار فتلف بطلت الوكالة فإن تلف بتفريطه فغرمه هو أو غيره لم يملك الشراء ببدل لأن الوكالة بطلت بتلفه. فصل القارئ: ولا تبطل بالنوم والسكر والإغماء لأنه لا تثبت الولاية به. الشيخ: الإنسان إذا نام فإنه لا يكون لأحد عليه ولاية أو سَكِرَ أو أغمي عليه فإذا كان لا تثبت الولاية عليه بذلك فإنه لا تثبت الوكالة. القارئ: ولا بالردة لأنها لا تمنع ابتداء وكالته فلا تمنع استدامتها ولا بالتعدي فيما وكل فيه كلبس الثوب وركوب الدابة لأن العقد يتضمن أمانة وتصرفا فإذا بطلت الأمانة بقي التصرف كالرهن المتضمن وثيقة وأمانة وإن وكله في بيع عبد ثم باعه المالك بيعاً فاسداً لم تبطل الوكالة لأن ملكه فيه لم يدل ولا يؤول إلى الزوال.

الشيخ: الصواب أنه إذا باعه بيعاً فاسداً يعتقد صحته فإن الوكالة تبطل لأن هذا تصرف يدل على عدوله عن التوكيل أما إذا باع بيعاً فاسد وهو يعلم أنه فاسد فإن الوكالة لا تبطل كما لو باع الوكيل بعد أذان الجمعة الثاني ما وكله في بيعه فهنا نقول إذا كان الوكيل يعلم أن البيع فاسد فهذا بيع لاغي لا يترتب عليه أثره أما إذا كان لا يعلم فلا شك أن بيعه إياه دال على فسخ الوكالة. القارئ: وإن وكل زوجته ثم طلقها لم تنعزل لأن الطلاق لا ينافي الوكالة ولا يمنع ابتداءها. الشيخ: المعنى أنه وكَّلَ زوجته في بيع شيء أو شراء شيء ثم طلقها فإنها لا تنعزل عن الوكالة لأن الطلاق لا ينافي الوكالة. القارئ: وإن وكل عبده ثم أعتقه أو باعه فكذلك ويحتمل أن ينعزل لأن أمره لعبده استخدام وليس بتوكيل في الحقيقة. الشيخ: الاحتمال الثاني هو الصحيح لأنه حين يأمر عبده ويقول يا فلان بع هذا الشيء فهذا ليس بتوكيل بل هو استخدام ولأن العبد بالعتق ملك نفسه فلا أمر لسيده عليه. فصل القارئ: ويجوز التوكيل بجعل لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ العوض عنه كرد الآبق وإذا وكَّلَه في البيع بجعل فباع استحق الجعل قبل قبض الثمن لأن البيع يتحقق قبل قبضه فإن قال في التوكيل إذا سلمت إليَّ الثمن فلك كذا وقف استحقاقه على التسليم إليه لاشتراطه إياه. الشيخ: ما ذكره أولاً خلاف ما عليه العمل الآن فالوكيل بالبيع لا يستحق الجعل إلا إذا سلم الثمن فالدَّلال الآن لو أنه باع السيارة والسيارة عليها خمسمائة ريال فباعها ثم جاء لصاحبها وقال لقد بعت السيارة أعطني الخمسمائة ريال فعلى كلام المؤلف أنه يُلزم بتسليمه خمسمائة ريال ولكن الصحيح أنه لا يلزم لأن كونه يقول لك على بيعها خمسمائة ريال معروف عرفاً واضحاً أن المراد خمسمائة ريال من الثمن. القارئ: وإن قال بع هذا بعشرة فما زاد فهو لك صح وله الزيادة لأن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأسا.

الشيخ: هذا صحيح بشرط أن يكون الموكِّل عنده علم بالثمن أما إذا لم يكن عنده علم بالثمن فيجب على الوكيل أن يقول يساوي أكثر مثال ذلك رجل اشترى ثوب بعشرة وارتفع السعر ارتفاعاً فاحشاً فصار هذا الثوب يساوي خمسين فوكَّله ببيعه وقال بع هذا الثوب بعشرة وما زاد فهو لك والوكيل يعلم أنه قد زاد ففي هذه الحال يجب أن يقول الوكيل الثوب يساوي أكثر فإذا قال الموكِّل ولو كان يساوي أكثر فإننا ننظر هل الموكَّل الآن يظن أن الفرق يسير فلذلك قال ولو كان يساوي أكثر، فإن كان الأمر كذلك قلنا لابد أن يقول الوكيل يساوي خمسين فيبيَّن له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولقول صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم والآخر وليأتِ إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) ومثل ذلك ما يفعله بعض الناس في سيارات اللموزين فيقول إتي لي مثلاً اليوم بثلاثمائة وما زاد فهو لك فهذا جائز لكن لو قال وما نقص فهو عليك فهذا حرام ولا يجوز لأنه لا يمكن أن يجمع على هذا العامل بين العمل والتعب وبين الغرم. مسألة: إذا اتفق رجل ما مع مقاول على أن يبني له بيتاً وعين المدة ستة أشهر مثلاً وقال إن لم تكمل البيت في هذه الستة أشهر فما زاد فعليك الغرم مائة ريال لكل يوم فهل هذا يجوز أولا؟ نقول فيه تفصيل وهو إذا كانت المدة المحددة يمكن انقضاء هذا العمل فيها فهذا لا بأس به من أجل أن نحذر من التهاون والتلاعب وأما إذا كانت المدة خيالية بأن قال ابني لي هذه العمارة على أن تكون من عشرة طوابق وفي كل طابق عشرة شقق وفي كل شقة عشرة غرف في كل غرفة عشرة حمامات مثلاً والمدة ستة شهور فهذا لا يجوز لأن هذا مثل القمار. السائل: لو قال صاحب العمارة للمقاول إذا لم يتم البناء خلال المدة المتفق عليها فليس لك شيء إطلاقاً فهل هذا جائز؟

الشيخ: لا أدري هذه المسألة تحتاج إلى تأمل لأن هذا المقاول سوف يخسر المواد ثم إنه ليس له مهلة فإذا قلنا مثلاً كل شهر يفوت فعليك كذا فإنه يقدر أن يُعجِّل ويقل المبلغ عليه لكن إذا قيل إذا لم يتم البناء فليس لك شيء فهذه خسارة فادحة. السائل: إذا كان لسائق اللموزين راتب شهري وقال له صاحب العمل عليك أن تأتي لي كل يوم بثلاثمائة ريال وما نقص فإنه يؤخذ من راتبك الشهري فهل هذا يجوز؟ الشيخ: لا يجوز لأن الراتب يملكه بالعقد فكأنك أخذت من ماله. فصل القارئ: وليس للوكيل في بيع شيء بيعه لنفسه ولا للوكيل في الشراء أن يشتري من نفسه لأن العرف في العقد أن يعقد مع غيره فحمل التوكيل عليه ولأنه تلحقه تهمة ويتنافى الغرضان فلم يجز كما لو نهاه وعنه يجوز لأنه امتثل أمره وحصل غرضه فصح كما لو باع أجنبيا وإنما يصح بشرط أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء ويتولى النداء غيره لتنتفي التهمة قال القاضي ويحتمل أن لا يشترط ذلك وكذلك الحكم في بيعه لوكيله أو طفل يلي عليه أو ولده أو والده أو مكاتبه أو تزويجه لابنته إذا وكله أن يتزوج له لأنه يتهم في حقهم ويترك الاستقصاء عليهم.

الشيخ: إذا وُكِّل في بيع فإنه لا يبيع على نفسه فلو قلت خذ هذا الكتاب بعه فإنه لا يشتريه لنفسه لأن المفهوم أنه إذا قال خذ هذا الكتاب بعه أن قصده أن يبعه على آخر إذ لو أراد أن يبيعه على ذلك الوكيل لكان العقد بينهما مباشرة، هكذا علل المؤلف وعلل بتعليل آخر أنه محل تهمة ولكن هناك رواية أخرى أنه يجوز لأن غرض الموكِّل قد حصل وهو البيع بثمن المثل وهذا القول أرجح أنه يجوز بشرط أن لا ينقص عن ثمن المثل وأن لا ينهاه الموكِّل عن الشراء فإن نهاه فإنه لا يشتري لنفسه وإن نقص عن ثمن المثل فإنه حرام ولا يجوز، وسبق أنه هل يبطل البيع أو يصح ويضمن النقص؟ وهل يبيع ويشتري من ولده؟ نقول إن كان شريكاً له في المال فالحكم كما ذكرنا وإن لم يكن شريكاً له فإنه لا يبيع عليه لأنه متهم في حقه ولأن العادة أن الإنسان لا يستقصي مع ولده ووالده وكذلك يقال في الزوج والزوجة، وإذا أردت أن تتخلص من هذا كله فقل للموكِّل ما رأيك إذا أردت أنا أن اشتريها منك فإما أن يقول لا بأس، وإما أن يقول لا، فإن قال لا فلا يشتريها وإن قال لا بأس فالأمر ظاهر. القارئ: وإن إذن له الموكل في هذا جاز لانتفاء التهمة مع صريح الإذن وإن وكله رجل في بيع عبده ووكله آخر في شرائه فله أن يتولى طرفي العقد كما يجوز للأب ذلك في حق ولده الصغير.

الشيخ: المثال لو قال رجل لآخر اشتر لي كتاب الكافي وقال آخر بع لي كتاب الكافي والكافي الآن معه فهنا يتولى طرفي العقد وكيف يقول؟ هل يقول بعت هذا الكتاب على نفسي بالوكالة عن الموكِّل بالبيع واشتريته بنفسي بالوكالة عن فلان أو يقول بعت هذا على فلان _ يقصد الثاني _؟ نقول لا يحتاج أن يأتي بإيجاب وقبول بل يقول بعت هذا الكتاب على فلان، وفي هذه الحال يُشْهِد لئلا يحصل لبس لأنه إذا قال بعت هذا على فلان أو نوى بقلبه أنه باعه على فلان فهذا لا يُطَّلع عليه ومثل ذلك ابن العم يتزوج بنت عمه ليس لها ولي إلا هو فإنه يقول تزوجت بنت عمي أو زوجت نفسي بنت عمي لكن في النكاح لابد من الشهود. فصل القارئ: فإذا وكل عبد في شراء عبداً من سيده جاز لأنه يجوز أن يشتري من غير سيده فجاز منه كالأجنبي وإن وكله في شراء نفسه جاز لأنه يجوز أن يشتري غيره فجاز أن يشتري نفسه كالأجنبي فإن قال السيد ما اشتريت نفسك إلا لنفسك عتق لإقرار سيده بحريته. الشيخ: قوله (فإن قال السيد ما اشتريتَ نَفْسَكَ إلا لِنفسِكَ عَتَقَ) هذا فيه نظر لأنه قد يكون أراد أن يعتقه وهذه الصيغة لا تقتضي العتق والأصل بقاء الملك وعدم الحرية حتى يوجد شيء صريح ينفي الملك. القارئ: والقول قول السيد في الثمن لأن الظاهر ممن باشر العقد أنه له ولو وكله سيده في إعتاق نفسه أو وكل غريمه في إبراء نفسه صح لأنه وكيله في إسقاط حق نفسه فجاز كتوكيل الزوجة في طلاقها وإن وكل غريمه في إبراء غرمائه لم يملك إبراء نفسه كما لو وكله في حبسهم لم يملك حبس نفسه وإن وكله في تفرقة صدقة لم يملك صرفها إلى نفسه لأنه مأمور بإعطاء غيره قال أصحابنا ولا يملك إعطاء ولده ووالده لأنهم كنفسه ويحتمل جواز ذلك لأن لفظه يعمهم ولا قرينة تخرجهم.

الشيخ: الظاهر أن الصواب جواز إعطائهم مادام أنه قد اتق الله ولم يحابهم أما كونه يأخذ لنفسه فهذا فيه نظر فما قاله المؤلف صحيح فإذا أعطيت مثلاً هذا الرجل ألف ريال وقلت له فرقه في الزكاة فإنه لا يحل له أن يأخذ لنفسه حتى وإن كان من أهل الزكاة لأن الذي أعطاه لو أراد أن يبَرَّه لأعطاه مباشرة، لكن هل من المستساغ أن يقول لمن أعطاه دراهم يفرقها زكاة أتأذن لي إن كنت من أهلها أن آخذَ منها؟ الجواب هذا ينبني على هل يجوز لمن كان من أهل الزكاة أن يسألها والصواب أنه يجوز لمن كان محتاجاً أن يسأل إذا أصابته فاقة كما جاء في حديث قبيصة. فصل القارئ: والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف تحت يده بغير تفريط بجعل وبغير جعل لأنه نائب المالك أشبه المودع. الشيخ: قال المؤلف (بغير تفريط) فهل نقول أن المؤلف نقص العبارة لأنه ينبغي أن يقال بغير تفريط ولا تعدي أو يقال إن التعدي تفريط وزيادة؟ الجواب الثاني لكن لو ذكره لكان أحسن فالوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف بيده بغير تفريط ولا تعدي والفرق بين التعدي والتفريط أن التفريط ترك ما يجب يعني إهمال ما يجب عليه والتعدي فعل ما لا يجوز مثاله وكَّله في بيع بعير فصار الوكيل يستعمل البعير فهذا متعدي لأنه فعل مالا يجوز، وإذا أهمل الوكيل البعير فصار لا يعطيه أكلاً ولا شرباً فهنا يضمن ونقول أنه مفرط حيث لم يقم بما يجب عليه. القارئ: والقول قوله فيما يدعيه من تلف وعدم تفريط وخيانة لذلك والقول قوله في الرد إن كان متطوعا لأنه قبض المال لنفع مالكه فهو كالمودع وإن كان بجعل ففيه وجهان أحدهما يقبل قوله لأنه أمين أشبه المودع والثاني لا يقبل لأنه قبضه لنفع نفسه أشبه المستعير.

الشيخ: المعروف أنه إذا كان بِجُعْلٍ لا يقبل قوله في الرد والقاعدة في المذهب أنه إذا كان قبض المال لحظ نفسه فإنه لا يقبل قوله في الرد وإذا كان لحظ مالكه قُبلَ وإن كان لحظهما لم يقبل، مثال الذي يقبضه لحظ مالكه المودع فالمودع قبض المال لحظ مالكه يحفظه له فهذا يقبل قوله في الرد ودليل ذلك قوله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ومثال الذي يقبضه لحظهما المستأجر الذي بيده العين المستأجرة فهو قبض العين لحظ نفسه ولحظ مالكها فهي لحظه لأنه يستوفي المنافع التي عقد عليها ولحظ مالكها لأنه سوف يعوض عن هذه المنافع فهذا أيضاً لا يقبل قوله في الرد لأنه قبض المال لمصلحته، ومثال الذي يقبضه لمصلحته الخاصة المستعير فالمستعير قبض المال لحظ نفسه فهذا لا يقبل قوله في الرد. أما مسألة الضمان فالصحيح أن جميع الأمناء لا ضمان عليهم إلا بتعد أو تفريط والأمناء هم كل من قبض المال بإذن الشرع أو بإذن المالك فهذا هو الأمين فهو كل من كان المال تحت يده بإذن من الشارع كوكيل اليتيم أو بإذن من المالك كالوكيل والمستأجر ومن أشبهه. القارئ: وإن قال بعت وقبضت الثمن فتلف في يدي ففيه وجهان ذكرناهما في الرهن وإن اختلفا في أصل الوكالة فالقول قول من ينكرها لأن الأصل عدمها وإن اختلفا في دفع المال إلى الوكيل فالقول قوله لذلك فإن أنكره ثم اعترف به ثم ادعى تلفه أو رده لم يقبل لأن خيانته ثبتت بجحده وكذلك الحكم في المودع.

الشيخ: لكن لو قال إني أنكرته ناسياً ثم تذكرت فهل يقبل قوله أو لا؟ الجواب نقول ينبغي أن ينظر في هذا إلى حال الشخص إذا كان من أهل الصدق والأمانة قُبِلَ قوله وإلا فلا يقبل لأن النسيان وارد فأحياناً يقول لك الشخص إني كلمتك بكذا فتقول أبداً ما كلمتني أو يقول لك بعت عليك كذا فتقول ما بعت عليَّ أو أعطيتك كذا فتقول ما أعطيتني بناءً على النسيان، فإذا ادعى أنه نفى ناسياً فننظر إذا كان من أهل الصدق والأمانة وجب قبول قوله وإلا فلا يقبل. السائل: إذا أخذ شخص ما مالاً لسداد دينه فوجد أن المال أكثر من دينه فسدد دينه وصرف الباقي على الفقراء والمساكين فهل عمله هذا جائز؟ الشيخ: لا يجوز، لأن من أخذ لشيء لم يصرفه في غيره وهذه هي القاعدة، فَمَنْ أخذ لقضاء الدين فإنه لا يصرفه في حاجة الفقر ومَنْ أخذ لحاجة الفقر فإنه يجوز أن يصرفه في الدين. السائل: إذا لم يستطع رده لنفس المزكي فما هو الحكم؟ الشيخ: يكون هذا من جنس المال الذي جُهِل صاحبه أو عجز عن رده. السائل: رجل أخرج زكاة ماله ثم أعطاها لمستحقيها ولم يخبرهم أنها زكاة ماله فهل تجزئه؟ الشيخ: نعم تجزئه إذا كان من عادتهم أن يأخذوا الزكاة، والعبرة بنيته هو ما داموا هم من أهل الزكاة. السائل: جمع من الناس في قبيلة يخرجون الزكاة كل عام ثم يعطونها واحداً من أفراد القبيلة ثم هو يزكي معهم العام القادم ثم يجمعون زكاة العام القادم ويعطونها واحداً غيره وهكذا فهل هذا جائز؟ الشيخ: هو جائز من الناحية الشرعية فيجوز أن تعطي الزكاة شخصاً تكفيه سنة لكن من الناحية العرفية لا ينبغي هذا. السائل: حتى لو أعطوه مالاً كثيراً جداً بحيث يستطيع أن يشتري مزرعة فقد يصبح تاجراً ثم العام القادم يزكي معهم؟ الشيخ: إذا كانوا يعطونه أكثر من اللازم فهذا لا يجوز لأن الفقير لا يعطى أكثر من مؤنته فلو قدرنا أن هذا الرجل مؤنته كل شهر ألف ريال فإننا نعطيه اثنى عشر ألف ولا نعطيه أكثر من ذلك.

القارئ: وإن أقام بدعواه بينة ففيه وجهان أحدهما تقبل لأنها شهدت بما لو أقر به لثبت فقبلت كما لو لم ينكر والثاني لا تقبل لأنه مكذب لها بجحده فإن كان جحوده أنك لا تستحق عليَّ شيئا سمع قوله في الرد والتلف. الشيخ: قوله (إن كان جحوده) المعنى أي أنك لا تستحق وليس المعنى أنني لم أقبض منك، فهذا له وجه ولهذا يقبل. القارئ: لأنه لم ينكر القبض فيجوز أن يريد لا تستحق علي شيئا لتلفه أو رده وإن اختلفا في صفة الوكالة فقال وكلتني في بيع هذا فقال بل في بيع هذا أو قال وكلتني في بيعه بعشرين قال بل بثلاثين أو قال وكلتني في بيعه نسيئة قال بل نقدا فالقول قول الموكل لأنه منكر للعقد الذي يدعيه الوكيل فأشبه ما لو أنكر أصل الوكالة ولأنهما اختلفا في صفة قول الموكل فكان القول قوله كما لو اختلف الزوجان في صفة الطلاق ونص أحمد رضي الله عنه في المُضَارَبِ على أن القول قوله. الشيخ: المُضَارَبُ هو الذي يتصرف في المال والمُضَارِبُ هو الذي يعطي المال. القارئ: والوكيل في معناه لأنه أمين في التصرف فكان القول قوله في صفته كما لو اختلفا في بيع الثوب المأذون في بيعه. الشيخ: والراجح أنه ينظر للقرائن فإذا كانت القرينة تدل على قول المُوكِّل عملنا بها وإذا كانت تدل بالعكس عملنا بها فمثلاً إذا قال إنك أذنت لي في بيعه بعشرين فقال بل بثلاثين، ونحن نعرف أن هذا الشيء لا يمكن أن يصل إلى ثلاثين فالقول قول الوكيل، وإذا قال أذنت لي في بيعه نسيئة فقال بل نقداً، فالقول قول الموكِّل ولا شك، وعلى كل حال ينبغي أن ينظر في هذا إلى القرائن فمن دلت القرائن على صدقه كان القول قوله.

القارئ: وإن قال اشتريت هذا لك بعشرة قال بل بخمسة فالحكم فيه كذلك وإن قال اشتريت هذه الجارية لك بإذنك بعشرة فأنكر الإذن في شرائها فالقول قول الموكِّل فيحلف ويبطل البيع إن كان بعين المال ويرد الجارية على البائع إن صدق الوكيل في أنه وكيل وإن أنكر أن الشراء لغيره فالقول قوله وعلى الوكيل غرامة الثمن لموكله وتبقى الجارية في يده ولا تحل له لأنها ليست ملكاً له فإن أراد استحلالها اشتراها ممن هي له في الباطن فإن أبى بيعها استحب للحاكم أن يرفق به ليبيعه إياها ولا يجبر لأنه عقد مراضاة فإن أبى فقد حصلت في يده لغيره وله في ذمة صاحبها ثمنها فأقرب الوجوه فيها أن يأذن الحاكم له في بيعها ويوفيه حقه من ثمنها لأن الحاكم باعها في وفاء دينه فإن قال صاحبها إن كانت لي فقد بعتكها بعشرين فقال القاضي لا يصح لأنه بيع معلق على شرط ويحتمل أن يصح لأن هذا شرط واقع يعلمانه فلا يضر جعله شرطا كما لو قال إن كانت جارية فقد بعتكها. الشيخ: والصحيح أنه يصح، وحتى البيع المعلق بالشرط المحض صحيح لعموم قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) وقوله (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً). فصل القارئ: فإن قال تزوجت لك فلانة بإذنك فصدقته المرأة وأنكره فالقول قول المنكر لأن الأصل معه ولا يستحلف لأن الوكيل يدعي حقاً لغيره وإن ادعته المرأة استحلف لأنها تدعي صداقها عليه فإن حلف برئ من الصداق ولم يلزم الوكيل في أحد الوجهين لأن حقوق العقد تتعلق بالموكل فإن كان الوكيل ضمنه لها فلها مطالبته به وليس لها نكاح غيره لاعترافها أنها زوجته فتؤخذ بإقرارها ولا يكلف الطلاق لأنه لم يثبت في حقه نكاح ويحتمل أن يكلفه لإزالة احتمال لأنه يحتمل صحة دعواها فينزل منزلة النكاح الفاسد.

باب الشركة

الشيخ: الصحيح أنه يُلْزَم بأن يطلق ويقال له لا يضرك شيء فلا يلزمك نفقة وإنما تطلق من أجل أن تفك أسر المرأة لأن كونها تبقى بلا زوج فهذا ضرر عظيم فالاحتمال الثاني هو الصحيح. القارئ: ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر لأنه لم يثبت صداقها فترث وهو ينكر أنها زوجته فلا يرثها. باب الشركة القارئ: يجوز عقد الشركة في الجملة لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه فخرجت من بينهما) رواه أبو داود. الشيخ: الشركة هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف، فاشتراك الورثة في التركة هو اجتماع في استحقاق وأما شركة المضاربة والعنان وما أشبهها فهي اجتماع في تصرف، فالشركة لا تخرج عن هذين القسمين إما اجتماع في استحقاق وهذه لا تحتاج إلى عقد وإما اجتماع في تصرف وهذه تحتاج إلى عقد والأصل جواز الشركة لقوله تعالى (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فقوله (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) يدل على جواز الخلطة ثم الحديث الذي ذكره المؤلف واضح وقوله (أنا ثالث الشريكين) كون الله تعالى ثالثهما لا شك أنه يستلزم نزول البركة في هذه الشركة وتيسير الأمور لهما فإذا خان أحدهما الآخر خرج الله من بينهما ونزع البركة من بينهما. القارئ: وتكره شركة الذمي إلا أن يكون المسلم يتولى البيع والشراء لما روى الخلال بإسناده عن عطاء قال (نهى رسول الله عن مشاركة اليهودي والنصراني إلا أن يكون البيع والشراء بيد المسلم) ولأنه لا يأمن معاملتهم بالربا والعقود الفاسدة. الشيخ: الحديث الذي ذكره المؤلف مرسل فهو من أقسام الضعيف لكن لا شك أن الذمي والمراد بذلك الكتابي من اليهود والنصارى تكره مشاركتهم إلا إذا كان تدبير الشركة بيد المسلم فلا بأس. فصل

القارئ: والشركة على أربعة أضرب أحدها شركة العنان وهو أن يشترك اثنان بماليهما على أن يعملا فيه بأبدانهما والربح بينهما. الشيخ: صورة هذه الشركة هي أن كل واحد منهما يأتي بالمال الذي عنده ويخلطانه ثم يتصرفان فيه فنسمي هذه الشركة شركة عنان لأنها تشبه الفارسين الراكبين على فرسيهما وكل واحد منهما قد أمسك بعنان فرسه فمن كل واحد منهما مال وبدن أي عمل، وإذا قال قائل ما الفائدة من هذه الشركة؟ قلنا الفائدة أنه ربما يُعرض شيء قيمته كثيرة والواحد منهما إذا انفرد لا يستطيع أن يدفع القيمة فيشتركان فتحصل بذلك الفائدة. القارئ: فإذا صحت فما تلف من المالين فهو من ضمانهما وإن خسرا كانت الخسارة بينهما على قدر المالين لأنهما صارا كمال واحد في ربحه فكذلك في خسرانه والربح بينهما على ما شرطاه لأن العمل يستحق به الربح وقد يتفاضلان فيه لقوة أحدهما وحذقه فجاز أن يجعل له حظ من الربح كالمضارب. الشيخ: الخسارة تكون على قدر المالين فإذا كان أحدهما أتى بمائتين والثاني أتى بثلاث وخسرا خمسين فهنا نوزع الخسارة عليهما أخماساً فالذي أتى بمائتين نقول عليه عشرون والذي أتى بثلاث نقول عليه ثلاثون وأما الربح فعلى ما شرطاه فلو قالا الربح بيننا نصفين جاز ذلك ويكون الأكثر مع صاحب الخُمُسينِ لأنه لو كان الربح على حسب المالين لكان لصاحب الخُمُسينِ خُمُسَا الربح، وإنما كان الربح على ما شرطاه لأن أحدهما قد يكون أسد وأعلم بطرق البيع والشراء فيجعل له من الربح نصيباً أكبر من ماله. السائل: بعض أصحاب السيارات يذهب بسيارته لورشة الإصلاح فيقوم صاحب الورشة بإصلاحها وإذا احتاجت إلى قطع الغيار يقوم بشرائها من أصحاب محلات قطع الغيار لكنه يشتريها بسعر أقل من السعر المتعارف عليه ويحسبها على صاحب السيارة بسعرها المتعارف عليه وإذا تلفت هذه القطعة قبل استعمالها في السيارة فإنها تكون من ضمان صاحب الورشة فهل هذا جائز؟

الشيخ: لا بأس بهذا فله أن يأخذ هو بتسعة ويقول لصاحب السيارة هي بعشرة. السائل: لو شرط أحدهما وهو صاحب المال الأقل أنه ليس عليه خسارة فما الحكم؟ الشيخ: الخسارة لابد أن تكون على قدر المالين فلا يمكن أن يشترط فيها سوى ذلك، لأنه لو صارت الخسارة على واحد منهما لكان ذلك مشكلاً. فصل القارئ: وتصح الشركة على الدراهم والدنانير لأنهما أثمان البياعات وقيم الأموال ولا تصح بالعروض في إحدى الروايتين لأن قيمة أحدهما ربما تزيد قبل بيعه فيشاركه الآخر في نماء العين التي هي ملكه والثانية تصح الشركة بها ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد لأن مقصودها نفوذ تصرفهما في المال المشترك وكون ربحه بينهما وهذا ممكن في العروض. الشيخ: الرواية الثانية هي الصحيحة يعني مثلاً إذا أراد شخصان أن يشتركا شركة عنان فلابد أن يأتيا بالدراهم أو الدنانير فإن أتيا بعروض بأن جاء أحدهما بسيارات وجاء الثاني بمعدات أخرى وقالا نشترك في هذه شركة عنان، فالمذهب لا يصح لأن القيمة قد تزيد وقد تنقص في أحدهما، والصحيح أن ذلك جائز وتُقدَّر القيمة وقت العقد فيقال لصاحب السيارات كم تساوي سياراتك قال تساوي عشرين ألف والثاني يقال له كم تساوي المعدات قال تساوي عشرة آلاف، فيكون رأس مال صاحب السيارات بالنسبة الثلثين والآخر الثلث، ونقول الآن هما اشتركا في مالٍ أحدهما أتى بثلثين والثاني أتى بثلث وهذا هو الذي عليه العمل الآن. القارئ: والحكم في النقرة والمغشوش والفلوس كالحكم في العروض لأن قيمتها تزيد وتنقص فأشبهت العروض ولا تجوز الشركة بمجهول ولا جزاف لأنه لا يمكن الرجوع به عند المفاصلة ولا بدين ولا غائب لأنه مما لا يجوز بيعه والتصرف فيه وهو مقصود الشركة فصل القارئ: ويجوز في المختلفين. الشيخ: (يجوز) أو (تجوز) على نسخة (تجوز) المعنى تجوز الشركة في المختلفين وعلى نسخة (يجوز) نقدر الاشتراك أي ويجوز الاشتراك في المختلفين.

القارئ: فيكون لأحدهما دنانير وللآخر دراهم أو لأحدهما صحاح وللآخر مكسرة أو لأحدهما مائة والآخر مائتان لأنهما أثمان فصحت الشركة بهما كالمتفقين ويرجع كل واحد منهما عند المفاصلة بمثل ماله نص عليه لأنها أثمان فيجب الرجوع بمثلها كالمتفقين. الشيخ: هذا بناءً على ما كانوا يعرفونه أن الدرهم بالنسبة للدينار لا يزيد ولا ينقص فاثني عشر درهماً عن دينار لا يزيد ولا ينقص، فهنا نقول لا فرق بين أن تكون من هذا دنانير ومن هذا دراهم لأن الظاهر أن قيمة الدينار اثني عشر درهماً بدليل أن الدية ألف مثقال ذهباً وأثنى عشر ألف درهم فضة مما يدل على أن السعر في ذلك الوقت كان الدينار يساوي اثني عشر درهم لا يزيد ولا ينقص لكن في وقتنا الحاضر الدنانير والدراهم تختلف فقد يزيد الذهب وقد ينقص فلهذا نقول لابد أن تقدر القيمة عند الاشتراك فتقدر قيمة الذهب بكم وقيمة الفضة بكم حتى يرجع إليها عند المناضة، فالفقهاء يقولون لا بأس أن يأتي أحدهما بدراهمه والثاني بدنانير لأنه عند المفاصلة يرجع كل إنسان بما جاء به من مال فإذا أتى هذا بمائة دينار والآخر بألف درهم وتمت الشركة وعملا فيها ثم عند المناضة نعطي هذا دراهمه وهذا دنانيره كاملة لأن القيمة لا تتغير، لكن في وقتنا الحاضر ربما تكون عشرة دنانير تساوي مائة درهم الآن وبعد شهر أو شهرين قد تساوي مائتي درهم أو ثمانين درهم، وعليه فنقول لابد من أن تُقَوَّم الدراهم والدنانير عند العقد حتى يرجع كل واحد منهما بقيمة نقده. القارئ: وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المالين لأنه يقصد بها كون الربح بينهما فلم يشترط خلط المال كالمضاربة. الشيخ: هذا قياس غير صحيح لأنه في المضاربة أحدهما يعمل والثاني يأتي بالدراهم وأما في شركة العنان فكل واحد منهما أتى بمال وعمل، فهذا قياس مستغرب من المؤلف رحمه الله على غزارة علمه وعمق فقهه. فصل

القارئ: ومبناها على الوكالة والأمانة لأن كل واحد منهما بتفويض المال إلى صاحبه أمنه وبإذنه له في التصرف وكله ولكل واحد منهما العمل في المالين بحكم الملك في حصته والوكالة في حصة شريكه وحكمها في جوازها وإنفساخها حكم الوكالة لتضمنها للوكالة فإن عزل أحدهما صاحبه قبل أن ينض المال فذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنه لا ينعزل حتى ينض كالمضارب إذا عزله رب المال وقال أبو الخطاب ينعزل لأنها وكالة فإذا عزله فطلب أحدهما البيع والآخر القسمة أجيب طالب القسمة لأنه يستدرك ما يحصل من الربح بالقسمة فلم يجبر على البيع بخلاف المضارب وهذا إنما يصح إذا كان الربح على قدر المالين فإن زاد ربح أحدهما عن ماله لم يستدرك ربحه بالقسمة فيتعين البيع كالمضاربة. فصل القارئ: فإن مات أحدهما فلوارثه إتمام الشركة فيأذن للشريك ويأذن له الشريك في التصرف لأن هذا إتمام للشركة وليس بابتداء لها فلا تعتبر شروطها وكذلك إن مات رب المال في المضاربة فلوارثه إتمامها في ظاهر كلامه ويحتمل أن لا يجوز إتمامها إلا أن يكون المال ناضا لأن العقد قد بطل بالموت وهذا ابتداء عقد فلا يجوز بالعروض وإن مات عامل المضاربة لم يجز إتمامها إلا على الوجه الذي يجوز ابتداءها لأنه لم يخلف أصلاً يبنى عليه ولو كان مال الشركة والمضاربة موصى به والموصى له كالوارث في هذا فإن كانت الوصية لغير معين كالفقراء فليس للموصى الإذن في التصرف لأنه قد وجب دفعه إليهم الشيخ: لم يتبين لي رجحان في الاحتمالين، لأنها عقد جائز إذا شاءوا أمضوها مع الوارث وإن شاءوا فسخوا. فصل القارئ: ولكل واحد من الشريكين أن يبيع ويشتري مساومة ومرابحة وتولية ومواضعة ويقبض المبيع والثمن ويقبضهما ويطالب بالدين ويخاصم فيه.

الشيخ: المساومة هي أن يسوم هذا الثوب فيسأل ويقول مَنْ يزيد، وأما المرابحة فهي أن يشتري برأس المال مع ربح، والتولية أن يشتري برأس المال بدون ربح، والمواضعة أن يشتري برأس المال مع النقص والمهم أن الشريكين لكل واحد منهما أن يبيع مساومة أو تولية أو مرابحة أو مواضعة. القارئ: ويرد بالعيب في العقد الذي وليه هو أو صاحبه ويحيل ويحتال ويستأجر ويفعل كل ما هو من مصلحة التجارة بمطلق الشركة لأن هذا عادة التجار وقد أذن له في التجارة وهل لأحدهما أن يبيع نساء أو يبضع أو يودع أو يسافر بالمال يخرج على روايتين إحداهما له ذلك لأنه عادة التجار ولأن المقصود الربح وهو في هذه أكثر والأخرى لا يجوز لأن فيه تغريراً بالمال. الشيخ: الصحيح أنه جائز إذا رأى المصلحة فيُقَيَّد ذلك الجواز بما إذا رأى المصلحة، فإذا رأى المصلحة ببيعه نساء أو بالسفر به فلا بأس. القارئ: وهل له التوكيل يخرج على الروايتين في الوكيل لأنه وكيل. الشيخ: الصحيح أن له أن يوكِّل، والفرق بينه وبين الوكيل المجرد أن الوكيل المجرد ليس له حظ في هذا المال الذي وكِّل فيه وهذا شريك له حظ فلن يوكِّل إلا مَنْ يرى أن في توكيله مصلحة فلهذا نقول يجوز لأحد الشريكين في شركة العنان أن يوكِّل سواء أستأذن من صاحبه أم لم يستأذن. القارئ: وإذا وكل أحدهما فللآخر عزله لأنه وكيله وهل له أن يرهن ويرتهن فيه وجهان أحدهما له ذلك لأن الرهن يراد للإيفاء والارتهان يراد للاستيفاء وهو يملكهما فيملك ما يراد لهما والثاني لا يجوز لأن فيه خطرا وفي الإقالة وجهان أصحهما أنه يملكها لأنه إن كانت بيعاً فقد أذن فيه وإن كانت فسخا ففسخ البيع المضر من مصلحة التجارة فملكه كالرد بالعيب والآخر لا يملكها لأنها فسخ فلا تدخل في الإذن في التجارة. الشيخ: الصواب أن هذا جائز وأن لكل واحد منهما أن يتصرف بما يرى أنه مصلحة سواء في البيع نساءً أو في الإقراض أو في الإقالة أو غير ذلك. فصل

القارئ: وليس له أن يكاتب رقيقه ولا يزوجه ولا يعتقه بمال ولا يقرض ولا يحابي لأن ذلك ليس بتجارة وليس له المشاركة بمال الشركة ولا المضاربة به. الشيخ: لكن إذا وجد مصلحة في هذا جاز، فمصلحة القرض أن يقرضه شخصاً ليحفظ المال لأنه ربما لو بقي المال عنده لتسلط عليه اللصوص والسُّراق أو إذا كان في بلد حكمه جائر تسلط عليه ولي الأمر فإذا أقرضه فقد أَمَّنَهُ، ومن هذا وضع الأموال في البنوك الآن فوضع الأموال في البنوك ليس وديعة في والواقع ولكنه إقراض لأن صاحب البنك يُدخِل هذا المال في صندوقه ويتصرف فيه، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن المودع إذا أذن للمودع في التصرف فهذا قرض وليس بوديعة. القارئ: ولا خلطه بماله ولا مال غيره لأنه يثبت في المال حقوقا وليس هو من التجارة المأذون فيها ولا يأخذ به سفتجة ولا يعطيها لأن فيه خطرا ولا يستدين على مال الشركة. الشيخ: السفتجة هي أن يعطيه الفلوس مثلاً في مكة ويقول حولها لي في المدينة فهذه سفتجة والظاهر أن هذه الكلمة ليست عربية لكن هذا هو معناه عند الفقهاء، والصواب أن له أن يأخذ به سفتجة لأن هذا قد يكون أحفظ للمال فقد يكون الرجل لو أصطحب المال معه في السفر من مكة إلى المدينة يتسلط عليه قُطَّاع الطريق لكن إذا أخذ به سفتجة سلم منهم ولدينا قاعدة عريضة ينبغي أن نعتبرها في هذا وهي أن كل تصرف من مصلحة الشركة فهو جائز.

القارئ: ولا يشتري ما ليس عنده ثمنه لأنه يؤدي إلى الزيادة في مال الشركة ولم يؤذن فيه فإن فعل فعليه ثمن ما اشتراه ويختص بملكه وربحه وضمانه وكذلك ما استدانه أو اقترضه ويجوز أن يشتري نساءً ما عنده ثمنه لأنه لا يفضي إلى الزيادة فيها وإن أقر على مال الشركة قُبِلَ في حقه دون صاحبه سواء أقر بعين أو دين لأن الإقرار ليس من التجارة وقال القاضي يقبل إقراره على مال الشركة ويقبل إقراره بعيب في عين باعها كما يقبل إقرار الوكيل على موكله به نص عليه لأنه تولى بيعها فقبل إقراره بالعيب كمالكها فإن رد عليه المعيب فقبله أو دفع أرشه أو أخر ثمنه أو حط بعضه لأجل العيب جاز لأن العيب يجوز الرد وقد يكون ما يفعله من هذا أحظ من الرد فأما إن حط بعض الثمن ابتداء أو أسقط ديناً عن غريمهما أو أخره عليه لزم في حقه دون صاحبه لأنه تبرع فجاز في حقه دون شريكه كالصدقة فإن قال له أعمل برأيك فله عمل ما يقع في التجارة من الرهن والارتهان والبيع نساء والإبضاع بالمال والمضاربة به والشركة وخلطه بماله والسفر به وإيداعه وأخذ السفتجة ودفعها ونحوه لأنه فوض إليه الرأي في التصرف بالتجارة وقد يرى المصلحة في هذا وليس له التبرع والحطيطة والقرض وكتابة الرقيق وعتقه وتزوجيه لأنه ليس بتجارة وإنما فوض إليه العمل برأيه في التجارة. السائل: ما معنى قول المؤلف (الإبضاع)؟ الشيخ: الإبضاع هو أن يتصرف في المال ولا يأتيه من الربح إلا قدر ماله فقط. فصل القارئ: الضرب الثاني شركة الأبدان وهو أن يشترك اثنان فيما يكتسبانه بأبدانهما كالصانعين يشتركان على أن يعملا في صناعتيهما أو فيما يكتسبانه من مباح كالحشيش والحطب والمعادن والتلصص على دار الحرب فما رزق الله فهو بينهما فهو جائز.

الشيخ: قوله (فهو جائز) أي فهذا الضرب جائز وشركة الأبدان ليس فيها مال بل كلها عمل فيشترك اثنان فيما يكتسبان بأبدانهما مثال ذلك صانعين أتيا بآلة وجعلاها في مكان واحد واشتركا، فهذه شركة أبدان، أو اشتركا فيما يكتسبان من المباح كأن يخرجا للصيد ويقولا نحن اليوم شركاء فيما نكتسبه من الصيد، فهذه شركة أبدان، أو خرجا للاحتطاب وقالا نحن اليوم شريكان فيما نحصل من الحطب، فهذا جائز وهو شركة أبدان، ولا يحل لواحد منهما أن يتكاسل أو يتهاون أو يفرط ويقول صاحبي فيه البركة، لأن هذه خيانة بل يجب أن يعمل كأنما يعمل لنفسه أو أشد. وقوله (التلصص على دار الحرب) معناه أن يكونا قريبين مِنْ حدود مَنْ بيننا وبينهم حرب ويقولا نشترك فيما نأخذ من السرقة من أموال الحربيين فيدخلا في الليل مختفيين ويأخذان الغنم والبقر والإبل والأموال فهذا جائز لأن أموال الحربيين حلال لنا. القارئ: لما روى عبد الله بن مسعود قال اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر قال فلم أجيء انا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه واحتج به أحمد. الشيخ: هذان الأسيران صارا ملكاً للثلاثة. القارئ: ومبناها على الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه وما يتقبله كل واحد من الأعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما ويلزمه عمله. الشيخ: إذا عَلِمَ أنهم شركاء فما التزم به أحدهما فهو لازم للجميع، فإذا دخلت على مصنع وتعرف أنه مصنعٌ لفلان وفلان وقد اتفقتَ مع أحدهما على أن يصنع لك باباً، فمن الذي يلزمه تنفيذه هل هو الذي اتفقتَ معه أو يلزم الجميع؟ الجواب: يلزم الجميع. القارئ: قال القاضي ويحتمل أن لا يلزم كل واحد منهما ما لزم صاحبه كالوكيلين. الشيخ: هذا احتمال ضعيف ولا حظ له من النظر بل ما التزم به أحدهما فهو لازم للجميع.

القارئ: ويصح مع اتفاق الصنائع واختلافها لأنهما اتفقا في مكسب واحد كما لو اتفقت الصنائع وقال أبو الخطاب لا تصح مع اختلافها لأن الشركة تقتضي أن ما يتقبله أحدهما يلزم صاحبه ولا يمكن أن يلزمه عمل صناعة لا يحسنها. الشيخ: اختلاف الصنائع بأن يكون أحدهما نجاراً والثاني حداداً ويشتركان فالمذهب أنه تصح الشركة حتى مع اختلاف الصنائع وقال أبو الخطاب لا تصح مع اختلاف الصنائع وعلل ذلك بأن الشركة تقتضي أن ما تَقَبَّلهُ أحدهما لزم الجميع لكن هذا التعليل فيه نظر لأننا نقول نعم يلزم الجميع فإذا التزم الحداد بصناعة باب من الحديد لزم النجار أن يصنعه إذا لم يقم به مَنْ حصل معه العقد فيقوم ويشتريه من السوق، لكن العلة الصحيحة هو أن اختلاف الصنائع يقتضي اختلاف المكاسب فيحصل الغبن الكثير لأحدهما لأنه قد ترتفع صنعة الحديد وتنخفض صنعة النجارة أو بالعكس فيحصل ضرر على أحدهما فهذا هو الذي ينبغي أن تعلل به المسألة وهو أنه لا تصح ما اختلاف الصنائع لأنه قد يحصل في هذا غبن كثير جداً وهذا واقع فأحياناً ترتفع أسعار الحدادة وأحياناً ترتفع أسعار النجارة. فصل القارئ: والربح بينهما على ما شرطاه من مساواة أو تفاضل لأنهما يستحقان بالعمل والعمل يتفاضل فجاز أن يكون الربح متفاضلا وما لزم أحدهما من ضمان لتعديه وتفريطه فهو عليه خاصة لأن ذلك لا يدخل في الشركة ولكل واحد منهما طلب الأجرة وللمستأجر دفعها إلى أيهما شاء وإن تلفت في يد أحدهما بغير تفريط فلا ضمان عليه لأنه وكيل فصل القارئ: وإن عمل أحدهما دون صاحبه فالكسب بينهما لحديث ابن مسعود حين جاء سعد بأسيرين وأخفق الآخران وإن ترك أحدهما العمل لعجز أو غيره فللآخر مطالبته بالعمل أو بإقامة من يعمل عنه أو يفسخ. الشيخ: فإن لم يطالبه فالكسب بينهما فإذا قال كيف تجعلون الكسب بيننا وهو لم يعمل؟ قلنا كان لك الحق في أن تطالب وأنت الذي فرطت في عدم مطالبتك. فصل

القارئ: إذا كان لرجلين دابتان فاشتركا على أن يحملا عليهما فما رزق الله تعالى من الأجرة فهو بينهما صح ثم أن تقبلا حمل شيء في ذمتهما فحملاه عليهما صح والأجرة على ما شرطاه لأن تقبلهما الحمل أثبته في ذمتهما وضمانهما والشركة تنعقد على الضمان كشركة الوجوه. القارئ: وإن أجراهما على حمل شيء اختص كل واحد منهما بأجرة دابته ولا شركة لأنه لم يجب الحمل في ذمته وإنما استحق المكتري منفعة هذه البهيمة التي استأجرها ولهذا تنفسخ الإجارة بموتها ولا يصح أن يكون كل واحد منهما وكيل صاحبه في إجارة دابة نفسه ولهذا لو قال أجر دابتك وأجرها بيني وبينك لم يصح فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل فله أجرة مثله لأنها منافع وفاها بشبهة عقد فصل القارئ: فإن دفع دابته إلى رجل يعمل عليها أو عبده ليتكسب ويكون ما يحصل بينهما نصفين أو أثلاثا صح نص عليه لأنها عين تنمي بالعمل عليها فجاز العقد عليها ببعض نمائها كالشجر في المساقاة ونقل عنه أبو داود فيمن يعطي الفرس على نصف الغنيمة أرجو أن لا يكون به بأس ووجهه ما ذكرناه وإن دفع ثيابا إلى خياط ليخيطها ويبيعها وله جزء من ربحها أو غزلاً لينسجه ثوباً بثلث ثمنه أو ربعه جاز وإن جعل معه دراهم لم يجز وعنه الجواز والأول المذهب لأنه لا يجوز أن يشترط في المساقاة دراهم معلومة وإنما أجاز أحمد ذلك تشبيهاً بالمساقاة قال نراه جائزا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر. فصل

القارئ: وإن دفع رجل بغلة وآخر راوية إلى رجل ليستقي وما رزقهم الله بينهم فقياس المذهب صحته لأن كل واحد منهما عين تنمي بالعمل عليها فصح دفعها بجزء من النماء كالتي قبلها وقال القاضي لا يصح لأن المشاركة بالعروض لا تصح والأجرة للعامل لأنه ملك الماء باغترافه في الإناء ولصاحبيه أجرة المثل لأنه استوفى منافع ملكهما بشبهة عقد ولو اشترك صانعان على أن يعملا بأداة أحدهما في بيت الآخر والكسب بينهما صح لأن الأجرة على عملهما وبه يستحق الربح ولا يستحق بالآلة والبيت شيء إنما يستعملانها في العمل فصارا كالدابتين في الشركة ولو اشترك صاحب بغل وراوية على أن يؤجراهما والأجرة بينهما لم يصح لأن حاصله أن كل واحد منهما يؤجر ملكه ويعطي والآخر من أجرته وليس بصحيح والأجرة كلها لمالك البهيمة لأنه صاحب الأصل وللآخر أجرة مثله. السائل: ما هو الراجح فيما إذا اشترك اثنان مع اختلاف الصنائع؟ الشيخ: الراجح أنه لا يصح. السائل: وإذا كانت متقاربة ويحتاج بعضها إلى تكميل بعض كالبناءين فهل يجوز ذلك؟ الشيخ: إذا كان بعضها يكمل بعض فهو من جنسه. السائل: لو اشتركا في سيارة ثم حصل على السيارة حادث فاحرقت السيارة وتلفت البضائع التي فيها فعلى من يرجع صاحب البضائع؟ الشيخ: إذا كان بلا تعدي ولا تفريط ليس عليهم شيء وأما بتعدي أو تفريط فإنه يرجع على من تعدى أو فرط. السائل: إذا اشترك اثنان في عمل وترك أحدهما العمل لغير عذر فهل يستحق شيء من الربح؟ الشيخ: على كلام المؤلف يستحق. السائل: وما هو الراجح؟ الشيخ: إذا طالب صاحبه فقد يسوغ للقاضي أن يُضمّنه وإلا فيقال له لماذا لم تطالب. السائل: أشكل عليَّ أثر ابن مسعود مع عمار وسعد ما وجه اختصاص سعد بأسيرين مع أن الغنيمة تقسم بين الغزاة؟ الشيخ: هذا كان في غزوة بدر قبل قسم الغنيمة ثم إن الغنائم قسمت فيما بعد. السائل: متى يعتد بأقوال الصحابي وفعله؟

الشيخ: العلماء مختلفون في هذا لكن الصحيح أن الصحابي إذا كان من كبار الصحابة في فقهه وعلمه فإنه في هذه الحال يقدم قوله على غيره. فصل القارئ: الضرب الثالث شركة الوجوه وهو أن يشترك رجلان فيما يشتريان بجاههما وثقة التجار بهما من غير أن يكون لهما رأس مال على أن ما اشترياه فهو بينهما على ما اتفقا عليه من مساواة أو تفاضل. الشيخ: صورة هذا التعريف رجلان ليس عندهما مال فذهبا إلي محل تاجر وقالا نريد أن نشتري منك هذه البضاعة فاشترياه منه على أنهما شريكان فيها فهذه تسمى شركة الوجوه لأنه ليس فيها مال ولو كان منهما مال لصارت شركة عنان لكن في هذه المسألة ليس عندهما مال ولذلك سميت شركة الوجوه لأنهما يأخذان المال بجاههما. القارئ: ويبيعان كما رزق الله تعالى من الربح وبينهما على ما اتفقا عليه فهو جائز سواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو قال ما اشتريت من شيء فهو بيننا نص عليه والربح بينهما على ما اشترطاه وقال القاضي الربح بينهما على قدر ملكيهما في المشترى ولنا أنهما شريكان في المال فجاز تفاضلهما في الربح مع تساويهما في الملك كشريكي العنان.

الشيخ: الفرق بين قول القاضي والمؤلف أنه إذا كان أحدهما اختار أن يكون له ثلاثة أرباع مثلاً والثاني له ربع فعلى ما قَدَّمَهُ المؤلف رحمه الله يكون الربح على ما شرطاه فإذا قالا الربح بيننا نصفين فعلى رأي المؤلف يكون الربح بينهما نصفين وعلى رأي القاضي يكون الربح بينهما على قدر ملكيهما أي ثلاثة أرباع فربع لصاحب الربع وثلاثة أرباع لصاحب الثلاثة أرباع، وما قاله القاضي هو الأصل إذا لم يكن هناك شرط لكن إذا اشترطا فهما على شرطهما ويبقى النظر لو اشترط صاحب الربع أن يكون له ثلاثة أرباع الربح فهل له ذلك؟ الجواب له ذلك لأنه ربما يعطي ربحاً أكثر من نصيبه وذلك لأنه أشد مهارة منه وأعرف من صاحبه بأحوال الناس وأوثق عند الناس فيكون له نصف الربح وإن لم يكن له في الأصل إلا ربع المال، لكن ما الفائدة من ذلك؟ نقول الفائدة أنه إذا خسرا فعلى صاحب الثلاثة أرباع ثلاثة أرباع الخسارة وعلى صاحب الربع ربع الخاسرة لأن الخسارة على قدر الملك. القارئ: الوضعية على قدر ملكيهما في المشترى لأنه رأس المال. الشيخ: (والوضيعة) يعني الخسارة. القارئ: ومبناها على الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه فيما يشتريه ويبيعه وحكمها في جواز ما يجوز لكل واحد منهما أو يمنع منه حكم شركة العنان فصل القارئ: الضرب الرابع شركة المفاوضة وهو أن يشتركا في كل شيء يملكانه. الشيخ: قوله (وهو) يعود على العقد.

القارئ: وما يلزم كل واحد منهما من ضمان غصب أو جناية أو تفريط وفيما يجدان من ركاز أو لقطة فلا يصح لأنه يكثر فيها الغرر ولأنها لا تصح بين المسلم والكافر فلا تصح (¬1) بين المسلمين والكفار كسائر العقود المنهي عنها ولأنه يدخل فيها أكساب غير معتادة وحصول ذلك وهم لا يتعلق به حكم. ¬

_ (¬1) تعليق من الشيخ على قوله (فلا تصح): قال: اقتصر المؤلف رحمه الله على النوع الفاسد من شركة المفاوضة وأما غيره فذكر النوعين الصحيح والفاسد وعرَّفوا الصحيح بأنه عقد يجمع بين أنواع الشركة من عنان ومضاربة ووجوه وأبدان فليُعلم ذلك.

الشيخ: المؤلف رحمه الله جعل هذا الضرب غير صحيح، والمفاوضة هي أن يشترك اثنان في كل شيء يملكانه وفي كل شيء يلزم أحدهما فهذه على هذا الوجه لا شك أنها لا تجوز وذلك لأن الغرر فيها كثير إذ جَعْلُ ما يلزم أحدهما من ضمان الغصب أو الجناية أو التفريط أو ما يجري من ركاز أو لقطة لازماً للآخر لا شك أن في هذا غرر عظيم لأن أحدهما مثلاً قد يحصل عليه حادث فيغرم بسببه الآخر ويضمن فيما لو صححنا هذا النوع من الشركة وربما يكون هذا الشريك كثير الحوادث والمذهب يقولون إن شركة المفاوضة في الأموال الحاضرة لا بأس بها ومعناه أن يفوض كل واحد منهما للآخر كل تصرف مالي أو بدني ولا يدخل فيها الأكساب النادرة كاللقطة والركاز وما أشبه ذلك ولا الخسارة النادرة كالغصب وضمان المتلفات وما أشبهها والصحيح في هذا هو المذهب لأنها إذا صححناها فيما لا غرر فيه فهي من جملة العقود التي أباحها الشرع والأصل في العقود الجواز فمثلاً إذا كان هذا عنده عشرة آلاف والآخر عنده عشرة آلاف وقالا اشتركنا شركة مفاوضة كل منا يبيع ويشتري ويؤجر ويستأجر ويرهن ويقرض فهذه شركة مفاوضة، وعمل الناس الآن على العمل بها فتجد اثنين ليس بينهما شركة في ميراث ولا غيره يتفقان على الشركة العامة ربما يكون أحدهما في بلد والآخر في بلد آخر وأحدهما يتصرف تصرفاً كاملاً والثاني كذلك فالصواب أن هذه الشركة جائزة وأنها قد تدعو الحاجة إليها لكن بشرط أن لا يدخل فيها الأشياء النادرة كاللقطة، فاللقطة إذا وجدها أحدهما لا تدخل في الشركة بل تكون لواجدها وكذلك الغصب فإذا غصب أحدهما شيء وضمن فهل يكون الضمان من مال الشركة؟ الجواب لا بل يبقى في ذمة الآخر إلا إذا كان له مال خارج عن الشركة فمن ماله.

باب المضاربة

باب المضاربة القارئ: وهو أن يدفع إنسان ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما وهي جائزة بالإجماع يروى إباحتها عن عمر وعلي وابن مسعود وحكيم بن حزام رضي الله عنهم في قصص مشتهرة ولا مخالف لهم فيكون إجماعا وتسمى مضاربة وقراضا وتنعقد بلفظهما وبكل ما يؤدي معناهما لأن القصد المعنى فجاز بما دل عليه كالوكالة. الشيخ: التعليل الذي ذكره المؤلف جيد جداً لأن القصد المعنى فتجوز المضاربة بكل ما دل عليها وهذه القاعدة النافعة طردها شيخ الإسلام في كل شيء حتى في عقد النكاح فإذا قال: زوجتك بنتي فقال قبلت صح أو قال جوزتك (¬1) بنتي فقال قبلت صح أو قال مَلَّكْتُكَ بنتي فقال: قبلت صح، وكلام شيخ الإسلام رحمه الله هو المطرد وهو الذي تدل عليه الأدلة أي أن كل لفظ يدل على المعنى فإنه يثبت به الحكم وليس هناك ألفاظ نتعبد بها إلا ألفاظ الذكر والدعاء وما أشبهها. القارئ: وحكمها حكم شركة العنان في جوازها وانفساخها وفيما يكون رأس المال فيها ومالا يكون وما يملكه العامل وما يمنع منه وكون الربح بينهما على ما شرطاه لأنها شركة فيثبت فيها ذلك كشركة العنان. ¬

_ (¬1) تنبيه: يقصد الشيخ اللفظ الذي يستخدمه العوام الآن في الدلالة على النكاح.

الشيخ: شركة المضاربة جوازها من محاسن الشريعة لأنه قد يكون عند الإنسان مهارة وقوة ونشاط في البيع والشراء لكن ليس عنده مال فلو قلنا لا تجوز المضاربة تعطلت هذه القوة والطاقة في هذا الرجل، وقد يكون الإنسان عنده أموال لكنه لا يعرف البيع والشراء فإذا قلنا لا تجوز المضاربة بقي هذا المال معطل فصار إما أن نعطل طاقات الناس أو نعطل أموالهم فمن محاسن الشريعة أن جازت المضاربة نقول مثلاً لهذا الرجل أعطي من مالك فلاناً يتجر فيه والربح بينكما والخسارة على رأس المال، ولا يجوز أن نجعل على العامل منها شيئاً لأننا لو جعلنا على العامل منها شيئاً ظلمناه ظلماً عظيماً فيخسر العمل والمال فإذا أعطاه مثلاً مائة ألف يتجر فيها وبقي كل السنة يكدح يبيع ويشتري ويضارب ويسافر ويقيم ثم عند التصفية صارت ثمانين ألفاً فلو قلنا العامل عليه خسارة فسيكون عليه عشرة آلاف مع أنه تعب تعباً عظيماً فيكون عليه خسارة بدنية وخسارة مالية ولهذا الخسارة تكون على رب المال ولا يجوز شرطها على العامل. فصل القارئ: ويشترط تقدير نصيب العامل ونصيب كل واحد من الشريكين في الشركة بجزء مشاع لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها والمضاربة في معناها فإن قال خذه مضاربة والربح بيننا صح وهو بينهما نصفين لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة من غير ترجيح لأحدهما. الشيخ: البيْنيَّة تقتضي التسوية فإذا أعطيت عشرة رجال مالاً وقلت لهم المال بينكم فهم يستحقونه بالسَّويةِ كل واحد منهم العشر ولو قال أحدهم أنا لي سهمين، قلنا له: لا، لأن البَيْنيَّةَ تقتضي التسوية.

القارئ: فاقتضى التسوية كقوله هذه الدار بيني وبينك وإن قال على أن لك ثلث الربح صح والباقي لرب المال لأنه يستحقه لكونه نماء ماله فلم يحتج إلى شرطه وإن قال على أن لي ثلث الربح ولم يذكر نصيب العامل ففيه وجهان أحدهما لا يصح لأن العامل إنما يستحق بالشرط ولا شرط له والثاني يصح والباقي للعامل لأنه يدل بخطابه على ذلك كقوله تعالى (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) دل على أن باقيه للأب وإن قال لي النصف ولك الثلث وترك السدس فهو لرب المال لأنه يستحقه بماله. الشيخ: كلام المصنف هنا مجرد تصوير وإلا إذا قال ليَ النصف ولك الثلث فسيقول له العامل وأين يذهب السدس، لكن لو فُرِضَ أنها فاتت على العامل فالثلث يرجع إلى رب المال لأنه نماء ملكه، وهذا ما ذهب إليه المؤلف والذي يظهر أن السدس يكون بينهما لأن هذا الربح حصل بعمل العامل والمال لو بقي في صندوق صاحبه لم يستفد شيئاً فمن الظلم أن نقول إن السهم المسكوت عنه يكون من نصيب صاحب المال بل الصحيح أن السهم المسكوت عنه يكون بينهما لأن من الأول المال ومن الثاني العمل. القارئ: وإن قال خذه مضاربة بالثلث صح وهو للعامل لأن الشرط يراد من أجله ورب المال يأخذه بماله لا بالشرط ومتى اختلفا لمن الجزء المشروط فهو للعامل لذلك واليمين على مدعيه. السائل: لو أعطاه مالاً وقال خذ هذا المال ونمه ولم يذكر مضاربة أو بجزء معين، فما هو الحكم؟ الشيخ: إذا كان من عادة هذا الآخذ أي آخذ المال أنه يأخذ أموال الناس بسهم معروف حُمِلَ العقد عليه وإذا لم يكن من عادته أخذ أموال الناس فإنه يُعطى إما أجرة مثله وإما سهم مثله وهذا الأصح. السائل: لو اشترك أحدهما بماله والآخر ببدنه ثم لم تخسر الشركة ولم تربح فهل يستحق العامل أجرة؟ الشيخ: لا يستحق لأن العامل رضي بأن له نصيبه من الربح ويعرف أنه إن ربح أخذ وإن لم يربح فلا شيء له. فصل

القارئ: وإن لم يذكر الربح أو قال لك جزء من الربح أو شركة لم تصح المضاربة لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب. الشيخ: المؤلف رحمه الله علل بأنه إذا قال لك جزء من الربح ولم يعين أو قال أنت شريك في الربح ولم يعين بأن الجهالة تمنع تسليم الواجب وهذا حقيقة فهي تمنع تسليم الواجب على سبيل التقدير لكن خيرٌ من ذلك أن يقول لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) وهذا غرر والغرر يفضي إلى النزاع والخصومة والشريعة الإسلامية تمنع كل ما يفضي إلى النزاع والخصومة فهذا هو التعليل الصحيح وتعليل المؤلف لا بأس به لكن الأولى أن يعلل بالنص والمعنى الذي توميء إليه الشريعة الإسلامية. القارئ: وإن قال لك مثل ما شرط لفلان وهما يعلمانه صح وإن جهلاه أو أحدهما لم يصح. الشيخ: الصحيح صحة ذلك إذا كان فلان هذا ممن عُرِفَ بالتجارة وممارسة الأشياء لأن كونهما يُقيِّدَانِهِ بهذا الرجل المعروف بأنه ذو خبرة أحسن من كونهما يُقَدِّرَانِهِ بأنفسهما لأنه ربما يقول لك نصف الربح وهو لا يستحقه أو يقول لك ربعه وهو لا يستحقه فالصواب أن يقال إذا كان هذا الرجل الذي قُيِّدَ الشرط به من أهل الخبرة والمعرفة فلا بأس. القارئ: ولا يجوز أن يشرط لأحدهما دراهم معلومة لأنه يحتمل أن لا يربحها أو لا يربح غيرها فيختص أحدهما بجميع الربح ولو شرط لأحدهما ربح أحد الألفين أو أحد الكيسين أو أحد العبدين وللآخر ربح الآخر أو جعل حقه في عبد يشتريه أو أنه إذا اشترى عبداً أخذه برأس المال لم يصح لإفضائه إلى اختصاص أحدهما بالربح. الشيخ: ما ذكره المؤلف صحيح لأن الأصل في الشركة أنها مبنية على التساوي في المغنم والمغرم وهذا هو الأصل فإذا جُعِلَت على وجه يختص فيه الربح بأحدهما صارت قِماراً وميسراً وعليه فقاعدة الشركة من شركة العنان إلى آخر الشركات أنه لابد أن يتفق الشريكان في المغنم والمغرم. فصل

القارئ: وإن قال خذه مضاربة والربح كله لك أو قال لي لم يصح لأن موضوعها على الاشتراك في الربح فشرطه كله له ينافي مقتضى العقد فبطل وإن قال خذه فاتجر به والربح كله لك فهو قرض لأن اللفظ يصلح للقرض وقد قرن به حكمه فتعين له وإن قال والربح كله لي فهو إبضاع لأنه قرن به حكمه. الشيخ: الفرق بين قوله (خذه فتجر به والربح كله لك) وقوله (خذه مضاربة)، أنه في الأول قال (خذه مضاربة) والمضاربة لا تصح على أن يكون الربح كله للعامل والذي يصح وأن يكون الربح كله فيه للعامل هو القرض فإذا قال خذ هذا المال اتجر به ولك ربحه فذلك يعني أنه قَرْض ولكن هنا مشكلة لأنه إذا جعلناه قرضاً فتلف بغير تعدي ولا تفريط من العامل فعليه ضمانه لأن القرض يدخل في ملكه وحينئذ يكون فيه إشكال لأن العامل ربما يأخذه على أنه لصاحبه فإذا تلف المال بلا تعدي ولا تفريط فيكون ضمانه على رب المال فهذه المسألة ينظر فيها، هل فيها خلاف أو لا ثم هل يرجع في هذا إلى العرف؟ فصل القارئ: فإن قال لغريمه ضارب بالدين الذي عليك لم يصح لأن ما في يد الغريم لنفسه لا يصير لغريمه إلا بقبضه فإن عزل شيئاً واشترى به فالشراء له لأنه اشترى بماله ويحتمل أن تصح المضاربة لأنه اشترى له بإذنه ودفع المال إلى من أذن له في دفعه إليه فبرئت به ذمته. الشيخ: قوله (ويحتمل أن تصح المضاربة) هذا الاحتمال هو الصحيح فإذا قال لغريمه يا فلان أعطى فلاناً ألف ريال مما في ذمتك لي لفلان مُضَارَبةً فهذا جائز لأنه وَكَّلَهُ والوكالة جائزة إلا فيما يكون حراماً. القارئ: وإن كانت له وديعة فقال للمودع ضارب بها صح لأنه عين ماله. الشيخ: قوله (لأنها) يعني لأن المال. القارئ: وإن كان عرضاً فقال بعه وضارب بثمنه صح لأن الثمن عين مال رب المال وإن قال اقبض مالي على فلان فضارب به ففعل صح لأنه وكيل في قبضه فيصير كالوديعة. فصل

القارئ: ويصح أن يشرط على العامل أن لا يسافر بالمال ولا يتجر به إلا في بلد بعينه أو نوع بعينه أو لا يعامل إلا رجلاً بعينه لأنه أذن في التصرف فجاز ذلك فيه كالوكالة ويصح توقيتها فيقول ضاربتك بهذه الدراهم سنة لذلك نص عليه وعنه لا يصح أختارها أبو حفص لأنه عقد يجوز مطلقا فلم يجز توقيته كالنكاح ويصح أن يشرط نفقة نفسه حضراً وسفرا قياساً على الوكيل. الشيخ: قوله (أن يشرط نفقة نفسه) يعني المُضَارَب الذي أخذ المال فيصح أن يقول المُضَارَب النفقة على المال حضراً وسفراً. فصل القارئ: ولا يصح أن يشترط ما ينافي مقتضى العقد نحو أن يشرط لزوم المضاربة أو لا يعزله مدة بعينها أو لا يبيع إلا برأس المال أو أقل أو يوليه ما يختار من السلع لأنه يفوت المقصود من العقد وإن شرط أن يتجر له في مال آخر مضاربة أو بضاعة أو خدمة في شيء أو يرتفق بالسلع أو شرط على العامل الضمان أو الوضيعة أو سهماً منها أو متى باع سلعة فهو أحق بها بالثمن فالشرط فاسد لأنه ليس في مصلحة العقد ولا مقتضاه. فصل القارئ: وكل شرط يؤثر في جهالة الربح يبطل المضاربة لأنه يمنع التسليم الواجب ومالا يؤثر فيه لا يبطلها في قياس قوله لنصه فيما إذا شرط سهماً من الوضيعة أن المضاربة صحيحة لأنه إذا حذف الشرط بقي الإذن بحاله ويحتمل البطلان لأنه إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا فسد فات الرضى به ففسد كالمزارعة إذا شرط البذر من العامل وكالشروط الفاسدة في البيع ومتى فسدت فالتصرف صحيح لأنه بإذن رب المال والوضيعة عليه لأن كل عقد لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده والربح لرب المال لأنه نماء ماله وإنما يستحق هنا بالشرط وهو فاسد هاهنا لا يستحق به شيء وللعامل أجر مثله لأنه بذل منافعه بعوض لم يسلم له.

الشيخ: الذي مشى عليه المؤلف رحمه الله أن المضاربة الفاسدة يكون للعامل أجرة العمل ويكون الربح كله لرب المال، والصواب أنه لا يستحق أجرة العمل وإنما يستحق السهم أي سهم مثله لأن الأصل في المضاربة أنها مشاركة وبناءً على هذا القول إذا لم تربح المضاربة فلا شيء للعامل لأن العامل وإن كان العقد عقداً فاسداً فإنه قد دخل على أنه شريك في الربح وأنه إذا لم يربح فلا شيء له، فعليه نقول الصواب في هذه المسألة أنه إذا فسدت المضاربة فللعامل سهم المثل إن ربحت وإن لم تربح فلا شيء له لأن العامل نفسه داخل على أنه إذا لم تربح فلا شيء له فكيف نعطيه أجر الربح!! وربما تكون أجرة المثل تحيط بالربح كله. القارئ: وإن فسدت الشركة قسم الربح على رؤوس أموالهما ورجع كل واحد منهما على الآخر بأجر عمله لما ذكرنا وقال الشريف أبو جعفر الربح بينهما على ما شرطاه لأنه عقد يجوز أن يكون عوضه مجهولا فوجب المسمى في فاسده كالنكاح. الشيخ: ما ذكره المؤلف في هذه المسألة إنما هو في شركة العنان وليس في شركة المضاربة لأنه قال (قسم الربح على رؤوس أموالهما) والمضاربة ليس فيها رأس مال من الجميع بل رأس مال للمُضَارِبِ فقط. فصل القارئ: وعلى العامل عمل ما جرت العادة بعمله له من نشر وطي وإيجاب وقبول وقبض ثمن ووزن ما خف كالنقود والمسك والعود لأن إطلاق الإذن يحمل على العرف والعرف أن هذه الأمور يتولاها بنفسه وإن أستأجر من يفعلها فعليه الأجرة في ماله لأنه بذلها عوضا عما يلزمه وما جرت العادة أن يستنيب فيه كحمل المتاع ووزن ما يثقل والنداء فله أن يستأجر من مال القراض من يفعله لأنه العرف فإن فعله بنفسه ليأخذ أجرة لم يستحقها نص عليه لأنه تبرع بفعل ما لم يلزمه فلم يكن له أجر كالمرأة التي تستحق على زوجها خادماً إذا خدمت نفسها ويتخرج أن له الأجر لأنه فعل ما يستحق الأجر فيه فاستحقه كالأجنبي.

الشيخ: الصحيح أنه إذا فعل المُضَارَبُ ما لا يلزمه في مال المضاربة فإنه لا يستحق شيئاً لأنه متبرع ومقتضى العقود إذا لم يكن لها ضابط شرعي فإنه يرجع فيه إلى العرف. فصل القارئ: وليس له أن يشتري بأكثر من رأس المال. الشيخ: قوله (ليس له) أي للمُضَارَبِ. القارئ: لأن الإذن لم يتناول غيره فإن كان ألفاً فاشترى عبداً بألف فهو للمضاربة لأنه مأذون فيه فإن اشترى آخر لم يدخل في المضاربة لأنه غير مأذون فيه وحكمه حكم ما لو اشترى لغيره شيئاً بغير إذنه فإن تلف الألف قبل نقده في الأول فعلى رب المال الثمن لأن الشراء بإذنه ويصير رأس المال الثمن الثاني لأن الأول تلف قبل تصرفه فيه وإن تلف قبل الشراء لم يدخل المشترى في المضاربة لأنها انفسخت قبل الشراء لتلف رأس المال وزوال الإذن. الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنه ليس له أن يشتري بأكثر ولو كان يعتقد المصلحة وأن في ذلك ربح للشركة مثل أن يكون رأس مال المضاربة مائة ألف فتعرض أرض للبيع بمائة وعشرة آلاف ويرى أن المصلحة في شراء الأرض فيشتريها بمائة وعشرة آلاف فظاهر كلام المؤلف أن ما زاد على المائة ليس لازماً على رب المال لأنه لم يأذن له إلا بمائة ألف ويكون هذا الزائد على نفقة المضارب، لكن على القول الراجح إذا رضي بذلك وأجازه فإنه يصح وهذا سبق الكلام عليه في أول كتاب البيع ويُعبَّرُ عن هذا بتصرف الفضولي. فصل القارئ: وليس له التصرف إلا على الاحتياط كالوكيل لأنه وكيل رب المال إلا أن له شراء المعيب لأن مقصودها الربح وقد يربح في المعيب بخلاف الوكالة فإن الشراء فيها يراد للقنية فإن اشترى شيئاً فبان معيباً فله رده فإن اختلف هو ورب المال في رده فعل ما فيه النظر لأن المقصود الحظ لهما فإذا اختلفا قدم الأحظ.

الشيخ: لو أن المضارب اشترى معيباً يرى أن فيه مصلحة فقال رب المال لا أريده وقال المضارب بل أريده فالقول قول المضارب مادام أن فيه مصلحة بخلاف الموكِّل والوكيل فإذا اشترى الوكيل معيباً وقال الموكِّل لا أريده وجب رده. فصل القارئ: فإن شترى من يعتق على رب المال صح لأنه مال متقوم قابل للعقود فصح شراؤه كالذي نذر رب المال عتقه ويعتق وعلى العامل الضمان علم أو لم يعلم لأن مال المضاربة تلف بتفريطه وفي قدر ما يضمن وجهان أحدهما ثمنه لأنه فات فيه والثاني قيمته لأنها التالفة وقال أبو بكر إن لم يعلم لم يضمن لأنه معذور فلم يضمن كما لو اشترى معيباً لم يعلم عيبه ويتخرج أن لا يصح شراؤه لأن الإذن تقيد بالعرف لما يمكن بيعه والربح فيه فلا يتناول غيره ولأنه تقيد بما يظن الحظ فيه وهذا لا حظ للتجارة فيه ولهذا جعلناه مفرطاً وألزمناه الضمان. الشيخ: المسألة التي ذكرها المصنف ثلاثة أقوال القول الأول أنه يصح ولكن المضارب يضمن لأنه اشترى ما يعتُقُ على رب المال وبمجرد الشراء يعتق فيتلف المال والقول الثاني أنه إذا لم يعلم فلا ضمان عليه لأنه مجتهد وغير مفرط والقول الثالث الذي ذكره المؤلف احتمالاً أنه لا يصح العقد أصلاً وأنه يُرَدُّ على البائع وهذا القول قول قوي لكن إذا كان يعلم أي المضارب أنه ممن يعتق على رب المال فهنا نقول البيع صحيح وعليه الضمان والكلام فيما إذا لم يعلم. القارئ: وإن اشترى زوجة رب المال أو زوج ربة المال صح وانفسخ النكاح لملكه إياه فإن كان قبل الدخول فعلى العامل نصف الصداق لأنه أفسد نكاحه فأشبه من أفسده بالرضاع. فصل

القارئ: فإن اشترى من يعتق على نفسه ولا ربح في المال لم يعتق وإن ظهر فيه ربح وقلنا لا يملك العامل إلا بالقسمة لم يعتق أيضا وإن قلنا يملكه بالظهور عتق عليه قدر حصته منه وسرى إلى باقيه إن كان موسرا وغرم قيمته وإن كان معسراً لم يعتق عليه إلا ما ملك وقال أبو بكر لا يعتق بحال لأنه لم يتم ملكه في الربح لكونه وقاية لرأس المال. فصل القارئ: وليس له وطء جارية من المال فإن فعل فعليه المهر لأنها مملوكة غيره ويعزر نص عليه ولا حد عليه لشبهة حقه فيها وقال القاضي عليه الحد إن لم يظهر ربح لأنه لا ملك له فيها والأول أولى لأن ظهور الربح ينبني على التقويم وهو غير متحقق فيكون شبهة فإن ولدت منه ولم يظهر ربح فالولد مملوك ولا تصير به الجارية أم ولد لأنها علقت به في غير ملك وإن ظهر ربح فالولد حر وأمه أم ولد وعليه قيمتها ويسقط من القيمة والمهر قدر حصة العامل منها وإن أذن له رب المال في التسري فاشترى جارية خرجت من المضاربة وصار ثمنها قرضا لأن استباحة البضع لا تكون إلا بملك أو نكاح لقول الله تعالى (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ). فصل القارئ: وليس لرب المال وطء جارية من المضاربة لأن لغيره فيها حقا فإن فعل فلا حد عليه لأنها ملكه وإن لم تعلق منه فالمضاربة بحالها وإن علقت منه فالولد حر وتصير أم ولد له وتخرج من المضاربة وتحسب عليه قيمتها ويأخذ المضارب حصته من الربح مما بقي. فصل القارئ: وليس له دفع المال مضاربة لأنه إنما دفع إليه المال ليضارب به وبهذا يخرج عن كونه مضارباً فإن فعل فهو مضمون على كل واحد منهما على الأول لتعديه وعلى الثاني لأخذه مال غيره بغير إذنه فإن غرم الأول ولم يعلم الثاني بالحال لم يرجع عليه لأنه دفعه إليه أمانة وإن علم رجع عليه وإن غرم الثاني مع علمه لم يرجع على أحد وإن لم يعلم فهل يرجع على الأول على وجهين بناءً على المشتري من الغاصب.

الشيخ: الصحيح أنه يرجع لأنه مغرور فالمُضَارَبُ ليس له أن يدفع المال الذي ضورب عليه إلى شخص آخر مضاربةً لأنه لم يُدْفع له على هذا الأساس ولكن لو فعل فإن الضمان عليه وعلى الثاني ووجه ذلك أما بالنسبة للأول لأنه متعدي غير مأذون له فيه وبالنسبة للثاني لأنه تلف المال تحت يده، وأما بالنسبة للضمان إن ضُمِّنَ الأول لم يرجع على الثاني إلا إذا علم الثاني أنه مُلْكُ غير المُضَارَبِ وأنه تعدى بإعطائه إياه فيرجع عليه لأنه تلف تحت يده وإن ضُمِّنَ الثاني فإنه يرجع على الأول إذا كان لا يعلم وإن كان يعلم لم يرجع على أحد، وقولنا يرجع الأول هذا على القول الراجح لأن المؤلف ذكر فيه وجهين والراجح أنه يرجع. القارئ: وإن ربح فالربح لرب المال لأنه نماء ماله ولا أجرة لواحد منهما لأن الأول لم يعمل والثاني عمل في مال غيره بغير إذنه فأشبه الغاصب وعنه له أجرة مثله لأنه عمل في المال بشبهة المضاربة فأشبه المضاربة الفاسدة. الشيخ: الصواب في مثل هذا وفي جميع العقود الفاسدة أن العامل إن كان عالماً فلا شيء له وإن كان غير عالم فله سهم مثله لا أجرة مثله، والفرق ظاهر لأنه قد يكون سهم مثله أكثر من الأجرة وقد تكون الأجرة أكثر وقد لا يربح فإذا قلنا على رب المال الأجرة وهو لم يربح فهذا مشكل، فالصواب أن المُضَارَبُ إذا كانت المضاربة فاسدة فإن له سهم مثله وإذا خسرت المضاربة فلا شيء له. القارئ: ويحتمل أنه إن اشترى في الذمة كان الربح له فأما إن دفعه إلى غيره بإذن رب المال صح ويصير الثاني هو المُضَارَبُ فإن شرط الدافع لنفسه شيئاً من الربح لم يستحق شيئا لأن الربح يستحق بمال أو عمل وليس له واحد منهما فإن قال له رب المال اعمل برأيك فعن أحمد رضي الله عنه جواز دفعه مضاربة كما ذكرنا في الشركة.

الشيخ: الصحيح في هذه المسألة أنه إذا رأى المُضَارَبُ مصلحة في المضاربة به فلا بأس، كما لو أعطاه شخصاً مُضَارَباً وهذا الشخص يريد أن يسافر إلى بلد آخر ويأتي بالمال فهذا لا شك أنه من مصلحة الشركة ولا ينبغي أن نقول في هذه الحال أنه ضامن لأنه إنما تصرف لمصلحة الشركة إلا إذا قال له لا تعطه أحداً لا بِمُضَارَبَةٍ ولا غيرها فحينئذ لا يعطيه أحد لأن القاعدة عندنا أن المُضَارَب له أن يتصرف فيما فيه مصلحة المال بكل حال. فصل القارئ: إذا تعدى المُضَارَبُ بفعل ما ليس له فهو ضامن لأنه تصرف بغير إذن المالك فضمن كالغاصب والربح لرب المال ولا أجرة له لأنه عمل بغير إذن أشبه الغاصب وعنه له أجرة مثله ما لم تحط بالربح كالإجارة الفاسدة وعنه له أقل الأمرين من أجرته أو ما شرط له لأنه رضي بما جعل له فلا يستحق أكثر منه ولا يستحق أكثر من أجرة المثل لأنه لم يفعل ما جعل له الربح فيه وقال القاضي إن اشترى في الذمة ثم نقد المال فكذلك وإن اشترى بعين المال فالشراء باطل في رواية والنماء للبائع وفي رواية يقف على إجازة المالك فإن لم يجزه فالبيع باطل أيضاً وإن أجازه صح والنماء له وإن أخذ الربح كان إجازة منه للعقد لأنه دل على رضاه وفي أجرة المضارب ما ذكرناه. فصل

القارئ: ونفقة العامل على نفسه حضراً وسفرا لأنها تختص به فكانت عليه كنفقة زوجته ولأنه دخل على أن له جزءاً مسمى فلم يستحق غيره كالمساقي وإن اشترط نفقته فله ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون على شروطهم) ويستحب تقديرها لأنه أبعد من الغرر فإن أطلق جاز لأنه لها عرفاً تنصرف إليه فأشبه إطلاق الدينار في بلد له فيه عرف قال أحمد ينفق على ما كان ينفق غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال وله نفقته من المأكول خاصة إلا أن يكون سفره طويلاً يحتاج إلى تجديد كسوة فله أن يكتسي فإن كان معه مال آخر فالنفقة على المالين بالحصص لأن النفقة للسفر والسفر لهما وإن مات لم يجب تكفينه لأنه لم يبق عاملا وإن لقيه رب المال في السفر ففسخ المضاربة فلا نفقة له لرجوعه لذلك. الشيخ: المسألة الأخيرة فيها نظر لأن المُضَارَب عليه ضرر فهذا المُضَارَبُ سافر وقد شُرِطَت له النفقة وفي أثناء السفر فُسِخَ فكوننا نقول تسقط النفقة وهي مشروطة على رب المال فهذا فيه نظر فالصواب أن له النفقة حتى يرجع لأن في ذلك ضرراً عليه. فصل القارئ: وللمُضَارَبِ أن يأخذ مضاربة أخرى إذا لم يكن فيه ضرر على الأولى. الشيخ: قوله (مضاربة أخرى) يعني من رجل آخر وليس المقصود من رب المال الذي أعطاه أولاً، لأن هذا ليس فيه إشكال، لكن إذا كان يأخذ مضاربة من زيد ثم يريد أن يأخذ من عمرو فله ذلك بشرط أن لا يضر بالأول. القارئ: لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها فلم يملك عقداً أخر كالوكالة. الشيخ: قوله (لا يملك به) أي رب المال (منافعه) أي منافع المُضَارَب فالمُضَارَبُ يقول لصاحب المال الأول: أنا عملت بمالك وليس لك حق أن تمنعني من العمل بمال غيرك.

القارئ: فإن كانت الثانية تشغله عن الأولى لم يجز لأنه تصرف يضر به فلم يجز كالبيع بغبن فإن فعل ضم نصيبه من الربح في الثاني إلى ربح الأول فاقتسماه لأن ربحه الثاني حصل بالمنفعة التي اقتضاها العقد الأول وإن فعل ذلك بإذن الأول جاز لأن الحق له فجاز بإذنه فإن أخذ مالين من رجلين واشترى بكل مال عبدا فاشتبها عليه ففيه وجهان أحدهما يكونان شريكين فيهما كما لو اشتركا في عقد البيع والثاني يأخذهما العامل وعليه رأس المال لأنه تعذر ردهما بتفريطه فلزمه ضمانهما كما لو أتلفهما. فصل القارئ: وإذا دفع إليه ألفاً ثم دفع إليه ألفاً آخر لم يجز له ضم أحدهما إلى الآخر لأنه أفرد كل واحد بعقد له حكم فلم يملك تغييره فإن أمره بضمهما قبل التصرف فيهما أو بعد أن نضّا جاز وصارا مضاربة واحدة وإن كان بعد التصرف قبل أن ينضا لم يجز لأن حكم ما تصرف فيه قد استقر فصار ربحه وخسرانه مختصاً به فضم الآخر إليه يوجب جبر وضيعة أحدهما بربح الآخر فلم يجز.

الشيخ: صورة المسألة رجل أعطاه رجل آخر ألف ريال وقال له خذ هذه الألف مضاربة ثم أعطاه ألفاً آخر وقال هذه مضاربة أخرى، فإن المُضَارَب لا يجمعهما جميعاً بل يتجر بالألف الأول على حدى والألف الثاني على حدى، إلا إذا كان لم يتصرف في الأول يعني أنها مازالت دراهم فهذا لا بأس أو إذا كان الأول قد نضَّ أي صُفِّيَ وبِيعَ وبقي دراهم فلا بأس أيضاً، أما إذا لم ينض فيقول المؤلف إن هذا لا يصح، والصحيح أنه يصح ولا مانع منه لكن تقدر قيمة الموجود من الألف الأول بمعنى أنه إذا كان الألف الأول لم ينض ومازال مالاً إما رزاً أو سكراً أو شاهياً أو غير ذلك فإنها تقدر قيمته عند ضم الثاني إليه حتى يعرف أن قيمة هذا مثلاً ألف ريال وتضاف إليها الألف الثانية ويكون رأس المال ألفين فإذا اتفقا على ذلك فما المانع، فالصواب أنه جائز والمؤلف علل وقال (لأن حكم ما تصرف فيه قد استقر) فيقال الحق لهما فإذا رضيا بذلك فلا بأس، ونحن نرى أنه يجوز أن يكون رأس مال المضاربة عيناً لا نقداً لكن تقدر قيمتها وقت العقد بنقد من أجل أن يرجعا إليها عند النَّض. فصل

القارئ: وليس للمضارب ربح حتى يوفي رأس المال لأن الربح هو الفاضل عن رأس المال فلو ربح في سلعة وخسر في أخرى أو في سفرة وخسر في أخرى جبرت الوضيعة من الربح وإن تلف بعض المال قبل التصرف فتلفه من رأس المال لأنه تلف قبل التصرف أشبه التالف قبل القبض وإن تلف بعد التصرف حسب من الربح لأنه دار في التجارة فإن اشترى عبدين بمائة فتلف أحدهما وباع الآخر بخمسين فأخذ منها رب المال خمسة وعشرين بقي رأس المال خمسين لأن رب المال أخذ نصف المال الموجود فسقط نصف الخسران ولو لم يتلف العبد وباعهما بمائة وعشرين فأخذ رب المال ستين ثم خسر العامل فيما معه عشرين فله من الربح خمسة لأن سدس ما أخذه رب المال ربح للعامل نصفه وقد انفسخت المضاربة فيه فلا يجبر به خسران الباقي وإن اقتسما العشرين الربح خاصة ثم خسر عشرين فعلى على العامل رد ما أخذه وبقي رأس المال تسعين لأن العشرة الباقية مع رب المال تحسب من رأس المال ومهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه. الشيخ: القاعدة في هذا أنه لا يحسب الربح إلا بعد المناضَّة والمحاسبة وأما مادامت الشركة باقية فإن الخسارة تكون من الربح ولو استوعبت الخسارة الربح وبعض رأس المال فاتت على الجميع وصار ليس للعامل ربح ولا لرب المال ربح بل عليه خسارة في رأس ماله، فإذا ضاربه بمائتين ثم ربح العامل مائة صار المجموع بالإضافة إلى رأس المال ثلاثمائة فإذا خسر المال مائة وخمسين فليس للعامل شيء لأن الخسارة تكون من الربح، وهل يُلْزِمُ رب المال العامل بالخمسين؟ الجواب لا، حتى لو شرط رب المال على العامل أن الخسارة عليه فالشرط باطل ولا يصح.

القارئ: وإن قسما الربح قال أحمد إلا أن يقبض رأس المال صاحبه ثم يرده إليه أو يحتسبا حساباً كالقبض وهو أن يظهر المال ويجئ به فيحتسبان عليه فإن شاء صاحبه قبضه ولا يكون ذلك إلا في الناض دون المتاع لأن المتاع قد يتغير سعره وأما قبل ذلك فالوضيعة تجبر من الربح ولذلك لو طلب أحدهما قسمة الربح دون رأس المال لم يلزم الآخر إجابته لأنه لا يأمن الخسران في الثاني وإن اتفقا على قسمه أو قسم بعضه أو على أن يأخذ كل واحد منهما كل يوم قدراً معلوماً جاز لأن الحق لهما ولو تبين للمضارب ربح لم يجز له أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال. الشيخ: قوله (ولو تبين للمضارب ربح لم يجز له أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال) وذلك لأنه يحتمل أن يخسر فإذا خسر وهو قد أخذ من الربح صار في هذا ظلم على رب المال. فصل القارئ: ويملك العامل الربح بالظهور وعنه لا يملكه لأنه لو ملكه اختص بربحه والأول المذهب لأنه يملك المطالبة بقسمه فملكه كالمشترك وإنما لم يختص بربحه لأنه وقاية لرأس المال. الشيخ: الحقيقة أن هذا الكلام وهو أنه يملك الربح لا أعمله يستفيد من ذلك شيئاً اللهم إلا إذا قسم الربح وقلنا إنه يملكه فإنه يعتبر حوله من حين ظهوره ففي الزكاة إذا تمت السنة والربح باقي قلنا تجب عليك الزكاة لكن المذهب رحمهم الله يقولون لا زكاة في ربح مال المضاربة بالنسبة للعامل ويعللون ذلك بأن ملكه غير مستقر لأنه إذا خسر لم يكن له شيء فملكه غير مستقر. فصل القارئ: ولكل واحد منهما فسخ المضاربة لأنها عقد جائز فإذا فسخ والمال عرض فاتفق على قسمه أو بيعه جاز وإن طلب العامل البيع وأبى رب المال وفيه ربح أجبر عليه لأن حقه في الربح لا يظهر إلا بالبيع.

الشيخ: قوله (أجبر عليه) نقول إما أُجبِر البائع على البيع وإما أن يجبر على إعطاء العامل نصيبه من الربح فإذا قال رب المال أنا أحب أنَّ هذه السلعة التي اشتريتها أن تبقى على ملكي ونصيبك من الربح تُقَدِّرُ القيمة وأعطيك إياه فحينئذ نقول لا يجبر لأنه ليس على المُضارَب ضرر، وصورة المسألة نقول إن لكل من المُضَارَب والمُضارِب فَسْخُ المضاربة لأنها عقد جائز فإذا فسخا العقد والمال عَرضٌ أي أنه ليس دراهم بل هو سيارات أو مكائن أو ساعات أو أقمشة فاتفقا على قَسْمِهِ أو بيعه جاز لأن الحق لهما، لكن إذا طلب العامل البيع وقال لا أَقْسِم ولا أريد شيئاً من هذا المتاع بل أريد أن يباع لأن في ذلك ربح فأبى رب المال ذلك فقال المؤلف (أجبر عليه) أي رب المال يجبر على البيع لئلا يفوت ربح العامل وهذا واضح، لكن نقول هذا القول صحيح إلا أنه إذا طلب رب مال أن لا يباع وقال إني أريد أن تبقى هذه السلعة عندي وأنت أيها العامل سوف نُقدِّر القيمة ونعطيك نصيبك من الربح فإنه لا وجه لإجباره على البيع لأن العامل في هذه الحال لا يتضرر، فنحن نقول يجبر عليه أو يجبر على التقويم ويعطى العامل نصيبه من الربح. القارئ: وإن لم يكن فيه ربح لم يجبر لأنه لا حق له فيه. الشيخ: لكن كيف نعلم أنه لا ربح فيه؟ نقول نعلم هذا بهبوط الأسعار فإذا هبطت الأسعار هبوطاً واضحاً وعلمنا أنه لا يمكن أن يربح ولا واحد في المليون فحينئذ العامل ليس له حق فلا يُجبر المالك على البيع. القارئ: وإن طلب رب المال البيع وأبى العامل أجبر في أحد الوجهين لأنه يستحق عليه رد المال كما أخذه والآخر لا يجبر لأنه متصرف لغيره بحكم عقد جائز فلم يلزمه التصرف كالوكيل. الشيخ: الوجه الأول أصح بلا شك فإذا قال رب المال لابد أن يباع المتاع الذي في محل التجارة، فإنه يجبر العامل على البيع لأن هذا مقتضى العقد.

القارئ: وإن كان ديناً لزم العامل تقاضيه لأن المضاربة تقتضي رد المال على صفته. الشيخ: الدين أشد على العامل من بيع السلع فكيف نقول يلزمه أن يتقاضى الدين في ذمم الناس المماطلين المعسرين ولا يلزمه أن يبيع السلع مع أن بيعها سهل. فصل القارئ: ويجوز أن يدفع المال إلى اثنين مضاربة فإن شرط لهما جزءاً من الربح ولم يبين كيف هو بينهما فهو بينهما نصفين لأن إطلاق لفظ لهما يقتضي التسوية وإن شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر سدسه صح لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان وإن قارض اثنان واحداً بألف لهما جاز وكان بمنزلة عقدين فإذا شرطا له جزءاً من الربح والباقي لهما على عقد ملكيهما فإن كان بينهما نصفين فشرط أحدهما للمضارب نصف ربح نصيبه وشرط له الآخر الثلث والباقي بينهما نصفين لم يجز لأن كل واحد منهما يستحق ما بقي من الربح بعد شرطه فإذا شرطا التسوية فقد شرط أحدهما جزءاً من ربح مال صاحبه بغير عمل وإن دفع إليه ألفا وقال أضف إليها من مالك ألفا والربح ببيننا لك ثلثاه ولي ثلثه جاز وكان شركة وقراضاً وللعامل النصف بماله والسدس بعمله وإن قال والربح بيننا نصفين نظرنا في لفظه فإن قال خذه مضاربة فسد لأنه جعل ربح ماله كله له وذلك ينافي مقتضى المضاربة وإن لم يقل مضاربة صح وكان إبضاعاً وإن قال ولي الثلثان فسد لأنه يشرط لنفسه جزءاً من ربح مال صحابه بغير عمل. فصل

القارئ: وإن أخرج ألفاً وقال أتجر أنا وأنت فيها والربح بيننا صح نص عليه وذكره الخرقي بقوله أو بدنان بمال أحدهما وقال ابن حامد والقاضي لا يصح لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل وهذا الشرط ينفي ذلك والأول أظهر لأن العمل أحد ما تتم به المضاربة فجاز انفراد أحدهما به كالمال ومقتضى المضاربة إطلاق التصرف في المال والمشاركة في الربح وهذا لا ينفيه فإن شرط المضارب أن يعمل معه غلام رب المال فهو أولى بالجواز لأن عمل الغلام يصح أن يكون تابعاً لعمل العامل كالحمل على بهيمته وقال القاضي لا يجوز لأن يد العبد كيد سيده. الشيخ: الصحيح الجواز وأنه لا مانع وذلك لأن الحق للمتعاقدين فإذا رضي رب المال وقال هذا ألف أتجر أنا وإياك فيه ولك من الربح كذا وكذا أو الربح بيننا، فما المانع!! فالصواب أنه جائز والأصل في المعاملات هو الحل إلا ما دل الدليل على أنه محرم. السائل: ذكرنا أنه إذا اشترط المضارب أن له الثلثان من الربح فإنه لا يصح على كلام المؤلف، لكن لو أنه دخل معه في التجارة لأن هذا التاجر معروف والناس يشترون بضاعته ويثقون فيه فهل له أن يطلب الثلثين؟ الشيخ: الفقهاء يقولون لا يصح لأنه يأخذ ربحاً لم يعمل فيه وليس ماله. ولكن ما ذكرتَه أنت له وجهة نظر أنه زاده في الربح لأنه رجل مشهور ومعروف ويمكن أن يأخذ منه الناس أكثر مما يستفيد من ماله فهذا كلام وجيه مادام أن فيه مصلحة. فصل القارئ: والعامل أمين لا ضمان عليه فيما تلف بغير تعد لأنه متصرف في المال بإذن المالك لا يختص بنفعه فأشبه الوكيل.

الشيخ: قوله (بغير تعد) نقول ويُزاد أيضاً ولا تفريط والفرق بين التعدي والتفريط أن التفريط ترك ما يجب والتعدي فعل مالا يجوز فمثلاً إذا أهمل المال وأتت الأمطار وأفسدته فلم يجعل له ظِلاً فهذا تفريط وإذا استعمل المال فيما يختص به هو فهذا تعدي وقوله رحمه الله (لا يختص بنفعه) احترازاً من العارية لأن العاريِّة حصلت بإذن ربها لكن الذي يختص بنفعها هو المستعير، والصواب أن العاريِّة وغيرها سواء وأن كل ما أُخِذَ بإذن مالكه أو إذن الشارع فإنه لا ضمان فيه بغير تعد ولا تفريط. القارئ: والقول قوله فيما يدعيه من تلف أو يدعى عليه من جناية لذلك وإن قال هذا اشتريته لنفسي أو للمضاربة أو اختلفا في نهي رب المال له عن شرائه فالقول قوله لأن الأصل عدم النهي وهو أعلم بنيته في الشراء وإن اختلفا في رد المال فالقول قول المالك لأنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير وإن اختلفا فيما شرط له من الربح ففيه روايتان إحداهما القول قول المالك لأن الأصل عدم ما اختلفا فيه والثانية إن ادعى العامل أجرة المثل أو قدراً يتغابن الناس به فالقول قوله لأن الظاهر صدقه وإن ادعى أكثر فالقول قول المالك لأن الظاهر صدقه فأشبها الزوجين إذا اختلفا في المهر.

الشيخ: إذا اختلفا فيما شرط لهم من الربح فقال المضارب الذي يعمل في المال إنك ذكرت أن الربح بيننا نصفين فقال المالك بل الشرط أن لي ثلثيه ولك الثلث، فأيهما نقدم؟ الجواب في الواقع يتنازع هذا أصلان الأصل الأول أن الربح حصل بفعل العامل فكان قوله أحق بالقبول والثاني أن الربح تولد من نفس المال فكان قول صاحب المال أحق بالقبول، ولذلك اختلف العلماء هل يقبل قول المُضَارَب أو قول المُضَارِب والأولى أن يقال في هذا أنه إن ادعى المُضَارَب ما يخرج عن العادة فإن القول قول رب المال وإن ادعى ما يمكن عادة فالقول قوله لأن هذا النماء لا شك أنه حصل بفعله ولو بقي المال راكداً لم يتجر فيه لم يحصل فيه ربح فهذا الضابط هو أقرب ما يكون للعدل فإذا قال المُضَارَب إنك قد شرطت لي ثلثين وقال صاحب المال بل شَرَطتُ لك الثلث، ثم سألنا أهل الخبرة فقالوا مثل هذا الأمر لا يكون إلا إذا كان للعامل الثلثين فالقول هنا قول العامل بلا شك وإن قال أهل الخبرة إنه لا يكون إلا بالثلث فالقول قول رب المال، وإن أشكل علينا الأمر فالقول قول العامل لأن هذا الربح إنما كان من عمله وكسبه فهذا العدل إن شاء الله وقول المؤلف رحمه الله (والثانية إن ادعى العامل أجرة المثل) في هذا التعبير نظر بل يقال إن ادعى العامل سهم المثل لأن العامل ليس أجيراً بل العامل شريك فيرجع في ذلك إلى السهم الذي يُشترط لمثله عادة. فصل القارئ: وإن أقر بربح ثم قال خسرته أو تلف قبل قوله وإن قال غلطت أو نسيت لم يقبل لأنه مقر بحق لآدمي فلم يقبل رجوعه كالمقر بدين.

الشيخ: الصواب في هذه المسألة أنه إذا عُلِمَت أمانته وصدقه وقال أنا غلطت أو نسيت أو أخطأت في جمع المال، فالصواب أن قوله مقبول لأن هذا أمر ممكن فقد يقول مثلاً إني ربحت في مائة ألف عشرة آلاف ريال ثم بعد مراجعة الحساب يجد أنه لم يربح إلا خمسة وهو أمين، فالصواب أنه يقبل قوله وأنه لا فرق بين النسيان وغيره والمؤلف يقول إذا (قال خسرته أو تلف قبل قوله) لأنه أمين وإذا (غلطت أو نسيت لم يقبل) والصواب أنه إذا عُرِفَ بالأمانة والصدق فإنه يقبل. القارئ: ولو اقترض العمال شيئاً تمم به رأس المال ثم عرضه على رب المال فأخذه لم يقبل رجوع العامل ولم يملك المقرض مطالبة رب المال لأن العامل ملكه بالقرض وأقر به لرب المال ويرجع المقرض على العامل. الشيخ: مثل هذا التصرف لا ينبغي للعامل أن يفعله لأن بعض الناس يحذوه الطمع ويقترض مالاً زائداً على رأس المال من أجل زيادة الربح وهذا من الغلط بمكان فمثلاً إذا أعطاه مائة ألف ريال مضاربة ثم عُرِضَ شيء بمائة ألف وعشرة ورأى العامل أن في هذا مصلحة فاقترض عشرة آلاف فإننا نقول هذا خطأ منك لأنه لم يُسَلِّم له إلا مائة ألف فكيف يزيد رأس المال وفي هذه الحال لو خسر عادت الخسارة على رب المال وهو لم يأذن له، ثم إنَّ هذه قاعدة ينبغي للإنسان أن يسير عليها وهي أن لا يأخذ الإنسان أكثر مما عنده وعليه فينبغي للتاجر أن لا يأخذ أكثر مما عنده فمثلاً إذا كان رأس ماله مائة ألف ريال فلا يشتري عرضاً يريد به الربح بمائة وعشرة آلاف لأنه إذا فعل هذا وقدَّر الله عليه التلف فتلف المال كله فإنه يبقى عليه في ذمته عشرة آلاف، لكن لو اشترى بالمائة ألف التي هي عنده ثم قدَّر الله عليه فتلف المال فإنه لا يبقى في ذمته شيء، ولذلك تجد هؤلاء المساكين الذين يحملهم الطمع والشح على كثرة شراء الأموال تجدهم في النهاية قد غرقوا من الديون وما أحسن قول العامة (مد رجلك على قدر لحافك). فصل

القارئ: فإن قال المالك دفعت إليك المال قرضا قال بل قراضا أو بالعكس أو قال غصبتنيه قال بل أودعتنيه أو بالعكس أو قال أعرتكه قال بل أجرتنيه أو بالعكس فالقول قول المالك لأنه ملكه فالقول قوله في صفة خروجه عن يده. الشيخ: هذه أيضاً من الأشياء التي ينبغي أن ينظر فيها لقرائن الأحوال فإذا قال أعطيتنيه قِرَاضاً فقال بل قرضاً، فمن المعلوم أنه إذا تلف وهو قد أعطاه إياه قِرَاضاً بلا تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه والضمان يكون على رب المال وإذا كان قرضاً فعليه الضمان، فهنا ينبغي أن نعرف هل هذا الرجل ممن جرت العادة بأنه يأخذ المضاربات ويبيع ويشتري ويتجر أو أن هذا الذي أخذ المال ممن لا يعرف البيع ولا الشراء لكنه احتاج واستقرض فهنا ينبغي أن ينظر للقرائن فمن ادعى ما يخالف القرينة فقوله مردود والحكم بمقتضى القرائن ثابت في الكتاب والسنة، فالحاكم الذي حكم بين يوسف وامرأة العزيز قال (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) لأن القميص إذا كان من القُبُل فمعناه أنَّ الرجل طلب المرأة فمزقت قميصه لتتخلص منه وإذا كان من وراء فمعناه أن الرجل هرب ولحقته وأمسكت بثوبه حتى انقدَّ فهذه قرينة، وكذلك أيضاً قصة سليمان وداود في امرأتين عجوز وشابة خرجتا ومعهما أولادهما فأكل الذئب ولد الكبيرة فاختصمتا إلى داود عليه الصلاة والسلام فحكم به للكبيرة اجتهاداً منه أن الصغيرة شابة وفي مستقبل العمر قد يأتيها أولاد وهذه العجوز قد يكون هذا آخر ولد لها، ثم خرجتا إلى سليمان فمرتا به فأخبرتاه فقال لا، أنا أحكم بينكم الآن، ودعا بالسكين وقال أشق الولد بينكما نصفين، أما الكبيرة فوافقت وأما الصغيرة فأبت، أما الكبيرة فوافقت لأن ولدها قد أكله الذئب وأما الصغيرة فمنعها شفقة الأم من ذلك وفَضَّلت أن يبقى ولدها ولو كان

عند الكبيرة، فقالت الصغيرة هو لها يا نبي الله، فحكم به سليمان عليه السلام للصغيرة بهذه القرينة، والسنة أيضاً لها وقائع من هذا النوع وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم بالقرينة كما في قصة مال حيي بن أخطب حين سأل عنه عليه الصلاة والسلام لما فتح خبير فقال أين مال حيي قالوا أكلته الحروب فقال لا يمكن أن تأكله الحروب فالمال الكثير والعهد قريب فكيف تأكله الحروب، ثم دفع النبي صلى الله عليه وسلم هذا القائل إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه وقال له مُسَّه بعذاب فلما ذاق مس العذاب قال أنا أرى حيي يطوف حول هذه الخربة، فحفروا فوجدوا المال في تلك الخربة مدفوناً فهنا عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالقرينة وهي كثرة المال مع قرب العهد، والمهم أن مثل هذه الاختلافات لا ينبغي أبداً أن نُهمل فيها جانب القرينة فَتُغلَّبُ القرينة على الأصل لأن القرينة بمنزلة البينة والشهود. القارئ: وإن قال المضارب شرطت لي النفقة فأنكره فالقول قول رب المال لأن الأصل عدمه وإن اتفقا على الشرط فقال المضارب إنما أنفقت من مالي فالقول قوله لأنه أمين فقبل قوله في الإنفاق كالوصي وله الرجوع سواء كان المال في يده أو لم يكن. الشيخ: قوله (اتفقا على الشرط) يعني شرط النفقة فإذا قال العامل أنفقتُ من مالي وقال رب المال بل أنفقت من مال الشركة، فهنا أراد رب المال لمَّا قال أنفقت من مال الشركة أن لا يرجع عليه وهو إذا قال أنفقت من مالي رجع عليه (فالقول قوله) أي قول المضارب لأنه أمين. السائل: قولنا القول قوله، هل لا بد في ذلك مع اليمين أو لا؟ الشيخ: نعم كل من قلنا القول قوله في حقوق الآدميين فإنه لابد من اليمين أما في حقوق الله فلا فمثلاً لو قيل لتاجر أخْرِج زكاتك فقال قد أخرجتها فالقول هنا قوله بلا يمين. السائل: من المطالب بالزكاة في المضاربة هل هو العامل أو صاحب المال؟

الشيخ: المذهب أن الزكاة على رب المال فيكون على رأس المال ونصيبه من الربح وأما نصيب العامل فلا زكاة فيه وعللوا ذلك بأنه عرضة للتلف لأنه إذا خسرت البضاعة لم يكن له ربح فليس فيه استقرار ملك للعامل، والصحيح أنه إذا تمت السنة فإنه يزكى المال كله بربحه وكلٌّ منهما على نصيبه رب المال والعامل. السائل: ما معنى الإبضاع؟ الشيخ: الإبضاع هو العمل بلا نصيب. فصل القارئ: وإن اشترى رب المال شيئاً من مال المضاربة لم يصح في إحدى الروايتين لأنه ملكه فلم يجز له شراؤه كماله الذي مع وكيله والثانية يصح لأنه قد تعلق به حق غيره فأشبه مال مكاتبه. الشيخ: الرواية الثانية أصح لأنه قد تعلق به حق غيره وهو المُضَارَب فهو له حق في ربح هذا المال، فالصواب أنه لا بأس ولكن عليه أن يشتريه بثمن المثل لا بأقل إلا برضى المضارب لأنه لو اشتراه بأقل فات الربح فصار في ذلك ضرر على المضارب. القارئ: ويصح أن يشتري المضارب من مال المضاربة لنفسه لأنه ملك غيره فصح شراؤه له كشراء الوكيل من موكله ولا يصح شراء السيد من عبده المأذون لأنه ماله ويحتمل أن يصح إذا ركبته الديون وأن اشترى أحد الشريكين من مال الشركة بطل في نصيبه وفي الباقي وجهان بناءً على تفريق الصفقة ويحتمل أن يصح في الجميع بناءً على شراء رب المال من مال المضاربة. الشيخ: الاحتمال الثاني هو الصحيح وهو أنه يجوز أن يشتري أحد الشريكين المال المشترك ولا مانع من ذلك فيكون نصف الثمن له والنصف الثاني لشركيه. القارئ: وإن استأجر أحد الشركيين من شركيه داراً ليحرز فيها مال الشركة أو غرائر صح نص عليه وإن استأجره أو غلامه أو دابته لنقل المتاع ففيه روايتان إحداهما يجوز قياساً على الدار والثانية لا يجوز لأن الحيوان لا تجب له الأجرة إلا بالعمل ولا يمكن إبقاؤه في المشترك لعدم تميز نصيب أحدهما من الآخر بخلاف الدار فإن الواجب موضع العين من الدار فيمكن تسليم المعقود عليه.

الشيخ: الصواب الصحة وعدم المنع وإن كانت الدابة أو الرقيق لا يمكن قسمته ولا تمييزه لكن يقال ما المانع من ذلك لأن الأصل الحل في جميع المعاملات والمنع فيها إنما يكون مع وجود الربا أو الظلم أو الغرر. فصل القارئ: ولا يجوز قسمة الدين في الذمم لأنها لا تتكافأ والقسمة بغير تعديل بيع ولا يجوز بيع دين بدين. الشيخ: يقول المؤلف (لا يجوز قسمة الدين في الذمم) مثال ذلك هذا المال مشترك وبيع على زيد وعمرو بيعاً مؤجلاً فأراد أحد الشريكين القسمة وقال لشريكه لك الدين الذي على زيد ولي الدين الذي على عمرو يقول المؤلف إن هذا لا يجوز وعلل بأن الذمم لا تتكافأ وإذا كانت لا تتكافأ فإن القسمة بغير تعديل هي بيع ولا يجوز بيع دين بدين وهذا هو المذهب أنه لا يجوز قسمة الدين في الذمم لأن فيه غرراً لأني قد أقبل الدين الذي في ذمة زيد وأنت تقبل الدين الذي في ذمة عمرو ثم قد يَعْسُرُ عمرو وقد يُسِرُ زيد فيكون أحد الشريكين رابحاً والثاني خاسراً وهذا في الحقيقة هو المحذور من مَنْعِ قَسْمِ الدين في الذمم لكن هذه هي العلة مع ما فيها من المخاطرة وذلك أن كل واحد من الشريكين يظن أن صاحبه الذي تَقَبَّلَ دينه سيوفي ثم قد تُخلِف الحال فيخسر، لكن نقول الراجح جواز قسمة الدين في الذمم لأن غاية ما فيه أن أحدهما رضي بأن يسقط نصيبه من ذمة المدين الذي هو مدين له ولشريكه فهذا غاية ما فيها، فالصواب أن ذلك جائز لكن لابد من رضى الطرفين. القارئ: وعنه يجوز لأن الاختلاف لا يمنع القسمة قياساً على اختلاف الأعيان ولا يمكن قسمة الدين في ذمة واحدة لأن معناها إفراز الحق ولا يتصور في ذمة واحدة. الشيخ: ما ذكره المؤلف في هذه الرواية صحيح لأنه إذا كان المدين واحداً لشريكين وقال أحدهما نقسم أنا وإياك الدين فهنا لا يصح ويقال كيف يقسم وهو دين واحد، بخلاف الدين على رجلين فيمكن قسمته. السائل: ما حكم قسمة العين إذا لم يرض الشريك؟

الشيخ: لا يُلزم الثاني بذلك إلا إذا كان يمكن أن تنقسم بدون ضرر كأرض واسعة مثلاً أو حبوب ككيس من الرز أو كيس من البر فإذا طلب أحدهما القسمة أجبر الآخر على ذلك أما ما لا يمكن قسمته إلا بضرر فلا بد فيه من الرضى. السائل: ما علة تحريم بيع الدين بالدين؟ الشيخ: العلة عدم القدرة على الوفاء أي على التسليم. فصل القارئ: إذا كان لاثنين دين في ذمة رجل بسبب واحد فقبض أحدهما منه شيئاً فهو بينهما إذ لا يجوز أن يكون المقبوض نصيب من قبضه لما فيه من قسمة الدين في ذمة واحد ولشريك القابض مطالبته بنصيبه منه لذلك وله مطالبة الغريم لأنه لم يبرأ من حقه بتسليمه إلى غيره بغير إذنه ومن أيهما أخذ لم يرجع على الآخر لأن حقه ثبت في أحد المحلين فإذا اختار أحدهما سقط حقه من الآخر وإن هلك المقبوض في يد القابض تعين حقه فيه ولم يضمنه للغريم لأنه قدر حقه فما تعدى بالقبض وإنما كان لشريكه مشاركته لثبوته مشتركا وإن أبرأ أحدهما الغريم برئ من نصيبه ولم يرجع عليه الآخر بشيء لأنه كتلفه وإن أبرأه من نصف حقه ثم قبضا شيئا اقتسماه أثلاثاً. الشيخ: قوله (وإن أبرأه من نصف حقه ثم قبضا شيئاً اقتسماه أثلاثاً) معناه أن المال بينهما نصفين فأبرأ أحدهما المدين من نصف نصيبه فيبقى ثلاثة أرباع ويكون ربع الكل ثلث الباقي. القارئ: وإن أخر أحدهما حقه جاز لأنه يملك إسقاطه فتأخيره أولى وإن اشترى بنصيبه شيئا فهو كما لو اشترى بعين مال مشترك بينهما وإن كان الحق ثابتاً بسببين كعقدين أو إتلافين فلا شركة بينهما ولكل واحد استيفاء حقه مفردا فلا يشاركه الآخر فيه (¬1). فصل ¬

_ (¬1) ملاحظة: ترك الشيخ رحمه الله تعالى بعد هذا الفصل بعض الفصول المتعلقة بالعبد وهي أربعة فصول لعدم الحاجة إليها في وقتنا الحاضر.

القارئ: وما كسب العبد من المباح أو وهب له فقبله ملكه مولاه لأنه كسب ماله فملكه كصيد فهده وإن ملكه سيده مالاً ملكه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً وله مال فماله للبائع) رواه مسلم ولأنه يملك البضع فملك المال كالحر وعنه لا يملك لأنه مال فلم يملك المال كالبهيمة. الشيخ: هذه المسألة وهي هل يملك العبد بالتمليك أو لا؟ فيها ثلاثة أقوال القول الأول المذهب أنه لا يملك ولو كان التمليك من سيده لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من باع عبداً له مال فماله للذي باعه) وهذا عام، والقول الثاني قالوا إن ملَّكَهُ سيده مَلَكَه وإن مَلَّكَه غيره لم يملك، والقول الثالث قالوا إنه يملك بالتمليك مطلقاً فلو وهب شخص لهذا العبد ساعة أصبحت ملكه، فعلى هذا القول يملكها وله أن يبيعها ويشتري بثمنها ما شاء، وعلى القول بأنه لا يملك تكون الساعة للسيد ويكون العبد كأنه ساقية مرَّ بها الماء، والمؤلف رحمه الله قَدَّمَ أنه يملك إذا ملَّكَهُ سيده، والحقيقة أنه إذا ملَّكَهُ سيده فينبغي أن يقال إنه بمنزلة الإباحة أي إباحة المال فيكون أَذِنَ له في استباحة هذا المال وإلا فالعبد وما ملكه للسيد) وإذا قلنا بالتمليك فهل يجوز لسيده أن يرجع في ذلك؟ نقول هل هو أب؟ الجواب لا، فلا يجوز له الرجوع، لكن لو قال أنا أملكك أنت وما معك فهنا نقول له ذلك لأن العبد لا يملك المال منفرداً حتى وإن وهبه سيده أو ملَّكَهُ فإنه لو أراد أن يقول له أنت وما معك ملكي فله ذلك. القارئ: فإن ملكه سيده جارية لم يملك وطأها قبل الإذن فيه لأن ملكه غير تام فإن أذن له فيه ملكه. الشيخ: مَلَّكَ السيد عبده جاريةً فهو يملكها وله أن يبيعها لكن ليس له أن يطأها، وذلك احتياطاً للأعراض لأن ملكه عليها غير تام وإذا أراد العبد الوطء فإنه يستأذن من سيده فإن أذن له جاز له الوطء.

باب المساقاة

القارئ: قال أبو بكر على كلتا الروايتين لأنه يملك الاستمتاع بالنكاح فملكه بالتسري كالحر وقال القاضي بل هذا بناءً على الرواية التي يملك المال ولا يملك ذلك على الأخرى لقول الله تعالى (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) وإن لزمته كافرة فكفارته الصيام لا غير إن لم يأذن له سيده في التكفير بالمال وإن أذن له فيه انبنى على الروايتين في ملكه فإن قلنا لا يملك لم يكفر بغير الصيام وإن قلنا يملك فله التكفير بالإطعام والكسوة وفي العتق وجهان أحدهما يملكه قياساً على الإطعام والكسوة والثاني لا يملكه لأنه يتضمن الولاء والعبد ليس من أهله فعلى الأول إن أذن له في التكفير بإعتاق نفسه فهل يجزئه على وجهين والله تعالى أعلم. الشيخ: هذه المسألة من غرائب العلم فإذا لزم العبد كفارة عِتْق فقال له سيده أنا مَلَّكْتُكَ نَفْسَكَ وأَعْتِقْهَا عن هذه الكفارة فهل هذا يصح، الظاهر في هذه المسألة الوجه الثاني وهو عدم الصحة. باب المساقاة القارئ: تجوز المساقاة على النخل وسائر الشجر بجزء معلوم يجعل للعامل من الثمر لما روى ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) متفق عليه.

الشيخ: المساقاة صورتها أن يدفع رجل نخله وأرضه لشخص ويقول اعمل فيها ولك نصف الثمرة أو يقول له ولك نصف الزرع فتكون مزارعة ومساقاة وتسمى عندنا الفِلاحَة، وهي جائزة ودليلها ما ذكره المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم (عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) قوله (على شطر ما يخرج) أي على النصف وأهل خيبر في ذلك الوقت كانوا يهوداً حين فتحها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له يا محمد نحن أهل زرع ونعرف الحرث وغير ذلك وأنتم أهل عمل وجهاد دعونا في أرضنا ولكم نصف ما يخرج منها من ثمر أو زرع ففعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك وقال (نقركم على ذلك ما شئنا) وبقوا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إليهم من يخرص عليهم الثمر وأرسل مرة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يخرص الثمر لكي يُعرف حق النبي صلى الله عليه وسلم من حقهم فجمعهم عبد الله بن رواحة وقال (جئتكم من أحب الناس إليَّ وإنكم لأبغض إليَّ من عِدَّتكم من القردة والخنازير _ يقول ذلك لهم صراحةً _ وليس حبي إياه وبغضي إياكم بمانعي من أن أعدل فيكم) فقالوا (بهذا قامت السماوات والأرض) فعدل فيهم وقسم. وقوله رحمه الله (بجزء معلوم) ينبغي أن يضاف إليها قيد آخر وهو مشاع فلا بد أن يكون الجزء مشاعاً كالنصف والربع والثلث والثمن وما أشبه ذلك أما إذا كان معلوماً بالكيل والوزن فهذا لا يجوز مثل أن يقول ساقيتك على هذا النخل ولك منه مائة صاع والباقي لي أو لي منه مائة صاع والباقي لك فهذا لا يجوز لأنه قد لا يثمر إلا هذه المائة صاع فيبقى الآخر محروماً فيحتاج أن نزيد ونقول بجزء معلوم مشاع. القارئ: ولأنه مال ينمى بالعمل عليه فجازت المعاملة عليه ببعض نمائه كالأثمان. الشيخ: هذا يشبه المضاربة تماماً لأن أصحاب البساتين منهم رأس المال وهو الشجر والمضاربة كذلك فيها رأس مال وفيها عمل. القارئ: ولا تجوز على مالا يثمر كالصفصاف.

الشيخ: قوله (لا تجوز على ما لا يثمر) نقول هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله والصحيح أنها تجوز ويكون للعامل الجزء المشروط، والصفصاف يشبهه شجر الأثل عندنا فإن شجر الأثل وإن كان له ثمر لكنه غير مقصود فلا يقصده الناس وإنما يقصدون الخشب فيكون الخشب المقطوع بمنزلة الثمرة. القارئ: لأن موضوعها على أن للعامل جزءاً من الثمرة وفي المساقاة بعد ظهور الثمرة روايتان حكاهما أبو الخطاب إحداهما الجواز إذا بقي من العمل ما تزيد به الثمرة لأنها جازت في المعدومة مع كثرة الغرر فمع قلته أولى والثانية المنع لإفضائها إلى أن يستحق جزءاً من النماء الموجود قبل العمل فلم يصح كالمضاربة بعد الربح. الشيخ: الصواب أنه تصح المساقاة بعد ظهور الثمر حتى وإن لم يبق جزء ينمو به الثمر لأنه سوف يحتاج إلى ماء حتى وإن انتهى نموه فهو يحتاج إلى الماء إلى أن يُجذ فلا مانع من ذلك فليس فيه غرر ولا ظلم ولا ربا. القارئ: وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يحمل فيكون له جزء من الثمرة جاز نص عليه لأن الثمرة تحصل بالعمل عليها كما تحصل على النخل المغروس ولا تصح إلا على شجر معين معلوم برؤية أو صفة لأنها معاوضة يختلف الغرض فيها باختلاف الأعيان فأشبهت المضاربة ولو ساقيتك على أحد هذين الحائطين لم يصح. الشيخ: قوله (معلوم برؤية) صورتها أن يطلب صاحب البستان من العامل أن ينظر إلى النخل ويراها بعينه وأما قوله (أو صفة) ففيها تردد لأن الصفة قد لا تكون على وجه محدود ومعين فماذا سيقول له، هل يقول النخلة طويلة أو قصيرة أو يقول بعض النخل طويل وبعض النخيل قصير أو يقول بعض النخل نشيط وبعض النخل ضعيف ففي جواز المساقاة بالصفة تردد لأن النخل يتخلف. فصل

القارئ: وظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنها عقد جائز لما روي عن ابن عمر أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بخيبر على أن يعملوها ويكون لرسول صلى الله عليه وسلم شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نقركم على ذلك ما شئنا) رواه مسلم فلو كانت لازمة لقدر مدتها ولم يجعل إخراجهم إليه إذا شاء ولأنه عقد على مال بجزء من نمائه فكان جائزاً كالمضاربة فلذلك لا يفتقر إلى ضرب مدة. الشيخ: استدلال المؤلف بهذا الحديث على أن المساقاة عقد جائز فيه نظر لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (نقركم على ذلك ما شئنا) لا يعود إلى أصل المساقاة إنما يعود إلى إقرارهم في خيبر ولذلك لما نقضوا العهد طردهم عمر رضي الله عنه فيكون هذا الإقرار ليس على المساقاة بل على البقاء أما عقد المساقاة فهو عقد لازم ولا شك لأننا لو قلنا إنها عقد جائز حصل في هذا ضرر لكان الفلاح إذا عمل ورأى أن الثمر أصيب بجائحة أو أنه لا يساوي العمل عليه فسخ العقد وكذلك لو رأى رب الأرض أو رب الشجر أن السهم الذي شَرط للعامل كثير لَفَسَخَ العقد فيحصل في هذا اضطراب، وعمل الناس اليوم على أنها عقد لازم ولهذا يحددون المدة فيقولون مثلاً ساقيتك على هذا النخل خمسُ سنوات أو عشرُ سنوات، وهذا هو الصحيح فالصحيح أنها عقد لازم وأنه لابد من تحديد المدة فيها. القارئ: وإن وقتاها جاز كالمضاربة. الشيخ: قوله (جاز كالمضاربة) نقول وعلى القول الراجح إذا وقَّتاها فإنه يجب التوقيت. القارئ: وتنفسخ بموت كل واحد منهما وجنونه وفسخه لها. الشيخ: هذا مبني على أن المساقاة عقد جائز أما إذا قلنا إنها عقد لازم فإنه ينتقل الحق إلى الورثة.

القارئ: فإن انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما لأنها حدثت على ملكهما وعلى العامل تمام العمل كعامل المضاربة إذا انفسخت قبل أن ينض المال وإن انفسخت قبل ظهورها بفسخ العامل فلا شيء له لأنه رضي بإسقاط حقه وإن انفسخت بغير ذلك فللعامل أجرة مثله لأنه منع إتمام عمله الذي يستحق به العوض فصار كعامل الجعالة. الشيخ: ما ذكره المؤلف رحمه الله وهو أن العامل يستحق أجرة المثل فيه نظر والصواب أنه يستحق قسطه من سهم المثل أو قسطه من السهم الذي جعل له وهذا أقرب، ويتبين الفرق فيما لو كان إذا قدر له أجرة المثل فاستوعب مالاً كثيراً أكثر من سهمه الذي كان له في الأول وإن كانت الأجرة رخيصة نقص حقه كثيراً فإذا قلنا إن له قسطه من السهم الذي جعل له كان هذا أقرب إلى العدل فيقال مثلاً هو أعطى نصف الثمرة إذا أكمل العام والآن قطع نصف الشوط فيعطى ربع الثمرة أي نصف نصيبه ويرجع في هذا إلى أهل الخبرة. القارئ: وقال بعض أصحابنا هو لازم لأنه عقد معاوضة فكان لازما كالإجارة. الشيخ: قوله (هو لازم) أي عقد المساقاة.

القارئ: فعلى هذا يفتقر إلى تقدير مدتها كالإجارة ويجب أن تكون المدة تكمل الثمرة في مثلها لأن المقصود اشتراكهما في الثمرة فلا يحصل بدون ذلك فإن شرطا مدة لا تكمل الثمرة فيها فعمل العامل ففيه وجهان أحدهما لا شيء له لأنه رضي بالعمل بغير عوض فأشبه المتطوع والثاني له أجرة مثله لأنه يقتضي العوض فلم يسقط بالرضى بتركه كالوطء في النكاح وإن جعلا مدة تحمل في مثلها فلم تحمل فلا شيء له لأنه عقد صحيح فيه مسمى صحيح فلم يستحق غيره كعامل المضاربة إذا لم يربح وإن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد لا تمكل ففيه وجهان أحدهما يصح لأنها مدة يرجى وجود الثمرة فيها فصح العقد عليها كالتي قبلها والثاني لا يصح لأنه عقد على معدوم ليس الغالب وجوده فلم يصح كالسلم في مثله فعلى هذا إن عمل استحق الأجر لأنه لم يرض بالعمل بغير عوض ولم يسلم له فرجع إلى بدله كالإجارة الفاسدة. فصل القارئ: ويجوز عقد المساقاة والإجارة على مدة يغلب على الظن بقاء العين فيها وإن طالت لأنه عقد يجوز عاماً فجاز أكثر منه كالكتابة فإذا عقدها على أكثر من عام لم يجب ذكر قسط كل سنة كما لو اشترى أعياناً بثمن واحد وإن قدر قسط كل سنة جاز وإن اختلفت نحو أن يقول ساقيتك ثلاثة أعوام على أن لك نصف ثمرة العام الأول وثلث الثانية وربع الثالثة فإن انقضت المدة قبل طلوع ثمرة العام الآخر فلا شيء للعامل منها لأنها حدثت بعد مدته وإن ظهرت في مدته تعلق حقه بها لحدوثها في مدته. الشيخ: غالب الناس الآن يقدرون السنوات بسهم واحد فمثلاً يقول ساقيتك على هذا البستان ثلاثة سنوات بالثلث أو بالربع فالغالب أنهم لا يُفرِّقون، لكن قد تدعو الحاجة إلى التفريق مثل أن يكون العمل في هذا البستان في أول سنة أشق وأتعب فهنا سيطلب العامل سهماً أكثر. السائل: لو قال صاحب الأرض للعامل اغرس هذه الأشجار ثم تكون بيننا مساقاة؟

الشيخ: هذه يسمونها مغارسة لأنه إذا كان العمل على شجر لم يُغرس تسمى مغارسة ويكون السهم في أصل الشجر. السائل: إذا لم يحدد في عقد المساقاة المدة فما حكم هذا العقد؟ الشيخ: إذا لم يعين المدة فسد العقد وحينئذ يرجع إلى سهم المثل. السائل: إذا ترك العامل العمل في المزرعة بعد مدة معينة ولم يقم بما يجب عليه فهل يعطى أجرة المثل فيما عمله فيما مضى من المدة؟ الشيخ: لا يصح لأنها ليست إجارة وهو ما التزم بأنها إجارة بل هو التزم بأنها مساقاة وأن له سهماً على ذلك فإذا قدرنا أنه مضى من المدة نصفها وأن التعب في النصف الباقي كالتعب في النصف الأول استحق نصف السهم. السائل: هل يجوز تحديد المدة بغير السنوات مثلاً إذا كانت الشجرة تحصد في السنة مرة واحدة فيقول له المدة بيننا ثلاثة حصادات؟ الشيخ: الحصاد لا يسمونه مساقاة بل هذه تسمى مزارعة، لكن هم إذا قالوا سنة ففي الغالب يقصدون سنة الثمرة ولا يقصدون بذلك السنة الهلالية. فصل القارئ: وحكم المساقاة والمزارعة حكم المضاربة في الجزء المشروط للعامل في كونه معلوماً مشاعاً من جميع الثمرة وفي الاختلاف في قدره وفساد العقد بجهله وشرط دراهم لأحدهما أو ثمر شجر معين أو عمل رب المال أو غلمانه وفي ملكه للنماء بالظهور لأنه عقد على العمل في مال ببعض نمائه فأشبه المضاربة.

الشيخ: بين المؤلف أنه في عقد المساقاة لا بد أن يكون المعقود عليه معلوماً ومشاعاً فلو قال ساقيتك على هذا النخل ببعض ثمره فالعقد غير صحيح لأنه مجهول، ولو قال ساقيتك على هذا النخل على أن لك الجهة الشرقية ولي الغربية فهذا غير صحيح لأنه قد يثمر الشرقي كثيراً والغربي دون ذلك أو بالعكس، ولو قال ساقيتك على هذا البستان أو على هذا النخل على أن لك ما على السواقي يعني ما يمر به الماء لم يصح، لأن القاعدة في المشاركة أن يكون الشريكان متساويين في المغنم والمغرم لأنهما إذا لم يتساويا صار من الميسر فالقاعدة في جميع الشركات التي مضت في الأموال وكذلك المشاركات في المساقاة والمزارعة والمغارسة أنه لا بد أن يشترك الطرفان في المغنم والمغرم وإذا شُرِط لأحدهما دراهم أو ثمر شجر معين فإنه لا يصح، لكن لو أن الفلاح استأجر هذا البستان كل سنة بعشرة آلاف وصاحب البستان لن يتعرض لثمره إطلاقاً لأنه إجارة فهل يصح أو لا يصح نقول في هذا خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال إنه لا يصح لأنه في الثمر بيع للثمرة قبل بدو صلاحها بل قبل ظهورها وفي الزرع كذلك بيع قبل اشتداد حبه وقبل ظهوره فلا يصح، وقال بعضهم يكون مساقاة في الثمر وأجرة في الأرض يعني الزرع الذي يزرع بالأرض لا بأس أن تؤجر الأرض من أجله وأما في النخل فلا إذ لا بد فيه من المساقاة، وعليه فإنه لابد أن يساقي في النخل ويؤجر على الأرض مثلاً عندي بستان فيه نخل وفيه مكان آخر ليس فيه نخل بل هي أرض بيضاء صالحة للزراعة فإذا ساقيتُ الفلاح على النخل وقلت له لك ثلث ثمر النخل وأما الأرض البيضاء فأنا أؤجرها عليك كل سنة بعشرة آلاف فهذا يصح لأن المساقاة على النخل جائزة وتأجير الأرض لزراعتها جائز ولا إشكال فيه، لكن الإشكال فيما إذا قلتُ له أجرتك هذا البستان كله نخله وبياض أرضه بعشرة آلاف ريال فهل هذا يجوز أو لا؟ المذهب أنه لا يجوز بل لا بد أن يكون العقد على النخل مساقاة وعلى

الأرض بأجرة أو مزارعة واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن ذلك جائز أي أن تأجير البستان كله نخله وأرضه جائز فيقول صاحب الأرض خذ هذا البستان أجرتك إياه بعشرة آلاف ريال كل سنة تعطيني عشرة آلاف ريال والثمر لك، واستدل شيخ الإسلام على ذلك بتضمين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديقة أسيد بن الحضير كان عليه دين فضمنها بعض الناس على أن يسلم الآن كذا وكذا من الدراهم وتكون الحديقة له لمدة عشر سنوات أو خمس سنوات، وعمر رضي الله عنه له سنة متبعة وأيضاً نقول إن في ذلك مصلحة والآن قد بدأ أهل الأراضي والنخيل يتعاملون بهذه المعاملة وإلا ففي السابق لا يمكن أن يتعاملوا بهذه المعاملة إلا مساقاة في الشجر وإجارة في الأرض أو مزارعة، لكن الصواب ما ذهب إليه الشيخ رحمه الله وفيه مصلحة للطرفين أما صحاب الأرض فيقول أنا آخذ دراهم بدون منازعة وبدون مراقبة للفلاح والفلاح أيضاً يطمئن فيأخذ من الثمر ما شاء ويتصدق بما شاء ويهدي لمن شاء ولا شريك له في ذلك لأن صاحب الأرض قد أخذ الأجرة وقول المؤلف رحمه الله (شرط دراهم لأحدهما) هذا في المساقاة أما لو أجره تأجيراً فقد ذكرنا الخلاف في هذه المسألة. القارئ: ولو شرط له ثمرة عام غير الذي عامله فيه لم يصح كما لو شرط للمضارب ربح غير مال المضاربة وإن قال إن سقيته سيحاً فلك الثلث وإن سقيته بنضح فلك النصف وإن زرعت في الأرض حنطة فلك النصف وإن زرعت شعيراً فلك الثلث لم يصح لأنه عقد على مجهول فلم يصح كبيعتين في بيعة ويتخرج أن يصح بناءً على قوله في الإجارة إن خطته رومياً فلك درهم وإن خطته فارسياً فلك نصف درهم.

الشيخ: قوله (ويتخرج أن يصح بناءً على قوله) يعني قول الإمام أحمد رحمه الله، والموفق رحمه الله من علماء المذهب الذين هم أهل التخريج والتوجيه فقوله يعتبر وجهاً في المذهب وتخريجه يعتبر تخريجاً على المذهب وهذا التخريج هو الصواب لأنه ليس هناك أي جهالة في هذا فقوله (إن سقيته سيحاً فلك الثلث وإن سقيته بنضح فلك النصف) الفرق فيه واضح فالسيح أنفع للثمر فيكون له الثلث ولصاحب الأرض أي البستان الثلثان وإن سقاه بنضح فله النصف لأن السقي بالنضح يكون أصعب في الغالب فيحتاج العامل إلى زيادة السهم وكذلك أيضاً قوله (إن زرعت حنطة فلك النصف وإن زرعت شعيراً فلك الثلث) هذا أيضاً لا بأس به ولا جهالة فيه فإذا زرع الشعير فله الثلث وإن زرع الحنطة فله النصف فليس هناك جهالة كما لو قال مثلاً في وقتنا الحاضر إن خطته أي الثوب سعودياً فلك كذا وإن خطته قطرياً فبكذا ويقصد بذلك أجرة الخياطة أو قال إن خطته سودانياً فبكذا أو مصرياً فبكذا وكذا وعلى كل حال فإن البلدان تختلف في الخياطة. فصل القارئ: وإن ساقاه على بستانين بالنصف من هذا والثلث من الآخر صح أوعلى أنواع جعل له من كل نوع قدراً أو جعل له في المزارعة نصف الحنطة وثلث الشعير وهما يعلمان قدر كل نوع أو كان البستان لاثنين فساقياه على نصف ثمرة نصيب أحدهما وثلث ثمرة الآخر وهم يعلمونه صح لأنه معلوم فصح كما لو كانا في عقدين وإن لم يعلموا لم يصح لأنه مجهول ولو قال ما زرعت فيها من حنطة فلك نصفه وما زرعت من شعير فلك ثلثه لم يصح لأنه مجهول.

الشيخ: هذه المسألة غير المسألة الأولى فهذا الزرع مختلط حنطة وشعير فقال ما زرعتَ من حنطة فلك نصفه وما زرعتَ من شعير فلك ثلثه، ذكر المؤلف أن هذا لا يصح لأنه قد يزرع مساحة كبيرة في الحنطة ودونها في الشعير أو بالعكس ولكن الصحيح أنه جائز لأنه إذا كان يجوز في كل الأرض فيجوز في بعضها وأي فرقٍ في هذا بين المسألتين فالمسألة الأولى يقول إن زرعتَ الأرض شعير فبكذا أو حنطة فبكذا في كل الأرض والثانية يقول ما زرعتَ من شعير فلك كذا وما زرعتَ من حنطة فلك كذا فالمسألة الأولى على المذهب لا تصح ولكن ذكر المؤلف أنه يتخرج أن تصح والمسألة الثانية لم ذكر فيها التخريج فعلى هذا تكون ممنوعة ولكننا نرى أنه يتخرج أن تصح لأنه إذا صح في كل الأرض صح في بعضها ولا فرق وصورة المسألة الأولى مثلاً أرض مساحتها كيلو في كيلو فأعطيتها هذا الرجل يزرعها وقلتُ له إن زرعتها براً فلك نصفه وإن زرعتها شعيراً فلك ثلثه يصح أو لا يصح؟ نقول على رأي المذهب لا يصح وعلى القول الثاني الذي خرجه المؤلف يصح وهو كذلك الصحيح وأما صورة المسألة الثانية إذا أعطيته الأرض وقلتُ له إنك ستزرعها حنطة وشعيراً فما زرعتَ من الحنطة فلك نصفه وما زرعتَ من الشعير فلك ثلثه فهنا يرى المؤلف أنه لا يصح لأنه ربما يزرع ثلثيها شعيراً والثلث الآخر حنطة أو بالعكس أو يزرع النصف والنصف أو يزرع التسعة أعشار لصنف وعشر واحد لصنف والعلة هي الجهالة فنقول وماذا يضر في هذا فإنه إذا جاز في الكل فليجز في البعض ولا فرق. السائل: ما هو السيح وما هو النضح؟ الشيخ: السيح هو أن يمشي الماء حتى يروى الزرع فتجعل له ساقية تصب في الحوض ثم تروي الزرع، والنضح يشبه الرش فهو أسهل. فصل

القارئ: وينعقد بلفظ المساقاة لأنه موضوعها وبما يؤدي معناه لأن المقصود المعنى ولا يثبت فيها خيار الشرط وإن قلنا بلزومها لأنه لا يمكن رد المعقود عليه إذا فسخ وفي خيار المجلس وجهان أحدهما لا يثبت لأنه لا يثبت فيها خيار الشرط فأشبه النكاح والثاني يثبت لأنه عقد لازم يقصد به المال فأشبه البيع. الشيخ: القياس بالشبة ضعيف جداً، فالمسألة الأولى يقول المؤلف إنه لا يصح فيها خيار الشرط وهذا فيه نظر بل الصحيح أنه يصح فيها خيار الشرط إذا قلنا باللزوم أما إذا قلنا بغير اللزوم أي بأنها جائزة فلا حاجة لخيار الشرط لأنه متى شاء فسخها لكن إذا قلنا إنها لازمة فالصواب أنه يصح فيها خيار الشرط بشرط أن تكون المدة تنتهي قبل ابتداء عقد المساقاة فمثلاً لو قال ساقيتك على هذا النخل ثلاث سنوات ابتداءاً من شهر رمضان ونحن الآن في جمادى الأولى لكن لي الخيار لمدة شهر، فهذا جائز ولا مانع من ذلك لأن المساقي الآن لم يبدأ العمل والإنسان قد يتعجل في العقد ثم يتروى بعد ذلك لكن لو فُرِضَ أنه قال لي الخيار وابتداء المدة من العقد فهذه المسألة هي التي قد يتوقف فيها الإنسان مع أن الصواب أنها لا بأس بها وحتى في خيار الشرط في الإجارة إذا فسخ العقد مثلاً وقد مضى بعض المدة فإنه تقدر هذه المدة بأجرة المثل فهي لا تضيع عليه بل تقدر بأجرة المثل وقد مرَّ علينا سابقاً أن الأصل في العقود والشروط الحل حتى يتبين التحريم فنقول خيار الشرط في إجارة لا تبتدئ إلا بعد انتهائه أو في مساقاة لازمة لا تبتدئ إلا بعد انتهائه لا إشكال في جوازه وليس فيه مضرة على أحد لكن نقول نعم إذا كانت الإجارة تبتدئ من العقد وفيها شرط لمدة شهر فإذا فسخ العقد بطلت الإجارة ونرجع إلى أجرة المثل في هذا الشهر. فصل

القارئ: يلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها كالحرث وآلته وبقره واستقاء الماء وإصلاح طرقه وقطع الشوك والحشيش المضر واليابس من الشجرة وزبار الكرم وتسوية الثمرة والحفظ والتشميس وإصلاح موضعه ونحو ذلك. الشيخ: قوله (زبار الكرم) يعني العنب وهو قطع الأغصان الرديئة التي ليس فيها خير، وقوله (نحو ذلك) نقول كل ما يتعلق بالثمرة من أولها إلى آخرها فهو على العامل. القارئ: وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل كسد الحيطان وإنشاء الأنهار وحفر بئر الماء وعمل الدولاب ونصبه. الشيخ: قوله (عمل الدولاب) الدولاب أنا قد شاهدته عندنا هنا في عنيزة وهو عبارة عن عجلة يدور بها بغل أو حمار لها أسنان وعجلة أخرى لها أسنان فالأولى رأسية والثانية أفقية وهذه الأخرى هي من جنس الجنزير الذي يكون في السياكل أي الدراجة وفيه مغارف لكنها ليست كمغارف الطعام صغيرة بل هي مغارف كبيرة تدور حتى تصل إلى الماء فإذا وصلت إلى الماء غَرَفَتْ ثم صبت في الحوض الذي على الأرض ثم ترجع إلي البئر منقلبة ثم إذا وصلت الماء اعتدلت وغرفت من الماء. القارئ: قال أصحابنا والثور الذي يديره لأن هذا يراد لحفظ الأصل ولهذا من أراد إنشاء بستان عمل هذا كله وقيل ما يتكرر في كل عام فعلى العامل ومالا يتكرر فعلى رب المال والجذاذ والحصاد واللقاط على العامل نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خبير إلى يهود على أن يعملوها من أموالهم وهذا من العمل مما لا تستغني عنه الثمرة أشبه التشميس وعنه أن الجذاذ عليهما لأنه يوجد بعد تكامل الثمر وهذا ينتقض بالتشميس. الشيخ: ما ذكره المؤلف صحيح فالتشميس على العامل فإذا كان التشميس على العامل وهو بعد الجذاذ فالجذاذ من باب أولى.

القارئ: فإن شرط على أحدهما ما يلزم الآخر فقد نص أحمد رضي الله عنه على أن الجذاذ عليهما ويصح شرطه على العامل فيتخرج في سائر العمل مثل ذلك قياساً عليه وقال القاضي تفسد المساقاة لأنه ينافي مقتضاها أشبه ما لو شرط عمل المضاربة على رب المال. الشيخ: التخريج الذي ذكر المؤلف رحمه الله صحيح وهو أنه إذا شرط أحدهما على الآخر ما يلزمه أي ما يلزم الشارط فلا بأس لأن هذا حق لهما فإذا التزم أحدهما بالقيام به عن الآخر فأي مانع في هذا، وبناءً على هذا نقول لو قيل إنه يُرْجَعُ في هذا إلى العرف والأعراف تختلف في كل زمان ومكان _ فإذا جعلنا الشرط العرفي كالشرط اللفظي _ كما هي القاعدة والشرط العرفي هو أن يكون العرف مطرداً فيكون كالمشروط تماماً لأن العقد المطلق ينصرف إلى المعهود عند العامة وهو العرف المطرد عندهم. وخلاصة هذا الفصل أن يقال القاعدة على المذهب أن ما يحفظ به الأصل فهو على رب المال وما يحفظ به الثمرة فهو على العامل، وإن شرط أحدهما على الآخر ما يلزمه فهل تصح المساقاة؟ الجواب ذهب القاضي إلى أنها تفسد والصحيح أنها لا تفسد وأن المرجع في ذلك إلى العرف. فصل القارئ: والعامل أمين والقول قوله فيما يدعيه من تلف أو يدعى عليه من خيانة أو تفريط وإن ثبتت خيانته ضم إليه من يشرف عليه ولا تزال يده عن العمل لأنه يمكن استيفاؤه منه فإن لم ينحفظ استؤجر من ماله من يعمل عنه لأنه تعذر استيفاؤه منه فاستوفي بغيره وإن هرب فهو كفسخه إن قلنا بجواز العقد وإن قلنا بلزومه رفع الأمر إلى الحاكم ليستأجر من ماله من يعمل عنه فإن لم يكن له مال أقترض عليه. الشيخ: قوله (أقترض عليه) يعني الحاكم.

القارئ: فإن لم يجد فللمالك الفسخ لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فأشبه ما لو استأجر داراً فتعذر تسليمها ثم إن فسخ قبل ظهور الثمرة فلا شيء للعامل لأن الفسخ لأمر من جهته وإن كانت ظاهرة فهي بينهما وإن لم يفسخ رب المال استأذن الحاكم في الإنفاق ثم رجع بما أنفق فإن لم يجد حاكما أشهد على الإنفاق بشرط الرجوع ورجع به لأنه حال ضرورة وإن أنفق من غير استئذان الحاكم مع إمكانه ففي الرجوع وجهان بناءً على قضاء دينه بغير إذنه وإن عجز العامل عن العمل لضعفه أو عن بعضه أقام مقامه من يعمله فإن لم يفعل فهو كهربه وإن استأذنه رب المال فأنفق بإذنه رجع عليه. الشيخ: قوله (وإن استأذنه رب المال فأنفق بإذنه رجع عليه) نقول وذلك في حال ضعفه أو عجزه فيكون المعنى إن استأذن رب المال العامل فأنفق بإذنه أي بإذن العامل رجع عليه. السائل: هل يصح للشريك أن يقيم مقامه آخر؟ الشيخ: نعم يجوز أن يقيم مقامه آخر بشرط أن لا يتضرر الأصل. فصل القارئ: فإن مات العامل أو رب المال وقلنا يلزم العقد قام الوارث مقامه لأنه عقد لازم أشبه الإجارة فإن كان الميت العامل فأبى الوارث الإتمام أو لم يكن وارث استؤجر من التركة من يعمل فإن لم يجد تركة فلرب المال الفسخ ولا يقترض عليه لأنه لا ذمة له وإذا فسخ فالحكم على ما ذكرنا فصل القارئ: فإن بان الشجر مستحقاً رجع العامل على من ساقاه بالأجرة لأنه لم يسلم له العوض فرجع على من استعمله. الشيخ: هذه المسألة سبق نظيرها وهي إذا بان الشجر مستحقاً أي لغير الذي ساقاه فمعلوم أن صاحبه سيأخذه، فبماذا يرجع العامل؟ الجواب المذهب يرجع بالأجرة لأن العقد تبين بطلانه فَيُرجع إلى الأجرة فيأخذها من الذي ساقاه والصحيح كما سبق أنه يُضْرَبُ له سهم المثل من المساقاة.

باب المزارعة

القارئ: فإن كانت الثمرة باقية أخذها ربها وإن كانت تالفة ضمنها لمن شاء منهما فإن ضمنها للغاصب ضمنه جميعها لأنه حال بينه وبينه وإن ضمنها العامل ضمنه النصف لأنه لم يحصل في يده غيره ويحتمل أن يضمنه الجميع لأن يده ثبتت عليه وعمل فيه فضمنه كالعامل في القراض. الشيخ: معنى (ضمنه النصف) يعني أَخَذَ الثمر كلها فيكون الفائت على العامل هو النصف. باب المزارعة القارئ: وهي دفع الأرض إلى من يزرعها بجزء من الزرع. الشيخ: قوله (دفع الأرض إلى من يزرعها بجزء من الزرع) نقول نحتاج إلى زيادة قيد وهو أن يكون مشاعاً وقيد ثالث أن يكون معلوماً. القارئ: وتجوز في الأرض البيضاء والتي بين الشجر لخبر ابن عمر رضي الله عنهما وما ذكرنا في المساقاة وأيهما أخرج البذر جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خيبر معاملة ولم يذكر البذر وفي ترك ذكره دليل على جوازه من أيهما كان وفي بعض لفظ الحديث ما يدل على أنه جعل البذر عليهم لقول ابن عمر (دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل خيبر وأرضها إليهم على أن يعملوها من أموالهم) رواه مسلم وفي لفظ (على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها) وعن عمر رضي الله عنه (أنه كان يدفع الأرض على أن من أخرج البذر فله كذا ومن لم يخرجه فله كذا) وظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنه يشترط كون البذر من رب الأرض لأنه عقد يشترك رب المال والعامل في نمائه فوجب أن يكون رأس المال من رب المال كالمساقاة والمضاربة فإن شرطه على العامل أو شرط أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقتسما ما بقي فسدت المزارعة ومتى فسدت فالزرع لصاحب البذر لأنه من عين ماله ولصاحبه عليه أجرة مثله.

الشيخ: الصحيح أنه لا يشترط أن يكون البذر من رب الأرض لأنه لا دليل عليه والقياس لا يصح بل ظاهر الدليل أنه ليس على صاحب الأرض لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامل أهل خبير بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ولم يذكر أن الحب الذي يزرع يكون عليهم وهذا هو الذي عليه العمل ولهذا قال صاحب زاد المستقنع ولا يشترط كون البذر والغراس من رب الأرض وعليه عمل الناس، وقوله (ولصاحبه عليه أجرة مثله) نقول الصحيح أن له سهم المثل لأن العقد وقع على المشاركة فيجب أن يعطى مثل نصيب مَنْ شارك. فصل القارئ: فإن دفع بذراً إلى ذي أرض ليزرعه فيها بجزء لم يصح لأن البذر لا من العامل ولا من رب الأرض فإن قال أنا أزرع أرضي ببذري وعواملي على أن سقيها من مائك بجزء لم يصح لأن المزارعة معاملة على الأرض فيجب أن يكون العمل فيها من غير صاحبها وعنه أنه يصح اختارها أبو بكر لأنه لما جاز أن يكون عوض العمل جزءاً مشاعا جاز أن يكون عوض الماء كذلك وإن كانوا ثلاثة من أحدهم الأرض ومن آخر العمل ومن آخر البذر والزرع بينهم فهي فاسدة لما ذكرنا في أول الفصل. فصل القارئ: فإن قال أجرتك هذه الأرض بثلث الخارج منها فقال أحمد رضي الله عنه يصح واختلف أصحابه فقال أكثرهم هي إجارة صحيحة يشترط فيها شروط الإجارة وقال أبو الخطاب هذه مزارعة بلفظ الإجارة فيشترط فيها شروط المزارعة وحكمها حكمها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كانت له أرض فليزرعها أو فليزرعها أخاه ولا يكريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى) رواه أبو داود ولأن هذا مجهول فلم يجز أن يكون عوضاً في الإجارة كثلث نماء أرض أخرى.

الشيخ: لو قال آجرتك هذه الأرض بمائة صاع فإنه يصح لأن المائة صاع خارجة عن الزرع الذي زرعه في الأرض، ولو قال آجرتك هذه الأرض بمائة صاع مما يخرج منها فإنه لا يصح لأن هذا شرط معلوم في المزارعة فلا يصح، ولو قال آجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها ففيها قولان في مذهب الإمام أحمد قول أنه يصح وهو نص الإمام أحمد رحمه الله والقول الثاني أنه لا يصح، ولكن نقول الأصل في المعاملات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه بنص أو قياس صحيح. فصل القارئ: وحكم المزارعة حكم المساقاة فيما ذكرناه من الجواز واللزوم وما يلزم العامل ورب الأرض وغير ذلك من أحكامها لأنها معاملة على الأرض ببعض نمائها وإن كانت الأرض ذات شجر فقال ساقيتك على الأرض والشجر بالنصف أو قال ساقيتك على الشجر بالنصف وزارعتك الأرض بالثلث جاز لأنهما عقدان يجوز إفرادهما فجاز جمعهما كعينين. فصل القارئ: ومتى سقط من الحب شيء ثم نبت في عام آخر أو سقط من حب المستأجر ثم نبت في عام آخر فهو لصاحب الأرض لأن صاحب الحب أسقط حقه منه بحكم العرف بدليل أن لكل أحد التقاطه فسقط كما لو سقط النوى فنبت شجراً.

الشيخ: ما ذكره المؤلف صحيح وذلك أن الزرع عند الحصاد لا بد أن يتناثر منه حب فإذا نبت هذا الحب فهو لصحاب الأرض لأن هذا هو العرف والدليل على هذا أنه لو تتبع هذا الحب أحد بعد الحصاد فإنه له كما جرى به العرف لكن لو أصيب هذا الزرع ببرد فحصده حصداً ونبت الحب الذي تأثر بهذا البَرَد فهل نقول إنه لصاحب الأرض أو نقول إن الزرع لمالك الحب؟ الجواب الثاني لأن هذا شيء خارج عن العادة وصورة المسألة نقول هذا إنسان زرع هذه الأرض ثم أرسل الله عليها بَرَداً ثم إن البرد كسر هذا الزرع واختلط الحب بالطين وفي السنة الثانية نبت فهل نقول إنه لصاحب الأرض أو نقول إنه لصاحب الحب؟ الجواب الثاني ولا شك لأن هناك فرقاً بين ما جرت العادة بأنه يسقط ويملكه من لَقَطَهُ وبين هذا الذي تلف على صاحبه بآفة فإنه لازال ملكه عليه. السائل: قول المؤلف أحمد رضي الله عنه ما حكم هذه العبارة رضي الله عنه؟ الشيخ: جرى العادة والعرف أن رضي الله عنه تقال للصحابة وأما من بعدهم فيقال رحمهم الله إلا أنهم يتساهلون بالنسبة للأئمة فيقولون الإمام أحمد رضي الله عنه، الإمام الشافعي رضي الله عنه، الإمام مالك رضي الله عنه، الإمام أبوحنيفة رضي الله عنه، لكن العرف المطرد أن هذا الدعاء رضي الله عنه للصحابة فقط، والأحسن أن يقال عن الأئمة رحمه الله.

كتاب الإجارة

كتاب الإجارة القارئ: وهي بيع المنافع وهي جائزة في الجملة لقول الله تعالى (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) الآيتين وقول الله تعالى (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ) ولأن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز عقد البيع على الأعيان وجب أن يجوز عقد الإجارة على المنافع. الشيخ: استدل المؤلف رحمه الله على جواز الإجارة بالنص والقياس فالنص صريح وهو قوله تعالى (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) وقوله (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ) وأما القياس فهو أن يقال إن الناس في حاجة إلى المنافع كما هم في حاجة إلى الأعيان فلما جاز بيع الأعيان وجب أن يجوز بيع المنافع. القارئ: وتنعقد بلفظ الإجارة والكرى لأنه لفظ موضوع لها وفي لفظ البيع وجهان أحدهما تنعقد به لأنها صنف منه والثاني لا تنعقد به لأنها تخالفه في الاسم والحكم فلم تنعقد بلفظه كالنكاح. الشيخ: الظاهر أنها تصح بلفظ البيع إذا أضيف إلى المنافع بأن يقول بعت عليك منافع هذا البيت لمدة سنة فلا مانع في أن نقول إنها إجارة صحيحة لأن هذا هو الذي يدل عليه هذا العقد. فصل القارئ: وتجوز إجارة الظئر للرضاع والراعي لرعاية الغنم للآيتين. الشيخ: قوله (الآيتين) هما قوله تعالى (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) هذا في راعي الغنم وقوله تعالى (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ) هذا في الظئر أي المرضعة، والمعنى أنه يجوز أن نستأجر امرأة ترضع هذا الطفل لأن الله نص على الجواز فقال الله تبارك وتعالى (وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) وسبحان الله إن تعاسر الزوج والزوجة في إرضاع الطفل فإن الله تعالى سوف يجعل له من يرضعه من غير أمه ولهذا أكد هذا الحكم فقال (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) وفي هذا بشارة لمن عنده طفل وتعاسر مع أمه أن الله سيجعل له فرجاً وسترضع له امرأة أخرى وفي عصرنا الحاضر والحمد لله هناك فرج آخر وهو الحليب الصناعي.

القارئ: واستئجار الدليل ليدل على الطريق لأنه ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا رجلا رجل من بني الديل هادياً خريتا والخريت الماهر بالهداية وهو على دين كفار قريش وأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث فارتحلا) رواه أحمد والبخاري. الشيخ: في هذه القصة جواز استئجار غير المسلم وائتمانه وفيها أيضاً الأخذ بقوله لأن هذا الرجل مشرك ويدلهما في أخطر طريق بالنسبة لهما وهو طريق الهجرة لأن قريشاً تطلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر حتى جعلت لمن أتى بهما مائتين من الإبل فيستفاد منه أنه يجوز أن يستأجر الإنسان طبيباً كافراً لدوائه وهو أحد الأدلة التي استدل بها من يرى أنه يقبل قول الطبيب في أن لا يصوم الإنسان وأن لا يصلي قائماً وأن لا يركع وأن لا يسجد إذا كان الطبيب ثقة ولو كان كافراً وهو القول الراجح والعمل عليه الآن. القارئ: وإجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقاء عينها دائماً قياساً على المنصوص عليه وتجوز إجارة النقود للتحلي والوزن واستئجار شجر ليجفف عليها الثياب والغنم لتدوس الزرع والطين لأنها منفعة مباحة يجوز أخذ العوض عنها في غير هذه الأعيان فجاز فيها كالبيع. الشيخ: قوله (إجارة النقود للتحلي) هل يتحلى بالنقود؟ الجواب نعم يُتحلَّى بها وهو معروف عندهم في السابق وأدركنا شيئاً من ذلك فتنظم الدنانير في قلادة وتحلى بها المرأة وقوله (والوزن) هل يوزن بالنقود؟ الجواب نعم يوزن بها وأدركنا هذا أيضاً يقول لك مثلاً وزن الريال بكذا وكذا، قوله (واستئجار شجر ليجفف عليها الثوب والغنم لتدوس الزرع والطين) الغنم تدوس الزرع وذلك بأن ينشر الزرع وتمشي عليه حتى يتميز الحب من العصر وقوله (والطين) المقصود به الحرث وذلك بأن تمشي عليه حتى تلينه بأظلافها.

القارئ: ولا يجوز عقدها على مالا نفع فيه مثل أن يستأجر للزرع سبخة لا تنبت أو لا ماء لها يكفي فإن كان لها ماء معتاد كماء العيون والأنهار والمد بالبصرة والمطر في موضع يكتفي به جاز وإن كانت الأرض على نهر تسقى بزيادته كالنيل والفرات وتسقيها الزيادة المعتادة جازت إجارتها لأن الغالب وجودها فهي كالمطر لغيرها وإن كان لا يسقيها إلا زيادة نادرة فاستأجرها بعد الزيادة صح لأنها معلومة وإن استأجرها قبلها لم يصح لأنه لا يعلم وجودها فهي كبيع الطير في الهواء وإن استأجرها ولم يذكرها للزارعة وكانت تصلح لغيرها صح وإن لم تصلح لغيرها لم يصح لأن نفعها معدوم وإن غرقت الأرض فاكتراها لزرع مالا ينبت في الماء كالحنطة وللماء مغيض يمكن فتحه فينحسر الماء ويمكن زرعها صح لأنه يمكن زرعها بفتحه كما يمكن سكنى الدار بفتحها وإن علم أنه ينحسر عادة صح لأنه يُعلم بالعادة إمكان الانتفاع فإن لم يُعلم هل ينحسر أو لا لم يصح لما ذكرنا وإن اكترى أرضاً على نهر تغرق بزيادته المعتادة لم يصح لأنه غير منتفع بها عادة فإن كانت بخلاف ذلك صح. الشيخ: الشرط الذي ذكره المؤلف هنا مهم فيشترط أن يعقد الإجارة على شيء يمكن أن ينتفع به فإن لم يمكن لم تصح لأن ذلك من إضاعة المال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته، وضرب المؤلف لهذا أمثله مثل أراضي لا يمكن أن يأتيها النهر والمطر فيها قليل فكيف يستأجرها للزرع؟ أما لو أستأجرها وأطلق وهي تصلح للزرع وغيره فهذا لا بأس به والأمثلة التي ذكرها المؤلف وهي واضحة. فصل

القارئ: ولا يجوز عقد الإجارة على المنافع المحرمة كالغناء والنياحة والزمر ولا إجارة داره لمن يتخذها كنسية أو بيت نار أو يبيع فيها الخمر ونحوه لأنه محرم فلم تجز الإجارة لفعله كإجارة الأمة للزنا ولا يجوز استئجار رجل ليكتب له غناء أو نوحاً أو شيئاً محرماً لذلك ولا يجوز استئجاره ليحمل خمرا ليشربها لذلك وعنه فيمن حمل خنزيراً أو ميتة لنصراني أكره أكل كرائه ولكن يُقضى له بالكراء وإذا كان لمسلم فهو أشد قال القاضي هذا محمول على أنه استأجره ليريقها أما للشرب فمحظور لا يحل أخذ الأجرة عليه.

الشيخ: هذا الفصل مهم جداً وهو أن جميع المنافع المحرمة لا يجوز أخذ الأجرة عليها فمثلاً في الغناء لو استأجر رجلاً يغني له غناء حراماً لم يجز وذلك لأن الغناء ليس كله حراماً لكن المقصود هنا الغناء المحرم فلا يجوز لقول الله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَان) وهذا وقوع في التعاون على الأثم والعدوان فلا يصح لأن كل ما نهى الله عنه بعينه فإن العقد عليه لا يصح، قوله (والنياحة) وذلك بأن يستأجر نساء ينحن على ميته فهذا لا يجوز لأن النياحة ملعون فاعلها فإذا استأجر نساءً تنوح على ميته فقد استأجرهن على عمل محرم، قوله (الزمر) يعني الزمر بالمزمار كالموسيقى وشبهها فهذا أيضاً لا يجوز أخذ الأجرة عليه، قوله (ولا إجارة داره لمن يتخذها كنيسة) وذلك بأن يستأجرها النصارى ليتخذوها كنيسة يتعبدون لله تعالى فيها فهذا حرام أيضاً، ولو استأجر دكاناً ليكون بقالة ومن مواد البقالة الدخان فهل يجوز أو لا؟ الجواب إن شرط عليه أن لا يدخل فيه الدخان جاز وإلا فلا لأن هذا العقد جمع في صفقة واحدة بين ما يجوز التأجير عليه ومالا يجوز، قوله (أو بيت نار) وذلك بأن يجعلها بيت نار للمجوس يتعبدون لله فيها، قوله (أو يبيع فيها الخمر ونحوه لأنه محرم فلم تجز الإجارة لفعله كإجارة الأمة للزنا) إجارة الإماء للزنا حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن مهر البغي) لكن لو استأجرها للزنا وزنى بها أيقام عليه الحد أو لا؟ الجواب قال بعض أهل العلم أنه لا يقام عليه الحد لأن هذه شبهة وقال آخرون بل يقام عليه الحد لأن تركه يؤدي إلى أن يستأجر النساء ليزني بهن ثم يقول إن الحد لا يقام عليه، قوله (ولا يجوز استئجاره ليحمل خمراً ليشتربها لذلك) أي لهذه العلة، قوله (وعنه فيمن حمل خنزيراً أو ميتة لنصراني أكره أكل كرائه ولكن يقضى له بالكراء) الإمام أحمد رحمه الله إذا قال أكره فهو للتحريم لأنه من ورعه لا يطلق التحريم إلا فيما ثبت

تحريمه وأما ما لم يثبت فإنه يتورع فيقول أكره وعلى هذا فهو يرى تحريم أكل الكراء لمن حمل خنزيراً أو ميتة لنصراني فيرى الإمام أن أكله حرام، ولكن هل يرى أن لا يؤخذ من النصراني شيء؟ الجواب لا بل يرى أنه يطالب بالكراء لأننا لو قلنا لهذا الرجل الكراء عليك حرام يكون النصراني قد كسب وجمع بين العِوضِ والمُعوَّضِ لأن متاعه حمل إليه والأجرة أسقطناها عنه وعلى هذا فنوجه هذه الرواية بأن يُأخذ الكراء من هذا النصراني ولكن لا يأكله بل يتصدق به وهذا التوجيه متمشي على القواعد الشريعة لأن تركه للنصراني يكون جمعاً له بين العوض والمُعوَّض ثم فيه سخرية من النصراني بأن يلعب على ذقون المسلمين فنأخذ منه الأجرة ونقول للرجل الذي حمل الخنزير والميتة هذا لا يطيب لك لأنه عوض منفعة محرمة وعليك أن تتصدق به وكذلك أيضاً نقول مثل هذا في الربا إنسان مثلاً أعطى البنك مائة ألف على أن يعطيه في كل مائة عشرة ريالات ثم تاب فهل نقول لا تأخذ من البنك شيئاً؟ الجواب لا، بل نقول خذ منه لكن لا تحل لك لأنها أُخِذت بكسب محرم بل تصدَّقْ بها، ثم هل تقبل الصدقة من الربا؟ الجواب نقول نعم تقبل للتخلص منه فتقبل منه التوبة لا الصدقة لأنه لم يملكه حتى يتصدق به والمهم أن الرواية عن الإمام أحمد متمشية تماماً على القواعد الشرعية وعليه فنقول لو حمل خمراً لشخص فإنه لا يجوز لكن يقضى له بالأجرة ويتصدق بها، وأما حمل القاضي رحمه الله هذا على أنه استأجره ليريقها فهذا لو فُرِضَ أي أنه استأجره ليريقها فإن الإجارة صحيحة والأجرة حلال لأن هذا استئجار لإتلافها لا لشربها لكن هذا الحمل من القاضي عفا الله عنه بعيد جداً من مراد الإمام أحمد رحمه الله.

القارئ: وإن استأجر حجاماً ليحجمه جاز (لأن النبي صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأعطاه أجره صاعين من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه) متفق عليه قال ابن عباس ولو كان حراماً ما أعطاه أجره ويكره للحر أكل أجره لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كسب الحجام خبيث وقال أطعمه عبدك أو خادمك) وقال القاضي لا تصح إجارته لهذا الحديث. الشيخ: الحجامة لا شك أنها دواء والذي يعتادها لا يمكن أن يصبر عنها والذي لم يعتدها يمكن أن يصبر بدونها وعلى كل حال نقول الحجام هل له أن يأخذ الأجرة أو لا، وهل استئجاره للحجامة جائز أو لا؟ الجواب احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولا يمكن أن النبي صلى الله عليه وسلم يعقد مع الحجام شيئاً حراماً ولهذا قال ابن عباس لو كان حراماً لم يعطه وصدق رضي الله عنه ولكن كيف نجمع بين هذا الحديث الصحيح المتفق عليه وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم (كسب الحجام خبيث) نقول جمع بينهما بعض العلماء وقال إنه هنا جهتين جهة للمحجوم فهذا لا يكره ولا يحرم عليه أن يعطي الحجام أجره وذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم والجهة الأخرى جهة الحاجم فإنه يقال له تَنَزَّه عنها لأن أخذ الأجرة عليها دناءة ولذلك أكثر ما يكون الحجامون من الأرقاء وأشبهاهم فينبغي أن يترفع الإنسان عنها فيكون المراد بالخبث في قوله (كسب الحجام خبيث) ليس الخبث الشرعي لكنه الخبث العرفي أو الخبث بمعنى الرديء كما قال الله تعالى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) وهذا جمع حسن، وهو أحسن مما لو جمع الإنسان بينهما فقال كسب الحجام إذا تعينت عليه الحجامة خبيث لأنه إذا تعينت عليه الحجامة يجب عليه إنقاذ المريض فأحياناً الذين اعتادوا الحجامة يغشاهم الدم حتى يسقطوا صرعى وحينئذ يتعين على العارف بالحجامة أن يحجمهم فإذا أخذ الأجرة على هذا فهو خبيث خبث تحريم لأنه يجب عليه إنقاذه.

السائل: لماذا لا يكون عمل الحجام مثل الطبيب لأن الطبيب يداوي الناس ويأخذ الأجرة فكذلك الحجام؟ الشيخ: لأن عمل الحجام عوض عن استخراج دم، ثم هو كما قلنا أنه خبيث عرفاً ودناءة وليس خبيث شرعاً وحينئذ لا نقول إنه مكروه. السائل: هل التبرع بالدم يكون مثل الحجامة؟ الشيخ: لا، التبرع بالدم من الإحسان إلى الغير فإذا وجدنا مريضاً محتاجاً إلى دم ووجدنا شخصاً آخر يوافق دمه دم هذا المريض لأن الدماء تختلف وقال الأطباء إن أخذ الدم من هذا وإعطاءه المريض لا يضر بالصحيح شيئاً فإنه لا شك أن هذا من الإحسان أن يتبرع الإنسان لأخيه. السائل: ما هو الفرق بين من أجر محلاً لشخص وفعل فيه محرم أو باع فيه محرم وبين من أجره بيتاً للسكن ففعل فيه محرم؟ الشيخ: الفرق بينهما نقول إذا استأجر شخص من آخر داره ليجعلها كنيسة فهذا حرام لأن المنفعة التي استأجر من أجلها البيت منفعة محرمة وإذا استأجر هذا البيت ليسكنه لكن فعل فيه محرم فهذا أصل العقد فيه حلال. السائل: وإن أجره له على أنه دكان وباع فيه الدخان فما هو الحكم؟ الشيخ: إذا علمنا بالعرف المطرد أن أصحاب البقالات لابد أن يكون عندهم دخان فحينئذ يشترط عليه ألا يبيع الدخان في الدكان. فصل القارئ: ولا تجوز إجارة الفحل للضراب لما روى ابن عمر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل) أخرجه البخاري ولأن المقصود منه الماء الذي يخلق منه الولد وهو محرم لا قيمة له فلم يجز أخذه عوضه كالدم.

الشيخ: إجارة الفحل للضِّرَاب ثبت النهي عنها لما فيها من قطع المروءة بين الناس ولأن هذا الجمل إما أن يتضرر بالضِّرَاب أو لا يتضرر فإن تضرر بالضِّرَاب فليمنعه أصلاً من الضِّرَاب وإن كان لا يتضرر فلا يمنعه، لكن بعض الناس يقول أنا لا أريد أن أعوِّدَ الجمل الضِّرَاب أو الحمار النَّزْوَ لأنِّي إذا عَوَّدْتُهُ ذلك صار صعب الشكيمة متى رأى أنثى ذهب يركض إليها وترك صحابه فيقول أنا لا أدعه يضَّرَب إلا بفلوس، نقول هذا لا يجوز وإما أن تمنع ولك المنع ولا أحد يقول لابد أن تبذل عسب الفحل وإما أن لا تمنع ولكن بدون عوض. القارئ: ولا يجوز إجارة النقود ليجمل بها الدكان لأنها لم تخلق لذلك ولا تراد له فبذل العوض فيه من السفه وأخذه من أكل المال بالباطل وكذلك استئجار الشمع للتجمل به أو ثوب ليوضع على سرير الميت لا يجوز ذلك. الشيخ: كل هذه لا تجوز لأنها لا داعي لها ولا مصلحة فيها للإنسان فمثلاً استأجر النقود والمقصود بالنقود الدراهم والدنانير فهو استأجر النقود من أجل أن يُجمِّل بها دكانه فيصفها مثلاً على سقف الباب حتى يقول الناس إن هذا الرجل غني فيُجمِّل بها الدكان فهذا لا يجوز كما علل المؤلف رحمه الله بأنها (لم تخلق لذلك) يعني أنها لم تُصنع لهذا وإنما صنعت للتداول والوصول بها إلى الحاجات من بيع أو إجارة وقال المؤلف أيضاً (ولا تراد له فبذل العوض فيه من السفه وأخذه من أكل المال بالباطل) ثم قال المؤلف (كذلك استئجار الشمع للتجمل به) نقول استئجار الشمع مشكل لأنه لا يمكن أن ينتفع به إلا بعد تلفه لأن الشمع يذوب ويضمحل لكن لو فُرِضَ أنه استأجر شمعاً يصفها مثلاً على الدكان حتى يقول الناس إن هذا الدكان دكان واسع فيه الشموع وما إلى ذلك، فنقول كل شيء لا يراد وإنما هو للفخر والخيلاء فإنه لا يجوز استأجره. فصل

القارئ: ولا يجوز عقد الإجارة على ما تذهب أجزاءه بالانتفاع به كالمطعوم والمشروب والشمع ليسرجه والشجر يأخذ ثمرته والبهيمة يحلبها لأن الإجارة عقد على المنافع فلا تجوز لاستيفاء عين كما لو استأجر ديناراً لينفقه إلا في الظئر تجوز للرضاع لأن الضرورة تدعو إليه لبقاء الآدمي ولا يقوم غيرها مقامها. الشيخ: لا يجوز استئجار شيء لا يمكن الانتفاع به إلا بإتلافه مثل الشمع فإذا استأجر شمعاً لأجل أن يوقده فهذا لا يجوز وحتى لو أنه اشترى الشمع وقال اشتري الحبة مثلاً بعشرة ريالات وما ذاب بالإحراق فهو بقسطه من الثمن فقال الفقهاء إن هذا حرام أيضاً لأنه لا يدرى ما الذي يبقى فالشمعة الطويلة مثلاً إذا اشتراها وقال إني اشتريها منك بعشرة ريالات على أن ما بقي منها أرده عليك بقسطه من الثمن فهذا لا يجوز لما فيه من الجهالة فيما يبقى وعلى هذا فلا طريق إلا أن يشتري الشمع شراء باتاً وما بقي فهو له وما تلف فهو عليه، لكن بعض العلماء يقول إنه لا بأس بأن يستأجر الشمعة ليشعلها لأن ما يحصل من الإضاءة بمنزلة المنفعة فإذا استأجر هذه الحبة مثلاً بعشرة ريالات ليشعلها فلا بأس، ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه لا يجوز استئجار البهيمة ليحلبها لأن المستأجر الآن هو اللبن ولا يمكن استيفاؤه إلا بإتلافه ولكن هذا القول ضعيف جداً، أولاً: أنه لا دليل على المنع والأصل في المعاملات الإباحة. ثانياً: أن هذه العين وهي اللبن عين يخلفها عين أخرى فإذا حلب جاء بدلها حليباً فهذه الأعيان التي تُخْلَفُ ويأتي بدلها شيء آخر تعتبر كالمنافع.

ثالثاً: أن الله عز وجل أجاز أن تستأجر المرأة لتُرْضِع الطفل فقال الله تعالى (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) وأيُّ فرق بين لبن المرأة ولبن الشاة لكن الفقهاء قالوا لأن حرمة الآدمي أعظم ولو منعنا استئجار المرأة _ وتسمى الظئر وهي المرضع _ لو منعاه لتلفت بذلك نفس آدمي وهذا ليس كتلف البهيمة، والعجب أن بعض الفقهاء قال إن المعقود عليه في الظئر هو حملها للطفل ووضعه على فخذيها وإلقامه الثدي وهذه منافع وليس المعقود عليه هو اللبن لكن، يقال لهم لو جاءت عجوز قد غار لبنها وقالت أنا سأعمل لهذا الصبي هذا العمل فأضعه على فخذي وألقمه الثدي الذي لن يجد فيه شيئاً وأعطوني أجراً على ذلك فهل ستعطى الأجرة كالظئر أو لا؟ الجواب أننا لا نعطيها ولا شك لأن المعقود عليه في الظئر هو اللبن وهذه الأعمال إنما هي أعمال للوصول إلى استيفاء المنفعة والكل يعرف أن المقصود هو اللبن فنقول إذا جاز الاستئجار في الظئر وهي المرضعة مع أن لبنها يشربه الطفل فكذلك استئجار الحيوان لأخذ لبنه ولا فرق وهذا القول هو الراجح وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والقاعدة عندنا أن الأعيان التي يَخلُف بعضها بعضاً يجوز عقد الإجارة عليها، وهنا مسألة وهي استئجار النخل لثمره مثل أن يستأجر شخص هذا الحائط كل سنة بعشرة آلاف والثمر له أي للمستأجر وصاحب النخل ليس له إلا عشرة آلاف فهل يجوز أو لا؟ المؤلف يقول لا يجوز والصحيح أنه جائز لأن هذا يشبه الاستئجار على الرضاعة، ولأن فيه راحة لصاحب البستان وللمستأجر لأن المساقاة على هذا النخل يكون فيها إشكال في التصرف وفي ضمانها وعند القسمة وأما التأجير فليس فيه أي شيء فيقول المستأجر لصاحب البستان استأجرته منك كل عام بعشرة آلاف فأعطيك عشرة آلاف ولي ثمره، وهذه المسألة فيها خلاف فالمذهب أنه لا يجوز لأنه يؤدي إلى بيع الثمرة قبل بدو صلاحه والصحيح أنه جائز وقد فعله أمير المؤمنين عمر

رضي الله عنه _ في تضمين حديقة أسيد بن الحضير رضي الله عنه حيث كان له غرماء فضمَّنه _ أي ضمَّن الحديقة شخصاً يدفع كل سنة كذا وكذا والثمرة له. فصل القارئ: ولا تجوز إجارة ما يسرع فساده كالرياحين لأنه لا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها دائما فجرت مجرى المطعوم فإن كانت مما تبقى عينه دائماً كالعنبر جازت إجارته للشم لما تقدم. الشيخ: ذكر المؤلف هنا منفعة مقصودة وصورة المسألة استأجر إنسان عنبراً وجعله مثلاً في الحجرة أو في مجلس الرجال من أجل رائحته فلا بأس به لأنه لا يتلف شيء من أجزائه. فصل القارئ: وما يختص فاعله أن يكون من أهل القربة وهم المسلمون كالحج وتعليم القرآن ففيه روايتان إحداهما يجوز الاستئجار عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) رواه البخاري وأباح أخذ الجعل عليه ولأنه فعل مباح فجاز أخذ الأجرة عليه كتعليم الفقه والثانية لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص (واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجرا) رواه أبو داود ولأنه لا يقع إلا قربة لفاعله فلم يجز أخذ العوض عليه كالصلاة فأما الاستئجار لتعليم الفقه والشعر المباح فيجوز لأن فاعله لا يختص أن يكون من أهل القربة فجاز كبناء المساجد وفي إجارة المصحف وجهان بناءً على بيعه.

الشيخ: هذا فصل مهم فالأشياء التي لا تقع إلا قربة ويشترط أن يكون فاعلها مسلماً هل يصح أخذ الأجرة عليها أو لا؟ الجواب إذا كان نفعها متعد فلا بأس وإن كان غير متعد فلا، فلو قال شخص لآخر استأجرني لأصلِّ لك فهنا لا يصح لأن الصلاة لا تكون للغير، وأما إذا كان نفعاً متعدياً كتعليم القرآن والآذان والحج ففي ذلك روايتان عن أحمد رحمه الله رواية أنه لا بأس به واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) ولأن هذا المستأجر عمل عملاً يحتاج إلى الأجرة عليه، وأما إذا أردتُ أن أستأجر رجلاً يقرأ القرآن ويكون ثوابه لي فإنه لا يجوز لأن قراءة القرآن لا تقع إلا قربة وبهذا نعرف ضلالة هؤلاء القوم الذين يستأجرون القراء أيام موت القريب من أجل أن يقرؤوا فإن هذا محرم من وجهين الوجه الأول أنهم أغروا هذا القارئ أن يقرأ بعوض والوجه الثاني إضاعة المال لأن هذا القارئ لا ثواب له وإذا لم يكن له ثواب لم ينتفع الميت بذلك فالميت لا ينتفع بالفلوس وإنما ينتفع بالثواب وهذا القارئ ليس له ثواب فيكون ذلك من باب إضاعة المال، ولكن لو أتينا إلى شخص وقلنا أقرأ على هذا اللديغ فقال لا أقرأ إلا بكذا فهل يجوز هذا أو لا؟ الجواب يجوز لأن نفعه متعد وهذا قد وقع من الصحابة رضي الله عنهم وأقره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين بعث بعثاً فنزلوا على قوم فاستضافوهم ولكن القوم كانوا بخلاء قالوا ارجعوا وراءكم ما عندنا لكم ضيافة فتنحوا ناحية وسلط الله على سيدهم عقرباً فلدغته وكانت شديدة فجعل الرجل يتقلب كأنه في مقلاة فقالوا اسألوا هؤلاء القوم لعل فيهم قارئاً يقرأ فجاءوا إلى الصحابة فقالوا هل فيكم من راق فإن سيدنا قد لُدِغَ قالوا نعم فينا راقٍ لكن لا يقرأ إلا بكذا وكذا من الغنم فقالوا نعطيكم ما شئتم فذهبوا وجعل أحدهم يقرأ على هذا اللديغ بسورة الفاتحة حتى قام كأنما نَشِطَ من عقال، فالأمر بيد

الله عز وجل والله سبحانه وتعالى يقول (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) فقام الرجل كأنما نَشِطَ من عقال وأعطوهم الجُعل، فهؤلاء قالوا ما نقرأ إلا بجُعل لأن هذا عمل متعد، لكن أشكل الأمر على الصحابة رضي الله عنهم أن يأكلوا منها وكأنهم تحرجوا حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم وأخبروه فقال (كلوا _أو قال_ خذوا واضربوا لي معكم بسهم) وطَلَبُهُ صلى الله عليه وسلم أن يُضْرَب له بسهم لزيادة الطمأنينة في نفوس الصحابة ولا شك أن الفعل يزيد الإنسان طمأنينة أكثر فقال (خذوا واضربوا لي بسهم).

فهذا الفصل فيما يصح الأجرة عليه من أعمال القُرب ضابطه أن ما يختص بالفاعل لا يجوز أخذ العوض عنه كما لو استأجر شخصاً يصلي فقال صلِّ عني وسأعطيك على كل ركعة درهماً، فهذا لا يجوز ولا إشكال فيه لأنَّ نفعه لا يتعدى بل هو قاصر على من فعله فهذا الذي استأجره لن يستفيد من عمله شيئا فالصيام أو الحج لا تدفع الأجرة فيه أما ما كان متعدياً كتعليم القرآن فإن تعليم القرآن لا شك أنه من القُربِ قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) لكن إذا استأجر شخصاً يعلمه القرآن ففيه خلاف والصحيح أنه جائز لأن التعليم متعدٍّ لا يختص بالمعلم بل يتعدى إلى المتعلم، أما الحج ففيه روايتان كما قال المؤلف رحمه الله فمن العلماء من قال يجوز الاستئجار للحج بمعنى أنه يجوز أن تعقد عقد إجارة مع شخص أن يحج لك وهذا إن كان فريضة فإنه لابد من شروط وهو أن يكون هذا المستأجر عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله وإن كان نافلة فهو لا يشترط أن يكون عاجزاً لكن قد اختلف العلماء رحمهم الله في جواز الاستنابة في نفل الحج والقول بأنه لا يجوز الاستنابة في نفل الحج قول قوي لأننا نقول لهذا الذي يريد أن يقيم غيره يحج عنه نفلاً نقول إن كنت قادراً فحج وإلا فلا تحج لأن هذه عبادة، لكن في وقتنا الحاضر بالنسبة للحج لا يجد شخص أحداً يحج عنه إلا بأجرة فتجد مثلاً يكون بينهما عقد فيقول استأجرتُ فلاناً يحج عني الفريضة أو يحج عن أبي أو أمي أو ما أشبه ذلك.

وخلاصة البحث أن ما كان نفعه متعدياً جاز أخذ الأجرة عليه وما لم يكن فإنه لا يجوز أن تؤخذ الأجرة عليه لكن يجوز المكافئة فتقول مثلاً يا فلان حج عني ثم إذا رجع تكافئه أو تقول مَنْ يحج عني بكذا فتكون جَعَالةً، وأما قوله رحمه الله (وفي إجارة المصحف وجهان بناءً على بيعه) نقول هل بيع المصحف جائزٌ أو لا؟ الجواب: المذهب أن بيعه حرام وأن من استغنى عنه وجب عليه بذله لغيره ولا يصح البيع أيضاً لكن هذا القول ضعيف فما زال المسلمون يتبايعون المصاحف وما يروى عن عبد الله بن عمر (وددت أن الأيدي تقطع في بيعه) أي المصحف فهذا محمول على ما إذا وجبت إعارته فإنه إذا وجبت إعارته فإنه لا يجوز بيعه لكن هذا نادر خصوصاً في عهدنا والحمد لله الآن المصاحف كثيرة ولا يمكن أن نقول للناس لا تبيعوا، فالصواب جواز بيع المصحف وصحة العقد على بيعه وكان الناس فيما سبق لورعهم نسمعهم ونحن صغار يقول من يشتري البطاعة والبطاعة هي الجلد الذي يكون على المصحف، والمسألة ليست من باب الخداع لكنه من باب الورع ولكن على كل حال الصواب أن بيع المصحف وشرائه وتأجيره للقراءة فيه جائز ولا بأس به. فصل القارئ: قال بعض أصحابنا لا يجوز إجارة المشاع لغير الشريك إلا أن يؤجراه معاً لأنه لا يمكنه تسليم حصته إلى المستأجر إلا بموافقة الشريك وقال أبو حفص يجوز لأنه يصح بيعه ورهنه فصحت إجارته كالمفرد.

الشيخ: هذه المسألة وهي إجارة المشاع قد يتردد فيها الإنسان فمثلاً هذه عمارة بين رجلين كل واحد له نصفه فأجَّر أحدهما نصيبه على صاحبها فهذا جائز لا إشكال فيه ويكون الشريك مالك للمنفعة أي منفعة العمارة كلها فبالنسبة لنصيبه يملك العين والمنفعة وبالنسبة لنصيب شريكه يملك المنفعة دون العين هذا لا إشكال فيه لكن إذا أجر أحد الشريكين شخصاً آخر فهل يصح هذا أو لا؟ المؤلف يقول رحمه الله (قال بعض أصحابنا) وظاهر كلامه في مثل هذا السياق أنه يجوز ويُنَزَّلُ المستأجر منزلة المؤجر في استيفاء المنفعة وهذا أقرب إلى الصواب فإذا قال قائل هل يملك الشريك الشفعة؟ فالجواب الشفعة إنما تجب فيما إذا انتقل ملك العين، وأما الإجارة ليس فيها انتقال ملك عين بل ملك منفعة فقط، لكن في قول آخر في الإجارة تثبت بها الشفعة. فصل القارئ: ولا بأس أن يؤجر نفسه من الذمي نص عليه لأن علياً رضي الله عنه أجر نفسه يهودياً يسقي له كل دلو بتمرة وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره وأكل أجرته ولا يؤجر نفسه لخدمته لأنه يتضمن إذلال المسلم للكافر فلم يجز كبيعه إياه ويتخرج الجواز لأنه عاوضه عن منفعة فجاز كإجارته لعمل شيء.

الشيخ: هل يجوز للإنسان أن يكون أجيراً عند كافر؟ الجواب نقول أما إذا كان العمل مستقلاً فلا بأس كما لو استأجره الكافر ليعمل له بيتاً أو يصنع له مصنعاً وما أشبه ذلك، وعمل الناس اليوم على هذا فإن كثيراً من الشركات رؤساءها كفار، وأما إذا كان لعمل مباشر لهذا الكافر بمعنى أن يكون خادماً له مباشراً فذكر المؤلف رحمه الله أنه لا يجوز لأن في ذلك إذلالاً للمسلم وهذا صحيح أن فيه إذلال فكيف تكون خادماً للكافر قد يقول لك في يوم من الأيام يا فلان هات الحذاء ضعها أمامي أو يقول مثلاً هات مفتاح السيارة وإذا تباطأ انتهره وهذا فيه إذلال للمسلم فالصواب أن العمل الخاص لا يجوز للمسلم أن يكون أجيراً فيه لكافر أما العمل العام فلا بأس. فصل القارئ: والإجارة على ثلاثة أضرب إجارة عين معينة كالدور وموصوفة في الذمة كبعير للركوب وعقد على عمل في الذمة كخياطة ثوب وحمل متاع لأن البيع يقع في عين حاضرة وموصوفة ومقدر معلوم كقفيز من صبرة فكذلك الإجارة. الشيخ: الإجارة على ثلاثة أقسام: المعينة والموصوفة في الذمة وعمل في الذمة، فالمعينة بأن يقول أجرتك هذا البيت أو أجرتك هذه السيارة أو أجرتك هذا المتاع فهذا عقد على عين معينة، والموصوفة كأجرتك بعيراً أو سيارة إلى مكة أو إلى المدينة فهذا جائز فأنا لم أعين السيارة ولكن جعلتها موصوفة في الذمة، وعلى عمل في الذمة كخياطة الثوب وحمل متاع فهذه ثلاثة أضرب. القارئ: فإن كانت الإجارة لعين معينة اشترط معرفتها برؤية أو صفة إن كانت تنضبط بالصفات كالحيوان فإن لم تنضبط كالدار والأرض فلابد من رؤيتها كما يشترط ذلك في البيع.

الشيخ: إذا كانت الإجارة لعين معينة اشترط معرفتها برؤية أو صفة قوله (برؤية) وذلك بأن يشاهد البيت الذي يستأجره للسكنى أو (بصفة) إن كانت تنضبط بالصفة والذي ينضبط بالصفة كالحيوان ونقول نحن الآن بدله كالسيارة وأما الدار والأرض فلا يمكن أن تنضبط فأنا لو بقيت أصف شقة من الشقق أكثر من ساعة أو ساعتين فإنك لا تتصورها، ثم إن البيوت أيضاً والشقق تختلف باختلاف الراحة النفسية وانشراح الصدر ولذلك لا يجوز تأجير البيوت إلا بعد رؤيتها فلو قال عندي لك شقة تشتمل على غرفتين ومجلس ومطبخ وفيها نوافذ كذا وكذا فأنت الآن تصورتها تصوراً إجمالياً فإنه لا يصح عقد الإجارة عليها حتى تذهب وتنظر إليها. القارئ: وفي استئجار عين لم يرها ولم توصف له وجهان بناءً على بيعها. الشيخ: الوجه الأول أنه يجوز وللمشتري خيار الرؤية إذا رآها فإذا قلنا بجواز بيع العين الموصوفة قلنا بجواز إجارة العين الموصوفة ثم للمستأجر الخيار إذا رأى، وهذا قول جيد وفيه منفعة للناس وتوسيع عليهم. القارئ: ويشترط معرفة المنفعة فإن كان لها عرف كسكنى الدار لم يحتج إلى ذكرها لأنها لا تكترى إلا لذلك فاستغني عن ذكرها كالبيع بثمن مطلق في موضع فيه نقد معروف وإن اكترى أرضاً احتاج إلى ذكر ما يكتري له من غراس أو بناء أو زرع. الشيخ: قوله (فإن كان لها عرف كسكنى الدار) سُكنى الدار معروف فيقول استأجرت الدار لأسكنه ومعروف أن السكن يكون بأن يسكن فيه هو وأولاده وما أشبه ذلك لكن لو استأجرها للسكنى وجعلها معرض للتجارة فللمؤجر أن يمنعه ويقول له: إن السكنى غير كونها معرض للتجارة.

القارئ: لأنها تكترى لذلك كله وضرره يختلف فوجب بيانه فإن أجرها للزرع مطلقاً صح وله زرع ما شاء لأنه يجوز أن يستأجرها لأعظم الزرع ضررا فإذا أطلق العقد تناوله بإطلاقه ودخل فيه ما دونه وإن قال لتزرعها ما شئت فهو أولى بالصحة لتصريحه بذلك وإن اكتراها لزرع معين فله زرعه ومثله في الضرر ودونه لأن الزرع إنما ذكر لتقدير منفعة الأرض فلم يتعين كما لو اكترى للسكنى كان له أن يسكن غيره وإن قال لتزرعها أو تغرسها لم يصح لأنه لم يعين أشبه ما لو باعه أحد هذين العبدين وإن قال لتزرعها وتغرسها ما شئت صح وله ما شاء منهما لأنه جعلهما له فملكهما كالنوع الواحد. فصل القارئ: وإن اكترى ظهراً للركوب اشترط معرفته برؤية أو صفة لأنه يصح بيعه بهما وذكر المهملج والقطوف من الخيل لأن سيرهما يختلف ومعرفة ما يركب به من سرج أو غيره لأنه يختلف بالمركوب والراكب ولا يحتاج إلى ذكر الذكورية والأنوثية لأن التفاوت بينهما يسير وقال القاضي يفتقر إلى معرفته لتفاوتهما. الشيخ: ذكر المؤلف أنه لا يشترط ذكر الذكورة والأنوثة فلا يختلف الجمل والناقة في ذلك، والصحيح أنه يختلف اختلافاً عظيماً ولهذا لا شك أن قول القاضي هو الصواب وأنه لا بد من ذكر الذكورة والأنوثة لأن الجمل صعب ومتعب والناقة أسهل وأذل منه وهذا إذا استأجره للركوب والسفر فإذا استأجر لابد أن يقول ذكر أو أنثى أما لو أن الإنسان أراد أن يحمل عليه شيئاً فلا شك أن الجمل أفضل لأنه أقوى. القارئ: ولابد من معرفة الراكب برؤية أو صفة ذكره الخرقي لأن الصفة تكفي في بيع مثله وقال الشريف لا يجزئ فيه إلا الرؤية لأن الصفة لا تأتي عليه. الشيخ: الغالب أن هذا يُتسامح فيه لأن الفرق بين الرجال من جهة الجسم في الغالب قليل.

القارئ: ولابد من معرفة المحامل والأغطية والأوطئة والمعاليق كالقدر والسطيحة ونحوهما إما برؤية أو صفة أو وزن وإن اكترى ظهراً لعمل في مدة كالحراثة والدياس والسقي والطحن اشترط معرفة الظهر بالتعيين أو بالصفة لأن العمل يختلف باختلافه وإن استأجره على عمل معين كحراثة قدر من الأرض ودياس زرع معين وطحن قفزان معلومة لم يحتج إلى معرفة الظهر لأنه لا يختلف ويحتاج في الطحن إلى معرفة الحجر وفي السقي إلى معرفة البئر والدولاب لأنه يختلف وإن اكترى لحمل متاع لم يحتج إلى ذكر جنس الظهر لعدم الغرض في معرفته ويشترط معرفة المتاع برؤية أو صفة فيذكر جنسه من حديد أو قطن أو نحوه لأن ضرره يختلف وقدره بالوزن إن كان موزونا أو بالكيل إن كان مكيلا لأن البيع يصح بكلا الطريقتين. الشيخ: أيهما أهون في الحمل الحديد أو القطن؟ الجواب الواقع أن كل واحد أحسن من الثاني من وجه فمن جهة القطن يكون كبير فيتعب الناقة في مقابلة الهواء ولا سيما إذا كان متحرك فتتعب جداً لأنه يصطدم بالحمل وتتكلف وأما الحديد فصغير الحجم، وأما من جهة الاتكاء على الظهر فالحديد أشد وأما القطن فيكون منبسطاً على جميع الظهر فيكون أهون ولذلك لابد أن يذكر نوع المحمول. مسألة: كل من أعد نفسه للعمل من وَرَّاش أو غَسَّال أو كَنَّاس أو غيرهم لا بأس أن تَعقِد معه بدون أن تُحَدِّدَ الأجرة وله أجرة المثل وذلك لأنه قد أعد نفسه لهذا العمل. مسألة: المستأجر يضمن إذا حَمَّلَ البعير فوق طاقته بل وإذا حَمَّلَه فوق ما يتعارف الناس عليه وإن كان يطيقه فإنه يعتبر متعدياً وعليه الضمان بكل حال.

القارئ: وإن ذكر وزن المكيل فهو أحصر وإن دخلت الظروف في وزن المتاع استغني عن ذكرها وإن لم تدخل وكانت معروفة لا تختلف كثيراً صح من غير تعيينها لأن تفاوتها يسير وإن اختلفت كثيراً اشترط معرفتها بالرؤية أو الصفة لذلك ولو اكترى ظهراً ليحمل عليه ما شاء لم يصح لأنه يدخل في ذلك ما يقتل البهيمة وإن شرط أن يحمل عليها طاقتها لم يصح لأنه لا ضابط له. فصل القارئ: وإن استأجر راعياً مدة صح لأن موسى عليه السلام أجر نفسه لرعاية الغنم ثماني سنين ويشترط معرفة الحيوان لأن لكل جنس تأثيراً في إتعاب الراعي ويجوز أن يكون على معين وعلى موصوف في الذمة فإن كان على موصوف في الذمة اشترط ذكر العدد لأن العمل يختلف به وإن استأجر ظئراً اشترط معرفة الصبي بالتعيين لأن الرضاع يختلف به ولا تأتي عليه الصفة وإن استأجر رجلاً ليحفر له بئراً أو نهراً اشترط معرفة الأرض لأن الغرض يختلف باختلافها ومعرفة الطول والعرض والعمق لأن الغرض يختلف بذلك كله وإن استأجره لبناء حائط اشترط ذكر طوله وعرضه وعلوه وآلته من لبن أو طين أو غيره لأن الغرض يختلف بذلك كله وإن استأجره لضرب لبن اشترط معرفة الماء والتراب والطول والسمك والعرض والعدد وعلى هذا جميع الأعمال التي يستأجر عليها فإن كان في ما يختلف فيها الغرض ما لا يعرفه رجع فيه إلى أهل الخبرة به ليعقد على شرطه كما لو أراد النكاح من لا يعرف شروطه رجع إلى من يعرفه ليعرِّفه شروطه وإن عجز عن معرفته وكَّل فيه من يعرفه ليعقده. الشيخ: إذا كنتَ لا تعرف الشيء وَكِّل مَنْ يعرف وهو بالنسبة لك مجهول وبالنسبة للوكيل معلوم وهذه من الحيل الجائزة فإذا أراد أن يبيع عليَّ متاع في بيتي وأنا لا أعرفه فإنني أُوَكِّلُ إنساناً وأقول له وَكَّلْتُك يا فلان بأن تشتري لي المتاع الذي عند هذا الرجل فيذهب الوكيل ويطلع عليه ويعرفه. فصل

القارئ: ويشترط معرفة قدر المنفعة لأن الإجارة بيع والبيع لا يصح إلا في معلوم القدر ولمعرفتها طريقان أحدهما تقدير العمل كخياطة ثوب معين والركوب أو حمل شيء معلوم إلى مكان معين والثاني تقدير المدة كسكنى شهر فإن كانت المنفعة لا تتقدر بالعمل كالتطيين والتجصيص فإن مقدراه يختلف في الغلظ والرقة وما يروي الأرض من الماء يختلف باختلاف الأرض واحتياجها إلى الماء وما يشبع الصبي في الرضاع يختلف باختلاف الصبيان والأحوال والسكنى ونحوها فلا يجوز تقديره إلا بالمدة لتعذر تقديره بالعمل وما يتقدر بالعمل كاستئجار الظهر للحرث والحمل والطحن والدياس والعبد للخدمة جاز تقديره بالعمل فإن شرط تقديره بالعمل والمدة فقال استأجرتك لتحرث لي هذه الأرض في شهر لم يصح لأنه إن حرثها في أقل من شهر أو فرغ الشهر قبل حرثها فطولب بتمام ما بقي كان زيادة على المشروط وإن لم يتمم كان نقصا وعن أحمد ما يدل على الصحة لأن الإجارة معقودة على العمل والمدة مذكورة للتعجيل فجاز كالجعالة.

الشيخ: قوله (لم يصح) نقول هذه الرواية غير صحيحة ولا شك أنها غير صحيحة وعليها العمل الآن فأنت تستأجر هذا الرجل يبني لك البيت وتذكر أوصاف البناء فتقول في خلال ستة أشهر فالمذهب أنه لا يجوز أن يجمع بين تقدير المدة والعمل لأنه مشكل إن انتهى العمل قبل المدة بقي باقي مدة ليس له أجرة وإن تمت المدة قبل انتهاء العمل بقي باقي العمل ليس له أجرة فيقولون إنه لا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل، والصحيح الرواية الثانية عن أحمد وهي التي عليها العمل اليوم أنه يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل فأقول لهذا المقاول خذ هذا البيت ابنه لي في ستة أشهر وأُقدِّرُ العمل كل متر بكذا وكذا وهذا الذي عليه عمل الناس، الآن لكن هنا طريقةٌ الآن يستعملها بعض الناس يقول إذا انتهت المدة ولم تنجز العمل فعليك خصم لكل شهر كذا أو لكل يوم كذا فهل يجوز هنا أو لا؟ هذا نرى أنه فيه تفصيل إذا قَدَّرَ مدة يمكن أن ينقضي فيها العمل فلا بأس وإذا قَدَّرَ مُدَّةً إنجازُ العمل فيها يعتبر نادراً فإنه لا يجوز لأنه مخاطرة، ونضرب لذلك مثلاً فنقول: هذا بيت أعطيته المقاول وجعلت المدة سنة ومثل هذا البيت يمكن أن يبنى في سنة بدون مشقة فقلت له إن انتهت المدة ولم تكمل البناء فعليك خصم، فهذا جائز ولا بأس به لأن الفائدة من الخصم هو أن ينجز العمل في خلال المدة المقدرة، أما لو قلت ابني لي هذا البيت في خلال ستة أشهر فإن انتهت المدة فعليك خصم كل يوم كذا أو كل شهر كذا فهذا لا يجوز لأن هذا غرر فإنني إذا أعطيته إياه في مدة ستة أشهر ستكون أجرته أكثر مما أعطيته إياه في سنة وحينئذ إما أن يكون غانماً إن أنهى العمل في المدة المحددة وإما إن يكون غارماً إن لم ينه العمل في المدة المحددة وعلى هذا فلابد من هذا التفصيل وهو أنه إذا حدد مدة يمكن إنجاز العمل فيها على وجه معتاد فهذا لا بأس أن يقول إن انتهت المدة ولم تنجز العمل فعليك خصم لأن الأجرة ستكون معتادة

وأما إذا قَدَّرَ مدة لا يمكن أن يوجد فيها إلا على وجه نادر فهنا لابد أن تزيد الأجرة وحينئذ يكون إما غانماً وإما غارماً إذا تأخر وخصم عليه. القارئ: ويشترط فيما قدر بمدة معرفة المدة لأنها الضابطة للمعقود عليه فإن قدرها بسنة أو شهر كان ذلك بالأهلة لأنها المعهودة في الشرع فوجب حمل المطلق عليها فإن كان ذلك في أثناء شهر عد باقيه ثم عد أحد عشر شهراً بالهلال ثم كمل الأول بالعدد ثلاثين يوما لأنه تعذر إتمامه بالهلال فكمل بالعدد وحكي فيه رواية أخرى أنه يستوفي الجميع بالعدد لأنه يجب إتمام الشهر مما يليه فيصير ابتداء الثاني في أثنائه وكذلك ما بعده. الشيخ: هناك قول ثالث أصح مما ذكره المؤلف وهو أنه يعتبر بالأهلة حتى الشهر الذي عقد في أثنائه يعتبر بالأهلة فإذا عقد في ستة عشر والمدة سنة فإنه تنتهي في خمسة عشر من الشهر الذي هو آخر السنة حتى لو كان أكثر السنة تسعة وعشرون يوماً أَشْهُرُهَا، فَثَمَّ إذاً ثلاثة أقوال القول الأول: أن يكمل جميع الشهور بالعدد ثلاثين يوماً والثاني: عكسه وهو أن يكملها بالأهلة وهذا هو الصحيح والثالث: أن يكملها بالأهلة إلا الشهر الذي وقع العقد في أثنائه فيكمل بالعدد. القارئ: وإن عقد على سنة رومية وهي ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وربع وهما يعلمان ذلك جاز وإن جهلاها أو أحدهما لم يصح لأن المدة مجهولة عنده والحكم في مدة الإجارة كالحكم في مدة السلم على ما مضى فيه. الشيخ: الظاهر أن الاختلاف اليسير مثل ثلاثمائة وخمسة وستين يوم وربع أنه يتسامح فيه فكوننا نحرر ثلاثمائة وخمسة وستين يوم وربع فإنه أمر صعب فينبغي التسامح في هذا الشيء. فصل

القارئ: وتجوز الإجارة مدة لا تلي العقد مثل أن يؤجره شهر رجب وهو في صفر سواء كانت فارغة أو مؤجرة مع المستأجر أو غيره لأنها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز عليها مفردة كالتي تلي العقد ويحتاج إلى ذكر ابتدائها لأنها أحد طرفي المدة فاحتيج إلى معرفتها كالانتهاء فإن كانت تلي العقد فابتداؤها منه ولا يحتاج إلى ذكرها لأنها معلومة. الشيخ: وإن أطلق فهل يحكم بابتداء السنة الهجرية أو من العقد؟ الجواب ابتداؤها من العقد وعلى هذا فيكون ابتداء المدة من العقد فيما إذا أطلق أو شرط أنها من العقد أما إذا قال ابتداؤها من شهر معين لا يلي العقد فلا بأس. فصل القارئ: فإن قال أجرتكها كل شهر بدرهم فالمنصوص أنه صحيح وذهب إليه الخرقي والقاضي لكن تصح في الشهر الأول بإطلاق العقد لأنه معلوم يلي العقد وأجرته معلومة وما بعده يصح العقد فيه بالتلبس به ولكل واحد منهما الفسخ عند تقضي كل شهر لأن علياً رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يستقي له كل دلو بتمرة وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأكل منه وذهب أبو بكر وجماعة من أصحابنا إلى بطلانه لأن العقد على كل الشهور وهي مبهمة مجهولة فلم يصح كما لو جعل أجرتها في الجميع شيئاً واحدا. الشيخ: الصواب الصحة بلا شك فإذا قال كل شهر بعشرة صح ذلك، ومتى دخل في الشهر لزم إتمامه ولهذا ينبغي إذا أراد المؤجر أن يفسخ العقد أن يخبره قبل تمام الشهر ليكون المستأجر على بصيرة فمثلاً لو قال أجرتك كل شهر بعشرة ريالات فدخل الشهر لزم هذا الشهر ولا يجوز للمؤجر ولا للمستأجر أن يفسخ الإجارة إلا برضى الطرفين، فإذا كان عند المؤجر وهو صاحب الملك نية أن ينهي عقد الإجارة فإنه إذا بقي عشرة أيام أو نحوها فليخبره ويقول له إن هذا آخر شهر، وذلك ليستعد المستأجر فيستأجر محلاً آخر غير هذا. فصل

القارئ: ويشترط في صحة الإجارة ذكر الأجرة لأنه عقد يقصد فيه العوض فلم يصح من غير ذكره كالبيع ويشترط أن تكون معلومة لذلك ويحصل العلم بالمشاهدة أو بالصفة كالبيع وفيه وجه آخر لابد من ذكر قدره وصفته لأنه ربما انفسخ العقد ووجب رد عوضه بعد تلفه فاشترط معرفة قدره ليعلم بكم يرجع كرأس مال السلم وقد ذكرنا وجه الوجهين في السلم. الشيخ: قوله (وفيه وجه آخر لابد من ذكر قدره وصفته) هذا وجه جيد وهو أنه لابد من معرفة القدر لأنه ربما تنفسخ الإجارة بخلاف البيع فالبيع يجوز أن أقول اشتريت منك هذا البيت بهذه الصبرة من الدراهم وإن كنا لا نعلم قدرها لأن البيع يتم بالعقد والإيجاب والقبول وكل واحد من البائع والمشتري يأخذ ما آل إليه وينتهي لكن الإجارة ليس كذلك فاشتراط معرفة القدر أمر جيد. القارئ: وتجوز بأجرة حالة ومؤجلة لأن الإجارة كالبيع وذلك جائز فيه فإن أطلق العقد وجبت به حالة ويجب تسليمها بتسليم العين لأنها عوض في معاوضة فتستحق بمطلق العقد كالثمن وإن كانت الإجارة على عمل في الذمة استحق استيفاء الأجرة عند انقضاء العمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) ولأنه أحد العوضين فلزم تسليمه عند تسليم الأجر كالبيع وإن شرطا تأجيلها جاز إلا أن يكون العقد على منفعة في الذمة ففيه وجهان أحدهما يجوز لأنه عوض في الإجارة فجاز تأجيله كما لو كان على عين والثاني لا يجوز لأنه عقد على ما في الذمة فلم يجز تأجيل عوضه كالسلم. الشيخ: الظاهر أنه يجوز التأجيل لأن السلم عين بعين وهذا عين بمنفعة فالظاهر أنه لا بأس أن يقول استأجرتك على أن تبني لي هذا الحائط بعشرة آلاف مؤجلة. فصل

القارئ: ويجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته سواء جعل ذلك جميع الأجرة أو بعضها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (رحم الله أخي موسى أجر نفسه ثماني سنين على طعام بطنه وعفة فرجه) رواه ابن ماجة ولأن العادة جارية به من غير نكير فأشبه الإجماع فإن قدر الطعام والكسوة فحسن وإن أطلق جاز ويرجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله ولأن لذلك عرفاً في الشرع فحمل الإطلاق عليه. فصل القارئ: وإذا استوفى المنفعة استقرت الأجرة لأنه قبض المعقود عليه فاستقر بدله كما لو قبض المبيع وإن سلم إليه العين مدة يمكن الاستيفاء فيها استقرت الأجرة عليه لأن المعقود عليه تلف تحت يده فأشبه تلف المبيع تحت يده وإن عرض عليه العين ومضت مدة يمكن الاستيفاء فيها استقرت الأجرة لأن المنافع تلفت باختياره فأشبه تلف المبيع بعد عرضه على المشتري وإن كان العقد على عمل في الذمة لم تستقر الأجرة إلا باستيفاء العمل لأنه عقد على ما في الذمة فلم يستقر عوضه ببذل التسليم كالمسلم فيه وإن كان العقد فاسداً لم يستقر ببذل التسليم كما لا يستقر ببذل المبيع ويجب باستيفائها لأنه استوفاها بشبهة عقد وإن قبض العين ومضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها ففيه روايتان إحداهما لا يجب شيء لأنه عقد فاسد على منفعة لم يستوفها فلم يجب العوض كالنكاح والثانية يجب أجر المثل لأن البيع الفاسد كالصحيح في استقرار البدل فكذلك الإجارة. الشيخ: الظاهر أنه تجب الإجارة لا سيما إذا كانا جاهلين بفساد العقد أما إذا كانا عالمين بفساده فينبغي أن نأخذ الأجرة من المستأجر لأننا لو تركناها له لزم أن يكون له العِوَضُ المُعَوَّضُ ثم نجعل الأجرة في بيت المال ولا نردها إلى المؤجر لأننا لو رددناها إلى المؤجر لكان هذا مقتضي للصحة والعقد غير صحيح، وهكذا كل عقد فساد يتعامل به الطرفان مع العلم بفساده فإنهما لا يُمَكَّنَانِ من تنفيذه. فصل

القارئ: ويجوز أن يكتري الرجلان ظهراً يتعاقبان عليه وأن يكتري الرجل عقبة يركب في بعض الطريق إذا كان ذلك معلوما لأنه يجوز العقد على جميعه فجاز على بعضه كالزمان فإن كان في طريق فيه عادة في الركوب والنزول جاز العقد مطلقا وحمل على العادة كالنقد في البيع وإلم يكن فيه عادة اشترط بيان ما يركب لأنه غير معلوم فوجب بيانه كالثمن وإن اختلفا في البادئ منهما أقرع بينهما لأنهما تساويا في الملك فقدم أحدهما بالقرعة كما في القسمة. فصل القارئ: إذا دخل حماماً أو قعد مع ملاح في سفينة فعليه أجرتهما وإن لم يعقدا معه إجارة لأن العرف جار بذلك فجرى مجرى الشرط كنقد البلد وكذلك إن دفع ثوبه إلى خياط أو قصار منتصبين لذلك أو مناد أو رجل معروف بالبيع بالأجر ليبيعه فلهم أجرة أمثالهم لذلك وإن دفع كتاباً إلى رجل ليحمله إلى صاحب له بأجر فحمله فوجد صاحبه غائبا فله الأجر للذهاب لأنه فعل ما استأجره عليه وللرد لأنه بإذنه تقديرا إذ ليس سوى رده إلا تضييعه وقد علم أنه لا يرضى تضييعه فتعين رده. الشيخ: لو استأجرتُ رجلاً يؤدي الكتاب إلى صاحبٍ لي في مكة وذهب إلى مكة بالكتاب ولم يجد الرجل فماذا يصنع؟ نقول إن كان هناك ثقةٌ يمكن أن يجعله وديعة عنده حتى يعود الرجل فليفعل وإلا وجب عليه أن يرجع به وله الأجرة ذاهباً بالعقد وراجعاً بالعرف لأنه لو لم يرجعه ووضعه عند عتبة بابه لعُدَّ مفرطاً فالمؤلف رحمه الله لم يذكر إلا الصورة الثانية وهو أن يرجع به لكننا نقول قبل الرجوع إذا وجد ثقة فإنه يجب أن يجعله عنده ويقول يا فلان هذا لفلان إذا جاء فسلِّمُه إياه. فصل

القارئ: إذا آجره مدة تلي العقد لم يجز شرط الخيار لأنه يمنع التصرف فيها أو في بعضها فينقص عما شرطاه وفي خيار المجلس وجهان أحدهما لا يثبت لذلك والثاني يثبت لأنه يسير وإن كانت لا تلي العقد ثبت فيها الخياران لأنها بيع ولا مانع من ثبوته فيها وكذلك إن كانت على عمل في الذمة أو على منفعة عين في الذمة ثبتا فيها ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم. مسألة: هي خيار المجلس هل يثبت في الإجارة أو لا؟ الجواب نقول تقرر عندنا أن الانتفاع بالمستأجر يكون من حين العقد فهل يكون فيه خيار مجلس أو لا الصواب أنه يكون فيه خيار مجلس وذلك لأن الإجارة عقد معاوضة على منفعة فهي كالبيع والمجلس يسير، لكن هل يصح فيه خيار الشرط؟ ذكر المؤلف أن في هذا التفصيل إن كان ابتداء المدة بعد انتهاء مدة الشرط فلا بأس وإن كان قبل انتهاء مدة الشرط لم يصح مثال ذلك أجَّرَكَ صاحب البيت بيته سنة ابتداءً من رمضان ونحن الآن في جمادى الآخرة ولكنه قال لي الخيار إلى دخول شعبان، فهل هذا يجوز أو لا؟ الجواب أن هذا جائز لأن مدة الخيار تنتهي قبل الشروع في مدة الإجار، مثال آخر إذا قال أجرتك هذا البيت لمدة سنة ابتداءً من شهر رجب على أن لي الخيار لمدة شهر، ونحن الآن في الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة فهل هذا يجوز أو لا؟ الجواب لا يجوز لأن مدة الإجارة تبتدئ قبل انتهاء مدة الخيار فتكون الإجارة لازمة وغير لازمة لأنها تبدأ في شهر رجب والخيار سيمتد إلى نصف رجب تكون الإجارة لازمة وغير لازمة وهذا تناقض وهذا هو المذهب والصحيح أنه يصح خيار الشرط ولو على مدة تبتدئ قبل انتهاء مدة الشرط فإن لزمت الإجارة فلا إشكال وإن لم تلزم فما بين مدة الشرط والفسخ يُقدَّرُ بأجرة المثل ويلغى الأجر الذي اتفقا عليه وهذا هو فائدة كون خيار الشرط يمتد إلى دخول وقت التأجير ففائدته أنه إذا فسخ ألغيت الأجرة التي اتفقا عليها ووجب لصاحب البيت أجرة المثل.

باب ما يجوز فسخ الإجارة وما يوجبه

باب ما يجوز فسخ الإجارة وما يوجبه القارئ: وهي عقد لازم ليس لواحد منهما فسخها لأنها بيع فأشبهت بيوع الأعيان إلا أن يجد العين معيبة فيملك الفسخ بما يحدث من العيب لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا بالاستيفاء فهي كالمكيل يتعيب قبل قبضه فإن بادر المكتري إلى إزالة العيب من غير ضرر يلحق المستأجر كدار تشعثت فأصلحها فلا خيار للمستأجر لعدم الضرر وإلا فله الفسخ فإن سكنها مع عيبها فعليه الأجرة علم أو لم يعلم لأنه استوفى جميع المعقود عليه معيباً مع علمه به فلزمه البدل كالمبيع المعيب إذا رضيه وإن كان العقد على موصوف في الذمة فرد بعيب لم ينفسخ العقد ويطالب ببدله فإن تعذر بدله فله الفسخ لتعذر المعقود عليه كما لو وجد بالسلم عيباً فرده. الشيخ: العلماء أخذوا من هذا النص من كلام المؤلف رحمه الله أن الإجارة من باب العقود اللازمة التي لا يملك أحدهما الفسخ فيها إلا برضى الآخر وهذا هو العقد اللازم، والعقود ثلاثة أنواع عقد جائز من الطرفين وعقد لازم من الطرفين وعقد جائز من طرف دون الآخر، فالجائز من الطرفين كالوكالة، واللازم من الطرفين كالبيع، والجائز من طرف دون الآخر كالرهن فالرهن من قِبَلِ الراهن لازم ومن قِبَلِ المرتهن جائز لأن المرتهن له أن يفسخ الرهن ويقول أنا لا أريد رهناً فنقول لا بأس والرهن من حقك وأما الإجارة فهي من العقود اللازمة فلا يملك أحدهما الفسخ إلا برضى الآخر أو بوجود سبب يبيح الفسخ، لكن بقي أن يقال إنه إذا حدث العيب بعد العقد فللمستأجر الفسخ لأن المنافع تملك شيئاً فشيئا بخلاف البيع فإنه إذا باع شيئاً ثم حدث به عيب بعد انقطاع زمن الخيارين فإنه لا يمكن الرد لأن البيع يقع على العين وقد استلمها سليمة فما حدث من العيب بعد ذلك فعلى ملك المشتري.

القارئ: والعيب ما تنقص به المنفعة كانهدام حائط الدار وتعيبه وانقطاع ماء بئرها أو تغيره أو انقطاع ماء الأرض أو نقصه وتغير الظهر في المشي وعرجه الفاحش وربضه وكونه عضوضاً أو جموحاً. الشيخ: قوله (عرجه الفاحش) ظاهره أن غير الفاحش ليس بعيب ولكن قد يقال إنه عيب إذا حدث له عرج لأن الإنسان قد يرحم هذه البهيمة إذا حصل بها عرج ولا ترتاح نفسه لركوبها أو تحميلها فيكون هذا عيباً يمنع من استيفاء المنفعة مع انشراح الصدر أما العرج الذي يكون لعارض ونعرف أنه سيزول مثل أن تعرج البعير لأنه أصابها شوكة مثلاً فهذا ليس بعيب أما العرج العضوي فينبغي أن يقال إن العرج اليسير والكثير من العيب الذي يبيح الفسخ لمستأجر الدابة. القارئ: وضعف بصر الأجير في الخدمة ومرضه فأما كون الظهر خشن مشي فليس بعيب لأن المنفعة فيه كاملة وإن اختلفا في العيب رجع فيه إلى أهل الخبرة. الشيخ: ماذكره المؤلف فيه نظر فكون الظهر أي المركوب خشن المشي هذا ليس بعيب نقول فيه تفصيل: إذا كان شيئاً معتاد فهذا ليس بعيب أما إذا كان شديداً فلا شك أنه عيب لأنه يفرّقُ بين الجمل الصعب والجمل السهل وبين الحمار الصعب والحمار السهل فيقال في هذا إذا كان خشناً يمنع من كمال الاستيفاء فهو عيب وإن كان مما جرت العادة بمثله فليس بعيب. فصل القارئ: وإن تلفت العين في يده انفسخت الإجارة كما لو تلف المكيل قبل قبضه وإن تلفت قبل مضي شيء من المدة فلا أجرة عليه لأنه لم يقبض شيئاً من المعقود عليه وإن تلفت بعد مضي شيء منها فعليه من الأجرة بقدر ما استوفى ويسقط بقدر ما بقي فإن كان أجرها في بعض المدة أكثر قسمت على القيمة.

الشيخ: قوله (قسمت على القيمة) أي لا على الزمن فمثلاً إذا استأجر هذا البيت لمدة سنة بعشرة آلاف لكن يكون في المدة زمن موسمي ومن المعلوم أن الزمن الموسمي ستكون الإجارة فيه أكثر فهنا لا نقدرها بالزمن فلا نقول إذا أنهدم الجدار بعد مضي نصف سنة عليه نصف الأجرة لا تقول هذا بل ننظر إلى القيمة ونقدِّر كما قال المؤلف رحمه الله وهذا هو العدل. القارئ: وإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة لم تنفسخ بالتلف وله البدل كما لو تعيب. فصل القارئ: إذا اكترى أرضاً للزرع فانقطع ماؤها أو داراً فانهدمت انفسخ العقد في أحد الوجهين لأن المنفعة المقصودة منها تعذرت فأشبه تلف العبد والآخر لا ينفسخ لأنه يمكن الانتفاع بها كالسكنى في خيمة أو يجمع فيها حطباً أو متاعا لكن له الفسخ لأنها تعيبت. الشيخ: الفرق بين القولين واضح فالقول الأول تنفسخ الإجارة سواء اختار أو لم يختار والقول الثاني أنه على اختياره إن شاء فسخ الإجارة وإن شاء أبقاها وينبغي أن يقال إذا كان إبقاؤها يكون فيه منفعة للمستأجر خُيِّرَ أما إذا لم يكن فيها منفعة للمستأجر فإن إبقاؤها إضاعة مال لأنه سوف تُستوفى الأجرة منه كاملة وهذا إضاعة مال لا فائدة فيه. القارئ: وإن ماتت المرضعة انفسخت الإجارة وعن أبي بكر لا تنفسخ ويجب في مالها أجر رضاعة والمذهب الأول لأن المعقود عليه تلف فأشبه تلف عبد الخدمة. الشيخ: لا شك أن المذهب هو الصواب فإذا ماتت المرضعة فإنه تنفسخ الإجارة ولا نقول يلزم أن تستأجر امرأة وتؤخذ من الأجرة التي تم عليها العقد. القارئ: وإن مات المرتضع انفسخ العقد لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه لأن غيره لا يقوم مقامه لاختلافهم في الرضاع ولذلك وجب تعيينه ولو استأجر رجلاً ليقلع ضرسه فبرئ أو ليكحل عينه فبرأت أو ليقتص له فمات المقتص منه أو عفي عنه انفسخ العقد لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فانفسخ كما لو تعذر بالموت.

الشيخ: إذا مات المرتضع قبل تمام المدة انفسخ العقد ولا تقول المرضعة هاتوا لي صبياً بدله لأن هذا متعذر أحياناً والتساوي بين الطفلين متعذر أيضاً فتنفسخ الإجارة، وكذلك الضرس إذا اكترى شخصاً يقلع ضرسه ثم برئ تنفسخ الإجارة فلو قال هذا الذي قلتَ له اقلع الضرس: أنا سأقلع الضرس على كل حال، قلنا لا تملك هذا لأنه من المعلوم أنه إنما أستأجره لقلع الضرس الذي يؤلمه فكأن هذا مشروطاً في العقد أنه استأجره ليقلع له الضرس لأنه يؤلمه فإذا برئ فلا حاجة لذلك. القارئ: وإن استأجر للحج فمات. الشيخ: قوله (فمات) أي مات المستأجر. القارئ: ففيه وجهان أحدهما تنفسخ الإجارة لأنه تعذر الاستيفاء بموته أشبه موت المرتضع والثاني لا تنفسخ ويقوم وارثه مقامه كما لو كان المستأجر دارا وإن لم يمت لكن تلف ماله لم تنفسخ الإجارة لأن المعقود عليه سليم. السائل: إذا خاف صاحب الضرس من ألم القلع بعد أن حجز موعداً عند الطبيب وخصص له الطبيب العيادة لذلك فهل تنفسخ الإجارة؟ الشيخ: لا، الإجارة لازمة فإما أن يعطي الطبيب الأجرة وإن لم يقلعه له وإلا قلعه. مسألة: الراجح أنه إذا استأجر شخصاً يحج له ثم مات هذا الأجير فإنه تنفسخ الإجارة. فصل القارئ: فإن غصبت العين المستأجرة فللمستأجر الفسخ لأن فيه تأخير حقه فإن فسخ فالحكم فيه كالفسخ بتلف العين وإن لم يفسخ حتى انقضت المدة خير بين الفسخ والرجوع على المؤجر بالمسمى ويرجع المؤجر على الغاصب بأجر المثل وبين إمضاء العقد ومطالبة الغاصب بأجرة المثل لأن المنافع تلفت في يد الغاصب فأشبه ما لو أتلف المبيع أجنبي وإن كان العقد على موصوف في الذمة طولب المؤجر بإقامة عين مقامها فإن تعذر فله الفسخ لأن فيه تأخير حقه فصل

القارئ: فإن أجر نفسه ثم هرب أو اكترى عيناً ثم هرب بها فللمستأجر الخيار بين الصبر والفسخ لأن فيه تأخير حقه فأشبه ما لو اشترى مكيلاً فمنعه قبضه وإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة استؤجر من ماله من يعمله كما لو هرب قبل تسليم المسلم فيه فإن لم يكن فللمستأجر الخيار بين الفسخ والصبر إلى أن يقدر عليه فيطالبه بالعمل كما لو تعذر تسليم المسلم فيه وإن كانت الإجارة على مدة انقضت في هربه بطلت الإجارة لأنه أتلف المعقود عليه فأشبه ما لو باعه مكيلاً فأتلفه قبل تسليمه فصل القارئ: وإن أجر عبده ثم أعتقه لم تنفسخ الإجارة لأنه عقد على المنفعة فلم تنفسخ بالعتق كالنكاح ولا يرجع العبد بشيء لأن منفعته استحقت بالعقد قبل العتق فلم يرجع ببدله كما لو زوج أمته ثم أعتقها ونفقته على سيده لأنه يملك بدل منفعته فهو كالباقي على ملكه. فصل القارئ: وإن أجر عيناً ثم باعها صح البيع لأنه عقد على المنفعة فلم يمنع البيع كالنكاح ولا تبطل الإجارة قياساً على النكاح وإن باعها من المستأجر صح لذلك وفي الإجارة وجهان أحدهما تبطل لأنها عقد على المنفعة فأبطلها ملك الرقبة كالنكاح فعلى هذا يسقط من الأجرة بقدر ما بقي من المدة والثاني لا تبطل لأنه عقد على الثمرة فلم تبطل بملك الأصل كما لو اشترى ثمرة شجرة ثم ملك أصلها.

الشيخ: الصحيح أنه لا تنفسخ الإجارة إذا باعها على أجنبي، مثال ذلك رجل أجر بيته لمدة سنة ثم باعه قبل تمام السنة فالإجارة باقية ولكن ما الذي يستحقه المشتري من الأجرة نقول يستحق من الأجرة بقدر ما بقي من المدة فإذا كان قد مضى نصف المدة استحق من الأجرة نصفها وهل يقدر بالزمن أو يقدر بالقيمة؟ الجواب ينبني على ما سبق أنه يقدر بالقيمة، وقد يفرق بين هذا وبين ما سبق بأن هذا المشتري ملكها على ما بقي من زمن الإجارة فسواء كان الموسم قد مضى أو بقي فليس له إلا مقدار الزمن فقط، أما إذا باعها على المستأجر فهذا قد يقال إنه ورد ملك أقوى على ملك أضعف فيبطله وبناءً على ذلك لا يستحق المؤجر الأول من الأجرة إلا إلى وقت عقد البيع عليه، وإذا قلنا لا تنفسخ فإن الذي اشترها يدفع الأجرة للذي باع عليه فمثلاً استأجر بيتاً بعشرة آلاف ريال وفي أثناء المدة اشتراه فالآن ورد على هذا البيت عقد بيع على عقد إجارة وأيهما أقوى؟ الجواب عقد البيع أقوى لأنه يملك به المنفعة والعين، فهل نقول لمَّا ورد العقد الأقوى على الأضعف أبطله وحينئذ لا يستحق الذي باع البيت شيئاً أو نقول إن هذا العقد الذي هو البيع ورد على عين قد مُلِكت منفعتها قبل عقد البيع فلا تبطل الإجارة المذهب أنها لا تبطل سواء كان المشتري نفس المستأجر أو غيره وبناءً على ذلك يستحق الذي أجرها بقية الأجرة. القارئ: ومتى وجد المستأجر عيباً ففسخ به رجع على المؤجر لأن عوض الإجارة له فالرجوع عليه وإن كان المستأجر هو المشتري فكذلك إن قلنا لا تنفسخ الإجارة وإن قلنا تنفسخ لم يرجع على أحد. فصل القارئ: ولا تنفسخ الإجارة بموت المتكاريين ولا موت أحدهما لأنه عقد لازم فلا يبطل بموت المتعاقدين مع سلامة المعقود عليه كالبيع. الشيخ: في مسألة موت المتكاريين يقوم وارث كل واحد منهما مقامه فإن كان الميت هو المؤجر قام ورثته مقامه وإن كان المستأجر فكذلك.

القارئ: وإن أجر عيناً موقوفة عليه ثم مات ففيه وجهان أحدهما لا تبطل لأنه أجر ماله إجارته شرعا فلم تبطل بموته كما لو أجر ملكه ولكن يرجع البطن الثاني في تركة المؤجر بأجر المدة الباقية إن كان قبضها لأن المنافع لهم فاستحقوا أجرتها والثاني تبطل فيما بقي من المدة لأننا تبينا أنه أجر ملكه وملك غيره فإن المنافع بعد موته لغيره بخلاف المالك فإن ورثته إنما يملكون ما خلفه وما خرج عن ملكه بالإجارة في حياته غير مخلف فلم يملكوه والأمر إلى من انتقل إليه الوقف في إجارته أو تركه فعلى هذا يرجع المستأجر على المؤجر بأجرة بقية المدة وإن أجر الولي الصبي أو ماله مدة فبلغ في أثنائها ففيه وجهان أيضا كهذين. الشيخ: مسألة الوقف الصحيح أن الإجارة لا تنفسخ فيه لأننا لو قلنا بهذا ترتب على ذلك مفسدة مثال ذلك رجل وُقِّفَ عليه هذا البيت ثم أجره ثم مات وانتقل إلى البطن الثاني فهل نقول إن الإجارة تنفسخ أو نقول الإجارة باقية؟ إن قلنا بأنها تنفسخ صار فيه إشكال وإن قلنا إنها باقية فعلى الأصل لكن ينبغي أن يقيد هذا بما إذا أجر البطن الأول مدة يغلب على الظن أنه يبقى فيها أما لو أجر مدة طويلة فلا شك في الانفساخ مثاله مستحق الوقف له من العمر تسعون سنة فأجر الوقف تسعين سنة فعلى هذا التقدير سيبقى مستحق الوقف مائة وثمانين وهذا في الغالب لا يكون فيقال في مثل هذا إذا أجر فإن الإجارة تنفسخ بموته لأننا نعلم أو يغلب على ظننا أنه لا يستحق بقية المدة ولهذا نقول يحرم على الموقوف عليه أن يؤجر الموقوف مدة طويلة إلا إذا تعطلت منافعه ولم يقبل أحد أن يستأجره إلا مدة طويلة فهذا لا بأس أن يؤجر والعمل عندنا على هذا أنه إذا احتاج العقار الموقوف إلى الإيجار مدة طويلة فإنه لا بأس أن يؤجره الموقوف عليه مدة طويلة.

باب ما يلزم المتكاريين وما لهما فعله

باب ما يلزم المتكاريين وما لهما فعله القارئ: يجب على المكري ما يحتاج إليه من التمكين من الانتفاع كمفتاح الدار وزمام الجمل والقتب والحزام ولجام الفرس وسرجه لأن عليه التمكين من الانتفاع ولا يحصل إلا بذلك وما تلف من ذلك في يد المكتري لم يضمنه كما لا يضمن العين وعلى المكري بدله لأن التمكين مستحق عليه إلى أن يستوفي المكتري المنفعة فأما ما يحتاج إليه لكمال الانتفاع كالحبل والدلو والمحمل والغطاء والحبل الذي يقرن به بين المحملين فهو على المكتري لأن ذلك يراد لكمال الانتفاع فأشبه بسط الدار. الشيخ: الصحيح في هذه المسألة أنه يلزم كل واحد منهما ما اقتضاه العرف سواء وافق ما قاله المؤلف أو لا، لأن الاطِّراد العرفي كالاشتراط اللفظي ومعلوم أن الناس في الوقت الحاضر وفي السابق يختلف عرفهم عما قاله المؤلف رحمه الله. فصل القارئ: وعلى المكري رفع المحمل وحطه ورفع الأحمال وسوق الظهر وقوده لأن ذلك العادة فحمل العقد عليه. الشيخ: التعليل الذي ذكره المؤلف هو المهم قال (لأن ذلك العادة) يعني هو العادة فيحمل العقد المطلق على ما اعتاده الناس ولهذا نقول هذا الذي ذكره المؤلف في الفصل الثاني إنما يكون إذا كانت العادة أن المكري يمشي مع المكتري أما إذا اكراه الجمل وأعطاه إياه فإن المكري لا يلزمه هذه الأشياء لأن المكري في بيته وليس هو مع المكتري حتى نلزمه بهذه الأشياء. القارئ: وعليه أن ينزل الراكب للطهارة وصلاة الفرض لأنه لا يمكن فعله راكبا وليس ذلك عليه للأكل والنفل لأنه ممكن على الظهر. الشيخ: قوله (وليس ذلك عليه للأكل والنفل) نقول له أن يقول أنزلني للأكل لأن الأكل على البعير غير ممكن أم النفل فتصح صلاة النفل على البعير فلو قال أنزلني أريد أن أوتر فله أن يقول له أوتر على البعير لأن ذلك ممكن. القارئ: وعليه أن يبرك الجمل للمرأة والمريض والضعيف.

الشيخ: قوله (للمرأة والمريض والضعيف) نقول والقوي هل يقال له اقفز من على السنام! الفقهاء رحمهم الله أحياناً يذكرون أشياء عجيبة لكن نقول عليه أن يُبَرِّكَ البعير لكل من ركبه من قوي وضعيف ورجل وامرأة ولابد من هذا فلو فرضنا أن هذا القوي يستطيع أن يقفز إلى الأرض من على البعير وهو قائم فهل يستطيع الركوب عليه وهو قائم؟ هذا أمر صعب ولهذا لا أحد يركب البعير وهي قائمة إلا صاحب البعير فهو الذي يستطيع أن يضع رجليه على رُكَبِ البعير ثم على الرقبة ثم على الظهر. القارئ: وإن كانت الإجارة على تسليم الظهر لم يكن عليه شيء من ذلك. الشيخ: هذا هو المراد إذا كان على تسليم الظهر فليس على صاحبه شيء لأن الذي يتولى الأمور هو المكتري. القارئ: فأما أجرة الدليل فإن كانت الإجارة على تحصيل الراكب في البلد فعلى المكري لأنه من مؤنة التحصيل وإن كانت على تسليم الظهر أو على مدة فهو على المكتري لأن الذي على المكري تسليم الظهر وقد فعل وعلى المكري تسليم الدار فارغة الحش والبالوعة لأنه من التمكن فإن امتلأ في يد المكتري فعليه كسحه لأنه ملأه فكان عليه إزالته كتنظيف الدار وعلى المكري إصلاح ما انهدم من الدار وتكسر من الخشب لأنه من التمكين وإذا استأجر ظئراً للرضاع وشرط الحضانة وهي خدمة الصبي وغسل خرقه لزمها وإن لم يشترطه عليها لم يلزمها إلا الرضاع لأنهما منفعتان مقصودتان تنفرد إحداهما عن الأخرى فلم تلزم إحداهما بالعقد على الأخرى وعليها أن تأكل وتشرب ما يَدِرُّ به اللبن ويصلح به وللمكتري مطالبتها به لأنه من التمكين ويضر الصبي تركه. فصل

القارئ: وعلى المكري علف الظهر وسقيه لأنه من التمكين فإن هرب وترك جماله رفع الأمر إلى الحاكم ليحكم في مال الجمال بالعلف فإن لم يجد له مالا اقترض عليه فإن اقترض من المكتري أو أذن له في الإنفاق عليها قرضاً جاز لأنه موضع حاجة وإن كان في الجمال فضل عن المكتري باعه وأنفق منه فإذا رجع الجمال أو اختلفا في النفقة فالقول قول المنفق لأنه أمين إذا كانت دعواه لقدر النفقة بالمعروف وما زاد لا يرجع به لأنه متطوع فإن أنفق من غير إذن الحاكم مع إمكانه وأشهد على ذلك فهل يرجع به على وجهين بناءً على من ضُمِنَ دينه بغير إذنه وإن لم يجد من يشهده فأنفق ففي الرجوع وجهان أصحهما يرجع به لأنه موضع ضرورة فأشبه ما لو أنفق على الآبق في رده وإذا وصل دفع الجمال إلى الحاكم ليوفي المنفق نفقته منها ويفعل في سائرها ما يرى الحظ فيها لصاحبها من بيعها وحفظ ثمنها أو بيع بعضها وإنفاقه على باقيها. فصل القارئ: وليس على المكتري مؤنة رد العين لأنها أمانة فلم يلزمه مؤنة ردها كالوديعة ويحتمل أن يلزمه لأنه غير مأذون له في إمساكها بعد انقضاء مدتها فلزمه مؤنة ردها كالعارية. الشيخ: ما ذكره المؤلف يرجع فيه إلى العرف، وعلى كال حال ليس هناك الآن دواب تؤجر وإنما في محيطنا الآن توجد السيارات فهل يلزم المكتري الذي يستأجر السيارة ويذهب بها إلى مكة ثم يرجع، هل يلزمه إذا رجع أن يوصل السيارة إلى صاحبها أو أنه يوقفها عند بابه هو ويقول لصاحبها تعال لتأخذها؟ الجواب إن كان هناك عرف بَيِّنٌ عُمِلَ به وإلا فالأول أي أنه لابد أن ترد العين إلى المكان الذي أخذت منه. فصل

القارئ: وللمكتري استيفاء المنفعة بالمعروف لأن إطلاق العقد يقتضي المتعارف فصار كالمشروط فإذا استأجر داراً للسكنى فله وضع متاعه فيها لأنه متعارف في السكنى ويترك فيها من الطعام ما جرت عادة الساكن به لذلك وليس له جعلها مخزناً للطعام لأنه غير متعارف وفيه ضرر لأن الفأر تنقب الحيطان للوصول إليه ولا يجوز أن يربط فيها الدواب ولا يطرح فيها الرماد والتراب لأنه غير متعارف به وإن اكترى قميصاً ليلبسه لم يكن له أن ينام فيه ليلاً وله ذلك نهاراً لأن العادة الخلع لنوم الليل دون النهار. الشيخ: كلام المؤلف فيه نظر لأن الله قال (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) فكثيرٌ من الناس عند النوم سواء في الليل أو في النهار يخلع الثياب الملبوسة ويلبس الثوب الخاص بالنوم ولهذا القاعدة التي أشار إليها المؤلف أولاً يجب أن تكون هي مناط الحكم وهو العادة. القارئ: وليس له أن يتزر به لأنه يعتمد عليه أكثر من اللبس. الشيخ: قوله (ليس له أن يتزر به لأنه يعتمد عليه أكثر من اللبس) نقول هو لا بد أن يجلس عليه لكن هم يقصدون أنه إذا اتزر به صار كل القميص في الأسفل فيعتمد عليه أكثر واعتماده عليه أكثر يوجب أن يتمزق سريعاً. القارئ: وله أن يرتدي به في أحد الوجهين لأنه أخف والآخر ليس له ذلك لأنه غير المتعارف في لبس القميص. الشيخ: الارتداء به أخف لأنه لا يجلس عليه فالقميص هو مثل الثوب الآن فإنه إذا ارتداه صار لا يتكئ عليه عند الجلوس فهو أخف لكن يقول المؤلف ليس له ذلك لأنها لم تجر العادة به، ولكن ربما يحتاج إليه الإنسان فمثلاً في الطائرة إذا أراد أن يُحْرِمَ وردائه وإزاره مع العفش في جوف الطائرة وهو يريد أن يحرم فهل يحرم وعليه القميص أو ماذا يصنع؟ نقول يحرم لكن يخلع القميص ويجعله رداء إذا كان معه سراويل وإذا لم يكن معه سراويل جعله إزاراً.

القارئ: وإن اكترى ظهراً في طريق العادة السير فيه زمناً دون زمن لم يسر إلا فيه لأنه المتعارف وإن كانت العادة النزول للرواح وكان رجلاً قوياً ففيه وجهان أحدهما يلزمه ذلك لأنه المتعارف والثاني لا يلزمه لأنه اكترى للركوب في جميع الطريق فلم يلزمه تركه في بعضه. الشيخ: قوله (للرواح) يعني للمراوحة أي أنه مرة يركب ومرة يمشي، فهل يلزمه أن يمشي أو نقول هو حر إن شاء رَاَوَحَ وإن شاء بقي راكباً دائماً؟ الجواب نقول فيه الوجهان كما قال المؤلف رحمه الله. القارئ: وإن اكتراه إلى مكة لم يجز أن يحج عليه لأنه زيادة وإن اكتراه ليحج عليه فله الركوب إلى منى ثم إلى عرفة ثم إلى مكة وهل له أن يركبه عائداً إلى منى فيه وجهان أحدهما لا يجوز لأنه قد حل من الحج والثاني له ذلك لأنه من تمام الحج. الشيخ: لا شك أن الوجه الثاني هو المتعين فلا نقول له إذا نزلت وطفت طواف الإفاضة والسعي، اخرج من مكة إلى منى ماشياً لأن هذا لا يصح. فصل القارئ: وله ضرب الظهر وكبحه باللجام وركضه برجله للمصلحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب جمل جابر حين ساقه ولأنه لا يتوصل إلى استيفاء المنفعة إلا به فملكه كركوبه وإن شرط حمل أرطال من الزاد فله إبدال ما يأكل لأن له غرضاً في أن يشتري الزاد من الطريق ليخفف عليه حمله فملك بدله كالذي يشرب من الماء. السائل: هل للمكتري أن يضرب الجمل ضرباً شديداً؟ الشيخ: حرام عليه وذلك لوجهين الوجه الأول أنه إيلامٌ للجمل بدون حاجة والثاني أنه تصرفٌ في ملك الغير لم يؤذن له به شرعاً ولا عرفاً. السائل: إذا كان الجمل له فهل له أن يضربه ضرباً شديداً؟ الشيخ: حتى لو كان له فإنه لا يجوز أن يضربه ضرباً شديداً بدون حاجة. فصل

القارئ: وله أن يستوفي النفع المعقود عليه ومثله ودونه في الضرر ولا يملك فوقه ولا ما يخالف ضَرَرُهُ ضَرَرَهُ لأنه يأخذ فوق حقه أو غير حقه فإن اكترى ظهراً في طريق فله ركوبه إلى ذلك البلد في مثله ودونه في الخشونة والمسافة والمخافة ولا يركبه في أخشن منه ولا أبعد ولا أخوف وإن اكترى أرضاً للغراس والبناء فله زرعها لأنه أقل ضررا وإن استأجرها لأحدهما لم يملك الآخر لأن ضرر كل واحد منهما يخالف ضرر الآخر وإن استأجرها للزرع لم يغرس ولم يبن لأنهما أضر منه وإن استأجرها لزرع الحنطة فله زرعها وزرع ما ضرره كضررها أو أدنى كالشعير والباقلاء ولا يملك زرع الدخن والذرة والقطن لأن ضررها أكثر. الشيخ: كيف يكون ضرر الأرض وهي أرض سواء زرعت هذا أو هذا؟ الجواب قالوا لأن الدخن يفسد الأرض ويُذهبُ طعمها فيكون ضرره أكثر من ضرر الحنطة والبر وما أشبه ذلك، ويرجع في مثل هذه الأمور إلى أهل الخبرة. القارئ: وإن اكترى ظهراً ليحمل عليه قطناً لم يجز أن يحمل عليه حديدا لأنه أضر على الظهر لا جتماعه وثقله وإن اكتراه للحديد لم يحمل عليه قطناً لأنه أضر لتجافيه وهبوب الريح فيه وإن اكتراه ليركبه لم يحمل عليه لأن الراكب يعين الظهر بحركته. الشيخ: هل يتحرك الراكب على البعير؟ الجواب نعم وهذا أمر مشاهد فهو يُعين الظهر أي المركوب بحركته هذه. القارئ: واكتراه للحمل لم يملك ركوبه لأن الراكب يعقد في موضع واحد والحمل يتفرق على جنبيه وإن شرط ركوبه عُرْياً لم يركب بسرج لأنه زيادة وإن شرط ركوبه بسرج لم يركبه عُرياً لأنه يضر بظهر الحيوان والعارية كالإجارة في هذا لأنها تمليك للمنفعة فأشبهت الإجارة. الشيخ: قوله (لأنها تمليك للمنفعة) هذا فيه نظر لأن العارية إذن في الانتفاع فهي أقل من الإجارة ولذلك يجوز للمستأجرأن يؤجر ولا يجوز للمستعير أن يؤجر أو يعير، فالعارية إذن في الانتفاع وليست تمليك للمنفعة.

السائل: لو اكترى دابة فهل له أن يُركِبَ غيره أو أن يُرْدِفَ معه أحد على الدابة؟ الشيخ: أمَّا أن يردف فلا وأمَّا يُرْكِبَ غيره فلا بأس إذا كان لا يلحق الظهر أي المركوب ضرر إما لسوء تصرفه فيها وإما لكونه أثقل من الأول. فصل القارئ: وله أن يستوفي المنفعة بنفسه وبمثله فإن اكترى داراً فله أن يسكنها مثله ومن هو دونه في الضرر ولا يسكنها من هو أضر منه وإن اكترى ظهراً يركبه فله أن يركبه مثله ومن هو أخف منه لما ذكرنا في الفصل قبله. الشيخ: قوله (ومن هو أخف منه) هذا ليس على إطلاقه لأنه يجب أن ننظر كيف يعامل البعير لأنه قد يكون ثقيل كبير الجسم لكن لا يؤذي البعير وقد يكون خفيفاً صغيراً لكن يضرب البعير أو الحمار وهذا شيء مشاهد فينبغي أن يُقَيَّد فقوله (ومن هو أخف منه) نقول بشرط أن لا يكون ضرره على الظهر أكثر من ضرر الثقيل. القارئ: فإن شرط أن لا يستوفي غير المنفعة بنفسها ولا يستوفي مثلها ولا دونها ولا يستوفيها بمثله ولا بدونه صح الشرط لأنه يملكه المنافع فلا يملك إلا ما مَلَّكهُ ويحتمل أن لا يصح لأنه ينافي مقتضى الإجارة ولا يبطل العقد لأن الشرط لا يؤثر في حق المؤجر فلغى وبقي العقد على مقتضاه. الشيخ: قوله (إن شرط أن لا يستوفي غير المنفعة بنفسها) الشارط هو المؤجر وقوله (ولا يستوفي مثلها ولا دونها ولا يستوفيها بمثله ولا بدونه) ثم قال (صح) أي صح الشرط، لكن هذا القول ضعيف والصواب ما ذكره أخيراً أنه لا يصح الشرط لأننا إذا قلنا إن المستأجر ملك المنفعة فلماذا يُضَيَّقُ عليه ويقال له لا تستوفي المنفعة لا بنفسك ولا بغيرك ولا بمثلك ولا بدونك فلهذا الاحتمال الأخير الذي ذكره المؤلف رحمه الله هو الصحيح. فصل

القارئ: وله أن يؤجر العين لأن الإجارة كالبيع وبيع المبيع جائز فكذلك إجارة المُستأجَر ويجوز أن يؤجرها للمؤجر وغيره كما يجوز بيع المبيع للبائع وغيره فإن أجرها قبل قبضها لم يجز ذكره القاضي لأنها لم تدخل في ضمانه فلم تجز أجارتها كبيع الطعام قبل قبضه ويحتمل الجواز لأن المنافع لا تصير مقبوضة بقبض العين فلم يؤثر قبض العين فيها ويحتمل أن تجوز إجارتها للمؤجر لأنها في قبضه ولا تجوز من غيره لعدم ذلك. الشيخ: الصحيح أنه يجوز للمُستأجِر أن يُؤجِرَ العين غيره لكن بشرط أن يكون مثله أو أقل منه ضرراً، أما لو أجرها لمن هو أشد منه على العين المؤجرة فإنه لا يجوز. القارئ: وتجوز إجارتها بمثل الأجرة وزيادة كالبيع برأس المال وزيادة وعنه إن أحدث في العين زيادة جازت إجارتها بزيادة وإن لم يفعل لم يؤجرها بزيادة لأن (النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن) فإن فعل تصدق بالزيادة وعنه يجوز بإذن المالك ولا يجوز بغير إذنه والمذهب الأول. الشيخ: الأقوال في المسألة ثلاثة: القول الأول: المذهب وهو أنه يجوز أن يؤجرها بأكثر مما أستأجرها فمثلاً يستأجرها بمائة ويؤجرها بمائتين وهذا القول هو الراجح لأنه ربما يستأجرها في زمن الرخص وتزيد الأجرة فيؤجرها بالزائد وأما حديث (نهى عن ربح ما لم يضمن) فالمراد ما لم يدخل في ضمانه من الأعيان وأما ما دخل في ضمانه فلا بأس على أن الحديث مختلف في صحته وفي معناه. والقول الثاني: أنه إن أحدث في العين زيادة زادت بها الأجرة فلا بأس مثل أن يكون هذا البيت الذي استأجره جعل فيه مانع من الحر أو من البرد أو جعل على فرجاته كساءً يمنع من الحر أو البرد فلا بأس بالزيادة وإلا فلا.

القول الثالث: أنه إذا كان بإذن المالك فلا بأس وأما بغير إذنه فلا يجوز وهذا القول في الحقيقة له وجهة نظر لأنه إذا أجرها بأكثر بدون إذن المالك صار في نفس المالك شيء ولهذا نقول هذا القول قوي جداً لكن إذا وجد سبب الزيادة مثل أن زادت الأجور فإنه لا بأس بذلك لأن المالك في هذه الحال لا يتأثر ولا يندم، وقوله (فإن فعل تصدق بالزيادة) هذا على القول الثاني لكن هل يتصدق بها تخلصاً منها أو تقرباً بها؟ الجواب يتصدق بها تخلصاً منها. فصل القارئ: فإن استوفى أكثر من المنفعة بزيادة متميزة مثل أن اكترى إلى مكان فجاوزه أو ليحمل قفيزاً فحمل اثنين لزمه المسمى لما عَقَدَ عليه وأجرة المثل للزيادة لأنه استوفى المعقود عليه فاستقر المسمى ولزمته أجرة الزيادة كما لو اشترى قفيزاً فقبض اثنين وإن كانت الزيادة لا تتميز كرجل اكترى أرضاً ليزرع حنطة فزرع دخناً فكذلك قال أحمد رضي الله عنه ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ما بين الحنطة والشعير فيعطى رب الأرض فأوجب المسمى وزيادة لأنه لما عين الحنطة تعلق العقد بما يماثله في الضرر فصار مستوفياً للمعقود عليه وزيادة كالتي قبلها وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره فلزمته أجرة المثل كما لو زرع غير الأرض ولرب الأرض منع المستأجر من زرع الأرض فإن زرع فحكمه في ذلك حكم الغاصب على ما سيأتي.

الشيخ: إذا زاد على ما عقد عليه مثل أن استأجر السيارة من عنيزة إلى الرياض فسار عليها إلى الدمام فله الأجر المسمى الذي اتفقا عليه أولاً من عنيزة إلى الرياض، وأما من الرياض إلى الدمام فله فيه أجرة المثل سواء كانت أكثر مما سمي أو أقل وذلك لأن الأجرة المسماة إنما كانت على شيء معين فالزيادة عليه زيادة بلا عقد وإذا كانت زيادة بلا عقد لزم فيها أجرة المثل أما إذا لم تتميز كرجل أستأجر أرضاً لزراعة حنطة فزرعها دخناً وقد سبق لنا أن الأرض تفسد بزراعة الدخن أكثر من فسادها بزراعة الحنطة فهل نقول إن العقد يبطل بالكلية ويجب أجرة المثل أو نقول يقدر ما بين نقص الأرض بزراعة متفقا عليه ونقصها بما زاد ويعطى الفرق؟ المسألة كما ذكر المؤلف فيها قولان للعلماء والظاهر أنه إذا زرع دخناً بدل الحنطة أنه يلغى العقد الأول ويحكم له بأجرة المثل بشرط أن لا تكون الأجرة التي اتفقا عليها أولاً أكثر من أجرة المثل فإن كانت أكثر أُلْزِمَ بها وذلك مثل أن تكون أجرة الأرض نقصت حسب النظر العام وأنها إذا زرعت دخناً تكون بأقل مما اتفقا عليه بزراعة الحنطة فنقول يجبر المستأجر على دفع ما اتفقا عليه أولاً. مسألة: إنسان قال لشخص استأجر لي بيتاً بعشرة آلاف فوجد له بيتاً على الوصف الذي يريده الموكِّل بسبعة آلاف فهل يجوز له أن يستأجره هو ثم يؤجره لموكله؟ الجواب لا يجوز، وكذلك إن وكَّله بشراء سلعة فقال اشتر لي السلعة الفلانية بمائة ريال فوجدها بسبعين فهل نقول إنه يجوز له أن يشتريها بسبعين ويأخذ من ذلك الذي وكَّله مائة؟ الجواب لا يجوز لأنه إنما اشتراها لموكِّله وكذلك في الإجارة. فصل

القارئ: فإن اكترى أرضاً للزرع مدة فليس له زرع مالا يستحصد فيها لأن عليه تسليمها فارغة عند انتهائها وهذا يمنع ذلك وللمالك منعه من زرعه لذلك فإن فعل لم يجبر على قلعه في المدة لأنه مالك لمنفعة الأرض فإذا انقضت ولم يحصد خير المالك بين أخذه ودفع نفقته وبين تركه بالأجرة لأنه تعدى بزرعه فأشبه الغاصب وإن كان بقاؤه بغير تفريط إما لشدة برد أو قلة مطر ونحوه فعلى المؤجر تركه بالأجرة لأنه زرعه بحق فكان عليه المسمى للمدة وأجرة المثل للزائد لا غيره. فصل القارئ: فإن اكتراها مدة ليزرع فيها زرعاً لا يكمل فيها وشرط قلعه في أخرها صح العقد والشرط لأنه قد يكون له غرض صحيح فيه وإن شرط تبقيته حتى يكمل فسد العقد لجهل المدة ولأن شرط تبقيته تنافي تقدير مدته وللمؤجر منعه من الزرع لأن العقد فاسد فإن زرعه لزم إبقاؤه بشرطه لأنه زرعه بإذن المالك وإن أطلق العقد صح لأن الانتفاع بالأرض في هذه المدة ممكن فإذا انقضت والزرع باق احتمل أن يكون حكمه حكم المفرط لزرعه في مدة الإجارة مالا يكمل فيها واحتمل أن يكون حكمه حكم غير المفرط لتفريط المؤجر بإجارة مدة لا يكمل فيها. فصل

القارئ: وإن استأجرها للغراس مدة جاز وله الغرس فيها ولا يغرس بعدها لأن العقد يقتضي التصرف في المدة دون ما بعدها فإن غرس فانقضت المدة وكان مشروطاً عليه القلع عند انقضائها أخذ بما شرطه ولم يلزمه تسوية الحفر لأنه لما شرط القلع مع علمه بأنه يحفر الأرض كان راضيا وإن لم يكن شرط القلع لم يجب لأن تفريغ المستأجر على حسب العادة والعادة ترك الغراس حتى ييبس وللمستأجر قلع غرسه لأنه ملكه فإن قلعه لزمه تسوية الحفر لأنه حفرها لتخليص ملكه من ملك غيره بغير إذنه وإن لم يقلعه فللمؤجر دفع قيمته ليملكه لأن الضرر يزول عنهما به أشبه الشفيع في غراس المشتري وإن أراد قلعه وكان لا ينقص بالقلع أو ينقص لكنه يضمن أرش النقص فله ذلك لأن الضرر يزول عنهما به وإن اختار إقراره بأجرة مثله فله ذلك لأن الضرر يزول عنهما به ولصاحب الشجر بيعه للمالك ولغيره فيكون بمنزلته لأن ملكه ثابت عليه فأشبه الشقص المشفوع والبناء كالغراس في جميع ما ذكرنا. السائل: مر معنا حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن ربح ما لم يضمن) وهناك مسألة حاصلة عند كثير من الناس وهي أن يأتي مثلاً الزبون ويطلب من البائع سلعة معينة بعدد كبير مثلاً ألف كرتون من هذا النوع لكن البائع ما عنده إلا عشرة كراتين فيذهب البائع للمصنع ليحضر الكمية المطلوبة فالمشتري عنده الآن ثلاث حالات إما أن يدفع قيمة البضاعة قبل أن يستلمها أو أن يعطيه مثلاً عربون أو أن البائع يأتي بناءً على ثقة بينهما ثم يشتريها منه فما هو الحكم في هذه الصورة؟ الشيخ: في مثل هذا البائع والمشتري يعقدان على الموجود والباقي يكون عقد على ما في الذمة كالسلم فيعقدان على الموجود بما يتفقان عليه والباقي يكون سلماً فيسلم المشتري للبائع الثمن ويقول هذه مثلاً ألف ريال بألف كرتون تأتي بها بعد شهر أو بعد شهرين بحسب ما يتفقان عليه.

باب تضمين الأجير واختلاف المتكاريين

باب تضمين الأجير واختلاف المتكاريين القارئ: الأجير على ضربين خاص ومشترك فالخاص هو الذي يؤجر نفسه مدة فلا ضمان عليه فيما يتلف في يده بغير تفريط مثل أن يأمره بالسقي فيكسر الجرة أو بكيل شيء فيكسر الكيل أو بالحرث فيكسر آلته نص عليه أو بالرعي فتهلك الماشية بغير تفريطه. الشيخ: الأجير الخاص هو الذي استؤجر على مدة معينة، وقوله (فلا ضمان عليه) وذلك أن هذا الأجير الخاص بمنزلة الوكيل فإذا كان بمنزلة الوكيل فالقاعدة أن الوكيل لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط فإذا استأجر الشخص نفسه على عمل ما فهذا أجير خاص فإذا تلف الشيء تحت يده بلا تعدي ولا تفريط فلا ضمان عليه ووجه ذلك أنه بمنزلة الوكيل فهو مؤتمن. القارئ: والمشترك الذي يؤجر نفسه على عمل فظاهر كلام الخرقي أنه يضمن ما تلف بعمله ونص عليه أحمد رضي الله عنه في حائك دفع إليه غزل فأفسد حياكته يضمن والقصار ضامن لما يتخرق من مده ودقه وعصره وبسطه والطباخ ضامن لما أفسد من طبخه لما روى جلاس بن عمرو أن علياً رضي الله عنه كان يضمن الأجير ولأنه قبض العين لمنفعته من غير استحقاق فكان ضامناً لها كالمستعير وقال القاضي وأصحابه إن كان يعمل في ملك المستأجر كخياط أو خباز أخذه إلى داره ليستعمله فيها فلا ضمان عليه ما لم يتعد فيه مثل أن يسرف في الوقود أو يلزقه قبل وقته أو يتركه بعد وقته فيضمن لأنه أتلفه بعدوانه ومالا فلا ضمان عليه لأنه سلم نفسه إلى صاحب العمل فأشبه الخاص وإن كان العمل في غير ملك المستأجر ضمن ما جنت يده لما ذكرناه ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه لأنها أمانة في يده فأشبه المودع وإن حبسها على أجرتها فتلفت ضمنها لأنه متعد بإمساكها إذ ليست رهناً ولا عوضاً عن الأجرة.

الشيخ: الأجير المشترك هو الذي قُدِّر نفعه بالعمل وعمله عام فكل مَنْ أتاه عَقَدَ معه الأجرة مثل الغسال والخياط والنجار وما أشبه ذلك فإذا أعطيته مالي يعمل فيه ما اتفقت أنا وإياه عليه فإنه ضامن لأنه استؤجر على عمل شيء ولم يتقدم به، ولا فرق بين أن يكون في بيت المستأجر أو في دكانه أو ما أشبه ذلك والصحيح أنه لا ضمان عليه إلا إذا تعدى أو فرط وإذا لم يتعد ولم يفرط فإنه لا ضمان عليه، فإذا قُدِّر أنك أتيتَ إلى خباز وأعطيتَه العجين ليخبزه وفرط وترك النار حتى احترق فعليه الضمان فإن حصل مثلاً حريق ولم يتمكن من ضبطه فإنه لا ضمان عليه، ولكن هل يستحق الأجرة أو لا يستحقها؟ الجواب إن كان قبل العمل فإنه لا يستحقها وإن كان بعد العمل فلا يستحقها أيضاً لأنه لم يسلم ما استؤجر عليه فنقول له لا لك ولا عليك، وأظن أن فيها قول آخر أنه يستحق الأجرة إذا كان قد عمل ما استؤجر عليه لأنه أتى بما يجب عليه ولم يفرط فيه ولم يتعد فلا ضمان عليه فإن كان كما ظننت فهذا القول أقوى، ثم قال رحمه الله (وإن حبسها على أجرتها فتلفت ضمنها) هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله والصواب أنه لا ضمان عليه فإذا كانت الأجرة حالَّة وقال له الخياط لا أعطيك الثوب الذي استأجرتني أخيطه لك حتى تسلم الأجرة، ففي هذه الحال إذا تلف الثوب فلا ضمان عليه لأنه معذور فربما يعطيه الثوب ويذهب ولا يرجع لكي يعطيه الأجرة وهذا يقع فالصواب أنَّ حبس ما استؤجر على أجرته جائز وأنه لو تلف بلا تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه. السائل: بعض المغاسل يكتبون على الفاتورة أنه إذا لم يحضر صاحب الملابس خلال مدة معينة لكي يأخذ ملابسه فإنه يحق لهم التصرف فيها؟

الشيخ: لا بأس به فهم يكتبون على الفاتورة نحن سوف نغسله لك أو نخيطه لك لكن إذا تأخرت عن المدة المقررة نصف شهر أو شهر فإن لنا أن نبيعه ونأخذ أجرتنا فهنا إذا وافق صاحب الملابس على هذا الشرط فلا بأس لأنه هو الذي اختار ذلك إلا إذا ثبت أنه تأخر لعذر لكن ما دام أنهم اتفقوا على ذلك فالمسلمون على شروطهم وهذا شرط فيه مصلحة لأنه لو لم يُقَلْ بجوازه لتكدست الثياب عند الغسال أو عند الخياط ثم ماذا يصنع بها وهو ليس على استعداد أن يذهب بها إلى القاضي في المحكمة ويقول له خذ والقاضي كذلك ربما لا يكون على استعداد لقبولها. السائل: أحياناً الغسالون يخطئون في التصرف فيعطي الثوب لغير صاحبه ويبقى عنده الثوب الآخر فماذا يجب عليه في هذه الحال؟ الشيخ: إذا أخطأ فعليه الضمان لأن هذا من تصرفه وأما الثوب الثاني الذي أخذ صحابه بدله فإنه يبقى عنده حتى يرجع صاحبه فإن يأس منه ولم يعرفه فإنه يبيعه ويتصدق بقيمته. فصل

القارئ: ولا ضمان على المستأجر في العين المستأجرة إن تلفت بغير تفريط لأنه قبضها ليستوفي ما ملكه منها فلم يضمنها كالزوجة والنخلة التي اشتراها ليستوفي ثمرتها وإن تلفت بفعله بغير عدوان كضرب الدابة وكبحها لم يضمن لأنها تلفت من فعل مستحق فلم يضمنها كما لو تلفت تحت الحِمْلِ وإن تلفت بعدوان كضربها من غير حاجة أو لإسرافه فيه ضمن لأنه جناية على مال الغير وإن اكترى إلى مكان فتجاوزه فهلك الظهر ضمنه لأنه متعد أشبه الغاصب وإن هلك بعد نزوله عنه وتسليمه إلى صحابه لم يضمنه لأنه برئ بتسليمه إليه إلا أن يكون هلاكه لتعب الحمل فيضمنه لأنه هلك بعدوانه وإن حَمَلَ عليه أكثر مما استأجره فتلف ضمنه لذلك وإن اكترى دابة ليركبها فركب معه آخر بغير إذن فتلفت ضمنها الآخر كلها لأن عدوانه سبب تلفها فضمنها كمن ألقى حجراً في سفينة موقرة فغرقها وإن تلفت الدابة بعد عودها إلى المسافة ضمنها لأن يده صارت ضامنة فلم يسقط عنه ذلك إلا بإذن جديد ولم يوجد. فصل القارئ: ولو قال لخياط إن كان هذا يكفيني قميصاً فاقطعه فقطعه فلم يكفه ضمنه لأنه إنما أذن له في قطعه بشرط الكفاية ولم يوجد وإن قال هو يكفيك قميصاً فقال اقطعه فقطعه فلم يكفه لم يضمنه لأنه قطعه بإذن مطلق. فصل القارئ: ومن أجر عيناً فامتنع من تسليمها فلا أجرة له لأنه لم يسلم المعقود عليه فلم يستحق عوضه كالمبيع إذا لم يسلمه وإن سلمه بعض المدة ومنعه بعضاً فقال أصحابنا لا أجرة له لأنه لم يسلم ما تناوله العقد فأشبه الممتنع من تسليم الجميع ويحتمل أن يلزمه عوض ما استوفاه كما لو باعه مكيلاً فسلم إليه بعضه ومنعه من باقيه.

الشيخ: ينبغي أن يقال إن في ذلك تفصيل فإن منعه لعذر استحق ما بقي وإن منعه عدواناً فإنه لا يستحق لكن هل يَسُوغ للمستأجر أن يستعملها فيما بقي وهو يعلم أن صاحبها لا يستحق الأجرة؟ الجواب هذا قد يقال إن فيه نظر إلا إذا كان استأجرها لعمل معين وفوَّته عليه فهنا له أن يستأجرها فيما بقي ولا شيء عليه. القارئ: وإن أجر نفسه على عمل وامتنع من إتمامه فكذلك وإن أجره عبده فهرب أو دابته فشردت في بعض المدة فله من الأجرة بقدر ما استوفى من المدة لأن الامتناع بغير فعله فأشبه ما لو مات وإن تلف الثوب في يد الصانع بغير تفريطه فلا أجرة له فيما عمل لأنه لم يسلمه إلي المستأجر فلم يستحق عوضه وإن تلف بتفريطه خير المالك بين تضمنيه إياه معمولاً ويدفع إليه أجرته وبين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة له وإن استأجر الأجير المشترك أجيراً خاصاً فأتلف الثوب فلا ضمان على الخاص ويضمنه المشترك. السائل: إذا أعطى رجل الغسال ثوبه وهو من الصوف وقال اغسله فغسله بالماء فانكمش وكان الواجب عليه أن يغسله بالبخار فحصل هنا تفريط من الجانبين فمن جانب صاحب الثوب أنه لم يخبر الغسال أن يغسله بالبخار ومن جانب الغسال أنه لم يسأل هل هذا الثوب يُغْسَل بالماء العادي أو البخار فما الواجب في هذه الحالة؟ الشيخ: هذا يرجع للعادة فإذا كان من العادة أن الصوف يغسل بالبخار وهذا غسله بالماء فإنه يضمن سواء شُرِطَ عليه غسله بالبخار أو لم يُشْرَط، لكن الذي أعرفه أن الصوف بعضه يُغْسل بالبخار وبعضه بالماء فإذا كان بعضه بالماء وبعضه بالبخار فلا بد أن يشترط صاحب الثوب أن يغسله له بالبخار. فصل القارئ: وإذا اختلف المتكاريان في قدر الأجرة أو المنفعة تحالفا لأنه عقد معاوضة أشبه البيع ثم الحكم في فسخ الإجارة كالحكم في فسخ البيع لأنها بيع.

الشيخ: المشكل هنا أنه إذا تفاسخا فإن المستأجر قد استوفى المنفعة وأما في البيع فإنه إذا تفاسخا رجعت السلعة إلى البائع وأعطي المشتري الثمن لكن في الإجارة قد استوفى المنفعة، فيقال تفسخ الإجارة ويستحق أجرة المثل لأن المنفعة تلفت تحت يد المستأجر ولم يتفقا على قدر الأجرة بعد فيكون له أي لصاحب العين أجرة المثل. القارئ: وإن اختلفا في العدوان فالقول قول المستأجر لأن الأصل عدم العدوان والبراءة من الضمان وإن اختلفا في رد العين ففيه وجهان أحدهما القول قول المؤجر لأن الأصل عدم الرد ولأن المستأجر قبض العين لنفسه أشبه المستعير والثاني القول قول الأجير لأنه أمين فأشبه المودع. الشيخ: في هذه المسألة ينبغي أن ينظر إلى حال الرجلين فمن كان حاله أقرب إلى الاستقامة فالقول قوله ويعرف هذا بحال الشخص، والقاضي لابد أن يكون عنده علم بأحوال الناس حتى يبني الأحكام على ما يعلمه منهم وقوله (ففيه وجهان) نقول ما هو الذي يمشي على القاعدة الوجه الأول أم الوجه الثاني؟ الجواب الوجه الأول لأن كل من قبض العين لحظه فإنه لا يقبل قوله في الرد إلا ببينة. القارئ: وإن هلكت العين فقال الأجير هلكت بعد العمل فلي الأجرة فأنكره المستأجر فالقول قوله لأن الأصل عدم العمل وإن دفع ثوباً إلى خياط فقطعه قباء وقال بهذا أمرتني فلي الأجرة ولا ضمان علي وقال صاحبه إنما أمرتك بقطعه قميصا فالقول قول الأجير نص عليه لأنه مأذون له في القطع والخلاف في صفته فكان القول قول المأذون له كالمضارب ولأن الأصل عدم وجوب الغرم فكان القول قول من ينفيه ويتخرج أن يقبل قول المالك لأن القول قوله في أصل الإذن فكذلك في صفته ولأن الأصل عدم ما ينفيه فكان القول قوله فيه.

الشيخ: هذه المسألة تقع فأحياناً يقول الرجل أعطيتك هذا القماش لتجعله قميصاً لكن الخياط جعله قباء وهنا نسأل ما هو القباء؟ الجواب القباء هو نوع من اللباس صفته أنه يكون واسعاً مفتوحاً من أعلى الجيب إلى أسفله وله أكمام واسعة، هذا هو القباء أحياناً يطرح على الكتفين بدون أن تدخل الأكمام وأحياناً تدخل الأكمام فهنا هذا الخياط جعله قباء ومالك القماش يقول إني أذنت لك أن تجعله قميصاً، فمن يقبل قوله؟ يقول المؤلف رحمه الله إن القول قول الأجير وهو الخياط فالقول قوله ولا ضمان عليه ويستحق الأجرة وعلل ذلك بقوله لأنه مأذون له في القطع والخلاف في صفته فكان القول قول المأذون له كالمضارب ولأن الأصل عدم وجوب الغرم فكان القول قول من ينفيه، لكن المؤلف ذكر أنه يتخرج أن يقبل قول المالك، وهذا بعكس الأمر الأول الذي نص عليه الإمام أحمد لأن الإمام أحمد نص على أن القول قول الأجير والمؤلف يقول يتخرج أن يكون القول قول المالك، لكن بماذا نعامل الأجير إذا قلنا إنَّ القول قول المالك؟ الجواب نعامله بالضمان والثاني عدم الأجرة هذا ما أراد المؤلف رحمه الله لكن ينبغي إذا قلنا إن القول قول المالك أن يباع القباء ويعطى المالك الفرق بين قيمة القميص وقيمة القباء فيزاد على قيمة القباء الفرق بينه وبين قيمة القميص لكي لا نظلم أحداً، ثم إنه في أصل المسألة لا ينبغي أن نقول إن القول قول المالك مطلقاً ولا أن نقول إن القول قول الأجير مطلقاً بل ننظر للقرينة إذا كان صاحب الثوب ممن عادته لبس القباء فالقول قول الأجير وإذا كان من عادته أن يلبس القميص فالقول قول المالك لأن هذه قرينة ويوجد الآن في بعض بلاد العالم يكون له لباس خاص وهو القباء فالقباء هو لباس العلماء عندهم فإذا قال الأجير أنت أمرتني أن أجعله قباء وقال صاحب القماش بل أمرتك أن تجعله قميصاً فالقول قول الأجير، ثم هناك أيضاً دليل آخر وهو القماش فالقماش يختلف لأن قماش القميص

باب الجعالة

غير قماش القباء فقماش القباء يكون غليظاً وثخيناً والقميص بعكس ذلك، والمهم أن القول الراجح في هذه المسألة أن ننظر للقرائن باعتبار الشخص أو باعتبار الثوب. باب الجعالة القارئ: وهي أن يجعل جعلاً لمن يعمل له عملا من رد آبق أو ضالة أو بناء أو خياطة وسائر ما يستأجر عليه من الأعمال فيجوز ذلك لقول الله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) ولما روى أبو سعيد أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا حياً من أحياء العرب فلم يقروهم فبيناهم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا هل فيكم من راق فقالوا لم تقرونا فلا نفعل أو تجعلوا لنا جعلا. الشيخ: قوله في الحديث (أو تجعلوا لنا جعلاً) نقول (أو) هنا بمعنى إلا، كقول القائل لأقتلن الكافر أو يُسلمَ والمعنى إلا أن يُسْلِم و (أو) تأتي بمعنى إلا أن، وتأتي بمعنى إلى أن فإذا كانت للغاية فهي بمعنى إلى أن وإذا كانت لغير الغاية فهي بمعنى إلا أن. القارئ: فجعلوا لهم قطيع شياه فجعل رجل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرئ الرجل فأتوهم بالشياه فقالوا لا نأخذها حتى نسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا فقال (وما أدراك أنها رقية خذوها واضربوا لي منها بسهم) متفق عليه ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد الضالة ونحوها فجاز كالإجارة.

الشيخ: هذا الحديث فيه آية من آيات الله عز وجل، الصحابة رضي الله عنهم نزلوا على هذا الحي ولكن الحي لم يقوموا بالضيافة والضيافة واجبة (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) فتنحوا فسلط الله على سيدهم عقرباً لدغته فتألم منها فأتوا إلى الصحابة فقالوا هل فيكم من راقٍ؟ قالوا نعم، لكنكم لم تقرونا _أي تضيفونا_ فلا نقرأ إلا بجعل فجعلوا لهم جعلاً غنماً، فذهب أحدهم وجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب فقط فقام هذا اللديغ كأنما نُشِطَ من عقال وسبحان الله هذا من تأثير القرآن لكن لا بد في نفع القراءة على المريض من ثلاثة أمور: أولاً المحل القابل. ثانياً أهلية الفاعل. ثالثاً آلية القراءة.

أما قبول المحل أي بمعنى أن يكون المريض قابلاً لهذه القراءة موقناً أنها سوف تنفعه، وأما أهلية الفاعل وذلك بأن يكون عنده توكل على الله عز وجل وقوة وعزيمة واعتقاد بأن ذلك سينفع وأما إن فعل ذلك للتجربة فهذا لا ينفع والثالث الآلية وذلك أن يكون ما يقرأ به مما ورد في الكتاب والسنة أما إذا قرأ بأشياء لا يُعرف معناها كرموز وألغاز فهذا لا ينفع ولا يجوز وإن نفع فهو بواسطة الشيطان وهنا سؤال وهو هل هذا الرجل أعني سيد هؤلاء القوم هل هو قابل لهذه القراءة؟ الجواب قابل بلا شك فهم يطلبون أحداً يقرأ عليه وكذلك الرجل الفاعل أي القارئ هو أهل لذلك لأنه صحابي وقرأ على أساس أن القراءة سوف تنفع والآلية كذلك لا شك فيها لأن ما قرأ به هو القرآن وهي الفاتحة وسبحان الله يعني قد يقول قائل ما العلاقة بين المرض وبين الفاتحة؟ نقول العلاقة لأن الفاتحة أم القرآن فهي جامعة لمعاني القرآن كله فلذلك صارت رقية مع أنك لو قرأت الفاتحة على لديغ قد تقول ما العلاقة بين اللدغة وبين قراءة الفاتحة ولو قرأت مثلاً (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) لكان هذا مناسباً ووجه المناسبة هو ذكر السكون أو ما أشبه ذلك من الآيات التي تتناسب مع المرض، لكن ما مناسبة الفاتحة للرقية؟ الفاتحة هي أم القرآن وهي السبع المثاني ولا نظير لها في الكتب السابقة أبداً فلذلك كانت قرأتها على المرضى شفاء بإذن الله عز وجل، ثم إن الصحابة رضي الله عنهم أشكل عليهم ما أخذوه من الغنم وقالوا لا نأخذها حتى نسأل الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا من ورعهم فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال (وما يدريك أنها رقية) وهذا الاستفهام للتقرير يعني أنها رقية وأذن لهم بأخذ الجعل وقال أضربوا لي منها بسهم وهذا هو العلم فهل هو بحاجة إلى أن يضرب له منها بسهم؟ الجواب لا، لكنه سألهم لمصلحتهم هم لا لمصلحته هو وذلك لكي تطمئن نفوسهم لأن

التعليل بالفعل أشد تأثيراً من التعليل بالقول وهذا كما أمرنا الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم أن نُصلِّيَ عليه مع أنه ليس بحاجة لنا لكن هذا لأجل مصلحتنا نحن لأننا إذا صلينا عليه وعلى آله وسلم مرة واحدة صلى الله علينا بها عشرة. وفي هذا حديث أيضاً دليل على جواز أخذ الجعل على القراءة على المريض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك فإن قال قائل كيف يجوز الأخذ على قراءة القرآن؟ قلنا ليس هذا الجعل لقراءته القرآن فلم يقل للرجل اقرأ علينا الفاتحة أو أقرأ علينا البقرة ونعطيك عشرة ريال مثلاً كل ذلك لم يُقَلْ، بل هذا الجعل من أجل أنَّ علاجه بقراءة القرآن فشفاه الله عز وجل فَنَفعُ هذه القراءة متعدي كما أنه يجوز أن تأخذ أجراً على تعليم القرآن وأما على قراءة القرآن فلا يجوز فإذا أخذ الإنسان أجراً على قراءة القرآن فهذا حرام ولا ثواب له وإذا أخذ أجراً على تعليم القرآن فهذا جائز ولا بأس به لأن الأجر هنا على عمل متعدي وإذا أخذ عوضاً على قراءة القرآن على مريض فهذا جائز لأن نفع ذلك متعدي فالمؤلف رحمه الله استدل بالحديث واستدل بالنظر وهو التعليل لأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد الضالة ونحوها فجاز كالإجارة ورد الضالة هو أن تعلن مثلاً من رد ضالتي فله كذا وكذا فهذا جائز فربما يردها عن قُرْبٍ وربما يردها عن بُعْدٍ فنقول هو وحظه إن وجدها قريبة من البلد فهذا حظه وإن وجدها بعيدة فهذا حظه ولو قُدِّرَ أن هذا الذي سمع بهذا الإعلان ذهب يطلب وتعب وأتعب سيارته وفي النهاية وجدها شخص آخر فهل الأول الذي تعب في البحث يستحق شيئاً؟ الجواب لا، لأنه ما تم المعقود عليه فالرجل قال من رد ضالتي، وهذا لم يردها فيكون الله عز وجل قد قدر الرزق للذي ردها، ثم نقول أيضاً هذا الذي ردها هل يستحق الجعل أو لا يستحق؟ الجواب إن كان الذي ردها عمل العمل لردها بعد علمه بالجعل فله ذلك وإن كان قبل علمه فلا شيء له، لأنه لم يعمل لأجل

العوض فقد تكون وقعت في يده وأخذها أو فعل ذلك تبرعاً ومساعدة لصاحبه فهو لم يأت بها بناءً على العوض. السائل: قد يأتي إمام إلى أهل حي فيصلي بهم فتجد أثر قراءته ظاهراً على المصلين من خشوع وبكاء وقد يأتي إمام آخر إلى نفس أهل الحي فيصلي بهم لكن لا تجد ذلك التأثر فما السبب في ذلك؟ الشيخ: على كل حال الخشوع له أسباب منها الأداء فبعض الناس أداءه للقرآن الكريم يُخَشِّعُ الغير، ومنها أيضاً أنه إذا خشع الإمام فالغالب أن المأمومين يتأثرون ويخشعون، ومنها استحضار المعنى في آيات توجب رقة القلب فالآيات ليست على حد سواء فإذا قرأت مثلاً سورة ق أو قرأت سورة الواقعة لا شك إنك تتأثر أكثر مما لو قرأت آية الدين مثلاً فهذه لها أسباب، ثم إن قسوة القلوب الآن أكثر من قبل فالآن القلوب قاسية لأنه فتحت علينا الدنيا وانهمكنا بها فصار الإنسان يدخل في صلاته ويفكر ويخرج منها وهو يفكر وهذا لا شك أن له تأثير قوي. السائل: قد يصاب الإنسان بألم ما فيقرأ على نفسه فيشفى في وقت قصير وقد يصيبه نفس الألم فيقرأ عليه نفس القراءة ومع ذلك قد لا يشفى إلا في وقت طويل فما سر ذلك؟ الشيخ: هذا معلوم لأن الأمر بيد الله عز وجل فما كل سبب يؤثر فالأسباب لا تؤثر بنفسها قد يكون هناك مانع ما وقد يكون الله عز وجل أراد أن يدخر لهذا الداعي ما هو خير وقد يكون الله عز وجل يريد أن يترقى هذا الذي أصابه المرض إلى درجة الصابرين لأن الصبر درجة عالية لا تنال إلا بوجود ما يُصْبَرُ عليه وانظر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ألم يكن يوعك كما يوعك الرجلان مع أنه خير الله عز وجل ولكن هذا لأجل أن ينال درجة الصبر فهو نال عليه الصلاة والسلام درجة الصبر على أقدار الله ونال درجة الصبر على طاعة الله فقد يدعو الناس وهم يؤذونه ويحاربونه ويقتلون أصحابه وهو صابر على هذه الدعوة، ثم الصبر على محارم الله وهو معروف.

القارئ: ويجوز عقد الجعالة لعامل غير معين وعمل مجهول فيقول من رد ضالتي فله كذا للآية ولأن الحاجة داعية إليه مع الجهل فجاز كالمضاربة ولا يجوز إلا بعوض معلوم لأنه عقد معاوضة فاشترط العلم بعوضه كالإجارة. الشيخ: قوله (فله كذا للآية) ماهي الآية؟ الجواب هي قوله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) فهو لم يعين العامل ولم يعين العمل لأنه لا ندري ما يأتي به. القارئ: فإن شرط مجهولاً فسد وله أجرة المثل لأنه عقد يجب المسمى في صحيحه فوجبت أجرة المثل في فاسده كالإجارة. فصل القارئ: وهي عقد جائز لأنها تنعقد على مجهول فكانت جائزة كالمضاربة وأيهما فسخ قبل الشروع في العمل فلا شيء للعامل وإن فسخه العامل قبل تمام العمل فلا شيء له لأنه إنما يستحق بعد الفراغ من عمله وقد تركه وإن فسخه الجاعل بعد التلبس به فعليه أجرة ما عمل العامل لأنه إنما عمل بعوض لم يسلم له وإن تم العمل لزم العقد ووجب الجعل لأنه استقر بتمام العمل فأشبه الربح في المضاربة وإن زاد في الجعل أو نقص منه قبل الشروع في العمل جاز لأنه عقد جائز فجازت الزيادة فيه والنقصان قبل العمل كالمضاربة. فصل القارئ: ولا يستحق الجعل إلا بعد فراغه من العمل لأنه كذا شرط وإن جعل له جعلاً على رد آبق فرده إلى باب الدار فهرب أو مات قبل تسليمه لم يستحق شيئا لأنه لم يأت بما جُعِلَ الجعل فيه وإن قال من رده من مصر فله دينار فرده من نصف طريقها أو قال من رد عَبْدَيَّ فله دينار فرد أحدهما فله نصف الدينار لأنه عمل نصف العمل وإن رده من أبعد من مصر لم يستحق إلا الدينار لأنه لم يضمن لما زاد شيئا وإن رده جماعة اشتركوا في الدينار لأنهم اشتركوا في العمل فإن جعل لواحد في رده ديناراً ولآخر اثنين ولآخر ثلاثة فلكل واحد منهم ثلث جعله. الشيخ: كم يستحق كل واحد منهم؟ الأول له ثلث دينار والثاني ثلثا دينار والثالث دينار كامل.

القارئ: وإن جعل لواحد منهم ثوباً فله ثلث أجرة المثل لأنه عوض مجهول فاستحق ثلث أجرة المثل وإن جعل لواحد جعلا فأعانه آخر فالجعل كله للمجعول له لأن العمل كله له فإن قال الآخر شاركته لأشاركه في الجعل فللعامل نصف الجعل لأنه عمل نصف العمل ولا شيء للآخر لأنه لم يشرط له شيء. فصل القارئ: ومن عمل لغيره عملاً بغير جعل فلا شيء له لأنه بذل منفعته بغير عوض فلم يستحقه وإن التقط لقطة قبل الجعل ثم بلغه الجعل لم يستحقه لأنه وجب عليه ردها بالتقاطها فلم يجز له أخذ العوض عن الواجب وإن التقطها بعد الجعل ولم يعلم بذلك لم يستحقه لأنه تطوع بالالتقاط وإن نادى غير صاحب الضالة من ردها فله دينار فردها رجل فالدينار على المنادي لأنه ضمن العوض وإن قال في النداء قال فلان من رد ضالتي فله دينار فردها رجل لم يضمن المنادي لأنه لم يضمن إنما حكى قول غيره. الشيخ: إذا أنكر صاحب الضالة وقال أنا لم أقل أن من ردَّ ضالتي له دينار وهذا المنادي كذب عليَّ، فهنا يضيع حقه على كلام المؤلف لأنه لم يحتط لنفسه، ولكن نقول الذي يظهر أن هذا المنادي إذا كان موثوقاً فإنه يضمن لأنه موثوق فيقال له أحضر الجعل الذي جعلت وارجع أنت على صاحب الضالة لأن المنادي الذي قال: قال فلان من رد ضالتي فله كذا وثق الناس في قوله وذهبوا يطلبون الضالة لأجل ثقتهم به فإذا أحضروها نقول له عليك الضمان لأنك رجل ثقة والناس ما عملوا إلا بناءً على استحقاقهم لهذا الجعل ثم أنت ارجع على صاحبك وهذا الأمر يكون فيما إذا أنكر صاحب الضالة أما إذا أقر فهنا وجب عليه الجعل _ أي على صاحب الضالة _. فصل القارئ: وإن اختلفا في الجعل أو في قدره أو في المجعول فيه الجعل فالقول قول المالك لأنه منكر ما يدعى عليه والأصل عدمه. الشيخ: قوله (الأصل عدمه) وفي نسخة (الأصل معه). فصل

القارئ: وإن رد آبقاً من غير شرط ففيه روايتان إحداهما لا جعل له فيما ذكرنا والثانية له الجعل لأن ذلك يروى عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل في الآبق إذا جاء به خارجاً من الحرم دينارا ولأن في ذلك حثاً على رد الآبق وصيانة عن الرجوع إلى دار الحرب وردتهم عن دينهم فينبغي أن يكون مشروعا وقدر الجعل دينار أو اثنا عشر درهما لما رُوِّينَا ولأن ذلك يروى عن عمر وعلي رضي الله عنهما وعن أحمد رضي الله عنه أنه إن رده من خارج المصر فله أربعون درهما وإن رده من المصر فله دينار لأنه يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه وسواء كان ذلك كقيمة العبد أو أقل أو أكثر فإن مات السيد استحق الجعل في تركته وما أنفقه على الآبق في قوته رجع به على سيده سواء رده أو هرب منه في بعض الطريق. الشيخ: الصحيح أن له عوضاً في رده للآبق، لكن تقديره باثني عشر ديناراً أو الاختلاف بين المصر وغيره فيه نظر لأن ما روي عن الصحابة في هذا يمكن أن يكون في ذلك الوقت هو أجرة المثل فقدروه بذلك لأنه أجرة المثل فالصواب أنه يستحق لأن خطر الآبق ليس كغيره وعليه فهو يستحق العوض لكن يرجع في ذلك إلى أجرة المثل وأما التقدير الوارد عن الصحابة فهذا لأنه كان في عهدهم يستحق هذا القدر. السائل: لوقال رجلٌ من ردَّ ضالتي (فله جائزة) ولم يعين ما هي هذه الجائزة ومن المتعارف عليه عند أهل هذه البلاد مثلاً أن من رد الضالة فله عشر قيمتها فهل إذا وجدها رجل ما وردها يستحق عشر قيمتها أم لا وهل هناك فرق بين أن يقول فله (جائزة) أو فله (الجائزة)؟ الشيخ: نعم لو قال (فله الجائزة) فهنا يأخذ ما كان معروفاً وهو عشر القيمة ولكنه قال (فله جائزة) فيرجع في ذلك إلى أجرة المثل.

باب المسابقة

باب المسابقة القارئ: تجوز المسابقة على الأقدام والدواب وبالسهام والحراب والسفن وغيرها لما روى ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق) متفق عليه وسابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عهنا على قدميه وسابق سلمة بن الأكوع رجلاً من الأنصار بين يديه ومر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يَرْبَعُونَ حجراً أي يرفعونه بأيديهم ليعلم الشديد منهم فلم ينكر عليهم. الشيخ: هذا النوع من المسابقة جائز وإن كان فيه شيء من اللهو لكن فيه مصلحة وتمرين وإلا فلا شك أن المسابقة في هذه الأشياء يلهو بها الإنسان كثيراً لكن فيها مصلحة وتمرين ومن ذلك ما يعرف الآن في لعب الكرة كرة القدم فهذه فيها لهو لكن فيها تمرين وتنشيط للجسم فتكون من قسم المباح إلا أن يقترن بها شيء محرم ككشف العورة والتنابز بالألقاب أو تكون على عوض فتكون حراماً. القارئ: ولا يجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام لما روى أبو هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا سَبَقَ إلا في نصل أو خف أو حافر) رواه أبو داود فتعين حمله على المسابقة بعوض جمعاً بينه وبين ما رُوِّينَا. الشيخ: قوله (جمعاً بينه وبين ما رُوِّينا) يعني مما سبق في جواز المسابقة فيه. القارئ: والمراد بالحافر الخيل خاصة وبالخف الإبل وبالنصل السهام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس من اللهو إلا ثلاث تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله) ولأن غير الخيل والإبل لا تصلح للكر والفر والقتال وغير السهام لا يعتاد الرمي بها فلم تجز المسابقة عليها كالبقر والتراس. السائل: إذا قال الجاعل أي صاحب الضالة من رد علي ضالتي فله كذا ثم إن صاحب الضالة زهد فيها لكن أتاه رجل ورد ضالته فهل تلزمه الأجرة؟

الشيخ: نقول ما ذنب هذا الرَّاد وحتى لو ردها مثلاً وهي على صفة رديئة بحيث يكون لصاحبها حينما جَعَلَ الجُعْل يظن أنها على حالها حين فقدها فردها عليه الرجل وهي بصفة رديئة فليس له أن يقول أنا جعلت الجعل ظاناً أنها على حالها الأول والآن قد هزلت، فنقول له أنت قد جعلت جعلاً على عمل وقد قام به هذا الرجل، وإذا شئت فَقَيِّد وقل من رد ضالتي على حالها فله كذا كما أنك تقيد في المكان فتقول من رد ضالتي من مكان كذا وكما أنك تقيد في الزمان فتقول من رد ضالتي في خلال أربعة أيام فهنا كذلك قيِّد. السائل: إذا قال من رد ضالتي فله دينار فردها شخص وشاركه آخر في هذا العمل فهل يستحق شيئاً؟ الشيخ: يستحق الطرفان ديناراً واحداً. السائل: مامعنى (ليس من اللهو إلا ثلاث)؟ الشيخ: يعني ليس من اللهو مالا يكون باطلاً إلا ثلاثاً ويفسره اللفظ الآخر (كل لهو يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثة وذكر هذا) أو يقال إن المعنى ليس من اللهو ما ينفع إلا ثلاث. فصل القارئ: والمسابقة بعوض جعالة فيه لأنه عقد على ما لا يعلم القدرة على تسليمه فأشبه رد الآبق ولكل واحد منهما فسخها قبل الشروع في المسابقة وما لم يظهر فضل أحدهما. الشيخ: قوله (ومالم يظهر فضل أحدهما) يعني وبعدها ما لم يظهر فضل أحدهما والمعنى أنه قبل أن يشرعا في المسابقة فلكل واحد منهما أن يفسخ فإن شرعا فلكل واحد منهما أن يفسخ إلا إذا ظهر الفضل لأحدهما فإن المفضول لا يفسخ كما يذكر المؤلف

القارئ: فإن ظهر فللفاضل الفسخ والنقصان والزيادة ولا يجوز للمفضول لئلا يفوت غرض المسابقة فإنه متى بان له أنه مسبوق فسخ وذكر القاضي وجهاً آخر أنها عقد لازم لأن من شرطها العلم بالعوضين فكانت لازمة كالإجارة ويجوز بذل العوض من بيت المال ومن السلطان ومن المتسابقين ومن آحاد الرعية لأنه إخراج مال لمصلحة فجاز من الجميع كارتباط الخيل في سبيل الله فإن بذل العوض فيها تحريض على التعلم والاستعداد للجهاد. الشيخ: وعمل الناس الآن في المسابقات لا بأس به لأن العوض قد يكون من بيت المال وقد يكون من السلطان من جيبه الخاص وقد يكون من أحد التجار أو الشركات أو ما أشبهها فليس بلازم أن يكون من أحد المتسابقين. القارئ: ومن شرط العوض كونه معلوماً لما ذكرنا في الجعالة. فصل القارئ: ولا تجوز المسابقة بين جنسين كالخيل والإبل لأن تفاضل الجنسين معلوم فأما النوعان كالعربي والهجين والبُختي والعرابي فقال القاضي تجوز المسابقة بينهما لأن الجنس يشملهما فأشبها النوع الواحد وقال أبو الخطاب لا تصح لأنهما يختلفان في الجري عادة فأشبها الجنسين وكذا الخلاف في المنضالة بنوعين من القسي كالعربي والفارسي وقوس الجرح وقوس النبل لذلك. الشيخ: قوله (قوس الجرح) في النسخة التي معي قال (الجرخ) بالخاء وذكر في الحاشية في النسخة التي معي قال العلامة البهوتي جرخ وهو الذي يرمي به الروم وفي الألفاظ الفارسية المعربة الجروخ من أدوات الحرب، مشتقة من الجيم المنقوطة بثلاث ومعناها الفلك وتطلق على جميع الآلات التي تدور (¬1). السائل: العوض إذا كان من المتسابقين ألا يكون قماراً؟ ¬

_ (¬1) ملحوظة: سأل الشخ الطلاب عن كيفية النطق بـ (چـ) التي هي منقوطة بثلاث فأجاب أحد الطلاب أن نطقها يكون بين الشين والجيم، وأقره الشيخ رحمه الله على ذلك وطلب الشيخ تصحيح الكلمة (الجرح) وجعلها بالخاء (الجرخ).

الشيخ: العوض من المتسابقين يكون قماراً مباحاً وهذا وجه الاستثناء وأما اشتراط المحلل فسيأتي ذكر الخلا ف فيه والصواب أنه لا يشترط. السائل: ما حكم بذل العوض من غير أحد المتسابقين في المسابقات التي لا يشترط فيها منفعة شرعية؟ الشيخ: الظاهر أنه لا بأس لأن الإنسان له أن يبذل ماله فيما يتفرج عليه وهذا سوف يتفرج على المتسابقين ويعطيهم جائزة. فصل القارئ: ويشترط تعيين المركوبين لأن القصد جوهرهما وتعيين الراميين لأن القصد معرفة حذقها ولا يعتبر تعيين الراكبين ولا القوسين لأنهما آلة للمقصود فلم يعتبر تعيينها كسرج الدابة. الشيخ: ما ذكره المؤلف قول ضعيف والصواب أنه يعتبر تعيين الراكبين لأن الراكبين يختلف الجري باختلافهما فبعوض الناس يركب على البهيمة ويزجرها لتسرع في المشي ولكنها نائمة لا يهمهما بل ويضربها ولا يهمها وبعض الناس يركب فيزجرها ويحرك نفسه على ظهرها فتمشي وتهملج وهذا شيء شاهدناه لمَّا كان الناس يركبون الإبل بل والحمير أيضاً نجد بعض الناس يركب ويزجر وينهر والدابة نائمة لا تتحرك بل وإذا ضربها قد تصعب عليه ولا تمشي وبعض الناس إذا ركب لا يحتاج إلى ذلك كله بل إذا أرادها أن تسرع حرك نفسه فكيف نقول مع وجود هذا الفرق العظيم أنه لا يشترط تعيين الراكبين بل الصواب المقطوع به أنه لابد من تعيين الراكبين، أما مسألة القوسين فهذا إذا كانا يختلفان فلابد من تعيينهما وإن كانا لا يختلفان فلا بأس أن يقع العقد على قوس مجهول ثم عند الرمي كل يرمي بقوسه. القارئ: ويعتبر تحديد المسافة لحديث ابن عمر ولأنهما إذا أجريا إلى غير غاية لم يؤمن ألا يسبق أحدهما حتى يعطبا أو أحدهما. الشيخ: هذا صحيح فلا بد من تحديد غاية فلو أن رجلان تسابقا على فرسين ولم يذكرا غاية وأشارا إلى جهة مكة ولم يعينا غاية فمتى يكون المنتهى قد يكون مكة أو من وراء مكة فلهذا يقول المؤلف رحمه الله (لم يؤمن ألا يسبق أحدهما حتى يعطبا أو أحدهما).

القارئ: ولا يجوز إجراؤهما إلا بتدبير الراكبين لأنهما إذا جريا لأنفسهما، تنافرا ولم يمضيا إلى الغاية. الشيخ: المعنى أنه لابد أن يكون لهما أمين يأذن لهما في الانطلاق ويمنعهما عند انتهاء الغاية. القارئ: ولا يجوز أن يستبقا على أن من سبق صاحبه بخمسة أقدام فهو السابق لأن هذا لا ينضبط فإن الفرسين لا يقفان عند الغاية لِيُقَدَّرَ ما بينهما. الشيخ: هذا صحيح لأنه مع الاندفاع قد يصل الإنسان إلى الغاية ولكنه يتعدَّاها وانظر أنت إلى نفسك في المسعى عندما تسعى شديداً بين العلمين فإنك إذا أردت أن تجعل الغاية هي حد العلم الأخضر الثاني فلا بد أن تنطلق بسرعة زائدة أو تخفض من قبل أن تصل إلى الحد. فصل القارئ: وإذا كان الجعل من غيرهم فقال من سبق منكم فله عشرة صح فإن سبق واحد فهي له لأنه سبق وإن سبق اثنان أو أكثر اشتركوا في السبق وإن جاء الكل معاً فلا شيء لهم لأنهم لا سابق فيهم. الشيخ: إذا جاءوا جميعاً فلا يستحقون شيئاً لأن صاحب الجعل قال هو لمن سبق منكم، وإذا أتوا جميعاً فلا سابق بينهم وعليه فلا يستحقون الجعل ولو قالوا له اعطنا الجعُل لنجعله أنصاف بيننا فهل يلزمه؟ الجواب لا يلزمه لأنه يقول إنما أردت التشجيع. القارئ: وإن جعل السبق للمصلي وحده أو فضله عن السابق لم يصح لأن كل واحد منهم يجتهد أن لا يسبق فيفوت الغرض وكذلك إن جعل للسابق عشرة وللثالث أربعة ولم يجعل للمصلي شيئاً لم يصح لأن من عدا السابق يجتهد أن لا يسبق صاحبه وإن سوى بين السابق والمصلي ولا ثالث معهما لم يصح لفوات الغرض به وإن كان معهما ثالث نقص عنهما صح. الشيخ: قوله (السابق والمصلي) المصلي هو الذي يأتي بعد الأول والسابق هو الأول فإذا جعل الجعل للمصلي فمعناه أن كل واحد يحب أن يتأخر.

القارئ: لأن كل واحد منهم يجتهد في أن لا يكون الثالث وإن جعل للمجلي وهو الأول مائة وللمصلي وهو الثاني تسعين وللتالي وهو الثالث ثمانين وللبارع وهو الرابع سبعين وللمرتاح وهو الخامس ستين وللحظي وهو السادس خمسين وللعاطف وهو السابع أربعين وللمؤمل وهو الثامن ثلاثين وللطيم وهو التاسع عشرين وللسكيت وهو العاشر عشرة وللفسكل وهو الأخير خمسة صح لأن الغرض حاصل وكل واحد يجتهد في سبق الآخر لينال أعلى من رتبته. الشيخ: هذه ألقاب معروفة عندهم في السباق وهي ليست مسائل شرعية لكنها عرفية على هذا الترتيب الذي ذكره المؤلف. القارئ: وإن جعل جعل كل رتبة يشترك فيه جميع من بلغها احتمل أن يصح لذلك واحتمل أن لا يصح لأنه قد يشترك في السبق جماعة وينفرد المصلي فيفضلهم بكثرة ما جعل له فيفوت الغرض وإن قال من بلغ الغاية فله عشرة لم يكن ذلك مسابقة لأن مقصود المسابقة التحريض على السبق وتَعَلُّمُ الفروسية وهذا يفوت بالتسوية ولكنه جعالة محضة لأنه بذل العوض في أمر فيه غرض صحيح وكذلك إن قال ارم عشرة أسهم فإن كانت إصابتك أكثر من خطئك فلك كذا أو قال إن أصبت بهذا السهم فلك كذا صح ولم يكن مناضلة لذلك. فصل القارئ: وإن أخرج الجعل أحد المتسابقين جاز لأن فيهما من يأخذ ولا يعطي فلا يكون قماراً فإن سبق من أخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من صاحبه شيئاً. الشيخ: قوله (يأخذ ولا يعطي) المعنى أنه إذا سبق أخذ جعله ولا يعطي الآخر شيئاً. القارئ: وإن سبق الآخر أحرز الجعل لأنه سابق وإن جاءا معاً فالجعل لصاحبه لأنه لا سابق فيهما وإن أخرجا معاً لم يجز لأنه يكون قمارا لأنه ليس فيهما إلا من يأخذ إذا سبق ويعطي إذا سبق إلا أن يدخلا معهما ثالثاً يساوي فرسه فرسيهما لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار) رواه أو داود.

الشيخ: قوله (إلا أن يدخلا معهما ثالثاً) هذا يسمونه المحلل والصحيح أنه ليس بشرط وأنه يجوز للمتسابقين فيما يجوز فيه السبق أن يتسابقا وإن لم يكن محلل لأن هذا هو الفرق فالصواب أن المحلل ليس بشرط. القارئ: ولأنه مع وجود المحلل المكافئ فيهم من يأخذ ولا يعطي فيخالف القمار فإن كان لا يكافئهما فوجوده كعدمه لأنه معلوم أنه لا يأخذ شيئا وسواء كان المحلل واحداً أو أكثر والمسابقة بين اثنين أو حزبين لأن الغرض الخروج من القمار وقد حصل على أي صفة كان فإذا تسابقوا فجاءوا معاً أو جاء المستبقان معاً قبل المحلل أحرز كل واحد منهما سبقه ولا شيء للمحلل لأنه لم يسبق ولم يسبق أحدهما صحابه وإن سبقهما المحلل أخذ سبقيهما لأنه سبقهما وإن سبق أحد المستبقين وحده أحرز السبقين لسبقه ولم يأخذ من المحلل شيئا وإن سبق أحدهما مع المحلل أحرز المستبق سبق نفسه لأنه غير مسبوق وكان سبق الآخر بينه وبين المحلل نصفين لاشتراكهما في سبقه. فصل القارئ: وترسل الفرسان معاً من أول المسافة في حال واحدة ولا يجوز لأحدهما أن يجنب مع فرسه فرساً يحرضه على العدو ولا يصيح به في وقت سباقه ولا يجلب عليه لما روى عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا جلب ولا جنب في الرهان) رواه أبو داود وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا) فإن استوى الفرسان في طول العنق فسبق أحدهما برأسه فهو سابق وإن اختلفا في طول العنق أو كانا بعيرين اعتبر السبق بالكتف فمن سبق به أو ببعضه فهو سابق ولا عبرة بالعنق وإن عثر أحدهما أو ساخت قوائمه في الأرض أو وقف لعلة فسبقه الآخر لم يحكم له بالسبق لأن سبقه إياه للعارض لا لفضل جريه فصل

باب المناضلة

القارئ: وإن مات أحد المركوبين بطلت المسابقة لأن العقد تعلق بعينه فأشبه تلف المعقود عليه في الإجارة وإن مات الراكب لم تبطل لأنه غير المعقود عليه وللوارث أن يقوم مقامه وله أن لا يفعل لأن العقد جائز ومن جعله لازماً ألزمه أن يقوم مقامه كالإجارة. الشيخ: قوله (وإن مات الراكب لم تبطل لأنه غير المعقود عليه) هذا فيه نظر ظاهر، فالمعقود عليه صحيح أنه هو الفرس مثلاً لكن لا شك أن للراكب تأثيراً في عدوه وسبقه، فالذي يظهر أنه إذا مات الراكب بطلت المسابقة وأنه ليس للوارث أن يقوم مقامه لأن الثاني قد يرضى أن يسابق الميت ولا يرضى أن يسابق الوارث لكونه مثلاً أشد منه. باب المناضلة القارئ: وهي المسابقة بالرمي وتجوز بين اثنين وحزبين لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج على أصحاب له يتناضلون فقال (ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك الآخرون فقال مالكم فقالوا يا رسول الله كيف نرمي وأنت معهم فقال ارموا وأنا معكم كلكم) رواه البخاري ولأنه إذا جاز على اثنين جاز على ثلاثة كسباق الخيل. الشيخ: في هذا دليل على ما ذكره المؤلف وهو جواز أن تكون المسابقة بين جماعة وجماعة، وفيه أيضاً دليل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لمَّا احتج عليه الفريق الثاني قال (أنا معكم كلكم) ولم يقل إذن أخرج عنكم فيحرِمُ الجميع وإنما كان معهم كلهم حتى يكون مع الجميع ولو قال إذن أخرج عنكم لرضي الآخرون لكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يريد أن يحرم الأولين الذين قال لهم (أنا معكم) وهذا لا شك أنه من حسن خلقه صلوات الله وسلامه عليه. فصل

القارئ: ويشترط لصحتها شروط ثمانية أحدها تعيين الرماة لأن الغرض معرفة الحذق في الرمي فلا يتحقق مع عدم التعيين كسباق الخيل فإن عقد اثنان نضالاً على أن يكون مع كل واحد منهما ثلاثة لم يصح لذلك وإن عقد جماعة نضالاً ليتناضلوا حزبين احتمل أن لا يصح لأن التعيين لا يتحقق قبل التفاصل وقال القاضي يصح ويجعل لكل حزب رئيس فيختار أحدهما واحداً ويختار الآخر آخراً كذلك حتى يتناضلوا فإن اختلفا في المبتدئ منهما بالخيار أقرع بينهما ولا يجوز أن يقتسموا بالقرعة لأنها ربما وقعت على الحذاق في أحد الحزبين ولا يجوز أن يجعل زعيم الحزبين واحداً لأنه قد يميل إلى أحدهما فتلحقه التهمة ولا يجوز أن يجعل الخيرة في تمييز الحزبين إلى واحد لذلك ولا يجوز أن يجعل إلى واحد والسبق عليه لأنه يختار الحذاق فيبطل معنى النضال. الشيخ: هذا الفصل المدار فيه على التهمة. فصل القارئ: الشرط الثاني تعيين نوع القسي لأن الأغراض تختلف باختلافها فقد يكون الرامي أحذق بنوع منه بالنوع الآخر وإن لم يكن في البلد إلا نوع واحد لم يحتج إلى التعيين لأن الإطلاق ينصرف إليه كالنقد. الشيخ: قوله (كنقد) أي أنه لو تبايعوا بدرهم والبلد فيه دراهم متنوعة لكنها متساوية في الرَّواج فالعقد صحيح ويعطى واحد منهما، أما لو كانت مختلفة الرَّواج فلابد من التعيين. القارئ: فإن عقدا على نوع فأراد أحدهما أن ينتقلا إلى غيره أو أن ينتقل أحدهما لم يجز لما ذكرناه وإن عقدا على قوس بعينه فانتقل أحدهما إلى غيره من نوعه جاز لأن الأغراض لا تختلف باختلاف الأعيان وإن شرط عليه أن لا ينتقل خرج على الوجهين فيما إذا شرط في الإجارة أن لا يستوفي المنفعة بمثله. فصل

القارئ: الشرط الثالث أن يرميا غرضا وهو ما يقع فيه السهم المصيب من جلد أو ورق أو نحوه وإن قالا السبق لأبعدنا رميا لم يصح لأن القصد بالرمي الإصابة لا الإبعاد فلم يجز أخذ العوض عن غير المقصود والسنة أن يكون لهما غرضان في هدفين متقابلين يرميان من أحدهما الآخر ثم يرميان من الآخر الأول فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كذلك كانوا يرمون فروي عن حذيفة وابن عمر أنهما كانا يشتدان بين الغرضين إذا أصاب أحدهما خصلة قال أنا بها في قميص رواه سعيد ويروى أن ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة والهدف اسم لما ينصب الغرض فيه. الشيخ: الهدف هو شيء قائم كخشبة أو نحوها يجعل فيها ما يرمى إليه وأما الغرض فهو الذي تقع فيه الرمية. فصل القارئ: الشرط الرابع أن يكون قدر الغرض معلوماً طوله وعرضه وانخفاضه وارتفاعه لأن الإصابة تختلف باختلافه فوجب علمه كتعيين النوع. فصل

القارئ: فإن أطلقا العقد حمل على إصابته أي موضع كان من الغرض من أطرافه وعراه وغيرها وإن أصاب علاقته لم يحسب له لأن العلاقة ما يعلق به والغرض هو المعلق وإن شرطا إصابة موضع من الغرض كالدارة التي في وسطه أو الخاتم الذي في الدارة لم يحتسب بإصابة غيره ويستحب أن يصفا الإصابة فيقولا خواصل وهو اسم للإصابة كيفما كانت أو خوارق وهو ما ثقب الغرض أو خواسق وهو ما ثقبه وثبت فيه أو موارق وهو ما ثقبه ونفذ منه أو خوارم وهو ما قطع طرفه فإن أطلقا الإصابة حمل على الخواصل والقرع كالخصل فإن أصاب سهماً في الغرض قد غرق إلى فوقه حسب له لأنه لولاه لوقع السهم في الغرض وإن كان السهم معلقاً بنصله وباقيه خارج من الغرض لم يحسب له ولا عليه لأن بينه وبين الغرض طول السهم فلا يدري أكان يصيبه أم لا فإن أطارت الريح الغرض فأصاب السهم موضعه حسب له وإن وقع في الغرض في الموضع الذي انتقل إليه حسب عليه في الخطأ لأنه أخطأ في الرمي وإنما أصاب بفعل الريح وإن عرضت ريح شديدة لم يحسب له السهم في إصابة ولا خطأ لأن ذلك من أجل الريح وإن كانت لينة حسب في الإصابة والخطأ لأنها لا تمنع وإن وقع السهم دون الغرض ثم ازدلف فأصابه حسب خاطئا لأن هذا لسوء رميه وإن عرض عارض من كسر قوس أو انقطاع وتر أو ريح في يده فأصاب حسب له لأن إصابته مع اختلال الآلة أدل على حذقه وإن أخطأ لم يحسب عليه لأنه للعارض وقال القاضي لا يحسب له لأنه لا يحسب عليه في الخطأ فلا يحسب له في الإصابة كما في الريح الشديدة وإن انكسر السهم فوقع دون الغرض لم يحسب عليه لأنه لعارض وإن أصاب بنصله حسب له لما ذكرناه وإن أصاب بغيره لم يحسب له وإن أغرق الرامي في النزع حتى أخرج السهم من الجانب الآخر احتسب له وعليه لأنه لسوء رميه أخطأ ولحذقه أصاب ولأن ما حسب عليه في الخطأ حسب له في الإصابة كغيره وإن مرت بهيمة بين يديه وتشوش رميه لم يحسب عليه في الخطأ لأنه لذلك العارض وإن خرقه وأصاب

حسب له لأن هذا لقوة نزعه وسداد رميه وإن شرطا الخسق فأصاب الغرض وثبت فيه حسب له فإن سقط بعد لم يؤثر كما لو نزعه إنسان وإن ثقب ولم يثبت ففيه وجهان أحدهما لا يحتسب له لأن الخاسق ما ثبت ولم يوجد والثاني يحسب له لأنه ثقب ما يصلح له فالظاهر أنه لم يثبت لعارض من سعة الثقب أو غلظ لقيه وإن مرق منه حسب له لأنه لقوة رميه وإن خدشه ولم يثبت فيه لمناع من حجر أو غلظ الأرض فعلى الوجهين لكن إن لم يحسب له لم يحسب عليه لأن العارض منعه وإن لم يكن مانع حسب عليه فإن اختلفا في العارض وعلى موضع السهم وفيه مانع فالقول قول صاحب السهم وإلا فالقول قول رسيله ولا يمين لأن الحال تشهد بصدق المدعي وإن لم يعلم موضع السهم ولم يوجد وراء الغرض مانع فالقول قول رسيله لذلك وإن كان وراءه مانع فقال الرسيل لم يثقب موضع المانع أو أنكر الثقب فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم ما يدعيه صاحبه لكنه محتمل فأحلفناه لذلك وإن كان في الغرض خرق أو موضع بال فوقع السهم فيه وثبت في الهدف وكان صلابته كصلابة الغرض حسب له لأنه لولا الخرق لثبت في الغرض وإن لم يكن كذلك لم يحسب له ولا عليه لأننا لا نعلم هل كان يثبت في الغرض أو لا؟ وإن ثبت في الهدف فوجد في نصله قطعة من الغرض فقال الرامي هذا الجلد قطعه سهمي لقوته وقال رسيله بل هذه جلدة كانت منقطعة من قبل فالقول قول الرسيل لأن الأصل عدم الخسق والله أعلم. الشيخ: قوله (لأن الأصل عدم الخسق) نقول الأصل السلامة فهذه القطعة لم تنقطع إلا بالإصابة. السائل: إذا كانت المسابقة في شيء مما يستعان به على الجهاد لكن لم يقصد المتسابقان إطلاقاً التمرن والتدرب على الجهاد بل لمجرد التروح فقط فهل تجوز وهل السَّبَقُ فيها جائز؟ الشيخ: لا بأس بذلك والسَّبَقُ فيها جائز لأن هذه الثلاثة لا بد أن تعينه فلو حصل الجهاد أعانته. السائل: بعض الناس يتاجرون بالمسابقة فهل هذا جائز؟

الشيخ: النصوص عامة لأن فوائد هذه على كل حال حاصلة سواء نوى بها التجارة أو نوى بها الاستعانة على الجهاد أو نوى بها التمرن مطلقاً أو أنهاهواية فالنصوص عامة والفائدة حاصلة بكل حال. السائل: حتى لو كان في هذه المسابقة خسارة مال كما لو كان سباق في الرمي فهنا سيخسر الرصاص الذي يطلق؟ الشيخ: هذا لا يضر فلا بد أن المتسابقين كل واحد منهما سيأتي بالعدة كاملة ويخسر ما ينطلق من الرصاص وغيره. فصل القارئ: الشرط الخامس أن يكون مدى الغرض معلوماً مقدراً بما يصيب مثلهما في مثله عادة لأن الإصابة تختلف بالقرب والبعد فاشترط العلم به كالنوع وإن جعلاه قدراً لا يصيبان في مثله أو لا يصيبان إلا نادرا كالزائد على ثلاثمائة ذراع لم يجز لأن الإصابة تندر في مثل هذا فيفوت الغرض. الشيخ: قوله (لأن الإصابة تندر في مثل هذا) هذا من قبل أما الآن فيصيب بأكثر من ثلاثمائة ذراع مضاعفاً لكن فيما سبق كان يعتمد على قوة الرامي والرامي لا يبلغ سهمه إلى هذا إلا نادراً لكن في الوقت الحاضر يستطيع الرمي إلى ثلاثة كيلو مثلاً مادام أنه يمكنه رؤيته. فصل القارئ: الشرط السادس أن يكون الرشق معلوما والرشق بكسر الراء عدد الرمي لأن الحذق في الرمي لا يعلم إلا بذلك. الشيخ: هذا الفصل لو يرجع فيه إلى كتاب الفروسية لابن القيم رحمه الله يستفيد منه الطالب. فصل القارئ: الشرط السابع أن يكون عدد الإصابة معلوما كخمسة من عشرين ونحوها ويعتبر أن يكون إصابة لا يندر مثلها فإن شرطا إصابة الجميع أو تسعة من عشرة لم يصح لأن هذا يندر فيفوت الغرض.

الشيخ: هذا الشرط يقودنا إلى مسألة يستعملها الناس الآن في مقاولات البناء فمثلاً يقول صالحب المال للمقاول تبني لي هذه العمارة أو هذه الفيلا خلال أربعة أشهر وما زاد على ذلك يخصم عليك كل يوم كذا وكذا فَلِطَمَعِ بعض المقاولين يوافق على هذا الشرط، والعادة أن مثل هذه المدة لا يمكن أن تتم فيها عِمارةُ هذه الشقة أو الفيلا فهذا الشرط لا يصح، أما لو جعل المدة مدةً معلومة أو مدةً يمكن فيها أن ينتهي البناء فهذا لا بأس به أن يقول المدة ستة أشهر وما زاد خصم عليك، وفي المسألة التي ذكرها المؤلف نقول إذا قدروا إصابة يندر مثلها فإنه لا يصح فَمَنْ الذي يستطيع أن يصيب مثلاً ثمانية من عشرة؟ هذا نادر. القارئ: ويستحب أن يبينا حكم الإصابة هل في مبادرة أو مُحَاطَّة والمبادرة أن يقولا: من سبق إلى إصابتين أو نحوهما فهو السابق فأيهما سبق إليهما مع تساويهما في الرمي فهو السابق فإذا رمى كل واحد عشرة فأصاب أحدهما إصابتين دون الآخر فهو السابق ولا يلزم إتمام الرمي لأن المقصود قد حصل وإن أصاب كل واحد منهما من العشرة إصابتين فلا سابق فيهما وبطل النضال لأن الزيادة على عدد الإصابة غير معتد بها فإن رميا العشرين فلم يصب واحد منهما إصابتين أو أصاباها معاً فلا سابق فيهما وأما المُحَاطَّة فهي إن يشترطا حط ما تساويا فيه من الإصابة ثم من فضل صاحبه بإصابة معلومة فقد سبق. الشيخ: الفرق بين المحاطة والمبادرة، المبادرة معناها أن من سبق ولو في نصف العدد فهو السابق والمحاطة أن يقول نكمل العدد لأنك حتى وإن سبقتني وزدت عليَّ فربما فيما بقي أكون أغلبك أو أكون أكثر منك أو أساويك فيبطل النضال، فهذا هو الفرق بينهما، لكن إذا وصلا إلى حد لا يمكن للثاني أن يسبق فيه فهنا تستوي المُحَاطَّة والمبادرة.

القارئ: فإن شرطا فضل ثلاث إصابات فرميا خمسة عشر أصابها أحدهما كلها وأخطأها الآخر فالمصيب سابق ولا يجب إتمام الرمي لعدم الفائدة فيه لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب المخطئ الخمسة الباقية ويخطئها الأول ولا يخرج الثاني بذلك عن كونه مسبوقا وإن كان في إتمامه فائدة مثل أن يكون الثاني أصاب من الخمسة عشر تسعة فإذا أصاب الخمسة الباقية وأخطأها الأول لم يكن مسبوقا وجب إتمام الرمي فإن أطلقا العقد انصرف إلى المبادرة لأن العقد على المسابقة والمبادر سابق ذكر هذا القاضي وقال أبو الخطاب يشترط بيان ذلك في المسابقة لأن الغرض يختلف به فمن الناس من تكثر إصابته في الأول دون الثاني فوجب اشتراطه كقدر مدى الغرض. فصل القارئ: الشرط الثامن التسوية بين المتناضلين في عدد الرشق والإصابة وصفتها وسائر أحوال الرمي فإن تفاضلا في شيء منه أو شرطا أن يكون في يد أحدهما من السهام أكثر أو أن يرمي أحدهما والشمس في وجهه أو يحسب له خاصل بخاسق أو لا يحسب عليه سهم خاطئ لم يصح لأن القصد معرفة حذقهما ولا يعرف مع الاختلاف لأنه ربما فضله بشرطه لا بحذقه وإن شرطا أن يحسب خاسق كل واحد منهما بخاصلين أو يسقط القريب من إصابة إحداهما ما هو أبعد منها من رمي الآخر فمن فضل بعد ثلاث إصابات فهو السابق صح لأنه لا فضل لأحدهما في عدد ولا صفة وهذه نوع محاطة فصحت كاشتراط حط ما تساويا فيه. فصل القارئ: وإن كان الرماة حزبين اشترط كون الرشق يمكن قسمته عليهم إن كان كل حزب ثلاثة وجب أن يكون له ثلث صحيح لأنه يجب التسوية بينهما في عدد الرمي ولا يمكن إلا بذلك فوجب وإذا نضل أحد الحزبين صاحبه فالجعل بين الناضلين سواء من أصاب ومن لم يصب ويحتمل أن يكون بينهم على قدر إصاباتهم لأنهم بها يستحقون والجعل على المنضولين بالسوية وجهاً واحدا لأنه لزمهم بالتزامهم لا بإصابتهم بخلاف الناضلين. السائل: إذا تبرع شخص ما للمصارعة والمسابقة بالأقدام فهل هذا جائز؟

الشيخ: لا بأس إذا كان هذا مما يباح فلو أن اثنين تسابقا على الأقدام وقال غيرهما من سبق منكما فله كذا فلا بأس وكذلك في المصارعة لأن المصارعة لا بأس بها، أما الملاكمة فلا، لأن الملاكمة فيها خطورة. السائل: لو أن أحد المتسابقين قال _ من باب التحدي _ أعطيك خمسة إصابات متقدمة أو قال أنا أرمي ووجهي للشمس وأنت وجهك لغير الشمس فهل هذا جائز؟ الشيخ: هذا لا يصح لأن المسابقة لابد فيها من التساوي وهذا ظلم ومغامرة. السائل: حتى وإن كان المتسابق الأول راضي بذلك؟ الشيخ: حتى ولو رضي بذلك لا يصح وإذا كان راضي بهذا فنقول يعطيه الجعل وينتهي الأمر ولا يتسابقون. فصل القارئ: فإن كان في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي بطل العقد فيه لأنها لا تنعقد على من لا يحسن الرمي ويخرج من الحزب الآخر بإزائه كما إذا بطل البيع في بعض المبيع بطل في ثمنه وهل يبطل العقد في الباقين على وجهين بناءً على تفريق الصفقة فإن قلنا لا يبطل فلهم الخيار في الفسخ والإمضاء لأن الصفقة تفرقت عليهم فإن اختاروا إمضاءه ورضوا بمن يخرج بازائه وإلا انفسخ العقد. فصل القارئ: ويرمي واحداً بعد الآخر لأن رميهما معاً يفضي إلى التنازع والجهل بالمصيب فإن اتفقا على المبتدئ منهما جاز وإن كان بينهما شرط عمل به وإن اختلفا ولا شرط بينهما قدم المخرج فإن كان المخرج غيرهما اختار منهما فإن لم يختر أقرع بينهما وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني تعديلاً بينهما فإن شرطا البداية لأحدهما في كل الوجوه لم يصح لأنه تفضيل وإن فعلاه بغير شرط جاز لأنه لا أثر له في إصابة ولا تجويد رمي ويرميان مراسلةً سهماً وسهما أو سهمين وسهمين وإن اتفقا على غير هذا جاز لعدم تأثيره في مقصود المناضلة. فصل

باب اللقطة

القارئ: وإن مات أحد الراميين أو ذهبت يده بطل العقد لأن المعقود عليه تلف فأشبه موت الفرس في السباق وإن مرض أو رمد لم تبطل لأنه يمكن الاستيفاء بعد زوال العذر وله الفسخ لأن فيه تأخير المعقود عليه فملك الفسخ كالإجارة وإن عرض مطر أو ريح أو ظلمة أخر إلى زوال العارض وإن أراد أحدهما التأخير لغير عذر فله ذلك إن قلنا هي جعالة لأنها جائزة وليس له ذلك إن قلنا هي إجارة ويكره للأمين مدح أحدهما أو زجره لأن فيه كسر قلبه أو قلب صاحبه. الشيخ: قوله (ويكره للأمين مدح أحدهما أو زجره) هذا صحيح فكونه يمدح أحد الحزبين أو يزجر الثاني لا شك أنه ليس من العدل ولهذا جاء في الحديث (لا جَلَبَ ولا جنب). السائل: قول المؤلف (الأمين) ماذا يقصد به؟ الشيخ: الأمين هو الذي يراقب المتسابقين ويشبه الحكم عندنا في وقتنا الحاضر. باب اللقطة القارئ: وهي المال الضائع عن ربه وهي ضربان ضال وغيره فأما غير الضال فيجوز التقاطه بالإجماع وهو نوعان يسير يباح التصرف فيه بغير تعريف لما روى جابر قال (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به) رواه أبو داود ولا تحديد في اليسير إلا أنه ينبغي أن يعفى عما رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث وشبهه وقال أحمد رضي الله عنه ما كان مثل التمرة والكسرة والخرقة ومالا خطر له فلا بأس ويحتمل أن لا يجب تعريف مالا يقطع فيه السارق لأنه تافه قالت عائشة رضي الله عنها (كانوا لا يقطعون في الشيء التافه).

الشيخ: الذي يُقْطَعُ في السرقة هو ربع دينار أو ثلاثة دراهم إذا كانت تقابل ربع الدينار وقيل مطلقاً يعني هل النصاب الذي يتم به قطع يد السارق هل هو ثلاثة دراهم أو ربع دينار؟ الصواب أنه ربع دينار وأن ثلاثة دراهم في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تقابل ربع الدينار، والذي ذكره المؤلف وهو النوع الأول فإنه يملكه الإنسان بمجرد التقاطه إلا إذا كان يعرف صاحبه فإنه لا يحل له أن يتصرف فيه بل يرده إلى صاحبه أو يعلمه به مثل أن تجد في السوق شيئاً ساقطاً ولكن تعرف أنه لفلان فإنه يجب عليك أن ترده له إما بإخباره فيأتي هو لأخذه وإما بإيصاله إليه وكيف تعرف أنه لفلان الجواب إما أن أراه سقط منه وإما أن يكون قد كَتَبَ عليه وإما أن أكون قد رأيته في يديه يكتب به مثلاً فالمهم أنه مقيد بما إذا لم يعلم صاحبه فإن علم صاحبه وجب عليه أن يُبَلِّغهُ له. السائل: الفلوس التي قد توجد ضائعة من أصحابها ما هو الضابط في قليلها وما يلتقط منها؟ الشيخ: الظاهر أن هذا يختلف فقد كانوا في السابق الريال له قيمة عندهم ولا يملك فقد كانوا في الأول يشترون بالريال شاة وما يطبخ معها فالشاة الواحدة ربع ريال والجريش وما أشبه ذلك بثلاثة أرباع الريال أو بالعكس، أما الآن فالريال ليس بشيء، ثم أيضاً لما كانت الفلوس كثيرة كانت الخمسين ريال لا تهم أما الآن فيما أظن أنها تهم. السائل: إذا كان الشيء زهيداً ولكن يغلب على ظن الإنسان أنه لو أعطاه صاحبه قد يحتقره مثلاً كقطعة كيك أو قطعة حلوى فهل يجب إعطاه له؟ الشيخ: نحن قلنا ما دمت أنك تعرفه فإنه يجب عليك أن تُبَلِّغَهُ. السائل: الشيء اليسير الذي لا تتبعه همة أوساط الناس قلنا إنه يملك بمجرد أخذه فإذا أخذه وانتفع به ثم جاء بعد ذلك صاحب هذا الشيء فهل يجب أن يرده عليه؟ الشيخ: لا يجب لأن الشارع ملكه إياه وهذا إذا كان لم يعلمه من قبل أي من قبل أن يتصرف فيه، فلا يجب رده.

القارئ: والنوع الثاني الكثير فظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أن ترك التقاطه أفضل لأنه أسلم من خطر التفريط وتضييع الواجب من التعريف فأشبه ولاية اليتيم واختار أبو الخطاب أن أخذه أفضل إذا وجده بمضيعة وأمن نفسه عليه لما فيه من حفظ مال المسلم فكان أولى كتخليصه من الغرق ولا يجب أخذه لأنه أمانة فلم يجب كالوديعة ومن لم يأمن نفسه عليه ويقوى على أداء الواجب فيه لم يجز له أخذه لأنه تضييع لمال غيره فحرم كإتلافه. الشيخ: التفصيل الصحيح في هذا أن يقال إذا كان لا يأمن نفسه من التفريط وعدم التعريف فالتقاطه حرام لأنه يعرض نفسه لأكل مال بالباطل، وإذا كان يخشى أن يضيع على صاحبه مثل أن يكون حوله قطاع طريق أو ما أشبه ذلك فَأَخْذُهُ واجب عليه، وإن لم يكن هذا ولا هذا فترك أخذه أفضل وهذا إنما هو في غير مكة أما مكة شرفها الله فإنه لا يجوز أن يلتقطه إلا إذا كان يُعرِّفُهُ، ولكن يُعرِّفُهُ إلى متى؟ الجواب إلى الأبد حتى إذا جاءه الموت فإنه يكتب وصية بأني قد التقطت من مكة كذا وكذا فَعَرِّفُوا عليه، ولهذا جعلت الحكومة وفقها الله أناساً في مكة يتلقون الأموال الضائعة حتى لا يتعب الناس في تعريفها. فصل القارئ: إذا أخذها عرف عفاصها وهو وعاؤها ووكاءها وهو الذي تشد به وجنسها وقدرها لما روى زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق فقال (اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه) متفق عليه نص على الوكاء والعفاص وقسنا عليهما القدر والجنس.

الشيخ: قوله (وقسنا عليه القدر والجنس) هذا القياس فيه نظر لأن العفاص والوكاء يكفي إذ أنها مشدودة، وكانوا في الأول يجعلون النقود في كيس صغير ويشدونه فإذا وجد الإنسان هذا الكيس فإنه لا يلزمه أن يَحُلَّهُ وينظر ما فيه من النقود جنساً وقدراً بل يبقيه كما هو مشدوداً على ما هو عليه ثم يُعرِّفه وإذا جاء صاحبه فإنه يستفصل منه. القارئ: ولأنه إذا عرف هذه الأشياء لم تختلط بغيرها وعرف بذلك صدق مدعيها أو كذبه وإن أخر معرفة صفتها إلى مجيء مدعيها أو تصرفه فيها جاز لأن المقصود يحصل وقد جاء ذلك في حديث أُبَيٍّ ولا يحل له التصرف فيها إلا بعد معرفة صفتها لأن عينها تذهب فلا يعلم صدق مدعيها إلا من حفظ صفتها. الشيخ: إذا جاء إنسان يقول هذه النقود لي فلا بد أن يُسْأَل فيقال له ما هي وما هو جنسها وما هو قدرها، لكن هل يلزم بأن يذكر رقمها؟ الجواب لا يلزم بذلك لأن الناس الآن لا يهتمون بالرقم إنما يهتمون بالنوع والجنس لكن ربما يلزم بأن يقول هل هي جديدة أو مستعلمة كثيراً أو مستعملة قليلاً لأن الأوراق تختلف بالاستعمال القليل والكثير. القارئ: ويستحب أن يشهد عليها نص عليه لما روى عياض بن حمار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب) رواه أبو داود ولأن فيه حفظها من ورثته إن مات وغرمائه إن أفلس وصيانته من الطمع فيها ولا يجب ذلك لتركه في حديث زيد ولأنها أمانة فلا يجب الإشهاد عليها كالوديعة. الشيخ: قوله (لتركه في حديث زيد) يعني ترك ذكر الإشهاد ففي حديث زيد بن خالد الجهني لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم أشهد عليه. القارئ: قال أحمد رضي الله عنه ولا يبين في الإشهاد كم هي لكن يقول أصبت لقطة.

الشيخ: ما ذكره المؤلف هنا صحيح وينبغي أيضاً أن لا يُشْهِدَ إلا من هو ثقة لأنه لو أشهد غير الثقة لأمكن أن يُعلمَ غيره ويقول له ادَّعِى أنها لك وأنا أكون شاهداً بأن الرجل أشهدني على وجود هذه اللقطة. فصل القارئ: ويجب تعريفها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به ولأنه طريق وصولها إلى صاحبها فوجب كحفظها ويجب التعريف حولاً من حين التقاطها متوالياً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به عند وجدانها والأمر يقتضي الفور ولأن الغرض وصول الخبر وظهور أمرها وإنما يحصل بذلك لأن صاحبها إنما يطلبها عقيب ضياعها ويكون التعريف في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد وأوقات الصلوات لأن المقصود إشاعة أمرها وهذا طريقه ويكثر منه في موضع وجدانها وفي الوقت الذي يلي التقاطها ولا يعرفها في المسجد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله تعالى عليك فإن المساجد لم تبن لهذا) رواه مسلم. الشيخ: لا يجوز أن ينشد الضالة في المسجد بل هو حرام وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من سمعه أن يَدْعُوَ عليه فيقول (لا ردها الله عليك) ولكن هل يقول (فإن المساجد لم تبن لهذا) أو نقول إن هذا تعليل للحكم الشرعي أي كأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فليدعوا عليه بعدم وجودها لأن المساجد لم تبن لهذا إنما بنيت للصلاة؟ الجواب نقول يحتمل هذا وهذا، لكن الأفضل أن يقولها حتى وإن كانت تعليلاً للحكم الشرعي فالأفضل أن يقولها من أجل أن يطيب قلب المنشد لأن الغالب أنه لا ينشد أحد في المساجد إلا وهو جاهل والجاهل لو تقول له لا ردها الله عليك بدون أن تقول له إن المساجد لم تبن لهذا سيكون في قلبه شيء، وإذا رأيت أنه شوش حتى بعد أن قلت له إن المساجد لم تبن لهذا فقل له يا أخي هكذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم.

القارئ: ويقول من ضاع منه كذا يذكر جنسها أو يقول شيء ولا يزيد في صفتها لئلا يفوت طريق معرفة صاحبها. الشيخ: هذا معلوم فلا يقول مثلاً من ضاع له الساعة الفلانية التي فيها توقيتين أو فيها تاريخين ورباطها أو سيرها من جلد أو من حديد أو ما أشبه ذلك، لأنه إذا وصفها بذلك فالكل سيقول هي لي، بل يقول من أضاع ساعةً أو قلماً فيذكر شيئاً عاماً. القارئ: وأجرة المعرف على الملتقط لأن التعريف عليه ولأنه سبب تملكها فكان على متملكها قال أبو الخطاب إن التقطها للحفظ لصحابها لا غير فالأجرة على مالكها يرجع بها عليه وقاله ابن عقيل فيما لا يملك بالتعريف. الشيخ: مثل الإبل لا تملك بالتعريف والصواب أن أجرة الإنشاد على صاحبها فإن لم يوجد فهي دخلت في ملك الملتقط ولا يحتاج أن نعطيه شيئاً، لكن إذا وجد صاحبها فيكون على مالكها لأن هذا الإنشاد لمصلحة المالك فكيف يعمل هذا الرجل لمصلحته وجزاه الله خيراً أنه لم يكتمها ثم مع ذلك نقول له إن الأجرة عليك، هذا لا يستقيم، فالأجرة إذاً على المالك وهل للملتقط أن يحبسها على أجرتها فيقول لمالكها لا أعطيك إياها حتى تسلمني الأجرة؟ الجواب: نعم لأن هذه الأجرة لمصلحة العين فله أن يحبسها على أجرتها كما يحبس المبيع على القول الراجح على ثمنه والله أعلم. فصل القارئ: فإذا جاء مدعيها فوصفها بصفاتها المذكورة لزم دفعها إليه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به ولأنها لو لم تدفع بالصفة لتعذر وصول صاحبها إليها لتعذر إقامة البينة فإن وصفها اثنان أقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وسلمت إليه كما لو ادعى الوديعة اثنان وقال أبو الخطاب تقسم بينهما.

الشيخ: القول الأول أصح لأن هذه اللقطة لواحد منهما بلا شك إذ أنها واحدة وكل واحد منهما يقول هي لي ولا طريق إلى الوصول إلى الحق إلا بالقرعة فإن قال قائل ألا يمكن أن تكون هذه العين مشتركة بينهما؟ فالجواب بلى يمكن، لكن هذا لم يثبت لأن كل واحد يدعي أنها ملكه وحده وعلى هذا فلا طريق إلا القرعة بينهما. مسألة: اللقطة إذا وصفها مدعيها وطابق وصفه وصفها وجب دفعها إليه وإذا لم يصفها فإنه لا يقبل قوله إلا ببينة. القارئ: وإن وصفها أحدهما وللآخر بينة قدم ذو البينة لأنها أقوى من الوصف فإن كان الواصف سبق فأخذها نزعت منه وإن تلفت في يده فلصاحبها تضمين من شاء منهما لأن الواصف أخذ مال غيره بغير إذنه والملتقط دفعه إليه بغير إذن مالكه ويستقر الضمان على الواصف لأن التلف حصل في يده فإن ضمن لم يرجع على أحد. الشيخ: الصحيح أنه لا ضمان على الواجد لأن الواجد تصرف بمقتضى الشريعة الإسلامية فكيف نضمنه!! فيقال لمن له بينة خاصم الرجل الذي وصفها وأخذها أما أن نضمن من وجدها وقام بما يجب عليه فهذا قول ضعيف والصواب أنه إذا تَحَرَّى وفعل ما جاءت به السنة فلا ضمان عليه. القارئ: وإن ضمن الملتقط رجع عليه إلا أن يكون الملتقط دفعها إليه بحكم حاكم فلا يضمن لأنها تؤخذ منه قهرا وإن أتلفها الملتقط فغرمه الواصف عوضها ثم جاء صاحب البينة لم يرجع إلا على الملتقط لأن الواصف إنما أخذ مال الملتقط ولم يأخذ اللقطة ثم يرجع الملتقط على الواصف. الشيخ: قوله (يرجع الملتقط على الواصف) أي بما أخذ منه وهي القيمة التي عوض بها عن اللقطة فإنه يأخذها. فصل

القارئ: فإن لم تعرف دخلت في ملك الملتقط عند الحول حكما كالميراث لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد (فإن لم تعرف فاستنفقها) وفي لفظ (وإلا فهي كسبيل مالك) ولأنه كسب مال بفعل فلم يعتبر فيه اختيار التملك كالصيد واختار أبو الخطاب أنه لا يملكها إلا باختياره لأنه تملك مال ببدل فاعتبر فيه اختيار التملك كالبيع. الشيخ: الظاهر أن قول أبي الخطاب أصح وهو أنها لا تدخل في ملكه إلا بالاختيار، لأن الحديث ليس بواضح في وجوب دخولها بغير اختياره فقوله (استنفقها) يعني لك أن تستنفقها وكذلك قوله (وإلا فهي كسبيل مالك) يعني في جواز الانتفاع بها، فالظاهر أن قول أبي الخطاب أصح، ولكن إذا قال الملتقط أنا لا أريدها فماذا يصنع بها؟ الجواب يدفعها إلى بيت المال وبذلك تبرأ ذمته فإن لم يكن بيت المال منتظماً فإنه يتصدق بها كالمال المجهول مالكه فيتصدق بها بالنية عن من هي له. القارئ: والغني والفقير سواء في هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق ولأنه تملك مال بعوض أشبه البيع. فصل

القارئ: وما جاز التقاطه ووجب تعريفه ملك به نص عليه أحمد رضي الله عنه في الصياد يقع في شبكته الكيس والنحاس يعرفه سنة فإن جاء صحابه وإلا فهو كسائر ماله وهذا ظاهر كلام الخرقي وقال أكثر أصحابنا لا يملك غير الأثمان لأن الخبر ورد فيها ومثلها لا يقوم مقامها من كل وجه لعدم تعلق الغرض بعينها فلا يقاس عليها غيرها وقال أبو بكر ويعرفها أبدا وقال القاضي هو مخير بين ذلك وبين دفعها إلى الحاكم وقال الخلال كل من روى عن أبي عبد الله أنه يعرفه سنة ثم يتصدق به والذي نقل عنه أنه يعرفها أبداً قول قديم رجع عنه والأول أولى لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف ترى في متاع يوجد في الطريق الميتاء أو في قرية مسكونة قال (عرفه سنة فإن جاء صاحبه وإلا فشأنك به) رواه الأثرم وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عيبة (عرفها سنة فإن عرفت وإلا فهي لك أمرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم). الشيخ: العيبة تشبه الشنطة من جلد توضع فيها الثياب وكذلك أيضاً تطلق على الوعاء الذي يجعل فيه التمر والطعام. القارئ: ولأنه مال يجوز التقاطه ويجب تعريفه فملك به كالأثمان وقد دل الخبر على جواز أخذ الغنم مع تعلق الغرض بعينها فيقاس عليها غيرها. الشيخ: هذا هو الصواب بلا شك وهو أن اللقطة سواء من الأثمان أو من الأعيان تُعَرَّفُ سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي للواجد، وعليه فنقول اللقطة تنقسم إلى أقسام: فالقسم الأول ما يملك بمجرد الالتقاط وضابطه أن لا تتبعه همة أوساط الناس. والقسم الثاني ما يحتاج إلى تعريف سنة وبعده يملك. والقسم الثالث الذي لا يملك بالتعريف ولا يجوز التقاطه وهو الإبل والضوال التي تمتنع من صغر السباع، ثم ما بين ذلك فإنه يجوز التقاطه. فصل

القارئ: ولقطة الحرم تملك بالتعريف في ظاهر كلامه لظاهر الخبر ولأنه أحد الحرمين أشبه المدينة وعنه لا تملك بحال ويجب تعريفها أبدا أو يدفعها إلى الحاكم لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) متفق عليه. الشيخ: قوله (وعنه لا تملك بحال ويجب تعريفها أبداً) نقول هذا أصح فإن لقطة مكة لا تملك بأي حال من الأحوال ويجب تعريفها أبداً وقياسها على المدينة قياس مع الفارق لأن حرم مكة أَوْكَدُ من حرم المدينة فالصواب أنها لا تملك بحال، ولكن ماذا يصنع الإنسان إذا وجدها؟ نقول إذا كان لا يخشى عليها فإنه يتركها حتى يجدها ربها لأن ربها إذا فقدها ذهب على إثرها يتحسسها، أما إذا كان يخشى أن يلتقطها من لا يُعَرِّفُهَا فهنا يجب أن يأخذها ويسلمها إلى من وكلهم الإمام أو نائبه في حفظها. السائل: إذا أخذ شخص ما اللقطة ثم أراد أن يرجعها إلى مكانه الذي أخذه منها فهل له ذلك؟ الشيخ: إذا أخذها فإنه لا يمكن أن يردها فإن ردها فهو ضامن على كل حال سواء في مكة أو في غير مكة. السائل: إذا التقط شخص ما لقطة من الحرم وهو قد جاء للعمرة ثم أخذها معه إلى بلده، ثم علم في بلده بحكمها فماذا يفعل بها؟ الشيخ: يرسلها إلى الجهة المسؤولة في مكة وتبرأ بهذا ذمته. السائل: هل لهذا الشخص أن يتصدق بها؟ الشيخ: لا يمكن ذلك، إلا إذا كانت المدة طويلة بحيث أنه يويئس من وجود صحابها فهنا يتصدق بها في مكة لا في بلده لأن الصدقة في مكة أفضل من الصدقة في بلده وهو قد وجدها في مكة فليكن ثواب الصدقة في مكة. السائل: قال المؤلف عن اللقطة ولا يعرفها في المسجد واستدل بحديث (من سمع رجلاً ينشد في المسجد ... الخ) فالحديث في نشدان الضالة والمؤلف استدل به في التعريف فكيف ذلك؟ الشيخ: التعريف في المسجد قاسه العلماء على إنشاد الضالة في الحديث. فصل

القارئ: واللقطة مع الملتقط قبل تملكها أمانة عليه حفظها بما يحفظ به الوديعة وإن ردها إلى موضعها ضمنها لأنه ضعيها وإن تلفت بغير تفريط لم يضمنها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولتكن وديعة عندك) ولأنه يحفظها لصاحبها بإذن الشرع أشبه الوديعة وإن جاء صاحبها أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة لأنها ملكه وإن جاء بعد تملكها أخذها أيضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه) ويأخذها بزيادتها المتصلة لأنها تتبع في الفسوخ وزيادتها المنفصلة بعد تملكها لملتقطتها لأنها حدثت على ملكه فأشبه نماء المبيع في يد المشتري. الشيخ: الزيادة المنفصلة إن كانت بعد تمام السنة فهي للمتلقط لأنها دخلت في ملكه والزيادة المتصلة قبل تمام الحول فإنها لصاحبها وكذلك المنفصلة، لكن هذا الملتقط قد يقول أنا تعبت على هذه البهيمة وخسرت عليها وأنا حافظها لمالكها، فهل له شيء؟ الجواب نقول كلام الفقهاء ظاهره أنه لا شيء له ولكن الصحيح أنه يعطى أجرة المثل أو سهم المثل، وكذلك الزيادة المتصلة بعد تمام الحول ظاهر كلام المؤلف أنها لصحابها ولا يأخذ الملتقط شيئاً والصواب أنه يأخذ وأن الزيادة المتصلة والمنفصلة بعد تمام الحول تكون للملتقط وإذا ردها إلى صاحبها فإنه يُعَوَّضُ عنها. السائل: إذا أنفق على الشاة وهي لقطة بما يزيد على ثمنها فهل يرجع بما أنفق عليها على صاحبها؟ الشيخ: هذا أصلاً لا يجوز فإذا التقط شاةً وظن أن الإنفاق عليها سيكون أكثر من قيمتها فإنه يجب أن يبيعها بعد أن يَعْرِفَ أوصافها ويحفظ الثمن فإن لم يفعل فهو ضامن ولا يرجع بشيء. السائل: لكن لو قال مثلاً قد يأتي صاحبها اليوم أو غداً طالت عليه المدة فهل يختلف الحكم؟ الشيخ: هو مفرط لأنه مادام يعرف أن هذه الشاة لا تساوي إلا مائتين ويعرف أنها إذا بقيت إلى سنة ستأكل ما يساوي خمسة آلاف فإنه يجب عليه أن يبيعها في الحال.

القارئ: فإن تلفت بعد تملكها ضمنها لأنها تلفت من ماله وإن نقصت بعد التملك فعليه أرش نقصها. الشيخ: هذه المسألة يُلغز بها فيقال إذا تلفت بعد تَمَلُّكِهِ إياها أي بعد تمام الحول ضمنها على كل حال وإن تلفت قبل لم يضمنها إلا إذا تعدى أو فرط والفرق بينهما أنها قبل تمام الحول على ملك صاحبها وهو أمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط وأما بعد الملك فهو ملكها فعليه نقصها كما أن له غنمها فعليه غرمها فيضمن بكل حال، لكن على قول أبي الخطاب الذي صححناه لا يضمن إن بقيت فهي أمانة عنده إذا لم يختر التملك ثم نقول كذلك إن اختار التملك أو قلنا بأنه يملكها قهراً ففي تضمينه إياها إذا لم يتعد أو يفرط نظر لأن تملكه إياها إذا قلنا بأنه يملكها حكماً بغير اختياره وإذا قلنا يملكها باختياره فقد استند إلى سبب شرعي للتملك فكيف يضمن!! فالمسألة تحتاج إلى تحرير فيما إذا تلفت بلا تعدي ولا تفريط بعد تمام الحول، لكن لو ذبحها بعد تمام الحول وجاء صاحبها يطلبها فهل يضمن أو لا؟ الجواب يضمن لأنه أتلفها هو بنفسه القارئ: وإن باعها أو وهبها بعد تملكها صح لأنه تصرف صادف ملكه فإن جاء صاحبها في مدة الخيار وجب فسخ البيع وردها إليه لأنه يستحق العين وقد أمكن ردها إليه وإن جاء بعد لزوم البيع فهو كتلفها لأنه تعذر ردها. الشيخ: ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يضمنها بقيمتها ولكن الصواب أنه لا يضمنها بقيمتها بل يضمنها بما باعها به لأنه باعها بيعاً شرعياً فهو إنما باعها بعد التملك. السائل: إذا وجد مالاً بلغ النصاب وحال عليه الحول هل يزكيه لصاحبها؟ الشيخ: إن لم يجد صحابها فالزكاة على الواجد وإن وجد صاحبها فعلى صاحبها. السائل: هل لهذا الواجد إذا أخرج الزكاة أن يتصرف فيها؟ الشيخ: يتصرف فيها لأن الزكاة واجبة بكل حال. فصل

القارئ: الضرب الثاني الضوال وهي الحيوانات الضائعة وهي نوعان أحدهما ما يمتنع من صغار السباع إما بقوته كالإبل والخيل أو بجناحه كالطير أو بسرعته كالظباء أو بنابه كالفهد فلا يجوز التقاطه لما روى زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال (ما لك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها) متفق عليه.

الشيخ: ما كان يمتنع من صغار السباع لا يجوز التقاطه، وقوله (من صغار السباع) احترازاً من كبارها لأن كبار السباع قد لا يمتنع منه أي حيوان لكن صغار السباع يمكن كالذئب والضبع وما أشبهها فهذا يترك وهنا سؤال وهو ما الدليل على تحديد صغار السباع؟ الجواب نقول الدليل ليس فيه ضابط من السنة أي أنه لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (ما يمتنع من صغار السباع فدعوه) لكن السنة جاءت بترك الإبل فاستنبط العلماء رحمهم الله من ذلك أي من هذا المثال أن الإبل تمتنع من صغار السباع كالذئب ونحوه والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (مالك ولها) والاستفهام هنا للإنكار فأنكر عليه الصلاة والسلام أن يتعرض لها وقوله (دعها) الأمر هنا للوجوب يعني اتركها قوله (فإن معها حذاءها وسقاءها) (حذاءها) الخف (وسقاءها) البطن لأن الإبل تمشي ولا يهمها شدة الحر في الرمضاء ولا شدة الحر في الظمأ لأنها إذا وردت الماء ملأت بطنها وبقيت أياماً حتى في شدة الحر وقوله (ترد الماء) هذا كالبيان والتعليل لقوله (سقاءها) وقوله (تأكل الشجر) بيان لقوله (حذائها) فهي لوجود الخف وسعة البطن لا تتأثر وقوله (حتى يجدها ربها) وذلك لأن الإبل تأوي إلى مأواها ولذلك أحياناً يبيع الرجل البعير التي بقيت عنده مدة فإذا بها قد رجعت إليه وقوله عليه الصلاة والسلام (حتى يجدها ربها) يستفاد منه أنه إذا كانت الإبل في مسبعة أو في قطع طريق فإنها تؤخذ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما منع من أخذها لترجع إلى ربها فإذا كنا نعلم أو يغلب على ظننا أنها لن تعود إلى ربها لوجود قطاع الطريق أو لكون الأرض مسبعة سباعها كثيرة فحينئذ نلتقطها بنية حفظها لصاحبها.

القارئ: وللإمام أخذها ليحفظها لأربابها لأن للإمام ولاية في حفظ أموال المسلمين ولهذا كان لعمر حظيرة يحفظ فيها الضوال فإذا أخذها وكان له حمى ترعى فيه تركها وأشهد عليها ووسمها بسمة الضوال وإن لم يكن له حمى خلاها وحفظ صفاتها ثم باعها وحفظ ثمنها لصاحبها لأنها تحتاج إلى عَلْف. الشيخ: (عَلْفُ) العَلف يعني التعليف. القارئ: فربما استغرق ثمنها وإن أخذها غير الإمام أو نائبه ضمنها ولم يملكها وإن عرفها فإن دفعها إلى الإمام برئ من ضمانها لأنه دفعها إلى من له الولاية عليها أشبه دفعها إلى صاحبها وإن ردها إلى موضعها لم يبرأ لأن ما لزمه ضمانه لا يبرأ منه إلا برده إلى صاحبه أو نائبه كالمسروق. الشيخ: الإبل لا يجوز التقاطها فإذا التقطها فهو غاصب وإن ردها إلى الإمام أو نائبه برئ منها. السائل: أشكل علينا قول المؤلف في بيان اللقطة قال (أحدهما ما يمتنع من صغار السباع _ ثم قال _ أو بنابه كالفهد) مع أن الفهد من السباع فكيف ذلك؟ الشيخ: الفهد يملك فهو ليس كالكلب بل يملك ويباع ويشترى فإذا عرفنا أن هذا الفهد أليف فإننا لا نتعرض له. السائل: في هذا العصر لا توجد آبار لأن الناس يعتمدون على السيارات في جلب الماء فهل لو وجدت إبلاً ضالة آخذها لأنها لن تجد ما تشربه أم لا؟ الشيخ: الاحتياط أن لا تأخذها في هذه الحال لأنه ربما ينزل الله المطر فتشرب أو يأتي أحد ويسقيها احتساباً. قصة ذكرها الشيخ حول بيان بموارد المياه.

الشيخ: الإبل حاسة الشم فيها قوية جداً فقد ذكروا أن قوماً سافروا إلى أطراف الجزيرة مارين بمكان يسمى الدهناء مقطعة فعطشوا وضلوا الطريق وكانوا ثلاثة عشر نفراً وصاروا يتساقطون من ظهور الإبل ويموتون إلا واحد لم يأت أجله فربط نفسه ربطاً قوياً على ناقته وتركها وهو يقول في نفسه هي سوف ترد الماء وأنا الآن لن أتحرك وليس بي حراك فربط نفسه ثم إن الإبل وردت الماء فعلاً وهذا الرجل سبحان الله أبقاه الله عز وجل حتى أنقذه الله على أيدي الذين يسقون فأنزلوه من البعير فمرصوا له تمراً بالماء واسقوه قليلاً قليلاً لأنهم لو اسقوه حتى يروى فإنه قد يموت من فوره بل اسقوه قليلاً أي يعطونه جرعة ويبقى قليلاً ثم جرعة أخرى وهكذا حتى صحا فقالوا له ما العلم فقال العلم أنه كان معي ثلاثة عشر كلهم هذه إبلهم والظاهر أنهم سقطوا وماتوا اتبعوا الأثر فتبعوا الأثر. فوجدوهم سبحان الله كل واحد ساقط ميت. والقصد من إيراد هذه القصة أن نعرف أن الإبل سبحان الله لها شم قوي تعرف به موارد الماء ولذلك هذه الإبل في القصة ما وقفت إلا على المورد. السائل: ما الضابط في السباع التي يجوز بيعها؟ الشيخ: كل ما ينتفع به يجوز بيعه إلا الكلب. فصل القارئ: النوع الثاني ما لا ينحفظ عن صغار السباع كالشاة وصغار الإبل والبقر ونحوها. الشيخ: قوله (ما لا ينحفظ) كان مقتضى التحرير أن يقول (ما لا يمتنع) لأنه قال في بداية الفصل (أحدهما ما لا يمتنع) وهذا هو المراد بقوله (ما لا ينحفظ) يعني مالا يمتنع. القارئ: فعن أحمد رضي الله عنه لا يجوز التقاطها لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤوي الضالة إلا ضال) رواه أبو داود ولأنه حيوان أشبه الإبل والمذهب جواز التقاطها لما روى زيد بن خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الشاة فقال (خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) متفق عليه وهذا يخص عموم الحديث الآخر ولأنه يخشى عليها التلف أشبه غير الضالة.

الشيخ: الصواب في الاستدلال أن يقال (لا يؤوي الضالة إلا ضال) يعني الضالة التي نُهي عن التقاطها وهي الإبل أو يكون معنى (لا يؤوي) أي لا يجعلها في مكان ولا يُنْشِدُهَا وكلاهما ظالم من يأخذ الإبل ومن يسكت عن الغنم وشِبهها وحينئذ لا نقول يخص عموم الحديث الآخر بل نقول عام أريد به الخصوص والعام الذي أريد به الخصوص لم يقصد شموله لعموم الأفراد من الأصل وحينئذ فنقول ليس هناك تخصيص لأن هذه الصورة لم تدخل أصلاً في الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم (خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب وقوله (لك) وهذا يكون إذا أخذتها ولم يأت صاحبها وقوله (أو لأخيك) أي صاحبها أو غيره لأنه قد يأتي آخر ويلتقطها فأخيك هنا أعم من كونه صاحبها وقوله (أو للذئب) وذلك إذا لم يأخذها أحد وقوله للذئب هذا مثال يعني الذئب أو شبهه من الكلاب الضارية. وأيهما أفضل؟ الجواب الأفضل أنه إذا رأى أن بقاءها سبب لهلاكها فهنا يأخذها وإلا فالأفضل تركها. القارئ: وسوءا وجدها في المصر أو في مهلكة لأن الحديث عام فيهما ولأنه مال يجوز التقاطه فاستويا فيه كالأثمان والعبد الصغير كالشاة في جواز التقاطه لأنه لا ينحفظ بنفسه. الشيخ: العبد الصغير كوننا نقتصر على جواز التقاطه فيه نظر لأن العبد الصغير إذا كان مميزاً أو مراهقاً فإنه ربما يعطيك خبراً عن سيده وتعرف سيده بخلاف الشاة وشٍبهها وأيضاً نقول الخطر من الفتنة على العبد الصغير أشد من الخطر على الشاة لا سيما إذا كان هذا الغلام جميلاً فإنه فتنة عظيمة فلذلك لا ينبغي أن يقال إنه مثل الشاة بل هو أشد حرمة واحترماً. القارئ: فأما الحمر فألحقها أصحابنا بالنوع الأول لأن لها قوة فأشبهت البقر وظاهر حديث زيد إلحاقها بالغنم لأنه علل أخذ الشاة بخشية الذئب عليها والحمر مثلها في ذلك وعلل المنع من الإبل بقوتها على ورود الماء وصبرها بقوله (معها سقاءها) والحمر بخلافها.

الشيخ: المؤلف يقول رحمه الله إن أصحابنا ألحقوها بالنوع الأول ولكن هو يميل إلى أنها تلحق بالشاة وهو الأقرب. السائل: إذا وجد البهيمة في المصر، فكيف يلتقطها لأنه ربما تكون تسرح في المصر بعلم صاحبها؟ الشيخ: هذا إذا علمنا أنها لقطة أما إذا علمنا أنها سارحة حتى لو كانت في البر القريب من المصر تسرح إليه الغنم وتمشي وإذا كان آخر النهار رجعت إلى أهلها فهي ليست لقطة لكن المقصود إذا علمنا أنها ضالة. السائل: الحمر الوحشية هل هي كالحمر الأهلية؟ الشيخ: لا، لأن الحمر الوحشية تمتنع من السباع فهي صيد. القارئ: ومتى التقط هذا النوع خُيِّرَ بين أكله في الحال وحفظه لصاحبه وبيعه وحفظ ثمنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (هي لك أو لأخيك) ولم يأمره بحفظها ولأن إبقاءها يحتاج إلى غرامة ونفقة دائمة فيستغرق قيمتها فإن اختار إبقاءها وحفظها لصحابها فهو الأولى وينفق عليها لأن به بقاءها فإن لم يفعل ضمنها لأنه فرط فيها وإن أنفق عليها متبرعاً لم يرجع على صاحبها وإن نوى الرجوع على صاحبها وأشهد على ذلك ففي الرجوع به روايتان بناءً على الوديعة وإن اختار أكلها أو بيعها لزمه حفظ صفتها ثم يعرفها عاما فإذا جاء صاحبها دفع إليه ثمنها أو غرمه له إن أكلها ولا يلزمه عزل ثمنها إذا أكلها لأنه لا يخرج من ذمته بعزله فلم يلزمه كسائر ما يلزمه ضمانه وإن أراد بيعها فله أن يتولى ذلك بنفسه لأن ما ملك أكله فبيعه أولى.

الشيخ: كثير من العوام يقول إن هذا النوع من اللقطة إذا وجده الإنسان فله أن يأكله مجاناً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (هي لك أو لأخيك أو للذئب) وهذا غلط لأن مُلْكَ صاحبها باقٍ عليها فإذا أكلها ضمنها لصاحبها، أما الذئب فهذا يعني إذا تركها لأنه إذا تركها أكلها الذئب وقوله (أو لأخيك) أعم من صاحبها والمعنى لأخيك الذي يجدها من بعدك أو أخيك الذي هو صحابها وعلى كل حال فكما قال الموفق رحمه الله هو مخير بين هذه الأشياء الثلاثة إبقاءها أو بيعها أو أكلها، فإذا باعها حفظ الثمن وإذا أكلها ضمنها بالقيمة والثالث الإبقاء والإبقاء أولى إلا إذا كان في ذلك ضرراً على صاحبها فمثلاً إذا كان الناس في خصبة والربيع متوفر ومؤونتها سهلة فهنا إبقاءها أولى لأنها قد تسمن وإذا كانت أنثى فقد تلد وأما إذا كان الأمر بالعكس المؤونة شديدة والوقت جدب فهنا لا نقول بيعها أولى بل نقول بيعها متعين أو أكلها ويضمن القيمة لأن إبقاءها مع الجدب سيجعل في الإنفاق عليها ضرر على صاحبها. القارئ: فإذا عرفها حولاً ولم تعرف ملكها إن كانت باقية أو ثمنها إن باعها لأن حديث زيد يدل على ملكه لها لأنه أضافها إليه بلام التمليك ولأنه مال يجوز التقاطه فيملك بالتعريف كالأثمان وعنه لا يملكها والمذهب الأول. الشيخ: الصواب أنه يملكها إذا تم الحول، ولكن كيف يُعَرِّفها، هل كل يوم يعرفها؟ وأين يعرفها؟ فالسؤال الآن عن الزمان وعن المكان؟ نقول أما الزمان فيعرفها بما جرت به العادة في أول التقاطها يعرفها كل يوم وإذا طال الزمن يعرفها بعد عشرة أيام أو بعد نصف شهر وكلما بعد الزمن خف التكرار أما في المكان فيعرفها في أقرب بلد إليه أو إذا كان بدو نازلون في البر فيعرفها في أقرب أماكن البدو. السائل: إذا أنفق على اللقطة فهل يرجع على صاحبها بما أنفقه عليها؟

الشيخ: إذا أنفق عليها بنية الرجوع فإنه يرجع أما إذا كان بنية التبرع فلا يرجع، لكن إذا كان لم ينو تبرعاً ولا رجوعاً إنما نوى حفظ هذه الشاة فإنه يرجع على صاحبها لأنه إنما انفق عليها لحفظ مال صاحبها. السائل: هل يشترط الإشهاد على ذلك؟ الشيخ: الإشهاد ليس بشرط. السائل: هل يسقط التعريف إذا كان هناك أناس ظلمة يأخذون الضوال بغير وجه حق؟ الشيخ: لا بد أن يعرفها فإذا عرفها وأتى هؤلاء الظلمة وأخذوها فهو في حِلٍّ إلا إذا كان يقدر على مدافعتهم وهو لم يفعل. فصل القارئ: فإن التقط مالا يبقى عاما كالبطيخ والطبيخ لم يجز تركه ليتلف فإن فعل ضمنه لأنه فرط في حفظه. الشيخ: البطيخ معروف والطبيخ هو الطعام المطبوخ. القارئ: فإن كان مما لا يبقى بالتجفيف كالبطيخ خير بين بيعه وأكله وإن كان يبقى بالتجفيف كالعنب والرطب فعل ما فيه الحظ لصحابه من بيعه وأكله وتجفيفه فإن احتاج في التجفيف إلى غرامة باع بعضه فيها وإن أنفقها من عنده رجع بها لأن النفقة هاهنا لا تتكرر بخلاف نفقة الحيوان فإنها تتكرر فربما استغرقت قيمته فلا يكون لصحابها حظ في إمساكها إلا بإسقاط النفقة عنه وإن أراد بيعها فله البيع بنفسه لما ذكرنا في بيع الضوال وعنه له بيع اليسير وأما الكثير فإنه يرفعه إلى السلطان والقول في تعريفه وسائر أحكامه كالقول في الشاة. فصل القارئ: قال أحمد رضي الله عنه من اشترى سمكة فوجد في بطنها درة فهي للصياد وإن وجد دراهم فهي لقطة لأنها لا تبتلع الدراهم إلا بعد ثبوت اليد عليها وقد تبتلع درة من البحر مباحة فيملكها الصياد بما فيها فإن باعها ولم يعلم بالدرة لم يزل ملكه عنها كما لو باع داراً له فيها مال لم يعلم به. فصل

القارئ: فإن وجد اللقطة اثنان فهي بينهما لأنهما اشتركا في السبب فاشتركا في الحكم وإن ضاعت من واجدها فوجدها آخر ردها على الأول لأنه قد ثبت له الحق فيها فوجب ردها إليه كالملك وإن رآها اثنان فرفعها أحدهما فهي له لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له) وإن رآها أحدهما فقال للآخر ارفعها ففعل فهي لرافعها لأنه مما لا يصح التوكيل فيه. الشيخ: قوله (وإن رآها أحدهما فقال للآخر ارفعها ففعل فهي لرافعها) نقول ينبغي أن يقيد هذا بما إذا لم يكن للآمر السلطة في توجيه الأمر إلى الآخر كالسيد يقول لعبده خذها وكإنسان يقول لخادمه خذها، لأن هذا إنما أخذها خدمة لسيده ولم يأخذها لنفسه فينبغي أن يقيد كلام المؤلف رحمه الله بهذا أما إذا كان اثنين متصاحبين ومرَّا بلقطة وقال أحدهما للآخر خذها وليس له سلطة عليه فهنا لا شك أنها تكون للآخذ. فصل القارئ: فإن التقطها صبي أو مجنون أو سفيه صح التقاطه لأنه كسب بفعل فصح منه كالصيد فإن تلفت في يده بغير تفريط لم يضمنها لأنه أخذ ماله أخذه وإن تلفت بتفريط ضمنها ومتى علم وليه بها لزمه نزعها منه وتعريفها لأنها أمانة والمحجور عليه ليس من أهلها فإذا تم تعريفها دخلت في ملك واجدها حكما كالميراث. السائل: قول المؤلف (فإن التقطها صبي أو مجنون أو سفيه صح التقاطه) ثم قال (كالصيد) مع أن صيد المجنون لا يصح لأنه لا قصد له؟ الشيخ: إذا أخذ المجنون الصيد بيده حياً صح فعله. السائل: قول أحمد رحمه الله (من اشترى سمكة فوجد في بطنها درة فهي للصياد) كيف تكون للصياد مع أن الصياد صاد السمكة ولم يصد الدرة؟ الشيخ: لكن الصياد هو الذي أخذ السمكة بما فيها اللقطة وهو لو علم أن فيها درة فهل سيبيعها بخمسة ريالات؟ الجواب لا. فصل

القارئ: ويصح التقاط العبد بغير إذن سيده لعموم الخبر ولما ذكرنا في الصبي ويصح تعريفه لها لأن له قولاً صحيح فصح تعريفه كالحر فإذا تم تعريفها ملكها سيده لأنها كسب عبده ولسيده انتزاعها منه قبل تعريفها لأن كسب عبده له ويتولى تعريفها أو اتمامه وله اقرارها في يده عبده الأمين ويكون مستعيناً به في حفظها وتعريفها ولا يجوز إقرارها في يد من ليس بأمين لأنها أمانة فإن فعل فعليه الضمان وإن علم العبد أن سيده غير مأمون عليها لزمه سترها عنه وتسليمها إلى الحاكم ليعرفها ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان وإن أتلفها العبد فحكم ذلك حكم جنايته وإن عتق العبد بعد الالتقاط فلسيده أخذها لأنها كسبه. السائل: البقرة إذا جاءت ضالة ودخلت في البهائم فهل الأولى أن يطردها أو يتركها؟ الشيخ: إذا دخلت الشاة أو البقرة أو البعير في غنمه أو بقره أو إبله فله أن يطردها لأنها لو بقيت مشكلة إذ أنها بقيت عنده لمدة أسبوع أو نحو ذلك ألفت المكان ولم تذهب إلى صاحبها، لكن يبادر هو بطردها فإن تركها فالجناية عليه. السائل: إذا أشهد شاهدين وتركها مع بهائمه فهل له ذلك؟ الشيخ: إذا كان مما لا يجوز التقاطه كالإبل والبقر فإنه حرام عليه كما في الحديث (لا يؤوي الضالة إلا ضال). السائل: إذا طردها لكنها عادت وعجز عن فصلها عن بهائمه فماذا يصنع؟ الشيخ: إذا حاول طردها وعجز فلابد أن يبحث عن صحابها وينشدها وتكون ضالة. فصل القارئ: والمكاتب كالحر لأن كسبه لنفسه والمدبر وأم الولد كالقن. الشيخ: قوله (كالقن) القن هو العبد الخالص. القارئ: ومن نصفه حر فلقطته بينه وبين سيده ككسبه فإن كانت بينهما مهايأة لم تدخل في المهايأة في أحد الوجهين لأنها من الأكساب النادرة فأشبهت الميراث والآخر تدخل لأنها من كسبه فهي كصيده وفي الهدية والوصية وسائر الأكساب النادرة وجهان كاللقطة. فصل

القارئ: والذمي كالمسلم للخبر ولأنه كسب يصح من الصبي فصح من الذمي كالصيد والفاسق كالعدل لذلك لكن إن علم الحاكم بهما ضم إليه أميناً يحفظها ويتولى تعريفها لأنها أمانة فلا يؤمن خيانته فيها فإذا عرفها ملكها ملتقطها. فصل القارئ: ومن التقط لقطة لغير التعريف ضمنها ولم يملكها وإن عرفها لأنه أخذها على وجه يحرم عليه فلم يملكها كالغاصب ومن ترك التعريف في الحول الأول لم يملكها وإن عرفها بعد لأن السبب الذي يملكها به قد فات ولم يبرأ منها إلا بتسليمها إلى الحاكم. الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنه لو عَرَّفها في آخر الحول برئت ذمته ولكن الراجح أنها لا تبرأ وأنه إذا أخرها عن أول وجودها فإنه ضامن لأن صحابها إنما يطلبها في أول ضياعها منه فيكون مفرطاً ومعتدياً أيضاً. فصل القارئ: ومن ترك دابة بمهلكة فأخذها إنسان فخلصها ملكها لما روى الشعبي قال حدثني غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ومن وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له) ولأن فيه إنقاذاً للحيوان من الهلاك مع نبذ صاحبه له فأشبه السنبل الساقط فإن كان مكانها عبداً لم يملكه لأنه في العادة يمكنه التخلص وإن كان متاعاً لم يملكه لأنه لا حرمة له في نفسه.

باب اللقيط

الشيخ: الصواب في هذه المسألة أن من ترك دابة ثم وجدها إنسان فإما أن يتركها عجزاً عنها أي نعلم أنه تركها عجزًا لأن مثلها لا يترك زهداً فهذا لا يملكه آخذه ولكن لآخذها أجرة المثل وأما إذا تركه لكونه ليس له به رغبة كما فعل جابر رضي الله عنه حين أراد أن يسيب جمله فهذا لا بأس أن يملكه آخذه وكذلك يقال في المتاع إذا علمنا أن صاحبه تركه رغبة عنه فهو لمن وجده، وإذا علمنا أنه تركه عجزاً عن حمله وأن الغالب أنه يرجع ويحمله فهو لصحابه ومن ذلك ما يوجد الآن في السيارات التي أصيبت بحوادث هل يجوز للإنسان أن يأخذ منها ما يصلح من العدة لأن صاحبها تركها أو يقال في هذا تفصيل؟ الجواب يقال في هذا تفصيل إذا علمنا أن هذه التي أصابها الحادث حادثها يسير وأن صاحبها سيرجع فلا يجوز لأحد أن يأخذها أو يأخذ منها شيئاً أما إذا علمنا أنها دامرة وأن صاحبها تركها ولا يريد الرجوع إليها فله أن يأخذ منها ما يراه صالحاً. باب اللقيط القارئ: وهو الطفل المنبوذ والتقاطه فرض على الكفاية لأنه إنجاء آدمي من الهلاك فوجب كتخليص الغريق. الشيخ: اللقيط هو الطفل المنبوذ أو الطفل الذي ضل عن أهله وهذا الثاني يقع كثيراً لا سيما في مواسم الحج والعمرة لكن الذي يوجد في مواسم الحج والعمرة لا يعتبر لقيطاً لأن هناك جهات معروفة مختصة تتلقى هؤلاء الأطفال، لكن لو علمنا أنه قد سيبه أهله فحينئذ يكون لقيطاً وأما الطفل الذي لا يستطيع أن يمشي فهذا لا شك أنه لقيط لأن الغالب أن أهله هم الذين نبذوه وإن كان قد يقع أن يكون أهله فروا وعجزوا أن يحملوه فتركوه عجزاً أو وضعوه في مكان ونسوا، والمهم أن التقاطه فرض كفاية لأنه إنجاء معصوم من هلكه وقول المؤلف (إنجاء آدمي) فيه تساهل فالصواب والتعليل المحرر أن يقول إنقاذ معصوم، لأن الآدمي غير المعصوم هذا لا يجب إنقاذه بل يجب إهلاكه.

القارئ: وهو محكوم بحريته لما روى سنين أبو جميلة قال (وجدت ملقوطا فأتيت به عمر رضي الله عنه فقال اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته) رواه سعيد في سننه ولأن الأصل في الآدميين الحرية. الشيخ: قوله رضي الله عنه (ولك ولاؤه) فيه دليل على القول الراجح أن أسباب الإرث لا تنحصر في الثلاثة المعروفة وهي النكاح والولاء والنسب، فالولاء يكون ولاء العتق أو ولاء الالتقاط أو ولاء المحالفة وما أشبه ذلك مما يعتبر مولاة إذا فقدت الثلاثة. القارئ: ويحكم بإسلامه في دار الإسلام إذا كان فيها مسلم لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها وإن وجد في بلد فيه كفار ولا مسلم فيه فهو كافر لأن الظاهر أنه ولد كافرين وإن وجد في بلد الكفار وفيه مسلمون ففيه وجهان أحدهما هو كافر لأنه في دارهم والثاني هو مسلم تغليباً لإسلام المسلم الذي فيه. الشيخ: ما قاله المؤلف صحيح ولكن ما هي دار الإسلام ودار الكفر فهل إذا كانت هذه البلدة شعائر الإسلام فيها ظاهرة من آذان وصلاة جماعة وجمعة وصيام وأعياد وكل شعائر الإسلام فيها ظاهرة لكن حكامها يحكمون بالقانون عمداً وقصداً فهل نقول هذه بلاد إسلام أو بلاد كفر؟ نقول هي بلاد إسلام لأن المظهر فيها مظهر إسلام وإذا قصَّر الحكام أو اعتدوا فإن ذلك لا ينقلها إلى دار الكفر وأما ما هيمن عليه الكفرة فهي دار كفر وإن كان يوجد فيها من يحكم بالإسلام، فهذا هو تعريف دار الإسلام فدار الإسلام ما ظهرت فيها شعائر الإسلام وكان أهلها مسلمين بقطع النظر عن الحكام والحكام لهم شأنهم وبه نعرف خطاء من يقولون في بلاد المسلمين التي يحكم فيها حكامها بالقانون إنها بلاد كفر فهذه مسألة خطيرة.

بقي أن يقال إذا كان طفلاً وقلنا أنه كافر لأنه في بلاد أهلها كفار فماذا يترتب لو قلنا إنه مسلم؟ الجواب يترتب عليه أننا إذا قلنا إنه مسلم فمات هذا الطفل وجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين إن كان هناك مقابر مسلمين أو ينقل إلى بلد آخر فيدفن في مقابر المسلمين وإذا قلنا إنه كافر انعكست الأحكام وهذا بالنسبة لأحكام الدنيا أما بالنسبة لأحكام الآخرة فكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعائشة (الله أعلم بما كانوا عاملين) فيمتحنون يوم القيامة والله أعلم بما كانوا عاملين. فصل القارئ: وما يوجد عليه من ثياب أو حلي أو تحته من فراش أو سرير أو غيره أو في يده من نفقة أو عنان دابة أو مشدوداً في ثيابه أو ببعض جسده أو مجعولاً فيه كدار وخيمة فهو له لأنه آدمي حر فما في يده له كالبالغ. الشيخ: قوله (مجعولاً فيه كدار وخيمة) فيه نظر كبير لأن غالب اللقطاء يوضعون في الدور الخربة وما أشبه ذلك أو قد يزضعون في المساجد فكيف نقول إنها له!! حتى الذي حوله إذا كان مدفوناً طرياً فهو له وإن كان مدفوناً قديماً فليس له ففي كلام المؤلف نظر ظاهر. القارئ: وإن كان مطروحاً بعيداً منه أو قريباً مربوطاً بغيره لم يكن له لأنه لا يد له عليه وكذلك المدفون تحته لأن البالغ لو جلس على دفين لم يكن له وقال ابن عقيل إن كان الحفر طرياً فهو له لأن الظاهر أنه حفر النابذ له. الشيخ: الصواب كلام ابن عقيل أن ما تحته إن كان الحفر طريا فلا شك أنه له وكأن الذي نبذه جعل الحفر تحته لئلا يشعر به أحد إذا مر حوله لأنه لو كان الحفر قريباً منه شعر به من راءه فإذا كان تحته اختفى الحفر بالطفل ولم يعلم به أحد. القارئ: وإن وجد بقربه مال موضوع ففيه وجهان أحدهما هو له إن لم يكن هناك غيره لأن الإنسان يترك ماله بقربه والثاني ليس هو له لأنه لا يد له عليه.

الشيخ: الصحيح أنه ليس له إلا إذا دلت القرينة على أنه له مثل أن يكون الذي حوله رضَّاعة طفل أوعلبة حليب وما أشبه ذلك مما يدل على أنه له. السائل: الذين يسمون البلدان التي يحكم بها الحكام بغير الشريعة بلاد كفر ما مدى الولاء والبراء الذي يكون للإنسان معهم لأن كثير من هؤلاء لو نوقش تجده ليس عنده علم ولو زدت في الكلام معه ربما تحصل فرقة ويحصل نفرة في القلوب فمثل هذه المواقف هل علينا تركها وعدم النقاش فيها معهم أم ماذا؟ الشيخ: أنا أرى أنه يبين الحق لأنه يترتب عليه إذا كانت بلاد كفر أن نغزوها ونستحل نساءها وأهلها أو نوجب على أهلها أن أن يهاجروا منها وسبحان الله!! بلد يؤذن فيه وتقام الجمعة والجماعة ويصام رمضان وكل شعائر الإسلام فيها ظاهرة وأهلها مسلمون ثم نقول هي بلاد كفر بناءً على أن ولاتها يحكمون بالقانون!! كيف ننسى العبادات الخمس التي ليست هي حكم وكلها موجودة في هذا البلد وثابتة، ثم الحكم أيضاً ليس جميع القوانين كلها مخالفة للشرع بل بعضها موافق للشرع. السائل: هل نناقش هؤلاء في هذه المسائل؟ الشيخ: لابد أن نبين لهم ونقول لهم يا جماعة بيننا وبينكم كتاب الله فهل تستحلون أن تغزوا هذه البلدة؟! لا يستطيعوا أن يقولوا ذلك، ثم نقول هل لو مات أحد من هذه البلدة ترثونه من أقاربكم؟ إذاً هناك أشياء كثيرة لأنه يَلْزَمُ من القول بأنها بلاد كفر، أن نُكفِّر من فيها إلا إذا حاربوا السلطان الذي حكم بالقوانين. السائل: إذا غلب على ظن المخاطب والداعي أن هؤلاء ليسوا أهل نقاش لأنهم إما جهلة أو متعصبون لن يستجيبوا له ماذا يعمل؟ الشيخ: إن غلب على ظنه فإنه يقرر هو بنفسه ولا يجادلهم ويقرر الصواب للحاضرين إن كان هناك حاضرين فيقرر لهم أن هذه ليست بلاد كفر. السائل: بعض الذين يأتون بأطفال من الزنا يلقونهم بالثياب ويضعونهم في المساجد فهل يقال عن هؤلاء أنهم ارتكبوا كبيرة؟

الشيخ: أصل الزنا كبيرة ولا يحل له أن ينبذ هذا الطفل لأنه ربما لا يؤويه أحد فمثل هذا إذا كان في بلد يوجد فيه حضانة ورعاية للأطفال فإنه يذهب إلى شخص أمين إذا كان لا يريد أن يتبين أمره ويقول له خذ هذا وسلمه للحكومة. فصل القارئ: وينفق عليه من ماله لأنه حر فينفق عليه من ماله كالبالغ ويجوز للولي الإنفاق عليه من غير إذن الحاكم لأنه ولي فملك ذلك كولي اليتيم ويستحب استئذانه لأنه أنفى للتهمة. الشيخ: قوله (ويستحب استئذانه) أي استئذان الحاكم. القارئ: فإن بلغ واختلفا في النفقة فالقول قول المنفق. الشيخ: القول قول المنفق إذا أمكن أما إذا لم يمكن فإن القول قول الصبي أو يلغى قول هذا وهذا، ويُرجع إلى ما يقتضيه العرف فإذا اختلف اللقيط بعد أن بلغ ومن التقطه في مقدار النفقة فالمؤلف يرى أن القول قول المنفق لأنه مؤتمن وأمين وكل أمين فالقول قوله في مثل هذا الأمر، لكننا نقول ما لم تكذبه العادة فإن كذبته العادة فلا قول له، فإذا قلنا إنه لا قول له فهل يكون القول قول اللقيط أو نلغي قول اللقيط وقول المنفق ونرجع إلى ما يقتضيه العرف؟ الجواب هذا الأخير لأنه أقرب إلى العدل فنلغي قول الطفل الذي بلغ وقول المنفق ونرجع إلى ما يقتضيه العرف. القارئ: وإن لم يكن له مال فنفقته في بيت المال لقول عمر رضي الله عنه (وعلينا نفقته) ولأنه آدمي حر له حرمة فوجب على السلطان القيام به عند حاجته كالفقير وليس على الملتقط نفقته لحديث عمر ولأنه لا نسب بينهما ولا ملك فأشبه الأجنبي.

الشيخ: قوله (وليس على الملتقط نفقته لحديث عمر ولأنه لا نسب بينهما) هذا ما لم نقل إن له ولاية إرث فإن قلنا إن له ولاية إرث وتعذر بيت المال فإنه ينفق عليه واجده لأنه في النهاية إذا مات هذا اللقيط فإنه يرثه واجده، فنقول كما أن لك غنمه فعليك غرمه، أما إذا قلنا بالقول المشهور عند العلماء أنه لا توارث بين اللقيط ولاقطه فحينئذ لا تجب عليه النفقة إلا على سبيل فرض الكفاية بحيث لم يقم به أحد إلا هذا اللاَّقط. القارئ: وإن تعذر الإنفاق عليه من بيت المال فعلى من علم حاله الإنفاق عليه فرض كفاية لأن به بقاءه فوجب كإنقاذ الغريق فإن اقترض الحاكم ما أنفق عليه ثم بان رقيقاً أو له أب موسر رجع عليه لأنه أدى الواجب عنه وإن لم يظهر له أحد وُفِّيَ من بيت المال. فصل القارئ: فإن كان الملتقط أميناً حراً مسلما أقر في يده لحديث عمر رضي الله عنه ولأنه لابد له من كافل والملتقط أحق للسبق وفي الإشهاد عليه وجهان أحدهما لا يجب كما لا يجب في اللقطة والثاني يجب لأن القصد به حفظ النسب والحرية فوجب كالإشهاد في النكاح. الشيخ: لا شك أن الإشهاد أولى من عدمه لئلا يُظَنَّ في المستقبل أنه ولده لا سيما إذا كان يدخل على البيت ويخرج فالقول بالوجوب قولٌ قوي وهو أن يُشهد بأنه التقط هذا الطفل وأنه ليس من أولاده لئلا يظن في المستقبل أنه من أولاده، وأما القياس الذي ذكره المؤلف ففيه نظر بل يقال إنه يجب لئلا يُتهم أنه من أولاده وهو ليس منهم وقوله (لأن القصد به حفظ النسب والحرمة فوجب) المؤلف لو قال (فوجب) وسكت لكان الكلام صحيحاً لا غبار عليه لكنه قال (كالإشهاد في النكاح) فَذِكْره النكاح قياس مع الفارق.

القارئ: وإن التقطه فاسق نزع منه لأنه ليس في حفظه إلا الولاية ولا ولاية لفاسق قال القاضي هذا المذهب وظاهر قول الخرقي أنه يقر في يده لقوله إن لم يكن من وجد اللقيط أميناً منع من السفر به فعلى هذا يضم إليه أمين يشارفه ويشهد عليه ويشيع أمره لينحفظ بذلك. الشيخ: يؤخذ من هذا التقرير أن الأب إذا فارق أم الولد يعني له أولاد من امرأته ففارقها وكان فاسقاً لا يصلي ويشرب الخمر ويحلق اللحية ويسبل الثوب فإنه لا حضانة له ولا يمكن أن يقر المحمول بيد مثل هذا، وقد نص على هذا الفقهاء رحمهم الله بأنه لا حضانة لفاسق فالحكم بأن الأب له الحضانة مطلقاً فيه نظر، وهذا يقع كثيراً في بعض القضايا والواجب أن الإنسان يتريث فمثلاً إذا اتمت البنت سبع سنوات قال بعض أهل العلم إنها تنقل إلى أبيها مباشرةً ولكن نقول إذا كان الأب فاسقاً ولا يبالي وعنده زوجة هي ضرة أمها ولا يخفى ما يحصل بين الضرات فيأتي بها عند زوجته ففي هذه الحال لا شك أنه ضرر على البنت أنها تفقد حنان الأم وتأتي إلى شقاء زوجة الأب وإذا كان لزوجة الأب أولاد فسوف تؤثرهم على هذه البنت فتبقى مكسورة الخاطر دائماً وهذه مسائل يجب على القضاة والحكام أن لا يكونوا ظاهريين فقط فيقولوا مثلاً بنت السبع سنين تنقل إلى أبيها مطلقاً، لا فهذا غلط لأن المقصود من الحضانة هو حفظ الصبي وصيانته وتربيته وليس المقصود إهلاكه ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن البنت تبقى عند أمها إلى أن تبلغ وبعضهم قال إلى أن تتزوج، لأنه لا شك أنه لا أحد أشد حناناً من الأم على ابنتها لكن إذا علمنا أن الأم ليست أهلاً للحضانة حينئذ تُنْزَع منها. القارئ: وليس لكافر التقاط محكوم بإسلامه لأنه لا ولاية لكافر على مسلم فإن التقطه نزع منه وله التقاط المحكوم بكفره ويقر في يده لثبوت ولايته عليه.

الشيخ: قول المؤلف بجواز إقرار اللقيط المحكوم بكفره في يد الكافر فيه نظرٌ ظاهرٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فهذا الطفل مولود على الفطرة وإذا جعلناه عند هذا الرجل الكافر يُكَفِّرَه مثله فالصواب أن الكافر مهما كان سواء كان كتابياً أو نصرانياً أو مشركاً فإنه لا يقر بيده اللقيط بل ينزع منه. القارئ: وليس للعبد الالتقاط إلا أن يأذن له سيده فتكون الولاية للسيد والعبد نائب عنه فصل القارئ: فإن أراد الملتقط السفر به وهو ممن لم تختبر أمانته في الباطن نزع منه لأنه لا يؤمن أن يدعي رقه وإن علمت أمانته باطناً فأراد نقله من الحضر إلى البدو منع منه لأنه ينقله إلى العيش في الشقاء ومواضع الجفاء وإن أراد النقلة إلى بلد آخر يقيم فيه ففيه وجهان أحدهما يقر في يده لأنهما سواء فيما ذكرنا والثاني يمنع منه لأن بقاءه في بلده أرجى لظهور نسبه. الشيخ: ولا سيما إذا كان يريد أن ينقله إلى المدن من القرى لأن الغالب أن القرى أشد محافظة من المدن أما إذا تساوى الأمران فله أن ينقله لأنه قد يكون أحسن لهذا اللقيط أن يتولاه من التقطه فيحسن إليه. السائل: كيف تعرف أمانة الشخص (أي أمانته في الباطن)؟ الشيخ: تعرف بمعاملاته ومصاحبته. السائل: إذا كانت المصلحة في بقاء البنت مع أمها فهل تبقى معها حتى لو تزوجت الأم؟ الشيخ: نعم ولو تزوجت فإذا رضي الزوج أي زوج الأم بأن تبقى حضانتها على بنتها فلا مانع. السائل: ذكر المؤلف أنه لا يجوز نقل اللقيط إلى البادية لأن فيه العيش في الشقاء ومواضع الجفاء، لكن البادية فيها فوائد أخرى لأن بعض الناس يرسلون أولادهم إلى البادية للنجابة. الشيخ: الغالب على البادية الجفاء وشظف العيش والشقاء. السائل: لكن لو قيل إن في ذلك فائدة في نشأة الطفل ونجابته؟ الشيخ: لا، مراعاة ما ذكر المؤلف أولى.

القارئ: وإن كان اللقيط في بدو فله نقله إلى الحضر لأنه أرفق به وله الإقامة به في البدو وفي حلة لا تنتقل عن مكانها لأن الحلة كالقرية وإن كان متنقلاً ففيه وجهان أحدهما يقر في يده لأنه أرجى لكشف نسبه والثاني ينزع منه لأنه يشقى بالتنقل. الشيخ: الأولى أن يُرجع في هذا إلى كل قضية بعينها فهذا هو الأولى والتعليلات العامة التي ذكرها المؤلف قد يعارضها حوادث خاصة وعليه فيقال إذا كان هذا الرجل الذي يتنقل مشفقاً على اللقيط حريصاً عليه لا يفوته مصلحة فليكن معه ولو تنقل به، وإذا كان بالعكس وهو أنه إذا تنقل به أضاعه فإنه ينزع منه. فصل القارئ: فإن التقطه موسر ومعسر قدم الموسر لأنه أحظ للطفل فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما لقول الله تعالى (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) ولأنهما تساويا في الحق فأقرع بينهما كالعبدين بالعتق وإن ترك أحدهما نصيبه كفله الآخر والرجل والمرأة في هذا سواء لأن المرأة أجنبية والرجل يحضنه بأجنبية فهما سواء. فصل القارئ: فإن اختلفا في الملتقط وهو في يد أحدهما فالقول قوله وهل يستحلف فيه وجهان وإن كان في يديهما قدم أحدهما بالقرعة وهل يستحلف على وجهين وإن لم يكن في يد واحد منهما سلمه السلطان إلى من يرى منهما أو من غيرهما لأنه لا يد لأحدهما وإن كان لأحدهما بينة قضي بها لأنها أقوى فإن كانت لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا لأنه يثبت بها السبق إلى الالتقاط وإن تساويا وهو في يد أحدهما انبنى على بينة الداخل والخارج وإن تساويا في اليد أو عدمها سقطتا وأقرع بينهما فقدم بها أحدهما. السائل: إذا وجد مع اللقيط مال كثير فإن بعض الناس قد يدعيه لأجل أخذ هذا المال؟ الشيخ: إذا ادعاه ونحن نعلم أن بقاءه في يده ضرر على اللقيط نزعناه منه. السائل: ما معنى قول المؤلف (بينة الداخل والخارج)؟

الشيخ: هذه تأتينا إن شاء الله في باب الدعاوي والبينات ولكن لنضرب لك مثلاً بها فإذا كان بيدك قلم وادعى إنسان أن هذا القلم قلمه وأتى ببينة تشهد أنه قلمه وأنت أتيت ببينة تشهد أنه قلمك فهنا الداخل أنت والخارج هو المدعي فمن يُقدم منكما أنت أو المدعي؟ قيل يُقدم الذي في يده العين وهذا أحد القولين في المسألة وقيل يُقدم الخارج لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البينة على المدعي وهذا أتى ببينة والذي في يده العين ليست في جهته بينة بل في جهته اليمين فقط، لكن الصواب أن الذي بيده العين هو المقدم لأنه عنده بينة ويد. مسألة: إذا وطأ إنسان امرأة بشبهة وأتت بولد فهو ولده لكن في المسائل الخفية وما يشابهها يرجع فيها إلى القضاة. فصل القارئ: وإن ادعى نسبه رجل لحقه لأنه أقر له بحق لا ضرر فيه على أحد فقبل كما لو أقر له بمال ويأخذه من الملتقط إن كان من أهل الكفالة لأن الوالد أحق بكفالة ولده وإن كان كافراً لم يتبعه في الدين لأنه محكوم بإسلامه بالدار فلا يزول ذلك بدعوى كافر ولا يدفع إليه لأنه لا ولاية لكفار على مسلم ويثبت نسبه منه لأن الكافر كالمسلم في ثبوت النسب منه ولا ضرر على أحد في انتسابه إليه. الشيخ: إذا ادعى إنسان أن هذا اللقيط ولده فإنه يُتبع إياه. القارئ: وإن كانت له بينة بولادته على فراشه ألحق به نسباً ودينا لأنه ثبت أنه ابنه ببينة ذكره بعض أصحابنا وقياس المذهب أنه لا يلحقه في الدين إلا أن تقوم البينة أنه ولد كافرين حيين لأن الطفل يحكم بإسلامه بإسلام أحد أبويه أو موته وإن ادعت امرأة نسبه ففيها ثلاث روايات: إحداهن يقبل قولها لأنها أحد الأبوين فثبت النسب بدعواها كالأب ويلحق بها دون زوجها. الثانية إن كان لها زوج لم تقبل دعواها لأنه يؤدي إلى أن تلحق بزوجها نسب لم يقر به أو ينتسب إليه ما يتعير به وإن لم يكن قبل لعدم ذلك.

والثالثة إن كان لها إخوة ونسب معروف لم تقبل دعواها لأن ولادتها لا تخفى عليهم وإن لم يكن قبلت والأمة كالحرة إلا أننا إذا ألحقنا النسب بها لم يثبت رق ولدها لأنه محكوم بحريته فلا يثبت رقه بمجرد الدعوى كما لم يثبت كفره. فصل القارئ: فإن ادعى نسبه رجلان ولأحدهما بينة فهو ولده لأن له حجة فإن كان لهما بينتان أو لا بينة لهما عرض على القافة معهما أو مع عصبتهما عند فقدهما فإن ألحقته بأحدهما لحق به لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال (ألم تري أن مجززاً المدلجي نظر آنفاً إلى زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض) متفق عليه فلولا أن ذلك حق لما سر به النبي صلى الله عليه وسلم وإن ألحقته بهما لحقهما لما روى سليمان بن يسار عن عمر رضي الله عنه في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال القائف قد اشتركا فيه فجعله عمر بينهما رواه سعيد وعن علي مثله قال أحمد ويرثهما ويرثانه ونسبه من الأول قائم لا يزيله شيء قال ويلحق بثلاثة وينبغي أن يلحق بمن ألحقته منهم وإن كثروا لأن المعنى في الاثنين موجود فيما زاد فيقاس عليه وقال القاضي لا يلحق بأكثر من ثلاثة وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين لأننا صرنا إلى ذلك للأثر فيجب أن يقتصر عليه.

الشيخ: في حديث أسامة بن زيد وأبيه رضي الله عنهما كان المشركون والمنافقون يشيعون أن أسامة ليس ولداً لزيد لاختلاف ألوانهما وأهم شيء عندهم هو الطعن برسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فهذا ليس بغريب والرجل الذي ولدت امرأته غلاماً أسود وهو وزوجته أبيضان قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له (لعله نزعه عرق) لكن المشركون والمنافقون يريدون إيذاء الرسول عليه الصلاة والسلام ولهذا سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة مجزز المدلجي لأن بني مدلج أهل قافة يعرفون القافة فَسُرَّ بذلك كأنه حصل بينة فوق بينة وكلما كثرت البيانات كان الثبوت أقوى، وفي هذا الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كغيره من البشر يُسَرُّ ويحزن فجميع العوارض البشرية تلحق الرسول عليه الصلاة والسلام ولو لم يكفيك إلا هذه الآية وهي قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) لو لم يكن معك إلا هذه الآية لكانت كافية (أنا بشر مثلكم) وإنما امتاز النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي فهذا الذي يمتاز به صلى الله عليه وسلم عن غيره أما بقية الطبائع البشرية فهو كغيره، وفيه أيضاً دليل على العمل بالقافة وهي في الأنساب واضحة جاءت بها السنة وقضاء الخلفاء الراشدين، لكن هل يعمل بها في الأموال في هذا خلاف بين أهل العلم فقال بعضهم لا يعمل بها في الأموال وإنما عُمل بها في الأنساب لتشوف الشارع إلى إثبات النسب بخلاف الأموال ولكن القول الراجح بلا شك أنها أي القافة ثابتة في الأموال كما هي ثابتة في الأنساب والأنساب يتفرع عليها أموال لأنه إذا حكمنا بأنه ابنه مثلاً توارثا وحَرُمَ التناكح بين هذا الرجل وبنات الرجل الآخر وما أشبه ذلك، فالصواب أن القافة معتبرة لكن لابد أن يكون القائف مسلماً عدلاً مُجرَّباً بالإصابة فيها فإن لم يكن مسلماً فقد ذكر الأصحاب رحمهم الله أنه لا يقبل،

وإن لم يكن عدلاً ذكروا أيضاً أنه لا يقبل لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) ولكن في هذه المسألة نظر لأننا إذا حصلت لنا الثقة من تقرير الكافر والفاسق فإننا نقبل ذلك بشرط أن يكون مُجرَّباً بالإصابة في القافة ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر قول المشرك في أخطر الأشياء وذلك حين هاجر من مكة استعمل رجلاً يقال له عبد الله بن أريقط من بني الديل كان جيداً في معرفة الطرقات كما جاء في الحديث (هادياً خريتاً) استأجره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليدله إلى المدينة فهذا السفر خطير بل هو من أخطر الأسفار لأن قريشاً تنقب عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه في كل مكان حتى جعلوا لمن جاء بالرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر مائتين من الإبل ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وثق بهذا الرجل وهو مشرك في هذا الأمر الخطير لأن المدار على الثقة والآن يوجد من أطباء الكفار مثلاً من تثق به أكثر من بعض أطباء المسلمين لمهارته ولأمانته في مهنته فهو لا يرجو بذلك ثواب الآخرة لكن يرجو بذلك السمعة واستقامة المهنة، فالخلاصة أن الصواب اعتبار القيافة في الأموال كما هي معتبرة في الأنساب.

القارئ: فإن لم توجد قافة أو أشكل عليهم أو نفته عنهما أو تعارضت أقوالهم فقال أبو بكر يضيع نسبه لأنه لا دليل لأحدهما فأشبه من لم يدع نسبه أحد وقال ابن حامد يترك حتى يبلغ ويؤخذان بنفقته لأن كل واحد منهما مقر به فإذا بلغ أمرناه أن ينتسب إلى من يميل طبعه إليه لأن ذلك يروى عن عمر رضي الله عنه ولأن الطبع يميل إلى الوالد مالا يميل إلى غيره فإذا تعذرت القافة رجعنا إلي اختياره ولا يصح انتسابه قبل بلوغه لأنه قول يتعين به النسب وتلزم به الأحكام فلا يقبل من الصبي كقول القائف وسواء كان المدعيان مسلمين حرين أو كافرين رقيقين أو مسلم وكافر وحر وعبد لأن كل واحد منهم لو انفرد صحت دعواه فإن ادعاه امرأتان وقلنا بصحة دعوتيهما فهما كالرجلين إلا أنه لا يلحق بأكثر من واحدة لأنه يستحيل ولد من أنثيين وإن كانت إحداهما تسمع دعوتها دون الأخرى فهي كالمنفردة به وإن ألحقته القافة بكافر أو أمة لم يحكم برقه ولا كفره لأنه ثبت إسلامه وحريته بظاهر الدار فلا يزول ذلك بظن ولا شبهة كما لم يزل بمجرد الدعوة. السائل: إذا ألحق اللقيط برجلين فكيف يكون الميراث؟ الشيخ: لو مات أحد الرجلين عنه فقط ورث جميع ماله ولو مات عن ذي فرض وهذا ورث جميع ماله وهما يرثانه ميراث أب فيقتسمان ميراث الأب ولو صار له ابن أخذا السدس. السائل: من المعلوم أن الطفل إنما يخلق من مني واحد فكيف نلحقه برجلين؟ الشيخ: الفقهاء يرون أنه يمكن أن يُخلّق الجنين من الماءين. فصل القارئ: فإن كان لامرأتين ابن وبنت فادعت كل واحدة أنها أم الابن احتمل أن يعرض معهما على القافة واحتمل أن يعرض لبنهما على أهل الخبرة فمن كان لبنها لبن ابن فهو ابنها وقد قيل إن لبن الابن ثقيل ولبن البنت خفيف فيعتبر ذلك.

الشيخ: لا أدري عن صحة هذا وهو أنها إذا جاءت ببنت صار لبنها خفيفاً وإن جاءت بابن صار لبنها ثقيلاً لا أدري عن صحة هذا لكن لو نظرنا إلى أن الابن بوله خفيف يرش أي ينضح بالماء فقط بدون غسل والجارية بالعكس لكان يقتضي ذلك أن يكون لبنها الذي يخلقه الله للإبن خفيفاً ولكن مع ذلك أنا لا أبني على هذا شيئاً فلا أرجح خلاف كلام المؤلف بل يرجع في هذا إلى الأطباء. فصل القارئ: والقافة قوم من العرب عرفت منهم الإصابة في معرفة الأنساب وأشتهر ذلك في بني مدلج رهط مجزز وسراقة بن مالك بن جعشم ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإصابة لأن ذلك يجري مجرى الحكم فاعتبر ذلك فيه قال القاضي يترك الغلام مع عشرة غير مدعيه ويرى القائف فإن ألحقه بأحدهم سقط قوله وإن نفاه عنهم جعلناه مع عشرين فيهم مدعيه فإن ألحقه بمدعيه علمت إصابته. الشيخ: قول القاضي رحمه الله (سقط قوله) أي سقط قول المدعي وذلك بأن يوضع الغلام مع عشرة غير المدعي فإنه يبعد عنهم فإذا قال القائف هو ابن فلان فهنا يسقط قول المدعي لأن القائف الآن منعه عن المدعي، ويحتمل أن قوله (سقط قوله) أي قول القائف لأن هؤلاء العشرة لم يدعوه فيسقط قوله بمعنى أننا لا نعمل به لأن هؤلاء ما أدعوه وإن نفاه عنهم فقال كل هؤلاء ليسوا من آباءه فإننا نجعله مع عشرين وفيهم مدعيه فإن ألحقه بمدعيه عُلمت إصابته، وهذه كلها قرائن في الحقيقة وليست هي مُؤَكِّدات. السائل: إذا قلنا إن المراد بقوله (سقط قوله) أي قول المدعي، وقد جعلنا الغلام مع عشرة غير مدعيه فكيف يسقط قول المدعي؟ الشيخ: لأن القائف ألحقه بهؤلاء فكيف يكون لواحد من هؤلاء وللمدعى أيضاً مع أن القائف لم يلحقه إلا بواحد من هؤلاء. السائل: ألا يكون هناك اختبار للقائف فيبقى الغلام مع عشرة ثم يبقى مع عشرين؟ الشيخ: هو اختبار للقائف إذا نفاه عنهم فيؤتى بالمدعي معهم ويجعلون عشرين.

القارئ: وهل يكتفى بواحد فيه وجهان أحدهما يكتفى به لأن النبي صلى الله عليه وسلم سر بقول مجزز وحده لأنه بمنزلة الحاكم يجتهد ويحكم كما يجتهد الحاكم ويحكم والثاني لا يقبل إلا اثنان لأنه حكم بالشبه والخلقة فلا يقبل من واحد كالحكم بالمثل في جزاء الصيد. الشيخ: الصحيح أنه يكتفى بالواحد لأن هذا حكم وليس بشهادة فهولا يقول أنا أشهد أن هذا وُلِدَ على فراش فلان لكنه بتجربته يحكم بأنه ولد فلان. فصل القارئ: فإن ادعى رجل رقه لم يقبل لأن الأصل الحرية فإن شهدت له بينة بالملك قبلت وإن لم تذكر السبب كما لو شهدت له بملك مال وإن شهدت باليد للملتقط لم يحكم له بالملك لأن سبب يده قد علم وإن شهدت بها لغيره ثبتت والقول قوله في الملك مع يمينه كما لو كان في يده مال فحلف عليه. فصل القارئ: ومن حكمنا بإسلام أحد أبويه أو موته أو إسلام سابيه فحكمه حكم سائر المسلمين في حياته وموته ووجوب القود على قاتله قبل البلوغ أو بعده وإن كفر بعد بلوغه فهو مرتد يستتاب ثلاثة فإن تاب وإلا قتل لأنه محكوم بإسلامه يقينا فأشبه غيره من المسلمين ومن حكمنا بإسلامه بالدار وهو اللقيط فكذلك لأنه محكوم بإسلامه ظاهرا فهو كالثابت يقينا وذكر القاضي وجهاً آخر أنه يقر على كفره لأنه لم يثبت إسلامه يقينا. السائل: قول الفقهاء أنه يستتاب ثلاثاً، ما الراجح في مسألة الاستتابة؟ الشيخ: الصواب أن الاستتابة ترجع إلي رأي الإمام أو نائبه لأنه وردت آثار عن الصحابة بأنه يقتل فوراً وهذا في غير الحدود أما الحدود إذا بلغت السلطان وفيها قتلٌ فإنه يقتل ولا يستتاب، لكن في مسألة الكفر إن رأى الإمام أن يستتاب فعل ذلك. السائل: على القول بأنه ينظر إلى رأي الإمام فهل الاستتابة تكون ثلاثة أيام أم أنه يزاد عليها؟ الشيخ: الثلاثة تكفي لأن الثلاثة معتبرة في الشرع في مسائل كثيرة. فصل

القارئ: فإن بلغ اللقيط فقذفه إنسان أو جنى عليه أو ادعى رقه فكذبه اللقيط فالقول قول اللقيط لأنه حر في الحكم ويحتمل أن يقبل قول المدعي في درء حد القذف خاصة لأنه مما يدرأ بالشبهات بخلاف القصاص. الشيخ: قوله (ويحتمل أن يقبل قول المدعي) الصحيح في هذه المسألة أن هذا الاحتمال غير صحيح بل هو مرجوح فيقال مادمنا حكمنا بحريته فإنه يترتب على هذا كل ما يترتب على الحر، ومسألة الدرء بالشبهات هي في ثبوت الجناية لا في محلها. فصل

القارئ: وإن بلغ فتصرف ثم ثبت رقه فحكم تصرفه حكم تصرف العبيد لأنه ثبت أنه مملوك وإن أقر بالرق على نفسه بعد أن كان أقر بالحرية لم يقبل إقراره بالرق لأنه قد لزمه بالحرية أحكام من العبادات والمعاملات فلم يملك إسقاطها وإن لم يتقدم منه إقرار بالحرية وكذبه المقر له بطل إقراره لأنه لا يثبت رقه لمن لا يدعيه فإن أقر بعده لغيره قبل كما لو أقر له بمال ويحتمل أن لا يقبل لأن في إقراره للأول اعترفاً ليس لغيره فلم يقبل رجوعه عنه كما لا يقبل رجوعه عن الحرية وإن صدقه الأول ففيه وجهان أحدهما لا يقبل لأنه محكوم بحريته فلا يقبل إقراره بما يبطلها كما لو أقر بها والثاني يقبل لأنه مجهول الحال أقر بالرق فقبل كما لو قدم رجلان من دار الحرب فأقر أحدهما لصحابه بالرق فعلى هذا يحتمل أن يقبل إقراره في جميع أحكامه لأنه معنى يثبت الرق فأثبته في جميع أحكامه كالبينة ويحتمل أن يقبل فيما عليه دون ماله لأنه أقر بما يوجب حقاً له وعليه فيثبت ما عليه دون ماله كما لو قال لفلان علي ألف على رهن لي عنده فإن قلنا بالأول وكان قد نكح فهو فاسد حكمه حكم ما لو تزوج العبد أو الأمة بغير إذن سيده وإن تصرف بغير النكاح فسدت عقوده كلها وترد الأعيان إلى أربابها إن كانت باقية وإن كانت تالفة ثبتت قيمتها في ذمته لأنها ثبتت برضى أصحابها وإن قلنا لا يقبل في ماله وهي أمة فنكاحها صحيح ولا مهر لها إن كان قبل الدخول وإن كان بعده فلها الأقل من المسمى أو مهر المثل ولزوجها الخيار بين المقام معها على أنها أمة أو فراقها إن كان ممن يجوز له نكاح الأمة لأنه ثبت كونها أمة في المستقبل وإن كان المقر ذكراً فسد نكاحه لإقراره أنه عبد نكح بغير إذن سيده وحكمه حكم الحر في وجوب المسمى أو نصفه إن كان قبل الدخول ولا تبطل عقوده وما عليه من الحقوق والأثمان يؤدى مما في يده وما فضل ففي ذمته وما فضل معه فلسيده وإن جنى جناية توجب القصاص اقتص منه حراً كان المجني

باب الوديعة

عليه أو عبدا وإن كانت خطأ تعلق أرشها برقبته لأنه عبد وإن جنى عليه حر فلا قود لأنه عبد. الشيخ: أطال المؤلف رحمه الله الكلام في مسألة اللقيط وهذا إن لم يوجد اللقيط إلا نادراً ففيه تمرين للطالب على التفريعات على القواعد فالكلام مفيد على كل حال إن شاء الله وربما في بعض البلاد يكثر اللقطاء فتكون معرفة أحكامه مهمة. باب الوديعة القارئ: قبول الوديعة مستحب لمن علم من نفسه الأمانة لما فيه من قضاء حاجة أخيه ومعونته وقد أمر الله تعالى ورسوله بهما. الشيخ: الوديعة هي أن يضع ماله عند شخص يحفظه له سواء كان المال مما ينقل أو مما لا ينقل يعني سواء كان مالاً كبيراً لا يمكن نقله أو كان مما ينقل أو كان مما يتناول كالأثمان والجواهر والحلي وما أشبهها فهي أي الوديعة أن يجعل ماله عند مَنْ يحفظه له ويأتي إن شاء الله أحكام المُوَدَع وهي أي الوديعة مستحبة للمُودَعِ مباحة للمُودِعِ أما إباحتها للمُودِع فلأنها ماله والأصل أن جميع تصرفاته في ماله مباحة وأما المُودَع وهو الذي يأخذها فإنها مستحبة له لما في ذلك من الإحسان وقضاء حاجة أخيه لكن بشرط أن يأمن نفسه عليها فإن كان لا يأمن نفسه أو كان في مكان خوف يخشى عليها فالأفضل أن لا يأخذها أما الأول فظاهر إذا كان لا يأمن نفسه عليها لأنه لو قبلها لعرض نفسه للإثم والعقوبة وأما الثاني فلأنه لو قبلها ربما يشق عليه حفظها والدفاع عنها لأنه ربما يسطو عليه لصوص لأخذها فيتعب؟ فإن قال قائل في هذه المسألة إذا كان وجودها عنده أحفظ لها من وجودها عند صاحبها فهل نقول إن هذا من باب التعاون ويستحب أن يأخذها؟ الجواب نعم نقول هكذا فنقول مادمت أنت عندك جنود وعندك من يحفظ بيتك ومن يحفظ متجرك وذاك ليس عنده أحد يحفظ بيته ومتجره فبقاءها عندك أحفظ فَأَحْسنِ إلى أخيك.

القارئ: وإن كان عاجزاً عن حفظها أو خائف من نفسه عليها لم يجز له قبولها لأنه يغرر بها إلا أن يخبر ربها بذلك فيرضاه فإن الحق له فيجوز بذله. الشيخ: ما ذكره المؤلف صحيح لكن بشرط أن يرضى رضاً حقيقياً لأن المُودَع قد يقول أنا أقبل الوديعة لكن لا تأمني عليها فلعلي يوماً من الدهر أحتاجها وأتصرف فيها، فإذا قال نعم لا بأس راضياً بذلك فهذا له وإن قال نعم، لأنه ظن أن قوله لا تأمني عليها يريد أن لا يلزمه بها فإنه لا يقبلها ولو رضي لأنه أحياناً يظن المُودِع أن المُودَع لما قال هذا الكلام يريد أن لا يقبلها ولا يأخذها، فإذا علم أن هذا مراده فلا يأخذها وأما إذا علم أنه قَبِلَ أن يتصرف فيها ويأخذ منها ما شاء فالأمر إلى صاحبها. القارئ: ولا يجوز قبولها إلا من جائز التصرف في المال فإن استودع من صبي غير مأذون له أو سفيه أو مجنون ضمن لأنه أخذ ماله من غير إذن شرعي فضمنه كما لو غصبه ولا يبرأ إلا بتسليمه إلى وليه كما لو غصبه إياه فإن خاف أنه إن لم يأخذه منهم أتلفوه لم يضمنه إن أخذه لأنه قصد تخليصه من الهلاك فلم يضمنه كما لو وجده في سيل فأخرجه منه فصل القارئ: والوديعة أمانة إذا تلفت من غير تفريط لم يضمن المُودَع بالإجماع لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس على المستودع ضمان) فإن تلفت من بين ماله ففيها روايتان أظهرهما لا يضمن للخبر ولأنه أمين لم تظهر منه خيانة فلم يضمن كما لو ذهب معها شيء من ماله والأخرى يضمن لأنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضَمَّنَ أنس وديعة ذهبت من بين ماله.

الشيخ: ضمان الوديعة بالنسبة للمُودَع هل هو لازم أو لا؟ الجواب نقول هذه الوديعة هل وقعت بيد المُودَع برضا من صاحبها؟ الجواب نعم، إذاً تكون يده يد أمانة فلا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط فيضمن مثال التعدي أن يستعملها بدون إذن صاحبها ومثال التفريط أن يفرط في حفظها بأن لا يظللها عن الشمس إن كانت الشمس تضرها أو عن المطر إن كان المطر يضرها أو ما أشبه ذلك أو يدع الأبواب مفتوحة فهذا تفريط والفرق بين التعدي والتفريط أن التعدي فعل مالا يجوز والتفريط ترك ما يجب فإذا تلفت بلا تعدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليه لأنه أمين والمال بيده بإذن صحابه وهذا إذا تلفت مع ماله بالإجماع مثل أن يشب حريق في متجره ويحرق كل ما في المتجر أو يأتي لص ويسرق ما في البيت كله فهذا لا ضمان عليه فيه بالإجماع لماذا؟ لأن المُودَع غير متهم في هذا ولا يمكن أن تتوجه إليه التهمة لأن ماله تلف مع الوديعة أما إذا تلفت من بين ماله يعني سرقت الوديعة من بين ماله وماله لم يسرق فهل يضمن أو لا؟ يقول المؤلف رحمه الله إن فيها روايتان عن أحمد رواية أنه يضمنها والرواية الثانية لا يضمنها ووجه الرواية الأولى أن كونها تلفت من بين ماله يدل على أنه فرط فيها دون ماله ووجه الثانية أنه لا يضمن ولو تلفت من بين ماله أنه أمين وأحياناً يدخل اللص ويأخذ شيئاً ويدع شيئاً لا سيما إذا كان ما في البيت دون هذه في النفاسة يعني أنفس ما في البيت هذه الوديعة فهذا من الممكن جداً أن يأخذها السارق ويدع غيرها، والصواب هو هذا أنها إذا تلفت مع ماله أو دون ماله فإنه لا ضمان فيها ما لم يتعدى أو يفرط، فإن قال قائل بماذا تجيبون عن أثر عمر؟ قلنا هذه قضية عين يحتمل أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه علم أن هناك تفريطاً وتساهل في الوديعة فضمَّنها المُودَع ويحتمل أنه رضي الله عنه أراد أن يسد الباب حتى لا يدعي المُودَعُونَ أنها تلفت من بين أموالهم وهم يكذبون وقضايا الأعيان لا

عموم لها لأنها قضية خاصة في شيء واقع يكون أحاط بها أشياء من الشروط أو انتفاء الموانع أوجبت أن يكون مخالفاً لغيره، إذاً الصواب القول بأن الوديعة إذا تلفت فلا ضمان على المودع إلا إذا تعدى أو فرط فهذه هي القاعدة. السائل: إذا أودع ملابس ونشرها لإصلاحها ثم سرقت فهل عليه ضمان؟ الشيخ: هل نشرها في الشارع؟ السائل: لا بل نشرها فيما ينشر فيه الملابس؟ الشيخ: ليس عليه ضمان لأنه من مصلحتها. السائل: ما هو الضابط في قضية العين؟ الشيخ: قضية العين ليس فيها لفظ عام بل هي حادثة وقعت فحكم فيها بكذا فليس هناك لفظ عام وعمر رضي الله عنه لم يقل (أي وديعة تلفت من بين مال المُودَع ففيها الضمان) بل حكم بقضية معينة لها ملابساتها التي أوجبت أن يحكم بها. السائل: إذا وجد نص خرج عن القاعدة الأصلية أو عن حكم عام فهل تكون هذه قضية عين؟ الشيخ: كل شيء هو قضية عين لكن إذا كان عندنا لفظ عام يدل على خلافه أخذنا باللفظ العام. السائل: إذا أخذ مالاً مقابل حفظ الوديعة فماذا يكون حكمه؟ الشيخ: يكون أجيراً. السائل: ولو تلفت فهل يضمن؟ الشيخ: لا يضمن إذا لم يتعد ولم يفرط لكن الفرق أن المُودَع لو ادعى الرد وأنكر صاحب المال قُبِلَ قوله وأما الأجير لو أدعى الرد وأنكر صاحب المال لم يقبل قوله فهذا هو الفرق. فصل القارئ: فإن لم يعين له صاحبها الحرز لزمه حفظها في حرز مثلها فإن أخر إحرازها فتلفت ضمنها لتركه الحفظ من غير عذر وإن تركها في دون حرز مثلها ضمن لأن الإيداع يقتضي الحفظ فإذا أطلق حمل على المتعارف وهو حرز المثل وإن أحرزها في حرز مثلها أو فوقه لم يضمن لأن من رضي بحرز مثلها رضي بما فوقه. الشيخ: لكن إن كان هذا الحرز أحرز من وجه دون وجه فهو ضامن لأن تعيين صاحبها لهذا الحرز يقتضي تعينه وكونه يجتهد ويقول سأجعلها في مكان آخر فإنه ليس له ذلك، أما إذا نقلها من المكان الذي عينه صاحبها إلى مكان أحرز فلا ضمان عليه. فصل

القارئ: فإن عين له الحرز فقال أحرزها في هذه البيت فتركها فيما دونه ضمن لأنه لم يرضه وإن تركها في مثله أو أحرز منه فقال القاضي لا يضمن لأن من رضي شيئاً رضي مثله وفوقه وظاهر كلام الخرقي أنه يضمن لأنه خالف أمره لغير حاجة فأشبه ما لونهاه. الشيخ: مثال ذلك إذا قال احفظها في هذا الصندوق الذي هو من الحديد القوي فتركها في الشنطة فسرقت من الشنطة فإنه يضمن، والقاعدة أنه إذا عين صاحبها حرزاً فأحرزها بما هو دونه فإنه يضمن، ولكن إذا أحرزها فيما هو أقوى وأولى ففيه الخلاف لأنه ترك ما عينه له والقول الصحيح أنه لا يضمن لأنه فعل خيراً ولهذا شواهد من الشريعة فالإنسان مثلاً إذا نذر الصلاة في المسجد النبوي فصلى في المسجد الحرام أجزئه لأنه خير وإذا أحرزها في مثلها وذلك بأن قال له صاحب الوديعة احرزها في هذا الصندوق، فأحرزها له في الصندوق الذي عينه ثم إنه نقلها إلى صندوق آخر مثله تماماً فهل يضمن أو لا يضمن؟ الجواب فيه خلاف كما ذكر المؤلف فمن أهل العلم مَنْ قال إنه لا يضمن لأن ما يريده صاحبها هو أن تكون في مكان آمن وليس له غرض في هذا الصندوق المعين الأحمر أو الأخضر أو ما أشبه ذلك، وهذه المسألة محل نظر فالإنسان يتردد فيها لأننا إن نظرنا إلى تعيين صاحبها قلنا يضمن لأنه خالف بدون حاجة وإن نظرنا إلى أن المعنى واحد قلنا لا يضمن، فالخلاصة الآن أنه إن أحرزها بما دونه ضمن وبما فوقه لم يضمن وهذا عندنا جزم فيه أما إن أحرزها بمثله فهذا محل تردد إلا إذا قال أنا أحرزتها بمثله لأنه أخفى وأستر مثل أن يضعها في أقصى الغرفة أو الحجرة ومعلوم أن السارق إذا جاء يسرق فإنه يبدأ بالأدنى لأن هذا هو الغالب فهنا نقول وإن كان المحلان سواء في الحفظ لكنَّ اختلاف المكان يجعل أحدهما أولى.

القارئ: فإن قال احفظها في هذا البيت ولا تنقلها عنه فنقلها لغير حاجة ضمنها سواء نقلها إلى مثله أو أحرز منه لأنه خالف نص صاحبها وإن خاف عليها نهباً أو هلاكاً فأخرجها لم يضمنها لأن النهي للاحتياط عليها والاحتياط في هذه الحال نقلها فإن تركها فتلفت ضمنها لأنه فرط في تركها ويحتمل أن لا يضمن لأنه أمتثل أمر صاحبها. الشيخ: الصحيح أنه يضمن لأن أمر صاحبها بناءً على أن هذا أحفظ لها فإذا خاف عليها فيما عينه وكان عنده ما هو أحرز فالواجب عليه النقل فإذا لم يفعل فقد فرط. القارئ: فإن قال لا تخرجها وإن خفت عليها فأخرجها لخوفه عليها لم يضمن لأنه زاده خيراً وإن تركها فتلفت لم يضمن لأن نهيه مع خوف الهلاك إبراء من الضمان فأشبه ما لو أمره بإتلافها فأتلفها فإن أخرجها فتلفت فادعى أنني أخرجتها خوفاً عليها فعليه البينة على ما ادعى وجوده في تلك الناحية لأنه مما لا يتعذر إقامة البينة عليه ثم القول قوله في خوفه عليها وفي التلف مع يمينه لتعذر إقامة البينة عليهما. الشيخ: عندي في هذا نظر وذلك أنه إذا قال لا تخرجها وإن خفت عليها ثم لم يخرجها فتلفت فينبغي أن يُضَمَّنها ولكن لا يعطى الضمان لصاحبها وذلك لأن قوله لا تخرجها ولو خفت عليها فيه إضاعة مال وإضاعة المال محرمة فيقال أنت الآن ضامن ولكن نأخذ منك بدلها ونصرفه إلى بيت المال ولا نعطي صاحبها البدل لأن صاحبها قد رضي بما يحصل لها من تلف وهذا فيما إذا وقعت المسألة أما قبل أن تقع فنقول إذا قال لك صاحبها لا تخرجها وأنت خفت عليها فلا تقبل أصلاً لأن قوله هذا يتضمن إضاعة المال وإضاعة المال حرام والمعونة على ذلك حرام أيضاً، وعليه أولاً نقول له لا تقبلها أصلاً فإن قُدِّرَ أنه قبلها وتلفت فعليه الضمان لكن لا يعطى صاحبها بل يجعل في بيت المال.

القارئ: فإن قال لا تقفلن عليها قفلين ولا تنم فوقها فخالفه فالمذهب أنه لا يضمن لأنه زاد في الحرز فأشبه ما لو قال له اتركها في صحن الدار فتركها في البيت ويحتمل أن يضمن لأنه نبه اللص عليها وأغراه بها. الشيخ: إذا قال لا تقفل عليها قفلين ولا تنم فوقها والعادة أنه كلَّما كان الشيء ثميناً ووضع في صندوق أنه تزاد الأقفال وأنه إذا نام الإنسان على شيء فإنه يدل على أنه مهم فإذا جاء اللص ورأى هذا نائماً عليها قال اللص في نفسه هذا مالٌ عظيم، فحرص على السرقة وكذلك إذا جعل فيها قفلين لكن نقول هذا الاحتمال فيه نظر لأننا لو قلنا بهذا لقلنا لا تجعل في الصندوق قفلاً أصلاً لأن عادة اللصوص أنهم إذا رأوا الشيء غير مقفل قالوا هذا ليس فيه شيء ولو كان فيه شيءٌ لقفل عليه، فالاحتمال الذي ذكره المؤلف فيه نظر بل نقول هذا الرجل زاده خيراً فهو جعل قفلين ونام عليه. فصل القارئ: فإن أودع نفقة فربطها في كمه لم يضمن وإن تركها فيها بغير ربط وكانت خفيفة لا يشعر بسقوطها ضمن لتفريطه وإن كانت ثقيلة يشعر بها لم يضمن وإن تركها في جيبه أو شدها على عضده لم يضمنها لأن العادة جارية بالإحراز بهما وإن قال أربطها في كمك فأمسكها في يده ضمن لأن اليد يسقط منها الشيء بالنسيان ويحتمل أن لا يضمن لأن اليد لا يتسلط عليها الطرار بالبط.

الشيخ: صورة المسألة إذا أعطاه دراهم وقال اجعلها في كمك وكان عادت الناس فيما سبق أنه يكون الإنسان له كم وفيه خرقة متدلية يقضي بها الإنسان حاجاته تسمى عندنا في اللغة العامية الردون والواحد منها ردن وكان الناس في السابق ليس عندهم الأكياس فيشترون بالشيء اليسير فيأتي إلى صاحب البقالة ويشترى منه ويضع في هذا الكم وهي الخرقة المتدلية ثم يربطها، فإذا قال له اجعلها في كمك فجعلها في يده وأمسكها فإنه يضمن ولكن أيهما أحرز؟ الجواب اليد أحرز لكن آفتها أن اليد هي آلة العمل فربما مع النسيان إذا أراد أن يأخذ شيئاً ما وضعها ثم نسيها وهذا يقع كثيراً، فالكم أحرز من هذه الناحية واليد أحرز من ناحية أخرى وعليه فإنه يضمن إذا قال له اجعلها في كمك فجعلها في يده وإن قال له اجعلها في يدك لكنه جعلها في كمه فإنه يضمن لأن كل واحد منهما أحرز من الآخر من وجه فيضمن إذا غير ما عينه له، وقوله (لا يتسلط عليها الطرار بالبط) البط هو الشق والطرار يقول العلماء في تعريفه هو الذي يبط الجيب ويسرق منه، والسُّرَّاق عندهم حذق عجيب في هذه المسألة تجده يبط الجيب ويأخذ منه وصاحبه ما علم به لا سيما في مواطن الزحام. القارئ: وقال القاضي اليد أحرز عند المغالبة والكم أحرز عند غيرها فإن تركها في يده عند المغالبة فلا ضمان عليه لأنه زادها احتياطا وإلا ضمنها لنقلها إلى أدنى مما أمر به وهذا صحيح. الشيخ: عند المغالبة لا شك أن اليد أحرز فلو أن السارق أراد أن يأخذها من الكم فأمسكها المُودَع بيده حتى لا يأخذها فالكل يعلم أن هذا أحرز وأنه من مصلحتها.

القارئ: وإن قال اجعلها في كمك فتركها في جيبه لم يضمن لأنه أحرز لأنه ربما نسي فسقطت من الكم وإن قال اجعلها في جيبك فتركها في كمه ضمن وإن قال اتركها في بيتك فشدها في ثيابه وأخرجها معه ضمن لأن البيت أحرز وإن شدها على عضده مما يلي جنبه لم يضمن لأنه أحرز من البيت وإن شدها مما يلي الجانب الآخر ضمن لأن البيت أحرز منه لأنه ربما يبطها الطرار وإن قال احفظها في البيت ودفعها إليه في غيره فمضى بها إليه في الحال لم يضمن وإن قعد وتوانى ضمنها لأنه توانى عن حفظها فيما أمر به مع الإمكان. الشيخ: قوله (وإن قعد وتوانى ضمنها) فيه نظر فمثلاً لو أعطاه إياه في السوق وقال احفظها في البيت لكن هذا الرجل له شغل في السوق يريد أن يأخذ حاجات أو لاقاه صاحب له وقال نخرج نتمشى المؤلف يرى أنه يضمن، لكن هذا فيه نظر لأنه في العادة لا يعد مفرطاً ولا معتدياً لكن لو قال له اذهب بها الآن وكانت البلاد مخوفة فهنا قد نقول بالضمان لكن إذا قال له اذهب بها الآن وهو يتوقع أن يكون له شغل فإنه سيقول له لا، عندي شغل. القارئ: فإن قال احفظ هذا الخاتم في البنصر فجعله في الخنصر ضمن لأنها دون البنصر فالخاتم فيها أسرع إلى الوقوع وإن جعله في الوسطى وأمكن إدخاله في جميعها لم يضمن لأنها أغلظ فهي أحفظ له. الشيخ: الخاتم الذي يدخل في البنصر كاملاً ربما يدخل في الوسطى في أنملتين منها فهنا يضمن لكن إن أدخلَهُ في كل الأنامل الثلاث لم يضمن لأنه أغلظ وإخراج الخاتم من الأغلظ أصعب من إخراجه من الذي دونه. القارئ: وإن انكسر أو بقي في رأسها ضمنه لتعديه فيه وإن قال لا تدخل أحداً البيت الذي فيه الوديعة فخالفه فسرقت ضمن لأن الداخل ربما دل السارق عليها.

الشيخ: لكن إذا كان الداخل أميناً ولا يمكن أن يسرق ولا أن يدل السُّرَّاق فهنا الاحتمال البعيد لا ينبغي أن تناط به الأحكام، فالصواب أنه إذا أدخل إليها أحداً فإنه إن كان يخشى منه فهو ضامن وإلا فلا فلو أن هذا المُودَع أدخل إخوانه أو أصدقائه للبيت الذي فيه الوديعة وقال صاحبها لا تدخل فيه أحد فليس عليه شيء. فصل القارئ: وإن أراد المُودَع السفر أو عجز عن حفظها ردها على صاحبها أو وكيله ولم يجز دفعها إلى الحاكم لأنه لا ولاية للحاكم على حاضر فإن سافر بها في طريق مخوف أو إلى بلد مخوف أو نهاه المالك عن السفر بها ضمن لأنه مفرط أو مخالف. الشيخ: المفرط هو الذي يترك ما وجب والمخالف من المعتدين لأنه ارتكب ما نهي عنه. القارئ: وإن لم يكن كذلك لم يضمن لأنه نقلها إلى موضع مأمون أشبه ما لو نقلها في البلد وإن لم يرد السفر بها ولم يجد مالكها دفعها إلى الحاكم لأنه متبرع بالحفظ فلا يلزمه ذلك مع الدوام والحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته فإن دفعها إلى غيره مع قدرته عليه ضمنها لأنه كصاحبها عند غيبته وإن لم يجد حاكماً أودعها ثقة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يهاجر أودع الودائع التي كانت عنده لأم أيمن ولأنه موضع حاجة وعنه يضمن قال القاضي يعني إذا أودعها من غير حاجة فإن دفنها في الدار وأعلم بها ثقة يده على المكان فهو كإيداعها إياه وإن لم يعلم بها أحداً فقد فرط لأنه لا يأمن الموت في سفره وإن أعلم بها من لا يد له على المكان فكذلك لأنه ما أودعها وإن أعلم بها غير ثقة ضمنها لأنه عرضها للذهاب وإن حضره الموت فهو كسفره لأنه يعجز عن حفظها.

الشيخ: الحاصل أنه إذا لم يجد ربها وأراد سفراً فإن عين ربها أحداً مثل أن يقول للمُودَعِ إن سافرت فأعطها فلاناً فهنا يعطيها مَنْ عيَّنه له، وإن لم يعين أحداً فهل يقدم الثقة على الحاكم أو يقدم الحاكم على الثقة؟ كلام المؤلف صريح في أنه يقدم الحاكم على الثقة وقيل بل يقدم الثقة على الحاكم لأن الحاكم يتولى أشياء كثيرة وربما تضيع عنده أو ربما يعطيها الحاكم آخر ممن يحفظ بيت المال وما أشبه ذلك فكان إيداع الثقة أولى وينبغي أن يقال إنه ينظر إلى المصلحة لهذه الوديعة فإذا كان الحاكم ممن عُلم بالتهاون وعدم المبالاة إذا جاءه المال أعطاه خادمه الذي عنده وتهاون فيه فهنا يعطيها الثقة وإلا فالحاكم أولى، فإن لم يكن هناك حاجة إلى إيداعها فإنه لا يودعها لأن المُودَع ليس له أن يتصرف في الوديعة بإيداعها إلى غيره. فصل القارئ: ولا يجوز أن يودع الوديعة عند غيره لغير حاجة لأن صاحبها لم يرض أمانة غيره فإن فعل فتلفت عند الثاني مع علمه بالحال فله تضمين أيهما شاء لأنهما متعديان ويستقر ضمانها على الثاني لأن التلف حصل عنده وقد دخل على أنه يضمن وإن لم يعلم بالحال فقال القاضي يضمن أيهما شاء ويستقر ضمانها على الأول لأن الثاني دخل على أنه أمين وظاهر كلام أحمد أنه لا يملك تضمين الثاني لذلك. الشيخ: الصواب هو ظاهر كلام الإمام أحمد لأن الثاني محسن وقد قال الله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل) وهو لا يعلم أن هذه الوديعة عند غير صحابها بل ظن أن الذي أودعها هو صاحبها فيكون محسناً وقد قال الله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل) فظاهر النص أولى من كلام القاضي رحمه الله. القارئ: وإن دفعها إلى من جرت عادته بحفظ ماله كزوجته وأمته وخازنه لم يضمن لأنه حفظها بما يحفظ به ماله فأشبه حفظها بنفسه.

الشيخ: لكن هذا بشرط أن يكون هؤلاء ممن يحفظون نوع المال لأنه مثلاً قد يرضى زوجته لحفظ الطعام واللباس والفراش ولكن لا يرضى أن تحفظ الدراهم والشيء النفيس، فيُنظر فإذا كانت الوديعة من الدراهم والشيء النفيس ولم تجر عادته أن يستحفظ زوجته على مثل هذا فإنه إن استحفظها على هذه الوديعة صار ضامناً وعليه فليس مطلق كونها حافظةً لماله يبيح له أن يعطيها الوديعة بل يُنظر إذا كانت تحفظ المال الذي من جنس الوديعة فنعم يعطيها إياها وإلا فلا. القارئ: وإن استعان بغيره في حملها ووضعها في الحرز وسقي الدابة وعلفها لم يضمن لأن العادة جارية بذلك أشبه فعله بنفسه. فصل القارئ: وإن خلطها بما لا تتميز منه ضمنها لأنه لا يمكنه رد أعيانها وإن خلطها بما تتميز منه كصحاح بمكسرة وسود ببيض لم يضمن لأنها تتميز من ماله أشبه ما لو تركها مع أكياس له في صندوقه وعنه فيمن خلط بيضاً بسود يضمن وهذا محمول على أن السود تؤثر في البيض فيضمنها لذلك وخرج أبو الخطاب من هذه الرواية أنه يضمنها إذا خلطها مع التمييز. الشيخ: إذا خلط سوداً ببيض فهي تتميز فالبيض واضحة والسود كذلك لكنه يشق عليه أن يميزها كما لو خلط حنطة برز فهو متميز لكنه يشق عليه فصل الحنطة من الرز أو ما أشبه ذلك فالحكم أنه وإن كان كذلك فإنه يُلزم بتخليص المال الذي أودع إياه لأن خلطه تعدي فيكون حكمه حكم الغاصب. القارئ: وإن أودعه دراهم في كيس مشدود فحلَّه أو خرق ما تحت الشد أو كسر الختم ضمن ما فيه لأنه هتك الحرز لغير عذر فإن كانت في غير وعاء فأخذ منها درهماً ضمنه وحده لأنه تعدى فيه وحده فإن رده إليها لم يزل ضمانه لأنه ثبت بتعديه فيه فلم يزل إلا برده إلى مالكه وإن رد بدله وكان متميزا لم يضمن غيره لذلك وإن لم يتميز ضمن الكل لخلطه الوديعة بما لا يتميز وظاهر كلام الخرقي أنه لا يضمن غيره لأنه لا يعجز عن ردها ورد ما يلزمه رده معها.

الشيخ: وهذا كله لأنه مؤتمن على المال فلا يجوز أن يستقرض منه أي شيء وهذا ويشمل ولي اليتيم والوكيل والوصي والناظر على الوقف فلا يجوز لأحد منهم أن يأخذ شيئاً حتى لو قال أنا في حاجة الآن ومضطر سأستقرض منه وأرده قلنا له هذا لا يجوز وكل هذا حماية للأموال من التلاعب لأنه لو أُذِنَ لهذا فربما يتماهن لأنه لا محاسب عليه فيتماهن ومع التماهن ربما يفتقر أو يفقد المال أو ما أشبه ذلك. السائل: لو أن إنسان معه مال وديعة وطرأ عليه حادث مثلاً في نصف الطريق وليس عنده بنك حتى يأخذ من ماله هو وكان مضطراً للأخذ من المال المودع لديه فهل له ذلك في حال الضرورة؟ الشيخ: هنا قد نقول إنه إذا كان في حال يجب على صاحب الفلوس أن يبذل له الفلوس فيها فهو غير معتدي حتى ولو أن صاحبها حاضر وقال لا أعطيك حتى لو مت، فهنا يأخذ منه قهراً وعليه ففي الحال التي يجب على صحابها أن يبذلها فإن له أن يأخذها ويقوي هذا الأمر أنه أمين عند هذا الرجل والضرورة في ذلك واضحة. السائل: ما يحصل في البنوك الآن وهو أن الإنسان يعطيهم المال على نية الإيداع وهم يتصرفون فيه فما حكمه؟ الشيخ: لا، الإنسان يعطيهم إياه على سبيل الإيداع وهو يعرف أنهم سيتصرفون فيه، ولهذا نقول إن تسمية ما يوضع في البنوك إيداعاً غلط بل يسمى قرضاً فإن العلماء قالوا إذا أذن المُودِعُ للمُودَعِ أن يتصرف فيما أودعه عنده فهو قرضٌ عليه وهذا هو الواقع بالنسبة للبنوك ولهذا لو فرض أن بنك سرق أو احترق هل يقول صاحب البنك هذه وديعة تلفت بغير تعدي ولا تفريط فلا ضمان؟ الجواب لا، بل يُطَاَلبُ بها. السائل: شخص يعطي آخر دراهم وفي نفس الحال تطرأ عليه الحاجة فهل له أن يأخذ منها ويرد بدلها بعد قضاء حاجته؟ الشيخ: لا يجوز إلا لضرورة وهذا ليس فيه ضرورة فيذهب للبيت ويأخذ الدراهم ويقضي حاجته لكن إذا كان في سفر وتعطلت السيارة وليس عنده أحد يستقرض منه فهذه ضرورة.

القارئ: ومن لزمه الضمان بتعديه فترك التعدي لم يبرأ من ضمانها لأن الضمان تعلق بذمته فلم يبرأ بترك التعدي كما لو غصب شيئاً من دار ثم رده إليها وإن ردها إلى صاحبها ثم ردها صاحبها إليه برئ لأن هذا وديعة ثانية وإن أبرأه من الضمان برئ لأن الضمان حقه فبرئ منه بإبرائه كدينه. السائل: بالنسبة للفوائد من البنوك هل يجوز أخذها؟ الشيخ: إذا أعطاك البنك زيادة لا تأخذها كيف تأخذها وهي ربا أليس الله يقول (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ) أنا أعطيت البنك مثلاً مليون وأعطاني مائة ألف زيادة على المليون فهذه ربا لا يجوز يأخذها قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ). السائل: إذا أرسل المودَع المال إلى صاحبه مع شخص وتلف المال في الطريق فهل يضمن؟ الشيخ: هل هو بطلب من صاحبه؟ السائل: لا، ليس بطلب من صاحبه. الشيخ: هل جرت العادة بأن هذا الشخص يكون نائباً عن الرجل يعني مثلاً خادمه أو ابنه أو ما أشبه ذلك؟ السائل: لا، ليس خادماً له ولا ابنه. الشيخ: إذاً يضمن، أما إذا كان خادمه أو ابنه أو ممن جرت العادة بأنه يعطيه فلا ضمان عليه لأن يده كيد المودَع. السائل: إذا أودع شخص عند آخر خروفاً وقال له إن أصابه مرض أو سبب قد يموت به فإن لك أن تذبحه وتبيع لحمه؟ الشيخ: مادام أن الرجل قال إن أصابه الموت يعني الخروف ثم أصابه الموت وذبحه وباع لحمه واشترى بدله خروفاً آخر فهو له. السائل: هل لصاحب الخروف الأصلي المطالبة بهذا الخروف الجديد؟

الشيخ: لا ليس له المطالبة، لكن في مثل هذه الحال لا ينبغي للإنسان أن يقول هذا الكلام إلا إذا كان المُودَع ثقة ثقة لأنه ربما يقول إن الخروف أصابه الموت وهو كذاب لكن إذا كان ثقة جداً فلا بأس أن يقول إن أصابه الموت فهو لك. السائل: قول المؤلف (ومن لزمه الضمان بتعديه فترك التعدي لم يبرأ من ضمانها) ما هي صورة المسألة؟ الشيخ: إنسان أودع وديعة وأخذ منها دراهم استقرضها ثم رد الدراهم فهنا زال التعدي لكن لا يبرأ من الضمان لأن الدراهم التي أخذها ردها لكن لم يبرأ من التعدي بالرد فلو تلفت بعد ذلك بدون تعدي ولا تفريط فعليه الضمان. السائل: إذا كان مجموعة من الإخوة شركاء في مال ولهم أخ ليس بشريك لهم في هذا المال لكنهم يعطونه من مالهم تفضلاً منهم فهل إذا مات هذا الأخ وكان له أولاد هل لهم نصيب في مال أعمامهم؟ الشيخ: لا، ليس لهم إلا ما أعطاه أعمامهم لأبيهم. فصل القارئ: فإن أودع بهيمة فلم يعلفها ولم يسقها حتى ماتت ضمنها لأن في ذلك هلاكها فأشبه ما لو لم يحرزها وإن نهاه المالك عنه فتركه أثم لحرمة الحيوان ولم يضمن لأن مالكها أذن في إتلافها فأشبه ما لو أمره بقتلها والحكم في النفقة والرجوع كالحكم في نفقة البهائم المرهونة لأنها أمانة مثلها. فصل

باب العارية

القارئ: وإذا أخرج الوديعة من حرزها لمصلحتها كإخراج الثياب للنشر والدابة للسقي والعلف على ما جرت به العادة لم يضمن لأن الإذن المطلق يحمل على الحفظ المعتاد وإن نوى جحد الوديعة أو إمساكها لنفسه أو التعدي فيها ولم يفعل لم يضمن لأن النية المجردة معفو عنها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (عفي لأمتي عن ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به) رواه البخاري ومسلم ولفظه (إن الله تجاوز عن) وإن أخرجها لينتفع بها ضمنها لأنه تصرف فيها بما ينافي مقتضاها فضمنها كما لو أحرزها في غير حرزها وإن أخذت منه قهراً لم يضمن لأنه غير مفرط أشبه ما لو تلفت بفعل الله تعالى وإن أكره حتى سلمها لم يضمن لأنه مكره أشبه الأول. فصل القارئ: فإن طولوب بالوديعة فأنكرها فالقول قوله لأن الأصل عدهما وإن أقر بها وأدعى ردها أو تلفها بأمر خفي قبل قوله مع يمينه لأنه قبضها لنفع مالكها وإن كان بأمر ظاهر فعليه إقامة البينة بوجوده في تلك الناحية ثم القول قوله مع يمينه. الشيخ: إذا ادعى المودَعُ رد الوديعة فالقول قوله لأنه قبضها لمصلحة مالكها والقاعدة أن ما قبضه الإنسان لمصلحة مالكه فقوله مقبول في الرد لأنه محسن وقد قال الله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) أما إذا ادعى التلف نظرنا إن قال إنها تلفت بحريق أو غرق قيل له أقم البينة على الحريق والغرق لأن الحريق والغرق لا يخفى ثم إذا أقام البينة أنه حصل في تلك الناحية حريق أو غرق قبلنا قوله في أنها تلفت به وإلا لم نقبله أما إذا قال تلفت بأمر خفي مثل أنها سرقت أو أكلتها الأَرَضَة فالقول قوله. فصل القارئ: وإن طالبه برد الوديعة فأخره لعذر لم يضمن لأنه لا تفريط من جهته وإن أخره لغير عذر ضمنها لتفريطه ومؤونة ردها على مالكها لأن الإيداع لحظه. باب العارية القارئ: وهي هبة المنافع.

الشيخ: العارية هي أن يعطي متاعه لأحد ينتفع به ويرده إليه وقول المؤلف رحمه الله إنها هبة المنافع فيه نظر ظاهر لأن هبة المنافع تكون ملكاً للمنتفع وهو الذي استعار وأما منافع العارية فليست ملكاً للمستعير ولذلك لا يملك أن يعيرها أحداً غيره ولا أن يبيع منافعها ففي قول المؤلف رحمه الله إنها هبة منافع فيه تسامح لا شك والصواب أن العارية هي إباحة الانتفاع للمستعير أن ينتفع بالعارية وحكمها من جهة المستعير جائزة فيجوز للإنسان أن يستعير لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار دروعاً من صفوان بن أمية أما بالنسبة للمعير فهي سنة وقد تجب أحياناً كما سيأتي إن شاء الله. القارئ: وهي مندوب إليها لقول الله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى). الشيخ: الاستدلال بهذه الآية فيه نظر ظاهر والصواب أن يقال لقوله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وذلك لأن المستعير قد لا يستعيرها لبر ولا لتقوى فقد يستعيرها لغرض مباح لا يوصف بأنه بر ولا تقوى فاستدلال المؤلف رحمه الله بالآية فيه نظر والصواب أن يستدل بقوله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). القارئ: ولأن فيها عوناً لأخيه المسلم وقضاء حاجته (والله في عون العبد ما كان العبد في أخيه). الشيخ: كثير من الناس يروون هذا الحديث (والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه) وهذا غلط، لأن هناك فرقاً بين قوله (ما كان العبد في عون أخيه) وقولهم (مادام العبد في عون أخيه) لأنه إذا قال (ما كان العبد) يعني أن عون الله لهذا الإنسان كعون هذا الرجل لأخيه طال أم قصر قوي أم ضعف لكن قوله (مادام) تقتضي أن الله لا يديمه إلا إذا دام ولا تقتضي أيضاً أن الجزاء من جنس العمل فلفظ الحديث هو الذي ينبغي أن يساق عند رواية الحديث (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).

القارئ: وتصح في كل عين ينتفع بها مع بقاء عينها لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من أبي طلحة فرساً فركبها واستعار من صفوان بن أمية أدراعا رواه أبو داود. الشيخ: حديث أبي طلحة القصة فيه أنهم في المدينة سمعوا صيحة يعني غارة على البلد فركب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الفرس وهو فرس عري ليس عليه شيء على ظهره واستبرأ الخبر ولما فزع الناس وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم راجع مستبرء الخبر فقال لهم (ارجعوا فلن تراعوا) أو كلمة نحوها فيحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم استعاره منه ويحتمل أنه وجده وللحاجة ركبه بدون استعارة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم الكل يفرح أن ينتفع بماله ويُسَرُّ به وعلى كل حال فالدليل الواضح هو قصة صفوان بن أمية فإن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه دروعاً. القارئ: وسئل صلى الله عليه وسلم عن حق الإبل فقال (إعارة دلوها وإطراق فحلها) فثبت إعارة ذلك بالخبر وقسنا عليه سائر ما ينتفع به مع بقاء عينه ويجوز إعارة الفحل للضراب للخبر والكلب للصيد قياساً عليه الشيخ: قوله صلى الله عليه وسلم (إعارة دلوها) معناه إذا طلب صاحب الإبل من شخص أن يعيره الدلو ليسقي إبله. السائل: رجل أُودِعَ وديعة فوضعها في غير حرزها ليخدع اللصوص كمن جعل المال في الغسالة وضع عليه ملابس فما حكم ذلك؟ الشيخ: إذا حفظ الوديعة في غير حرزها حتى يُغَرِّرَ بالسارق فنقول له أرأيت لو ترك الصندوق مفتوحاً وقال أغرر بالسارق لأجل إذا رآه مفتوحاً قال هذا ليس فيه شيء؟ فهل هذا ينفعه؟ الجواب لا، إذا هو عليه أن يحفظها في حرز مثلها وإذا سرقت من حرز مثلها فليس بمفرط. السائل: قوله صلى الله عليه وسلم (الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) (ما) هنا مصدرية ظرفية وعليه ألا تكون بمعنى ما يروى عند الناس في قولهم (ما دام العبد ... )؟

الشيخ: لا، هي مصدرية ظرفية وكيفية أيضاً فيكون المعنى على صفة ما كان في عون أخيه. فصل القارئ: ولا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر لأنه لا يجوز أن يستخدمه ولا الصيد لمحرم لأنه لا يجوز له إمساكه ولا الجارية الجميلة لغير ذي محرم منها على وجه يفضي إلى خلوته بها لأنه لا يؤمن عليها فإن كانت شوهاء أو كبيرة لا يشتهى مثلها فلا بأس لأنه يؤمن عليها. الشيخ: لا شك أن الجارية الجميلة أقرب للفتنة من الشوهاء، والصغيرة أقرب للفتنة من الكبيرة، ولكن حتى هذه فيها خطر لا سيما إذا كان المستعير شاباً لا زوجة له فهذا يكفيك كل شيء وكما يقولون لكل ساقطة لاقطة فالصواب إن إعارة المرأة لغير المحرم محرم والمراد إعارة الجارية يعني المملوكة أما الحرة فلا تعار لكن المملوكة لا يجوز أن يعريها إلا لذي محرم إلا إذا كان يعريها للبيت والبيت كله فيه الأهل وفيه النساء فتكون خادماً له لمدة أسبوع أو أكثر أو أقل فهذا لا بأس به، لكن هل يعيرها لرجل فيقول له أعيرك جاريتي لتخدمك لأن زوجتك سافرت؟ الجواب نقول إن كانت شابة لا تجوز الإعارة وإن كانت غير شابة فعلى كلام المؤلف يجوز لكن حتى هي أيضاً الكبيرة قيدها المؤلف رحمه الله بأن لا يُشْتَهَى مثلها لكن نقول غالب الناس لا يشتهونها لكن رجل ينفرد بامرأة في بيت وهو شاب فإنه لا تؤمن الفتنة أبداً ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما). القارئ: ويكره استعارة والديه للخدمة لأنه يكره له استخدامهما فكره استعارتها لذلك. السائل: ما هي صورة هذه المسألة الأخيرة؟ الشيخ: صورة المسألة إنسان كان أبواه مملوكين وهو حر فطلب من مالكهما أن يعريه إياهما. السائل: قول المؤلف (ولا الصيد لمحرم) فهل كذلك لو أن رجلاً صاد لنفسه صيداً ثم أعاره للمحرم؟

الشيخ: لا يجوز لأن يد المحرم لا يمكن أن تكون على الصيد حتى لو كان هذا الصيد ملكاً لهذا الشخص ثم أحرم فإنه يجب عليه أن يتخلى عنه على المشهور من المذهب لكن يتخلى عنه في يده المُشَاهِدة أما الحُكْمِيَّة فلا بأس. السائل: إذا وضع هذا المحرم الصيد في محل يحفظه له لكي يرجع إليه فيما بعد فما الحكم؟ الشيخ: إذا كانت لا تثبت عليه يده فلا بأس بذلك. السائل: هل يصح إعارة النقد كأن يستعير مالاً نقداً لغرض ما ثم يعيده لصاحبه كما هو دون أن يتصرق فيه؟ الشيخ: يصح بشرط أن لا يكون المقصود به الخديعة فهذا الرجل يقول لصاحبه اعطني خمسمائة ريال أضعها في جيبي وجيبي رهيف تُرَىَ من وراءه الخمسمائة فيذهب ليخطب من الناس ابنتهم لكي يظنوا إذا رأوا المال أنه غني فهذا لا يصح، وعليه إذا كان في إعارة النقد منفعة فلا بأس وإلا فلا يصح. فصل القارئ: فإن قبض العين ضمنها لما روى صفوان بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعاً يوم حنين فقال أغصباً يا محمد قال (بل عارية مضمونة) وروي (مؤداة) رواه أبو داود ولأنه قبض مال غيره لنفع نفسه لا للوثيقة فضمنه كالمغصوب وعليه مؤونة ردها لذلك. الشيخ: قوله (فضمنه كالمغصوب) هذا قياس مع الفارق فهذا رجل أعارني متاعه باختياره رجاء الثواب فكيف نقول إنه يشبه مَنْ غَصَبْتُهُ ماله!! فالقياس غير صحيح والصواب أن العارية الأصل فيها عدم الضمان لأنها عين قبضت من يد مالكها باختياره فيكون القابض أميناً والأمين لا ضمان عليه لأنه حصل المال برضا صاحبه لكن لو شُرِطَ عليه ضمنها بأن قال المعير لا بأس أنا أعيرك هذا لكن بشرط أن تضمنها إذا تلفت سواء تعديت أو لا، فالتزم بذلك، ضمن لأنه هو الذي ألزم نفسه بهذا فالصواب أن العارية غير مضمونة إلا إذا التزم المستعير بالضمان وأما قياسها على المغصوب فهو قياس مع الفارق.

القارئ: فإن شرط نفي الضمان لم ينتف لأن ما يضمن لا ينتفي بالشرط وقال أبو حفص العكبري يبرأ لأن الضمان حقه فسقط بإسقاط كالوديعة التي تعدى فيها فإن استخلق الثوب أو نقصت قيمتها لم يضمن لأنه مأذون فيه لدخوله فيما هو من ضرورته. الشيخ: لو استعار منه رشا يعني الحبل الذي يستقى به ثم ضعف هذا الحبل بسبب الدلو فإنه لا يضمن لأنه إذا تلفت العارية فيما استعيرت له فلا ضمان، فالقول الراجح أنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط وهذا لا إشكال فيه لو شَرَطَ عليه صاحبها الضمان وقَبِلَ فلا بأس ويُضَمَّن، على أنه في هذا الحكم قلق لأنه حكم مخالف لعقود الأمانات فإن كل أمين لا ضمان عليه لكن يجاب عن هذا بأنه هو الذي رضي لنفسه أن يضمنها وعليه فالعارية تضمن بالتعدي أو بالتفريط أو باشتراط الضمان. القارئ: ولو تلفت ضمنها بقيمتها يوم تلفها لأن نقص قبل ذلك غير مضمون بدليل أنه لو ردها لم يضمنه فإن تلفت أجزاؤها بالاستعمال كخمل المنشفة ففيه وجهان أحدهما لا يضمنه لما ذكرنا والثاني يضمنه لأنه ما أجزائها فيضمنه كسائر أجزائها وإن تلف ولد العارية ففيه وجهان أحدهما يضمنه لأنه تابع لما يجب ضمانه فيجب ضمانه كولد المغصوب والثاني لا يضمن لأنه لم يدخل في العارية فلم يدخل في الضمان بخلاف المغصوبة فإن ولدها داخل في الغصب. فصل القارئ: والعارية عقد جائز لكل واحد منهما فسخها لأنها إباحة فأشبهت إباحة الطعام وعليه ردها إلى المعير أو من جرت عادته أن يجري ذلك على يديه كرد الدابة إلى سائسها فإن ردها إلى غيرهما أو دار المالك أو اصطبله لم يبرأ من الضمان لأن ما وجب رده لم يبرأ رده إلى ذلك كالمغصوب.

الشيخ: لو قال المعير للمستعير إذا انتهى غرضك منها فضعها في بيتي فإنه لا يضمن فلو سرقت بعد أن وضعها فإنه لا يضمن لأنه فعل فعلاً مأذوناً فيه وكذلك لو جرت العادة المطردة بأن أصحاب العواري ترد عواريهم إلى محلاتها كرجل يعير السيارات وله كراج كبير ومن استعار وانتهى أتى بالسيارة وأدخلها بالكراج فإنه لا يضمن إذا سرقت من مكانها. فصل القارئ: ومن استعار شيئاً فله استيفاء نفعه بنفسه ووكيله لأنه نائب عنه وليس له أن يعيره لأنها إباحة فلا يملك بها إباحة غيره كإباحة الطعام. الشيخ: وبهذا يعرف أن قول المؤلف فيما سبق أن العارية هي هبة المنافع غير سليم لأن الموهوب له أن يتصرف كما يشاء. السائل: لو أن المستعير وضع العارية بإذن صاحبها في بيته لكنه لم يغلق الباب أو وضعها حيث يراها الناس فهل هو مفرط؟ الشيخ: هذا يكون بحسب العادة فإذا جرت العادة أن الكراج لا يغلق فيه الباب فهو غير مفرط. السائل: لو استعار سيارة ليذهب بها إلي مكان بعيد ثم تعطلت السيارة فهل عليه أن يصلحها ويضمنها أم لا؟ الشيخ: المذهب عليه أن يصلحها ويردها سليمة كما أخذها والصحيح أنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط أو شُرِطَ عليه الضمان. القارئ: فإن أعاره فتلف عند الثاني فللمالك تضمين أيهما شاء ويستقر الضمان على الثاني لأنه قبضه على أنه ضامن له فتلف في يده فاستقر الضمان عليه كالغاصب من الغاصب. الشيخ: يقول المؤلف (للمالك تضمين أيهما شاء) هل يُضَمِّنُ المستعير الأول أو المستعير الثاني؟ الجواب يُضَمِّنُ مَنْ هو أقرب إلى الوفاء فإذا كان المستعير الأول فقيراً أو مماطلاً والثاني غني وَفِي فإنه سَيُضَمِّنُ الثاني ويقول له ارجع على صاحبك لأن القرار على الأول إذا لم يعلم الثاني، وإذا كان الأول هو الغني الوفي فَسَيُضَمِّنُ الأول وحينئذ لا يرجع الأول على الثاني لأن قرار الضمان عليه إلا إذا علم الثاني أنها معارة فيكون قرار الضمان عليه.

مسألة: توضيح للمسألة السابقة إذا استعار الشخص شيئاً فليس له أن يعيره غيره لكن لو فعل وأعار غيره وتلفت العارية عند الثاني فللأول وهو المالك أن يُضَمِّنَ أيهما شاء فهو بالخيار فإذا ضمن الثاني فإن الثاني يرجع على الأول إلا إذا علم أن الأول مستعير فهنا يكون الضمان عليه ولا يرجع على الأول، وإن ضَمَّنَ الأول فلا يرجع الأول على الثاني إلا إذا كان الثاني قد علم أن الأول مستعير فيكون قد شاركه في الإثم وقرار الضمان يكون على من تلفت في يده. فصل القارئ: وتجوز العارية مطلقة ومعينة لأنها إباحة فأشبهت إباحة الطعام فإن أطلقها فله أن ينتفع بها في كل ما يصلح له فإن كانت أرضاً فله أن يبني ويغرس ويزرع لأنها تصلح لذلك كله وإن عين نفعاً فله أن يستوفيه ومثله ودونه وليس له استيفاء أكثر منه على ما ذكرنا في الإجارة. فصل

القارئ: وتجوز مطلقة ومؤقتة وإن أعارها للغراس سنة لم يملك الغرس بعدها فإن غرس بعدها فحكمه حكم غرس الغاصب لأنه بغير إذن وإن رجع قبل السنة لم يملك الغرس بعد الرجوع لأن الإذن قد زال فأما ما غرسه بالإذن فإن كان قد شرط عليه قلعه لزمه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) حديث حسن صحيح وإن شرط عليه تسوية الحفر لزمه للخبر وإلا لم يلزمه لأنه أذن في حفرها باشتراطه القلع ولم يشترط تسويتها وإن لم يتشرط عليه قلعه لكن لا تنقصه قيمته بقلعه لزم قلعه لأنه أمكن رد العارية فارغة من غير ضرر فوجب وإن نقصت قيمته بالقلع فاختاره المستعير فله ذلك لأنه ملكه فملك نقله وعليه تسوية الأرض لأن القلع باختياره لو امتنع منه لم يجبر عليه لأنه فعله لاستخلاص ملكه من ملك غيره فلزمته التسوية كالشفيع إذا أخذ غرسه وقال القاضي لا تلزمه التسوية لأن المعير دخل على هذا بإذنه في الغراس الذي لا يزول إلا بالحفر عليه وإن أبى قلعه فبذل المعير قيمته ليملكه أجبر على قبولها لأن غرسه حصل في ملك غيره بحق فأشبه الشفيع مع المشتري ولو بذل المستعير قيمة الأرض ليملكها مع غرسه لم يجبر المعير عليه لأن الغرس يتبع الأرض في الملك بخلاف الأرض فإنها لا تتبع الغرس فإن بذل المعير أرش النقص الحاصل بالقلع أجبر المستعير على قبوله لأنه رجوع في العارية من غير إضرار وإن لم يبذل القيمة ولا أرش النقص وامتنع المستعير من القلع لم يقلع لأنه أذن له فيما يتأبد فلم يملك الرجوع على وجه يضر به كما لو أذن له في وضع خشبه على حائطه ولم يذكر أصحابنا عليه أجرة لأن بقاء غرسه بحكم العارية وهي انتفاع بغير أجرة كالخشب على الحائط وذكروا في الزرع أن عليه الأجرة لمدة بقاء الزرع من حين الرجوع لأنه لا يملك الانتفاع بأرض بغيره بعد الرجوع بغير أجرة وهذا يقتضي وجوب الأجرة على صاحب الغراس بعد الرجوع وللمعير دخول أرضه كيف شاء لأن بياضها له لا حق للمستعير فيها

وللمستعير دخولها للسقي والإصلاح وأخذ الثمرة لأن الإذن في الغراس إذن فيما يعود بصلاحه وأخذ ثمره وليس له دخولها للتفرج ونحوه ولا يمنع واحد منهما من بيع ملكه لمن شاء يكون بمنزلته لأنه ملكه على الخصوص فملك بيعه كالشقص المشفوع. فصل القارئ: وإن رجع في العارية وفي الأرض زرع مما يحصد قصيلاً حصده لأنه أمكن الرجوع من غير إضرار وإن لم يمكن لزم المعير تركه بالأجرة إلى وقت حصاده لأنه لا يملك الرجوع على وجه يضر بالمستعير وإن حمل السيل بذر رجل إلى أرض آخر فنبت فيها ففيه وجهان أحدهما حكمه حكم العارية لأنه بغير تفريط من ربه إلا أن عليه أجرة الأرض لأنه لا يجوز استيفاء نفع أرض إنسان بغير إذنه من غير أجرة فصار كزرع المستعير بعد رجوع المعير والثاني حكمه حكم الغصب لأنه حصل في ملكه بغير إذنه وقال القاضي ليس عليه أجرة لأنه حصل بغير تفريط أشبه مبيت بهيمته في دار غيره. الشيخ: قول القاضي هو الصواب لأن السيل ليس باختياره وإنما حَمَلَ السيل البذر وظهر في الأرض فكيف نقول إن هذا حكمه حكم الغصب. السائل: لماذا لا نقول إن صاحب الأرض الذي نزل الحب في أرضه بسبب السيل يدفع ثمن الحب لصاحبه؟ الشيخ: هذه مسألة ثانية، لكن نقول إنه ليس كالغاصب فيلزم بقلعه وإلا من المعلوم أنه لا بد أن يصطلحا على شيء ما. فصل

القارئ: وإن أعاره حائطاً ليضع عليه أطراف خشبه لم يكن له الرجوع مادام الخشب على الحائط لأن هذا يراد للبقاء وليس له الإضرار بالمستعير فإن بذل المالك قيمة الخشب ليملكه لم يكن له لأن معظمه في ملك صاحبه فإن أزيل الخشب لتلفه أو سقوطه أو هدم الحائط لم يجز رده إلا بإذن مستأنف لأن الإذن تناول والوضع الأول فلم يتعد إلى غيره وإن وجدت أخشاب على حائط لا يعلم سببها ثم نقلت جاز إعادتها لأن الظاهر أنها بحق ثابت وإن استعار سفينة فحمل متاعه فيها لم يملك صاحبها الرجوع فيها حتى ترسي وإن أعاره أرضاً للدفن لم يملك الرجوع فيها ما لم يَبْل الميت لما ذكرنا. السائل: قول المؤلف (وإن وجدت أخشاب على حائط لا يعلم سببها ثم نقلت جاز إعادتها) ما معنى هذا الكلام؟ الشيخ: صورة المسألة هذا رجل له جار وجاره قد وضع خشبه على جدار جاره ونحن لا نعلم هل هو اشترى الجدار أو اشترك معه في بنائه فتبقى الأخشاب لصاحبها لأن الأصل أنها وضعت بحق. السائل: لو تلفت العارية وهو في سفر فإنه لا يضمن إلا إذا تعدى او فرط فلو كانت العارية سيارة وتلفت في السفر فهل يلزمه أن يسحبها ويرجعها لصاحبها؟ الشيخ: إذا كان يمكن أن تسحب وينتفع بها صاحبها فيجب عليه ذلك. السائل: أجرة السحب تكون عليه أو على صاحبها؟ الشيخ: الأجرة عليه لأنه قبضها لمصلحته فعليه أن يردها إلى صحابها. السائل: لو تلفت العارية عند الثاني وماطل الأول والثاني في الوفاء فما هو الحكم؟ الشيخ: يُرْجَعُ في ذلك للقاضي والحاكم. السائل: هل للمستعير أن يعير غيره العارية لو علم أن صاحب العارية يرضى بذلك؟ الشيخ: لا بد أن يكون هناك إذن صريح فلو أن المستعير عرف أن صاحبه الذي أعاره يرضى أن يعيره فلاناً فإنه لا يعيره له، لكن يمكن أن يتسامح في الأمور اليسيرة. فصل

القارئ: وإن استعار شيئاً يرهنه مدة معلومة على دين معلوم صح لأنه نوع انتفاع فإن أطلق الإذن من غير تعيين صح لأن العارية لا يشترط في صحتها تعيين النفع فإن عين فخالفه فالرهن باطل لأنه رهنه بغير إذن مالكه وإن أذن له في رهنه بمائة فرهنه بأقل منها صح لأن من أذن في شيء فقد أذن في بعضه وإن رهنه بأكثر منها بطل في الكل في أحد الوجهين لأنه مخالف أشبه ما لو خالف في الجنس وفي الآخر يصح في المأذون ويبطل في الزائد كتفريق الصفقة. الشيخ: القول الراجح أنه إذا أعاره على شيء معلوم من الدين فرهنه بأكثر فإنه يبطل ما زاد فقط لأن المخالفة حصلت في الزائد وإلا فأصل الإعارة للرهن ثابت. القارئ: وللمعير مطالبة الراهن بفكاكه في الحال سواء أجله أو أطلق لأن العارية لا تلزم. الشيخ: قوله رحمه الله (وللمعير مطالبة الراهن) في هذا نظر لأنه إذا أذن له أن يرهنه فإنه يتعلق به حق شخص ثالث وهو المرتهن فكيف يقال للمعير أن يطالبه بفك الرهن! بل نقول إنه لا يجوز لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقوله تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم). القارئ: وإن حل الدين قبل فكاكه بيع واستوفي الدين من ثمنه لأن هذا مقتضى الرهن ويرجع المعير على المستعير بقيمته أو مثله إن كان مثليا لأن العارية مضمونة بذلك ولا يرجع بما بيع به إن كان أقل من القيمة لأن العارية مضمونة فيضمن نقص ثمنها وإن بيع بأكثر من قيمته رجع به لأن ثمن العين ملك لصحابها وقيل لا يرجع بالزيادة وإن تلف في يد المرتهن رجع المعير على المستعير ويرجع المستعير على المرتهن إن كان تعدى وإلا فلا فإن قضى المعير الدين وفك الرهن بإذن الراهن رجع عليه وإن كان بغير إذنه متبرعاً لم يرجع وإن قضاه محتسباً بالرجوع ففيه روايتان بناءً على قضاء دينه بغير إذنه.

الشيخ: سبق لنا أن القول الراجح أنه إذا قضى الدين بنية الرجوع فله أن يرجع سواء أذن المدين أم لم يأذن لأن المدين حصلت له الفائدة وهي إنفكاك ذمته من الدين والصورة التي ذكرها المؤلف في هذا الفصل ينبغي أن نعلمها نظرياً أما عملياً فلا، لأنه قد يحصل فيها تلاعب خصوصاً إذا قلنا إن للمعير أن يرجع في عاريته قبل وفاء الدين فقد يأتي إنسان ويستعير من شخص سيارة ويقول له أعرني إياها أرهنها بدين آخُذُهُ من فلان، فيأتي لفلان ويقول له هذه السيارة رهن. فيحصل بذلك تدليس وغش، وعليه نقول هذه المسألة نظرياً لا بأس أن نفهمها. فصل القارئ: إذا ركب دابة غيره ثم اختلفا فقال اعرتنيها فقال بل أجرتكها عقيب العقد والدابة قائمة فالقول قول الراكب لأن الأصل عدم الإجارة وبراءة ذمته من الأجرة وإن كان بعد مضي مدة لمثلها أجرة فالقول قول المالك لأنهما اختلفا في صفة نقل ملكه إلى غيره فأشبه ما لو اختلفا في العين فقال وهبتنيها وقال بل بعتكها فيحلف المالك ويجب له المسمى في أحد الوجهين لأنه ادعاه وحلف عليه والآخر تجب أجرة المثل لأنهما لو اتفقا على الإجارة واختلفا في قدر الأجرة لم يجب أكثر من أجرة المثل فمع الاختلاف أولى. الشيخ: إذا اختلفا عقب العقد وذلك بأن قال له أعرتك أو أجرتك واختلفا فقال صاحب الدابة إني أجرتك وقال الآخر بل بل أعرتني فالقول قول المستعير لأنه لم يمض مدة لها أجرة والأصل براءته من الأجرة أما إذا مضى مدة لها أجرة كنصف اليوم وما أشبه ذلك فإن القول قول المالك لأن الأصل أن ملكه لا يخرج عنه إلا ببينة.

باب الغصب

القارئ: وإن قال أكريتنيها قال بل أعرتكها بعد تلفها أو قبله فالقول قول المالك مع يمينه لأنهما اختلفا في صفة القبض والأصل فيما يقبضه من مال غيره الضمان لقوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى ترده) حديث حسن والقول قول الراكب في قدر القيمة مع يمينه وإن قال غصبتنيها قال بل أعرتنيها أو أكريتنيها فالقول قول المالك لذلك ولأن الراكب يدعي انتقال المنافع إلى ملكه بالعارية أو الكراء والمالك ينكر ذلك والأصل معه. باب الغصب القارئ: وهو استيلاء الإنسان على مال غيره بغير حق. الشيخ: المؤلف رحمه الله عَرَّفَ الغصب بأنه استيلاء الإنسان على مال غيره بغير حق وهذا الحد قاصر لأنه غير مانع إذ أنه يدخل فيه ما سُرِقَ وما أُخذ نهباً وما أشبه ذلك فيجب أن يضاف إلى هذا قيد وهو (قهراً) يعني يأخذه غصباً عليه قهراً فهذا هو الغصب وأما إذا أخذه على غير هذا الوجه فليس بغصب ولكن هل يعطى أحكام الغصب أو لا؟ فيه تفصيل معروف في بابه. القارئ: وهو محرم بالإجماع وقد روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا) رواه مسلم. الشيخ: لو استدل المؤلف بالقرآن والسنة لكان أولى ففي القرآن قال الله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) وقال (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) والغصب ليس فيه تراضي فهو كما قال المؤلف رحمه الله محرم بالإجماع لدلالة الكتاب والسنة على ذلك.

القارئ: ومن غصب شيئاً لزمه رده لما روى سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (على اليد ما أخذت حتى ترده) وإن نقصت لتغير الأسعار لم يضمنها لأن حق المالك في العين وهي باقية لم تتغير صفتها ولا حق له في القيمة مع بقاء العين وإن نقصت القيمة لنقص المغصوب نقصاً مستقراً كثوب استخلق أو تخرق وإناء تكسر أو تشقق وشاة ذبحت وحنطة طحنت فعليه رده وأرش نقصه لأنه نقص عين نقصت به القيمة فوجب ضمانه كذراع من الثوب. الشيخ: إذا نقص المغصوب فإن كان نقص عين أو صفة في العين فهو مضمون على الغاصب وإن كان نقص سعر فليس بمضمون مادامت السلعة باقية على ما هي عليه مثال ذلك لو غصب سيارة تساوي خمسين ألف وكان هذا في أول ورودها ثم كثرت في الأسواق وصارت لا تساوي إلا أربعين ألفاً والسيارة باقية بحالها فإنه يردها إلى صاحبها ولا يلزمه ضمان نقص القيمة لأن القيمة أمر منفصل عن العين وهذا ما ذكره المؤلف رحمه الله والصواب أن ما نقص بالسعر فهو مضمون وذلك لأن هذه السلعة التي في المثال الذي ذكرناه السيارة كانت تساوي خمسين ألفاً والآن لا تساوي إلا أربعين فهو قد حال بين صاحبها وبين هذه الزيادة فيلزمه النقص ولو لم نقل بهذا لكان كل إنسان يريد أن ينقصاً أحداً يغصبه شيئاً ويدعه حتى إذا نقصت القيمة قال خذ مالك فيحصل بهذا فوضى وضرر على الناس فالصواب أن ما نقص بالسعر فهو مضمون كالذي ينقص بالعين أو الوصف وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الصواب. القارئ: وإن طالب المالك ببدله لم يملك ذلك لأن عين ماله باق فلم يملك المطالبة ببدله كما لو قطع من الثوب جزءاً وإن كان النقص غير مستقر كطعام ابتل أو عفن فله بدله في قول القاضي لأنه يتزايد فساده إلى أن يتلف وقال أبو الخطاب يخير بين ذلك وبين تركه حتى يستقر فيه الفساد ويأخذه مع أرشه لأن عين ماله باقية فلا يمنع من أخذها مع أرشها كالثوب الذي تخرق.

الشيخ: ينبغي أن يُفَصَّلَ في هذا فيقال إذا كان النقص الذي ليس بمستقر يزول سريعاً فلا بأس أن يُنْتَظَر وأما إذا كان يتأخر فهنا ينبغي أن يقال إنه يضمنها بالبدل لأنه بتأخره يُفَوِّتُ على المالك مصالح مثال ذلك إذا غصبه بُرًّا وأبتل البُرُّ فالبلل هذا يزول وليس بمستقر لكن متى يزول؟ فقد يتأخر كثيراً خصوصاً في أيام الشتاء وأيام الرطوبة فيتضرر المالك فهنا نلزمه ببدله يابساً وأما إذا كان يزول سريعاً فإننا لا نلزمه ونقول انتظر إلى آخر النهار حتى يستقر النقص ويُضمن بالأرش، لكن لو قال أنا لن أصبر وأريد أن يُقَوَّم الأرش الآن فله ذلك فتقدر قيمته ويأخذه ويأخذ الأرش ولا يمكن أن يجبر ويقال انتظر حتى يزول هذا النقص لأنه سيزول قريباً فله أن يقول لن انتظر. السائل: لو غصب بقرة إنسان وباعها بخمسمائة ريال مثلاً ثم بعد عشر سنوات تغيرت الأسعار وتاب الغاصب، فهل يضمنها كما باعها أو باسعر الجديد؟ الشيخ: يضمن بقرة مثلها لأنه معتدي، لكن لو اصطلحا على شيء فلهما ذلك لأن الحق لهما، وأما إذا قال أنا أريد بقرة مثل بقرتي فلابد أن يُعْطَى بقرة مثل بقرته وهذا مما يؤيد القول بأنه يضمن نقص السعر فلو أنه غصبها وهي تساوي ثلاثة آلاف ثم نقصت قيمة البقر وصارت تساوي خمسمائة وأراد الغاصب أن يردها فإنه يردها، لكن هل يضمن النقص هذا ينبني على الخلاف في نقص السعر؟ فصل القارئ: فإن كان النقص في الرقيق مما لا مقدر فيه كنقصه لكبر أو مرض أو شجة دون الموضحة ففيه ما نقص مع الرد لذلك وإن كان أرشه مقدراً كذهاب يده فكذلك في إحدى الروايتين لأنه ضمان مال أشبه ضمان البهيمة والأخرى يرده وما يجب بالجناية لأنه ضمان الرقيق فوجب فيه المقدر كضمان الجناية.

الشيخ: الصواب في مسألة الرقيق أنه ليس فيه مقدر شرعاً وأنه يضمن بما نقص لأنه كالبهيمة تماماً ولذلك يفرق الناس بين رقيق كاتب ورقيق غير كاتب، ورقيق عالم ورقيق جاهل، وعلى هذا فإذا قطعت يده فإذا قلنا بالمُقَدَّرِ قلنا فيه نصف قيمته سواء كان المقطوع اليد اليمنى أو اليسرى وإذا قلنا بأنه يرجع في ذلك إلى القيمة قلنا إن كانت اليمنى اليد فلها تقدير وإن كانت اليد اليسرى فلها تقدير وأيهما أكثر؟ الجواب اليد اليمنى وكذلك في الأصابع إذا قطع الخنصر فليس كالإبهام فالإبهام أغلى فيقدر الإبهام بقيمة أكثر لأن ضمان الرقيق ضمان مال وأما الحر فضمانه ضمان أجزاء ولهذا نجد في الأحرار أن دية الخنصر والإبهام سواء ودية السن والأضراس سواء. القارئ: فإن قطع الغاصب يده فعلى هذه الرواية الواجب نصف قيمته كغير المغصوب وعلى الأولى عليه أكثر الأمرين من نصف قيمته أو قدر نقصه لأنه قد وجدت اليد والجناية فوجب أكثرهما ضمانا. الشيخ: الصواب خلاف هذين القولين فالصواب أن يقال يضمن بما نقص فيُقَدَّرُ كأنه عبد سليم ويُقَدَّرُ بعد ذلك كأنه عبد مقطوع اليد ثم الفرق بينهما يلزم الغاصب. القارئ: وإن غصب عبداً فقطع أجنبي يده فللمالك تضمين أيهما شاء فعلى الأولى إن ضمن الغاصب ضمنه أكثر الأمرين ويرجع الغاصب على القاطع بنصف قيمته لا غير لأن ضمانه ضمان الجناية وإن ضمن الجاني ضمنه نصف القيمة وطالب الغاصب بتمام النقص وعلى الثانية يطالب أيهما شاء ويستقر الضمان على القاطع لأنه المتلف فيكون الرجوع عليه. فصل

القارئ: وروي عن أحمد فيمن قلع عين فرس أنه يضمنها بربع قيمتها لأنه يروى عن عمر رضي الله عنه والصحيح أنه يضمنها بنقصها لأنها بهيمة فلم يكن فيها مقدر كسائر البهائم أو كسائر أعضائها ويحمل ما روي عن عمر رضي الله عنه على أن عين الدابة التي قضى فيها نقصها ربع القيمة ولو غصب دابة قيمتها مائة فزادت فصارت قيمتها ألفا ثم جنى عليها جناية نقصت نصف قيمتها لزمه خمسمائة لأن الواجب قيمة ما أتلف يوم التلف وقد فوت نصفها فضمن خمسمائة. فصل القارئ: فإن نقصت العين دون القيمة وكان الذاهب يضمن بمقدر كعبد خصاه وزيت أغلاه فذهب نصفه ولم تنقص قيمته فعليه قيمة العبد ومثل ما نقص من الزيت مع ردهما لأن والواجب فيهما مقدر بذلك فإن لم يكن مقدراً كعبد سمين هزل فلم تنقص قيمته لم يلزمه أرش هزاله لأن الواجب فيه ما نقص من القيمة ولم تنقص فإن أغلاه عصيراً فنقص فهو كالزيت لأنه في معناه ويحتمل أن لا يضمن لأن الغليان عقد أجزاءه وجمعها واذهب ما ئيته فقط بخلاف الزيت. الشيخ: ما ذكره المؤلف أنه إذا نقصت العين دون القيمة فيضمن بِمُقَدَّرٍ فيه نظر، لأنه إذا خصى الرقيق زادت قيمته بلا شك وضمان الرقيق يجري مجرى ضمان الأموال كما لو خصى فحلاً من الغنم فزادت قيمته فإنه لا يضمن فكذلك العبد فالصواب أنه إذا خصى العبد وزادت القيمة فلا ضمان عليه لأنه يجري مجرى الأموال ومثله الزيت إذا غلاه حتى تَجَمَّدَ وثخن وازدات قيمته بذلك فإنه لا ضمان عليه لأنه زاده خيراً وهذا الخير الذي زاده بعمل منه أي من الغاصب. القارئ: فإن نقصت عينه وقيمته فعليه مثل ما نقص من العين وأرش نقص الباقي في العصير والزيت لأن كل واحد من النقصين مضمون منفردا فكذلك إذا اجتمعا. الشيخ: الصواب في هذه المسألة أنه يضمن الأكثر من هذا أو هذا ولا يمكن أن نجمع عليه ضمانين لأنه استفاد من النقص.

القارئ: ولو شق ثوباً ينقصه الشق نصفين ثم تلف أحدهما رد الباقي وتمام قيمة الثوب قبل قطعه وإن غصب خفين فتلف أحدهما فكذلك في أحد الوجهين لأن نقص الباقي بسبب تعديه والآخر لا يلزمه إلا رد الباقي وقيمة التالف لأنه لم يتلف إلا أحدهما. الشيخ: الصواب الوجه الأول أنه يلزمه قيمة التالف وما نقص الثاني لأن الناس لا يمشون بنعل واحدة أو بخف واحدة. السائل: لو طلب صاحب الخف المغصوب بعد أن تعدى الغاصب على أحد الخفين بخف جديد فهل له ذلك؟ الشيخ: لا يمكن، لأن عين ماله في الخف الباقي باقية فلو ألزمناه بأن يشتري نعلاً جديداً فهذا مقتضاه أننا أكرهناه على أن يبيع علينا ما لا يلزمه. فصل القارئ: وإن غصب عبداً فمرض أو ابيضت عينه ثم برئ لم يلزمه إلا رده لأن نقصه زال فأشبه ما لو انقلعت سنه ثم عادت وإن هزل ثم سمن أو نسي صناعته ثم علمها فكذلك في أحد الوجهين لأن نقصه زال فأشبهت التي قبلها والآخر يضمن النقص لأن السمن الثاني غير الأول فلا يسقط به ما وجب بزوال الأول فعلى هذا الوجه لو سمن ثم هزل ثم سمن ثم هزل ضمنهما معاً لأن الثاني غير الأول وعلى الوجه الأول يضمن أكثر السمنين قيمة لأن عود السمن أسقط ما قابله من الأرش. الشيخ: الصحيح أنه إذا هزل ثم عاد فسمن فإنه لا يضمن لأن النقص الأول عوضه الغاصب، وهذه البهيمة لا تَسْمَنُ إلا بأكل وشرب فقد ضمنها في الحقيقة. القارئ: فإن كانت الزيادة الثانية من غير جنس الأولى كعبد هزل فنقصت قيمته ثم تعلم فعادت قيمته ضمن الأولى لأن الثانية من غير جنس الأولى فلا تنجبر بها وإن نسي الصناعة أيضا ضمن النقصين جميعاً لما ذكرنا.

الشيخ: النقص فيه خلاف فإن كان في وصف وعاد من جنس الأول فلا ضمان مثل أن يُمْرَض ثم يُعافى فهذا لا يضمنه وإذا كان نقص عين كالسِّمَن بأن كان سميناً ثم هزل ثم سَمِنَ فهذا فيه الخلاف والصحيح أنه كالأول لا ضمان فيه لأنها عادة من الجنس الأول أما إذا كانت من غير جنسه كعبد سمين هزل فنقصت قيمته لكنه تَعَلَّمَ فزادت القيمة فهنا يضمن السِّمَن لأن الزيادة من غير جنس الأول فالأقسام ثلاثة. فصل القارئ: فإن جنى العبد المغصوب لزم الغاصب ما يستوفى من جنايته لأنه بسبب كان في يده وإن أقيد منه في الطرف فحكمه حكم ذهابه بفعل الله تعالى لكونه ضماناً وجب باليد لا بالجناية فإن القطع قصصاً ليس بجناية وإن تعلق الأرش برقبته فعليه فداؤه لأنه حق تعلق برقبته في يده فلزمه تخليصه منه وإن جنى على سيده ضمن الغاصب جنايته لأنها من جملة جناياته فأشبه الجناية على أجنبي. فصل القارئ: وإن زاد المغصوب في يده كجارية سمنت أو ولدت أو كسبت أو شجرة أثمرت أو طالت فالزيادة للمالك مضمونة على الغاصب لأنها حصلت في يده بالغصب فأشبهت الأصل وإن ألقت الولد ميتاً ضمنه بقيمته يوم الوضع لو كان حيا لأنه غصب بغصب الأم. الشيخ: الغاصب يعامل بأضر الأمرين لعدوانه والله عز وجل يقول (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) فمفهومه أن المعتدين عليهم سبيل. القارئ: وإن صاد العبد أو الجارحة صيداً فهو لمالكهما لأنه من كسبهما وهل تجب أجرة العبد الكاسب أو الصائد في مدة كسبه وصيده فيه وجهان أحدهما لا تجب لأن منافعه صارت إلى سيده فأشبه ما لو كان في يده والثاني تجب لأن الغاصب أتلف منافعه. الشيخ: الأقرب القول الثاني أنه يضمن المنافع ويضمن الصيد الذي حصل وقول المؤلف إن المنافع عادت إلى السيد بكون الصيد له، نقول هذا صحيح لو كان في ملك السيد أما الآن فإننا نُضَمِّنُ الغاصب أجرة الجارحة أو العبد ونقول ما كسبه أو ما صاده فهو لمالكه.

القارئ: وإن غصب فرساً أو قوساً أو شركاً فصاد به ففيه وجهان أحدهما هو لصاحبه لأن صيده حصل به أشبه صيد الجارحة والثاني للغاصب لأنه الصائد وهذه آلة. الشيخ: على الوجه الثاني تجب الأجرة لمالك الفرس أو القوس أو الشَرَك والفرق بينها وبين المسألة الأولى أن الجارحة صادت بنفسها وأما الفرس فلم يصد بنفسه بل الذي صاد هو الغاصب لكن هذه وسيلة فالصواب أن الصيد يكون للغاصب ولكن عليه أجرة المثل لمالك الفرس أو القوس أو الشَّرَكِ. القارئ: وإن غصب منجلاً فقطع به حطباً أو خشباً أو حشيشاً فهو للغاصب لأن هذا آلة فهو كالحبل يربطه به. الشيخ: لكن عليه بالأجرة وإنما ذكر المؤلف هذه لتكمل الأقسام الثلاثة: الأول: أن يكون الكسب من نفس المغصوب فهذا يكون لمالكه. والثاني: أن يكون بالمغصوب أي بسببه وليس من كسبه فهذا يكون للغاصب وعليه الأجرة. والثالث: أن لا يكون من هذا ولا هذا كمنجل قَطَعَ به حطباً أو خشباً فهو للغاصب لأنه آلة لم توصل الغاصب إلى هذا بخلاف القوس والفرس والشَّرَك. السائل: إذا تعلم العبد صناعة ثم غُصِبَ ونسي الصناعة وتعلم صناعة أخرى غير الأولى ومن غير جنسها فماذا على الغاصب؟ الشيخ: إذا كانت من غير جنسها فإنه يضمن الأولى. السائل: إذا غصبت سيارة من شخص ثم وجدها في مكان بعيد فأراد الرجوع بها فعلى من تكون أجرة الرجوع؟ الشيخ: على مالكها لأنها دخلت في ملكه الآن وله السلطة عليها لكن إن أصابها ضرر فهذا قد يتوجه أن نقول أنه إذا أصبها ضرر بسبب الرجوع مع هذا الطريق الوعر فإننا نُضَمِّنُ الغاصب وقد نقول إنه لما ارتفعت يد الغاصب ارتفع حكمه. فصل

القارئ: وإن غصب أثماناً فاتجر بها فالربح لصحابها لأنه نماء ماله وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فيه فكذلك في إحدى الروايتين والأخرى هو للغاصب لأن الثمن ثبت في ذمته فكان الشراء له والمبيع ربحه له لأنه بذل ما وجب عليه وقياس المذهب أنه إذا اشترى بعينه كان الشراء باطلا والسلعة للبائع. الشيخ: إذا اشترى بعين المال المغصوب فقاعدة المذهب التي قال عنها المؤلف إنه القياس أن البيع باطل لماذا؟ لأنه وقع العقد على مالٍ يملك، مثاله رجل غصب إناءً ثم باعه على شخص فالمذهب أن البيع باطل وغير صحيح لأنه ليس مالكاً ولا مأذوناً له فيه لكن لو فرض أنه باعه ثم أخذ دراهم واتجر بها وربح فعلى المذهب كل هذا الربح باطل لكن ما مشى عليه المؤلف وقَدَّمَهُ هو الصحيح أن الربح يكون للمالك والغاصب ليس له شيء دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس لعرقٍ ظالم حق) وهذا ظالم فليس له حق في الربح فإذا قال الغاصب إنه تعب وسافر في أيام الحر وأيام الشتاء فيريد أجرة على ذلك فماذا نقول له؟ نقول لا أجرة لك لأنك معتدي ظالم والظالم لا يفلح و (ليس لعرق ظالم حق)، ثم قال المؤلف (وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فيه فكذلك في إحدى الروايتين) أي أن الربح يكون للمالك مثل أن يشتري سيارة بعشرة آلاف في ذمته وعنده عشرة آلاف مغصوبة فيدفع العشرة للبائع فإذا ربحت السيارة فإن الربح يكون على هذه الرواية لمالك السيارة والقول الثاني أن الربح يكون للغاصب لأنه اشترى السيارة في ذمته ولم يعين الدراهم ونَقَدَهَا من الدراهم فيكون الربح للغاصب (لأنه بذل ما وجب عليه) وهذا القول في النفس منه شيء لأنه لولا هذه الدراهم المغصوبة عنده ما اشترى فالشراء مبني على هذه الدراهم لكن القياس مع هذا القول، ثم قال المؤلف (وقياس المذهب أنه إذا اشترى بعينه كان الشراء باطلاً والسلعة للبائع) وذلك لأن بيع ما لا يملك غير صحيح فيبطل البيع وفي المسألة قول آخر أن القياس أن يبطل

البيع إلا إذا شق الرجوع مثل أن تكون هذه السلعة بيعت عدة مرات فيشق الرجوع فحينئذ نقول يبقى البيع كما هو والربح للمالك لا للغاصب، وعليه فنقول صورة المسألة الأولى أنه إذا غصب نقوداً واتجر بها ورَبِحَتْ فإن وقع العقد عليها فالمذهب أن البيع باطل ويجب أن ترد ولو بعد عشرة عقود والقول الثاني أن البيع صحيح للضرورة والربح للمالك فهذه مسألة والمسألة الثانية أنه إذا اشترى بذمته ونقد من الدراهم المغصوبة فَلِمَنْ يكون الربح؟ الجواب فيه روايتان الرواية الأولى أنه للمالك والرواية الثانية أنه للغاصب ووجه كونه للغاصب أن العقد لم يقع على عين المغصوب وإنما وقع العقد في ذمة الغاصب وكونه سدد الثمن من المغصوب فهذه جناية بلا شك لكن البيع صحيح وهذا أقرب للقياس أن نقول إن البيع صحيح وهو آثم في كونه نَقَدَهَا من هذه الدراهم ولكن إذا حصل ربح فليس هو مبني على هذه الدراهم. فصل القارئ: وإن غصب عيناً فاستحالت كبيض صار فرخا وحب صار زرعا وزرع صار حباً ونوى صار شجراً وجب رده لأنه عين ماله فإن نقصت قيمته ضمن أرش نقصه لحدوثه في يده وإن زاد فالزيادة لمالكه ولا شيء للغاصب بعمله فيه لأنه غير مأذون فيه وإن غصب عصيراً فتخمر ضمن العصير بمثله لأنه تلف في يده فإن عاد خلاً رده وما نقص من قيمة العصير لأنه عين العصير أشبه النوى يصير شجرا. الشيخ: صورة المسألة إنسان غصب نوى والنوى هو بذر النخل فبذره في الأرض فصار نخلاً فيكون هذا النخل لمالك النوى فإذا كان قد غصب عشرين نواة فإنه يحصل له عشرين نخلة وهذا التعب من الغاصب بالسقي والملاحظة والمراعاة كله يضيع هدراً لحديث (ليس لعرق ظالم حق) لكن هذه المسألة فيها نظر لأنه قد يقال إن هذا الرجل لا شك أنه ظالم فإما أن يضمن النوى بمثله وإما أن يقال هو شريك مع الغاصب ويكون كأنه ساقاه. فصل

القارئ: فإن عمل فيه عملاً كثوب قصره أو فصله وخاطه أو قطن غزله أو غزل نسجه أو خشب نجره أو ذهب صاغه أو ضربه أو حديد جعله إبراً فعليه رده لأنه عين ماله ولا شيء للغاصب لأنه عمل في ملك غيره بغير إذنه فلم يستحق شيئا كما لو أغلا الزيت وإن نقص بذلك فعليه ضمان نقصه لأنه حدث بفعله وعنه أنه إن زاد يكون شريكاً للمالك بالزيادة لأن منافعه أجريت مجرى الأعيان أشبه ما لو صبغ الثوب والأول أصح. الشيخ: صورة المسألة إنسان غصب قطعة من الذهب فصاغها حلياً ولم تنقص وزناً بل زادت قيمتها فيجب عليه أن يردها وأما أجرة الصنعة فهل تدفع للغاصب أو نصفها أو ما أشبه ذلك؟ الجواب: لا، لعموم الحديث (ليس لعرق ظالم حق) وهناك قول آخر وهو أن الزائد يكون بين المالك والغاصب مثل أن يقال كم يساوي هذا الحلي ذهباً غير مصوغ فيقال يساوي عشرة آلاف وكم يساوي ذهباً مصوغاً يقال اثنا عشر ألفاً فيكون للغاصب ألف ريال لكن الصواب أنه لا شيء له لأنه (ليس لعرق ظالم حق) لكن لو فرض أن هذا وقع جهلاً مثل أن يأخذ قطعة من الذهب يظنها له ثم يصوغها وتزداد القيمة ثم يتبين أنها لغيره فهنا القول بأن الزيادة بين هذا الذي ضربه حلياً جهلاً منه وبين المالك قول قوي. فصل القارئ: فإن غصب شيئاً فخلطه بما يتميز منه كحنطة بشعير أو زبيب أحمر بأسود فعليه تمييزه ورده لأنه أمكن رده فوجب كما لو غصب عيناً فبعدها.

الشيخ: التمييز صعب جداً وصورة المسألة إنسان غصب مائة صاع بر وخلطه بمائة صاع شعير خلطاً تاماً حبة وحبة والشعير للغاصب والبر للمغصوب منه فطالب المغصوب منه بحقه وقال أنا أريد حقي، فإنه يلزم الغاصب أن ينقيه فإن كان حب الشعير كبيراً وحب البر صغيراً فالتنقية سهلة وذلك بمنخل يكون له عيون ينزل منها حب البر ويبقى الشعير ولكن إذا كانا سواءً بسواء فماذا نقول لأنها مائة صاع ومائة صاع فقد يبقى خمسة أيام أو ستة أيام ليل بنهار ينقيه فهل نلزمه بذلك أو لا نلزمه؟ الجواب نلزمه بذلك فلو قال الغاصب لصاحب الحق اضربه عليَّ بما شئت من القيمة فإذا كان بعشرة اجعلها عليَّ عشرين أو قال إذا كان مائة صاع أعطيك بدله مائتين على أن تفكني من هذا الأمر لكن المغصوب منه رفض ذلك فهنا قد يقول قائل إذا كان قصد المالك المضارة فإنه يُمنع من ذلك لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ضرر ولا ضرار) أما إذا لم يكن قصده المضارة بحيث يكون هذا البر الذي خلط بالشعير لا يوجد له نظير في البلد وقد يوجد بر في البلد لكن البر المغصوب ليس كالذي في البلد فهنا نقول إن المالك له غرض صحيح في إلزامه بالتنقية فنلزمه بالتنقية وكذلك لو رأى القاضي إلزام الغاصب بالتنقية تأديباً له فهل هذا وجيه أو لا؟ نقول هذا وجيه، وعلى هذا فيتجه قول المؤلف رحمه الله في حالين الحالة الأولى: إذا لم يوجد نوع مثل النوع المخلوط يعني أن الجنس موجود فالبر موجود في البلد لكن النوع الذي غصبه من صاحبه لا يوجد نظيره في البلد غير، والحالة الثانية: إذا قصد به التعزير أي تعزير الغاصب، وأما إذا لم يكن هناك حاجة ولا مصلحة وإنما يريد المالك الإضرار بالغاصب فهنا نقول لا يملك هذا لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ضرر ولا ضرار).

القارئ: وإن خلطه بمثله مما لا يتميز كزيت بزيت لزمه مثل كيله منه لأنه قدر على دفع بعض ماله إليه فلم ينتقل إلى البدل في الجميع كما لو غصب شيئاً فتلف بعضه وهذا ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه لأنه نص على أنه شريك إذا خلطه بغير جنسه فنبه على الشركة إذا كان مثله وقال القاضي قياس المذهب أنه يلزمه مثله إن شاء الغاصب منه أو من غيره لأنه تعذر رد عينه أشبه ما لو أتلفه. الشيخ: الصواب الأول وهو ظاهر كلام أحمد لأنه أمكنه أن يرد ماله بعينه مختلطاً بالمال الآخر فهذا خلط زيتاً بزيت ولا يمكن التمييز بينهما لأنهما اندمجا وصارا شيئاً واحداً فيلزم الغاصب أن يرد مثله فإذا كان صاعاً من الزيت وصاعاً من الزيت الآخر يلزمه أن يرد صاعاً على الوجه الثاني الذي قاله القاضي وعلى نص الإمام أحمد يلزمه صاع من نفس المخلوط وهذا هو الصحيح لأن مال المالك موجود في هذا الإناء لكنه لا يمكن تمييزه فيعطى نصفه مشاعاً. القارئ: وإن خلطه بأجود منه لزمه مثله من حيث شاء الغاصب فإن دفعه إليه منه لزمه أخذه لأنه أوصل إليه خيراً من حقه من جنسه وإن خلطه بدونه لزمه مثله فإن اتفقا على أخذ المثل منه جاز وإن أباه المالك لم يجبر لأنه دون حقه وإن طلب ذلك فأباه الغاصب ففيه وجهان أحدهما لا يجبر لأن الحق انتقل إلى ذمته فكانت الخيرة إليه في التعيين والثاني يلزمه لأنه قدر على دفع بعض ماله إليه من غير ضرر فلزمه كما لو كان مثله. الشيخ: الوجه الثاني هو الصحيح أنه يلزمه منه ولو كان أنقص إذا رضي المالك بالناقص، لكن في الغالب أن المالك لا يرضى بالناقص وصورة المسألة خَلَطَ زيتاً رديئاً بزيت جيد والرديء هو الزيت المغصوب فقال المالك أنا أريد زيتي من هذا الإناء الذي وقع فيه الخلط فنقول يجبر الغاصب على أنه يسلم من هذا لأن المالك رضي بالناقص.

القارئ: وإن خلطه بغير جنسه كزيت بشيرج لزمه مثله من غيره وأيهما طلب الدفع منه فأبى الآخر لم يجبر وقد قال أحمد في رجل له رطل زيت اختلط برطل شيرج لآخر يباع الدهن كله ويعطى كل واحد منهما قدر حصته فيحتمل أن يختص هذا بما لم يخلطه أحدهما ويحتمل أن يعم سائر الصور لأنه أمكن أن يصل إلى كل واحد بدل عين ماله فأشبه ما لو غصب ثوباً فصبغه فإن نقص ما يخصه من الثمن عن قيمته مفرداً ضمن الغاصب نقصه لأنه بفعله وإن خلطه بما لا قيمة له كزيت بماء وأمكن تخليصه وجب تخليصه ورده مع أرش نقصه فإن لم يمكن تخليصه أو كان ذلك يفسده وجب مثله لأنه أتلفه ولو أعطاه بدل الجيد أكثر منه رديئاً أو أقل منه وأجود صفة لم يجز لأنه ربا إلا أن يكون اختلاطه بغير جنسه فيجوز لأن الربا لا يجري في جنسين. فصل

القارئ: فإن غصب ثوباً فصبغه فلم تزد قيمة الثوب والصبغ ولم تنقص فهما شريكان يباع الثوب ويقسم ثمنه بينهما لأن الصبغ عين مال له قيمة فلم يسقط حقه فيها باتصالها بمال غيره وإن زادت قيمتهما فالزيادة بينهما لأنها نماء مالهما وإن نقصت القيمة ضمنها الغاصب لأن النقص حصل بسببه وإن زادت قيمة أحدهما لزيادة قيمته في السوق فالزيادة لمالك ذلك لأنها نماء ماله وإن بقيت للصبغ قيمة فأراد الغاصب إخراجه وضمان النقص فله ذلك لأنه عين ماله أشبه ما لو غرس في أرض غيره ويحتمل أن لا يملك ذلك لأنه يضر بملك المغصوب منه لنفع نفسه فمنع منه بخلاف الأرض فإنه يمكن إزالة الضرر بتسوية الحفر ولأن قلع الغرس معتاد بخلاف قلع الصبغ وإن أراد المالك قلعه ففيه وجهان أحدهما يملكه ولا شيء عليه كما يملك قلع الشجر من أرضه والآخر لا يملكه لأن الصبغ يهلك به أشبه قلع الزرع وإن بذل المالك قيمة الصبغ ليملكه لم يجبر الغاصب عليه لأنه بيع ماله ويحتمل أن يجبر كما يملك أخذ زرع الغاصب بقيمته وكالشفيع يأخذ غرس المشتري وإن وهبه الغاصب لمالكه ففيه وجهان أحدهما يلزمه قبوله لأنه صار صفة للعين فأشبه قصارة الثوب والآخر لا يلزمه لأن الصبغ عين يمكن إفرادها أشبه الغراس. الشيخ: في قوله (وإن وهبه الغاصب ... ) نقول الوجه الآخر بعيد فالصبغ كيف يقال إنه عين يمكن فصلها عن المصبوغ!! بل نقول إذا وهب الغاصب الصبغ لمالك الثوب لزمه قبوله، لكن لو قال المالك أنا لا أريد هذا اللون من الصبغ بل أنا أريد لوناً آخر فلي غرض في رده فهنا نقول إنَّ رده قد يكون متعذراً لأنه يحتاج إلى غسل شديد جداً والغسل الشديد يحتاج إلى مؤونة كثيرة وربما يتضرر الثوب، ففي مثل هذه الحال يجب على الحاكم أن يتدخل ويصلح بينهما وقوله (لأن الصبغ عين يمكن إفرادها أشبه الغراس) فيه نظر بلا شك فهل الصبغ عين يمكن إفرادها؟ الجواب لا يمكن إلا إذا كان الصبغ له سمك ويمكن قلعه قلعاً.

القارئ: فإن أراد المالك بيع الثوب فله ذلك لأنه ملكه فلم يمنع بيعه وإن طلب الغاصب بيعه فأباه المالك لم يجبر لأن الغاصب متعد فلم يستحق بتعديه إزالة ملك صاحب الثوب عنه كما لو طلب الغارس في أرض غيره بيعها ويحتمل أن يجبر ليصل الغاصب إلى ثمن صبغه وإن غصب ثوباً وصبغاً من رجل فصبغه به فعليه رده ورد أرش نقصه إن نقص لأنه بفعله والزيادة للمالك لأنه عين ماله ليس للغاصب فيه إلا أثر الفعل وإن صبغه بصبغ غصبه من غيره فهما شريكان في الأصل والزيادة وإن نقص فالنقص من الصبغ لأنه تبدد ويرجع صاحبه على الغاصب لأنه بدده وإن غصب عسلاً ونشاء فعمله حلواء فحكمه كحكم غصب الثوب وصبغه سواء. السائل: على القول بأن الصبغ يكون للغاصب إذا غصب ثوب غيره وصبغه بصبغه ألا يقال أن هذا يفتح الباب للغاصب فيقول ما دام أن الصبغ سيعود لي فإني أغصب الثوب وأصبغه وعلى كل حال فصبغي مردود لي؟ الشيخ: في هذه الحال ينظر إلى قصد الغاصب فإذا علمنا أن الغاصب يريد إفساده على مالكه حتى يلجئه إلى أن يُقوَّم فللحاكم أن يمنع ذلك. السائل: لكن الغاصب معتدي بكل حال فلماذا يجعل له حق في الصبغ؟ الشيخ: هذا الرجل معتد على كل حال لكن عين ماله موجودة. السائل: لماذا لا يعامل هذا الغاصب بنقيض قصده؟ الشيخ: لا يعامل بذلك، إلا إذا علمنا أنه متعدي بمعنى أن نعلم أن هذا الرجل أراد أن يفسد الثوب على صاحبه. السائل: لماذا جعلنا للغاصب حقاً مع أنه معتدي؟ الشيخ: لأن لكل واحد منهما مال فصاحب الثوب المغصوب منه له الثوب والغاصب له الصبغ والآن الصبغ والثوب موجودان. السائل: أليس الغاصب معتدي والمغصوب معتدى عليه؟ الشيخ: تعدي الغاصب على المغصوب يدخل في الحق العام فإذا رأى ولي الأمر أن يؤدبه على هذا أدبه. السائل: إذا غُصِبَ من شخص مال، ولكي يصل إلى الغاصب وضع جعلاً فإذا وجد الغاصب وما غصبه فعلى من يكون الجعل هل هو على الغاصب أو صاحب المال المغصوب؟

الشيخ: هذا سؤال وجيه مثلاً لنفرض أنه غصبت السيارة وقال من يدلني على غاصب السيارة فله ألف ريال فدله شخص عليه فهنا الدال هل يُطالِب بالجعل المالك أو الغاصب؟ الجواب يُطالِب المالك وهل يَرْجِع المالك على الغاصب لأنه هو الذي تسبب في غرمه؟ فيه احتمال، فيحتمل أنه لا يرجع لأن هذا المالك إنما غَرِمَ لمصلحته، ويحتمل أنه يرجع لأنه غرم بسبب غصب هذا الرجل وهذا أقرب لا سيما إذا كان في هذا ردع للغاصبين، أن يقال كل شيء تسبب به الغاصب ولو في هذه الحال فإنه يكون على الغاصب. السائل: إذا رأى المغصوب منه الغاصب فأراد أن يمسك به لكنه فر منه فركب المغصوب منه فرساً لغيره لكي يلحق بهذا الغاصب وفي الطريق مات الفرس فهل إذا ضمن الفرس لصاحبه يرجع بعد ذلك على الغاصب بما ضمنه؟ الشيخ: في هذه الحال لا يَرْجِع لأن هذا الموت أي موت الفرس ليس من أجل الحصول على هذا الغاصب بخلاف الأجرة. فصل القارئ: وإن غصب أرضاً فغرسها أو بنى فيها لزمه قلعه لما روى سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس لعرق ظالم حق) قال الترمذي هذا حديث حسن ولأنه شغل ملك غيره بملك لا حرمة له في نفسه فلزمه تفريغه كما لو ترك فيها قماشا وعليه تسوية الحفر ورد الأرض إلي ما كانت عليه وضمان نقصها إن نقصت لأنه حصل بفعله. الشيخ: إذا غصب أرضاً فغرس فيها لزمه أمور: أولاً: قلع الغرس. ثانياً: تسوية الأرض. ثالثاً: ضمان نقصها إن نقصت لأنها قد تنقص الأرض بسبب أن عروق النخل انتشر فيها فأفسدها. رابعاً: الأجرة أي أجرة الأرض مدة استيلائه عليها. والمؤلف رحمه الله قال (لزمه القلع) و (تسوية الحفر) و (رد الأرض إلى ما كانت عليه) وهي التسوية و (ضمان نقصها) ولم يذكر رحمه الله الأجرة ولكن ذكرها غيره أنه يلزمه أجرة الأرض مدة استيلاء الغاصب عليها. القارئ: وإن بذل له المالك قيمة غرسه وبنائه ليملكه فأبى إلا القلع فله ذلك لأنها معاوضة فلم يجبر عليها.

الشيخ: هذه المسألة على إطلاقها فيها نظر وذلك أنه إذا غصب أرضاً وغرس أو بنى فيها وقال الغاصب أنا أريد أن أقلع غرسي وبنائي وقال صاحب الأرض أنا أعطيك قيمتها إما أن تحصي ما اشتريت به وما أنفقت عليها وإما تُقَوَّم الأرض خالية من الغراس والبناء ثم تُقَوَّم مغروسة وما بين القيمتين نسلمه لك، لكن الغاصب أبى ولم يوافق فظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يجبر لأن الغراس والبناء ملك الغاصب فلا يجبر على أن يأخذ عوضاً عنه ولكن ينبغي أن يقال إن كان للغاصب غرض صحيح فنعم لا نجبره وإن لم يكن له غرض صحيح بحيث يقلع الغراس ويرميه في البر أو يهدم البناء المسلح والمسلح إذا هُدِمَ ضاعت ماليته حتى الحديد الذي فيه يكون غير صالح للاستعمال إلا بتعب فهنا نقول يجبر الغاصب على أخذ العوض ويبقى الغراس والبناء لصاحب الأرض ووجه ذلك: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن إضاعة المال). ثانياً: أنه صلى الله عليه وسلم قال (لا ضرر ولا ضرار). ثالثاً: يمكن أن يُحتَجَ لذلك أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبه على جداره) وبأنه (أجبر الجار على إجراء الماء إلى أرض جاره الأخرى) فالصواب التفصيل. القارئ: وإن وهبه الغاصب الغراس أو البناء لم يجبر على قبوله إن كان له غرض في القلع لأنه يفوت غرضه وإن لم يكن له فيه غرض احتمل أن يجبر لأنه يتخلص به كل واحد منهما من صحابه بغير ضرر واحتمل أن لا يجبر لأن ذلك عين يمكن إفرادها فلم يجبر على قبولها كما لو لم يكن في أرضه.

الشيخ: هذه المسألة عكس المسألة الأولى فهنا الغاصب وهب صاحب الأرض الغراس والبناء وقال بدلاً من القلع والهدم فلك النخل الذي غرسته في أرضك ولك العمارة والبناء مجاناً فهنا يقول المؤلف رحمه الله أنه إن كان لصحاب الأرض غرضٌ في رد الهبة فله ذلك فلو قال أنا أريد أن أغرسها بدل النخل شجر عنب فعليك أن تقلع النخل فهذا غرض صحيح أو قال العمارة المبنية على الأرض أنا لا أريدها فأنا أريد أن أعمر عليها فيلا، فهذا غرض صحيح، ففي هذه الحال له أن يرد هبة الغاصب ويلزم الغاصب بالقلع وأما إذا لم يكن هناك غرض صحيح وإنما أراد مضارة الغاصب مع أنه إذا هدمه الغاصب ربما يبنيهِ على الشكل الأول أو إذا قلع الغرس فربما يغرس نفس المقلوع ولكن قصده المضارة فهنا نمنعه من ذلك لما فيه من إضاعة المال ولما في ذلك من الإضرار وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الضرر فقال (لا ضرر ولا ضرار) و (نهى عن إضاعة المال). القارئ: وإن غرسها من ملك صاحب الأرض فطالبه بالقلع وله فيه غرض لزمه لأن فوت عليه غرضاً بالغراس فلزمه رده كما لو ترك فيها حجرا وإن لم يكن فيه غرض لم يجبر عليه لأنه سفه ويحتمل أن يجبر لأن المالك محكم في ملكه وإن أراد الغاصب قلعه فللمالك منعه لأنه ملكه وليس للغاصب فيه إلا أثر الفعل.

الشيخ: هذه المسألة غير المسألة الأولى فهنا غصب أرضاً وقلع من جانب منها غِرَاساً وغرسه في الجانب الآخر من الأرض فالأرض والغراس ملك لمالك الأرض فيقول المؤلف رحمه الله إذا طالبه بالقلع وله فيه غرض لزمه يعني لو قال له اقلع النخل فقال له الغاصب هذا نخلك وهذه الأرض أرضك فقال صاحب الأرض اقلعها لأني أريد أن تكون هذه الأرض أرضاً بيضاء صالحة للزرع أو قال أريد أن تقلع الغرس لأني أريد أن أبني عليها، فهذا غرض صحيح فله أن يطالب الغاصب بالقلع وفي هذه الحال يضمن الغاصب النقص الذي حصل بسبب الغراس أو بسبب البناء الذي بُنِي على الأرض، وإن لم يكن له فيه غرض صحيح يقول المؤلف (لم يجبر عليه لأنه سفه ويحتمل أن يجبر) أي الغاصب لأن إجبار المالك على قلعه سفه فإن بقائه خير للمالك وخير للغاصب، ثم قال المؤلف (ويحتمل أن يجبر لأن المالك محكم في ملكه) والظاهر أن القول الأول أصح إذا لم يكن له فيه غرض، وهل للغاصب أن يقلعه؟ الجواب: لا، ليس له ذلك لأن الأرض ملك لصاحب الغراس والغراس ملك لصاحب الأرض وليس للغاصب إلا أثر الفعل فقط فلو قال الغاصب أنا أريد أن أقلع ما غرست أو أهدم ما بنيت قلنا: لا، لأن الغراس والأرض مالكهما واحد. فصل القارئ: فإن حفر فيها بئراً فطالبه المالك بطمها لزمه لأنه نقل ملكه وهو التراب من موضعه فلزمه رده وإن طلب الغاصب طمها لدفع ضرر مثل أن جعل ترابها في غير أرض المالك فله طمها لأنه لا يجبر على إبقاء ما يتضرر به كإبقاء غرسه وإن جعل التراب في أرض المالك ولم يبرئه من ضمان ما يتلف بها فله طمها لأنه يدفع ضرر الضمان عنه وإن أبرأه من ضمان ما يتلف بها ففيه وجهان أحدهما يبرأ لأنه لما سقط الضمان بالإذن في حفرها سقط بالإبراء منها فعلى هذا لا يملك طمها لأنه لا غرض فيه والثاني لا يبرأ بالإبراء لأنه إنما يكون من واجب ولم يجب بعد شيء فعلى هذا يملك طمها لغرضه فيه. فصل

القارئ: وإن زرعها وأخذ زرعه فعليه أجرة الأرض وما نقصها والزرع له لأنه عين بذره نما وإن أدركها ربها والزرع قائم فليس له إجبار الغاصب على القلع ويخير بين تركه إلى الحصاد بالأجرة وبين أخذه ويدفع إلى الغاصب نفقته لما روى رافع بن خديج أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته) قال الترمذي هذا حديث حسن ولأنه أمكن الجمع بين الحقين بغير إتلاف فلم يجز الإتلاف كما لو غصب لوحاً فرقع به سفينة ملججة في البحر وفارق الغراس لأنه لا غاية له ينتظر إليها وفيما يرده من النفقة روايتان إحداهما القيمة لأنها بدل عنه فتقدرت به كقيم المتلفات والثانية ما أنفق من البذر ومؤونة الزرع في الحرث وغيره لظاهر الحديث ولأن قيمة الزرع زادت من أرض المالك فلم يكن عليه عوضها.

الشيخ: إذا زرع الغاصب هذه الأرض وحصد الزرع وانتهى فعليه شيئان، أولاً: أجرة الأرض والثاني نقص الأرض بالحرث، لكن أجرة الأرض هل نقدرها بأجر معلوم فنقول مثلاً مائة ريال أو مائتا ريال أو نقول كم تساوي هذه الأرض لو زرع عليها؟ الجواب كلاهما محتمل لأن الأرض البيضاء أحياناً يقع العقد عليها مُزَارَعَةً بأن يكون لصحابها ثلث الزرع وللعامل ثلثاه وأحياناً تكون بأجرة فيقول استأجرت منك هذه الأرض لمدة عام للزرع، فالمسألة محتملة، لكن بماذا نأخذ؟ الجواب ينظر إذا كان عادة الناس في الأراضي الزراعية أنهم يعطونها بسهم فإن الغاصب يُضَمَّنُ سهم العادة فيقال مثلاً هذه الأرض تزرع بالثلث فيحصي الغاصب قدر زرعه كم كان ويعطي رب الأرض ثلث الزرع، وإن كان أكثر الناس يؤجرون أراضيهم فإننا نقول عليه الأجرة وهذا إذا كان قد حصد الزرع، وأما إذا لم يكن قد حصد الزرع فإنه يقال لمالك الأرض أنت بالخيار إن شئت أبقه إلى أن يحصد بأجرة أو سهم وإن شئت فخذه بنفقته فيكون الزرع لصحاب الأرض ويقال كم أنفق الغاصب على الزرع ثم يأخذه صاحب الأرض بنفقته، وقيل يأخذه بقيمته، لكن الأول هو ظاهر الحديث الذي ساقه المؤلف وهو حديث رافع بن خديج (فليس له من الزرع شيء وعليه نفقته). القارئ: وإن أدرك رب الأرض شجر الغاصب مثمراً فقال القاضي للمالك أخذه وعليه ما أنفقه الغاصب من مؤونة الثمرة كالزرع لأنه في معناه وظاهر كلام الخرقي أنه للغاصب لأنه ثمر شجره فكان له كولد أمته. الشيخ: لم يظهر لي ترجيح بين القولين. فصل القارئ: وإن جصص الدار وزوقها فالحكم فيها كالحكم في البناء سواء وإن وهب ذلك لمالكها ففي إجباره على قبول الهبة وجهان كالصبغ في الثوب. الشيخ: الصواب أننا نقول إن كان له غرض في مطالبته بإزالته فله مطالبته بإزالته كما لو قال أنا أريد أن يكون الجص غير هذا اللون، وإن لم يكن له غرض وجب عليه قبوله. فصل

القارئ: وإن غصب عيناً فبعدت بفعله أو بغيره فعليه ردها وإن غرم أضعاف قيمتها لأنه بتعديه وإن غصب خشبة فبنى عليها فبليت لم يجب ردها أو وجبت قيمتها لأنها هلكت فسقط ردها وإن بقت على جهتها لزم ردها وإن انتقض البناء لأنه مغصوب يمكن رده فوجب كما لو بعدها. الشيخ: هذا أيضاً يقال فيه ما سبق أنه إذا كان لصاحب الخشبة غرض صحيح فله أن يطالب بها ولو تهدم بناء الغاصب وإلا فلا، فلو بنى على هذه الخشبة والغاصب غصب الخشبة فقط والأرض له والبناء له لكنه غصب الخشبة وبنى عليها وقال المالك للخشبة: أنا أريد أن تنقض بناءك وتعطيني الخشبة، ومعلوم أنه سيترتب على غاصب الخشبة ضرر عظيم، فهنا نقول يجبر مالك الخشبة على أخذ قيمتها وإن كانت مثلية يجبر على أخذ مثلها. القارئ: وإن غصب خيطاً فخاط به ثوباً فهو كالخشبة في البناء وإن خاط به جرحه أو جرح حيوان يخاف التلف بقلعه أو ضرراً كثيرا لم يقلع لأن حرمة الحيوان آكد من حرمة مال الغير ولهذا جاز أخذ مال الغير بغير إذنه لحفظ الحيوان دون غيره إلا أن يكون الحيوان مباح القتل كالمرتد والخنزير فيجب رده لأنه لا حرمة للحيوان وإن كان الحيوان مأكولاً للغاصب فيجب رده لأنه يمكن ذبح الحيوان والانتفاع بلحمه ويحتمل أن لا يقلع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكلة وإن كان الحيوان لغير الغاصب لم يقلع بحال لأن فيه ضرراً بالحيوان وبصحابه وإن مات الحيوان وجب رد الخيط إلا أن يكون آدمياً لأن حرمته باقية بعد موته والحكم فيما إذا بلع الحيوان جوهرة كالحكم في الخيط سواء.

الشيخ: قول المؤلف (لأن حرمته _ أي حرمة الآدمي _ باقية بعد موته) دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (كسر عظم الميت ككسره حياً) وبه نعرف أن أولئك الذين يعتدون على الأموات ويأخذون أعضائهم بعد موتهم قد جنوا على الأموات حتى إن فقهاءنا رحمهم الله يقولون لو أوصى الميت بأخذ عضو منه بعد موته لم تنفذ الوصية لأن البدن أمانة حياً وميتاً، ولمَّا ظهرت الفتوى بالجواز صار بها ضررٌ كثير فصاروا في البلاد غير السعودية يقتلون الأطفال ليأخذوا أعضائهم إما الكلى وإما الكبد وإما القلب وصار في هذا شر كثير، والمتورع يحكم بموت المريض موتاً دماغياً من أجل أن يشق بطنه ويخرج الذي يريد منه. فصل القارئ: وإن غصب لوحاً فرقع به سفينة وخاف الغرق بنزعه لم ينزع لأنه يمكنه رده بغير إتلاف مال بأن تخرج إلى الشط فلم يجز إتلافه سواء كان فيها ماله أو مال غيره. فصل القارئ: وإن أدخل فصيلاً أو غيره إلى داره فلم يمكن إخراجه إلا بنقض الباب نقض كما ينقض البناء لرد الخشبة وإن دخل الفصيل من غير تفريطه فعلى صاحب الفصيل ما يصلح به الباب لأن نقضه لتخليص ماله من غير تفريط من صاحب الباب وهكذا الحكم إن وقع الدينار في محبرة إنسان بتفريط أو غيره.

الشيخ: هذه مسألة غريبة رجل غصب فصيلاً والفصيل هو ولد الناقة الصغير ثم كبر هذا الفصيل وهو لما كان فصيلاً دخل مع الباب لكنه لما كَبِرَ عجز عن الخروج من الباب فماذا نصنع؟ هل نقول يكسر الباب حتى يخرج الفصيل أو نقول اذبح الفصيل واخرج به أعضاءً؟ الجواب الأول لأن الغاصب معتدي، وكذلك أيضاً إذا غصب ديناراً وألقاه في المحبرة يعني الدواة وعجز عن إخراجه منها والمحبرة للغاصب الذي غصب الدينار فكيف نصنع؟ الجواب تكسر المحبرة لأنه وضع الدينار باختياره وهذا عدوان، وقد كانت المحابر فيما سبق توجد معنا في المدارس ولها مثل المحقان فيصب فيها الحبر وإذا اضُطجِعت لا يخرج منها لأن أعلاها مطموم وفيها ثقب في الوسط ليدخل منه القلم فهذه المحبرة لو اضُطجِعت لا ينتثر منها الحبر لأنها مطمومة لا يمكن أن يخرج منها فلو سقط الدينار فيها فإنه لا يخرج إلا بتكسيرها. فصل القارئ: وإن غصب عبداً فأبق أو دابة فشردت فللمغصوب منه المطالبة بقيمته لأنه تعذر رده فوجب بدله كما لو تلف فإن أخذ البدل ملكه لأنه بدل ماله كما يملك بدل التالف. الشيخ: قوله رحمه الله أنه يرد القيمة فيه نظر، والصواب أنه يرد المثل إذا أمكن لأن الواجب أن يضمن الشيء بمثله فإنه إلى العدل أقرب لأن مساواة المثل لمثله أقرب من مساواة قيمته له ولهذا لما أرسلت إحدى أمهات المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً بطعام غضبت الزوجة التي هو في بيتها فضربت يد الخادم حتى سقط الطعام وتكسر الإناء فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم إناء التي هو في بيتها وطعامها وأعطاه الخادم وقال (إناء بإناء وطعام بطعام) فالصواب أنه لا يضمنها بالقيمة وإنما يضمنها بالمثل لأن ضمانها بالمثل أقرب إلى العدل من ضمانها بالقيمة.

القارئ: ولا يملك الغاصب المغصوب لأنه لا يصح تملكيه بالبيع فلا يملكه بالتضمين كالتالف فإذا قدر عليه رده وأخذ القيمة لأنها استحقت بالحيلولة وقد زالت فوجب ردها وزيادة القيمة المتصلة للغاصب لأنها تتبع الأصل والمنفصلة للمغصوب منه لأنها لا تتبع الأصل في الفسخ بالعيب وهذا فسخ فأما المغصوب فيرد بزيادته المتصلة والمنفصلة لأن ملك صاحبه لم يزل عنه. الشيخ: الزيادة المتصلة كالسِّمَن والمنفصلة كالولد واللبن والصوف وما أشبه ذلك. فصل القارئ: وإن غصب أثماناً فطالبه مالكها بها في بلد آخر لزم ردها إليه لأن الأثمان قيم الأموال فلا يضر اختلاف قيمتها وإن كان المغصوب من المقومات لزم دفع قيمتها في بلد الغصب وإن كان من المثليات وقيمته في البلدين واحدة أو هي أقل في البلد الذي لقيه فله مطالبته بمثله لأنه لا ضرر على الغاصب فيه وإن كانت أكثر فليس له المثل لأننا لا نكلفه النقل إلى غير البلد الذي غصبه فيه وله المطالبة قيمته في بلد الغصب وفي جميع ذلك متى قدر على المغصوب أو المثل في بلد الغصب رده وأخذ القيمة كما لو غصب عبداً فأبق.

الشيخ: الأثمان هي النقود فلو أنه غصب أثماناً في مكة ولقيه صاحب الأثمان في المدينة وطالبه بالأثمان فإنه يجب عليه ردها لأنه لا فرق بين قيمتها في المدينة وقيمتها في مكة وهذا الذي ذكره الفقهاء رحمهم الله هو في الزمن السابق لمَّا كانت الخلافة عامة لجميع المسلمين والنقد واحداً أما الآن فاختلف الأمر فمثلاً الأثمان في السعودية غير الأثمان في سوريا وفي العراق وفي الأردن وما أشبه ذلك فلكل حالٍ حكمها، وعليه إذا اختلفت القيمة وكانت قيمة الأثمان في البلد التي طالبه فيها المالك أقل فهل يلزمه تسليمها أو لا؟ بمعنى أن هذا الثمن قيمته مثلاً في مكة عشرة ريالات وفي المدينة تسعة ريالات فطالبه الغاصب في المدينة فهل يلزمه التسليم أو لا؟ الجواب يلزمه لأنه ليس هناك ضرر على الغاصب لنفرض أنه غصبه دولاراً في مكة وهو يساوي في مكة خمسة ريالات وطالبه به في المدينة وهو يساوي أربعة ريالات ونصف فإنه يلزم الغاصب أن يرده لأنه لا ضرر عليه في ذلك ولو كان بالعكس أي أنه يساوي في مكة أربعة ريالات ونصف وطالبه به في المدينة وهو يساوي خمسة ريالات فإنه لا يلزمه الرد لأن عليه ضرر في ذلك وهو لا يلزمه أن يدفع المغصوب في غير بلاد الغصب. فصل القارئ: إذا تلف المغصوب وهو مما له مثل كالأثمان والحبوب والأدهان فإنه يضمن بمثله لأنه يماثله من حيث الصورة والمشاهدة والمعنى والقيمة مماثلة من طريق الظن والاجتهاد فكان المثل أولى كالنص مع القياس.

الشيخ: المثلي على المذهب ضيق جداً فيقولون إن المثلي كل مكيل أو موزون ليس فيه صناعة مباحة يصح السلم فيه، فخصَّوُه بالمكيل والموزون وبأنه أيضاً ليس فيه صناعة وعلى هذا إذا جعل الحديد أواني خرج عن كونه مثلياً وأيضاً قالوا يصح السلم فيه بأن يكون مما ينضبط بالصفة وهذا كما هو معلوم تضييق جداً جداً وعليه فمثلاً الفناجين فناجين الشاي إذا كانت من طراز واحد وكسر إنسانٌ فنجان لآخر فإنه على المذهب يضمنه بالقيمة لأن فيه صناعة فخرج عن كونه مثليَّا والصواب أن المثلي ماله مثيلٌ أو مقارب سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو حيواناً أو أواني أو غير ذلك لأن الاشتقاق يدل عليه فيقال هذا مثل هذا وأيهما أقرب إلى المساواة صاع من بر ضُمِنَ بصاع من بر أو فنجان من نوع معين ضُمِنَ بفنجان من نفس ذلك النوع، أيهما أقرب للمساواة؟ الجواب الثاني بلا شك وسبحان الله كيف نقول إذا أتلف له صاع من البر ضَمَّنَّاهُ صاعاً من البر وإذا أتلف له فنجاناً لا نُضَمِّنَهُ بنظيره فالصواب أن المثلي هو كل ما له مماثل أو مقارب ويعفى عن الاختلاف اليسير. القارئ: فإن تغيرت صفته كرُطَبٍ صار تمراً أو سمسم صار شيرجا ضمنه المالك بمثل أيهما أحب لأنه قد ثبت ملكه على كل واحد من المثلين فرجع بما شاء منهما وإن وجب المثل وأعوز وجبت قيمته يوم عوزه لأنه يسقط بذلك المثل وتجب القيمة فأشبه تلف المتقومات وقال القاضي تجب قيمته يوم قبض البدل لأن التلف لم ينقل الوجوب إلى القيمة بدليل ما لو وجد المثل بعد ذلك وجب رده.

الشيخ: قول القاضي قوي جداً وهو أنه يضمن بقيمته يوم التلف وأما المذهب فيضمنه بقيمته وقت إعوازه مثال ذلك هذا المثلي انقطع عن السوق وهذا يكون على القول الراجح في المصنوعات فأحياناً يَرِدُ على الأسواق شيء معين من المصنوعات إما راديو وإما ساعة وإما قلم وإما غيره ثم ينقطع عن السوق فإذا ضَمَّنَّا الغاصب فإننا نُضَمِّنَهُ بقيمته وقت الانقطاع لأنه لما انقطع انتقل الضمان من المثل إلى القيمة وهذا على قول المذهب وقال القاضي نُضَمِّنَهُ بقيمته وقت القبض فمثلاً لو انقطع في شهر محرم ثم صارت الخصومة بين المالك وبين الغاصب في شهر ربيع فعلى قول القاضي تعتبر قيمته في شهر ربيع وقد تكون أضعاف أضعاف قيمته في شهر محرم وعلى المذهب تعتبر قيمته في شهر محرم وكلا القولين له حجة فحجة المذهب أنه لما أعوز ثبتت القيمة وحجة القاضي أنه مازال على ملك صاحبه مثلياً فلا ينقل إلى القيمة إلا عند الطلب بدليل أنه لو أعوز في شهر محرم وانقطع ثم وجد في شهر ربيع الأول مثلاً فهل نقول إنه أنقطع في شهر محرم فتجب القيمة أو نقول الآن يجب المثل؟ الجواب الثاني فيكون لا فرق وعليه فكلام القاضي رحمه الله أصح أنه يُضَمَّنُ بقيمة المثل المنقطع وقت القطع. القارئ: وإن قدر على المثل بأكثر من قيمته لزمه شراؤه لأنه قدر على أداء الوجوب فلزمه كما لو قدر على رد المغصوب بغرامة. السائل: على المذهب في المثلي لو كان هذا المثلي المغصوب ذهباً فيه صناعة محرمة كما لو كان ذهباً مصوغاً على شكل طائر فكيف يكون الحكم؟ الشيخ: الصناعة المحرمة يقدر الشيء المغصوب خالياً منها كأنه ذهب لا صناعة فيه. السائل: بماذا يلزمون الغاصب؟ الشيخ: يلزمونه بذهب ليس فيه صناعة. فصل

القارئ: فإن كان مما لا مثل له وجبت قيمته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شِركا له في عبد فكان له ما يبلغ ثمن العبد قوم وأعطي شركاؤه حصصهم) متفق عليه فأوجب القيمة ولأن إيجاب مثله من جهة الخلقة لا يمكن لاختلاف الجنس الواحد في القيمة فكانت القيمة أقرب إلى إبقاء حقه. الشيخ: إذا أتلف الغاصب ما لا مثل له وجبت القيمة والاستدلال بالحديث واضح وهو أن الإنسان إذا أعتق نصيبه من عبد وكان للمُعْتِقِ مال يبلغ قيمة حصص الشركاء فإنه يَعْتُقُ عليه بالسِّراية ولا خيار له ويجب أن يعطي الشركاء حصصهم يعني قيمة الحصص لأنه لا يمكن أن يضمن لشركائه المثل حيث أنهم لهم جزء من عبد فالاستدلال بهذا واضح والمعنى يقتضي هذا إيضاً فإذا كان لا مثل له فأقرب شيء تبرأ به الذمة أن يُضَمَّنَ الغاصب القيمة ولكن هذا مع ملاحظة ما ذكرناه في السابق من أن المشهور من المذهب هو تضييق المثلي والصواب أنه أوسع مما ذكروه في المذهب. القارئ: فإن اختلفت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف نظرت فإن كان ذلك لمعنى فيه وجبت قيمته أكثر ما كانت لأن معانيه مضمونة مع رد العين فكذا مع تلفها وإن كان لاختلاف الأسعار فالواجب قيمته يوم تلف لأنها حينئذ ثبتت في ذمته وما زاد على ذلك لا يضمن مع الرد فكذلك مع التلف كالزيادة على القيمة. الشيخ: هذا مبني على القول بأنه لا يُضْمَنُ ما نقص بالسعر وأما على القول بأنه يُضْمَنُ ما نقص في السعر فينظر إلى أعلا القيم من وقت التلف إلى وقت الضمان.

القارئ: وتجب القيمة من نقد البلد الذي تلف فيه لأنه موضع الضمان فإن كان المضمون سبيكة أو نقرة أو مصوغاً ونقد البلد من غير جنسه أو قيمته كوزنه وجبت لأن تضمينه بها لا يؤدي إلى الربا فأشبه غير الأثمان وإن كان نقد البلد من جنسه وقيمته مخالفة لوزنه قوم بغير جنسه كيلا يؤدي إلى الربا وإن كانت الصناعة محرمة فلا عبرة بها لأنها لا قيمة لها شرعا وذكر القاضي أن ما زادت قيمته لصناعة مباحة جاز أن يضمن بأكثر من وزنه لأن الزيادة في مقابلة الصنعة فلا يؤدي إلى الربا. الشيخ: هذا مبني على ما سبق في أنه هل تجوز الزيادة في مقابلة الصنعة أو لا تجوز؟ والمشهور من المذهب أنها لا تجوز، مثال ذلك إنسان عنده حلي قديم زنته مائة غرام وإنسان عنده حلي جديد وزنه مائة غرام فتبادلا فقال صاحب الجديد أريد أن تضيف إلى ذهبك القديم مقدار الصنعة، فعلى المذهب أن ذلك لا يجوز واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منع من بيع الرديء بالجيد متفاضلاً، والقول الثاني الذي اختاره جماعة من أهل العلم كابن القيم رحمه الله وأظن شيخه كذلك أنه تجوز الزيادة بقدر القيمة في مقابلة الصنعة وقالوا إن الاستدلال بكون النبي صلى الله عليه وسلم يمنع من الربوي بمثله متفاضلاً من أجل الرداءة والجودة قالوا الفرق بأن الصنعة من فعل الآدمي فيعطى عوضاً عنها وأما الجودة والرداءة فهي من فعل الله عز وجل، وهذا لا شك أنه فرق واضح ولكن الذي يجعل الإنسان يتوقف في هذه المسألة أو يمنع منها هو أنه مَنْ الذي يقدر قيمة الصنعة؟ فقد يطلب صاحب الذهب الجديد المصنوع بصنعة جديدة قد يطلب أكثر من قيمة الصنعة فيربح وإلا فلا شك أن القول بأنه يجوز الزيادة في مقابلة الصنعة إذا تساوى المَبِيعُ والمُشْتَرَى قول قوي. السائل: لوقلنا للمعتق إنك لو أعتقت نصيبك في العبد فإنه يلزمك الضمان لبقية الشركاء في هذا العبد، فربما يمتنع من العتق فما الحل؟

الشيخ: نقول إنه إذا كان قصده العتق ويريد بذلك رضى الله وقد أغناه الله فإنه لن يتوقف، وإن كان معسراً فالمذهب أنه يعتق من العبد ما عَتَقْ ويبقى الباقي رقيقاً والقول الثاني أنه يستسعى العبد ويقال له اعمل وأوفي سادتك. فصل القارئ: وإذا كانت للمغصوب منفعة مباحة تستباح بالإجارة فأقام في يده مدة لمثلها أجرة فعليه الأجرة وعنه أن منافع الغصب لا تضمن والمذهب الأول لأنه يطلب بدلها بعقد المغابنة فتضمن بالغصب كالعين وسواء رد العين أو بدلها لأن ما وجب مع ردها وجب مع بدلها كأرش النقص. الشيخ: قول المذهب هو الصحيح أن الغاصب يُضَمَّنُ الأجرة فيما يُستأجر أما ما لا يُستأجر عادةً فإنه لا أجرة عليه ونلاحظ من كلام المؤلف رحمه الله أنه يقول تستباح به الإجارة احترازاً من المنافع التي لا تستباح بالإجارة كالوطء والاستمتاع فيما لو غصب أمة وبقيت عنده شهراً أو شهرين فإن مالكها لا يُضَمِّنَهُ ويقول أنت فوَّت عليَّ الاستمتاع بالأمة هذه المدة فلي الأجرة فنقول ليس لك أجرة لأن هذه المنفعة لا تستباح بالإجارة. القارئ: فإن تلفت العين لم تلزمه أجرتها بعد التلف لأنه لم يبق لها أجرة ولو غصب داراً فهدمها أو عرصة فبناها أو داراً فهدمها ثم بناها وسكنها فعليه أجرة العرصة لأنه لما هدم البناء لم يبق لها أجرة لتلفها ولما بنى العرصة كان البناء له فلم يضمن أجرة ملكه إلا أن يبنيها بترابها أو آلة للمغصوب منه فيكون ملكه لأنها أعيان ماله وليس للغاصب فيه إلا أثر الفعل فتكون أجرتها عليه وكل مالا تستباح منافعه بالإجارة أو تندر إجارته كالغنم والشجر والطير فلا أجرة له ولو أطرق فحلاً أو غصب كلباً لم تلزمه أجرة لذلك لأنه لا يجوز أخذ العوض عن منافعه بالعقد فلا يجوز بغيره. فصل

القارئ: وإن غصب ثوباً فلبسه وأبلاه فعليه أجرته وأرش نقصه لأن كل واحد منهما يضمن منفرداً فيضمن مع غيره ويحتمل أن يضمن أكثر الأمرين من الأجرة وأرش النقص لأن ما نقص حصل بالانتفاع الذي أخذ المالك أجرته ولذلك لا يضمن المستأجر أرش هذا النقص. الشيخ: الأصح أنه يضمن الأجرة والنقص لأن كلاً منهما حصل بفعله. القارئ: وإن كان الثوب مما لا أجرة له كغير المخيط فعليه أرش نقصه حسب وإن كان المغصوب عبداً فكسب ففي أجرة مدة كسبه وجهان كذلك وإن أبق العبد فغرم قيمته ثم وجده فرده ففي أجرته من حين دفع قيمته إلى رده وجهان أحدهما لا يلزمه لأن المغصوب منه ملك بدل العين فلا يستحق أجرتها والثاني يلزمه لأن منافع ماله تلفت بسبب كان في يد الغاصب فلزمه ضمانها كما لو لم يدفع القيمة وإن غصب أرضاً فزرعها فأخذ المالك زرعها لم تكن على الغاصب أجرة لأن منافع ملكه عادت إليه إلا أن يأخذه بقيمته فتكون له الأجرة إلى وقت أخذه لأن القيمة زادت بذلك للغاصب فكان نفعها عائداً إليه. السائل: إذا كان عند رجل مجموعة من السلع وأتى آخر وغصب منه بعضها، ثم إن الرجل صاحب السلعة ذهب إلى بلاد أخرى وباع باقي السلع بثمن يساوي أضعاف ثمنها في بلده الأصلي وبعد مدة وجد ذلك الغاصب في بلده الأصلي فهل يضمنه قيمة السلعة بسعرها في البلد الأصلي أم في البلاد التي باع فيها باقي السلع؟ الشيخ: أما على قاعدة أن الغصب لا يُضَمَّنُ فيه الغاصب ما نقص بالسعر فلا، ولكن على القول الراجح أنه يُضَمِّنُهُ لا سيما في المسألة التي ذكرها السائل لأنه حال بينه وبين هذا الربح فيضمن. السائل: الغاصب إذا أجبر على دفع الغرامة فهل يدفع بثمن يوم الغصب أو بثمن يوم الدفع؟

الشيخ: أما في المثلي فقد سبق أنه يعطي مثله سواءً زادت قيمته أو نقصت، وأما المُتَقَوَّم فإنه يضمنه يوم التلف لا يوم الغصب لأنه لم يزل على ملك صاحبه حتى تلف، إلا إذا كانت القيمة وقت الغصب أكثر وقلنا بأنه يضمن ما نقص بالسعر فإنه يعطى أكثر القيمتين من وقت الغصب أو وقت التلف. فصل القارئ: وإذا غصب عيناً فباعها لعالم بالغصب فتلفت عند المشتري فللمالك تضمين أيهما شاء قيمتها وأجرتها مدة مقامها في يد المشتري فيضمن الغاصب لغصبه والمشتري لقبضه ملك غيره بغير إذنه فإن ضمن الغاصب رجع على المشتري وإن ضمن المشتري لم يرجع على أحد لأنه غاصب تلف المغصوب في يده فاستقر الضمان عليه كالغاصب إذا تلف تحت يده فأما أجرتها أو نقصها قبل بيعها فعلى الغاصب وحده ولا شيء على المشتري منه وإن كان جارية فوطئها لزمه الحد والمهر وردها مع ولدها وأجرتها وأرش نقصها وولدها رقيق لأن وطأه زنا فأشبه الغاصب وإن لم يعلم المشتري بالغصب فلا حد عليه وولده حر وعليه فداؤه بمثله يوم وضعه لأنه مغرور فأشبه ما لو تزوجها على أنها حرة، وللمالك تضمين أيهما شاء لما ذكرنا. الشيخ: قوله ضمنه بمثله هذا صعب متعذر أو متعسراً جداً لأنه متى نجد طفلاً رقيقاً ولد واشتُرِيَ حين ولادته، ولهذا نرى أنه في هذه الحال يضمن بقيمته يوم ولادته لأن المثلية هنا متعذرة جداً والغريب في المذهب أن الحيوان ليس بمثلي لأن المثلي على المذهب ما كان مكيلاً أو موزوناً ليس فيه صناعة مباحة ويصح السلم فيه.

القارئ: فإن ضمن الغاصب رجع على المشتري بقيمة العين ونقصها وأرش بكارتها لأنه دخل مع البائع على أن يكون ضامناً لذلك بالثمن فلم يغره فيه ولا يرجع عليه ببدل الولد إذا ولدت منه ونقص الولادة لأنه دخل معه على أن لا يضمنه فغره بذلك فأما ما حصلت له به منفعة ولم يلتزم ضمانه كالأجرة والمهر ففيه روايتان إحداهما لا يرجع به لأن المشتري دخل معه في العقد على أن يتلفه بغير عوض فقد غره فاستقر الضمان على الغاصب كعوض الولد والثانية يرجع به لأن المشتري استوفى بدل ذلك فتقرر ضمانه عليه وإن ضمن المشتري رجع على الغاصب بما لا يرجع به الغاصب عليه لأنه استقر ضمانه على الغاصب ولم يرجع بما يرجع به الغاصب عليه لأنه لا فائدة في رجوعه عليه بما يرجع به الغاصب عليه. فصل القارئ: وإن وهب المغصوب لعالم بالغصب أو أطعمه إياه استقر الضمان على المتهب ولم يرجع على أحد لما ذكرنا في المشتري وإن لم يعلم رجع بما غرم على الغاصب لأنه غره بدخوله معه على أنه لا يضمن وعنه فيما إذا أكله أو أتلفه أنه لا يرجع به لأنه غرم ما أتلف فعلى هذا إن غُرِّم الغاصب رجع على الآكل لأنه أتلف فاستقر الضمان عليه وإن أجر الغاصب العين ثم استردها المالك رجع على من شاء منها بأجرتها ويستقر الضمان على المستأجر علم أو جهل لأنه دخل في العقد على أن يضمن المنفعة ويسقط عنه المسمى في الإجارة وإن تلفت العين فغرمها رجع به على الغاصب إذا لم يعلم لأنه دخل معه على أنه لا يضمن وإن وكل رجلاً في بيعها أو أودعها فللمالك تضمين من شاء لما ذكرنا وإن ضمنهما رجعا بما غرما على الغاصب إلا أن يعلما بالغصب فيستقر الضمان عليهما وإن أعارها استقر الضمان على المستعير علم أو جهل لأنه دخل معه على أنها مضمونة عليه وإن غرمه الأجرة ففيه وجهان مضى توجيههما في المشتري.

الشيخ: هذه المسائل سنذكر فيها قاعدة، وهذه المسائل تسمى الأيدي المترتبة على يد الغاصب وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في القواعد الفقهية أنها عشرة وذكر لكل واحدة حكماً، لكن لها قاعدة أو ضابط سنذكره بعد أن ينتهي كلام المؤلف. فصل القارئ: وإن أطعم المغصوب لمالكه فأكله عالماً به برئ الغاصب لأنه أتلف ماله برضاه عالماً به وإن لم يعلم فالمنصوص أنه يرجع قيل لأحمد رضي الله عنه في رجل له قِبَلَ رجل تبعة فأوصلها إليه على سبيل صدقة أو هدية ولم يعلم فقال كيف هذا؟ هذا يرى أنه هدية ويقول هذا لك عندي لأنه بالغصب أزال سلطانه وبالتقديم إليه لم يعد ذلك السلطان فإنه إباحة لا يملك بها التصرف في غير ما أذن له فيه ويتخرج أن يبرأ لأنه رد إليه ماله فبرئ كما لو وهبه إياه. الشيخ: الصحيح أنه إذا أطعمه إياه عالماً به فإنه لا يرجع عليه لأن المغصوب منه يعلم أن هذا ملكه وقد أتلفه هو أما لو غَرَّهُ وأطعمه إياه على أنها دعوة أو هدية فهنا يرجع المغصوب منه على الغاصب لأنه غَرَّهُ. القارئ: ويحمل كلام أحمد رضي الله عنه على أنه أوصل إليه بدله فأما إن وهبه إياه فالصحيح أنه يبرأ لأنه قد سلمه تسليماً صحيحاً ورجع إليه سلطانه به وزالت يد الغاصب بالكلية وكذلك إن باعه إياه وسلمه إليه فأما إن أودعه إياه أو أعاره أو أجره إياه فإن علم أنه ماله برئ الغاصب لأنه عاد إلى يده وسلطانه وإن لم يعلم لم يبرأ لأنه لم يعد إليه سلطانه وإنما قبضه على الأمانة وقال بعض أصحابنا يبرأ لأنه عاد إلى يده. فصل القارئ: وأم الولد تضمن بالغصب لأنها تضمن في الإتلاف بالقيمة فتضمن في الغصب كالقن.

الشيخ: أم الولد هي التي أتت بولد من سيدها وصورة المسألة هذا رجل عنده سُرِّيَّة فأتت منه بولد فهنا انعقد سبب الحرية فيها لكنها لا تعتق إلا بموته _ أي _ بموت سيدها ولهذا ذكر المؤلف أن أم الولد تضمن بالغصب بخلاف الحر فالحر لا يضمن بالغصب فلو غصب إنساناً وأجبره على أن يحفر له بئراً فإنه لا يضمنه لأن الحر لا يضمن فليس له قيمة شرعاً، لكن هل يُلزم بأجرة المثل أو لا يُلزم؟ هذه المسألة محل نظر. السائل: إذا اشترى الشخص سلعته المغصوبة من غاصبها قهراً، ثم بعد مدة قَدِرَ على أن يسترد الثمن فهل له ذلك؟ الشيخ: إذا أعطاه الثمن فإنه إذا ثبت فيما بعد أنها سلعته استرد الثمن. القارئ: ولا يضمن الحر بالغصب لأنه ليس بمال فلم يضمن باليد وإن حبس حراً فمات لم يضمنه لذلك إلا أن يكون صغيراً ففيه وجهان أحدهما لا يضمن لأنه حر أشبه الكبير والثاني يضمنه لأنه لا تصرف له في نفسه أشبه المال فإن قلنا لا يضمنه فكان عليه حلي فهل يضمن الحلي؟ فيه وجهان أحدهما لا يضمنه لأنه تحت يده أشبه ثياب الكبير والثاني يضمنه لأنه استولى عليه فأشبه ما لو كان منفرداً وإن استعمل الكبير مدة كرها فعليه أجرته لأنه أتلف عليه ما يتقوم فلزمه ضمانه كإتلاف ماله وإن حبسه مدة لمثلها أجرة ففيه وجهان أحدهما تلزمه الأجرة لأنها منفعة تضمن بالإجارة فضمنت بالغصب كنفع المال والثاني لا يلزمه لأنها تلفت تحت يده فلم تضمن كأطرافه. الشيخ: الصحيح أنه إذا منعه من العمل وكان من عادته أن يعمل فإنه يضمنه لأنه حال بينه وبين كسبه أما إذا كان ليس من عادته أن يعمل فهذا ليس له أجرة كالعين التي ليس فيها منفعة، وأما في مسألة الصغير فالصواب أنه يضمنه لأن الصغير ليس له تصرف في نفسه فكل إنسان يخدعه ويأتي به ويسترِقُّه. فصل القارئ: وإن غصب كلباً يجوز اقتناؤه. الشيخ: قوله (يجوز اقتناؤه) المقصود به كلب الحرث والصيد والماشية.

القارئ: لزمه رده لأن فيه نفعاً مباحاً وإن غصب خمر ذمي لزم ردها إليه لأنه يقر على اقتنائها وشربها وإن غصبها من مسلم وجبت إراقتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة خمر الأيتام وإن أتلفها لمسلم أو ذمي لم يضمنها لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) ولأنها يحرم الانتفاع بها فلم تضمن كالميتة. الشيخ: إذا غصب مسلمٌ خمر ذمي وقلنا له يلزمك الرد، فما هو العمل إذا قال إنه لا يريد الرد؟ الجواب أنه يتلفها لأنه إذا أتلفها لم يضمنها لأنها محرمة وعوضها محرم. القارئ: وإن غصبه منهما فتخلل في يده لزمه رده إلى صاحبه لأنها صارت خلاً على حكم ملكه فإن تلف ضمنه لأنه مال تلف في يد الغاصب فإن أراقه صاحبه فجمعه إنسان فتخلل لم يلزمه رده لأن صاحبه أزال ملكه عنه بتبديده. الشيخ: كل شيء يخرجه الإنسان عن ملكه رغبة عنه أو يأساً من صلاحه أو يأساً من برئه فيلتقطه أحدٌ ويربيه حتى يَسْلَم فإنه لا يلزمه رده إلى صاحبه ولو طالب به صحابه فلا حق له فيه لأنه تركه وأخرجه عن ملكه ومثل هذا ما يوجد في السيارات التي تكون عليها حوادث فيتركها أهلها رغبةً عنها فيأتي إنسان ويأخذها ويأخذ ما فيها من قطع الغيار فليس لصاحبها الحق في أن يطالب بها لأنه تركها زهداً فيها وخرجت عن ملكه. فصل القارئ: وإن غصب جلد ميتة ففي وجوب رده وجهان مبنيان على طهارته بالدباغ إن قلنا يطهر وجب رده لأنه يمكن التوصل إلى تطهيره أشبه الثوب النجس وإن قلنا لا يطهر لم يجب رده ويحتمل أن يجب إذا قلنا يجوز الانتفاع به في اليابسات ككلب الصيد. الشيخ: الصواب وجوب رده سواءٌ قلنا إنه يطهر بالدباغ أو لا، والصحيح أنه يطهر بالدباغ فيجب رده، وإذا قلنا لا يطهر وقلنا يجوز الانتفاع به في اليابسات كما هو المذهب وجب رده أيضاً لأن فيه نفعاً مباحاً، فالصواب وجوب رده سواء قلنا إنه يطهر بالدباغ أو قلنا لا يطهر مادام أن فيه نفع.

القارئ: وإن أتلفه لم يضمنه لأنه لا قيمة له. الشيخ: هذا صحيح، لكن يجب على ولي الأمر أن يؤدب هذا المعتدي وهو ما يعرف عندنا بالحق العام. فصل القارئ: وإن كسر صليباً أو مزماراً لم يضمنه لأنه لا يحل بيعه فأشبه الميتة. الشيخ: قوله (لأنه لا يحل بيعه) رحم الله المؤلف لو قال لأنه لا يجوز إقراره لكان أولى وذلك لأنه يجب علينا أن نغير المنكر بأيدينا إذا قدرنا فإن لم نستطع فباللسان فإن لم نستطع فبالقلب، وآلة اللهو يجب كسرها ولكن هل يجب على كل واحد أو هذا منوط بولاة الأمور؟ الجواب الثاني وذلك لئلا تحصل الفوضى ويقول صاحب المزمار إنني أقتنيه بناءً على قول لبعض العلماء فاقتنائي إياه مباح فلماذا تكسره، ثم يحصل بذلك فتنة. القارئ: وإن كسر أواني الذهب والفضة لم يضمنها لأن اتخاذها محرم وإن كسر آنية الخمر ففيه روايتان إحداهما يضمنها لأنه مال غير محرم ولأنها تضمن إذا خلت. الشيخ: قوله (إذا خلت) يعني إذا خلت من الخمر فلو أتلف الآنية بدون أن يكون فيها خمر فهي مضمونة. القارئ: فتضمن إذا كان فيها خمر كالدار. الشيخ: قوله (كالدار) يعني لو هدم داراً فيها خمر فإنه يضمن الدار، لكن هذا القياس فيه نظر لأن الدار ليست آنية للخمر بخلاف آنية الخمر فإنها تختص به وعلى كل حال فالصواب أنه إذا أتلف آنية خمر وهي مما يباح استعماله فهو ضمان. القارئ: والثانية لا تضمن لما روى ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بتشقيق زقاق الخمر) رواه أحمد رضي الله عنه في المسند. الشيخ: قوله (لا تضمن لما روى ابن عمر ... ) نقول هناك فرق لأن الرسول صلى الله عليه وسلم له السلطة فتشقيقها من باب التعزير أما غيره فليس له ذلك، فإذا كان إنسان قد وضع خمراً في إناء ثمين لكنه ليس ذهباً ولا فضة فهل نقول لغيره أن يكسره ويفسده عليه لأن فيه خمراً؟ هذا فيه نظر والصواب أنه مضمون. فصل

القارئ: ومن أتلف مالاً محترماً لغيره ضمنه لأنه فوته عليه فضمنه كما لو غصبه فتلف عنده وإن فتح قفص طائر فطار أو حل دابة فشردت أو قيد عبد فذهب أو رباط سفينة فغرقت ضمن ذلك كله لأنه تلف بسبب فعله فضمنه كما لو نفر الطائر أو الدابة وإن فعل ذلك فلم يذهب حتى جاء آخر فنفرهما فالضمان على المنفر لأن فعله أخص فاختص الضمان به كالدافع مع الحافر. الشيخ: قوله (الدافع مع الحافر) صورة المسألة لو أن رجلاً رأى شخصاً واقفاً على بئر فدفعه فمات بسقوطه في البئر فالضامن هنا هو الدافع مع أنه لولا البئر لسقط على الأرض ولم يمت، لكن نقول هنا اجتمع مباشر ومتسبب والمباشر هو الدافع والمتسبب هو الحافر، إلا إذا علمنا أنهما تواطأ على الحفر والدفع بأن قال أحدهما أنا أحفر البئر وأنت إذا وقف ذلك الرجل يشاهدها أدفعه، فيكون الضمان عليهما جميعاً. القارئ: وإن وقف طائر على جدار فنفره إنسان فطار لم يضمنه لأن تنفيره لم يكن سبب فواته لأنه كان فائتاً قبله وإن طار في هواء داره فرماه فقتله ضمنه لأنه لا يملك منع الطائر الهواء فأشبه ما لو قتله في غير داره. الشيخ: إذا كان هناك طائر قد طار من مالكه فوجده شخص ما على الجدار فَنَفَّرَهُ فإنه لا يضمنه لماذا؟ لأن هذا الطائر نافرٌ من الأصل فهو قد هرب من مالكه ولهذا قال المؤلف (لأنه كان فائتاً قبله) لكن لو فرض أن الجدار حول مقره يعني حول وكر الطائر وهذا الطائر قد وقع على الجدار ليتأهب لدخول الوكر فهنا قد نقول بالضمان وذلك لأنه لولا تنفيره له لدخل في وكره. فصل

القارئ: وإن حل زقاً فاندفق أو خرج منه شيء بل أسفله فسقط أو سقط بريح أو زلزلة أو كان جامداً فذاب بالشمس فاندفق ضمنه لأنه تلف بسببه فضمنه كما لو دفعه وقال القاضي لا يضمنه إذا سقط بريح أو زلزلة لأن فعله غير ملجئ فلا يضمنه كما لو دفعه إنسان آخر ولنا أنه لم يتخلل بين فعله وتلفه مباشرة يمكن إحالة الضمان عليها فيجب أن يضمنه كما لو جرح إنساناً فأصابه الحر فمات به فأما إن بقي واقفاً فجاء إنسان فدفعه ضمنه الثاني لأنه مباشر وإن كان يخرج قليلاً قليلاً فجاء إنسان فنكسه فاندفق ضمن الثاني ما خرج بعد التنكيس لأنه مباشر له فهو كالذابح بعد الجارح ويحتمل أن يشتركا فيما بعد التنكيس وإن فتح زقاً فيه جامد فجاء آخر فقرب إليه ناراً فأذابه فاندفق ضمنه الثاني لأنه باشر الإتلاف وإن أذابه الأول ثم فتحه الثاني فالضمان على الثاني لأن التلف حصل بفعله. السائل: بعض العلماء يجعل في الكلب المأذون في اقتنائه إذا أُتلِفَ الضمان فما مستنده في ذلك؟ الشيخ: مستنده في ذلك رواية النسائي (نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد) قالوا فإذا جاز بيعه فهو مضمون والصواب أن هذه الرواية شاذة وأنه لا استثناء وأن بيع الكلب حرامٌ مطلقاً وعليه فلا قيمة له شرعاً. السائل: هل نلزم الذي أتلف كلب الصيد على صاحبه أن يأتي له بكلب آخر؟ الشيخ: لا نلزمه، فلا نقول له ابحث بدلاً عن هذا الكلب. السائل: إذا كانت هناك أواني معدة فقط لشرب الخمر فهل تضمن إذا كسرت؟ الشيخ: إذا كانت أواني خاصة بالخمر فقط فهذه يكسرها ولي الأمر ويضمنها الكاسر بأواني لا تصلح للخمر. فصل القارئ: وإن أجج في سطحه ناراً فتعدت فأحرقت شيئاً لجاره وكان ما فعله يسيراً جرت العادة به لم يضمن لأنه غير متعد وإن أسرف فيه لكثرته أو كونه في ريح عاصف ضمن وكذلك إن سقى أرضه فتعد إلى حائط آخر. فصل

القارئ: وإن أطارت الريح إلى داره ثوباً لزمه حفظه لأنه أمانة حصلت في يده فلزمه حفظها كاللقطة فإن عرف صاحبه لزمه إعلامه فإن لم يفعل ضمنه كاللقطة إذا ترك تعريفها. الشيخ: إذا أطارت الريح إلى داره ثوباً ولم يعلم صاحبه ولا يدري هل هو لجاره المباشر أو لجاره البعيد أو أنه طار من يد صاحبه حتى وقع في هذا البيت فهنا نجعل حكمه حكم اللقطة. القارئ: وإن دخل طائر داره لم يلزمه حفظه ولا إعلام صاحبه لأنه محفوظ بنفسه فإن أغلق عليه باباً ليمسكه ضمنه لأنه أمسكه لنفسه فضمنه كالغاصب فإن لم ينو ذلك لم يضمنه لأنه يملك التصرف في داره فلم يضمن ما فيها. الشيخ: نقول هنا ومن باب أولى إذا أغلق الباب ليحفظه لصاحبه مثل أن يعرف أن هذا الطير لفلان فدخل هذا الطائر الحجرة فأغلق الباب ليمسكه لصحابه فإنه لا يضمن، وعليه إن أغلق الباب على الطائر دخل الحجرة ليمسكه لنفسه فهو ضامن أما إذا أراد بذلك أن يمسكه لصحابه فليس بضامن وإن فعل ذلك لمجرد حبس الطير فقط فهنا يقول المؤلف إنه لا ضمان عليه لأنه دخل ملكه وهو حر في ذلك، لكن هذا فيه نظر لأن حَبْسَهُ للطير عدوان والواجب إذا دخل غرفته أو حجرته _ والفرق بين الغرفة والحجرة أن الغرفة فوق والحجرة تحت _ فإنه يجب عليه أن يفتح الباب ليخرج الطير والطير مثل البعير قال النبي صلى الله عليه وسلم (دعها فإن معها حذاءها وسقاءها) فهو يطير ويجد صاحبه، فعلى هذا نقول لا يضمن إذا أراد إمساكه لصاحبه وفيما عدا ذلك يضمن. فصل

القارئ: إذا اختلف المالك والغاصب في تلف المغصوب فالقول قول الغاصب مع يمينه لأنه يتعذر إقامة البينة على التلف ويلزمه البدل لأنه بيمينه تعذر الرجوع إلى العين فوجب بدلها كما لو أبق العبد المغصوب وإن اختلفا في قيمة المغصوب فالقول قول الغاصب لأن الأصل براءة ذمته من الزيادة المختلف فيها فأشبه ما لو ادعى عليه بدين فأقر ببعضه وجحد باقيه وإن قال المالك كان كاتباً قيمته ألف وقال الغاصب كان أميًّا قيمته مائة فالقول قول الغاصب لما ذكرناه وإن قال الغاصب كان سارقاً فقيمته مائة وقال المالك لم يكن سارقاً فقيمته ألف فالقول قول المالك لأن الأصل عدم السرقة وإن غصبه طعاماً فقال كان عتيقاً فلا يلزمني حديث وأنكره المالك فالقول قول الغاصب. الشيخ: (حديثاً) يعني جديداً و (عتيقاً) يعني قديماً. القارئ: لأن الأصل براءة ذمته من الحديث ويأخذ المغصوب منه العتيق لأنه دون حقه وإن اختلفا في الثياب التي على العبد المغصوب هل هي للغاصب أو للمالك فهي للغاصب لأنها هي والعبد في يده فكان القول قوله فيها وإن غصبه خمرا فقال المالك استحالت خلا فأنكره الغاصب فالقول قول الغاصب لأن الأصل عدم الاستحالة. فصل

القارئ: إذا اشترى رجل عبداً فادعى رجل أن البائع غصبه إياه فأنكره المشتري وصدقه البائع حلف المشتري والعبد له وعلى البائع قيمته ولا يملك مطالبة المشتري بالثمن لأنه لا يدعيه إلا أن يغرم قيمته فيملك مطالبته بأقل الأمرين من قيمته أو ثمنه لأنه يدعي القيمة والمشتري يقر بالثمن فيكون له أقلهما وللمالك مطالبة المشتري لأنه مقر بالثمن للبائع والبائع يقر به لمالكه فإن قلنا بصحة تصرف الغاصب فله مطالبته بجميع الثمن وإن قلنا لا يصح فله أقل الأمرين لما تقدم وإن صدقه المشتري فأنكره البائع حلف البائع وبرئ ويأخذ المدعي عبده لما روى سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من وجد متاعه عند رجل فهو أحق به) وإن كان المشتري أعتق العبد فصدق البائع والمشتري المالك غرم أيهما شاء قيمته، الشيخ: قوله (غرم أيهما شاء) أي المالك. القارئ: ويستقر الضمان على المشتري لأنه أتلف العبد بعتقه وإن وافقهما العبد على التصديق فكذلك ولم يبطل العتق لأنه حق الله تعالى فلا يقبل قولهم في إبطاله وفيه وجه آخر أنه يبطل العتق إذا صدقوه كلهم ويعود العبد رقيقاً للمدعي لأنه أقر بالرق على وجه لا يبطل به حق أحد فقبل كإقرار مجهول الحال. كتاب الشفعة القارئ: وهي استحقاق انتزاع الإنسان حصة شركيه من مشتريها بمثل ثمنها.

الشيخ: قول المؤلف رحمه الله (وهي استحقاق) فيه نظر الصواب وهي انتزاع حصة شركيه صورتها أن زيداً وعمرو شريكان في أرض باع أحدهما نصيبه على خالد فهنا طرف ثالث وهو خالد فللآخر الذي لم يبع أن ينتزع نصيب شريكه ممن اشتراه قهراً أو اختياراً، الحكمة فيها هو لدفع الأذى عن الشريك فإذا قال قائل دفع الأذى عن الشريك يعارضه ضرر المشتري لأن المشتري اشترى فكيف ندفع ضرر شخص بضرر شخصٍ آخر؟ الجواب نقول أيهما أسبق في الملك هل المشتري الحادث أو الشريك السابق؟ الجواب الشريك السابق والسَّبْقُ له حق فلذلك كانت الحكمة أن يُمَكَّنَ الشريك الذي لم يبع من انتزاع الشقص المبيع ممن اشتراه قهراً عليه والمشتري ليس عليه ضرر لأنه سوف يُعْطَى الثمن الذي اشترى به قليلاً كان أو كثيراً فلو فُرِضَ أن أحد الشريكين باع نصيبه بمائة ألف وهو لا يساوي إلا خمسين ألف فهل يأخذه الشريك بما يساوي خمسين ألفاً أو بالثمن الذي وقع عليه العقد؟ الجواب الثاني أي بالثمن الذي وقع عليه العقد وحينئذ لا ضرر على المشتري إطلاقاً إلا أننا فوتنا رغبته لدفع ضرر الشريك السابق، فالشفعة لا شك أنها من حكمة الشريعة لأن الشريك الذي لم يبع ربما يكون المشتري الجديد غُصَةً في حلقه ويتأذى به وربما يبيع نصيبه من أجل هذا الشريك الجديد فكان مقتضى الحكمة إثبات الشفعة. القارئ: وهي ثابتة بالسنة والإجماع أما السنة فما روى جابر قال (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شِرْكٍ لم يقسم رَبْعَةٍ أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باع ولم يستأذنه فهو أحق به) رواه مسلم وأجمع المسلمون على ثبوت الشفعة في الجملة.

الشيخ: قوله (قضى) أي حكم أو شرع بالشفعة وسواء قلنا قضى بمعنى حكم أو أنه شرع فقضائه صلى الله عليه وسلم لا شك أنه شرع وقوله (في كل شِرْكٍ) أي في كل مُشترَك لم يُقْسَم فإن قُسِمَ فلا شفعة، وقوله (رَبْعَةٍ أو حَائِطٍ) الرَّبْعَة هي الدور ونحوها والحائط البستان وما أشبهه، قوله (لا يحل له) أي للبائع (أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك) يعني إذا أراد الشريك أن يبيع نصيبه فلا يحل أن يبيعه حتى يستأذن من شريكه ويقول هل لك نظر فأنا أريد أن بيع نصيبي فهل لك نظر، فإن قال لا نظر لي، فقد أَعْذَرَ وإن قال لي نظر ولكن أَتْرُكُكَ حتى يقف السوم فإذا وقف السوم أخذته فعلى ما قاله له، وظاهر الحديث أنه إذا أذن في بيعه فإنه تسقط الشفعة لأنه أذن فإذا أذن فلا حق له أن يأخذه بالشفعة ولكن أهل العلم يقولون أنه لو أذن فإنه لا تسقط الشفعة لأن إذنه سابق على استحقاقه إذ لا يستحق الشفعة إلا حيث تم البيع فإذا أَذِنَ فقد قَدَّم الشيء قَبْلَ وجود سببه وتقديم الشيء قَبْلَ وجود سببه لا عبرة به، ولأن الإنسان قد يكون الشيء رخيص عنده فإذا بِيعَ صار غالياً عنده فأخذ بالشفعة، فإن باعه ولم يستأذنه فهو أحق به وإن استأذنه وأَذِنَ فلا حق له وهذا ما يدل عليه الحديث، ثم قال المؤلف (وأجمع المسلمون على ثبوت الشفعة في الجملة) يعني في أغلب الصور وقد ذكر لنا بعض أهل العلم أن الفقهاء إذا قالوا بالجملة فالمعنى في جميع الصور وإذا قالوا في الجملة فالمعنى في غالب الصور. القارئ: ولا تثبت إلا بشروط سبعة:

أحدها أن يكون المبيع أرضاً للخبر ولأن الضرر في العقار يتأبد من جهة الشريك بخلاف غيره فأما غير الأرض فنوعان أحدهما البناء والغراس فإذا بيعا مع الأرض ثبتت الشفعة فيه لأنه يدخل في قوله حائط وهو البستان المحوط ولأنه يراد للتأبيد فهو كالأرض وإن بيع منفرداً فلا شفعة فيه لأنه ينقل ويحول وعن أحمد رضي الله عنه أن فيه شفعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الشفعة فيما لم يقسم) ولأن في الأخذ بها رفع ضرر الشركة فأشبه الأرض والمذهب الأول لأن هذا مما لا يتباقى ضرره فأشبه المكيل وفي سياق الخبر ما يدل على أنه أراد الأرض بقوله فإذا طرقت الطرق فلا شفعة النوع الثاني الزرع والثمرة الظاهرة والحيوان وسائر المبيعات فلا شفعة فيه تبعاً ولا أصلا لأنها لا تدخل في البيع تبعاً فلا تدخل في الشفعة تبعاً وعن أحمد رضي الله عنه أن الشفعة في كل ما لا ينقسم كالحجر والسيف والحيوان وما في معناه ووجه الروايتين ما ذكرناه.

الشيخ: الرواية الأخيرة عن أحمد هي الصحيحة لعموم قوله (في كل ما لم يقسم) أي الشفعة فيما لم يقسم و (ما) اسم موصول والأسماء الموصولة تفيد العموم ولأن الضرر في غير الأرض حاصل بالنسبة للشريك، أرأيت لو أن رجلين اشتركا في سيارة فباع أحدهما نصيبه من هذه السيارة على رجل سيء الخُلُق أيتضرر الشريك أو لا يتضرر؟ الجواب يتضرر فالضرر حاصل في الأرض وفيما يُنْقَل فالصواب أن الحديث عام وأن كل شيء فيه شفعة حتى لو كان بينك وبين شخص قلم وباع نصيبه من القلم فلك أن تُشَفِّعَ على القول الراجح أو كان بينكما كتاب مثلاً فباع نصيبه منه فلك أن تُشَفِّعَ لأن الضرر حاصلٌ بهذا كما يَحْصُلُ في الأرض، وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فهذا الحكم ينطبق على بعض أفراد العموم ولا يقتضي التخصيص إذا قلنا فيما لم يقسم من كل شيء فالسيارات وما أشبهها من المنقولات ليس فيها طرق ولا حدود والأرض فيها طرق وحدود وتفريع حكم يتعلق ببعض العام لا يقتضي التخصيص كما قال العلماء في قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) فكلمة (بعولتهن) تقتضي أن من لا رجعة لها لا تتربص ثلاثة قروء مع أنَّ لفظ (المطلقات) عام لكن العلماء قالوا إن المطلقة عليها العدة سواءٌ كان زوجها له المراجعة أو لا، وعليه فالصواب أن الشفعة ثابتة في كل مشترك من الأراضي والنخيل والزروع وغيرها. فصل

القارئ: الشرط الثاني أن يكون المبيع مشاعاً لما روى جابر قال (قضى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) رواه البخاري ولأن الشفعة ثبتت لدفع الضرر الداخل عليه بالقسمة من نقص قيمة الملك وما يحتاج إلى إحداثه من المرافق ولا يوجد هذا في المقسوم. الشيخ: هذا صحيح فالمشترك إذا قُسِمَ زالت الشركة فيه، فعلى هذا لا شفعة للجار لأن الجار نصيبه متميز عن نصيب جاره فإذا باع الجار ملكه على شخص فليس لجاره أن يُشَفِّعَ وهذه المسألة ربما تأتي وفيها ثلاثة أقوال الأول أن الجار له الشفعة مطلقاً والثاني ليس له الشفعة مطلقاً والثالث أنه إن شَارَكَ جاره في شيء من منافع المُلْكِ فله الشفعة وإلا فلا. فصل القارئ: الشرط الثالث أن يكون مما تجب قسمته عند الطلب فأما مالا تجب قسمته كالرحا والبئر الصغيرة والدار الصغيرة فلا شفعة فيه لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال لا شفعة في بئر ولا نخل ولأن إثبات الشفعة إنما كان لدفع الضرر الذي يلحق بالمقاسمة وهذا لا يوجد فيما لا يقسم وعن أحمد رضي الله عنه أن الشفعة تثبت فيه لعموم الخبر ولأنه عقار مشترك فثبتت فيه الشفعة كالذي يمكن قسمته والمذهب الأول.

الشيخ: هذا من غرائب العلم أن نقول إن ما تجب قسمته فيه الشفعة وما لا فلا، والذي تجب قسمته هو الذي إذا قُسِمَ لا يتضرر أحد من الشركاء فيه كالأرض الواسعة الكبيرة إذا قسمت لا يتضرر أحد بخلاف الأرض الصغيرة فإنها إذا قسمت لم تصلح للبناء فمثلاً رجلان بينهما أرض قدرها عشرة أمتار في عشرة أمتار فهذه لو قسمت لتضرر الطرفان أما لو كان بينهما أرض قدرها ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف متر فهذه لو قسمت فلا ضرر والفقهاء يقولون رحمهم الله إن الأرض التي تجب قسمتها عند الطلب فيها شفعة وأما التي لا تجب فليس فيها شفعة. وهنا نسأل أيهما أولى بالشفعة؟ الجواب الثاني أولى بالشفعة لأن الشفعة في الأرض الكبيرة إذا تضرر الشريك الذي لم يبع فله أن يطلب المقاسمة وتقسم فرضاً على المشتري وأما في الأرض التي لا تجب قسمتها إذا تضرر الشريك الذي لم يبع وطلب القسمة فإنه لا يُجاب إلى طلبه فإما أن تباع الأرض كلها وإما أن تبقى كلها، ولا شك أن الشرع لا يمكن أن يفرق بين متماثلين بل هذه المسألة ليست بين متماثلين بل هي بين متباينين أحدهما أحق بالحكم من الآخر فالصواب أن الشفعة واجبة فيما تجب قسمته وفيما لا تجب. القارئ: فأما الطريق في درب مملوك فإن لم يكن للدار طريق سواها فلا شفعة فيها لأنه يضر بالمشتري لكون داره تبقى بلا طريق وإن كان لها غيرها ويمكن قسمتها بحيث يحصل لكل واحد منهم طريق ففيها الشفعة لوجود المقتضي لها وعدم الضرر في الأخذ بها وإن لم يمكن قسمتها خرج فيها روايتان كغيرها. السائل: هل يمكن بيع الغِراس بدون الأرض والعكس؟ الشيخ: يمكن ذلك ومثاله أنا أملك أرضاً وأتاني رجل وغارسته فله أن يغرس نخلاً في أرضي وله نصف النخل مثلاً لكن ليس له حقٌ في الأرض والنخل بيني وبينه فيمكن أن يبيع نصيبه ويمكن أن يجئ شخص ما ويشتري مني الأرض التي فيها شجر مثلاً وأَسْتثْنِي من البيع الشجر فيكون له الأرض ولي الشجر. فصل

القارئ: الشرط الرابع أن يكون الشقص منتقلاً بعوض فأما الموهوب والموصى به فلا شفعة فيه لأنه انتقل بغير بدل أشبه الموروث والمنتقل بعوض نوعان أحدهما ما عوضه المال كالمبيع ففيه الشفعة بالإجماع والخبر ورد فيه الثاني ما عوضه غير المال كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد وما اشتراه الذمي بخمر أو خنزير فلا شفعة فيه في ظاهر المذهب لأنه انتقل بغير مال أشبه الموهوب ولأنه لا يمكن الأخذ بمثل العوض أشبه الموروث وقال ابن حامد فيه الشفعة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فعلى قوله يأخذ الشقص بقيمته لأن أخذه بمهر المثل يفضي إلى تقويم البضع في حق الأجانب ذكره القاضي وقال الشريف يأخذه بمهر المثل لأنه ملكه ببدل لا مثل له فيجب الرجوع إلى قيمته كما لو اشتراه بعرض ولا تجب الشفعة بالرد بالعيب ولا الفسخ بالخيار أو الاختلاف لأنه فسخ للعقد وليس بعقد ولا برجوع الزوج في الصداق أو نصفه قبل الدخول لذلك ولا بالإقالة إذا قلنا هي فسخ لذلك.

الشيخ: اشترط المؤلف شرطاً رابعاً وهو أن يكون انتقال الشقص الذي فيه الشفعة بعوض مالي والعوض المالي كالمبيع، سواء كان هذا العوض المالي عيناً أو منفعة فالمبيع عوضه إما عين أو منفعة كالإجارة فتثبت فيه الشفعة أما إذا انتقل بغير عوض أو بعوض غير مالي فلا شفعة فيه، مثاله إذا انتقل بغير عوض، أن يهب الشريك لشخص نصيبه مِن هذا الملك فإنه لا شفعة للشريك لعدم إمكان التقويم وهذا على ما ذكره الفقهاء رحمهم الله قالوا لأنه انتقل بغير عوض أشبه الموروث لكن في هذا نظر لأننا نقول إذا انتقل بهبة فإنه يُقَوَّمُ وتُقَدَّرُ قيمته فيقال كم يساوي هذا الشقص الذي وهبه الشريك فإذا قالوا يساوي كذا وكذا قلنا للشريك خذه بقيمته وأعطي الموهوب له هذه القيمة، وليس في هذا ضرر لا على الموهوب له ولا على الواهب لأن الواهب تخلى عنه وأخرجه عن ملكه والموهوب له حصل له عوض هذا الموهوب وكذلك إذا انتقل الشقص بغير عوض بأن أوصى به لفلان فمات فانتقل بالوصية إلى فلان فالحكم فيه كالحكم في الهبة فالمذهب ليس فيه شفعة والصحيح أن فيه شفعة، فإذا انتقل الشقص إلى وقف بأن يُوقِفَ الشريك نصيبه على المساجد أو على طلبة العلم أو على طبع الكتب وما أشبه ذلك فهل فيه شفعة؟ الجواب نقول الشقص الآن انتقل إلى غير معين بغير عوض فاجتمع فيه أمران الأول كونه بغير عوض والثاني كونه إلى غير معين فهذا قد يتوقف فيه الإنسان لأن الشريك الأول لن يزاحمه أحد في الشركة لأن المال مشاع بين الفقراء أو طلبة العلم أو ما أشبه ذلك وقد يقال إنه تجب فيه الشفعة ويُقَدَّرُ هذا الوقف الذي وُقِّفَ على طلبة العلم أو على الفقراء ويُشْتَرَى بقيمته مكان آخر وعليه فنقول يُرْجَعُ في هذا إلى رأي القاضي فينظر ما هو الأصلح، وإذا كان عوضه غير مالي كالصداق فالمذهب أنه لا شفعة فيه مثل أن يتزوج امرأة ويُصْدِقَهَا نصيبه من هذا الملك فيتزوجها ويدخل بها ويثبت لها هذا النصيب فالمذهب أنه ليس

فيه شفعة لأن عوضه ليس ماليّاً فَعِوضُ الصَّدَاق هو الاستمتاع بالزوجة فهو غير مالي والقول الثاني في المسألة أن فيه الشفعة وذلك بأن يُقَدَّر هذا الصَّدَاق بقيمته وتعطى الزوجة قيمة الشقص وهذا القول أقرب إلى الصواب لأنه انتقل إلى شخص معين ولأنه يخشى من الأذية للشريك من هذه المرأة أو من أوليائها أو من زوجها، والخلاصة أنه إذا انتقل الشقص بأي عوض كان فإن الشفعة فيه تامة فما انتقل بعوض فإنه يُعطَى المشتري ذلك العوض وما انتقل بغير بعوض أو بعوض غير مالي فإنه تُقدَّر قيمته وتعطى مَنْ انتقل إليه ويَضُمُّه الشَّريك إلى نصيبه. مسألة: إذا وهب شخصٌ لآخر شقصاً قيمته عشرة آلاف ريال فأثابه الآخر بخمسة آلاف فالهبة التي فيها الثواب يقول العلماء أن حكمها حكم البيع، مثاله لو باع عليه الشقص الذي يساوي عشرة آلاف ريال بخمسة آلاف فحاباه فيه لأنه صديقه أو قريبه فللشريك أن يأخذه بالثمن الذي استقر عليه العقد، وليس هناك ضرر على الموهوب له فهو بَذَلَ خمسة آلاف وأُعطِي خمسة آلاف بدلها. السائل: لو أن الشريك باع نصيبه ولَمَّا رأى أن شريكه سوف يُشَفِّعُ تَرَاجَعَ عن البيع، فهل يُمَكَّنُ من ذلك أو لا؟ الشيخ: لا يُمَكَّنُ من ذلك مادام أن العقد قد تم بين البائع والمشتري إلا إذا كان ذلك في مجلس الخيار فلا بأس أما بعد التفرق فقد تم البيع. السائل: هل الشفعة لا تثبت إلا فيما هو مملوك لشخصين أو أنها تثبت حتى فيما يستحقانه استحقاقاً؟ الشيخ: لا، لابد أن يكون مملوكاً لأن الاستحقاق قد يتخلف. السائل: هل الشفعة تثبت في الإجارة؟ الشيخ: المذهب أنها لا تثبت لأنه لم ينتقل المُلك والقول الثاني أن الإجارة إذا كانت مدة يسيرة كشهر أو نصف شهر فلا شفعة لأنه إن قُدِّرَ ضررٌ فهو يسير وإن كانت دائمة أو طويلة ففيها الشفعة وهذا القول هو الصحيح. فصل

القارئ: الشرط الخامس الطلب بها على الفور ساعة العلم فإن أخرها مع إمكانها سقطت الشفعة قال أحمد الشفعة بالمواثبة ساعة يعلم لما روي عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشفعة كحل العقال) رواه ابن ماجه ولأن إثباتها على التراخي يضر بالمشتري لكونه لا يستقر ملكه على المبيع ولا يتصرف فيه بعمارة خوفاً من أخذ المبيع وضياع عمله وقال ابن حامد تتقدر بالمجلس وإن طال لأنه كله في حكم حالة العقد بدليل صحة العقد بوجود القبض لما يشترط قبضه فيه وعن أحمد أنه على التراخي ما لم توجد منه دلالة على الرضى كقوله بعني أو صالحني على مال أو قاسمني لأنه حق لا ضرر في تأخيره أشبه القصاص والمذهب الأول. الشيخ: المسألة فيها ثلاثة أقوال: القول الأول: أن الشفعة على الفور واستدلوا بحديث (الشفعة كحل العقال) لكن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج به وقوله (كحل العقال) يعني كحل الإنسان عقال ناقته فتقوم، ولكنَّ هذا الحديث ضعيف فلا عمل عليه. القول الثاني: أنها تختص بالمجلس.

والقول الثالث: أنها حق للشفيع لا يسقط إلا بما يدل على إسقاطه من قول أو فعل وهذا هو القول الراجح فالراجح أن الشفعة حق للشفيع لا تسقط إلا بما يدل على إسقاطها من قول أو عمل فأما القول وذلك بأن يقول إني أسقطت الشفعة في نصيب شريكي الذي باعه، وأما العمل وذلك بأن يرى المشتري يتصرف فيما اشتراه وهو ساكت لم يقل انتظر حتى أنظر في أمري أَأُشَفِّعُ أم لا لأن إقراره على ذلك يدل على رضاه أما قوله (بعني أو صالحني على مال أو قاسمني) فهذه ينظر فيها فقوله (قاسمني) لا شك أنها تدل على الرضى فإذا قال يا فلان إن شريكي باع عليك نصيبه فقاسمني أي نتقاسم أنا وإياك فهذا لا شك أنه راضٍ لأن طلب القسمة يدل على أنه راضٍ بالبيع ولا يريد الشفعة، أما إذا قال (صالحني) فهل هذا يدل على الرضى؟ الجواب قد نقول إن هذا لا يدل على الرضى لأنه قد يطلب المصالحة خوفاً من المحاكمة وهذا يفعله كثير من الناس الذين لهم الحقوق يطلبون المصالحة لئلا تحصل المحاكمة فليس ذلك دليلاً واضحاً على أنه راضٍ بذلك وكذلك قوله (بعني) فربما يقول بعني ويريد بذلك كفّاً للنزاع أو يقول أنت اشتريته بعشرة آلاف ريال وأنا سأعطيك إحدى عشر ألف، فليس هذا دليل على الرضى لكن في المقاسمة الأمر فيها واضح أنها دليل على الرضى، فإذا قال قائل إذا وجد لفظ يحتمل أنه راضٍ ومسقط للشفعة ويحتمل عدم الرضى فما هو الأصل؟ الجواب الأصل عدم إسقاطها وأن حقه ثابت فهذا هو الأصل. القارئ: لكن إن أخره لعذر مثل أن يعلم ليلاً فيؤخره إلى الصباح أو لحاجة إلى أكل أو شرب أو طهارة أو إغلاق باب أو خروج من الحمام أو خروج لصلاة أو نحو هذا لم تبطل شفعته لأن العادة البداءة بهذه الأِشياء إلا أن يكون حاضراً عنده فيترك المطالبة فتبطل شفعته لأنه لا ضرر عليه في الطلب بها.

الشيخ: في الوقت الحاضر مثل هذه الأشياء لا تكون عذراً لأن هناك الهاتف فيمكن أن يتصل على الذي اشترى الشقص ويقول يا فلان سمعت أن شريكي قد باع عليك نصيبه وأنا مُشَفِّعٌ، لكن إذا كان لا يعرف رقمه فهو معذور ولكن هذا بناءً على القول بالفورية وأما إذا قلنا بالتراخي وأن الإنسان له مهلة يراجع فيها نفسه وينظر هل من المصلحة أن يأخذه بالشفعة أو لا فالأمر واضح. القارئ: وإن لقيه الشفيع فبدأه بالسلام لم تبطل شفعته لأن البداءة بالسلام سنة وكذلك إن دعا له فقال بارك الله لك في صفقة يمينك لاحتمال أن يكون دعا له في صفقته لأنها أوصلته إلى شفعته. الشيخ: قوله (لاحتمال أن يكون دعا له في صفقته لأنها أوصلته إلى شفعته) نقول هذا مثل قول بعض العلماء إنه ينبغي للإنسان إذا رأى أحداً من أهل الذمة أن يقول أكثر الله مالك وولدك وذلك لكي تكثر الجزية، وهذا الذي قال بارك الله لك في صفقتك نجد أن أول ما يتبادر للذهن أنه أقر أن يكون الشقص ملكاً للذي اشتراه لا أنه أراد أن يبارك الله لك في صفقتك لأني سوف آخذه بالشفعة، وعلى كل حال فما كُنَّا في شكٍ منه هل هو دالٌ على الرضى أو لا، فالأصل فيه عدم الرضى.

القارئ: وإن أخر الطلب لمرض أو حبس أو غيبة لم يمكنه فيه التوكيل ولا الإشهاد فهو على شفعته لأنه تركه لعذر وإن قدر على إشهاد من تقبل شهادته فلم يفعل ولم يسر في طلبها بغير عذر بطلت شفعته لأنه قد يترك الطلب زهداً أو للعذر فإذا أمكنه تبيين ذلك بالإشهاد فلم يفعل بطلت شفعته كتركه الطلب في حضوره وإن لم يشهد وسارع عقيب علمه ففيه وجهان أحدهما تبطل لأن السير قد يكون لطلبها أو لغيره فوجب بيان ذلك بالإشهاد كما لو لم يسر والثاني لا تبطل لأن سيره عقيب علمه ظاهر في طلبها فاكتفي به كالذي في البلد وإن أشهد ثم أخر القدوم لم تبطل شفعته لأن عليه في العجلة ضرراً لانقطاع حوائجه وقال القاضي تبطل إن تركه مع الإمكان وإن كان له عذر فقدر على التوكيل فلم يفعل ففيه وجهان أحدهما تبطل شفعته لأنه تارك للطلب مع إمكانه فأشبه الحاضر والثاني لا تبطل لأنه إن كان بجعل ففيه غرم وإن كان بغيره ففيه منة وقد لا يثق به وإن أخر المطالبة بعد قدومه وإشهاده ففيه وجهان بناءً على تأخير السير لطلبها. الشيخ: كل ما ذكره المؤلف هنا مبني على القول بالفورية أما على القول بأنها على التراخي وأن الشريك له أن يُمْهَلَ حتى يراجع نفسه فقد يكون الشريك ليس عنده مال فَأخَّرَ الطلب لينظر هل يجد مَنْ يقرضه أو لا، وقد يكون الشريك عنده مال لكن أَخَّرَ لينظر هل الشقص بيع بثمن المثل أو بأكثر فَيَتَروَّى، فالحق له في ثبوت الشفعة فلا يمكن سقوطه ولا إسقاطه إلا بما يدل على ذلك من قول أو فعل. السائل: هل تثبت الشفعة في الشقص إذا وُقِّف على جهة معينة؟ الشيخ: إذا كان على معين فهو مثل البيع فللشريك الحق ويُعطى الموقوف عليه قيمة الشقص. السائل: إذا باع الشريك نصيبه وقال لشركائه هل لكم فيه نظر فلم يجيبوه فباعه وحابا المشتري لأنه صديقه مثلاً فأرخص له في السعر، فهل له أن يكتب في عقد البيع خلاف الثمن الذي وقع عليه العقد؟

الشيخ: لا يجوز لأن هذه حيلة، فهو يُظْهِرَ للشريك أنه باع الشقص على هذا المشتري بثمن كثير حتى يَصُدَّ شريكه عن الأخذ بالشفعة فهذا لا يجوز لأنه حيلة على إسقاط حقٍ أثبته الشرع لهذا الشريك. السائل: إذا مات الشفيع قبل أن يبدي رأيه في حقه في الشفعة فما العمل؟ الشيخ: ينتقل الحق للورثة لأن الورثة يملكون التركة بجميع حقوقها. فصل القارئ: فإن ترك الطلب لعدم علمه بالبيع أو لكون المخبر لا يقبل خبره أو لإظهار المشتري أن الثمن أكثر مما هو أو أنه اشترى البعض أو اشترى بغير النقد الذي اشترى به أو أنه اشتراه لغيره أو أنه اشتراه لنفسه وكان كاذباً فهو على شفعته ولو عفا عن الشفعة لذلك لم تسقط لأنه قد لا يرضاه بالثمن الذي أظهره أو لأنه لا يقدر على النقد وقد يرضى مشاركة من نسب إليه البيع دون من هو له في الحقيقة فلم يكن ذلك رضى منه بالبيع والواقع وإن أظهر الثمن قليلاً فترك الشفعة وكان كثيراً سقطت لأن من لا يرضى بالقليل لا يرضى بأكثر منه فإن ادعى أنه لم يصدق المخبر وهو ممن يقبل خبره الديني سقطت شفعته رجلاً كان أو امرأة إذا كان يعرف حاله لأن هذا من باب الإخبار وقد أخبره من يجب تصديقه وإن لم يكن المخبر كذلك فالقول قوله. الشيخ: قوله (فالقول قوله) وجه ذلك أن هذا إنما أسقطها بناءً على عدم ثبوت البيع فيما إذا كان المخبر فاسقاً أو مجهولاً عند الشريك وهذا كله مبني على أن المطالبة بالشفعة على الفور. فصل

القارئ: فإن باع الشفيع حصته عالماً بالبيع بطلت شفعته لأنها ثبتت لإزالة ضرر الشركة وقد زال ببيعه وإن باع قبل العلم فكذلك عند القاضي لذلك ولأنه لم يبق له ملك يستحق به وقال أبو الخطاب لا تسقط لأنها ثبتت بوجود ملكه حين البيع وبيعه قبل العلم لا يدل على الرضى فلا تسقط وله أن يأخذ الشقص الذي باعه الشفيع من مشتريه ولمشتريه أن يأخذ الشقص الذي باعه الشفيع من مشتريه لأنه كان مالكاً حين البيع الثاني ملكاً صحيحا فثبتت له الشفعة وعلى قول القاضي للمشتري الأول أخذ الشقص من المشتري الثاني وإن باع الشفيع البعض احتمل سقوط الشفعة لأنها استحقت بجميعه وقد ذهب بعضه فسقط الكل ويحتمل أن لا تسقط لأنه قد بقي من نصيبه ما يستحق به الشفعة في جميع المبيع. الشيخ: قوله (وإن باع الشفيع البعض ... ) نقول الاحتمال الثاني أصح، أما إذا باعه فالصحيح أنها تسقط مثال ذلك زيد وعمرو شريكان في أرض فباع عمرو على خالد ثم بعد بيع عمرو على خالد باع زيد على محمد، فهل نقول إن له الشفعة أو نقول إنه لمَّا باع انتقل الملك عنه ولا يثبت للثاني شفعة لأن ملكه إياه بعد أن بِيعَ الأول؟ الصحيح الثاني وهو أنه إذا باع الشريك الذي يستحق الشفعة نصيبه قبل أن يأخذ بالشفعة فإنه لا شيء له ويبقى الملك بين الشريكين المشتري الأول الذي اشتراه من الشريك الأول والمشتري الثاني الذي اشتراه من الشريك الثاني. فصل

القارئ: الشرط السادس أن يأخذ جميع المبيع فإن عفى عن البعض أو لم يطلبه سقطت شفعته لأن في أخذ البعض تفريقاً لصفقة المشتري وفيه إضرار به وإنما ثبتت الشفعة على وجه يرجع المشتري بماله من غير ضرر به فمتى سقط بعضها سقطت كلها كالقصاص فإن كان المبيع شقصين من أرضين فله أخذ أحدهما لأنه يستحق كل واحد منهما بسبب غير الآخر فجرى مجرى الشريكين ويحتمل أن لا يملك ذلك لأن فيه تفريق صفقة المشتري أشبه الأرض الواحدة وإن كان البائع أو المشتري اثنين من أرض أو أرضين فله أخذ نصيب أحدهما لأنه متى كان في أحد طرفي الصفقة اثنان فهما عقدان فكان له الأخذ بأحدهما كما لو كانا متفرقين. الشيخ: قوله (لأنه متى كان في أحد طرفي الصفقة اثنان فهما عقدان فله الأخذ بأحدهما) نقول ولأنه قد يرضى بالثاني دون شريكه فلو أن زيداً وعمرواً شريكان في الأرض وباع عمرو على شخصين فللشفيع أن يأخذ من أحدهما دون الآخر لأنه لا ضرر عليهما وهو قد لا يرضى بمشاركة أحد المشتريين ويرضى بمشاركة الشريك الآخر. فصل القارئ: فإن كان للشقص شفعاء فالشفعة بينهم على قدر حصصهم في الملك في ظاهر المذهب لأنه حق يستحق بسبب الملك فيسقط على قدره كالأجرة والثمرة وعنه أنها بينهم بالسوية اختارها ابن عقيل لأن كل واحد منهم يأخذ الكل لو انفرد فإذا اجتمعوا تساووا كسراية العتق فإن عفى بعضهم توفر نصيبه على شركائه وليس لهم أخذ البعض لأن فيه تفريق صفقة المشتري. الشيخ: الصحيح الأول خلاف ما اختاره ابن عقيل رحمه الله وأن لكل واحد منهم الشفعة بقدر نصيبه فصاحب النصف له نصف المبيع الذي فيه الشفعة وصاحب الثلث له الثلث وصاحب السدس له السدس وهكذا.

القارئ: وإن جعل بعضهم حصته لبعض شركائه أو لأجنبي لم يصح وكانت لجميعهم لأنه عفو وليس بهبة وإن حضر بعض الشركاء وحده فليس له إلا أخذ الجميع لئلا تتبعض صفقة المشتري فإن ترك الطلب انتظاراً لشركائه ففيه وجهان أحدهما تسقط شفعته لتركه طلبها مع إمكانه والثاني لا تسقط لأن له عذراً وهو الضرر الذي يلزمه بأخذ صاحبيه منه فإن أخذ الجميع ثم حضر الثاني قاسمه فإذا حضر الثالث قاسمهما وما حدث من النماء المنفصل في يد الأول فهو له لأنه حدث في ملكه وإن أراد الثاني الاقتصار على قدر حقه فله ذلك لأنه لا تتبعض الصفقة على المشتري إنما هو تارك بعض حقه لشريكه فإذا قدم الثالث فله أن يأخذ ثلث ما في يد الثاني وهو التسع فيضمه إلى ما في يد الأول وهو الثلثان تصير سبعة أتساع يقتسمانها نصفين لكل واحد منهما ثلاث أتساع ونصف تسع وللثاني تسعان ولو ورث اثنان داراً فمات أحدهما عن ابنين فباع أحدهما نصيبه فالشفعة بين أخيه وعمه لأنهما شريكان للبائع فاشتركا في شفعته كما لو ملكا بسبب واحد. فصل القارئ: وإن كان المشتري شريكاً فالشفعة بينه وبين الشريك الآخر لأنهما تساويا في الشركة فتساويا في الشفعة كما لو كان الشريك أجنبيا فإن أسقط المشتري شفعته ليلزم شريكه أخذ الكل لم يملك ذلك لأن ملكه استقر على قدر حقه فلم يسقط بإسقاطه وإن كان المبيع شقصاً وسيفاً صفقة واحدة فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن نص عليه ويحتمل أن لا يجوز لئلا تتشقص صفقة المشتري والصحيح الأول لأن المشتري أضر بنفسه حيث جمع في العقدين فيما فيه شفعة ومالا شفعة فيه.

الشيخ: وهناك قول ثالث وهو أن الشفعة في الجميع وهذا هو الصواب، وقول المؤلف رحمه الله (شِقصاً وسيفاً) إنما عبَّر بذلك تقليداً لغيره لأن أول من قال هذه العبارة مثَّل بالسيف وإلا لو قيل شقصاً وسيارة فيصح أو قال شقصاً وباباً يصح والمقصود أنه جمع بين ما فيه الشفعة ومالا شفعة فيه فهذا هو المقصود وإذا قلنا بالقول الراجح أن الشفعة في الجميع فلا إشكال. السائل: لو كان للشقص نماء منفصل فلمن يكون؟ الشيخ: النماء المنفصل قبل الأخذ بالشفعة يكون للمشتري لأنه نماء ملكه ولا يُزال ملك المشتري إلا بالتشفيع. السائل: ما هي صورة أن يكون المشتري شريكاً؟ الشيخ: هذه المسألة لا تتصور إلا إذا كانوا ثلاثة فإذا باع الثالث نصيبه على الثاني صار الآن الثاني شريكاً بالأصل وصار شفيعاً كذلك. فصل القارئ: الشرط السابع أن يكون الشفيع قادراً على الثمن لأن أخذ المبيع من غير دفع الثمن إضرار بالمشتري وإن عرض رهناً أو ضميناً أو عوضاً عن الثمن لم يلزمه قبوله لأن في تأخير الحق ضرراً وإن أخذ بالشفعة لم يلزم تسليم الشقص حتى يتسلم الثمن فإن تعذر تسليمه قال أحمد يصبر يوماً أو يومين أو بقدر ما يرى الحاكم فأما أكثر فلا فعلى هذا إن أحضر الثمن وإلا فسخ الحاكم الأخذ ورده إلى المشتري فإن أفلس بعد الأخذ خير المشتري بين الشقص وبين أن يضرب مع الغرماء كالبائع المختار. فصل

القارئ: ويأخذ بالثمن الذي استقر العقد عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر (فهو أحق به بالثمن) رواه أبو إسحاق الجوزجاني ولأنه استحقه بالبيع فكان عليه الثمن كالمشتري فإن كان الثمن مثليّاً كالأثمان والحبوب والأدهان وجب مثله وإن كن غير ذلك وجب قيمته لما ذكرنا في الغصب وتعتبر قيمته حين وجوب الشفعة كما يأخذ بالثمن الذي وجب بالشفعة فإن حط بعض الثمن عن المشتري أو زيد عليه في مدة الخيار لحق العقد ويأخذه الشفيع بما استقر عليه العقد لأن زمن الخيار كحالة العقد وما وجد بعد ذلك من حط أو زيادة لم تلزم في حق الشفيع لأنه ابتداء هبة فأشبه غيره من الهبات وإن كان الثمن مؤجلاً أخذ به الشفيع إن كان مليَّا وإلا أقام ضميناً مليَّا وأخذ به لأنه تابع للمشتري في قدر الثمن وصفته والتأجيل من صفته. الشيخ: الشفيع يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد قليلاً كان أو كثيراً وسواء كان أكثر من قيمة المثل أو أقل أو مساوياً له وكذلك إذا كان مؤجلاً يأخذه بأجله وإذا كان من نقد معين فإنه يأخذه بهذا النقد المعين وكل هذا دفعاً لضرر المشتري.

القارئ: فإن كان الثمن عبداً فأخذ الشفيع بقيمته ثم وجد به البائع عيباً فأخذ أرشه وكان الشفيع أخذ بقيمته سليماً لم يرجع عليه بشيء لأن الأرش دخل في القيمة وإن أخذ بقيمته معيباً رجع عليه بالأرش الذي أخذه البائع من المشتري لأن البيع استقر بعبد سليم وإن رد البائع العبد قبل أخذ الشفيع انفسخ العقد ولا شفعة لزوال السبب قبل الأخذ ولأن في الأخذ بالشفعة إسقاط حق البائع من استرجاع المبيع وفيه ضرر ولا يزال الضرر بالضرر وإن رده بعد أخذ الشفيع رجع بقيمة الشقص وإن أخذه الشفيع بقيمة العبد فإن كانتا مختلفتين رجع صاحب الأكثر على الآخر بتمام القيمة لأن الشفيع يأخذ بما استقر عليه العقد والذي استقر عليه العقد قيمة الشقص وإن أصدق امرأة شقصاً وقلنا تجب الشفعة فيه فطلق الزوج قبل الدخول والأخذ بالشفعة ففيه وجهان أحدهما لا شفعة لما ذكرنا والثاني يقدم حق الشفيع لأن حقه أسبق لأنه ثبت بالعقد وحق الزوج بالطلاق بخلاف البائع فإن حقه ثبت بالعيب القديم. فصل

القارئ: فإن اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لأنه العاقد فهو أعلم بالثمن ولأن المبيع ملكه فلا ينزع منه بدعوى مختلف فيها إلا ببينة وإن قال المشتري لا أعلم قدر الثمن فالقول قوله لأنه أعلم بنفسه فإن حلف سقطت الشفعة لأنه لا يمكن الأخذ بغير ثمن ولا يمكن أن يدفع إليه مالا يدعيه إلا أن يفعل ذلك تحيلاً على إسقاطها فلا تسقط ويؤخذ الشقص بقيمته لأن الغالب بيعه بقيمته وإن ادعى عليه أنك فعلته تحيلاً فأنكر فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر وإن كان الثمن عرضاً فاختلفا في قيمته رجع إلى أهل الخبرة إن كان موجوداً وإن كان معدوماً فالقول قول المشتري في قيمته وإن اختلفا في الغراس والبناء في الشقص فقال المشتري أنا أحدثته وقال الشفيع كان قديما فالقول قول المشتري مع يمينه ولو قال اشتريت نصيبك فلي فيه الشفعة وأنكر ذلك فقال بل اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمنيه. الشيخ: القاعدة في هذا أن القول قول الغارم وهي قاعدة عامة إذا اختلف اثنان في شيء فالقول قول الغارم لأن من أراد التغريم فهو مدعي والغارم مدعى عليه فهذه القاعدة دائماً يتكلم بها الفقهاء فيقولون لأنه غارم، فهنا إذا اختلف المشتري والشفيع في الثمن فقال المشتري اشتريته بألف وقال الشفيع بل بثمانمائة وليس هناك بينة فالقول قول المشتري لأنه غارم ولو قلنا إن القول قول الشفيع وقلنا هي بثمانمائة لخسر المشتري فيقال للشفيع إما أن تقبله بما قاله المشتري وإلا سقطت الشفعة. السائل: الشفيع إذا كان حاضراً عند البيع فهل حضوره يسقط الشفعة؟ الشيخ: لا، لا يسقطها إلا إذا قلنا بأنها على الفور فإنه بمجرد أن يقول الشريك بعت عليك كذا وكذا ويقول المشتري قبلت، نقول يجب على الشريك الثاني الآن أن يقول أخذت بالشفعة وإلا فلا شفعة له. فصل

القارئ: فإن ادعى عليه الشراء فقال اشتريته لفلان سئل المقر له فإن صدقه فهو له وإن كذبه فهو للمشتري ويؤخذ بالشفعة في الحالين وإن كان المقر له غائباً أخذه الشفيع بإذن الحاكم والغائب على حجته إذا قدم لأننا لو وقفنا الأمر إلى حضور المقر له كان ذلك إسقاطاً للشفعة لأن كل مشترٍ يدعي أنه لغائب وإن قال اشتريته لابني الطفل فهو كالغائب في أحد الوجهين وفي الآخر لا تجب الشفعة لأن الملك ثبت للطفل ولا يثبت في ماله حق بإقرار وليه عليه. الشيخ: قوله (لأن الملك ثبت للطفل ... ) نقول هذا التعليل عليل لأن أصل الملك ما ثبت إلا بإقرار وليه فإذا ثبت بإقرار وليه فالشفعة تابعة له. القارئ: فأما إن ادعى عليه الشفعة في شقص فقال هذا لفلان الغائب أو الطفل فلا شفعة فيه لأنه قد ثبت لهما فإقراره بذلك إقرار على غيره فلا يقبل. فصل القارئ: إذا اختلف البائع والمشتري فقال البائع الثمن ألفان وقال المشتري هو ألف فأقام البائع بينة بدعواه ثبتت وللشفيع أخذه بألف لأن المشتري يقر أنه لا يستحق أكثر منها وأن البائع ظلمه فلا يرجع بما ظلمه على غيره فإن قال المشتري غلطت والثمن ألفان لم يقبل لأنه رجوع عن إقراره فلم يقبل كما لو أقر لأجنبي وإن لم يكن بينة تحالفا وليس للشفيع أخذه بما حلف عليه المشتري لأن فيه إلزاماً للعقد في حق البائع بخلاف ما حلف عليه فإن بذل ما حلف عليه البائع فله الأخذ لأن البائع مقر له بأنه يستحق الشفعة به ولا ضرر على المشتري فيه. الشيخ: هذه مسائل تصورها صعب وفائدتها قليلة وإذا كان كذلك فلمنشي عليها مِشْيَةَ العَجِل. فصل

القارئ: وإن أقر البائع بالبيع وأنكره المشتري ففيه وجهان أحدهما لا تثبت الشفعة لأن الشراء لم يثبت فلا تثبت الشفعة التابعة له ولأن البائع إن أقر بقبض الثمن لم يُمْكِنْ الشفيع دفعه إلى أحد لأنه لا مدعي له ولا يمكن الأخذ بغير ثمن وإن لم يقر البائع بقبضه فعلى من يرجع الشفيع بالعهدة والثاني تثبت الشفعة لأن البائع مقر بحق للمشتري والشفيع فإذا لم يقبل المشتري قبل الشفيع وثبت حقه ويأخذ الشقص من البائع ويدفع إليه الثمن وإن لم يكن أقر بقبضه فالعهدة عليه لأن الأخذ منه وإن أقر بقبض الثمن عرضناه على المشتري فإن قبله دفع إليه وإلا أقر في يد الشفيع في أحد الوجوه وفي الآخر يؤخذ إلى بيت المال والثالث يقال له إما أن تقبض وإما تبرئ وأصل هذا إذا أقر بمال في يده لرجل فلم يعترف به. الشيخ: إذا قال شخص هذه الساعة لفلان فقال الآخر أبداً هي ليست لي فهنا ماذا نصنع؟ الجواب الصحيح أنها لا تكون لهذا المنكر وأنها تبقى لِلمُقِر لأنه لا مدعي لها الآن وذاك ينكر أنها لها والقول الثاني في المسألة أنها ترجع إلى بيت المال لأنها صارت الآن لا يدعيها أحد فالذي هي بيده يقول هي ليست لي بل لفلان والآخر يقول ليست لي فيكون مالكها مجهولاً فتجعل في بيت المال. فصل القارئ: وإذا تصرف المشتري في الشقص قبل أخذ الشفيع لم يخل من خمسة أضرب: أحدها تصرف بالبيع وما تستحق به الشفعة فللشفيع الخيار بين أن يأخذ بالعقد الثاني وبين فسخه ويأخذ بالعقد الأول لأنه شفيع في العقدين فملك الأخذ بما شاء منهما فإن أخذه بالثاني دفع إلى المشتري الثاني مثل ثمنه وإن أخذه بالأول دفع إلى المشتري الأول مثل الذي اشترى به وأخذ الشقص ويرجع الثاني على الأول بما أعطاه ثمناً وإن كان ثَمَّ ثالث رجع الثالث على الثاني. الثاني تصرف برد أو إقالة فللشفيع فسخ الإقالة والرد ويأخذ الشقص لأن حقه أسبق منهما ولا يمكنه الأخذ معهما.

الثالث وهبه أو وقفه أو رهنه أو أجره ونحوه فعن أحمد رضي الله عنه تسقط الشفعة لأن في الأخذ بها إسقاط حق الموهوب له أو الموقوف عليه بالكلية وفيه ضرر بخلاف البيع لأنه يوجب رد العوض إلى غير المالك وحرمان المالك وقال أبو بكر تجب الشفعة لأن حق الشفيع أسبق فلا يملك المشتري التصرف بما يسقط حقه ولأنه ملك فسخ البيع مع إمكان الأخذ به فلأن يملك فسخ عقد لا يمكنه الأخذ به أولى فعلى هذا تفسخ هذه العقود ويأخذ الشقص ويدفع الثمن إلى المشتري.

الشيخ: قول المؤلف (إذا تصرف المشتري) يعني مشتري الشقص فعلى خمسة أضرب، مثاله شريكان في ملك باع أحدهما نصيبه على شخص وهذا الشخص تصرف فذكر المؤلف الآن الأقسام، التصرف الأول أن يبيعه المشتري فللشفيع أن يأخذ بأحد البيعين إما أن يأخذ بالأول أو بالثاني فهو على الخيار وبأيهما يأخذ فيما يُظن؟ الجواب بأقلهما والمؤلف يقول رحمه الله (فللشفيع الخيار بين أن يأخذ بالعقد الثاني وبين فسخه ويأخذ بالعقد الأول لأنه شفيع في العقدين فملك الأخذ بما شاء منهما فإن أخذه بالثاني دفع إلى المشتري الثاني مثل ثمنه) هذا معلوم لأنه أخذه بالثاني فيدفع إلى المشتري الثاني مثل ثمنه وتكون العهدة على المشتري الثاني لأنه هو قبيله وقد سلمه الثمن فالعهدة على الثاني ومعنى العهدة أنه لو ظهر أن هذا المبيع بيعه باطل أو أنه ملك لغيره فَمَن الذي يُطَالَبُ؟ نقول يُطَالَبُ المشتري الثاني لأن الشفيع أخذ بالبيع الثاني، ثم قال المؤلف رحمه الله (وإن أخذه بالأول دفع إلى المشتري الأول مثل الذي اشترى به وأخذ الشقص ويرجع الثاني على الأول بما أعطاه ثمناً وإن كان ثَمَّ ثالث رجع الثالث على الثاني) وعليه إذاً نقول إذا تصرف المشتري ببيع فللشفيع أن يأخذه بأحد البيعين وإن بِيعَ بعد ذلك مرة أخرى وثانية وثالثة فله أن يأخذ بما شاء فإن أخذ بالأول فالعهدة على الأول والآخرون كُلٌّ يرجع على الثاني بما أعطاه وإن أخذ بالأخير صارت العهدة على الأخير ولو كانوا عشرة فإن العهدة تكون على الأخير ثم هذا الأخير يرجع على من أعطاه فيأخذ الثمن من الشفيع وينتهي الأمر وعليه إذا أخذ بالأخير فالأمر سهل لأنه سيأخذ بالثمن ويأخذ الشقص وينتهي كل شيء ثم قال المؤلف (الثاني تصرف برد أو إقالة فللشفيع فسخ الإقالة والرد ويأخذ الشقص لأن حق أسبق منهما ولا يمكنه الأخذ معهما) تصرف برد يعني أن المشتري من الشريك رد البيع إما لغبن أو غير ذلك أو إقالة والإقالة هي فسخ العقد، فهل

يأخذ الشفيع أو يقال إن الشقص الآن رجع إلى شريكه؟ يقول المؤلف إنه يأخذه الشفيع لأن حقه سابق على الفسخ أو الإقالة ثم قال المؤلف (الثالث وهبه أو وقفه أو رهنه أو آجره ونحوه فعن أحمد رضي الله عنه تسقط الشفعة لأن في الأخذ بها إسقاط حق الموهوب له والموقوف عليه بالكلية وفيه ضرر بخلاف البيع) الصواب في هذه العقود التي ذكرها المؤلف رحمه الله التفصيل إذا وقفه سقطت الشفعة لأنه انتقل إلى الثاني الموقوف عليه على وجه لا شفعة فيه وذلك لأن الشريك لو وَقَّفَ نصيبه فليس للشفيع أن يُشَفِّعَ وهذا المشتري لمَّا اشتراه وَقَّفهُ فقال هو وقْفٌ لله على المساكين فحينئذ لا يرجع الشفيع لكي يبطل الوقف لأنه انتقل عن ملك المشتري على وجه لا شفعة فيه فتسقط الشفعة وكذلك لو وهبه فلو وهبه شخصاً آخر سقطت الشفعة لأنه انتقل على وجهٍ لا شفعة فيه لأنه لا شفعة في الموهوب وسبق لنا الخلاف في هذه المسألة وأن له الشفعة في الهبة وتقدَّر قيمة الشقص الموهوب بما يساوي عرفاً، وكذلك إذا رهنه فإن الراجح أنه لا تسقط الشفعة لأن الرهن لا يزيل الملك والمشتري قد يوفي الثمن فيبطل الرهن وقد لا يوفي فنقول لك الشفعة ويبقى مرهوناً وإذا صار بيعٌ بعد ذلك أخذ الشفيع بأي البيعين شاء وقوله (أو آجره) نقول هذا أيضاً من بابِ أولى إذا آجره فإن الشفعة لا تسقط مثال ذلك إنسان شريك لآخر في عمارة فباع نصيبه على شخص وخرج ثم إن الشخص المشتري آجر نصيبه من هذه العمارة فإن الشفعة لا تسقط، ولكن لمن تكون الأجرة هل هي للمشتري أم للشفيع؟ الجواب أن يقال ما مضى قبل الشفعة فهو للمشتري الذي أجره وما كان بعد الشفعة فهو للشفيع ويقسم بالقسط فقد يمضي مثلاً ثلاثة أشهر تساوي في الأجرة خمسة أشهر لأنه وقت موسم وقد يمضي ثلاثة أشهر ولا تساوي إلا نصف الأجرة فتقدَّر على حسب ما يقوله أهل الخبرة.

القارئ: الرابع بنى أو غرس ويتصور ذلك بأن يكون الشفيع غائبا فقاسم المشتري وكيله في القسمة أو رفع الأمر إلى الحاكم فقاسمه أو أظهر ثمناً كثيراً أو نحوه فترك الشفيع الشفعة وقاسمه فبنى وغرس ثم أخذ الشفيع بالشفعة فإن اختار المشتري أخذ بنائه وغراسه لم يمنع منه لأنه ملكه فملك نقله ولا يلزمه تسوية الحفر ولا ضمان النقص لأنه غير متعد ويحتمل كلام الخرقي أن يلزمه تسوية الحفر لأنه فعله في ملك غيره لتخليص ملكه فأشبه ما لو كسر محبرة إنسان لتخليص ديناره منها وإن لم يقلعه فللشفيع الخيار بين أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء فيملكه وبين أن يقلعه ويضمن نقصه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (قال لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة ولا يزول الضرر عنهما إلا بذلك. الخامس زرع الأرض فالزرع يبقى لصحابه حتى يستحصد لأنه زرعه بحق فوجب إبقاؤه له كما لو باع الأرض المزروعة. فصل القارئ: وإن نما المبيع نماء متصلاً كغراس كبر وطلع زاد قبل التأبير أخذه الشفيع بزيادته لأنها تتبع الأصل في الملك كما تتبعه في الرد وإن كان نماء منفصلاً كالغلة والطلع المؤبر والثمرة الظاهرة فهي للمشتري لأنها حدثت في ملكه وليست تابعة للأصل وتكون مبقاة إلى أوان الجذاذ لأن أخذ الشفيع شراء ثان فإن كان المشتري اشترى الأصل والثمرة الظاهرة معاً أخذ الشفيع الأصل بحصته من الثمن كالشقص والسيف. الشيخ: هذا الفصل فيما إذا نما المبيع الذي فيه الشفعة، فإن كان منفصلاً فالنماء المنفصل للمشتري لأنه نماء ملكه وإن كان متصلاً كزيادة الشجرة وما أشبه ذلك فالمذهب أنها تابعة للأصل والصواب أنها للمشتري فتقدَّر قيمة هذا الشجر حين الشراء ثم تقدر قيمته حين الأخذ بالشفعة فما بين القيمتين فهو للمشتري لأنه حصل النماء بفعله فكيف نقول ليس لك!! حق فالصواب أن النماء المتصل كالمنفصل تماماً بمعنى أنه يكون لمن نما على ملكه. فصل

القارئ: وإن تلف بعض المبيع فهو من ضمان المشتري لأنه ملكه تلف في يده وللشفيع أن يأخذ الباقي بحصته من الثمن ويأخذ أنقاضه لأنه تعذر أخذ البعض فجاز أخذ الباقي كما لو أتلفه آدمي وقال ابن حامد إن تلف بفعل الله تعالى لم يملك الشفيع أخذ الباقي إلا بكل الثمن أو يترك لأن في أخذه بالبعض إضراراً بالمشتري فلم يملكه كما لو أخذ البعض مع بقاء الجميع. الشيخ: القول الأول أصح وأنه لا فرق أن يكون بفعل الله أو بفعل آدمي. فصل القارئ: ويملك الشفيع الأخذ بغير حاكم لأنه حق ثبت بالإجماع فلم يفتقر إلى الحاكم كالرد بالعين. الشيخ: هذا التعليل أشار به المؤلف رحمه الله إلى قاعدة وهي أنه لا يحتاج إلى الحاكم إلا في الأمور المختلف فيها لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف أما الشيء المتفق عليه فلا حاجة إلى حاكم لأنه ثابت كالخيار مثلاً، واختار شيخ الإسلام رحمه الله أن ما يحتاج إلى الحاكم إذا تصالح الرجلان فيه على الفسخ أو ما أشبه ذلك بغير حاكم فلهما ذلك، وعلى هذا نحتاج إلى الحاكم بشرطين أن تكون المسألة خلافية وأن لا يتراضى المتنازعان فإن كانت المسألة إجماعية فلا حاجة للحاكم وإن كانت خلافية وتراضى المتنازعان فلا حاجة للحاكم. القارئ: ويأخذه من المشتري فإن كان في يد البائع فامتنع المشتري من قبضه أخذه من البائع لأنه يملك أخذه فملكه كما لو كان في يد المشتري وقال القاضي يجبر المشتري على القبض ثم يأخذه الشفيع لأن أخذه من البائع يفوت به التسليم المستحق ولا يثبت للمشتري خيار لأنه يؤخذ منه قهرا ولا للشفيع بعد التملك لأنه يأخذه قهرا وذلك ينافي الاختيار ويملك الرد بالعيب لأنه مشتر ثان فملك ذلك كالأول وإن خرج مستحقاً رجع بالعهدة على المشتري لأنه أخذه منه على أنه ملكه فرجع عليه كما لو اشتراه منه ويرجع المشتري على البائع.

الشيخ: قوله (مستحقاً) يعني ليس ملكاً للبائع فالشفيع يرجع على المشتري لأنه مَلَكَهُ مِنْ قِبَلِهِ والمشتري يرجع على البائع. السائل: إذا شَفَّعَ الشريك في شقص شريكه وبعد أن تم ذلك حصلت جائحة أتت على الشقص والشريك لم يسلِّم المال بعدُ لشريكه فهل له الخيار في الرجوع عن البيع؟ الشيخ: لا، ليس له خيار لأنه ملَكَ الأصل والفرع يعني ملك الأصل والثمرة، والضمان يكون على المُشَفِّع أما المشتري فليس عليه شيء لأنه خرج عن ملكه. فصل القارئ: وإذا أذن الشريك في البيع لم تسقط شفعته لأنه إسقاط حق قبل وجوبه فلم يصح كما لو أبرأه مما يجب له وعن أحمد رضي الله عنه أنه قال ما هو ببعيد أن لا تكون له شفعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به) رواه مسلم يفهم منه أنه إذا باعه بإذنه لا حق له وإن دل في البيع أو توكل أو ضمن العهدة أو جعل له الخيار فاختار إمضاء البيع فهو على شفعته. الشيخ: الفقهاء يقولون إن له حق في الشفعة لأنه أسقط الحق قبل وجوبه فلا يسقط ولكن الحديث يدل على أنه إذا أذن له في بيعه فليس له أن يأخذ بالشفعة، مثال ذلك رجلان شريكان في أرض فجاء الشريك إلى شركيه وقال يا فلان أنا أريد أن أبيع الأرض وهي تُسَامُ بكذا وكذا فهل لك فيها نظر فقال الشريك لا نظر لي فيها. ثم تم البيع على ذلك فالمذهب يقولون للشريك أن يُشَفِّع لأنه أسقط الشفعة قبل وجوبها إذ أن الشفعة لا تجب إلا إذا ثبت البيع، لكن ظاهر الحديث أن شفعته تسقط لأنه أسقطها بعد وجود سبب الملك وهو السوم ورضى البائع بالثمن وما يدل عليه الحديث لا شك أنه أولى. فصل

القارئ: وإذا كان في البيع محاباة أخذ الشفيع بها لأنه بيع صحيح فلا يمنع الشفعة فيه كونه مسترخصا وإن كان البائع مريضاً والمحاباة لأجنبي فيما دون الثلث أخذ الشفيع بها لأنها صحيحة نافذة وسواء كان الشفيع وارثاً أو لم يكن لأن المحاباة إنما وقعت للأجنبي فأشبه ما لو وصى لغريم وارثه ويحتمل أن لا يملك الوارث الشفعة هاهنا لإفضائه إلى جعل سبيل للإنسان إلى إثبات حق لوارثه في المحاباة وإن كانت محاباة المريض لوارثه أو لأجنبي بزيادة على الثلث بطلت كلها في حق الوارث والزيادة على الثلث في حق الأجنبي وصح البيع في الباقي وثبت للمشتري الخيار لتفريق صفقته وللشفيع الأخذ على ذلك الوجه. فصل القارئ: إذا مات الشفيع قبل الطلب بطلت شفعته نص عليه لأنه حق فسخ لا لفوات جزء فلم يورث كرجوع الأب في هبته ويتخرج أن يورث لأنه خيار ثبت لدفع الضرر عن المال فيورث كالرد بالعيب فإن مات بعد الطلب لم يسقط لأنها تقررت بالطلب بحيث لم يسقط بتأخيره بخلاف ما قبله فإن ترك بعض الورثة حقه توفر على شركائه في الميراث كالشفعاء في الأصل. الشيخ: الصحيح أنه إذا مات الشفيع قبل الطلب فللورثة المطالبة لأن الملك انتقل إلى الورثة على صفته في المُوَرِّثِ، فيقال للورثة أتريدونها بالشفعة أو لا؟ فإن قال بعضهم أنا أريدها وقال الآخر لا أريدها فإنها تعطى من يريدها بجميع السهم ومن لا يريدها لا يجبر. فصل القارئ: وإن كان بعض العقار وقفاً وبعضه طِلْقاً فبيع الطِّلق فذكر القاضي أنه لا شفعة لصاحب الوقف لأنه ملك غير تام فلا يستفيد به ملكاً تاما وقال أبو الخطاب هذا ينبني على الرواتين في ملك الوقف إن قلنا هو مملوك فلصاحبه الشفعة لأنه يلحقه الضرر من جهة الشريك فأشبه الطلق وإن قلنا ليس بمملوك فلا شفعة له لعدم ملكه.

الشيخ: الصحيح أنه يملك ذلك، ولكن هل يكون ملكاً لمستحق الوقف أو يكون تابعاً للوقف؟ مثال ذلك أرض مشتركة بين شخصين نصفها وقفٌ لزيد ونصفها حر لعمرو فباع عمرو نصيبه فهل لزيد الذي له الوقف أن يأخذ بالشفعة؟ المذهب أنه ليس له ذلك والصواب أن له ذلك بل لو قيل إنه أولى من الشريك الطِّلق لكان أولى لأن صاحب الوقف لا يمكن أن يبيعه وصاحب الطِّلق يمكن أن يبيعه فلو تجدد ملكٌ على الشقص بأن اشتراه آخر من الشريك الأول فللشريك الثاني أن يبيع شقصه إذا رأى من الشريك الجديد ما يكره لأنه يملك ملكاً تاماً لا وقفاً لكن إذا كان وقفاً فإنه لا يستطيع بيعه وعلى هذا فنقول إن الشفعة تثبت في شركة الوقف ولكن هل تكون تابعة للوقف أو لا؟ الجواب نقول هذا على حسب الآخذ بالشفعة إن نواها تبعاً للوقف فهي تبعه وإن لم ينوها فهي ملك له، فإن قيل هل الأفضل والأولى أن ينوها للوقف أو لا؟ نقول في هذا تفصيل إذا كان شراؤها لا يضر بالمستحقين للوقف بأن كان المَغَلُّ كبيراً وقيمة الأرض قليلة فالأولى أن يجعلها تبعاً للوقف لأن هذا من مصلحة الجميع وإن كانت قيمتها تستهلك جميع المَغَل بحيث يحرم أصحاب الوقف من الوقف فلا يضمها للوقف بل تكون له. السائل: كلمة (رضي الله عنه) المعروف أنها تطلق على الصحابة، لكن بعض أهل العلم يستخدمها عند ذكر التابعين أو الأئمة المشهورين فما رأيكم في ذلك؟ الشيخ: جرت عادة بعض أهل العلم أن الأئمة المشهورين يُعبِّرون عند ذكرهم بهذا فيقول رضي الله عنه، لكن الأولى أن لا يُخرج عن الاصطلاح العام وذلك بأن يُجعل الترضي للصحابة والترحم أو العفو لمن عداهم فهذا هو الأولى. السائل: ما هو وجه الدلالة من حديث (لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن ... الخ) في سقوط حق الشفعة بالإذن؟ الشيخ: وجه الدلالة أنه قال (فإن باع ولم يؤذنه) فمفهومه أنه إن باعه وقد أذن له فلا حق له في الشفعة.

السائل: لو وقَّفَ الأرض لمدة عشر سنوات فهل له أن يأخذ أرضه بعد هذه المدة؟ الشيخ: هذا لا يصح، لكن ليجعلها عُمْرة فيقول هي لك ما بقيت، وأما أن يُوقِفْهَا مدة معينة فلا لأن الوقف لازم ولهذا يقولون أن الوقف من جنس العتق فلا يملك الرجوع فيه. فصل القارئ: ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضائه لأن فيه إلزام البيع بغير رضى المتبايعين وإسقاط حقهما من الخيار وقيل يؤخذ بالشفعة لأن الملك انتقل فإن كان الخيار للمشتري وحدة فللشفيع الأخذ لأنه يملك الأخذ من المشتري قهراً ويحتمل أن لا يملكه لأن فيه إلزام البيع في حق المشتري بغير رضاه. السائل: ما هي صورة هذه المسألة؟ الشيخ: صورتها إذا قال الشريك لشخص بعتك نصيبي من هذه الأرض ولك الخيار ثلاثة أيام، ثم علم الشريك فهل له أن يأخذ بالشفعة أو لا؟ فيها قولان. فصل القارئ: وللصغير الشفعة ولوليه الأخذ بها إن رأى الحظ فيها فإذا أخذ بها لم يملك الصغير إبطالها بعد بلوغه كما لو اشترى له داراً وإن تركها مع الحظ فيها لم تسقط وملك الصغير الأخذ بها إذا بلغ وإن تركها الولي للحظ في تركها أو لإعسار الصبي سقطت في قول ابن حامد لأنه فعل ما تعين عليه فعله فلم يجز نقضه كالرد بالعيب وظاهر كلام الخرقي أنها لا تسقط لأن للشفيع الأخذ مع الحظ وعدمه فملك طلبها عند إمكانه كالغائب إذا قدم والمجنون كالصبي لأنه محجور عليه وإذا باع الولي لأحد الأيتام نصيباً فله الأخذ بها للآخر وإن كان الولي شريكاً لم يملك الأخذ بها إن كان وصياً لأنه متهم وإن كان أباً فله الأخذ لأن له أن يشتري لنفسه من مال ولده وهل لرب المال الشفعة على المضارب فيما يشتريه على وجهين بناءً على شرائه منه لنفسه. فصل

القارئ: ولا شفعة لكافر على مسلم لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا شفعة لنصراني) رواه الطبراني في الصغير ولأنه معنى يختص العقار فلم يثبت للكافر على المسلم كالاستعلاء وتثبت الشفعة للمسلم على الذمي وللذمي على الذمي للخبر والمعنى. الشيخ: هذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم مَنْ قال إن الكافر ليس له الشفعة على المسلم، مثال ذلك رجلان شريكان في أرض أحدهما مسلم والثاني كافر فباع المسلم نصيبه على مسلم فهل للكافر أن يأخذ الشقص بالشفعة؟ الجواب يقول المؤلف أنه لا يأخذه بالشفعة واستدل بحديث (لا شفعة لنصراني) لكنه حديث ضعيف والمذهب كذلك أنه لا يأخذ واستدلوا بقوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ولكن نقول الآية أيضاً لا دلالة فيها لأن هذا إنما يكون يوم القيامة قال الله تعالى (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وذهب بعض أهل العلم إلى أن للكافر الأخذ بالشفعة وقالوا إن هذا من حقوق المُلْكِ لا من حقوق المَالِكِ والمُلْكُ لا فرق فيه بين أن يكون المالك مسلماً أو كافراً كما أن الكافر لو باع شيئاً على مسلم فله الخيار ماداما في المجلس فله أن يفسخ العقد، فهو من باب حقوق المُلك لا من باب حقوق المَالِكِ، والذي نرى في هذه المسألة أنه يُرجع في هذا إلى نظر الحاكم فإن خاف الحاكم أنه إذا أخذه الكافر بالشفعة من المسلم يكون في هذا سبباً لاستعلاء الكفار على المسلمين فليمنعهم، وإن خاف مفسدة بأن يقول الكافر لماذا تأخذونه بالشفعة لو بيع عليَّ ولا آخذه بالشفعة لو بيع على المسلم، فصار بذلك فتنة فلا شك أنه يُمكَّنُ الكافر من الأخذ بالشفعة.

باب إحياء الموات

باب إحياء الموات القارئ: وهي الأرض الداثرة التي لا يعرف لها مالك وهي نوعان أحدهما ما لم يجر عليه ملك فهذا يملك بالإحياء لما روى جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) رواه أحمد والترمذي وصححه. ولا يفتقر إلى إذن الإمام للخبر ولأنه تملك مباح فلم يفتقر إلى إذن كالصيد. الشيخ: قوله رحمه الله (لا يفتقر إلى إذن الإمام) بمعنى أن الإنسان إذا أحيا أرضاً ميتة ليست ملكاً لأحد فهي له سواء رُخِّصَ له من قِبَلِ الحكومة أو لم يُرَخَّص فليس هذا بشرط، ثم قال المؤلف (للخبر) والخبر هنا في الواقع ليس بصريح لأن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) يحتمل أنه قاله تشريعاً أو تنظيماً بمعنى أنه قال للناس أحيوا الأرض فمن أحيا فهي له أو قال ذلك على وجه التشريع فإذا دار الأمر بين هذا وهذا فإننا نجعله تشريعاً لأن هذا هو الأصل فيكون عموم قوله (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) شاملاً لما إذا أحياها بإذن الإمام وبغير إذنه لكن لو أن الإمام فرض أن لا يملك أحدٌ ما أحياه إلا بإذنه فلا بأس إذا رأى في هذا مصلحة لأنه إذا فرض هذا تمكن من ضبط الأراضي وتمليك الناس لها وإذا لم يفرض هذا تضارب الناس أي تضاربوا معنوياً فصار هذا يحي هذه الأرض فيقول هي لي وذاك يقول لا أنا قد أحييتها من قبل، وما أشبه ذلك فإذا أمر ولي الأمر أن لا يحي أحداً أرضاً إلا بإذنه وإعطاء الرخصة فليعمل به ويكون هذا من باب المصلحة العامة وأما قوله (ولأنه تملك مباح فلم يفتقر إلى إذن كالصيد) فيقال الصيد لا يمكن أن تكون فيه منازعة لأن الصيد يصيده الإنسان ويأكله في الحال فلا يصح هذا القياس في الواقع.

القارئ: الثاني ما جرى عليه ملك وباد أهله ولم يعرف له مالك ففيه روايتان إحداهما يملك بالأحياء للخبر ولما روى طاووس إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (عادي الأرض لله ورسوله ثم هي لكم بعد) رواه أبو عبيد في الأموال ولأنه في دار الإسلام فيملك كاللقطة والثانية لا يملك لأنه إما لمسلم أو لذمي أو بيت المال فلم يجز إحياؤه كما لو تعين مالكه. الشيخ: هذا الخلاف يمكن الانفصال عنه بأن يقال يملك بالأحياء بإذن الإمام لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف فإذا تقدم أحد إلى أرض داثرة قد باد أهلها وارتحلوا عن هذا المكان ومَلَّكَهُ ولي الأمر فإنه يملكها ولا شك في هذا. القارئ: ويجوز إحياء ما قرب من العامر إذا لم يتعلق بمصالحه للخبر والمعنى وعنه لا يملك لأنه لا يخلوا من مصلحة فأشبه ما تعلق بمصالحه والمذهب الأول. فصل القارئ: وما تعلقت به مصلحة العامر كحريم البئر وفناء الطريق ومسيل الماء لا يملك بالإحياء ولا يجوز لغير مالك العامر إحياؤه لأنه تباع للعامر مملوك لصاحبه ولأن تجويز إحيائه إبطال للملك في العامر على أهله وكذلك ما بين العامر من الرحاب والشوارع ومقاعد الأسواق لا يجوز تملكه بالإحياء لأنه ليس بموات وتجويز إحيائه تضييق على الناس في أملاكهم وطرقهم وهذا لا يجوز. الشيخ: لو فُرِضَ مثلاً أن حول البلد مكانُ رعي للبهائم فإنه لا يجوز إحياؤه لأن في هذا تضييق على أهل البلد وكذلك مجاري الأودية فكل ما يتعلق بمصالح البلد لا يجوز إحياؤه ولكن عمل الناس اليوم على خلاف هذا ولذلك أحييت أماكن كانت مرعى للمواشي فيما سبق وجرى عليها الملك والتمليك. السائل: بعض الأملاك يُعْرَفُ أصحابها وجارهم يعرف أن أصحابها العائلة الفلانية لكن لم يستطيعوا أن يثبتوا ذلك بأوراق رسمية وهو يقول لهم اثبتوا لأجل أن أشترى منكم هذه الأملاك، فهل له أن يتقدم لأخذها من قِبَل الدولة وهو يعلم أن أصحابها لن يستطيعوا إثبات ملكيتهم لها؟

الشيخ: إذا علم أنها مملوكة لهم فلا يجوز له أن يتقدم بطلبه، إلا إذا وافقوا هم وقالوا مادامت المسألة ليس فيها إثبات فنحن نصالحك على قدر معلوم يتفقون معه عليه ثم هو يطالب الدولة. فصل القارئ: ويجوز الإحياء من كل يملك المال للخبر ولأنه فعل يملك به فجاز ممن يملك المال كالصيد ويملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام لذلك وقال ابن حامد لا يملك فيها بالإحياء لخبر طاووس وليس للمسلم إحياء أرض في بلد صولح الكفار على المقام فيه لأن الموات تابع للبلد فلم يجز تملكه عليهم كالعامر. فصل القارئ: وفي صفة الإحياء روايتان إحداهما أن يعمر الأرض لما يريدها له ويرجع في ذلك إلى العرف لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الإحياء ولم يبين فحمل على المتعارف. الشيخ: قوله (لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الإحياء ولم يبين) الأولى أن يقال لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أطلق الإحياء ولم يقيد أو يقال أجمل الإحياء ولم يبين لأن الإطلاق يقابله التقييد. القارئ: فإن كان يريدها للسكنى فإحياؤها بحائط جرت عادتهم بالبناء به وتسقف فإنها لا تصلح للسكنى إلا بذلك وإن أرادها حظيرة لغنم أو حطب فبحائط جرت العادة بمثله وإن أرادها للزرع فبسوق الماء إليها من نهر أو بئر ولا يعتبر حرثها لأنه يتكرر كل عام فأشبه السكنى ولا يحصل الإحياء به لذلك وإن كانت أرضاً يكفيها المطر فإحياؤها بتهيئتها للغرس والزرع إما بقلع أشجارها أو أحجارها أو تنقيتها ونحو ذلك مما يعد إحياء وإن كانت من أرض البطائح فإحياؤها بحبس الماء عنها لأن إحياءها بذلك ولا يعتبر في الإحياء للسكنى نصب الأبواب لأن السكنى ممكنة بدونه والرواية الثانية التحويط إحياء لكل أرض لما روى سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحاط حائطاً على أرض فهي له) رواه أبو داود ولأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء كما لو أرادها حظيرة.

الشيخ: الصواب في هذا أن الذي ورد به النص أنه إحياء فهو إحياء كالحائط وما لم يرد به النص يرجع فيه إلى عرف الناس. فصل القارئ: وإذا أحياها ملكها بما فيها من المعادن والأحجار لأنه يملك الأرض بجميع أجزئها وطبقاتها وهذا منها وإن ظهر فيها معدن جار كالقير والنفط والماء ففيه روايتان إحداهما لا يملكه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار) رواه الخلال وكذلك الحكم في الكلأ والشجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا حمى في الأراك) والثانية يملك ذلك كله لأنه نماء ملكه فملكه كشعر غنمه. الشيخ: العرف الآن خلاف هذا فالمعادن الجارية لا تملك بل تتبع الدولة ويكون استغلالها تبعاً لبيت المال. فصل القارئ: ومن حفر بئراً في موات ملك حريمها والمنصوص عن أحمد رضي الله عنه أن حريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعاً من كل جانب ومن سبق إلى بئر عادية فاحتفرها فحريمها خمسون ذراعاً من كل جانب لما روي عن سعيد بن المسيب أنه قال السنة في حريم البئر العادي خمسون ذراعا والبديء خمسة وعشرون ذراعاً رواه أبو عبيد في الأموال وروى الخلال والدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وقال القاضي حريمها ما تحتاج إليه في ترقية الماء منها كقدر مدار الثور إن كان بدولاب وقدر طول البئر إن كان بالسواني وحمل التحديد في الحديث وكلام أحمد رضي الله عنه على المجاز والظاهر خلافه فإنه قد يحتاج إلى حريمها لغير ترقية الماء لموفق الماشية وعطن الإبل ونحوه.

الشيخ: إذا حفر بئراً ووصل إلى الماء فهو يملك البئر ويملك حريمها وهو ما قَرُبَ منها فإن كانت منشأة حديثاً فحريمها خمسة وعشرون ذراعاً من كل جانب وإن كانت قديمة ودفنتها الرياح ثم حفرها ملك خمسين ذرعاً من كل جانب ومن المعلوم أن الدائرة كلما توسعت كبرت فيكون المبتدأة أقل حظاً من المعادة وتعليل ذلك أن المعادة قد ملك صاحبها الأول خمسة وعشرين من كل جانب فإذا حفرت الثانية استحق الحافر الثاني خمسة وعشرين ذراعاً فيملك خمسين ذراعاً والحديث الذي ذكره المؤلف لو كان مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متصلاً لقلنا على العين والرأس والله أعلم بحكمته لكنه عن سعيد بن المسيب ففيه انقطاع وإذا قُدِّرَ صحته فيحتمل أن يكون هذا من باب الاجتهاد، وإذا نظرنا إلى الواقع وجدنا أن البئر البدية أشق من البئر المعادة فالحافر للبئر البدية عمل عملاً أكثر وأشق من حافر البئر المعادة هذا من وجه فيقتضي على الأقل تساويهما، ثانياً إذا قلنا بأننا نعطي الحافر المعادة الحريم مرتين فإن خمسة وعشرين ذراعاً من وراء الخمسة والعشرين الذراع السابقة تقتضي أنها ضعفها مرتين أو ثلاثة فيمكن أن نقول إننا نعطيه على حفرها ثانيةً مقدار مساحة الخمسة والعشرين الأولى ولا نعطيه خمسة وعشرين جديدة من وراء الخمسة وعشرين الأولى وعلى كل حال هذا الأثر لابد من تحريره، ثم قال رحمه الله والقاضي حريمها ما تحتاج إليه في ترقية الماء منها كقدر مدار الثور إذا كان بدولاب) وقد وصفنا فيما سبق الدولاب فالثور يدور به فمقدار مداره هو الحريم، وإن كان السقي بالسواني فمقدار الحريم بطول الرشا والرشا يكون طول البئر ولكن ينبغي أن يقال إن كانت هذه البئر لسقي المواشي ونحوه فإن حريمها يكون بمقدار طول الرشا ومقدار مدار الثور ومقدار ما يحتاج إليه أوسط الناس في سقي الماشية ونحو ذلك.

السائل: في بعض الآبار يكون ورود الإبل عليها كثير فقد لا يكفيها ما يذكره الفقهاء من تحديد الحريم؟ الشيخ: هذا يكون حسب الحاجة فإذا قدرنا أن البئر عميقة فإنها تعطى حريماً أكثر وفي الوقت الحاضر السواني ليست موجودة والدواليب ليست موجودة فالآن الموجود هو المكائن والدينموات فكل وقت له ما جرت به العادة. القارئ: وأما العين المستخرجة فحريمها ما يحتاج إليه صاحبها ويستضر بتملكه عليه وإن كثر وحريم النهر ما يحتاج إليه لطرح كرايته وطريق شاويه وما يستضر صاحبه بتملكه عليه وإن كثر. الشيخ: العين المستخرجة هي التي تجري لأن الذي سبق ذكره هو البئر وهو راكد لأن الماء في قعره أما العين فهي التي يجري الماء فيها وكان يوجد في السابق في بلادنا عيون فيحفر الساقي ثم يجري الماء لكن الآن انقطعت لأن الماء نزل، وقوله (كرايته) هو ما يحتاج فيه إلى تنظيف النهر فقد يسقط في النهر أحجار أو قثاء فيمنع جريه فيحتاج إلى أن ينظف لكي يكون الجري قويّاً. مسألة: حول حديث سعيد بن المسيب في حريم البئر، إذا تبين أن الحديث ضعيف لا تقوم به الحجة فيرجع في تحريم حريم البئر إلى اجتهاد الإمام كما ذكر الفقهاء في نظائر هذه المسألة أن المرجع فيها إلى اجتهاد الإمام كالخراج والجزية وما أشبهها من المسائل فإذا تبين أن هذا الأثر أو هذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة فإنه يرجع في ذلك إلى اجتهاد الإمام وإذا نظرنا إلى الاجتهاد قلنا يجب أن يكون حريم البدية أوسع من حريم العادية أو على الأقل مساوياً له أما الرجل يأتي إلى بئر عادية ليس فيها إلا تراب سهل الإخراج فنقول له لك خمسين ذراع مع أن الخمس وعشرين ذراع السابقة حصلت بفعل غيره ونأتي للرجل الذي وصل إلى الماء في البئر البدية بمشقة وتعب ونقول ليس لك إلا خمسة وعشرون ذرعاً وعلى كل حال الحمد لله كفى الله المؤمنين القتال مادام أن هذا الحديث لا يصح فيرجع في ذلك إلى اجتهاد الإمام. فصل

القارئ: ومن تحجر مواتاً وشرع في إحيائه ولم يتم فهو أحق به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سبق إلي ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) رواه أبو داود فإن نقله إلى غيره صار الثاني أحق به لأن صاحب الحق آثره به فإن مات انتقل إلى وارثه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ترك حقاً أو مالاً فهو لورثته) وإن باعه لم يصح لأنه لم يملكه فلم يصح بيعه كحق الشفعة ويحتمل جواز بيعه لأنه صار أحق به.

الشيخ: هذه مسألة مهمة فهذا إنسان شرع في إحياء الأرض لكنه لم يتمه أو منحت له الأرض لكنه لم يُحْيِهَا إذا قلنا بأن تمليك الإمام ليس بإحياء أما إذا قلنا أنه إحياء فالأمر واضح والمهم أنه صار أحق بهذه الأرض من غيره إما لكونه تحجرها تَحَجُّراً لا يملكها به أو شرع في إحيائها ولم يتم أو منح إياها من قِبَلِ ولي الأمر وعلى القول بإن المنحة ليست تمليكاً، فهل يجوز أن يأخذ عوضاً ويتنازل عنها لغيره؟ الجواب المذهب أنه لا يجوز لأن من شرط البيع أن يكون البائع مالكاً للشيء وهذا لم يملك وإذا كان لم يملك فكيف يجوز أن يبيعه وهو ليس ملكاً له، والقول الثاني ما ذكره الموفق ابن قدامة فقال (يحتمل جواز بيعه لأنه صار أحق به) فكأن هذا البيع ليس بيعاً لعين الأرض ولكنه تنازل عن حقه بعوض فيقول أنا الآن شرعت في إحياء الأرض ولم يتم أو مُنحتُ إياها ولم يكن ذلك إحياء فأتنازل عن حقي لفلان بعوض، فابن قدامة رحمه الله يقول يحتمل الجواز ولكن إذا نظرنا إلى المسألة فإننا نقول إذا نزَّلنا هذا على القواعد فإنه لا بأس أن يتنازل الإنسان عن حقه لغيره بعوض أو مجاناً لأن الحق له وهذا هو الصحيح لكن يبقى النظر هل في ذلك ضرر على الآخرين لأنه قد يكون هناك جماعة مقدمين وأحق من هذا الأخير والأول لم يبع في الغالب إلا لأنه مستغني عن الأرض فإذا استغنى عنها فليتنازل عنها ويترك أمرها لولي الأمر فيمنحها لمن هو أحق بها وهذه النقطة هي التي توجب أن نقول إنه لا يجوز أن يتنازل بعوض لأنه عدوان على الآخرين الذين قدموا طلباً فكانوا أحق بها والأول الذي أراد أن يتنازل عنها بعوض هو مستغني عنها وإذا كان كذلك فليرد الأمر إلى أهله، فإن قال قائل فإن منحه إياها مجاناً فهل يجوز أو لا؟ نقول إذا رجعنا إلى التعليل وجدنا أن ذلك لا يجوز أيضاً ونقول له إذا استغنيت عنها فرُدَّها إلى الحكومة، ومن هذا الباب البنك العقاري الآن فإنه يتقدم الناس إليه كثيراً بطلب

التسليف ويبقى سنة أو سنتين ما وصلهم الدور فيأتي شخصٌ ما لآخر ويقول له أعطني اسمك بمائة ألف ريال فيقول لا بأس ويكون هذا قد وصله الدور فهذا نقول فيه مثل ما قلنا في الأرض أنه إذا كان مستغنياً عن البناء أو قد بنى وانتهى ثم وصله الدور وهو لا يريد السلفة فالواجب عليه أن يتنازل للحكومة ولا يحق له أن يتنازل لا بعوض ولا بغير عوض ونقول له إن كنت في حاجة فأنت صاحب حاجة قد وصلك الدور واستحققت المال وإن لم تكن في حاجة فدع المال، فإن قال أنا سأتنازل بعوض أو بغير عوض ولا أطالب مرة أخرى إذا فاتني الدور؟ نقول هذا لا بأس به لكن بقي شيء مهم وهو إشعار الحكومة بهذا التنازل فإذا سمحوا فلا بأس وإن لم يسمحوا فلا. مسألة: إذا كان الشخص يريد أن يشتري أرضاً يبني عليها لكن في الوقت الحاضر لم تحصل له الأرض التي أراد فاشترى أرضاً لا يريدها من أجل أن يقدمها على البنك ويظهر أسمه ويقول أنه مادام بين التقديم وظهور الاسم مدة فربما يحصل على الأرض التي يريدها فالظاهر أن هذا لا بأس به وأظن أن الحكومة لا تمانع في هذا. السائل: ما هو الراجح في مسألة التنازل عن الأرض إذا أحياها الإنسان ولم يتم ذلك فهل له أن يتنازل عنها بعوض؟ الشيخ: القول الراجح هو ما ذهب إليه المؤلف من أن الإنسان إذا تنازل عن أرض شرع في إحيائها ولم يتم فتنازل بعوض فالصحيح أن ذلك جائز. القارئ: فإن بادر إليه غيره فأحياه لم يملكه في أحد الوجهين لمفهوم قوله عليه السلام (من سبق إلى ما لم يسبق إليه المسلم فهو أحق به) ولأن الحق المتحجر أسبق فكان أولى كحق الشفيع مع المشتري والثاني يملكه لأنه أحيا أرضاً ميتة فيدخل في عموم الحديث ولأن الإحياء يملك به فقدم على التحجر الذي لا يملك به.

الشيخ: الصواب أن الثاني لا يملكه لكن إن علم عدوانه على المتحجر فلا شيء له فيما أنفق وإن كان لا يدري أنها مُتَحَجَّرةٌ فإنه في هذه الحال يُصلَحُ بينهما ويقال للثاني لك ما أنفقت أو يُقوَّم تقويماً والفرق بينهما أننا إذا قلنا لك ما أنفقت فإننا نعطي الثاني ما أنفقه قليلاً كان أم كثيراً، وإذا قلت بالتقويم قَوَّمْنَا الأرض قبل إدخال التعديل عليها كم تساوي وقَوَّمْنَاهَا بعده فما بين القيمتين فهو للثاني. القارئ: وإن شرع في الإحياء وترك قال له السلطان إما أن تعمر وإما أن ترفع يديك لأنه ضيق على الناس في حق مشترك فلم يمكن منه كالوقوف في طريق ضيق فإن سأل الإمهال أمهل مدة قريبة كالشهرين ونحوهما فإن انقضت ولم يعمر فلغيره إحياؤها وتملكها كسائر الموات. فصل القارئ: وإذا كان في الموات معدن ظاهر ينتفع به المسلمون كالملح وعيون الماء والكبريت والكحل والقار ومعادن الذهب والفضة والحديد ومقالع الطين ونحوها لم يجز لأحد إحياؤها ولا تملك بالإحياء فعن أبيض بن حمال أنه وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح فقطعه له فلما أن ولى قال رجل من المجلس أتدري ما أقطعت له إنما أقطعته الماء العد قال فانتزعه منه قال وسأله عما يحمى من الأراك فقال (ما لم تنله أخفاف الإبل) رواه أبو داود والترمذي. الشيخ: قوله (ما يحمى من الأراك) يعني الشيء البعيد والأراك هو شجر المساويك فما لم تبلغه الإبل بأن كان بعيداً فإنه يُمْلَكُ وما كان قريباً فلا يملك لأن الناس فيه سواء وكل أحد يحتاجه. القارئ: ولأن هذا مما يحتاج إليه فلو ملك بالاحتجار ضاق على الناس وغلت أسعاره وكذلك ما نضب عنه الماء من الجزائر عند الأنهار الكبار قال أحمد رضي الله عنه يروى عن عمر رضي الله عنه أنه أباح الجزائر وأنا آخذ به يعني ما ينبت فيها ولأن البناء فيها يرد الماء إلى الجانب الآخر فيضر بأهله ولأنها منبت الكلاء والحطب فأشبهت المعادن. فصل

القارئ: وكل بئر ينتفع بها المسلمون أو عين نابعة فليس لأحد إحتجارها لأنها بمنزلة المعادن الظاهرة ومن حفر بئراً لغير قصد التملك إما لينتفع بها المسلمون أو ينتفع بها مدة ثم يتركها لم يملكها وكان أحق بها حتى يرحل عنها ثم تكون للمسلمين ومن حفر بئراً للتملك فلم يظهر ماؤها لم تملك به لأنه ما تم إحياؤها وكان كالمتحجر الشارع في الإحياء. فصل القارئ: وإن أحيا أرض فظهر فيها معدن ملكه لأنه لم يضيق على الناس به ولأنه للذي أخرجه وإن كان في الموات أرضاً يمكن فيها إحداث معدن ظاهر كشط البحر إذا حصل فيه ماؤه صار ملحا ملكه بالإحياء لأنه توسيع على المسلمين لا تضييق. السائل: في مسألة تنازل الإنسان عن دوره في السلفة من البنك العقاري لو أن هذا الذي وصله الدور ونزل اسمه في البنك ولم يكن مستعداً للبناء إما لسفره أو لارتباطه بشيء آخر فقال لرجل سأتنازل لك عن اسمي وتأخذ المال ثم إذا جاء دورك ونزل اسمك آخذ منك ما أعطيتك، فهل في هذا بأس؟ الشيخ: هذه المسألة قد يقال إنها من باب التبادل فقد يقال إن هذا الذي تنازل محتاج لكن منعه من الاستعداد ما يمنعه وتبادل مع صاحبه فهذه في نظري أهون ولعلها إن شاء الله جائزة. السائل: إذا وجد الإنسان في الأرض التي أحياها معدناً جارياً فهل يملكه؟ الشيخ: لا يملكه لأن الجاري كالماء لا يملك. السائل: بعض الناس إذا نقل من البيت وفيه هاتف فإنه يبيع الرقم لجاره فهل هذا جائز؟ الشيخ: هذا يرجع إلى الوزارة إذا أجازت فلا بأس لا سيما مع توفر الأرقام. فصل

القارئ: ومن سبق إلى معدن ظاهر وهو الذي يوصل إلى ما فيه من غير مؤونة كالماء والملح والنفط أو باطن لا يوصل إلى ما فيه إلا بالعمل كمعادن الذهب والحديد كان أحق به للخبر فإن أقام بعد قضاء حاجته منع منه لأنه يضيق على الناس بغير نفع فأشبه الوقوف في مشرعة ماء لا يستقي منها وإن طال مقامه للأخذ ففيه وجهان أحدهما لا يمنع لأنه سبق فكان أحق كحالة الابتداء والثاني يمنع لأنه يضر كالمتحجر فإن سبق إليه اثنان يضيق المكان عنهما أقرع بينهما لأنه لا مزية لأحدهما على صاحبه وقال بعض أصحابنا إن كانا يأخذان للتجارة هايأه الإمام بينهما. الشيخ: (هايأه) يعني قال لأحدهما لك يوم الأحد مثلاً وللثاني يوم الاثنين فيقسم بينهما بالزمن هذا معنى المهايأة. القارئ: وإن كانا يأخذان للحاجة ففيه أربعة أوجه أحدها يُهَايأ بينهما والثاني يقرع بينهما والثالث يقدم الإمام من يرى منهما والرابع ينصب الإمام من يأخذ لهما ويقسم بينهما. فصل القارئ: ومن شرع في حفر معدن ولم يبلغ النيل به فهو أحق به كالشارع في الإحياء ولا يملكه وإن بلغ النيل لأن الإحياء العمارة وهذا تخريب فلا يملك به ولأنه يحتاج في كل جزء إلى عمل فلا يملك منه إلا ما أخذ لكن يكون أحق به مادام يأخذ وإن حفره إنسان من جانب آخر فوصل إلى النيل لم يكن له منعه لأنه لم يملكه. السائل: ما معنى (النَّيْل)؟ الشيخ: (النَّيْل) الظاهر أنه العمق الذي فيه المعدن. فصل القارئ: ويجوز الارتفاق بالقعود في الرحاب والشوارع والطرق والواسعة للبيع الشراء لاتفاق أهل الأمصار عليه من غير إنكار ولأنه ارتفاق بمباح من غير إضرار فلا يمنع منه كالاجتياز ومن سبق إليه كان أحق به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (منى مناخ من سبق) وله أن يظلل عليه بما لا يضر بالمارة لأن الحاجة تدعو إليه من غير ضرر بغيره وليس له أن يبني دكة ولا غيرها لأنها تضيق ويعثر بها العابر.

الشيخ: ومثل ذلك أيضاً لو وضع أحجاراً حوله بدون بناء فإنه يَعثُر بها العابر، يجب ملاحظة أن هذه المسألة إنما هي في الشوارع الواسعة حتى لا تضيق، ويمتنع كذلك أن يبني بناء كدكة يعني أحجاراً يرصفها ويبنيها وكذلك أيضاً ليس له أن يُحَوِّطُ عليها بأحجار تؤذي المارة وربما يعثرون بها. القارئ: فإن قام وترك متاعه لم يجز لغيره أن يقعد لأن يده لم تزل وإن أطال القعود ففيه وجهان سبق توجيههما وإن سبق إليه اثنان ففيه وجهان أحدهما يقرع بينهما لتساويهما والثاني يقدم الإمام أحدهما لأن له نظراً واجتهاداً. الشيخ: أما المسألة الأولى إذا أطال القعود فالصواب أن له ذلك مادام سبق إليه وهذا هو الذي جرى عليه العمل الآن فتجد الرجل مثلاُ في الأماكن الواسعة يبيع البطيخ أو غيره يبقى على ما هو عليه ولا يعارضه أحد وأما إذا سبق اثنان فيقول المؤلف (ففيه وجهان أحدهما يقرع بينهما لتساويهما والثاني يقدم الإمام أحدهما لأن له نظراً واجتهاداً) من المعلوم أن الإمام لا يتولى هذا إنما يتولاه الآن البلدية فهي نائبة عن الإمام ولكن القول بالقرعة أولى بلا شك، أولاً لأنه أقرب إلى العدل فالإمام قد يحابي أحداً من الناس وثانياً أنه لا يجعل في قلب الآخر شيئاً على الذي قدمه الإمام، لكن لو فُرِضَ أن من مصلحة السوق العامة أن يُقدَّم أحدهما فهنا للإمام أن يتدخل، مثل أن يكون هذا المكان استراتيجيّاً كما يقولون وأحد السَّابِقَينِ قوي يمكن أن يملأ هذا الفراغ والثاني ضعيف لا يمكن أن يملأ هذا الفراغ فهنا نقول يُقدِّم الإمام من يراه أنفع للسوق، والقرعة في الحقيقة هنا لا تَرِدُ لأن القرعة إنما تكون عند التساوي والآن لا سواء والخلاصة أن الصواب في هذه المسألة هي القرعة ما لم يتميز أحدهما بمصلحة للسوق فيقدَّم بحسب نظر الإمام. فصل

القارئ: في القطائع وهي ضربان إقطاع إرفاق وهي مقاعد الأسواق والرحاب فللإمام اقطاعها لمن يجلس فيها فيصير كالسابق إليها إلا أنه أحق بها وإن نقل متاعه لأن للإمام النظر والاجتهاد فإذا أقطعه ثبتت يده عليه بالإقطاع فلم يكن لغيره أن يقعد فيه. الشيخ: صورة المسألة أن يمنح الإمام هذه القطعة من الأرض فيقول هذه لفلان، ومعلومٌ أنه يجب على الإمام أن يراعي المصالح في ذلك فلا يراعي الأشخاص فإذا رأى المصلحة أن يُقْطِعَ إقطاعَ إرفاق لهذا الرجل فهو له ولا أحد يزاحمه فيه سواء طال أم قصر. القارئ: الضرب الثاني موات الأرض فللإمام إقطاعها لمن يحيها لما روى وائل بن حجر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً فأرسل معاوية أن أعطه إياها أو أعلمها إياه) رواه الترمذي وصححه (وأقطع بلال بن الحارث المزني وأبيض بن حمال المازني وأقطع الزبير حضر فرسه) رواه أبو داود. وأقطع أبو بكر وعمر وعثمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقطعه الإمام شيئاً لم يملكه لكن يصير كالمتحجر في جميع ما ذكرناه ولا يقطع من ذلك إلا ما قدر على إحيائه لأن إقطاعه أكثر منه إدخال ضرر على المسلمين بلا فائدة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق فلما كان زمن عمر قال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحتجره على الناس فخذ ما قدرت على عمارته ودع باقيه رواه أبو عبيد في الأموال. الشيخ: فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي تقتضيه المصلحة أن الإمام لا يُقْطِعُ أحداً إلا إذا كان يقدر على إحيائه، أما بعض الناس تجده يُقطِعُ الشخص مثلاً ثلاثين كيلو أو أربعين كيلو فهذا لا يجوز لأن الغالب أنه لا يقدر على إحيائه وإذا كان لا يقدر على إحيائه تجده يُقطِّعه ويبيعه وهذا أيضاً لا يجوز ولكن يُقْطِعُ ما يمكن إحياؤه فإن كان في المباني أعطاه مثلاً مكان أربع عمارات أو خمس بِحَسَبِ حاله من القدرة وعدم القدرة.

السائل: هل لمن أُقطع إقطاعاً أن يبيعه؟ الشيخ: هذا ينبني على أنه هل يملكه أو لا؟ والمسألة فيها الخلاف فبعض العلماء يقول إذا أَقْطَعَهُ الإمام مَلَكَهُ والمذهب أنه لا يملكه فإذا كان لا يملكه انبنى على ذلك هل يجوز أن يتنازل عن حقه وتقديمه أو لا يجوز؟ الجواب عرفنا فيما سبق المذهب وهو أن ذلك لا يجوز والصحيح الجواز إذا لم يتضمن ضرراً على الآخرين وعمل الناس الآن على أن الإقطاع بمنزلة الإحياء ولهذا تجده يبيعه ويخرج عليه صكوك شرعية من مكاتب العدل. السائل: إذا أحيا شخص أرضاً مواتاً ثم مات هذا الشخص فهل تعود هذه الأرض مواتاً كما كانت؟ الشيخ: لا يمكن أن ترجع مواتاً لأنه إذا أحياها ملكها فهي حية إلى يوم القيامة حتى لو مات هذا الشخص فهي تبقى حية. السائل: ما معنى قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم (أقطع الزبير حُضْرَ فرسه)؟ الشيخ: حُضْرَ الفرس يعني مقدار عَدْوُه إلى أن يقف والفرس له طاقة فيختلف بحسب عَدْو الفرس. فصل القارئ: وليس للإمام إقطاع المعادن الظاهرة لما ذكرنا في إحيائها قال أصحابنا وكذلك المعادن الباطنة لأنها في معناها ويحتمل جواز إقطاعها لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية جلسيها وغوريها رواه أبو داود ولأنه يفتقر في الانتفاع بها إلى المؤن فجاز إقطاعه كالموات. فائدة: ذكر الشيخ أن في النسخة التي معه بيان لمعنى (القبلية) ومعنى (جَلْسِيِّهَا) و (غَوْرِيِّها) فقال: الْقبِلِيَّةِ بلاد معروفة بالحجاز وجَلْسِيِّهَا وغَوْرِيِّهَا أي مرتفعها ومنخفضها. فصل في الحمى

القارئ: لا يجوز لأحد أن يحمي لنفسه مواتاً يمنع الناس الرعي فيه لما روى الصعب بن جثامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا حمى إلا لله ولرسوله) متفق عليه ورواه أبو داود وقال (الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار) وللإمام أن يحمي مكاناً لترعى فيه خيل المجاهدين ونَعَمُ الجزية وإبل الصدقة وضوال الناس التي يقوم بحفظها لأن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين ولأن عمر وعثمان رضي الله عنهما حميا وأشتهر في الصحابة فلم ينكر فكان إجماعاً وقال عمر رضي الله عنه والله لولا ما أحمل عليه في سبيل لله ما حميت من الأرض شبراً في شبر رواه أبو عبيد وليس له أن يحمي قدراً يضيق به على الناس لأنه إنما جاز للمصلحة فلا يجوز ذلك بضرر أكثر منها. الشيخ: الحمى يقع كثيراً فقد تكون بعض الأراضي رياضاً طيبة تنبت العشب والكلأ فيستولي عليها بعض الناس ويحميها ومعنى حمايته إياها أن يمنع الناس من رعيها أو حَشِّها فهذا لا يجوز لأن الناس شركاء في ثلاث والأرض لله عز وجل إلا أن ذلك يجوز بشروط ثلاثة: أولاً أن يكون ذلك من الإمام. والشرط الثاني أن يكون ذلك لمرعى دواب المسلمين. والشرط الثالث أن لا يضر الناس بحيث لا يكون لهم مرعاً إلا هذا المكان.

فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة جاز الحِمَى وإلا فلا يجوز وبهذا نعرف نظر الشريعة إلى المصالح العامة أكثر من نظرها إلى المصالح الخاصة وهذا كما هو الثابت في شرع الله فهو الثابت في قدر الله فمراعاة المصالح العامة شرعاً وقدراً ظاهر جداً ففي الشريعة كما عرفنا أن مراعاة المصالح العامة مقدم فيمنع من إحداث ضرر في الطريق أو من التضييق على المسلمين ومن الحمى إلا بهذه الشروط الثلاثة، وكذلك في القدر فقد يُنْزِلُ الله أمطاراً عظيمة والإنسان الذي قد يَصُّبُ عليه السقف فيضره الماء ضرراً بيِّناً، لكن هل نقول هذا الضرر الجزئي بالنسبة للمصالح العامة تكون الحكمة في منع المطر أو في وجوده؟ الجواب في وجود المطر ولا شك. القارئ: وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه ولا يملك بالإحياء لأن ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم نص فلم يجز نقضه بالاجتهاد وما حماه غيره من الأئمة جاز لغيره من الأئمة تغييره في أحد الوجهين وفي الآخر ليس له ذلك لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد والأول أولى لأن الاجتهاد في حماها في تلك المدة دون غيرها ولهذا ملك الحامي لها تغييرها. الشيخ: قوله (لأن الاجتهاد في حماها في تلك المدة دون غيرها) نقول وأيضاً ربما تتغير المصالح فقد يحميه الإمام الأول لمصلحة ثم تكون المصلحة أن يُحْمَى غيره من جهة أخرى فالصواب أن ما حماه غير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فللإمام الثاني أن يغيره لأن الحِمَى تبع للمصلحة وحمى الأول إياه من باب الاجتهاد والاجتهاد يتغير أما ما حماه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه يبقى لأن حِمَاُه إياه صلى الله عليه وسلم كالحكم به وحكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا ينقض. القارئ: وإن أحياه إنسان ملكه لأن حمى الأئمة اجتهاد وملك الأرض بإحيائها نص فيقدم على الاجتهاد.

باب أحكام المياه

الشيخ: قوله (وإن أحياه إنسان ملكه) نقول هو مَلَكَهُ لا شك في هذا لكن إذا رأى الإمام أخذه منه لئلا يتجرأ الناس على انتهاك أحكام الإمام فله ذلك ويكون هذا من باب التعزير. باب أحكام المياه القارئ: وهي ضربان مباح وغيره. الشيخ: قوله (وغيره) ليس معناه الحرام بل المراد المملوك فضد المباح هنا المملوك. القارئ: فغير المباح ما ينبع في أرض مملوكة فصاحبه أحق به لأنه يملكه في رواية وفي الأخرى لا يملكه إلا أنه ليس لغيره دخول أرضه بغير إذنه وما فضل عن حاجته لزمه بذله لسقي ماشية غيره لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضل رحمته) ولا يلزمه الحبل والدلو لأنه يتلف بالاستعمال فيتضرر به فأشبه بقية ماله وهل يلزمه بذل فضل مائه لزرع غيره فيه روايتان إحداهما لا يلزمه لأن الزرع لا حرمة له في نفسه والثانية يلزمه لما روى إياس بن عبد (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء) رواه أبو داود وإن لم يفضل عنه شيء لم يلزمه بذله لأن الوعيد على منع الفضل يدل على جواز منع غيره ولأن ما يحتاج إليه يستضر ببذله فلم يجب بذله كحبله ودلوه. السائل: ذكر المؤلف في الرواية الثانية أنه يلزم بذل فضل الماء لما روى إياس بن عبد أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع فضل الماء) ما وجه الدلالة من الحديث على وجوب بذل فضل الماء؟ الشيخ: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء فمعنى ذلك أنه يجب بذله بدون بيع. السائل: إذا حفر الإنسان بئراً وتعب في حفرها ربما أنفق أموال في حفرها فهل يجب عليه أن يبذل فضل الماء وهل له أن يأخذ عوضاً عن هذا الماء؟

الشيخ: يجب عليه أن يبذل فضل الماء ولا يأخذ عوضاً عنه لأنه إنما غَرِمَ لملكه ولكن إذا تأذى من إتيان الناس بالماشية فإنه له أن يمنعهم أما إذا لم يكن يتأذى فالماء ماء الله عز وجل ولست أنت الذي أجريته في الأرض وأما لو أخرجه وصبه في البركة فله أن يبيعه لأنه مَلَكَه بالحيازة كما أنه لا يمنع الكلأ أي العشب الذي في أرضه لكن لو أنه حصده ثم باعه فلا بأس. السائل: ألا يعتبر الحفر حيازة؟ الشيخ: لا يعتبر حيازة لأن الحيازة هي أن يستخرج الماء. السائل: كيف إذاً جعل للبئر حريم من جوانبها؟ الشيخ: نعم جعل ذلك لئلا يضايقه أحد فيحفر. السائل: إذاً نقول إذا وصل من حفر هذه الحفرة إلى الماء جاز لغيره أن يأخذ من هذا الماء؟ الشيخ: يجوز بشرط أن لا يكون هناك ضرر. السائل: ما ذكرناه من الأحكام هل المقصود بها إذا كان الحَفْرُ في ملكه أم أن المقصود إذا حفر في ملك غيره؟ الشيخ: المقصود إذا كان الحفر في ملكه أما إذا كان في غير ملكه فإنه يكون قد حفرها لغيره.

القارئ: الضرب الثاني الماء النابع في الموات فمن سبق إلى شيء منه فهو أحق به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) وإن أراد أن يسقي أرضاً وكان الماء في نهر عظيم لا يستضر أحد بسقيه جاز أن يسقي كيف شاء لأنه لا ضرر فيه على أحد وإن كان نهراً صغيرا أو من مياه الأمطار بدئ بمن في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ الكعب ثم يرسل إلى الذي يليه كذلك إلى الآخِرِ لما روى عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه بلغه أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قال في سيل مَهْزورٍ ومُذَينيب (يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل) أخرجه مالك في الموطأ وعن عبد الله بن الزبير أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري فقال أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر) متفق عليه وشراج الحرة مسايل الماء جمع شرج وهو النهر الصغير ولأن السابق إلى أول النهر كالسابق إلى أول المشرعة وإن كانت أرض الأول بعضها أنزل من بعض سقى كل واحدة على حدتها.

الشيخ: صورة المسألة إذا كان أناس لهم أملاك على جانب الوادي فالسابق بالإحياء أحق من غيره فيسقي ما زرعه حتى يصل إلى الكعب أي أنه يجعل سداً في طريق الوادي حتى يسقي زرعه فإذا وصل إلى الكعب أطلقت الماء للذي بعده هكذا حكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي قصة الأنصاري رضي الله عنه وعفا عنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام (أن كان ابن عمتك) يقصد الزبير بن العوام لأنه ابن صفية بنت عبد المطلب فهو ابن عمته فكأنه يقول إنك حكمت له لأنه ابن عمتك وهذه كلمة عظيمة فيها اتهام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حكمه ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامله بما تقتضيه حاله فإن الرجل غضب والإنسان إذا غضب لا يدري ما يقول لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فلا يعي ما يقول ولهذا إذا كان الغضب شديداً لم يترتب على قول الغاضب شيء لا طلاق ولا فسق ولا كفر لأنه غير مُرِيد فهو كالمُلجَأ والمُكْرَه وأما حكم النبي صلى الله عليه وسلم الثاني فقيل أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن للزبير في الأول أن يسقي السقي الكافي ولو لم يصل إلى الكعب ثم لما قال الأنصاري هذا الكلام احتفظ للزبير بحقه وجعله يسقي حتى يصل إلى الكعب كأنه في الأول عليه الصلاة والسلام حابا الأنصاري لأن الزبير ابن عمته ومن باب الإدلال عليه فأمره أن يسقي دون أن يرتفع الماء فلما قال الأنصاري هذا احتفظ النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بحقه وأمره أن يسقي إلي الكعب والجدر المذكور في حديث الزبير هي الفواصل التي تُجعل بين حياض الماء وقد قاسوه فوجدوه يصل إلى الكعب كما في الحديث الأول الذي في الموطأ. القارئ: فإن أراد إنسان إحياء أرض على النهر بحيث إذا سقاها يستضر أهل الأرض الشاربة منه منع منه لأن من ملك أرضاً كانت له حقوقها ومرافقها واستحقاق السقي من هذا النهر من حقوقها فلا يملك غيره إبطاله

فصل القارئ: فإن اشترك جماعة في استنباط عين اشتركوا في مائها وكان بينهم على ما اتفقوا عليه عند استخرجها فإن اتفقوا على سقي أرضهم منها بالمهأيأت جاز وإن أرادوا قسمته بنصب حجر أو خشبة مستوية في مصطدم الماء فيها نقبان على قدر حق كل واحد منهما جاز وتخرج حصة كل واحد منهما في ساقية منفردة. الشيخ: صورة المسألة اشترك جماعة في حفر بئر فأخرج أحدهم نصف المؤونة والثاني الثلث والثالث السدس فالماء الذي يخرج من هذه البئر يكون بينهم على قدر أملاكهم وذلك بأن نضع حاجزاً خشبة أو صَبَّة مثلاً ويثقب فيها ثقوب فيكون لصاحب النصف ثلاثة ثقوب ولصاحب الثلث ثقبان ولصاحب السدس ثقب واحد ويتفرع من هذه الثقوب مجاري على أملاكهم فصاحب النصف يصرف إليه ما يخرج من ثلاثة ثقوب وصاحب الثلث يصرف إليه ما يخرج من ثقبين وصاحب السدس يصرف إليه ما يخرج من ثقب واحد ولكن لابد أن تتساوى هذه الثقوب بحيث لا يكون بعضها أوسع من بعض، فإن قال قائل أرأيتم لو وضعنا لصاحب النصف ثقباً واسعاً ولصاحب الثلث ثقباً واسعاً أقل سعة من الأول ولصاحب السدس ثقباً واحداً أقل من الأول فهل يجوز؟ نقول نسأل أهل الخبرة في ذلك فإن كانت تختلف كمية الماء التي تخرج من هذا الثقب الواحد الواسع والتي تخرج من الثلاثة ثقوب متساوية فلا بأس وإن كانت تختلف لأن الثقب الواسع سيندفع منه من الماء أكثر من الثلاثة ثقوب في الغالب لأن الثقوب الثلاثة تكون ضيقة والماء يحتاج إلى اندفاع قوي فهنا نمنع من ذلك والمهم أن نرجع في ذلك إلى أهل الخبرة إذا قال أهل الخبرة أنه لا فرق بين الثلاثة ثقوب أن الثقب الواسع بقدرها فلا بأس وإلا فلا.

القارئ: وإن أراد أحدهما أن يسقي بنصيبه أرضاً لا حق لها في الشرب منه فله ذلك لأن الماء لا حق لغيره فيه فكان له التصرف فيه كيف شاء كما لو انفرد بالعين وفيه وجه آخر أنه لا يجوز لأنه يجعل لهذه الأرض رسماً في الشرب منه فمنع منه كما لو كان له داران متلاصقتان في دربين أراد فتح إحداهما إلى الأخرى. الشيخ: الصحيح أن ذلك جائز وعليه لا يصح الأصل الذي ذكره المؤلف ولا الفرع المقيس عليه. القارئ: وليس لأحدهما فتح ساقية في جانب النهر قبل المقسم يأخذ حقه فيها ولا أن ينصب على حافتي النهر رحى تدور بالماء ولا غير ذلك لأن حريم النهر مشترك فلم يملك التصرف فيه بغير إذن شريكه. فصل القارئ: ومن سبق إلى مباح كالسنبل الذي ينتثر من الحصادين وثمر الشجر المباح والبلح وما ينبذه الناس رغبة عنه فهو أحق به للخبر فإن استبق إليه اثنان قسم بينهما لأنهما اشتركا في السبب فاشتركا في المملوك به كما لو ابتاعاه. السائل: إذا كان هناك نهر جارٍ وفي أوله مزرعة كبيرة وفي آخره مزرعة آخرى فإذا سقى الأول صاحب المزرعة الكبيرة أخذ كل الماء تقريباً ولا يبقى للثاني ماء يسقي منه فكيف نقسم الماء بينهما؟ الشيخ: يعطى الأول حقه كاملاً إلا إذا سمح. السائل: ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الزبير والأنصاري هل هو حكم ملزم أم يجوز للمزارعين يتصالحوا على غير ذلك؟ الشيخ: الحق لهم فإذا سَمَحَ من له الحق أن يقتصر على أقل مما يجب له فلا بأس. السائل: هل لهم أن يتصالحوا على أن لكل واحد منهم زمن معين يسقي فيه؟ الشيخ: لا بأس في ذلك فيكون مهأيأت، لكن في الحقيقة هذا فيه جهالة خصوصاً إذا كان الوادي من الأمطار لأنه لا يُدْرَى أيأتي المطر في زمن هذا دون الآخر أو لا، فيكون فيه جهالة عظيمة أما النهر إذا كان واسعاً كبيراً معروفاً فأمره واضح. السائل: تمثيل المؤلف للمباح بالسنبل الذي ينتثر من الحصادين هل معنى هذا أنه يجوز أخذه بدون أذنهم؟

الشيخ: نعم لأن الحصادين لا يريدونه لا سيما في زمن الرخاء والغناء وكان الناس يفعلون هذا عندنا فيأخذون السنبل والتمر الذي يتساقط عند الجذاذ وهذا عرف مطرد أنهم تركوه رغبة عنه ولهذا إذا كانوا يريدون أن يأخذوه حرصوا على أن يأخذوه قبل.

كتاب الوقف

كتاب الوقف القارئ: ومعناه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة وهو مستحب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية) رواه مسلم. الشيخ: قوله (الوقف) مصدر وَقَفَ أي جعل الشيء واقفاً أما مصدر وُقُوف فالمراد به ضد المشي ولهذا تقول وَقَفَ وقوفاً يعني لم يتقدم في مشيه ووَقَفَ وَقْفاً يعني جعل الشيء موقوفاً وقوله (تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة) نقول أما الشطر الأول من التعريف وهو (تحبيس الأصل) أي المنع من التصرف فيه فهذا صحيح وأما قوله (تسبيل الثمرة) يعني إطلاقها فهذا تعبير ناقص لأن هذا لا يكون إلا في النخيل والزروع وما أشبهها لكن لا يكون في العقارات التي تؤجر ولهذا عبَّر بعضهم بقوله هو (تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة) فيكون أعم ولو قلنا (المنفعة والثمرة) لكان أوضح أيضاً ومثال الوقف إنسان عنده بيت فقال هذا وَقْفٌ على الفقراء فلا يمكن التصرف فيه لا ببيع ولا هبة ولا رهن ولا غير ذلك وتكون أجرة البيت مُسَبَّلة أي مطلقة تُصْرفُ للفقراء ويفعلون بها ما شاؤا أما قوله (وهو متسحب) فنعم هو مستحب إذا كان في صدقة يعني وَقَّفَ بيته للفقراء أو لطلبة العلم أو للغرباء فهذا واضح أنه مستحب لأنه إحسان فيدخل في الحديث (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية) وهذا من القسم الثالث لأنه صدقة جارية، وقوله (علم ينتفع به) هذا يشمل العلم الشرعي والمُسنِد للعلم الشرعي كعلم النحو والبلاغة وأما أشبه ذلك أما العلم المادي فينظر إذا كان فيه مصلحة انتفع الإنسان به وإن لم يكن فيه مصلحة فلا ثواب فيه، وقوله (أو لد صالح يدعو له) الترتيب في هذه الرواية خلاف المشهور ومعنى (ولد صالح يدعو له) أي لأبيه أو أمه ولم يقل يجعل له صدقة أو يصوم أو يحج أو يعتمر لأن الدعاء للوالدين أفضل من أن توقف لهما شيئاً والثالث قال (أو صدقة جارية) وهي الوقف فهو صدقة جارية مستمرة.

القارئ: ويجوز وقف الأرض لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر ما لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه فما تأمرني فيها فقال (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث) قال فتصدق بها عمر على أن لا يباع ولا يوهب ولا يورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقاً بالمعروف غير متأثل منه أو غير متمول فيه متفق عليه.

الشيخ: يجوز وقف الأرض إذا كان فيها منفعة أو كان يمكن أن تباع ويشترى بدلها أما الأرض التي لا يمكن أن تباع وليس فيها منفعة فبأي شيء ينتفع الإنسان إذا وقَّفها!!، واستدل المؤلف بحديث عمر (قال أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه فما تأمرني فيها قال إن شئت) وهنا نقول تأمل الفرق بين السؤال والجواب فعمر رضي الله عنه قال (فما تأمرني فيها) والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل آمرك بل قال (إن شئت) فيتبين لنا من هذا أنه يجوز العدول عن ما يقتضيه سؤال السائل إذا كان ذلك أنفع له لأنه لو أمره الرسول صلى الله عليه وسلم لكان الأمر إما واجباً أو مستحباً فيكون مطلوب من الإنسان فلما قال صلى الله عليه وسلم (إن شئت) علم منه أن الأمر راجع للإنسان إن شاء حَبَّسَ وإن شاء لم يفعل فقال صلى الله عليه وسلم (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) أي بثمرتها لأنه لا يمكن أن يقال حَبِّس أصلها وتصدق به إذ أنه لو تصدق به لم يكن مُحبِّساً ثم قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث) يعني أنه يخرج من ملك المُوقِفِ فلا يجوز أن يبيعه ولا أن يهبه ولا أن يرهنه ولا يُورَثُ من بعده وعليه فماذا يصنع به؟ الجواب يصرف حيث صرفه الواقف فإذا كان وقفاً على المساكين صُرِفَ على المساكين وإذا كان على طلبة العلم صُرِفَ على طلبة العلم وإذا كان على الأقارب صُرف على الأقارب كما ذكره الوَاقِفُ، ثم قال (فتصدق بها عمر في الفقراء) وهذا على جهة لا على معين، ثم قال (وذوي القربى) يعني قرابة عمر وقيل قرابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأول أصح أنه تصدق على ذوي القربى من قرابته رضي الله عنه ثم قال (والرقاب) يعني يُعتَقُ منها الأرقاء ثم قال (والضيف) يعني إذا جاء أحدٌ ضيفاً فإنه يصرف عليه من هذا الوقف ثم قال (لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو أن يطعم صديقاً بالمعروف غير متأثل) (لا جناح) أي

لا إثم على (من ولِيَهَا) أي ولي الأرض التي أوقفها (أن يأكل منها أو يطعم صديقاً) لكن (بالمعروف) فما هو المعروف بالنسبة لأكله أو إطعام الصديق؟ المعروف قالوا هو الأقل من أجرته أو كفايته، فإذا كان لو أنفق على نفسه لأنفق ألفاً في الشهر ولو كان أجيراً لم يستحق أكثر من ثمانمائة فإنه يأخذ بالثمانمائة لأنها الأقل وإذا كان العكس أخذ بالكفاية لأن هذا هو الأحسن للوقف. القارئ: ووقف السلاح والحيوان جائز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أما خالد فإنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله) متفق عليه وفي رواية (وأعتده). الشيخ: وقف السلاح يصح ولكن على المجاهدين وليس على قُطَّاعِ الطريق وكذلك أيضاً وقف الحيوان يوقف هذا الحيوان على المجاهدين في سبيل الله أو على الفقراء يحلبونه وما أشبه ذلك وقوله (أما خالد فإنه قد احتبس أدراعه وأعتاده وفي لفظ (واعتده) في سبيل الله) ولفظ الحديث يحتاج إلى مراجعة ولعلها (أعبده) لأن لفظ (أعتاده) و (أعتده) ليس بظاهر، فبينهما فرق والشاهد من هذا قوله (احتبس أدراعه) والأدراع تبع للسلاح (¬1) (وأعبده) وهي الرواية الثانية دليل لتوقيف الحيوان. القارئ: ويصح وقف كل عين ينتفع بها مع بقاء عينها دائماً قياساً على المنصوص عليه. ¬

_ (¬1) تنبه: ذكر القارئ أن هناك نسخة أشار إلى رواية (وأعبده).

الشيخ: القاعدة كل عين ينتفع بها مع بقاء عينها فإن وقفها صحيح مثال ذلك الكتب لأنه ينتفع بها مع بقاء عينها وكذلك الثياب والسيارات أما الماء فإنه على كلام المؤلف لا يصح لكن الماء مستثنى فيجوز وقف الماء وعليه العمل الآن أما التمر فلا يجوز وقفه لأنه لا يمكن أن ينتفع به إلا بأكله وأكله إفناءً له واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يصح وقف التمر وهو الراجح وعلى هذا فيصرف في الجهة التي عينها الواقف ونقول له سمِّهِ صدقة أو وقفاً والمهم أنه ينتفع به، مثاله رجل أوقف مائة كيلو من التمر للذين يفطرون في رمضان فعلى كلام الفقهاء أن هذا لا يصح لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا بإتلافه وعلى القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله يصح.

_ هذا آخر ما شرح الشيخ رحمه الله

§1/1