تعدد الخلفاء ووحدة الأمة فقها وتاريخا ومستقبلا
محمد خلدون مالكي
خطبة الكتاب
خطبة الكتاب الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، والصلاة والسلام على مَنْ لأجله أقسم الله بالبلد، سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - المفدَّى بالنفس والوالد والولد، خيرِ مَنْ رَبَّه عَبَد، وأتقى من ركع وسجد، هدانا الله به إلى الطريق المستقيم وحمانا من أن نكون ممن عن صراطه شَرَدْ، أو على شرعه مَرَدْ، هدم الطاغوتَ والصنمَ، ورفع لنا بالإسلام رايةً قادت الأمم، وخفقتْ عالياً فوق القمم، وأقام لنا دولة الحق، بالسيف لمن جالد وعاند، وبالحكمة لمن تفكر واعتبر، نهانا عن الفُرقة، ودعانا إلى الاعتصام بالوحدة، والحُكمِ بخير شريعةٍ ومِلَّة، وأَمَرَنا - إنْ أردنا الهدى والبعد عن الضلالة والردى- أن نتمسك بالقرآن والسُّنَّة والعترة، وأن نقتدي بعده بخير الأمَّة؛ الأربعةِ الخلفا، ساداتنا الحنفا، وموالينا الشُرَفا، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - وعن بقية الصحابة، الذين بذلوا الغالي والنفيس لرفع منار الدين، وحذَّرنا من اتباع طريق المغضوب عليهم أو الضالين، حتى نلقاه على الحوض، ونكون تحت ظل العرش يوم العرض. وبعد فهذه أطروحةٌ أُعدَّت لنيل درجة الدكتوراه، تبحث في حكم تعدد الخلفاء في الفقه الإسلامي، وترصد حركة مؤسسة الخلافة، مبينةً جهد الأمة في الدفاع عن وحدتها لتبقى تحت راية واحدة، حتى شاء الله أن تغيب شمس الخلافة، لتظهر من بعدها هممُ الرجال والحصافة (¬1)، ولِيَبينَ الصادق الذي هو لمجد أمته ساع وقاصد، مِنَ المنافق الذي هو لعدوه موافق ومرافق، ثم بيَّنتْ هذه الأطروحة السبيلَ إلى إعلاء كلمة الله وعزة هذه الأمة ووحدتها. وكانت انطلاقة فكرة هذه الأطروحة مع بداية الانتفاضة الثانية في فلسطين عام 2000 م إثر زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شارون للقدس الشريف، وما صاحبها من ضعف ظاهر في رد فعل الدول العربية والإسلامية، تجاه الاحتلال الإسرائيلي المتغطرس الذي يفتك بأخوتنا في فلسطين، الذين كانوا - ولازالوا - يستنجدون بأمتهم العربية والإسلامية، ولا يكادون يجدون مجيباً، لأن الدول الإسلامية تفرقت وتشتت كلمتها، وتبِع كل منها اتجاهاً مختلفاً، مُؤْثرين ¬
خطة البحث
مصلحتَهم على مصلحة الأمَّة. وتأكدت ظاهرة الضعف هذه بالحدث الجلل الذي حصل للعراق الشقيق، من احتلال له من قبل القوات الأمريكية والبريطانية ومن تحالف معهما، الأمر الذي يدعو بشكل عاجل وحثيث للبحث في أسباب هذا الضعف العربي والإسلامي وتجنبه، والتوجه نحو مستقبل العزة والكرامة لهذه الأمة المظلومة التي تكالب عليها الناس من أطراف الأرض، فلا يجوز الاكتفاء بردود الأفعال، بل لا بد من تأسيس عمل جاد يدفع عن هذه الأمة طمعَ أعدائها بها، فولدت هذه الأطروحة من رحم الواقع الأليم، تطلعاً نحو فعل يقي الأمة الإسلامية غوائل القادم من غدر أو احتلال. مما سبق من كلام تتبين أهمية الفكرة التي يتناولها البحث وحجمها؛ أما أهميتها فتتجلى في أنها لا زالت قضية الساحة، وإن اختبأت خلف الكلمات حيناً وأسفرت على ألسنة المفكرين والسياسيين حيناً آخر، وأما حجم فكرة الوحدة فهو كبير جداً؛ كبيرٌ من الناحية التاريخية، لأنه يمتد من فجر الإسلام حتى اليوم، وكبير من الناحية السياسية، فأي حديث - فضلاً عن العمل- عن وحدةٍ بين الدول الإسلامية تحت أي اسم يثير خوف دول الغرب والشرق، ويحرك ذاكرتهم نحو دولة الخلافة التي بذلوا الكثير ليحطموها، لأنها كادت وأكثر من مرة أن تحول قارة أوروبا إلى قارة إسلامية، مما يعني اضمحلال حضارتهم إلى الأبد، حتى صار السعي إلى إقامة دولة إسلامية - فضلاً عن الخلافة - تهمة يتهمون بها من يريدون محاربته حرباً لا هوادة فيها. خطة البحث: جاءت هذه الأطروحة مقسَّمة على أربعة أبواب: الباب الأول: تعاريف ومقدمات فقهية لا بد منها، وجاء مشتملاً على فصلين: الفصل الأول: التعاريف ويشتمل على أربعة مباحث: 1 - المبحث الأول: تعريف الخليفة لغة وشرعاً. 2 - المبحث الثاني: تعريف الخلافة لغة وشرعاً. 3 - المبحث الثالث: تعريف الإمام لغة وشرعاً. 4 - المبحث الرابع: تعريف الإمامة لغة وشرعاً.
الفصل الثاني: مقدمات فقهية لابد منها: ويشتمل على ثلاثة مباحث: 1 - المبحث الأول: حكم إقامة الخلافة ودليله. 2 - المبحث الثاني: هل الخلافة من مباحث علم الكلام أو من فروع الفقه؟ 3 - المبحث الثالث: عمن تكون الخلافة؟ الباب الثاني: تعدد الخلفاء من المنظور الفقهي: ويتضمن ثلاثة فصول: الفصل الأول: التمهيد: وفيه ثلاثة مباحث: 1 - المبحث الأول: معنى الخلافة الكاملة والخلافة الناقصة. 2 - المبحث الثاني: دلالة حديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين». 3 - المبحث الثالث: الأحداث التي استند إليها الفقهاء في مسألة التعدد. الفصل الثاني: الشروط والواجبات ونظرية الضرورة وفيه ثلاثة مباحث: 1 - المبحث الأول: الشروط الواجب توفرها في الخليفة. 2 - المبحث الثاني: واجبات الخليفة أو الأحكام المنوطة به، ومن يقوم بتنفيذها عند تعدد الخلفاء أو عند فقد الخليفة. 3 - المبحث الثالث: نظرية الضرورة وبعض تطبيقاتها السياسية. الفصل الثالث: حكم تعدد الخلفاء: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: من لم يجوز تعدد الخلفاء أو أجازه بشروط: أولاً: حكم تعدد الخلفاء بالنظر إلى المكان. ثانياً: حكم تعدد الخلفاء بالنظر إلى الزمان. المبحث الثاني: من أجاز تعدد الخلفاء مطلقاً. المبحث الثالث: الأدلة. الباب الثالث: تعدد الخلفاء في التاريخ الإسلامي والتكييف الفقهي لذلك: ويتضمن فصلين: 1 - الفصل الأول: الخلاف بين عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - والأمويين.
منهج البحث
2 - الفصل الثاني: الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية والخلافة الأموية في الأندلس. ويشتمل على ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: الخلافة العباسية. - المبحث الثاني: الخلافة الفاطمية. - المبحث الثالث: الخلافة الأموية في الأندلس. الباب الرابع: التعدد والوحدة في المستقبل ويشتمل على أربعة فصول: - الفصل الأول: منظمة المؤتمر الإٍسلامي. - الفصل الثاني: جامعة الدول العربية. - الفصل الثالث: رابطة العالم الإسلامي. - الفصل الرابع: سبل تحقيق الوحدة. منهج البحث: تختلف مناهج البحوث باختلاف طبيعة البحث المراد دراسته، كما أنها قد تتعدد في البحث الواحد، وذلك حسب طبيعة الموضوعات التي تتناولها أبواب البحث أو فصوله. وبما أن هذه الأطروحة قد تعددت فيها الموضوعات الرئيسة التي تتناولها، فقد استدعى هذا التعددُ التعاملَ مع أكثر من منهج - تبعاً لطبيعة الأطروحة الفقهية والتاريخية والسياسية - فقد ألحق كثير من العلماء الكلامَ على الخلافة والإمامة بكتب العقيدة، وألحقها بعضهم بالفقه، كما أن للدراسة ارتباطاً قوياً بالحديث وشروحه، وبالتفسير، وبالتاريخ، وبالتراجم والسير وغيرها. لهذا فقد اتبعت في البابين الأول والثاني المنهجَ الاستقرائي في تتبع الأحكام الفقهية، ثم المنهجَ المقارِن في مقارنة الآراء في المسائل والموضوعات المختلفة للتوصل إلى فهم الفروق فيما بينها، وفيما تتفق فيه وفيما تختلف، كما استخدمت المنهج التحليلي لتحليل الآراء ووجهات النظر، وتجزئتها وتفكيك أفكارها للتوصل إلى ما به تفرد وتمييزه عما به اشتراك.
وفي البابين الثالث والرابع اتبعت المنهج الوصفي والتحليلي في النظر في الوقائع والآراء للتوصل إلى دقائق العلم في موضوع الأطروحة، كما اتبعت المنهج الاستنتاجي - عند الكلام على كيفية تحقيق الوحدة - في البناء على كل ما سبق للتوصل إلى الآراء الخاصة التي إن أصابتْ فبتوفيق من الله وإن أخطأَتْ فمن نفسي المقصرة. سالكاً في كل ذلك - جهد استطاعتي - سبيل النزاهة والموضوعية دون حيف أو ميل لرأي أو دليل. وقد تضمن منهج البحث الأمور التالية: 1 - عزو الآيات إلى مواضعها من القرآن الكريم، وتصنيف أوائلها على الترتيب الألفبائي في فهرس ملحق بآخر الأطروحة. 2 - تخريج الأحاديث تخريجاً مفصلاً وبيان درجتها في الأغلب، وتصنيف أطرافها على الترتيب الألفبائي في فهرس ملحق بآخر الأطروحة. 3 - الرجوع إلى الكتب والمصادر الفقهية والعقدية والتاريخية المعتمدة في كل مذهب، وقد أعزو - إضافة إلى كتبهم - إلى غير كتب أهل هذا المذهب للتأكيد على مذهبهم، ثم تصنيف المصادر على الترتيب الألفبائي تبعاً لاسم المؤلف، في فهرس ملحق بآخر الأطروحة. 4 - وزن أغلب الأبيات الشعرية، وتصنيفها على الترتيب الألفبائي في فهرس ملحق بآخر الأطروحة. 5 - وضع فهرس للأعلام للدلالة على أماكن ورودها في الأطروحة، وتصنيفها على الترتيب الألفبائي، وإذا تكرر اسم العَلَم في الصفحة الواحدة أضع حرف (م) أي مكرر، بعد رقم الصفحة. 6 - ترجمة أغلب الأعلام الواردة في الأطروحة، وخاصة من كان له رأي بموضوع الأطروحة، وتصنيف هذه الأعلام على الترتيب الألفبائي في فهرس ملحق بآخر الأطروحة. 7 - ترجمة الفرق والمذاهب الواردة في الأطروحة، وتصنيفها على الترتيب الألفبائي في فهرس ملحق بآخر الأطروحة. وقد جعلت فهرسي التراجم والفرق في آخر الرسالة تخفيفاً عن الحواشي.
صعوبات البحث
8 - شرح المفردات الغريبة. 9 - التعريف بالأماكن الوارد ذكرها خلال البحث. مع الإشارة دائماً إلى مصدر المعلومة، وقد أكثرت من العزو إلى المصادر في كثير من المواضع لتكون الأطروحة دليلاً ومرشداً لهذه المصادر يستفيد منه الباحثون وطلبة العلم، في موضوع الأطروحة. صعوبات البحث: وقد واجهتُ صعوبات جمة أثناء بحثي في هذا الموضوع، منها ما هو عائد لظروف شخصية، دفعتني إلى السفر بحثاً عن الرزق، وما تبعه ذلك من البعد عن المكتبات العامة، سواء في قطر أو في السعودية، حيث أنني لم أتمكن من الوصول إلى المكتبات العامة في قطر لسنة كاملة، وكنت أسافر مسافة 500 كم لأصل إلى مكتبة الملك فهد في الرياض في المملكة العربية السعودية. ومن الصعوبات التي واجهتني في موضوعي هذا فيما يتعلق بالباب التاريخي، أنني وجدت نفسي أثناء تتبعي لحالات تعدد الخلفاء في التاريخ، أمام تاريخ ممتد على أزمنة طويلة جداً، وله جذور طائفية وقبلية وعرقية كبيرة، بل وله صلة بالصراع مع أتباع الأديان السماوية السابقة، أو أصحاب الدول التي قضى عليها الإسلام كالفارسية مثلاً. كما واجهتني صعوبات أخرى خلال عملي إضافة لما سبق، لم أتخيل - في البداية - أنني مقبل على السير فيها، وهي كحقول من الألغام المختلفة، لم يكن قصدي عند اختياري لهذا البحث أن أفتح ملفاتِها، فقد كان كلُّ همي الخروجُ من حالة الضعف المهينة التي تعيشها أمتنا اليوم، ولكني وجدت نفسي مضطراً لتناولها كدراسة الفتنة بين سيدنا علي وسيدنا معاوية رضي الله تعالى عنهما وعن جميع صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن أدرس آراء الفرق الإسلامية المختلفة، التي تكلمت في موضوع الخلافة، صحيح أن بعض هذه الآراء قد بات اليوم مجرد دراسة أكاديمية، لأن قائليها قد انتهوا مع مرور الزمن، ولكنه ليس خافياً على أحد أن بعض هذه الآراء لا زال حياً إلى اليوم، فهي قضية قديمة جديدة، لا زالت تتفاعل فصولاً حتى يومنا هذا. فكان عليَّ -لأعطي هذا البحث حقه- أن أرجع إلى عدد كبير من العلوم
الدراسات السابقة
الإسلامية ومصادرها المختلفة، ككتب الفقه، والعقيدة، والحديث وشروحه، والتفسير، والتراجم، والتاريخ، والسياسة، وغيرها، وأن أرجع كذلك إلى كتب الفرق الإسلامية المختلفة، ككتب الإمامية والإسماعيلية والزيدية والمعتزلة، وأن أبين آراء الخوارج، وأن أخوض أيضاً في عالم جديد لا يقل توسعاً عن عالم الكتب، وهو عالم الإنترنت، وغير ذلك من التشعبات التي اضطررت للخوض فيها. الدراسات السابقة: لم أعلم - عند اختياري للبحث - أن هناك من تناول هذه الفكرة منذ سقوط الخلافة حتى اليوم، بالبحث والدراسة بشكل علمي متخصص مستقل معتدل غير منحاز لجهة أو لأخرى، صحيح أن من تكلم في فكرة الخلافة كثيرون، سواء أكان هذا الكلام نقداً أو دفاعاً، ولكن تناولَها بشكل أكاديمي متخصص كان شبه معدوم، ثم تبين لي أن هناك رسالة ماجستير بعنوان: حكم تعدد الخلفاء (وحدة رئاسة الدولة) للأستاذ حسن عبد الغني أبو غدة، نوقشت في جامعة الأزهر عام 1978م بإشراف الدكتور محمود العدوي، وهي لم تطبع ولا زالت حبيسة الأدراج ومكتوبة على الآلة الكاتبة، وقد علمت فيما بعد أنها في طور الطباعة قريباً. وقد تقاطعت هذه الرسالة مع أطروحتي في عدد من المواضيع، ولكنها كانت مختصرة (في حوالي 120 صحيفة) وكانت محصورة في إطارها الفقهي، لم تتجاوزه إلى التاريخ أو المستقبل، وهي -على كل حال- جهد مشكور طيب. شكر خاص: ولا يفوتني أن أشكر كل من ساعدني في إنجاز هذا البحث وإخراجه إلى النور، وأخص بالشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي المشرف على الرسالة، والسادة أعضاء اللجنة الذين تفضلوا وقبلوا مناقشة الأطروحة، وخاصة فضيلة الدكتور عبد اللطيف الشيرازي الصباغ الذي قدم لي توجيهات مهمة، وبذل جهده ووقته في مساعدتي، وأشكر كلية الشريعة بجميع العاملين فيها، وجامعة دمشق، وبلدي الغالي الطيب المعطاء سوريا، وأولي الأمر فيه العاملين على نصرته وعزته، والمحافظين على دينه وأخلاقه، وأقدم شكراً خاصاً لصهري الأخ محمد درويش الكردي لمساعدته لي عندما كنت أسافر إلى الرياض وأنزل في بيته.
الباب الأول تعاريف ومقدمات فقهية لا بد منها
الباب الأول تعاريف ومقدمات فقهية لا بد منها الفصل الأول: التعاريف: ويشتمل على أربعة مباحث: 1 - المبحث الأول: تعريف الخليفة لغة وشرعاً. 2 - المبحث الثاني: تعريف الخلافة لغة وشرعاً. 3 - المبحث الثالث: تعريف الإمام لغة وشرعاً. 4 - المبحث الرابع: تعريف الإمامة لغة وشرعاً. الفصل الثاني: مقدمات فقهية لا بد منها: وتشتمل على ثلاثة مباحث: 1 - المبحث الأول: حكم إقامة الخلافة ودليله. 2 - المبحث الثاني: هل الخلافة من مباحث علم الكلام أو من فروع الفقه؟ 3 - المبحث الثالث: عمن تكون الخلافة.
الفصل الأول التعاريف
الفصل الأول التعاريف ويشتمل على أربعة مباحث: 1 - المبحث الأول: تعريف الخليفة لغة وشرعاً. 2 - المبحث الثاني: تعريف الخلافة لغة وشرعاً. 3 - المبحث الثالث: تعريف الإمام لغة وشرعاً. 4 - المبحث الرابع: تعريف الإمامة لغة وشرعاً.
المبحث الأول: تعريف الخليفة لغة وشرعا
المبحث الأول: تعريف الخليفة لغةً وشرعاً تعريف الخليفة لغة: الخليفة أو الخليف فعيل بمعنى فاعل، أو فعيل بمعنى مفعول (¬1)، والهاء للمبالغة كعلاَّم وعلاَّمة، ونسَّاب ونسَّابة، وهو قول الفراء (¬2)، أو هي للنقل (¬3). وقيل: لتأنيث الصيغة (¬4). 1 - «فإن قلنا هو فعيل بمعنى فاعل - كعليم بمعنى عالم، وقدير بمعنى قادر- كان المعنى: أنَّه يخْلُف مَنْ قَبْلَه، وعليه حَمَلَ قولَه - عز وجل -: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ (خَلِيفَةً} البقرة/30، مَنْ قال: كان الجنُّ أو الملائكةُ قَبْلَ آدم - صلى الله عليه وسلم - في الأرض وإنَّه خلفهم فيها، واختاره أبو جعفر النحاس (¬5) في كتابه صناعة الكُتَّاب، وعليه اقتصر البغوي في شرح السُّنَّة (¬6) والماوردي في الأحكام السلطانية (¬7)» (¬8). وهو قول ابن عباس والحسن (¬9) وقتادة (¬10). ¬
تعريف الخليفة شرعا
وأرى أنَّه لا يصح هذا القول لأنَّ آدم - صلى الله عليه وسلم - لم يأت إلى الأرض بدلاً عن الجنِّ أو الملائكة، بل بقي الجنُّ في الأرض بعد مجيئه، كما بقيت أنواعٌ من الملائكة تنزل إلى الأرض، فهو في الحقيقة مشاركٌ لهما في سكنى الأرض وليس خَلَفاً لهما، إلا أنْ يُقال: إنَّ السيطرة أصبحت للإنسان وألجئ الجنُّ إلى الجبال والجزائر فكان هو المسيطر والخليفة دون الجنِّ. 2 - «وإن قلنا هو فعيل بمعنى مفعول - كجريح بمعنى مجروح، وقتيل بمعنى مقتول - يكون المعنى: أنَّه يخلفه مَنْ بعدَه، وعلى هذا المعنى حَمَلَ قولَه - عز وجل - في حق آدم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ (خَلِيفَةً} مَنْ قال: إنَّ آدم أولُ من عمر الأرض وخلفه فيها بنوه بعده» (¬1). قال النَّحاس (¬2): وإطلاق الخليفة على أمير المؤمنين محتمل لهذين الوجهين، وأَولاهما أنه يخلف من كان قبله. ويُجْمَعُ لفظ (الخليفة) على خلفاء بناءً على المعنى المذكََّر، ويُجْمَعُ على خلائف بناءً على اللفظ المؤنث (¬3). تعريف الخليفة شرعاً: هو الإمام الأعظم القائم بخلافة النُّبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا (¬4). وكلمة (خليفة) ليست اصطلاحاً اصطلح عليه المسلمون بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ذكر بعضهم (¬5)، فقد ورد هذا المصطلح في الشرع للدلالة على من يتبوأ منصب ¬
هل يشترط فيمن يخلف شخصا آخر أن يستخلفه الأول حتى يطلق عليه اسم خليفة أو لا؟
الخلافة في الدولة الإسلامية، فهو اسم لمتولي أمر الدولة الإسلامية لكونه يخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمته، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما استُخلف خليفة إلا له بطانتان؛ بطانة تأمره بالخير وتحضُّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضُّه عليه، والمعصوم من عصم اللهُ» (¬1). ولا يعني هذا عدم جواز استبدال كلمة (رئيس الدولة) أو نحوها بكلمة (خليفة) مع بقاء مضمونها الذي لا يمكن بحال من الأحوال التنازل عنه، وهذا ما رضي به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما ناداه الصحابةُ بأمير المؤمنين (¬2). وهل يشترط فيمن يخلف شخصاً آخر أن يستخلَفه الأولُ حتى يطلق عليه اسم خليفة أو لا؟ ميَّز ابن حزم بين أصل وضع الكلمة في اللغة وبين الاستعمال الشرعي لها: - أما في اللغة فقال - رحمه الله -: «الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه المرء لا الذي يَخْلُفُه دون أن يستخلفه هو، لا يجوز غير هذا البتَّة في اللغة بلا خلاف، نقول: استخلف فلان فلاناً يستخلفه فهو خليفة فإن قام مكانه دون أن يستخلفه لم يُقل إلا: خلف فلان فلاناً يخلفه فهو خالف» (¬3). وقد ذُكر في اللغة فرق آخر بين الخالف والخليفة، بأن الخالف هو الذي لا غناء عنده ولا خير فيه، وأما الخليفة فهو من يقوم مقام الذاهب ويسد مسدَّه (¬4). - وأما في الاستعمال الشرعي فقال: «الخليفة هو كل من يخْلُف شخصاً آخر، وإنْ كان لم يستخلِفه، وعزاه إلى الجمهور ورجَّحه بقوله: إنَّ الاستعمال ¬
الموجود في الكتاب والسُّنَّة يدل على أنَّ هذا الاسم يتناول كل من خَلَفَ غيره، سواء استخلفه أو لم يستخلفه، فقوله - عز وجل -: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} يونس/14. وقوله - عز وجل -: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} الأنعام/165، وقوله - عز وجل -: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} الزخرف/60. وغيرها، يدل على الخلافة دون استخلافٍ ممن قبله. وقوله - عز وجل -: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} الأعراف/142، يدل على الاستخلاف. وإن كان الغالب في الاستعمال للكلمة هو من كان خليفة عن الأول وإن كان الأول لم يستخلفه، ومعلوم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلِف واحداً معيناً، وكان عمر - رضي الله عنهم - يقول: «إنْ أستخلفْ فقد استخلَف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -» (¬1). وكان - رغم عدم استخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر - رضي الله عنه - يقول لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، فعُلم أنَّ الاسم عامٌ فيمن خَلَفَ غيرَه. اهـ (¬2). وهذا هو رأي ابنُ تيمية (¬3)، ولكن الأمثلة التي ضربها - رحمه الله - للدلالة على أنَّ كلمة (خليفة) تطلق على من كان خليفة دون استخلاف، إنَّما هي أمثلة لا تَدلُّ على ما استَدَل عليه منها، لأنَّ هذه الآيات كلَّها تنطق بأنَّ الله هو الذي جعلهم خلائفَ إذاً فهو المستخلِف، ولم يَخْلُفوا دون استخلاف، ولئن لم يظهر لنا كيف استخلَفهم الله فلأنَّ هذا من شؤون التدبير والقدرة الإلهية، ومظهرُها اتفاقُ الناس على خليفة (¬4). ¬
وقال الشِّيعة وابن حزم: الخليفة هو من استخلفه غيره (¬1). وجمع الفراهيدي المعنيين معاً فقال: الخليفة هو من استُخلف مكان مَن قبلَه، ويقوم مقامه. أي بغض النظر عن المستخلف (¬2). ولم يبين في محيط المحيط هل يشترط الاستخلاف أو لا فقال: «الخلافة هي الإمارة والنيابة عن الغير إما لغيبة المناب عنه، أو لموته، أو لعجزه، أو لتشريف المستخلف، وعلى هذا - أي التشريف- استخلف الله عباده في الأرض» (¬3). وإنني إذ أُثْبِتُ أنَّه لا بدَّ من الاستخلاف، لا أتبنى رؤية الأخوة الشِّيعة في أنَّه لا بد أن يكون الاستخلاف من صاحب الشرع مباشرة، لأنني أقول بأنَّ المستخلِف للخليفة هو الشرع ولكن بطريقٍ غير مباشر أي عن طريق الأمَّة، فالله شَرَع للأمة الإسلامية أن تستخلفَ خليفة لها بالشورى أو بالطرق الأخرى للاستخلاف والانتخاب، وبعبارة صريحة: الله هو المستخلف حقيقة (¬4)، ولكنْ ظهر ذلك في قلوب العباد وإرادتهم واجتماع رأيهم على هذا الخليفةَ أو ذاك. قال - عز وجل -: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} آل عمران/26 وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ رضي لَكُمْ ثَلاثاً، وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلاثاً: رَضِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَنْ تَنْصَحُوا لِمَنْ وَلاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» (¬5) فذكر - صلى الله عليه وسلم - أن الله هو ¬
الذي يولي الولاة على المسلمين. ومثله ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أيضاً أنه قال: «مَنْ وَلاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَرَادَ بِهِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ فَإِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ» (¬1). ويساعدنا على فهم هذا المعنى ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - مما يرويه أنس بن مالك قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنُوا عَلَيْهَا خَيْراً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وَجَبَتْ» ثم مَرُّوا بِأخرى فَأَثْنوا عَلَيْهَا شَراً فقال: «وَجَبَتْ». فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ما وجبت؟. قال: ... «هذا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً فوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وهذا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَراً فوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ» (¬2). فحُسْنُ الثناء وضدُّه علامةٌ على ما عند الله تعالى للعبد، وإطلاق ألسنة الخلق التي هي أقلام الحق بشيء في العاجل عنوان ما يصير إليه في الآجل، ولأنَّ اجتماع الأمة على رجلٍ ما معصومٌ من الخطأ، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجتمع أمتي على ضلالة» (¬3) واستدلالاً بكل الأدلة التي تفيد عصمة الأمة بمجموعها عن الخطأ. ومعنى كلمة (الخليفة) الواردة في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعاء السفر: «اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل» (¬4) فاللفظ - وإن جاء خبراً في الجملة ¬
المعنى العام لكلمة خليفة (ما نفهمه من كلمة خليفة)
الاسمية - يفيدُ الدعاء، فكأنَّ الداعي يقول: اللهم اخلفني في أهلي أن تَلمَّ شعثهم وتداوي سقمهم وتحفظ عليهم دينهم وأمانتهم، أي أنت تقوم مقامي في إصلاح أمرهم (¬1). وأما ما ورد عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنَّه جاءه أعرابي فقال له: أنت خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا. قال: فما أنت؟ قال: الخليفة الذي يقوم مقام الذاهب ويسد مسدَّه، أنا الخالفة. فإنَّه قاله - رضي الله عنه - تواضعاً وهضماً لنفسه، وقد ظل الصحابة ينادونه بالخليفة لا بالخالف، لمعرفتهم بقصده هذا (¬2). المعنى العام لكلمة خليفة (ما نفهمه من كلمة خليفة): إنَّ كلمة (خليفة) تتضمن الإشارة إلى الزمن حيث أن هناك دائماً لاحقاً لسابق، وهي تتضمن أيضاً موضوعاً يتم الاستخلاف فيه، ووسائل تعين على هذا الاستخلاف. فخلافة اللاحق تعني فرصته الزمنية في الحياة، وفي الخضوع لامتحان الله له، والمتمثل بامتثاله أو عدم امتثاله لأمر الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الموضوع الذي تدور حوله الخلافة، وبهذا الفهم فالخلافة تكون لكل عاقل وليس فقط لرئيس الدولة، وإن انصرف الإطلاق إلى رئيس الدولة فلعظم مسؤوليته في تطبيق شرع الله تعالى. وأما وسائل الاستخلاف فهي تلك الصفات المستعارة من الله تعالى، والتي بها أصبح الإنسان مكلفاً، وهي السمع والبصر والفؤاد وغيرها من الصفات المساعدة في مهمة الاستخلاف والمشار إليها بقوله - عز وجل -: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ ¬
وَالْأَرْضِوَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا (الْإِنْسَانُإِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} الأحزاب/72. فيكون معنى الخليفة - بالنظر إلى المعاني الثلاثة التي تحويها الكلمة- هو آخِرُ مَنْ مُكِّن من تلك الصفات ليستخدمها في مهمته التي كلَّفه الله بها من الخلافة. إنَّ الاستقراء لاستعمالات كلمة (الخليفة) وما يرادفها في كتاب الله، يوضح أنَّ بعض تلك الاستعمالات إنَّما تشير إلى الخلافة بمعنى الرئاسة والخلافة العظمى مثل قوله - عز وجل -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} النور/55، بينما يشير بعضها الآخر إلى التكليف العام لكل الناس كقوله - عز وجل -: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} الأنعام/165. وكقوله - عز وجل -: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ} يونس/14. ويجمع بين الاستعمالين أنَّ الكلَّ مستخلفٌ ولكن تختلف درجة الاستخلاف، وهذا ما تشير إليه آية الأنعام السابقة من أنَّ الله رفع الناس درجات بعضهم فوق بعض , وبالتالي فإنَّ درجة استخلافهم تختلف تبعاً لدرجاتهم. وإذا قلتُ إنَّ الكلَّ مُستخلفّ فهذا يشمل الكفار أيضاً، فهُم قد مُلَّكوا وسائل الاستخلاف وطُلب منهم استخدامها في موضوعها الذي من أجله مُلِّكوها ولكنهم استخدموها في اتجاه معاكس، أو لم يستخدموها أصلاً. والكفَّار والفسَّاق إِنْ تنصَّلوا من القيام بواجبهم أصبحوا جزءاً من الامتحان والفتنة التي يتعرض لها الصالحون والمؤمنون، كما أن الصالحين أصبحوا حجةً عليهم. ولا يخفى أنَّ هذا التفسير يميل إلى ملاحظة معنى النيابة التي تشير إليها كلمة خليفة، وبهذا يندفع اعتراض من رفض تسمية الإنسان أو الخليفة بأنه خليفة عن الله ظانَّاً أنَّ الخلافة إنَّما تكون عن الميت أو الغائب والله تبارك وتعالى ليس كذلك (¬1)، أو ظانَّاً بأنَّ الخلافة تكون بأن يَحلَّ المستخلَف مكان ¬
المستخلِف (¬1)، لأنَّ للخلافة معنى آخر هو النيابة، والنيابة تكون مع وجود الأصيل، وحتى لو قلنا: إن الخليفة يقوم بما يقوم به مستخلِفه أو يحلُّ محلَّه في أمر ما، فلا تكون العلة للاستخلاف هي العجز أو الغيبة، بل تكون للامتحان من الله للمستخلَف، أو هي للتشريف والتكريم، قال الله - عز وجل -: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} الإسراء/70. وهذا الفهم العام لكلمة خليفة يدل عليه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (¬2). وأعلى مراتب الخلافة خلافة الخليفة أو رئيس الدولة ثمَّ تتدرج نحو الأدنى كلما قلَّت مسؤوليةُ صاحبها، ومن هنا - وبعد انقطاع الوحي بوفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ كلمة الخليفة عند إطلاقها تنصرف إلى أمير المؤمنين ورئيسهم، إذ هو صاحب المسؤوليَّة الأعظم بين النَّاس، فهو المسؤول أمام الله تعالى عن الدفاع عن الشرع والبلاد والعباد وإقامة الحدود والقضاء بين الناس، وإن كان هذا لا يُخْلي طرَفَ الأفراد من مسؤولية الخلافة، فالخلافة هي مهمة الأمة الإسلامية أصالةً ومهمة القيادة العليا نيابةً (¬3). ¬
المبحث الثاني: تعريف الخلافة لغة وشرعا
المبحث الثاني: تعريف الخلافة لغة وشرعاً تعريف الخلافة لغة: مصدر خَلَفَ يخلف خلافة، أي بقي بعده أو قام مقامه، والخلافة: اسم للمنصب الذي يتبوؤه من يخلف الرسول - صلى الله عليه وسلم - في إجراء الأحكام الشرعية ورئاسة المسلمين في أمور الدين والدنيا (¬1). والخلافة كذلك: نيابة المرء عن غيره، إما لغيبة المنوب عنه، وإما لموته، وإما لعجزه (¬2). تعريف الخلافة شرعاً: الخلافة والإمامة تدلان على معنى واحد عند أهل السُّنَّة (¬3)، وهي عند ابن خلدون (¬4): «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية، والدنيوية الراجعة إليها» (¬5)، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به. وعرَّفها التفتازاني والماوردي بأنها: «رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا، خلافة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -» (¬6). وفي مآثر الإنافة: «هي الولاية العامة على كافة الأمة والقيام بأمورها والنهوض بأعبائها» (¬7). ¬
والخلافة عند مصطفى صبري ومصطفى حلمي: «حكومةٌ ما نائبةٌ مناب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في القيام بأحكام الشرع الإسلامي» (¬1). وأضاف بعضُهم على التعريف مهمةَ حملِ الدعوة الإسلامية إلى العالم (¬2) وهو بهذا يُصرِّح بمضمون تعريف غيره، إذ الدعوة من معاني حراسة الدين وطرقه. وهي تعاريف قريب بعضها من بعض، وتشير إلى العمومية في الصلاحيات في الدين والدنيا، وأنها مقيدة بشرع الله عز وجل. وقد تدل كلمة (الخلافة) على أكثر من معنى: أ) فقد تنحصر دلالتها على خلافة الخلفاء الراشدين (¬3) كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «الْخِلافَةُ فِي أُمَّتي ثَلاثُونَ سَنَةً ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ» (¬4). ب) وقد تدل على معنى أوسع منه، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (¬5) حيث امتدت دلالتها إلى ¬
الخلافة الأموية التي هي أقلُّ رتبة من سابقتها، فهي خلافة، ولكن اعتراها بعض النقص (¬1). ج) وقد تدل على معنى أكثر اتساعاً، حيث تشمل كلَّ خلافة إلى قيام الساعة (¬2)، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فيكثرون». قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ... «فُوا ببيعة الأول، فالأول، أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم» (¬3). ¬
المبحث الثالث: تعريف الإمام لغة وشرعا
المبحث الثالث: تعريف الإمام لغة وشرعاً تعريف الإمام لغة: الإمام مفرد أئمة، وهو من يُقتدى به، من رئيس أو غيره، سواء أكان الاقتداء في الخير أو في الشر، ولهذا أطلق الله على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنهم أئمة من حيث يجب على الخلق اتِّباعهم. قال - عز وجل -: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} الأنبياء/73. وفي الاقتداء بالشر قال - عز وجل -: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} التوبة/12. وقال - عز وجل -: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} القصص/41 (¬1) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما جُعل الإمام لِيُؤتمَّ به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا» (¬2). قال الدكتور محمد عمارة: «إنَّ القرآن عندما استخدم مصطلح (الإمام) فإنَّه قد خصَّ به - في الغالب - الإمامة، والتقدم في الدين، فالله - عز وجل - قال لإبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} البقرة/124. أي نبيَّاً، وفي قوله - عز وجل -: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} الفرقان/74. أي مُقَدَّمين يقتدون بنا في أمر الدين» (¬3). تعريف الإمام شرعاً: هو كل شخص صار قدوة في فن من فنون العلم، ولهذا عرَّفه الرازي بأنه: كلُّ شخص يُقتدى به في الدين، غير أنه إذا أُطلق لا ينصرف إلا إلى صاحب الإمامة الكبرى، ولا يطلق على الباقي إلا بالإضافة (¬4). ¬
فالإمام شرعاً: من له الولاية على الأمة والتصرف في أمورها على وجه لا يكون فوق يده يد، احترازاً عن القاضي والمتولي فإنَّهما يتصرفان في أمر الأمة ولكن يد الإمام فوق أيديهما (¬1). وهو عند الشِّيعة كما يذكر الحلي: «الإنسان الذي له الرياسة العامة في أمور الدين والدنيا بالأصالة في دار التكليف» (¬2). ونقض تعريفهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فهو الذي له الرياسة أصالة، وأما الإمام فله الرياسة بالنيابة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولهم تعريف غير معتمد شبيه بتعريف أهل السنة وهو: «خلافة شخص من الأشخاص للرسول صلى الله عليه وآله في إقامة قوانين الشرع وحفظ حوزة الملة على وجه يجب اتباعه على كافة الأمة» (¬3). وقد أطلقوا على سيدنا علي - رضي الله عنه -: الإمام، لأنه - حسب رأيهم - صاحب الحق الشرعي فلمَّا تولى السلطة لقَّبوه بالخليفة أو أمير المؤمنين، وقد فعل ذلك شيعة بني العباس أيضاً (¬4). والإمام عند الشِّيعة لا يختلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من حيث إنه لا يرى الملَك في المنام ولا يعاينه في اليقظة وله كل سلطات النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬
المبحث الرابع: تعريف الإمامة لغةً وشرعاً تعريف الإمامة لغة: الإمامة: التقدم. مصدر أمَّ القوم وأمَّ بهم إذا تقدمهم، وصار إماماً لهم (¬1). والإمامة كبرى وصغرى، وتطلق الإمامة الكبرى على منصب الخلافة، بينما تطلق الإمامة الصغرى على الصلاة بالناس، وإنما وُصف الخليفة والذين يُصلُّون بالناس بالإمامة، لأنَّهم رُتِّبوا في المحل الذي يجب فيه على الناس اتباعهم، وقَبول قولهم، فمن دخل في صلاة الإمام لزمه الإتمام به واتباعه، ومن بايع الخليفة، لزمته طاعته ووجب عليه اتباعه. تعريف الإمامة شرعاً: لا يبعد المعنى الاصطلاحي للإمامة عن المعنى اللغوي، بإطلاقه الشامل للمقتدى بهم عموماً، في مجالي الخير والشر، طوعاً أو كرهاً. فهي: «صفة حُكْمية، توجب لموصوفها تقديمه على غيره معنى، ومتابعة غيره له حِسَّاً. وتنقسم أربعة أقسام: 1 - إمامة وحي وهي النبوة 2 - وإمامة وراثة كالعلم 3 - وإمامة عبادة وهي الصلاة 4 - وإمامة مصلحة وهي الخلافة العظمى لمصلحة جميع الأمة، وحيث أطلقت في لسان أهل الكلام انصرفت إلى المعنى الأخير عرفاً، وهي - بهذا المعنى -: رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -» (¬2). أو هي كما قال ابن الهمام: استحقاق تصرف عام على المسلمين (¬3). وعرَّفها الجويني بأنها: «رياسة تامَّة وزعامة عامَّة تتعلق بالخاصَّة والعامة ¬
في مهمات الدين والدنيا» (¬1). وانتقد الآمدي (¬2) والجرجاني والإيجي (¬3) هذا التعريف لدخول النبوَّة فيه، وعرَّفوا الإمامةَ بأنها: «خلافة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في إقامة الدين، وحفظ حوزة الملة، بحيث يجب اتِّباعه على كافة الأمة». بإضافة قيد الخلافة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإخراج النبوَّة (¬4). وقد ردَّ الكمال ابنُ أبي شريف على مَنْ اعترض على تعريف ابن الهمام - ومثله الجويني- للإمامة قائلاً: «فإن قيل: التعريف صادق بالنبوة (¬5) لأن النبي يملك هذا التصرف العام. قلنا: استحقاق النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا التصرف العام، إمامةٌ مترتبة على النبَّوة، فهي داخلة في التعريف، دون ما ترتبت عليه أعني النبَّوة» (¬6). وبالمجمل فإن كلام سائر علماء العقائد والفقهاء من جميع مذاهب أهل السُّنَّة لا يخرج عن هذا المعنى، إلا أنَّ الرازي زاد قيداً في التعريف فقال: هي رئاسة عامة في الدين والدنيا لشخص من الأشخاص، وقال: هو احتراز عن كل الأمة إذا عَزلوا الإمامَ لفسقه. قال التفتازاني في شرح المقاصد بعد ذكر هذا القيد: «وكأنه أراد بكل الأُمة أهل الحل والعقد» (¬7). وعند الإمامية: «رئاسة عامة دينية مشتملة على ترغيب عموم الناس في ¬
حفظ مصالحهم الدينية والدنياوية، وزجرهم عما يضرهم بحسبها» (¬1). وعند الزيدية: «الإِمَامَةُ رِيَاسَةٌ عَامَّةٌ لِشَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لَيْسَ فَوْقَهَا يَدٌ» (¬2). والإمامة بتعبيرٍ معاصرٍ: هي الحكومة الإسلامية الشرعية، أو هي الحكومة التي تكون الشريعةُ الإسلامية قانونَها (¬3). وإذا كانت الإمامة الكبرى والخلافة شيئاً واحداً - عند أهل السُّنَّة والجماعة -فإن للإمامة مرادفات غير الخلافة، كإمارة المؤمنين، والسلطة، والحكم (¬4). وليست الإمامة مرادفة للخلافة عند الشِّيعة بل هي أعلى درجات الخلافة (¬5). وعرَّفها الإمام علي بن موسى الرضا - من الشِّيعة - بأنها: منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء (¬6). ¬
الفصل الثاني مقدمات فقهية لا بد منها
الفصل الثاني مقدمات فقهية لا بد منها وتشتمل على ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: حكم إقامة الخلافة ودليله. - المبحث الثاني: هل الخلافة من مباحث علم الكلام أو من فروع الفقه؟ - المبحث الثالث: عمن تكون الخلافة.
المبحث الأول: حكم إقامة الخلافة ودليله
المبحث الأول: حكم إقامة الخلافة ودليله هل من واجب المسلمين اليوم السعيُ بمختلف الوسائل الفكريَّة والعملية لتوحيد أنفسهم تحت راية واحدة يَحسب لها أعداؤهم ألف حساب، أم لا بأس بأن يكتفوا بتطبيق ما يستطيعون من أحكام دينهم - على أحسن تقدير- في دولهم المتعددة والمختلفة؟ إنَّ الإجابة عن هذا السؤال تعطي - أو تُفقد - الجهودَ المبذولةَ لإعادة دولة الخلافة أهميتَها، والجواب ذو شقين؛ فقد قال بوجوب إقامتها جماهير المسلمين من مختلف الطوائف والمذاهب، وشذَّ بعضهم فنفى الوجوب على التفصيل الآتي: 1 - من قال بوجوب إقامتها: أما القائلون بوجوب نصب الإمام، والسعي إلى إقامة الإمامة فهم الأغلبية الساحقة من المسلمين، ولم يخالف في وجوب نصب الإمام أحد ممن يُعتدُّ برأيه؛ فقال بذلك أهل السُّنَّة من المتكلمين (¬1) والحنفية (¬2) والمالكية (¬3) والشافعية (¬4) ¬
والحنابلة (¬1) والظاهرية (¬2)، وهو رأي الإمامية (¬3) والإسماعيلية (¬4) والزيدية (¬5) وعامة المعتزلة (¬6) (عدا الأصم (¬7) وهشام الفوطي (¬8))، واختلفت الرواية عن الخوارج (¬9) فمنهم من أوجبها مطلقاً كالإباضية (¬10) ولكن مع اشتراط أن يكون المسلمون نصفَ عدوهم على الأقل مع ما يكفيهم من علم ومال (¬11)، ومنهم من لم يوجبها أصلاً (¬12). قال الإمام الجويني: «نصب الإمام واجب عند الإمكان، وخالف في ذلك ¬
من الذي يجب عليه إقامة الخلافة وما مصدر هذا الوجوب
من لا يُسمى إلا عند الانسلال عن ربقة الإجماع، والحيد عن سنن الاتباع، وهو مسبوق بالإجماع واتفاق مذاهب العلماء قاطبة» (¬1)، وهو يقصد الأصم. بل إنَّ نصب الإمام هو رأيُ العقلاء من غير المسلمين؛ يقول القديس توما الأكويني: إنَّ المصلحة العامة للمجتمع تقتضي حتماً وجود حاكم تُوكلُ إليه مهمة تنظيم تبادل الخدمات، وحاجة المجتمع إلى الحاكم، كحاجة الجسد إلى الروح (¬2). ويؤكد هيوم ذلك بقوله: وقدْرٌ صغيرٌ من التفكير والملاحظة يكفي لتعليمنا أنه لا يمكن المحافظة على المجتمع دون سلطة حاكم ما (¬3). قال الأفوه: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا (¬4) من الذي يجب عليه إقامة الخلافة وما مصدر هذا الوجوب: اختلف القائلون بوجوب نصب الإمام في من الذي يجب عليه إقامة الخلافة وما مصدر هذا الوجوب إلى أربعة آراء: 1 - الوجوب علينا شرعاً: قال أهل السُّنَّة من المتكلمين (¬5) ¬
والحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) والظاهرية (¬5)، والزيدية (¬6)، وكثير من المعتزلة كالقاضي عبد الجبار (¬7) وأبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم (¬8) بوجوب إقامة الإمامة سمعاً، وهو واجب على الكفاية (¬9)، وأن الإمامة ليست من شأن العقل فلا ينفرد بإيجابها، والواجب هنا واجبٌ على الخلق لا على الله «فالله - عز وجل - لا يجب ¬
عليه شيء أصلاً بل هو متعالٍ عن ذلك قطعاً» (¬1). 2 - الوجوب على الله عقلاً: وقالت الشِّيعة الإمامية والإسماعيلية (¬2)، وأبو القاسم الكعبي من المعتزلة -عند القاضي عبد الجبار (¬3) -، بوجوب الإمامة عقلاً على الله، لا على الإنسان. وأضاف أبو القاسم الكعبي قائلاً: «فإن لم ينص الله عليه يجب على الناس أن ينصبوه» (¬4). أي أنه انفرد بقولٍ لم يَقُلْهُ أحدٌ؛ حيث جعل الوجوب هنا عقلاً على الله ثمَّ على الناس. ولا أدري كيف يجب على الله عقلاً - برأيه- ثم لا ينصُّ عليه! فالمفروض في الوجوب العقلي أنه لا يتخلف. وقد قال الشيعة بالوجوب عقلاً رغم اعتقادهم أن العقل لا يستقل بمعرفة الأحكام! (¬5)، فقالوا: الإمامة لطف واجب من الله بالبشر، وهو لطف في الواجبات ¬
العقلية لا الشرعية، والعقل أسبق من الشرع، وبه عرفنا الشرع قبل أن يصبح شرعاً، ثم جاء حكمُ الشرع ليرشد حكمَ العقل، ولو قلنا بوجوب اللُّطف بالشرع لحصل الدور (¬1). والإمامية أوجبوا نصب الإمام عليه تعالى لحفظ قوانين الشرع عن التغيير بالزيادة أو النقصان، والإسماعيلية أوجبوه ليكون الإمام مُعرِّفاً لله وصفاته (¬2). وأما مسألة اللُّطف فسيأتي التفصيل فيها قريباً بعد سرد الأقوال. 3 - الوجوب على الإنسان عقلاً: قال بهذا بعض المعتزلة وهم: الجاحظ (في بعض المصادر (¬3))، وأبو القاسم الكعبي (في بعض المصادر (¬4))، وأبو الحسين البصري (في بعض ¬
المصادر (¬1))، والنظَّام (¬2)، والخيَّاط (في بعض المصادر (¬3))، وبعض الزيدية (¬4)، لما في الإمامة من مصالح ومن دفع مضار دنيوية، ولم يَقُل المعتزلة - بعد استثناء الكعبي عند القاضي عبد الجبار كما مر - بالوجوب على الله، مع أن الوجوب على الله مذهبهم في الجملة، لأنه لو وجب على الله لما خلا منه زمان (¬5). 4 - الوجوب على الناس عقلاً وشرعاً: قال بذلك بعض الحنفية (¬6) وأشار إليه ابن تيمية (¬7)، وقال به من المعتزلة الجاحظُ (في بعض المصادر (¬8))، والكعبي .................................................................... ¬
أدلة وجوب نصب الإمام
(في بعض المصادر (¬1))، وأبو الحسين البصري (في بعض المصادر (¬2))، والخيَّاط (في بعض المصادر (¬3))، وقال به الحسن البصري (¬4). وصنَّف الشهرستاني الشيعةَ فيمن قال بوجوب الإمامة عقلاً وشرعاً (¬5)، وأظنه ليس دقيقاً في هذا. أدلة وجوب نصب الإمام: 1 - استدل من قال بالوجوب بناء على الدليل الشرعي بالقرآن والسُّنَّة والإجماع والمعقول: فمن القرآن: قوله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} النساء/59. والحكام إن لم يكونوا هم المقصودين بأولي الأمر، فهم على الأقل منهم كما ذكر كثير من المفسرين (¬6)، وقد أمر الله بطاعتهم. وقوله - عز وجل -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران/103. والخليفة من ضرورات الوحدة وعدم التفرق، كما هو مشاهد ومجرب. وقوله - عز وجل -: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} النساء/54. ووجهُ الاستدلال أنَّ المقصودَ بقوله - عز وجل -: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} هو النَّبيُّ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - إذ حسده اليهود منذ أن أقام الدين ¬
على أساس الدولة، فردَّ اللهُ عليهم أنَّ هذا ليس بِدْعاً في النبوات (¬1). وقوله - عز وجل -: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ (خَلِيفَةً} البقرة/30. وقوله - عز وجل -: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} سورة ص/26. وغيرها. ومن السُّنَّة: فقد وردت الأحاديثُ الكثيرةُ في كتب الحديث والفقه تدلُّ على وجوب إقامة الإمام والسمع والطاعة له، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية» (¬2) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية» (¬3). وغيرها من الأحاديث (¬4). ولا يأمر الله ورسوله بمبايعة الأمير وطاعته ما لم يكن وجوده واجباً، وإلا كان الأمر عبثاً. ومن الإجماع: فقد حصل إجماعٌ للأمة على إقامتها بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستمر الإجماع خلال تاريخ الأمة، قال أبو بكر - رضي الله عنه - في خطبته قبل البيعة: «أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنه حي لا يموت وتلا هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ} آل عمران/144 ثم قال: وإن محمداً قد مضى بسبيله ولا بد لهذا الأمر من قائم يقوم به، فانظروا وهاتوا آراءكم ¬
رحمكم الله» فناداه الناس من كل جانب: صدقت يا أبا بكر ولكنا نصبح وننظر في هذا الأمر ونختار من يقوم به. ولم يقل أحد أن هذا الأمر يصلح من غير قائم به فكان إجماعاً (¬1). ومن المعقول: وهو دليل إضافي وليس أساسياً، بمعنى أن القائلين بالوجوب الشرعي استأنسوا بالدليل العقلي أيضاً، ولم يروا مانعاً من إضافته إلى الدليل الشرعي. ودليل العقل هو: أن إقامة الدين وتنفيذ أحكام الشرع في جميع شؤون الحياة الدنيا والأخرى فرض على المسلمين، بالدليل القطعي الثبوت القطعي الدلالة؛ فقد أمر الشرع بإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وحفظ بيضة الإسلام ولا يتم ذلك بدون الإمام، كما أنَّ في نصب الإمام جلب منافع لا تحصى ودفع مضار لا تستقصى، حيث تظهر الفتن والفساد وانفصام أمور العباد بمجرد موت الإمام وإن لم يكن على ما ينبغي من الصلاح والسداد، وكل ما كان كذلك يكون دفعه واجباً، ولا يمكن تحقيق وحدة الأمة في مجتمع سياسي منظَّم إلا بالدولة. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بحاكم ذي سلطان، والقاعدة الشرعية تقرر أن: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (¬2). ¬
2 - واستدل من قال بالوجوب العقلي على الناس: أن أصل دفع المضرة واجب بحكم العقل قطعاً فكذلك المضرة المظنونة يجب دفعها عقلاً، وذلك لأن الجزئيات المظنونة المندرجة تحت أصل قطعي الحكم يجب اندراجها في ذلك الحكم قطعاً، مثل أن يعرف الإنسان أن كل مسموم يجب اجتنابه ثم يظن أن هذا الطعام مسموم، فإن العقل الصريح يقضي بوجوب اجتنابه. 3 - ومما استدل به من قال بالوجوب العقلي على الله: - بدليل عقلي: أن الإمام لطف، لكون العبد معه أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية واللُّطف واجب على الله (¬1). - وبدليل نقلي: بما روي عن الصادق عن آبائه مرفوعاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عن ربه: «يا محمد لم أترك الأرض إلا وفيها عالم يعرف طاعتي وهداي، ويكون نجاة فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر، ولم أكن أترك إبليس يضل الناس وليس في الأرض حجة وداعٍ إلي وهادٍ إلى سبيلي» (¬2). ويُردُّ عليهم في الدليل العقلي أن الإمامة عندكم استمدت قوتَها والاستدلال على وجوبها عقلاً على الله من جهتين: الأولى: أن النبوة لطف واجب على الله عقلاً. والثانية: أن الإمامة كالنبوة، فكما وجبت النبوة على الله عقلاً، تجب الإمامة مثلها، وهي مقدِّمات غيرُ مسلَّمةٍ أوصلت لنتيجةٍ خطأ، فلا اللُّطف واجب على الله عقلاً، ولا الإمامة كالنبوة من كل جهة، فالنبوة أعمُّ من الإمامة، ولو وجبت الإمامة عقلاً على الله لما خلا عصرٌ من الإمام، وليس هذا واقعَ الحال، وإن زعموا خلافه، فحتى النبوة خلت في عصر من العصور، كما بين سيدنا عيسى - صلى الله عليه وسلم - وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ويُردُّ على الدليل النقلي بأنه لا يفيد الوجوب على الله، وغاية ما في الأمر ... ¬
2 - من قال بعدم وجوب إقامة الخلافة
-على فرض صحة الدليل - أن الله تفضل على العباد فأرسل لهم في كل عصر من يدلُّهم عليه سبحانه، وأين هذا من مسألة الوجوب عليه!. ورُدَّ على القائلين بالوجوب العقلي بنوعيه - على الله والإنسان - بمنع حكم العقل بالوجوب فالأحكام لا تستفاد إلا من الشرع (¬1). وقال التفتازاني: «احتج القائلون بوجوبه عقلاً - أي المعتزلة - بأن فيه دفع الضرر، فيجب. قلنا: لا بمعنى استحقاق تاركه الذم والعقاب» (¬2). ويقصد أن الوجوب هنا ليس الوجوب الشرعي الذي يستحق من يتركه العقابَ، بل هو الوجوب العقلي المبني على وجوب تحصيل المنافع التي استحسنها الشرع، والبعد عن الضرر الذي استقبحه الشرع. 2 - من قال بعدم وجوب إقامة الخلافة: خالف في وجوب نصب الإمام قلة وهم: أبعض الخوارج (¬3) كالأزارقةِ (¬4) والصفريةِ (¬5) والمُحكِّمة (¬6) والنجدات (¬7) ....... ¬
وضرار بن عمرو (¬1)، وقالوا: لا يجب نصب الإمام، بل هو جائز، والواجب على الناس رعاية النصفة وتعليم القرآن فيما بينهم، فيجوز لهم نصبه إذا رأوا أن تلك الرعاية لا تتم إلا بإمام يحملهم عليها. قال الهيتمي والقاضي عبد الجبار المعتزلي: «خلاف الخوارج لا يعتد به» (¬2). وقد تراجع الخوارج عن هذا الرأي وقَبِلوا نصبَ الإمام - عدا النجدات على التفصيل السابق - (¬3)، وقد بقي منهم في العصر الحاضر بعض الطوائف في أفريقيا الشمالية باسم الإباضية في طرابلس وجبل نفوسة، وكذلك في عُمان وزنجبار (¬4). ب وفصَّل بعض المعتزلة؛ فقال هشام الفُوْطي: يجب نصب الإمام عند الأمن دون الفتنة (¬5)، وقال بالعكس أبو بكر الأصم (¬6) ¬
والنظَّام (¬1) أي: يجب نصبه عند الفتنة دون الأمن. قال الحنفية: «إن بعض القدرية لم يقولوا بأن نصب الإمام فرض، ولا عبرةَ بخلافهم» (¬2). وهم يقصدون المعتزلة لأنهم يُسمَّون أيضاً بالقدرية. ت- وقال الداودي: نصب الإمام سنة مؤكدة (¬3). ث وأشار المرداوي الحنبلي إلى قولٍ في المذهب يقول إنَّ نصبَ الإمام ليس فرضَ كفاية، ووصفه بأنه قولٌ ضعيفٌ جداً (¬4). ج وقال بعدم وجوب نصب الإمام بعضُ المعاصرين كعلي عبد الرازق وعبد الحميد المتولي وصاحب كتاب (الخلافة وسلطة الأمة) وعبد الكريم الخطيب والعشماوي والدكتور محمد عمارة (¬5). ح بقي أن أذكر رأي ابن خلدون تفصيلاً، لأنَّ بعضهم ظن أنه يقول بعدم وجوب الخلافة، وليس الأمر كذلك، فابنُ خلدون يرى أنَّ الخلافة هي التي كان أساسُها ووازعُها الدين، وهو ما كان عليه حالُ الخلفاء الراشدين، ولكن أصبح بعد ذلك أساسُ الخلافة ووازعُها العصبيةَ فأشبهت بذلك الملكَ كبداية الخلافة الأموية، التي استخدمت العصبية لتحقيق أغراض الخلافة من نصرة الدين، ولكنها تحولت إلى ملكٍ خالصٍ يَعتمد على العصبية، وغايتُه خدمةُ الأهواء والشهوات، وعندما ¬
دليل من لم يقل بوجوب الخلافة
وصلت إلى هذه الدرجة كانت إيذاناً بذهابِها عن بني أمية، فانتقلت إلى العباسيين، وتكرر الأمر عندهم فقد كانت في بدايتها خلافةً مبنيةً على العصبية، ولكنها تخدم أغراض الدين، ثم تدرَّجت إلى أن أصبحت مُلكاً خالصاً، ثم خرجت عن العرب لمَّا ضعفت عصبيتهم وتلاشت (¬1). هذه هي خلاصة فكرة ابن خلدون في انقلاب الخلافة إلى ملك، والتي غابت عن بعضِ المعاصرين (¬2) حين فَهِمَ أنَّ ابنَ خلدون يقول إن الخلافة ليست ضربةَ لازبٍ على المسلمين في كل حال، فهي لا تقوم في الناس إلا حين تتهيأ لها النفوس التي تتسع لها، والعزمات التي تطيق حملها، وأما إذا دخلت الدنيا على دينهم، وأَجْلَتْهُ من نفوسهم فإن سياسةَ الملك بجميع صوره أولى بهم وأجدى عليهم، فابنُ خلدون يرصدُ حركةَ الخلافة وتغيراتِها ويفسر سبب انقلابِها إلى ملك، ولكنَّه لا يقول بعدم وجوبها، فهو يقول: نصب الإمام واجب، عُرِف وجوبُه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين (¬3). دليل من لم يقل بوجوب الخلافة: 1 - استند الخوارج إلى أدلة عقلية فقط فقالوا: إنَّ للإمامة شروطاً قلما توجد في كل عصر، وعند ذلك فإن أقام الناس فاقدَها لم يأتوا بالواجب عليهم بل بغيره، وإن لم يقيموا الفاقدَ فقد تركوا الواجب، فوجوب نصب الإمام يستلزم أحد الأمرين الممتنعين فيكون ممتنعاً. يقول الإيجي في المواقف مجيباً: «إن تركهم لنصبه لتعذره وعدمِ شرط الإمامة ليس تركاً للواجب، إذ لا وجوب ثمة عليهم على ذلك التقدير، إنما الوجوب إذا وجد الجامع لشرائطها، فلا محذور في ذلك الترك» (¬4). ومعنى قوله: إذ لا وجوب. أي على الناس لا في الشرع. 2 - واحتجوا أيضاً بأن الناس ترعى مصالحها الدنيوية بنفسها دون حاجة ¬
لإمام يحكم عليهم، كما هو حال العربان في البوادي البعيدين عن حكم السلطان، ففي نصب الإمام إثارة للفتنة، لأن الأهواء متخالفة فيميل كل حزب إلى واحد، وتقوم الحروب، وما كان هذا شأنه لا يجب، بل كان ينبغي أن لا يجوز، إلا أن احتمال الاتفاق على الواحد أو ترجحه من بعض الجهات منع الامتناع وأوجب الجواز (¬1). وأجاب الإيجي عن هذا الدليل بقوله: «إن هذا وإن كان ممكناً عقلاً فممتنع عادةً، لما يرى من ثوران الفتن والاختلافات عند موت الولاة، ولذلك صادفنا العربان والبوادي كالذئاب الشاردة والأسود الضارية لا يبقي بعضهم على بعض ولا يحافظ في الغالب على سنة ولا فرض، فقد اختل أمرهم في دنياهم، وليس تشوفهم - أي تطلعهم - إلى العمل بموجب دينهم غالباً فيهم بحيث يغنيهم عن رياسة السلطان عليهم، ولذلك قيل ما يزع السلطان أي يكفه أكثر مما يزع القرآن» (¬2). ومن أحسن ما يُقال لهم رداً عليهم إضافة - لما سبق - أنَّ رأيهم جاء بعد خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه - أي بعد انعقاد الإجماع، ونقض الإجماع بعد انعقاده لا يجوز. وقد كان الإمام علي - رضي الله عنه - يرى أنَّ أمر الأمَّة لا ينتظم إلا بوجود أمير مهما يكن هذا الأمير؛ فقد قال لما سمع قوماً يقولون لا حكم إلا لله: «نعم لا حكم إلا لله ولكن لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل فيه المؤمن ويستمتع فيه الكافر ويبلغ الله فيها الأجل» (¬3)، ونُقِلَ نحوه عن أبي بكر - رضي الله عنه - (¬4). ¬
دليل اللطف على وجوب الإمامة عند الشيعة
وقال ابن حزم: قولُ النجدات ساقطٌ (¬1). وأما الداودي فقد استدل بأنَّ الصحابة أقاموا مدة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن لهم إمام حتى بويع أبو بكر. وتُعقب بالاتفاق على فرْضيتها، وبأنهم تركوا لأجل إقامتها أعظم المهمات وهو التشاغل بدفن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فرغوا منها، والمدة المذكورة زمن يسير يغتفر مثله لاجتماع الكلمة (¬2). وأما قول الأصمِّ فقد أجاب عنه المتأخرون من أصحابه بقولهم: إن قول الأصمِّ ليس مخالفاً لما عليه الأمَّة، لأنَّه إذا كان لا يجوز في العادة أن تستقيم أمور الناس من دون رئيس يحكم بينهم، فقد قال بوجوب الإمامة على كل حال (¬3). وقد تبين ضعف حجج من لم يقل بوجوب الخلافة بما يغني عن الرد عليهم أكثر من ذلك، والله الموفق. دليل اللُّطف على وجوب الإمامة عند الشِّيعة: اللُّطف لغة: الرأفة والرفق. وهو عند الشِّيعة ما يقع عنده صلاح العبد آخرة، بأن تقع منه الطاعة دون المعصية، أو هو فعل ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية ويوجب إزاحة العلة وقطع العذر بما لا يصل إلى حد الإلجاء (¬4). وقد قال الشيعة بوجوب اللُّطف على الله، والنبوة والإمامة تمثلان -عندهم- هذا اللُّطف، فمن المحال أن يترك الله تعالى عباده، دون من يبلغهم شرائعه، ودون من يحفظها ويطبّقها على مر الدهور والأيام (¬5). ¬
اللطف عند أهل السنة
وهم بهذا يقلدون المعتزلة (¬1) - كما قال ابن تيمية - وليس هذا من أصول شيوخهم القدماء (¬2). ولا يقصد الإمامية بوجوب اللُّطف عليه سبحانه أن أحداً يأمره بذلك، بل معنى الوجوب في ذلك كمعنى الوجوب في قولك إنه «واجب الوجود» (¬3). وأما اللُّطف عند أهل السُّنَّة (¬4) فهو نوعان: الأول: لطف عام بالخلق كلهم كما قال - عز وجل -: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} الشورى/19. والثاني: - وهو المقصود بالبحث - لطف خاص بعباده المؤمنين ولكنه منَّة من الله وتفضل لا واجب عليه - عز وجل -، قال - عز وجل -: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ً} الأحزاب/43، ومعناه: هو ما منَّ الله به على أهل الإيمان فآمَنوا ويسمى أيضاً التوفيق، وهو ما حَرَمَه أهلَ الكفر فلم يؤمنوا، وعكْسُه هو الإضلال الذي ذكره في القرآن بقوله - عز وجل -: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} الأنعام/ 125. وبقوله - عز وجل -: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} النساء/88. وقوله - عز وجل -: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} سورة محمد/22 - 23. وهو المقصود بقوله - عز وجل -: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} الأنفال/22 - 23. دليل الشِّيعة على مسألة اللُّطف: استدل الشِّيعة على مسألة اللُّطف بالمعقول فقالوا: إن الإمام لطف لأنَّ الناس ¬
إذا كان لهم إمام يأمرهم بالواجب، وينهاهم عن القبيح، كانوا أقرب إلى فعل المأمور وترك المحظور، لأن المكلِّف - وهو الله - إذا علم أن المكلَّف لا يطيع إلا باللُّطف وأراد الإطاعة ولم يفعل اللُّطف كان ناقضاً لغرضه، ونقض الغرض قبيح، فعَدَمُ اللُّطف قبيح، وما قَبُحَ عدمُه وجَب وجودُه. وقالوا: لو لم يكن الإمام، يلزم اختلالُ نظام العالم. وبهذا الدليل أثبتوا وجوب النبوة أيضاً فتأمل (¬1). وردَّ عليهم ابن تيمية والعضد الإيجي والرازي وغيرهم بالقول: كيف يكون الإمام لطفاً، وهذا المهدي المنتظر - الإمام الثاني عشر - لم يره أحد ولم يُسمع له بخبر، أو يُعرَف شيءٌ من كلامه، فأيُّ فائدة في الإيمان به، وأيُّ لطف يحصل لنا بهذا!! ثم كيف يجوز أن يكلفنا الله بطاعة شخص، ونحن لا نعلم ما يأمرنا به ولا ما ينهانا عنه، ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك بوجه من الوجوه، وأما سائر الإثني عشر سوى علي - رضي الله عنه -، فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بأمثاله من أهل العلم والدين، من جنس تعليم العلم والتحديث والإفتاء ونحو ذلك، وأما المنفعة المطلوبة من الأئمة ذوي السلطان والسيف، فلم تحصل لواحد منهم، فتبين أن ما ذكروه من اللُّطف والمصلحة بالأئمة تلبيس محض. ومن المعلوم بالضرورة أن حال اللُّطف والمصلحة التي كان المؤمنون فيها زمن الخلفاء الثلاثة أعظم من اللُّطف والمصلحة الذي كان في خلافة علي - رضي الله عنه - زمن القتال والفتنة والافتراق، فإذا لم يوجد من يدَّعي الإماميةُ فيه أنَّه معصوم، وحصل له سلطان بمبايعة ذي الشوكة إلا علي - رضي الله عنه - وحده، وكانت مصلحة المكلَّفين واللُّطف الذي حصل لهم في دينهم ودنياهم في ذلك الزمان، أقلَّ منه في زمن الخلفاء الثلاثة، علم بالضرورة أن ما يدعونه من اللُّطف والمصلحة الحاصلة بالأئمة المعصومين باطل قطعاً (¬2). فالنبوة والإمامة ليستا واجبتين على الله، بل هما من مِنن الله - عز وجل -، وهذا هو صريح قوله - عز وجل -: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ ¬
وَيُزَكِّيهِمْوَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ٍ} آل عمران/164. والمنُّ هنا يشمل بعثَ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكونه منهم، وأنه يتلو عليهم الآيات ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. يقول الآمدي: «مذهب أهل الحق أنَّ النُّبوات ليست واجبة أن تكون، ولا ممتنعة أن تكون، بل الكون وعدم الكون سيَّان» (¬1) أي عقلاً. وهذه المسألة فرع عن مسألة التحسين والتقبيح العقليين، فالشِّيعة والمعتزلة يقولون بأنَّ الحُسْنَ والقُبْحَ في الأشياء ذاتي، ومن ثم فللعقل أن يحسِّن أو يقبِّح تبعاً لذلك (¬2)، وأما رأي أهل السُّنَّة في مسألة اللُّطف فَهو كرأيهم في أصلها، أنَّه لا حاكم على الله سبحانه وتعالى، فهو يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء، وإبطال الأصل إبطال للفرع، فالحَسَنُ عندهم ما ورد الشرع بالثناء على فاعله، والقبيحُ ما ورد الشرعُ بالذم على فاعله، أو تقبيح العقل له باعتبار أمور خارجية ومعان مفارقة (¬3)، إذ رُبَّ شيءٍ حكَمَ عليه عقلُ إنسانٍ ما بكونه حسناً لكونه موافقاً لغرضه، أو لما فيه من مصلحته أو دفع مفسدته، أو لكونه جارياً على مقتضى عادته وعادة قومه عرفاً أو شرعاً، وقد يحكم عليه عقل غيره، بكونه قبيحاً لكونه مخالفاً له، فيما وافق غرضه، وذلك كالحكم على ذبح الحيوان بالحُسْنِ والقُبْحِ بالنسبة إلى أهل الشرائع المختلفة، وكالحكم بقبح الكذب الذي لا غرض فيه، وحُسنِه إذا قصد به حقن دم نبيٍّ أو وليٍّ من غاشم يقصد قتله (¬4). وأما قولُهم بأن اللُّطف واجب على الله تعالى وأن الوجوب هنا كقولنا عنه سبحانه (واجب الوجود) فليس هذا القول سديدأً؛ لأن قولنا إنه واجب الوجود عقلاً سببه أن كل ما في الكون يدل على ذلك، لاستحالة وجود هذا الكون دون وجوده سبحانه، وهذا ليس مثلَ مسألة (وجوب اللُّطف) في الوضوح، فجائزٌ عقلاً أن ¬
يخلق اللهُ سبحانه الخلقََ ولا يرسل لهم رسلاً، وغير جائز البتة أن يُوجدَ الخلقُ ولا موجد لهم، وهذا ما يقوله الشيعة أيضاً (¬1). ويُقرِّب المسافة بين الشِّيعة والسُّنَّة بل ينهيها ما قاله أحد الأخوة الشِّيعة بأن اللُّطف واجب منه سبحانه، وليس عليه، كما قال - عز وجل -: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} الأنعام/12 (¬2). وعبارة الآمدي التالية تُقرِّب المسافة بين الفريقين أيضاً حيث قال: «وإطلاق الأصحاب أن الحسن والقبيح ليس إلا ما حسَّنه الشرع أو قبَّحه، فتوسعٌ في العبارة إذ لا سبيل إلى جحد أن ما وافق الغرض من جهة المعقول وإنْ لم يرد به الشرعُ المنقول أنه يصح تسميته حسناً وذلك كاستحسان ما وافق الأغراض من الجواهر والأعراض وغير ذلك، وليس المراد بإطلاقهم إن الحسن ما حسنَّه الشرع أنه لا يكون حسناً إلا ما أذن فيه أو أخبر بمدح فاعله، وكذا في جانب القبح أيضاً» (¬3). ¬
المبحث الثاني هل الخلافة من مباحث علم الكلام أو من فروع الفقه؟
المبحث الثاني هل الخلافة من مباحث علم الكلام أو من فروع الفقه؟ اختلف النظر إلى الخلافة هل هي من مباحث علم الكلام، أو من الفروع الفقهية، أو هي ليست من الدين أصلاً إلى ثلاثة اتجاهات: 1 - الاتجاه الأول: من اعتبر الإمامة من فروع الفقه: وهم جمهور أهل السُّنَّة والجماعة حيث لم يعتبروها من مباحث علم الكلام (¬1): قال ابن الهمام: «مباحث الإمامة ليست من علم الكلام، بل هي من المتممات، وبيان ذلك أن مباحث الإمامة من الفقه بالمعنى المتعارف عليه، لأنَّ القيام بها من فروض الكفايات، وذلك من الأحكام العمليَّة دون الاعتقادية، ومحل بيانها كتب الفروع وهي مسطورة فيها، وإنَّما كانت ملحقةً بعلم الكلام لأنه لما شاعت في الإمامة من أهل البدع اعتقادات فاسدة مُخِلَّة بكثيرٍ من القواعد الإسلامية مشتملة على قدح في الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم -، أُدرجت في علم الكلام لشدة الاعتناء بالمناضلة على الحق فيها» (¬2). وقال الآمدي: «الإمامة ليست من أصول الديانات، ولا من أُمور اللابدِّيات - أي مما لا بد منه - لكن جرت العادة بذكرها في أواخر كتب المتكلمين» (¬3). وقال العضد الإيجي: «الإمامة عندنا من الفروع وإنما ذكرناها في علم الكلام تأسياً بمن قبلنا» (¬4). وقال التفتازاني: «لا نزاع في أن مباحث الإمامة بعلم الفروع أليق لرجوعها إلى أن القيام بالإمامة ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة من فروض ¬
2 - الاتجاه الثاني: من اعتبر الإمامة من مباحث علم الكلام
الكفايات .. ولا خفاء في أن ذلك من الأحكام العملية دون الاعتقادية .. ولكن لما شاعت بين الناس في باب الإمامة اعتقادات فاسدة تكاد تفضي إلى رفض كثير من قواعد الإسلام، ونقض عقائد المسلمين، والقدح في الخلفاء الراشدين ألحق المتكلمون هذا الباب بأبواب الكلام» (¬1). وقال ابن عابدين في تعريفه للإمامة الكبرى: هي استحقاق عام على الأنام، وتحقيقه في علم الكلام (¬2). حيث أحال إلى كتب علم الكلام لمن أراد التفصيل، لأن العادة درجت على دراسة مبحث الإمامة في كتب علم الكلام، مع أنها من الأحكام الشرعية لا من أصول الاعتقاد. وذكر الشهرستاني أربع قواعد أساسية انقسم الناس - تبعاً لموقفهم منها- إلى مذاهب وملل، فذكر من بينها الإمامة، وجعلها من ضمن القاعدة الرابعة، وهذا يشير إلى أهمية الموقف من الإمامة في تفصيل الفرق وتمييزها عن بعضها (¬3). 2 - الاتجاه الثاني: من اعتبر الإمامة من مباحث علم الكلام: وهم الإمامية الإثنا عشرية والإسماعيلية؛ قال الإماميةُ: «الإمامة من أصول الدين، لا من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين، فهي ليست قضيَّة مصلحيَّة تُناط باختيار العامَّة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضيَّة أصوليَّة، وهي ركن الدين لا يجوز للرسول - صلى الله عليه وسلم - إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله» (¬4)، وهم وإن بحثوها في كتب الفقه فلا تعتبر من الفروع (¬5). وقال الإسماعيلية: «الإمامة هي قطب الدين وأساسه، والتي يدور عليها جميع أمور الدين والدنيا، وصلاح الآخرة والأولى، وينتظم بها أمور العباد وعمارة البلاد، وقبول الجزاء في دار المعاد، وبها يصل إلى معرفة التوحيد ¬
3 - الاتجاه الثالث: من اعتبر الإمامة ومباحثها أمرا دنيويا لا علاقة له بالدين
والرسالة بالحجة والبرهان، والدلالة إلى معرفة الشريعة وبيانها .. » (¬1). بل قدَّم الإسماعيليةُ الإمامةَ على الرسالة، لأن في إثبات الإمامة إثبات الرسالة - كما قالوا - والمُقر بالإمام مُقرٌ بالرسول، وليس كل من أقر بالرسول أقر بحقيقة الإمام (¬2). وسبب نقل مباحث الإمامة إلى كتب الفروع حسب رأي الشيعة أنه سادت بعد طول التعسف والقهر روح الطاعة الخانعة للسيف، فبعد أن كانت البيعة في عهد الخلافة الراشدة عقداً اختيارياً، يعطي الإمامَ حقَ السمع والطاعة بشروط، أصبحت البيعة اسماً للانقياد بلا قيد ولا شرط، وأُلْحِقت أحكامُ المبايعة وشؤون الإمامة بكتب الفقه كأنها فروع لا خطر لها (¬3). 3 - الاتجاه الثالث: من اعتبر الإمامة ومباحثها أمراً دنيوياً لا علاقة له بالدين: على أن هناك مَنْ تطرف إلى حدٍ كبيرٍ فأخرج مسألة الخلافة من مسائل الدين جملة، وجعلها مسألةً دنيويَّة وسياسيَّة، أكثر من كونها مسألة دينيَّة، مستدِلاً بعدم وجود تفاصيل في شأنها في النُّصوص الشرعيَّة من كيفيَّة نصب الخليفة وتعيينه وغيرها من التفاصيل، ولو كانت من المسائل الدينيَّة لبيَّنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ¬
المبحث الثالث: عمن تكون الخلافة؟
المبحث الثالث: عمن تكون الخلافة؟ إنَّ الحديث عن هذه المسألة، وإن كان مُصنَّفاً في مقدمات هذه الأطروحة، إلا أنه يَزجُّنا بقوة في الحديث عن أدقِّ المعاني لكلمة الخلافة، وهذا يُدخلنا في جوهر الأطروحة، وهو من الأهمية بمكان، بحيث إنَّ تحريره ينعكس على مُجمَل الأطروحة، لهذا كان لا بد من التفصيل فيه. وخير مقدمة لهذه المسألة، ما قاله المودودي عن نظرية القرآن في السياسة حيث قال: «إنَّ نظريَّة القرآن في السياسة مبنيَّة على فكرته الأساسية عن الكون؛ التي ينبغي وضعها في الاعتبار لنفهم هذه النظريَّة فهماً سليماً، هذه الفكرة ترتكز على ثلاثة محاور: 1 - أنَّ الله - عز وجل - هو خالق هذا الكون كلِّه، وخالق الإنسان نفسه. 2 - أنَّ الله - عز وجل - هو مالك هذا الكون والخلق. 3 - أنَّ الحاكميَّة في هذا الكون ليست لأحد غير الله قال - عز وجل -: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} الإسراء/111. وقال - عز وجل - أيضاً: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ِ} الأنعام/57. وقال - عز وجل -: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} الكهف/26. وقال - عز وجل -: {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ} آل عمران/154. وبناء على ذلك فإنَّ الحاكم الحقيقي للإنسان هو نفسه حاكم الكون، مع فارق وحيد هو أنَّ حاكميَّة الله في نظام الكون قائمة بقوته تعالى التي لا تحتاج إلى اعتراف من أحد، وحتى الإنسان نفسه - في الجزء اللاإرادي من حياته - يطيع حكم الله كما يطيعه الكون كله، من الذرَّة إلى النِّظام الفلكيِّ ومجموعاته، أما الجزء الإرادي من حياة الإنسان فالله لا يُنْفِذُ فيه حكمَه بالقوة والجبر وإنَّما يدعو النَّاس عن طريق الكتب للتَّسليم بحاكميَّته فيه. لذا فإنَّ حق الحكم والقضاء ليس لأحد غير الله، وله وحده حقُّ إصدار الحكم قال - عز وجل -: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} الأعراف/54. وقال - عز وجل -: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} المائدة/38. ولابد من اتِّباع قانونه وحده، والرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المبلِّغ عن الله، وهو الشَّارح والمفسِّر بقوله وفعله، فهو مُمَثِّل حاكميَّة الله القانونيَّة في حياة البشر، ومن ثَمَّ فإنَّ الشَّكل الصَّحيح لحكومة البشر حسب المبادئ السياسية في القرآن هو:
الرأي الأول: القائل إن الخلافة عن الله تعالى
أن تؤمن الدولة بسيادة الله ورسوله القانونيَّة، وتتنازل عن الحاكميَّة وتؤمن بأنْها خلافة نائبة عن الحاكم الحقيقي عز وجل، وسلطاتها في هذه المنزلة لا بد وأن تكون محدودة بتلك الحدود سواء أكانت هذه السلطات تشريعيَّة أو قضائيَّة أو تنفيذيَّة» (¬1). لقد تنوَّعت آراء علماء المسلمين في معنى الخلافة، وعمَّن تكون إلى ستَّة آراء، خمسة منها في الخلافة الخاصَّة، التي يقصد منها تطبيق حكم الله عز وجل، (وهي الأقوال الخمسة الأولى) وهي التي تعنينا ببحثنا هذا، وواحد في الخلافة بالمعنى الزمني فقط (وهو القول الأخير) (¬2)، وسأتناولها - بعون الله - واحداً إِثْرَ آخر مُبيِّناً قائليها وماذا يترتب على كل قول: 1 - الخلافة إنَّما هي خلافة عن الله - عز وجل -. 2 - الخلافة إنَّما هي خلافة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 3 - الخلافة إنما هي خلافة عن الله ورسوله معاً. 4 - الخلافة هي خلافة عن الأمة. 5 - الخلافة هي خلافة عن الخليفة السابق. 6 - الخلافة هي خلافة الإنسان للملائكة والجنِّ، أو خلافة أمة ما لمن سبقها من الأمم في سكنى الأرض. وقد رتبتُ هذه الآراء على هذا الترتيب حسبما رأيتُه من أهمية المستخلِف لا حسب قوَّة الرأي أو ضعفه. الرأي الأول: القائل إنَّ الخلافة عن الله تعالى (¬3)، انقسم القائلون به إلى خمسة أقسام: أ) القسم الأول: قال: إنَّ المقصود بقوله - عز وجل -: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ (خَلِيفَةً} ¬
البقرة/30. هو آدم - صلى الله عليه وسلم - (¬1). وهو قول ابن عبَّاس (¬2)، والسدي (¬3)، وابن مسعود (¬4)، ومجاهد (¬5). حتى أنَّ القرطبي لم يجعل الخلافة عن الله لداود - صلى الله عليه وسلم -، فقال عند تفسير قوله - عز وجل -: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} ص/26. أَيْ خليفةً عمَّن قبله من الأنبياء (¬6). وردَّ عليه ابنُ كثير فقال: «ليس المراد بالخليفة ها هنا آدم فقط كما يقوله طائفة من المفسِّرين، وعزاه القرطبُّي - والقول لابن كثير - إلى ابن عبَّاس وابن مسعود وجميع أهل التأويل، وفي ذلك نظر، بل الخلاف فيه كثير حكاه الرازي في تفسيره وغيره» اهـ (¬7). ومما يُستَدَلُّ به لهذا الرأي الحديثُ المرويُّ عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثمَّ احتج آدم وموسى عليهما السَّلام فقال موسى: أنت خليفة الله خلقك بيده ... الخ» (¬8). ب) القسم الثاني: يقول: إنَّ آدم وداود هما خليفتا الله - عز وجل -، ولا يُسمَّى أحدٌ خليفةَ الله بعدهما، استدلالاً بآية البقرة وآية (ص) السابقتين، لأن لفظ (خليفة) لم يرد في القرآن إلا في هذين الموضعين، وهو رأي النووي (¬9) ...................................... ¬
والبغوي (¬1) والمناوي (¬2) وابن الجوزي (¬3). ج) القسم الثالث: يقول: إنَّ الأنبياء كلهم خلفاء الله - عز وجل - في أرضه، قياساً على آدم وداود عليهما السلام ولأنَّهم يشكِّلون الصورة المثلى للخلافة مثلهما، فهم صفوة الخلق وحجة الحق، وهو قول البيضاوي والسُدِّي وابن عطيَّة، وليس هذا الاستخلاف للأنبياء لحاجةٍ به تعالى إلى من ينوب عنه، بل لقصور المستخلَف عليهم عن قَبول فيضه وتلقي أمره بغير توسُّط (¬4). د) القسم الرابع: وسَّع أصحابُه المرادَ بخلافة الله لتشمل آدم - صلى الله عليه وسلم - والصالحين من ذريته فقط دون المفسدين، وأمَّا المفسدون فليسوا خلفاء عن الله تعالى، وهو قول ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ويُؤيِّد هذا المعنى الذي قاله هؤلاء، الحديثُ الذي يرويه الحسن البصريُّ عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه» (¬6). والحديث المروي في مهدي آخر الزمان الذي جاء فيه: «فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حَبْواً على الثَّلج فإنَّه خليفة الله المهدي» (¬7). ¬
وقد استخدم كلمة (خليفة الله) بهذا المعنى بعض الصحابة، كحذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - (¬1) وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - (¬2)، وأبي بكرة (¬3)، وبعض التابعين كسعيد بن جبير (¬4) وعطاء بن أبي صيفي (¬5)، كما وصف الغزالي (¬6) المستظهرَ بالله بأنه خليفة الله (¬7)، ووصف ابنُ تيمية رحمه الله عمرَ بن عبد العزيز بخليفة الله (¬8). ج) القسم الخامس: يقول قائلوه: كلُّ النَّاس خلفاء الله (¬9)، قياساً على الأنبياء ولأنهم كُلِّفوا بالخلافة أيضاً، ويؤيده قوله - عز وجل -: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} ¬
فاطر/39. ونُقِل هذا الرأي عن بعض الصَّحابة - رضي الله عنهم - كابن عبّاس (¬1) وعن بعض السَّلف كالحسن البصري (¬2) وهو رأي ابن زيد (¬3) والشَّاطبي (¬4) وابن العربي (¬5) وابن خلدون (¬6)، والشِّيعة (¬7)، والإسماعيليَّة (¬8)، والصوفية (¬9) ويُمَثِّلهم الشيخ محي الدين بن عربي في كتابه فصوص الحكم حيث يقول: «الإنسان أكبر مَجَالِي الحق، لأنَّه (المختصر الشريف) و (الكون الجامع) لجميع حقائق الوجود ومراتبه، هو العالم الأصغر الذي انعكست في مرآة وجوده كلُّ كمالات العالم الأكبر، أو كمالات الحضرة الإلهية الأسمائيَّة والصفاتيَّة، ولذا استحق دون سائر الخلق أن تكون له الخلافة عن الله» (¬10)، كما وصف ابنُ عربي الحاكمَ بأنه خليفة الله (¬11). والصوفية يَصرِفون آيةَ الخلافة في القرآن إلى سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه هو الخليفة الأعظم وأما سائر الخلفاء فهم خلفاء عنه - صلى الله عليه وسلم - في دعوة العباد إلى الله (¬12) ويقولون: ¬
هو المقصود بقوله - عز وجل -: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ (خَلِيفَةً} البقرة/30. ويستدلون على أفضليته - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأنبياء، بالحديث القدسي الذي يقول فيه تعالى لآدم - صلى الله عليه وسلم - عندما استغفر ربَّه بعد أكله من الشجرة حيث سأل ربه أن يغفر له واستشفع بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فسأله ربه - وهو أعلم -: «وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من رُوحك رفعتُ رأسي فرأيتُ على قوائم العرش: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحبَّ الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأَحبُّ الخلق إليَّ، ادعني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك» (¬1). ومما يدل على أفضليته - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأنبياء، ما أخذه الله من العهد على سائر الأنبياء إنْ جاءهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتَّبعوه وينصروه قال - عز وجل -: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} آل عمران/81. واستدلوا بالأثر: «أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر» (¬2). وكان استعمال بعض فقهاء الحنفيَّة دارجاً على وصف الخليفة، أو الإنسان العادي بأنَّه خليفة الله، فها هو ابن عابدين وهو من الفقهاء المتأخرين يصف الخليفة ¬
العثمانَّي السلطان محمود الثاني بأنَّه خليفة الله، وبأنه ظلُّ الله في أرضه (¬1). وجاء في البحر الرائق عند الحديث عن القَوَد، نَقْلٌ لقول ابن عباس: «العمْدُ قَوَدٌ لا مال فيه. ثم قال المؤلف معلِلاً: لأنَّ المال لا يصلح مُوجَبَاً، لعدم المماثلة بينه وبين الآدمي صورة ومعنى، إذ الآدمي خُلِق مُكرَّماً ليتحمل التكاليف ويشتغل بالطاعة، وليكون خليفة الله - عز وجل - في الأرض، والمال خُلِق لإقامة مصالحه ومبتذلاً له في حوائجه» (¬2). وممن قال بجواز أن يقال للأئمة خلفاء الله في أرضه الزَّجاجُ (¬3) لقوله - عز وجل -: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} سورة ص/26. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «السُّلطان ظلُّ الله في أرضه يأوي إليه كل مظلوم من عباده، فإن عدل كان له الأجر» (¬4). ¬
وقد كان بعض الشعراء يخاطبون الخلفاء في زمانهم بـ: (خليفة الله) (¬1)، وأسوق هذا لحكاية الحال وليس للاستدلال (¬2)، كما كان خلفاء بني العبَّاس يُسمُّون أنفسَهم بخليفة الله (¬3). وقد ظهر استعمال كلمة (خليفة الله) بعد انتقال الخلافة إلى الأمويين، لأنَّهم أرادوا دعم خلافتهم - وخاصَّة في عهد عبد الملك بن مروان ومن بعده - فأدخلوا فكرة الجبر في الخلافة، وأنَّ خلافتهم بقدر من الله، وأنَّ سلطتهم تستمد شرعيَّتها منه، فاستخدموا كلمة (خليفة الله) على غير ما كان يستخدمها به الصحابة رضوان الله عليهم، فوقف الفقهاء ضد هذا الاتجاه وأكدوا حريَّة الإرادة، ولكنَّ التطوُّر العمليَّ للخلافة وانتقالها إلى العباسيين، وما نتج عن ذلك من تقليل دور الأمة في الحياة السياسيَّة، دفع الفقهاء إلى قبول الخليفة خليفة لله (¬4). ¬
ومن معاني إطلاق (خليفة الله) على الخليفة عند من أجاز ذلك، أنَّه هو الذي يقوم بحقوق الله في خلقه، وهو الذي يدافع عن حق الله إذا انتهك، بتطبيق الحدود الشرعية، وهو ما يسمى اليوم بالحق العام، كما أنه يُمَثِّلُ السلطة العليا القائمة على النَّاس، وليس فوقه إلا الله، فهو في مقام المُتصرِّف في أمور العباد فيما لله سبحانه التصرُّف فيه على وجه الحقيقة (¬1). هذا ولم يُجوِّز جمهورُ الفقهاء إطلاقَ: (خليفة الله) على الخليفة، ونسبوا قائله إلى التَجوُّز (¬2). وسيأتي تفصيل قولهم بعد قليل. وممن نفى أن يكون الخليفةُ خليفةً عن الله، ابنُ تيمية - رحمه الله - وردَّ على الشيخ ابن عربي القائل بذلك؛ فبعد أن نَقَلَ ابن تيمية في كتابه (الخلافة والملك) قولَ ابن عربي هذا، ونقل ما استدلَّ به عليه من مثلِ قولِه - عز وجل -: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} البقرة/31. وقولِه - صلى الله عليه وسلم -: «خلق الله آدم على صورته» (¬3) وأن الإنسان - من بين المخلوقات - هو الخليفة والجامع للأسماء والصفات، قال - أي ابن تيمية -: «إنَّ الله لا يجوز أن يكون له خليفة لأنَّّ الله حيٌّ شهيد مهيمن قيُّوم حفيظ غنيٌّ عن العالمين ليس له شريك ولا ظهير، والخليفة إنَّما يكون عند عَدِمِ المستخلِف بموت أو غيبة، وهذه المعاني منتفية في حق الله» (¬4). كما نفى أن يكون قولُه - عز وجل -: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} ص/26. معناه أن يكون خليفة عن الله، وإنما هو خليفة عمن قبله من الخلق. وهاجم بشدة من قال بهذا - وخاصَّة الشيخَ ابنَ عربي - ونَسَبَه إلى الإلحاد (¬5)، رغم أنَّ هذا قول كثير من المفسرين والعلماء!!. ¬
وحتى ابن تيميَّة نفسه قال في تفسير قوله - عز وجل -: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} البقرة/30: «إنَّ هذا يعم آدمَ وبنيه، ولكن الاسم متناولٌ لآدم عيناً، وأنَّه كقوله - عز وجل -: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} التين/4» (¬1). وفسَّرَ حديثَ: «السلطان ظل الله» (¬2) بأنَّ السلطان عبد الله، مخلوق مُفْتَقَرٌ إليه، لا يُستغنى عنه طرفة عين، وفيه من القدرة والسلطان والحفظ والنصرة وغير ذلك من معاني السؤدد والصمدية التي بها قوام الخلق، وما يشبه أن يكون ظلَّ الله في الأرض، وهو أقوى الأسباب التي بها يصلح أمور خلقه وعباده. كما أنَّه وصف الولاة بأنهم نوَّاب الله على عباده (¬3) وهذا الكلام منه لا يختلف عما قاله الشيخ محي الدين بن عربي ومن معه! فما يصلح مُبَرِّراً لِوَصْف الولاة بأنَّهم نوَّابُ الله، يَصْلُحُ مبرِّراً لإطلاق كلمة (خليفة الله) على الإنسان. وإذا أردتُ اختصار هذا الرأي فيمكنني أن أقول: إنَّ الله عز وجل غيبٌ من حيث إنَّنا لا نراه في هذه الحياة الدنيا، والإنسان أو الحاكم خليفته في عالم الشهادة - بالنسبة إلى أفراد جنسه من البشر - في تطبيق أحكامه حسب المحيط أو المجال الذي هو مُسلَّطٌ عليه، لأنَّ الإنسان العاديَّ ضعيف، ولا يمكنه فهم حاكمية الله، دون أن يجد ممثِّلاً لها من البشر، فَمَنْ فَهِمَ معنى الخلافة، كان نموذجاً لتطبيق أحكام الله عز وجل، طواعية وعن رضى، فهو خليفة للجيل الذي قبله من حيث الزمن، لأنه أتى بعد مَنْ سبقه، ولكنَّه بالنسبة إلى الجيل الذي سيأتي بعده سيكون المثال والأنموذج لتطبيق شرع الله. وهذه الفرصة التي مَلَّكها اللهُ لعباده على التوالي - والتي هي نعمةُ الحياة وشرفُ الاستخلاف على ظهر الأرض - يأتي عَبْرَها التكليفُ أو الأمانةُ التي عرضها اللهُ على السموات والأرض فأَبَيْنَ أن يحملْنها وحملها الإنسان، وقد ملَّكنا الله في سبيل تحقيقها، أخطرَ الصفات من السَّمع والبصر والعقل والإرادة والقدرة، والتي هي موجودة في ذات الله جل جلاله في أحسن صورها وأوسعها، وهو الأصل فيها، فكأنها إعارةٌ لتلك القدرات على مستوى مُبسَّطٍ. ¬
الرأي الثاني: القائل بأن الخلافة إنما هي خلافة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
هذا الاختصار يوضح أنَّ القول بأنَّ الإنسان عامة والحاكمَ خاصة، هما خلفاء الله في أرضه، لا يعني إطلاق الصلاحيات، فهو لا يعني أكثر من عِظمِ المسؤولية الملقاة على عاتقهما، فالخليفة ليس ممثلاً للسلطة الإلهية، ولكنه ممثِّل لتنفيذ السُّلطة الإلهيَّة المتمثِّلة بشرعه تعالى. وأما الرأي الثاني: القائل بأنَّ الخلافة إنَّما هي خلافة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال به جمهور المتكلمين من أهل السنة (¬1)، لسهولة فهمه وتطبيقه، ولأنَّ الاستخلاف كما قالوا إنَّما هو في حق الغائب، أو في حق من يموت، والله منزهٌ عن ذلك (¬2). وهذا قول عامة الحنفية (¬3) والمالكية (¬4) والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6) وغيرهم (¬7). واستدلُّوا بأنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - نهى عن ذلك لمَّا دُعي به وقال: لست خليفةَ الله، ولكني خليفةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬8). وكذلك فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما قال له ¬
رجل: يا خليفة الله. فقال له: خالف الله بك فقال: جعلني الله فداءك (¬1). وتكرر الأمر مع عمر بن عبد العزيز عندما قال له رجل: يا خليفة الله. فقال: ويلك لقد تناولت متناولاً بعيداً، إن أمي سمَّتني عمر، فلو دعوتني بهذا قبلت، ثُّم ولَّيتموني أموركم، فسمَّيتموني أمير المؤمنين فلو دعوتني به كفاك (¬2). وقد اضطرَدَتْ مخاطبةُ أبي بكر - رضي الله عنه - بأنه خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جميع الصحابة رضوان الله عليهم (¬3)، حتى عُدَّ هذا مما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم. ووَرَدَ في السلام على أبي بكر - رضي الله عنه - في الروضة المشرفة: السلام عليك يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ومما يُرَدُّ به على هذا الرأي أنَّ ما كان تبريراً وتفسيراً لخلافة سيدنا آدم وسيدنا داود - عليهما الصلاة والسلام - لله، يصحُّ أن يكون كذلك لغيرهما، فهما لم يكونا خليفتين عن الله تعالى لأنَّه غائبٌ أو ميتٌ، وما صحَّ لهما صحَّ لنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، ¬
الرأي الثالث: القائل إن الخلافة هي عن الله ورسوله معا
وصحَّ لنا من بعده لأنَّنا مأمورون بالاقتداء به، فحتى لو قلنا: إنَّ الخلافة هي خلافة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، آلَ الأمرُ عند التحقيق إلى خلافة عن الله تعالى، فما الرسول إلا رسول الله، وهو لا يُمثِّل نفسَه بل يُمثِّل ربَه تبارك وتعالى، ويُبَلِّغُ عنه شرعه. ثم إنَّ الخلافة لو كانت خلافةً عن رسول الله، لكان كلُّ مَنْ يلي أمرَ المسلمين خليفةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولمَاَ دُعي عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - في بداية عهده بخليفة خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ثمَّ إن قول أبي بكر: لست خليفةَ الله، ولكنِّي خليفة رسول الله، لا يصحُّ دليلاً على رأي الجمهور، لأنَّه ورد عنه - رضي الله عنه - أنَّه قد رفض أن يسمى حتى خليفةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمى نفسَه الخالفة، وأقواله هذه يُفهم منها تواضعه - رضي الله عنه - لا أكثر (¬2). وأما الرأي الثالث: القائل إن الخلافة هي عن الله ورسوله معاً: فهو رأي التفتازاني (¬3) والشيعة (¬4) وإنْ انطلق كلٌ منهما من منطلق يختلف عن الآخر. وأما الرأي الرابع: القائل إنَّ الخلافة هي خلافة عن الأمة: فقال به القرطبي (¬5) وبعض المعاصرين كيوجه سوي ولؤي صافي وبسيوني وصاحب كتاب (الخلافة وسلطة الأمة) والخالدي. وهو رأي تبنَّته الموسوعة الفقهية (¬6). وقال الماوردي: «الإمامة من الحقوق العامة المشتركة بين حق الله وحقوق الآدميين» (¬7). ¬
أما (يوجه سوي) صاحب كتاب (تطور الفكر السياسي) فقال: «تدل ممارسة فترة الخلفاء الراشدين على أنَّ الأمة اعتبرت مصدر شرعيَّة الخليفة، أمَّا الدين فهو الأساس الذي تقوم عليه الأمَّة والسلطة، ويُستنتج من الممارسات نفسها أنَّ الخلافة هي مؤسسة اتفقت الجماعة على إقامتها ليدافع الخليفة عن الأمة» (¬1). وأما بسيوني فقال في كتابه (الفكر السياسي عند الماوردي): إنَّ الخليفة لم يكن يستمد سلطته من الله، وإنَّما يستمدُّها من الأمَّة، ومن حق الأمَّة عزله إن وجد ما يوجب العزل، كما هو الأمر بالنِّسبة للموكِّل مع وكيله النَّائب عنه (¬2). وأمَّا لؤي صافي فقال: القائد الذي تختاره الأمَّة لتولي السلطة السياسية هو نائب عن الأمَّة في تدبير شؤونها السياسية، لأنَّ اعتبار رئيس الدولة خليفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى الذي حددته النظريَّة الاتِّباعية والمتعلق بحفظ الدين وسياسة الدنيا، يؤدي إلى إعطاء منصب الخلافة مهمات وصلاحيات فوق ما يحتمل (¬3). أما صاحب كتاب (الخلافة وسلطة الأمة) الذي صدر عقب إلغاء الخلافة العثمانيَّة ليبرر هذا الإلغاء فيقول: يطلق الفقهاء (الولاية العامة) على القوة الموجودة عند الخليفة وعلى صلاحيَّة التصرُّف العام على الخلق، والخليفة يأخذ هذه القوة من الأمة رأساًَ، وهذه القوة وهذه السلطة هي حق الأمَّة نفسها، وهي تفوضها الخليفة بالبيعة، كما أنَّ الموكِّل يفوِّض وكيله حقَّ تصرفاته في أشغاله بعقد الوكالة (¬4). ويقول الدكتور الخالدي في كتابه (معالم الخلافة): إنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - لم يكن نائباً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه من استقراء الواقع لا نجد أنَّ شيئاً من ذلك حدث، ولا الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - نصَّ على تعيينه نائباً في كافة شؤون المسلمين، والأمَّة لا تملك تعيين شخص ¬
مناقشة هذا الرأي
لينوب عن آخر في السلطان، وإنَّما لها الحق في تعيينه نائباً عنها في السُّلطان (¬1). وفي الموسوعة الفقهية جاء: «الإمام وكيلٌ عن الأمة في خلافة النُّبوة في حراسة الديِّن وسياسة الدنيا». فجعلت الإمامَ وكيلاً عن الأمة ولكنه مقيَّد بخلافة النبَّوة وقوانين الشرع (¬2). مناقشة هذا الرأي: هذا الرأي يتسم بالسطحيَّة وعدم معرفة دقائق الشريعة الإسلاميَّة، والتأثِّر بالبيئة المعاصرة، إذ لا يمكن اعتبار الأمَّة هي مصدر شرعيَّة الخليفة، فالله هو مصدر شرعيَّته، قال تعالى: " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " آل عمران/26، ولكنَّه جلَّ جلاله جعَلَ إرادتَه هذا الخليفةَ أو ذاك، تتجلى في اتفاق الأمة على اختياره، وهذا صريحُ قولِ الجرجاني عندما قال: «البيعة عندنا ليست مثبتة للإمامة بل هي علامة مظهرة لها كالأقيسة والإجماعات» (¬3). فمهمَّة الأمَّة اختيار الخليفة، ولكنَّه بعد اختيارها له، يستمدُّ شرعيتَّه من الله لا من الأمَّة، والفرق بينهما أنَّه إذا استمدَّ شرعيتَّه من الأمَّة، وكان وكيلاً لها، كان لها عزله إذا شاءت، واستبداله بغيره بسبب أو بغير سبب، في حين أنها لا تملك ذلك الحق الذي يملكه الموكِّل في عزل وكيله، إلا إذا خالف الخليفة شرع الله مخالفة قوية كالكفر، فلها عندئذ أن تعزله، ولكن لا لأنَّ هذا من حقها فقط، بل لأنَّه واجب عليها أيضاً، فقد أمرها الشرع بذلك عبر النُّصوص المختلفة التي نظَّمت هذا الأمر (¬4)، وأيضاً لو كان الإمام وكيلاً عن الأمة فله عزل نفسه بمفرده وليس للإمام ذلك. ولا شك أنَّ القول بهذا يوفر استقراراً سياسياً أكبر، ينعكس استقراراً على كافة مجالات الحياة الأخرى. ¬
وأمَّا أنَّ الخلافة هي مؤسسة اتفقت الجماعة على إقامتها فهو منافٍ للواقع ومخالفٌ للحقيقة؛ فالخلافة منصبٌ دينيٌّ تمتدُّ جذوره إلى عمق الشريعة، وهي مؤسَّسة شرعيَّة دعا إليها الشَّرع، ولم تتفق الأمَّة على إقامتها إلا بعد أن طلبها الشَّرع - كما سيأتي - والشَّرع مليءٌ بالأدلَّة على أنَّه نظَّم أمر الأمَّة في كل شيء، وجعل لها في كل مجال إماماً أو أميراً، بدءاً من أبسط حالات الاجتماع بين المسلمين، وانتهاءً بأعقدها. فقد أمر بتنصيب أميرٍ على الجماعة في السفر حتى ولو كانوا ثلاثة قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدَهم» (¬1)، وأمَرَ بالإمامة في الصلاة حتى ولو كانا اثنين فقط عندما قال - صلى الله عليه وسلم - لرجلين يريدان السفر: «إذا أنتما خرجتما فأذِّنا ثم أقيما ثم ليؤمُّكما أكبركما» (¬2) وهكذا في كل الأمور. وأمَّا القول بأنَّ الخليفة ينوب عن الأمة في تسيير شؤونها، فهو قولٌ صحيحٌ على ألا نقول إنَّه يستمد سلطاته منها وإنها مصدر شرعيتَّه كما هو الحال في الأنظمة الوضعيَّة (¬3)، لأنَّنا حينئذ نكون قد عكسنا الحقيقة، فمهمَّة الخليفة تطبيق حكم الله في الأمَّة، لا تطبيق حكم الأمَّة في نفسها قال - عز وجل -: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} الأنعام/57، يوسف/40. فليس للأمَّة بمفردها أن تحكم كما تشاء، ولكن وِفْقَ إرادةِ الله المتمثِّلةِ بشرعه، ثمَّ إنك لن تجد للأمَّة رأياً موحَّداً، فللنَّاس أهواء وميول مختلفة ومتضاربة، فالخليفة في هذا مثل القاضي الذي يُعَيِّنه، فإنَّه يحكم وفق الشَّرع لا ¬
وفق إرادة الخليفة (¬1). وأمَّا الخوف من إعطاء الخلافة صلاحيات ومهمات فوق ما تحتمل، فهو توهُّمٌ لأنَّ منصب الخلافة لا يملك صلاحيَّات خارقة، أو غير محددة بضوابط شرعيَّة، وإن كان الخليفة في الحقيقة يملك صلاحيات كبيرة، ولكنَّها من مسؤوليَّاته قبل أن تكون من امتيازاته، ولأجلِها كانت ساعةُ عدلٍ من إمام عادل خيراً من عبادة ستِّين سنة قال - صلى الله عليه وسلم -: «يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستِّين سنة» (¬2) ولأجلِها كانت مسؤوليتُه عظيمةً أمام الله إذا لم يحكم بالعدل حيث تَعُودُ عليه الخلافةُ حينها بالنَّدامة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك، إلا أتى اللهَ عز وجل مغلولاً يوم القيامة، يده إلى عنقه، فكَّه برُّه أو أوبقه إثْمُه، أوَّلُها ملامة وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة» (¬3). بقي أن أشير إلى مبدأ الرقابة على السُّلطة - والذي يرتبط بمبدأ السِّيادة- في مدى تطبيقها لأمر الله بالشَّكل الحسن، فعلى قولِ مَنْ قال إن السِّيادة للأمَّة؛ تكون عندها هي الرقيب على الدولة، وهذا من الناحية العملية لا يحدث لخوف أفراد الأمَّة من سطوة الدولة، لاختلال موازين القوى بينهما. وأمَّا القول: إنَّ السِّيادة هي للشَّريعة، أي لله عز وجل، فعندها تكون الرقابة أقوى وأكثر فاعليَّة إِنْ ¬
الرأي الخامس: القائل إن الخلافة هي خلافة عن الخليفة السابق
استشعر الحاكمُ رقابةَ الله عليه، فإنْ لم يستشعرْها جاءه من يُذكِّره بالحق ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر من أناسٍ بذلوا أنفسهم لله رخيصة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ... «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» (¬1). وأما الرأي الخامس: القائل إنَّ الخلافة هي خلافة عن الخليفة السَّابق، فهو يعني أنَّ كل خليفة يَخْلُفُ مَنْ قَبْلَهُ، واحداً بعد واحد، حتى ينتهي إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فيقال فيه خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا خوطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في أول أمره بخليفة خليفة رسول الله (¬2). وأما الرأي السادس: فهو في الخلافة العامة لكل البشر، ولا علاقة له بالخلافة كموضوع سياسي، ولكن سأذكره استكمالاً للبحث، وهو يقول إن الخلافة تعني تعاقب الأمم من حيث الزمن لا أكثر، قال - عز وجل -: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} مريم/59، ولا يعني أن الخَلَفَ يُنفِّذُ رأي السلف إذ الواقع يكذب هذا، فكم خالف الخَلَفُ سيرةَ السلف، وفائدة هذه الخلافة هي التعاقب على الانتفاع بخيرات الأرض وشكر الله بالتوحيد والطاعة، وهو رأي الحسن البصري (¬3)، أو هو خلافة كل البشر - آدم وبنيه- لمن سبقهم في سكنى الأرض من الملائكة والجن، وهو رأيُ ابن عبَّاس والحسن البصريّ وأبي العاليَّة ومقاتل (¬4). ¬
الباب الثاني تعدد الخلفاء من المنظور الفقهي
الباب الثاني تعدد الخلفاء من المنظور الفقهي ويتضمن ثلاثة فصول: الفصل الأول: التمهيد: وفيه ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: معنى الخلافة الكاملة، والخلافة الناقصة. - المبحث الثاني: دلالة حديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين». - المبحث الثالث: الأحداث التي استند إليها الفقهاء في مسألة التعدد. الفصل الثاني: الشروط والواجبات ونظرية الضرورة وفيه ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: الشروط الواجب توفرها في الخليفة. - المبحث الثاني: واجبات الخليفة أو الأحكام المنوطة به، ومن يقوم بتنفيذها عند تعدد الخلفاء أو عند فقد الخليفة. - المبحث الثالث: نظرية الضرورة. الفصل الثالث: حكم تعدد الخلفاء: وفيه ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: من لم يجوز تعدد الخلفاء: أولاً: حكم تعدد الخلفاء بالنظر إلى المكان. ثانياً: حكم تعدد الخلفاء بالنظر إلى الزمان. - المبحث الثاني: من أجاز تعدد الخلفاء مطلقاً. - المبحث الثالث: الأدلة.
الفصل الأول: التمهيد
الفصل الأول: التمهيد ويتضمن ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: معنى الخلافة الكاملة والخلافة الناقصة. - المبحث الثاني: دلالة حديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين». - المبحث الثالث: الأحداث التي استند إليها الفقهاء في مسألة التعدد.
المبحث الأول: معنى الخلافة الكاملة والخلافة الناقصة
المبحث الأول: معنى الخلافة الكاملة والخلافة الناقصة إنَّ قولَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» (¬1)، وقولَه - صلى الله عليه وسلم -: ... «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» (¬2) مع قوله لمعاوية (¬3) - رضي الله عنه -: «إن ملكت فأحسن» (¬4) هو الذي وضع الحد الفاصل بين الخلافة الكاملة والخلافة الناقصة. ¬
وأما معرفة المعيار الذي على أساسه فصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينهما فيحتاج للاجتهاد، ولعل هذا المعيار يشمل طريقة تولي الخليفة للحكم، فكل الخلفاء الراشدين تولوا الحكم بالشورى، فكانت خلافتهم خلافة نبوة، بينما تولاها معاوية - رضي الله عنه - بالقوة، فخرجت خلافته عن الخلافة الكاملة إلى الخلافة الناقصة أو الملك، كما يشمل هذا المعيارُ الحكمَ بالعدل، فعمرُ بن عبد العزيز - وإن كان من بني أمية الذين توارثوا الحكم، ولم يأخذوه بالشورى والانتخاب - فإنه اعتُبر من الخلفاء الراشدين، لأنه سار على طريقتهم في الحكم بالعدل، فالمعيار ذو شقين: الأول: تولي الحكم بالشورى والانتخاب أو الاستخلاف، والثاني: الحكم بالعدل. فإذا فقد أحدهما خرجت الخلافة عن خلافة النبوة (¬1). ولا يشترط أن تتم سيطرة الخليفة على كامل أراضي المسلمين، حتى يعتبر خليفةً على منهاج النبوة، إذا سعى إلى ذلك ولم يتمكن منه، لأنَّ سيدنا علياً - رضي الله عنه - لم يستطع فرض نفوذه على بلاد الشام وهو لا شك من الخلفاء الراشدين. إذاً هناك خلافتان؛ خلافةٌ كاملة أو خلافة نبوة، وخلافةٌ ناقصة أو مُلك، والخلافة الكاملة انتهت بمرور ثلاثين سنة، والخلافة الناقصة جاءت بعد ذلك وإن ¬
تخللها فترات يصح أن تضاف إلى خلافة النبوة كخلافة عمر بن عبد العزيز (¬1). وبيَّنَ ابنُ حبان أن الاضطرارَ سببُ إطلاق اسم الخليفة على من كان إلى سيرة الملوك أقرب (¬2)، وفسَّر الحديثَ بأنَّ الخلافة بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - من غير زيادة ولا نقصان تكون ثلاثين سنة، بخلاف ما بعدها فإنَّ أكثر أحكامها أحكام الملوك، ولهذا كره جماعة من أئمة السلف - منهم الإمام أحمد بن حنبل - إطلاقَ اسم الخليفة على مَن بعد الحسن بن علي رضي الله عنهما فيما حكاه النحاس وغيره محتجين بهذا الحديث (¬3). ولكن يدل على بقاء الخلافة مع ذلك أمران: الأول: إجماع الأمة في كل عصر على وجوب اتباع إمام ذلك العصر وعلى كونه إماماً وخليفة متبعاً (¬4). الثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (ثمَّ تصير مُلكاً) والضمير في قوله: تصير مُلكاً، إنَّما هو عائد إلى الخلافة إذ لا مذكور يمكن عود الضمير إليه غير الخلافة، وتقدير الكلام: ثم تصير الخلافة مُلكاً، والحكم على الشيء يستدعي وجود ذلك الشيء (¬5). ويؤكد ذلك قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «وستكون خلفاء فيكثرون» قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فُوا ببيعة الأول فالأول أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم» (¬6). ويؤيد جواز إطلاق لفظ الخليفة على كل من تولى منصب الخلافة ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه العباس: «ألا أبشرك يا عم؟ بي ختمت النبوة، وبولدك تختم ¬
الخلافة» (¬1). ولكن ورد هذا الحديث عند الأصبهاني بلفظ آخر يصفهم بأنهم ملوك؛ عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يكون من ولد العباس ملوك يَلُونَ أمر أمتي يعز الله بهم الدين» (¬2) فيكون الحديث الأول يبين جواز إطلاق اسم الخلافة عليهم، والثاني يشير إلى أن أكثرهم يسير بسيرة الملوك. وفي جواز الانتقال من خلافة النبوة إلى الملك يفصل ابن تيمية فيقول: «إن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور. فكل بدعة ضلالة»، بعد قوله: «من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً» فيه أمر بلزوم سنة الخلفاء الراشدين وأمر بالاستمساك بها، وتحذير من المحدثات المخالفة لها، وهذا الأمر منه والنهي دليل بَيّنٌ في الوجوب، وأيضاً ففي استياء النبي - صلى الله عليه وسلم - من الملك بعد خلافة النبوة دليلٌ على أنه متضمنٌ تركَ بعضَ الدينِ الواجبِ لهذا فلا يجوز في الأصل خلط الإمارة والقضاء بالملك بل الواجب خلافة النبوة. ثم النصوص الموجبة لنصب الأئمة والأمراء وما في الأعمال الصالحة التي يتولونها من الثواب حمد لذلك وترغيب فيه، فيجب تخليص محمود ذلك من مذمومه. وقد يحتج من يُجُّوز المُلك بالنصوص التي منها قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية: «إن ملكت فأحسن» (¬3) ونحو ذلك، وفيه نظر. ويَحتج أيضاً بأنَّ عمر أقرَّ معاويةَ لما قَدِم الشام ¬
على ما رآه من أبهة الملك، لما ذكر له المصلحة فيه، فإن عمر قال له: لا آمرك ولا أنهاك. ويقال في هذا: أن عمر لم ينهه، لا أنَّه أَذِنَ له في ذلك، لأنَّ معاوية ذكر وجه الحاجة إلى ذلك. ولم يثق عمر بالحاجة، فصار الأمر محل اجتهاد في الجملة. فهذان القولان متوسطان: أن يقال: خلافة النبوة واجبة، وإنما يجوز الخروج عنها بقدر الحاجة، أو أن يقال: يجوز قبولها من المُلك بما ييسر فعل المقصود بالولاية ولا يعسره، إذ ما يبعد المقصود بدونه لابد من إجازته» (¬1). وهذا يقتضي أن شَوْب (¬2) الخلافة بالملك جائز، وإن كانت الخلافة المحضة أفضل. وكل من انتصر لمعاوية وجعله مجتهداً في أموره ولم ينسبه إلى معصية فعليه أن يقول بأحد القولين: إما جواز شوبها بالملك. أو عدم اللوم على ذلك. ولهذا جاء تكييف خلافة معاوية بعد وفاة علي - رضي الله عنه - مختلفاً عند العلماء تبعاً لموقفهم منها؛ قال الكمال ابن أبي شريف: «اختلف مشايخنا في إمامة معاوية بعد وفاة علي رضي الله عنهما فقيل: صار إماماً انعقدت له البيعة، وقيل: لا لم يَصِرْ إماماً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الخلافة بعدي ثلاثون ثم تصير ملكاً عضوضاً» (¬3) وقد انقضت الثلاثون بوفاة الإمام علي - رضي الله عنه - تقريباً، وتمت بمدة خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، وينبغي أن يحمل قول من قال بإمامته على ما بعد تسليم الحسن له، أما قبل وفاة الإمام علي - رضي الله عنه - فلم يكن معاوية إماماً شرعياً، بلا خلاف، حتى بعد أن بايعه أهل الشام بالخلافة بعد حادثة التحكيم» (¬4). وكذلك الأمر قبل أن يسلم الحسنُ بن علي الخلافةَ إلى معاوية؛ لأن تولي الخلافة بالقوة وإن كان طريقاً شرعياً للخلافة - كما استقر عليه رأي أهل السنة والجماعة - ولكنه لا تتم شرعية المتغلب حتى يقبل به كل الناس ويخضعوا له، أي حتى تتكامل صورة التغلب فيه إلى أقصى غاية، وهذا ليس شرطاً فيمن تولى ¬
الخلافة بالشورى والبيعة، كما هو الحال في خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه - حيث كان خليفة شرعياً رغم عدم مبايعة أهل الشام وخضوعهم له (¬1). وبعد تنازل الحسن بن علي - رضي الله عنه - عن الخلافة لمعاوية، فقد أصبح معاوية هو الإمام، وسمي ذلك العام بعام الجماعة لاجتماع كلمة المسلمين على معاوية - رضي الله عنه - (¬2). ¬
المبحث الثاني: دلالة حديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين»
المبحث الثاني: دلالة حديث: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» (¬1) هذا الحديث له دلالة عميقة جداً، وخاصَّة لمن عرف الأحداث التي جرت في زمن الخلفاء الراشدين الأربعة، فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر باتباعهم فالأمر جِدُ عميق. والمقصود - بداية - بالخلفاء الراشدين كما ذكر العلماء هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن بن علي - رضي الله عنهم - لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» وقد انتهت بخلافة الحسن بن علي - رضي الله عنه - (¬2). حتى أنَّ الإمام أحمد (¬3) اعتمد على هذا الحديث وغيره في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة - رضي الله عنهم -، واستدل به على من توقف في خلافة علي - رضي الله عنه - من أجل افتراق الناس عليه، فقال: «من لم يُربِّع بعلي - رضي الله عنه - في الخلافة فهو أضلُّ من حمار أهله». ونهى عن مناكحته، وهذا متفق عليه بين الفقهاء وعلماء السُّنَّة وأهل المعرفة والتصوف وهو مذهب العامة، وإنَّما يخالفهم في ذلك بعض أهل الأهواء من أهل الكلام ونحوهم: كالرافضة (¬4) الطاعنين في خلافة الثلاثة أو الخوارج الطاعنين في خلافة الصهرين: عثمان وعلي رضي الله عنهما أو بعض الناصبة النافين لخلافة علي - رضي الله عنه - أو بعض الجهال من المتسننة الواقفين في خلافة علي - رضي الله عنه -، وأما معاوية - رضي الله عنه - فهو أول الملوك (¬5). وسأنقل تفسير العلماء لهذا الحديث ثم أناقشهم: ¬
أما ابن حزم فقد حصر معنى الحديث بحال اتفاقهم كلهم بلا خلاف لا أن نقلِّد واحداً منهم وقال: لأنَّ الخلفاء قد خالفهم مَن كان في عصرهم فما منهم أحد قال لمن خالفه: لم خالفتني وأنا إمام؟! (¬1). اهـ أي يقصد أنهم ما كانوا ينكرون على من خالف واحداً منهم. وقوله هذا لا يصح من وجوه منها: أولاً: لأنه لا يمكن اجتماعهم معاً إلا في زمن أبي بكر، أما بعد وفاته فيكون ما اجتمعوا عليه رأيَّ بعض الخلفاء الراشدين لا رأيهم جميعاً، واجتماعهم في زمن أبي بكر لا يقال له اجتماع الخلفاء، لأنهم لم يكونوا كلهم خلفاء عندها، فتعيَّن أن المراد بسنة الخلفاء سنةُ كل واحدٍ منهم على انفراد، وبما أنهم اختلفوا في الاجتهاد فيما بينهم حتى حصل هذا أحياناً في المسألة الواحدة، كاختلافهم في بيع أمهات الأولاد، واختلافهم في حد شرب الخمر، فيبقى أن المراد من الحديث إما جواز اتِّباع كلِ واحد منهم على حدة، لأنَّ اتباعهم جميعاً فيما اختلفوا فيه متعذر لا يقدر عليه أحد، أو المراد اتباعهم جميعاً في الشيء المشترك فيما بينهم وهو هنا: الاجتهاد، فكلٌ منهم قد اجتهد بما يناسب عصره. وثانياً: ليس كلام ابن حزم على إطلاقه، فقد خالف عليٌ - رضي الله عنه - عثمانَ - رضي الله عنه - في التمتع في الحج عندما نهى عن ذلك، فأنكر عليه عثمان - رضي الله عنه - وسأله: لِمَ تخالفني؟ (¬2). ويؤكد ابنُ تيمية مخالفةَ بعض الصحابة لبعض الخلفاء الراشدين فيقول: ... «الصحابة في زمن أبي بكر - رضي الله عنه - لم يكونوا يتنازعون في مسألة إلا فصلها بينهم أبو بكر - رضي الله عنه - وارتفع النزاع، كتنازعهم في وفاته - صلى الله عليه وسلم - ومدفنه، وفي ميراثه، وفي تجهيز جيش أسامة، وقتال مانعي الزكاة، وغير ذلك من المسائل الكبار، وأما بعده فلم يبلغ علمُ أحد وكمالُه علمَ أبي بكر وكمالَه. فصاروا يتنازعون في بعض المسائل، كما تنازعوا في الجد والإخوة، وفي الحرام، وفي الطلاق الثلاث وفي غير ذلك، ¬
وكانوا يخالفون عمر وعثمان وعلياً - رضي الله عنهم - في كثير من أقوالهم» (¬1). وفسَّر الأحوذي الحديث بقوله (¬2): الإضافة إليهم إما لعملهم بسنَّته، أو لاستنباطهم منها قاله القاري. ثم استشهد بقول الشوكاني فقال: وقال الشوكاني في الفتح الرباني: كانت طريقتهم هي نفس طريقته - صلى الله عليه وسلم - فإنَّهم أشد الناس حرصاً عليها وعملاً بها في كل شيء، فإذا أَعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد البحث والتشاور والتدبر وهذا الرأي عند عدم الدليل هو أيضاً من سُنَّته لِما دلَّ عليه حديث معاذ لمَّا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف تقضي؟» فقال: أقضي بما في كتاب الله. قال: «فإن لم يكن في كتاب الله؟» قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: «فإن لم يكن في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟» قال: أجتهد رأيي. قال: «الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -» (¬3). ويوضح الأحوذي رأيه أكثر عندما ينقل قولاً لبعض الحنفية عن الأذان الثالث - الذي هو الأول وجوداً - يوم الجمعة بأنَّه صار مسنوناً باجتهاد عثمان - رضي الله عنه - وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار مستدلين بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» (¬4)، ثم يُعقِّب - أي الأحوذي - فيقول: ¬
ليس المراد بسنَّة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته - صلى الله عليه وسلم -، لأنَّه من المعلوم من قواعد الشريعة أنَّه ليس لخليفة راشد أن يشرِّع. ونقل الأحوذي هذا الرأي أيضاً عن سبل السلام لتأكيد رأيه (¬1). وهذا القول من الأحوذي والصنعاني غير سديد، فكأنهما بهذا التفسير لا يقولان بوجود سنَّة مستقلة للخلفاء الراشدين، وهذا لا يصح فالعطف يقتضي المغايرة كما هو معلوم، فسنَّة الخلفاء تختلف عن سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلا لما كان للحديث معنى، فما سنَّهُ الخلفاءُ أو أحدُهم، ولم يكن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشمله كلامهم، لأنَّه ليس فيه سنَّة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يسمى فعل الصحابي عندها تشريعاً بالمعنى المطلق، بل هو اجتهاد في تطبيق الشرع، ويؤيد هذا الفهمَ حديثُ علي - رضي الله عنه - الذي ذكر فيه أنه جلد في حد الخمر أربعين وقال للجلاد: «أمسك. ثم قال: جلد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وأبو بكر - رضي الله عنه - أربعين، وعمر - رضي الله عنه - ثمانين، وكلٌ سنَّة وهذا أحب إلي» (¬2). فقد صرَّح علي - رضي الله عنه - أنَّ هذا الفعل من عمر - رضي الله عنه - يسمى سنَّة، وليس كما قال الصنعاني في سبل السلام أنَّ وصف عمر لفعله في تجميع الصحابة على التراويح بأنَّه بدعة، إقرارٌ منه أنَّها ليست سنَّة، بل المراد أنَّها طريقة لم تكن على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا تعني أنَّها غير شرعية، ويؤكد هذا النووي بقوله: إن فعل الصحابي سنَّة يعمل بها، وهو موافق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» (¬3). اهـ فأما عملهم بسنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينسب لهم وإنَّما إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمَّا اجتهادهم عند عدم الدليل فهو الذي يقال فيه سنَّة الخلفاء الراشدين، وسبقت الإشارة إلى أنَّ اجتهاداتهم اختلفت فيما بينها، فإمَّا أن نتخير من اجتهاداتهم ما يناسب عصرنا فنتبع سنَّة أبي بكر أو سنَّة عمر أو سنَّة عثمان أو سنَّة علي - رضي الله عنهم -، ولا نخرج بذلك عن دلالة حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتكون فائدة الحديث عندها دفع ما قد يتردد في بعض .................................................................................. ¬
النفوس من الشك ويختلج فيها من الظنون من شرعية فعلهم (¬1)، أو نتبع سنَّة الخلفاء الراشدين جميعاً في اجتهادهم حسب ظروفهم ولو أدى ذلك إلى رأي جديد لم يقولوا به، مع مراعاة الضوابط المعروفة للاجتهاد، وهذا الذي يعطينا مرونة كبيرة في هذا العصر المتقلب والمتغير، وهذا الذي أراه وخاصة في المسائل السياسية، ويؤيد هذا الفهم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بالاقتداء بهم بوصفهم خلفاء، وكأنه يلمح إلى القضايا السياسية، وإلا لكان قال: عليكم بسنتي وسنة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - والله أعلم. ¬
المبحث الثالث: الأحداث التي اعتمد عليها الفقهاء في مسألة التعدد
المبحث الثالث: الأحداث التي اعتمد عليها الفقهاء في مسألة التعدد: إنَّ النصوص الشرعية التي دلَّت على وجوب وحدة الأمة، وحذَّرت من تفرِّقها، ثمَّ فَهْمُ الصحابةِ - رضي الله عنهم - لهذه النصوص، وتطبيقُهم لها عندما حصلت الفتنة بين سيدنا علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه -، هما الأساس الذي اعتمد عليه الفقهاء في حديثهم عن جواز تعدد الخلفاء أو حرمته، فجاءت الأحكام في المذاهب الفقهية تبعاً لفهم الفقهاء لاجتهاد الصحابة في تلك الفتن (¬1)، لذا رأيت أنَّ من الخير أن أسلط الضوء على بعض النقاط في تلك الفتن، لنشاركهم - قدر الإمكان - فهمَهم لتلك الأحداث، وإن كان كثير من العلماء والمحدِّثين قد أسدل الستار على ما شجر بينهم احتراماً لهم، فلم يذكر تفاصيل الفتنة، وهو لا شك طريق سليم لدين المرء استجابة لتحذير الرسول - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين من أن يتخذوا أصحابه من بعده غرضاً، ولكن هذا قُبِلَ منهم بعد أن بَيَّنَ غيرُهم ما حدث، ثمَّ إنَّ الحديث ينهى عن اتخاذ الصحابة غرضاً إذا كان الهدف هو السبَّ والشتم والتجريح (¬2) أمَّا إذا جعلناهم غرضاً لإيضاح ما جرى بينهم لنتمكن من فهم ديننا فلا بأس به، بل هو مأمور به للحديث السابق، لأننا عندئذ نحاول أن نفهمهم لنقتدي بهم كما أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم. لهذا فسأكشف - بحول الله - عز وجل - اللثام عما جرى في الفتنة بالقدر الذي يساعدنا على فهم تلك المرحلة الهامة من تاريخ المسلمين، وهذا الفهم سيهدينا إلى الإقتداء بهم في وقتنا هذا للوصول إلى تطبيق شرع الله تعالى على بينة، فاللهَ أسأل أن يسدد خطاي ويجنبني الزلل إنَّه أكرم مسؤول. ¬
أولا: ما قبل خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه -
والذي يَعْنيني في هذا المبحث ما حصل بين علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه -، ثم ما حصل بعد ذلك بين الحسن بن علي - رضي الله عنه - وبين معاوية - رضي الله عنه - كامتداد للخلاف السابق، مِمَا له صلة ببحث تعدد الخلفاء، ولَمَّا كان هذا الخلاف قد حصل في فترة الخلفاء الراشدين - الذين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء بهم بقوله: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» (¬1) - فإن له أهمية فقهية وليس مجرد حدث تاريخي، فَفِعْلُ الخلفاء الراشدين صارت له صفة شرعية بسبب هذا الحديث، وهذا كان فهم الشافعي (¬2) عندما قال: «أُخِذَتْ السيرة في قتال المشركين من النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي قتال المرتدين من أبي بكر - رضي الله عنه - وفي قتال البغاة من علي - رضي الله عنه -» (¬3). ولَمَّا كان ما حدث من فتنة بين سيدنا علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه -، له جذور وامتداد إلى ما حصل في خلافة سيدنا عثمان - رضي الله عنه - حتى قال بعض العلماء: لا شك أنَّ الدماء المهراقة عقب قتل عثمان - رضي الله عنه - والملاحم بين علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه - كانت عقوبة من الله على قتل عثمان - رضي الله عنه - (¬4)، فقد انفتح باب الشر من يومئذ؛ لذا كان لا بد من تناول هذه الفترة أيضاً بالبحث، بالقدر الذي يساعدنا على فهم الأحداث التي حصلت بعد ذلك، والتي جاءت على الشكل التالي: أولاً: ما قبل خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه -: إن تقارب المكانة بين علي - رضي الله عنه - وبين عثمان - رضي الله عنه -، ثم الطريقة التي وضعها سيدنا عمر - رضي الله عنه - لاختيار خليفة من بين أهل الشورى الستة، حرك تنافساً بين سيدنا عثمان - رضي الله عنه - وبين سيدنا علي - رضي الله عنه -، الأمر الذي انعكست آثاره على طبيعة العلاقة بينهما، وعلى الخلاف بين معاوية - رضي الله عنه - وبين علي - رضي الله عنه - فيما بعد، وبيانه: ¬
1 - طريقة انتخاب عثمان - رضي الله عنه - للخلافة
1 - طريقة انتخاب عثمان - رضي الله عنه - للخلافة: ذكر الطبري في تاريخه (¬1) «أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما طُعن قيل له: يا أمير المؤمنين لو استخلفتَ، فقال: ما أريد أن أتحملَّها حيَّاً وميتاً، عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنهم من أهل الجنة؛ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم، ولست مدخلَه، ولكن الستة علي وعثمان ابنا عبد مناف، وعبد الرحمن وسعد خالا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والزبير بن العوام حواري رسول الله وابن عمته، وطلحة الخير بن عبيد الله، فليختاروا منهم رجلاً (¬2) فإذا متُّ فتشاوروا ثلاثة أيام ولْيُصَلِّ بالناس صهيب (¬3) ولا يأتينَّ اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم، ويحضر عبد الله بن عمر مشيراً ولا شيء له من الأمر، وطلحة شريككم في الأمر فإن قَدِم في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم، وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه، فاقضوا أمركم، وما أظن أن يلي إلا أحد هذين الرجلين علي أو عثمان، وقال لأبي طلحة الأنصاري: يا أبا طلحة إن الله عز وجل طالما أعزَّ الإسلام بكم، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار، فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم، وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي، فاجمع هؤلاء الرهط في بيت، حتى يختاروا رجلاً منهم، وقال لصهيب: صلِّ بالناس ثلاثة أيام، وأدخل علياً وعثمان والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوف ¬
وطلحة - إن قَدِمَ - وأحضر عبد الله بن عمر ولا شيء له من الأمر، وقُم على رؤوسهم فإن اجتمع خمسة، ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه، أو اضرب رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثةٌ رجلاً منهم، وثلاثةٌ رجلاً منهم فحكِّموا عبد الله بن عمر فأيَّ الفريقين حكم له، فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين، إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس. فلما دفن عمر - رضي الله عنه - جمع المقدادُ أهلَ الشورى، وهم خمسة معهم ابن عمر، وطلحة غائب، وأمروا أبا طلحة أن يحجبهم، فقال عبد الرحمن: «أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم؟» فلم يجبه أحد (¬1) فقال: «فأنا أنخلع منها» (¬2) فقال عثمان - رضي الله عنه -: أنا أول من رضي فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أمين في الأرض أمين في السماء» (¬3)، فقال القوم: قد رضينا - وعلي - رضي الله عنه - ساكت - فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أعطني موثقاً لَتُؤثِرنَّ الحقَ ولا تتبع الهوى ولا تخص ذا رحم ولا تألو الأمة (¬4). فقال: أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدَّل وغيَّر، وأن ترضوا من اخترت لكم، عليَّ ميثاقُ الله ألا أخص ذا رحم لرَحِمِه ولا آلو المسلمين. فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله. فقال لعلي - رضي الله عنه -: إنك تقول إني أحق من حضر بالأمر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في ¬
الدين , ولم تبعد، ولكن أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر من كنتَ ترى من هؤلاء الرهط أحق بالأمر؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان فقال: تقول شيخ من بني عبد مناف وصهر رسول الله وابن عمه لي سابقة وفضل، ولم تبعد، فلن يصرف هذا الأمر عني، ولكن لو لم تحضر فأيَّ هؤلاء الرهط تراه أحق به؟ قال: علي. ثم خلا بالزبير فكلمه بمثل ما كلم به علياً وعثمان فقال: عثمان. ثم خلا بسعد فكلمه فقال: عثمان. ودارَ عبدُ الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس يشاورهم ولا يخلو برجل إلا أمره بعثمان، حتى إذا كانت الليلة التي يُستكمَلُ في صبيحتها الأجل، أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل فأيقظه فقال: ألا أراك نائماً ولم أذق في هذه الليلة كثيرَ غمض، انطلقْ فادع الزبير وسعداً فدعاهما فبدأ بالزبير في مؤخر المسجد في الصفة التي تلي دار مروان، فقال له: خلِّ ابني عبد مناف وهذا الأمر، فقال: نصيبي لعلي (¬1). وقال لسعد: أنا وأنت كلالة (¬2) فاجعل نصيبك لي فأختار، قال: إن اخترتَ نفسك فنعم (¬3)، وإن اخترتَ عثمان فعليٌّ أحب إلي (¬4)، وانصرف الزبير وسعد، وأرسل المسورَ بن مخرمة إلى علي - رضي الله عنه - فناجاه طويلاً وهو لا يشك أنه صاحب الأمر ثم نهض، وأرسل المسورَ إلى عثمان فكانا في نجيِّهما حتى فرَّق بينهما أذان الصبح، فلما صلوا الصبح جمع الرهط وبعث إلى من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار، وإلى أمراء الأجناد فاجتمعوا حتى التجَّ المسجد بأهله، فقال: أيها الناس إنَّ الناس قد أحبوا أن يلحق أهل الأمصار بأمصارهم وقد علموا مَن أميرُهم، فتكلم بنو هاشم يريدون علياً، وتكلم بنو أمية ¬
يريدون عثمان، فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس. فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلُن أيها الرهط على أنفسكم سبيلاً، ودعا علياً فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملَنَّ بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي. فأرسل يده ثم دعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي فقال: نعم. فبايعه. وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فقيل له: بايعْ عثمان. فقال: أَكُلُّ قريش راض به؟ قيل: نعم. فأتى عثمان فقال له عثمان: أنت على رأس أمرك إن أبيتَ رددتُها. قال: أتردُّها؟ قال: نعم. قال: أَكُلُّ الناس بايعوك؟ قال: نعم. قال: قد رضيت لا أغرب عما قد أجمعوا عليه وبايعه». اهـ هذه الآلية التي وضعها عمر - رضي الله عنه - جنَّبت الأمة الفرقة والاختلاف في اختيارهم خليفة لهم، ولكنها حرَّكت - بشكل غير مباشر - تنافساً قديماً بين بني أمية وبني هاشم (¬1)، انعكس تنافساً على تولي الخلافة بين عثمان - رضي الله عنه - وعلي - رضي الله عنه -، مما ألقى بظلاله على خلافة عثمان - رضي الله عنه -، وعلى الأحداث التي حصلت بعد مقتله - رضي الله عنه -، ولئن كان طموح سيدنا علي - رضي الله عنه - إلى الخلافة قد ظهر بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة، فإن مكانة أبي بكر وعمر العالية في الإسلام حسمت الأمر بسرعة، بينما تقارب مكانة عثمان وعلي - رضي الله عنهم - أظهر هذا الطموح ثانية. ¬
2 - الأحداث في خلافة سيدنا عثمان - رضي الله عنه -
2 - الأحداث في خلافة سيدنا عثمان - رضي الله عنه -: لقد وُجهت لعثمان - رضي الله عنه - في خلافته انتقاداتٌ عديدة (¬1)، كان أغلُبها مما يخضع للاجتهاد مما يملكه الإمام، وبقيَّتُها كان افتراءً عليه، والهدف من ذكر هذه الانتقادات أمران: الأمر الأول: بيانُ أن قتل عثمان - رضي الله عنه - كان ظلماً جرَّأَهم عليه حلمُه وحياؤُه الذي عُرف به، فكثيرٌ مما انتُقد عليه قد فعله عمرُ - رضي الله عنه - قبله ولم يعترض عليه أحد، فقد منع عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - العمرةَ في الحج من قبله فلم ينقل عن علي - رضي الله عنه - أنه اعترض عليه، وحمى عمرُ - رضي الله عنه - الحمى ووسَّعه عثمان - رضي الله عنه -، فلم يعترض أحدٌ على عمر - رضي الله عنه -، بينما اعترضوا على عثمان - رضي الله عنه - (¬2). والأمر الثاني: بيان أن سيدنا علياً - رضي الله عنه - لم يكن السبب فيما حدث، وأن المنتقدين لعثمان - رضي الله عنه - عندما كانوا يلجؤون إلى علي - رضي الله عنه - (¬3) فيسمع منهم ثم ينصح عثمان - رضي الله عنه - فيما يرى أنه الحق، إنما كان يقوم بواجبه الذي أمره به الإسلام من نصيحة ولاة الأمر، وهذا كان شأن بقية الصحابة ممن جاهر بنصح سيدنا عثمان كالسيدة عائشة (¬4) ............................................................................................................... ¬
الانتقاد الأول
وطلحة بن عبيد الله (¬1) والزبير بن العوام - رضي الله عنهم - ولكن فَهِمَ عامةُ الناس هذا كمعارضةٍ لعثمان - رضي الله عنه -، استثمرها رأسَ المنافقين عبد الله بن سبأ (¬2) مما أوصل الأمور إلى النهاية التي وصلت إليها، والتي لم يكن يريدها أحد من الصحابة. هذه الأحداث شكَّلت قاعدة لمعاوية للمطالبة بالقصاص من قتلة عثمان، وكانت هذه المطالبة المدخلَ لأولِ تعددٍ للخلفاء في تاريخ الإسلام. وسأذكر من الانتقادات التي وجهت لعثمان - رضي الله عنه - اثنين: الانتقاد الأول: كان أول ما واجه عثمان - رضي الله عنه - بعد مبايعته (¬3) ما فعله عبيد الله ابن عمر من قتله الهرمزان وجفينة وابنة أبي لؤلؤة، بعد أن حامت الشبهات حولهم في أنهم تآمروا على قتل أبيه، ذلك أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال غداة طُعن عمر: مررتُ على أبي لؤلؤة عشي أمس ومعه جفينة والهرمزان وهم نجيٌّ (¬4) فلما رهقتُهم (¬5) ثاروا وسقط منهم خنجر، له رأسان نصابه في وسطه فانظروا بأي شيء قُتل. وكان قد تخللَ أهلَ المسجد وخرج في طلب أبي لؤلؤة رجلٌ من بني تميم، ¬
فرجع إليهم التميمي (¬1) وقد كان ألظَّ (¬2) بأبي لؤلؤة مُنصرَفَه عن عمر - رضي الله عنه - حتى أخذه فقتله، وجاء بالخنجر الذي وصفه عبد الرحمن بن أبي بكر، فسمع بذلك عبيد الله بن عمر فأمسك حتى مات عمر، ثم اشتمل على السيف فأتى الهرمزان فقتله فلما عضَّه السيف قال: لا إله إلا الله. ثم مضى عبيد الله حتى أتى جفينة وكان نصرانياً من أهل الحيرة ظئراً لسعد بن مالك أقدمه إلى المدينة للصلح الذي بينه وبينهم وليُعلِّم بالمدينة الكتابة، فلما علاه بالسيف صلَّب بين عينيه. وبلغ ذلك صهيباً فبعث إليه عمرَو بن العاص (¬3) فلم يزل به ويقول: السيفَ بأبي وأمي حتى ناوله إياه، وثاوره سعد فأخذ بشعره وأضجعه على الأرض، وأتى به صهيباً فحبسه على الشورى حتى دفعه إلى عثمان يوم استخلف فأقاده (¬4). إنَّ قولَ الهرمزان (لا إله إلا الله) عند موته أثار الفتنة، وخاصَّة أنَّ الصحابة كانوا قد فهموا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الإنسان لا يملك لسانه عند الموت بل الله هو الذي يُسهِّل له النطق بما عاش عليه حتى يكون ذلك حجة له يوم القيامة، وتصديقاً لهذا فقد صَلًّب جفينة ولم يقل كلمة التوحيد كالهرمزان لأنه كان نصرانياً، ثمَّ إنَّ الهرمزان كان قد شهد له بحسن إسلامه الكثيرون (¬5). وقد عالج عثمان - رضي الله عنه - هذه القضية بعد مبايعته مباشرة، فجلس في جانب المسجد ¬
ودعا بعبيد الله بن عمر، وكان محبوساً في دار سعد بن أبي وقاص بعد أن نزع السيف من يده بعد قتله جفينة والهرمزان وابنة أبي لؤلؤة، فقال عثمان لجماعة من المهاجرين والأنصار: «أشيروا عليَّ في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق». فقال ناس ومنهم علي - رضي الله عنه -: «أرى أن تقتله». وقال بعض المهاجرين: «قُتل عمر أمس ويقتل ابنه اليوم!» فقال عمرو بن العاص: «يا أمير المؤمنين إنَّ الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان ولك على المسلمين سلطان، إنَّما كان هذا الحدث ولا سلطان لك». قال عثمان: «أنا وليهم وقد جعلتها دية واحتملتها في مالي» (¬1). وكان رجل من الأنصار اسمه زياد بن لبيد البياضي (¬2) إذا رأى عبيد الله بن عمر قال: (طويل) ألا يا عبيد الله مالك مهرب ... ولا ملجأ من ابن أروى (¬3) ولا خفر أصبت دماً واللهِ في غير حله ... حراماً وقتل الهرمزان له خطر على غير شيء غير أن قال قا ... ئلٌ أتتهمون الهرمزان على عمر فقال سفيه والحوادث جمة ... نعم اتهمه قد أشار وقد أمر وكان سلاح العبد في جوف بيته ... يقلبها والأمر بالأمر يعتبر قال فشكا عبيد الله بن عمر إلى عثمان زيادَ بن لبيد وشعره فدعا عثمانُ زيادَ بن لبيد فنهاه، فأنشأ زياد يقول في عثمان: (وافر) أبا عمرو (¬4) عبيد الله رهن ... فلا تشكك بقتل الهرمزان فإنك إن غفرت الجرم عنه ... وأسباب الخطا فرسا رهان أتعفو إن عفوت بغير حق ... فما لك بالذي تحكي يدان ¬
الانتقاد الثاني
فدعا عثمان - رضي الله عنه - زياد بن لبيد فنهاه وشذبه، فجعل الناس هذه الحادثة من ضمن ما لاموا عثمان - رضي الله عنه - عليه. وإنَّما لم يقتص عثمان - رضي الله عنه - من عبيد الله بالهرمزان للشبهة؛ فقد تأول عبيدُ الله واعتقد حل قتله لشبهة اشتراكه بقتل أبيه، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «ادرؤوا الحدود ما استطعتم» (¬1) وهذا أمر يخضع للاجتهاد ولا يلام عليه. على أن الطبري روى أن عثمان - رضي الله عنه - قد أمر بالقصاص من عبيد الله وأنه سلَّمه لابن الهرمزان ليقتص منه ولكنه عفا عنه (¬2). الانتقاد الثاني: ومما أنكره الناس على عثمان أنه كان يحابي أقرباءه من بني أمية ويولِّيهم المناصب، وإنما كان يفعل ذلك من باب صلة الرحم اجتهاداً منه - رضي الله عنه - (¬3) والأمثلة على ذلك كثيرة: 1 - فمن ذلك توليته للوليد بن عقبة بن أبي معيط - وهو صحابي، وأخوه لأمه (¬4) - الكوفةَ بدل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وهو أحد أهل الشورى ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وقد كان عثمان - رضي الله عنه - ولى سعداً الكوفة تنفيذاً لوصية عمر - رضي الله عنه -، أن يستعين به الخليفة الذي سينُتخب بعده عندما قال: «فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة» (¬5)، فلما اشتكى أهل الكوفة سعدَ بن أبي وقاص إلى عثمان حتى قالوا: ¬
إنه لا يحسن الصلاة. عزله وولى الوليد، وقد ظهر من الوليد فيما بعد ما أنكره الناس عليه من شرب الخمر؛ فقد صلَّى بالناس الصبح أربعاً وقال لهم: أزيدكم؟ - وقد كان سكراناً - (¬1) فلما تبيَّن ذلك لعثمان عزله بعد تريث حتى ثبتت عنده الواقعة وشهد عليها الشهود، فجلده أربعين جلدة، وولى سعيد بن العاص، هذا التريث لم يفهمه بعض الناس على وجهه وظنُّوا أن عثمان - رضي الله عنه - يحابي أخاه لأمه (¬2). وقد دافع سيدُنا علي - رضي الله عنه - أثناء خلافته عن عثمان - رضي الله عنه - في هذه الحادثة؛ فقد ذكر المالقي عن عطية عن أبي العريف ويزيد الفقعسي قالا: كان الناس في الوليد فرقتين، العامَّة معه والخاصَّة عليه (أي ممن حقد عليه لأسباب معروفة)، فما زال عليهم من ذلك خشوع حتى كانت صفين، فولي معاويةُ فجعلوا يقولون عيبَ عثمان بالباطل، (أي استخدموا ذلك كوسيلة للنيل من معاوية - رضي الله عنه - ومن معه) فقال لهم علي - رضي الله عنه -: «إنكم وما تعيرون به عثمان كالطاعن نفسه ليقتل ردفه وما ذنب عثمان في رجل قد ضربه بقولكم وعزَلَه!» (¬3). 2 - ومن ذلك أنه أعطى مروان بن الحكم خُمس أفريقية، فبعد أن عزل عمرَو بن العاص عن خراج مصر سنة (26) أو (27) واستعمل عليه عبد الله بن سعد بن أبي سرح (¬4) - وكان أخا عثمان - رضي الله عنه - من الرضاعة - فلما ولاه عثمان - رضي الله عنه - ¬
على مصر سار عبد الله إلى أفريقية ففتحها بعد قتال شديد وحمل خُمُسَها (¬1) إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان - رضي الله عنه - (¬2). ¬
3 - ومن ذلك أيضاً أنه وسَّع لمعاوية - رضي الله عنه - ولايته، فإنَّ عمير بن سعد استعفى عثمان - رضي الله عنه - واستأذنه في الرجوع إلى أهله، فأذن له وضمَّ حمص وقنسرين إلى معاوية - رضي الله عنه - (¬1)، وكان معاوية أهلاً للولاية فقد استعمله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قبل عثمان - رضي الله عنه -. وبالمختصر فقد كان عثمان - رضي الله عنه - يفعل ذلك من باب صلة الرحم (¬2) ويقول: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم (¬3). ويقول: «إن عمر كان يمنع أهله وأقرباءه ابتغاء وجه الله، وإني أعطي أهلي وأقربائي ابتغاء وجه الله» (¬4). وهذا اجتهاد منه - رضي الله عنه - ولم يكن أولَ خليفة يجتهد، ولا يستحق أن يقتل لأجله، ويكفينا استدلالاً على ذلك قولُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه: «يقتل هذا مظلوماً» (¬5)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي بقر؟» قالوا: فنصنع ماذا يا نبي الله؟ قال: «عليكم بهذا وأصحابه» قال فأسرعت حتى عطفت على الرجل فقلت: هذا يا نبي الله؟ قال: «هذا». فإذا هو عثمان (¬6). ¬
ثانيا: الأحداث في خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه -
ثانياً: الأحداث في خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه -: في هذه الأجواء قتل عثمان - رضي الله عنه - وفي هذه الأجواء تولَّى علي - رضي الله عنه - الخلافة؛ السيف مشرع، والدم مهراق، والفتنة ضاربة جذورها في المجتمع المسلم، فهناك أعداد كبيرة من الذين اشتركوا في الفتنة بشكل أو بآخر، وهناك معاوية - رضي الله عنه - الذي سيتخذ هذه الأحداث أساساً للمطالبة بدم عثمان - رضي الله عنه -، والذي سيتحول إلى عصيان مُسلَّح، باطنه طمعٌ بالخلافة مازال ينمو في نفس معاوية - رضي الله عنه - منذ سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصيه بأمته خيراً إذا ملك (¬1)، والذي بدأ بإظهاره قُبيل صفين والجند مصفوفة ومحاولات الصلح جارية بين الطرفين (¬2)، وأعلنه بعد صفين (¬3). وسأوجز كيف كانت الأجواء في المدينة في مطلع خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه - لنكون في صورة الحدث، فقد استلم الإمام علي - رضي الله عنه - في خلافته تركة ثقيلة وتمرداً في كثير من الأمصار، فقد فشل بدايةً في تعيين عامل له في الشام والكوفة، واستلم عماله الحُكْمَ في البصرة واليمن ومصر والأمور لم تكن مستقرة؛ ففي اليمن أخذ يعلى بن أمية الوالي السابق لعثمان - رضي الله عنه - خزينةَ الدولة وانطلق إلى مكة، وفي مصر دخل قيس بن سعد مصر بالحيلة والناس متفرقون في مواقفهم، وجرت بينه وبين معاوية - رضي الله عنه - مواقف أدت إلى عزله في النهاية نتيجة حيلة من معاوية - رضي الله عنه -، وأما في البصرة فقبل الناس عثمان بن حنيف وهم يترقبون ردود فعل بقية الأمصار فيما حدث، وأما طلحة والزبير اللذان بايعا مكرهين تحت تهديد الثوار، فطلبا الخروج من المدينة بعد أن علما ما حدث بالأمصار وأظهرا عدم رضاهما، وسمح لهما علي ¬
- رضي الله عنه -، ولكن مع تحذيرهما من أن يفعلا شيئاً يهدد استقرار الدولة الإسلامية، ويبدو من تحليل الأحداث في بداية خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه - أنه كان بعيداً عن حيل السياسة، لا يقبل إلا الصدع بالحق ولو أدى ذلك إلى ما أدى إليه، وكان في مقابله خصوم دهاة برعوا بالسياسة، كمعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة - رضي الله عنهم - (¬1)، والفتنة كانت تتطلب شيئاً من السياسة والمداراة حتى تهدأ الأمور وهذا ما أقسم سيدنا علي - رضي الله عنه - على عدم فعله، فجرى ما جرى مما شاء الله من المقدور (¬2). ومما يدل على صعوبة الفتنة وشدتها أن علياً - رضي الله عنه - لما أراد أن يخرج لقتال أهل الشام، وكان يتجهز لذلك، جاءه خبر طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنهم - من مكة وعزمهم الإصلاح بين الناس والطلب بدم عثمان - رضي الله عنه - (¬3)، ثم جاءه أنهم يريدون الخروج إلى البصرة، فاعتبر أن الأمر قد أصبح خطيراً، فدعا الناسَ إلى الخروج إليهم، والناس واقعون في حيرة من أمرهم وليسوا متأكدين مما ينبغي فعله، ثم جاءته إشاعة كاذبة - والأجواء كانت مهيأة لذلك وبسهولة - أن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - خرج إلى الشام، فانتدب عليٌ - رضي الله عنه - الناسَ للخروج في طلبه وسدِّ الطريق عليه، ثم تبين له أن الأمر لم يكن كذلك وأنه خرج إلى مكة يريد العمرة. مما سبق نستخلص أن سيدنا علياً - رضي الله عنه - كان واقعاً تحت ضغط شديد، تُحركه الأخبارُ في كل اتجاه، فتارة يدعو إلى قتال أهل الشام ثم يدعو إلى قتال طلحة والزبير وأم المؤمنين - رضي الله عنهم -، ثم يدعو إلى ملاحقة ابن عمر - رضي الله عنه - ومنعه من الخروج إلى الشام، وهذا كلُّه يدل على إرادته حل الأمور دفعة واحدة بقطع النظر عن سياقها وعن صعوبة ما نزل بالمسلمين من قتل عثمان - رضي الله عنه -، ولعل تشتت الأمر عليه بهذه الصورة ألجأه إلى الاستعانة بمن قتل عثمان - رضي الله عنه - وهم العصبة القريبون منه، وتكرر هذا عندما دعا أهلَ الكوفة لنصرته على طلحة والزبير فخفَّ إليه كل من ¬
اشترك في فتنة عثمان، مما زاد الأمر سوءاً وجعله يظهر وكأنه مشترك بقتله وليس الأمر كذلك (¬1)، فقد كان محاصَراً في بيته كعثمان - رضي الله عنه - (¬2). هذا الموجز يظهر ما كان عليه الحال في بداية عهد علي - رضي الله عنه - والذي ما كان أحد يستطيع أن يتدبر أمره فيه حتى ولو كان علياَ - رضي الله عنه -، فقد عكست هذه البداية آثارَها على حرب علي - رضي الله عنه - لمعاوية - رضي الله عنه -، فقد جاءت هذه الحرب وقد كلَّت النفوس وضعفت الهمم من الفتن المتلاحقة والاستنفار المتتابع. ويبقى الحدث الأهم في خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه - فيما يتعلق بالبحث - هو الخلاف الذي حصل بينه وبين معاوية - رضي الله عنه - والذي أدى من الناحية العملية إلى تعدد الخلفاء بعد حادثة التحكيم، وخلعِ سيدِِنا أبي موسى الأشعري لسيدنا علي وتثبيت عمرو بن العاص لمعاوية، حيث بدأ سيدنا معاوية بعدها بإعلان نفسه خليفة في الشام (¬3). لقد بدأ الخلاف بين علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه - منذ اللحظة الأولى لخلافة سيدنا علي - رضي الله عنه - فقد طالب معاويةُ - رضي الله عنه - وعددٌ من الصحابة (¬4) بالقصاص من قتلة عثمان - رضي الله عنه -، وشَرَطَ معاويةُ - رضي الله عنه - الأخذَ بالقصاص قبل أن يبايع علياً - رضي الله عنه - (¬5)، ولم يكن الأمر بالسهولة التي كان يظنها معاوية - رضي الله عنه - أو لعله كان يعرف أن سيدنا علياً - رضي الله عنه - لا يستطيع أن ينفذ هذا الأمر (¬6)، وقد أدرك سيدُنا علي - رضي الله عنه - هذا، وهو الذي عاش ¬
الفتنة بتفاصيلها لحظة بلحظة، وعرف قوة الذين أشعلوا الفتنة وقوة عصبيتهم (¬1) فأراد أن يُهدِّأ الأمور أولاً حتى يستتب الأمن ثم يقتصُّ من قتلة عثمان - رضي الله عنه - (¬2)، وكان هذا يعني أن يبايع معاويةُ علياً، وبالفعل فهذا ما عرضه عليٌ على معاوية، ولكنَّه أباه وكان يُعرِّض بدور علي فيما حصل لعثمان (¬3) وخاصة بعد المواقف العديدة التي ¬
حصلت بين عثمان - رضي الله عنه - وعلي - رضي الله عنه - والتي كان يفهمها بعض العوام على غير وجهها (¬1). وقد برَّر بعضُهم عدمَ قيام علي - رضي الله عنه - بالقصاص من قتلة عثمان - رضي الله عنه - أنه - رضي الله عنه - قُتل بتأويل، واستدلوا بما حكاه الزهري من الإجماع على عدم القصاص في أيام الفتنة قال: «هاجت الفتنة الأولى وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون فأجمعوا أن لا يقاد أحد» (¬2)، وقد كان هذا مذهب سيدنا علي - رضي الله عنه - (¬3). ¬
تفاصيل الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما
تفاصيل الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما: كان أول كتاب يرسله علي - رضي الله عنه - إلى معاوية - رضي الله عنه - في بداية عهده مع سبرة الجهني وكان فيه (¬1): «من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنه قد بلغك ما كان من مصاب عثمان - رضي الله عنه - وما اجتمع الناس عليه من بيعتي فادخل في السلام كما دخل الناس، وإلا فَأْذَنْ بحرب كما يؤذن أهل الفرقة، والسلام». فلم يكتب معاوية - رضي الله عنه - بشيء ولم يجبه وردَّ رسولَه، وجعل كلما تنجز جوابه يؤجل الرد ويُعرِّض بعلي ويطلب القصاص حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان - رضي الله عنه - في صفر، دعا معاوية - رضي الله عنه - برجل من بني عبس، ثم رجل من بني رواحة يدعى قبيصة، فدفع إليه طوماراً (¬2) مختوماً عنوانه: من معاوية إلى علي. وقال: إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار ثم أوصاه بما يقول وخرجا فقدما المدينة في ربيع الأول لغرته فلما دخلا المدينة رفع العبسي الطومار كما أمره، وخرج الناس ينظرون إليه، فتفرقوا إلى منازلهم وقد علموا أنَّ معاوية - رضي الله عنه - معترض، ومضى حتى دخل على علي - رضي الله عنه - فدفع إليه الطومار ففضَّ خاتمه فلم يجد في جوفه كتابة!! فقال للرسول: ما وراءك؟ قال: آمنٌ أنا؟ قال: نعم إن الرسل آمنة لا تقتل. قال: ورائي أني تركت قوماً لا يرضون إلا بالقود. قال: ممن؟ قال: من خيط نفسك، وتركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان - رضي الله عنه -، وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق. فقال: مني يطلبون دم عثمان! ألست موتوراً كَتِرَةِ عثمان، اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، نجا والله قتلة عثمان - رضي الله عنه - إلا أن يشاء الله، فإنَّه إذا أراد أمراً ¬
أصابه، اخرج. قال: وأنا آمن؟ قال: وأنت آمن، فخرج العبسي وصاحت السبئية فقالوا: هذا الكلب، هذا وافد الكلاب اقتلوه. فنادى: يا آل مضر، يا آل قيس، الخيلَ والنبلَ إني أحلف بالله جلَّ اسمه ليردنَّها عليكم أربعة آلاف خصي فانظروا كم الفحولة والركاب. وتعاووا عليه ومنعته مضر وجعلوا يقولون له: اسكت. فيقول: لا والله لا يفلح هؤلاء أبداً فلقد أتاهم ما يوعدون. فيقولون له: اسكت. فيقول لقد حلَّ بهم ما يحذرون انتهت والله أعمالهم وذهبت ريحهم. فوالله ما أمسوا حتى عرف الذل فيهم، وأحب أهل المدينة أن يعلموا ما رأي علي - رضي الله عنه - في معاوية - رضي الله عنه - وانتقاضِه، ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة أيجسر عليه أو ينكل عنه، وقد بلغهم أنَّ الحسن بن علي - رضي الله عنهم - دخل عليه ودعاه إلى القعود وترك الناس فدسوا إليه زياد بن حنظلة التميمي (¬1) وكان منقطعاً إلى علي فدخل عليه فجلس إليه ساعة ثم قال له علي: يا زياد تيَّسر. فقال: لأي شيء؟ فقال: تغزو الشام. فقال زياد: الأناة والرفق أمثل وقال: ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم فتمثَّل عليٌ وكأنَّه لا يريده: متى تجمع القلب الذكي وصارماً ... وأنفاً حمياً تجتنبك المظالم فخرج زياد على الناس، والناس ينتظرونه فقالوا: ما وراءك؟ فقال: السيف يا قوم. فعرفوا ما هو فاعل. ومنعت أخبارُ طلحة والزبير وعائشة - رضي الله عنهم - خروجَ الجيش إلى الشام، وخرج بدلاً من ذلك إلى البصرة، وتوقفت المراسلة بينهما بسبب ذلك، ثم عادت بعد وقعة الجمل (¬2) عندما وجَّه عليٌ - رضي الله عنه - (عند منصرفه من البصرة إلى الكوفة وفراغه من وقعة الجمل) جريرَ بنَ عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى بيعته، وكتب معه كتاباً يعلمه فيه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ونكث طلحة والزبير وما كان من حربه إياهما، ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار من طاعته. فشخص إليه جرير فلما قدم عليه ماطله واستنظره ودعا عَمْراً فاستشاره ¬
فيما كتب به إليه فأشار عليه أن يرسل إلى وجوه الشام ويلزم علياً دم عثمان ويقاتله بهم ففعل ذلك معاوية. وخرج أمير المؤمنين فعسكر بالنخيلة وقدم عليه عبد الله بن عباس بمن نهض معه من أهل البصرة، فتهيأ إلى صفين فاستشار الناس في ذلك فأشار عليه قوم أن يبعث الجنود ويقيم، وأشار آخرون بالمسير فأبى إلا المباشرة فجهز الناس، فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فاستشاره. فقال: أما إذ بلغك أنه يسير فَسِرْ بنفسك ولا تَغِبْ عنه برأيك ومكيدتك. قال: أما إذاً يا أبا عبد الله فجهز الناس. ولبيان وجهةِ نظر من كان مع معاوية - رضي الله عنه - أذكر أنَّه: لما التقى الأشترُ (¬1) وهو على طليعة جيش علي - رضي الله عنه -، أبا الأعور (¬2) وهو على طليعة جيش معاوية، دعاه الأشترُ للمبارزة، فقال أبو الأعور: إنَّ خفة الأشتر وسوءَ رأيه حمله على إجلاء عمال ابن عفان - رضي الله عنه - من العراق، وانتزائه عليه يُقبِّح محاسنَه، ومن خفة الأشتر وسوء رأيه أن سار إلى ابن عفان - رضي الله عنه - في داره وقراره حتى قتله فيمن قتله فأصبح متبعاً بدمه وأصبح مبتغى بدمه، لا حاجة لنا في مبارزته (¬3). وأيضاً لبيان التزام علي - رضي الله عنه - بالقواعد الإسلامية في هذه المعارك، بينما كانت قواعد الحرب والمكيدة هي السائدة في معاوية وأصحابه، أذكر أنه: لما تواقف الجيشان قبل الصدام ذهب شباب الناس وغلمتهم من جيش علي يستقون، فمنعهم أهل الشام، فأرسل علي إليهم صعصعةَ بن صوحان فقال له: ائت معاوية وقل له إنَّا سرنا مسيرنا هذا إليكم، ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم، وإنك قدَّمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالقتال، ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك، وهذه أخرى قد فعلتموها قد حِلْتم بين الناس وبين الماء والناس غير منتهين أو يشربوا، فابعث إلى أصحابك فليُخلُّوا بين الناس وبين الماء، ويكفوا حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له وقدمتم له، وإن كان أعجب إليك أن نترك ما جئنا له ونترك الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلْنا. قال معاوية - رضي الله عنه -: سيأتيكم رأيي. ثم إنه أرسل الخيل إلى أبي الأعور ليكفَّ ¬
أهداف سيدنا علي - رضي الله عنه - من حروبه في خلافته
أصحاب علي - رضي الله عنه - عن الماء، فأمر علي - رضي الله عنه - بقتالهم حتى صار الماء في أيدي أصحابه فقالوا: لا والله لا نسقيهموه. فأرسل إليهم علي - رضي الله عنه - أن خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا إلى عسكركم وخلوا عنهم، فإنَّ الله - عز وجل - قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم (¬1). أهداف سيدنا علي - رضي الله عنه - من حروبه في خلافته: لقد ظهرت أهدافه - رضي الله عنه - من خلال خطبه التي قالها قبيل كل معركة قام بها والتي صرَّح فيها بأنَّ هدفه منها كان لمَّ شمل الأمة وتوحيد صفها، فقد خطب أهل المدينة في بداية خلافته بعد رفض معاوية مبايعته - رضي الله عنه - فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الشام وسماهم أهل الفرقة وأوضح سبب دعوته إلى قتالهم أنهم يريدون أن يفرقوا جماعة المسلمين (¬2). وكذلك عندما جاءه خبر السيدة عائشة وطلحة والزبير - رضي الله عنهم - من مكة وأنهم ينوون المناداة بالقصاص من قتلة عثمان، خطب بأهل المدينة وأوضح أنه لن يحاربهم ما لم يَخَفْ على جماعة المسلمين (¬3). وهذا كان رأيه قبل صفين والجنود تقابل بعضها البعض، حيث كان يدعو إلى لمِّ الشمل (¬4). ¬
ثالثا: الخلاف بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهم -
وتكرر هذا في أثناء الموادعة التي حصلت بينهما في شهر محرم رجاء الصلح (¬1). ثالثاً: الخلاف بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهم -: كان الخلاف بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهم - امتداداً للخلاف السابق بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وبقي قريباً من ستة أشهر حتى تنازل الحسن - رضي الله عنه - عن الخلافة لمعاوية - رضي الله عنه -، وتعتبر خلافة سيدنا الحسن بن علي من ضمن الخلافة الراشدة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدد الخلافة الراشدة بثلاثين سنة، وقد انتهت هذه الفترة بتنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية - رضي الله عنهم - (¬2). ولد الحسن بن علي - رضي الله عنه - سنة ثلاث من الهجرة (¬3) وقيل في نصف رمضان من السنة الثانية (¬4)، وبويع بالخلافة في الكوفة يوم موت أبيه علي - رضي الله عنه - لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة أربعين من الهجرة (¬5)، وبايعه الناس في الحجاز واليمن على يد جارية بن قدامة، وفي فارس على يد عاملها زياد بن عبيد، وبايعه من بقي من ¬
من بدأ بعرض الصلح
فضلاء المهاجرين والأنصار، وتخلف عن بيعته معاوية - رضي الله عنه - ومن معه. وكان علي - رضي الله عنه - قد جهز قبل موته أربعين ألفاً لحرب معاوية فتجهز الحسن - رضي الله عنه - بعد مبايعته للخروج بذلك الجيش، وسار من الكوفة للقاء معاوية (¬1)، وعندما وصل إلى مسكن (¬2) وتجهز وعبأ الجيش , جرت في عسكره مشاحنات وذلك بعد أن سرت شائعات بمقتل قيس بن سعد قائد مقدمة جيشه الذي أرسله طليعة له، حتى أنهم نفروا بسرادقه ونهبوا متاعه وجواريه , وطعنه خارجي من بني أسد بخنجر، حتى دافع عنه أصحابه وقتلوا الخارجي، فكَرِهَ أهلَ العراقِ لذلك، وكتب عندها إلى معاوية يعرض عليه الصلح، واشترط عليه شروطاً وقال: إن أجبت عليها فأنا سامع مطيع , فأجابه معاوية إلى ذلك , وسلَّم الأمر إليه , وتوجع من تلك الضربة أشهراً وعوفي، ورجع إلى المدينة فبقي فيها إلى أن توفي (¬3). وكان عماله على الأمصار عمال أبيه إذ لم يمض له من الزمن ما يسع فيه تغيير العمال مع اشتغاله بحرب معاوية، فكان على مصر سهل بن حنيف، والشام بيد معاوية، وعلى اليمن عبد الله بن عباس، وعلى البصرة عثمان بن حنيف، وعلى الكوفة عمار بن حسان، وعلى إفريقية عبد الله بن أبي سرح (¬4). من بدأ بعرض الصلح: من سياق الحديث الذي رواه البخاري (¬5) يظهر أن معاوية - رضي الله عنه - هو الذي عرض ¬
شروط الصلح
الصلح على الحسن - رضي الله عنه - وبعث إليه عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز للمفاوضة معه، فقبل الحسن - رضي الله عنه - الصلح واشترط شروطاً تعهد له بها هذان الرجلان، ووافق معاوية عليها فيما بعد. وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما ميالاً للصلح بين الناس فبعد رفض معاوية بيعةَ أبيه علي - رضي الله عنه - حتى يقتص من قتلة عثمان - رضي الله عنه -، دخل الحسن بن علي رضي الله عنهما على أبيه ودعاه إلى القعود وترك قتال معاوية - رضي الله عنه - (¬1). وقد كان معاوية - رضي الله عنه - يعلم أن الحسن - رضي الله عنه - أكرهُ الناسِ للفتنة فلما توفي علي - رضي الله عنه - بعث إلى الحسن - رضي الله عنه - فأصلح ما بينه وبينه سراً وأعطاه معاوية - رضي الله عنه - عهداً إن حدث به حَدَثٌ والحسن حي ليسمينَّه وليجعلنَّ الأمر إليه فلما توثق منه سلَّم له وبايعه (¬2). ولعل ما ذكره الطبري من أن الحسن - رضي الله عنه - راسل معاوية - رضي الله عنه - بالصلح بعد الحادثة التي حصلت في جيشه عند سريان الشائعات بمقتل قيس بن سعد - رضي الله عنه - قائد مقدمة جيشه، وقيام الغوغاء بمهاجمته ونهب سرادقه، أقول لعل مراسلته لمعاوية - رضي الله عنه - كانت بعد عرض معاوية - رضي الله عنه - الصلح عليه أولاً، والله أعلم (¬3). شروط الصلح: اشترط الحسن - رضي الله عنه - على معاوية - رضي الله عنه - عدداً من الشروط وهي: 1) أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وبسيرة الخلفاء الصالحين (¬4). ¬
2) أن يكون الأمر للحسن - رضي الله عنه - من بعده، وليس لمعاوية - رضي الله عنه - أن يعهد به إلى أحد (¬1). 3) أن يترك سب أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - والقنوت عليه بالصلاة وأن لا يذكره إلا بخير (¬2). 4) يسلم ما في بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف للحسن، وله خراج فسا ودرابجرد (¬3)، وأن يقضي معاوية - رضي الله عنه - ديون الحسن - رضي الله عنه - (¬4). 5) أن لا يأخذ أحداً من أهل العراق بإحنة، وأن يؤمن الأسود والأحمر ويحتمل ما يكون من هفواتهم، وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم (¬5). فأجابه معاوية - رضي الله عنه - وأعطاه ما سأل، وكان ببيت المال سبعة آلاف ألف درهم فاحتملها الحسن - رضي الله عنه - وتجهز هو وأهل بيته إلى المدينة وكفَّ معاوية - رضي الله عنه - عن سبِّ علي - رضي الله عنه - والحسنُ يسمع، وأجرى معاوية - رضي الله عنه - على الحسن - رضي الله عنه - كل سنة ألف ألف درهم وعاش الحسن - رضي الله عنه - بعد ذلك عشر سنين، (¬6) وقال السيوطي: كان عطاء الحسن - رضي الله عنه - من ¬
معاوية - رضي الله عنه - في كل سنة مائة ألف (¬1). وكان هدف الحسن بن علي - رضي الله عنه - من مصالحة معاوية حقن دماء المسلمين، لعلمه أنه لا تغلب طائفةٌ الأخرى حتى تذهب أكثرها (¬2)، وهذا ما قاله لما تم الصلح بشروطه، فقد برز الحسن - رضي الله عنه - بين الصفين وقال: إني قد اخترت ما عند الله وتركت هذا الأمر لمعاوية، فإن كان لي فقد تركته لله وإن كان له فما ينبغي أن أنازعه ثم قرأ: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} الأنبياء /111، وكبر الناس فرحاً واختلطوا من ساعتهم وسُمِّيت سنة الجماعة وتمت الخلافة لمعاوية - رضي الله عنه - من يومئذ (¬3). وكان يقول بعد ذلك: «قد كانت جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -» (¬4). وكان خلع الحسن - رضي الله عنه - نفسه من الولاية وتسليم الأمر لمعاوية - رضي الله عنه - في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين (¬5) , وقيل في جمادى الأولى (¬6) , فكانت خلافته خمسة أشهر ونحو نصف شهر وقيل سبعة أشهر وعشراً، وكان في خلعه نفسه وتسليم الأمر لمعاوية - رضي الله عنه - ظهور معجزتين للنبي - صلى الله عليه وسلم - إحداهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حقه: «ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (¬7) فكان الأمر كذلك , والثانية: أنه حسب يوم تسليمه فكان تمام ثلاثين سنة وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الْخِلافَةُ فِي أُمَّتي ثَلاثُونَ سَنَةً ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ» (¬8). ¬
ما يستخلص من مجمل الأحداث في عهد الحسن بن علي رضي الله عنهما
توفي مسموماً بعد خلعه في المدينة في شهر ربيع الأول سنة خمسين للهجرة، عن سبع وأربعين سنة، وقيل سنة تسع وأربعين، وقيل سنة إحدى وخمسين (¬1)، وقيل إن زوجته جعدة بنت الأشعث سمته فمات من حيث إن يزيد بن معاوية وعدها أن يتزوجها إن سمته ففعلت ولم يف لها (¬2). ما يستخلص من مجمل الأحداث في عهد الحسن بن علي رضي الله عنهما: إن قراءة الأحداث في عهد الحسن بن علي - رضي الله عنه - تؤكد بجلاء نفس النتائج التي يمكن استخلاصها من عهد سيدنا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -؛ وهي أن وحدة الخلافة أمر لم يكن يقبل المساومة لديهم، لأنه لو وسعهم أن يقبلوا تعدد الخلافة لما أريقت كل تلك الدماء من أجل أن يكون الأمر لواحد منهم فقط، ولكانوا قبلوا تقاسم الحكم بينهما، سواء في عهد علي أو في عهد الحسن - رضي الله عنه -، ثم إنَّ مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي - رضي الله عنه - وأنَّ الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، دليل شرعي آخر على ذم الفرقة وذم تعدد الخلافة، ولهذا سمي هذا العام بعام الجماعة لعودة الخلافة تحت راية واحدة وعودة الجهاد ليأخذ مجراه الطبيعي ضد الكفار، ولتستأنف الفتوحات بعد أن توقفت فترة طويلة، كما أنَّ مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الصلح رغم أنه كان لصالح معاوية ورغم أنه أخرج الخلافة من خلافة النبوة إلى الملك، دليل على أن التغيير الذي حصل في أسلوب تولي الخليفة للخلافة، لصالح وحدة الخلافة والابتعاد عن الفتن والاقتتال والخلاف، هو أمر مشروع بل هو أمر مطلوب، من باب دفع أعظم المفسدتين؛ فتولي الخلافة بالسيف مفسدة ولا شك، وخاصة إذا كانت الأمة موحدة وكان هذا ممن لم تتوفر فيه شروط الخلافة، ولكن مفسدة الفرقة والاقتتال بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة أعظم ضرراً وأشد خطراً. ¬
خارطة المد الإسلامي عبر العصور حتى سنة 751 م اللون البني الغامق: الخلافة في عصر النبوة (622 - 632) - اللون البني الفاتح: الخلافة في عصر الخلفاء الراشدين (632 - 661) اللون البيج: الخلافة في عصر الأمويين (661 - 751).
الفصل الثاني الشروط والواجبات ونظرية الضرورة
الفصل الثاني الشروط والواجبات ونظرية الضرورة ويتضمن ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: الشروط الواجب توفرها في الخليفة. - المبحث الثاني: واجبات الخليفة والأحكام المنوطة به. - المبحث الثالث: نظرية الضرورة.
المبحث الأول: الشروط الواجب توفرها في الخليفة
المبحث الأول: الشروط الواجب توفرها في الخليفة سأبحث تحت هذا العنوان ما يجب أن يتوفر في الخليفة من شروط، وما هو من صفات الأولويَّة والتفضيل له على غيره، وإن لم يشترطها كثير من المذاهب. لقد تباينت الآراء والمذاهب الإسلامية في تحديد هذه الشروط، وسبب ذلك - كما قال الغزالي (¬1) - أنه لم يَرِد النصُ من شرائط الإمامة في شيءٍ إلا في النسب، إذ قال - صلى الله عليه وسلم -: «الأئمة من قريش» (¬2)، فأمَّا ما عداه فإنَّما أُخِذَ من الضرورة والحاجة الماسة في مقصود الإمامة إليها، كما شرطنا العقلَ والحرية وسلامةَ الحواس والنجدة والورع، فإنَّ هذه الأمور لو قُدِّر عدمُها لم ينتظم أمرُ الإمامة. وعلى كلٍ فقد جعل ابنُ خلدون والبغدادي (¬3) هذه الشروط ................................... ¬
أربعة (¬1)، وجعلها الباقلاني خمسة (¬2)، وجعلها الماوردي سبعة (¬3)، وذكر الآمدي أن المتفق عليه منها ثمانية (¬4)، ومنهم من اشترط أكثر من ذلك (¬5)، وإن انحصر الخلاف الجوهري والأساس بين السُّنَّة والشِّيعة، وأهم ما اختلف فيه الشِّيعة عن غيرهم قولهم بالنصِّ على الإمام والعصمة، بينما قال غيرهم بالاختيار والبيعة (¬6). وبالمجمل فإنَّ هناك شروطاً اتفق عليها الجميع بلا استثناء (¬7)، كما أن هناك شروطاً اختُلِف فيها، ودليل الخلاف ضعيف لا يُعتمد عليه، وشروطاً اختُلِف فيها، والخلاف مبني على الدليل، وسأُبيِّن كلاً منها بحول الله تعالى وعونه. هذا يعني أن البحث سيكون مقسَّماً إلى ثلاثة أقسام؛ الأول: الشروط المتفق عليها بإطلاق، والثاني: الشروط المختلف فيها، وأساس الخلاف يستند إلى دليل غير قوي أو لا دليل له إطلاقاً، مما يجعله قريباً من القسم الأول، والثالث: الشروط المختلف فيها بناءً على أدلة لها قوتُها. - أما المتفق عليه بإطلاق من الشروط فهي شرطان: أن يكون مسلماً عاقلاً. ¬
الشروط المتفق عليها
- وأما المختلف فيها من الشروط والخلاف غير مبني على دليل قوي فهي تسعة شروط؛ الثلاثة الأُولى منها لا عبرة برأي من لم يشترطها وهي: أن يكون ذكراً بالغاً، سليم الحواس والأعضاء إلى درجةٍ ما تُمَكِّنُه من القيام بمهام الخلافة، والستة الأخيرة منها لا عبرة برأي من اشترطها وهي أن يكون: هاشمياً، معصوماً، منصوصاً عليه، من نسل الحسن والحسين، صاحب كرامات، وأن يخرج داعياً إلى نفسه. - وأما المختلف فيها من الشروط بناءً على الدليل فهي ثمانية شروط: أن يكون قرشياً، مجتهداً، سليم الحواس والأعضاء تماماً، كفؤاً قادراً على القيام بأعباء الخلافة (بأن يكون قوي القلب شجاعاً قادراً على تأمين السبل وإنصاف المظلومين ... الخ)، عدلاً، عالماً، أفضل أهل زمانه، وأجمعت الأمة عليه. أما الشروط المتفق عليها فهي: 1 - الإسلام: إذ هو الشرط الذي لا يمكن أن يُخْتلف فيه، فلا يعقل أن يكون على رأس السلطة في الأمة الإسلامية من يكونُ كافراً غيرَ مسلم. ولا يجوز للأمة بأي حالٍ أن تقبل بأن يتربع على رأس الهرم السلطوي فيها كافرٌ، لأنَّ الناس على دين ملوكهم (¬1) وكيف يحافظ الكافرُ على الإسلام الذي هو دين الجماهير طالما كان لا يؤمن به! بل إِنْ تَوَلَّى السُلطةَ والخلافةَ مسلمٌ ثم كفر بعد ذلك انحل وبطل عقد الإمامة له ووجب خلعه، إذ الكفر من الأسباب الموجبة لخلع الحاكم (¬2)، ويشمل هذا الحكمُ الكافرَ الأصلي أو من كفر بعد إسلام، أو مَنْ كان مِنْ أهل الكتاب، فلا يُقبَل أن يتولى أمرَ المسلمين مسيحيٌ أو يهوديٌ أو وثنيٌ أو غيرُ ذلك وهذا هو رأي ¬
المتكلمين من أهل السنة (¬1)، والحنفية (¬2) والمالكية (¬3) والشافعية (¬4) والحنابلة (¬5) والظاهرية (¬6) والمعتزلة (¬7) والزيدية (¬8) والإمامية (¬9)، بل لا يقبل تولية الكافر حتى على كافر مثله، كما قال الخطيب الشربيني (¬10). وإنَّه لَمِنَ المؤلم ألا يكون هذا الشرط عند بعضهم واضحاً مُسَلَّماً به، وهذا دليلٌ على مدى ضعف المسلمين وبُعدِهم عن دينهم في هذا العصر، إذ رغم إطباق المسلمين بكل طوائفهم ومذاهبهم على هذا الشرط نجد في بعض بلاد المسلمين من يتولى شؤونَها مِنْ غير المسلمين، وهذا لم يظهر إلا بعد سقوط الخلافة العثمانية، وما كان يتجرأ غيرُ المسلم على مجرد التفكير بأن يتولى شؤونَ المسلمين بنفسه أو من وراء الكواليس. إنَّ الخلافةَ منصبٌ ديني نشأ وقوي في ظل الدين، وهو بهذا يختلف عن المُلك أو الزعامة التي تدل على قيادة ما، تستند إلى أي شيء إلا إلى الدين، وهذا كلام منطقي فالقيادة التي لا تستند إلى دين ليست منصباً دينياً، أما الخلافة بمعناها الاصطلاحي فسواءً أكانت خلافةً راشدةً قريبةً جداً من الكمال النبوي، أو كانت أقلَ ¬
2 - العقل
من ذلك، فهي من صميم الدين، ولكن بشرط أن تظل ترنو ببصرها نحو كتاب الله وسنة رسوله كقدوةٍ ومنهاجِ عمل، حتى ولو فشلت في تطبيق بعض صور هذا الاقتداء، ولا يمكن أن تكون القيادةُ هذا حالُها ما لم تكن مُسلمةً، فلهذا كان الإسلام شرطاً متفقاً عليه، ولهذا كان شرطَ انعقاد أي لا تنعقدُ الخلافة أصلاً عند فقده، وتكون باطلة لاغية لا قيمة لها. وأما دليل هذا الشرط فقوله - عز وجل -: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} النساء/141. وقوله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ْ} النساء/59. وقوله - عز وجل -: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} النساء/83. وانعقد الإجماع على هذا الشرط. وممارسةُ هذا الشرط وتطبيقُه منذ وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى انْهِيار الخلافة العثمانية ثم بَعْدها في كثيرٍ من البلدان الإسلامية والغالبِ الأعظمِ فيها هُوَ خيرُ دليلٍ على ذلك. 2 - العقل: وهو شرط بَدَهيٌ، إذ لا يعقلُ تولي مجنون قيادةَ شيء فضلاً عن قيادة أمة، ومن الناحية الشرعية فالمجنون غير مكلَّف ويكون في ولاية غيره فلا يلي أمر المسلمين، ولهذا كان العقلُ شرطَ انعقاد، اشترطه جميع المتكلمين من أهل السنة (¬1). لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «رفع القلم عن ثلاثة: ... وعن المجنون حتى يفيق» (¬2)، ¬
الشروط المختلف فيها ولا قيمة للخلاف فيها
وهو رأي الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) والظاهرية (¬5) والإمامية (¬6) والزيدية (¬7) والمعتزلة (¬8). وإذا جنَّ الخليفة جنوناً مطبقاً بعد مبايعته انحل عقد الإمامة وبطل (¬9). وأما الشروط المختلف فيها ولا قيمة للخلاف فيها لضعف الدليل أو عدمه فهي لذلك قريبة جداً من الشروط المتفق عليها فهي: 1 - الحرية: اشترط هذا الشرط المتكلمون من أهل السنة (¬10)، والحنفية (¬11) والمالكية (¬12) ¬
2 - الذكورة
والشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) والزيدية (¬3)، وهو رأي الإمامية (¬4)، والمعتزلة (¬5) والإباضية (¬6)، لأنَّ العبدَ مملوكٌ لسيِّده مشغول بخدمته، ولا يملك التصرف بنفسه فلا يملكه بغيره، ولأنَّ العبودية مظنّة احتقار الناس له، وما ورد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اسمعوا وأطيعوا وإن أُمِّر عليكم عبد حبشي» (¬7) فمحمول على غير الإمامة العظمى، وهذا الشرط فَقَدَ أهميتَه بزوال الرق، وإنْ لعب دوراً هامَّاً في عصر المماليك في وقت ما. وجَوَّز توليةَ العبد الخوارجُ (¬8) والإباضيةُ عند الضرورة (¬9)، وجوَّزه النووي عند التغلب (¬10). 2 - الذكورة: اشترط هذا الشرط جميع المذاهب والطوائف الإسلامية وجعلوه شرطَ انعقاد، لا تصح الخلافة عند فقده (¬11)، وهو رأي ¬
الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) والظاهرية (¬5) والإمامية (¬6) والزيديَّة (¬7) والمعتزلة (¬8). وخالف في هذا الشبيبيةُ من الخوارج ولا حُجَّة لهم، فقد قالوا بجواز إمامة المرأة بعد مقتل قائدهم شبيب بن يزيد الخارجي، وتنصيب أمه غزالة إماماً عليهم ثم جهيزة زوجته!!، رغم أنهم أنكروا على عائشة رضي الله عنها خروجها إلى البصرة (¬9). وهذا الشرطُ مما يتناولُه الناسُ في الندوات والمجالس، محاولين الطعن في الدين من خلاله، لأنه لا يعطي - حسب زعمهم - للمرأة حقها السياسي الكامل، وليس في هذا الشرط نقصٌ من مكانة المرأة، فمنصب الخلافة لا يتناسب مع تكوينها العاطفي وضعفها الجسدي، وربما جعلها محل طمع فيها وفي الخلافة ¬
3 - البلوغ
ذاتها، ولأنَّ منصب الخلافة تُناطُ به أعمالٌ خطيرةٌ وأعباءٌ جسيمةٌ تتنافى مع طبيعة المرأة وتفوق طاقتها، فالإمام يتولى قيادة الجيوش، ويشترك في القتال بنفسه أحياناً، كما أنَّ الإمام لا يستغني عن الاختلاط بالرجال والمشاورة معهم في الأمور والمرأة ممنوعة من ذلك، واقرأ كيف كان يصف بعض الملوك من غير المسلمين مَنْ حَكَمَ مِن النساء قَبْلَهُ بالضعف، كتلك الرسالة التي بعثها نقفور إلى هارون الرشيد قائلاً فيها: «أما بعد، فإن هذه المرأة وضعتك موضع الشاه، ووضعت نفسها موضع الرخ، وينبغي أن تعلم أني أنا الشاه وأنت الرخ فأدِّ إلي ما كانت المرأة تؤدي إليك» (¬1). واستدل الجمهور بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لن يفلح قوم ولَّوا أمرَهم امرأة» (¬2)، ونقل القرطبي الإجماع على ذلك (¬3). 3 - البلوغ: يكاد يكون هذا الشرط مُجمعاً عليه، فقد اشترطه جمهور المتكلمين من أهل السنة (¬4) وجعلوه من شروط الانعقاد، فلا تصح البيعة للخليفة إذا لم يكن بالغاً، وهذا رأي الحنفية (¬5) والمالكية (¬6) والشافعية (¬7) ¬
والحنابلة (¬1)، والإمامية (¬2) والزيدية (¬3) والظاهرية (¬4)، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «رفع القلم عن ثلاثة: ... وعن الصبي حتى يدرك» (¬5)، ومن رفع عنه القلم لا يصح أن يتصرَّف في الأمور، ومن لا يلي أمر نفسه لا يلي أمر غيره، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «تعوذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان» (¬6). هذا وورد عن الإماميةُ أنهم أجازوا إمامة الصغير واستدلوا على ذلك بحديث رووه في (الكافي) عن الكناسي قال سألت أبا جعفر عليه السلام فقلت: جعلت فداك أكان علي عليه السلام حجة من الله ورسوله على هذه الأمة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: نعم يوم أقامه للناس ونصبه علماً ودعاهم إلى ولايته وأمرهم بطاعته. قلت: وكانت طاعة علي عليه السلام واجبة على الناس في حياة رسول الله وبعد وفاته؟ فقال: نعم (¬7). وقد تولى الجوادُ - أحد الأئمة الإثني عشر الإمامةَ وهو صغير، ومن قال بإمامة أبي جعفر محمد بن علي بن موسى بعد وفاة أبيه وكان عمره سبع سنين قال بجواز تولي الصغير الإمامة (¬8). وأجازها الحنفية للضرورة شكلاً فقط وليس حقيقة (¬9). وأجازها الصوفي، ¬
4 - أن يكون سليم الحواس والأعضاء إلى درجة ما
وردَّ عليه الزركشي (¬1). 4 - أن يكون سليم الحواس والأعضاء إلى درجة ما: بحيث يتمكن من القيام بمهام الخلافة كسلامة البصر والسمع والنطق واليدين والرجلين، وقد اشترط ذلك جمهور أهل السنة (¬2)، والحنفية (¬3) والمالكية (¬4) والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6)، والزيدية (¬7) والإمامية (¬8) والإسماعيلية (¬9) والإباضية (¬10). وذهب أبو علي الجبائي من المعتزلة (¬11) وبعض الفقهاء - كابن حزم - إلى أنه لا يشترط ذلك، فلا يضرُّ الإمامَ عندهم أن يكون في خَلْقِه عيبٌ جسديٌ أو مرضٌ مُنفِّرٌ، كالعمى والصمم وقطع اليدين والرجلين والجدع والجذام، إذ لم يمنع ذلك قرآنٌ ولا سنةٌ ولا إجماعٌ (¬12). 5 - عدم اشتراط أن يكون الإمام هاشمياً: ¬
أي من أولاد هاشم بن عبد مناف، والحديث عن هذا الشرط يُدخِلُنا في واحدٍ من أهم نقاط الخلاف بين السُّنَّة والشِّيعة، كما أن الحديث عنه يعني الحديثَ عن شرعيةِ خلافةِ الخلفاء الثلاثة الأُول أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -، إذ لم يكن واحد منهم هاشمياً وإن كانوا جميعاً من قريش، وهذا الشرط رفعه الشِّيعة في وجه من خالفهم في قولهم إنَّ الخلفاء الثلاثة اغتصبوا الخلافة من الإمام علي - رضي الله عنه -!! وسأَعرض رأيَ أهل السُّنَّة أولاً ثم أذكر رأي الشِّيعة ودليلهم: 1 - فقد قال المتكلمون من أهل السُّنَّة (¬1)، والحنفية (¬2) والمالكية (¬3) والشافعية (¬4) والحنابلة (¬5)، جميعهم قالوا بعدم اشتراط كون الخليفة هاشمياً؛ لأن الثلاثة الأُول من الخلفاء الراشدين لم يكونوا من بني هاشم ولم يطعن أحدٌ من الصحابة في خلافتهم فكان ذلك إجماعاً في عصر الصحابة، ولمخالفته ظواهر الإطلاق من النصوص الدالة على القرشية. 2 - واشترط الشِّيعة أن يكون الأئمة من بني هاشم خاصة، واختلفوا في أيِّ بني هاشم على مقالات (¬6): فقال الراوندية: في العباس بن عبد المطلب وفي ولده لا تكون في غيرهم (¬7). ¬
6 - عدم اشتراط العصمة
وقال الإمامية: هي في علي - رضي الله عنه - وولديه الحسن والحسين رضي الله عنهما، ثم في ولد الحسين دون الحسن إلى آخر العالم، لا تكون في غيرهم (¬1). وقال الإسماعيلية: لا يكون أحد إماماً إلا من أولاد علي من فاطمة وهما: الحسن والحسين رضي الله عنهما , ثم في أولاد الحسين لا في أولاد الحسن , ثم في أولاد إسماعيل لا في أولاد أحدٍ غيره (¬2). وقال الزيدية باشتراط أن يكون الإمام عَلَوياً فاطمياً، وأجازوها في أولاد الحسن - رضي الله عنه - خلافاً للإمامية والإسماعيلية (¬3) ووافقهم المعتزلة (¬4). وهناك أقوال أخرى عن فِرَقٍ من الغلاة (¬5). 6 - عدم اشتراط العصمة: لم يشترط العصمةَ جميعُ أهل السُّنَّة من المتكلمين (¬6) ¬
والحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) والظاهرية (¬5) وغالب الزيدية (¬6) والخوارج (¬7) والمعتزلة (¬8). واشترطها للإمام الشِّيعةُ الإمامية (¬9) .......................................................................... ¬
والإسماعيلية (¬1) وبعض الزيدية (¬2) قياساً على النبوة، وهي عندهم لطفٌ يمنع من يختص بها عن فعل المعصية مع قدرته عليها، ويقصدون العصمة عن الذنوب كبيرها وصغيرها، وعن الخطأ والنسيان (¬3)، ومعناها: أنَّ أهل البيت - الذين منهم تكون الخلافة - يتمتعون بالتوفيق الإلهي والإلهام، وهو غير الوحي الخاص بالأنبياء، فهم يفسِّرون الشريعة ويجتهدون (¬4)، ومن ثَمَّ فقد جعلوا النبوة ممتدة في الإمامة، وجعلوا طبيعة سلطة الإمام دينيَّة إلهية لا مدنيَّة. وقالوا: إنَّها شأن من شؤون السماء، حددت فيها ذوات الأئمة والوصيَّة والميراث، ولا شأن للبشر في شيء من ذلك (¬5). واستدل الإمامية على عصمة الأئمة بدليل عقلي وآخر نقلي: أما الدليل النقلي فقوله - عز وجل -: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} البقرة/124. فدلَّت هذه الآية على أمرين: الأول: أنَّ نَصْب الإمام من قِبَلِ الله - عز وجل -، والثاني: عصمة الإمام لأن المذنب ظالمٌ ولو لنفسه (¬6). وأما الدليل العقلي: فهو أنَّ عدم افتراض العصمة يؤدي إلى التسلسل أو الدور، أما التسلسل فإن الخطأ يقع من البشر، ولا يمكن رفع الخطأ الممكن إلا ¬
7 - عدم اشتراط النص على الإمام
بالرجوع إلى المجرَّد من الخطأ وهو المعصوم، فلو جاز الخطأ على الإمام لاحتيج إلى إمام آخر، فإن كان معصوماً وإلا لزم التسلسل، وأما الدور فلحاجة الإمام إذا لم يكن معصوماً للرعية لترده إلى الصواب مع حاجة الرعية إلى الاقتداء به (¬1). كما ربطوا اللُّطف بالعصمة فقالوا لأن الإمام إذا لم يكن معصوماً لم يحصل به المقصود من اللُّطف (¬2). وأول من ابتدع القول بالعصمة هو عبد الله بن سبأ اليهودي (¬3) الذي أظهر الإسلام وأراد فساد دين الإسلام، كما أفسد بولص دين النصارى، وقد أراد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قتْلَه لما بلَغَهُ أنَّه يسبُّ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما حتى هرب منه (¬4). ولا حاجة بالنبوة لأي امتداد لها، فقد كَمُلت الشريعة بنزول قوله - عز وجل -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} المائدة/آية 3. وقد ردَّ أهل السُّنَّة على اشتراط هذا الشرط بردود عديدة (¬5). وكل من قال بالاختيار لم يَقُل بالعصمة لأنَّ الاختيار يكون من أناسٍ غيرِ معيَّنين، ولا يمكن أن يكونوا جميعاً معصومين، لذا ارتبط القول بالعصمة مع القول بالنصِّ على إمامٍ بعينه (¬6). 7 - عدم اشتراط النصِّ على الإمام: اختلفت المذاهب حول مسألة النصِّ على الإمام إلى اتجاهين رئيسين (¬7)؛ اتجاهٌ قال بأنَّ تحديد الإمام يكون بالاختيار أو بالتغلب أو بالنصِّ، وهو رأي جمهور أهل ¬
السُّنَّة ومن معهم (¬1)، واتجاهٌ قال إن تحديد الإمام لا يكون إلا بالنصِّ ولكن اختلفوا إلى فرقتين: العباسية أو الراوندية (¬2)، والإمامية (¬3). وأما البكرية (¬4) ومن معهم - كابن حزم (¬5) - فيمكن تصنيفهم مع القائلين بالاختيار لأنهم قالوا بالنصِّ على أبي بكر - رضي الله عنه - فقط وليس لهم قولٌ فيمن بعده. وبانقراض البكرية والعباسية - أو الراوندية - انحصر الخلاف بين جماهير أهل السُّنَّة وبين الشِّيعة الإماميَّة واستمر إلى اليوم، وهو يعتبر حداً فاصلاً بين الطرفين، فمن قال إن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار قال بإمامة كلِّ من اتفقت عليه الأمَّة، وخاصَّة الخلفاء الراشدين الثلاثة الأُول، وقال بإمامة معاوية - رضي الله عنه - وأولاده، وبعدهم بخلافة مروان بن الحكم وأولاده، ومن قال: إنَّ الإمامة لا تكون إلا بالنصِّ وهي في علي - رضي الله عنه -، وألغوا الشورى من أصلها، فَهُمْ من المشكِّكِين بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -، المناهضين لحكم بني أمية الدَّاعين للثورة عليهم (¬6). فمحصِّلة الأقوال في المسألة أربعة: ¬
1) ذهب إلى القول: إن التعيين للإمام لا يثبت بالنصِّ فقط بل بالاختيار والتغلب أيضاً جمهورُ أهل السُّنَّة (¬1)، والسليمانيَّة (أو الجريرية) (¬2)، والصالحية (أو البترية) (¬3) من الزيدية (¬4)، وسائر الزيدية بعد الأئمة الثلاثة علي وابنيه - رضي الله عنهم - ولكنَّهم يحصرونها في أولاد فاطمة (¬5) - ¬
والمعتزلة (¬1) ومن قال بوجوب الإمامة من الخوارج كالمُحَكِّمة (¬2). 2) وذهب إلى القول بالنصِّ على الإمام - دون الاختيار- وأنَّ المنصوص عليه هو الإمام علي - رضي الله عنه - الإماميةُ (¬3) وقالوا: إن النص مستمر بعده إلى الإمام الثاني ¬
عشر، والإسماعيليَّةُ (¬1) وقال بعضهم: انقطع النص عند الإمام السابع، بينما استمر لدى بعضهم الآخر، والنظَّام من المعتزلة (¬2)، وقالوا: بتواتر النصَّ على خلافة علي - رضي الله عنه - (¬3) وأن هذا فرض من الدين وأنَّ أكثر الصحابة ارتدُّوا!!، وأن أبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - ضُلالٌ فاسقون وفي النار مخلدون (¬4). ولكن تختلف الإسماعيليَّة عن الإماميَّة - الذين تنتقل الإمامة عندهم من الإمام والقائم بالأمر إلى مَن بعده باللفظ والإشهاد - بأنها تنتقل عندهم من الآباء إلى الأبناء فالقول بأنَّ الإمامة عندهم بالوراثة، أولى من القول بالتنصيص (¬5). وقد تخطَّت الإمامية القولَ بالنصِّ على الإمام علي - رضي الله عنه - إلى الوقيعة في كبار الصحابة تفسيقاً وتكفيراً، رغم شهادة القرآن لهم بالعدالة، والآيات التي شهدت لهم ¬
بالعدالة أكثر من أن تحصى، كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} التوبة/100. (¬1) أما الجارودية من الزيدية فقد اختلفت الرواية عنهم فمنهم من قال: إنهم قالوا بالنصِّ الخفيِّ في الأئمة الثلاثة علي وابنيه - رضي الله عنهم - فقط، وأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نصَّ على علي - رضي الله عنه - بالوصف دون التسمية، وهو الإمام بعده، والناس كفروا بمخالفته وترْكِهم الاقتداءَ بعلي - رضي الله عنه - بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -!! وقد خالفوا بهذا رأي إمامهم زيد بن علي فإنه لم يعتقد هذا الإعتقاد (¬2)، ومنهم من قال: إن الجارودية ترددوا بين القول بالنص المتواتر الجلي أو الخفي (¬3)، وأما بعد علي - رضي الله عنه - وابنيه فقالوا: الإمامة شورى في أولاد الحسن والحسين (¬4)، أما السليمانية والصالحية فقائلون بالشورى في الجميع كما مرَّ (¬5). 3) وقالت البكرية أتباع بكر بن أخت عبد الواحد (¬6): إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصَّ على أبي بكر إشارةً وهذا رأي جماعة من الحنابلة - ومنهم ابن تيمية (¬7)، ورواية عن ¬
الإمام أحمد، وأبو عبد الله بن حامد شيخ الفرَّاء، وبعض أصحاب الحديث (¬1)، وقد صرَّح الحسن البصري (¬2) بهذا عندما أرسل عمر بن عبد العزيز إليه ليسأله إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استخلف أبا بكر - رضي الله عنه -، فاستوى جالساً وقال: إي والذي لا إله إلا هو استخلفه، وهو كان أعلم بالله تعالى، وأتقى لله تعالى من أن يتوثب عليهم لو لم يأمره (¬3)، وهو رأي المحب الطبري (¬4)، والكرَّامية (¬5) وبعض الخوارج (¬6) والظاهرية (¬7) والهيتمي (¬8). 4) وقالت الراونديَّة أو العباسية (¬9)، والزيدية - أتباع القاسم بن زيد - (¬10) بالنصِّ على العبَّاس، إما نصاً جلياً كما قال جماعة منهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصّ على العباس بعينه واسمه، وأعلن ذلك وكشفه وصرَّح به، وأنَّ الأمة جحدت هذا النصَّ، وارتدَّت وخالفت أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عناداً!!. وإما نصاً خفياً كما قال جماعة منهم: إنَّ النصَّ على العبَّاس وولده من بعده إلى أن تقوم الساعة، يعني هو نصٌّ خفي. وقد نشأت هذه الطائفة في صدر الدولة العباسية، وناصرهم الجاحظ في ¬
رسالة سماها (العباسية) ثم انقرضت هذه الطائفة في زمن يسير. الأدلة في مسألة النص على الخليفة: استدل النافون للنص بأدلة كثيرة منها: أ- ما يقوله الأشعري (¬1) والباقلاني وغيرهما بأن «النصَّ على الإمام لو كان واجباً على الرسول - صلى الله عليه وسلم - لبيَّنه على وجه تعلمه الأمة علماً ظاهراً لا يختلفون فيه، ولو وُجد النص لنقلته الأمة بالتواتر، وما روي في هذا إنَّما هو أخبار آحاد من جهة الروافض وليست لهم معرفة بشروط الأخبار ولا رواتهم ثقات، وبإزائها أخبار أشهر منها في النصِّ على غير من يَدَّعون النصَّ عليه وكلٌّ منها غيرُ موجب للعِلم» (¬2). ب- ما رواه البخاري أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خرج من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: «يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئاً. فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاثٍ عبدُ العصا، وإني والله لأرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، اذهب بنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَلْنسْأَلْهُ فيمن هذا الأمر، إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا. فقال: علي - رضي الله عنه - إنا والله لئن سألناها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده وإني والله لا أسألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (¬3). ت- ما جرى من أحداث يوم السقيفة يدل بشكل قاطع على أنه لا نصَّ في الخلافة لأحدٍ من الصحابة وإلا لكان حَسَم الخلافَ بينهم. ¬
ث- أتت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - امرأةٌ فكلمتْه في شيء فأمرها أن ترجع إليه قالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تريد الموت. قال: «إن لم تجديني فأتي أبا بكر» (¬1). ج- وحديث رؤياه - صلى الله عليه وسلم - البئر والنزع فيها (¬2). وهذا الدليل - والذي قبله - ينفي النص على علي - رضي الله عنه - خاصة. ح- وقد أمر الله بالشورى، والشورى لا تكون عند وجود النص. قال - عز وجل -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} آل عمران/159. وقال - عز وجل -: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} الشورى/38. وفي الحديث: «ما خاب من استخار ولا ندم من استشار» (¬3)، وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: «لم يكن أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (¬4). ولم يتولَّ واحدٌ من الخلفاء الراشدين الحكمَ بغير الشورى. قال عمر - رضي الله عنه -: «من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له ولا الذي بايعه» (¬5). ¬
خ- ومن الأدلة على بطلان النص (¬1): أن الكلام في الإمامة جرى أمام سيدنا علي - رضي الله عنه - في أوقات مختلفة، فمنها يوم السقيفة عندما عقدوا الخلافة لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، ومنها استخلاف أبي بكر لعمر رضي الله عنهما، ومنها حين جعل عمر - رضي الله عنه - الأمر شورى بين ستة، ومنها حين قتل عثمان - رضي الله عنه - وبويع علي - رضي الله عنه - بالشورى، وحين حُكِّم الحكمان بين علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه -، ولم يَدَّع سيدنا علي في وقت من هذه الأوقات أنه منصوص عليه من جهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلو كان يعرف نصَّاً لأظهره، ولقاتل عليه من خالفه، ولا يقال إن علياً - رضي الله عنه - لم يقاتل خوف الفتنة، لأنه قاتل في زمن معاوية وقتل في الحرب الخلق الكثير، وقاتل طلحة والزبير وعائشة - رضي الله عنهم - حين علم أن الحق له، ولم يترك ذلك لسبب الفتنة، كما لا يقال إنه لم يقاتل لعجزه عن القتال، لأن الذين نصروه في زمن معاوية كانوا على الإيمان يوم السقيفة ويوم استخلاف عمر ويوم الشورى، فلو علموا أن الحق له لنصروه. ثم إن هذا النص الذي يدَّعونه لا يخلو إما أن يكونوا عرفوه عقلاً أو خبراً، ولا يمكن أن يكون طريقه العقل لأنه ليس في العقل ما يدل على تنصيص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إنسان بعينه، وإن قالوا عرفناه خبراً فلا يخلو إما أن يكون خبراً متواتراً أو آحاداً، فإن ادعوه خبراً متواتراً فهو محال لأنه لو كان متواتراً لما خفي إلى يومنا هذا كما لم يَخْفَ تجهيز جيش أسامة وتولية معاذ اليمن، وكما لم يَخْفَ نصب أبي بكر إماماً واستخلافه لعمر رضي الله عنهما، ولأنا لو جوزنا انكتام مثل هذا الأمر الظاهر لجوزنا أن يكون القرآن قد عورض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم كتم، وكلُّ أصلٍ في الإمامة يوجب بطلان النبوة كان محالاً (¬2)، وإن قالوا عرفناه بخبر الآحاد، قلنا يعارضه أخبار آحاد في النص على أبي بكر - رضي الله عنه -، وإذا تعارضت الآحاد سقط الاستدلال بها، وإن قالوا بالنص الخفي قلنا ببطلانه بإجماع الصحابة على خلافه، إذ لو وجد نصٌّ لما خالفوه، كما لم يخالفوا أبا بكر - رضي الله عنه - يوم السقيفة في روايته حديث: «الأئمة من قريش» (¬3). ¬
د- وقال الزيدية في إبطال النص: «ومن أوضح دليل على إبطال ما يدعون من النص على اثني عشر إماماً اختلافهم عند موت كل إمام في القائم بعده» (¬1). وقد استدل القائلون بالنص على الإمام علي - رضي الله عنه - بأدلة منها: أ- قوله - صلى الله عليه وسلم - حينما دعا أقرباءه الأدنين وعشيرته الأقربين فقال: «هذا أخي ووصيي وخليفتي فاسمعوا له وأطيعوا» وهو يومئذ صبي لم يبلغ الحلم (¬2). ب- وأخذ له البيعة بإمرة المؤمنين يوم غدير خم: «ألا من كنت مولاه فهذا (علي) مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأَدِر الحق معه كيفما دار» (¬3). ¬
ت- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي» (¬1). ج- وقوله - عز وجل -: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} سورة المائدة/55. وقد نزلت فيه عندما تصدَّق بالخاتم وهو راكع (¬2). ح- واستدلوا أن الإمام يجب أن يكون واجب العصمة، وأن يكون أفضل الخلق كلهم، وأن يكون أعلم الأمة كلهم، وأن يكون مسلماً بينه وبين الله، ولا اطلاع لأحد من الخلق على هذه الصفات، والله تعالى هو العالم بها، وإذا كان ذلك كذلك وجب أن لا يصح نصب الإمام إلا بالنص (¬3). خ- واستدلوا بحديث طويل مروي عن الرضا فيه: « .. هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ إن الإمامة أجل قدراً، وأعظم شأناً، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً من أن تبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم ... » (¬4). وغيرها من الأدلة (¬5). وذكر ابن الهمام أدلة كثيرة للشيعة وردَّ عليها ثم قال: «فإذا ثبت عدم النَّص على علي - رضي الله عنه -؛ فإن أثبتنا نصَّه على أبي بكر ثبت حقيِّة إمامته، وإن قلنا لم ينص عليه ثبت حقيِّة إمامته أيضاً». اهـ أي بالاختيار (¬6). ¬
وقد اختصر ابن حزم الكلام في الأدلة والردِّ عليها بِرَدٍ مُجملٍ فقال: «عمدة الروافض في الاحتجاج أحاديث موضوعة مكذوبة ... ولا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم لا يصدقونها، ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدقها ... إلا أن بعض ما يشغبون به أحاديث صحاح نوافقهم على صحتها، ولكن وقع الاختلاف في معناها» (¬1). وعلى كلٍ فخلاف الإمامية حول شرط النص أصبح خلافاً تاريخياً بحتاً، بعد قولهم باختفاء الإمام الثاني عشر لتوقف العمل عندهم بالنص على الإمام التالي، وهم اليوم يختارون رؤساءهم بالاختيار لا بالنص. وقد استدل القائلون بالنص على أبي بكر بأدلة كثيرة منها: أ- حديث المرأة السائلة (¬2). ب- وحديث: «ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمنٍ ويقول قائل أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» (¬3). ج- وقد ذكر الطبري وابن الأثير (¬4) أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، عهد بالصلاة بعده أثناء أيام الشورى الثلاثة إلى صهيب، وعلَّلَ ذلك بأنَّه رجل من الموالي لا ينازعكم أمركم، وهذا فَهْمٌ منه - رضي الله عنه - أنََّ من يصلي بالناس في هذا الوقت سيُشار إليه بالبنان وكأنه سيخْلِفُ مَنْ قَبْلَهُ كما حصل مع أبي بكر - رضي الله عنه -، وهذا يدل على فهمهم لصلاة أبي بكر - رضي الله عنه - بالناس في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إشارة إلى استخلافه (¬5). ¬
8 - عدم اشتراط أن يكون من نسل الحسن والحسين (علويا)
واستند من قال بأحقية العباس بالخلافة إلى قانون الوراثة، وأن الخلافة طريقها الإرث، والعم أولى بالوراثة من أبناء البنت، فالعباس - برأيهم- أحق بالخلافة من الحسن والحسين وأبنائهما (¬1). 8 - عدم اشتراط أن يكون من نسل الحسن والحسين (علوياً): قال الزيدية والمعتزلة باشتراط أن يكون الإمام من نسل الحسن والحسين، وذلك بعد سيدنا علي والحسن والحسين (¬2) ولم يشترطه سائر المذاهب (¬3)، وقال الإمامية باشتراط أن يكون الإمام من نسل الحسين تحديداً (¬4). 9 - عدم اشتراط أن يكون صاحب كرامات: انفرد الإمامية والغلاة من الشِّيعة باشتراط ظهور المعجز على يد الإمام، أو أن ينص عليه الإمام الذي قبله والذي ظهر على يديه المعجز أيضاً (¬5)، وأن يكون عالماً بالغيب وجميع اللغات والحِرَف والصناعات وطبائع الأشياء وعجائب ما في الأرض والسماوات!! (¬6). وهو مع أنَّه لا دليل عليه باطلٌ بالإجماعِ على عقد الإمامة لمن عَرِيَ من هذه الصفات في عهد الصحابة والتابعين (¬7). ¬
10 - عدم اشتراط (الدعوة) أن يخرج داعيا إلى نفسه
10 - عدم اشتراط (الدعوة) أن يخرج داعياً إلى نفسه: اشترط ذلك الزيديَّةُ (¬1)، وبعضُ المعتزلة (كالجبائي والقاضي عبد الجبار) (¬2)، بينما قال أهل السنَّة والجماعة بأن التغلب أحد الطرق - المبنية على الضرورة - إلى الإمامة، وليس شرطاً لحصولها. وقد رُدَّ على من اشترط هذا الشرط بأن بعض الأئمة الإثني عشريَّة المعترف بإمامتهم لدى غالب طوائف الشِّيعة - كزين العابدين - لم يوجد فيهم هذا الشرط (¬3) ولكن الزيدية لم يعتبروه إماماً فلا يعتبر هذا دليلاً ضدهم. وأما الشروط المختلف فيها بناء على الدليل فهي: 1 - النسب القرشي: وأصل كلمة (قريش) فيه أقوال كثيرة؛ فقيل: نسبة إلى النَّضر بن كنانة، لأنَّ النضر بن كنانة خرج يوماً على نادي قومه فقال بعضهم: انظروا إلى النَّضر كأنَّه جملٌ قَرِيش، والقَرِيش: الشديد. وقال آخرون: أصلُ كلمة (قريش) هو من كان من ولد قريش بن بدر بن النَّضر وبه سميت قريش قريشاً، لأنَّ عِيَر بني النَّضر كانت إذا قدمت قالت العرب: قد جاءت عير قريش (¬4). ¬
وأما المقصود شرعاً بهذا النسب فهو - كما قال الجمهور (¬1) -: من كان من بني النضر بن كنانة، واستدلوا بما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنَّا ولد النضر بن كنانة لا نقفو أمنَّا ولا ننتفي من أبينا» (¬2). وبما رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغد يوم النحر وهو بمنى: «نَحْنُ نَازِلُونَ غَداً بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ يَعْنِي ذَلِكَ الْمُحَصَّبَ وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشاً وَكِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لا يُنَاكِحُوهُمْ وَلا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -» (¬3). وهذا مذهب الشافعي ومعمر بن المثنى (¬4) وأبي عبيد القاسم بن سلام (¬5)، وابن حزم (¬6)، وابن منظور (¬7)، وابن حجر (¬8) وابن قيم الجوزية (¬9). وقال آخرون: يُقصد بالنسب القرشي من كان مِنْ وَلَدِ فهر بن مالك بن النضر (¬10). ولا فرق عملياً بين القولين؛ لأن النضر لم يُعْقب غير مالك، ومالك لم يُعْقب غير فهر. ¬
قال ابن حجر: «قوله: (وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشاً وَكِنَانَةَ) فيه إشعار بأن في كنانة من ليس قرشياً، إذ العطف يقتضي المغايرة، فيترجح القول بأن قريشاً من ولد فهر بن مالك (بن النضر بن كنانة (¬1))، على القول بأنهم ولد كنانة، نعم لم يعقب النضر غير مالك، ولا مالك غير فهر، فقريش ولد النضر بن كنانة، وأما كنانة فأعقب من غير النضر فلهذا وقعت المغايرة» (¬2). وأياً كان المقصود بهذا النسب فلقد حظي هذا الشرط باهتمام جمهور العلماء عبر العصور، فقد أكد الفقهاء منذ البداية على شرط القرشية ورَوَوا أحاديث في ذلك. فمنهم من قال باعتباره شرطاً لانعقاد الخلافة، ومنهم من جعله شرطَ أفضلية، حتى جاء ابن خلدون في النهاية ليُفسِّر مبدأَ القرشية بعصبية العرب، ويُسقطه من الشروط اللازم توفرها في الخليفة لأنَّ عصبيَّة العرب قد انتهت (¬3). أما تفصيل آراء المذاهب: أ- فقد اشترطه جمهور أهل السُّنَّة من المتكلمين (¬4) والحنفية (¬5) والمالكية (¬6) والشافعية (¬7) .............................................................................................................................. ¬
والحنبلية (¬1) والظاهريَّة (¬2)، وجميع الشِّيعة (¬3) (وجعلوه في بني هاشم تحديداً)، والزيدية (وجعلوه في أولاد فاطمة تحديداً) (¬4)، وجمهور المعتزلة (¬5) كالجبَّائي وابنه (¬6)، والجاحظ (¬7) والقاضي عبد الجبار (¬8) وقالوا: لا تجوز الخلافة إلا في قريش خاصة، وأنَّها لا تجوز فيمن كان أبوه من غير قريش، إلا إن تعذر ذلك. ب- وفي المقابل لم يشترط هذا الشرطَ الإباضيةُ (¬9) والخوارجُ (¬10) وبعض ¬
المعتزلة (¬1) ومنهم ضرار بن عمرو رأس ........................................................................ الضراريِّة (¬2) والأصمُ (¬3) والنظَّام (¬4) والكعبي (¬5)، وبعض المرجئة (¬6)، والجويني (¬7) والآمديُّ (¬8) والتفتازاني - كما قال السنهوري (¬9) -، والفضل الرقاشي وغيلان بن ¬
أدلة من قال باشتراط القرشية
مروان وجهم بن صفوان (¬1)، وقالوا إنها جائزة في كل من قام بالكتاب والسُّنَّة قرشياً كان أو عربياً أو ابن عبد. ونقل الجاحظُ عن قوم لم يُسمِّهم قولَهم: «ولا بأس أن يكونوا - أي الخلفاء - عجماً وموالي» (¬2)، وزعم ابن خلدون أن هذا رأي القاضي أبي بكر الباقلاني (¬3)، والصحيح عكسه، واختار بعضُ المعاصرين القولَ بأنَّ شرطَ القرشية شرطُ أفضليَّة، وأنَّ أحاديث اشتراط القرشيَّة إنَّما هي إخبارٌ وليست طلباً فلا يدل على الجزم (¬4). وقال الراوندية: لا تجوز الخلافة إلا في ولد العبَّاس بن عبد المطلب، وهو رأي أبي مسلم الخراساني وأتباعه (¬5). أدلة من قال باشتراط القرشية: استدلوا بقوله - عز وجل -: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} الزخرف/44. فقد قال بعض المفسرين: المقصود به الخلافة، فإنَّه كان - صلى الله عليه وسلم - يطوف على القبائل في أول أمره لينصروه فيقولون له: ويكون لنا الأمر من بعدك؟ فيقول: «إني قد مُنعت من ذلك وإنه قد أُنزٍل عليَّ: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}». فلم يكن للأنصار في هذا الشأن شيء (¬6). ¬
واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الأئمة من قريش» (¬1). وبقول قريش للأنصار في سقيفة بني ساعدة: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصانا بأن نحسن إلى محسنكم ونتجاوز عن مسيئكم ولو كانت الإمارة فيكم لم تكن الوصية بكم فحَجُّوا الأنصارَ (¬2). وبالإجماع؛ كما حكاه القاضي عياض (¬3) والنووي (¬4) والآمدي (¬5) والتفتازاني (¬6) والغزالي (¬7) وابن خلدون (¬8) والإيجي (¬9) والماوردي (¬10)، وذكر الشهرستاني (¬11) أنَّ الفتنة بين الأنصار والمهاجرين بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إنَّما سَكَنَت بعد رواية أبي بكر لحديث: «الأئمة من قريش» (¬12) حتى قال ابن حزم بتواتر هذا الحديث (¬13)، ثمَّ إنَّ الماضين اشتهر عنهم اختصاص هذا المنصب بقريش، ولم يتشوَّف قطُ أحدٌ من غير قريش إلى الإمامة، على تمادي الأحيان وتطاول الزمان. ولكن قال ابن حجر: {يحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر - رضي الله عنه - من ذلك، فقد أخرج أحمد عن عمر بسند رجاله ثقات أنه قال: «إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته» فذكر الحديث، وفيه: «فإن أدركني أجلي وقد ¬
أدلة من قال بعدم اشتراط القرشية
مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل» (¬1) الحديث. ومعاذ بن جبل أنصاري لا نسب له في قريش، فيحتمل - والقول لابن حجر - أن يقال لعل الإجماع انعقد بعد عمر - رضي الله عنه - على اشتراط أن يكون الخليفة قرشياً، أو تغير اجتهاد عمر - رضي الله عنه - في ذلك، والله أعلم} اهـ كلام ابن حجر. أدلة من قال بعدم اشتراط القرشية: أ- استدل أصحاب هذا الاتجاه بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقريش: «أنتم أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم مع الحق إلا أن تعدلوا عنه فتلحون كما تلحى هذه الجريدة يشير إلى جريدة بيده» (¬2). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدين» (¬3). فالرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذين الحديثين وأمثالهما يُخبر عما سيكون ولا ينشئ حكماً، فيكون حديث «الأئمة من قريش» (¬4) إخباراً أيضاً، أو يؤخذ منهما أن اشتراط أن يكون الخلفاء من قريش مرهون بإقامتهم للدين فإذا لم يفعلوا ذلك فلا يشترط ذلك. واستدلوا أيضاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» (¬5). ولكن رد ابن حزم تفسير الحديث بأنه للإخبار فقال: «ولا يصح هذا التفسير لأن الخبر من النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بد أن يتحقق، إذ لو جاز أن يوجد الأمر في غير قريش لكان تكذيباً لخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كفر ممن أجازه» (¬6). والواقع الذي حصل عبر التاريخ أنه قد تولى الخلافة غير القرشيين كسلاطين ¬
الدولة العثمانية، فالسبيل الأسلم أن تؤول الأحاديث التي جاءت بصيغة الإخبار على الأحاديث التي وردت بصيغة الأمر. ب- استدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع» (¬1)، لأنه لا عبرة بالنسب في مصالح الملك والدين. ورُدَّ بحمل الحديث على غير الإمام جمعاً بين الأدلة، وبأن لشرف الأنساب أثراً في جمع الآراء، ولا أشرف من قريش، إلا في حال الضرورة فيسقط هذا الشرط (¬2). وأمَّا لماذا بدا أن ابن خلدون أسقط شرطَ القرشية رغم نقله الإجماع على اشتراطه، فيمكن فهمه أن ابن خلدون فَهِمَ من اشتراط القرشية أنها كانت مظنة العصبية، فلما كانتا مقترنتين في بداية الإسلام لم يُخالِف في شرط القرشية أحدٌ يُعتد به، فلما افترقتا بعد ضعف عصبية قريش لَحِقَ الحكمُ العصبيةَ وتَرَكَ القرشيةَ، فكأن ابن خلدون رأى أن مناط اشتراط القرشية هو العصبية فالحكم يدور مع العصبية لا مع القرشية (¬3). أو لأنَّه استند إلى نظريَّة الضَّرورة لإعطاء الشرعية لمن تسلَّط على الخلافة من غير قريش لضرورة تصحيح المعاملات ولردم الهوة بين الواقع والشرع، أو بين الأمَّة وبين من يحكمها، ولا ينبغي فهمُ إسقاط ابن خلدون لشرط القرشية إلا ضمن هذا الإطار، إذ لا يُمْكِنُ له ولا لغيره إسقاط ما تم الإجماع عليه من قِبَلِ الصحابة ومَنْ بَعدهم، والضرورة تُقدَّر بقدرها، فعندما يمكن تنصيب القرشي ويتمتع بالعصبية القوية يسقط العمل بأحكام الضرورة، وبهذا الاتجاه نفهم قول من اشترط القرشية عندما قال: فإن لم يوجد قرشي مستجمع الشروط فكِناني (¬4)، فإن لم يوجد فرجلٌ من ولد إسماعيل، فإن لم يكن، يولَّى رجلٌ من العجم أو جُرهمي (¬5) ¬
فإن لم يوجد، فمن ولد إسحاق (¬1). ويقول التفتازاني في شرح العقائد النسفيَّة {وهو يتكلم عن جواز إطلاق اسم (خليفة) على من جاء بعد الثلاثين سنة التي أخبر عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ... «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» (¬2)}: «وأما بعد الخلفاء العباسية فالأمر مشكل» (¬3)، ونجد حل هذا الإشكال في قول القاضي عضد الدين في المواقف مجيباً عن اعتراض مَنْ مَنَعَ من وجوب نصب الإمام عندما استدل المانع بوجوهٍ منها أنَّ للإمامة شروطاً قلَّما توجد في كل عصر فإن أقاموا فاقدَها لم يأتوا بالواجب، وإن لم يقيموه فقد تركوا الواجب. فقال: إن تركهم لنصبه لتعذره وعدمِ شرط الإمامة ليس تركاً للواجب، إذ لا وجوب.» ويقوي الشارح الجرجاني هذا الجواب بسكوته (¬4). ومعنى قوله: إذ لا وجوب. أي على الناس لا في الشرع. وقال صدرُ الشريعة في (تعديل العلوم): وسقط من الشرائط ما تسقطه الضرورة ثُمَّ في زماننا سقطت القرشية أيضاً. وقال الآمدي: «إن لم يوجد في العالم مستجمع لجميع شروط الإمامة، بل من فقد في حقه شيء كالعلم أو العدالة ونحوها، فالواجب أن ينظر إلى المفسدة اللازمة من إقامته وعدم إقامته، ويدفع أعلاهما بارتكاب أدناهما، إذ الضرورات تبيح المحظورات» (¬5). وأَحسِب أنَّ نظريَّة الضَّرورة هي أقوى أدلة من نفى اشتراط القرشية، بل هي دليل كل من أجاز تولية مَنْ فقد شرطاً من الشروط الواجب توفرها في الخليفة، ونظراً لأهميتها فسأفردها بالحديث في المبحث الثالث، لأنها تعتبر إلى اليوم الأساس الشرعي لأنظمة الحكم التي لا تتوافر فيها كل الشروط الواجب توفرها، بل ¬
2 - الاجتهاد
هي الأساس الشرعي لتعدد القيادات الإسلامية في الدول المختلفة في العالم الإسلامي وخاصة بعد سقوط الخلافة العثمانيَّة (¬1). وأما من قال بأن الحكمة من اشتراط القرشية في الخلافة، كون قبيلة قريش من أشرف القبائل العربية وأكبرها نفوذاً عليها، فلما زالت سطوتها وشوكتها بمرور الأيام لم يبق لهذا الشرط معنى، فهذا الكلام واردٌ في بيان الحكمة من هذا الشرط وليس لبيان علَّته، والحكم يدور مع علَّته لا مع الحكمة منه كما هو مقرر في أصول الفقه، فإذا تعذر تحقق هذا الشرط كانت نظريَّة الضَّرورة هي المُسوِّغ الشرعي لعدم اشتراطه، والضرورة تُقّدَّر بقدرها. 2 - الاجتهاد: أي أن يكون الخليفة مجتهداً في الأصول والفروع، أو هو الاجتهاد في الأحكام الشرعية بالعلم بأدلتها التفصيلية، وقد ذكره بعضهم باسم (العلم). - وقد اشترط هذا الشرط جمهور أهل السنة من المتكلمين (¬2)، وبعض الحنفية (¬3) والمالكية (¬4) والشافعية (¬5) ¬
والحنابلة (¬1)، والزيدية (¬2) والمعتزلة (¬3)، وقالوا: الاجتهاد شرط صحة فلا يصح تنصيب غير المجتهد إلا عند فقده. والإباضيةُ على خلافٍ بين كونه شرط صحة أو شرط كمال، والأرجح عندهم أنه شرط صحة (¬4). - ولم يشترط متأخرو الحنفية الاجتهاد، لأنَّه قد لا يوجد المجتهد فيكون اشتراطه عَبَثَاً أو تكليفاً بما لا يطاق، ومستلزماً للمفاسد التي يمكن دفعها بنصب فاقد هذا الشرط، فقالوا: الاجتهاد شرط أولوية أو شرط أفضلية (¬5)، لا شرط صحة ولو عند وجود المجتهد، أي إنْ وجد المجتهد فهو أولى من غيره، ولكن يصح تولية غيره بوجوده لأسباب أخرى، ونقل هذا الرأيَ الإيجي (¬6) والجرجاني (¬7) والكمالُ بن الهمام (¬8) والماوردي (¬9)، وهو رأي متأخري الزيدية (¬10) والإباضية (¬11). وقد فرَّق الآمدي بين شرط العلم وبين شرط الاجتهاد، فجعل الأول من الشروط المختلف فيها، وجعل الثاني من الشروط المتفق عليها، فقال: أن يكون مجتهداً في الأحكام الشرعية بحيث يستقل بالفتوى في النوازل وإثبات أحكام الوقائع نصاً واستنباطاً، لأن من أكبر مقاصد الإمامة فصل الخصومات ودفع المخاصمات ولن يتم ¬
3 - العدالة
ذلك دون هذا الشرط، ولا يمكن أن يقال باكتفائه بمراجعة الغير في ذلك إذ هو خلاف الإجماع (¬1). اهـ بينما لم يفرِّق الكثيرون وجعلوهما شرطاً واحداً وهو العلم المفضي إلى الاجتهاد، وهذا أفضل، فالاجتهاد الذي اشترطه الآمدي وغيره لا يكون إلا عند تحصيل العلوم التي تُوصِلُ إليه، فَمَن اشترط الاجتهادَ فقد اشترط ضمناً العلمَ الموصل إليه، ومن اشترط العلمَ فلأجل أن يتمكن الإمامُ من الاجتهاد لمعرفة حكم الوقائع المستجدة، ولكن قد لا يبلغ بالعلم رتبةَ الاجتهاد فيكون العلمُ أقل من الاجتهاد. أما اشتراط أن يكون الإمام عالماً بجميع مسائل الدين دون الحاجة إلى النظر والاستدلال فقد اتفق الأكثرون أنه ليس شرطاً خلافاً للإمامية (¬2). وساق الآمدي الأدلة على بطلان رأي الإمامية (¬3). والذي أميل إليه - اليوم - هو عدم اشتراطه لعدم توفر من يتحقق فيه شرط الاجتهاد المطلق هذه الأيام، وقد قال ابن الصلاح: الاجتهاد المطلق انقطع من نحو ثلاثمائة سنة. وقال ابن خلدون: الاجتهاد بعد الأئمة الأربعة صار صعباً، ووَقَفَ التقليدُ في الأمصار عند هؤلاء الأربعة، وسدَّ الناس باب الخلاف وطرقه (¬4). 3 - العدالة: ويُعبِّر بعضهم عن هذا الشرط بالورع أو التقوى. وهي عند الحنفية: الإسلام مع عدم معرفة (¬5) الفسق. وعند الشافعية: ملكة في النفس تمنع عن اقتراف الكبائر وصغائر الخسَّة (¬6). والمقصود هنا الاحتراز عن ¬
الفسق بأن يكون صادق اللهجة ظاهر الأمانة، عفيفاً عن المحارم، متوقياً المآثم بعيداً عن الريب مأموناً في الرضا والغضب مستعملاً لمروءة مثله في دينه ودنياه. وعند الإباضية: تشمل الحرية والإسلام والبلوغ والعقل وعدم الفسق (¬1). وعند الزيدية: «تركُ الكبائرِ والإصرارِ على مَا يَحْتَمِلُ الصِّغَرَ، وخصالِ الخِسَّةِ ولا تَضُرُّ الْمُحْتَمَلَةُ مع الاستغفار» (¬2). وعند البيجوري: أن يكون مسلماً عاقلاً بالغاً حراً مع عدم الفسق (¬3). وليس المقصود بالعدالة أن يكون معصوماً، فالعصمة أمر باطني خفي، والعدالة أمر ظاهر جلي. ويظهر هذا الشرط جلياً أثناء قيام الإمام بواجبه. أ- وقد اشترط العدالةَ جمهورُ أهلِ السنَّة من المتكلمين (¬4)، وبعض الحنفية كابن الهمام والجصَّاص (¬5)، والمالكية (¬6) والشافعية (¬7) ¬
والحنابلة (¬1) والظاهريَّة (¬2)، واعتبروه شرطَ صحة، فلا يجوز تقليد الفاسق إلا عند فقد العدل، لأنَّه كما قال الجويني: «لا يوثق بالفاسق في الشهادة على الفلس فكيف يولَّى أمورَ المسلمين» (¬3) وبهذا قال الإمامية (¬4) والزيديَّة (¬5) والمعتزلة (¬6) والإباضية (¬7). ب- وقال أكثر الحنفية - ولكن خصَّه ابن عابدين بالضرورة - (¬8) وبعض الشافعية (¬9) وبعض الحنابلة (¬10): العدالة شرط أولوية لا شرط صحة ولو عند وجود العدل. فإذا فَقَدَ الإمام عدالته بعد تنصيبه استحق العزل، كما قال الحنفية (¬11) والمالكية (¬12) والتفتازاني (¬13) والماوردي (¬14)، والخوارج (¬15) ¬
والمعتزلة (¬1) والزيدية (¬2) وقيَّده الكمالان بالأمن (¬3)، ونقل القاضي عبد الجبار الإجماع على استحقاقه العزل (¬4). ولكنه لا ينعزل من تلقاء نفسه، وهذا رأي أكثر العلماء، كالجويني (¬5)، والشافعية على وجهين أصحُّهما عند الرافعي (¬6) والنووي أنه لا ينعزل بالفسق (¬7)، وهو رأي أبي حنيفة ورواية عن محمد (¬8)، ورواية عند الحنابلة (¬9)، والراجح عند المالكية (¬10)، قال مالك بن أنس: «سلطان جائر مدة خير من فتنة ساعة» (¬11). واستدلوا على ذلك بالإجماع على عدم عزل من طرأ عليه الفسق، وهو أسبق ¬
4 - أفضل أهل زمانه
من خلاف المعارضين (¬1). 4 - أفضل أهل زمانه: كان كلُ واحد من الخلفاء الراشدين الأربعة أفضلَ الأمة عندما انتُخب، أما بعدَهم فقد جاء بعضُ الخلفاء إلى الحكم عن طريق القوة أو ولاية العهد مما منع من تولي الأفضل، وعلى كلٍ فأصل الخلاف في هذا الشرط هو بين السُّنَّة وعامة الشِّيعة، حيث قال عامة الشِّيعة بوجوب تنصيب أفضل النَّاس وهم يقصدون بهذا الإمام عليَّاً - رضي الله عنه -، بينما قال أهل السُّنَّة بجواز تنصيب المفضول مع وجود الفاضل إن منع عارض من إمامة الأفضل، رغم قولهم إن أبا بكر - رضي الله عنه - هو أفضل الصحابة (¬2). أمَّا تفصيل الأقوال: أ- فقد قال بجواز تولية المفضول مع وجود الفاضل - إن مَنَع من توليته مانع- أكثرُ أهل السُّنَّة من المتكلمين (¬3)، وهو رأي المالكية (¬4) والأصح عند ¬
الشافعية (¬1) ................................................................................................................................ وبعض الحنابلة (¬2) والظاهرية (¬3)، والبتريَّة (أوالصالحية) والسليمانية من الزيدية (¬4)، وبعض المعتزلة (¬5)، والإباضية (¬6)، وطائفة من الخوارج (¬7)، والقلانسي (¬8) والحسين بن الفضل (¬9)، وابن خزيمة (¬10)، وعليه إجماع الصحابة (¬11)، إذ ربما كان المفضول يتمتع بمزايا تحتاجها الأمة لا توجد في الأفضل، كما إذا كان المفضول شجاعاً والزمن زمن حروب بينما كان الأفضل أقل شجاعة منه أو لم تكن له معرفة ¬
بالحروب. وأجاز الحنابلةُ على الصحيح من المذهب (¬1) .......................................................... وبعضُ الشافعية (¬2) وبعضُ الزيدية (¬3) كلهم أجازوا نصبَ المفضول حتى مع إمكان الأفضل. قال العضد الإيجي: «واعلم أنَّ مسألة الأفضلية لا مطمع فيها إلى الجزم واليقين، وليست مسألة يتعلق بها عمل فيكتفى فيها بالظن، بل هي مسألة علمية يطلب فيها اليقين، والنصوص المذكورة من الطرفين - على أفضليَّة أبي بكر - رضي الله عنه - أو أفضليَّة عليٍّ - رضي الله عنه - بعد تعارضها لا تفيد القطع على مالا يخفى على مُنْصِف، لكنَّا وجدنا السلف قالوا بأنَّ الأفضل أبو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عثمان ثمَّ علي، وحُسْنُ ظنِّنا بهم يقتضي بأنَّهم لو لَم يعرفوا ذلك لما أطبقوا عليه، فوجب علينا اتِّباعهم في ذلك». اهـ (¬4). فإذا كان الأمر كذلك في خير القرون فهو فيمن بعدهم أشدُّ وأجلى، فلا سبيلَ قطعياً إلى معرفة الأفضل في كل زمان لأنَّّه يعني معرفة من هو أكثر ثواباً وكرامةً عند الله، والثواب محض فضل من الله وليس على مقدار أو كثرة العمل. ب- وقال قائلون: لا يكون الإمام إلا أفضل النَّاس، وبهذا قال الباقلاني (¬5) وأبو الحسن الأشعري (¬6)، والحنفية (¬7) وقول عند الشافعية (¬8)، ورواية عن الإمام أحمد ¬
وهي قول في المذهب (¬1)، ................................................................................................... وهو رأي الإمامية (¬2) والإسماعيلية (¬3) وبعض الزيدية (¬4) وطوائف من الخوارج (¬5) وسعيد بن المسيّب وجهم بن صفوان (¬6)، وطوائف من المعتزلة كالجاحظ (¬7) وغيلان الدمشقي وعمرو بن عبيد (¬8) والبلخي (¬9) والقاضي عبد الجبار (¬10) والنظَّام (¬11)، وقال ¬
5 - الكفاءة
الباقون من المعتزلة: الأفضل أولى بها (¬1)، وقد كان ابن عمر - رضي الله عنه - يرتب الخلفاء الراشدين الأربعة في الأفضلية على ترتيبهم في الخلافة (¬2). واستدل كل طرف بأدلة (¬3). 5 - الكفاءة: وهو شرط كبير يحتوي على الكثير من الشروط الفرعية، وهي تختلف بحسب الواقع وبحسب الحاجة، فتزداد أهمية بعضها وتنقص أهمية البعض، تبعاً للظروف المختلفة. والمقصود بالكفاءة القدرة على القيام بأمور الإمامة، وتشمل أموراً مثل سلامة الحواس فوق القدر المتفق على اشتراطه، وقوة القلب أو الشجاعة، والصحة، والحكمة بأن يكون مدبِّراً أكثر رأيه الإصابة، والقدرة على تأمين السبل وإنصاف المظلومين، وبهذا قال المتكلمون من أهل السنة (¬4)، والحنفية (¬5) والمالكية (¬6) والشافعية (¬7) والحنابلة (¬8) والإمامية (¬9) ¬
والإسماعيلية (¬1) والزيدية (¬2). وأضاف بعضُ المعاصرين أن يكون خبيراً بشؤون السياسة الدولية محيطاً بعلم الاقتصاد قادراً على وضع سياسة إنتاج الصناعات الحربية، وعلى قيادة الجيوش الحديثة عالماً في علم المحاسبة، متحدثاً باللغات غير العربية، خطيباً يُشعل حماسة الجماهير، حافظاً للقرآن، محيطاً بعلوم السُّنَّة، مثقفاً ثقافة عالية، قوي الشخصية، بهيَّ الهيئة (¬3). وجعلها في الموسوعة الفقهية من الشروط المتفق عليها فقال: الكفاية ولو بغيره (¬4)، وسأذكر بعض التفاصيل عن مفردات هذا الشرط: 1) أمَّا سلامة الحواس سلامة كاملة: فقد اشترطه الشافعية (¬5) وبعض الزيدية (¬6) وقالوا: لا تنعقد الإمامة بذهاب بعض اليدين. ولم يشترطه بعضهم وقالوا: كل مالا يُؤثِّر عدمُه في رأي ولا عمل من أعمال الإمامة فلا يضير فقده، إذ الهدف من الإمامة هو القيام بمهامها فالعيوب التي لا تمنع من ذلك لا ينظر إليها، كالعور وصمم إحدى الأذنين (¬7). ¬
2) الشجاعة: وهي مما اشترطه جمهور أهل السُّنَّة من المتكلمين (¬1) والمالكية (¬2) والحنفية (¬3) والشافعية (¬4) والحنابلة (¬5)، وهو رأي الزيديَّة (¬6)، والشِّيعة (¬7)، والإسماعيلية (¬8)، والمعتزلة (¬9)، والإباضية (¬10)، فلا تنعقد إمامة الجبان، لأنَّه لا يستطيع حماية البيضة وجهاد العدو. ولكنَّ اختلاف أساليب الحرب والقتال التي لم تعد تتطلب أن يكون الخليفة على رأس الجيش، بل يتولى ذلك وزيرُ الدفاع، جعل هذا الشرطَ أقربَ إلى الشروط المختلف فيها، ولندرة اجتماع كل الشروط في واحد، واعتبر السنهوري هذا الشرطَ للتفضيل (¬11). 3) الحكمة اللازمة لسياسة الرعية: وهي من الصفات المكتسبة، وسمَّاها بعضهم أن يكون مدبِّراً، أو ذا رأي، وقد اشترطها المتكلمون من أهل السنة (¬12) ¬
6 - أن يكون مطاع الأمر نافذ الحكم في محل ولايته
والحنفية (¬1) والمالكية (¬2) ..................................................................................................... والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4)، والشِّيعة (¬5) والزيديَّة (¬6)، وجعلها السنهوري والدكتور الخالدي من الشروط المختلف فيها، وللتفضيل (¬7). 4) القدرة على تأمين السبل وإنصاف المظلومين: اشترطها الجمهور (¬8)، وجعلها الشوكاني من أهمِّ الشروط على الإطلاق فقال: «وعندي أنَّ مِلاكَ أمر الإمامة والسلطنة وأعظمَ شروطهما وأجلَّ أركانهما أن يكون قادراً على تأمين السبل وإنصاف المظلومين متمكناً من الدفع عن المسلمين إذا داهمهم أمر يخافونه»، ثم قال: «ولا يضر نقص شرط أو أكثر من شروطٍ ذكروها إذا كان قائماً بما ذكرناه» (¬9). ولابد من التمييز بين القدرة على تأمين السبل وإنصاف المظلومين والتي تعتبر من الشروط وبين ممارسة هذه القدرة والتي تعتبر من الواجبات، وتُعْرف هذه القدرة من تصرفات الخليفة قبل خلافته حتى يغلب على الظنِّ وجودُها. 6 - أن يكون مطاع الأمر نافذ الحكم في محل ولايته: ومعناه أن تجتمع الأمة عليه، وهذا الشرط أشار إلى عدم اشتراطه الغزالي (¬10)، وبعض المعتزلة (¬11)، لأنه لا خلاف أن سيدنا علياً - رضي الله عنه - كان خليفة رغم عدم دخول أهل الشام ومعاوية - رضي الله عنه - في طاعته، ثم إن طاعة الخليفة من حقوقه على ¬
الأمة بعد مبايعته، لا من الشروط الواجب توفرها فيه ليكون خليفة شرعياً. واشترط هذا الشرط سعد بن أبي وقاص (¬1)، ومحمد بن الحنفيَّة (¬2) وابن عباس (¬3) وابن عمر (¬4) - رضي الله عنهم - بقصد اعتزال الفتنة، وتبعهم على هذا الحنابلة (¬5)، والشافعية (¬6)، وهو قول هشام بن عمرو الفُوَطي (¬7) والأصمّ (¬8) وغيلان الدمشقي وأتباعه (¬9)، بقصد الطعن بإمامة علي - رضي الله عنه -. ¬
المبحث الثاني: واجبات الخليفة أو الأحكام المنوطة به
المبحث الثاني: واجبات الخليفة أو الأحكام المنوطة به ومن يقوم بتنفيذها عند تعدد الخلفاء أو عند فقد الخليفة واجبات الإمام كثيرة ومسؤوليَّاته عظيمة، فهو مسؤول مسؤولية مباشرة أمام الله تعالى عن كل رعيته، لذا كان عليه أن يتَّخذ كل ما يلزم من إجراءات ليقوم بهذه المسؤوليَّة. قال محمد بن يزداد وزير المأمون مخاطباً له (¬1): (بسيط) من كان حارسَ دنيا إنَّه قَمِنٌ ... أن لا ينام وكلُّ النَّاس نُوَّامُ وكيف ترْقدُ عينا مَنْ تََضيَّفَه ... هَمَّان مِنْ أَمْرِهِ نقضٌ وإبرامُ وقد أجمل ابن تيمية هذه الواجبات بقوله: «فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبيناً , ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا , وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم .. فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان , كان من أفضل أهل زمانه , وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله» (¬2). وواجبات الإمام تزداد وتتشعَّب مع تقدم المدنيَّة والحضارة الإنسانيَّة وسأشير إلى أهم واجباته، فقد جعلها الماوردي عشر واجبات (¬3)، وهو بهذا يشير إلى أهمِّ واجباته حسب زمانه، والتي إن قام بها خيرَ قيام أضفى الشرعيةَ الكاملة على حكمه وإن تقاعس عن بعضها فَقَدَ جُزءاً من شرعيَّته. قال الفرَّاء: «إذا قام الإمام بحقوق الأمة وجب له عليهم حقَّان: الطَّاعة والنُّصرة». أمَّا تفصيل الواجبات فهو: 1) تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية: وهو أهم واجب على الإطلاق، ومن أَجْلِهِ كانت طاعتُه واجبةً على الخلائق، وهو يشمل كلَّ الواجبات الأخرى وينوب ¬
اليوم عن الإمام في مباشرة هذا الواجب وزارةُ العدل ووزارةُ الأوقاف ووزارةُ التربية ووزارةُ الإعلام، فوزارة الأوقاف ووزارة التربية تقومان بدور تنشئة الأمة على مبادئ الإسلام من خلال المساجد والمدارس، بينما تمثل وزارة العدل صمام الأمان لمعالجة من شذَّ وأبى أن ينفِّذ حكم الله طواعيَّة، وأما وزارة الإعلام فهي الرافد الأساس في بناء أخلاق الأمة، ولا بد من التنسيق بين هذه الوزارات فالإمام يُوجِّه هذه الوزارات وأمثالها للقيام بهذا الواجب. ويدخل تحت هذا الواجب نشر دعوة الإسلام وحماية الدين من الاعتداء والبدع (¬1). 2) إقامة العدل بين النَّاس: وهو من أهمِّ واجبات الإمام، وسمَّاه الماوردي والفرَّاء: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وإقامة الحدود لتصان المحارم (¬2). وإن كان يشملُ أكثرَ من هذا، فكلُّ ما له صلة بتحقيق العدالة يدخل تحت هذا الواجب. ويجب أن يقوم بهذا الواجب اليوم نيابة عن الإمام وزارات العدل والداخلية والإدارة المالية والمحلية والشؤون الاجتماعية والعمل؛ فوزارة العدل تقوم بتنصيب القضاة وإقامة الحدود واستيفاء القصاص، ووزارة الداخلية مطَالبةٌ بالعدالة في تعاملها مع الناس، ووزارة المالية مطَالبةٌ بالعدالة في جني الأموال وتوزيعها، ووزارة الإدارة المحلية والشؤون الاجتماعية مطَالبةٌ بتأمين فرص العمل للمواطنين بشكل يحقق العدل، وفي الواقع يمكن أن يكون مسؤولاً عن هذا الواجب كلُّ جهة رسميَّة لها تعاملٌ مباشرٌ مع عامة الناس. 3) الحفاظ على أموال الأمة: ويتضمن هذا الواجب ترفُّعُ الإمام عن أموال الأمة، وقد ذكره الماوردي بعنوان: حماية الأنفس والأموال من التغرير (¬3). ويجب أن يقوم بهذا الواجب وزارة المالية، وأجهزة الرقابة والتفتيش وغيرهما. ¬
4) عمارة البلدان باعتمار مصالحها وتهذيب سبلها ومسالكها (¬1). 5) أن يباشر بنفسه الإشراف على الأمور والأحوال: فليس منصب الخليفة منصباً فخريَّاً وشكليَّاً كما حصل في أيام المماليك، أو كما يحصل اليوم في بعض البلدان، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يتابع أحوال المسلمين بنفسه، ولا يتكل على الأعوان فإذا عَلِمَ من أنابَه بأنَّه يتفقدُ الأمورَ انتظمَ حالُه وحالُ الأُمَّة (¬2). 6) تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال: من غير سرف ولا تقتير، وفي وقته بلا تقديم أو تأخير، ويقوم بهذا الواجب اليوم وزارة المالية بعد صدور المراسيم من الإمام (¬3). 7) استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء: أي تعيين الوزراء والموظفين (¬4). 8) إقامة صلوات الجمع والجماعة والشعائر الإسلاميَّة: وسمَّاه الماوردي والفرَّاء: حفظ الدين على أصوله المستقرَّة. وتقوم وزارة الأوقاف اليوم بهذا الواجب نيابة عن الإمام (¬5). 9) جباية الزكاة: والتي يمكن أن يُخصص لها جهاز مستقل أو تابع لوزارة المالية، على أن يكون له مصارفه الخاصَّة بهذه الفريضة (¬6). 10) تحصين الثغور: بالعدَّة المانعة والقوَّة الدافعة حتى لا تظهر الأعداءُ بغرة ينتهكون فيها مُحرَّماً، أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دمَاً، وهي مهمَّة وزارة الدفاع اليوم (¬7). ¬
11) المشورة: وتكون في كل ما لا نصَّ فيه، قال - عز وجل -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} آل عمران/159. وقال - عز وجل -: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} الشورى/38 وقد شاور الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في الحروب كيوم بدر، وشاور أبو بكر الصحابة في أهل الردة وفي جمع القرآن، وشاور عمر الهرمزان في المغازي، وغيرهم كذلك (¬1). ¬
المبحث الثالث: نظرية الضرورة وبعض تطبيقاتها السياسية
المبحث الثالث: نظريَّة الضرورة وبعض تطبيقاتها السياسية تعتبر الضرورة - فيما أظن - أقوى دليل على الشرعية الاستثنائية لتعدد الدول الإسلامية في العصر الحاضر، لذا رأيت أن أتناولها بمبحث مستقل لبيان فكرة الضرورة في الشرع ثم بيان بعض من تطبيقاتها وخاصَّة في مجال السياسة، فالحلال بيِّن والحرام بيِّن ولكن قد تطرأ في زمن ما أو مكان ما ظروفٌ تجعل من العسير أداء الواجب أو من المتعذر البعد عن الحرام، فيأتي دور نظرية الضرورة لترفع الحرج والعسر والمشقة قال - عز وجل -: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج/78. وقال - عز وجل -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} الأنعام/119. فالله - عز وجل - وهو الذي له أن يشرع ما يشاء دون اعتبار لمصالح العباد - لم يشرع إلا ما فيه مصلحة للعباد أو دفع ضر عنهم، وقد تبين هذا من استقراء الأحكام الشرعية (¬1)، فعندما يؤدي تطبيق حكم ما إلى ضرر محقق أو تفوت به مصلحة مؤكدة أو راجحة، لا يُلزِمنا الشارعُ عندها بالتطبيق الحرفي والجامد للنص، بل يشرع لنا مراعاة تلك المصلحة أو البعد عن ذلك الضرر بضوابط معينة، وهو بهذا يؤكد روح التشريع واتجاهه العام، وليس في هذا خروج على النص بدون دليل لأنَّ العمل بالضرورة عمل بالنصوص، ولأنَّ «إقامة الضرورة معتبرة، وما يطرأ على ذلك من عارضات المفاسد مغتفر في جنب المصلحة المجتلبة، كما اغتفرت مفاسد أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وأشباه ذلك في جنب الضرورة لإحياء النفس المضطرة» (¬2)، ولأن «الحرج منفي عن الدين جملة وتفصيلاً بالإجماع» (¬3) قال - عز وجل -: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الأعراف/157. ¬
تعريف الضرورة لغة واصطلاحا
وللضرورة دور كبير في الوضع الاجتماعي والقانوني للأمة ككل، في الأزمات التي تمر بها، والمراحل الصعبة التي تجتازها، كهذا الذي طبقه الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في عام المجاعة عندما أوقف القطع عن السارق، لأن المسلمين أصبحوا في وضع اجتماعي ومعيشي غير عادي (¬1). والضرورة في الفقه الإسلامي تنفرد بوضع تشريعي متميز؛ إذ تعددت مصادرها، وتنوعت خصائصها، وتفرعت آثارها، ففيها يتآخى العقل مع النقل، والمنطق مع الوحي، والقيم الشرعية الخالدة مع المرونة التشريعية المتطورة. وقد وجدت الضرورة مجالاً فسيحاً في ثلاثة من العلوم الإسلامية: أصول الفقه، والفقه، والقواعد الفقهية؛ لتؤدي وظائف مختلفة، ونتائج متنوعة، فهي للحُجيَّة والاستنباط في أصول الفقه، وللتفريع في الفقه أحكاماً وشرائع للعمل والتطبيق في مختلف الأبواب الفقهية، وفي علم القواعد الفقهية يتذكر بها المفتي مالا يحصى من التفريعات ويستأنس بها القاضي في الأحكام. أما مصادرها المتعددة إجمالاً: فقسم منها مصدره ودليله النقل: الكتاب الكريم والسُّنَّة النبوية المطهرة، والضرورة بهذا الاعتبار تعد دليلاً أصولياً مستقلاً، موضوعه الأحكام الشرعية الثابتة المنصوص عليها. وقسم آخر دليله ومصدره: المصالح المرسلة في ضوء المقاصد والأهداف الشرعية، وموضوعه عموم القضايا والمسائل والنوازل من إفراز البيئات المختلفة، والعصور المتعاقبة، والظروف الطارئة، وهو من هذه الزاوية وبهذا المعنى دليل عقلي مصلحي. وتتجلى فائدة الضرورة في الشريعة الإسلامية في أنها تضم المكلف إلى صف الشريعة حين يحس أنه مخالف لأوامر الشريعة، فتطمئنه على أنه ما زال في إطار المشروعية (¬2). تعريف الضرورة لغة واصطلاحاً: الضرورة لغة: اسم لمصدر الاضطرار؛ تقول: حملتني الضرورة على كذا، وقد اضطر فلان إلى كذا وكذا، بناؤه (افتعل) فجعلت التاء طاء؛ لأن التاء لم ¬
مستند نظرية الضرورة من القرآن
يحسن لفظها مع الضاد (¬1). والاضطرار: الإلجاء إلى ما فيه ضرر بشدة وقسر، ذكره الحرالي. وفي المصباح: الإلجاء إلى ما ليس منه بد. وفي الفرائد: حمل الإنسان على ما يضر (¬2). الضرورة اصطلاحاً: جاء تعريف الضرورة متقارباً في المذاهب الأربعة فهي: بلوغ المكلف حداً إن لم يتناول الممنوع هلك، أو قارب، كالمضطر للأكل واللبس بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات أو تلف منه عضو (¬3). وأغلب التعريفات قصرت الضرورة على الجوع أو العطش الشديد، أو الإكراه، ولكن لا يعني هذا عدم وقوع الضرورة في غيرها - كما سيأتي - ولكنه نظرٌ إلى الأعم (¬4). وعرَّفها الدكتور وهبة الزحيلي تعريفاً جامعاً بقوله: الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعِرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته، دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع (¬5). مستند نظرية الضرورة من القرآن: ذكر الله عز وجل الاضطرار إلى المحرمات في خمسة مواطن من القرآن الكريم، أربعة منها جاءت بعد ذكر تحريم الميتة ونحوها والأخير جاء عاماً وهي: 1 - {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} البقرة/173. ¬
مستند النظرية من الحديث
2 - {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} المائدة/3. 3 - {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الأنعام/145. 4 - {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} النحل/115. 5 - {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} الأنعام/119. مستند النظرية من الحديث: لقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة في مراعاة الضرورة منها حديثان في حِل أكل الميتة للمضطر: 1 - عن أبي واقد الليثي قال: قلت: يا رسول الله، إنا بأرض تصيبنا مخمصة، فما يحل لنا من الميتة؟ فقال: «إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفؤوا بها بقلاً، فشأنكم بها» (¬1) قال أبو داود (¬2): الغبوق الشرب من آخر النهار والصبوح الشرب من أول النهار، ثم استعملا في الأكل. وتحتفؤوا بقلاً: أي تقتلعوا فتأكلوا. ومعنى الحديث: إذا لم تجدوا ألبنةً أو طعاماً تأكلونه في الصباح ولم تجدوا شراباً أو طعاماً تأكلونه آخر النهار، ولم تجدوا بعد ذلك بقلة تأكلونها، حلَّت لكم الميتة. 2 - عن جابر بن سمرة أن أهل بيت كانوا بالحرَّة (¬3) محتاجين قال: «فماتت عندهم ناقة لهم، أو لغيرهم، فرخص لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أكلها قال: فعصمتهم بقية شتائهم، أو سنتهم» (¬4). وفي لفظ: «أن رجلاً نزل الحرة ومعه أهله وولده، ¬
فقال رجل: إن ناقة لي ضلت فإن وجدتها فأمسكها، فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت، فقالت له امرأته: انحرها. فأبى فنفقت، فقالت: اسلخها حتى نقدُر (¬1) شحمها ولحمها ونأكله، فقال: حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأتاه، فسأله فقال: ... «هل عندك غنى يغنيك؟» (¬2) قال: لا. قال: فكلوه. قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر. فقال: هلا كنت نحرتها! قال: استحييت منك» (¬3). كما ورد في الضرورة أحاديث في إباحة التناول من ثمار البساتين، وأحاديث في الدفاع عن النفس ونحوه (¬4). بالإضافة لما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - من أحاديث في مراعاة التيسير بشكل عام منها: أنه - صلى الله عليه وسلم - كما قالت عائشة رضي الله عنها: «ما خُيِّر بين شيئين إلا اختار أيسرهما» (¬5). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه» (¬6). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الدين يسر ولن يشادَّ الدين أحدٌ إلا غلبَه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُلجة» (¬7). ¬
نظرية الضرورة في علم الأصول
نظرية الضرورة في علم الأصول: الضرورة إما دليل أصولي مستقل مصدره النقل، أو جزء من دليل أصولي مصدره العقل، وكثير من المصطلحات الأصولية لها علاقة وطيدة بالضرورة كالاستحسان والمصلحة المرسلة والرخص وسد الذرائع، فالضرورة في المصالح المرسلة مثلاً تمثل القسم الأهم والجزء الأكبر فيها (¬1)، حتى لقد اشترط الغزالي للعمل بالمصلحة المرسلة أن تكون مصلحة تدعو إليها الضرورة (¬2). وذهب الإمام شمس الأئمة السرخسي إلى تسمية كل ما يعتمد من الأحكام على دليل الضرورة استحساناً وهو ما يحكيه عن شيخه قائلاً: «كان شيخنا الإمام يقول: الاستحسان ترك القياس، والأخذ بما هو أوفق للناس. وقيل: الأخذ بالسعة وابتغاء الدعة. وقيل: الأخذ بالسماحة، وابتغاء ما فيه الراحة». ويعقب على كل ما سبق قائلاً: «وحاصل هذه العبارات أنه ترك العسر لليسر، وهو في الدين» (¬3) ومعنى استحسان الضرورة أو الحاجة: هو أن توجد ضرورة تحمل المجتهد على ترك القياس والأخذ بمقتضاها أو بمقتضى الحاجة والمصلحة دفعاً للحرج ومراعاة للعدالة (¬4). ما سبق من استدلالات من الكتاب والسُّنَّة والإجماع، ومن علاقة الضرورة بالاستحسان تجعل من الضرورة دليلاً أصولياً نقلياً مستقلاً، له تأثير مباشر على الأحكام المنصوص عليها، تختلف نسبته من أمر لآخر بالمقدار الذي يستدعيه الحد من المشقة ورفع العنت، مثله في ذلك مثل غيره من الأدلة الأصولية ذات الوظائف التشريعية، من تخصيص وتقييد وتأسيس أحكام جديدة، أو التغيير حسب الظروف التي يعيشها المكلف. فالعلاقة بين ما تنتجه الضرورة من أحكام وبين ما تنتجه النصوص الدالة على الحكم الأصلي، ليست علاقة تعارض أو تناقض، بل هي ¬
الضرورة في القواعد الفقهية
علاقة يحددها علم الأصول كعلاقة العام والخاص، والمطلق والمقيد (¬1). الضرورة في القواعد الفقهية: نظرية الضرورة في الفقه الإسلامي منبع خصب لكثير من الأحكام وقد استخلصها الفقهاء من الاستقراء والمقارنة بين عدد من النصوص التي طبقتها وانتهوا بذلك إلى عدد من المبادئ العامة مثل: 1 - المشقة تجلب التيسير (¬2) وبمعناها يقول الشافعي: إذا ضاق الأمر اتسع (¬3). 2 - الضرر يزال. ويتعلق بهذه القاعدة قواعد: الأولى: الضروريات تبيح المحظورات، الثانية: ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها. الثالثة: الضرر لا يزال بالضرر. الرابعة: إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً. الخامسة: درء المفاسد أولى من جلب المصالح (¬4). 3 - الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، والحاجة إذا عمَّت كانت كالضرورة (¬5). ¬
المحرمات التي تبيحها الضرورة
المحرمات التي تبيحها الضرورة: لا تختص هذه المحرمات بالمطعومات - ولو كانت أربعٌ من الآيات الخمس التي جاءت بإباحة المحرم عند الاضطرار قد خُصَّت بذلك - فالضرورة عامة في إباحة كل المحرَّمات عند الاضطرار من طعام وغيره، ودليل ذلك الآية (119) من الأنعام التي جاءت عامة (¬1)، ومما يؤيد عمومية هذه الآية لكل المحرمات - لا كما يحيل البعض على المحرمات المذكورة في الآيات الأخرى فقط - أن آية الأنعام مكية ونزلت قبل الآيات الأربع الأخرى فلا يصح الإحالة في بيان المحرمات إلى متأخر في النزول عنها كما قال القرطبي، إلا أن يكون (فَصَّل) بمعنى (يُفصِّل) (¬2). وممن قال أن الضرورة تبيح جميع المحرمات: 1 - ابن قدامة حيث يقول: «المستثنى عن قاعدة القياس منقسم إلى ما عقل معناه وإلى ما لا يعقل؛ فالأول يصح أن يقاس عليه ما وجدت فيه العلة، من ذلك إباحة أكل الميتة ثَمَّ الضرورة صيانة للنفس واستبقاء للمهجة، يقاس عليه بقيَّةُ المحرمات إذا اضطر إليها ويقاس عليه المكره لأنه في معناه» (¬3). ويقول: «أجمع العلماء على تحريم الميتة حال الاختيار، وعلى إباحة الأكل منها في الاضطرار، وكذلك سائر المحرمات» (¬4). 2 - ابن حزم الظاهري، فقد قال بعد أن سرد أنواعاً من الحرام - غير التي ذكرها الله تعالى في الآية - تحلُّ عند الضرورة: «أما تحليل كل ذلك للضرورة فلقول الله - عز وجل -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} الأنعام/119. فأسقط تعالى تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة فعمَّ ولم يخص، فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك»، وكان هذا مسلكه في باقي كتابه المحلى (¬5). ¬
3 - الشوكاني حيث يقول: إلا ما اضطررتم إليه أي من جميع ما حرمه عليكم فإن الضرورة تحلل الحرام (¬1). 4 - ابن رشد المالكي عند كلامه عن استعمال المحرمات في حال الاضطرار، قال: وأما جنس الشيء المباح فهو كل شيء محرَّم مثل الميتة وغيرها (¬2). 5 - الإمام أبو بكر الرازي المشهور بالجصَّاص حيث يقول: «والضرورة المذكورة في قوله - عز وجل -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} الأنعام/119. منتظمةٌ لسائرِ المحرَّمات، وذكره لها في الميتة وما عطف عليها غير مانع من اعتبار عموم الآية الأخرى في سائر المحرمات» (¬3). 6 - وفي شرح مجلة الأحكام جاء التعريف شاملاً لكل المحرمات: الضرورة هي العذر الذي يجوز بسببه إجراء الشيء الممنوع، أو هي الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعاً (¬4). 7 - ويوسِّع الدكتور وهبة الزحيلي مجال الضرورة عند بيان درجة الضرورة المبيحة للمحظور فيقول: هي الضرورة التي تصل فيها درجة الاحتياج إلى أشد المراتب، فيصبح الإنسان في خطر يحدق بنفسه أو ماله ونحوهما (¬5). 8 - وفي رأيي كل من قاس على ما ورد في الآيات من محرمات في جواز تناوله من المطعومات والأشربة - كمن أجاز تناول الخمر للضرورة (¬6) - فقد وسَّع ¬
مجال الضرورة لتشمل غير المطعومات والأشربة التي نصَّت عليها الآيات. وهذا كله بهدف إنقاذ النفس، ومعلوم أن الحفاظ على النفس يأتي في المرتبة الثانية بعد الحفاظ على الدين. إذاً فاعتماد الضرورة في المجال السياسي إذا تعلق به حفظ الدين وحفظ الأمة جائز من باب أولى، وخاصة أن الأمور العامة تأخذ الأولوية والأهمية القصوى في دين الله. ما سبق من الاستدلال يفتح الباب واسعاً في إعطاء الشرعية للدول الإسلامية المتعددة في العصر الحالي مراعاةً للضرورة بسبب تعذر توحيدها، ومما يدعم هذا التوجه ما تتعرض له الدول الإسلامية من ضغوط شديدة إذا حاولت بصورة أو أخرى أن تتقارب فيما بينها، حتى يمكن اعتبار بعض هذه الضغوط في درجة الإكراه، والإكراه - كما مر - والعسر أو الحرج، وخاصة إذا كان عاماً، من الأسباب المبيحة لترك الواجب واللجوء إلى أحكام الضرورة؛ لأن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة كما نصت عليه القواعد الفقهية، وهذا متوفر في تحقيق الوحدة الإسلامية هذه الأيام؛ أما العسر والحرج فواضح، وأما الإكراه فمعروف للسياسيين وله صور متعددة، وقد ذكر الكمال بن الهمام من أنواع الإكراه الإكراه الأدبي أو المعنوي؛ وهو الذي يعدم تمام الرضا ولا يعدم الاختيار، كالتهديد بحبس أحد الأصول أو الفروع أو الأخوة أو الأخوات ونحوهم وحكمه كما قرر الكمال بن الهمام من الحنفية: أنه إكراه شرعي استحساناً لا قياساً (¬1). ولأنَّ الأمَّة - كما هو ملاحظ - قد تجاوزت قدر الضرورة في جواز تعدد القيادات الإسلامية ولم تتقيد بضوابط الضرورة فيها، لا بد أن أذكر أن مراعاة الضرورة لا تكون أبداً إلا لمصلحة مؤقتة وليست دائمة، وإلا لكانت هي الأصل، فبمجرد التمكن من العودة إلى المصلحة الأصلية يجب الرجوع إلى الأصل، لأن المصلحة المتحققة في حالة الضرورة مصلحة استثنائية، وهذا يعني ضرورة السعي للخروج من حالة الضرورة، لأن الهدف من تشريع أحكام الضرورة هو التخفيف ¬
من وطأة المشقة والحرج، فما جاز بناءً عليها يجوز الاستمرار فيه بالقدر الممكن لإزالة تلك الضرورة فقط، ولا يجوز استباحته أو فعله بأكثر مما تزول به الضرورة. وهو ما نصَّ عليه الفقهاء: «ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها» ولأن من الخطأ والتعسف في استعمال قواعد الشرع وقوانينه استخدام الضرورة وسيلة للوصول إلى أهداف تتعارض روحاً ومبدأ مع الشريعة الإسلامية، وحينئذ تكون شيئاً آخر غير الضرورة في الشرع الإسلامي، ذات الملامح المحددة والخصائص المعلومة، فإذا انحرفت عن مقاصد الشرع فقدت فعاليتها، وبَطَلَ دورُها وأصبحت عنصراً غريباً فيه (¬1)، وفي هذا يقول ابن تيمية: «ومع أنه يجوز تولية غير الأهل - المناصبَ من خلافة وغيرها - للضرورة إذا كان أًصلح الموجود، فيجب مع ذلك السعي في إصلاح الأحوال حتى يكتمل في الناس ما لابد منه من أمور الولايات والإمارات ونحوها، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب» (¬2). لأن استمراء البقاء في ظل الضرورة ينتج عنه استثقال الحكم الأصلي بل ربما نتج عنه نسيان الحكم الأًصلي، حيث يظن صاحب هذه الحالة أن الضرورة هي الأصل وقد روي عن مالك - رحمه الله - في منع عمر - رضي الله عنه - للصيارفة غير المسلمين من البقاء في أسواق المسلمين لممارسة الصرافة: أن عمر رأى ذلك منعاً لذريعة اعتقاد صحة التعامل بالربا، لأن هؤلاء يتعاملون بالربا فإذا تركوا دون إنكار فربما ظن بعض المسلمين أن التعامل بالربا جائز في الشرع، ومن أجل أن لا يُنسى الحكم الأصلي كان من حكمة الشارع أن جعل في كثير من التخفيفات ما يُذكِّر دائماً بالأصل حتى لا تغلب حالة الضرورة على ذهن المكلف (¬3). وقبل أن أنهي الكلام على الإكراه وأثره على التصرفات، أُطلِق دعوةً للباحثين والعلماء لبحث أثر الإكراه السياسي أو الاقتصادي أو التهديد بالقوة العسكرية من الدول الغربية على الدول الإسلامية، وهل يبيح الفعلَ المكره عليه أو لا؟ وما الذي يبيحه من الأفعال وما الذي لا يبيحه؟. ¬
وللضرورة السياسية أمثلة منها
ويمكن هنا طرح ثلاث مسائل: الإكراه على تغيير المناهج وعدم تحكيم شرع الله، والإكراه على التزام البعد عن صناعات معينة كالطاقة النووية، والإكراه على البعد عن السعي لتوحيد الدول الإسلامية ولمِّ شملها. وللضرورة السياسية أمثلة منها: 1 - قَبول سيدنا علي - رضي الله عنه - ما عرضه عليه معاوية - رضي الله عنه - من الهدنة سنة أربعين للهجرة بعد عجز كلٍ منهما عن هزيمة الآخر، بأن يضعا الحرب بينهما ويكون لعلي - رضي الله عنه - العراق، ولمعاوية - رضي الله عنه - الشام، فلا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو، فأقام معاوية بالشام بجنوده يجبيها وما حولها وعلي بالعراق يجبيها ويقسمها بين جنوده (¬1). 2 - جواز مبايعة المفضول مع وجود الفاضل أو الأفضل: أي إنه إذا توافرت شروط الولاية العامة في رجل، ولم تتوافر كلها في آخر فيجوز مبايعة هذا الأخير وتوليته للضرورة منعاً من الفتنة والاضطراب في الداخل، وتحاشياً من التعرض للأذى والعدوان من العدو في الخارج، وذلك إذا حالت ظروف معينة من تولية المستجمع لشرائط الولاية، أو لم تستكمل تلك الشروط في شخص ما. ويمكن القول إن جميع الشروط - باستثناء التي حصل الاتفاق عليها على الإطلاق كما مر- الواجب توفرها في الخليفة يمكن التنازل عنها عند الضرورة (¬2). وفي هذا يقول التفتازاني: «وبالجملة مبنى ما ذكر في باب الإمامة على الاختيار والاقتدار، وأما عند العجز والاضطرار، واستيلاء الظلمة والكفار والفجار فقد صارت الرياسة الدنيوية تغلبية، وبنيت عليها الأحكام الدينية المنوطة بالإمام ضرورة، ولم يعبأ بسائر الشرائط، والضرورات تبيح المحظورات» (¬3). ويقول القلقشندي: «واعلم أن لصحة عقد البيعة خمسة شروط: الأول: أن ¬
يجتمع في المأخوذ له البيعة شروط الإمامة، فلا تنعقد مع فوات واحد منها إلا مع الشوكة والقهر» (¬1). ويقول الغزالي: «فإن قيل: فإن تسامحتم بخصلة العلم، لزمكم التسامح بخصلة العدالة وغير ذلك من الخصال. قلنا: ليست هذه مسامحة عن الاختيار، ولكن الضرورات تبيح المحظورات، فنحن نعلم أن تناول الميتة محظور، ولكن الموت أشد منه، فليت شعري من لا يساعد على هذا ويقضي ببطلان الإمامة في عصرنا لفوات شروطها، وهو عاجز عن الاستبدال بالمتصدي لها بل هو فاقد للمتصف بشروطها، فأي أحواله أحسن؟ أن يقول: القضاة معزولون، والولايات باطلة، والأنكحة غير منعقدة، وجميع تصرفات الولاة في أقطار العالم غير نافذة، وأن الخلق كلهم مقدمون على الحرام، أو أن يقول: الإمامة منعقدة، والتصرفات والولايات نافذة بحكم الحال والاضطرار ... وأهون الشرين خير بالإضافة، ويجب على العاقل اختياره» (¬2). كما نقل عن الإمام أحمد إسقاط شرط العدالة والعلم - عند الضرورة - في حال الاستيلاء على الحكم ممن لا يملك صفة العدالة والعلم (¬3). وهو رأي المذهب الشافعي (¬4) والمالكي (¬5) والزيدي (¬6). 3 - نفاذ تصرفات الإمام المستولي على الناس رغم عدم توفر شروط الإمامة فيه، فتولية من لم تتوفر فيه شروط الإمامة حكم مستند إلى الضرورة والمصلحة المرسلة، ونفاذ تصرفاته حكم مستند إلى الضرورة أيضاً، كما قال العز بن عبد ¬
من له حق تقدير الضرورة
السلام (¬1) والغزالي ومثَّل به للمصلحة المرسلة فقال: «وكذلك نقول في المستظهر بشوكته المستولي على الناس المطاع فيما بينهم، وقد شغر الزمان عن مستجمع لشرائط الإمامة ينفذ أمره لأن ذلك يجر فساداً عظيماً لو لم نَقُلْ به» (¬2). 4 - الحاجة لتصحيح الخلافة الأموية بالأندلس والخلافة الفاطمية ببلاد المغرب والديار المصرية، مع قيام الخلافة العباسية بالعراق وانسحابها على سائر الأقطار والبلدان، كما قال الإسفراييني والجويني (¬3)، ومعلوم أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، وخاصة إذا كانت عامة كما في موضوع الخلافة. من له حق تقدير الضرورة: الضرورة من الأمور الاجتهادية، فمنها ما هو متصل بأمور الجماعة، ومنها ما هو متعلق بخصوصيات الأفراد؛ أما ما كان متصلاً بأمور الجماعة والمجتمع فهو مسؤولية الحاكم الشرعي صاحب السلطة التنفيذية في البلاد. فتوقيف تنفيذ حد السرقة لمدة معينة الذي كان ضرورياً بسبب المجاعة كان من شأن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أما ما كان متصلاً بخصوصيات الأفراد فتقديره موكول إلى دياناتهم، يحكمون فيها ضمائرهم؛ بحيث تتفق ممارستهم مع أحكام الشريعة، في غير خدعة ولا تضليل، فالله سبحانه مطلع على سرائرهم وحقيقة نواياهم؛ إذ الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، وهي مما يستفتي فيها المرء نفسه، وإن أفتاه المفتون وأفتوه (¬4). أحكام الضرورة: 1 - انتفاء الإثم عن المضطر، أي رفع العقوبة عنه في الآخرة وعدم توجيه اللوم له في الدنيا، وخلص الفقهاء في هذا إلى قاعدة (لا إثم مع الضرورة) (¬5). 2 - الأخذ بالرخصة التي أباحتها الضرورة إما واجب أو مباح على اختلاف ¬
بين الفقهاء؛ فقد ذهب فريق من الفقهاء إلى القول بالإباحة، فالمضطر مخير بين الأخذ بالرخصة، وبين تركها؛ إذ أن هذا هو الذي يتفق ومعنى الرخصة، وأيَّدوا هذا الموقف أيضاً بما روي عن عبد الله بن حذافة السهمي أن طاغية الروم حبسه في بيت، وجعل معه خمراً ممزوجاً بماء، ولحم خنزير مشوياً ثلاثة أيام، فلم يأكل ولم يشرب حتى مال رأسه من الجوع والعطش، وخشوا موته فأخرجوه فقال: ... «قد كان الله أحلَّه لي؛ لأني مضطر، ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام» ولأن إباحة الأكل رخصة فلا تجب عليه كسائر الرخص، ولأنَّ له غرضاً في اجتناب النجاسة والأخذ بالعزيمة، وفارق الحلال في هذا الأصل من هذه الوجوه. وذهب فريق آخر إلى أن الحكم في حال الضرورة هو وجوب الأخذ بالرخصة وهو قول مسروق، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي، قال الأثرم: سئل أبو عبد الله عن المضطر يجد الميتة ولم يأكل؟ فذكر قول مسروق: من اضطر فلم يأكل، ولم يشرب فمات دخل النار، وهذا اختيار ابن حامد، وذلك لقول الله - عز وجل -: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة/195. وقال الله - عز وجل -: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء/29. ولأنه قادر على إحياء نفسه بما أحله الله له، فلزمه كما لو كان معه طعام حلال (¬1). 3 - لا رخصة بسبب معصية، فلو نشأت الضرورة نتيجة ارتكاب معصية فليس للمتلبس بها الترخص بما يباح لمن عداه (¬2). 4 - وجوب الاقتصار في تناول المحظور، أو ترك الواجب المطلوب، على القدر الذي يرفع الضرر دون زيادة عليه، إذا كان الضرر مؤقتاً مرجو الزوال، أما إذا كان مستمراً، وليس متوقعاً رفعه أو دفعه، فيباح الإعداد له إلى الوقت الذي يغلب على الظن استمراره. 5 - لا تبيح الضرورة للمضطر الاعتداء على مال غيره أو أخذه بدون إذن صاحبه ورضاه، وهذا ما تعبر عنه القاعدة الفقهية التالية: «الاضطرار لا يبطل ¬
حق الغير» (¬1). وللضرورة ضوابط معروفة فليَرجع إليها من أراد التفصيل (¬2). ¬
الفصل الثالث حكم تعدد الخلفاء
الفصل الثالث حكم تعدد الخلفاء وفيه ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: من لم يجوز تعدد الخلفاء أو أجازه بشروط. - المبحث الثاني: من أجاز تعدد الخلفاء مطلقاً. - المبحث الثالث: الأدلة.
المبحث الأول: من لم يجوز تعدد الخلفاء أو أجازه بشروط
المبحث الأول: من لم يجوز تعدد الخلفاء أو أجازه بشروط أولاً: حكم تعدد الخلفاء بالنظر إلى المكان: ينقسم الكلام هنا إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: حكم تعدد الخلفاء في البلد الواحد: لا خلاف بين المسلمين - باستثناء قلة (¬1) - في أنَّه لا يجوز عقد الإمامة لشخصين في صُقْع (¬2) واحد، متضايق الأقطار ومتقارب الأمصار، لما في ذلك من اختلال الرأي وتفرق الشمل ووقوع الفتنة، وهذا هو رأي أهل السنة من المتكلمين (¬3)، والحنفية (¬4) والمالكية (¬5) والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7) ¬
القسم الثاني: حكم تعدد الخلفاء في البلدان القريبة
والظاهرية (¬1) والمعتزلة (¬2) وأكثر الشيعة (¬3) وأكثر الزيدية (¬4) والإباضية (¬5). وقالت الجارودية من الزيدية في بعض الروايات بجواز تعدد الأئمة في البلد الواحد وفي نفس الوقت، وسيأتي بيان قولهم (¬6). القسم الثاني: حكم تعدد الخلفاء في البلدان القريبة: وكذلك الأمر في البلدان القريبة، فلا يجوز أن يكون فيها إلا خليفة واحد، وهو الحق الذي جاء به الدليل، وبهذا قال جمهور أهل السُّنَّة من المتكلمين (¬7) والحنفية (¬8) والمالكية (¬9) وأصح الوجهين عند الشافعية (¬10) ¬
والحنابلة (¬1) والظاهرية (¬2)، وهو رأي الإماميَّة (¬3) والإسماعيليَّة (¬4) وأكثر الزيدية (¬5) والمعتزلة (¬6) والخوارج (¬7) والإباضية (¬8). وأجاز بعض الإباضية التعددَ في البلدان القريبة عند الضرورة فقط، ولا يسمى كل واحد منهما إماماً، بل هو أمير من الأمراء (¬9). فإن عقد لاثنين في بلدين في وقت واحد فقد قال المالكية في قول (¬10) والإباضية (¬11): هي للذي عقدت له ببلد الإمام الميت. وقال الجبائي (¬12) والمالكية في قول آخر (¬13): يقرع بينهما، وقد رد ابنُ حزم قولَ من اشترط أن يكون الإمام ¬
القسم الثالث: حكم تعدد الخلفاء في البلدان البعيدة
من بلد الإمام الميت قبله (¬1). وأجاز بعض الزيدية تعدد الأئمة في بلدين (¬2). القسم الثالث: حكم تعدد الخلفاء في البلدان البعيدة: لا يختلف حكم تعدد الخلفاء هنا عن حكم التعدد في البلدان القريبة عند جمهور أهل السنة من المتكلمين (¬3)، والحنفية (¬4) وأكثر المالكية (¬5) والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7)، والظاهرية (¬8) والإباضية (¬9) والمعتزلة (¬10). إلا أنه أجاز بعض المتكلمين من أهل السنة تعدد الخلفاء في الأماكن البعيدة للضرورة كالإسفراييني (¬11)، والبغدادي (¬12) وأبي الحسن الأشعري (¬13)، والإيجي والجرجاني والفناري (¬14)، وظاهر كلام الجويني في كتابه (الإرشاد) (¬15)، والحقيقة أن ¬
الجويني لم يَقُلْ بجواز التعدد عند تباعد الأراضي، لكنه أجاز تعيين أمير آخر في البلد البعيد ولكنه لم يُسَمِّه خليفةً، وقد بيَّن الجويني رأيه هذا في كتابه (غياث الأمم) بقوله: «تباينت المذاهب إذا كانت الحالة بحيث لا ينبسط رأي الإمام الواحد على الممالك، وذلك يتصور بأسباب: أ- منها اتساع الخِطَّة وانسحاب الإسلام على أقطار متباينة، وقد يقع قوم في نبذة من الدنيا لا ينتهي إليهم نظر الإمام. ب- وقد يتولج خط من ديار الكفر بين خطة الإسلام، وينقطع بسبب ذلك نظر الإمام عن الذين وراءه من المسلمين، فإذا اتفق ما ذكرناه، فقد صار صائرون عند ذلك إلى تجويز نصب إمام في كل قطر لا يبلغه نظر الإمام، ويعزى هذا المذهب إلى شيخنا أبي الحسن والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني. وأنا أقول مستعيناً بالله: - والقائل هو الجويني- إن سبق عقدُ الإمامة لصالح لها، وكنَّا نراه عند العقد مستقلاً بالنظر في جميع الأقطار ثمَّ ظهر ما يمنع من انبثاث نظره، فلا وجه لترك الذين لا يبلغهم أمر الإمام مهملين ولكنَّهم ينصبون أميراً يرجعون إلى رأيه، ويصدرون عن أمره، ويلتزمون شرعة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فيما يأتون ويذرون، ولا يكون ذلك المنصوب إماماً، ولو زالت الموانع واستمكن الإمام من النظر لهم أذعن الأمير والرعايا للإمام، فإن رأى تقرير من نصبوه فَعَل وإن رأى تغيير الأمير فرأيه المتبوع. وإن لم يتقدم نصب إمام، ولكن خلا الدهر عن إمام في زمنِ فترةٍ وانفصل شطرٌ من الخطة عن شطر، وعَسُر نصب إمام واحد يشمل رأيه البلاد والعباد، فنُصِبَ أميرٌ في أحد الشطرين للضرورة في هذه الصورة، ونُصِبَ في القطر الآخر منصوب، ولم يقع العقد الواحد على حكم العموم، فالحقُّ المتبع في ذلك أنَّ واحداً منهما ليس إماماً إذ الإمام هو الواحد الذي به ارتباط المسلمين أجمعين، ولست أنكر تجويز نصبهما على حسب الحاجة ونفوذ أمرهما على موجب الشرع، ولكنَّه زمان خالٍ عن الإمام، ثم إن اتفق نصب إمام فحق على الأميرين أن يستسلما له» (¬1). كما أجاز بعض الفقهاء التعدد في البلدان البعيدة للضرورة: فقد ذهب المالكية في قول (¬2): إلى أنه إذا تباعدت البلاد وتعذرت الاستنابة ¬
جاز تعدد الأئمة بقدر الحاجة. وقال بعض الشافعية - كما ذكر الآمدي عنهم -: «إن تباعدت الأقطار وتناءت الديار بحيث لا يستقل إمام واحد بتدبيرها والنظر في أحوالها فقد قال بعض الأصحاب إنَّ إقامة إمام آخر في محل الاجتهاد». ولم يبين الآمدي رأيه هو أو من القائل بهذا (¬1)، وقد ذكر الحلي في تذكرة الفقهاء أن أبا إسحاق من الشافعية قال بجواز نصب إمامين بإقليمين (¬2). وأجازه بعض الحنابلة عند التغلب بناء على الضرورة (¬3). وقال القرطبي: إذا تباعدت الأقطار وتباينت كالأندلس وخراسان جاز إقامة إمامين (¬4). ويروى عن الأصم وغيره - كما ذكر يوجه سوي - إمكان وجود أكثر من إمام في دار الإسلام إذا استجدت ظروف تستوجب ذلك كفقد الإمام الواحد سيطرته على أرجاء الخلافة، وانعدام قدرته على ضبط الأمور، على أن يحكم كل واحد من الأئمة مصره، وعلى أن يكونوا متعاونين فيما بينهم على البر والتقوى (¬5). وقال بعض الإمامية بإمكان وجود إمامين أو أكثر ولكن الناطق منهم واحد، وزعموا أن علياً - رضي الله عنه - كان إماماً صامتاً في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا إمامين صامتين في وقت سيدنا علي - رضي الله عنه -، وأن الحسين بن علي - رضي الله عنه - كان إماماً صامتاً في عهد الحسن بن علي - رضي الله عنه - ثم نطق بعد موته، وأنكر أكثرهم ذلك، وعلى كل حال فلا يعتبر هذا قولاً بالتعدد طالما أن الإمام الناطق ¬
واحد (¬1)، ويستدلون على ذلك بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعدا» (¬2). بينما قال أكثر الإمامية - كما مر- بالمنع من التعدد، مستدلين بما رواه الكليني عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: «لا» قلت: يكون إمامان؟ قال: «لا، إلا وأحدهما صامت» (¬3). وأجاز تعددَ الخلفاء للضرورة من علماء القرن الماضي والذي قبله: 1 - مصطفى صبري حيث قال: إذا كان ذلك ضرورياً لبعد الشقة ولم يحصل مزاحمة كلٍ من الخلافات للأخرى فتنتقض قوة الكل، أو لا يتكون شيء منها رأساً وإن كان الأصوب والأنفع اتخاذ واحد منهم خليفة أعظم يقع نفوذه عليهم ويكون رأيه واجتهاده آخر مرجع لتوحيد الكلمة بين المسلمين (¬4). 2 - ورشيد رضا حيث قال: قول من قال بالتعدد للضرورة أقوى من قول الجمهور بإمامة المتغلب للضرورة إذا كان كلٌ مستجمعاً للشروط، فإن كان في هذه تفرق (¬5) فهو في غير عدوان ولا عداوة، وفي تلك (¬6) بغي وجور ربما يفسد الدين والدنيا معاً، بل أفسدهما بالفعل (¬7). 3 - وصديق حسن خان - ناقلاً عن الشوكاني - قال: «وأما بعد انتشار الإسلام واتساع رقعته وتباعد أطرافه فمعلوم أنه قد صار في كل قطر أو أقطار الولاية إمام أو سلطان، وفي القطر الآخر أو الأقطار كذلك، ولا ينفذ لبعضهم أمر ولا نهي في غير ¬
قطره أو أقطاره التي رجعت إلى ولايته فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، وتجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر ولا يجب على أهل القطر الآخر طاعته ولا الدخول تحت ولايته لتباعد الأقطار، فإنه قد لا يبلغ إلى ما تباعد منها خبر إمامها ولا يدرى من قام منهم أو مات، فالتكليف بالطاعة هذه تكليف بما لا يطاق، وهذا معلوم لكل من له اطلاع على أحوال العباد والبلاد، فإن أهل الصين والهند لا يدرون بمن له الولاية في أرض المغرب فضلاً عن أن يتمكنوا من طاعته وهكذا العكس، وكذلك أهل ما وراء النهر لا يدرون بمن له الولاية في اليمن وهكذا العكس، فاعرف هذا فإنه المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لما تدل عليه الأدلة، ودع عنك ما يقال في مخالفته، فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار» (¬1). ¬
ثانيا: حكم تعدد الخلفاء بالنظر إلى الزمان
ثانياً: حكم تعدد الخلفاء بالنظر إلى الزمان: مرَّ معنا حكم تعدد الخلفاء بالنظر إلى المكان، وعرفنا حكم عقد البيعة لاثنين معاً في البلد الواحد (¬1)، وفي البلدان القريبة (¬2)، وفي البلدان البعيدة (¬3). وأما حكم تعدد الخلفاء بالنظر إلى الزمان فالكلام فيه يقع أيضاً على ثلاثة أقسام، مع ملاحظة أن كلام العلماء عن عدم جواز التعدد في العصر الواحد يقصد به كل الدنيا، كما أن كلام العلماء عن عدم جواز التعدد في البلد الواحد يقصد به في نفس الزمان، فهذا التقسيم نظري قد تتداخل فيه الأقسام، وهدفه التوضيح: القسم الأول: حكم مبايعة خليفتين معاً بنفس الوقت: لا يجوز مبايعة خليفتين معاً بنفس الوقت، فإن عقدت لاثنين معاً بطلت فيهما، وبهذا قال المتكلمون من أهل السنة (¬4)، والحنفية (¬5) والمالكية (¬6) والشافعية (¬7) والحنابلة (¬8)، والإمامية (¬9) وأكثر الزيدية (¬10)، والإباضية (¬11) والمعتزلة (¬12). ¬
القسم الثاني: حكم مبايعة خليفتين على التعاقب
القسم الثاني: حكم مبايعة خليفتين على التعاقب: ونميز هنا بين حالتين: 1 - الحالة الأولى: تعدد الخلفاء عند معرفة الخليفة الأول: إذا تُوفِّي الإمام ووقعت البيعة لأكثر من شخص في أماكن مختلفة، بفارق زمني بينهما، فجمهور أهل السنة على أنَّ البيعة الأولى هي المعتبرة دون غيرها (¬1)، وهو رأي الحنفية (¬2) والمالكية (¬3) والشافعية (¬4) والحنابلة (¬5) والظاهرية (¬6)، والزيدية (¬7) والمعتزلة (¬8) وجعل ابن محبوب من الإباضية اختيارَ الأسبق بيعة كخيار أخير حيث قال: «إذا عقد كل فريق من المسلمين لإمام في موضع، فمن هو في موضع الأئمة فهو الإمام، وإن كانا في بلاد الإمامة فالذي قدمه أهل الدين أولى بالإمامة، فإن استويا فأفضل الإمامين ديناً وفقهاً وأقواهم في عز الدعوة أحق بالإمامة، وإن استويا فالمعقود له أولاً» (¬9). ¬
ورأي الجمهور هو الحق المؤيد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فُوا ببيعة الأول فالأول» (¬1)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» (¬2). ودفعاً لادِّعاءِ مدَّعٍ عقدَ الإمامة له سراً، متقدماً على عقد من كان العقد له جهراً عياناً، قال الآمدي وغيره: «قال بعض الأصحاب: يجب أن يكون اختيار الإمام بمحضر من الشهود وبينة عادلة، كفَّاً للخصام ووقوعِ الخلاف بين الأنام وادعاء مدع عقد الإمامة له سراً متقدماً على عقد من كان له جهراً عياناً، وهو لا محالة واقع في محل الاجتهاد» (¬3). وجاء بمقابل رأي الجمهور آراء أخرى منها: أ) هناك من رأى أن الإمام هو الذي عُقد له في بلد الإمام دون غيره، سواء عُقد له أولاً أم لا (¬4)، بينما جعل القاضي عبد الجبار نصبَ الإمام واجباً على أهل المدينة التي مات فيها الإمام، وهم بوجوب ذلك أولى ممن بعُد (¬5)، وهذا يعني أنه إذا بايع الإمامَ غيرُهم صحت البيعة، وهو كقول أهل السنَّة. ب) ورأى بعض الحنابلة ضرورة القرعة (¬6). ¬
عقوبة من يطلب الخلافة مع وجود خليفة
ت) وهناك من يرى باعتزال المعقود لهم حتى تُعقد الإمامةُ لأحدهم أو لغيرهم، أو بعرض اعتزال الأمر عليهم فالذي يأبى الاعتزال لا يكون إماماً وتعقد الإمامة لمن يعتزل (¬1)، وهي حلول نظرية يصعب تطبيقها. ج) وفصَّل الإباضية فقالوا: «ومن عقدت له الإمامة على بلدٍ مخصوصٍ أو إقليمٍ لا على الإطلاق ولا على الكل، ثم ولى أهلُ بلد إماماً على المسلمين كلهم والدنيا، فالأول عاملٌ له، وقيل: إن الأول هو الإمام على الكل ولا يستعمل غيره» (¬2)، والقول الثاني هو الموافق لقول أهل السنة. عقوبة من يطلب الخلافة مع وجود خليفة: إذا بويع لرجل آخر مع وجود الخليفة الأول وأصر على بيعته فهو من البغاة يجب أن يُقاتل حتى يرجع إلى الحق أو يقتل. والقتل يكون: - إمَّا حِسَّاً كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» (¬3) وكما قال - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: «إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان» (¬4) هذا إذا لم يندفع إلا بقتله (¬5). - أو يقتل معنى أي بعزله كما قال الشافعية (¬6). ويعزر الخليفة الثاني هو ومبايعوه إن علموا ببيعة السابق، لارتكابهم محرماً، فإن جهلوا فلا يعزرون، وأوَّلوا ما ورد في مسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر ¬
2 - الحالة الثانية: تعدد الخلفاء عند جهل تاريخ مبايعة كل منهما
منهما» بأن معنى الحديث لا تطيعوه وأعرضوا عنه أو اخلعوه، فيكون كمن قُتل، وكذا قال الخطابي في قول عمر - رضي الله عنه - يوم السقيفة في حق سعد: اقتلوه. أي اجعلوه كمن قتل (¬1). وقيل: معناه أنه إن أصر فهو باغ يقاتل (¬2). وقال السيوطي: «معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فاقتلوا الآخر) أي أنه يقاتل ولو أدى ذلك إلى قتله» (¬3). وسببُ تشددِ الشرع في حكم من يطلب الخلافة مع وجود خليفة، أنه لو تُرك وما يريد فسيؤدي إلى فتنة كبيرة وإلى شق صف المسلمين وضعفهم، لهذا كان قتله أفضل من سفك دم آلاف معه، ممن أيَّده أو ممن عارضه، إذا استفحل أمره. 2 - الحالة الثانية: تعدد الخلفاء عند جهل تاريخ مبايعة كل منهما: عرفنا حكم مبايعة خليفتين على التعاقب فيما مر، أما إذا لم يُعلم تاريخُ مبايعة كلِّ خليفة، فالأمر يخضع للاجتهاد؛ لأن الأدلة التي أمرت بقتل الثاني إنما هي عند معرفة الخليفة الأول، وأما عند جهله فلا دليل، لذا فقد اختلفت أقوال العلماء؛ فقال جمهور المتكلمين من أهل السنة (¬4)، والحنفية (¬5) والشافعية (¬6) والمالكية (¬7) ورواية عند الحنابلة (¬8)، والإباضية (¬9)، وأبو علي من المعتزلة (¬10) يجب إبطالُ الجميع، ¬
معيار الاختيار بين من يصلح للخلافة عند وجود أكثر من واحد
ويُبايَع من يقع عليه الاختيار منهما، ولا نختار من غيرهما لوجود شبهة ألغت النظر لغيرهما، ولامتناع تعدد الأئمة. وقال أبو هاشم من المعتزلة: نبطل البيعتين ونختار واحداً منهما أو من غيرهما (¬1)، وهو قول البلقيني من الشافعية (¬2) والتفتازاني (¬3) والآمدي (¬4) والجرجاني (¬5) والبغدادي (¬6) والجويني (¬7)، وابن حزم مع تقديم أحدهما إن أمكن وإلا فيختار من غيرهما (¬8). وفي الرواية الثانية عند الحنابلة: يقرع بينهما ولا يختار غيرهما (¬9). معيار الاختيار بين من يصلح للخلافة عند وجود أكثر من واحد: إن صلح للإمامة واحدٌ فقد تعيَّن، وإن صلح لها اثنان، فقد اختلف العلماء في الأصلح، وهذا راجع لكل عصر وحاجات الأمة فيه، فورد أنه يستحب لأهل العقد والحل أن: 1 - يقدموا في الأحوال العادية الأعلم فالأورع فالأسنُّ (¬10)، وعند الفرَّاء يقدم الأسنُّ (¬11). 2 - ثم إن كَثُرت الحروب كأن ظهر أهل الفساد أو البغاة فالأشجع أحق، لأنَّ الحاجة دعت إلى زيادة الشجاعة، وإن كَثُرت البدع فالأعلم أحق لأن الحاجة دعت إلى زيادة العلم (¬12). ¬
3 - وينقل ابنُ الهمام عن الإمام الغزالي قولَه: «إذا اجتمع عدد من الموصوفين بهذه الصفات فالإمام من انعقدت له البيعة من أكثر الخلق، والمخالف للأكثر باغ يجب رده إلى الانقياد إلى الحق». ثم يقول: «وكلام غيره من أهل السُّنَّة مقتضاه اعتبار السبق فقط، فإذا بايع الأقل ذا أهلية أولاً، ثم بايع الأكثرُ غيرَه فالثاني يجب رده، والإمام هو الأول. ويمكن تأويل كلام الحجة الغزالي على ما يوافق غيره من أهل السُّنَّة بأنَّ مراده من اجتماع العدد، اجتماعهم في الوجود لا في عقد الولاية لكل منهم، ويكون قوله: فالإمام من انعقدت له البيعة من أكثر الخلق جرياً على ما هو العادة الغالبة فلا مفهوم له وبالله التوفيق» (¬1). ويمكن تفسير قول الغزالي - أيضاً- بأن مراده أن الإمام يكون من أراد أن يَعقد له الأكثر، لا من عقد له الأكثر، وهو بهذا يستدل بمنهج عمر في الستة أصحاب الشورى عندما قال: «فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد، فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف، وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما» (¬2). 4 - فإن تنازعاها يقرع بينهما عند الحنابلة (¬3) وفي قول عند الشافعية (¬4)، واحتجوا بقول سعد؛ ولفظ الحديث ما رواه أبو حفص العكبري بإسناده عن ابن شبرمة: «أن الناس تشاحوا في الأذان يوم القادسية فأقرع بينهم سعد»، وبإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» (¬5). 5 - وقال أبو هاشم من المعتزلة: «فإذا كان في الزمان جماعة يتساوون في الفضل، وجب الإجماع على المشاورة في تقديم أحدهم، وإن لم يكن ما يوجب التقديم فالاختيار إليهم، ولهم أن يعقدوا للواحد منهم» (¬6). ¬
المبحث الثاني: من أجاز تعدد الخلفاء مطلقا
المبحث الثاني: من أجاز تعدد الخلفاء مطلقاً بقي أن أذكر أنَّ بعض الآراء قد شذَّت عن الجمهور وقالت بجواز التعدد مطلقاً وهم قلَّة قليلة أذكرها لاستكمال البحث: - فقد أجاز الجارودية من الزيدية في بعض الروايات تعدد الأئمة في البلد الواحد وفي نفس الوقت، وهو خلاف الإجماع المنعقد من السلف قبل ظهورهم (¬1). واحتج هؤلاء بقول الأنصار يوم السقيفة: «منَّا أمير ومنكم أمير» (¬2) واحتجوا بأمر علي والحسن مع معاوية - رضي الله عنهم -. وردَّ ابن حزم على هذا القول بأنَّ قول الأنصار كان خطأً لا صواباً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» (¬3). وأمَّا أمر عليٍّ والحسن ومعاوية - رضي الله عنهم - فقد صحَّ عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه أنذر بخارجة تخرج من طائفتين من أمة، يقتلها أَولى الطائفتين بالحق (¬4)، فكان عليٌّ - رضي الله عنه - قاتلَ تلك الطائفة (أي الخوارج). وأما علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه - فما سلَّم أحدهما للآخر، وكذلك كان الحسن - رضي الله عنه - مع معاوية - رضي الله عنه - إلى أن أسلمَ الأمرَ إليه (¬5). وقد بيَّن القمي حقيقةَ قول الجارودية بجواز التعدد في البلد الواحد بأنهم قصدوا بقولهم هذا دعاةَ الإمام المنتشرين في بقاع الأرض، فهم على هذا لا يقولون بالتعدد (¬6). ¬
- وهو رأي أبي الصباح السمرقندي (¬1)، والكرَّامية (كما نقل عنهم القرطبيُ (¬2) وابنُ تيمية (¬3) والبغداديُّ (¬4) وابنُ كثير (¬5) وابنُ حزم (¬6) والمقريزيُّ (¬7) والجرجاني (¬8) والشهرستاني (¬9))، حيث قالوا بجواز نصب إمامين أو أكثر، وغرضهم من ذلك هو إثبات إمامة كل من علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه -، فقد كان كلٌّ منهما - في رأيهم - إماماً ينفذ حكمه في أهل ولايته. وسبقت الإشارة لقول الزيدية: «لو وجد إمامان في قطرين انفرد كل واحد منهما بقطره، ويكون واجب الطاعة في قومه، ولو أفتى أحدهما بخلاف ما يفتي الآخر كان كل واحد منهما مصيباً وان أفتى باستحلال دم الإمام الآخر!!». ووافقهم الجبائي (¬10). وقد وصف الشهرستاني مذهبهم فقال: «ولهم خبط عظيم في إمامين وجدت فيهما الشرائطُ» (¬11). وهذا هو مذهب الحمزية من الخوارج (¬12). وفي قول ضعيف عند الإباضية أجازوا التعددَ في أكثر من بلد بلا ضرورة (¬13). ¬
وأجازه أيضاً في البلاد المتباعدة بدون ضرورة الجاحظُ (على رأي ابن المرتضى وقد تقدَّم أنَّ الجاحظ لم يُجوِّز التعدد (¬1)) وعبادُ المعتزلي (¬2)، والصيمري (¬3) وبعض التابعين، والإمام يحيى وأحد قولي المؤيد بالله (¬4) من الزيدية، واستدل بفعلِ الهادي والناصر، وقولِ الناصر: «من كان في ناحيتنا أجاب دعوتنا، ومن كان في ناحية الهادي أجاب دعوته». لكن نقلَ بعدها قولَ القاسمية من أهل العترة: «لم تنعقد إمامة الناصر إلا بعد وفاة الهادي» (¬5)، وهذا دليل على أنهم لم يقبلوا التعدد. ¬
المبحث الثالث: الأدلة
المبحث الثالث: الأدلة أولاً: أدلة من لم يجوز التعدد: استدل من لم يجوز التعدد بالقرآن والسُّنَّة وإجماع الصحابة والمعقول: 1 - فمن القرآن: - قوله - عز وجل -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} آل عمران/103. - وقوله - عز وجل -: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} آل عمران/105. - وقوله - عز وجل -: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال/46. - وغيرها من الآيات الكثيرة في هذا المعنى، ووجه الدلالة من هذه الآيات أنها جميعاً جاءت متفقة على الأمر بالوحدة والتضامن والنهي عن الافتراق والاختلاف، لما ينجم عن ذلك عادة من التنازع والفشل الممقوت، وكلها تدل على وجوب وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها، وذلك لا يتأتى إلا إذا كان إمامها واحداً لا ينازعه أحد. 2 - ومن السُّنَّة أحاديث منها: 1 - ما رواه مسلم عن أبي حازم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلَّما هلك نبيٌّ خَلَفَهُ نبيٌّ، وإنَّه لا نبيَّ بعدي وستكون خلفاء فتكثر» قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فُوا ببيعة الأوَّل فالأوَّل وأعطوهم حقَّهم فإنَّ الله سائلهم عمَّا استرعاهم» (¬1). 2 - ما جاء عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير وكنت أسأله عن الشر ... إلى أن قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» ¬
قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها» (¬1). 3 - ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» (¬2). 4 - ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخُدْري - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» (¬3). 5 - ما رواه مسلم عن عرفجة أنَّه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يَشُقَّ عصاكم أو يُفرِّقَ جماعتَكم فاقتلوه» (¬4). 6 - واستدل بقول أبي بكر - رضي الله عنه - يوم السقيفة: «وقد رضيت لكم أحد هذين ¬
الرجلين» أن شرط الإمام أن يكون واحداً (¬1). 7 - ما رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو يرفعه: «لا يَحلُّ لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمَّروا عليهم أحدَهم» (¬2) وروى أبو داود عن أبي سعيد يرفعه: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدَهم» (¬3) وكلمة أحد هي كلمة واحد، وهي تدل على العدد أي واحداً ليس أكثر، ويفهم ذلك من مفهوم المخالفة لكلمة (أحدهم) ومفهوم المخالفة يعمل به عند الجمهور عدا أبي حنيفة (¬4) وجماهير المعتزلة، فإذا كان الحكم الشرعي في حق إمارة الثلاثة هكذا فإنَّه في حق الأمَّة الإسلاميَّة في جميع أنحاء العالم من باب أولى. 8 - ويستأنس بما رواه الإمام أحمد أن ابن عمر - رضي الله عنه - أتى أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - فقال: يا أبا سعيد ألم أخبر أنك بايعت أميرين من قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد! قال: نعم، بايعت ابن الزبير، فجاء أهل الشام فساقوني إلى جيش ابن دلجة فبايعته. فقال ابن عمر - رضي الله عنه -: إياها كنت أخاف، إياها كنت أخاف. ومدَّ بها حماد - أحد رواة الحديث - صوتَه. قال أبو سعيد: يا أبا عبد الرحمن أوَ لم تسمع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من استطاع أن لا ينامَ نوماً ولا يصبحَ صباحاً ولا يمسيَ مساءاً إلا وعليه أمير. قال: نعم. ولكني أكره أن أبايع أميرين من قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد» (¬5). ¬
3 - ومن إجماع الصحابة - رضي الله عنهم -: في سقيفة بني ساعدة (¬1) لمَّا قال الحباب - رضي الله عنه -: «منَّا أمير ومنكم أمير» ردَّ عليه أبو بكر - رضي الله عنه -: «إنَّه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران» (¬2)، فأعطى بذلك الحكمَ الشرعي في وحدة الخلافة ولم ينكر عليه أحد فانعقد الإجماع، ونقل عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مثله يوم السقيفة: «سيفان في غمد واحد إذاً لا يصطلحان» (¬3). وقد نقل هذا الإجماعَ الإمامُ النووي عن الجويني (¬4) والقرطبي (¬5) والقاضي عبد ¬
ثانيا: أدلة من أجاز التعدد
الجبار (¬1) وابن حزم (¬2). وقد انعكس هذا على الواقع فالخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم -، ثمَّ خلفاء بني أميَّة، ثمَّ خلفاء بني العبَّاس بالعراق، ثمَّ خلفاؤهم بالديار المصريَّة، ثم خلفاء الدولة العثمانية، كلهم جارون على نسق واحد يتولى الخلافة منهم الواحد بعد الواحد، إمَّا بالعهد ممن قبله أو بالبيعة من أهل الحلِّ والعقد. كما كانت هذه هي ممارسات الصَّحابة - رضي الله عنهم - والتَّابعين ومَنْ بعدهم، فقد رفض محمد بن الحنفيَّة مبايعةَ ابن الزبير وعبد الملك بن مروان في فترة صراعهما وبايع عبدَ الملك بعد مقتل ابن الزبير، ورفض سعيد بن المسيب أن يبايع ابني عبد الملك بن مروان وقال: لم أكن لأبايع بيعتين في الإسلام بعد حديث سمعته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «إذا كانت بيعتان في الإسلام فاقتلوا الأحدث منهما» (¬3). 4 - ومن المعقول: فإن تعدد الأئمة والخلفاء يؤدي إلى التفرق والضعف والشقاق والخلاف، وربما إلى سفك الدماء، وهذا كله منهي عنه، فما يسببه منهي عنه أيضاً، فالطريق إلى الحرام حرام، ولأنَّ التعدد يقتضي لزوم امتثال أحكام متضادة (¬4). ثانياً: أدلة من أجاز التعدد: وقد استند من أجاز التعدد مطلقاً إلى قول الأنصار: «منا أمير ومنكم أمير» ولكن هذا الاقتراح رُفض من الصحابة، وتراجع الأنصار عن ذلك الاقتراح لما قال لهم أبو بكر: «إنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران» (¬5)، ونقل عن عمر أيضاً أنه قال: «لا يصلح سيفان في غمد واحد» (¬6). وكان سببَ اقتراح الأنصار ذلك ¬
خوفُهم من أن يَليَهم قومٌ قتل الأنصار آباءَهم وأبناءَهم (¬1). وقالوا إن تنصيب إمام في كل بلد يجعله أقدر على تحقيق مصالح الرعية ومتابعة شؤونهم، ومراقبة العمال والقضاة والولاة. واستدل الكرًّامية بأن علياً - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه - كانا إمامين (¬2)، وبأنَّه لمَّا جاز بعثة نبيين في عصر واحد ولم يؤد ذلك إلى إبطال النبوة كانت الإمامة أولى ولا يؤدي ذلك إلى إبطال الإمامة. وأجاب القرطبي: أن ذلك جائز لولا منع الشرع منه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فاقتلوا الآخر منهما» ولأنَّ الأمَّة عليه. وأما الاستدلال بجواز تعدد الأنبياء على جواز تعدد الأئمة فغير صحيح، لأن الأنبياء معصومون عن الخطأ، ومن جوَّز عليهم السهو لم يُجِزْ الإقرار عليه بل يُنهون في الوقت فيُؤمن من وقوع الفتنة، والأئمة غير معصومين ولا نأمن من وقوع الفتنة بتعددهم (¬3). كما استدل من قال بالتعدد عند الضرورة على نظرية الضرورة نفسها، وهذا واضح من اعتمادهم على الحجج المبنية على الضرورة والحاجة العامة مثل: أن تكون الحاجة تدعو لذلك، أو إذا بعد المدى وتخلل بين الإمامين شسوع النوى، أو يكون بين الصقعين حاجز من بحر أو عدو لا يطاق، ولم يقدر أهل كل من الصقعين على نصرة أهل الصقع الآخر (¬4). وأما معاوية - رضي الله عنه - فلم يدَّعِ الإمامة لنفسه (¬5) وإنَّما ادَّعى ولاية الشام بتولية مَنْ قَبْلَهُ من الأئمة، ومما يدل على هذا إجماع الأمة في عصرهما على أن الإمام أحدهما، ولم يقل أحدهما: إني إمام ومخالفي إمام (¬6). ¬
الترجيح
الترجيح: مما سبق من أدلة وما جاء في الرد عليها، يتوضح ضعف رأي من قال بجواز تعدد الخلفاء مطلقاً، ويُرَدُّ على من قال إن تنصيب إمام في كل بلد أفضل لتحقيق مصالح أهله، بأن هذا الأمر غير أكيد، بل إن وحدة الأمة تحت راية واحدة هي الأقدر على تحقيق مصالحهم، وخاصة في هذا العصر الذي يتميز بالتكتلات الكبرى، ثم إن الخليفة مكلف بحراسة الدين أيضاً، وليس فقط بتحقيق المصالح الدنيوية، وهذا لا يتأتى مع الفرقة والتعدد. ولا أدل على هذا من أن أعداء الأمة كان أول ما فعلوه عند تمكنهم من البلاد الإسلامية مطلع القرن الماضي بعد سقوط الخلافة العثمانية، وما قبله، هو تمزيقها وتجزئتها إلى دويلات ليسهل التحكم بها، ثم إن هذه المصالح التي يتكلمون عنها يمكن تحقيقها عن طريق تعيين الولاة في هذه البلاد المختلفة. وأما من قال بجواز التعدد بالضرورة فقوله صحيح، على ألا نتوسع بالضرورة ونظن أنها الحكم الأصلي في المسألة، وأن نسعى لإزالة أسباب الضرورة بكل ما نستطيع. قال محمد رشيد رضا: «آن للمسلمين أن يفقهوا أن جعل أحكام الضرورة في خلافة التغلب أصلاً ثابتاً دائماً هو الذي هدم بناء الإمامة، وترتب عليه تفرق الكلمة، وضعف الدين والدولة» (¬1). وأما قياس الإمامة على النبوة فهو قياس مع الفارق، إذ إن التنازع بين الأنبياء منفي، بعكس الخلفاء والأئمة، فالأنبياء معصومون دون غيرهم. ولابد من التريث قبل التسليم بما ذكره الطبري في تاريخه أنه في سنة 40هـ جرت بين علي - رضي الله عنه - وبين معاوية - رضي الله عنه - المهادنة على وضع الحرب بينهما وأن يكون لعلي - رضي الله عنه - العراق، ولمعاوية - رضي الله عنه - الشام، فلا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو، وأن معاوية - رضي الله عنه - أقام بجنوده في الشام يجبيها وما حولها وعلي - رضي الله عنه - في العراق يجيبها ويقسمها بين جنوده (¬2)، لأن هذه الرواية لو صحت ¬
لظهر أثرها على فتاوى الفقهاء بجواز تعدد الخلفاء، ولَمَا نقلوا الإجماع على عدم جواز تعددهم!!، إلا أن نعتبر أن هذا الاتفاق ليس إقراراً بجواز التعدد، بقدر ما هو قَبولٌ بأمرٍ واقعٍ لم يمكن إزالته بكل الوسائل فهو قَبولٌ مبني على الضرورة. وقد وردت أخبار موضوعة تروي مثل هذا (¬1). ثم إنَّ معاوية - رضي الله عنه - لم يدَّع الخلافة قبل واقعة التحكيم، ولم يكن يعلن إلا المطالبة بقتلة عثمان - رضي الله عنه -، وبعد حادثة التحكيم تمكن من أن يعلن نفسه خليفة ويُبايَع بذلك، وهذا الإعلان مبني على حكم الواقع، لا على حكم الشرع، وليس هذا دليلاً شرعياً على جواز التعدد، وخاصة إذا لاحظنا أن أبا موسى الأشعري قد عزل علياً - رضي الله عنه - عن الخلافة فاهتبلها عمرو بنُ العاص فرصةً فأعلن تثبيت ولاية معاوية (¬2). وقد اعتبر كثير من العلماء أن معاوية - رضي الله عنه - كان باغياً، ولم يقولوا إنه كان إماماً مع علي - رضي الله عنه - (¬3). ويقول رشيد رضا مستدلاً على التعدد - بعد أن نقل قول صديق حسن خان في التعدد -: «هذا أَوْجَهُ تفصيلٍ قيل في جواز التعدد للضرورة وهو اجتهاد وجيه ويشبهه عند بعض الأئمة تعدد الجمعة في البلد الواحد، فالأصل في الشرع أن يجتمع أهل البلد كلهم في مسجد واحد لأن للشارع حكمة جليلة في الاجتماع، فإن تعددت فالجمعة للسابق، والمتأخر لا يعتد بجمعته، فمتى علم أنها أقيمت في مسجد لم يجز أن تقام ثانية فيه ولا في غيره من ذلك البلد، وجوَّز التعددَ للضرورة بقدرها ¬
أشدُ المانعين حظراً له في حال الاختيار» (¬1). وأقول: شتان بين تعدد الجمعة في البلد الواحد، وبين تعدد الخلفاء في البلاد المختلفة فلا يصح قياسها به، وعلى كل حال فقول رشيد رضا في جواز التعدد إنما هو في حال الضرورة فقط (¬2). ثم إذا أمكن في بدايات الخلافة الإسلامية وحتى عصور طويلة بعدها أن تُثبِتَ فكرة وحدة الخلافة جدارتها وصوابها، رغم بعد المسافات وضعف وسائل الاتصال والمواصلات، فتحقيقها اليوم أسهل وأولى وأجدر، فلم يبق للمستدلين بالبعد أي حجة اليوم. وأقوى دليل على هذا الرأي هو الضرورة. فيكون هذا الحكم استثنائياً، يزول بزوال الضرورة، ويبقى جواز التعدد للضرورة مقترناً بحالة العجز عن الوحدة، مقدَّراً بقدرها، وعلى أن تبذل الجهود لإزالة أسباب الضرورة وليس الاستكانة لها، ففي المثال السابق يجب بناء مسجد جامع يتسع لكل الناس يوم الجمعة في كل بلد، وهذا ممكن الحصول وهو هدف ديني سياسي اجتماعي هام، وهذا خير من بناء الملاعب الضخمة لأهداف بسيطة، أو بناء المسارح الكبيرة وبذل الأموال عليها لأهداف أقل أهمية من هذا الهدف، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السعي نحو الوحدة. وينبغي ملاحظة أن السبب الأبرز الذي استند إليه من أجاز التعدد للضرورة هو تباعد الأراضي وما فيه من مشقة في حكمها على البعد، وهذا العذر قد زال تماماً في العصر الحاضر الذي اتصلت فيه المعمورة من أقصاها إلى أقصاها بوسائل الاتصال والمواصلات السريعة المختلفة، حتى أن الناس أصبحوا يعيشون بما يشبه قرية صغيرة فلم يعد البعد عذراً للتعدد، ثم إن البعد معيار غير منضبط فما كان يسمى بعيداً في الماضي لم يعد كذلك اليوم. ولكن لا زال الوضع العالمي العام مانعاً من قيام خلافة إسلامية، بل لعله ازداد شراسة وعنفاً، مع ملاحظة الضعف والتفرق الواقع في الأمة الإسلامية، مما يبقي التعدد جائزاً، ولكن لا بعذر البعد بل بعذر الوضع العالمي العام المانع من ذلك، ¬
إلى أن يأذن الله تعالى بتغيره، فهو تبرير لمرحلة مؤقتة من تفرق الأمة على عدد من القادة، على ألا تصبح قاعدة مضطردة ومنهجاً متبعاً وتبريراً لتفريق الأمة على الدوام.
الباب الثالث تعدد الخلفاء في التاريخ الإسلامي والتكييف الفقهي لذلك
الباب الثالث تعدد الخلفاء في التاريخ الإسلامي والتكييف الفقهي لذلك ويتضمن فصلين: - الفصل الأول: الخلاف بين عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - والأمويين. - الفصل الثاني: الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية والخلافة الأموية في الأندلس. ويشتمل على ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: الخلافة العباسية. - المبحث الثاني: الخلافة الفاطمية. - المبحث الثالث: الخلافة الأموية في الأندلس.
الفصل الأول الخلاف بين عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - والأمويين
الفصل الأول الخلاف بين عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - والأمويين توطئة: الصراع على الحكم ظاهرة اجتماعية وتاريخية لا يمكن تجاهلها، ولا يمكننا استثناء فترة الخلافة الإسلامية عبر العصور من هذه الظاهرة، وسأبين في هذا الباب ما حصل عبر التاريخ من تنازع على الخلافة، مقتصراً على تسليط الضوء على ما وصل إلى مرحلة التعدد الفعلي للخلفاء - بغض النظر عن الاعتراف لهم بشرعية إطلاق اسم الخلفاء عليهم كلهم أو لا - وفق التسلسل الزمني للظهور. وإنما أردت أن أشير لهذا التعدد لمعرفة رأي الفقهاء فيه، ولمعرفة كم هو مقدار هذا التعدد وحجمه زمنياً في التاريخ مقارنة بمسيرة التاريخ الإسلامي كله، وأنه ليس - كما قال بعضهم - شاملاً لأغلب التاريخ الإسلامي، بل كانت القاعدة الأساسية هي وحدة الأمة ووحدة الخلافة، فالخلافة الإسلامية منذ نشأتها بقيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تقبل التعدد، واستمر هذا الأمر قروناً حتى انهيار الخلافة العثمانية، وما حصل من تعدد في فترات متقطعة من هذا التاريخ الطويل يمثل استثناء من هذه القاعدة، ويستمد شرعيته من أحكام الضرورة، فهي خلافات ناقصة، والاقتتال الداخلي والفتن التي تصاحب التعدد في الغالب دليلٌ على صواب رأي من قال بوحدة الخلافة وخطأ تعددها (¬1). ولكن ينبغي أن نتنبه إلى أن ذكر هذا التعدد ليس دليلاً للجواز، لأن الدليل لا يكون من الواقع بل من النصوص الشرعية، فالنص يحكم على الواقع وليس العكس، وذلك بعد استثناء الخلاف بين علي ومعاوية، ثم الخلاف بين الحسن بن علي ومعاوية - رضي الله عنهم - لأن له صبغة فقهية شرعية لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» (¬2)، أما ما حصل من خلاف على منصب ¬
1 - عبد الله بن الزبير ويزيد بن معاوية
الخلافة بعد ذلك فليس له صبغة فقهية يُستدل بها على أحكام التعدد، لذا أدرجته ضمن القسم التاريخي لا الفقهي. وقد كان ما حصل بين عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما والأمويين المظهرَ الثالث لتعدد الخلافة في التاريخ الإسلامي، وذلك بعد ما حصل بين علي ومعاوية أولاً، ثم بين الحسن بن علي ومعاوية - رضي الله عنهم - ثانياً. ولما تنازل الحسن بن علي - رضي الله عنه - عن الخلافة لمعاوية هدأت النفوس واستقرت الخلافة لمعاوية - رضي الله عنه - واجتمعت كلمة المسلمين عليه، ثم ما لبثت أن عادت الخلافات إلى السطح مرة أخرى عندما أراد معاوية أن يبايع لابنه يزيد بالخلافة من بعده (¬1)، والتي جاءت على الشكل التالي: 1 - عبد الله بن الزبير ويزيد بن معاوية (¬2): أراد معاوية - رضي الله عنه - أن يعهد بالخلافة من بعده لابنه يزيد ويبايع له، حتى لا تظهر الفتنة في أمر الخلافة مرة ثانية بعد موته، ورغم ذلك فقد كان عهدُ يزيد عهدَ اضطرابات سياسية، فقد ثار عليه معظم الأمصار الإسلامية كالبصرة والكوفة والمدينة والحجاز عموماً. وكانت بداية ظهور فكرة تولية يزيد الخلافة بعد معاوية - رضي الله عنه - عندما أراد معاوية - رضي الله عنه - أن يعزل المغيرةَ بنَ شعبة عن الكوفة، فسمع بذلك المغيرة فقدم إلى الشام وطرح عليه فكرة تولية يزيد بعده ليتراجع عن عزله وذكر له أنه يعمل على ذلك، فأعجب معاوية - رضي الله عنه - بذلك - ولعل الأمر كان في نفسه أيضاً - وأعاده والياً على الكوفة ليُتِمَّ ما بدأه (¬3). وصار معاوية - رضي الله عنه - يمهِّد لإعلان ذلك، فدعا وفود الأمصار إليه وبدأ يرتب ¬
الأمر (¬1)، ولما رفض الصحابة في المدينة طلب مروان بن الحكم أن يبايعوا ليزيد، سافر معاوية إلى المدينة ليقنعهم برأيه ويبيِّن لهم حُجَّته فخطب فيهم قائلاً: يا أيها الناس قد علمتُ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض ولم يستخلف أحداً فرأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر، فلما حضرته الوفاة استخلف عمر، فلما حضرته الوفاة رأى أن يجعلها شورى بين ستة، فصنع أبو بكر ما لم يصنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصنع عمر ما لم يصنعه أبو بكر، كل ذلك يصنعونه نظراً للمسلمين، فلذلك رأيت أن أبايع ليزيد لِما وقع الناس فيه من اختلاف. فردَّ عليه كبار أبناء الصحابة ورفضوا قوله ورأيه، واعتبروا عمله مغايراً للسنَّة ولمفهوم الشورى والاختيار، وعلى رأسهم الحسين بن علي (¬2) وعبد الله بن الزبير (¬3) وعبد الله بن عمر (¬4) وعبد الرحمن بن أبي بكر (¬5)، وعبد الله بن عباس ¬
وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنهم - (¬1)، وكان ابن الزبير من أشدهم إنكاراً وكانت وجهة نظره أنه لا يجوز أن يبايع لاثنين معاً، فقد روى الأصبهاني عن ابن شهاب أن القاسم بن محمد أخبره أن معاوية أُخبر أن عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير - رضي الله عنهم - خرجوا من المدينة عائذين بالكعبة من بيعة يزيد، فلما قدم معاوية مكة دعا ابن الزبير فقال له: هذا صنيعك أنت استزللت هذين الرجلين وسننت هذا الأمر وإنما أنت ثعلب رواغ لا تخرج من جحر إلا دخلت في آخر. فقال ابن الزبير: ليس بي شقاق ولكن أكره أن أبايع رجلين، أيكما أطيع بعد أن أعطيكما العهود والمواثيق! فإن كنتَ مللتَ الإمارة فبايع ليزيد فنحن نبايعه معك، ويبدو أن معاوية - رضي الله عنه - اتهم كل واحد منهم بأنه كان وراء رفض مبايعة يزيد ليتبين له من كان يقود هذه المعارضة (¬2). وأعرَض بعد ذلك معاوية - رضي الله عنه - عن البيعة حتى مات الحسن بن علي - رضي الله عنه - سنة 51 هـ (¬3)، فأخذ بعدها من الناس البيعة العامة ليزيد، وترك الحسين وابن عمر وابن أبي بكر وابن الزبير - رضي الله عنهم - دون أن يبايعوا (¬4) وبهذه البيعة أصبح يزيد بن معاوية ولي العهد لأبيه، وأصبحت بيعته ملزمة للناس وهو خليفة المسلمين المنتظر، وطاعته واجبة في غير معصية الله. وكان ما قام به معاوية - رضي الله عنه - في نظر بعضهم (¬5) - عاملاً من عوامل جمع ¬
كلمة المسلمين بدلاً من تفرقها بين الطامعين في الخلافة، فقد كان يزيد مؤيَّداً من قبيلة أمه بني كلب (¬1) وحلفائها مثل خولان وسكون وجذام، وكانت الخلافة تحتاج إلى عصبية تدعمها، وتعيد هيبتها وتستمر في حمايتها ضد الذين أفرطوا في التطاول على منصب الخلافة الذي راح ضحيته أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ومن بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. وبعد وفاة معاوية أراد يزيد أن يؤكد البيعة له وذلك في نصف رجب سنة ستين وكانت سِنُّهُ حينئذ ثلاثاً وثلاثين سنة، ولما تولى كان على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعلى مكة عمرو بن سعيد بن العاص وعلى البصرة عبيد الله بن زياد وعلى الكوفة النعمان بن بشير ولم يكن ليزيد همة حين ولي إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية بيعته، فكتب إلى الوليد يخبره بموت معاوية وكتاباً آخر صغيراً فيه: «أما بعد فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذاً ليس فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام» ففشل، وكان أشدهم رفضاً للبيعة الحسين بن علي وابن الزبير رضي الله عنهما؛ فأما ابن الزبير فقد خرج من المدينة بعد رفضه المبايعة ليزيد حتى قدم مكة وأقام فيها، وصار يدعو إلى نفسه سراً، ثمَّ لحقه الحسين بن علي أيضاً بعد أيام، ثمَّ جاءت كتب أهل العراق إلى الحسين يسألونه القدوم عليهم فسار بجميع أهله حتى بلغ كربلاء بقرب الكوفة، فعرض له جيش عبيد الله بن زياد فقتله وقتل معه كثيراً من أهله، في قصة مأساوية ليس هنا مكان تفصيلها (¬2). ولما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما أظهر ابنُ الزبير شتمَ يزيد، فأرسل له يزيد من المدينة سبعمائة وعليهم أنيس بن عمرو الأسلمي، ونحو ألفي رجل وعليهم عمرو بن الزبير، وهو أخو عبد الله بن الزبير، وكان بينهما بغض ¬
شديد، وأرسل عبدُ الله بن الزبير عبدَ الله بن صفوان نحو أنيس فيمن معه من أهل مكة ممن اجتمع إليه، فهزمه ابن صفوان وقتل أنيس بن عمرو، وسار مصعب بن عبد الرحمن إلى عمرو بن الزبير فتفرق عن عمرو أصحابه فقبض عليه ومات تحت السياط وهو يقتص منه لضربه بعض الناس لمَّا كان على شرطة المدينة (¬1). ثم خلع أهلُ المدينة يزيدَ وأمَّروا عليهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة. فبعث يزيدُ النعمان بن بشير الأنصاري فأمرهم بلزوم الطاعة وخوفهم الفتنة ففشل في إقناعهم. ثم إن أهل المدينة أخرجوا عثمان بن محمد بن أبي سفيان عامل يزيد وحصروا بني أمية بعد بيعتهم عبد الله بن حنظلة، فاجتمع بنو أمية ومواليهم ومن يرى رأيهم في ألف رجل حتى نزلوا دار مروان بن الحكم فكتبوا إلى يزيد يستغيثون به، فبعث إليهم مسلم بن عقبة المري (¬2) على رأس جيش بلغ اثني عشر ألفاً وأمره أن يسير إليهم، فكان من أمر الحَرَّة ما كان. ثم توجه الجيش إلى مكة لقتال ابن الزبير - رضي الله عنه - وعليهم الحصين بن نمير (¬3) بعد موت مسلم بن عقبة في الطريق، فقدم مكة لأربع بقين من المحرم سنة أربع وستين وقد بايع أهلُها وأهلُ الحجاز عبدَ الله بن الزبير واجتمعوا عليه، ولحق به المنهزمون من أهل المدينة وقدم عليه نجدة بن عامر الحنفي (¬4) في الناس من الخوارج يمنعون البيت، وخرج ابن الزبير إلى لقاء أهل الشام ومعه أخوه المنذر، وظلوا يتقاتلون بقية المحرم وصفر كله حتى إذا مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين رموا البيت بالمجانيق والعرَّادات (¬5) وحرقوه بالنار، وأقام أهل الشام يحاصرون ابن الزبير حتى بلغهم نعي يزيد بن معاوية لهلال ربيع الآخر، فقد توفي بحوارين من أرض الشام لأربع عشرة خلت من شهر ربيع الأول وكانت ولايته ثلاث سنين وستة أشهر وقيل ثمانية أشهر، وكانت هذه هي المواجهة ¬
تحليل الأحداث
الثانية بين يزيد وابن الزبير والتي انتهت بالفشل ورجوع الجيش إلى دمشق (¬1). بويع لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما بعدها بالخلافة في مكة والمدينة واليمن والعراق وخراسان ومصر، وبويع له أيضاً بحمص وقنسرين من الشام وكاد أن يتم له الأمر بجملته، لولا أن خرج عليه مروان بن الحكم فغلب على الشام ثم مصر، ثم غلب من بعده ابنه عبد الملك على العراق والحجاز كما سيأتي، وقد استمرت خلافة ابن الزبير حوالي تسع سنين، وكانت صورة أخرى لتعدد الخلفاء (¬2). تحليل الأحداث: انقسم الناس في تفسير دوافع ابن الزبير - رضي الله عنه - في خروجه على يزيد بن معاوية: فقال الذهبي وابن كثير وغيرهما: كان قيامه لله وهدفه هو إعادة نظام الشورى ورفض مبدأ توريث الخلافة، وقد شاركه عدد من الصحابة كالمسور بن مخرمة وعبد الله بن صفوان ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف وغيرهم من فضلاء عصرهم، وقام أهل المدينة بوجه يزيد وأيَّدوه وبايعوه، لِما شاع من فسق يزيد، وهيهات أن يكون خروج هؤلاء على يزيد لأجل الدنيا (¬3)، وابن الزبير إن أخطأ في هذا فإنه مجتهد مأجور بلا أدنى شك، وذلك لتعارض الأدلة الناهية عن الخروج على الحكام، مع الأدلة الآمرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فامتناع ابن الزبير - وكذا الحسين بن علي - رضي الله عنهم - عن بيعة يزيد بن معاوية لا يمكن تسميته بغياً، فهما لم يعتبرا يزيد إماماً، ولم يبدآه بقتال، ويمكن تسمية ما ¬
حصل بينهما من جهة، وبين يزيد من جهة أخرى، فتنة، لأنه قتال بين المسلمين لا نفع من ورائه ولا خير (¬1). بينما كان يرى بعض الصحابة أنَّ خروجه كان للدنيا ليثنوا الناس عن متابعته لما كانوا يرون في ذلك من الفتن وسفك الدماء. فعبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يحذر الناس أن خروج ابن الزبير - رضي الله عنه - إنما هو لأجل الملك فقط، بل وكان ينظر إلى جميع المتصارعين على الخلافة في تلك الفترة نفس النظرة (¬2)، ويمثِّل يزيد بن معاوية في نظره - رضي الله عنه - الخليفة الشرعيّ للمسلمين، وأنه قد أعطاه البيعة ولا يجوز الخروج عليه (¬3)، وكان ينظر لابن الزبير ومن معه على أنهم بغاة، وتمنى مقاتلتهم لبغيهم على بني أمية (¬4). وكذلك رفض محمد بن الحنفية الخروج على يزيد بن معاوية لما خلعه أهل المدينة ولم يخرج لا هو ولا ابن عباس مع الحسين بن علي - رضي الله عنهم - على يزيد (¬5). ¬
وكان ابن عباس وابن الحنفية يفضلان حكم بني أمية على حكم ابن الزبير (¬1)، ورفض ابن عمر وابن عباس وابن الحنفية وسعيد بن المسيب أن يبايعوا لابن الزبير حتى يجتمع الناس، ثم بايعوا - رضي الله عنهم - عبد الملك بن مروان بعد موت ابن الزبير (¬2). وكذلك كان أبو برزة الأسلمي وجندب بن عبد الله البجلي - رضي الله عنهم - يرون أن الجميع كانوا يقتتلون على الدنيا (¬3). وقال ابن خلدون عن عهد يزيد: «ولم يبق في المخالفة لهذا العهد - الذي اتفق عليه الجمهور - إلا ابن الزبير - رضي الله عنه -، وندور المخالف معروف» (¬4). وعلى كلٍ فإن هذا الخلاف في تفسير خروج ابن الزبير - رضي الله عنه - كان في حياة يزيد، أما بعد موته، وموت معاوية بن يزيد بعده بقليل، فقد بايع الناسُ ابنَ الزبير بيعة شرعية، وهو إن كان في نظر كثير ممن بقي من الصحابة في المدينة هو الأولى بالخلافة من يزيد في حياته، فإن خلافته اكتسبت شرعيتها الكاملة عند الجميع بعد وفاة يزيد وابنه معاوية بن يزيد (¬5). ¬
حكم خلافة يزيد بن معاوية
حكم خلافة يزيد بن معاوية: اختلف المؤرخون حول مبايعة معاوية - رضي الله عنه - بالعهد لابنه فانقسموا إلى فئتين؛ فالفئة الأولى كانت تؤيد وتبرر ما قام به معاوية - رضي الله عنه - حتى لا تتفرق كلمة الإسلام والمسلمين وتَزَعَّم هذه الفئة من المؤرخين ابنُ خلدون (¬1)، وكان الليث بن سعد يسميه أميرَ المؤمنين (¬2). أما الفئة الثانية فتنكر خلافة يزيد ولا ترى فيها أي ميزة وترى فيه المدلل وغير الكفء لهذه الولاية الكبيرة إذ إنه فيما يقولون كان منصرفاً إلى اللعب بالقردة وقولِ الشعر وسفك دماء الأبرياء كالحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، والهجوم على المدينتين المقدستين مكة والمدينة ورمي الكعبة بالأحجار والنفط وإحراقها (¬3)، وتضيف هذه الفئة بأن بيعة يزيد لا يتوافر فيها أسس البيعة الشرعية بل أخذت بالمال والدهاء والخوف والبطش والسيف، وممن قال بهذا من المؤرخين: الطبري (¬4) واليعقوبي (¬5) والمسعودي (¬6)، والدينوري (¬7) وغيرهم (¬8). ¬
2 - عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم
قال الأشعري: «اختلف المسلمون في إمامة يزيد فقال قائلون: كان إماماً بإجماع المسلمين على إمامته وبيعتهم له غير أن الحسين أنكر عليه أشياء مثلُها يُنكر, وقال قائلون بإمامته وتخطئة الحسين في إنكاره عليه , وقال قائلون لم يكن إماماً على وجه من الوجوه» (¬1). وقال ابن تيمية: «افترق الناس في يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثلاث فرق: طرفان ووسط؛ فأحد الطرفين قالوا: إنه كان كافراً منافقاً، والطرف الثاني يظنون أنه كان رجلاً صالحاً وإمام عدل وأنه كان من الصحابة، وكلا القولين ظاهر البطلان عند من له أدنى عقل وعلم بالأمور وسِيَرِ المتقدمين؛ ولهذا لا ينسب إلى أحد من أهل العلم المعروفين بالسنة ولا إلى ذي عقل من العقلاء الذين لهم رأي وخبرة، والقول الثالث: أنه كان ملكاً من ملوك المسلمين له حسنات وسيئات ولم يولد إلا في خلافة عثمان ولم يكن كافراً؛ ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين وما فعل بأهل الحرة ولم يكن صاحباً ولا من أولياء الله الصالحين وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة» (¬2). وسئل الحافظ عبد الغني المقدسي عن يزيد بن معاوية فأجاب بقوله: «خلافته صحيحة، وقال بعض العلماء: بايعه ستون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، منهم ابن عمر - رضي الله عنه -، وأما محبته: فمن أحبه فلا ينكر عليه، ومن لم يحبه فلا يلزمه ذلك، لأنه ليس من الصحابة الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيلزم محبتهم إكراماً لصحبتهم، وليس ثَمَّ أمرٌ يمتاز به عن غيره من خلفاء التابعين، كعبد الملك وبنيه، وإنما يمنع من التعرضِ للوقوع فيه، خوفاً من التسلق إلى أبيه، وسداً لباب الفتنة» (¬3). 2 - عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم (¬4): ¬
كانت وفاة يزيد بن معاوية بمثابة نكسة مؤقتة لحكم الأمويين، فبوفاته أعلن عبد الله بن الزبير - كما مر - نفسه خليفة في ربيع الثاني عام 64 هـ (¬1)، وكانت سنُّه تزيد على ستين سنة، فزادت قوة الحجاز ودان له اليمن، ونجح في السيطرة على المدينة وبايعه أهلها، وطرد الجالية الأموية التي كانت تقيم فيها وعلى رأسها مروان بن الحكم وولداه عبد الملك وعبد العزيز، وعين عليها أخاه عبيد الله بن الزبير. وقامت في مصر معركة محدودة لنصرة ابن الزبير - رضي الله عنه - انتهت بإعلان بيعته بالخلافة، فعيَّن لها ابنُ الزبير عبد الرحمن بن جحدم الفهري. وأما العراق وما وراءها فقد كان عبيد الله بن زياد يقبض على الأمور بيد من حديد، فارتقى منبر البصرة -عقب وفاة يزيد وتنازلِ معاوية الثاني- وخطب الناس يخيرهم في أمرهم ويُعرِّض لهم بنفسه فبايعوه بالخلافة، وطالب الكوفة بالبيعة فرفضوا، ولم تلبث البصرة أن ثارت عليه كذلك وولى البصريون واحداً منهم، وكاتبوا ابن الزبير يبايعونه بالخلافة، وفعلت الكوفة مثل ذلك، فقبل ابن الزبير منهم وأرسل إليهم عمالاً من قبله. أما الشام معقل الأمويين فلم تكن أكثر من غيرها ولاء للأمويين، إذ خرج معظم جهاتها عن طاعة الأمويين، ذلك أن الشام كانت موزعة بين أربع ولايات - بالإضافة إلى دمشق عاصمة الدولة - وهي: إقليم الثغور ويشمل شمالي الجزيرة العراقية أيضاً وعاصمته قنسرين، ثم ولاية حمص، وفي الجنوب ولايتا الأردن وفلسطين، فأما قنسرين وحمص فقد أعلنتا طاعتهما لابن الزبير مبايعتين بالخلافة، وأما فلسطين فقد تركها واليها حسان بن مالك بن بحدل الكلبي خال معاوية الثاني (¬2) وذهب إلى الأردن وأعلن تمسكه بخلافة الأمويين، وانضمت فلسطين بعد أن ¬
هجرها حسان ابن مالك إلى طاعة ابن الزبير كذلك، وبقيت دمشق بزعامة الضحاك بن قيس الفهري فترة غير واضحة الميول ثم بايعت ابن الزبير، ولم يبقَ للأمويين من نصر إلا ما يجدونه في طاعة الكلبيين بالأردن والقبائل اليمنية (¬1)، حتى كان من رأي مروان أن يسير إلى ابن الزبير فيبايعه بالخلافة، فقدم ابن زياد من العراق وبلغه ما يريد مروان أن يفعل، فقال له: قد استحييت لك من ذلك أنت كبير قريش وسيدها تمضي إلى أبي خبيب فتبايعه! - يعني ابن الزبير - فقال: ما فات شيء بعد (¬2). ويمكن تلخيص التيارات المتصارعة على الخلافة بعد موت يزيد وابنه معاوية بن يزيد بثلاثة تيَّارات سياسيَّة: الأول: التيَّار الإسلامي ويمثِّله ابن الزبير، والثَّاني: التيَّار القبلي ويمثِّله مروان بن الحكم، والثَّالث: التيَّار الوراثي الذي مثَّله خالد بن يزيد، ولكن لم يلبث أن سلَّم التيارُ الوراثي لمروان وبقي الصراع محصوراً بين التيارين الأول والثاني. وإنَّما كان تيار ابن الزبير تيَّاراً إسلامياً لأنَّه بويع بالخلافة - بعد موت يزيد بن معاوية وابنه - بناء على الشورى لا بالقوة كما فعل مروان بن الحكم، وقد كان اختيار مروان بن الحكم انتصاراً للمبدأ القبلي، الذي وقف حاجزاً أساسياً أمام نجاح المبدأ الإسلامي بالإضافة لصفات ابن الزبير التي كانت وراء انصراف النَّاس عنه بعد أن كانوا يؤيِّدونه كما سيأتي ذكره (¬3). وهكذا أصبح ابن الزبير - بعد موت يزيد وتنازل معاوية بن يزيد عن ¬
الخلافة - خليفةً شرعياً، فناهضه مروان بن الحكم مخالفاً بذلك حكماً شرعياً!! (¬1) فقد كان أمر الخلافة خاضعاً للشوكة فقط، فمن كان قوياً وفرض نفسه بالقوة كانت له الخلافة، وقد عبَّر عن هذا الواقع مروانُ بن الحكم بعد موت يزيد فقال: إني أرى فتنة تغلي مراجلها ... والمُلْكُ بعد أبي ليلى لمن غلبا (¬2) وكانت بداية ظهور أمر مروان بن الحكم - بعد إشارة عبيد الله بن زياد عليه بأن يرشح نفسه للخلافة - عندما عقد بنو أمية مؤتمراً في بلدة الجابية بايعوا فيه لمروان بن الحكم بعد أن رفضوا أن تنتقل الخلافة إلى أهل الحجاز (¬3)، وأيَّده بقية الأمراء حفاظاً على سلطان بني أمية، وبايعوا مروان بن الحكم، وبقي عليهم ليدخلوا دمشق أن يقاتلوا الضحاك بن قيس الفهري الذي كان يعسكر في مرج راهط (¬4) بعدما رفض الذهاب إلى مؤتمر الجابية، ومعه جيش قوامه ستون ألفاً أو مائة ألف على خلاف، فاقتتلوا ومروان يومئذ في جيش صغير من بني أمية ومواليهم وأتباعهم من أهل الشام قُدِّر بثلاثة عشر ألفاً، وقتل الضحاك بن قيس وانصدع الجيش، ودخل مروان بن الحكم دمشق ظافراً ونزل دار الإمارة، بعد أن بقيت الشام بعد معاوية بن يزيد دون خليفة أو حكومة نحو ستة أشهر، ثم تتابعت انتصارات مروان، فانضمت فلسطين إلى دمشق بعد هروب أميرها ناتل بن قيس ¬
حكم خلافة مروان بن الحكم
الجذامي إلى ابن الزبير بمكة، وأعلنت حمص ولاءها للأمويين بعد أن قتلَ أهلُ حمص النعمانَ بن بشير، ثم هرب أمير قنسرين والثغور فتحولت الولاية إلى طاعة مروان، وعادت الشام قوة متماسكة تحت راية الأمويين. ثم وجَّه مروان جيشاً بقيادة عبيد الله بن زياد إلى العراق لينتزعها من رجال ابن الزبير والذي لم يصل لوجهته إلا ومروان قد مات، وأعد مروان جيشاً آخر قاده بنفسه إلى مصر ليستعيدها، وخلَّف ابنه عبد الملك على دمشق، ونجح بعد اشتباك محدود في خداع عبد الرحمن بن جحدم إذ احتفظ به والياً عليها فاستسلم له، وعندئذ عزله وولى أخاه عبد العزيز مكانه. ورجع مروان إلى دمشق فلما دنا منه بلغه أن ابن الزبير قد بعث إليه أخاه مصعباً في جيش فأرسل إليه مروان عمرو بن سعيد قبل أن يدخل الشام فقاتله فانهزم مصعب وأصحابه. مات بالطاعون بعد ذلك في رمضان سنة 65 هـ وقيل بل قتلته زوجته، وكانت خلافته تسعة أشهر وكان قد عهد بالخلافة من بعده لابنه عبد الملك (¬1). حكم خلافة مروان بن الحكم: قال السيوطي: والأصح ما قاله الذهبي إن مروان لا يعد في أمراء المؤمنين بل هو باغ خارج على ابن الزبير، ولا عهدُه إلى ابنه بصحيح وإنما صحَّت خلافة عبد الملك من حين قتل ابن الزبير (¬2)، واعتبره ابن خلدون من ملوك المسلمين الشرعيين (¬3). ¬
3 - عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان
3 - عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان (¬1): بعد موت مروان بن الحكم بايع الناسُ عبدَ الملك في رمضان سنة 65 هـ، فوعد الناس خيراً ودعاهم إلى إحياء الكتاب والسنة وإقامة العدل , وكان معروفاً بالصدق والفضل والعلم فقبلوا منه ولم يختلف عليه أحد من أهل الشام (¬2). وقد كانت تنتظر عبد الملك مهام كبيرة، فلم تكن الأمور بأحسن حالاتها في البلاد الإسلامية، فتوطيد حكمه وتوحيد الدولة الإسلامية كان يتطلب منه مواجهة مع ابن الزبير والتي كان دونها مواجهات مع الشيعة (¬3) والخوارج والقيسية في قرقيسياء من جهة، كما كان عليه أن يسوي بعض المشاكل داخل البيت الأموي من جهة أخرى، مع الانتباه لتحركات الامبراطورية البيزنطية، وقد استطاع عبد الملك أن يتناول هذه المشاكل واحدة إثر أخرى بكفاءة وإصرار، فكان الخليفة الذي وحَّد الأمة الإسلامية للمرة الثانية بعد تفرقها، ولما انتصر على ابن الزبير سمي ذلك العام عام الجماعة، تشبيهاً له بعام الجماعة الأول الذي كان بعد تنازل الحسن بن علي - رضي الله عنه - عن الخلافة لمعاوية - رضي الله عنه - عام 41 هـ، وبالفعل فقد خاض عبد الملك عدة مواجهات للوصول إلى ذلك، أذكر منها ما حصل بينه وبين ابن الزبير فقط، وقد حصلت بينهما ثلاث مواجهات هي: المواجهة الأولى: استلم عبد الملك الخلافة وكان أبوه مروان قد بعث بعثين أحدهما إلى العراق عليه عبيد الله بن زياد، والآخر إلى المدينة عليه حبيش ابن دلجة (¬4)، فأما الجيش المتجه إلى العراق فلم يصل إلى ابن الزبير بسبب المعركة التي حصلت بينه وبين التوَّابين المطالبين بدم الحسين، مما أعاقه عن التقدم بعد أن أُثخن بالقتل والجراح (¬5). ¬
المواجهة الثانية
وأما الجيش المتجه إلى المدينة فقد حصلت عدة مواجهات بينه وبين جيوش ابن الزبير انتهت بهزيمته وكان فيه يومئذ يوسف بن الحكم والحجاج بن يوسف وما نجوا يومئذ إلا على جمل واحد، ورجعت فلول جيش حبيش إلى الشام (¬1). المواجهة الثانية: خرج عبد الملك بن مروان بنفسه إلى العراق لأخذها من مصعب بن الزبير، الذي كان أخذها من المختار، وفي طريقه استولى على قرقيسياء (¬2) بعد أن صالح زفر بن الحارث عاملها لابن الزبير، ثم توجه إلى الكوفة لقتال مصعب وكان قد كاتب وجوه الناس في الكوفة يعدهم ويمنيهم، ليتركوا نصرة مصعب ويخذلوه فلما تواقف الطرفان بدير الجاثليق (¬3) من مسكن خَذل أصحابُ مصعب مصعباً وتركوه وذهبوا إلى عبد الملك بن مروان وغدروا به، ودارت بينهما عدة معارك تمكن بعدها عبد الملك من القضاء عليه وكان ذلك سنة 71 هـ وقيل سنة 72 هـ، ودخل الكوفة وأخذ البيعة من أهلها لنفسه وأرسل ولاته على العراق (¬4). المواجهة الثالثة والأخيرة مع ابن الزبير: لم يبق أمام عبد الملك إلا الحجاز الذي يسيطر عليه عبد الله بن الزبير من مكة، وقد حانت الساعة الفاصلة، ساعة الحزم والحسم، فأرسل عبدُ الملك بن ¬
حكم خلافة عبد الملك بن مروان
مروان الحجاجَ بن يوسف الثقفي على رأس جيش قوامه ثلاثة آلاف لقتال عبد الله ابن الزبير المتحصن بمكة المكرمة فنزل بالطائف بلدته الأولى فهو من ثقيف ثم بدأ حصاره لابن الزبير في أول ذي القعدة من عام 72 هـ، وطلب المدد من عبد الملك فأرسل له جيشاً آخر على رأسه طارق بن عمرو فاحتل هذا الجيش المدينة في طريقه، ثم وصل إلى مكة وانضم إلى الحجاج. قاوم ابن الزبير بضراوة وظل الحصار مضروباً عليه سبعة أشهر، حتى تفرق عنه معظم أنصاره، لكنه ظل يقاوم رافضاً أن يستسلم منفذاً وصية أمه حتى بقي في قلة قليلة من أصحابه، كلما دخل عليه قوم من باب من أبواب الحرم حمل عليهم وحده فأخرجهم منه وهو يقول: لا عهد لي بغارة مثل السيل ... لا ينجلي غبارها حتى الليل إلى أن أصابته آجرة في مفرقه فَلَقَتْ رأسَه فوقف وهو يقول: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما يشير إلى أن الإصابة كانت من الإمام لا من الخلف، ثم وقع، وكان هذا في 17 جمادى الأولى سنة 73 هـ وكانت خلافته تسع سنين، وعادت الدولة موحدة لها خليفة واحد وصارت حدودها من نهر بلخ وجبال سجستان ومشارف الهند شرقاً إلى أواسط بلاد المغرب غرباً ومن بحر قزوين والبحر الأسود شمالاً إلى حدود النوبة والسودان جنوباً (¬1). حكم خلافة عبد الملك بن مروان: قال السيوطي: لم تصح خلافة عبد الملك بن مروان وبقي متغلباً على مصر والشام، ثم غلب على العراق وما والاها إلى أن قتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين فصحت خلافته من يومئذ واستوثق له الأمر (¬2). أما قبل ذلك فكانت خلافته تغلباً ¬
أسباب فشل ابن الزبير وعودة الخلافة للأمويين
وهذا ما ذكره ابن عمر - رضي الله عنه - لما طُعِن عَرَضاً في الحرم بسبب حرس الحجاج الذين كانوا موجودين، وعاده الحجاج في مرضه فلما خرج من عنده قال ابن عمر - رضي الله عنه -: «ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث: ظمء الهواجر ومكابدة الليل وألا أكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلت بنا» (¬1). وقال النووي: مذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوماً والحجاج ورفقته خارجون عليه (¬2) وكان يسمي فترتَه بالإمارة تارة وبالفتنة تارة أخرى (¬3). أسباب فشل ابن الزبير وعودة الخلافة للأمويين: يعزى فشل ابن الزبير لعوامل عدة منها: 1 - بقاؤه في مكة لا يغادرها إلى البلدان الأخرى لتتبع أمور الخلافة. 2 - بخله وعدم إنفاقه وخاصة على الجند والأتباع، وبشكل خاص بخله على قادة الجند الذين جاؤوا مع مصعب إليه بعد انتصاره على المختار. 3 - استقلاله برأيه وعدم مشاورته لأصحابه واكتفاؤه بشجاعته. وكان هذا جلياً بعد وفاة يزيد في رده على الحصين بن نمير لما عرض عليه أن يبايعه، وفي أمره بإخراج بني أمية من المدينة الذي أدى لجمع كلمتهم في دمشق على مروان. 6 - عدم مشاركة الضحاك بمرج راهط بالرأي والقتال وتركه وحده، فلو كان حاضراً بجنده في مؤتمر الجابية لاختلفت نتيجته. 7 - عدم إرسال الجيوش لتوحيد الدولة تحت راية واحدة، واستغلال قوته وضعف خصومه، وخاصة بعد موت يزيد، ثم بعد موت مروان وهزيمة جيشه الذي أرسله إلى الحجاز. 8 - عدم وجود عصبية قوية تدعمه كعصبية بني أمية ومن ورائهم بني كلب ومن معهم من القبائل. وأما عودة الخلافة للأمويين فكان سببه الرئيس العصبية القوية التي كانت ¬
بعض من اعتزل الفتنة
تدعمهم من قبائل بني كلب ومن معهم، وكان هذا واضحاً في خلاف معاوية - رضي الله عنه - مع علي - رضي الله عنه - ثم في حربهم للضحاك، فاستردوا الخلافة بعد أن خسروها رغم أن عدداً من أنصار الأمويين كان على استعداد للتخلي عن ولائهم لهم سعياً وراء مصالحهم الخاصة، وعبيد الله بن زياد والحصين بن نمير أبرز الأمثلة (¬1). بعض من اعتزل الفتنة: كان هناك اتجاه ثالث لا يتبنى رأي أيٍّ من الأطراف المتصارعة على الخلافة، سواء في أيام علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه - أو مَن بَعْدَهم، أذكره على عجل ودون تفصيل استكمالاً للصورة التي كانت تلك الأيام، وقد حوى هذا الاتجاه عدداً كبيراً من الصحابة والتابعين (¬2) ومنهم: سعد بن أبي وقاص (¬3) وعبد الله بن عمر (¬4) ومحمد بن مسلمة (¬5) وسعيد بن ¬
زيد (¬1) وأبو بَكْرَة (¬2) وأسامة بن زيد (¬3) وزيد بن ثابت (¬4) وأبو هريرة (¬5) والمغيرة بن شعبة (¬6) وسعيد بن العاص (¬7) وأهبان بن صيفي (¬8) وأبو موسى الأشعري (¬9) وجرير ابن عبد الله البجلي (¬10) وأبي سعيد الخدري (¬11) وكعب بن مالك (¬12) وحسان بن ثابت (¬13) وفضالة بن عبيد (¬14) والحكم بن عمرو الغفاري (¬15) ¬
وصهيب الرومي (¬1) وأبو أيوب الأنصاري (¬2) وعبد الله بن سلام (¬3) وعمران بن حصين (¬4) والأحنف بن قيس (¬5) وأبو العالية (¬6) وغيرهم - رضي الله عنهم -. ¬
الفصل الثاني الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية والخلافة الأموية في الأندلس
الفصل الثاني الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية والخلافة الأموية في الأندلس ويشتمل على ثلاثة مباحث: - المبحث الأول: الخلافة العباسية. - المبحث الثاني: الخلافة الفاطمية. - المبحث الثالث: الخلافة الأموية في الأندلس.
تمهيد
تمهيد: مرت فترة طويلة من استقرار وحدة الدولة الإسلامية بعد انتصار عبد الملك بن مروان على عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فقد مرَّ حوالي ستين سنة منذ سنة 73 هـ وحتى انهيار الدولة الأموية سنة 132 هـ، ولا أقصد بهذا أنه لم يكن هناك صراع على الحكم، فهذا لم ينتهِ ولن ينتهي طالما كانت هناك حياة في البشر، فالصراع والتدافع والتنافس سنة الحياة الدنيا، ولكن الذي أقصده هو عدم وصول هذا الصراع إلى درجة أن يكون هناك خليفتان أو أكثر للمسلمين في وقت واحد. وبعد انهيار الخلافة الأموية كانت الخلافة العباسية هي الخلافة الشرعية التي لا ينازع أحد في شرعيتها، ولكن طريقة قيامها حمل في طياته بذرة التعدد في الخلفاء للمرة الرابعة، فقد هرب عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس فاراً من بطش العباسيين، وأقام إمارة أموية مستقلة في الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية في دمشق بحوالي ست سنين، ثم لتتطور بعد ذلك إلى خلافة سنة 316 هـ نتيجة لعوامل مختلفة أهمها ضعف الخلافة العباسية وإعلان الخلافة الفاطمية سنة 295هـ. كما كانت الطريقة التي استغل بها العباسيون العلويين في بداية دعوتهم ثم انقلابهم عليهم بعد ذلك، سبباً في تشكل بذرة الخلافة الفاطمية، والتي كانت أيضاً مظهراً عملياً لتعدد الخلفاء في التاريخ الإسلامي، فاجتمع ولأول مرة ثلاثة خلفاء في وقت واحد. وتسهيلاً للبحث المتداخل والمتشابك زمنياً ومكانياً بشكل كبير، سأتناول الموضوع مجزَّأً إلى ثلاثة مباحث، تبعاً لأطرافه الثلاثة العباسيين والأمويين والفاطميين، مبيناً باختصار نشأة كل خلافة وطبيعة العلاقات التي كانت بين هذه الخلافات الثلاث.
المبحث الأول: الخلافة العباسية
المبحث الأول: الخلافة العباسية نظرة عامة للخلافة العباسية: كانت فترة الخلافة العباسية مليئة بمظاهر التعدد في الخلافة، سواءً كانت هذه المظاهر شكلية أو فعلية، فقد نشأت الدولة العباسية سنة 132 هـ وهي تحمل في طياتها بذور التعدد، لأنه كان وراء نشوئها عدد من الأسباب، منها المظالم التي كان يقوم بها الأمويون ضد القوميات غير العربية، واستئثارهم بالحكم وسوء توزيع الثروة، وكان من شعارات الثورة العباسية المساواة بين القوميات الإسلامية المختلفة، مما أظهر الروح القومية التي قويت بعد ذلك، وأقامت أسراً ودويلات إقليمية استقلت عن الدولة استقلالاً جزئياً، محافظة على ولائها للخليفة العباسي، ولم تكن ولاية وال في هذه الأقاليم المنفصلة تصبح شرعية إلا إذا أقرها الخليفة العباسي، من هذه الدول: الدولة الأغلبية التي أقامها إبراهيم بن الأغلب في أفريقية، والدولة الطاهرية التي أقامها طاهر بن الحسين في خراسان (¬1). وقبل ذلك كانت أجزاء من العالم الإسلامي قد انفصلت انفصالاً تاماً عن الخلافة العباسية كالأندلس التي استقل بها عبد الرحمن الداخل بعد قيام الدولة العباسية بقليل، ودولة الأدارسة: بالمغرب التي أسسها إدريس العلوي الفار من وجه الخلافة العباسية. وفي العصر العباسي الثاني الذي يبدأ بوفاة الواثق سنة 232 هـ دخلت الخلافة العباسية بفترة ضعفها وظهرت الإمارات المستقلة في الشرق والغرب على حد سواء، كدعوة القرامطة في الشام، والخوارج في المغرب، والإسماعيلية في اليمن والمغرب، والطولونيين والإخشيديين في مصر. هكذا بدت الخلافة العباسية من حيث الجملة، وسأركز البحث على أهم مظهر من مظاهر تعدد الخلفاء أثناء الخلافة العباسية، وهو الخلافة الأموية في الأندلس، والفاطمية في إفريقية والمغرب، ولبيان كيف نشأ التعدد الرابع للخلفاء من رحم هذه ¬
سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية
الخلافة أذكر التفاصيل التالية: سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية: لم يكن قيام الدولة العباسية على أنقاض دولة بني أمية حدثاً عابراً من أحداث التاريخ الإسلامي انتهى بمجرد تغيير للأسرة الحاكمة، بل كان في واقع الأمر ثورة جذرية على النظام القديم، تهيأ لها النجاح بفضل دعوة منظمة وتنظيم سري دقيق يعبر - على حد تعبير أحد المستشرقين- عن سخط عناصرَ مهمة من الأمة العربية الإسلامية على الحكم الأموي وعن رغبة مشتركة في إسقاطه (¬1). وكان معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - قد نجح في انتزاع الخلافة بعد صراع طويل مع الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ولم يكن هناك من ينافسه على الخلافة، ولا سيما بعد أن تنازل له عنها الحسن بن علي رضي الله عنهما سنة 41 هـ فيما عرف بعام الجماعة. بَيْدَ أنَّ هذا الاجتماع حول معاوية - رضي الله عنه - كان بمثابة هدنة مؤقتة، تحمل في طيَّاتها عوامل الاضطراب والعداوة، وأسباب الثورة والصراع (¬2)؛ إذ كان ثمة من المسلمين من ينكر على معاوية استيلاءه على الخلافة وافتئاته على حق آل البيت أولى الناس بهذا المنصب من وجهة نظرهم، ومن هؤلاء تكوَّن حزب الشيعة؛ فهم أنصار آل البيت المتحمسون للدفاع عن حقوقهم في الحكم والخلافة، ولا سيما حق علي - رضي الله عنه -. وهناك كذلك الخوارج وهم الذين يقولون باختيار الخلفاء من بين الأكفاء أنَّى كانت الطبقة التي كانوا ينتمون إليها، كما كانوا يرون عزل الخليفة منذ اللحظة التي يفقد فيها ثقة الأغلبية (¬3). وكانت نقطة البداية في معارضة حكم الأمويين حين أخذ معاوية - رضي الله عنه - البيعة لابنه يزيد من بعده، فكان بذلك أول من سنَّ سنة التوريث من خلفاء بني أمية، وهو ما أثار في نفوس عدد غير قليل من المسلمين شعوراً عارماً بالسخط وعدم الرضا؛ لأن معاوية خالف بذلك سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده في اختيار الخليفة، ¬
فقد كان اختيار الخليفة يتم بالشورى والانتخاب، فينتخبه أهل الحل والعقد، ثم تزكي الأمة في مجموعها هذا الانتخاب فيما عرف بالبيعة العامة، أو باستخلاف الإمام السابق للخليفة الذي بعده فيختار - كما فعل أبو بكر - رضي الله عنه - للأمة أفضل وأكفأ مَن فيها، ويعهد إليه بالأمر بعد أن يستشير الناس ويأخذ مواقفهم، فالعهد للابن لا يخلو من دافع العاطفة وحب الولد والتحيز للأسرة، ثم لا يُضمن - دائماً- أن الولد أو القريب من الكفاءة والفضل بحيث يكون أهلاً لهذا المنصب الخطير (¬1)، فكان مبدأ التوريث الذي سنَّه معاوية، والتزمه خلفاء بني أمية بعده أحد الاعتراضات الأساسية التي وجهتها المعارضة السياسية إلى الدولة الأموية (¬2). ولكنَّ هذا الاعتراض لم تسلم منه دولة الخلافة العباسية نفسها، ولا مَن جاء بعدها، حتى سقوط الخلافة العثمانية، ثم في كثير من البلاد الإسلامية بعد ذلك. وقد تركزت المعارضة السياسية المناوئة لبني أمية في حزبين أساسيين هما: آل البيت أو بنو هاشم من العلويين والعباسيين، والخوارج. ويعنينا في هذا السياق النشاط السياسي للحزب الأول، وهو النشاط الذي توَّجَهُ العباسيون بإسقاط دولة بني أمية، وبناء دولتهم التي عُمِّرت ما يربو على خمسة قرون «132 - 656هـ»، كانت خلافتهم خلالها هي الخلافة الشرعية للمسلمين. والحقُّ أن العلويين كانوا أسبق في المطالبة بالخلافة من العباسيين الذين تأخرت مشاركتهم السياسية الفاعلة إلى مطلع القرن الثاني الهجري، ففي أعقاب وفاة معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -، ومبايعة ابنه يزيد بالخلافة ظهرت ثلاث حركات ثورية من طراز واحد، وإن اختلف القائمون بها طبيعة وميولاً، أولها حركة الحسين بن علي - رضي الله عنه - التي انتهت باستشهاده في كربلاء بالكوفة سنة 61هـ، ثم ثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي دعا إلى حق محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بمحمد بن الحنفية في الخلافة، وفي مكة تجمع الهاشميون بعامة حول ¬
ثائرٍ ثالث - إن صح التعبير- على بني أمية هو عبد الله بن الزبير، الذي نجح في إعلان نفسه خليفة، وانضمت إليه مصر والعراق، وأغلب بلاد الشام إلى أن انقلبت الأمور عليه. أما أبناء الأسرة العباسية فظلوا بمنأى عن النشاط السياسي والتطلعات نحو الخلافة حتى عهد عمر بن عبد العزيز (100 - 101هـ)، وكانت صِلاتهم بالأمويين في مجموعها صِلات طيبة، تقوم على إظهار الطاعة والخضوع من جانب العباسيين، والاحترام والتكريم من جانب الخلفاء الأمويين (¬1)، ولعل من أبرز مظاهر هذا التكريم ما فعله عبد الملك بن مروان «65 - 86هـ» مع علي بن عبد الله بن عباس؛ حيث أقطعه قرية الحميمة (¬2) بمنطقة البلقاء في بلاد الشام، وهي القرية التي شهدت بداية انطلاق الدعوة العباسية. وذلك في الوقت الذي أثار فيه مقتل الحسين حماسة المسلمين؛ فتوحدت صفوف الشيعة وزادت الدعوة لآل علي قوة، واشتد العداء بين الأمويين والعلويين الذين أثاروا الفتن والثورات في الولايات الإسلامية (¬3). إذ انتشر التشيع منذ ذلك التاريخ لآل البيت، ونادى فريق من الشيعة بعلي زين العابدين بن الحسين بن علي إماماً، وعُرف هؤلاء بـ «الشيعة الإمامية»، في حين قام فريق آخر بالدعوة لمحمد بن علي بن أبي طالب المعروف بـ «ابن الحنفية»؛ نسبة إلى قبيلة أمه خولة بنت قيس بن جعفر الحنفي، وهي قبيلة بني حنيفة، وكان يتزعم هذا الفريق المختار بن عبيد الثقفي، وقائد حرسه أبو عمرو كيسان؛ ولذلك عرفت هذه الدعوة بالمختارية أو الكيسانية، ونسبت في بعض الأحيان إلى أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، فقيل لها: الهاشمية. على أن محمد بن الحنفية كان زاهداً في الخلافة؛ ولذلك بايع - كما مر -عبدَ الملك بنَ مروان بعد نجاحه في القضاء على فتنة ابن الزبير؛ كذلك فقد تبرأ محمد بن الحنفية من الآراء المنحرفة التي نادى بها كيسان وما تضمنته من أباطيل ¬
ذات لون شعوبي (¬1). وبعد وفاة محمد بن الحنفية التفَّ الشيعة حول ولده أبي هاشم عبد الله ونادوا بحقه في الإمامة، وقد جعل أبو هاشم يعيد ترتيب الدعوة إلى آل البيت، ويعمل على تنظيمها تنظيماً جديداً يمتاز بالسرية والإحكام، حتى يتمكن من إدراك هدفه وتحقيق غايته، ويبدو أن سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي «96 - 93هـ» قد أوجس خيفة من نشاطه والتفاف الناس حوله، فاستدعاه إلى دمشق، فلما التقى به وتحدث إليه، لمس فيه الذكاء المتقد والعلم الواسع والقدرة على الإقناع والتأثير في الناس، فدسَّ له من وضع له السم في شرابه في طريق عودته من الشام، فلما أحس بالسمِّ يسري في جسده توجه إلى علي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد بالحميمة، فتنازل عن حقه في الخلافة لبني عباس، وأعلم محمداً أن الخلافة صائرة إلى ولده، وأفضى له بأسرار دعوته، وبيَّن له الأسلوب الأمثل الذي يجب أن يتبعه في الدعوة، أو كما يقول ابن الأثير: «وأعلمه كيف يصنع» (¬2). وعلى أساس هذه الوصية، ورث محمد بن علي العباسي حق الكيسانية في الإمامة، فما كاد أبو هاشم يموت حتى قصده الشيعة وبايعوه، ثم عادوا إلى مراكزهم، وبدأوا في نشر الدعوة لمحمد بن علي العباسي عن طريق الدعاة» (¬3). والحق أن الروايات التاريخية التي أشارت إلى وصية أبي هاشم لبني عباس بالخلافة من بعده تعاني شيئاً غير قليل من النقص والاضطراب، فهي لا تبين على وجه اليقين هل كانت تلك الوصية شفهية أم كانت مكتوبة، وكذلك فثمة خلاف فيمن دُفعت إليه: هل هو علي بن عبد الله أم ابنه محمد الذي قيل إنه كان صغيراً آنذاك (¬4). ولذلك فإن نفراً من المؤرخين المحدثين يردون على هذه الرواية القائلة بتنازل أبي هاشم عن حقه في الخلافة إلى محمد بن علي العباسي، ويستندون في ردهم إلى أن الدعوة العباسية شقت طريقها بعد ذلك باسم الدعوة لآل البيت أو الرضا من ¬
آل محمد، وهو تعبير عام يشمل العلويين والعباسيين جميعاً؛ تمويهاً على الشيعة بوجه خاص، الأمر الذي يسقط رواية الوصية، فلو أن الإمامة انتقلت حقّاً من أبي هاشم إلى محمد بن علي لكان صرح بذلك، ولكانت الدعوة وجهت لآل العباس في ذلك الحين (¬1). وكذلك يستند من يرفضون الرواية القائلة بالوصية إلى أن العباسيين بعد استئثارهم بمنصب الخلافة، عمدوا إلى تدعيم موقفهم أمام دعاوى الشيعة، فاستندوا إلى أن حق الوراثة في التشريع الإسلامي يتيح لهم وراثة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن التشريع يقدم العم في الميراث على ابن البنت؛ ولذلك فإن العباسيين بوصفهم من نسل عم النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بالخلافة من نسل فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وفي المقابل يؤكد فريق آخر من الباحثين على أن رواية الوصية لا تمثل شيئاً بالنسبة لطموح العباسيين إلى الخلافة، وهو طموح موجود بالفعل، لا يقلل من شأنه نفي رواية الوصية أو التشكيك في صحتها، ومع ذلك فإنهم يرجحون صحة هذه الرواية لعدة أسباب منها: 1 - إن الدعوة السياسية خرجت إلى دائرة النور مباشرة بعد موت أبي هاشم. 2 - الشيعة الكيسانية - وهي شيعة أبي هاشم - أطاعت للعباسيين بالفعل، مع أن دعوتها كانت سرية وباطنة منذ مقتل الحسين - رضي الله عنه -، أو على الأقل منها خرجت فرقة العباسية، التي تثبت الإمامة في ولد العباس. 3 - إن صلة العباسيين بالكيسانية ليست جديدة، فقد كانت قائمة قبل وصية أبي هاشم، فابن عباس كان مؤيداً لحركة المختار في الثأر لآل البيت. ومع ذلك فثمة مسألة جديرة بالملاحظة، وهي أن تنازل أبي هاشم بن محمد ابن الحنفية لا يمكن أن يعد تنازلاً من العلويين جميعاً؛ لأن فريقاً كبيراً منهم ظل متمسكاً بعقائد الشيعة الإمامية، بدليل قيامهم في وجه العباسيين بعد قيام دولتهم (¬3). ¬
وكانت بداية دعوة العباسيين سنة مائة من الهجرة كما يقول ابن الأثير: ... «وفي هذه السنة وجه محمدُ بن علي بن عبد الله بن عباس الدعاةَ في الآفاق، وأمرهم بالدعاء إليه وإلى أهل بيته» (¬1). وهكذا فإن شعار الدعوة العباسية (الدعوة للرضا من آل محمد) جعل البيت الهاشمي كله يقف نداً للبيت الأموي (¬2)، ونحن لا يعنينا أن نعرف تفاصيل الدعوة العباسية والأساليب التي استخدموها للوصول إلى نجاح دعوتهم، ولا تفاصيل الحروب التي خاضوها ولكن يهمنا أن نعرف أنها أصبحت بعد انهيار الخلافة الأموية هي الخلافة الشرعية - ولو بناءً على حكم الضرورة - وأنها حكمت الناس بشرع الله، فها هو داود بن علي العباس يخاطب أهل الكوفة بعد استيلائه عليها وانتصاره على محمد بن خالد بن عبد الله القسري أمير الكوفة للأمويين قائلاً: ... « ... لكم ذمة الله تبارك وتعالى وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وذمة العباس رحمه الله أن نحكم فيكم بما أنزل الله ونعمل فيكم بكتاب الله، ونسير في العامة والخاصة منكم بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (¬3). وبويع أبو العباس بالخلافة في الثاني عشر من ربيع الأول سنة 132هـ، فخطب خطبة افتتحها بمدح آل النبي - صلى الله عليه وسلم -، والطعن في أهل الضلال من السبئية الذين نادوا بالخلافة للعلويين، ثم سبَّ الأمويين الذين ابتزوا الخلافة واستأثروا بها وظلموا أهلها (¬4). وكانت هذه الخطبة نفسها تحمل في طياتها بذور تعدد الخلفاء، وتبين طبيعة الصراع الذي كان سائداً في ذلك الوقت وترسم ملامح الفترة المقبلة فسياسة العباسيين مع الأمويين والعلويين - كما سيأتي- كانت سبباً في نشوء الخلافة الأموية في الأندلس، وفي نشوء الدولة الفاطمية في المغرب وأفريقية. وبموت مروان بن محمد سقطت الخلافة الأموية بعد أن حكمت العالم الإسلامي تسعين عاماً «41 - 132 هـ/661 - 750 م» وأعلن أبو العباس قيام ¬
سياسة العباسيين في قمع الأمويين واستئصال شأفتهم
الخلافة العباسية في خطبته بالكوفة سنة 132هـ/750 م. سياسة العباسيين في قمع الأمويين واستئصال شأفتهم: انتهج العباسيون تجاه الأمويين الذين انهارت دولتهم سياسة تقوم على أمرين: الأول: القضاء على كل نفوذ لبني أمية بين أنصارهم والمتعصبين لهم، حتى لا يفكروا في إعادة دولتهم مرة أخرى. الثاني: الثأر والانتقام الشخصي من الأمويين لما قدموه إليهم وإلى بني هاشم عامة من إساءة وظلم أيام حكمهم. وهذان الأمران يقضيان بتعقب الأمويين وتتبعهم في كل ناحية من نواحي الدولة، للتنكيل بهم واستئصال شأفتهم، لترسيخ نفوذ العباسيين والتمكين لدولتهم الجديدة. وقد بدأ التنكيل بالأمويين فور قيام الخلافة العباسية، فقتلوا مروان بن محمد آخر خلفائهم، ولم يتوقف العباسيون عن استئصال شأفة البيت الأموي والثأر لموتى بني هاشم على أيديهم؛ وذلك بالفتك بأفراد بني أمية، حتى إن ابن الأثير قد خصص في كتابه الكامل فصلاً ذكر فيه من قُتل من بني أمية (¬1). ففي الشام بلد الأمويين، تتبع عبد الله بن علي الأمويين رجالاً ونساء وأطفالاً فقتلهم، ولم يفلت منهم إلا القليل هربوا إلى الأندلس، وإلا بعض الأطفال الرضع، ثم زاد على ذلك فنبش قبور أساطينهم مثل: معاوية ويزيد وعبد الملك بن مروان، وكان لا يوجد في القبر إلا العضو بعد العضو؛ غير هشام بن عبد الملك؛ فإنه وجد صحيحاً، لم يَبْلَ منه إلا أرنبة الأنف، فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح» (¬2). على أن أعنف عمل انتقامي قام به العباسيون ضد بني أمية يتمثل فيما عُرِف بحادثة نهر أبي فطرس (¬3) قرب الرملة من أرض فلسطين؛ حيث نادى عبد الله بن ¬
علي العباسي في بني أمية بالأمان، وأمرهم أن يغدوا إليه لأخذ العطاء، فاستجاب له من بني أمية نحو ثمانين رجلاً توجهوا إليه وجلسوا في مجلسه، فأمر عبد الله بقتلهم جميعاً، فضرب الجند رؤوسهم بالعمد حتى أتوا عليهم في غير رحمة، فلما قُتلوا دعا عبد الله بالغداء وأمر ببسط فبسطت عليهم وجلس يأكل فوقهم وهم يضطربون تحته، فلما فرغ من الأكل قال: ما أعلمني أكلت أكلة قط أهنأ ولا أطيب لنفسي منها، ثم أمر بهم فَجرُّوا من أرجلهم ودفنوا جميعاً في بئر حُفِرت لهم. وأنشد شاعر بني العباس في ذلك قائلاً: أصبح الملك ثابت الآساس ... بالبهاليل من بني العباس طلبوا وتر هاشم فشفوها ... بعد مَيْل من الزمان وياس لا تُقيلنَّ عبد شمس عثارا ... واقطعن كل رقلة (¬1) وغراس ذلُها أظهر التوددَ منها ... وبها منكم كحر المواسي ولقد غاظني وغاظ سوائي ... قربهم من نمارق وكراسي أنزلوها بحيث أنزلها اللـ ... ـه بدار الهوان والإتعاس واذكروا مصرع الحسين وزيداً ... وقتيلاً بجانب المهراس والقتيل الذي بحران أضحى ... ثاوياً بين غربة وتناسي (¬2) وهكذا كانت الفترة الأولى من الحكم العباسي حافلة بأعمال الانتقام وإراقة الدماء والقسوة الشديدة التي ينكرها الدين، ويأباها الخلق الكريم، وقد أُثر عن أبي العباس أنه قال: «ما أبالي متى طرقني الموت، فقد قتلت بالحسين وبني أبيه من بني أمية مائتين، وأحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي، وقتلت مروان بأخي إبراهيم» (¬3). ¬
لقد استهان العباسيون وعمالهم بدماء الأمويين، فسفكوها ظالمين بغير وجه حق، فلم يرحموا رجلاً ضعيفاً مهزوماً، ولا امرأة لم ترفع في وجههم سلاحاً، ولا طفلاً لا ذنب له إلا أنه خرج من أصلاب بني أمية، ولقد صدر العباسيون في انتقامهم من بني أمية عن حقد دفين وكراهية سوداء يحار الباحث في تعليل أسبابها، والكشف عن بواعثها، فلم يحدث من جانب الأمويين إساءة إلى بني العباس، بل ربطت بين الأسرتين علاقات طيبة تقوم على الخضوع والطاعة من جانب العباسيين، والاحترام والمودة من جانب الأمويين الذين أقطعوا أبناء عبد الله بن عباس قرية الحميمة من بلاد الشام - كما مرَّ بنا -، ولم يكن بين الأسرتين دم مراق، وحتى عندما اكتشف مروان بن محمد أمر الدعوة العباسية وقبض على إبراهيم بن محمد المُلقب بالإمام لم يقتله ولم يعذبه، بل وضعه في سجن حران مع نفر من الخصوم من البيت الأموي نفسه، ومات إبراهيم في السجن بسبب وباء وقع في حرَّان، وذلك حسب بعض الروايات (¬1)، وإن كان ثمة روايات أخرى تذكر أن مروان بن محمد قتله في محبسه. وكذلك فإن الأمويين لم يكونوا يمثلون خطراً على الدولة العباسية الناشئة بعد أن زالت دولتهم وتهاوت أركانها، وثبتت أركان الدولة الجديدة، «لكنه الحقد الأسود من جانب أبي العباس وأهل بيته ضد الأمويين الذين كان من حظهم العاثر أن يظلهم زمن العباسيين، وأن يصطلوا بنار غضبه، مع أنهم لا ذنب لهم في شيء مما اتهمهم به» (¬2). ولم يتردد الإمام الأوزاعي (¬3) - فقيه أهل الشام ومحدثهم- في إعلان هذه الحقيقة في وجه عبد الله بن علي العباسي بطل حادثة نهر أبي فطرس، وأحد أعنف أبناء البيت العباسي وأعظمهم سفكاً للدماء، قال الأوزاعي: لما قدم عبد الله بن علي الشام، وقتل بني أمية، جلس على سريره ثم بعث إليَّ فلما صرت إلى البيت أنزلوني عن دابتي، وأخذ اثنان بعضدي وأدخلوني بين الصفوف حتى أقاموني بحيث يسمع كلامي، فقال لي: أنت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي؟ قلت: ¬
الفقهاء والخلافة العباسية
نعم، أصلح الله الأمير. قال: ما تقول في دماء بني أمية؟ قلت: لقد كان بينك وبينهم عهود، وكان ينبغي أن تَفُوا بها، قال: ويحك، اجعلني وإياهم لا عهد بيننا، فأجهشت نفسي وكرهت القتل، فتذكرت مقامي بين يدي الله فلفظتها، فقلت: دماؤهم عليكم حرام، فغضب وانتفخت أوداجه واحمرت عيناه، فقال لي: ويحك ولم؟! قلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: ثيب زان، ونفس بنفس، وتارك لدينه» (¬1)، قال: ويحك، أوَ ليس الأمر لنا ديانة؟! قلت: كيف ذاك؟ قال: أليس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى لعلي؟! قلت: لو أوصى إليه ما حكَّم الحكمين، فسكتَ وقد اجتمع غضباً، فجعلت أتوقع أن يسقط رأسي بين يدي، فأومأ بيده أن أخرجوه» (¬2). ويُروى كذلك أن الأوزاعي التقى بعد ذلك بأبي جعفر المنصور، فقال له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بيده جريدة يستاك بها ويروع عنه المنافقين، فأتاه جبريل فقال: يا محمد ما هذه الجريدة بيدك؟! اقذفها، لا تملأ قلوبهم رعباً، فكيف بمن سفك دماءهم وأنهب أموالهم؟! (¬3). الفقهاء والخلافة العباسية: كان المسلمون من أهل السنة ينظرون إلى الخلافة العباسية على أنها خلافة شرعية، يجب طاعة خلفائها بمقتضى عقد البيعة بين الخليفة والرعية. ولعل نظرتهم - ولا سيما الفقهاء منهم - إلى الخلافة العباسية لا تختلف عن نظرتهم إلى الخلافة الأموية من ناحية استيفاء مقومات الشرعية، ولم يشذ عن هذا الموقف سوى طوائف الشيعة الذين كانوا يرون أن الخلافة يجب أن تكون في أبناء علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وأن العباسيين قد ابتزوهم حقَّهم، واستأثروا بالخلافة دونهم. ولا ريب أن قوة الدعاية العباسية وبراعة تنظيمها هي التي هيأت الرأي العام الإسلامي لقبول خلافتهم، والاعتقاد بأنها خلافة شرعية ولا سيما أن العباسيين ¬
ينتمون إلى بني هاشم، وأن دولتهم قد اشتقت اسمها من العباس بن عبد المطلب عم النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد آمن العباسيون إيماناً مطلقاً بحقهم في الخلافة، ويبين ذلك بياناً شافياً خطبة أبي العباس السفاح في أهل الكوفة، وهي الخطبة التي أتمها عمه داود بن علي، فكان مما قاله: « ... ألا وإنه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد ... واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منَّا حتى نسلمه إلى عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم -» (¬1). ومع ذلك فقد كان العباسيون يدركون أن عدداً من المسلمين - من العرب أو الموالي الفرس- لا يرضون بخلافتهم، ويرون أن العلويين أحق بها، وأن العباسيين قد خدعوهم حين صدروا دعوتهم بهذا الشعار المضلل «الرضا من آل البيت» (¬2). ولذلك لجأ العباسيون في تثبيت حكمهم وتأكيد شرعيتهم إلى العلماء والقضاة والفقهاء، فجعلوا يقربونهم ويسبغون عليهم ألوان التقدير والاحترام، ويعتمدون عليهم في إدارة وظائف الدولة ومرافقها، ولا سيما القضاء. ونعتقد أن العلماء والفقهاء والقضاة كانوا يؤسسون موقفهم من شرعية الخلافة العباسية على حكم الضرورة أو الواقع، فثمة حِكَمٌ كثيرة تترتب على الاعتراف بهذه الخلافة، ويدلنا هذا على مدى ما يمتاز به الفقه الإسلامي من مرونة تساير الواقع، وهذه الحِكَم المشار إليها هي أن يستمر الاعتراف بوجود الدولة وشرعيتها واتصال حياتها، وأن تُضفَى على الأحكام الصادرة عنها صفة الشرعية ولا سيما الأحكام الدينية، فينتفي بذلك الحرج عن الرعية، ولا تكون حياتهم مخالفة للدين، كما يكون هناك حفظ الوحدة والتعاون في الأمور العامة المشتركة بدل التنابذ والشقاق؛ حتى يقف الكل صفّاً واحداً تجاه الأعداء (¬3). ومن جانبه فقد أدرك الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور «136 - 158هـ/754 - 775 م» الدور المهم للعلماء والقضاة في إرساء دعائم الدولة ¬
العباسية، سواء من حيث إضفاء الشرعية على الخلافة، أو من حيث الاستفادة بقدراتهم العملية والعلمية في تصريف شؤون الدولة، فروي عنه أنه قال: ما كان أحوجني إلى أن يكون على بابي أربعة نفر لا يكون على بابي أعف منهم، فقيل له: من هم يا أمير المؤمنين؟ قال: هم أركان الملك، ولا يصلح الملك إلا بهم، كما أن السرير لا يصلح إلا بأربع قوائم إن نقصت واحدة تداعى، وذكر أول هؤلاء الأربعة فقال: أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم (¬1). وقد نجح أبو جعفر المنصور في إقناع طائفة من كبار الفقهاء بقبول منصب القضاء، فكان ذلك اعترافاً ضمنيّاً منهم بشرعية الخلافة العباسية. ومن هؤلاء: ابن أبي ليلى الذي ولي قضاء الكوفة عشرين سنة «132 - 153هـ» (¬2)، وشريك بن عبد الله الذي ولي قضاء الكوفة منذ سنة 153هـ ثم ضم إليه الخليفة العباسي المهدي قضاء بغداد سنة 158هـ (¬3)، وسواد بن عبد الله الذي ولي قضاء البصرة من سنة 138هـ إلى سنة 156هـ. على أن أشهر من ولي القضاء للعباسيين - غيرَ مدافَع- الفقيهُ الحنفي أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة. تولى القضاء سنة 166هـ في خلافة المهدي، واستمر في منصبه في عهد الهادي والرشيد، حتى توفي بعد خمسة عشر عاماً قضاها في منصب القاضي، ولم يكن أبو يوسف فقط قاضياً يطبق شرع الله بين المتخاصمين، ويحكم بين الناس بما أنزل الله، ولكنه قام بدور النصيحة السياسية والتوجيه للخليفة، كما قام بدور التقنين لنظم الخراج والزكاة، وقدم مقترحات كثيرة في كتابه الذي ألفه بطلب من الرشيد لحماية الرعية من عسف العمال وحفظ حق الدولة، فقد بدأ كتابه المسمى «كتاب الخراج» بنصيحة للرشيد، يبصره فيها بواجبه نحو رعيته ومسؤوليته عنها أمام ربه، ويحذره من عاقبة التضييع لهذه المسؤولية، فقال له: يا أمير المؤمنين إن الله - وله الحمد - قد قلَّدك أمراً عظيماً، ثوابه أعظم الثواب، وعقابه ¬
أشد العقاب، قلَّدك أمر هذه الأمَّة، فأصبحت وأمسيت وأنت تبني لخلق كثير استرعاكهم الله، وائتمنك عليهم، وابتلاك بهم، وولاك أمرهم، وليس يثبت البنيان إذا أسس على غير التقوى أن يأتيه الله من القواعد فيهدّه على من بناه» (¬1). على أن هناك من الفقهاء من رفض تقلد منصب القضاء، ليس طعناً في شرعية الحكم العباسي، ولكن إحساساً بخطورة هذا المنصب وإشفاقاً من مسؤولياته وعواقبه في الآخرة؛ فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين» (¬2)، ولعل أشهر من رفض منصب القضاء في العصر العباسي، الإمام أبو حنيفة النعمان؛ حيث أشخصه أبو جعفر من الكوفة إلى بغداد، وأراد أن يوليه قضاءها فأبى، فحلف عليه ليفعلن، فحلف أبو حنيفة ألا يفعل، فحلف أبو جعفر مرة ثانية عليه ليفعلن فحلف أبو حنيفة ألا يفعل، فقال الربيع: ألا ترى أمير المؤمنين يحلف! قال: أمير المؤمنين على كفارة أيمانه أقدر مني على كفارة أيماني، فأمر أبو جعفر به إلى الحبس، ثم أحضره مرة أخرى وناقشه في رفضه للقضاء، فقال أبو حنيفة له: والله ما أنا بمأمون الرضى فكيف أكون مأمون الغضب، ولو اتجه الحكم عليك ثم هددتني أن تغرقني في الفرات أو أن تلي الحكم لاخترت أن أغرق، ولك حاشية يحتاجون إلى من يكرمهم لك، فلا أصلح لذلك (¬3). وإذا كان القضاة في الدولة العباسية قد أدوا واجبهم في ترشيد قرارات الخلفاء والعمل على تطبيق الشريعة، والإسهام في توجيه الخلفاء وتبصيرهم بواجباتهم نحو الرعية، من منطلق ما يمليه عليه منصب القضاء من أعباء ومسؤوليات، فإن الفقهاء والعلماء من خارج دائرة وظائف الدولة قد شاركوهم هذه المسؤولية، وإن كانوا أكثر منهم صراحة وأعظم جرأة في نقد الخلفاء وبيان أخطائهم، وتجاوزاتهم فيما يمس حقوق الرعية ومصالحها، ولم يخش العلماء من إعلان كلمة الحق والجهر بها في وجه الخلفاء العباسيين حتى في بداية الدولة، حين كان السيف هو ¬
سياسة العباسيين تجاه العلويين
الأداة التي يستخدمها الخلفاء في قمع المعارضة (¬1). ومن نماذج انتقاد العلماء لبعض تصرفات الخلفاء ما كان بين الفقيه عبد الرحمن بن أنعم والخليفة أبي جعفر المنصور، وكان عبد الرحمن بن أنعم رفيقاً لأبي جعفر في طلب العلم، فزاره بعدما تولى الخلافة، فسأله أبو جعفر، ظنّاً منه أنه سيسمع منه ما يرضيه، كيف رأيت سلطاني من سلطان بني أمية؟ قال ابن أنعم: ما رأيت في سلطانهم من الجور شيئاً إلا رأيته في سلطانك، فقال أبو جعفر: إنا لا نجد الأعوان، فرد عليه ابن أنعم بقول عمر بن عبد العزيز: إن السلطان بمنزلة السوق، يجلب إليها ما ينفق فيها، فإن كان بارّاً أتوه ببرِّهم، وإن كان فاجراً أتوه بفجورهم (¬2)، وهكذا حمل ابن أنعم الخليفةَ المسؤولية الأساسية في تحرير الرعية من الظلم وحمايتها من الجور، وأن سلوكه ومواقفه في مناصرة العدل وإنصاف المظلوم ستكون قدوة للعمال الصغار والكبار، وإن خيار الناس سيعاونون معه عندما يرون فيه الجد في نصرة الحق وإنصاف الرعية. والواقع أن انتقاد العلماء لجوانب من سياسة الخلفاء العباسيين كان يتم في إطار من الاعتراف العام بشرعية الخلافة العباسية والالتزام بعقيدة أهل السنة في وجوب طاعة الحاكم وإنكار الخروج عليه. أما انتقاده والاعتراض السلمي عليه أو على بعض تصرفاته؛ فكان الهدف منه تحقيق مصلحة الرعية والدفاع عن حقوقها، ولا سيما أن مذهب أهل السنة يوجب الإنكار على الحاكم إذا تنكب طريق العدل. سياسة العباسيين تجاه العلويين: كان العلويون - كما تقدمت الإشارة- يرون أنهم أحق بالملك والخلافة من غيرهم؛ فكان السعي إلى منصب الخلافة شغلهم الشاغل، ولا سيما بعد مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء، وما فتئوا في كل أدوار حياتهم يصطنعون كل وسيلة لإدراك هدفهم. وحين ظهرت الدعوة العباسية في مطلع القرن الثاني الهجري وأعلنت شعار «الرضا من آل محمد» لم يبالِ أنصارها والمتعاطفون معها كثيراً بشخصية من ¬
يلي الخلافة، سواء كان علويّاً أو عباسيّاً، لانشغالهم بحرب بني أمية، وعملهم على تحطيم دولتهم وإزالة ملكهم. وقد سعى أبو سلمة الخلال في الدور الأخير من أدوار الدعوة العباسية إلى تحويل الخلافة إلى العلويين، فأخفق في ذلك وبويع بالخلافة لأبي العباس السفاح، الذي أمر بقتل أبي سلمة الخلال حين اطلع على حقيقة نواياه وميوله نحو العلويين. وقد أعلن العباسيون - كما مر- منذ قيام دولتهم أن الخلافة حق لهم، وأنها لن تخرج من أسرتهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هنالك أدرك العلويون أن العباسيين قد خدعوهم واستأثروا بالخلافة دونهم، مع أنهم أحق بها منهم، فنابذوهم العداء ونظروا إليهم كما كانوا ينظرون إلى الأمويين من قبل، فظلوا يناضلون ويعملون ابتغاء الوصول على حقهم في الخلافة التي آمنوا بأن العباسيين أقصوهم عنها نهائيّاً، حين جعلوها - كالأمويين- ميراثاً في ذريتهم. وكان الحسنيون - أبناء الحسن بن علي - رضي الله عنه - أول من طالب من العلويين بحقهم في الخلافة، وذلك في عهد أبي جعفر المنصور، وكانوا يشكلون خطراً كبيراً على الخلافة العباسية، وقد تزعم ثورةَ الحسنيين على بني العباس محمدُ بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، المعروف بالنفس الزكية، ومعه أخوه إبراهيم بن عبد الله. وقد امتنع محمد النفس الزكية وأخوه إبراهيم عن مبايعة أبي العباس السفاح وأخيه أبي جعفر المنصور بعد ذلك، وأقاما في الحجاز، وأعلن النفس الزكية أنه أولى بالخلافة من أبي جعفر المنصور الذي أزعجته حركة النفس الزكية وأقضَّت مضجعه، ومما زاد من مخاوفه أن النفس الزكية كان شخصية محبوبة في بلاد الحجاز، وأنه أنفذ دعاته إلى الآفاق وبويع له في كثير من الأمصار. وقد جعل أبو جعفر المنصور يشدد الضغط على النفس الزكية، فولَّى رياح بن عثمان على المدينة وأمره بالتشدد في طلب النفس الزكية والقضاء على حركته، فاضطر النفس الزكية إلى أن يعجل بالخروج قبل أن يتم أمر دعاته الذين أنفذهم إلى الآفاق.
فخرج في أول رجب سنة 145هـ، وقيل في 28 جمادى الآخرة سنة 145هـ. فقبض على رياح بن عثمان والي المدينة وأخيه عباس بن عثمان، وحبسهما في دار مروان. وقد رد أبو جعفر المنصور على ذلك بالقبض على عبد الله المحض والد النفس الزكية، وأمره بتسليم ابنيه محمد النفس الزكية وإبراهيم، فرفض عبد الله قائلاً: والله لو كانا تحت قدمي لما رفعتهما عنهما، سبحان الله آتيك بولديّ لتقتلهما، فأمر بالقبض عليه وعلى أهله من بني الحسن. وبعد عدة مكاتبات بين النفس الزكية وبين أبي جعفر المنصور، لم تؤدِّ إلى نتيجة، عزم الأخير على القضاء على تلك الثورة بالقوة، فسير إلى المدينة ابن أخيه عيسى بن موسى على رأس جيش عدته أربعة آلاف، ثم أتبعه حميد بن قحطبة في جيش كثيف، ووقعت بين الطرفين معركة فاصلة في الثاني عشر من شهر رمضان سنة 145هـ انتهت بانتصار الجيش العباسي ومقتل محمد النفس الزكية، ومصادرة أموال العلويين في المدينة. ثم توجه عيسى بن موسى إلى البصرة للقضاء على إبراهيم بن عبد الله (شقيق محمد النفس الزكية) بعد أن سيطر على البصرة وبايعه أهلها، ودارت بين الطرفين معركة حاسمة في مكانٍ يقال له: باخمرا (¬1)، وانتهت بهزيمة إبراهيم وقتله في ذي القعدة سنة 145هـ. وهكذا حلت بالعلويين النكبة بمقتل الأخوين محمد النفس الزكية وإبراهيم، وتشرد من بقي من بني الحسن على قيد الحياة في البلاد، بعد أن استشهد من استشهد وقتل من قتل وحبس من حبس على أيدي العباسيين وفرَّ الإمام إدريس بن عبد الله أخو محمد وإبراهيم إلى المغرب الأقصى وأسس هناك دولة الأدارسة. وهكذا استخدم المنصور سياسة الإرهاب تجاه العلويين، وامتدت سياسته إلى مصادرة الأموال والممتلكات، ولم يكتفِ المنصور بذلك، بل امتد إرهابه إلى كل من ساعد أو ناصر العلويين في ثورتهم، فإنه أمر بقتل كثير من أشراف البصرة الذين ناصروا الدعوة العلوية وألغى الامتيازات التي كان يتمتع بها أهل المدينة، ¬
ثورة الحسين بن علي بالمدينة وموقعة فخ سنة 169 هـ
وغير ذلك من وسائل التخويف والتنكيل (¬1). ثورة الحسين بن علي بالمدينة وموقعة فخ سنة 169 هـ: وفي سنة 169هـ، قام العلويون من الفرع الحسيني بثورة ثانية في الحجاز إبَّان خلافة الهادي (169 - 170هـ) الذي اتبع مع العلويين سياسة عنيفة بخلاف المهدي الذي حاول استرضاءهم. وكانت هذه الثورة بزعامة الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن الذي بايعه أهل المدينة بالإمامة. وكان السبب المباشر لتلك الثورة هو تلك المعاملة السيئة التي عامل بها عمر بن عبد العزيز بن عبد الله العلويين وإفراطه في التحامل على الحسينيين منهم، حتى إنه اتهم بعضهم بشرب الخمر، فأمر بجمعهم وجلدهم جميعاً ثمانين سوطاً، وأمر أن يطاف بهم في المدينة حاسري الظهور حتى يفضحهم بين أهلها. ويضاف إلى ذلك السبب أن العلويين لم ينسوا ما أصابهم في المدينة على يد أبي جعفر المنصور من قتل وتعذيب وإرهاب، كما أنهم لم ينسوا حقهم في الخلافة التي استبد بها العباسيون من دونهم. ونتيجة هذه الأسباب؛ خرج الحسين بن علي على الخليفة الهادي وبايعه جمع من أهل المدينة بالخلافة، وقد انضم إلى هذه الحركة بعض الكوفيين الذين كانوا عندئذ بالمدينة. ثم خرج الجميع في اتجاه مكة فقطع عليهم جيش العباسيين الطريق، ودارت معركة بين الفريقين عند وادي «فخّ»، الذي يبعد عن مكة بنحو ستة أميال، تقرر فيها مصير العلويين وكثر فيها ضحاياهم، وفيهم الحسين بن علي زعيمهم، وقد بلغ من كثرة التنكيل بالعلويين في هذه المعركة أن قرنها المؤرخون - لهولها ونتائجها- بمعركة كربلاء، فقال بعضهم: «لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشد وأفجع من فخ». وطابع هذه المعركة يشبه طابع معركة كربلاء إلى حد كبير، فأنصار الحسين ¬
بن علي بن أبي طالب في معركة كربلاء قلة معدودة، ولم يكن الثائرون مع الحسين بن علي بن الحسن عند فخ كثرة ملحوظة؛ وشهداء معركة كربلاء من العلويين كثيرون، ويشبه هذا شهداء معركة فخ؛ وقد أعقب استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب في كربلاء حركة ثورية أخرى بالكوفة، وأعقب معركة فخ ثورتان علويتان ببلاد الديلم وفي شمالي إفريقية، وانتهت الأخيرة بقيام دولة الأدارسة (¬1). وقد استمرت السياسة العباسية في قمع العلويين والتنكيل بهم؛ ففي عهد الرشيد قُبض على موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، وأحضر في قبة إلى بغداد؛ حيث سجن ثم قتل قتلاً خفيفاًٍ. وأظهر أنه مات حتف أنفه. ويرجع السبب في ذلك إلى أن جماعة من حساد موسى بن جعفر من أقاربه وشى به إلى الرشيد، وذكر له أن الناس يحملون إلى موسى خمس أموالهم ويعتقدون إمامته، وأنه عزم على الخروج عليه. فلما مات أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد، فنظروا إليه، فلم يجدوا فيه أثراً لجرح أو ما يدل على جرم , فشهدوا بذلك (¬2). وفي عهد الرشيد أيضاً قتل عبد الله بن الحسن بن علي بن علي زين العابدين، إذ اتهم بأنه يجمع الزيدية ويدعوهم على الخروج عليه، ثم حبسه، ولكن جعفر بن يحيى ضرب عنقه بدون أمر الرشيد (¬3). ¬
المبحث الثاني الخلافة الفاطمية في المغرب ومصر
المبحث الثاني الخلافة الفاطمية في المغرب ومصر مدخل: لم يكن قيام الدولة الفاطمية في المغرب في نهاية القرن الثالث الهجري ... (سنة 296 هـ) نتيجة من نتائج الأزمات السياسية الكبرى - فحسب - والتي اصطلى بنارها المشرق الإسلامي منذ بدايات الدولة الأموية، ثم بعد ضعف الخلافة العباسية وتراجع نفوذها على الأقاليم التابعة لها منذ عهد الخليفة المتوكل على الله العباسي (232 - 247 هـ)، بعد أن تسلط على الحكم عناصرُ غيرُ عربية، فارسية ثمَّ تركية، لا هَمَّ لها إلا جمع الأموال، والعمل على تقوية نفوذها في الدولة من أجل تحقيق مكاسب شخصية، دون اكتراث بمصالح الرعية، وتحوَّل الخليفة العباسي إلى موظف في خدمة رئيس الجند وإن حمل لقب الخلافة، فهو يتقاضى راتباً يحدده له الأتراك، ويقيم في قصره محجوراً عليه وعلى تصرفاته (¬1). أقول لم يكن قيام الدولة الفاطمية خلافاً سياسياً فقط - كما هو الحال في الخلاف بين الدولة الأموية في الأندلس والدولة العباسية - ولكنه اتخذ مظاهر دينية باختلاف قراءات الطرفين للنصوص التي تحدثت في الخلافة وغيرها، ثم بمحاولة كل طرف نزع الشرعية عن الطرف الآخر، فالكلام عن الدولة الفاطمية ليس كلاماً عن تعددٍ في الخلفاء فقط. وسأذكر في هذا المبحث نشأة الدولة الفاطمية في كل من أفريقية ومصر بصورة مختصرة، مبيِّناً مظاهر الصراع المختلفة بين أهل السُّنة والشيعة الإسماعيلية، بناء على اختلاف نظرة الطرفين في أمور أساسية وفرعية في الدين، وإنْ كان أصل هذا الخلاف الديني - عند التحقيق - سياسياً بامتياز، ولكنه تحول شيئاً فشيئاً إلى خلاف ديني، عندما استدعى كل فريق الأدلة والنصوص وأوَّلها بما يوافق نظرته السياسية. ¬
بدايات الدولة الفاطمية
بدايات الدولة الفاطمية: تقدمت الإشارة إلى أن العلويين تعرضوا للتنكيل والمطاردة على أيدي العباسيين الذين استبدوا بالخلافة وقصروها على أسرتهم، بعد أن كان العباسيون في مرحلة الدعوة يرفعون شعار «الرضا من آل محمد»، وهو شعار يشمل العلويين والعباسيين جميعاً، وحين ظهرت النوايا الحقيقية للعباسيين في الاستبداد بالخلافة، وقام العلويون ومؤيدوهم من الشيعة بثورات ضد العباسيين، كان جزاؤهم القتل والتشريد والتنكيل. فلجأ العلويون الطامحون إلى الخلافة إلى استخدام أسلوب التنظيم الثوري السريٍّ الذي يعتمد على طائفة من الدعاة الأكفاء المخلصين لآل البيت، المؤمنين بحقهم في الخلافة، الذين انتشروا في أرجاء العالم الإسلامي بداية من منتصف القرن الثالث الهجري. وبعد وفاة الإمام جعفر الصادق بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، طرأ على الحركة الشيعية تغيير جوهري، إذ انقسم الشيعة إلى فِرَق كثيرة، أهمُّها وأكبرها فرقتان: (أ) الإمامية الإثنا عشرية: وهي الفرقة التي جعلت الإمامة في ابنه موسى الكاظم، ثمَّ في الأئمة من بنيه إلى الإمام الثاني عشر الحسن العسكري، ومعظم أتباع هذه الفرقة الآن في العراق وإيران. (ب) الإمامية الإسماعيلية: وهي الفرقة التي حصرت الإمامة في إسماعيل بن جعفر الصادق، ثمَّ في ابنه محمد بن إسماعيل، ثمَّ في الأئمة من بَنيه (¬1)، وينتمي إلى هذه الفرقة الخلفاء الفاطميون الذين أقاموا دولتهم في المغرب الأدنى أو إفريقية أولاً سنة 296 هـ، ثمَّ نقلوا دولتهم إلى مصر سنة 358 هـ، وظلوا يحكمونها إلى سنة 567 هـ. وقد كان الشيعة الإسماعيلية أنشط من غيرهم من طوائف الشيعة، حيث أنفذوا الدعاة إلى أقطار الدولة الإسلامية على اختلافها، وركزوا على الأنحاء ¬
القاصية والأطراف، مثل بلاد المغرب واليمن، ذلك الصقع الذي وصفه أبو العلاء المعري بأنه «كان معدناً للمتكسبين بالتدين والمحتالين على الحق بالتزين» (¬1). واتخذوا من اليمن مركزاً أساسيّاً لدعوتهم، نظراً لبعده عن مركز الخلافة ووعورة طرقه بسبب طبيعتها الجبلية، فكان اليمن - كما يقول القاضي النعمان - أصلَ الدعوة (¬2)، وقد ارتبطت الدعوة الإسماعيلية في اليمن بشخصية شيعية بارزة هي شخصية الداعي شهر بن حوشب، الذي انتهت إليه رئاسة الدعوة بها (¬3). وقد رأى شهر بن حوشب أن المغرب إقليم مهيَّأ لنصرة الدعوة الإسماعيلية، وذلك أن التشيع منذ نشأته اتخذ صبغة مضادة للعرب وللعصبية العربية (¬4)، فكما اعتمد في المشرق على الموالي والفرس اعتمد في المغرب على الموالي من البربر، فقامت فيه بالفعل أسرة شيعية من الفرع الحسني أسست سنة 173هـ/ 788 م ... «دولة الأدارسة» التي سيطرت - دون مشقة كبيرة - على المغرب الأقصى (¬5)، كما اشتمل المغرب الأوسط في النصف الثاني للقرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي - باستثناء الأراضي التابعة لإمام تاهرت (¬6) - على إمارات كثيرة تابعة للعلويين بلغ عددها تسع إمارات علوية كما يذكر الجغرافي اليعقوبي، الذي زار ¬
المنطقة بين سنتي 263 - 276 هـ، الموافق 876 - 889 م (¬1). ولذلك أرسل إلى المغرب داعِييَن ماهرَين؛ هما أبو سفيان والحلواني، فنشرا المقالة الشيعية في منطقة قبيلة كتامة وما حولها، وعرف البربر أمر آل البيت، ودعوة هذين الداعيين للإمام المهدي الذي اقترب أوان ظهوره، فتعلقت قلوب أهل كتامة بالشيعة، وحملوا إليهم الأموال والتحف، فلم يمت هذان الداعيان إلا وقد أثمرت دعوتهما في انتظار صاحب البذر «الإمام» على حد تعبير كتَّاب الشيعة. وكان الحلواني يقول لشيعته في المغرب: «بُعثت أنا وأبو سفيان فقيل لنا: اذهبا إلى المغرب، فإنما تأتيان أرضاً بوراً فاحرثاها واكرياها وذللاها إلى أن يأتيها صاحب البذر، فيجدها مذللة فيبذر حبه فيها» (¬2). وهكذا فإن الحلواني وأبا سفيان قد أَعَّدا النفوس لقبول فكرة الدخول في الحركة الشيعية، وإقامة دولة لرجل يرتضيه الناس من أهل البيت (¬3). وقد دخلت الدعوة الإسماعيلية بالمغرب طوراً حاسماً حين أرسل إليها ابنُ حوشب - بعد وفاة أبي سفيان والحلواني- داعية جديداً يتم ما بدأه السابقان، ويحوِّل الفكر الشيعي من الإطار النظري إلى واقع عملي يتجسد في دولة يحكمها الشيعة بالمغرب، وذلكم الداعية هو أبو عبد الله الشيعي (¬4) الذي غادر بلاد اليمن قاصداً مكة، فوصلها في موسم الحج سنة 278 هـ، وسأل عن حجاج كتامة واجتمع بهم، وسمعهم يتحدثون عن فضائل آل البيت، فاشترك معهم في الحديث، ثمَّ سألوه عن الجهة التي سوف يرحل إليها بعد الحج، فقال إنه يريد مصر، فسرُّوا بصحبته ورحلوا جميعاً من مكة وهو يخفي عنهم أغراضه، وما لبثوا أن تعلقوا به لما شهدوه من ورَعه وزهده. وقد استطاع أبو عبد الله - بما اجتمع له من ضروب الحيل- أن يقف على جميع أحوال حجاج كتامة، فلما وصلوا مصر أخذ يودعهم، فشقَّ عليهم فراقُه ¬
وسألوه عن حاجته بمصر دون غيرها من البلاد، فقال إنه يريد أن يطلب فيها العلم، فقالوا له: «فأما إذا كنت تقصد هذا، فإن بلادنا أنفع لك وأطوع لأمرك ونحن أعرف بحقك»، وما زالوا به حتى أجابهم إلى المسير بصحبتهم (¬1). ووصل أبو عبد الله الشيعي إلى أرض كتامة سنة 280 هـ، وكان قد جمع المعلومات التي يريدها عن قبيلة كتامة، عن ديارهم وموقعها ومهارتهم في ركوب الخيل وحمل السلاح، وعدم وجود صلة لهم بالخليفة العباسي، وعدم خضوعهم لسلطان الأغالبة، ووجود صراعات داخلية بين قبائل البربر، ونحو ذلك من معلومات مهمة كان يحتاجها قبل دخول الدعوة الإسماعيلية مرحلة الكفاح المسلح (¬2). وقد أبدى أبو عبد الله الشيعي نشاطاً كبيراً في نشر الدعوة الإسماعيلية في أوساط قبيلة كتامة، وفي المقابل فقد أكرم أهالي كتامة وفادةَ أبي عبد الله الشيعي، وأحلُّوه من أنفسهم محلَّ الإجلال والإكرام، والتفوا حوله وصاروا من شيعته، ولذلك لم يلبث أبو عبد الله أن كشف عن نواياه لرجال كتامة قائلاً: «أنا صاحب البذر الذي أخبر به أبو سفيان والحلواني» فازدادت محبتهم له، وعظم أمره فيهم، وأتته القبائل من كل مكان (¬3). ولم يكد أبو عبد الله الشيعي يطمئن إلى قوة جبهته، وتغلغل المبادئ الإسماعيلية في نفوس أتباعه وشيعته، حتى بدأ جهودَه الحربية الرامية إلى إقامة دولة شيعية بالمغرب، وقد بدأ هذه الجهود حوالي سنة 289 هـ، فخضعت له مدن كثيرة، وساعده على هذا النجاح ما كان قد أصاب الدولة الأغلبية - صاحبة الحكم في تونس حينذاك- من ضعف وانحلال. عند ذلك أرسل أبو عبد الله إلى المهدي - الإمام الإسماعيلي صاحب الدعوة، وكان يقيم في مدينة سلمية بالشام - يستدعيه للحضور إلى بلاد المغرب، فأسرع بتلبية الدعوة وخرج من الشام ومعه أموال وفيرة، ويقال إن الخليفة العباسي علم بخروجه، فأرسل إلى عماله في مصر وإفريقية يوصيهم بالقبض عليه، ولكن ¬
عبيد الله استطاع - بالتستر تارة، وببذل المال تارة أخرى - أن يفر من مراقبة الولاة، وانتهت به الرحلة إلى مدينة سجلماسة في المغرب الأقصى حيث قبض عليه واليها وسجنه بها (¬1). وفي سنة 296 هـ تم لأبي عبد اللهِ النصرُ النهائي على الولايات القائمة في شمال أفريقيا: دولة بني مدرار في سجلماسة، ودولة بني رستم في تاهرت، ودولة الأغالبة في إفريقية (تونس)، وأطلق سراح عبيد الله، فقاد الجيش بنفسه، وسار حتى دخل مدينة رقادة في سنة 297 هـ، ونزل بقصر من قصورها، وفي يوم الجمعة خطب باسمه على منابر رقَّادة والقيروان - بعد أن قضى نهائيّاً على ملك الأغالبة- ولقب بأمير المؤمنين عبيد الله المهدي (¬2). وهكذا توج الشيعة الإسماعيلية جهودهم الضخمة بالوصول إلى عرش الخلافة لتبدأ صفحة جديدة من تاريخ الدعوة الشيعية يسميها بعض الباحثين المحدثين مرحلة «الدعوة الدولة» (¬3). وصار هناك خلافتين، خلافة عباسية ببغداد وخلافة فاطمية في رقَّادة، وتبعها بعد قليل إعلان خلافة ثالثة سنة 316 هـ وهي الخلافة الأموية في الأندلس، فأصبح حكم العالم الإسلامي موزعاً بين خلافات ثلاث - من حيث الظاهر (¬4) - خلافتان سنِّيتان هما: الخلافة العباسية في بغداد والخلافة الأموية في قرطبة، وخلافة شيعية هي الخلافة الفاطمية الإسماعيلية في إفريقية. وكان الضعف قد بدأ يدب في جسد الخلافة العباسية السُّنيَّة، بعد أن تفككت إلى دول صغيرة ولا سيما منذ عصر الخليفة الراضي (322 - 329 هـ)، حيث انفصلت الأقاليم الشرقية عن الخلافة، في حين أخذت بقية الممتلكات العباسية ¬
تستقل تدريجيّاً عن سلطان الخلافة العباسية المركزية. وقد صحب ضعف الخلافة العباسية - كما يذكر الدكتور أيمن فؤاد سيد- مدٌّ شيعي كبير شهده القرن الرابع الهجري أفقد الخلافة العباسية السُّنيَّة الكثير من سيطرتها وسطوتها، حتى نستطيع أن نطلق عليه «عصر انتصار الشيعة»، فقد نجح الزيديون في إقامة دولة حاكمة في طبرستان 250 هـ/864 م وفي اليمن سنة 284 هـ/897 م، واستولى القرامطة على جنوب العراق والبحرين والإحساء، ولم يمض نحو ثلاثين عاماً على انتصار الفاطميين إلا وقد ظهر جليّاً انهيارُ سلطة الخلافة العباسية، عندما نجح البويهيون الشيعة في فرض سيطرتهم على بغداد مركز الخلافة السُّنيَّة، فكثرت بها الفتن بين الشيعة والسُّنة، وجهر بالأذان بـ ... «حي على خير العمل» في الكرخ، كما أقيم مأتم عاشوراء لأول مرة في بغداد. وفي الواقع فقد أصبحت الخلافة العباسية - بعد دخول البويهيين إلى مسرح الأحداث- مؤسسة اسمية تمثل السلطة العليا للإسلام السُّني، وتضفي الشرعية على السلطات المطلقة التي تمتع بها العديد من الولاة، الذين كانت لهم السيادة الحقيقية، سواء في الأقاليم أو في العاصمة العباسية نفسها (¬1). لقد كان الفاطميون يمثلون في هذه الحقبة التاريخية القوةَ الفتية التي تطمح إلى مد نفوذها وسيطرتها على كل الأراضي الإسلامية، مستغلة ضعف الخلافة العباسية، فجعل الفاطميون في إفريقية - بعد أن وطدوا نفوذهم بها إلى حد ما - يتحينون الفرص للعودة إلى الشرق لتحقيق حلمهم الكبير في حكم العالم الإسلامي بدل منافسيهم من السُّنة (¬2). وبقيت الدولة الفاطمية في المغرب منذ قيامها إلى انتقال إلى مصر نيفاً ونصف قرن (297 - 362 هـ) وتولى الحكم في هذه المدة أربعة من خلفائها هم: 1 - المهدي أبو محمد عبد الله (¬3): من 4 ربيع الآخر 297 هـ/909 م، إلى وفاته في 14 ربيع الأول 322 هـ. ¬
المقاومة السنية للنفوذ الفاطمي والمد الشيعي في المغرب
2 - القائم بأمر الله أبو القاسم نزار (¬1): من 14 ربيع الأول 322 هـ/934 م، إلى وفاته في 13 شوال 334 هـ. 3 - المنصور بنصر الله أبو الطاهر إسماعيل (¬2): من 13 شوال 334 هـ/945 م، إلى وفاته في 29 شوال 341 هـ. 4 - المعز لدين الله أبو تميم معد (¬3): من أول ذي القعدة 341هـ/952 م، إلى وفاته في 3 ربيع الآخر 365 هـ. وقد بذل هؤلاء الخلفاء الأربعة جهوداً كبيرة لتثبيت أركان دولتهم في المغرب. المقاومة السُّنية للنفوذ الفاطمي والمدِّ الشيعي في المغرب: ورغم هذه الجهود فإن المُلْك لم يصْفَ تماماً لدولة الفاطميين بالمغرب، بل إنهم وجدوا صعوبات كبيرة في إحكام سيطرتهم على المجتمع الإفريقي السُّني، الذي لم يقبل وجود خلافة شيعية تنافس الخلافة السُّنية في بغداد، والتي كان ينظر إليها على أنها الخلافة الشرعية في العالم الإسلامي. ولذلك فقد واجه الخليفة الفاطمي المهدي مقاطعة سلبية وإنكاراً صامتاً من قِبَل أهالي إفريقية وعلمائها المالكية، ومن المعلوم أن المذهب المالكي كان أرسخ قدماً وأعمق جذوراً في المجتمع المغربي بعامة عن غيره من المذاهب السُّنية الأخرى، ولقد ناصب علماءُ المالكية - وهذا أمر طبيعي- دعاةَ المذهب الإسماعيلي العداء، وتبعهم في ذلك عامة الناس، بل إن إفريقية كلها وقفت موقف معارضة سلبية وعدم تعاون شديد الخطورة على كيان الدولة الفاطمية الناشئة (¬4). لقد أبدى علماء السنة المالكية - ومن ورائهم العامة - ثباتاً وصلابة في مواجهة أفكار الشيعة ومبادئهم، حتى إن بعضهم قد تعرض للقتل والاغتيال، مثل: ¬
إبراهيم بن محمد الضبي، وأبي بكر بن هذيل (¬1). وقد ألقى القاضي النعمان - فيلسوف الخلافة الفاطمية ومؤرخها الأول- في كتابه «المجالس والمسايرات» ضوءاً كاشفاً على قضية كراهية السُّنة للخلافة الفاطمية، ويمكن تلمس ذلك في غير موضع بالكتاب، فمن ذلك أن القاضي النعمان عندما عُيِّن قاضياً بمدن المنصورية والمهدية والقيروان وسائر مدن إفريقية زمن الخليفة المنصور لم يعجب ذلك مخالفيه في المذهب من أهل السُّنة، الذين تكلموا في حقه، وتحدثوا عن أنه يثير الدولة عليهم ويحركها، فضاق صدر النعمان بذلك وصبر طويلاً، ثمَّ اشتكى للخليفة المعز الذي أوصاه بالصبر والإعراض عن المغرضين أسوة بجعفر الصادق (¬2). وكذلك فقد أورد القاضي النعمان في كتابه «المجالس والمسايرات» تصريحاً مهمّاً للخليفة المهدي يكشف فيه عن شدة كراهيته لأهل إفريقية السُّنة، إذ يقول: ... «وقد ابتلانا الله برعي الحمير الجهال، فإنا لم نزل نتلطف في هدايتهم ومسايرة أحوالهم إلى أن ختم الله لنا بالحسنى، والخروج من بين أظهرهم على أحسن ... حال» (¬3). وفي موضع آخر نجد اعترافاً من الخليفة المهدي بكراهية أهل إفريقية لحكم الفاطميين (¬4). وقد أسهمت الخلافة العباسية في تعميق موقف المجتمع الإفريقي الرافض للخلافة الفاطمية الشيعيَّة، وليس أدل على ذلك من تلك الوثيقة التاريخية المهمة التي أوردها القاضي النعمان في كتابه «رسالة افتتاح الدعوة»، وهي عبارة عن رسالة من الخليفة العباسي (المكتفي) إلى أهل السنة بإفريقية يأمرهم فيها بالثبات والوحدة ومناجزة المارقين المبدِّلين للدين المحرِّفين للكِلَم عن مواضعه (¬5). ¬
التوجه الشرقي للخلافة الفاطمية والتفكير في فتح مصر
وفي ضوء ما تقدم يمكن القول: إن الخليفة المهدي الفاطمي أحسَّ أن الناس في إفريقية ليس لديهم استعداد لقبول فكرة خلافة تقوم على مبادئ الشيعة الإسماعيلية كما صاغها دعاتهم ومفكروهم أثناء فترة الاستتار، ودخلت فيها آراء غريبة كل الغرابة عن صفاء مذهب أهل السُّنة، وقد أحسَّ المهدي أنه ليس بين رعية، وإنما تجاه خصوم، وأنه لن يستطيع السيطرة على أولئك الناس قط (¬1). وفضلاً عن ذلك فإن السياسة المالية لعبيد الله المهدي كانت سياسة جشع بغير حدود، فهو يجمع المال من الجبايات، ورجاله يتاجرون له ولأفراد بيته، وكلهم يجمعون الأموال بالحق والباطل. ونتيجة لذلك حرص المهدي على البعد عن «رَقَّادة» و «القيروان»، لأنهما مركز المقاومة السُّنية، وأسس مدينة جديدة سنة 303 هـ هي مدينة المهدية. التوجه الشرقي للخلافة الفاطمية والتفكير في فتح مصر: لقد كان ضعف موارد بلاد المغرب وضآلة إمكاناتها المادية، وكونها مسرحاً للفتن والاضطرابات التي تنشب من حين لآخر، بين القبائل أو القوى السياسية المتصارعة - إضافة لمقاومة أهل السُّنة لهم - كان سبباً آخر ليفكر الفاطميون بالانتقال إلى مصر. والواقع أن أحلام الفاطميين وطموحاتهم السياسية كانت أكبر من إقامة خلافة شيعية في بلاد المغرب البعيدة عن قلب الأحداث ومركزِها في المشرق، بل كانوا يخططون لبسط نفوذهم على العالم الإسلامي كله، من أجل إقامة خلافة علوية عالمية ينضوي تحت لوائها جميع الشعوب الإسلامية، والقضاء على الخلافة العباسية السُّنية في بغداد (¬2)، فامتلاك مصر يعني السيطرة على الشام والحجاز، وبحكم الحجاز يكتسب الفاطميون مركزاً دينياً ممتازاً، لأن هذه البلاد موطن المقدسات الدينية، وحاكمها يعتبر الحاكم الفعلي للدولة الإسلامية، لما لها من ¬
الفاطميون في طريقهم إلى فتح مصر
صبغة دينية تضفي على القائمين عليها صفة الرسمية والوقار» (¬1). الفاطميون في طريقهم إلى فتح مصر: لقد حاول الفاطميون ومنذ السنوات الأولى من قيام الخلافة الفاطمية بالمغرب أن يفتحوا مصر، وقد تجلى ذلك في ثلاث محاولات فاشلة قبل محاولتهم الناجحة سنة 358 هـ، وهذه الحملات هي: الحملة الأولى «سنة 301 هـ»: وكانت بقيادة أبي القاسم الفاطمي ابن الخليفة عبيد الله المهدي الذي وجهها إلى مصر بمعاونة حباسة بن يوسف عامل الفاطميين على برقة، وقد نجحت في احتلال الإسكندرية والفيوم، لكن الخليفة العباسي المقتدر بالله سيَّر لمواجهتها جيشاً كثيفاً بقيادة مؤنس الخادم، فتمكن من هزيمة الفاطميين وطردهم من مصر (¬2). الحملة الثانية «سنة 307 هـ»: وكانت بقيادة أبي القاسم ابن الخليفة المهدي، فاستولى على الإسكندرية سنة 307هـ/919 م دون عناء، ثمَّ سار إلى الجيزة، وتوغل في بلاد الوجه القبلي حتى تمكن من الاستيلاء على الأشمونين (¬3) والفيوم، فأرسل الخليفة المقتدر العباسي قائده مؤنس الخادم للمرة الثانية على رأس جيش إلى مصر، فانتصر على الفاطميين واستولى على سفنهم وأحرقها (¬4). الحملة الثالثة «سنة 321 - 324 هـ»: بعد اضطراب أحوال الخلافة العباسية بوفاة الخليفة المقتدر، أرسل المهدي حملة ثالثة إلى مصر بقيادة حبشي بن أحمد المغربي سنة 321 هـ، ولكن محمد بن طغج الإخشيد أوقع الهزيمة بها سنة 322 هـ، ولما توفِّي الخليفة عبيد الله ¬
الخليفة المعز لدين الله وتحقيق هدف الفاطميين في فتح مصر
المهدي استلم بعده ابنه أبو القاسم الخلافة وتلقب بالقائم، واستأنف سياسة أبيه في غزو مصر سنة 324 هـ، إلا أن الإخشيد تمكن مرة ثانية من إلحاق الهزيمة بهم (¬1). الخليفة المعز لدين الله وتحقيق هدف الفاطميين في فتح مصر: بعد وفاة كافور سنة 357 هـ -والذي كان قد خَلَفَ محمد بن طغج الإخشيد- زالت آخر عقبة أمام الفاطميين نحو تحقيق حلمهم في فتح مصر، إذ لم تكن هناك شخصية قوية تخلف كافوراً في تولي شؤون الحكم، التي آل أمرها إلى الوزير جعفر بن الفرات، فعجز عن التوفيق بين رغبات الطائفتين الإخشيدية والكافورية، في الوقت الذي استمرت فيه الأزمات الاقتصادية نتيجة فساد الإدارة السياسية (¬2). مما دعا المصريين إلى مكاتبة المعز لدين الله بإفريقية يطلبون منه إرسال جيش للاستيلاء على مصر، لعلهم يجدون في الخلافة الفاطمية قوة فتية قادرة على إقالة البلاد من عثرتها، وتدارك ما اعتراها من تدهور وفساد (¬3)، ولإدراكهم مدى ضعف الخلافة العباسية التي استبد بالأمر فيها البويهيون الشيعة. وكان الخليفة المعز قد بيَّت النيَّة للانتقال إلى الشرق قبل فتح مصر بوقت طويل، يدل على هذا الدنانير الفاطمية الثلاثة التي تحمل مكان الضرب «مصر» والتي كانت مؤرخة في السنوات 341 هـ، 343 هـ، 353 هـ، أي قبل دخول الفاطميين مصر وتأسيس القاهرة، وذلك بغرض ترويجها (¬4). يقول المقريزي مشيراً إلى الاضطراب السياسي والاختلال الاقتصادي الذي عانت منه مصر في أعقاب وفاة كافور: «ثمَّ مات كافور فكثر الاضطراب وتعددت الفتن، وكانت حروب كثيرة بين الجند والأمراء قُتل فيها خلق كثير، وانتهبت أسواق البلد، فاشتد خوف الناس، وضاعت أموالهم، وتغيرت نياتهم، وارتفع السعر وتعذر وجود الأقوات، واختلف العسكر، فكاتب الكثير منهم المعز ¬
أسباب نجاح الفاطميين في فتح مصر
لدين الله الفاطمي، وعظم الإرجاف بمسير القرامطة إلى مصر، وتواترت الأخبار بمجيء عساكر المعز من المغرب، إلى أن دخلت سنة 358 هـ ودخل القائد جوهر بعساكر الإمام المعز لدين الله " (¬1). وبدأ المعز يعد العدة للغزو، فجمع كل ما استطاع جمعه من مال حتى قيل إنه صرف على إعداد الجيش أربعة وعشرين مليوناً من الدنانير عدا ما حمله ألف جمل من صناديق الذهب للصرف منها على الحملة، وحشد في الجيش كل من استطاع حشده من جنده، حتى قيل إنه كان يزيد على مائة ألف جندي، وحتى وصفه أحد المصريين عند رؤيته بأنه «مثل جمع عرفات كثرة وعدة» واختار المعز لقيادة هذا الجيش قائده القدير «جوهر الصقلي» الذي مهَّد له ملك شمال أفريقيا كله، فقد كان يتفاءل به ويؤمن بمقدرته الحربية حتى قال مرة لزعماء المغرب: «والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر». وخرج جوهر بجيشه في 14 ربيع الثاني سنة 358 هـ، وسار في نفس الطريق الذي سلكه فيما بعد رومل في الحرب العالمية الثانية، ولأنه كان يعلم مبلغ ما سيعانيه الجيش من صعاب وعقبات عند عبوره هذه الصحراء الممتدة الجدباء، فقد عَبَّد الطرق وحفر الآبار، وبنى المنازل للاستراحة على طول الطريق من تونس إلى مصر، فوصل الإسكندرية ودخلها دون قتال، ودخل الفسطاط صلحاً (¬2). وهكذا نجحت هذه الحملة في القضاء على الحكم العباسي بمصر وتحويل هذا الإقليم المهم إلى ولاية فاطمية تدين بالولاء للخليفة الشيعي المقيم في المغرب، وستظل مصر كذلك مدة أربعة أعوام، أصبحت بعدها مقرّاً ومركزاً للحكم الفاطمي حيث انتقل إليها الخليفة الفاطمي المعز لدين الله بشكل نهائي سنة 362 هـ. أسباب نجاح الفاطميين في فتح مصر: لا شك أن نجاح الحملة الفاطمية الرابعة في الاستيلاء على مصر له أسبابه الموضوعية التي يمكن إجمالها بشكل موجز فيما يلي: ¬
1 - استقرار الحكم الفاطمي في بلاد المغرب، بعد المغامرة العسكرية الكبيرة التي قام بها الخليفة المعز لدين الله، ليضمن ولاء الشمال الأفريقي كله قبل التوجه لغزو مصر، وقد عهد المعز بمهمة توطيد أركان الحكم الفاطمي في المغرب الأقصى لقائده الفذ جوهر الصقلي، ففي سنة 347 هـ قاد جوهر حملة عسكرية ناجحة ضد قبائل البربر المناهضين للخلافة الفاطمية، ولا سيما في إقليمي سلجماسة وتاهرت، فتمكن من إخضاع مراكز المقاومة البربرية للحكم الفاطمي حتى إنه أسر ابن واسول أمير سجلماسة الذي كان يدين بالولاء للخلافة العباسية ويخطب لخلفائها (¬1). وفي سنة 357 هـ قام جوهر بحملة مماثلة بغرض فرض النظام في المغرب الأقصى (¬2). 2 - أحسن الخليفة المعز لدين الله تنظيم جيوشه وإعدادها، وهي جيوش جرارة تجاوزت المائة ألف، وفتح خزائنه لقائده جوهر، وأمره أن يأخذ منها ما يكفيه (¬3). 3 - فساد الأحوال السياسية واضطراب الأوضاع الاقتصادية في مصر قبيل الغزو الفاطمي، الأمر الذي جعل الشعب المصري يستسلم بسهولة ودون مقاومة تذكر عندما جاءه الجيش الفاطمي (¬4). 4 - ضعف الدولة العباسية وتمزقها داخليّاً، واستبداد بني بويه الشيعة بالحكم فيها، بحيث لم يعد للخليفة العباسي الشرعي معهم سوى السلطة الدينية وذكر اسمه في الخطبة ونقشه على السكة (¬5). ولذلك فقد كانت الخلافة العباسية مشغولة بأوضاعها السيئة عن دفع الخطر الفاطمي الشيعي عن مصر، الأمر الذي سهَّل مهمة الفاطميين وأعطاهم المبرر ¬
السياسة المذهبية للفاطميين ومحاولة تحويل مصر إلى المذهب الإسماعيلي
لفتح مصر (¬1). 5 - التمهيد الفكري والديني الذي قام به الفاطميون قبل فتح مصر، وتجنيد الدعاة لنشر المذهب الشيعي في ربوع مصر قبل إرسال الحملة العسكرية إليها. السياسة المذهبية للفاطميين ومحاولة تحويل مصر إلى المذهب الإسماعيلي: الواقع أن استيلاء الفاطميين على مصر لم يكن مجرد حدث من أحداث السياسة، انتهى بسقوط دولة وقيام دولة أخرى على أنقاضها، بل كان أشبه بانقلاب ديني ثقافي اجتماعي واسع، صحبه تحول سياسي كبير، حيث أصبحت مصر تابعة للخلافة الفاطمية الشيعية، وانقطعت صلتها الرسمية بالخلافة العباسية السُّنية، وقد حرص الفاطميون منذ اللحظة الأولى لدخولهم مصر على أن يكون لهم بها نفوذ ديني راسخ، فجعلوا المذهب الإسماعيلي مذهباً رسميّاً لها، وحاولوا نشر هذا المذهب بكل سبيل ممكنة بين المصريين السُّنة، بل إن الفاطميين جعلوا من مصر قاعدة أساسية ومركز انطلاق وتوجيه للنشاط الإسماعيلي خارج مصر، بعد أن كانت مصر مركزاً سنيّاً يقاوم الإسماعيلية في بلاد المغرب (¬2). وبدا واضحاً أن الأمان الذي بذله الفاطميون لأهالي مصر، وتضمن إطلاق الحرية الدينية للمصريين وعدم إكراههم على ترك المذهب السُّني واعتناق المذهب الشيعي، كان مجرد إجراءٍ سياسي أو خدعة سياسية، لعدم إثارة الشعور الديني للمصريين وضمان خضوعهم للحكم الجديد، لأن الفاطميين لم يحترموا عهدهم، وركزوا اهتمامهم على تحويل المصريين إلى المذهب الشيعي، وكانت السنوات الأربع التي حكم فيها جوهر من أهم فترات التاريخ الفاطمي في مصر «358 - 362 هـ» حيث تمت فيها التغييرات المذهبية والإدارية اللازمة التي عبرت عن مظاهر انتقال السيادة إلى الفاطميين (¬3). وفيما يلي إطلالة سريعة على أبرز الوسائل التي اصطنعها الفاطميون لتحويل مصر إلى المذهب الشيعي الإسماعيلي، وبيان موجز لمظاهر القمع والتضييق ¬
والتعصب الذي تعَّرض له المصريون على أيدي الفاطميين: 1 - أسند الفاطميون المناصب العليا والوظائف المهمة في الدولة - وخاصة القضاء - إلى الشيعة دون أهل السُّنة، الأمر الذي دفع فريقاً من أهل السُّنة إلى التظاهر باعتناق المذهب الشيعي من أجل الاحتفاظ بمناصبهم، أو الوصول إلى مناصب أعلى، وكذلك اعتنق بعض الذميين الإسلام ودانوا بالمذهب الشيعي، من أجل الغرض نفسه (¬1)، فعندما دخل جوهر مصر أقرَّ القاضي السُّني، ولكنه ألزمه بإصدار أحكامه وفق عقائد المذهب الشيعي ثمَّ أشرك معه قاضياً مغربياً هو عبد العزيز بن النعمان، اختص بنظر القضايا التي تخص المغاربة، وشيئاً فشيئاً عزل القاضي السُّني وآل القضاء بأكمله إلى قضاة شيعيين (¬2). 2 - اتخذ الفاطميون المساجد الكبرى في مصر مراكز للدعاية الفاطمية، وأهمها: مسجد عمرو بن العاص، ومسجد أحمد بن طولون، والجامع الأزهر، واهتموا بتعيين أحد كبار المتفقهين في مذهب الشيعة للقيام بنشر دعوتهم، وكان يعرف بداعي الدعاة، وكانت منزلته تلي قاضي القضاة ويتزيا بزيه، ويعاونه اثنا عشر نقيباً، وله نواب في سائر البلاد، واشترطوا فيه أن يكون عالماً بجميع مذاهب أهل البيت، وكثيراً ما تقلد رجل واحد منصبيَ قاضي القضاة والدعوة (¬3). وبالإضافة إلى الجامع الأزهر، فقد شيَّد الفاطميون سلسلة من الجوامع الأخرى التي كانت بمثابة مراكز لتلقين الدعوة الشيعية (¬4). 3 - أمعن الفاطميون في إظهار شعائرهم الدينية المخالفة لشعائر أهل السنة، ولعل أول تغيير آثار سخط المصريين يتعلق بصوم رمضان، حيث يقضي المذهب الإسماعيلي بأن صوم رمضان وفطره يتم بالرؤية والحساب جميعاً، فإذا أشكل ¬
الأمر في أحدهما التمس في الآخر، فقد أفطر القائد جوهر وأصحابه في سنة 358 هـ/ 969 م بغير رؤية وصلوا صلاة عيد الفطر بمصلى القاهرة، ولم يعجب ذلك أهل مصر وصلوا غداة هذا اليوم بالفسطاط، لأن القاضي أبا الطاهر الذهلي التمس رؤية الهلال - كما جرت العادة - على سطح جامع عمرو فلم يره، فلما بلغ ذلك القائد جوهر أنكره وتهدد من أعاد فعله، فانقطع طلب الهلال بمصر طوال حكم الفاطميين (¬1). ومن الشعائر الإسماعيلية التي أظهرها الفاطميون - خلافاً لأهل السُّنة - الزيادة في الأذان بـ «حيَّ على خير العمل»، وزيادة القنوت في الركعة الثانية من صلاة الجمعة، والمنع من قراءة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ .. } وإزالة التكبير بعد صلاة الجمعة، والأمر بأن يقال في الخطبة: «اللهم صلِّ على محمد النبي المصطفى وعلى عليّ المرتضى وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول، الذين أذهبتَ عنهم الرجس وطهرتهم تطهيراً، اللهم صلِّ على الأئمة الراشدين آباء أمير المؤمنين الهادي المهديين» (¬2). 4 - عُني الفاطميون - في سياق إبرازهم لشعائر المذهب الشيعي - بإحياء ذكرى المناسبات الشيعية والاحتفال بها، مثل الاحتفال بيوم عاشوراء - العاشر من شهر المحرم - وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بكربلاء، وعيد الغدير المعروف بغدير خُمّ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وسبب الاحتفال به ما يرويه الشيعة من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد عودته من حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، نزل بغدير خُمّ في طريقه إلى المدينة، وأخذ بيد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقال: ... «ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟» قالوا: بلى، فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه» (¬3) ويعلق الشيعة أهمية ¬
كبرى على هذا الحديث، إذ يعتبرونه بمثابة مبايعة علنية من الرسول لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. واحتفل الفاطميون كذلك بما عرف بالموالد الستة، وهي: مولد الحسين، ومولد السيدة فاطمة، ومولد الإمام علي، ومولد الحسن، ومولد الإمام الحاضر، والمولد النبوي (¬1). 5 - تجاوز عمل الفاطميين في نشر مذهبهم الإسماعيلي طور الدعوة وإظهار الشعائر إلى طور التشكيك في المذهب السُّني والهجوم المباشر على أتباعه، حتى يتحولوا عنه إلى المذهب الإسماعيلي، فهاجموا الشافعي ومالكاً وأبا حنيفة، وهاجموا الخلافة الأموية والخلافة العباسية اللتين عدَّهما أهل السُّنة خلافتين صحيحتين من الناحية الشرعية، وإن لم تكتمل فيهما شروط الإمامة الدينية الكاملة. وكان دعاة المذهب الإسماعيلي منتشرين بين الناس يثيرون بعض الأمور الغامضة في الشرع والطبيعيات، ويجد بعض الناس أنفسهم في حيرة أمام تلك الأمور، فيقول لهم الدعاة: إن الدين مكتوم والأكثر له منكرون وبه جاهلون، وأن معرفة الحقيقة واليقين عند الأئمة الذين خصهم الله بالعلم ومعرفة الأسرار ولو سلَّمت الأمةُ قيادها لهم لَنَجَت من الاختلاف والافتراق، فقد تضمن هذا الكلام تشكيكاً كبيراً في المذهب السُّني، وأنه ليس شافياً وعلى الناس أن يبحثوا عن العلم والحقائق عند أصحاب المذهب الإسماعيلي كما يزعمون (¬2). 6 - وحين وجد الفاطميون أن أغلب أهل السُّنة يصرُّون على مذهبهم ويرفضون التحول إلى المذهب الإسماعيلي، لجؤوا إلى سياسة الضغط والإكراه، وخاصة في الأوقات التي كانوا يشعرون فيها بقوتهم السياسية، فمن ذلك: أن ¬
استجابة بعض المصريين للمذهب الإسماعيلي
الخليفة المعز أمر أن يكتب في سائر مدينة مصر «خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -»، ومنع الفاطميون أهل مصر من التكني بأبي بكر، فغيَّر من كان يتكنى بهذه الكنية كنيته، وفي سنة 372 هـ أمر الخليفة العزيز بالله قطع صلاة التراويح التي كان يؤديها أهل السُّنة في المساجد من جميع البلاد المصرية، وفي سنة 381 هـ ضُرب رجل بمصر وطيف به في المدينة، حيث عثر لديه على نسخة من كتاب الموطأ للإمام مالك (¬1)، وأمر الحاكم بأمر الله (386 - 411هـ) في سنة 395 هـ بنقش سبِّ الصحابة على جدران المساجد وفي الأسواق والشوارع والدروب، وصدرت الأوامر إلى العمال في البلاد المصرية بمراعاة ذلك (¬2)، وقتل الحاكم رجلاً يعرف بابن الدقاق ورجلاً يعرف برجاء بن الحسين، لأنهما صليا القيام بالناس في المسجد!! (¬3). وتجدر الإشارة إلى أن التعصب الفاطمي ظل قائماً في أيام الخليفة الظاهر بن الحاكم، فقد أخرج كثيراً من فقهاء السنة من مصر، وأورد ذلك المقريزي في أحداث سنة «416 هـ» فقال: «فيها أمر الظاهر بنفي من وجد من الفقهاء المالكية وغيرهم، وأمر الدعاة الإسماعيليين أن يُحفِّظوا الناس كتاب دعائم الإسلام وكتاب الوزير يعقوب بن كلس في الفقه على مذهب آل البيت وفَرَضَ الظاهرُ لمن يحفظ ذلك مالاً» (¬4). استجابة بعض المصريين للمذهب الإسماعيلي: إذا كان أكثر المصريين قد ثبتوا على مذهب أهل السُّنة وقاوموا الدعوة الإسماعيلية، فإنَّ قسماً منهم قد استجابوا لهذه الدعوة وتحولوا إلى المذهب الشيعي الإسماعيلي، ذلك أن الإسماعيليين كانوا يقولون بأنهم من آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويؤيدون مذهبهم بآيات قرآنية وأحاديث نبوية يؤولونها تأويلاً خاصاً، وإلى جانب قدرتهم في الدعاية وطريقة التأثير في الناس، وامتلاكهم القوة والمال والوظائف، ¬
المقاومة السنية للمد الشيعي في مصر
واستخدامهم الترغيب والترهيب لكسب المؤيدين والأنصار، ولم يكن المستجيبون للمذهب الإسماعيلي من نوع واحد، فمنهم من استجاب من أجل مصلحة شخصية، ومنهم من استجاب ليتحرر من الضغوط التي مارسها الإسماعيلية على المصريين في بعض الأحوال، ومنهم من استجاب بتأثير أساليب الدعوة الأخرى. على أن من دخل في الدعوة الإسماعيلية من المصريين لم يكن متعمقاً فيها، بل توقف عند الأخذ بفقه الإسماعيلية والإيمان والاعتراف بإمامة الخليفة الفاطمي، وعندما اضطرب أمر المذهب الإسماعيلي، ولا سيما بعد ظهور دعوى الألوهية أيام الحاكم ترك هؤلاء ذلك المذهب (¬1). المقاومة السُّنية للمدِّ الشيعي في مصر: من المعلوم أن مصر كانت قبل الفتح الفاطمي لها تدين بالمذهب السُّني الذي كان المذهب الرسمي للأقاليم التابعة للخلافة العباسية، ومنها مصر، وليس من المبالغة القول: إن مصر كانت من أهم المنابر السُّنية في العالم الإسلامي قبل العصر الفاطمي، ورغم تحول مصر إلى مركز للدعوة الشيعية الإسماعيلية بعد استيلاء الفاطميين عليها، ونشاطهم المكثف في الدعوة إلى مذهبهم وسعيهم الدؤوب إلى القضاء على المذهب السُّني، سواء بالتشكيك فيه والنيل منه، أو بالتضييق على أتباعه فقد ظل أكثر المصريين ثابتين على مذهبهم السُّني أوفياء له، وفي ذلك يقول عبد القاهر البغدادي (ت 429 هـ): «وأهل مصر ثابتون على السُّنة إلى يومنا هذا، وإن أطاعوا صاحب القاهرة في أداء خراجهم إليه» (¬2). ويقول الأستاذ محمد عبد الله عنان مؤكداً هذه الحقيقة: «إن الأمَّة المصرية لبثت من الناحية المذهبية طوال عهد الدولة الفاطمية محتفظة بمذهبها السُّني، لا تبغي عنه بديلاً» (¬3). وفيما يلي ألقي بعض الضوء على أبرز مظاهر المقاومة السُّنية للمدِّ الشيعي ¬
أ- إظهار الشعائر السنية
الإسماعيلي في مصر. أ- إظهار الشعائر السُّنية: لم يلتزم أهل مصر بشعائر المذهب الإسماعيلي الذي حاول الفاطميون فرضه عليهم، بل حرصوا على التمسك بالشعائر السُّنية وإظهارها، فقد تمسكوا برؤية الهلال في الصوم والفطر وفقاً لتعاليم المذهب السُّني (¬1)، وصلى أهل السُّنة التراويح في جماعة أيام الحاكم بأمر الله في جامع عمرو وغيره، رغم منع الحكومة الفاطمية ذلك منذ أيام العزيز بالله. وقد اضطر الحاكم بأمر الله إزاء تمسك أهل السُّنة في مصر بمذهبهم، ونتيجة الضغط السُّني عليه من ناحية المغرب إلى تخفيف الضغوط الدينية على أهل السُّنة، فقرَّب فقهاءَ المالكية في مصر، وسمح لهم بتدريس مذهبهم، وعيَّن في دار الحكمة اثنين من علماء السُّنة، وأعطى أهل السُّنة الحريَّة في إقامة صلاة الضحى والتراويح في شهر رمضان وغيرهما من الشعائر السُّنية، بل إنه أصدر سجلاً يكفل الحرية الدينية في دولته، فمن أراد التمسك بالمذهب السُّني فله ذلك، ومن أراد التحول إلى المذهب الشيعي فله ذلك (¬2)، بيد أن الحاكم تراجع عن هذه السياسة المتسامحة وعاد مرة أخرى إلى تشدده مع أهل السُّنة (¬3). ب- الطعن في المذهب الإسماعيلي والتشكيك فيه: اتجه فريق من أهل السنة إلى الطعن في المذهب الإسماعيلي والنيل منه، وتشويه صورته، كما طعنوا في نسب الفاطميين الذي ثارت حوله شكوك كثيرة، وقد اختلف المؤرخون في صحة نسب الفاطميين، ولم يصلوا إلى رأي حاسم يمكن الاعتماد عليه بسبب سرية الدعوة الإسماعيلية، والتقية التي مارسوها بسبب الاضطهاد والقتل والتشريد الذي تعرض له الشيعة، ولم يؤرخوا لحركتهم، لأن ¬
الستر أصل من أصول مذهبهم، ومن ضعف العقيدة عندهم كشف المستور (¬1). ومن أبرز المؤرخين الذين أيدوا صحة النسب الفاطمي: ابن الأثير، والمقريزي وابن خلدون (¬2)، وأبرز الذين طعنوا في صحة النسب الفاطمي: البغدادي والرازي والشهرستاني وابن حزم (¬3). فمثلاً كان الخليفة العزيز بالله يصعد المنبر فيجد قصاصات الطعن في نسبه، ومن ذلك ما أورده ابن تغري بردي من أنه صعد المنبر فوجد ورقة مكتوب فيها: إنَّا سمعنا نسباً منكَراً ... يتلى على المنبر في الجامع إن كنت فيما تدعي صادقاً ... فاذكر أباً بعد الأب الرابع وإن ترد تحقيق ما قلته ... فانسب لنا نفسك كالطائع أوْ لاَ: دع الأنساب مستورة ... وادخل بنا في النسب الواسع فإنَّ أنساب بني هاشم ... يقصر عنها طمع الطامع (¬4) ولا ريب أن الطعن في النسب الفاطمي يعني الطعن في الأساس الذي قامت عليه الخلافة الفاطمية، وهو الانتساب إلى آل البيت (¬5). ومن مظاهر طعن أهل السُّنة في المذهب الإسماعيلي طعنهم في علم الأئمة الفاطميين الذين نسبوا إلى أنفسهم علماً خاصّاً يتوارثونه فيما بينهم، وكان هذا الطعن مشوباً بسخرية لاذعة اشتهر بها المصريون، فروي أن العزيز بالله اعتلى المنبر ذات مرة لخطبة الجمعة فوجد ورقة مكتوباً فيها: بالظلم والجور قد رضينا ... وليس بالكفر والحماقة ¬
ج- التصدي لغلو الإسماعيلية
إن كنتَ قد أُعطيتَ علمَ غيب ... فقل لنا صاحب البطاقة (¬1) ج- التصدي لغلو الإسماعيلية: رفض أهل السُّنة في مصر متابعة الإسماعيلية في غلوهم وانحرافهم، بل قاوموهم أشد مقاومة، ومن الشواهد الدالة على ذلك: 1) روى الحافظ السلفي أن الخليفة الحاكم بأمر الله كان جالساً في مجلسه العام، وهو حافل بأعيان الدولة، فقرأ بعض الحاضرين قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} النساء/65، وكان القارئ في أثناء ذلك يشير إلى الحاكم، فلما فرغ من القراءة قرأ شخص آخر يعرف بابن المشجر: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِن الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحج/73 - 74، فلما أنهى ابن المشجر قراءته تغير وجه الحاكم وأمر له بمائة دينار ولم يطلق للقارئ الأول شيئاً، ولكن بعض أصحاب ابن المشجر خوَّفه من الحاكم، وأنه قد يؤاخذه فيما بعد، فخرج ابن المشجر إلى الحج وغرق في الطريق (¬2). 2) عندما وصلت قافلة الحجاج سنة 395 هـ إلى مصر أراد بعض الإسماعيلية أن يحملوهم على سبِّ السلف، فأبى الحُجاج وتحملوا في سبيل ذلك السب والبطش (¬3). 3) عندما جهر نفرٌ من غلاة الإسماعيلية بفكرة تأليه الحاكم بأمر لله، قام أهل السُّنة من الغيورين على دينهم بالفتك بكل من يقع في أيديهم ممن يروج لهذه الفكرة التي لا يقول بها إلا كافر، وقتلوا عدداً من القائلين بها، وقد شهدت السنوات من 408 هـ إلى 410 هـ سلسلة من المصادمات والاغتيالات والقتل، قتل في أثنائها ¬
د - ازدهار الدراسات السنية
الداعي محمد بن إسماعيل الدرزي سنة 408 هـ أثناء سيره في موكب الحاكم (¬1). د - ازدهار الدراسات السُّنية: على الرغم من تضييق الفاطميين على أتباع المذهب السُّني في مصر، فقد ازدهرت علوم السنة بها، وقام العلماء بإثرائها بكثير من المؤلفات القيِّمة والكتب المهمة، التي كانت مظهراً من مظاهر المقاومة السُّنية للمد الشيعي الإسماعيلي. ففي القرآن وعلومه تفسيراً وقراءة وإعراباً: نبغ في مصر عدد من مشاهير علماء السُّنة، منهم: أبو بكر الأدفوي محمد بن علي بن أحمد المقرئ المفسر النحوي (ت 388 هـ) (¬2)، وعلي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي (ت 430هـ) (¬3)، والقزويني محمد بن أحمد بن علي المقرئ (ت 452 هـ) (¬4)، وأبو العباس بن نفيس المصري شيخ القراء (ت 453 هـ) (¬5). وفي الحديث: برز بمصر عدد كبير من المحدثين السُّنة إبان العصر الفاطمي، منهم على سبيل المثال لا الحصر: أبو بكر محمد بن علي بن حسن المصري المعروف بالنقاش نزيل تنيس (¬6)، وعبد الغني بن سعيد (ت 409هـ) (¬7)، والحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله النعماني المعروف بالحبال ... (ت 482 هـ) (¬8). وفي الفقه: برز عدد من الفقهاء في المذهبين المالكي والشافعي كان لهم إسهام ملموس في تطوير الدراسات الفقهية السُّنية بمصر، فمن أشهر فقهاء المالكية ¬
بمصر في تلك الفترة: أبو بكر محمد النعالي (ت 380 هـ) (¬1)، وعبد الرحمن ابن عبد الله بن محمد الغافقي الجوهري (ت 385 هـ) (¬2)، وعبد الوهاب بن نصر البغدادي (ت 422 هـ) (¬3)، والأبهري الصغير محمد بن عبد الله (¬4)، وعبد الجليل بن مخلوف الصقلي (ت 459 هـ) (¬5). ومن أشهر فقهاء الشافعية أبو العباس أحمد بن محمد الدبيلي (ت 373 هـ) (¬6)، وأبو الحسن الحلبي علي بن محمد بن إسحاق (¬7)، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن شاكر القطان (ت 407 هـ) (¬8)، والقضاعي محمد بن سلامة بن جعفر بن علي (ت 454 هـ) (¬9)، والقاضي أبو الحسن الخلعي المصري (ت 492 هـ) (¬10). وهكذا ثبت أهل مصر على مذهبهم السُّني، وباءت كل المحاولات الفاطمية الشيعية في تحويلهم عنه بالفشل الذريع، حتى إن أحد الباحثين الكبار في تاريخ الدولة الفاطمية وهو الدكتور أيمن فؤاد سيد، يقرر أنه بعد أكثر من مائتي عام من الحكم الفاطمي في مصر، لم يكن بها إسماعيلي واحد سوى من ارتبط بالسلطة الحاكمة (¬11)، ولئن دلَّ ذلك على شيء، فإنما يدل على شدة وفاء المصريين للمذهب السُّني ورسوخه في نفوسهم، وتمكنه من ضمائرهم، كما يدل على عمق الخلاف بين أهل السُّنة والفاطميين، وأن الخلاف لم يكن سياسياً فقط. ¬
المواجهة والصراع بين الخلافتين العباسية والفاطمية
المواجهة والصراع بين الخلافتين العباسية والفاطمية: لم يكد الفاطميون يُتمُّون فتح مصر حتى تطلعوا إلى بسط نفوذهم على الشام التي كانت السيطرة عليها تمثل أهمية استراتيجية لكل نظام يتولى حكم مصر، حيث كان الفاطميون يرون في سوريا الشمالية الطريق إلى العراق، وأن سيطرتهم عليها ستضمن لهم الوصول إلى بغداد المركز الروحي والسياسي للعالم الإسلامي السُّني (¬1)، وقد كان جوهر أرسل جيشاً إلى الشام بقيادة جعفر بن فلاح، ففتح الرملة ثمَّ دمشق وأقام الدعوة للخليفة الفاطمي المعز في سنة 359 هـ، ثمَّ أتم فتح الشام سنة 360 هـ، واعترف حكام حلب الحمدانيون بالخلافة الفاطمية. وكان الفاطميون يهدفون من وراء فتح الشام إلى اتخاذها قاعدة انطلاق للهجوم على بغداد، لوضع نهاية لحكم البويهيين والخلافة العباسية، بيد أن موقعة دمشق مع القرامطة، الذين استغاث بهم فلول الإخشيديين، ومقتل جعفر بن فلاح في ذي القعدة سنة 360 هـ قد بددت أحلام الفاطميين (¬2). وقد شجعت المواجهات العسكرية بين الفاطميين والقرامطة أهالي الفرما وتنيس (¬3) على التمرد على الفاطميين ونبذ دعوتهم، فلبسوا السواد شعار العباسيين، بيد أن الفاطميين نجحوا في قمع هذا التمرد وإعادة الهدوء إلى هذه الأقاليم بين سنتي 360 - 363 هـ (¬4). وتجدر الإشارة إلى أن عضد الدولة البويهي أبا شجاع فنا خسروا قد اعترف في عهد الطائع العباسي بفضل آل البيت وخاطب العزيز بـ «الحضرة الشريفة» وأقر له بأنه في طاعته (¬5)، فكان ذلك مكسباً سياسيّاً ودبلوماسيّاً للفاطميين في مواجهتهم مع العباسيين. ¬
وكذلك - في سياق المواجهة غير المباشرة مع العباسيين - سعى الفاطميون إلى أن تقام لهم الخطبة في مكة والمدينة، حتى تكون لهم السيادة الفعلية على العالم الإسلامي، وبالفعل أقيمت الخطبة للمعز بالحجاز سنة 363 هـ (¬1)، كما أقيمت للعزيز سنة 365 هـ (¬2). وظل الفاطميون حريصين على ذلك التقليد الاستراتيجي إلى أن ضعفت دولتهم ودبت الفوضى والمشكلات الداخلية في أوصالها. ومع نهاية عهد العزيز بالله حول سنة 382 هـ اتسعت مملكة الفاطميين، وأقيمت الدعوة لهم في أنحاء متفرقة من العالم الإسلامي في اليمن والموصل فضلاً عن الشام وإفريقية، وكذلك فقد اشترط العزيز بالله على رسل بيزنطة أن يخطب له في جامع القسطنطينية يوم الجمعة (¬3). وفي عهد الخليفة الفاطمي المستنصر «427 - 487 هـ» انتشر الدعاة الفاطميون على امتداد الأراضي الشرقية التابعة للعباسيين ثمَّ السلاجقة، يتلقون تعليماتهم مباشرة من رئاسة الدعوة المركزية في القاهرة، من أجل الإطاحة بالخلافة العباسية وإرساء العقيدة الشيعية في العالم الإسلامي، وبإغراء من هؤلاء الدعاة، أقام الديالمة الدعوة للفاطميين سنة 415 هـ في البصرة والكوفة والموصل وأعمال الشرق، وكذلك نجح المؤيد في الدين الشيرازي في إظهار الدعوة الفاطمية في شيراز وأرض فارس والأهواز (¬4). وهكذا كان نشاط الحكومة الفاطمية في القاهرة وخارجها موجهاً للإطاحة بالخلافة العباسية، ولكن إذا كان الفاطميون قد كسبوا عن طريق الدعوة أراضي جديدة تابعة للعباسيين، فإنهم قد خسروا بعض الأراضي من ممتلكاتهم في بلاد ¬
موقف العباسيين من الأطماع الفاطمية
الشام، لعل أهمها حلب التي خرجت من حوزتهم سنة 415 هـ (¬1). وفي عهد الخليفة الظاهر «411 - 427 هـ» تحسنت العلاقات الفاطمية البيزنطية، وكان هدف الظاهر من تقوية صلته بالإمبراطور البيزنطي التفرغ لمواجهة العباسيين ثمَّ السلاجقة (¬2)؛ وقد وقعت هدنة بين الفاطميين والبيزنطيين سنة 418 هـ (¬3)، واتفاقية أخرى سنة 427 هـ لمدة عشر سنوات، جددت سنة 439 هـ (¬4). موقف العباسيين من الأطماع الفاطمية: ورغم ضعف الخلافة العباسية ووقوع خلفائها تحت الهيمنة السياسية للبويهيين الشيعة، والتهديد الفاطمي لها في مصر وجنوب الشام، فإن العباسيين جعلوا يناوئون الفاطميين ويتربصون بهم، ويشوهون صورتهم منذ مطلع القرن الخامس الهجري، ولا سيما بعد ظهور السلاجقة السُّنة على مسرح الأحداث السياسية للمشرق الإسلامي ونجاحهم في غضون سنوات قليلة من بناء إمبراطورية سُّنية قوية كانت خير سند للخلافة العباسية في صراعها ضد الفاطميين الشيعة. وكانت بداية الهجوم العباسي السُّني على الفاطميين الشيعة يتمثل في ذلك ... «المحضر» الذي صدر في بغداد سنة 402 هـ يقدح في نسب الفاطميين ويطعن في اتصالهم بآل البيت، وقد وقع عليه كبار العلماء والقضاة والفقهاء في بغداد (¬5)، وفي سنة 444 هـ صدر ببغداد «محضر» آخر يتضمن ما تضمنه المحضر السابق من طعن في نسب الفاطميين (¬6). وقد سعى العباسيون - بمساعدة السلاجقة - إلى تضييق الخناق على الفاطميين لإضعاف دولتهم تمهيداً لإسقاطها، وبالفعل استجاب حاكم إفريقية المعز بن باديس الزيري لتحريض العباسيين، فقطع الخطبة للفاطميين وأقامها للعباسيين ¬
سنة 441 هـ، بعد أن كان قد ضرب عملة جديدة خاصة به ليس عليها أسماء الفاطميين، فكانت ضربة موجعة لهم (¬1). وكذلك نجح العباسيون في تحريض الإمبراطور البيزنطي على الخلفاء الفاطميين، وعقدوا معه اتفاقاً أنهى بموجبه تموين القمح الذي كان يرسله إلى مصر، كما أقيمت الخطبة للخليفة القائم بأمر الله العباسي في جامع القسطنطينية، مما أدى بالمستنصر إلى التحوط على ما في كنيسة قمامة سنة 447 هـ-1055 م، وأغلق أبواب كنائس مصر والشام، وطالب الرهبان بالجزية لأربع سنين، وزاد الجزية على سائر النصارى (¬2). وقد رد الفاطميون على التهديد العباسي بتوجيه جهودهم ونشاطهم وتركيزه في الشرق وخصوصاً اليمن المهد الأول للدعوة الإسماعيلية، كما سعى الفاطميون إلى منافسة العباسيين تجاريّاً من خلال السيطرة على الشاطئين الإفريقي والعربي للبحر الأحمر، وعلى المنفذ الجنوبي المؤدي إلى الهند (¬3). وفي الوقت نفسه صعّد الدعاة الفاطميون المواجهة الحربية مع العباسيين، حيث قام داعي الدعاة المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي بتأييد ثورة أبي الحارث البساسيري ضد الخليفة العباسي، مستغلاً الفوضى التي اجتاحت العراق في أعقاب سقوط البويهيين، ومستعيناً بالأموال والذخائر التي أمدَّه بها الوزير اليازوري من القاهرة، ونجح البساسيري في الاستيلاء على بغداد وإقامة الخطبة بها للمستنصر الفاطمي لمدة عام سنة «450 هـ-1058 م» وكان أول من أيده ودعا لصاحب مصر أهل الكرخ وألزم البساسيري الخليفة القائم بأمر الله العباسي بكتابة كتاب أشهد عليه العدول بأنه لا حق لبني العباس في الخلافة مع وجود بني فاطمة الزهراء، وأرسل البساسيري الكتاب إلى المستنصر في مصر، وظل محفوظاً لدى الفاطميين إلى أن أعاده صلاح الدين إلى العباسيين فور استيلائه على مقاليد الأمور في مصر ¬
اضمحلال الخلافة الفاطمية وسقوطها
بعد ذلك بنحو مائة عام. على أن الخلافة الفاطمية لم تكن ظروفها - في ظل تقلص ممتلكاتها وتعرضها لأزمات اقتصادية متوالية - تسمح بإمداد البساسيري بقوة تسنده وتدعم موقفه، ولذلك لم يجد طغرلبك السلجوقي صعوبة تذكر في القضاء على فتنة البساسيري وإعادة الدعوة للعباسيين في بغداد مرة أخرى بعد انقطاع دام اثني عشر شهراً (¬1)، بل مد السلاجقة نفوذهم إلى الشام واستولوا على بعض ممتلكات الفاطميين بها، ولم يبق للفاطميين نفوذ إلا على مصر وجنوب فلسطين والحجاز واليمن، لتدخل الخلافة الفاطمية بعد ذلك مسلسل الضعف والانحطاط والتراجع، إلى أن سقطت سنة 567 هـ. اضمحلال الخلافة الفاطمية وسقوطها: ظلت الخلافة الفاطمية في مصر عزيزة الجانب مهيبة السلطان إلى الشطر الأول من خلافة المستنصر بالله (427 - 487هـ)، ففي عهده امتد سلطان الفاطميين إلى بلاد الشام وفلسطين والحجاز وصقلية وشمال إفريقية، وكان اسمه يذاع على كافة منابر البلاد الممتدة من المحيط الأطلسي غرباً حتى البحر الأحمر شرقاً، بل في بغداد نفسها نحواً من سنة. على أن عهد المستنصر نفسه حمل بذور الضعف والانهيار، وانطوى على عوامل الانحلال والتفكك، ففي عهده ضربت مصر مجاعة طاحنة أعقبها أوبئة مهلكة، فيما اصطلح المؤرخون على تسميته بالشدة العظمى أو الشدة المستنصرية، التي استمرت نحو ثمانية أعوام (446 - 454هـ) عصفت خلالها باقتصاد البلاد، وحصدت أرواح آلاف المصريين (¬2). وقد نتج عن تدهور الاقتصاد المصري اضطراب الأوضاع الداخلية في البلاد، حتى إن منصب الوزارة قد تداوله أربعون وزيراً في تسع سنوات بعد قتل ¬
الوزير اليازوري سنة 450 هـ (¬1)، وهو دليل على مدى ما بلغته البلاد من فساد واضطراب في الشطر الثاني من خلافة المستنصر. وتوالى انفصال أجزاء الدولة، فانفصل شمال إفريقيا «المغرب» كله وخطب للعباسيين، وفي سنة 463 هـ دخل النورمان صقلية واستولوا عليها، فخرجت بذلك عن حكم الفاطميين، بعد أن ظلت جزءاً من أملاكهم منذ قيام دولتهم. وفي الوقت نفسه تطلع السلاجقة بعد استقرار نفوذهم في العراق إلى ضم بلاد الشام، فاستلبوا من الفاطميين أكثر مدن الشام، بحيث لم يبقَ للخلافة الفاطمية سوى بعض المدن الساحلية، وهكذا كان ظهور السلاجقة- أتباع المذهب السُّني - عاملاً من عوامل إضعاف الخلافة الفاطمية. ثم أنشب الانقسام أظفاره داخل البيت الفاطمي نفسه، حيث كان المستنصر قبل وفاته قد جعل ولاية العهد من بعده لأكبر أبنائه أبي منصور نزار، فلما مرض أراد أخذ البيعة له، فظل الأفضل وزيره ومدبر دولته يحول بينه وبين هذا الأمر حتى توفي المستنصر، فعقد الأفضل البيعة لابنه المستعلي بالله، فخرج نزار إلى الإسكندرية حيث بايعه واليها التركي ناصر الدولة أفتكين بالخلافة، التي عده الأفضل خارجاً عليها، فجهز جيشاً وخرج على رأسه لقتال نزار ووالي الإسكندرية، ثم اعتقلهما فأمر المستعلي بقتلهما، وانقسم الفاطميون - منذ ذلك التاريخ - إلى مستعلية يؤمنون بحق المستعلي بالله في الخلافة، ونزارية يرون أن نزاراً أحق بها من أخيه (¬2). وقد استغل الأفضل بن بدر الجمالي ذلك الانقسام داخل البيت الفاطمي، فقبض على زمام السلطة بيد من حديد واستبد بالأمور دون الخليفة الذي لم يكن له مع الأفضل أمر ولا نهي، إذ كان الأفضل يدبر أمر الدولة تدبير سلطنة وملك، لا تدبير وزارة (¬3). وبدأت السلطة تنتقل فعليّاً ورسميّاً من أيدي الخلفاء إلى أيدي الوزراء وأصبح ¬
هؤلاء ألعوبة في يد أولئك، يحجرون عليهم ويتحكمون في مصائرهم كما يريدون (¬1). وتضخم نفوذ الوزراء واتسعت سلطاتهم، وتحول منصب الوزارة من وزارة تنفيذ إلى وزارة تفويض، حتى سمي العهد الأخير من أيام الفاطميين ... (466 - 567 هـ) عصر نفوذ الوزراء (¬2). ثم عجلت الحروب الصليبية بنهاية الدولة الفاطمية، وكانت سبباً من أسباب سقوطها، حيث استغل السلطان نور الدين محمود بن زنكي - صاحب الشام وبطل الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين - الخلاف الشاجر بين شاور وزير الخليفة العاضد آخر خلفاء الفاطميين، وضرغام صاحب الباب على منصب الوزارة، فتدخل في شؤون مصر بعد أن استنجد به شاور، في حين لجأ ضرغام إلى الصليبيين. وبعد حملات ثلاث أنفذها نور الدين محمود إلى مصر بقيادة الأمير أسد الدين شيركوه، نجح شيركوه في الحملة الثالثة سنة 564 هـ في الاستيلاء على مصر، فقلده الخليفة العاضد الفاطمي منصب الوزارة، فلم ينعم بها طويلاً، حيث توفي بعد شهرين، فخلفه في الوزارة ابن أخيه صلاح الدين يوسفُ بن أيوب، الذي نجح في تثبيت نفوذه في مصر في غضون سنوات ثلاث، أعلن بعدها رسميّاً سقوطَ الخلافة الفاطمية، حيث أمر في الجمعة الثانية من المحرم سنة 567 هـ، بقطع الخطبة للخليفة العاضد الفاطمي آخر خلفاء الفاطميين، والدعاء للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله (¬3). ثم توفي العاضد بعد قطع الخطبة بثلاثة أيام، لتبدأ صفحة جديدة في تاريخ مصر الإسلامية عُرِفت بعصر سلاطين بني أيوب، الذين ضربوا أروع الأمثلة في جهاد الصليبيين، بعد أن فشل الفاطميون في مقاومتهم وطردهم من الأراضي الإسلامية فشلاً ذريعاً. ¬
موقف المصريين من سقوط الخلافة الفاطمية
موقف المصريين من سقوط الخلافة الفاطمية: ذكرت أن أكثر المصريين لم يعتنقوا المذهب الشيعي الإسماعيلي، ولا عرف عنهم ميلٌ إلى مبادئه، فلم يدن بهذا المذهب إلا العناصر التي تعاونت مع الخلافة الفاطمية ودارت في فلكها، وهي الأقليات الأجنبية التي وفدت إلى مصر في صحبة الفاطميين، أو استعانوا بهم طوال فترة حكمهم، هؤلاء فقط هم الذين يمكن القول إنهم اعتنقوا المذهب الإسماعيلي، بالإضافة لعدد قليل من المصريين الذين تأثروا بالدعاية الفاطمية. ولذلك فإن قيام صلاح الدين بقطع الخطبة للفاطميين، وتحويلها للخلافة العباسية قد قُوبل بترحيب المصريين، من العامة والفقهاء والعلماء، وقد وصف المقريزي موقف المصريين قائلاً: «فلم ينكر أحد عليه ولا تحرك له» (¬1)، وقول المقريزي دليل على رضا الشعب المصري عن العودة إلى المذهب السُّني رسميّاً، وكراهية الفاطميين المخالفين لهم في المذهب العقدي. ولا يفوتني في هذا المقام أن صلاح الدين كان قد مهد لقطع الخطبة، ليس بالتقرب إلى عامة المصريين فحسب، بل خاطب مشاعرهم الدينية من خلال خطب الجمع التي سبقت إسقاط الخطبة للعاضد، وأمر أن يذكر العاضد في الخطبة بكلام يحتمل التلبيس على الشيعة فكان الخطيب يقول: «اللهم أصلح العاضد لدينك» والجمعة التي قبلها تحسس موقفهم بأن أبطل الأذان بـ «حي على خير العمل» وأمر أن يذكر في الخطبة الخلفاء الراشدون (¬2)، فلما لم يجد رد فعل لدى العامة تجاه ذلك، تشجع وأمر بأن تكون الخطبة للخليفة العباسي. مما أثار اعتراض كثير من أنصار الفاطميين وأشياعهم، الذين كانوا - في معظمهم - من غير المصريين (¬3)، فقام جماعة من هؤلاء واتفقوا على إقامة خليفة ووزير، وكاتبوا الصليبيين في بيت المقدس يلتمسون مساعدتهم في تحقيق انقلابهم، ولكن صلاح الدين نجح في كشف مؤامرتهم وأحبط خطتهم، وقتلهم جميعاً عام 569 هـ (¬4)، وبمقتل هؤلاء قُضي على آخر أمل لأتباع الدولة الفاطمية في مصر، وانتهى دور الفاطميين السياسي في التاريخ. ¬
المبحث الثالث الخلافة الأموية في الأندلس
المبحث الثالث الخلافة الأموية في الأندلس تمهيد: كان ما فعله العباسيون بالأمويين في بداية خلافتهم سبباً غير مباشر لنشوء الإمارة الأموية في الأندلس، فقد تتبع العباسيون الأمويين بالقتل في كل مكان، وخاصة عندما دبَّر لهم أبو العباس الملقب بالسفاح مؤامرة قتل فيها الكثير منهم عند أبي فطرس (¬1)، ونجا منها عبد الرحمن بن معاوية (¬2) ومعه ابنه الصغير سليمان وخادمه المخلص بدر، وفرَّ منهم في رحلة طويلة وشاقة، امتدت حوالي ست سنوات متنقلاً بين قبائل البربر في المغربين الأوسط والأقصى، قبل أن يصل إلى الأندلس - التي كانت تمزِّقها حرب أهلية، وكان جده هشام بن عبد الملك قد وهبه جميع الأخماس التي اجتمعت للخلفاء في الأندلس - ويعلن قيام الإمارة الأموية المستقلة هناك، ثم ليعلنها أحد أحفاده سنة 316 هـ خلافةً أمويةً. ويعود قيام الدولة الأموية في الأندلس إلى أسباب سياسية بحتة، إذ لم يكن هناك أي خلاف مذهبي أو عَقَدي بينها وبين الدولة العباسية، والخلاف بين المذهب الرسمي في الأندلس وبين المذهب الرسمي في الدولة العباسية إنما جاء انعكاساً للخلاف السياسي بينهما ومتأخراً عنه، وبقي محصوراً بمسائل فرعية (¬3). ¬
بل قد وردت في التاريخ أخبارٌ للتعاون بين الدولة العباسية في بغداد والأموية في الأندلس، عندما كان الأمر يتعلق بالجهاد وفتح البلاد، وقد حصل ذلك مرتين: الأولى: ساعدت فيها الخلافة العباسية الأمويين في الأندلس عندما قام والي مصر للرشيد داود بن يزيد سنة 174هـ/790 م بإرسال جيش إلى الأندلس، لنجدة الأمير هشام بن عبد الرحمن الداخل لمساعدته على حسم النزاع بينه وبين الفرنجة في الشمال، عندما أحاط الخطر بالإمارة الأموية (¬1). وتكرر هذا في ولاية عبد الله بن المسيب الضبي على مصر، عندما استنجد به الأمير هشام بن عبد الرحمن الداخل، فلبى الضبي طلب الأمير هشام وجهز جيشاً لنجدته (¬2)، ومن المستبعد أن يقوم والي مصر بهذا العمل دون علم الخليفة العباسي، خاصة وأن مصر كانت على مدى التاريخ الأموي والعباسي القاعدة التي تنطلق منها القوات التي ترسل إلى المغرب والأندلس. والثانية: ساعد فيها الأمويون في الأندلس الأغالبةَ التابعين للخلافة العباسية عندما حاصر البيزنطيون المسلمين في حصن ميناو (مينو)، وكانت في هذه الأثناء قد وصلت مراكب غزاة البحر الأندلسيين بقيادة أصبغ بن وكيل المعروف بفرغلوش ¬
أولا - الأندلس من قبيل الفتح حتى نهاية عصر الولاة
سنة 214هـ/829 م، فاستغاث بهم الأفارقة في ميناو فهب الأندلسيون لنجدتهم واقتحموا عدة قلاع حتى وصلوا إلى ميناو، فهرب البطريق تودط إلى قصريانة وذلك في جمادى الآخرة 215هـ/أغسطس830 م، ثم اتحدت القوات الأفريقية والأندلسية وواصلت فتح الجزيرة، ففتحوا (بلرم) صلحاً في رجب سنة 216هـ (¬1). ولا شك أن هذا فيه أبلغ التعبير عن مدى الارتباط العميق الذي يجمع المسلمين سواء في المشرق أو في الأندلس، وخاصة عندما تبتعد العلاقات عن الخلافات السياسية. ولعل كل ما سبق - وغيره - كان السبب وراء عدم إعلان الخلافة في الأندلس لفترة طويلة جداً، تجاوزت مائة وخمسة وسبعين عاماً. وسأقسم الحديث عن الأندلس إلى ثلاثة أقسام وفقاً للمراحل التي مر بها هذا البلد؛ المرحلة الأولى من قبيل الفتح حتى نهاية عصر الولاة، والمرحلة الثانية من بداية عصر الإمارة المستقلة حتى إعلان الخلافة في الأندلس، والمرحلة الثالثة تبدأ بإعلان الخلافة الأموية فيها وتنتهي بسقوط هذه الخلافة: أولاً - الأندلس من قبيل الفتح حتى نهاية عصر الولاة: حكم ملوكُ القوط الأندلسَ نحواً من أربعمائة سنة قبل الإسلام، ويعتبر حكمهم للأندلس حكماً أجنبياً مفروضاً له مظهره العسكري ومظهره الديني، وله مساوئه التي كان أبرزها عظم نفوذ الكنيسة وتسلط رجال الدين، واستحواذ الكنيسة على قدر كبير جداً من الأراضي الزراعية وإعفائها من الضرائب، وكذلك انقسام المجتمع إلى طبقات؛ طبقة النبلاء ورجال الدين بكل مميزاتها والغالبية العظمى من الشعب، ثم الرقيق (¬2). ¬
هكذا كان الوضع قبل فتح الأندلس عندما أمر الخليفة الوليدُ بن عبد الملك عاملَه على أفريقية موسى بن نصير بفتحه، الذي بدأ سنة 92 هـ (¬1) بقيادة طارق بن زياد (¬2)، وتم بمساعدة موسى بن نصير من سنة 93 هـ إلى سنة 95 هـ (¬3)، وبعد عزل موسى بن نصير نتيجة وشاية عليه، ومقتل ابنه عبد العزيز بن موسى بن نصير، دخلت الأندلس مرحلة من التخبط السياسي استمر قرابة أربعين سنة، تغير خلالها عشرون والياً، نتيجة للصراعات والانتماءات القبلية المتعددة والمتنافسة، ولم يستطع أحد منهم استيعاب اللعبة السياسية بل كانوا جميعاً أطرافاً مكشوفة في الصراع (¬4)، وكان ارتباط هذه الولاية الأموية بالسلطة المركزية واهياً، وبعد مقتل الخليفة الوليد بن يزيد سنة 126هـ/744 م لم تعد دمشق مركز الخلافة تعطي أهمية لأمور ولاياتها في الغرب الإسلامي (¬5). استمر الأمر على هذا بعد قيام الخلافة العباسية بسبب انشغالها بتثبيت الحكم في بداية عهدها، فقد كانت السلطة العباسية السياسية خارج الخلافة لا تتعدى حدود مصر الغربية، فقد كانت ثورات البربر في أفريقية - الذين انتشرت بينهم مبادئ الخوارج بشكل كبير - تعزل العباسيين عن الاهتمام بالمغرب والأندلس، فقد كان الصراع شديداً (¬6)، وقامت ولايات من البربر على يد زعماء من العرب منها: ولاية (تاهرت) التي أسسها عبد الرحمن بن رستم بمساعدة الإباضية (137 - 297هـ)، وولاية (سجلماسة) التي أسسها بنو مدرار (167 - 157هـ)، و (تلمسان) التي أسسها أبو فروة الصنهاجي (¬7). ¬
ثانيا - الأندلس في عصر الإمارة الأموية
ثانياً - الأندلس في عصر الإمارة الأموية: شجعت الأوضاعُ المضطربة في أفريقية النزعةَ الاستقلالية للأندلس، وكان آخر الولاة فيها قبل دخول عبد الرحمن الداخل إليها، هو يوسفُ بن عبد الرحمن الفهري (¬1) من زمن مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، واستمر عليها أيام السفاح وأول أيام أبي جعفر المنصور بعده، حتى استولى عليها عبد الرحمن الداخل سنة 138 هـ في خلافة أبي جعفر المنصور، ونجح في القضاء على عدة ثورات ضده (¬2)، وأعلن من قرطبة انفصال إقليم الأندلس عن حكم الدولة العباسية انفصالاً تاماً، مُنْهياً بذلك عهد تبعية الولاة الصوري للعباسيين (¬3). ولابد من الإشارة هنا إلى أن عبد الرحمن الداخل اتبع سياسة واقعية في بداية عهده تجاه العباسيين ساهمت في طمأنتهم، فإنه أخذ في بداية حكمه يدعو للمنصور العباسي (136 - 158 هـ/754 - 775 م) ولم يقطع الخطبة له مباشرة، بل أبقاها على منابر الأندلس أشهراً دون السنة (¬4)، ثم تغير الحال عندما أظهر المنصور ¬
محاولات العباسيين استرداد الأندلس من أمراء بني أمية
عداءه له وتآمر على قتله والخلاص منه، فأمر بقطع الدعاء في الخطبة للخليفة العباسي، ولكنه لم يَتَسَمَّ خلال حكمه بألقاب الخلافة، لئلا يثير شعور المسلمين من حوله، وإنما أطلق على نفسه لقب الأمير، وأمر بالدعاء للأمراء الأمويين أبناء الخلائف، وتداول الأمراءُ الأمويون حكمَ الأندلس بعده، ولم يتلقبوا كذلك بلقب الخلفاء أو بلقب أمير المؤمنين تأدباً مع لقب الخلافة، واكتفوا بلقب أبناء الخلائف، على أساس خلافة آبائهم الأموية السابقة، وكان أهل الأندلس يسلِّمون على الأمير بقولهم: السلام عليك يا ابن الخلائف (¬1). محاولات العباسيين استرداد الأندلس من أمراء بني أمية: لم تقم محاولات مباشرة من قبل الخلافة العباسية لاستعادة الأندلس، لعدة أسباب منها: - البعد الجغرافي الكبير ووجود الحاجز المائي بينهما، وخاصة إذا عرفنا ضعف الأسطول العباسي وعدم اهتمامهم ببنائه، ومنها انشغال المنصور في بداية ¬
حكمه بقمع ثورات العلويين، وثورة عمه عبد الله بن علي، ولأنَّ تأثير استقلال الأندلس على الخلافة العباسية لم يكن على المستوى المنظور والعاجل مقارنة مع ما كانت تواجهه من ثورات حولها، ولكنه ترك أثراً ظهر فيما بعد، بتشجيع دول أخرى على إعلان الاستقلال عن الخلافة العباسية، مع تفاوت مراتب هذا الاستقلال من دولة إلى أخرى، أضف إلى ذلك كثرة أعداء العباسيين في المغرب، فقد كان عبد الرحمن الفهري قد سيطر على أفريقية والمغرب الأوسط منذ فترة، ولما هُزم الفهري أمام الخوارج أرسل الخليفة العباسي في سنة 142 هـ جيشاً بقيادة أبي الأحوص العجلي لاسترداد المغرب منهم، وتقابل الجيشان في منطقة مقداس على شاطئ البحر هُزم فيها الجيش العباسي، ثم أرسل المنصور سنة 143 أو 144 هـ جيشاً أكبر بلغ أربعين ألفاً بقيادة محمد بن الأشعث، ومعه ثمانية وعشرون من كبار قواده، فهَزمَ ابنُ الأشعث جيشَ الخوارج بقيادة أبي الخطاب المعافري، وأعاد أفريقية إلى الخلافة العباسية ودخل القيروان منتصراً (¬1)، ولكن ظل المغرب الأقصى منفصلاً عن الخلافة منذ ثورة ميسرة المطغري سنة 122 هـ/739 م، ولم يتعد نفوذ الخلافة العباسية حدود إفريقية ويحيط بها بحر متلاطم من الأعداء؛ فقد كانت دولة برغواطة في تامسنا، ودولة بني واسول في سجلماسة، وبنو يفرن ومغيلة بتلمسان، أما الخوارج الإباضية فقد انتشروا في مناطق مختلفة من تاهرت وجبل نفوسة، والتحق قسم من الخوارج بالأدارسة، هذا ما آل إليه المغرب في الوقت الذي كان فيه عبد الرحمن الداخل في الأندلس منشغلاً بتشييد دولته (¬2). ومع ذلك فقد حاول المنصور إعادة السيطرة للعباسيين على الأندلس بإقناع الداخل في بداية الأمر، فبعث له رسالة سنة 142هـ/759 م يعاتبه فيها على قطع ¬
1 - المحاولة الأولى: ثورة العلاء بن المغيث على عبد الرحمن الداخل سنة 147هـ/764 م
الدعوة له ويدعوه إلى طاعته فلم يردَّ له الداخل جواباً (¬1)، فلم يكن أمام الخلفاء العباسيين إلا اعتماد أسلوب المؤامرات لتصفية الخصم البعيد، فظهرت نتيجة لذلك محاولتان لاسترجاع الأندلس: 1 - المحاولة الأولى: ثورة العلاء بن المغيث على عبد الرحمن الداخل سنة 147هـ/764 م: بعث المنصور رسالة إلى واليه على إفريقية محمد بن الأشعث يأخذ رأيه في مدى إمكانية إعادة الأندلس إلى حظيرة الدولة العباسية، ويبدو أن ابن الأشعث كان متفائلاً جداً فقد سارع إلى إبداء الرأي الإيجابي وهوَّن عليه المسألة، ورشَّح لها العلاء بن المغيث الذي حصل من المنصور على دعم مادي كبير، وسِجلٍ بالولاية على الأندلس إذا نجحت ثورته، إضافة إلى لواء الدولة العباسية قائلاً له: «إن كان فيك محمل لمناهضة عبد الرحمن وإلا فأََبعثُ بمن يُعينك» (¬2). وكان العلاء بن مغيث قائداً لحامية باجة (¬3) إلى الجنوب الغربي من الأندلس (البرتغال) وتم هذا الاتصال في سنة 146 هـ/763 م، وبعد عام من الاتصالات في سنة 147هـ، أُعلنت الثورة في لَقَنْت (¬4) من عمل باجة، حيث ظهر العلاء داعياً للعباسيين ولطاعة أبي جعفر المنصور، وتغلب على غرب الأندلس، وانضم إليه الكثير من المتضررين من حكم عبد الرحمن الداخل، ولكن الثورة فشلت وقُتل قادتها، واختار الداخل رؤوس العلاء وكبار أصحابه وأراد أن يعطي المنصور درساً قاسياً يجعله يفكر كثيراً قبل الإقدام على خطوة مماثلة، فعلَّق في أذن كل ¬
رأس رقعة تحمل اسم صاحبها ومكانه، ووضعها في جواليق (¬1) وأعطاها إلى من رمى بعضها في سوق القيروان، وألقى رأس العلاء ومعه العلم الأسود وسِجِل المنصور له أمام سرادق المنصور عندما كان يحج في مكة (¬2). ثم قام الداخل بالرد على محاولات العباسيين من خلال حلفائه في المغرب (¬3)، ففي سنة 148 هـ أخذ أبو قرة المغيلي بمناوشة الوالي العباسي الأغلب بن سالم التميمي (148 - 151هـ/765 - 768 م)، ثم شنَّ حرباً ضروساً على والي القيروان عمر بن حفص (151 - 154 هـ/765 - 770 م) المعروف بهزار مرد وقد اشتد أوار الحرب بينهما عندما استطاع أبو قرة أن يجمع المغاربة بمختلف فرقهم ونحلهم في حلف ضم اثني عشر عسكراً، يقدر مجموعهم بنحو سبعين ألف ¬
مقاتل، تقدَّم أبو قرة بأكثر من نصف هذا العدد نحو مدينة طبنة قاعدة الزاب سنة 154هـ/770 م لمقاتلة عمر بن حفص الذي جاء لتحصين هذه المدينة، ثم تقدمت المجموعة الأخرى وضربوا عليها حصاراً محكماً، لكن دهاء الوالي العباسي وإقدامه حال دون تنفيذ خطة البربر ضده، فقد استطاع أن يُحدِث تصدعاً في هذا الحلف بإغراء أحد قواد المعسكر البربري بمبلغ من المال، فانسحب من الحلف بجنده ثم تبعته جموع أخرى، عند ذلك لم يجد أبو قرة بُداً من الانسحاب والعودة إلى تلمسان دون قتال، ولم يصمد عبد الرحمن بن رستم هو الآخر أمام طلائع عمر بن حفص فانهزم وعاد إلى تاهرت، أما أبو حاتم بن لبيب المغيلي زعيم إباضية طرابلس فتقدم نحو القيروان، وحاصرها مدة زادت على ثمانية أشهر حتى نفد زاد أهل المدينة، ودخلها أخيراً بعد أن حرقها وحطَّم أبوابها وقتل واليها عمر بن حفص سنة 154هـ/770 م. وكان الخليفة أبو جعفر المنصور قد بعث يزيد بن حاتم إلى أفريقية لنجدة عمر بن حفص ومساعدته ولما وصل إلى نواحي (سرت) تقابل مع أبي حاتم فقتله مع عدد كبير من جنده وعادت بذلك أفريقية من جديد إلى الخلافة العباسية سنة 155هـ/771 م ولم يقدَّر لهذه الجهود الأموية المغربية أن تنجح في القضاء على النفوذ العباسي في المغرب بسبب كثرة الخلافات بين القبائل. اقتنع المنصور بمحاولته تلك ولم يكررها، وانشغل بمشاكله القريبة منه، ورغم نجاح عبد الرحمن الداخل في إخماد هذه الثورة، وتمتين الصرح الأموي في الأندلس، إلا أنه لم يلجأ إلى تحدي الخلافة العباسية في لقب الخلافة تهيباً من خطورة هذه المبادرة، لأنَّ المجتمع المسلم لم يكن يقبل حتى ذلك الوقت بفكرة تعدد الخلفاء (¬1). ¬
2 - المحاولة الثانية: مؤامرة مشتركة من أربعة أطراف بالاتفاق مع المهدي سنة 161 هـ/778 م
2 - المحاولة الثانية: مؤامرة مشتركة من أربعة أطراف بالاتفاق مع المهدي سنة 161 هـ/778 م: اشترك فيها المهدي بن المنصور ضد عبد الرحمن الداخل، وكان لا يَقِلُّ كرهاً له من أبيه المنصور ورغبةً في استرداد الأندلس، ولكنه - متبعاً أسلوب وسياسة أبيه- لم يُقدِم على تجهيز الجيوش لبُعد الشُقة، فاعتمد على المحاولات الشخصية والثورات الداخلية. وقد اشترك في هذه المحاولة - التي كانت من أخطر الحركات والمؤامرات التي تعرض لها عبد الرحمن الداخل - أربع جهات؛ اثنتان من داخل الأندلس واثنتان من خارجها، عبر جبهتين شمالية وجنوبية، أما الجبهة الشمالية فكانت بالاشتراك من سليمان بن يقظان الكلبي المعروف بالأعرابي أمير برشلونة اليمني، والحسين بن يحيى الأنصاري بالاتفاق مع شارلمان، وأما الجبهة الجنوبية فكانت بالاتفاق بين عبد الرحمن بن حبيب الفهري الصقلبي (¬1) قادماً من أفريقية بجيش كبير، وبين الرماحس بن عبد العزيز الكتاني (¬2)، ولولا اختلاف المشتركين بهذه المؤامرة وافتقارهم إلى التنسيق بينهم، لكانت فيها نهاية عبد الرحمن الداخل والدولة الأموية، ولكن يبدو أن هذه المؤامرة قد دبرت على عجل ولم تكن الأطراف المشتركة فيها تثق ببعضها ولا يجمعها إلا عداوة الداخل، مما أدى إلى وقوع الخلاف بينهم، وقيام عبد الرحمن الداخل بمقاتلة كل طرف على حدة وهزيمتهم جميعاً (¬3). ¬
أشاع الداخل بعد انتصاره على هذه الثورة بعزمه على غزو الشام وانتزاعه من العباسيين، وأخذ يكاتب أنصاره من بني أمية بالشام ويعدهم بتأييده، حتى أنه أعدَّ الترتيبات وعهد بولاية الأندلس إلى ابنه سليمان، والظاهر أن ما ذكره المؤرخون من عزم عبد الرحمن الداخل على غزو الشام لم يكن إلا تهديداً وإزعاجاً للعباسيين، ومجرد رغبة تقف عوامل كثيرة دون تحقيقها، وقد استمرت العلاقات سيئة بين الدولتين، فعلاقة الرشيد بعبد الرحمن لم تكن في يوم من الأيام علاقة حسنة، وكان العباسيون يرون الأمويين في الأندلس مغتصبين للحكم ومتمردين يجب القضاء عليهم (¬1). ويمكن الإشارة إلى نية لمحاولة ثالثة أراد القيام بها المعتصم فعاجلته المنية (¬2) ولم يفكر الأمويون ولا العباسيون بعدها في مواصلة تلك المحاولات المستحيلة. وكان من أسباب فشل الخلافة العباسية في استرجاع الأندلس إضافة إلى ما سبق ذكره هو شخصية عبد الرحمن الداخل فقد كان يتصف بصفات نادرة، حتى قيل: ملك الدنيا ابنا بربريتين الداخل والمنصور، حتى أن المنصور لم يأنف من مدحه ووصفه بصقر قريش وهو خصمه العنيد، وهذه الشهادة خير دليل على ما كان يتمتع به الداخل من صفات، فقد ذكر المؤرخون أن أبا جعفر المنصور قال لأصحابه: «أخبروني عن صقر قريش من هو؟ قالوا: أمير المؤمنين الذي راضَ الملكَ، وسكَّن الزلازل، وحسم الأدواء وأباد الأعداء، قال: ما صنعتم شيئاً، قالوا: فمعاوية، قال: ولا هذا. قالوا: فعبد الملك بن مروان، قال: ولا هذا، قالوا: فمن يا أمير المؤمنين؟ قال: عبد الرحمن بن معاوية الذي عبر البحر وقطع القفر، ودخل بلداً عجميّاً مفرداً، فمصَّر الأمصار وجنَّد الأجناد، ودوَّن الدواوين، وأقام ملكاً بعد انقطاعه، بحسن تدبيره وشدة شكيمته (¬3). ¬
دور العلماء في الأندلس في التمهيد لإعلان الخلافة
دور العلماء في الأندلس في التمهيد لإعلان الخلافة: بعد كل فشل للعباسيين في استعادة الأندلس لسلطة الخلافة العباسية، كانت خطوات الأندلس تتعزز نحو إعلان الخلافة الأموية، وكان الأمراء الأمويون يقتربون من إعلان خلافتهم شيئاً فشيئاً، وكان قيام الأمير عبد الرحمن الأوسط (¬1) بصك النقود باسم الأمويين، بعد أن كانوا يتعاملون بالنقود المشرقية العباسية، خطوة أخرى نحو تعزيز الاستقلال الأموي عن العباسيين. ولا بد هنا من ذكر ما كان لمؤلفات بقي بن مخلد (¬2) - الذي شجعه الأمير محمد بن عبد الرحمن بن الحكم على نشر المذهب الشافعي في الأندلس بعد معارضة فقهاء المالكية له - من دور طيب في تهدئة الاضطرابات وحالة الفوضى التي عمَّت البلاد في آخر عهد الأمير عبد الله بن محمد (¬3)، فقد سلَّمت هذه المؤلفات بأحقيَّة البيت الأموي في الرياسة والحكم، وثبتت الحق الشرعي للأمير في الرياسة على الجماعات الإسلامية، وتسمى الأمير تبعاً لذلك بالإمام أو إمام الجماعة، الأمر الذي مهَّد لعبد الرحمن الناصر حفيد الأمير عبد الله بن محمد ومكَّنه من رفع الإمارة إلى مستوى الخلافة سنة 316 هـ/928 م، وخلَّف بقيُّ بنُ مخلد من بعده نفراً طيباً من تلاميذه الذين درسوا المذهب الشافعي على يديه، مثل هارون بن نصر القرطبي المتوفى 302هـ/914 م، وعثمان بن وكيل، وعثمان بن سعيد الكناني ويعرف بحرقوص المتوفى 320 هـ/932 م، وأسلم بن عبد العزيز المتوفى سنة 319هـ/931 م، وابن أمية الحجاري صاحب كتاب أحكام القرآن (¬4). ¬
ثالثا - الأندلس في عصر الخلافة الأموية
ثم جاء عبد الرحمن الثالث (¬1) سنة 316 هـ وأنهى عصر الإمارة وأعلن نفسه خليفة للمسلمين، بعد أن أصبح الناس في الأندلس وغيره يتقبلون فكرة تعدد الخلفاء، فقد كانت مهام الخلافة في الأندلس تمارس عملياً لفترة طويلة، قاربت مائة وخمسة وسبعين عاماً، نشأ عليها الناس واعتادوها، وبعدما وهنت الخلافة العباسية في بغداد أيام المقتدر، وهبطت قيمة لقب الخلافة بعد أن أعلن أكثر من واحد نفسه خليفة للمسلمين، فقد أَعلن أبو عبد الله محمد بن إبراهيم طباطبا في جمادى الأولى سنة 199 هـ نفسه خليفة في دولة بني طباطبا العلوية الحسنية، وأعلن المهدي الفاطمي نفسه خليفة في أفريقية سنة 296 هـ، ودعي بعد ذلك بإمرة المؤمنين لكل من الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن طباطبا باليمن (ت سنة 298 هـ) ولحاكم سجلماسة جنوبي جبال الأطلس (342هـ-953 م) (¬2). ثالثاً - الأندلس في عصر الخلافة الأموية: في 2 ذي الحجة 316 هـ/929 م أعلن عبد الرحمن الناصر الخلافة الأموية في الأندلس (¬3)، وبهذا الإعلان أصبح أول خليفة أموي في الأندلس، وتسمى بـ (أمير المؤمنين الناصر لدين الله)، وكان وراء إعلانه نفسَه خليفةً عدة أسباب وهي: ¬
1 - انحدار سمعة الخلافة العباسية إلى الحضيض وتحوُّلِها إلى مطيَّة للقواد الأتراك وأطماعهم، بعد أن انفردت بهذا اللقب بعد الأمويين، باعتبار أن الخلافة كمؤسسة دينية ودنيوية لا يمكن أن تتجزأ، مما أدى إلى إضعاف العلاقات الروحية التي كانت تربط بين الناس وبين الخليفة العباسي، ثم جاء اغتيال الخليفة المقتدر (295 - 320 هـ/907 - 932 م) على يد قائده التركي مؤنس، ليضع الخلافة أمام منعطف خطير وضعف مستطير، مما شجَّع الناصر على إعلان نفسه خليفة (¬1). 2 - ظهور الدولة الفاطمية وإعلانها الخلافة الفاطمية في المغرب منافسة الخلافة العباسية في بغداد على هذا اللقب، وكان إعلان الفاطميين لخلافتهم رغم وجود الخلافة العباسية خرقاً لمبدأ ضرورة وحدة الخلافة وعدم جواز تعددها، فجاء إعلان الناصر الخلافة الأموية بمثابة رد على الدعوة العبيدية الفاطمية، القريبة من حدوده، وليدعم نفوذه تجاه الخلافة الفاطمية المعروفة بعدائها للعباسيين والأمويين معاً (¬2). 3 - تحقق الوحدة السياسية في الأندلس بعد ستة عشر عاماً من النضال قام بها الناصر بعد تسلمه الحكم مُتَّبعاً سياسات مختلفة لتحقيق هدفه (¬3)، وكان ربع ¬
القرن الذي سبقه فترة ضعف للحكم الأموي، انحصر فيها حكم بني أمية في قرطبة وحدها لكثرة الذين حاولوا الاستقلال بمناطقهم، فكان انتصار الناصر على ثورة ابن حفصون وولديه، التي استمرت أربعين سنة وأنهكت ثلاثة أمراء من قبله، علامة قوية على استقرار الحكم وقوته (¬1). ولم تظهر معارضة لإعلان الخلافة الأموية، سواء في الأندلس أو في غيرها، باستثناء ما جاء من اعتراض الخليفة الفاطمي حيث قال عن الناصر: ... ¬
مستند فقهي لشرعية إعلان الخلافة في الأندلس
«وهو يزعم أنه أمير المؤمنين! إننا أهل ذلك دونه ودون سواه» (¬1). مستند فقهي لشرعية إعلان الخلافة في الأندلس: لابد هنا من الإشارة إلى الحكم الفقهي المتعلق بأسر الخليفة أسراً لا خلاص له منه، والذي يقضي بزوال شرعية الخليفة ووجوب تنصيب غيره مكانه، لعدم جواز خلو منصب الخلافة، والأمر الذي حصل في بغداد للخلفاء كان أشبه بالأسر الذي يصبح الخليفة معه لا حول له ولا قوة، وإن كان الشبه ضعيفاً، من هنا كانت شرعية إعلان الناصر نفسه خليفة في الأندلس لها أساس فقهي مقبول إلى حد ما (¬2). دور العلماء في بقاء الخلافة الأموية في الأندلس: يمكن ملاحظة دور العلماء في بقاء الخلافة الأموية في الأندلس في العدد الكبير من الفقهاء الذي أورده ابن الخطيب في كتابه (أعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام) والذين أيدوا الدعوة إلى بيعة هشام المؤيد بن المستنصر في سنة 366 هـ وكانت الخلافة يومها في أوج قوتها، ثم بدأت بعدها بالانحدار، وقد بلغ عدد الفقهاء الذين ذكرهم الخطيب 138 فقيهاً، رغم أن هشاماً المؤيد كان يومها في الحادية عشرة من عمره، ورغم أن هذا العدد فيه تضخيم، لأن بعض الأسماء قد تكررت وبعضها ولد عام البيعة، وذلك لرغبة ابن الخطيب في تبرير مبايعة أبي فارس عبد العزيز المريني سلطان المغرب لابنه الصغير أبي زيان محمد السعيد، وهذا تولى العرش سنة 774 هـ/1372 م تحت وصاية الوزير أبي بكر بن غازي صديق ابن الخطيب الذي أكرمه وأمَّنه عندما لجأ إليه فاراً من الأندلس، إلا أن بقية الفقهاء الذين ذكرهم ابن الخطيب تكفي لإثبات التأييد ¬
علاقة الأمويين في الأندلس بالفاطميين
الواسع من الفقهاء للخلافة الأموية في الأندلس، رغم مخالفة هذه البيعة لشرط البلوغ والتي تحدث لأول مرة في التاريخ الإسلامي (¬1). علاقة الأمويين في الأندلس بالفاطميين: بعد قيام الخلافة العباسية في بغداد واستلام العباسيين للخلافة دون الشيعة (¬2) وتفردهم بالحكم رغم اشتراكهما معاً في الثورة ضد الأمويين، استأنفت الدعوة للتشيع بشكل مستقل وسري، وبثَّ الشيعةُ الإسماعيلية دعاتهم في أرجاء الدولة الإسلامية، وظهر أثر هذه الدعوة أول ما ظهر في سجلماسة (جنوب الجزائر)، وتطور إلى إقامة دولة في أفريقية (تونس)، وتعتبر الخلافات المذهبية من القضايا الرئيسة التي وجهت العلاقات بين الدولة الأمويَّة أو العباسيَّة السنيَّة والدولة الفاطميَّة الشيعيَّة الإسماعيليَّة، وقد برزت تلك الخلافات في قضية أساسية هي قضية الإمامة، وإلى جانب ذلك اختلفوا في تأويل القرآن الكريم وتفسيره والسنة والعبادات والمعاملات الشرعية ... ونحوها، ومن نماذج ذلك: الفرق بين الإسلام والإيمان إذ يرى الشيعة أن الإقرار بالله سبحانه وتعالى والتصديق لرسوله والإقرار به هو الإسلام، الذي مثله في التأويل مثل الظاهر وهو أول ما يجب على الإنسان أن يعمله ويعتقده، أما الإيمان فهو معرفة حجة الله في أرضه وشاهده على خلقه والاعتقاد بإمامته، والإيمان مثله مثل الباطن، ويجب ألا يفاتح المرء بالإيمان قبل مفاتحته بالإسلام (¬3). ومن أمثلة تأويلهم للنصوص أن المعنيين بقوله - عز وجل -: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} التوبة/71 وقوله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} النساء/59 وقوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ¬
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} المائدة/5 هم الأئمة (¬1). ومن أمثلة تأويلهم للعبادات ففي الطهارة أن الظاهر فيها هو الوضوء والغسل بالماء والتيمم بالصعيد لمن يجوز له ذلك من أحداث الأبدان، وتأويلها في الباطن التطهر بالعلم، وفي الصلاة تأويلها في الباطن في الدعوة ومعرفة الإمام (¬2). وفي الصيام: في الظاهر الإمساك عن الطعام والشراب ونحوه وذلك في النهار، وفي الباطن كتمان علم الشريعة عن أهل الظاهر والإمساك عن المفاتحة به ممن يؤذن له في ذلك (¬3). والحج: في الظاهر قصد بيت الله الحرام وفي الباطن قصد الإمام ومعرفته (¬4). ويعتبر الشيعة الإسماعيلية أن ركائز الإسلام ودعائمه سبعة هي بالترتيب: الإمامة، الطهارة، الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج، الجهاد (¬5)، ومن تأويل باطن هذه الركائز واستكناهه انبثق الفكر الشيعي الإسماعيلي، الذي حرص الأئمة والدعاة الإسماعيليون على بثه والتبشير به بين الناس في مختلف الأقاليم، وهو بلا شك فكر مخالف لما عليه أهل السنة الذين لا يجيزون التأويل الباطني إذا كان لا يدل عليه اللفظ، وروى ابن ماجه وغيره عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا؟ فقال: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد» (¬6). ¬
لهذا فمنذ قيام الخلافة الفاطمية كان لها أطماع جديَّة في الأندلس، من أجل القضاء على الحكم الأموي فيها بدافع الاختلاف المذهبي ولتأمين حدودها الغربية، فعملت على مد نفوذها في المغربين الأوسط والأقصى، بالتحالف مع قبيلة كتامة البربرية، وكان عبيد الله المهدي (¬1) بالإضافة إلى ما يقوم به من أعمال حربية وتوسعية في أفريقية والمغرب، مهتماً أيضاً بإعداد الدعاة المهرة وانتقائهم من بين العلماء المخلصين لمبادئ الشيعة، وإرسالهم إلى كثير من أقاليم العالم الإسلامي لبثِّ دعوة الفواطم ونشر مبادئهم، ولا سيما في أرض الأندلس حيث يوجد أعداؤهم التقليديون بنو أمية، وذلك ليمهدوا الطريق أمام الغزو الفاطمي، بالدعاية وبث الأفكار الشيعية في ربوع الأندلس من جهة، وبالجاسوسية من جهة أخرى، لمعرفة الأحوال السياسية والاقتصادية والدينية للبلد المقصود، والتركيز على مواطن الضعف والقوة فيه، وقد كُلِّف بهذه المهمة مجموعة من الجواسيس والدعاة، وراء ستار من المصالح المشروعة، كالتجارة أو العلم أو السياحة الصوفية (¬2)، وكان الفاطميون في أفريقية والمغرب يجسُّون النبض ويترقبون الفرصة للهجوم، إما شرقاً نحو مصر أو غرباً نحو الأندلس، مما كوَّن خطراً واضحاً على أمويي الأندلس (¬3). لقد أدرك كل من الأمويين والعبيديين خطورة كل منهما على الآخر، كما أدركا الأهمية الإستراتيجية للمغربين الأوسط والأقصى لكل منهما أيضاً، فالمغرب في نظر الخليفة الناصر مفتاح للأندلس (¬4)، بينما كان يرى العبيديون أنه لا يمكن أن ¬
يستقر لهم قرار في المغرب وبنو أمية في الأندلس (¬1) فاحتلالهم للأندلس سيجعل المغرب الإسلامي كله خاضعاً لهم وبهذا ينقسم العالم الإسلامي إلى قسمين: شرقي تابع للخلافة العباسية، وغربي تابع للخلافة العبيدية. ولكن المحاولات الفاطمية لاحتلال المغربين الأوسط والأقصى لم تنجح بسبب المناوأة الأموية من جهة، وسياسة التعسف التي سلكها عبيد الله في نشر التشيع من سبِّ الصحابة وإظهار البدع المحرمة، وإحلال الحرام كشرب الخمر وأكل الخنزير في نهار رمضان!! من جهة أخرى (¬2)، فمثلاً أحمد البلوي كان يجعل قبلته في الصلاة حيث يقيم عبيد الله الشيعي ويقول: لست ممن يعبد ما لا يُرى، حتى أفتى علماء المالكية بعدم جواز دفع الزكاة للعبيدية لأنهم على غير الإسلام (¬3). ونظراً لعدم نجاح دعاة الدعوة الفاطمية في الأندلس، سلك الفاطميون أسلوب دعم الثورات المناهضة للأمويين في الأندلس. وكانت الثورات الشيعية التي قامت في الأندلس قد سبقت قيام الخلافة الفاطمية بزمن بعيد، ويمكن القول أن ما نجحت به الدعوة الشيعية في أفريقية من إقامة الخلافة الفاطمية، كان هناك ما يقابله في كل نواحي الخلافة العباسية تقريباً، غير أنه لم ينجح في كثير من الأماكن ومن بينها الأندلس، وعند قيام الدولة العبيدية الفاطمية بأفريقيا كانت الأحوال في الأندلس مضطربة ووحدتها السياسية متفككة، لظهور الكثير من حركات التمرد على السلطة المركزية في قرطبة في أواخر عصر الإمارة، فحاول العبيديون مد نفوذهم إلى الأندلس بالاستفادة من الظروف المضطربة التي تعاني منها الأندلس، في وقت كانت الثورات في الأندلس تحتاج ¬
1 - ثورة معلم الصبيان (شقنا) في عهد الداخل
إلى شرعية تستند إليها في ثورتها، ومن الثورات الشيعية التي قامت في الأندلس في عهد الأمويين: 1 - ثورة معلم الصبيان (شقنا) في عهد الداخل: كانت أول حركة ثورية اتخذت التشيع طابعاً لها في الأندلس هي الثورة التي قام بها سنة 151هـ/769 م ضد الداخل من قبل معلم صبيان يدعى شقنا أو (شقيا) بن عبد الواحد المكناسي، حيث ادعى أنه من بيت النبوة وأنه من ولد فاطمة والحسين بن علي، وتسمى بعبد الله بن محمد وعرف بالفاطمي، فعمَّت ثورته منطقة واسعة شملت جميع الهضبة التي تتوسط شبه الجزيرة، ما بين ماردة وقورية غرباً إلى ثغور وادي الحجارة وكونكة شرقاً، واستمرت ما يقرب من عشر سنوات من سنة 151هـ/768 م إلى سنة 160هـ/777 م، وقد خرج إليه عبد الرحمن بن معاوية (الداخل) من قرطبة عند بادئ أمره، إلا أن الفاطمي اعتصم بالجبال مع أتباعه متجنباً المواجهة في السهول، وعيَّن عبدُ الرحمن بن الداخل حبيباً بن عبد الملك على طليطلة لمواجهة ثورة الفاطمي، وتكررت محاولاته للقضاء عليه فلم يستطع، وذلك في سنة 152هـ، وفي سنة 153هـ، وفي سنة 154هـ، ثم قام في سنة 160هـ بحملة قوية قام على إثرها اثنان من أتباع شقنا باغتياله، وكانت هذه الثورة أول حركة لإقامة دولة شيعية في المغرب والأندلس، إذ سبقت قيام دولة الأدارسة بنحو عشرين سنة (¬1). 2 - ثورة الحسين بن يحيى والي سرقسطة: من الثورات الشيعية التي واجهها الداخل ثورة الحسين بن يحيى بن سعيد بن عبادة الخزرجي والي سرقسطة سنة 157 هـ، وقد عرفت أسرة الحسين بوقوفها ¬
3 - حركة عمر بن حفصون وعلاقتها بالتشيع
بجانب علي ضد معاوية رضي الله عنهما (¬1). 3 - حركة عمر بن حفصون (¬2) وعلاقتها بالتشيع: كانت ثورة ابن حفصون أخطر التمردات التي حصلت في الأندلس وأعنفها لحصانة موقعها وشدة بأس قائدها، فقد كادت تعصف بكيان بني أمية في الأندلس وامتدت أكثر من أربعين سنة ما بين سنتي 267 - 316 هـ/881 - 929 م، وعاصرت ثلاثة من الأمراء؛ محمد بن عبد الرحمن وابنه المنذر، وعبد الله بن محمد وستة عشر عاماً من إمارة عبد الرحمن الناصر وذلك قبل أن يقضي عليها الناصر، وكان لهذه الثورة صلة حقيقية أو شكلية بالتشيع، لأن ابن حفصون اتصل بالعبيديين - من بين من اتصل بهم (¬3) - ليستفيد من رغبتهم في مد نفوذهم إلى الأندلس، وليحقق أهدافه في القضاء على الدولة الأموية، فأرسلوا إليه رجلين وخاطبوه بالحض على طاعتهم وإقامة دعوتهم، حتى ذكر صاحب كتاب (في ذكر بلاد الأندلس وصفاتها) أن ابن حفصون بايع عبيد الله الشيعي فكتب له عبيد الله بعهده على جميع الأندلس. وأكد ابن حزم هذا الاتصال حينما ذكر أن عمر بن حفصون خطب في أعماله بِرَيَّة (ببشتر) لعبيد الله المهدي صاحب أفريقية، وأذن للصلاة في جميع أعماله بـ (حي على خير العمل) (¬4). ¬
محاولة أخرى
محاولة أخرى: بعد فشل ثورة ابن حفصون تجددت محاولات الفاطميين للسيطرة على الأندلس بعد إعلان قيام الخلافة الأموية فيها، وكان ما قام به أحد أعوان الخليفة الفاطمي، وهو الجغرافي المعروف ابن حوقل منتحلاً شخصية تاجر، ليدرس ظروف الأندلس ومدى قوتها العسكرية، تمهيداً لغزو الأندلس (¬1)، ولكن كان للظروف دورها في حسم الصراع بين الخليفتين الأموي والفاطمي، وإنقاذ الأندلس من غزو مرتقب على يد الدولة الفاطمية، لأن خصومة الشيعة مع العباسيين لم تكن أقل ضراوة منها مع الأمويين بل كانت لها الأولوية، وخاصة بعد خروج مصر من قبضة العباسيين منذ ولاية أحمد بن طولون في منتصف القرن الثالث الهجري (في أيام المستعين) (¬2). وكان سقوط مصر بيد (جوهر) كبير قواد المعز الفاطمي (سنة 358هـ) سبباً في تحول أنظار الفاطميين كلياً نحو الشرق، إضافة إلى شخصية عبد الرحمن الناصر القوية، فقد كان سياسياً مرناً وقائداً فذاً وإدارياً صلباً. وكما كان الداخل يرغب في غزو الشام وانتزاعه من العباسيين، وإعادته لسيطرة الأمويين، كان الناصر أيضاً يرغب بشدة في توحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة الأموية، بل كان يهيئ نفسه وقواده لهذا المشروع الكبير، بعد إزالة الخلافة الفاطمية من أفريقية والمغرب، والإطاحة بخلافة بني العباس في المشرق، وكان عبد الرحمن الناصر يهتم بالجنود المغاربة ويعقد عليهم الآمال ويحثهم بشكل متكرر على الاستعداد لتحقيق هذا المشروع، ويرسل لهم الرسائل المتتابعة، كما أمر عماله في الأندلس بالتأهب والاستعداد وكان يريد بالإضافة إلى إحياء ملك أجداده أن يخلص الحجر الأسود من القرامطة، ولكن هذه الفكرة ظلت حبيسة المخيلة لم تتعداها، إذ لم تنزل حيز التطبيق وثبت أنه يستحيل تنفيذها لبعد الشقة ¬
رد فعل الأمويين في الأندلس على الدعوة الفاطمية
بين الأندلس والمشرق وعدم توفر الإمكانات لهذا المشروع الضخم (¬1). رد فعل الأمويين في الأندلس على الدعوة الفاطمية: تمثل بأربع نقاط: 1 - تشجيع المواجهة العلمية ضد الفاطميين: فقام الناصر بدعم فقهاء المالكية في الشمال الإفريقي والمغرب، بل وصل إلى فقهاء المالكية في مصر كاتصاله بأبي إسحق محمد بن القاسم المعروف بابن القرطبي المتوفى سنة 355 هـ/966 م وبعث إليه بعشرة آلاف دينار ليفرقها على علماء المالكية، ولم يغفل الناصر استخدام نفس أسلوب الفاطميين في التجسس فكان له عيون ووسطاء منبثون في جميع أنحاء المغرب، يوافونه بما يهمه من أخبار الدولة الفاطمية في المغرب، وساعدهم في مهمتهم الجاسوسية وجود الجاليات الأندلسية المقيمة في كثير من المدن والثغور المغربية، وأما الحكم المستنصر (¬2) فكان يشجع العلماء على الكتابة والتأليف في نسب العلويين، وقد كان الفقهاء السنِّيون عامة والأندلسيون خاصة أكثر الفقهاء معارضة للفاطميين دائماً، إذ يروي ابن الفرضي أن الفقيه القرطبي يحيى بن عمر (ت 289 هـ/901 م) الذي استوطن مدينة القيروان، كان شديد التعصب لمذهب أهل السُّنة، كارهاً للبدع حاملاً عليها، وكان يعتز كل الاعتزاز بولائه لبني أمية، لذا كان فقهاء السُّنة، من الجاليات الأندلسية أكثر الفقهاء في المغرب عرضة للاضطهاد الفاطمي، وكان الصراع المذهبي في أفريقية والمغرب على أشده بين أهل السُّنة والشِّيعة، وقد أصبح الفقهاء يؤلفون الدعامات القوية للحرب ضد الفواطم، ومن بين هؤلاء الفقهاء الفقيه أبو الحسن الخلاَّف الذي قال: إن قتال الفاطميين أفضل من قتال المشركين، وكان يرى في محاربة الفواطم فرضاً وواجباً على كل مسلم، ومنهم ربيع القطان الذي اتخذ عهدا على نفسه بأن لا يشبع من طعام ولا نوم حتى يقطع الله دابر بني عبيد، وقال: كيف لا أخرج لمحاربة الفواطم وقد سمعت الكفر بأذني (¬3). ¬
2 - استقبال أي لاجئ سياسي يهرب من اضطهاد الشيعة كإسماعيل بن عبد الرحمن القرشي الذي رحل من مصر ووفد على الحكم المستنصر سنة 360 هـ. 3 - إنشاء المدن البحرية مثل المرية وبناء الأسطول الأندلسي لمواجهة الأسطول الفاطمي (¬1). 4 - إعلان الخلافة الأموية لتقوية الصف الداخلي في مواجهة الفاطميين. 5 - التحالف السياسي والعسكري مع أمراء النواحي المغربية؛ فقد كوَّن الخلفاء الأمويون شبكة علاقات كبيرة مع أطراف مغربية عديدة، للوقوف بوجه الفاطميين وبوجه حلفائهم الصنهاجيين وَرَثَتِهم في حكم أفريقية والمغرب، بعد انتقال الفاطميين إلى مصر، وممن استجاب للأمويين: - موسى بن أبي العافية المكناسي سنة 317 أو 319 هـ، الذي تمكن من بسط نفوذه في المغرب الأقصى (توفي سنة 326 هـ/937 م) (¬2). - ومن أبرز من استجابوا لدعوة الناصر من أمراء العدوة محمد بن خزر المتوفى سنة 348 هـ/959 م عظيم أمراء زناتة البربرية، فأعلن الدعوة للأمويين في كل مراكز المغرب الأوسط ودخل في حروب مستمرة مع العبيديين. - كما قام الأمويون بتأكيد علاقتهم بالرستميين الإباضيين الخوارج، بغض النظر عن الاختلاف المذهبي بينهما (¬3)، فدعم الناصرُ ثورةَ القائد الخارجي مخلد بن ¬
كيداد المعروف بـ (صاحب الحمار) (¬1) ضد الفاطميين. - ومثل ذلك ارتباط الأمويين مع إمارة بني مدرار، وبرغواته في بداية الأمر، وبني صالح أصحاب نكور. - وكان للأمويين في مرحلة معينة صلات مع الأدارسة أنفسهم ضد الفاطميين، وإن كانت هذه الصلات مؤقتة تحركها قوة الأمويين وانتصاراتهم في المغرب، ثم لا تلبث أن تختفي بضعفهم (¬2). - بل إن القائد الشيعي حميد بن يصل المكناسي، الذي خدم الدولة الفاطمية مدة طويلة، وأصبح من أكبر قوادها في المغرب، لجأ إلى محمد بن خزر حليف الأمويين في الأندلس، وبعث بولائه إلى الناصر فأجابه بالقبول، وأوسع عليه بالعطايا والهدايا ورفع منزلته حيث عينه قائداً لقواته في المغرب الأوسط (¬3). - إعلان الطاعة للناصر من قبل سكان جزائر بني مزغنة (الجزائر العاصمة حالياً)، في آخر ذي القعدة من سنة 328 هـ حيث قدم إلى قرطبة وفد من وجوه سكان جزائر بني مزغنة من أعمال الشيعة يحمل كتاباً إلى الخليفة عبد الرحمن الناصر يخطبون وده. وكان الناصر في كل هذه الاتصالات يبرز نفسه كحامي السُّنة والدين ويحرضهم على الفواطم، ويبذل لهم الأموال والمؤن والعتاد، وقد وجَّه إليهم سفيره ¬
الصراع المباشر بين الأمويين والفاطميين في المغرب
وخاصته، القاضي محمد بن عبد الله بن أبي عيسى سنة 316 هـ/ 928 م محملاً بالهدايا والألطاف والأموال إلى رؤساء القبائل البربرية، وكان محمد بن عبد الله هذا من أصل مغربي كما كان دبلوماسياً حكيماً، عرف كيف يستهوي قلوبهم ويستميل نفوسهم، ويحكم المواصلة بينهم وبين خليفة الأندلس، ويقول في ذلك ابن حيان: «فلم يلبث أن هويت إليه أفئدة كثير منهم ومن زعمائهم بين مصحح في ولايته، مستجيب لدعوته مغتنم لعطيته مستعين بعونه» (¬1). الصراع المباشر بين الأمويين والفاطميين في المغرب: لم يكتف عبد الرحمن الناصر عند حد التحريض والنشاط الدعائي والدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للقبائل المغربية ضد العبيديين فحسب، بل تعدى ذلك إلى احتلال بعض الثغور الواقعة على الساحل الغربي المواجهة للشاطئ الأندلسي الجنوبي، ومن أمثلة التدخل الأموي المباشر في المغرب: - الاستيلاء على مليلة سنة 314/ 926 هـ (¬2). ثم الاستيلاء على سبتة بعدها بخمس سنوات سنة 319 هـ/931 م، حيث وجَّه عبد الرحمن الناصر أسطولاً بحرياً إليها بقيادة أمية بن إسحاق القرشي عامله على الجزيرة الخضراء فدخلها بدون مقاومة، وتسلم المدينة من صاحبها الرضى بن عصام، ولما علم الأدارسة من بني محمد باحتلال سبتة حاولوا استرجاعها ولكن حاميتها ردُّوهم على أعقابهم ولما أدركوا فشلهم اعتذروا لعبد الرحمن الناصر واعترفوا له بخلافته اعترافاً ضمنياً، بأنه صاحب الحق الشرعي في الخلافة ووراثة عرش أجداده بني أمية فقبل منهم وأظهر تصديقهم، انسجاماً مع سياسة التسامح التي كان يتبعها مع رؤساء الأقاليم (¬3). ¬
- الاستيلاء على أصيلا سنة 322هـ/934 م: بعد خلع أهل مدينة أصيلا طاعة بني أمية سنة 322هـ/937 م بعد أن كان قد بعثوا بولائهم للناصر سنة 319هـ/931 م، أرسل لهم الناصر أسطوله، وأعادهم إلى الطاعة. - الاستيلاء على مدينة طنجة سنة 323هـ/935 م: كان أهل طنجة قد بايعوا الناصر بعد استيلائه على سبتة، ولما نقضوا العهد وجه لهم أسطوله في رمضان سنة 323هـ/935 م وأخضعهم. - الاستيلاء على جزيرة أرشقول سنة 325 هـ: بعد فشل محاولة فتحها سنة 320 هـ، وكانت هذه المحاولة استجابة لطلب حليفه موسى بن أبي العافية الذي لم يستطع فتح هذه الجزيرة فطلب من الناصر المدد، فأرسل له أسطولاً من مائة وعشرين قطعة حربية على متنها نحو من سبعة آلاف جندي بحري منهم خمسة آلاف بحار (¬1). ولما علم بذلك عبيد الله المهدي أرسل جيشاً من عشرة آلاف مقاتل بقيادة حميد بن يصل المكناسي صاحب تاهرت وابن أخي مصالة بن حبوس وقد انتهت هذه الحرب بفرار موسى وأصحابه من مدينة فاس ومضوا إلى حصن (عين إسحاق) ببلاد تاسول فتحصنوا به، وبعث موسى إلى الناصر لدين الله يستنجده، فلم يتأخر هذا الأخير وجرَّد إليه قوة كبيرة من الجند بقيادة قاسم بن طلمس فنزلت في مدينة سبتة، ثم كتب الناصر يستنفر القبائل المغربية ضد صاحب الشيعة، ولم يكتف بهذا بل أرسل مرة أخرى وحدة بحرية، قام بتجهيزها على جناح السرعة، إذ أن الأسطول الأندلسي في هذه الفترة كان يقوم بالجهاد في سواحل الفرنجة، واستطاع موسى أن يهزم أعداءه بفضل الإمدادات السريعة، وعاد حميد بن يصل إلى تاهرت مفلولاً (¬2). وهكذا استطاع الناصر أن يستولي على معظم الثغور البحرية المغربية مثل ¬
سبتة وأصيلا وطنجة وجزيرة أرشقول، وأصبح يتحكم في غرب البحر الأبيض المتوسط (¬1). وظهرت آثار سياسة عبد الرحمن الناصر المغربية في الوفود الكثيرة التي كانت ترد بلاطه مزودة بالهدايا المغربية الجميلة، وبالرسائل الرستمية العديدة، التي تتضمن تجديد الولاء والطاعة، والاعتراف بأحقيته في الخلافة دون الفواطم وبني العباس، وتشتمل أيضاً على أخبار مستفيضة عن بلاد المغرب وأحواله، يشرحون فيها سياستهم وأعمالهم إزاء جيرانهم الفواطم، وعما أحرزوه من انتصارات حاسمة على الجيوش الفاطمية (¬2). وتكرر الصدام بين الفاطميين والأمويين سنة 344 هـ/955 م في عهد المعز لدين الله الفاطمي عندما كان مركب للناصر يسير نحو الشرق محملاً بالأمتعة بقصد التجارة فلقي في البحر مركباً فيه رسول من صقلية إلى المعز لدين الله الفاطمي ¬
فأخذ ما في المركب وقطع عليه الطريق، فأرسل المعز انتقاماً لذلك أسطولاً إلى المرية وأحرق المراكب التي في مينائها وأخذ ذلك المركب، وكان رد فعل الناصر أن أمر بإطلاق اللعنة على ملوك الشيعة على جميع منابر الأندلس، وجهز أسطولاً إلى بلاد أفريقية اقتتل مع عساكر المعز وعاد إلى الأندلس، وفي السنة التالية (345هـ/956 م) أبحر أسطول كبير من سبعين سفينة وهاجم مدينة الخزر (القالة حالياً) وتوجه إلى مدينة طبرقة غرب مدينة بنزرت التونسية وتعداها إلى مدينة سوسة شمال مدينة المهدية فخربها. لم يسكت الخليفة الفاطمي المعز عن هذه الغارات فبعث قائده جوهراً الصقلي في سنة 347هـ/958 م إلى المغرب لإخضاع البربر لسلطان الفواطم والقضاء على النفوذ الأموي فيه فاكتسح المغرب الأوسط والأقصى وأخضع البربر، ولكنه لم يستطع أن يحتل القواعد الأموية الساحلية ولم يستطع أن يفتح سبتة، وبعث الناصر صاحب شرطته على رأس أسطول ليؤازر موانيه ضد هجوم جوهر (¬1). وكامتداد للصراع بين الفاطميين والأمويين حصلت مواجهة عسكرية مباشرة بين الأدارسة والأمويين بعد ثورة الحسن بن جنون، أيام الحكم المستنصر الذي اضطر إلى التدخل المباشر واستئصال شوكة الأدارسة مخالفاً السياسة التقليدية المتسترة وراء القبائل المغربية فأرسل جيوشه وأساطيله في شوال سنة 361هـ/971 م إلى مدينة سبتة واحتل مدينة تطوان وطنجة وأصيلا، وفرَّ الحسن بن جنون، وعيَّن الحكم المستنصر على المغرب جعفرَ بن علي بن حمدون أحد قادة المعز لدين الله الفاطمي الذي فكر في توليته أفريقية وعدل عن ذلك وولى بني زيري (¬2). ¬
ما نستنتجه من هذا الفصل
خلاصة القول إن سياسة الأمويين نحو دول المغرب ونحو الفاطميين في عهد الناصر والمستنصر وابن أبي عامر في زمن هشام المؤيد، كانت متشابهة، وكانت آخر مواجهة بين الأمويين في الأندلس وبين الفاطميين ثورة أبي ركوة زمن المستنصر الأموي ببرقة ضد الفواطم، لولا صمود جيوشهم وتمكنها من قتل أبي ركوة الأموي والقضاء على ثورته، وبهذه الثورة أسٍدل الستار على الصراع الأموي الفاطمي، لأن الخلافة الأندلسية دخلت مرحلة من أسوأ مراحلها، وهي مرحلة الضعف والإنحلال (¬1). وبصفة عامة فإن الأندلس بقيت أموية خالصة لم يقم فيها تجمع شيعي يمكن أن يكون له كلمة، يقول المقدسي واصفاً شدة حكومة قرطبة على الشيعة والتشيع وبالذات بعد ظهور العبيديين: «إن الأندلسيين إِنْ ظهروا على شيعي أو معتزلي قتلوه» (¬2). ما نستنتجه من هذا الفصل: تبين لي أنه على الحقيقة لم يكن هناك تعدد للخلفاء، بل كان الأمر أقرب إلى تبادل أدوار الخلافة بين العباسيين والأمويين، فالخلافة العباسية كانت خلافة شرعية بعد سقوط الدولة الأموية في دمشق ولفترة طويلة ولم تنازعها الأندلس في هذا اللقب، إلا عندما ضعفت وصارت أقرب إلى الصورة منها إلى الحقيقة، فعندها برز عبد الرحمن الناصر خليفة في الأندلس، وهو وإن لم يملك كل البلاد الإسلامية - أو حتى أغلبها - لكنه كان ممسكاً بزمام الأمور في مكان خلافته بقوة، ولم يشترط جمهور الفقهاء لتصحَّ خلافة الخليفة أن يكون مسيطراً على كل الأرض الإسلامية (¬3)، إذاً فالخلافة الأموية في الأندلس والخلافة العباسية لم تكونا تعتبران إلا خصمين سياسيين يتبعان المبادئ نفسها، وأما الخليفة الفاطمي فلا يمكن اعتباره خليفة للمسلمين؛ ليس لأنه كان يمثل خصومة وصراعاً مذهبياً بين السنَّة والشيعة إضافة إلى الخصومة السياسية، ولكن لأنه كان يعلن المبادئ المخالفة لجوهر ¬
الإسلام - التي أشرت إلى بعضها - لذا لا يمكن اعتباره إلا متغلباً بقوة السيف، إضافة إلى أن الخلافة الفاطمية ومنذ نشأتها لم تعترف بالخلافة العباسية في بغداد أو الأموية في دمشق وقرطبة، بل لم تعترف بالخلفاء الراشدين الثلاثة الأُوَل، ونازعت الكلَّ كما نازعها الكلّ في لقب الخلافة، وكانت خصماً حقيقياً ومظهراً عملياً للتعدد مبنياً على نظرتهم الخاصة إلى الإمامة، أما الأمويون في الأندلس فقد برزوا كخلفاء سدّاً للفراغ السياسي الحاصل في الساحة، ولعدم اعترافهم بخلافة الفاطميين التي أُعلنت في أفريقية قبلهم، أو التي كانت في مصر بعد ذلك. فآل الأمر في الواقع إلى وجود خليفة واحد فقط وليس ثلاثة خلفاء كما قال المؤرخون، وعندما أُعلن سقوط الخلافة الأموية عادت الخلافة إلى العباسيين على ضعف الخليفة العباسي آنذاك. إذاً مرة أخرى لا تعدد شرعياً في التاريخ، فالأمة الإسلامية والتي هي الإطار السياسي الرئيس الذي يمكِّن الشعوب الإسلامية على اختلاف خصوصياتها اللسانية والثقافية والقومية من الاتحاد والتعاون لتحقيق غايات الوجود الإنساني كما حددها الشرع الحنيف، هذه الأمة لم تقبل أن تكون لها خلافات متعددة تمثل كل منها جزءاً من الشرعية، وما وُجد إنما هو إماراتٌ مستقلة أو شبه مستقلة أو صراعات على الحكم ليس فيها ما يستشف منه جواز تعدد الخلفاء أو ما يدل على أنه كان مبنياً على قاعدة شرعية أو حكم فقهي يجيز التعدد، وبقيت العقيدة الإسلامية والانتماء إلى الأمة الإسلامية الواحدة هما الأساس المتين الذي حافظ تاريخياً على بقاء وحدة الأمة الثقافية والاقتصادية والعملية رغم تباين القوميات والشعوب الإسلامية، بل رغم قيام تقسيمات سياسية ودويلات مستقلة. ويكفينا بعد هذه الجولة التاريخية الواسعة التي عرفنا خلالها رجحان قول من قال بضرورة وحدة الخلافة - بعد أن عرفنا قوة أدلته - أن نلاحظ أن ضعف الخلافة كان دائماً مقترناً بمخالفة الشرع وأهم مخالفتين للشرع هنا هما: التنازع على الخلافة، وأن يتولى منصب الخلافة من لم تتحقق فيه الشروط، كالصبي. أما ظاهرة التنازع على الخلافة فقد كانت دائماً مؤشراً على الضعف كما حصل في:
1 - آخر الخلافة الراشدة في عهد سيدنا علي ومعاوية رضي الله عنهما. 2 - زمن الأمويين في عهد ابن الزبير ومن عاصره من الخلفاء الأمويين. 3 - داخل الخلافة العباسية نفسها في عهد المستعين حيث كان خليفة في بغداد والمعتز خليفة في سامراء، وكذا لما خرج على الأغلب بن سالم التميمي (الذي استعمله المنصور على المغرب سنة 148 هـ) أبو قرة بن دوناس اليفرني المغيلي من الصفرية بجهة تلمسان وبايعت له زناتة بالخلافة، قبل أن يفر من الأغلب لما زحف إليه (¬1). 4 - وكما حصل أيام حكم ملوك الطوائف، حتى بلغ عدد الخلفاء ستةً في وقت واحد، ومعهم صاحب مصر العبيدي والعباسي ببغداد عدا من كان يدعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج (¬2). 5 - وكما حصل في أيام الحموديين سنة 412 هـ - الذين أعلنوا سقوط الخلافة الأموية في الأندلس - فقد كان هناك خليفتان في وقت واحد، يحيى بن حمود (المعتلي بالله) في قرطبة، والقاسم بن حمود (المأمون) في إشبيلية (¬3). وأما تولي الصبي للخلافة: فقد كان الضعف في مؤسسة الخلافة مقترناً به على الدوام، وهو يعتبر صورة من صور التشبث بالدنيا من خلال التمسك بكرسي الحكم؛ إما من الخليفة الذي قبله كما حصل مع هشام المؤيد في الأندلس الذي ولاه أبوه الحكمُ المستنصر الخلافةَ وهو صبي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، الأمر الذي أدى إلى أن يسيطر ابن أبي عامر على الخلافة ثم سقوطها بعد ذلك، أو ممن حَوْلَ الخليفةِ الصبي نفسِه ليتحكموا بمقاليد الأمور معه، كما حصل مع المقتدر الذي ولي الخلافة وهو صبي بكيد من الأتراك حتى يتحكموا بالخلافة (¬4). ¬
الباب الرابع: التعدد والوحدة في المستقبل
الباب الرابع: التعدد والوحدة في المستقبل ويشتمل على ثلاثة فصول: - الفصل الأول: منظمة المؤتمر الإٍسلامي. - الفصل الثاني: جامعة الدول العربية. - الفصل الثالث: رابطة العالم الإسلامي.
تمهيد
تمهيد: إن أي سعي لتحقيق الوحدة يحتم دراسة محاولات إقامة الوحدة، سواء كانت فاشلة، أو جزئية، أو شكلية، ثم الاستفادة من الأخطاء لتجنبها، ومن الإيجابيات للبناء عليها، ويحتم علينا معرفة عوائق الوحدة وحوافزها، وهذه مهمة كبيرة تحتاج إلى جهود مجموعة كبيرة من الباحثين، فضلاً عن بعض الأجهزة الرسمية للدول. وسأقتصر هنا على دراسة ثلاثة نماذج لما يمكن اعتباره محاولات وحدة أو تقريب إسلامي، وهي منظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، ورابطة العالم الإسلامي.
الفصل الأول: منظمة المؤتمر الإسلامي
الفصل الأول: منظمة المؤتمر الإسلامي (¬1) في إطار التحديات التي واجهت - وما زالت تواجه - العالم الإسلامي، ومحاولات المسلمين الدؤوبة لإيجاد مكان لهم على خريطة العالم الممتلئة بالتكتلات، وُلِدت فكرة منظمة المؤتمر الإسلامي، والتي كان يرجى منها أن تكون حلقة من حلقات الاتحاد الإسلامي. وقد جاءت فكرة منظمة المؤتمر الإسلامي كرد فعل على فَقْدِ مؤسسة الخلافة ومحاولة لاستعادتها، بعد شعر المسلمون بالفراغ الذي خلفه فَقْدُ هذه الخلافة (¬2)، ولكنها لشدة المعارضين وقوتهم لم تتحقق الأهداف التي انطلقت فكرة إنشائها منها، إلى أن وقعت حادثة حريق المسجد الأقصى فتجددت فكرة إنشاء هذه المنظمة، وتم ذلك، وسأتناول منظمة المؤتمر الإسلامي من حيث التعريف والنشأة والإنجازات، مع تقييم عام لأداء هذه المنظمة. 1 - تعريف منظمة المؤتمر الإسلامي: هي منظمة إقليمية تضمُّ الدول الإسلامية، التي تدين بدين الإسلام، ويبلغ عدد أعضائها سبعاً وخمسين دولة، والغرض الأساسي من إنشائها توحيد جهود المسلمين للدفاع عن مصالحهم، وقد تأسست المنظمة في الرباط بالمغرب في 12 رجب 1389 هـ/أيلول 1969 م. ويقف وراء إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي جملة أسباب يمكن تقسيمها إلى أسباب مباشرة وأسباب غير مباشرة؛ أما الأسباب غير المباشرة فهي: تنامي مشكلة الأقليات الإسلامية، والرغبة في مواجهة هذه المشكلات، وتخلف الأمة الإسلامية حضاريّاً، والرغبة الحقيقية في تدارك هذه الحالة من الركود أو التخلف الحضاري، فضلاً عن إخفاق جامعة الدول العربية في معالجة قضايا العالم الإسلامي وحل مشكلاته، وإخفاق الفكر القومي الذي انتشر في حقبة الستينيات، وما ترتب عليه من مصادمات سياسية، وقيام تجارب وحدوية فاشلة (¬3). ¬
مراحل إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي
أما السبب الرئيس المباشر لقيام منظمة المؤتمر الإسلامي، فكان حريق المسجد الأقصى على يد المتطرفين اليهود عام 1969 م. فقد طلب مفتي القدس بعد الحريق عقد قمة إسلامية لمواجهة الاعتداءات اليهودية على المقدسات الإسلامية، وقد استجاب للنداء كل من السعودية والأردن ومصر لعقد مؤتمر لمناقشة تطورات الحادث، ووجدت الدعوى استجابات من المغرب وباكستان (¬1). مراحل إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي: مرَّ إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي بعدة مراحل حتى تم إنشاؤها؛ فقد نوقشت فكرتها في أربعة مؤتمرات إسلامية؛ هي: 1 - مؤتمر القمة الإسلامية الأول: عقد هذا المؤتمر في الرباط سنة 1389هـ- 1969م، وحضرته وفود سبع وعشرين دولة إسلامية، وقرر هذا المؤتمر تكليف وزراء خارجية الدول الإسلامية بالإجماع بإنشاء أمانة عامة للمؤتمر في جدة. 2 - مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي الأول: عقد هذا المؤتمر في جدة سنة 1390هـ- 1970م، وتم الاتفاق فيه على عقد اجتماعات دورية، وإنشاء أمانة عامة يكون مقرها المؤقت مدينة جدة؛ حتى يتم تحرير القدس التي ستصبح المقر الدائم (¬2). 3 - مؤتمر وزراء الخارجية الثاني وإعداد ميثاق المنظمة: عقد هذا المؤتمر في كراتشي عام 1390 هـ/1970 م، وكانت محاور هذا المؤتمر تدور حول مبادئ وأهداف منظمة المؤتمر الإسلامي، كما تطرق هذا المؤتمر إلى صياغة الميثاق وبيان عناصره الأساسية. 4 - مؤتمر وزراء الخارجية الثالث وإقرار الميثاق: عقد هذا المؤتمر في مدينة جدة سنة 1392 هـ/1972 م، وقد تمخض هذا ¬
جذور منظمة المؤتمر الإسلامي
المؤتمر عن إنشاء المنظمة، وتم إعلان اللغات المعتمدة بها؛ وهي العربية والإنجليزية والفرنسية، كما تم تعيين أمين عام للمنظمة (¬1). وقد حدثت خلافات حول اسم المنظمة، فإطلاق لفظ المؤتمر عليها يجعلها أشبه بعمل مؤقت، حيث إن المؤتمرات تكون غالباً من أجل عقد اتفاقية أو معاهدة، أو إصدار مجموعة من القرارات، أما إطلاق لفظ المنظمة فمعناه هيئة مكونة نتيجة رغبات مجموعة من الدول للقيام بأعمال ذات اهتمام مشترك (¬2). جذور منظمة المؤتمر الإسلامي: نتيجة لتنامي المد القومي الذي ساد العالم العربي في فترة الستينيات، تبنى الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - وكان آنذاك وليّاً للعهد، فكرة عقد مؤتمر إسلامي في مدينة مكة المكرمة في موسم الحج سنة 1381هـ- 1962 م، حضره مجموعة من مندوبي الدول، كما حضره مندوبون غير حكوميين، وقد أسفر هذا المؤتمر عن تأسيس رابطة العالم الإسلامي، ولذلك تعد فكرة الرابطة الإسلامية التي نشأت برعاية الملك فيصل - رحمه الله - هي الأصل لفكرة منظمة المؤتمر الإسلامي، ولم يكتفِ الملك فيصل بذلك، بل دعا لإنشاء تكتل سياسي إسلامي في مواجهة المد الشيوعي والخطر الصهيوني، الذي كان يهدد العالم الإسلامي في ذلك الوقت (¬3). ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي: يتألف ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي من ديباجة وأربع عشرة مادة، وتبدأ الديباجة بإعلان المجتمعين - وهم وزراء خارجية ثلاثين دولة إسلامية - اقتناعهم بأن عقيدتهم المشتركة تشكل عاملاً قويّاً لتقارب الشعوب الإسلامية، ويقررون الحفاظ على القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية الموجودة في الإسلام، كما أنهم يؤكدون تمسكهم بميثاق الأمم المتحدة، وحقوق الإنسان، ويجمعون على توثيق أواصر ¬
الصداقة الأخوية والروحية القائمة بين شعوبها، وحماية حريتها، كما أنهم يقررون توحيد جهودهم لإقامة سلام عادل عالمي، يوفر الأمن والحرية والعدالة لشعوبهم، وقد وافقوا على ميثاق المؤتمر الإسلامي. وقد حددت المادة الثانية من الميثاق أهداف منظمة المؤتمر الإسلامي وهي (¬1): 1 - تعزيز التضامن الإسلامي بين الدول الأعضاء. 2 - دعم التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، وفي المجالات الحيوية الأخرى. 3 - العمل على محو التفرقة العنصرية، والقضاء على الاستعمار بجميع أشكاله. 4 - اتخاذ التدابير اللازمة لدعم السلام والأمن الدوليين القائمين على العدل. 5 - تنسيق العمل من أجل الحفاظ على سلامة الأماكن المقدسة وتحريرها ودعم كفاح الشعب الفلسطيني، ومساعدته على استرجاع حقوقه وتحرير أراضيه. 6 - دعم كفاح جميع الشعوب الإسلامية في سبيل المحافظة على كرامتها واستقلالها وحقوقها الوطنية. 7 - إيجاد المناخ الملائم لتعزيز التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء والدول الأخرى. كما حدد الميثاق مبادئ منظمة المؤتمر الإسلامي والمبنية على: 1 - المساواة التامة بين الدول الأعضاء. 2 - احترام حق تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. 3 - احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي كل دولة من الدول الأعضاء. 4 - حل ما قد ينشأ من منازعات بين الدول الأعضاء بحلول سلمية كالمفاوضة أو الوساطة أو التوفيق أو التحكيم. 5 - امتناع الدول الأعضاء في علاقاتها فيما بينها عن استخدام القوة أو التهديد ¬
هيئات منظمة المؤتمر الإسلامي
باستعمالها ضد وحدة وسلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة عضو (¬1). هيئات منظمة المؤتمر الإسلامي: حدد الميثاق هيئات منظمة المؤتمر الإسلامي في أربع هيئات رئيسة هي: مؤتمر ملوك ورؤساء الدول والحكومات، ومؤتمر وزراء الخارجية، والأمانة العامة، والمؤسسات التابعة لها، ومحكمة العدل الدولية الإسلامية، وفيما يلي تعريف موجز بكل هيئة من الهيئات وبيان مختصر لأبرز وظائفها واختصاصاتها: 1 - مؤتمر الملوك والرؤساء: يعد هذا المؤتمر السلطة العليا في المنظمة، وتعقد جلسات القمة مرة كل ثلاث سنوات؛ للنظر في قضايا العالم الإسلامي وما يجد من مشكلات تواجه الدول الأعضاء (¬2). 2 - مؤتمر وزراء الخارجية: يعقد هذا المؤتمر مرة كل سنة على مستوى وزراء الخارجية، وإن كان من حقه عقد جلسات في أي وقت عند الضرورة، وشريطة أن تكون الجلسات الاستثنائية بطلب أي دولة من الدول الأعضاء، أو بطلب من الأمين العام أو موافقة ثلثي الأعضاء، ومن اختصاص المؤتمر أيضاً إصدار التوصيات، والنظر في وسائل تنفيذ السياسة العامة للمؤتمر، ومراجعة ما تم إنجازه من قرارات سابقة. وللمؤتمر أيضاً الحق في تعيين الأمين العام للمنظمة وتعيين الأمناء المساعدين بناء على توصية من الأمين العام، وتحديد موعد ومكان الدورة القادمة للمؤتمر. وتتخذ قرارات المؤتمر بموافقة ثلثي الأعضاء، كما يختار المؤتمر رئيساً له في كل دورة (¬3). 3 - الأمانة العامة: يرأس الأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي أمين عام يُعيَّن لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ومن اختصاصه: ¬
الأجهزة المتفرعة عن منظمة المؤتمر الإسلامي
1 - تعيين موظفي الأمانة العامة من مواطني الدول الأعضاء، شريطة أن تتوافر فيهم الكفاءة والنزاهة. 2 - تأمين الاتصال بين الدول الأعضاء، وتقديم تسهيلات المرور للتشاور. 3 - متابعة تنفيذ قرارات وتوصيات المؤتمر وتقديم تقارير عن ذلك. 4 - إعداد الاجتماعات بالتعاون مع الدولة المضيفة للمؤتمر في نطاق النواحي المالية والإدارية والتنظيمية (¬1). 5 - تقديم أوراق العمل والمذكرات في نطاق قرارات وتوصيات المؤتمر، وتسهيل أداء عمل موظفي منظمة المؤتمر الإسلامي بإعطائهم امتيازات وحصانات تتمثل في عدم خضوعهم لسلطات أية دولة، وأن يكون لهم حق التمتع بالأهلية القانونية (¬2). 4 - الأجهزة المتفرعة عن منظمة المؤتمر الإسلامي: هي الأجهزة المنشأة في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي؛ بِناء على قرار من المؤتمر الإسلامي للملوك والرؤساء في أول مؤتمر إسلامي لوزراء الخارجية، وتُكتسب عضويتُها بصورة تلقائية من الدول الأعضاء، أما مصادر تمويلها فتتمثل في مساهمات الدول الأعضاء الإلزامية ومن الإسهامات التطوعية أو مصادر دخل المنظمة، ويعتمد المؤتمر الإسلامي لوزراء خارجية الدول الإسلامية ميزانيتها، وهذه الأجهزة هي: 1 - مركز البحوث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب: تأسس هذا المركز بناء على قرار المؤتمر الإسلامي الثامن لوزراء الخارجية، الذي عقد في مدينة طرابلس عام 1399هـ- 1977م، ويهدف هذا المركز إلى دعم التعاون الاجتماعي والاقتصادي بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وتنمية التعاون في مجال الإحصاءات والبحوث والتدريب والتعاون الفني، ويتبع المركز عدة وسائل في تحقيق أهدافه وهي: ¬
مركز البحوث والتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية
1 - جمع ونشر الإحصائيات والمعلومات الاجتماعية والاقتصادية حول الدول الأعضاء. 2 - إجراء بحوث حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأعضاء، للمساعدة في وضع اقتراحات من شأنها بدء وتعزيز التعاون بينها. 3 - تنظيم ودعم برامج تدريبية في مجالات مختارة؛ لتلبية الحاجات المعلنة للدول الأعضاء بشكل خاص، ومساعدتها في تدريب موظفيها الإداريين والفنيين في المجالات ذات الصلة (¬1). 2 - مركز البحوث والتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية: بدأ نشاطه سنة 1980 م بناءً على اقتراح من تركيا في الدورة السابقة للمؤتمر الإسلامي الذي عقد في إسطنبول بتركيا عام 1976 م، وصدرت لائحته التنفيذية في المؤتمر الإسلامي التاسع في داكار عاصمة السنغال سنة 1978 م، واعتمدت في مؤتمر بغداد الثاني عشر عام 1981 م. وتتمثل أهداف المركز فيما يلي: 1 - إعداد بحوث ونشر كتب وقوائم وأدلة وألبوم صور تتعلق بالشعوب الإسلامية وتاريخ الآداب والعلوم فيها. 2 - تنظيم مؤتمرات ومعارض وندوات في مقر المركز والدول الأعضاء متعلقة بتاريخ الشعوب المسلمة وتاريخ الآداب والعلوم في الإسلام، ونشر نتائج المركز ونشاطاته، وتشجيع المجتمع الدولي على إجراء مزيد من الدراسات في مجالات الثقافة والحضارة الإسلامية. 3 - الاهتمام بأوضاع الأقليات المسلمة في غير الدول الأعضاء وتعزيز العلاقة بين هذه الأقليات والدول الأعضاء. 4 - الاحتفاظ بأدلة وقوائم وسجلات لمجموعة من الخبراء في نشاط البحث، والتعريف بهم في مختلف فروع التراث الثقافي. 5 - إنشاء وتطوير مكتبات مرجعية للتوثيق والمعلومات؛ لخدمة احتياجات ¬
الجامعة الإسلامية للتكنولوجيا
الدول الأعضاء والباحثين والطلاب. 6 - تعزيز الدراسات في مجالات الثقافة والحضارة الإسلامية والمشاركة في تنظيم دراسات علمية في هذا المجال. 3 - الجامعة الإسلامية للتكنولوجيا: تأسست بناء على قرار المؤتمر التاسع في داكار سنة 1978م، وقد سميت في البداية بالمركز الإسلامي للتكنولوجيا والتدريب المهني، ثم تغير اسمها إلى المعهد الإسلامي للتكنولوجيا، وتتمثل أهدافه فيما يلي: 1 - توفير التعليم التكنولوجي في العلوم الهندسية والتكنولوجية للدول الأعضاء، وتدريب المهندسين والموجهين في مجال التكنولوجيا. 2 - تعزيز وتوجيه البحوث في المجالات الصناعية والتكنولوجية، وفي مجالات التعليم المهني والفني. 3 - إجراء امتحانات ومَنح شهادات ودبلومات ودرجات أكاديمية للأشخاص الذين تلقوا دراساتٍ في الجامعة واجتازوا امتحاناتها. 4 - منح درجات أكاديمية للأشخاص البارزين من الدول الأعضاء بموافقة الجمعية العامة المشتركة، بتوصية من المجلس. 5 - تعزيز التعاون الفني وتبادل الخبرات، ونشر المعلومات الأساسية في مجال تنمية الموارد البشرية من خلال دورات قصيرة وخاصة، وندوات دراسية ونشر مطبوعات (¬1). 6 - تحقيق التنسيق بين أهداف الجامعة وغيرها من المؤسسات الوطنية والإقليمية في الدول الإسلامية والمؤسسات الدولية. 7 - تقديم خدمات استشارية للحكومات والأجهزة الدولية والمؤسسات. 8 - التعاون مع الأمانة العامة والأجهزة الفرعية للمنظمة. 4 - المركز الإسلامي لتنمية التجارة: تأسس هذا المركز في مؤتمر القمة الثالث المنعقد بالسعودية عام 1981 م، ¬
مجمع الفقه الإسلامي
ووفقاً لنطاقه الأساسي يمكن تحديد أهدافه فيما يلي: 1 - تنظيم معارض تجارية ومعارض متخصصة لترويج منتجات الأعضاء. 2 - تعميق الصلة بين رجال الأعمال وتنظيم لقاءات دورية بينهم. 3 - إقامة ندوات وحلقات تدريبية يشارك فيها رعايا الدول الأعضاء. 4 - الإسهام في نشر المعلومات والبيانات التجارية بين الدول الأعضاء. 5 - إجراء دراسات وبحوث. 6 - مساعدة الدول الأعضاء في إنشاء منظمات واتحادات وطنية لتطوير التجارة (¬1). 5 - مجمع الفقه الإسلامي: تأسس طبقاً لقرار المؤتمر الثالث في مكة الذي قرر إنشاء مجمع للفقه الإسلامي يكون من أهدافه: 1 - تحقيق الوحدة الإسلامية نظريّاً وعمليّاً، عن طريق جعل السلوك موافقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. 2 - تقوية روابط العالم الإسلامي بعقيدته. 3 - الاسترشاد بالشريعة الإسلامية ودراسة مشكلات الحياة المعاصرة، والاجتهاد فيها اجتهاداً أصيلاً لتقديم الحلول حسب مقتضيات الشريعة الإسلامية وضوابطها (¬2). 6 - صندوق التضامن الإسلامي (¬3): تأسس صندوق التضامن الإسلامي بناء على قرار مؤتمر القمة الإسلامي الثاني والذي انعقد في لاهور عام 1394هـ- 1974م وكان من أهدافه: 1 - اتخاذ جميع الخطوات للنهوض بالمستوى الفكري والأدبي للعالم الإسلامي. 2 - تقديم مواد الإغاثة المطلوبة في حالات الطوارئ، مثل الكوارث الطبيعية ¬
الجامعة الإسلامية في النيجر
أو البشرية في العالم الإسلامي. 3 - منح مساعدات ومعونات مالية وإغاثية للجماعات والمجتمعات الإسلامية؛ بغية تحسين مستوياتها الدينية والثقافية والاجتماعية. 7 - الجامعة الإسلامية في النيجر (¬1): تأسست بناء على قرار مؤتمر القمة الثاني في لاهور عام 1974م، وتتكون الجامعة من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وكلية اللغة والآداب العربية، ومعهد التعليم العالي والتربية وتدريب المعلمين، والمركز الإفريقي للنهوض بالتراث الإسلامي، ومركز (اقرأ) للتدريب المهني، وكلية البنات للدراسات الإسلامية واللغة العربية، وقسم الدراسات العليا. وتهدف الجامعة الإسلامية بالنيجر إلى تحقيق المطالب الآتية: 1 - محاولة الحفاظ على الهُويَّة الإسلامية في إفريقيا، وتحسين ظروف المسلمين الأفارقة. 2 - تمكين الطلاب من اكتساب المعرفة العلمية والتكنولوجية. 3 - تعزيز البحث العلمي ودراسة المشكلات الاجتماعية في إطار الضوابط الإسلامية المقررة. 4 - العمل على إحياء التراث الإسلامي في إفريقيا، والاجتهاد في نشره في أنحاء العالم. 5 - نشر اللغة العربية والاهتمام بالدراسات الإسلامية. 6 - تشجيع النشاط الثقافي والاجتماعي والرياضي. وتتوزع أجهزة منظمة المؤتمر الإسلامي بحيث تغطي أكبر رقعة جغرافية في العالم الإسلامي، فمركز البحوث الإحصائية، ومركز بحوث التاريخ والفنون مقرهما في أنقرة واستانبول في تركيا، والجامعة الإسلامية للتكنولوجيا تقع في دكا ببنجلاديش، والمركز الإسلامي لتنمية التجارة يقع في الدار البيضاء بالمغرب، ومجمع الفقه الإسلامي وصندوق التضامن الإسلامي ووقفه مقرهما في جدة بالمملكة ¬
قضية العضوية في منظمة المؤتمر الإسلامي
العربية السعودية، والجامعة الإسلامية في النيجر. ويتبع منظمة المؤتمر الإسلامي عدة منظمات تسهم في إثراء نشاطها وتعزيز جهودها التي تستهدف تحقيق مصالح الدول الأعضاء مثل: البنك الإسلامي للتنمية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ووكالة الأنباء الإسلامية الدولية، ومنظمة إذاعات الدول الإسلامية، كما يتبع المنظمة عدة لجان مثل لجنة القدس. قضية العضوية في منظمة المؤتمر الإسلامي: تثير قضية العضوية بمنظمة المؤتمر الإسلامي الكثير من الإشكاليات والجدل؛ لافتقادها لمعايير واضحة تحدد الشروط التي يجب أن تتوافر في الدولة التي تطلب العضوية، فمنظمة المؤتمر الإسلامي تتميز بأنها منظمة قائمة على عقيدة الإسلام، وهذا يجعل لها خصوصية في العضوية (¬1). ومن دلائل الاضطراب في قضية العضوية بالمنظمة أن المنظمة قبلت عضوية دول لا يطلق عليها لقب دولة، وهو الشرط الرئيس في قبول الدولة عضواً في أية منظمة، فقد قبلت عضوية زنجبار رغم أنها تتبع دولة تنزانيا، وقبلت تركيا كعضو فعال رغم التوجهات العلمانية فيها، كما قبلت عضوية عدد من الدول دون شروط محددة، مثل قبول عضوية أوغندا في عهد عبيدي أمين عام 1974، والغابون نتيجة لإسلام رئيسها، وسورينام بحجة وجود أقلية إسلامية فيها. وقد ترتب على عدم وجود معاييرَ ضابطة للعضوية - تضخم عدد الدول المنضمة للمنظمة، فأصبح عدد الدول بها ما يقرب من سبع وخمسين دولة، تتوزع على قارات العالم الخمس، فيوجد ست وعشرون دولة من إفريقيا، وخمس وعشرون دولة من آسيا، ودولة أوربية واحدة وهي ألبانيا، ودولتان من أمريكا اللاتينية وهما سورينام وغويانا. وتنقسم العضوية في المنظمة إلى: عضوية كاملة تبيح للدولة التمتع بكافة الامتيازات والحقوق، وعضوية بصفة مراقب تسمح ببعض الامتيازات، ولها حق ¬
منظمة المؤتمر الإسلامي والتجارة البينية
تبادل الوثائق (¬1). منظمة المؤتمر الإسلامي والتجارة البينية: من المعلوم أن للنشاط الاقتصادي أهمية كبيرة في تعميق الارتباط بين الشعوب، فتكتل الشعوب وراء المصالح المرتبطة بالاقتصاد عامل رئيس من عوامل الوحدة، ولم تغب هذه الفكرة عن منظمة المؤتمر الإسلامي؛ ولذلك خصصت المادة الثانية من ميثاق الجامعة للتأكيد على دعم التعاون بين الدول الأعضاء في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتحديد السبل والوسائل التي تكفل هذا التعاون. مظاهر اهتمام منظمة المؤتمر الإسلامي بالتجارة: وفي إطار اهتمام منظمة العالم الإسلامي بتنمية التجارة بين دول المنظمة، قامت بإنشاء جهاز مستقل ذي شخصية اعتبارية يسمى المركز الإسلامي لتنمية التجارة، وقد سبق التعريف به، ولكن يهمنا هنا الحديث عن دوره في تنمية التجارة والذي تمثل في: 1 - إقامة المعارض التجارية، والمعارض المتخصصة لتعزيز منتجات الأعضاء. 2 - الاتصال بين رجال الأعمال وتنظيم لقاءات بينهم. 3 - نشر البيانات عن الحركة التجارية في الدول الأعضاء (¬2). ومن مظاهر اهتمام منظمة المؤتمر الإسلامي بدعم التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء محاولة إنشاء السوق الإسلامية المشتركة، والتي تواجه صعوباتٍ في إنشائها، بسبب غياب الإرادة السياسية وتشابه الإنتاج بين الدول الأعضاء. ومن الجهود - أيضاً - إنشاء مصرف إسلامي يمنح القروض للدول الأعضاء، لتنمية حركة التجارة بها وتطوير وسائلها (¬3). ¬
من إنجازات المنظمة
من إنجازات المنظمة: بعيداً عن الكلام الخاص بتحقيق الوحدة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية بين المسلمين، نتحدث عن إنجازين مهمين من إنجازات منظمة المؤتمر الإسلامي؛ ألا وهما: محكمة العدل الإسلامية، ومعالجة مشكلات الأقليات المسلمة، وهما هدفان رئيسان رُوعيا عند إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي. 1 - محكمة العدل الإسلامية: أسست هذه المحكمة بناء على قرار مؤتمر القمة الإسلامية الثالث، والذي انعقد في مدينة الطائف عام 1981م، وتُعد هذه المحكمة أول هيئة قضائية في تاريخ العلاقات الدولية الإسلامية، كما تعد محكمة العدل الدولية الإسلامية الجهاز القضائي الخاص بمنظمة المؤتمر الإسلامي (¬1). وتعود فكرة إنشاء هذه المحكمة إلى اقتراح كويتي بسبب نشوب الحرب العراقية الإيرانية، والتي استمرت نحو ثماني سنوات، ومقر المحكمة في مدينة الكويت، وفي القمة الإسلامية الرابعة في الرباط عام 1984م، صيغت ملامح النظام الأساسي للمحكمة بصورة شبه كاملة، ولكن المؤتمر قرر إرجاء البت في إنشاء المحكمة، وفي مؤتمر القمة الذي انعقد في الكويت تم الاتفاق على النظام الأساسي للمحكمة. تشكيل المحكمة: تشكل المحكمة من سبعة قضاة ينتخبون من قبل المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ويشترط في القاضي أن يكون مسلماً عدلاً من رعايا إحدى الدول الأعضاء بالمنظمة، لا يقل عمره عن أربعين عاماً، وأن يكون مؤهلاً للتعيين في منصب القضاء في بلده (¬2). اختصاص المحكمة: لمحكمة العدل الإسلامية اختصاصان رئيسان؛ وهما: إصدار الأحكام القضائية، الفصل في المنازعات والخلافات التي تنشأ بين الدول الأعضاء، فضلاً ¬
النقد الذي وجه لمحكمة العدل الإسلامية
عن الإفتاء وإصدار الآراء الاستشارية في المسائل القانونية (¬1). كما يجوز للمحكمة أن تشكل لجنة من الخبراء والشخصيات المرموقة، للقيام بالوساطة والتوفيق والتحكيم في الخلافات التي قد تنشأ بين دولتين أو أكثر من الدول الأعضاء إذا طلبت الأطراف المتنازعة ذلك (¬2). النقد الذي وجه لمحكمة العدل الإسلامية: واجهت محكمة العدل الإسلامية منذ نشأتها العديد من أوجه النقد؛ سواء في فكرتها أو تشكيلها أو ميثاقها؛ فمن حيث الفكرة واجهت المحكمة نقداً بخصوص تناقض نظامها الرئيس المبني على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسيّاً للأحكام مع دساتير بعض الدول الإسلامية؛ فهناك دول تنص دساتيرها على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع وسن القوانين مثل مصر، والعراق، وأفغانستان، والسعودية، والبحرين، وعمان، واليمن، وموريتانيا، وجزر المالديف، وبروناي، وإيران، والكويت، وهناك دول لا تعلن عن توجهها الإسلامي في الدستور وهي سوريا، ولبنان، والسودان، والصومال، وجيبوتي، وجزر القمر، وجامبيا، وسيراليون، وإندونيسيا، وأوزبكستان، وألبانيا، وهناك دول تعلن في دساتيرها أنها علمانية وهي تركيا، وتركمانستان، وطاجيكستان، وقرغيزيا، وأذربيجان، والسنغال، والنيجر، ومالي، وتشاد، وبوركينا فاسو، وغينيا، وقد عرقل هذا التناقض مشروع ميثاق المحكمة فترة طويلة (¬3). ومن النقد الذي وجه للمحكمة: قصر مدة القضاة؛ حيث إن مدة أربع سنوات غير كافية لاكتساب الخبرة المناسبة، فتحديد مدة ولاية القاضي ليس له ما يبرره. وانتقدت المحكمة كذلك بسبب غلبة الطابع السياسي عند تشكيل المحكمة، وخصوصاً في البند الذي ينص على عدم جواز تعيين أكثر من قاضٍ من دولة واحدة، ووجه الاعتراض هنا أن الإسلام يعتبر المؤمنين أمة واحدة، تجمعهم رابطة ¬
مشكلات الأقليات المسلمة
الأخوة هنا بغض النظر عن تعدد الأعراق أو اختلاف البلدان، أما الارتكان لتحديد جنسية القاضي، فقد يفوت على المحكمة فرصة اختيار الكفاءات، والتي قد تتركز في دولة واحدة دون غيرها (¬1). 2 - مشكلات الأقليات المسلمة: كان تعامل منظمة المؤتمر الإسلامي مع مشكلات الأقليات الإسلامية في العالم يسير في اتجاهين؛ وهما: الموقف من الأقليات الإسلامية؛ حيث قامت المنظمة بدراسة أحوال الأقليات الإسلامية في العالم، وإعداد تقارير بأعدادها، كما قامت المنظمة بإعداد تقارير عن حقوق الإنسان في العالم للاستفادة منها في توفير أكبر قدر من الضمانات الدولية للحفاظ على حقوق هذه الأقليات (¬2). أما الاتجاه الثاني فتمثل في العناية بمشكلة الأقليات الإسلامية الأكثر تضرراً مثل مشكلة المسلمين في الفلبين، وبلغاريا، واليونان؛ فقد راعت المنظمة عند تعاملها مع هذه المشكلة عاملين هما: 1 - عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتطبيق قاعدة الالتزامات التعاقدية فيما بين الدول المعنية. 2 - توظيف إمكانيات وقدرات الدول الأعضاء، وبصفة خاصة العلاقات المتميزة التي قد تجمع رؤساء بعض الدول الإسلامية وهذه الدول التي تشهد فيها معاناة الأقليات الإسلامية. ولما كانت مشكلات الأقلية المسلمة في بلغاريا، واليونان، والفلبين من أعتى المشاكل التي واجهت منظمة المؤتمر الإسلامي. فسأحاول إبراز جهود المنظمة في التعامل معها ومواجهتها فيما يلي: 1 - المنظمة ومسلمو بلغاريا: لم تقدم المنظمة أية مساعدة حقيقية لمسلمي بلغاريا، ولم تعتمد في التخفيف عنهم مبدأ نصرة المظلوم، وإنما كانت الأحوال تسير طبقاً لرغبة النظام الشيوعي في بلغاريا. ¬
المنظمة ومسلمو تراقيا
2 - المنظمة ومسلمو تراقيا: تقع منطقة تراقيا في غرب بلاد اليونان، وتعاني الأقلية المسلمة فيها اضطهاداً شديداً من قبل الحكومة اليونانية، وقد اقتصر دور منظمة المؤتمر الإسلامي على مجرد جمع معلومات وعرض المشكلة بأبعادها، دون إجبار الحكومة اليونانية على منع الاعتداءات على المسلمين. 3 - مشكلة مسلمي الفلبين: استطاعت المنظمة علاج هذه المشكلة وإيجاد مخرج لها، وقد نجحت في ذلك نجاحاً كبيراً؛ حيث توصلت لعقد اتفاق طرابلس سنة 1976 م بين المسلمين وحكومة الفلبين، حصل بمقتضاها المسلمون على الحكم الذاتي في أربعةَ عشرَ إقليماً في جنوب الفلبين، لكن هذا الاتفاق لم يُنفذ، واكتفت (جبهة تحرير مورو) بالحكم الذاتي في أربعة أقاليم (¬1). مقر منظمة المؤتمر الإسلامي: يقع مقر منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة بالمملكة العربية السعودية، وقد أعطى وجود المقر في السعودية للمنظمة فاعلية وقوة؛ لعدة أسباب وهي: 1 - القدرة المالية للسعودية: تتميز المملكة العربية السعودية - سواء على المستوى الحكومي أو المستوى الشعبي - بالقدرة على تمويل أية مشروعات، ومن المعروف أن كثيراً من المنظمات تحتاج لتمويل يساعدها في تسيير أعمالها وتحقيق أهدافها، ومنظمة المؤتمر الإسلامي على الرغم من تعدد مواردها المالية؛ سواء من مساهمات الدول الأعضاء، أو التبرعات فهي تعاني نقصاً في الموارد نتيجة عدم وفاء كثير من الدول بالتزاماتها المادية. ومن المعروف - أيضاً - أن تكاليف المقر - سواء المقر الرئيس للمنظمة أو مقر مجمع الفقه الإسلامي، وصندوق التضامن الإسلامي - في أشد الاحتياج للتمويل؛ ولذلك كان من الطبيعي أن يكون وجود المقر في السعودية ضماناً له من العثرات المالية. ¬
2 - وجود رابطة العالم الإسلامي: تتشرف السعودية بأنها كانت صاحبة فكرة إنشاء رابطة العالم الإسلامي وهي منظمة غير حكومية تعمل في مجال تنشيط العلاقات بين المسلمين، والدعوة إلى دين الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن وجود منظمة المؤتمر الإسلامي بجوار رابطة العالم الإسلامي قد ساعد كثيراً على تنسيق العمل الإسلامي المشترك، وتوفير فرصة لتبادل الخبرات بين المنظمتين. 3 - تبني السعودية فكرة منظمة المؤتمر الإسلامي: بعد نجاح السعودية في إنشاء رابطة العالم الإسلامي، وإخراجها إلى حيز الوجود، تبنَّت فكرة تكوين منظمة المؤتمر الإسلامي، وقد تبنى الفكرة الملك فيصل - رحمه الله - وكان الغرض منها وقف النفوذ الشيوعي المتنامي في المنطقة، والوقوف ضد أعوانه والمتسربلين بغطائه من دعاة الفكر القومي، بالإضافة لتنامي الفكر الصهيوني واشتداد الحركة الصهيونية في تحديها لمشاعر المسلمين، ولعل حريق المسجد الأقصى أكبر دليل على ذلك؛ لذلك قام الملك فيصل - رحمه الله - بالدعوة لإنشاء المنظمة (¬1). ولما كانت المملكة العربية السعودية هي صاحبة الفضل الأول في التفكير في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، فالمظنون بها أن تعمل على رعايتها بعد إنشائها، وأن توفر لها من الأسباب ما يهيئ لها النجاح في بلوغ أهدافها ومقاصدها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتجتهد في إزالة ما يواجهها من مشكلات وعقبات. 4 - وجود الأماكن المقدسة بالسعودية: إذا كانت منظمة المؤتمر الإسلامي بنيت على جانب عَقَدي؛ فمن الطبيعي أن يكون مقرها في أرض تحوي الأماكن المقدسة، التي ترنو إليها أنظار المسلمين في كل مكان؛ ألا وهي السعودية، ولا شك أن المملكة العربية السعودية قد أفادت من وجود المقدسات الإسلامية فوق أراضيها فوائد كبرى، من أهمها وأوثقها ارتباطاً بما ¬
تقييم عام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
نحن بصدد مناقشته أنها اكتسبت خبرة تنظيمية كبيرة تتجلى بصورة واضحة في موسم الحج، ولا ريب أن هذه الخبرة كانت عاملاًَ أساسيّاً من عوامل نجاح منظمة المؤتمر الإسلامي في تحقيق أهدافها. تقييم عام لمنظمة المؤتمر الإسلامي: بعد مرور ما يزيد على أربعين عاماً على إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، ورغم اكتمال كافة مقوماتها التنظيمية والهيكلية، نجد أن عملها قد شابه القصورُ، وللإنصاف: فإن هذا القصور لا يعود بالكلية إلى المنظمة، وإنما لعدة متغيرات، يتصل قسم كبير منها بدول المنظمة، وهذه الأسباب التي أدت للقصور تتمثل في غياب الإرادة السياسية عند جمع كبير من زعماء العالم الإسلامي، بالإضافة لوجود متغيرات سياسية واقتصادية جعلت العالم يختلف في صورته الحالية عن صورته وقت قيام المنظمة، كما نلاحظ من خلال تأمل مبادئ ميثاق المنظمة أن التوجه من خلالها هو لتكريس التجزئة؛ ففكرة احترام السيادة الوطنية هي نتاج للفكر العلماني الأوروبي، وهو يعارض تماماً أصل فكرة منظمة المؤتمر الإسلامي، ويكاد ينسفها من أصلها، وهذا يبين قدرة الدول الغربية على تغيير خط ووجهة هذه المنظمة بما يكفل عدم رجوع الخلافة. وفي تقييمي لأعمال المنظمة، سأحاول التطرق إلى المشكلات التي واجهت منظمة المؤتمر الإسلامي، ولم تتعامل معها بصورة مرضية. أولاً: المجال السياسي: لم تنجح منظمة المؤتمر الإسلامي في وقف مسلسل العدوان على الدول الإسلامية؛ فمثلاً لم تمنع حدوث عدوان الاتحاد السوفييتي على أفغانستان، ولم تستطع أن تعالج النزاع بين إيران والعراق، ولم تستطع إيقاف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين، والسبب في ذلك يعود - كما أسلفت - لغياب الإرادة السياسية، وأيضاً اتجاه العالم نحو عالم أحادي القطب. ويمكن لمنظمة المؤتمر الإسلامي تلافي ذلك مستقبلاً، بالعمل على إيجاد آلية لفض النزاعات، وإنشاء معاهدة دفاع مشترك على غرار معاهدة الدفاع العربي المشترك، وتفعيل دور محكمة العدل الإسلامية.
ثانيا: مجال حماية الأقليات
ثانياً: مجال حماية الأقليات: لم تستطع منظمة المؤتمر الإسلامي حماية الأقليات الإسلامية في بعض البلدان، مثل بلغاريا واليونان، ويرجع السبب في ذلك إلى عدم تحديد مشكلات الأقليات بدقة، واستخدام أسلوب عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية، ويمكن التغلب على هذه المشكلة بتقوية العلاقات مع المنظمات الدولية ذات الاهتمام الخاص بحقوق الإنسان. ثالثاً: الفرق بين منظمة المؤتمر الإسلامي ومؤسسة الخلافة (¬1): 1 - الخلافة كمؤسسة دينية سياسية هي السلطة العليا فيما يتعلق بتطبيق تعاليم الشريعة، أما في حالة المنظمة فإن الدول الأعضاء أقوى من المنظمة نفسها، وقد قاتل أبو بكر - رضي الله عنه - القبائل التي رفضت دفع الزكاة لبيت المال في المدينة المنورة ودافع عن سلطة الخلافة كسلطة عليا، وأما بالنسبة للمنظمة فإنها بنيت على أساس الخضوع التطوعي للدول الأعضاء فيها لمفاهيم إسلامية محددة. 2 - تمتلك الدول الأعضاء القدرة على العمل فهي تستطيع في نطاق سلطاتها القبض على الأفراد الذي يخرجون عن أنظمتها ومعاقبتهم، وتستطيع فرض الضرائب، وإجبار سكانها على الخدمة العسكرية، ولا تستطيع المنظمة القيام بهذه الأعمال، فهي تعتمد على حكومات الدول الأعضاء فيها لتنفيذ قرارتها، ولا تمتلك المنظمة قرار إعلان الحرب أو الجهاد ضد أي دولة تتحدى قراراتها، ولأن الدول الأعضاء ستتحمل في النهاية مسؤولية تنفيذ القرارات التي تتخذها المنظمة، فإن الدول الأعضاء تجنح إلى كبح جماح المنظمة فيما يتعلق باتخاذ القرارات. كما لا يخفى تأثير القوى العظمى على الدول الأعضاء فيما يتعلق بإصدار القرارات. 3 - لا تمتلك المنظمة أي سلطة لتطبيق قراراتها، وإنما تعتمد على حكومات الدول الأعضاء لتنفيذ توصياتها، مما يجعل المنظمة هيئة ضعيفة، وهذا عكس مؤسسة الخلافة التي تملك تنفيذ قراراتها بنفسها. مما سبق وغيره يتبين لنا أننا لا يمكن أن نعتبر منظمة المؤتمر الإسلامي بديلاً ¬
عن الخلافة بحال من الأحوال، وإن كنا نستطيع أن نعتبرها وسيلة من وسائل التعاون بحدود المتاح في هذا الزمان.
الفصل الثاني: جامعة الدول العربية
الفصل الثاني: جامعة الدول العربية خاضت الأمة العربية منذ فجر العصر الحديث عدة تجارب من أجل توحيد شعوبها ودولها، أو التقريب بينها وتنسيق سياساتها الداخلية والخارجية، بغية تحقيق الأهداف والمصالح العربية في ميادين السياسة والاقتصاد وشؤون الاجتماع والثقافة. وكان من الطبيعي أن يكون السعي إلى التحرر من الاستعمار الأجنبي الذي اجتاحت أمواجه الهادرة معظم الأقطار العربية منذ القرن التاسع عشر، على رأس الأهداف التي توختها الدول العربية في محاولاتها الرامية إلى الاتحاد والتكتل، فضلاً عن العمل على رفع مستوى المعيشة للمواطن العربي، وإرساء دعائم التحديث والتنمية في كافة المجالات. وقد تُوِّجت تلك التجارب وهذه المحاولات بإنشاء الجامعة العربية التي برزت إلى الوجود سنة 1945 م بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. وجامعة الدول العربية منظمة إقليمية تضم الدول العربية، سواء الآسيوية أو الإفريقية، وتبلغ عدة الدول الأعضاء فيها اثنتين وعشرين دولة. وترجع فكرة إنشاء جامعة الدول العربية إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، حين ظهرت فكرة «القومية العربية» التي حمل لواءها أبناء الشام الذين اشتد ضيقهم بالسيطرة العثمانية، ولا سيما أن العثمانيين كانوا يعتمدون في حكمهم للعالم العربي على فكرة «الرابطة الإسلامية». وقد دعا إلى القومية العربية - في مقابل الرابطة الإسلامية - طائفة من المفكرين المسيحيين في بلاد الشام، وفي هذا السياق وضع نجيب عازوري كتابه «يقظة العرب» دعا فيه إلى قيام وحدة عربية تؤلف بين المسلمين والمسيحيين جميعاً، في مقابل دعوة السلطان عبد الحميد إلى فكرة الجامعة الإسلامية (¬1). بَيْد أن فكرة القومية العربية لم تحقق في تلك الآونة نجاحاً يُذكر لأسباب منها: ¬
ظهور فكرة الجامعة العربية
1 - اصطدام الداعين إلى القومية العربية بحركة الاتحاد والترقي في تركيا، والتي كانت تسعى إلى فرض سياسة التتريك على الولايات العثمانية، ومنها الولايات العربية. 2 - استقطاب الاستعمار الأوربي لقيادات القومية العربية، فعلى سبيل المثال: تعاون الإنجليز مع جمعية اللامركزية، ووفروا لأصحابها مقرّاً دائماً بالقاهرة بعيداً عن مطاردة السلطة العثمانية (¬1). وكان تأييد إنجلترا لهذه الجمعية مقابل عدم تدخلها في السياسة البريطانية في الشرق الأوسط، وعدم اعتراضها على الاحتلال الإنجليزي للأقطار العربية. 3 - تنافس زعماء التيار القومي على الظفر بمكاسب شخصية اجتماعية وسياسية، مثل عبد الحميد الزهراوي زعيم مؤتمر باريس الذي اختير عضواً في مجلس الشيوخ العثماني، مقابل التنازل عن فكرة القومية العربية (¬2). ظهور فكرة الجامعة العربية: نتيجة لجملة من المتغيرات السياسية والاقتصادية التي نزلت بالعالم العربي منذ بداية العقد الثالث من القرن العشرين، مثل: تنامي أعداد المُهاجرين اليهود إلى فلسطين، ونشوب الحرب العالمية الثانية التي نالت من أمن المجتمعات العربية، وألحقت أعظم الضرر بأنظمتها الاقتصادية في ظل خضوع معظم الأقطار العربية للاحتلال الإنجليزي أو الفرنسي أو الإيطالي، أقول: نتيجة لهذه المُتغيرات اتجه العرب إلى التفكير في إيجاد نوع من الوحدة تمكنهم من التحرر من براثن الاحتلال، وحماية فلسطين من الوقوع في أيدي اليهود. وقد أيَّدت إنجلترا فكرة إنشاء جامعة للدول العربية، لأنها كانت تطمع في أن ¬
المشاورات التمهيدية لجامعة الدول العربية
يقف العرب إلى جانبها أثناء الحرب العالمية، وبالتالي حاولت استرضاءهم بالمساعدة في تحقيق حلم الوحدة العربية، وفي هذا السياق أدلى مستر إيدن وزير الخارجية البريطاني بتصريح في 29 أيار سنة 1941 م، جاء فيه: «إن كثيراً من مفكري الغرب يرجون للشعوب العربية درجة من الوحدة أكبر مما يوجد بها الآن، ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجوب تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلدان العربية، بل والروابط السياسية أيضاً، وحكومة صاحب الجلالة من ناحيتها ستؤيد أية خطة تلقى من العرب موافقة عامة». بيد أن التصريح البريطاني قد قوبل من الجانب العربي بفتور شديد، نظراً لمعرفة العرب بالأهداف الحقيقية التي حملت بريطانيا على تأييد فكرة جامعة الدول العربية، ولذلك أصدر الوزير البريطاني المشار إليه تصريحاً ثانياً جاء فيه: «إن حكومة صاحب الجلالة - كما أوضحت من قبل - تؤيد كل حركة يقوم بها العرب لتعزيز الوحدة الاقتصادية، والثقافية، والسياسية بينهم. ومن الجلي أن الخطوة الأولى لتحقيق أي مشروع يجب أن تأتي من جانب العرب أنفسهم» (¬1). المشاورات التمهيدية لجامعة الدول العربية: استجابت الحكومة المصرية برئاسة مصطفى النحاس للنداء البريطاني الثاني، وبدأت تعمل على إيجاد صيغة مناسبة للوحدة العربية منذ عام 1943 م، ودعت الدول العربية المستقلة، والتي خضعت للاستعمار بشكل غير مباشر وتمتعت بما يعرف بالحكم الذاتي، إلى إرسال مندوبيها لحضور اجتماع بالإسكندرية، بغية التشاور حول الصيغة الملائمة للوحدة العربية، فحضر مندوبو كل من العراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، والسعودية، والأردن (¬2). وقد استمرت جلسات التشاور وتبادل الآراء بين مندوبي الأقطار العربية عاماً كاملاً، وطُرِحت أشكال عدة وتصورات مختلفة للشكل الذي يحسن أن تكون عليه الوحدة العربية، فاقترح البعض قيام وحدة تضم سوريا ولبنان وشرق الأردن وفلسطين في دولة واحدة تُسمى سوريا الكبرى، وكان صاحب هذه الفكرة الأمير ¬
الأساس غير الوحدوي لبروتوكول وميثاق جامعة الدول العربية
عبد الله الأردني وأيَّده في ذلك نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي، في حين اقترح آخرون إنشاء اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي يجمع دول الهلال الخصيب ومصر والسعودية واليمن (¬1). وتمخضت المفاوضات والمشاورات عن ميلاد فكرة جامعة الدول العربية، وصدر بروتوكول (¬2) الجامعة، والذي لم يحوِ منذ صدوره على أي إشارة يُفهم منها أكثر من تعاون بين دول متعددة، ولا يفهم منها أي توجه وحدوي. الأساس غير الوحدوي لبروتوكول وميثاق جامعة الدول العربية: بُني بروتوكول جامعة الدول العربية - ومن بعده الميثاق - على أسس يعنينا منها الأساس التالي: وهو أنه لا يوجد توجه وحدوي حقيقي للجامعة منذ لحظة تأسيسها، وما هو موجود هو تنسيق وتعاون وحفاظ على كيانات الدول الموجودة، وما تبقى فهو ذر للرماد في العيون، وإنفاق طائل للأموال فيما لا نفع كبير فيه. ويدل على ذلك ما ورد في البروتوكول مثل: «يكون لهذه الجامعة مجلس يسمى مجلس جامعة الدول العربية تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة، وتكون مهمته مراعاة تنفيذ ما تبرمه هذه الدول فيما بينها من الاتفاقات، وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها وتنسيق (¬3) خططها السياسية تحقيقاً للتعاون بينها، وصيانة لاستقلالها وسيادتها (¬4) من كل اعتداء بالوسائل الممكنة» (¬5). ¬
ومثل: «القرارت ملزمة لمن يقبلها» (¬1). وقد أكد ميثاق الجامعة هذه التوجهات، كما جاء في المادة الأولى منه: ... «تتألف جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة». وفي المادة الثانية منه التي تقول: «الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها»، والمادة الثامنة منه التي تقول: «تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى»، وتشير المادة التاسعة إلى «أن الدول الراغبة بتعاون أوثق وروابط أقوى مما نص عليه هذا الميثاق أن تعقد بينها من الاتفاقات ما تشاء لتحقيق هذه الأغراض». مما يعني أن أي خطوات وحدوية جدية تعتبر خيارات تطوعية، وهامشية بالنسبة للجامعة. وتدلنا مراجعة ميثاق الجامعة على أنها منظمة ليس هدفها الوحدة، وحتى اسمها يوحي بذلك، فهي جامعة لدول، فهي تنطلق من حقيقة وجود عدة دول تريد أن تجمعها معاً في إطار واحد، وهذا الإطار ليس هدفه الوحدة على الإطلاق، مع ملاحظة أن الذي شجع على إقامتها ملوك السياسة العالمية وهم الإنجليز، وأنها كانت تهدف إلى مقاومة فكرة الخلافة المبنية على الدين، ففكرة الجامعة تقوم على أساس القومية التي ظنوا أنها تعارض فكرة الدين. والواقع أن ميثاق الجامعة العربية يُعاني ضعفاً شديداً منذ صدوره، نظراً لطبيعة العلاقة المتوترة بين الحُكام العرب، والتي يحكمها ميراث طويل من الشك وعدم الثقة، فضلاً عن وجود الاستعمار الأوربي الذي حدد سقفاً معيناً للوحدة العربية لا يمكن تجاوزه، وكذلك فإن الحرص على أن يخرج ميثاق الجامعة بالإجماع لا بأغلبية الدول الأعضاء - أسهم في خروج الميثاق أضيق مما كان يأمله الشعب العربي. ¬
أجهزة جامعة الدول العربية
أجهزة جامعة الدول العربية: تتكون جامعة الدول العربية من عدة أجهزة تساعدها على أداء أعمالها وتصريف شؤونها، تلك الأجهزة هي: 1 - مجلس الجامعة: ويتكوَّن من مندوبي الدول الأعضاء في الجامعة، والمعتمدين من قبل دولهم، واختصاصات المجلس هي: أ- وضع السياسة العامة للجامعة وبيان خطة عمل المجلس. ب- توثيق الصلات بين الدول الأعضاء، وتنسيق الخطط تحقيقاً للتعاون. ج- البتُّ في المسائل التي يعرضها عليه الأمين العام أو الدول الأعضاء، واتخاذ القرارات اللازمة. د- متابعة تنفيذ قراراته، وما تعقده الدول من اتفاقيَّات. هـ- بحث التقارير التي تعدها المجالس والمنظمات المتخصصة وإصدار القرارات اللازمة في شأن التقارير. وتقرير وسائل التعاون مع المنظمات الدولية. ز- بحث الشؤون الإدارية والمالية للجامعة. ويعقد المجلس دورتي انعقاد في كل عام، الأولى في آذار، والثانية في أيلول، ويجوز عند الضرورة عقد جلسات استثنائية. ويكون الانعقاد صحيحاً بحضور أغلبية الأعضاء، ويتخذ المجلس قراراته بموافقة أغلبية الأعضاء، ويكون عقد الاجتماعات في مقر الجامعة أو في أيَّة جهة يراها المجلس، ويمكن عقد المجلس في غير هذين الموعدين في الحالات الاستثنائية غير العادية. وتكون رئاسة المجلس بالتناوب بين المندوبين، وفقاً للحروف الأبجدية لأسماء الدول الأعضاء، ويظل الرئيس يشغل منصبه إلى أن يُعيَّن رئيسٌ جديد،
2 - أمانة الجامعة
ويتولى الرئيس رئاسة كل دورة غير عادية تنعقد في أثناء رئاسته، وإذا تعذر على الرئيس القيام بعمله، تولى نيابة عنه أحد أعضاء دولته. 2 - أمانة الجامعة: لمجلس جامعة الدول العربية أمين عام، يمكن تحديد اختصاصاته فيما يلي: 1 - الإشراف على سكرتارية المجلس والقيام بحفظ وثائقه. 2 - المشاركة في اجتماعات المجلس، ويجوز له تكليف أحد معاونيه بحضور جلسات المجلس. 3 - للأمين العام الحق في إدارة الجلسات، ووضع لوائح تنظيمية للمجلس. 4 - تصريف الشؤون المالية والإدارية للجامعة، والتحدث باسم الجامعة. 5 - توجيه نظر المجلس إلى أية مسألة قد تؤدي إلى سوء العلاقات بين الدول الأعضاء. ويتبع الأمين العام عدة أجهزة هي: مكتب الأمين العام الذي يتولى شؤون مجلس الجامعة ومكتب الأمناء المساعدين، الإدارة العامة للشؤون السياسية، إدارة الشؤون الاقتصادية، إدارة الشؤون الاجتماعية والثقافية، الإدارة العامة لشؤون فلسطين، الإدارة العامة للإعلان، الإدارة العامة للمعاهدات والشؤون القانونية، الإدارة العامة للتنظيم والشؤون الإدارية والمالية، أمانة الشؤون العسكرية، المكتب الرئيسي لمقاطعة إسرائيل (¬1). 3 - المنظمات العربية المتخصصة: يتبع الجامعة العربية عدة أجهزة ومنظمات متخصصة كان الهدف الأساسي من إنشائها الإسهام في تحقيق أهداف الجامعة، وهي: مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، ومنظمة الأقطار العربية المصدِّرة للبترول الأوبك، والمنظمة العربية للتنمية الإدارية، واتحاد إذاعات الدول العربية «إسو»، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمركز العربي لدراسة المناطق الجافة «أكساد»، ومنظمة العمل العربية، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، المنظمة ¬
نماذج من أنشطة الجامعة العربية
العربية للتنمية الزراعية، والمؤسسة العربية للاتصالات القضائية. وكلها منظمات كان يمكن الاستفادة منها بشكل أكبر بغرض التقارب الحقيقي بين الدول العربية وصولاً للوحدة الكاملة، والمنظمات النشطة والهامة منها يعود سبب نشاطها وأهميتها لأسباب أخرى غير الوحدة العربية. نماذج من أنشطة الجامعة العربية: 1 - اتفاقية الدفاع العربي المشترك: كان ميثاق الجامعة العربية يُعاني قصوراً واضحاً فيما يتعلق برد العدوان عن البلاد العربية، وقد أبرزت حرب فلسطين عام 1948م ذلك القصور، الذي حمل مجلس الجامعة على توقيع «معاهدة الدفاع العربي المشترك» في الثالث عشر من إبريل سنة 1950 م، وتتضمن المعاهدة بنوداً خاصة بفض المنازعات بين الدول العربية سلميّاً، وأحكاماً تتصل بمواجهة أي اعتداء مسلح على أي إقليم عربي، بحيث يكون الاعتداء على أية دولة عربية اعتداءاً على سائر الدول الأعضاء. وكذلك أقرت المعاهدة مبدأ الدفاع عن النفس، ونصت على إنشاء قيادة عسكرية موحدة تتكون ممن مُمثلي أركان الجيوش العربية، ودعت المعاهدة إلى اتخاذ كافة التدابير اللازمة - بما فيها التدبير العسكري - لرد العدوان على أية دولة من الدول الأعضاء. الأجهزة المتعلقة بالأمن العربي: نتج عن توقيع اتفاقية الدفاع العربي المشترك إنشاء عدد من الأجهزة تكون مهمتها العمل على تحقيق الأمن العربي، وعلى رأس تلك الأجهزة: أ- مجلس الدفاع المشترك ويتكون من: وزراء الخارجية، ووزراء الدفاع أو من يقوم مقامهم. ب- الهيئة الاستشارية العسكرية: وتضم رؤساء أركان الجيوش العربية. ج- اللجنة العسكرية الدائمة: ومن مهامها إعداد الخطط العسكرية لمواجهة الأخطار المتوقعة، ورد أي اعتداء مسلح على أية دولة عربية، وتقديم الاقتراحات
التقييم
لتنظيم قوات الدول الأعضاء، وتحديد الحد الأدنى لقوات كل منها، فضلاً عن المهام المتعلقة بالتدريبات المشتركة والمعلومات المرتبطة بإمكانيات كل دولة من الناحية الحربية. د- القيادة العربية الموحدة، حيث نصت المعاهدة على إنشاء قيادة عامة للقوات المشتركة في الميدان، وتكون رئاستها للدولة الأوفر إسهاماً في تقديم القوات والمعدات العسكرية. التقييم: لم يتم تنفيذ معاهدة الدفاع العربي على الإطلاق، وحوادث الاعتداء على دول المنظمة أكثر من أن تحصى، وكلها لم تدافع فيها دول الجامعة عن الدول المعتدى عليها، سواء كان الاعتداء خارجياً كما اعتدت إسرائيل على لبنان ومصر وسوريا والأردن وفلسطين والسودان والعراق وتونس، وكما اعتدت أمريكا على العراق، أو داخلياً عندما غزا العراق دولة الكويت. 2 - المجلس الاقتصادي: ويهدف إلى تسهيل عمليات التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية الأعضاء في الجامعة. وقد تم توقيع العديد من الاتفاقيات في إطار هذا المجلس مثل: الاتفاقية الخاصة بتجارة الترانزيت، والسوق العربية المشتركة، بالإضافة لإنشاء أجهزة جديدة بموجب قرارات مجلس الجامعة وهي: 1 - هيئة استغلال مياه نهر الأردن وروافده. 2 - مركز التنمية الصناعية للدول العربية. 3 - معهد الغابات العربي. 4 - المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية (¬1). ¬
3 - السوق العربية المشتركة
3 - السوق العربية المشتركة: أثناء انعقاد دورة المجلس الاقتصادي الرابع سنة 1957 م تمت الموافقة على عقد اتفاقية الوحدة الاقتصادية بين الدول العربية، ووقعت عليها اثنتا عشرة دولة، وكانت أهداف الاتفاقية هي: أ- حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال. ب- حرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية والأجنبية. ج- حرية الإقامة والعمل ومؤازرة النشاط الاقتصادي. د- حرية النقل والترانزيت واستعمال وسائل النقل. هـ- حقوق التملك والإرث. وانطلاقاً من هذه الأهداف، تقرر في دورة الانعقاد العادية لمجلس الوحدة العربية في سنة 1964م إنشاء السوق العربية المشتركة (¬1). وقد تمَّ وضع ترتيبات لإنشاء السوق العربية المشتركة، حيث نصت المادة على أن الدول العربية الموقعة على اتفاقية الوحدة الاقتصادية وهي الأردن، وتونس، والسودان، والعراق، والسعودية، وسوريا، ومصر، ولبنان، وليبيا، واليمن، والمغرب، والكويت - منطقة جمركية موحدة، تخضع لإدارة واحدة، كما تم الاتفاق على توحيد التعريفة الجمركية، وتوحيد التشريعات والأنظمة الجمركية. كما نصت الاتفاقية على توحيد سياسة الاستيراد والتصدير، وأنظمة النقل والترانزيت، وتوحيد السياسات المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة، والتنسيق بين السياسات النقدية والمالية للدول الأعضاء (¬2). كما أقرَّت الاتفاقية قيام مجلس الوحدة الاقتصادية بالإشراف على السوق العربية المشتركة، وإنشاء لجان تساعد المجلس على إدارة السوق، كما أقرَّت قيام ¬
تقييم عام لجامعة الدول العربية
مكتب فني يكون مقره القاهرة، ويكون استشاريّاً للسوق العربية، وتكون رئاسة مجلس الوحدة الاقتصادية بالتناوب ولمدة عام، أما قرارات المجلس فتتخذ بأغلبية الأصوات. ومن المؤسف أن كل الجهود التي بذلت من أجل إخراج السوق العربية المشتركة إلى حيز الوجود وتفعيل دورها، قد صادفت فشلاً ذريعاً للأسباب التالية: 1 - تشابه الإنتاج في البلاد العربية. 2 - وجود الخلافات السياسية بين الدول العربية. 3 - النعرات القومية. 4 - التخلف الاقتصادي وعدم قدرة الإنتاج العربي على تحقيق الكفاية الذاتية. تقييم عام لجامعة الدول العربية: لقد حوت الجامعة كثيراً من الآليات التي يمكن أن تنتج عملاً وحدوياً ما في اختصاصها، فمثلاً: تعتبر المادة 19 والتي تقول: (ينشأ في إطار الجامعة برلمان عربي ويحدد نظامه الأساسي تشكيله ومهامه واختصاصاته) والتي أضيفت في قمة الجزائر في 23/ 3/2005 م، تعتبر خطوة جيدة، وقد أنشئ هذا البرلمان بعدها في 27/ 12/2005 م، وسمي بالبرلمان المؤقت، فهذه المادة تعتبر ممتازة وتتضمن عملاً عربياً وحدوياً كما جاء في تعريف البرلمان (¬1)، ومن خلال النظر في جدول أعمال الدورة العادية الأولى للبرلمان تظهر أهمية الموضوعات التي يتناولها البرلمان (¬2)، ولكن يبقى التساؤل مطروحاً حول نجاحه في تحقيق نقلة نوعية نحو العمل الوحدوي الجاد، وفيما إذا كان سيختلف عن (الاتحاد البرلماني العربي) الذي أنشأ في دمشق عام 1974 م؟ والذي كان من أهدافه - التي لم ¬
الأسباب المتعلقة بالميثاق
تتحقق - تنسيق التشريع في الدول العربية وتوحيده، فقد أصبح يكتفي بإصدار البيانات السياسية حول قضايا الساعة في ختام مؤتمراته التي يعقدها. وسواء كانت الجامعة لا تستطيع تحقيق أي خطوة وحدوية حقيقية أو لا تريد ذلك، فإن التساؤلَ عن جدواها وسبب إنفاق الأموال الطائلة عليها يبقى مشروعاً. إن المتتبع والراصد لتاريخ جامعة الدول العربية يلاحظ أن الجامعة لم تقم بالدور المرجو منها في سبيل تحقيق الوحدة العربية الحقيقية؛ لعدة أسباب: منها ما يتعلق بميثاق الجامعة نفسه، ومنها ما يتعلق بالدول العربية الأعضاء في الجامعة، ومنها المتغيرات العالمية التي حدثت في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والذي ترتب عليه ظهور نظام العالم الأحادي القطب أو ما يعرف بالنظام العالمي الجديد، والذي كان من أبرز ملامحه ظهور التكتلات الاقتصادية الكبرى، وفيما يلي نلقي بعض الضوء على هذه الأسباب: 1 - الأسباب المتعلقة بالميثاق: ولد ميثاق جامعة الدول العربية ضعيفاً منذ البداية لأسباب أشرت إليها عند الحديث عن الميثاق، ولعل من أبرزها خلو هذا الميثاق من إلزام الدول بقرارات مجلس الجامعة، فهذا الميثاق أعطى الدول الأعضاء حق التنصُّل من قرارات الجامعة، وبعضها قد يكون مصيريّاً، حيث ترك الميثاق حرية الالتزام بالقرارات لمن يقبلها فقط. واحتوى الميثاق أيضاً على مواد تتيح للدول الأعضاء في الجامعة عقد اتفاقيات ثنائية فيما بينها؛ مما أدى لظهور الكيانات الإقليمية التي شتَّتت جهود الدول العربية، ولم تعمل على تحقيق الهدف المنشود منها، مثل الاتحاد المغربي، ومجلس التعاون الخليجي، ومجلس التعاون العربي. وقد برز فشل الميثاق في تنفيذ آليات جامعة الدول العربية أثناء قيام حرب فلسطين سنة 1948م، فلم تفلح جهود الجامعة في وقف العدوان على الشعب الفلسطيني، ففي حين استطاعت الحركة الصهيونية حشد ما يقرب من ثمانين ألف جندي، لم تستطع البلاد العربية مجتمعة أن تحشد سوى أربعين ألف جندي، أي ما
أسباب تتعلق بالدول العربية
يعادل نصف القوة اليهودية. وعلى الرغم من احتواء ميثاق جامعة الدول العربية على مادة - وهي المادة رقم (18) التي تجيز عزل الدولة الخارجة عن الميثاق من الجامعة، فإنها لم تستعمل ضد أيَّة دولة، على الرغم من قيام كثير من الدول بالخروج على الميثاق، ولعل أبرز مثال على ذلك قيام العراق بغزو دولة الكويت في صيف 1990 م، وعجز الجامعة عن اتخاذ موقف ضد حكومة العراق آنذاك. 2 - أسباب تتعلق بالدول العربية: كان لسياسة الاستعمار الأوربي في البلاد العربية أثر كبير في تفرقة العرب، وتشرذمهم السياسي وعدم قبولهم لأي أفكار حقيقية للوحدة، فقد قسم الاستعمار الأوربي البلاد العربية لدويلات صغيرة، وأوجد جنسيات متعددة، وأقام الحدود والحواجز الجمركية بين البلاد العربية، وبدأ يلعب على وتر الطائفية في البلاد العربية، وأوجد نظم حكم متصارعة فيما بينها، مثل: النظم الجمهورية والملكية، كما سخر التعليم لخدمة مصالحه (¬1). وقد ترتب على هذه السياسة الاستعمارية آثار خطيرة، منها انقسام الدول العربية في سياستها وتوجهاتها، بالإضافة للنظرة الإقليمية الضيقة التي لا تراعي المصلحة القومية، هذه الآثار وغيرها استحقت أن يطلق عليها لفظ (الحرب العربية الباردة) في رأي أحد الباحثين. 3 - المتغيرات العالمية: حدثت في العالم عدة متغيرات قلبت موازين القوى، وأثرت بالسلب على جامعة الدول العربية، وهذه المتغيرات تبلورت في ظهور التكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم، ودخول العالم عصر القطب الواحد، وقد كان لهذه المتغيرات آثارٌ سلبية على قيام جامعة الدول العربية بدورها المنوط بها، ولعل أبرز هذه الآثار السلبية يتمثل فيما يلي: 1 - انضمام كثير من الدول العربية لاتفاقيات ثنائية مع بعض التكتلات ¬
الاقتصادية، مثل اتحاد دول حوض البحر المتوسط (اليورومتوسط)، وانضمامهم أيضاً للشراكة الاقتصادية مع أوروبا وأمريكا. 2 - إغراق الأسواق العربية بمنتجات أجنبية تتميز بأنها أجود وأرخص من المنتجات العربية، مما أعاق كثيراً فكرة قيام سوق عربية مشتركة. 3 - تدني نسبة التجارة البينية بين البلدان العربية لحساب المنتجات الأجنبية. على أنه يمكن لجامعة الدول العربية أن تحقق آمالها في سبيل توحيد العرب لو عالجت الأسباب التي أعاقت عمل الجامعة ويمكن حصرها في الآتي: 1 - إعادة النظر في ميثاق الجامعة، وتعديله بما يلائم مصلحة الدول العربية دون محاولة إرضاء طرف على حساب طرف آخر. 2 - الاتفاق على حد معين من التعاون لا يجوز لأية دولة عربية أن تنزل عنه. 3 - إمداد الجامعة بالكوادر القادرة على تنفيذ مهامها وقراراتها، والبعد عن المحسوبية في تعيين الموظفين بها. 4 - محاولة إحياء فكرة السوق العربية المشتركة على سبيل التجربة، لإثبات جدية الدول الأعضاء في الاتحاد. وإذا كنا في مجال تقييم نشاط وفاعلية جامعة الدول العربية، فإن ثمة ظاهرة لافتة للنظر، ألا وهي أن نجاح الجامعة في بعض المجالات استثناء، والأصل هو الإخفاق؛ فمثلاًَ في مجال حل النزاعات العربية، سنجد أنه من بين سبعة وستين نزاعاً لم تنجح الجامعة سوى في حل ستة فقط في الفترة من 1945م إلى 1981م بنسبة لا تتجاوز (10%). وفي مجال الأمن أخفقت جامعة الدول العربية في حماية كثير من دول الجامعة، بداية من العدوان الصهيوني على فلسطين عام 1948 م، مروراً بالعدوان الثلاثي على مصر 1956 م، وأيضاً عدوان إسرائيل في (5) حزيران 1967 م، على ثلاث دول عربية، واحتلال إرتريا لبعض الجزر اليمنية، وحرب إسرائيل على لبنان في عام 1996 م، وفي عام 2006 م، وأصبحت اتفاقية الدفاع العربي المشترك حبراً على ورق.
ولعل الحرب العراقية على الكويت كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فلم تنجح جامعة الدول العربية في إيجاد حل سلمي للأزمة، مما استدعى التدخل الخارجي لعلاجها.
الفصل الثالث: رابطة العالم الإسلامي
الفصل الثالث: رابطة العالم الإسلامي مقدمة: ابتلي العالم الإسلامي منذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر، بالاستعمار الأوروبي الذي أدى إلى تفتيت العالم الإسلامي لدويلات صغيرة، ومستعمرات خاضعة له، يستنزف كل إمكانياتها ومواردها ويجعلها مجرد سوق لتوزيع منتجاته التي تضخمت بعد الثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا فيما يمكن أن نسميه بعصر الوفرة الإنتاجية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، وضع الاستعمار آلية لضمان السيطرة على العالم الإسلامي، وهذه الآلية تعتمد في المقام الأول على غرس بذور الفرقة بين المسلمين، وبدأ يتعامل بنظرية الانتقاء والاختيار فهذا سُّني وهذا شيعي، وهذا صوفي وهذا سلفي، مستهدفاً بذلك تحويل المسلمين إلى مجموعات مذهبية متنافرة، كما شجع الاستعمار الحركات المضادة للعمل الإسلامي كحركة القومية العربية التي تعد القطب المعارض، لأية حركة إسلامية، ولذلك لم يكن مستغرباً أن يتزامن ظهور فكرة القومية العربية في أواخر القرن التاسع عشر مع ازدياد التدخل الأجنبي في البلاد الإسلامية. وإزاء المؤامرة الاستعمارية التي نسج الغرب الأوروبي خيوطها ضد العالم الإسلامي لم يقف المسلمون مكتوفي الأيدي، بل ظهرت حركات تدعو لوحدة المسلمين، وبذلت جهود حميدة في سبيل توحيد العالم الإسلامي، ونبذ أسباب الفرقة بين وحداته السياسية والجغرافية والمذهبية، وأول هذه الجهود في العصر الحديث هي الجهود التي بذلها جمال الدين الأفغاني (¬1) في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، بناء على دعوة السلطان عبد الحميد إلى إنشاء الجامعة الإسلامية من أجل التصدي لحركات الفكر القومي التي سادت العالم الإسلامي ومزقت وحدته في ذلك الوقت، وقد أصدر الأفغاني ومحمد عبده جريدة العروة الوثقى (¬2) خصيصاً ¬
تعريف رابطة العالم الإسلامي
لغرض إنشاء فكرة قيام تجمع إسلامي. ولكن ظهور حركة الاتحاد والترقي في تركيا ونجاحها في الوصول إلى الحكم، وعزلها السلطان عبد الحميد أدى إلى فشل فكرة الجامعة. ثم كانت حركة الإخوان المسلمين - بغض النظر عن موقفنا منها - التي أسسها حسن البنا في الأربعينيات من القرن العشرين في مدينة الإسماعيلية بمصر مرحلة من مراحل محاولة توحيد كلمة المسلمين ونبذ أسباب الفرقة وعوامل التفكك بينهم (¬1). ثم جاءت فكرة (رابطة العالم الإسلامي) كواحدة من هذه الجهود التي ترمي لتوحيد العالم الإسلامي، وقد برزت هذه الفكرة في العقد السابع من القرن العشرين، وجاءت محاوِلةً لمَّ شتات المسلمين وتوحيدَ صفوفهم والتنسيقَ بينهم، انطلاقاً من مبدأ عالمية الإسلام، وانطلاقاً من الرغبة في نشر دين الله. وكانت فكرة رابطة العالم الإسلامي مرشداً لكثير من المنظمات التي ظهرت بعد ذلك، مثل منظمة المؤتمر الإسلامي المُنشأةُ في عام 1969 م، أي بعد ظهور رابطة العالم الإسلامي بنحو ثماني سنوات، ولا أبالغ إن قلت: إن الهيكل التنظيمي والإداري، وأجهزة المؤتمر الإسلامي تكاد تكون صورة طبق الأصل من رابطة العالم الإسلامي. تعريف رابطة العالم الإسلامي: هي منظمة إسلامية شعبية عالمية جامعة، مقرُّها مكة المكرمة، تقوم بالدعوة للإسلام، وشرح مبادئه وتعاليمه، ودحض الشبهات والافتراءات التي تلصق به، وإقناع الناس بضرورة الالتزام بأوامر ربهم واجتناب نواهيه، وتقديم العون للمسلمين لحل مشكلاتهم، وتنفيذ مشاريعهم الدعوية والتعليمية والتربوية والثقافية، وهي تنبذ العنف والارهاب وتشجع على الحوار مع أصحاب الثقافات الأخرى (¬2). ¬
تأسيس رابطة العالم الإسلامي
كان تنامي المد الشيوعي السوفييتي، وانتشار الفكر القومي في البلاد الإسلامية، دافعاً وراء إنشاء الرابطة وانطلاقها، أما الاستعمار بصورته التقليدية فلم يكن له أثر يذكر في ظهور فكرة الرابطة، لأن معظم البلاد الإسلامية كانت قد تحررت من النفوذ الاستعماري، ولأن الاستعمار التقليدي كان قد انتهى دوره بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وظهور القوتين الأكبر وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي. تأسيس رابطة العالم الإسلامي: انعقد المؤتمر الإسلامي العام - الذي أصبح بعد ذلك جزءاً من الهيكل التنظيمي لرابطة العالم الإسلامي- في مدينة مكَّةَ المكرمة بتاريخ 14 ذي الحجة 1381 هـ/ الموافق 18 أيار 1962 م، وأنشئت بموجب قرار صادر عنه هذه الرابطة وبدعوة من حكومة السعودية، وكان من مؤسسيه: الشيخ محمد الصبان (¬1)، والندوي (¬2)، وغيرهما، واختيرت مدينة مكة المكرمة لتكون مقرًّا للمؤتمر (¬3). وكان قد تزامن مع أعمال المؤتمر إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة (¬4). والمتتبع لأهداف المؤتمر وتوصياته يلحظ من خلاله الأسباب التي دعت لتأسيس الرابطة الإسلامية، فالمؤتمر تطرَّق إلى الحديث عن العدالة الاجتماعية قاصداً من وراء ذلك سحب البساط من تحت أقدام دعاة الاشتراكية الذين يتشدقون دائماً بأنهم يحاولون تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية. ¬
ميثاق رابطة العالم الإسلامي
ميثاق رابطة العالم الإسلامي: نص ميثاق الرابطة الإسلامية على أنه: «نحن أعضاء رابطة العالم الإسلامي الممثلين له تمثيل عقيدة وإيمان نعاهد الله تعالى على: - أن نؤدي فريضة الله علينا بتبليغ رسالته ونشرها في جميع أنحاء العالم، وأن نؤكد من جديد إيماننا أنه لا سلام للعالم إلا بتطبيق القواعد التي أرساها الإسلام. - أن ندعو الأمم عامة إلى التسابق في ميدان العمل لخير البشرية وإسعادها، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين أفرادها بإيجاد المجتمع الإنساني الأفضل. - أن نشهد الله على أننا لا نريد إفساداً لأمر أحد ولا سيطرة ولا هيمنة على أحد. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف اعتزمنا القيام بما هو آت: 1 - أن نبذل قصارى جهدنا في توحيد كلمة المسلمين، وإزالة عوامل التفكك المحيطة بالمجتمعات الإسلامية المنتشرة في بقاع الأرض. 2 - أن نذلل العقبات التي تعترض إنشاء جامعة العالم الإسلامي. 3 - أن نساند كل من يدعو إلى الخير ونساعده على تأدية مهمته الإسلامية. 4 - أن نستخدم جميع ما نملكه من وسائل روحية، ومادية، وأدبية لتحقيق ما نصبو إليه في هذا الميثاق. 5 - أن نوحد جهودنا لتحقيق هذه الأغراض بطريق إيجابي سليم. 6 - أن نطرح كل دعوى جاهلية قديمة منها وحديثة. 7 - أن نعلن لا شعوبية ولا عنصرية في الإسلام. وقد حدد الميثاق الوسائل التي تستخدمها الرابطة في سبيل تحقيق أهدافها، مشترطاً عدم تعارضها مع الشريعة الإسلامية، وهذه الوسائل هي: 1 - الدعوة إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على مستوى الأفراد والجماعات والدول. 2 - تنسيق جهود القائمين بالعمل الإسلامي في العالم وإفادة بعضهم بعضاً.
الهيكل التنظيمي لرابطة العالم الإسلامي
3 - تطوير أساليب نشر الدعوة بما يتفق مع القرآن والسنة ولا يخالفهما. 4 - رفع مستوى الوسائل الإعلامية والدعوية والرعوية والتربوية والتعليمية والثقافية، ورفع إنتاجية العمل بها. 5 - إقامة الندوات، والدورات التأهيلية والتدريبية والوسائل الإعلامية. 6 - الاستفادة من موسم الحج في التقريب بين أصحاب الفكر وقادة الرأي وأهل النظر وتوثيق عرى التقارب بينهم، وحثهم على تقديم الحلول العملية لرفع مستوى المسلمين وتحسين أوضاعهم في العالم. 7 - الإشراف على نشاط المجمع الفقهي الإسلامي، ودعم قيامه بتقديم حلول إسلامية لمشكلات العصر. 8 - دعم النشاط المؤدي إلى نشر اللغة العربية، ورفع مستوى تعليمها في أوساط الشعوب المسلمة العربية وغير العربية. 9 - إنشاء مكاتب ومراكز إسلامية تنشط لخدمة الأهداف الإسلامية. 10 - تقديم الإغاثة العاجلة للمسلمين المتضررين من الحروب والكوارث الطبيعية. 11 - الإسهام في تفعيل نشاط المجالس وعمارتها. الهيكل التنظيمي لرابطة العالم الإسلامي: 1 - المؤتمر الإسلامي العام: يعد المؤتمر الإسلامي العام أعلى هيئة تشريعية فهو يعبر عن مشاعر الشعوب الإسلامية وآمالها في الوصول لأهدافها العليا، كما أن المؤتمر الإسلامي العام أعلى سلطة في رابطة العالم الإسلامي وهو المعبر عن الشعوب الإسلامية، ويتكون المؤتمر من كبار دعاة الإسلام المرموقين، والناشطين في خدمته حيث يجتمعون للنظر في القضايا الإسلامية الكبرى والعمل على إيجاد حل لمشكلات المسلمين وتحقيق مصالحهم وآمالهم.
2 - المجلس التأسيسي
2 - المجلس التأسيسي: يمثل المجلس التأسيسي السلطة العليا في الرابطة، ويعتمد الخطط التي تتبناها الأمانة العامة للرابطة، ويتكون من ستين عضواً من الشخصيات الإسلامية المرموقة، ويراعى عند اختيارهم تمثيل كل الشعوب والأقليات الإسلامية، ويعينون بقرار من المجلس. وشروط العضوية في المجلس التأسيسي أن يكون العضو من الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، ويكون له نشاط بارز في العمل الإسلامي، والعمل في المجلس تطوعي لا يتقاضى عنه مرتب ولا مكافأة (¬1). 3 - الأمانة العامة: هي الجهاز التنفيذي للرابطة، ومن اختصاصه الإشراف على الأعمال التي تقوم بها الرابطة، ويقوم الأمين العام والأمناء المساعدون، والموظفون بتنفيذ الخطط والتوجيهات التي يصدرها المجلس التأسيسي. هيئات الرابطة: تتبع رابطةَ العالم الإسلامي عدةُ هيئات ذات شخصية اعتبارية، وهي: هيئة الإغاثة الإسلامية، المجمع الفقهي الإسلامي، الهيئة الإسلامية العالمية للتعليم، الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، الهيئة الإسلامية العالمية للإعلام، الهيئة العالمية للمرأة والأسرة المسلمة، مؤسسة مكة المكرمة الخيرية، الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، الهيئة العالمية للتعريف بالإسلام، الهيئة العالمية للمسلمين الجدد، الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، المؤسسة الإعلامية للإعمار والتنمية (¬2). ولو أفردت كل هيئة من هذه الهيئات بحديث مستقل لطال الحديث وتشعب، لذا فسوف أقتصر على تناول المجمع الفقهي الإسلامي، والهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل. ¬
1 - المجمع الفقهي الإسلامي
1 - المجمع الفقهي الإسلامي: المجمع الفقهي الإسلامي هيئة علمية إسلامية، ذات شخصية اعتبارية مستقلة منبثقة عن الرابطة الإسلامية، وقد أنيط بالمجمع الفقهي دراسة القضايا المستجدة التي تحتاج لبيان رأي الشرع فيها، ويتجاوز دور المجمع الفقهي مجرد الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية إلى مجابهة القضايا الفكرية التي قد تعترض العمل الإسلامي العام إثباتاً لعالمية الإسلام (¬1). وقد جاءت فكرة إنشاء المجمع العلمي الفقهي بناء على طلب من المؤتمر العام الثاني للرابطة الذي انعقد عام 1384هـ/ 1965م، فأصدر المؤتمر قراراً بتأسيس مجمع فقهي إسلامي يضم مجموعة من العلماء، والفقهاء المحققين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وفي العام التالي «1385هـ-1966م» قرر المجلس التأسيسي للرابطة تشكيل هيئة علمية من أعضاء المجلس التأسيسي لدراسة مشروع المجمع الفقهي، وكانت الهيئة مشكلة من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتى الديار السعودية رئيساً، وبعضوية أصحاب الفضيلة الشيخ أبو الأعلى المودودي (¬2)، وأبو الحسن الندوي (¬3)، ومحمد بن علي الحركان (¬4)، وعبد العزيز بن عبد الله بن باز (¬5)، ومحمد محمود الصواف (¬6)، ومحمد الفاضل بن عاشور (¬7)، رحمهم الله جميعاً (¬8). وفي عام «1393هـ - 1975م» (¬9) قامت الأمانة العامة للرابطة برفع دراسة الهيئة سالفة الذكر إلى المجلس التأسيسي في دورته الخامسة عشرة، فاتخذ ¬
المجلس قراراً بتأليف مجلس المجمع من عشرة أعضاء من المجلس التأسيسي للرابطة وهم: أبو الأعلى المودودي، وأبو بكر جوص، وحسنين محمد مخلوف (¬1) وعبد الله بن محمد بن حميد، وعلال الفاسي (¬2)، ومنصور المجدوب، ومحمد بن علي الحركان، ومحمد الشاذلي، ومحمد محمود الصواف، ومحمد رشيدي، ويلاحظ من مراجعة أسماء أعضاء مجلس المجمع أنهم يمثلون عدة أقاليم إسلامية دون تفرقة (¬3). وقد أدخلت عدة تعديلات على نظام مجمع الفقه الإسلامي؛ استجابة لمتطلبات التطوير، ولاستيعاب أكبر عدد من الأعضاء لتمثيل أكبر عدد من الدول الإسلامية، ومن ملامح هذا التطوير زيادة عدد أعضاء المجمع إلى ثلاثين عضواً (¬4). وأهداف المجمع كما حددتها لائحته هي: بيان الأحكام الشرعية فيما يواجه المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي، من مشكلات وقضايا مستجدة استناداً إلى مصادر التشريع الإسلامي، وإبراز تفوق الفقه الإسلامي على القوانين الوضعية، وإثبات صلاحية الشريعة الإسلامية واستجابتها لحل كل القضايا التي تواجه الأمة الإسلامية في كل مكان وزمان، ونشر التراث الفقهي الإسلامي وإعادة صياغته، وتوضيح مصطلحاته وتقديمه بلغة العصر ومفاهيمه، وتشجيع البحث العلمي في مجالات الفقه الإسلامي، وجمع الفتاوى والآراء الفقهية للعلماء، والمجامع الفقهية الموثوقة في القضايا المستجدة ونشرها بين عامة المسلمين، والتصدي لما يثار من شبهات وما يرد من مشكلات على أحكام الشريعة الإسلامية (¬5). أما عن الوسائل التي يستخدمها مجمع الفقه الإسلامي في تحقيق أهدافه فتتمثل في: عقد الدورات التي يجتمع فيها أعضاء المجلس لمناقشة أهم القضايا التي تشغل بال المسلمين، وإنشاء مركز للمعلومات لتتبع القضايا التي تحتاج لدراسة، ووضع معاجم للفقه وعلومه توضح مفاهيم المصطلحات الفقهية ونشرها للمشتغلين بالفقه ¬
دراسة وعملاً، وإصدار مجلة علمية محكمة تختص بالدراسات الفقهية، وتنقل بحوث المجمع ومناقشة قراراته، مع ترجمتها لعدة لغات، وقيام تعاون بين المجمع والهيئات والمراكز العلمية المشابهة القائمة في العالم الإسلامي والتبادل العلمي معها، وعقد الندوات العلمية عن قضايا العصر ومستجداته واستكتاب المتخصصين عنها، وترجمة قرارات المجمع ونشرها بكافة الوسائل عن طريق الإنترنت، والفضائيات، والصحف (¬1). ويعقد المجلس كل سنتين، وتؤخذ قراراته بالأغلبية، ولا يشترط الإجماع، ومن يبدي اعتراضاً له الحق في تسجيل اعتراضه بجوار اسمه (¬2). أما اختصاصات المجلس فهي طبقاً لنصوص اللائحة: - بيان حكم الشريعة في الموضوعات المحالة إليه. - القيام بالدراسات الفقهية فيما يعرض عليه من قضايا المجتمع الإسلامي. ومن أهم الملحقات بالمجمع الفقهي اللجان العلمية، وهي تختص بالتخطيط والنظر في الأمور العلمية والتطويرية التي تساعد المجمع على القيام بالأعمال المنوطة به، وتختص بإبداء الرأي فيما يكلفها به المجلس من موضوعات، وإجازة بحوث مجلة المجمع (¬3). أما عن الإنجازات الفقهية للمجمع فمنها: اتخاذ قرارات فقهية في حكم الماسونية والانضمام إليها، وحكم الشيوعية والانضمام إليها، وحكم القاديانية والانتماء إليها، وحكم البهائية والانضمام إليها، كما كان للمجمع إسهاماته الفقهية وهي اتخاذه قراراً في حكم التأمين بصوره وأشكاله، وقد بلغت عدد دورات المجمع حوالي سبع عشرة دورة أصدر خلالها العديد من القرارات الفقهية التي تمس الحياة الإسلامية (¬4). ¬
2 - الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل
2 - الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل: تأسست الهيئة كأحد الهيئات التابعة لرابطة العالم الإسلامي بقرار من المجلس التأسيسي للرابطة في دورته (38) المنعقدة خلال شهر شعبان لعام 1425 هـ، وتسعى نحو بلورة الفكر الاقتصادي الإسلامي الشامل نظريةً وتطبيقاً، ليكون مرشداً في بناء النظرية الاقتصادية الإسلامية بالمفهوم التنموي الشامل، من خلال تكوين شراكات مع ذوي الملاءة المادية والفكرية من الفقهاء والاقتصاديين والموسرين، وذلك عبر دعم وتنسيق البحوث الأساسية والتطبيقية بين مؤسسات البحث العلمي المعنية. الأهداف: - دعم التنسيق والتكامل بين مؤسسات البحث العلمي في مجال الاقتصاد الإسلامي. - إيجاد هيئة علمية توظف لصالح النظرية الاقتصادية الإسلامية. - استشراف مستقبل تطبيقات النظرية الاقتصادية الإسلامية. - بلورة النموذج الإسلامي الاقتصادي الشامل. - إيجاد الوسائل والنماذج والمنتجات المعينة على تطبيق النظرية الاقتصادية الإسلامية. - المساهمة في إيجاد حلول بديلة لمشاكل النظام الاقتصادي التقليدي (¬1). - بعض إنجازات رابطة العالم الإسلامي في المجال الاقتصادي: وفي إطار حرص رابطة العالم الإسلامي على النهوض بأحوال المسلمين، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، فقد سعت إلى بناء اقتصاد إسلامي مشترك بين دول العالم الإسلامي، يمتاز بالقوة والاستقرار، واصطنعت في هذه السبيل الوسائل التالية: 1 - المشاركة في المؤتمرات الاقتصادية الدولية: شاركت رابطة العالم الإسلامي في العديد من المؤتمرات الدولية التي تتناول ¬
2 - الدعوة لتطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي
موضوعات اقتصادية، مثل: المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي المُنعقد في مدينة مكة عام 1396هـ/ 1976م، ومؤتمر شؤون الجمعيات الإسلامية للتجار والمهنيين الذي عقد في مدينة ديترويت الأمريكية عام 1398هـ/1978م، والاجتماع السنوي الرابع لمجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية والمنعقد في كوالالمبور عام 1398هـ / 1978م، واجتماع لجنة التنسيق بين صندوق التضامن الإسلامي، والمنظمات ذات الأنشطة المتشابهة والذي انعقد في جدة عام ... «1398هـ-1978م»، كما كان للرابطة مشاركة في مؤتمر السكان المنعقد في المكسيك عام «1405هـ-1984م»، ومؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة عام «1414هـ-1994م» (¬1). 2 - الدعوة لتطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي: لا تدخر رابطة العالم الإسلامي جهداً في الدعوة لتطبيق مبادئ الاقتصاد الإسلامي، فقد قامت بنشر العديد من المقالات في الجرائد الخاصة بالرابطة؛ مثل: جريدة العالم الإسلامي التي خصصت صفحة كاملة للاقتصاد الإسلامي، ومجلة الرابطة التي تصدر موضوعاتها باللغتين، العربية والإنجليزية، بالإضافة لطبع كتب ونشرها تتناول موضوعات الاقتصاد الإسلامي؛ مثل: كتاب مفهوم الفقه الإسلامي لمحمد شوقي الصخري، وكتاب رابطة العالم الإسلامي والنظام العالمي الجديد، وهو عبارة عن مجموعة أبحاث (¬2). 3 - العلاقة مع المؤسسات الاقتصادية والإسلامية: تحرص رابطة العالم الإسلامي على إقامة علاقة وثيقة مع المؤسسات الاقتصادية الإسلامية انطلاقاً من اهتمامها بتنمية الاقتصاد الإسلامي، ومن الهيئات الاقتصادية التي لها علاقة برابطة العالم الإسلامي: البنك الإسلامي للتنمية، منظمة المؤتمر الإسلامي، غرف التجارة والصناعة، ومؤسسة الأوقاف الإسلامية (¬3). ¬
4 - الإسهام في الاقتصاد عن طريق المجمع الفقهي
4 - الإسهام في الاقتصاد عن طريق المجمع الفقهي: قام مجمع الفقه الإسلامي بدراسة العديد من القضايا الاقتصادية من منظور إسلامي، وقد قام المجمع من خلال ست عشرة دورة، على مدى خمسة وعشرين عاماً، بدراسة موضوعات اقتصادية مهمة؛ مثل: التأمين والمصارف، والأسواق المالية والنقود، والتركات، والتبرعات، والوقف، والدين، والشركات، والأسهم، وبيع وتداول العملات (¬1). 5 - محاولة إنشاء السوق الإسلامية المشتركة: تبنت رابطة العالم الإسلامي فكرة قيام سوق إسلامية مشتركة، وقد مرت هذه الفكرة بمراحل متعاقبة تمثلت في: قيام الأمانة العامة بعرض الفكرة على المؤتمر الإسلامي الثالث الذي انعقد عام 1401هـ-1981م، كما قام المؤتمر الإسلامي العام بإصدار توصيات كان منها بناء مؤسسات التضامن والتعاون بين المسلمين لإنجاز المهام المشتركة في المجالات الاقتصادية والتربوية تحقيقاً لقواعد الوحدة، ومن التوصيات المهمة التي أعلنها: إقامة السوق الإسلامية المشتركة لحماية الإنتاج الإسلامي من المنافسة الأجنبية، وتشجيع رأس المال الإسلامي لتنفيذ المشروعات الاستثمارية في البلاد الإسلامية (¬2). وقد تتابعت الاجتماعات التي بحثت سبل إنشاء السوق الإسلامية المشتركة، وبعد استعراض الموقف من المجلس التأسيسي للرابطة قرر المجلس دراسة الأسباب المعوقة لقيام السوق الإسلامية المشتركة، كما قام المجلس بدراسة تقرير الأمانة العامة عن السوق الإسلامية المشتركة وفي النهاية قرر: 1 - أن تقوم الأمانة العامة للرابطة بمساعيها لشرح فوائد هذه السوق. 2 - أن تقوم الأمانة العامة للرابطة بالاتصال بالدول التي لم تصل منها إجابة حتى تعم الفائدة. 3 - السعي إلى إنشاء البنوك الإسلامية حتى يسهل إيجاد السوق. ¬
6 - التأكيد على المشروعات المشتركة
4 - السعي إلى تطبيقها على مراحل بحيث تبدأ تدريجياً ثم تعمم. 5 - تشكيل لجنة من ذوي الاختصاص تضع أسس السوق الإسلامية المشتركة 6 - حث منظمة المؤتمر الإسلامي على سرعة إنشاء السوق الإسلامية المشتركة. وتقوم الأمانة العامة بإبلاغ هذه الطلبات لمنظمة المؤتمر الإسلامي (¬1). وتوالت الجهود، فنظمت وزارة الحج والأوقاف بالاشتراك مع الرابطة ندوة للتنبيه على أهمية السوق الإسلامية المشتركة، كما عرضت فكرة السوق على وزراء المالية، والغرف الصناعية والتجارية في العالم الإسلامي، ولكن ردودهم انحصرت في طلب التريث في إنشاء السوق بسبب اختلاف النظم الاقتصادية في الدول الإسلامية، والتباعد الجغرافي والتفاوت في مستويات الدخل (¬2). 6 - التأكيد على المشروعات المشتركة: أكد المؤتمر الإسلامي الرابع لرابطة العالم الإسلامي الذي عقد في مكة في عام «1423هـ- 2002م» في توصياته الختامية على أهمية المشروعات الاقتصادية التي لها مردود اقتصادي نافع على الدول الإسلامية، وتهدف جهود رابطة العالم الإسلامي في الدعوة لإقامة مشاريع مشتركة إلى: 1 - تشجيع المشروعات المشتركة بين الدول والشعوب الإسلامية من أجل بناء قاعدة صناعية مشتركة تعتمد على الوسائل التقنية والاعتماد على رؤوس الأموال الإسلامية في مختلف المجالات الاقتصادية. 2 - وضع خطط لنقل التقنيات المتقدمة للعالم الإسلامي (¬3). 7 - دعم برامج التنمية الريفية والاجتماعية والاقتصادية: تقدم رابطة العالم الإسلامي الدعم المالي للجمعيات التي تقدم خدمات اقتصادية لبعض الفئات في الدول ذات الدخل المنخفض وخصوصاً في القرى والأرياف، وقد ¬
تقييم عام لرابطة العالم الإسلامي
كان للرابطة جهد كبير في رفع مستوى أصحاب الدخل المنخفض في القرى في بعض البلاد الإسلامية. كما دعمت الرابطة بعض الصناعات والمهن التي تعتمد على القطاع الزراعي والرعوي، وتحرص الرابطة كذلك على رعاية الموارد البشرية وتنميتها سياسيّاً، وثقافيّاً، وتعليميّاً من خلال تقديم مساعدات مالية لهم من مخصصات رابطة العالم الإسلامي. تقييم عام لرابطة العالم الإسلامي: تواجه الرابطة في عملها عدة مشكلات لعل أبرزها سياسة التكتلات التي تتبعها الدول الأوروبية تحقيقاً لمصالحها التي تعتمد على السيطرة الإعلامية والتكنولوجية، والتفوق العسكري. ومن المشكلات المؤثرة التي تواجه الرابطة الصراعات والحروب والسياسة غير المتزنة بالإضافة للتخلف والفقر والمرض وارتفاع نسبة الدَيْنِ العام، وفساد البيئة السياسية، والاعتماد على الغير، على الرغم من امتلاك الدول الإسلامية لكثير من الموارد ولكنها غير مستغلة، أو تستعمل في غير محلها بسبب تعرضها للهدر والإسراف، والعالم الإسلامي يمتلك الأموال ولكنها تذهب إلى الأسواق المالية العالمية دون أن يستفيد منها المسلمون بالإضافة لوجود كوادر وخبرات تهاجر لأوروبا نتيجة بعض الأسباب السياسية والاقتصادية (¬1). أما الإيجابيات فيمكن معرفتها من خلال استعراض تاريخ وتكوين منظمة رابطة العالم الإسلامي فهي من المنظمات التي تستطيع تحقيق مصالح الأمة الإسلامية، فأهدافها تصب في مصلحة الأمة الإسلامية وتحقق تطلعاتها، كما أن مشكلات العالم الإسلامي - المتكون من أعراق كثيرة وأجناس متنوعة ومتعددة - تحتاج لجهود مثل هذه المنظمة التي جعلت من أهدافها المعلنة تحقيق وحدة العالم الإسلامي، وقد قامت فعلاً بالعمل نحو تحقيق هذا الهدف، فهي تراعي عند تشكيل مجالسها تمثيل كل الشعوب الإسلامية، بالإضافة لقيامها بتوجيه خطاب ديني يرتكز على تدعيم الوحدة الإسلامية (¬2)، كما أنها تستخدم موسم الحج فرصة لبث الوعي ¬
في نفوس المسلمين للقضاء على التعصب القومي، ومحاربة الشعوبية، كما أنها في محاربتها للفرقة والاختلاف بين الشعوب الإسلامية، لا تنسى احترام سيادة كل دولة على أراضيها، فهي لا ترمي إلى فرض هيمنتها على أي شعب من الشعوب، ولا تحكمها النظرة القومية المتعصبة، فهي توزِّع خدماتِها على المسلمين جميعاً في مختلف أقطار العالم الإسلامي على وجه المساواة، وفي أحيان كثيرة تقدم مساعداتها للغير، انطلاقاً من مبدأ الأخوَّة في الإنسانية، وكان لهذه السياسة النبيلة أصداءُ بعيدة، حدت ببعض المنظمات الدولية أن تكلف هيئة الإغاثة الإسلامية بالإشراف على تنفيذ كثير من أعمالها الاجتماعية. لهذا كله فقد نجحت رابطة العالم الإسلامي في تحقيق أهدافها المنشودة - إلى حد ما - ولعل من أبرز مظاهر نجاح الرابطة الإسلامية: طول عمر الرابطة الذي قارب الخمسة عقود، دون أن تتعرض لما تعرضت له المنظمات المشابهة لها من تغيرات صعوداً وهبوطاً، بل ظلت رابطة العالم الإسلامي قوية منذ بدايتها حتى اليوم، وأسباب نجاح الرابطة يعود إلى: 1 - أنها منظمة غير حكومية. 2 - الشفافية في تناول قضايا العالم الإسلامي، والتعامل مباشرة معها بدون الخضوع لتوجهات حكومية أو ضغوط من أية جهة كانت. 3 - توفر الاستقلال المالي فلا توجد أية قيود على استخدام أموالها. 4 - رعاية الدولة المضيفة «السعودية» للمنظمة وتقديم الدعم والعون لها. 5 - فهمها لاحتياجات المجتمعات المسلمة. 6 - عالمية الرابطة حيث إنها تراعي في تكوينها تمثيل أنحاء العالم الإسلامي كافة دون النظر إلى الفروقات الإقليمية، تحقيقاً لهدف الرابطة المتمثل في محاربة الشعوبية والقومية التي تفرق ولا تجمع. 7 - مرونة النظام الإداري المتبع في الرابطة، فهو يتميز بعدة خصائص منها تقليل حجم المستويات الإدارية والتنظيمية ضغطاً للتكاليف. 8 - وضوح أهداف الإدارات التنظيمية في الرابطة وتحديد اختصاصاتها منعاً للتضارب في اتخاذ القرارات. 9 - كما أنها إدارة تتبع الأسلوب الديمقراطي في أداء أعمالها بعيداً عن
الاستبداد بالرأي، مما جعل قرارتها مقبولة وسهلة التنفيذ. 10 - تراعي إدارة الرابطة المستجدات الإدارية وتحاول تطبيقها، وتستخدم وسائل الاتصال الحديثة في العملية الإدارية مثل شبكة المعلومات الدولية ... «الإنترنت»، ويكفي أن كل إدارة من الإدارات المكونة والتابعة للرابطة لها موقع متميز على شبكة الإنترنت. 11 - وأخيراً تتميز إدارة رابطة العالم الإسلامي بالمرونة والقدرة على التغيير، فلقد أجرت تغييرات في هياكل هيئاتها وأصبحت نتيجة هذه التغيرات تمتلك شخصية اعتبارية مثل مجمع الفقه الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية.
سبل تحقيق الوحدة (الواقع والتوصيات)
سبل تحقيق الوحدة (الواقع والتوصيات): 1 - واقع الوحدة: تحقيق الوحدة يجب أن ينبني على فهم الواقع ودراسته بدقة (¬1)، ولئن كانت مظاهر الوحدة كثيرة وأهمها الوحدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، فإن نظرة سريعة على كل واحدة من هذه المجالات تبين أنها تعاني من مشاكل خطيرة وجديَّة بين الدول الإسلامية: 1 - واقع الوحدة الاجتماعية: بينما تَبذلُ الدولُ غير الإسلامية المختلفةُ اجتماعياً جهوداً حثيثة للتقارب الاجتماعي كدول الاتحاد الأوربي، نجد الدول الإسلامية التي كانت أصلاً منسجمة اجتماعياً تتجه إلى مزيد من التفرق، فقد انعكست سياسات الدول الإسلامية المتجاورة والمختلفة إلى حد كبير، على العلاقات الاجتماعية بينها، فاختلاف توجهات كل بلد عن البلد المجاور له كان له أبلغ الأثر في التنافر الاجتماعي والتباعد بدل التقارب، بين شعوب هذه الدول، ولست في حاجة لسرد أمثلة على هذا، فيمكن أن نقول: إن هذا موجود مع كل بلد إسلامي أو عربي، مع البلد المجاور معه، ويبدو أن الأمر آخذ في الازدياد ولا تبدو أية جهود تستحق الذكر لوقف هذا التدهور ولتحقيق التقارب في هذا المجال. 2 - واقع الوحدة الاقتصادية: وهي شبه مستحيلة حسب الوضع الحالي، فالتفاوت كبير في المستوى الاقتصادي بين الدول الإسلامية، ولا ترغب حتى الدول المتقاربة اقتصادياً ... - فضلاً عن الدول المتفاوتة اقتصادياً - بتوحيد سياساتها الاقتصادية، وقد بلغت التجارة البينية بين الدول الإسلامية - حسب إحصائيات منظمة المؤتمر الإسلامي - 13 % فقط، وإن كانت تسعى هذه المنظمة لرفعها إلى 20 % بحلول نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ولكن كل المؤشرات تشير إلى ازدياد ¬
واقع الوحدة السياسية
ارتباطات الدول الإسلامية مع الدول غير الإسلامية، على حساب علاقاتها مع الدول الإسلامية، كدخول أغلب هذه الدول في اتفاقيات التجارة العالمية. فالعولمة الاقتصادية شكل جديد من أشكال الهيمنة، والدول الكبيرة تعمل حثيثاً لربط كثير من الدول الإسلامية بها اقتصادياً. وقد حاولت سوريا منذ فترة قريبة تفعيل اتفاقيات إنشاء السوق العربية المشتركة، ولكنها لم تجد استجابة من بعض الدول العربية ففشلت المحاولة. 3 - واقع الوحدة السياسية: وهي متضررة بشكل كبير، بل هي مفقودة تماماً فأنت تجد الشعارات المتضاربة المتعددة المرفوعة في البلدان الإسلامية، كلها تعاكس تحقيق الوحدة السياسية، والبلاد التي تؤمن بضرورة الوحدة وترفع شعاراتها لا تجد طريقها إلى تطبيق هذه الشعارات، ولا تكاد تجد بلداً عربياً أو إسلامياً إلا بينه وبين البلاد المجاورة له علاقات سياسية متوترة، لسبب أو لآخر، أو علاقات حيادية - أقرب إلى السلبية وليس التعاون- في أحسن الأحوال، ولن تجد صعوبة في ضرب الأمثلة على هذا الوضع. والمشاكل الحدودية المزروعة بين أغلب الدول العربية أو الإسلامية فيما بينها، أو فيما بينها وبين غيرها، تشكل قنابل موقوتة قابلة للانفجار في كثير من هذه البلدان، أو هي متفجرة فعلاً، والأمثلة في هذا كثيرة جداً؛ كالمشكلة المعروفة بين الإمارات وإيران على الجزر، أو بين باكستان والهند على كشمير، أو بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم كارباخ ... الخ، والقائمة تطول، وقد بُذلت بعض الجهود لحل هذه المشاكل بين بعض هذه الدول. ولا يمكن أن ننسى الضغوط السياسية التي تمارسها الدول الغربية على الدول الإسلامية المختلفة، والتي من نتيجتها خضوع بعض البلاد الإسلامية خضوعاً كبيراً لهذه الضغوط حتى أصبحت مجرد منفذة لسياسات هذه الدول، أو كان من نتيجتها الخوف من مواجهة هذه السياسات لدرجة التنازل عن الحقوق والمصالح الوطنية، وأما الدول التي واجهت هذه السياسات فقد أصبحت مستهدفة.
واقع الوحدة العسكرية
4 - واقع الوحدة العسكرية: إن مجرد التفكير فيها من المحرمات عند كثير من الدول الإسلامية أو العربية فضلاً عن حرمتها عند الدول غير الإسلامية عامة والأوربية والأمريكية خاصة. وكل الاتفاقات في هذا المجال مجمدة تماماً، وما يحصل منها فإنه يحصل على نطاق محدود جداً جداً، وضمن أطر غير عربية وغير إسلامية، وتكون في الغالب موجهة من قبل أوروبا أو أمريكا وتخدم مصالح هذه الدول لا مصالح الدول الإسلامية. بل إنك لتجد التوترات العسكرية - بدل التعاون - هي السائدة بين بعض الدول الإسلامية، أو على الأقل وجود الشك والريبة في هذه العلاقات. 2 - التوصيات: مع هذا الواقع الذي أشرت إلى بعض جوانبه آنفاً، فالسعي إلى الوحدة طريقه طويل وشائك، ولكنه ليس مستحيلاً. لذا أقترح تجزئة العمل والتركيز على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، وتأخير الجانب السياسي والعسكري إلى وقت آخر، على أن يكون التعاونُ الاقتصادي المدخلَ للتعاون والتقارب الاجتماعي. وأما من يقوم بهذا، فهم الأفراد والمؤسسات الأهلية والأحزاب والمراكز البحثية، ولا يعني هذا عدم الاستفادة من الجهود الرسمية، وتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الموجودة، ولكنه يعني أن من ينهض بعبء هذا الهدف الجليل ينبغي أن يكون من المؤمنين بشرعية وأهمية هذا الهدف من الأفراد والشعوب، لا من الحكومات والرسميين، وذلك بسبب بُعْدِ الأفرادِ والمؤسسات الأهلية أو المدنية عن الضغوط السياسية - في الغالب - التي تمارسها على الحكومات الجهاتُ التي لا تريد لمثل هذا الهدف أن يتحقق. وقد أثبتت تجربة حزب الله في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، نجاعة أن تتولى الشعوب زمام المبادرة، بدل لوم الحكومات التي لا تستطيع في كثير من الأحيان - في ظل الظروف الدولية - القيام بواجباتها في هذا الشأن.
فينبغي على العقلاء وأهل الشهامة من العلماء في مختلف المجالات ومن السياسيين والإعلاميين ومن له التأثير في مجتمعه في كل بلد، أن يتولوا زمام المبادرة لتحقيق الوحدة الإسلامية، فيبدؤوا بدراسة الواقع الخاص ببلدهم، لمعرفة أفضل الطرق الموصلة إلى هذا الهدف، فهم الأدرى بدقائق أوضاع بلادهم من غيرهم، مع ضرورة التعاون والتنسيق بينهم، ولابد لتحقيق الوحدة من: 1 - دراسة التركيبة الاجتماعية لكل دولة من الدول الإسلامية لمعرفة: أ) من هم المخاطَبون وما طبيعتهم وما أفكارهم: ويأتي هنا معرفة العقبات الاجتماعية المتأصلة في طبقات المجتمع المسلم، ومطالبتها بالعودة إلى النبع الأصيل لشريعتنا السمحة، كالعودة إلى التكافل الاقتصادي بين أفراد المجتمع في البلد الإسلامي الواحد أو بين الدول الإسلامية المختلفة، ونبذ الأنانية الفردية بين أفراد المجتمع الواحد، أو بين مجتمعات إسلامية مختلفة، متجاورة أو غير متجاورة، ومن ثم توعية المسلمين أن الدعوات التي تُنشر بينهم والتي تفرقهم، أو تصنفهم تصنيفات متعددة، وتعمق التباعد بينهم، ليست من ديننا في شيء، وهي دعوات متهمة وراءها قوى معادية الإسلام ومتسترة وراء واجهات مختلفة. كما يأتي في إطار العودة بالمسلمين إلى الوحدة الاجتماعية كلُ جهد يبذله العلماء في الدعوة إلى إحياء الإسلام في قلوب الناس، لأنه هو الأساس في أي تقارب اجتماعي فهو الذي يصهر الناس ببوتقة واحدة، فعوامل الوحدة مبثوثة في تعاليم الإسلام المختلفة، ولا حاجة للتدليل على هذا فهو أكثر من أن يحصى بدءً من العقيدة الواحدة، والتاريخ المشترك، وانتهاء بالعبادات المختلفة التي توحد المسلمين. ب) ومن هي الفئات التي تعادي مشروع الوحدة (¬1)، ولماذا يمكن أن تعاديه، ¬
وكيف يمكن التعامل معهم: وتبرز هنا مشكلات اجتماعية كثيرة، كالمشكلات الطائفية والعرقية بل والمذهبية، ومشكلات تنبع من اختلاف أتباع الأديان الثلاثة، وما ينبغي من تطمينهم من أن فكرة كهذه ليست دينية بحتة، ولا تؤدي إلى غمطهم حقوقهم، واقناعهم أن هذه الفكرة تخدم مصالح أبناء الوطن على اختلاف اتجاهاتهم، كما وتبرز هنا مشكلات ناتجة عن معاداة الفئات التي لها مصلحة في بقاء الواقع كما هو عليه من المنتفعين من حالة التفرق والضعف، أو من الذين رهنوا ولاءهم لغير الله ورسوله، ولغير مصلحة أمتهم. وغني عن الذكر أن فكرة كهذه لها أعداء شرسون من خارج المجتمع المسلم كالدول العالمية الاستعمارية التي لا زالت تنظر إلى بعض الدول الإسلامية نظرة المستعمر الانتهازية المخربة، بصورة أو بأخرى. ويبرز في هذا الإطار جلياً الدور الهام للإعلام وللعاملين فيه من المخلصين لأوطانهم، في اختصار الزمن لتوصيل هذه الفكرة للناس، وفي إطلاق وتوجيه طاقات شباب الأمة الوجهة الصحيحة، بدل هدرها على ما لا نفع فيه لهم ولا لأمتهم، فهم أمل الأمة في مستقبل أفضل. 2 - دراسة التركيبة الاقتصادية لكل دولة من الدول الإسلامية: لمعرفة الطرق الاقتصادية العملية الممكنة للتقريب بين الدول الإسلامية عامة والمتجاورة فيما بينها خاصة، ومن هم الذين يمكن أن يكونوا حملة هذه المهمة الاقتصادية، أو الذين لهم صلة مباشرة بالاقتصاد، من خبراء أو من كبار التجار والصناعيين والمزارعين، أو المؤسسات التي لها صلة بهم، ومن هم الذين يمكن أن يتضرروا من الوحدة، كالفئات الانتهازية المستفيدة من حالة التجزئة، أو الفاسدين الذين يعرقلون أي تقدم اقتصادي، أوالذين سبقونا في سد الطريق على مثل هذا الهدف (¬1)، كالعاملين على الاتفاقيات الاقتصادية التي تبطن أهدافاً استعمارية ومصالح كبرى الشركات والقوى الاقتصادية المتنفذة، والتي لها باع طويل في التحكم بمقدرات ¬
1 - من الناحية الاقتصادية
الشعوب، والتي لا زالت تعمل على هذا، كاتفاقيات العولمة الاقتصادية، وأمثالها. 3 - دراسة التركيبة السياسية في المجتمع: لمعرفة القوى السياسية المؤيدة والمعادية والحيادية تجاه فكرة الوحدة، وما هي أفضل السبل للتواصل مع كل فئة منهم فيما يخدم هدف تحقيق الوحدة (¬1). 4 - دراسة الصيغ القانونية التي تمهد أو تخدم مشروع الوحدة: وهي مهمة العاملين في القانون والقضاء، ليقوموا بإيجاد الصيغ القانونية المناسبة لتحقيق فكرة الوحدة الإسلامية. وبالمختصر فإن هدفاً بضخامة هذا الهدف، ينبغي أن تجند له كل القوى والفعاليات الاجتماعية والعلمية والسياسية والاقتصادية، والمؤسسات والأحزاب التي لها صلة بهم. وما هذه الدراسة إلا بذرة بحث، وعلى القادرين على إضاءة الطريق في أي مجال من هذه المجالات أن يبادروا ويشمروا، ويمكنني أن أقترح خطوطاً عريضة لتحقيق هذا الهدف: 1 - من الناحية الاقتصادية: فيكون البدء فيه بإصدار معجم تجاري، يبين للتجار المسلمين إمكانيات كل بلد والمواد الأولية الموجودة فيه، والمنتجات الصناعية أو الزراعية المتوفرة فيه، ثم القيام بنشر هذه المعلومات بين الدول الإسلامية، والتي يمكن أن تشكل منطلقاً للتعاون بينها، فازدياد الارتباطات التجارية والمصالح بين الدول الإسلامية - وخاصة المتجاورة فيما بينها - مدخل جيد. ويمكن التنسيق في هذا المجال مع منظمة المؤتمر الإسلامي، والمؤسسات الاقتصادية التابعة لها، أو رابطة العالم الإسلامي والمؤسسات الاقتصادية التابعة لها، أو أي مؤسسة تجارية تسعى في هذا الاتجاه، كما يمكن أن يشكل التعاون بين الغرف التجارية والصناعية في كل بلد ¬
إسلامي أو عربي آلية مهمة في ذلك. ولا أنكر صعوبة هذا العمل، فالجهود المبذولة للحيلولة دون هذا الهدف ضخمة ومتواصلة وخلفها مؤسسات اقتصادية ضخمة وشخصيات سياسية واقتصادية كبيرة، ولكننا نستطيع أن نتفوق عليهم رغم قوتهم إذا انطلقنا من القاعدة الشعبية بالتوجه للتجار والصناعيين المسلمين مباشرة، وإقناعهم بنبل هذه القضية وضرورتها، حتى ولو كان في هذا التوجه بعض الخسائر من قِبلهم، فهذا نوع من الجهاد لا يقل أهمية عن الجهاد بالسيف، وتفعيل تعاليم ديننا الحنيف لتقوية جانب التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، والتجار المسلمين مهم جداً، فلا يستطيع أحد أن يمنع تاجراً من أن يستورد من بلد دون آخر، أو من جهة دون أخرى، والتطور في مجال الاتصالات يساعد في تسريع هذا التعاون الإسلامي الاقتصادي. والمعول في هذا التعاون على الأفراد لا على الحكومات التي لها ظروفها وحساباتها المختلفة، فالمطلوب هو إيجاد واقع اقتصادي على الأرض يحقق التقارب بين الشعوب الإسلامية المختلفة (¬1) والذي بدوره يدعم - مستقبلاً - التحرك باتجاه الوحدة الإسلامية. ويجب فصل المشاكل الأخرى الموجودة بين الدول الإسلامية عن التعاون الاقتصادي، وإلا فإننا ندور في حلقة مفرغة، فالابتعاد عن النعرات الطائفية أو العرقية مطلوب بقوة، كما أن التوازن في التعاملات التجارية مطلوب أيضاً، فلا يجوز أن تتحول الجهود المبذولة للتقارب الاقتصادي بيد بلد وآخر إلى اختلال في الميزان التجاري بينهما لصالح دولة دون أخرى. فالفائدة ينبغي أن تعود على البلدين لا على بلد واحد فقط. وهذا التعاون الاقتصادي ينبغي أن يكون ضمن إطار التعاليم الإسلامية السمحة مثل الإيثار، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في ¬
2 - من الناحية الاجتماعية
إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم» (¬1). والمؤسسات التي ستتولى التنسيق بين الجهات الإسلامية التجارية والصناعية المختلفة، سترى مجالاً واسعاً للمساهمة في هذا العمل التجاري، وستتكشف لها فرص تجارية وأرباح لا بأس بها، يمكن أن تشكل الداعم لمزيد من التنسيق فيتحقق التمويل المطلوب لتحقيق مثل هذا الهدف الكبير، وهذا كله بشرط الإخلاص وعدم نسيان الهدف الأكبر لمثل هذه الأنشطة التجارية. وفي غمرة هذه المصالح التجارية الإسلامية المتشابكة والتي ستنبني على الأحكام الإسلامية من الصدق وعدم الغش وغيرها من التعاليم السمحة، أقول في غمرة هذه التبادلات التجارية ستقوى الروابط الاجتماعية بين الشعوب الإسلامية، وستعود الأمور إلى مجاريها، وسيغلق الباب أمام الشركات الاحتكارية العالمية، أو أمام من يريد أن يفرق بين المسلمين. 2 - من الناحية الاجتماعية: لا بد هنا من حملات توعية لكل المسلمين، والتذكير بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات / 13، والتذكير بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة حجة الوداع: «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: ليبلغ الشاهد الغائب» (¬2). وفي المجال الاجتماعي يبرز دور العلماء قوياً في بيان هذه المعاني التي افتقدناها منذ زمن طويل، وفي دعوة الناس إليها. ويبرز هنا - أيضاً - دور كل العاملين في المجال الإعلامي؛ من صحفيين ¬
3 - من الناحية السياسية
أو فنانين أو كل من له تأثير على مجتمعه. 3 - من الناحية السياسية: لئن كان هذا المجال من أصعب المجالات، فإنه قد يتحقق فيه نجاح ما، إذا عرفنا كيف ندخل إليه؛ عن طريق إقناع القادة السياسيين المسلمين بأهمية وضرورة الوحدة، لرد أطماع الآخرين بالدول الإسلامية وخيراتها، وبما أن الواقع اليوم بعيد كل البعد عن تحقيق هذه الوحدة، فينبغي الانطلاق من الواقع إلى هذا الهدف بروية شديدة، بناءاً على دراسات معمقة، ويمكنني اقتراح الآلية التالية: نظراً لحب الإنسان للقيادة والزعامة، فإنَّ من الصعب على من ملك قيادة بلد ما أن يتنازل عنها مهما كان مقتنعاً بفوائد توحيد القرار السياسي، بل ربما حارب هذا التوجه رغم اقتناعه بصوابه، لذا كان لابد من التدرج في تحقيق هذا الهدف من خلال التوقيع على معاهدة أو اتفاقية بين رؤساء وملوك الدول الإسلامية، يتم بموجبها التنازل التدريجي عن السيادة الوطنية لكل بلد لصالح مجلس سياسي أعلى (¬1)، يتولى الشؤون السياسية ذات الأهمية الإستراتيجية، وأقصد بالتنازل التدريجي أن تكون هذه الاتفاقية ملزمة لمن يأتي بعد هؤلاء الرؤساء الموقِّعين على هذه الاتفاقية، أي يأتي الرئيس الجديد وهو يعرف أن بعض صلاحياته السياسية محدودة. بهذه الطريقة لن يجد الموقِّعون على هذه الاتفاقية بأساً من التوقيع عليها، لأنها لن تنقص من زعامتهم شيئاً، لأنها تلزم من يأتي بعدهم، ومن سيأتي بعدهم لن يجد الالتزام ببنود هذه الاتفاقية ضاراً به، لأنه لم يملك بعد هذا الذي ستأخذه الاتفاقية منه أصلاً، ويمكن الاستئناس بما هو حاصل في الدول الأوربية في المجال السياسي. ويتم دراسة هذه الاتفاقية بحيث تضمن أن لا يسيطر على هذا المجلس من يستطيع أن يحْرفَه عن هدفه، وأن تكون قراراته بعد المشاورة بين كل الأعضاء، ¬
4 - من الناحية العسكرية
على أن يكون له رئيس واحد يحسم الخلاف إن وُجد، وتكون رئاسته بالتناوب. ويمكن بهذا المجلس تفادي الضعف والخلاف الذي يمكن أن يتولد عن تعدد الخلفاء (الرؤساء والملوك)، إذا كانوا يعملون معاً متضامنين في إطار هذا المجلس السياسي الأعلى (¬1). وإذا لم يمكن تحقيق تقدم في المجال السياسي فلا ينبغي أن يكون هذا محبطاً للهمم، فالمجال السياسي سيأتي بشكل طبيعي بعد نضج الخطوات السابقة، وتقارب المسلمين في الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، ولا أنسى هنا أن أذكر أن أي تقارب حقيقي مرجو التحقيق بين المسلمين لن ينبني إلا على قاعدة التمسك بهذا الدين الحنيف؛ قال الله تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الأنفال / 63. 4 - من الناحية العسكرية: يأتي التعاون العسكري بين الدول الإسلامية بشكل طبيعي بعد تحقيق الخطوات السابقة، وإن كان لا بد من السعي في هذا المجال فمن خلال تفعيل الاتفاقات العسكرية الموقعة بين الدول الإسلامية - إن أمكن - وهذا المجال شديد الحساسية والخطورة، والسير فيه دون تبصرة يمكن أن ينعكس على مجمل قضية الوحدة بالنقض، واستعمال القوة لفرض الوحدة - كما كان يحصل في التاريخ - لم يعد ممكناً اليوم، في ظل الظروف الإقليمية والدولية السائدة اليوم، كما أن الكثير من القادة العسكريين ممن يسيطر على مقاليد الأمور إما أنه لا يملك التصرف، أو أنه معادٍ لفكرة الوحدة الإسلامية، وذلك نتيجة الجهود التي بذلها الاستعمار في إحلال من يدين بالولاء لهم في هذه المناصب، لعلمهم أن أقرب طريق لتحقيق شيء ما هو فرضه بالقوة العسكرية، وهذا الأمر غالباً ما يكون صعب الرصد لأنه لا يتم إلا في الخفاء، أما باقي الجهود - والتي تعتبر الوسيلة الطبيعية - فيمكن رصدها ومقاومتها لأنها تتطلب فترة طويلة في العمل لتحقيقها. كما يمكنني التحذير من أهم معوقات الوحدة الإسلامية وهي: ¬
1 - إسرائيل والدول الاستعمارية السابقة. 2 - التعصب المذهبي والطائفي: خلق الله الناس مختلفين في اللون واللغة والجنس، ولكن جعل هذا الاختلافات مصدراً للفرقة هو المذموم، وقد جاء الإسلام منذ فجر ميلاده محذراً من هذه العصبيات المقيتة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} الحجرات / 13، وحتى الأيام الأخيرة من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو إلى المساواة بين المسلمين، ففي خطبة الوداع يقول: «والمؤمنون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» (¬1). 3 - عقبات اقتصادية: مثل: أتفاوت المستويات الاقتصادية بين الشعوب الإسلامية. ب اتباع الدول الإسلامية أنظمة اقتصادية مختلفة. ت سيطرة متنفذين معادين لأي وحدة إسلامية على أنشطة اقتصادية كثيرة. 4 - ضعف الالتزام بشرع الله. ¬
خاتمة
خاتمة أهم نتائج البحث: 1. الخلافة منصب ديني يجب السعي لتحقيقه. 2. أغلب الشروط الواجب تحققها في الخليفة محل اتفاق. 3. وحدة الخلافة - لا تعددها - هو ما طلبه الإسلام، وسعى إليه المسلمون عبر التاريخ. 4. الاتجاه العام في التاريخ الإسلامي يؤكد وحدة الخلافة، وما حصل من تعدد عبر التاريخ كان يشكل الاستثناء من القاعدة. 5. لم يكن ما حصل بين الخلافة العباسية والخلافة الأموية في الأندلس تعدداً للخلفاء؛ بل هو أقرب إلى تبادل الأدوار وانتقال الخلافة من الخلافة العباسية الضعيفة إلى الخلافة الأموية في الأندلس، ثم عودتها ثانية إلى العباسيين بعد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس. 6. الخلافة الفاطمية كانت تعدداً فعلياً للخلفاء، على أرض الواقع لا من الناحية الشرعية. 7. العذر الذي استند إليه من أجاز التعدد (البعد) قد فقد أهميته اليوم. 8. تعدد الخلفاء (الرؤساء والملوك) اليوم يستند إلى نظرية الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها. 9. فشل فكرة جامعة الدول العربية. 10. رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي خطوتان على طريق الوحدة وليستا نهاية المطاف.
وفي الختام أسال الله العلي القدير أن يعيد لهذه الأمة مجدها وعزَّها وكرامتها، وأن يهيئ في سبيل ذلك من يحمل همَّ هذه الأمة التي تكالبت عليها أمم الأرض، إنه أكرم مسؤول. والحمد لله رب العالمين. وكتبه الفقير إلى عفو ربه محمد خلدون أحمد نورس مالكي دمشق العامرة 29/ 5 / 2010 م
ملاحق
ملحق رقم (1) قائمة بأسماء أمراء الأندلس وخلفائها مع سنوات حكم كل منهم في عهدَي الإمارة والخلافة الرقم ... اسم الخليفة ... مدة حكمه 1 ... عبد الرحمن الأول (الداخل) بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ... ثلاث وثلاثون سنة وأربعة أشهر ونصف ... (138 - 172 هـ/755 - 788 م) 2 ... هشام الأول ... سبع سنين وتسعة أشهر وأيام ... (المرتضى) ... (172 - 180 هـ/ 788 - 796 م) 3 ... الحكم الأول ... ست وعشرون سنة وأحد عشر شهراً ... (الربضي) ... (180 - 206 هـ /796 - 822 م) 4 ... عبد الرحمن الثاني ... إحدى وثلاثون سنة وثلاثة أشهر وأيام ... (الأوسط) ... (206 - 238 هـ /822 - 852 م) 5 ... محمد الأول ... أربع وثلاثون سنة وعشرة أشهر وأيام ... (238 - 273 هـ / 852 - 886 م) 6 ... المنذر ... سنتان غير أيام ... (273 - 275 هـ/ 886 - 888 م) 7 ... عبد الله ... خمس وعشرون سنة ونصف شهر ... (275 - 300 هـ/888 - 912 م) 8 ... عبد الرحمن الثالث ... نصف قرن ونصف سنة وأيام ... (الناصر لدين الله) ... (300 - 350 هـ / 912 - 961 م) 9 ... الحكم الثاني ... خمس عشرة سنة وسبعة أشهر ... (المستنصر بالله) ... (350 - 366 هـ / 961 - 976 م) 10 ... هشام الثاني ... توفي حوالي سنة (المؤيد بالله) ... 403 هـ / 1013 م
ملحق رقم (2) نص الوثيقة التي أعلن الناصر نفسه خليفة فيها سنة 316 هـ
ملحق رقم (2) نص الوثيقة التي أعلن الناصر نفسه خليفة فيها سنة 316 هـ (¬1): (بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فأنا أحق من استوفى حقه وأجدر من استكمل حظه، ولبس من كرامة الله ما ألبسه، للذي فضلنا به وأظهر أثرتنا فيه، ورفع سلطاننا إليه، ويسر على أيدينا إدراكه وسهل بدولتنا مرامه، والذي أشاد في الآفاق من ذكرنا وعلو أمرنا وأعلى من رجاء العالمين بنا وأعاد من انحرافهم إلينا واستبشارهم بدولتنا والحمد لله ولي الإنعام بما أنعم به وأهل الفضل بما تفضل علينا فيه وقد رأينا أن تكون الدعوة لنا بأمير المؤمنين وخروج الكتب وورودها علينا بذلك، إذ كل مدعو بهذا الاسم غيرنا منتحل له ودخيل فيه ومتسم بما لا يستحقه، وعلمنا أن التمادي على ترك الواجب لنا من ذلك حق أضعناه واسم ثابت أسقطناه فأمر الخطيب بموضعك أن يقول به، وأمر مخاطبتك لنا عليه إن شاء الله والله المستعان) كتب يوم الخميس لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة 316هـ. ¬
وثائق هامة
وثائق هامة (¬1) رسالة من الناصر لدين الله إلى حليفه وصفيه محمد بن خزر زعيم زناتة يطلعه فيها عن عزمه لاسترداد ملك أجداده في المشرق ويأمره بالتأهب واستنفار القبائل لذلك، جاء فيها ما يلي: (وإن أمير المؤمنين لما تفرغ باله، وانقضت بالأندلس أشغاله، واكتملت له في أعدائه آماله، ولم يبق عليه فيها بقية يعانيها، ولا مجال يستعمل رجاله فيها، صرف عزيمته وأمال همته إلى ما بين يديه من أسباب المشرق وطلب ما لم يزل لأوله حقاً وله ميراثاً، مع ما ينويه ويرجو أن يجزي الله أكرومته على يديه من إحياء الدين بنظره، وإماتة البدع وتقويم منهاجه وحماية بيت الله الحرام المنتكثة حرمته المعظمة، المسلوب ركنه، المغلوب أهله المبطلة مناسكه ومشاعره، وأن يجعل الله لأمير المؤمنين حاضراً له يطلب الجاني عليه بجنايته فيه .. وعلى الله يتوكل أمير المؤمنين في جميع ما نواه وبه يرجو إدراك ما رجاه إن شاء الله، وقد أمر أمير المؤمنين بالتأهب والاستعداد بالرجال والأجناد، وانتفاء الرماة وتضعيف العدد وتكثير العدة وتجديد الآلات، وتكميل الأدوات والنظر في .... الحشود بالجنود لميقات معلوم ووقت معدود، وأن يستكثر من جمع المراكب إلى ما قد قام منها، ويتوسع في عددها ... وكن على انتظار ما يوافيك من أمير المؤمنين لتكون صدر القوات كما أنت صدر أولي الوداد، ومتقدما للرجال كما أنت في صدر العال، فإن أمير المؤمنين يرجو الله عونه وعليه توكله أن يكون قد قرب الوقت الذي قد رجوت الفوز به والإدراك له وبلوغ الأمل منه إن شاء الله عز وجل). ¬
وثيقة أخرى
وثيقة أخرى وبعث الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله برسالة مماثلة إلى صفيه المغربي الزعيم المكناسي موسى بن أبي العافية في نفس السنة أي سنة 320هـ / 931 م يأمره هو الآخر بالتأهب لاستئصال شافة الفواطم من أفريقية، وقطع دابر العباسيين في المشرق، وتخليص البيت من عبث القرامطة، جاء فيها ما يلي: «وذلك مما شد أمير المؤمنين عزماً، وشغل قلبه عليه غيضاً وغماً، حديث الحادث الجلل والخطب المعضل، النازل في بيت الله الحرام وما كان وما صار إليه من الإغفال له والإضاعة لدوره، حتى غشيهم أهل الكفر في محل الأمن فقتلوهم أبرح قتل ... ، وهتك البيت الحرام واستلب ما فيه، وحدث فيه ما لم يعرف في الأولين، ولا يزل في الآخرين، وهو الأمر الفادح الكارث، الذي لا يحل لأمير المؤمنين ترك الغضب منه، والسعي في الانتصار له والقيام في الذب عليه، والتقرب إلى الله بحماية البيت العتيق، وتعظيمه .. وقد صرت عند أمير المؤمنين معروفاً بخالص الوعد، وصادق الطاعة، معدوداً في عدة الذين يعتمد عليهم، وأنصاره الذين يتدارك في المهمات على نهضتهم، فأنت بأخص المنازل عنده في الاستعداد به، والرجاء لحمد مقامك، وحسن نظرك وتدبيرك فيما يجردك أمير المؤمنين له، وينهضك نحوه ويجعلك قائده في جميع الغرب قائماً باسمه ناهضاً بدعوته، معيناً على إحياء الدين، وإماتة الفاسقين وتغيير آثار الضالين وتقويم زيغ المفسدين، لا يرغب أمير المؤمنين من قبلك، ولا من قبل غيرك من أولياء الطاعة وأنصار الدولة، مالا يحتبى ولا مرغوباً يقتنى ولا مدائن تصطفى، بل رغبة أمير المؤمنين فيما صرف همته إليه، ومد طرفه نحوه، وشغل قلبه به، من طلب حقه وارتجاع ميراثه، والسعي لملك آبائه الخلفاء، وهمه أفريقية فما دانها والحرم وما اتصل به، ومصر والشام وما خلفها، فيرد الله به الدولة، ويكشف الجولة، ويحيي الآثار السالفة الفصل، ويعيد الدين على يديه جديداً غضاً، والحق حقاً، ويجعل كل ذي بدعة طريداً، ينهض بأمير
المؤمنين إلى ذلك نفس تواقة إلى ما هو لها حق واجب، وفرض لازب، مع ما يسوقها إلى ذلك من الآثار المشهورة، والروايات المذكورة، التي قد ظهر كثير منها، وعلى الله تتميم باقيها إن شاء الله فقد أخذ أمير المؤمنين لذلك بأشد العزم، وأثبت الخطر براً وبحراً عاملاً على مجاهدة الملحدين، ومنازلة الفاسقين حتى ينتقم الله من الظالمين، ويأخذ بثأره من القوم المجرمين إن شاء الله، فانهض أيدك الله بعزائم أمرك، ونوافد رأيك، وشدة بأسك وصيال رجالك، وتقدم متوسعاً فيما بين يديك، ولا يقنعك ما أنت ... (بياض) فليس يقنع به أمير المؤمنين ... .
فهرس المصادر والمراجع
فهرس المصادر والمراجع بالترتيب الألفبائي على أسماء المؤلفين دون النظر لـ أل التعريف 1 - الآبي، صالح عبد السميع الآبي الأزهري: جواهر الإكليل، شرح مختصر الشيخ خليل في مذهب الإمام مالك، راجعه الطيب المندر الهوزالي، المكتبة العصرية، ط 1، بيروت، 1421هـ/2000 م. 2 - أبا الخيل، محمد بن إبراهيم: الأندلس في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري، من صفحات ضعف المسلمين السياسي، دراسة في التاريخ السياسي، رسالة ماجستير. 3 - إبراهيم أبو سليمان، عبد الوهاب: فقه الضرورة، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، 1993 م. 4 - ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله (586 - 655 هـ): شرح نهج البلاغة، تقديم وتعليق حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط 1، بيروت، لبنان، 1415هـ/1995 م. 5 - ابن أبي العز الدمشقي، علي بن علي بن محمد: شرح العقيدة الطحاوية، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي وشعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 13، بيروت، لبنان، 1419هـ/1998 م. 6 - ابن أبي دينار، محمد بن أبي القاسم، أبو عبد الله: المؤنس في أخبار أفريقيا وتونس، تحقيق محمد شمام، ط 1 + ط 3، 1286 هـ، تونس. 7 - ابن أبي زرع، علي بن محمد: الأنيس المطرب وروض القرطاس في أخبار المغرب وتاريخ مدينة فاس، 1887 م. 8 - ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد الكوفي، أبو بكر (ت 235 هـ): الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق كمال يوسف حوت، مكتبة الرشد، ط 1، الرياض، 1409 هـ. 9 - ابن أبي عاصم: انظر: الضحاك الشيباني. 10 - ابن أبي عاصم، أحمد بن عمرو الشيباني، أبو بكر: الزهد، تحقيق عبد العلي عبد الحميد حامد، دار الريان للتراث، ط 2، القاهرة، 1408 هـ. 11 - ابن أعثم، أحمد بن محمد، (ت نحو 314 هـ): الفتوح، ط 1، 1406 هـ/1986 م. 12 - ابن الأبَّار، محمد (ت 658 هـ): التكملة لكتاب الصلة (الصلة لابن بشكوال)، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1989 م. 13 - ابن التركماني، علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني (ت 745 هـ): الجوهر النقي، دار الفكر. 14 - ابن الأثير، عز الدين علي بن محمد الجزري، أبو الحسن (ت 630 هـ): الكامل في التاريخ، تحقيق أبي الفداء عبد الله القاضي، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ/1995 م. 15 - ابن الأثير، مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت 606 هـ): النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، المكتبة الإسلامية، ط 1، 1383هـ/1963 م. 16 - ابن الجزري، شمس الدين محمد بن محمد، أبو الخير (ت 833 هـ): غاية النهاية في طبقات القراء، مكتبة المتنبى، القاهرة. 17 - ابن الجعد، علي بن الجعد بن عبيد، أبو الحسن الجوهري البغدادي: مسند علي بن الجعد، تحقيق عامر أحمد حيدر، مؤسسة نادر، ط 1، بيروت، 1410 هـ/1990 م. 18 - ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، أبو الفرج (508 - 597 هـ): - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، تحقيق خليل الميس، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1403هـ.
- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق محمد عبد القادر عطا وآخرون، 1405 هـ/1985 م. - زاد المسير في علم التفسير، ط 3، المكتب الإسلامي، بيروت، 1404 هـ. 19 - ابن عطية، الإمام الحافظ أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن عطية الأندلسي: المحرر الوجيز، تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد، دارالكتب العلمية، بيروت، 1422 هـ. 20 - ابن الخطيب، لسان الدين محمد بن عبد الله السلماني، أبو عبد الله: - تاريخ إسبانيا الإسلامية أو أعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، تحقيق ليفي بروفنسال، ط 2، دار المكشوف، بيروت، 1956 م. 21 - ابن الطقطقي، محمد بن علي بن طباطبا: الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ. 22 - ابن العربي، محمد بن عبد الله الأندلسي، أبو بكر (468 - 543 هـ): - العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، تحقيق د. محمد جميل غازي، ط 2، دار الجيل، بيروت، 1407 هـ. - أحكام القرآن، تحقيق علي محمد البجاوي، دار إحياء التراث العربي، ط 1، بيروت، لبنان. 23 - ابن العماد الحنبلي، عبد الحي بن أحمد بن محمد بن العماد، أبو الفلاح: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 24 - ابن الفرضي، عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي، أبو الوليد: تاريخ علماء الأندلس، الدار المصرية، القاهرة، 1966 م. 25 - ابن الفقيه، أبو بكر أحمد بن محمد الهمزاني (ت نحو 340 هـ): مختصر كتاب البلدان، تحقيق م. ج. جورج. 26 - ابن القوطية، محمد بن عمر، أبو بكر (ت 367 هـ): تاريخ افتتاح الأندلس، تحقيق إسماعيل العربي، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1995 م. 27 - ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، أبو عبد الله (ت 751 هـ) - زاد المعاد في هدى خير العباد، راجعه وقدم له طه عبد الرؤوف طه، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1390 هـ. 28 - ابن المرتضى، المهدي لدين الله، أحمد بن يحيى بن المرتضى بن الفضل، (ت 840 هـ): - البحر الزَّخَّار الجامع لمذهب علماء الأنصار، دار الحكمة اليمانية، ط 1، صنعاء 1366هـ/1947 م. - المنية والأمل في شرح الملل النحل (موجود مع البحر الزخار)، تحقيق محمد جواد مشكور، دار الندى، ط 2، بيروت، 1410هـ/1990 م. - طبقات المعتزلة، تحقيق سوسنه ديفلد - فلزر، 1380 هـ/1961 م. 29 - ابن النديم، محمد بن إسحاق، أبو الفرج (ت 385 هـ): الفهرست، دار المعرفة، بيروت، 1398 هـ/1978 م. 30 - ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي ثم السكندري (ت 681 هـ): - المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، ومعه المسامرة شرح المسايرة، المسايرة للكمال بن الهمام الحنفي (ت 861 هـ)، والمسامرة للكمال بن أبي شريف، محمد بن محمد الشافعي (ت 906 هـ)، رسالة دبلوم، تحقيق حسن العبيد، إشراف عبد الكريم المشهداني، دار الحديث الحسينية، الرباط، 1419هـ/1998 م. - شرح فتح القدير، ط 2، دار الفكر، بيروت.
31 - ابن إياس، محمد بن أحمد الحنفي: بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق: محمد مصطفى، ط 2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1402 هـ/1982 م. 32 - ابن أيوب، عماد الدين إسماعيل بن علي بن عمر شاه، أبو الفدا: المختصر في أخبار البشر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997 م. 33 - ابن بابويه القمي، محمد بن علي بن الحسين المعروف بالشيخ الصدوق، أبو جعفر (ت 381 هـ): - الإمامة والتبصرة من الحيرة، تحقيق مدرسة الإمام المهدي، قم. - علل الشرائع، قدم له محمد صادق بحر العلوم، 1382 هـ/1963 م. - كمال الدين وتمام النعمة، صححه علي أكبر غفاري، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، 1405 هـ. 34 - ابن تغري بردي، جمال الدين يوسف الأتابكي، أبو المحاسن: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ط 1، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، مصر. 35 - ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم، أبو العباس (ت 728 هـ): - الخلافة والملك، تحقيق حماد سلامة، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، 1988 م. - السياسة الشرعية، تقديم محمد المبارك، دار الكتب العربية، بيروت، 1960 م. - كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه، تحقيق عبد الرحمن محمد قاسم العاصمي النجدي الحنبلي، مكتبة ابن تيمية. وموافق لنسخة دار الوفاء تحقيق أنور الباز، ط 3، 1426 هـ/2005 م. - منهاج السنة النبوية، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، مؤسسة الريان ببيروت ودار الفضيلة بالرياض، 1424هـ. - نقد مراتب الإجماع، مطبوع بذيل مراتب الإجماع لابن حزم، دار ابن حزم، بيروت 1419هـ/1998 م. 36 - ابن جزي، محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي: القوانين الفقهية، معلومات النشر: بدون. 37 - ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد، أبو حاتم التميمي البستي (ت 354 هـ): - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط 2، بيروت، 1414هـ/ 1993 م. - مشاهير علماء الأمصار، تحقيق م. فلايشهمر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1959 م. - الثقات، تحت مراقبة الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف العثمانية، ط 1، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند، 1393 هـ/1973 م. 38 - ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني الشافعي، أبو الفضل (773 - 852 هـ): - تقريب التهذيب، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، ط 1، سوريا، 1406هـ/1986 م. - تلخيص الحبير، تحقيق السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، المدينة المنورة، 1384هـ/1964 م. - فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، 1379 هـ. - لسان الميزان لابن حجر، تحقيق دائرة المعارف النظامية/الهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط 3، بيروت، 1406 هـ/1986 م. - الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت 1992 م. - تهذيب التهذيب، ط 1، دار الفكر، بيروت، 1404 هـ/1984 م. 39 - ابن حجر الهيتمي، أحمد بن محمد بن محمد بن علي، أبو العباس:
- الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، تحقيق عبد الرحمن تركي وكامل الخراط، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1997 م. - تحفة المحتاج بشرح المنهاج، تحقيق الشيخ محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416هـ/1996 م. 40 - ابن حزم الأندلسي، علي بن أحمد، أبو محمد (383 - 456 هـ): - جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام هارون، ط 4، دار المعارف. - فضائل الأندلس وأهلها، لابن حزم وعلي بن سعيد المغربي (ت 685 هـ) وإسماعيل الشقندي، ط 1، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1968 م. - نقط العروس في أخبار بني أمية بالأندلس، تحقيق شوقي ضيف، مجلة الآداب، جامعة القاهرة، المجلد 13، القاهرة، 1951 م. - المحلى، دار الآفاق الجديدة، بيروت. - الإحكام في أصول الأحكام، دار الحديث، ط 1، القاهرة، 1404 هـ. - الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة الخانجي، القاهرة. - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، عناية حسن أحمد إسبر، دار ابن حزم، بيروت 1419هـ/1998 م. 41 - ابن حميد، عبد بن حميد بن نصر، أبو محمد الكسي: المنتخب من مسند عبد بن حميد، تحقيق صبحي البدري السامرائي ومحمود محمد خليل الصعيدي، مكتبة السنة، ط 1، القاهرة، 1408 هـ/1988 م. 42 - ابن حنبل، أحمد، أبو عبد الله الشيباني: - فضائل الصحابة، تحقيق الدكتور وصي الله محمد عباس، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1403هـ/1983م. - مسند أحمد، تحقيق شعيب الأرنؤوط وغيره، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1414 هـ/1994 م. 43 - ابن حوقل، محمد بن حوقل النصيبي، أبو القاسم (ت 367 هـ): صورة الأرض، 1399هـ/1979 م. 44 - ابن حيان، حيان بن خلف الأندلسي القرطبي، أبو مروان (ت 469 هـ): المقتبس من أخبار بلد الأندلس، تحقيق محمود علي مكي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1973 م. 45 - ابن حيان، عبد الله بن محمد بن جعفر، أبو محمد الأنصاري: طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها، تحقيق عبد الغفور عبد الحق حسين البلوشي، مؤسسة الرسالة، ط 2، بيروت، 1412 هـ/1992 م. 46 - ابن حيون، القاضي النعمان بن محمد بن أحمد المغربي الداعي (ت 363 هـ): - تأويل الدعائم، تحقيق محمد حسن الأعظمي، دار المعارف، القاهرة، 1972 م. - رسالة افتتاح الدعوة، تحقيق فرحات الدشراوي، 1395 هـ/1975 م. - المجالس والمسايرات، تحقيق الحبيب الفقي وإبراهيم شبوح ومحمد البعلاوي، دار الأندلس للطباعة والنشر، 1398 هـ/1978 م. 47 - ابن خردازبه، عبيد الله بن عبد الله، أبو القاسم: المسالك والممالك، تقديم خير الدين محمود قبلاوي، وزارة الثقافة، دمشق، 1999 م. 48 - ابن خزيمة، محمد بن إسحاق، أبو بكر السلمي النيسابوري: صحيح ابن خزيمة، تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1390 هـ/1970 م. 49 - ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي (ت 808 هـ): - تاريخ ابن خلدون، ط 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
- مقدمة ابن خلدون، ط 5، دار القلم، بيروت، 1984 م. 50 - ابن خلكان، شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، أبو العباس: وفيات الأعيان وأنباء الزمان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، ط 1، بيروت، 1900، 1971، 1994 م. 51 - ابن خياط، خليفة (ت 240هـ): - الطبقات، تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري، ط 2، دار طيبة الرياض، 1982 م. - تاريخ خليفة بن خياط، ط 2، تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري، دار القلم ومؤسسة الرسالة، دمشق وبيروت، 1397 هـ. 52 - ابن رجب البغدادي: الذيل على طبقات الحنابلة (الطبقات لأبي الحسين ابن أبي يعلى الحنبلي)، تحقيق أسامة بن حسن، بيروت، دار الكتب العلمية، 1997 م. 53 - ابن رجب الحنبلي، عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفرج (ت 750 هـ): جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، دار المعرفة، ط 1، بيروت، 1408 هـ. 54 - ابن رشد، محمد بن أحمد بن رشد القرطبي: - بداية المجتهد، دار الفكر، بيروت. - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، تحقيق محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، ط 2، بيروت، لبنان، 1408 هـ / 1988 م. 55 - ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع، أبو عبد الله البصري الزهري (168 - 230 هـ): الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت. 56 - ابن سعيد، جمال الدين أحمد بن محمد بن محمود بن سعيد: كتاب أصول الدين، تحقيق عمر وفيق الداعوق، دار البشائر الإسلامية، ط 1، بيروت، 1998 م. 57 - ابن سعيد المغربي، علي بن موسى بن محمد الغرناطي الأندلسي (ت 685 هـ): المغرب في حلى المغرب، تحقيق الدكتور شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، 1955 م. 58 - ابن ضويان، إبراهيم بن محمد بن سالم: منار السبيل في شرح الدليل، تحقيق عصام القلعجي، مكتبة المعارف، ط 2، الرياض، 1405 هـ. 59 - ابن طولون، محمد: قيد الشريد من أخبار يزيد، تحقيق الدكتور محمد زينهم محمد عزب، ط 1، دار الصحوة، القاهرة، 1406 هـ/1986 م. 60 - ابن عابدين، محمد أمين بن عمر: حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، المشهورة بحاشية ابن عابدين، ط 2، دار الفكر، بيروت، 1386 هـ. 61 - ابن عباد، الصاحب إسماعيل: - نصرة مذاهب الزيدية، تحقيق ناجي حسن، ط 1، الدار المتحدة للنشر، بيروت، 1981 م. - المحيط في اللغة، تحقيق محمد حسن آل ياسين، عالم الكتب، ط1 بيروت، 1414هـ/ 1994 م. 62 - ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد النمري، أبو عمر: - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 1387 هـ. - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الجيل، ط 1، بيروت، 1412هـ. 63 - ابن عبد السلام، عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، أبو محمد (ت 660 هـ): قواعد الأحكام في مصالح الأنام، دار الكتب العلمية، بيروت.
64 - ابن عبد ربه، أحمد بن محمد، أبو عمر: العقد الفريد، بيروت، 1989 م. 65 - ابن عدي الجرجاني، عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد، أبو أحمد: الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، ط 3، بيروت، 1409 هـ/1988 م. 66 - ابن عذاري المراكشي، محمد (ت 695 هـ): البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق ج. س. كولان، ليفي بوفنسال، إحسان عباس، بيروت، دار الثقافة، ط 3، 1883 م. 67 - ابن عربي، محمد بن علي (ت 638 هـ): فصوص الحكم، تحقيق أبو العلا العفيفي، ط 2، 1400 هـ/1980 م. 68 - ابن عساكر، علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، أبو القاسم الشافعي (499 - 571 هـ): - تاريخ مدينة دمشق، تحقيق شكري فيصل وآخرون، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1984 م.- تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، دار الكتاب العربي، ط 3، بيروت، 1404 هـ. 69 - ابن عميرة الضبي، أحمد بن يحيى بن أحمد: بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس (ذيل كتاب جذوة المقتبس للحميدي)، تحقيق صلاح الدين الهواري، المكتبة العصرية، بيروت، 2005 م. 70 - ابن فرحون، إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، دار الكتب العلمية، بيروت. 71 - ابن قدامة، شمس الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، أبو الفرج (ت 682 هـ): الشرح الكبير، دار الكتاب العربي. 72 - ابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، أبو محمد (541 - 620 هـ): - المغني، دار الفكر، ط 1، بيروت، لبنان، 1405 هـ. - روضة الناظر، تحقيق الدكتور عبد العزيز السعيد، ط 2، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، 1399 هـ. 73 - ابن قيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي، أبو عبد الله (ت 751 هـ): الرسالة التبوكية، طبعة المدني، المؤسسة السعودية بمصر، القاهرة. 74 - ابن كثير، إسماعيل بن عمر الدمشقي، أبو الفداء (700 - 774 هـ): - تفسير ابن كثير، تحقيق سامي محمد سلامة، دار طيبة، ط 2، 1420 هـ/1999 م. - البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، دار إحياء التراث العربي، 1408 هـ/1988 م. 75 - ابن كيكلدي، أبو سعيد بن خليل، أبو سعيد العلائي (694 - 761 هـ): جامع التحصيل في أحكام المراسيل، عالم الكتب، بيروت، 1407 هـ/1986 م، ط 2، الثانية، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي. 76 - ابن ماجه، محمد بن يزيد، أبو عبد الله القزويني: سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت. 77 - ابن مفلح، إبراهيم بن محمد بن عبد الله الحنبلي، أبو إسحاق (816 - 884 هـ): المبدع في شرح المقنع، المكتب الإسلامي، بيروت، 1400 هـ. 78 - ابن منظور، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، أبو الفضل جمال الدين: لسان العرب، دار صادر، ط 6، بيروت. 79 - ابن نجيم، زين الدين الحنفي: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، دار المعرفة، بيروت، 1990 م. 80 - ابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد: السيرة النبوية، تحقيق طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، ط 1، بيروت، 1411 هـ.
81 - أبو الحسن، أحمد: منظمة المؤتمر الإسلامي كمنظمة دولية ذات طابع عقدي، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2006 م. 82 - أبو حيان، محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي: تفسير البحر المحيط، تحقيق صدقي محمد جميل، دار الفكر، بيروت، 1420 هـ. 83 - أبو السعود، محمد بن محمد العمادي، أبو السعود (ت 951): إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم المسمى بتفسير أبي السعود، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 84 - أبو النصر، عمر: عبد الملك بن مروان، المكتبة الأهلية، ط 1، بيروت، 1962 م. 85 - أبو داود، سليمان بن الأشعث، أبو داود السجستاني الأزدي: سنن أبي داود، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر. 86 - أبو عوانة، يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني: مسند أبي عوانة، تحقيق أيمن بن عارف الدمشقي، دار المعرفة، ط 1، بيروت، 1998 م. 87 - أبو غدة، حسن عبد الغني: حكم تعدد الخلفاء (وحدة رئاسة الدولة) رسالة ماجستير، جامعة الأزهر، كلية الشريعة والقانون. 1398 هـ/1978 م. 88 - أبو نعيم، أحمد بن عبد الله الأصبهاني: انظر الأصبهاني. 89 - أبو هيف، علي صادق: القانون الدولي العام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1975 م. 90 - أبو يعلى، أحمد بن علي، أبو يعلى الموصلي التميمي: مسند أبي يعلى، تحقيق حسين سليم أسد، ط 1، دار المأمون للتراث، دمشق، 1404 هـ/ 1984 م. 91 - أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم (113 - 182 هـ): الخراج، ط 5، المطبعة السلفية، القاهرة، 1396هـ/1976 م. 92 - الأحسن، عبد الله: منظمة المؤتمر الإسلامي، دراسة لمؤسسة سياسية إسلامية، ترجمة الدكتور عبد العزيز الفايز، ط 2، الرياض، 1414 هـ/1993 م. 93 - أحمد، عبد العاطي محمد: الإسلام والقومية العربية من التعاون للصراع، مجلة السياسة الدولية، العدد رقم 61، يوليو 1980 م. 94 - الإدريسي، محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحمودي الحسني المعروف بالشريف الإدريسي (ت 560 هـ): المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس، مأخوذة من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ليدن، 1968 م. 95 - الأدفوي، كمال الدين جعفر بن ثعلب الشافعي (ت 748 هـ): الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، تحقيق: سعد محمد حسن، الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966 م. 96 - الأردبيلي، أحمد (ت 993 هـ): - الحاشية على إلهيات الشرح الجديد للتجريد، (تجريد الاعتقاد) لنصير الدين، أبو جعفر محمد بن محمد الطوسي، (597 - 672 هـ)، والشرح الجديد للقوشجي علاء الدين علي بن محمد، من فقهاء الحنفية، (ت879 هـ) تحقيق أحمد عابدي، ط 2، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم. 1419 هـ. 97 - الأسدآبادي، القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني المعتزلي، أبو الحسن (ت 415 هـ): - الإمامة من كتاب المغني في أبواب العدل والتوحيد، اعتنى به هيثم خليفة الطعيمي، ط 1، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1427هـ/2007 م. - شرح الأصول الخمسة، تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة، القاهرة، 1988 م.
98 - الأسدي، سيف بن عمر الضبي: الفتنة ووقعة الجمل، تحقيق أحمد راتب عرموش، ط 1، دار النفائس، بيروت، 1391 هـ. 99 - الإسفراييني، طاهر بن محمد، أبو المظفر: التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، تحقيق كمال يوسف الحوت، ط 1، عالم الكتب، بيروت، 1983 م. 100 - الأسيوطي، شمس الدين محمد بن أحمد المنهاجي: جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود، دار الكتب العلمية، بيروت. 101 - الأشعري، علي بن إسماعيل بن أبي بشر، أبو الحسن (ت 324 هـ): - الإبانة عن أصول الديانة، تحقيق الدكتور فوقية حسين محمود، ط 1، دار الأنصار، القاهرة، 1397 هـ - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، تحقيق هلموت ريتر، دار إحياء التراث العربي، ط 3، بيروت. 102 - الأصبهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني، أبو نعيم (ت 430 هـ): - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1938 م. - المسند المستخرج على صحيح مسلم، تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1996 م. - معرفة الصحابة، تحقيق عادل بن يوسف العزازي، ط 1، دار الوطن للنشر، الرياض، 1419هـ/1998م. 103 - الأصفهاني، الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهاني، أبو القاسم (ت 425 هـ): مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، 1416 هـ/ 1996 م. 104 - أطفيش، محمد بن عمر: شرح كتاب النيل وشفاء العليل، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، 1409 هـ/1989 م. 105 - الأفوه الأودي: ديوان الأفوه الأودي، تحقيق محمد التونجي، دار صادر، بيروت، 1998 م. 106 - الألباني، محمد ناصر الدين (ت 2000 م): سلسلة الأحاديث الصحيحة، اعتنى به مشهور آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض، 2004 م. 107 - الآلوسي، محمود، أبو الفضل: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 108 - الآمدي، علي بن أبي علي بن محمد بن سالم، سيف الدين (551 - 631 هـ): - الإمامة من أبكار الأفكار في أصول الدين، تحقيق محمد الزبيدي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1992م. - غاية المرام في علم الكلام، تحقيق حسن محمود عبد اللطيف، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1971 م/1291 هـ. 109 - الآمدي، علي بن محمد، أبو الحسن: الإحكام، تحقيق سيد الجميلي، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1404 هـ. 110 - ابن ظافر الأزدي، جمال الدين علي بن منصور، أبو الحسن: أخبار الدول المنقطعة، تحقيق علي عمر، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية، 2001 م. 111 - الأنصاري الشافعي، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا، أبو يحيى (823 - 926 هـ): - أسنى المطالب شرح روض الطالب، ومعه حاشية الرملي على أسنى المطالب، المكتبة الإسلامية، بيروت، 1896 م. - فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1418 هـ.
112 - الإيجي، عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد (ت 756 هـ): المواقف، تحقيق عبد الرحمن عميرة، ... ط 1، دار الجيل، بيروت، 1997 م. 113 - أيوب، الدكتور إبراهيم: التاريخ الفاطمي السياسي، الشركة العالمية للكتاب، ط 1، بيروت، 1997م. 114 - باشا، محمد المخزومي: خاطرات جمال الدين الأفغاني، دار الحقيقة، بيروت، 1980 م. 115 - الباقلاني، محمد بن الطيب بن جعفر بن القاسم، أبو بكر (ت 403 هـ): - الإنصاف، فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، تحقيق محمد زاهد الكوثري (1261 - 1371هـ)، مؤسسة الخانجي، ط 2، 1382هـ/1963 م. - تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، تحقيق عماد الدين أحمد حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية، ط 1، بيروت، 1407 هـ/1987 م. - التمهيد في الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة، تعليق محمود محمد الخضيري ومحمد عبد الهادي أبو ريده، دار الفكر العربي، القاهرة، 1366هـ/1947 م. 116 - بالنثيا، أنخل خبثالث: تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة حسين مؤنس، ط 1، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1955 م. 117 - البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي، أبو عبد الله (194 - 256 هـ): - التاريخ الكبير، دار الفكر، بيروت، 1986 م. - صحيح البخاري، تحقيق الدكتور مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة، 1987 م. 118 - البركتي، محمد عميم الإحسان المجددي: قواعد الفقه، ط 1، دار الصدف ببلشرز، كراتشي، 1407هـ/1986 م. 119 - البزار، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، أبو بكر (ت 292 هـ): البحر الزخار المعروف بمسند البزَّار، تحقيق الدكتور محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، المدينة، 1424 هـ/2003 م. 120 - البزدوي، عبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري: كشف الأسرار على أًصول البزدوي، دار الكتاب العربي، 1974 م، بيروت. 121 - البزدوي، محمد، أبو اليسر (ت 493 هـ): أصول الدين، تحقيق هانز بيتر لنس، ضبط أحمد حجازي السقا، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، 2003 م. 122 - البستاني، بطرس: محيط المحيط، قاموس مطول للغة العربية، مكتبة لبنان 1983 م، بيروت. 123 - بسيوني رسلان، الدكتور صلاح الدين: الفكر السياسي عند الماوردي، دار الثقافة، القاهرة، 1985 م. 124 - البشري، طارق: بين الجامعة الدينية والجامعة الوطنية، دار الشروق، القاهرة، 1998 م. 125 - البغدادي، إسماعيل باشا: هداية العارفين وأسماء المؤلفين وآثار المصنفين، استانبول، 1955 م. 126 - البغدادي، صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق: مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (مراصد الاطلاع مختصر معجم البلدان لياقوت)، تحقيق علي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، ط 1، مصر، 1373 هـ/1954 م. 127 - البغدادي، عبد القادر بن طاهر التميمي، أبو منصور (ت 429 هـ/1037 م): - كتاب أصول الدين، دار الكتب العلمية، ط 3، بيروت، لبنان، 1401هـ/1981 م. - الفَرْق بين الفِرَق وبيان الفرقة الناجية، دار الآفاق الجديدة، ط 2، بيروت، 1977 م. 128 - البغوي، الحسين بن مسعود الفراء البغوي، أبو محمد (436 - 516 هـ):
- تفسير البغوي أو معالم التنزيل، تحقيق خالد العك ومروان سوار، ط 2، دار المعرفة، بيروت، 1407هـ/1981 م. - شرح السنة، تحقيق شعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، ط 2، بيروت، 1403هـ/1983 م. 129 - البكري، أبو عبيد: المُغرب في ذكر بلاد أفريقية والمغرب (جزء من كتاب المسالك والممالك للبكري)، طبع الجزائر، 1757 م. 130 - البكري، عبد الله بن عبد العزيز الأندلسي، أبو عبيد: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تحقيق مصطفى السقا، عالم الكتب، ط 3، بيروت، 1493 هـ. 131 - البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر: أنساب الأشراف، تحقيق محمود الفردوس العظم، دار اليقظة العربية. 132 - بهاء الدين، محمد: علم السياسة والعلاقات الدولية، القاهرة، 2001 م. 133 - البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس (1000 - 1051 هـ): - الروض المربع شرح زاد المستقنع، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1390 هـ. - شرح منتهى الإرادات، دقائق أولي النهى لشرح المنتهى، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1421هـ/2000 م. - كشاف القناع عن متن الإقناع، تحقيق هلال مصيلحي مصطفى هلال، دار الفكر، بيروت، 1402 هـ. 134 - البيجوري، إبراهيم بن محمد (ت 1277 هـ): تحفة المريد على جوهرة التوحيد، وجوهرة التوحيد لإبراهيم اللقاني (ت 1041 هـ)، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت. 135 - البيضاوي، ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي القاضي، أبو سعيد (ت 685 هـ): - أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي، تحقيق عبد القادر عرفات العشا حسونة، بيروت، 1416/ 1996 م. - طوالع الأنوار من مطالع الأنظار، تحقيق عباس سليمان، دار الجيل/بيروت والمكتبة الأزهرية للتراث/القاهرة، ط 1، 1411هـ/1991 م. 136 - بيضون، الدكتور إبراهيم: - مؤتمر الجابية، دراسة في نشوء خلافة بني مروان، ط 2، دار النهضة العربية، بيروت، 1997 م. - الدولة العربية في إسبانية، من الفتح حتى سقوط الخلافة (92 - 422 هـ/711 - 1031 م)، ط 3، دار النهضة العربية، بيروت، 1406 هـ/1986 م. - تكوين الاتجاهات السياسية في الإسلام الأول، دار اقرأ، ط 1، بيروت، 1985 م. 137 - البيهقي، إبراهيم بن محمد (ت نحو 320 هـ): المحاسن والمساوئ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، 1380هـ/1961 م. 138 - البيهقي، أحمد بن الحسين، أبو بكر (384 - 458 هـ): - الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث، تحقيق أحمد عصام الكاتب، دار الآفاق الجديدة، ط 1، بيروت، 1401 هـ. - دلائل النبوة، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، ط 1، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، 1969 م. - سنن البيهقي الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ/ 1994م. - شعب الإيمان، تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1410 هـ. 139 - الترمذي، محمد بن عيسى: سنن الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 140 - التفتازاني، مسعود بن عمر الشهير بسعد الدين التفتازاني (ت 791 هـ/1390 م):
- شرح المقاصد، تحقيق عبد الرحمن عميرة، ط 1، عالم الكتب، 1409هـ/1989 م. - شرح العقائد النسفية، تحقيق كلود سلامة، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1974 م. 141 - الثعالبي، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف: الجواهر الحسان في تفسير القرآن، أو تفسير الثعالبي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. 142 - الجاحظ، عمرو بن بحر، أبو عثمان (ت 255 هـ): - البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت. - الجوابات واستحقاق الإمامة، ضمن كتاب رسائل الجاحظ، تحقيق محمد عبد السلام هارون، نشر مكتبة الخانجي بمصر، ط 1، 1399 هـ/1979 م. - العثمانية، ضمن كتاب رسائل الجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، نشر مكتبة الخانجي بمصر، ... ط 1، 1399 هـ/1979 م. - مقالة الزيدية والرافضة، ضمن كتاب رسائل الجاحظ، تحقيق محمد عبد السلام هارون، نشر مكتبة الخانجي بمصر، ط 1، 1399 هـ/1979 م. 143 - الجرجاني، السيد الشريف علي بن محمد بن علي (740 - 816): شرح المواقف ومعه حاشية المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري، ط 1، على نفقة الحاج محمد أفندي ساسي المغربي التونسي، مطبعة السعادة، 1325 هـ/ 1907 م. 144 - الجصاص، أحمد بن علي الرازي، أبو بكر: أحكام القرآن، تحقيق عبد السلام محمد علي شاهين، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1415 هـ / 1994 م. 145 - الجعفري، الدكتور بشار: منظمة المؤتمر الإسلامي، مجلة معلومات دولية، العدد رقم 50، مايو 1997 م. 146 - جمال الدين، الدكتور عبد الله: - الدولة الفاطمية، دار الثقافة العربية، القاهرة، 1991 م. 147 - الجمالي، بدر الدين الجمالي المستنصري، أبو النجم: المجالس المستنصرية، تحقيق محمد كامل حسين، دار الفكر العربي. 148 - الجندي، أنور: أعلام القرن الرابع عشر الهجري، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1981 م. 149 - الجومرد، الدكتور عبد الجبار محمود: المنصور، بيروت، 1963 م. 150 - الجوهري، إسماعيل بن حماد: الصحاح في اللغة والعلوم، إعداد نديم مرعشلي، بيروت، دار الحضارة العربية، 1974 م. 151 - الجويني، إمام الحرمين عبد الملك، أبو المعالي (419 - 478 هـ/1028 - 1085 م): - الإرشاد إلى قواطع/قواعد الأدلة في أصول الاعتقاد، تحقيق الدكتور محمد يوسف موسى، مكتبة المثنى، بغداد، 1950 م. - البرهان في أصول الفقه، تحقيق الدكتور عبد العظيم محمود الديب، دار الوفاء، ط 4، المنصورة، مصر، 1418 هـ. - غياث الأمم في التياث الظلم، تحقيق هيثم خليفة الطعيمي، المكتبة العصرية، ط 1، بيروت، لبنان، 1427هـ/2006 م. 152 - الحجي، الدكتور عبد الرحمن علي: التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة (92 - 897 هـ/711 - 1492 م)، ط 4، دار القلم، 1415 هـ/1994 م، دمشق.
153 - حسن، الدكتور حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي، النهضة المصرية، 1976 م. 154 - الحصكفي، محمد علاء الدين: شرح الدر المختار في تنوير الأبصار، دار عامر، دمشق، 1860 م. 155 - الحكيم الترمذي، محمد بن علي بن الحسن، أبو عبد الله: نوادر الأصول في أحاديث الرسول، تحقيق عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، ط 1، بيروت، 1992 م. 156 - الحلبي، أبو الصلاح (ت 447): الكافي في الفقه، تحقيق الشيخ رضا أستادي، مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام، أصفهان، 1403 هـ. 157 - حلمي، مصطفى: الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة العثمانية (دراسة على كتاب النكير على منكري النعمة لمصطفى صبري)، ط 2، دار الدعوة، الإسكندرية، 1989 م. 158 - الحلي، جمال الدين، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر، أبو منصور (ت 726 هـ): - تذكرة الفقهاء، الناشر: مكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية. - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، 1890 م. (تجريد الاعتقاد للطوسي) ونسخة بتحقيق الزنجاني، ... ط 4، مطبعة إسماعيليان 1373 هـ، ش. - المسلك في أصول الدين، تحقيق رضا الأستادي، ط 1، 1414 هـ، المطبعة والناشر مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة. - الألفين في إمامة مولانا أمير المؤمنين علي، ط 1، مكتبة الألفين، بنيد القار، الكويت، 1405هـ/1985 م. 159 - حمادة، الدكتور محمد ماهر: الوثائق السياسية والإدارية في الأندلس وشمالي أفريقية (64 - 897 هـ /683 - 1492 م)، دراسة ونصوص، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1400 هـ/1980 م. 160 - الحموي، ياقوت بن عبد الله (ت 626 هـ): معجم الأدباء، ط 3، 1400 هـ/1980 م. 161 - الحميدي، محمد بن أبي نصر، أبو عبد الله: جذوة المقتبِس في تاريخ علماء الأندلس، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1983 م. 162 - الحميري، محمد بن عبد المنعم الصنهاجي: الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق إحسان عباس، مكتبة لبنان، بيروت، 1975 م. 163 - الحميري، نشوان، أبو سعيد (ت 573 هـ): - الحور العين عن كتب العلم الشرائف دون النساء العفائف، تحقيق كمال مصطفى، ط 2، مكتبة الخانجي بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد، 1948 م. - صفة جزيرة الأندلس منتخبة من الروض المعطار، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/1988 م. 164 - الحنبلي، مرعي بن يوسف: دليل الطالب على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، المكتب الإسلامي، ط 2، بيروت، 1389 هـ. 165 - الرملي: انظر الأنصاري الشافعي. 166 - حنفي، حسن: جمال الدين الأفغاني، المئوية الأولى، الهيئة العامة للكتاب، طبعة خاصة بمكتبة الأسرة، القاهرة، 1999 م. 167 - حيدر، علي حيدر: درر الحكام في شرح مجلة الأحكام، دار الجيل. 168 - الخالدي، الدكتور محمود: معالم الخلافة في الفكر السياسي الإسلامي، ط 1، دار الجيل، بيروت، 1404 هـ/1984 م. 169 - الخرشي: انظر العدوي.
170 - الخشني، محمد بن الحارث القيرواني، أبو عبد الله (ت نحو 366 هـ): - قضاة قرطبة وعلماء أفريقية، تحقيق إبراهيم الأبياري، المكتبة الأندلسية، ط 1، 1402هـ/1982 م. - أخبار الفقهاء والمحدثين، تحقيق ماريا لويسة آبيلا، مدريد، المجلس الأعلى للأبحاث العلمية، 1992 م. 171 - الخضري، محمد: - أصول الفقه، تحقيق نواف الجراح، دار صادر، بيروت، 2005 م. - الدولة العباسية، المكتبة التوفيقية، القاهرة. 172 - الخطيب، عبد الكريم: الخلافة والإمامة ديانة وسياسة، دراسة مقارنة للحكم والحكومة في الإسلام، ط 2، دار المعرفة، بيروت، 1975 م. 173 - الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، أبو بكر: تاريخ بغداد، دار الكتب العلمية، بيروت. 174 - الخطيب الشربيني، محمد بن أحمد: - الإقناع، تحقيق مكتب البحوث الدراسات بدار الفكر، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ. - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار الفكر، بيروت. 175 - الخلال، أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد، أبو بكر: السنة، تحقيق الدكتور عطية الزهراني، دار الراية، ط 1، الرياض، 1410 هـ. 176 - الخلف، سالم بن عبد الله بن عبد العزيز: العلاقات السياسية والثقافية بين الخلافة العباسية والإمارة الأموية في الأندلس (132 - 300هـ/751 - 912 م)، رسالة ماجستير، ضمن مقتنيات مكتبة الملك فهد بالرياض، المملكة العربية السعودية. 177 - الخوانساري الأصبهاني، محمد باقر الموسوي: روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، الدار الإسلامية، بيروت، 1991 م. 178 - الخيالي: حاشية الخيالي على شرح سعد الدين التفتازاني على العقائد النسفية، ضمن كتاب (الحواشي البهية على شرح العقائد النسفية)، مطبعة كردستان العلمية، مصر 1329 هـ. 179 - الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن، أبو محمد: سنن الدارمي، تحقيق فواز أحمد الزمرلي وخالد السبع العلمي، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407 هـ. 180 - الداني، عثمان بن سعيد المقرئ، أبو عمرو: السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها، تحقيق الدكتور ضياء الله بن محمد إدريس المباركفوري، دار العاصمة، ط 1، الرياض، 1416 هـ. 181 - الدباغ، عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الأسيدي، أبو زيد (ت 699 هـ): معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، أكمله وعلق عليه أبو الفضل أبو القاسم بن عيسى بن ناجي التنوخي (ت 837 هـ)، تصحيح وتعليق إبراهيم شبوح، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور ومحمد ماضور، ط 2، 1388 - 1392هـ/1968 - 1972 م. 182 - الدجاني، إلهام بنت محمد هاشم: العرب ودورهم السياسي والحضاري في الأندلس في عصر الإمارة المستقلة (138 - 300 هـ) - رسالة دكتوراه - كلية التربية للبنات بجدة، 1410 هـ/1990 م. 183 - الدرجيني: أحمد بن سعيد، أبو العباس: كتاب طبقات المشايخ في المغرب، تحقيق وطبع إبراهيم طلاي، 1974 م. 184 - الدردير، أحمد، أبو البركات: الشرح الكبير، تحقيق محمد عليش، دار الفكر، بيروت. 185 - الدريني، الدكتور فتحي: خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، ط 1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1982 م.
186 - الدسوقي، محمد بن عرفة الدسوقي: حاشية الدسوقي، تحقيق محمد عليش، دار الفكر، بيروت. 187 - الدمياطي، السيد البكري بن السيد محمد شطا، أبو بكر: حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين، دار الفكر، بيروت. 188 - الدينوري، أحمد بن داود، أبو حنيفة (ت 282 هـ): - الأخبار الطوال، تحقيق عبد المنعم عامر، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط 1، 1960 م. - الإمامة والسياسة، بدون معلومات الطبع. 189 - ديوز، محمد علي: تاريخ المغرب الكبير، ط 1، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1963 م. 190 - الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، أبو عبد الله (673 - 748 هـ): - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق الدكتور عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، ط 1، بيروت، 1407هـ/1987 م. - تذكرة الحفاظ، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت. - سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، ط 3، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406هـ/1986 م. - العبر في خبر من غبر، تحقيق صلاح الدين المنجد (ت 1339 هـ) وفؤاد سيد، التراث العربي، ط 2، 1406 هـ/1986 م. ومطبعة حكومة الكويت، ط 2، الكويت، 1948 م. - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1995 م. 191 - رابطة العالم الإسلامي إنجازات وتطلعات في خمسة وعشرين عاماً من 1962 إلى 1987 م، طبع رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، 1988 م. 192 - الرازي، عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس التميمي، أبو محمد: الجرح والتعديل، دار إحياء التراث العربي، ط 1، بيروت، 1271 هـ/1952 م. 193 - الرازي، فخر الدين محمد بن عمر (544 - 606 هـ): - الأربعين في أصول الدين، تحقيق أحمد الحجازي السقا، مكتبة الكليات الأزهرية، ط 1، القاهرة، 1986م. - اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، تحقيق علي سامي النشار، دار الكتب العلمية، بيروت، 1402 هـ. - التفسير الكبير للرازي، ط 2، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1414هـ/1993م. جزأين بمجلد. - المحصول في علم الأصول، تحقيق طه جابر العلواني، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، ... 1412 هـ/1992 م. - معالم أصول الدين، راجعه طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية. - مناقب الإمام الشافعي، تحقيق الدكتور أحمد السقا، المكتبة الأزهرية للتراث، ط 1، 2008 م. - محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين، راجعه طه عبد الرؤوف سعد، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1404هـ/1984 م. 194 - الراشد، عبد الجليل عبد الرضا: العلاقات السياسية بين الدولة العباسية والأندلس في القرنين الثاني والثالث للهجرة، ضمن مقتنيات مكتبة الملك فهد بالرياض، المملكة العربية السعودية. 195 - الراشد، منيرة عبد الرحمن شرقي: علماء الأندلس في القرنين الرابع والخامس الهجريين، دراسة في أوضاعهم الاقتصادية وأثرها على مواقفهم السياسية، مكتبة الملك فهد، الرياض، السعودية.
196 - رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء، تحقيق الدكتور عارف تامر، منشورات عويدات، ط 1، بيروت، باريس، 1415هـ/1995 م. 197 - رضا، أحمد: معجم متن اللغة، موسوعة لغوية حديثة، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، 1377هـ/1958 م. 198 - رضا، محمد رشيد: الخلافة، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1408هـ/1988 م. 199 - الرقيق القيرواني، إبراهيم بن القاسم، أبو إسحاق: تاريخ أفريقية والمغرب، تحقيق وتقديم المنجي الكعبي، 1968 م، تونس. 200 - رمضان، الدكتور عبد العظيم: الغزوة الاستعمارية للعالم الإسلامي، مكتبة الأسرة، القاهرة، 1999م. 201 - الرملي، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملي المنوفي المصري الأنصاري (919 - 1004هـ): - غاية البيان شرح زبد ابن رسلان، دار المعرفة، بيروت. - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، دار الفكر. معلومات الطبع: لا يوجد. 202 - الريس، الدكتور محمد ضياء الدين: - الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية، ط 5، دار التراث، القاهرة، 1985 م. - النظريات السياسة الإسلامية، ط 7، دار التراث، القاهرة، بدون تاريخ. - عبد الملك بن مروان والدولة الأموية، ط 2، مطابع سجل العرب، 1969 م. 203 - الزبيدي، محمد مرتضى: تاج العروس من جواهر القاموس، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1997 م. 204 - الزبير بن بكَّار (ت 256 هـ): الأخبار الموفَّقيَّات، تحقيق سامي مكي العاني، مطبعة العاني، بغداد، ط 2، عالم الكتب، بيروت، 1996 م. 205 - الزبيري، المصعب بن عبد الله بن المصعب، أبو عبد الله (ت 236 هـ): نسب قريش، عني بنشرة لأول مرة وتصحيحه والتعليق عليه إ. ليفه بروفنسال، ط 2، 1396 هـ/1976 م. 206 - الزحيلي، الدكتور وهبة: - التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، دار الفكر، دمشق، 1991 م. - الفقه الإسلامي وأدلته، ط 4، دار الفكر، دمشق، 1997 م. - نظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون الوضعي، ط 6، دار الفكر، دمشق، 2005 م. 207 - الزرقاء، مصطفى بن أحمد بن محمد (ت 1420 هـ): المدخل الفقهي العام (الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد)، دار القلم، ط 1، دمشق، 1418 هـ/1998 م. 208 - الزرقاني، محمد عبد العظيم: مناهل العرفان في علوم القرآن، تحقيق مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، ط 1، بيروت، 1996 م. 209 - الزركشي، بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الشافعي، أبو عبد الله (745 - 794 هـ): - البحر المحيط، قام بتحريره عبد الستار أبو غدةوراجعه عبد القادر العاني، دار الصفوة، ط 2، 1413هـ/1992 م. - المنثور في القواعد، تحقيق الدكتور تيسير فائق محمود، ط 2، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، 1405 هـ. - البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت، 1291 هـ.
210 - الزركلي، خير الدين: الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب، ط 6، دار العلم للملايين، بيروت، 1984 م. 211 - زلهايم، رودلف: فتنة عبد الله بن الزبير، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، مجلد 49، ج 4، أيلول 1974 م. 212 - الزمخشري الخوارزمي، جار الله محمود بن عمر، أبو القاسم: - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق محمد الصادق قمحاوي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1972 م. - الفائق في غريب الحديث، تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، ط 3، 1399 هـ/1979 م. 213 - سالم، الدكتور السيد عبد العزيز: العصر العباسي الأول، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية. 214 - سالم، عبد العزيز: - المغرب الكبير، 1401 هـ/1981 م. - في تاريخ وحضارة الإسلام في الأندلس، 1405هـ /1985م. 215 - السبحاني، جعفر: بحوث في الملل والنحل، دراسة موضوعية مقارنة للمذاهب الإسلامية، ط 2، الدار الإسلامية، بيروت، 1991 م. 216 - السبكي، عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، أبو النصر: طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق الدكتور محمود محمد الطناحي، والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر، ط 2، الجيزة، القاهرة، 1413هـ/ 1992 م. 217 - السجستاني، الداعي أبو يعقوب: الافتخار، تحقيق مصطفى غالب، ط 1، دار الأندلس، بيروت 1499هـ /1980 م. 218 - سرحان، عبد العزيز: الأصول العامة للمنظمات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968 م. 219 - السرخسي، محمد بن أحمد بن أبي سهل، أبو بكر: - المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1406 هـ. - أصول السرخسي، تحقيق أبو الوفا الأفغاني، دار المعرفة، بيروت، 1372 هـ. 220 - سرور، الدكتور محمد جمال الدين: - سياسة الفاطميين الخارجية، دار الفكر العربي، 1967 م. - مصر في عصر الدولة الفاطمية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، بدون تاريخ. 221 - السلاوي، أحمد بن خالد الناصري، أبو العباس (1250 - 1315 هـ): الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري، ط 1، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1954 م. 222 - سليم، محمد السيد: منظمة المؤتمر الإسلامي والقضية الفلسطينية، مجلة شؤون عربية، 1988 م. 223 - السنهوري، عبد الرزاق: فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1989 م. 224 - سيد، الدكتور أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر تفسير جديد، ط 2، الدار المصرية اللبنانية، 2000م. 225 - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، أبو الفضل (849 - 911 هـ): - الديباج على صحيح مسلم، تحقيق أبو إسحاق الحويني الأثري، دار ابن عفان، الخبر- السعودية، 1416هـ/1996 م.
- الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1403 هـ. - الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار الفكر، بيروت، 1993 م. - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، ط 2، بيروت، 1399هـ/1979 م. - تاريخ الخلفاء، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ط 1، مطبعة السعادة، مصر، 1371هـ/1952 م. - طبقات الحفاظ، دار الكتب العلمية، ط 1، 1403هـ، بيروت. 226 - السيوطي الرحيباني، مصطفى بن سعد (ت 1243 هـ): مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، المكتب الإسلامي، 1381هـ/1961 م. 227 - الشاطبي، إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، أبو إسحاق (ت 790 هـ): الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت. 228 - الشافعي، محمد بن إدريس، أبو عبد الله (150 - 204 هـ): - أحكام القرآن، تحقيق عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية، بيروت، 1400 هـ. - الأم (مع مختصر المزني)، ط 1، دار الفكر، بيروت، 1400 هـ / 1980 م. - الرسالة، تحقيق أحمد محمد شاكر، القاهرة، 1358 هـ/1939 م. - السنن المأثورة، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، دار المعرفة، ط 1، بيروت، 1406 هـ. 229 - الشربيني: انظر الخطيب الشربيني. 230 - الشرنبلالي، حسن الوفائي، أبو الإخلاص: نور الإيضاح ونجاة الأرواح، دار الحكمة، دمشق، 1985 م. 231 - الشرواني، عبد الحميد: حواشي الشرواني، دار الفكر، بيروت. 232 - الشريف المرتضى، علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى، أبو القاسم (ت 436 هـ): الشافي في الإمامة، تحقيق السيد عبد الزهراء الخطيب، ط 2، مؤسسة الصادق، طهران، 1407 هـ/1986 م. 233 - الشعراني، عبد الوهاب بن أحمد بن علي، أبو المواهب (ت 973 هـ): الميزان الكبرى، نسخة نادرة، المعلومات: بدون. 234 - الشعراوي، الدكتور أحمد إبراهيم: الأمويون أمراء الأندلس الأول، دار النهضة العربية، القاهرة، 1969 م. 235 - شهاب، مفيد: جامعة الدول العربية، ميثاقها وإنجازاتها، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1976 م. 236 - الشهاب القضاعي، محمد بن سلامة بن جعفر، أبو عبد الله: مسند الشهاب للقضاعي، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، ط 2، بيروت، 1407هـ/1986 م. 237 - الشهرستاني، عبد الكريم بن أبي بكر أحمد، أبو الفتح (ت 548 هـ): - نهاية الإقدام في علم الكلام، تحقيق ألفريد جيوم، مكتبة المتنبي، القاهرة. - الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، 1404 هـ. 238 - الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (1173 - 1250 هـ): - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، تحقيق محمد صبحي حلاق، ط 1، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، 1421هـ/2000م.
- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، دار الفكر، بيروت. - نيل الأوطار، دار الجيل، بيروت، 1973 م. 239 - الشيال، الدكتور جمال الدين: تاريخ مصر الإسلامية، دار المعارف، القاهرة، بدون تاريخ. 240 - الشَّيباني، أحمد بن عمرو بن الضحاك، أبو بكر: الآحاد والمثاني، تحقيق الدكتور باسم فيصل أحمد الجوابرة، دار الراية، ط 1، الرياض، 1411هـ/1991م. 241 - الشيباني، لمحمد بن عبد الهادي: مواقف المعارضة في خلافة يزيد بن معاوية، دراسة نقدية للروايات، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، 1412هـ/ 1992م. 242 - الشيرازي، إبراهيم بن علي بن يوسف، أبو إسحاق: - المهذب في فقه الإمام الشافعي، دار الفكر، بيروت. - طبقات الفقهاء، تحقيق خليل الميس، دار القلم، بيروت. 243 - صافي، لؤي: العقيدة والسياسة، معالم نظرية عامة في الدولة الإسلامية، دار الفكر، دمشق، 2001م. 244 - الصاوي، أحمد أبو العباس: بلغة السالك لأقرب المسالك، المعروف بحاشية الصاوي على الشرح الصغير، دار المعارف. 245 - صبري، مصطفى: - النكير على منكري النعمة، صححه وعلق عليه حسن السماحي سويدان، دار القادري، بيروت، 1991م. - موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، 1369 هـ/1950 م. 246 - الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك (ت 764 هـ): الوافي بالوفيات، باعتناء هلموت ريتر، إصدار جمعية المستشرقين الألمانية، 1411 هـ/1991 م. 247 - الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، أبو بكر: - تفسير القرآن، تحقيق الدكتور مصطفى مسلم محمد، مكتبة الرشد، ط 1، الرياض، 1410 هـ. - المصنف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، ط 2، بيروت، 1403 هـ. 248 - الضحاك، عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني (ت 287 هـ): السنَّة، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط 4، بيروت، 1419 هـ/1998 م. 249 - الطالبي، محمد: الدولة الأغلبية (التاريخ السياسي)، ترجمة المنجي الصيادي، دار الغرب الإسلامي، ط 1، بيروت، 1985 م. 250 - الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب، أبو القاسم: - المعجم الأوسط، تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، 1415 هـ. - المعجم الصغير، تحقيق محمد شكور محمود الحاج أمرير، المكتب الإسلامي ودار عمار، ط 1، بيروت وعمان، 1405هـ/1985 م. - المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، ط 2، الموصل، 1404هـ/1983 م. - مسند الشاميين، تحقيق حمدي السلفي، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405هـ/1984 م. 251 - الطبري، أحمد بن عبد الله بن محمد، أبو جعفر (615 - 694 هـ): الرياض النضرة في مناقب العشرة، تحقيق عيسى عبد الله محمد مانع الحميري، دار الغرب الإسلامي، ط 1، بيروت، 1996 م. 252 - الطبري، محمد بن جرير، أبو جعفر (224 - 310 هـ):
- تاريخ الأمم والملوك، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1407 هـ. - جامع البيان عن تأويل آي القرآن أو تفسير الطبري، دار الفكر، بيروت، 1405 هـ. 253 - الطبري، محمد بن جرير بن رستم الآملي (الشيعي): دلائل الإمامة، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، ط 1، قم، 1413 هـ. 254 - الطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة، أبو جعفر: شرح معاني الآثار، تحقيق محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1399 هـ. 255 - الطحطاوي، أحمد بن محمد بن إسماعيل الحنفي: - حاشية الطحطاوي على الدر المختار، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1395 هـ/1975 م. 256 - الطوسي، محمد بن الحسن المعروف بشيخ الطائفة، أبو جعفر (385 - 460 هـ): - الرسائل العشر، تحقيق واعظ زاده الخراساني، الناشر جامعة المدرسين، قم، 1404 هـ. 257 - الطوسي، نصير الدين محمد بن محمد (597 - 672هـ/1201 - 1274 م): تلخيص محصَّل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين، (المحصل لفخر الدين الرازي محمد بن عمر الخطيب) راجعه طه عبد الرؤوف سعد، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1404 هـ/1984 م. 258 - العاصمي، عبد الملك: سمط النجوم العوالي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419هـ/1998 م. 259 - العاملي، محمد بن الحسن الحر: الفصول المهمة في أصول الأئمة، تحقيق محمد بن محمد الحسين القائيني، مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا، ط 1، قم، 1418 هـ ق/1376 هـ ش. 260 - العبادي، الدكتور أحمد مختار: - دراسات في تاريخ المغرب والأندلس، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1989 م. - سياسة الفاطميين نحو المغرب والأندلس، مقال في صحيفة معهد الدراسات الإسلامية مدريد، المجلد الخامس، العدد 1 - 2، 1377هـ/1957 م. - تاريخ البحرية الإسلامية في مصر والشام بالاشتراك مع عبد العزيز سالم، مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية، 1993 م. 261 - العبادي، محمد بن أحمد، أبو عاصم (ت 458 هـ): طبقات الفقهاء الشافعية، معلومات الطبع: بدون. 262 - عبد الجبار: انظر: الأسد آبادي. 263 - عبد الحميد، سعيد زغلول: تاريخ المغرب العربي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1979 م. 264 - عبد الرازق، علي: الإسلام وأصول الحكم، دراسة محمد عمارة، ط 2، 1408 هـ/1988 م. 265 - عبد المولى، محمد: القوى السُنيَّة في المغرب من قيام الدولة الفاطمية إلى قيام الدولة الزيرية (296 - 361 هـ/909 - 972 م)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1985 م. 266 - العبدري، محمد بن يوسف، أبو عبد الله: التاج والإكليل، ط 2، دار الفكر، بيروت، 1398 هـ. 267 - العجلوني، إسماعيل بن محمد الجراحي: كشف الخفاء، تحقيق أحمد القلاش، مؤسسة الرسالة، ط 4، بيروت، 1405 هـ. 268 - العدوي، أحمد: موسى بن نصير مؤسس المغرب العربي، 1387 هـ/1967 م. 269 - العدوي، علي بن أحمد الصعيدي المالكي: - حاشية العدوي على هامش (الخرشي على مختصر سيدي خليل)، دار الفكر. - حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لشرح رسالة أبي زيد القيرواني في مذهب الإمام مالك، المكتبة العصرية، ط 1، صيدا/ بيروت، 1425 هـ/2005 م.
270 - العشماوي، محمد سعيد: الخلافة الإسلامية، سينا للنشر، القاهرة، 1990 م. 271 - العطيفي، جمال: السوق العربية المشتركة والسياسة الدولية، القاهرة، 1977 م. 272 - العقيلي: الضعفاء الكبير. 273 - العلوي، محمد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى: النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، تحقيق غالب الشابندر، مؤسسة الفجر، بيروت، 1991 م. 274 - علي، الدكتور حسن: دراسات في تاريخ المغرب والأندلس، مكتبة الشباب، 1998 م. 275 - علي بن محمد الوليد، والد الجميع (522 - 612 هـ): تاج العقائد ومعدن الفوائد، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1967 م. 276 - عليش، محمد بن أحمد (ت 1294 هـ): شرح منح الجليل على مختصر خليل، (توفي خليل بن إسحاق سنة 776 هـ) بهامشه حاشيته المسماة تسهيل منح الجليل، ط 1، 1404 هـ/1984 م. 277 - عليوة، السيد: - إدارة الصراعات الدولية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988 م. - الملك فيصل والقضية الفلسطينية، دارة الملك عبد العزيز، الرياض، السعودية، 1982 م. 278 - عمارة، الدكتور محمد: - نظرية الخلافة، ضمن موسوعة الحضارة العربية الإسلامية، عبد الرحمن بدوي وآخرون، المؤسسة العربية للدراسات، ط 1، بيروت، 1986 م. 279 - عنان، محمد عبد الله: - الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية في عصره، ط 2، مؤسسة الخانجي، القاهرة، 1959 م. - دولة الإسلام في الأندلس، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2001 م. 280 - العوفي، الدكتور محمد سالم بن شديد (ت 1374 هـ): العلاقات السياسية بين الدولة الفاطمية والدولة العباسية في العصر السلجوقي (447 - 567 هـ/ 1055 - 1171 م)، ط 1، 1402 هـ/1982 م. 281 - عويس، الدكتور عبد الحليم: بنو أمية بين الضربات الخارجية والانهيار الداخلي، رابطة الجامعات الإسلامية، ط 1، 1987 م. 282 - عياض، القاضي عياض بن موسى (ت 544 هـ): ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، تحقيق أحمد بكير محمود، بيروت، 1387 هـ/ 1967 م. 283 - عيسى، رياض: النزاع بين أفراد البيت الأموي ودوره في سقوط الخلافة الأموية، ط 1، 1406 هـ/1985 م. 284 - غالب، مصطفى: - تاريخ الدعوة الإسماعيلية، ط 2، دار الأندلس، بيروت، 1979 م. 285 - غالي، الدكتور بطرس بطرس: المدخل في علم السياسة للدكتورين، والدكتور محمود خيري عيسى، ط 5، 1396 هـ/1976 م. 286 - الغزالي، محمد بن محمد، أبو حامد (ت 505 هـ): - الاقتصاد في الاعتقاد، تحقيق محمد الفاتح فرفور، دارالفرفور، 1428هـ/2007 م. - المستصفى في علم الأصول، تحقيق محمد عبد السلام عبد الشافي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هـ.
- المنخول من تعليقات الأصول، تحقيق محمد حسن هيتو، دار الفكر المعاصر، ط 3، بيروت، لبنان، ودار الفكر، دمشق، 1419 هـ/1998 م. - قواعد العقائد، تحقيق موسى بن نصر، ط 2، عالم الكتب، بيروت، 1985 م. - فضائح الباطنية، تحقيق عبد الرحمن بدوي، مؤسسة دار الكتب الثقافية، الكويت. 287 - الغنيمي، محمد طلعت: قانون السلام في الإسلام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1989 م. 288 - الفراء، محمد بن الحسين بن محمد الحنبلي البغدادي، أبو يعلى (ت 458 هـ): - المعتمد في أصول الدين، تحقيق الدكتور وديع زيدان حداد، بيروت، دار المشرق، 1986 م. - الأحكام السلطانية، صحَّحه وعلَّق عليه محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1403هـ/1983 م. 289 - الفراهيدي، الخليل بن أحمد، أبو عبد الرحمن: العين، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، ط 2، 1409 هـ، مطبعة صدر، مؤسسة دار الهجرة. 290 - فرج الله، سمعان بطرس: دراسات في السياسة الخارجية المصرية، القاهرة، 1978 م. 291 - الفيروزأبادي، مجد الدين محمد: القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث، ط 1، بيروت: مؤسسة الرسالة، عام 1406هـ/1986 م. 292 - الفيلالي، الدكتور عبد العزيز: العلاقات السياسية بين الدولة الأموية في الأندلس ودول المغرب، ط 2، 1403 هـ/1983 م. 293 - الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المقري (ت نحو 770 هـ): المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، صححه مصطفى السقا، 1369هـ/1950 م. 294 - قاسم، أسعد وحيد: أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة، الغدير، بيروت، 1997 م. 295 - القاسم بن محمد بن علي الزيدي العلوي المعتزلي (ت 1029 هـ): الأساس لعقائد الأكياس في معرفة رب العالمين وعدله في المخلوقين وما يتصل بذلك من أصول الدين، تحقيق ألبير نصري نادر، ط 1، دار الطليعة، 1980 م. 296 - القرافي المالكي، أحمد بن إدريس، أبو عباس: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، ط 1، مكتبة الكليات الأزهرية ودار الفكر، القاهرة، بيروت، 1973 م. 297 - القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح، أبو عبد الله (600 - 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن المسمى بتفسير القرطبي، تحقيق أحمد عبد العليم البردوني، ط 2، دار الشعب، القاهرة، 1372 هـ. 298 - القزويني، عبد الكريم بن محمد الرافعي: التدوين في أخبار قزوين، تحقيق عزيز الله العطاردي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987 م. 299 - القضاعي، محمد بن عبد الله بن أبي بكر، أبو عبد الله: الحلة السيراء، تحقيق الدكتور حسين مؤنس، ط 2، دار المعارف، 1985 م، القاهرة. 300 - القفطي، جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف: إنباه الرواة على أنباء النحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، 2004 م، بيروت. 301 - قلعجي، محمد رواس: - الموسوعة الفقهية الميسرة لروَّاس قلعجي، بيروت، دار النفائس، 2000 م. - موسوعة فقه الإمام علي بن أبي طالب، ط 1، دمشق، دار الفكر، 1983 م.
302 - القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي: صبح الأعشى، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة. 303 - القلقشندي، أحمد بن عبد الله الشافعي: مآثر الإنافة في معالم الخلافة، تحقيق عبد الستار فراج، ط 2، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1985 م. 304 - قليوبي وعميرة، القليوبي، أحمد بن أحمد، شهاب الدين (ت 1069 هـ)، عميرة البرلسي أحمد (ت 957 هـ): حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلي (ت 864 هـ) على منهاج الطالبين للنووي، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، المكتبة التوفيقية، بدون تاريخ. 305 - القمي، سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري (ت 301): كتاب المقالات والفرق، تعليق الدكتور محمد جواد مشكور، مطبعة حيدري، طهران، 1963 م. 306 - القنوجي، محمد صديق حسن خان البخاري (1248 - 1307 هـ): - إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة، تحقيق مجموعة من الأساتذة، 1990 م. - الروضة الندية شرح الدرر البهية (الدرر البهية للشوكاني، ت 1250 هـ)، ط 1، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، 1423 هـ/2003 م. 307 - القيسي، ابن ناصر الدين شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد الدمشقي: توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي، ط 1، مؤسسة الرسالة، 1993 م، بيروت. 308 - القيسي، مكي بن أبي طالب القيسي، أبو محمد (355 - 437هـ): مشكل إعراب القرآن، تحقيق الدكتور حاتم صالح الضامن، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405 هـ. 309 - الكاساني، علاء الدين: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتاب العربي، ط 2، 1982 م. 310 - كامل، الدكتور أحمد: مصر بين المذهب السُّني والمذهب الإسماعيلي في العصر الفاطمي، رسالة دكتوراه بجامعة القاهرة، 1987 م. 311 - الكتاني، محمد بن جعفر (ت 1345 هـ): الرسالة المستطرفة، تحقيق محمد المنتصر محمد الزمزمي الكتاني، ط 4، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1406 هـ/1986 م. 312 - كحالة، عمر رضا: معجم المؤلفين، 1376هـ/1957 م. 313 - الكرماني، أحمد بن عبد الله، حميد الدين (ت 411 هـ): المصابيح في إثبات الإمامة، تحقيق مصطفى غالب، دار المنتظر، ط 1، بيروت، لبنان، 1416 هـ/1996 م. 314 - الكليني، ثقة الإسلام محمد بن يعقوب، أبو جعفر (ت 329 هـ): الكافي، تحقيق علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية آخوندي، ط 3، 1388 هـ. 315 - الكنَّاني، حمد بن أبي بكر بن إسماعيل: مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، تحقيق محمد المنتقى الكشناوي، دار العربية، ط 2، بيروت، 1403 هـ. 316 - الكندي، محمد بن يوسف المصري، أبو عمر: الولاة والقضاة. تحقيق حسن أحمد محمود، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة. 317 - كيرة، الدكتورة نجوى: حياة العامة في مصر في العصر الفاطمي، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة. 318 - لاسكي، هارولد: أصول السياسة، ترجمة محمود فتحي عمر، وإبراهيم لطفي عمر، القاهرة، دار المعرفة. 319 - اللاوندي، سعيد: عمائم وطرابيش، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2005م
320 - لبيب، لسلوى محمد: جامعة الدول العربية، (1945 - 1964 م)، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة القاهرة، 1971 م. 321 - لويس، برنارد: العرب في التاريخ، ترجمة نبيه أمين فارس، بيروت، 1954 م. 322 - المازندراني، محمد صالح (ت 1081 هـ): شرح أصول الكافي مع تعاليق الميرزا أبو الحسن الشعراني. 323 - المالقي، محمد بن يحيى بن أبي بكر الأندلسي (674 - 741 هـ): التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان، تحقيق الدكتور محمد يوسف زايد، دار الثقافة، ط 1، الدوحة، قطر، 1405 هـ. 324 - مؤنس، الدكتور حسين: - شيوخ العصر في الأندلس، توزيع مكتبة نصر، القاهرة، ديسمبر 1965 م. - معالم تاريخ المغرب والأندلس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 2004 م. - الثغر الأعلى الأندلس في عصر المرابطين، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1992. 325 - ماجد، الدكتور عبد المنعم: العصر العباسي الأول، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1973 م. 326 - مالك بن أنس، أبو عبد الله، الأصبحي: موطأ مالك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، مصر. 327 - المالكي، أبو الحسن: كفاية الطالب الرباني، تحقيق يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر، بيروت، 1412 هـ. 328 - المالكي، عبد الله بن أبي عبد الله، أبو بكر: رياض النفوس، تحقيق حسين مؤنس، القاهرة، 1951 م. 329 - الماوردي، علي بن محمد بن حبيب البصري، أبو الحسن (ت 450 هـ): - الأحكام السلطانية، دار الكتب العلمية. - أدب الدنيا والدين، تحقيق سعيد محمد اللحام، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1408هـ/1988 م. 330 - مبارك، جميل محمد: نظرية الضرورة الشرعية، ط 1، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة. 331 - المباركفوري، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم، أبو العلا: تحفة الأحوذي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1988 م. 332 - المتقي الهندي، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين البرهان فوري (ت 975): كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبطه وفسر غريبه بكري حياني، صححه ووضع فهارسه ومفتاحه صفوة السقا، ط 5، 1405 هـ/1985 م. 333 - متولي، عبد الحميد: مبادئ نظام الحكم في الإسلام مع المقارنة بالمبادئ الدستورية الحديثة، ط 1، دار المعارف، مصر، 1386 هـ/1966 م. 334 - المجلة العربية: الشيخ ابن باز، كتب من إعداد المجلة العربية، عدد 27، ربيع الأول 1420هـ/1999م. 335 - المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، ط 3، بيروت، لبنان، 1403 هـ/1983 م. 336 - مجموعة من الباحثين: التعريف بالمجمع الفقهي الإسلامي، منشورات رابطة العالم الإسلامي، 2006 م. 337 - مجموعة من الباحثين: الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت. 338 - مجهول: أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر أمرائها، لمؤلف مجهول، 1867 هـ، مدريد. 339 - مجهول: الخلافة وسلطة الأمة، لمؤلف مجهول، ترجمة عبد الغني سني بك، تقديم نصر حامد أبو زيد، دار النهر، القاهرة، 1995 م. 340 - مجهول: العيون والحدائق في أخبار الحقائق، تحقيق نبيلة عبد المنعم داود، 1392 هـ/1973 م.
341 - مجهول: سبب ذكر فتح الأندلس، مخطوط دار الكتب المصرية رقم 1876. 342 - مجهول: في ذكر بلاد الأندلس وصفاتها وأصقاعها، مخطوط، جامعة الملك سعود، المكتبة المركزية. 343 - مجهول: مفاخر البربر، دراسة وتحقيق عبد القادر بوباية، الدار البيضاء، دار أبي رقراق، 2005 م. 344 - المحلي + السيوطي، محمد بن أحمد + عبد الرحمن بن أبي بكر: تفسير الجلالين، ط 1، دار الحديث، القاهرة. 345 - محمد، الدكتور محمد حلمي: الخلافة والدولة في العصر العباسي، القاهرة، 1982 م. 346 - محمود، الدكتور حسن أحمد (بالاشتراك مع الدكتور أحمد إبراهيم الشريف): العالم الإسلامي في العصر العباسي، ط 3، دار الفكر العربي، 1977 م. 347 - محمود، فهمي عبد الجليل: العصر العباسي الأول، الفيوم، مكتبة النصر، ط 2، 1996 م. 348 - المراكشي، عبد الواحد: المعجب في تلخيص أخبار المغرب من لدن فتح الأندلس إلى آخر عصر الموحدين، تحقيق محمد سعيد العريان , محمد العربي العلمي، مطبعة الاستقامة، ط 1، القاهرة، 1368 هـ. 349 - مرداد، محمد عبد الحميد: أشعة الكوكب في حياة الخليفة ابن الزبير وأخيه المصعب، مطبعة السعادة، ط 1، 1399 هـ/1979 م. 350 - المرداوي، علاء الدين علي بن سليمان الحنبلي، أبو الحسن: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد، تحقيق محمد حامد الفقي، ط 2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1986 م. 351 - المرغيناني، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل، أبو الحسين: الهداية شرح بداية المبتدي، المكتبة الإسلامية، بيروت. 352 - المروزي، نعيم بن حماد، أبو عبد الله: كتاب الفتن، تحقيق سمير أمين الزهيري، مكتبة التوحيد، ط 1، القاهرة، 1412 هـ. 353 - المزي، جمال الدين يوسف، أبو الحجاج: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1998 م. 354 - مسعود، جبران: الرائد، معجم ألفبائي في اللغة والإعلام، دار العلم للملايين، بيروت، 2003 م. 355 - المسعودي، علي بن الحسين، أبو الحسن (ت 346 هـ): التنبيه والإشراف، بيروت، دار ومكتبة هلال، 1981 م. 356 - مسلم، مسلم بن الحجاج بن مسلم بن الورد القشيري، أبو الحسين (206 - 261 هـ): صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 357 - مظفر، الشيخ محمد رضا (1322 هـ): عقائد الإمامية، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر، قم، إيران. 358 - المعري، أبو العلاء: رسالة الغفران، تحقيق عائشة عبد الرحمن، دار المعارف، القاهرة، 1969 م. 359 - المغربي، محمد بن عبد الرحمن، المعروف بالحطاب الرعينيي، أبو عبد الله (902 - 954 هـ): مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، دار الفكر، ط 2، بيروت، 1398 هـ. 360 - المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد، أبو عبد الله (336 - 413هـ): - أوائل المقالات في المذاهب والمختارات، تحقيق إبراهيم الأنصاري الزنجاني الخوئيني، دار المفيد، بيروت، 1414 هـ. - النكت الاعتقادية، دار المفيد، ط 2، بيروت، 1414 هـ/1993 م.
361 - المقدسي، محمد، أبو حامد (ت 888 هـ): الرد على الرافضة، تحقيق أحمد الحجازي السقا، دار الجيل، ط 2، بيروت، والمكتب الثقافي، القاهرة، 1990 م. 362 - المقدسي، محمد بن أحمد: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم (مختارات)، تحقيق غازي طليمات، نشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1980 م. 363 - المقدسي، مطهر بن طاهر (ت 507 هـ): البدء والتاريخ، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة. 364 - المقري، أحمد بن محمد، شهاب الدين التلمساني (ت 1041 هـ): - أزهار الرياض في أخبار عياض (ت 544 هـ)، تحقيق مصطفى السقا وآخرون، القاهرة، 1939 م. - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968 م. 365 - المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي (ت 845 هـ): - اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، تحقيق الدكتور جمال الدين الشيال، والدكتور محمد حلمي محمد، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ط 2، القاهرة، 1996 م. - إغاثة الأمة بكشف الغمة، القاهرة، دار ابن الوليد، بدون تاريخ. - السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق الدكتور محمد مصطفى زيادة والدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، القاهرة. - المقفَّى الكبير، تحقيق محمد اليعلاوي، ط 1، دار المغرب الإسلامي، بيروت، 1987 م. - خطط المقريزي (أو المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار)، القاهرة، دار التحرير، 1970 م. 366 - مكي، محمود علي: - التشيع في الأندلس منذ الفتح حتى نهاية الدولة الأموية، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2004 م. 367 - مصر والمصادر الأولى للتاريخ الأندلسي، صحيفة معهد الدراسات الإسلامية، المجلد الخامس، مدريد، 1377هـ/1975 م. 368 - الملطي، محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، أبو الحسين (ت 377 هـ): التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، قدم له محمد زاهد الكوثري، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، 1418 هـ / 1997 م. 369 - المناوي، عبد الرؤوف: فيض القدير شرح الجامع الصغير، المكتبة التجارية الكبرى، ط 1، مصر، 1356 هـ. 370 - المناوي، محمد عبد الرؤوف: التعاريف أو التوقيف على مهمات التعريف، تحقيق محمد رضوان الداية، دار الفكر، ط 1، دمشق، 1410 هـ. 371 - المودودي، أبو الأعلى: الخلافة والملك، تعريب أحمد إدريس، دار القلم، الكويت، 1978 م. 372 - النبهاني، تقي الدين: الخلافة، بدون تفاصيل. 373 - النحاس، أحمد بن محمد بن إسماعيل، أبو جعفر: صناعة الكُتَّاب، تحقيق الدكتور بدر أحمد ضيف، دار العلوم العربية، بيروت، لبنان، ط 1، 1410هـ/1990 م. 374 - النسائي، أحمد بن شعيب، أبو عبد الرحمن: - السنن الكبرى، تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1411 هـ/1991 م. - سنن النسائي (المجتبى)، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، ط 2، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1406 هـ/1986م. - فضائل الصحابة، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1405 هـ.
375 - النسفي، عبد الله بن أحمد بن محمود، أبو البركات: تفسير النسفي، معلومات الطبع: بدون. 376 - نصر بن مزاحم بن سيار المنقري، (ت 212 هـ): وقعة صفين، تحقيق عبد السلام هارون (توفي سنة 1408 هـ)، المؤسسة العربية الحديثة للطبع، ط 2، 1382 هـ. 377 - نعيم بن حماد المروزي، أبو عبد الله (ت 288 هـ): الفتن، تحقيق سمير أمين الزهيري، مكتبة التوحيد، ط 1، القاهرة، 1412 هـ. 378 - النفراوي، أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي المالكي: الفواكه الدواني، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ. 379 - النمري، خلف بن سليمان: إسهامات رابطة العالم الإسلامي في بناء اقتصاد إسلامي، بحث مقدم للمؤتمر الثالث للاقتصاد الإسلامي، مكة المكرمة، 1426هـ/2005 م. 380 - النوبختي، الحسن بن موسى، أبو محمد (ت 310 هـ): فرق الشيعة، فيه مذاهب فرق أهل الإمامة وأسماؤهم وذكر أهل مستقيمها من سفيهها، علق عليه محمد صادق آل بحر العلوم، ط 2، منشورات دار الأضواء، بيروت، لبنان، 1404 هـ/1984 م. 381 - النووي، محي الدين يحيى بن شرف النووي الدمشقي الشافعي، أبو زكريا (631 - 676 هـ): - المجموع، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. - تهذيب الأسماء واللغات، دار الكتب العلمية، 1990 م. - روضة الطالبين وعمدة المفتين، المكتب الإسلامي، ط 2، بيروت، 1405 هـ. - صحيح مسلم بشرح النووي، دار إحياء التراث العربي، ط 2، بيروت، 1392 هـ. - منهاج الطالبين، تحقيق الدكتور أحمد الحداد، دار البشائر الإسلامية، ط 1، بيروت، لبنان، 1421هـ/2000 م. 382 - النيسابوري، أحمد بن إبراهيم (ولد أواخر القرن الرابع الهجري، توفي أوائل القرن الخامس الهجري): إثبات الإمامة، تحقيق الدكتور مصطفى غالب، ط 1، دار الأندلس، بيروت، 1404هـ/1984 م. 383 - النيسابوري، الإمام جمال الدين عبد الرحمن بن المأمون المتولي، أبو سعيد (426 - 478 هـ): الغنية في أصول الدين، تحقيق عماد الدين أحمد حيدر، مؤسسة الخدمات والأبحاث الثقافية، ط 1، بيروت، 1987 م. 384 - النيسابوري، محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ/1990 م. 385 - هاشم، أحمد عمر: المحدثون في مصر والأزهر ودورهم في إحياء السنة النبوية الشريفة، بالاشتراك مع الحسيني عبد المجيد هاشم، ط 2، مكتبة غريب، القاهرة، 1413 هـ/ 1993 م. 386 - الهديب، فريال بنت عبد الله بن محمود: صورة يزيد بن معاوية في الروايات الأدبية، دراسة نقدية، ... ط 1، 1416هـ/1995 م. 387 - الهروي، القاسم بن سلام، أبو عبيد (ت 224 هـ): غريب الحديث، تحقيق حسين محمد محمد شرف، 1404 هـ/1984 م. 388 - الهروي، محمد بن أحمد الأزهري: تهذيب اللغة للأزهري، تحقيق رشيد عبد الرحمن العبيدي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975 م. 389 - هلال، علي الدين، وآخرون: السياسة الخارجية للدول العربية، مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة، 1994 م. 390 - الهلالي، سليم بن قيس العامري الكوفي (2 قبل الهجرة-76 هـ): كتاب سليم بن قيس، تحقيق محمد باقر الأنصاري الزنجاني الخوئيني، 1420 ق.
391 - الهيثمي، نور الدين، علي بن أبي بكر، أبو الحسن (ت 807 هـ): - مجمع الزوائد، دار الريان للتراث، دار الكتاب العربي، القاهرة، بيروت، 1407 هـ. - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية، بيروت. 392 - الواحدي، علي بن أحمد، أبو الحسن: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم والدار الشامية، ط 1، دمشق وبيروت، 1415هـ. 393 - الوزان، أحمد بن عبد الرحمن: الأثر السياسي والحضاري للحياة الفكرية في الأندلس خلال العصر الأموي (138 - 422 هـ/756 - 1031 م)، رسالة ماجستير، جامعة الإمام سعود بالرياض، 1413 هـ. 394 - ياسين، السيد: الإمبراطورية الكونية، شركة نهضة مصر، القاهرة، 2004 م. 395 - ياسين، عبد السلام: الخلافة والملك، على النت. 396 - اليافعي، عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان، أبو محمد (ت 768 هـ): مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، ط 2، 1390 هـ/1970 م. 397 - ياقوت، شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي، أبو عبد الله (ت 626 هـ): معجم البلدان، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، ط 1، دار الكتب العلمية، 1410هـ/1990 م، بيروت، لبنان. 398 - اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر العباسي: تاريخ اليعقوبي، دار صادر، بيروت. 399 - اليماني، محمد: سيرة الحاجب جعفر، وخروج المهدي من سلمية إلى سلجماسة وخروجه منها إلى رقادة، تحقيق إيفانوف، مجلة كلية الآداب الجامعة المصرية، 1936 م. 400 - يوجه سوي، خير الدين: تطور الفكر السياسي عند أهل السنة، دار البشير، عمان، 1413هـ/1993م. 401 - يونس، محمد مصطفى: نظام المراقبين في المنظمات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1990م.