تطور الصحافة المصرية 1798 - 1981

إبراهيم عبده

فصل في مراجع البحث

بسم الله الرحمن الرحيم فصل في مراجع البحث: توافرت علي دراسة تاريخ الصحافة المصرية منذ خمسة وأربعين عامًا، وكلما نشرت كتابًا في جانب من هذا التاريخ، شجعتني نتيجة البحث المنشور على كشف المستور في جانب آخر، وقد كان هذا الكتاب الذي أقدم طبعته الرابعة اليوم لقراء العربية والمعينين بشئون الصحافة جامعًا لكل جوانب تاريخ الصحافة في مصر، وهو -في طبعته هذه- مستكمل كثيرًا مما فاتني في طبعاته الأولى، وجدير بأن يكون في مكتبة طلاب هذه الناحية من التاريخ. وسوف يجد فيه قراءه تاريخًا للصحافة المصرية منذ نزل بونابرت وادي النيل في سنة 1798 إلى تاريخ نشره في سنة 1982، وقد استعرضت في هذه الفترة الطويلة ما أصاب الصحافة المصرية من تطور ملحوظ في موضوعها وشكلها، وراعيت في تفاصيل الكتاب الدقة المستندة إلى الوثائق والأسانيد التي بدونها يفقد كل كتاب قيمته العلمية، وأشرت إلى ذلك كله في هوامش المتن. وإن التعرض لتاريخ الصحافة يقتضي في بعض الأبواب أن نفصل في تاريخ صحيفة على اعتبار أنها مثل لمئات أو عشرات من نظيراتها، سواء كانت صحيفة شعبية أو رسمية، وسواء كانت صحيفة للسياسة أو الآداب أو الفنون أو التجارة أو الزراعة أو ما إلى ذلك من جوانب النشاط الفكري الذي قطعته مصر في أكثر من مائة وثمانين عامًا. وقد شهدت مصر في هذه الحقبة الطويلة مئات الصحف التي عالجت كل موضوع يدور بخلد إنسان، سواء كان صحفًا عربية أو فرنجية، وقد رأيت زيادة للفائدة المرجوة من نشر هذا الكتاب أو أضمنه ثبتًا بأسماء الصحف

التي صدرت في مصر، منذ عرفت مصر الصحافة إلى اليوم، وذلك ليكون هذا الثبت في خدمة من يريد الرجوع إلى الصحف نفسها سعيًا وراء دراسة تاريخية أو أدبية أو اجتماعية أو غير ذلك من الدراسات. وسوف يرى القارئ أيضًا أننا تعرضنا بكثير من التفصيل لشخصيات خالدة في تاريخ الصحافة المصرية فشرحنا ما أدته من خدمات للصحافة، وما تركته من آثار لا تزال واضحة في نهج صحافتنا المعاصرة، وهذه أيضًا ناحية من تاريخ الصحافة لم تكن معروفة أو واضحة قبل دراسة هذا البحث وكشف دخائله، وتفسير النصيب الكبير الذي كان لهؤلاء الصحفيين الممتازين. وتعتبر دراسة هذا التاريخ دراسة لتاريخ مصر الحديث في أوضح صوره، دراسة الرأي وتطوره، والفكرة وتعددها، والمزاج وتباينه، والغرض والاختلاف من أجله، أى بمعنى أوضح مصاحبة الكيان المصري ممثلًا في نظام الحكم والحكومات المتعاقبة والجماعات الظاهرة، والأفراد المتفوقين، منذ نشأ هذا الكيان على عهد الفرنسيين وحملتهم إلى أيامنا الحاضرة؛ وهذا وضع من شأنه أن يفرض علينا الرجوع إلى مطولات الكتب والمحفوظات العربية والفرنجية، والبحث فيما خلفته لنا الأجيال من الوثائق الرسمية والفردية، سواء كانت عربية أو تركية أو فرنجية، ثم تطبيق ذلك كله على ما جاء في الصحف جيلًا بعد جيل، ومن هذا المزاج خلصنا إلى تاريخ الصحافة المصرية قسمناه إلى فصول وعرضناه هذا العرض الذي أرجو أن أكون قد وفقت إليه. أم الكتب العربية التي رجعنا إليها في هذا البحث فليس فيها كتاب يشمله أو ينصب عليه وحده، وإن كانت هناك كتب عنيت بالصحافة المصرية، ككتاب فيليب دي طرازي عن "تاريخ الصحافة العربية" وهو مؤلف عرض فيه صاحبه في أجزائه الأربعة لتاريخ الصحافة عامة في الشرق والغرب وقد نثر في الجزأين الأول والثاني كثيرًا من أخبار الصحافة المصرية ورجالها.

في نشأتها الأولى، فنجح في ذكر بعض الحقائق التي لا تبنى تاريخًا وإن كانت من مواده الأولية، ثم أخطأ في كثير من الحوادث وحمل الصحف أوصافًا لم تكن لها، وميز الصحفيين المصريين الذين عرض لهم بمزايا لم تؤثر عنهم، وهو بذلك يعتمد على نشاطه الشخصي وتقديره الذاتي للحوادث والأخبار، غير أن الجزء الرابع من تاريخ جاء أقرب إلى الكمال من أجزائه الثلاثة الأولى، فقد نشر فيه أسماء الصحف المصرية ومواعيد صدورها منذ عرفت الصحافة في مصر إلى سنة 1929 وقد حرص على ذكر الصحف العربية وحدها، كما أنه ظن في مراجعته لوثائق إدارة المطبوعات المصرية أن الأمرب بترخيص الجريدة أو الموافقة على إصدارها معناه ظهور الجريدة في مصر، وهذا غير صحيح؛ لأن كثيرًا من الصحف المرخصة لم تصدر ولم تعرف طريقها إلى المطبعة. ثم إنه أراد أن يكمل نقص إدارة المطبوعات فعاد إلى دار الكتب المصرية وهنا اعتمد على البيان الذي قدم إليه من الدار المذكورة؛ وهو بيان ناقص؛ لأن بعض الصحف القديمة التي اشترتها الدار لم يكن قد رصد بعد في سجلاتها، كما أنني وجدت صحفًا في دار الكتب بالمصادفة أو بإيحاء من أصحاب التجارب القدماء، وقد اكتفى طرازي بهذا الجهد، وأغفل مكتبة طلعت حرب باشا المحفوظة في بنك مصر بالقاهرة، ومكتبة المجمع العلمى، حيث تحفظ بعض الصحف القديمة التي خلت من نظير لها في دار الكتب وأغفلتها سجلات إدارة المطبوعات. وقد حاور غير فيليب دي طرازي التخصص في بحث هذا التاريخ أو علاج أمره فكتب إلياس عطارة الحبي كتابين أحدهما "تكوين الصحف في العالم" سنة 1926، والثاني "تاريخ تكوين الصحف المصرية" سنة1928 فأما الكتاب الأول فقد احتفل بأقوال العظماء وأحاديثهم عن الصحافة وقدرها في حياة الشعوب، وعنى الثانى بالصحافة المصرية عناية تشبه في الإيجاز

والتفصيل ما كتبه طرازي في جزأيه الأولين، غير أن عطارة الحلبي أرخ للصحافة المصرية المعاصرة لزمنه تاريخًا لحمته الغرض وسداه الإيحاء. ثم نشر كاتبان مؤلفًا "في الصحافة" هما يوسف محمد دسوقي "من حملة شهادات التربية العالية"، ومحمد كامل دسوقي من المحامين، وقد عرضا لمعاونات الصحافة عامة ومعاوناتها في مصر خاصة: كالمطبعة ومكتبة الصحيفة ثم ذكرًا موجزًا لنشاطها والمحاولات التي بذلت في سبيل النقابات الصحفية، وأشارا إلى بعض الصحفيين المعاصرين والصحف التي عالجوا فيها سياستهم وقد اعتمدا على الاجتهاد والملاحظات الشخصية. ثم إذا فرغنا من المؤلفات التي اتصلت بالصحافة اتصالًا مباشرًا على الصورة التي شرحناها رجعنا إلى الكتب الكثيرة المتباينة التي كتبت باللغة العربية أو عربت عن مصر وتطور حياتها السياسية والفكرية، وقد نشرت في آخر البحث ثبتًا لبعض منها، وهي كتب إن صدقت في تقرير الوقائع والحوادث فقلما كانت تعرض للصحافة المصرية عرضًا عميقًا أو تمسها مسًّا أصيلًا، وإنما كانت تذكرها عابرة ولا تقف عندها أو تعني بتفصيل لها. ومن خير الكتب التي رجعنا إليها من وجهة نظر وطنية كتب عبد الرحمن الرافعي بك فقد حرص المؤلف في تاريخه عن الحركة القومية على الإشارة إلى الصحافة في كل جزء من هذا التاريخ، وهي وإن كانت إشارات خفيفة لم يقف الرافعي عندها طويلًا إلا أن فيها تقريرًا صادقًا لبعض حوادثها، وقد اعتمد الكاتب على الصحف نفسها في تقرير وشرح هذه الحوادث، وقد لاحظنا لأن عنايته بالصحافة المصرية أخذت في الوضوح منذ عالج التاريخ السياسي لمصر في عهد إسماعيل إلى أيام مصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول ومصطفى النحاس والأيام الأولى لثورة 23 يوليو 1952. أما الكتب العربية الأخرى التي رجعنا إليها فقد كانت عنايتها بالصحافة

دون عناية الرافعي بها وإن كان بينها كتاب سليم خليل نقاش "مصر للمصريين" الذي عنى بحوادثها ومحاكماتها خلال الثورة العرابية وبعدها، وكتاب محمود رشيد رضا عن تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ "محمد عبده" في ثلاثة أجزاء حفلت بكثير من الوقائع التي تمس الصحافة المصرية من قريب كلما عرض المؤلف للأستاذ الإمام في المطبوعات أو في صحيفة الوقائع المصرية أو في المنفى في باريس، هذا إلى الكتب القليلة التي ذكرت بعض الفصول عن شئون الصحافة وهي تعرض للقوانين واللوائح ككتاب أحمد محمد حسن بك وإيزيدور عن "مجموعة القوانين واللوائح المعمول بها في مصر". وقد رجعنا إلى ما كتب المعاصرون أو المعنيون بهذه الشئون في الصحف والمجلات المصرية وتاريخها، ومن أهم هذه الدوريات مجلة الهلال التي عنيت في سنواتها الأولى بتأريخ بعض جوانب الصحافة المصرية في أعدادها الأولى، كذلك نشرت مجلة الأجيال لميخائيل بن أنطون بحثًا في سنة 1897 عن "الصحافة في القطر المصري" وهو بحث ناقص ويشوبه كثير من الأخطاء التاريخية، ثم أرخت مجلة الشباب سنة 1936 في مقالات متتابعة للأستاذ أمين عبده المحامى حوادث الصحف والصحفيين المصريين منذ بدأ الاحتلال البريطاني لمصر، وهي من أهم المقالات التي صورت صحافة ذلك الوقت من الناحيتين السياسية والاجتماعية. أما الكتب الفرنجية التي بحثت موضوعنا في شيء من التفصيل فمن أهمها كتاب عن Le Journal Origines Evolution et Role La Presse Periodique لمؤلفه " G. Weill"، وهو من أحسن المؤلفات التي بحثت نشأة الصحافة الأجنبية وتطورها، وأفادتنا في المقدمة التي صدرنا بها هذا البحث، ثم عرض " Munier" في كتاب " La Presse En Egypte 1798 -1900" صورة حية للصحافة الفرنجية المصرية في الفترة التي بحثها الكتب؛ لأن مؤلفه عاش أهم عهود هذه الصحفة وخبرها بنفسه وعمل في

بعضها وإن لم يعالج الصحف العربية إلا بإيجاز لا يغني الباحث في هذه الناحية. وقد نشر الدكتور محمد صبري مؤلفًا عن La Genese de L,Esprit National Egyptien، وقد عنى فيه بتاريخ الصحافة المصرية وخاصة في عهد الخديو إسماعيل، وهو لا يصورها أو يشير إليها فقط بل يعتمد اعتمادًا كاملًا في تحقيقه العلمي على ما نشرته هذه الصحف، وهو فيما نعلم أول مؤرخ لناحية من نواحي النشاط المصري يجعل من الصحافة الشعبية مرجعًا له وحجة يعتمد عليها، فقد كان العهد بالاعتماد على الصحف وقفًا على الوقائع المصرية وحدها. وإذا كان الدكتور صبرى قد نشر ملخصًا لا بأس به عن نشأة الصحافة الشعبية وأقر وجودها في الحياة المصرية سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية فإن " Baignieres" أرخ للصحافة الهزلة المصرية أجمل تأريخ في كتابه: " L,Egypte Satirique" وهو يكتب صحيفة يعقوب بن صنوع صاحب مجلة "أبو نضارة" في مصر وباريس، وهو خير ما كتب عن يعقوب وخير ما كتب عن الصحافة الهزلية، بل خير ما كتب عن الصحافة المصرية في جانب من أهم جوانبها، ثم يعرض هارتمان في كتابه " The Arabic Press of Egypt" للصحافة العربية متأثرًا الطرق العلمية الصحيحة، غير أن الحقائق في بحثه كانت غير كاملة، كما أنه قرر في غير تحفظ أن النصيب الأوفر في نشأتها يعود إلى الشاميين وليس للمصريين حظ يماثل حظهم من الدأب والاجتهاد في جميع مراحل نشاطها، وقد وقف بنا إلى نهاية القرن التاسع عشر وقفة بدأ التاريخ الصحفي المصري يأخذ بعدها صورة واضحة ملأت نشاط المصريين في جوانب الحياة المصرية جميعًا. ثم يؤرخ قرياقص ميخائيل في كتابه " Copts and Moslems Under British Control" للصحافة المصرية ونصيبها في الخلاف القبطي الإسلامي، وهو يصور هذا الجانب تصويرًا بديعًا حقًّا وإن كان الغرض فيه ظاهرًا

والغاية منه معروف، فهو شديد الميل إلى الصحافة القبطية من غير تحفظ، يزرى بالصحف المصرية الأخرى سواء كانت صحفًا إسلامية أو صحفًا تميل إلى الجانب الإسلامي، ومن الكتب التي راقني فيها جهد صاحبها كتاب كمال الدين جلال وهو رسالة تقدم بها إلى إحدى جامعات ألمانيا عن: " Entstehung Und Entwicklung der Tagesqresse in Egypten" ويمتاز هذا الكتاب باعتماد صاحبه على الطرائق العلمية الحديثة، وقد وفق في فصله الأول عن الصحافة خلال الحملة الفرنسية، غير أن اعتماده في تأريخ الصحافة المصرية كان قائمًا على الكتب الغربية والفرنجية التي أشارت إليها إشارات خاطفة، وهنا يخلو تاريخه من حقيقته المنشورة في الصحف نفسها أو في الوثائق المعروضة هنا وهناك. وتخصص اثنان من المصريين في علاج شئون الصحافة من وجهة النظر القانونية، فتقدم أولهما -محمد فؤاد- إلى جامعة باريس برسالة عن " Le Regime de La Presse En Egypte" وهي بحث سطحي غالب فيه العنصر الذاتي القواعد العلمية الصحيحة، وافتقد فيه كاتبه كثيرًا من الوثائق والقوانين واللوائح التي تمس الصحافة منذ عرفت في مصر إلى سنة 1912، ولم يعن إلا بعودة قانون المطبوعات في سنة1909 ومع ذلك فقد خلت هذه العناية من العمق الذي رأيناه في رسالة زميله عبد المجيد صادق رمضان التي نال بها درجة الدكتوراه من جامعة باريس في سنة 1935 عن: Evolution de Le Legislation Sur La presse En Egypte وهو هنا أفضل المراجع التي عدنا إليها في دراسة تطور التشريع الخاص بالمطبوعات في مصر، وخاصة الفترة التي بدأت بصدور قانون المطبوعات المصري في سنة 1881 إلى سنة تقديم رسالته، أما الفترة السابقة على هذا التشريع المصري فيعتورها شيء من النقص مرجعه فيما نعتقد امتناع الوثائق عليه، وهي الوثائق التي كان يحتفظ بها قسم المحفوظات التاريخية بسراي عابدين أيام الملكية، وفيما هذه الكتب التي عرضنا لها عدنا إلى الكتب

الفرنجية المختلفة التي كتبت عن مصر من وجهة نظر أجنبية، وهذه الكتب عرضت عرضًا خفيفًا للصحافة المصرية والتزاماتها ومتاعبها، وتكاد هذه الكتب تجمع -والكتب الإنجليزية بالذات- على نقد الصحافة نقدًا لاذعًا، ويمثل هذه المؤلفات " Cromer" في كتابه " Modern Egypt"، أما المراجع الأجنبية الأخرى فقلما كانت تعنى بهذا التاريخ، ولم تذكر حوادثه إلا عرضًا. وإذا كانت الكتب التي نشرت عن مصر الحديثة باللغات الأجنبية قد أشارت في غير تفصيل وفي غير احتفاء إلى الصحافة المصرية فإن الوثائق الرسمية وخاصة مكاتبات القناصل عنيت بأمور هذه الصحافة وأحداثها، وكان أقل القناصل اعتناء بشئون الصحافة المصرية القنصل الأمريكي وإن اعتمد على لومونيتور إجيبسيان، ونظيراتها من الصحف الشبه رسمية، وكذلك كان شأن القنصلين الإنجليزي والفرنسي في الكتب الزرقاء والصفراء " The Blue Books & Livres Jaunes" غير أن المعتمد البريطاني بعد الاحتلال الإنجليزي أفرد لنا في تقاريره لحكومته فصولًا قصيرة وطويلة، تصور حياتها من وجة نظر إنجليزية، وقد أصاب كاتبها أحيانًا في تقرير بعض مسائلها. وقد عرض بعض المؤرخين للصحافة المصرية في المجلات العلمية كيعقوب أرتين باشا في مجلة المجمع العلمي سنة 1905 حيث نشر بحثًا لا بأس به عنوانه " Etude Statistique Sur Le Presse Egyptienne" غير أن معظم ما كتب في المجلات العلمية عن صحافة مصر كان خاصًّا بالصحف الرسمية وقد أشرنا إلى ذلك في ثبت المراجع. وأخيرًا رجعنا في تاريخ الصحافة المصرية إلى الوثائق التركية والعربية، وخاصة إذا اتصل البحث بالصحف الرسمية، وبإغفال هذه الوثائق ما كان للبحث أن يستقيم منذ نشأت الصحافة المصرية في كنف الحكومة في عهد محمد علي إلى أيام الخديو إسماعيل، وعن هذه الوثائق وضح لنا شيء كثير

من جهد الحكومة وتقديرها للصحافة والصحفيين، وظهر لنا مدى العلاقة التي تربط الدولة بالمطبوعات والصحف خاصة في عهدي سعيد وإسماعيل وقد أشرنا إلى هذه الوثائق في هوامش المتن كلما أعوزنا البرهان أو الدليل. عرضت الكتب صورة للعصر وللتاريخ إجمالًا، وحددت الوثائق العربية والفرنجية والتركية جانبًا كبيرًا من البحث، وخاصة ما تصل منه للصحافة الرسمية، ثم عدنا في آخر الأمر إلى الصحف نفسها، عربية وفرنجية، لنستكمل الحقائق من مصادرها الأولى، ولنؤرخ لهذا الموضوع من جدوله الأصيل، ولنزاوج بين الحقائق العلمية المنشورة في الكتب والوثائق الرسمية بين الاتجاهات الصحفية المتباينة، ثم نستخرج من هذا كله الصورة الصادقة لتطور الصحافة المصرية منذ نشأتها إلى اليوم، وقد نشرنا ثبتًا في نهاية هذا البحث يشتمل على أسماء الصحف التي صدرت أو صدر بها الترخيص، واعتمدنا على الصحف المهمة منها في تصوير هذا التاريخ، وأشرنا إلى ذلك في مكانه. ونختم هذا الفصل القصير يذكر الدور التي قصدناها لتطبيق بحثنا وفي مقدمتها دار المحفوظات بالقلعة والمحفوظات التاريخية بسراى عابدين1 ودار الكتب المصرية والمجمع العلمى المصري ومكتبة جامعة القاهرة ومكتبة وزارة الخارجية وإدارة المطبوعات المصرية2، ومكتبة طلعت حرب باشا، وكذلك وجب التنويه بالمساعدات القيمة التي تفضل بها المشرفون على هذه الدور فكان حرصهم على إبراز الحقائق لهذا البحث حرص العارف بقدر العلم وهو حرص يشكرون عليه، ويستوجب مني التقدير والاعتراف بالجميل.

_ 1 نقلت هذه الوثائق المهمة بعد سنة 1952 إلى مكان ما. 2 وهي جزء من مصلحة الاستعلامات اليوم.

مقدمة

مقدمة: لا يستطيع شعب من الشعوب المتحضرة أن يمضي حياته اليومية من غير صحف، هذه ظاهرة اجتماعية حديثة لا يمترى فيها أحد، والصحافة في ذاتها وسيلة لا غاية، اهتمت بها الحكومة الحديثة كما حصرت عليها شعوبها مهما تختلف هذه الحكومات ومهما تتفاوت هذه الشعوب في إدراك حياتها السياسية وتناول شئونها الاجتماعية، فالحكومة النازية أو الفاشية تحرص، كما تحرص الحكومة الديمقراطية على هذه الوسيلة وتعمل على التمكين لها؛ لأن وراءها غايات قد تتشعب ومآرب قد تتباين، أما الوسيلة نفسها فقد فرضت وجودها على المذاهب السياسية والاجتماعية والاقتصادية جميعًا بلا استثناء. وحظ مصر من هذه الوسيلة كحظ غيرها من الجماعات المتحضرة، وكما دعت الحاجة إلى نشأة الصحف في أوربا منذ عدة قرون، كذلك أملت النظم الجديدة على مصر الحديثة أن تنشئ صحفًا تعددت أغراضها وتباينت أهدافها وإن يكن عمرها أقل من قرنين من الزمان للظروف السياسية والاجتماعية التي حالت دون النشاط الصحفي وأخرته عن أوربا زهاء ثلاثة قرون. وقد عرفت الصحف في أوربا بعد أن ظهرت الطباعة بفترة طويلة إذ اقتصر فن جوتنبرج خلال قرن على طبع أوراق الدفاتر وكراسات الأعمال التجارية وما إلى ذلك من الأشياء التي تمت إلى الحياة العملية ولا ترتبط بالصحافة والصحف، غير أنه قد لوحظ في تلك الفترة أن من بين الكراسات التي طبعتها المطبعة في صدر عمرها كراسات تحمل الأنباء للناس، والأنباء كما نعلم أهم عناصر الصحيفة، وقد سبقت إذاعة الأنباء فن الطباعة، فكانت تلقى في أول الأمر مشافهة ثم مضى أصحابها بنسخونها، فلما عرفت الطباعة صارت تذاع بعد طبعها في كراسات خاصة1.

_ عرض لهذا الموضوع Georges Weill في كتابه Le Journal. Origines, Evolution et Role De La Prese Periodique

ولم تكن إذاعة الأخبار المخطوطة من وظائف الحكومات بل تخصص بعض الأفراد لنسخ الأخبار المهمة ليقف على مضمونها النبلاء، وكان لهذه الطريقة أهمية خاصة في غضون القرن الخامس عشر في إيطاليا، وقد ساعدت الحياة الفكرية والتجارية والاجتماعية على نشاط هذه الطريقة الإخبارية، فإيطاليا في ذلك الوقت شعب راجت تجارته وزكت علومه ومعارفه وسيطر تفكيره على معظم أرجاء أوربا، فكان طبعيًّا أن يتحسس نبلاؤه وأغنياؤه ومفكروه أخبار دويلات أوربا والبلاد الأجنبية خارج القارة بما يحمله التجار وما تنقله أخبار السفن من أحاديث وروايات، فوجد أشخاص يحققون لهم هذه الرغبة، وكان هؤلاء يدفعون ثمنها بسخاء، وكان البندقية قطب الدائرة، دائرة العلوم والتجارة ودائرة الأخبار المنسوخة أيضًا، ولم يكن نشاط تجار الأخبار المخطوطة يقف عند البندقية بل كان لهم عملاء وحرفاء في المدن الإيطالية والألمانية من التجار ورجال المال، وقلد الألمان وغيرهم الإيطاليين في هذه الصناعة الجديدة. وفي القرن السادس عشر ظهر الخبر المطبوع فلم يقض على الخبر المنسوخ وذلك لندرة المطابع أولًا وهي في أكثرها محتكرة من الحكومة أو رجال الدين كما أن ناشري الأخبار المخطوطة كانوا قلة قادرة صقلتها المرانة فتمسكت بمستواها العالي في أخبارها وأسلوبها، وتبع ذلك تمسكها بعملائها وحرفائها، ولما انتشرت الطباعة وأصبح الخبر المطبوع سهل النشر يسير التناول هبط مستواه ولم يعد يليق إلا بالعامة، كما أن المطبوعات جميعًا كان موضع رقابة خاصة من السلطات كما كانت موضع شكوكها وتضييقها، ففضل العظماء الأخبار المنسوخة وهي أخبار لا تخضع لرقابة رقيب ولا يعنيها أكان في الحكم سلطة استبدادية أم سلطة عادلة، لذلك كان أخبارها أصدق وأقرب إلى الحقيقة، ولهذه الصحف المخطوطة آثار في المكتبة الأهلية بفيينا وبعضها الآخر في مكتبة الفاتيكان. ولقد لقي مذيعو الأخبار من البابوات والحكومات المختلفة ضيقًا وحرجًا

شديدين فصودرت أموالهم وبترت أيديهم وقطعت ألسنتهم ونصبت المخانق لكثير منهم، ولم يوهن نشاط مذيعي الأخبار المخطوطة والمطبوعة أو يفتر بالرغم من هذه القسوة التي ذكرنا بعض أمثلتها، واضطرت السلطات آخر الأمر إلى الرجوع عن هذه القسوة، بل جعلت تترضى بعض المخبرين المحترفين وتكلفهم العمل لحسابها فنفقت سوق هذه التجارة في أوربا عامة وروما خاصة. لكن الخبر المنسوخ لم يعمر طويلًا بل أخذ يتقهقر أمام الخبر المطبوع بانتشار الطباعة واعتدال ثمنه وتساهل الحكومات وتنازلها عن رقابته، فتلونت الأخبار وتباينت، وظهرت شعرًا ونثرًا، ولم تعد الأخبار وقفًا على الحوادث العادية المتواضعة، بل كان للحروب والحوادث الطبيعية والمشاكل الدولية أثر في ترويج هذه الصناعة بما كانت تذيعه المطابع في الأنباء المثيرة، كما عمدت بعض الأوراق الخبرية إلى نشر فيض من الحوادث المنقولة عن أوراق دول أخرى، وقد كبرت أوراق الخبر رويدًا ثم حثيثًا، فإذا هي دوريات تظهر كل ستة أشهر ثم دوريات تظهر كل شهر ثم كل أسبوع ثم كل يوم: وقد شهد القرن السابع عشر مولد هذه الدوريات جميعًا في فرنسا وانجلترا، وفي غيرهما من البلاد الأوربية ومضت هذه النهضة قدمًا وعبرت البحار إلى أمريكا الشمالية، بينما مضى الشرق في عزلته وتزمته، فلم يعرف الطباعة إلا بعد أن عرفت أوربا الكتب المطبوعة والصحف السيارة في المدن والمقاطعات المختلفة. وكان من الأمور الغريبة حقًّا ألا تشارك مصر دويلات أوربا في تقدير الطباعة وتكريم الصحافة، وألا تمر بها الأدوار الصحفية التي مرت بأوربا، وأن تكون آخر بلاد الشرق الأدنى معرفة بالمطبعة وأقلها احتفالًا بها، ذلك أن مصر أبقت على تراث فكري كاد يندثر بسقوط الدولة العربية وتفرق كلمتها، وقد حملت علم النهضة ولم يقف نشاطها في العلوم والفنون بالرغم من غشاوات الجهل التي أعمت بعض حكامها، وبالرغم من نوبات الفتور التي مست الحياة الفكرية المصرية آنًا بعد آنٍ منذ عهد الفاطميين إلى أيام

المماليك البحرية والبرجية "الشراكسة" وقد ظهر فيها كثير من العلماء الأدباء والمؤرخين كالقلقشندي وابن هشام، وابن خلكان وابن تغري بردي وغيرهم من فطاحل العلم والتاريخ، وقد اتصلت مصر في عصورها الوسطى بممالك البحر المتوسط وجنوب أوربا وجمهورياته المهمة للمتاجرة معها، وكان معها واسطة العقد بين الشرق والغرب، وكان يرجى لها التوفيق إلى كل جايد تعرفه أوربا في ذلك الوقت. وكانت جمهورية البندقية وغيرها من البلاد الأوربية لاستقبال النهضة الحديثة، وفي هذه الفترة عرفت الطباعة في مدن إيطاليا والمدن الحرة الآخرة وكان الأمل واسعًا في أن يستفيد أعظم عملاء أوربا من هذا الحديث الجديد لو استمر الاتصال قائمًا وعرف المصريون قدره، غير أن مركز مصر قد تدهور بعد كشف رأس الرجاء وسلوك التجارة سبيلها عن طريقه، فانقطعت الصلة بين مصر وعملائها إلى حد بعيد، وأقفلت الأبواب دون الإحساس بخطر المطبعة زهاء ثلاثة قرون كان مصر قد بلغت فيها التقهقر والاضطراب مبلغًا تقوضت فيه دعائم الحياة السياسية والاقتصادية، وانطفأت الذبالة الباقية من حضارة الأمس، وشغلت بنزوات حكامها وقاست من جهلهم وعسفهم ما قاست حتى انقطع ما بينها وبين كل جديد من أسباب، وأهمل شأن المدارس والتعليم وبيعت الكتب وانتهبت، وتخربت دور الفن وعماراته، وكانت مصر آخر من عرف المطبعة بين دويلات السلطنة المهمة". وإلى أوربا يرجع الفضل في صناعة الحروف الشرقية والعربية، عنوا في أول الأمر باللغة العبرية وحروفها لأنها لغة الإنجيل والتوراة، وقاموا بنشرهما في إيطاليا، ثم مضوا ينشرون كتبًا دينية مختلفة، ثم اتجهوا إلى العلم فنشروا باللغة العربية بعض كتبه، وفي مستهل القرن السابع عشر احتدمت المنافسة بين روما وباريس وليدن ولندن على طبع الكتب العبرية والعربية، وأحس الشرق هذه المنافسة فجلب إليه الطباعة من الغرب ليقوم هو أو يساهم على الأقل

في نشر آثاره وتعاليمه، وقد أوحت بذلك أيضًا الفكرة الدينية، لذلك بدأت المطبعة في الشرق أول ما بدأ تنشر كتبًا دينية باللغة العبرية ثم كتبًا أخرى باللغة العربية، وتخلصت أخيرًا من الاتجاه الديني، ومضت تذيع المؤلفات والتراجم العلمية والأدبية. ولقد سبقت الأستانة جميع بلاد الشرق في معرفة الطباعة، وإلى اليهود يعود الفضل في نشر هذه الصناعة، فقد أنشأ أحدهم مطبعة عبرية في عاصمة الخلافة لتنشر كتبهم وتعاليمهم الدينية ولتغنيهم عن المخطوطات التي كانت تكلفهم أجرًا كبيرًا وجهدًا عسيرًا، وكان هذا اليهودي ينشر بين آن وآخر كتبًا في التاريخ والعلوم بجانب كتب الدين اليهودي وتعاليمه، وقد بدأ عمله هذا في أواخر القرن الخامس عشر1 ولم تعرف الأستانة الحروف العربية إلا في أواخر القرن الثامن عشر أي بعد أن قطعت المطبعة العبرية من وجودها في الشرق أكثر من قرنين من الزمان، وقد نشط اليهود في بلدان الشرق الأخرى فأنشئوا المطابع هنا وهناك. أخذت الطباعة تنتشر في بلاد الشرق الأدنى، وقد بدأت كما رأينا في الأستانة وحروفها عبرية، غير أن هذا الشرق ولغته الفضلى اللغة العربية، عني عناية خاصة بحروفها، فأنشأ أحد البطارقة مطبعة عربية في حلب في أوائل القرن الثامن عشر حوالي سنة 1702 وقيل: إن حروفها في بخارست وهي أول مطبعة عربية في الشرق، ثم أنشئت في الأستانة المطبعة العربية الثانية وقد لقي إنشاؤها عنتًا شديدًا من الحكومة ورجال الدين فقد أفتى العلماء بأن المطبعة رجس من عمل الشيطان، إلى أن قيض الله لها بعض المصلحين، واستطاع الصدر الأعظم بمعاضدة بعض هؤلاء العلماء أن يستصدر من السلطان فرمانًا عاليًا موقعًا عليه بالخط الشريف في سنة 1712 بالإذن لسعيد أفندي "وقد صار صدرًا أعظم فيما بعد" بإنشاء المطبعة وطبع جميع أنواع الكتب.

_ 1 مجلة المشرق، السنة الثالثة، عدد 4 ص175 وعدد 6، ص254 - 255.

إلا كتب التفسير والحديث والفقه والكلام1. تم عرفت الطباعة العربية في قرية الشوير من أعمال لبنان في دير من أديرتها المعروفة حوالي سنة 1732، وقد نافس الأرثوذكس أصحاب الشوير الكاثوليك وأنشئوا ببيروت مطبعة عربية قلدوا فيها حروف مطبعة الشوير سنة 1750. في أصغر القرى عرف بعض أمم الشرق المطبعة على حين جهل المصريون هذا الفن، إلى أن جاءت الحملة الفرنسية سنة 1798، فعرضت بين بضاعتها مطابعها العربية واليونانية والفرنسية، وقد ناسب نشاط المطبعة الفرنسة قدر الحملة، فلم تعمل مطابع الفرنسيين على غرار المطابع الشرقية الأخرى بحيث يكون جهدها منصبًا على نشر الكتب والتعاليم الدينية وحدها بل كان الاحتلال الفرنسي يرمي إلى أشياء مهمة من وراء مطابعه، فقد بدأ عملها قبل أن يبدأ الجيش عمله، نشطت وهي في البحر والحملة في طريقها إلى مصر، فأعدت المنشورات العربية وأذاعت أوامر القائد العام، ففيها إذن جزء للدعاية وجزء آخر للأوامر الإدارية والحكومية، حتى إذا استقرت في مصر فتحت صدرها للكتب المؤلفة والمترجمة لعلماء الحملة وأدبائها، ثم أضافت إلى ذلك شيئًا جديدًا لم تعرفه مطابع الشرق الأدنى، وانفردت به مصر أول الأمر، وكانت بمعرفته سباقة لبلاد الشرق جميعًا، ذلك إخراج الصحف، فعن طريق هذه المطابع عرفت مصر الصحيفة، أو الدورية في صورتها الكاملة، ومنذ ذلك الوقت يستطيع المؤرخ أن يحدد نشأة الصحافة في مصر2. أنشأ الفرنسيون صحيفتين في مصر، إحداهما يقال لها كورييه دو ليجيبت Courrier De L Epypte والثانية يقال لها لاديكاد إجيبسين La Decade Egyptienne. فتاريخ إنشاء الصحف في مصر إذن يجب أن يحدد بالحملة الفرنسية.

_ 1 تاريخ جودت: ص81 - 84. 2 راجع تاريخ الطباعة والصحافة في مصر خلال الحملة الفرنسية للمؤلف، القاهرة، سنة 1941.

ولا يجوز للمؤرخ أن يحدد تاريخ الصحافة المصرية بإنشاء هاتين الصحيفتين؛ لأنهما صحيفتان أجنبيتان وإن ظهرتا في مصر، وإذا كان لكل صحيفة فكرة ولكل جريدة هدف وغاية، فأهداف هاتين الدوريتين تجعلنا نقرر أنهما ليستا من الصحافة المصرية في شيء اللهم إلا المكان الذي صدرتا فيه وهو القاهرة. صدرت جريدة: "كورييه دون ليجيبت" بعد الاستيلاء على القاهرة مباشرة في 28 أغسطس سنة 1798 "فريكتيدور سنة 6 جمهورية" في حجم كتاب وسط باللغة الفرنسية، وتقطع اللغة التي صدرت بها "لو كورييه" الصلة التي بينها وبين المصريين، فالمصريون في ذلك الوقت لم يكن لهم بهذه اللغة ولا بأصحابها عهد موصول لأسباب لا تغيب عن دارس هذه الحقبة من التاريخ المصري. وقد حملت هذه الصحيفة أخبار مصر الداخلية وهي الأخبار المحلية في القاهرة والأقاليم، وكان القصد من نشر هذه الأخبار أن يعرف الفرنسيون في القاهرة ما يجري لدى زملائهم في ريف مصر وأقاليمه حيث توزعت فصائل الجيش الفرنسي، وفي ذلك يقول الجبرتي: إن "القوم كان لهم مزيد اعتناء بضبط الحوادث اليومية في جميع دواوينهم وأماكن أحكامهم، ثم يجمعون المتفرق في ملخص يرفع في سجلهم بعد أن يطبعوا منه نسخًا عديدة يوزعونها في جميع الجيش حتى لمن يكون منهم في غير المصر من قرى الأرياف فتجد أخبار الأمس معلومة للجليل والحقير منهم .... "1. فهدف "كورييه" إذن هو الجنود الفرنسيون أو الجالية الفرنسية التي ينبغي أن تعرف عن طريقها أخبار مصر وشئونها فقد انقطعت الصلة بين فرنسا

_ 1 الجبرتي: عجائب الآثار، ج3، ص254.

وجنودها في مصر، وهذه حقيقة يعلمها قادة الحملة وأعلامها، لذلك هيئوا هذه الصحيفة لجنودهم، على أن تنشر بين آن وآن أخبار فرنسا التي تجيئها خلسة بالرغم من حصار الأسطول الإنجليزي للشواطئ المصرية1. كما أنها لم تغفل أنباء سوريا وفلسطين وأخبار أوربا مطولة أو مختصرة على أنها في هذه الأنباء جميعًا كان تخضع لامتحان من الرقابة الشديدة2. وأضافت هذه الصحيفة كثيرًا من القصص الغريبة عن مصر ترفيهًا لقرائها وتسلية لهم، وكانت إعلاناتها جميعًا بلا استثناء إعلانات تهم الفرنسيين وحدهم. وصدرت لاديكاد إجيبسين في أول أكتوبر سنة 1798 "فانديمير سنة 7 جمهورية" وحمل العدد الأول منها افتتاحيته، وهي تقرر اتجاه الصحيفة وهدفها، فهي صحيفة علمية لدراسة شئون مصر، ونشر المسائل الخاصة بالحياة المصرية، واجتماعية وأدبية واقتصادية، وهي صحيفة المجمع العلمي المصري، ويتكون من جماعة من علماء الحملة الفرنسيين ليس بينهم مصري، فهي بمعنى أوضح وثيقة رسمية أو سجل لنشاط الحملة العلمي، تصدر في القاهرة للفرنسيين المقيمين فيها الذين تعنيهم شئون الأدب والاقتصاد أكثر مما تعنيهم شئون الحرب أو أخبار المدن والأقاليم وصور الحياة المصرية العارضة. ويستطيع المؤرخ للصحافة المصرية أن يحكم في اطمئنان بأن الجريدتين الفرنسيتين اللتين صدرتا في القاهرة خلال الحملة الفرنسية لا تمثلان الصحافة المصرية في شيء ولا تعتبران دعامة لها، وقد شرحنا مبلغًا في تقرير هذه الحقيقة من قوة وصدق، وإنما هما صحيفتان أنشأتهما الظروف وحدها، وهي ظروف بعضها طارئ كما حدث في إصدار "لو كورييه"، وبعضها عرف عن تصميم سابق أدلته هذه الجماعة الضخمة من العلماء والأدباء والشعراء التي صحبت الحملة لتبحث وتنقب وتدرس وتقرر وتثبت هذا كله في مجلة

_ 1 Canivet, Bull. de L lnstitut d Egypte 1909 p.15, 16 2 Charles- Roux, Bonaparte. Gouverneur d Egyte. Paris

حتى لا يفوت بونابرت فضل غزو الحياة المصرية بدراسة تاريخها وآثارها وأمراضها وإنتاجها كما كان يرجو غزو مصر وتثبيت العلم الفرنسي فيها، وقد نجد في الأولى وأخفق في الثانية. ولم يحاول بونابرت إنشاء صحيفة عربية في الوقت الذي أنشأ فيه الصحيفتين الفرنجيتين، وهي أجدى عليه وعلى صحبه من جند ومدنيين وعلى فرنسا نفسها في توجيه المصريين وتعميم الحضارة الجديدة التي حملها معه إلى وادي النيل، وهو يكاد يؤمن بهذه الفكرة، فكرة الصحيفة العربية فقد جعل من المطابع العربية إحدى الوسائل التي تصله بالمصريين بما كان يذيعه من منشورات على الجماهير المصرية تلصق "في مفارق الطرق ورءوس العطف وأبواب المساجد"1. ولم تساعده المطبعة العربية في الاتصال بالمصريين وحدهم، بل كثيرًا ما طبع لأمراء الحج وزعماء العرب وغيرهم في الشرق الأدنى المنشورات والكتب ليكفوا عن قتاله ويصلوه بالود والمعروف2 وقد كان يستطيع أن يستغنى عن هذا كله بصحيفة ينشرها في مصر فيقرؤها المصريون ويوزعها في البلاد الشرقية ويضمن بها داعية لا ينكر أثره، وأكبر الظن أن ظروفه الحربية وافتقاده المعاونين من المصريين، حال كل ذلك دون تحقيق هذه الفكرة الجميلة، فلما توالى الجنرال منو مكانه، وكان قد أشهر إسلامه وأذاعه بين المصريين خيل إليه أن أمور مصر قد استقرت له، وأن عليه أن يقارب بين أفكار المصريين والفرنسيين، وقد رأى دعاة السوء يحاولون إفساد ما يعمل له من تمكين الصلة بين الشعبين، فاستوضح من صديقه دجنت " Desgenettes" كبير أطباء الحملة أمر الاضطراب الذي يسود العلاقات المصرية الفرنسية جماعة من الفرنسيين المستشرقين وبعض العلماء المصريين، وتوظف هذه الجريدة في تنوير عقول العامة الذين يعدون الإصلاح الفرنسي في مصر

_ 1 الجبرتي: عجائب الآثار، ج3، ص20. 2 الجبرتي: عجائب الآثار، ج3، ص49.

خرافة من الخرافات، فأمر منو بإصدار جريدة التنبيه " L Avertissement" في 26 نوفمبر سنة 1800 "فريمير سنة 9 جمهورية" على أن توزع في جميع أنحاء القطر المصري وفي بلاد اليمن والشام وداخل إفريقيا، وتقوم المطبعة الأهلية بنشرها، ويجيز أمور النشر فيها علماء الديوان حتى لا ينشر ما قد يفسد الغاية منها أو يسيء إلى التقاليد والعادات المتبعة في مصر، على أن يشرف على تحريرها الشيخ الخشاب أحد أعلام الأدب في ذلك الوقت وسكرتير الديوان، فتكون صحيفة إخبارية تنشر أنباء الحكومة وحوادث الديوان المصري وتذيع بعض الحوادث الأوربية والأسيوية العامة كما تعنى بالأدب والفنون والعلوم، ويكون مراقبها العام رئيس إدارة العدل في مصر. ويعنينا من أمر هذه الجريدة أنها لو صدرت لكانت بحق أم الصحف المصرية جميعًا غير أن الأمل المعقود بظهورها لم يتحقق؛ لأن الظروف المحيطة بمصر إذ ذاك لم تسمح بإخراجها فبقي مرسوم إنشائها معطلًا ولم يعمل به1.

_ 1 تاريخ الطباعة والصحافة خلال الحملة الفرنسية للمؤلف، ص97 - 108.

الصحافة الرسمية في مصر

الصحافة الرسمية في مصر: ولي محمد علي شئون مصر في سنة 1805 في جو لم يعرف الولاة العثمانيون له شبيهًا من قبل، فقد كان للشعب المصري دخل في هذه التولية فهو الذي طلبها وألح في طلبها، وأقر السلطان هذه الرغبة الشعبية، فآذنت هذه الحالة الجديدة بكتابة صفحة جديدة في تاريخ مصر، ومضى الوالي الجديد يرتب أموره على هذه الحقيقة التاريخية، أي أنه ربط مستقبله وحياته بمستقبل مصر وحياتها، ولم تستطع أساليب الدس في الآستانة وكل مشاكل الأرناءود في القاهرة أن تحول دون ولاية محمد علي لمصر سنة بعد أخرى، ثم قامت الأزمات بين السلطان وواليه وتدخلت الدول العظمى لتصفية الأزمة التركية المصرية تصفية نهائية في سنة 1840 وقررت لمحمد علي على ما أقره المصريون من قبل وجعلت له ملك مصر مدى حياته على أن يليه من بعده أعقابه جيلًا بعد جيل. شهد مصر قبل ولاية محمد علي احتلالًا أجنبيًا مهما يكن أمره فقد برق في حياة المصريين وشغلهم بجديد لم يكن يعرفه الشعب المصري، سواء في الإدارة العامة أو في تفاصيل الحياة المصرية المتباينة، وأصبحت البلاد في مفترق الطرق بعد هذا الاحتلال، يعوزها الاستقرار حتى تتبين ما كان ينوى الفرنسيون صنعه، لذلك لم تختلف كثيرًا الأساليب التي اتبعها محمد علي عن الأساليب التي فرضها الاحتلال الفرنسي، ومن هنا نشأت حاجته إلى الفرنسيين فاستعان بهم لإنشاء مصر الحديثة. وقد قطعت الحوادث التاريخية في عهد محمد علي بأنه كان مجددًا لمصر في جميع ما صنع في إدارته لها، وأنه كان يدعم نظامه الجديد بما يمكنه من التقدم ويهيئ له أسباب النضج والاستواء، فقد رأى تنظيم مصر إداريًّا في سنة 1813 فقسم كل مديرية إلى أقسام وعين لكل قسم ناظرًا ولكل مديرية

أو مديريتين مأمورًا أو متصرفًا1 وذلك توطئة للعناية بأهم المصالح المصرية وهي الزراعة فأنشأ ديوانها بعد التنظيم الإداري بسنتين2 واستتبع ذلك حفر الترع3 وإنشاء الفابريقات4 فالتنظيم الإداري تدفع إليه رغبة "تسهيل عمارة القطر وتقدم زراعته"5 ولم يكن الباشا يرحم عاملًا أو موظفًا يسيء إلى مصالح الإدارة أو الزراعة ولا يقبل تعلة أو اعتذارًا بل يدفن المهمل حيًّا في الأرض التي أهملها أو في المصنع الذي أساء إليه ليكون عبرة لأقرانه الأحياء فهو يريد بذلك أن تنظم حسابات الأقاليم والمصالح وشئونها الإدارية بحيث يقدم إليه ملخص عنها في نهاية كل شهر أو في نهاية كل سنة، أو في فترات أقل من الشهر والسنة، وهي طريقة جديدة في نظام مصر الإداري والمالي، يعرف بها الباشا حال البلاد آنًا بعد آن. وكان هذا الملخص يقدم له كتابة في صورة تقرير يقال له: "الجرنال" وقد رأى محمد علي أن مدة الشهر والعام قد تخفى عليه ما يجب أن يظهر، وقد تجعل هذه المدة قصرت أو طالت مجالًا للعب عماله وتكاسلهم6 فأصدر المسئولون أمرًا بأنه "في اليوم الأخير من كل أسبوع ترد إلى جنابه العالي كشرف الأقاليم البحرية والقبلية بمقدار المال المتحصل وكميات الغلال والأصناف الأخرى حيث يعلم منها نشاط المأمورين أو تكاسلهم ... " وتبين له بعدئذ أن

_ 1 أمين سامي باشا: تقويم النيل، ج2، ص246، ص257. 2 المرجع نفسه. 3 أمين سامي باشا: تقويم النيل، ج2، ص261. 4 محفوظات عابدين، دفتر 3 معية تركي، أمر رقم 172 في 5 ربيع الأول عام1234هـ. 5 محفوظات عابدين دفتر 3 معية تركي، أمر رقم 320 في 13 جمادي الآخرة لعموم جهات القطر المصري بتفسير قسمة القطر إلى أقسام. 6 محفوظات عابدين دفتر 747 خديو تركي، وثيقة رقم 36، سنة 1244هـ، من الجناب العالي إلى حبيب أفندي مأمور ديوان الخديوي.

من الأمور ما لا يحتمل الانتظار سبعة أيام، فأصدر أمره بجواز عرض "الجرنالات يوميًّا أو في أي ساعة إلى الباشا للنظر في الشئون المستعجلة"1. وهذه التقارير التي كانت ترفع إليه في كل عشرة أيام أو في الفترات الأخرى التي عينها وحددها كانت تطبع في مطبعة القلعة تقدم إليه بعد طبعها، وقد أنشأ لذلك "ورشة مخصوصة بطرفة كما عين كتابًا مخصوصين .. "2. ويضم هذا الديوان الكبير نخبة من الكتاب الذين يجيدون اللغتين العربية والتركية3 وكان محمود أفندي "جرنال ناظرى" أن ناظر التقارير التي ترفع للوالي يستقبل تقارير الأقاليم ويعدها للعرض على الباشا حيث يقضي فيها بأمر ما4 وكان للمدن المصرية الكبيرة دواوين على غرار الديوان الرئيسي في القاهرة، يرأسها ناظران عامان للتقارير، أحدهما في الوجه القبلي والثاني في الوجه البحري يتلقيان أخبار المدن والأقاليم، كل فيما يخصه ثم يرسلانها إلى القاهرة5، وفي القاهرة يتولى ديوان الجرنال العام بحثها وتبويبها وعرضها على الباشا، ثمه يبلغ قرار الوالي إلى المجالس وما إليها6. انتظمت أمور الجرنال وتشعبت مواده، بعد أن قامت المطبعة مقام النسخ، لذلك حرص عليه الباشا حرصًا شديدًا، فكان إذا رأى تهاونًا في

_ 1 محفوظات عابدين، أمر كريم في 9 شوال عام 1251هـ، ص6، مجموع ترتيبات ووظائف. 2 أمر من محمد علي في 24 المحرم سنة 1252هـ "محفوظات عابدين". 3 محفوظات عابدين دفتر رقم 740 ديوان خديوي تركي، وثيقة رقم 31، في 6 رمضان عام 1243هـ من ديوان الخديوي إلى ناظر التقارير. 4 محفوظات عابدين دفتر رقم 30 معية تركي، وثيقة رقم 2، في 3 رمضان عام 1243 من الجناب العالي إلى محمود أفندى. 5 محفوظات عابدين دفتر 748 خديوي تركي، وثيقة رقم 215 في 4 جمادي الثانية عام 1244هـ. 6 محفوظات عابدين دفتر 740 ديوان خديوي تركي، وثيقة رقم 122، في 8 ذي القعدة عام 1243هـ من ديوان الخديوي إلى الأفندي ناظر التقارير.

إصداره أو تكاسلًا في إخراجه اعتبر ذلك خللًا "للمصلحة" إذ "إن فائدة الجرانيل هي مطالعتها وتحرير الاستعلامات بما يلزم للإجابة عنها في وقته" لذلك يعاقب الباشا موظفي الجرنال المهملين منهم فيجازيهم "كنص القانون بالضرب 300نبوت" إذ إن اضطراب نظام الجرنال "قد أوجب اغبرار خاطره" ثم يقول في حاشية أمره "إن عدم تقديمهم الجرنال حال بينه وبين معرفة معاملتهم للعباد وأنه لا يليق تأخير المصالح لأجل راحة أنفسهم وبقاء عباد الله في التعب فيلزم المبادرة لترك برزخ الاستراحة وإرسال الجرانيل في أوقاتها المقررة .... "1. استمرت الأقاليم والمصالح ترسل إلى ديوان الخديو أخبارها وملخصًا وافيًا عن أحوال البلاد الزراعية والإدارية الأخرى، وقد يبدو من هذا العرض لماهية "الجرنال" وديوانه أنه كان وقفًا على الوالي دون حكومته وأن مطبعة القلعة كانت تقوم بخدمة هذا التقرير الخاص بمحمد على وحده، يبد أن فورني سكرتير بروكي في مطبعة بولاق يحدثنا عن هذا الديوان ويوضح لنا قيمة تقريره، ويعرض صوره لعلها أفضل الصور التي وصل إليها جرنال الخديو قبيل إنشاء الوقائع المصرية2. يذكر فورني أنه كان يطبع من الجرنال كل يوم مائة نسخة باللغتين العربية والتركية متضمنًا الأخبار الرسمية الحكومية وبعض قصص من ألف ليلة وليلة. وكان هذا التقرير الذي يمكن تسميته بالجريدة الرسمية مع شيء من التجاوز يرسل إلى رجالات الدولة ومأموريها الذين يعنيهم أن يقفوا على أحوال البلاد والنظام الجديد فيها، وفي ذلك تقول الوقائع المصرية في افتتاحية العدد الأول: "ووضع ديوان الجرنال قاصدًا من وضعه أن ترد الأمور الحادثة الناتج منها

_ 1 أمر من محمد علي في 24 المحرم سنة 1252هـ؛ تقويم النيل، ج2، ص467. 2 F. Bonola Rev, Int,d, Egypte Octobre. 1905,p,151

النفع والضرر إلى الديوان المذكور وأن ينتخب ويتنقح فيه منها ما منه ينتج النفع والإفادة حتى إذا ظهر عند المأمورين نوعًا النفع والضرر ينتخب ما منه تصدر المنفعة ويجتنب ما منه يحصل الضرر، وهذه الإرادة الصالحة الصادرة من حضرة سعادة ولي النعم وإن كانت قد جرت في ديوان الجرنال إلى الآن إلا أنها لم تكن عمومية"1. تتفق مقدمة الوقائع كما رأينا مع تقرير فورني، فليس جرنال الخديو تقريرات خاصة بالوالي تقدم إليه كما كان الأصل في إنشاء الديوان وجرناله، بل تطور هذا الجرنال الخاص فأصبح هاديًا للمأمورين بما يذاع فيه من أخبار البلاد، خيرها وشرها، حتى يرى هؤلاء المأمورون أوامر الوالي وإرشاداته فيقبلوا على تنفيذ ما يرى تنفيذه ويجتنبوا ما نهت عنه أوامره، هو خلاصة لنشاط الحكومة وأعمال الموظفين واجتهاد العمال، ينشر في مائة نسخة توزع على رجال الدولة المسئولين في انتظام، لذلك بقيت هذه الجريدة التي ارتبط تاريخها بإنشاء النظم الجديدة وقفًا على المأمورين وحدهم؛ لأن نشاط الحياة المصرية على الإطلاق، سجلت نشاط الحكومة في نشأتها الحديثة الأولى وأدت وظيفتها على أحسن ما تؤدى الوظائف في الصحف الرسمية. أنفق محمد علي زهاء أربعين عامًا في حكم مصر باذلًا أقصى الجهد في تنظيم الحكومة المصرية، فعنى ترتيب البلاد إداريًّا ورعاية "مصالح الزراعة والحراثة وباقي أنواع الصنايع التي باستعمالها يتأتى الرخاء والتيسير" ثم فكر "في نظام القرى والبلدان ورفاهية سكانها وراحتهم" فإذا نجح في ذلك كله "وضع ديوان الجرنال" على الصورة التي شرحناها وللغاية التي بيناها، ثم وجد الباشا في نهاية الأمر أن جرنال الخديو قد أدى وظيفته، وأن القواعد والنظم التي وضعها لحكومته قد أثرت في المصريين ومست حياتهم مسًّا عميقًا

_ 1الوقائع المصرية، العدد الأول، في 25 جمادى الأولى، عام 1244هـ.

وأن قصر الأخبار على مأمورية ورجال دولته دون شعبه ليس من أصالة الرأي في شيء، فلما "لاح هذا الشيء في ضمير الذات السنية" أمر بطبع شئون الحكومة والمحكومين معًا في جريدة تنشر "عمومًا وقد سميت واشتهرت بالوقائع المصرية". وتقول الوقائع المصرية في خطتها التي أذاعتها افتتاحية العدد الأول: "أراد ولي النعم أن الأخبار التي ترد إلى الديوان المذكور -ديوان الجرنال- تتنقح وينتخب منها ما هو مفيد وتنشر عمومًا مع بعض الأمور التي ترد من مجلس المذاكرة السامي والأمور المنظور بها في ديوان الخديوي، والأخبار التي تأتي من أقطار الحجاز والسودان ومن بعض جهات أخرى" فكأن ديوان الجرنال باق وإن سمي بعد إنشاء الجريدة قلم الوقائع1 بيد أن اختصاصاته قد توسعت، فقد كان جرنال الخديو يعني بالتقارير التي تأتي من الأقاليم، أما المجالس العليا كديوان الخديو ومجلس المذاكرة السامي - وهي من آثار التنظيم الجديد للحكومة سنة 1826، فأخبارها شيء لا يتصل بشئون الجرنال وديوانه، وهذه المجالس تبلغ من الأهمية مكانًا يجعل قراراتها وأخبارها متصلة بالشعب وحياته، فيها تقرر مصائره وعنها تصدر كافة القرارات التي لها قوة القانون، فإذا نشرت على المصريين أخبارها كان ذلك عملًا له خطره في إذاعة حوادث الدولة الكبار. وقد يجد مؤرخو الصحافة المصرية كثيرًا من النتائج في نشر الوقائع المصرية وخاصة بعد أن أذاعت افتتاحيتها مجمل ما ستحتوي عليه أعدادها، وهي موضوعات طيبة حقًّا، بالإضافة إلى تقريرها حقيقة مهمة وهي أنها ستنتشر لكافة الناس، فوزعت على العلماء2 وعلى تلاميذ المدارس3 والذوات

_ 1 محفوظات القلعة، كراسات ملخصات الأوامر العلية، كراسة رقم 9، ص172هـ. 2 محفوظات عابدين وثيقة رقم 3 دفتر 93 مدارس عربي ص48 في 6شوال عام1263هـ. 3 محفوظات عابدين وثيقة رقم 380 دفتر 93 مدارس عربي ص111 و118 في 19 شوال عام 1263هـ من ديوان المدارس إلى ديوان المالية.

الملكية والجهادية1 وأرسلت إلى كريت والشام وبلاد العرب والسودان2 وقرأها المبعوثون في أوربا3 ولكن هؤلاء جميعًا لم يتجاوز عددهم ستمائة قارئ4، وذلك في أعظم أوقات الحكومة خطرًا يوم كان جيوشها تحارب في الشام وهي في أشد الحاجة إلى الدعاية والإعلان، ومصدر هذه القلة في عدد قراء الوقائع أسباب كثيرة من أهمها أن مجال الاشتراك فيها لم يبح على إطلاقه بل قرر الباشا أن من له حق الاشتراك فيها من بلغ مرتبه في كل شهر ألف قرش فأكثر5 ومن الثابت أن كثيرين ممن كانوا يتقاضون مرتبًا أقل من ألف قرش كان في استطاعتهم قراءتها والاستفادة منها، وقد تحدد عدد المشتركين في الوقائع أو القارئين لها، وبذلك لم يطلق توزيعها على الصورة التي اتبعت مع مثيلاتها من الصحف الرسمية في الدول الأخرى، كذلك تحددت أخبارها، فإن إشارة افتتاحية الوقائع إلى "بعض الأمور التي ترد من مجلس المذاكرة السامي والأمور المنظورة بها في ديوان الخديوي" يدلنا على أنه ليس كل ما يدور في هذه المجالس يصبح حقًّا مباحًا لقرائها، بل تقتصر على نشر ما من شأنه ألا يخل بسرية هذه المجالس، وكذلك كان الشأن في الأخبار العادية الأخرى التي درجت الجريدة الرسمية على نشرها فهذه أيضًا كانت لا تنشر إلا بعد امتحان قاس من ديوان الخديو وبعد رقابة عنيفة من الحكومة ومحمد علي نفسه6.

_ 1 محفوظات القلعة كراسات ملخصات الأوامر العلية، كراسة رقم 9، ص172. 2 محفوظات عابدين وثيقة رقم 176 و216 في 29 صفر عام 1249 هـ دفتر 787 ديوان خديوي تركي. 3 تاريخ الوقائع المصرية "1828 - 1942" للمؤلف الطبعة الثانية، ص38 - 106, 4 Dowin La Mission Du Baron De Boisiecomte L Egypte et La Syrie En 1833 P, 139 5 محفوظات عابدين وثيقة رقم 127 دفتر رقم 9 مدارس عربي في 5 ذي القعدة عام 1260هـ من ديوان المدارس إلى المطبعة. 6 تاريخ الوقائع المصرية للمؤلف، ص55 وما بعدها.

كانت النظم الجديدة من أهم الأسباب التي دعت إلى إصدار الوقائع كجريدة للحكومة المصرية، فإن الوالي كان يريد أن يرى المصريون أو خاصة المصريين بمعنى أوضح المثل التي رسمها لسياسته العامة، فهو قد احتكر الأرض وأصبح التاجر الأول والصانع الأول في مصر، ومعظم هذا النظام غريب على المصريين، له حسناته وله سوءاته، وقد فرض على البلاد فرضًا، فلا أقل من إذاعة النتائج الطيبة التي سينتجها فعلًا هذا النظام، والوقائع المصرية وسيلته عند الراضين والساخطين على السواء، وهو ينشئ القناطر والجسور ويشق الترع وهذا يكلف الناس جهدًا فوق طاقتهم، ويتخلله شيء من ظلم الجماهير بتسخيرها في الحفر والشق وتعبيد الطرق، فلا أقر من أن تكتب المقالات تصف كفاح الحكومة من أجل عمران مصر، ثم هو ينشئ مصانع النسيج ومعامل الغزل ودور الصناعات الحربية بجانب المدارس على اختلاف أنواعها ويرسل البعوث هنا وهناك ويهيئ أحواض السفن لبناء أسطوليه التجاري والحربي فيربط مصر بأوربا بعد أن انقطعت الصلات عدة قرون، ثم يأمر فينشر هذا كله في صحيفته وهي الميدان الفسيح لمدحه والثناء عليه، وهكذا تعطي الوقائع المصرية بمقالاتها وأخبارها صورة للحكومة العادلة القادرة المجددة. وهو يريد أن يرى الناس جزاء المجد أو المهمل فيأمر بنشر أخبار الموظفين ترقيتهم وعزلهم، ثم يأمر بنشر القضايا المهمة التي تتصل بالشرع والعرف مع ذكر الحكم والقصاص، ثم يؤكد على المحرر بأن يذيع بين آن وآن ما رمم من المساجد وما أنشئ من المؤسسات الخيرية إلى غير ذلك من الأخبار التي تتصل بالزرع والحيوان1 ثم لا يغيب عن صفحاتها بعض الأدب وأخبار السياسة الخارجية وشئون الدول الاجتماعية لعل فيها عظة وعبرة لقرائها.

_ 1 محفوظات عابدين وثيقة 65 في غرة صفر عام 1258هـ، دفتر 286 شورى المعاونة.

ويعين لخدمتها بعض رجالات العصر كرفاعة رافع الطهطاوي وأدهم بك مدير المدارس غير بعض السوريين الذين ولًّاهم شئونها الصغرى في التحرير والإدارة كأحمد فارس الشدياق والسيد شهاب الدين باشمصحح مطبعة بولاق1. وقد اقتسمتها اللغتان التركية والعربية وتغلبت الأولى مرة والثانية مرة أخرى إلى أن صدرت كل منهما في صورة منفصلة. وعلى هذا النحو نشرت أقدم الصحف المصرية ومضت قدمًا كأول مثال للصحيفة المصرية بالمعنى المفهوم، وهي نظائرها من الصحف الرسمية في أوربا التي تخصصت للأوامر الرسمية والقوانين واللوائح فقط. ارتبط تاريخ الصحافة الرسمية في مصر بالنظم الجديدة التي قررها ولي النعم، فقد شاهدنا كيف أنتج نظامه الإداري الأول الجرنال فأصبح جريدة رسمية يومية لكبار موظفيه ومأموريه، ثم رأى الباشا أن يعدل نظمه ويؤسس حكومته من جديد، واستلهم في ذلك القواعد الفرنسية التي اتبعت في مصر خلال الاحتلال الفرنسي فأسس في سنة 1826 مجالس الدولة وأنشأ الوزارات في صورة دواوين وعدل التقسيم الإداري، كما أنشأ مع نظامه هذه المدارس، وأخذت مطبعة بولاق تزحم في تلك الفترة بكتبها في كثير من العلوم والفنون، كما عقب على نشاطه الإداري والتعليمي بتنظيم زراعي لا بأس به2 وقد تبع إنشاء النظام الجديد كثير من التغيير والتبديل في مصالح الحكومة واختصاصاتها، وبذلك أنشأ محمد علي أول نظام ثابت لحكومة مصر وكانت قد حرمت النظام والاستقرار عدت قرون، وارتبط إنشاء الوقائع المصرية بهذا النظام وأصبحت لسانًا له وصدى لآماله الكبار.

_ 1 تاريخ الوقائع المصرية للمؤلف، ص99 وما بعدها. 2 الوقائع المصرية، عدد 113، في 28 شعبان عام 1254هـ.

ولعل أعظم ما بهر المؤرخين وشغلهم في تاريخ محمد علي النظم العسكرية التي أدخلها في مصر وكون جيشه بمقتضاها، فقد كتب المؤرخون عن هذه النظم مجلدات ضخمة أحدثها ما نشره الجنرال فيجان العسكري الفرنسي المعروف1، ويتبين لنا قدر هذا الجيش إذا عالجنا خدماته للوالين فيه قضى على المماليك وزعمائهم، وطرد الإنجليز في سنة 1807، وفتح بلاد العرب وأراح السلطان من مشاكل الجزيرة العربية، كما استعان به في فتح السودان وكريت واليونان والشام أخيرًا، وهو القوة التي ارتكز عليها في سياسته الخارجية إزاء الباب العالي ودول أوربا، فلا غرو إن رأى المؤرخون أن العسكرية المصرية في عهده فرضت النظام على شعبه وخلقت حسًّا وطنيًّا لم يكن معروفًا من قبل ووضعت أساس الاستقلال المصري2 وأنها في رأي آخر مكنته من "أن يلعب في مصر برغم موارده المحدودة دور أمة قوية السلطان"3. هذا رأي بعض المؤرخين في النظام العسكري وآثاره في مصر، غير أن مؤرخ الصحافة الرسمية لا يعنيه من هذا شيء بقدر ما يعنيه الأثر الذي خلفه الجيش المصري في الصحافة المصرية، وقد قامت الوقائع بنشر أخبار هذا الجيش4 وفسحت صدرها لذكر تقدمه وانتصاراته. ولما كان جرنال الخديو لم يعد يحتمل نشاط الدولة بعد اتساعها وتنظيمها الجديد كذلك لم تستطع الوقائع المصرية أن تنفرد وحدها بتسجيل التفاصيل التي تتصل بالجيش وهو يكتب صحيفته الرائعة في حروب الشام، وهذه

_ 1 واسم كتابه Histoire Militaire de Moh, Aly et de ses fils, 2 Vols,1936 2 Clot. A.B. Apercu general sur l, Egypte 1840 3 De Freycinet - La Question d,Egypte.p19 4 محفوظات عابدين وثيقة رقم 321 في 27 جمادى الآخرة عام 1250هـ، ثم وثيقة رقم 242 في 26ربيع الثاني عام 1249هـ دفتر 49 معية تركي، ووثيقة رقم 668 في 3 جمادي الآخرة عام 1251هـ دفتر 66 معية تركي.

التفاصيل من شئونه الخاصة، لذلك اختص الجيش بجريدة له سميت "الجريدة العسكرية" وإن مضت الوقائع المصرية تنشر تنقلاته وترقيات ضباطه وتصور أفعاله المحيدة، بيد أنها لم تتمكن من أن تلم بكل ما يتصل بحياة جيش يبلغ زهاء ثلاثمائة ألف جندي وضابط1. وقد طبعت هذه الجريدة العسكرية في مطبعة ديوان الجهادية في مستهل حملة الشام سنة 1833، وقد أنكرتها الوثائق والمراجع قبل هذا التاريخ، ولعل حوادث الجيش وجرائم الآلايات لم تكن تحتمل تخصيص صحيفة له قبل تنظيمه وازدياد جنده هذه الزيادة التي قلما تجارى في تلك الظروف. وقد فصلت إحدى الوثائق قدر هذه الصحيفة حيث قالت: إنها "الجريدة الخاصة بنشر الجرائم التي تقع في الآلايات" وأنه يصدر منها "شهريًّا خمس عشرة نمرة الجاري طبعها في مطبعة ديوان الجهادية"2 وقد شكا حضرة صاحب الدولة الباشا السر عسكر3 من التهاون الملحوظ في نشر هذه الجريدة العسكرية، فقرر مجلس شورى الجهادية التنبيه على "أحمد أفندي ناظر مطبعة ديوان الجهادية؛ لأن يبذل جهده حتى لا يقل عدد ما يطبع خاصًّا بالجرائم العسكرية من خمس عشرة نمرة في كل شيء" وتكليف "ثابت أفندي كاتب مجلس شورى العسكرية بأن يختار من بين المستخدمين في شورى الجهادية موظفًا قديرًا ويوليه مهمة تسليم ما يرد إلى المجلس من أعداد الجريدة العسكرية وإرسال أعداد هذه الجريدة بالبريد إلى الديوان الخديوي" ثم يكلف مجلس شورى الجهادية "الأفندي وكيل مأمور الديوان الخديوي" بأن يعني بإرسال الجريدة إلى الجهاد المختصة مرتين في كل أسبوع.

_ 1 راجع قيودات الأوامر العلية وتحريرات المعية لسنة 1249هـ. 2 محفوظات عابدين وثيقة رقم "13أصلي÷ 43 مسلسل" دفتر 98 ديوان خديوي ص25 في 28 محرم عام 1250هـ. 3 هو إبراهيم باشا بن محمد علي وثاني ولاة مصر بعد أبيه.

ولم نوفق إلى الحصول على نسخة من الجريدة العسكرية حتى نصورها في الصورة اللائقة بها، ولكن في استطاعتنا أن نقرر من تسمية هذه الجريدة أنها كانت تنشر تفاصيل هذه الجرائم والقصاص الذي نزل بمرتكبيها، وأنها قياسًا على ما كان يحدث في أمر توزيع الجرنال والوقائع نرجح أنها كانت توزع على ضباط الجيش، ولعلها كانت تقرأ على الجنود أو يفسر لهم ما فيها، وأكبر الظن أن حياة هذه الجريدة لم تستقم على ما كان يهوى دولة السر عسكر فإن الجنود المصرية لم تكن خلال حرب الشام في حالة تسمح باستقرار ينتج صحيفة تصدر خمسة عشرة مرة في كل شهر؛ لأن الحواديث والجرائم التي تقع في الجيش كان يتعذر نقلها في انتظام إلى مصر من حدود الأناضول أو من أعماق السودان لتنتظم أمور الجريدة وحوادثها، وفي ذلك شكا دولة السر عسكر كما رأينا. ونحن نرجح أن عمر هذه الجريدة لم يطل لأن الوثائق التي اتصلت بالجيش ونظامه وحروبه وظفره أنكرتها إنكارًا تامًا فيما خلا تلك الوثيقة التي أشارت إليها، وعندي أن معاهدة لندن وقد حدت من نشاط العسكرية في مصر قد حالت دون استمرار الجريدة واضطلاعها بالأعباء التي حدثتنا عنها وثيقة مجلس شورى الجهادية أو لعلها تطورت إلى شيء يشبه الغازتة العسكرية المعروفة بأخبار الترقيات والتنقلات بين صفوف الجيش، وهو عمل صحفي هادئ تدعو إليه الحاجة وليس له موعد معلوم. أثبت جرنال الخديو والوقائع المصرية والجريدة العسكرية أن ولي النعم كان يؤمن بقدر الصحافة وخطرها في المسائل العامة التي كان يكرس حياته من أجلها، وقد أدى جرنال الخديوي وظيفته من حيث تمثيله للنظم القديمة، كما أدت الوقائع المصرية رسالتها من حيث أنها كانت أكثر عمومية وأوسع إدراكًا لمعنى الجريدة بصفتها الرسمية والعامة كما أنها كانت لسانًا طيبًا لإصلاحاته وتنظيماته التي أدخلها في سنة 1826، وهكذا كان الغرض من الجريدة العسكرية، فقط ارتبط وجودها باتساع الجيش اتساعًا لم يكن معهودًا من قبل.

وقد يبدو غريبًا ألا تكون للشئون الزراعية أو التجارية جريدة مماثلة لصحف النظم الإدارية والعسكرية، مع أن هذه الشئون قد شغلت الدولة كما شغلها الجيش وتجديده، فقد حفلت محفوظات عابدين بمئات الأوامر واللوائح والقوانين التي تتصل بتقوية جسور النيل وتنظيم البلاد الواقعة على شاطئيه والعناية بالري وزراعة الأثمار وغرس الأشجار، ومراقبة مياه المحمودية، ونظام بيع المحصولات وما إلى ذلك من الموضوعات التي تتصل بالزراعة والتجارة1. وأهم الوثائق التي تنتظم أغراض الباشا في التجارة والزراعة تبدو من أمره الخطير بإنشاء بنك في الإسكندرية "مثل بنوكة الممالك المتمدنة ويكون له امتياز وسلطة في تسعير العملة المصرية والعملة الأجنبية والأوراق وتسعير سائر أصناف الزراعة والتجارة الجاري الأخذ والعطاء فيها سواء كانت بالمزايدات أو بالممارسة أو بالإعلانات، وفتح اعتمادات وقبول التحاويل والرجع الميرية لما فيه من إزالة الضرر واتساع نطاق التجارة"2. وفي انتظام شئون الزراعة واتساع المجال في الحياة التجارية كما رأينا ما يبرر إنشاء صحيفة لهما تكون على غرار ما كان للجيش، ولعل الوالي قد وجد في الوقائع كفاء لهذا بما اعتادت نشره من هذه الأخبار، ولعل الفترة التي تحرجت فيها الأمور بينه وبين السلطان، وهي تقع بين سنتي 1833 - 1840 لم تتح له الانصراف التام إلى مثل هذه الشئون الجزئية إن صح التعبير، فقد كان كل شيء في خدمة الجيش، فإذا انجلت الأمور عن معاهدة لندن واستقرت الأحوال بين القاهرة والأستانة انصرف جهد الحكومة عن الجيش

_ 1 محفوظات عابدين، دفتر مجموع زراعة وهو في 250 صفحة من الحجم الكبير. 2 أمر صادر عن اللائحة المختصة بإنشاء بنك في الإسكندرية في 25 ذي الحجة 1285هـ.

واتجه إلى الإصلاح الداخلي وفي مقدمته الزراعة وحياة الفلاح، وهو ولي نعمته كما يقول هو1. وفي ذلك العهد -عهد الهدوء والاستقرار- صدرت لائحة زراعة الأراضي وقد ضمنها الوالي جملة دلت على القصد منها فقد قال في مقدمتها "إن رفاهية الأهالي هي من الزراعة"2، ثم توسع في إنشاء الترع والقناطر وأهمها القناطر الخيرية، ولم يكن ابنه وخليفته إبراهيم باشا بأقل منه اهتمامًا بالزراعة، فقد توفر عليها يرعى مختلف شئونها3 فليس غريبًا إذن أن يكون محمد علي قد فكر في إصدار جريدة للزراعة والتجارة وحال مرضه دون إتمام هذا المشروع، ومن ثم أخذ ولده إبراهيم على عاتقه أن يصدر هذه الصحيفة فأمر بإنشائها في 4 ذي القعدة سنة 1264هـ، وجاء في أمره: "حيث استنسب عندنا في هذه الدفعة ترتيب جرنال يحتوي على الإعلانات الملكية والأخبار التجارية لأجل الحصول على الفوائد العمومية واستصوب أن يرسل منه لكل كافة البنادر والقرى صورته الآتى نظيرها أدناه ليحصل لكل أحد فائدة من الجرنال المذكور، وربما أن الحصول على ذلك كما يجب فهو منوط لإرسال الإفادات والكشوفات والإعلانات المقتضى جلبها لديوان المدارس جمعة بجمعة بدون توقف"4. ثم يبدي الوالي العناية بهذا الموضوع والغيرة على نجاحه حتى يطبع في كل أسبوع ويوزع في البلاد والقرى كافة، ويشتمل الجرنال على "الأشياء التي تباع في ظرف كل جمعة بساحات وسواحل محروسة مصر وإسكندرية والبنادر الكبار بالأقاليم المذكورة. أعني يكون مشتملًا على

_ 1 من أمر لمحمد علي إلى مفتش عموم الفابريقات في غاية جمادى الآخرة عام 1252هـ؛ تقويم النيل، ص274. 2 أمر محمد علي إلى ديوان الجفالك في 26 ذي القعدة عام 1262هـ؛ تقويم النيل ص540. 3 تقويم النيل لأمين باشا سامي، ص543 - 544. 4 محفوظات عابدين دفتر مجموع ترتيبات وظائف، وترتيب وظائف ديوان شورى المعاونة، ص9، ص30.

الأسعار التجارية في بيع الغلال والأبذار والأصناف وأجناس الحيوانات المباعة في المدة التي هي من ابتدى يوم السبت لغاية يوم الخميس"، ثم يفرض نشر أخبار المبيعات التي ترسل "إلى البلاد الخارجية بحرًا" على أن يتولى ديوان المدارس هذه الأخبار بوساطة المديرين ومن إليهم ألقيت أمور الدواوين. فإذا فرغ من أخبار التجارة وتفاصيلها ذكر البند الثاني أنه يجب أن تنشر في هذا الجرنال "الأعمال التي تفيد الزراعة وأخبار الأطيان المزروعة زيادة عن العادة ببذل الجهد أو طرق مخصوصة لتربية الحيوانات أو زراعة تقاوي نظيفة أو زراعة أنواع النبات التي لم تعرفها مصر أو غرس أشجار نافعة مثمرة أو غير مثمرة" كما ينبغي ألا تفوت الجريدة "مشاهدات أطباء المديريات عن الصحة والأمراض والعلل النادرة الوقوع والأدوية وأوجه العلاج". ثم يقرر الأمر في بند ثالث الموضوعات الأخرى التي يجب أن تنشرها الجريدة وهي "أوصاف وفوائد البدء في الترع والجسور والأبنية والعمارات الميرية وعدد الأنفار والصناع وما صرف عليهم وحوادث كسور القناطر وكذلك أخبار الأضرار والخسائر التي تنزل بالغيطان من طغيان المياه ونشر المجهودات التي بذلت لإصلاح الحال". هذا مجمل لأهم ما جاء في أمر إبراهيم باشا بإنشاء الجريدة، وقد علقت الوقائع في 12 ذي القعدة سنة 1264هـ على ذلك الأمر بقولها "لما كان أمر التجارة والزراعة أساسًا للرفاهية والثروة وقد أراد الجناب الخديوي أن يطبع "جرنال جمعي" في شأن على البلاد والقرى كافة زيادة على نسخ الوقائع المعتاد نشرها في كل أسبوع لتعلم أرباب التجارة والزراعة بمطالعته ما يتحصل من الرواج ويكون وسيلة إلى استحصال الفوايد العامة" ثم ذكرت الوقائع في 3 ذي الحجة من نفس السنة أنه " ........ بودر إلى الشروع في طبع الجرنال المذكور من الآن، طبق مراد الآصفي على الشأن1، وسينشر في كل يوم جمعة

_ 1 أي السر عسكر إبراهيم باشا.

بدون انقطاع، وقد حررت في هذا الأسبوع أول نسخة منه وطبعت، وعلى كافة المديريات نشرت". ويبدو من الأمر الخديوي أن فكرة إنشاء هذه الصحيفة ليست جديدة فقد ذكر أنه استنسب عند إبراهيم باشا في "هذه الدفعة" ترتيب هذا الجرنال ومعنى هذا كما يدل منطوق أمره أن هناك محاولات قد بذلت مرة على الأقل قبل "تلك الدفعة" التي تقرر فيها إنشاء الجريدة، وأن هذه المحاولات غالبًا مابذلت في عهد والده محمد على الذي نرجح أن صحته لم تطاوعه في المضي نحو تحقيق هذا المشروع الصحفي، وهكذا نشرت جريدة التجارة والزراعة في عهد خلفه "زيادة على نسخ الوقائع المعتاد نشرها في كل أسبوع" كما تقول الجريدة الرسمية في تعليقها على تلك الصحيفة، وقد وزعت الجريدة على كافة المديريات، وسمتها الوقائع في كثير من أعدادها "الجرنال الجمعي" كما نقلت عنها بعض محتوياتها، ولم يطل عهدها فقد كفت الوقائع عن ذكرها بعد وفاة إبراهيم باشا، ولم نعثر على نسخة منها، وأكبر الظن أنها نشرت خمس مرات فحسب منذ صدر الأمر بإنشائها إلى يوم وفاة منشئها في 14 ذي الحجة سنة 1264هـ. بلغت الصحافة الرسمية مكانة سامية في عهد إبراهيم باشا، فلما خلفه على شئون مصر عباس الأول تغيرت الحال، وتغيرت نظم الحكم الداخلية كلها على وجه التقريب، وأثرت أخلاقه الخاصة فيما صنعه جده العظيم، فقد كان سيئ الظن بالناس شديد التطير عزوفًا عن كل جديد، فأقصى معظم الخبراء الذين استعان بهم محمد علي من فرنجة ومصريين1،وأقفل معظم المدارس بدرجاتها جميعًا بحجة الاقتصاد أو بدافع من طبيعة الحرص فيه.

_ 1 Merruau L Egypte Contemporaine. Paris 1857 p.123

ثم أغلق المصانع والمعامل وهي نتيجة لحاكم لا يؤمن بأثر التعليم، وأفسد عامدًا خير ما صنعه جده لوحدة البلاد، فشابَ مصرية الجيش بلون من الجنود الأرناءود وهم فئة عابثة حاول جده مدة سنوات حكمه التخلص منها والقضاء عليها1. هذه العقلية التي أشرنا إلى بعض تصرفاتها في إنجاز لم تحتمل بالطبع أية صحافة مهما يكن لونها، وآية ذلك أن الجريدة التجارية الزراعية اختفت فجأة ولم يعد لها ذكر لا في الوقائع المصرية ولا في الوثائق المختلفة، والوقائع نفسها لقيت من الضيق في عهد عباس الأول ما حجبها عن القراء معظم أيام حكمه. وتدلنا إحدى الوثائق على مدى فهمه لوظيفة الصحيفة الرسمية فهو يأمر بأن يقتصر توزيع الوقائع على "الحائزين على رتبة فريق ورتبة ميرميران ورتبة ميرلوا ورتبة ميرالاي فقط"2، ومعنى ذلك أن الستمائة نسخة التي كانت توزع على المشتركين من الموظفين والعلماء وتلاميذ المدارس وأعيان المصريين، قد انخفضت إلى بضع عشرات النسخ لعدد محدود من كبار ضباط جيشه، ومصدر هذا كله أن الوالي قد علم أن الجريدة ترسل "لجماعة أمية وسفلة مثل حسن أغا وكيل الخراج، وفيض الله أغا الطاهي، وموسى اليهودي الألاتي "المهرج" ثم يصور الأثر الذي تركته قراءة هؤلاء للوقائع في كتابه إلى مجلس الأحكام "فلما رأيت ذلك خجلت من نفسي ورأيت أن إرسال الجريدة إلى أمثال فيض الله أغا وحسن أغا من الأمية والجهلة الذين لا يعرفون معنى الجريدة ولا سيما موسى اليهودي الألاتي، فقد عددت إرسال الجريدة لهم ذلًا زائدًا"3.

_ 1 علي مبارك باشا: الخطط التوفيقية، ج41، ص126. 2 محفوظات عابدين وثيقة رقم 497 دفتر 484 معية تركي في 23 صفر سنة1269هـ، إدارة. 3 محفوظات عابدين وثيقة رقم 484 معية تركي في غرة ذي الحجة عام 1268هـ، من المعية إلى مجلس الأحكام.

هاله أن تقرأ هذه الطبقة صحيفة الحكومة من أمثال وكيل الخراج وموسى الموسيقي، وهو اتجاه يجري في برج نظامه العام، ويتفق تمامًا مع تفكيره وترفعه عن عامة الناس، فبينما كان جده يفرضها فرضًا ويخلق لها القراء خلقًا، ويأبى هو أن تنحدر إلى أمثال هؤلاء من الأمية والسفلة، وكانت الصحيفة في أعدادها القليلة التي صدرت في عهده تعبر عن قصد الباشا تمام التعبير، فلم نعد نقرأ فيها مقالًا ذا قيمة أو خبرًا في طلاوة العبارة أو جدة المعنى. ولم يكن حظ الوقائع والصحف الرسمية القديمة في عهد سعيد بأحسن من حظها في عهد سلفه وإن بدأ سياسته فيها بدء حسنًا فقد ذكر بعد توليه الحكم بثمانية أيام في أمر له إلى مدير المدارس أنه "لما كان جودت أفندي محرر الوقائع من أهل العلم وأصحاب الاجتهاد كان الواجب المتبع لدينا في ترقية الموظفين أن نرقي أمثاله فاعلموا أننا منحناه رتبة القائمقام وقيدوا له مرتب القائمقامية وجرايتها ابتداء من تاريخ أمرنا وأصرفوهما له كلما استحقهما طبق الأصول"1 وهذا الأمر يعني أن والي مصر الجديد سيعني على القليل بالصحيفة الرسمية، ولكنه على عادته المعروفة من التقلب وقف عن تحقيق هذه النهضة الصحفية المرجوة في عهده، وتاريخه حافل بهذا التقلب الملحوظ، فبينما يمنع الفلاحين حق ملكية الأراضي الرزاعية ويتجاوز عن الضرائب المتأخرة عليهم ويلغي نظام الاحتكار2 نجده يمعن فيما صنعه سلفه من تغليق المدارس وينصرف عن الجيش ويحوله إلى عمال لشق قناة السويس3 بعد أن اهتم به في أول الأمر، وكان الأمر عظيمًا في أن تجني مصر في عهده كثيرًا من نعمة الهدوء والاستقرار، ولكنه لا يستقر على اتجاه فلا عجب إذن إن لقيت.

_ 1 محفوظات عابدين وثيقة رقم 1109 دفتر 484 معية تركي في 28 شوال عام 1270هـ. 2 Merruau L Egypte Contemporaine. p64 3 Lettres, Journal et Doeuments pour servir a l histoire du Cannl du Suez. F. De Lesseps. T. 4 P333.

الصحافة الرسمية في أول عهده تشجيعًا ملحوظًا آيته ترقية محررها ثم نراه يردها إلى الجمود المطلق الذي تجاوز في آثاره أسوأ مما صنعه سلفه عباس. أراد سعيد باشا أن يتخلص من مطبعة بولاق وتكاليفها كما تخلص من المدارس التي أنشئت في عهد والده محمد علي، وذلك بعد أن أدت المطبعة واجبها أحسن الأداء منذ إنشائها متخطية كثيرًا من الصعاب، بيد أنها في عهد لقيت عناء أثر في نشاطها واضطرب إلى التوقف فاحتجب جهدها من يوليو سنة 1861 إلى 19 أغسطس سنة 1862 ثم عادت إلى الحياة في فتور لتطبع بعض ما كانت الحكومة في حاجة إليه من الكتب والدفاتر، ثم أنعم بها على صديقه عبد الرحمن رشدي بك مدير الوابورات الميرية وملكه العقار والآلات1. تعطلت الوقائع المصرية سنة كاملة بوقف مطبعة بولاق كما رأينا ثم عادت إلى الحياة بعد تمليك رشدي بك للمطبعة، وأذن له الخديو إسماعيل -وكان قد تولى الحكم بعد منحة سعيد لرشدي بك بشهرين تقريبًا -"بنشر وإعلان الوقائع الرسمية الخاصة بالأهالي والحكومة على أصلها" ثم أعاره بعض الموظفين القادرين على أداء الخدمة الصحفية في الجريدة الرسمية2 "فأطلقت الجريدة من العقال وجالت في ميدان المقال، وشرعت تنشر الأخبار المصرية والأجنبية لكن في هيئة غير رسمية"3. بقيت الوقائع المصرية في كنف رشدي بك زهاء ثلاثة أعوام حتى وافت سنة 1865 فإذا الخديو إسماعيل يشتري المطبعة الأميرية من صاحبها4 ويضع

_ 1 محفوظات القلعة -دفتر الأوامر العلية الصادرة للمالية، أمر عال إلى نظارة المالية في 13 ربيع الثاني عام 1279هـ. 2 إرادة لأحمد رشيد بك ناظر المالية في 7 شعبان عام 1279هـ ترجمة ص40 دفتر 525. 3 الوقائع المصرية من مقالة أحمد خيري بك العدد الصادر في 25 نوفمبر عام1865م. 4 تقويم النيل، ج3، ص598.

الصحافة الرسمية تاريخًا يبز تاريخها في عهد أسلافه جميعًا، ويجدد في مناحيها ويخلق في أنواعها، فيبدأ بالوقائع ويقول في أمره لنظارة المالية: "إن من المسلّم به أن للجرائد منافع ومحسنات عند الأهالي ولدى الحكومة، ولذلك فإنني أرغب في إدخال جريدة الوقائع المصرية في عداد الجرائد المعتبرة" ودخلت الوقائع فعلًا في عداد الجرائد المعتبرة، وفاقت في عهده تاريخها السابق فنشرت من الأخبار قديمها وحديثها ونقلت عن الصحف الغربية خير ما فيها، ونشطت البرقيات بين صفحاتها، وعنيت بالبلاد الشرقية وأمورها، كما خصصت مكانًا رحبًا لأخبار الداخل وتفاصيلها، ولم تسقط من حسابها الأمور التجارية والمسائل الاقتصادية والأبواب الاجتماعية والأدبية، وفتحت صدرها للإعلانات كباب من أبواب رزقها، كما نصبت نفسها لسانًا يدافع عن الحكومة وتصرفاتها ويهاجم خصومها من الصحف الأجنبية في مصر أو الصحف الغربية في بلادها، ونظم الخديوي أمورها وعين لها خيرة العمال والمحررين وبذل لهم في سخاء لم يعهده محرورها من قبل1. ويشاء الخديوي أن يجعل لسنة 1865 شرف النهضة الصحفية الرسمية فتصدر الحكومة صحيفتين أخريين، صدى لنهضة عميقة في الطب والجيش، فقد أقبل إسماعيل والمدارس مغلقة ودور العلم معطلة، فشاء أن يرد إليها الحياة في غير تردد، وعنى عناية خاصة بمدرسة الطب فكان تقدمها سريعًا حتى جاوز عدد طلابها المائة، ولم تكن وقفًا على الشعب المصري وحده بل فتحت صدرها للطلاب من البلاد الشرقية2 غير من ضمت من طلاب الصيدلة والقابلات المصريات، وإلى جانبها قامت مدرسة الطب البيطري يشرف عليها جميعًا فئة من أعلام الطب المصريين والأجانب على السواء. رأى الخديوي إسماعيل أن يكون للنشاط الطبي في مصر أثر يخلد فعاله

_ 1 محفوظات عابدين وثيقة رقم 64 دفتر 1181 أوامر للمالية في 3 رجب1282هـ. 2 أمر عال إلى مجلس الصحة في 24 ربيع الأول عام 1282هـ ص21 دفتر 1913 عربي.

ويعاونه على نشر أفضل المسائل الطبية كما يكون مجالًا يتبارى فيه الأطباء بإنشاء الموضوعات المفيدة، فأصدر مجلة "يعسوب الطب" وهي أقدم الصحف الطبية في الشرق كله، على أن تشرف عليها الحكومة المصرية، وتمدها بالمال، وقد قامت المطبعة الأميرية بطبعها، ومضى يحررها محمد علي باشا الحكيم كبير الأطباء المصريين، وهي ترجو -كما تذكر خطتها- "أن تقدم لمطالعيها من رياض الطب وأزهاره ما يغنيهم عن الرجوع إلى مطولات الكتب وشروحها أو المجلات الأجنبية وفصولها الطوال كما يجني اليعسوب وهو أمير النحل في دولته موارد العسل من أزاهير الرياض، وكان شعار المجلة: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}. وكانت موضوعاتها طريفة تغري بالقراءة حقًّا1 فلم تتعرض للمسائل الصحية الجافة، وكانت تعالج الموضوعات العلمية في أسلوب يدركه القارئ العادي، وقد ساهم في تحريرها الأطباء المصريون والفرنجة، ومنح الشيخ إبراهيم الدسوقي علاوة على راتبه مائة وخمسين قرشًا مقابل قيامه بتصحيح قصول الأطباء الأجانب2، ومن أهم ما حملته هذه المجلة الفصول التي كتبتها القابلة جليلة تمرهان، وهي فيما نعلم أول مصرية تكتب في الصحف موضوعًا وموضوعًا فنيًّا بالذات، وأكبر الظن أن المجلة كانت توزع على الأطباء وطلاب الطب في مصر جريًا على ما اتبع مع مثيلاتها وطلبًا لتحقيق الفائدة منها. وكذلك أصبحت الجريدة العسكرية المصرية الصحيفة الرسمية الثانية التي أنشأتها حكومة إسماعيل في سنة 1865 باستثناء الوقائع المصرية، ومن سقط القول أن نقدم لإنشائها بحديث عن النهضة العسكرية في ذلك الوقت، فذلك أمر يعرفه كل من درس عصر إسماعيل وألم بأطرافه وعدد المدارس التي أنشئت لتعليم الفنون العسكرية وما أنشئ معاونًا لها من المدارس، غير البعثات الحربية

_ 1 احتفظت دار الكتب بأعدادها ابتداء من العدد 24 في 23 محرم عام 1285هـ. 2 أمر عال إلى مجلس الصحة في 24 ربيع الأول عا 1282هـ ص 21 دفتر 1931 عربي.

إلى فرنسا1 والبعثه الحربية من فرنسا، وهيئة أركان حربه من الأمريكيين، ومطبعة الجيش ومكتبته ومتحفه. وإذا استقام أمر الجيش على هذه الصورة التي عرضناها في إنجاز فمن الطبعي أن يصدر الخديوي صحيفة تكون عنوانًا له "فقد اقتضت مروءته -أي مروءة الخديوي- وتعلقت عنايته بأحداث هذه المجموعة العلمية الدورية المسماة بالجريدة العسكرية المصرية بحيث تطبع وتنشر بوجه الانتظام على طرف حكومته العلية، إذ كان الغرض الأصلي منها أن تنشر بالخصوص على سائر الضباط الجهادية وضباط الصفوف والعساكر بالجيوش المصرية وعلى تلامذة المدارس الحربية، ولا تختص بالاشتمال على بنود تتعلق بأنواع العلوم والفنون العسكرية المتحصلة عند الملل المتأخرين والأمم المعاصرين فقط، بل يندرج فيها أيضًا فوائد جليلة وإرشادات جميلة مما لا بد منه لكل إنسان متمدن، ولا بأس به لكل حاذق متفنن من المعارف النافعة والفنون المتنوعة، مع ما ينضم لذلك من تحلية هذه المجموع بإدراج يوميات محصل ما يحصل في سائر أقطار الدنيا من الحوادث الكبيرة البوليتيقية أي السياسة والوقائع الشهيرة العسكرية". ثم تستمر الجريدة في إعلان خطتها وتبيان أغراضها فتعلن أنها ستظهر "في كل شهر مرة فهي شهرية قمرية، فكل من أراد من المستخدمين الميرية وضباط الجيوش المصرية وغيرهم من أصحاب المعارف الخصوصية وأرباب المناصب العلمية أن يودع فيها فائدة مناسبة من معلوماته، أو نادرة مقبولة من تأليفاته ليساعد المعنيين بها على دوام تحريرها، ويجاهد مع الرفقاء في سبيل العلم والمصلحة العامة على تمام تسطيرها فليوجه من فضله إلى حضرة ناظر عموم المدارس المصرية ما استنسب إدراجه في ضمن سطورها واستصوب

_ 1 حقائق الأخبار عن دول البحار لإسماعيل سرهنك ج2 ص 307 القاهرة عام 1312هـ.

استيداعه في طي منشورها حيث كان المعول الأعلى على حضرته في عموم إدارة أمورها"1. فهي إذن تختلف أشد الاختلاف مع الجريدة العسكرية في عهد محمد علي إذ كانت الأولى للجرائم العسكرية وحدها، أما جريدتنا هنا فليست جريدة ضيقة المعنى محدودة الغرض، وهي ليست مقصورة على الشئون العسكرية بل "يندرج فيها أيضًا فوائد جليلة ....... من المعارف النافعة والفنون المتنوعة" وهي تفسح صدرها لكل كاتب غير ضباط الجيش المصري من "المستخدمين الميرية وغيرهم من أصحاب المعارف الخصوصية وأرباب المناصب العلمية". ولم تشغل الجريدة العسكرية المصرية أقلام الكتاب والضباط المصريين وحدهم بل عنيت صفحاتها بمقالات المعلمين والضباط الأجانب حتى إن معظم أعدادها كان وقفًا على أقلام هؤلاء الأجانب وخاصة "مرشير بك Mircher رئيس الإرسالية العسكرية الفرنساوية في مصر" وكانت الخرائط التي تنشرها الجريدة العسكرية المصرية حدثًا جديدًا في تاريخ الصحافة المصرية. وزاملت الجريدة العسكرية أخرى مشابهة لها وإن صدرت بعدها بعدة سنوات2 عقب تأليف هيئة أركان الحرب المصرية، وهي هيئة عسكرية كانت على أفضل صورة مماثلة لما كانت عليه جيوش أوربا، ضمت إليها فئات من الميكانيكيين والمهندسين والخبراء في علم طبقات الأرض، كما خصصت لها جماعة لوضع المصورات الطوبوغرافية الدقيقة عن مصر والسودان وغيرهما، وكانت أعمال الكشف أهم أغراض هذه الجماعة الأخيرة3، إذا كانت الجريدة العسكرية قد جاوزت حدودها فأذنت لكل صاحب علم أن فن أن يعرض معارفه على صفحاتها مهما يختلف الموضوع عما يوحي به

_ 1 من مقدمة الجريدة العسكرية في غرة جمادى الآخرة 1282هـ "22سبتمبر عام 1865". 2 الرافعي: عصر إسماعيل، ج1، ص190. 3 المصدر السابق، ص189.

اسمها، فإن زميلتها "جريدة أركان حرب الجيش المصري" لم يسمح بهذا اختصاصها فإن "القصد من إنشائها تقدم الجيوش المصرية في الفنون الحربية، واطلاعهم على الوقائع والحوادث العسكرية التي تقع في البلاد الأجنبية"1. وهي صحيفة الضباط وحدهم لا يؤذن لغيرهم بالنشر فيها أو الاطلاع عليها فقد تعطلت فترة من الزمن فإن أسباب احتجابها "تفرق الضباط الذين هم روح حياتها وواسطة حسن إدارتها في الأقطار السودانية والبلاد الحبشية شهورًا متداولة وأيامًا متطاولة"2، فهي صحيفة تحمل صفتها حقًّا وتربط بينها وبين هيئة أركان الحرب أغراض متماثلة واتجاهات معينة، فعنيت بالمسائل الحربية العلمية التي من شأنها أن تفتق أذهان الضباط وتوسع أفقهم العسكري وتضيف إلى معلوماتهم شيئًا جديد في أسلوب رائع يشرف على تهذيبه الشيخ حسن الطويل مصحح ديوان الجهادية3 وهي آنق طبعًا في أجزائها المتأخرة حين طبعت في مطبعة عموم أركان حرب بعد أن قامت بنشرها فترة طويلة مطبعة وادي النيل، وجريدة أركان حرب ليست صحيفة علمية عسكرية فقط، بل فيها من المعاني الوطنية فصول عن وقائع الجيوش المصرية المظفرة في الشام وبلاد العرب وكريت وغيرها كما حفلت أعدادها الكثيرة بألوان من المصورات المختلفة وأحدث الصور لآلات الحرب في ذلك الوقت. وإذا كانت رعاية إسماعيل للطب والصحة العامة أنتجت يعسوب الطب ونهضته في الجيش وأقسامه استحدثت في عالم الصحافة الرسمية جريدتين، فإن عنايته بالتعليم وهو من أظهر مفاخر عصره كان قمينًا بأن تكون له صحيفة تعبر عن هذا النشاط الذي أخذ يدب في المدارس وقد أغلقها بعض أسلافه ولم يبقَ إلا على فئة منها لا تغني ولا تثمر، فأعاد إسماعيل تأليف ديوان المدارس بحيث يضطلع في تنظيمه الجديد بالشئون التي ألقيت على عاتقه.

_ 1 راجع الجزء الأول من المجلد الأول للسنة الثالثة. 2 جريدة أركان حرب الجيش، الجزء الأول، المجلد الأول، السنة الثالثة. 3 جريدة أركان حرب الجيش، الجزء الثالث، المجلد الثاني، العدد التاسع.

أنشأ الخديو شتى المدارس التي كان لها فضل النهضة الأدبية والفكرية في عصره وفي عصور خلفائه من بعده، فشهدت مصر لأول مرة مدرسة الهندسة في سنة 1866 وعوض عن مدرسة الحقوق بمدرسة الألسن التي لم يستسغ وجودها عباس الأول وشغل ديوان المدارس بأمر اللغة العربية، كما لاحظ الخديوي نفسه إهمالها في مصالح الحكومة، فرأى من ناحيته أن يرد لها اعتبارها فأمر بأن "المكاتبات التي تتداول من الآن فصاعدًا بكافة الدواوين والمصالح الميرية التي بداخل جهات الحكومة تكون باللغة العربية"1. ولما كانت لغة الداوين في ذلك الوقت ركيكة العبارة ضعيفة الأسلوب شاء الخديوي أن يقود أمر إصلاحها في مصر، دواوينها ومدارسها فأمر بإنشاء مدرسة دار العلوم. ولم يقف نشاطه عند هذا الحد من التجديد فأوحى إلى إحدى زوجاته أن تتولى أمر تعليم البنات فأنشأت لهن مدرسة كان عدد طالباتها أربعمائة فتاة2 ثم افتتحت مدرسة أخرى في العام التالي، ولم يبق من أنواع المدارس نوع إلا أقام الخديوي صرحه، فأسس مدارس للصناعة والمساحة والمحاسبة والزراعة، هذا بجانب ما أنشئ من المدارس الحرة التي لقيت عطفه وبره كمدارس الأقباط والمدارس الأوربية المختلفة. أتكون هذه النهضة العلمية الضاربة في كل علم، الآخذه بكل فن من غير وسيلة تعبر عنها كما عبرت عن جزء منها يعسوب الطب؟ ما كان يمكن للصحافة الرسمية اكتمال من غير إنشاء الروضة لمدارسها، وهي مجلة أنشأها علي مبارك باشا في سنة 1870 في وقت كان يلي فيه شئون التعليم، فهي صحيفة ديوان المدارس تنفق عليها الحكومة، وكان الغرض من إنشائها النهوض باللغة العربية وإحياء آدابها ونشر المعارف الحديثة، وقد ألقيت مقاليد أمورها إلى

_ 1 أمر صادر للمالية في 6 شوال عام 1286هـ، دفتر 930، ص46. 2 الوقائع المصرية، العدد 519 في 5 أغسطس سنة 1873م، وما بعده.

أستاذ الصحافة الرسمية في القرن التاسع عشر رفاعة رافع الطهطاوي محرر الوقائع في عهد محمد علي وناظر قلم الترجمة في عهد إسماعيل، يعاونه في إصدارها جهابذة العصر في العلوم والآداب والفنون المختلفة. ورئيس التحرير أديب اختصمت فيه ثقافة الشرق والغرب، فهو من حفاظ القرآن ومن تلاميذ القضابي والعطار، درس في الأزهر ثم اختير إمامًا لأول بعثة علمية أرسلها محمد علي إلى فرنسا، وهناك استغل المكان والزمان، فأفاد المستشرقين واستفاد منهم، وعاد إلى مصر ليقود أجيال المثقفين. ورفاعة الطهطاوي هذا أديب لمع اسمه زهاء أربعين عامًا في القرن التاسع عشر، فكان معلمًا وشاعرًا وناثرًا ومترجمًا، وعليه اعتمدت النهضة الثقافية، ومن بحره شربت النخبة التي سيطرت على أجيال مصر المتتابعة، وقد جاء اختياره لتحرير "روضة المدارس" اختيارًا موفقًا بدا أثره في إنشائها ومعانيها1. وقد كانت روضة المدارس ميدانًا رحيبًا من ميادين الأدب يتبارى فيه أولئك الجهابذة بموضوعاتهم الطريفة وأساليبهم الرفيعة في الأدب والاجتماع والتاريخ والفلك والرياضيات وكانت تصدر حافلة بذلك مرتين في كل شهر. وقد أمر إسماعيل بتوزيعها مجانًا "على التلاميذ" فعودتهم ملكة المطالعة والبحث، وفتحت صحائفها للنابغين منهم فكان ذلك يشجعهم ويدفع هممهم إلى البحوث والمجهودات المستقلة عن دروسهم، وهي أول صحيفة احتفت بعلم من أعلام الشعر في القرن الماضي فنشرت الشعر الحديث الرقيق "للشاب النجيب إسماعيل أفندي صبري" "هو إسماعيل باشا صبري فيما بعد" وهو أحد تلامذة مدرسة الإدارة. وقد أغنتنا افتتاحيتها عن الطواف برياضها لتسجيل غايتها وتبيان أغراضها، فهي تذكر وظيفة مصر في ذلك العصر، عصر إسماعيل "المتكفل بسمو

_ 1 أعلام الصحافة العربية للمؤلف، الطبعة الثانية، ص28 وما بعدها.

درجتها ونمو بهجتها وتقويم صعدتها وتمكين نجدتها" هذا الأمير الذي استحق ثناءها؛ لأنه رد إلى ديوان المدارس مكانته، وهو ديوان كل ما يرجوه "اعتمادًا على مساعدة العناية الخديوية تعميم العلوم وتتميم المعارف، وانتشار الفنون وإكثار اللطائف، ومداولتها بين جميع أبناء الوطن، وتسويتهم في الورود على مستعذب هذا المشروع الحسن". ثم تضيف المقدمة إلى ذلك أن الإرادة الخديوية شاءت أن تصدر صحيفة باسم "روضة المدارس" تصبح مجالًا لأنفس المواد العلمية "بحيث تكون فيها الفوائد المتنوعة والمسائل المتأصلة والمتفرعة أقرب تناولًا للمطلع المستفيد، وأسهل مأخذًا لمن يعاينها من قريب الفهم والبعيد، بقلم سهل العبارة واضح الإشارة، وألفاظ فصيحة غير حوشية ولا متجشمة لصعب التراكيب". ثم تبين لنا الغرض من إنشائها بقولها: "إن المرام من ظهورها بهذه الصورة هو أن تنكشف للعامة مخدرات العلوم وترفع حجبها المستورة وتستضيء بنورها أرباب العقول السليمة وأصحاب الطبائع المستقيمة، وخصوصًا بين أبناء المدارس، حتى تتسع دائرة معقولهم ومنقولهم، ويبعثهم على ازدياد اهتمامهم إذا علم كل منهم أن ما يظهر من أعمالهم المستحسن، ويشهر من أشغاله الدائرة على الأفئدة والألسنة سيقيد بهذه الصحيفة" أما موضوعاتها فهي "رسائل مؤلفة جديدة ونبذ مصنفة مفيدة من فنون وعلوم مختلفة ومسامرات من مستحسن الحكايات والأخبار مقتطفة، وبعض تراجم من لغات أجنبية". وسيكون كتابها من خيرة عمال ديوان المدارس ويصبح تحريرهم في الروضة من أهم وظائفهم، لذلك "صار كل منهم برسم عضو تأسيس يتشكل به جسم هذه الصحيفة مندوبًا من طرف الديوان" وكان أظهر من عمل فيها أبو السعود أفندي الذي اختير لترجمة مقالات الأساتذة الأجانب المنشورة في الروضة، وقد عنيت إلى جانب ما ذكرنا بشئون المدرسين، تنقلاتهم وترقياتهم1

_ 1 روضة المدارس، العدد الخامس.

وقد استغرقت بداية الصيف من كل عام أخبار الامتحانات المدرسية وحفلاتها كما ازدحمت بعض أعدادها بروائع من الشعر وقصائد المديح في الخديو إسماعيل، وشغلت بعض سطورها بالإعلانات، وهي إعلانات شديدة الصلة بوظيفتها كفتح المدارس وبيع الكتب والحاجة "إلى خوجات" وما إلى ذلك. هذه هي الروضة التي بلغنا بها آخر مراحل النشاط الصحفي الرسمي في عهد الخديو إسماعيل، وهي نهاية موفقة كما كان البدء موفقًا في الوقائع المصرية ويكاد يكون عهد الخديوي خاتمًا لنشاط الصحافة الرسمية في مصر، فيما خلا مجلة شهرية علمية طبية نشرتها الحكومة في أواخر سنة 1881، وقد أذاعت الأهرام في محلياتها أن الأطباء الذي درسوا الطب في أوربا "شرعوا يفكرون في إصدار جرنال طبي وأنهم عرضوا الأمر على رئيس النظارة فسهل لهم وقرر معاونتهم بإحالة نفقة الجرنال على الحكومة، وأن أعضاء الجمعية الطبية انتخبوا لرئاسة تحريره الدكتور حسن بن محمود"1. وإلى أن عين الشيخ محمد عبده محررًا للوقائع لم نشهد جديدًا في الوقائع المصرية عما كانت عليه قبل عزل إسماعيل وتولية توفيق، فإذا أخذ الأستاذ الإمام مكانه في تحريرها في 9 أكتوبر سنة 1881 تغير تاريخها كله، وأبت أن تعطي صورة للصحيفة الرسمية -لولا وظائف محرريها في الدولة ونشرها في مطبعة حكومية- فهي قد جاوزت وظيفتها وتخطت حدودها وأصبحت صحيفة رأي وفكرة قبل أن تكون صحيفة حكومية تخرج لنشر القوانين وتسجيل الحوادث الرسمية، فهي في ذلك الوقت من حيث سعادة مصر أو شقاؤها طمأنينتها أو قلقلها، تقدمها أو تأخرها، صورة حية لهذه الآمال والآلام، فإن كانت تاريخ مصر مجموع حوادث شعب له حياة سياسية وأدبية وعقلية، فقد تغير سير الجريدة الحكومة وتحريرها أيام الشيخ وأصبح لها مكان رفيع من تلك

_ 1 الأهرام في 5 فبراير عام 1881.

الحوادث ومقام سام من ذلك التاريخ، فهو قد أحدث للجريدة نظمًا رفعت من قدرها وقومت تاريخها، وبدلت غايتها وسار بها رويدًا ثم حثيثًا إلى الصحافة الحرة المعاصرة، وإن ردها الاحتلال البريطاني إلى رسميتها الأولى ومقامها القديم. لم تشهد السنوات الأخيرة من عهد إسماعيل صحفًا رسمية أخرى، بل إن الصحف الرسمية بدأ يعتورها الانحلال لعدة أسباب، فهي قد بدأت في أوائل عهد الخديوي يوم أخذت الحكومة على عاتقها شئون الحياة السياسية والاجتماعية وتصويرها في صحف تصدرها هي وتملي عليها اتجاهها وتخضعها لرقابتها، ثم خرجت هذه الشئون في نهاية عصر إسماعيل من يد الحكومة حيث ظهر رأي عام لم يعد يحتمل هذه الصحافة المحدودة أن يكتفى بأفقها الضيق، فنشأت صحف شعبية ملأت الفضاء، وخنقت بشبابها الصحافة الرسمية القديمة، ومن هذا الأسباب أيضًا أن حكومة إسماعيل قبضت يدها على البذل لهذه الصحافة بعد الأزمة المالية التي أخذت بخناق الدولة في جميع دواوينها ومصالحها، ومن بينها ديوان المدارس وصحيفته والجيش ومجلتاه والطب ويعسوبه. ويجب بنا ونحن نشيع هذه الجرائد الرسمية ونكتب صحيفتها التاريخية أن نذكر أفضالها على الحياة المصرية في جيمع جوانبها، فأما أقدمها وهي الوقائع المصرية فلم تعثر في حياتها إلا لمامًا، ولم يعرف في تاريخ الصحف الشرقية جريدة بقيت على الزمن وتخطت أحداث الحياة ومضت قدمًا كصحيفة الوقائع ولم يعرف في تاريخ الصحافة الرسمية جريدة شغلت الحياة الفكرية كالوقائع الرسمية، فقد كانت معلمًا لأدباء الشرق ولمفكري مصر الكثيرين، تحنوا على طلاب العلم ومبعوثي الدولة1 فتفتح لهم صدرها وتسمح للعامة بنشر مقالاتهم وآرائهم فيها.

_ 1 الوقائع المصرية في 14 يوليه عام 1870م.

وإذا كان الصحافة في عمومها مدرسة للتعليم والتثقيف فإن الوقائع بقيت زهاء أربعين عامًا وهي وحدها هذه المدرسة، تذيع على المصريين بعض الأدب والاجتماع والسياسة أحيانًا، وكان ظل هذه المدرسة يمتد مرة إلى بلدان أوربا حيث يقرؤها الطلاب المبعوثون في دولها الكبيرة، ومرات أخرى على كريت والشام وبلاد العرب والسودان حيث تطالعها الجاليات المصرية من جند وضباط ومدنيين، ولا يذكر تاريخ الصحافة الرسمية في العالم كله جريدة حكومة تنقد الحكومة ورجال الدولة1 نقدًا ينغص عليهم حياتهم كما كانت تنقد المسئولين في مصر قبيل الثورة العرابية نقدًا لاذعًا أفاد جوانب الحياة المصرية ومكن للإصلاح في إدارات الدولة مصالحها2 الأمر الذي نقلها إلى مصاف جرائد الرأي التي تصدر عادة عن الأفراد والجماعات. والوقائع المصرية فوق ما ذكرنا تعتبر مصدرًا خطيرًا من مصادر التاريخ المصري الحديث، وكل مؤرخ لنواحي هذا التاريخ لا يعود إلى الوقائع ولا يكمل حقائقه من صفاحتها يعتبر مؤرخًا ناقصًا غير محقق لأنه لم يستق تاريخه من جدوله الأصيل، ويعتبر بحثه -مهما يكن جهده فيه- بحثًا تنقصه الدقة التاريخية وتعوزه الحقيقة الأولى المنشورة في الوقائع المصرية في أسلوب الأوامر والأحكام والقوانين وفي بعض المقالات المهمة التي تصور طبائع الشعب ومثله في الحياة. ولا يستطيع مؤرخ الصحافة المصرية أن يزعم للصحافة الرسمية أثرًا مباشرًا في توجيه الرأي العام أو خلقه، بيد أنه يستطيع أن يجزم بأن هذه الصحافة عاونت على تهيئة الأفكار وتثقيف العقول وتنوير الأذهان ولفت النظر إن صح التعبير، فجريدة أركان حرب الجيش تذكر كثيرًا من مواقف الجيش المصري المخلدة في أيام محمد علي وإبراهيم، وتصور لضباطها موقف ضباطه في الذود عن الوطن والدفاع عن حرمته وكيف طرد الإنجليز في سنة 1807،

_ 1 تاريخ الإمام، ج1، ص179. 2 الإسلام والتجديد في مصر، ص44.

وهي لا تذكر ذلك اعتباطًا أو لمجرد الذكرى في عددها السادس من المجلد الأول في سنتها الثانية بل تعلق قائلة: "وإذا قدر الله بغزو هذه الديار مرة أخرى فليتذكر ضباط الجيش المصري غزوة سنة 1807، وليكن كل ضابط مصممًا على المدافعة والذود عن وطنه ولا يرتكب العار في التسليم كما ارتكبه أمين أغا، بل يدافع بنفسه وبعساكره عن كل نقطة يتجه الهجوم إليها، كما فعل على بك السلانكلي الذي اكتسب الفخر والشرف ومنع العدو وصده عن الوطن". وكانت الصحف الرسمية عمومًا مدرسة لصحفيي مصر فيما بعد، فمن تلاميذها كما ذكرنا رفاعة الطهطاوي، وهذا له مدرسته التي ضربت بسهم صائب في الصحافة الشعبية كعثمان جلال في نزهة الأفكار وأبي السعود أفندي في وادي النيل وولده أنسي في روضة الأخبار وصالح مجدي وعبد الكريم سليمان وأحمد عبد الرحيم في الوقائع والشيخ محمد عبده في العروة الوثقى. والصحف الرسمية مهما يكن عدد قرائها قليلًا لها أثر عميق في مقومات النهضة العلمية الحديثة، فقد عودنا العهد القديم أن يكون الأزهر وحدهم رجال العلم القارئين له الكاتبين فيه، ولكن الصحافة الرسمية أشركت معهم بل قدمت عليهم فئة أخرى غير رجال الدين من التلاميذ والموظفين والضباط والمعلمين، فلم تعد القراءة أو الإنشاء وقفًا على الأزهريين أو احتكارًا لهم، كما نزعت المطبعة في أوربا احتكار الكنيسة للعلم والمعرفة، وتولت الصحف الرسمية في كثير من المواقف الدفاع عن الحكومة وشرح سياستها وتعداد أفضالها ومآثرها، ودحض ما يراه الأجانب من السوء في تصرفاتها كما حدث يوم تولى الطهطاوي تحرير الوقائع واشتدت المشاكل على مصر قبيل معاهدة لندن وبعدها، وأعادة الصحيفة الرسمية سيرتها في أوائل عهد إسماعيل، بل جعلت سياستها، ليس مجرد الدفاع عن الحكومة، بل مهاجمة خصومها في صحافتهم المنشورة في مصر أو الذائعة في أوربا.

فبهذا وبغيره من مقالات الصحف الرسمية رأت المجموعة القارئة في ذلك العصر شيئًا جديدًا لم تعتده، كما هيأت للطلاب والكتاب والمدرسين فرصة المنافسة بالاطلاع والإفادة والإنشاء في غير موضوع واحد، والإعلان عن الأكفاء والمجودين في شتى العلوم والفنون، وأتاحت الفرصة للشعر والشعراء في الروضة أو في الوقائع، ونشرت فيها الكتب تباعًا، وهي كتب للعلم أو الحكاية التهذيبية كما ترجمت الفصول الطوال وأرخت بذلك لعصر الترجمة أجمل تأريخ، ومجمل القول في أسلوب هذه الصحف إنها زخرت أحيانًا بنوع من السجع الذي يزدحم بالفواصل ويشغل بالجناس، وبعضه يثقل على السمع وينبو عن الفهم ويخرج على آداب اللغة العربية فلا يعد من أساليبها المرضية. وأفضل ما في تاريخ الصحافة المصرية الرسمية أنها نشأت مصرية خالصة، ليس لغير المصريين فضل في إنشائها أو تقدمها أو ارتقائها، بل كان لها هي الفضل على البلاد الشرقية بما علمت من رجالها أصول الإنشاء والتحرير، حتى عادوا بعد قليل يقودون النهضة الصحفية في الشرق، وفي مقدمتهم أحمد فارس الشدياق صاحب "الجوائب" التي عظم شأنها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وكان لها في تاريخ الشرق وتياراته السياسية أثر وأي أثر، كما كانت وثيقة الصلة بالخديوي إسماعيل1. وإذا كانت المطبعة صاحبة فضل على الصحافة الرسمية في مصر فإن الصحافة نفسها تقارضها هذا الفضل وتبادلها هذا المعروف، فإنّ إنشاء الوقائع استتبع توسيع مطبعة بولاق أول الأمر2، ثم فرض أخيرًا إنشاء مطبعة خاصة بها في عهد محمد علي وقبيل الاحتلال الإنجليزي كما أوحت الصحف العسكرية بإنشاء مطبعة الجهادية وروضة المدارس بالتمكين لمطبعة الحكومة من التقدم والارتقاء.

_ 1 محفوظات عابدين " Dossier 45-2" في سنة 1870م. 2 راجع في ذلك كتابنا "تاريخ الوقائع المصرية عام 1828 - 1942م" طبعة 1942.

الصحافة الشعبية في مصر (1)

الصحافة الشعبية في مصر (1): نشأت الصحافة الشعبية في مصر نشأة غريبة عنها، إذ تولى زمامها رجل دخيل في عهد سعيد باشا، وقد دعت ميول الوالي الجديد في سياسته الداخلية إلى نشر هذه الصحيفة، وهي الميول المعروفة عنه، المأثورة عن أيامه، فقد خول سعيد الفلاح حتى الملكية العقارية للأراضي الزراعية، وسن لذلك قانونًا مشهورًا باللائحة السعيدية1 ثم وجد الوالي شعبًا ينوء بالضرائب، وعليه التزامات حربية ثقيلة أساءت إلى النشاط الزراعي، فعين الضرائب وربطها وألغى المكوس والجمارك الداخلية، ثم خفف الخدمة العسكرية وحفظ للجيش نقاوته من العناصر الأجنبية واحتفظ بطابعه الوطني2 ثم ألغى الوالي متأخرات الضرائب3 ومحا فريضة العين واستبدل بها نقدًا بعد إلغاء نظام الاحتكار4 ويعتبر بره بالفلاح انقلابًا اجتماعيًّا خطيرًا. فقد نال كما رأينا حق الملكية العقارية وأجيزت ملكية الحاصلات ومنح سلطة التصرف في بيعها وتقدير ثمنها، ولهذا أثره العميق في شعب كان ولا يزال ملك الأرض عنده غايته الأولى والأخيرة، فهدأت نفوس الفلاحين واستقرت أمورهم بعد أن كانت حياتهم لا تستقر على حال من القلق، يهربون من قرية إلى قرية أو من القرى إلى الصحراء خوف الإذلال والكرباج. وقد استعان سعيد بالمصريين بدلًا عن الأتراك وفي وظائف الدولة ودوائر أعماله5 كما حارب بعنف الأرستقراطية التركية التي كانت تسيطر في الجيش

_ 1جرجس بك حنين: الأطيان والضرائب، ص388. 2 Sabry, La Genese de L Esprit Natioal. d Egypt. p,13 3 مرو مصر المعاصرة 64. 4 الرافعي: عصر إسماعيل، ج1، ص26. 5 صبرى: كتابه السابق، ص14.

والإدارة، وأسس مجالس لبحث المشروعات التي تعود على البلاد بالفائدة، وأنشأ الوزارات المختلفة1 كما أنشأ شركات الملاحة، ومد خطًّا حديديًّا، وأشاع بين المدن أسلاك البرق الحديثة، وشرع في شق قنال السويس كما شق غيرها من القنوات الداخلية2. لم تكن هناك حروب كحروب محمد علي تفرق بين الأسرة وعائلها أو تقتضي تجنيد الأفراد السنين الطوال، وكانت سبل المعيشة هينة لينة حتى على أفقر الناس وأكثرهم إملاقًا، وفي هذا العهد قامت الحرب الأهلية في أمريكا فحالت دون استثمار قطنها وأفادت مصر من ذلك فائدة عظيمة، وبلغ ثمن قطنها ثلاثة أمثال الثمن القديم3. فهذه السياسة المشربة بروح العطف من الوالي، وهذا الرعد -مهما يكن حكم التاريخ فيه- قد أنعش حياة المصريين الأدبية والمادية، وإلى جانب هذه اللغتات من الوالي سعيد يجب أن يذكر أن الموافقة على امتياز قناة السويس في سنة 1854 كان عملًا لايقره السلطان، إذ لم تؤخذ فيه مشورته، وهو عمل فيه من استقلال الرأي وحرية العمل ما يزلزل قواعد التبعية للدولة العثمانية. حقًّا لم يكن هناك رأي عام بالمعنى المفهوم ليحس هذه السياسة العليا، وإن كان هناك موجة من الرضاء والاطمئنان إلى العيش في ظل هذا الوالي، لذلك ساءت سياسة سعيد الداخلية والخارجية الدولة العثمانية، كما ساءت الأتراك في مصر وملأت قلوبهم حقدًا عليه، فكان خصومه أحرص منه على مخاطبة الشعب المصري عن طريق الصحف، فقد أحس الباب العالي أن هيبته في نفوس المصريين قد هون من شأنها سعيد الذي لفت المصريين إلى جوانب من الحياة رضية لم يعتادوها من قبل ومن شأنها أن تصرفهم إلى حب واليهم والركون إليه، وهذا مما يهدد مكانة الدولة العلية في مصر.

_ 1 Brehier, L, Egypte 1798- 1900 p156- 158 2 المصدر السابق، ص158 - 159. 3 تاريخ المسألة المصرية لروذشتين تعريب العبادي وبدران، الطبعة الثانية، ص4.

ولم يفكر سعيد في دعم سياسته العامة بتجديد الوقائع والعمل على انتشارها كما فعل أبوه من قبله أو خلفه من بعده، وكذلك لم توح الساعة لفرد من الأفراد بأن يأخذ على عاتقه هذه المهمة، فبقيت الدوائر الرسمية والشعبية خلوًا من صحيفة قد تفيد في الدعاية أو تشير برأي فيما يصنع الوالي أو تبين مواضع الخطأ والصواب في سياسته، ولكن الحكومة التركية على جهلها بقيم الصحافة ومعاييرها لم تفوت الفرصة، فأرسلت إسكندر أفندي شلهوب إلى مصر فأصدر مجلة السلطنة " Alsultana" وهي صحيفة أسبوعية كان الغرض من إصدارها باللغة العربية أن تلفت المصريين إلى واجباتهم نحو الباب العالي وماله عليهم من حقوق1، ثم تذيع من وقت لآخر الأخطاء التي تركبها الحكومة المصرية2 وهي أخبار في رأي الدولة تبين للمصريين أنهم منساقون إلى أمور خطيرة، كما أن من غايات هذه المجلة أن تنال من هيبة الأسرة العلوية في أسلوب ملتو لا يسيء إساءة علنية. هذه هي الصحيفة التي يعتبرها البعض الصحيفة الشعبية الأولى التي تشهدها البلاد، وعندي أنها صحيفة شبه رسميه كواد النيل وإن لم تنسب للحكومة المصرية، غير أن بما أكده المعاصرون في كتبهم كانت صحيفة شبه رسمية لحكومة السلطان التركي، ومن حق مصدرها أن ينشرها في أي بلد من بلاد السلطنة ما دام ينتسب بالرعوية إلى السلطان كما تفيد اللوائح والقوانين السارية في الدولة العلية وممتلكاتها إذ ذاك، ولكنها ليست صحيفة مصرية لا من كتابها ولا في اتجاهها وأغراضها، ومهما يكن أمر هذه الصحيفة فقد أخفقت ولم تبلغ القصد الذي أرادته، إذ إن الناس في ذلك الوقت لم يكونوا على قدر من التعليم يسمح لها بالبقاء أو الرواج، فلم يعد لشلهوب ولا لجريدته أي أثر في تفكيرهم فاحتجبت بعد بضعة أعداد3.

_ 1 Munier. La Presse En Egypte. p. 1-2 2 Clement Huart "La Litterature Arabe" Paris 1902. p.482 3 Ramadan. Evolution de Legislation de La Presse En Egypte p.8

ومنذ صدرت مجلة السلطنة في سنة 1857 لم تشهد مصر صحيفة أخرى مماثلة إلا بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، فقد رأينا الوالي الجديد يهتم بالصحف الرسمية اهتمامه المأثور، ثم يهتم بالصحف في خارج مصر، وخاصة في باريس والأستانة، فيدفع لها من ماله، ويبسط لها يده كل البسط1؛ ذلك لأن إسماعيل وُوجِهَ في أول حكمه باتفاقية القناة التي عقدها سلفه فأراد تعديلها، وقام وزيره نوبار بحملة موفقة في فرنسا وفي صحفها ضد الاتفاقية، انتهت بتعديل كثير من الشروط المجحفة2. ثم كانت له حاجات عند السلطان في وراثة العرش فَرَشا رجال دولته وصحفيي الأستانة، فرنجة وأتراكًا3 وأخذ بره هذا بالصحف والصحفيين ينتقل من باريس إلى عاصمة الدولة ثم مر ببلاد الشرق الأدنى، وأخيرًا وضح أثره في صحافته الرسمية على الصورة التي شرحناها في فصل سابق. تولى إسماعيل حكم مصر والناس يرون شئونهم العامة والخاصة ملكًا لحاكمهم أو من يوليه أمورهم، وكان شقاؤهم أو سعادتهم موكلين إلى عدله أو ظلمه وليس لأحد منهم رأي بيديه أو إرادة يتقدم بها لعلم ما، وكانوا بعيدين عن معرفة حال الأمم الأخرى سواء كانت إسلامية أو أوربية، ومع كثرة بعوث محمد علي لم يشعر الأهالي بشيء من ثمرات الأسفار والبعوث العلمية. ومع أن هذا الرأي صحيح من حيث انطباقه على صدر حكم الخديوي فإن إسماعيل أسس لهم مع ذلك مجلسًا تشريعيًّا في سنة 1866 هو مجلس شورى النواب الذي شغل إنشاؤه الصحف الأجنبية4 وكان من حق هذا المجلس أن يعلم حالة المصريين وأن يقرر فيها القرارات وهي في الواقع لا ترفع إلى

_ 1 محفوظات عابدين Doss. 44- 1 2 راجع محفوظات عابدين في الوثائق الفرنجية والتركية والعربية وهي أكثر من أن تعد. 3 كرابيتس: إسماعيل المفترى عليه، ترجمة صروف، ص53. 4 Douin. His. du Regime du Khed. Ismail. T. 1p. 597

الخديوي على أنها قرارات بل تقدم إليه على أنها رغبات له أن يفصل فيها بالرفض والقبول. وهذا المجلس لا يستطيع بحكم لائحته أن يؤثر تأثيرًا فعليًّا في اتجاهات الحكومة والتزاماتها1؛ وذلك لأن حاكم مصر في ذلك الوقت وإن كان قد عمل على نهضة بلاده إلا أنه عاش فيما يختص بالحكم ونظمه بوحي من عصور الحكومات المطلقة، لذلك لم توحِ اللائحة ولا الوالي ولا نفسية الأعضاء بأن يجرؤ المجلس على فهم وظيفة النيابة كما هي الحال في أوربا، فبقي أداة طيعة لحاكم مصر لا يقوى على معارضته أو لعله لم يعرف بعد كيف يأخذ المعارضة. ذكرنا هذه الإلمامة بشئون مصر العامة، ثم أشرنا إلى مجلس شورى النواب؛ لأنه حدث جديد غير معروف في مصر، هو شيء يتصل بأبهة الملك وتقليد أوربا فكان غريبًا حتى على عقول أعضائه "أولئك العمد الذين يأتون في بلادهم ويختمون على لوائح لا يعرفون ما فيها بل ولم يعرفوا ما عزى إليهم من الأقوال"2. وإذا كان المفروض أن يكون في مصر مجلس للشورى يجتمع وينفض على هذا النحو فإن الصحافة الرسمية لا يجوز أن تكون معبرًا عن هذا المجلس الشعبي، ومن هنا بدأ إسماعيل يرى وجوب إنشاء صحيفة شعبية تمثل المجلس أو اتجاه هذا المجلس أو تساير الفكرة في وجود هذا المجلس فأوحى إلى أبي السعود أفندي بأن يصدر جريدة "وادي النيل". قد يظن بعض المؤرخين أن جريدة وادي النيل صحيفة شعبية بالمعنى المفهوم ففيليب دي طرازي يذكر في كتابه أنها "مجلة سياسية علمية أدبية أنشأها سنة 1866 عبد الله أبو السعود ناظر المدرسة الكلية التي أسسها محمد على الكبير في القاهرة وهي أول صحيفة عربية تناولت مثل المباحث التي كانت تنشرها في القطر المصري وصدرت مرتين في الأسبوع، وعباراتها صحيحة

_ 1 الرافعي في كتابه "عصر إسماعيل"، ج2، ص92 وما بعدها. 2 الوطن في ديسمبر عام 1878م.

وأفكارها سليمة، وساعدها الخديو إسماعيل؛ لأنها كانت تخدم أفكاره بإخلاص واعتدال دون أن تتعرض للمسائل الدينية"1. فالفكرة إذن في إنشاء هذه الصحيفة هي خدمة الخديوي بإخلاص وتحقيق سياسته في اعتدال، وما كان يمكن أن تمثل جريدة "وادي النيل" الصحافة الشعبية في غير هذا الحيز الضيق من الحرية؛ ذلك لأن صاحبها موظف في الحكومة له مآثر وخدمات في الصحافة الرسمية، وهو من تلامذة رفاعة رافع رأس هذه الصحافة2 فلا غرو إن أوحى إليه إسماعيل بإصدار وادي النيل، فذكرت الوقائع المصرية خبر إنشائها في محلياتها3، وحيتها إحدى الصحف الفرنسية المعاصرة في مدينة الإسكندرية قائلة: "قد حدثت صحيفة مصرية جديدة بمدينة القاهرة تسمى وادي النيل، وقد أوضح منشئها وناظرها أبو السعود أفندي فيما أورده من بيان الغرض المقصود بإنشاءها أنه التزم بأن ينشر فيها الأخبار النافعة للديار المصرية سواء كانت ترد من أوربا أو من الأقاليم المصرية"4. ويبدو من العددين النادرين اللذين حصلنا عليهما5 أن وادي النيل محاولة لا بأس بها كأول صحيفة وطنية في مصر، وقد ازدحمت معظم صفحاتها بأخبار الخديو ورجال حكومته، ولولا أنها أعلنت شعبيتها لظن متصفحها أنها صحيفة رسمية، فهي صورة للوقائع في تفكيرها واتجاهها، يعرف أسلوبها الأدبي رواية الخبر ويتعلق محررها بالسجع، فهي تحاكي الوقائع وتخطو على أثرها في الشكل والموضوع معًا.

_ 1 تاريخ الصحافة العربية، ج1، ص96. 2 راجع "أعلام الصحافة العربية" للمؤلف. 3 الوقائع المصرية في 23 ربيع الأول عام 1284هـ. 4 هذا الخبر منقول عن ذيل العدد العاشر من وادي النيل ومعه خبر مماثل تحدثت فيه جريدة حديقة الأخبار ببيروت عن صحيفة أبي السعود. 5 هما العددان 10، 11 وهما يدلان على أن الصحيفة صدرت عام 1867 لا عام 1866 كما روت ذلك معظم كتب التاريخ.

وكانت جريدة "وادي النيل"1 دارًا واسعة للنشر، إذ تولت مطبعتها في حي باب الشعرية نشر "جريدة أركان حرب الجيش المصري" وهي صحيفة رسمية كانت تصدرها الدولة -كما ذكرنا من قبل- لضباطها حافلة بأمتع البحوث والموضوعات، كما أن "روضة الأخبار" كانت تطبع في مطابع وادي النيل، هذا إلى جانب الكتب الكثيرة التي نشرت فيها. وأبو السعود أفندي صحفينا الأول في صحافة مصر الشعبية شاعر مبدع يصوغ القوافي، وناثر مفتن يجيد البيان، ومترجم من عيون المترجمين في عهده لم تستغن عنه صحيفة شعبية أو رسمية، كاتبًا لها أو مترجمًا لفصولها، وهو في صحيفته قد جعل الصحافة المصرية في مفترق الطرق، إذ عند صحيفته خلصت تلك الصحافة من رسميتها وبدأت تتجه إلى هذا اللون الحر من الصحافة التي نعرفها اليوم. ويعتبر جهد أبي السعود الصحفي محاولة لا بأس بها فصحيفته أو صحيفة وطنية شعبية في مصر، وقد زحم معظم صفحاتها بأخبار الخديوي ورجال حكومته وتولى فيها مناقشة ما اعتادت نشره جريدة "الجوائب" التي كانت يصدرها في الأستانة زعيم الصحافة العربية في ذلك العصر الأديب أحمد فارس الشدياق صاحب المؤلفات الممتعة في الأدب والتاريخ والاجتماع، وكان خلافهما واتفاقهما في المسائل الأدبية والمباحث العلمية خير ما في صحافة الشرق الأدنى خلال تلك الفترة من تاريخ الصحافة العربية. وكان الخديوي إسماعيل يؤثر صحيفة وادي النيل وصاحبها بالعطف والرضاء، فهي لسانه عند خاصة دولته من قرائها الذي وجدوا فيها متاعًا ولذة، ووجدوا فيها أيضًا جديدًا من شئون الصحافة كأخبارها الطريفة الصادقة التي أمر الخديوي بأن تنشر فيها، ولذلك كان قدرها محفوظًا عند الناس لعلمهم بصلات صاحبها وقربه من ذوي السلطان، وقد عاونتها الحكومة بالمال أيضًا.

_ 1 محفوظات عابدين وثيقة رقم 211 معية تركي في 2 جمادي الثانية عام 1289هـ.

فخصصت لها في إحدى السنوات إعانة قدرها ثمانية وعشرون ألف قرش. وقد سار على درب أبي السعود أفندي كاتبان معروفان في عصر إسماعيل بعلو الهمة وواسع الدراسة، والدراسة الغربية بالذات، وهما إبراهيم المويلحي وعثمان جلال1 فأنشئا مجلة "نزهة الأفكار" صحيفة سياسية أسبوعية، وكانا جديدين حقًّا على الصحافة المعاصرة في سنة 1869 فصدرت جريدتهما غريبة عن الوسط الصحفي، بعيدة عما يقره الخديوي من آراء، فلم يحتمل هذا التجديد في الرأي والمعاني، فهو يريد صحافة حرة ولكن بمقدار، وهذان شابان قد غرتهما مظاهر التجديد الذي أخذ يدب في الحياة المصرية فظنا أن لقلميهما حرية الكتابة على ما يهويان، لكن إسماعيل، بإيعاز من ناظر حربيته، أمر بمصادرة الصحيفة بعد عددها الثاني2. بدأت الصحافة الحرة في مصر، لا هي شعبية ولا هي رسمية في جريدة وادي النيل، ثم تخلصت من رسميتها ومضت على سجيتها شعبية حرة في نزهة الأفكار، ووقف دون تقدمها حكم مطلق لا يحول دون بطشه بحرية الرأي حائل، غير أن هذه الصحافة على قلتها قد غيرت من القول المشاع بأن الصحف المصرية بدأت في كنف أهل لبنان وبجهد أبناء الشام، فهاتان الصحيفتان ومحرروهما -من علمنا- قد ردتا هذا الرأى وأبطلتا هذا الزعم وأوضحتا أن نشأة الصحافة الشعبية في مصر كانت بأيد مصرية خالصة. لم يكن إسماعيل في أول الأمر يريد صحافة تعبر عن مصر أكثر مما كان يعبر عنها مجلس شورى النواب، يريدها صحافة موالية في جيدها حبل من رقابته ما بقيت يدها ممدودة لنعمته، صحافة هادئة تكون في خدمته لتستحق عطفه

_ 1 راجع عنهما "أعلام الصحافة العربية" للمؤلف؛ والحلبي في تكوين الصحف في العالم صفحة 61، والإسلام والتجديد في مصر ص22، والمنار ج22، ص710، والرافعي عصر إسماعيل، ج1، ص272. 2 الرافعي: عصر إسماعيل، ج2، 263.

عليها واحتفاءه بها، وقد كان له أبلغ الأثر في نهضتها، ومساعداته الأدبية والمادية للقائمين عليها غير منكورة، وقد فتح صدره وصدر بلاده للصحفيين الشاميين بعد أن جربت الصحافة المصرية بجهد المصريين وأقلامهم، فأقبل هؤلاء على اصطناع القلم واتخذوا الصحافة حرفة لهم حتى كان أكثر أصحاب الصحف من أهل الشام والبلاد المجاورة لها1 كصابونجي والنحلة، وحموي وشعاع الكوكب، وتقلا والأهرام. وكان لبعض هذه الصحف مواقف كريمة أخذت فيها جانب الخديوي ودافعت عن استقلال مصر، فقد بدأت العلاقات بينه وبين السلطان حين استوزر نوبار باشا وكلفه الدفاع عن وجهة نظر مصر في بعض المسائل المصرية في أوربا فاتصل نوبار بالحكومة الأوربية وتحدث معها في أمر إنشاء المحاكم المختلطة فأذاعت السفارة العثمانية في صحف فرنسا أنها تحذر المسئولين وعامة الناس من معاملة شخص يسمى نوبار باشا ويدعي لنفسه لقب وزير الخارجية المصري؛ لأن مصر كلها ليس لها صفة دولية ولا حق لها في تعاقد دولي، فكان أن ردت الصحف المصرية على السفارة التركية وأخذت تناقشها الرأي وتؤكد حق مصر في مصالحها الخاصة؛ لأن مصر لا يمكن أن تنزل إلى مكان الولايات العثمانية الأخرى وقد سبق لها أن أمضت عقد قنال السويس دون تدخل تركيا أو وصايتها2. ولما كانت الصحافة الشعبية في نشأتها الأولى يقوم على تحريرها جماعة من الشاميين، وهي حقيقة تاريخية لا ينكرها أحد، لذلك وجب علينا أن نبحث -قبل التأريخ لهذه الصحافة- إلى أي مدى بلغت هذه الحقيقة التاريخية من التقدير والاعتبار؟ فلويس شيخو يقرر: "أنه كان للسوريين في هذه الحركة نصيب عظيم حتى كان أكثر تلك المنشورات ومنشئيها من أهل سورية وزاد

_ 1 راجع تاريخ جريدة الأهرام للمؤلف، طبعة المعارف، سنة 1950م. 2 Douin. His. du Regime du Khed. lsmail T. 1 P.72.

عددهم في مصر بعد ضغط الدولة العثمانية على المطبوعات حتى أناف على ثلثي الكتبة المصريين فتقدموا على غيرهم بما عرفوا به من النشاط والتفنن والحق يقال: إن أكبر مجلات القطر المصري كالمقتطف وأعظم جرائده كالأهرام كان يحررها السوريون"1. وهذا القول على ما فيه من صدق لا يخلو من المبالغة، فالسوريون حقًّا كان لهم في مصر فضل على فني التمثيل والصحافة، وكان نشاطهم ملحوظًا في هذين الفنين وله عند المؤرخ واجب التقدير، ولكن ليس معنى هذا أن الصحافة المصرية ما كان لها أن تظهر وتستوي لولا وفود هؤلاء إلى مصر، فقد ظهرت جريدتا وادي النيل ونزهة الأفكار في الشق الأول من حكم إسماعيل قبل ظهور أي جريدة سورية في مصر بعدة سنوات، فإن مصر وحدها هي التي هيأت للسوريين هذه الفرصة، فقد كان واليها يشترك بمئات النسخ ويقوم موظفو حكومته بمساعدة هذه الصحف في تحصيل اشتراكاتها من الأهالي ومن بينهم من فرضت عليه هذه الاشتراكات مع جهله بالقراءة والكتابة2. وللخديوي في هذا تاريخ معروف أثبتته الوثائق فقد كان حفيًّا بالصحف المصرية على اختلاف جنسيات أصحابها وتباين أغراضها، وقد أمد بعضها بإعانات مالية كبيرة، فاهتمام الحاكم المصري بالصحافة قد سمح للسوريين بأن يجدوا مجال النشاط والعمل ممهدًا في مصر. ولا يمكن لمؤرخ الصحافة المصرية أن يغفل من حسابه في بحث هذه الحقيقة التاريخية الكتاب الوافدين على مصر أو المقيمين فيها من أبنائها المصريين، أولئك الذين ملئوا صحف المتمصرين وجالوا فيها بأقلامهم وألقوا إليها بما امتازت به عقولهم من عمق وفهم كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وأبي السعود أفندي وغيرهم ممن له في كل صحيفة من صحفهم ذكر سواء كانت جادة في

_ 1 لويس شيخو، ص67. 2 المصدر السابق، ص131.

وظنيتها أو هازلت في رسالتها، ولولا هذه البيئة الحرة لما استطاعوا إلى النجاح سبيلًا. وإلى جانب هذه الحقيقة يجب أن نذكر أن الحرية -حرية القول والكتابة- قد عزت في بلاد الدولة العثمانية جميعًا حيث ضغطت الحكومة على المطبوعات وطبقت قوانينها العنيفة التي أفلتت منها مصر بتشجيع واليها وإهماله لها، وقد استطاعت صحف الشاميين وغيرهم أن تعيش وتتقدم بمعاضدة بعض الدول الأجنبية ماديًا وأدبيًا مهما لقيت من عنت الحاكم أحيانًا فقد كانت لتدخل قناصل الدول في مصر وحمايتهم لهذه الصحف أثر كبير في بقائها ونجاحها، وهذه ميزة لم تتحقق للمصريين إلا في النادر من أصحاب الصحف الشعبية الأولى. فالبيئة المصرية، والبيئة المصرية وحدها من بلاد السلطنة هي التي كانت تتمتع بحرية منقطعة النظير لا توجد في سوريا ولبنان، والطبيعة المصرية والتفكير المصري سمحا بوجود صحافة تقرأ لأن النهضة المصرية كانت أوسع مدى مما عليه بلاد الشرق جميعًا، وظروف الحياة المصرية بخديوها وأزماتها، واضطراب الأفكار فيها تجديد في شتى الميادين، كل أولئك جعل مصر تحتمل في سعة آدابًا وصحفًا وسياسة، وقد فرضت شخصيتها المعنوية المتميزة وجودها على الدولة العلية مستمدة هذا الوجود من تاريخ حافل وذكريات يحسب لها في مقومات الشعوب ألف حساب، وقد ثبت أن الصحف الوطنية الخالصة التي ظهرت بجانب الصحف الشامية في مصر لم تكن أقل منها نضجًا أو أثرًا في نفوس الناس وتهذيب الرأي العام وأن مصر "لو لم يكن في ربوعها الحرية وفي أمرائها الأريحية والتنشيط"1 كما يقول شيخو لما قصدها فرد من هنا أو هناك. ومجمل القول إن مصر كانت في ذلك العهد أمة لها رأي عام مهما يكن

_ 1 لويس شيخو، ج2، ص131.

أمره فقد كان يفرض وجود صحافة بدأت لينة ثم تطورت من أحداث الزمن. والصحفيون السوريون مهما يقض التاريخ في مكانتهم من الصحافة المصرية لم يكونوا شرًّا على البلاد فقد أخصب جهدهم وآتى أكله في الأرض الطيبة التي تغذيهم طبيعتها وتسموا بهم إلى وضع كانوا فيه أكرم الأمثال. وقد سمح إسماعيل بوجود الصحافة الشعبية للمصريين والشاميين والأجانب على السواء وأجاز لبعضها البقاء وأغلق من تجاوزت حدودها، ولم يكن في النصف الأول من حكمه يسمح بصحافة لا تماثل في اتجاهها وتفكيرها الوقائع المصرية، فأباح لمحمد أنسي بن عبد الله أبي المسعود في سنة 1875 نشر جريدته "روضة الأخبار" في القاهرة على أن تنشر ثلاث مرات في الأسبوع وهي على مثال الجريدة الرسمية، وقد تخصصت للسياسة والعلم والأدب والزراعة والتجارة وأعانها الخديوي بالمال1 وأذن لها بنقل أخبارها من الوقائع المصرية وترجمة موضوعاتها من جريدة ليفانت هيرالد2 Leveant Herald التي تصدر في القسطنطينية وتعمل لحساب الخديوي ثم هي تشغل صفحاتها جميعًا بمدح ولي النعم وإن بحثت قليلًا في الشئون الدولية3 وترجمت بعض الكتب التي ألفت عن مصر. وفي نفس هذه السنة يتقدم سليم تقلا، وهو شامي ناثر وله حظ في قرض الشعر4 "يلتمس التصريح إليه بإنشاء مطبعة تسمى "الأهرام" كائنة بجهة المنشية بالإسكندرية يطبع فيها جريدة تسمى الأهرام تشتمل على

_ 1 محفوظات عابدين وثيقة رقم 115 في 21 ذي الحجة عام 1291هـ. 2 لقيت هذه الصحيفة من مساعدات الخديوي ووكيله أبراهام بك في القسطنطينية تأييدًا قويًّا، راجع محفوظات عابدين في سنة 1871م وما بعدها، وكذلك كرابيس في كتابه إسماعيل المفترى عليه وكان لمحررها دلال غريب على الخديوي فزار مصر وهيأ الخديوي قطارًا خاصًّا لنقله إلى القاهرة "محفوظات عابدين وثيقة رقم 190 ص56 دفتر 1949 غير رسمي". 3 روضة الأخبار في 27 يونيو عام 1875م. 4 لويس شيخو، ج2، ص131 - 133.

التلغرافات والمواد التجارية والعلمية وكذا بعض الكتب كمقامات الحريرى وبعض ما يتعلق بالصرف والنحو واللغة والطب والرياضيات والأشياء التاريخية والحكمة والنوادر والأشعار والقصص الأدبية وما يماثل ذلك من الأشياء الجائز طبعها" وقد رخصت الخارجية بإنشاء جريدة الأهرام1 على ألا يتعرض صاحبها "للدخول مطلقًا في المواد البولوتيقية وامتثاله لقانون المطبوعات" وصدر الأمر لمحافظ الإسكندرية "بعدم المعارضة للخواجة المذكور في إنشاء المطبعة المحكي عنها"2. وقد مثلت روضة الأخبار وجريدة الأهرام الحقبة الثانية من حياة الصحافة الشعبية، وهي حقبة تتميز بالهدوء الداخلي الذي لم تتعقد أثناءه الأحوال المادية كل التعقيد، كانت الأولى صحيفة الخديوي من غير شك وهي تؤرخ الحياة المصرية من وجهة النظر الرسمية في تلك الفترة، وكانت الثانية تمثل اتجاهًا آخر فهي جريدة وطنية غير أن تعطي فرنسا ومثلها مكانًا طيبًا3 وأشاعت عند قرائها هذه المثل في كل عدد من أعدادها تقريبًا، ويلمح قارئ الأهرام في نشأتها الأولى شيئًا من الضيق والتبرم بالسياسة الإنجليزية4 وقد عنيت بالأخبار الداخلية العادية التي لا توحي باتجاه سياسى خاص وإن ازدحمت بالمقالات الاجتماعية وهي مقالات استقبلها الخاصة في مصر بمزيد التقدير والإعجاب5.

_ 1 صدر كتاب عن تاريخ جريدة الأهرام للمؤلف سنة 1951م وطبعته الثانية 1962. 2 محفوظات وزارة الداخلية، قلم المحفوظات 11 - 2 - 946 الجزء الأول، وهذه الوثائق محفوظة اليوم في مصلحة الاستعلامات التابعة لوزارة الثقافة والإعلام. 3 مونييه: الصحافة في مصر، ص6. 4 Martin Hartmann: The Arabic Press of Egypt p.53 5 صبري في كتابه السابق، ص110.

تختم روضة الأخبار والأهرام1 الحلقة الثانية من نشاط الصحافة الشعبية، كانت الحلقة الأولى تجربة غير ناضجة تولي شئونها المصريون وحدهم فماتت إحدى الصحف وهي وادي النيل لعوامل يقتضيها الفن الصحفي وكانت خلوًا منه، كجدة الأخبار وهي في أخبارها رجع الصدى للصحيفة الرسمية فلم تغر الناس بشرائها أو التعلق بها، وقضت "نزهة الأفكار"؛ لأنها تجاوزت الغرض من ظهورها ورأت الحكومة أن البحوث التي تطرقها أبعد مما تحتملها الظروف السياسة والاجتماعية في سنة 1869، ومع أن روضة الأخبار سبقت صحيفة الأهرام في الظهور ولقيت من عطف الخديوي وبره الشيء الكثير، وحفلت بالموضوعات الأدبية وترجم لها أبو السعود أفندي، فإن نشاطها حده الجهل بفنون الصحافة، وحدته هذه الرسمية التي طغت على صفحاتها، ولم يسلم من هذه الأزمة المتوالية للصحافة الشعبية غير جريدة الأهرام فهي شيء جديد حقًّا بما حملت من برقيات الأنباء الخارجية التي زخرت بها

_ 1 ظهرت صحف قليلة الأهمية بجانب هاتين الصحيفتين منها "شعاع الكوكب" لسليم حموي في سنة 1876م، وأغلقت بأمر الحكومة وأصدرت الأهرام في 9 سبتمبر سنة 1876 "صدى الأهرام" وهي تشبه الأهرام من حيث الموضوع وأصغر منها حجمًا وهي "يومية للتجارة والحوادث والإعلانات" وقد احتفظت مكتبة طلعت حرب باشا ببنك مصر بتسع نسخ منها، وأصدر صاحب الأهرام في نفس السنة مجلة "المنارة" نصف شهرية "بهيئة كتاب وتبحث عن الأمور التجارية والصناعية والزراعية والإخبارية والطبية والكيماوية" "راجع محفوظات وزارة الداخلية، قلم المحفوظات 11 - 4 - 946 الجزء الأول" وقد تأخر صدورها إلى سنة 1878 حيث قالت جريدة الوطن في العدد الخامس عشر: "قد سرنا ما بلغنا من أن صاحب جريدة الأهرام قصد أن ينشر جريدة علمية تسمى المنارة فنهنئ حضرته على هذا المشروع الحسن". ولا ندري أبقي أمر هذه المجلة مشروعًا حسنًا أم وضع موضع التنفيذ لأننا بحثنا عن هذا المجلة فلم نجد لها أثرًا. ويظهر أن صاحب الأهرام أصدر في سنة 1876 جريدة أخرى من غير إذن ولم يذكر اسمها. وقال فيها محافظ الإسكندرية لناظر الحقانية والخارجية في كتابه إن صاحب الأهرام دأب على نشر جرنال "تلحيق للجرنال المذكور" بدون إذن يطلب إليه منع ذلك. "محفوظات وزارة الداخلية -قلم المحفوظات، 11 - 2 - 949 جزء أول".

والموضوعات الأدبية والاجتماعية الطريفة التي ساهم في كثير منها شيوخ الكتابة في ذلك العصر كالشيخ محمد عبده1. ولم تكن الحكومة راضية كل الرضا عن الأهرام وسياستها في سنة 1876 فلفتت نظر محررها إلى أنها كثيرًا ما خرجت عن جادة الصواب، إلا أن محرر الأهرام كان لبقًا في دفاعه إذ أكد لمدير المطبوعات أنه فيما يتعلق بالأخبار الداخلية فإنه ينقلها عن الوقائع والمونيتور وكلتاهما رسمية "أما المقالات السياسية فإنما ينقلها عن الجورنالات الشهيرة الحالية من التعصب والمقبولة من الحكومة كالليفانت هرالد والفارد الكسندرى" ثم هو يؤكد انقياده للحكومة ويذكر مدائحه لها ودفاعه عما تنشره الجرائد التي تطبع في لندن"2. ومن كتاب صاحب الأهرام نتبين مقدار الحرية التي منحتها الصحافة الشعبية، فصاحب الأهرام يكاد يكون لسانًا للحكومة وهو مع ذلك لم ينج من المؤاخذة على ما نشر من أنباء حرصت الحكومة على عدم إفشائها في الصحف العربية، لذلك تنذر الحكومة سليم تقلا أفندي بأنه محظور عليه نشر الأخبار والمقالات السياسية بما في ذلك النقل عن الصحف الأجنبية سواء كانت حكومية أو غير حكومية ثم تحرمه حتى من التعليق على الأخبار العادية في الإسكندرية وإلا تعرضت صحيفته ومطبعته للعقوبة الشديدة3. وفي هذا الجو من التضييق على حرية القلم تخطت الأهرام جميع العقبات بلباقة فاقت نزهة الأفكار وباجتهاد لم تبلغه وادي النيل وبذكاء أعوز روضة الأفكار وبحس صحفي نزل بصاحبيها يومًا إلى مرتبة العمال وصفافي الحروف لتصدر صحيفتهما في موعدها ولا تختفي عن قرائها4.

_ 1 الأهرام في 2 سبتمبر سنة 1876م. 2 محفوظات وزارة الداخلية 11 - 2 - 946 جزء أول، من سليم تقلا إلى عز تلو مدير قلم المطبوعات الأفخم، الإسكندرية عام 1876م. 3 محفوظات وزارة الداخلية 11 - 2 - 946 جزء أول في 6 ديسمبر عام 1876م. 4 جورجي زيدان: مشاهير الشرق، ج2، ص101، طبعة سنة 1903م. "من كلام تقلا بك إلى جورجي زيدان".

الصحافة الشعبية في مصر (2)

الصحافة الشعبية في مصر (2): لقد رأينا كيف ظهرت الصحافة الشعبية في مصر أول ما ظهرت، مماثلة من حيث الشكل والموضوع للصحافة الرسمية المعاصرة لها، معينة بتافه الأخبار ناشرة لقديم الأدب المحفوظ في بطون الكتب، وكل ما كان يدور بين السلطات المصرية العليا وبين الدولة العلية أو دول أوربا كان باطنه أكثر من ظاهره، وكان ما يباح نشره من المسائل المهمة يستوجب رقابة الحكومة ويخضع لوحيها، ولم تكن حالة مصر الاجتماعية والسياسية حتى سنة 1876 تسمح بأكثر من هذه الصحف وأهمها صحيفة الأهرام، فقد فقدت الصحافة الشعبية منذ إنشائها حتى تلك السنة أهم عناصر الشعبية فيها، وهي إبداء الملاحظة وإسداء النصح، والنقد والمعارضة إذا استوجبت الظروف ذلك. لم يكن في الحياة المصرية رأي عام في تلك الفترة من حكم عاهلها إسماعيل، فقد عاشت مصر في عهد محمد علي كما تعيش القرية في كنف شيخ محنك ذكي أرسل البعوث إلى أوربا فعاد معظمها وتولى مصالح الدولة ودواوينها، وبدأت تتكون في مصر طبقة وسطى لم يظهر أثرها في عهده، وبدأت هذه الطبقة تتفوق في الصناعة والزراعة ومنازل الحرب وبيوت العلم في عهد سعيد وخلال حكم إسماعيل، وانتقلت مقاليد الأمور في عمومها من الأتراك إلى المصريين، وأيقظت هذه الطبقة البلاد يقظة سريعة موفقة، ولم يكن ينقصها إلا التنظيم وشيء من الشجاعة لتستقيم لها الأمور، غير أن الخديوي وإن كانت هذه الطبقة أهم أدوات حكمه أبى أن يرفع أحد عقيرته بنقد الحكومة أو معارضتها وإلا كان نصيبه العقاب الشديد.

وفي هذه اللحظة قامت الحرب التركية الروسية وكان لها آثار بعيدة المدى على تفكير الناس واتجاه الصحافة الشعبية، فقد كانت هذه الحرب أول مسألة خارجية اهتم بها المصريون؛ لأنها تتصل بأمر الدولة صاحبة السيطرة عليهم وهي في كفاح مع دول أخرى، وكان الأجانب في مصر يتناولون الصحافة الأوربية الواردة من الخارج وفيها من تفاصيل الحرب ودقة الأخبار ما يخرى بقراءتها، وهؤلاء الأجانب أصحاب مصالح عند خاصة المصريين وعامتهم فكانوا يتحدثون إليهم بهذه التفاصيل. ولم تجد الصحف الشعبية بدًا من إرواء ظمأ قرائها بنشر تفاصيل هذه الحرب، فقلدت الصحافة الغربية وانطلقت في إيراد الحوادث ونشرها، وظهر من بين السطور ميلها إلى ما كانت تأتي به العساكر الروسية من ضروب الشجاعة، كما ظهر ازدراؤها لما كان ينسب إلى الجنود العثمانية من التهاون، واختلفت الناس في أمر هذه الصحف واستقبلوها بين منفر ومحبذ، وقد نشأ عن هذه الحرب، أن استحدثت صحف لنشر أخبارها، ونشطت هذه الصحف الجديدة في رواية الأخبار والتعليق عليها ومعارضة الصحف القديمة في الرأي والمذهب حول هذه الحرب، واشتدت المنافسة بينها، وكان المجادلات الصحفية في ذلك الوقت أول حدث في تاريخ الصحافة الشعبية، وبذلك تغير الاتجاه الصحفي التقليدي في الاقتصار على تافه الأخبار وعنها. وأهم ما أثر عن هذه الحرب1 أنها لفتت الصحف المصرية إلى الدول

_ 1 لقد أثرت هذه الحرب على الصحافة الأوربية نفسها، فبدا واضحًا للناس عمل المراسلين الخصوصيين إبان تلك الحرب، واشترك عشرات من الصحفيين في تسقط أخبارها وسط الميدان، وكان ذلك حدثًا جديدًا على حياة الصحف التي لم توظف مراسيلهما مدنيين وحربيين على نطاق واسع قبل تلك الحرب، كما أن الصحف المصورة كمجلة lllustrated London استفادت في تطور فن الرسم والتصوير في أثناء المواقع الحربية بما أدخلته من جديد في هذا الفن بمناسبة الحرب الدائرة بن الروس والأتراك وهي حرب شبه عالمية اشتركت فيها أكثر من دولة.

الأجنبية وخاصة ما كان متصلًا بالسلطان والدولة العثمانية، فأخذت تنشر عن أحوال الأمم الأخرى التفاصيل الغريبة وتشرح سيرتها السياسية والاجتماعية والمالية وتقارنها بما عليه مصر من سوء الأحوال1 وقد أخذت جريدة الوطن2 وهي من آثار تلك الحرب تملأ صفحاتها الكبيرة بأنبائها شارحة تاريخ الروس وجغرافية بلادهم باحثة أسباب الحرب مشيرة إلى موقف الروس من الدويلات العثمانية في أوربا الشرقية وأحقية هذه الشعوب بالحرية التي تسعدها والدستور الذي تلح في طلبه والمذاهب السياسية الجديدة التي تقف تركيا دون تحقيقها، وقد أصبحت جريدة الوطن سجلًا لأطوار الحرب الروسية التركية بما نشرت من مقالات عن أسباب الحرب وأدوارها وختامها والمعاهدات التي تمت في نهايتها3 وهي بحوث تدل على منتهى العمق والفهم، وقد أثرت هذه الحرب في الأخبار الداخلية فقلت في صفحاتها قلة ملحوظة. ومما أثر عن هذه الحرب أيضًا جريدة "مصر" لأديب إسحاق فقد صدرت في 30 يوليه سنة 1877 ويبدو من العددين النادرين اللذين حصلنا عليهما أن عنايتها بالحرب الروسية التركية قد مالت فيها إلى جانب السلطان وهي في أحدهما تتحدث عن الحرب وأطوارها وأمل روسيا في "الحيادة" من الدول وموقف الباب العالي من ذلك كله ثم تذكر في ثانيهما خيبة الأمل التي لاحقت جنود الخليفة وتصور هذه الخيبة في ألم وحسرة4. ولم تكن الأهرام أقل حماسة لأخبار هذه الحرب، فقد انتهزت هذه الحرية التي أباحتها الحكومة وأخذت تندد بآثار الحرب في مصر ثم مضت تدعو المواطنين إلى مساعدة جرحاها من المصريين، وفي هذه المقالات تنشر

_ 1 تاريخ الأستاذ الإمام، ج1، ص37 - 38. 2 صاحبها ميخائيل عبد السيد ومديرها جرجس ميلاد. 3 الوطن في نهاية عام 1877 وأوائل عام 1878 وخاصة العدد السادس عشر. 4 جريدة مصر، العدد 3 والعدد 18.

أعنف الأحاديث عن الظلم والظالمين وحكم الفرد وآثاره حتى تنبهت الحكومة إلى أن هذه الأحاديث تتجه إليها مباشرة ولا تتعلق بالحرب وظروفها فقط1 فأنذرت الأهرام وهو الإنذار الوحيد في غضون هذه الحرب، واستكتبتها الحكومة تعهدًا بألا "تدرج المواد الموجبة لتهييج الأفكار الأهلية عن أحوال الحرب الحاضرة"2. وإذا رجعنا صحف ذلك العهد، رسمية أو شعبية تبين لنا أن جرائد مصر بأسرها شغلت بالحرب الروسية التركية، فقد طغت أنباؤها على جميع الأنباء الداخلية والخارجية، وكانت الأهرام ضمن الصحف التي وقفت إلى جانب السلطان، تؤازره بالمقال، وتؤيده بالأخبار السارة عن مواقف جنوده في بعض المواقع، كما أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك فأنشأ بشارة تقلا مجلة صغير سماها "حقيقة الأخبار" كان يجمع فيها ترجمة وافية للبرقيات التي تتلقاها دار الأهرام عن الحرب الروسية التركية، ولا تستطيع استيعابها صحف الدار الأخرى، وكان ربح المجلة يذهب قسمة عادلة بين دار الأهرام ومساعدة الجنود العثمانيين3. ويبدو أن الجهات الرسمية في مصر لم تحاول من ناحيتها عرقلة هذه النهضة الصحفية فغضت الطرف عما نشر من آراء أو أذيع من أخبار تمس الدولة العلية وإخفاقها في تلك الحرب؛ وذلك لأن الحرب الروسية التركية تتصل بمصر من حيث التزاماتها أمام السلطان، فقد طلبت الحكومة التركية مساهمة مصر في هذه الحرب، وقد ذكر الخديوي في مقالته الخديوية لمجلس شورى النواب في 30 أبريل سنة 1878، أنه على استعداد لتقديم الجنود ومساعدة السلطان بيد أنه عقب على ذلك في براعة بأن هذه المساعدة معلقة بحال الميزانية ومرتبطة أيضًا

_ 1 الأهرام عدد 73 عام 1877 وما بعده. 2 محفوظات الداخلية 11 - 2 - 946 جزء أول. 3 جريدة الأهرام، تاريخ مصر في خمس وسبعين سنة، للمؤلف، ص81.

برعاية الدين العام1 ومعنى ذلك أن الخديوي لم يكن متحمسًا غاية التحمس لاشتراك مصر في هذه الحرب؛ لأن المساعدة المطلقة مرهونة بحال الميزانية، وميزانية مصر لم تكن تحتمل الاشتراك في الحرب ثم إن ارتباط مصر برعاية الدين العام معناه اقتصار المساعدة على صورة ضيقة جدًّا فلم تشترك إلا ببضعة آلاف من الجنود لم تتجاوز ستة آلاف جندي، وهذا عدد يسير جدًّا إذا علمنا أن سكان البلاد في ذلك الوقت كانوا ستة ملايين نفس. فلا غرو إذن أنْ كان موقف الحكومة المصرية مما كانت تنشره الوطن وغيرها موقفًا سلبيًّا بل موقفًا فيه من التشجيع ما سمح لهذه الصحف بالحديث في أمور "بوليتيقية" من فضل في تطور هذه الصحف ونقلها إلى جو من الحرية فحسب بل كان لها فضل آخر وهو أن هذه الصحف أخذت على عاتقها وظيفة الدفاع عن الشئون المصرية الدولية وبذلك شاركت الصحافة المصرية الحكومة فيما كانت تختص به الحكومة نفسها، فقد أنتجت الحرب الروسية التركية صلح سان استيفانو بين الدولتين ثم مؤتمر برلين وما ترتب على ذلك من تضحية المساءلة المصرية من غير مبرر، واقتسام الإشراف على مالية مصر بين فرنسا وانجلترا2.

_ 1 Egyptian Despatch from the consulate general of the U.S. 30 may 1877 N 173 2 عقد صلح تركيا وروسيا بمقتضى معاهدة سان استيفانو فلم توافق انجلترا على هذا الصلح وأمرت أسطولها بالتقدم إلى الدردنيل كما أرسلت جنودًا إلى مالطة ثم انتهى الأمر بموافقة روسيا على عقد مؤتمر برلين وقد اتفقت انجلترا سرًّا مع روسيا ضد تركيا على حين اتفقت مع الأخيرة على أن تتنازل لها عن قبرص، وأعلن سلسبوري أن ليس بينه وبين الدولتين أي اتفاق سري ولكن صحافة انجلترا تذيع اتفاق قبرص، وهنا يهدد سفير فرنسا بالانسحاب من المؤتمر فيضطر الإنجليز إلى ترضية فرنسا بمسائل خاصة بتونس ومنها أيضًا حق الإشراف على المالية المصرية مناصفة "راجع صفحة 875 My Diaries"

ولم تقف المطامع الأوربية في مصر عند فرنسا أو انجلترا بل تجاوزتهما إلى روسيا التي طلبت رهن خراج مصر لتسدد منه تركيا غرامة الحرب بعد هزيمتها، وهنا تبدأ الصحافة الشعبية وظيفتها الجديدة فتشرح قصة الحرب مرة أخرى، وتعلق جريدة الوطن على ذلك لافتة الأنظار إلى مطمع الدول الأوربية في المصريين وخاصة انجلترا، ثم تحمل في شيء من العنف على الحكومة الإنجليزية وعلى The Standard الصحيفة التي تمثلها في ذلك الوقت، وتشير إلى النيات السيئة التي تنويها إنجلترا لمصر، فإن الصحف الإنجليزية دعت خلال الحرب إلى احتلال البلاد حتى تحول القوات البريطانية دون تغلغل الروس إلى قناة السويس1. كانت الحرب الروسية التركية حجر الزاوية في تطور الصحافة الشعبية إلى صحافة حرة، فقد شبت عن الطوق ورأت شئون مصر تسير في اتجاه فيه غبن شديد على البلاد، وقد أثار وجود الأفغاني في مصر قبيل الحرب التركية الروسية وفي أثنائها تيارًا من التفكير الحر، إذ تتلمذ له الكثيرون من طلاب العلم والمتعطشين إلى الآراء الجديدة، وكان حديثه "ينير العقل ويطهر العقيدة ويذهب بالنفس إلى معالي الأمور ويستلف الفكر إلى النظر في الشئون العامة مما يمس مصلحة البلاد وسكانها، وكان طلاب العلم ينتقلون بما يكتبونه على تلك المعارف إلى بلادهم أيام البطالة، والزائرون يذهبون بما ينالون إلى أحيائهم، فاستيقظت مشاعر وتنبهت عقول وخف حجاب الغفلة في أطراف متعددة من البلاد خصوصًا القاهرة"2. ولم يقف حظ الحياة الفكرية من فضل هذا الرجل عند حديثه الحلو ومحاضراته الممتعة لطلاب العلم ورواده من خاصة الناس فإن له على الصحافة الشعبية فضلًا يعادل فضل الحرب الروسية التركية، فهو الذي أوحى ليعقوب بن صنوع بإصدار مجلة "أبو نظارة" أقدم الصحف الهزلية المصورة في

_ 1 الوطن في 9 مارس عام 1878. 2 الأستاذ الإمام، ج1، ص37.

الشرق1 وهي الذي اقترح على أديب إسحاق إنشاء جريدة "مصر" في القاهرة2، ويرجع إلى الأفغاني فضل السعي في إخراج جريدة "مرآة الشرق" فقد توسط لصاحبها هنا وهناك حتى منح الترخيص بها3. ولم يكن للأفغاني فضل الإيحاء والإشارة بإنشاء هذه الصحف وحدها بل كانت له فيها المقالات الممتعة كحديثه عن "الحكومات الشرقية وأنواعها" ومقالته عن "روح البيان في الإنكليز والأفغان" وكان يمهرها باسمه تارة وتارة تحت حجاب اسم مصنوع مثل: "مظهر بن وضاح" ومن أهم مقالاته فيها حملته على الإنجليز تلك الحملة التي ترجمتها صحفهم4، وكذلك كانت التجارة مجالًا لتلامذته كالأستاذ الإمام5، وكانت هذه الصحيفة تذكر الأفغاني وتنقلاته في أسلوب غريب فتسميه "سيدنا فهرست كتاب الكمال وفذلكة حساب الجلال أستاذنا الأجل الفيلسوف الأكبر السيد جمال الدين الأفغاني"6 وقد لقيت التجارة حتفها على يديه فقد ملأها بالمقالات الثورية ابتداء من عددها السادس عشر ثم زعمت في خبر من أخبارها أن الأمة وكلت إليه السفارة بينها وبين الخديوي وكان هذا الخبر سبب تعطيلها الحقيقي7. عرضنا لأثر الحرب الروسية التركية في الصحف الشعبية وأوضحنا سهم الأفغاني في نقلها إلى مصاف الرأي، وهذان عاملان لهما خطرهما في

_ 1 طرازي، ج2، ص283. 2 مشاهير الشرق، ج2، ص70. 3 صاحبها سليم عنحوري ولكنه تخلى عنها لإبراهيم اللقاني لمرضه وعودته إلى وطنه وهو من الشاميين تلاميذ الأفغاني، وساعده فيها إسكندر نحاس كمدير لها وسعيد البستاني كمترجمها الأول، وكتب فيها محمد عبده والشيخ علي يوسف، وهي لسان الحزب الوطني في نهاية عصر إسماعيل "راجع مرآة الشرق في 24 يوليو عام 1879 كونها لسان الحزم الوطني والتجارة في 21 أبريل عام 1879 عن تغيير صاحبها". 4 الأستاذ الإمام، ج1، ص39 - 41، ص45. 5 التجارة في 17 يونيه عام 1879م. 6 التجارة في 19 مايو عام 1879 وصاحب التجارة هو أديب إسحاق. "راجع أعلام الصحافة العربية للمؤلف". 7 تاريخ الأستاذ الإمام، ج1، ص47، 48، من ترجمة سليم عنحوري للأفغاني.

تاريخ الصحافة الشعبية وتطورها، وقد ظهرت بجانبها بعض العوامل التي لا تقل عنها أهمية ومصدرها الحالة في مصر نفسها، فقد جهد الخديوي من ناحيته في تهيئة الأفكار بما جدد في حياة مصر الأدبية والمادية مما كان له أثره الواضح فيما بعد، وأنتجت محاولات الخديوي الإصلاحية نتيجتها المرتقبة، فإذا الناس متبرمون لم تغنهم إصلاحاته ولم تحتمل طبيعتهم الرضية مساوئ بطانته، فهو يعمل على إسعادهم في ناحية وتعمل بطانته على إفقارهم في ناحية أخرى، وأقرب الأمثلة ما ذكره قنصل الولايات المتحدة في تقرير له وهو يتحدث عن الإصلاحات التي أدخلها الخديو في مصر، ويعقب على ذلك بحديث عن الأرض وتوزيعها وكيف استولى البعض على أكثر من خمسها وكيف كان هذا الخمس يفوق الأخماس الأربعة الباقية من حيث الجودة ومن حيث عناية الحكومة بإروائها موقعها وتسخير الناس لخدمتها1. والخديوي يستدين ويصبح دينه خطرًا على الكيان المصري في نهاية عام 1875 وأوائل عام 1876، إذ إن هذا الدين أجاز للدولة الأوربية حق التدخل في شئون مصر، ثم يشعر بالضيق المالي فتضيع أسهم قناة السويس في صفقة خاسرة، ويستقدم بعثة كيف الإنجليزية لتفحص مالية البلاد ثم تتوقف الحكومة عن أداء أقساط الديون، وقد لاحقتها الأزمة من جميع جوانبها الأمر الذي ترتب عليه إنشاء صندوق الدين2 وتدخل الأجانب في الشئون الداخلية. لم يفد إنشاء صندوق الدين أو مشروع توحيد الديون في مايو عام "1876"3 أو إنشاء مجلس أعلى للمالية نصفه من الأجانب4 لم يفد كل هذا

_ 1 Despatch N 272 December 30. 1878. vol. 15. p 78 2 فيليب جلاد: القاموس العام للإدارة والقضاء عام 1900، ج2، ص144. 3 نفس المصدر والجزء، ص 133. 4 نفس المصدر، ص151.

في وقف تدخل الأجانب تدخلًا مباشرًا في شئون مصر الداخلية بل ساعد ذلك على هذا التدخل حتى أصبحت حياة مصر المالية تحت رقابة مشتركة من الإنجليز والفرنسيين، ثم تراءى لهؤلاء أن يؤلفوا لجنة للتحقيق في 27 يناير سنة 1878، وكان من أظهر رجالها ريفرز ولسن Rivers Wilson أحد الوكيلين1 وينتهي أمر هذه الأزمات المالية المتلاحقة بإنشاء مجلس النظار لأول مرة في تاريخ مصر، وتحققت بذلك فكرة المسئولية الوزارية في الحكومة المصرية، بيد أن هذه اللفتة يشوبها وجود وزيرين أجنبيين في مجلس النظار أحدهما إنجليزي للمالية والثاني فرنسي للأشغال2. كانت هذه التطورات في حياة مصر الداخلية امتحانًا لصحافتها ومحكًّا لنضجها وكفايتها، فقد استفتحت الوزارة المختلطة أعمالها الأولى بإخطار رسمي لجميع الصحف التي "تتضمن الاعتراض بحالة خارجة عن حدود وظائفهم على مسلك الهيئة الحاضرة"3 ولم يكن قد بدا بعد من الصحف اعتراض على الهيئة الحاضرة بل إن "الوطن" وهي صحيفة حرة في ذلك الوقت، استقبلت الحكومة النوبارية استقبالًا حسنًا وأثنت على رجالها ثناءً طيبًا على اعتبار أنها وزارة مسئولة لا تظلم ولا تقضي بغير ما يوحي به القانون وخاصة المسائل التي تتصل بالمال وجباية الضرائب4. وقد انتهزت الصحف تعيين الوزارة الجديدة فأخذت تشرح مساوئ العهد القديم في تقريره "ضرائب غير مقررة ولا جائزة ولا مبررة" وتذكر موظفيه الذين أثروا من فقر الفلاح ونهبه حتى "أصبحوا من أهل اليسار والثروة والعقار وصارت في حيازتهم أخصب الأطيان"، ثم تتجه إلى ولسن

_ 1 الرافعي: عصر إسماعيل، ج2، ص82. 2 لومونيتور إجبسيان 3 أغسطس 1878. 3 التجارة 8 يناير 1879. 4 الوطن في 21 أغسطس عام 1877 وعدد 44 في سبتمبر عام 1878.

واضعة بين يديه آمال الفلاح في القضاء على المفاسد والمفسدين1 وتعقب في موضع آخر بعد نشر تقرير ولسن عن الخلل المالي حاملة أشد الحملة على الحكم المطلق الذي كان يلزم الفلاح بالضرائب الفادحة ومع ذلك كانت خزانة الدولة خالية الوفاض "بينما زادت عقارات الدائرة وبلغت مليون فدان"2. وكان تشجيع الصحف الشعبية للوزيرين الأجنبيين ظاهرًا جدًّا حينما دافعت عن تعيينهما دفاعًا شديدًا لما طلبت إيطاليا أن يكون لها في الغنيمة وزير، فقد شرحت خدمات الوزارة المختلطة في ارتفاع الأوراق المالية واستلام الموظفين رواتبهم والتمكن من عقد القروض الجديدة بفائدة ضئيلة وإن لم تفوت الشكوى من الموظفين الأجانب ورواتبهم المرتفعة. فالصحافة الشعبية إذن لم تستقبل تعيين الوزارة استقبالًا سيئًا، وكان ذلك بعض واجباتها ما دامت شئون الحكم ألقيت إلى الأجانب، ولكنه سالمت العهد الجديد لعله ينقذ مصر من العهد القديم ويقضي على المساوئ التي أساءت إلى الفلاح والموظف، وأساءت إلى كثير من المرافق العامة والخاصة، وقد راضت الحكومة نفسها على أن تمنح الصحف بعض الحرية حتى تستيطع أن تفهم المآسي التي لقيها الشعب، ولا يعنيها في أول الأمر بعض الملاحظات التي تبديها الصحافة في عنف كحملتها على مدير السكة الحديد الإنجليزي، أو مقالاتها في الحالة المالية وماهية "الحكومة المطلقة والمظالم الحاصلة والوزارة الشورية"3. ولم يضغط الخديوي على الصحف الشعبية خلال الحرب الروسية التركية ما بقيت ملتزمة مدحه والثناء عليه وكل ما شغلت به صفحاتها لم يمسسه من قريب، فإذا حد التدخل الأجنبي سلطان الخديوي فسح المجال لهذه الصحف

_ 1 الوطن في 21 سبتمبر عام 1878. 2 الوطن في 9 أكتوبر عام 1878. 3 الوطن في 12 أكتوبر و2 نوفمبر، 16 نوفمبر عام 1878م.

فتفست عما في صدرها ونشرت مساوئ الحكم قبل سنة 1878 ولم تتحرج كما رأينا من مسالمة الحكومة المشتركة وتحيتها، واستطاعت أن تقول ما حالت دون قوله السلطة المطلقة فيما مضى ثم قلدت الهيئات المختلفة الصحافة في الشكوى وإذاعة الفضائح بالمذكرات والمنشورات وأهمها مذكرة التجار الأجانب في الإسكندرية التي أرسلوها إلى قناصل الدول ناعتين العهد السابق في تصرفاته المالية بأقبح الأوصاف1. كادت ظاهرة الإعجاب بالحكم الجديد تستغرق صفحات الأهرام والوطن وغيرهما من الصحف المعاصرة التي لم تبلغ قدرهما من الذيوع والانتشار، غير أن هذه الصحف رأت بعض المآخذ في الوزارة النوبارية فبدأت تلفت إليها النظر في هدوء، فذكرت الوطن ما يجري على ألسنة الناس من أن المستر ولسن سيعين موظفين إنجليزيين وسيقتدي به "دوبلنيار الفرنساوي" وأن ذلك سيحرم أبناء الوطن المتعلمين حقًّا إجازة لهم تعليمهم وثقافتهم2 ثم تشتد بعض الشيء فترى جريدة التجارة أن حرمان المصريين حقهم في الوظائف بربرية أوربية لا يجوز السكوت عليها؛ لأن القوم "نازعونا الأرض المحبولة بدم آبائنا" وأصبحوا أمراء في بلادنا وهي إمارة "الأجير وملكية المستعير وتأصيل الدخيل ولا لوم عليهم في ذلك ولا تثريب، فإن من لا يصون ماله يعلم الناس سرقته" ثم تهاجم الصحف الفرنجية "المطبوعة تحت سمائنا"؛ لأنها لامت الوزير الفرنسي حين استخدم المصريين في المسائل الهندسية، وتذكر لها أن عهد الاستبداد وتقييد حركة الكتابة قد انتهى، وأن الآراء الحرة والفكرة الناضجة ليست وقفًا على الفرنجة دون المصريين. وقد ظنت الحكومة الجديدة أن تنفيس الصحف عن نفسها بذكر مساوئ العهد السابق وملاحظة شئون التوظف في المصالح المصرية ورمي ولسن بالجهل

_ 1 وثيقة رقم 136، ص145 Blue Books 1878. 2 الوطن في 30 نوفمبر عام 1878م.

في الأمور المالية1 هو غاية ما تصبو إليه الصحف المصرية، بيد أن الصحافة المصرية كانت قد بلغت من القوة ونضج الرأي واستقامة التفكير ما جعلها تبحث في أعمق من المسائل التي عالجتها، فقد كانت فكرة الشورى تأخذ عليها حياتها وجهادها فبدأت تنشر المقالات في أن المسئولية الوزارية تكون عبثًا على الصورة التي تألفت بمقتضاها الوزارة المختلطة فأمام من تكون هذه الوزارة مسئولة إذا لم يكن هناك مجلس للنواب؟ وهو يكون أهم شيء في مصر، كما أنه أهم شيء في الممالك المتمدنة وإذا كان مجلس النواب لازمًا في بلاد أوربا فهو ألزم لنا نحن المصريين؛ لأن وزارتنا مختلطة من وطنيين وأوربيين والأوربيون لا بد أن يقدموا مصالح بلدهم وأرباب الديون على مصالح الوطنيين، ثم تأخذ الصحيفة في معالجة أمر تكوينه وحقوقه والتزاماته ثم تذكر في مقال آخر الأهمية التي تعلقها على انعقاد هيئة تشريعية تسأل أمامها الوزارة إذ إنه "لا يخفى أن قوة المملكة وغناها لا يقوم إلا بانتظام مجالس شوراها"2. فإذا دعت الحكومة مجلس شورى النواب إلى الانعقاد استبشرت الصحافة بهذه الخطوة وأملت في أن يضرب المثل على حيويته حتى يحس الناس وجوده، وتحدثت عن أعضائه بأنه قوم "لا تأخذهم في الحق لومة لائم مع العلم بواجباتهم وحقوق الأمة وما بها من الآلام وبودهم لو افتدوا الإصلاح بدمائهم"3. فإذا تم انعقاد المجلس في 2 يناير 1879 تشجعت الصحف بوجوده وانتقلت إلى معارضة الحكومة في سفور وفي غير تحفظ، فحملت على ريفرز ولسن الذي لبس مسوح الرهبان حتى تمنت البلاد وجوده على ماليتها فلما تحقق له ذلك ألزم الفلاح بدفع الأموال المتأخرة في السنوات الثلاث

_ 1 التجارة 8 فبراير عام 1878م وفي 10 أبريل و15 يناير 1879م. 2 الوطن في 21ديسمبر و28 ديسمبر 1878م. 3 التجارة في 23 ديسمبر عام 1878م.

الماضية "مع غرق الأراضي وشرقها فإذا لم يرض الفلاح بدفع هذه الأموال المتأخرة ألزموه أولًا ببيع أرزاقه ومحصولاته ثم بيع مواشيه وأطيانه وجميع عقاراته، بل زاد على ذلك بأن أمر بالاستعانة بالقساوة القديمة" وعلقت على ذلك بأن السياسة القديمة لا تتفق مع حملات ولسن في تقريره عن العهد القديم ثم تفصل ظلمه وجوره "في رفت المستخدمين المشهورين بالخدمات الصادقة ثم تعلق آمالها على مجلس شورى النواب في رفع المظالم جميعًا. والصحافة تشجع مجلس النواب وتعضده كما شجعها وجوده فهي تذكر أنباءه كأهم ما يعني المصريين من أخبار فتنشر المقالة الخديوية والرد عليها، وتبرز بعض النواحي في هذا الرد وتشير إلى الجمل القوية فيه مثل مخاطبة الخديوي بأنهم "نواب الأمة المصرية ووكلاؤها المدافعون عن حقوقها الطالبون لمصلحتها" ثم يتحدث الكاتب عن مجلس النواب، "وهو السبب الموجب لنوال الحرية وهو الباعث الحقيقي على بث المساواة في الحقوق" ثم يذكر مجلس النظار المسئول أمام الأمة ويشير المحرر إلى جملة مهمة صدرت من مجلس النواب إلى الخديوي على اعتباره ملكًا لمصر المستقلة "ونعلن من صميم الفؤاد سرورنا وكمال ابتهاجنا بما تشرفت به مسامعنا من خطاب جلالتكم" ثم يقرر المحرر أن مقال الخديوي ورد النواب أوجد جوًّا من الثقة وأحيا آمال هذه الأمة التي لا تزال راجية أن تنال شرفها التليد "الذي شهدت به التواريخ وأنبأت به الآثار"1. وإن هذه التحية التي يلقاها مجلس النواب من الصحافة الشعبية لا تحملها على التهاون في أمور البلاد إذا قصر المجلس في واجب من واجباته فهي تبث شكواها لظلم الموظفين الوطنيين وخاصة في السكة الحديدية، وتبدى دهشتها من انصراف المجلس عن بحث مثل هذه الحالة فقد "كان بودنا أن مجلس شورى النواب الذي انعقد وضربت له المدافع أن يكون عن الوطن خير مدافع".

_ 1 الوطن في 4 و11 يناير عام 1879م.

وهي إذا سخرت من المجلس والمدافع التي أطلقت له، تأبى أن يهين أحد هذا المجلس وخاصة إذا صدرت الإهانة من أحد الوزيرين الأجنبيين فتقول عن موقف ولسن من الأعضاء أنه لم "يعرض عليهم قضية كلية ولا جزئية فكأنه يظن أنه ليس من الأكياس أو أنهم ليسوا من الناس بل إنهم كالأنعام أو أنهم بكم كالأصنام" ثم تتجه إلى الأعضاء وتشجعهم قائلة "ففي هذا المقام الصعب الممتطي الزلق المرتقي يجب على الأعضاء التزام الخدامة، وارتفاع الأخطار لا يكون غالبًا إلا باقتحام الأخطار" ثم تحمل على الوزيرين الأجنبيين لأنهما تواطآ على الازدراء بالمجلس1. وتمضي الصحف في تهيئة الأفكار وتفتيق الأذهان وتنشر بين آن وآن اقتراحات النواب أو لوائحهم كما تسميها، فتذيع مع التقدير والتشجيع اقتراح محمود بك العطار وعبد السلام بك المويلحي بإلغاء الضرائب القديمة دفعة واحدة وفرض ضرائب جديدة لا ترهق الفلاح، ولكن رئيس الحكومة لا يعترف بحق النواب في ذلك ولا يرفضه أيضًا، وتعرض جريدة التجارة هذه الحالة في أسلوب عنيف وحجة قوية وتذكر في شيء من الفخر بأن هذا البيان بيان النائبين علم الناس "أن في السويداء رجالًا سودتهم نفوسهم فلا تسام خسفًا ولا تضام عسفًا"2. ثم تعالج الصحف أسلوب ولسن في الحكم وطرائقه في التفريق بين طبقات الأمة وبذر عوامل الفتنة بينها بتفضيله قومًا على قوم، هو يبسط السوط لجبي الضرائب من الفلاح وهو عار تقتله المسغبة ثم يأذن "بصرف شهرين للعلماء الكرام وعجب للعلماء في موقفهم؛ "لأنهم لم يراعوا إلا أنفسهم ولم يسألوا إلا إجراء أرزاقهم خاصة، وكان العهد بهم أن يؤثروا الغير على

_ 1 الوطن في 25 يناير وأول فبراير عام 1879م. 2 التجارة في 3 و 11 يناير عام 1879.

أنفسهم ولو كان بهم خصاصة لوقوفهم موقف الرئاسة والإمامة وعلمهم بأن الذين لهم أرزاق متأخرة في الرزنامة هم ما بين يتيم وأيم وزمن ومقعد وغيرهم ممن لا يستطيعون حراكًا لإصابة الرزق من غير هذا الباب"1. في مثل هذا الأسلوب القوي عالجت الصحافة المصرية شئون مصر متخطية جميع الصعاب الرسمية من إنذار وتعطيل مؤقت، فتحدثت عن مساوئ البطانة الخيديوية والوزارة النوبارية معًا، وهاجمت الأجانب ووزيريهما وشجعت مجلس النواب وأتاحت له فرصة الظهور ومدت رجاله بالرأي السديد الموفق وناقشت أموره الفقهية كواجب انتخاب رئيسه لا تعيينه وحقه في فرض الضرائب والمسئولية الوزارية2 كما بحثت في وجوب فرض الضرائب على الأجانب وخاصة الوزيرين اللذين يتقاضيان ستة آلاف جنيه في السنة من شعب يتشدقون بإفلاسه، غير فصولها الأخرى في المسائل المالية الدقيقة كالدين الموحد والثقة المالية والنقد. ومهما يكن قضاء المؤرخين في الوزارة النوبارية التي ضمت وزيرين أجنبيين فإنها صاحبة فضل على الصحافة وهو فضل غير مباشر، قد تولى نوبار النظارة طبقًا لمرسوم 28 أغسطس سنة 1878 وهي أول وزارة في تاريخ مصر الحديث تحملت المسئولية الوزارية، والمسئولية الوزارية تستوجب الحذر أحيانًا وتفرض سعة الصدر فتعامل الصحافة "بالرفق والتلطيف وحسن البيان" كما تقول جريدة التجارة وخاصة أن الوزارات ضمت ناظرين أجنبيين وهي صدمة وطنية أحس أثرها العامة والخاصة على السواء، فقد كان المعروف أن الوزارة برمتها جاءت لتفض الأزمة المالية يعني جاءت لتحمي مصالح الأجانب وترد إليهم أموالهم بشتى الطرق. ولم يقف سلطان الوزيرين عند هذا الحد بل تدخلا في شئون الدولة جميعًا

_ 1 التجارة في 18 مارس عام 1879م. 2 الوطن في 11 يناير.

فبدأت الصحافة تصور هذا التدخل بمقالات سياسية ذكرنا طرفًا منها وكان لها أبعد الأثر في أعضاء مجلس شورى النواب، فنشط أعضاؤه وأخذوا على عاتقهم مهام لم تبحها لائحة المجلس الأولى ولكنهم تشجعوا بعد أن رأوا في الصحف قوة تنصرهم وتدفعهم وتحميهم فقد كانت لهم "في هذه الأيام بمنزلة المصابيح في ظلمات الأحوال"1. ثم أدت هذه الوزارة بأزماتها مع الموظفين ومشاكلها مع ضباط الجيش2 إلى اتفاق بين الصحافة والخديوي لم يكن مكتوبًا أو منصوصًا عليه ولكنه كان اتفاق مصلحة مشتركة اقتضتها الظروف القاسية على الطرفين، فالحكومة تشجع الصحف على إظهار ظلم بطانة الخديوي ثم تشجع الفلاحين والسراة على كتابة العرائض فيما أصابهم من غبن على يديها3 ويستقبل ريفرز ولسن هذا كله استقبالًا حسنًا ثم لا تخرج الحكومة من ورطه إلا وتقع في أخرى ويتقلب الحال وتبدأ الطبقات شكواها من العهد الجديد الذي ساوى العهد القديم في الظلم وزاد عليه أنه جرح الكرامة المصرية بتعيين وزيرين أجنبيين في بلد مستقل، وكان من أظهر الطبقات ضيقًا وتبرمًا ضباط الجيش الذين أحيلوا إلى المعاش فهؤلاء مثلوا المصريين جميعًا بالظلم الذي وقع عليهم والثورة التي قاموا بها، وأثر عن هذه الحركة تيارات خفية وعلنية بين المشايخ والأعيان وبين الخديو، وقامت الصحافة تمثل هذه الحياة الثائرة الحكومة والأوضاع المعمول بها فتذكر علو همة الضباط الثائرين وعدالة مطالبهم4 ثم تلح في وجوب اتفاق الحكومة والشعب على إنشاء برلمان مسئول يجعل غايته أن تكون مصر للمصريين وحدهم5.

_ 1 التجارة في 5 فبراير 1879م. 2 الرافعي: عصر إسماعيل، ح2، ص201 - 207. 3 التجارة في 2 يناير عام 1879م وقد نشرت عريضة عن بني سويف عما فيه الناس من ظلم. 4 التجارة 8 13 مارس عام 1879م. 5 التيمس 16 و28 أبريل عام 1879م.

لم تفلح الحكومة المصرية برئيسها نوبار باشا ووزيريها الأجنبيين في توجيه حياة المصريين إذ أصبحت حالهم أسوأ مما كانت قبل تولية الحكومة النوبارية أمور البلاد، وضج البرلمان الإنجليزي نفسه وصور المصريين في عهد هذه الحكومة بأنهم أصبحوا بسياستها "مجرد أشباح"1 وشاركته في ذلك الصحافة الإنجليزية وعلى رأسها التيمس إذ تقول: "إن مجلس النظار يستبد بالأمر دون رئيس الحكومة الذي منح حكم بلاده، والإدارة تنتقل شيئًا فشيئًا إلى أيدي الأوربيين والمناصب العالية مغلقة في وجوه المصريين، مع أن مصر مهما بلغت بها الحال ملك للمصريين2. هذا حكم الإنجليز على الموقف وهم أصحابه فلا عجب أن وزعت المنشورات ضد الحكومة وأعضائها3 واشتدت الصحف شدة لم يعهدها النظار فكتبت التجارة مقالًا عنيفًا ضد ولسن لإغفاله مجلس شورى النواب فعطلت خمسة عشر يومًا واستقبلت أمر التعطيل بإصرار على المعارضة "فإن التجارة تحسب حب الوطن دينًا والمدافعة عنه جهادًا فإن عاشت فيه فهي سعيدة وإن ماتت فهي شهيدة ولقد أتاها الله النعمتين وأتاح لها الحسنيين فعاشت به وماتت عليه وستبعث بعد أسبوعين رافلة في ثوب الشهادة مزينة بحلي السعادة على رغم أنوف حاسديها الذين أولو كلامنا إلى ما لم نقصد وحاولوا إطفاء نور الحق ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المبطلون"4. لم تستطع الحكومة النوبارية أن تواجه الحالة فاضطرت إلى الاستقالة وتولى توفيق باشا ولي العهد رياستها وأبقى الوزيرين الأجنبيين في مكانهما القديم، وزاد سلطانهما بما منحا من حق الفيتو على قرارات مجلس النظار5

_ 1 مضابط البرلمان الإنجليزي، المجلد 244 عام 1879، ص838 - 841. 2 التيمس في 3 مارس عام 1879م. 3 الأستاذ الإمام، ج1، ص238. 4 التجارة في 13 فبراير عام 1879م. 5 Livre Jaune 1879- 1879. p. 166

بيد أن بنيان الحكم بقي متصدعًا بالرغم من ولاية توفيق لرئاسة الحكومة. وقد استقبل مجلس شورى النواب الوزارة الجديدة أشد معارضة مما كان فرأت الحكومة أن تفض هذا المجلس، وكان في وسعها أن تصنع ذلك دون أن يحس الرأي العام ما صنعت، ولكن الصحف تفوت عليها هذا الغرض وتهاجمها وتنصر النواب، وتشجعهم وتعلن موقف المويلحي عضو المجلس من عطو فتلو رياض باشا الذي حضر إلى المجلس ليفضه حتى إذا ذكر الوزير شكره للخدمات التي قام بها المجلس ذكرت الوطن موقف المويلحي الذي انبرى للوزير محتجًا بأنه لا معنى لتشكرات الحكومة فإنهم -أي النواب- لم يبدوا مأثرة تنشر ولم يفعلوا شيئًا يستحقون عليه الشكر والامتنان وأنهم مصممون على دوام انعقاد المجلس إلى آخر هذا الحوار البديع بين النائب والوزير. وقد أخذت الجريدة تعلق على ذلك كله وهي تلتمس للنواب مخرجًا من الحرج الذي دفعتهم إليه الحكومة، هذا الحرج الذي يحرمهم مواجهة ناخبيهم والتحدث إليهم فهم لم يفعلوا شيئًا حقًّا ولم يقوموا بواجبهم المفروض عليهم أداؤه، والجريدة ترى من واجبها أن تذيع على الناس ذلك الموقف "ليشهدوا المعركة بين الاستبداد والحرية" وليس هذا فقط بل هي تحرض بقية الهيئات الأخرى على معاضدة النواب وتشجيعهم وتدفع الجماهير إلى شد أزرهم ذاكرة أن مجلس النواب المصري يهزأ منه الحكومة وتراه لا يعادل مجلس نواب البلغار مع الفارق الكبير بين البلدين وبين الشعبين وبين موارد كليهما ثم تطالب بتنقيح قانون المجلس القديم إن كان له قانون كما تقول هي، على أن يراعي في وضع قانونه ظروف الزمان والمكان كما ألحت في إطلاق حرية الصحافة وسن قانون لها ينظم أمورها1. لم تستطع حكومة ولي العهد أن تواجه الحملة الصحفية بحزم مع أن الحكومة جمعت أصحاب "الجرانيل" وأكدت عليهم "بعدم درج شيء

_ 1 الوطن في 5 أبريل عام 1879م.

في جرانيلهم مما يتعلق بمجلس الشورى والأجانب1. وليست الصحافة وحدها التي زلزلت الحكومة وطوحت بها، بل للخد ونفسه دخل في ذلك، ولمجلس شورى النواب نصيب غير منكور "فلم يعد هزؤء فقد أظهر أعضاؤه أدلة كثيرة على وجودهم واستقلالهم" كما تقول التيمس2، ولم يمهل بعض أعضاء المجلس والأعيان الوزارة فأخذوا يحضون الجماهير على السخط على الحكومة فدعى بسقوط رياض وغيره من الوزراء في المساجد والجوامع3 ثم اجتمعوا على هيئة "جمعية وطنية" ووضعوا مشروع تسوية مالية4 وطالبوا بتعديل نظام مجلس شورى النواب على غرار المجالس الأوربية5 وأقر الخديوي وجهة نظر الوطنيين ودعا شريف باشا إلى تأليف حكومة وطنية جديدة6.

_ 1 الرافعي: عصر إسماعيل، ص213. 2 التيمس في 15 أبريل عام 1879م. 3 وثيقة رقم 105 ص65 " Blue Books 1879". 4 قال كاتب التجارة في العاصمة في 5 أبريل 1879 بعد أن تحدث عن الجمعية التي انعقدت في منزل راغب باشا "وبلغني أن جماعة من التجار وغيرهم وفيهم حضرة الفاضل أمين أفندي شميل نزعت بهم غيرتهم إلى تقرير أمر يحاولون به تخليص الوطن من أسر الدين في ظرف ثمانية وعشرين سنة وهو أنهم يفتتحون بنكًا وطنيًا يكون رأس ماله أربعة عشر مليونًا من الجنيهات تجمع من سار أفراد الأمة على أقساط ثلاثة أو أربعة". ويقول في 17 أبريل ستكون إدارة البنك وطنية وسيعدل بنك انجلترا ويفوق بنك فرنسا بستة ملايين ومن فوائده: أ- توطين الدين العام وبذلك تتقوى القراطيس المالية في السوق. ب- حصول الحكومة والبنك على كوبنات عشرة ملايين من غير مقابلة. ج- انتظام تجارة البلاد وزراعتها فيقبل الأهالي على المشروعات والشركات النافعة. د- استهلاك مقدار وافر من ديون الحكومة وبذلك تتخلص البلاد من الاستعباد الأجنبي، ولمخترع الفكرة كما تقول التجارة مقالات أخرى سياسية واقتصادية هنا وهناك وهو أمين أفندي شميل. 5 التجارة في 27 أبريل عام 1879م. 6 الوقائع المصرية في 13 أبريل عام 1879م.

الصحافة الشعبية في مصر (3)

الصحافة الشعبية في مصر (3): كان انتصار وجهة النظر الوطنية انتصارًا للصحافة المصرية التي ساهمت في ذلك مساهمة تحملت أثقالها وحدها من التضييق والإنذار والتغليق، لذلك احتفلت بتعيين شريف باشا رئيسًا للنظارة احتفالًا عامًّا، فنشرت الصحف كتاب الخديوي للقناصل الذي تضمن موافقته على اللائحة الوطنية وتعيينه لشريف باشا وأبرزت في إعجاب قوله: "إن الأمة قد أجمعت على تنفيذ مقتضى هذه اللائحة ومعلوم لجنابكم أن الأمة إذا اتفقت كلمتها وإن على خلع ملك أو سلطان فلا بد من تنفيذ إرادتها وإجابة رغبتها"1. وعلقت الجريدة بخطورة هذا التصريح وصدقه في تقدير الخديوي لقوى الأمم وسلطانها، ثم أخذت تصف حفلات الابتهاج بالحكم الوطني الجديد وترجو في إلحاح "رجوع المجلس إلى ما كان عليه من الانتظام"2. ثم مضت الصحف بعد تأليف النظارة الشريفية تعدد مآسي حكم الوزيرين الأجنبيين وتفسح صدرها لأنصار الخديوي فنشرت للشيخ "علي الليثي منشى المعية السنية" كما جاء في تقديمها له مقالًا ضرب فيه على الخط من قدر الحكومة السابقة التي تعدت اختصاصها وسلبت من المصريين حقهم في تولي شئونهم كما حيا الوطنيين الثائرين الذين صنعوا اللائحة الجديدة، ثم مضى فرد الفضل كله إلى الخديوي وشجاعته3. وإذا كانت الصحافة المصرية عبرت أحسن تعبير في تصير هذه الفترة من الحياة المصرية حتى أصبحت لسان الحركة الناطق وجعلت من المصريين "أمة" كما يقول الخديوي لها خلع الملوك وتولية السلاطين، فإنها لم تنس

_ 1 التجارة في 9 أبريل عام 1879م. 2 التجارة في 30 أبريل عام 1879م. 3 الوطن في 19 أبريل عام 1879.

حقوقهم إذ أدت التزاماتها من قبل، فتحمل التجارة على الصحف المتشيعة للحكومة الأجنبية السابقة وتذكر ألوان الضيق التي ترتبت على وجود إدارتين للمطبوعات، إحداهما للصحف الفرنجية والثانية للصحف الوطنية "فإنهما على طرفي نقيض في معاملة الجرائد، تلك تطلق لها العنان ولا تعارضها فيما تقول مع كثرة وقوعها في الحكومة وافترائها الكذب على الوطن وسعيها في إفساد القلوب، والثانية تقف بالمرصاد لو ريقاتنا القائمة بخدمة الوطن وتنوير بصائر عامته وتفكيه خواطر خاصته مع صدورها عن الغيرة الصادقة والحمية الخالصة ومع صدق ولائها وحسن طاعتها وغزارة فوائدها نقول هذا وفي القلب حزازات من انقسام إدارة المطبوعات شطرين متمايزين بخلاف ما هي عليه في الدولة العثمانية وسائر الدول في العالم المتمدن ولكن لا غرابة في هذه الخلل فهو من آثار الوزارة الساقطة"1. أحلت الصحف في عدالة المعاملة وهي ترجو هذا من وزارة الأمة على حد تعبيرها فقد فرغت من ظلم العهود السابقة وهي تعلم أن خصومها واقفون بالمرصاد للشعب وصحافته، فالأجانب وحكوماتهم لن يرضوا عن هذا النصر الشعبي الملحوظ في الموافقة على اللائحة الوطنية، والخديوي مهما يكن عطفه على هذه الحركات فهو لن يقبل انتقال السلطة من يديه، وكذلك حال خصومها من الوزراء السابقين وخاصة رياض باشا "الذي استعان بالنعمة على الكفران وجعل الجحود جزاء الإحسان فأغضب الأمة بمسلميها ونصاراها ويهودها" ثم يستقبل أديب إسحق محرر التجارة حكومة شريف استقبالًا حسنًا ويدافع عن سياستها في تحصيل المال لسد النفقات والديون، ويذكر أن الكرباج لم يعد أسلوب جبي الضرائب وأن الرئيس يجمعها "بالتشجيع على الدفع عن طريق الوطنية" ثم يطلب من المتخرصين الانزواء؛ لأن الاستقلال والحرية اللذين يشتريان بالدم والروح يمكن بذل المال للمحافظة عليهما،

_ 1 التجارة في 15 مايو 1879م.

وهي تعرض ما قالته بعض الصحف الأجنبية في مصر شهادة منها لوطنية المصريين في دفع المتأخرات المالية عن رضاء واطمئنان1. ولم يرض صاحبا الأهرام وصحفهما عن سياسة الخديو فيعارضاها معارضة ملؤها العنف حتى صدر الأمر بإقفال الأهرام وصدى الأهرام ومحاكمة صاحبيهما، ولكن الحكومة تعود فتجيز نشر الأهرام وتحدها2 وتأبى الرجوع عن غلق صداه3 ولم تفرح التجارة وهي خصمها العتيد لهذا الإغلاق فهو شيء لا ترضاه على كل حال لذلك كتبت تأسف على ذلك لعلمها "بما يترتب على الجرائد من الفوائد فإنها واحدة ثلاثة هي محور التهذيب نريد المدارس والجرائد والتياترات"4 ثم تعقب في العدد التالي متجهة إلى أولى الأمر آملة "من حكومتنا السنية الآخذة الآن بأسباب الشورى أن تنظر إلى الجرائد بعين الرفق ولا تمسها إلا بالتؤدة فهي "واسطة المعاملة بينها وبين الرعية فإن فنيت وهي لسان الحال فإن هيئتنا المدنية تكون خرساء لا تحسن النطق فضلًا عن البيان"5. فالصحف المشايعة للحكومة المصرية تغار على كرامة الحكم المصري فتجادل خصومة بشدة ولو كانت صحفًا مثلها كما أنها تأبى أن ينزل بدولتها عقاب قد يؤثر عليها فيما بعد فتدافع عن الأهرام وصداه وتذكر أن إقفالهما ساءها وتذكر المسئولين بفضل الصحف وضرورة الإبقاء عليها مع أن صدى الأهرام اتخذت موقف الخصم من الخديوي وحكومته ونقدت تصرفات ولي النعم فأصدرت الحكومة أمرها بإغلاق صدى الأهرام ولكن صاحب الأهرام لا يقر السلطات على ما فعلت ولا يطيع أمرها ويمضي في جريدته يشهر

_ 1 التجارة في 30 أبريل عام 1879م. 2 محفوظات وزارة الداخلية 11 - 2 - 946 جزء أول. 3 أغلق "صدى الأهرام" لمقالة شديدة نشرها في 10 صفر عام 1296هـ. 4 التجارة في 2 مايو عام 1879م. 5 التجارة في 3 مايو عام 1879م.

بالخديوي ويصفه بأقبح الأوصاف ويعلن بأنه صرف مائة ألف جنيه من دم الفلاح، فإذا قبض على صاحبه وأغلقت الصحيفة تدخلت القنصلية الفرنسية وكتبت في هذا الشأن خطابًا للخديوي إسماعيل1. ثم تدخل توفيق ولي العهد، وكان شفيعًا لصاحبي الأهرام، فأجازت الحكومة بعد لأن يعوض سليم عما فاته فتأمر بمنحه ترخيصًا لصحيفة جديدة هي جريدة "الوقت" اليومية السياسية وهي لا تختلف في شكلها وموضوعها عن أخوتها السابقات2، ولم تكن الأهرام وصحفها وحدها موضع المؤاخذة من الحكومة المصرية بل كانت لها زميلات من أهمها صحيفة الوطن، وللوطن في تلك الأثناء موقف يدهش له المؤرخ، حقًّا إنها لم تكن في يوم من الأيام خصمًا لرياض باشا ذاته وإن حملت على الحكومة التي كان عضوًا فيها ووقفت منها موقف المعارضة الصريحة فكثيرًا ما قرأنا مديحها لرياض باشا في أثناء وجوده في الحكومة السابقة مع مقال في نفس العدد ضد تلك الحكومة3. والوطن على قدر مقالاتها الوطنية في حقوق الشعب واستقلال مصر نراها تدعو إلى صرف الجيش لخدمة الزراعة ثم تطمئن الجماهير بأنه "إذا أم مصر أحد بسوء دافعت عنها انكلترا وفرنسا فإنها تعتبر تحت حمايتهما"4. وهذا اتجاه لا يستقيم مع منطق الكفاح الذي كافحته، ثم تغير رسالتها الصحفية دون أن تكشف قناعها كشفًا يستوجب مؤآخذتها أو تعارض معارضة صريحة تبين مرماها واتجاهها الحديدين فلا تنشر مقالًا من قلم أصحابها بل تزحم معظم صفحاتها بما نشرته الصحف الخارجية في الوزارة الجديدة وخديوي مصر،

_ 1 44/ 4 Dossier N محفوظات عابدين. 2 محفوظات وزارة الداخلية 11 - 2 - 946 جزء أول. 3 كتب توفيق حبيب مقالًا في مجلة سركيس ذكر فيه أن الوطن كانت لسان حال رياض باشا "راجع محفوظات وزارة الداخلية دوسيه رقم 4 مكرر) والواقع أنها لم تكن لسان حاله؛ لأن المثل التي دافعت عنها لا يهضمها رياض. 4 الوطن 8 مارس 19 أبريل عام 1879.

وهي أقوال بذيئة جارحة لولي الأمر ومثبطة للعزائم الوطنية، وفطنت إدارة المطبوعات إلى قصدها فوجهت إليها إنذارًا على "نشر أخبار غير صحيحة دون أن يراعي فيها الحال والزمان ... فإن الاستمرار على هذا السير في هذا الأوان مما يكدر الخواطر ويشوش الأذهان ولا يترتب عليه منفعة لأهل الوطن كما هو الغرض الأصلي بل ينتج منه ضرر بين يسبب تعلق الأفكار بما لا يغني"1. وليست الصحف العربية وحدها التي اضطرب موقفها هذا الاضطراب فانقسمت أحزابًا بل بينها صحف فرنجية كانت في أكثرها خصمًا للخديوي وحكومته الجديدة وفي مقدمة هذه الصحف الأجنبية في جريدة لاريفورم " Lo Reforme" فقد دأبت على تسفيه الرأي العام المصري ورواية الأخبار الكاذبة عنه وتشويه حركاته السياسية السليمة فادعت أن بعض الذوات قد أمضى اللائحة الوطنية مقابل أربعة آلاف جنيه على سبيل الرشوة، وأن غيرهم من النواب ذهبوا إلى القنصل الإنجليزي يؤكدون له بعدهم عن هذه الحركة وأن كثيرين من سراة الأقاليم وعيون مصر أبوا التوقيع على هذه اللائحة مخافة أن يعود إلى مصر استبداد إسماعيل. وردت عليها "التجارة" ردًّا حازمًا فكذبت كل ما جاء في مقال لاريفورم وحملت عليها حملة شعواء2، ومن غريب المصادفات أن تكون مكاتبات القناصل لوزراء خارجيتهم متفقة مع المعاني التي أعلنتها الصحف الأجنبية في مصر، فنجد قول قنصل إنجلترا عن جبي الضرائب بالسوط وإسراف المديرين الذين فصلهم ولسن في جبيها واقتراض الفلاحين لتسديدها نجد هذه المعاني منشورة في تلك الصحف. وتكاد جريدة "التجارة" أن تقف وحدها في الميدان الوطني تقارع خصوم الوطن من الأجانب والمصريين ومن صحف الأجانب والمصريين أيضًا،

_ 1 الوطن 8 مارس و19 أبريل عام 1879م. 2 التجارة في 10 أبريل عام 1879م. 3 الكتب الزرقاء، وثيقة 156، مايو 1879م.

تكاد تكون وحدها؛ لأن زميلتها جريدة "مصر" هلكت في مقام الجهاد1، في سنة 1879 ولم نصادف جهادها لافتقارنا إلى أعدداها الضائعة، ولم يشاركها في الدفاع عن حقوق البلاد إلا قليل من الصحف في مقدمتها صحيفة "مرآة الشرق" التي دافعت عن مصر "حتى انتبه أهلها من رقدة الغفلة ونشطوا لإنقاذها من التهلكة متوافقين في الرأي متواثقين على الثبات معتمدين على الحقوق الوطنية والإنسانية"2. وإذا كانت الصحف المصرية في عمومها قد اعتنت بالنواحي السياسية التي شغلت خاصة المصريين من السراة والأعيان وأعضاء المجالس النيابية كتفاصيل الانتخاب ولمن يكون الحق فيه من المصريين والشرقيين المقيمين في مصر3 أو الاختلاف على لائحة المسيو تريكو التي تعارض اللائحة الوطنية4 أو تفاصيل المسألة المالية التي ناقشها مناقشة العليم الخبير بأصول المال ومشاكله5. نقول: إذا كانت الصحف اهتمت بهذه المشاكل المختلفة فإن "مرآة الشرق" كان لها اتجاه يختلف بعض الاختلاف عن هذه الصحف فقد عالجت "مرآة الشرق" المسائل الاجتماعية والسياسية في الخارج فناقشت المذاهب السياسية في روسيا "كالسوسيالست والنهيلست أي حزب المساواة والكومون أي الإباحيين"6 ثم تفصل أساليبهم وأغراضهم في أكثر من مقال، ثم تعقب على ذلك بأن ظهور مثل مذهب الكومون مرجعه ظلم الراعي للرعية، وتحمل على قيصر روسيا الظالم المستبد ثم تحمد للحكومة المصرية أنها قررت الشورى للبلاد "فجعلتنا آمنين شر الفتن والفاتنين".

_ 1 مصر في 7 ديسمبر 1881. 2 مرآة الشرق 7 مايو عام 1879م. 3 التجارة 9 يونيو عام 1879م. 4 التجارة 6 يونيو عام 1879م. 5 الوطن 10 أبريل عام 1879م. 6 مرآة الشرق 5 مايو عام 1879م.

وتتجه في معارضتها اتجاه اقتصاديًّا وهو غريب جدًّا في ذلك الزمن، هي لا يعنيها أمر البرلمان ولا تفاصيل الانتخاب بقدر ما يعنيها أمراؤها الذين "في غفلة لا يرفعون رءوسهم عن وسائد الغرور ولا يقصرون عن تشييد القصور ولا يفيقون من سكر اللهو ونحو آلة بيد غيرنا يستعملها لمنافعه الخاصة كأن لم يكن صانع العالم قد منحنا استقلال الوجود" ثم تعاتب الإنجليز على موقفهم من مصر ولا تفوت الحملة على الفرنسيين معهم، ثم يربط محررها إبراهيم اللقاني فساد الحال في مصر بفساد "أخلاق الأمراء وولاة الأمور وجهلهم بواجباتهم وسوء تدبيرهم واختلال إدارتهم، لا يعرفون شرعًا ولا يرضون قانونًا ولا يسمعون رأيًّا ولا يقبلون نصحًا بل تعدوا الحدود وانتهكوا المحارم وثلموا الأعراض وحاربوا العدل وقاوموا الإنصاف فطغوا وبغو ونهبوا وسلبوا وفتكوا وهتكوا حبًّا في أغراضهم وكرامة لشهواتهم". ثم يواجه الرأي العام بأهم ما ينبغي أن يلتفت إليه الرأي العام في ذلك الوقت قائلًا: "إنهم شادوا القصور وغرسوا البساتين واقتنوا الحور والولدان، وتأنقوا في المآكل وتفننوا في المشارب، وزينوا الملابس وسحبوا مطارف العجب والخيلاء وأفراد الرعية على مرأى منهم حفاة عراة يتضورون جوعًا ويتلظون ظمًا ويموتون بردًا"1. اشتغلت الحكومة الشريفية بوضع دستور "على أحدث المبادئ العصرية" وإن لم توات ظروف إسماعيل إعلانه والعمل به2 كما عنيت الحكومة بالحالة المالية وتسديد ديونها وأصدرت المراسيم في أبريل لتكفل طمأنينة الأوربيين على أموالهم، ولكن ذلك كله لم يرضهم فطلبت الحكومتان الإنجليزية والفرنسية

_ 1 مرآة الشرق 28 أبريل وأول مايو عام 1879م. 2 الأهرام في 13 يونيه عام 1879م.

عودة الوزيرين الأجنبيين إلى الوزارة، فرفض الخديوي ذلك وأحس الدائنون أن هناك خطرًا على أموالهم في مصر ما بقي الخديوي على رأس الدولة يشجع بذكائه وقوة إرادته الحركة الوطنية وصحافتها على مناضلة خصوم مصر في الأجانب والمصريين جميعًا. وارتبط هذا النشاط الوطني بدفاع الصحافة عن حقوق مجلس النواب عند نظر الميزانية، وأبى بعض الصحف الفرنجية إلى الحملة على الخديو وحكومته، ولم تبد تركيا أي ميل لمعاضدة إسماعيل أو تشجيع الحركة الدستورية في مصر، وقد تجمعت كتلة من العيون والعلماء ورجال السياسة وراء إسماعيل تنصره في موقفه أمام الأوربيين، ولم تكن الصحف تؤآزره هو ذاته بل إن بعضها كمرآة الشرق دأبت على التعريض بأمراء الأسرة وحكام الأقاليم الذين عينهم إسماعيل؛ ذلك لأن الصحافة كانت تمقتهم، فقد اعتبرتهم علة شقاء مصر وبلائها وتحدثت في ذلك حديثًا مستفيضًا لما تم عزل الخديو في 26 يونيه سنة 1879. فأما "الوطن" فقد حمدت الله على عزل الخديو ونفيه وذكرت في 5 يوليه أن الله "جلى عن الأمة الظلم والظلمة والغمة فشكرًا لله على تأديبه لعبادة ثم لطفه بهم وإزاحته للكروب عن قلوبهم" ثم تتحدث عن رحيل الخديوي وتعقب قائلة: "إن ألد أعداء هذا القطر هم الذين ألغوا لائحة ولسن وسعوا في عزله وعزل المسيو دي بلنيار بل في عزل الوزراء الوطنين أصحاب الرأي الناجح والعقل الراجح". ثم تحمل على الأعيان والنواب الذين سنوا لائحة وطنية تغاير لائحة ولسن، تصور المصريين وهي في الحق تصور نفسها حين تزعم أنهم "ودوا أن يتخلصوا من هذا الرياق ويفك عنهم هذا الخناق غير أن نهض للحزب الوطني حسب وهمه أن يخلص البلاد من الظلم والتهلكة" ثم تتهم هؤلاء الوطنيين بأنهم "شرذمة قليلة من الناس" وأخيرًا تحمل على مجلس النواب الذي أيد اللائحة

الوطنية فكانت نتيجة تأييده عزل الخديوي وتعلق على ذلك فرحة "نعم إنها نتيجة حسنة إلا أنها رمية من غير رام". وتنشر "مرآة الشرق" في 30 يونيه مقالًا رائع اللفظ والمعنى معًا تؤرخ به عهد إسماعيل، فهي تذكر ملكه الزاهر وبدايته الحسنة في تنوير الأذهان وخدمة البلاد، ولكنه أساء اختيار الرجال فوظف لحكومته "الأمين والخائن ووغل عليه الصادق والمائن فبادروا الزرع قبل إبّانه والثمرة قبل نضجها" ثم يذكر المحرر آثار هذا الفساد الذي أخذ عليه نظامه جميعًا وخاصة في المسائل المالية "فكان كلما تخلص من ناب ذئب وقع في مخلاب أسد، فانتهى أمره بانصداع العزمة واشتداد الأزمة" ثم يعود إلى معاونيه ورجاله مرة أخرى "ممن قدمته الصدف وأعلته الاتفاقات وهو على خشونة البداوة وقسوة الوحشية لا يرعى للقوانين حرمة ولا للعهود ذمة" ثم يفصل دور هؤلاء في تسليم البلاد للأجانب "حتى كاد يتم لهم الدست لولا بقية حمية في نفوس المتبصرين من أبناء البلاد". ثم يعطف على توفيق الخديوي الجديد ويرجو أن تكون بطانته خيرًا من بطانة أبيه وأن يطرد الذئاب من الدولة ثم يلفت نظره إلى الإصلاح وفي مقدمته "نشر علم الحرية في الأفكار والأقوال والأعمال" ثم تتوجه إلى الدول فتثني على فرنسا التي كان لها دخل في خلع الخديوي وحالت دون استبداد انجلترا بمصر "تلك الدولة الشرهة النهمة ذات المحبة الذاتية المفرطة". أما جريدة "التجارة" فتودع إسماعيل في آخر يونيه بغير إفراط في ذمه وإنما ترجو الله أن يعاد البناء العظيم "على أساس الشورى وقواعد الحق ودعائم الحرية" وقد ساءتها سخرية الوطن من الحزب الوطني ومن رئيس النظار شريف باشا فإذا تعطلت بعض الصحف بأمر من الحكومة الشريفية لم تواسها كما صنعت من قبل بل نشرت خبر تعطيلها في مكان ظاهر منها وعلقت الخبر قائلة: إن ذلك التعطيل "أحدث عند الفئة الوطنية سرورًا

زائدًا" ثم ذكرت في خلال سطورها أنها صحف لا تؤازر المخلصين في سياستهم1. اهتمت الصحف الشعبية بالشئون السياسية اهتمامًا شغل معظم صفحاتها منذ الحرب الروسية التركية، ويظهر تاريخها بين هذه الفترة وبين خلع الخديو إسماعيل في نشاطها السياسي وهو نشاط يستطيع مؤرخ مصر الحديثة أن يرجع إليه ويستقصي منه أحداث البلاد وهو مطمئن إلى صدق الرواية وسلامة التصوير بعد تمحيص غير عسير، ثم خرجت الصحافة الشعبية من انزوائها بعد الحرب الروسية التركية تتحدث عن حياة الشعوب والجماعات في أوربا والشرق حديث الناقل عن صحف الغرب الباحث في أمهات الكتب والمراجع بين حين وحين، وأظهر من حمل القلم في هذا الميدان أصحاب الوطن والأهرام ثم الأفغاني وتلامذته في جرائد مصر والتجارة ومرآة الشرق وخاصة عن الشئون الشرقية التي تخصصت لها الصحيفة الأخيرة في الخبر والموضوع. وإذا كانت السياسة قد استغرقت هذه الصحافة وشغلتها بالمسائل القانونية والفقه الدستوري فليس معنى هذا أن المسائل الاقتصادية كانت غفلا من الرعاية أو العناية، فإن الكتاب لم ينشئوا البحوث والمقالات في الأزمة المالية أو شئون الدين فحسب بل فكروا يومًا من الأيام في الشئون الاقتصادية العليا فقد رأينا فكرة المصارف فكرة رسمية أرادها محمد علي وبقيت منذ عهده حديثًا رسميًّا لا دخل للشعب فيه، بينما يظهر في عهد إسماعيل من يفكر في إنشاء مصرف وطني فتصبح الفكرة فكرة شعبية2 كان يرجى من ورائها لا سد الديون وفوائدها فقط بل خلق دعامة شعبية اقتصادية تسند حرية مصر واستقلالها، والصحف أول من نادي بها وألح فيها.

_ 1 التجارة 7 يوليو عام 1879م. 2 التجارة في 5 و17 أبريل عام 1879م.

ولا يقف فضل الصحافة الشعبية عند هذا الحد، فهي تدعو إلى تعليم الشعب وإنشاء الجمعيات الخيرية لتحقيق هذا الغرض، وتفتح صدرها لأخبار هذه المدارس الشعبية والجمعيات الخيرية وتتحدث عنها تصف حفلاتها وتقدم للجمهور بالثناء رجالها، وتمجد جماعة مصر الفتاة وهي جماعة تكونت في نهاية عصر إسماعيل للنهضة بشئون التعليم ففتحت المدارس الليلية وتطوع شبابها لتعليم الجماهير1. وتلاحظ الصحف الشعبية الشئون الداخلية الصغيرة فلا تغفل حادث عمدة أو مأمور يتبين لها أنه لم يؤد وظيفته أداءً حسنًا وتشير على الحكومة بجزائه وعقابه ثم تلفت نظرها إذا تداعت قنطرة أو غرقت أرض زراعية حتى تقوم الحكومة برأب الصدع وسد المياه وتعويض أصحاب الأراضي الغارقة2. ويتولى مكاتبوها في المدن والأقاليم موافاتها بمثل هذه الأنباء برقًا وبريدًا، وبذلك أصبحت الصحافة الشعبية رقيبة على الحوادث الصغيرة كرقابتها على الحوادث الكبيرة، وقد خصصت هذه الصحف جزء منها لنشر بعض القصص المترجمة عن الكتب الأدبية الفرنجية أو نشر الكتب التاريخية ككتاب الجبرتي أو بعض الرسائل اللطيفة، وهي في ذلك تقلد الصحف الفرنجية في مصر كما أنها حفلت بالموضوعات الاجتماعية والعلمية والطبية3 والمقالات التاريخية وغيرها في علمي النفس والمنطق4 وقد جادل بعضها بعضًا في هذه المسائل العلمية. ومن أجمل ما حفل به تاريخ هذه الصحافة أنها كانت بعيدة أشد البعد عن التعصب الديني ولم تبحث يومًا في موضوع يثير هذه الناحية التي تبرأت منها القضية المصرية في ذلك الوقت، وكان المصريين يشعرون بجانب هذه

_ 1 التجارة في 3 أبريل عام 1879 (تقلًا عن مرآة الشرق). 2 الوطن 26 أكتوبر عام 1879م. 3 الوطن 21 نوفمبر عام 1877م. 4 الوطن 19 أكتوبر عام 1878.

الصفحة الطبية أن الزعامة الصحفية لم تكن لهم؛ لأن محرري هذه الصحف وأصحابها في أكثرهم غير مصريين وهذا في الواقع مصدر من مصادر التصدع في الوحدة الصحفية المصرية، وكذلك كانت بعض الصحف المصرية أو المتمصرة تعتمد في حياتها على القنصلية الإيطالية أو الفرنسية أو الروسية، ومن هنا ظهر هذا الخلاف العميق بين هذه الصحف على مسائل مصر العليا وهي من الوضوح بحيث كانت تستلزم وحدة الغرض والاتجاه ووحدة الميول والآراء، وهكذا أصبح جزء من الصحف يعيش مطمئنًا إلى قوة تحميه من بطش الحكومة وأصبح جزء آخر ضحية للسلطات المصرية وقانون المطبوعات لا تحميه سلطة من السلطات التي دافعت وحمت غيره من سلطان العسف والاضطهاد. وللصحف الشعبية فضل عظيم على نشر المطابع الحرة، فقد أسس عبد الله أبو السعود أفندي مطبعة وادي النيل بحروف شديدة بحروف مطبعة بولاق ثم عاد فأعاد لها قاعدة جديدة تميزت بها1 وأنشأ صاحبا الأهرام مطبعة سنة 1875 بقيت تكبر على الزمن حتى أصبحت من أكبر مطابع مصر والشرق جميعًا، وكذلك أنشأ كاستيلي مطبعة لجريدة "الكوكب المصري" وساعد الأفغاني أديب إسحاق في تأسيس مطبعة مصر لينشر جريدته، وهيأ له فيها حروفًا من حروف المطبعة الأميرية2 ولانتشار المطابع من الأثر ما لا يمكن أن ينكر فضله في تثقيف الأمم والشعوب.

_ 1 الهلال، ج1، السنة التاسعة، في أول مارس عام 1901، ص320. 2 الأستاذ الإمام، ج1، ص44 - 45.

الصحافة خلال الثورة العرابية

الصحافة خلال الثورة العرابية: عزل إسماعيل وبقيت آثاره كلها، فالحكومة الشريفية قائمة بالحكم بعد تولية توفيق والأزمة المالية على ما هي عليه من الشدة والعنف والناس حيارى في أمر معاشهم مذهولون لقدرة الأجانب على خلع خديوهم، والصحافة تتولى وظيفتها فتشيع الخديو المعزول تشييعًا قاتمًا وتستقبل الخديو الجديد أحسن استقبال فتذكر للمصريين أن نفوسهم ستطيب وأن عيونهم ستقر وأنهم سيتخلصون "بذلك الطالع السعيد من شرك الاستبداد وربقة الاستعباد" وأن الوطن "سيسلم من المصائب التي حاقت به من فساد الرأي وسوء التدبير وطاعة الأغراض والشهوات، وينجو من شر فئة ألفت النفاق والتدليس وعودت التملق والتلبيس وطبعت على الخسة والدناءة وسعت في بيع الوطن بأبخس الأثمان"1. ثم تحوط الصحف الخديوي الجديد على اختلاف نزعاتها وميولها برعاية لم يظفر بمثلها أبوه في أدق مواقفه، بيد أن هذه الرعاية يميلها الحس الصحفي الناضج العارف بواجباته الوطنية؛ فقد راوغ السلطان في إصدار فرمان التولية للخديوي توفيق فهبت الوطن بنزعتها المعتدلة ومرآة الشرق بتطرفها المعهود تدعوان معًا إلى صدور الفرمان، وتشكو معهما الصحف الأخرى هذا الإهمال الذي يبديه السلطان نحو مصر التي أدت له خدمات "تفوق طاقتها" وأن هذا الإهمال لقمين بأن يسيء إلى علاقات البلدين "ويوهن من ارتباطهما" ويهيئ سببًا للتدخل الأجنبي لا في شئون مصر وحدها بل في شئون تركيا أيضًا وهو يفتح بابًا ترجو أن يوصد فلا يضطر أمراء مصر إلى الاستنجاد بالأجانب لتقرير حقوقهم وحقوق بلادهم، ثم تطلب في حزم أن يصدر الفرمان مقررًا جميع الحقوق التي اكتسبتها مصر بفرمانات سابقة2.

_ 1 مرآة الشرق، في 26 يونيه عام 1879م. 2 مرآة الشرق 23 يوليو عام 1879م.

وفي هذه الأوقات من تاريخ مصر العصيب يقف الصحفيون أقلامهم لتأكيد حقوقها كما رأينا ويشدون أزر الوطنيين المتطرفين سواء في المسائل الدستورية الداخلية أو المسائل المالية والخارجية، وتشرع صحيفتا الأهرام والوقت في معارضتهما القديمة للوزارة الشريفية، وترى حكومة شريف في آخر الأمر أن تقضي عليهما فتأمر بإغلاقهما، ولكن بعض القناصل يتوسط في أمرهما كما تقول "التجارة" ثم تعلق على خبر التعطيل والوساطة في أمرهما، بأنه موقف موجب للأسف؛ لأن صدور الأمر بإغلاق الجريدتين ليس عملًا قانونيًّا، ثم إن سرعة نقض الحكم وحل العقد ونهي الأمر على هذه الصورة غريب حقًّا. ومجمل القول: إن وفاقًا عميقًا قد حدث بين الخديو الجديد وحكومته والصحافة المتطرفة، وكانت الصحف من ناحيتها أكثر حماية لهذا الوفاق إذ تصف الخديوي بالقداسة وحكومته وأنصارها بالوطنية ثم هي تنزه ولي الأمر عن الجنسية التركية وتعتبر ذلك شيئًا يمسه في كرامته، وهو اتجاه جديد لم نشهده في الصحافة إذا تحدثت عن الأمراء والخديويين. وقد كان حظ الجرائد الفرنجية في مصر من هذه الحملات الصحفية الشديدة ملحوظًا، فلم تَفُتْ الصحافة الوطنية المتطرفة لجريدة أجنبية فرصة التشهير بالإدارة المصرية بل ردتها وعالجت أمرها بعنف وقوة نادرين1 كما أبرزت شهادة الصحف الأجنبية المعتدلة في الوطنيين المصريين كجريدة لاريفورم La Reforme المعروفة بانحرافها عن الحزب الوطني وتحمد لها شهادتها الطبية وتقارن بينها وبين زميلاتها الأجنبيات، فرنجيات وعربيات2. على هذا النهج واصلت الصحافة كفاحها دون تراخ في الدفاع

_ 1 مرآة الشرق في 7 يوليو عام 1879م. 2 التجارة في 17 يوليو عام 1879م.

عن مصر وحقوقها منذ نهاية عهد إسماعيل، غير أن الوفاق بينها وبين الوطنيين من ناحية وبين الخديوي توفيق من ناحية أخرى لم يطل أمره، ذلك لأن الخديوي قد أصبح مدينًا بكيانه الرسمي إلى انجلترا وفرنسا، فهو حريص على ودهما موات لقنصليهما في مصر، والقنصلان في خصومة مع الوزارة الشريفية، فلا غرو إن أبى الإصلاحات الدستورية التي رآها شريف باشا، واضطر ناظر النظار إلى الاستقالة1. تولى الخديوي رياسة الحكومة بنفسه وألغى مجلس النظار وأعاد الرقابة الثنائية في 6 ديسمبر عام 1879 2 ثم رأى أن يقيد حركة الفكر فبدأ بطرد الأفغاني من مصر -وكان صديقين من قبل- ولكن الطرد جاء بإيعاز من قنصل إنجلترا3 ثم ألزمت الصحف جميعًا نشر خبر نفيه وادعت الحكومة "أن هناك جمعية سرية من الشبان ذوي البطش مجمعة على فساد الدين والدنيا المضر بالبرية ورئيسها شخص يدعو بجمال الدين الأفغاني؛ ثم ذكرت له أقبح الأوصاف "فأبعدت ذلك الشخص المفسد من الديار المصرية بأمر ديوان الداخلية ووجهته من طريق السويس إلى الأقطار الحجازية لإزالة هذا الفساد من البلاد"4. ولم يحتج أحد على نفي الأفغاني هو زعيم له مقامه المقدور عند خاصة مصر ومفكريها، وكان حظه من إهمال الخاصة كحظ شريف باشا الذي استقال من أجل الدستور والحريات العامة فلم يثر من أجله أحد، وقد نشرت الصحف جميعًا أمر الداخلية بنفي الأفغاني إلا واحدة5 هي مرآة الشرق وهي دون

_ 1 بلنت: التاريخ السري لاحتلال انجلترا مصر، ترجمة البلاغ، ص96. 2 الوقائع المصرية في 14و 24 أغسطس 1879م. 3 تاريخ الأستاذ الإمام، ج1، ص78. 4 التجارة في 2 سبتمبر عام 1879م. 5 الأستاذ الإمام، ج1، ص187.

الصحف جميعًا قد خلت من خبر النفي، وهي الصحيفة التي ذكرت الرجل أحسن الذكر وأشارت إليه صراحة وضمنا، فأمر بتعطيلها خمسة أشهر "لأنها اعتادت الدخول فيما لا يعنيها ونشرت مطالعات سخيفة مخترعة من تلقاء نفسها خرجت فيها عن حدود وظائفها"1 وهي الصحيفة الوحيدة التي عطلت عقب نفي الأفغاني وإن أنذرت معها جريدة التجارة. لم تطل رياسة الخديوي لمجلس النظار إذ عهد بالنظارة إلى رياض باشا في 21 سبتمبر "1879"2 وكان رياض يرى الحكم البيروقراطي أحسن أداة لإنقاذ مصر في ذلك الوقت، وخصومته للتطرف في الرأي معروفة، ومن عيوبه الظاهرة أنه كان أكثر حكام مصر طاعة للقناصل، وهي طاعة جشمته المصاعب والأخطار3 وإلى رياض ينسب عهد إرهاب الصحافة، ويتصل هذا الإرهاب بنظام الرقابة الثنائية وهو نظام يجعل للرقيبين من السلطان على شئون الدولة ما يشل سلطة النظارة في جميع المرافق العامة غير الشئون المالية التي تخصص لها، ويكفي ألا يكون للخديوي حق عزلهما إلا بموافقة دولتيهما لنتبين خطر الرقيبين في حياة مصر جميعًا4. وقد ساء الصحافة المصرية أن يخنع الخديوي ورياض باشا هذا الخنوع المشين -في رأيها- لدولتي انجلترا وفرنسا، وكان جريدة "مصر الفتاة" أول الصحف التي استهدفت للإرهاب وراحت ضحيته وهي لسان حزب بدأ يولد وحكم إسماعيل في الرمق الأخير، وهو يتكون من بعض اليهود كما يقول الشيخ محمد عبده5 بيد أنه كان من العناصر المعارضة التي احتفت بها جريدة "مرآة الشرق" وآمنت بمبادئها الجديدة ودعت لها بالتوفيق يوم

_ 1 الوقائع المصرية 7 سبتمبر عام 1879م. 2 الوقائع المصرية 25 سبتمبر عام 1879م. 3 بلنت: التاريخ السري، ص97. 4 الرافعي: الثورة العرابية، ص41. 5 تاريخ الأستاذ الإمام ج1، ص75.

عزل إسماعيل1 واهتمت الصحف الأوربية بهذا الحزب وتحدثت عنه حديث البرم به الساخط عليه، وأهمها جريدة "التيمس" فذكرت أنه تقليد لحزب تركيا الفتاة وأنه جعل مبادئه صورة مطابقة لمبادئ الثورة الفرنسية من الحرية والإخاء والمساواة، وأن معظم أعضائه من أبناء الإسرئيليين الشرقيين الذين تمولوا في مصر وصاروا من كبار الأغنياء2. وكانت الخصومة بين جريدة "مصر الفتاة"3 وبين "الوطن" خصومة مؤذية إن صح هذه التعبير، فقد عجزت الوطن عن مجادلتها فكفت عن ذلك وأعلنت أنها في قصور إذا كان الميدان الشتم والسباب4، وكانت جريدة مصر الفتاة أول الصحف التي ثارث على توسيع اختصاصات الرقيبين فأنذرت لحملتها على الحكومة بهذه المناسبة5 ثم رأت الحكومة في نفس اليوم وبإيعاز من الرقيبين أن الإنذار عقاب هين لا يليق بجرم الحملة التي قادتها الجريدة فصدر الأمر بتعطيلها تعطيلًا نهائيًا "لشرها مقالات وأخبارًا عدتها الحكومة مهيجة للخواطر والأفكار"6. وعوقب أديب إسحاق عقابًا شديدًا لحملته الصحفية على الأجانب وعلى الرقيبين والحكومة المصرية معهما، وإصراره العنيف على ألا يتهاون في هذه الحملة، فعطلت جريدتاه "مصر" و"التجارة" بعد أن أنذرتا، وقالت الحكومة في قرار التعطيل "حيث سبق صدور الإنذارات مرارًا عديدة

_ 1 مرآة الشرق 26 يونيو عام 1879م. 2 الوطن في 27سبتمبر عام 1879م. 3 من شعارها "البحث عن حقوق كل إنسان فاكر" ومصر للمصريين. وكانت تصدر باللغتين العربية والفرنسية ومن محرريها أديب إسحاق وقد أقامت الدعوى على الحكومة أمام المحكمة المختلطة بعد أن أغلقها رياض باش "راجع طرازي، ج3، ص57". 4 الوطن 11 أكتوبر عام 1879م. 5 لومونيتور إجبسيان 17 نوفمبر عام 1878م. 6 الوقائع المصرية 17 نوفمبر 1879.

وتنبهات شفاهية من إدارة المطبوعات إلى أصحاب امتياز الجرائد الأهلية عمومًا وإلى صاحب امتياز جريدتي مصر والتجارة خصوصًا بعدم خروجهم عن حدود وظائفهم ولا ينشرون ما يوجب تشويش الأفكار، صدر له آخر إنذار بأنه إذا رجع لمثل ذلك فتلغي جريدتاه بالكلية وحيث إنه بعد هذا الإنذار لم يترك مسلكه الأول لما نشره في جريدة "التجارة" نمرة 123 الصريح في أنه لا يرجع عما هو مصر عليه وحيث أن ما اعتادت على نشره هاتان الجريدتان ضرره أكثر من نفعه اقتضى الحال صدور الأمر من إدارة المطبوعات بإلغائهما مؤبدًا ... "1. ثم مضت الحكومة الرياضية في خطتها نحو الصحافة فعطلت جريدة "المحروسة"؛ وذلك لأنها تحدثت مرارًا عن الأجانب المقيمين في مصر وطالبت بفرض الضرائب عليهم ثم ذكرت أن إعفاءهم منها في عهد محمد علي أمر استوجبته الفائدة الحاصلة من وجودهم يومئذ ثم علقت على ذلك بقولها "ما من نظام أو قانون وضع في الدنيا وبقي نافذًا إلى الأبد فما كان ملائمًا على عهد محمد علي باشا صار في هذا الزمان غير ملائم2" وبهذه وبغيرها من المقالات العنيفة أتاحت للحكومة فرصة تعطيلها خمسة عشر يومًا3. وعكفت الحكومة على الصحف الأجنبية في مصر فرأت بعضها يعطف على الأماني القومية فأنذرتها ثم عطلتها نهائيًّا كجريدة لاريفورم La Reforme وأغلقت مطبعتها بحجة أنها تنشر مقالات مثيرة للأفكار، وكذلك أنذرت جريدة "لوفارد السكندري4 Le Phare d Aexandrie" ثم أصدرت أمرها بحظر دخول جرائد النحلة وأبي نظارة وأبي صفارة والقاهرة والشرق

_ 1 عن الوطن في 22 نوفمبر عام 1879م. 2 المحروسة 11 سبتمبر عام 1880م. 3 الوقائع المصرية في 28 ديسمبر عام 1879م. 4 لومونيتور إجبسيان في 26و27مايو 1880م.

إلى مصر1 وهي صحف مصرية كانت تصدر في الخارج. كانت سياسة رياض باشا في تناول أسلوب الحكم ومن أظهر أدواته الصحافة، نقطة التحول التي بدأت في أعقابها تأخذ الثورة العرابية طريقها إلى النضج والاستواء، فقد عجز الناقمون عن التعبير عما يخالج شعورهم بعد أن أغلقت صحفهم وكممت أفواه الباقيات منها، فكان طبيعيًّا أن يلتمسوا في السر ما عجزوا عنه في العلن فنشروا في نوفمبر أول بيان سياسي لهم حملوا فيه على مساوئ الحكم الخديوي وأسلوب رياض السياسي وضياع المصالح المصرية بين استبداد الحكومة وجشع الممولين الأجانب، وطبعوا هذا المنشور من عشرين ألف نسخة عجز رئيس الحكومة عن معرفة كاتبه أو ناشره2، ثم رأى هؤلاء الناقمون من الوطنيين كشريف باشا وسلطان باشا وغيرهما أن يعبروا عن رغباتهم في صحيفة مصرية تصدر في الخارج، فأوعزوا إلى أديب إسحاق أن يصدر صحيفته في باريس لتكون لسان حالهم على أن يتكفلوا هم بتوزيعها في مصر، وكانت الصحيفة شديدة اللهجة في معارضتها، وقد استطاع خصوم رياض باشا أن يوزعوها بالرغم من سلطان رئيس الحكومة وعيونه من رجال الإدارة3. لا يجوز لمؤرخ الصحافة المصرية في تلك الحقبة أن يسقط من حسابه حين يتحدث عن صحافتها التيارات المختلفة التي تفاعلت مع الصحافة وأنتجت حوادث الثورة العرابية وخلقت معها صحفًا أخرى هي أهم الصحف في هذا الفصل، وقد ذكرنا حادث الأفغاني ومشروع شريف باشا في وضع قانون أساسي لمجلس النواب، وشرحنا موقف مصر الفتاة والصحف المعارضة وما لقيت من العنت والإرهاب، وتحدثنا عن الرقيبين واختصاصاتهما الواسعة ويبدو أن رياضًا بعنفه والخديوي ببطانته والأجانب بمرابيهم تآزروا جميعًا على

_ 1 الوقائع المصرية في 28 ديسمبر عام 1879. 2 John Ninet: Arabi Pacha 37 3 المصدر السابق، ص48.

تهيئة الفرصة لإعلان التبرم بالحالة التي شهدتها مصر إذ ذاك، فقد شكا الضباط من استئثار الترك والأرناءود بالرتب والرواتب، وشكا الخاصة من استبداد الحكومة وانصرافها عن كل فكرة دستورية وتعطيلها مجلس شورى النواب زهاء سنتين، ثم سكت العامة من ضيق العيش والضرائب المرهقة. أجمعت الطبقات جميعًا على الشكوى واتخذ التبرم صورة عملية فثار الضباط "لتنزيل وزارة رياض باشا وجعل الحكومة دستورية"1 وطوحت الحوادث بحكومة رياض وعاد شريف باشا إلى رياسة النظارة بعد الثورة العسكرية المعروفة واستأمنه الجيش على حقوقه وأمنه الأعيان على طلباتهم وأهمها الدستور وأكد لهم شريف "أن تشكيل مجلس النواب هو الوسيلة الوحيدة لما نقصده من الإصلاح"2. هدأت الأمور بعد اضطراب وبدأت مصر تشعر بلون من الاستقرار في عهد الوزارة الشريفية وإن زها نجم الجيش وزعيمه أحمد عرابي، فقد كان هذا الجيش ممثلًا بحق لشعور المصريين جميعًا لأنه الطبقة الوحيدة بين هيئات الحكومة التي غلبت عليها مصريتها، غير أن الزعماء العسكريين تنحوا عن الميدان مؤقتًا يراقبون الإصلاح المنشود في حذر، واستقبل الأجانب العهد الجديد استقبالًا لا بأس به، ولم يحملوا على الجيش الذي "قوى ما في مصر من رأي عام" وأملوا في أن يقضي العهد الجديد على مساوئ الحكم التي تفشت في البلاد، وطلبوا الصبر والأناة من أصحاب الديون حتى تتم الحكومة الشريفية إصلاحاتها فتصبح حقيقة واقعة لا خرافة طالما تشدق بها دعاة الاستبداد3. وقد استقبلت الصحافة الوزارة الشريفية استقبالًا حسنًا جدًّا فقد جاءت

_ 1 العصر الجديد في 13 سبتمبر عام 1881 وهي إحدى صحف سليم حموى. 2 الوقائع المصرية في 17 و19سبتمبر عام 1881. 3 التيمس في 10 يناير عام 1882.

بعد أيام مظلمة من اضطهاد الرأي وكبت اليراع، ونفست عن نفسها في أسلوب حاد كانت حدته موجهة إلى الأجانب خاصة، فقد اعتبرت الصحافة أن الضيق الذي لحقها مصدره الأجانب ورقيباهما وقناصلهم، فحملت عليهم حملة قاسية ذكرها اللورد كرومر في كتابه قائلًا: "أخذت الصحف العربية في أثناء ذلك تستثير حفيظة الأهالي على الأوربين وأسلوبهم في الحكم وتحرك العصب الديني"1. أما الحملة على الأوربين فحقيقة تاريخية أحستها الشريفية فأخطرت الصحف بها ولفتت النظر إليها فذكرت أن "الجرنالات تعودت من مدة على الخوض في كلام يتعلق بالأجانب مع غاية الحدة وإظهار التأثر منهم والتغيظ بلا سبب ولا موجب، لا يراعون في كلامهم حالة البلاد المصرية وعلاقتها السياسية مع أنه لا يوجد في داخلية البلاد ولا في روابطها الخارجية ما يوجب اندفاع الجرائد المذكورة في هذا الطريق على وجه يوجب اضطراب الأفكار العمومية ويخدش الأذهان" ويبين الإخطار علاقة مصر بالسلطان وواجباتها نحوه، ثم يوضح حرص الحكومة على مصالح البلاد أمام الدول جميعًا، ثم تنذر الصحف "بأن لا تخرج في مقالاتها عن حد الاعتدال وألا تتعرض لشيء من الطعن والتنديد بأحد من معاهدينا لا على وجه العموم والخصوص"2. فمهاجمة الأجانب إذن حقيقة تاريخية أقرها إنذار الحكومة للصحف، أما التعصب الديني الذي يذكره كرومر فتنكره مواقف الصحافة الوطنية خلال الثورة جميعًا، حتى إن إحداها ذكرت أنه لا يعنيها أن يكون على رأس الحكومة مسلم أو مسيحي وإنما يرضيها أيهما إذا جعل مصالح الوطن فوق كل اعتبار، وهي تسخف سقم تفكير السابقين في تعصبهم للدين "ولكننا أبناء هذا الجيل يعار علينا أن نسلك ذلك المنهج ونجعل الاختلاف في المشرب والتباين في العقيدة علة لعداوة مواطنينا الذين ليسوا على شاكلتنا في الدين

_ 1 كرومر، ج1، ص211. 2 مصر للمصريين، ج4، ص207.

مع كونهم مشاركون لنا في الجنسية والوطنية، ثم إذا بقي شيء من أدران الأقدمين في نفوس العامة فعلى النبهاء الذي تنورت أفكارهم وعلموا أن ما أصاب الأقدمين من الضعف وما لحقهم من الشر مسبب عن تعصبهم للذين أن يدعوا الناس إلى ترك هذا التنابذ الذي لا خير فيه"1. ويؤكد وجهة نظرنا في براءة الصحف من التعصب الديني أن إنذار إدارة المطبوعات لها لم يشر إلى هذا التعصب في كثير أو قليل، غير أن الحكومة أرادت وقف الحملة مهما يكلف الثمن وهي سليمة الطوية تتميز بسمة شعبيتها، وقد أصاخت لها معظم الصحف إلا جريدة "الحجاز" وهي صحيفة حديثة العهد بالحياة، فقد أنشئت سنة 1881 لصاحبها السيد سراج إبراهيم المدني، إذا استمر صاحبها في حملته على الأجانب "حيث كان يطعن في الدول الأجنبية طعنًا غير أدبي ويسقط عند الكلام في شأنها بما لا يليق وكثيرًا ما طلبناه ونبهنا عليه وشددنا في الأمر وحذرناه من الرجوع إلى مثل ذلك، فلم يرتدع ولم ينزجر ثم خالف المنشور العمومي الذي بعث به إليه وإلى جميع أصحاب الجرائد العربية إلى أن أتى في عدده الأخير بأزيد مما حذرناه منه مرارًا، فمن أجل هذا صدر قرار مجلس النظار بإلغاء جريدته لغوًا مؤبدًا"2. والحكومة إذا حزمت أمرها في تهدئة الحالة بإغلاق الصحف المتطرفة وهي كما نعلم حكومة شعبية قد تؤاخ على مصادرة حرية الرأي بيد أنه حريصة على مصلحة مصر وإن أدى ذلك إلى تعطيل قليل من الصحف، وهي كذلك تأبى على الصحف الأجنبية في مصر أن تسيء إلى المصريين ومشاعرهم الدينية، فقد نشرت جريدة "ليجبت L Egypte في 2 أكتوبر سنة 1881 مقالًا عرضت فيه بالنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، فهاجت لذلك الصحافة المصرية ولفتت النظر إلى هذا المقال فصدر الأمر بتعطيلها3.

_ 1 المفيد 24 أكتوبر عام 1881. 2 الوقائع المصرية 8 نوفمبر عام 1881. 3 الوقائع المصرية 29 نوفمبر عام 1881.

وحاول صاحبها أن يحتمي بالقنصلية الفرنسية غير أن حزم الحكومة حال دون هذا التدخل1 وذكرت المحروسة في ابتهاج شديد نبأ إغلاق جريدة "ليجبت" وموقف الحكومة المشرف من القنصل الفرنسي الذي نصح لصاحبها بمغادرة البلاد2. بدأت الصحف بعد أن تحررت من قيودها توجه المطاعن تلو المطاعن إلى إجحاف نظام الضرائب الذي وضعته المراقبة الأوربية فأعفت الأوربيين منها وألفت العبء كله على كاهل الوطنيين، كما أنها أنحت بأشد للائمة على كثرة تعيين الفرنسيين والإنجليز في الوظائف ومنحهم المرتبات الباهظة3 وهي شكوى قديمة حديثة، ثم راحت تطلب حياة الشورى لمصر والتعليم لأبنائها، وفي ذلك يقول حسن الشمسي وهو من ضحايا العهد الماضي، إنه سينهي دور صحيفته "المفيد" حينما "يأتي يوم يقال فيه تنبه الغافل وتعلم الجاهل وغلت يد العادي وردت الحقوق لذويها وسلمت الأرض لبنيها" وهو يحدثنا عن صحيفته وهي إحدى الصحف المعبرة عن الحزب العسكري بأن ظلم المستبد حال بينه وبين التبكير في إصدار هذه الجريدة، وذكر أن الصحف الباقية "إنما سايرت الظالم وغيرها سقط في ميدان الشرف والجهاد" وأنه فضل التعطيل على النهوض في ظل الظلمة المستبدين4. وتعتبر جريدة "المفيد" من خيرة صحف الثورة فقد دأبت على نشر افتتاحياتها عن مصر ومشاكلها في أسلوب وطني عنيف، ولصاحبها مقالات رائعة عن الاستقلال والحرية بعنوان "محاور سياسية"5 وكان طبعيًّا أن

_ 1 الرافعي الثورة العرابية، ص161. 2 المحروسة 7 نوفمبر عام 1881. 3 أصبح عدد الموظفين الأوربيين 1325 موظفًا بلغت مرتباتهم المنتظمة 379056 جنيهًا (مصر رقم 6 - 183، ص67). 4 المفيد في 5 أكتوبر عام 1881. 5 المفيد في 12 ديسمبر عام 1881 وما بعده.

يعنف محرر "المفيد" في مقالاته وهو لسان جامح من ألسنة الثورة، وكان طبعيًّا أيضًا أن تتبرم به حكومة شريف؛ لأنها ترجو الهدوء والاتزان، لذلك جمعت في معاملتها للمفيد اللين والشدة معًا لترضي الوطنيين والأجانب على السواء، فعطلت "المفيد" أسبوعين فقط وبذلك أرضت الدوائر الأجنبية ثم أرضت الدوائر الوطنية بهذا العقاب الهين، ويظهر قدر "المفيد" بين صحف العصر من حزن زميلاتها على تعطيلها فقال كاتب "المحروسة": "ساءني صدور الأمر بتعطيل جريدة "المفيد" أسبوعين فإن محررها في الجريدة نير الفكر قويم المشرب لا يظهر بما يخالف المصلحة أو يخرج عن الحد .. وفي مأمولي أن "المفيد" يصدر من بعدها بمزيد الفائدة ويكون في مقدمة الجرائد الداعية إلى الوحدة الوطنية الناهية عن الإحن والعداوات المذهبية العاملة على علم بأحكام الحرية"1. وتساهم "الأهرام" فيما شغل البلاد من أحداث دون أن تتطرف في رأي أو تتجاوز أسلوبها المأثور عنها بكلمة نابية أو تعبير شاذ، وتعالج الأمور بروية، ولا تغفل أحداث البلاد الخارجية فتنشر الكتب والمقالات الطوال عن البوسنة والهرسك وروسيا وألمانيا كما أنها تنقل رأي الغرب في الشئون المصرية وتأخذ ذلك عن الصحف الفرنسية والإنجليزية، ثم ينشر المحرر رأي الحكومتين الإنجليزية والفرنسية في الحركات السابقة على تأليف الوزارة الشريفية وموقفهما الجديد "لكبح كل حركة" وهي تنذر العرابيين "وسعادتلو أحمد بك عرابي" بالذات2. وقد عمدت "الأهرام" إلى التحدث عن أوربا وتقدمها من الناحيتين المادية والأدبية، وقابلت بينها وبين تركيا، فأفرطت في ذكر المساوئ التي

_ 1 المحروسة في 7 نوفمبر عام 1881 وإسكندرية في 11 نوفمبر عام 1881، وكذلك أنذر مجلس النظار جريدة الوطن يوم عطل المفيد. 2 الأهرام في 8 أكتوبر عام 1881.

نتجت من نظم الحكم العثماني ثم نقلت عن صحف لندن، حملات على الباب العالي وفي ألفاظها ما لا يليق أن ينشر فأنذرتها الحكومة مرتين1. وقد كان للخديو في هذا التيار الجارف من النشاط الصحفي قدر محدود، فقد أنشأ من معوض فريد في مدينة الإسكندرية مجلة أسبوعية سماها "البرهان" في سنة 1881 ويحررها الشيخ حمزة فتح الله اللغوي المصري المعروف، و"البرهان" تعلن بأنها صحيفة السراي وتفخر بذلك كل الفخر فقد "حلت صحيفة البرهان من أعتابه العليا محل القبول، وأن جنابة الفخيم -أي الخديوي- يكاد يستوعبها تلاوة" وأنه أمر بأكثر من ثلاثين نسخة اشتراكًا للمعية السنية. والخديوي عند المحرر آية من آيات الدهر فإذا رأيته "ألفيت في محياه ما بجذب إلى التسبيح الأفواه، لا سيما إذا ترقرق ماء البشر في عزته، وتفتق نور المجد من أسرته" وإذا كانت الصحافة العربية المصرية جميعًا على اختلاف مشاربها تحبذ الشورى وتدعو لها وتأبى الظلم وتحمل على الاستبداد فإن الشيخ حمزة فتح الله يقول بغير هذا في مقال ضخم بعنوان "الشورى ومجلس النواب المصري" وذلك على أيام من افتتاح هذا المجلس: "نحن وإن كنا نعلم ما يترتب على الشورى من الفوائد العميمة والمنافع الجسيمة وما ينجم عن التفرد بالرأي من سوء العاقبة، غير أن ذلك لم يكن يمنعنا من إبداء ما نراه من الملاحظات في الأمرين كليهما، أعني الشورى والتفرد بالرأي المعروف بالاستبداد، فأما الشورى فإنها وإن كانت ممدوحة عقلًا وشرعًا بما ورد في الكتاب العزيز والسنة المطهرة في غير موضع إلا أن ذلك ليس على معنى أنها واجبة حتمًا على أولي الأمر، بحيث لا تمضي بدونها بيعتهم ولا تنفذ أحكامهم؛ لأن هذا ما لا يقول به أحد، بل إن مبلغ العلم فيها أنها من الأمور التي ندبت إليها الشريعة المطهرة من قبل إتمام مكارم الأخلاق". ثم يمضي الكاتب مبينًا وجهة نظر المعارضين للشورى "وأما الاستئناس بأن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ترك الأمة شورية فهو غلط

_ 1 الأهرام في 12 فبراير عام 1881، والمحروسة في 14 يناير عام 1882.

ظاهر" ثم يستمد صورة الملوك من العصور الوسطى ويدعو لها قائلًا: "ألا وإن الملوك ظل الله تعالى في أرضه، لا يجوز الخروج عن طاعتهم ولا البغي عليهم ولا تخاف ذمتهم ولا تنكث بيعتهم ولا ينقض عهدهم في حال من الأحوال اللهم إلا بكفر صريح لا يحتمل التأويل"1. في هذا القلم الرجعي أيد الشيخ حمزة الرجعية المصرية في وضوح لا يقبل الشك أو التأويل، ولا يرضى الصحفيون المصريون عن هذه النغمة بل ترد جريدة "مصر" لصاحبها أديب إسحاق - وقد عاد من منفاه في باريس وأصبح ناظرًا لقلم الإنشاء والترجمة بديوان المعارف- ترد على هذه الأقلام مادحة الديمقراطية المصرية الجديدة، فقد نشر الكاتب في آخر ديسمبر سنة 1881 بمناسبة افتتاح مجلس النواب مقالًا يدل دلالة بينة على الغرض منه، وهو غرض ممزوج بتقديس والفرحة الصادقة بالعهد الجديد، ذكر مفتتحًا مقاله ببيت من الشعر: صفحًا لصرف الدهر عن هفواته ... إن كان هذا اليوم من حسناته "كيف لا وهو حاجة النفس وأمنية القلب منذ توجه الخاطر إلى السياسة الوطنية وانصرف العزم إلى إحياء الهمم وانعقدت النية على حفظ الحقوق واتحدت الوجهة في القيام بالواجبات، وهو النشأة التي كست الوطن رداء الفتوة قشيبًا، وهو البغية التي غرست للأمة غصن الأمل رطيبًا، وهو ما رجوناه زمانًا ودافعنا الزمن فيه وتمنيناه أعوامًا وغالبنا الحدثان عليه" .. ثم يقول: "فيا حسنه من يوم رد فائت البهاء وأحيا مائت الرجاء. وأعاد شباب الأمة، وسدل ستور النعمة، وأظهر مقاصد الأمير وأبدى مساعي الوزير، وقضى لبانات النبهاء وحقق أماني النزهاء، فلا زال مشرق الشمس مرفوع لواء الأنس، منقوشًا على صفحات الصدر بأحرف من نور على توالي الأيام والدهور".

_ 1 البرهان في 26 مايو عام 1881، وأول ديسمبر عام 1881.

وأديب إسحاق يعبر في هذه المقال وفي غيره أصدق التعبير عن التيارات الفكرية التي تخالف تفكير حمزة فتح الله ومن على شاكلته، وهو يشتد على هؤلاء الرجعيين الذين يسفهون الرأي الحر كما يقسو على أبواق الأجنبيين من أصحاب الصحف العربية الذين يعيبون على الوطنيين تطرفهم "فالحزب الوطني غير متعصب إلا لوطنيته، والحزب الوطني غير معاد إلى الخائنين، يروم إحياء مصر لسكان مصر وترومون إماتتهم جميعًا يا أيها اللؤماء، ويريد أن يكون المصري في مقام الإنسان مستقلًا بوجوده متمتعًا باستقلاله فائزًا بحقوقه ناهضًا بواجباته، وتريدونه بمنزلة الحيوان يساق للحرث فإن عجز فللسلخ، ويطلب أن يكون الوطني آمنًا في داره مساويًا لجاره يستغل زرعه ويستدر ضرعه، وتلتمسون أن يكون غريبًا في آله مصادرًا بماله يطعم من يحرمه ويؤمن من يروعه ويحفظ من يضيعه ويصون من يبيعه"1. ووسط هذه المسائل العامة التي فرغت لها الصحف المصرية لم تنس أن لها حقوقًا فأخذت تفكر في حالها وآمالها، فالمطالبة بقانون للمطبوعات ينظم أمورها من أغراض الصحافة المصرية منذ أيام إسماعيل، فلا غرو إذ تحدثت عنه اليوم وألحت في المطالبة به، وهي تختلف في شأنه، فبعضها يريده قانونًا حرًا "كمصر" وبعضها يريده صورة يرضاها الشيخ حمزة فتح الله في مقال له عن "اليراع"2 وبعضها يرجوه وفي من التضييق ما يلزم بالتزمت، وأكبر الظن أن المحرر -وهو هنا سليم النقاش صاحب "المحروسة"- لم تسعفه ثقافته الضيقة بهضم المعاني الحرة الموجودة في القانون المطلوب، فقد رأى أن يكون في التشريع ما يضطر الصحف إلى الاعتدال، وأن تراعي فيه حالة البلاد وأطوارها الأدبية والسياسية، وأن يحول القانون دون حرية الصحافة في شئون مصر الخارجية وخاصة ما اتصل بالدول الصديقة، وهو يرجو ألا يستمد القانون أصوله من القوانين المعمول به في فرنسا وانجلترا

_ 1 مصر في 29 يناير عام 1882. 2 البرهان 10 نوفمبر عام 1881.

لأن عقلاء البلدين يشكون الحرية في هذين القانونين1. ومهدت الحكومة لقانون المطبوعات بأن ضمت المطبوعات الفرنجية إلى العربية في إدارة واحدة، وتساوت بذلك الصحف جميعًا في الحقوق والالتزامات2، ثم صدر قانون المطبوعات المصري في 21 نوفمبر 1881 وهو أول تشريع للصحافة يرتب شئونها ويحدد واجباتها ويعلن حقوقها، وإلى أن يحين وقت الحديث عنه مفصلًا نذكر للتيمس كلمة قالتها فيه تجمل الرأي عنه، فهو عندها قانون شديد وهو أسخف من أن ينفذ3 وقد أشارت إلى شدته الجريدة الفرنسية الرسمية في إحدى المناسبات4 وقد أصدرت حكومة شريف قانون المطبوعات ولم تطبقه على صحيفة من الصحف العربية بالرغم من صفة التزمت والتضييق الغالبة على معظم مواجه بيد أن جريدة La Gazette Des Tribubaux كانت الجريدة الفرنجية الوحدة في مصر التي أنذرت بمقتضى هذا القانون في 7 يناير عام 1882 لخوضها في المسائل السياسية دون أن يبيح لها ترخيصًا ذلك؛ ثم لأنها "استعملت التمويهات المنطوية على سوء القصد"5، وفيما عدا هذا الإنذار بقي القانون معطلًا عن أداء وظيفته في جو مملوء بالأحداث الجسام. مضت الحكومة الشريفية تؤدي وظيفتها أحسن الأداء، وأفسحت صدرها للملاحظة والنقد، سواء من أعضاء المجلس أو من صحافة مصر، هي لا تنذرها ولا تعطلها إلا مضطرة، وكادت تستقيم الأمور لها وتتمكن الحياة الدستورية من التأصل والاستواء لولا أن هذا النجاح لم يرض الرقيبين الأجنبيين ولم يرض قنصليهما، فإذا الأخيران يخلقان أزمة فجة غير مناسبة، فقد انتهزت الحكومتان

_ 1 المحروسة 7 نوفمبر عام 1881. 2 المحروسة 15 نوفمبر عام 1881. 3 التيمس 8 نوفمبر عام 1881. 4 المحروسة 7 يناير عام 1882. 5 الوقائع المصرية 14 يناير عام 1882.

الإنجليزية والفرنسية فرصة انعقاد مجلس النواب فأرسلتا في يناير مذكرة مشتركة تعلنان فيها تأييدها للخديوي واستعدادهما لهذا التأييد بشتى المظاهر1. وكان لهذه المذكرة أثرها البعيد في تطور الحوادث وانتقال الثورة من اليمين إلى اليسار فقد رفضتها الحكومة وبلغت القنصلين هذا الرفض2 ثم أرسلتها إلى الباب العالي مع وجهة النظر المصرية ثم نشرت "المحروسة" رأي الحكومة العثمانية الذي وجهته إلى سفير انجلترا وفرنسا وتبدى فيه "سوء الأثر الذي حصل لها من جراء هذا العمل". وبعد أن ذكرت الجريدة محافظة الدولة على مصر وامتيازاتها وأن الشعب المصري هادئ وسعيد بحالته أبرزت كل هذه المعاني في يقول الباب العالي "وفي ظننا أن يستحيل إبداء أقل الأدلة على ما ينافي ذلك الاستشهاد أو بأي حادث داخلي متعلق بمصر يكون داعيًا لإصدار مثل هذه اللائحة المذكورة، وبناء على ذلك لا نرى شيئًا مما يقتضي باستصواب ما أجرته الدولتان من تقديم تلك اللائحة لسمو توفيق باشا"3. وقد أخفقت المذكرة في أثرها المطلوب في مصر وتركيا، ولكن الدولتين أبتا إلا خلق المشاكل، فأرسل القنصلان بإيعاز من المراقبين الأجنبيين يطلبان الحد من سلطان البرلمان في تقرير الميزانية "ولما هو معروف عن مجلس النواب من عدم الخبرة ومن ميوله العدائية نحو العنصر الأوربي في الحكومة"4 وهو تحد ظاهر لأهم وظائف المجالس النيابية لم ترض عنه صحف مصر وحملت على إهانة النواب المصريين حملة شعواء5.

_ 1 Livres Jaunes 1881- 1882 N. 45. 2 Livres Jaunes 1882 N.18. 3 المحروسة في 28 يناير عام 1882. 4 Livres Jaunes 1881- 1882 N. 34,38. 5 مصر والمفيد في أوائل نوفمبر عام 1882.

وقد اضطرت الوزارة في آخر الأمر إلى الاستقالة بعد أن رفض النواب وجهة نظرها، فقد كانت ترى وجوب عمل الميزانية بموافقة المراقبين الإنجليزي والفرنسي ورقابتهما، والنواب لا يرون هذا الرأي ولا يقرون هذا التدخل، وقد علقت "المحروسة" على الموقف برمته بأن الخديوي والنواب وعامة الناس قد اعترفوا بالدين وفوائده فليس من العدل حرمان المجلس التشريعي من أهم اختصاصاته وهي إقرار الميزانية ما دام أمر الدين فيها لن يمس1، ولكن صحف القنصليتين الفرنجيات حملت على الوطنيين وخاصة "الإجبشيان جازيت (Egyptian Gazette) حملة عنيفة تولت الصحافة الشعبية الرد عليها دون الحكومة التي شغلت بالأزمة عن كل شيء، وناقشتها وبينت مواضع الجور في عمل الدولتين وظلمهما لمصر، هذا البلد الذي يكرم الأجانب وهم يسيئون إليه، ثم عاتبت في عنف الصحف الأجنبية وعلى رأسها "الإجبشيان جازيت" التي تكيد للوطنيين وتزعم تعصبهم للدين وحملتهم على المسيحين، ونفت هذه السوءات عنهم، وأكدت بعدهم عن التعصب في أمور الدنيا أو شئون الدين2. ثم ساهمت الصحف الأوربية في لندن وفي باريس في هذه الحملة على المصريين ومجلس نوابهم وحكومتهم فيما خلا محرر التيمس فكان رجلًا واسع الفكر ملمًا باللغات العربية وآدابها، وكان معتدل الرأي في المسائل المصرية فلم يرها كغيره من الصحفيين لا تعني غير بورصة لندن، وكثيرًا ما فتح صدر التيمس لآراء الوطنيين المصريين، غير أن هذا العطف من مستر شنري بالتيمس على الأماني المصرية لم يستمر؛ لأن مراسل هذه الجريدة وغيره من مراسلي صحف أوربا في مصر كان يستمدون أخبارهم المهمة من السير أوكلند كلفن المراقب البريطاني، وكانت وكالتا رويتر وهافاس خاضعتين لنفوذ

_ 1 المحروسة 4 فبراير عام 1882. 2 المحروسة 7 فبراير عام 1882.

المراقبة الثنائية، وكل منهما تتقاضى ألف جنيه في السنة، وكانت وكالة روتر لا ترسل برقياتها إلى لندن إلا بعد إجازتها من القنصلية أو الرقيب الإنجليزي. وقد أضر هذا الأسلوب الصحفي بالقضية المصرية في الخارج إذ وضعت -كما رأينا- الأنباء الصحفية تحت مراقبة الوكالات السياسية أو ما يشابهها، فقد كان لموظفي فرنسا وإنجلترا في مصر "السيطرة التامة على الأخبار التي يجوز أو لا يجوز إرسالها إلى لندن، وكان أجر هؤلاء المراسلين إما مالًا أو معلومات سرية لها خطرها في الفن الصحفي1 وقد اشتركت الصحف في الخارج ووكالات الأنباء في مصر والصحافة الأجنبية المصرية وممثلو الدولتين، اشترك كل أولئك في قطع الطريق على الهدوء الذي حققته حكومة شريف باشا وآزرتها بعض الأحداث الداخلية كمؤامرة الضباط الشراكسة2 وقصة الحكم عليهم3 وتطرف الصحافة المصرية، فاستقالت الوزارة الشريفية، وانتقلت مقاليد الأمور إلى الحزب العسكري وأنصاره. وكانت الصحف قبل الحكومة البارودية الجديدة تشغل حديثها كله بشئون مصر العامة، وكانت لسانًا طيبًا للحركات الحرة ومدافعًا عظيمًا أمام الصحف الأجنبية في مصر أو في الخارج، غير أن هذا الاتجاه المحمود صحبه لون من التحزب للجنس والوطن وكان له أبعد الأثر في انحراف الصحافة الوطنية وتنكبها مثلها الرفيعة واشتباكها في معركة وزعت جهودها وفرقت شملها. وكانت الصحف الوطنية المتطرفة تحمل على بعض المتمصرين من الصحفيين ولم تتعد الحملة في أول الأمر بعض هؤلاء الأفراد غير أنها مضت تتحدت عن المصريين والشاميين في دوائر الحكومة والصحافة وخاصة الدوائر الصحفية فقد كان معظم الصحفيين الشاميين في مقدمة العناصر الحرة يلتهبون حماسة

_ 1 بلنت: التاريخ السري، ص116 - 117. 2 الوطن 29 أبريل عام 1882. 3 الوقائع المصرية 23 مايو عام 1882.

لاستقلال مصر وحياتها الدستورية، بيد أن هذه الأقلام الملتهبة خبت ثم انزوت ثم وقفت إلى جانب الخديوي علانية لما تحرج الأمر إبان الثورة العرابية، كما وقفت الصحف الوطنية أقلامها ضده وضد أسرته. وكانت "المفيد" جريدة من جرائد الثورة العرابية بلغت حماستها غايتها في سنة 1882 وهي لا تمثل العناصر العسكرية أو المذاهب السياسية وحدها، بل حفلت صفحاتها بكثير من المقالات الاجتماعية والاقتصادية الممتعة، فهي يومًا تتحدث عن ذل المصريين المادي والأدبي1 وتكتب في يوم آخر مقالًا ثوريًّا عن الفلاح التعس "السيد في صورة العبد ورب الدار في موقف الخادم"2 وقد بلغت مكانتها الصحفية قدرًا جعل الأجانب يحسون خطرها ويلتمسون عطفها وخاصة في مشروعاتهم الاقتصادية، وقد حاولوا رشوتها لتحبذ عند العامة فكرة اقتصادية خاصة، فتأبى المفيد هذه الرشوة وتفضح أصحابها من الشرقيين والأجانب الذي نسوا في مساومتها أن "نفس الحر لا تبيع شرفها بثمن"3، ومنذ أبديت محاولة رشوتها في ذلك المشروع الاقتصادي اتخذت "المفيد" خطة جديدة نحو الشاميين في مصر، فهي تكتب المقالات تطلب من الحكومة فصلهم من وظائفهم؛ لأنهم غير خليقين بأن ينتسبوا إليها، وإذا عاتبها الشاميون من أصحاب الصحف ردت عتابهم في منطق لا يسف وفي عبارة مهذبة بيد أنها عنيفة قاسية4. وتشتد الخصومة بين "المفيد" والصحف الثورية من ناحية وبين صحف الشام التي تصدر هناك من ناحية أخرى، وهي صحف قاسية الأسلوب زاد عنفها في أوار المعركة في مصر، وتتدخل "المحروسة" في أمر هذه الخصومة وهي آخر ما بقي في مصر من صحف الشاميين المتمصرين، وهي ترج في

_ 1 المفيد في 14 نوفمبر عام 1881 (من مقال إبراهيم الهلباوي). 2 المفيد 23 يناير عام 1882. 3 المفيد 27 مارس 1882. 4 المفيد في 13و 23 أبريل عام 1882.

عبارة رقيقة أن تفصل في هذه المعركة وتقضي على هذا الخصام؛ بيد أن المفيد تتهمها بإيثار فرنسا على تونس يوم امتحن هذا البلد الشقيق بقسوة الفرنسيين وجبروتهم، ثم تأبى عليهم صفة الوطنية التي تدعيها لنفسها، فهي قد ولدت تسبح بحمد الخديوي توفيق سنة 1880 وكانت صديقة لرياض باشا في وقت كان إرهاب الصحافة ديدن الحكومة وغايتها وفي ذلك من النفاق ما لا تقبله صحيفة وطنية العقيدة حرة الفكرة. وقد رد سليم نقاش على "المفيد" ردًّا هادئًا استغرق زهاء صفحتين ونصف صفحة من صفحات المحروسة الأربع، عرض فيه موقف صحيفته وبين فيه مواضع التجني عليها، فإنها وحدها "تجرأت أيام الاستبداد المحض ونادت بالحكومة الشورية، ووحدها بين الجرائد العربية في ذلك الحين أخذت تناصر الحزب الوطني، وهي وحدها أيضًا عارضت النفوذ الأجنبي عند خوف الإفراط فيه وهي أول جريدة صرحت بسوء إدارة بعض المصالح الأجنبية، وهي وحدها تحملت غضب المسيو دوبلينيار وتحامله عليها وقد حرمت لذلك من فوائد جمة حبًّا منها بالوطن وأهله، وكما وقفت وكم أنذرت وكم عطلت وكم حذرت .. " وإن لم تنكر إعجابها بفرنسا ومثلها العليا في الحياة1. وتمضى "المفيد" في حملتها على الشاميين وصحافتهم وتنقل عنها الصحف الناشئة في أحضان الثورة حتى شغل هذا الموضوع حياة المصريين جميعًا، وحتى اتهمت الصحافة الشامية في مصر والشام الحكومة المصرية بأن تلك الحملة من صنعها، وأنها تدفع صاحب "المفيد" وزملاءه إلى هذه الأزمة، واضطرت الحكومة إلى تكذيب هذه التهمة وإعلان هذا التكذيب في صحيفتها الرسمية مؤكدة أنها لا تنظر إلى موظفيها إلا من حيث كفايتهم وجدارتهم2.

_ 1 المحروسة في 11 أبريل عام 1882. 2 الوقائع المصرية 19 أبريل عام 1882.

ولم يكن "المفيد" موفقًا في هذه الحملة التي جاءت في وقت اشتدت فيه الخصومة بين الخديوي ووزرائه، فاضطر كثيرون من الشاميين أصحاب الصحف وأصحاب الأعمال إلى الهجرة من مصر، وساء ذلك صحيفة "الطائف" لسان حال العرابيين الرسمي فكتبت مقالًا بعنوان "المصريون والشاميون" تندد فيه بمن خلق هذه الأزمة وتسمى مهاجرة الشاميين إلى بلادهم نزوحًا سيعودون بعده "بالسلامة ليعود للمصريين الأنس بإخوانهم والفرح بسلامة بني جنسهم الذي يعز عليهم أن يروهم في روع أو اضطراب أفكار"1 غير أن حملة "المفيد" كان قد أثرت في بعض أصحاب الصحف الشامية في مصر، فاضطر صاحب الأهرام إلى الهجرة، ولم يعجب "الطائف" أن يمعن "بنو جنسها" في أمر لا يدعو إليه داع، وهو ترى هجرة صاحب الأهرام عملًا لا مبرر له وتذكر ذلك معاتبة "اختفت جريدة "الأحوال"2 لتغيب صاحبها فرارًا مما توهمه كثير من المهاجرين"3. لم تعد الثورة تحتمل صحفًا معارضة فكانت أشد استبدادًا من حكومة رياض، فقد اضطر أديب إسحاق وهو موظف في الحكومة المصرية ومن خيرة الشاميين الذين لهم في الصحافة أثر غير منكور، اضطر إلى الانسحاب من جريدة "مصر" والتخلف عن ميدانها بعد حملة المفيد وزميلاته4 وفي شهر مارس سنة 1882 أعلنت جريدة "البرهان" وهي نصيرة الخديوي توفيق أنها عزلت الشيخ حمزة فتح الله من تحريرها5 وذلك لتحتفظ بوجودها ولا تتعرض لبطش الثورة وحكومتها، ومن الصحف التي لقيت حتفها في ذلك الوقت جريدة "الزمان" وذكرت المطبوعات أنها ارتكبت ما يخالف

_ 1 الطائف 28 يونيه عام 1882. 2 جريدة الأحوال لصاحبها سليم تقلا ومديرها بشارة تقلا صدر العدد الأول منها في 7 يونيه عام 1882. 3 الطائف في 21 يونيه عام 1882. 4 مصر في 8 مارس 1882، راجع وداع أديب اسحق لها في هذه العدد. 5 البرهان في 30 مارس عام 1882.

قواعد الدين الإسلامي وأنها دأبت على المطاعن الشخصية ثم أهانت جانب الحكومة1، ولم يبق من الصحف الشامية إلا جريدة "المحروسة" فقد عاشت موالية للحكومة في الظاهر حتى تبين لها أن صاحب الجريدة يعبر عن رأي القصر ورجاله ويذيع من الأخبار ما يقلق الأمن وتضطرب له الأفكار، فأمر عرابي باشا بتعطيلها ثلاثة أشهر في يونيه سنة "1882"2. طبقت الثورة قانون المطبوعات في شكل واسع لم يبق إلا على بعض الصحف الموالي ومن أهمها "المفيد" و"الطائف" وكانت أهم وظائف هذه الصحف الحملة على الخديوي توفيق وأسرته، وشغلت "المفيد" معظم صفحاتها بالحديث عن الخديوي السابق حديثًا هو غاية ما يمكن نشره من بذاء، فهي لا تتحدث عن شهواته في التواء بل تفصلها تفصيلًا سواء اتصل الحديث بذكر أو أنثى، وهي تنشئ هذه المقالات ولحمتها الإدعاء وسداها المبالغة التي لا تستند إلى التاريخ3 وتقرن "المفيد" الحملة على إسماعيل بالحملة على الإنجليز في أكثر من مقال، أما الخديوي توفيق فقد سفرت في الحملة عليه ونعتته بالجبان المستخذي4. ولم تعد الصحف المصرية تطرق الموضوعات الدستورية أو تناقش المسائل العامة بخبرة الدارس الحصيف بل انتهى ذلك العهد وأصبحت الصحف المصرية تحرر بأقلام مصرية خالصة، وأصبح كل أصحاب الصحف من المصريين وذلك بعد اختفاء "الأهرام" وغيرها من الجرائد في الإسكندرية والقاهرة، وبعد أن انزوى الكثيرون من الشاميين كتاب الصحف، وقد ظهرت على أنقاض الصحف الشامية صحف مصرية

_ 1 المفيد في 17 أبريل عام 1882. 2 المحروسة في 3 يونيه عام 1882 وفيه نشرت أن الأهرام عطلت شهرًا. 3 المفيد في 27 أبريل عام 1882. 4 المفيد في 10 رمضان عام 1299هـ.

كثيرة "كالفسطاط"1 والسفير والنجاح2. بيد أن هذه الصحف جميعًا لا تبلغ في مكانتها ولا في خطرها ولا في إنشائها وتحريرها ما بلغته جريدة "الطائف" التي كان يحررها كاتب حاد الطبع نابغ في الإنشاء وهو عبد الله النديم، خطيب الثورة وكاتبها غير منازع، كانت صحيفته في أول أمرها تحمل على المساوئ الاجتماعية العامة كالمواخير والحانات والمراقص التي غزت القاهرة في ظل الامتيازات وتحت حمايتها. والنديم صحفي ممتاز كثيرًا ما نشر المقالات الرائعة في جريدتي "المحروسة" و"العصر الجديد" اللتين كان يصدرهما سليم النقاش فجاء فيهما بالمعجب والمطرب، وكنت له صحيفة أدبية رائعة تسمى "التنكيت والتبكيت" أصدرها في 6 يونيه عام 1881 في حجم كتاب عادي "صحيفة وطنية أسبوعية أدبية هزلية" وهي مجلة كما يقول: "هجوها تنكيت ومدحها تبكيت ولغتها لا تلجئك إلى قاموس الفيرزآبادى ولا تلزمك مراجعة التاريخ ولا نظر الجغرافيا" وسخريتها "نفثات صدور وزفرات يصعدها مقابلة حاضرنا بماضينا" وهي في مجموعها مقالات اجتماعية عن الحياة في مصر. انتقلت "الطائف" من المقالات الاجتماعية الخالصة إلى الموضوعات السياسية العميقة والأخبار المهمة التي تميزت بها في عهد الثورة حتى إن معظم الجرائد المعاصرة نقلت عنها أكثر ما نشر، واحتفظت "التنكيت والتبكيت" وهي صحيفة نديم الثانية بموضوعات الأدب والاجتماع، وكان من أهم وظائف الطائف الدفاع عن الثورة ورجالها وقد احتفى بها رجال الثورة وأنصارها فاشترك لها النواب بمبالغ كبيرة وأصبحت لها لسانًا فيه من العنف والشدة ما اضطر الشيخ محمد عبده إلى تعطيلها شهرًا3 وقد اتخذ عطف الهيئات عليها

_ 1 من محضر استجواب رفعت بك -راجع مصر للمصريين ص171 - 172. 2 حرر الشمسي جريدة "السفير" وهي أقل أهمية من المفيد وأخيرًا اختفى المفيد واستبدله الشمسي بجريدة "النجاح" في أغسطس عام 1882، من مقال الشمسي في السفير 21 أغسطس 1882. 3 تاريخ الأستاذ الإمام، ج1، ص236.

لونًا رسميًّا فكتب محمد سلطان باشا رئيس مجلس النواب في 15 ربيع الثاني عام 1299هـ إلى "داخلية ناظري عطو فتلو أفندم حضر تلري" يقول: "حيث إن حضرة محرر الطائف أظهر ارتياحه إلى نشر محاضر المجلس وأفكار نوابه وما يتبع ذلك مما يستدعي القيام بالحقوق الوطنية، المجلس رأى أنه لا مانع من مكاتبة الداخلية لتصدر أمرها إلى إدارة المطبوعات بمعرفة هذه الصحيفة ممتازة بهذا الاختصاص ونسبتها إلى المجلس على الوجه الذي قدمه حضرة محررها المومأ إليه"1. وقد ذكرت جريدة "مصر" في 23 مارس عام 1882 أن مجلس النواب "قد اختار جريدة "الطائف" الغراء لنشر ما يروم إبداءه من الآراء والخواطر والتقارير والمحاضر فهي الآن صحيفته الشبيهة بالرسمية" ثم تقول: "وجريدة "الطائف" جديرة بهذا الاختيار فهي موصوفة بالوطنية معروفة بصدق النية، منتشرة نافذة الكلام خطيرة مرعية المقام". ظهرت خطورة الطائف في هذه الرسمية التي حبتها إياها الحكومة دون الصحف الثورية الأخرى، فقد استطاع محررها أن يكون على بينة من شئون الدولة وأن يجد في عطفها المادي والأدبي ما يعينها على تخطي المصاعب التي تعترض الصحف عادة وتحول دون تقدمها، وهذه ميزات بجانب قدرة محررها تجعل لها مكانة خاصة بين الصحف المصرية خلال الثورة العرابية. ولم تقتصر الطائف على "نشر محاضر المجلس وأفكار نوابه" بل صورت الأعداد القليلة التي عثرنا عليها مدى العنف في تحريرها، وأظهر ما فيها تأريخ حياة الخديوي إسماعيل في أسلوب فيه من النقمة عليه والتشفي منه ما أبعده عن التاريخ العادل، فقد بدأ المحرر فصلًا عن "الخديوي السابق" بعنوان "سلب الأملاك من الملاك" في صفحتين كاملتين من صفحات الجريدة الأربع، ثم مرض النديم وأقعده المرض عن إتمام الفصل فأرسل يعتذر عن تحرير

_ 1 مصر للمصريين، ج1، ص248.

جريدته "إلا ما كان من تاريخ حضرة إسماعيل باشا فإني أتكلف بكتابته؛ لأن نشره من ضمن علاج ما بي"1، ثم انتقلت من الحملة على إسماعيل إلى الإقذاع في الخديوي توفيق في لهجة قاسية فيها تعريض بمقامه حتى أن حكومتها أمرت بتعطيلها نهائيًّا في 17 مايو عام 1882 ترضية للخديوي واعتذارًا له عما ارتكبته صحيفة الحكومة من الإساءة إلى الحاكم الشرعي2. تحرجت الأمور في مصر قبيل الاحتلال البريطاني بثلاثة أشهر تقريبًا فتدخلت الدولتان الإنجليزية والفرنسية بمذكرة تطلبان فيها استقالة الوزارة البارودية وإبعاد عرابي وبعض خاصته عن مصر وإعادة السلطان المطلق إلى الخديوي توفيق، وقد ترتب على هذه المذكرة استقالة الوزارة وتأليف النظارة الراغبية ودخل فيها عرابي باشا وزيرًا للحربية، ثم تطورت الحوادث سراعًا وحدثت مذبحة الإسكندرية وانتقل الخديوي إلى الثغر في 19 يونيه عام 1882 واعتصم بها حتى قضى الأمر باحتلال مصر وتسليم العرابيين. ومنذ ضربت الإسكندرية وإنحاز الخديوي إلى الإنجليز حين احتلوها أصبحت في مصر صحافتان، صحافة في القاهرة تمثلها الوقائع المصرية والطائف -وقد عادت إلى الحياة- و"النجاح" وما إليها من صحف الحزب الثوري، وصحافة في الإسكندرية يقود زمامها الشيخ حمزة فتح الله في جريدة الاعتدال يحمل فيها على عرابي ورجاله "البغاة الجهال العاصين الخليفة ونائبه"3 ويعاون فيها أديب إسحاق الموتور من العرابيين بالمقالات والمنشورات4. وبقيت صحف الثورة في القاهرة خلال الحرب العرابية فيما خلا "الطائف" فهذه قد انتقلت إلى الميدان الحربي حيث تحرر عن كثب في معسكر "كنج عثمان"

_ 1 الطائف 6 مايو عام 1882. 2 الرافعي: الثورة العرابية، ص374. 3 مصر للمصريين، ج5، ص176 - 193. 4 نفس المصدر، ص194.

وكانت معظم مقالاتها لاستثارة الهمم والطعن على الخديو وانجلترا1 وعن "الطائف" نقلت صحف القاهرة أخبار الحرب وتفصيلها فضلًا عن مقالات محررها2 ثم دأبت الجريدة على إصدار ملاحق لها تذكر فيها مساوئ أنصار الخديوي، ومن هذه الملاحق الملحق الذي نشرته بعنوان "سليم وبشارة تقلا وتوفيق باشا" وهو هجو مقذع لا يليق، تحلل فيه الكاتب من أسلوبه المعروف وأسف فيه إسفافًا منقطع النظير3. كانت الصحف الثورية خلال الحرب تتبع اتجاه الحكومة، فكان مدير المطبوعات -وهو إذ ذاك أحمد رفعت بك- يمد محرري الصحف بنبذ مما جاء في الصحف الأوربية لإبرازها إن كانت في جانب مصر وللرد عليها ومناقشتها إن كانت تخالف أغراض الثورة4 وقد تركت الصحف "تقذف الخديوي وشيعته معه نظرًا لأن "المجلس العام المنعقد بالداخلية والذي كان يضم جميع الوجهاء وأعاظم العلماء والذوات ورؤساء المذاهب المختلفة والبرنسات قرر توقيف أوامر الخديوي؛ لأنه خالف الشرع الشريف والقانون المنيف"، أما الموضوعات الأخرى التي كانت تنشرها الصحف "فإن القطر المصري كان تحت القانون العسكري وقد بلغت ذلك الجهادية للداخلية وبذلك أصبحت الصحف تحت الرقابة وأن الرقيب كان يعرض على المجلس العرفي ما ستنشره الصحف وأنه ممنوع منعًا باتًا نشر ما يشتم منه التعصب الديني أو الطعن الشخصي غير السياسي، وقد وبخ حسن أفندي الشمسي رسميًّا أمام المجلس العرفي لنشره مقالًا تعصبيًّا وطعنًا شخصيًّا وخرج بذاك من جريدة "المفيد" وأقفلت جريدته "الفسطاط" لنشرها مقالًا مماثلًا بأمر من المجلس العرفي"5.

_ 1 مصر للمصريين، ج8، ص29 - 30 من اعترافات عرابي باشا في أثناء محاكمته. 2 مصر للمصريين ج7 ص266 من محضر استجواب حسن أفندي الشمسي. 3 ملحق الطائف في 8 شوال عام 1299هـ. 4 مصر للمصريين، ج7، ص265. 5 نفس المصدر ص171 - 172.

هذه كانت سياسة الحكومة نحو الصحافة في أدق مواقفها وهي مواقف على حداثة عهد المصريين بها تبين إلى أي مدى استوى تفكيرهم في علاج أمر المطبوعات، فالصحافة المصرية خلال الحرب تتبع نظمًا تماثل في طرائقها أحدث ما يتبع معها في الحروب الحديثة، كما أن الدولة قد نزهتها عن التعصب والطعن الشخصي، وعاقبت بعض الصحفيين من أنصارها حين امتنعوا عن تحقيق رغبتها، وذلك أمر لا يحدث إلا في صحافة أعرق الأمم التي تناقش عدوها موضوعيًّا دون قحة في لفظ أو تعبير. وقد وقفت الصحف الثورية عن الظهور بعد تسليم القاهرة، ومهما يكن من أمر فإن تاريخها في الصحافة المصرية تاريخ حافل في كثرتها وفي أسلوبها المتميز بالعنف وإن غلبت عليه العبارة المشرقة والصورة البديعة، وهي صحف غنية بدراستها للمسائل السياسة دراسة علمية موفقة وإن قطعت عليها الثورة هذه الدراسة الممتعة، وقد تحدثت صحف الثورة في كل موضوع اتصل بالسياسة أو الأدب أو الاجتماع. وقد كان التحدث في أمور الاجتماع شيئًا جديدًا لا على مصر وحدها بل على الشرق العربي كله، وكان في طليعة من عالج هذه الموضوعات الدقيقة الدكتور شبلي شميل، وله في الأهرام وغير الأهرام مقالات جديرة بالنظر قمينة بالتقدير والإعجاب. وقد حيت الجمعيات الخيرية المختلفة إسلامية وقبطية، وساعدت بدعايتها على تقدمها، ثم نشرت القصص تباعًا وطبعت الكتب العلمية والأدبية في مطابعها وباعتها بأزهد، الأثمان، ومن أهم هذه الصحف العلمية والأدبية مجلة "المقتطف" فقد تكفلت بما كانت تقوم به صحف الدولة الرسمية التي أغلقت كروضة المدارس وما إليها فنشرت طرائف العلم والأدب والتاريخ، وكان أصحابها الثلاثة يعقوب صروف وفارس نمر وشاهين مكاريوس ينقلون إليها أروع وأفضل ما في "الكتب والجرائد العلمية والصناعية" في الغرب والشرق1

_ 1 هكذا أذاع المقتطف في العدد 12 من السنة الثانية ص288 وكان صادقًا فيما أذاع.

وقد تحرت الصحف في أول الثورة الصدق في رواية أخبارها وإن انحرفت في آخرها عن هذه السمة وغليها القدح الشخصي فترة فجاء في أبواب الأدب مثالًا رائعًا يعني أصحاب البلاغة وأساطين البيان. وجاءت صحافة الثورة بجديد غير معروف هو البرقيات الخاصة التي ازدحمت بها معظم الصحف وفي مقدمتها الأحوال والأهرام، وإلى هذه الأخيرة تنسب صحافة الأحاديث، فقد تخصص أحد أصحابها في مقابلة وزراء الدول وزعمائها في فرنسا وانجلترا والتحدث معهم عن مصر وشئونها، وتسجيل هذه الأحاديث في كتب أرسلها إلى مصر ونشرتها الأهرام على مدى الأيام، وقد روجت صحف الثورة العرابية للاقتصاد الوطني فدعت إلى إنشاء المصارف وحيت أصحاب الفكرة فيها وضربت على هذه النغمة الفينة بعد الفينة مدللة على ما للاقتصاد الوطني من أثر في استقلال الشعوب وحريات الأمم. وهي تعالج معالجة الحصيف مشروعات الحكومة الداخلية فإذا أنشأت الدولة بنكًا زراعيًّا وهللت لتغطية أسهمه صحفها1 هاجها أسلوب تكوينه والمفيدون منه وهم "أصحاب الطين والأغنياء" ودرات المناقشة بين الصحف وأصحاب الرأي في البلاد في شأن هذا البنك فإن كانت الأحداث السياسية في تلك الفترة من حياة مصر قد وقفت أكثر الأقلام على هذه الأحداث فإن الصحافة المصرية لم تفوت البحث في شئون غير شئون السياسة، في حرية ساعد عليها استقلال رأي محرريها وعدم ارتباطهم بحزب من أحزاب الرأي على الوجه المعروف من الارتباط بين الصحف والأحزاب فيما خلا فترة الحرب ورقابة الرقيب، وهي فترة تميزت بالحزب العسكري وتحزب الصحف القاهرية له.

الصحافة في عهد الاحتلال

الصحافة في عهد الاحتلال: وجدت الثورة العرابية من يعيها ويأخذ على رجالها أنهم أتوا كبيرة لم تعرفها أمة من الأمم، والثورة العرابية في الواقع شيء تردد صداه في أقطار الدولة العثمانية طلبًا للدستور والحياة الحرة التي ثارت من أجلها بلاد أوربية في حوض البحر المتوسط في أوائل القرن التاسع عشر أو في أواخره، والثورة العرابية ثورة عامة في مصر لم تدفع إليها طبقة دون طبقة بل شايعها الجامدون والمجددون على السواء، وآزرها "جميع الوجهاء وأعاظم العلماء والذوات ورؤساء المذاهب المختلفة والبرنسات"1. ولم تخفق الثورة العرابية لأن أصحابها كانوا يرجون شيئًا بعيدًا أو يتمنون حدثًا جديدًا يغير طبيعة الحياة ويسيء إلى الأمم المتحضرة بل أخفقت الثورة لغموض موقف السلطنة العثمانية منها، وقدرة الأجانب على حبك الدسائس لها، وأخيرًا لضعف قادتها من حيث تفكيرهم أو قوى جيوشهم. لم تخفق الثورة فحسب بل نكبت في رجالها فأضحوا بين قتيل ومنفي وسجين، واستلم الإنجليز أمة ذاهلة أو في شبه ذهول، ليس لها قادة فقد أخرجهم الاحتلال من الميدان فظهر الخمود على الخاصة، وبلغ الإعياء عند العامة مبلغًا مضى بهم إلى لون من التسليم والركون إلى القضاء والقدر، ولم يعد أمام المحتلين أحد يطاولهم في رأي أو يناقشهم في حساب، وأصبحت أمور مصر كلها وديعة في يد البريطانيين يتصرفون فيها على ما يشتهون. وقد أنفق اللورد دوفرين Dufferin سفير إنجلترا في الأستانة زهاء نصف عام في مصر لينظم أمورها في ظل احتلال مؤقت، وكان أظهر ما صنعه في تمثيل الرأي العام إنشاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، أما

_ 1مصر للمصريين، ج7، ص171 - 172 من استجواب أحمد بك رفعت.

المجلس الأول فيتكون من ثلاثين عضوًا منهم أربعة عشر عضوًا تعينهم الحكومة ومثلهم تنتخبهم الأقاليم وواحد ترسله القاهرة وآخر تختاره الإسكندرية1 ثم يضاف إلى هؤلاء وزراء الدولة وستة وأربعون عضوًا لتتكون الجمعية العمومية منهم جميعًا، وليس لهذين المجلسين من مظاهر الحياة إلا قدر لا يعتد به في عظائم الأمور، فلم يكن لهما على الحكومة سلطان، ولم يكن لرأيهما قطع في المسائل العامة فيما خلا حق الجمعية العمومية على الحكومة في إقرار الضرائب الجديدة2 ولم تكن هذه هي الحياة الدستورية أجيد رسمها" كما يقول أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني3 فلا عجب إن بقيت مصر أربعين عامًا وهي تفتقد مجلسًا نيابيًّا يعبر عن أغراضها وينطق بلسانها. وهكذا كون الرأي العام الرسمي، أما الرأي العام الشعبي ممثلًا في الصحافة المصرية فذلك أيضًا لم يخل من عناية اللورد دوفرين، فإنه لم ينس وهو يختم نظامه الجديد ذكر حقيقة هي أصدق ما قال في أمور مصر فإنه يرى "أنه بقي فوق ذلك نظام واحد ضروري لجعل النظم التي تقدم وصفها فعالة مثمرة ذلك هو الصحافة الحرة" فالصحافة في تقرير Dufferin دوفرين نالت جانب رعايته وهو جانب واضح لا لبس فيه، ويرى بعض المؤرخين الإنجليز أن التفاتة اللورد وجدت صداها وتحققت معانيها حتى "أهمل قانون سنة 1881 إهمالًا تامًا ونالت مصر حرية صحفية لم تعرف في شمال إفريقية أو غرب آسيا". ويكاد الباحث في تاريخ تلك الحقبة من تاريخ الصحافة المصرية يؤمن بأن إشارة اللورد دوفرين قد لقيت أذنًا مصغية، سواء كان من الإنجليز.

_ 1 George Young. Egypt. p.150 151 London 1927 2 الرافعي: مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، القاهرة في 1942. 3 مضابط البرلمان الإنجليزي عام 1883، مجلد 267، ص 1310. 4 مصر، رقم6، ص50، سنة 1883. 5 Young.p. 179- 180

أصحاب النفوذ الحقيقي في البلاد أو من المصريين العاملين بإرشادهم في تصريف الأمور، ويقوي هذا الاتجاه أن تقارير السير بارنج السنوية قد أغفلت شئون الصحافة، مما يدل على أن أمورها قد استقامت وأنها خلو من الأحداث التي شهدتها الثورة أو عرفها عصر إسماعيل في خاتمته، وهذا كله ليس صحيحًا على علاته. ثم يفاجئنا اللورد كرومر في تقريره عن سنة 1903، بحديث طويل عن الصحافة المصرية استغرق من التقرير ثلاث صفحات كاملات، وهو يستهل حديثه عنها بأنها إنما أغفلها في العشرين سنة الماضية؛ لأنه لم تكن هناك حادثة ذات أهمية تتصل بشئونها، وهو يزعم أنه حرص على حريتها في تلك الفترة، مع أن الاتجاهات العامة منذ عهد الاحتلال كان توحي بالتضييق عليها، والوقوف دون حريتها المطلقة، وهو يشرح فكرة إطلاق العنان لها شرحًا تمليه الثقة التامة بضعف أثرها هو أن أخطرها، فإنه ما دام جيش الاحتلال قائمًا فلا خوف على سلطان الإنجليز منها؛ لأنه يحمي الموقف من كل تطرف صحفي. ثم يتحدث العمد الإنجليزي عن فكرة التقنين للصحافة فيذكر أن فكرة إصدار قانون للصحافة سينتج إشكالًا نحن في غنى عنه؛ لأنه يستوجب سريان نصوصه على الصحافة الأجنبية أيضًا، وفي ذلك من المشاكل ما يجدر أن نتجنبها، وإذا اقتصر القانون على الصحافة المصرية وحدها فإن ذلك يحمل المصريين على الاحتماء بالدول الأجنبية في حالة توظيفهم في الصحافة فلا ينال منهم القانون ويصبح لغوًا لا فائدة منه، هذا مع العلم بأن معظم الدول وبريطانيا في مقدمتها لا تميل إلى سن مثل هذا القانون. واللورد كرومر يصارح حكومته بأن الصحف المصرية مهما تنشر من حملات فلن تغير مجرى الحوادث، وأن قضاياها مهما تكثر فهي تدور في حيز ضيق يتصل بالصحف التافهة التي تتعرض للشخصيات وتلغو في الكرامات وهذه صحف يسخط عليها الرأي العام، وهي قلما تسيء إلى شخصيات ورؤساء الدول الأجنبية أو الخديوي وأسرته.

ولما كانت الصحف لا يحفل بخطرها كما يقول اللورد فإنه أبى أن يجعل شرط ظهور الجريدة حصولها على ترخيص سابق، وسياسته هذه أنتجت في رأيه نتائج مرضية، فقد سمحت لبعض الصحف بالظهور وفي أسلوبها من الشدة والعنف ما فيه غير أنه يراجعها ويجد فيها بعض الفوائد أحيانًا، وهي لم تستطع أن تكون حائلًا دون التقدم في السنوات العشرين الماضية. واللورد كرومر يوصي الموظفين مصريين وبريطانيين بالصحف المعتدلة؛ لأنها تفيد بنقدها وبشرح بعض الأخطاء التي تتلافاها الحكومة فلا تمكن الصحف المعارضة من أن تجد أسسًا قوية في حملاتها فتأتي معارضتها واهية لا أثر لها، وقد طالع بنفسه بعض هذه الصحف فرأى أنه كان من الخطأ ألا يعرف ملاحظاتها سواء في ذلك الصحف التي أصدرتها الأفراد أو الجماعات وهو يعيب على الرسميين كراهيتهم للصحافة وتبرمهم بكل معارضة، ثم يخطئ وجهة نظر القائلين بفرض قانون الصحافة؛ لأن من قانون العقوبات ما يغني عن سن تشريع جديد1. ويجدر بمؤرخ الصحافة المصرية في تلك الحقبة أن يصور موقف السلطات قبل مناقشة اللورد كرومر فيما ذهبت إليه أقواله عن الصحافة المصرية، فالخديوي توفيق لم تكن له صحف ذات أهمية ولم يسع هو إلى خلق هذه الصحف بل كان موقفه موقفًا سلبيًّا وهو موقف سليم على أية حال، أما تركيا فكان لها بالطبع صحف تميل إليها أو تعمل لها بإيعاز من مختار باشا ممثل السلطان في مصر، فكان يدفع لبعض الصحف ألفًا وخمسمائة جنيه لكل منها2 وكان لفرنسا صحف كثيرة تناوئ الاحتلال وتحمل عليه، وهذه تعنيها مصالح فرنسا قبل أن تعنيها شيء آخر، وكان للمصريين بعض الصحف المعتدلة وتعتمد أهمها على رعاية القنصلية الفرنسية أيضًا ولم يفكر الاحتلال في أول الأمر في إنشاء صحف خاصة به بل كان الاحتلاليون وعلى رأسهم العميد البريطاني يعنون بالتمكين للاحتلال

_ 1 Blue Books 1903 p.81-82 2 Blunt: My Diaries p. 167

بنشر الدعاية له في الخارج وفي انجلترا خاصة، فقد تدخلت بعض الجهات في شئون مصر تدخلًا أساء إلى اللورد كرومر في سياسته العامة1 فلم يكن بدل له ولأنصاره من الدعوة لسياسته ونشاطه فعين الفرد ملنر سكرتير مستر جوشن " Goschen" في وظيفة بوازرة المالية المصرية، وكانت وظيفته في الواقع لتنظيم الدعاية في صحافة إنجلترا تأييدًا للاحتلال وسياسته في مصر، وكان ملنر أفضل رجل لهذه الدعاية؛ لأنه من الأحرار وله في صحافتها وشائج صلة وقربى، وكان هذا الداعية يستكتب الموظفين الإنجليز المقالات للصحف والمجلات الشهرية الأوربية عامة والإنجليزية خاصة2. فالعناية الإنجليزية بالصحافة بدأت في صحافة أوربا، أما في مصر فيختلف الواقع مع ما جاء في تقرير كرومر سنة 1903، فالحكومة المصرية قد عاملت الصحف معاملة فيها من القسوة ما ينقض أقوال العميد البريطاني، والحكومة المصرية هنا تمثل الرغبات الإنجليزية ولا تجيز شيئًا لا يرضاه الإنجليز، فهي إن قست على الصحف المصرية فذلك رجع الصدى ليس غير، وقد ألغى الاحتلال بعد أسبوع بعض الصحف الوطنية منها جريدتا "الزمان" و"السفير" وكان إلغاء الأولى "من قبيل الاستصواب" وإلغاء الثانية مبنيًا على "أن صاحبها من ضمن أنصار عرابي". وإذا أغلقت الصحف المعارضة وهو شيء طبعي ما دام سلطان الاحتلال أناخ على جوانب الحكومة جميعًا فإن الغريب حقًّا أن تضيق الحكومة بكاتب من الأجانب يبدي رأيًّا لا يتصل بالسياسة وهو موظف يقدر حدود الوظيفة والتزامات الموظفين إذا تحدثوا أو كتبوا، فقد أذاعت نظارة الداخلية عقب الاحتلال أمرًا قالت فيه "قد عثر في جريدة "الإجبشيان جازيت" على مقالة تتعلق بمواد التعويضات عن الأضرار التي لحقت بسكان القطر المصري من جراء الحوادث الأخيرة وعلم أن محررها هو المسيو فورين بإشكشاف الجمرك

_ 1 Gromer Modern Egypt. V.I. p. 435 2 Blunt W.S. My Diaries

بالإسكندرية، وأنه وإن كانت المقالة خالية من العبارات المخلة بشأن الحكومة إلا أنه لا يجوز لمستخدمي الحكومة جميعًا أن يكاتبوا الجرائد1" ولعل سبب ذلك الضيق بالصحيفة الإنجليزية وبمن يكتب فيها أن أخذت جانب العرابيين وهو موقف دفع له بلنت بسخاء2. يسجل اللورد كرومر في تقريره أن الصحافة المصرية قطعت عشرين عامًا بعد الاحتلال من غير تاريخ، وهو تسجيل ينقضه بلاغ الحكومة الذي يحاسب صحف "الوطن" و"إسكندرية" و"مرآة الشرق" و"البرهان" و"الأهرام" على بعض المقالات النقد التي وجهتها للاحتلال، ثم يزاوج البريطانيون بين الصحافة المصرية والصحافة الأجنبية في المعاملة فينذرون جريدتهم "الإجبشيان جازيت" ويغرموها عشرين جنيهًا لأنها تجاوزت حدودها فيما نشرته من مقالات في يومي 9 و11 أغسطس سنة "1883"3. وينقض تاريخ الأهرام أيضًا ما ذهب إليه كرومر، حقًّا إنها بدأت بعودتها إلى الظهور في 29 سبتمبر "1882"4 حاملة على "العاصي عرابي ورفاقه البغاة" مادحة أنصار الخديوي "كسعادتلو سلطان باشا"5 ناشرة صورة رائعة في صدرها للجنرال السير ولسلي قائد الحملة الإنجليزية على مصر مؤرخة حياته في معظم الصحفة الأولى، وهو في مقدمة الصور التي نشرت في الأهرام فيما نعلم6، ومجمل القول إنها بدأت لينة للاحتلال ورجاله وإن حفلت صفحاتها

_ 1 مصر للمصريين، ج6، ص242 - 243. 2 التاريخ السري، ص332. 3 الأهرام 18 أغسطس عام 1883. 4 قضى قومسيون التعويضات الدولية المصرية المنعقد بالإسكندرية في يوليو عام 1883 لسليم بك تقلا بمبلغ 190 ألف فرنك تعويضًا عن الخسائر التي لحقته خلال الثورة العرابية وذلك بحكم رقم 5979 "راجع الوقائع المصرية في 20 أغسطس" عام 1883". 5 الأهرام 3 أكتوبر عام 1882, 6 الأهرام 5 أكتوبر عام 1883.

خلال عام 1882 بآراء الصحف الإنجليزية والفرنسية في المسألة المصرية، وجعلت يوم الخميس وقفًا على أخبار مصر الداخلية. بيد أن "الأهرام" تحمل علم الجهاد وحدها منذ بدأت سنة 1884، فتودع العام المنصرم "وداعًا لا يمازحه أسف ولا يقابله كدر بل هو واقف إزاءه وقوف ضعيف سلبه خصمه متاعه يستعطفه فلا يحنو ويستصرخه فلا يعي" ويبدو في هذا المقال الانحراف عن الاحتلال ودعاته ثم تعقب على ذلك بنشر مآسي مصر وإن لم يصدر ذلك من محررها، فهي تنتقي أقوال الصحف الإنجليزية التي برمت بالسياسة البريطانية في مصر فتقول على لسان "ذي استاندارد" "يلوح أن حالة مصر في الحاضر أسوأ منها يوم تولى الإنجليز إدارة السياسة المصرية عقب موقعة التل الكبير وولوج العساكر الإنجليزية عاصمة القطر". ثم تحدث في حياة أزمة السودان وانهيار الحكم المصري فيه فتلقى الأهرام بدولها في أمره وحوادثه وتعرض المسألة السودانية والأزمة التي أعقبتها وتصف خيبة الأمل التي لحقت جيوش مصر بأنها من صنع الإنجليز، وتتحدث عن نصيحتهم بتركه، ومعنى النصيحة كما نشرتها الأهرام أن تقبلها مصر "دون حدوث تردد أو إجراء جدال بالإطلاق طالما أن جيش الاحتلال مستقر في البلاد المصرية". والأهرام لا تعجبها هذه النصيحة الإنجليزية لأن الوطني الشريف في رأيها لا يوقع أمرًا بإخلاء السودان، لذلك اعتزلت الوزارة الحكم، ويعلق بشارة في اليوم التالي على موقف الحكومة الشريفية شاكرًا لها خطتها المحمودة وموقفها الوطني المشرف ثم يعطف الكاتب على موقف مجلس الشورى والجمعية العمومية اللذين يشهدان تلك الحوادث وهما عليها سكوت1، وتنعي الأهرام على من وافق على إخلائه أشد النعي وتنشر أحاديث أمراء الألوية بالجيش مبينة

_ 1 الأهرام في 2 و3 و8 يناير عام 1884.

من هذه الأحاديث أخطاء الحكومة وإهمالها في الحرب1 ثم تذكر المحاربين المصريين الذين ضحوا بأرواحهم "تخليدًا لذكر مصرنا العزيزة"2 وبذلك تولت الأهرام التنفيس عن المصريين، وكان حوادث السودان من مواقفها المشرفة، وهي حوادث أكبرتها في عين التاريخ عن المجلسين برجالهما وذواتهما. فإذا فرغت الأهرام من المسألة السودانية ووقعت استقالة ثابت باشا وزير الداخلية نتيجة لتعيين المستر " Glifford Lloyd" وكيلًا للداخلية في 15 يناير عام "1884"3 وتحرجت الأمور بين الوزير والوكيل حتى اضطر الأول إلى الاستقالة؛ لأنه لم يعد في وسعه "المحافظة على شرف المصلحة"4 شرحت الجريدة هذه الأزمة وأعلنت أنها من صنع الإنجليز وأنهم أصحابهم ودعاتها، ثم تعلق على الموضوع تعليقًا وطنيًا انفردت به وحدها. ويسافر مدير الجريدة إلى انجلترا وتأخذ الأهرام في نشر رسائله المتصلة وأحاديثه المتباينة عن مصر وشئونها، وكان من أهم الأحاديث التي نشرتها الأهرام حديث مديرها في أول يونيه 1884 مع ريفرز ولسن عن حالة مصر، فإذا سأله Wilson عن حال البلاد أجابه "بأنها سيئة بفعال أبناء جلدته" ويجيبه عن سوال يتصل بالأسباب التي تحول دون تأليف وزارة يكون من أعضائها رياض باشا وشريف باشا بأن ذلك يتم "إذا كان القصد خدمة مصر لا خدمة الإنجليز" ويمضي مدير الأهرام عارضًا مساوئ الإدارة المالية الإنجليزية في مصر. ويستقبل المصريون هذه الأحاديث المنشورة استقبالًا يضع الأهرام في مكان الزعامة من أفكارهم وآلامهم، فإذا هو تطلع عليهم في 4 أغسطس عام 1884 وفي صدرها خطاب "من علماء وذوات ونواب شورى وغيرهم

_ 1 الأهرام في 24 يناير عام 1884. 2 الأهرام 15 فبراير عام 1884. 3 مجموعة الأوامر العالية عام 1884، ص4. 4 الأهرام، في 10مارس 1884.

في الإسكندرية يمدحون لها موقفها من مصالح مصر ويحفظون لها وفاءها لأمانيهم، وتقرن نشر هذا الكتاب بكتاب آخر من أقاليم مصر الأخرى وهو يضرب على نفس النغمة من تكريم الجريدة وأصحابها. نالت الأهرام تقدير المصريين كما نالت بر الدولة العثمانية بها، أما فرنسا فأمر عطفها عليها معروف منذ عهد إسماعيل، وتجميل جريدة "الشعب" في تأريخها للصحافة الوطنية هذا كله في قولها عن الأهرام إن "سياستها عثمانية مصرية تدافع عن مصالح فرنسا في مصر سواء كان اقتصادية أو سياسية ولكنها لا تهمل المصلحة المصرية وهي تقر للحكومة الحسنة وتبين لها السوءة وهي أكثر الصحف المسيحية عناية بمصالح الوطنيين وأحيانًا تشتد في نقدها كأكثر الصحف الوطنية تطرفًا". ويذكر بعض خصوم الأهرام اتصالها بفرنسا كعار لا يمكن أن تمحوه المواقف الوطنية المشرفة، وفي هذا من التجني ما لا يقبله المؤرخ العادل، فالأهرام بقيت في تاريخ مصر الحديث عشر سنوات تحمل لواء المعارضة وحدها وتحيي ميت الرجاء في نفوس المصريين، وهي التي نقلتهم من الذهول إلى يقظة مهدت للحزب الوطني وجوده، وليس يعيبها بحال أن تعجب بفرنسا أو تعمل لها مادامت "لا تهمل المصلحة الوطنية"1 ولا يضيرها هذا في التاريخ وبعض الأمم تعجب ببعضها وتعمل لها وتؤمن بمبادئها حتى لا تسلم أحيانًا من تعريض استقلالها ووجودها لخطر قريب أو بعيد، وتاريخ الأهرام في الأعوام التي تلت الاحتلال أفضل من تاريخ مجالس مصر النيابية وأعز عند المؤرخ منها، وإن مصر نفسها لم تختلف عن الأهرام في إيمانها بفرنسا وأملها فيها، وعند ذلك تتفق الأهرام ومصطفى كامل زعيم النهضة قبل الاتفاق الودي. وإذا كان حظ الأهرام عند المصريين والسلطان والفرنسيين حظًّا موسومًا

_ 1 الشعب في 8 مايو عام 1992.

بالتقدير والإعجاب، فإن الحكومة المصرية ومن ورائها رجال الاحتلال لا يرون فيها هذا الرأي وهي تؤرق حياتهم بما تنشره من مقالات وأحاديث، لذلك قررت الحكومة تعطيلها شهرًا "لأنها نشرت جملة مواد سياسية من شأنها خدش سلطة واعتبار الحكومة الخديوية"1 ولأسباب التعطيل نواحٍ خفية لم يتضمنها بالطبع أمر الإغلاق وأهمها رسالة مديرها من لندن المنشورة في 11 أغسطس عام 1884 فقد عرض فيها بشارة إلى أحداث مصر، وغمز الحكومة المصرية يعتبر جارحًا في تلك الأيام2 وفي ذلك تقول "العروة الوثقى" إن أسباب غلقها "نشر رسائل مدير الجريدة وهو في لندرا على ما فيها من بيان بعض مساوئ السياسة الإنجليزية على خلاف رغبة الباشا -تقصد نوبار باشا- وقيل: إن السبب نشر التشكر الذي قدم إلى المدير والمحرر من أعيان البلاد دلالة على استحسان مشرب الجريدة "استقباح سياسة الإنجليز"3. ومهما تكن الأسباب الظاهرة والخفية فإن الأهرام عطلتها الحكومة شهرًا، وإذا لم يكن المصريون يملكون ما يحول دون تعطيلها فإن القنصلية الفرنسية أثارت ضجة خطيرة لهذا الموضوع، وتبدأ قصة هذا الكفاح ببرقية إلى الداخلية من أحد موظفيها ينبئها فيها بأنه "صار إعلان قرار بتعطيل جورنال الأهرام إلى سليم بك تقلا نفسه في صباح تاريخه الساعة 6 أفرنكي بعد توقيفه الكلي مع غلق المطبعة تعلقه والختم على بابها بختم المحافظة وتعيين اثنين بوليس غفرة على الباب المذكور، وبعد نهو ذلك حضر مندوب من قنصلاتو فرنسا وأمرنا بالخروج من محل مكتب الجورنال الذي كنا فيه لأجل تحرير المحضر فأوريناه أن مأموريتنا انتهت وانصرفنا". ثم يبعث القنصل بكتاب إلى المحافظة يحتج على ذلك أشد الاحتجاج

_ 1 الوقائع المصرية في 21 أغسطس عام1884. 2 محفوظات الداخلية ملف 11 - 2 - 946، ج1. 3 مجلة العروة الوثقى ص145 - 146.

ويوضح له أن عمل الحكومة كله عمل غير قانوني من جميع الوجوه وفي من الظلم ما لا يحتمله، وهو اعتداء على كرامة القنصلية الفرنسية لا يقبل معه اعتذارًا كتابيًّا أو شفهيًّا قبل أن تفتح مطبعة تقلا بحضور ممثل القنصلية، ثم يهدد المحافظ بأنه سيكتب للقنصل العام في القاهرة ليطلب الاعتذار الرسمي على إهانة السيادة القنصلية التي صدرت عن السلطات المحلية وعلى رأسها محافظ الثغر، وأرسل القنصل كتابًا مماثلًا لوزير الداخلية وإن صيغت عبارته في ألفاظ رقيقة. ويبعث محافظ الإسكندرية ببرقية إلى ناظر الداخلية ينبئه فيها بمضمون كتاب القنصل، وأهم ما فيه احتفاظه بحقوق صاحب الأهرام وطلبه رفع الأختام في غضون نصف ساعة، بيد أن الوزير أمر المحافظ بتنفيذ التعليمات على ضوء ما أرسل إليه من رئيس النظارة، ويبدو أن القنصلية الفرنسية عجزت عن أن تحول دون تعطيل الأهرام فأوعزت إلى صاحبه بإقامة الدعوى على الحكومة أمام المحكمة المختلطة في 27 أغسطس عام "1884"1 غير أن هذا الموضوع لم يقض فيه. هذه هي إحدى الحوادث التي أنكر اللورد كرومر وجودها حين تحدث عن الصحافة المصرية في سنة 1903 وهي أبرز حوادث الصحافة الوطنية إذ ذاك؛ لأن الأهرام2 كانت تمثل في مصر المعارضة وتمثل مع غيرها المصالح الفرنسية، وتعبر من ناحية أخرى عن سخط الباب العالي على الحالة في القطر.

_ 1 محفوظات الداخلية ملف 11 - 2 - 946، ج1. 2 أصدر بشارة تقلا جريدة "الشرق" ورخصت له بذلك الداخلية في 21 مايو عام 1883 ثم غير اسم الشرق بالنيل في 7 مايو عام 1887، ونقلت الأهرام إلى القاهرة في أول نوفمبر عام 1899 ورفضت الداخلية إصدار الجريدة بالإسكندرية أو إصدار صحيفة فرنسية في القاهرة، ثم تغلب أصحابها على العقبة وأصدرها في الثغر باسم "الأهرام" طبعة الإسكندرية، ثم غيرت إلى صدى الأهرام "راجع الداخلية المصدر السابق".

المصري، فهي حادث من حوادث مصر البارزة، وتعطيلها لون من ألوان الضغط على الحريات العامة. لم يذكر اللورد كرومر هذا الحادث، ولم يفصل تاريخ الوزارة النوبارية مع الصحف وهو تاريخ حافل كان تعطيل الأهرام مثلًا من أمثلته، وكان قرار هذه النظارة بمنع جريدة "العروة الوثقى" من الدخول إلى مصر مثلًا ثانيًا للضيق بالرأي الحر، فقد أصدر مجلس النظار في أول مايو عام 1884 قراره هذا "حفظًا للنظام العمومي"1 وسيأتي الحديث عنها في فصل خاص بالصحف المصرية في الخارج، ثم ألغيت الوطن في نفس السنة2؛ لأن صاحبها "نهج في جريدته منهج عدم الاستقامة المخالفة بنشر الجمل والأخبار المشوشة للأفكار والموجبة للقلق والاضطراب"3. ومن الغريب حقًّا أن تلغي "الوطن" وهي من الصحف الموالية لرئيس الحكومة الذي أصدر الأمر بإلغائها فهي تستقبل الحكومة والاحتلال بعد الثورة العرابية استقبالًا منقطع النظر، وهي تحمل على العرابيين وإن مزجت الحملة بلون من التعصب الديني4 وهي تحمل على استبدال النفي بحكم الإعدام في قضية عرابي حملة استغرقت معظم الصفحة الأولى منها، فإذا أحست أن هذه الحملة آلمت الإنجليز وهم أصحاب الرأي في استبدال هذا الحكم اعتذرت بقولها "قد رأينا أن ندفع ما علق بأوهام البعض من أننا نددنا على انجلترا في مصر والحال أننا لم نأتِ شيئًا إدّا ولم نخرج عن الحد أبدًا ولم نستعمل حدة ولا شدة في كلامنا على نتيجة محاكمة البغاة بل إن جريدة "الوطن" دون غيرها طالما دافعت عن سياسة إنجلترا ونشرت مآثر أهلها ومكارم أخلاقهم. ولما اشتد كرب تلك الفئة الباغية كنا نتمنى لو أتت دولة البرابرة لتنقذنا من

_ 1 الوقائع المصرية في 15 مايو عام 1884. 2 الوقائع المصرية 12 مارس عام 1884. 3 الداخلية دوسيه رقم 4 مكرر. 4 الوطن 25 نوفمبر عام 1882.

مخالبها فما بالك بدولة بريطانيا المتمدنة المشهورة بحسن السياسة ومزيد الكياسة ودهاء الرجال وسداد الأعمال فهل يظن أن يقابل معروفها بالغمط والكفران". كان من الغريب حقًّا أن تلغي جريدة "الوطن" وهذه هي سياستها وهي سياسة موالية أشد الولاء للإنجليز ورجالهم من المصريين، وأكبر الظن أن عقابها كان فجًّا وعلى غير أساس؛ لأنها عادت إلى الحياة بعد يومين من صدور أمر الإغلاق2، ومن الحوادث الصحفية التي أغفلها كرومر في تقريره إغلاق "مرآة الشرق" بقرار من مجلس النظار وهي من الصحف الوطنية القديمة التي طبعت بطابع الإخلاص والتضحية والمعارضة للاحتلال ورجاله وتعريب ما يقال فيهم من سوء، وكذلك ألغيت جريدة "الزمان" بقرار من مجلس النظار في 29 يوليه عام "1886"3 وأنذرت "الصادق" بقرار من وزارة الداخلية في 25 سبتمبر؛ لأنها نشرت مقالة تضمنت "كثيرًا مما يشوش الأفكار ويخدش الأذهان"4 وهذه الجريدة من الصحف المعارضة للاحتلال، وقد أنشئت بإيعاز من مختار باشا الغازي المعتمد السلطاني في مصر بعد تعطيل "مرآة الشرق" وكلتاهما من الصحف التي تربطها بتركيا وسياستها أقوى الروابط5. هذه هي بعض حوادث الصحافة المصرية العربية في السنوات الأربع الأولى من الاحتلال البريطاني، وكانت جديرة بأن يتحدث اللورد كرومر عنها لا أن يهملها ويهمل ما جاء بعدها من الحوادث الخطيرة في حياة الصحف

_ 1 الوطن في 9 و16 ديسمبر عام 1882. 2 الوقائع المصرية في 31 مارس 1886. 3 الوقائع المصرية في 2 أغسطس 1886. 4 مجموع الأوامر العالية عام 1886. 5 طرازي ج3، ص30.

المصرية، بيد أنه أبى تسجيل حوادثها وأخفى أزمانها عن حكومته وبرلمانه فلم يعلق عليها بحرف. وليست الصحافة المصرية العربية وحدها التي استبد بها الاحتلال بل إن الصحافة الأجنبية في مصر عانت من ضغطه وضغط رجاله مثلما عانت الصحف المصرية الحرة، وأبرز المشاكل الصحفية لهذا العهد تعطيل جريدة "لوبوسفور إجبسيان" " Le Bospgore Egyptien" فهي صحيفة فرنسية النزعة تحتمي بالقنصلية الفرنسية، دأبت على الحط من الاحتلال وتسوئ سمعته وتتبع نقائصه ونشر فضائحه، وهي من خصوم نوبار المعارضين له، وكانت تصدر باللغتين العربية والفرنسية معًا. وقد مضت "لوبوسفور إجبسيان" تعارض كرومر وسياسته في عنف وشدة، وهي أول من أشار إلى الخلاف بين وكيل الداخلية والنائب العام بالمحاكم الأهلية وكلاهما إنجليزي، وهي تروي نبأ هذا الخلاف كفضيحة من فضائح العصر1 ثم أذاعت منشور المهدي، وقد نشرته جريدة "الفلاح" في 15 يوليو عام 1886، الذي يتحدى فيه الحكومة المصرية ويدعو للثورة عليها، وكان نشر هذه المنشور السبب المباشر الذي من أجله قرر مجلس النظار في أبريل عام 1885 تعطيلها وإقفال مطبعتها، وأثار حادث تعطيلها وإقفال مطبعتها أزمة حادة بين الحكومة المصرية والحكومة الفرنسية، وقد وقفت الحكومة البريطانية إلى جانب مصر في أول الأمر؛ لأن عقاب الجريدة يلذ للسلطتين معًا؛ لأنها خصمهما جميعًا. وتروي "لوبوسفور إجبسيان" مراحل الأزمة فتذكر أن الحكومة المصرية طلبت من القنصلية في 8 أبريل بعث مندوب لها ليشهد عمليتي التعطيل والإغلاق فكان رد القنصلية احتجاج قنصلها على ذلك، بيد أن الحكومة أهملت احتجاج

_ 1 لوبوسفور إجبسيان في 29 مارس عام 1884.

القنصل ومضت في تنفيذ قرارها وصادرت الجريدة وأقفلت المطبعة، وأراد وكيل القنصلية أن يتدخل فأهين من السلطات المصرية، فبعث القنصل العام لفرنسا في مصر إلى حكومته بمضمون ما حدث، ولما كانت هذه هي المرة الثانية التي تهان فرنسا فيها، فقد هددت بقطع العلاقات مع الحكومة المصرية إذا لم تعتذر الحكومة وتعيد الجريدة والمطبعة إلى الحياة. ورأى الإنجليز المسئولون في مصر أن الأزمة قد بلغت حدًّا قد يؤثر في علاقات فرنسا وإنجلترا فتخلوا عن مصر ونصحوا لها بحل الموقف مهما يكن الثمن، ففتحت المطبعة بدون قيد ولا شرط، وذهب نوبار باشا بملابسه الرسمية إلى معتمد فرنسا وقدم اعتذاره رسميًّا في 3 مايو عام 1885 وعادت الجريدة إلى الظهور في 2 مايو من السنة المذكورة1. وقد صدر كتاب أصفر يحتوي على المحادثات التي دارت بين الحكومات الثلاث2 وخسرت مصر بذلك الموقف خسارة أدبية لم تهم الإنجليز في شيء، غير أن هذه الأزمة التي حدثت بين الحكومات الثلاث قَوَّتْ ساعد الأهرام، فإن فرنسا قد كسبت المعركة وخسرتها الحكومة المصرية ومن ورائها المحتلون، ونحن نعني بالأهرام وحدها في تاريخ صحافة ذلك العهد؛ لأنها الجريدة الوحيدة التي عارضت في أسلوب عف وناقشت خصومها في عبارات مهذبة، مع أنه كان بجانبها صحفيون "من أهل اللهجة العربية" ينشرون صحفهم وبعضها معارض غير أنها صحف كما تقول الحكومة ويصدقها الواقع تعلم "الفحش والبذاء المفسدون لأخلاق العامة"3. قوى انتصار فرنسا في الأزمة الصحفية السابقة جريدة الأهرام، فاشتدت معارضتها وحملت على الإنجليز وسياستهم في جميع أعدادها، وإذا نسي

_ 1 لوبوسفور إجبسيان 21 مايو عام 1885. 2 مجلة الشباب، عدد 6 عام 1936. 3 الأهرام في 31 أكتوبر عام 1884.

المجلسان النيابيان وظيفتهما اللينة التي يجوز فيها لفت النظر أو إبداء الرغبة، فإن الأهرام لم تقف عند المعارضة الودية بل دعت إلى الجلاء وألحت فيه، وهي تؤرخ للسياسة الإنجليزية في مصر التي بدأ منذ سنة 1840 بإثارة أوربا على محمد علي باشا ثم "نراها قد احتلت مصر" وتحمل على إنجلترا وتصفها بأقبح الأوصاف فهي عندها أمة "كل يوم في شأن وكل ساعة في خطة" أما وعودها بالجلاء عن مصر فهي مواعيد عرقوب "فإنا على ذلك لا نرى إنجلترا تفي وعدًا ولا تحفظ عهدًا". ولا تَمسّكُ بالعهد الذي وعدت ... إلا كما يمسك الماءَ الغرابيلُ1 وهي تعني أشد العناية بمؤتمر الأستانة، وكان وظيفة هذا المؤتمر التفكير في أمثل الطرق لحل المسألة المصرية، وهي تعرض التيارات المختلفة بين الدول وصحافتها المتباينة ثم تعلق في اتزان وعمق على ما يدور هنا وهناك2. وكانت الأهرام أكثر الصحف انتشارًا؛ لأنها كانت الجريدة الوطنية الوحيدة كما يؤيد ذلك محمد فريد بك رئيس الحزب الوطني3 وكان يقرؤها الرأي العام النابه في خاصته والرأي العام القارئ في مجموعة المتعلمين، وقد أصبحت دعامة من دعامات حرية الفكر، فلا غرو أن أثرت معانيها في أعضاء مجلس شورى القوانين فقد بقي هؤلاء الأعضاء في موقف سلبي زهاء عشرة أعوام منذ أنشئ مجلسهم، بيد أنهم برموا بالمستشار الإنجليزي فرفضوا ميزانية عام 1893؛ لأنه لم يعرضها قبل الموعد المحدد لظهورها بوقت كافٍ، وهذا موقف جديد بالنسبة لهذا المجلس4 والأهرام تزكي هذه اللفتة الجديدة وتحذر الأعضاء من الشراك التي تنصب لهم في الخفاء5 فإذا بهم يظهرون

_ 1 الأهرام في 2 يناير عام 1887. 2 الأهرام في 12 مايو وأول يوليو و13 يوليو عام 1887. 3 نقلًا عن Jeune Turc في 16 يناير عام 1910. 4 الرافعي: مصطفى كامل، ص347 - 352. 5 الأهرام في شهري نوفمبر وديسمبر عام 1893.

استياءهم من اتصال العميد البريطاني ببعضهم ثم يرفضون اعتمادهم نفقات جيش الاحتلال، وهو أول موقف كريم عرف لهذا المجلس، وقد ساء الصحافة الإنجليزية هذا الموقف وساءها انضمام رياض باشا إلى الأعضاء وإعلانه مشاركة الحكومة للمجلس فيما ذهب إليه عن الجلاء1. وتنشر الأهرام هذه المواقف الجديدة في حياة مجلس الشورى وتمتدح أعضاءه ثم تفسح صدرها للمصريين الذين آن لهم أن يتنفسوا ويخرجوا من يأسهم وقنوطهم فقد فقدوا الحرية والاستقلال معًا، وانحلت المقاومة الأهلية وأصبح الاحتلال مهيمنًا على مرافق الحياة العامة ومصالح الدولة ووزاراتها جميعًا، وليس في ميدان المعارضة جريدة ذات أهمية إلا "الأهرام" فكانت للمواطنين نعم السند ونعم النصير. وفي ذلك الوقت ظهر في بيئة الوطنيين فتى له في تاريخ مصر وصحافتها الشأن الأول إذا كانت الحياة جهادًا وكفاحًا وحقًّا، واحتفلت به جريدة الأهرام وفسحت صدرها لقلمه، فكانت أهم مقالاته فيها مقالًا استغرق صفحاتها الأولى عن "الوعود الصريحة" وعود الجلاء المتكررة من الإنجليز، وهو يوجه المعارضة في عنف وشدة قلما رأى الاحتلال مثلهما في صحيفة عربية، فإن الإنجليز "بمحافظتهم على هذا الاحتلال الثقيل قد تنكروا لأعز شيء يتباهون به ويفخرون أعني بذلك الشرف البريطاني الجليل الشأن الرفيع البنيان" ثم يعقب على هذا المقال في يوم آخر بحديث جرى بينه وبين السير بارنج له خطره ومكانته كعمل صحفي، وله آثاره كعمل وطني2 وتمد الأهرام في رحابها لمصطفى كامل فقد استنكر هذا المعارض الوطني الجديد إنشاء "المحكمة المخصوصة" وهي محكمة ألفت لمحاكمة الأهالي الذين يعتدون على الجنود الإنجليز، وهي لا تتقيد بقانون العقوبات، فنشرت له احتجاجًا ناريًا

_ 1 راجع تقرير الحكومة الذي تلاه رياض باشا في مجلس الشورى في 23 ديسمبر عام 1893. 2 الأهرام في 4 و28 يناير عام 1895.

على إنشاء هذه المحكمة بعنوان "صواعق الاحتلال"1. ينكر اللورد كرومر هذه المواقف جميعًا؛ لأنه اختلط لنفسه خطة جديدة قد تكفل له الطمأنينة على مركز الاحتلال في مصر، فإذا كان في غير مقدوره أن يبطش بالصحف والصحفيين خوف الرأي العام الإنجليزي أو المشاكل الدولية كما حدث في موضوعي "الأهرام والبوسفور إجبسيان" فلا بأس أن تكون في مصر صحافتان، صحافة حرة مطلقة تتحدث بما تشاء كالأهرام مثلًا وبعض الصحف الصغيرة الأخرى، وصحافة أخرى حرة مطلقة أيضًا تعمل لحسابه "كالمقطم" وهو مطمئن إلى هو أن الأولى؛ لأنها عزلاء من المال ومن الأخبار يسلط عليها سيف قانون العقوبات، وهو مطمئن إلى خطر الثانية بما ينفحها هو من مال، وما تقدمه لها الدولة من إعلانات وأنباء. وقد رأى العميد الإنجليزي أن يحارب الصحافة بالصحافة، فأوعز إلى أصحاب "المقتطف" أن ينشئوا صحيفة يومية سياسية تنافس الأهرام وتعارضها وتحمي المصالح البريطانية كما كانت الأهرام تؤيد المصالح الفرنسية، فتقدم يعقوب صروف وفارس نمر وشاهين مكاريوس إلى إدارة المطبوعات في 18 أبريل عام 1888 يرجون الترخيص لهم بإنشاء جريدة سياسية تجارية غرضها خدمة الوطن واسمها "المقطم" ويكون صدورها يوميًّا، وهم يعتمدون في طلب الترخيص وهذه "شواهد مقبولة لديكم على إخلاص نيتنا وحسن طويتنا ومراعاتنا لقوانين حكومتنا السنية"2. ورخصت نظارة الداخلية "إدارة المطبوعات" للشركاء الثلاثة بإصدار "المقطم" في 29 أبريل عام 1888 وهم ينالون الترخيص كرعايا مصريين وفي ظل الخديوي، غير أن تاريخ المقطم في سنواته الأولى ينقض ما جاء في ترخيص أصحابه وتقول في ذلك جريدة "الشعب" وهي تؤرخ "للمقطم"

_ 1 الأهرام 4 مارس 1895 - وقد ذكر لنا المرحوم جبرائيل تقلا باشا أن مصطفى كامل كان له حجرة خاصة في الأهرام يستقبل فيها أنصاره. 2 محفوظات وزارة الداخلية، دوسيه رقم1.

إنه "إنجليزي صرف وكل أعمال الحكومة ممدوحة لديه، وهو يترجم ويطبع تقرير المعتمد"1 ويقول محمد بك فريد: الإنجليز أنشئوه ليدعو لسياستهم2 وأعلم المستر بلنت في أوروبا "أن وزارتي الحربية والداخلية دفعتا لصحيفة المقطم مبلغًا عظيمًا من المال لتدافع عن تصرفات الإنجليز فيهما" ويقرر الأستاذ أمين عبده المحامي أن المقطم دأبت على التعرض للخديوي فأراد أن يقدمها للمحاكمة بمقتضى قانون المطبوعات الصادر في عام 1881 فأعلن كرومر أن هذا القانون قد جبه قانون العقوبات في المادة 25 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية، وهو لا يوافق على تقديم المقطم للقضاء؛ لأنه من أنصار حرية الرأي وحرية الصحافة، وأن هذه الحرية من قواعد العدالة التي جاء فيها الإنجليز إلى مصر3. وتقول عنها "الاتحاد المصري" وهي إحدى معاصراتها في 12 سبتمبر عام 1889: "إن هذه الرقطاء تحاول الجمع بوقت واحد بين المتحالفين فهي تتزلف تارة بالمقال وتستعين بالتدليس والخداع حتى تخيل للمصريين أنها عريقة الحسب وأن بينها وبين رجال مصر قرابة ونسب". هذا بعض ما ذكره المعاصرون من المصريين والإنجليز عن "المقطم" وسياستها وهم يقطعون بأن سياستها إنجليزية وأن دار الوكالة البريطانية حالت دون سلطان الحكومة المصرية ودون عقابها مع أن أصحابها من الرعايا المصريين، وهي خصيم للخديوي تعرض بمقامه مع أنها نشأت في "ظل الحضرة الفخيمة الخديوية" ولا عذر لنا إن أنكرنا هذه الحقائق التاريخية، فقد حفلت فعلًا بمقالات الإعجاب بالاحتلال وتقدير رجاله ونالت من الحظوة ما جعل مصالح الحكومة في خدمتها تمدها بالأخبار جليلها وتافهها، بينما حرمت الصحف الأخرى منها حتى استطاعت نشر بعض الأحكام القضائية قبل النطق بها بعدة

_ 1 الشعب 8 مايو عام 1912. 2 جون تيرك 16 يناير عاغم 1910. 3 الشباب في 16 مارس و20 أبريل 1936.

أيام1 وهي تدافع عن أصدقاء الإنجليز المصريين كمصطفى فهمي باشا فتعرض لاستقالته وتودعه في مقال طويل كله إعجاب وثناء عليه، وهي تمزج تقديرها له بتقدير الإنجليز وسياستهم الطيبة نحو مصر2. ولا تقف "المقطم" عند هذا الحد من موادعة أنصار الاحتلال وملاطفتهم بل تذهب إلى أكثر من ذلك فتعاود الحديث عن الحكومة الفهمية البغيضة إلى الخديوي والوطنيين، وتنشر للمصريين تهديد الإنجليز وتسخيف فكرة الوفود التي ذهبت إلى عابدين تأييدًا للخديوي، ويستشيط طلاب المدارس العالية غيظًا فيهاجمون "المقطم" وإدارتها في 20 يناير 1893 إعلانًا بسخطهم على موقفها من شعور المصريين3 والمقطم لا تثني على الإنجليز أو أصدقائهم في مصر فقط بل إن سياستها تتجه إلى مناوأة السلطان والحملة على تركيا، وهذه الحملة ركن من سياستها العامة، و"الأهرام" و"الوطن" تناوئانها، فيما ذهبت إليه وتعرضان على قرائهما هذه الحملة4 وتبينان خطرها، حتى استاء الرأي العام من المقطم وسياستها فاضطرت الحكومة إلى إنذارها في أبريل 1893 وقالت في إنذارها "قد رأينا مع الأسف أن جريدة المقطم نشرت من زمان بعض مقالات وبعض مكاتبات تمس دولتنا العلية وحيث أن الحكومة الخديوية لا تسمح بذلك مطلقًا فقد أصدرنا هذا الإنذار إلى تلك الجريدة حتى تكف عن هذه الخطة"5. نجحت سياسة كرومر التي لم يشرحها في تقريره آنف الذكر من حيث محاربة الصحافة بالصحافة، فقد تمكنت "المقطم" من الذيوع والانتشار

_ 1 نشرت الحكم الصادر ضد الجريدة البوسفور قبل النطق به بأسبوعين. "راجع مجلة الشباب في 16 مارس عام 1936". 2 المقطم في أول مايو عام 1893. 3 الرافعي: مصطفى كامل، ص310. 4 الأهرام والوطن في أواخر أبريل عام 1893. 5 الوقائع المصرية في 5 أبريل عام 1893.

وكانت خصمًا لا يستهان به في إخراجه وتحريره، ولم تعد "الأهرام" باتزانها و"الوطن" بتفاهة تحريرها قادرتين على مواجهة حماسة "المقطم" ففكر الوطنيون في إنشاء صحيفة وطنية يكون في مقدورها تسفيه المقطم ومحاربة الاحتلال، وساعدت الظروف الوطنيين وواتتهم بحكومة تعطف على فكرتهم فاجتمع لطيف باشا سليم الحجازي وحسن باشا عاصم وإبراهيم الهلباوي وغيرهم، واستقر رأيهم على أن يتولى حجازي باشا عرض فكرة إنشاء صحيفة على رياض باشا على أن تحارب الاحتلال وتعلن أخطاءه وتنشئ الأحداث على كراهيته. ولم ير رئيس الحكومة مانعًا يحول دون إنشاء "المؤيد"1 فصدرت في أول ديسمبر 1889 لصاحبها الشيخ على يوسف، من أئمة الصحفيين في ذلك العصر وصاحب مجلة "الآداب" ومن تلامذة الأفغاني المؤمنين بمبادئه واتجاهاته، ومن أهم أغراض المؤيد كما تقول خطته "بث الأفكار المفيدة والتحذير الصادقة والمبادرة إلى نشر الحوادث الداخلية من باب الاعتبار والتحذير أو الترويح والتبشير، وغير تاركة شأن التجارة الداخلية والخارجية"2 وقد كانت "المؤيد" موالية لحكومة رياض عاملة على بث الأغراض التي من أجلها أنشئت في هوادة وتؤدة، وبذلك أغنت القارئ المسلم الوطني وأرضته. أصبحت "المؤيد" مجالًا للأقلام الوطنية الناشئة في البيئة المصرية، فكان مصطفى كامل أحد كتابها المعروفين وإن لم يكن من أعضاء تحريرها، وقد ذاع أمرها واشتد ساعدها وعالجت الموضوعات المصرية والإسلامية في مقالات طويلة جدًّا قد تبلغ الصحفة الأولى جميعًا3 كما نشرت بحوثًا عن الاستعمار

_ 1 مجلة الشباب، العدد الثامن، في 1936. 2 المؤيد في أول ديسمبر 1889. 3 المؤيد في 8 مارس عام 1893.

النمساوي في السودان1 وقد كانت "المؤيد" فريدة بين زميلاتها فيما نشرته من مقالات ضد الاستعمار أيا كان لونه أو مداه، وهي تدأب في الحملة على الأجانب كلما اتصلت ظروفهم بالمسلمين في أي مكان من الأرض اتصال الظالمين بالمظلومين، ووجدت دار الوكالة البريطانية أن ساعد هذه الصحيفة الوطنية الجديدة قد اشتد وأنها تقرأ في بلاد الشرق جميعًا، فأمرت بمنعها من دخول السودان، وحوربت بشتى الأساليب فكانت تصادر هنا وهناك دون علمها فلا تصل إلى مشتركيها2. ثم أطلقت الصحف الموالية للإنجليز أقلامها على صحيفة الوطنيين وما يلوذ بها من صحف كجريدة "المقياس" التي كانت تطبع في مطبعة "المؤيد" وتكتب مقالاتها بوحي من صاحبه وأنصاره، وقد ذهبت "المقياس" مذهب التعصب الصريح للوطن والدين معًا فحملت على "المقطم" حملات شعواء وأساءت للمسيحيين إساءات واضحة لا لبس فيها ولا إبهام3 فنشرت "المقطم" مقالًا بعنوان "يضرمون نار التعصب وينكرون" وهي تذكر ما نشرته "المقياس" من نثر وشعر تدعو فيه أن يسل المسلمون "سيوفهم" ويقتلون "الكافرين؛ لأنهم زلزلوا صروح دين المسلمين". وتعتبر "المقطمُ" صاحبَ "المؤيد" جاهلًا بآداب المناظرة وتحمل على مصطفى كامل؛ لأنه دعا إلى تكريم "المؤيد"؛ لأنها أقدر الصحف على الإساءة إلى "المقطم" وأصحابه، ثم تلفت الصحف الأوربية إلى ما تنشره "المؤيد" ثم تحتكم إلى الرأي العام ليحافظ "على التقاليد الخديوية المشهورة بمنع التقسيم بين الرعية" وتبين للصحف العربية خطر دعوة "المؤيد" وأذنابه من الصحف وتوجه نظر جريدة "الحقوق" إلى ذلك "لأنا لا نجد جريدة أخرى بين

الجرائد العربية التي انتصرت للمؤيد تستحق أن تذكر على مسمع أهل الفضل والأدب"1. واهتمت الصحف الأجنبية في مصر بعد مقال "المقطم" ومثلت هذا الاهتمام "لوبروجريه إجيبسيان" التي ردت على الشيخ علي يوسف وحملت على سياسته التعصبية ولفتت نظر الحكومة إلى هذا التعصب الذي من شأنه أن يعرض الأمن للاضطراب وحياة الأوربيين للخطر؛ لأن الشيخ علي يوسف يدعو إلى أن يقوم قسم من الشعب بذبح القسم الآخر2. وعندي أن مسألة التعصب، وإن صدرت في بعض المعاني التي نشرت في "المقياس" و"المؤيد" فإنها ليست السبب في حملة "المقطم" أو الصحف الأجنبية الأخرى، وإنما الخصومة مصدرها تفوق "المؤيد" في الدفاع عن المصالح الوطنية وقدرة أصاحبها على رد أصحاب "المقطم" وتسوئ سمعتهم وفضح الاحتلال، وتربية الجماهير تربية استقلالية بما كانت تنشره من مقالات محررها أو أنصاره من الوطنيين. وظهرت بجانب "المؤيد" صحيفة "الأستاذ" في 23 أغسطس عام 1892 وهي للسيد عبد الله النديم، صدرت أسبوعية "علمية تهذيبية فكاهية" نصيرة للوطنيين وللخديوي عباس الثاني، وبحمل صاحبها ما ذهبنا إليه في قوله عن احتجاب صحيفته إن الجرائد الفرنجية في مصر وانجلترا حملت عليه وادعت أنه متعصب للدين عدو للأجانب، وقد برم بها اللورد كرومر فأمر بإغلاقها كما فرض على صاحبها مغادرة مصر3. لم يحتمل الإنجليز جريدة "المؤيد" بيد أنهم لم يستطيعوا وقفها كما صنعوا بالأستاذ، فمضت قدمًا تؤرخ للصحافة المصرية كفاحها في ذلك الوقت حتى

_ 1 المقطم في 28 سبتمبر عام 1895. 2 لوبروجريه إجيبسيان في 30 سبتمبر عام 1895. 3 مجلة الأستاذ في 13 يونيه 1893، والثورة العرابية للرافعي، ص525.

بدأت الجريدة البريطانية المصرية في فتح السودان، ووقفت "المؤيد" موقف الخصم لهذه الحملة مبينة ما فيها من خفض سلطان المصريين عليها، وقد دأبت على نشر أخبار الحملة برقًا، ومن بينها البرقيات الدائرة بين الحربية وقادة الحملة، وفيها من الأسرار ما يهز جوانب العملية الحربية الدائرة1 فقدمتها الحكومة للقضاء ولكنه برأ ساحتها وأنقذ محررها. وظهرت المسألة المصرية من جديد باحتلال الفرنسيين "فاشودة" في جنوب السودان وهي من أملاك مصر، وتحرجت الأمور بين انجلترا وفرنسا، وظن الوطنيون المصريون أن فرنسا ستعلق إخلاء فاشودة على جلاء الإنجليز عن مصر، وفي ذلك كتبت الصحف المصرية وخطب مصطفى كامل وأعادت "الأهرام" و"الوطن" و"المؤيد" تاريخ الاحتلال البريطاني، ونشرت وعود الجلاء التي صدرت من الإنجليز المسئولين إلى سنة 1898 غير أن هذا الحادث الذي بنى عليه المصريون آمالهم قد انتهى بانسحاب مارشال من فاشودة واستيلاء كتشنر عليها، ولم توضع المسألة المصرية موضع البحث من جديد. ومنذ حادث "فاشودة" بدأ الإنجليز يشتدون في معاملة المصريين ولا يتحرجون من إساءة الخديوي فعزلوا النائب العام المصري حين فتش منزل صديقهم السيد توفيق البكري الذي نشر قصيدة ضد عباس الثاني ونصبوا مكانه إنجليزيًّا، فقامت "المؤيد" على رأس الصحافة تحمل على هذا التصرف الذي من شأنه أن يخل بواجب المصريين نحو مليكهم الشرعي ويجعل الموظفين منهم عرضة للرفت أو عرضة لإهمال واجباتهم خوف الاحتلال وإذلاله. لم تعد الصحافة المصرية منذ حادث فاشودة تعتمد كل الاعتماد على قوة أجنبية لترد لمصر استقلالها وتفرض على الإنجليز جلاءهم عنها، فأصبحت الصحف الوطنية تستنفر الهمم المصرية؛ لتحقيق الأماني القومية، وهي تطلب إلى المصريين أن يضعوا نصب أعينهم هذه الحقيقة الماثلة، وكان ممثل هذا

_ 1 المؤيد في 28 يوليو عام 1896.

الرأي مصطفى كامل بما نشر من مقالات وأذاع من خطب في القاهرة والإسكندرية خاصة، فقد اعتبر هذا الزعيم الشاب أن حادث فاشودة دليل حسي على نفض فرنسا يدها من المسألة المصرية1. واتسع أفق الحركة الوطنية في مصر والخارج، ومضى مصطفى كامل إلى أوربا وخطب هناك ونشر المقالات، وكانت وكالات الأنباء تنقلها إلى جوانب المعمورة "والأهرام" تنشرها برقًا و"المؤيد" تذيعها تفصيلًا، وقد برم الاحتلال بهذا الفتى الوطني الخطيب الكاتب فرأى تجنيده، وأذاع هافاس هذه المؤامرة وهاجت الصحف لها حتى صحيفة الحكومة شبه الرسمية وهو "لوجورنال إجيبسيان Le Journal Egyptien فقد حذرت الحكومة والاحتلال من ارتكاب هذا الإثم2 وكانت الصحف الأجنبية في مصر تكاد تجمع على تكريم مصطفى كامل فقالت "لاريفورم" في 14 أبريل 1896 في إحدى المناسبات: "إن جهاده لجدير بالفخر" ونشرت صحيفة "لوفارد الكسندري" تحية له في نفس اليوم ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا بعض صحف قليلة في مقدمتها "الإجبشيان جازيت". أغفل اللورد كرومر في تقريره الذي صدرنا به هذا الفصل الحركة الوطنية ونصيب الصحافة فيها كأنها كم مهمل لا غناء فيه، وقد عرضنا لتاريخ "الأهرام" و"المؤيد" وشرحنا نشأة "المقطم" وسياستها العامة، ويجب أن نذكر أنه كانت هناك صحف أخرى أكثرها قليل الأهمية غير أن بعضها جديد على صحافة ذلك العهد في أسلوبه واتجاهه، ويمثل هذه الصحافة "حمارة منتبي" وهي "جريدة هزلية فكاهية انتقادية أسبوعية" كما تقول أعدادها الكثيرة، بيد أنها صحيفة غريبة تجري في غير مستقر لها معقول، وتعيش بطرق لا تقرها الصحافة الشريفة فهي تحمل على اليهود والأورام وتسب

_ 1 هكذا كان رأيه فيما بعد، اللواء 18 أبريل عام 1904. 2 الرافعي: مصطفى كامل، ص84 - 85.

"المؤيد وصاحبه1 كما تحمل على "المقطم" ومحرريه2 وهي اتجاه كما يبدو لنا غير مفهوم، إذ الحملة على أصدقاء الاحتلال وخصومهم في اعتبارها سواء وإن لم تخل هذه المجلة من النكتة الرائعة والملاحظة العابرة واللفتة البارعة، غير أنها جعلت من أغراضها الأولى "تأهيب الإحساسات العاهرة لخدمة الهلس الشريف واستئصال الجد العنيف"3. وقد صدر بجانب "المؤيد" والصحف الوطنية والاستعمارية الأخرى بعض الجرائد الغريبة في مشربها، غير أن هناك صحيفة لا بأس بها زاملت المؤيد والأهرام وأن لم تجر في تيارها، هي صحيفة "المنار" وقد أنشأها السيد محمد رشيد الرضي في 15 مارس عام 1898 وجعل من أهم أغراضها "الحث على تربية البنات والبنين لا الحط على الأمراء والسلاطين، على أن تجتهد جريدته في تأليف القلوب المتنافرة ووصل العلائق المنقطعة وجمع الكلمة المتفرقة وتنبيه العثمانيين على أن الشركات المالية هي مصدر العمران وينبوع العرفان" ثم يقول عن مذهب الصحيفة السياسي "إنها عثمانية المشرب حميدية اللهجة تحامي عن الدولة العلية بحق وتخدم مولانا السلطان الأعظم بصدق وتتحامى المطاعن الشخصية والأماديح الشعرية"4. ويؤرخ رشيد لها في كتابه عن الأستاذ الإمام فيذكر أن الشيخ محمد عبده فرض شخصيته عليها وقرر ألا تنتمي لحزب من الأحزاب وألا ترد مجاملة الصحف لها، وأنها ينبغي أن تكون أكبر من خدمة الكبراء بل يحسن أن تستخدمهم هي، وأن الأستاذ الإمام صاحب تسميتها وقد روج لها في جميع الأوساط حتى عند الخديو نفسه5 وقد أظهر اتجاهًا وأسلوبها أنها كانت بحق

_ 1 حمارة منيتي 19 ذي الحجة سنة 1316هـ. 2 حمارة منيتي، العدد الثاني. 3 حمارة منيتي في 23 فبراير 1897، غرة شوال 1315هـ. 4 المنار 15 مارس 1898. 5 الأستاذ الإمام، ج1، ص1003 - 1010.

صحيفة الشيخ ولسانه، ومهما يكن أمر دفاعها عن السلطان والمسلمين فإنها حرصت على تجنب الاحتلال وكفاحه، ومصدر هذا الموقف فيما نعتقد الصلات الطيبة الناشئة بين وليها محمد عبده ورجال الاحتلال في مصر. وفي أواخر القرن التاسع عشر لم تكن للوطنيين صحيفة ذات ذكر من حيث أهميتها عند الاحتلال إلا المؤيد سواء المؤيد العربي اليومي أو المؤيد الفرنسي الأسبوعي، وهو رجع الصدى لأهم ما نشر في زميلته اليومية، وقد لوحظ على هذه الصحيفة الوطنية فتور من حيث ترحيبها بمقالات مصطفى كامل أو العناية بالمسائل العليا التي تتصل بحياة مصر، فقد حدثت اتفاقية السودان المعروفة في سنة 1899 ولم تنشر المؤيد شيئًا عنها إلا بعد اعتمادها من الطرفين المصري والإنجليزي، ويبدو غريبًا أن تهمل التحدث عنها جميع الصحف المصرية قبل التوقيع عليها، غير أن المؤيد توضع موضع المؤاخذة إن هي أهملت أمرًا كهذا الأمر وهي المعروفة بقدرتها على تسقط الخبر، وتاريخها في حادث التلغراف أشهر من أن يذكر. ولم يرتح الوطنيون للفتور الذي خيم على جهاد "المؤيد" واللين الذي تخلل سطوره في معارضة الإنجليز والتقاعس الذي بدا من صاحبه في تأييد الوطنيين، فأعد مصطفى كامل العدة لإنشاء "اللواء" سنة 1899 ثم صدر العدد الأول من في 2 يناير سنة 1900 "أول رمضان سنة 1317هـ" ويتحدث منشئه عن الأسباب في تسميته باللواء حيث يخفق عند هذا الاسم كل قلب وتجتمع أصدق الآمال "أما خطة الجريدة فهي خدمة الوطن والإسلام بأشرف السبل وأنفعها، والسعي وراء الاتحاد والاتفاق بين المصريين وبعضهم من جهة وبين كافة المسلمين من جهة أخرى والعمل لتربية أبناء مصر أحسن تربية وطنية وترقية التجارة والصناعة .. " وهو يحدثنا عن أبواب الصحيفة وهي "المنبر العام" وباب "أوربا والإسلام" وباب "أخلاق وآداب" وباب "بريد العالمين" وفيه أخبار الخارج ثم خصص فصلًا بعنوان "آيات الوطنية"

وهو للقصص الوطنية في تاريخ الأمم والشعوب المختلفة ثم يختم الكاتب مقدمته بالدعاية للسلطان و"عزيز مصر وأميرها عباس". ويعتبر إنشاء "اللواء" مفترقًا للطرق في صحافة مصر الوطنية إذ ذاك، فقد حمل علم الجهاد وحده تقريبًا في إيمان الواثق بحقه المؤمن بعقيدته، وستكون "اللواء" فيما بعد لسان حزب لعب في حياة مصر دورًا كبيرًا، وهي الصحيفة الوطنية التي كان نظام العمل فيها مثلًا يحتذى من حيث التحرير والإدارة، وهي الصحيفة الثانية التي استخدمت الآلة الكهربائية في طبعها، ومن أولى الصحف التي عنيت بمادتها وفسحت صدرها لجليل الأمور وخطيرها في صفحات ثمانٍ، وهي أولى الصحف المصرية التي نشرت أخبار مصر وخطب المسئولين فيها ووصفت الحفلات الكبيرة بالبرق، ومحررها أول من ألف الشركات الكبرى للصحافة بالتزاماتها القانونية كما يحدث في أوربا عادة1. وإذا صح ما نشرته جريدة "الإكسبريس" في 23 أكتوبر سنة 1915 عن مالية "اللواء" فإنه كان أغنى الصحف المصرية فيما خلا "المقطم" و"الأهرام" فقد قدرت موارده من هنا وهناك بثمانية وثمانين ألف جنيه مصري وهو مبلغ فيما نعلم قادر على تقديم الصحيفة بين زميلاتها خير تقديم، بجانب رأس مالها من الوطنية الصحيحة وحرارة كاتبها وشيعته من الوطنيين المعروفين" وقد أردف مصطفى كامل "باللواء" صحيفة شهرية تشتمل على خلاصة لأطيب ما أذيع في "اللواء" اليومية من رأي أو مقال2. ولا يؤخذ على "اللواء" في نشأتها الأولى إلا حماستها الدافقة لتركيا وخلافتها؛ وذلك لاعتقاد المحرر بأن الخلافة في الدولة العلية يقوى بها الدين الإسلامي، وهو يرى أن فصل السلطتين المدنية والدينية يقضي عليهما معًا3 وذلك رأي قد أنكره التاريخ وينقضه كيان كثير من الأمم التي فازت بالخير عندما تم فصل هاتين السلطتين.

_ 1 الشعب في 8 عام 1912. 2 أصدر محرر "اللواء" وهو طالب مجلة "المدرسة" في 18 فبراير عام 1893. 3 اللواء في 4 يناير 1900.

وقد اتجه اللواء اتجاهًا آخر قد لا يتفق معه كثيرون من أبناء جيلنا الحالي الذي لا يؤمن برجعية المرأة ويحب لها التصرف في الشئون تصرف الرجال أو يعتدل فيرجو لها بعض الحقوق التي أبتها "اللواء" في مقالاتها الاجتماعية بين آن وآن، وأظهر هذه المقالات الرجعية صحيفة نشرها محمود سلامة الأديب المعروف وفيها يدعو إلى الحجاب والحجاب الثقيل، ويعيب على جيله نشاطه في خصومة الحجاب وتجاوزه إلى حرية يراها مسيئة إلى حياة الأمم والشعوب1. وبجانب هاتين الناحيتين اللتين أبدينا فيهما بعض الملاحظات العابرة نذكر صفحات "للواء" لم تكن معروفة ولا معهودة بين معظم صحافة ذلك العهد، فقد شغل "اللواء" صفحاته بأمور التعليم والتعليم الشعبي الذي ينبغي أن يقوم على أكتاف الشعب ليحس أثره الشعب نفسه فتتحقق أغراضه في الحرية والاستقلال، وقد استطاع مصطفى كامل أن يجعل من هذا الموضوع علما يجتمع عنده الوطنيون على اختلاف مذاهبهم وتباين حماستهم، فشرعوا ينشئون المدارس ويفكرون في جامعة مصرية تنشئ الشباب تنشئة يعجز أمامها الاحتلال إذا طلب السلامة أو أبى الجلاء. ثم أراد اللواء أن يظهر مشاعر المصريين ويوقظهم من غفوتهم فدعا إلى الاحتفال بالعيد المئوي لولاية محمد علي مصر، وهو يدعو هذه الدعوة فيرضي القصر وصاحبه، ولا تستطيع قوى الاحتلال أن تحول بين المصريين وبين الاحتفال بذكرى جد الوالي الشرعي على البلاد، ويقصد "اللواء" بهذه الدعوة أن يستعيد التاريخ المصري الحديث وفيه من المعاني الوطنية ما يوقظ إحساس الأمة مهما عليها الغفلة أن انقطع بها الرجاء2.

_ 1 اللواء في 15 مارس 1900. 2 اللواء في 3 فبراير 1901.

وقد استقبلت الصحف الأجنبية هذه الدعوة استقبالًا حسنًا، وحيث بعضها الفكرة كما صنعت جريدة "لاريفورم"1 فإذا تم الاحتفال وخطب فيه مصطفى كامل، كتب خليل مطران يصفه في "الأهرام" وصفًا هو من روائع الأدب والإنشاء، ووصفت "البصير" الحفل ونشرت خطاب محرر اللواء وتحدثت "لوفارد الكسندي" مرتين عن الاحتفال، إحداهما بعنوان "مصر للمصريين" وكذلك شاركت مصر في هذا الاحتفال جريدة "لاريفورم والكورييري إجيزيانو" واحتفلت بالفكرة وصاحبها أحسن احتفاء ثم لم تجد "الإجيبشيان جازيت" بدًّا من الاشتراك في هذا الموضوع بيد أنها كانت في حديثها متحفظة أشد التحفظ2 هذا فضلًا عما تكلف به "اللواء" من نشر الخطاب وجميع التعليقات وصدى الاحتفال في جميع الجهات. لقد اشتركت الصحف في العيد المئوي وساهم فيه المصريون وقصدوا مكان الاحتفال بالإسكندرية من أعماق الريف وأبعد القرى في السودان، وحضره كثيرون من العظماء في مقدمتهم الأمير محمد إبراهيم الذي كان من خطبائه3 وقد هز هذا الاحتفال عواطف المصريين وبين لهم واجبهم في سبيل الحرية والاستقلال، وكان مصطفى كامل يدعو في جريدته إلى الصناعات الوطنية والمدارس الصناعية ويمجد جمعية العروة الوثقى؛ لأنها تفكر هذا التفكير السليم وهو يعتبر أن الاهتمام بالصناعات يخلق "روح الصناعة في البلاد، وهو بلا مراء أسمى خدمة تقدم إليها وأكبر سعادة تجهز لرجال الغد"4.

_ 1 الرافعي: مصطفى كامل ص159 - 160. 2 راجع الأهرام في 14 مايو 1902، والبصير في 23 مايو، ولوفار في 22، و23 مايو، والكروييري والإجبشيان جازيت في 22 مايو من نفس السنة المذكورة. 3 الرافعي: مصطفى كامل، ص159 وما بعدها. 4 اللواء في 20 أكتوبر 1900.

وكان محرر "اللواء" يتخذ من سير المجاهدين العاملين عظة وعبرة، وهو دائب التحدث عن عظماء المصريين وهو يرى أن "لا شيء يرفع مقام الوطنية في البلاد مثل إحياء ذكرى الرجال الذين أخلصوا في خدمتها وقضوا أعمارهم في العمل لإعلاء شأنها وتحقيق آمالها، ولا شيء يميت الوطن والوطنية مثل تمكن داء النسيان في أمة وجهلها لتاريخها وعدم تقديرها للرجال المجاهدين في خدمتها" وهو لا يعني من مقالاته الناحية الإنشائية أو الفائدة العابرة، بل هو يعاتب مواطنيه في عنف إذ "بليت هذه الأمة المصرية العزيزة بذلك الداء العضال، فتراها لا تذكر الرجال إلا إذا كانوا القابضين على أزمة أمورها أو المحركين لحركة العامة فيها، فليس للمصائب في نفوس أبنائها أثر يبقى؛ وليس كذلك للعظمة الماضية بقية باقية في الأفئدة والضمائر، فلا غرابة إذا كان ذلك سببًا من أسباب تأخرها وعلة من علل انحطاطها"1. أنتج توجيه اللواء أثره في إيقاظ الشعور العام من حيث تقدير الوطن والإحساس بحقوقه المهضومة في الداخل والخارج، وبدأت في الصحف المصرية نغمة الكراهية للأجانب ولكل ما هو أجنبي وإن كان "للواء" أخف الصحف أسلوبًا في هذا التيار، ويبدو أن حرب تركيا واليونان، وحرب إيطاليا للحبشة واستبداد المستعمر في تونس ترك أثرًا سيئًا في نفوس المصريين فوق ما يلاقيه المواطنون فعلًا من اضطهاد الاحتلال وتغلغل الأجانب في كل ميدان وقد أغضب مصطفى كامل من قبل اليونان وصحفها في مصر بالرغم من الصلاة القديمة ربطت المصريين باليونان. وقد أساءت جريدة "الكورييري إجيزيانو II Gorriere Egiziano في لفظ أو تعبير وهي تتعرض لمسائل مصر العامة فتحدتها "المؤيد" في مقال عن "الإيطاليين في مصر" وإخوانهم في إيطاليا، في سخرية لاذعة وعبارات قاسية، وقد ردت الكورييري على المؤيد ردًّا يماثل ما جاء في مقالته من

_ 1 اللواء 10 مارس 1901.

عنف وقسوة1 وتناقلت الصحف الأجنبية في مصر مقالتها بالتحبيذ وشاركتها في شعورها نحو المصريين، ويذكر "المؤيد" أن أنهرها قد "فاضت بأنواع العدوانات والسفاهات ضدهم وضد المصريين كافة وضد الإسلام والمسلمين عمومًا وذهبت كل مذهب في المطاعن والشتائم". ويخيل إلى الباحث أن أمر الخلاف قد انحسم بهذا المقال، غير أن المؤيد تطلع علينا بمقال لعله المقال الوحيد الذي أسف فيه صاحبه، فقد حملت على الأجانب ثم اتجهت إلى "أمة الطليان أخس الأمم وأدناها وأسمجها وأسفلها" وهو يسخر من تاريخ هذه الأمة التي زهت به صحف مصر الإيطالية، وتعقد مقارنة بين تاريخ إيطاليا وتاريخ مصر الذي يرد إلى أصلين عظيمين فإما أن تنسب إلى المصريين القدماء وتاريخهم أقدم من الرومانيين، وإما إلى العرب وفضلهم على الأوربيين لا يعادله ولا يدانيه مدان". ومهما يكن من أمر هذه الأزمة بين المصريين وصحافتهم فإن "المؤيد" كانت في طليعة الصحف المصرية التي دافعت عن مصر أحر دفاع، وشاركتها الصحف الأخرى الصغيرة بأسلوبها العامي ولفتات ذهنها الساخرة الماجنة، ومن أطرف ما لوحظ على هذا الجدال أن مصر الفرعونية ذكرت بالخير خلال النقاش وهي لفتة تعمدت الصحافة المصرية جميعًا أن تنكرها في كل جهادها منذ الاحتلال البريطاني وحرصت ألا تؤلم الباب العالي بتقوية الصلات بين مصر التركية الإسلامية وبين مصر الوثنية الفرعونية. وبينما تقود المؤيد حملة المعارضة على الأجانب كان مصطفى كامل يستعيد في اللواء فكرة الحرية والدستور وهي مطالب ما كانت الصحف تطالب بها من قبل حيث كان اتجاهها العام إلى الجلاء ورجاء تحقيقه والإلحاح في الاستقلال أولًا وقبل كل شيء، وقد أهملت اللواء المجلسين التشريعيين ودعت إلى حياة دستورية صحيحة ترد غوائل الاحتلال وعوامل الاستبداد بالسيطرة

_ 1 المؤيد في 8 سبتمبر 1091، والكورييري في 10منه.

على الشئون العامة، وكان هذا دأبها منذ أنشئت ودأب صاحبها في خطبه العامة، وفي خلال الكفاح الذي رفعت علمه "اللواء" حدث "الاتفاق الودي" " Entente Cordiale بين إنجلترا وفرنسا في 8 أبريل عام 1904، وكان صدمة للمصريين؛ لأن مادته الأولى نصت على أن إنجلترا "ليس في نيتها تغيير الحالة السياسية لمصر" وتعهدت الحكومة الفرنسية من جانبها بأن لا تعرقل عمل انجلترا في هذه البلاد، فبدأت بذلك صفحة جديدة في تاريخ الصحافة المصرية.

الصحافة بعد الاتفاق الودي

الصحافة بعد الاتفاق الودي: أصبح الاتفاق الودي في سنة 1904 عاملًا من العوامل الأساسية في تغيير الاتجاهات الصحفية وتنكب أصحاب الأقلام فيها عن سياستهم الأولى، فقد كانت نتيجة هذا الاتفاق فنور الحماسة الوطنية في نفوس الكثيرين، وقد فترت معها شدة معظم الصحف الوطنية "فالمؤيد" لانت سياسته و"الأهرام" التزمت جانب الحياد إلى حين، ولم تمض في سياستها الأولى إلا "اللواء" فقد أبت إلا أن تبلغ بهذه الأزمة القاسية ذروتها من حيث الجهاد الرائع واستكمال عناصر الوطنية وتوحيدها في نفوس المصريين، فبدأ مصطفى كامل يغذي في المصريين وطنيتهم ويحاول بمقالاته أن يحتفظ بحماستهم بالرغم من الخيانة الفرنسية للأماني المصرية، وذلك في وقت هزت الصدمة كبار الرجال وأذلت أعناقهم كما يقول، واتجه مصطفى كامل في لوائه اتجاهًا جديدًا، فالأمم الأوربية جميعًا، سواء في استعمارها، وهذه حقيقة -كما يقول- يجب أن يعرفها المصريون وتستلزم منهم الاعتماد على أنفسهم، وبولندة وأيرلندة أحسن مثلين لهم في الكفاح والحرص عليه1. ولعل الفترة التي سبقت الاتفاق الودي كانت تحمل سيرة المؤيد واللواء معًا وكان "اللواء" على الجهد المبذول في تحريره وإخراجه لا يستطيع بلوغ ما كان عليه "المؤيد" من الذيوع والانتشار، فالمؤيد صحيفة إسلامية قديمة لها خطرها وقدرها في حياة المصريين والشرقيين جميعًا، وظهور "اللواء" لم يحد من نشاط "المؤيد" أو يحول دون قدره في نفوس الجماهير؛ لأنه لم يشبه

_ 1 اللواء في 18 أبريل و25مايو سنة 1904، وفي العدد الأخير حملة على رياض باشا؛ لأنه مدح كرومر في احتفال مدرسة محمد علي الصناعية.

الشوائب ولم تؤخذ عليه المآخذ غير أن صاحب "المؤيد" انحرف بعض الشيء واستطاع الاحتلال أن ضمه إلى جانبه واحتفى به الإنجليز يوم زار بلادهم وقال في عاصمتهم كلمته المشهورة "إن لوندرة كعبة المصريين السياسية" ففقد بذلك جزءًا كبيرًا من عطف المصريين والأتراك معًا، وبدأت صحيفته تهوى وأخذ "اللواء" يتقدم عليها، ثم جاء الاتفاق الودي فكان فاصلًا في تاريخه إذ كان موقفه منه موقفًا هينًا فاترًا. وكانت خاتمة "المؤيد" كمنازع لجريدة "اللواء" ومنافس له، واضحة بعد قضية صاحبه المشهورة بقضية الزوجية، وهي قضية عامة كان للعنصر الشخصي جانب كبير فيها وكان للسياسة جانب آخر، كما كان للحياة الاجتماعية أثر في تكييفها وتحليلها، ونال الصحافة منها في الدوائر الشعبية والرسمية حظ موفور، أما العنصر الشخصي في هذه القضية التي شغلت مصر وصحافتها فهو أن الشيخ علي يوسف رأي أن يتزوج ابنة السيد عبد الخالق شيخ السادات الوفائية، ورأت السيدة هذا الرأي، فانعقد عزمهما على إتمام هذا الزواج دون علم شيخ السادات الذي عراض الفكرة أشد المعارضة، وتم العقد كما يقضي بذلك الشرع، غير أن والد العروس أبى الواقع وثار عليه فأقام الدعوى أمام المحكمة الشرعية ليحال بين ابنته وبين زوجها؛ لأنها دونها في النسب والحسب ولأنه يمتهن مهنة لا يكرم بها صاحبها1. هذا هو ملخص القضية التي أصبحت قضية عامة، وكانت معظم الصحف المصرية والرأي العام في جانب شيخ السادات، وكان اللورد كرومر والحكومة المصرية في جانب الشيخ علي يوسف، وهي صورة مناقضة لقضية "التلغراف" الصحفية المشهورة، وحاولت الحكومة أن تحول دون فصل الزوجين وتنفيذ قرار القاضي، وكاد قاضي القضاة يثير أزمة حادة في دوائر القضاء، ويقف القضايا الشرعية جميعًا ويغلق أبواب المحكمة لولا أن الحكومة نزلت عند أمره وحالت بين الزوج وزوجته إلى أن يفصل في القضية2.

_ 1 يقصد مهنة الصحافة، وهي اليوم أشرف مهنة ولها كليات ومعاهد. 2 الشباب، العدد الثالث في 1936.

هذه القضية مزاج غريب من الحياة الاجتماعية والسياسية فإن حادث الزواج وأسلوبه فضيحة في نظر الرأي العام إذ ذاك بل هو فضيحة في نظر الرأي العام في أيامنا الحالية وإن كانت شرائط العقد قد تمت على الصورة التي يقرها الشرع والدين، ولم تجرؤ صحيفة عربية من الصحف الموالية للاحتلال على الدفاع عن الأسلوب الذي اتبعه الشيخ في قرانه من ابن السادات، ولم تتدخل صحف الأقباط في هذا الموضوع؛ لأن له بالدين الإسلامي أوثق الصلات، ولم تناقش صحيفة من الصحف مسألة الحسب والنسب التي تنزل بكفاءة رجل له مكانه في مصر؛ لأنه يحاول القربى من حسيب نسيب. ويروي المؤرخ في موقف بعض الصحف الإسلامية في هذا القضية بعض الهنات التي كان يجب أن تتنزه عنها، فهي أولًا قضية خاصة لا يليق أن تكون مثارًا للمجادلة على صفحات الجرائد، ثم هي قضية صحفي ينبغي لزملائه أن يحترموا من أجل المهنة كرامته، ثم إن الصحافة باعت في سوق نافقة فكسبت رضاء الرأي العام ولم تفكر في رأي حر تذيعه خشية سخط الجماهير، وليست بصحافة تلك التي تهاب سخط الجماهير، وهي بموقفها هذا قد سمحت للسلطات القضائية برأي فيها مهما يكن أمره فهو رأي يسوؤها وهو أهم ما يعنينا في تاريخ هذه القضية. فيذكر محامي السيد الشيخ السادات أن "الصحافة لا تشرف إلا بشرف استعمالها" وهذا تقرير صحيح لولا أن المحامي يعتبرها مع ذلك حرفة دنيئة. ويقول: "أليست عبارة عن الجاسوسية العامة وهي معدة للإشاعة وكشف الأستار وهذا أمر منهي عنه شرعًا فضلًا عن نشرها الإعلان عن الخمر وأمكنة اللهو" هذا رأي محامي السادات وهو رأي يسوء الصحف جميعًا فهي عنده "حرفة دنيئة" مهما يعتذر عنها بشرف الصحفي وعلو همته؛ لأن الصحف عامة تشترك فيما نهى عنه الشرع وهو إذاعة الأخبار وإشاعتها بين الناس، وهي في أكثرها تنشر إعلان الخمر وأخبار الملاهي ومنتدياتها، وفي هذا من الاتهام الصريح ما كان يحمل بالصحافة المصرية أن تتكاتف على

رده مهما تختلف نزعاتها السياسية واتجاهاتها العامة حتى لا تعطي المحكمة بعد المحامي فرصة لتأييد وجهة نظر المدعي وحط قدر الصحافة. فإذا دافع الشيخ علي ومحاميه عن مهنته وعن علمه ردته المحكمة في ذلك جميعًا فهي ترى "أن صناعة التحرير لا تنهش دليلًا على العلم" ثم تقول عن الصحافة "وحيث إن حرفة الصحافة التي نسبها المدعي لنفسه قسمان، قسم يبحث في علوم وفنون مخصوصة وهي المجلات غير اليومية وهذه شرفها يشرف ما تبحث فيه وغزارته وهذه الصحافة لا يدعيها الشيخ علي لنفسه، وقسم لا يختص بموضوع مخصوص وهي الجرائد اليومية ووظيفتها إرشاد من تتكون منهم المملكة من الأفراد والعائلات والهيئة الاجتماعية والحكومة فهي معدة للإرشاد العام، وهذه الصحافة جليلة جدًّا لها أثرها في رقي المملكة من ناحيتها الداخلية والخارجية ويجب أن يتوافر في صاحبها أعلى أنواع الثقافة الاجتماعية والأخلاقية والسياسية كما يجب أن يكون على قدر من شرف النفس ونبل الضمير وأن يكون من أشد الناس محافظة على الكمالات والآداب حتى يمكنه أن ينفع بنصحه وأن يجمع الناس إلى رأيه فضلًا عن وجوب علمه بالسياسة الداخلية والخارجية" إلى أن تقول: "ولكن المدعي عليه لا يمكن أن يدعي لنفسه هذه الصحافة أيضًا، ذلك لتقلبه في المبادئ لغير سبب وتعرضه للشخصيات في ثوب المصالح العامة وسكوته عن بعض ما يلزم الكلام فيه لأغراض بعض من يهمه رضاؤهم، ولا نريد أن نعدد له ما فعل وكفى بهذه القضية وحدها دليلًا على ذلك، وعلى ذلك فالمدعي عليه ليس مشتغلًا بالصحافة قائمًا بها وإنما هو يشتغل بشيء يشبهها لأغراضه ملبسًا له ثوب الإرشاد والمصلحة العامة وهذا اشتغال بأخس الحرف وأدنئها، وعلى ذلك لا يكون محترفًا الصحافة وإنما هو يحترف حرفة أخرى دنيئة"1. وقد حكمت المحكمة بعد صحة العقد، مع أن الشيخ السادات كان على

_ 1 المقطم في 11 أغسطس 1904.

صلات طيبة بزوجها الشيخ علي يوسف، وعلى علم برغبة الرجل في الزواج من ابنته، وقبل في ذلك هداياه، وهي إيماءة بالرضا عن هذه الرغبة والاستعداد لتنفيذها، ولم يرجع عنها الشيخ السادات إلا بعد أن سعى دعاة السوء بينه وبين الشيخ علي، فكانت هذه القضية وكان هذا الحكم الذي استمد بهاءه من التقاليد دون الدين وأصاخ بالسمع إلى تهليل العامة، ولم يقم وزنًا لرأي النخبة المنتقاة من خاصة الناس. ومهما يكن من أمر هذا الحكم فإن الصحافة خسرت فيه؛ لأن اتهام قطب من أقطابها بجهله السياسة الداخلية والخارجية كفيل وحده بأن يسقط كثيرًا من الصحف والصحفيين في ذلك الوقت، وهو حكم لا يتصل بالشرع؛ لأن الغرض ظاهر فيه، وكأن الأفندي قاضي القضاة والخديوي معه والتقاليد من حولهما قد تكاتفت على إصداره في هذه الصورة التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن السياسة وحدها كانت مسيطرة على الموقف جميعه. أما الصحف المصرية -عربية وفرنجية- فقد تباين موقفها من هذه القضية فحرصت معظم صحف الأقباط على عدم الخوض في هذا الموضوع فيما خلا مصر والمقطم فأما "مصر" فقد ساءها قرار محامي السادات في الصحافة، فهي ترى أن "ما قاله الشيخ الفندي وكيل السادات تعريضًا بالصحافة وحسبانها من المهن الدنيئة المضرة، فقول لا يصدر إلا عن الجاهلين الأغبياء الذين لا يدركون ولا يفهمون". وأما "المقطم" فقد حرصت على نشر تفاصيل القضية دون أن يعلق الكاتب على اتهام المحامي والمحكمة الصحافة بأسوأ ما تتهم به حرفة من الحرف ثم وقفت "المنار" الصحيفة العربية إلى جانب صاحب "المؤيد" في قضيته، وأما "الإجبشيان جازيت" صحيفة المعتمد البريطاني فتمدح الشيخ علي يوسف على الرغم مما بينهما من خلاف ثم تذكر أنه "قل أن يوجد بين الصحفيين من يستطيع الوقوف إلى جانب صاحب "المؤيد" ولا يوجد ذو مسكة من العقل لا يضع علي يوسف في أعلى طبقة من طبقات رجال الصحافة، فإنه تمكن بالجد والاجتهاد والمثابرة من إيصال

جريدته إلى درجة "التيمس" لا في العالم العربي فقط بل في جميع العالم الإسلامي1" ثم نحت هذا النحو جريدة "ذا إجبشيان مورننج نيوز" " The Egyptian Morning News". عرضنا لتقرير كرومر سنة 1903 وحديثه عن الصحافة وبينا مقدار ما فيه من غبن لها منذ احتل الإنجليز مصر إلى السنة التي بدأ اللورد كرومر يذكرها في تقاريره، وقد وضح لنا أن "الأهرام" تولت المعارضة زهاء عشرة أعوام وشرحنا كيف نشأ "المقطم" خصيمًا لجريدة الأهرام، ثم ذكرنا الأسباب التي من أجلها أسس "المؤيد" والدواعي التي صدر من أجلها "اللواء" بعد انحراف صحيفة الشيخ علي يوسف، ويرى المؤرخ لهذه الصحافة أن القصر بقي بعيدًا عنها في مرحلتها الأولى وأن الوطنيين دون الخديوي توفيق هم أصحاب الفكرة في إنشاء الصحف الوطنية، وأن اللورد كرومر ابتدع سياسة الحكم بالصحافة، وقد عني العميد البريطاني أشد العناية بهذه السياسة بعد تولية عباس الثاني أريكة الخديوية، وكان شابًّا شديد التطلع إلى استقلال بلاده وجلاء الإنجليز عنها، ومواقفه في أوائل عهده من الاحتلال ورجاله أشهر من أن تذكر، فلا غرابة في اتفاق مزاجي الخديوي ومصطفى كامل وهو مزاج شابين يرجوان هدفًا واحدًا مهما تتباين الدوافع والأسباب. ساعد كرومر بعض الصحف وقدم لها من التأييد ما هيأ لها فرصة التقدم والبقاء وعلى رأس هذه الصحف جريدة "المقطم"، وساعد الخديوي عباس بعض الصحف وقدم لها من المال والجاه ما هيأ لها فرصة الذيوع والانتشار، وفي مقدمة هذه الصحف جريدة "اللواء" ولا يعنينا ما ذهب إليه بعض الصحفيين وهم يؤرخون للصحافة الإسلامية من أن الخديوي دفع للواء مبلغ خمسة عشر ألف جنيه2 وهو زعم إن صح لا يعني إلا تدعيم الصحيفة

_ 1 راجع المؤيد في أيام 2 أغسطس، والمقطم في 27 يوليو و1 و4 و11أغسطس وما بعدها والمؤيد في 9 أغسطس والإجبشيان جازيت في 8 أغسطس من سنة 1904. 2 جريدة الإكسبريس في 23 أكتوبر عام 1915.

الوطنية وهو عمل يشكر عليه من كان في مقدوره البذل والعطاء في سبيل الاستقلال والجلاء. وقد نشأ عن ذلك كفاح بين الصحف بعضه ظاهر وبعضه خفي، أما كفاح العلن فقد تولته "المقطم" و"اللواء" وأما الكفاح وهو أقل شهرة في تاريخ الصحافة المصرية فكان بين بعض الصحف الصغيرة من الجانبين، وهي صحف أبي كرومر أن يصدر لها قانونًا؛ لأن هذا القانون يفيد الخديوي الذي يعاديه بعضها في غير تحفظ وفي غير احتياط، وهو لا يملك ردعها مع أن اسمه ومكانته فوق التهم والمهاترات، ولا يضير الاحتلال في شيء أن تهاجمه هذه الصحف؛ لأن نقده والحملة عليه شيء طبعي وفي تنفيس عن الشعور العام وفي ذلك صمام الأمان. وكان الشيخ محمد عبده هدفًا لصحف الخديوي وكان يلي في ذلك الوقت وظيفة الإفتاء، وقد أفتى حينئذ بجواز أكل المنخنقة فحملت عليه الصحف وكان أشدها حملة جريدة "الظاهر" لمحمد أبي شادي بك المحامي المصري المعروف، ومضت تقذع في الشيخ الإمام وتطالب بعزله من منصب الإفتاء، وذلك لأمور أخرى لم يأت ذكرها في أسباب هذه الحملة وإن فصلها يوسف طلعت باشا صاحب جريدة "الراوي" اليومية في تقريره إلى السلطان، فقد ذكر عن هذا الموضوع أن "الخديوي بعد أن رأى نفسه عاجزًا عن عزل المفتي الذي يعارض مساعديه في الأزهر والأوقاف شرع في معاكسته بأمرين، أحدهما الاستعانة بمولانا الخليفة الأعظم على عزله بحجة أنه أفتى بما يخالف الشرع، وثانيهما إنشاء جريدة اسمها "الظاهر" لأجل إسقاط نفوذه الديني وإضعاف حزبه المؤلف من طائفة العلماء ومن أكثر رجال الحكومة1. وقد أسفت "الظاهر" في الحملة على الشيخ محمد عبده خاصة وخصوم الخديوي عامة مع أنها ادعت "أن دستور الجرائد في حياتها الأدبية هو قانون

_ 1 الأستاذ الإمام، ج1، ص564.

الأخلاق العمومية والآداب الاجتماعية"1 وتولى هذه المهمة الشيخ محمد الشربتلي وهو خصم للإمام من قديم، ادعى عليه الدعاوى في تدريسه في الأزهر وسجن من أجل ذلك، ولكنه عاد إلى "الظاهر، وتولى فيه تقبيح الشيخ والزراية به، ومع أن "الظاهر" لم تكن كثيرة الانتشار إلا أن الصحف الوطنية روعها ما فعلت إحداها من أذى للشيخ محمد عبده فردت عليها جميعًا فيما عدا "اللواء" وبينت الغرض والضغينة في حملتها، وشرحت السبب الصحيح للحملة ودافعت عن الإمام وإفتائه دون أن تذكر اسمها تحقيرًا لشأنها، وسلبتها الحكومة بعض امتيازاتها كالامتياز الخاص بنشر الإعلانات القضائية. ومن الصحف الصغيرة التي شكا الجمهور منها صحيفة "الحمارة" وهي من خصوم الشيخ محمد عبده وقد فاقت زميلاتها جميعًا في بذاءة الحملة عليه، فنشرت للشيخ صورة ماجنة فصورته بين جماعة من نساء الفرنجة في وضع لا يليق وذلك تسويئًا وتهوينًا لقدره كمفتٍ للديار المصرية، وقد قبضت النيابة على صاحبها وقضت المحكمة بسجنه2. وقد أهاج العقلاء أمر هذه الصحف التي عاشت من نهش الأعراض وفرضت الأتاوات على بعض الناس يؤدونها على ما تحب وإلا جرحت كراماتهم، وقد اهتمت بهذا الأمر الجمعية العمومية فذكر أمين بك الشمسي في إحدى جلساتها أن "أسافل الناس يقدمون على إنشاء الجرائد وقد ملئوا الدنيا سفاهة وتعديًا على الأعراض، على أن الجرائد هي مرشد الأمة والحكومة، والمطبوعات هي ركن من أركان العمران"، ثم اقترح على الجمعية "أن تطلب من الحكومة الاتفاق مع وكلاء الدول على سن قانون عمومي للمطبوعات يقي الناس من هذه الفوضى" وتحدث الشيخ محمد عبده في هذا الموضوع وضم اقتراحه إلى اقتراح زميله3.

_ 1 الظاهر 12 نوفمبر 1903. 2 الأستاذ الإمام، ج1، ص564 عن قصة "الظاهر" وصفحة 669 عن قصة الحمارة. 3 محضر الجمعية في 26 مارس 1902.

وفي سنة 1904 أعاد مجلس الشورى القوانين الكرة في هذا الموضوع وطالب بنفس ما طالبت به الجمعية العمومية في سنة "1903"1 غير أن اللورد كرومر لم يوافق على رأي الجمعية العمومية أو مجلس شورى القوانين، وتضمن تقريره عن سنة 1904 هذا الرأي وإن شارك المجلسين فيما ذهبا إليه من حيث السخط على هذه الصحف الحقيرة، وهو يريد أن يحتاط لصحافته الكبرى فلا يقبل إصدار تشريع يستغله الخديوي في القضاء على ألسنة الاحتلال لذلك يزعم العميد الإنجليزي أن الذين يدفعون لهذه الصحف خوف التشهير لو امتنعوا عن البذل لها لاستحال على هذه الصحف البقاء، ثم إن قانون العقوبات كما يقول اللورد قد تضمن مادتين جديدتين هما المادة "282" والمادة "283" وهما كفيلتان بردع من لا يرتدع وقد تبلغ العقوبة أحيانًا السجن ثلاثة أعوام ثم يعدد كرومر الصحف الثمان التي تخصصت لابتزاز الأموال والتشهير بذوي المقامات والكل على جميع الموائد، ويذكر أن بعضها قد عوقب على تبذله ثم يقول: "يجب أن لا يظن أن هذه الصحف عنوان للصحافة المصرية فإنها جميعًا قليلة الأهمية وإنها في أساسها إما صحف هزلية أو ساخرة"2 وبالرغم مما يؤخذ على هذه الصحف مما دعا إلى الضيق بها من كل الجهات فإنها تمثل النكتة المصرية الرائعة والسخرية اللازعة وتعيد مجد أبي نظارة وصاحبها يعقوب بن صنوع. لم تظهر السياسة الإنجليزية نحو الصحافة إلا في تقرير كرومر عن مصر سنة 1906 فقد كان فيها واضحًا كل الوضوع مع أن الصحافة المصرية لم تنل من اهتمامه في سنة 1905 إلا ستة أسطر3 وهو يبدأ حديثه عن حرية الصحافة بأنه كان دائمًا في جانب هذه الحرية، وهو هنا لا يميل إلى ترديد النغم السابق من حيث تقديره لها، فالصحف المصرية في اعتقاده لا تعبر عن الرأي العام

_ 1 مجموعة محاضر جلسات مجلس الشورى القوانين في شهر يونيه 1904. 2 Blue Books 1904 p. 59- 60 3 المصدر السابق ص13 عام 1905.

لما امتلأت به من حشو وما حفلت به من العبارات النابية، وهو يذكر أن بعض كبراء مصر يرى رأيه هذا فأضعفت الصحف بذلك حجة أنصارها المدافعين عنها وعلى رأس هؤلاء الكبراء الخديوي عباس الثاني، وأنه نفسه أصبح يميل إلى وصع شيء من القيود لهذه الحرية المطلقة التي منحتها الصحف حفظًا للنظام وعناية بمستقبل الاحتلال في مصر، وهو يبني أحكامه الجديدة على الصحافة المصرية من قراءته المتصلة للمعارضة منها وهي صحف فارغة لا تجد فيها بحثًا ذا قيمة في المالية أو التعليم أو أعمال القضاء لذلك كانت سوءاتها بالنسبة للمصريين أكثر من حسناتها، هذا على حين أن الصحف الأجنبية في مصر لها كما يقول، مكانها الرفيع من حيث مادتها وأسلوبها المعتدل الرصين1. وبذلك لم يعد كرومر نصيرًا للصحافة المصرية بعد أن كان يستفيد منها ويتحمس للدفاع عنها بحرارة في سنة 1903 وهو يلتمس اليوم لخصومها المعاذير، وهو في الواقع خصومها في تلك السنة؛ ذلك لأن مصطفى كامل زلزل سلطانه عقب حادث دنشواي في 13 يونيه سنة 1906 إذ قاد الحملة عليه زهاء شهرين كما كتب في صحف أوربا، وكان من نتائج مقالاته في "الفيجارو Figaro" في 11 يوليه سنة 1906 أن عزل كرومر من منصبه. برم اللورد كرومر بالصحف المصرية بعد حادث دنشواي، وهو السبب المباشر لسخطه عليها، غير أنه استعاد من غير شك المشاكل التي خلقتها له الصحف المصرية في الأعوام الأخيرة، فكل عمل قصده الاحتلال منذ استقالة رياض من رياسة الوزارة أصبح حديث العامة قبل الخاصة من جراء انتشار الصحف الوطنية، وقد استطاع أن يتخلص من معظم هذه الصحف ويستميل معظم الصحفيين الوطنيين إليه ولم يبق في ميدان الصحف المعارضة أهم من "اللواء".

_ 1 المصدر السابق ص8 و9 عام 1906.

حقًّا لم يستمر الود بين الخديوي ومحرر "اللواء" طويلًا، إذ ظهرت عليه علامات اليأس بعد حادث فاشودة والاتفاق الودي1 وبذلك أصبحت "اللواء" وأنصارها وحدهم في الميدان، وقد تعرض الخديوي نفسه لعتاب "اللواء" يوم حضر عرض الجيش البريطاني في نوفمبر سنة 1904 واعتذرت المعية بأن تلك الحادثة تمت بمجرد المصادفة المحضة، غير أن تلك الحادثة تكررت في العام التالي، وفي نفس الشهر، فكتبت "اللواء" تعلق على موقف الخديو وتسخر قائلة: "وإذا كان من الصعب تحميل "المصادفة" مسئولية هذا الحادث مرتين فمن المرجح أن المعية لا تنشر بلاغًا في هذا العام وتفضل السكوت على الكلام" ولم يستطع الخديوي أن يتحمل مهاجمة "اللواء" له في السنة التالية فأبى حضور العرض في سنة 1906 وعلقت جريدة "الإمبريالي" الإيطالية قائلة: "ولعل سمو الخديو أراد بإطالة إقامته في الإسكندرية العدول عن الخطة التي اتبعها سنة 1904 فهل فازت الصحافة الوطنية بنصائحها واحتجاجاتها؟ "2. وقد لاحظ اللورد كرومر أن "اللواء" تتعقبه بالتفصيل والتفسير في كل خطوة من خطواته، فقد اعتزم اللورد زيارة الأقاليم في فبراير سنة 1905 والاتصال بالجماهير وبحثه المسائل العامة معهم وإلقاء النصح للأعيان والعمد، فحمل "اللواء" حملة شديدة على ذلك التصرف ثم مضى في اليوم التالي يتحسر على ما آل إليه حال مصر حتى أصبح المعتمد البريطاني يجول في أرجائها كأنه "صاحب الحل والعقد والأمر والنهي الذي لا يعارض في شيء"3 وقد أنتجت حملة "اللواء" المتصلة حماسة بين المصريين كراهية شديدة للاحتلال البريطاني، وظهرت تلك الكراهية واضحة بين العامة قبل الخاصة في مشكلة العقبة بين تركيا وإنجلترا في سنة 1906، ومما يؤثر عن

_ 1 مصطفى كامل للرافعي، ص330 - 332. 2 مصطفى كامل للرافعي، ص186 - 187. 3 اللواء 6 و7فبراير 1905.

هذه المشكلة إعلان المؤيد لميولها الإنجليزية، فقد انحازت إلى جانب الإنجليز كما انحازت اللواء إلى جانب الأتراك، ومما يؤسف له أن البلاد افتقدت صحيفة تبحث مكان مصر وحقها من هذه المشكلة. عرضنا لبعض الأحداث التي دعت اللورد كرومر إلى التبرم بالصحافة وحريتها وأهمها من غير شك الحملة الصحفية في اللواء عقب محاكمة دنشواي، وقد أنتجت المحاكمة حملة صحيفة في الخارج لفتت الإنجليز إلى سوء السياسة التي يمثلها معتمدها في مصر مما ترتب عليه عزل كرومر في أبريل سنة 1907، ويبدو أن عزل كرومر فتح صفحة جديدة في تاريخ الصحافة المصرية، وهي صفحة كتب معظمها "اللواء" وصحفه، وهي مدرسة في صحافتنا جديدة، وكتب أقلها بقية الصحف المعاصرة بزعامة المدرسة القديمة ممثلة في المؤيد. وقد أسس صاحب "اللواء" شركة مساهمة لإصدار جريدتين أوربيتين في مصر بعد حادث دنشواي في نوفمبر سنة 1906، وعندي أن إنشاء هاتين الصحيفتين من أبرز خدمات مصطفى كامل للقضية الوطنية؛ لأن إنشاء الصحيفتين ليس شيئًا بجانب ما نشر فيهما من المعاني التي كان يعز عرضها على الأجانب في مصر، ثم إنه استطاع أن ينال موافقة جريدة "لوفيجارو" على أن تأذن للجريدة الفرنسية الوطنية بنشر مقالات بيير لوتي " Pierre Loti" عن مصر على أن يكون نشرها في الجريدتين في يوم واحد، وهو عمل صحفي نادر المثال في ذلك الوقت، كما أنه رأى أن يعد لصحفه بيئة صالحة فأوفد أحد محرري "اللواء" إلى باريس ليتلقى علومه الصحفية نظرًا وعملًا في مدارسها وصحفها الكبرى1. ويحسن بمن يؤرخ للصحافة المصرية في تلك الفترة أن يعرض للتيارات الصحفية المختلفة منذ عزل كرومر وبدء جورست سياسته الودية مع الخديوي

_ 1 الرافعي: مصطفى كامل، ص418.

ليستقيم تأريخ الصحافة في هذا العهد الجديد ونصبح على بينة من عموميات هذا التاريخ، فقد استقبل جورست صحافة من أهمها "اللواء" و"الأهرام" و"المقطم" و"المؤيد" وهي صحف معروفة النزعة، وقد بينا مذهبها من حيث اتصالها بالحركة الوطنية أو الاحتلال، وكان بجانبها صحف أخرى من أظهرها "المحروسة" وهي صحيفة تميل إلى الخديو وتخالف "المؤيد" وتحمل على "المقطم" ومع ذلك فهي تلين للاحتلال، ثم "الوطن" وقد أعادها إلى الوجود جندي إبراهيم بك في سنة "1906"1 وهي من أصدقاء العميد البريطاني وفي خصومة مستمرة مع المسلمين، وتميزت "مصر" بقبطيتها وميلها إلى الاحتلال ومعارضتها كل فكرة دستورية، ولها هي و"الوطن" تاريخ حافل في الخلاف الديني الذي سنعرض له فيما بعد ثم "البصير" وهي جريدة تجارية لا رأي لها وإن مدحت الحكومة كلما نال الأقباط خير من مصر وأخيرًا "الجريدة" وهي صحيفة المعتدلين، غير عشرات من الصحف والمجلات الأخرى التي لا يؤثر إنكارها في مجريات الحوادث. و"الجريدة" هي أحدث الصحف المهمة التي نشرت في العهد الجديد، وقد قيل: إن كرومر أوعز بإنشائها وإنه أوحى بالدعاية لها في الأقاليم بين الذوات والأعيان2 وهذه واقعة يعوزها التأييد والبرهان، وقد ساهم في رأسمالها كثير من عيون المصريين في مقدمتهم محمد باشا سليمان وحسن باشا عبد الرازق وإبراهيم باشا عبده وغيرهم، وإذا كان سليمان باشا وعبد الرازق باشا في علاقات طيبة مع الاحتلال فليس معنى هذا أنهم يعدون له بوقًا يضاف إلى أبواقه السابقات، وآية ذلك أن "الجريدة" خلت من الدعاية للاحتلال والمحتلين وكان لها بعض المواقف التي تزين الصحافة الوطنية من حيث التفكير الوطني واعتدال المزاج فيه، ومجمل القول فيها إنها صحيفة بعض الأعيان وبعض المفكرين أيضًا.

_ 1 محفوظات الداخلية دوسيه رقم 4 مكرر. 2 الشعب في 8 مايو 1912.

وقد صدرت "الجريدة" في سنة 1907 برأس مال قدره عشرون ألف جنيه1 وقد سدت بوجودها فراغًا كان شاغرًا في بيئة الصحافة والصحفيين، فقد خلت الجريدة من المطاعن الشخصية وتأنق محررها أحمد لطفي السيد في اختيار عباراته ومعانيه، وعنه سمى الخديوي "صاحب السلطة الشرعية" وقيل عن ممثل إنجلترا في مصر "صاحب السلطة الفعلية" وقد اختارت "الجريدة" فئة من الكتاب النابهين للعمل فيها وبحث المسائل الأدبية والعلمية والموضوعات الاقتصادية والزراعية، وذكرت أصدق الأخبار وقبلت انتقاد الناقدين، وهي على صلة طيبة بجميع المصالح ولم تخاصم صحيفة من الصحف أو تسيء إلى فرد متعمدة. وقد ظهرت "الجريدة" عقب حادثة العقبة بعد أن انقسمت الصحف إلى قسمين، بعضها انحاز إلى الإنجليز وأكثرها مال إلى تركيا ولم تحظ حقوق مصر من إحداها، فصدرت "الجريدة" صحيفة مصرية خالصة، وذكرت في عددها الأول المادة الثالثة من قانون شركتها وهي تؤكد أنها "مصرية بحتة غرضها الدفاع عن الصوالح المصرية على اختلاف أنواعها وإرشاد الأمة بأسرها إلى منافع الحيوية الصحيحة ونشر ما فيه من فائدة مادية أو أدبية ونقد كل عمل له مساس من أية جهة كانت بتلك المنافع والصوالح سواء كان ذلك العمل عامًا أو خاصًّا مهما كان مصدره ومهما كانت صفة القائم أو الآمر به، وببيان صالح ذلك العمل من فاسده، وقول الحق في الحالتين حتى بهذا يتكون رأي عام قائم على أساس متين من صدق النظر وحسن التفكير يقول قوله بلسانها ولا تنطق هي إلا عنه، لا فرق في ذلك بين الأديان ولا تمييز بين الأجناس، هذا مع نبذ الشخصيات وعدم الخوض في المنازعات الدينية

_ 1 المصدر السابق.

المحضة وأن لا تؤجر في غرض وأن لا تستخدم لأحد مع التزام الاعتدال في جميع الأحوال. هذه هي خطة "الجريدة" وقد حققت في تاريخها أكثر ما ذكرته المادة الثالثة من قانون شركتها، وكان هذه الصحيفة ترجمان حزب الأمة ولسانه وهو حزب يرى اللورد لويد أن يتكون من جماعة المفكرين بعيدي النظر والذين كان اتجاهم إلى كسب التقدم الدستوري بطرق معتدلة1 ولم تكن "الجريدة" في يوم من الأيام تقر رأيًّا تركيًّا أو تزعم للدولة العلية الكياسة وبعد النظر وسلامة الفكرة، وهي صفات كانت تؤمن بها معظم الصحف المصرية، بل اختطت دون الصحف الوطنية خطة الملاحظة على ما تصنع تركية ونقدها بين حين وآخر، وهي تدعو إلى تحقيق الأماني الوطنية باتفاق يحدث بين الاحتلال وبين أعيان المصريين وحدهم؛ لأنهم أصحاب المصالح الحقيقية وتدعو إلى الرضاء بكل ما يكسبه الوطنيون من هذا الاحتلال حتى تتوافر الكفايات للحكم الذاتي. وإذا كانت "الجريدة" قد أصبحت صحيفة المعتدلين فقد استمر "اللواء" لسان عامة الناس والمتطرفين منهم خاصة، وقد زاد قدره في عيون المواطنين إذ استطاع صاحبه بقلمه في مصر والخارج عزل عميد الاحتلال بعد أربعة وعشرين عامًا من الكفاح المتصل، ولم تتغير خطته بعد عزل كرومر وتعيين "إلدون جورست" " Eldon Gorst" مكانه بل إنه التزاماته كانت أخطر في ذلك العهد من جميع العهود السابقة فقد جاء العميد الجديد بسياسة لينة نحو القصر لا نحو مصر، فتغير الخديوي وتبدلت أساليبه الوطنية فكان بالأمس يدافع عن الحركة الوطنية ويخطئ خصومها علانية في أحاديث صحفية وينكر تعصبها الديني ويرى أن شعبه "طيب بفطرته نزيه مجد ومعتدل متسامح"2

_ 1 Lloyd: Egypt Since Cromer. V.I.p. 50 2 من حديثه مع مكاتب "الطان" "راجع الرافعي: محمد فريد، ص65 - 66".

غير أنه يعود فيذكر لمكاتب "الديلي تلجراف" في مايو سنة 1907 أنه لا يعمل ضد الاحتلال ويبين له أن المعتمد البريطاني لا يستطيع حكم مصر وحده، وأنه مستعد للتعاون معه وأنه لا فائدة للمصريين من استبدال احتلال باحتلال، وأن الاحتلال البريطاني خير من أي احتلال آخر1 ويأبى "اللواء" على هذا الخصم الجديد ما ذهب إليه فيضيف إلى أعدائه عدوًّا خطير الشأن بيد أنه يشرع في مخاصمته فورًا فإن الشعب المصري "لا يقبل مطلقًا أن يكون حكم مصر بيد سمو الخديوي بمفرده أو بيد المعتمد البريطاني أو بيد الاثنين معًا، بل يطلب أن يكون حكم هذا الوطن العزيز بيد النابغين والصادقين من أبنائه وأن تكون نظامات الحكومة دستورية ونيابية" ثم يقول في موضع آخر متحدثًا عن الخديوي "فهو إن قال كلمة في صالح الحركة الوطنية خدم نفسه وعرضه واستمال أمته إليه وإن عمل ضدها أضر بنفسه وبعرشه ونفر أمته منه ولكنه في الحالتين لا يستطيع الإضرار بهذه النهضة؛ لأنها نهضة المطالبين بالحياة والوجود ومثل هذه النهضة لا يضرها إنسان مهما كان قويًّا أو عظيمًا"2. لقيت الصحافة بعد تغيير كرومر شيئًا من العنت والضيق لحقاها جميعًا سواء في ذلك صحف الاحتلال وصحف الاستقلال إذ لم يعد للإنجليز حظ في حرية الصحافة والتمكين لها، وقبض الخديوي يده عن مساعدة الصحافة الوطنية فقد انتفقت الأسباب التي تدعو إلى ذلك كله، وهي الخصومة القديمة بين صاحب السلطة الشرعية وصاحب السلطة الفعلية وأصبح الطرفان لا تعوزهما قوة من القوى لتحقيق أغراضهما، وكذلك اتفقت السلطات الأجنبية في هذا الرأي مع السلطتين الرسميتين في مصر وخاصة بعد الاتفاق الودي سنة 1904 فلم يعد لحماية القنصلية الفرنسية أثر في الحيلولة دون بطش العميد أو الخديوي بالصحف اللائذة بها.

_ 1 الرافعي: مصطفى كامل، ص333. 2 الرافعي: محمد فريد، ص65 - 66. 3 اللواء في 26 و27 مايو 1907.

وكانت الصحف الصديقة للاحتلال أول ضحايا سياسة الوفاق الجديدة في سنة 1907 فقد اتهمت "المقطم والوطن والشرق" مأمور مركز كرموز بأن يقبل الرشوة لقضاء حاجة الناس وحملت عليه في بضع مقالات ضمنتها رأيها في أن المصريين لا يصلحون لوظائف المأمورين، وأن هذه الوظيفة جديرة بعدالة الإنجليز، وقدمت هذه الصحف للنيابة العمومية، ولم تحل العلاقات القديمة بينها وبين دار الوكالة البريطانية دون محاكمتها والحكم عليها، وقد علقت "المقطم" على الحكم زاعمة أنها حملة أحكم تدبيرها للقضاء عليها واستغاثت بالصحف الأجنبية في مصر لتؤازرها ولتدفع الظلم الواقع عليها1 وقد أنكرت النيابة أنها لسان من ألسنة الأمة وقطعت بأن أخبارها غير صحيحة وتعوزها الأدلة والبراهين وأنه لا يجوز لها أن تتعرض للشخصيات وتسيء بالسب إلى الموظفين العموميين. لم تفتر الحركة الوطنية بعد وفاة مصطفى كامل في مطلع سنة 1908 بل بقي تاريخها في الجهاد متصلًا في كل ناحية من نواحي الحياة المصرية ومن ورائها كتلة من الوطنيين المصريين ممثلة في الحزب الوطني الذي ضم عنصري الأمة وقضت وحدته على الخلافات المذهبية التي طالما عير بها المصريون في مصر والخارج وكانت سببًا من الأسباب انتحلته الدول للتدخل في شئون مصر قبيل الاحتلال والتمكين لهذا الاحتلال بعد وقوعه، وقد غذى هذه الحركة نجاح الحركة الدستورية في تركية في يولية سنة 1908 وإن كان نجاحها في تركية جاء متأخرًا بعد أن انفصمت العلاقات الودية بين الخديوي والحزب الوطني ولم يكن هذا النجاح في تركية شيئًا لا يعني المصريين بل شد أزرهم وقوى فكرة الحكومة الدستورية في مصر، وكان ذلك أمرًا طبيعيًّا للصلات الأدبية والمادية بين التابع والمتبوع، فقد كان الكثيرون يرون مزاج البلدين واحدًا فلا غرو أن اشتد ساعد الدستوريين في مصر ومضت الصحافة المصرية تطالب بالدستور وامتلأت صفحاتها بالحديث عنه.

_ 1 الشباب، العدد الخامس عام 1936.

والصحافة المصرية ليست حديثة عهد بهذا الموضوع فقد عنيت به منذ رياسة مصطفى كامل للحزب الوطنين وقد كان لأثر مقالاتها صدى في الجمعية العمومية في شهر مارس سنة 1907 وحيث طالبت هذه الهيئة النيابية بإنشاء مجلس نيابي واضطرت الحكومة الفهمية إلى الرد عليها "بأن الوقت لم يحن لتشكيل مجلس نواب يرجى منه النفع العام الذي ينتظر من المجالس النيابية ولكنها تشتغل الآن في توسيع اختصاص مجالس المديريات"1. والصحف الوطنية هي التي أذاعت هذا الموضوع وعالجته مرارًا ودعت إلى تحرير العرائض للخديوي وساهم في توقيعها بعض السيدات والآنسات، وهذه ظاهرة جديدة في حياة الأمة المصرية لم تكن معروفة من قبل2. واضطر السير جورست أن يوضح سياسة الاحتلال في هذه الحركة الخطيرة، فهو يعلم أن الخديوي لا يرضى عن حياة الشورى حتى لا تكف يده عن السلطة، وسياسة الاحتلال قد سمحت له بها في قدر كان جرمه زهاء خمسة عشر عامًا، ويعلم أن وجود حكومة دستورية تسلب الاحتلال سلطانه أمر يخالف السياسة الإنجليزية في ذلك الوقت، فتحدث إلى "المقطم" في أكتوبر قائلًا: "إن ما حدث في تركيا ليس له أقل دخل في مسألة استعداد المصريين للحكم الذاتي" ثم قال: "إن مصر حاصلة على دستور الآن وأعني به الدستور الذي يتضمنه قانونها النظامي الصادر سنة 1883، أما إذا كان المقصود من هذه الصيحة في طلب الدستور إنشاء حكومة نيابية بإطلاق المعنى كما هي الحال في إنجلترا وفي بلدان أخرى أوربية فليس عندي على ذلك إلا جواب واحد وهو أن الشروط اللازمة لإدارة البلاد بموجب نظام مثل هذا النظام غير متوافرة الآن والتفكير في إدخال تغيير يحدث انقلابًا كهذا الانقلاب ضرب من الحماقة والجنون" ثم دعا جورست المصريين إلى

_ 1 محفوظات الجمعية العمومية لدور العقاد سنة 1907، وثيقة رقم7. 2 اللواء في 26 فبراير 1908.

مساعدة بريطانيا في توسيع اختصاص مجالس المديريات والمجالس المحلية1. وقد عادى جورست فكرة الدستور عن طريق الصحافة فجعل الموضوع كله على صفحاتها، فشرعت "اللواء" تفند الرأي الإنجليزي وتحمل عليه حملة كان لها أبعد الأثر في الجهات الرسمية والنيابية2 فاجتمع مجلس شورى القوانين في 31 أكتوبر عام 1908، وأثيرت مسألة المجلس النيابي في الجلسة ورأى بعض الأعضاء تأجيل النظر في هذا الموضوع إلى ديسمبر، وكان على خلاف هذا الرأي عشرة من أعضاء المجلس سماهم اللواء "العشرة الكرام" وكان من رأيهم المطالبة فورًا بإنشاء مجلس نيابي على أحدث النظم الدستورية في أوربا3. وغذت الصحف الوطنية هذه الحركة ونشرت البرقيات المختلفة في هذا الصدد، ثم مضت تدعو إلى الفكرة الدستورية كل يوم، ولما اجتمع مجلس شورى القوانين في ديسمبر ذكر "اللواء" أعضاءه ما وعدوا به من النظر في أمر الحكومة النيابية، فأصدر المجلس قرارًا "يطلب من حكومة الجناب العالي إعداد مشروع قانون يمنح الأمة حق الاشتراك الفعلي مع الحكومة في إدارة أمورها الداخلية وتدبير شئونها المحلية وأن يكون رأيه تقريريًّا في مشروعات القوانين واللوائح التي تطبق على الأهالي وفي تقرير الضرائب والرسوم بحيث لا يكون لهذا القانون تأثير على نصوص المعاهدات الدولية والامتيازات القنصلية والدين العمومي وأحكام قانون لجنة التصفية وما يتعلق بالأوربيين من المصالح والحقوق الواجبة الاحترام ولا على وركو الأستانة ولا على كل ما ارتبطت به الحكومة من التعهدات والاتفاقيات وبعد إعدادها هذا القانون يبعث به إلى مجلس شورى القوانين لإبداء رأيه فيه وهذا عملًا بالمادتين 18 و19 من القانون النظامي"4.

_ 1 المقطم في 22 أكتوبر 1908. 2 اللواء في 26 فبراير، و11 أبريل، وشهر سبتمبر 1908. 3 اللواء في شهر أكتوبر و1 و2نوفمبر 1908. 4 مجموعة محاضر جلسات مجلس شورى القوانين في 1908.

وكان هذا القرار الصادر من مجلس شورى القوانين حديث الصحف عامة والوطنية خاصة ولم ترفضه واحدة منها وإن اختلفت في التعليق عليه، وكان اللواء أول ما عنى به واهتم له ودعا إلى تحقيقه وإن كان في نظرها لا يحقق جميع الأماني الدستورية. ومهما يكن الإخفاق الذي أصاب هذه الحركة فإن الصحافة المصرية جعلت الفكرة الدستورية غاية من الغايات الوطنية، وفرضت إيحاءها على المجالس النيابية المصرية وصورت بمقالاتها الحكم القائم في نظر الناس حكمًا غير عادل، وجعلت الجماهير تفكر في أشياء معنوية لم تكن تعني بها بجانب عنايتها بحياتها المادية اليومي، ولم يعد الجلاء وحده الغاية الأولى والأخيرة بل أصبحت فكرة الحياة الدستورية ملازمة للجلاء في ذلك الوقت وبعد ذلك الوقت بسنوات. وقد برم جورست بالحالة التي خلقتها الصحافة الوطنية، فهو يتحدث في تقريره عن مجلس الشورى في سنتي 1908 و1909 حديثًا ملؤه الحنق على معارضة هذا المجلس معارضة "تحشو بها أعمدتها الصحافة الوطنية المعادية للحكومة" ويقول عن خطر هذه الصحافة في موضع آخر "وموطن الضعف في المجلس الآن هو السهولة التي يلقاها المتطرفون في اقتياد معظم الأعضاء وتضليلهم وشدة اهتمام جميع الأعضاء باجتناب الطعن فيهم في الصحف العربية واتهامهم بضعف الوطنية وهذا الطعن يصيب كل من يؤيد اقتراحات الحكومة ولو تأييدًا ضعيفًا"1. ثم استقالت عقب هذا وزارة مصطفى فهمي باشا وهي وزارة بقيت موالية للإنجليز زهاء ثلاثة عشر عامًا ولم تكن حريصة على ود الخديوي في يوم الأيام، فكان طبيعيًّا أن تنقذه منها سياسة الوفاق الجديدة، وقد ولى الوزارة بطرس باشا غالي2، وحمل عليها "اللواء" بعد ولايتها شئون مصر

_ 1 Blue Books. 1908- 1909 2 الوقائع المصرية 14 نوفمبر 1908.

بثلاثة أيام في مقال عنيف، وأكد أنها جاءت تشيع البقية الباقية من الحرية إلى مدفنها وأنها وزارة الوفاق الذي تم على حساب المصالح المصرية1. توجس الوطنيون شرًّا من هذه الوزارة الجديدة بيد أن ذلك لم يعق صحفهم عن مهاجمتها ومهاجمة الاحتلال في كل مناسبة من المناسبات، ونال الخديوي من معارضتها هذه كثير من التهم القاسية التي بدت لينة في ملاحظات عن العلاقات الجديدة بين جورست والسراي2 ثم تطورت إلى اتهام صريح للخديوي بأنه يحابي الاحتلال على حساب مصر في سبيل مصالحه الخاصة3 وهناك أسباب أخرى دفعت إلى هذه الشدة الصحفية على جورست والخديوي والحكومة مصدرها فيما نعتقد أن شئون الدولة العليا ألقيت إلى مسيحي وهو أمر تبرم به غلاة المسلمين إذ ذاك4، وزاد "اللواء" حدة أن الشيخ عبد العزيز جاويش تولى تحريره منذ 3 مايو سنة 1908 فحمل على دانلوب في المعارف ثم حمل على الحكم الإنجليزي في السودان وسمى القضاء على الثورة هناك "دنشواي أخرى" ثم عاود النشر في هذا الموضوع مستخفًا بتكذيب الحربية لمقاله الأول5 وانتهى به الأمر إلى القضاء ومع ذلك فقد استمر في مقالاته الحادة يهجو بأسلوبه القاسي جميع الجهات، وامتازت عبارات بالإنشاء الحماسي الذي يلهب النفوس ويثير الهمم في مصر أو في غيرها من البلاد الإسلامية. ويعتبر اللورد لويد أن تفكير الحكومة في تقييد حرية الصحافة مصدره كتابات الشيخ القاسية في اللواء6 إذ رأى المسئولون أن قانون العقوبات

_ 1 اللواء 17 نوفمبر 1908. 2 اللواء في 11 أبريل 1908 ثم لوجورنال دي كير في 8 أبريل 1908. 3 الشباب 6 أبريل 1936. 4 الوطن 23 مارس 1910 وفيها تفصيل لهذا الرأي. 5 اللواء في 28 و31 مايو 1908. 6 LLOYD V.I, p. 88- 89

وإن كانت له آثاره على الصحف الصغيرة الماجنة إلا أنه لم يستطع أن يحد من تطرف الصحافة الوطنية الكبرى وهي تعارض معارضة لا تشوبها شائبة، لذلك قررت الحكومة العودة إلى قانون المطبوعات الصادر في سنة 1881 وأعادته فعلًا في 25 مارس سنة 1909 وتقدمت به إلى الرأي العام مبينة الأسباب التي من أجلها قررت معاملة الصحف بمقتضاه. بينت الحكومة وجهة نظرها قائلة: "إن الحكومة لم تنفذ منذ عام 1894 قانون المطبوعات الصادر في 26 نوفمبر سنة 1881 وحيث إن الجمعية العمومية طالبت من الحكومة في 26 مارس سنة 1902 ردع الجرائد عن تجاوزها الحدود وعن الفوضى التي وصلت إليها وأرسل إليها مجلس شورى القوانين طلبًا مثل هذا في 30 يونيه سنة 1904 وحيث إن عدم تنفيذ قانون المطبوعات لم يزد هذه الجرائد إلا تماديًا في التطرف والخروج عن الحد حتى أدى ذلك بشكوى الناس بلسان الجمعية العمومية ومجلس شورى القوانين من هذه الحالة التي أضرت بمصالح البلاد ضررًا بليغًا فقد قرر مجلس النظار ما يأتي: يعمل بأحكام قانون المطبوعات فيما يتعلق بنشر الجرائد في القطر المصري1. هذه هي الأسباب التي سوغت بها الحكومة عودة قانون المطبوعات القديم وكان أمر هذه العودة خطيرًا من حيث حرية الرأي التي لم تكفلها سلطة من السلطات، فاحتج الحزب الوطني على ذلك رسميًّا2 وظهرت بعض وسائل الاحتجاج الأخرى على هذا القانون في 26 مارس سنة 1909 وأخذت "اللواء" تعلق عليه وعلى العمل به تعليق الخبير العارف بالتشريع وأضراره معتمدة على أقوال الشراح والمقننين3 بجانب إثارة الشعور العام على هذا التشريع وخاصة مقالها في 31 مارس الذي دعت فيه المصريين إلى الاحتجاج حتى تشعر الحكومة بمدى السخط العام على تصرفاتها إزاء الصحافة وهي

_ 1 الوقائع المصرية 27 مارس 1909. 2 الرافعي: محمد فريد، ص107 - 108. 3 اللواء في 29 و30 و31 مارس 1909.

الحصن الوحيد للوطنيين، وقد شاركت "اللواء" الصحف المصرية الأخرى في الشعور نحو هذا القانون إلا صحيفتا "الوطن" و"مصر"، ويؤرخ لهذه الحقبة قرياقص ميخائيل في كتابه "أقباط ومسلمون تحت الحكم البريطاني"1 بأن المقصود من هذا القانون كان كبت العنف الذي جرت عليه الصحف الوطنية في علاجها للمسائل السياسية وغيرها من المسائل العامة ثم يذكر أن الصحافة القبطية استقبلته محيية له كعامل من عوامل تهدئة حدة الصحف وعنفها. وقانون المطبوعات هذا قانون أبتر؛ لأنه لا يسري إلا على المصريين أو المتمتعين بالجنسية المصرية؛ لأن محاكمتها الأجانب مهما تكن مخالفتهم أو جرائمهم تتبع أحكام دولهم وقوانينها ولا تملك مصر إذ ذاك فرض قانونها عليهم لتمتعهم بالامتيازات الأجنبية منذ عدة قرون، فأصحاب الصحف من الأجانب في مأمن من هذا القانون وليس هنا مجال نقده، وإنما تحضرنا بعض الملاحظات على تسويغ الحكومة الرجوع إليه، فهي تدعي أن الجمعية العمومية ومجلس شورى القوانين قد هالهما إسفاف الصحف وتجاوزها الحدود وتماديها في التطرف، والمجلسان النيابيان لم يشيرا قط إلى الحد من حرية الصحافة بحال وإن أشارا إلى الصحف التي تنهش الأعراض وتخوض في الكرامات، والصحفيين الذين ينالون طعامهم على كل الموائد دون رعاية لخلق، أو عرف، وقانون 1881 إنما تعيده الحكومة لتطبقه على "اللواء" وما يناصره من الصحف، ولم يطلب المجلسان العودة إلى هذا القانون بل طلبًا "سن قانون جديد" وفرق بين الطلبين؛ لأن سن قانون يقتضي عرضه عليهما، ومهما يكن رأيهما استشاريًّا فلن يكون في عنف قانون الثورة العرابية. ومجمل القول في هذا القانون إنه طبق على مدى واسع وعلى الصحف المعارضة خاصة، فقد كتب الشيخ عبد العزيز جاويش في "اللواء" مقالًا عن ذكرى دنشواي2 واعتبرت النيابة المقال سبًّا في رئيس الحكومة

_ 1 أقباط ومسلمون، ص98. 2 اللواء في 28 يونيو 1909.

لحياته من وجهة نظر معارضة تهون من شأنه في عيون الناس، وقضى الاستئناف بسجن الشيخ1 ثم أخذ "اللواء" بنشر مقالات عن حادث "نجرا" وهو طالب قتل كبيرًا من رجال الإنجليز السابقين في الهند، وكانت أخطر هذه المقالات المقالة الرابعة2 حتى اعتبرتها الحكومة تحريضًا على القتل السياسي وإعجابًا به3 وكانت قضية الشيخ جاويش أولى حوادث الصحف الوطنية من حيث تعرضها لقانون المطبوعات، وقد اختلفت في شأنها الصحف المصرية المتباينة، فكان معظم الصحف من عربية وفرنجية في جانب اللواء إلا "الإجبشيان جازيت" وجريدة "المقطم" وخاصة الأخيرة فقد ذكرى في قضية الشيخ تفاصيل ما سيجري في المحكمة وما سينطق به القضاء، وقد صح ذلك وجاء الحكم مطابقًا تمام المطابقة للمقدمات التي أذاعتها المقطم في صفحاتها4. ومن الصحف التي راحت ضحية لقانون المطبوعات جريدة "القطر المصري"؛ ذلك لأن صاحبها نقل عن إحدى صحف الأستانة مقالًا لم يعجب المحرر فأخذ يفند ما فيه وينقد رأي كاتبه ويعارض اتجاهه غير أن الحكومة رأت في نشر المقال ما يمس النظام والأمن العام فأمرت بإغلاق صحيفة القطر المصري دون النظر إلى ما علق به الصحفي المصري وهو قمين بأن ينقذ صحيفته من سوء الظن وإن لم يعفها في نظر الحكومة من سوء التقدير5. لم يحل قانون المطبوعات بالرغم من شدته دون عنف الصحف الوطنية، فكان كلما استبد القانون بها اشتدت هي في المعارضة، وأصدق ما يجري على هذه الحقيقة مشروع مد امتياز قناة السويس وهو مشروع شغل الرأي العام

_ 1 الرافعي: محمد فريد، ص112 - 113. 2 اللواء في 17 أغسطس ثم في 10 و11 و20 يوليه في 7 و19 أغسطس عام 1909. 3 اللواء 5 أغسطس 1909. 4 الشباب، العدد الثامن. 5 الرافعي: محمد فريد، ص128.

المصري في نهاية عام 1909 وأوائل عام 1910 وكانت الحكومة تأمل في موافقة السلطات التشريعية على هذا الموضوع، غير أن "اللواء" أحس الاتجاه فبدأ محمد بك فريد يهاجم المشروع ابتداء من أواخر أكتوبر مهاجمة عنيفة مؤيدة بالحجج والأسانيد ونقلت عنه معظم الصحف المصرية عربية وفرنجية. كان الناس ينظرون في أول الأمر إلى فكرة مد امتياز قناة السويس نظرة مادية خالصة فكانت المناقشة تدور حول ما تنتفع به مصر من الناحية المالية، وكان هذا هو اتجاه الصحف في نظرتها إلى الموضوع غير أن محمد فريد بك نشر في اللواء مقالًا ممتعًا تحت عنوان "مسألة قناة السويس -اعتبارات سياسية"1 وكان هذا المقال حجر الزاوية في رفض المشروع فيما بعد إذ نقل الكاتب الفكرة من البحث المالي إلى الناحيتين الأدبية والمعنوية وعلاقة ذلك بكرامة الوطن وحقوقه، وبهذا المقال وبغيره مما نشر في "اللواء" والصحف الأخرى رفض مشروع مد امتياز القناة وانتصرت الصحافة في أعظم معركة اهتمت لها الحكومة اهتمامًا منقطع النظير، واعتبر ذلك الرفض من وجهة النظر العامة أول انتصار وطني على الاحتلال منذ وجد في مصر ولم يفد دفاع الصحف الموالية للإنجليز أو المتحدثة باسمهم في إنقاذ فكرة المشروع. وفي أثناء مناقشة هذه الفكرة حدث أن اغتال إبراهيم ناصف الورداني رئيس الحكومة بطرس غالي في 20 فبراير سنة 1910 لأسباب ذكرها القاتل بأنها تعود إلى تاريخ بطرس باشا ومواقفه من الحركة الوطنية وأساليبه في تناول الحكم، ويذكر الورداني أن الذي دفعه إلى هذا الجرم أن رئيس الحكومة قد وقع اتفاقية السودان سنة 1889 ثم رأس المحكمة المخصوصة في قضية دنشواي، وفي وزارته صدر قانون المطبوعات ووزراؤه أكثر الوزراء تحمسًا لتنفيذ مد امتياز قناة السويس2 وكان لهذا الحادث أثر كبير جدًّا في تضييق حرية القول

_ 1 اللواء ابتداء من 25 أكتوبر 1909 ثم 1910. 2 الرافعي: محمد فريد، ص171.

والكتابة، كما كان له أثر خطير في انفصام وحدة الأمة بعدئذ، وقد أجمعت الصحف والحزب الوطني على استنكار هذه الحادثة، ومع ذلك فإن "الإجبشيان جازيت" ردت أصول الحادث وفروعه إلى اللواء1 وهو تهول في ذلك وتكبر وتمضي في أثناء محاكمة الورداني تكرر وتعيد في ذلك، وتترجم بعض مقالاته جريدة "المقطم" وشاركتها صحيفتا "المؤيد" و"الوطن" في الحملة على الحزب الوطني وإلقاء التبعة على مقالاته التي هاجت الناس وطوحت بإحساساتهم حتى خرج منهم هذا المجرم الشنيع. وقد صدر بمقتل بطرس غالي ثلاثة قوانين كان مجلس الشورى قد أبى أن يقرها من قبل2 ويقضي الأول منها بإخراج الجنايات والجنح التي تقع بواسطة المطبوعات من اختصاص قضاة التحقيق والمحاكم الجزئية ويحيلها كأنها جنايات عادية ارتكبت ضد القانون على محاكم الجنايات التي ليس لها محلفون وليس لحكمها استئناف، والقانون الثاني يتعلق بنظام المدارس وهو يعاقب بالطرد من المدرسة كل طالب يشترك في مظاهرات في داخل مدرسته أو خارجها أو يكتب في الصحف أو يمدها بأخبار أو يقوم لها بعمل ما، ويعاقب القانون الثالث ما يقع من الاتفاقات "الجنائية" بين شخص فأكثر بالحبس مددًا مختلفة، والاتفاق الجنائي يتضمن كل ألوان التآمر والجمعيات السرية3. وبالرغم من صدور هذه القوانين مضت "اللواء" في معارضتها للحكومة والاحتلال وإن تحاشت اللفظ الشديد، ولم يعفها الحذر أو التلطف في العبارة من المؤاخذة كلما تعقبت سياسة الاحتلال بالملاحظة والنقد، فنشرت مقالًا بعنوان "الزراعة والصناعة في عهد الاحتلال بين مصر والهند" وهو من أمتع

_ 1 الإجبشيان جازيت 21 فبراير 1901. 2 العلم في 21 مايو 1910. 3 الإجبشيان جازيت 30 مايو و2 يونيه 1910.

البحوث التي اعتمد فيها كاتبها على الأرقام والمقارنة قبل اعتماده على شيء آخر وهو من المقالات الممتعة التي تزين تاريخ الصحافة المصرية وتوضح كفايتها ونضجها1 غير أن الحكومة لم يرضها هذا البحث ولم تقر هذا التوجيه فاعتبرت "اللواء" قد خرجت "عن حد الاعتدال واستعملت عبارات من شأنها إهاجة الخواطر بالطعن على أعمال الحكومة تحت ستار إسناد هذه الأعمال إلى الأمة الإنجليزية ونسبتها إلى كثير من المعايب التي تمس كرامتها" ثم قضت بإنذار "اللواء" في أكتوبر للمرة الثانية. رأت "اللواء" في هذا الإنذار تعنتًا لا نظير له فأقامت الدعوى على الحكومة بشأن إنذارها2 وشغل هذا الإنذار الصحف المصرية جميعًا، فحملت عليه جريدة "العلم"3 بالطبع؛ لأنها الصحيفة الثانية للحزب الوطني وسخرت منه "البلاغ المصري" ومن المعاني التي انطوت عليه4 وأبت "الجريدة" أن تقره في أسلوبها الرفيع المعروفة به5 ورأيت "المؤيد" أن ما جاء بالإنذار سخيف وأنكرت على المقالة التي أنذرت من أجلها "اللواء" أي خروج على النظام6 ورأت رأيها هذا جريدة "وادي النيل"7. وعلقت جريدة "البصير" بالأسكندرية على هذا الموضوع راجية أن يتسع صدر الحكومة للصحف وأن تقلل من مؤاخدتها له على الصغائر التي لا تضر

_ 1 اللواء في 18 أكتوبر 1910. 2 محفوظات إدارة المطبوعات دوسيه رقم5. 3 العلم في 25 أكتوبر عام 1910. 4 البلاغ المصري في 25 أكتوبر 1910. 5 الجريدة في 26 و27 أكتوبر 1910. 6 وادي النيل في 17 أكتوبر.

بالمصلحة العامة1 ومضت "المقطم" تطعن في الحزب الوطني وصحفه2 وتزعم أنه حزب ثوري يعرض بالجناب الخديوي ويختزن السلاح توطئة لثورة يفجرها في البلاد3 ولم ترض معظم الصحف الأجنبية في مصرعه هذا الإنذار فحملت عليه حملة تتفاوت بين الشدة واللين4. ثم حدث خلاف بين ورثة "اللواء" والحزب الوطني وعين يوسف بك المويلحي حارسًا قضائيًّا، ولهذا الخلاف أصول أرخت لها الوثائق في إدارة المطبوعات وبينت الكفاح الذي دار حول الصحيفة بين القصر والحزب الوطني فقد أوحت المعية إلى الحارس القضائي أن يتدخل في توجيه سياسة الجريدة وأبى زعيم الحزب هذا التدخل وترك "اللواء" وبقي الكفاح متصلًا حتى انتهى الأمر بتوقيع الحجز على آلات الجريدة وخسرت الحركة الوطنية أعظم ألسنتها وأقدمها5 ثم قررت اللجنة الإدارية للحزب الوطني في أول مارس سنة 1910 نشر جريدة "العلم" برأسمال قدره خمسة آلاف جنيه زيدت إلى أحد عشر ألف جنيه، وهي شركة غير تجارية ولا أمل فيها لربح شخصي إذ تقرر أن تضاف الأرباح إلى رأس المال، وقد قام مكاتبو "اللواء" ومراسلوه القدامى بالدعوة "للعلم" في المدن والأقاليم وتعريف الناس على أنه لسان الحزب الوطني ثم عين للجريدة مندوب في الأستانة يمدها بالأنباء الخارجية وهو أحد المتهمين في قضية الورداني.

_ 1 اللواء في 26 أكتوبر 1910. 2 المقطم في 26 و29 أكتوبر 1910. 3 اللواء في 27 أكتوبر 1910. 4 الإجبشيان جازيت في 25 أكتوبر، وجورنال دي كير ولابورص إجبسيان في 26 و30 أكتوبر ولاريفورم في 31 منه. 5 محفوظات المطبوعات، دوسيه رقم5.

ولما لم تفلح الحكومة في القضاء على حركة الحزب الوطني بالقضاء على "اللواء" أنذرت "العلم" ثم استبدلت بالإنذار التعطيل لمدة شهرين في 20 مارس سنة 1910 حتى تتخلص من نقده ومعارضته في أثناء نظر مشروع القناة في الجمعية العمومية وخلال محاكمة المتهمين في قضية الورداني، وذلك بناء على إشارة الوكالة البريطانية، ومع أن صحف "مصر الفتاة" و"المؤيد" كتبت موضوعات مماثلة وأشد لهجة من "العلم" دون أن تنذر أو تغلق1 فنشر الحزب الوطني جريدة "الاعتدال" ثم "الشعب" ثم "العدل" إلى أن عاد "العلم" إلى الظهور في 20 مايو سنة 1910. وقد شاب هذه الحركات الصحفية الحرة نزعة لم يعرفها مؤرخ الصحافة المصرية في تاريخها جميعًا وتنزهت عنها الصحافة الوطنية في أدق مواقفها مع بذل الجهد لإثارتها في الثورة العرابية أو خلال حركة مصطفى كامل، وهذه النزعة هي المشكلة القبطية الإسلامية التي أثارتها عدة عوامل بعد وفاة زعيم الحزب الوطني في سنة 1908 فقد بدأت الصحف الإسلامية، و"المؤيد" و"الجريدة" خاصة، ترد في شهر مايو من تلك السنة على جرائد الأقباط التي بدأت تبحث في أمر الوظائف والموظفين وعدالة القسمة فيها بين النصارى والمسلمين، ووقفت "الوطن" لكليهما وحملت عليهما في عنف وشدة2. ومع أن مقالات "المؤيد" و"الجريدة" خلت من هذا العنف الذي نشرته "الوطن" فإن الوطن اعتبرت الحديث في أمر الوظائف والموظفين شيئًا يستوجب هذا العنف فاضطر "اللواء" إلى النزول في الميدان ونشر الشيخ جاويش مقالًا عنيفًا جدًّا ردًّا على ما جاء بمقال "الوطن" وهو يرد على هذه اللهجة العنيفة بعنف يماثلها ويزيد عليها في أسلوبه المأثور عنه3 وقد أدى

_ 1 محفوظات وزارة الداخلية دوسيه العلم رقم 168. 2 الوطن في 15 يونيه سنة 1908. 3 اللواء في 17 يونيه 1908.

هذا النقاش الصحفي إلى خصومة عنيفة بين المسلمين والأقباط كان صداها في تلك البرقيات التي أرسلت من المسلمين إلى ناظر الداخلية ليحاكم صاحب "الوطن"، كما أرسلت برقيات مماثلة من الأقباط يحتجون على عبارات "اللواء": "بإحساسات مجروحة يلتمسون من عطو فتلو أفندم ناظر الداخلية وجناب المعتمد البريطاني بسرعة ملافاة الأمر قبل استفحاله" وكاد الأمر يستفحل حقًّا فقد دعا الأقباط إلى اجتماع بحديقة الأزبكية كادت تحدث فيه فتنة، وذهب كثيرون إلى المفوضية الفرنسية يشكون الشيخ جاويش على اعتباره من رعايا فرنسا التونسيين1. وقد استطاع الحزب الوطني أن يرأب الصدع ويقف هذا التيار بمجهود العقلاء والحريصين على وحدة البلاد، غير أن السياسة الإنجليزية ما فتئت تخلق المنازعات بين العنصرين، وأظهر ما صنعته في هذا الميدان تعيين بطرس غالي باشا للنظارة، وتتحمل "الوطن" و"مصر" خاصة وزر العودة إلى الموضوع كما تتحمله أيضًا الصحافة الوطنية الإسلامية، فقد كان اتجاهها إسلاميًّا محضًا، حتى الصحف التي صدرت معارضة للحركة الوطنية وموالية أشد الموالاة للاحتلال جعلت من أسس حياتها الأولى الناحية الإسلامية، وقدر أن يكون على رأس الصحفيين الوطنيين رجل متحمس كعبد العزيز جاويش وصل السياسة بالدين وجعل للدين أثرًا في السياسة العامة، وقد أعقب فترة الهدوء بين العنصرين مقتل بطرس باشا فأثار هذا الحادث أوار النار من جديد. ونحن نقرر في جزم أن بعض الصحف المسيحية تتحمل أكبر قسط من المسئولية في استئناف هذا الموضوع، فقد عادت "الوطن" إلى التحدث فيه تحت عنوان "هنا وهناك"2 وأخذت تسب اللواء "المرذول جريدة حزب الخراب والشر" ثم تستعيد ما نشر في صحيفته في ظروف مماثلة، ومع أن

_ 1 محفوظات الداخلية دوسييه رقم5. 2 الوطن في 23 مارس 1910.

أسلوب محرر "الوطن" بدأ في إثارة الأزمة لينًا ورفيقًا إلا أنه أعاد الكرة بعد بضعة أيام مشيرًا من طرف خفي إلى تخوف الأقباط من الدستور؛ لأن معنى الحياة في ظل الدستور كما يرى الكاتب "أن تصبح البلاد وحكومتها في قبضة قواد الحركة الحالية بلا سلطة فعلية من الجناب العالي ولا رقابة حقيقة من الدولة العلية"1، ومن مقالاتها الخطيرة التي زادت الخلاف حدة الفصول التي نشرتها حاملة على الحكومة والشيخ جاويش والتي استعدت فيها الإنجليز على الشيخ "عدو الإنجليز والأوربيين عامة وعدو الأقباط وعدو السوريين وعدو عقلاء المصريين" كما نشرت تعليقًا على فض الجمعية العمومية وهي تظهر خصومتها للدستور ثم نشرت مقالًا توقع فيه بين الخديوي ورجال الحزب الوطني2. ومنذ بدأت الصحافة المسيحية تقحم المسألة الدينية في سياستها استفحل الخلاف بين المسلمين والأقباط، وأرسل الآخرون إلى لندن في يونيه 1910 قرياقص ميخائيل كممثل للصحافة القبطية في مصر وكداعية لأغراض الأقباط هناك، وقد استقبلته الصحافة الإنجليزية وأحزابها استقبالًا عظيمًا، ونشرت إحدى وعشرون صحيفة المقالات الطويلة في موضوع الخلاف الديني في مصر وبدأت حملة الصحف الإنجليزية في 20 سبتمبر سنة 1910 واستمرت إلى 23 سبتمبر سنة "1911"3 واهتمت الصحف المصرية الإسلامية والصحف القبطية والأجنبية في مصر بهذا الموضوع اهتمامًا جعل المسألة الوطنية في المرتبة الثانية، واشتركت "المؤيد" و"الجريدة" و"اللواء" و"العلم" و"الأهالي" من الناحية الإسلامية، و"الوطن" و"مصر" من الناحية القبطية، اشتركت

_ 1 الوطن في 13 أبريل 1910. 2 الوطن في 5 و11 و16 أبريل. 3 أقباط ومسلمون، ص104 - 134.

جميعها في هذا الموضوع، وأكثر ما في هذه المشكلة غرابة موقف الإنجليز ثم موقف جريدتي "الأهالي" و"المقطم". ولقد كان معروفًا أن أكثر الصحف الفرنجية في مصر تناصر الأقباط في حركتهم، وكان معروفًا أيضًا أن الصحف المصرية الإسلامية جميعًا وبلا استثناء تجادلهم بالعنف وتحمل عليهم أشد الحملات، أما الإنجليز فموقفهم غريب حقًّا فصحاتهم في مصر وإنجلترا تزيد لهيب هذا الخلاف إذ يذيع روتر في 26 يناير سنة 1911 حديثًا للسير جورست بأن "الأقباط والمسلمين يعيشون في سلام لو تركوا وحدهم"1 وتقول "التيمس" عن جريدة "الوطن" "إن لهجتها مازالت شديدة ومهيجة منذ إعدام الورداني" ثم تعقب على إنذار الحكومة للوطن "وأهم من مسألة إنذار "الوطن" اغتنام الأقباط هذه الفرصة لبسط شكاواهم للرأي العام وللحكومة البريطانية نفسها" ثم تعلق على مطالبة الأقباط بوظائف المديرين "إن القدرة على معاملة الناس التي هي صفة من صفات الحاكم الإداري الضرورية ولا سيما في المديريات لم تكن يومًا من الأيام من الصفات القوية للأقباط"2 وفي موقف جورست والتيمس ما يغري بالحكم بأن الإنجليز الرسميين كانوا في جانب الحركة الإسلامية، وهذا في الواقع لون من السياسة لم يفت مؤرخي ذلك الزمن فعلقوا عليه بالملاحظة والتفنيد. أما جريدة "الأهالي" لصاحبها عبد القادر حمزة فكانت صحيفة معتدلة لم تخل من حملة جريدة "الشعب" عليها3 ومع أنها صحيفة شبه رسمية وشديدة الصلة برئيس الحكومة وأول من دعا إلى عقد مؤتمر للمسلمين إلا أنها كانت تعالج الخلاف برفق4 حتى أن الوطن ذكرتها وهي تهاجم الصحف الإسلامية

_ 1 الأهالي في 2 فبراير 1910 و18 يناير 1911. 2 المصدر السابق. 3 الوطن في 23 مارس 1910. 4 أقباط ومسلمون، ص32.

جميعًا "لو أن الصحف الإسلامية كلها تجادلنا بالتي هي أحسن على طريقة "الأهالي" الغراء لما سمع الناس بذكر التعصب والانقسام ولا كان في القطر صوتان متنافران بل كان المصريون كلهم حزبًا وطنيًّا واحدًا له غاية في واحدة هي ترقية مصر وبنيها والاستقلال التام"1. أما "المقطم" فكانت أقل الصحف اشتراكًا في هذه المعمعة، وحين كانت الصحف الأخرى في سعير هذا الخلاف كان "المقطم" يملأ صفحاته بالمسائل الخارجية وأهمها "مجلس المبعوثان" لمندوبه الخاص في الأستانة، وقلما كانت "المقطم" تنشر برقيات الأقباط ومؤتمريهم، وقد دعت إلى السلامة ونصحت الفريقين بها، ولم تلق بدلوها في الموضوع وقالت في إحدى مقالاتها عن تحاشيها الخوض في هذا الخلاف "إن كان يمكن أن يعد كلام جريدة اليوم من فضة، فسكوتها يعد من ذهب وجواهر كريمة لا محالة" ثم تذكر في يوم آخر أخبار "المؤتمر المصري" وتمدح سياسته وأمانيه2. ثم أنتج الخلاف الصحفي المؤتمرين القبطي والمصري، فأما الأول فقد أعرضت عنه الحكومة ودار الوكالة البريطانية وأعلن البطريرك أنه لا يمثل الطائفة في شيء وتبعه رءوسها وعيونها فمثل المؤتمر بذلك فئة صغيرة ثائرة، وأما المؤتمر الإسلامي فقد رأسه رياض باشا وأكبرته الصحف الوطنية جميعًا وباركت قراراته وفيها يرفض أكثر ما طالب به الحزب القبطي الصغير3. ومهما يكن من أمر هذا الخلاف الصحفي فقد خسرت فيه مصر أكثر مما كسبت طائفتاها، فإن المسائل الوطنية العليا أصبحت في المرتبة الثانية بالنسبة للخلاف الديني، وخرج الاحتلال من ذلك سليمًا فلم تقحمه الصحف في الموضوع لا الإسلامية منها ولا القبطية، وانتهى المؤتمران إلى قرارات اتخذت

_ 1 الوطن في 4 يناير 1911. 2 المقطم 8 و13 مارس 1911. 3 اللواء في 4 و9 مارس 1911 وما بعدهما.

لم يشر واحد منها إلى احتجاج على احتلال أو مطالبة بدستور، غير أن هذا الخلاف قد ترك لنا ثروة أدبية طيبة، فقد أنتج الأدباء والشعراء روائع الأدب وبدائع الشعر في تأييد وجهات النظر المتباينة، وترك لنا كتبًا عربية وفرنجية1 أرخت الخلاف ومصادره ونتائجه. ومع أن الخلاف كان شديدًا جدًّا بين صحافة العنصرين فإن إنذار الوطن قد ساء الصحف جميعًا، وهو موقف نادر بين تلك الصحف وغريب في مثل هذا الوقت، ويجمل هذا مكاتب "التيمس" في 17 يناير سنة 1911، بقوله: "وقد أحدثت هذه الحادثة حركة كبيرة في الصحافة المصرية من وطنية وأجنبية ولعل السبب في ذلك أن أسخط الصحافة عام على قانون المطبوعات؛ لأن جرائد مصر مهما تباينت مبادئها واختلفت مذاهبها تتفق على انتقاد هذا القانون وتقييد حرية الصحافة به"2، والأصل في هذا الإنذار أن "الوطن" نشرت مقالات عارضت فيها قرار الحكومة القاضي بطبع بعض الكتب العربية القديمة، ودارت في ذلك مناقشات حادة بين "الوطن" والصحف الإسلامية. وكان من حزب الجريدة القبطية "ذا إجبشيان جازيت" لسان الجالية البريطانية، وكذلك اتخذت جانبها "لابورص إجبسيان La Bourse Egyptienne لسان الجالية الفرنسية، وسمت إنذار الحكومة للوطن عودًا إلى القرون الوسطى ولا يجوز أن ينعقد مجلس النظار لمثل هذا في القرن العشرين، وسار على هذا النهج معظم الصحف الأجنبية مواسية "للوطن" في محنتها "كلاريفورم" و"ليجبت" نصيرة المسلمين كما يسميها قرياقص في كتابه3 وانتصرت لها أيضًا الصحف الإسلامية وعلى رأسها "اللواء" بالرغم من أن الإنذار كان نتيجة لخلاف بينها وبين "الوطن"، غير أن "اللواء" تحتج على الحكومة وتأبى عليها التدخل في شئون الصحافة ولو كان تدخلًا ينصر الصحف الإسلامية

_ 1 راجع الوطن في 8 أبريل 1910 ومحفوظات الداخلية دوسيه رقم4. 2 نقلًا عن الأهالي في 17 يناير 1911. 3 أقباط ومسلمون ص100 - 102.

ما يدعو إلى انحراف الوطنيين عن جهادهم الرئيسي في سبيل الاستقلال والدستور ظن "العلم" أن تعيين كتشنر بعد وفاة جورست سيبدل الموقف؛ لأن في خلق هذا العسكري ما لا يحتمل الملاينة والملاطفة نحو القصر وبطانته، ومن ثم تعود الوحدة إلى أصلها والكفاح إلى ذروته فمضى يحمل على الحكومة والإنجليز حملات شعواء أهمها مقالته التي نسب فيها إلى الحكومة نكايتها بتركية في الحرب الطرابلسية وحمل الاحتلال مسئولية هذه القصة1 فطلب اللورد كتشنر إغلاق "العلم" نهائيًّا ووقف صحف الحزب الوطني جميعًا كما تقول "المحروسة"2 ولم تنف محفوظات الداخلية رواية هذه الجريدة غير أن الخديوي وحكومته توسطًا في الأمر فأصدرت الوزارة قرارًا بتعطيل "العلم" شهورًا ثلاثة "لسلوكها مسلك الطعن في الحكومة" بما يحمل الناس على كراهيتها3 فأصدر الحزب الوطني في 20 ديسمبر سنة 1911 جريدة "الشعب" لسانًا له بعد تعطيل "العلم". وأصبحت "الشعب" و"اللواء" -وإن اختلفتا فيما بينهما- الجريدتين المتطرفتين في ذلك الوقت، فأما "اللواء" فقد أصدرت الوزارة أمرًا بتعطيلها نهائيًّا بحجة أنها عينت محررًا مسئولًا دون أن تحصل على إذن بذلك؛ ولأن بعض رجالها والقائمين بأمرها قد صدرت عليهم أحكام قضائية عقابًا لهم على أمور موجبة للاضطراب ومخلة بالأمن العام4، وليست هذه هي الحجة الصحيحة فقد عرفنا لجريدة "اللواء" معارضتها العنيفة طوال حياتها غير أن أكثر ما ضايق حكومة ذلك الوقت نشرها مقالًا لمحمد فريد بك في العدد 3847 خص فيه بالذكر إنشاء الدولة لصندوق التوفير واعتبره حيلة لجمع أموال الفلاحين ليستثمرها الإنجليز في البنك الأهلي، ثم حمل على الحكومة؛ لأنها عرقلت

_ 1 العلم في 18 ديسمبر 1911. 2 المحروسة في 23 ديسمبر 1911. 3 محمد فريد للرافعي، ص286. 4 محفوظات إدارة المطبوعات دوسيه 11 - 2 - 1860.

مشروع النقابات الزراعية حتى لا يعرف الفلاح لذة الاتحاد فيطالب بحقوقه المسلوبة، وذلك بإيحاء من الاحتلال ورجاله الذين حاباهم المسئولون هم والتليان وآثرتهم على تركيا في جميع المواقف الأخيرة1. ومضت الوزارة في تنفيذ سياسة الشدة مع الحزب الوطني فررت في 7 نوفمبر سنة 1912 تعطيل جريدة "العلم" -وكانت قد عادة إلى الظهور- تعطيلًا نهائيًّا؛ لأنها نشرت مقالات في اليوم السابق على التعطيل لمحمد فريد بك عن الحرب البلقانية وما أصاب تركيا فيها من الهزائم، وقد حمل الكاتب الصدر الأعظم مسئولية ما انتهى إليه أمر الحكومة التركية من فساد، ورأت الوزارة المصرية أن الكاتب يحمل على صديق الإنجليز في الأستانة فأمرت بوقف الجريدة وقالت في سبب ذلك، "وحيث إن هذه المقالة التي ختمت بالطعن الشديد في ولاة الأمور العثمانيين الذي ألقى عليهم تبعة ما أصاب الجيش العثماني إنم هي مقالة من شأنها إثارة خواطر المسلمين وإيغار صدورهم نحو ولاة الأمور المذكورين في هذه الظروف التي تستلزم الهدوء والسكينة وحيث إن هذه الجريدة اعتادت نشر ما يكدر صفو الراحة العمومية فضلًا عن أنها لسان حزب اتخذ رئيسه لنفسه خطة التهييج وحيث إنه سبق صدور قرارين بتعطيل هذه الجريدة مرتين الأولى لمدة شهرين بتاريخ 19 مارس سنة 1910 والثانية لمدة ثلاثة شهور بتاريخ 19 ديسمبر سنة 1911 فلهذه الأسباب ومحافظة على النظام العام تقفل جريدة "العلم" التي تصدر بالقاهرة من تاريخه"2. وقد أظهر تعطيل "العلم" الخصومة العنيفة التي كانت بينها وبين بعض صحف مصر في ذلك الوقت، وهي خصومة انتهى أمرها بقرار التعطيل، غير أن وداع معاصراتها لها رسم للمؤرخ صورة لمذهب الصحف واتجاهها

_ 1 محفوظات إدارة المطبوعات، دوسيه رقم5، وهذا المقال حوكم من أجله محمد فريد غيابيًّا وحكم عليه بالسجن سنة مع الشغل. 2 نقلًا عن الرقيب في 8 نوفمبر 1912.

من حيث وزنها للمعارضة النزيهة والخصومة الشريفة، فأما موقف "الأهرام" فكان موقف الآسف المقدر للجريدة تاريخها وكفاحها1 وكذلك كان رأي جريدة "وادي النيل"2 وأخذت جريدة "الإكسبريس" على الحكومة هذا العنف في تعطيل "العلم" وخاصة أنها صحيفة الرأي في بلد في أشد الحاجة إلى الصحف المعارضة لافتقاده المجالس النيابية، واعتبرت تعطيل "العلم" لذلك، وهي صحيفة الحزب الوطني، ضررًا على الحكومة ورجالها قبل أن يكون ضررًا على الشعب نفسه"3. ثم صدرت "المقطم" بمقال طويل علقت فيه على تعطيل "العلم" معلنة كراهيتها لقانون المطبوعات، غير أنها ترى أن إحياء القانون مصدره تصرفات محمد فريد بك وعبد العزيز جاويش، وهو توازن بين كراهيتها لهذا القانون وبين تعطيل "العلم" فتميل إلى احتماله إذا كان تلك آثاره4 ثم تشيعها "الوطن" بقولها: إنها "أكثر جرائد القطر المصري انتشارًا؛ لأنها لسان الحزب الوطني وكان بعض الدوائر تحسب له حسابًا وتسرع إلى إجابة مطالبه في كثير من الأحيان". ثم تعلق على قرار التعطيل "ولكن العلم بطر وأسرف في الذم وبالغ في إسراف العداء لسمو الأمير وحكومته" وتوضح موقف الاحتلال بقولها أن اللورد كتشنر "السياسي الفطن والبطل المغوار أطال زمان الصبر والتساهل أيضًا"5 وتذهب إلى هذا الرأي أيضًا جريدة "الرقيب" فتقرر أن الإغلاق كان عقب مقال لمحمد فريد بك الذي كان "شرًّا على الحزب وصحفه في "الظعن والإقامة"6 ولم يجر في هذا الاتجاه من الصحف الأجنبية إلا جريدة

_ 1 الأهرام 8 نوفمبر 1912. 2 وادي النيل في 9 نوفمبر، والإكسبريس في 10 نوفمبر، والمقطم في 7 نوفمبر 1912. 3 المصدر السابق. 4 المصدر نفسه. 5 الوطن في 8 نوفمبر 1912. 6 الرقيب في 8 نوفمبر 1912.

" La Finance Egyptienne"1 و"الإجبشين ميل" التي رحبت بتعطيل "العلم" واعتبرت ذلك "إشارة إلى نهاية عهد من آلم العهود في تاريخ مصر الحديث"2. ومنذ أواخر سنة 1912 أصبحت جريدة "الشعب" لسان حال الحزب الوطني، وتولى رياسة تحريرها أمين الرافعي بك وهو من خيرة صحفيي الحزب الوطني ورجال الصحافة المعدودين، وقد وقفت جريدة "الشعب" عن الصدور في 27 نوفمبر عام 1914 احتجاجًا على رقابة الحكومة العنيفة للصحافة المصرية، ومنذ اعتبار "الشعب" لسانًا للوطنيين إلى يوم احتجاجها وهي في كفاح مستمر مع الحكومة التي هددت بتعطيلها إذا نشرت مقالات محمد فريد التي كان يرسلها من أوربا. ولم تقوَ الصحف الوطنية المهمة على أداء وظيفتها منذ سفرت الحكومة في محاربة الصحافة حربًا لا هوادة فيها، وتقرر ذلك جريدة "الشعب" فتؤكد أن إرهاب قانون المطبوعات ضيق على الصحف فأخذت خوفًا منه تصور الرأي العام صورة مشوهة كما أنه جعل الصحافة الإسلامية في تناقص وزاد في الجرائد القبطية3، وكان من أهم الصحف الوطنية الباقية جريدة "المؤيد" التي اتجهت إلى المسألة العثمانية منذ أصبحت شركة مساهمة5 ومضت تنشر المقالات عن المسألة الشرقية بقلم السيد رشيد رضا6 وقد وقف محررها قلمه

_ 1 لافينانس إجيبسيان 9 نوفمبر 1912. 2 الإجبشيان جازيت 7 نوفمبر 1912. 3 الرافعي: محمد فريد، ص340. 4 أغلقت ست صحف ولم ينشأ على نقاضها إلا صحيفتان هما "الرقيب والإقدام" "راجع الشعب في 8 مايو 1912". 5 المؤيد في 27 مارس 1909. 6 المؤيد في سنة 1911 وخاصة مقالته في 18 أكتوبر وقد ترجمتها الصحف الفرنجية.

على الحملة على المسيحيين في الجيش العثماني بعد حرب البلغار1 وأخيرًا تنحى عنها الشيخ علي يوسف في سنة 1913 بعد أن عين شيخًا للسادة الوفائية وبيعت أدوات "المؤيد" وختم تاريخه الحافل في 17 أبريل عام "1916"2 ولم تبلغ مصر الحرب العظمى حتى كان صحف الأحزاب الثلاثة قد تعطلت إما بفعل الحكومة كما هو ظاهر من ختام حياة "الشعب" أو بتنحي رجالها عنها كما حدث في "المؤيد" أو لاضطراب في ماليتها وإيثار محرريها وظائف الحكومة كما دلت عليه حال "الجريدة" إذ ذاك، ولم تعش الصحف الأخرى وأهمها "الأهرام" و"المقطم" في القاهرة "والأهالي" و"البصير" في الإسكندرية إلا بما اصطنعت من مسايرة الظروف حتى مرت الحرب العظمى وبدأ التاريخ يخط صفحة جديدة في حياة الصحافة المصرية. ويجدر بمن يؤرخ للصحافة المصرية منذ الاحتلال إلى قيام الحرب العظمى أن يذكر بعض السمات العامة التي اتسمت بها صحافة ذلك العهد، وهي صحافة استكملت أسباب النضج من حيث الشكل والموضوع معًا، فقد مكن لها اختلاف السلطات على تناول الحكم فأصبحت صحافة أصيلة تمثل حزبًا من الأحزاب أو رأيًّا من الآراء، غير أن أساطين الرجال العاملين فيها كانوا جميعًا من أبناء المدرسة القديمة، حديثي السن منهم أو الطاعنين فيها، الدارسين للثقافة الغربية أو العالمين بآداب العرب وعلومهم وحدها، فقد كان مصطفى كامل وعلي يوسف وغيرهم فيما خلا محرري "الجريدة" و"الأهرام" يربطون بين حرية مصر واستقلالها وحرية تركيا وآمالها، تغلب على اتجاهاتهم وميولهم النزعة الدينية. وقد يكون الأسلوب السياسي وحده هو الذي جعل مصطفى كامل يظهر بهذه الصورة التي شرحناها، أما غيره من الصحفيين ورجال الرأي الذين

_ 1 المؤيد في 5 نوفمبر و6 ديسمبر 1912. 2 محفوظات إدارة المطبوعات، دوسيه رقم3 مكرر.

عملوا على توثيق الروابط المصرية التركية فكانت تلك عقيدتهم التي أخذت على مداركهم كل تفكير أو تحليل أو تقدير، بيد أنهم خلقوا في جو الصحافة جديدًا لم يكن معروفًا من قبل ذلك وهو نشر الصحف عن طريق الشركات والجماعات "كاللواء والمؤيد والعلم والجريدة" في وضع يشبه كثيرًا ما اتبع في كبريات الصحف الأوربية، وارتبط هذا بإنشاء الأحزاب، فأضحت أهم الصحف تلك الصحف الحزبية التي تمثل الفكرة أوضح تمثيل، وقد انتشر أثرها على الجماهير في مصر فتحزبوا لها واعتبروها مرآة لهم فيها آمالهم وأحلامهم، وكانت الصحف الحزبية تقرأ في العالم العربي في العالم الإسلامي، وتستقبل في العالمين استقبالًا حسنًا، كما تولت بعض الهيئات إصدار الصحف كما صنع الأزهر في مجلته الغنية بالبحوث الأخلاقية والموضوعات الدينية. وشهد ذلك العهد الصحافة المصورة، الهازلة منها والجادة، حافلة بصور الحوادث والأشخاص معلقة على أحداث مصر السياسية والاجتماعية شعرًا ونثرًا وزجلًا، غنية بالنكتة الرائعة والسخرية اللاذعة، ويؤثر عن هذا العهد جديد في العاملين في الصحافة فقد ألقيت شئونها منذ أنشئت في مصر إلى الرجال وحدهم وقلما كانت تطالعنا سيدة بمقال أو حديث، إلى أن نزلت إلى ميدانها المصريات فأنشأن أربع عشرة مجلة نسائية في مصر والإسكندرية وفي ذلك إيماءة إلى تغير الأحوال وتخلص الجيل من تزمته. وللصحافة المصرية في ذلك العهد أثر غير منكور في إحياء اللغة العربية وآدابها في شعب يتحدث سادته اللغات الأجنبية ويفرض المحتل لغته عليه ويقدمها على سائر اللغات فيجعلها ضمن أدوات حكمه في الدواوين والمدارس بجانب المعاهد الأجنبية المختلفة التي جعلت اللغة العربية في المحل الثاني أو الثالث، وقد استطاعت اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية أن تنتزع من اللغة التركية سيطرتها الأولى ولم تملك القضاء على اللغة العربية التي أحيتها وقوتها الصحافة بانتشارها ومجادلاتها في المسائل السياسية والاجتماعية والدينية وهي مسائل اتصلت بكل موضوع سواء في الأدب أو العلوم أو القانون، ولم تعد الصحافة كما كانت من قبل ذيلًا لأفراد يمثلون فكرة من الأفكار فهي تحمل على الإنجليز كما تحمل

على الخديوي، وأخذت الجهات الرسمية جميعًا تترضاها وتتوخى محاسنتها بالتأييد الأدبي أو المادي أو تحاربها بالقوانين واستبدادها. ويعتبر عهد عباس الثاني أعظم عهود الصحافة المصرية في تاريخها إلى الحرب العظمى؛ لأن مناصرته لها ولرجالها نشأ عنها نشاط أدبي منقطع النظير، فإلى عهده يرجع سجال الصحف في الآداب والاجتماعيات، وفي عصره عرف شوقي وحافظ وغيرهما من الشعراء والناثرين، وبل من بينهم من كان في معيته وركابه ومن عاش في عطفه وبره ونشرت له الصحف أفضل المقالات وأروع القصائد، وفي عصره نشأت فئة من الشباب كان لها في الميدان الصحفي بعد الحرب أبعد الأثر وهؤلاء من تلامذة صحف عباس الثاني وطلابها المجدين. وكان الصحف المصرية تنحرف عن الجادة بين آن وآخر في ذلك العهد انحرافًا يعطل القضية المصرية، فكانت تشغل أحيانًا بالمسائل الشخصية كقضية الزوجية أو قضية القبط والمسلمين، وتنشر من التعبيرات في مساجلاتها الحزبية ما أثر في جيلنا، وكان هذه المهاترات الصحفية من أقبح ما ورث عن جيل الاحتلال. وقد نجحت الصحافة المصرية في علاج الصدمة التي لقيتها مصر من الاحتلال، فقد ردت الأمن إلى النفوس وخرجت بالناس إلى الوجود وعلمتهم أن الهزيمة تاريخ لا ينبغي أن يعيشوا في أعطافه، وأن الاحتلال شيء لا ترضاه الشعوب الحرة، وأن ما فشلت فيه القوة الحزبية تستطيعه القوة المعنوية الكامنة في الأمة المصرية، وأن الحياة ليست ملك الأرض والتفنن في الطعام بل هي شيء أغلى من الأرض والطعام، وأن إصلاحات الإنجليز رد للحقوق إلى أصحابها وليست عملًا يفرض الاحتلال أو يمكن له، فآمن الناس بأنه شيء بغيض، ورأوا أن نظمه وأدواته عمل رجعي لا يحتمل، حتى فكر الإنجليز آخر الأمر في تغيير الأساليب القديمة وإنشاء الجمعية التشريعية خطوة لما بعدها وكان الأمل عريضًا في نجاح للصحافة أبعد من هذا لولا أن الحرب العظمى عاجلت المصريين فحدت من نشاط الأقلام، وختمت جهاد الصحافة على الصورة التي شرحناها بعد ثلاثين سنة من الجهاد.

الصحافة المصرية بين الحربين العالميتين

الصحافة المصرية بين الحربين العالميتين: اعتبرت مصر تحت الحماية البريطانية في الحرب العظمى منذ 2 نوفمبر عام "1914"1 فلم تعد الصحافة المصرية قادرة على أداء وظيفتها إذ خضعت لرقابة الرقيب، ثم أعلنت الهدنة وأخذ المصريون يطالبون بحقهم في الحياة الحرة المستقلة، وأثر عن هذه المطالبة بحقوق مصر أن تألف الوفد المصري برياسة سعد زغلول باشا وكيل الجمعية التشريعية المنتخب، وكان موقف الصحافة المصرية إذ ذاك موقفًا حرجًا دقيقًا، غير أن أمين الرافعي استطاع في وقت الضيق الذي نزل بصحافة مصر أن يصدر صحيفة "الأخبار" في 22 فبراير سنة 1920 وهي أهم وأخطر صحف ذلك العهد من حيث تحريرها أو تعبيرها عن الأماني المصرية، وصاحبها رجل حنكته التجربة الصحفية وله في تاريخ الصحافة المصرية مواقف قلما وقف إلى جانبه فيها صحفي من الصحفيين المعارضين، وقد قطع حياته الصحفية مثلًا من أمثلتها الرائعة سواء كانت قبل الحرب العظمى أو بعدها. وقد حملت "الأخبار" لواء الفكرة الوطنية، زاملتها "الأهرام" بعد وصول لجنة ملنر في 7 ديسمبر سنة 1919، فخرجت عن تحفظها ومضت قدمًا إلى الجانب المصري تعبر عن الأماني المصرية أحسن تعبير، وقد أطلقت حرية الصحافة بالرغم من القيود الرسمية المفروضة عليها، وأكبر الظن أن بعثة ملنر " Milner" داخلًا في تقرير هذه الحرية التي بدونها يعز على هذه البعثة فهم الموقف على حقيقته، وقد أشار تقرير ملنر إلى

_ 1 الوقائع المصرية "عدد خاص" في 2 نوفمبر عام 1914.

ذلك كله1 ثم صدرت جريدة "الاستقلال" لمحمود عزمي في مايو عام 1921 وحرر فيها طه حسين، وكان الصحيفة خالية من العنف الذي أثر عن جريدة "الأخبار" ثم نقل امتيازها فيما بعد إلى جبرائيل تقلا صاحب "الأهرام" وقد ظهرت الاستقلال في فترة الخلاف فيها بين الوطنيين على مسائل تتصل بالمفاوضات. ومنذ اختلاف الوطنيين على تفاصيل الحركة الوطنية، وتوزع طرائق النظر إلى الأهداف العليا، بدأ المصريون يؤلفون الأحزاب والشيع، فكان هناك الوفد المصري بزعامة سعد زغلول وكان كثير من أعضائه أعضاء في حزب الأمة القديم، ونشأ حزب الأحرار الدستوريين من بعض أعضاء هذا الوفد، وأصدر هذا الحزب جريدة "السياسة" في 30 أكتوبر سنة 1922 ورأس تحريرها محمد حسين هيكل، وهي من أنضج الصحف المصرية من حيث دراستها للمباحث الداخلية والمسائل الخارجية، وقد حرر فيها نخبة من الكتاب المصريين كطه حسين ومحمد عزمي وتوفيق دياب وغيرهم. وعن جريدة "السياسة" تؤثر نشأة التجديد في حياتنا الاجتماعية، فقد دافعت عن المرأة وجعلت موضوعها حديثًا يشغل بعض صفحاتها، كما أفردت لها بين آن وآن صحيفة مصورة تعني بمسائلها المختلفة، وعن هذه الجريدة عرف التهكم السياسي إن صح التعبير، في مقالات الدكتور طه حسين، كمنا ظهر النقد البرلماني عندما أصبحت الحياة الدستورية حقيقة واقعة، وكان صاحب هذا الباب الجديد في الصحافة المصرية الدكتور محمود عزمي، عدا الأبواب الأخرى التي حفلت بها، فقد عنيت بالقصة وموضوعها، وخصصت بين الفينة والفينة صفحة للشئون الزراعية ومسائلها المتباينة، وبهذا وبغيره كانت "السياسة" من أولى الصحف التي عرفت كيف تشغل المفكرين المصريين بمناهجها الجديدة.

_ 1 Report of the Special Mission to Egypt, December 9, 1920

وقد أخذت لجنة الثلاثين في وضع الدستور عقب تصريح فبراير 1922 وهو الدستور الذي كان معمولًا به قبل يوليو سنة 1952 والذي رضيته الأحزاب جميعًا وإن كان الوفديون قد حملوا عليه إذ ذاك، ولم يرض عن بعض مواده كثير من الأحرار الدستوريين، ولم تعجب بعض مواده الأخرى المحافظين والجامدين، وكان الصحافة المصرية تمثل هذه الاتجاهات جميعًا، وقد منحت من الحرية، -بالرغم من الأحكام العرفية- ما مكنها من شرح هذه المسائل الدستورية ونقدها، ولعل مسألة الدستور كان أهم الموضوعات التي حظيت ببحث الصحافة ورجالها منذ ثورة سنة 1919. وإذا كانت "السياسة" جريدة الأحرار الدستوريين ولسانهم المعبر عنهم، فإن الوفد لم تكن له صحف رسمية بل كان له صحف وفدية من أهمها جريدة "البلاغ" لصاحبها عبد القادرة حمزة "باشا فيما بعد" وقد صدرت في سنة 1923 "جريدة يومية سياسية أدبية تجارية" تتمثل بكلمات لسعد زغلول وتحمل على السياسة الإنجليزية في مصر وتمثل التطرف السياسي، وساهم في تحريرها الأستاذ عباس محمود العقاد أحد رجال الأدب المجودين، وأحد طلائع المدرسة الصحفية الحديثة، وقد جعل للناحية الأدبية في كتاباته حظًّا موفورًا، ونشر فيها محمد نجيب الغرابلي بعض القصائد في المناسبات العامة. ويجب أن يذكر لعبد القادر حمزة نصيبه الموفور في نهضة الصحافة المصرية، فقد كان من القلائل الذين انخرطوا في هذه المهنة من أهل العلم والمعرفة، فهو من الطلائع التي تخرجت في كلية الحقوق سنة 1903، وكان على صلة قريبة من النشاط الصحفي في أثناء الدرس والطلب فكتب "للجريدة" عدة مقالات، ونشأت بينه وبين محررها أحمد لطفي السيد علاقات من الود والتقدير، فقد كشفت مقالاته عن مواهب يعتز بها وتبشر بخير في العالم الصحفي لهذا الشاب وهو في مطالع العمر وعلى عتبات الجهاد. وبعد أن أمضى عبد القادر حمزة عدة سنوات محاميًا ومحررًا في صحيفة "الجريدة" تولى رئاسة تحرير جريدة "الأهالي" في الإسكندرية، وكانت

تصدر هذه الجريدة شركة أسسها جماعة من أعيان المصريين باسم "شركة النشر الأهلية" برعاية سعيد باشا، وقد سئل لطفي السيد فيمن يرشحه لتحرير "الأهالي" فأشار على المسئولين في الشركة باختيار عبد القادر حمزة وبين لهم قدر الرجل واستعداده، وأحالهم في هذه التزكية على نشاطه السابق في "الجريدة" وتفوقه الملحوظ في ترجمة أمهات القصص الفرنسية لمجلة مسامرات الشعب سنة 1909 فقد كان عبد القادر حمزة من البواكير التي عنيت بنقل الثقافة الأوربية للغة العربية، وله في ذلك نصيب موفور. وقد صدرت الأهالي في الإسكندرية في 19 أكتوبر سنة 1910، واستمرت تصدر في الثغر إلى منتصف سنة 1921، ثم انتقلت إلى القاهرة وصدر العدد الأول في العاصمة في 13 سبتمبر سنة 1912 والحركة الوطنية على أشدها وميدان الجهاد فيه منفسح لكل مواطن قادر على التضحية والجهاد، وكان "الأهالي" لسانًا مدويًا من ألسنة سعد زغلول هز أركان الاحتلال وأرق مضاجع الإنجليز، فصدرت الأوامر بتعطيل "الأهالي" ستة أشهر، وكان ذلك في 8 نوفمبر 1921 وتنفيذًا للوائح المعمول بها في ظل الأحكام العسكرية المفروضة على البلاد إذ ذاك. وبعد هذا التعطيل لم يكن في استطاعة الأستاذ عبد القادر حمزة أن يحصل على ترخيص بصحيفة أخرى، لأن مانع الترخيص -هو الحكومة- هو الذي منع الأهالي من الصدور، فتحايل صحفينا على بث أفكاره ودعوته بالكتابة في صحيفة "المحروسة" وقد تنبهت الحكومة إلى تحايله هذا، فأصدرت أمرها بإغلاق "المحروسة" إلى أجل غير مسمى، واعتقل هذا القلم حتى انتهت فترة تعطيل "الأهالي" فعاود نشرها فياضة الحس، قوية التعبير عن الأماني الوطنية، ولم تر الحكومة بدًّا من إغلاقها بعد صدور ثلاثة أعداد منها، وكان ذلك خاتم الجهاد لصحيفة "الأهالي" فدخلت سيرتها في ذمة التاريخ، وبقي صاحبها في الميدان يصول ويجول في غيرها من الصحف الوطنيات.

وقد أخذت الحكومة تتعب عبد القادر حمزة وقلمه، وهو يحاول استئجار صحف لينشر فيها رأيه ويعبر فيها عن رسالة الوفد، غير أن أصحاب الصحف خشوا على صحفهم فأحجموا عن معاونته، ولما لم يكن في مقدوره أن يستصدر ترخيصًا بصحيفة أخرى، استنبط فكرة تبعده عن سيطرة إدارة المطبوعات، فحاول أن يحقق رسالته في نشرات غير دورية لا تخضع لقانون المطبوعات، ووضع في ذلك أول نشرة في يونيه سنة 1922 تحت عنوان "نداء الحرية" وعلمت الحكومة بذلك فأوفدت عيونها فجمعت من المطبعة هذه النشرة التي كانت تتهيأ للصدور، وأحرقوها فاضطر إلى التماس صحيفة سيارة، وحصل على ذلك باستئجار جريدة "الأفكار" ومضى يكتب فيها عدة شهور حتى 16 يناير سنة 1923. في ذلك الوقت كانت الأمور قد تغيرت، وبدأت الحياة السياسية تميل إلى الهدوء والاستقرار، وبدا في الجو يعاون أمثال هذا القلم على مناقشة المسائل في اتزان، فاستصدر صحفينا ترخيصًا بإصدار البلاغ اليومية التي مضت تؤدي رسالتها إلى الأيام الأولى من قيام ثورة 1952، وقد صدر العدد الأول منها في 28 يناير 1923، ويبدو أن صاحب البلاغ كان متفائلًا بالعهد وأصحابه فإنهم لم يحتملوا هذا القلم العف، وهو قلم "موضوعي" إن صح التعبير، ولكنه واضح ومن شأنه أن يهز أركان الاستبداد والاستعمار بوضع النقط على الحروف كما يقولون، لذلك لم يطق أصحاب الشأن البلاغ وصاحبه فصدر الأمر بإغلاق الجريدة واعتقال صاحبها في 6 مارس 1923 فإذا أخلى سبيله بعد قليل، وعز عليه إصدار البلاغ من جديد استأجر جريدة "الرشيد" وحررها ابتداء من 20 مايو 1923 إلى أن أذن للبلاغ بالعودة إلى الظهور، فصدرت مرة أخرى في أربعة صفحات في 18 يونيه 1923، ومنذ ذلك اليوم أخذت البلاغ تتطور شكلًا وموضوعًا، ولولا الحرب الكبرى الماضية التي حدت النشاط الصحفي، ووقفت اتساعه لكانت "البلاغ" من كبريات الصحف الحزبية العالمية.

وقد كانت دار البلاغ تصدر نسخة أسبوعية لها من 26 نوفمبر 1926 باسم "البلاغ الأسبوعي" زخرت بخيرة أقلام الجيل، وهي صحيفة مصورة في أربعين صفحة، وبذلك ورثت دار البلاغ عدة صحف وبرزت في نشاطها سواء كان أدبيًّا أو سياسيًّا أو اقتصاديًّا، وأصبح البلاغ سجلًا للحركة الوطنية له قدره في تاريخ هذه الحقبة من جهاد المصريين، وبجانب خطته السياسية فهو معنى بالاقتصاد والآداب والفنون، ومشارك في إنعاش النهضة النسائية بما خصص لها في الربع القرن الأخير من صفحات، ومن يعد إلى البلاغ يجد عناصر الصحيفة تكاد تتوازن، وتكاد تبلغ ما يرجوه المنصف لها من النضج والاستواء. ثم صدرت جريدة "كوكب الشرق" صحيفة وفدية في 21 سبتمبر 1924 فآخت "البلاغ" في اتجاهها الحزبي وأعلن صاحبها أحمد حافظ عوض يوم صدورها خطة صحيفته بأن شعارها سيكون "كما كان شعار الصحف التي سعدت بتحريرها والانتساب إليها، العمل المتواصل لتحقيق الأمنية الوطنية العظمى، ألا وهي استقلال مصر والسودان استقلالًا تامًّا وصحيحًا، وستبقى هذه الغاية نصب أعيننا إلى أن نفوز بها أو نموت دونها، ولنا مع هذه الغاية الوطنية المصرية أغراض وغايات أخرى يجب أن تكون لها عندنا أهمية عظمى وتلك الأغراض وهاتيك الغايات هو العمل الدائم على شد أواصر الرابطة الإسلامية خصوصًا، والشرقية عمومًا" والوسيلة إلى ذلك كما يقول: "نشر العلوم والمعارف العربية وآثار المدنية الإسلامية والاحتفاظ بالمميزات الشرقية". ولكن الكاتب يفاجئ العالم الإسلامي باتجاه جديد لا يتفق مطلقًا مع مدرستيه الصحفية والسياسية القديمتين اللتين نشأ فيهما، فهو يذهب إلى قطع الروابط الإسلامية "ذلك المذهب البالي الذي كان يدعو إليه بعض الزعماء في الأزمان الماضية على قاعدة أن الإسلام لا وطن له وأن بلاد المسلمين كلها وطن واحد وأمة واحدة" ويدلل على فساد هذا الرأي بأن لكل بلد شرقي سياسة وظروفًا خاصة.

وصاحب "كوكب الشرق" له سيرة صحفية قديمة، أهلته لها قدرته الملحوظة في اللغتين العربية والإنجليزية، واستعداده الواضح لهذه المهنة التي تتطلب من صاحبها الدأب والقدرة على الأداء والجرأة في الحق، وخاصة في العهد الذي انضوى فيه تحت لوائها، وهو عهد حافل بألوان الاضطهاد والكفاح للقضاء على هذا الاضطهاد، وقد بدأ عمله الصحفي مترجمًا في مجلة الموسوعات، وهي من أوسع المجلات انتشارًا في ذلك الزمان، ولم يقتصر عمله فيها على الترجمة فقط بل ساهم في أبواب تحريرها الأخرى، وأنشأ البحوث المختلفة في الأدب والعلوم والاجتماع. وقد استرعى ما طرقه من موضوعات انتباه الشيخ علي يوسف صاحب "المؤيد" فضمه إلى هيئة التحرير في صحيفته، وعلى صفحات "المؤيد" برز اسم حافظ عوض لامعًا بما كانت تمتاز به مقالاته الوطنية من حرارة، وما تفرد به أسلوبه من الروعة والبلاغة وسلامة العبارة، وكانت "المؤيد" في ذلك الوقت صحيفة تمنح محرريها شهرة عالمية، إذ كان أوسع الصحف المصرية انتشارًا وأعظمها نفوذًا، كما كانت ميدانًا يتبارى فيه أدباء الأمة وعلماؤها، كالأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، وسعد زغلول وعبد الكريم سلمان وحفني ناصف، والسيد توفيق البكري، وكانت تعالج الموضوعات الشرقية والإسلامية والمصرية، وكانت بذلك موضعًا للثقة عند قراء العربية في مشارق الأرض ومغاربها. ثم اختلف حافظ عوض مع الشيخ علي يوسف، فتكاتف وصديقه محمد مسعود بك على إصدار جريدة "المنبر" وهنا تجلت خبرته الصحفية، وشاركه في تحريرها فترة من الزمن صادق عنبر الأديب المصري والصحفي المعروف، ثم أصدر إلى جانب "المنبر" صحيفة هزلية كاريكاتورية باسم "ها. ها. ها" ثم غير اسمها باسم "خيال الظل" وقد كان هو صاحب أفكارها والمشير برسومها والمعلق عليها بما أثر عنه من خفة ظل أحسها قراء الصحف العربية منذ نشأته حتى انتهى المطاف به في جريدة كوكب الشرق.

ولم يقف نشاط المترجم عند الصحف يصدرها، ويجدد في مناحيها، ويبسط عليها من روحه الجديد في جميع جوانبها، بل ساهم مع المساهمين في الدعوة لتصفية العلاقات المصرية الإنجليزية، واضطره هذا إلى التغيب عن صحيفتيه فترة اعتراهما فيها اضمحلال عجزت قدرة صاحبهما البارعة عن إقالتهما من عثرتهما فعاد إلى الصحافة وانتظم في سلك محرري جريدة "المؤيد" من جديد. وقد أمضى حافظ عوض عامين في "المؤيد" فكان دعامة من دعائمها القوية، وموضعًا لثقة صاحبها، ثم تقرر أن يسافر الخديوي عباس الثاني للحج إلى بيت الله الحرام، فندبته جريدة "التيمس" ليكون مراسلًا لها في حجة الخديوي تلك، وعلى صفحاتها قرأ الناس فصولًا ممتعة عن هذه الرحلة التي عرفت الإنجليز على دين المسلمين من ناحية، وأوضحت سيرة الخديوي الوطنية من ناحية أخرى، وكان لمقالاته أثر عظيم في نفسية عباس الثاني، فقربه منه وعينه في ديوانه الخديوي، ومنحه الرتب والنياشين، وتعذر على الوشاة والحاسدين أن يقصوه عن مكانه، حتى تدخل المعتمد البريطاني مهددًا متوعدًا فاستقال، وعاد ليشرف من جديد على صحيفة "المؤيد" التي أصبحت شركة مساهمة قبيل وفاة صاحبها بقليل، وبقي وده متصلًا بصاحب العرش حتى إنه صحبه في رحلته إلى الوجه البحري في سنة 1914 وسجل هذه الرحلة في "المؤيد" ثم طبعها في كتاب صادرته السلطات العسكرية الإنجليزية إبان الحرب العظمى الأولى، ولم يبق منه إلا نسخة واحدة تحتفظ به دار الكتب المصرية منذ سنة 1948. وقد اعتقل أحمد حافظ عوض بك خلال الحرب العظمى الأولى، فلم يضيع وقته سدى، إذ عكف في أثناء الاعتقال على وضع مؤلفه الكبير عن "فتح مصر الحديث" وهو عمدة يمكن الرجوع إليه في تاريخ مصر الحديثة، ويعتبر بحق من خيرة الكتب التي نشرت في هذا التاريخ، وله بجانب هذا السفر الجليل دراسات أخرى مطبوعة أو منشورة في رسائل قصيرة أو على

صفحات الجرائد يمكن الاعتماد عليها في مراجعة القضية السياسية أو الحياة الاجتماعية أو الأدبية، وهي بحوث جديرة بالنظر والاعتبار. وقد عاد المترجم إلى الصحافة مساهمًا في تحرير جريدة الأهالي لصاحبها عبد القادر حمزة باشا، وذلك قبيل إعلان الدستور، كما حرر في جريدة "المحروسة" وغيرها من الصحف، حتى استقر حياة مصر نوعًا ما، وجاءت حكومة سعد زغلول وحينئذ أصدر حافظ عوض صحيفته كوكب الشرق وفيها بلغ المترجم غايته في التحرير والإنشاء، وعلى صفحاتها برزت مواهبه في هذا الأسلوب التهكمي الذي لم يجاره فيه أحد، وقد عرفت كوكب الشرق خيرة أقلام كتاب مصر الذين انتظموا في سلك تحريرها من بينهم نخبة من الشباب المثقف، وقد لقيت صحيفته متاعب شتى من السلطات المحلية كلما اعتدى على الدستور ووقفت الحياة النيابية، ومضى معها صاحبها نهبًا لضيق الحكومات وتبرمها، حتى وقفت "كوكب الشرق" عن الصدور في السنوات الأخيرة، فكان في غيبتها خسارة كبيرة، ولكنها كتبت لصاحبها تاريخًا حافلًا في سجل الصحافة المصرية المعاصرة. ومنذ صدور الدستور المصري في سنة 1923 انقسم المصريون شيعًا وأحزابًا، فهناك الوفد وصحافته وأهمها "البلاغ" و"كوكب الشرق" وهناك الأحرار الدستوريون وصحيفتهم "السياسة" ثم تألف حزب جديد عقب مقتل السردار في سنة 1924 وهو حزب الاتحاد وأنشأ له صحيفة لم يؤثر عنها فضل ينشر أو خطر يذكر ثم وجد حزب الشعب في سنة 1930 وأصدر صحيفة "الشعب" وزاملت في الخمول جريدة "الاتحاد" مع أن هذه الصحيفة كانت تضم أقلامًا غنية على علم وفهم إذ كان حرر فيها الأستاذ عبد القادر المازني، الأديب الشاعر الناثر الذي تفرد بين أدباء العربية بأسلوب الخاص وامتاز بأنه كان أستاذ الترجمة الأدبية الرفيعة في كل صحيفة ولجها، وفي كل مدرسة اختلف عليها يربي أجيالها.

وقد سعدت الصحافة المصرية بهذا الأديب النادر المثال، حيث طلق مهنة التدريس وسلك طريقها، فبدأ عمله الصحفي في جريدة "الأهالي" حين كانت تصدر في مدينة الإسكندرية ثم زامل المرحوم أمين الرافعي في تحرير جريدة "الأخبار" وظل يعمل بها ردحًا من الزمن، أثر عنه فيها جولات أدبية وسياسية ملحوظة العناية، محفوظ القدر في سجل الحركة الوطنية والأدبية على السواء. وعلى عام 1925 اختير رئيسًا لتحرير جريدة "الاتحاد" ومضى في توجيهها عامين، كان هو كل شيء فيها، ولم تستكمل هذه الصحيفة عناصر النجاح لظروف مصر الخاصة حينئذ، لذلك تركها الأديب الكاتب واشتغل مدة أخرى في تحرير جريدة "الكشاف" إلى أن استقر به المطاف سنوات في جريدة السياسة، وتبدو آثاره الصحفية الرائعة، لا في السياسة اليومية، وإن كان له فيها جولات ممتازة، بل في السياسة الأسبوعية وهي الصحيفة الأدبية التي تغذى في أمثاله هوايتهم، ومن صفحات السياسة الأسبوعية أطل علينا إبراهيم عبد القادر المازني أستاذًا يتأثره الأدباء والمتأدبون. ثم عاوده الحنين إلى صحيفة صديقه عبد القادر حمزة، فمضى إلى "البلاغ" يحرر فيها ستة عشر عامًا، ولم يتركها قط، واختط لنفسه خطة رائعة في معالجة المشاكل العربية والمصرية، واتجه في كتاباته اتجاهًا مستقلًا فرض على أصحاب البلاغ، وهم يمثلون حزب الوفد، أن ينحوه عن التحرير فيها، وجاءت تنحيته تنفيذًا لقرار حزبي لا حيلة لهم فيه. ومع أنه كان يكتب في البلاغ، وفاء لصاحبه، وحفظًا لذكراه، فأنه ساهم في تحرير جريدة "الأساس" في كثير من المقالات الموضوعية التي شغلت بال الرأي العام، وكانت كتاباته جميعًا كتابات قومية لا دخل للحزبية فيها، وكذلك أمد جريدة الإخوان المسلمين بقلمه السيال، وبقي يحرر في كثير من نواحي تحريرها فصولًا ممتعة في المسائل العربية والإسلامية التي كانت تشغل بال العالم العربي، ثم اعتذر عن المضي في عمله في جريدة الإخوان

المسلمين حين حرقوا كتب العلم الإنجليزية، فقد اعتبر ذلك تعصبًا لا يتفق ورسالة الإسلام التي تدعو للعلم، وتدفع إليه ولو كان في الصين .. أما ما كان للأستاذ المازني من كتب، فتلك قصة لا تروى بين سجل الصحافة المصرية، فإنه فيها علم قلما يجاريه واحد أو اثنان من كبار أدباء الجيل وعن هذه الكتب ارتشفت أجيال متصلة معينًا من الأدب لا ينضب، ولا تزال كتبه -وستبقى- جدولًا فياضًا يعيش على الزمن، ويصلح لكل زمن. ثم أخذت الأحداث تجري على غير نظام ثابت فيومًا تتمتع الصحف بحريتها ويومًا تضطهد اضطهادًا منقطع النظير، وفي خلال ذلك صدرت جريدة "الجهاد" لمحمد توفيق دياب صحيفة وفدية للصباح ثم زاملتها جريدة "روز اليوسف" إلى أن اختلف محررو هاتين الصحيفتين الوفديتين مع المسئولين فاستعيض عنهما بجريدة "المصري" لأصحابها محمود أبو الفتح، ومحمد التابعي، وكريم ثابت وبعد سنة 1938 انفرد بها أبو الفتح وأشرف الوفد المصري على سياستها على أن تكون لسانًا له وهي أول صحيفة رسمية لهيئة الوفد منذ تكونت. وكان بجانب هذه الصحف اليومية صور منها أسبوعية فقد أصدر الأحرار الدستوريون "السياسة الأسبوعية" في 13 مارس سنة 1926 في ست عشرة صفحة كبيرة للآداب والعلوم والتاريخ والقانون والسياسة المصرية والشرقية والدولية، كما وجدت بها صور رمزية وقسم مصور لأهم الحوادث والأشخاص ومن أمتع ما رأيناه فيها باب "في المرآة" للشيخ البشري، وسار على هذا الدرب "البلاغ" فأصدر صاحبه "البلاغ الأسبوعي" في 26نوفمبر سنة 1926 كما ذكرنا من قبل، وهو تقليد "للسياسة الأسبوعية" وكان من أهم محرريه عباس العقاد ومحمد السباعي والأستاذ صبري أبو علم أفندي والأستاذ محمود سليمان غنام أفندي في حجم أصغر من "السياسة" وإن صدر أحيانًا في ثمانٍ وعشرين صفحة ولكنه تميز بصوره الكاريكاتورية البديعة.

ثم صدرت في مطلع الحركة الوطنية صحيفة تأثرت أبا نظارة هي "الكشكول المصور" لسليمان فوزي وكانت "جريدة مصورة اجتماعية انتقادية" عرفها المصريون في 24 مايو عام 1921وكانت مثلًا طيبًا للصحافة الهزلية وعاصرت التطور السياسي في مصر إلى أن قضى صاحبها منذ سنوات، وعن مدرسته صدرت "روز اليوسف" و"آخر ساعة" وما إليها من المجلات المماثلة. ولم تعمر "السياسة الأسبوعية" أو "البلاغ الأسبوعي" طويلًا، فقد احتجبتا حين طغت السياسة على مصدريهما فشغلهم النشاط فيها، فأصدر أحمد حسن الزيات في 15 يناير سنة 1933 مجلة "الرسالة" باشتراك طه حسين وأعضاء لجنة التأليف والترجمة والنشر وكانت خطتها "ربط القديم بالحديث ووصل الشرق بالغرب" وفي سنة 1936 أصدر الدكتور محمود عزمي صحيفة "الشباب" صحيفة مستقلة الرأي بعيدة عن الأحزاب غير أن صاحبها مزج فيها بين السياسة وألوان الثقافة الأخرى وأشرف بطابعه الخاص على أكثر فصولها وكادت هذه الصحيفة أن تملأ الفراغ مع "السياسة، والبلاغ" الأسبوعي لولا أن العقبات المالية والأحوال السياسية حالت دون استمرارها فطويت صفحاتها وشغر تاريخ الصحافة المصرية من نظير لها حتى اليوم، ثم انفردت لجنة التأليف بصحيفة خاصة بها هي مجلة "الثقافة" التي صدرت في 32 يناير عام 1939 لصاحب امتيازها أحمد أمين وذكرت أنها "تتقدم للعالم الشرقي مؤمنة بقدرتها بنفسها وبأصدقائها شاعرة بتبعيتها مقدرة لواجبها واثقة بقرائها". وقد شهدت الصحافة المصرية قبيل ثورة 1952 ألوانًا جديدة من الصحف والمجلات فيها ابتكار، سواء اتصل هذا الابتكار بشكلها أو بتحريرها، وفيها حماس للفكرة ليس في تاريخ الصحافة المصرية نظير له؛ لأن هذا الحماس استمده أصحابه من المذاهب السياسية الحديثة كالاشتراكية مثلًا

وترتب على ذلك أن عرضت هذه الصحف الجديدة لأفكار وآراء لم يسمع بها الرأي العام المصري في نطاق واسع. ومن هذه الصحف "أخبار اليوم" وهي ليست صحيفة مذهب اجتماعي، ولا تعبر عن فكرة سياسية خاصة، بل أهم ما يبدو في رسالتها مخاصمة الوفد المصري سواء كان في الحكم أو في المعارضة، بيد أنها وزميلتاها "آخر ساعة" و"آخر لحظة" تتميز بالتفوق في الفن الصحفي من حيث الإخراج والسبق الصحفي، وتلوين مادتها بكثير من الموضوعات الطريفة الجذابة، كما تمتاز بمجموعة من الأقلام القوية كأقلام محمد التابعي وصاحبها مصطفى وعلي أمين وتوفيق الحكيم وإن آثر الأخير وظائف الدولة على التحرير فيها. ولا نستطيع أن نتعقب الصحف التي صدرت مقلدة لأخبار اليوم حتى في شكلها وحجمها فهي كثير وأقل أهمية، وليس لها في ميدان الصحافة نصيب من الأهمية والاعتبار، سواء كانت صحفًا وفدية أو خصيمة للوفد. ومن الصحف التي برزت في تلك الأيام وتقدمت الصفوف "الجمهور المصري" و"الاشتراكية " وهما صحيفتان تمثلان اتجاهًا معينًا، وإن كانت الثانية أكثر وضوحًا في رسالتها، فهي تدعو إلى مذهب الاشتراكية وتعمل على أن يسود هذا المذهب بالطرق المشروعة، ولا يخفى علينا أن الدعوة الاشتراكية قد يضطر أحيانًا مثل هذه الصحف إلى أن تعنف في عبارة أو تعبير، الأمر الذي جعل حياتها نهبًا للمصادرة والمحاكمات المختلفة. هذا هو التيار الجديد الذي سرى في صحافة مصر إذ ذاك، وهذا التيار يحمل في أعطافه أسماء عشرات الصحف التي لا محل لذكرها هنا بعد أن سجلناها في ثبت خاص منشور في عجز هذا الكتاب، هذا إلى كثير من الصحف الحزبية التي ظهرت، وليس في رسالتها جديد إلا الفكرة الحزبية الخالصة كصحيفة الأساس لسان حال الحزب السعدي، وهي لا تختلف عن السياسة لسان الأحرار الدستوريين والمصري الوفديين والكتلة لمؤسسها مكرم عبيد.

ويستطيع المؤرخ أن يلم بنشاط الصحافة المصرية في هذه الحقبة ويوضح اتجاهها جملة فقد رأينا أن الصحافة المصرية دعت إلى أن تعمل مصر لتحقيق مصالحها الخاصة ولا ترتبط بأمة من الأمم فلم تشر إلى تركية أو تتجه إلى فرنسا بل جعلت دأبها خلق رأي عام ممهد خير تمهيد يعتمد على نفسه في تحقيق آماله، لذلك كان فضل الصحافة عظيمًا في هذا الميدان، وإذا كان الصحافة الوفدية قد تكفلت بالقسط الأكبر من الحركتين الدستورية والاستقلالية وكان لها في ذلك أخطر الأثر من غير شك، فإن صحافة الأحرار الدستوريين شغلت الرأي العام بالنواحي العلمية والاجتماعي وبكل رأي حر، وأثارت حفيظة الرجعيين عليها وأبت أن يستبد هؤلاء الرجعيين بكل فكرة جديدة. وقد أثر عنها عن رجالها أزمات لا تزال الذاكرة تحفظها، فقد أثار تعصب المحافظين نظرة قال بها عالم من العلماء هو "علي عبد الرازق" الذي انتهى في بحثه عن الخلافة إلى ضرورة فصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية، واشتد النزاع بين صحافة الأحرار بين حكومة ذلك الوقت، وانتهى الأمر باستقالة الوزارة نفسها ونشأت أزمة دستورية مصرية أعقبها ائتلاف الأحرار مع الوفد، وكذلك حمت صحف الأحرار الدكتور طه حسين من الحكومات وبطشها حين نشر مؤلفه عن الشعر الجاهلي، وكاد أمر طه حسين يفصم الائتلاف بين الحزبين الرئيسين "الوفد المصري والأحرار الدستوريين" في سنة 1927. وبهذا لفتت جريدة "السياسة" المصريين إلى مسائل لا تتصل بالأمور السياسيين وحدها كما صنعت سياسة الوفد، ولا شك أن الموضوعات التي أثارت والقضايا التي وكلت بالدفاع عنها كانت موضوعات وقضايا تترجم عن أصحاب الفكرة الحرة في مصر وهي موضوعات وقضايا قرأها الشرق الأدنى وليس يعني المؤرخ أن يرفض هذا الشرق المتزمت هذه النظريات الجديدة أو يقبلها وإنما نقرر أن الشرق الأدنى قد أحس أن جريدة "السياسة" ومحرريها يذيعون أشياء لم يعتدها المصريون من قبل.

وكان بجانب "السياسة" في الشق المعارض من المحاظين الشيخ رشيد رضا ومناره، فقد نجح "المنار" في شمال إفريقية وذاع أمره وانتشر في تلك الجهات انتشارًا مكن للفكرة الإسلامية، وقد دأب "المنار" على نشر الفتاوى الإسلامية التي جاءته من جزء الهند الهولندية الشرقية وأعماق إفريقية وهذا مصدر من مصادر النفوذ الأدبي المصري لم يحسه المصريون في مصر ولم يقدروه حق قدره، وبذلك لم يستطع المصلحون من الأحرار أن يحتكروا وحدة العلاقات الخارجية بل ساهم المحافظون فيها من أمثال رشيد رضا وأحمد زكي باشا. والصحافة المصرية في تلك الأيام كانت تتميز بفضل لا شك فيه، فقد لعبت دورًا عظيمًا في إحياء الأدب العربي في الصحف اليومية والصحف الأسبوعية والشهرية، فقد حفلت هذه الدوريات بخير ما أنتج شعراء وأدباء مصر من شعر ونثر وفتحت صدرها للبحوث العلمية والأدبية ونوعت في هذه النواحي الثقافية فأشاعت القصة فيها، وأخذت عن الصحف والكتب والمجلات الغربية خير ما فيها، وهيأت بذلك للأدب العربي فرصة احتمال ما لم يكن يحتمله من المعاني الجديدة، وبرهنت على أن اللغة العربية قادرة على أداء وظيفتها بين اللغات الحية. وللصحافة المصرية المعاصرة فضل غير منكور في تطور الصحافة في البلاد العربية المختلفة إذ اتخذتها مثلًا لها وحاولت السير على أثرها كما نقلت عنها أهم المقالات في السياسة والأدب والاجتماع، وقد احتضنت الصحافة المصرية كثيرًا من الشخصيات الموهوبة حقًّا التي أفادت في تنوير الرأي العام وتقويم آرائه، والصحافة المعاصرة هي التي أظهرت مصر بمظهر البلد الذي لا يقنع بأن يكون قلب العالم العربي بمركزه الجغرافي وحده بل إنه قلبه بالفكر، وبالاهتمام الدائم بكل جديد على الرغم من الأزمات المختلفة في حياته السياسية والاقتصادية. ويجب أن نختص القاهرة بفضلها الصحفي قبيل الثورة، فهي أكثر

المدن المصرية احتفاء بالصحافة والصحفيين، وتجاوزت جرائدها مائتي جريدة عربية وأكثر من ستين صحيفة فرنجية على حين لم تبلغ صحافة الأقاليم تسعين صحيفة من بينها صحف المواني المصرية وهي قليلة إذ قيس عددها الضئيل بعدد السكان الكبير، وهذا مما يثبت قدرة القاهرة على تغذية البلاد من الناحية العقلية. وإذا أردنا أن نعطي صورة لأنواع الصحافة المصرية المعاصرة فيجب أن نذكرها في ألوانها التي تخصصت لها، فنجد في صحف مصر كما هي الحال في جميع صحف العالم، جرائد يومية كبيرة للأخبار تظهر في الصباح والمساء، وعلى رأس هذه الصحف جريدة "الأهرام" لتاريخها القديم وتنظيمها الرائع وشهرتها في مصر وخارجها، ثم نجد بجانب "الأهرام" أو "المقطم" صحفًا تطبع لمصلحة حزب أو أحزاب مختلف وذلك لإقناع الرأي العام برأي هذه الأحزاب، وهي أحيانًا واسعة الانتشار لها أثرها في المدن والريف. وهناك صحافة أسبوعية أو نصف شهرية ليست لها صبغة سياسية خاصة أو ثقافية خاصة، وهذه الصحف رائجة السوق مقروءة في معظم البيئات؛ لأنها تعني بالأزياء والسينما والروايات البوليسية والراديو والألعاب الرياضية وغير ذلك من النواحي التي تلذ للجمهور المصري مطالعتها، ويتجه بعض هذه الصحف إلى الشباب والبعض الآخر إلى العالم النسائي كمجلة "بنت النيل"، وهذا النوع من الصحافة المصرية لا يصدر إلا باللغة العربية وله نشاطه المعروف ولا يقل شأنًا عن الصحافة الأوربية في هذا الباب. وإذا أغفلنا الجرائد ذات الطابع المحلي الخاص نصل إلى طائفة ليست خاصة بمصر وحدها ونعني بها المجلات الأدبية والعلمية الكبرى مثل الهلال والمتقطف والرسالة والثقافة وغيرها، ولا شك أن سهمها أعظم بكثير من سهم زميلاتها في أوربا، ويرجع ذلك إلى الأثر الملحوظ لها في النهضة الأدبية والفكرية، كما تتميز بالتنظيم الرائع في حياتها الصحفية، وتعتبر "الهلال" مثلًا طيبًا لهذا التنظيم فالهلال عبارة عن أسرة كبيرة منظمة تضم دورًا ثلاثًا

إذا اجتمعت لأي صحيفة كان نصيبها قطعًا الرواج والانتشار، لها هيئة تخصصت للون من التحرير، ولها مطبعة على أحدث طراز ثم لها دار للنشر والتوزيع، ولها فوق ذلك حظ موفور من تأييد جمهور الأدباء والكتاب المشهورين. و"الهلال" كبيت للطبع والنشر يشرف على عدة مجلات من أهمها "المصور" ويعني بحياة الأبهاء "الصالونات" ويصور الحياة الاجتماعية ويمس الشئون السياسية باعتدال وكانت تصدر عن هذا البيت الصحفي مجلة "الاثنين" وهي تشبه من قريب مجلة "المصور" وتضيف القصة القصيرة إلى صفحاتها، كما خصصت جزءًا منها للسينما والمسرح والصور الكاريكاتورية، وقد أصدرت دار الهلال صحيفة " Images" باللغة الفرنسية وهي مصورة كزميلتها السابقتين وصدى لهما في بيئة الأجانب في مصر، وإذا تخصص لمجلات الهلال كتاب محترفون فإن "الهلال" نفسه لا يحرر إلا بمقالات يؤجر عليها الكتاب المعروفون في مصر والشرق العربي أو ينشر قصصًا قديمة سبق نشرها. وإلى جانب الصحافة الأدبية التي جعلنا دار الهلال مثلًا لها في الإنتاج والإخراج توجد الصحافة الفكاهية والصحافة النسائية، أما الأولى فصحافة مصورة وهي صحافة مذهب وعقيدة وهي دائمًا إلى جانب المعارضة ومعارضتها أشد ما تكون خطرًا وأثرًا، وهي تستعمل اللهجة المصرية الخالصة، وللغة العامية حظ كبير فيها، وهنا موضع الخطر فإن استعمال بعضها للغة الغالبة في الحياة المصرية يجعل قراءتها ميسورة على جميع الناس ويصبح أثرها عميقًا في الجموع الشعبية، وهي صحف لا تروج في أوقات الهدوء السياسي، بل يغلب نشاطها وازدهارها كلما تحرجت الحياة السياسية، ويلاحظ أن اللغة العربية تغلبت على اللغة العامية في تلك الصحف. أما الصحافة النسائية فهي أيضًا قد نشأت صحافة رأي ومذهب، وكان التفكير في إنشاء مثل هذه الصحف غريبًا على العقلية المصرية التي حجبت المرأة أجيالًا عن الحياة العامة وحالت دون تعليمها، وقد دافعت الصحف

المعاصرة عن حقوق الفتاة المصرية في التعليم وغيره من مظاهر الحياة الرفيعة، غير أن المرأة حاولت مرارًا أن تأخذ على عاتقها حق الدفاع عن كيانها ومهدت لها الحركة الوطنية ذلك الأمر بعد أن ساهمت بنصيب ملحوظ فيها، وقد ظهرت في عالم الصحافة النسائية "فتاة الشرق" للبيبة هاشم و"حواء الجديدة" لروز حداد، و"المصرية" لهدى شعراوي، ولكن هذه الصحف جميعًا أصابتها أزمات اقتصادية متصلة فعجزت عن الصدور ولكنها نجاحها يتمثل في الحقوق التي اكتسبتها الفتاة المصرية في التعليم وبعض وظائف الدولة، وقد ورثت مجلة "بنت النيل" لصاحبتها الدكتور درية شفيق هذه الصحف جميعًا، ومضت تؤدي رسالتها هي وزميلتها الفرنسية La Femme Nouvelle في خدمة قضايا المرأة ملحة في أن تكون لها جميع الحقوق التي للرجال وفي مقدمتها الحقوق السياسية، وهي حق الانتخاب، وحق الترشيح لعضوية المجالس النيابية، وحق تولي الوظائف العامة كمنصب الوزيرة ووكلاء الوزارة ومديري العموم، وقد تحققت هذه المطالب جميعًا بعد قيام ثورة يوليو، ولكن "بنت النيل" أغلقت حيث اختلفت صاحبتها مع النظام الناصري بعد حرب 1956. عرضنا في هذا الفصل وفي الفصول السابقة التفاصيل التي اتصلت بنشأة الصحافة المصرية وتطورها، عرضنا لهذا التاريخ وخلصنا من هذا العرض ببضع حقائق ذكرناها في موضعها، ويجدر بنا ونحن نختم هذا البحث أن نقرر ثلاث مسائل صاحبت الحياة الصحفية في جميع مراحلها، فأول ما يؤكده لنا تاريخ هذه الصحافة أنها عاشت في أعطاف فكرتين، الحركة العربية والقومية المصرية، ولم تسبق الأولى الثانية أو تطغ عليها قط، فالصحافة الرسمية في عهد محمد علي إما صحافة لمصر وحدها أو صحافة لمصر وتركيا معًا، وكذلك كان الأمر في تلك الصحافة في عهد الخديوي إسماعيل وإن غلبت الفكرة المصرية فيها كل فكرة أخرى، ثم لاحظنا أن الصحافة الشعبية مزجت بين القومية العربية والقومية المصرية وخاصة في أواخر عهد إسماعيل وطوال حكم توفيق،

ويصور هذا الاتجاه أديب إسحاق وأقرانه من الصحفيين المتمصرين، ويرى الشيخ محمد عبده هذا الرأي في "العروة الوثقى" وإن جعل مصريته أكبر من عروبته، ثم هدأت هذه النعرة بعدئذ، وإن بقيت بعض الصحف المصرية واضحة الميول نحو الفكرة العربية، وخلا هذا التفكير من صحافة الحزب الوطني الذي زاوج بين الأماني المصرية والتركية وأنكر فكرة العروبة في مجهوداته؛ لأنها تتعارض مع السلطنة العثمانية، ثم عادت فكرة العروبة في الصحافة المصرية بعد الحرب العظمى غير أن القومية المصرية كانت شيئًا لا يقاوم ولا يغلبه أي معنى من المعاني الأخرى، وأصبح الصحفيون الأحرار لا يرون مصر جزءًا من البلاد العربية بل جزءًا من الشرق الأدني له الصدارة التي لا يغلبه فيها شعب من الشعوب الشرقية، وذلك لجهاده الطويل الشاق ومكانه المقدور له من الحياة الدولية العامة. والمسألة الثانية التي تتميز بها صحافة مصر أنها عاشت صحافة رأي مذهب ويؤكد هذه الحقيقة التاريخية اتجاه التشريع الخاص بها إلى التزمت والتضييق وهذه الاضطهادات التي لقيتها منذ نشأتها إلى اليوم وهي كثيرًا ما فنيت في مذهبها وصرعت لرأيها، ولعلها من هذه الناحية تفضل صحافة بعض الدول الغربية التي سيطرت عليها تيارات خفية من الرشا وشراء الضمائر، غير أن المصاعب المالية -وهي نقطة الضعف في صحافتنا- لم تبق على كثير من الصحف الحرة التي تزين تاريخ الصحافة المصرية، وقد تبقيت صحافتنا قوة ينكرها الأجانب في مصر والخارج، وأكبر الظن أن هذه النظرة إلى الصحافة المصرية قد تغيرت بعد الثورة العرابية، وآية ذلك أن "العروة الوثقى والمؤيد" وصحف الحزب الوطني أفسدت على الإنجليز هدوءهم فمنعوا دخولهم جميعًا في السودان أو في مستعمراتهم المختلفة، وكذلك كان موقف فرنسا وإيطاليا منها في إيالاتهما المتباينة، وهي قوة لا شك في قدرها إذا علمنا أن صحافتنا المصرية تقرأ في بلاد الشرق الأدنى أكثر مما تقرأ صحافة تلك البلاد، وفي ذلك ما يؤيد قوتها ويعلن خطرها.

والمسألة الثالثة التي لاحظناها في الصحافة المصرية أنها بالرغم من تقدم الزمن بها، واتساع أفق النشاط أمامها صحافة تعنى بالجدل السياسي، ومصدر هذا نعتقد تسلط الروح الحزبي عليها ففقد الخبر مكانه وطغى المقال عليه، وهنا تبدو الفروق واضحة بينها وبين الصحافة الغربية التي قد تنوع في مقالها ولا تقصره على ناحية من النواحي مهما تغل في حزبيتها، بيد أنها تقدم الخبر عليه وتحله محل الصدارة من نشاطها وجهدها.

مقدمة لتاريخ الصحافة المصرية من 1940 - 1981

مقدمة لتاريخ الصحافة المصرية من 1940 - 1981 مدخل ... مقدمة: لتاريخ الصحافة المصرية من 1940 - 1981 في هذه الخاتمة إضافات جديدة لم تعرفها الطبعات السابقة من هذا الكتاب وتضم فصلين، أحدهما يعالج تاريخ الصحافة المصرية من سنة 1940 إلى سنة 1952، وثاني الفصلين يناقش دورها منذ حركة الجيش في يوليو 1952 إلى نهاية عهد الرئيس محمد أنور السادات في سنة 1981. ولا أزعم أني قد وفقت كل التوفيق في تسجيل هذا التاريخ في الحقبتين المذكورتين، وقد جاهدت نفسي حتى أكون موضوعيًّا حين أبسط الرأي، فأنا واحد ممن عاشوا هذا التاريخ قبل ثورة يوليو، ولا يزال يعيش مع الملايين الذين يدبون على الأرض ويتعصبون لهذا التاريخ بالحق والباطل، لذلك كانت محاولتي كشف الحقيقة وبيان المستور دون تأثر بما كان حولي، وهو أمر دقيق، وخاصة في الفصل الثاني الذي يترعض لتاريخ الصحافة في عهد الثورة، فأصحاب هذا التاريخ لا يزال معظمهم أحياء، والتاريخ -كقاعدة- لا يكتب وأصحابه أحياء. وتقول الأساطير الفارسية إن الملك ولي العرش بعد وفاة أبيه، وكان شديد الوفاء له، وكان الملك الراحل صاحب منجزات، فأراد ابنه أن يسجل هذه المنجزات، فدعا المؤرخين وطلب إليهم أن يضعوا في سيرة أبيه ومنجزاته كتابًا يرجع إليه طلاب العلم في المقبل من الأجيال، وإلا سيطر عليهم سلطان الحاكم، وأصبح هذا التاريخ مضغة في الأفواه؛ لأن التاريخ لا يكتب وأصحابه أحياء، والملك الراحل لا يزال حيًّا في شخصك يا مولاى. لذلك كانت المحاولة لكتابة الفصل الثاني من هذه الخاتمة لمن يحاول أن يبرز الصحيح في تاريخ الصحافة المصرية في هذه الحقبة من الزمان.

هذا فضلًا عن التشويش الذي سوف يقابله المؤرخ وهو يعالج تاريخ الصحافة في هذه الفترة، فالكتب التي صدرت والمذكرات التي طبعت والمقالات التي نشرت، والأحاديث التي أذيعت، كلها يناقض بعضها بعضًا، ويكاد يعجز القارئ لها أو المستمع إليها عن أن يستشف منها شيئًا صحيحًا لا يأتيه الباطل من أي جانب. وقد ترددت كثيرًا في دراسة هذا التاريخ، وفكرت أن أصدر هذه الطبعة صورة لما سبقها من الطبعات التي وقفت بهذا التاريخ عند سنة 1940، غير أن الأصدقاء من تلاميذي أساتذة كلية الإعلام ألحوا على أن أحاول ما استطعت فأكتب سيرة الصحافة المصرية في السنوات الأربعين الأخيرة حتى تصبح الطبعة الجديدة من هذا التاريخ كاملة تحكيه في نحو قرنين من الزمان. وأرجو أن يغفر لي القارئ إن بدا في هذين الفصلين شيء من قصور فقد حاولت أن أشق صدري وأنفض عنه الهوى حتى يصبح عرض الفصلين صادقًا أمينًا كسائر فصول هذا الكتاب.

الصحافة المصرية من عام 1940 إلى عام 1952

الصحافة المصرية من عام 1940 إلى عام 1952: تعتبر هذه الفترة من تاريخ الصحافة المصرية أزهى الفترات التي عاشتها صحافتنا فقد كانت تعيش في ظل الأحكام العرفية معظم هذه الحقبة في أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم عدة سنوات أخرى خلال حرب فلسطين. وبالرغم من الرقابة العنيفة التي فرضت على هذه الصحافة بمقتضى الأحكام العرفية، واستغلال جميع الأحزاب لهذه الرقابة التي كبتت كل رأي وحاربت كل فكر، فإن الصحفيين عاشوا أحداث تلك الأيام مجاهدين أبطالًا، وكافحوا طغيان الحاكم بلباقة مكنتهم من تسجيل عورات النظام، وكشف المستور من سوآته، وبيان وجه الحق في المسائل العامة التي كانت تهز أعصاب المواطنين وتؤرق حياتهم في تلك الأيام. وكانت هناك نحو مائة جريدة ومجلة معظمها تصدر باللغة العربية، وظهرت في تلك الأيام وقبيلها بقليل دور جديدة للنشر ومؤسسات صحفية مصرية خالصة في مقدمتها المصري وأخبار اليوم، لتنافس صحافة الشاميين المتمصرين، كالأهرام والمقطم ودار الهلال وغيرها، وجاءت صحافة المصريين بجديد في الفن الصحفي لم يعرف في الصحف الأخرى. وكانت "المصري" التي آل مصيرها آخر الأمر إلى محمود أبو الفتح وأسرته قد نضجت مفاهيمها الصحفية في الأربعينات متأثرة بالصحافة الإنجليزية كماظهرت "أخبار اليوم" بفنها الصحفي الجديد متأثرة بالصحافة الأمريكية، وبدت المصري وكأنها لسان الوفد وهو أكبر الأحزاب المصرية وصاحب الجهاد الكبير من أجل الاستقلال والديمقراطية أكثر من ثلاثين عامًا، وكان يجري في فلك سياسة المصري صحف وفدية أخرى أكثر تطرفًا وإن لم تبلغ

مكانة المصري في الإخراج والتحرير أو في الانتشار أو التأثير في الرأي العام1. وكانت أخبار اليوم على رأس الصحف المعارضة للوفد، وكان يجري في فلكها أيضًا صحف أخرى لم تستطع جميعها أن تنال من الوفد شيئًا، فانكمشت أو احتجت وبقيت أخبار اليوم في ميدان المعارضة بفنها الصحفي الجديد، وموضوعاتها المثيرة وقدرة صاحبيها مصطفى وعلي أمين على جذب القراء بما كانت تعالج من أمور الساعة أو تنشر من الأخبار الخطيرة ما عز على الصحف الأخرى الحصول عليها أو منافستها في ذلك الميدان2. وكانت هناك الصحف القديمة كالأهرام التي صدرت في سنة 1876 وهي صحيفة وقور عاصرت حياة مصر، وكانت إلى جانب نهضة البلاد معظم تاريخها، وبلغت حد التطرف في ثورة 1919 ثم التزمت الحيدة في الشئون السياسية بعد ذلك، حتى بدت صورة من جريدة التايمز اللندنية فلا تنشر خبرًا يشوبه الشك أو تعالج حدثًا إلا من الناحية الموضوعية، كما أخذت على نفسها أن تكون اللسان الرسمي للحكومة المصرية -حكومة أي حزب- وإن لم يمنع ذلك من فتح صدرها وصفحاتها للمعارضة بين آن وآخر.

_ 1 يراجع في تاريخ جريدة المصري رسالة الماجستير التي وضعتها سهير إسكندر راغب فهمي في فترة من حياة الجريدة، ولم تطبع بعد وكذلك رسالة الدكتوراة التي وضعتها الدكتورة مهما محمد كامل الطرابيشي "دور الصحافة المصرية في التمهيد لثورة 23 يوليو 1942 - 1952" وهي لم تطبع بعد، وهاتان الرسالتان بحثان شائقان وممتازان لمن يعني بمثل الدراسات. 2 يرجع في تاريخ أخبار اليوم إلى كتاب "شارع الصحافة" لمي شاهين وكتاب ثورة في الصحافة للدكتور سامي عزيز وكتاب وسائل الاتصال -نشأتها وتطورها للدكتور خليل صابات، ففي هذه الكتب دراسات ممتعة عما كان للصحيفة من مواقف سياسية واجتماعية، فضلًا عن بيان الجديد الذي أدخله صاحباها على الصحافة المصرية من فنون الإخراج والعرض وغير ذلك مما أطلقوا عليه الفن الصحفي.

وكانت "المقطم" الصحيفة الشامية الثانية التي صدرت منذ أكثر من ثمانين عامًا في حجر الإنجليز، ومضت لسانًا لهم بالحق والباطل، ومطية لكل حكومة تحكم البلاد. وكانت هناك صحف ومجلات أخرى معظمها ألسنة لأحزاب الأقلية تعالج الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية كالبلاغ والسياسة والدستور والكتلة وغيرها وإن لم تبلغ إحداها شأو ما ذكرنا من صحف، كما ظهرت إبان الفترة التي نعرض لها في هذا الفصل صحف تمثل المذاهب الاجتماعية الجديدة، كالاشتراكية والشيوعية وفي مقدمتها صحف أحمد حسين وهي مصر الفتاة والاشتراكية والشعب الجديد والصرخة والضياء والثغر. كما ظهرت في عهد الحكومة الوفدية الأخيرة "1950 - 1952" أخطر الصحف اليسارية، ومنها: الملايين، والجمهور العربي، والفجر الجديد، وكانت حرية الصحافة في ذلك الوقت قد بلغت عصرها الذهبي، إذ رفعت الحكومة عن كاهل الصحف الرقابة وألغت الأحكام العرفية، ولم تصادر صحيفة إلا بحكم قضائي، ولم تمنع صحيفة من الصدور، وكانت تراخيص الصحف تمنح بلا عائق بالرغم من علم الحكومة بأن جميع الصحف الجديدة تمثل جبهة تعارضها وتتحداها، وتهاجمها في قسوة وعنف وفي شيء من التجني أحيانًا. وكانت تلك الصحف الشيوعية أو اليسارية لا تؤثر في الكتلة الشعبية الضخمة التي تدين بالولاء لحزب الوفد، وإنما كان تأثيرها واضحًا وملموسًا في بعض بيئات المتعلمين، وكانت صحفًا لا ينكر فضلها في علاج المشاكل الاقتصادية والدفاع عن العامل والفلاح، ومهاجمة الحكومة والملك والإنجليز بعنف منقطع النظير، وفي شجاعة دفعتها إلى المطالبة بثورة تطيح بالنظام، الأمر الذي عرض أصحابها للمحاكمة التي أنصفها فيها القضاء، وقد شاركها في المطالبة بإصلاح حال الكادحين بعض صحف الحكومة الوفدية كالمصري،

وبعض الصحف المعارضة كأخبار اليوم التي دأبت على نشر المقالات النارية أيام الأحكام العرفية وبعدها1. وبرز في تلك الفترة نشاط ملحوظ في صفوف الجماعات الإسلامية التي بلغت أوجها في جماعة الإخوان المسلمين وهي جماعة قادها مدرس من الإسماعيلية، وكان خطيبًا مفوهًا وعالمًا في شئون الدين، واستهوت دعوته كثيرًا من الشباب، واستقطب شخصيات لها تاريخ، وكان ظهور الإخوان المسلمين ضرورة تاريخية وحتمية لظهور الشيوعيين والاشتراكيين، إلا أن الدعوة الإسلامية الجديدة هددت الأحزاب جميعًا فحاربتها الأحزاب جميعًا، وإن كان الوفد أقل الأحزاب كراهية لها وأقلها حربًا عليها، وكان للإخوان صحف ومنشورات ومقر معروف، فحوربوا في صحفهم واضطهدهم الحزب السعدي خاصة اضطهادًا شديدًا حين شارك في الحكم بعد وزارة الوفد التي أقيلت سنة 1944، فقام شاب من الإخوان بقتل رئيس الحكومة أحمد ماهر في حرم البرلمان، وقام آخر بقتل خليفته محمود فهمي النقراشي في وزارة الداخلية، وقيل إن خليفة النقراشي وثالث الرؤساء السعديين إبراهيم عبد الهادي انتقم لسابقيه فأعد للشيخ حسن البنا زعيم الإخوان المسلمين كمينًا أمام مبنى جمعية الشبان المسلمين فقتله بعض ضباط الأمن أمام المبنى وفروا هاربين. ناقشت الصحف المصرية في تلك الأيام المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بشكل ملحوظ، وفي دراسات ممتعة عميقة وموضوعية أيضًا، وشهدت تلك الصحف أقلامًا قوية مستنيرة، وبحوثًا شائقة عن كل موقع في الحياة المصرية يشغل بال المفكرين، وتتجه جميعًا إلى علاج اليأس الذي رنا على حياة العمال والفلاحين وضرورة رفع المعاناة عن هذه الطبقات الكادحة بفرض الضرائب على القادرين، وذهبت بعض الأقلام إلى ضرورة توزيع الأرض على الفلاحين معلنة شعار "الأرض لمن يفلحها" وهي دعوة شيوعية خفف

_ 1 أخبار اليوم في 30 يونيو 1945 و9 سبتمبر 1950 و9 فبراير 1952.

من خطرها اتجاه المسئولين في مجلس الشيوخ والنواب إلى تحديد الملكية بخمسين فدانًا وهي دعوة اشتراكية، وكلتا الدعوتين خبت جذوتهما بعد حين، ولكن إلى حين. وقد استجابت الحكومات المتعاقبة من سنة 1940 إلى سنة 1952 إلى تحقيق كثير من الأهداف والقوانين التي دعت إليها الصحف ومحرروها، سواء من كتابها أو من المصاحفين1 الذين كانت لهم مقالات وبحوث غاية في الدقة والامتياز. وكانت حكومة الوفد من 1952 - 1944 أو حكومته من 1950 - 1952 أكثر الحكومات استجابة للتيارات الجديدة، بل كانت القوانين التي صدرت لصالح العمال والفلاحين في فترتي حكم هذا الحزب من برامجه وأهدافه، وبذلك بشرت بها صحفه قبل أية صحيفة أخرى وخاصة جريدة المصري، بالإضافة إلى حدث خطير تم خلال حكم الوفد في ذلك الوقت، وهو مجانية التعليم التي تقررت لأبناء الشعب الذين أعجزهم الفقر عن ارتشاف مناهل العلم التي كانت وقفًا على الأغنياء أو القادرين من الطبقة الوسطى. وقد تميز تاريخ الصحافة المصرية فيما بين سنوات 1940و 1952 بأحداث سياسية خطية شغلت الصحافة والرأي العام طوال هذه الفترة، ولفتت الانتباه إلى مصائر الوطن الذي تعرض بهذه الأحداث السياسية الخطيرة إلى هزات فكرية جديدة. وكان من الأحداث التي استغرقت جهد الصحافة والصحفيين ومواقع السلطة والبرلمان بمجلسيه -الشيوخ والنواب- قضية 4 فبراير والكتاب الأسود وحرب فلسطين ومشروع القانون الذي تقدم به إلى مجلس النواب اسطفان باسيلي عضو مجلس الشعب الحالي وإلغاء معاهدة 1936.

_ 1 المصاحف من يكتب للصحيفة من الخارج سواء بتكليف منها أو من عندياته مثل الأستاذ مصطفى مرعي الذي نشر في تلك الصحف مقالات نارية ضد النظام وضد الأوضاع السياسية والاقتصادية.

وكانت أخطر الأحداث حادث الدبابات التي حاصرت الملك في قصر عابدين في 4 فبراير 1942 لتفرض عليه أحد حلين، إما أن يتنازل عن العرش أو يدعو مصطفى النحاس إلى تولي شئون الحكم. وقد شغلت قضية 4 فبراير المؤرخين في السنين الأربعين الأخيرة، وقد اختلفوا في أمرها أشد الاختلاف، وقد اعتبرها معظمهم عورة في جبين حزب الوفد، وقرر بعضهم أن الوفد انتهى تاريخه بهذا الحادث، وكان هذا رأي جميع أحزاب الأقليات كالأحرار الدستوريين والسعديين والحزب الوطني ومعظم الصحف المعارضة، وسجل هذا الرأي محمد حسين هيكل باشا في كتاب له، وأعلنته مذكرات إبراهيم باشا عبد الهادي التي كتبها وقام بنشرها الصحفي محمد علي أبو طالب في مجلة روز اليوسف، وفيها يروى عن عبد الهادي أنه يرى أن حادث 4 فبراير كانت نتيجة مؤامرة بين السفير الإنجليزي والنحاس باشا وأمين عثمان باشا1 وإن لم يغمط النحاس حقه حين قرر أنه مثال للوطنية والأمانة والطهارة. لقد كان النحاس باشا بعد إقالته في 30 ديسمبر 1937 مبعدًا عن الحكم بعد تزوير الانتخابات التي أجرتها أحزاب الأقلية في سنة 1938 وبلغ فساد الحكم ذروته إذ ذاك وانتشرت موجة من الاغتيالات لكثير من الشخصيات المصرية، وأصبح الملك يسوس الملك كملك ورئيس وزراء. وقد رجعنا في قضية 4 فبراير إلى مصادرها الأصلية مستعينين بالوثائق الإنجليزية الرسمية التي كان محظورًا النقل عنها حتى انتهت مدة حبسها عن الباحثين، وأصبحت في متناول أي إنسان، وبذلك أمكن بيان وجه الحق في هذه القضية.

_ 1 روز اليوسف 16/ 8/ 1982.

ولما كانت الحرب العظمى الثانية قد أعلنت فقد فرضت الأحكام العرفية وتمكن الملك نتيجة لذلك من العبث بالدستور على نحو ليس له نظير أو مثيل، واستطاعت حكوماته المتتالية أن تفرض الرأي الواحد وتقضي على الحريات فالصحف تخضع للرقابة والرقيب والاجتماعات العامة محظورة، والمعتقلات، للأحرار فتحت أبوابها على مصاريعها، والعبث بقوت الشعب فرصة للإثراء وبيع الرتب والألقاب تجارة رابحة. واندلعت الحرب العظمى الثانية وعلى رأس الحكومة علي ماهر تؤيده أحزاب الأقلية، ويندفع الرجل في مؤازرة الحلفاء، فيلبي طلبات القيادة الإنجليزية، بل يتحسس رغباتها فيؤديها طواعية بلا سؤال، فإذا بدأت ألمانيا في انتصاراتها الخرافية على الإنجليز وحلفائهم، قلب لهم ظهر المجن، فكان ألمانيا أكثر من الألمان، كما انحاز الملك إلى إيطاليا حليفة برلين، فكان إيطاليا أكثر من الطليان. في الوقت الذي كان أعداء الدستور والحريات لا شاغل لهم إلا التكالب على كراسي الحكم وانتهاز فرصة الأحكام العرفية لكسب الحرام، كان النحاس يطالب الحكومة الإنجليزية في مذكرة قدمها لها بالجلاء التام عن مصر والسودان عقب الحرب، وحق مصر في الاشتراك في مفاوضات الصلح لترعى بحضورها مصالح بلاده، ويحتج في الوقت نفسه على إعلان الأحكام العرفية في مصر في الوقت الذي تخوض إنجلترا الحرب دون إعلان هذه الأحكام في بلادها. وخطب النحاس في الناس متحديًّا الأحكام العرفية1 حاملًا على الإنجليز "الذين يحاربون عن الديمقراطية في بلادهم ويدأبون على العمل ضد الديمقراطية في مصر، ولا ريب أنه إذا لم تكن الديمقراطية واحدة في كل البلاد التي تناصرها فليست إذن هي فكرة يدافع عنها ومبدأ يناضل من أجله بل تكون هي والديكتاتورية سواء .. ".

_ 1 راجع خطبة النحاس باشا في 3 أغسطس 1941.

وقد بلغ الفساد ذروته حتى شح القوت في الأسواق، وهاجم الشعب المخابز والمطاحن وسارت المظاهرات تهتف بسقوط الإنجليز وتدعو "روميل" أن يتقدم لينقذ البلاد1. ووجد الإنجليز أن سكوتهم على انحياز الملك للإيطاليين، ونشاط على ماهر في بث الدعاية للألمان، وقيام القصر بترتيب المظاهرات المعادية لهم، وجدوا أنه لا بد أن يغامروا بعزل الملك ثم تأليف حكومة قوية تفرض الأمن والنظام، فتقدموا إلى الملك بإنذار في 4 فبراير 1942 يطلبون تأليف وزارة "ائتلافية" بزعامة مصطفى النحاس. لقد كان حسين سري قبيل أزمة 4 فبراير مباشرة رئيسًا لمجلس الوزراء، وكان الرجل صنيعة من صنائع الإنجليز، وما كان يبرم أمرًا أو يقضي في شأن إلا بالرجوع إليهم أولًا، وكانت علاقته متوترة بالملك حتى إنه ذهب إلى السفير يشكوه ويطلب إليه في 20 يناير 1942 أن يتعاونا "لتأديب هذا الصبي وتخويفه بين آن وآخر". وقد اجتمع رئيس الوزارة حسين سري أول فبراير 1942 بالسفير واتفقا على أن يقدم استقالته وأن يطلب السفير من الملك أن تؤلف "وزارة ائتلافية" برئاسة النحاس باشا ويقول السفير في كتابه "وتناقشنا معًا في ترتيب هذا الموضوع"2 وإذن فقد بدأ التدبير لحادث 4 فبراير بين حسين سري والسير لامبسون السفير البريطاني، لا بين السفير وبين النحاس وأمين عثمان. لقد كان النحاس في قنا عندما بدأت الأزمة، يزور ضريح سيدي

_ 1 كان روميل قائد قوات المحور في شمال إفريقية قد تقدم فبلغ مشارف الإسكندرية ووقفه الإنجليز عند العلمين التي حدثت فيها معركة مروعة بعد عدة شهور رد فيها الإنجليز قوات المحور على أعقابها. The Killearn Diaries 1934- 1942 2 فصل سنة 1942 طبعة 1972.

عبد الرحيم القناوي رضي الله عنه، فاستدعاه الملك ليؤلف "وزارة ائتلافية" وهو طلب كيلرن سفير إنجلترا في مصر، ولم يطلب السفير وزارة وفدية برياسة النحاس بل طلب وزارة يرأسها النحاس أو يباركها وتتألف من جميع الأحزاب. أما عن نصيب أمين عثمان من هذه المؤامرة فقد دحضتها برقية السفير لوزير خارجيته حين سجل فيها أنه "من محاسن الصدف أن أمين عثمان باشا طلب مقابلتي هذا الصباح، وكنت قد امتنعت عن مقابلته خلال الشهور الثلاثة الماضية منعًا لأي شائعات عن تدبير مؤامرات مع السفارة أما الآن فالوضع قد تغير وخاصة أنه موضع ثقة النحاس"1. أما عن نصيب النحاس في هذه القضية، فننشر نص المذكرة التي كتبها وكيل الخارجية الإنجليزية إلى وزيره إيدن عقب حادث تطويق الدبابات الإنجليزية لقصر عابدين في يوم 4 فبراير 1942. قال وكيل الخارجية في مذكرته "على أن لدي تنبيهًا خطيرًا أود أن أقدمه وأعتقد أنه ربما يغطي نقطة سوف تكلفنا كثيرًا في المستقبل وهو أنه لم يحدث في أي وقت خلال الأزمة سواء فيما يتعلق بتعيين الوزارة الجديدة أو خلع الملك المحتمل، أن السير لامبسون قد دخل في اتصال شخصي مع النحاس، والنتيجة المترتبة على ذلك هي أنه لن يكون متاحًا للنحاس أن ينكر فقط علانية "وهو سوف يفعل ذلك بكل تأكيد" بأنه مدين لتأييدنا بأي شيء أو أنه ملتزم نحونا بأي التزام وإنما نحن في الحقيقة لا نملك شيئًا نشهره في وجهه عندما تقع الأزمة المقبلة"2.

_ 1 من وثائق وزارة الخارجية البريطانية الوثيقة رقم 416 في فبراير 1942 الساعة 6.35 بعد الظهر. 2 F. O. 371 31 671 74 a EGYPT وقد ترجم هذه الوثيقة الدكتور عبد العظيم رمضان في كتابه تطور الحركة الوطنية في مصر ج2، ص215.

إنما يحذر وكيل الخارجية الإنجليزية وزيره بأن انتهاء الأزمة لا يعني بحال انتهاء المشاكل، فقد ولى الحكم رجل لا يستطيعون تجريحه أو التشهير به في مشكلة 4 فبراير؛ لأنه كان بعيدًا عنها تمامًا، وهو رجل عنيد ينتظر أن يؤرق حياتهم بالمطالب، وأنه يجب أن نتهيأ للقائه "في الأزمة المقبلة". ونروي فصول تلك المأساة فنذكر أن النحاس عاد من قنا وذهب للقاء الملك فوجد عنده زعماء الأحزاب الأخرى وبعض المستوزرين من بطانته وشرحوا له سبب الاجتماع وقصة الإنذار البريطاني بضرورة تأليف وزارة ائتلافية برياسته، وألح زعماء الأحزاب عليه ومعهم الملك، بأن يوافق على تأليف تلك الوزارة حتى تتفادى البلاد نتائج الإنذار البريطاني، ويصان عرش مصر فلا تتقاذفه الأنواء. ورفض النحاس أمرين، الأول الإنذار البريطاني ووقع مع زعماء الأقلية رفض ذلك الإنذار، والثاني تأليف وزارة ائتلافية؛ لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وهو لا يريد أن يعيد مأساة الوزارة الائتلافية سنة 1928 التي انسل منها المؤتلفون وزيرًا بعد وزير واتخذها الملك فؤاد تكأه لإقالة وزارته "نظرًا لتصدع الائتلاف". ونقل الملك إلى السفير الموقف، فما كان من الأخير إلا أن حاصر قصر عابدين بالدبابات، وهدد بخلع الملك إن لم تؤلف وزارة برياسة النحاس. ومن هذه الصورة الدقيقة التي سجلناها يبدو واضحًا تمامًا أن النحاس كان خالي الذهن مما رتبه السفير، فلو كانت متآمرًا فما كان يمكن أن يرفض تأليف الوزارة الائتلافية وهو متفق بشأنها مع السفير، أو كان قد اتفق مع السفير على أن تكون الوزارة وفدية لا شريك لحزب فيها .. ثم ماذا؟ ذعر الملك فعاد ودعا الزعماء على عجل وعلى رأسهم مصطفى النحاس

وألح على الزعيم أن يؤلف وزارة وفدية فرفض مرة ومرة، وعندئذ رجاه الملك أن ينقذه واستحلفه بوطنيته وشجاعته، فقبل الرجل تأليف الوزارة وكتب إلى الملك يقول: "إنكم قد أعربتم بلسانكم الكريم المرة بعد المرة والكرة بعد الكرة عن ثقتكم في وطنية هذا الضعيف وإنكاره لذاته، مؤكدين أن هاتين الصفتين الكريمتين اللتين شاء فضلكم أن تسندوهما إلي تقتضيان علي أن أتقدم لإنقاذ الموقف"1. وخرج زعماء الأقليات يعلنون أن النحاس خائن؛ لأنه قبل الوزارة لينقذ العرش والبلاد. عندما ألح أولئك الزعماء على النحاس في حضرة الملك أن يؤلف من الوفد ومنهم وزارة كان ذلك عملًا وطنيًّا يضاف للنحاس من أمجاد، فإذا رفض وألف وزارة وحده كان ذلك خيانة للبلاد. وحتى يحفظ النحاس حق البلاد ويصون استقلالها وجه إلى السفير رسالة يطلب فيها أن تقطع إنجلترا على نفسها عهدًا رسميًّا يمحو الإساءة التي وجهتها لمصر في إنذار 4 فبراير، وأنه يرفض هذا الإنذار ويعلن أنه قبل تأليف الوزارة من الملك بما له من حقوق دستورية، وبما تستمتع به مصر في استقلال تام في جميع شئونها، ورد عليه السفير بالتعهد المطلوب متضمنًا الاعتذار عما تم في غيبة الدستور والحريات. ونختم هذه القصة بوثيقة لعل فيها فصل الخطاب. لقد ألفت الدولة من ثلاث سنوات لجنة لتسجيل التاريخ، وأعدت اللجنة تقارير شتى عن مسائل كثيرة كان من بينها تقرير عن 4 فبراير، وقد انتهت اللهجة فيه إلى تبرئة الوفد من هذه القضية وسجلت رأيها في هذا مدعمًا بما عندها من بيانات، وطبعت من التقرير عدة نسخ تسملت السلطات بعضها.

_ 1 زعيم مصر الخالد مصطفى النحاس للمستشار محمد سعد الدين ص162

ثم شغل الرأي العام بالكتاب الأسود الذي أصدره مكرم باشا عبيد بعد إقالته من عضوية الوفد المصري، وبعد الخطأ الذي ارتكبه الوفديون بفصله من مجلس النواب مع بضعة أفراد من حوارييه، وأصبح هذا الخطأ سابقة دستورية خطيرة استغلتها حكومات ما بعد الثورة. ولم يكن في هذا الكتاب ما يشين الوفد والوفديين إلا إسرافهم في ترقية الموظفين الوفديين إلى مراكز أعلى بحيث ضج سائر موظفي الدولة من تلك الاستثناءات التي أهدرت حقوقهم، أما ما جاء عن الفساد الذي تعرض له الكتاب الأسود، فلم يكن كله صحيحًا، ومع أن السلطان في كل عهد لا يخلو من بطانة سوء، وهذا ما أخذ على الوفد إذ كانت في بطانته جماعة استغلت الحزب وحكومته، وهو أمر ما كان ينبغي أن يتاح فيه لمثل هؤلاء المستغلين أن يعبثوا في الأرض فسادًا؛ لأن الوفد يمثل الأغلبية الساحقة من شعب مصر فهو لمصر كلها، لهذا كان استغلال النفوذ الذي حدث إبان حكمه يبدو ضخمًا وكبيرًا بقدر ما كان الوفد ضخمًا وكبيرًا، وهو في الحق دون ما شهد المعاصرون من فساد الأحزاب الأخرى التي كانت ترى السلطان مغنمًا، ولا يعنيها بعد ذلك شيء. ثم تجيء قضية الأسلحة الفاسدة التي كانت سببًا في هزيمة 1948 كما كانت تقول وتزعم الصحف والمجلات المعارضة للملك إذ ذاك، والصحيح أن صفقات الأسلحة الفاسدة التي تم شراؤها لحساب السراي ومن يلوذ بالسراي من ضباط خربى الذمة قد تمت صفقاتها بعد حرب فلسطين وإعلان الهدنة بين البلاد العربية وعلى رأسها مصر وبين إسرائيل، وفي ذلك صدر حكم من محكمة الجنايات في سنة 1954 برئاسة المستشار كامل البهنساوي، الذي جاء في حيثياته أن الأسلحة الفاسدة اشتريت بعد توقف الحرب بين مصر وإسرائيل. وقد جاء الوفديون إلى الحكم سنة 1950 بأغلبية ساحقة في الانتخابات

الحرة النزيهة التي أجراها حسين سري باشا وهو محسوب على الشخصيات التي تكره الوفد، وقد رأس عدة وزارات لأحزاب الأقلية التي تناهض الوفد والوفديين، وقد كان لنتيجة ذلك الانتخاب ضجة عالمية، لأن العالم بما قرأ وسمع من الصحف المعارضة للوفد والتي بشرت على مدى ست سنوات بأنه كحزب سياسي قد انتهى أمره بعد حادث 4 فبراير، أذهلته نتيجة الانتخاب التي ردت للنحاس باشا اعتباره، وبينت أنه لا يزال ضمير الأمة وقائدها. وما أن تألفت الحكومة الوفدية حتى ألغت الأحكام العرفية وأطلقت الحريات، فانطلقت الصحف التي تمثل المذاهب الاجتماعية الحديثة تنشر أعنف المقالات ضد النظام وضد الملك وبطانته وضد الرأسمالية مطالبة بتغيير جذري في النظم والقوانين، حاملة -ومعها الصحف الوفدية- على الاحتلال والإنجليز وخاصة بعد قطع المفاوضات التي كان يجريها وزير الخارجية الوفدي مع الحكومة البريطانية لتعديل المعاهدة وإجلاء الإنجليز عن منطقة القنال. ومن المعارك السياسية العنيفة التي شهدتها البلاد إذ ذاك موقف الصحف جميعًا وعلى رأسها جريدة المصري وأخبار اليوم وروز اليوسف من القانون الذي تقدم بمشروعه اسطفان باسيلي أحد النواب الوفديين مستهدفًا حماية الملك من نقد تصرفاته المشينة والمعيبة. ويذكر لجريدة المصري في قضية مشروع هذا القانون السبق في معارضته، فقد تكتل النواب الشبان من الوفديين وفي مقدمتهم الدكتور عزيز فهمي ضد هذا المشروع وكان والده إذ ذاك رئيسًا لمجلس النواب، وكاد الوفد أن يتصدع من عنف الهجوم والنقد الشديد لموقف الحكومة من هذا المشروع واختفت المصري وكان يرأس تحريرها في ذلك الوقت أحمد أبو الفتح، بنشر كل ما صدر عن الشبان الوفديين في المجلس بشأن ذلك القانون، كما كانت لرئيس التحرير مقالات من نار فلم يجد صاحب المشروع أمامه

إلا أن يسحب مشروعه لتقف حملة الوفديين على حكومة الوفديين. ونختم هذا الفصل من تاريخ الصحافة المصرية بموقف عظيم وقفته الصحف والحكومة والأحزاب المعارضة معها، وهو إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية التي وقعتها جبهة وطنية مع الإنجليز في سنة 1936. وقد ألهب شعور المصريين ما صدر من بيانات عن وزير الخارجية الوفدي الذي حمل حملة شعواء على الإنجليز بمناسبة قطع المفاوضات التي أبى الإنجليز أن ينصتوا فيها بالمودة لطلبات المصريين التي كان أهمها الجلاء عن قناة السويس، فقامت المظاهرات الصاخبة في أغسطس 1952 وهو الشهر الذي وقعت فيه المعاهدة المذكورة. وفي 8 أكتوبر 1951 اجتمع مجلسا البرلمان "النواب والشيوخ" على هيئة مؤتمر، وألقى النحاس باشا رئيس الوزراء بيانًا مستفيضًا عن سياسة الحكومة بشأن معاهدة 1936، ثم أعلن إلغاء هذه المعاهدة كما ألغى اتفاقتي 19 يناير و10 يوليو 1899 الخاصتين بإدارة السودان، ثم نادى بملك مصر ملكًا على مصر والسودان، وختم النحاس بيانه بل قل أحسن الله إليه فختم تاريخه حين قال: "من أجل مصر أبرمت معاهدة 1936 ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها". وعقب هذا البيان تألفت جماعات مسلحة قاد بعضها ضباط من الجيش أخذت تهاجم معسكرات البريطانيين في منطقة القنال حتى أضجت مضاجعهم وانضمت الحكومة إلى الثوار، وبدا ذلك واضحًا فيما قامت به وزارة الشئون الاجتماعية التي تدعت العمال الذين في خدمة المحتل في القناة إلى الانسحاب من مواقعهم ثم عينتهم في الوزارة، وقد لبى العمال هذه الدعوة وافتقد الإنجليز هذه الدعامة القومية التي كانت تيسر لهم البقاء في القنال. وفقد الإنجليز أعصابهم وطلبوا من المسئولين المصريين في الإسماعيلية إخلاء المحافظة، فرفضوا ووقف جنود الشرطة يذودون عن بناء المحافظة

بأسلحتهم المتخلفة أمام أقوى قوة ضاربة في تلك الأيام، ولم يتم للإنجليز غرضهم إلا على أشلاء جنود الشرطة الأبطال. وفجأة في 26 يناير شبت الحرائق في مدينة القاهرة، وتقاعس حيدر باشا وكان على رأس الجيش عن معاونة الحكومة بإنزال الجيش لوقف الفوضى في العاصمة، فإذا جاء المساء كانت القاهرة تشتعل، ولبى الملك طلب الإنجليز فأقال وزارة الوفد بعد أن أعلنت الأحكام العرفية، وأخذ في تأليف وزارات هزيلة، فجاءت وزارة تلو الوزارة حتى حدثت حركة الجيش في ليل 23 يوليو 1952.

الصحافة المصرية من عام 1952 إلى عام 1981

الصحافة المصرية من عام 1952 إلى عام 1981: قامت حركة الجيش في ليلة 23 يوليو 1952 في ظل الأحكام العرفية التي فرضت على البلاد عقب حريق القاهرة في 26 يناير 1952، وأعلنت الحركة في صباح ذلك اليوم عن طريق الإذاعة أن رسالتها تطهير البلاد من الفساد وإعادة الحياة النيابية سليمة من كل عيب، وتقوية الجيش إلى آخر ما جاء في بيانها الذي بثته الإذاعة المصرية ونشرته الصحف في اليوم التالي. وقد استقبلت الصحافة المصرية هذه الحركة وفي مقدمتها جريدة المصري خاصة وسائر صحف المعارضة عامة استقبالًا رائعًا مع تأييدها من غير حدود، ولم تتحفظ في عرضها لأحداث ذلك اليوم إلا جريدة الأهرام وهي في ذلك تمارس طبعها المأثور عنها والذي كان يفرض عليها في نشر الأحداث الروية والتدبير. وكان صحيفة المصرية ومجلة روز اليوسف، في مقدمة الجرائد التي ناصرت الجيش في حركته، وكان أصحاب الصحيفتين على علاقة وثيقة برجال هذه الحركة قبل قيامها، وكانوا -فيما قيل- يطبعون في مطابعهم منشورات الضباط الأحرار التي أرقت حياة الملك وأفزعت بطانته. ولعدة شهور تلت ذلك اليوم كان الصحف المصرية تؤازر حركة الجيش كما كانت تسمى في أيامها الأولى، والتي أطلقت عليها بعد ذلك لفظ الثورة. وقد أرغمت الثورة الملك على التنازل عن العرش في 26 يوليو 1952 لولي العهد وكان طفلًا وليدًا في شهوره الأولى من العمر، وألفت مجلس وصاية كان من أعضائه يوسف صديق وهو ضابط عظيم كان له أخطر دور في نجاح الثورة ليلة قيامها إذ اعتقل قادة الجيش من أنصار الملك واحتل مبنى

القيادة العامة، وجاءوا بعلي ماهر رئيسًا لمجلس الوزراء، وتكونت وزارته من وزراء معظمهم من خصوم الوفد أكبر الأحزاب المصرية، وكانت هذه أول الأخطاء التي وقعت فيها الثورة، وتوجس الناس شرًا من هذا الاتجاه الذي أبعد الثورة عن الكتلة الشعبية العريضة التي يمثلها الوفد. ثم ظهر الضباط الأحرار في الصورة بعد بعضة أشهر لم يكن الناس يعرفون منهم إلا اللواء محمد نجيب وهو ضابط عظيم ومحارب مشهور، له جولات موفقة في حرب فلسطين، وكان على خلاف شديد مع البطانة الملكية، وقد انتخب رئيسًا لنادي الضباط رغم أنف الملك وحوارييه، وباسمه أعلنت الثورة صباح 23 يوليو، وكان لاسمه رنين يطمئن الشعب والأجانب على حسن الخواتيم. ثم أخذت الثورة -بتأثير من الوزراء الذين لا تربطهم بالشعب صلة- تسن القوانين الانتقامية، وتؤلف لها المحاكم الثورية، وأخذت في فصل خيار الموظفين والمعلمين وأساتذة الجامعات، وهذه أمور لم ترض عنها الصحف التي ساندت الثوار قبل قيام الثورة وبعدها، وفي مقدمتها جريدة المصري لسان حال الوفد، وخاصة بعد أن أعلنت الثورة -بتحريض من وزرائها المعزولين عن الشعب- مخاصمتها للنحاس باشا، ومطالبتها بتنحيته عن رئاسة الوفد. وقد أصدر بعض الضباط الأحرار مجلة يهدفون منها أن تدافع عن الدستور والحياة النيابية وسموها "مجلة التحرير" وأشرف عليها أول الأمر الضابط أحمد حمروش ثم ثروت عكاشة وهو ضابط مؤهل صحفيًّا حيث درس ثروت المهنة في معهد التحرير والترجمة والصحافة بجامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة فيما بعد" غير أنه نُحّي عن عمله الصحفي ذاك، وأسند العمل في المجلة إلى الضابط صلاح سالم وهو يجهل المهنة ومحدود الثقافة وانحرف بها إلى عكس الغرض الذي أنشئت من أجله.

ثم أصدروا جريدة الجمهورية وولى أمرها الضابط أنور السادات وجندت لها أقلام ضخمة ومعروف أصحابها بمكانتهم العلمية والأدبية التي لا يمارى فيها أحد، وفي مقدمتهم الدكاترة طه حسين ومحمد مندور ولويس عوض، وقد بقي توزيعها محدودًا بالرغم من هذه الأسماء الضخمة التي وظفت فيها، ولم يتسع انتشارها إلا في أزمة مارس التي نشأت إثر خلاف بين محمد نجيب وأعضاء مجلس الثورة سنة 1954 حول العودة بالبلاد إلى حالتها الطبيعية في ظل دستور جديد، وقد انتصر محمد نجيب أول الأمر فألغيت الأحكام العرفية ورفعت الرقابة عن الصحف، وأطلق سراح المعتقلين من الإخوان المسلمين والشيوعيين والوفديين، وبدت البلاد وكأنها في طريقها إلى الاستقرار في ظل الحرية والديمقراطية، وهنا قرأنا في الجمهورية دراسات ممتعة عن الدستور ونظام الحكم، ومجادلات عنيفة بينها وبين جريدة المصري. ولما انتكست الدعوة إلى الحرية والديمقراطية نتيجة اصطناع مظاهرات قام بها العمال تنادي بسقوط المتعلمين والحرية والسنهوري الجاهل1، وأضرب عمال النقل حتى شلت الحركة في البلاد، عندما تم ذلك أخذت الجمهورية حجمها الطبيعي، فكانت -ولا تزال- أقل الصحف الصباحية انتشارًا2. وظهرت صحف الثورة في حجر الثورة، فكانت مجلة التحرير وجرائد الجمهورية والشعب والثورة وغيرها تمولها الدولة باسم هيئة التحرير، وهي كيان حزبي نشأ أيضًا في حجر الثورة وكان معزولًا عن الجماهير، وأريد به

_ 1 كان عبد الرزاق أحمد السنهوري باشا في ذلك الوقت رئيسًا لمجلس الدولة، وأفتى في عودة الدستور بما لا يرضي السلطات العسكرية. 2 عن صحف الثورة صدر أخيرًا كتاب للدكتور كرم شلبي بعنوان "صحافة الثورة وقضية الديمقراطية في مصر" وأنصح بقراءته فهو دراسة طيبة مستفيضة، وتكمل هذا الفصل الذي أكتبه في اختصار شديد.

التعويض عن الأحزاب التي ألغيت، وهي أحزاب لها جذور قوية ليس من السهل اقتلاع هذه الجذور بمرسوم يصدره مجلس قيادة الثورة. وقد اختفى كثير من صحف العهد الملكي كالبلاغ والمقطم وكوكب الشرق والوفد والمصري وغيرها، بيد أن الجرائد القديمة ذات الوزن والاعتبار مضت تؤدي رسالتها بالرغم من الأحكام العرفية والرقابة على الصحف، وخاصة جريدة المصري التي أخذت جانب المعارضة للثورة في عنف وشدة، وكانت عند قيام الثورة لسانها المتحدث باسمها، ومضت تؤيدها فترة ليست بالقصيرة، وكان كثير من القرارات الطيبة التي أصدرتها الثورة تتم مناقشتها يوم كل جمعة يجتمع فيه أعضاء مجلس الثورة على غداء في بيت أحمد أبو الفتح. غير أن إلغاء دستور 1923 وبقاء مصر بلا دستور، وإلغاء الحزبية والأحزاب، وحكم البلاد بلا برلمان، واضطهاد الأحرار وقيام محاكم للثورة بأسماء متعددة، وفصل الموظفين وحرمانهم من حق التقاضي، ومصادره أموال الخصوم بلا قانون ودون تحقيق، والإسراف في اعتقال معظم أصحاب الفكر، هذا وغيره من الإجراءات التعسفية جعلت القطيعة بين الثورة وجريدة المصري ومحررها خاصة أمرًا لا مفر منه، فهاجر أحمد أبو الفتح وحسين أبو الفتح وصاحب الجريدة محمود أبو الفتح وأغلقت الثورة المصري وهي في ضير الشعب حصن للحريات والديمقراطية، وكان لإغلاقها رنة حزن وأسى في كل بيت ولدى كل حر. وبقيت الأهرام وأخبار اليوم والأخبار من الصحف القديمة تزاول عملها في هذا الجو الخانق، وحاول صاحبا دار أخبار اليوم علي ومصطفى أمين أن يوائما بين ما تريده الثورة وبين ما تفرضه عليهم واجبات المهنة وآدابها من تحري الحقيقة والدفاع عن رغبات الشعب، وكان ذلك امتحانًا ناء به كاهلهما، فلم يكن يمر يوم إلا وينشط نزاع مرير بينهما وبين مراكز القوى حتى انتهى الأمر بتأميم جرائدهما في سنة 1961 مع سائر الصحف والمجلات، ثم هاجر علي أمين وسجن توأمه مصطفى تسع سنوات وعذب أقصى تعذيب،

ثم أصبحت الصحافة المصرية ملكًا للاتحاد القومي وهو التنظيم السياسي الوحيد في البلاد الذي حل مكان هيئة التحرير، وقد أخذ مكانه فيما بعد الاتحاد الاشتراكي. وهذه الملكية -وإن كانت صورية- تمت بمقتضى القانون الذي صدر في سنة 1960 رقم 156 وجاء القانون تحت اسم "تنظيم الصحافة" أي تأميمها وقد طبق هذا القانون على صحف بذاتها هي أخبار اليوم والأهرام ودار الهلال وروز اليوسف، ثم طبق بعد ذلك على دار المعارف في أكتوبر سنة 1963 بمقتضى القانون رقم140، وقد أعفى قانون تنظيم الصحافة جريدة وطني والجورنال ديجبت والجمهورية من هذا القانون وإن خضعت له الأخيرة تلبية لرغبتها في ذلك. وقد كان قانون تنظيم الصحافة، أي تأميمها، أو قانون من قوانين التأميمات التي بمقتضاها أممت المؤسسات الاقتصادية كالمصارف وغيرها. والواقع أن تبعية الصحف كانت للدولة لا للاتحاد الاشتراكي الذي تنقطع صلته بأية صحيفة مؤممة بمجرد تعيينه لرئيس مجلس الإدارة وأربعة من الأعضاء ومن بينهم عضو مجلس الإدارة المنتدب، والواقع أيضًا أن كل العاملين في تلك الصحف قد أصبحوا أجراء في المؤسسة ومن بينهم أصحابها1. ونختم هذا الفصل بنقل القوانين التي عالجت أمر الصحافة بعد ذلك من كتاب "الصحافة في عقدين 1960 - 1980" فليس بعد ما جاء في هذا الكتاب من مزيد عند المؤرخين.

_ 1 يمكن لمزيد من التفاصيل الرجوع إلى الدراسة الممتعة التي يضمها كتاب الدكتور صليب بطرس المسمى "الصحافة في عقدين 1960 - 1980" الناشر المركز العربي للصحافة.

مشروع قانون الصحافة: في أثر الاستفتاء الذي أجرى في 19 أبريل سنة 1979 وأيد الشعب فيه جعل الصحافة سلطة رابعة، شكلت لجنة لوضع تشريع جديد للصحافة ينظم كافة نواحيها، ومن أجل هذا فقد ضمت هذه اللجنة عناصر العمل الصحفي كلها من محررين، وإداريين، وعمال بالإضافة إلى العنصر النقابي، وأعدت مشروع قانون نشرته بعض الصحف. وجاء في مذكرة مرفقة بمشروع القانون، فيما يتعلق "بالملكية والإدارة الصحفية" أنه: ولما كنا بصدد إعادة تنظيم الصحافة، فقد رأت اللجنة أن الإعداد لذلك يتطلب إعادة بناء الهيكل الإداري للصحافة بكل مؤسساتها، فأكدت على ملكية العاملين في الصحافة بالنسبة التي يخولها القانون لهم وهي 49% مع فتح قنوات الاتصال بين العاملين كمالكين وبين ممثلي ملكية الشعب في الوجود الصحفي، ووضعت اللجنة بذلك المبادئ اللازمة لتشكيل مجالس إدارة المؤسسات الصحفية واستحدثت نظامًا جديدًا لمتابعة أعمال مجالس الإدارة بأن تكون لكل مؤسسة صحفية جمعية عامة1، تمثل رأس المال وشتى التخصصات في العمل الصحفي بنسب عادلة ورسمت للجمعيات العامة طريق اختصاصاتها على النحو الذي يكفل لها الفاعلية ويجعل منها ركيزة قوية لمجالس إدارة المؤسسات الصحفية وللعاملين فيها بصورة جادة من صور التطبيق الديمقراطي. ونصت المادة 24 من المشروع على أن "المؤسسة الصحفية القومية مملوكة ملكية شعبية" ويمثل مجلس الشورى في ملكية 51% من قيمة أموالها وملحقاتها ويمثل العاملون بتلك المؤسسات ملكية نسبة 49% الأخرى منها. ويخصص نصف صافي الأرباح للعاملين بالمؤسسات الصحفية القومية والنصف الآخر لمشروعات التوسع والتجديدات.

_ 1 لعل المقصود بها "جمعية عمومية".

ويصدر المجلس الأعلى للصحافة القرارات المنظمة لإدارتها وإعداد موازناتها السنوية وتوزيع الأرباح. وواضح من هذه المادة أن ملكية المؤسسة الصحفية الواحدة هي لمجلس الشورى ومجموع العاملين بهذه المؤسسة بنسبة 51%، 49% على التعاقب. وبجانب مجلس الشورى ومجموع العاملين كملاك توجد الجمعية العمومية للمؤسسة ومجلس الإدارة، وتتكون الجمعية العمومية من 42 عضوًا كالآتي: عدد الأصوات 10 أعضاء يختارهم مجلس الشورى كممثلين له في الجمعية ولكل منهم ثلاثة أصوات 30 7 أعضاء مجلس الإدارة المعينون ولكل منهم ثلاثة أصوات 21 ـــ 51 24 عضوًا للصحفيين والإداريين والعمال بواقع ثمانية لكل فئة بالانتخاب ولكل منهم صوتان 48 1 عن نقابة العاملين بالمؤسسة وله صوت واحد 1 49 ـــ جملة الأصوات 100 والهيئة الثانية هي مجلس إدارة المؤسسة، ويتكون من ثلاثة عشر عضوًا سبعة يرشحهم مجلس الشورى ويتعين أن يكون من بينهم أربعة من ذوات المؤسسة الصحفية ولا تقل مدة خدمة كل عضو فيها عن خمس سنوات، ويصدر قرار تعيينهم من رئيس الجمهورية، وستة أعضاء تنتخبهم الجمعية العمومية للمؤسسة بواقع اثنين عن كل من الصحفيين والإداريين والعمال. وقرار تعيين الأعضاء السبعة في الجمعية العمومية يجب أن يصدر من رئيس مجلس الشورى لا من رئيس الجمهورية حتى لو اتحدت الوظيفتان في شخص واحد.

وبجانب هاتين الهيئتين يأتي مجلس الصحافة الأعلى وهو يتكون من حوالي 45 عضوًا قابلة للزيادة ليس من بينهم من يمثل مجلس الشورى صاحب النصيب الأكبر في ملكية المؤسسات الصحفية ولا من العاملين بوصفهم ملاكًا ونظرة يلقيها المرء على هذا التشكيل، يتضح منها أن هناك تسابقًا في حشد المجلس بالأعضاء لغير ما سبب معقول، مع أن عضويته يجب أن توضع لها ضوابط أكثر إحكامًا بحيث تتحقق معها الفائدة المرجوة من المجلس خصوصًا وأنه كما يبدو، قصد به أن يكون الهيئة المسيطرة على الجوانب الاقتصادية والإدارية للمؤسسات الصحفية. وللمجلس هيئة مكتب مكونة من رئيس، ووكيلين وأمين عام مساعد وكلهم ينتخبون بالاقتراع السري من بين أعضاء المجلس الأعلى، وبجانب ذلك تكون له لجنة تنفيذية من أعضاء هيئة المكتب المشار إليهم -نقيب الصحفيين- عضو قانوني + أربعة أعضاء يختارهم المجلس بالانتخاب من بين أعضائه، وطبقًا لنص المادة 46 من المشروع فإن مجلس الصحافة الأعلى يعتبر من أشخاص القانون العام: "ويحدد مجلس الشعب عند إقراره الموازنة العامة للدولة، الميزانية السنوية للمجلس الأعلى للصحافة" وبالإضافة إلى ذلك فإن قراراته طبقًا للمادة 45 من المشروع هي: "قرارات إدارية ملزمة لكافة المؤسسات الصحفية والأفراد والجهات المعنية ويجوز الطعن في هذه القرارات بكافة الطرق المكفولة للطعن في القرارات الإدارية". ونظرة يلقيها الباحث على اختصاص مجلس الصحافة الأعلى طبقًا لمشروع القانون محل البحث، يلمح بوضوح رغبة واضعي المشروع الجامحة في أن يسيطر هذا المجلس على المؤسسات الصحفية من جوانبها الإدارية والاقتصادية وبصورة إجمالية يضع المجلس القواعد المنظمة للأجور، وتحديد أسعار ومساحات الإعلانات، وتحديد أسعار الصحف والمجلات، وحل المشكلات التي قد تنشأ بين ممثلي رأس المال المختلفين في الجمعيات العمومية عند عدم حسم المشكلات في اجتماعات هذه الجمعيات وما إلى ذلك، ثم عليه النهاية

أن أسلوب رقابة الشعب على ملكية الصحف وتمويلها عن طريق الجهاز المركزي للمحاسبات، وما يتخذ في شأن المخالفات التي تكشفها هذه التقارير إذا لم تتصد لها الجمعيات العمومية. وفي وسط هذا الخليط يجري نص المادة 28 من مشروع القانون على نحو ما يلي: "تعتبر المؤسسة الصحفية القومية شركة من شركات القطاع الخاص إلا فيما يتعلق بأحوالها وأحوال مسئولية مديريها والعاملين فيها المنصوص عليها في قانون العقوبات وفيما يتعلق بمزاولة التصدير والاستيراد والوكالات التجارية فتطبق عليها الأحكام المقررة قانونًا". وقبل أن ننتقل إلى تحليل هذه الأوضاع وما انتهى إليه الأمر في صورة القانون الجديد، أشير إلى مسألة على درجة كبيرة من الأهمية لم يتعرض لها المشروع وهو نوع ملكية العاملين بالمؤسسة الصحفية: هل كل واحد منهم يمتلك حصة في صافي أصول المؤسسة، وعلى أي أساس؟ هل يقتسمون هذه الأصول بالتساوي قسمة غرماء " Micro" أو حسب مدة خدمة العامل بالمؤسسة؟ وما مصير هذه الحصة محسوبة على أية صورة كانت، في حالة وفاة العامل أو خروجه من الخدمة لأي سبب من الأسباب؟ وما هو موقف العمال الجدد الذين يلتحقون لأول مرة بالمؤسسة سواء أكان ذلك نقلًا من مؤسسة صحفية أخرى أم من مؤسسة غير صحفية، أم تعيينًا لأول مرة؟ إن ترك النص على ما هو عليه في مشروع القانون يعني بما لا يدع مجالًا لريب أنه قصد تمليك كل مؤسسة صحفية لمجموعة العاملين فيها وقت صدوره وتظل لهم هذه الملكية إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، والأخطر من هذا أنها يمكن أن تورث عنهم لمن بعدهم، وما موقف ملكية العاملين في المؤسسات الصحفية في ظل قانون التنظيم رقم 156 لسنة 1960 - وهي تعطيهم نفس

الحقوق التي نص مشروع القانون عليها -وتركوا العمل بالمؤسسة؟ هذه كلها تساؤلات جد خطيرة لم يحسمها مشروع القانون. من الواضح أن ملكية المؤسسة الصحفية هي لمجلس الشورى ولروكية العاملين فيها إن جاز اقتباس هذا التعبير من القانون التجاري، والإدارة في المؤسسة عن طريق رسم خطوطها العريضة بما في ذلك من آثار عميقة في حياة المؤسسة، هي لمجلس الصحافة الأعلى، فهو يضع القواعد المنظمة للأجور، ويحدد أسعار ومساحات الإعلانات، ويحدد أسعار الصحف والمجلات، ويحدد حصة الورق اللازمة لكل مؤسسة، فماذا بقي لمجلس الإدارة وللمديرين من تحته يمارسون فيه سلطاتهم بعد أن أصبحت محدودة بحدود وضعها لهم مجلس الصحافة الأعلى الذي ليس مالكًا أصلًا ولا يمثل المالك لا قانونًا ولا واقعًا طبقًا لأحكام مشروع القانون. وثمة مجال آخر لاضطراب الطبيعة القانونية لمؤسسات الصحافة كما جاءت في مشروع القانون، فالمؤسسة الصحفية باعتبارها الوحدة الاقتصادية على المستوى الوحدي، هي بنص القانون شركة من أشخاص القانون الخاص، والمجلس الأعلى للصحافة هيئة من أشخاص القانون العام بنص القانون كما رأينا ومجلس الشورى مؤسسة اختلف مجلس الشعب على طبيعته القانونية، ففي إحدى الجلسات ذكر وزير العدل أن مجلس الشورى في رأيه هيئة نيابية، وذكر رئيس مجلس الشعب أن مجلس الشورى لا يمكن أن يكون كذلك. الواقع من الأمر أن مشروع القانون الخاص بتنظيم الصحافة لم يعالج السلبيات التي ظهرت من التجربة التي مرت بها الصحافة المصرية في العقدين الأخيرين، فلم يحدد طبيعة الملكية بل تركها مائعة بما يفضي إليه ذلك من اضطراب في الهيكل التنظيمي والأنظمة والأساليب الإدارية بل وحياتها كلها على نحو قد يكون أكثر غورًا مما وقع للصحافة المصرية كمؤسسة في ظل ملكية الاتحاد الاشتراكي العربي، ولم يحدد القانون الأسس التي تقوم عليها علاقة المؤسسة الصحفية لا بالغير ولا بالعاملين كما أنه لم يحدد علاقات الهيئات

الصحفية بعضها بالبعض تحديدًا قاطعًا مانعًا على حد قول الفقهاء، والرقابة الاقتصادية والإدارية تاهت في خضم "الشيوع" وهو أخطر ما تمنى به مؤسسة ضخمة كالصحافة المصرية التي أصبحت وتصبح استثماراتها ورقم أعمالها مئات الألوف من ملايين الجنيهات. سلطة قانون الصحافة: وأخيرًا صدر قانون سلطة الصحافة في 14 يوليو 1980 على أن يسري بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره. إن هذا القانون لا يقل في أهميته عن قانون تنظيم الصحافة الذي زالت بمقتضاه ملكية المنشآت الصحفية الكبيرة في مصر عن أصحابها وآلت للاتحاد القومي على النحو الموضح في البحث الثاني، وبمقتضى هذا القانون الجديد آلت ملكية الصحف المسماة "بالقومية" من بعد الاتحاد الاشتراكي العربي إلى الدولة، وذلك طبقًا للفقرة الثانية من المادة "22" ويجري نصها: "وتعتبر المؤسسات الصحفية القومية والصحف القومية مملوكة ملكية خاصة للدولة ويمارس حقوق الملكية عليها مجلس الشورى" وترتيبًا على ذلك تكون حصة العاملين في ملكة هذه المؤسسات وقدرها 49% قد زالت عنهم وآلت إلى الدولة لتصبح المالك الوحيد لهذه المؤسسات، وهذا يخالف تمامًا ما جاء في مشروع قانون لجنة تقنين الصحافة الذي كانت قد عقدت لمجلس الشورى ولمجموع العاملين في كل مؤسسة على النحو السابق شرحه. وثمة مسألتان يتعين الإشارة إليهما: الأولى أن قانون سلطة الصحافة تفادي أسلوب النعامة الذي اتبعه المشرع في سنة 1960 عندما أطلق عبارة تنظيم الصحافة بدلًا من تأميم الصحافة على القانون الملغي، والمسألة الثانية أن حصة العاملين في ملكية المؤسسات الصحفية كانت قد آلت إليهم بموجب

_ 1 العدد 28 مكرر "ب" في 14 يولية 1980، من الجريدة الرسمية.

تنازل من المالك، وهو الاتحاد الاشتراكي العربي، بإرادته المنفردة وذلك بموجب قرار إنشاء مجلس الصحافة الأعلى1. ولكنها زالت عنهم بموجب القانون الجديد، والموقف القانوني في هذه المسألة غير واضح، فهل يجوز للمتبرع أن يسترد ما تبرع به؟. والواقع من الأمر أن هناك فرقًا بين القانونين في هذه الجزئية، ذلك أن المشرع في سنة 1960 قد قرر تعويض مالكي الصحف السابقين عن ملكيتهم الزائلة ووضع قواعد تقرير هذا التعويض، والمشرع في سنة 1980 نقل الملكية إلى الدولة دون إشارة إلى طبيعته: هل هو تأميم أو نزع ملكية أو مصادرة، فإذا كان أحد النوعين الأولين فلا بد من أن يشير القانون إلى طريقة التعويض، وسكوت القانون على ذلك يعني أنه قصد إلى المصادرة، وهو أمر كان يتعين على المشرع أن يفصح عنه صراحة، وقد ينصرف الذهن إلى أن المشرع قصد النوعين الأولين وأنه لم يشر إلى تعويض؛ نظرًا لأنه يعتقد أن ضررًا لم يقع على العاملين بالمؤسسات الصحفية؛ لأن ملكيتهم ليست لشخص محدد ولكنها لمجموعة العاملين، أو لروكية العاملين وأن نقل الملكية حصتهم إلى الدولة لم يلحق بهم ضررًا وبخاصة أن المشرع قد خصص للعاملين في كل مؤسسة صحفية قومية نصف أرباحها والنصف الآخر لمشروعات التوسع والتجديدات، وهو الوضع الذي كان قائمًا ومعمولًا به منذ صدور قانون التنظيم في سنة 1960. ويبدو أن المشرع اتجه إلى نقل ملكية المؤسسات الصحفية القومية إلى الدولة، على خلاف ما جاء في مشروع قانون تقنين الصحافة، تفاديًا للصعوبات الفنية التي قابلته في تصور الطبيعة القانونية والاجتماعية للشركة القائمة بين العاملين في المؤسسة الصحفية وبين مجلس الشورى كما جاء في مشروع

_ 1 قرار رئيس الاتحاد الاشتراكي العربي بإنشاء المجلس الأعلى للصحافة بتاريخ 11 مارس 1975.

قانون تقنين الصحافة، وفي تصور البنيان التنظيمي لهذه الشركة، وما يترتب على ذلك من تعقيدات إدارية واقتصادية كشف عنها ما جاء في مشروع قانون التقنين في شأن سلطة اتخاذ القرار النهائي ولمن تكون، وترتيبًا على ذلك انتهى المشرع إلى أن تفادي كل ذلك لا يكون إلا بجعل الصحافة القومية ملكًا خاصًّا للدولة وبذلك تكون الصحافة قد تحولت إلى مرفق من مرافقها. لقد قصر القانون الجديد ملكية الصحف على الأحزاب السياسية، والأشخاص الاعتبارية العامة والأشخاص الاعتبارية الخاصة، بهذا يكون المشرع قد حظر ملكية الصحافة على الأشخاص الطبيعيين، وتأكيدًا لهذا المعنى قضى القانون بأن يستمر الصحف القائمة حاليًا والتي صدرت رخصتها لأشخاص طبيعيين مملوكة لهم حتى وفاتهم، ثم فرق القانون فيما يتعلق بشكل الملكية بين الأشخاص الاعتبارية العامة وبين الأشخاص الاعتبارية الخاصة، فحتم في الثانية أن تأخذ المنشأة الصحفية شكل التعاونيات أو الشركة المساهمة وذلك فيما عدا الأحزاب السياسية والاتحادات والنقابات. ولكنه وضع قيودًا عديدة على الشركة المساهمة، فاشترط أن تكون أسهمها اسمية مملوكة للمصريين وحدهم، وعلى ألا تزيد ملكية الشخص وأفراد أسرته في رأسمال الشركة عن خمسمائة جنيه، وعرف الأسرة بأنها الزوج والزوجة والأولاد القصر، وثم قيد آخر هو ألا يقل رأسمال الشركة المدفوع عن مائتين وخمسين ألف جنيه في حالة الصحيفة اليومية ومائة ألف جنيه في حالة الصحيفة الأسبوعية، وفي الحالتين يتعين أن يودع المبالغ بالكامل في أحد البنوك المصرية قبل صدور الصحيفة. ومما تجدر ملاحظته أنه لا تسري على التعاونيات، دون الشركات، والقيود الخاصة بقيمة الحد الأدنى لرأس المال المدفوع، ونصاب الفرد وعائلته؛ لأن صياغة المادة 19 تنصرف في هذا المجال إلى الشركة دون التعاونيات ومن ثم فمن المستطاع الالتجاء إليها لتفادي بعض القيود التي قصدها المشرع

وذلك في الحدود وبالأوضاع التي يقضي بها قانون التعاونيات1. ومع هذا، فالواقع أن الحدود الدنيا لرأس المال التي وضعها المشرع اعتقادًا منه بأنها قد تكون عاملًا يضمن الجدية لا تحقق الغرض المستهدف؛ لأن الاستثمارات الصحفية الجادة المؤثرة تقدر ابتداء بالملايين ولا تكفي فيها مئات الألوف من الجنيهات. والصحف القومية وقد عرفها القانون بأنها تلك التي كان يمتلكها الاتحاد الاشتراكي بعد أن أضاف إليها القانون الجديد وكالة أنباء الشرق الأوسط والشركة القومية للتوزيع، ومجلة أكتوبر، أفرد لها المشرع الباب الثالث، وإضافة مجلة أكتوبر فيها شيء من التزيد؛ لأنها تصدر عن مؤسسة صحفية كانت مملوكة للاتحاد الاشتراكي هي دار المعارف، أما إضافة وكالة أنباء الشرق الأوسط والشركة القومية للتوزيع، فأمر يضيف تعقيدات جديدة نتيجة لتحول وضعها القانوني إلى الوضع الجديد وما سوف يترتب عليه من أعباء مالية على ميزانية الدولة دون مقتضى، ويبدو أن إضافة الشركة الأخيرة إلى قائمة المؤسسات الصحفية جاء نتيجة لاعتبارات غير موضوعية. وإذا كان المشرع قد ألغى حصة العاملين في ملكية المؤسسات الصحفية، فإنه قد أبقى على حصتهم في الأرباح كما جاءت في قانون سنة 1960 وفي مشروع تقنين الصحافة بموجب المادة 24 التي خصصت نصف أرباح المؤسسات الصحفية القومية للعاملين بها والنصف الآخر لمشروعات التوسع والتجديدات وغيرها، وترك لمجلس الصحافة الأعلى وضع القواعد المنظمة لإدارة هذه المؤسسات، بإعداد ميزانياتها السنوية وكيفية توزيع الأرباح. أفرد القانون الفصلين الثاني والثالث من الباب الثالث لإدارة المؤسسة الصحفية القومية، فأنشأ لكل مؤسسة مجلس إدارة يتكون من أربعة عشر

_ 1 القانون رقم122 لسنة 1980 بإصدار قانون التعاون الزراعي، أول يولية 1980 للعدد 27 تابع من الجريدة الرسمية، 3 يولية 1980.

عضوًا بجانب الرئيس الذي يختاره مجلس الشورى مع ثمانية أعضاء يشترط أن يكون أربعة منهم على الأقل من ذات المؤسسة دون اشتراط مدة بذاتها يكون قد قضاها العضو في ذات المؤسسة على النحو الذي جاء به في حالة عضو الجمعية العمومية في مشروع قانون التقنين، والستة الباقون ينتخبهم العاملون بالمؤسسة على أساس أن يمثل اثنان كل فئة من فئات العاملين الثلاث: الصحفيين، والإداريين، والعمال .. وتكون مدة عضوية المجلس أربع سنوات قابلة للتجديد، وتكون العضوية مقصورة على مجلس إدارة واحد. ولأول مرة في تاريخ الصحافة المصرية يظهر مجلس التحرير كهيئة يحتم القانون وجودها بصورة رسمية، ذلك أن بعض المؤسسات الصحفية كانت قد أدخلت هذا النظام طواعية1، وجاء قانون سلطة الصحافة فقضى أن يكون لكل صحيفة من الصحف التي تصدرها المؤسسات الصحفية القومية مجلس تحرير مكون من خمسة أعضاء على الأقل يختار مجلس الإدارة أربعة يكون من بينهم من يلي رئيس التحرير في مسئولية العمل الصحفي، ويختار مجلس الشورى رئيس التحرير في مسئولية العمل الصحفي، ويختار مجلس الشورى رئيس التحرير الذي يتولى أيضًا رئاسة هذا المجلس، وعضوية هذا المجلس ثلاثة سنوات قابلة للتجديد. ويتولى هذا المجلس وضع السياسة العامة للتحرير ويتابع تنفيذها وذلك في إطار السياسة العامة التي يضعها مجلس إدارة المؤسسة، ويكون التنفيذ من اختصاص رئيس التحرير ومعاونيه، وتتعدد مجالس التحرير، في المؤسسة الواحدة، بتعدد الصحف التي تصدر عنها وفد يقضي هذا الوضع إلى غيبة التنسيق بين سياسات تحرير صحف المؤسسة في حالة اختيار رئيس مجلس الإدارة من غير رجال التحرير وهو الأمر الذي يبدو أن الاتجاه إليه على نحو ما سنفصله فيما بعد. ولكل مؤسسة صحفية جمعية عمومية، تشكل من خمسة وثلاثين عضوًا،

_ 1 كانت مؤسسة أخبار اليوم أول من أدخل هذه التجربة.

تنتخب كل فئة من فئات العاملين بالمؤسسة "العمال والإداريين والصحفيين" خمسة ممن تكون لهم خبرة في أعمال الصحافة لمدة خمس سنوات على الأقل، والمدة على هذا الوضع، لا يشترط أن تكون في المؤسسة نفسها ولا يشترط أن تكون متصلة، والعشرون الباقون يختارهم مجلس الشورى "من الكتاب أو المهتمين بشئون الفكر والثقافة والصحافة والإعلام" وأول ما يلاحظ على صياغة هذه العبارة أنها تفسر بأن المشرع جعل الخيار بين الفريقين الأول ويضم الكتاب والثاني ويضم المهتمين بشئون الفكر والثقافة والصحافة والإعلام مع أن نية المشرع لا يمكن أن تكون قد انصرفت إلى هذا الخيار، بل إلى اختيار العشرين من الكتاب والمهتمين بشئون الفكر والثقافة والصحافة والإعلام وثمة ما يقال في هذا الصدد، ألا يندرج الكتاب تحت المهتمين بشئون الفكر وألا تندرج الصحافة تحت الإعلام. وواضح من المادة "30" التي عددت اختصاصات الجمعية العمومية على سبيل الحصر؛ أنها لا تختص بشئون التحرير. أما اختصاص مجلس الإدارة بالسياسة التحريرية، فأمر يظهر من المادة "34" التي يجري نصها: "يضع مجلس التحرير السياسة العامة للتحرير ويتابع تنفيذها وذلك في إطار السياسة العامة التي يضعها مجلس إدارة المؤسسة، ويكون تنفيذ تلك السياسة من اختصاص رئيس التحرير ومعاونيه". والسياسة العامة تتضمن، فيما تتضمنه، والسياسة التحريرية، فالعصر الذي كان يستقل فيه صانع القرار التحريري عن صانع القرار الإداري قد انقضى، وأصبح من الضروري إذا أريد النجاح للمنشأة الصحفية، أن يدرك المحرر المشاكل الأساسية لكافة نواحي الإدارة الصحفية، فهو لا بد من أن يدرك مثلًا إدراكًا تامًا علاقة الإعلانات بالإدارات الأخرى، كما يدرك مشاكل النواحي الطباعية، والنواحي التوزيعية، ولم يعد من الممكن، وقد بلغت صناعة الصحافة هذه الدرجة من التقدم والتعقيد، آن يعمل المحرر بعيدًا عن الإدارة وأن يعمل رجل الإدارة بعيدًا عن التحرير، فقرار رئيس التحرير

يؤثر، ولا ريب، في كافة نواحي المؤسسة ومن ثم فيجب عليه أن يعي تمامًا ما يدور في الإدارات الأخرى، والإدارة الصحفية يجب أن تلم كذلك إلمامًا كبيرًا بما يدور في الإدارة التحريرية، ولا أحد ينكر مدى تأثر التحرير بالقرارات التي تصدرها الإدارة الصحفية تأثرًا بالغًا وبخاصة في عصر أصبح فيه جميع العاملين بالمؤسسات الصحفية القومية إجراء بعد أن زال العهد الذي كان فيه رجال التحرير هم الملاك وهو وضع كان يخول لهم حق إصدار القرار. لم يعالج المشرع في وضوح مسألتين: الأولى تتعلق بوظيفة رئيس مجلس الإدارة والثانية تخص وظيفة العضو المنتدب من ناحية علاقة كل منهما بالمؤسسة ومن ناحية علاقة شاغل كل منهما بالآخر، فكل ما جاء في القانون في شأن مجلس الإدارة ورد بالمادة الواحدة والثلاثين وهي تتناول طريقة أعضاء المجلس ورئيسه فقضت في الفقرة الأولى أن اختياره يتم، مع بعض الأعضاء، بواسطة مجلس الشورى. أما وظيفة عضو مجلس الإدارة المنتدب فلم يرد لها ذكر في القانون على الإطلاق كما لم يرد لها ذكر في اللائحة التنفيذية، والمشرع على هذا النحو لم يفصح عن نيته فيما يتعلق بنوعية مجلس الإدارة وباختصاصاته، وهذا أمر له أهميته وبخاصة في المؤسسات الصحفية، ذلك أن العادة قد جرت، كما ألمحنا من قبل، في العقدين الأخيرين على اختيار رؤساء مجالس إدارة تلك المؤسسات من رجال التحرير دون استثناء "فيما عدا تجربة الأهرام التي تمت في أوائل سنة 1980 تأثرًا -على ما أعتقد- بما ناديت به1، وقد أفضى هذا الوضع في المؤسسات الصحفية القومية فيما عدا مؤسسة الأهرام لأسباب ترد إلى مركز رئيس مجلس إدارتها الأسبق، الذي اكتسبه لاعتبارات ذاتية بحتة

_ 1 يرجع إلى كتاب إدارة الصحف الهيئة العامة للكتاب، 1974، القاهرة "نفد".

من علاقته برئيس الدولة الأسبق إلى قيام بعض المنازعات بين رئيس مجلس الإدارة وبين العضو المنتدب حول اختصاصات كل منهما وسلطاته. وساعد على نشوب هذه المنازعات تفاوت درجات كفاءة بعض رؤساء المجالس وكفاءة الأعضاء المنتدبين من الناحية الإدارية والتحريرية وفهم كل فريق منهم لمهام وظيفته ووظيفة الفريق الآخر، والواقع من الأمر أن وظيفة العضو المنتدب لم يعد لها محل بعد أن آلت ملكية هذه المؤسسات إلى الدولة كما لم يعد لها محل منذ أمد طويل في القطاع العام، وأصبحت طبيعة ملكية الدولة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، تأبى استمرار بقاء هذه الوظيفة. فعضو مجلس الإدارة المنتدب، كما يفهم من مدلولها، هو شخص ينتدبه مجلس الإدارة من بين أعضائه ليتولى إدارة المؤسسة نيابة عن المجلس ومن ثم يكون مسئولًا أمامه وهو أمر لم يحدث في تاريخ الصحافة المصرية خلال العقدين الأخيرين نتيجة لتغير ملكية هذه المؤسسات وانتقالها إلى الاتحاد الاشتراكي ثم إلى الدولة بعد ذلك بموجب القانون الجديد. وكان من أمر ذلك أن ادعى معظم الأعضاء المنتدبين أن سلطاتهم موازية لسلطات رؤساء مجالس الإدارة ولكن في المجالات المالية والإدارية، وإن دل هذا على شيء، فعلى أن القواعد الإدارية السليمة التي تقضي بأن تكون للمنشأة رأس واحدة مسئولة عنها قد غابت عن بعض الأعضاء المنتدبين وعن رجال الاتحاد الاشتراكي، ومن ثم صح على المؤسسة الصحفية المثل الإنجليزي القائل بأنها "تركب حصانين في آن واحد" مما ينتهي بها إلى التمزق. ومن مظاهر هذا الوضع الخلافات التي غالبًا ما ثارت بين بعض رؤساء مجالس الإدارة وبين بعض الأعضاء المنتدبين، والخلط الإداري الذي ساد كل المؤسسات الصحفية في العقدين الأخيرين، فواحدة كان لها مدير عام فقط وأخرى كان لها عضو منتدب فقط، وثالثة جمع واحد بين الوظيفتين، ورابعة تجمع المؤسسة الواحدة بين المدير العام والعضو المنتدب، وخامسة يجمع شخص واحد بين اختصاصات رئيس مجلس الإدارة واختصاصات العضو

المنتدب وهكذا فكان إذا برم رئيس المجلس بالعضو المنتدب وضاق به ذرعًا طلب إضافة اختصاصه إليه بصفته رئيس المجلس مع أن كفاءته لا تسعفه في مجال الإدارة والمال. ويبدو أن الاتجاه إلى اختيار رئيس مجلس الإدارة من غير رجال التحرير هو اتجاه مسيطر، واتباعه يؤدي حتمًا إلى ضرورة إلغاء منصب عضو مجلس الإدارة المنتدب، ولكن تبرز هنا مسألة مهمة وإن بدت في ظاهرها شكلية، ذلك أن إطلاق لقب رئيس مجلس الإدارة على منصب الشخص المسئول عن النواحي الإدارية والمالية هو من قبيل تحميل الألفاظ أكثر مما ينبغي أن تتحمل ويبدو أن لحقه "التضخم" كالأسعار وأدى ذلك إلى الهبوط بقيمته كما حدث للنقد تمامًا. إن في العودة إلى الأساليب السليمة التي تواكب الواقع والحقيقة، تجعل من المنصب شيئًا يتفق تمامًا مع مقتضياته العلمية ويؤدي إلى السير في طريق لا بد من أن تنتهي بالحل السليم، وفي بساطة إدارية تامة ينبغي ألا يتعدى جهاز الإدارة العليا في المؤسسة الصحفية: رئيس تحرير يعاونه مجلس التحرير، ومدير عام يعاونه مجلس المديرين ويتوج هؤلاء جميعًا مجلس الإدارة ترأسه شخصية أخرى لها وزن اجتماعي وسياسي أكبر، ويتوفر له صفات تتلاءم مع طبيعة عمله التي تختلف تمامًا عن طبيعة عمل رئيس التحرير وعمل المدير العام ولكن واضعي القانون قد جانبهم الصواب عندما لم يفيدوا من تجربة الصحافة المصرية في العقدين الأخيرين في هذه المجال، كما لم يفيدوا من تجارب الدولة الأخرى. وثمة مسألة أهميتها من أنه لم يسبق أن عالجها أي قانون من قوانين الصحافة ألا وهي سن التقاعد، فقد مرت مسألة التعاقد بأدوار مختلفة بعد أن ظلت المؤسسات الصحفية لمدة طويلة لا تتقيد بأي سن للتقاعد استمرارًا لما كان يجري عليه العمل فيها قبل قانون التنظيم، ثم تفاوتت السن فحددتها

لوائح بعض المؤسسات بخمسة وستين عامًا وحددها البعض الآخر بستين تماشيًا مع السن التي حددها قانون التأمينات الاجتماعية. وعلى الحالين لم تكن تطبق سن التقاعد على الصحفيين إلا في حالات نادرة وكانت تستخدم وسيلة من وسائل الثواب والعقاب، وكان التجديد يتم مرة بقرار من مجلس الإدارة، وتارة بقرار العضو المنتدب وتارة أخرى بقرار من رئيس المجلس، وترتيبًا على ذلك يكون المشرع قد حالفه الصواب عندما وضع قواعد سن التقاعد بموجب المادة 28 ويجري نصها كالآتي: "يكون سن التقاعد بالنسبة للعاملين في المؤسسات الصحفية القومية من صحفيين وإداريين وعمال، ستين عامًا، ويجوز للمجلس الأعلى للصحافة بتوصية من مجلس إدارة المؤسسة مد السن سنة فسنة حتى سن الخامسة والستين، على أنه لا يجوز أن يبقى في منصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية أو عضويته أو في منصب رؤساء تحرير الصحف القومية أو عضوية مجالس التحرير بها من بلغت سنة ستين عامًا". والواقع أنه لا يوجد ما يبرر معاملة رؤساء التحرير فيما يتعلق بسن التقاعد معاملة أقل من سواهم، فطبيعة منصب رئيس التحرير تقضي، على العكس من ذلك، إفساح المجال أمام الكفء منهم حتى سن السبعين لا سنة فسنة بل على دفعتين كل منهما خمس سنوات إن لم يكن دفعة واحدة قدرها عشر سنوات، وإن كان الأفضل عدم تحديد سن لتقاعده. فإذا كان من اليسير وجود كثرة من رجال الإدارة الصحفية على اختلاف مسمياتهم فمن العسير العثور على بديل لرئيس التحرير الكفء الذي يكون قد تم نضجه واكتسب خبرة وتجربة في معالجة الأمور وتستند إلى تاريخ طويل عريض حافل بكل أنواع الثقافة والمعرفة، ورؤساء التحرير يتطلب تكوينهم وقتًا قد يطول مع خلفية لا تتوفر للكثيرين، وإذا قيل: إن حظر التجديد بعد الستين لرئيس التحرير يجيء على المنصب، فهناك فرق بين مزاولة الكتابة فحسب وبين مزاولة وظائف رئيس التحرير الأخرى، وينصرف هذا القول

أيضًا إلى من يتجاوز الخامسة والستين من الكتاب، فشباب القلم وشيخوخته أمران لا يتواكبان بالضرورة مع العمر، فكم من شباب هرمت أقلامهم قبل الأوان ولحقتهم الشيخوخة المبكرة، وكم من شيوخ ما زالت أقلامهم في ريعان شبابها والأمثلة كثيرة ليس عن الصحافة المصرية فحسب بل من الصحافة العالمية أيضًا. إن هذه المادة سلاح ذو حدين إذا أحسن استخدامه، أفادت منه الصحافة الكثير وإلا لحقتها أضرار جمة، فالتجديد ينبغي أن يكون بمعايير انتقائية يجب أن يتنبه إليها مجلس الصحافة الأعلى، ومن هذا المنطلق يتعين التحرر في الالتجاء إلى فكرة المستشارين، وإلا فسوف تصبح المؤسسات الصحفية القومية لا تعرف من يكون مستشارًا لمن. ونختم البحث بمجلس الصحافة الأعلى باعتباره الهيئة التي تهيمن على الصحافة المصرية كلها: الحزبية، والمستقلة، والقومية من كافة نواحيها المختلفة التحريرية والإدارية، فقد أعطاه القانون سلطات واسعة في الجوانب الإعلانية، والطباعية، والتوزيعية من الناحيتين المالية والإدارية، ويكفي للتدليل على ذلك أن المشرع نقل إلى هذا المجلس جميع الاختصاصات التي كان مخولة، في شأن الصحافة، للاتحاد الاشتراكي العربي وتنظيماته، والوزير القائم على شئون الإعلام، والمنصوص عليها في القانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين وذلك بالإضافة إلى تحديد حصص الورق والإشراف على شرائه، وتحديد أسعار الصحف، وتحديد أسعار مساحات الإعلانات للحكومة والقطاع العام بما لا يخل بحق القارئ في المساحة التحريرية "وفقًا للعرف الدولي" على حد ما جاء في القانون وضمان حد أدنى مناسب لأجور الصحفيين والعاملين بالمؤسسات الصحفية بجانب صندوق دعم الصحف الذي رخص قانون سلطة الصحافة بإنشائه لدعم الصحافة المصرية وتنميتها وتطويرها ومدها إقليميًّا فضلًا عن الاختصاصات الأخرى المنصوص عليها في الفصل الثاني من الباب الرابع.

والواقع أنه كان ينبغي على المشرع ومصر تنتهج سياسة الانفتاح الاقتصادي ألا يقحم مجلس الصحافة الأعلى على تفصيلات اقتصاديات الصحافة التي أصبحت صناعة ضخمة لا يقدر على رسم سياستها وتنفيذها، وعلى تنظيمها وإدارتها، إلا أناسًا تمرسوا بها علمًا وعملًا، أناسًا يعرفون دقائقها وخصائصها ووسائل تحقيق أهدافها بأقل تكلفة اقتصادية للصناعة ذاتها وللمجتمع وكان على المشرع أن يقصر دور المجلس في الإدارة الصحفية على الكليات، غير أن المشرع أن يقصر دون المجلس في الإدارة الصحفية تاركًا تلك الكليات على ما لها من أهمية بالغة، وبرغم إهمالها يوم أن كان الاتحاد الاشتراكي العربي يمتلك الصحافة، وكان غيابه هو العامل الذي انحدر بالإدارة الصحفية إلى ما وصلت إليه الآن: غياب يكاد يكون تامًّا لكل عناصر العمل الصحفي المشترك الذي بدونه، والعالم في منعطف القرن العشرين، لا يمكن لصناعة تستمد قوتها الاقتصادية من طبيعتها التي لا تسمح له بالتجزئة أن تنمو وتتقدم. ويخطئ من يعتقد أن هناك انفصالًا بين الإدارة الصحفية وحرية الصحافة فالعصر الذي كان يستطيع فيه التحرير الانفراد بالسيطرة على المنشآت الصحفية وتقوم كل واحدة من أجهزة الإعلانات، والمطابع والتوزيع بدورها فيها بمنأى عن الأخرى عصر قد انقضى. ولم يعد هناك مجال لانقسام المنشأة الصحفية إلى أجهزة متنافرة تعتبر كل واحدة منها وحدة منفصلة عن الأجهزة الأخرى، تعمل في واد وتعمل الأخرى في واد آخر، وأصبح لزامًا أن يحل محل ذلك التعاون والتناسق حتى يمكن للصحيفة أن تبقى وتؤدي رسالتها على الصعيد الإقليمي وعلى الصعيد القومي. ومن أجل هذا كله وجدت الإدارة الصحفية لكي تجمع شمل هذه النواحي المختلفة حتى تكون منها كيانًا واحدًا يستطيع أن يحقق الأهداف التي قامت الصحيفة من أجلها لخدمة المجتمع ممثلًا في هيئة مستهلكين ومعلنين، حكومة وأفرادًا، مشترين وبائعين، وما شاكل ذلك من مجموعات متكاملة.

والإدارة الصحفية بهذا المعنى، هي الهيئة التي تهيمن على نواحي النشاط الإعلاني والطباعي والتوزيعي لكل تجعل من العمل التحريري مادة تباع إلى مشتريها بثمن يغطي مصروفات إصدارها، ويحقق ربحًا جزيلًا لأصحاب رأس المال سواء كانوا مستثمرين عاديين كما هو الوضع في البلاد الرأسمالية أو عمالًا يسهمون بعملهم كجزء من رأس المال كما هو الحال في المؤسسات الصحفية القومية، فالعاملون فيها يشتركون في الأرباح بحق النصف مما ينهض سببًا لاعتبارهم شركاء في المؤسسة. وما أحسب المشرع إلا متوخيًا من إصدار هذا القانون المصلحة العامة التي لا يمكن أن تتحقق إلا بواسطة مجلس أعلى للصحافة يجب أن يلتزم تنظيمه منهجًا علميًّا وأن يستبعد تمامًا المنهج الذي التزمه مجلس الصحافة الأعلى القديم حتى لا يؤول في النهاية مصير أقوى مؤسسات صحفية في مصر إلى هيئة مكتب مجلس الصحافة الأعلى المكونة من الرئيس والوكيلين والأمين العام والمساعد نتيجة لعدم تفرغ أعضاء المجلس نفسه. وإذا كان لي أن أعقب على هذه الدراسة التي نقلتها كما هي من كتاب الدكتور صليب بطرس عن "الصحافة في عقدين" فإن رأيي يختلف معه بعض الشيء في نقده للقوانين واللوائح التي سجلها. أولًا: إن الصحافة لا يمكن أن تكون "سلطة" لأن السلطة تقتضي وجود قوة مادية في خدمة هذه السلطة، فالصحافة رسالة اجتماعية للتوجيه والنقد وحراسة القيم، وسلطاتها تنحصر في القلم الذي علم الله به الناس ما لا يعلمون. ثانيًا: إن الصحف التي يطلقون عليها لفظ "القومية" هي في الواقع أصبحت -بعد هذا الفيض من القوانين- صحفًا حزبية تملكها السلطة وتجري في فلكها، وتعمل لحساب الحكومة وتدافع عن تصرفاتها، وهذا أمر لا يحتاج إلى دليل أو برهان بل كل ينشر فيها يدل ويبرهن على أنها ألسنة للحكومة، ولا مراء في تبعيتها لها إذ إن المشرف عليها مجلس الشورى،

ومجلس الشورى 99% من أعضائه أعضاء في حزب الحكومة. ثالثًا: إن جميع القوانين التي صدرت بشأن الصحافة منذ سنة 1960 إلى اليوم تتجه إلى تقييد حرية الصحافة وحرية العاملين فيها، ومن لا ينصاع للتوجيه النازل إليه من "فوق" ينقل إلى غير مجاله أو يلزم بيته ليتلقى راتبه المرموق أول كل شهر بلا عمل يؤديه. رابعًا: إن الصحافة مهنة حرة كالمحاماة، يجب أن تنحصر رقابتها في هيئة من العاملين فيها وهي موجودة من عشرات السنين تحت اسم نقابة الصحفيين وهي الكفيلة بتأديب وتبكيت من يخرج على شرف المهنة من الصحفيين. خامسًا: إن القوانين التي صدرت حدت من وجود كفاءات جديدة وحدت من إبداع الكفايات القديمة؛ لأن العمل داخل إطار محدود وفي جو من قوانين رادعة على أتفه الأسباب، تجعل الأفكار النيرة تخبو وتنشد السلامة فلا تغامر برأي سديد أو فكر رشيد. سادسًا: إن اعتبار الصحفيين في صحف الحكومة موظفين كسائر موظفي الدولة بجعل تقاعسهم ملحوظًا في أداء الواجب، أسوة بما هو مشهود ومعروف في الدواوين والوزارات، وآية ذلك أن مئات من الصحفيين الذين يعملون في دار أخبار اليوم والأهرام وغيرها لا يناطون بعمل وإن كان رزقهم بالراتب موصول. إن الصحافة لم تكن حرة قط إلا في أيدي الأفراد والجماعات، وإن خشي المسئولون أن تكون عامل ابتزاز ويغري أصحابها متاع الدنيا فيمكن مراقبة مصادرها المالية فلا تشتري ذمتها هيئة أجنبية أو ينحرف بها فيض الإعلانات، وإن حدث شيء من هذا حق عليها العقاب بالوقف أو الإغلاق، وحق على المسئولين عنها المؤاخذة بالسجن أو الإعدام. أما تحويل الصحافة بالقانون إلى مؤسسات تتبع الدولة فلن تكون في ضمير الشعب إلا وريقات رسمية تشبه الوقائع المصرية في أحسن الظروف، ونادرًا ما كانت الوقائع صحيفة رأي أو منارة من المنارات.

الصحافة الفرنجية في مصر

الصحافة الفرنجية في مصر: تبدأ الصحافة الأجنبية في مصر بالاحتلال الفرنسي للديار المصرية في سنة 1798 وقد نقلت الحملة الفرنسية معها عدة مطابع ونشرت صحيفتين إحداهما صحيفة إخبارية سميت "كورييه دو ليجبت Courrier de I Egypte صدرت في 29 أغسطس 1798 في حجم كتاب وسط من أربع صفحات، وأما الثانية فتسمى "لاديكاد إجيبسيان La Decade Egyptienne وقد تخصصت لنشر بحوث أعضاء المجمع العلمي المصري ودراساتهم للبيئة المصرية في نواحيها الأدبية والتاريخية والاقتصادية، وتعتبر هاتان الصحيفتان أقدم الصحف الأجنبية في مصر. وقد انتهى تاريخ هاتين الصحيفتين بانقضاء الحملة وخروجها في مصر في سنة 1801 وبقيت مصر خلوًا من الصحافة الأجنبية زهاء ثلاثين عامًا حتى فكر محمدعلي في صحيفة فرنجية تؤنس الوقائع المصرية في وحشتها، ولم يكن تفكيره هذا غرضًا من أغراض الحكومة المباشرة، فهو لم ينشئ "لو مونيتور إجبسيان Le Moniteur Egyptien في سنة 1833 بل أعان أصحابها بالرعاية المادية والأدبية كما يقول جون باورنج " J. Bowring" في تقريره عن مصر في تلك السنة1. ولم تتصل عناية محمد علي بـ "لو مونيتور إجبسيان" فاختفت بعد بضعة شهور، ولم يحاول هذه المحاولة مرة أخرى كما لم يحاولها خلفاؤه الثلاثة، ولكن الجاليات الأجنبية قد اشتد ساعدها في مصر بين تاجر وعامل وموظف فصدرت لها اثنتا عشرة جريدة، ثلاث إيطاليات وتسع فرنسيات، وأكبر

_ 1 راجع هذا الموضوع في "تاريخ الوقائع المصرية 1828 - 1942" للمؤلف.

الظن أن الجاليات الأجنبية كانت من القلة بحيث لم تحتمل هذه الصحف جميعًا، وأكثرها صدرت مرات قليلة ثم اختفت ثم عادة إلى الحياة في ظروف أكثر ملاءمة، وقد صدرت في سنوات متفرقة بين سنة 1846 و1862، وقد نشرت هذه الصحف في ظروف لا يضبطها ضابط من قانون للمطبوعات أو الصحافة، وإن أثبتت الوثائق في عهد سعيد أن إنشاءها كان معلقًا على موافقة الأمير و"على شرط أن لا تتجاوز فيما تنشره قوانين الدولة العلية وأن لا تذكر أي شيء ضد الحكومة المحلية"1. وقد صدرت هذه الصحف جميعًا في مدينة الإسكندرية حيث كان النشاط التجاري والصناعي في أوجه، وحيث كانت كثرة الجاليات الأجنبية تعيش، وقد تميزت هذه الصحف كلها ببعض المميزات، فهي صحف تبحث في التجارة وتنشر أخبارها وأخبار البورصة خاصة واستتبع ذلك كثرة الإعلانات فيها حتى أن بعضها كان تستغرقه هذه الإعلانات، وعنيت هذه الصحف عناية واضحة بالسفن الداخلة لميناء الإسكندرية والخارجة منه، وفصلت ما حملته من الأشياء في الذهاب والإياب، ثم تباينت هذه الصحف في سياستها العامة وموضوعاتها الداخلية والخارجية. ومن الأمثلة أن "لوسبتاتوري أجيزيانو Lo Spettatore Egiziano" كانت أظهر هذه الصحف عناية بالآداب والاجتماعيات كما كانت أمتع الصحف من حيث قدرتها على إرضاء قرائها، فهي تنشر لهم القصص الأدبي الرائع نقلًا عن الآداب الأوربية المختلفة، واهتمت غيرها بالمسائل الشرقية ووقفت صفحاتها على أمور الشرق ومشكلاته، واتخذت صحف عديدة أخبار الدولة التي تتبعها موضوعًا لها فكانت "ليكو دي إجيتو L Eco Di Egitto" تتحدث في جميع أعدادها عن إيطاليا وأخبارها كما شغلت صفحاتها بأحوال الإيطاليين في مصر وبأخبارهم المختلفة وجعلت ذلك غاية في غاياتها وقلما كانت تعني بالمسائل المصرية

_ 1 محفوظات عابدين، وثيقة رقم31، سجل 525، معية تركي قسم ثان، ص146.

وفي عهد سعيد باشا أنشيء المجمع العلمي المصري وفرض إنشاؤه إصدار جريدة تكون سجلًا له وهو وصل ما انقطع من الحملة الفرنسية، إذ كان هذا المجمع صدى للمجمع القديم حتى كان أكثر أعضائه من الفرنسيين، وحلت مجلة "المجمع المصري Bulletin de L Institut Egyptien" محل "لاديكاد إجبسين" في تسجيل الموضوعات التي أقرها المجمع أو في نشر بعض المذكرات التي تتصل بشئون مصر المختلفة. كانت الصحف الفرنجية إلى عهد سعيد باشا صحف إعلان، زخرت صفحاتها بالإعلانات المختلفة، وضمت مقالًا أو مقالين وبضعة أخبار لا تغني أضأل الصحف المعاصرة لنا، ولم تكن هناك صحف رأي أو صحف أخبار؛ لأن الظروف كان تأبى الرأي الحر ولا تحتمل الملاحظة والنقد، ولذلك كان الجرائد في معظمها جرائد أسبوعية ففقدت "صفة الخبرية" فيها، أما عصر إسماعيل فقد امتاز بصحافة الرأي فيه امتيازًا ملحوظًا سواء منها ما كتب له أو ضده. وقد حمل لواء هذه الصحافة الجديدة جريدة "لو بروجريه إجبسيان" " Le Progres Egyptien" فقد أخذت تحدثنا عن الظلم والعسف النازلين بالمواطنين وعن تبرم الشعب المصري وسخطه من قسوة حكومته، وهو تبرم كما تقول ملأ حفيظة "جماعة كبيرة من الشعب من الباشاوات ومن رجال الدين وأن احترام الحكومة لم يعد على غراره الأول" وتمضي "لوبروجريه إجبسيان" ناشرة أسوأ الأخبار المتصلة بالحكومة فتقول في 6 - و15 - سبتمبر سنة 1869 "إنه ألصق في هذا الأسبوع خفية على جدران المدينة -الإسكندرية- إعلانات عدائية لسمو الخديوي وهي عبارة عن شكوى مرفوعة إلى السلطان باسم 114 من عيون تجار القاهرة والأرياف المصريين" وقد كان دأب الجريدة الإساءة إلى أصحاب الحظوة عند الخديوي من الأتراك "هذه الأقلية التركية التي تحكم وتنظم وتشغل جميع الوظائف وتضع الميزانية، لن تستطيع

التغلب على أكثرية المصريين التي تفلح الأرض وتدفع الضرائب وتسخر وتعطي ما لها وعرف جبينها للدولة". وقد كيل لـ "لوبروجريه إجبسيان" من الحكومة بالقدر الذي كالت به لها، إذ صدر قرار من نظارة الخارجية المصرية في يوم 12 أبريل سنة 1870 بتعطيلها شهرين ابتداء من 16 أبريل؛ وذلك لأنها نشرت مقالين شديدي اللهجة عن الحرية الشخصية في مصر استهلت أولهما بقولها في 12 أبريل سنة 1870 "منذ زمن وهم يظهرون -تقصد رجال الحكومة- احتقارهم للحرية الشخصية فقد تعددت حوادث القبض بلا مسوغ والحبس والحجر بشكل مقلق ولم يرتكب هذا ضد الفلاح والرعايا المحليين فحسب بل ارتكب ضد الأجانب أيضًا وخاصة الفرنسيين منهم" ثم مضت تحمل على الحكومة وتصرفاتها مع الناس ومصادرة حرياتهم قائلة: "إنه من المخجل أن تدعي الصحافة الأوربية بدعوة من الخديوي فتجد الأمن والحرية الشخصية مفقودين". أما مقالها الثاني الذي عوقبت من أجله فعن أزمة بين السلطان وواليه قالت فيه" "إنهم يتحدثون عن أزمة قريبة الوقوع بين السلطان والخديوي ويقررون أن الطريقة التي من شأنها أن تصلح بين الطرفين هي زيارة من الخديوي للقسطنطينية" ثم تعلق على ذلك في 14 يوليه سنة 1870 قائلة: "إنه لبس مجهولًا بأي الطرق يجتنب غضب الباب العالي وبأي الأساليب يكتسب رضاه، إننا لا ننسى الفرمان الأخير وزيادة الضرائب نتيجة لهذا الفرمان، إن الفلاح لم يعتد الشكوى وطرق التعبير عنها وإن سمو الخديوي لم يفكر فيه مطلقًا، وإن الحكومة المصرية لتكون جد مخطئة إذا هي لم تلاحظ ذلك وتحسب حسابًا للآثار التي تتركها هذه الحالة في نفوس رعاياها وخاصة في نفوس الفلاحين، وإن رحلة القسطنطينية في هذا الوقت ستكون بالنسبة لمصر إثقالها بالضرائب وإن الفلاح لم يعد يحتمل هذا الظلم من جديد، لقد استغل فانتزعوا ماله

_ 1 لوبروجريه إجبسيان نقلًا عن صبري في كتابه السابق ص112، ص126، 127.

مرة بعد مرة، لقد حطم بالسخرة التي قضت على عدد لا حصر له من العمال الفلاحين الذين بقيت أراضيهم بلا فلاحة". وقد كان لجريدة "لوبروجريه إجبسيان" مقالات حماسية متصلة أقلقت بال الحكومة المصرية فعمدت إلى إغلاقها وحبس محررها1، ولم يترك هذا الخلاف العميق مع الحكومة صداقة بينها وبين السلطان، بل كانت هذه الجريدة مستقلة حقًّا في آرائها تدافع عن مصر دفاعًا كريمًا فكثيرًا ما جعلت دأبها الرد على جريدة " La Turquie" التي تعبر عن آراء الدوائر الرسمية في القسطنطينية، ومن مواقفها الكريمة المأثورة عنها في هذا الميدان أنها هاجمت تركيا حين أوفدت حسن بك لسمو إسماعيل باشا ليستوضحه كيف يدعو باسمه حكام الغرب وملوكه إلى حفل افتتاح القنال ثم ليستفهم من سموه عن مفاوضاته في حيدة قنال السويس وإمضائه لبعض المعاهدات التجارية دون الرجوع في ذلك كله إلى الباب العالي. ثم ذكرت تهديد السلطان بموقف حاسم قد يطوح بالأسرة العلوية نفسها ثم انبرت "لوبروجريه" للرد على هذه الأخبار التي نشرتها فذكرت "أن هذا التهديد لا يخيف أحدًا ولا محل له إذ إن كل تغيير في مصر ليس من شأن الباب العالي وحده كما أقرت ذلك معاهدة لندره، والباب العالي يتناسى أن أي تغيير في شئون مصر ينبغي أن يؤخذ فيه رأي الأجانب المقيمين في مصر فلا بد من التعرف على ميولهم أمن مصلحتهم أن يلحقوا بالدولة العثمانية مباشرة أم إن مصلحتهم تقتضي البقاء في ظل حكومة مصرية خالصة"2. وقد اعتبر أصحاب الصحف الفرنجية أنفسهم أصحاب حق في مصر لهم ما للمصريين من المزايا وإن لم تفرض عليهم التزامات الوطنيين، وذلك وضع لا يناله في سائر الأقطار العثمانية، لذلك كانوا أول من نادى بفصل مصر

_ 1 L Impartial D Egypte في 17 مارس 1869 وفيه تقص تاريخ لو بروجريه إجبسيان. 2 لوبروجريه إجبسيان في يوليو 1869.

عن تركيا وإن اختلفوا فيما بينهم نحو الحكومة المصرية، فالمسيو نيكولو " Nicoullaud" محرر "النيل Le Nill" 1 يقود الصحافة الأجنبية في الحملة على تركيا وصحيفتها الرسمية ويرد هجماتها على الخديوي، فهو يتفق مع محرر "لو بروجريه" في هذه الناحية ويختلف معه في النظر إلى الخديوي إسماعيل وحكومته2 وكان بين الصحف الفرنجية المصرية التي تتفق مع جريدة "لو بروجريه" من حيث التفكير في فصل مصر عن تركيا واعتبارها كمًّا قائمًا بذاته جريدة "لامبرسيال ديجبت L lmpartial d Egypte" وكتب في ذلك المسيو موريه " Moures" في صدر افتتاحية العدد الأول عن خطة جريدته "ستسعى لتحقيق حرية هذا البلد الذي نسكنه، وستعمل بهمة على أن تستقل مصر بمسائلها عن تركيا وتسير نحو التقدم بخطى فساح بقدر ما تبتعد عنه تركيا بنفس الخطى، نعمل في كلمة على التفريق بين آراء البلدين وأملهما ونظامهما الدستوري"3. ومن الصحف التي شغلت الرأي العام في مصر وخاصة رأي الأجانب فيها على أصح تعبير، جريدة " L ndependant" فهي إلى جانب حملتها المتصلة على القنصل الفرنسي وتمثيلها للمتطرفين من الفرنسيين النازلين في مصر كانت تحمل في شدة وعنف على الحكومة المصرية وخديوها، فكتب شريف باشا يشكوا أمرها إلى القنصل في 20 يناير فانعقدت المحكمة القنصلية وأصدرت أمرًا يقضي بمصادرة الجريدة وغلق مطبعتها وسجن محررها عامًا كاملًا4. وكانت جريدة "ليجبت L Egypte" وقد صدرت في أوائل عهد إسماعيل سنة 1863، على رأس الجرائد المعارضة للخديوي حتى أن أحمد خيري بك فرض في برنامجه "للوقائع المصرية" في 25 نوفمبر سنة 1865 أن تتولى

_ 1 Douin Histoire du Regne du Khedive Ismail t. Ip.255 2 المصدر السابق، ج2، ص314. 3 لامبرسيال ديجبت، العدد الأول، مارس 1869. 4 محفوظات عابدين خطاب رقم23، 5/ 44 Doss.

الجريدة الرسمية الرد على مفتريات "ليجبت" ولم تستمر ليجبت خصيمة للخديوي وحكومته فترة طويلة إذ استطاع الأمير أن يمضي مع ناشرها المسيو "أنطوان موريس" اتفاقًا لمدة خمس سنوات تطبع فيها الجريدة على ذمة الحكومة المصرية1 وهكذا أصبحت جريدة "ليجبت" بذلك الاتفاق صحيفة حكومية خالصة ربطت لها الحكومة المصرية ميزانية قدرها حوالي ألف وثلاثمائة جنيه مصري في عام2 ثم نقلتها إلى القاهرة في سنة 1866 وهيأت لها عمالًا جددًا3 وتركت لها حرية التفكير وإن عالجت أمورها كالصحف الأخرى، فقد نشرت الجريدة خبرًا غريبًا عن تعيين ناظر الخارجية ومحافظ الإسكندرية فكان جزاءها التعطيل خمسة عشر يومًا، ثم استعملت الدولة حقوقها عليها فعزلت كاتب الخبر من وظيفته في التحرير4 ومضت "لجيبت" جريدة حكومة خالصة حتى أقبل عهد توفيق فكان لها موقف آخر أساءت فيه إلى الدين الإسلامي فأمر بتعطيلها5. وقد تمكن الخديوي إسماعيل بالبذل والعطاء من السيطرة على معظم الصحف الفرنجية في مصر، فقد بدأت "لو فارد الكسندري Le Phare d Alexandrie" كما بدأت "ليجبت" صحيفة معادية له ولحكومته فكانت قاسية أشد القسوة منذ عددها الأول الذي حملت فيه على الوزير نوبار باشا "الذي يسب الفرنسيين وحكومتهم كما اعتاد على ذلك ودأب على احتقارهم" ثم يصفه بأنه "ليس

_ 1 محفوظات عابدين، وثيقة رقم215، دفتر رقم1948 أوامر، ص58. 2 ربطت لها الحكومة مبلغ 690 مليم و1316 جنيه إعانة، "راجع: محفوظات عابدين وثيقة رقم211، محفظة رقم49 معية تركي في 4 جمادي الثانية 1289هـ". 3 محفوظات عابدين، وثيقة رقم 318، محفظة 40 معية تركي في 7 شوال 1283هـ، من محمد حافظ ناظر المالية إلى صاحب السعادة. 4 محفوظات عابدين، وثيقة رقم 361، محفظة 45 معية تركي في 24 ربيع الثاني سنة 1268هـ من الجناب العالي إلى ناظر الداخلية. 5 الوقائع المصرية في 29 نوفمبر 1881.

سياسيًّا وليست عنده حاسة الرجل العمومي ولا يفهم في السياسة شيئًا"1. غير أن هذه القسوة وتلك المعارضة لم يطل أمرهما إذ انضمت إلى الخديوي وأصبحت داعية من دعاته، وكان هذه يكلفه خمسين ألف فرنك كل سنة على أن ترسل هذه الصحيفة إلى دواوين الدولة، ثم عقدت الحكومة مع مديرها المحامي هايكاليس "باشا فيما بعد" اتفاقًا لمدة خمس سنوات ينتهي في 31 ديسمبر سنة "1879"2 بشروط أهمها مناصرة الحكومة في سياستها جميعًا وقد دافعت "لو فارد الكسندري" عن إسماعيل وسياسته بحماسة ظاهرة بيد أنها كانت مكروهة جدًّا من الوطنيين، فقد أرسل مديرها في 23 يوليو سنة 1876 إلى باروت بك سكرتير خاص الخديو يشكو له إحدى المظاهرات التي أخذت تنتقل من شارع إلى شارع حتى بلغت مكتب جريدته، وأخذ المتظاهرون يهتفون بسقوط صحيفته، ويطلب في كتابه إلى سكرتير الخديوي أن يوضح حد لهذه المظاهرات التي تسيء إلى سمعة مصر وإدارتها والتي من شأنها أن تعطي مثلًا سيئًا وخطرًا للمصريين3. استطاع الخديوي إسماعيل بما بذل من جاهه عند قناصل الدول وبما قدم من ماله لأصحاب الصحف الفرنجية وبما طبقه من قوانين الصحافة التركية أحيانًا، استطاع أن يخضع الصحافة الأجنبية في مصر لسلطانه خضوعًا يكاد يكون مطلقًا حتى لم تعد الصحف المعارضة له تقوى على البقاء أو تستمر في الكفاح، وقد لوحظ على هذه الصحافة أنها كان تشتد في لهجتها كلما تحرجت أمور الخديوي ثم تلين قناتها إذا اعتدلت ظروفه واستقامت له الأمور، وقد انقسمت هذه الصحف إلى قسمين، قسم موال على إطلاق هذا المعنى وقسم بين بين، وهي هنا تمثل حقبة مهمة من تاريخ الصحافة الفرنجية المصرية إذ ترتبط نشأة

_ 1 لوفارد الكسندري 4 يونيو 1871. 2 محفوظات عابدين وثيقة 123، دفتر 1، ص62. 3 عابدين 11 - 45. Dossier n.

صحافة الرأي الفرنجية بعصر إسماعيل وكانت قد بدأت حياتها صحافة للإعلان أو التجارة فقط. وتتمثل الصحافة الخبرية الفرنجية في صحيفة، "لو مونيتور إجبسيان" التي نشرت في عهد الخديوي إسماعيل سنة 1874 جريدة "يومية سياسية علمية تجارية وللإعلانات" ومع أنها أعلنت أن صفتها الأولى ستنحصر في المسائل التجارية والعلمية إلا أن صفة الخبرية فيها غلبت صفاتها جميعًا، وهذه الصفة تتميز في الأخبار الرسمية قبل كل شيء ولم يعرف عن "لو مونيتور" أنها صحيفة الحكومة الرسمية إلا في وقت متأخر غير أنها كانت في سنة 1878 واضحة الميول معروفة الصبغة، كانت تومئ في صورتها الصادرة بها إلى أنها جريدة شبه رسمية إذ تميزت بنشر الأوامر واللوائح والقوانين وأعفاها المجلس المخصوص دون الصحف الفرنجية جميعًا من رسوم البريد1، وقد بقيت الجريدة شبه رسمية في السنوات الأولى ثم تغلبت عليها الصفة الرسمية قبيل الاحتلال إلى أن أصبحت جريدة الحكومة الرسمية في يناير سنة "1885"2. أخذت الصحف الفرنجية في مصر تساهم في الحياة السياسية المصرية بقسط له خطره وأثره في الاتجاهات الدولية العامة وأخذت أهمية هذه الصحافة تتركز في جريدتين في نهاية عصر إسماعيل وخلال الثورة العرابية، كانت الجريدة الأولى تمثل الفكرة الفرنسية وهي " La Gazette des Tribunaux" وكانت الثانية وهي " The Egyptian Cazette" صدى الرأي الإنجليزي، وكانت بجانب هاتين الصحيفتين صحف أخرى قليلة الأهمية تنحو نحوها، وإن كانت "لاريفورم La Reforme" الفرنسية تختلف عنهما وتتميز باستقلال الرأي وحرية الفكر. وقد اشتهرت "لاريفورم" في أول الأمر بحملاتها المتصلة على الحركات

_ 1 محفوظات عابدين، وثيقة رقم104 في 5 شوال سنة 1294هـ. 2 راجع "تاريخ الوقائع المصرية" للمؤلف.

السياسة المصرية التي ظهرت في نهاية عهد إسماعيل وكانت كلما اجتمع المصريون على رأي أدخلت في ذهن قرائها أن هذه الوحدة وذلك الإجماع مصدرهما الرعب من الحكم العسكري وشرائه بالعنف واللين ذمم الذوات وضمائر الأعيان1 غير أن "لاريفورم" لا تستمر في خطتها بل تعود مواتية في اعتدال للأماني المصرية فتحمل على الإدارة الأوربية حملة شعواء وتصف رجالها بأقبح الأوصاف وتحمد لها الصحف المصرية هذه المواقف الكريمة2. ثم مثلت "لا جازيت دي تريبينو" الاتجاه القنصلي الفرنسي في شئون السياسة المصرية وأخذت تحمل على الخديوي إسماعيل في كل عدد من أعدادها تقريبًا حملات فيها من قسوة التعبير ما ضجت له الحكومة المصرية، فكتب شريف باشا في 6 أبريل سنة 1878 إلى قنصل فرنسا العام يشكو له محرر الجريدة؛ لأنه تجاوز حدوده وحمل بعنف على الخديوي ورجاله إلى حد لا تسوغه أكثر قوانين الصحافة حرية، ويعلن القنصل العام بأنه قرر وقف الجريدة شهرًا غير أن محرر "لا جازيت" يأبى الخضوع لأمر الحكومة المصرية ويرفض تنفيذ ما قضت به، ولولا حزم الحكومة وتصميمها على سحب الترخيص منه وإغلاق مطبعته إذ لم ينفذ أمرها لعجزت السلطة المصرية عن وقف حملات المحرر القاسية3. ولما بدأ الرأي العام المصري يتكيف على الصورة التي شرحناها في فصول سابقة أبت "لا جازيت دي تريبينو" أن تعترف للمصريين بحق من الحقوق وأبت أن تقر أن هناك رأيًا عامًّا أو شيئًا يقال له الحزب الوطني، وهاجمتها الصحافة المصرية العربية في شهري يونيو ويوليو سنة 1879 وبلغت مقارعاتها لها حدًّا أثار الجالية الأوربية على المصريين.

_ 1 نقلًا على التجارة في 10 أبريل 1879. 2 التجارة في 17 يوليو 1879. 3 محفوظات عابدين 4/ 45 Dossier.

وإذا كانت "لا جازيت دي تريبينو" تمثل اتجاه الصحافة الفرنسية فإن "ذي إجبشيان جازيت" كانت في تمثيلها للاتجاه الإنجليزي أصدق تعبيرًا وأوضح ميولًا ومحلًا لثقة الجالية الإنجليزية، فكان يوحى إليها بالرأي فتذيعه ثم تحقق الأيام أخبارها، وتكاد تعلن موضوعات الصحيفة أنها جريدة رسمية للقنصل البريطاني أو الرقيب الأجنبي، وتميزت "ذي إجبشيان جازيت" بإثارة النواحي الدينية في خصومتها للحركة المصرية، وكثيرًا ما رمت المصريين بتعصبهم للدين وأذاعت الأخبار الغربية عن هذا التعصب وأدعت تحاملهم على كل ما هو مسيحي وصورت أتفه الحوادث بالمجازر1 وكثيرًا ما أسفت في معارضتها ونقلت المسائل العامة إلى لون من المهاترات الصحفية فزعمت أن النواب المصريين يتعاطون القهوة والشيشة في المجلس وردت عليها الصحف العربية وعيرتها بزجاجات الخمر التي يحملها نواب الإنجليز وهم في قاعة مجلسهم2. وقد استطاعت الصحف الفرنجية أن تنجو من بطش الحكومة؛ لأن شئون الصحافة كانت حياتها خلوًّا من قانون ينظم أمورها ويطبق على الصحافة العربية والفرنجية جميعًا، وبذلك تمكنت الصحف الأجنبية في مصر من البقاء؛ لأن معالجة تعطيلها أو إنذارها تثير مشاكل بين الحكومة المصرية والحكومات الأخرى كانت مصر لا تقوى على إثارتها، على حين كان ناظر الخارجية يملك بجرة قلم إلغاء أخطر صحيفة عربية لمواطن مصري، ومع أن قانون المطبوعات الصادر في 26 نوفمبر سنة 1881 سوى بين الصحف جميعًا فإن "الإجبشيان جازيت" وجريدة "جازيت دي تريبينو" حملتا على هذا القانون وحمتهما وغيرهما من صحف، الدول الأوربية صاحبة الامتيازات3.

_ 1 راجع المحروسة في 7 فبراير 1882. 2 الزمان في 6 مارس 1882. 3 راجع العصر الجديد في 7 ديسمبر 1881.

كانت الصحف الأجنبية في مصر متفقة المزاج تقريبًا؛ لأن الدول الأوربية وفي مقدمتها إنجلترا وفرنسا كانت على اتفاق في وجهات النظر إزاء المسألة المصرية، غير أن هذا الاتفاق في الروح والاتجاه لم يدم طويلًا بعد الاحتلال؛ ذلك لأن المسألة المصرية اتخذت وضعًا كان مثارًا للخلاف بين الدول ومن ثم كان مثارًا للخلاف بين الصحافة المعبرة عن تلك الدول في مصر، فتركيا لم تقر هذا الاحتلال وكذلك كان موقف فرنسا ومعظم الدول الأوربية وإن بقيت إيطاليا إلى جانب إنجلترا منذ احتلال فرنسا لتونس سنة 1881. وقد استقبل الاحتلال كثيرًا من الصحف القديمة التي حالت الظروف دون صدورها خلال الحرب العرابية، وكانت أهم الصحف الفرنجية التي استقبلها الاحتلال في أيامه الأولى جريدة "ذي إجبشيان جازيت" وجريدة "لو بوسفور إجبسيان" فقد عادتا إلى الحياة باستقرار الحالة الجديدة، فأما الصحيفة الإنجليزية فقد كان موقفها كريمًا مع دعاة الثورة ورجالها وأبت أن تقف إلى جانب الخديوي وشيعته، وحاربت نزعة التطرف الانتقامية التي استولت على خصوم العرابيين، ومصدر هذا الموقف اتجاه الحكومة الإنجليزية إلى تصفية الثورة تصفية فيها شيء من الترفع عن الصغائر، كما أن للمستر "الفرد بلنت" صديق العرابيين دخلًا في موقف الجريدة فقد بذل الجهد وسخا بالمال حتى جعل الصحيفة في جانبه1. وأما الصحيفة الفرنسية فقد عادت إلى الظهور في سنتها الثانية وسجلت لنفسها تاريخًا خطيرًا في أوائل عهد الاحتلال، فهي صحيفة أنشأها المسيو سريير " Serriere" في مدينة بورسعيد سنة 1880 حيث كان يقتني مطبعة فرنجية كاملة ثم انتقل بها إلى القاهرة في السنة الثانية، وتولى تحريرها المسيو جيرو " Giraud" وهو من خيرة المحامين المعروفين في ذلك الوقت، وكانت كتاباته تستقبل استقبالًا حسنًا من المصريين والأجانب على السواء،

_ 1 بلنت، التاريخ السري ص322.

مع أن عدد قرائها لم يتجاوز خمسمائة قارئ، وهو عدد يعتبر إذ ذاك من حيث التوزيع قدرًا نادر المثال1. ولم تكن "لو بوسفور إجبسيان" ذات خطر قبيل الاحتلال فهي صحيفة خلقتها الحياة الاجتماعية والاقتصادية في بورسعيد حيث تعيش الجالية الفرنسية في نطاق واسع عاملة في شركة قنال السويس، ثم انتقلت إلى القاهرة حيث بدأ النشاط السياسي يعم العاصمة ويستغرقها، وقد سارت "لوبوسفور" في تيار الصحف الفرنجية المعاصرة، ولم يكن لها يومئذ ميزة من المزايا التي تميزها على زميلاتها المعاصرات وبينها صحف قديمة لها تقاليدها وتاريخها، ثم احتجبت مع ما احتجب من صحف حتى انتهت الأزمة باحتلال الجيوش البريطانية مصر وعادت إلى الحياة أشد ما تكون الصحف المعارضة للاحتلال ورجاله. وتمثل "لو بوسفور إجبسيان Le Bosphore Egyptien" في معارضتها للإنجليز إتجاه الحكومة الفرنسية وقنصلها العام في مصر، فهي لا تقر شرعية الاحتلال ولا ترضى عن تصرفات الإنجليز وتقسو في ذلك قسوة تفرض على المستر Clifford Lloyd" أن يستصدر من ناظر الداخلية المصرية في سنة 1884 قرارًا وزاريًّا بتعطيلها وإقفال مطبعتها؛ وذلك لأن الصحيفة لم تؤثر بمعارضتها في الجاليات الأجنبية وحدها بل عرضت هذه المعارضة على المصريين في نسخة منها صدرت باللغة العربية مع الصحيفة الفرنسية، ولكن محرر "لو بوسفور" أبى أن يعترف بقانون عام 1881 الذي اعتمدت عليه الحكومة في تعطيل جريدته، ثم أصدرها في موعدها، غير أن الحكومة صادراتها من أيدي الباعة، وقد عادت إلى الصدور مرة ثانية وتكفل ببيعها عين من عيون الفرنسيين المستوطنين مصر مع مستشار القنصلية الفرنسية حتى لا يملك البوليس مصادرتها، واضطرت الحكومة إلى إغلاق المطبعة وحراستها ثم عرضت على سريير اثنين وأربعين ألف فرنك تعويضًا له عن إغلاق

_ 1 Munier: La Presse en Egypte. p. 3

المطبعة1 وأثار حادث تعطيلها وإغلاق مطبعتها أزمة حادة بين الحكومتين الفرنسية والمصرية سبق أن عرضنا لها في فصل سابق. كانت الخصومة بين الفرنسيين والإنجليز تتمثل في المنازلات الصحفية التي دارت بين "لو بوسفور إجبسيان" و"ذي إجبشيان جازيت" وإن خفت لهجة الصحيفة الأولى بعد أن تولى تحريرها Barriere Bey حتى أعجب بها بعض الإنجليز المحليين وأمدها بعض موظفيهم بالأخبار الرسمية والحوادث المحلية، وكانت القنصلية الفرنسية من ناحيتها شديدة العطف عليها حتى أنها عرضت على إدارتها مرتبًا شهريًّا قدره اثنا عشر جنيهًا لما ساءت حالة الجريدة المالية2 غير أن ذلك لم يفدها شيئًا واضطرت إلى الاحتجاب في سنة 1895 ثم بقيت "ذي إجبشيان جازيت" تمثل الفكرة الإنجليزية تعاونها "لو بروجريه Le Progres" الفرنسية التي أنشئت سنة 1891 معارضة للقنصلية الفرنسية وموالية لدار الوكالة البريطانية وإن لم تقبل عليها الجاليات الأوربية، وشاركتها في هذا الاتجاه جريدة Le Courrier d Egypte وهي صحيفة نوبار باشا، وقد مضت زهاء أربعة وعشرين عامًا تسبح بحمد رئيس الحكومة المصرية أيًّا كان هذا الرئيس، وكان أسلوبها بديعًا حقًّا وإن ملأت صفاحتها بما كانت تنشره الصحف القديمة عن مصر وشئونها، وخاصة سميتها التي أنشئت خلال الحملة الفرنسية، ولم تكن مقروءة ولا محبوبة من الأجانب المتواطنين مصر3. ومن الصحف المهمة في ذلك الوقت جريدة "لو جورنال إجبسيان Le journal Egyptien" وهي صحيفة الخديوي ولسان السراي4 وهي

_ 1 المصدر السابق، ص11 - 13. 2 المصدر السابق، ص17 - 18. 3 المصدر السابق، ص42 - تم 22. 4 Blunt: My Diaries p. 135.

ذات علاقات طيبة مع القنصلية الفرنسية وفي كفاح مستمر للاحتلال، وقد ساء الإنجليز موقفها هذا فشكت أمرها إلى إيطاليا، وكان إيطاليا تحرص على صداقة بريطانيا أشد الحرص في ذلك الوقت فتدخل قنصل إيطاليا ونفى أحد صاحبيها ومن ثم فقدت الصحيفة أهميتها واحتجبت سنة "1896"1. أحدث إغلاق "لو بوسفور" فراغًا كبيرًا بين الصحافة الفرنجية في مصر إذ بقيت "ذي إجبشيان جازيت" وحدها لا تعارضها صحيفة من الصحف الفرنجية حتى أنشأ Barriere Bey في سنة 1896 جريدة "ليكودوريان L Echo d Orient" لتحل محل صحيفته الأولى "لو بوسفور" وهي صورة مماثلة لها في الشكل والموضوع غير أن "ليكودوريان" كانت أكثر انتشارًا لانخفاض ثمن الصحيفة إلى خمس مليمات، وقد مالت الجريدة إلى جانب الأرمن في بلاد الدولة العثمانية ودافعت عنهم دفاعًا مجيدًا ساء الحكومة التركية وأثر في عامة المصريين2 فأخذ يضمحل شأنها، وأنشأ صاحبها بدلًا منها جريدة " Courrier D Orient" في سنة 1898 معارضة كسابقتيها للاحتلال ورجاله، وكانت تميل للخديوي وتعمل لحسابه غير أنها لم تعمر طويلًا فأغلقت بعد ثلاثة شهور من مولدها. ثم تبدأ الحركة الوطنية بقيادة مصطفى كامل وتقف معظم الصحف الفرنجية إلى صف هذا الفتى المتحمس لوطنه وتصبح في أكثرها صحفًا مواتية للحركة الوطنية وإن كان بعضها كثير التقلب كجريدتي "لو جورنال إجبسيان" و"لو بروجريه" فتبعت الأولى اتجاه السراي في تذبذبها، فيومًا جرت في تيار الوطنيين ويومًا خالفت اتجاههم. وأما الثانية فكثيرًا ما حملت على المصريين وزعمت أنهم متعصبون، ومقالها في الشيخ علي يوسف وحملتها عليه وحض الحكومة على مضايقته دليل

_ 1 Munier. p. 35-39 2 المصدر السابق، ص51 - 54.

على سوء موقفها من رجالات مصر1 وكان الشيخ علي يوسف هدف الصحف الفرنجية كلما عارضت الحركة الاستقلالية وكان في اعتبارها أخطر على الأجانب في مصر من "اللواء" والحزب الوطني وكانت أهم خصوماته مع الإيطاليين خاصة، ومقالات "الكورييري إجيزيانو Corriere Egiziano" وحملاتها عليه عنوان لهذه الخصومة المتصلة2. ثم تكفلت جريدة " Les Nouvelles Egyptiennes" لصاحبها جورج دوماني في سنة 1907 بالحملة على إدارة المصريين وأحكام قضاتهم ومؤاخذة العاملين على كفاح الإنجليز، وكان لهذه الحملة أثرها على المحرر إذا صدر حكم قضائي بحبسه ثلاثة أشهر غير أن هذا الحكم لم ينفذ لاحتماء دوماني بالامتيازات الأجنبية3، وفيما خلا "ذي إجبشيان جازيت" وزميلتها "ذي إجبشيان ميل" وبعض الصحف الفرنجية القليلة الأخرى فإن الصحافة الفرنجية في مصر نافست الصحافة العربية في التحمس للرأي العام المتطرف ومخاصمة الاحتلال ورجاله وإن تأثرت بعض هذه الصحف بحوادث طارئة فانحرفت وقتًا ما عن اتجاهها، مثال ذلك موقف "لو فارد الكسندري" " Le Phare d Alexandrie" من مصطفى كامل فقد كانت من أشد أنصاره إلا أنها حملت عليه وعلى المصريين حين دعا إلى تعليق جلاء الترك عن اليونان على جلاء الإنجليز عن مصر؛ وذلك لأن صاحبها من اليونان4 ومن الأمثلة على انحراف هذه الصحف المواتية بعوامل طارئة موقفها المتباين في أثناء الخلاف القبطي الإسلامي فقد كانت تراه خطرًا يهدد الأجانب في مصر. وبين الصحف الفرنجية التي نشأت في مصر صحف أنشأها الوطنيون،

_ 1 لو بروجريه 30 سبتمبر 1895. 2 الكورييري إجيريانو في 10 سبتمبر 1901. 3 راجع اللواء 30 مارس 1909. 4 لوفارد الكسندري في 4 مارس 1897.

فقد أسس مصطفى كامل في نوفمبر سنة 1906 شركة مساهمة لإصدار جريدتين فرنجيتين رأسمالهما عشرون ألف جنيه مصري اكتتب فيها صفوة المصريين، واضطرب لهذه الفكرة اللورد كرومر ودفع صحفه إلى الحملة على المشروع، غير أن ذلك لم يحل دون ظهور The Egyptian Standard L Etendard Egyptien الأولى في مساء 2 مارس سنة 1907 والثانية في صباح اليوم التالي. ويقول مصطفى كامل باشا عن خطة هاتين الجريدتين: "إن قصدنا من تأسيس هاتين الجريدتين هو إحاطة العالم المتمدن وكافة الذين يهتمون بشئون مصر علمًا بخطتنا الوطنية التي غير خصومها شكلها وقلبوا حقيقتها، وأظهرونا لمن يجهلون لغتنا كأننا ننادي بالبغضاء والتعصب الديني فنحن جئنا اليوم نكذب بصورة قطعية هذه التهم الدنيئة ونثبت للعالم كله أن مطلبنا الوحيد بل مطلبنا العالي السامي هو أن نرد لمصر مكانة في العالم تليق بتاريخها وماضيها ومركزها"1 ولم تعمر الصحيفتان الفرنجيتان الوطنيتان؛ لأن منشئهما قضى في سنة 1908؛ ولأن أزمة مالية حادة اعترضت حياتهما، كما أن الأجانب انصرفوا عنهما2 ولم تنجح التجربة، وقد حاولها الوفد المصري بعد الحرب العظمى فلم يوفق. وقد وجدت الصحافة الفرنجية بعد الحرب العظمى الثانية متسعًا لحياتها فنشطت كمًّا وكيفًا وأصبح عددها مائة وإحدى عشرة صحيفة بين يومية وأسبوعية وشهرية وبين سياسية واقتصادية وزراعية وأدبية ودينية وطبية ورياضية وقضائية ومدرسية وللبورصة، وهي في لغات متباينة بين إنجليزية وفرنسية وإيطالية ويونانية وملطية، وأهم هذه الصحف جميعًا صحيفتان فرنسيتان هما

_ 1 من خطبة مصطفى كامل في فندق الكونتننتال في 2 مارس 1907 احتفالًا بظهور الجريدتين. 2 محفوظات وزارة الداخلية، دوسيه رقم5.

"لا بورص أجبسيان La Bourse Egyptienne" و"لو جورنال ديجبت Le journal d Egypte" ثم صحيفة إيطالية هي "الكورييري ديتاليا" " Corriere d Italia" انتهى أمرها بعد دخول إيطاليا الحرب الأخيرة، وقد تطورت هذه الصحف قبيل الحرب الماضية إلى صحف مصالح بعد أن كانت من قبل صحف رأي وفكرة، وأصبح اتجاه الصحف السياسية منها اتجاهًا يتصل بمصالح الدول المتباينة، وهي تمثل النشاط السياسي والفكري والاقتصادي لتلك الدول.

الصحافة المصرية في الخارج

الصحافة المصرية في الخارج: شهدت مصر في عهد محمد علي خاصة بالصحافة الرسمية، وقد اتصل إنشاء هذه الصحافة بإنشاء النظم الجديدة، وقد تطورت الصحف الرسمية بتطور هذه النظم حتى أصبحت فيما بعد ركنًا من أركان السياسة العامة أو غرضًا من أغراض الحكم، واستطاعت هذه الصحف أن تؤدي رسالتها وتحقق الأمل فيها بحيث أضحت فوائدها تغري بالاستزادة منها في مصر وخارجها، وقد ساير إنشاء الصحف الرسمية اتساع في الإمبراطورية المصرية ليس هنا محل تفصيله، غير أن يعنينا في تلك الإمبراطورية جزيرة كريت وهي إحدى الممتلكات المصرية منذ حرب الموردة في سنة 1822، وذلك لارتباط إحدى الصحف بها، فقد شهدت كريت نشاطًا صحفيًّا ملحوظًا دون ولايات الباشا المتعددة، مصدره هذا التنظيم الرائع لحياة هذه الجزيرة وسكانها، إذ أنشأ الباشا المجالس فيها "ليتم للجزيرة رخاؤها وعمرانها فتصبح بهجة الديار وموضع حسد الأمصار وغبطة الأقطار" وهو يعني بتخير رجاله القادرين على سياسة الجزيرة وأهلها كعثمان نور الدين بك رئيس الجهادية "الخبير بأصول الإدارة الأوربية" ليشرف على تكوين المجالس المذكورة من المسلمين والمسيحيين الذين ستلقى إليهم أمور البلاد الخاصة "بالأحوال الشخصية الموافقة للشرع ودعاوي الخلق ومصالحهم" ومع أن وظيفة هذه المجالس استشارية إلا أن ذلك لم يحل دون نظر أعضائها في الأمور الإدارية وكل ما يتصل بالعرف والقانون على أن تطبق "الأصول الجزئية والكلية"1.

_ 1 محفوظات عابدين وثائق رقم457 - 460، دفتر رقم 40 معية تركي.

وقد أنشأ الباشا هذا النظام الجديد في كريت بوحي من "الأصول المصرية" ثم رأى أن يكون لهذا النظام سجل يماثل الوقائع المصرية فبعث إلى مصطفى باشا محافظ كريت يذكر له أنه "قد تقرر طبع الوقوعات الواقعة في كريد على أن تكون جهة منها تركية العبارة وجهة منها رومية اللهجة"1 وينبئه أن حروف القسم التركي "قد أعدت إعدادًا متقنا" وسترسل إليه في أقرب الأوقات غير أن الجناب العالي يبين له المصاعب الناشئة عن هذا الموضوع وخاصة الحروف الرومية إذ إنه لم يتمكن "من إعداد حروف القسم الذي سيكتب رومى العبارة" غير أن أوصى "بابتغائها وإعدادها" وهو لا يهمله حتى يرسلها عثمان بك بل يرجو من همته "أن تبحثوا عنها وتبتغوا طائفتين من الحروف الرومية المتقنة إما من تلك الديار وإما من المورة"2. وقد يبدو أن "وقائع كريدية" كما كانت تسمى صحيفة خاصة بكريد وليس لمصر فيها سهم عملي اللهم إلا الحاكم الذي يجمع بين البلدين، بيد أن الوثائق قد أثبتت أن حروف المطبعة التركية صنعت في مصر قطعًا وإن لم يؤكد أمر الباشا السابق أن أحد البلدين قد اختص بعمل الحروف الرومية، فقد ترك الأمر للاجتهاد في الحصول عليها من مصر أو كريد أو بلاد المورة، وبجانب إعداد المطبعة وتغذيتها بالحروف أرسل من مصر "علي أفندي جام إلى كريد لخدمة الوقائع التي ستطبع فيها" كما عين "علي أفندي الفندره لي معاونًا له لاحتياجه إليه" وهو أحد موظفي الوقائع المصرية "وقد صار أخذه من غرفة الوقائع لمعرفته أصول الطبع" ثم ربط ديوان الخديوي لهذين الموظفين الراتب الذي يستحقانه سواء من القروش أو الخبز أو اللحم أو الأرز أو السمن غير اللباس في فصول السنة المختلفة"3.

_ 1 كان الباشا يرى تسميتها شجرة زيتون، تقويم النيل، ج2، ص372. 2 محفوظات عابدين وثيقة رقم480 دفتر 40 معية تركي في 5 ربيع الآخر 1246هـ. 3 محفوظات عابدين وثيقة رقم759 ديوان الخديوي في 8 ربيع الآخر 1246هـ.

وإذن تكون الحكومة المصرية هي التي فكرت في الوقائع الكريدية وهي التي أمدت الصحيفة والمطبعة بالموظفين المصريين الفنيين وجعلت عمالها كريد في خدمتهما معًا، وبالرجوع إلى هذه الصحيفة يمكن تقرير حقيقة تثبت الآثار المصرية فيها، فوقائع كريد صورة مطابقة للوقائع المصرية ثم هي إلى جانب نشرها أخبار الجزيرة ومجالسها نقلت عن الوقائع معظم فصولها وأنبائها، وسياستها العامة مرتبطة أشد الارتباط بسياسة الوقائع من حيث النظر إلى المسائل العليا والدعاية للوالي وأعماله، وأيد ذلك العدد الرابع والثمانون المحفوظ بدار الكتب المصرية. بدأت الصحافة المصرية في الخارج صحافة رسمية، ولم يطل أمرها؛ لأن الولايات المتحدة أو البلاد الخاضعة لمصر لم تكن حالتها الفكرية تحتمل مثل هذه الصحف التي تقتضي دواوين ومجالس، وتقتضي حياة اجتماعية نشيطة كما كان الحال في مصر وكريد، لذلك كانت "وقائع كريدية" بداية للصحافة المصرية الرسمية في الخارج ونهاية لها أيضًا، ثم انتقلت فجأة في عهد الخديوي إسماعيل إلى صحافة متطرفة يصدرها أفراد ناقمون على الخديوي ورجال حكومته ويمثل هذه الصحافة في نشأتها يهودي مصري يقال له يعقوب بن صنوع، ويعقوب كاتب يختلف فنه عن كتاب الصحف في ذلك الوقت، فهو ناقد مر النقد، قاس في أسلوبه وحواره، لا يعرف قلمه حدودًا ولا قيودًا، تتمثل فيه طبيعة المصري إذا مزح أو سخر، وفي صحيفته سجلت الشخصية المصرية في أروع مظاهرها، وقد عرفه المصريون جميعًا في المدن وفي أعماق الريف، ولم تشهد الصحافة المصرية في مصر أو في الخارج معارضًا كيعقوب بن رافائيل صنوع "أي المتواضع". وصنوع هذا من الإسرائيليين القليلين الذين قرءوا إلى جانب التوراة الإنجيل والقرآن، وهو من الصحفيين الذين استهوتهم الفنون فتعلم في إيطاليا الرسم والنحت والموسيقى فأجادها جميعًا وكسب بها معاشه في مصر وازدلف بها إلى قصور الأمراء والباشوات حيث علمها أولادهم، وأنشأ بثقافته صلات

وطيدة مع هذه البيوتات، ثم عمل في المسرح وأعجب به الخديوي إسماعيل فسماه يومًا كما يزعم هو "موليير مصر" وله في التمثيل مسرحيات مترجمة ومؤلفة، جادة وهازلة، وقد ضمنها الملاحظة الدقيقة والسخرية اللاذعة والبسمة الطبيعية والدمعة الصادقة، وفي أثناء عمله المسرحي وجد في مصر رأيًا عامًّا يميل إلى النضج فاتصل بالسيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وهما قائدا هذا الرأي، وعليه درسًا اللغة الفرنسية، وكان للأفغاني رأي في إحياء الفكرة الحرة عن طريق الصحف، فاتفق الثلاثة على إنشاء صحيفة هزلية يديرها صنوع ويحرر فيها الشيخان بين آن وآن، وفيها تنقد أعمال الخديوي وتشرح تصرفات بطانته، ثم اتخذوا لها اسم "نظارته الزرقاء". وقد صدر العدد الأول من هذه الصحيفة في مصر سنة 1877، وهي فريدة في نوعها لا في مصر وحدها بل في بلاد الشرق جمعاء، فهي نوع من الصحف لم يعتده المصريون ولم يروا له نظيرًا من قبل، وأسلوبها في أكثره دارج يجري بأمثال المواطنين وأقوال شيوخهم، وفيها لون من التصوير "الكاريكاتير" بذل في إخراجه صنوع خلاصة ما تعلمه من فن، ولقيت صحيفته الشعبية إقبالًا غريبًا واستهوت الناس من جميع الطبقات، وبلغ عدد ما طبع من بعض أعدادها خمسة عشر ألف نسخة1. ويذكر الدكتور محمد صبري في كتابه عن تكوين الرأي العام المصري أن جريدة صنوع شغلت قراءها عن الاستماع إلى مطرب العصر أحمد سالم حين دخل بائع الصحف، فانصرفوا عن المطرب إلى قراءة الجريدة، مع أن أحمد سالم كان يترنم بأغنية من وضع أبي نظارة عنوانها "المضطهد" لقي على غنائه لها عشرة أيام في السجن2.

_ 1 ص6 Paul Baignieres L Egypte Satirique 2 صبري هامش ص127، 128. La Genese De L Esprit National Egyptien

وما كان يمكن أن يحتمل إسماعيل وبطانته صحافة من هذا اللون فأغلق جريدة يعقوب وعالج أمر بقائه في مصر واستطاع أن ينال موافقة إيطاليا على نفيه -وكان صنوع محتميًا بها- فسافر أبو نظارة إلى باريس حيث أصدر جريدته بأسماء مختلفة، وقد اضطر إلى ذلك بعد أن حاربتها الحكومة المصرية وحظرت دخولها إلى مصر وحرمت المصريين قراءتها، وكان صحيفته تصدر في أول الأمر باللغة العربية ثم باللغة العربية والفرنسية وقد أصدرها مرة في ثماني لغات. كانت جريدة "أبو نظارة" أو صحيفة مصرية في الخارج ولم تعش في مصر إلا بضعة أشهر ثم مضى بها صاحبها إلى باريس حيث ينزل كل خصيم للسلطات المصرية، وهنا استطاع صنوع أن ينتج وأن يعلن إنتاجه في صراحة المطمئن إلى فنه وعمله زهاء خمسة وثلاثين عامًّا، وقد جعل خطة صحيفته "مصر للمصريين" وكانت تباع في مصر وفي غير مصر من بلاد الشرق التي رحبت بها ومنحته حكوماتها من أجلها الأوسمة والنياشين1 وقد ردها إلى اسمها الأول يوم ولي شئون الحكم شريف باشا في عهدي إسماعيل وتوفيق فكانت صحيفته توزع في مصر دون رقيب أو حسيب مع ما حملت من المعارضة القاسية والبذيئة للخديوين في بعض الأحيان. ويمتاز صنوع في عمله الصحفي بباريس أنه كان الكاتب والمدير ومصور الجريدة وطابعها، ولم يكن هذا الصحفي المصري خاليًا من العلم بل كان رجلًا مثقفًا "شاعرًا صادق الشاعرية" قال فيه لا جازيت دو بوردو "إنه شاعر ونظرته للأمور وإن كانت مبهمة إلا أنها عميقة" وأعجبت به " The Standard" و" The Morning Post" ومجدتا سخريته المصرية البديعة، ويقول عمدتنا في تاريخه بول دوبنيير "إن له نواحي من الضعف بيد أن فيه نواحي من الجمال الحق وصفحات سامية ذات قيمة وجديرة بأن تلفت النظر" وكان أبو النظارة

_ 1 طرازي، تاريخ الصحافة العربية، ج2، ص285 - 286.

إلى جلب عمله الصحفي أديبًا يجيد اللغة الفرنسية إجادة تامة وخطيبًا لا يشق له غبار ومحاضرًا ساحرًا، وله محاضرات مهمة هزت الرأي العام الأوربي، وخصومته ظاهرة جدًّا للإنجليز في هذه المحاضرات1. اضطر أو نظارة إلى تغيير اسم صحيفته ثلاث عشرة مرة بسبب الضغط الشديد الذي فرضته الحكومة المصرية على صحفه سواء قبل الاحتلال أو بعده، وقد نجح بالرغم من المراقبة في تهريب بضعة آلاف إلى مصر كما بلغت عدد النسخ المهربة مرة تسعة آلاف نسخة2 وكانت أكثر الأسماء معرفة لدى القراء "أبو نظارة زرقاء" و"أبو زمارة" و"أبو صفارة"3 وكان المحرر ينشر كثيرًا من المحاورات الزجلية الطريفة التي تصور حياة مصر وتحمل على خديوها وحكومته، يقسو فيها أسلوبه أحيانًا حتى يبلغ درجة الفحش الذي تتعفف عنه أكثر الأقلام إسفافًا. وكان بجانب هذا ينشر لونًا من النقد الاجتماعي في أسلوب معظمه عامي دارج دعا به إلى الرحلة والاستفادة منها؛ "لأن الدنيا شهوها الفلاسفة بكتاب وقالوا اللي ما خرجش من وطنه كأنه ما قرأش إلا أول صفحة فقط"، ثم يعطف الكاتب على مصر ساخرًا من تواكل أمته التي يظلمها الظالم ويقسو بها الحاكم حتى إذا كادت تموت جوعًا كان احتجاجها "لك الحمد يارب دي إرادتك". وهكذا يستمر في نقده اللاذع الصادق وتصويره الرائع لنفوسنا واستعدادها آخذًا على مواطنيه تلك الألفاظ التي لا تزال ترن في آذاننا، ألفاظ التواكل والضعف والاطمئنان حيث لا ينبغي الاطمئنان4 ومن أهم المحاورات ما دار

_ 1 Baignicre. P. P 9. 18-38-106-109 2 النظارات المصرية 15 - 1 - 1880 "الواد المرق ووزيره المشخلع". 3 أسماؤها على التوالي: أبو نظارة زرقاء، رحلة أبو نظارة زرقاء، أو زمارة، أبو صفارة، الحاوي، الوطني المصري، النظارات المصرية، أبو النظارة، الثرثارة المصرية، التودد، المنصف، العالم الإسلامي. 4 العدد السابع، ص2.

"في جلسة سرية في جمعية الطراطير المشهورة بالضحك على ذقون العالم" وهي تصور مداولات نظارة ذلك العهد، وأظهر ما في هذه الجلسة حملته على المفتي واتهامه بالإثراء من الرشا، ثم يعجب لتدخل دول أوربا الصغيرة والكثيرة في شئون مصر حتى استأسد ملك إيطاليا "وهو ابن إمبارح اللي لسة ما طلعش من قشرة البيضة". وصحف أبي نظارة وإن كانت اللغة العامية تستغرقها إلا أن بعض أعدادها لم تخل من مقالات عربية فصيحة في أسلوب مسجوع بيد أن غير ممل لأهل ذلك الزمن وخاصة العامة منهم الذين ربما لا يفهمون منه شيئًا ولكنه يرن في آذانهم فيشنفنها ويملؤهما رضاء وأمنًا، مثال ذلك رسالة "الشفعاوي المحترم". التي يتهم فيها "شيخ حارة وادي النيل" بالظلم والعدوان ويحمل عليه في مقالات متتابعة استغرقت عدد أعداد منها1، وأهم صحفه أربع، الأولى "النظارات المصرية" وهي جريدة "تاريخية علمية تحرير مصر وإسكندرية" والثانية جريدة "أبو صفارة" وهي جريدة "هزلية أسبوعية لانبساط الشبان المصرية يحفظهم رب البرية من المظالم الفرعونية منشئها محب الاستقلال والحرية" ثم جريدة "الحاوي الكاوي اللي يطلع من البحر الداوي عجايب النكت للكسلان والغاوي ويرمي الغشاش في الجب الهاوي" وأخيرًا جريدة "أبو زمارة" ولولا تغيير الاسم الذي فرضه تضييق الحكومة المصرية في دخولهاه إلى البلاد واحتيال صاحبها بهذا التغيير على تحقيق مأربه لظن القارئ أنه يقرأ صحيفة واحدة منسجمة الأفكار متسقة الصور سواء ماكان منها في المعاني أو الرسوم الكاريكاتورية البديعة. وقد أصدر يعقوب إلى جانب صحفه الهازلة صحيفة جادة في لندن سماها "مرآة الأحوال" وهي رجع الصدى لما في صحيفته الباريسية من الحدة والعنف غير أن موضوعاتها أكثر اتزانًا من حيث الدراسة العلمية للمسائل السياسية

_ 1 رحلة أبي نظارة زرقاء، العدد الرابع.

ومن حيث الأسلوب العربي الفصيح، وأكبر الظن أن هذه الصحيفة كانت مجالًا لأصدقائه في مصر المتبرمين من الخديوي وشيعته، ولم تعمر هذه الصحيفة طويلًا إذ وقف نشاطه على صحيفته الهزلية فكانت عليه أجدى وهو بها جدير. كان يعقوب بن صنوع أول مصري ينشئ صحيفة حرة في الخارج، وقد ضرب المثل الطيب في نجاحه واستأثر بإعجاب المصريين، وقد بقي وحده في فرنسا إلى أن زامله أديب إسحاق في عهد الخديوي توفيق، فقد أغلقت صحيفتاه "مصر" و" التجارة"1 بقرار وزاري، وكان أديب إسحاق من أنصار شريف باشا والوطنيين خصوم رياض باشا ناظر النظارة فأوعزوا إليه بالسفر إلى فرنسا والاقتداء بيعقوب بن صنوع وكلفوه نشر صحيفته في باريس حيث تكون لسان حالهم على أنه يتكفلوا هم بتوزيعها في مصر، وقد استطاع تحقيق رغبتهم وتمكن أصدقاؤه من توزيعها بالرغم من سلطان رئيس الحكومة وعيونه من رجال الإدارة2. طبعت صحيفته "مصر القاهرة" في "باريس تحت سماء الحرية" لنشر "ما يعود بالنفع على البلاد العربية، وهي جزء متمم لجريدة مصر التي كان يصدرها في القاهرة من حيث الغاية والتقدير للأمور المصرية في أسلوبه الممتاز حقًّا الغني بالجمال الفني المملوء بروح الكفاح، وهو يعلن خطتها في قوله: "أروم مقاومة الباطل ونصرة الحق والمدافعة عن الشرق وآله وعن الفضل ورجاله، وأوضح معايب اللصوص الذين نسميهم اصطلاحًا "أولى الأمر" ومثالب الخونة الذين ندعوهم وهمًا "أمناء الأمة" ومفاسد الظلمة الذين نلقبهم جهلًا "ولاة النظام" ومقصدي أن أثير بقية الحمية الشرقية وأهيج فضالة الدم العربي وأرفع الغشاوة عن أعين الساذجين، وأحيي الغيرة في قلوب العارفين، ليعلم قومي أن لهم حقًّا مسلوبًا فيلتمسوه ومالًا منهوبًا فيطلبوه،

_ 1 الوطن في 22 نوفمبر 1879. 2 John Ninet: Arabi Pacha p. 38

وليخرجوا من خطة الخسف وينبذوا عنهم كل مدلس يشتري بحقوقهم ثمنًا قليلًا، ويذيقوا الخائنين عذابًا وبيلًا، وليستصغروا الأنفس والنفائس في جنب حقوقهم وليستميتوا في مجاهدة الذين يبيعون أديانهم وأموالهم وأوطانهم وآلهم .. " إلى أن يقول: "فمن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن عاش بعد هؤلاء الشهداء فهو سعيد"1. وتستغرق حدة المزاج هذا الأسلوب كما تظهر خطة الجريدة واضحة صريحة، فقد وقف الكتاب قلمه على إثارة "الحمية الشرقية وإهاجة فضالة الدم العربي" وهو يرى الشرق كله جزءًا واحدًا ويسمى أهله "قومي" وهي نظرة كانت تراها مصر بأسرها في ذلك الوقت وينادي بها كثير من آبائها وساستها وصحافتها، بيد أن أسلوبه هنا كان أروع وأبلغ الأساليب المصرية التي رأيناها في صحافة مصر جميعًا، فقد صدمتنا بعض صحف ذلك العصر بلفظها الحوشي وعباراتها الغريبة، ولا يقاس أسلوبها مهما يرتفع بأسلوب أديب في فرنسا، وهو أسلوب واضح لا ركاكة فيه صحيح العبارة مستقيمها. وعلى القدر الذي تستمتع به هذه الجريدة من حيث الأسلوب والمعاني فهي تمتاز بالحرية في باريس، فقد فضت تحمل على رياض باشا حملات شديدة، قاسية، ولقيت الدول الأوربية من قلمه شدة وعنفًا دون أن يكبوا بلفظ خارج عن الأدب الصحفي وإن لم يخذله هذا القلم مرة واحدة بل روضه صاحبه على أمور ثلاثة: مهاجمة حكومة رياض والحملة على الدول الأجنبية ثم الدفاع عن القضية الشرقية، ولم يطل عهد صحيفة مصر القاهرة فقد صدرت شهرية في أول الأمر ثم أصدرها صاحبها أسبوعية، وبذلك فيها أديب من روحه وقوته بذلًا أضناه، فقد كان يحررها ويكتب صحفها جميعًا، ويكتبها بخط يده أو بخط مساعده عبد الله مراس وهو على شيء من الاستعداد

_ 1 مصر القاهرة، العدد الأول، 1880.

الأدبي وجمال الخط، ثم يطبعها وزميله على الحجر كما كان يصنع يعقوب بن صنوع من قبل1 وقد أدى هذا الجهد المتصل إلى مرض صاحبها ثم تهيأت الظروف له بولاية شريف رياسة الحكومة فعاد إلى مصر وواصل عمله الصحفي بجانب إحدى الوظائف المهمة التي ألقيت إليه. وقد دعا الخديوي إسماعيل صديقه إبراهيم المويلحي إلى نابولي ثم أمده بالمال لينشئ صحيفة "الخلافة" سنة 1879 تذود عنه وتدافع خصومه وتندد بالأجانب وأعمالهم في مصر2 ويمضي إبراهيم المويلحي على خطا صنوع فينشئ صحيفتي "الأنباء" و"الرجاء" في باريس وإن لم تعمر طويلًا أو يكون لهما ما كان "للخلافة" من شأن. لم تعش إذن من الصحف في الخارج إلا صحيفة أبي نظارة، بينما كانت الأحداث في مصر تتردى والأمور فيها تزداد حرجًا وتشهد البلاد حربًا تنتهي باحتلال الإنجليز لها وإعدام بعض زعمائها وسجن البعض الآخر، وكان بين هؤلاء السجناء الشيخ محمد عبده الذي رأت المحكمة نفيه فمضى إلى سورية وبقى فيها سنتين، وكان صديقه وأستاذه السيد جمال الدين الأفغاني بعيدًا عن مصر غير أنه سافر إلى أوربا في سنة 1884 فأرسل إلى الأستاذ الإمام كتابًا يدعون فيه إلى السفر في أعقابه3 والتقى الاثنان في باريس وهناك دار بخلدهما إصدار جريدة "العروة الوثقى". وتذكر "صحيفتنا" أن "مدير سياستها السيد جمال الدين الأفغاني ومحررها الأول الشيخ محمد بن عبده" ويبدو في افتتاحية العدد الأول أن الاتجاه الديني فيها يغلب كل اتجاه آخر "فإن رابطتهم الملية "يقصد المسلمين" أقوى من روابط الجنسية واللغة" وإذا كان الدين في العروة الوثقى له المكان الأول

_ 1 طرازي، ج2، ص258. 2 الرافعي: عصر إسماعيل، ج1، ص272، والإسلام والتجديد في مصر ص32، والمنار، ج22، ص710. 3 تاريخ الأستاذ الإمام، ج1، ص282.

فإن محرر الجريدة لا ينسى وطنه إذ إن "الفجيعة بمصر حركت أشجانًا كانت كامنة، وجددت أحزانًا لم تكن في الحسبان وسرى الألم في أرواح المسلمين سريان الاعتقاد في مداركهم" وهو يخلص من وصف هذه الآلآم إلى تحذير الإنجليز وترويعهم "ولا نأمن أن يصير التنفس -يقصد تنفس المسلمين- زفيرًا بل نفيرًا عامًا بل يكون صرخة تمزق مسامع من أصمه الطع". ويتحدث المحرر عن منهج الجريدة وخطتها مبينًا أنها "ستأتي" في خدمة الشرقيين على ما في الإمكان من بيان الواجبات التي كان التفريط فيها موجبًا للسقوط والضعف وتوضيح الطرق التي يجب سلوكها لتدارك ما فات، والاحتراس من غوائل ما هو آت" ثم تلتفت الكتاب إلى طبعة الموسرين فيفرض على الجريدة "أن تكشف الغطاء ما استطاعت عن الشبه التي شغلت أوهام المترفرين ولبست عليهم مسالك الرشد وتزيح الوساوس التي أخذت بعقول المنعمين حتى أورثتهم اليأس من مداواة علاتهم وشفاء أدوائهم" وتعني العروة الوثقى أشد العناية بدفع ما يتهم به الغربيون الشرقيين عامة المسلمين خاصة ثم "تراعي في جميع سيرها تقوية الصلات العمومية بين الأمم وتمكين الألفة في أفرادها وتأييد المنافع المشتركة بينها والسياسات القويمة التي لا تميل إلى الحيف والإجحاف بحقوق الشرقيين". وسياسة "العروة الوثقى" سياسة عالية إن صح التعبير، فقد أبت إلا في النادر أن تمس شخصيًّا من الأشخاص مهما يكن بينها وبينه من سخيمة أو موجدة وهي وإن اضطرت إلى الحملة على فرد من الأفراد لا تسف إسفاف زميلتها "أبي نظارة" بل تحمل في أسلوب عف ومنطق سليم، لذلك كانت العروة الوثقى إرثًا أدبيًّا لمصر لا ينكر فضله، وإن ما كتبه فيها الأفغاني والأستاذ الإمام يعتبر في ذمة التاريخ أفضل ما كتب عن مصر والسودان من وجهة النظر المصرية، وهي تمتاز بغنى تفكيرها وإخلاصها في الدفاع وصدق عاطفتها وحرارة بيانها كما تميزت بالمعاني الاجتماعية والسياسية الرفيعة، وقد أثر الزمان والمكان في الكاتبين العظيمين فكان إنتاجهما فيها خير ما عرف عنهما من إنتاج

وقد أجمع المؤرخون على أن العروة الوثقى اتخذت سياسة العنف مع إنجلترا، ونحن لا ننكر على هؤلاء المؤرخين هذه الحقيقة، فقد كان مقاصد العروة الوثقى الجامعة الإسلامية ثم الرابطة الشرقية وأخيرًا المسألتين المصرية والسوداني، وقد ذكرت الجريدة في غير موضع أن حل المسألة المصرية برمتها مرجعه أولًا إلى الدولة العثمانية صاحبة الحق الشرعي في مصر وإن كان أمر مصر يهم الدول الأوربية جميعًا خاصة فرنسا ثم روسيا التي يعتمد المصريون عليهما في تحقيق أمانيهم واستقلالهم، وهي مع ذلك ترى أن صداقة الإنجليز أمر لا بد منه لوجود قنال السويس في طريق الهند، وهي تقرر أن الإنجليز أمة طامعة بيد أنها ليست من السوء بحيث لا تجوز معها صداقة فإن الإنجليز يراعون طبيعة العمران وتطور الزمان1. وقد أخذ على العروة الوثقى تطرفها الديني ولكنها دافعت في عددها الثامن عن وجهة نظرها وأبت أن تقر خصومها على وصفها بالتعصب الديني، فذكرت أنها بدفاعها عن المسلمين أحيانًا لا تقصد الشقاق بينهم وبين من يجاورهم من البلاد ويتفق معهم في المصالح ويشاركهم المنافع أجيالًا طويلة، وإنما غرضهما من هذه الحماسة المتدفقة تحذير الشرقيين عامة والمسلمين خاصة من الأجانب الذين يفسدون في بلادهم، وإن الجريدة إنما تخص المصريين بالذكر أولًا لأن الأجنبيين غدروا ببلادهم وأذلوا أهلها واستأثروا بجميع خيراتها2 ومحرر "العروة الوثقى" أبعد الناس عن التعصب الديني وله في المواقف المأثورة فإنه صديق لكثير من المسيحيين لا يفرق الدين بينهم في المصالح الوطنية، فقد بنى صداقة وطيدة مع أديب إسحاق ويبدو ذلك واضحًا وهو ينعاه في العروة الوثقى، وكذلك أقام علائق الود مع يعقوب بن صنوع وقد ذكرنا ذلك من قبل، وقد دافع عن بطرس باشا غالي يوم

_ 1 تاريخ الأستاذ الإمام، ج1، ص331 - 332. 2 العروة الوثقى في 18 رجب 1301هـ، 15 مايو 1884.

طعنت فيه بعض الجرائد المصرية ونسبت إليه العصب للقبط في بعض أعماله وكان الأستاذ يومئذ منفيًّا في سوريا1. ثم هو يعني في جريدته بالمسألة الشرقية وهي تجمع بين المسلم وغير المسلم، وكل ما كانت ترجوه العروة الوثقى إعادة الحكم الإسلامي والنظم الدينية إلى ما كانت عليه من الطهارة والعدل والكمال في عصورها الأولى بتأسيس حكومة إسلامية على قاعدة الخلافة الراشدة في الدين وما تقتضيه حالة العصر لمجد الإسلام في أمور الدنيا، ويتبع هذا إنقاذ المسلمين وغيرهم من الشرقيين من الاستعمار وذله، ومن أهم أغراض العروة الوثقى إنقاذ مصر من الاحتلال والسودان من الفوضى2. وقد استقبلت العروة الوثقى في البلاد الإسلامية أحسن استقبال، ولا عجب في ذلك فإن لصاحبها في عالم الدين والأدب والسياسة القدر المعلى، وقد أحس خطرها الإنجليز قبل صدورها، وهاجت لفكرتها صحافتهم، وفي ذلك تقول الجريدة في العدد الخامس "عزمنا على إنشاء جريدتنا هذه فعلم بذلك بعض محرري الجرائد الفرنساوية فكتبوا عنها قبل صدورها غير مبيني لمشربها ولا كاشفين عن حقيقة سيرها فلما وقف على الخبر محررو الجرائد الإنجليزية المهمة أخذتهم الحدة، وأنذروا حكومتهم بما تؤثر هذه الجريدة في سياسة الإنجليز ونفوذها في البلاد الشرقية، وألحوا عليها أن تعد كل وسيلة لمنع الجريدة من الدخول في البلاد الهندية والبلاد المصرية بل تطرفوا فنصحوها أن تلزم الدولة العثمانية بالحجر عليها"3. وقد نجحت فعلًا السلطات الإنجليزية في منعها من دخول الهند ومصر، أما الأخيرة فقد ذكرنا تفاصيل ذلك في فصل سابق4 وقد ذكرت خطتها

_ 1 الأستاذ الإمام، ج1، ص289. 2 العروة الوثقى 22 جمادى الآخرة 1302هـ. 3 العروة الوثقى 10 أبريل 1884. 4 الوقائع المصرية 15 مايو 1884.

نحو مصر بهذه المناسبة قائلة "هذه جريدة قامت بالدفاع عن المصريين والاستنجاد لهم ولها سعى بل كل السعي لخيبة آمال أعدائهم ولا ترى من مشربها مدح زيد ولا القدح في عمرو فإن المقصد أعلى وأرفع من هذا، وإنما عملها سكب مياه النصح على لهب الضغائن لتتلاقى قلوب الشرقيين عمومًا على الصفاء والوداد، تلتمس من أبناء الأمم الشرقية أن يلقى سلاح التنازع بينهم ويأخذوا حذرهم وأسلحتهم لدفع الضواري التي فغرت أفواهها لالتهامهم. وتتحدث عن السياسة الداخلية فتطلب الانصراف عنها مؤقتًا، ومن رأيها "أن الاشتغال بداخل البيت إنما يكون بعد الأمن من طروق الناهب، هذا منهاج العروة الوثقى علمه كل مطلع على ما نشر فيها من يوم نشأتها إلى الآن فكيف يخطر ببال عاقل أن شرقيًّا مسلمًا أو غير مسلم يميل لحجبها عن دياره؟ ولكننا نعلم أن حركات الآمرين في القطر المصري هذه الأيام قهرية لا يخالطها شيء من الاختيار والمدبر لرحى القهر عليهم هم عمال الإنكليز" إلى أن تقول: "ولا نريد أن نقول للإنكليز إنهم ظلموا في هذا الحكم فإن الجريدة لم يوجد فيها إلى الآن ما يزيد على ما تنشره الجرائد الوطنية والأجنبية" ثم تختم حديثها بقولها "فلا غرابة في صدور مثل هذا الجور منها غير أننا نعلن لها أن همم الرجال لا تقعدها أمثال هذه المظالم وليس يعجزنا إدخال هذه الجريدة في كل بقعة تحوطها السلطة الإنكليزية، ذلك بعزائم أولي العزم الذين قاموا بإنشاء العروة الوثقى"1. نقلنا فقرات طويلة مما أذاعته "العروة الوثقى" بعد مصادرتها في مصر لنبين منها خطر الصحيفة من حيث نظر السلطات إليها ولنجمل فيها بعض غاياتها التي تخللت سطورها وهي تنطق بكراهيتها للتعصب وبعدها عنه، ثم توضح ترفعها عن التحدث في الشخصيات وإكبارها لنفسها من أن تسف إلى هذا الدرك، غير أن "العروة الوثقى" تتطرف في حملتها على الحكومة

_ 1 العروة الوثقى 22 مايو 1884.

المصرية عقب القرار الخاص بمصادرتها وتدعو علانية إلى وسائل العنف وتتمنى أن يكون بين المصريين من يستطيع ولو بأقسى الوسائل إبطال هذه الصفقة ونقض هذه البيعة -وهي تقصد صفقة القرض التي كان يتفاوض فيها نوبار باشا- ويكشف لهذا الوزير "وللمغرورين أمثاله حقيقة الوطنية ويرفع الحجاب عن واجبات الملية لا حول ولا قوة إلا بالله، إن المولعين بحب الحياة يقضونها من خوف الذل في ذل ويعيشون من خوف العبودية في العبودية ويتجرعون مرارًا سكرات الموت في كل لحظة خوفًا من الموت، لا الدين يسوقهم إلى مرضاة الله ولا الحمية الوطنية تدفعهم إلى ما به فخار بني الإنسان"1. وهذا لون من المعارضة التي قل مثيلها في أعدادها جميعًا، وقد صدر من العروة الوثقى ثمانية عشر عددًا بلغ فيها أدب الشيخ محمد عبده الذروة من حيث قوة العبارة وروعة الأسلوب ودقة المعنى، وقد أفلت في 26 ذي الحجة عام 1301 الموافق 26 أكتوبر 1884 وعاد بعدئذ الأستاذ الإمام إلى مصر وشغل بعض المراكز الكبيرة كنصب الإفتاء أو التدريس في الأزهر أو المساهمة في المجالس النيابية. لم يعد للصحافة المصرية في أثر من في الخارج إلى صحيفة يعقوب بن صنوع ولم يكن له أي أمل في العودة إلى بلاده فكانت صحفه وثيقة اتهام له، سواء أمام الاحتلال أو الحاكم الشرعي لمصر، وقد أتيح للصحافة ورجال الرأي في مصر من الحرية ما سمح لها ولهم بالحياة والتقدم ولم يكن هناك داعٍ؛ لأن يقوم جهاد الوطنيين على صحف تصدر في الخارج. وبعد ثمانية وعشرين عامًا من اختفاء "العروة الوثقى" اضطر محمد فريد بك رئيس الحزب الوطني وكان طريد السجن السياسي أن يكافح من أجل مصر في خارج مصر، فقد غلقت صحف الحزب الوطني جميعًا وطورد رجاله واشتدت السلطات في التضييق على حرية الرأي والكتابة، وأخيرًا نزل محمد

_ 1 العروة الوثقى في 5 يونيو 1884.

فريد مدينة جنيف، وفي أثناء إقامته هناك تعرف ببعض الشرقيين من الأحرار الذين لقوا مثلما لقى هو من العنت والاضطهاد، فاجتمعوا جماعة واحدة في 19 ديسمبر 1912 واقترح عليهم رئيس الحزب الوطني المصري تأسيس جمعية باسم "جمعية ترقي الإسلام" وقوبل اقتراحه بالتأييد وأخذ هو يضع لائحتها التي تنظم أغراضها وتوضح اتجاهها، وكانت الغاية في إنشاء هذه الجماعة تقوية روابط التضامن بين الشعوب الإسلامية وتغذية النهضة السياسية فيها والعناية بالنواحي الاقتصادية في بلاد تلك الشعوب، واتخذت الجماعة مدينة جنيف مقرًّا لها، ثم رأت أن لا بد من صحيفة تعبر عن أغراضها وتكون لسانًا لنشاطها فأصدرت الجماعة صحيفة فرنسية باسم Bulletin de la 8ociete End Jouman Terekki- Islam (Progres de L Islam وكان صدور هذه الصحيفة في شهر مايو من سنة 1913 وقد بحثت هذه المجلة في الشئون الشرقية عامة والعالم الإسلامي خاصة سواء ما اتصل بأمور السياسة أو الاقتصاد أو الدين، وهي من حيث اتجاهها تشبه كثيرًا مجلة "العروة الوثقى" وتمتاز عليها من حيث كثرة محرريها ومن انضم إلى إنشاء الفصول الرائعة فيها كالمستر "بلنت" صديق المصريين منذ عهد العرابيين، ومسيو بيير لوتي وكلود فارير " Claude Farrer" الأديبين الفرنسيين الكبيرين وغيرهما من كبار الأساتذة الفرنسيين، وقد ظلت الصحيفة تحمل طابعها وتذيع آراء هؤلاء الرجال حتى أقبلت الحرب العظمى فتوقفت عن الصدور، ولكن في خلال تلك الحرب أصدر محمد فريد بك في جنيف مجلة أسبوعية باللغة الفرنسية تخصصت لشئون مصر وحدها سماها Fcho de L Egypte غير أن الحكومة السويسرية رأت فيها حدة لا تتفق مع مركزها الدولي كأمة محايدة فأبت استمرارها بحدة منافاتها للحياد، ومن ثم أغلقت الجريدة بعد صدور العدد الثاني منها1:

_ 1 الرافعي: محمد فريد، ص341، 393.

وقف نشاط الصحافة الوطنية في مصر والخارج بوقف "مجلة جمعية ترقي الإسلام" عن الصدور، ووقف النشاط في مصر بإعلان الأحكام العرفية التي حدت من الحرية الضئيلة الباقية الصحافة المصرية، ووقف النشاط في الخارج بوفاة عميد تلك الصحافة يعقوب بن صنوع سنة 1912 بعد أربع وثلاثين سنة من كفاح متصل لا يهون ثم باحتجاب صحيفة "صوت مصر" أخيرًا في سنة 1914. واستمر النشاط الصحفي محجورًا عليه في مصر والخارج خلال الحرب العالمية الماضية ثم قامت الحركة الوطنية في مصر سنة 1919 واستمرت الصحافة بين التضييق والتيسير، ولم يكن هناك محل لصحف مصرية تصدر في أوربا وقد بدأت حياة مصر تستقر في الداخل، لولا أن مصريًّا له تاريخ في الحزب الوطني القديم أنشأ صحيفة في جنيف بعد الحرب العظمى هو الشيخ على الغاياتي. والشيخ الغاياتي هو صاحب كتاب "وطنيتي" ولهذا الكتاب تاريخ في الحركة الوطنية قبيل الحرب العظمى فقد كان الشيخ محررًا في "اللواء" في سنة 1910 فأخرج في يوليو من السنة المذكورة ديوانًا من الشعر أسماه "وطنيتي" احتوى تأريخ شعري لحوادث مصر خلال عامين، وكتب رئيس الحزب الوطني محمد فريد ورئيس تحرير "اللواء" الشيخ عبد العزيز جاويش مقدمة لهذا الكتاب، ولم يكن في الكتاب شيء يستحق المؤاخذة ويستدعي المقاضاة؛ لأن قصائده نشرت جميعًا في الصحف السيارة غير أن في الكتاب قصيدة عن الشيخ علي يوسف وجريدته "المؤيد" حمل الشاعر عليهما فيها حملة قاسية، فنشرت "المؤيد" بضعة أنهر عن هذا الكتاب وفيها دعوة خفية إلى النيابة بالقبض على الغاياتي ومن صدر له ديوانه1 وتحقق ما دعت إليه "المؤيد" واستجابت النيابة العامة إلى الدعاء، فصادرت الكتاب ومضت تحقق مع مؤلفه وأقامت الدعوى العمومية على محمد فريد وهو في خارج مصر وعلى الشيخ

_ 1 منبر الشرق في 6 مايو 1938.

جاويش بحجة أنهما يدعوان إلى الجرائم السياسية ويحبذان ارتكابها ويحضان على إهانة الهيئات الحكومية ثم إحالتهما إلى محكمة الجنايات فقضت عليهما جميعًا بالسجن مددًا متفاوتة1 بيد أن الشيخ الغاياتي استطاع أن يهرب من سجنه إلى الأستانة ومنها إلى جنيف حيث استوطن ذلك البلد زهاء سبع وعشرين سنة. وأصدر الشيخ الغاياتي جريدة عربية فرنسية في جنيف سنة 1922 وهو يحدثنا بعد عودته إلى مصر عن تاريخ هذه الصحيفة التي أعوزتنا أعدادها في المكاتب العامة فيقول: "صدر العدد الأول من هذه الجريدة -اسمها بالعربية "منبر الشرق" وبالفرنسية " La Tribune d orient" في جنيف يوم الأحد 5 فبراير عام 1922 "9 جمادى الثانية 1340هـ" وعاشت هناك ما يقرب من ستة عشر عامًا، وكان بها في أول عهدها بجانب القسم الفرنسي صفحة عربية كثيرة المتاعب كبيرة النفقات ثم رأى الاكتفاء باللغة الفرنسية وهي لغة البلاد التي تصدر فيها والأوساط التي نريد مخاطبتها، وقد نمت وترعرعت وانتشرت في الشرق والغرب وبات لها ذكر حسن واسم معروف وخاصة في مركز جمعية الأمم التي عملت فيه ما استطاعت على خدمة مصر والشرق والإسلام، ويرجع الفضل في نجاحها كما يقول صاحبها إليه وإلى بعض البيوتات التجارية في جنيف التي أمدته بإعلاناتها، ثم يحمل على المصريين البخلاء ذوي المال والجاه الذين "لا يزالون مدينين لهذه الجريدة" ثم يمضي في تأريخه لها قائلًا: "وقد صدر آخر عدد من "منبر الشرق" في جنيف يوم الأربعاء 26 مايو عام 1937 "26 ربيع الأول سنة 1356هـ" وكانت خطة الجريدة كما يقول صاحبها العمل على أن يكون "الشرق للشرقيين"2 ومجمل القول في "منبر الشرق" إنها ختمت حياتها في جنيف عام 1937 وعادت إلى الظهور في القاهرة بعيدة عن جميع الأحزاب في سنة 1938.

_ 1 المؤيد في 4 يوليو 1910. 2 منبر الشرق في 6 مايو 1937.

وفي سنة 1933 أصدر الدكتور محمود عزمي صحيفة في لندن سماها "العالم العربي The Arabic World" على أن تكون صحيفة أسبوعية غير أنه جعلها شهرية ابتداء من العدد الثاني، وقد تضمنت أعدادها المختلفة إشارة إلى اتجاهها فهي ترنو إلى تنوير الرأي العام الإنجليزي وشرح المسائل الشرقية المعقدة شرحًا مفصلًا لعل هذه البحوث تقيم علاقات من الود والصداقة بين الشعب الإنجليزي وشعوب الشرق المختلفة، وقد تناولت بعض أعدادها المسائل الاقتصادية والتجارية والاجتماعية في جميع الدول العربية، وكان لها مكاتبون في عواصم الشرق المتباينة ونشرت أحيانًا بعض القصص بأقلام مصرية أو أجنبية، وتعتبر مجلة "العالم العربي" مثالًا رائعًا للذوق السليم من حيث شكلها وإخراجها فقد حفلت بالصور الواضحة لرجال الشرق المشهورين كما احتوت أعدادها على بعض الصور الكاريكاتورية. وقبل أن نختم هذا الفصل نسجل أنه بعد نحو خمس وأربعين سنة من صدور جريدة "العالم العربي" التي أنشأها محمود عزمي في مدينة لندن، ظهرت صحف معارضة في لندن وباريس وغيرهما من الأمصار. ولم تسعفنا الظروف للاطلاع على هذه الصحف لنوجز سيرتها ونزن مقامها، لذلك لا أملك التأريخ لها وخاصة أنها تصدر في أيام نعيشها والحكم عليها لا يتفق وعقيدتي بأن التأريخ الصحيح الخالي من الغرض والحيدة لا يكتب وأصحابه أحياء. وختامًا لهذا الفصل أذكر أن الصحف المصرية التي صدرت منذ ظهرت الصحف المعارضة في الخارج حتى مجلة عزمي كان معظمها يتجه اتجاهًا شرقيًّا دينيًّا وهو سمة اجتمعت عندها جميع الصحف المصرية التي صدرت في الخارج فيما خلا صحف يعقوب بن صنوع وصحيفة محمود عزمي فكانت صحفًا مصرية حقًّا بمعانيها وروحها، ولهذه الصحف أثر مشكور في تعريف الأجانب بالشرق وبمصر خاصة، وفي ذلك من الدعاية للحركة الوطنية ما قوم رأي الكثيرين من الأجانب الحاملين على مصر ورجالها، وهذه الصحف جميعًا تتفق في

الحملة على الاحتلال الإنجليزي، ولذلك أثره في تحرز الإنجليز وتحفظهم في معالجة أمور المصريين وتقدير النتائج ووزنها إذا كشفت أمور الاحتلال في الخارج، وهي صحف قادرة على الرواية الصريحة التي لا يقف دونها قانون المطبوعات في باريس أو لندن أو جنيف، وقد استطاعت هذه الصحف على قلتها وعلى اختلاف نزعاتها أن تكتب لها في تاريخ الصحافة المصرية بابًا من أفضل أبوابها وأكثرها روحًا وحياة.

تشريعات الصحافة

تشريعات الصحافة: الفصل الأول: منذ الحملة الفرنسية إلى قيام ثورة يوليو يكاد إجماع الفقهاء والباحثين ينعقد على أن المطبوعات، وفي مقدمتها الصحافة تجد في قانون المطبوعات الصادر في 26 نوفمبر 1881 أول تشريع ينظم شئونها ويضبط مسائلها، ولا يعد هذا الرأي مبالغًا فيه إذا نظر إلى قانون سنة 1881 على أنه أول أداة تشريعية مصرية سايرت نشاط الصحافة وسائر المطبوعات في مختلف مراحلها فتعرضت للتحرير كما تعرضت للطبع والتوزيع والنشر، وإذا كان رأي هؤلاء الفقهاء صحيحًا من حيث اكتمال الأداة التشريعية بهذا القانون فإنه يكون يكون رأيًّا مبتسرًا من ناحية الأصول التاريخية، فإن المعنيين بشئون الصحافة وتاريخها يمكنهم أن يردوا تاريخ المطبوعات إلى عهد الحملة الفرنسية على مصر1، فقد عرفت البلاد في غضونها أول تشريع للمطبوعات أصدره بونابرت في 14 يناير 1799 في صورة أمر احتوى على ست مواد أكمله الجنرال عبد الله منوفي في مرسومه الصادر في 26 نوفمبر 1800 الخاص بجريدة "التنبيه L Avertissement". ثم أسس محمد علي مطبعة بولاق في سنة 1819 على صورة متواضعة تتصل بحياة الحكومة وحدها، فقد تكفلت بمطبوعاتها وهي عبارة عن كتب للدراسة والعلم لا تستوجب نظمًا أو لوائح وقوانين تحدد سياستها وتنظم أمورها فمضت شئون النشر فيها هينة إلى أن أخذت تتعقد أحوالها باتساع أعمالها وخطر آثارها بحيث أصبح من المتعذر أن تسير المطبعة على فطرتها أو تضطرد على طبيعتها ودعت الأحوال الجديدة إلى إصدار الأوامر ووضع اللوائح وسن القوانين وتحديد سياسة للطبع فيها ووضع نظام للرقابة على مطبوعاتها.

_ 1 راجع هذا الموضوع في "تاريخ الطباعة والصحافة في مصر خلال الحملة الفرنسية" للمؤلف.

ويروي لنا " Brocchi" السائح المعروف المناسبة التي تم فيها التشريع الأول للمطبوعات في مصر، فيذكر أنه كان بين مدرسي مدرسة الفنون المدرس الإيطالي " Bilotti" وقد نظم هذا المدرس قصيدة شعرية طويلة سماها "ديانة الشرقيين" أساء فيها إساءة بالغة إلى الإسلام والمسلمين، ودعا فيها إلى التهوين من أمر هذا الدين والسخرية برجاله، وقد اتفق بيلوتي سرًّا مع "نقولا مسابكي" أفندي ناظر مطبعة بولاق على نشر قصيدته في المطبعة، وكان مسابكي تلميذًا لإيطاليا وأحد مبعوثي الوالي فيها، وهو نصراني لا يعنيه من أمر الدين الإسلامي شيء وإيطاليا في ذلك الوقت موطن العداء لهذا الدين، فتم طبع القصيدة دون علم الوالي، بيد أن سولت " Salt" قنصل إنجلترا في مصر وقتئذ كان في خصومة مع الناظم الإيطالي فرأى هذه الفرصة وسيلة يتوسل بها للإيقاع به، فروى للباشا أن في الكتاب فحشًا في القول وزراية بالدين إلى درجة أنه يستحيل على أي حكومة أن تقبل ألفاظه أو معانيه مهما تتساهل في حرية النشر أو حرية القول والكتابة، فأمر محمد علي بمخطوط الكتاب فألقى في النار وكاد يقتل مسابكي، ولولا شفاعة عثمان نور الدين من رجاله المقربين لتم القضاء على الكتاب وناشره معًا، ومن ثم أصدر الباشا أمرًا في 13 يوليو 1823 "4 ذي القعدة 1238هـ" يحرم طبع أي كتاب في مطبعة بولاق إلا إذا استصدر مؤلفه أو ناشره إذنًا خاصًّا من الباشا بطبعه، وفرض أشد العقوبات جزاء لمن يخالف هذا الأمر1. ويعتبر أمر محمد علي هذا أول تشريع للمطبوعات في عهد أسرته، وقد انصب على الأجانب والمصريين جميعًا، وآية ذلك أننا لا نجد مطبوعًا في مطبعة بولاق إلا ونجد أمرًا عاليًا بطبعه عليه خاتم المطبعة وتاريخ نشره، وذكر أن ولي النعم أصدر أمره بأن يطبع في المطبعة لما رأى فيه "من الفائدة والملاءمة" حتى ولو كان أمر الطبع صادرًا من دواوين الحكومة الرسمية،

_ 1 Brocchi G.D Viggi in Africa, Ciornale Esteso in Egitto. T. I. p.370

ويروي أرتين باشا أن محمد علي كان متأثرًا في أمره هذه بقوانين فرنسا المعمول بها في ذلك الوقت1 وعندي أن الباشا لم يرجع في ذلك إلى مرجع فإن الحادث من الوضوح والقرار من البساطة بحيث لا يدعو الأمر إلى استشهاد بقانون أجنبي أو نقل عن تشريع من التشريعات، وهو أول قانون للمطبوعات وآخر قانون لها في عهده وعهد خليفته إبراهيم وعباس. هذا فيما يختص بنشر الكتاب، أما علاقة محمد علي بالصحف فكانت علاقة صاحب البيت ببيته، صدرت في عهده خمس صحف "جرنال الخديوي" في أول الأمر حوالي سنة 1822، ثم "الوقائع المصرية" في نهاية سنة 1828 ثم "الجريدة العسكرية" حوالي سنة 1833، وجريدة "لومنيتور إجبسيان" قرابة ذلك الوقت، ثم جريدة " Lo Spettatore Egiziano" في سنة 1846، الصحف الثلاث الأولى صحف الدولة الرسمية، والصحيفة الفرنسية صحيفة شبه رسمية، أما الصحيفة الأخيرة فجريدة للإعلانات، وكانت "الجريدة العسكرية خاضعة لرقابة صاحب الدولة السر عسكر إبراهيم باشا وهي خاصة بالشئون العسكرية الخالصة، و"جرنال الخديوي" جريدة الوالي وحده بعد إنشاء الوقائع أما الجريدتان الأجنبيتان فكانتا أخبارهما كلها منقولة عن الوقائع، وإذن تكون "الوقائع المصرية" هي الجريدة الفذة التي شغلت من حياة الدولة جهدًا وإشرافًا اشترك فيها الموظفون ومنحت للعلماء وفرضت على التلاميذ في مصر وخارجها ووزعت في بلاد العرب والشام وكريت، فهي في حياة الدولة شيء خطير بعيد الأثر، وقد أشرف محمد علي بنفسه على "الوقائع" وإخراجها فكان يكلف موظفيه بكتابة المقالات ويوعز بنشر الأخبار ويراجع مسودات الجريدة قبل طبعها ويعاقب المسئولين إذا أساءوا اختيار الخبر أو المقال، وكانت أوامره ورقابته لها لونًا من ألوان التنظيم التي سبقت تشريع المطبوعات في عهد خلفائه2.

_ 1 هامش ص35 Artin Pacha: Lettres du Dr. Perron a M. Mohel 2 تاريخ الوقائع المصرية للمؤلف ص30 - 77.

وفي عهد سعيد باشا صدر تشريعان للمطبوعات أوسع نطاقًا مما ذهب إليه محمد علي في نشر الكتب أو رقابة "الوقائع المصرية" أحدهما خاص بالمصريين والثاني خاص بالأجانب، وقد تضمن "قرار من المجلس الخصوصي" ماهية التشريع الذي سري على المواطنين ننشره هنا لبيان الفائدة من نشره ولأهميته في تاريخ المطبوعات. "تقدم لديوان الداخلية عرض من ملاطية لي محمود محمد كتابجي بخان الخليل ينهي أنه حصل له مضايقة في أمر المعاش وله معرفة في فن الطباعة على الحجر وأجل الإعانة على معاشه يريد تدوير عدة طباعة واحدة فقط لطبع بعض كتب صغيرة لازمة لتعليم الأطفال لأجل سهولة معاشه ومنفعة الأطفال تحت ظل الخديوي فلدي المذاكرة عن ذلك بالمجلس الخصوصي قد رؤي من حيث أن رفاهية العباد وسهولة إدارة أمر معاشهم من أقصى آمال الجناب الداوري فبذا لا مانع من الترخيص لمن يكون ذو معرفة لإدارة مطابع بملازم الحجر لإدارة أمر معاشه إنما يكون ذلك من بعد أن يؤخذ عليه سند الشروط من ورق الدمغة على الوجه المشروع وهو: أولًا: أن كل كتاب أو رسالة يراد طبعها لا يصير الابتداي في طبعها ولا تجهيز لوازمها ولا عقد شروط مع من يريد الطبع والالتزام ولا أخذ شيء منه ما لم يقدم نسخة ذلك إلى نظارة الداخلية لأجل مطالعتها والنظر فيها إن كانت مضرة للديانة ولمنافع الدولة العلية والدول الأجنبية والعامة أم لا ومتى وجد أن لا مانع من طبع ذلك ووافق هذا بالديوان فيعطي إليه الرخصة اللازمة وإن طبع شيء من هذا بدون إذن يصير من المخالفين. ثانيًا: لا يطبع ولا ينشر جرانيل وغازيتات وإعلانات من دون استحصال الرخصة من ديوان الداخلية وإن فعل ذلك بدون استئذان تغلق وتسد مطبعته.

ثالثًا: إذا طبع ونشر كتب ورسايل إهانة للديانة وللبوليتيقة والآداب والأخلاق فيجري ضبط وتوقيف هذا بمعرفة الضبطية. رابعًا: المطبعجي لا له أن يطبع عدد زيادة عن الشروط المنعقدة ما بينه وبين الملتزم أو من يريد الطبع بمطبعته وإن طبع شيء زيادة عن الشروط يعد سارق ويترتب جزاه بمقتضى القانون مع ضبط ما يوجد زيادة وإجراء الأصول فيه. خامسًا: إن حصل من المطبعجي أدنى مخالفة من هذه البنود فيعد مخالف إلى النظام ويجري غلق مطبعته وترتيب جزاه بالنسبة لخفة وجسامة الجنحة تطبيقًا للقانون. الخاتمة: عندما يختص بالتعهد الذي يؤخذ على المطبعجي يذكر فيه إني قد قبلت هذه الشروط الموضحة بالخمسة بنود وللمعاملة بموجبها ويشرط على نفسه أن لا يقعد مع أحد شروط طبع كتب أو رسايل أو غازيتات أو إعلانات أو خلافه بدون استحصال الإذن من ديوان الداخلية وصدور الأمر بالرخصة وأنه قابل برضاه واختياره، بالإجراء على وجه ما شرح بهذا وعلى هذا النسق يصير الإجراء مع كل ما يعرض من ذوي المعارف في إدارة مطبعة لمعاشه كما استقر الرأي بالمجلس"1. وقد جمع القرار بين الكتب والصحف والرسائل والإعلانات، والواقع أنه بالرغم مما يتبادر إلى الذهن من قسوة في الشروط التي وضعها الشارع فإن هذا القانون كان تشريعًا سهلًا لينًا؛ لأن ناس ذلك الوقت كانوا بطبعها مسالمين، وكانوا في حالة فكرية -من حيث التعليم وتناول أساليب الحياة-

_ 1 محفوظات عابدين، دفتر مجموع إدارة وإجراءات، ص207 تابع مأموريات مأموري الضبطية فيمن يرخص له بإدارة مطابع برانية - قرار المجلس الخصوصي في 27 جمادي أول سنة 1275هـ.

لا تسمح باختلاف على مصلحة عامة تدفعهم إلى السياسة ومشاكلها، كما كانوا مؤمنين بفطرتهم لا أمل للإلحاد والملحدين بينهم، وكان القانون صدى للقانون العثماني المعمول به في الدولة العثمانية وإن لم يصدر في نصه واكتفى المجلس الخصوصي بروحه، وهو شبيه أيضًا بالقانون الذي صدر من أجل الأجانب في مصر، وسائر ولايات السلطنة العثمانية. وقد كان للأجانب في مصر على عهد سعيد دالة على حكومته فقد أمد لهم الباشا في رحابه فكثر عددهم واستتبع ذلك إنشاء خمس صحف فرنسية وإيطالية غير صحيفة "السلطنة" العربية التركية، وطبعي أن هذا العدد الكبير من الصحف كان يقتضي رقابة من الحكومة الشرعية في البلاد حتى تأمن نتائج الآراء المتضاربة التي تذيعها هذه الصحف المتباينة، فكانت تجيز الترخيص بهذه الصحف "على شرط ألا تتجاوز فيما ينشره قوانين الدولة العلية وألا تذكر أي شيء ضد الحكومة المحلية1 والراجح أن بعض هذه الصحف قد تجاوز حدوده فاضطرت حكومة سعيد إلى أن تبلغ قناصل الدول منشور التنظيمات الصحفية التي صدرت في الأستانة في 6 يناير سنة "1857"2 وأرسلتها إلى هؤلاء القناصل في كتاب وقعه ناظر الخارجية في شهر ديسمبر عام 1857 وقد صدرت هذه القوانين لتنظيم العلاقات بين الحكومة العثمانية وبين رعايا الدول في داخل الدولة وفي سائر ولاياتها3، ومن هذه القوانين جزء خاص بالصحف بلغ كما ذكرنا إلى القناصل ليذيعوه على رعاياهم حتى يعملوا بمقتضاه، وننشر هنا أهم المواد الخاصة بالمطبوعات لنبين حقوق الحكومة المصرية والتزاماتها التي خلقتها حالة جديدة لم تكن تعرفها مصر من قبل4.

_ 1 محفوظات عابدين وثيقة رقم 31سجل 525 معية تركي، ص64 قسم ثان Legislation Ottomane 2 محفوظات وزارة الداخلية ج3، ص318 رقم1 - 25 أرشيف الباب العالي Evolution De La Legislation Sur La Presse En Egypte 3 عبد المجيد صادق رمضان، ص15 و16 طبعة عام 1935. 4 Manuala di Diritto Publico F. Privato Ottomano Domenico Gatteschi طبعة 1865 من ص545 إلى ص575.

مادة "1": يجب الامتناع باتًا عن كل نقد لأعمال الحكومة. مادة "2": يجب تجنب كل مجادلة في المسائل التي لا تهم مباشرة السلطنة والتي من شأنها أن تضر بالعلاقات الحسنة القائمة مع الدول. مادة "3": يجب الاقتصار في نشر المراسلات الواردة من المقاطعات على سرد الحوادث دون نقد أو تعليق على أعمال الموظفين، ويجب ألا تنشر المراسلات إلا بعد إرسالها إلى مكتب الصحافة. مادة "4": بما أن الوقت لا يسمح بتقديم المسودات ليلة النشر يجب على المحررين أن يوضحوا شفويًّا للشخص القائم على مكتب الصحافة ما تحتوي عليه افتتاحية الجريدة التي ستنشر وأن يتبعوا الملاحظات التي يمكن توجيهها إليهم. مادة "5": لا بد من أخذ رأي مكتب الصحافة قبل نشر الجريدة وذلك لتجنب إذاعة الأخبار الباطلة. مادة "6": على الجريدة أن تفتح صفحاتها لتكذيب وتصحيح المقالات المنشورة في أوربا والتي يعرضها مكتب الصحافة. مادة "7": كل مخالفة لهذا القانون تعاقب عليها الجريدة أولا بإنذارها وبعد ثلاثة إنذارات تعاقب بالإيقاف المؤقت أو النهائي. مادة "8": يضاف الجزاء في حالة الرجوع إلى ارتكاب الجرم ما عدا الاستثناءات التي ينص عليها القانون. مادة "9": كل من ينشئ مطبعة أو ينشر كتبًا أو نشرات أخرى دون ترخيص من الباب العالي أو كل من يسمح لنفسه بنشر أو طبع جرائد أو كتب أو مطبوعات أخرى ضد الحكومة أو موظفي الباب العالي أو ضد أية دولة من الدول الخاضعة لتركيا، هذه الجرائد والكتب والمطبوعات تصادر ويلزم المسئول على قدر مسئوليته بقفل مطبعته مؤقتًا نهائيًّا ويعاقب بدفع غرامة من عشرة إلى خمسين جنيهًا مجيديّا.

ويختم ناظر الخارجية تبليغه لقنصل كل دولة بقوله: "تحدد هذه النصوص المختلفة في شيء كثير من الإيضاح واجبات الصحفيين والناشرين ولا يترك أي شك في السبيل التي يجب أن تتبع، هذا بخلاف القواعد الخاصة بالعرض والنشر والأشياء الأخرى التي من اختصاص الشرطة، إلى أن يقول: "ولكي يكون هذا الكلام أكثر وضوحًا أضيف إلى ذلك ما يأتي: أولًا: كل شخص يمتلك أن يستغل مطبعة قائمة بالفعل دون ترخيص سابق يجب عليه أن يحصل على هذا الترخيص في مهلة مقدارها شهر ابتداء من هذا المنشور وإلا فلا يسمح له بمباشرة عمله ويكون معرضًا لقفل مطبعته. ثانيًا: وأن مكتبًا للصحف أنشئ في هذه النظارة -يقصد نظارة الخارجية- لتطبيق هذه القواعد". ثم يطلب ناظر الخارجية من القناصل في مصر أن يذيعوا منشوره السابق الذكر على رعايا دولهم ويبين أن الحكومة مصممة على تنفيذ هذه النظم والقوانين المعمول بها في السلطنة العثمانية وهو حق لها وواجب عليها أيضًا، ثم يأمر بنشر هذه القواعد والقوانين في مختلف جرائد القطر حتى لا تكون هناك حجة لأحد. عرضنا لكتاب الوزير المصري الذي تضمن القوانين التي بمقتضاها تنشر صحف وتنشأ مطابع، وقد اجتزأ الوزير بعض المواد التي احتوى عليها قانون المطبوعات العثماني، وليست مواد قانون الصحافة التي نشرناها مواد حرفية لقانون المطبوعات التركي بل هي تحمل روحه وطابعه دون الصيغة الأصيلة كما أنها لم تأت مفصلة ولم يراع الوزير المصري في تبليغها للقناصل حرفية القانون بل بسطها تبسيطًا ملحوظًا إذا قورنت بالمواد المنشورة بالقانون التركي الأصلي، وقد عمدت الحكومة المصرية كما رأينا إلى بعض مواد قانون الصحافة دون غيرها وبلغتها للقناصل إذ كان يهمها أشد الاهتمام الامتناع عن نقد أعمالها مما يؤثر على الأمن أو يدعو إلى اضطراب في أفكار الأجانب، وهي كذلك

حريصة على إعفاء موظفي الحكومة من الملاحظات التي قد توجهها إليهم هذه الجرائد فاشترطت لتحقيق هذه الرغبة أن يقر الأخبار التي تذيعها الصحف عن الحكومة وموظفيها مكتب للصحافة أنشأه سعيد في نظارة الخارجية. وليست الأخبار وحدها المطلوب رقابتها بل إن الافتتاحيات أيضًا كانت تمر على المسئولين في مكتب الصحافة أو يقرها موظفوه مشافهة على شريطة أن يذعن المحرر للاعتراضات التي توجه إليه اجتنابًا لإذاعة الأخبار الباطلة، وكذلك فرض قانون الصحافة على الجرائد الأجنبية في مصر أن تفتح صدرها لتكذيب وتصحيح الأخبار التي تنشرها صحف أوربا أو يذيعها المغرضون عن الحكومة المصرية، وقد أخذ مكتب الصحافة على عاتقه تزويد الصحف بهذا كلما دعت الحاجة إلى تكذيب أو تصحيح. ولكي تمكن الحكومة لسلطانها على هذه الصحف رسمت عقوبات مختلفة ستفرضها على من يخالف مواد القانون أو يستهين بها، كما عمدت إلى أن تجعل لهذا القانون أثرًا رجعيًّا فكل صاحب مطبعة أو ناشر ينبغي أن ينال ترخيصًا بفتح مطبعته أو نشر جريدته وإلا تعرض لجزاء يقضي على مطبعته ويعطل صحيفته، وألقيت كل هذه المسائل الصحفية الجديدة التي نشأت في الحياة المصرية على مكتب الصحافة الذي أنشأته حكومة الوالي في سنة 1857. ومع أن علاقة الحكومة بالمطبوعات أصبحت واضحة بعد هذين القانونين إلا أنه ينبغي أن نذكر أن الحكومة كالت لهذه المطبوعات بكيلين، فالأجانب كانت لهم الحظوة وكان لهم في قناصلهم حصانة حالت في كثير من الأحيان دون تنفيذ القانون أو رقابة الدولة كما نص التشريع، فقد فتح السيد محمد هاشم من رعايا أمير المغرب مطبعة حروف دون استئذان الحكومة فاستفسرت الضبطية المصرية من الوالي عما يجب أن تصنعه فكان رد سعيد كافيًا ليظهر لنا مدى تحمس الدولة لتنفيذ أوامرها، يذكر والي مصر للضبطية أن "محمد هاشم من طرف أمير المغرب، وأنه إذا كان قد فتح مطبعة حروف دون إذن الحكومة وموافقتها فإن له امتياز الصلة بالسيد عبد القادر الأمير المذكور فيا مبارك

إن الأشياء التي مثل هذا لم هي يد واحدة مثلما تعملون، ثم يقرر له أن الناس أمام القانون غير متساوين وخاصة إذا اعتزوا بأمير أجنبي "إن أصول اليدية الواحدة مرفوع وملغي، افهموا ذلك"1. فهذا الكتاب يبين لنا أن القانون لم يطبق بدقة في بعض الحالات التي تشفع فيها وشائج الصلات الأجنبية، ويمكن للمؤرخ الذي يسجل العلاقة بين الحكومة المصرية والصحافة في مصر أن يجعل هذه المسائل التي ظهرت في عهد سعيد فيقرر أن الصحافة لم تكن حرة قط، فالحكومة ترى نفسها صاحبة حق في إذاعة الأخبار ونشرها، وأنها إن نزلت عن هذا الحق لأحد من الناس فإنما يكون ذلك بترخيص منها، لها فيه حقوق واسعة، وبالرغم مما تصوره عملية الإصدار هذه من التزمت فإن الحكومة أرادت أن تقي نفسها من خطر ما يذاع وينشر فسمحت للكاتب أن يتخير موضوعه ثم فرضت عليه أن يعرض كتاباته قبل نشرها. وقد كان للتشريعات الصحفية التركية أثر بعيد المدى إذ مضت الحكومة المصرية تنفذها على رعاياها وتطبقها على رعايا الدول في مصر ثم عدلت التنظيمات الصحفية بقانون صدر في الأستانة في يناير سنة 1865 من خمس وثلاثين مادة أهم ما ورد فيها الشروط التي تتوافر في مدير الصحيفة التي يراد إصدارها، ففرض أن يكون عثماني الجنسية وألا يقل عمره عن ثلاثين سنة وأن يكون متمتعًا بكامل حقوقه المدنية ولم تصدر في حقه أحكام مخلة بالشرف على أن يقدم الطلب لناظر المعارف وأن يودع مصدر الصحيفة نسخة منها قبل توزيعها موقعًا عليها من المدير المسئول في إدارة المطبوعات، وقضت المادة الثالثة من ذلك القانون بأن للأجانب حق إصدار الصحف بشرط أن

_ 1 محفوظات عابدين، دفتر مجموع أمور إدارة، ص307، تابع مأموريات مأموري الضبطية فيمن يرخص له بإدارة مطابع برانية، أمر تركي في 11ذي القعدة عام 1277هـ، رقم 37 مما يره.

تسري عليهم الشروط التي تسري على الأتراك، وأن يكون للقضاء العثماني دون القنصلي حق الفصل في القضايا الصحفية، وللحكومة أن تمنح أو تمنع الترخيص بدون إبداء الأسباب. وقد فسرت الحكومة العثمانية هذا القانون بأمر الصدارة العظمى الرقيم 13 مارس سنة 1867 ولم يختلف القانون ولا أمر الصدارة عن تشريع يناير سنة 1857 في شيء من حيث الجوهر، ثم صدر القانون الهمايوني في 11 ديسمبر سنة 1870 مقررًا حرية المطبوعات في الدولة وسائر ولاياتها إلا أنه -من الناحية العملية على الأقل- لم يجب ما سبقه من قوانين وأوامر وخاصة حق الحكومة في إلغاء صحف الأجانب بصفة إدارية. وقد سعى الخديوي إسماعيل جهده في كسب ود الصحافة، وحرص على أن يكون إليه أمرها، فمنحها من الحرية ما عطل القوانين التي ذكرناها، وكان شخصه المرجع في كل ما يتعلق بها، وكان بيده أن يمنح الترخيص لها أو يقبض ذلك عنها، وقد يبدو ونحن نعرض للصحافة المصرية وعلاقتها بالحكومة وعلاقة الحكومة بها في عهد إسماعيل أن هناك شيئًا خفيًا يربط هذا كله، فإن الصحف تجاوزت في عهده السبعين جريدة بين عربية وفرنجية وبين جريدة ومجلة، ومن بينها ما كانت له مع الحكومة مواقف مواتية أو مناهضة، لذلك وضحت في عهد الخديوي إسماعيل وظيفة مكتب الصحافة أو إدارة المطبوعات على أدق تعبير، فقد افتتح إسماعيل عهد بكتاب شريف باشا إلى القناصل يبين لهم فيه ما فعلته نظارة الخارجية لتنظيم العلاقات بين الحكومة وبين رعايا الدول المشتغلين بالنشر والصحافة. وقد بقي سهم هذا المكتب محجوبًا حتى سنة 1866، ففي 15 جمادى الآخرة سنة 1283هـ "26 أكتوبر 1866م" كتب إسماعيل راغب مأمور الأمور الخارجية إلى المعية يذكر لها أن ولي النعم "وافق على تأسيس قلم صحافة يلحق بنظارة الخارجية ليقوم بالإجراءات المتعلقة بالجرائد وغيرها من

المطبوعات"1 وكان من شأن هذا المكتب الإشراف على الصحافة ورعاية شئونها ومراقبة أقلام أصحابها، وقد صدر أمر جديد بإعادة تنظيم مكتب الصحافة في 20 أبريل سنة 1869 وبقي المكتب على حاله ملحقًا بنظارة الخارجية، وتخصص لمراجعة ما ينشر في الصحف من عربية وغير عربية، فإذا وجد فيها ما يؤاخذ عليه كان من وظيفته دراسة جرائم النشر هذه، ثم عليه بعدئذ أن يعد التقارير بالموضوعات التي تستحق المؤاخذة أو الموضوعات التي من شأنها أن تهم الحكومة معرفتها ويرفعها إلى الجهات العليا وهي هنا مجلس النظار، وأصبح هذا المكتب يتكون من خمسة أعضاء، ثلاثة من الأجانب أحدهم الرئيس وهو إذ ذاك جودار بك " Goudard Bey" وكان رئيسًا للمكتب الأوربي في الوقت نفسه، ثم اثنان من الوطنيين2 توزعت اختصاصاتهم فيما بينهم، فكان على العضوين المصريين مراقبة الصحف الوطنية العربية منها والتركية بينما اختص الثلاثة الآخرون بمراقبة الصحف الفرنجية، وقد بقي مكتب الصحافة قاتمًا حتى صدر قانون المطبوعات المصري في "26 نوفمبر سنة 1881"3. وقدحدثت بعض التغييرات في شئون الصحافة بعد ذلك إذ صدر أمر خديوي تضمن تعيين حقوق النظارات المصرية، فقرر أن تكون الجرائد والمطبوعات تابعة لنظارة الداخلية ابتداء من "13 ديسمبر سنة 1878"4، وقد أصبح للمشرف على الوقائع المصرية حق الإشراف على الصحف

_ 1 محفوظات عابدين، وثيقة رقم374، محفظة 39 معية تركي في 15 جمادى الآخرة سنة 1283هـ، ولفهم التفاصيل الخاصة بهذا الكتاب يرجع إلى الوثيقة رقم 11 دفتر رقم 560 معية تركي في أول شعبان سنة 1283هـ، من المعية إلى نظارة الخارجية. 2 صفحة 1، باب الحكومة المصرية Francois Levernay Guide Annuaire 1872- 1873 3 مجموعة القوانين واللوائح المعمول بها في مصر، أحمد محمد حسن بك وإيزيدور فلدمان، ج2، ص1459 - 1463. 4 جريدة التجارة في 13 ديسمبر 1878.

والمطبوعات الأهلية1 وذلك خلاف المطبوعات الفرنجية، وفي ذلك شكت الصحف من التناقض والتخالف بين إدارة المطبوعات والإدارة الوطنية فإنهما على طرفي نقيض في معاملة الجرائد، تلك تطلق لها العنان ولا تعارضها فيما تقول، والثانية تقف لوريقاتنا القائمة بخدمة الوطن"2 وهي حالة شاذة بخلاف ما عليه في الدولة العثمانية وسائر الدول في العالم المتمدن"3. ولم يكن الترخيص بإصدار الصحف أمرًا هينًا، فقد كان على الراغب في إصدار صحيفة من رعايا الدول أن يكتب إلى قنصليته وهذه تكتب إلى مكتب الصحافة الملحق بالنظارة المختصة، وتلك بدورها تستأذن المسئولين في ديوان الخديوي4 ثم يعرض الأمر على ولي النعم فإذا وفق فإنما تجيز موافقته الأمر بشروط منها "أن تكون -يقصد الصحيفة- خاضعة للقانون الموضوع لهذا الشأن والمعلوم لدى نظارة الخارجية" ومن أهم هذه الشروط أن تؤخذ على طالب الترخيص التعهدات مصدقًا عليها من قنصليته، وليس لأجنبي حق طلب الترخيص مباشرة كما ذكرنا وليس له أن يتصرف في طلب الترخيص الممنوح له بالبيع أو النقل إلى شخص ما إلا إذا اتبعت مع المالك الجديد نفس الإجراءات التي اتبعت مع صاحب الترخيص الأصيل5، وإذا أراد صاحب جريدة أن يضيف إلى جريدته مواد جديدة لم يذكرها في ترخيصه كأن يضيف إليها الشئون السياسية وكانت من قبل خلوًا منها اتبعت نفس الإجراءات التي اتبعت في طلب الترخيص حتى يبلغ الموافقة أو الرفض من الخديوي نفسه6.

_ 1 محفوظات عابدين، وثيقة رقم9 في 26 محرم سنة 1293هـ. 2 جريدة التجارة في يناير 1879، وفيها إنذار من مدير الوقائع والمطبوعات. 3 جريدة التجارة في 15 مايو 1879. 4 محفوظات عابدين، وثيقة رقم 31 أبريل 525 معية تركي قسم ثانٍ، ص164. 5 راجع في ذلك المحفوظات التاريخية بسراي عابدين، وثيقة رقم65 و110 أصلية، محفظة 30 معية تركي في 3 ذي القعدة 1279هـ. 6 محفوظات عابدين، وثيقة رقم381، محفظة 47 معية تركي في 6 ذي الحجة 1392هـ.

وقد حلفت محفوظات عابدين التاريخية بالوثائق التي تثبت أن الخديوي وحده كان يمثل قانون المطبوعات ويهيمن بنفسه على شئون الصحافة فقد طلب الخواجة "بيرينيه" أن يسمح له بإصدار جريدة لنشر وإذاعة أخبار المسارح والقهوات على ألا تتدخل في السياسة مطلقًا بيد أن "المعية رفضت التصريح بذلك"1 ولم يكن في وسع أي سلطة حكومية حتى ناظر الخارجية أن تشير برأي في منح الترخيص دون الرجوع إلى الخديوي، يدلنا على ذلك وثيقة تقول بعد الموافقة على طلب المسيو الكسندر بانوتسي بإصدار جريدة تبحث في الأدب والتمثيل، "بالنظر لتغيب الجناب العالي الخديوي"2، ولم تكن العلاقة معقدة هكذا بين الحكومة المصرية والصحافة الوطنية، فكان المواطنون من أصحاب الصحف المصرية العربية يتقدمون إلى مكتب الصحافة دون وساطة أو شفاعة يطلبون الترخيص لهم بإصدار صحفهم ويسمون طلبهم هذا "العرضحال"3 ولا بد أن يمر الطلب في إجراءات مماثلة لما يجري مع أصحاب الصحف من الأجانب، بمعنى أن الخديوي وحده كان صاحب السلطان في إجازة الترخيص أو رفضه.

_ 1 محفوظات عابدين، وثيقة رقم1280، دفتر 1، ص61 في 13 صفر 1280هـ. 2 محفوظات عابدين، وثيقة رقم 8 في 14 صفر 1286هـ. 3 راجع عرضحال جريدة الوطن المنشور فيها في17 نوفمبر 1877.

الفصل الثاني: محاولة لقوانين متحضرة

الفصل الثاني: محاولة لقوانين متحضرة وقد استمر الحال على ما ذكرنا إلى أن تقررت المسئولية الوزارية وكف الخديوي إسماعيل يده عن التدخل في الشئون السياسية، وأخذت الحكومة الشريفية في تنظيم شئون الصحافة فجعلت المطبوعات الفرنجية والعربية في إدارة واحدة1، وحدد هذه الشئون قانون المطبوعات المصري الصادر في 26 نوفمبر سنة 1881 مشتملًا على ثلاثة وعشرين مادة نشرتها الوقائع في 29 نوفمبر سنة 1881 تضمنت المواد من الأولى إلى العاشرة شروط فتح مطبعة وضرورة الحصول على ترخيص بذلك مقابل دفع تأمين نقدي وفرضت على صاحب المطبعة عند قيامه بطبع أي صحيفة أن يخطر إدارة المطبوعات بنظارة الداخلية كتابة بعزمة على ذلك، ثم حددت أنواع المطبوعات التي ينسحب عليها القانون فذكرت أنها جميع المطبوعات أيا كان نوعها ومهما تكن الطريقة التي استعملت في طبعها، ولم ينس القانون أن يواجه الجزاء الذي يترتب على مخالفة أحكام هذه المواد، فذكر أنه الغرامة أو القفل المصادرة على حسب الأحوال، وفي المواد من "11" إلى "16" ينتقل القانون إلى الجرائد والرسائل الدورية فينص على ضرورة الإذن بها من الحكومة قبل إصدارها كما ينص على أن هذا الإذن شخصي ويجب تجديده كلما تغير امتياز صاحب الجريدة أو النشرة أو رئيس تحريرها أو مديرها كما فرض دفع تأمين نقدي يتفاوت مقداره تبعًا لعدد مرات صدور الجريدة أو الرسالة في الأسبوع، وأثبت حق الحكومة في تعطيل أو مصادرة أو قفل أي جريدة أو رسالة دورية بأمر من ناظر الداخلية بعد إنذار وبقرار من مجلس النظار بدون إنذار، وذلك بغية المحافظة على النظام العام أو الآداب أو الدين،

_ 1 جريدة المحروسة في 15 نوفمبر 1881.

كما أجاز الجمع بين التعطيل وبين توقيع غرامة تتراوح بين خمسة وعشرة جنيهات. وواجه القانون الجزاء الذي يحيق بكل من يخالف قرار التعطيل أو يتحايل على صدور الجريدة أو الرسالة سواء كان ذلك تحت اسمها الأصيل أو تحت أي عنوان آخر فنص في هذه الحالة على عقاب كل من محررها وصاحب امتيازها وصاحب المطبعة بغرامة من خمسة إلى عشرين جنيهًا عن كل عدد أو صحيفة تصدر منها فضلًا عما يناله صاحب المطبعة من إلغاء رخصته وإغلاق مطبعته، وتنصب المواد الأخيرة من القانون على المطبوعات والصحف التي تصدر في خارج القطر المصري فأعطت لناظر الداخلية حق منه دخول ما يراه منها وقررت غرامة لكل من يدخل أو يوجد في حيازته مطبوع جرى عليه قرار المنع، كما واجهت بعض هذه المواد مسألة لصق المطبوعات ونشرها في الميادين والشوارع وقررت منها متى كانت تنطوي هذه المطبوعات على أخبار سياسية وقررت غرامة لكل من يرتكب هذا الفعل مع عدم الإخلال بالمسئولية الجنائية التي قد تنجم عن هذا العمل. وكذلك فرضت المادة التاسعة عشر أصولًا للتوزيع فنصت على ضرورة الحصول على ترخيص يعطي بالمجان لكل من يوزع كتابًا أو صحيفة أو رسالة أو نقوشًا، ويعنينا من المود الباقية المادة الثانية والعشرون التي ألغت بهذا القانون كل قانون أو لائحة أو أمر أو منشور مخالف له، ويعتبر هذا القانون صدى للقانون الفرنسي الصادر في سنة "1854"1 والمتأمل في نصوصه -عكس ما احتوى عليه قانون المطبوعات الفرنسي الصادر في سنة 1881 - يدرك مبلغ ما فيها من تزمت وتضييق وخاصة؛ لأنها أجازت للسلطة الإدارية الحق في تعطيل الصحيفة على الوجه المبين في المادة الثالثة عشر وذلك كلما كان هذا التعطيل متعلقًا بمصلحة النظام العام أو الدين أو الآداب، وهو سلاح خطر

_ 1 محمود عزمي: ملخص مبادئ الصحافة العامة، ص39.

يستطيع الحاكم أن يجهز به على حياة الصحف في كل حين، ولن تعوزه حجة في دفع غاشية تتهدد النظام العام أو الآداب كلما تحركت به شهوة العنت والانتقام. وقد سجلت أحكام محكمة الاستئناف المختلطة في هذه الفترة التي أعقبت إصدار قانون المطبوعات المصري مبادئ قانونية نبهت الحكومة إلى التخفيف من ضغط نصوص هذا القانون ونزعت بها إلى التقليل من استعمال ما أجازته لنفسها من حق التعطيل الإداري، ويعتبر هذا الدور الذي لعبه القضاء المختلط تتميمًا للتشريع ومصدرًا من مصادر القانون1، إذ إن القانون ليس مراسيم تصدر بل هو مجموعة من التشريع ثم من الأحكام العليا التي ترتبت عليه، يعود إليها القضاة كلما أعوزهم تفسير أو تعليل، وقد ترتب على ما ذكرنا أن أصدر ناظر الداخلية قرارًا بتاريخ 19 ديسمبر سنة "1881"2 فسر به بعض نصوص قانون 26 نوفمبر 1881، يعنينا منه أنه أعفى صاحب المطبعة من إخطار نظارة الداخلية بعزمه على طبع الجريدة أو الرسالة كلما كان معياد صدور هذه الجريدة أو الرسالة أقل من شهر اكتفاء بالترخيص للصحيفة أو الرسالة في هذه الحالة. ثم أصدرت إدارة المطبوعات في 17 يناير سنة 1883 منشورًا قررت فيه جواز استبدال الضمان النقدي بكفالة شخصية في حالات معينة3 وهذا قرار يمثل تطورًا ذا أثر فعال في زيادة النشاط الصحفي؛ لأنه يعالج عقبة كبيرة في طريق الكثيرين ممن تتوافر فيها الكفاية ويعوزهم المال، وفي 13 نوفمبر 1883 صدر قانون العقوبات الأهلي وقد خص الشارع جرائم النشر بباب خاص هو الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني وحدد فيه عقوبات الصحفيين،

_ 1 رمضان في كتابه السابق، ص110 - 113. 2 جريدة البرهان في 5 يناير 1882. 3 الوقائع المصرية في 19 يناير 1883.

ثم عدل قانون العقوبات في 14 فبراير سنة 1904 لسد النقص الخاص بالصحف، وقد ظل قانون المطبوعات المصري الأول الصادر في 1881 معمولًا به وإن أهمل تطبيقه أحيانًا إلى أن فرضت الظروف على المسئولين العودة إلى قانون المطبوعات وتطبيقه على الصحافة المصرية، وقد أعيد العمل بهذا القانون في 25 مارس سنة 1909 نتيجة للإفلاس السياسي البريطاني في حياة المصريين، وقد طبق على الصحف الحديثة وحدها، فألزم الصحفيين الجدد بالحصول على الترخيص الذي قد يمنح وقد يمنع، أما الصحف القديمة التي كانت قائمة في ذلك الوقت فقد أعفيت من وجوب طلب ترخيص جديد واعتبر أن مطابعها قد دفعت التأمين الذي نص عليه القانون. وقد عدلت المادة الثالثة عشر من قانون المطبوعات وكان ينبغي أن يعرض هذا التعديل على مجلس شورى القوانين كما تقضي بذلك المادة الثامنة عشر من القانون النظامي، كما أن عودة القانون بقرار من مجلس النظار باطل من الناحية الدستورية؛ لأن قانون العقوبات الأهلي الصادر في سنة 1883 قد أفرد بابًا خاصًّا لجرائم الصحافة، ومن القواعد المعلومة في التشريع أن كل قانون يصدر مخالفًا لقانون سبقه يجب ما يخالفه من النصوص ولو لم ينص على إلغاء هذه النصوص، ومع ذلك نصت المادة الخامسة والعشرون من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية على هذا المعنى، ثم عدل قانون العقوبات في سنة 1904 لسد النقص في جرائم النشر، ومعنى هذا كله أن قانون العقوبات الصادر في سنة 1883 والمعدل في سنة 1904 قد جبا قانون المطبوعات الصادر في سنة 1881، ولا يملك مجلس النظار العودة إليه بقرار منه؛ لأن قرار المجلس أضعف قوة من أي قانون. ثم عقبت الحكومة على العودة إلى قانون المطبوعات بسن قانون جديد يقضي بإحالة تهم الصحافة إلى محاكم الجنايات وهو القانون رقم 27 الصادر في 16 يونيه سنة 1911 وكانت من قبل تجري محاكمتها أمام محكمة الجنح1

_ 1 الرافعي: محمد فريد، ص188.

وقد دعاها إلى إجراء هذا التعديل أنها رأت الصحافة تحاكم على درجتين ابتدائية واستئنافية وفي ذلك فرصتان للصحافة والصحفيين فضلًا عن أن أحكام محاكم الجنح في جرائم النشر كانت إذ ذاك هينة لا ترضي رغبات السلطات التي عادت بالصحف إلى قانون المطبوعات القديم، فرأت إحالة هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات إرهابًا للصحف وحرمانًا لها من درجتي التقاضي حسب النظام السابق، ثم عدل قانون العقوبات تعديلًا آخر في نفس السنة1، وهو خاص بالاتفاقات الجنائية وهو يتصل بالصحافة من حيث منع نشر المرافعات في القضايا الجناية إذ اعتبر نشرها مضرًا بالأمن العام، ثم قرر الشارع المسئولية الجنائية على مديري الصحف ولو لم يتوافر فيهم القصد الجنائي، كما أضيف نص يعاقب على التهديد بالكتابة أو القول ولو لم يكن التهديد مقرونًا بطلب ما، بعد أن كان التشريع القديم لا يعاقب إلا إذا قرن التهديد بسلب المال. وتتابعت الأحداث السياسية على البلاد بعد الحرب العظمى إلى أن انتهت بإعلان تصريح 28 فبراير 1922 الذي قرر انتهاء الحماية البريطانية واعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، وتبع ذلك صدور الأمر الملكي رقم 42 لسنة 1923 بوضع نظام دستوري للدولة المصرية قرر في المادة الخامسة عشر من الباب الثاني الذي ينص على حقوق المصريين وواجباتهم أن الصحافة حرة في حدود القانون والرقابة على الصحف محظورة وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور كذلك إلا إذا كان ذلك ضروريًّا للنظام الاجتماعي، وواضح أن هذا النص يقرر حرية الصحافة وهي أهم مظهر من مظاهر حرية الرأي التي كفلها الدستور، وهذه الحقوق تتقرر للصحافة المصرية للمرة الأولى، فلم يعترف لها تشريع سابق من التشريعات التي مرت بنا بحق الحرية أو الحماية ضد عسف الحكام ونزواتهم، بيد أن المشرع ما عتم أن استطرد في نهاية النص فأجاز الرقابة والإنذار والوقف

_ 1 هو قانون رقم28 لسنة 1910 الصادر في 16 يونيه 1910.

والإلغاء بالطريق الإداري إذا كان ضروريًّا لوقاية النظام الاجتماعي، فكأن المشرع سلب باليسار ما أعطاه للصحافة باليمين. وقد حاول أحمد ذو الفقار باشا وزير الحقانية وقتئذ أن يبرر الشطر الثاني من هذه المادة وهو يحدثنا عن مذكراته الخاصة بالدستور ففسر حماية النظام الاجتماعي بالبلشفية مثلًا، ونرى أنه كان في قانون العقوبات غنية عن هذا التذييل الذي زعزع المبادئ التي اشتمل عليها النص ورد الصحافة مرة أخرى إلى عهد السيطرة الفردية مما لا يجمل بعهد يجب أن يقف فيه الدستور حائلًا دون كل بطش أو إرهاب، والواقع أن هذا التذييل لم يكن من صنع لجنة الثلاثين التي وضعت نصوص الدستور، فقد جاء نص المادة الخامسة عشر كما صاغته هذه اللجنة خلوًا من كل قيد أو استثناء لمبدأ عدم جواز تعطيل أو وقف أو إلغاء الصحف بل تقرر هذا المبدأ للصحف بصفة مطلقة وغير معلق على شرط، ولكن أبت التعديلات التي أدخلت على مشروع لجنة الثلاثين إلا أن تتناول فيما تناولته هذا النص فاقتحمته بهذا التعقيب الذي نسخ مفعول النص ولواه عن قصده. وقد يكون من واجب الحكومة المصرية تدبير الحماية الكافية للمباعدة بين المجتمع وبين الاتجاهات البلشفية أو غيرها، بيد أن وسيلة ذلك لا تكون في تمكين الحاكم من رقاب الصحف وإلا كان ذلك قتلًا لحرية الرأي وخنقًا لنشاط الفكر والقول، ولا ينبغي أن ننسى أن المشرع قد كفل للحكومة حقوقها جميعًا في قانون العقوبات بما يحمي النظام العام والكيان الاجتماعي، ويدرأ عن الدولة أخطار المذاهب التي تخافها الحكومة المصرية، وهنا يكون المهيمن على تطبيق الجزاء ضمير القاضي وهو على أية حال أمنع على الهوى من ضمير الحاكم، ومما تجدر ملاحظته أن جميع الدساتير الأوربية الحرة التي أخذ عنها الدستور المصري قد تجردت من هذا الاستثناء الذي تعلق به مشرعنا، ففي أوربا الديمقراطية تكتب الصحف ما تريد وتنشره ما يروقها من المبادئ والدعايات، ولا تستطيع يد الحكومة أن تبطش بها إلا إذا ساقتها

إلى ساحات المحاكم وثبت عليها خروجها على القانون والحدود المرسومة له، وما ذلك كله إلا مبالغة في حماية حرية الصحافة وعصمة لحرية الفكر من نزوات البطش والطغيان. وقد صاحب صدور الدستور مشروع قانون المطبوعات الذي ظل مشروعًا من سنة 1923 إلى سنة 1931 وقضى هذا المشروع بأن يكون صدور الصحيفة خاضعًا لمبدأ الإخطار، وكان هذا الإخطار مقيدًا بفترة ثلاثين يومًا إذا انتهت دون معارضة من الحكومة ملك صاحب الإخطار إصدار الصحيفة دون إذن بذلك، وإذا عارضت الحكومة في صدور الصحيفة خلال الثلاثين يومًا التالية ليوم تقديم الإخطار رجع صاحب الإخطار إلى المحاكم يقاضي الحكومة ولو بالتعويض على الأقل، وفرض هذا المشروع شروطًا في رئيس التحرير ورؤساء أقسام التحرير في الصحافة العربية تتصل بكفايتهم العلمية وتجاربهم الصحفية وسنهم وألا تكون قد صدرت ضدهم أحكام مخلة بالشرف أو بالإفلاس أو بالفصل الإداري من وظيفة عامة أو الشطب من جداول المهن الحرة كما نص مشروع القانون على ضمانة مالية للجرائد اليومية تختلف بعض الشيء عن المجلات. وبقي هذا المشروع معطلًا حتى جاء دستور 23 أكتوبر سنة 1930 فأثبت من جديد نص المادة الخامسة عشرة في دستور سنة 1923 بحذافيرها وما انطوت عليه من التذييل المعيب الذي أسلفنا ذكره، غير أنه لما كان روح الدستور يرمي إلى الضغط على الحريات العامة التي تقررت في دستور 1932 فقد لجأت الحكومة -برغم احتفاظ الدستور الجديد بنفس النص- إلى تعديل نصوص الباب الرابع عشر في قانون العقوبات الصادر في سنة 1904 وهو الباب الذي تناول العقاب على الجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها من طرق النشر، وكذلك الباب السابع من الكتاب الثالث من القانون المذكور بشأن القذف والسب، وصدر بهذا التعديل مرسوم بقانون في 18 يونيه 1931 وقد عدل المشرع نصوص المواد من "148" إلى "168" كما أضاف إليها

بعض الأحكام الجديدة، وقد رمى المشرع بهذا التعديل إلى التشديد في العقاب المقرر للجنح القذف والسب الأمر الذي يعرض -في رأيه- الأنظمة السياسية للفساد ويخرج بها عن الغرض المقصود منها ويجعل حرية الصحافة ذاتها في خطر، وأنه بمقتضى هذا التعديل يمكن تعطيل الجريدة بالطريق الإداري ثم إحالتها إلى المحاكمة حتى لا تستطيع التعريض بالأسباب التي من أجلها أحيلت إلى القضاء، وهذا التدبير إنما اتخذ في التعديل الأخير ضمانًا لاحترام القضاء الجنائي. والقانون الذي كان يحكم الصحافة قبل الثورة هو قانون المطبوعات رقم20 لسنة 1936، ولكي نتعرف على أهم القواعد التي اشتمل عليها هذا القانون لا بد أن نربط بينه وبين قانون آخر للمطبوعات وهو القانون رقم: "98 لسنة 1931"1 وأول ما يطالعنا في قانون سنة 1936 أنه ألغى ضرورة الحصول على ترخيص أو ضمانة مالية لفتح مطبعة كما كان يشترط قانون 1881 واكتفى بإخطار الحكومة ثم تقديم بعض النسخ من كل مطبوع قبل التوزيع وكذلك الحال فيما يختص بإصدار الجريدة فهو كقانون سنة 1931 وعلى خلاف قانون 1881 يكتفي بإخطار المحافظة أو المديرية مع تقديم بيانات خاصة عن أصحاب الجريدة أو محرريها أو ناشريها والمطبعة التي تطبع فيها وغير ذلك، كما تضمن بعض الإجراءات الخاصة بهذا الإخطار كحق صاحب الجريدة في إصدارها بعد شهر من يوم إخطار المحافظة أو المديرية ما لم تكن هناك معارضة من جانب السلطة المختصة في خلال هذا الشهر، وكاعتبار هذا الإخطار كأن لم يكن إذا لم تصدر الجريدة في ظرف الشهور الثلاثة التالية للإخطار، كما وضعت بعض الأحكام الأخرى التفصيلية التي لا تختلف في جوهرها عن قانون سنة 1931 وإن اختلف القانون في هذه البيانات التفصيلية أشد الاختلاف مع قانون سنة 1881 الذي كان ينص صراحة على ضرورة الحصول على الترخيص، ولم يكن يتضمن شيئًا عن نظام صدور الجريدة.

_ 1 انظر قانون العقوبات "السعيد مصطفى السعيد".

وقد عدل قانون 1936 الشروط الواجب توافرها في رئيس التحرير أو رؤساء أقسام التحرير فرفع شرط عدم الحكم في جناية على إطلاق التعبير ونص على عدم الحكم في جناية عادية وأخرى جناية العيب في الذات الملكية؛ لأنها جناية سياسية ورفع شرط عدم الحكم مرتين في قذف وشرط عدم الفصل إداريًّا من وظيفة عامة وشرط الشطب من جدول مهنة حرة وعدم الجمع بين عضوية البرلمان والصحافة كما أن القانون أجاز ضمان الكفيل، ولم يفرض الكفالة النقدية التي تتراوح بين ثلاثمائة ومائة وخمسين جنيهًا والتي نص عليها قانون سنة 1931 وإنما ترك لطالب الترخيص ما يرتضيه من الوسيلتين. وقد تضمن قانون سنة 1936 حكمًا مهمًّا وهو إلغاء النص الذي كان يقضي به قانون 1931 وهو حق إلغاء الجريدة أو إقفال المطبعة بالطريق الإداري وأصبح هذا المنع الإداري مقصورًا على المطبوعات الواردة من الخارج والتي من شأنها أن تسيء إلى النظام العام أو المطبوعات المثيرة للشهوات أو المطبوعات التي تتعرض للأديان أو ما يكدر السلم العام، ولا يكون هذا المنع على أية حال إلا بقرار من مجلس الوزراء، أما الجرائد التي تصدر في مصر بلغة أجنبية ولا يكون رئيس تحريرها أو محرروها المسئولون خاضعين لاختصاص المحاكم الأهلية فقد نص قانون 1936 على حق مجلس الوزراء في تعطيلها بعد إنذار يوجهه إليها وزير الداخلية أو بدون إنذار سابق، وقد ألغى هذا النص بعد توحيد قانون العقوبات. وابتداء من 15 أكتوبر سنة 1937 وكأثر من آثار إلغاء الامتيازات الأجنبية أصبح قانون العقوبات الذي تطبقه المحاكم الأهلية هو عينه الذي تطبقه المحاكم المختلطة ولم يعد لدينا سوى قانون واحد للعقوبات وهو القانون رقم 58 لسنة "1937"1 الذي اعتمد في أساسه على قانون العقوبات الأهلي القديم، الصادر في سنة 1904 ومع ما لازمه على مر السنوات وتحت الظروف المختلفة

_ 1 قانون العقوبات المصري الجديد: السعيد مصطفى السعيد.

من التعديلات والإضافات، ويهمنا من أمر هذا القانون الجديد أن المواد التي تعرضت منه للجرائم التي تقع بواسطة الصحف وغيرها من طرق النشر وهي الواردة تحت الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني وكذلك المواد التي تعرضت للقذف والسب وإفشاء الأسرار وهي الواردة في الباب السابع من الكتاب الثالث أصبحت سارية المفعول على المصريين والأجانب وتطبع أمام المحاكم الأهلية والمختلطة على السواء. وكان آخر ما اتصل بشئون التشريع الصحفي قانون نقابة الصحفيين وهي فكرة قديمة حاولها العاملون في الصحافة الفرنجية في مصر منذ خمسين سنة، وكانت فكرتهم تتميز بطابعها الأجنبي، فقد أرادوا منها قوة تعيش في ظل الامتيازات الأجنبية وتحول دون بطش الحكومة المصرية بهم، ثم وجدت نقابة مصرية في سنة 1920 بيد أنها مضت متعثرة يغلب فيها اعتبار أصحاب الصحف واعتبار الامتيازات الخاصة بهم دون التفكير في أرباب الأجور العاملين فيها1 وقد روعي هذا الروح في قانون "جماعة الصحافة" الذي صدر به مرسوم في سنة 1936 غير أن هذا القانون بقي معطلًا ولم يعمل به ولم تجرؤ حكومة من الحكومات المصرية على تعيين مجلس الإدارة الأول وظلت أمور الصحافة على شيء من الفوضى إلى أن صدر قانون "نقابة الصحفيين" وعمل به "سنة 1941"2. ويشبه هذا القانون في كثير من النواحي أحدث نقابات الصحافة في العالم وأهم ما جاء في هذا القانون أنه خالف جميع المحاولات السابقة التي صدرت عن الجهود الخاصة أو التشريعات الحكومية فانتقل بنا من اعتبار الصحيفة وامتيازاتها إلى اعتبار وتقدير العاملين فيها وحقوقهم والتزاماتهم، فسمي جماعتهم "نقابة الصحفيين" وهو يجمع في الصحافة بين ملاك الصحف

_ 1 ملخص مبادئ الصحافة العامة، ص110 - 111. 2 الوقائع المصرية في 3 أبريل 1941.

والمحريين فلا يجعل منهما طائفتين متنافرتين بل يعمل على تضامن عناصر الطائفة العاملة في الصحافة وتقرير قواعد مزاولتها في لون من ألوان الاحتراف ويسهر القانون على بيان العادات المرعية في أسمى معاني المهنة الصحفية بدل أن يترك أمرها فوضى من غير ضابط ولا وازع، وذلك أمر يدعم الصحافة ويؤكد تقاليدها، ثم يعني الشارع بعقد استخدام الصحفيين والتعويضات التي تستحق لهم عند فسخه فيحميهم من استبداد أصحاب الصحف وكذلك ينظم تسوية المنازعات التي تنشأ بين أعضاء النقابة أو بينهم وبين غيرهم، ثم ينشئ لهم صندوق ادخار يقي الأعضاء العوز والفاقة عند الكبر أو العجز عن العمل. وقد مضت المادة الثالثة من قانون نقابة الصحفيين تحدد أغراض النقابة ومن أهمها العمل على صيانة أوضاع الصحفيين وتحديد حقوقهم وتنظيم علاقة الصحافة مع الحكومة والجمهور وسن القواعد المنظمة لمزاولة المهنة وبيان العادات المرعية فيها وتوقيع الجزاء على المخالفين لمبادئ مهنة الصحافة ولوائحها وعاداتها المرعية ثم العمل على تكريم الصحافة وإعلاء شأنها بين الجماعة المصرية كما فرض القانون على النقابة أن تبتعد عن المسائل السياسية والدينية. وقرر القانون حقوقًا للصحفيين أهمها حصر لقب الصحفي في أعضاء النقابة وتوقيع العقاب على من يدعي هذا اللقب كما جاء ذلك في المادة الثانية والعشرين، وأعطى القانون أعضاء النقابة مزايا كثيرة قررتها المادة الثالثة والعشرين فذكرت أن "لأعضاء النقابة وحدهم حق الانتفاع بالمزايا والمنح التي تمنحها السلطات العامة بقصد تسهيل مزاولة المهنة كتذاكر الانتقال والمرور والشروط الخاصة فيما يتعلق بأعمال البريد والتلغرفات والتليفونات والسكك الحديدية وتعطي وزارة الداخلية تذكرة إثبات شخصية خاصة لجميع أعضاء النقابة" وذلك بجانب بعض المزايا الأخرى الحاصلة فعلًا وإن لم تنص المادة عليها كالامتياز الجمركي بجانب امتياز أجور البريد وهو امتياز قديم منذ سنة 1869، وتعتبر نقابة الصحفيين التي صدر بها القانون في سنة 1941

آخر مجهودات الحكومة في تنظيم مسائل الصحافة وعلاج مشاكلها، وهي على أية حال خطوة طيبة جدًّا في تحرير الصحافة من ربقة الفكرة الشائعة عنها بأنها مهنة لا تستأهل اهتمامًا أو تستوجب تقديرًا، كما أنها أظهرت المجهودات التي بذلت لتقرير حقوق الصحفي والعمل على صيانة كرامته. وإذا كانت الحكومة قد رأت تكريمًا للصحافة واعترافًا بفضلها على جوانب الحياة المصرية أن تنشئ لها وللعاملين فيها نقابة تحفظ حقوقها وحقوقهم فإن ذلك وحده لا يكفي ما دامت الاتجاهات في بعض العهود يشوبها التضييق على حرية الصحافة حتى إن الدستور لم يكفل لها حياة حرة طلقة، ولا يستطيع المؤرخ أن يزعم أن الاتجاه نحو التيسير على الصحافة والعاملين فيها كان اتجاهًا مطلقًا ليس له حدود.

صحف عربية صدرت في مصر من سنة 1798 حتى سبتمبر 1951

صحف عربية صدرت في مصر من سنة 1798 حتى سبتمبر 1951: السنة 1800 التنبيه: بقيت مشروعًا لم ينفذ. 1822 "حوالي هذا التاريخ" جرنال الخديوي. 1828 الوقائع المصرية. 1833 الجريدة العسكرية. 1847 الجريدة التجارية الزراعية "الجرنال الجمعي". 1857 جريدة السلطنة. 1865 يعسوب الطب، الجريدة العسكرية المصرية. 1866 وادي النيل. 1869 نزهة الأفكار. 1870 روضة المدارس، النحلة الحرة. 1873 الكوكب الشرقي. 1874 جريدة أركان حرب حرب الجيش المصري. 1875 روضة الأخبار، الأهرام. 1876 شعاع الكوكب، صدى الأهرام، المنارة. 1877 مرآة الأحوالي، الوقت، حقيقة الأخبار، أبو نضارة، الوطن، مصر "العهد الأول". 1878 إسكندرية، القاهرة الحرة، بستان الأخبار، التجارة. 1879 مصر القاهرة "صدرت في باريس"، مرآة الشرق، الكوكب المصري، الميمون. 1880 المحروسة، العصر الجديد. 1881 النجاح، الحجاز، المنتخب، الاتحاد المصري، المفيد، النوادر، مصر "العهد الثاني" التنكيت والتبكيت، توفيق، البرهان، الطائف. 1882 التيمس المصري، والأحوال، الزمان، الفسطاط، السفير. 1884 الأعلام، الزمان، البيان. 1885 الفلاح، النشرة البريدية. 1887 الآداب، الأحكام، الصحة. 1888 الجريدة المصرية، النور التوفيقي، نشرة أسبوعية عن المواليد والوفيات، مكارم الأخلاق، الرياضة المصرية، المنارة، الآداب، الحقيقة، الراوي. 1889 الأمراض المعدية، المقطم، المؤيد. 1890 المحاكم، الشرق. 1891 صدى الشرق، الأعلام، النيل، البستان، وقائع البوليس، النشرة الدينية الأسبوعية، الفوائد الصحية، الزراعة، كنز الزراعة.

السنة اسم الصحيفة 1893 الرأي العام المرشد، الكمال، أبو الهول، الراوي، السرور، الميزان، المهندس، النيل، الالتفات، رياض التوفيق، البريد، الثمرة، الهدى، النديم، رمسيس، التلميذ، الشرائع، العلم المصري، المنتقد، سلسلة الفكاهات، الحق، المدرسة، التقدم المصري. 1894 الأمة، المحاسن، صهيون، التلغرافات الحقيقية، العلم، الأهالي، الفيوم، الأرغول، اليانصيب، النور العباسي، المجلة الزراعية، الشمس، القضاء، منتخبات الروايات، الأنغام، ممفيس، مصر، المتحف. 1895 شهادة الحق، الظاهر، النبراس، صدى الشرق، الإخلاص، المقياس، البرق، العدل، الإنصاف، بصير الشرق، السيار، النحلة، الناطور المصري، العام الجديد، الكناية، النشرة الشهرية، الطرائف، المعارف، مصباح الشرق، سوق العصر، المغرب العثماني، المرسي، العباسي، الوظيفة. 1896 المنير، المنادمة، الرياضة، القاهرة الحرة، المبشر المصري، الكوثر، التفريح، العمدة، الكمال، النهج القويم، الشرق، الغزالة، الكرباج والعفريت، الأقلام، الأخبار، الوقت، الدح، الرائد المصري، المنبه، العصر العباسي، الثبات، الحرية. 1897 الصاعقة، النصر، العلم العثماني، الأثر، الحدود، الشرف، البوستة، الفردوس، الثريا، باب الفتوح، الإعلانات، الحماية، الحرية، مرآة الحسناء، الهداية العامة، حفظ الحياة، الكمال، التفريح، طنطا، حمارة منيتي، المنصورة، التلغرافات الجديدة، النشرة العثمانية، تركيا، السلطنة، نشرة العدالة، الهداية، النجاة، الأجيال، الغربال، الحاكم، النشأة الوطنية، أبونظارة معظمة، الاستقامة، الكهربائية، رائد الليل، أبو العيال، السفير، الباشا، الجلاء، النشرة الإدارية، المأمون، العفريت، التاريخ اليومي، البيان، السمير الصغير، التجارة، مرآة العصر، الأدب، المنصورة، الثبات، السلام، المحامي، البنانه، حلوان، الفيوم. 1898 القانون الأساسي، الجاسوس، كردستان، المنخاس، القول الحق، المنار، الأسد، الشيطان، مصباح الشرق، المطالب الحقة، المعتصم، جهينة، السودان، المصري، أنيس التلميذ، الواسطة، الحروب، الصباح، شمس الحقيقة، المعارف الشهياء: النصيب، المرصاد، اللجام، الفلاحة المصرية، تسلية الخواطر، الجمعية الطبية المصرية، الرقيب، الضياء، الموسوعات، الزمن، الفكاهة، النيل، الصادق، الصديق، الإنسانية، الأفكار، الحقانية، الغزالة، أبو نواس، نبلة الفشر.

السنة اسم الصحيفة 1899 سوق، العصر، البورصة المصرية، أنين المظلوم، الأساس، العلمي، الفوضى، الممتاز، المستشار، أبو الهدى، إدريس، روضة البحرين، غزل البنات، العائلة، الآمال، سلسلة الروايات، الحكمة، الشرقية، الظهور، المدارس، الإرشاد، الكوكب المصري، الجمعية الزراعية الخديوية، الواجبات، النور، التذكار، الشهامة، الأسد المرقسي، مدرسة الزراعة، برهان الحق، الكوكب الدري، الاعتدال، الكوثر، المرصاد، الإخاء، العرب، الإسكندرية. 1900 المجموعة الرسمية للمحاكم الأهلية، اللواء، الغزالة، الإنذار، الإنسانية، العصر الجديد، الخبير، الأسبوع، الثمرات، البوستة، رائد النيل، الدواء، الأفكار، العرب، صدى لبنان، مكارم الأخلاق الإسلامية، التمثيل المجلات العربية، الصبوة، نور الإسلام، النظارة، المجلة المصرية، العلم العثماني، الخزانة، سبيل الهدى، النهضة الأدبية، الهوانم، المصباح الجديد، القليوبية، البدر المنير، القدس الشريف، السهام، السعادة في العائلة، الصبا، الانتقاد العام، الخبير، الرسول، الدنيا في باريز، بوق الإصلاح. 1901 النسناس، أبو زيد، الخزان، التهذيب، تحرير سوريا، الصوت الصارخ، التمدن، المرأة في الإسلام، التعليم الابتدائي، شجرة الدر، النجاة، الكنيسة، الأرثوذكسية، المرآة، عين شمس، نقابة مزارعي القطر المصري، الابتسام، الحقيقة، العاصمة، الغازي، الأمل، الشوق المصور. 1902 السهام، سوق العصر، أبو زيد، المصور، العجائب، العمران، الرشيد، الصياد، المقصود، التيمس المصري، الحقائق، الحوادث، بريد الأحد، الإكسبريس، الكلمة الحرة، الفريق، الحرية، الرجاء، القول الحق، الطب الحديث، الشرق المصور، الأمل، طريق المعاني، العاصمة، الروايات الشهرية، دليل الطلاب، الإعلان المأمون، بوق القداسة. 1903 الحميدي، الراوي، الجوائب المصرية، القاهرة، الإمام، الإصلاح، البابا، غالو المصري، الطغراء، الخلاعة، الطرائق، ضد الخلاعة، الخلاعة المصرية، الأزبكية، النيل، السودان، المجلة المدرسية، الإخاء، العلم الصناعي، زهرة الشرق، عروسة النيل، المؤنس، صديقة الكفاهة، السيدات والبنات، الفضيلة، المرستان، الواعظ، العصر الجديد، الجريدة الماسونية، الظاهر،

السنة اسم الصحيفة الحوادث، المصور، المعاني، إحياء العلوم، الرائد العثماني، معين المتعلم، الثبات، جهينة، الكلمة الحرة، المودة، مسامرات النديم، الأوقاف المصرية، الكاروز المنير، المزمار، الحرية، أبقراط الطبية، الصحة. 1904 المنتزه، الفوتوغراف، الإنسانية، السياسة، العائلة، الحافي، الإجابة، المساواة، المستقبل، الواعظ، الجاسوس، الأمة الحرة، النادي، الغرائب، سيف العدالة، العصر العباسي، المباحث، الأمة الشرقية، المنهل، البلاد، نبراس المشارقة والمغاربة، المحكمة، الدنيا الجديدة، علم الشرق، المرصاد، الاعتدال المصري، النافع، لسان الأمم، المفتخر، النفير، الصعيد، الهلوسة، نفير الحرب، النادي، الهجرة، السويسية، الطالب المنعم، الكوكب، الحوادث، العمومية. 1905 الإرشاد، الصحافة، التنكيت والتبكيت، الحجاز، السعيد، المشكاة، العالم الإسلامي، الضحى، الفاروق، العروة الوثقى، الخلاعة الأصلية، الأمير، المفيد، الكون، الاعتدال المصري، عفريت الحمارة، الحكومة، الأزبكية، الرياضة، المجموعة السنية، الموقودة، الدليل الصادق، التربية، المعلم، المعاني، النور، الهدى، الجمهور، المساعد، الأمة، الكوكب، الهداية، الماسونية، المجلة التعليمية، الهدهد. 1906 الصائح، الراية العثمانية، الأمة الخطيب، الكلمة الحقة، الأستانة، المعرض المنير، الانتباه، كشف الحفايا، الحرمين، حقائق الشرق، الشورى، الكوكب المصري، الشتاء، المجلة العثمانية، المنهل الصافي، الأقلام، رجع الصدى، سمير النديم، الحكومة، الكوثر، الجريدة الأسبوعية، الحقيقة، النصائح، الإرشاد، الإنسانية، نهضة الإخاء، المقتبس، العلوم، نزاع سيدنا يسوع، عفريت الحمارة. 1907 البورصة، الدنيا الجديدة، الحق الصراح، الشورى، الشرق، هاهاها، الديك، الجريدة، التمساح، مرآة تركيا، السبعة وذمتها، الأسد الإسلامي، خيال الظل، الجامعة المصرية، الدستور، سمير الشبان، الإيمان، الصدق العثماني، الصراط، الأزهر المعمور، الإنسان، ضياء الألعاب، الحرمين، الأظهار، الصوت الصارخ، طريق الحياة، الهداية الوطنية، الجهاد، السياسة المصورة.

السنة اسم الصحيفة 1908 النهضة، الجريدة الأسبوعية، الأستاذ، ضياء الشرق، العزيز، الإقدام، عفريت المقاولين، الحق الصراح، البستان، الحكومة، الجهاد، الإنسانية، القطر المصري، المصباح، المباحث السياسية، الولاء، الرعد، الأحوال، عصر الحديد، المباحث السياسية "مصورة"، مصر الفتاة، الطلبة، مجلة الأعمال اليدوية للسيدات، الفضيلة، حامل النور، القضاء والبوليس المصري، البستان الزاهر، الشعب القبطي، صدق الإخاء، التذكرة، العرش الأبيض، القرطاس، المنتقذ، الحكومة، الفكاهات العصرية، اللباب، حدائق الظاهر، الأسماء، الشعب المصري، الزهرة، الكاشف، العزيز، النهضة، الأسد الإسلامي، الزار، الجسمانية، البلاغ المصري، السلام، الخطيب، البعبع، الراوي القبطي، رسالة الشمس، نادي دار العلوم، العدل، الأحرار، الريحانة. 1909 الظهور، المقطم الأسبوعي، الاستقامة، البهلول، النظام، الخطيب، حذام المسامير، الأقباط الكاثوليك، الآمال، اللواء، المصور، الشجاعة، البشائر، المؤيد الوطني، السامي، الولاء، العلم العثماني، البرنسيس، الرقي الإسلامي، الطلبة، الأعمال اليدوية للسيدات، مرشد الأطفال، الأستاذ، الولاء، الصاروخ، حديقة الروايات، نور المشرق، القنبلة، السامي. 1910 الآداب، الكائنات، العلم، الشعب، الاستقلال، السلام، السيف، البلاغ، المصري، مجلة الصحة النصيحة، الترقي، العفاف، الإخاء. 1911 الجوهر الساطع، صحائف الحق، أبو الهول، الشعب، المعتدل، الإرشاد، الرقيب، الكوكب. 1912 الإحصائية الزراعية الاقتصادية، جمعية النهضة الأدبية، إحصائية شهرية لمحصول القطن، الدلتا. 1913 عكاظ، الإقدام، الشرائع. 1914 أقراني، المجلة المصورة، الكشكول، النجمة المصرية، المشرقي، الثمرات، ملحق المقطم المصور، النصر، المحاكم الأهلية، النداء. 1915 اللطائف المصورة، الوطنية، السفور. 1916 الإصلاح. 1917 الكوكب، المرآة، الحال، الشرقية، الصبوة، الصبا.

السنة اسم الصحيفة 1918 الشباب، جريدة فلسطين، المنبر. 1919 الأخبار "أسبوعي" النظام، الأفكار، الزراعة، مفتاح الإصلاح، الوفد المصري، اللسان، عصفور الليل، الحاوي، الرعد المصري، البلابل، روضة البحرين، المقص، المصارحات. 1920 المرزية، الخزوق، الطلبة، الأخبار، إسرائيل، الزمان، الصنف، النشرة الاقتصادية المصرية، الحقائق، النسر المصري، أبو الهول، الساعة. 1921 النيل المصري، الأخبار الماسونية، الوجديات، الصباح، المرصد، الضحوك، الفضائل، سفينة الأخبار، المؤدب، الصحيفة، النيل، الساعة "مصورة"، الديك، الاستقلال، البشير، الكشكول المصور، إياك، السمير المصور، النهضة النسائية، الراوي، المعلقات، اللواء المصري. 1922 قصر النيل، الرجاء، العالمين، القصص، شمس النيل، الصباح، النشرة المصورة، الأحوال، مجلة الشرق الطبية الجديدة، النهضة المصرية، السياسة، الدستور، المحاسن المصورة، الابتسام، الحركة التجارية، شجرة الدر. 1923 البرلمان، البلاغ، الأولاد، الفلك، الحضارة المصرية، عاصمة الشرق، البنات، الألعاب الرياضية، الرشيد، السداد، الجمهور، سمير الأفكار، الحوادث المصورة، النفير، الكمال. 1924 السباق، بريد المحاكم، الصحيفة المدرسية، التمثيل، مجلة النهضة الإكليريكية، المقرعة، الاتحاد الإسرائيل، الجرس، لسان الشعب، الزراعة الحديثة، الشرق الجديد، القاهرة، سمير فتية، مصر الفتاة، التوفيق، العناية، مصر الجديدة، المنيا، المنطق، رحلة البحيرة، الحق، المنظر، السلام، خيال الظل، السمر، الفنون، الناس، ملحق البلاغ المصورة، المطرقة، نشرة الأزهر، المرأة الجديدة، التضامن، الجريدة المصورة، أبو قردان، ميمون، عظمة الشرق، البهيج، كوكب الشرق، الشيوخ، الحوادث، الرشاد، النونو، النوبة، الشورى، المصور، السودان المصري، الحياة الجديدة، العفريت، البغبغان، العصر الجديد، الوادي، الفيوم، نهر النيل، السويس، الثغر الشرقي.

السنة اسم الصحيفة 1925 الوسيط، الفجر، العلم المصري، الاتحاد، الكناشة، الأجيال، تاريخ الحوادث، الإخلاص، العهد، العروسة، الاستقلال المصري، الميكروسكوب، الهادي، الوطنية المصرية، صحيفة الإعلانات، الزغلول، اللواء المصري، الأخبار، فتى الشرق، الطائف المصور، الميكروسكوب المصور، المرشد، الأمل، المحكمة، كل شي، 1000 صنف، الأطفال المصورة، الحضارة المصرية، المنصورة، المحمودية، منبر الشرقية، الوقت، البريد. 1926 الألعاب، الغول، المنهاج، الدفاع الوطني، السياسة الأسبوعية، العلم، الأسبوع، العالم، الفتح، الشيطان، المعرض، النواب، الصادرات والواردات، النذير، التصوير النفسي، أو شادوف، مسامرات الأطفال المصورة، الوجدان، البلاغ الأسبوعي، أولمبيا السينما الفوتوغرافية، القلم، طنطا، الشعب المصري، الواجب، النسر الدهري. 1927 كلية الآداب والعلوم، صدى الحق، الفلسفة، الأتوموبيل، الفنان، المدفع، المحادثة، الأماني القومية، الظاهر، الكشاف، النور، النجمة الزهراء، المستقبل، الأحوال، الأقلام، المسامرات، مسامرات عزمي، شمس الكمال، الأخلاق. 1928 الصور الاجتماعية، المستقبل الرياضي، الأقاليم، النجاة، رياض الشرق، الوفاق، بنها، الأسعار، السمر. 1929 ماتش، المحكمة، النشر القضائي، المحروسة المصورة، النظام، الدنيا المصورة، الصرخة، ابن البلد، الثبات، الروضة، جريدة الأمين، المدنية. 1930 الفضيلة، الرياضي، المجلة الفنية، لواء الشرق، روح العصر، الحضارة المصرية، الأمة، الوطن الشهرية، الوطن الأسبوعية، الفاروق، خريجي دار العلوم، الأمواج، العواصف، المجلة العلمية، ميمون، المرشد المدرسي، الكواكب، الإعلام، المسارح، المجلة الموسيقية، البحيرة، العزميات، النهضة المصورة، السيف، الصفاء، الإنسانية، لسان الشعب، أنا وأنت، الطائر، الملاك، الصلاح، المفكر، القطرين، الجنس، الصواعق، الأنوار، العجلة، المضمار الرياضي، الثورة، البركان، النسر، الأمير فاروق، الدفاع الديني، صدى الشرق، صدى الأهرام، الاستقلال، العدل، الضحوك المصور، المجلة الاقتصادية المصرية، الباحث، الإنذار، عصفور النيل، العالم الروحي الجديد، الناصح، الأخبار الماسونية، التياترات، إنصاف العامل، البغبغان، الغربية،

السنة اسم الصحيفة المعهد، شمس المعارف، تاج المعارف، الحظ، الراعي الصالح، نور الإسلام، الجهاد الأدبي، الإخلاص، الخبراء، النفس البريئة، لسان العرب، جرية الشعوب، أسيوط، الرشديات، النبراس، الأمم، القرن العشرين، البوق القبطي، الرضا، الفنار، البلاج، الملاكم، النادي، الإخلاص المصري، المصلح، الغرف التجارية، المؤيد الجديد، الضحى، المنبر، القليوبية، بناء النيل، المدن، الميتكر، النشرة الشهرية لشركة القديس منصور دي بول، البصير، الميزان، رسالة القديسة تريزا، الطفل يسوع، الرقيب، الأنيس، العلوم الطبيعية، بحر يوسف، الأخبار، الفيوم، المرآة، النهضة الفكرية، بريد العاصمة، الفلاح، عنوان السلام، القاهرة المصورة، المنزلة، أبو الهول الأسبوعي، على عيني، القصص، العفريت، التاج، البشري، لواء السلام، الوادي، بريد الصباح، الأرياف، السحاب، روضة المعارف، المصري، صوت مصر، التجديد، الهدير، حوش عيسى، الإدارة والبوليس القضائي، مصر الاقتصادية، حنفي عامر، الجامعة، كوكب السينما، أنت وهو، البورصة، زقزوق وظريفة، نهضة مصر، مسامرات كامل، العواطف، الستار، الأرواح، الشعب، المدرسة والحياة، المجلة الكيمائية المصرية، الشيخ، مسامرات أنيس الجلوس، السندباد البري، الإيجارات، المصور الفني الرياضي، الزمن، النهضة القومية. 1931 الأحرار الدستوريون، الشمس المنيرة، الاستقلال العربي، نشرة المعرض، الأمير، المعرفة، الراديو، الإعلانات المنزلة، نهضة مصر، الفتح والنصر، ممفيس الجديدة، الحقيقة، الجمهور المصري، الجرنال، الزهور اليانعة، إسلامي دنيا الشرائع، القانون والاقتصاد، الفردوس الزاهي، النصوح، الخواطر الحديثة، نقد التشريع والقضاء، العائلة، المعلومات، صديق الشعب، الدولة الأسبوعية، المسرح المصري، المختار، العزيبات، البوليس السري، البهاء، الطب الحديث، الظريف، الأحد المصور، الراوي الجديد، رقي المعارف، رسمي، الميزان، الدقهلية، المفيد، الطلبة، التجارة، الفصول، القنال، عالم الطفولة، السمير، الكشافة الإسلامية، العلم الأخضر، الرياضيين، الدولة، الملاهي المصورة، القادسية، الشفق، النهضة، دليل الملاهي.

الصحف التي صدرت أو أذن لها بالصدور في الأسكندرية: السنة اسم الصحيفة 1882 الأحوال، الاعتدال، روضة الإسكندرية. 1887 الببغاء. 1888 المنارة، الحقيقة. 1892 السرور. 1893 فرصة الأوقات. 1894 المتحف، لسان العرب، النور العباسي، المشير. 1895 السباق، المغربي العثماني، حظ الحياة، في الطريق، أبو نواس، المرسي. 1896 الرفيق، العباس، الكرباج والعفريت، الإعلانات، فصل الخطاب، الأدب. 1897 المأمون، البصير، التجارة. 1898 الرجاء، الرقيب، التاريخ القومي، الحقانية، مجلة النيل، العثماني، السلام، الحشاش، الصادق، السعادة. 1899 صدى الأهرام، أبو نواس، برهان الحق، الإرشاد، الكوكب المصري، الكوكب الساري، الإسكندرية، الآمال. 1900 الصباح. 1901 نجم المشرق، النجاة. 1902 المنصور، الإعلان، الرجاء، المصري، النصر. 1903 الجريدة الماسونية، المودة، الشرف، الزمار. 1904 الهلوسة، الإكسبريس. 1905 المساعد، الجمهور، الغندرة. 1908 وادي النيل، الشعب المصري، البعبع. 1909 أبو نواس، الطنبورة. 1910 كراقوز، الأهالي. 1911 الهدى. 1912 الإقدام. 1914 جريدة الإعلانات القضائية والتجارة الدليل. 1915 السلام، الأمة. 1916 النجاح. 1917 التجارة. 1918 الهوانم. 1919 المسلة. 1920 الأمة.

السنة اسم الصحيفة 1921 الجريدة التجارية المصرية. 1922 الشبيبة. 1923 الشعب المصري، البصير القضائي. 1924 حيران، المصباح، اللسان الصادق، العمال، النشرة التجارية، السفير، الجهاد، الإسكندرية. 1925 نهضة الشرق، النزهة، البعث، الظريف، الثروة، المهذب. 1926 الأجيال، نفائس المدارس. 1927 الوجدان، السهام، الرياضة، معرض السينما، النديم. 1928 الرياضة الأسبوعية. 1929 الأجيال، الجرس، الثغر، عالم السينما. الجرائد العربية المصرح بإصدارها يومية في القاهرة سنة 1940: الأهرام، المصري، المقطم، البلاغ، الوفد المصري، الدستور، مصر، الوادي، العلم، الدفاع الوطني، المساء، أبو الهول اليومي، الاتحاد، مصر الفتاة، الحال ومسامرات الشعب، الثغر، الآداب، الفنون، اللواء القومي، الأمة، المحروسة. الصحف العربية المصرح بإصدارها مرتين في الأسبوع في القاهرة في 1940: الأماني القومية، الأفكار، منبر الشرق، الصرخة، الظاهر، الأهالي، شهر زاد، الألعاب الرياضية، السمير، المرشد. الصحف العربية المصرح بإصدارها أسبوعية في القاهرة في سنة 1940: المنير، الأخبار، الاستقلال، فتى النيل، الكفاح، الحقائق، طنطا، الضحوك، المدينة، الساعة، الجامعة الإسلامية، لسان العرب، شبرا، شيخ الصحافة، العلم المصري، المرصد، أنوار المدينة، الصديق، المباحث القضائية، الشمس، التاج المصري، حرية الشعوب، الصاعقة، الشعوب، السحاب، الشعاع، الضياء، الزعيم، يا هوه، المصور، الاثنين، الصباح، آخر ساعة، روز اليوسف، الشعل، العزيمة، الفتاة، الراوي الجديد، الكشكول، زهرة الشرق،

اللطائف المصورة، الثقافة، الراديو المصري، الرسالة والرواية، السياسة الأسبوعية، الرابطة العربية، مجلتي، المطرقة، الحوادث، المجلة الجديدة، أبو الهول الأسبوعي، أنا وأنت، التيمس المصري، الأسبوع، الشهداء، النيل، الحسان، مجلة المجلات، الراديو، البعكوكة، غريب، الشبان الوفديين، المصري أفندي، مصر العليا، أسرار الكون، الفصول، الدعاية، روايات الجيب، مسامرات الجيب، الروايات الجديدة، العشرين قصة، روايات الفتاة، بابا صادق، الصحف والقوة، الرياضة البدنية، المنتخب، السيخ، الحديقة والمنزل، النجم، المجلة الموسيقية، شيك، الثريا، رابطة الشباب، النوبة الحديثة، الأمي، مترو جولدين ماير، المصرية، المحاماة، المحاماة الشرعية، القانون الاقتصادي، المحاكم، الرشيد القضائي، كلية الحقوق، الحقوق القضائية، الأحكام، الجريدة القضائية، الإدارة والبوليس القضائي، القضاء المصري، العدالة، الشرائع، الداوئر القضائية، الأسرار القضائية، المحامي، التشريع الإسلامي. صحف دينية مصرح بها في سنة 1940: الأزهر، الشبان المسلمين، الهداية الإسلامية، المنار، الاعتصام، نور الإسلام، الهدى، التقوى، الإسلام، الوحدة الإسلامية، هدى الإسلام، المدينة المنورة، الفتح، مكارم الأخلاق الإسلامية، نشرة الفضائل والآداب الإسلامية، الكاشف، الفضيلة، النذير، الحديث، الهادي، النهار، المجلة الشرعية، اليقظة، صهيون، الإيمان، رسالة المحبة، رسالة الحياة، المنارة المصرية، النهضة، رسالة الإسلام، الشرق والغرب، المرشد المدرسي، المراعي الخضراء، كوكب الصبح، الهدى، المساعي، نجم المشرق، الصخرة، الصلاح، رسالة القديسة تريزا، التقدم. الصحف العربية الدورية التي تصدر في سنة 1940: جهرة نما، اليوناني المتمصر، مصر الصناعية، المقتطف، الهلال، الأنصار، الصداقة، الطلبة، الشرق، الصناعة، سكك حديد وتلغراف الحكومة المصرية، العمارة، الكشافة، الرياضة البدنية المصرية، المجلة الطبيعة المصرية، النشرة الزراعية، المجلة الشرعية، مجلة الشرق الطبية، مجلة غرفة القاهرة، العلامات التجارية، سمير التلميذ، الإسلام، العلوم، فن الحفر في مصر، الطيران المصري، دائرة المعارف، مدرسة الهندسة التطبيقية، نشرة الاتحاد الدولي للرسم الجمعية العلمية بمدرسة الزراعة العليا، رسالة العلم، المدرسة الخديوية، مدرسة الأميرة فوزية، مدارس النهضة، شبرا الثانوية، مدارس الأهرام، مدرسة حلوان، الدليل المصري.

الصحف العربية المصرح بها في الإسكندرية: البصير، الاتحاد المصري، الدفاع الإسكندري، الجريدة التجارية المصرية، البورصة، التجارة، السفير، الرياضة، البصير القضائي، العهد الجديد، العلم الأخضر، اتحاد الشرق، الفارس، طريق الحياة، الراعي الصالح، بوق الإنجيل، مملكة النحل، غرفة الإسكندرية. صحف مصرح بها في المحافظات والمديريات: دمياط، الصدق، النبراس، الكمال، الفؤاد، نهضة العمال، الرعد، مصباح النيل، الفضائل، القاهرة، الإخلاص، الممتاز، الحضارة المصرية، سفينة الأخبار، بريد الصباح، الأمير، عنوان السلام، المنصورة، التوفيق، البيان، الفنون، اليراع، الواجب، الوفاق، الوقت، البشير، الإصلاح، منبر الشرقية، مدرسة الزقازيق الثانوية، البشرى، شمس الكمال، الجيزة، البستان، الخلود، الفيوم، بحر يوسف، فاروق، المؤتمر، مدرسة الفيوم الثانوية، السلام، بني سويف، الضمير، الإنذار، الأقاليم، مصر الجديدة، الائتلاف، المنتظر، أسيوط، بوق القداسة، كلية أسيوط، النادي، المثال المسيحي، الشفق، الصعيد الأقصى. الصحف اليومية العربية في القاهرة في سبتمبر 1951: الأهرام، الأساس، المصري، السياسة، الجريدة المسائية، صوت الأمة، المقطم، البلاغ، مصر، آخر لحظة، الأخبار المصورة، نشرة وكالة الأنباء العربية، نشرة أبناء وادي النيل، نداء اليوم، أبو الهول، الصراحة، النشرة الصباحية والنشرة المسائية، كل يوم، البحار، الدفاع الفلسطيني، نشرة وكالة الشرق الأوسط، الصحفية. الجرائد والمجلات الأسبوعية بالقاهرة في سبتمبر 1951: المصور، الاثنين، آخر ساعة، روز اليوسف، الصباح، مسامرات الجيب، الحوادث، أخبار اليوم، السواري، النداء، الإذاعة المصرية، شيخ الصحافة، المصري الأسبوعي، الراية، رابطة الشباب، الراديو والبعكوكة، التسعيرة، الخبر، الاتحاد، الاستديو، منبر الشرق، الرسالة والرواية، الثقافة، الدفاع الوطني، الدستور، الوادي، المساء، المسير، الألعاب الرياضية، المصري أفندي، الرابطة العربية، الساعة 12، العزيمة، الرياضة البدنية، الكاشف، النوبة الحديثة، مصر العليا، روايات الجيب،

العهد السعيد، العلم المصري، أبو الهول، النيل، مجلة المجلات، الأحوال، ابن البلد، مترو جولدين ماير، المدنية، السحاب، الفنون، لسان العرب، الهادي، الشيخ، الأخبار، الشعوب، الصرخة، المرشد، إخوان الحرية، الإسلام، المدينة المنورة، الاعتصام، مكارم الأخلاق الإسلامية والمصالح، النذير، المنارة المصرية، الوطنية، الهدي، نجم المشرق، المحاكم، العدالة، الأسرة القضائية، المباحث القضائية، الشعلة المصورة، الواجب، البشير، الرابطة الإسلامية، سراج السلام، الجلاء، الأنباء، أخبار الأسبوع، صوت الشعب، البلبل، الشرق العربي، الموسيقى والمسرح، الكتكوت، الأنوار، الفنون المعمارية، صحيفة الجامعة الشعبية، الميزان، صوت الصعيد، رسالة مار جرجس، الحق، الرياض، القصة، صباح الخير، كلمة ونص، صدى الجنوب، جهينة، المبادئ، الرقيب، المال والتجارة، الجمهور المصري، الفن، الإشاعة، الدعوة، اللواء الجديد، الأصول، الكاتب، أخبار النيل، السيدات المسلمات، الاقتصاد المحاسبة، الأسرار، الوطن الجديد، الكوكب، الملايين، الوسيلة، النشرة الإخبارية للأدوية، المسلم، الجهاد الروحي، منزل الوحي، الانتصار، الناس، الجيل الجديد، المجلة الشرعية. الجرائد والمجلات العربية المصرح بإصدارها نصف شهرية بالقاهرة سبتمبر 1951: رسالة الحياة، الهدي النبوي، منبر الإسلام والمساجد، الروايات الجديدة، الكليم، بنت النيل، جمهرة نما، الحسان، أمريكا اليوم، التشريع والقضاء، العالم العربي، صوت الهند، رسالة الباكستان، الاستقلال، برامج محطة الشرق الأدنى للإذاعة، أنا وأنت، حواء، روايات الأسبوع، الأفكار، الأماني القومية، الرشيد القضائي، العمل، الساعة، صوت الطلبة، المعلم الأول. مجلات عربية دورية وسنوية تصدر في القاهرة في سبتمبر 1951: المقتطف، الهلال، الكتاب، روايات الهلال، الطلبة، قصر العيني، الحقيقة، المستقبل، الجامعة، الأحكام، الصريح، الجامعة الإسلامية، الهداية الإسلامية، البريد الإسلامي، اليقظة، رسالة السلام، المرشد المدرسي، الصخرة، الشرق والغرب، الصلاح، بوق الإنجيل، مجلة نهضة الكنائس، مجلة مدارس الأحد، المراعي الخضراء، الإيمان، رسالة المحبة، عالم الروح، نور الإسلام، رسالة العلم، المجلة الطبية المصرية، مجلة الجمعية الصحية المصرية، المجلة الطبية الشرعية المصرية، الدكتور، صحتك، الأنصار، العلوم، الأمة، الرياضة البدنية المصرية، النشرة الزراعية الصناعية، المهندسين، العمارة، مجلة شئون الضرائب،

الغرفة التجارية بالقاهرة، المحاماة، المحاماة الشرعية، صحيفة النشأة الأباظية، كتب للجميع، المختار، الخبراء، المصباح، الفصول، التعاون، الأزهر، مجلة الصحة المدرسية، العلامات التجارية، مجلة سكك حديد وتلغراف وتليفونات الحكومة، التنبيه، الفراشة، هليوبوليس، مجلة بنبا قادون الثانوية، صحيفة مدرسة فاروق الأول، مجلة كلية الطب البيطري، مجلة المدرسة الإبراهيمية الثانوية، كنوز الفرقان، الفلاح الاقتصادي، رسالة الإسلام، الأهداف، أخبار الطيران، الكواكب، الرجاء، التلغراف، قصص للجميع، الصحيفة، حقلنا، العالم الإسلامي، صديق الكاهن، التنظيم والإدارة، مختار النداء، الشاعر، صوت الفنان، الشهر، الأهرام في خدمة التجارة والصناعة، الشبان المسلمين، لواء الإسلام، كلمة ونص، الإصلاح الاجتماعي، مصر الصناعية، حكيم البيت، الشباب، الحديث، علاج النفس، كلية الحقوق، شمس البر، الأمانة، المرصاد، طنطا، كتاب اليوم، كتاب الهلال الموتور، كوكب الصبح، علم التنويم المغناطيسي، طريق الحق. مجلات عربية دورية وسنوية تصدر في القاهرة في سبتمبر 1951: دائرة المعارف الإسلامية، القانون والاقتصاد، بلادي، دار العلوم، الشرائع، الموظف، التقوى، مجلة كلية البوليس والإدارة، علم النفس، صحيفة التربية، التربية الحديثة، حوليات كلية الآداب، نشرة الاتحاد الدولي للرسم، دليل الشرق، مجلة مدرسة الهندسة التطبيقية، التجارة العربية الإنجليزية، مجلة سلاح الفرسان الملكي، مجلة المدرسة الخديوية، مجلة المشاة، مجلة مدرسة عين شمس الثانوية، مجلة مدرسة شبرا الثانوية، نشرة الأخبار الطبية، مجلة مدارس الأهرام، مجلة مدرسة خليل أغا الثانوية، مجلة مدرسة حلوان الثانوية، صحيفة المعهد العالي لمعلمات الفنون، مجلة مدرسة الأميرة فوزية، صحيفة التجارة بالجيزة، مجلة مدرسة النهضة المصرية، مجلة المدفعية الملكية، صحيفة اتحاد كلية الحقوق، الدليل المصري، القضاء المصري، هي، وحي العلم، الفلاحة، مجلة كلية التجارة، فتاة الغد، الجرس، الشروق، أطلس، الحدائق، وحي المعهد، مجلة مدرسة تحسين الخطوط الملكية، مجلة جمعية الألبان، مجلة المعلمين العليا. صحف ومجلات عربية صدرت في الإسكندرية حتى سبتمبر 1951: البصير، الاتحاد المصري، الرياضة، الجريدة التجارية المصرية، البورصة، السفير، الشرق الأوسط، اتحاد الشرق، الدفاع الإسكندري، مجلة مصر المالية، العلم الأخضر، الغازي، الراعي الصالح، المستشار، الأسبوع، العهد الجديد، الرأي الحر، نشرة محكمة الإسكندرية، غرفة الإسكندرية، صحيفة كرموز الابتدائية، مجلة الحقوق، مجلة كلية الآداب،

السارية، المصدر المصري، الشاطئ، المهندس، الثروة الحيوانية، النشرة الطائفية، شباب الهلال الأحمر، المجلة المصرية للقانون الدولي العام، الفنار، مجلة اتحاد كلية التجارة، مجلة مدرسة رأس التين الثانوية، الفائز، بوق القداسة. الجرائد والمجلات الإقليمية في شهر سبتمبر 1951: الآراء، أخبار دمياط، دمياط، صحيفة الجامعة الشعبية، الكمال، نهضة العمال، الفضائل، الرعد، الإخلاص، الممتاز، الحضارة المصرية، سفينة الأخبار، مجلة مدرسة طنطا الخاصة، بريد الصباح، نور الحياة، طنطا الثانوية، مجلة مدرسة فاروق الأول الثانوية بطنطا، مجلة مدرسة طلخا الثانوية، مجلة مدرسة فوه الابتدائية والثانوية، عنوان السلام، عامل المحلة، الوفاق، النهار، العيون، البنان، المنصورة، الدقهلية، نداء الشعب، مجلة مدرسة المنصورة الثانوية، الشعلة التعاونية، الأمير، ميت غمر، مجلة مدرسة فارسكور، الإصلاح، الفنار، مجلة الزقازيق الثانوية، الصدق، الهدهد، مجلة مدرسة إيتاي البارود، مجلة مدرسة كفر الدوار الابتدائية، النبراس، مجلة مدرسة الباجور الابتدائية، البشرى، سمير التلميذ، مجلة الغرفة التجارية للجيزة، مجلة كلية الآداب، حتمور، العلوم الزراعية، السلام، بني سويف، المرصد، الفيوم، بحر يوسف، قارون، مجلة الاتحاد التعاوني، المؤتمر، المجتمع، مجلة مدرسة الفيوم الثانوية، الإنذار، الأقاليم، مصر الجديدة، تعاليم الكنيسة، المنتظر، أسيوط، كلية أسيوط، النادي، المثال المسيحي، الشفق، الصعيد الأقصى. الصحف الصادرة في عهد الثورة "1956 - 1981": صحف صدرت سنة 1956: رسالة الشباب المسيحي، مجلة العمل والعمال، مجلة السجون، مجلة العياط، مجلة الأدب، مجلة رفيق البائع، مجلة مدرسة طنطا، مجلتنا، مجلة شبرا، مجلة جامعة الدول العربية، مجلة المدرسة الزراعية، مجلة معهد طنطا، مجلة التربية الزراعية، مجلة شجارة الورديان، مجلة كرداسة، مجلة الأفق الجديد، مجلة معهد المعلمات الخاص، مجلة الطب، مجلة صوت العطاري مجلة النور، مجلة فتاة الأورمان، مجلة فوتكس، مجلة الوعي الصناعي، مجلة السامية، مجلة كشك، مجلة ميت غمر، مجلة المعسرة، مجلة الرياضيات، مجلة جمعية الخدمات، مجلة معهد المعلمين، مجلة إسنا الراقية، مجلة الصداقة الدولية، مجلة الإمام الشافعي، مجلة حصن الأمان، مجلة المحيط، مجلة الطرق والكباري، مجلة التنسيق، مجلة شئون البلدية الفردية، مجلة صوت العيد، رسالة النور، مجلة عالم المكتبات، مجلة أخبار المنيا، مجلة إلى النصر، مجلة العلوم الحديثة، نشرة البنك الصناعي، مجلة ساحل سليم، مجلة القوات المسلحة،

صحف صدرت سنة 1957: مجلة مدرسة شربين الثانوية، مجلة صوت النجاح، مجلة دار الكتب المصرية، مجلة الصحفيين، مجلة الإنسان، رسالة ملجأ، مجلة الطرق الصوفية، مجلة الإسلام، مجلة إدارة قضايا الحكومة، مجلة نور الحرية، مجلة وحي الساعة، مرآة أخميم، مجلة البريد، مجلة مرآة العلوم الاجتماعية، مجلة معهد تكرير البترول، صحيفة التربية والتعليم مجلة الشاطئ، مجلة الثغر السكندري، نشرة أنباء مكتب العمل الدولي، مجلة ميت غمر، مجلة الصراحة، مجلة الرائدة، مطلع الفجر، منشأة بورسعيد، مجلة لواء التحرير، مجلة صيحة قوس، مجلة النصر، مجلة نبرو، مجلة الدراسات الأمنية، مجلة الاستقلال، مجلة الأزاهير، السوار، مجلة مصانع18، مجلة الخبر، مجلة أسوان، مجلة حياتك، مجلة السياحة والنقل، مجلة الجديد في الصناعات العالمية، مجلة الاقتصاد العربي، مجلة أعمدة الزوايا، مجلة أخبار البورصة مجلة الصيانة، مجلة الفيوم، مجلة صوت عمان، مجلة نشرة الشئون العامة، مجلة صوت إيطاليا. صحف صدرت سنة 1958: مجلة فانوس الفكر، مجلة تعالى مصر، مجلة إمبابة، مجلة التربية والتعليم، نشرة الخدمة العامة، مجلة دي فيجار، مجلة الصحة النفسية، مجلة الطليعة، مجلة التعبئة، مجلة مطلع الفجر، مجلة الضياء، مجلة الشهر، الفدائي الجديد، مجلة صوت النيل، مجلة الأمن العام، مجلة نهضة أفريقيا مجلة الدواوين، مجلة شرق الوحدة، طلائع النصر، المجلة الجنائية القومية، مجلة المال والاقتصاد، مجلة المقياس، مجلة الصحة، مجلة الحياة، مجلة الطريق، جريدة العمال العرب، مجلة قنا، مجلة العلوم الإدارية، مجلة الإسلام والتصوف، مجلة الكفيف العربي، لواء العروبة، مجلة الحسين، مجلة الصناعات الغذائية، صحيفة منطقة طنطا، وحدتنا، مجلة الجيزة، النصر الجديد، العروبة، مجلة معلمات الحلمية، مجلة مدرسة النهضة العربية، مجلة البترول، نشرة الأهرام الإخبارية، مجلة كلية المعلمين، النشرة الثقافية، صوت المارونية، مجلة تلا، مجلة أخبار البلدية، نشرة بترول الشرق الأوسط، مجلة المحاربون، نشرة اتحاد بنوك مصر، مجلة الأحد، مجلة اضحك، مجلة علم النفس، مجلة " Le Messager"، المرشد التعاوني، نشرة وكالة أنباء الصين، مجلة كل القصص، المجلة المصرية لعلم الجيولوجيا، المجلة المصرية لعلم النبات، المجلة المصرية لعلم الكيمياء، مجلة التربية القومية، صوت الفكرية، مجلة الغد، مجلة المشرق، مجلة أسرة المصنوعات، مجلة العمال، مجلة أخبار مصر الجديدة، مجلة الشعلة المقدسة، مجلة أجنحة النور، مجلة ميكي، رسالة صوت الهدى، الشباب تعبير، رسالة هم وعن. صحف صدرت سنة 1959: الأهرام الاقتصادي، مجلة مدرسة البنات المحمدية، مجلة فتاة الغد، مجلة دنيا القانون، مجلة المدارس الفنية، نشرة بيوت الشباب، مجلة القاصد الثانوية، مجلة التوفيق، أهرام الجمعة، مجلة مدرسة الهرم، مجلة المطرقة، طلائع المجد، مجلة أخبار المنيا، مجلة بنات حواء،

مجلة أسرة الدخان، مجلة الزمالة، مجلة حول العالم، صوت المنيا، مجلة كفر الشيخ، مجلة الجمهورية الفنية، وحي الهندسة، مجلة رسالة القناة، مجلة الشئون العامة، مجلة طريق الحرية مجلة شئون التربية، مجلة شبرا، مجلة قبة الهواء، مجلة الواسطى، مجلة الصداقة الدولية، " The Dawn" جريدة أخبار القنال، مجلة العرفان، مجلة عمرو بن العاص، رائد الفشن، مجلتنا، صوت مؤسسة الإبراهيمية، مجلة المعلمين "الوعي"، مجلة جامعة الثقافة الحرة، مجلة رائد الثغر، مجلة معلمات محرم بك، المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة، صوت الظاهر، مجلة دير سفنكس، مجلة الرابطة، مجلة مدرسة الجزيرة، مجلة الوعي العمالي، رسالة التجارة، مجلة البشير المعرواني، مجلة الجيل الصاعد، مجلة مرقس، مجلة الاتحاد العربي، مجلة بناء الوطن، مجلة التربية الأساسية، مجلة الأخوة، جريدة التعاون، مجلة كفاحنا، مجلة الفتوة، مجلة صوت ليبيا، صوت المعلمين، مجلة دار الشبيبة، مجلة الواجب، مجلة كلية أصول الدين، نشرة أنباء جمعية تحسين الصحة، دليل من هو. صحف صدرت سنة 1960: مجلة بريدج، مجلة التعبئة القومية، مجلة الرسالة الجديدة، مجلة بورسعيد، مجلة اليابان الصناعية، مجلة بشير الإنجيل، مجلة نحو المجد، " The Arab Economic Report"، مجلة الإسلام والمسلمون، مجلة صوت الصومال، مجلة صوت الكلية الإنجيليلة، مجلة فتاة الصعيد، مجلة الإشعاع، مجلة الصحراء القومية، مجلة النبع، مجلة ألومنيوم، المكتب العربي للصحافة، مجلة مدرسة القربية الإعدادية، مجلة الألسن، مجلة مدرسة الشاطبي، مجلة مدرسة علي مبارك بطنطا، مجلة قصر العيني للجراحة، صحيفة المدرسة المرقصية، نشرة القطن، مجلة الوادي الجديد، مجلة الطبيب العربي، نشرة الشرقية البترولية، مجلة راهبات الداليفراند، جريدة فلسطين، مجلة جماعة الشباب العالمي، مجلة حولية كلية البنات، نشرة الرأي، مجلة أخبار البحيرة، مجلة مركز التدريب المهني بحلوان. صحف صدرت سنة 1961: مجلة المنوفية، مجلة طوخ، مجلة الجلود، مجلة بنباقادن الإعدادية، مجلة الزيتون التجارية، مجلة مدارس قسم الساحل، مجلة القناة، مجلة أبو الهول، مجلة الحلمية الإعدادية، مجلة الإسكندرية مجلة المحاريث والهندسة، مجلة مدرسة العباسية، صحيفة فاقوس، مجلة المحاسبون، مجلة السنية، مجلة السمو، نشرة البنك الأهلي المصري، مجلة الجمارك، مجلة مدرسة العباسية للبنات، مجلة الاتحاد العربي "صوت الجيزة"، مجلة مدرسة علي مبارك الثانوية، مجلة فلسطين، مجلة نصر المصورة، مجلة الاتحاد القومي، مجلة دليلك، مجلة الكلمة، مجلة الشباب، مجلة التأمينات الاجتماعية، جريدة صوت الجالية، مجلة الأدباء، مجلة صوت البرية، مجلة المدرسين، مجلة دلتا، مجلة مستشفى المنصورة.

صحف صدرت سنة 1962: مجلة رسالة الفكر، نشرة المؤسسة المصرية، نشرة الاتجاهات العالمية، مجلة موكب النور، مجلة الثقافة العمالية، مجلة أخبار فارسكور، مجلة الكشاف التحليلي، مجلة المعهد القومي، مجلة رقي المعارف، مجلة " SPOT Light" مجلة جمعية المهندسين، جريدة بورسعيد، مجلة مجمع اللغة العربية، مجلة الجمعية التعاونية الاستهلاكية المركزية، مجلة الوسيقى، مجلة أسرة كولدير، مجلة الاتحاد العربي، مجلة القناطر الخيرية، دائرة المعارف الشعبية، مجلة المتصوف، مجلة العمل، مجلة الصحة، المجلة المتحدة، جريدة صوت العمال، مجلة البناء. صحف صدرت سنة 1963: مجلة البترول العربي، مجلة السياحة، مجلة النقل العام، مجلة السريع، مجلة صيحة البعث، مجلة التجارة الثانوية بالظاهر، مجلة المكتبة العربية، مجلة الصارخ، مجلة معهد الدراسات الإسلامية مجلة بريد الطب والأدوية، مجلة الصناعات العربية، مجلة الثقافة، مجلة الرسالة، مجلة النقل الداخلي، جريدة صوت الشرقية، " Arab observer"، مجلة الصوف في مصر، مجلة الظافر، مجلة الكورة، الدليل التجاري الصناعي، مجلة الجمعية العامة لمكافحة التدرن، مجلة نداء العودة، مجلة الخبر السار، مجلة الأهلي، المجلة الاجتماعية القومية، مجلة المعهد الفني بالقاهرة، نشرة اليونسكو "دورات التعليم العلمي". صحف صدرت سنة 1964: جريدة الأسواق، المجلة النقابية، مجلة كروان، نشرة رسالة العاملين، مجلة الزمالك، مجلة السينما، مجلة أخبار الشرقية، مجلة الجمعية الفلسفية العربية، مجلة دنيا العلوم، مجلة معهد التدريب المهني، مجلة شركة الجمهورية للتأمين، مجلة مجلس قرى الهياتم بالمحلة الكبرى، جريدة التربية الفنية، مجلة شركة مصر للمستحضرات الطبية، مجلة الكرازة، مجلة هي وهو، مجلة كوكاكولا، مجلة الحياة الجديدة، مجلة العامل الصاعد، مجلة الطليعة، مجلة الحارث. صحف صدرت سنة 1965: مجلة الشعر، مجلة القصة، مجلة الثمرة، مجلة أخبار العلم، مجلة الفجر، مجلة بناء الغد، مجلة السياسة الدولية، مجلة المجتمع العربي، مجلة المهندسين العرب، مجلة صناع السلام، مجلة شركة النصر للأجهزة المنزلية، المجلة المصرية للطب الاجتماعي. صحف صدت سنة 1966: جبل الزيتون، المجلة الاقتصادية، مجلة مدرسة باب الشعرية، جريدة ميدان الرياضة، مجلة اخترنا للفلاح، جريدة العمال، مجلة المزارعين، مجلة اقرأ، مجلة العلاقات العامة العربية، المجلة المصرية لجراحة العظام.

صحف صدرت سنة 1967: مجلة أخبار المحلة الكبرى، مجلة الجيل الصاعد، مجلة النصر، مجلة القضاء، مجلة بناتنا، مجلة الاتحاد العام العربي، مجلة الحياة العلمية، المجلة الجغرافية العربية، مجلة الكتاب العربي، مجلة الفنون الشعبية، مجلة الفكر المعاصر، جريدة الصحافة، نشرة اللغة الإنجليزية " R.A.W". صحف صدرت سنة 1968: مجلة النجوم، مجلة بحوث التكاثر والإشباع، مجلة الشباب، مجلة تعليم الراديو، مجلة الدراسات التعاونية، كتاب الشعب، مجلة فتى ديرب، مجلة المسرح، مجلة دار المعلمين والمعلمات مجلة معهد البحوث والدراسات العربية، مجلة المكتبة العربية، الممارس العام، مجلة بريزم، عالم التليفزيون، مجلة طبيبك الخاص، مجلة عصر العلوم، جريدة المدير العام، مجلة صحيفة المكتبة مجلة أصدقاء الملايكة الجديدة، مجلة أخبار كفر الشيخ، مجلة العلم والحياة، النشرة الصيدلية المصرية مجلة عين شمس المصرية، مجلة رسالة الكنيسة، الحركة العمالية العالمية "الحركة النقابية العالمية"، مجلة الزهراء، نشرة الوعي الرياضي، نشرة الأمانة العامة "الاتحاد العربي لعمال النقل"، جريدة النصيحة، النشرة الاقتصادية "بنك إسكندرية"، مجلة مدرسة التجارة الثانوية بالمحلة الكبرى، مجلة النصر الصيدلة والدواء، مجلة الملايكة "كنيسة مار جرجس"، نشرة التوحيد والقياس المصرية، مجلة النصر للسيارات، مجلة السيارات والسياحة، مجلة المال والتجارة، مجلة مصر الجديدة، مجلة الشباب السوفيتي. صحف صدرت سنة 1970: مجلة الحق، مجلة السينما، براعم النضال، مجلة الصيحة، مجلة الأعمار، مجلة الأحكام التجارية، مصر للبترول، مجلة المرجان، الأمل الجديد، أخبار السويس البترولية، مجلة الجماهير، مجلة السد العالي، مجلة الفنادق والسياحة، مجلة الممرضة، النشرة العلمية لمركز تدريب أطباء الأسنان مجلة مينوس، مجلة الباسل، مجلة وزارة الصحة، نشرة اسبورتينج، تنظيم الأسرة، مجلة الوادي الجديد، مجلة مصنع99، المجلة العلمية للتأمين الصحي. صحف صدرت سنة 1971: مجلة التدريب، مجلة صوت بورسعيد، مجلة الصناعة والتصنيع، الرسالة الجديدة "جمعية الأدباء، مجلة الاتحاد الأفريقي الأسيوي لإعادة التأمين، اليونسكو للمكتبات، مجلة مدرسة عبد الحي خليل، رسالة اليونسكو، مجلة جمعية خريجي كلية الاقتصاد، نشرة التجارة الخارجية، مجلة المعركة، مجلة النادي الاجتماعي والرياضي "مصنع 333حربي"، مجلة الكلمة، مجلة الزهراء، المجلة العسكرية للقوات المسلحة، ديوجين "مصباح الفكر"، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، مجلة الدراسات المالية، الإنسان الجديد، جريدة الفيوم، مجلة النيل هيلتون، مجلة العلم، مجلة التكاليف، مجلة قصص بوليسية، مجلة الكفاية الإنتاجية القديمة، مجلة الفكر الجديد.

صحف صدرت سنة 1972: مجلة تان تان، مجلة النقابي العربي، مجلة روضة المدارس، النشرة الدورية الأسبوعية، مجلة التعمير، المجلة الهندسية المدنية، مجلة صوت التعاون الاستهلاكي، مجلة النقل البري، مجلة الأسبوعيات الدورية "الجهاز التنفيذي لتنظيم الأسرة"، مجلة صواريخ، مجلة الطفولة، جريدة رسالة أفريقيا، مجلة الحصاد، مجلة الشباب. صحف صدرت سنة 1973: المجلة العلمية لكلية طب طنطا، المجلة المصرية لعلوم الوراثة، مجلة الإدارة المالية، الكتاب الذهبي، مجلة التوحيد، مجلة مستقبل التربية، مجلة النور والنار، مجلة صوت الطالب، نشرة التأمينات الاجتماعية، مجلة أضواء، مجلة السلامة والصحة المهنية، مجلة العلوم، نشرة مصلحة أمن المواني، مجلة دار العلوم، مجلة اتحاد المهندسين الزراعيين العرب، مجلة النصر للبترول، مجلة السينما والعالم، جريدة الجمعة، الأهلي الرياضي، المجلة الموسيقية، مجلة اتحاد طلاب جامعة المنصورة. صحف صدرت سنة 1974: نشرة العلم والإيمان، مجلة صفحة جديدة، مجلة جمعية إدارة الأعمال العربية، سنابل التل الكبير، مجلة Spirit، نشرة الاتحاد العربي للعاملين بالمصارف، بنت الشرقية، 6 أكتوبر "الفجر الجديد"، المجلة الطبية لجامعة القاهرة، نشرة إخبارية "لوكالة أنباء عراقية" مجلة ابن سيناء، مجلة أضواء، مجلة صوت مصر، مجلة الموقف الثقافي، مجلة المستقبل للمعوقين، مجلة أكتوبر، جريدة الأمل، مجلة الحرية، أخبار النوبة، مجلة بحوث ودراسات، مجلة العرب والعالم، تجارة العرب. صحف صدرت سنة 1975: مجلة السيدة زينب، مجلة الثقافة الأسبوعية، مجلة الطلائع، مجلة السكان، مجلة الثقافات، مجلة الرعاية، مجلة معهد الدراسات القبطية، مجلة عالم الفكر، جريدة الإسكندرية الرياضية، مجلة سلامتك، المدرسة، جريدة رسالة الصيادلة، مجلة كلية طب الأسنان "جامعة الإسكندرية". صحف صدرت 1976: نشرة مطالعات في العلوم، مجلة أكتوبر، نشرة الدراسات الإعلامية، جريدة الوفاء، جريدة رأي الجامعة، نداء الحق، مجلة الدراسات الإعلامية، مجلة الشعر، مجلة رسالة النور، مجلة ميكي جيب، مجلة صوت السويس، مجلة مصر أم الدنيا، مجلة الكورة والملاعب، مجلة الوعي العربي، مجلة الكورة المجاورة، مجلة شباب الأزهر، مجلة عالم السينما، مجلة الإنتاج، مجلة دار المعلمين والمعلمات بالإسماعيلية، مجلة " Egypt today"، مجلة الحضارة، مجلة السياحة والفندقة، مجلة الكويت، مجلة العدالة، جريدة صوت طلاب جامعة المنصورة.

صحف صدرت سنة 1977: جمعية الهلال الأحمر المصري، مجلة مصر الكنانة، مجلة تنمية المجتمع، كندا اليوم، نشرة " C.P.R"، رسالة باكستان، مجلة الزمالك، مجلة الإرشاد الزراعي، مجلة دراسات وبحوث، جريدة الإسماعيلية، مجلة الشباب وعلوم المستقبل، أخبار المهندس، مجلة مصر المعاصرة، الشياطين13، جريدة الأحرار، جريدة العبور. صحف صدرت سنة 1978: سلسلة البنك، صحيفة الأهالي، مجلة الشمس، مجلة المحاسبة والمراجعة، الحوض المرصود، مجلة المجتمع الجديد، مجلة الإدارة العامة، مجلة طريق السلامة، مجلة الرسالة الجديدة، مجلة المنتدى، مجلة الدوري، مجلة التجاريين، مجلة الحقيقة، مجلة المنصورة، مجلة أحرار السويس، مجلة السينما والناس، مجلة الكشاف والمرشد، مجلة المهندسين الميكانيكية، جريدة جنوب حلوان. صحف صدرت سنة 1979: مجلة جنوب الوادي، مجلة الأهلوية، مجلة الأيام الجديدة، مجلة الشرطة، مجلة الوادي، مجلة الجوكي، مجلة الفنار، مجلة الحرفيين، مجلة مجلس الصحة، مجلة الكورة المصرية، مجلة نادي المسرح، مجلة الشاشة الصغيرة، جريدة الناس، مجلة التصوف الإسلامي، مجلة صوت قنا، مجلة أتوموبيل، مجلة حسابات الحكومة، أقلام، مجلة الفنون، مجلة هنا الإسكندرية، جريدة الرأي العام. صحف صدرت سنة 1980: مجلة أفكار، سبورت دفكوب منت، جريدة أخبار بني سويف، مجلة الإسكندرية مجلة الإرشاد والتطوير، مجلة الثقافة الجديدة، مجلة النصر للمقاولات، مجلة الهدى النبوي، مجلة الملتقى، مجلة صوت إيتاي البارود، مجلة اللغة العربية بالمنصورة، جريدة أسوان، مجلة كورة السلة، مجلة طب الأسنان، جريدة السياسي، مجلة بورسعيد الجديدة، مجلة الثقافة الهندسية، مجلة المنظمة الأفريقية الأسيوية، جريدة جمهور المصري الرياضية، المجاهد، مجلة عالم القصة، دراسات قومية، كتب سياسية، مجلة الطريق. صحف صدرت سنة 1981: جريدة مايو، العروة الوثقى.

صحف فرنجية صدرت في مصر حتى سبتمبر 1951

صحف فرنجية صدرت في مصر حتى سبتمبر 1951: A'nnee 1798 Courier de L'Egypte. "1" La Decade Egyptienne. 1833 Le Moniteur Egyptien. 1846 Lo Spettatore Egiziano. 1852 Manifeste. 1853 Manifesto Giornaliero. 1857 II Commercio. II Progresso Di Egitto. 1859 Le Courrier de la Gironde. La Presse Egyptienne. Le Sphinx Egyptien. Bulletin de L'Insiittut Egyptien. 1860 La Trombetta. 1862 L'Eco D'Egitto. Echo D' Europe. 1863 L'Egypte. 1865 L'Avenire D'Egitto. 1866 Le Nil. 1867 Le Journal du Canal. Le Moniteur de la Publicite en Egypte. 1868 Le Progres Egyptien. 1869 L'lmpartial d'Egypte. 1870 The Egyptian Messenger. 1871 L'Independant d'Egypte. Le Phare d'Alexandrie. L'Avenir Comm- ercial de Port-Said. 1872 II Corriere Egiziano. L'Ezbekieh. Le Sport. Hmpheia Nea. 1874 Le Stafille. L'Economiste. Le Commerce. Courrier de Port-Said. Le Moniteur Egyptien. 1875 La Farfalla. Gazette des Tribunaux. Bulletin de la Societe Khediviale de Geographic.

_ 1 الأعداد التي كتبت فيها COURRIER بال RR هي 5، 6، 9، 10، 12، 13، 14، 16، 17 - أي تسعة أعداد فقط من 116 عددا.

Annee Nom du Journal 1876 Lloyd Egiziano. La Jurisprudence. Kekpux. Masr. L'Egypte Judiciaire. 1877 Bulletin de legislation et de Jurisprudence. Le Droit. Messagero Egiziano. 1880 Bulletin Mensuel de la Societe Egyptienne d'Agriculture. Homonia The Egyptian Gazette. 1881 Le Bosphore Egyptien, Le Darabouke. 1882 The Times of Egypt. Bulletin du Comite Agricole. 1884 Le Courrier d'Egypte. 1885 Metarithmissis. 1887 Neos Syndesmos. Bulletin de Legislation et de Jurisprudence Egyptienne. 1889 Revue Egyptienne Litteraire et Scientifique. Revista Mensile. 1891 Le Progres. 1893 Phos - Chronos. Le Progres Egyptien. The Sphinx. Neos Syndesmos. 1894 Reveil Egyptien "organe bimensuel". L'Imparziale. Le Journal Egyptien. L'Egypte "Revue Industrielle et Commerciale". Revue d'Egypte. 1895 Revue Internationale de Legislation et Jurisprudence Musulmanes. La Correspondance Egyptienne Illustree. 1897 Panession. 1898 Le Courrier du Nil. La Verite, Courrier d'Orient. Bollettino Mensile della Camera ltailana di Commercio. Le Journal du Caire. 1899 Bulletin de la Societe Medical du Caire. La Bourse Egyptienne. Journal of the Khedivial Society. Archalouyce. Bulletin Commercial. Bulletin de la Societe Khediviale de Medecine. 1900 Bulletin de I'Union Syndicale des Agriculteurs d'Egypte. 1901 Le Lotus.

Annee Nom du Journal 1902 Nouvelle Revue d'Egypte Litteraire, Artistique et Sociale. Universite Populaire Libre d'Alexandrie. II Giornale. 1903 Bulletin de la Chambre de Commerce Internationale. Eethintki. Anagennissis. 1904 Egypte. The Egyptian Morning News., Houssaper. 1905 Societe Khediviale de Medecine. La Revue Internationale d'Egypte. 1906 Buzantion. Le Bosphore Egyptien. Cairo Scientific Journal. La Finance Egyptienne et Moniteur Commercial. IT Corriere Egiziano. 1907 Les Nouvelles Egyptiennes. Aegyptische Nachrichten. L'Etendard Egyptien. The Egyptian Standard. Risorgette. Annuaire de la Finance Egyptienne. 1908 Eon. The Egyptian Daily Post. Cairo Programme. Union Delle Democracia. 1909 Roma. Le Progres Egyptien. Le Journal du Caire. Les Pyramides. La Bourse Egyptiemme. L'Egypte. The Egyptian Daily Post. Morning News. LTmparziale. Kairon. Chronos. Occident et Orient. Vosdoros. Le Courrier d'Egypte. The Egyptian Gazette. La Reforme. Le Phare d'Alexandrie. Les Nouvelles. Telegr-aphos. Omonia. Nilos. Messagero. La Verite. Le Moniteur International des Annonces ou I'Oasis d'Heliopolis. Panellian ou Osmodeos. Avel. Phos. Sphinx. Aegyptische Nachrichten. Eeon Ephiniki. Pharos Ecclesiasticos. Pantairso. Gosmos. Moniteur Commercial. Cairo Programme. Tachydromos. Byzantion. Ergassia Egyptos. Archalouyse. Bulletin de la Legislation et de Jurisprudence Egyptiennes. Neos Syndesmos. Depeches Telegraphiques. La Gazette. Egyptischer Loyd. Li Standard Tal Maltin. Les Coulisses. Le Monde Sportif ou la Saison d'Egypte et L'Egypte Sportive, lkaro. Nea ynea "Simea". The Sphinx. Vox Veritafis. La Voix d'Alexandrie. La Jeune Egypte. Gazette de Renseignements. 1910 La TJepeche Egyptienne. Bulletin Medical d'Egypte. Agence Telgeraphique Orientale. L'Echo Sportif. Israil. The Egyptian Observer.

Annee Nom du Journal 1911 The Syse. Ephimeris. Ta Vima. Amyna. Union della Democrazia. Gazette des Tribunaux Mixtes. Monsieur. Anagcis. Promachos. Epitheorissis. Nea Ergassia. L'Unita Maltia. Delta. Le Nil. Le Phare de L'Etythree. Revue Theatrale et Sportive, Le Journal de Helouan. La Sante. Mealessi L'Univers. L'Anthr-opismos. Hossanak. La Griffe. Miontioum. 1912 Le Courrier du Canal. Neve. II Pensiero. L'Echo d'Egypte, Les Sports "Sporting News". Revue Israelite d'Egypte. Revue Egyptienne. Cairo Scientific Journal. The Egyptian Mail. Bulletin de 1'Association Internationale de Proprietaries et Urbains en Egypte. La Renaissance Juive. La Vie Egypt¬ienne. Y, M, C, A, Reviwe. L' Avenir. Steno - Dactylo. Les Affiches Egyptiennes. Cairo Sports. Bulletin de la Chambre Commerciale Francaise du Caire Daphne. Revue Medicale d'Egypte. 1913 La Finance Egyptienne. Lumen. Psit. Ana Mali. L'Etoile Egyptien. L'Egypte Contemporaine. L'Union. Cinegrophe. Journal. Ta Chronita. Le Courrier. Le Reveil de l'Egypte ou Le Scorpion. Lisez-Moi. El Afrita. La Griffe Egyptienne. 1914 L'Echo Egyptien. Le Journal Illustre. Eso Etmos. L'Orient Nouveau. Kyrix. Neon Hellemon. 1L Mattino Egiziano. IL Corriere di Cairo. Giornale d'Egitto. La Semaine Ulustree. Times of Egypt. Egyptian Illustrated Bully Sketches. 1915 Ta Nea. The Cairo Herald. Embros. High Life Review. II Piccolo Delia Dominisa. The Truth. The Camp. Arev. Courrier. IL Nilo. Les Feuil lets. The Egyptian School Magazine. 1916 Klio. Bulletin de la Societe Eutomologique. Hevdomas. Phinicas. 1917 Phono tis Cassou. Revue Sioniste. Papyrus. 1918 Souvenez - Vous. L'Economiste Egyptien. Le Lotus. 1919 Manifestes Seditieux. The Egyptian Commercial and Shipping Review. Sports. 1920 Savarnah. Israel. Le Miroir Egyptien. L'Orient. The Egyptian Advertiser Journal. Le Roseau. Feamma. Emporicos Chorogr-

Annee Nom du Journal aphoo. Bulletin Pharmceutique d'Egypte. Mardil Agha Revue Sociale. O.Pharos. L'Eclair. Revue du Monde Egyptien. Le Levant. Btn, Ste, Sultan Agriculture Les Nouvelles Maconiques. Grammata. 1921 Epitheorisis. Revue Hippique. Ishepsis. Le Moteur. Zizanioun Soussourada. Agon. Enquire Within. La Liberte. Cambouris. The Sportinq News. Varieats Italia Tribuna. Egiziana Bar Poesia. Arabesques. La Publicite Egyptienne. L'Intermediaire International. The Deocesan Magazine. La Presse Medicale. Palestine News. Egipta Espirantisto. 1922 Yatros. L'Egypte Nouvelle. Revue Medicale de I'Orient. La Palestra. 1923 Le Scarabee. Mois Pharmaceutique Medical. Valetta. Anatoli Papagallo. The Orient Trade Review. La Quarta Italia. L'Orient Musicale. Le Quotidien. Proscopihi Echo. Athletic News. L'Action. L'Aurore, Le Lloyd Egyptien. The Egyptian Advertiser Journal. 1924 The Near East Trader. Mephie opihdes. Le Lotus. La Verdade Texph. Le Moniteur Commericial Memphis. Panjios Taphos. Neos Romos JL des Reclames. La Tribune breillustre. Eon Feuille d'Avis. L'Esploratore. Maalesche. Emporium Music. L'Egypte Industrielle. Palestine. 1925 Le Volant Egyptien. Le Phare Egyptien. Bisedimet. Haygagan Cinema. LTndependance Egyp. Arax. L'Egyptienne. II Mediter-raneo. Sphinx. To Yeoli. Bulletin Commercial d'Alexandrie. Kypatia. To Roudouni. Panorama du Canal. L'Independent. L'Intermediere. Revue Scientifique. Isis. Sporting. La Dod-ecnaese. Dansez. Pountch. La Revue Hebdomadaire. Le Dimanche Illustre. To Hellinopoulo. L'Espoir. La Gazette. LTnformation. Le Magazine Egyptian. Le Jocky. Revue Egy¬ptienne de Publicite. Le Courrier des Lettres et des Arts. La Vie Francaise. Bulletin de T Union des Professeurs de Danse d'Egypte. L'Obelisque. Josy Journal. Journal des Enfants en Couleurs. Le Stade. Heamis. Le Pharaon. Le Phoenise. Le Reveil. Les Messages d'Orient. Le Scemo. Iglua Ke Dinamis.

Annee Nom du Journal 1926 Nea Zoi. Messager du Canal de Suez. I'Kini Gnomi - Le Diable Enrage. Le Journal de Goha. Le Mercure Eg. Rad. Revue des Debars. La Vie Juive. L'Ami Kentri. La Semaine Eg. Le Petit Egyptien. La Semaine d'Alex. L'Orient Stenogr-aphique. La Settimana Sportiva. Tribune Libre d'Egypte. Philathlos. Abraeadabra. Hay Varjarn. Annales Judiciaires. Le Cinema d'Orient Radio Programme Eg. Hermes. La Vie Partemeniaire Egyptienne. Revue de Droit Egyptien. Mixte. Alexandrie. Techni. Oasis. Panegyptia. La Pratique Medicale. Prudentia. El Effro Typos. Erevna. Le Turf. Record. Le Theatre Illustre. The AUC Rev. Views & Reviews. 1927 Phanos. Le Soudeur Boupeur. Le Periscope. Lo Specchio. Excelsior. II Papagallo. Aradamanthi. Courrier des Bourses. Antinea. Le Marche. La Revue d'Egypte. Palestine. Nil Und Zeitung, C. E. Magazine Standard. Le Mondain. La Danse. The Egyptian Trader. La Bourse Eg. d'Alexandrie. Hreghen Sune. Le Grocodile. Corriere Egiziano. Massonie Echo. The Lotus. La Caravache. Fantasio. Ana Mali. Le Sportsman. La Rigotade. Isis. La Cloche. La Panache. Panorama. International Dentistry. L'Hygiene Pratique des Families. 1928 Le Rayon. To Hamogeto. La Patrie. II Quaderno. II Quad Malti Viribus. Unitis. Hippodrome. Le Therapie Medical. Le Courrier. Juif Numero. Bulletin de Khoronfish. La Piastrina. La Mascotte La Stella. Le Sacre Coeur. LTUustration Juive; Aegyptos. Le Bouffon. Alexandrie Nouvelle. la Rose de Eisieur Eeftres. Sport. Societe de Comptabilite de France. Bulletin de la Section d'Egypte. Revue du Droit de La Femme. RUCE. Natch. The Monthly Medical Review. Papogalo. The Front Man in Egypt. Le Mercure Egyptien. 1929 Le Flambeau. Eediteranea. Journal du Combattant. Un Peu de Tout. Deuch Aehptische Rundschau. L'Avenir. La Depeehe. Le Petit Chose. Vivre. Le Caire. Eelect. La Rampe. Le Courrier. L'Obelisque. Kytix L'Egypte Francaise. La Gazette Illustree. Proini. Tenui ex Valnere Salus. Boite de Pandore. Tic Tac. Bulletin Miartime et Commerciale Le Courrier Au-

Annee Nom du Journal tomobiles J-L. des Trages et de la Bourse ou lo Commerciale Courrier Medical d'Egypte. Bulletin de l'Union des Agriculteurs d'Egypte. L'Egypte Agricoel. Gaizag. The Bee Kingdom. L'Informateur. Tip Top. Die Technik in Nahem Osten. La Jeunesse Illustree. 1930 Les Spectacles. L'Action Sportive. Le boude Le Touriste S'Egypte. Le Rumeur. Le Petit Egyptien. Les Pyramides. Scorpion. Le Tequin. Backchiche. La Comptabilite. Printemps de vie. la Revue. Nor Kir. Donnina. Un Effort Kyriaki. Elegantia. Scaraveos. Bulletin. Commercial. Alexandria. The Egyptian Statesman. Oesaha Pemoeda. L'Occosion. Salpgix tou Evan-gillious. L'Aulion. Nile. II Giornale d'Orienta. Mon Iournal. Ceres. The Sunday Chronicle. Karavani. Derby. L.Argus. Bulletin de FAgence Eg. Eeon et Finance. The Talkative. L'Eclair. Le Sportif Egyptien. Le Moniteur. 1931 Revue Opthalmologique d'Orient. 1. Phoni Vie. Zeppetine. Pan- egyptia. Rassagna Cattolica. Cine Globe. Le Jeune Espoir. Un Effort. Athlitis Marions Nous. Le Merie Blanc. Athlitiki Ebdomos. Le Navori. Coton & Capital. Pantio. Sports. La Nation Egyptienne. Emporica Chronica. La Peloponesse. L'Evolution Egyptienne.

LIST Of Newspapers Published In Cairo In English September 1951 The Egyptian Gazette. 1 The Egyptian Mail. Views. Reuter. Arab Press Digest. The Sphinx. Cairo Calling. News and Views. Rotary Bulletin. The Tewfikieh. The Fellowship Leaflet. The Readers Digest. Campus Caravan. The Shell. B. O. A. G, News letter. The Cartouche. The E. M. C. Magazine. Laboratory and Medical Progress. LISTE Des Journaux Paraissant au Caire en Langues Etrangeres En Septembre 1951 Phos. Kyrix. Sphinx. Nea - Echo. Christopolitia. Bhma. I. Aphibin-issis. Chronos. Cadmus. Arev. Houssaper. Savarnak. Tchahakir. Oriente. Gronaca. II Habbar Malti En Egitto. Pon Bosco in Egitto. Rivista Degli Scambi. Press Bulletin. LISTE Des Journaux Paraissant au Caire en Francais Septembre 1951 La Bourse Egyptienne. Le Progres Egyptien. Le Journal d'Egypte. La Patrie. Le Matin Egyptien. Agence Francaise. Sumer Anatolie. Office de la Presse Egyp. LObservateur Commercial. Image. Le Rayon d'Egypte. Journal d'Egypte du Dimanche. Progres Dimanche. Je dis. Le Samedi. Aactualites. La Revue d'Egypte Eco. et F. L'Egypte Nouvelle. Echos. La Voix de l'Orient. Le Messager. Nouvelle Beiges. S. I. F. Cine Film. Gazette du Caire & Heliopolis. La Semaine Egyptienne. T. T. Information. La Lanterne. La Vie Litteraire.

La Revue du Caire. Les Nouvelles de la Colonic La Presse Medicale d'Egypte. R. A. C. E. La Rose de Lisieux. Le Lien. Revues des Conferences. Bulletin Mensuel des Valeurs. Proche - Orient, Bulletin de la Chambre du Commerce. Le Magazine. Union Mutuelle des Anciens Combattants. L"Egypte Contemporaine. Cahiers d'histoire Egyptien. L'Egypte Agricole. C. S. F. La femme Nouvelle. L'Orient Philatelique. Bulletin de Khoronfish. LISTE Des Journaux Francais Paraissant a Alexandrie En Septembre 1951 Papyrus. La Reforme. Le Journal d'Alexandrie et la Bourse Egyptienne. Le Phare Egyptien. Journal du Commerce et de la Marine. Courrier des Bourses. Le Stade. Le Favori. La Gazette d'Orient. L'Informateur. La Semaine Finaciee et Politique. L'Economiste Egyptien. Les Nouvelles. La Reforme Illustree. Journal Suisse d'Egypte et du Proche - Orient. Egypte -Sports. L'Echo - Sportif. Le Turf. Cine Magazine. Bulletin de Legislation et de Jurisprudence Rg. La Gazette Ficcale" Le Periscope. Bulletin dela chambre de Commerce Suisse. Loisits, Ste de Comptabilite de France - Section d'Egypte, Journal de la Chambe de Commerce Fr, a Alex. Repertoire Permanent de Legislation Egyptienne. Feuilles Agricoles. LISTE Des Journaux Paraissant a Alexandrie en Langues Etrangeres En Septembre 1951 i British Chamber of Commerce of Egypt. International Dentistry. Tachydromos - Homonia. Aegptos. Ephimeris. Anatoli Embros. Hemera. Imerissia Nea. Pantainos. Vias. Hebdomadie a Egyptos. Ecclisiasticos Pharos. Minytor. Bulletin de la Chambre de Commerce Hellenique. Arax.

LISTE Des Journaux Pariassant a Port - Said En Langues Etrangeres en Septembre 1951 Port - Said. La Tribune. Neos Syndesmos. Phonitis. Gassou. LE Qari Malti.

مراجع البحث

مراجع البحث: 1 - وثائق لم تنشر مشار إليها في الهوامش 2 - كتب عربية ومعربة إبراهيم عبده تاريخ الطباعة والصحافة في مصر خلال الحملة الفرنسية سنة 1798 - 1801، القاهرة 1950. إبراهيم عبده تاريخ الوقائع المصرية "1828 - 1942"، طبعة 1942. إبراهيم عبده أعلام الصحافة العربية "طبعة ثالثة" 1950. إبراهيم عبده حول الصحافة في عصر إسماعيل "حقائق غير مطوية" طبعة 1947. إبراهيم عبده جريدة الأهرام تاريخ مصر في خمس وسبعين سنة طبعة 1951. إبراهيم عبده أبو نظارة إمام الصحافة الفكاهية المصرية وزعيم المسرح في مصر "طبعة 1952". إبراهيم عبده روز اليوسف - سيرة وصحيفة "طبعة 1961". إبراهيم عبده محنة الصحافة وولي النعم "1978". إبراهيم عبده الديمقراطية بين شيوخ الحارة ومجالس الطراطير "طبعة 1979". أحمد شفيق باشا مذكراتي في نصف قرن، الطبعة الأولى. أحمد عزت عبد الكريم تاريخ التعليم في عصر محمد علي، القاهرة 1938. أحمد محمد حسن بك مجموعة القوانين واللوائح المعمول بها في مصر. وايزيدور فلدمان جزءان، سنة 1926.

آدمس "تشارلز" الإسلام والتجديد في مصر، ترجمة عباس محمود جزءان في 1926، القاهرة، الطبعة الأولى. إسماعيل سرهنك حقائق الأخبار عن دول البحار، الجزء الثاني، طبعة 1312هـ. الجبرتي"الشيخ عبد الرحمن" عجائب الآثار في التراجم والأخبار، أربعة، أجزاء، القاهرة، 1322هـ. أمين باشا سامي تقويم النيل، الجزءان الثاني والثالث، القاهرة، 1928، 1936. بلنت التاريخ السري لاحتلال إنجلترا مصر، ترجمة البلاغ، الطبعة الأولى. جرجس حنين بك الأطيان والضرائب في القطر المصري، القاهرة 1904. جودت تاريخ جودت، ترجمة عبد القادر أفندي الدنا، ببيروت 1308هـ. جورجي زيدان بك تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، جزءان في مجلد، القاهرة 1902، 1903. جورجي زيدان بك تاريخ آداب اللغة العربية، الجزء الرابع، القاهرة سنة 1914. خليل صابات وسائل الاتصال -نشأتها وتطورها "طبعة 1979". رفاعة رافع الطهطاوي تخليص الإبريز في تلخيص باريز "طبعة 1265هـ". رودذشتين تاريخ المسألة المصرية، تعريب العبادي وبدران، الطبعة الثالثة. سامي عزيز ثورة في الصحافة "طبعة 1956". السعيد مصطفى السعيد قانون العقوبات المصري، 1937. سليم خليل نقاش مصر للمصريين، الأجزاء: الرابع والخامس، وجرجس ميخائيل والسادس، والسابع، طبعة 1886.

سهير إسكندر راغب فهمي موقف جريدة المصري من القضايا الوطنية "1936 - 1946" مخطوط. الشدياق "أحمد فارس" الواسطة في معرفة أحوال مالطة وكشف المخبا عن فنون أوربا، القسطنطينية 1299هـ. عبد الرحمن الرافعي بك عصر إسماعيل، جزءان، القاهرة 1932. عبد الرحمن الرافعي بك الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي سنة 1937. عبد الرحمن الرافعي بك مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال "تاريخ مصر القومي من 1882 - 1892". عبد الرحمن الرافعي بك مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، طبعة 1939. عبد الرحمن الرافعي بك محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية طبعة 1942. عبد العظيم رمضان تطور الحركة الوطنية في مصر جزءان علي مبارك باشا الخطط التوفيقية، عشرون جزءًا في خمسة مجلدات بولاق 1306هـ. فيليب جلاد القانون العام للإدارة والقضاء، في ستة مجلدات، طبعة 1901. فيليب دي طرازي "الكونت" تاريخ الصحافة العربية، أربعة أجزاء، بيروت 1913 و1933. قسطاكي الياس عطارة الحلبي تاريخ تكوين الصحف المصرية، القاهرة 1928. كرابيتس "بيير" إسماعيل المفترى عليه، ترجمة صروف الطبعة الأولى. كرم شلبي صحافة الثورة وقضية الديمقراطية في مصر 1982. محمد سعد الدين "المستشار" زعيم مصر الخالد مصطفى النحاس 1977. محمد مختار التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنجية والقبطية، طبعة 1893.

محمود رشيد رضا تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده "ثلاثة أجزاء" مطبعة المنار 1342هـ. محمود عزمي مبادئ الصحافة، القاهرة1941. مصطفى محمد الفلكي ومحمد نجيب النتيجة المستحسنة لحساب مائة سنة، طبعة 1895. هنس رزنر، يوسف محمد دسوقي مصر في عهد الاحتلال الإنجليزي، طبعة 1897. ومحمد كامل دسوقي في الصحافة، مطبعة جريدة الصباح. 3 - مخطوطات السيد صالح مجدي بك حلية الزمن في وصف مناقب خادم الوطن مخطوط بدار الكتب المصرية، 1390هـ. مقالات في صحف ومجلات: مجلة الشباب في سنة 1936. مجلة الشباب في سنة 1936. مجلة الهلال العدد الأول من السنة الأولى -الجرائد العربية في العالم. مجلة الهلال العدد الثامن من السنة الثانية عشر، تاريخ النهضة الصحافية في اللغة العربية. مجلة الأجيال في 26 حزيران سنة 1897 "الصحافة في القطر المصري". مجلة الشرق السنة الثالثة، العددان: رابع والسادس.

1 - كتب المراجع ibnographies Cambridge Modern History. Vol. Vlll. IX. Deny, J. Sommaire des Archives Turques. Le Caire. 1930. Hilmi, Ibrahim "Prince": The Literature of Egypt and the Sudan from the earliest times. 2 Vols. London 1896. Maunier, R. Bibhographie Economique, Juridique et Sociale de L'Egypte Moderne "1798-1916" Le Caire, 1918. 2- وثائق مطبوعة Blue Books 1870-1914. Correspondances de Napoleon Ier T. IV-V. Paris MDCCELX. Despatches on Egypt By the Consul of the United States. Palais d'Abdine. Keller, A. Correspondances. Bulletins et Ordres du jour de Napoleon T. IV. Legislation Ottomane T. III. N 25/1 أرشيف وزارة الخارجية Livres Jaunes 1870-1914. Sachot, LTnstruction Publique en Egypte. 1868. Parliamentary Debates 1806-1882 "Cobbet's and Hansard's Parliamentary History of England". 3- وثائق لم تطبع Diplomatic Documents Concerning affairs of Egypt, Sc. Soc. T. 1 N. 679. The Egyptian Library. 4- الكتب Baignieres. P. L'Egypte Satirique, 1896. Blunt, W. S. My Diaries. London. 1919-1920. Bowring. Report on Egypt and Candia. London 1840. Brehier. L'Egypte de 1798-1900. Paris 1900. Charles - Roux, Bonaparte Gouverneur d'Egypte. Paris 1936. Clot, A. B. Apercu general sur I'Egypte, Paris 1840.

Cromer. Modern Egypt. 2. Vols. 1908. De Freycinet. La Question d'Egypte. Paris 2e Edition. De La Roque. Voyage au Liban et Syrie. Paris 1716. De Lesseps. F. Lettres, Journal et Documents pour servir a l'histoire du Canal de Suez.: Vo. 1875. Douin. Histoire du Regne du Khedive Ismail. 6 V. 1932-1941. Douin. La Mission du Baron De Boislecomte, L'Egypte en 1833. Galal. K. E. Entstehung Und Entwicklung der Tagespresse Agypten. Limburg 1939. Hartmann M. Arabic Press of Egypt 1899. Huart, C. La Litterature Arabe. Paris 1903. Kyriacos Michael. Copts and Moslems Under British Control. London 1911. Le Groupe D'Etudes de I'lsam. L'Egypte Independante, Le Carie 1937. Lloyd. Egypt Since Cromer. 2 Vol 1933. Mahmoud Fouad, Le Regime De La Presse En Egypte. Paris 1912. Merruau L'Egypte Contemporaine, Paris 1855. Munier: La Presse En Egypte "1799-1900" Notes et Souvenirs 1930. Ninet. J. Arabi Pacha Paris 1884. Ramadan, A. M. S. Evolution De La Legislation Sur La Presse en Egypte. Paris 1935. Rigault, G. Le General Abdallah Menou et La Derniere Phase de L'Expe-dition d'Egypte. Paris 1911. Rousseau. M. F. Kleber et Menou en Egypte depuis le depart de Bonaparte "Aout 1799 - Septembre 1801" Paris 1900. Sabry. M. La Genese de I'Esprit National Egyptien. Paris 1934. Weill. G. Le Journal, Origines, Evolution et Role de La Presse Periodique. Paris 1934. Young, G. Egypt. London 1937.

Annuaire de La Republique Francaise L.htm'AN. Vll. Le Caire AN VU La Decade Egyptienne 1798-1801. Courrier de L'Egypte. 1798-1801. Le Progres Egyptien. 1860-1878. L'Impartial d'Egypte 1868. Le Journal Officiel 1885-1942. Le Moniteur Egyptien 1833. Le Moniteur Egyptien 1874-1884. Artin, Y. Pacha. Etude Statistique sur La Presse Egyptienne, Bulletin de L'Institut Egyptien 1905. Belin, M. Notice Necrologique et Litteraire Sur N. J. J. Marcel. Journal Asiatique 5eme Serie. Tome 111, 1854. Bonola, F. Una Visita a Mohammed Ali nel 1822 Lo Prima Stamperia et il primo giornale. Revue internationale d'Egypte. October 1905. Cainvet. R. C. L'Expedition d'Egypte. La Revue Internationale d'Egypte 1906. Canivet, R. L'Imprimerie de l'Expedition d'Egypte. Les Journaux et Les Proces - Verbaux de l'institut "1798-1800" Bulletin de 1'institut Egyptien 3eme Serie Tome 111 Fasc. 1-2. 1909. Geiss. M, A. Histoire de l'lmprimerie en Egypte. Bulletin de L'institut Egypten 5eme Serie Tome 1, 1907. Reinaud. De La Gazette Arabe Turque Imprimee en Egypte. Journal Asiatique 2eme Serie, Tome VIII, 1831.

محتويات الكتاب

محتويات الكتاب: صفحة فصل في مراجع البحث 3 مقدمة 13 الصحافة الرسمية في مصر 23 الصحافة الشعبية في مصر "1" 55 الصحافة الشعبية في مصر "2" 71 الصحافة الشعبية في مصر "3" 91 الصحافة خلال الثورة العرابية 103 الصحافة في عهد الاحتلال 133 الصحافة بعد الاتفاق الودي 167 الصحافة المصرية بين الحربين العالميتين 209 مقدمة لتاريخ الصحافة المصرية من 1940 - 1981 229 الصحافة المصرية من عام 1940 إلى عام 1952 231 الصحافة المصرية من عام 1952 إلى عام 1981 247 الصحافة الفرنجية في مصر 271 الصحافة المصرية في الخارج 289 تشريعات الصحافة منذ الحملة الفرنسية إلى قيام ثورة يوليو "الفصل الأول" 309 محاولة لقوانين متحضرة "الفصل الثاني" 323

صحفة صحف عربية صدرت في مصرمن 1798 حتى سبتمبر 1981 335 صحف فرنجية صدرت في مصر حتى سبتمبر 1951 356 مراجع البحث 366 كتب للمؤلف 373

على "الوطن" فإن لذلك محاكم وقضاة في وسعهم أن يردوا الجاني ويعاقبوا المسيء. وحوالي هذا التاريخ صدر الحكم في قضية كتاب "وطنيتي" وهو يقضي بسجن فريد بك والشيخ على الغاياتي مؤلفه، وعلقت الصحف جميعًا على هذا الحكم ولم ترضَ عنه واحدة منها؛ لأنه "صادر ضد رجل من ذوي الأقلام" وقد استولت في ذلك صحف المسلمين والأقباط والأجانب1 وخاصة جريدة "المقطم" التي "شق" عليها "وهاج" عواطفها أن يصدر ذلك الحكم على خصيمها العتيد "وكأن ذلك الخصم القديم قد انقلب في شعورنا دفعة واحدة إلى صديق حميم"2. وكان الأمل كبيرًا -وقد هدأ حدة هذه المحنة وخرج منها الصحفيون كتلة واحدة أمام الاضطهاد الذي عانته صحفهم من الإنذار أو التعطيل أو سجن أصحاب الصحف -كان الأمل كبيرًا في أن يصفو جو الصحافة حتى تعنى بالمسائل المهمة وتختم تاريخها بقيام الحرب العظمى ختامًا طيبًا، بيد أن الصحف ما لبثت أن عادت إلى خلافاتها في النظر إلى الشئون العامة، تمثل "العلم" اتجاهات الحزب الوطني الرسمية من خلفها "اللواء" وبعض الصحف الصغير ثم "المؤيد" وتعبر عن رأي حزب الإصلاح وهو حزب شديد الصلة بالقصر ومن ورائها صحف قليلة الأهمية أظهرها "الرقيب" ثم "الجريدة" أخيرًا وتنطق باسم حزب الأمة وهو حزب مسالم يرى الأمور في اتئاد ويرجو السير في مراحل الإصلاح على مهل. ويمضي "العلم" في عنفه وقد أغراه تغيير العميد البريطاني، فقد استطاع جورست بملاينته للقصر أن يفصم عرى الود بين الخديوي والحزب الوطني ويفتت الكتلة الوطنية ويقسمها شيعًا وأحزابًا، ويخلق من المسائل الصغيرة

_ 1 العلم في 27 يناير 1911. 2 المقطم في 23 يناير 1911.

§1/1