تعاون الدعاة وأثره في المجتمع

ابن عثيمين

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله ـ تعالى ـ بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد.. موضوع الرسالة أيها الإخوة: فإنه يسرّني في هذه الليلة.. ليلة الثلاثاء الموافق الثاني من شهر ربيع الثاني عام عشرة وأربعمائة وألف، أن أحضر إلى هذا المكان.. إلى صالة كليّة أصول الدين في الرياض التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعل هذا الحضور وهذا اللقاء مباركًا نافعًا.. أيها الإخوة: إن موضوع الرسالة، كما هو معلوم للجميع أو لأكثرهم هو: «تعاون الدعاة وأثره في المجتمع» ولا شكَّ أن الدعوة إلى الله لها مرتبة عظيمة في شريعة الله، فإنَّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ قال في كتابه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم قولاً أمره أن يبلغه إلى الأمة أمرًا خاصًّا، فقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] .

والنبي صلى الله عليه وسلّم مأمور أن يقول بكل القرآن، أن يبلغ كلام الله إلى عباد الله، ولكن إذا كان الأمر ذا أهمية، فإن الله ـ تعالى ـ يوجه أمرًا خاصًّا إلى رسوله صلى الله عليه وسلّم ليقوم بتبليغه إلى الأمة، ولهذا أمثلة في كتاب الله مثل هذه الاية التي تلوت، ومثل قوله ـ تعالى ـ: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ...

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ومثل قوله تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} وغير هذه الايات كثير، لكن المهم أنه ينبغي أن نعلم أن الله إذا صدّر الأمر بالقول إلى محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ فإن ذلك يقتضي عناية خاصة فيما وقع فيه هذا القول ...

خصائص الداعية

يقول الله ـ تعالى ـ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} والمشار إليه هو المستفاد من قوله: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فالنبي صلى الله عليه وسلّم، كإخوانه من سائر النبيين والمرسلين، تبوؤا هذا المقام العالي العظيم، وهو مقام الدعوة إلى الله.. لكنها دعوة على بصيرة فيما يدعون إليه.. وعلى بصيرة في حال من يدعونهم.. وعلى بصيرة في أسلوب الدعوة.. لابد من هذه البصائر الثلاث. البصيرة فيما يدعون إليه، والبصيرة في حال المدعو. والبصيرة في أسلوب الدعوة، وإذا تمت هذه الأمور الثلاثة؛ صارت الدعوة دعوة محمد صلى الله عليه وسلّم، وإذا اختل منها واحد؛ نقص من كمالها بقدر ما اختل من هذه الأمور الثلاثة يقول الله ـ تعالى ـ في هذه الاية: {عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} . خصائص الداعية

فكل من اتبع النبي صلى الله عليه وسلّم فإنه لا يُكتفى باتباعه، أن يقوم بالعبادات الخاصة. من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج وبر والدين، وصلة رحم، بل لابد أن يكون داعية إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بحاله ومقاله.. ولابُدَّ أن يكون أيضًا داعية إلى الله على بصيرة.. بحال من يدعوهم..؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لمّا بعث معاذًا إلى اليمن، قال له: «إنك ستأتي قومًا أهل كتاب..» (¬1) وأخبره بحالهم؛ ليكون مستعدًّا لملاقاتهم.. حتى ينزل كل إنسان منزلته، ولا ريب أنَّ كل إنسان عاقل.. يعلم الفرق بين دعوة الإنسان الجاهل، ودعوة الإنسان المعاند المكابر، ولهذا قال الله ـ تعالى ـ {وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُواْ آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46] ، فالذين ظلموا لا نجادلهم بالتي هي أحسن، وإنما نجادلهم بما يليق بحالهم، وظلمهم، ولابُدَّ أن يكون الداعية عالمًا بأسلوب الدعوة.. وكيف يدعو الناس.. وهذا أمرٌ مهم جدًّا، بالنسبة للدُّعاة.. ¬

_ (¬1) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، رقم (91) .

كيف يدعون الناس؟ هل يدعون الناس بالعنف، والشدِّة، والقدح فيما هم عليه، وسب ما ينتهجونه؟! أو يدعون الناس باللين والرفق، وتحسين ما يدعونهم إليه دون أن يقبوحهم فيما هم عليه من منهج وسلوك؟ نستمع يقول الله ـ تعالى ـ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم بل لعباده، لجميع المؤمنين: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 108] . نحن نعلم جميعًا أن سب آلهة المشركين أمرٌ مطلوب؛ لأنها آلهة باطلة، كما قال الله ـ تعالى ـ: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62] .

وسبّ الباطل، وبيان منزلته للناس أمرٌ مطلوب لابد منه.. ولكن إذا كان يترتب على ذلك مفسدة أكبر، مع إمكان زوال الباطل بدون هذه المفسدة.. فإن الله يقول: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ومعلوم أنهم إذا سبُّوا الله فإنهم يسبونه عدوًا بغير علم، بل نعلم أن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ منزه عن كل عيب، ونحن إذا سببنا آلهتهم، فقد سببناها بحق، ومع ذلك نهى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ عن هذا الحقِّ خوفًا من هذا الباطل العادي؛ لأنه شر، وبناءً على ذلك فإذا رأى الداعية شخصًا على أمرٍ يرى هذا الداعية أنه باطل، وصاحبه يرى أنه حق، فليس من طريق الدعوة التي أرشد الله إليها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلّم أن يقدح فيما هو عليه، من مذهب أو نحلة؛ لأن ذلك ينفره، وربما يؤدي إلى أن يسب ما أنت عليه من الحق؛ لأنك سببت ما هو عليه من الباطل الذي يعتقده حقًّا، ولكن الطريق: أن أبين له الحق، وأشرحه له؛ لأن كثيرًا من الناس، ولا سيما المقلدون، قد يخفى عليهم نور الحق.. بما غشيهم من الهوى والتقليد، لذلك أقول: يبين الحق ويوضح، ولا شك أن الحق تقبله الفطر السليمة؛ لأنه دين الله وشرعه.. فلابد أن يؤثر هذا الحق ... أن يؤثر في المدعو.. لا أقول: إنه يؤثر في الحال؛ لأن هذا قد يكون من الأمور الصعبة.. لكن قد يؤثر ولو بعد حين.. قد يفكر هذا المدعو فيما دُعِيَ إليه، مرةً بعد أخرى حتى يتبين له الحق، فالمهم أن الداعية لابد أن يكون ذا بصيرة بما يدعو إليه في الأسلوب الذي يدعو إليه الناس؛ لأن هذا أمر مهم بالنسبة لقبول الدعوة ورفضها..

تخلق الداعية بما يدعو إلية

ولا يخفى علينا جميعًا ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلّم في كيفية الدعوة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالتي هي أحسن، لا يخفى علينا قصة الأعرابي الذي جاء فبال في طائفة من المسجد ـ فزجره الناس وأنكروا عليه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلّم قال: «دعوه ولا تزرموه ... » (¬1) فلما فرغ من بوله.. أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بما تزول به هذه المفسدة، وهي أن يصب عليه ذنوبٌ من ماء، أي: دلو أو شبهه، ثم دعا الأعرابيّ، وقال له: «إن هذه المساجد، لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله ـ عزَّ وجلَّ ـ والصلاة، وقراءة القرآن (¬2) » أو كما قال صلى الله عليه وسلّم. فتأمل هذه الدعوة إلى الحق بهذا الأسلوب.. ماذا تتصور من حال هذا الأعرابي الذي دعاه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى تعظيم المساجد.. بهذا الأسلوب الليّن السهل، إنك لن تتصور إلاَّ أن هذا الأعرابي سيقبل وسيطمئن وسيرتاح، وسيجد الفرق بين ما قام به الصحابةـ رضي الله عنهم ـ من الزجر، وما قام به النبي صلى الله عليه وسلّم من التعليم الهادئ، الذي ينشرح فيه الصدر، ويطمئن به القلب.. تخلق الداعية بما يدعو إلية ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، رقم (5026) ، ومسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات، رقم (482) . (¬2) رواه مسلم، كتاب الطهار، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات، رقم (582)

أن يكون بصيرا بما يدعو اليه

إنه يجب على الداعية أيضًا أن يكون هو أول من يتخلق بما يدعو إليه.. لأنه إذا كان يدعو إلى حق، فإن من الحمق البالغ أن يخالف ذلك الحق، وإن كان يدعو إلى باطل، فإن ذلك أشد وأقبح، أن يدعو الناس إلى الضلال، وإلى الشر، فحال الداعية إذا كانت مخالفة لدعوته، لا شكَّ أنه مؤثر في دعوته في ألاَّ تقبل، فإن الناس ينظرون إلى الدعاة غير نظرهم إلى سائر الناس، إذا رأوا الداعية يدعو إلى شيء، ولكنه لا يقوم به، فسيكون عندهم شك فيما دعا إليه، أهو حق أو باطل؟! لأنه سيقول المدعو: إذا كان حقًّا فلماذا لا يفعله.. وحينئذٍ يقل قبول الناس له.. مع ما يلحقه من الإثم العظيم في كونه يدعو ولكنه لا يفعل، يقول الله ـ تعالى ـ منكرًا على بني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] . إذن.. فليس من العقل أن يأمر الإنسان غيره بالبر وينسى نفسه.. لأنه إذا كان برًّا، فليكن هو أول من يدعو إليه، هو أول من ينفذه، هو أول من يقوم به، حتى يكون داعية للناس بمقاله وبحاله.. أن يكون بصيرا بما يدعو اليه ومما يجب على الداعية أن يكون بصيرًا بما يدعو إليه، فلا يتكلم إلاَّ بما يعلم أنه الحق، أو بما يغلب على ظنه أنه الحق، إذا كان هذا الشيء الذي يدعو إليه مما يسوغ فيه الظن، أما أن يدعو بجهل؛ فإنه يهدم أكثر مما يبني، مع أنه آثم إثمًا كبيرًا، يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36] .

لا تتبع شيئًا لا علم لك به؛ لأنك مسؤول.. ويقول ـ عزَّ وجلَّ ـ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] . ونحن نسمع عن بعض الدعاة، أنهم يدعون إلى أمر يجانبون فيه الصواب.. ونعلم أو يغلب على ظنناـ أنهم لم يدعو إلى هذا الشيء عن علم واختيار منهم له.. ولكنه عن جهل.. فيحصل بذلك مفسدتان عظيمتان.. المفسدة الأولى: قبول هذا الباطل الذي دعا إليه هذا الداعية، عن غير علم. المفسدة الثانية: رد الحق المبني على العلم، كما نشاهد أو نسمع عن بعض الناس في تحريم أشياء ليس لديهم برهان من الله على تحريمها، أو إيجاب أشياء ليس عندهم فيها برهان من الله على إيجابها، فإذا سمع العامّة هذا الداعية يقول بهذا وهم يحسنون الظن به.. رَدّوا الحق الذي عند غيره، وقبلوا هذا الباطل، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نسمع من يقول: إنه لا يجوز استعمال آلات التسجيل، ولماذا؟ قال: لأن هذا ليس موجودًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم فهل هذا الدليل الذي استدل به، هل له وجه في استدلاله به؟

أن يكون صبورا

الجواب عليه: ليس له وجه، وذلك لأن هذا ليس من الأمور التعبدية.. حتى نقول إنه إذا لم يثبت شرعيته فهو مردود، بل هو من أمور الوسائل المباحة على الأصل؛ لأن الأصل فيما عدا العبادات الأصل فيه الإباحة. والأصل في الأشياء حل وامنِع عبادةً إلاَّ بإذن الشارع الأصل فيما عدا العبادات هو الحل، ثم هذا الشيء الذي حكمنا بحله.. قد يكون وسيلة إلى أمر مطلوب فيكون مطلوبًا، وقد يكون وسيلة إلى أمر منكر فيكون منكرًا، فآلات التسجيل مثلاً، إذا سجل فيها الخير، فلا شك أنها خير، وفي عهد الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كانوا يسجلون القرآن بالكتابة.. وهذه وسيلة، أما الان فنسجل بالكتابة، ونسجل بالصوت، وهذه وسيلة. من نعم الله علينا (فيما أرى) ، كم حفظ فيها من العلم، وكم استفاد منها السامع، فكيف يمكن لداعية أن يقوم ويقول للناس: إنّ هذا أمرٌ منكر، هذا أمر بدعة، هذا أمر لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لو أننا سلكنا هذا المسلك؛ لألغينا كثيرًا من الأمور التي فيها مصالح ظاهرة للمسلمين، أمثال ذلك كثير، ولا أحب أن أطيل بها، لكن الذي أريد أن أؤكد عليه، هو أنه يجب على الداعية أن يكون بصيرًا في دين الله عزَّ وجلَّ، حتى لا يدعو إلى منكر وهو لا يعلم، أو لا يحذّر من معروف وهو لا يعلم، والحمد لله الشيء الذي لا تدعو إليه اليوم وتؤجله إلى الغد بعد أن تتأمل في النصوص والأدلة خيرٌ لك من أن تتعجل وتقول فيما لا تعلم، هذه مسائل عامة بالنسبة للداعية أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، وفي حال من يدعوهم، وفي أساليب الدعوة. أن يكون صبورا

لا ينبغي أن يكون داعية لشخص

ومما يجب أن يكون عليه أيضًا الداعية أن يكون صبورًا على ما يناله من أذًى قولي أو فعلي؛ لأن الداعية إلى الخير، لابد أن يكون له أضداد، يكرهون ما يدعو إليه، كما قال الله ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان: 31] ، كل نبي له عدو من المجرمين، لا من أجل شخصه، ولكن من أجل نبوته، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل أن يبعث ويرسل، كان عند قريش الصادق الأمين، ولمّا بعث بشريعة الله؛ صار عندهم الكذَّاب، الساحر، الشاعر، الكاهن، المجنون، إلى آخر ما يلقبونه به من ألقاب السوء، يقول الله ـ عزَّ وجلَّ ـ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان: 31] ، لماذا لشخصه، أو لنبوته؟ لنبوته فكل من أخذ بمنهاج النبي؛ فلابد أن يكون له عدو من المجرمين، وإذا كان له عدو، فلابد أن يحرص هذا العدوّ على إيذائه بكل ما يستطيع، من قول أو فعل، ولكن على الداعية أن يصبر، ويحتسب، ويؤمل ويرجو نصر الله ـ عزَّ وجلَّ ـ والعاقبة الحميدة. لا ينبغي أن يكون داعية لشخص

من آداب الدعاة

ثم إن الداعية لا ينبغي أن يكون داعية لشخصه، بل يجب أن يكون داعية إلى الله، بمعنى أنه لا يهمه أن ينتصر أو أن يقبل قوله في حياته، أو بعد مماته، المهم أن ما يدعو إليه من الحق يكون مقبولاً لدى الناس، سواء في حياته أو بعد موته، صحيح أن الإنسان يُسر وينشط إذا قبل الحق الذي يدعو إليه في حياته، لكن إذا قُدِّر أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ابتلاه ليعلم صبره من عدم الصبر، ابتلاه بعدم القبول المباشر أو السريع، فليصبر وليحتسب، وما دام يعلم أنه على الحق، فليثبت عليه، وتكون العاقبة له، خلافًا لبعض الدعاة، الذين إذا سمعوا قولاً يؤذيهم، أو فُعِلَ فيهم فِعْلٌ يؤذيهم، نكصوا أو ترددوا أو شكّوا فيما هم عليه، وقد قال الله ـ تعالى ـ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس: 94] . الإنسان الداعية إذا لم يجد قبولاً حاضرًا ربما ينكص على عقبيه، أو يتشكك ويتردد، هل هو على حق أو ليس على حق؟! ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد بيَّن الحق، وجعل للحق منارًا معلومًا، فإذا علمت أنك على حق فاثبت، وإن سمعت ما تكره، أو رأيت ما تكره، فاصبر فإن العاقبة للمتقين.. من آداب الدعاة

ومن آداب الدُّعاة التي يجب أن يكونوا عليها هو تعاونهم، تعاونهم فيما بينهم، لا يكن همّ الواحد منهم أن يقبل قوله ويُقدم على غيره، بل يكن همّ الداعية أن تُقبل الدعوة، سواء صدرت منه أو صدرت من غيره، ما دُمتَ تريد أن تعلو كلمة الله، فلا يهمنك أن تكون من قِبَلكِ أو من قِبَلِ غيرك، صحيح أن الإنسان يحب أن يكون الخير على يده، لكن لا يكره أن يكون الخير على يد غيره، بل يجب أن يحب أن تعلو كلمة الله، سواء على يده أو يد غيره، وإذا بنى اتجاهه على هذا؛ فسوف يعاون غيره في الدعوة إلى ... الله، وإن تقدَّم قَبُول الناس لغيره على قبولهم إياه. الواجب على الدعاة أن يكونوا يدًا واحدة، يتساعدون، ويتعاونون، ويتشاورون فيما بينهم، وينطلقون انطلاقًا واحدًا، ويقومون لله مثنى وثلاث ورباع {قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46] . وإذا كنَّا نرى أن دعاة الشرّ والسوء يجتمعون ويتحدون ويخططون، فلماذا لا يعمل الدعاة هذا العمل، حتى يرشد بعضهم بعضًا فيما يخطئ فيه الآخر من علم أو وسيلة دعوة أو ما أشبهه ذلك؟! ونحن إذا نظرنا إلى نصوص الكتاب والسنة؛ وجدنا أنَّ الله ـ تعالى ـ وصف المؤمنين بأوصاف تدل على أنهم متحدون متعاونون، قال الله ـ تعالى ـ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71] .

وقال ـ تعالى ـ: {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 104، 105] . إنَّ الشيطان يلقي في قلب الداعية شيئًا من كراهة داعية مثله إذا نجح في دعوته، لا يحب أن يكون مثله في نجاح الدعوة، بل يكره أن يتقدم هذا في النجاح، وقبول الناس له، ولهذا قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في تفسير الحسد: إنَّ الحسد أن تكره نعمة الله على غيرك، وإن كان معروفًا عند العلماء أن الحسد تمني زوال النعمة عن الغير، بل نقول: الحسد كراهة نعمة الله تعالى على غيرك، سواء تمنيت زوالها أم لم تتمنَ، فأنت أيها الإنسان يجب عليك أن تعاون أخاك الداعية في دعوته، حتى وإن تقدم عليك ونجح في دعوته، ما دمت تريد أن تكون كلمة الله هي العُليا، واعلموا أيها الإخوة أن دُعاة السوء والشر يحبون أن يتفرق دُعاة الخير؛ لأنهم يعلمون أن اتحادهم وتعاونهم سبب لنجاحهم، وأن تفرقهم سبب لفشلهم، قال الله ـ تعالى ـ: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46] .

ولا ريب أن كل واحدٍ منا معرّض للخطأ، فإذا رأينا من أحدنا خطأً؛ فلنتعاون على إزالة هذا الخطأ بالاتصال به، وبيان هذا الخطأ، وقد يكون الخطأ خطأً في ظننا، ولكنه في الواقع ليس بخطأ، فيبين لنا هذا خطأنا في ظننا أنه خطأ، أما أن نأخذ من خطئه سببًا للقدح فيه، والتنفير عنه، فإن هذا ليس من سمات المؤمنين، فضلاً عن كونه من سمات الدعاة إلى الله عزَّ وجلَّ، ولا أحد يشك أننا في هذه السنوات القريبة بدأ الشباب ـ ولله الحمد ـ ينطلق منطلقًا سليمًا للدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، ولكن حصل فيه شيءٌ من الخطأ، في أنَّ بعض الشباب الآن صار ينطلق من منطلق وحده، ولا يبالي برأي غيره، بل هو معجبٌ بما عنده من العلم والفكر، وإن كان على جانب كبير من الجهل بعلمه، والخطأ في فكره، فتجده يحتقر غيره، ولا ينصاع لما معه من الحق، حتى لو ذُكر له إمامٌ من أئمة المسلمين المشهود لهم بالعلم والدين والأمانة، قال: ومن هذا، أليس رجلاً وأنا رجل؟! مع العلم بأن ما ذهب إليه مما ادَّعى أنه من رجولته مبني على قلة البصيرة والعلم، فتجده لا يجمع بين أطراف الأدلة مثلاً: يأخذ بدليل، ولا سيما إذا كان هذا الدليل يدل على حكم غريب، يأخذ به، ويدع ما سواه، ولا يرعوي أو ينصاع إذا قيل له فكّر في الأمر، انظر في الأدلة، انظر إلى خلاف جمهور العلماء مثلاً، ولكنه لا يفكّر، وهو أيضًا يعامل إخوانه الدعاة هذه المعاملة، يجد أن غيره إذا خالفه، فهو على باطل، وهو الذي على الحق، كأنما يوحى إليه.

ولا شكَّ أن هذا المنهج منهجٌ غير سديد، فلا يجوز للإنسان أن يعتقد خطأ غيره، وأنَّ الصواب معه في أمورٍ تقبل الاجتهاد؛ لأنه إذا اعتقد ذلك فكأنما تنصّب منصب النبوة والرسالة والعصمة، فالخطأ جائز على غيرك، هو جائز عليك، والصواب الذي تدّعيه لنفسك يدّعيه غيرك، وقد يكون الصواب مع غيرك، والخطأ معك، ومن ثَمَّ صار بعض الشباب الان ينتمي إلى طائفةٍ معيَّنة، أو إلى عالمٍ معيّن ينتصر له، ويأخذ بقوله، سواء كان صوابًا أم خطأً، وهذا في الواقع مما يشتت الأمة، ويضعف العزيمة، ويجعل هؤلاء الشباب المقبل على الله محلّ هزء وسخرية لأهل الشر والسوء. فالواجب علينا أن نكون كما أمر الله، بل أن نكون كما وصفنا الله {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} وأن تكون كلمتنا واحدة، ولست أقول: إنه يجب أن يكون قولنا واحدًا بمعنى ألاَّ يقع بيننا خلاف فيما يسوغ فيه الخلاف؛ لأن هذا أمرٌ لا يمكن، لكن أقول: إنه إذا وقع بيننا خلافٌ فيما يسوغ فيه الخلاف، يجب ألاَّ يؤدي هنا إلى اختلاف القلوب، بل تكون القلوب واحدة، والموالاة بيننا قائمة، والمحبة ثابتة، ولو اختلفنا فيما يسوغ فيه الاجتهاد.

وأضرب لهذا مثلاً، في مسألة تعتبر يسيرة بالنسبة للمهمات من الإسلام، كمسألة الجلوس في الصلاة عند القيام إلى الركعة الثانية، أو القيام إلى الركعة الرابعة، فإنَّ من أهل العلم من يرى أنه سنة، ومن العلماء من يرى أنه ليس بسنة، ومن العلماء من يفصّل، والخلاف في هذا مشهور، لكن إذا كان صاحبي ومشاركي في الدعوة، إذا كان يرى أن الجلوس سنة، وأنا لا أرى أنَّه سنة، وجلس ولم أجلس أنا، فهل يسوغ لنا أن نجعل من هذا الخلاف سببًا لكراهة بعضنا بعضًا؟! أو للتشهير أو للتشنيع؟ لا والله لا يسوغ، وإذا كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ اختلفوا في أمرٍ أكبر من هذا، وأهمّ وأعظم، ولم ينفّر بعضهم عن بعض، ولم يكره بعضهم بعضًا.. فما بالنا نحن، يكره بعضنا بعضًا من أجل هذه المسائل اليسيرة، بالنسبة لما هو أهمّ منها في الدين، ألم يعلم الكثير منَّا أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما رجع من غزوة الأحزاب، وجاءه جبريل، وأمره أن يخرج إلى بني قريظة، لنقضهم العهد، ندب أصحابه صلى الله عليه وسلّم إلى الخروج إلى بني قريظة، وقال: «لا يصلينَّ أحدٌ العصر إلاَّ في بني قريظة (¬1) » ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً، رقم (649) ..

أسئلة

فخرجوا من المدينة، فأدركتهم الصلاة، فمنهم من قال: لا نصلي إلاَّ في بني قريظة، وأخّروا الصلاة حتى خرج الوقت، ومنهم من قال: نصلي العصر في وقتها، وإن لم نصل إلى بني قريظة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلّم، فلم يُعنف أحدًا من الطائفتين، وهم بأنفسهم لم يكن في قلوب بعضهم على بعض شيءٌ من الكراهة أو العداوة مع أنَّ الخلاف هذا أشدّ من الاختلاف في الجلوس، عند القيام للركعة الثانية أو الرابعة، يعني هذا خلاف في إخراج الصلاة عن وقتها، أو الصلاة في وقتها، فالذي أرجوه من إخوتي الدعاة ألاَّ يجعلوا هذه الأمور التي يقع فيها الاختلاف السائغ الذي يُسوِّغه الاجتهاد، ألاَّ يجعلوها سببًا للفرقة والتحزب وتضليل بعضهم بعضًا؛ لأن ذلك مما يضعف منصبهم أمام أعدائهم، وأنتم تعلمون أن هناك أعداءً يتربصون الدوائر بالدعاة إلى الخير، ولكن من كان الله معه؛ فله العاقبة، وهو المنصور في الدنيا والاخرة، كما قال الله ـ تعالى ـ: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] . أسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يجعلني وإياكم من أنصار دينه، والدعاة إليه على بصيرة، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، وأسأل الله ـ تعالى ـ أن يجزي إخواننا الذين هيئوا لنا هذا اللقاء، أن يجزيهم خيرًا، وأن يجعلهم ـ دائمًا ـ من هداة الخير. أسئلة

إن مما وقع فيه الخلاف بين الدعاة إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ أمر وسائل الدعوة، فمنهم من يجعله عبادةً توقيفية، وبالتالي ينكر على من يقيمون الأنشطة المتنوعة، الثقافية أو الرياضية، أو المسرحية، كوسائل لجذب الشباب ودعوتهم، ومنهم من يرى أن الوسائل تتجدد بتجدد الزمان، وللدعاة أن يستخدموا كل وسيلة مباحة في الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ.. نرجو من فضيلتكم بيان الصواب في ذلك، والله يحفظكم؟.

ج1: الحمد رب العالمين ... لا شكَّ أن الدعوة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ عبادة.. كما أمر الله بها في قوله {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 521] ، والإنسان الداعي إلى الله يشعر وهو يدعو إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ أنه ممتثل لأمر الله، متقرب إليه به، ولا شك أيضًا أن أحسن ما يُدعى به هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم؛ فإن كتاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو أعظم واعظ للبشرية {يأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57] ، والنبي صلى الله عليه وسلّم كذلك، قوله أبلغ الأقوال موعظة، فقد كان يعظ أصحابه أحيانًا موعظة يصفونها بأنها وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فإذا تمكن الإنسان من أن تكون عظته بهذه الوسيلة؛ فلا شك أن هذه خير وسيلة، أي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وإذا رأى أن يضيف إلى ذلك أحيانًا وسائل مما أباحه الله، فلا بأس بهذا، لا بأس بذلك، ولكن بشرط أن تكون هذه الوسائل لا تشتمل على شيء محرّم كالكذب، أو تمثيل دور الكافر مثلاً في التمثيليات، أو تمثيل الصحابة رضي الله عنهم، أو أئمة المسلمين من بعد الصحابة، أو ما أشبه ذلك، مما يُخشى منه أن يُزْدَرى، أو أن يزدري أحدٌ من الناس هؤلاء الأئمة الفضلاء، وكذلك أيضًا لا تشتمل التمثيلية على تشبه رجلٍ بامرأة، أو بالعكس؛ لأن هذا مما ثبت فيه اللعن عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ فإنه لعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء (¬1) ، ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب المتشبهين بالنساء، والمتشبهات بالرجال، رقم (5885) .

المهم أنه إذا فُعِلَ شيء من هذه الوسائل أحيانًا من أجل التأليف ولم تشتمل على شيء محرّم، فلا أرى بها بأسًا، أمَّا الإكثار منها وجعلها هي الوسيلة في الدعوة إلى الله، والإعراض عن الدعوة بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحيث لا يتأثر المدعو إلاَّ بمثل هذه الوسائل، فلا أرى ذلك، بل أرى أنه محرّم؛ لأنَّ توجيه الناس إلى غير الكتاب والسنة فيما يتعلق بالدعوة إلى الله أمر منكر، لكن فعل ذلك أحيانًا لا أرى فيه بأسًا إذا لم يشتمل على شيء محرّم. : هل الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة، أم تقتصر على العلماء وطلاب العلم فقط؟

ج2: إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه، فلا فرق بين أن يكون عالمًا كبيرًا يُشار إليه، أو طالب علمٍ مجدًّا في طلبه، أو عاميًّا لكنه علم المسألة علمًا يقينيًّا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلّم يقول: «بلِّغوا عنِّي ولو آية» (¬1) ولا يشترط في الداعية أن يبلغ مبلغًا كبيرًا في العلم، لكن يشترط أن يكون عالمًا بما يدعو إليه، أما أن يقوم عن جهل ويدعو بناءً على عاطفةٍ عنده، فإنَّ هذا لا يجوز، ولهذا نجد من الإخوة الذين يدعون إلى الله، وهم ليس عندهم من العلم إلاَّ القليل، نجدهم لقوة عاطفتهم يحرّمون ما لم يحرّمه الله، ويوجبون ما لم يوجبه الله على عباده، وهذا أمرٌ خطير جدًّا؛ لأن تحريم ما أحل الله كتحليل ما حرَّم الله، فهم مثلاً إذا أنكروا على غيرهم تحليل هذا الشيء، فغيرهم ينكر عليهم تحريمه أيضًا؛ لأن الله جعل الأمرين سواء فقال: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116، 117] . : هل يجوز للداعية أن يدعو الناس وهم على منكراتهم، كإتيانهم وهم على الأرصفة في معازفهم ولهوهم؟.. وهل تجوز الزيارات بغرض الدعوة لبيوت العُصاة؟ وما هو الأسلوب المناسب في ذلك؟ ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم (1643) .

ج3: الدعوة تكون بالحكمة.. كما أمر الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فإذا رأى الإنسان أنّ دعوتهم في هذا المحل، أو في هذا الوقت مناسبة ومثمرة؛ فليتقدم إليهم حتى وإن جاء العُصاة في أماكنهم، وقد ذكر المؤرخون أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يأتي الناس في الموسم، موسم الحج في منازلهم ويدعوهم إلى الله عزَّ وجلَّ، وكذلك يدعوهم وإن كانوا على الأرصفة وفي لهوهم إذا رأى في ذلك مصلحة، وإذا كان لا يرى مصلحة في دعوتهم جميعًا فبإمكانه أن يأخذهم واحدًا واحدًا، وليحرص على زعمائهم، والكبراء منهم؛ لأن الزعماء والكبراء إذا صلحوا؛ صلح الأتباع، فليحرص مثلاً إذا كان لا يتمكن أو لم ير مصلحة في الدعوة العامة على الكبراء والزعماء، ويتقدم إليهم إمَّا في بيوتهم أو في مكان آخر أنسب ويدعوهم. المهم أنَّ الإنسان إذا التزم ما أرشد الله إليه، وأمر به من الحكمة؛ صار على خير كثير {يُؤّتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [البقرة: 269] . : ما رأيك يا فضيلة الشيخ في بعض الشباب، بل ومنهم بعض طلبة العلم الذي صار ديدنهم التجريح في بعضهم البعض، وتنفير الناس عنهم والتحذير منهم، هل هذا عملٌ شرعي، يثاب عليه أو يعاقب عليه؟

ج4: الذي أرى أنَّ هذا عمل محرَّم، وإذا كان الإنسان لا يجوز أن يغتاب أخاه المؤمن، وإن لم يكن عالمًا، فكيف يسوغ له أن يغتاب إخوانه العلماء من المؤمنين، والواجب على الإنسان المؤمن أن يَكُفَّ لسانه عن الغيبة في إخوانه المؤمنين، قال ـ تعالى ـ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12] ، وليعلم هذا الذي ابتلي بهذه البلوى، أنَّه إذا جرح العالم، فسيكون سببًا في رد ما يقوله هذا العالم من الحق، فيكون وبال رد الحق وإثمه على هذا الذي جرح العالم؛ لأن جرح العالِم في الواقع ليس جرحًا شخصيًّا، بل هو جرح لإرث محمد صلى الله عليه وسلّم؛ فإن العلماء ورثة الأنبياء، فإذا جُرِّح العلماء وقدح فيهم، لم يثق الناس في العلم الذي عندهم، وهو موروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وحينئذٍ لا يثقون بشيء من الشريعة التي يأتي بها هذا العالِم الذي جُرح، ولست أقول: إن كل عالِم معصوم، بل كل إنسان معرّض للخطأ، وأنت إذا رأيت من عالمٍ خطأ فيما تعتقده فاتصل به وتفاهم معه، فإن تبين لك أن الحق معه؛ وجب عليك اتباعه، وإن لم يتبين لك، ولكن وجدت لقوله مساغًا؛ وجبَ عليك الكفّ عنه، وإن لم تجد لقوله مساغًا، فحذّر عن قوله؛ لأن الإقرار على الخطأ لا يجوز، لكن لا تجرحه وهو رجل عالم معروف بحسن النية، ولو أردنا أن نجرح العلماء المعروفين بحسن النية لخطأ وقعوا فيه من مسائل الدين، لجرحنا علماءً كبارًا، ولكن الواجب هو ما ذكرت، إذا رأيت من عالم خطأً فناقشه وتكلم معه فإما أن يتبين لك أن الصواب

معه فتتبعه، أو أن الصواب معك فيتبعك، أو لا يتبين الأمر ويكون الخلاف من الخلاف السائغ. وحينئذ يجب عليك الكف عنه، وليقل هو ما يقول، وأنت تقول ما تقول. والحمد لله الخلاف ليس في هذا العصر فقط. الخلاف من عهد الصحابة إلى يومنا ... وأما إذا تبين الخطأ ولكنه أصر انتصارًا لقوله؛ وجب عليك أن تبين الخطأ، وتنفر من الخطأ، لكن على أساس القدح في هذا الرجل وإرادة الانتقام منه؛ لأن هذا الرجل قد يقول قولاً حقًّا في غير ما جادلته فيه المهم أني أنصح إخواني بالابتعاد عن هذا البلاء وهذا المرض، وأسأل الله لي ولهم الشفاء من كل ما يعيبنا أو يضرنا في ديننا ودنيانا. : قلتم في كتابكم: «زاد الداعية إلى الله عزَّ وجلَّ» ما نصّه: «أما التفرق والتحزب، فإنَّ هذا لا تقر به عين أحد. إلاَّ من كان عدوًّا للإسلام والمسلمين» والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول: «اختلاف أمتي رحمة (¬1) » فما المراد بهذا الخلاف الذي هو الرحمة، وما التفرق المقصود في كلامكم؟ حفظكم الله. ¬

_ (¬1) انظر كشف الخفا للعجلوني (1/66) .

ج5: أمَّا الحديث الذي ذكره السائل، فهو حديث ضعيف ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلّم؛ لأن الله يقول {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118، 119] ، فجعل الله ـ تعالى ـ الاختلاف من صفة غير المرحومين، فالأمة لا يمكن أن تختلف، بل رحمة الله بها ألاَّ تختلف، لا أقول: لا تختلف أقوالها، فإن الأقوال قد تختلف، لكن لا تختلف قلوبها.. وعلى تقدير أن يكون الحديث صحيحًا، أو حجة، فإن معناه: أن الخلاف الواقع بين الأمة في آرائهم داخلٌ تحت رحمة الله، أي: أن الله تعالى يرحم المجتهد منهم، وإن وقع بينهم خلاف في اجتهادهم، بمعنى أن الله لا يعاقب من جَانَبَ الصواب، وقد اجتهد فيه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر» (¬1) هذا معنى الحديث إن كان حجة، وإلاَّ فالصحيح أن الحديث ضعيف، وليس ثابتًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبناءً على ذلك لا يقع خلاف بين ما ذكر في «زاد الداعية» وبين هذا الذي قيل إنه حديث. : فضيلة الشيخ: لا شكَّ أن التعاون بين الدعاة أمرٌ محتم لنجاح دعوتهم، وقبول الناس لها، والسؤال: الساحة الإسلامية تحفل بكثير من الدعاة، ولكل منهم أسلوبه وطريقته، لكن مع ذلك، قد يكون هناك خلافٌ في مسائل مهمة كالعقيدة، فما هي الضوابط التي ترونها للعمل والتعاون مع هؤلاء وغيرهم، والدعاة بحاجة إلى توجيهكم في هذه المسألة.. وفقكم الله. ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب، رقم (2537) ، ومسلم، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأخطأ أو أصاب، رقم (6171) .

ج6: لا شك أن الضوابط لهذا الخلاف هو الرجوع إلى ما أرشد الله إليه في قوله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59] ، وفي قوله ـ تعالى ـ: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: 10] ، فالواجب على من خرج عن الصواب في العقيدة أو في العمل أي في الأمور العلمية والعملية ـ الواجب أن يُبين له الحق ويُوضح، فإن رجع فذلك من نعمة الله عليه، وإن لم يرجع فهو ابتلاء من الله ـ سبحانه وتعالى ـ له، وعلينا أن نبيِّن الخطأ الذي هو واقع فيه، وعلينا أن نبيِّن الخطأ وأن نحذِّر من هذا الخطأ بقدر الاستطاعة، ومع هذا لا نيأس، فإن الله ـ تعالى ـ رد أقوامًا من بدع عظيمة حتى صاروا من أهل السنة، ولا يخفى على كثير منا ما اشتهر عن أبي الحسن الأشعري ـ رحمه الله ـ أنه بقي في طائفة الاعتزال مدة أربعين سنة من عمره، ثم اعتدل بعض الشيء لمدة، ثم هداه الله ـ عزَّ وجلَّ ـ إلى السبيل الأقوام، إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة، فالحاصل أن مسائل العقيدة مهمة، ويجب التناصح فيها، كما يجب التناصح أيضًا في الأمور العملية، وإن كانت دائرة الخلاف بين أهل العلم في المسائل العملية أوسع وأكثر، إذ إن المسائل العلمية العقدية لم يحصل فيها اختلاف في الجملة، وإن كان بعضها قد وقع فيه بعض الخلاف، كمسألة فناء النار، ومسألة عذاب البرزخ، ومسألة الموازين، ومسألة

ما يوزن، وأشياء متعددة لكن إذا قستها بالخلاف العملي وجدت أنها في دائرة ضيقة ولله الحمد، ولكن مع هذا يجب علينا فيمن خالفنا في الأمور العلمية أو العملية يجب علينا المناصحة وبيان الحق على كل حال. : يقول السائل: فضيلة الشيخ: هل يؤخذ من الاية {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} هل يؤخذ منها أنه يجب على الداعية أن يترك السنة إذا كان يترتب على تطبيق هذه السنة أن تُسبَّ هذه السنة، كتقصير الثياب وغيرها؟ وجزاكم الله خيرًا؟ ج7: إن ترك السنة ليس فيها سب للاخرين فلا تنطبق عليه الاية، لكن ربما يؤخذ ترك السنة من دليل آخر من السنة وهو ترك النبي صلى الله عليه وسلّم بناء البيت «الكعبة» على قواعد إبراهيم خوفًا من الفتنة؛ لأنهم كانوا حديثي عهد بكفر، فمثلاً إذا كانت السُّنة من الأمور المستغربة عند العامة والتي يتهم الإنسان فيها بما ليس فيه فإن الأولى والأفضل أن الإنسان يمهد لهذه السُّنة في القول قبل أن يتخذها بالفعل، يبين للناس في المجالس، في المساجد، في أي فرصة مناسبة يبين لهم الحق حتى إذا قام بفعله. فإذا الناس قد اطمأنوا وفهموا وعرفوا. وأنا أجزم أن العامة قد يكرهون السُّنة؛ لأن هذا الرجل هو الذي فعلها ولا يكرهونها لأن رجلاً آخر فعلها. لو أن أحدًا من أهل العلم المعتبرين عند العامة رفع ثوبه لم يكن استنكار الناس لهذا العمل كاستنكارهم له إذا وقع من شخص آخر لا يعتبرونه عالمًا ولا يثقون به، وهذا أمرٌ معلوم.

وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن الأولى أن تتدرج بالعامة بحيث إذا فعلت فعلاً يستنكرونه يكون عندهم علم مسبق به حتى يرد على قلوبهم وهي غير فارعة من العلم به. س 8: من الدعاة من ينتهج أسلوب التربية والتعليم للمدعوين، ومنهم من ينتهج أسلوب الوعظ والتذكير في الأماكن العامة التي يجتمع فيها الناس، فما رأي فضيلتكم في هذا، وأيُّ الأساليب أنجح؟ ج 8: الذي أرى أنَّ هذه من نعمة الله ـ سبحانه وتعالى ـ على العباد، أن جعلهم يختلفون في الطريق أو الوسيلة في الدعوة إلى الله، فهذا رجلٌ واعظ أعطاه الله سبحانه وتعالى بيانًا وقدرة على الكلام وتأثيرًا، نقول له: الوعظ أحسن له، وهذا آخر أعطاه الله ـ تعالى ـ لينًا ورقَّة ولطافة يربي الناس بأن يدخل فيهم من هذه الناحية، فنقول: هذا الأسلوب أفضل من الأول، لا سيما أنه إذا كان لا يحسن أن يتكلم؛ لأن بعض الناس داعية وعنده علم، لكن لا يحسن أن يتكلم؛ وفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ موزَّع بين عباده، رفع الله بعضهم فوق بعضٍ درجات، فالذي أرى أن الإنسان يستعمل الأسلوب الذي يرى أنه أنفع وأجدى، وأنه به أقوم، وألاَّ يدخل نفسه في أمرٍ يعجز عنه، بل يكون واثقًا من نفسه، مستعينًا بالله عزَّ وجلَّ، حتى إذا وردت عليه إيرادات تخلَّص منها. س 9: ما رأي فضيلتكم فيمن ينفر من قراءة كتب الدُّعاة المعاصرين، ويرى الاقتصار على كتب السَّلف الأخيار، وأخذ المنهج منها، ثم ما هي النظرة الصحيحة أو الجامعة لكتب السلف رحمهم الله، وكتب الدعاة المعاصرين والمفكرين؟ وفقكم الله!

ج 9: الذي أرى أن الدعوة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم فوق كل شيء، وهذا رأينا جميعًا بلا شك، ثم يلي ذلك ما ورد عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة، وعن أئمة الإسلام فيمن سلف، أما ما يتكلم عليه المتأخرون المعاصرون فإنه قد حدثت أشياء، هم بها أدرى، فإذا اتخذ الإنسان من كتبهم ما ينتفع به في هذه الناحية، فقد أخذ بحظ وافر، ونحن نعلم أن المعاصرين إنما أخذوا ما أخذوا من العلم ممن سبق، فلنأخذ نحن مما أخذوا منه لكن استجدت أمور، هم بها أبصر منا، ولم تكن معلومة لدى السلف بأعيانها، فالذي أرى أن يجمع الإنسان بين الحسنيين، فيعتمد أولاً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وثانيًا على كلام السلف الصالح من الخلفاء الراشدين والصحابة وأئمة المسلمين، ثم على ما كتبه المعاصرون، الذين جدَّت في زمنهم حوادث لم تكن معلومة بأعيانها فيما سلف. س 10: فضيلة الشيخ يثير البعض قضية أن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ قد تكفَّل بحفظ هذا الدين، ومن ثمَّ فإن العمل الذي يؤدّيه الدُّعاة في سبيل خدمة الإسلام عبث لا داعي له، فكيف الرد على هؤلاء؟

ج10: الرد على هؤلاء بسيط، إذ إن هؤلاء نزعتهم نزعة من ينكر الأسباب، ولا ريب أن إنكار الأسباب من الضلال في الدين والسفه في العقل، فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ تكفَّل بحفاظ الدين، لكن بأسباب ... كذلك بما يقوم به الدعاة إلى هذا الدين من نشره وبيانه للناس، والدعوة إليهم، وما هذا القول إلاَّ بمنزلة من يقول: لا تتزوج فإن قُدّر لك ولد فسيأتيك، أو لا تسعى في الرزق، فإن قُدر لك رزقٌ فسيأتيك، فنحن نعلم أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ إذا كان يقول سبحانه وبحمده: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ، فإنما يقول ذلك لعلمه؛ بأنه سبحانه وتعالى الحكيم، لا تكون الأشياء إلاَّ بأسباب فيقدر الله ـ تعالى ـ لحفظ هذا الدين من الأسباب ما يكون به الحفظ، ولهذا نجد علماء السلف حينما حفظ الله بهم دينهم من البدع العقدية والعملية، ساروا يتكلمون ويكتبون، ويبينون للناس، فلابد أن نقوم بما أوجب الله علينا من الدفاع عن الدين، وحمايته، ونشره بين العباد، وبذلك سيتحقق الحفظ. س 11: هناك من الناس، من لا يرتدع إلاَّ بالعنف، فما العمل معه؟

ج 11: لا شك أنَّ من الناس من لا يرتدع إلاَّ بالعنف، ولكن العنف الذي لا يخدم المصلحة، ولا يحصل به إلاَّ ما هو أشر، لا يجوز استعماله؛ لأن الواجب اتباع الحكمة، والعنف الذي منه الضرب والتأديب والحبس، إنما يكون لولاة الأمور، وأما عامة الناس، فعليهم بيان الحق، وإنكار المنكر، وأمَّا تغيير المنكر، ولا سيما باليد، فإن هذا موكول إلى ولاة الأمور، وهم الذين يجب عليهم أن يُغيروا المنكر بقدر ما يستطيعون؛ لأنهم هم المسؤولون عن هذا الأمر، ولو أن الإنسان أراد أن يُغير المنكر بيده كلما رأى منكرًا، لحصل بذلك مفسدة قد تكون أكبر من المنكر الذي أراد أن يغيره بيده، فلهذا يجب اتباع الحكمة في هذا الأمر، لو كنت ربّ أهل بيت، أي راعيهم، فإنك تستطيع أن تُغير المنكر في هذا البيت بيدك، فغيَّره، لكن تغير هذا المنكر بيدك في السوق، قد تكون النتيجة أسوأ من بقاء هذا المنكر، ولكن يجب عليك أن تبلغ من يملك تغيير هذا المنكر في السوق. س 12: فضيلة الشيخ: قد ذكرتم خلال المحاضرة أنه يجب على الداعية ألاَّ يدعو إلى شيء إلاَّ بعد تحقيقه في نفسه، والسؤال هو: إذا كان هذا الداعية يدعو إلى شيء لا يستطيع تطبيقه بعد المحاولة على ذلك، ويرى أن هذا المدعو سوف يقدر على القيام به.. فهل يدعو إليه؟ ج 12: نعم.. إذا كان هذا الداعي الذي يدعو إلى الخير، لا يستطيع أن يفعله بنفسه، فعليه أن يدعو غيره إليه، ولنفرض كذلك أن رجلاً يدعو إلى قيام الليل، لكنه لا يستطيع أن يقوم الليل، يعني لا يستطيع أن يقوم هو الليل، فلا نقول: إذا كنت لا تستطيع، فلا تدعُ إلى قيام الليل، رجل يدعو إلى الصدقة وهو لا يستطيع، لا يملك أن يتصدق، نقول: ادعُ، وأما شيء يدعو إليه وهو يستطيعه، فلا شك أنه سفهٌ في العقل وضلال في الدين.

س 13: لماذا لا تُحقق مسائل الخلاف، ليتبنّى الداعية وجه الصواب فيها سبيلاً إلى جمع كلمة الأمة؟ ج 13: مسألة تحقيق مسائل الخلاف مشكلة؛ لأن كل إنسان يذهب إلى قول يرى أنه مُحقق فيه، وإذا أردنا أن نجمع العلماء في بلدٍ ما، فإن الظاهر أنه ألا يتفقوا والظاهر لا يتفقوا سيكون هناك خلاف في الرأي، حتى وإن حققنا، فإنه سيقع الخلاف، ولكن الواجب على العامة أو الذين لا يستطيعون أن يعرفوا الحق بأنفسهم، الواجب عليهم، أن يتقوا الله ما استطاعوا، وألاَّ يكون الدافع لهم بقبول هذا العالم المخالف لهذا العالم الاخر هو الهوى، بل يكون الدافع هو قصد الهدى، وعلى هذا فيتبع الإنسان عند اختلاف العلماء من يرى أنه أقرب إلى الصواب لعلمه ودينه وأمانته، وأما أن نجمع الناس على قول واحد، فالظاهر أنَّ هذا أمرٌ متعذر، وليت.... س 14: أنا شاب أريد أن أكون داعية.. ولكن لا يوجد لدي الأسلوب المناسب، هل الشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي المفيد، يكفي بأن أقوم بنشره أو توزيعه، أفيدونى جزاكم الله خيرًا؟ ج 14: نعم، لا شك أن الإنسان قد لا يتمكن من الدعوة بنفسه، ولكنه يتمكن من الدعوة بنشر الكتب النافعة والأشرطة النافعة، ولكنه بناءً على أنه لا يستطيع الدعوة بنفسه، فإنه لا ينشر هذه الكتب، ولا هذه الأشرطة، إلاَّ بعد عرضها على طالب علم، ليعرف ما فيها من خطأ، حتى لا يوزع هذا الرجل ما كان خطأً وهو لا يشعر به، وله أيضًا ـ بل من أساليب الدعوة ـ أن يتفق مع طالب علم، بأن يكتب طالب العلم ما فيه الدعوة إلى الخير، ويكون تمويل هذا على هذا الرجل الذي لا يستطيع الدعوة بنفسه.

س 15: فضيلة الشيخ: ألسنا ـ نحن المسلمين ـ مسؤولين أمام الله عزَّ وجلَّ، عن مآل، ومصير غير المسلمين في العالم كله، حيث يقع علينا مسؤولية دعوتهم لدين الله، ودين الحق، وإبراز السبيل السوي المستقيم لحكمة الله في الخلق، فما هو موقفنا إذا قالوا عند الحساب يوم القيامة لم يأتنا نذير ولا دعوة؟ ج 15: لا شك أن الواجب على المسلمين أن يبلغوا دين الله إلى جميع الناس، ولكن من الذي يقدر على ذلك إنه لابد أن يكون هناك قدرة؛ لأن جميع الواجبات التي أوجبها الله على عباده، مشروطة بالقدرة عليها؛ لقول الله ـ تعالى ـ: {فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم (¬1) » فنحن يجب علينا ـ نحن المسلمين ـ أن نبلغ دين الله وشريعته لجميع الخلق لكن بقدر الاستطاعة، فمن الذي يستطيع أن يبلغ جميع الخلق شريعة الله، إن الذي يستطيع ذلك هو الذي يجب عليه، وأما من لا يستطيع؛ فلا يكلف الله نفسًا إلاَّ وسعها. س 16: هل يعني كلامكم في التعاون بين الدعاة أن يكونوا على صف واحد، من ناحية منهج الدعوة، وأسلوب الدعوة، أم أنه التعاون العام بالعمل العام بين الناس؟ ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، رقم (8827) ، ومسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، رقم (7331) .

ج 16: الذي أرى أن المراد بالتعاون الإطار العام، وذلك لأن الإطار الخاص، أو الأسلوب الخاص موكول إلى الشخص نفسه، فقد يرى الإنسان الداعية أن هذا الأسلوب المعين في هذا الوقت المعين في هذا المكان المعين خيرٌ منه في مكان آخر، ولا يمكن الاتفاق على أسلوب معين، في جميع الأحوال وجميع الأوقات وجميع الأماكن، لكن الإطار العام هو الذي يجب على الدعاة أن يتعاونوا فيه. س 17: فضيلة الشيخ: قلتم إن مذهب أهل السنة والجماعة هو مذهب الإمام أحمد فكيف حكمنا على المذاهب الثلاثة الباقية؟ ج 17: ما أظن أنا هذا باعتبار أن المذاهب الثلاثة ليست على مذهب أهل السنة، لكن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ معروف بين أهل العلم أنه إمام أهل السنة، وأنه قام بالدفاع عن السنة قيامًا لم يقمه أحدٌ فيما نعلم، ومحنته مع المأمون ومن بعده مشهورة، وإلا فلا شك أن أئمة الإسلام ـ ولله الحمد ـ كلهم على خير، وعلى حق ولكن ذلك لا يعني أن نبرئ كل واحد منهم من الخطأ، بل كل واحد منهم قد يقع منه الخطأ، بل الإمام أحمد نفسه قد يصرح بالرجوع عن القول وإن كان قد قاله من قبل كما في قوله في طلاق السكران، يقول: كنت أقول في وقوع طلاق السكران حتى تبينته، يعني فتبين له أنه لا يقع،؛ لأنه إذا أوقعه أتى خسرتين: تحريم هذه الزوجة على زوجها الذي طلقها وحلها لغيره، وإذا قال بعدم الوقوع أتى خسرة واحدة وهي حلها لهذا الزوج، الذي لم يتحقق بينونتها منه. س 18: يحجم كثير من الدعاة في التعاون مع المؤسسات الإعلامية، رغم تأثيرها الواضح على المجتمعات.. ما هو رأي فضيلتكم في واجب الدعاة تجاه هذه المؤسسات والعاملين بها؟

ج 18: الذي أرى أنه إذا طُلب من الإنسان أن يدعو إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ في مكان تكون المصلحة فيه أكثر والنفع أعم؛ فإنه لا ينبغي له أن يحجم عن هذا، بل الذي ينبغي أن يتقدم، وأن يرى أنَّ ذلك من نعمة الله عليه، حتى وإن كان قد يتعلل بأن هذه الوسائل الإعلامية، قد يكون فيها شيء من الشر، فإن هذا فيما أرى ليس بعلة؛ لأن هذه الوسائل إن لم تُملأ بالخير؛ ملئت بضده، وإذا ملئت بالخير، فلا يضر من تقدم إلى الخير أن يشوبها شيء من الشر، فأرى أنه من التعاون والتناصح أن يُقدِم الإنسان ويلبي الدعوة إذا طُلب إلى المشاركة في هذه الأمور. س 19: نرى بعض الدعاة وبعض الشباب ممن يكون إمام مسجد، قد يترك المسجد، ويذهب يدعو للمناطق من حوله، ويترك المسجد دون إمام.. فما توجيهكم لهذا؟. جزاكم الله خيرًا. ج 19: أنا أوجه الإخوة الأئمة إلى أنَّ بقاءهم في منصبهم، يؤمون المسلمين ويؤدون ما يجب عليهم أفضل من كونهم يخرجون إلى الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، وأفضل من كونهم يذهبون ليصوموا رمضان بمكة، أو يصلوا قيام العشر الأواخر في مكة؛ لأن قيامهم بوظيفتهم قيام بواجب، وذهابهم إلى ما يذهبون إليه ذهاب إلى سنة، وقد ثبت في الحديث الصحيح القدسي أن الله ـ عزَّ وجلَّ ـ قال: «ما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضته عليه (¬1) » أمَّا إذا تعين أن يكون هو الداعي إلى الجهة التي ذهب إليها ولم يقم بهذا الفرض فليقدم إلى الجهات المسؤولة عن حاله، حتى يؤذن له بالذهاب، وتلتزم الجهات المسؤولة بإقامة من يكون مكانه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، رقم (2056) .

§1/1