تعدد الزوجات بين حقائق التنزيل وافتراءات التضليل

محمود محمد غريب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الكتاب: تعدُّد الزوجات بين حقائق التنزيل وافتراءات التضليل المؤلف: العلامة الشيخ / محمود غريب الناشر: دار القلم للتراث - القاهرة الطبعة: الثانية، 1423 هـ - 2004 م [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ.

من الأدب الرمزي

من الأدب الرمزي قال حيران بن الأضعف: عجبت من صديقي. ظلَّ يُصرُّ على عدم الزواج ويرفضه بشدة، فلما تزوج عدد الزوجات!! فماذا وجد صديقي في الزواج حتى عدَّد الزوجات؟ !!

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وسلام على النبي المصطفى. ثم أما بعد. . . فقد شهدت أسواق الفكر المعاصر أعمالاً فكريةً أصيلةً لكُتَّابٍ (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) ، جمعوا بين العمق في الفكرة والجمال في العرض وحسن البيان. (مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) ، بل أكثرهم - نسأل الله أن يعوِّض عنهم خيراً. وأن يبارك في (مَنْ يَنْتَظِرُ) . وظهر في أسواق الفكر أعمال ورجال نحسن الظن بهم جدوا وسهروا لتقريب كتب التراث "الأمهات" للقارئ، وهو عمل مشكور إذا أحسنوا تجريده من الإطالة، والإسرائيليات وما مضى عصر صلاحيته. ولا يمثل ضرورة فكرية مما قيل عنه: علم لا ينفع والجهل به لا يضر - في عصرنا. بقي صنف أخيرٌ أجاد تحريفَ الحقِّ والزيغَ به إلى ساحة الإضلال، والإضلال - كما تعلم - يأتي بعد تمكن الضلال. ومرحلتهم هذه تأتي بعد سقوط مرحلة الغزو الصليبي العسكري بعد مرحلة الغزو الفكري عن طريق المستشرقين. لقد فشلت مرحلة المستشرقين لعدم ثقة المسلم في كلامهم مهما حاولوا إظهار الحياديَّة وادعاء الموضوعيَّة. فاختاروا من أبناء البلاد من يحمل عقلاً علمياً كبيراً ويسَّروا له الطريق للمؤهلات العليا، والضوء الإعلامي، والتمكين في الأراضي. اختاروهم ليتمِّموا المسيرة. وينشروا دين الهوى، ويفسدوا دين الحق.

وسادتهم وقادتهم من ورائهم يسهرون، تفرَّغوا للدفاع عنهم باسم حريَّة الرأي. يقولون: ألم يكفل الإسلام حريَّة الرأي؟ وحرية الاعتقاد؟ لماذا يحاول علماء الإسلام إغلاقَ باب الحق عليهم. وحدهم؟ ألم يختلف قديما المعتزلة مع أهل السنة؟ وتحمَّل الإسلامُ وأئمَّتُه تكاليفَ المعركة، ولم يحكم بكفر أحد من الطرفين. وفي عصرنا ألم يختلف السلفية مع المتصوفة وتحمَّل الإسلامُ، ووسع الطائفتين؟ فلماذا لا تقبلون أفكار العَلْمانيين كما قبلتم من قبل أفكار الغزالي وابن رشد والفلاسفة؟ كلام طويل خلاصته إن أسواق البهائم تعرض فيها الغزلان والخنازير، فلا يصح باسم الإسلام أن تُغلقوا الأسواق أمام الغزلان ولا الخنازير. وبعد: فهذه رسالة صغيرة في موضوع كبير. كثر فيه الرأي والرأي الآخر. وهو موضوع "تعدد الزوجات بين حقائق التنزيل وافتراءات التضليل". وقد حاولتُ أن أدافع عن حقائق الإسلام من غير أن أدعو إلى تعدُّد الزوجات الذي أدافع عنه. ولا أن أرغِّب فيه واكتفيتُ بالفطرة. فالإسلام أباح التعدُّد ولم يأمر به. واللَّهَ أسألُ أن يمتعنا بالحق، ويجعلنا من جنوده وأنصاره. إنه المستعان. محمود غريب سلطنة عمان - صلالة ص ب: 593 ليلة النصف من شعبان المبارك 1423 هـ

تعدد الزوجات في الشرائع السابقة

تعدد الزوجات في الشرائع السابقة * تعدُّد الزوجات تشريع قديم أباحته كل الشرائع السابقة على الإسلام. يقول نيوفلد في كتابه "قوانين الزواج عند العبرانيين الأقدمين" يقول: "إن التلمود والتوراة معاً قد أباحا تعدُّد الزوجات على الإطلاق وإن كان بعض الربانيين ينصحون بالقصد من تعدُّد الزوجات". * ثم جاءت المسيحية ولم تتوسع في في الجوانب الاجتماعية، وإنما اكتفت بالتشريعات السابقة في هذا الشأن لأن السيد المسيح قال: ما جئت لأنقض الناموس. فبقيت شريعةُ التوراةِ المبيحة للتعدُّد شريعةً للدين الجديد (1) . * ثم جاء الإسلامُ فلم ينشئ تعدُّد الزوجات ولكنه قيَّده، وأصلح ما دخل فيه من فساد بسبب الفوضى، وجعله حسب الضرورات، فلم يحرم الإسلام أمراً تدعو إليه الضرورة، ويجوز أن تكون إباحته خيراً من تحريمه في بعض الظروف الأُسْريَّة، وبعض الظروف الاجتماعيَّة العامة (2) . مدخل ومناقشة: زيادة عدد النساء، ومتوسط، بسبب تعرض الرجال - عادة للحروب ومشكلات العيش، وتكاليف الحياة، هو السبب في إباحة تعدُّد الزوجات. ونحن جميعا نعلم أن الإسلام لم يبح لأحد أن يرغم المرأة على الزواج من رجل له زوجة أو أكثر، فهي التي تختار، سواء كانت بكراً أم ثيِّباً. ومن ناحية الزوجة الأولى لا يستطيع أحدٌ إرغامَها على البقاء - إن شاءت عاشت،

_ (1) (المرأة في القرآن / عباس محمود العقاد. ص: 75) (2) (إنجيل متى إصحاح. 17)

حوار هادئ:

وإن شاءت طلبت الخلع، وربما كانت الزوجة الأولى هي السبب في الزواج عليها. كما ستعرف. لعُقْمٍ، أو مرضٍ، أو سفرٍ طويلٍ للعمل، أو للدراسة، وبعض الناس لا يقوى على تحمُّل مثل هذا بغير زوجة، وقد يكون التعدُّد لمصلحتها. لمصلحتها فعلاً، فقد يطلق الرجل زوجته ويتزوج غيرها، ثم يرى أن يعيدها لعصمته صيانةً لأولاده، وحفظاً لهم، أليس من الأفضل أن يراجعها؟ ! وأيُّ ذنب للزوجة الجديدة حتى يطلقها؟ فالله يشرِّع لعباده وهو أعلم بما يصلحهم (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) . حوار هادئ: قال لي صديقي: إن تعدُّد الزوجات يسبب المعاداة بين بني العائلات - يعني أبناء الرجل من زوجات متعددات. قلتُ له: سوء التربية ممكن أن يجعل الأشقاء في خلاف وشقاق. والتربية على الحب تقرِّب بين من لا نسب بينهم (1) قال: هل نترك المجتمع لظروف التربية؟ لا بدَّ من تشريع يضبط من لا ينضبط بالحبِّ والقيم الأخلاقية. قلتُ له: هل تريد قانونا يمنع المرأة التي مات زوجها من الزواج مخافة أن تنجب فيحدث صراع بين أولادها من الزوج الأول والجديد؟

_ (1) أنا أسطر هذه السطور نشرت الصحف المصرية أن أمين شرطة بالزقازيق أطلق النار على إخوته وأخواته وأمِّه. فهل هذه الجريمة التي اهتزَّ لها القلب بسبب تعدُّد الزوجات؟ ؟ !!!.

وهل تريد قانونا يمنع الرجل الذي ماتت زوجته أو طلقها حرمان الزواج بامرأة جديدة تنجب له أولاداً أبوهم واحد وأمهاتهم مختلفات؟ قال: ولكن القرآن اشترط لجواز التعدُّد القدرة على العدل بينهن، (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) . وأثبت القرآن عدم قدرتنا على العدل بين النساء (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) . فالمعنى المستفاد من الآيتين هو منع التعدد. أظنُّك من الأدب والإيمان بحيث لا تدعي أنك أعمق فهماً. للإسلام من أبي بكر وعمر وعثمان وخالد وكبار السلف - رضي الله عنهم - فقد عدَّدوا الزوجات في حضور النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينههم. وسكوته - صلى الله عليه وسلم - إقرارٌ، وإقرارُه تشريعٌ. قالوا: يمكن للقانون أن يمنع التعدُّد على الأقل في أيام السِّلْم احتراما للمرأة ومشاعرها. قلتُ: على رأيك هذا القانون سيحول بين المرأة التي ترغب أن تكون زوجة ثانية وبين تحقيق رغبتها. فهل المنع لصالح المرأة أم لعذابها؟ إن الزوجة الأولى قد تكون عقيماً. أو مريضة أو مسافرة سفرا طويلاً. فمن الخير لها أن تبقى زوجة بدلاً من طلاقها. ومع ذلك الخيارُ لها. والمرأة تكون معطلة عن الحياة الزوجية أيام الحيض، وقد تصل إلى عشرة أيام في الشهر، وتحرم على زوجها أيام الولادة والنفاس، وقد تصل إلى شهرين.

هل تعدد الزوجات يمثل ظاهرة في بلادنا؟

وبعض الرجال لا يقوى على تحمل هذا. * وقد يطلّق الزوج زوجته ويتزوج غيرها، ثم يرى أن يعيدها لعصمته رعاية لأولاده، أو حبًّا فيها، فتعددّ الزوجات يقلل من الطلاق. لمثل الزوجة الجديدة. إذا رغب في العودة لزوجته الأولى. * وفي أعقاب الحروب يجب أن يكون التعدُّد حلًّا لمشكلة أرامل الشهداء ولنا في رسول الله أسوة حسنة. فأكثر الأمهات المؤمنين من أرامل الشهداء. وقد يموت أخوهُ ويترك يتامى وزوجة أرملة هي أم اليتامى. لا يستطيع أن يشرف على تربية أولاد أخيه. ولا يمكن التردد على بيته حذراً من الفتنة، أو من كلام الناس. فليعقد على أرملة أخيه من باب "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" ورعاية أطفال أخيه واجب. وأسباب أخرى كثيرة، والأيام حبالى يلدن كل عجيب. أما فهم الآيتين فسوف نحاول فهمها بشي من التفصيل في حواري مع الدكتور مراد هوفمان الألماني، والمهندس محمد شحرور - إن شاء الله. * * * هل تعدُّد الزوجات يمثل ظاهرة في بلادنا؟ تقول الأرقام - وهي - إن لم تكن حسابية فهي بلاغية تقول: إن عدد الذين يجمعون أكثر من زوجة واحدة لا يزيد عن 4%. ولا تكاد تذكر نسبة الذين يجمعون ثلاثة أو أربعة. وتقل النسبة كلما انتشر التعليم.

فالتعليم المتوسط حوالي 2.8% بينما تقل هذه النسبة لمن أتم التعليم العالي فتصبح 1.4% ومن درس بعد الجامعة فالنسبة تصل إلى ثلاثة في الألف. ومما يجب أن نذكره أن أولاد الزنا يكثرون في البلاد التي تُحرّم تعدُّد الزوجات. وفي مجلة حضارة الإسلام الجزء الثاني ص 365 عام 1961 إحصائية لأولاد الزنا ففي فرنسا بلغ عدد أولاد الزنا 30 في الألف، وفي بروكسل 60 في الألف. وفي السويد يولد طفل غير شرعي بين كل عشرة أطفال. وفي أمريكا ولد مائتان وعشرون ألف طفل غير شرعي عام 1959. يعني 52 في الألف. فمن حجر على تعدُّد الزوجات بقوة القانون لم يستطع أن يحجر على أسواق الخليلات الرخيصات. وفي بلد قُبض على رجل وقدم للقضاء بتهمة تعدُّد الزوجات. فأثبت محاميه أن موكله لم يُعدِّد إنه يزني. فبرّأه القضاء. برأه لأن القانون الفرنسي المعمول به في بعض البلاد العربية لا يعاقب على الزنا ولا يحرمه إلا إذا خانت زوجها أو أخذت أجراً على الزنا. فإذا انتفى شرط الزواج أو كانت تزنى بدون أجر فلا جريمة ولا عقاب. حتى لو كانت متزوجة فالحق لزوجها. إن شاء طلب معاقبتها بتهمة الخيانة الزوجية. وإن شاء عفا عنها. وبعض بلاد محمد - صلى الله عليه وسلم - تحتكم لهذا القانون. ونسأل: الزوجة الواحدة مسؤولية كبيرة وحمل على الرجل ثقيل. فما بال بعض الناس يعدِّد الزوجات؟

الإسلام قيد التعدد:

لابد من سرٍّ في الموضوع لا يعرفه الذين يعارضون تعدُّد الزوجات. والذين لم يدخلوا تجربة التعدُّد قالوا: إنها لإشباع الشهوة. يقول أستاذي الإمام محمد أبو زهرة: وهبْ أن التعدُّد شُرع لتنظيم هذه الشهوة، فإن القضية منتهية بلا ريب إلى الموازنة بين زواج وسفاح، أي الطريقين أهدى سبيلاً؟ !! * إن الذين يُحرمون تعدُّد الزوجات يبيحون نظام الخليلات في جرأة ووقاحة. {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} أن تعيش المرأة مع نصف رجل، يتحملها إذا أصابها الشيب، وانصرف عنها الأخلاء، أم أن تعيش حياتها مدلَّلة يُقبلون يدها على المساهر الليلية، حتى نودع شبابها فينصرفون عنها؟ * وهل تعيش الخليلة وحدها أو يُعدد الرجل الخليلات؟ لا أعرف قانون بلد منع تعدُّد الزوجات ومنع تعدُّد الخليلات فإذا أباحوا تعدُّد الخليلات فتعدد الزوجات أولى وأطهر. الإسلام قيد التعدُّد: التشريعات السابقة على الإسلام أباحت تعدُّد الزوجات. حتى الأنبياء منهم عدَّدوا الزوجات. والتوراة التي بين يدينا تخبر أن دواد - عليه السلام - تزوج ثلاثمائة حرة.... وفي الجزيرة العربية عدَّد الرجال الزوجات قبل الإسلام من غير تقيد بعددٍ. فالإسلام قيد المباح من ناحية العدد ,

وقيده من ناحية الواجبات التي فرضها على الزوج وحسب أنه لا يبيت حيث يريد: ولكن حيث يريد له الواجب. وليس له خيار في الإنفاق فهو ملزم ديانة وقضاء على الإنفاق على من يتزوج بهن. وإذا كان القاضي لابد أن يكون منصفاً. وإذا كان الإنصاف أن يعطي كل خصم نصفه. فالزوج مطالب بالإنصاف بين الزوجات. "يأتي يوم على القاضي العادل يودُّ لو لم يحكم بين اثنين في تمرة" القاضي العادل. والتركة تمرة. والنساء أقدر على إمالة القلوب من كل تمر الدنيا بل وذهبها. من هنا خفف الله عنا فلم يطلب العدل المطلق بين الزوجات. فقد اعتذر النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه عن المطلق "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" واكتفى القرآن بالعدل النسبي: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} وإذا عجز المسلم عن العدل بينه وبين الزوجات الأربعة فليتزوج من يقدر على العدل بينهن. وواحدة أفضل. وإذا عجز عن العدل بين نفسه وبين زوجة واحدة فالأفضل عدم الزواج {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}

(اعدلوا هو أقرب للتقوى)

قال علماؤنا: من خاف على نفسه من الزنا إذا لم يتزوج، وخاف على المرأة من الظلم إذا تزوج فالأفضل عدم الزواج. لأن الفاحشة يمكن دفعها بالصوم وزيادة نصيب النفس من مخافة الله. ولا يمكن إصلاح ظلم المرأة - كما قلت. (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) : وأهم ميادين العدل الذي أوجبه الله العدل في القسمة بين الزوجات، بما تيعلق بالمبيت. طلباً للأنس النفسي، وهو غاية من غايات الزواج، بل من أهمها. ولا علاقة بين المبيت وبين المعاشرة الزوجية. لجواز امتناع المعاشرة من إحدى الزوجات لعذر شرعي، أو عادي. كالحيض والنفاس أو لمرض خلقي أو طارئ، لأن المبيت للمؤانسة. والله - سبحانه وتعالى - يقول {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} وللسكنى النفسية {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} والسكنى النفسية لا تتحق مع الفرقة المتعمدة في السكن والفراش. * وللزوج أن يتخذ مسكناً مستقلاً له يقيم فيه وحده. ولكن ليس له أن يجعل سكنه الدائم في بيت إحدى زوجاته، لأنه بذلك سوف يحْرِمُ الأخريات من حقِّ القِسْمة. * وأفتى العلماء أن للزوجة الجديدة في أول الزواج ثلاثة أيام إذا كانت ثيِّباً، وسبعة أيام إن كانت بكراً، ثم يرجع إلى القسمة العادلة بين الزوجات.

العرض المادي هل يسقط القسمة؟

ولم يقل أبو حنيفة بذلك، وقال: إن مكث عند الزوجة الجديدة أياما فلا بدَّ أن يبيت مثلها عند زوجاته. وللزوجة أن تتنازل عن ليلتها للزوجة الأخرى، فقد تنازلت أم المؤمنين "سودة بنت زمعة" عن ليلتها لعائشة - رضي الله عنهما - لمَّا كبرت "سودة" والحديث في البخاري وطبقات ابن سعد. وفي مثل هذا التنازل يُشترط قبولُ الزوج لهذا التنازل، ولا يشترط قبول الموهوب لها. وسبب ضرورة قبول الزوج أنه قد يفهم تنازلها على أنه نوع من الفرار منه، فهو يكره هذا لحبِّه وحاجته إليها. أما عدم اشتراط قبول الموهوب لها؛ فلأنَّ الزوج يمارس حقَّه معها، فلا يحتاج لإذنها وموافقتها. * وفي صحبة السفر كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجري القرعة بين نسائه. وإذا كان السفر لا يصلح فيه زوجة بعينها كان تسافر للعلاج، أو يختارها لعلمها بدقاق اللغة في البلاد التي يسافر إليها. أو لأسباب أخرى فلا مانع من السفر بها بدون قرعة. العرض المادي هل يُسقط القسمة؟ الإسلام جعل موضوع العدل في القسمة موضوع عدل بين الناس. ومخالفة حاكم جائر {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وكثيراً ما استخدم القرآن كلمة العدل في موضوع النساء.

المساواة في غير القسمة:

* فهل يجوز للرجل أن يدفع الظلم من نفسه في موضوع المبيت.... لصاحبة الحق؟ * وهل يجوز لزوجة أن تدفع لزوجها ليعطيها ليالي أكثر من الزوجات الأخريات؟ * أو تعطي ضرتها من المال ما تشتري حقها في المبيت؟ الجواب الأول: إذا أعطيت المرأة مالاً لزوجها لتحصل على حقوق الزوجات الأخريات فهي تدفع رشوة، وتعينه على الظلم. المساواة في غير القسمة: قرأت أكثر ما وقع تحت يدي من كتب الفقه في موضوع ضوابط المساواة بين الزوجتين أو مجموع الزوجات ولم أسترح لأكثر ما قرأت من اجتهاد ... لاختلاف العصر مما يتبعه. من تغير - فبعض المذاهب كالحنابلة والمالكية يؤيد صعوبة التسوية بين الزوجات في النفقة. فبعض الزوجات ذات أولاد، وبعضهن شابة لها متطلبات أكثر وبعضهن مرضى يلزمهن نفقات العلاج، أو طالبة يلزمها ما يلزم زميلاتها من تكاليف الدراسة. ومن تعيش في الريف لا يلزمها ما يلزم ساكنة المدينة. فهل يكون العدل المطلوب هو المساواة بينهن في توزيع الراتب؟ أم المراد بالعدل عدم الجور؟ أعني لكل حسب حاجتها.

ودعاؤنا للزوج بعد ذلك أن يكون الله معه فقد حمَّل نفسه كثيراً. وهو وحده يدفع الثمن. وفي مذهب الأحناف خلاف بين الواجب عليه نحوهنَّ. ففي "بدائع الصنائع" يجب عليه أن يعدل بينهن في المأكل والمشرب والملبس والسكن. بينما يرى الفقيه الحنفي ابن عابدين أن إحداهما قد تكون غنية والأخرى فقيرة فلا يلزم المساواة بينهما مطلقا في النفقة. قال: وعليه الفتوى. والذي أرتاح له أن مسألة النفقات تختلف من زوجة إلى زوجة أخرى في عصرنا - في غير الضروريات والحاجيات، فالزوجة التي تعيش في الريف لا يلزمها كل ما يلزم نساء المدينة، كما ذكرنا. وللمريضة والطالبة وأم الأولاد نصيبها. فليحاول أن يبرئ ذمته. والله في عونه. والمساواة في كتب فقه الأصول تنصُّ على فروق مادية سهلة، كحفنة من القمح أو مثلها من الشعير أو قطف عنب. ومعلوم أن هذا هو الحدُّ الأدنى. ولا نهمل حالة الزوج الذي يقوم بهذا الحِمْلِ وحده، ونساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كان منهن بنات ملوك، وبنات شيوخ عشائر، كالسيدة "صفية بنت حيي بن أخطب" - ملك اليهود -، والسيدة "جويرية بنت سيد بني المصطلق"، و "أم حبيبة بنت أبي سفيان" - بنات ملوك وقادة، ومع ذلك كن يعشن في عيشة واحدة متقاربة. وقد ناقش الدكتور "أحمد علي طه ريَّان" الموضوع مناقشة واسعة في كتابه "تعدد الزوجات" وناقشتُه من قبل في "زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - 1973 م " مع طلاب جامعة القاهرة.

متاعب التعدد وموضوع الغيرة:

متاعب التعدُّد وموضوع الغيرة: لو كانت متاعب التعدُّد للزوجات تقف عند ضرورة أن ينام حيث يفرض عليه الواجب، ويلتزم بينهما في النفقة على ما بينا. ربما هان الأمر. ولكن المطلوب أبعد من كل هذا وأشدُّ. موضوع الكلمة يحاسب عليها، وبشاشة الوجه، وأفعال الغيرة. وما أدراك ما الغيرة؟ لقد سيطرن حتى على أمهات المؤمنين، مع أن القرآن الكريم قال عنهن: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} وسبب شدة غيرتهن أن الرجل كلما كان عظيماً كلما زادت غَيرةُ الزوجات عليه، فكيف إذا كان الزوج هو النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جمع الله فيه محاسن الأمة ليكون قدوة لها في كل كمال. لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربي نساءَه، ويُعِدُّهنَّ لأمر عظيم. عندما دخلت هالة - أخت السيدة خديجة - رضي الله عنها - على النبي - صلى الله عليه وسلم - فبش لها وقال: اللَّهُمَّ هَالَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَغِرْتُ فَقُلْتُ مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا" في مسن الإمام أحمد - رحمه الله - عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ قَالَتْ فَغِرْتُ يَوْمًا فَقُلْتُ مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا قَالَ مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ". لقد غارت عائشة من خديجة - رضي الله عنها - بعد موتها لكثرة وفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لها. والوفاء من أخلاق الدين.

الغيرة دليل على الحب

قالت عائشة: ما غرت على امرأة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة لكثرة ذكر النبي لها، وثنائه عليها. ولا ننسى سِنَّ السيدة عائشة في هذه الأيام، وشعورها بل ويقينها بحب النبي - صلى الله عليه وسلم - لها. حبًّا جعله يعتذر لله - سبحانه - عنه. "الله هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" الغَيرةُ دليلٌ على الحبِّ ولكن تجاوز الحد فيها يُعسر الحياة معها. وهذه من مشكلات التعدد. ومن قصص الغيرة وعلاج النبي - صلى الله عليه وسلم - لها: ما رواه البخاري عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ". وقصص كثير كان يحدث في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب الغيرة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصبر ويعالج ويقدر لهن الدافع على فعلهن. ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - غيوراً وكان الزبير - رضي الله عنه - معروفاُ بالغيرة، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مفرطاً ولكن الله أكثر غيرة من النبي"

التعدد حل لمشلكة طبيعية:

إن الله - عز وجل - يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه. وبعد: إن الإسلام عندما شرع تعدُّد الزوجات أكد بذلك عالمية الدعوة لأنه وضع حلولاً لكل البشر مع تعدُّد أحوالهم الفردية والاجتماعية في السلم وفي الحرب. والرخاء والكرب. والإسلام حدد عدد الزوجات وكان قبل الإسلام متروكاً لقدرة الرجل - كما قلت. وأوجب على الرجل حقوقاً تنظِّمُ الأسرة في المبيت والنفقة حتى الكلمة ينطق بها الرجل والابتسامة يبتسمها. اشترط الإسلام العدل النسبي بين الزوجات - كما سبق أن قلتُ. التعدد حل لمشلكة طبيعية: لو كان عدد النساء وعدد الرجال متساويين لتزوج كل رجل بامرأة واحدة. ولو كان عدد النساء يزيد عن عدد الرجال؟ فللمناقشة أحد حلول ثلاثة: يتزوج كل رجل بامرأة واحدة والباقيات يعشن راهباتٍ أو خليلاتٍ - متسولات جنسيًّا. أو يعشن طاقاتٍ معطلاتٍ. أو يشترك كل مجموعة منهن في رجل واحد.

من باب "ما لايدرك كله لا يترك كله" مشكلة واقعية تحتاج لحل عملي. ولغة الأرقام تؤكد هذه المشكلة - تؤكد زيادة عدد النساء، وإليك بعض الإحصائيات. نقلاً عن إدارة التعبئة بمصر العربية: المحافظة..... عدد الذكور..... عدد الإناث كفر الشيخ.... 483 ألف.... 490 ألف بني سويف.... 422 ألف ... 437 ألف أسوان.... 189 ألف.... 196 ألف امرأة وعلى القارئ أن يذكر أن عام 1960 عام سلم. وطبيعي أن تختلف الإحصائية بعد 1967 بعد النكسة. فأين؟. وماذا يفعل العدد الزائد من النساء؟ 1- راهبات أو خليلات؟ 2- أو تشترك مع غيرها في رجل في الحلال؟ إن نصف رجل في الحلال أو ربع رجل أفضل. دع الله يُشرِّع لعباده، فهو أعلم بمصلحتهم.

وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ". ولعل هذا بسبب الحروب التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها في نبواءته. روى مسلم في صحيحه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو" وعالمية الشريعة الإسلامية تفرض صلاحيتها لكل الظروف، في السلم والحرب. والإسلام لم يفرض تعدُّد الزوجات، ولكنه أباحه. والإسلام لم يبتدع تعدُّد الزوجات، لأنه سابق عليه في الأديان السماوية وفي الجزيرة العربية. ولكنه حدده بأربع زوجات. واشترط الإسلام - كما سبق - قدرة الرجل على العدل وإن كان نسبياً. وقدرته على الإنفاق. وجعل للزوجة الأولى أن تجعل من شروط زوجها ألا يتزوج عليها. فإن خالف الشرط فلها أن تطلب الطلاق. فأي مشكلة والأمر في البقاء والطلاق بيدها؟! قال معارضو التعدُّد: إن التعدُّد يهدم قاعدة مساواة المرأة بالرجل. قلنا: إن الله علم أنَّ المرأة لا تصلح إلا لزوج واحد، حتى يثبت نسب ولدها من أبيه. وحتى يتحمل مسؤولية التربية.

من هنا لم تعدُّد الزوجة الأزواج. قال لي أحدهم: لماذا لم تعدُّد المرأة الأزواج كما يعدد الرجل الزوجات؟ فقلت له: إذا تزوج الرجل بأربعة فكم يمكن أن يرزق من الأولاد؟ قال: أربعة. قلت: وإذا تزوجت المرأة أربعة رجال فكم يمكن أن ترزق في العام؟ قال: حمل وحد. ثم ضحك. يقول الأستاذ العقاد: "إن طبيعة الرجل أو الذكر عامة إذا أدى مطلب النوع مرة أن يؤدي بعده مرات بلا عائق من التركيب أو التكوين. وليس هذا في حال الأنثى بميسور على وجه من الوجوه" الدكتور مراد هوفمان وموضوع تعدُّد الزوجات. أسلم. وعمل سفيراً لألمانيا في المغرب وكتب عن الإسلام. ولكن البيئة التي ظهر فيها غير إسلامية. واللغة التي يتكلم بعا غير عربية. فإن أخطأ فَهْمَ آية قرآنية، أو عادة من عادات العرب فله عذره. قال: والشروط التي تبيح التعدُّد للزوجات في أغلب الأوقات تجعل التعدُّد في عصرنا مستحيلاً. ثم ذكر الآيتين {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} والآية الثانية {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}

وأخذ من ظاهر الآيتين صعوبة التعدد. وإن كان لم يمنعه ولم يحرمه. واشترط الدكتور مراد هوفمان في إباحة التعدُّد أو يوجد يتامى كأبناء أخيه الذي مات فيتزوج من أرملة أخيه لكي يرعى اليتامى هذا هو رأيه بإيجاز. وبناء على أخذه بظاهر الآيتين بدون تعمق في فهمها أخطأ الحكم على حكام المسلمين وخلفاء الإسلام فقال: تعدُّد الزوجات في بيوت الأمراء والخلفاء لا يقبله القرآن أو يجيزه وهو أمر تلقائي عفوي غير منطقي وغير إنساني. وسبب خطأ الدكتور "هوفمان" في الحكم هو خطؤه في فهم العدل المطلوب. ظنُّه العدل المطلق. وهو العدل النسبي - الذي تكلمت عنه. وهو تحريم الميل كل الميل لزوجة مما ينشأ عنه أن تكون الثانية كالمعلقة لا هي زوجة فتتمتع بحقوقها الشرعية ولا هي مطلقة فتبحث عن زوج: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} جاء في معنى الآية الكريمة: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} كمال العدل. لأن أمر النساء يغالب النفس. لأن الله جعل حُسن المرأة وخلقها مؤثران أشد التأثير على الرجل. {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} أي لا يفرط أحدكم بإظهار الميل إلى إحداهن أشد الميل حتى يسيء الأخرى بحيث تصير الأخرى كالمعلقة.

{كَالْمُعَلَّقَةِ} هي المرأة التي يهجرها زوجها جهرا طويلاً فلا هي مطلقة ولا هي زوجة. وقد قالت أمُّ زرع: "زَوْجِي الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ". وقد دلَّت الآية الكريمة على أن المحبة أمر قهري، وأن للتعلق بالمرأة أسباباً توجبه قد لا تتوفر في بعض النساء، فلا يتكلف الزوج بما ليس في وسعه من الحب والاستحسان. ولكن من الحب حظاً هو اختياري وهي تحمل ما لا يلائمه من خلقها" فالدكتور "هوفمان" قليل المعارف باللغة التي يحتاجها الدارس لمقاصد القرآن. ومع ذلك فالدكتور منصف حاول بيان بعض الحالات التي تأتي على الرجل عادة فتكثر الأرامل. ومثل رغبة بعض النساء في تزويج زوجها من امرأة معينة لتدرب أولادها على حبهم لأنها مريضة وستموت، وذكر من الأسباب رغبة بعض النساء من الزواج من رجل معين. وليته طبق هذا الكلام على بيوت الخلفاء. والدكتور "مراد هوفمان" له عذره - كما قلت - لأنه نشأ وترعرع في ألمانيا فمعرفته بالإسلام وبتاريخه ومجتمعه معرفة محدودة. أما الدكتور المهندس شحرور فلا عذر له في بلد عربي له حضارات العربية والإسلامية العريقة. والجهود التي بذلها في كتابه جهود كبيرة. كبيرة فعلاً. لأنه يريد بهذه الجهود نقل حقائق تفوق الجبال الراسيات، نقلها إلى بركة من الأوهام. والأصابع الكليلة لا تقوى على نقل الجبال الراسيات وأنفاس المرضى المصرورين لا تستطيع أن تطفئ ضوء الشمس. كنت أريد أن أجمع دراستي لكتابه "الكتاب والقرآن 820 صحيفة" لأخرجها في كتاب مستقل. ولكنني رأيت أن أنقل هنا بعض ما يتعلق بموضوع الأُسْرة والمرأة ليعلم القارئ المسلم ماذا يراد بالإسلام باسم حريَّة الفكر؟

وأوجز هذه السطور عن منهج د / شحرور في كتابه ليعلم القارئ المسلم أن جهوداً كبيرة تبذل لصرف المسلم عن حقائق الإسلام. وتشويه صورته الناصعة. كانت هذه الجهود تبذل على يد علماء الاستشراق، وتنقل عن طريق الترجمة إلى بلادنا، هذا فيما بعد الحروب الصليبية لكن القائمين على أمر الغزو الفكري لبلاد محمد - صلى الله عليه وسلم - وجدوا أن القارئ والدارس لا يطمئن لكثير مما يقرأ. مهما حاول الكاتب - غير المسلم - أن يدعي الحياديَّة والموضوعية في البحث. من أجل ذلك حاولوا صنع بعض العقول المنتسبة للعربية والإسلام لتقوم بهذه المهمة. فهناك يسمع ما تقول. واستعدوا غزوهم لبلادنا واستعمارهم لكثير منها في تربية هذا الجيل على ما أريد منه، بعد نجاحهم في اختياره. ونقلوا بعضهم إلى بلاد الشرق والغرب لتعميق هذه المهمة. وتشكيل عقولهم وقلوبهم. لا أذكر أسماءهم. فليس هذا موضوعي. ولكن أذكر غزوهم لبلادنا بالقوانين الوضعية التي أدخلوها لإبعاد الشريعة الإسلامية عن الحكم. بل وعن القضاة عامة. ولم يمض على إدخالها سوى قرن واحد حتى أصبحت قوانينهم هي المصدر الأول للتشريع في بلادنا، أو حتى في أكثرها. وأصبح بعض حملتها من أبناء البلاد - ينظرون للشريعة الإسلامية نظرة التراث الذي أتم دوره في غياب القوانين الوضعية. ويجب أن تحال الشريعة للتقاعد. وكما حدث منذ قرن في القوانين الشرعية، وتكوين عقول تؤمن وتدافع وتعمق القوانين المستورده حتى لم يبق - في بعض البلاد المسلمة من الشريعة الإسلامية سوى "الأحوال الشخصية والميراث". حاولوا بعد ذلك صنع عقول من أبناء البلاد والمنتسبين للإسلام لغسل عقول الأجيال مما بقى من العقيدة والحضارة الإسلامية والأخلاق الإسلامية.

فجنَّدوا لنفس الأمر مجموعة من أذكياء الشباب المنتسب للإسلام أصحاب القدرة على البيان، وصنعوا لهم مجداً علمياً زائفاً، ومؤهلات عالية، وسخَّروا لهم كل وسائل الإعلام في العالم، حتى يقوموا بما أعدُّوهم له من طعن الإسلام وتشوية صورته من الداخل. وأقلُّ سهام الداخل دامية وربما قاتله. والآن مع المهندس الدكتور محمد شحرور وكتابه "الكتاب والقرآن" وما يتعلق بموضوعنا فقط من هذا الكتاب. * منهجه في الكتاب: أولاً: يستخدم الدكتور منهج كل إخوانه من العَلْمانيين - بفتح العين - في محاولة خداع الشباب باسم حريَّة الفكر. فهم يرجعون إلى كتب اللغة العربية وينقلون المعنى اللغوي للكلمة القرآنية، ليصرفوا الناس عن المعاني الشرعية للكلمة. المعاني التي جاء بها الإسلام، وجاهد النبي من أجلها. وجمع الناس عليها. ومعلوم أن كل كلمة أو مصطلح إسلامي له معنى لغوي ثم أحدث القرآن له معنى شرعي. كالصلاة مثلاً معناها اللغوي الدعاء، ثم استحدث الإسلام بها المعنى المعروف. والزكاة. معناها اللغوي النماء والزيادة. والحج معناه اللغوي القصد إلى أي مكان عظيم. ثم استخدم الإسلام هذه الألفاظ في معانيها الإسلامية. فإذا حاول العلمانيون تفسير القرآن الكريم بالمعاني اللغوية السابقة على الاستعمال الإسلامي فهذه انتكاسه فكرية. وهدم لما أحدثه الإسلام من معاني.

وتجريد الساحة من المفاهيم الإسلامية: ويظهر هنا جيداً في كلمة "الشريعة" بالذات. فكتب اللغة تقول: الشريعة هي شرعة الماء. التي تطلق عليها اللهجة المصرية اسم "ترعة" أي مجرى الماء. ثم استعير اسم الشريعة من مجرى الماء واستعمل للطريقة الإلهية. تشبيها بتشريعة الماء. ووجه الشبه - كما قال الراغب الاصفهاني: المنافع في المعنيين - من ريّ وتطهير. وأصبحت كلمة الشريعة بمعناها الإسلامي الجديد تعني أحكام الله ... هداية للناس، ومنهج تربية لهم، وحاكمه لحكامهم {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} ومعلوم أن بعد الإسلام لا يمكن أن نرجع إلى المعنى اللغوي ونهمل المعاني الشرعية {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} فمنذ العهد المكي والقرآن يستخدم كلمة الشريعة بثوبها الجديد ومعناها الإسلامي. واستمر الاستخدام القرآني للكلمة حتى آخر العهد المدني عندما نزلت سورة المائدة آية 18 - التي ذكرناها وسوف تبقى. وقد فهم المشركون في مكة المقصود من كلمة الشريعة بمعناها الجديد. فلم يقل أحد منهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - أين الشرعة التي جعلك الله عليها. لتحول مكة إلى وادٍ ذي زرع.

نماذج من كتاب دكتور شحرور:

ما دامت الشرعة هي مجرى الماء. لم يقل أحد هذا. فالعلمانين عندما يحاولون النكسة الفكرية بتفسير القرآن بالمعاني اللغوية فقط يريدون صرف الدعاة عن المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية الغراء لأنهم يريدون حكماً بدون دين، واقتصاد بدون دين، وتربية بدون دين، حتى الأخلاق يريدون تجريدها من الدين فهم يدَّعون أن ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - هو قضاء ناسب عصره. وليس في الإسلام شيء اسمه الشريعة الإسلامية بمعنى الحكم الإلهي الممتد من القرآن والسنة. هذا هو منهج العَلْمانيين. وهو المنهج الذي اتبعه المهندس الدكتور شحرور كما سنبينه - إن شاء الله. يريدون إلغاء الدين من الحياة. نماذج من كتاب دكتور شحرور: فمثلاً وهو يتكلم عن العورة. يبدأ بقوله: العورة ليس لها علاقة بالحلال والحرام لا من قريب ولا من بعيد. (هذا هو الجانب الشرعي) في تصوره. وينتقل إلى كتب المفردات اللغوية وينقل معنى العورة فيقول: العورة بالمعنى العربي هي "ما يستحي المرء من إظهاره" هذا ما أجمع عليه أئمة اللسان العربي في معنى العورة. ثم يستشهد بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من ستر على مؤمن عورته ستر الله عورته" ولا يفوته أن يذكر الآيات والأحاديث التي استخدمت كلمة العورة لغوياً. أما المعنى الشرعي للعورة - للرجل أو للأنثى

يقول: هو كلام مردود. ص 612 وكما قال من قبل: ليس له علاقة بالحلال والحرام. ويقسم جسم المرأة إلى قسمين. الأول (جيوب) ويعني بها الفرج وإست المرأة، وتحت الثديين. والثاني بقية جسدها. ويقول: إن الله منع المرأة المؤمنة من العمل والسعي بشكل يظهر جيبها - فرجها وإستها وتحت ثدييها - كأن تقوم برقصات تظهر فيها هذه الجيوب أو بعضها. بشكل إرادي. ونلاحظ أنه راعى اليسر على الراقصات فقال: ظهور الجيوب بشكل إرادي. أما إذا غلبها الفن فظهر ما ظهر منها بشكل غير إرادي فالدكتور يُوسِّع دائرة العفو من أجل الفن. ثم يقول: الله - سبحانه - قد حرم على المرأة التعرية والبغاء. وأما بقية المهن فيمكن للمرأة أن تمارسها دون حرج أو خوف، وذلك حسب الظروف الاجتماعية. وفي صفحة 614 يقول: إن قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} يقول: هذه الآية للتعليم وليست للتشريع. لست أدري ما هي آيات التعليم وما هي آيات التشريع؟ !! أما النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً. ويفسرهن بالمريضات فلا مانع عنده من خلع ثيابهن لحمامات الشمس، والمساجات أمام من يقوم بمساعدتها. ثم يذكر قوله تعالى: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} صـ 616

مفهوم العورة في السنة:

هكذا يظهر لنا خطر المنهج العَلْماني في تفسير القرآن باللغة العربية فقط بعيداً عن التفسير بالمأثور وبمصطلحات فقهاء الأمة. لقد وصلت جرأة المهندس شحرور عندما يدعي أنه يصحح أخطاء تفسير العلماء المسلمين لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أن يُقسِّم - كما سبق أن ذكرتُ - جسم إلى جيوب وغير جيوب. ويعتبر الجيوب - الفرج والإست وتحت الثديين زينة باطنة. لا يجوز للمرأة أن تتعمد ظهورها. وما عدا ذلك وهو كل جسدها زينة ظاهرة كالشعر والبطن والظهر والفخذين ثم يقول: والله - سبحانه - قد خلق الرجلَ والمرأةَ عُراةً دون ملابس ص 606. * * * مفهوم العورة في السنة: إن العَلْمانيين يريدون عزل الأمة عن شرع الله. إن العورة في الإسلام - كما يقول صاحب "مدارج السالكين": "ومن المحرمات النظر إلى العوارت. وهي قسمان: عورة وراء الثياب. وعورة وراء الأبواب. وقد وصل حرص الإسلام على صيانة العورات إلى وراء الأبواب - وهي الأخف من العورتين - أن من نظر في العورة التي وراء الأبواب فرماه صاحب العورة ففقأ عينه لم يكن عليه شيء، وذهبت عينه هدراً بنص حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - المتفق

عليه عند البخاري ومسلم: "قَالَ مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ". وفي رواية أبي داود "فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَقَدْ هَدَرَتْ عَيْنُهُ" وهذا إذا لم يكن للناظر سبب يبيح له النظر كريبة هو مأمور بمراقبتها. وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في التحذير من كشف العورة أحاديث كثيرة. وفي بيان المراد منها. وحدَّدت كتب الفقه المراد من العورة. وأحكامها. ولكن شحروراً - ككل العَلْمانيين - يريدون هدم الحق باسم حريَّة الرأي والفكر، ولست أدري ما هي حدود الحرية التي يجب أن يتمتع بها الكاتب ويقف عندها لضمان سلامة المقدسات. فأنت حر ما لم تضر. والإضرار بالمقدسات أعظم. وهم لا يريدون للكاتب حريَّة إلا في مجال طعن الإسلام. ولكل حضارة مقدسات لا يسمح لأحد تحت أي شعار أن ينال منها. والولايات المتحدة وهي تدَّعي حماية الحرية وحقوق الإنسان هل تسمح لأحد باسم حريَّة الفكر أن ينادي بعزل أقليم واحد من أقاليمها؟ أما أن يجرُء الكُتَّاب المنتسبون للإسلام إلى طعن مقدساته ففاعل ذلك مفكرٌ، وحرٌّ ومَن يردُّ عليه من علماء الدين فهو يحاول الحجر على عقول الآخرين هكذا يعيش الإسلام في غربة نهايتها غير الله. الدكتور شحرور يتابع منهجه في إفساد معاني القرآن لغوياً. ومرة ثانية نلتقي مع الدكتور ومنهجه في تحريف آيات الله باسم التفسير اللغوي للقرآن ودعوى تصحيح ما أخطأ علماء الإسلام فهمه.

أليس من العجيب أن المهندس شحرور يدعي أنه يصحح لعلماء الإسلام فهمهم؟!! جاء هذا في حديثه عن النظام الاقتنصادي في الإسلام وجعل أصله هو "متاع الحياة الدنيا" {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا} المهم أنه تعرض للآية الكريمة {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} أول شيء أنه قال: إن الآية متشابهة وهي بحاجة إلى تأويل - وهو مطابق الآية مع العقل والحقيقة. ثم ادَّعى أن أخذ الآية على لفظها يجعل النساء مذكورات مع الخيل المسمومة والأنعام من الإبل والبقر والغنم ثم يقول: وهذا الفهم الخاطئ الشنيع هو الذي سمح للفقهاء المسلمين، وللمسلمين بشكل عام بأن يعاملوا المرأة كالغنم والبقر على أنها شيء من الأشياء. ص 641. هل هذا صحيح؟ هل فقهاء المسلمين، بل والمسلمون بشكل عام يعاملون المرأة كالغنم والبقرة؟ ولماذا لم يجعل حب المرأة هو الأصل وقد عطف القرآن عليها الولد وهو أغلى شيء، ثم عطف عليهما الذهب والفضة. أم هي سموم العلمنة، وأكاذيب شحرور؟!! ثم يأتي إلى ألفاظ الآية الكريمة بعد أن نفث سمه واستراح. فيقول الدكتور شحرور:

إن القرآن استخدم كلمة النساء بمعنى أزواج الرجال {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} ولكن في آية الزينة - التي معنا - النساء معناها اللغوي الشيء المتأخر. لأنها من النسأ وهو التأخير {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" فالنساء جمع امرأة وجمع نسأ وقد فهم المفسرون الأوائل هذا الفهم. ثم لا يفوته أن يغمزهم فقال: فهِمُوا بشكل بدائي جداً هذا المعنى عندما قالوا: إن الله خلق آدم ثم خلقت منه حواء - يعني الأنثى خلقت متأخرة عن الذكر. ولهذا سميت الأنثى نساء من التأخير. كل هذه المقدمات التي اختصرتها يريد الدكتور أن يقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} يعني الأشياء المتأخرة. وليس النساء الأمهات والزوجات يفسر "نِساء" بكسر النون من النسأ في الكفر" أي تأخير بعض الشهور عن وقتها تلاعباً بالأشهر الحرم. فيقول: الناس يحبون السيارة المتأخرة الصنع. ويحبون العمارة المتأخرة البناء، ويحبون الثوب المتأخر الصناعة - يحبون الموديل الجديد دائماً. ثم يقول: ولو فسرنا النساء بمعنى المرأة فكيف تشتهي المرأة المرأة؟ وهو يعلم أن المرأة قد تشتهي إنجاب الولد وملك الذهب.

فزين للرجال ما يشتهون. وزين للنساء ما يشتهين. زين للرجال الولد والذهب والخيل المسمومة والأنعام والحرث وزين للنساء ما يحتجن إليه مما ذكر في الآية الكريم. ولو كان المراد القرآني هو التأخير - كما يدعي الدكتور شحرور لفتح النون في قوله من "النِّساء". إن كل ما يهدف إليه شحرور هو صرف الناس عن معاني القرآن الشرعية، وشغلهم عنها بالمعاني اللغوية، وحتى ينشغل الناس عن مراد الله من قرآنه. ومن شريعته، فالشريعة في اللغة هي "شرعة الماء" فليطمئن حكام المسلمين فالعَلْمانيون يعدون جيلا لا يعرف شيئاً عن شريعة الله. ولا عن الإسلام كله. مرة ثانية مع كتاب شحرور وموضوع تعدُّد الزوجات: بعد أن عرفنا منهجه وهو يحاول إلغاء المعاني التي استحدثها الإسلام، ويعمل على الرجوع لمعاني اللغة العربية التي كانت قبل الإسلام، ليفسر بها القرآن نلتقي معه وهو يتحدث عن تعدُّد الزوجات. وقد سبق في حديثي عن تعدُّد الزوجات عند الدكتور (مراد هوفمان) أن صححت بعض ما التبس عليه لأنه ليس عربياً فمعرفته بالقرآن محدودة ومعرفته بالتاريخ الإسلامي كذلك. فله عذره. ولكن الدكتور شحرور عربي لا عذر له. منهجه في تعدُّد الزوجات أنه يقول بجواز الزوجة الثانية أو الثالثة بشرط أن تكون من الأرامل ذات اليتامى وحاول أن يستدل على ذلك بالآية الكريمة

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} والآية الكريمة تتحدث عن محاولة التوصي على اليتيمة أن يتزوج بها بدون مهر أو يزوجها ولده بدون مهر المثل. والآية ضمن آيات النساء في الحفاظ على مالهن المكتسب أو هو المهر أو مالهن الموروث. قال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} فكان معنى الآين إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فلا تتزوجوا منهن، وانكحوا ما طاب لكم من النساء غيرهن. فالنساء من غير اليتامى كثيرات. وهذا ما عليه المحققون من أولي العلم. وواضح مهن الآية (127 النساء) أنها تؤكد المعنى الذي ذكرناه في الآية الثالثة من السورة الكريمة - سورة النساء - تؤكد تحريم الوصي لليتيمة بالزواج منها من غير دفع المهر لها. جاء في قوله تعالى: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} وما كتب لهن هو الصداق الذي كتب لهن، وما ورثته من آبائهن. والذي يُفتى في هذا الموضوع لأهميته هو الله {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} وليس بعد فتوى الله فتوى.

* (فماذا بعد الحق إلا الضلال)

* (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) يأتي الدكتور شحرور ويحاول فرض هواه على تفسير الآيات. يقول: لموضوع تعدد الزوجات كمٌّ وكيف. الكم: هو العدد الذي حدَّدته الآية. أما الكيف، فلكي تربط جواب الشرط بالشرط يعني تربط بين (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ) بالشرط الذي هو (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) يقول: فقد قيَّد القرآن الزوجة الثانية حتى الرابعة بأن تكون من الأرامل ذوات اليتامى، وأن يتزوج الرجال الأرامل ذوات اليتامى ويأخذهن مع أولادهنَّ. ثم يقول: فإذا أخذ الرجل ثلاثة أرامل وأطفالهن فيمكن أن نفهم قوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) أي فإن خفتم ألا تعدلوا بين أولادكم ومن أولاد الزوجات الأرامل. ولا يغيب عن القارئ الفارق بين التفسير وبين الأهواء - أعني أهواء الذين لا يعلمون. فقد حذَّر شحرور من جعل البكر زوجة ثانية وهو حكم بلا دليل. وقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة وهي بكر، وكانت زوجة ثانية، وتزوج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أم كلثوم بنت الإمام علي - رضي الله عنه - وهي بِكْرٌ، وكانت زوجة ثانية، وما زال التعدد بالأرامل وبغير الأرامل سنَّةً مباحة إلى يوم الناس هذا. حرّم شحرور أن تكون البكر زوجة ثانية - كما قلنا - وحرّم أن تكون الأرملة بدون يتامى زوجة ثانية، وحرّم أن تكون المطلقة ذات الأطفال زوجة ثانية لأنهم

ليسوا يتامى فهو يحرم التعدُّد بغير الأرملة ذات اليتامى. وكل هذا تحريم بلا دليل ولا أصل شرعي. والذي يشرع للعباد هو الله وحده. والنبي - صلى الله عليه وسلم - مُبلغ عن الله. إن الربط بين الشرط وجوابه - في الآية الكريم إن خفت ألا تعدلوا في اليتامى فتزوجوا غيرهن وهو المفهوم من قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ومرة ثانية يدخل شحرور في قضية شرعية ويصدر فيها حكماً بلا دليل أو أثارة من علم. وأي قيمة أو حتى حاجة للدليل الشرعي ما دام الدكتور المهندس شحرور يُفتي؟!! يقول: وقد أعطى الله - سبحانه - تسهيلات بالنسبة للراغب في الزواج من أرملة ذات يتامى. ما هي هذه التسهيلات؟ يقول: أعفاهم من الصداق في قوله تعالى: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} - سبحان الله - أين مراد الله من الآية ومراد الدكتور شحرور؟!! إن الله يعتب على الوصي أن يستغل من تحت يده من اليتامى فيتزوج بهن بدون مهر. وشحرور يجعل المخالفة رشداً، والجريمة تشريعاً يجعل الزواج بالأرامل ذات اليتامى بدون مهر. {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} ويجعله كذلك بدون عدل بين

الزوجات، لأن العدل المطلوب عند شحرور هو العدل بين أطفالك وبين اليتامى أبناء الأرامل اللاتي سيتزوج بهن. وقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أرامل ودفع لهن المهر. وعدل بينهن في المبيت وفي العيش. مع أن الله قد عافى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده من الصداق. ومن العدل في المبيت بين الزوجات. ومع ذلك التزم بالصداق والعدل. أما المعافاة من الصداق فلقوله تعالى عن المرأة التي وهبت نفسها للنبي {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} فالزواج بلا مهر أمر خاص للنبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف جعله شحرور تشريعاً عاماً؟! وقد عافاه الله من القسمة بين نسائه في المبيت ومع ذلك ظلَّ ملتزماً حتى مرض موته {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} مع أن الله عافاه من حتمية القسمة إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - التزم بها حتى مرض موته. تقول السيدة عائشة - رضي الله عنها -: وكان النبي في مرض موته يطاف به محمولاً على بيوت أزواجه إلى أن استأذنهنَّ أنْ يقيم في بيت عائشة فأذنَّ له. وكان يُقرع بين نسائه في السفر فأيتهنَّ خرجت قرعتها "سهمها" خرج بها معه هذا وكما قلنا إن الله قد عافاه من القسمة. ومع ذلك التزم لأن العدل طبيعته. هذا هو النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن أين أتى المهندس شحرور بهذا التشريع؟! من أين أتى بزواج بلا مهر ولا عدل بين الأزواج؟! لأن العدل عنده بين أولادك وبين اليتامى!!

العدل أم الإحسان؟

ولما علم المهندس شحرور أن زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشريعه المستمد من القرآن يقف عقبة أمام الخرافات التي يدعو لها، فما كان لمسلم لأن يترك دين الله ليتْبع أباطيل شحرور، كشف عن وجهه، وأعلن مراده من دعوته، وقال: إن البحث في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - هو ضرب من العبث أننا نناقش هذه الزيجات بمقايسنا المعاصرة لا بمقاييس قديمة. وهنا يكمن سوء الفهم والالتباس. هكذا كشف المهندس عن طويته. القرآن يشغل المسلمين في سورة الأحزاب والتحريم بموضوع زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - والمهندس يرى أن هذه مباني في وسط الطريق يجب أن تُزال. يجب ألا يشغل المسلمون أنفسهم بهذا العبس - الذي شغلهم به القرآن. {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} ثم يواصل كلامه في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: إن النبي في زيجاته لا يعتبر أسوة لنا أبداً. وكذلك زوجاته لا يعتبرن أسوة لنساء المسلمين، ثم يحاول أن يخدع القارئ فيقول: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} ثم يقول: وهذا - يعني حديث القرآن عن نساء النبي تعليم وليس تشريع. عفى الله عن شحرور وهذه للحق. أما كتابه الضخم فأحوج الأمة إليه هي "أفغانستان" في محنتها، لأن درجة البرودة عندهم في الشتاء عشرون تحت الصفر ولا يجدون حطباً يدفئهم. فلْيَسْعَدْ أهل أفغانستان بكتاب شحرور في التَّنُّور فهو المكان المناسب لهذا الكتاب القيم. العدل أم الإحسان؟ ضيّع أولاده صغاراً عندما أعطى كلّه للزوجة الجديدة الحسناء أهملهم وأمَّهم. فشقوا طريقهم في حياة كالصخر حتى أتمُّوا دراستهم.

واليوم دارت الأيام، وولت الدنيا عنه، ولم يبق سوى بيوت أولاده. هل العدل هو صاحب الكلمة العليا أم الإحسان؟ صحيح {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ولكن هل التقوى أن أضيع أبي؟؟ !!! إن الله أمر بالعدل والإحسان {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} فلماذا لا تكون الكلمة العليا هنا للإحسان؟ ولكن بعض القضايا لا يصلح فيها الإحسان. القضاء بين الناس ساحة لا يصلح فيها إلا العدل. لأن القاضي إذا حكم بالإحسان ضيع حقوق الناس لذلك قال تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وعلى هذا فلابد من ساحات لا ينفع فيها العدل ويجب فيها الإحسان. والإحسان وحده. لقد أصبح الوالد (عندك) . ولو كان بينكما من المسافات بُعد المشرقين، فقد كنت صغيراً عندهما {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} إن الله أمر بالإحسان إلى الوالدين كلما أوصى بهما ليحذرنا - في مثل قضيتنا - من العدل معهما. فمن حكم بين الناس فلابد من العدل. ولا يصلح الإحسان وفي الأسرة ومع الوالدين لابد من الإحسان. * * *

العدل بين الأولاد:

العدل بين الأولاد: أكَّد القرآن ضرورة عدل الإنسان مع نفسه {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وهو مكلف بالعدل بين الزوجات - إن عدد الزوجات. وقد مرَّ بنا أن العدل المطلوب بينهن هو العدل النسبي. فإن عجز عن العدل النسبي فواحدة. ومن خاف على نفسه من الزنا إذا لم يتزوج وخشى من ظلم الزوجة إن تزوج، فلا يجوز له الزواج لأن للعفَّة وسائل يمكن أن يستغنى بها الزنا وليس من وسيلة لدفع ظلم الزوجة فلا وسيلة بيدها للخلاص. ومن مَالَ إلى إحدى زوجتيه مَيلاً كاملاً يأتي يوم القيامة وشقه مائل. ومعلوم أن كل شيء في الآخرة يدوم. فميل شقه يدوم. والمشاهد في حياة الناس أن الميل لامرأة يُسبب الميل لأولادها. وعدم المساواة بين الأولاد يؤدي إلى قطع الودِّ والحبِّ بين الأولاد. وقد يتجاوز هذا الشعور السلبي إلى أحقاد سلوكية بغيضة. إن والد يوسف نبي كريم - عليهما السلام - فهو لم يميز يوسف بقَصْرٍ ولا مالٍ. لكنّه أحبه. عندما آنس فيه ملامح النبوة. وحب الأنبياء فريضة. ومعلوم ما عاناه يوسف بسبب حب أبيه. وما جرَّه عليه من إيذاء. {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} فتفضيل بعض الأولاد على بعض يُفرق الأسرة، ويقطع الودَّ، ويعزل الأولاد عن أصلهم الواحد. من هنا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - شديد الحرص على المساواة بين الأولاد. وحديث نعمان بن بشير بطرقه المختلفة، ورواياته المتعددة هو الأصل في هذا الباب.

* الهبة لسبب:

أراد والد النعمان أن يمنحه غلاماً هدية، فطلبت أمُّ النعمان - عمرة بنت رواحة - من الأب أن يُشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني أعطيت ابني هذا عطية فأمرتني أمُّه أن أشهدك؟ فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. ارجع فرد عطيته. وفي طريق مسلم زاد: فرجع أبي فرد تلك الصدقة. وفي رواية أخرى لمسلم قال - صلى الله عليه وسلم - "فلا أشهد على جور" وفي رواية المغيرة عن الشعبي عن النعمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أشهد على ذلك غيري" والمراد بهذه الرواية هو الوعيد، وليس على إباحة الشهادة، كقوله تعالى {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} وكالتهديد في قوله تعالى {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} وفي رواية عبد الله بن عون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبشير: أليس تريد منهم - أي من سائر ولدك البر؟ مثل ما تريد منه؟ قال: بلى. قال: فإني لا أشهد. * * * * الهبة لسبب: وربما كان العدل يقتضي تمييز أحد الأولاد عن إخوته لصغره - مثلاً - بينما أتم إخواته الدراسة، أو لمرض مزمن يحتاج إلى علاج. فيدفع له الأب ما يستعين به على العلاج، أو تزوج البعض والباقون لم يتزوجوا. وساقوا في هذا الموضوع أن ابن عمر - رضي الله عنهما - اشترى أرضاً من رجل من الأنصار، ثم جعلها لولده واقد. وقال: هو مسكين.

وإن كان العلماء لم يسلموا بصحة الرواية لأن في الرواية لهيعة. وهو ساقط الحديث. ومعلوم أن هذا المنع حرص من الإسلام على وحدة البيت، وودِّ أهله. فإن وافق إخوته على هذه الهبة فهم وما يريدون. والحق لهم. ويكونون بسماحهم قد أعطوا أخاهم. فالعطاء منهم. وورد نفس المعنى في حديث جابر. وجاء نفس المعنى عن ابن عباس عند الطبراني والبيهقي. وفيه "سَوُّوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِى الْعَطِيَّةِ فَلَوْ كُنْتُ مُفَضِّلاً أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ" وقد نقل الإمام الشوكاني في نيل الأوطار عشرة نقاط في توجيه الحديث وناقش كل رأي بعلمه الفائق ولم تثبت أكثرها ومن يرغب في دراستها فليرجع للجزء السادس ص 8 من نيل الأوطار. وبعض الروايات نقول إن الهدية حديقة عند ولادة النعمان وبعض الروايات تقول إن الهدية غلام، وكان النعمان يمشي بجوار والده. فهل تكررت القصة؟ وظن بشير لأن الحكم يختلف من الحديقة إلى الغلام؟ أم كل راوٍ أخبر بما وصله؟ على أي حال ليس هذا من مقاصدنا في موضوع الأسرة. وحسبنا ما دعا إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوب العدل بين الأولاد إلا لضرورة توجب إعطاء أحدهما أكثر حتى تنكشف الضرورة أو يَرضى إخوتُه. * * *

أخيراً: زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - سبق أن تحدثت في هذا الموضوع في محاضراتي لطلاب جامعة القاهرة 1973. وخلاصة الموضوع في سطور ... أولاً: تعدُّد الزوجات حل لمشكلة طبيعية لم يثبت في التاريخ حلًّا "نظيفاً" غير تعدُّد الزوجات. والإسلام قيَّده. ولم يبتدعه. لأنه كان معروفاً قبله. وقد عدد سيدنا سليمان - عليه السلام - الزوجات كما قالت التوارة - التي بين أيدي الناس - تزوج ثلثمائة امرأة بعقد دائم وسبعمائة امرأة من الإماء، ألف، امرأة في بيت سليمان - عليه السلام - مسألة لا يثيرها أحد، وتسع نساء إذا استثنيا عائشة، فالباقيات ثيِّبات وأكثرهن عجائز. مسألةٌ لا ينظر الغرب للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من خلالها. ثانيا: أباح الإسلام أن يجمع الرجل أربع نساء. فما بال النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع تسعاً؟ وأجبتُ عن هذا السؤال بأن الآية الكريمة التي حدَّدت الزوجات بأربع آية من سورة النساء {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وسورة النساء نزلت في السنة الثامنة من الهجرة لأنها نزلت بعد سورة الممتحنة. ومعلوم أن سورة الأحزاب - في السنة الخامسة - والتي نزل فيها {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخالف نصاً قرآنياً أبداً. لأن استكمال العدد كان قبل التحديد بأربع.

ثالثاً: عند نزول آية النساء التي حددت العدد المباح بأربع نساء فقط طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - من كل رجل عنده أكثر من أربعة أن يمسك الأربع ويطلق الباقيات. ونسأل: فلماذا لم يطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - الزائدات؟ أقول: أي امرأة تُطلق فسوف تقضي عدتها وتتهيأ لزواج جديد. ولكن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - هن أمهات المؤمنين {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} من أجل تكريم هذه الأمومة حرمهن الله على المؤمنين {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} فطلاق نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني بقائهن بدون زوج فأبقاهن - سبحانه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} وهناك سبب آخر لبقاء نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم طلاقهن. زوجات النبي يمثلن رسالة ومهمة في الدعوة الإسلامية سوف نتحدث عنها في أسباب تعدُّده للزوجات. فهو زواج إنساني وزواج تشريعي وزواج سياسي ثم تبليغ لدقائق أمور الشريعة. وطلاق واحدة منهن يعني هدم السبب الذي تم الزواج من أجله. فحفاظاً على المقاصد الكبيرة لهذا الزواج أذن الله في بقائهن. رابعاً: هل بقاءهن ميزة فضَّلَ الله بها النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت: الأفضل أن نقول إنها خاصية خصَّ الله بها النبي فهل هي ميزة؟ رجل عنده ولدان يدرسان بالجامعة. أعطى الأول ألف ريال. وقال له: ليس لك غير هذا المبلغ.

خامسا: مراحل حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - من ناحية الزواج

وأعطى أخاه مائة فقط. وقال له: لو أنفقتها خذ غيرها. فأي الولدين امتاز بعطاء أكبر؟ لا جدل أن الثاني أخذ أكثر. لله المثل الأعلى. المسلم له أن يجمع أربعة في زواج واحد. فإن ماتت واحدة أو طلقها أو مات الجميع أو طلقهن فالنساء كثيرات. أما النبي - صلى الله عليه وسلم - لو طلَّق واحدةً أو ماتتْ فليس له غيرها {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} فرصيد المسلم من الزوجات أكثر. * * * خامساً: مراحل حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - من ناحية الزواج المرحلة الأولى وردة في الصحراء. عافٌّ في بيئة لا تهتم بالعفاف. وهذا من بدء حياته إلى الخامس والعشرين وقد عصمه الله شابًّا، والشباب صورة للإنسان يكشف معدنه. المرحلة الثانية في حياته - صلى الله عليه وسلم - من الخامس والعشرين حتى الثالث والخمسين. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها زوجاً لامرأة واحدة، كانت تكبره بخمسة عشر عاما. وتزوجها ثيِّباً، ومع ذلك لم يتزوج عليها، ولما ماتت ظلَّ سنوات بدون زوج. وانتهت مرحلة الشباب. المرحلة الثالثة في حياته من الثالثة والخمسين. هاجر للمدينة. وفرض الله الجهاد المقدس. وأضيف إلى أعبائه حملاً ثقيلاً، إِنه قيادة جيش ومستقبل دعوة.

ليله صلاة وعبادة ونهاره دعوة وجهاد

ليله صلاة وعبادة ونهاره دعوة وجهاد في هذه المرحلة فرض الله عليه الجهاد المقدس وتعدد الزوجات وكان جهاده وزواجه يخدمان غاية واحدة. وقد نجح زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بنات رؤساء العشائر فحقق ما لم تحققه المعارك. فلما وضعت الحرب أوزارها أو كادت منع الله النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - من إنشاء زواج جديد. لقد كان الزواج لرسالة. فلما تحققت نزل قوله تعالى {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} فمرحلة تعدُّد الزوجات هي مرحلة الجهاد المقدس. وبعد النصر جاءت مرحلة {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} ، مرحلة الشباب إلى الخامسة والعشرين عاماً لم يتزوج. من الخامس والعشرين إلى الثامن والأربعين زوج لامرأة واحدة تكبره بخمسة عشر عاماً. ولم يعدِّد. من الثامن والأربعين إلى الثالث والخمسين بدون زوجة لوفاة السيدة خديجة. مع القتال عدَّدَ الزوجات ليكون العمل السياسي مع العمل العسكري. بعد النصر حرّم إنشاء زواجٍ جديدٍ. * * * تَمَّ الكتابُ ولله الحمدُ والمِنَّةُ

§1/1