تصحيح الفصيح وشرحه

ابن درستويه

جمهورية مصر العربية وزارة الأوقاف المجلس الأعلى للشئون الإسلامية تصحيح الفصيح وشرحه لابن درستويه تحقيق الدكتور محمد بدوي المختون مراجعة الدكتور رمضان عبد التواب القاهرة 1419هـ - 1998م

مقدمة المؤلف

تصحيح الفصيح بسم الله الرحمن الرحيم الذي بعثنا، بعد حمد الله تعالى، والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه على تصحيح كتاب الفصيح المنسوب إلى أحمد بن يحيى، وتفسيره، تحفظ كتاب الدواوين بالحضرة إياه، ومعلوهم عليه. من غير أن يفصحوا عن معانيه، ويعلموا تفسيره، ويعرفوا قياس أبنيته، وعلل أمثلته، اتكالاً على أن من حفظ ألفاظ الفصيح، فقد بلغ الغاية من البراعة، وجاوز النهاية في التأدب. وأن من لم يحفظه فهو مقصر عن كل غرض، ومنحط عن كل [درجة] ولو علموا أن الذي أغفل واضع هذا الكتاب، مما الناس إليه أشد حاجة، وبعم إلى معرفته أعظم فاقة، لصغر عندهم مقداره، وكبر لديهم من الآداب ما فاته. على أنه كتاب قد نوزع في دعواه، وطائفة تزعم أن الذي جمعه يعقوب بن السكيت، اختصره من كتابه "إصلاح المنطق". وطائفة تنسبه إلى ابن الأعرابي، وتلقبه كتاب "الحلى". وقد رأيته بخط أحمد بن الحارث البصري، المعروف بالخزاز، يحكيه عن ابن الأعرابي بهذا اللقب، إلا أنه قد شهر بأحمد بن يحيى، وهو به أشبه، ورأيناه يعترف ويقر به، وكان الذي أغفل مصنفه منه؛ من قياس كل باب، ومثال يصل به قارئه إلى علم جميع ما تلحن فيه العامة، من نظائر ما ذكر في هذا الباب ويحيط بما لم يذكره فيه [أنفع و] أجمع مما صنف، ثم كان مما أغفله أنه لم يفسر ما ذكر فيه من الغريب، ولم يوضح معانيه وإعرابه؛ فاحتاج من تَحَفَّظَه إلى التعب في السؤال عن ذلك، وإلى التعويل على قوم من متأخري أهل اللغة، تعاطوا/ شرح ذلك؛ فقصروا عن بلوغ الواجب، وحشوا الكتاب

بما ليس منه في شيء، وضموا إلى كل باب، وكل كلمة يجب تفسيرها، كل لفظة مشتقة منها وليست منها، ولا في معناها، وفسروا ما ليس من الكتاب، فأطالوا بما ليس منه ولا من فوائده ولا يتعلق به، وأعرضوا عن ذكر الأمثلة والأبنية، التي هي قواعد الأبواب منه، فلم يذكروها أصلاً، فشغلوا الناظر في تفسيرهم بغير ملتمسه، وما لا يحتاج إليه. فشرحنا لمن عُنِيَ بحفظه معاني أبنيته، وتصاريف أمثلته، ومقاييس نظائره، وتفسير ما يجب تفسيره؛ من غريبه، واختلاف اللغات فيه، دون ما لا يتعلق به، وبينا الصواب والخطأ منه، ونبهنا على مواضع السهو والإغفال من مؤلفه؛ لتتم فائدة قارئه، وتكثر المنفعة له فيه، ويعرف كثيراً من علل النحو، وضروباً من الأبنية، وتصاريف صحيح اللغة ومعتلها، ووجوهاً من المجازات والحقائق، والتشبيهات والاستعارات المؤدية إلى علم كثير من كتاب الله عز وجل، وكلام رسول الله صلى الله عليه، وسائر مخاطبات بلغاء العرب وشعرائها، والله عز وجل موفقنا لذلك كله، وله الحمد كثيراً.

تصحيح الباب الأول وهو باب فعلت بفتح العين

تصحيح الباب الأول وهو باب فَعَلَت بفتح العين اعلموا أن كل ما كان ماضيه من الأفعال الثلاثية على فَعَلت، بفتح العين، ولم يكن ثاتنيه ولا ثالثه من حروف اللين، ولا حروف الحلق؛ فإنه يجوز في مستقبله يفعل. /بضم العين، ويفعِل بكسرها، كقولنا: ضرَب يضرب، وشكر يشكر، وليس أحدهما أولى به من الآخر، ولا فيه عند العرب إلا الاستحسان والاستخفاف. فمما جاء وقد استعمل فيه الوجهان قولهم: ينفِر وينفُر، ويشتِم ويشتُم. فهذا يدلكم على جواز الوجهين فيه، وأنهما شيء واحد؛ لأن الضمة أخت الكسرة في الثقل، كما أن الواو نظيرة الياء في الثقل والاعتلال، ثم لأن هذا الحرف لا يتغير لفظه ولا خطه بتغير حركته، فإن كان الثاني منه أو الثالث حرفاً من حروف الحلق؛ فإنه لا يجوز أيضاً فيه الفتح [ولا] يمنع من الكسر والضم؛ لأنهما الأصل، وإنما يفتح مع حروف الحلق؛ لأن حروف الحلق مستعلية، فكره فيها من الحركات ما ليس بمستعل، استثقالاً للجمع بين الصعود والهبوط في حرف واحد، فمن ذلك قولهم: سبَح يسبَح، وجبَه يجبَه، وقلَع يقلَع، وشدَخ يشدخ، ونبح ينبح، وقرأ يقرأ، وسحر يسحر، وسأل يسأل، ودمع يدمع، ونحو ذلك. ومما جاء [و] قد استعمل فيه الوجهان من حروف الحلق قولهم: نطح ينطح وينطِح، ونبح ينبح وينبِح، وفرغ يفرغ ويفرُغ، وبرأ يبرأ ويبرُؤ، وذلك كثير في الكلام. فإن كانت عين الفعل أو لامه واواً في الأصل، ولم تكن إحداهما من الحلق، لم يجز في مستقبله إلا الضم وحده، نحو: قام يقوم، وعاد يعود، وعدا يعدو، وغدا يغدو، وغزا يغزو، وكذلك إن كانت عين الفعل أو لامه ياء، لم يجز فيه إلا الكسر، كقولهم:

مال يميل، وسال يسيل، ومشى يمشي، ورمى يرمي، وذلك لأن ذوات الواو والياء/ تعتل؛ فتنقلب حروفها على قدر حركات ما قبلها، فلو أجيز فيهما ما أجيز في الصحيح لتغير لفظ الحرف وخطه، بتغير حركته، فانقلبت الواو ياء، والياء واواً فلم تعرف ذوات الواو من ذوات الياء، والصحيح إذا استعمل فيه الضم والكسر لم تتغير حروفه بتغير الحركات، ولا يدخل باب منه في باب آخر، ولا يلتبس. وحروف الحلق ستة: "الهاء، والهمز، والعين، والغين، والحاء، والخاء" فإن اجتمعت الواو والياء في العين واللام من فعل كقولهم: ذوى يذوي وغوى يغوي، كسرت العين من مستقبله، من أجل أن لام الفعل ياء معتلة؛ لئلا يعتل الحرفان جميعاً، أُجْرِي مُجْرَى ما صحت عينه، وكذلك إن كانت الواو عين الفعل أو لامه صحت العين بمثل قَوِي يقوى؛ لأنه من القوة، وإنما كان آخر الكلمة بالعلة أولى من العين؛ لأنه في موضع الإعراب، واختلاف الحركات، فهو أضعف. فمما جاء من ذوات الواو والياء مع حروف الحلق ففتح قولهم: سعى يسعى، ورعى يرعى، ورأى يرأى، ولولا حروف الحلق لكان مثل رمى يرمي، وكذلك قولهم: لحى يلحَى، بفتح الحاء، وقد قيل فيه: يَلْحُوا، بالواو على الأصل مثل يلهو. وقولهم: شآه يشآه؛ أي سبقه، وفآه بالسيف يفآه؛ أي فلق رأسه، وهما من الواو، ولولا الهمزة لكانت عين الفعل منه مضمومة. وقد شذت من كلامهم كلمة عما وصفنا، فتحوا منها المستقبل والماضي، وليست عينها ولا لامها من حروف الحلق، وهي قولهم: أبَى يأبى، وأجمعوا على ذلك؛/ فزعم سيبويه أنهم فعلوا ذلك؛ لأن في أولها همزة، وهذا غلط منهم؛ لأن فاء الفعل بعيدة عن لامه. وزعم أبو العباس المبرد أنهم إنما فعلوا ذلك؛ لأنهم لما فتحوه صاروا إلى حرف حلقيّ، وهو الألف. وهذا فاسد؛ لأنه يوجب مثله في كل ما اعتلت لامه، وليست الألف من الحروف الحلقية، ولا لها معتمد في حلق ولا غيره، لأنها من الحروف الهاوية في الجوف. وإنما

مقطعها في أقصى الحلق، والحروف كلها مقطعها هناك، لأن الصوت كله إنما يخرج من الحلق، ثم يحصره المعتمِد فيصيّره حرفاً. والذي يُذْهَب إليه في قولهم: أبَى يأبَى، أنهم [إنما] غلطوا فيه على التشبيه بما هو في معناه، مما ينفتح لحرف الحلق، وهو قولهم: منَع يمنع، لأن الآبي ممتنع، فنظيره قولهم: يذر، بفتح الذال، لأنه في معنى يدع، وإن لم يكن فيه حرف من الحلق، وهو شاذ. ومن الأفعال ما لا يستعمل منه إلا الماضي وميزه، للاستغناء عن استعمال مستقبله بغيره، أو لعلة غير ذلك، فمن ذلك قولهم: عَسَيْتُ أن أفعل، وهو على مثال رميت، ولو استعمل مستقبله، لكان مكسور السين مثل يرمي، ولكنه فعل وضع للعبارة عن الترجي والإشفاق، كما يعبر بالحروف عن التمني والطمع نحو ليت ولعل، فلم يستعمل مستقبله، ولا مصدره، ولا اسم فاعله، ولا شيء مما يتصرف فيه من سائر الأفعال؛ لأنه وضع موضع الإخبار عن حال صاحبه التي هو مقيم عليها، وإن كان على لفظ الماضي، كما فعل ذلك بليس، وأجري مجرى حروف المعاني الجامدة، لأن "ليس" أيضاً هذه قصتها؛ أنها للحال الثابتة، ولفظها لفظ الماضي. فأما اختيار مؤلف كتاب الفصيح/ الكسر في ينفِر ويشتِم، فلا علة [له] ولا قياس، بل هو نقض لمذهب العرب والنحويين في هذا الباب. فقد أخبرنا محمد بن يزيد عن عن المازني والزيادي والرياشي عن أبي زيد الأنصاري وأخبرنا به أيضاً أبو سعيد الحسن

ابن الحسين السكري عنهم، وعن أبي حاتم، وأخبرنا الكسروي علي بن مهدي عن أبي حاتم عن أبي زيد أنه قال: طفت في عليا قيس وتميم مدة طويلة، أسأل عن هذا الباب، صغيرهم وكبيرهم؛ لأعرف ما كان منه بالضم أولى، وما كان منه بالكسر أولى، فلم أعرف لذلك قياساً، وإنما يتكلم به كل امرئ منهم على ما يستحسن ويستخف، لا على غير ذلك. ونظن المختار للكسر ههنا وجد الكسر أكثر استعمالاً عند بعضهم، فجعله أفصح من الذي قل استعماله عندهم. وليست الفصاحة في كثرة الاستعمال ولا قلته، وإنما هاتان لغتان مستويتان في القياس والعلة، وإن كان ما كثر استعماله أعرف وآنس؛ لطول العادة له. وقد يلزمون أحد الوجهين للفرق بين المعاني في بعض ما يجوز فيه الوجهان، كقولهم: ينفُر، بالضم من النفار والاشمئزاز، وهو ينفِر، بالكسر، من نَفْر الحجاج من عرفات، فهذا الضرب من القياس يبطل اختيار مؤلف الفصيح الكسر في ينفر على كل حال، ومعرفة مثل هذا أنفع من حفظ الألفاظ المجردة، وتقليد اللغة من لم يكن فقيهاً فيها. وقد تلهج العرب الفصحاء بالكلمة الشاذة عن القياس، البعيدة من الصواب، حتى لا يتكلموا بغيرها، ويدعو المنقاس المطرد المختار، ثم لا يجب لذلك أن يقال: هذا أفصح من المتروك. ومن ذلك قول عامة العرب: أيْشٍ/ صنعت؟ يريدون: أي شيء صنعت؟. وقولهم: لا بَشَانِيك، يعنون: لا أبالشانيك. وقولهم، لا تُبَل، أي لا تبال يا هذا .. ومثل تركهم استعمال الماضي واسم الفاعل من يذر ويدع، واقتصارهم على ترك وتارك، وليس هذا لأن ترك أفصح من ودع ووذر، وإنما الفصيح ما أفصح عن المعنى، واستقام لفظه على القياس، لا ما كثر استعماله. وليس قول النبي صلى الله عليه: "ارجعن مأزورات غير مأجورات" دليلاً على أن الألف في مأزورات أفصح من الواو؛ لأنه الأصل من الوِزر، ولكنه دليل على أنه اختار الألف للتسوية بين مأزورات وبين ما بعده وهو مأجورات،

والتقريب بين لفظيهما؛ لأن ضرب من النظم والتأليف والسجع، يستعمله الخطباء والبلغاء؛ طلباً للوزن، وترتيباً للمنطق، فإنما هذا انتقال عن الأصل، وعدول عن الصواب؛ لعارض من العوارض. وكذلك قولهم: "أيش" إنما غيروه عن الأصل والصواب؛ لأنه كلام يكثر استعماله وقد اجتمعت فيه ياءات وهمزات فخففوه، فحذفوا حرف الإعراب من "أيٍّ" مع إعرابه، وحذفوا الهمزة من آخر شيء، ثم حذفوا الياء التي قبل التنوين؛ لاجتماع الساكنين، فصار أَيْشٍ، ولو فعل مثل هذا بكل ما أشبهه، لفسد كلام كثير. وأما اختياره نقَمت أنقِم؛ ففيه لغتان: فمن العرب من يجريه على هذا الباب، وهو الأكثر، ولذلك اختاره مؤلف الكتاب. ومنهم من يكسر الماضي ويفتح المستقبل، على ما تتكلم به العامة، وليس ذلك بخطأ، وإنما ذلك لاختلاف اللغات/، وكأنه لما كان معناه معنى ظفِرت أظفَرُ، وسَخِطْت أسْخَطُ، وكرهت أكره، وما أشبه ذلك، استعمل على مثالها، وبنائها، وليس بخارج عن القياس. وأما اختياره في نطح الكبش ينطِح، ونبح الكلب ينبِح، ونحت ينحِت؛ فإن الفتح في مستقبلها أكثر وأعم في الاستعمال، لما فيها من حروف الحلق، ولكن الكسرة في كلام أهل الفصاحة والبصر بالأبنية وتصاريفها أكثر، وهو الأصل، وكلاهما قياس. وأما جف يجف، وكل يكِل، وما أشبههما من المضاعف في هذا الباب فكان عين الماضي منه مفتوحاً، فأسكن؛ لاستثقال التضعيف وأدغم، ثم أسكن في المستقبل، وكان حقه الكسر، ولكنه أدعم ليخفف، ونقلت كسرته إلى فاء الفعل. وقياس ما كان من هذا النحو أن يجوز الضم والكسر في مستقبله، كما وصفنا في غير المدغم؛ لأنه صحيح لا تنقلب حروفه، والضم فيه مثل يَرُدّ ويمد، ولكن المستعمل آنس للسمع. و/اقوله: نكَلَ يَنْكُل؛ ففيه لغتان أخريان: فمن العرب من يكسر الماضي ويفتح المستقبل، فيقول: نكِل ينكَل، على بناء فرِق يفرَق، وفزِع يفزع؛ لأنه في معناهما، وليس

ذلك من هذا الباب. ومنهم من يكسر الماضي ويضم المستقبل، كأنه أخذ الماضي من لغة، والمستقبل من لغة أخرى، وذلك رديء في القياس، غير جار على أصل. واللغة الأولى هي الأصل، والأعرف الأفصح، وهو فتح الماضي وضم المستقبل، على وزن هرَب يهرُب، وبمعناه. وأما قوله: شحَب لونه، وسهَم وجهه، بفتح الماضي وضم/ المستقبل، فهو المستعمل المعتاد، وهو على أصل، ويجوز في القياس ضم الماضي منهما، كما تتكلم به العامة على معنى أفعال المبالغة، أي كثر ذلك فيه، بمنزلة ظرُف وكرُم. وهو أصل آخر؛ لأن هذا البناء يدخل على كل فعل، أريدت المبالغة فيه، وليس الضمن فيهما بخطأ على ما بينا، إذا جيء بفاعلهما على فعيل مثل ظريف وكريم، فقيل: شحيب وسهيم على القياس، ولكنه في الاستعمال قليل، والمعتاد في فاعله: شاحب وساهم. فإن كان فاء الفعل من هذا الباب واواً، ولم: ن آخره من حروف الحلق، فإن ثانيه لا يكون إلا مكسوراً، لئلا يجتمع ثقل الضمة، وثقل الواو، ولكن يسقط منه في المستقبل كقولهم: وزن يزن، ووعد يعد، وأصلهما يَوْعِد ويَوزِن، ولكنه كره وقوع الواو بين ياء وكسرة، فحذفت تخفيفاً، ثم أجريت مع سائر حروف المضارعة مجراها مع الياء في الحذف؛ لأن معناهن معنى واحد. فإن كان ثاني هذا الضرب من الأفعال من حروف الحلق، أو ثالثه، جاز فيه من الفتح ما جاز في الصحيح. فمن ذلك قولهم: وَلَغَ يَلَغُ، إنما أصله يلِغ، بكسر اللام على ما يقوله العامة، مثل يزن ويعد، ولذلك حذفت الواو في مستقبله؛ لأنها وقعت بين ياء وكسرة، ولكن فتحت اللازم من أجل العين، كما قالوا يضع ويدع ونحو ذلك. وهذا مذهب الأصمعي وقوله. وأما أبو زيد الأنصاري فقال: أخطأ الأصمعي، وإنما ولِغ الكلب يلَغ، بكسر اللام من الماضي، وفتح من المستقبل، مثل: وسِع يسَع، وليس هذا منه هذا الباب. روى ذلك/ لنا أبو العباس، والسكري عن الرياشي عن الأصمعي وأبي زيد. وإن العامة مخطئة في كسر لام المستقبل. وقول أبي زيد يَقوَى بقولهم: شرب يشرب، وجرِعَ يجرَع، ولحِس يلحَس، لأنه بمعناها.

وأما قولهم: يولَغ، فإنما هو فعل لم يسم فاعله، والماضي منه أُولِغ بضم الهمزة، وهو فعل صاحب الكلب بالكلب، وهو على أفعل يُفعل، يتعدى بغير حرف جر، من قولهم: أولغتُ الكلب فأنا أُولِغه؛ إذا سقيته. وأما ربط يربط، ففيه الضمن والكسر جميعاً، مستعملان، والكسر أكثر وأعرف فلذلك اختاره، وليس من هذا الباب شيء، ماضيه بغير الفتح، فكل ما كسرته العوام من ذلك، فهو خطأ عند العرب والنحويين، إلا أن يجيء شيء فيه لغتان مثل: نَقِم ونَكِل. فهذا قياس أبنية هذا الباب، وعلل أمثلته، صحيحها ومعتلها، فمن عرفها عرف بها جميع ما تخطئ العامة فيه، من هذا الباب مما ذكر أو لم يذكر في هذا الكتاب. * * * وأما غريبه ومعانيه، فإنا مفسرون كل كلمة ذكرها فيه ثعلب، وغير متجاوزين ذلك إلى ما شراكها في اللفظ دون المعنى، أو اتصل بها في الاشتقاق؛ لئلا نخرج عن غرض هذا الكتاب، أو نطيله، على الناظر فيه، إن شاء الله. أما قوله: نمى المال، فمعناه كثر وزاد، يقال: نمت الماشية؛ إذا تناسلت. ونمى القوم: إذا توالدوا فكثروا. ونمى النبات: إذا طال، ونمى الغلام، ونمت الجارية: أي زاد جسمها، ولذلك سمي الحيوان والنبات: النامي. وقول العرب: نمى المال، إنما يعنون/ الإبل والغنم؛ لأنها تتوالد وتمني. فأما الذهب والفضة فإنما يقال فيهما: نمى مال فلان على الاستعارة، وليس واحد منهما بنام، وإنما ينضم إليهما غيرهما، ولا يرابون في أنفسهما ولا يزيدان، ولكن يتجر بهما، فيربح فيهما. وقد نمى الخضاب في اليد والشعر، إذا استود جداً، أو زاد صِبغه، ونمى الحبر في الكتاب؛ إذا اشتد سواده وزاد بعد ما يكتب، وفي ذلك يقول الراجز: يا حب ليلى لا تغير وازدد ... وانم كما ينمى الخضاب في اليد

وقد نمى الحديث أو الخبر؛ إذا فشا وشاع، وقال الشاعر: ألم يأتيك والأخبار تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد أي ألم يبلغك ويتصل بك. وإنما ذكر ثعلب نمَى ينمِي؛ لأن العامة تقولها بالواو ينمو، وهي لغة لبعض العرب، وليست بخطأ، ولكن الياء أعلى وأعرف، في كلام الفصحاء، ويقولون في مصدره أيضاً النمو بالواو، على فُعول. ومن قال يَنمِي بالياء، قال النُّمِيّ. ويجوز في اللغتين جميعاً النماء، ممدوداً على فَعالٍ، مثل مضى يمضي مَضاء ومُضاياً، وهذه لا يتعدى فعلها إلى مفعول. وإنما قولهم: نميت الحديث فهو متعد عندنا في الأصل بالباء، أو غيرها من حروف الجر، ولكن كثر استعماله حتى حذف الجار، لزوال اللبس، ما قيل: كلته ووزنته، وهكذا كل ما أشبه هذا، وكذلك قولهم: نميت السرج على الدابة، والرحل على الناقة، كما قال النابغة: وانم القتود على عيرانة أجد فهذا فرق بين المتعدي/ وغير المتعدي منه. وأما قوله: ذوى العود يذوي، فمعناه ذبل واسترخى، ولم يبلغ الجفاف بعد، فهو ذاو، ذياً وذوياً. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول فيه: ذوي يذوي بكسر الماضي وفتح المستقبل، على وزن يبس ييبس؛ لأنه في معناه، وهي لغة رديئة، فأما همزه فليس من

هذا اللفظ، وإن كان لغة، ولا تعرفه العامة. والعامة تقول في الذبول أيضاً: ذبل يذبل، بضم الماضي والمستقبل، وهو خطأ وإنما الصواب ذبل يذبل، بفتح الماضي؛ لأن اسم الفاعل من ذابل مثل الذاوي. وأما قوله: غوى الرجل يغوي ومصدره الغي، فهو الضلال، وترك الرشاد، والخسار، والرجل غاو على فاعل، والماضي منه مفتوح ومستقبله مكسور، ومصدره: الغواية أيضأ، والغية، قال الله عز وجل: (وعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) وقال: (فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ). ومنه قول الشاعر: فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما أي من يفعل الخير يحمد، ومن يفعل الشر يذم. وإنما ذكره؛ لأن العامة تكسر الماضي منه، وتفتح الغابر فتقول: غوي يغوي، على وزن جهل يجهل، وخسر يخسر؛ لأنه في معناه، وهو خطأ، أو لغة رديئة. وإنما يقال على هذا الوزن: غوي الفصيل يغوي غوى؛ إذا بشم من اللبن فضعف واعتل، وكل ذلك من الفساد، ولكن خولف بين الأبنية للفرق بين المعاني. وأما قوله: فسد يفسد، فهو ضد صلح يصلح، بفتح الماضي وضم المستقبل، والفاعل منهما: فاسد وصالح، ومصدرهما: / الفساد والصلاح. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول

فسُد بضم الماضي أيضاً، وهو لحن وخطأ، وكذلك يقولون: صلح بضم اللام، ولو كان ذلك صواباً، لجاء اسم الفاعل منهما على فعيل، مثل: فسيد وصليح، مثل: ظريف وكريم، ولم يقل صالح وفاسد. وأما قوله: عسيت أن أفعل ذاك، فهو فعل ماض، فيه معنى ترج وإشفاق. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقوله بكسر السين، وهو لغة شاذة رديئة، ولا يستعمل مستقبل هذا الفعل، ولا يصرف منه اسم فاعل، ولا مصدر له؛ لأنه منقول عن المضي، موضوع موضع الحال والاستقبال، ولو استعمل منه المستقبل لقيل: يعسي بكسر السين. والصواب فيه فتحها مع الاحد والاثنين والجميع، والظاهر والمضمر، كقولك: عسيت أنا، وعسينا، وعسيت أنت، وعسيت يا امرأة. وعسيتما وعسيتم وعسوا، وعسين وعستا، وقال الله عز وجل: (عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَاسَ الَّذِينَ كَفَرُوا). وقال: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلَّيْتُمْ). وقال: (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مُّحْمُودًا). والعرب ترفع بها الاسم، وتجعل خبرها أن والفعل، وهما في تأويل المصدر، ولا يجعلون خبرها المصدر نفسه، ولا اسماً غيره، إلا أنه قد جاء في بعض أمثالهم: "عسى الغوير أبؤسا". فجعلوا الخبر ههنا المصدر بعينه، وهو البأس، وجمعوه على أبؤس. وإنما حكمه أن يقال: عسى الغوير أن يبأس، أو يبئس بأساً، وقد نصب بها بعضهم أيضاً في ضرورة الشعر اسمها، فقال:

ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني لعلي أو عساني كأنه أتبعها "لعلي" في العمل/، لما جاءت بعده. وإنما حقها أن يقال فيها: لعلي أو عسيت. وإنما قوله: دمعت عيني، أي سال دمعها. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: دمعت، بكسر الميم، وهو لغة رديئة، والميم مفتوحة في المستقبل؛ لأن العين بعدها من حروف الحلق، ولولا ذلك لجاز فيها الضم أو الكسر. والدمع مصدر بمعنى السيلان، وهو اسم لكل سائل؛ من ماء وغيره، يقال: دمعت السحابة، ودمع الجرح؛ ولذلك سميت الخمر: دمعة الكرم، وقيل لكل قطرة من جميع ذلك: دمعة، وقيل لبعض الشجاج: الدامعة؛ وهي التي يخرج منها مثل الدمعة من الدم، وفيها حكومة ما يرى الإمام. وأما قوله: رعفت أرعف؛ بفتح الماضي وضم الغابر، فإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: رعفت، بض الراء وكسر العين، على مثال الفعل الذي لا يسمى فاعله، وهو خطأ؛ لأن هذا فعل لا يتعدى، فلا يجيء منه ما لم يسم فاعله، ولا يكون له مفعول، كما لا يكون ذلك في: جلس وقعد، أن يقال: جلست ولا قعدت، ولكن يجوز أن يقال: رعف في المكان، كما يقال: جلس اليوم، وقعد في المكان، فيضمر المصدر بدلا المفعول. ولا يقال زيد قد رعف، على أن يرجع إلى "زيد" ما يضمر في رغف. ومعنى رعفت، انبعث الدم من أنفي، وذلك الدم الرعاف على فعال؛ لأنه من الأدواء كالزكام والصداع. ومنهذا قيل للفرس، إذا تقدم الخير، في سير أو سبق: قد رعف. وكل متقدم راعف، والتقدم غير معتد إلى مفعول، وإنما فعل الرعاف للدم، فجعل لصاحب الدم، على الاتساع والاختصار، وطلب الإيجاز، ألا ترى أن الدم هو المتقدم!

وكذلك قوله: عثرت أعثر، يعني سقطت من نكبة الرجل أو غيره؛ وذلك أن تقع رجل الإنسان، أو حافر الدابة، على نبكة ناتئة، أو في وهدة، فيسقط أو يكاد يسقط. وقد يقال لمن أسقط في كلامه أيضاً: قد عثر، ولمن زل في رأيه أو تدبيره أو فعله: قد عثر. وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لقد عثرت عثرة لا أجتبر سوف أكيس بعدها أو أنتظر ويقال لكل من أصابه شيء من ذلك: عاثر، ويقال تعثر في كلامه، إذا تتعتع فهو متعثر. ومن هذا قيل للمريض: أقال الله عثرتك، أي وجه إليك العافية وغفر لك الذنب. ويقال: بالدابة عثار، إذا كانت تعثر كثيراً، على وزن فعال، مثل عيوب الدواب، نحو الحران والجماح. والعامة تقول في هذا: عثرت، بضم الثاء في الماضي، وهو خطأ، ألا ترى أن اسم الفاعل منه عاثر، فإن كثر منه الفعل قيل له: عثور، على فعول، ولا يقال منه عثير. وكذلك قوله: نفر ينفر. والعامة تقول: نفرت، بضم الفاء في الماضي، وهو خطأ؛ لأن الفاعل منه نافر، والمستقبل منه ينفر، بضم الفاء من النفورِ. فإن عنيت أنك نفرت من عرفات قلت: ينفر بكسر الفاء، ومصدره النفر؛ وهو سرعة الرجوع من الحج، فرق بينه وبين النفور مصدر الأول لاختلاف المعنيين، وهو كالفزع من الشيء، والهرب منه، هكذا الاستعمال. ويجوز في القياس في مستقبل هذين الفعلين الضم / والكسر جميعاً، وإن لم يستعمل. فأما النفار فمصدر قولهم: نافرته منافرة ونفاراً. والاشتقاق يرد كل ذلك إلى معنى واحد، وكذلك قوله عز وجل: (انفِرُوا خِفَافًا وثِقَالاً وجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وقوله (تعالى): (مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا

فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ). وقوله (تعالى): (لا تَنفِرُوا فِي الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا). يعني النفور إلى العدو. ومنه قولهم: "لا في العير ولا في النفير". وأما قولهم: شتم يشتم، فليس مما تخطئ فيه العامة. وإنما ذكره؛ لأن المستقبل منه يجوز فيه كسر التاء وضمها قياساً. وكلام فصحاء العرب به أكثره بالكسر، فاختار الكسر لكثيرته، لا أنه أصوب. ومصدره الشتم، وهو رمي أعراض الناس بالمعايب وثلبهم، وذكرهم بقبيح القول، حضرا وغيباً. ولذلك قيل للأسد: شتيم الوجه، لأنه قبيح. والشتيمة اسم للمثلبة، ومنه قول الفرزدق في توبته: على حلفة لا أشتم الدهر مسلماً ولا خارجاً من في زور كلام فأما قوله: نعست أنعس، فهو غشيان النوم وابتداؤه، واسمه النعاس، على فعال، لأنه من الأدواء كالنعاس والزكام. ويقال: إن الكلب أبداً ناعس، ولذلك قالوا: "مطل كنعاس الكلب".وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: نعست، بضم العين في الماضي، وهو خطأ؛ لأن اسم فاعله ناعس، فإذا كثر ذلك منه قيل: نعوس، ولا يقال منه: نعيس، على فعيل. والعامة تقول للرجل نعسان، وللمرأة نعسانة، والعرب تقول: ناعس وناعسة، والجميع نعس. وأما قوله: لغب الرجل يلغب، فمعناه أعيا/ من الإعياء، والفاعل منه لاغب، ومصدره اللغوب. وكل من كل من عمل أو سفر أو نحو ذلك، فهو لاغب، يقال:

هو ساغب لاغب. ومنه قول الله عز وجل: (ومَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ). وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: لغبت، بضم الغين من الماضي، وهو خطأ؛ لأن فاعله لاغب، فأما مستقبله فلا يقال إلا بالضم أو بالفتح؛ لأن فيه حرفاً مستعلياً، والكسر جائز في القياس. وأما قوله: ذهلت عن الشيء أذهل، فبمعنى غفلت عنه، أو سلوت أو شغلت عنه، وفاعله ذاهل، ومصدره الذهول، ومنه قول الله عز وجل: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ). وقال الشاعر: ولقد بدا لي أن قلبك ذاهل عني وقلبي لو بدا لك أذهل وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: ذهلت، بكسر الهاء، لأنه في معنى نسيت، فأما الهاء في المستقبل فمفتوحة؛ لأنها من حروف الحلق، ولولا ذلك لكسرت أو ضمت، وذلك فيها جائز في القياس. وأما قوله: غبطت الرجل أغبطه، فمعناه تمنيت مثل حاله أو ماله أو غير ذلك من غير أن تريد زوالها عنه، ومنه الغبطة والاغتباط، وهو الفرح بالنعمة والخير، والرضا بهما. ومنه قولهم: غبطت الشاة أغبطها غبطاً؛ إذا جسست موضع الشحم منها، لتعلم أسمينة هي أم لا. والغطبة اسم الحالة الحسنة من الإنسان، والنعمة التي يحسد عليها الناس. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول في مستقبله: أغبطه، بفتح/ الباء، وهو خطأ؛ لأن حرف الحلق في أوله، وليس في ثانيه ولا ثالثه، ذلك والضم فيه جائز، وإن لم يسمع.

وأما قوله: خمدت النار تخمد؛ فمعناه أن تطفأ ويذهب ضوؤها وحرها، ويقال: خمد الإنسان إذا مات، وإذا سكت، من فزع أو انقطاع عن حجة أو نحو ذلك. ومنه قول الله عز وجل: (حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ). ومصدره الخمود. وإنما ذكره؛ لأن العامة يقولون: خمدت النار تخمد؛ بكسر الماضي وفتح المستقبل، مثل: طفئت تطفأ؛ لأنها في معناها، وهو خطأ، لأن فاعله لا يستعمل على فعل ولا فعيل، وإنما يقال خامد، بالألف لا غير. وكذلك قوله: عجزت عن الشيء أعجز، بفتح الماضي؛ لأن العامة تقول: عجزت أعجز بكسر الماضي وفتح المستقبل، على وزن كسلت أكسل، وقال الله عز وجل: (يَا ويْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ). ومصدره العجز، والعجز معروف، وهو ضد القوة في الجسم، وضد الكيس في العقل والرأي. واسم الفاعل منه: عاجز بألف، ولا يجيء بغير ألف، كما جاء كسل بغير ألف. وإنما يقال: عجز يعجز عجزاً، على لفظ العامة، إذا كان معناه كبر العجيزة، بمنزلة قولهم: سته يسته ستها. وكذلك قوله: حرصت عليه أحرص؛ لأن العامة تقول: حرصت أحرص، بكسر الماضي وفتح المستقبل، على وزن شرهت أشره، ورغبت أرغب، وهي لغة معروفة صحيحة، إلا أنها في كلام الفصحاء قليلة. واسم الفاعل منها: حريص على فعيل، والقياس حارص، إلا أنه جاء على معنى المبالغة، كما جاء عليم/ ورحيم، واستغني بحريص عن حارص، وهذا يقوي مذهب العامة. وأما الفصحاء فيفتحون الراء في الماضي،

ويكسرونها في المستقبل، والضم فيها جائز في القياس. وقال الله عز وجل: (ولَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ ولَوْ حَرَصْتُمْ) وقال (عز وجل): (إن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ) وقال أبو ذؤيب: ولقد حرصت بأن أدافع عنهم فإذا المنية أقبلت لا تدفع وأما قوله: نقمت أنقم، ففيه لغتان؛ وأصحفهما فتح الماضي وكسر المستقبل؛ لأن اسم الفاعل منه: ناقم بألف، وهو أكثر استعمالاً من نقم، بغير ألف. والأحرى كسر الماضي وفتح المستقبل، وهي لغة العامة، وقد قرئ بهما جميعاً القرآن. ومعنى نقمت معنى سخطت، وغضبت، وكرهت. ومنه الانتقام من العدو، وهو المعاقبة والتشفي. وأما قوله: غدرت به أغدر، فمعناه ترك الوفاء، ونكث العهد، ونحو ذلك، وهو معروف- فإن العامة تكسر ماضيه وتفتح مستقبله، وهو خطأ؛ فلذلك ذكره. والدليل على خطأ العامة، أن فاعله: غادر بألف، ويروى عن النبي صلى الله عليه أنه قال: "لكل غادر لواء يوم القيامة، يعرف به" ولا يقال منه بغير ألف، ومصدره الغدر، بسكون الدال، ولا يجوز فتحها، وذلك دليل على خطأ العامة فيه. وكذلك قوله: عمدت أعمد؛ لأن العامة تكسر الماضي منه وتفتح المستقبل، فهو خطأ؛ فلذلك ذكره. والدليل على خطأ/ العامة فيه أن اسم الفاعل منه: عامد، والمصدر منه العمد، ساكن الميم، ولا يجوز حذف الألف من اسم الفاعل منه، ولا فتح مصدره

وإنما يكون ذلك في قولهم: عند البعير يعمد عمداً، وهو عمد وعميد، إذا دوى سنامه كقولهم: مرض يمرض مرضاً فهو مريض، والأول بمعنى قصدت أقصد قصداً، فأنا قاصد. وقد يقال: عمدت الشيء أعمده عمداً إذا أسندته بعماد، إلا أن هذا يتعدى بنفسه، والأول يتعدى بحرف جر، كقولك عمدت الشيء فأنا أعمد له عمداً، وهو ضد الخطأ، ومنه قول الراجز: عمداً فعلت ذاك غير أني إخال إن هلكت لم ترني وأما قوله: هلك يهلك؛ فمعناه عطب، أو تلف، أو مات، أو ضاع، يحتمل كل ذلك؛ لقرب بعضه من بعض في المعنى. والعامة تفتح اللام من مستقبله؛ لأنه في معنى يعطب ويتلف، وهو خطأ؛ لأن حرف الحلق إنما هو فاء الفعل لا عينه أو لامه، فلا يكون إلا بكسر ثاني المستقبل أو ضمه، قال الله عز وجل: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) ومصدره الهلك على فعل، ولكن قد وضع موضعه الهلاك والهلك والهلكة. وأما قوله: عطس يعطس، فهو معروف المعنى، ويقال هو مأخوذ من العطاس؛ وهو الصبح، ويقال هو الانتباه من النوم، يقال: بكرت قبل العطاس، وكذلك العطاس الذي يصيب الإنسان، إنما هو تخلص من بخار مستكن في الرأس والخياشيم، وانفساح من ضيق وغم، فهو بمنزلة الصبح الخارج من الظلمة، والانتباه من الرقدة؛ ولذلك يتبرك

به، ويُشمَّت صاحبه/ وسمي عطاساً على أبنية الأدواء، كالزكام والصداع، ونحو ذلك. فأما مصدره فالعطس والمرة الواحدة العطسة، وفاعله العاطس. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: عطُس وعطِس، بضم الطاء وبكسرها، ويفتحون المستقبل، وهو خطأ. ويقولون أيضاً في مصدره: العطس، بفتح الطاء، وذلك خطأ. وأما قوله: نطح الكبش، ونبح الكلب، وجف الثوب، فمعانيها مكشوفة واضحة. والنطح بالقرنين أو بالرأسين، ويخص بذلك الكباش، لأنها مولعة به، حتى إن الأقران في الحروب تشبه بها، فيقال: تناطحوا وانتطحوا، ونطح فلان قرنه فصرعه، وقال الراجز: الليل داج والكباش تنتطح فمن نجا برأسه فقد ربح والنطاح والمناطحة والتناطح، مصادر أفعال المتناطحين. والنطح مصدر فعل الناطح والنطيح المنطوح. فأما النباح، فأصوات الكلاب خاصة على وزن فعال، بمنزلة الثغاء والرغاء والدعاء وما أشبه ذلك، والمصدر منه النبح والنبيح، وقد يشبه صوت الرجل الكثير الخصومة والصياح بالنباح، فيقال: إنه لينبح، وكان أبو عمر الجرمي، يلقب النباح، لكثرة مناظرته في النحو وصياحه. وأما الجفاف فاليبس، يقال: جف الثوب الرطب، والعود، وكل رطب، إذا يبس، وهو مشهور معروف. وإنما ذكره، لأن العامة تقول في مستقبله يجف، بفتح الجيم، وهوخطأ؛ لأن فاعله جاف، وماضيه جف، ومصدره الجفاف والجفوف. والعامة تقول بفتح المستقبل أيضاً في ينطح وينبح، وليس ذلك فيهما بخطأ؛ لأن الحاء من حروف الحلق، ولكن كسرهما أكثر في كلام الفصحاء/ وهو الأصل كما فسرنا. وأما قوله: نكل عن الشيء؛ فمعناه نكص عنه، وجبن منه وهابه، مثل نكول الخصم عن اليمين لخصمه، وهرب القرن في الحرب عن قرنه، وأنشد في مثل ذلك سيبويه:

لقد علمت أُولى المغيرة أنني كررتُ فلم أنكُل عن الضرب مِسمَعا وفاعله: ناكل. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: نكلت، بكسر الثاني من الماضي، مثل: فرقت وفزعت، لتقارب معناهما. وهو لغة أيضاً غير خطأ. وقد قدمنا شرحه. وأما قوله: كللت من الإعياء أكل، فمعناه حسرت وضعفت. وكذلك كل بصري، وكل السيف، يعني إذا لم يقطع. والفعل من الجميع واحد في الوزن، ومصادره مختلفة؛ للفرق بين الفاعلين على ما ذكره. وإنما ذكره؛ لأن العامة يقولون: كللت أكل، بكسر الماضي، وفتح المستقبل؛ لأنه بمعنى عييت وهو خطأ؛ لأن الفاعل من ذلك: كال، بألف. وأما قوله: سبحت، فمعناه معروف؛ وهو العوم في الماء، وهو مد اليدين والرجلين وقبضهما في الماء، وشق الماء بهما. ومنه قولهم: سبح الفرس في جريه، وهو سعة ذرع يديه، وخطو رجليه. واسم الفاعل منه: سابح. ومصدره: السبح. واسم صناعة السابح: السباحة. وجماعتهم: السباح. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول فيه: سبحت، بكسر الباء في الماضي، وهو خطأ؛ لأن فاعله لا يأتي بغير ألف، ومصدره لا يجيء بفتح الثاني. وأما قوله: شحب لونه، فمعناه تغير؛ إما من سفر،/ وإما من مرض، أو سوء حال، كما قال الشاعر: شحب الوجه بلا فائدة وذهاب المال مما قد قدر وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: شحب، بكسر الحاء، وهو خطأ، وبعضهم

يقول: شحب بضم الحاء، والمستقبل على كل حال بالضم، على أصل الباب، والفتح لا ينكر فيه مع حرف الحلق، ومصدره: الشحوب. واسم فاعله: الشاحب. وكذلك: سهم وجهه، مفتوح ثاني الماضي، مضموم المستقبل؛ وهو أن يلوحه الحر والشمس، ونحو ذلك. والسهام: الريح الحارة، وهي السموم، ومنه قيل: برد مسهم؛ أي شديد الحمرة، يضرب إلى السواد، قال النابغة الجعدي: رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة كحاشية البرد اليماني المسهم يقال: سهم وجهه، سهومة، فهو ساهم. ولا ينكر فتح مستقبله؛ لأن ثانيه من حروف الحلق. والعامة تقول: سهم، بضم الهاء من الماضي، وهو خطأ. وأما قوله: ولغ الكلب في الإناء، فمعناه لطعه بلسانه؛ شرب أو لم يشرب، أو كان فيه ماء أو لم يكن، ومصدره: الولوغ، وهو شرب الكلاب والسباع، وهي تشرب بألسنتها، لا بشفاهها. واسم الفاعل منه: والغ. وإذا كثر منه الولوغ فهو ولوغ بفتح الواو. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقوله بكسر اللام من الماضي؛ ولغ مثل شرب، وهو خطأ عند الأصمعي وصواب عند أبي زيد؛ لأن فعله لا يستعمل بغير ألف. والأصل في المستقبل منه الكسر، ولكنه فتح من أجل الغين؛ لأنه من حروف الحلق، ويدل/ على أن

الأصل الكسر، سقوط الواو من يولغ. وفي الحديث: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعاً إحداها بالتراب" بفتح اللام. وأما قوله: أجن الماء يأجن، فمعناه تغير لونه وطعمه؛ لطول ركوده، وتقادم عهده، ولذلك قال الشاعر: ومنهل فيه الغراب ميت كأنه من الأجون الزيت سقيت منه القوم واستقيت والأجون مصدره، واسم فاعله: آجن، على بناء فاعل. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول فيه: أجن، بكسر الجيم من الماضي، وهو خطأ، إلا بالفتح. فأما مستقبله فيكسر ويضم على قياس الباب. وأما قوله: غلت القدر؛ فمعناه فارت وجاشت، وهو معروف واضح. ومستقبله تغلي بكسر اللام. ومصدره: الغلي، ساكن اللام، والغليان، وهي غالية. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول فيه: غليت، بكسر اللام، وإثبات الياء في الماضي، على مثال حميت، وهو خطأ. ومنه قول الله عز وجل: (يَغْلِي فِي البُطُونِ (45) كَغَلْيِ الحَمِيمِ). وقال الشاعر يعيب العامة: ولا أقول لقدر القوم قد غليت ولا أقول لباب الدار مغلوق وكذلك قوله: غثت نفسي، بفتح الثاء. والعامة تقول: غثيت، بكسر الثاء وإثبات الياء، على مثال لقست نفسي، وهو خطأ. ومعناه معروف. ومستقبله مكسور

الثاء. ومعناه معنى القيء والتهوع، وهو ابتداء ذلك، وهو تحرك غثاء النفس وجيشانه. وكذلك قوله: كسب المال، يكسبه، ومعناه ابتغاه ووجده. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: كسب، بكسر السين، وهو خطأ؛ لأن مستقبله يكسب، مكسور السين، واسم الفاعل منه كاسب بالألف. وقد يستعمل في غير المال، فيقال لمن ظلم أو تعدى: قد كسب الإثم، ولمن عمل عملاً صالحاً: كسب الأجر. ومنه قوله الله عز وجل: (ومَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إثْمًا) وقوله (تعالى): (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ابنك من كسبك". والعرب تسمي الكلب: كاسباً؛ لأنه يصيد، وكل صائد من الطير وغيره كاسب. وقد يجيء هذا الفعل متعدياً إلى مفعولين، بهذا اللفظ بعينه، من غير أن يدخل عليه همزة النقل، يقال: كسبتك المال، كما يقال: جبر العظم وجبرته، ورجع ورجعته. وقد قال سيبويه عن الخليل: إنهم إنما قالوا هذا حين أرادوا أنه قد جعل فيه رجوعاً، وجعل في جبوراً، ونحو ذلك. ويجوز أن يكون أصله أن يتعدى بحرف جر، ثم يحذف الجار، ويعمل الفعل لنفسه، كما قيل أستغفر الله ذنباً ونحوه. وأما قوله: ربض الكلب يربض فمعروف المعنى. ومصدره: الربوض، وهو في السباع والدواب، ونحو ذلك، كالبروك في الإبل، والجثوم في الطير. ويستعار في كل شيء، ثبت في مكان أو أقام، كما قال الراجز: كأنها وقد بدا عوارض والليل بين قنوين رابض تحت الظلام من قطا نواهض/

وإنما ذكره لأن العامة، تفتح الباء من مستقبله؛ فيقولون: يربض، وهو خطأ؛ لأنه ليس فيه من حروف الحلق شيء. وإنما يكسر أو يضم؛ لانفتاحه في الماضي. وأما ربط يربط، فهو بمعنى شد الحبل والخيط ونحوهما، إذا عقد عليه. وقد يقال ذلك في القلب الساكن المطمئن؛ يقال: قد ربط جأشه. ويقال للمصاب: ربط الله على قلبك. ومنه ارتباط الخيل، وهو اقتناؤها، وحبسها ورباطها، ومنه قول الشاعر: فينا رباط جياد الخيل معلمة وفي كليب رباط اللؤم والعار وإنما ذكره؛ لأن في مستقبله لغتين، وهما: الضم والكسر والعامة تختار الضم، والفصحاء لا يكادون يقولونه إلا بالكسر لخفته؛ فلذلك اختار الكسر، وليس الضم بخطأ. وقال الله عز وجل: (ولِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ). ولم أعلم أنه قرأها أحد بالضم، وليس كل ما ترك الفصحاء استعماله بخطأ؛ فقد يتركون استعمال الفصيح؛ لاستغنائهم بفصيح آخر، أو لعلة غير ذلك، على ما قدمنا ذكره. فهذا آخر الباب الأول.

تصحيح الباب الثاني وهو باب فعلت، بكسر العين

تصحيح الباب الثاني وهو باب فعِلت، بكسر العين اعلموا أن كل فعل، كان ماضيه على فعل، بكسر العين، لم يجز أن يكون مستقبله إلا يفعل، بفتح العين، ليخالف الماضي المستقبل في البناء، ويعتدلا في الخفة/ والثقل، كاعتدال الباب الأول، كما خالفه في المعنى، فيعلم كل واحد منهما بما يخصه من الأبنية، لأن اللفظ الواحد لا يدل على معنيين مختلفين حتى تضامه علامة لكل واحد منهما، فإن لم تكن فيه لذلك علامة، أشكل وألبس على المخاطب، وليس من الحكمة وضع الأدلة المشكلة، إلا أن تدفع إلى ذلك ضرورة أو علة بنية، ولا يجيء في الكلام غير ذلك إلا ما شذ وقل على غير القياس والأصل، وهذا مما يدل على أن قياس الأصل في مستقبل الباب الأول، إنما هو يفعل، بالكسر، وأن الضم داخل عليه بالمشاكلة، في الثقل، أو لعلة خفيت على النحويين؛ لأنهم عجزوا عن استخراجها. وربما شذ من كلامهم الشيء من هذا الباب، فيجيء ماضيه على القياس، ومستقبله على الباب الأول، فيحكى ذلك عنهم حكاية، ولا يقاس عليه؛ لأنه ليس بجار على الأصل، كقولهم: ومق يمق، وورم يرم، وولي يلي، ووسع يسع، ووطئ يطأ. فالدليل على شذوذ هذا مخالفته الاعتدال، وقلته في الكلام، وأن مصدره مفتوح العين، بمنزلة مصدر ما انفتح عين مستقبله، وأنه قد جاءت في بعضه لغات غير شاذة، مثل: حسب يحسب، وأن كسر ماضيه ومستقبله ليس دالاً على معنى، كما يدل ضم الماضي والمستقبل على معنى معلوم، ولو كان هذا أصلاً غير شاذ لكثر في الكلام مع خفة الكسر، كما كثر المضموم، مع ثقله.

فأما ما جرى على الأصل الذي ذكرناه، فيقاس عليه ويطرد، ويستوي في هذا الباب ما فيه حروف الحلق وحروف اللين، وما ليس فيه شيء من ذلك، ولا يختلف؛ /لأن الأصل الفتح في مستقبله، وهو أخف الحركات. وأكثر ما يجيء هذا الباب، في الفعل اللازم، الذي لا يتعدى فاعله، وإنما يكون بمعنى الانفعال والمطاوعة، فإذا جاء في غير ذلك، فهو لأنه يشبه المتعدي في معناه، ويشاركه في سبب آخر. فمن ذلك قولهم: قضمت الدابة شعيرها، تقضم. وإنما جاء على وزن فعل المطاوعة والانفعال، وهو متعد، من أجل أنه بمعنى الانفعال؛ وذلك أن قضمت الدابة، بمنزلة شبعت، وإلى لشبع يؤدي، وشبعت غير متعد، وهو بمعنى طعمت، لأنه يقال: أطعمته فطعم، وهو انفعال، يقال: أشبعته فشبع، كما يقال: كسرته فانكسر. والدليل على ما قلنا: أنه يقال منت هذا: أقضمتها الشعير، بفتح العين من الفعل، فقضمت، بالكسر، أي فطاوعت. فكل ما كان أكلاً من هذا الباب، فهو مثل شبع. وكل ماكان شربا، فهو مثل روى؛ كبلعت ومصصت، وجرعت، وسرطت، وزردت؛ لأنها أفعال تكون في الطعام والشراب، بمعنى المطاوعة والانفعال، كقولهم: أبلعته فبلع، وأسرطته فسرط، وألقمته فلقم. وأما قولهم: برأت من المرض بالفتح أبرأ في الماضي والمستقبل؛ فإنما جاء على الباب الأول، في ما كان فيه حرف من حروف الحلق، وليس من هذا الباب، وقد كان يجب أن يذكره هناك. وأما برِئت، بالكسر في الماضي، فجاء من هذا الباب، على مثال ضده، أو نظيره، وهو قولك: سقمت ومرضت؛ لأنه ضده، فجائز أن يكون نظيره في الوزن، كما/ كان

نظيره في التضاد؛ ولذلك غلطت العامة فقالت: جرعت وبلعت، بالفتح في الماضي، ونهكه المرض؛ لأنه لا يبعد في القياس انفتاح الماضي والمستقبل في ما كانت فيه حروف الحلق، وهو متعد أيضاً. وأما ما ليس فيه حرف من الحلقية، فلا يجوز أن يفتح ماضيه ومستقبله، ولم يجئ ذلك، إلا حروف شاذة، كقولهم: أبى يأبى، ووذر يذر؛ كأنهما شبها بمنع ووردع. وأما قوله: بريت القلم أبريه، فلم يجب أن يذكره في هذا الباب؛ لأنه من الباب الأول، وإنما أتى به مع بَرَأت؛ لتشابه اللفظين؛ بالباء والراء، وليست الهمزة من الياء في شيء. وفي قوله: شملهم الأمر يشملهم، لغات؛ فمن العرب قوم يقولون: شمل بفتح الميم من الماضي، وضمها من المستقبل، على قياس الباب الأول؛ لأنه بمعنى عممت أعُم. ومنهم من يأخذ الماضي من هذا الباب، والمستقبل من الأول؛ فيقول: شمل بالكسر، ويشمل بالضم، وليس ذلك بقياس. واللغتان الأوليان أجود. وليس العامة في هذا بخطئين، وإن كانت إحدى هذه اللغات أكثر في كلامهم. فهذا قياس أبنية الباب الثاني وأمثلته في النحو الذي يعرف به لحن العامة، وخطؤها في جميع ما لم يذكره ثعلب في هذا الباب. * * * فأما تفسير غريب هذا الباب: فإن القضم: أكل الشيء اليابس وكسره، ببعض الأضراس، نحو: البر، والشعير، والسكر، واللوز اليابس، والجوز، ونحو ذلك. وكذلك عض المكان الذي فيه العظم من الإنسان، يقال: أخذ يده فقضمها. وفي/ بعض الحديث: إن رجلاً عض يد رجل، فجذب المعضوض يده، فندرت ثنية العاض، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه؛ أهدر ثنية العاض، وقال: "أفيدع يده في فيه، حتى

يقضمها، كما يقضم الفحل! ". وفي بعض الحديث: "اخضموا فسنقضم، والموعد الحشر" يقول: كلوا الطيبات اللينة الرخصة، فسنأكل اليابس الصلب. والخضم: أكل الرطب، بجميع الأضراس. وإنما ذكر هذا؛ لأن العامة تقول: قضمت الدابة شعيرها، تقضم، بفتح الثاني من الماضي، وكسره من المستقبل، وهوخطأ، إنما ذلك فعل المطعم للدابة، وهو متعد إلى مفعولين، يقال: قضمتها شعيرها أقضمها إياه، بفتح الماضي وكسر المستقبل. واسم الشعير: القضيم. والعامة تقول: أقضمتها، بالألف، وهو خطأ. فأما فعل الدابة، فالصواب فيه: قضمت تقضم، بكسر الماضي، وفتح المستقبل. وقد مضى قياس ذلك وعلته. وكذلك: بلعت الطعام والشراب أبلعه: أي أدخلته حلقي وجوفي، وهو معروف المعنى. ومصدره: البلع. يقال: ابتلعته ابتلاعاً. ومنه سميت بالوعة الدار؛ لأنها تبلع المياه، على فاعولة، وبلوعة، على فعولة. وهي البواليع والبلاليع وقد يستعار في غير ذلك، فيقال: أبلعني ريقي: أي أمهلني، حتى أقول وأفعل. وإنما ذكره؛ لأن العامة تفتح ماضيه ومستقبله، وهو خط، وإنما ماضيه، بالكسر لا غير، مثل طعمت أطعم. وأما قوله: سرطته أسرطته؛ فمعناه كمعنى بلعته، إلا أنه في الطعام اللين اللزلج خاصة ولا يقال في الشراب/ وكل ما نزل في الحلق بسهولة وسرعة وبلع كله بمرة،

فقد سرطته واسترطته أيضاً. ولذلك قيل للفالوذ: السرِطْراط، على وزن: فِعِلْعال. أخبرنا بذلك محمد بن يزيد. ومنه قيل للطريق: السراط؛ لأنه يسلك؛ فكأنه يسترط السالكين فيه، قال جرير: أمير المؤمنين على سراط إذا اعوج الموارد مستقيم ويقال في مثل: "الأكل سُرَّيْطي، والقضاء ضريطي". يعني به سهولة الأكل على المستدين بدينه، وصعوبة قضاء الدين عليه. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: سرطته، بفتح الماضي، وهو خطأ. وكذلك قوله: زردته أزرده. وهو في معنى سرطته، وحروفه من مخارج حروفه أيضاً، وهو سرعة البلع، إلا أنه دونه، ولذلك قالت الراجزة في فرجها ولينه: إن هنى لزردان معتدل وإنما سمي الزرد الذي يلبس في الحرب؛ زرداً؛ للينه وتداخل بعضه في بعض، وصانعه: زراد. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: زردته، بالفتح في الماضي، وهو خطأ. وكذلك قولهم: لقمت ألقم؛ وهو وضع اللقمة في الفم خاصة، دون البلع، وهو مأخوذ من لقم الطريق، وهو فوهته. ومنه قيل: رجل تلقامة؛ إذا كان عظيم الفم. ويقال: تلقمته والتقمته، ولقمت غيري. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه، دعا

علياً رضي الله عنه، في مرضه، /فالتقم أذنه، وجعل يساره طويلاً. واللقمة معروفة. والعامة تقول: لقَمت ألقَم، بفتح الماضي، وهو خطأ. وهذا الباب كله على وزن واحد، وبمعنى واحد. والمصدر منه كله على فَعْل، ساكن العين، كالبلع واللقم والزرد والسرط، لأنه كله متعد. وكذلك: جرعت الماء أجرعه؛ أي بلعته، ومنه قيل: تجرعته؛ إذا بلعت منه شيئاً بعد شيء بشدة. وقال الله عز وجل: (يَتَجَرَّعُهُ ولا يَكَادُ يُسِيغُهُ) ومنه قيل: تجرع الغيظ. وجرعته الهم ونحوه. ومنه قيل لنزع النفس عند الموت: "جُريعة الذقن". ومصدره: الجرع، ساكن الراء. والجرعة، بالضم: مقدار ما يتجرع منه. والجرعة، بالفتح: المرة الواحدة. وقال المرار في الغيظ: لم يضرني ولقد جرعته جرع الغيظ بصاب وصبر والعامة تقول: جَرَعته؛ بفتح الماضي، وهو خطأ. وفي مثل من أمثال العرب: "الجرع أروى، والرشيف أشرب"؛ أي بلع الماء أسرع للري، وترشفه أدوم لشربه. يضرب للنفقة والإسراف والقصد. وأما قوله: مسِست أمَسّ، بكسر الماضي وفتح المستقبل، والعامة تقوله بفتح الماضي

وكسر المستقبل، وهو خطأ. ومعناه كمعنى لمسته، وجسسته، وربما كني به عن الجماع. ومصدره: المس والمسيس، وهو معروف المعنى. ومنه قول الله عز وجلك (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا). وكذلك: عضضت أعض، وهو/ معروف، مثل كدمت في المعنى. والعامة تفتح الماضي، وهو خطأ. ومنه قول الله عز وجل: (ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ). وإنما يدخل فيه، فيتعدى به، إذا أريد به معنى المابلغة في العض، ولأنه عض من فوق الشيء، وقد يعدّى بالباء وبمن، إذا عني عض بعض الشيء دون الجميع فيقال: عضضت به، وعضضت منه. فإذا لم يعن من ذلك شيء، عدي الفعل بنفسه. فقيل: عضضته. كما قال الله عز وجل: (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ). وكما قال ابن ذريح: كمغبون يعض على يديه تبين غبنه بعد البياع وقال الأعشى: عض الذي أبقى المواسي له من أمه في الزمن الغابر ويستعار في غير ذلك، فيقال: قد عضه الأمر؛ إذا اشتد عليه، وعض القتب ظهر البعير؛ إذا عقره. وكذلك شمِمت أشَم. يعني استنشاق الرائحة، مثل قولهم، نشِقت أنشَق. والعامة

تقول: شممت، بفتح الماضي، ويقولون في المستقبل: أشم، بضم الشين. وهو خطأ. ومصدره: الشم والشميم. وقد يستعار في غير ذلك؛ في كل ما قارب شيئاً، أو دنا منه: قد شامَّه وشَمّه. وفي الحديث؛ أنه قال للخافضة: "أشميه ولا تنهكيه". وفيه أيضاً: "إن الأرواح عند الله تشام، كما تشام الخيل الشمس". ومنه أخذ النحويون إشمام الحرف الحركة. وكذلك: مصِصت الشيء أمَصّه؛ بكسر الماضي، وفتح المستقبل. والعامة تقول: مصَصت، بفتح الماضي، وتقول: أمُص، بضم المستقبل و [هو خطأ]. ومعناه معروف،/ واضح؛ كمص الرجل الماء بشفتيه عند شربه، والحما [ر بجحفا] ته، والطائر لا يمص، ولا السباع؛ لقصر شفاهها. ومصدره المص كما [في قوله مص الص] بي الثدي. وفي الحديث: "لا تحرم المصة ولا المصتان". واسم فاعله: الماص. والمفعول: الممصوص. ومنه قيل في الشتم: ماص هن أمه. وقد أمصه؛ إذا شتمه بذلك. ومنه سمي المصوص من الطبيخ. وأما قوله: سفِفت الدواء وغيره أسَفُّه؛ فمعناه أقحمته، أي أكلته شيئاً بعد شيء،

وهو أن تلقى من الراحة في الفم. ولا يقال ذلك إلا في شيء مطحون أو مدقوق أو حب صغار من السمسم ونحوه، إذا كان يابساً. وكذلك يقال للطائر، إذا لقط، وللأنعام إذا لقطت اليابس. ومنه قول عنترة: ما راعني إلا حمولة أهلها وسط الديار تسف حب الخمخم ويقال: قد أسففت الرجل والطائر، ذلك بالألف، فسفه واستفه. ومنه قيل: أسفت المرأة كفها النئور في و [شمها]، وأسفت لثتها الكحل ونحوه، كما قال طرفة: سقته إياة الشمس إلا لثاته أسِفّ ولم تكدم عليه بإثمد والسفوف اسم لكل ما يستف من دواء، أو [سويق] ونحو ذلك، بفتح أوله، على فعول مثل اللدود والوجور. وأما قوله: زكنت منه كذا وكذا؛/ فمعناه: حزرت وخمنت. وأهل اللغة يقولون: معناه: علمت، ويستشهدون عليه ببيت قعنب بن أم صاحب؛ وهو: ولن يراجع قلبي حبهم أبداً زكنت منهم على مثل الذي زكنوا وليس في هذا البيت دليل على تفسيرهم إنما معناه: خمنت على مثل الذي خمنوا عليه، من سوء الظن، وحزرت منهم على مثل ما حرزوا عليه مني. ويروى أيضاً- زكنت من بغضهم مثل الذي زكنوا- وليس معناه علمت أيضاً. إنما معناه: أضمرت من بغضهم

مثل ما أضمروا من بغضي. والعرب تقول: فلان صاحب إزكان. وليس يعنون به صاحب علم، ولكن صاحب حزر. وإنما ذكر ثعلب هذا؛ لأن العامة تقول: زكنت؛ بفتح الكاف في الماضي، وهو خطأ. ويقولون: قد زكن، بالتشديد يزكن تزكيناً، فهو مزكن؛ أي حازر ومخمن. وأما نهكه المرض، فمعناه: بلغ منه الجهد، وأضعفه وأنحله، ومن ذلك قيل للحية [الكبيرة] نهيك. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: نهكه المرض وغيره، بفتح الهاء، وهو خطأ. ومصدر هذا: النهوكة والنهاكة. وقد نهك فهو منهوك، نهيك، والفاعل ناهك. وأما قوله: أنهكه السلطان عقوبة فليس من هذا [الباب]؛ لأنه على أفعل بالألف، وليس هذا موضعه، وإن كان معناه راجعاً إلى معنى نهكه المرض، إلا أنه منقول من فاعله إلى فاعل آخر./ وأما قوله: بَرَأت من المرض، فمعناه: أفقت وأبللت وعوفيت، وكذلك هو في لغة من قال برئت، وهو مثل البراء [ومن الذنب] والعيب، وغير ذلك، أي نقيت منه ونقيت. ومصدره من المرض: البرء [ومن] ذلك: البراءة على فعالة، كما قال

الله عز وجل: (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ). والفاعل من المرض: بارئ. ومن غيره: بريء، على فعيل. وقال أمية بن أبي الصلت: سلامك ربنا في كل فجر بريئاً ما تغنثك الذموم وفي الحديث: "أنه قيل لأبي بكر في مرضه: أراك بارئاً، يا خليفة رسول الله". ومنه: التبرؤ من الشيء، وهو الانتفاء منه ولـ[ذلك] قال أبو ذؤيب: تبرأ من دم القتيل وبزه وقد عقلت دم القتيل إزارها ويقال: برأت الرجل من حقي، وبرأته مما قيل فيه، فهو مبرأ. ومنه قول الله عز وجل: (أولئك مبرءون مما يقولون). وأما قوله: بريت القلم، غير مهموز، فمعناه: قطعته. يقال: بريت القوس والعود أبريه برياً. ويسمى ما يسقط منه البراية، على فعالة والفاعل بار وصانعه البراء. وأما قوله: دهمتهم الخيل، فمعناه: كثرت [عليهم و] فجئتهم، ولذلك قيل للجمع الكثير: الدهماء. وكذلك الأدهم من الدواب؛ الذي غم شعره كله السواد. والعامة تقول: دهمتهم، بفتح ثاني الماضي، وهو [خطأ]؛ لأنه على معنى غشيتهم

وفجئتهم، والمستقبلُ منه يَدْهَم، فبتح الهاء و [من] السواد يقال ادهامّ/ يدهامّ ادهيماما [ومنه] قول الله عز وجل: (مُدْهَامَّتَانِ). واللون الدُّهمة. وأما قوله: شلت يده، فمعناه: يبست يده ورجله، أو غير ذلك. وأصله: شَلِلت، على فَعِلت، بكسر الثاني، ولكن قد أسكن وأدغم. ومستقبله تشل، بفتح الشين شللاً، فهي شلاء، ورجل أشل وامرأة شلاء. والعامة تقول: شلت يده، بضم الشين؛ يظنون أنه بمعنى قطعت، وهو خطأ. وقوله: لا تشلل يدك: دعاء له بالسلامة من الشلل. ويروى هذا البيت لشريح القاضي: رأيت رجالاً يضربون نساءهم فشلت يمني يوم أضرب زينبا وأما قوله: نفد الشيء ينفد؛ فمعناه: فني يفنى؛ ولذلك جاء على مثاله. وقال الله عز وجل: (قُل لَّوْ كَانَ البَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي). وقال [تعالى]: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ومَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ). ومصدره: النفاد، على فعال، والنفود، على فعول. والفاعل: نافد. وأما قوله: بررت والدي أبره، وبررت في حديثي [ويميني] فهما في معنى صدق المودة والطاعة، وكلاهما مكسور الماضي [وأصلـ] هما ألا يتعديا إلا بحرف جر، إلا أن يكثر استعمال أحدهما، فيحذف منه الجار، ويعدى بنفسه كقولهم: بررت في يميني ومودتي. فأما بررت والدي، فكان أصله: بررت بوالدي، ولذلك يقال: هو بار بوالديه، وفي كتاب الله (وبَرًا بِوَالِدَتِي). والمستقبل منهما لا يكون إلا بالفتح. والفاعل منهما: بار، على فاعل، وبر. ومصدره: البِر، مكسور/ الأول، والمبرة. والعامة تفتح الماضي منهما، ولذلك ذكرهما.

وأما جشمت الأمر، فبمعنى كلفته أو تكلفته، وماضيه مكسور والعامة تفتحه؛ فلذلك ذكره. والمستقبل منه: يجشم، بالفتح. وفاعله: جاشم. وهو متعد، وقال الأعشى: وفي كل عام أنت جائم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا ويقال منه أيضاً: تجشمت هذا الأمر أتجشمه تجشماً؛ أي تكلفته تكلفاً، وجشمني غيري وأجشمني إجشاماً وتجشيماً، فجشمته جشماً وجشامة، وهو احتمال الثقل، مأخوذ من: جشم البعير، وهو ما يغشى به القرن من خلقه، يقال: غشيه بجشمه، وقال الأعشى: وللحرب يجشمه من جشم وأما قوله: سفد الطائر فهو للطائر وغيره، ويكنى به أيضاً عن جماع الرجل، فيقال: سفدها، بكسر الماضي، ومستقبله بفتح الفاء يسفد، فه سافد. والمصدر: السفد ويقال: تسافدا. والسفاد مصدر سافدها. ومنه أُخذ السَّفُّود ذو الشوك من الحديد؛ لأنه يعلق بما يشوى عليه، كما يعلق السافد. وهو كلام معروف. والعامة تقول: سفَد يسفِد، بفتح الماضي، وكسر المستقبل، على وزن ينكح. وأما قوله: فجئني الأمر، فبمعنى بغتني؛ أي طرقني بغتة. وفجاءةً. ومصدره: الفجء والفجأة والفجاءة. مستقبله يفجأ، بفتح الجيم. والفاعل: فاجئ. وهو مشهور معروف. والعامة تفتح الماضي منه. ويقال أيضاً: فاجأته، على فاعلته أفاجئه مفاجأة/. فهذا آخر الباب الثاني.

تصحيح الباب الثالث وهو باب فعلت بغير ألف

تصحيح الباب الثالث وهو باب فعلت بغير ألف اعلم أن هذا الباب والبابين الأولين صنف واحد؛ لأنهما جميعاً بغير ألف. ولم يجب أن يفرده ويكثر به الأبواب. وكأنه قصد إلى كلمات تزيد العامة في أوائلها الألف خطأ منها؛ فلذلك جعل له باباً على حدته؛ لأن العامة تغلط بإدخال الألف في ماضي هذا الباب، كما تغلط في الحروف والحركات في ماضي البابين الأولين ومستقبلهما. وقد غلط ثعلب في وضعه قولهم: هرقت الماء، في هذا الباب؛ لأنه قد ترجمه؛ بباب فعلت بغير ألف. وإنما هرقت من باب أفعلت بالألف عند جميع النحويين، وإنما هذه الهاء التي في هرقت بدل من الألف التي تكون في أفعلت؛ لأن أصل هرقت: أرقت. وهو فعل معتل العين من الواو، واصله: أروقت؛ لأنه من قولنا: راق الماء يروق، وأروقته أنا، ولكنه لما اعتلت الواو في راق يروق وجب أن يعتل في الرباعي أيضاً، فصارت ألفاً، وانتقلت فتحتها إلى الراء، فصارت أراق، فلما كانت هذه الكلمة مما يكثر استعماله في الكلام، استثقلت الهمزة في أولها، فأبدلت منها الهاء؛ لأنها ألين، كما قالوا: هياك في إياك، ولهنك، في لإنك. وهذه الهمزة التي في أراق تسقط في ماضيه، لئلا يجتمع همزتان، فيقال: أنا أريق، وأصله أؤريق؛ فمن العرب من يزيد بين حرف المضارعة، وبين الراء هاء ساكنة، عوضاً من/ الهمزة التي تسقط، لأن الهاء ليست تستثقل مع الهمزة، فيقولون: أنا أهريق. وزعم سيبويه أن هذه الهاء عوض من ذهاب حركة العين المعتلة. وإنما قال ذلك؛ لأنهم زادوا هاء في الماضي أيضاً، فقالوا: أهراق. ولم تحذف من الماضي همزة، فتكون عوضاً منها، فلما جرى ذلك في الماضي والمستقبل، جعل علتهما واحدة، وشبهها بالسين التي تزاد في قولهم: اسطاع يُسْطِيع، وإنما هي: أطاع يطيع. فمن العرب من يقول في المستقبل: يهريق، فيفتح الهاء،

على فتحة الهمزة التي حذفها؛ لأنها مفتوحة. ومنهم من يسكنها فيقول: يهريق؛ لمن حركها فلا شك في أنه جعل الهاء عوضاً من الهمزة. ومن أسكنها فإنها على ما قال سيبويه. وأما الهاء التي في الفعل الماضي، فلا يحركونها مع الهمزة في قولهم: أهراق؛ لأنها ليست ببدل من الهمزة. ومن جعل الهاء في هراق بدلاً من الهمزة التي في أراق أبلدها أيضاً في الأمر منها، فقال: هَرِّق، كما قال الراجز: يا أيها الكاسر عين الأغضن والقائل الأقوال ما لم يلقني هرق على جمرك أو تبين فتوهم ثعلب أن هاء هرقت، وهاء هرق، في الأمر، من نفس الكلمة، فأدخل هرقت في باب فَعَلْت؛ بغير ألف، وهو خطأ. وأما قوله في رعد وبرق في باب فعلت، أنه يقال فيه أيضاً: أرعد وأبرق؛ فإن لكل واحد من هذين معنى يخصه، ولا يكون فعل وأفعل بمعنى واحد، كما لم يكونا على بناء واحد،/ إلا أن يجيء ذلك في لغتين مختلفتين؛ فأما من لغة واحدة، فمحال أن يختلف اللفظان، والمعنى واحد، كما يظن كثير من النحويين واللغويين. وإنما سمعوا العرب تتكلم بذلك، على طباعها، وما في نفوسها؛ من معانيها المختفة، وعلى ما جرت به عاداتها وتعارفها، ولم يعرف السامعون تلك العلة فيه والفروق فظنوا أنهما بمعنى واحد، وتأولوا على العرب هذا التأويل من ذات أنفسهم؛ فإن كانوا قد صدقوا في رواية ذلك عن العرب؛ فقد أخطئوا عليهم في تأولهم ما لا يجوز في الحكمة, وليس يجيء شيء من هذا الباب، إلا على لغتين متباينتين كما بينا، أو يكون على معنيين مختلفين، أو تشبيه شيء بشيء، على ما شرحناه في كتابنا الذي ألفناه في افتراق معنى فعل وأفعل، ومن هناك يجب أن يتعرف ذلك. وكذلك قوله: وقفت الدابة، ووقفت وقفاً للمساكين، ووقفت أنا، لا يجوز أن يكون الفعل اللازم من هذا النحو والمجاوز على لفظ واحد، في النظر والقياس؛ لما في ذلك من

الإلباس، وليس إدخال الإلباس في الكلام من الحكمة والصواب. وواضع اللغة- عز وجل- حكيم عليم. وإنما اللغة موضوعة للإبانة عن المعاني، فلو جاز وضع لفظ واحد، للدلالة على معنيين مختلفين، أو أحدهما ضد للآخر، لما كان في ذلك إبانة، بل كان تعمية وتغطية. ولكن قد يجيء الشيء النادر من هذا لعلل؛ كما يجيء فعل وأفعل، فيتوهم من لا يعرف العلل، أنهما لمعنيين مختلفين، وإن اتفق اللفظان. فالسماع في ذلك صحيح عن العرب، والتأويل عليهم خطأ، وإنما يجيء/ ذلك في لغتين متباينتين، أو لحذف واختصار، وقع في الكلام، حتى اشتبه اللفظان، وخفي سبب ذلك على السامع، فتأول فيه الخطأ؛ وذلك أن الفعل الذي لا يتعدى فاعله، إذا احتيج إلى تعديته، لم يجز تعديته على لفظه الذي هو عليه، حتى يغير إلى لفظ آخر؛ إما بان تزاد في أوله الهمزة، التي تدخل لنقل الفعل، على فَعُل، فيجعل على: أفْعَل، نحو: كرُم وأكرَمَ، وحسُن وأحسَن. وإما بأن يوصل به حرف جر بعد تمامه مثل ذهب وذهب بغيره، وقم وقام بآخر، ونحو ذلك؛ ليستدل السامع على اختلاف المعنيين باختلاف اللفظين؛ إلا أنه ربما كثر استعمال بعض هذا الباب في كلام العرب، حتى يحاولوا تخفيفه، فيحذفوا حرف الجر منه كقولهم: كلته ووزنته؛ أي كلت له، ووزنت له، وأشباه ذلك، فيعرف بطول العادة، وكثرة الاستعمال، وينوب المفعول وإعرابه فيه عن الجار المحذوف. أو يشبه الفعل بفعل آخر، متعد على غير لفظه، فيجرى مجاره؛ لاتفاقهما في المعنى، كقولهم: حبست الدابة، وحبست مالاً على المساكين. ومما يدل على أن الأصل في "وقفت" ما ذكرنا؛ أنهم يقولون: ما أوقفك ههنا؟، بالألف، ويجدونه أحسن وأفصح عندهم من قولهم: ما وقفك ههنا؟ وهو أكثر استعمالاً منه. والأصل في "وقفت" أن يكون غير متعد بنفسه إلى مفعول مثل: ثبت ولبثت، وألا يعدى إلا بزيادة قبله أو بعده، أو غير ذلك فيقال: أوقفته، أو وقفت به، أو وقَّفته، بالتشديد؛ ثم يجوز حذف الجار بعد ذلك، لما ذكرنا؛/ من وجوب التخفيف؛ لكثرة الاستعمال، وطول معرفته واعتياده، كما قال الله عز وجل: (ولَوْ تَرَى إذْ وقِفُوا عَلَى النَّارِ) وقوله [تعالى]: (وَلَوْ تَرَى إذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ)؛ لأنه بمعنى حبسوا أو محبوسون.

وكذلك قولهم: حزنني الأمر وأحزنني. وقد استقصينا شرح ذلك كله في "كتاب فعلت وأفعلت" بحججه، ورواية أقاويل العلماء فيه، وذكر علله، والقياس فيه. فهذه علل هذا المثال، في هذا الباب، وأما تفسير الغريب والمعاني من هذا الباب، فإنا ذاكروه، إن شاء الله: فمن ذلك قوله: تقول شملت الريح من الشمال، وجنبت، من الجنوب، ودبرت، من الدبور، وصبت، من الصبا، بغير ألف، فإن هذه الرياح الأربع، من أربع نواحي العالم؛ كل واحدة منها تهب من ناحية منها؛ فالشمال: هي التي تهب من يسار باب الكعبة، وهي الباردة، التي تقشع السحاب. ويقال لها: شمال، بألف، وشمأل، بهمزة، وشَمَل، بلا زيادة، وشامل، غير مهمور، وشأمل، مهموز، كل ذلك قد تكلموا به؛ لمعان يطول شرحها. والجنوب: التي تهب من يمين بابها، مقابلة للشمال، وهي دفيئة، تجمع السحاب، وتسوقها، وتأتي بالمطر. والصبا: التي تهب من مطلع الشمس، وفيها لين وندى، ولها نسيم وروح وتشويق إلى الأوطان والأحباب، وجلاء للهم، كما قال الشاعر: ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد فقد زاداني مسراك وجداً على وجد وقال الآخر:/ أي جبلي نعمان بالله خليا سبيل الصبا يخلص إلى نسيمها فغن الصبا ريح إذا ما تنسمت على نفس محزون تجلت غمومها أجد بردها أو تشف مني حرارة على كبد لم يبق إلا صميمها

وأما الدبور: فالتي تهب من دبر الكعبة، مقابلة للصبا، وفيها خشونة وشدة، وهي تمحو السحاب، وتثير العجاج. وقد أكثر الشعراء ذكر هذه الأرواح؛ فقال امرؤ القيس: فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمأل وقال الأعشى: دمنة قفرة تعاورها الصيـ ـف بريحين من صبا وشمال وقال امرؤ القيس: نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل وقال رسول الله صلى الله عليه: "نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور". وإنما ذكر ثعلب ذلك؛ لأن العامة تقول كل هذا بألف، فتقول: أشملت وأجنبت والعرب لا تقول ذلك؛ لأنها تريد أن الريح هبت من ناحية الشمال، وناحية الجنوب وناحية القبل وناحية الدبر، كما تقول: رأست فلاناً، وظهرته، وبطنته، إذا أصبت رأسه أوظهره أو بطنه. ولا يجوز إدخال الألف في شيء من هذه الأربع، إلا أن يجعل الفعل لله عز وجل، أو لشيء غير الريح، تجعل الرياح/مفعولة، فيقال: أشمل الله الريح، وأجنبها، وأصباها، وأدبرها بالألف لا غير. والعرب تقول: هبت شمالاً، وهبت جنوباً، تريد: هبت الريح شمالاً، وهبت الريح جنوباً. وتقوله بالرفع أيضاً: هبت شمال، وهبت جنوب؛ إذا جعلت الفعل للشمال وللجنوب، ولم تجعله للريح، وقال جرير: هبت جنوباً لذكرى ما ذكرتكم عند الصفاة التي شرقي حوارنا

وقال عبد بن الحسحاس: وهبت شمالاً آخر الليل قرة ولا ثوب إلا درعها وردائيا فإن قيل: أشملت وأجنبت، على هذا المعنى، وأضمر للفعل فاعل جاز. وأما قوله: خسأت الكلب؛ فمعناه: طردته، وأبعدته، وأفردته، وذلك أن يقول له: اخسأ، أي ابعد؛ لأنه يقال: قد خسأ الكلب نفسه، غير متعد. وإنما كان الأصل في ذلك أن يقال: خسأت بالكلب، فيعدى بالباء، أو يقال: أخسأته، فيعدى بالهمزة. فحذف ذلك اختصاراً أو تخفيفاً؛ لكثرة استعماله، وزوال اللبس عنه، بمعرفة معناه, وأنه بمنزلة طردته. أو يقال: خسأته فخسئ، أو فانخسأ؛ لأنه بمعنى الانفعال والمطاوعة، وهو نظير قولك: أبعدته فبعد، وزجرته فانزجر. وأصله ألا يتعدى، كما قال الله عز وجل: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا ولا تُكَلِّمُونِ) وقال تعالى: (كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) وقال [تعالى]: (يَنقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وهُوَ حَسِيرٌ). وقد مضى هذا الضرب بشرحه. وأما قوله: فلج الرجل/ على خصمه، فمعناه: ظهر عليه بالحجة، فهو يفلج فلجاً، بضم الفاء، وتسكين اللام. ويقال أيضاً: فلجا، بفتح الفاء واللام جميعاً، وكلاهما اسم موضوع موضع المصدر. وإنما المصدر في مثل هذا الفعل: الفلج، بفتح الفاء وسكون اللام، أو الفلوج، على فعول، مثل: الدخول والخروج، ولكن لما كان بمعنى النُّجح، والظفر استعمل على وزنهما، وهو فعل لا يتعدى إلا بحرف الجر، فإن جعلتَ فاعله مفعولاً، نقلت الفعل إليه بالهمزة فقلت: أفلجته على خصمه إفلاجاً، أو فلجت به فلجاً، فعديته بالباء.

وأما قوله مذى الرجل يمذي؛ فمعناه: خرج من ذكره المذي؛ وهو ماء أرق من المني، ولا لذة له عند خروجه. ومنه قيل للعسل، الذي فيه رقة: الماذي. واسم ذلك الماء: المذْي بسكون الذال، كأنه سمى بمصدره؛ لأنه يقال: مذى يمذي مذيا. وإنما يخرج ذلك الماء عند ملاعبة النساء، أو ذكر الجماع. والعامة تقول: أمذى الرجل، بالألف، وليس ذلك بخطأ، ولكنها لغة للعرب، على ما وصفنا؛ من شرح فَعَل وأفعل، أنهما لا يجيئان بمعنى واحد، ولكن بمعنيين مختلفين، أو يكونان لغتين متباينتين. وأما قوله: رعبت الرجل أرعبه؛ فمعناه: أفزعته، وهو فعلت من الرعب، وهو الفزع. والعامة تقول: أرعبته، بألف، على مثال أفزعته. وقولهم للمفعول: مرعوب، يدل على أن فعله رعبت، بغير ألف، ولو كان بألف كان مفعوله مرعباً، على بناء مفعل. وإنما انفتح المستقبل منه من أجل أن ثانيه من حروف الحلق، ولولا ذلك/ لكان مكسوراً، أو مضموماً، كما شرحنا. وأما قوله: رعدت السماء، من الرعد، وبرقت، من البرق. وكذلك قوله: رعد الرجل وبرق، إذا أوعد وتهدد، قال: وقد يقال: أرعد وأبرق؛ فإن معنى الرعد معروف؛ وهو صوت الريح في السحاب؛ سمي بذلك؛ لما فيه من الرعدة. وفي الحديث: "أنه صوت ملك، يسوق السحاب، ويزجره". ومعنى البرق: الضوء اللامع، وهو البريق من كل مضيء، كالمرآة والسيف، والعقيقة، والشمس والنار، ونحو ذلك من الأشياء البراقة. يقال في كل شيء مضيء لمع، قد برَقَ وهو يبرق برقا، حتى الثريدة، إذا جعل فيها الزيت، يقال: برقتها. ومنه قولهم: برَّق عينه، إذا فتحها جداً ولمعها، فهو يبرقها تبريقاً. ومنه سمي البراق، الذي تركبه الأنبياء، صلوات الله عليهم. وكذلك كل شيء كان منه صوت شديد مرتعد، يقال منه: رَعَد وتَرَعّد، ولذلك سميت السحابة: راعدة وبارقة، وقيل في مثل لهم: "رب صلف تحت الراعدة" فهذا على ميزان فعل، بغير ألف. فإن أردت

أن شيئاً قد أظهر صوت الرعد، أو بريق البرق، أو غيره، فحقه وقياسه أن يقال: أرعد وأبرق، بألف، كما يقال: سقى وأسقى، بمعنيين مختلفين. وقد بينا ذلك في كتاب "الفرق بين فَعَل وأفْعَل". ولا يكون معنى رعد وأرعد واحداً، ولا معنى برق وأبرق واحداً، إلا أن يكون ذلك في لغتين متباينتين، ولذلك قال الكميت: أرعد وأبرق يا يزيـ ـد فما وعيدك لي بضائر/ لأنه إنما أراد: أظهر صوتاً وبريقاً، فهددني بهما وأوعدني، فلذلك صار على بناء أوعد، لأن "يزيد" الذي خاطبه رجل؛ فلا رعد فيه ولا برق. وإنما كنى بهما عن الوعيد، وشبهه بهما. وإنما الرعد والبرق للسحاب، فمن أراد في السحاب مثل هذا المعنى لم يقله إلا بالألف أيضاً، على مثال أظهر؛ إلا أن يشبه الشاعر الموعد المتهدد بالسحاب، إذا بشر بالمطر، فيستعير له مثل فعل السحاب، فيقول: رعد وبرق، وليس ذلك بمنكر، في الشعر؛ لأن الاستعارة في الكلام من مذهب الشعراء والخطباء وغيرهم، إذا أرادوا المبالغة في المعنى. وكان الأصمعي لا يجيزه من السحاب، ولا من الوعيد بالألف؛ وذلك لأن الأصمعي صاحب رواية وسماع، وليس بصاحب قياس ونظر. وكان يخطّئ الكميت في هذا البيت ولا يحتاج بشعره، من أجل أنه قروي، متأدب كاتب. وليس ذلك مما يسقط به الشاعر وقد كان المرقش كاتباً، وعدي بن زيد كاتباً متأدباً، وأمية بن أبي الصلت كاتباً عالماً، وقس بن ساعدة كذلك، وليس في أشعارهم مطعن لأحد، وكان أبو الأسود الدؤلي كاتباً أديباً عالماً، وهو أمام النحويين في النحو، وأشعاره حجج لازمة. وكان علي ابن أبي طالب- عليه السلام- كاتباً عالماً، وشعره أقوى حجة. وإنما انحرف الأصمعي عن

الكميت؛ لمذهبه، لا لأدبه. وقد روت العرب عامة في باديتها شعراً لامرئ القيس، تزعم أنه أجاب به "عمراً الحني" حين سأله أن يقول بيتاً فيه سبع عينات، وبيتاً فيه سبع قافات، فقال: فأرعد رعد الراعدات وأرعدت رواعد رعد رعدهن قصوف وأبرق برق البارقات وأبرقت بوارق [برق] برقهن خطوف فأتى بالألف في: أرعد وأبرق، وهو سيد الشعراء، ولم ينكره أحد من العرب عليه. وأما قوله: هَرِّق ماءك، فمعناه: اصبب ماءك. وقد بينا علته في أول الباب، وبينا أنه ليس من هذا الباب، إنما هو من باب أفعل، بالألف لا غير. فإن كانت الهاء قد أبدلت فيه من همزة أفعل، يقال: راق الماء، وغيره، إذا انصب، يروق رءوقاً، فهو رائق، ولا يقال ذلك إلا إذا كان صافياً خالصاً، من غيره. أرقته أنا أريقه إراقة؛ أي صببته، فأنا مريق، وهو مراق. وهو عام في كل شيء مثله، كالدمع والمطر والخمر والدم وغيره. ومنه قيل: روقت الشراب ترويقاً، إذا صفيته من كدره، وخلصته، مما خالطه، حتى يروق ويصفو. ومنه قولهم: جاء فلان رائقاً، إذا رجع من حاجته فارغاً. ومنه: رَيِّق المطر، وهو ما صفا ورقّ. وأما قوله: صرفت الصبيان، فمعناه سرحتهم من الكتاب، وكذلك صرفت الرسول والفيح؛ إذا رددته إلى موضعه، الذي جاء منه. وكذلك قوله: صرف الله عنك الأذى. والعامة تقول: أصرفت الصبيان، وأصرف الله عنك الأذى، بالألف، وهو خطأ. ويدل على ذلك أن فاعله: صارف، ومفعوله: مصروف، ومصدره: الصرف، ومستقبله: يصرف،/ بفتح الياء. وأما قوله: قلبت القوم، فمعناه كمعنى صرفتهم، أي رددتهم. وكذلك تقول: قلبت الصبيان من المكتب، فانقلبوا، كما تقول: صرفتهم فانصرفوا. وقال الله عز وجل: (وإذَا

انقَلَبُوا إلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ)، وقال [تعالى]: (فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وفَضْلٍ). والعامة تقول: أقلبت الصبيان، وأقلبت القوم، والثوب ونحو ذلك، بالألف، وهو خطأ؛ لأن فاعله قالب، ومفعوله: مقلوب، ومصدره: القلب، ومستقبله: يقلب، بفتح حرف المضارعة. ومعنى قلبت الثوب: جعلت أعلاه أسفله. وقلبته تقليباً، إذا فعلت ذلك به مراراً وفتشته، وكذلك كل شيء فعلت به ذلك. فإن أردت نقل الفعل من فاعله، إلى آخر، بالألف أو بحرف جر، جاز وتعدى حينئذ إلى مفعولين، كقولك: أقلبت المؤدب الصبيان وأصرفته إياهم؛ إذا أمرته بقلبهم وبصرفهم إلى منازلهم. وقلبت بهم وصرفت بهم، وأقلبت التاجر الثوب، إذا أمرته بقلبه، وقلب المجنون عينه، إذا رد أعلاها إلى أسفلها. قال الراجز: قالب حملاقيه قد كاد يجن ومن هذا سمي قالب الخف، وقالب التكة، وقالب الزجاج، وغير ذلك. وكل ما قلب به شيء فهو قالب، وإنمات هو مقلوب به، ولكنه جعل الفعل له على المبالغة، فقيل له قالب لذلك. وأما قوله: وقفت الدابة أقفها، فمعناه: حبست الدابة عن السير. وكذلك وقفت وقفاً للمساكين؛ / أي حبسته عليهم. وكذلك وقفت أنا؛ أي أحتبست عن الشيء أو المضي، وثبت في مكاني قائماً. واسم فاعله: واقف، ومفعوله: موقوف، ومصدر ما لا يتعدى منه: الوقوف، ومصدر المتعدي: الوقف. وقد مضى ذكر علة ذلك وقياسه. وأما قوله: مهرت المرأة، من المهر، فمعناه: جعلت لها مهراً، أو سميت لها مهراً، وهو الصداق. والعامة تقول: أمهرت المرأة، بألف، وللعرب فيه لغتان مرويتان: مهرت، على فعلت، وأمهرت، على أفعلت؛ فالذين قالوا: مهرت، على فعلت، بغير ألف،

كأنهم جاءوا به، على نكحت المرأة؛ لأن المهر من النكاح وسببه، وبه ينعقد، كما قال الأعشى: ومنكوحة غير ممهورة وأخرى يقال لها فادها فقال: ممهورة، كما قال منكوحة. والذين قالوا: أمهرت، بالألف؛ كأنهم جاءوا به على لفظ قولهم: اصدقت المرأة؛ لأن المهر هو الصداق بعينه، وكأن معنى أمهرتها: دفعت إليها مهراً، وملكتها أياه. ومعنى مهرت: سميت لها مهراً، كما كان بين سقى وأسقى فرق. وأكثر اللغتين استعمالاً بغير الف. ولذلك قالوا في مثل من أمثالهم: "كالممهورة إحدى خدمتيها"، فأتوا به على: مفعولة. ولذلك سموا الحرائر: المهيرات؛ لأنهن ينكحن بالمهور، والإماء يشترين، ولذلك سمي المُهر والمُهرة؛ لأنهما ولدا الفرس؛ فشبها بالحرائر، لفضلهما على أورد الحمير والبراذين والبغال، وقال الشاعر: وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تجللها بغل فإن نُبِحَت مهراً كريماً فبالحرى وإن يك إقراف فمن قبل الفحل وأما قوله: علفت الدابة، فمعناه: أطعمتها العلف، وهو التبن والقت ونحو ذلك. والعامة تقول: أعلفت، يشبهونه بأطعمت، وهو خطأ؛ لأن مستقبله: يعلف، بفتح الأول، ومفعوله: معلوف، وعليف. وفاعله: عالف، وعلاف. ومصدره: العلْف. واسم ما يعتلف: العلف، وجمعه: العلوفة. يقال: علفت الدابة والحمام والدجاج ونحوها، فاعتلفت. ويقال للإنسان الأكول: اعتلف فهو معتلف.

وأما قوله: زررت عليّ قميصي، فمعناه: شددت زره بعروته. وقوله: ازرر عليك قميصك، أمر بذلك، بغير ألف. والعامة تقول: ازررت القميص، بالألف، وهو خطأ؛ لأن مفعوله: مزرور، ومصدره الزر، ومستقبله بفتح حروف المضارعة، وضم الثالث، أو كسره، ولكن يجوز إذا أردت أنك جعلت للقميص أزراراً أن تقول: أزررت القميص إزراراً، فأنا مُزِرّ وهو مُزَرّ والزر والعروة معروفان؛ فلذلك لم يفسرهما. وأما قوله في الأمر: زُرَّه وزرُّه وزُرِّه، مثل مدَّ ومدُّ ومدِّ؛ فإن الفعل الثلاثي المضاعف، إذا كان ثانيه في المستقبل مضموماً، مثل يمد ويرد، فإن الأمر منه يجوز فيه ثلاث لغات: إحداها أن تقول: مد يا هذا. ورد، بفتح المدغم؛ لئلا يجتمع ساكنان، ولأن الفتح/ أخف الحركات. وأن تقول: مُدُّ ورُدُّ؛ فتضم المدغم، على ضمة ما قبله؛ لتتبع الضمة الضمة، فتكون الحركتان من جهة واحدة. وأن تقول: مُدِّ ورُدِّ؛ فتكسر المدغم؛ لأن الكسر هو حركة الساكنين إذا اجتمعا في الأصل. وهذا أضعف الأوجه الثلاثة؛ لأن المدغم ثقيل، يهرب من كسره إلى الفتح؛ إلا أن تتبع حركة حركة، فلذلك أتي في زُرَّ ثلاث لغات. ولم يكن هذا من هذا الباب في شيء، ولكنا فسرناه لذكره إياه فيه. وأما قوله: نشدتك الله أنشدك، فمعناه: سألتك بالله، أو أنا أسألك، ويدل على ذلك قولهم: نشدت الضالة، إذا سألوا عنها بغير إلف. ومستقبله: أنشد، بضم الشين. وفاعله: ناشِد. ومصدره: النِشدة، في هذا المعنى خاصة ويروي أن رجلاً نشد ضالته في مسجد رسول الله صلى الله عليه ورفع صوته فقال له النبي صلى الله عليه: "أيها الناشد، غيرك الواجد". فهذا كله يدل على أن نشدت الضالة، بغير ألف. والعامة تقول: أنشدت بالألف، وهو خطأ. إنما يجوز ذلك في إنشاد الشعر، وفي تعريف الضالة

لا في طلبها، يقال للدال عليها: أنشد وهو منشد للضافة، وكذلك إنشاد الشعر. إنما يقال فيه أنشد؛ لأنه تعريف أخبار وقصص ومعان. وأما قوله: حُش على الصيد، فعناه: اجمعه، يقال منه: قد حاشه يحوشه حوشاً، فالفعال: حائش. والمفعول به: محوش: فلذلك كان بلا ألف. والعامة تقوله بالألف: أحاشه، وهو خطأ. وأما قوله: نبذت/ النبيذ، فمعناه: اتخذته وعملته. وأصله: النبذ؛ وهو الطرح والإلقاء. ومنه قول الله عز وجل: (فَنَبَذُوهُ ورَاءَ ظُهُورِهِمْ). أي طرحوه. وقال [تعالى]: (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ). وقال أبو الأسود: نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا أي طرحته، ورميت به. وذلك أن صانع النبيذ ينبذ زبيبه أو تمره أو غيرهما في الإناء، أو القدر، وينبذ عصير ذلك: إذا طبخه أو أنقعه في وعاء به. إذا أراد اتخاذه؛ بغير ألف. ومستقبله: ينبذ، بفتح حرف المضارعة. واسم فاعله: نابذ. والمفعول: منبوذ، على وزن مفعول، ونبيذ، على وزن فعيل، مثل: مطروح وطريح. وصانعه: نباذ، كما يقال من ضرب: ضراب، ومن قتل: قتال، ولهذا قيل لولد الزانية الملقى في الطريق: منبوذ؛ لأنه ينبذ. والعامة تقول: أنبذت النبيذ، بالألف، وهو خطأ. وأما قولهم: رهنت الرهن، فعناه: أثبته عند المرتهن، ووضعته. وفيه لغتان، إحداهما بغير ألف، وهو أشهر وأكثر استعمالاً؛ والحجة فيه قولهم للمفعول: مرهون. وفي المصدر: رهن. وفي المستقبل منه: يرهن، بفتح الياء. والأخرى: أرهنته، بألف. والعامة مولعة بها؛ لا تعرف غيرها. وقولهم أقيس، وإن كان أقل استعمالاً؛ لأن الراهن المقيم، والرهن نفسه راهن، لأنه مقيم، فلا يجب أن يكون فعله وفعل من يودعه ويصنعه/

على لفظ واحد. وإنما قياسه أن/ ينقل عنه فعله إلى غيره بألف أو حرف جر، على ما بينا. ومما يقوي سقوط الألف منه قولهم: رهين ورهينة ورهائن ورهن، إلا أن القياس ما قدمنا، ويشهد له قول الشاعر: فلما خشيت أظافيره نجوت وأرهنتهم مالكا وقول الآخر: عيدية أرهنت فيها الدنانير وأما قوله: خصيت الفحل، فمعناه: سللت خصيته أو رضختها ونحو ذلك، وهو شيء معروف في الناس والبهائم. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: أخصيت الفحل، بألف، وهو خطأ. وبيان ذلك في قولهم للمفعول: مخصي وخصي. وقولهم في المضارع: يخصيه، بفتح أوله، وفي الفاعل: خاص، ولا يقال له: مخص، ولا للمفعول. وقال الشاعر: تخاله إذا مشى خصيا من طول ما قد حالف الكرسيا

وقال الفرزدق: يفيش ابن حمراء العجان كأنه خصي براذين تقاعس في الوحل فأما قوله: برئت إليك من الخصاء، فإنه مصدر على: فعال، بمنزلة ما كان من عيوب الدواب؛ كالعثار والنفاء والشماس والحران والجماح، ولذلك يتبرأ منه البائع إلى المبتاع. وفي الحديث: أنه نهى عن الخصاء. وأما قوله:/نعشته، فأنا أنعشه؛ فمعناه: رفعته من صرعته، وذلك إذا صرع ببدنه، فوقع على الأرض، أو سقط جاهه، أو ظلمه ظالم فنصرته، أو عثر فأخذت بيده أو زل في كلامه فأعنته، أو افتقرا فأغنيته أو آسيته، ففي كل ذلك قد نعشته أي رفعته، وأنت ناعشه، وهو منعوش نعشا. ومستقبل فعله: أنعشه، بفتح حرف المضارعة، وكل ذلك دليل على أن نعشته، بغير ألف. والعامة تقوله بالألف أنعشته وهو خطأ، ومنه قول الشاعر: إذا ما نغشناه على الرحل ينثني مساليه عنه من وراء ومقدم ولهذا سمي سرير الميت: نعشاً؛ لأنه يرفع عليه. وأما قوله: حرمت الرجل عطاءه، فمعناه: منعته، مأخوذ من الحرمان. يقال ذلك بغير ألف. والعامة تقول: أحرمته بألف. وقد رويت فيه لغتان؛ وأكثرهما حذف الألف. ومنه قول الله عز وجل: (لِّلسَّائِلِ والْمَحْرُومِ). فالمحروم على بناء مفعول، ولا يكون كذلك من أحرمت بالألف. والحرمان أيضاً مصدر على فِعلان. ولا يكون ذلك من أحرمت. وقد قال الشاعر للضرورة:

ونبئتُها أحرَمَتْ قومَها لتنكح في معشرٍ آخرينا هكذا الرواية. فلو قال: حرمت بغير ألف لكان البيت مستقيماً، وإن كان فيه زحاف. وأما قوله: حللت من إحرامي، فمعناه صرت حلالاً، وهو الذي خرج من إحرام الحج فحل له كل شيء. والعامة تقول فيه:/أحللت من إحرامي، بألف، كما تقول أحرمت للحج، بألف، وهي لغة مروية عن العرب، ويحتج في ذلك بقول زهير: تتركن القنان عن يمين وحزنه ومن بالقنان من محل ومحرم وقد اختلف في تفسير هذا البيت؛ فزعم قوم أن المحل الذي لا يرى للحرم حرمة، فمن قال: حللت، فإنما بناه على بناء ضده، وهو قولهم: منعت. وحجته قول الله عز وجل: (لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ ولا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)، بفتح الياء. ومن قال أحللت فعلى معنى أبحت. وأما قوله: حزنني الأمر يحزنني، فالعامة تقوله بألف: أحزنني، وهو لي محزن. ولا تكاد العرب تقول الفاعل منه: حازن. وهما لغتان معروفتان قد تداخلتا؛ ويقولون للمفعول: هو حزين ومحزون، وهو على معنى فاعل ومفعول. ولا يكادون يقولون للمفعول: مُحزَن. وزعم الخليل أنهما لغتان، وأنهم إذا أظهروا الصوت أو الأمر قالوا:

أحزنني الأمر، وأحزنني الصوت ونحو ذلك بالألف. وإذا لم يظهروا ذلك قالوا: حزنني، بغير ألف. وقال الله عز وجل: (إنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ) ومعناه: يغمني ويكربني. وأما قوله [تعالى]: (ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الحُزْنِ) فمعناه من البكاء. وقوله [تعالى]: (إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وحُزْنِي إلَى اللَّهِ) أي غمي وكربي. وحزانة الرجل: من يهتم بأمره، ويحزن له. وأما قوله: شغلني عنك أمر؛ يشغلني، فإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: أشغلني بألف، وهو خطأ؛ لأن فاعله: شاغل. ومفعوله: /مشغول. ومصدره: الشغل ومعنى الشغل معروف مستغن عن التفسير؛ وهو ما حال بينك وبين غيره وقطعه عما سواه. يقولون: شغل شاغلي، ويقولون: اشتغلت، وأنا مشتغل؛ لأن فعل المطاوعة بمعنى الانفعال، تقول: شغلته فاشتغل. والعامة تقول: اشتغلت، وأنا مشتغل، على مثال ما لم يسم فاعله، وهو خطأ. وأما قوله: شفاه الله يشفيه، فهو من الشفاء والعافية. ومعناه معروف. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: أشفاه الله، بألف، وهو خطأ. قال الله عز وجل: (ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) بفتح الياء في أوله. وفي الحديث: "اشف شفاء، لا يغادر سقما". وفيه: "أنا الراقي، والله الشافي" على مثال فاعل. وهذا يدل على أن فعله بغير ألف.

وأما قوله: غاظني الشيء يغيظني، وقد غظتني يا هذا، فهو من الغيظ، الذي يجده الإنسان في قلبه، من غضب أو موجدة أو نحو ذلك. كما قال الله عز وجل: (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ). ومعناه معروف. وفعله المستقبل: يغيظ، بفتح أوله. واسم فاعله غائظ. ومفعوله: مغيظ. وقال الله عز وجل: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ). ويُروى لطرفة: يداك يد خيرها يرتجى وأخرى لأعدائها غائظة وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: أغاظني، بألف، وهو خطأ. وأما قوله:/ نفيت رديء المتاع، ألفيه نفيا، فالنفي معروف؛ وهو تنحية الرديء عن الجيد، من كل شيء، من الدنانير والدراهم والأمتعة والدواب والناس. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: أنفيت، وهو خطأ. يدل عليه قولهم للمفعول: منفي ونَفِي. وفاعله: ناف. ومصدره: النفي. وفي الحديث: "البكر بالبكر جلد مائة ونفي عام". ويقال للرجل الدعي، المنفي: نفِي، والنفِي: ما يترشش من ماء الدلو والحبل، على ظهر المستقي. قال الراجز: كأن متنيه من النفي من طول تشرافي على الطوى مواقع الطير على الصفى فهذا كله يدل على أنه بغير ألف. والنفاية اسم لرديء المال وكل شيء. وأما قوله: زوى وجهه عني يزويه إذا قبضه، فقد فسره هو. يقال: زويته فانزوى،

كما جاء في الحديث: "إن المسجد لينزوي من النخامة، كما تنزوي الجلدة في النار". أي تتقبض وتتجمع. ومنه سميت الزاوية. والعامة تقول: أزويته، وإنما الصواب: زويته، أزويه، فأنا زاو، والمفعول: مزوي. ومنه قولهم: زوى الرجل ماله عن ورثته زيا، إذا عدل به عنهم إلى غيرهم. والفقهاء يقولون: أزوى ماله، ويسمونه: الإزواء، وهو خطأ، كأنهم غلطوا فيه؛ لقولهم: ألجأ ماله، وهو الإلجاء. وقال الأعشىى: يزيد يغض الطرف دوني كأنما زوى بين عينيه على المحاجم/ فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني، إلا وأنفك راغم وأما قوله: بردت عيني أبردها، فمعناه: كحلتها بالبرود، وهو كحل بارد، قال وكذلك يقال: برد لماء حررة جوفي. وإنما ذكرها؛ لأن العامة تقول: أبردت بالألف. والعرب لا تقوله كذلك. وهو من نوادر الكلام، الخارجة عن القياس لأنك تقول: بَرَدته أنا فبرد هو، فهما فعلان، لمعنيين مختلفين، على مثال واحد وقد بينا من ذلك ما يغني عن الإعادة. وأنشد ثعلب بيت مالك بن الريب: وعطل قلوصي في الركاب فإنها ستبرد أكباداً وتبكي بواكيا ومثله قول الراهب المكي: إذا وجدت أوار الحب في كبدي بادرت نحو سقاء القوم أبترد هذا بردت ببرد الماء ظاهره فمن لحر لدى الأحشاء يتقد

وكان قياس هذا أن يقال: برّدته بالتشديد، فبرد، أو أبردته، فبرد، أو يقال: بردته، فانبرد، ولا يقال: فبرد؛ فيسوى بين فعل الفاعل والمنفعل، وبين المتعدي وغير المتعدي، في مثال واحد. وأما قوله: هلت عليه التراب، أهيله، فمعناه: ذررت عليه التراب، أو حثوته، كما يهال على الميت في قبره، وفي ذلك قال الشاعر: هيلوا علي ديسم من برد الثرى يأبى إله الناس إلا ما ترى/ وفي الحديث عن النبي صلى الله [عليه] أنه قال: "كيلوا ولا تهيلوا" بفتح التاء وإنما ذكر هذا؛ لأن العامة تقول: أهلت التراب، بالألف، وهو خطأ؛ لأن فاعله: هائل. ومفعوله: مَهيل. ومصدره: الهيل. يقال: هلت الشيء، فانهال. فأما أهلت؛ فإذابة الشحم ونحوه. ولذلك سميت الإهالة إهالة. وأما قوله: لا يفضض الله فاك؛ فمعناه: لا يفرق الله أسنانك ولا يذهبها. يقال: فضضت جمعهم، أي فرقتهم. وقال بعضهم: واقعنا العدو ففضضناهم. ويقال: الحمد لله الذي فض خَدَمَتَهم. وقال الله عز وجل: (ولَوْ كُنتَ فَظًا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ومنه قولهم: فضضت الخاتم، أي كسرته. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: لا يفضض الله فاك، بضم الياء، وهو خطأ؛ لأن الماضي منه: فض الله، بغير ألف.

وفاعله: فاض. ومفعوله: مفضوض. ومصدره: الفض. وفي حديث يروى عن النبي صلى الله عليه أنه قال لنابغة بني جعدة، وقد أنشده شعره: لا يفضض الله فاك، قال: فيقال: إنه عمر حتى أدرك ابن الزبير، وله أكثر من مائة سنة، ولم يسقط له سن؛ لدعوى النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: ودج دابته، يدجها، فمعناه: قطع عرقها، وهو الذي يسمى: الودج. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: ودّج دابته بالتشديد، وهو خطأ، إلا أن يراد به مرة بعد أخرى، فيشدد للتكثير. وتقول العامة أيضاً في الأمر: ودِّج دابتك، وأودِجها، وهو خطأ. وإنما هو: دِج دابتك، كما يقال: زِن وعِد من الوزن والوعد. وكذلك قوله: وتَدَ يتِد، وتِدَه إنما ذكره؛ لأن العامة تقول: قد أوتد وتده بألف، / وتفتح التاء من الوَتِد وهو خطأ. وكذلك تقول في الأمر: أوتِد وَتَدَك بألف. وإنما هو: تد وتدك. والفاعل منه: واتد، على فاعل. والمفعول: موتود على مفعول. والوتد معروف، وهو عود مثل سكة الحديد، يؤتد في الحائط للثياب وغيرها، وتوتد الأوتاد حول الخيمة، فتشد إليها الأسباب. ويقال للرجل الجالس منتصباً: كأنه وَتِد واتد. وللقرن المنتصب: واتد. وكل منتصب كذلك: واتد. وأنشدوا للراجز: رأت على الماء جذيلاً واتداً ولم يكن يخلفها المواعدا وقال أبو داود: بكرت له أذن توجس حرة وأحم واتد والوتد: أصله بالتاء والكسرة، كما ذكر ثعلب، إلا أن من العرب من يقول: الود، طلباً للتخفيف؛ وذلك أنهم أسكنوا التاء، كما يسكنون الثاني من مثل: فخذ وكبد، ثم قلبوا التاء دالاً، لتقارب مخرجيهما، فادّغموا أحدهما في الآخر، فقالوا: ود، ولو حولوا

الكسرة من التاء إلى الواو كما حولوها في كبد وفخذ فقالوا: وِدّ، لكان قياساً، ولكن لم يفعلوا ذلك، لاجتماع التشديد والواو والكسرة، وأنشدنا محمد بن يزيد لعبد الرحمن بن حسان: وكنت أذل من وتد بقاع يشجج رأسه بالفهر واج وأما قوله: جهد دابته يجهدها؛ إذا حمل عليها يعني في السير أو الحمل أو/ غير ذلك، فإنما معناه: بلغ منها الجهد، وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: أجهد دابته، بالآلف، وهو خطأ، لا يجوز بالألف. ألا ترى أن فاعله: جاهد، ومفعوله: مجهود. ومصدره: الجهد والمجهود، وأنشدنا عن الخليل: القلب منها مستريح سالم والقلب مني جاهد مجهود وأما قوله: فرضت له أفرض فمعناه: أثبت له فرضاً ورسمت له رسما في الديوان، أي جعلت له عطاء، وكذلك فرضت من فرض المواريث؛ إذا بينت له ما يصيبه، أو يصيب كل واحد من الورثة. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: أفرضت له، بألف، وهو خطأ؛ لأن مفعوله: مفروض، وفاعله: فارض، ومصدره: الفرض، قال الله عز وجل: (نَصِيبًا مَّفْرُوضًا)، وقال تبارك وتعالى: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وفَرَضْنَاهَا) بغير ألف. وأما قوله: صدت الصيد أصيده، فمعروف المعنى، أي أخذت الصيد. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: أصدت، بألف، وهو خطأ؛ لأن فاعله: صائد، ومفعوله: مصيد، ومصدره: الصيد. إلا أن تريد أنك وكلت رجلاً بالصيد، أو علمت كلباً، أو غيره الصيد، فتنقل الفعل إليه بالألف، وتعديه إلى مفعولين، فتقول: أصدته الوحش ونحو ذلك. فهذا آخر الباب الثالث.

تصحيح الباب الرابع وهو باب فعل بضم الفاء

تصحيح الباب الرابع وهو باب فُعل بضم الفاء اعلم أن هذا الباب، إنما هو للفعل الذي يحدث به من المفعول، الذي لا يسمى/ فاعله ولا يكون إلا مضموم الأول في ماضيه ومستقبله، ثلاثيه ورباعيه، فمنه ما هو على بناء فُعِل مخففاً، ومنه ما هو على بناء فُعِّل مشددا، ومنه على أُفعِل بألف. ومنه على افتُعل، وفُوعِل، وتُفُوعل، واستفعِل، وفُعْلِل، ونحو ذلك. ولم يترجم ثعلب هذا الباب إلى بفُعِل، بضم الفاء وحده، وقد أتى معه بغير فُعِل. وكان يجب أن يترجمه بباب ما كان بمعنى فُعِل؛ ليستوعب جميع الباب، وما تقدم من الأفعال في الأبواب الماضية، يَدْخل كله إذا لم يسم فاعله في هذا الباب. وهذا الباب يكون الثاني من ماضيه إذا كان ثلاثياً مكسوراً، ليكون مخالفاً لأبنية الأفعال الماضية التي قدمنا شرحها، مما كسر أو ضم أو فتح ثانيه في الماضي. ويكون الثالث الذي كان في الماضي مكسوراً مفتوحاً في مستقبله، وهو عين الفعل. ويستوي في ذلك المتعدي وغير المتعدي وفعل المطاوعة وغيرها، إلا أن يكون فيه حرف علة، فيغير بناؤه بالاعتلال، وذلك نحو قولهم: ضُرِب وهو يُضرَب، وجُلس عند ويُجلَس غدا، وإنما قصد لذكر ما تغلط فيه العامة من هذا الباب؛ فتفتح أوله على مثال ما قد سمي فاعله وتجريه مجراه؛ ليبين الصواب من الخطأ فيه. وفيه ما يجوز فيه الوجهان، وإن كان أحدهما أكثر استعمالاً، فهو يختار الأكثر، فمن ذلك قولهم: عُنيت بحاجتك بضم العين وكسر النون؛ لأن التاء علامة مفعول لم يسم فاعله، وإنما الفاعل الحاجة أو المودة، وهي التي عنتك، تقول عنتني حاجتك، وعناني أمرك وعنتني مودتك،/ لأنك قد سميت الآن الفاعل. وقد عنيت بأمرك وبحاجتك، فأنت معني بها، لأنك مفعول للأمر أو الحاجة، واسمك معني من العناية، وكان أصله أن يقال معنوي على مثال مفعول، ولكن الواو والياء إذا اجتمعا والأول منهما ساكن، جعلا جميعا ياءين، وادُّغما، استثقالا لاجتماعهما، فلذلك قيل: مَعيِيّ وكسرت النون، التي كانت مضمومة قبل واو مفعول، لما صارت الواو ياء، لأن الضمة لا تكون قبل ياء ساكنة.

وقد حكي عن بعض العرب: عَنيت بحاجتك، بفتح العين، على مثال فَعِلتُ، فأنا أَعْنَى، بمعنى الانفعال والمطاوعة، لأن فَعِلت من أبنية المطاوعة، فمن كانت هذه لغته جاز أن يقول في الأمر: لتَعنَ بحاجتي، بفتح التاء أيضاً، وهو قليل في كلام الفصحاء؛ فلذلك لم يختره ولم يذكره. وأما الرباعي من هذا الباب، فإن الحرف الثالث من ماضيه هو المكسور، والرابع من مستقبله هو المفتوح، وهما عين الفعل، ولكن لما لحقت أوائلهما الزيادة، وهي في همزة النقل تأخرت العين عن مكانها، فمن ذلك قولهم: أُولِعت بالشيء؛ لأنه من باب أفعلت وليس من باب فعلت، فعين الفعل ثالثة الألف الزائدة في الماضي، ورابعة في المستقبل، وإن كان قد حُذف الألف من أفعل من المستقبل، فصار عين الفعل كأنه فيه أيضاً ثالث؛ لأن الأصل في قولهم: أنا أُولَع: أنا أُأَوْلَعُ، بهمزتين مثل قولك في الرباعي الأصلي: أنا أُدحرَج. وقولك: أُولعت بالشيء، أي فُعِلت فأنت مفعول والفعل بك غيرك، كقولك: أولعني الله به، فأنا أولع به، واسمك مولع،/ بفتح اللام، والفاعل مولع، بكسرها، وقد حكي عن بعض العرب: ولعت، بغير ألف مكسورة العين من الفعل على معنى الانفعال والمطاوعة، كأنه قال أولعني الله فولعت. وليس فعل متعد إلا وله فعل مطاوعة، غير متعد؛ إما على انفعل وإما على افتعل أو تفعل أو فَعِل، وهو القياس، وإن قل استعمال بعض ذلك، أو لم يسمع، وليس كل مستعمل مسموعا مرويا. وإنما قال أهل العربية: لا يقال ولعت وهو الوقع، فهذا يقوي ما بينا من القياس. والعامة لا تقول إلا ولعت، كأنهم قد أولعوا بمخالفة الفصحاء، إما استثقالا لكلمهم، وإما عجزا عن النطق به، وجهلا بتصريفه، وعامة أهل اللغة يزعمون أن هذا الباب لا يكون إلا مضموم الأول، ولم يقولوا

إنه إذا سمي فاعله جاز بغير الضم، وهذا غلط منهم؛ لأن الأفعال كلها مفتوحة الأوائل في الماضي فإذا لم يسم فاعلها فهي كلها مضمومة الأوائل، ولم يخص بذلك بعضها دون بعض. وقد بينا ذلك بعلله وقياسه؛ ليستغني بمعرفته القياس عن تقليد "ثعلب" وغيره. وأما قوله: غبن غبناً، فليس من هذا الباب؛ لأنه فعل قد سمي فاعله وهو من باب فعلت، بكسر العين وفتح الفاء. ولو قيل منه: قد غبن اليوم غبن شديد بالضم لجاز على ما شرحنا. وإنما ذكره في هذا الباب؛ لأن الاشتقاق في الغبن الساكن والغبن المفتوح واحد؛ لاشتراكهما/ في الحروف، إلا أنت بين مثالي الفعلين فرقا؛ فبين ذلك، واعترض به في الباب، ولافتراق مثال الفعلين فيهما كان م صدر أحدهما مفتوح الأوسط ومصدر الآخر ساكن الأوسط، وأحد الفعلين متعدياً، والآخر غير متعد، بل هو كالانفعال. وكذلك ذكره أديربي، وهو بمنزلة أولعت بالشيء، وهو من باب أفعلت رباعي، وليس من الثلاثي. وإنما ذكره لأنه مما لم يسم فاعله أيضا؛ فماضيه بكسر العين من الفعل في الثلاثي والرباعي. وأهل اللغة أو عامتهم يزعمون أن فعل وأفعل بهمزة وبغير همزة، قد يجيئان بمعنى واحد. وأن قولهم: ديربي، وأديربي من ذلك، وهو قول فاسد في القياس والعقل، مخالف للحكمة والصواب. ولا يجب أن يكون لفظان مختلفان لمعنى واحد، إلا أن يجيء أحدهما في لغة قوم، والآخر في لغة غيرهم، كما يجيء في لغة العرب والعجم، أو في لغة رومية، ولغة هندية. وقد ذكر ثعلب أن أدير بي لغة، فأصاب بذلك، وخالف من يزعم أن فعلت وأفعلت بمعنى واحد. والأصل في هذا: قد درت، ودار رأسي، وهذا الفعل اللازم، ثم ينقل إما بالباء، وإما بالألف فيقال: قد ديربي، وأدرت، فهذا القياس، ثم جيء بالباء مع الألف فقيل: قد أدير بي، كما قيل: قد أسري بي، على لغة من قال أسرى في معنى سرى، لأن إدخال الألف في أول الفعل، والباء في آخره للنقل خطأ، إلا أن يكون قد نقل مرتين؛ إحداهما بالألف، والأخرى بالباء. وأما قوله في هذا الباب: ومن العاقر عقرت، بفتح/ العين، وضم القاف، فليس من هذا الباب. وكان يجب ألا يدخله فيه، ولكنه اعترض به؛ لأن العاقر بمعنى العقيم، وهو مما سمي فاعله، فلا معنى لذكره فيما لم يسم فاعله. وإنما هو من باب انفتح أوله،

وانضم ثانيه من الأفعال الماضية، وهو باب لم يذكره مؤلف كتاب "الفصيح" ولم يفرده، وقد كان يجب ألا يخلي الكتاب منه؛ لأنه باب يكثر استعماله في الكلام. والعامة والخاصة يغلطون في كثير منه؛ وهو باب المبالغة في المدح والذم، نحو: ظَرُف وكرُم، يظرُف ويكرُم، مما ينضم عين الفعل في ماضيه ومستقبله جميعاً، وينفتح أولهما. ولا يكون اسم فاعله أبدا إلى على فعيل، ولا يتعدى إلى مفعول. وقد جاء العاقر على فاعل، وكان قياسه أن يقال: عقير. ومثله قولهم: حمض الشيء يحمض، وجاء منه حامض، وقياسه: حميض. فما كان من هذا محكياً عن فصحاء العرب، فإنما جاء منه فاعل على جهة النسب، كما جاء: رامح ونابل وناشب، لا على الفعل. وما لم يسمع فيه فاعل من العرب الفصحاء، فهو من خطأ العامة. وقد قالت العرب: مكث يمكث، بضم العين من الماضي والمستقبل، وقالوا في فاعله: مكث على القياس. فإذا فتحوا الماضي فقالوا: مكث، قالوا في فاعله: ماكث، كما يقال: عالم وعليم؛ أحدهما على الفعل المعتاد، والآخر على المبالغة. والعامة لا تعرف هذا، فهي تأتي بفعل المبالغة مع فاعل في عامة هذا الباب، وأكثر ما يتكلم العرب: حمض، بالفتح، لاستعمالهم الفاعل منه على: حامض. وأما قوله: أُهِلَّ/ الهلال، فاستهل، فإن العامة تقول فيه: هل الهلال؛ فيجعلون الفعل للهلال، ويعنون به: طلع. وأما العرب فإنما يقولون: أهل؛ لأنهم يعنون به: أُطلع، أو رُئي. وإنما يريدون أن الناس أهلوا الهلال، أي أهلوا لما رأوه، أي رفعوا أصواتهم، كما يقال: أهللنا بالحج، أي رفعنا أصواتنا بالتلبية. وكذلك يقولون: استهل؛ لأنهم يعنون أنهم استهلوا، حين رأوه، من رفع الصوت، كما يقال: استهل المولود، إذا رفع صوته بالبكاء، ولا يعنون أنتهم استطلعوا الهلال، وإنما هو استفعال من الهلال، كقول ابن أحمر:

يهل بالفرقد ركبانها كما أهل الراكب المعتمر ويروى في شعر لأهل الجاهلية في وقعة بدر: لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تسل وكان يجب أن يقال: أهللنا بالهلال، وقد أُهِل بالهلال، فيعدى إليه الفعل بالباء؛ لأنه فعل غير متعد بنفسه، ولكن حذفوا الباء لكثرة هذا الكلام تخفيفاً، وعدي الفعل بنفسه، كما قيل: سميته زيداً، أي بزيد. والذي تقوله العامة قد يجوز في القياس؛ لأن العرب تقول في الدقة والتقويس: قد هلل البعير، من كثرة السفر والعمل، ويقولون من الإشراق والغُئُور: قد تهلل وجهه، إلا أن كلام العرب في الهلال، على معنى رفع الصوت له، ولا صنع للهلال في ذلك، ولكنه لم يسم هلالاً إلا لمعنى فيه، فلو استخرج له اشتقاق من نفسه، لم يكن إلى على/فعل، أو فعل بالتشديد، أو أفعل، بالألف، أو تفعل ونحو ذلك. ولم يستعمل العرب ذلك فيه، فلذلك جعل قول العامة خطأ. ويجوز أن يكون معنى قولهم: أهل الهلال، كمعنى قيل الهلال أو صيح الهلال، كقولك: ليحق الحق، ويبطل الباطل؛ فلذلك صار مفعولاً لم يسم فاعله. وقولهم: أهللنا الهلال بمعنى قلنا الهلال؛ لأن الهلال اسم يتكلم به ويقال، كما يقال: أحققنا الحق، وأبطلنا الباطل، كما يقال: قلنا الحق، وقيل الحق، فعلى هذا المعنى تعدى، فأما أهللناه بالحج، وأهل الصبي، ونحو ذلك فلا يتعدى. وأما قوله: شُدِهت، وأنا مشدوه؛ أي شغلت، فليس شدهت عندنا بمعنى شغلت كما ذكر، ولكنه شبيه بقوله: دهشت، يتقارب معنياهما لتقارب لفظيهما، لا لانقلاب أحدهما من الآخر، كما جعله قوم من اللغويين من باب المقلوب، ولو كان معناه شغلت كما فسروا، لما جاز لهم أن يدعوا فيه القلب، كما ادعوا ذلك في "جذب وجبذ" لاشتباههما في المعنى واللفظ، لأن شدهت ليس بمعنى شغلت، وقد قال الشاعر:

شدهت وبيت الله إذ جاء نعيه فهذا لا يكون شغلا، إنما يكون تحيراً ودهشاً وغماً، ونحو ذلك. وأما قوله: ثلج بخبر أتاه يثلج به؛ فهو من باب ما كسر ثاني ماضيه، وإنما اعترض به في هذا الباب اعتراضاً؛ لأن لفظه ولفظ "ثلج فؤاده" مشتقان من معنى واحد؛ لأن الأصل فيه أن يقال: ثلجت فؤاده بالخبر، فثلج به، أي بردته فبرد،/ فأنت فاعل، وهو منفعل، فإذا لم يسم فاعله قيل: ثلج فؤاده على هذا الباب، فلو جعلت فؤاده هو المنفعل فقلت: ثلج فؤاده بالخبر، كما تقول: ثلج هو بالخبر، لكان صواباً أيضاً. وأما قوله: نفست عليك، فإنا أيضاً ليس من هذا الباب، وقد اعترض به، ولكن اشتقاقه واشتقاق "نُفِست المرأة" من فعل واحد، وإن كان أحدهما قد سمي فاعله، والآخر لم يسم فاعله، فاشتبه لفظهما، وإن اختلف في غير ذلك معنياهما. وأما قوله: وإذا أمرت من هذا الباب كله كان باللام كقولك: لتعن بحاجتي، فإنما أراد أنك إنما تأمر غائباً بالعناية، ولست تأمر المخاطب، فتستغني بخطابه ومواجهته، عن حرف المضارعة، وحرف الأمر، كما تستغني في المواجهة والمأمور عن ذلك. وإنما تأمر الفاعل الذي لم تسمه، فهو غائب، والغائب غير مواجه، ولا مخاطب، فلا يستغنى عن حرف المضارعة، الدال عليه، وعن حرف الأمر، المفرق بين الأمر والخبر، كقولك في الأمر للمواجه: اذهب، واقعد، وللغائب: ليذهب، وليقعد، فلما كان المخاطب في هذا الباب مفعولاً، وفاعله غير مواجه بالأمر، ولا مذكور مع الفعل، جعل في فعله حرف الأمر. وقد يؤتى بهذا اللام في أمر المواجه أيضاً؛ لأن فاعله مسمى معه، وهو الأصل، كما يؤتى بلا النهي كما قال الله عز وجل: (فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) لأن التاء حرف الخطاب، وهي تدل على الفاعل المضمر في الفعل، وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه. فأما قوله: لتعن بحاجتي، فإن الأصل فيه: تعنى؛ بألف، على/ لفظ الخبر؛ لأنه فعل مستقبل، لم يسم فاعله، والتاء في قوله للمخطاب، لا للفاعل؛ لأن فاعله غير مسمى،

فلما دخلت عليه اللام للأمر، لحقه الجزم، فسقطت الألف، كما تسقط الحركة من الحرف الصحيح للجزم، وبقيت النون على فتحتها، ما دامت في الوصل، فإن وقف عليها ألحقت بها هاء الوقف، فقيل: لتعنه. والعامة تقول: اعن بحاجتي، كما تقول: ارض عني، فتجعل الفعل للمخاطب، وتضمر الفاعل في الفعل، على لغة من يقول: عنيت بالحاجة، وهي لغة ضعيفة وقد بينا ذلك في أول الباب. وأما قوله: لتوضع في تجارتك، فليس في آخره حرف علة، فسكون العين علامة جزمه، وفاعله غير مسمى، والمخاطب غير مأمور، وتفسيره تفسير ما قبله. وقوله: لتزه علينا مثل قوله لتعن. وأصله أيضاً تُزْهَى، فذهبت الألف، بدلاً من ذهاب الحركة للجزم. ولو سميت فاعله لقلت: زاهاه المال، وزهاه الكبر، ونحو ذلك؛ ففتحت أوله. وإذا أمرت الفاعل قلت: لتزه فلانا علينا أيها العلم، وأيها المال. وإنما تضم أوله، إذا كان مفعولاً لم يسم فاعله. وهكذا جميع هذا الباب؛ لأن لكل مفعول فاعلاً، ولا يكون مفعول بغير فاعل، فهذا علل هذا المثال من الفعل في هذا الباب. * * * وأما تفسير غريبه ومعانيه، فإنا نقول: إن قوله: عنيت بحاجتك، معناه جعلت لي بها عناية، وصار بي حرص عليها. والعناية مصدر هذا اللفظ، فرق بينه وبين العناء، الذي هو التعب؛ لأنه أيضاً مصدر فعل/ من لفظه، وكلاهما يئولان إلى التعب والجهد والاهتمام؛ فلذلك فرق بين المصدرين منهما، وكان أحدهما تعباً للبدن، والأخر تعبا للنفس والقلب. وقيل في أحدهما: أعنيت وتعنيت، وفي الآخر عنيت. وأما قوله: أولعت بالأمر، فمعناه كمعنى: ألهجت به، وأغريت فغريت ولهجت، وعلى مثالهما قيل: ولعت ولعاً، لاتفاق معانيها كما تقول العامة، والفاعل من أولعت مولع، والمفعول مولع، بفتح اللام، كما قال الشاعر، وهو عنترة:

حرق الجناح كأن لحيى رأسه جلمان بالأخبار هش مولع ومصدره الإيلاع. وقد يقال الولوع، بفتح الواو، والقياس بضمها، وهو مثل الولع، كما يقال: الوقود، والوضوء. وأما قوله وثئت يده، فهي موثوءة، فإن معناه أن ينثني مفصل الرجل من عثرة أو غيرها، ومفصل اليد من جذبة أو غيرها، فيزول عن موضعه من غير كسر، ولا انخلاع، وهو مهموز، وهو فعل لم يسم فاعله، ولو سمي لفتح أوله فقيل: وثأها كذا وكذا؛ إما السقوط أو الكسر أو اللي، أو غير ذلك، ومستقبله يثأ وثئاً، وفاعله واثئ، وإذا لم يسم فاعله فإن مستقبله تُوثَأ وثئا، فهي موثوءة. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: وثيت، بفتح الواو، ولا تهمز، فتجعل الفعل لليد والرجل، على فعل، بكسر العين، على مثال المطاوعة والانفعال؛ لأنه بمعنى وجعت توجع. وتقول في مستقبله: تَوثَأ، وهي وثئة، وهو عند أهل اللغة خطأ. وأما قوله: شغلت عنك، وشغلني/ كذا، فمعناه معروف، ومنه قول الله عز وجل: (إنَّ أَصْحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ). يقال في مصدره: شغل؛ بضمتين، وشَغَل بفتحتين، وشُغْل وشَغْل، بضم الأول لا غير، وبفتح الأول لا غير. وتقول شغله عنا أمر، فهو مشغول. وقد قالوا: هو "أشغل من ذات النحيين، وهي مفعولة؛

لأنها شغلت. وقل ما يقال؛ هو أفعل من كذا من فعل المفعول، إنما أكثر الكلام أن يقال ذلك من فعل الفاعل، والفاعل غير من هو في شغل، وإنما فعل المشغول بالزوائد، وهو على افتعل، فلا يقال منه أفعل من كذا. وكل ما منع الإنسان؛ من عمل، أو حديث، أو لهو، أو لعب، أو غم، فهو شغل شاغل له من غيره. والشغل يكون للبدن وللنفس. والشغل ضد الفراغ. يقال أنت فارغ فأنت مشغول. وكل واحد ضد الآخر. ومنه قولهم: فلان فارغ مشغول؛ أي هو متعلق بما لا ينتفع به، ولا يحتاج إليه، فهو مع شغله فارغ، مما يحتاج إليه. ويقال: دار مشغولة؛ أي فيها ساكن. وجارية مشغولة، أي لها بعل. ومال مشغول، أي معلق بتجارة. وكل هذا ضد الفارغ. وأم قول العامة: أُشغلت عنك، وأشغلني عنك كذا فخطأ، وقد شرحناه. وأما قوله: طل دمه، فهو مطلول، فإن معناه أهدر دمه، أي أبطل، وأذهب بغير حق، بلا قود ولا دية، وكذلك قول الشاعر: إن بالجزع الذي دون سلع لقتيلا دمه ما يطل أي لا يبطل، ولكنه يثأر به، وقال السموءل بن عادياء اليهودي:/ وما مات منا ميت حتف أنفه ولا طل منا حيث كان قتيل يقال طل القتيل نفسه، وطل دمه، أي بطل. وقد طلله قاتله، أي أبطله لهو طال للدم، والدم مطلول. والعامة تقول: أطل دمه بألف. وزعم أهل اللغة أن القولين جميعاً جائزان، بمعنى واحد، وقد بينا الصحيح من ذلك بحججه في كتاب "فعل وأفعل". وقالوا أيضا: طل الدم نفسه، أي بطل، وطله غيره أيضا، على نحو قولهم: جبرته

فجبر، بلفظ واحد، للازم والمتعدي، والفاعل والمفعول. وقدمنا في ذلك ما يغني عن إعادته بعلله وقياسه. وأما قوله: أهدر دمه، فهو مهدر، فمعناه طل وأبطل دمه؛ إلا أن بين طل وأهدر فرقا؛ وهو أن الإهدار، إنما هو الإباحة من سلطان أو غيره، ولدم إنسان؛ ليقتل بغير مخافة من قود، أو دية، أو طلب به. وقد هدر الدم نفسه، فهو هادر. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول فيه: هدر دمه، بغير ألف، مضموم الهاء، وهو خطأ. وكأنه مأخوذ من قولهم: هدر الشيء إذا غلا وفار. وكذلك هدير الحمامة؛ وهو ما دام ولج من صوته، بمنزلة غليان القدر أيضا. وكذلك المستقيل من الناس، قد هدر دمه. وكذلك يقال له: يغلي دمه. وأما قوله: وقص الرجل، إذا سقط عن دابته، فاندقت عنقه؛ فقد فسره هو بسقوطه، واندقاق عنقه. وهو فعل لم يسم فاعله. ولو سمي لقيل فيه: وقصته، ووقصت به الدابة. وقد جاء في الحديث "أن رجلاً وقصت به دابته، أو راحلته في أخاقيق جرذان"، فالمعنى/ أنها عثرت وسقطت به فوقص، وهو أن تندق رقبته، فتدخل في فقار ظهره؛ فتقصر، فيصير بمنزلة الأوقص، وهو القصير الرقبة، من غير سقوط، ولكن خلقة. يقال: وقص به يوقص وقصا. وإنما ذكره؛ لتفرق بين فعل الموقوص به، وبين فعل الأوقص؛ وذلك أن الأوقص يقال له: فعل يفعل ففعلاً؛ لأنه بمعنى الانفعال، كنظائره، مثل قولهم: زمن يزمن زمناً، وعرج يعرج عرجا، وأشباه ذلك، وهذا الآخر فعل لم يسم فاعله، وإنما هو منسوب إلى المفعول، بضم الأول، على مثال فعل يفعل فعلا؛ لأن العامة تضع أحدهما في موضع الآخر. وأما قوله: وضع الرجل في البيع، يوضع، فمعناه أن يخسر من رأس المال، وهو من

الوضيعة؛ وهي نقصان رأس المال، كأن التجارة وضعت من رأس ماله، فجعل الفعل له فقيل: وضع الرجل، على الاتساع والاختصار. وإنما وضع من ماله. وإذا ربح وزاد ماله، فقد رفع ماله، وإذا خسر ونقص ماله، فقد وضع، لأن الوضع ضد الرفع. يقال: ارتفع الشيء إذا زاد. واتضع إذا نقص. ومنه قيل للساقط القدر من الناس: وضيع. وكل شيء قلت قيمته وقدره، فهو وضيع. ومنه يقال: اتضع بعد الارتفاع. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: وضعت في البيع، بفتح الأول، كما يقولون: خسرت؛ لأنه في معناه؛ فيجعلون الفعل للمتكلم، وإنما هو لفاعل غير مسمى. والمتكلم مفعول للتجارة، والتجارة هي الواضعة من رأس المال. وقال بعض الأعراب و [قد] أمرته امرأته بالتجارة، فازدحم عليه الناس في السوق، وذهب بعض متاعه وخسر، فقال:/ قد أمرتني امرأتي بالسمسره فكان ما أصبت وسط الغثيرة وفي الزحام أن وضعت عشرة وكذلك قوله: وكس الرجل يوكس في البيع، معناه نقص. والوكس النقصان، يقال: طلب مني بوَكْسٍ، من رأس المال، ووكستني أيها المشتري، تكسني، وكساً، فأنا موكوس، وقد وكست. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: أوكست، بألف، وقد أوكستني، وهما خطأ. وكذلك قوله: غبن الرجل في البيع غبنا، فمعناه خدع خدعا، وهو مغبون مخدوع. وفاعله: غابن، مثل الخادع، وهو الذي غبنه، وهو بغير ألف، وأوله مضموم؛ لأنه مفعول لم يسم فاعله، فإن جعلته فاعلاً قلت: غبن يغبن غبنا، وهو فعل لازم، غير متعد؛ لأنه انفعال ومطاوعة، ولذلك قال: ويقول: غبن رأيه يغبن غبناً، أي غبن في رأيه، والمعنيان

من أصل واحد، إلا أنهم خصوا الفعل الذي للرأي ببناء فعل المنفعل، والذي للبيع ببناء فعل المفعول، للفرق بين المعاني. ألا تراهم قالوا: إنه لغبين الرأي، وإنه لمغبون في البيع، وقالوا في المعنيين جميعاً: تغابن له؛ أي تغافل، حتى غبن. ومن هذا قول الله عز وجل: (يَوْمُ التَّغَابُنِ)؛ لأن الظالم فيه، هو الخاسر المغبون، والمظلوم المغبون، هو الرابح الفائز، يتحول فيه الغابن مغبونا، والمغبون غابنا. وأما قوله: هزلت الدابة، وهزل الرجل، بضم الهاء، فمعناه معروف وهو النحول في الجسم، والدقة من ضر أو مرض، أو غم أو تعب. وإنما ذكره؛ لأن العامة/ تقول: هَزُلَتْ، بفتح أوله، وبضم ثانيه، فتجعل الفعل للرجل، وإنما هو مفعول لم يسم فاعله، وليس له فعل، والدليل على ذلك قولهم: هو مهزول، على بناء مفعول، ولا يقال له هازل، وإنما الهازل الشيء الذي صيره مهزولاً. يقول: هزله الجدب وهزله المرض، وهزله الكد والسفر هزالا. وأما قوله: نكب الرجل، فهو منكوب، فمعناه أن يصيب حجر، أو نبكة ناتئة، أو خشبة، أو نحو ذلك، إصبعا له، أو ظفرا، فيعنته، منكوبا ونكيبا، وقال لبيد: وتصك المرو لما هجرت بنكيب معر دامي الأظل

وقد يستعار، فيقال للذي أصابته جائحة، أو حادثة من حوادث الدهر: قد نكب، فهو منكوب، لأنه مفعول لم يسم فاعله، وإذا سمي الفاعل قيل نكبه الحجر، ونكبه الدهر، ونحو ذلك، ينكبه نكبا، والأصل فيه النكوب عن الشيء. وذلك أن يمشي الرجل جانباً، عن الجادة، مائلا عن الطريق، فيصيبه ذلك فيقال: قد نكب عن الطريق ينكب نكوباً. ومنه قول الله عز وجل: (عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ). وقد تنكبت الشيء أتنكبه، إذا اجتنبته. ومنه قيل: تنكب الرجل قوسه، إذا جعله على جانبه الأيسر، وهو منكبه والمنكب أيضاً سمي بذلك؛ لأنه جانب عن الوسط. وكذلك مناكب الأرض جوانبها في قول الله عز وجل: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) ويقال: جبالها. وكل منحرف عن الاعتدال ناكب. وأما قوله: وقد حلبت ناقتك وشاتك، فهي تحلب لبنا، فمعناه معروف وهو أن يستخرج/ من الضرع ونحوه، ما فيه من اللبن، بالكف والأصابع، ونحو ذلك وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: كم حلبت ناقتك، بفتح الأول، فيجعلون الفعل للناقة والشاة، وهو خطأ؛ لأنهما لا يحلبان، وإنما يحلبهما الراعي أو صاحبهما، الذي يستخرج ما في ضروعهما من اللبن، فهو الحالب. وفعله حلب، بفتح الحاء. والناقة محلوبة، فهي تحلب، بضم التاء. وحلبت، بضم الحاء. فإن جعلت الفعل للناقة أو الشاة، أدخلت في أوله الألف. فقلت: كم أحلبت ناقتك، أو شاتك؛ أي كم بلغ حلبها ولبنها، وحلوبة القوم الشاة التي يحلبونها، لا تباع ولا تذبح، وهي شاة حلوب؛ أي كثيرة اللبن. وأما قوله: رهصت الدابة، فهي مرهوصة، ورهيص، فمعناه أن تصيبها الرهصة، وهي ما ينزل في رسغها، فيبزغ ويستخرج ويداوى. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: رهصت الدابة، بفتح الراء، وتجعل الفعل للدابة، وإنما الفعل للداء، وهو ذلك الماء.

ولكن الفاعل لم يسم، ولو سمي مع فعله لقيل: رهص الداء الدابة، فهو راهص، وهي مرهوصة. وأما قوله: نتجت الناقة، تنتج، ونتجها أهلها فمعناه وُلِّدت، وقيم عليها حتى ولدت، وهو بضم الأول؛ لأنه لمفعول، لم يسم فاعله. فإذا سميت الفاعل، فتحت أول الفعل، فقلت: نتجها أهلها، والناتج في الناقة بمنزلة القابلة للمرأة، فتقول: نتجت ناقتي، وقبلت القابلة المرأة. فإذا لم تسم الفاعل فيها ضممت فقلت: نتجت الناقة، وقبلت المرأة، ومنه قو الحارث بن حلزة: لا تكسع الشول بأغبارها إنك لا تدري من الناتج واصبب لأضيافك ألبانها فإن شر اللبن الوالج وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: قد أنتجت ناقتي، بالألف، وقد أنتجت الناقة، ونتجت هي، وهو كله خطأ. وإنما يقال: قد أنتجت الناقة، إذا دنا وضعها ونتاجها، فهي منتنج. وقد يستعار هذا الكلام في غير الناقة فيقال: هذا الرأي لا ينتج، وهذه المقدمة لا تنتج نتيجة صادقة، أي لا تكون لها عاقبة، ولا فرع محمود. وأما قوله: عُقِمت المرأة، إذا لم تحمل، وهي عقيم؛ فإن الخليل ذكر أن العقم هزمة تقع في الرحم، فتمنعها من الحمل، فيقال: عُقِمْت الرحم، تعقم، فهي معقومة وعقيم، وكذلك المرأة نفسها، يقال لها: عقمت تعقم، فهي معقومة وعقيم فهما مفعولتان، لم يسم فاعلهما، والفاعل هو الداء، الذي وصفه الخليل، وهو الهزمة، أو شيء أصابها. وقد سموا

الريح التي تهلك كل شيء، ولا تلقح الشجر العقيم أيضاً وإنما ذكر هذا؛ لأن العامة تقول: عَقُمِتْ المرأة، فيجعلون الفعل لها. وقد حكى أهل اللغة أنه قد يقال: عقمت المرأة، بفتح الأول وضم الثاني. وعقمت أيضاً، بفتح الأول، وكسر الثاني، فهي لغات، والأولى أجود، وأفصح وأكثر استعمالا، وليس شيء منها بخطأ. وفي حديث: "وتعقم أصلاب الرجال" فجاء ذلك في الرجال، وفي أصلابهم، كما جاء في النساء وأرحامهن، وقال الشاعر، يصف ناقة: معقومة أو غارز جدود فهذا حجة لمن قال: عُقِمت، بضم الأول؛ لأن معقومة مفعولة. وقال/ الشاعر، وهو أبو دهبل الجمحي: عقم النساء، فلا يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم والمعاقم معاقد الأوصال، من اليدين والرجلين، وجميع الجسد يقال إنه لصلب المعاقم، والواحد معقم. ومن هذا أخذ العقيم. وأما قوله: ومن العاقر عَقُرتْ، بفتح العين، وضم القاف، فهذا معناه من العقر، وجاء الفعل لها على بناء كرم وظرف؛ لأنه لازم غير مجاوز كالانفعالات، وهو بناء فعل المبالغة، أي صارت ذات عقر، والعقر معروف. وليس قولهم لها عاقر مما ينكر؛ لأنه قد يجيء ذلك على نية النسب لا على طلب الفعل وحذفه، وقد قدمنا شرح هذا. على أن "الخليل" قد ذكر عن العرب: عقرت المرأة، بضم العين، وكسر القاف أيضاً، وعقرت، بفتح العين وكسر القاف، واختار ضم العين، واحتج في ذلك بأن هذا الفعل ليس من

المرأة نفسها، وإنما هو شيء ينزل بها من غيرها. فاستدل بهذا على أن عقرت فعل مفعول لم يسم فاعله، قفولهم عاقر، يجوز أن يكون فاعلاً من عقرت، بفتح العين، وكسر القاف، وأن يكون مثل قول الأعشى: لو أسندت ميتاً إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابر حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر فهذا البناء يشترك فيه الفاعل والمفعول، إذا أريد به النسب. والعاقر: لتي في رحمها عقر، فهي معقورة وعقير. ومنه قيل: كلب عقور. وبيضة العقر،/ لآخر البيض، التي لا يباض بعدها شيء، كأنها تصير عاقرا. وأما قوله: زُهيت علينا يا رجل، وأنت زهو؛ فإن الزهو العجب والكبر، أي تكبرت علينا يا رجل. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: قد زها علينا، فتجعل الفعل له، وإنما هو مفعول، لم يسم فاعله. والدليل على ذلك قولهم: فهو مزهو، والفعل للزهو، أو للكبر أو للمال، أو العلم، أو الحسن، أو نحو ذلك. فإن أدرت أن تخبر عن فاعله قلت: زهاه المال وزهاه الجمال أو الكبر، ونحو ذلك، كما قال ابن أبي ربيعة: فيما تواقفنا وسلمت أشرقت وجوه زهاها الحسن أن تتنقعا الحسن ونحوه الزاهي والوجه ونحوه المزهو ومن ذلك قولهم: زهته الريح أي رفعته، وطيرت به، وهو فعل متعد. وأما زها غير متعد، فإنما يقال للنخل والثمر، إذا تلون، لا غير. وأما قوله: وكذلك نخيت علينا فأنت منخو، من النخوة، فقد فسره ثعلب بقوله

من النخوة، وهي التكبر والتجبر، وهو مثل: زهيت علينا وقد بين أيضاً بقوله فأنت منخو، أنه فعل مفعول لم يسم فاعله؛ لأن منخواً مفعول، ولم نسمع فعل الفاعل من النخوة مستعملاً في شيء من الكلام. وقياسه سهل، ولو استعمل لقيل: نخته الإمارة فهي ناخية، وهو منخو. وأما قوله: فلج الرجل، من الفالج، فهو مفلوج، فإن معناه استرخى شقه من داء أصابه. وقوله فهو مفلوج دليل على أنه فعل لم يسم فاعله فهو مضموم الأول. وكل شيء مال جانب منه عن الآخر، وانفرج ما بينهما فقد فلج. ومنه سمي البعير/ ذو السنامين فالجاً. والمكيال الواسع فالجاً. وقيل للثنيتين إذا انفرج ما بينهما أفلج ومفلج. وإنما ذكره لأن العامة تقول: أُفلج الرجل، بألف، وهو خطأ؛ لأنه لا يقال للمفعول منه مفلج. وأما قوله: لقي الرجل من اللقوة فهو ملقو، فمعناه اعوج وجهه، والتوى شق شدقه، إلى أحد جانبي عنقه. وهو ضرب من الفالج إلا أن الفالج في البدن كله، وهذا في الوجه خاصة. وهو فعل لم يسم فاعله أيضا. وأنما ذكره مع فلج الرجل، لأنه نظيره في المعنى والمثال من الفعل. والدليل على ضم أوله قولهم في الاسم: ملقو على مثال مفعول، واسم الداء نفسه: اللقوة، بفتح اللام، فأما اللقوة بكسر اللام فاسم العُقال؛ سميت بذلك؛ لأنها معوجة المنسر، بها شغاً، ولذلك يقال لها: شغواء. ولو استعمل اسم الفاعل مع فعله لقيل لقاه الله، وفلجه الله، فهو لاقيه وفالجه. وأما قوله: قد دير بي وأدير بي، على فُعل وأُفعل؛ فقد قدمنا القول في ذلك في مواضع، ومعناه أنه أصابه الدوار؛ وهو داء في الرأس، كالغشي والإغماء، مأخوذ من دور

الشيء، إذا دار، من دورانه. والفاعل من دير بي دائر، ومن أدير بي مدير. والمفعول من دير مدور. ومن أدير مدار، ومصدرهما الدور والإدارة، وهما معروفان. والمستقبل منهما يدور ويدير، يقال: دارت الرحى، ودارت النجوم، ودار الفلك، ودارت الأيام والشهور، ونحو ذلك. وقد أدار ذلك كله مديرها. وأما قولهم: غم الهلال على الناس؛ فمعناه غُطِّي وسُتر. وكل شيء غطيته فقد غممته. وإنما يكون ذلك في الهلال، من سحاب يكون في السماء، أو غيره أو دخان، أو نحو ذلك. وفي/ الحديث: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". وهي الغمة. ومنه قول الله عز وجل: (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً). فالهلال مغموم؛ لأنه مفعول. ولو استعمل فعل فاعله مع الفعل لقيل: غم السحاب الهلال، يغمه كما قال الراجز: يا عمرو غم الماء ورد يدهمه وإنما ذكر هذا؛ لأن العامة تقول: أغمي علينا الهلال، بألف وياء، وهو خطأ. ومن هذا قيل للرجل الكثير شعر الوجه والقفا: أغم، وبه غمم، وقال الشاعر: فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا ومنه قولهم غمام، والواحدة غمامة. ومنه قيل للغم غم. وأما قوله: أغمي على المريض، فهو على أفعل؛ بالألف، ولكنه أيضاً فعل مفعول لم يسم فاعله؛ ولذلك ضم أوله. وقال: فهو مغمى عليه، ولم يقل مغمى عليه ومعناه: غشي عليه، فهو مغشي عليه، بغير ألف، والفاعل من أغمي مغمّى؛ تقول: أغمى الله عليه،

ومصدره الإغماء، وهو من الغمى، مفتوح الأول مقصور؛ وهو ضرب من التغطية على الشيء. وأما قوله: قد أهل الهلال، واستهل؛ فمعناه رئي الهلال، إلا أنه مشتق من استهلال الناس بالتكبر، لرؤيته، على ما كنا قدمنا شرحه. فأما أهل، بالألف، على مثال أفعل. وأما استهل فعلى استفعل، وكلهما فعل لم/ يسم فاعله. وقد شرحنا ذلك في أول الباب. وأما قوله: شُدهت، فأنا مشدوه، أي شغلت، فإنما توهم أهل اللغة أن معناه شُغلت، لقول رؤبة: لم يطو أذيالي كثار المبتهى ولا معرات الخطوب الشده والخطوب وإن كانت قد تشغل، فليس للأشغال معرات، ولكن للدهش معرات، وقد قدمنا تفسير هذا أيضا. وأما قوله: بر حجك، فعمناه قبل حجك، وزكي، أي جعله الله من أعمال البر. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: بَرّ حجُّك، بفتح الباء يجعلون الفعل للحج. وإنما الحج مفعول به، مبرور، وليس ببار، والله هو الذي يبر الحج، وقد فسرنا البر في أول الباب أيضاً. وأما قوله: ثلج فؤاد الرجل، فهو مثلوج، إذا كان بليدا، فمعناه أنه قد برد قلبه عن الفهم والمعرفة، فصار بليدا، وهو مشتق من الثلج، وأتى به على أنه مفعول، لم يسم فاعله. وذكر" الخليل" في هذا أنه يقال: ثلج الرجل، بفتح الثاء، وكسر اللام، إذا برد قلبه عن شيء، وأنشد في ذلك قول العجاج: يزداد عن طول النطاح ثلجا

لأنه أتى بالمصدر على فعل، بفتح الفاء والعين، فهذا يدل على أن الفعل منه كما قال الخليل. وقد ذكر ثعلب هذا الفعل بعينه في الرجل، إذا سر بخبر أتاه، وليس بين المعنيين فرق؛ إلا أن البرد قد أفرط على الأول، حتى فتر عن كل شيء، وأن هذا أصابه منه قدر ما التذ به. وفي الحديث: "من أحب أن يجد في قلبه ثلج اليقين"،/ بفتح الأول والثاني. وأما قوله: امتقع لونه، أي تغير، فهو على بناء افتعل، إلا أنه مما لم يسم فاعله أيضاً، فهو مضموم الأول، ومعناه ذهاب الدم من الوجه وغئوره في البدن، لأنه من المقع، وهو شدة شرب الفصيل لبن أمه، ولو ذكر الفاعل مع فعله لقيل: امتقع الخوف لونه: أو التعب أو السهر أو المرض، ونحو ذلك، ولكن الفعل بغير الفاعل واللون مفعول لم يسم فاعله. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول فيه: انتقع لونه؛ بفتح التاء والقاف وبالنون، ولا يعرفون الميم، ومن عرف منهم الميم فتح أيضاً الميم والقاف، فيجعلون الفعل للون، وهو خطأ. وكذلك هو بالنون والهاء، بضم التاء، وكسر القاف، وقد انتُقِع واهتُقِع. وأما قوله: انقطع به فمعناه انقطعت به نفقته في سفره أو نحو ذلك من الحوادث، والفعل لغيره، وهو مفعول لم يسم فاعله. وإنما المنقطع ما ذهب منه، ولكن فعله يتعدى إلى المفعول بحرف جر؛ لأنه بمعنى الانفعال، لازم. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: انقطع به، بفتح القاف والطاء، وتظن أن الفعل للرجل، وهو خطأ. وإنما يجوز ذلك، إذا سمى الفاعل معه، فقيل: انقطعت به نفقته ونحو ذلك. وأما قوله: نُفست المرأة غلاما، وهي نُفساء، والمولود منفوس فإن معناه ولدت، أو أُولدت، ولكنه فعل مفعول، لم يسم فاعله. وأما الغلام، فإنه وإن نصب، فمعناه بغلام، ولكن الباء قد حذفت تخفيفاً، وعدي الفعل إلى الغلام، وهو لا يتعدى في الأصل إلا بحرف جر. وقوله: للغلام منفوس/ أيضا، إنما أصله منفوس به، ولكن حذفت منه "به" وكل ما نُفس به من شيء، أي ضن به، فهو نفيس، أي كريم له نفاسة

والعرب تقول للمرأة إذا حاضت: قد نفست، والنفس عندهم الدم؛ ولذلك قيل، إذا وقع في الماء فمات شيء لا نَفْس له، مثل الذباب، أي لا دم له؛ فهو طاهر. وإنما سمي الدم نفسا لنفاسته، في البدن، وقوام الروح والبدن به. والعامة تقول للنفساء: قد نفست، بفتح الأول، تجعل الفعل لها، وهو خطأ. وأما قوله: نفست عليك بالشيء، أنفس نفاسة، فمعناه ضننت عليك به. وهذا شيء منفوس به، وهو منفس أيضاً. كما قال الشاعر، وهو النمر بن تولب: لا تجزعي إن منفس أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي أي لا تجزعي إن أهلكت شيئاً، له نفاسة، فأنفقته. وهذا وما قبله من أصل واحد، لأن الولد له نفاسة، وهو مما ينفس به، فلذلك قيل له: منفوس به. وأما قوله: وإذا أمرت من هذا الباب كله، كان باللام، فإنما يعني أن الفعل ليس للمأمور، وإنما هو لغيره، والغائب لا يؤمر، كما يقال للمخاطب المواجه: افعل، ولا يحذف من فعله حرف المضارعة، فإذا ثبت حرف المضارعة لم يجز أن يبنى، فاستحق الإعراب، ولا يكون مجزوما إلا بدخول الجازم عليه، وهو اللام؛ لأنه حرف الأمر، وفعل المخاطب أيضا، إذا لم يحذف منه حرف المضارعة، لم يكن فيه بد من حرف الأمر الجازم له، إذا كان مأموراً. وإن كان حذف اللام والتاء جائزاً فيه. فأما الغائب فلا يكون إلا كما بينا. وقد شرحنا هذا في /أول الباب أيضا، فهذا آخر هذا الباب الرابع.

تصحيح الباب الخامس وهو باب فعلت وفعلت باختلاف المعنى

تصحيح الباب الخامس وهو باب فَعِلْتُ وفَعَلْتُ باختلاف المعنى اعلموا أنه قد مضى باب فَعَلْت، بفتح العين، في أول الكتاب. ومضى بعده باب فَعِلْت، بكسر العين. وإنما أعاد ذكرهما ههنا؛ ليذكر الكلمتين اللتين تكون حروفهما واحدة، وهما مختلفان في المعنى، فكان يجب على هذا أن يترجم الباب بباب ما اختلف بناؤه ومعناه، واتفق لفظه ليكون أوضح لما أراد. فأما قوله: انقه من الفهم، بفتح القاف فإنه كان يجب أن يكون على الأصل قافه مكسورة، أو مضمومة؛ لأن القاف في ماضيه مفتوحة وقد بينا ذلك, ولكن انفتحت القاف في المستقبل من أجل الهاء التي هي لام الفعل؛ لأنها من حروف الحلق. وقد فسرنا ذلك. وكذلك قوله: يقنع، إذا سأل، إنما فتح من أجل العين، وأصله الكسر أو الضم. وهذا الباب عنده، وعند أهل اللغة أجمعين، من باب ما اتفق لفظه، واختلف معناه. وذلك غلط منهم؛ لأن البناءين إذا اختلفا فقد اختلف اللفظان، وإن اتفقت الحروف. وإنما المتفق في اللفظ ما اتفق في البناء وفي الحروف؛ فإذا اتفق البناءان في الكلمة والحروف، ثم جاءا لمعنيين مختلفين، لم يكن بد من رجوعهما إلى معنى واحد، يشتركان فيه، فيصيران متفقي اللفظ والمعنى, إن أفردنا كتاباً لهذا على حدته./ وقوله: عمت أعيم أصله فعلت، بفتح العين، فلو جاء على الأصل لقيل: عمت، بفتح العين، كما يقال في فعل الغائب: عام يعيم، وهكذا باب هذا الضرب، إذا انكسر المستقبل أو انضم منه، فماضيه يجب ألا يكون إلا مفتوحاً. ولكن فعلت خاصة، يحول من فعل إلى فعل من أجل مجيء التاء، وسقوط عين الفعل، لسكونها وسكون لام الفعل لأنه الحرف المعتل فيحول إلى فعِلت؛ لتدل الكثيرة على أن الساقط ياء مكسورة، كما يفعل بما كانت عليه واوا؛ فيحول فعلت منه إلى فُعِلت، ثم تحذف الواو، وتحول ضمتها إلى

فاء الفعل، لتدل الضمة، على أن الساقط واو، مضمومة، كقولك: قمت وصمت؛ فيشترك الماضي والمستقبل في حركة عين الفعل، كما اشتركا في حرف العلة. وأما قوله في مستقبل عمت أعام، فخطأ، إلا أن يكون عام في الأصل قد جُعل من باب فَعِل، بالكسر، غير محول في فَعِلت من فَعَلت، فيكون مستقبله مفتوحاً. وهذا إنما يجوز على أن يكون في عِمْت لغتان، إحداهما فعلت، بكسر العين، فيكون أعام في المستقبل على هذه اللغة، ويكون أعيم على لغة من كان أصل عمت عنده بالفتح. فإن كان إلى هذا ذهب فقد كان يجب عليه أن يبينه. وقوله: عُجْت، بضم العين منقول من فَعَلت بالفتح إلى فَعُلت بالضم مثل ما فسرنا. ولذلك ذكره في هذا الباب؛ لأن هذا الباب ليس بباب فعُلت، بضم العين. وليس الأمر في عاج يعيج، وعاج يعوج، بمنزلة/ الأمر في نقهَت ونَقِهْت؛ لأن نقهت ونقهت من باب واحد، عين الفعل فيهما فيها جميعا القاف، فاشتقاقهما واحد، من أصل واحد. وهذا مختلف لأن عاج يعوج، عين الفعل منه واو. وعاج يعيج، عين الفعل من ياء. فأصلاهما مختلفان، وليس واحد منهما بمشتق من الآخر. ووقوعهما في هذا الباب خطأ من وجهين؛ وكذلك عام يعوم، وعام يعيم؛ لأن عجِت أَعِيج، أصله فَعَلت، بفتح العين، ولكنه نُقِل مع علامة المضمر إلى الكسر. وكذلك عُمت بالضم، وعمت، بالكسر، أصلهما جميعاً فَعَلت، بفتح العين. وهما منقولان كما وصفنا. وأصل أحدهما من الواو، والآخر من الياء، فهما مختلفا الحروف، فلم يجب ذكرهما في باب فَعَلت وفَعِلت باختلاف المعنى. فهذا ذكر ما غلط فيه. وأما تفسير الغريب من هذا الباب: فإن قوله: نَقِهْت الحديث مثل فهمت مفسر. وقوله: نَقَهْت من المرض أنقه فيهما جميعاً، معناه: برأت من المرض؛ ولذلك جاء على وزن برأت أبرأ. كما جاء نقهت الحديث على وزن فهمت، لما كان في معناه، والكلمات مشتركتان في معنى واحد، إلا أن

إحداهما في النفس والأخرى في البدن؛ وذلك أن الذي فقه الحديث بعد جهله، بمنزلة الذي صح جسمه بعد سقمه، فلما كانت إحداهما للنفس، والأخرى للبدن، فرق بين مثاليهما. وجُعلتْ كل واحد على وزن ما هو في معناها على ما بينا. فأما ينقه من المرض، ففتح مستقبله؛ لأن ماضيه مكسور مثل فهم يفهم، فمصدر الأول مفتوح العين، كالفهم، ومصدر الثاني مكسور الأوسط؛ لأنه مثل البرء. وأما قوله: قررت به عينا أقر، على مثال فعلت أفعل، فإن معناه من القر، وهو البرد. ومنه قرة العين، وهي ضد سخنة العين. فلذلك جاء على مثال سخنت عينه تسخن، وهي عين قريرة، أي باردة ولذلك يقال: إن دمع السرور بارد، ودمع الحزن حار. ويقال: عين سخينة، أي حارة باكية. والعين المريضة يجد صاحبها فيها حرارة وحرقة. والصحيحة يجد فيها صاحبها برداً أو سكوناً، ولذلك قال أبو ذؤيب: بالعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع فأما قوله: قررت بالمكان أقر، فمعناه ثبت وسكنت، فلذلك جاء على فعلت، بفتح أوله وثانيه، وهو من القرار. والقرار: المستقر، خولف بين أمثلة الفعلين والمصدرين للفرق بين معانيها. وأما قوله: قنع الرجل قناعة، بكسر النون في الماضي، فمعناه رضي بحظه، وصبر على ضره. واسم فاعله: قنع، بكسر النون، بغير ألف، وقنوع على فعول في المبالغة. وأما قوله: قنع، بفتح النون قنوعاً فمعناه سأل وتعرض وطلب. واسم فاعله قانع.

ومنه قول الله عز وجل: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) والمستقبل منهما جميعاً: يقنع، بفتح النون، فالأول يجري مستقبله على ماضيه، على الأصل. والثاني يفتح مستقبله، لحرف الحلق، وأصله غير ذلك. ومصدر الثاني: القنوع، على/ فعول كما قال الشماخ: لمال المرء يصلحه فيغنى مفاقره أعف من القنوع وأما قوله: لبست الثوب ألبسه، بكسر الباء من الماضي، وفتحها من المستقبل، فمعناه معروف. وهو بمزلة اكتسيت، عام في كل شيء، من اللباس وغيره. يقال: لبست ثوبي، وسراويلي، وعمامتي، وخفي، وخاتمي، وسلاحي، ونحو ذلك. مثل لبِست أيامي، ولبست عمري، ونعمتي، وأهلي، قاله الله عز وجل: (هن لباس لكم، وأنتم لباس لهن). وكذلك لابست الأمر، أي خالطته. وهو ضد عريت أعرى؛ ولذلك جاء على مثاله في الماضي والمستقبل. وأما قوله: لبست عليهم الأمر ألبسه، بفتح الثاني من الماضي وكسره من المستقبل، فمعناه خلطته عليهم وسترته؛ ولذلك جاء على مثالهما. وأصل الفعلين واحد؛ لأنهما جميعاً من التغطية والاختلاط؛ لأن ستر الأمر تغطية له، ولبس الثياب تغطية للبدن، ولكن خولف بين الأمثلة؛ لفرق بين ما شرحنا، كما خولف بين المصادر فيهما، فقيل في الأول: لُبسا، بضم اللام، ولباساً، وقيل في الثاني: لبساً، بفتح اللام. ومن الثاني قول الله عز وجل: (ولَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ).

وأما قوله: لسِبْتُ العسل ونحوه؛ إذا لعقته، فقد فسره هو. وهو مثل: سففت الدواء ونحوه؛ فلذلك جاء على مثاله، بكسر الثاني من الماضي وفتحه من المستقبل. وأما قوله: لسبته العقرب تلسبه لسبا، فمعناه لدغته ولسعته،/ وأبرته وغرزته؛ ولذلك جاء على مثال هذه الأفعال، بفتح الثاني من الماضي، ولم يفتح من مستقبله؛ لأنه ليس فيه حرف من الحلق، مثل ما في يلدغ ويلسع، ولكنه يجوز في مستقبله الكسر والضم جميعاً، وهما لغتان. ويستعمل ذلك في الحياة والعقرب والزنبور؛ ولذلك قيل للنحل: اللسوب. وأما قوله: أسيت على الشيء؛ إذا حزنت عليه آسى، وأسوت الجرح وغيره إذا أصلحته آسوه، فهما على ما فسره، إلا أنهما من الحروف التي غلط في إدخالها، في هذا الباب، إذ وضع أسيت مع أسوت؛ لأن شرطه في ذلك الباب، فَعَلت وفعِلت من لفظ واحد، وهذان لفظان مختلفان في الحروف لأن أسيت من ذوات الياء، وأسوت من ذوات الواو، فهما صنفان مختلفان في الحروف. وإنما يجب أن يأتي أسيت، بكسر السين، مع أسيت، بفتحها؛ ليكونا جميعاً من ذوات الياء، وأن يأتى بهما جميعاً من ذوات الواو، كما أتى بمثل ذلك في الصحيح، فقد خالف هذان جميع ما في هذا الباب من الصواب. وأما قوله: حلا الشيء في فمي يحلو، وحلي بعيني يحلى حلاوة، فيهما جميعاً، فمعنى الأول واضح مشهور. وأما الثاني، فمعناه حسن في عيني، لأن الحلاوة إنما تذاق بالفم، لا بالعين، والحسن يرى بالعين، ولا يذاق بالفم، وإن كان لا تمتنع الاستعارة في ذلك، كما قال الله [عز وجل]: (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) وقال [تعالى]: (ولَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ)؛ لأن المعنيين محسان جميعاً؛ فحلى يحلى يحتمل أن يكون مشتقاً من الحلية، فيكون من بنات الياء، فلا يجب أن يقرن بقوله: حلا يحلو أيضاً. فأما/حلاوة في مصدره، فغير منكر أن يقع ههنا. بدلاً من مصدر صحيح لم يستعمل، كما يقال: ذهبت سيراً ونحو ذلك. ولكنه يحتمل أن يجيء أيضاً من حلا يحلو على فعل يفعل، فتنقلب الواو منه ياء، كما قيل: رضي يرضى وهو من الرضوان.

وأما قوله: عرج الرجل يعرج، إذا صار أعرج، وعرج يعرج، إذا غمز من شيء أصابه؛ فإن الأول بمعنى زمن يزمن؛ فلذلك جاء على مثال فعله، بكسر الماضي، وفتح المستقبل. وأما عرج يعرج إذا غمز فأصله من قولك: عرج يعرج، إذا صعد. ومنه قول الله عز وجل: (يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ [أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ]) فشبه مشى الغامز من وجع برجله بذلك الصعود؛ كأنه يرقى في درجة أو سلم، فقيل: يعرج عروجاً، وقد عرج. وأما قوله: نذرت النذر أنذُره وأنذِره، بفتح الذال من الماضي، وكسره وضمه من المستقبل، فبمعنى حلفت أحلف، ولذلك جاء على فعلت، بفتح الثاني من الماضي، وجاز في مستقبله الكسر والضم، على الأصل والقياس، اللذين قدمنا؛ لأنه ليس فيه من حروف الحلق شيء. وفاعله: ناذر، مثل الحالف. ومصدره: النذر، على فعل. ومنه قول الأعشى: يحلف بالله لئن جاءه عني أذى من سامع خابر ليجعلني سبة بعدها جدعت يا علقم من ناذر وأما قوله: نذرت القوم، إذا علمت بهم، فاستعددت لهم أنذر، بكسر الثاني من الماضي، وفتحه من المستقبل، فجاء على وزن: علمت أعلم؛ لأنه بمعناه؛ / وتقول فيه: أنذرني فلان كذا وكذا، إنذاراً، مثل: أعلمني إعلاما، فهو منذر ونذير، كما قال الله عز وجل: (بَشِيرًا وَنَذِيرًا)، (وإن مِّنْ أُمَّةٍ إلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) وقال [تعالى]: (إنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا). وأما قوله: عمر الرجل منزله، وعمر المنزل، فهو ضد قولك: خرب الرجل منزله، وخرب المنزل. وهذا من نوادر الكلام؛ أن يقال: عمرته فعمر فيسوى بين فعل الفاعل، وفعل المنفعل في البناء، نحو قولهم: جبرته فجبر وقد فسرنا بعض ذلك فيما تقدم، وهما جميعاً على فعل، بفتح الثاني من الماضي، والرجل عامر، والمنزل عامر، وأحدهما فاعل، والآخر منفعل ومستقبلهما بضم الثاني، والكسر فيهما جائز.

وأما قوله: عمر الرجل، إذا طال عمره، فبمعنى بقي وهرم، فلذلك جاء على مثالهما، بكسر الثاني من الماضي، وفتحه من المستقبل، أما معاني ثلاث الكلمات، فإنها ترجع إلى معنى واحد، وهو العمارة. وأما قوله: سخن الماء وسخن، فمعناهما معروف واضح، من السخونة، وهي الحرارة القليلة. وفتح الخاء أفصح من ضمها، لن اسم الفاعل منه ساخن. وضم الخاء لغة العامة. واسم فاعله: سخين، كما قال عمرو بن كلثوم: مشعشعة كأن الحص فيها إذا ما الماء خالطها سخينا وأما قوله: سخنت عين الرجل، بكسر الخاء، فبمعنى حزنت وبكت. ومعناها حميت، ولذلك جاء على مثالها. والفاعل منه سخين، والعين سخنة. ومصدره: السخونة. ويقال منه: سخن الماء، وهو سخن، ولا يقال سخِن، للفرق. وأما/ قوله: أمر القوم، إذا كثروا، بكسر الثاني من الماضي؛ فقد فسره هو وفاعله: "أمر، على فعل، والجميع أمرون. ومصدره: الأمر؛ بفتحتين. ومستقبله: يأمرون، بفتح الميم. وأما قوله: أمر علينا فلان، بفتح الثاني من الماضي، أي ولي، يعني صار أميراً علينا، ومستقبله يأمر، بضم الميم. وفاعله: أمير، عى مثال: عليم ورحيم، للمبالغة في الأمر. وأما في غير هذا، ففاعله: آمر، لا غير. وأهل اللغة يرون أن أميرا بمعنى آمر، ويستشهدون بقول الشاعر: ألا حجبت ليلى وآلى أميرها يميناً عليها جاهدا لا أزورها وإنما يعني زوجها، الذي يلي عليها أمرها، دون غيره، فلذلك قال أميرها،

للمبالغة، لأنه مثل الوالي عليها، والقيم، بل هو أكثر من الوالي. والزوج أمير على المرأة، وليس أحد غيره عليها بأمير. وأما الآمر، على فاعل، فهو كل من أمر بأمر، زوجاً كان أو غير زوج. وأما قوله: مللت الشيء في النار أمه ملاً، فمعناه طبخت أطبخ طبخاً، وشويت أشوي شيا، وحنذت أحنذ حنذا، ولذلك جاء على مثال طبخت أطبخ طبخاً وحنذت أحنذ. وهو خبزة تدخل في رماد حار، ورمل حار، حتى تنضج. ويسمى ذلك: خبز ملة. والملة: الرماد الحار. وأما قوله: مللت من الشيء أمل، فمعناه سئمت أسأم، وغرضت أغرض، ونحو ذلك؛ فلذلك جاء على أمثلتهما، بكسر الثاني من الماضي، وفتحه من المستقبل. ومصدره: الملل، بفتحتين مثل السأم والغرض، ونحو ذلك، وملالاً أيضاً. وأما قوله: أسن الرجل يأسن أسنا، / إذا غشي عليه من ريح البئر، على فعل، بكسر عين الفعل من الماضي، وفتحها من المستقبل، فبمنزلة قولهم: بحر الرجل يبحر بحراً، من البحر. وقولهم: قَمِر يقمر قمراً، من القمر، إذا حار بصره فلم يبصر، أو أصابه ريح البحر، فأغمي عليه؛ وذلك أن النازل في البئر الآسنة يصيبه من رائحتها وأسونها ما يغمى عليه منها، ولذلك يقال: أسن الماء يأسن يأسن، بفتح عين الماضي وكسرها من المستقبل أو ضمها، كما يقال: أجن يأجِن ويأجُن. ومصدرها: الأجون والأسون، إلا أن الأجون تغير اللون، والأسون تغير الرائحة ومنه قول الله عز وجل: (مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ). وأما قوله عمت في الماء أعوم عوما، فعمناه سبحت أسبح، إلا أنه على مثال غصت أغوص. وهو ضده. وأصلهما جميعاً فتح الثاني من الماضي وفي الحديث: "علموا أولادكم، العوم" ويقال لضرب من السمك: العومة.

وأما قوله: عِمت إلى اللبن عَيمة، فمعناه اشتهيت اللبن، كما يقال: عطشت إلى الماء، وقرمت إلى اللحم. وتقول العرب في الدعاء على الرجل: ما له عام وآم. أي أصابه العيمة والأيمة، أي أذهب الله بماله وأهله. ويقال منه: رجل عيمان، وامرأة عيمى، والجمع العيامى. وقد بينا في صدر الباب ما غلط به في هذه الكلمة. وأما قوله: عجت أعوج، فمعناه ملت وعطفت إلى الشيء كما فسره. وأما قوله: ما عِجت بكلامه، فمعناه ما باليت به، ولا أكترث له، وما عجت بالدواء، أي ما انتفعت به، على ما فسره. وقد تقدم تفسير هذه الحروف أيضاً،/ وما غلط في في صدر هذا الباب. فهذا آخر تفسير هذا الباب.

تصحيح الباب السادس وهو المترجم بباب فعلت وأفعلت، باختلاف المعنى

تصحيح الباب السادس وهو المترجم بباب فَعَلتُ وأَفْعلْتُ، باختلاف المعنى قال أبو محمد: اعلموا أن أصل أفعلت إنما هو من فعلت؛ لأن الهمزة التي في أفعلت زائدة على فعلت. وهي تزاد قبله، لتعدية الفعل إلى ما لم يكن يتعدى إليه قبل الزيادة، وينقل الفعل من فاعله إلى مفعوله، فيجعله فاعلاً كما تكون الباء كذلك، إذا جاءت بعد الفعل، فتوصل الذي لا يتعدى إلى مفعول وينقل الفعل من فاعله إلى مفعوله فتجعله فاعلاً، كقولك: ذهب زيد وأذهبه غيره، أي جعله ذاهباً. وإن شئت قلت: ذهب به غيره في هذا المعنى، فتعد ى ذهب إليه بالباء، ولم يكن متعدياً، وتجعل الفعل لغيره وكذلك الهمزة، وكأن كل واحدة منهما عقيب للأخرى. وكذلك يقال: سقيته الماء وأسقيته. فسقيته فعل متعد، ومعناه أعطيته ماء يشريه، أو صببته في حلقه، فإذا قلت: أسقيته؛ بالألف، فمعناه أعطيته نهرا، أو بئرا، أو جعلت له حظا في الماء وشربا، فمعناها مختلف، وله وجوه كثيرة على هذا المعنى. وكذلك لو قلت: سقيته بالماء لكان معناه غير معنى سقيته الماء، إنما تريد أنك سقيته شيئاً بالماء أو أوصلت السقي إليه بالماء، ونحو ذلك. وكذلك قوله: شرقت الشمس وأشرقت، إنما اختلف معناهما، بدخول الألف على ما قد فسرنا، فإذا لحقت هذه/ الألف، الفعل الماضي، فهي بمنزلة الفعل قبل لحوقها مفتوحة، كما يكون أول الماضي من الرباعي الأصلي، الذي لا زيادة فيه، مفتوحاً، مثل: دحرج، وقلقل. وتسقط هذه الألف من المستقبل كله؛ لأن همزة المضارعة التي هي علامة المتكلم، تدخل عليها، فتستثقل الهمزتان، فتحذف هذه الزائدة، وتترك علامة المتكلم، للحاجة إليها، إلا أن همزة المضارعة تكون مضمومة، كما تكون في المستقبل من الرباعي، الذي لا زيادة فيه مضمومة، كقولك: أنا أدحرج، وأقرطس، ثم تجري سائر الحروف المضارعة، مجرى الهمزة في الانضمام وفي سقوط الهمزة الزائدة بعدها، فيقاس: يُفعِل وتُفعِل ونفعِل، كما يقال: يُدحرج وتُدحرج ونُدحرج، والهمزة المحذوفة من اللفظ مقدرة في المعنى،

كأنك قلت: يؤفعل وتؤفعل ونؤفعل، كما يكون أفعل بمعنى أؤفعل. ويكون اسم الفاعل من هذا مضموم الأول، وهو الميم الزائدة فيه، في معنى [و] ضع الهمزة الثانية من الفعل كقولك: معط ومكرم، والحرف الثالث مكسوراً، كما كان في الفعل المضارع كذلك. واسم المفعول كذلك، إلا أن الحرف الثالث منه مفتوح كما كان في فعل المفعول كذلك، ليكون الفتح والكسر فرقاً بين الفاعل والمفعول كما كانت الميم، وذلك قولك: مكرَم ومعطَى. وتكون حروف المضارعة فرقاً بين الاسم والفعل. والهمزة المحذوفة ترد في مصدر هذا الفعل، فيكون على الإفعال، كقولك: أعطيت إعطاء، وأكرمت إكراماً، على وزن دحرجت دحراجا. وقوله: عييت به، بكسر العين من الفعل، هو مخالف لما صدر به أول الباب من فعلت وأفعلت، وذلك أنه لم يقصد في أول الباب، إلى ما كانت عينه مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة؛ فيضع الباب على ذلك مقيداً. ولكنه وضع لفظه على أنه يقصد ما عينه مفتوحة، لا غير. وإنما القصد ههنا، ما كان على ثلاثة أحرف، لا زيادة فيه، ثم يزاد عليه الألف للنقل. وكل ما قيل فيه: عييت، بغير ألف، إذا نقلته من الفاعل إلى فاعل آخر، جاز فيه أعييت فلانا بالألف؛ لأن الألف موضوعة، لنقل الفعل، وإخراج الثلاثي إلى الرباعي. ولا تضره موافقته قولك أعييت من التعب في البناء والوزن؛ لأن الأفعال قد تتفق في مثل هذا، أو لأن الفرق بين هذين الفعلين أن أعييت من التعب، غير متعد. وأعييت فلاناً من العي ونحوه متعد، إلى مفعولين، فهما غير ملتبسين. وقوله: أهديت إلى البيت هديا وهديّا، وضعه على أن هديا وهديّا مصدران مخالفان لمصادر أهديت الهدية، وليس هكذا الأمر؛ لأن مصدر أهديت الهدية، وأهديت الهدي إلى البيت واحد، وهو الإهداء؛ لأنهما على أفعل يفعل إفعالا، ولا يكون إلا كذلك، عند جميع النحويين. وإنما الهدي والهديّ اسمان، لما أهدي إلى البيت من الإبل وغيرها، كما قالت عائشة، رحمة الله عليها: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم". وإنما تقلد الأنعام

والحيوان، ولا يقلد المصدر. والهدي أيضاً فعيل بمعنى مفعول. والعروس تسمى هديّا لذلك. والبعير إذا سيق إلى البيت وغيره كذلك. والهدية أيضاً مثل ذلك، إلا أن الهاء فيها كأنها تمرة وضربة،/ علامة للواحدة، فوضعت هذه الأسماء مواضع المصادر، لاختلافها، وتوكيدا للبيان، وطلبا للفرق، فتوهم أنها مصادر على الحقيقة. وهذا مذهب اللغويين الذين لا يعرفون قياس النحويين. وأما الهداية، فاسم لصناعة الهادي؛ بمنزلة الوكالة والرسالة، والخطابة، والخلافة، ونحو ذلك. وإن كان يجوز أن يوضع موضع المصدر. وكذلك الهدي اسم للاهتداء في الدين والعقل، والرأي والطريق، وليس بمصدر، وإنما يوضح موضع المصدر مجازا. ويجوز أن يكون جمعا للهدية، ولذلك يؤنث. وقوله؛ للمرأة: هي سافر بلا هاء إنما يجوز ذلك، إذا لم يجر اسم الفاعل على فعله، ولم يرد به معنى الفعل، ولكن يوضع موضع النسب، فيراد به، أنها ذات سفور، فإن نوي به الفعل، لم يكن بد من إدخال علامة التأنيث فيه، كما تكون علامة التأنيث في الفعل الذي هو جاء عليه، كقولك: هي سافرة غدا، وهذا قول قد ذكرناه في مواضع غير هذا. وقوله: وادلجت وأدلجت، ليس على ما قال؛ من السير في أول الليل وآخره، وإن كان وافق قول كثير من أهل اللغة في ذلك. وإنما هذا قول يقوله أهل اللغة الذين لا يعرفون القياس، ولا علل الأبنية، بالظن والحديث بغير حجة، إلا أنهم وجدوا الشعراء قد قالوا مثل قول الأعشى: وادلاج بعد المنام وتهجيـ ـر وقف وسبسب ورمال وقول زهير: بكرن بكورا وادلجن بسحرة فهن ووادي الرس كاليد في الفم/

فلما قال الأعشى: وادلاج بعد المنام، ظنوا أن الادلاج، لا يكون إلا بعد المنام،. ولما قال زهير: الدلجن بسحرة، ظنوا أن الادلاج لا يكون إلا بسحرة. وهذا وهم وغلط. وإنما كان يجب أن يقولوا من أجل هذين البيتين: أن الادلاج بالتشديد بالنهار، لأن معنى قوله: بعد المنام هو الصبح؛ لأن المنام يكون بالليل، والانتشار بالنهار، وليس بعد النوم إلا الانتباه، ولا بعد الليل إلا النهار. أو يقولوا إن الادلاج يكون قبل المنام وبعده؛ فلذلك اشترط الأعشى "بعد المنام" لادلاجه، لا لكل ادلاج. وإنما وصف ما فعل هو، وخصه دون ما فعل غيره. وكذلك بيت زهير، إنما وصف بالسحرة ادلاجه، لا كل ادلاج، ووقت فعله لا أفعال غيره، ولولا أنه يكون بسحرة، وبغير سحرة، لما احتاج إلى ذكر "سحرة" لأنه إذا كان الادلاج لا يكون إلا بسحرة، وبعد المنام، فقد استغن عن تقييده. ومما يدل على فساد تأويلهم أنه قد يدلج المسافرون، من غير نوم ولا تغميض، ولا يبطل ادلاجهم بعدم نومهم، وإنما الادلاج عند أهل النحو والقياس، افتعال من الدلاج، والدلج: سير الليل بمنزلة السرى. والإدلاج، مخففاً إفعال منه، وليس واحد من هذين البناءين، بدليل على شيء من الأوقات. ولو كان المثال دليلا على الوقت، لكان قول القائل: الاستدلاج، بوزن الاستفعال أيضاً دليلا لوقت آخر. وكان الاندلاج على الانفعال لوقت آخر أيضا. وهذا كله فاسد عندجميع من يعقل النحو واللغة. وإنما تُحدث الأبنية معانيها التي هي لها، في الدلج وغيره، ولا تُحدث تغيير الأوقات المخصوصة في الدلاج، ولا في غيره. وإنما يتبين في الأفعال من الوقات، المضي والاستقبال/ والحال لا غير. ولا يتبين ذلك في مصادرها. فأما وسط الليل وآخره وأوله، وسحره، وقبل النوم وبعده، فمما لا تدل عليها الأفعال، ولا مصادرها؛ ولذلك احتاج الأعشى إلى اشتراط: بعد المنام. وزهير إلى: سحرة. وإنما هذا بمنزلة قولهم: الإبكار، والابتكار، والتبكير، والبكور، في أنه كله العمل بكرة، ولا يتغير الوقت بتغير هذه الأمثلة، وإن اختلفت معانيها، ومثل الإصباح، والاصطباح، والتصبح، في أنها كلها الفعل في الصبح؛ وإن تغير الأمثة لا يغير الوقت مع اختلافها. وقد بينا الحجج في هذا ونظائره بما فيه مقنع لمن عقل، في كتابنا في "اتفاق الألفاظ والمعاني" ولذلك تركنا ذكرها في هذاا لموضع لطولها.

وقوله: أثرت التراب أيضاً، ليس من هذا الباب، ولا هو من أثرت الحديث في شيء، وإن اتفق لفظهما، في بعض المواضع؛ لأن أثرت الحديث فعل صحيح الحروف والهمزة فيه أصلية، وهو على فعلت، بغير ألف. وأما أثرت التراب، فهو فعل معتل، والهمزة فيه زائدة، لنقل الفعل، فهو على أفعلت، من ثار يثور. وإنما أشبه لفظه لفظ فعلت لسقوط حرف العلة منه. وأصله أثورت، ولا يخفى ذلك على أحد ممن تعلق بالقليل من علم العربية. وقد كان يجب ألا يذكره في هذا الباب، أو يضم إليه ثار التراب يثور، حتى يصيرا من هذا الباب؛ لأنه قد ترجم الباب بفعلت وأفعلت، باختلاف المعنى. وأتى بفعلت من الأثر مع أفعلت من الثوران. وإنما حقه؛ أن يؤتى بفعلت وأفعلت من أصل واحد. وكذلك ادلجت، بالتشديد ذكره غلط في باب فعلت وأفعلت؛ لأنه على مثلا افتعلت، وليس من شرط ترجمته. وإنما قدمنا في أول الباب الحروف التي/ غلط فيها، ثم أخذنا بعدها في تفسير الغريب من هذا الباب. * * * فمن ذلك قوله: شرقت الشمس، إذا طلعت، وهو كما فسر، إلا أن شرقت ضد غربت؛ ولذلك جاء على مثاله. ومصدرهما أيضاً على مثال واحد، وهما الشروق والغروب. واسم الفاعل منهما أيضاً: شارقة وغاربة. ومستقبلهما أيضاً على مثال واحد: تشرق وتغرب، والكسر فيهما جائز في القياس، على أصل الباب. وأما قوله: أشرقت، إذا أضاءت وصفت، فهو كما قال. ومعناه صارت ذات إشراق وضياء؛ لأن هذه الألف قد تجيء لهذا المعنى، كقولك: أحصد الزرع، وأجني الشجر، والفرق بين المعنيين أن الشروق لا يكون فيها، إلا وقت طلوعها خاصة، وإن طلعت كدرة أو منكسفة أو نحو ذلك. وأما الإشراق فيكون فيها في النهار أجمع، وفي كل ساعة يقوى فيها ضوؤها ونورها، ولا يكون ذلك مع الكدر، ولا الكسوف. ولذلك جاء أن يقال لكل ما استنار وأضاء، وحسن لونه قد أشرق، وهو مشرق، كما قال الله عز وجل:

(وأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) ولا يقال في شيء من ذلك شرق، ولا يقال لها أشرقت، ولا هي مشرقة، إذا كانت في سحاب أو غيره، أو دخان، حتى ينجلي وتظهر. وأما قوله: مشيت حتى أعييت، وأنا مُعْي، فإن معناه مشيت حتى كللت وتعبت، وكذلك ناظرت وجادلت حتى أعييت، أي تعبت وكللت. وكذلك كل شيء يُتعب ويُكل، يقال فيه قد أعييت، بألف، أي صرت ذا عياء. ومصدره: الإعياء. وأما قوله: عييت بالأمر، إذا لم تعرف وجهه، فأنا به عيي، فإنما معناه عجزت عن الشيء، وإن لم تتعب فيه، ولم تزاوله. ومصدره:/ العي، هكذا المستعمل، كأنه اسم موضوع موضع المصدر، ومصدره على القياس. والعيا مقصور على فعل؛ لأن فعله على فَعِل يَفعَل، مثل بَعِل الرجل يَبعَل بَعَلا. ويجوز أن يجيء مصدره ممدودا أيضا. وهو مستعمل في باب التعب، وهو العياء. وقد قالوا أيضاً: الداء العياء. وأصلهما واحد، وإن كان أحدهما يستعمل في تعب البدن ومشقته، والآخر في ضعف الرأي والحيلة والقول. وأما قوله: وأنا به عيي، فالمستعمل منه على فعيل، كما ذكر، وليس يمتنع فيه عي، على فعل، مخففا على أصل الباب، مثل: بعل وغلق، ولكنه قد استغني عنه بفعيل. وهو بمنزلة شجيت أشجى شجا، وأنا شج. وقد قيل: شجي، على فعيل، للمبالغة. وشج، بالتخفيف أجود. وكل من لم يهتد لوجه أمر، أو حجة أو مناظرة، فقد عيي به، وعي به، مبيناً، ومدغما؛ ولذلك قال ابن مفرغ: عيوا بأمرهم كما عيت ببيضتها الحمامه جعلت لها عودين من نشم وآخر من ثمامه

يعني أنها لم تحكم اتخاذ العش، ولم تحسن إحراز بيضتها، فوضعتها على عودين ضعيفين. وأما قوله: حبست الرجل عن حاجته، وحبسته في الحبس، فهو محبوس، فمعناه معروف ظاهر؛ وهو المنع من التصرف؛ بحصار أو قيد، أو ما أشبه ذلك من الشواغل. وأما قوله: أحبست فرسا في سبيل الله، فهو محبس وحبيس؛ فإن معناه جعلته محبوساً، يحبس عن التصرف في غير سبيل الله؛ فدخلت الألف لهذا المعنى؛ لأنه من مواضعها، ولا يمتنع أن يقال: حبست فرسي/ في سبيل الله، كما تقوله العامة؛ لأنه إذا أحبس، فقد حبس، ولكن قد استعمل هذا في الوقوف من الخيل، وسائر الأموال، التي منعت من البيع والهبة، للفرق بين الوقوف الممنوع، وبين المطلق غير الممنوع. والحبيس قد يكون فعيلا، في موضع مفعول، مثل: قتيل وجريح. وقد يقع في موضع المفعل، لأنهما جميعاً في المعنى مفعولان وإن كان لفظ أحدهما مفعولاً، فلذلك قيل: أحبست فرسي، فهو حبيس. وأما قوله: أذنت للرجل في الشيء، فهو مأذون له فيه، فمعناه أطلقت له ذلك، وخيرته فيه. وليس معناه أمرته، كما زعم بعض أهل اللغة؛ لأن الإذن إنما يكون في كل ما كان ممنوعاً أو محظوراً، أو محبوسا، على توقع إطلاقه، ثم يطلق بعد ذلك. فإطلاقه المتوقع هو الإذن. وأما الأمر، فقد يقع بما لم يكن محظورا ولا محبوسا على الأذن، ولا متوقعا إطلاقه وفعله، على مثال فعل، بكسر الثاني من الماضي، وفتح ثاني المستقبل؛ لأنه في معنى المطاوعة والانفعال؛ ولذلك لا يتعدى إلا بحرف الجر، ألا ترى أنك تقول: استأذنته، فأذن لي، أي فطاوعني والفاعل منه: آذن، على مثال فاعل، ومصدره: الإذن، بكسر الهمز، وسكون الذال وكان قياسه أن يكون على فعل بفتحتين في الهمزة والذال، ولكن قد استعمل ذلك في مصدر السماع من الغناء، فوضع موضعه ههنا الإذن، على فعل للفرق بينهما. وهو اسم في موضع المصدر. وأما قوله: آذنته بالصلاة وغيرها، فهو مؤذن بها فمعنا [هـ] أنبأته وأعلمته ولذلك جاء على مثال أفعلته. وتعدى بغير حرف جر/ وفاعله: مؤذن، بكسر الذال، على مثال معلم. ومفعوله مؤذن بفتح الذال، على مثال معلم ومصدره الإيذان والأذان. قال

الله عز وجل: (وأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ). ومنه قوله [تعالى]: (آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ). والجميع راجع إلى الأذن السامعة، ولكن خولف بين أفعالها، ومصادرها؛ لاختلاف معانيها، وإن اتفقت في الرجوع إلى الأذن. وأما قوله: أهديت الهدية، وأهديت إلى البيت هديا وهديّا، فمعناه أرسلت؛ ولذلك جاء على مثال أفعلت لأن الهدية مرسلة إلى المُهدى والهدي مرسل إلى البيت الحرام. والهدي والهَدِي اسمان، على فعل وفعيل لكل ما أرسل إلى البيت، من الإبل والغنم، ونحو ذلك، كما أن الهدية اسم ما أرسل إلى المهدى له. والمصدر منهما جميعاً الإهداء، وإن كان قد يستعمل كل هذه الأسماء في موضع المصدر على الاتساع والمجاز. وأما قوله: هديت العروس إلى زوجها هداء، فمعناه يجوز أن يكون من شيئين: أحدهما من قولك: هديته السبيل، أي دللته على السبيل، ولذلك جاء على مثال فعلت بغير ألف مثل ذلك. والآخر أن يكون من الرفق والتؤدة والتمهيل، كما يقال: هاديت المرأة، إذا ماشيتها، وتهادت في مشيها، أي تمهلت، ولم تسرع؛ ولذلك جاء مصدره على الهداء؛ لأنك تقول: هاديتها هداء ومهاداة، كما تقول ماشيتها مماشاة ومشاء، وعاديتها معاداة وعداء، على فاعلت مفاعلة وفعالا. وأخبرنا أبو العباس المبرد أن معنى قولهم: تهادت، أي يهدي بعضها بعضا. قال: وقال الأعشى:/ وإن هي تأتت تريد القيام تهادى كما قد رأيت البهيرا واسم المرأة؛ المهديّة إلى زوجها: هديّ، على فعيل بمعنى المفعول. وأما قوله: هديت القوم الطريق هداية، وفي الدين هدى؛ فإن معنى هديت ههنا دللت بعينه، ولذلك جاء على مثاله. ومصدر ذلك في الطريق والدين وغيرهما: الهدي، على الأصل، ولكنه قد استغني عنه بالهداية في هذا الوجه من الطريق ونحوه؛ للفرق. وشبه بالدلالة؛ لأنه في معناه إذا كان الهادي والدال بمعنى واحد.

وأما الهُدى في الدين، وهو اسم فقد أجري مجرى المصدر، للفرق بين المعاني. وقد تقدم شرح ذلك في صدر الباب. وأصل هديت القوم والرجل، أن يتعدى إلى مفعول واحد، ثم يتعدى إلى أكثر منه بحروف الجر، كقولك: هديتهم إلى الطريق، وهديتهم إلى الدين، ولكن حذف حرف الجر منه، لكثرة الاستعمال، وزوال اللبس، وطلب الإيجاز فعدي الفعل بنفسه إلى اثنين، كما قال الله عز وجل: (إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) وقال [تعالى]: (وهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ) وقال [تعالى]: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ) وجميع هذه الأفعال، متعديها ولازمها، وما كان على فعل وأفعل، مع اختلاف مصادرها، راجع في الاشتقاق إلى شيء واحد؛ وهو الرفق والتمهيل، ولكن خولف بأبنيتها، لما دخل في معناها، من الزيادات والنقصان. واسم الرجل المدلول المهدي على مفعول، للفرق، كما جعل اسم المرأة، الهدي، على فعيل للفرق بالخلاف في الأبنية والأمثلة. وأما قوله: سفرت المرأة، إذا ألقت خمارها عن وجهها، والرجل عمامته،/ وهي سافر، فإن معناه: كشفت وجهها، وهي كاشف، ولذلك جاء الفعل منه على مثال كشف يكشف. ومصدره: السفور؛ لأنه استعمل غير متعد بمنزلة الدخول والخروج، وكما قال توبة بن الحمير: وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها وأما قوله للمرأة: فهي سافر، بغير علامة التأنيث، فمن أجل أنه بمعنى النسب؛ أي هي ذات سفور، كما قيل للرجل: سافر، على جهة النسب. فإن أردت أنها ستسفر قلت: هي سافرة، فتأتي بعلامة التأنيث في اسمها، كما تأتي بها في فعلها، فتقول: داخلة وخارجة، كما أنك تقول: دخلت وخرجت. وقوله للمرأة والرجل جميعا سافر، مما يبطل قوله في حامل وطامث؛ لأن الذكر والأنثى يكون منهما السفور، وقد اشتركا في فاعل.

وأما قوله: وقد أسفر وجهها، إذا أضاء، وكذلك اسفر الصبح، فهو كما فسره بعنى أضاء وأشرق، ولذلك جاء الفعل منهما على مثالهما، بوزن أفعل. ويقال ذلك فيها، وإن لم تكشف وجهها، وفي الرجل وإن لم يكشف عنه العمامة؛ لأنه يعنى به الحسن، لا الكشف، فهذا فرق ما بينهما. وكذلك يقال: أسفر الصبح، وإن كان في غيم، ولم تظهر الشمس. وكل ذلك راجع إلى اصل واحد؛ وهو السفر، يقال: سفرت البيت، إذا كشفته، أو كنسته سفرا، وسفرت الريح السحاب، وسفرت النار الظلمة. ومنه قول العجاج: سفر الشمال الزبرج المزبرجا/ والعامة تقول في كل هذا: أسفر، بالأف، فلذلك ذكره. وأما قوله: خنست عن الرجل، إذا تأخرت عنه، فهو كما فسر، ومنه قيل للبقرة: خنساء؛ لقصور أنفها عن الارتفاع، والمرأة إذا كانت كذلك قيل لها أيضا: خنساء, ولذلك قيل للكوكب: قد خنس. ومنه قول الله عز وجل: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الجَوَارِ الكُنَّسِ). فلما كان فيه معنى القصور جاء فعله ومصدره، على مثال فعله ومصدره، فقيل: خنس يخنس خنوسا، ولم يعد إلا بحرف جر أيضا، والكسر والضم في مستقبله جائزان، كما قدمنا شرحه. وأما قوله أخنست عن الرجل حقه؛ فإنما جاء على أفعل، بألف، لنقلك الفعل إليك من الحق، وتصييرك الحق مفعولا، وكان في الأصل فاعلاً، ألا ترى أنك تقول: خنس عنه حقه؛ إذا تأخر، ثم تقول: أخنست أنا الحق عنه، أي جعلته متأخرا، وهذا مطرد على بابه، ولا معنى لقوله: سترته عنه، ولو كان فيه سترته، لقيل في كل مستور: أخنسته، فإنما هذا تفسير أخذ عن رواة تفسير القرآن، في قول الله عز وجل: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)

الجَوَارِ الكُنَّسِ) أنها الكواكب المستترة، التي لا تظهر. وإنما قيل لها: الخنس؛ لقصورها في السير عن المنازل، لا لانستارها، وإن كانت منسترة. وأما قوله: أقبست الرجل علما، بألف، وقبسته نارا، بغير ألف، فكلام على غير القياس، وإن كان مستعملا؛ لأن الأصل في هذين أن يقال: قد قبس الرجل علما، وقبس نارا، بغير ألف، فهو قابس، بمعنى أخذ، فهو آخذ. وقديقال: اقتبس العلم أيضاً، فإذا نقلت الفعل إلى فاعل آخر، وجعلت فاعله الأول مفعولاً، وجب إدخال الألف في أول الفعل كقولك: أقبسته علما، وأقبسته /نارا. وأما قبسته نارا، بغير ألف، فمما جاء نادرا، على حذو رجعته فرجع، وجبرته فجبر. وليس ذلك بالأصل. وقد كنا بينا العلة في هذا الضرب. وإنما هو شيء محذوف منه للاختصار، أو مشبه بغيره، كما قالوا: كسبه مالا، وكسب هو المال، أو على لغتين. وأحسن ذلك أن يكون معنى قولك: قبسته نارا، بمعنى قبست له نارا، ثم حذفت اللام، وعدي الفعل إلى المفعول، كما قال الله عز وجل: (وإذَا كَالُوهُمْ أَو وزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ). وإنما أراد أن العامة تدخل الألف في الوجهين. ولو علمت العامة هذا المقصد الذي شرحناه، لما كانت مخطئة بقولها؛ لأن القياس يوجب ذلك، والذي اختاره ليس بالقياس، وإن كان مستعملا. وأما قوله: أوعيت المتاع في الوعاء، ووعيت العلم، إذا حفظته، فهما جميعا من الوعاء، ولكن وعيته، خص به ما كان في السمع والقلب، ومعناه الفهم والحفظ والذكر. وقال "قس بن ساعدة" في خطبته، التي حكاها عنه النبي صلى الله عليه: "يا أيها الناس، استمعوا وعوا". وفي الحديث: "سمعته أذناي ووعاه قلبي"، فلما كان فيه معنى حفظت، خرج فعله على مثال حفظت؛ فقيل: وعيت، بغير ألف.

فأما أوعيت المتاع في الوعاء، فإن معناه جعلت الوعاء يعيه، أي يحفظه، فاحتاج إلى الألف، لنقل الفعل، كما تقول: حفظت الشيء، وأحفظته غيري. واصل الوعي: الجمع؛ ولذلك قيل: وعي الجرح إذا جمع المدة. لو قال قائل: أوعيت العلم قلبي لكان مصيبا في القياس. وأما قوله: أضاق الرجل، إذا أعسر، فهو مضيق، وضاف/ الشيء، فهو ضيق؛ فهو كما قال: لأن الرجل، إذا قل ماله، فقد أضاق ما عنده؛ فلم يسع حوائجه، وصار معسرا فقيل: أضاق الرجل، أي صار ماله ضيقا، كما قيل: أعسر، أي صار أمره عسرا. فأما ضاق الشيء، فهو مثل: صغر في المعنى، وذلك في نحو الخاتم والثوب والمنزل والجراب، إذا صغر، فلم يسع الكثير مما يوعي فيه، فهو ضيق، على وزن: فيعل، للفرق بينه وبين الذي يضيق قلبه، أو صدره، فيقال: هو ضائق، على فاعل؛ لأن الفعلين واحد، في المضي والاستقبال، والمعنى متقارب، وليس بين النحويين خلاف في أن فاعلا وفعيلا بمعنى واحد؛ لأن الياء أقرب الحروف شبها من الألف، فهم يقولون: ميت ومائت، وسيد وسائد، ولكن استعملوا الفاعل في أحد الوجهين، والفعيل في الوجه الآخر، للفرق بين المعيين المشتبهين، فقيل: ضاق الشيء ضيقا، فهو ضيق، وضاق قلبه وصدره، فهو ضائق، على فاعل، وهما من الضيق، كما قال الله عز وجل: (وضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ). وكذلك جعلوا الضيقة في موضع الإضافة، وإنما الضيقة المرة الواحدة، كقولك: ضاق الشيء وضاق الصدر، وغير ذلك، والأصل واحد. والإضاقة مصدر أضاق، بالألف لا غير، إلا أنه من الضيق. ولكن قد يستغنى بالشيء عن الشيء، للفرق بين المشتبهين، أو لكثرة الاستعمال والإيجاز والتخفيف. وأما قوله: أقسط الرجل، إذا عدل، فهو مقسط، وقسط إذا جار فهو قاسط. قال الله عز وجل: (وأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) فهو كما قال ولكن الأصل فيهما من القسط، وهو العدل في الحكم، / والتسوية بين الخصوم في الأنصباء؛ لذلك سمي المكيال قسطا، والنصيب قسطا، والميزان قسطاساً، فإذا استعمل ذلك في الظلم قيل:

قسط، بغير ألف، وهو يقسط، فهو قاسط على وزن ظلم يظلم فهو ظالم، أي لم يوف بالمكيال والميزان، أو في النصيب، وإذا استعمل في باب التسوية والإنصاف قيل: أقسط بالألف يقسط فهو مقسط؛ لأنهما بمعنى واحد. والذين لا يعلمون قياس النحو ولا يميزون بين دخول هذه الألف وخروجها، وما يحدث بذلك من المعنى فيهما يظنون أن هذا من الأضداد؛ وذلك أنه عندهم لفظ واحد، واقع على الشيء وضده، ولا يدرون أن دخول الألف، يخرج الكلمة عن لفظها بغير ألف، ويجعل لها مثالاً على حدته، فتصير الكلمتان بمنزلة العدل والجور، في اختلاف اللفظين والمعنيين. وأما قوله: خفرت الرجل، إذا أجرته خفرة وخفارة وأخفرته إذا نقضت عهده، فإنما قيل خفرته، إذا أجرته، بغير ألف؛ لأنه بمعنى حرسته وحفظته وحميته، فخرج على أوزانها، وأما الخفرة، فاسم مثل الخدعة والغرفة والطعمة، موضوع موضع المصدر. وكذلك الخفارة، وليسا بمصدر خفرته المرد على بابه وقياسه. ولو استعمل مصدره بعينه لقيل: خفرته خفرا مثل ضربته ضربا، وأخذته أخذا، ومنعته منعا. فأما أخفرته بالألف، في نقض العهد فبمعنى آذيته وأخفته وأيأسته، من الخفارة، ونحو ذلك، مما هو في معناه، وهو على وزنه بالألف؛ فلذلك استعمل بالألف، على أفعلته وليفرق بين المعنيين. وأصل ذلك كله من الخفر، وهو الحياء/ والتستر. فأما قوله: خفرت المرأة، إذا استحيت، بكسر ثاني الماضي، خفرا وخفارة فهو أصل هذا الباب، كما قلنا، وهو فعل لا يتعدى؛ لأنه بمعنى الانفعال بمنزلة: حييت تحيا، فبنى على بناء ذلك، وما أشبهه، وكذلك مصدره بني على فعالة، كما أن مصدر ذلك على فعال، لا فرق بينهما، إلا علامة التأنيث وقد يجوز أن يكون شبه بفعالة، التي تجيء في أفعال المبالغة. فأما استحييت فإنما هو استفعلت من حييت. وأما قوله: نشدت الضالة، إذا طلبتها، وأنشدتها، إذا عرفتها، فقد مضى بعض تفسيره، في باب فعلت بغير ألف. وإنما قيل نشدت الضالة بغير [ألف] لأنه بمعنى سألت وطلبت وبغيت، فخرج على بنائها، وفرق بينه وبين نشدتك الله بالمخالفة بين

المصدرين؛ فقيل ههنا: نشدانا، على فعلان، بوزن عرفان ووجدان، وقيل هنا: نشدة، وهي بناء الهيئة والنوع. ومما يدلك على أنه بغير ألف أن اسم فاعله، ناشد، ويروى عن النبي صلى الله عليه أنه قال، لرجل نشد ضالة في المسجد، ورفع صوته بذلك: "أيها الناشد غيرك الواجد". وقال الشاعر: ويصيخ أحياناً كما اسـ ـتمع المضل لصوت ناشد وقال آخر: يصيخ للنبأة أسماعه إصاخة الناشد للمنشد وإنما قيل أنشدت الضالة إذا عرّفتها، بألف؛ لأنه بمعنى أظهرتها وأوجدتها، فخرج على بناء فعلهما. ولذلك قيل: أنشدته الشعر بألف؛ لأنه تعريف وتعليم ونحو ذلك./ ومعناه معنى أسمعته أو أنبأته؛ فالأصل في جميع هذا واحد، واختلفت الأفعال والمصادر؛ لافتراق معانيها. وأما قوله: حضرني شيء، وأحضر الرجل والغلام، إذا عدوا، فإنما معنى حضر الشيء وحضرني، كمعنى شهد وشهدني، وهو ضد الغيبة؛ ولذلك قيل للمشهد: الحضرة والحاضرة. فإذا نقل هذا الفعل أدخلت الألف في أوله فقيل: أحضرني فلان كذا وكذا، أي جعله حاضرا؛ فلذلك قيل للرجل والغلام، إذا عدوا، والفرس: قد أحضر؛ لأنه جعل العدو حاضرا، ولكن لما استعمل ذلك في العدو، سمي بالحُضْر؛ ليفرق بينه وبين الحضور، الذي يعم كل حاضر ولا يخص العدو. وأما مصدر أحضر الغلام والفرس؛ فهو الإحضار كما قال الأعرابي:

فخرجت أعثر في مقادم جبتي لولا الحياء أطرتها إحضارا والعامة تقول: أحضرت الفرس، أي عديت بها. وإنما الصواب أحضر الفرس هو نفسه، أو أحضرت أنا بالفرس؛ لتكون الباء هي الناقلة للفعل الذي قد نقل بالألف؛ لأن فيه نقلين، فيحتاج إلى حرفين، إلا أن يكثر استعمال ذلك في بعض اللغات، فيحذف، وهو مثل قوله عز وجل: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) وقوله [تعالى]: (وشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)، لاجتماع حرفي النقل فيهما، لدخول النقلين، على ما قلنا. وأما قوله: كفأة الإناء إذا كببته، وأكفأت في الشعر، وهو مثل الإقواء، فإن معنى كفأته كمعنى قلبته؛ وهو أن تميله عن الاستواء، كببته أو لم تكببه. ولذلك قيل: أكفأت في الشعر؛ لأنه قلب القوافي عن جهتها واستوائها، / فلو كان مثل كببته- كما زعم ثعلب- لما قيل في القوافي؛ لأنها لا تكب. وفي الحديث: "كانت قدورنا منصوبة بلحوم الحمر الأهلية، فسمعنا منادياً ينادي أن النبي صلى الله عليه قد نهى عن لحومها، أو قد حرمها فكفأنا القدور" أي قلبناها وصببنا ما فيها، ولم يرد وأكببنا القدور؛ ولهذا قيل: قد انكفأ فلان، إذا رجع إلى حيث جاء منه؛ لأنه انقلب فقيل: كفأت الإناء، على مثل قلبته؛ لأنه في معناه، ونقل بالألف إلى الشعر وما أشبهه، أي جعلت فيه قلبا. ولو نوى في كفأت الإناء وغيره معنى الفعل لجاز دخول الألف في أول الفعل، ومثل ما ذكرنا قول الراجز: بيت حتوف مكفأ مردوحاً

وأما قوله: حصرت الرجل في منزله، إذا حبسته، وأحصره المرض، إذا منعه من السير، فهو كما قال: إن الحصر حبس الرجل، ولكن ليس يخص ذلك المنزل دون غيره، فإن ذلك في منزله ومنزل غيره، وفي السجن والطريق واحد؛ ولذلك قال الله عز وجل: (وجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) ومعناه محصور. ومن ذلك سمي حصار المدن والقرى والقلاع وغيرها، ومحاصرتها، كل ذلك من الحبس والتضييق؛ ولذلك قيل لمن اعتقل بطنه: قد حصر، وبه حصر. وقيل للعيي عن الكلام: قد حصر يحصر حصرا؛ أي لم يقدر على الكلام. وقد حصر الصارم للنخل، إذا لم يقدر على الصعود؛ فإن منعه من ذلك شيء قيل: أحصره كذا وكذا عن الكلام والصعود، أي صيره حصرا عاجزا. وإن منع الغازي والحاج أو نحوهما عدو من بلوغ الحج أو الغزو، أو منعه من إتمام/ ذلك مرض، غير حصر البطن قيل: قد أحصر بألف، وقد حصر به أيضا؛ لأن الباء تنقل الفعل، كما تنقله الألف، ولذلك قال الشاعر: وقالوا رأينا القوم قد حصروا به فلا شك أن قد كان ثم لحيم وإنما يجوز ذلك بإفساد شيء عليه الحج أو الغزو، أو أمرا كان قصده، فمنعه منه مانع مفسد؛ لنه فعل منقول بمعنى الإفساد؛ لأن هذه الأمور قد أفسدت عليه ما قصده، فأخرج الفعل على مثلا أفسد إفسادا وقد زعم بعضهم أنه يقال للمعتقل البطن قد أحصر كأنه نوى الإفساد، ونقل الفعل، وهو قياس إن كان مقولا. وأما قوله: أدلجت، إذا سرت من أول الليل، وادلجت، إذا سرت من آخره، فإن معنى الإدلاج والادلاج، بالتخفيف والتشديد جميعا عندنا سير الليل، في كل وقت، من أوله ووسطه وآخره. وهو إفعال وافتعال من الدلج وهو أيضا: الدَّلجة والدُّلجة، تأتي هذه الأمثلة والحركات فيها على المعاني، التي قدمنا شرحها، لا لتحديد وقت. وقد كنا ذكرنا

في صدر الباب ما غلط فيه المتأولون على الشعراء، لقول الأعشى وزهير وغيرهما، ألا ترون قول عمرو بن شأس: إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا كفى لمطايانا بذكراك حاديا فلم يرد "عمرو" أن ذكرها عند السير في أول الليل يحرك الإبل على المسير دون وسطه أو آخره؛ لأن ذكراها مشوقة له، وللحداة، وللإبل، في أي وقت من أوقات الليل سار، ولو كان عني أنه لا يذكر ولا يشتاق إلا في أول الليل أو في سير أول/ الليل، لما كان محمودا ذلك منه، بل كان عيبا عليه، وعلى شعره. وقد زعم "الخليل" أن الإدلاج، مخففا: سير الليل كله، وأن الادّلاج، بالتشديد سير آخر الليل، فقد دل بهذا التفسير على أن الادّلاج بالتشديد أيضاً إدلاج، إذ كان قد قدم أن الادلاج مخففا سير الليل كله. ولكن الذي قاله في التشديد إنما هو شيء تأولوه في بيت الأعشى: وادّلاج بعد المنام- فظنوا أن الافتعال يغير الوقت عن وقت الإفعال؛ إذ قرنه الشاعر بقوله: بعد المنام، وقد يكون "بعد المنام" أول الليل أو أوسطه لأن النوم تختلف أوقاته، وكذلك الانتباه. ولو كان الافتعال يخص وقتاً آخر، لكانت أمثلة الإفعال والمصادر عليها، موضوعة على توقيت الساعات، وليس ذلك قول أحد من النحويين، ولكن الأمثلة عند جميعهم موضوعة لاختلاف معاني الأفعال في أنفسها، لا لاختلاف أوقاتها. وهذا إجماع النحويين وقياسهم، وما يوجبه العقل والنظر، ولا يمكن دفعه، وقال الشاعر: زودينا عبيد قبل ادلاج وركوب المضمرات النواجي فمن الظاهر البين أنه لم يرد أن تزوده قبل آخر الليل، ولا قبل سير آخره ولا قصد أول الليل، ولا أوسطه. وإنما سألها أن تزوده منها قبل المسير والمفارقة، وذكر الادلاج؛ لأن مسيرهم لا يكاد يكون إلا ليلا، كما قال الآخر: قل لأسماء أنجزي الميعادا وانظري أن تزودي منك زادا وقال النابعة:/ أمن آل مية رائح أو مغتدي عجلان ذا زاد وغير مزود

ومما يوضح فساد تأويلهم؛ أن العرب تسمى "القنفذ" مدلجا؛ لأنه يدرج بالليل، ويتردد فيه، لا لأنه لا يدرج، إلا في أول الليل، أو في وسطه أو في آخره، أو فيه كله. ولكنه يظهر بالليل في أي أوقاته احتاج إلى الدروج، لطلب علف أو ماء أو غير ذلك، فالادلاج بالتشديد إنما هو الافتعال بزيادة التاء، وهذه التاء ليست بعلامة لآخر أوقات الليل في مذهب أحد من العلماء بالنحو واللغة، ولكنها تأتي في الفعل والمصدر، لمعان غير الأوقات منها: أن تكون بدلا من نون الانفعال كقولك: اضطرب في معنى انضرب، لأن وزن الفعلين واحد، والزيادتين على حرف واحد ساكن، في موضع واحد. والنون الساكنة تخفي مع جميع الحروف، إلا مع حروف الحلق خاصة، فلما كانت التاء تدغم في مقاربتها فتخفى، كما تخفى النون مع سائر الحروف وقعت موقعها، ونابت عنها، فكأن المعنى في الادلاج المشدد: المطاوعة، كأنه قيل: أدلجت به فاندلج، فجاء ادلاج بدلا من اندلج، لما وصفنا. ومما يبين ذلك ما قلنا أنه يروى عن النبي صلى الله عليه أنه قال: "من بكر وابتكر، وغسل واغتسل، ودنا واستمع". فلم يزعم أحد من العلماء باللغة والفقه أن معنى ابتكر واغتسل واستمع لآخر أوقات البكور أو الغسل أو السمع. وإنما المعنى من بكر بغيره، وابتكر هو أو من بكر به غيره فانقاد للبكور، ومن غسل غيره واغتسل هو، وكذلك قوله: فاستمع، كأنه أسمعه الإمام فاستمع له، فإنما/ تدخل هذه التاء في الفعل والمصدر لمعان معلومة محدودة عند أهل النحو، فتكون طوراً بمزلة الفعل، وطورا بمنزلة أفعل، وطورا بمنزلة فعل، المشددة، ونحو ذلك، مما يطول شرحه، لا لشيء من الأوقات وتقديمها وتأخيرها. وقد استقصينا تبيين ذلك في غير هذا الكتاب، بحجج كثيرة من الشعر وغيره. وليس الادلاج بالتشديد أيضاً من هذا الباب؛ لأنه قد ترجم الباب بفعل وأفعل خاصة، والادلاج الافتعال من افتعل، فلم يكن لوضعه ههنا معنى، ولا هو من لحن العامة في شيء، ولا تعرف العامة الإدلاج بالتخفيف، إلا في جميع أوقات الليل، وهو مذهب صحيح، ليس بخطأ. ولا يعرفون الادلاج بالتشديد أصلا. وأما قوله: أعقدت العسل وغيره، فهو مُعْقد وعقيد، وعقدت الحبل والعهد، فهو معقود، فإن معنى معقد أن اشتد العسل ونحوه، والأصل فيه أن يكون فعله غير متعد،

ولكن بمعنى الانفعال، كقولك: عقد العسل وعقدت الثمرة، وانعقدت أيضا. فإذا أردت نقل هذا الفعل زدت في أوله الألف، وصيرته متعديا فقلت: أعقدت العسل، وأعقد الحر أو البرد أو الهواء الثمرة، أي صيره عاقدا. فأما عقدت الحبل، فإنه في الأصل متعد بغير نقل من شيء، وهو بمعنى شددت، وعلى وزنه وتعديه، تقول: عقدت الحبل والخيط والنكاح، والعهد والبيع واليمين، فانعقد، إذا شددته وأكدته. وقوله: معقد على القياس، وعقيد فعيل بمعنى مفعول. وهو يجوز في فعل وأفعل جميعا؛ لأنه للمبالغة. وإنما ذكر هذا؛ لأن العامة تقول: عقدت/ العسل، وليس ذلك بخطأ؛ لأن الأصل واحد، ولكن خرج مخرج عقدت الحبل وغيره، إذا شددته فاشتد. وأما قوله: أصفدت الرجل، إذا أعطيته، فهو مصفد، وصفدته، وإذا شددته، فهو مصفود؛ فإن الأصل في ذلك الشد والتوكيد والوثيقة، وتسمى العطية: الصفد؛ لأنها تؤكد الحال، وتشد المودة وتؤكدها. ولذلك يسمى القيد: الصفد، لمثل ذلك المعنى. قال النابعة في العطية: هذا الثناء لأن بلغت معتبة ولم أعرض بيت اللعن بالصفد أي بالعطية. وقال الله عز وجل في القيود: (مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ). يقال: صفدته، بغير ألف. وصفدتهم بالتشديد. وفي حديث النبي صلى الله عليه، في شهر رمضان: "وتصفد فيه الشياطين". فقيل في التقييد: صفدته بغير ألف، فهو مصفود، كما يقال: شددته فهو مشدود، وربطته فهو مربوط؛ لأنه في معناهما. وقيل في العطية: أصفدته، بالألف؛ لأنه في معنى أعطيته وأكرمته؛ ليفرق بين المعنيين، والألف لنقل الفعل ههنا أي جعلته ذا مال، وقال أمية بن أبي الصلت:

تضيفته ليلاً فأكرم مقعدي وأصفدني على الزمانة قائدا وأما قوله: أفصح الأعجمي، وفصح اللحان، فمعناهما جميعا من الفصاحة، وهي البيان والإصابة في القول. ومنه قيل: أفصح اللبن، إذا خلص من الرغوة. فأما قوله: أفصح الأعجمي، فمعناه صار فصيحا بالعربية، بعد أن كان أعجميا، لا يحسنها؛ فلذلك جاء على أفعل، كما يقال: أثرى الرجل وأيسر، أي صار ذا مال ويسار. وأما قوله: فصح اللحان فمعناه/ أنه حذق، في فصاحته وعربيته التي كان يحسنها. ولذلك جاء على فصح بضم الصاد في الماضي والمستقبل؛ لأنه فعل المبالغة في الحمد والذم، بمنزلة ظرف وكرم وحسن. ومصدره: الفصاحة أيضاً كذلك. واسم فاعله أيضا: فصيح، مثل ظريف وكريم؛ ولذلك اختلف الفعلان؛ لاختلاف المعنيين. وليس فصح مما عقد عليه أول الباب؛ لأنه مضموم الثاني، ولكنه في المعنى يشبه فعل، بغير ألف. وأما قوله: لممت شعثه، ألمه وألممت به، إذا أتيته وزرته؛ فإن معنى لممته، كمعنى رممته، إذا أصلحته، وغيرت فساده؛ وهو تشعثه ولكنه استعمل بالراء في المنازل والضياع والثياب ونحوها. وباللام في الشعر والحال وغير ذلك. وأصل الشعث في الشعر، إذا اتسخ وقفر من الدهن والغسل، ولكنه قد استعير لسوء الحال في المال والنفس، والمسواك والوتد ونحو ذلك؛ فقيل: لممته، كما يقال: رممت الدار؛ لأنه في معناه، ولذلك قيل للجمة: اللمة، لأنها تلم، أي تصلح من الشعث والجميع: اللمم. ومنه قولهم في الدعاء: "اللهم المم شعثنا" أي أصلح أحوالنا. وقال الشاعر: إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما

وأما ألممت به، بالألف، ففعل منقول بحرفي النقل جميعا، أي جعلت المرمة مني به، وهي الزيارة اليسيرة، والتعهد. ومصدره: الإلمام. والاسم منه: اللمام، كما قال الطرماح: حب بالزور الذي لا يرى منه إلا لمحة أو لمام/ وقال الأعشى: أتهجر غانية أم تلم أم الحبل واه بها منجذم ومنه اللمم؛ وهو القليل من المعصية والإثم. قال الله عز وجل: (إلاَّ اللَّمَمَ إنَّ رَبَّكَ واسِعُ المَغْفِرَةِ). وكذلك الإلمام، إنما هو الزيارة القليلة. قال الشاعر: ألمم بزينب، إن الركب قد أفدا قل الثواء لئن كان الرحيل غدا والعامة تقول فيهما جميعا: لممت، وهو خطأ. وأما قوله: حمدت الرجل، إذا شكرت له صنيعه، وأحمدته، إذا أصبته محمودا، فإن أصل الحمد رضا فعل الإنسان وقوله، ونحو ذلك في كل شيء وثناؤك عليه به، وإظهاره لغيرك. وحمدته قريب من شكرته، إلا أن الشكر جزاء على ما يسدى إليك، والحمد لله قد يكون على ما لم يسده إليك، وليس بمجازاة، ولكن على ما وجدت فيه، من الفضل والخير، ورضيته منه ومن سيرته. وأكثر اللغويين يظنون الحمد لله هو الشكر بعينه. وإنما أُخذ هذا من أهل التفسير، وهو على التقريب والتشبيه، لا على التحقيق والتحديد.

وأما أحمدته، بالألف، فمعناه أنك وجدته حميد المذهب، ورضيته في نفسك، وإن لم تثن عليه؛ فالحمد: كلام تظهره، والإحماد: معرفة تضمرها، فلذلك دخلته الألف؛ لأن معناه أصبته ووجدته كذلك. والعامة تقول في الوجهين كليهما: حمدته، بغير ألف. وأما قوله: أصحت السماء، فهي مصحية، وصحا السكران، فهو صاح، فأصلهما جميعا من الصحو، وهو انجلاء الغيم عن السماء، وذهاب السكر عن السكران. وإنما السكر: بخار يغطي/ على عقل الشارب، كما يغطي السحاب وجه السماء. فإذا أفاق السكر عن السكران قيل: قد صحا، أي عقل فلذلك جاء بغير ألف، وهو يصحو صحوا، على فعول؛ لأنه فعل لا يتعدى فاعله، مثل: سها يسهو سهوا. وإن شئت قلت: صحوا. قال جرير: أتصحو أم فؤادك غير صاح عشية هم صحبك بالرواح وأما السماء فقيل لها أصحت، بالألف؛ لأنه بمعنى أقشعت وأسفرت وشبه جرير زوال الهم عن القلب بزوال السكر عن الشارب. وأما قوله: أقلت الرجل البيع إقالة، وقلت من القائلة قيلولة؛ فإن الإقالة في البيع: نقضه وإبطاله، إذا سألك المشتري ذلك، تقول: استقالني فأقلته ومعناه استرجاع العقد الذي كان بينكما ورده، وهو المبايعة. ويقال: تقايلنا بيعنا تقايلا، وقايلته مقايلة وقيالا، إذا أقال كل واحد منكما صاحبه. ومنه قولهم: أقلت فلاناً عثرته، إلا لم تؤاخذه بزلته. وفي الدعاء: اللهم أقلنا عثراتنا. أي اعف عن ذنوبنا، ولا تؤاخذنا. وأما قوله: القيلولة في مصدر قلت من القائلة، فإنه أيضا من ذوات الياء؛ يقال: قال يقيل قيلولة؛ وهو نوم نصف النهار. وبه سمي شرب نصف النهار: قيلا. يقال منه: اقتال الرجل؛

إذا شرب القيل، كما يقال: اصطبح واغتبق، على افتعل. وقالت الساجعة لولدها: "والله ما أرضعته غيلا، ولا حرمته قيلا". والقائلة والقيلولة من المصادر النادرة في الكلام. والعامة تقول في البيع: قلته قيلولة، وهو خطأ. وأما قوله: أكننت الشيء، إذا أخفيته في نفسك وكننته؛ إذا سترته بشيء فأوصلهما/ واحد. وليس معنى كننته سترته، ألا ترى أنك إذا أسبلت سترا على بيت، أو قوم، لم تقل: كننتهم، ولو سترت وجهك عن شمس، أو ريح بيدك، أو ثوبك، لم تقل: كننت وجهي، وليس المكان الكنين بالمستور عن الأبصار. وإنما ذلك في كل ما فيه صيانة وحفظ عن مكروه أو سوء، وإن كان بارزاً للأبصار، كما قيل للدر المصون: المكون؛ لأنه في حُق أو درج. وجارية مكنونة، أي مصونة في الحجال، وما أشبهه؛ فكل ما صين عن البِذلة، أو الشمس، أو الغبار أو نحو ذلك، فقد كننته، وهو مكنون، وإن لم يكن مستورا عن الأبصار، كما قال الله عز وجل: (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ). وقال الأعشى: أو بيضة في الدعص مكنونة أو درة شيفت إلى تاجر فالبيضة ليست بمستورة في الدعص، ولكنها مصونة عن التدحرج والانكسار والوطء، كالسر ونحوه، وإنما تصونه عن الإذاعة به والهتك، ولكن قيل فيه: أكننته، بالألف؛ لأن معناه معنى أخفيته، فنقل فعله بالألف أي جعلت له كنا، كم قال الله عز وجل: (ورَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ومَا يُعْلِنُونَ). والعامة تقول فيهما جميعاً، بغير ألف.

وأما قوله: أدنت الرجل، إذا بعته بدين، ودنت أنا، وادنت، وإذا أخذت بدين، فإن قوله: دنت الشيء، بمعنى أخذت بدين، فعل لازم بفاعله، غير متعد إلى مفعول، ومعناه ذللت، وذلك أن كل ذي دين يذل لصاحب/ دينه، ويخضع. وفي الحديث: "الدين رق فلينظر أحدكم من يرق رقبته". وهو من قول الأعشى: ثم دانت بعد الرباب وكانت كعذاب عقوبة الأقوال يعني ذلت وأطاعت، فهو فعل لا يتعدى، فأما قوله: ادنت، بتشديد الدال إذا أخذت بدين، فهو افتعلت من دنت، ومعناه دخلت في الدين، ولكن التاء قلبت دالا، وادغمت في الدال، التي بعدها. وقد يقولون: دنت فلانا أيضا، إلا أنه متعد إلى مفعول، وليس بالأول بعينه، وإن شركه في معنى الذل. وأما قوله: أدنت الرجل إذا بعته بدين، فإنما دخلته الألف لأن معناه أدخلته في الدين، فنقل الفعل من آخذ الدين إلى المعطي، بالألف، وفرق بذلك بينه وبين قولهم: دنته، إذا أذللته وقهرته، كما فرق بالسين والتاء في قولهم: استدنت بين سألته الدين، وبين أخذت بدين، حين قيل: دنت وادنت. والأصل واحد. ووجوه هذه الكلمة كثيرة، والاشتقاق يردها إلى شيء واحد، فمن أحب معرفة ذلك فلينظر في كتابنا: "في علل الاشتقاق وحججه" فإنما لم نتكلم في هذا الكتاب منه إلا بما كان من شكله، وعلى حسب موضوعه؛ لئلا يطول. وأما قوله: ضفت الرجل، إذا نزلت به، وأضفته، إذا أنزلته؛ فإن معنى ضفت، كمعنى ملت؛ ولذلك جاء على بنائه، إلا أن يفارقه في معان أخر. ومستقبله أضيف، بفتح الألف. وفاعله: ضائف. ومفعوله: مضيف. ومصدره: الضيف والضيافة أيضاً، وهي/ كالوكالة والسياسة والصناعة. ويسمى الفاعل والمفعول جميعا بالمصدر: ضيفا. ومنه

قول الله عز وجل: (إنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) وقوله [تعالى]: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ).ويقال للجميع: ضيف أيضا على المصدر. ويقال: أضياف وضيوف وضيفان. فأما قوله: أضفته، إذا أنزلته؛ فإن الألف دخلت فيه لنقل الفعل من النازل إلى المنزل، ومن الداخل إلى المدخل، ومن المائل إلى المميل، ونحو ذلك. ومعناه كمعنى الأول في الإمالة، كما قال امرؤ القيس: فلما دخلنا [هـ] أضفنا ظهورنا إلى كل حاري جديد مشطب أي أملنا وأسندنا؛ ولذلك سمي كل من ادعى إلى قوم ونسب إليهم مضافا ومنه قول النحويين في الاسم: المضاف، والمضاف إليه. إنما هو الممال والممال إليه، والمنسوب، والمنسوب إليه. وأما قوله: أدليت الدلو، إذا أرسلتها؛ لتملأها، ودلوتها، إذا أخرجتها من البئر، فليس معنى دلوتها أخرجتها، إلا والماء فيها، فممدتها بالحبل رويدا رويدا. فأما إذا وقعت في البئر فأخرجتها، فإنه لا يقال فيها: دلوتها، ولا أدليتها، وإنما يقال: دلوتها، إذا مددتها بالحبل من البئر، لأنه بمعنى مددتها، أو جررتها، أو جذبتها، فبني الفعل له على مثال ذلك. وأصل الدلو: السوق الرويد. كما قال الراجز: لا تقلواها وادلواها دلوا إن مع اليوم أخاه غدوا

ومستقبل دلوت: أدلو. ومصدره: الدلو. وفاعله: الدالي. والدلو مدلوة؛ لأنها/ مفعولة. وجمعها: أدل، ودُليّ ودِلي، فأما أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر بالحبل للاستقاء، ونحو ذلك، فهو كما فسرنا. فإن أرسلتها بغير حبل، ولغير الاستقاء ونحوه، لم تقل: أدليتها. ولهذا قال الله عز وجل: (فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ). ومنه قيل: قد أدلى الحمار والفرس إذا أرسل غرموله. وكل حبل أو خيط أو نحوه، أرسل في بئر، أو من علو إلى سفل فإنه يقال فيه: قد دليته، بالتشديد خاصة، حتى أنه ليقال لمن ألقي في مكروه أو غش، أو غرور: قد دليته فيه، ومنه قول الله عز وجل لإبليس – لعنه الله-: (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ). ولا يقال ذلك في الدلو، إذا استقي بها. وإنما قيل في ذلك بالألف، للفرق بين هذا المعنى، وبين سائر ما تقدم. وقد زعم الخليل أن بعض العرب يقول: دلوت الدلو، إذا أرسلها. والعامة تقول: دليتها بالتشديد لا غير. وأما قوله: لحمت العظم، إذا عرقت ما عليه، وألحمتك عرض فلان، إذا أمكنته منه يشتمه، فاللحم معروف، وهو ما على العظم تحت الجلد، سوى الشحم. فإنما قيل: لحمت العظم، أي أخذت لحمه، إما بسنك، وإما بسكين أو غير ذلك، كما يقال: عرقت العظم، فهو معروق. وقال امرؤ القيس يصف فرسا، بقلة لحم اللحيين: قد أشهد الغارة الشعواء تحملني جرداء معروقة اللحيين سرحوب فقيل لحمت العظم، لأنه في معنى عرقت العظم. ومنه قيل للبازي: قد لحم يلحم، وهو لاحم، أي أكل اللحم. وقد ألحمه صاحبه، إذا أطعمه اللحم، كما قال الشاعر:

قد أغتدي والطير ذو نقيق بملحم أزرق سودنيق/ والعظم ملحوم ولحيم؛ إذا أخذ أو أكل أو قطع، وإنما قيل: ألحمتك عرض فلان، على الاستعارة والتشبيه؛ لأن عرضه بمنزلة لحمه، فكأنك أطمته لحمه، إذا أبحته عرضه. قال الله عز وجل: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) يعني الغيبة وذكر العرض، فنقل فعل اللاحم بالألف، إلى الملحم، وهو المطعم اللحم. والمفعول: ملحم، بفتح الحاء. والمصدر: الإلحام. وأما قوله: هل أحسست صاحبك، وحسهم؛ قتلهم، فإن أصل هذين من الحس، الذي تحس به الأشياء، مثل السمع والبصر والشم والذوق واللمس. وكل ما شعرت به فقد أحسسته، ومعناه: أدركته بحسك، أو أدركه حسك. وصار بالألف؛ لأنه بمعنى الإدراك، فقيل أحسسته إحساسا، مثل أدركته إدراكا. ومنه قول الله عز وجل: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَاسَنَا) ومنه قوله تعالى: (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ) ومنه قول يعقوب: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وأَخِيهِ) أي تعرفوا بإحساسكم. وفاعل أحسست محس. ومفعوله: محس. والحواس: جمع الحاسة، وهي الحس، اسم على معنى النسب لا على الفعل؛ لأنه لا يقال منه: حسست. وأما قوله: حَسَّهم، إذا قتلهم؛ فإن الحَس: كل قتل وهلاك واستئصال لشيء بسرعة. كما قال الله عز وجل: (إذْ تَحُسُّونَهُم بِإذْنِهِ) أي تقتلونهم قتلا ذريعا. وحقيقته: تأتون على إحساسهم؛ فلا تبقون لهم حسا. ومنه قولهم: قد حس البرد النبات، أي أهلكه وأفسده. والبرد محسة للنبت؛ لأنه يحس النبت، والأشياء.

فالفاعل من هذا حاس، والمفعول: محسوس ومصدره: الحّس. والعامة تقول: حسست الشيء في أحسست، وهو خطأ. وأما قوله: مَلَحت القدر/ إذاا ألقيت فيها من الملح بقَدر؛ يعني بغير ألف. وأملحتها، إذا أفسدتها بالملح، بالألف؛ فإن الملح هو الإصلاح في كل شيء. وبالملح يكون صلاح جميع الطعام وأكثر الأشياء، فإذا جعلت في القدر من الملح بقَدَر، فقد أصلحتها، ولذلك قيل: ملحتها. وكذلك غير القدر كقولهم ملحت المرأة الصبي، إذا أرضعته، ولذلك سمي الرضاع واللبن: الملح، كما قال الشاعر: وإني لأرجو ملحها في بطونكم وما بسطت من جسد أشعث أغبرا ومنه قيل: ملحت السمك، إذا جعلت فيه ما يصلحه من الملح، ولذلك قيل: سمك مملوح ومليح. ولا يقال: مالح، إلا على جهة النسب، أي ذو ملح. والعامة تقول: سمك مالح. فإذا جاوزت القدر الذي يجب، فقد تركت الصلاح وأفسدت؛ فلذلك قيل: أملحتها بألف، أي أفسدتها بالملح، فأنت مملح، والشيء مملح إملاحا. وإذا كان شيء يصلحه الملح الكثير قيل: ملحته تمليحا، فهو مملح؛ بالتشديد، كالشحم والإلية والسنام. وللدابة وللبعير، إذا أطعمتها الملح، والنخل إذا ذررت الملح في أكرابها، للعلاج من داء، ودواب. وأما قوله: رميته أرميه رميا بيدك، فإذا قلعته من موضعه قلت: أرميته عن الفرس وغير إرماء. فإن أصل الرمي، إنما هو بسهم أو حجر أو غيرهما، مما يقذف به باليد أو بغيرها، وإن لم يمس باليد، وهو مرمّى. وذلك عام في كل شيء، حتى يستعار للأيام والليالي والموت، وغير ذلك، فيقال: رمته الأيام ورماه الدهر، ورمته/الحوادث، ورماه الموت، كما قال عمرو بن قميئة:

رمتني بنات الدهر من حيث لا أدري فكيف بمن يرمى وليس برام على الراحتين تارة وعلى العصا أنوء ثلاثا بعدهن قيامي فلو أنني أرمي بسهم تقيته ولكنني أرمي بغير سهام يعني الصروف والأحداث. ومنه قولهم: رمتني المرأة بعينها، إذا نظرت إليه، ففتنته، كما أنشدنا محمد بن يزيد: رمتني وسرت الله بين وبينها عشية آرام الكناس رميم ألا رب يوم لو رمتني رميتها ولكن عهدي بالنضال قديم فهذا يبين أن قوله: إذا رميته بيدك خطأ، لأنه ليس للدهر يد، والعين ليست بيد، والإنسان يرمي غيره بالشتم بلسانه، كما قال الله عز وجل: (والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ). وقال [تعالى]: (والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ومَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) والنبي صلى الله عليه قد رمى بالتراب، ولكن الله رمى بالهزيمة والرعب في قلوبهم. والذي قاله أيضاً في اليد، إنما هو رمي بشيء غير اليد، مثل: السهم والحجر ونحوهما. ومنه ما هو بآلة، كالقوس والمقلاع والمحذفة. وأما قوله: أرميته، إذا قلعته من موضعه، فإنما هو إلقاء الشيء من مكانه، من علو إلى سفل، وهو مجاوزة حد الرمي الأول، والزيادة عليه، فإنما قيل: أرميته عن الفرس، كما يقال: أذريته أي ألقيته من الذروة، ولأنه في معانه، ولذلك قيل:/ قد أرمى فلان على كذا وكذا سنة، إذا زادت سنوه، فهو مرم إرماء.

وأما قوله: أجبرت الرجل على الشيء يفعله، فهو مجبر. وجبرت العظم والفقير فهو مجبور؛ فإن أصل ذلك من جبر العظم المنكسر، وهو إصلاحه وعلاجه حتى يبرأ. وهو عام في كل شيء، على التشبيه والاستعارة؛ فلذلك قيل: جبرت الفقير إذا أغنيته: كأنه قد فقر ظهره، أي كسر فقاره. وكذلك يقال لليتيم: جبر الله يتمه. ويقال في الدعاء: اللهم اجبرنا، أي أصلح شئوننا. وفي الدعاء: يا جابر كل كسير؛ فجابر لا يكون إلا من جبر، وهو اسم الفاعل، ومفعوله/ مجبور. ومصدره: الجبر. ومنه قول العجاج: قد جبر الدين الأله فجبر وأهل اللغة ورواة الشعر يقولون: معنى فجبر، أي فانجبر أو فاجتبر ولكنه خرج لفظ المطاوعة والانفعال عن لفظ الفعل من الجابر. وهذا من الحروف النوادر، التي شرحناها، فلا يمتنع عندي أن يكون قوله في هذا البيت "فجبر" على معنى الدعاء بالزيادة، أي فلا زال الله يجبره، وهو أقيس من قولهم وتأولهم؛ لن الانفعال من هذا على الجبر، واجتبر، كما قال الراجز: من عال منا بعدها فلا اجتبر ولا سقى الماء ولا رعى الشجر وأما قوله: أجبرت الرجل على الشيء يفعله، نحو قولك: أجبر القاضي الخصم على الحق إجباراً، بمعنى ألزمه أوكرهه وقهره. ويقال: أجبر الله الخلق على ما أراد؛ أي/ خلقهم على مراده، فلا يقدرون أن يخرجوا عما أجبرهم عليه وقدره وقضاه. والفاعل من هذا: مجبر، بكسر الباء. والمفعول: مجبر، بفتح الباء لغة الإجبار. وقد روى

في هذا المعنى لغة أخرى على فعلت بغير ألف، وهو جبرت فأنا جابر. وإذا كثر ذلك منه قيل: جبار. وفي دعاء أو تسبيح لعلي بن أبي طالب عليه السلام: (جبار القلوب، على فطرها" ومنه قول الله عز وجل: (العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ). وأما قوله كنفت حول الغنم كنيفاً، إذا حظرت، وأكنفت الرجل، إذا أعنته، فهو مكنف، فإن أصل هذا من الكنف، بفتح الكاف والنون، وهو الناحية. والكنفان من الإنسان وغيره ناحيتاه. وقال الأعشى: أو بيضة الأدحي ألجأها كنفا الظليم بوهدة قفر يقال منه: كنت في كنف فلان؛ أي في ناحيته. ويقال في الدعاء عن الوداع: في كنف الله، وفي ستره؛ أي في حفظ الله. وقد كنفه الله يكنفه. وكذلك الرجل يكنف صاحبه. وقد كنفه، أي حفظه وحرسه وصانه. وكذلك الغنم وغيرها، إذا جعل لها حظيرة، فإنما تحفظ فيها، وتحرس، وهي في ناحية من المكان؛ فلذلك يقال: كنفتها أكنفها. والفاعل: كانف. والمفعول: مكنوف. والمصدر: الكنف، بفتح الكاف وسكون النون. والكنيف اسم ما يجعل حول الغنم وغيرها، كالمغتسل والمتوضأ، وهو فعيل بمعنى مفعول، أي مكنوف. فأما قولك أكنفت الرجل، بالألف، إذا أعنته، فليس بخارج عن الصيانة والحفظ، وإن زاد فيه معنى الإعانة؛ لأن كل من أعين، فقد كنف أيضاً، ولكن/ نقل إلى الألف، من أجل أنه في معنى أعان، وللفرق بين المعنيين بعلامة. والعامة لا تعرف الإكناف في الإعانة، وليس يمتنع من أن يقال فيها كنفت، بغير ألف. وأما قوله: أعجمت الكتاب، فهو معجم، وعجمت العود ونحوه، إذا عضضته أعجمه فإن قوله: أعجمت الكتاب؛ بالألف مأخوذ من حروف المعجم، التي لا معنى لها؛

فسميت معجما لذلك، فإذا نقطت قيل أعجمتها، أي أوضحتها وأبنتها من العجمة. والفاعل منه: معجم، بالكسر. والمفعول: معجم، بالفتح. والمصدر: الإعجام. وأما عجمت العود، بغير ألف، فمأخوذ من العجم، وهو: نوى كل شيء؛ من تمر أو زبيب أو نحو ذلك. وإذا عضضت شيئاً منها قلت: عجمته، أي عضضت العجم، فاستعمل في كل شيء، على الاستعارة والتشبيه، قيل: عجمته التجارب، وعجمته الدهور. وقال الحجاج بن يوسف في خطبته في بالعراق: "إن أمير المؤمنين، نكب كنانته، فعجم سهامها، سهما سهما، فوجدني أصلبها عودا- يريد جرب الرجال- فخاتارني". والفاعل من هذا: عاجم. ومفعوله: معجوم، كما قال علقمة في صفة فرس: سلاءة كعصا النهدي غل لها ذو فيئة من نوى قران معجوم والمصدر: العجم، والمعجم. ويقال: إنه لمر المعجم، ولين المعجم، عام في كل شيء. وأما قوله: نجم القرن والنبت، إذا طلع، وكذلك السن وأنجم السحاب إذا أقلع، وكذلك البرد، فإن أصل النجوم: خروج كل شيء في الأرض أو السماء أو الجسد، وظهوره، كالكواكب والأشجار والنبات والقرون والأسنان. يقال: نجم قرن الغزال، ونجم/ ناب البعير، ونجم النبات، ونجمت النجوم. ويقال: كلما درج قرن من الناس نجم آخرون. وقد نجم في بني فلان شاعر، أو متكلم، أو فارس، فهو ينجم نجوما. والاسم: الناجم، مثل قولك: ظهر يظهر ظهوراً، فهو ظاهر. وبرز يبرز بروزا، فهو بارز، وخرج يخرج خروجا، فهو خارج. وكذلك الشهور والأوقات والمواعيد، إذا أتى منها واحد أو حان قيل: قد أتى نجم من النجوم، وقد نجم. وأما قوله: أنجم السحاب إذا أقلع، فهو كقولهم: أحصد الزرع، وأصرم النخل،

بمعنى أقلع فلذلك جاء بالألف. وفاعله، منجم، بالكسر. ومصدره: الإنجام وليس له مفعول؛ لأنه فعل غير متعد، إلا أن يبنى مصدره بناء المفعول، فإن ذلك جائز. وأما قوله: صدقت الحديث، وأصدقت المرأة صداقها؛ فإن الصدق معروف، وهو ضد الكذب. وقوله: صدقت الرجل الحديث؛ إنما أصله: صدقت الرجل في الحديث؛ لأن صدقت من الأفعال، التي تتعدى إلى مفعول واحد، ثم يعدى بحرف الجر إلى أكثر من ذلك. ولكن قد حذف حرف الجر منه، لكثرة الاستعمال، واعتياد معناه، وزوال اللبس عنه، فقيل: صدقت الرجل الحديث. وفاعله: صادق. ومفعوله: مصدوق. والصدق: اسم له، موضوع موضع مصدره. وقد يستعمل هذا الفعل لازما لفاعله، غير متعد ألبتة، فيقال: صدق وبر. وفي مثل من أمثالهم: "صدقني سن بكره" معدي إلى مفعولين. ويقال: من صدق الله نجا، معدى إلى مفعول واحد. وليس من صدق الحديث في شيء، ولكنه صدق النية والعمل. وأما قوله: أصدقت المرأة صداقها، فمعناه أعطيتها صداقها؛ وهو المهر. فإن أردت أنك سميت لها صدقا، قلت: أصدقتها لا غير، ولم تذكر الصداق./ وإن أردت: أعطيتها مهرها، قلت: أصدقتها صداقها، فكذرته، بمعنى أوفيتها صداقها. وأما قوله: قد ترب الرجل، إذا افتقر، وأترب إذا استغنى، فإن أصل ذلك كله من التراب. وإنما قيل: ترب الرجل، بمعنى لزق بالتراب لفقه، أي ليس له شيء غير التراب، وبنى على فعل بكسر العين؛ لأنه من أمثلة الانفعال، ولزق مثله، فخرج على بنائه. وهو يترب؛ بالفتح. وفاعله: ترب. ومنه قول ذي الرمة: مرا شمال ومرا بارح ترب

وهو الذي لزق بالتراب واختلط به، من شدة هبوطه. وفي الحديث: "لأنفضنكم نفض الوذام التربة". وفي الدعاء على الرجل: تربت يداك، أي لزقت بالتراب. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه قال لرجل تزوج امرأة لما لها: "عليك بذات الدين، تربت يداك". وهذا كله بمعنى الانفعال؛ كأنه قد أترب، أو ترب فترب كما تقول: أتربت الكتاب وتربته. وأما قوله: أترب، إذا استغنى فمعناه أصاب من الغنى بكثرة التراب، فلما كان بمعنى أيسر وأكثر وأصاب، بني على أفعل، بالألف ولنقل الفعل أيضا. وفي هذا المعنى قولهم: جاء بالطم والترم، فالطم البحر وماؤه والرم التراب ونحوه. وأما قوله: نظرت الرجل؛ إذا انتظرته، وأنظرته؛ إذا أخرته، فإن أصله من النظر بالعين أيضاً، إلا أنه يتصرف على وجوه للاتساع في الكلام، فيستعمل في العين مرة، وفي القلب مرة، وفي غير ذلك أيضاً، على التشبيه والاستعارة، ويخالف بين أبنيته ويعدى مرة بنفسه، ومرة بحرف الجر، ليفرق بذلك بين اختلاف معانيه، فلما كان الانتظار/ والتوقع في معنى أردته وطلبته وبغيته استعمل فعله على أمثلتها، وعدي، تعديتها، بغير حرف جر، فقيل: نظرته. وفرق بذلك بينه وبين قولك: نظرت إليه، في نظر العين، فإنه لا يكون إلا معه إلى، وبها يتعدى، كما قال الله لموسى: (ولَكِنِ انظُرْ إلَى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) وكقوله: (وجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) وكما قال المسيب: نظرت إليك بعين جازئة في ظل فاردة من السدر

جازئة: طيبة، جزأت بالرطب عن الماء، والفاردة: السدرة المنفردة. وقال الحطيئة في نظرته، بمعنى انتظرته: وقد نظرتكم إيناء صادرة للخمس طال بها حوزي وتنساسي الحوز: سوق قليل لين. والتنساس: السوق الشديد، ويقال: نسها ينسها نسا، ومستقبل ذلك أنظر. وفاعله: ناظر. ومفعوله: منظور. ومصدره: النظر، في الوجوه كلها. فأما أنظرته، فمعناه جعلت له الانتظار على نفسي فنقل الفعل بالألف؛ لأنه بمنزلة أمهلتها، وأنسأته وأرجأته. والفاعل منه: منظر بكسر الظاء. والمفول: منظر، بفتحها. والمصدر: الإنضار، قال الله عز وجل، عن إبليس- لعنه الله-: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ) والنظرة، بكسر الظاء: اسم يستعمل بدل المصدر. قال الله عز وجل: (وإن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ). وأما قوله: أعجلته، أي استعجلته، وعجلته، أي سبقته، فإنه قد غلط في قوله: عجلته: /سبقته؛ لأنه عدي الفعل إلى الهاء، وعجلت لا يتعدى، وإنما هو فعل لازم، بمعنى أسرعت وبادرت. يقال: عجل يعجل عجلا، فهو عجل وعاجل. ومنه قيل للدنيا: العاجلة. وقال الله عز وجل: (وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) فلم يعد عجلت إلا بحرف جر، وكذلك تعدية ما لا يتعدى. وقال الأعشى في مصدره: كأن مشيتها من بيت جارتها مر السحابة لا ريث ولا عجل فإن وجدتم عجلته في شعر، فذلك من ضرورات الشعر، وحذف الجار، على قياس قولهم: كلته ووزنته. وليس عجلت أيضاً بمعنى سبقت، بكسر الجيم، ولكن لعله أراد

قولك: عاجلني فعجلته، بمعنى سابقني فسبقته، وذلك ليس بمكسور الجيم. وإنما هو مفتوح. وأما أعجلته فمنقول من عجلت، أي أسرعت، أي استعجلته وهو دليل على ما قلناه في عجلت؛ لأن عجلت لو كان متعديا إلى مفعول، لكان أعجلته متعديا إلى مفعولين؛ لأن المنقول أبدا يكون له مفعول، لم يكن لما نقل عنه. وقال الله عز وجل: (ومَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى) فعدى الفعل إلى الكاف، ثم عداه بعد الكاف بحرف الجر؛ إذ كان أصله ألا يتعدى. ومما يزيد في الدلالة قول موسى عليه السلام: (وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) فهذا جواب ما أعجلك، ولم يسأله الله عن سبقه القوم، وإنما سأله عن التعجل والسرعة في المجيء، وعن ذلك أجابه، لا عما لم يسأله. وعدى أيضاً قوله: عجلت إليك بحرف الجر، لا بنفسه. والفاعل من أعجلته: معجل، بكسر الجيم. والمفعول: معجل، بفتحها. والمصدر: الإعجال. وأما قوله: مد النهر، ومده نهر آخر، / وأمددت الجيش بمدد، وأمدا لجرح، إذا صارت فيه المدة؛ فإن مد النهر غير متعد ليس بمعنى مده نهر آخر، متعدياً؛ لأن الذي لا يتعدى معناه: زاد النهر، أو طما أو زخر، ولذلك جاء على فعل، غير متعد. وأما الذي يتعدى فمعناه: كثر غيره وقواه ووصله، كقول الله عز وجل: (ولَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ والْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) وقال الشاعر: ماء قريٍّ مده قريُّ وليس هذا من باب زدته أنا وزاد هو، كما يقال: جبرته وجبر هو ونحو ذلك، لأن معنى اللفظتين في "مد" مختلف، ومستقبله: يمده. والفاعل ماد. والمفعول: ممدود، مثل قولك: مددت الحبل فهو ممدود، ومددت الحديث ومددت سيري، ونحو ذلك. وأما أمددت الجيش، فمنقول بالألف من قولك: مد النهر، من المدد، أي جعلت له مددا ومادة وزيادة. وقال الله عز وجل: (وأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ) وقال [تعالى]: (أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ) فلذلك تعدى إلى مفعول واحد بنفسه، ثم عداه إلى الآخر

بحرف الجر، فمعناه كعمنى: أرطبت البسرة، وأبسرت البلحة، وأثمرت الرطبة، أي صارت بسرة ورطبة وتمرة. والمدة: اسم لما يجتمع في الجرح، مشتق من المادة والمدد. وأما قوله: آثرت فلانا عليك فأنا أوثره، وأثرت الحديث فأنا آثره، وأثرت التراب فأنا أثير، فإن فلانا عليك ممدودة الألف. وإنما هو أفعلت من الأثرة والتفضيل، وهو عائد الى الأثر. واحد الآثار، إلا أنه نقل بالألف ليفرق بينه وبين أثرت الحديث، مقصورة الألف. والفاعل من الممدود: موثر بكسر الثاء. ومفعوله: /موثر بالفتح. ومصدره: الإيثار. ومنه قول الله عز وجل: (ويُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ ولَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) وقوله [تعالى]: (تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا) أي فضلك. فأما أثرت الحديث مقصورة، فمعناه تبعت أثره وبلغته. ومستقبله: آثره، بضم الثاء، ممدودة الألف. والفاعل منه: آثر. ومفعوله: مأثور. فأما أثرت التراب فقد قدمنا في أول الباب أن دخوله ههنا خطأ، وليس من هذا الباب. وأما قوله: وعدت الرجل خيرا وشرا، فإذا لم تذكر الشر قلت أوعدته ووعدته بكذا وكذا، يعني الوعيد. فليس يحتاج إذا قيل وعدت الرجل إلى ذكر خير ولا شر، وإن كان يحتمل معناه كل واحد منهما، إلا أن يخاف اللبس، فيذكر الذي يعني. واسم الفاعل منه: الواعد. والمفعول: الموعود. والمصدر: الوعد والعدة والميعاد والموعد. قال الله عز وجل: (وإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) وقال [تعالى]: (ووَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) وقال [تعالى]: (إنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ المِيعَادَ) وقال [تعالى]: (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) وقال [تعالى]: (مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا). فأما أوعدته، بالألف فلا يكون إلا للشر خاصة وللتهدد، فلذلك استغنى معه عن ذكر الشر، إلا أن تذكر الوعيد الذي تهددته به فتقول: أوعدته بالقتل، أو بالصلب، أو بالقيد، أو الحبس، أو بكذا وكذا، مفسرا للشر، الذي لا يعلم بقولك أوعدته، وقال الشاعر في الوعد والإيعاد:

إذا وعدوا أنجزوا وعدهم وإن أوعدوا خاب من أوعدوا يمدحهم بذلك؛ لأن من الكرم والفضل تناسي الوعيد. وأنشدنا أبو العباس/ وغيره من البصريين، عن الأصمعي، عن أبي عمر بن العلاء، أنه احتاج على "عمرو بن عبيد" في الوعيد من الله عز وجل، بقول الشاعر: وإني وإن أوعدته أو وعدته لأخلف إيعادي وأنجز موعدي فهذا آخر الباب.

تصحيح الباب السابع وهو المترجم بباب "أفعل" بالألف

تصحيح الباب السابع وهو المترجم بباب "أَفْعَلَ" بالألف اعلموا أنه لا معنى لذكره لهذا الباب، وإفراده إياه؛ لأنه لم يجعله أفعل، الذي ليس فيه فَعَل، ولا أفعَل، الذي هو بمعنى فَعَل، عند أهل اللغة، ولا ألحقه بالباب الذي قبله، فيكون أفعل منه بمعنى، وفعل بمعنى آخر، فكأنه إنما أراد تكثير الأبواب، أو كأنه لم يحصل الأبواب على ترتيب واستحسان، فهو باب مخلط بعضه من الباب الذي قبله، وبعضه مما يكون فيه فعَل وأفعل عند أهل اللغة بمعنى واحد، ومنه ما يستعمل منه أفعل، ولا يستعمل منه فعل، فإن كان جعله باب أفعل المخلط، فقد كان يجب أن يجعل الذي قبله معه، ويخلط أبواب الكتاب كلها به، حتى يكثر تخليطه، ولا يتكلف التفصيل والترتيب. فمن ذلك أنه قال: أشكل علي الأمر، فهو مشكل، وفعل من هذا اللفظ مستعمل كقولك: شكلت الدابة، وشكلت الكتاب، ولم يذكرهما، وهما من الباب الذي قبله، وقال: أمر الشيء، إذا صار مرا، فذكر أفعل، ولم يذكر فعل، وهو قولهم: مر الرجل وغيره مرورا/ إذا ذهب، فإن كان إنما أراد أن يذكر ما أخطأت فيه العامة في أفعل منه فقالته بفعل، فقد كان يجب أن يجمع ذلك في باب واحد، ولا يفرقه في أبواب. ومنه قوله: أسف الرجل للأمر، إذا دخل فيه، وليس ذلك كما قال. ولكنه إذا طمع فيه وأراده، ودنا منه وطلبه، فقد أسف إليه، وإن لم يدخل فيه. وهو مأخوذ من قولهم: أسف الطائر، إذا دنا من الأرض في طيرانه، وإن لم يقع بالأرض. وسففت، بغير ألف مستعمل، فلم يذكره. * * * ونحن مفسرون غريب هذا الباب، ومعانيه، على كل حال، وهذا تفسير ذلك: أما قوله: أشكل علي الأمر، فهو مشكل، فإن معناه التبس الأمر واشتبه، وهو منقول

من: شكلت الدابة، إذا شددت إحدى رجليه إلى يديه، فمنعته من المشي والعدو؛ لأن ذلك يلبس عليه التصرف ويمنعه منه، فشبه التباس الأمر في كل وجه به، ولكن نقل الفعل إلى الأمر بالألف، فصار فعلاً غير متعد إلى مفعول، بمعنى ألبس علي الأمر، وعلى وزنه؛ لأنه بمعنى المطاوعة كقولك: خلطت عليه فاختلط، وخلطته فاختلط. والعامة تقول: شكل علي الأمر، وهو خطأ. وأما قوله: أمر الشيء، إذا صار مرا، فكما فسره، ولهذا نقل بالألف؛ لأن الألف تأتي في معنى صار الشيء كذا وكذا. ويقال: كلمته فما أمر ولا أحلى. أي ما تكلم بحلو ولا مر. وفاعل هذا: ممر. ومصدره: الإمرار. والعامة تقول: قد مر إذا صار ذلك مرا، بغير ألف. وقد روي ذلك في بعض اللغات أنه قد يقال: مر وحلا. وينشد للطرماح: لئن مر في كرمان ليلي لطالما حلا بين تلى بابل فالمضيح/ وقال بعض العلماء: كل طعام وشراب، تحدث فيه حلاوة أو مرارة، فإنه يقال فيه قد حلا يحلو، وقد مر يمر. وكل ما كان من دهر أو عيش أو أمر، يشتد ويلين ولا طعم له فإنه يقال فيه: أحلى يحلى، وأمر يمر؛ لأنه مشبه بما له طعم، فنقل الفعل إليه بالألف، كأنه من الطعوم، على الاستعارة. وأما قوله: أغلقت الباب، فهو مغلق، وأقفلته فهو مقفل. فإن قوله: أغلقت فإن معناه شددته بالغلق وأوثقته وأرتجته. وأما أقفلت فمعناه أوثقته بالقفل. والعامة تقولهما جميعاً، بغير ألف، وهو خطأ. وفي ذلك يقول الشاعر:

ولا أقول لقدر القوم قد غليت ولا أقول لباب الدار مغلوق وإنما كانا على أفعل؛ لأنه بمعنى أوثقت وأحكمت وأوصدت وأرتجت، أي جعلت عليه الغلق أو القفل. ومعناهما راجع إلى قولهم: غلق الشيء يغلق غلقا وأغلقه غيره إغلاقا، وإلى قولهم: قفل الشيء يقفل قفولا، وأقفله غيره إن شئت من الرجوع كالقافلة، وإن شئت من اليبس الذي ينال المسافر في جلده، يقال: قد قفل جلده، أي يبس. وأما قوله: أعتقت الغلام فهو معتق، وعتق هو، فهذان من باب فعل وأفعل ومعنى عتق الشيء، أي صار حرا، أي كريما، ويقال لكل كريم من الخيل وغيره: عتيق؛ ولذلك سميت الجارية المخدرة: عاتقا، والخمر: عتيقا، وسمي الماء: العتيق، والتمر: العتيق، وثوب عتيق، ووجه عتيق، أي كريم أو جميل. وكل شيء قديم يسمى عتيقا أيضا؛ ولذلك قيل للبيت الحرام: البيت العتيق. قال الله جل وعز: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى البَيْتِ العَتِيقِ) / وقال [تعالى]: أيضا: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ) وامرأة عتيقة: أي جملية أو كريمة أو حسيبة. وقال عنترة: كذب العتيق وماء شن بارد إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي والبازي يقال له: عتيق؛ لأنه أكرم الطير. وقال لبيد: فانتضلنا وابن سلمى قاعد كعتيق الطير يغضي ويجل

وقال رؤبة في عتق العبد: قد عتق الأجدع بعد رق بزولة أو قارح معق والمستقبل من هذا الفعل: يعتق، بفتح أوله، وكسر التاء. ومصدره: العتق والعتاقة والعتاق. وهو عتيق، فعيل بمعنى فاعل، أو مفعول من أعتق وإن أردت أنه يعتق غدا قلت: هو عاتق. وأما أعتق فاسم فاعله: معتق. ومفعوله: معتق، بفتح التاء. ومصدره: الإعتاق. والعامة تقول: عتقت الغلام. بغير ألف، وهو خطأ. وأما قوله: أبغضت الشيء أبغضه، وأن مبغضه، وقد بغض هو، فإنه أيضاً من باب فعل وأفعل، باختلاف المعنى. وكان يجب أن يأتي به هناك. وأبغضت منقول بالألف، من بغض الشيء، يبغضن بغاضة وبغضنا، ومعناه معروف. وأما قوله: أسف الرجل لأمر، إذا دخل فيه فقد فسرناه، في أول الباب، وبينا غلطه. وكذلك أسف الطائر، فهو مسف. وفيه يقول عبيد، يصف السحاب: دان مسف فويق الأرض هيدبه يكاد يدفعه من قام بالراح/ وأما قوله: أسففت الخوص، إذا نسجته، فالخوص لا ينسج، ولكنه يضفر، كما يضفر الشعر والجلد والسيور، ويرصع، ونحو ذلك. وقيل ذلك فيه؛ لأنه قد دنا من النسج، كما دنا السحاب من الأرض، والطائر من الأرض فلذلك قيل: أسففته، وهو منقول من قولك سففت السويق والفتوت والدواء والتراب؛ لأن السف قريب من الأكل. والعامة تقول: سففت الخوص؛ بغير ألف. وأما قوله: أنشر الله الموتى فنشروا، فإنه من باب فعلت وأفعلت، باختلاف المعنى أيضاً؛ أي أحياهم فحيوا، كأنهم حين ماتوا، كانوا قد طووا فنشروا من طيهم، ولكن خولف بين بناء فعلهم، وفعل النشر والطي، للفرق بين المعاني.

وقال الأعشى: حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر فهذا من نشروا. وقال الله عز وجل: (ثُمَّ إذَا شَاءَ أَنشَرَهُ)؛ أي أحياه. وأما قوله: أمنى الرجل فهو يمني من المني، فمعناه أنزل، فهو ينزل وذلك إذا خرج منه الماء الدافق. قال الله عز وجل: (مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى). والمني مشدد الياء اسم على فعيل. وقد أمنى الرجل يمني إمناء، وبعض أهل اللغة يجيز منى، بغير ألف، كأنه على لغتين، فمعنى منى سال، ومعنى أمنى أسال. وقد روي أن "منى" التي بعرفات إنما سميت منى؛ لأن الدماء تمنى بها؛ أي تسال، إذا ذبحت النسك. وأما قوله: ضربه فما أحاك فيه السيف، فمعناه لم يعمل فيه ولم يؤثر. يقال: هذه شجرة لا يحيك فيها القدوم ولا الفأس، وفلان لا يحيك فيه [العتاب] والملام، بالألف فهو محيك إحاكة. والعامة تقول: /حاك يحيك بغير ألف، فهو حائك فيه حيكا وحيكانا. ويقال: إنها لغة لبعض العرب. وليس هذا من الحياكة والنسج؛ حياكة النسيج أصلها من الواو. يقال: حاك يحوك حوكا. ويقال: فلان يحيك في مشيته، إذا تبختر بالياء، كأنه من الأول لأنه من المضي. وأما قوله: أمضني الجرح والقول، وكان من مضى يقول: مضني، بغير ألف؛ فقد روى فيها لغتان، كما حكي بألف، وبغير ألف، فمن قالها بغير ألف، فمصدره: المض والمضيض، ومن قالها بألف، فمصدره: الإمضاض. وقال بعض الأعراب، واشتكى عينه فذرها:

هذا ذرور إن شفاني الذر له مضيض وأذى وحر والشر لا يطفيه إلا الشر وقال آخر: يا من لعين لم تذق تغميضا ومأقيين أشربا مضيضا ويقال: وجدت له مضيضا ومضاضة ومضضا ومضا، أي حرقة وحرارة. وقال رؤبة في أمض، بألف: فاقني فشر القول ما أمضا وأما قوله: أنعم الله بك عينا، فالمعنى فيه أقر الله بك عينا، وقرت العين نعمتها. تقول: نعمت بالا، ونعمت به عيني، وأنعمها غيرها بالألف، لنقل الفعل على ما فسرناه. وقال الشاعر في نعمت بالاً: ولو أني أشاء نعمت بالا وعاداني صبوح أو غبوق وقال امرؤ القيس: ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي وهل ينعمن من كان في العصر الخالي/ وهذا فعل لازم، بغير ألف بمعنى الانفعال، وأنعمته؛ بالألف، فعل متعد، منقول. والله عز وجل هو المنعم على كل ناعم. والعامة تقول: نعم الله بك عينا بغير ألف. وأما قوله: أيديت عند الرجل يدا، فمعناه أسديت إليه معروفا، وأنعمت عليه وهو فعل مشتق من اليد وهي جارحة من الجوارح، ليس اسمها بمصدر، تتصرف منه الأفعال، ولكن تصرف منه ذلك على الاستعارة والتشبيه بالمصادر، لما جعل اسم للإسداء والإنعام على الاستعارة؛ لأنهما لا يكونان إلا بهذه الجارحة، فمعنى أيديت؛ أي اتخذت عنده يدا.

والنعمة تسمى يدا، وتجمع على الأيدي، كما جمعت اليد نفسها. وربما جمعوا الجمع فقالوا: الأيادي، ليفرقوا بين جمع الجارحة والنعمة, وقد روى عن بعضهم: يديت إليه معروفا بغير ألف. وحكى "الخليل" عن العرب أنهم يقولون: إن فلانا لذوي مال، ييدي به ويبوع؛ أي يبسط به يديه وباعه، فكأنه قولهم: يديت، إنما هو من هذا، لا من النعمة؛ لأن اليد هي التي تبسط بالخير والشر، وتصرف بها الأمور، وكذلك الباع. وأما قوله: لا أعلك الله، للرجل إذا وجد علة، فمعناه لا جعل الله فيك علة، أي مرضاً، وهو منقول من اعتل الرجل واعتل انفعال منه، كأن الله أعله فاعتل؛ لأن اعتل فعل لازم بمعنى المطاوعة، والرجل عليل وهو فعيل بمعنى مفعول، أي جعلت فيه علة فقبلها. وأصله من العل؛ وهو القراد الضخم الكبير، والشيخ المسن، يشبه به؛ لضعفه وذهاب قوته، وقال الهذلي، يصف رجلا: ليس بعل كبير لا شباب له لكن أثيلة صافي الوجه مقتبل. وقال الطرماح في "القراد": عل طويل الطوى كبالية الـ ـسفع متى يلق علو يصطعده أي يصعده. ويقال لكل كبير السن، صغير الجسم: عل، فلذلك قيل للمريض: عليل، ومعتل. والعامة تقول: لا علك الله، بغير ألف، وهو خطأ. وأما قوله: أرخيت الستر، فهو مرخي، فإنه واضح، ومعناه أرسلته إرسالا، على

أفعلت، منقول بالألف، من الرخو، من كل شيء. ومنه قيل لبعض سير الفرس: الإرخاء، وهو اللين منه، كما قال امرؤ القيس: له أيطلا ظبي وساق نعامة وإرخاء سرحان وقريب تتقل والعامة تقول للمرخي من الستور: مرخي، وهو خطأ؛ لأنه على مفعول، وإنما هو مفعل؛ لأنه بالألف مثل: أسبلته فهو مسل. وقد استرخى هو على استفعل، بمعنى انفعل للمطاوعة. وأما قوله: أغليت الماء فهو مغلي، فمعناه كمعنى سخنت وطخبت وأحميت وتقول: قد على الماء نفسه، بغير ألف، فهو يلي غليا وغليانا، كما قال الله عز وجل: (يَغْلِي فِي البُطُونِ (45) كَغَلْيِ الحَمِيمِ) وقد أغلاه غيره، وهو يغليه إغلاء، فهو مغلي، كما تقول: حمِي يحمَى حَميْا، وأحماه غيره يحميه إحماء، فهو محمى، فتنقله بالألف. والعامة تقول: غليت الماء، بغير ألف، وهو مغلي على مفعول، وهو خطأ. ويقولون: غِليت القدر تغِلي، بكسر الثاني من الماضي والمستقبل، وهو أيضاً خطأ. وفيه قال الشاعر: ولا أقول لقدر القوم قد غليت ولا أقول لباب الدار مغلوق/ ولم يجئ فعل يفعل في الكلام، إلا في كلمات قليلة شاذة عن القياس مثل: حسب يسحب، وورم يرم، كأنهم حملوا غليت على حَميَت، لما كان في معناه هو غلط منهم. وأما قوله أكريت الدار فهي مكراة، والبيت مكري، فإن العامة تقول: هو مكري، على مفعول، وهو خطأ. وهو مثل قولهم: أكريت النهر، وهو من التأخير والإبعاد؛ وذلك أنك إذا أجرت الدار وغيرها شهرا أو أكثر بشيء، فهو بتأخير ونسيئة، وكذلك أكريت الإبل والحمير. والكَرِيّ الحمال الذي يُكريك، والمُكارِيّ الذي يكري الدواب. وقد يقال للمكترِي أيضاً: الكِريّ على فعيل؛ لأن الفاعل والمفعول متكاريان ومفاعلان. وفعيل في

معنى ذلك كثير. وأكريت فعل منقول من ثلاثي غير مستعمل في هذا المعنى. والكراء مصدره. والكراء، بالفتح مصدر الأول، وهو التأخير. وقال الحطيئة في تأخير العشاء عنه: وأكريت العشاء إلى سهيل أو الشعرى فطال بي الكراء وأما قوله: أَغْفَيت، فأنا مُغف من النوم، فإن العامة تقول: غفيت بغير ألف وبالياء، وتقول في المستقبل: أغفو، غَفوة، ومعناه الدخول فيما قل من النوم، وهو اليسير، الذي لا يكتفى به ولا ينتفع، وهو مأخوذ من الغفا؛ وهو رديء التمر؛ هو داء يقع في البسر، فيفسده، وكأن العامة لم تُدخل في الألف؛ لأنها شبهته بقولهم: نعست ونمت ووسنت وجاء بالمستقبل بالواو، والماضي بالياء جهلا، وبالمصدر على فعلة واحدة وإنما المصدر: الإغفاء. وكذلك يقال في البسر/ والتمر: أغفى يغفي إغفاء، وإغفاءة واحدة. فهذا آخر الباب. ***

تصحيح الباب الثامن وهو المترجم بباب ما يقال بحروف الخفض

تصحيح الباب الثامن وهو المترجم بباب ما يقال بحروف الخفض اعلموا أن هذا الباب إنما هو باب الفعل الذي لا يتعدى بنفسه، فيعدى بالباء أو بغيرها من حروف الجر، وحق هذا الباب أن تتعاقب فيه حروف الجر، وهمزة النقل، الداخلتان في أول الفعل وآخره، وألا يجتمعا فيه؛ لأن إحداهما تنوب عن الأخرى. وربما احتيج في بعض المواضع إلى الحرفين جميعا، وذلك إذا اجتمع في الفعل معنيان: أحدهما النقل، والآخر غير ذلك. أو يكون الفعل في الأصل مستعملاً بالهمزة، غير متعد وغير مستعمل بلا همزة، ثم يحتاج إلى تعديته فيدخل حرف الجر أيضاً، أو يحتاج فيه إلى نقل بعد نقل؛ فتكون الهمزة لأحد النقلين، والحرف الجار للنقل الآخر، ولا يجتمع هذا إلا لمثل هذا. والعامة ربما أدخلت حروف الجر على ما لا يحتاج إليها، أو الهمزة، فذكر مؤلف هذا الكتاب من ذلك طرفا، أخطأت فيه العامة. وربما أدخلوا حرف جر مكان آخر. والعرب تتكلم بغير ذلك. فمن ذلك قوله: سخرت منه، وهزئت به. ومن مذهبه ومذاهب كثير من أهل اللغة، أن حروف الجر تتعاقب، فيقع كل واحد منها مكان الآخر، بمعنى واحد. وهذا إبطال حقيقة اللغة، وإفساد الحكمة فيها، وضد ما يوجبه العقل والقياس. وكل من كان على غير مذهبهم من أهل التحصيل والمعرفة، ينكرون ذلك. فإنكار مؤلف هذا الكتاب ما عليه العامة، واعتقاده واعتقاد أصحابه، دليل على/ فساد مذهبهم. وقد بينا هذا على الاستقصاء، في كتابنا في الرواية التي وصفناها وفي إبطال تعاقب الحروف. فأما نصحَت وشكرت فإنهما يتعديان. وأشباهها بغير اللام. وإنما تُدخل اللام فيهما؛ ليعديا بها إلى مفعول آخر، غير ما يتعديان إليه بأنفسهما، كقولك: شكرت لفلان

فعله، وشكرت له بره، وشكرت له معروفه، فالفعل والبر والمعروف مفعولات لشكرت، بغير حرف جر. وفلان يتعدى إليه الفعل، بحرف الجر، وليس في الدنيا عربي، ولا نحوي، يزيد اللام في هذا المفعول، الذي يتعدى الفعل إليه، فتقول: شكرت لفلان معروفه، فإن شئت اقتصرت على أحد المفعولين فقلت: شكرت فلانا، أو شكرت معروف فلان، فكان كلاما تاما مستقيما؛ لأنه في الأصل لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد. وإن شئت حذفت الجار من المفعول الثاني، فعديت الفعل بنفسه إليهما فقلت: شكرت زيدا معروفه، كما قال الشاعر: أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل وإنما يجوز ذلك إذا كثر استعمال الفعل، وعرف معناه، واحتيج إلى تخفيفه أو اضطر إلى الحذف شاعر. وإن شئت قلت: شكرت فلانا لمعروفه، فجعلت اللام في المعروف، ونصبت فلانا. ونصحت مثل شكرت، لا يتعدى بنفسه إلا إلى مفعول واحد؛ لأن أصله من النصح؛ وهو الخياطة، تقول: نصحت ثوبي أي خطته، وأصلحته، كما تقول: خطت ثوبي، وأصلحت ثوبي، وتقول: نصحت لفلان ثوبه، فتعديه باللام إلى مفعول ثان، فهو في غير الخياطة أيضا بهذا المعنى، والتعدي إلى مفعول واحد بنفسه، ولى ما بعده بحرف / الجر؛ لأنه ينصح له الرأي والمشورة، أو نحو ذلك، كما ينصح له الثوب، ولكنه لما كثرت معه اللام وعرف معناه، واستغني عن المفعول الأول، وقل استعماله في الكلام توهم من لا يحصل المعاني، ولا يتحققها أنهلا يجوز بغير اللام، وتوهم قوم أن حرف الجر زائد فيه، وليس واحد من القولين بالصواب، ألا ترى أنك لو أظهرت المفعول المستغنى عنه فقلت: نصحت له الرأي ونحوه، لكان جيدا عند جميع أهل العربية ولو أردت إدخال اللام على الرأي لما جاز؛ فهذا يوضح صحة ما قلنا وفساد غيره. وقد ذكر ثعلب صنيعه مع قوله شكرت له، ولم يعلم أن هذا الفعل قد تعدى إلى صنيعه، بغير حرف جر، فترجم الباب بما لا يقال

إلا بحرف جر؛ فإما أن يكون لم يفطن لنصبه "صنيعه" بشكرت. وإما أن يكون توهم أنه لا يجوز أن يقال: شكرت صنيعه من غير أن يقال "له". وهذا قبيح من مثله جدا. وليس فعل متعد أو غير متعد بنفسه أو بحرف جر إلا وتعديته بعد تمام الكلام إلى مفعول آخر بحرف جر، أو إلى مفعولين جائز جيد، عند جميع النحويين واللغويين. وليس حرف الجر الذي يتعدى بمخصوص ولا معين. بل يجوز ذلك بجميع حروف الجر، التي تتعلق بمعنى الفعل، وتوجب معناها متصلا به، كقول: شكرت لزيد صنيعه بفلان في أمر كذا وكذا، ألا ترى أنك قد عديت هذا الفعل إلى فلان بالباء، وإلى أمر بفي، كما عديته إلى زيد باللام ولم تعده بنفسه، إلا إلى صنيع، فهكذا جميع الأفعال في جميع كلام العرب. وأما قوله: نسأ الله في أجله، فإنه قد استعمل بفي، لبعض المعاني التي شرحناها وهو جائز بغير حرف جر؛ لأن النسيء التأخير، يقال منه: / نسأته الدين، إذا أخرته عليه، ومنه: نسيء الشهور، التي قال الله عز وجل [فيها]: (إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ). وقال الشاعر: ألسنا الناسئين على معد شهور الصيف نجعلها حراما فعدى الناسئين، وهو من نسأت إلى الشهور، بغير حرف جر؛ لأنه بمنزلة قولك: أخرته، بغير حرف جر. وإنما تدخل "في" فيه؛ لأنه يراد: نسأ الله الأيام في أجلك؛ أي أخرها، ولكن يحذف هذا المفعول؛ لأنه معلوم، لا يلبس. ومعنى أنسأ الله أجله، أي أنسأه الله أجله، إلى آخر الأيام. فهذا أصل هذا الباب، وقياسه وعلته. * * * ونحن نفسر غريب هذا الباب بعده إن شاء الله: أما قوله: سخرت منه؛ فأصله من تسخير الشيء، وهو السخرة. ومن ذلك قول الله عز وجل: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ) أي طوعناها له، وذللناها له؛ أي

جعلناها له مطيعة. وكذلك قوله: (وسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الجِبَالَ) وكذلك قولهم: سخرت الدواب والسفن: إنما معناه جعلنا ما لغيرنا منقادا لنا. وكذلك سخِرت منه؛ إنما معناه، أن تتخذ الرجل لك كالمسخر، فتجعله بالخديعة أو غيرها مطيعا لك. وإنما قيل: سخرت منه؛ فأدخلت فيه "من" للتبعيض لأنك لم تسخره، كما تسخر الدواب وغيرها. وإنما ختدعته عن بعض عقله فأدخلت "مِن" للتبعيض، وبني الفعل منه على فعلت؛ لأنه بمعنى عبثت وهزئت، ونحو ذلك. وهو أيضاً كالمطاوعة التي لا تتعدى، ومستقبله على أسخَر، بالفتح، كما قال الله عز وجل: (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ) وقال [تعالى]: (إن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ). واسم الفاعل منه: ساخر. ومصدره:/ السخرية؛ كأنها منسوبة إلى السخرة، ولكن علامة التأنيث حذفت من صدره؛ لدخول ياءي النسب، ثم أنث المصدر بعد ذلك، كما يقال: العبودية واللصوصية. وأما قول الله عز وجل: (لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًا) فإنما هو نعت الشيء المسخر، من السخرة، ولو وضع موضع المصدر جاز، وقد يكسرون السين منه، والعامة تقول: سَخِرت بك؛ فتعدي الفعل بالباء، على التشبيه بهزئت به. ومن يزعم أن حروف الجر تتعاقب، يجيز ذلك. وثعلب وأصحابه يعتقدون جواز التعاقب وقد رد على العامة، سخرت به، وصوب سخرت منه. والسُّخَرة، بفتح الخاء الكثير السُّخريّة. والسخرة، الذي يسخر منه، من الناس، وهو أيضا مصدر مثل: الغرفة واللعبة وأشباههما. وأما هزئت به، من الهزء؛ وهو العبث والسخرية بالشيء ونحوهما، وهو قريب المعنى، من سخرت منه؛ إلا أن هزئت لا يقتضي معنى السخرية والتسخير، وهزئت يتعدى بالباء؛ للفرق بينهما، وهما جميعا كالانفعال. وإنما خُص هزئت بالباء؛ لأن الباء تلصق الشيء

بالشيء، وتخلطه به، تقول: هَزِئ يَهزَأ هُزْءا، وهُزُوءا، فهو هازئ. وقد يُبنى أيضا على بناء تفعلت واستفعلت، للمبالغة، فيقال: تهزأت به واستهزأت. وقال الله عز وجل: (أَبِاللَّهِ وآيَاتِهِ ورَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ) وقال [تعالى] أيضاك (إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ). واسم الفاعل من هزئت: هازئ. ويقال: رجل هُزَأة، بفتح الزاي، على مثال فُعَلَة؛ إذا كان يكثر الاستهزاء بالناس. ورجل هُزْأة، بسكون الزاي؛ إذا كان مضعوفا، يستهزأ به. وأما قوله: نصحت له؛ فقد/ مضى تفسيره في أول الباب. وكذلك شكرت له وفرقنا أيضا بين: حمدته، وأحمدته، وبينا معنى قوله: نسأ الله في أجله. وأما قوله: اقرأ على فلان السلام، فهو من قولك: قرأت القرآن، وقرأت الكتاب، وتفسيره: جمعت وضممت بعضه إلى بعض، وتلوت، ونحو ذلك. فالسلام ههنا مفعوله الذي يتعدى إليه هذا الفعل، كما يتعدى إلى القرآن والتوراة والإنجيل والكتاب ونحو ذلك. ثم قيل بعد المفعول: على فلان؛ فأدخلت فيه "على" لتعديته إلى مفعول ثان؛ لأنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد. وكل فعل عدي إلى أكثر من مفعوله، لم يكن له بد من حرف جر، يضاف به إليه. وإن شئت حذفت منه "على" كما حذفت حرف الجر من: كلته ووزنته إذا لم يلبس، وكثر استعماله، وإن شئت فتحت الألف؛ فقلت: أقرئ فلانا السلام؛ لأنك نقلت فعله من فَعَل إلى أفعل، فعديته بالأف، واستغنيت عن "علي" على ما قدمنا شرحه، وهو قول العامة. وأما قوله: زريت عليه، إذا عبت عليه فعله، وأزريت به، إذا قصرت به، فكله من العيب، غلا أن بين فعلت منه وأفعلت فرقا. وذلك أن زريت عليه معناه أنكرت عليه أو عبت عليه فعله؛ ولذلك عدي بعلى؛ لأنه غير متعد بنفسه، أي ليرجع. ومستقبله: أزرى به؛ بفتح أوله، وكسر الراء؛ فإنه زار عليه زريا. ويروى للنابغة: نبئت "نعما" على الهجران زارية نفسي فداء لذاك العائب الزاري

وقال غيره:/ يا أيها الزاري على عمر قد قلت فيه غير ما يعلم وأما أزريت به فمعناه: قصرت به وتنقصته، كما قال ذو الإصبع: أزرى بنا أننا شالت نعمتنا فخالني دونه بل خلته دوني أي قصر بنا. ومستقبله: يزري بضم الأول. وفاعله: مزر، بكسر الراء. ومفعوله: مزرى به. والمصدر: إزراء، على إفعال. وإنما بني هذا على أفعل، بالألف؛ لأنه نقل فعله بالهمزة، وأدخلت الباء فيه للإلصاق، فعدي به؛ لأنه لا يتعدى، واستغني عن "على" بالباء، لما تغير من معناه. ولو كانت حروف الجر يعاقب بعضها بعضا، لجازت الباء وعلى في الوجهين جميعا، كما تقوله العامة. وأما قوله: جن عليه الليل، وأجنه الليل، فإن معنى جن كمعنى ستر أو غطى؛ وهو يجن، بكسر الجيم. ومصدره: الجنان والجن، والجنون، على فعول؛ لأنه لا يتعدى. وفاعله: جان. ومفعوله: مجنون. وكل ساتر يستتر به، فهو جان؛ ولذلك سميت الجن جنا، لاستتارها. والجنين: الولد في بطن أمه أيضا كذلك، على فعيل بمعنى مفعول؛ إلا أن قولهم: جن الليل فيه معنى: أتى الليل؛ فلذلك عدي بعلى، فقيل: جن عليه الليل، كما يقال أتى عليه الليل. وكل ما عدي بحرف جر جاز أن يعدى بألف النقل؛ لأنهما حرفان متعاقبان، يجيئان لنقل الفعل وتعديته؛ فلذلك قيل: أجنه الليل؛ أي ستره الليل، فعدي بغير حرف جر. وهذا الباب كله من باب فعل وأفعل، باختلاف المعنى. ولا معنى لإفراده هذه الحروف عن باب أفعل، إلا أن بعضها قد جاء منه وجه واحد، ولم يجيء الوجه الآخر،/ للاستغناء عنه، مثل قولهم: سخرت منه وهزئت به، فإنه لم يجئ منهما أسخرته ولا أهزأته. وقد جاءت تهزأت واستهزأت وربما جاء تَفَعَّلت وافتَعَلت واستفْعَلت

في موضع أفعلت؛ لأسباب توجب ذلك. وقد قيل: يستسخرون. وكذلك لم نسمع أنصحته ولا أشكرته. فأما سائر ما ذكره فقد استعمل فيه الوجهان وله باب، وقد قدمه كان يجب أن يلحقه به. وقال الله عز وجل في جن عليه: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا). وأما قوله: ذهبت به وأذهبته، فواضح المعنى، مثل مررت به وأمررته، قد تعاقب فيه حرف الجر والألف، لنقل الفعل والتعدية. وقد مضى شرحه مرارا. وقد يعدى دخلت بغير الباء أيضا؛ لاختلاف المعنى، فيقال: دخلت عليه، ودخلت إليه، ودخلت فيه. ولكل واحد من ذلك معنى، ليس للآخر: لأنك تقول: دخلت في هذا الأمر، وفي هذه الوصية، ودخلت في دين فلان ونحوه، ولا يجوز ههنا الباء. وتقول: دخلت إلى الدار، ولا يجوز فيه الباء أيضا. وتقول: دخلت على الأمير، دخلت على الجارية، ولا يجوز فيه الباء؛ لأن المعنى يبطل بالباء ههنا. وهذا يُلزِم من زعم أن حروف الجر تتعاقب، بمعنى أن يجيزه كله، فإن لم يجزه بطل قوله في التعاقب، ووجب عليه الرجوع عنه. وأما قول: لهيت من الشيء وعنه، إذا تركته، فهو خطأ؛ لأنه ليس كل من ترك شيئاً، فقد لهى عنه. وإنما يقال: لهيت عنه، ومنه، بمعنى سهوت عنه، وغفلت عنه، وتشاغلت عنه ونسيته، ونحو ذلك، فأما من ترك الشيء عامداً بلا سهو، ولا غفول ولا تشاغل ولا نسيان، ورفضه عن صواب رأي/ وفعل، فلا يقال له: لهى عنه؛ لا يقال لمن ترك الأكل بعد الشبع، أو الشرب بعد الري، أو الصلاة بعد تمامها: قد لهى عن ذلك، ولا لهى منه. وإنما هو من اللهو، ولكن بنى على فعلت، بكسر العين. في معنى الانفعال والمطاوعة، فانقلبت الواو ياء، كما يقال: رضي، وعدي بمِن وعن لما شرحنا في نظائره. ولمِن معنى ابتداء الغاية والتبعيض، ولِعَن غير معنى. وتعدية لهيت بالألف جائزة أيضاً كقولك: ألهاني عنه كذا وكذا، كما قال الشاعر: ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

وقال الله عز وجل: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ). وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله: "ما قل وكفى، غير مما كثر وألهى". وكذلك يجوز أفعل في لَهَوت. وألهاني كذا وكذا؛ ولذلك سمي المغني: ملهيا. وبه سميت الملاهي من الغناء ونحوه. وقال الشاعر في لهيت: فدعني ويب غيرك واله عني كأني من خزاعة أو ثقيف فهذا تفسير هذا الباب ومعانيه. * * *

تصحيح الباب التاسع وهو المترجم بباب ما يهمز من الفعل

تصحيح الباب التاسع وهو المترجم بباب ما يُهمز من الفعل قال أبو محمد: اعلموا أن الهمزة حرف صحيح، كسائر الحروف الصحاح، عند عامة النحويين. وقد جعلها "الخليل" من حروف العلة كالواو والياء والألف اللينة. والعرب تحقق/ الهمزة أحيانا، وتخفضها أحيانا، في مواضع معلومة؛ لعلل عارضة؛ ولذلك حدود مفهومة. والعامة تنزل الهمزة في أكثر الكلام لثقلها، وتجعل بدلها الواو والياء والألف. فربما وافقت بذلك تخفيف العرب، أو لغة قريش، أو غيرها من العرب؛ فيكون لذلك قياس ووجه. وربما كان خطأ العامة، مخالفا لكلام العرب، وخارجا عن حد العربية؛ لجهل العامة بصواب الكلام؛ فقصد ثعلب ذكر ما تهمزه العامة، واصله الهمز. وليس ترك الهمز في عامة ما أنكره ثعلب بخطأ، وإن كان الأصل فيه الهمز. وأهل العربية يزعمون أن النبي أصله الهمز؛ لأنه عندهم من أنبأه الله، والعرب كلهم لا يهمزونه، إلا في ضرورة شعر وشذوذ. وكذلك نزل به القرآن، بغير همز في قوله [تعالى]: (إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ) وقوله [تعالى]: (ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ) وقوله [تعالى]: (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ). وقد قال رجل: يا نبي الله؛ فهمز، فقال له: "لست بنبيء الله، فهمز، ولكني نبي الله"، ولم يهمز. وقال أيضا: "لا تَنْبِروا باسمي؛ أي لا تهمزوه. والنبر: الهمز. فأما قوله في هذا الباب: رَقيت الصبي، ورقِيت في السلم، فليسا من هذا الباب؛ لأنهما من بنات الياء، ولكن اعترض بذكرهما ليبين الفرق بينهما وبين نظيرهما من المهموز، بكسر القاف.

وقوله: عبَّيْت الجيش، إنما ترك همزه تخفيفا، حتى دخله التشديد. وأصله الهمز، ألا ترى أنهم لا يستعملون خفيفه إلا بإثبات الهمز. * * * ونحن مفسرون غريب الباب ومعناه إن شاء الله: أما قوله: رقأأ الدم يرقأ رقوءاً، إذا انقطع، فهو كما قال. وهو كقولك: سكن/ يسكن سكوناً، في المعنى والوزن، وإن فتح منه المستقبل، من أجل الهمزة. وذلك إذا كان قد انفجر عرق، أو رعف إنسان ثم سكن. وكذلك يقال للدمع، إذا كثر البكاء ثم سكن: قد رقأ دمعه، وهو يرقأ. ويقال للحزين الباكي: ما ترقأ له دمعة. ويقال في الدعاء: لا رقأت دمعته. ولا يرقئ الله دمعته. وقد يجعل الفعل للعين، فيقال: رقأت عينه. ولا رقأت عينه. وإذا نقل الفعل عن الدم والعين إلى فاعل آخر، نقل بالألف فقيل: أرقأ الدواء الدم، كما قال جرير للأخطل: بكى "دوبل" لا يرقئ الله دمعه ألا إنما يبكي من الذل "دوبل" وقوله: "لا تسبوا الإبل، فإن فيها رقوء الدم" مفتوح الأول، معناه أن فيها سكون الدم والقتل؛ وذلك أنها تؤخذ في الدية؛ فيرقأ بها الدم من القود؛ أي يحبس ولا يهراق. فالرقوء: اسم على فعول لما يسكن به الدم، مثل: الوجور، والسعوط، واللدود، والوقود. وهو ايضاً اسم للدواء، الذي يسكن به دم الجرح والعرق والرعاف. والعامة تقول: رقا الدم، بألف لينة، غير مهموز. وليس ذلك بخطأ، وهو لغة قريش، ومن يخفف الهمز، كما يقولون: قرا يقرا، بغير همز، وأصله الهمز. وأما قوله: رقيت الصبي من الرقية أرقيه؛ فليس من هذا الباب؛ لأنه من ذوات الياء، ولا همز فيه؛ ومعناه: أن يعوذه بأسماء الله، أو بكتابه من عين أو نظرة، من الجن أو غير ذلك. وكل كلام استشفي به من وجع أو خوف أو شيطان أو سحر فهو رقية. وفاعله:

راق. ومفعوله: مرقي. كما يقال في الرقية: "أنا الراقي، والله الشافي". وقد/ يستعار هذا في التملق والخديعة، فيقال: رقيته؛ إذا تملقته، وسللت حقده بالرفق، كما ترقى الحية، حتى تجيب. وفي ذلك يقول كثير لعبد الملك بن مروان: وما زالت رقاك تسل ضغني وتخرج من مصائبها ضبابي ويرقيني لك الحاوون حتى أجابك حية تحت الحجاب وكذلك قوله: رقيت في السلم أرقى رقيا، ليس من هذا الباب؛ لأنه لا همز فيه. وإنما هو من ذوات الياء، ومعناه: صعدت أصعد صعودا؛ ولذلك جاء على وزنه. ومنه سميت درجات السلم، والدرجة والشرف والعلم: مراقي، والواحدة: مرقاة. وقالت أعرابية، وهي ترقص ولدها: أشبه أبا أمك أو أشبه عمل ولا تكونن كهلوف وكل وارق إلى الخيرات زنأ في الجبل وفي الحديث: "يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارقأ" وهو في طلب المكارم والمعالي مستعار. وهو من باب الرقية، ولكن خولف بين أمثلتها في الفعل؛ للفرق يين ما اختلف من معانيهما. وأما قوله: دارأت الرجل، أي دافعته، وتدارأ الرجلان، فإنما هما فاعلت وتفاعل الرجلان، من درأت الشيء، إذا دفعته، فأنا أدرؤه. ومنه قول الله عز وجل: (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ المَوْتَ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ومنه قول الشاعر؛ وهو المثقب:

تقول، وقد درأت لها وضيني أهذا دينه أبدا وديني/ والمعنى فيما قاله ثعلب أن كل واحد من الرجلين، يدفع صاحبه عن أمر يحاوله فهما مختلفان. وأصله من الدرء، بسكون الراء؛ وهو الاعوجاج. ومنه قول الشاعر: كان عني يرد درؤك بعد الـ ـله شغب المستصعب المريد ويقال للفارس: إنه لذو تدرأ، أي قوة ومنعة ودفع. وقال عباس بن مرداس السلمي: وقد كنت في الحرب ذا تدرأ فلم أعط شيئاً ولم أمنع وأما قوله: داريته، إذا لاينته وختلته، يعني بغير همز، فليس من هذا الباب. وبعض اللغويين يجعله مهموزا، من المدافعة التي شرحناها، فمن لم يهمزه جعله من قولهم: دريت الصيد، إذا ختلته؛ وذلك أن تنصب للوحش شخصا؛ لتستأنس، ثم تأتي من ناحية ذلك الشخص، فتصيدها ويسمى ذلك: درية. وأنشدني في ذلك أبو العباس المبرد: فإن كنت قد أقصدتني إذ رميتني بسهمك فالرامي يصيب ولا يدري ومنه قول الآخر: يصيب ولا يدري ويخطي وما درى وكيف يكون النوك إلا كذلكا وتسمى الحلقة والشيء الذي ينصب للرامي فيرميه: درية، والدرية أيضا: جلد ينصب فيتعلم عليه الطعن، فمن ذهب إلى ذلك قال: داريته، بلا همز أي خاتلته، ومن ذهب إلى الأول قال: دارأته مدارأة مهموزا. وأما قوله: بارأ / الرجل شريكه وامرأته، يعني بالهمز، فإنما ذهب فيه إلى تبرئة كل

واحد منهما صاحبه، من قولهم: أنا بريء منك. وأنت بريء مني، مهموزا، إذا نوى فيه هذا المعنى. ولا يمتنع هذا المعنى من ترك الهمز فيه أيضا، وليس بخطأ. ولا من أن يجعل من قولهم: بريت الشيء بريا، إذا قطعته لأن أحدهما يريد قطع صاحبه وغلبته في الجود أو الجري أو السوق، ونحو ذلك فلذلك قيل: باراه. وأما قوله: عبأت المتاع أعبئوه، وعبيت الجيش كذلك، حكى يونس قال: وقال أبو زيد، وابن الأعرابي، هما جميعا يهمزان؛ فإن معنى عبأت المتاع والطيب تثقيل لهما بالحزم والشد وغير ذلك، فأصلهما جميعا الهمز. وأنشد "الخليل" لمسافع بن خلف: وحمل العبء عن أعناق قومي وفعلي في الخطوب بما عناني والمستعمل في المتاع والطيب التخفيف والهمز، تقول: عبأته أعبؤه عبئا، بفتح العين ولو شدد في التكثير لجاز في القياس؛ لأن التشديد علامة التكثير والمبالغة، كقول: عبأت الأمتعة والطيب تعبئة، مهموزة. ولو ترك الهمز فيها تخفيفا في المخفف والمشدد لكان في القياس جائزا؛ لأن الهمز قد يبدل ويخفف لثقله، إلا أنهم قد ألزموه في التخفيف الهمز. وترك الهمز في المشدد، للفرق بين الجيش، والمتاع والطيب، مع الهرب من ثقلين. وقد حكى "الخليل" في الجيش: عبأت، بالتخفيف وعبأت بالتشديد، مهموزين كليهما. وأما قوله: نكأت القرحة أنكؤها، ونكيت في العدو أنكي نكاية؛ فإن معنى نكأت القرحة، قرفتها وأقشرتها؛ وهو أن تقلع عنها قرفها بعد برئها،/ وذلك يعقرها. وأصله الهمز على ما ذكر، قال ابن هرمة: ولا أراها تزال ظالمة تحدث لي قرحة وتنكؤها وترك الهمز فيه جائز على ما شرحنا. ومنه قولهم في مثل: "إني إذا نكأت قرحة

أدميتها"، أي إذا هممت بأمر، بالغت فيه. والعامة تقول: نكيت القرحة، على ترك الهمز. ومصدره: النكء، مهموز على فعل، كما قال ذو الرمة: ولن ينسني "أوفى" المصيبات بعده ولكن نكء القرح بالقرح أوجع وأما نكيت، في العدو، فهو بمعنى أبلغت فيهم وأوجعتهم، قتلا وقتالا وحربا وهزيمة وأنهكتهم، بالياء غير مهموز، وأنشد "سيبويه:" شديد النكاية أعداءه يخال الفرار يراخي الأجل وليس هذا من هذا الباب. وقد روي أيضاً: نكأت في العدو نكأ، مهموزا بمنزلة نكأت القرحة، كأنها لغة. وأما قوله: ردؤ الشيء فهو رديء، فمعناه فسد وضعف وخس. والرديء من كل شيء نفاسته. وأصله من الردء؛ وهو المعين؛ وذلك أن كل فاسد أو نفاية، يحتاج إلى ردء يقويه ويحسنه؛ فمعنى ردؤ الشيء: أي ضعف وعجز، فاحتاج إلى ردء. ومستقبله: يردؤ. ومصدره: الرداءة. مثل: سمح يسمح سماحة. والعامة تقول: قد ردا، يردو، رداوة، فتبدل الواو من الهمزة، وهو خطأ. وأما قوله: قد دفؤ يومنا، فهو دفيء، بمعناه سخن يومنا فهو سخين. وهو فعل لازم على فعل يفعل، بمنزلة ظرف يظرف فهو ظريف. ومصدره: الدفاء ممدود، والدفاءة. ومنه /قولهم: رجل دفآن. وامرأة دفآى إذا كان سخنا من حرارة أو مرض، أو عليل القلب من الحب، كما قال الشماخ: لنا صحاب قد خل من أجل نظرة دفيء الفؤاد حب كلبة قاتله

وهو مهموز كله. والعامة تقول: دفي يومنا يدفى دفاً، بغير همز، على فعل يفعل، بوزن: حمي يحمى؛ لأنه في معناه. وأما قوله: أومأت إلى الرجل، فمعناه أشرت إليه بيد أو غيرها، مثل العين والحاجب وهو مهموز، على مثال أفعلت، أومئ، فأنا مومئ. والعامة تقول: أوميت، بترك الهمز، وإبدال الياء، وهو جائز في القياس، والهمز أفصح. أنشدنا أبو العباس للراعي: فأومأت إيماء خفيا لحبتر ولله عينا "حبتر" أيما فتى وأما قوله: رفأت الثوب أرفؤه، فمعناه شددت خصاصه بالخيوط وأصلحته، إذا كان فيه خرق أو ثقب أو شق، وهو مهموز. والعامة تقول: رفوته، بالواو، ورفيته، بالياء، أرفوه رفوا مثل: أرشوه رشوا، وأسوته أسوا. والواو لغة للعرب. ومنه قيل: رفوت الرجل، إذا سكنت غضبه وأصلحت قلبه. ورفأته أيضا بهمز، وبغير همز. فأما رفيته بالياء فخطأ. وقال الشاعر: ولما أن رأيت أبا رويم يرافئني ويكره أن يلاما وقال آخر في الواو: رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه هم هم/

أنشدناهما علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد. والفاعل من المهموز: رافئ ومصدره: الرفء. والمفعول: مرفوء. ومن الواو: راف ورفاء أيضا: ومصدره: الرفو. وأما قوله: قد هدأ الناس، وهم هادئون، فمعناه سكنوا، وهم ساكنون. ويقال للرجل في الأمر: اهدأ يا هذا، أي اسكن ولا تنزعج ولا تطش. وهو من قولهم: مضى هدء من الليل، أي طائفة منه، وهو الوقت الذي يسكن فيه الناس، وتنام العيون، يقال: جئت بعد هدء، وبعد ما هدأ الناس، وبعدما هدأت العيون, وبعد ما هدأت الرجل، أي سكنت من النظر والسهر والمجيء والذهاب. والعامة تقول: هذا يهدا، بغير همز، وليس ذلك بمختار، وإن كان جائزا. والمستقبل من هذا: يهدأ، بفتح الدال، من أجل أن الهمزة من حروف الحلق. ومصدره: الهدوء، على فعول؛ لأنه فعل لا يتعدى. واسم الفاعل منه: هادئ وهادئة. وأما قوله: تثاءبت، وهي الثؤباء، فإنه يعني ما يصيب الإنسان عند الكسل والنعاس والهم، من فتح الفم والتمطي. واسمه: الثؤباء، على وزن: العرواء والعدواء والرحضاء، وهي بناء فيه معنى المبالغة. وفعله: تثاءب ممدود يتثاءب تثاؤبا، على مثال: تفاعل يتفاعل تفاعلا. والعامة تقول بالواو ولا تهمزه: تثاوب يتثاوب تثاوبا، وهو خطأ. وفي الحديث: "إذا تثاءب أحدكم، فليطبق فاه؛ لئلا يدخل فيه الشيطان". وفي حديث آخر: "إذا تثاءب أحدكم، فلا يقل: هاه، هاه فإنه اسم شيطان". وأما قوله: فقأت عينه، وعين مفقوءة، فإن معناه أعميت عينه وعورت عينه، وذلك أن تدخل فيها حديدة أو شوكة أو إصبعا، فتشقها. ومنه قيل:/ تفقأت السحابة، أي

انشقت بالمطر. وتفقأت الأرض بالكمأة والنبات. وتفقأت البثرة، وتفقأ الإنسان شحما. وقال الشاعر: تفقأ فوقه القلع السواري وجن "الخازباز" به جنونا ويقال: كان الرجل من العرب، إذا ملك ألف بعير، فقأ عين بعير منها، تسميه المفقأ؛ ولذلك قال الفرزدق: غلبتك بالمفقئ والمعنى وبيت المحتبي والخافقات يعني أربع قصائد، ذكر فيها هذه الأسماء، تفضل على نقائضها من شعر جرير. والعامة تترك الهمز في هذا، فتقول: فقيت عينه، بالياء، وهو خطأ. وأما قوله: قد أرجأت الأمر يا رجل، وأنت ترجئ، وهم المرجئة؛ فإن الإرجاء: التأخير في كل شيء. ومنه قول الله عز وجل: (تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِي إلَيْكَ

مَن تَشَاءُ). والمرجئة: صنف من المسلمين، فهم مقالة مبتدعة؛ لقولهم: الإيمان قول بلا عمل، فأرجئوا العمل، أي أخروه. وبعض العرب يقولون: أرجيت الأمر إرجاء، بالياء؛ وهي لغة، وعليها العامة؛ فإما أن تكون مخففة من الهمز، وإما أن يكون اشتقاقها من رجا البئر، وهو ناحيتها. والجميع الأرجاء؛ وهي نواحي كل شيء. وأما قوله: ارض وبئة، وقد وبئت، فمعناه صار بها الوباء، على فعلت تفعل، فهي فعلة، والفعل لها مثل: مرضت تمرض مرضا. والوباء: كثرة الأمراض والموت. وقد قيل فيها: أرض موبوءة، على مفعولة والفعل: قد وبئت، معنى هذا قد جعل بها الوباء، فخرج على مثال جعل / وفعل في هذه اللغة. وهذا نظير قولهم: رجع ورجعته، وجبر وجبرته وإن كان بينهما فرق؛ وذلك أنك إذا جعلت الفعل للبلدة، بنيته على فعل يفعل، كفعل المطاوعة بمعنى الانفعال. والقياس في هذا أن يقال: موبأة، وقد أوبئت، فينقل الفعل عنها بالألف، أو بحرف جر. والدليل على ذلك أنه لا يقال: قد وبأها الله، علت مثال فعلها الله، ولكن أوبأها الله. والعامة لا تهمز هذا، والأصل فيه الهمز، وإن كان ترك الهمز فيه جائزا. وأما قوله: إذا ناوأت الرجال فاصبر، أي عاديت، وهي المناوأة. فليست المناوأة بالمعاداة. وليس معنى ناوأت: عاديت. وقد غلِط. وإنما معناه: جاذبت ومانعت وغالبت وطالبت ونحو ذلك. ويدل على ذلك أنه على وزن: فاعلت، من النوء؛ وهو الارتفاع بمشقة وثقل. ومنه قيل للكواكب قد ناء، إذا طلع فهو ينوء. وقد قيل للجارية الممتلئة اللحيمة إذا نهضت: قد نائت وللدابة: قد ناء بحمله، أي نهض. ومنه قول الله عز وجل: (مَا إنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي القُوَّةِ). وقد زعم قوم من اللغويين أن النوء: السقوط أيضا، وأنه من الأضداد. وقد أوضحنا الحجة عليهم في ذلك في كتابنا في: "إبطال الأضداد" وليس هذا موضع ذكره. ومما يوضح لكم غلطه أن الرجل قد يعادي الرجل ولا ينازعه ولا يجاريه، ولا يجاذبه ولا يباريه؛ فلا يقال له: قد ناوأه، وهو هو مناوئ

له وإنما يقال: قد ناوأه، إذا نازعه وطلب أن يساويه أو يغلبه، وإن لم يعاده وهذا ظاهر معروف عند جميع أهل اللغة. وأما قوله: تقول والله ما قتلت عثمان، ولا مالأت في قتله، فهذا قول علي عليه السلام. ومعناه ما عاونت ولا استعنت؛/ لأن فاعلت فعل لا يكون إلا من اثنين، يفعل كل واحد منهما بالآخر مثل فعله به، نحو: عاونت وشايعت وبايعت. وإنما هو مأخوذ من قولهم: ملأت الإناء وغيره، وامتلأت من الشيء وهو معروف. والفاعل: مالِئ، أي يريد ما ملأت قلب أحد ولا ملأ قلبي أحد من قتل عثمان، أي ما عاونني أحد على ذلك، ولا عاونت أحدا. وأما قوله: روأت في الأمر، والروية جرت في كلامهم غير مهموزة فإن معنى روأت: تدبرت ونظرت وفكرت في الأمر. وأصله الهمز، وترك الهمز فيه جائز. والروية اسم منه عند النحويين واللغويين، كالمصدر، وإن كانت العرب قد تركت الهمز فيه تخفيفا؛ لكثرة الاستعمال. وأنشدونا عن الخليل: لا خير في رأي بغير روية ولا خير في جهل تعاب به عيبا والروية على وزن فعيلة. والعامة تقول: رويت في الأمر، بغير همز، والهمز أفصح وأكثر، وليس يمتنع أن تكون الروية من الري. ومعناه: إشباع الرأي والاستقصاء في تأمله. ويكون قول العامة في الفعل: رويت في الأمر منه: أي أنعمت النظر. فأما المصدر من الهمز وترك الهمز فعلى مثال: التفعلة؛ وهو التروئة، والتروية، كما قيل: يوم التروية. فهذا آخر تفسير هذا الباب. * * *

تصحيح الباب العاشر وهو باب المترجم بباب من المصادر

تصحيح الباب العاشر وهو باب المترجم بباب من المصادر قال أبو محمد: اعلموا أن هذا الباب ليس مما يلحن فيه العامة، ولا مما يختار فيه الأفصح، ولكنه مما يحتاج إليه أكثر الناس في كلامهم المعتاد، وقد يمر فيه الحرف/ بعد الحرف أحيانا مما تلحن فيه العامة أو تخطئ، وفيه أفعال مختلفة الأمثلة، تختلف مصادرها، على حسب اختلاف الأفعال، وأفعال مختلفة تختلف مصادرها؛ لاختلاف المعاني فيها والمفعولين أو الفاعلين، ولكل واحد من ذلك باب يطول شرحه؛ وهو مما كثر به أبواب الكتاب. وكان يجب أن يجعل المصادر كلها بابا واحدا، أو يصنفها، فيجعل كل ما كان منها من جنس، أو على مثال بابا على حدته، ولا يكثر الأبواب المخلطة، بغير تأليف ولا نظام. فمن ذلك قوله: وجدت المال، وهو فعل مستعمل في وجوه مختلفة، ولفظ ماضيه ومستقبله في كل وجه من وجوهه، مع اختلافها في المعنى، على لفظ واحد، ولكن مصادرها مختلفة مع اتفاق أمثلة الفعل، وذلك لعلل أوجبته، فالماضي منها مفتوح العين والمستقبل مكسوره، والواو أوله وهي ثابتة في الماضي، ساقطة من المستقبل وقد مضى تفسير ذلك قبل هذا الباب، وإنما خولف بين مصادره؛ للفرق بين معانيه التي وصفنا؛ فمن ذلك قولهم في مصدر وجدت الضالة: الوجدان، على بناء الفعلان؛ لأنه مثال ضده، وهو النشدان، يقال: نشدت الضالة، إذا طلبتها، وسألت عنها نشدانا، فلما وجدوها قالوا: وجدتها وجدانا، فلما صار مصدره موافق لبناء النشدان؛ استدل على أن وجدت ههنا إنما هو للضالة خاصة. ومن ذلك قولهم: وجدت وجدا في الحزن، على وزن فعل؛ لأنه مثل نظيره في المعنى، وهو الغم والهم والكرب، وصار ذلك فرقا بينه وبين الوجدان

ودليلا على أن الفعل بغير الوجدان ونحوه، وكذلك قولهم: وجدت على الرجل موجدة بوزن المعتبة؛ لأن قولك: وجدت عليه، وعتبت عليه بمعنى، فصار خروج مصدره على مثال نظيره، فرقا بينه وبين/ غيره، ودليلا على المقصود بالفعل، ولذلك عدي إلى المفعول بعلى، كما عدى به عتبت؛ ولذلك قالوا في اليسار والغنى: وجدت المال وجدا ووجدا، بالضم والكسر، وجدة، فالجدة على قياس: وعدته عدة، ووزنت زنة، وومقت مقة، بحذف الواو من صدره، وهو أصل مطرد في جميع هذا الباب، وإن كان الاستعمال ما ذكره. وأما الوجد بالضم؛ فقد خص به مصدر الغنى واليسار، كما قال الله عز وجل: (مِّن وجْدِكُمْ) وهو على مثال: اليسر والوسع، وضده الفقر والضر والجهد والبؤس، فصار البناء فيه فرقا بين معناه، وبين سائر معاني "وجدت". وكذلك الوجد بالكسر؛ لأن الكسر أخت الضم، وقد استعمل الوجود، على مثال فعول في ضده الفقور والعدم، كأنه بنى على مثال ضده؛ فذلك فيه فرق أيضا بينه وبين سائر المعاني. وهذه اللفظة من أقوى حجج من يزعم أن من كلام [العرب] ما يتفق لفظه ويختلف معناه؛ لأن سيبويه ذكره في أول كتابه، وجعله من الأصول المقدمة؛ فظن من لم يتأمل المعاني، ولم يلحق الحقائق: أن هذا لفظ واحد قد جاء لمعان مختلفة؛ وإنما هذه المعاني كلها شيء واحد؛ وهو إصابة الشيء خيرا كان أو شرا، ولكن فرقوا بين المصادر؛ لأن المفعولات كانت مختلفة فجعل الفرق في المصادر؛ لأنها أيضا مفعولة، والمصادر كثيرة التصاريف جدا، وأمثلتها كثيرة مختلفة، وقياسها غامض، وعللها خفية، والمفتشون عنها قليلون، والصبر عليها معدوم؛ فلذلك توهم أهلل اللغة أنها تأتي على غير قياس؛ لأنهم لم يضبطوا قياسها، ولم يقفوا على غورها. وقوله: القرب الليلة؛ التي ترد الأبل في صبيحة يومها الماء خطأ؛ لأن القرب

هو الورود نفسه،/ وإنما هو مصدر؛ ولذلك جاء به في باب المصادر، فإن كان اسما لليلة كما فسر، فوضعه في المصادر خطأ، ولو كان اسما لليلة لما جاز أن يقال: ليلة القرب، فتضاف إليها الليلة؛ لأنها لا تكون ليلة نفسها، ولا يجوز أن يضاف شيء إلى نفسه، وإنما هي الليلة التي يقربون فيها من الورود قربا. وقوله: جلا القوم عن منازلهم، وأجلوا، خطأ؛ لأن أجلوا إنما يقال لمن أجلى قوما عن منازلهم وبلدهم، لا للقوم الجالين أنفسهم، إذا جلوا عن ديارهم. وقد بينا أمر فعل وأفعل في كتاب غير هذا. ونحن مفسرون غريب الباب ومعانيه، إن شاء الله. أما قوله: وجدت المال وجدا، ووجدت الضالة وجدانا، ووجدت في الحزن وجدا، ووجدت على الرجل موجدة. وتقول في كله: يجد، فقد ذكرنا علته وقياسه وتفسيره في صدر الباب. وأما قوله: رجل جواد، بين الجود، وشيء جيد، بين الجودة، وفرس جواد [بين] الجودة والجودة، وجادت السماء تجود جودا؛ فإن الأصل في كل ما ذكر هو السخاء والسماحة والعطاء؛ فالإنسان يجود بالمال، والفرس يجود بالجري والعدو، والسماء تجود بالمطر، فالمعنى واحد؛ ولذلك اتفقت ألفاظ أفعالها وأبنيتها، ولكن قد فرق بين مصادر هذه الأفعال؛ دليلا على اختلاف الفاعلين والمفعولين، وفرق بين صفاتهم أيضا لاختلافهم في أعيانهم؛ فقيل في مصدر السخاء بالمال: الجود، على بناء اليسر، بضم الأول وقيل في صفة الفاعل منه: جود، على فعال؛ لأن فعالا بمنزلة فعول وفعيل في العدد والحركات والسكون. ومعناهما جميعا المبالغة في النعت. وقيل في مصدر عتق الفرس وكرمه وجريه: الجودة، والجودة، مؤنثتين، بضم الأول وفتحه، على مثل: غَرفة وغُرفة، كأن أحدهما للمرة الواحدة، والآخر للمقدار، وقيل في صفة الفرس أيضا: جواد، على صفة السخي من الناس.

وقيل في مصدر المطر الكثير: الجود، بالفتح، بغير تأنيث، على بناء القطر والصب والدر والسيل، ولم يصفوا السماء والسحاب بصفة منه، نحو جواد ولا جائد ولا جيد؛ إلا أن الجيد قد جعل صفة عامة لكل شيء محمود مستجاد، غير مخصوصة، والجودة، بالفتح أيضا: مصدر عام في كل شيء محمود، معناه المرة الواحدة، وجاء في جمع الجواد من الناس: أجواد وأجاويد. وفي جمع الجواد من الخيل: الجياد، كما يجيء في جمع كل شيء جيد. فأما قوله: وجب البيع يجب وجوبا، وجبة، وكذلك الحق، ووجبت الشمس وجوبا، ووجب القلب وجيبا، ووجب الحائط وغيره، إذا سقط وجبة وجبة؛ فإن أصل وجب، ومعناه في جميع هذا: وقع واستقر، فكما يقال: وقع البيع كذلك قيل وجب البيع، وكما يقال وقع الحق فكذلك يقال وجب الحق. قال الله عز وجل: (فَوَقَعَ الحَقُّ وبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون). وقيل: وجبت الشمس، كما يقال سقط القرص، وقيل وجب الحائط كما يقال سقط الحائط ووقع، وأما وجب القلب، فمعناه اضطرب وصعد ونزل، فكأنه يعلو ثم يسقط؛ فلذلك قيل: وجب القلب، فاتفقت ألفاظ هذه الأفعال، لاتفاق معناها، واختلفت مصادرها؛ لاختلاف الفاعلين ليفرق بينهما فقيل في بعضها وجوبا، كما يقال سقوطا ووقوعا، وفي بعضها: جبة، كما يقال عدة وزنة، وفي بعضها: وجيبا، كما يقال خر الماء خريرا، وهو صوته؛ لأن القلب إذ وجب كان لخفقانه صوت خفي، كما قال ابن مقبل:/ وللفؤاد وجيب تحت أبهره لدم الغلام وراء الغيب بالحجر وقيل في بعضه: وجبة، كما يقال وقعة وسقطة. وقد يقال: وجب الحائط وجبا، مثل وقع وقعا. وأنشدنا لأوس بن حجر في الواجب، وهو الساقط، يرثي ميتا:

ألم تكسف الشمس شمس النـ ـهار والبدر للجبل الواجب ومن هذا قول الله عز وجل: (فَإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا) يعني الإبل إذا نحرت فسقطت على جنوبها. وأما قوله: حسبت الحساب أحسبه حسبا وحسبانا. والحساب: الاسم وحسبت الشيء أحسبه، وأحسبه، محسبة ومحسبة وحسبانا؛ فإن معنى حسبت الحساب، كمعنى عددت أعد، فلذلك جاء على فعلت وجاء مصدره على: "حسبا" أيضا، كما جاء عدا في مصدر عددته. وأما الحساب الذي ذكر أنه اسم فمثل الكتاب. وقيل حسبانا، كما قيل قنيته قنيانا، وقال الله عز وجل: (الشَّمْسُ والْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) فيحتمل أن يكون جمع حساب، وحكى "الخليل" عن بعض بني أسد: حسبانك على الله. مثل قولك: تكلانك، وأنشد "الخليل" لشاعر منهم أيضا: على الله حسباني إذا النفس أشرفت على طمع أو خاف شيئا ضميرها ويقال أيضا: حسبته حسبة، بكسر الحاء. ومنه قول النابغة: فأكملت مائة فيها حمامتها وأسرعت حسبة في ذلك العدد

وقد يكون الحساب مصدر كالمحاسبة من حاسبته. وقد يقال: حسبت حسابه بالهاء أيضا، كما يقال كتبت كتابة. وأما قوله: حسبت الشيء/: أي ظننته أحسبه وأحسبه، فإن قولهم: حسبته، بكسر السين، وأحسبه، بفتحها في المستقبل نظير قولهم: علمته أعلمه؛ لأن من بابه، وهو ضده، فخرج على مثاله. وأما أحسبه، بالكسر في المستقبل، فلغة مثل: ورم يرم، وولي يلي، ومثله قليل في الكلام. وقال بعضهم: يقال: حسب يحسب، على مثال ضرب يضرب مخالفة للغة الأخرى، فمن كسر الماضي والمستقبل، فإنما أخذ الماضي من تلك اللغة، والمستقبل من هذه، فانكسر الماضي والمستقبل لذلك. ومصدره: الحسبان، بكسر الحاء، على مثال: الخيلان من خلت؛ لأنه في معناه. وأما محسَبَة ومحسِبَة، فمثل المعدِلة والمعدَلة، والمحمَدة والمحمِدة. وفي القرآن: (أَحَسِبَ النَّاسُ) بالكسر. وفيه: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ). وأما المستقبل فإن قول الله عز وجل: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ): يقرأ بالفتح والكسر، والفتح أقيس، والكسر مستعمل كثير. وزعم قوم أن الكسر لغة النبي، صلى الله عليه وسلم. وإنما خاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم، رجلاً، كانت لغته الكسر، فكلمه بلغته، فقال: "لا تحسبن أنا ذبحناها من أجلك"، فظن من سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم أنها لغته. وأما قوله: امرأة حصان، بينة الحصانة والحصن، وقد أحصنت، وفرس حصان بين التحصن والتحصين، فإن المرأة الحصان: هي الحافظة لفرجها ونفسها، العفيفة. وقال حسان، في عائشة، رضي الله عنها: حضان رزان ما تُزَنُّ بريبة تصبح غرثى من لحوم الغوافل

وهو مفتوح الأول، كما يقال: ارمأة رداح وصناع، صفة لها. ومصدرها: الحصانة/ لأن فعلها حصنت تحصن، مثل: كرمت تكرم كارمة. والحصن أيضاً مصدر لها، كما يقال: حسنت تحسن حسنا، وقبحت تقبح قبحا، ويقال أيضا فيه الحصن، وإنها لبينة الحصن، بكسر الحاء، وقالت شاعرة في الضم لابنتها: الحصن أولى لو تريدينه من حثيك الترب على الراكب وقوله: قد أحصنت، معناه أنها قد عفت وحفظت فرجها، كما قال الله عز وجل: (ومَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) فجعل الفعل لها، فهي محصنة بالكسر، مثل أحسنت فهي محسنة. ويقال: هي محصنة؛ بفتح الصاد، إذا أردت أو زوجها أو وليها أحصنها. ومنه قول الله عز وجل: (والْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) وقوله [تعالى]: (والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ). ويقال للمرأة: حصان الفرج أيضا، كما قال الأعشى لامرأته: وبيني حصان الفرج غير ذميمة وموموقة فينا كذاك ووامقة وأما قوله: فرس حصان، بكسر الحاء؛ فإنه الفحل الذي يتحصن على الرمال؛ أي ينزو. وقد جعله "ثعلب" صفة. وذكر "الخليل" أن الحصان: الفرس الفحل، فلم يجعله صفة، وروي لنا عن قطرب أنه قال: لا يجوز أن يقال فرس حصان،

فيوصف به؛ لأنه اسم، وليس بصفة، وتحصنه: تكلفه لأن يكون فحلاً. وأما تحصينه، فتصيير أهله إياه حلا؛ أي يحبسونه للفحلة وذلك لكرمه وعتقه. وكل هذا في معنى إحراز الشيء وحفظه؛ ولذلك قيل للحصن، الذي يتحرز فيه حصن. وأما قوله: عدل عن الحق، إذا جار، عدولاً. وعدل عليهم عدلا ومعدلة ومعدلة؛ فإن العدل/ في الأصل: النصفة، وأخذ الحق، وإعطاؤه، والتسوية في الوزن وغيره. وفعله: عدل يدل، مثل وزن يزن، ثم يفرق بين المعاني، بتعدية الفعل، أو منعه من التعدي، أو بأن يعدي بنفسه، أو بحرف جر، أو بأن يخالف بين حروف الجر فيه، لاختلاف المعاني؛ فإنما قيل عدل عن الحق، فعدى إلى الحق بعن؛ لأنه بمعنى زال عن الحق، أو زاغ عنه، أو مال عنه، فعدى بالحرف الذي تتعدى به هذه الأفعال المضارعة معناه معانيها وجعل مصدره فيه العدول، كمصدر قولهم: خرج عن الشيء خروجا؛ لأنه خرج عن العدل والنصفة والحق. وأما قوله: عدل عليهم عدلا ومعدلة، فمعناه عطف عليهم وتحنن ومن عليهم، ونحو ذلك؛ من الإحسان والأفعال التي تعدى بعلى، فعدى لذلك بعلى، وهو ايضا ضد جار عليهم جورا، وجار يعدي بعلى، فأجري مجرى ضده، وجعل مصدره: العدل والمعدلة؛ فرقا بينه وبين مصدر الأول في البناء، لما كان لفظ فعلهما واحدا في البناء، وكمصدر ضده؛ وهو الجور. وأما قول؛ قربت منه أقرب قربا. وما قربتك ولا أقربك قربانا. وقربت الماء أقربه قربا؛ فإن أصل هذا كله من القرب وهو الدنو من الشيء ولكن فرق بين أمثلة الفعل منه وبين أمثلة المصادر؛ لما فيها من اختلاف الفاعلين والمفعولين، وزيادة المعاني على ما شرحناه في غيره، فقيل: قربت منك، وبنى على مثال فعل يفعل، بضم عين الماضي والمستقبل منه؛ لإرادة معنى المبالغة في الدنو، كما يقال: ظرف يظرف، فقيل: هو قريب وقيل في مصدره: القرب، على فعل، كما قيل في مثل الحسن: / القبح والحصن والخبث. وأما قوله: ما قربتك ولا أقربك قربانا، فبنى على فعل، بكسر العين في الماضي، وفتح

المستقبل، على مثال: غشيت أغشى، ومسست أمس. وجعل مصدره كمصدر "قربانا" مثل: غشيان. وعدي الفعل بنفسه، لا بحرف الجر كما عدي غشيت ومسست. ومنه قول الله عز وجل: (لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) أي لا تمسهوهن، ولا تغشوهن. وقوله [تعالى]: (ولا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ) وقوله [تعالى]: (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنتُمْ سُكَارَى). وأما قوله: قربت الماء، فبني على فعلت، بفتح عين الماضي، مثل: دنوت ومستقبله بالضم، مثل: أدنو؛ لأنه في معناه، ولكنه عدي بغير حرف جر؛ للفرق بينه، وبين ما عدي بحرف الجر في غير معناه؛ ومع ذلك إن معناه كمعنى طلبت أطلب طلبا، فخرج على مثله، وعدي تعديته، وهو أيضا، مثل: وردت أرد؛ وذلك أن القارب: هو الذي يطلب الماء، فيتقدم أصحابه لطلبه، ولا يكون ذلك عندهم نهارا، وإنما يسيرون ليلا؛ فلذلك قالوا: ليلة القرب، وجعل مصدره: القرب، بفتح الأوسط؛ للفرق بينه وبين مصادر سائر ما قدمنا وصفه؛ لأنه في معنى الطلب والكثب، وهو القرب، فهكذا تختلف الأمثلة، وتتفق الحروف. وأما قوله: نفق البيع ينفق، ونفق الشيء إذا نقص وانقطع ينفق نفقاً وهو نفق؛ فإن أصله هذا كله من سرعة الذهاب، ولكن فرق بين أبنية أفعاله؛ للفرق بين فاعليه ومفعوليه، فقيل: نفق المتاع؛ لأنه أسرع ذهابه ونقصانه، بالشراء والبيع، فقيل: نفق ينفق، على وزن نقص ينقص وذلك إذا رغب فيه فطلب، وكذلك نفق البيع، يريد بالبيع المبيع/ من المتاع، لا البيع نفسه: وكان ضده: مسد يكسد المتاع والشيء كسادا فخرج على مثال تصرفه لذلك، ومع ذلك إن معنى نفق المتاع كمعنى خرج المتاع. وأما نفق الشيء، بكسر عين الماضي، ينفق، بفتح المستقبل؛ فلأنه بمعنى نفد ينفد نفدا، فهو نفد، وتلف

يتلف تلفا فهو تتلف، فخرج على أمثلته وبمنزلة فني يفنى، يقال: نفقت نفقته تنفق؛ أي نفدت تنفد؛ لقلتها، ومن هذا استعير للدابة إذا مات، فقيل: قد نفق نفوقا، مثل خرج خروجا، على وزن همد همودا. وأما قوله: قدرت على الشيء، إذا قويت عليه أقدر قدرة ومقدُرة ومقدِرة، وقدرت الشيء من التقدير قَدْرا وقَدَرا، وأنا أقدره؛ فإن معنى ذلك وأصله من القدرة، ولكن فرق بين الأبنية، لما مازجها من المعاني المختلفة؛ وإنما يكون التقدير للأشياء عن قدرة عليها، وعلم بها، فإذا قلت فيه: قدرت، مخففة، فهو مثل: عرفت وحزرت ووزنت، وإذا قلت: قدرت، بالتشديد، فإنما أردت التكرير والتكثير؛ فمصدر الخفيف: القدر، بسكون الدال. وأما القدر، بفتح الدال فاسم، ولكن الأسماء قد توضع مواضع المصادر، إذا كانت الأسماء من أسماء الأحداث والأفعال. وأما قدرت على الشيء؛ بمعنى قويت عليه، فلذلك عدي بعلى إلى المفعول؛ للدلالة على القوة، وقيل في المصدر: القدرة، على مثال القوة، والمقدرة، بضم الدال في القدرة نفسها، وهي على مثال المكرمة، وهي اسم. والمقدرة بكسر الدال مصدر، بمنزلة المحمدة والمعدلة. وأما قوله: جلوت العروس جلوة، وجلوت السيف جلاء، وجلا القوم عن منازلهم جلاء، وأجلوا أيضا، وأجلوا عن قتيل لا غير إجلاء؛/ فإن معنى جلوت نحيت الأذى أو الصدأ أو الدرن عن شيء، إذا نظفته، كقولك: جلوت السيف والمرآة والطست؛ ولذلك قيل: جلوت العروس، لما تزين به. وكذلك قولهم: جلا القوم عن منازلهم، إذا تنحوا عنها، وانتقلوا وخرجوا، وكذلك قولهم: أجلى القوم عن قتيل، إنما معناه تنحوا، إلا أن أبنية الأفعال، وتعديها، ومصادرها اختلفت؛ لاختلاف الفاعلين والمفعولين؛ لئلا يلتبس بعضها ببعض، فقيل: جلوت العروس والسيف والمرآة والطست ونحوها، على فعلت مثل مسحت وصقلت، وعدي الفعل بنفسه، ثم فرق بين مصدر العروس، فقيل فيه: الجلوة، على فعلة، مكسورة الأول، ويقال أيضا: الجلوة، بالضم. وفي مصدر السيف ونحوه: الجلاء، بكسر الأول، على فعال. ومنه قول زهير:

فإن الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء وقيل: جلا القوم عن منازلهم، غير متعد؛ لأنه في معنى انفعلوا، والانفعال لا يتعدى. وقد يقال: انجلوا، وهي لغة العامة، أخروجها على بناء انفعلوا، لما كان في معناه، وجاء مصدره على الجلاء، مفتوح الأول ممدودا على فعال، بوزن الذهاب، كما قال الله عز وجل: (ولَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الجَلاءَ). وفي لغة أخرى جلوتهم فأجلوا عن منازلهم، وعلى هذه اللغة قول أبي ذؤيب، يصف النحل والرجل الذي طردها ونفاها، عن خلايا العسل بالدخان: فلما جلاها بالأيام تحيزت ثبات عليها ذلها واكتئابها وحق الألف أن تزاد في فعل الناقل لهم عن منازلهم، وأن يقال: أجليتهم، فجلوا، والإجلاء على إفعال/ مصدر أجلوا، ومن هذا سميت: الجالية، وجمعها الجوالي: لأنهم جلوا عن أوطانهم. وكان قياس من قال: جلوت القوم عن منازلهم، أن يقول في المطاوعة منهم: فانجلوا، كما يقال: نفيته فانتفى، وقول أبي ذؤيب يقوي لغة العامة، في جلوتهم فانجلوا. وأما قوله: وتقول: غرت على أهلي أغار غيرة، وغار الرجل فهو غائر، إذا أتى الغور، وغار الماء يغور غورا، وغارت عينه غئورا، وغار الرجل أهله إغارة وغارة، وأغار الحبل إغارة، إذا أحكم فتله؛ فإن الذي ذكره في هذا الفصل خاصة من أصلين مختلفين، أحدهما عينه واو، والآخر عينه ياء، ولم يجب أن يجمعها، فأما ذوات الواو منها فهو في معنى الهبوط والنزول والانحدار من علو إلى سفل، والغوص في الماء، وفي الفكرة يقال: إنه لبعيد الغور؛ أي بعيد القعر، فلذلك قال: غار الرجل، إذا أتى الغور؛ لأن

الغور منهبط في الأرض، وهو ما سفل، وهو ضد النجد؛ لأن النجد: ما علا وارتفع، ومنه قول الأعشى في النبي صلى الله عليه وسلم: نبي يرى ما لا ترون وعدله أغار لعمري في البلاد وأنجدا وقال آخر: يا دار لا تستعجمي يا دار وخبري ما فعل الحضار أشرقوا أم غربوا أم غاروا أما فرقت بينهم الأقدار؟ وقال آخر يذهبن في نجد وغورا غائر ولذلك قيل: غارت عينه، إذا دخلت من الهزال أو الجوع أو المرض أو غير ذلك، إلا أنه/ قد فرق في مصدريهم، فقيل في مصدر العين: الغئور، على فعول وفي مصدر الهبوط في الأرض: الغور. ومنه قولهم: غار النجم، إذا مال للغروب غيارا وغئورا. وقال أبو ذؤيب الهذلي: هل الدهر إلا ليلة ونهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها والفاعل من الجميع غائر، ولذلك قيل غار الماء غورا، إذا غاض أو غيض قال الله عز وجل: (أَرَأَيْتُمْ إنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا) أي غائراً، إلا أن المصدر قد يوضع في موضع الفاعل والمفعول جميعا، ومنه قولهم: غورنا في بطن الوادي أي نزلنا في غوره، أي بطنه. وأما ذوات الياء منها فمعناها تغيير الشيء عما هو عليه، أو إنكار حاله، ولذلك قيل لكل ما خالف شيئا: "غير" فمعنى غرت على أهلي، أي حذرت عليهم من سواء، فجاء

بناؤه على فعلت، بكسر الثاني، مثل حذرت ونحوه. ومستقبله: يفعل، بفتح الثاني، مثل يحذر، وقال الراجز: يا رب شيخ من بني فزاره يرمي سواد الليل بالحجارة يغار أن يعتلج البكاره وعدي بعلى، كما يعدى حذرت بعلى فيقال: حذرت عليه، وخص مصدره بالغيرة، والفعلة من كل فعل بناء المرة الواحدة، وقد يقال أيضا فيه: الغار، على وزن فعل بفتح العين، وقال الهذلي: ضرائر حرمي تفاحش غارها وأما قوله: غار الرجل أهله، يغيرهم غيارا وغيرا وغيرا، إذا مارهم، فهو أيضا من تغيير الشيء؛ لأنه يأتيهم/ بغير ما عندهم من الميرة، ويغير بذلك من أحوالهم، وجعل على بناء مار يمير؛ لأنه في معناه، وجعل مصدره: الغيار والغير، فرقا بينه وبين مصدر الغيرة على الأهل، وعدي الفعل بنفسه، مثل تعدية مارهم، وجعلت الغيرة اسما له، كالميرة؛ لاتفاقهما في المعنى، وغير الدهر، بكسر الأول وفتح الثاني من هذا، ولكن بني على فعل؛ لأنه جمع، بمنزلة كسرة وكسر. وأما أغار على العدو، فإنه منقول بالألف من قولهم: غار أهله، أي مارهم؛ لأنه أخذ غيرة قوم، أو غيرة عدوه التي غارها نفسه وأهله، ونحو ذلك، فجعلها لنفسه غيرة. ومصدره: الإغارة، بالألف على أصل القياس في المعتل، وعدي بعلى؛ لأنه بمعنى هجم عليهم، وعدا عليهم وكر عليهم وشن عليهم الغارة. فأما قولهم: الغارة؛ فاسم للوقعة والحرب التي يغار فيها، وليست بمصدر، ولكنه بمنزلة الطاعة من الإطاعة، ومثل الجابة من الإجابة.

وأما قولهم: أغار الحبل إغارة، إذا فتله، وأحكم فتله، فمعناه أنه جعل فيه شعرا كثيرا أو ليفا أو صوفا أو نحو ذلك، من الغيرة والميرة، فاحتيج إلى شدة فتله، كما يقال أغار أهله، إذا أتاهم بالغيرة والميرة، وبنى على أفعل، مثل: أمررت الحبل وأحصدته، إذا شددت فتله، وأحكمته، ومنه قولهم: فرس مغار، أي شديد المعاقم والفصوص، أي قد أغير بالقضيم وغيره، حتى اشتد. فهذا آخر هذا الباب. * * *

تصحيح الباب الحادي عشر من الكتاب وهو في بعض النسخ فصل من باب المصادر، الذي قبله

تصحيح الباب الحادي عشر من الكتاب وهو في بعض النسخ فصل من باب المصادر، الذي قبله وترجمته باب فعل، بين الفعولة، في نسخة أحمد بن الحارث بخطه/ اعلموا أن عامة في هذا الكتاب في رواية ثعلب، طائفة من الباب العاشر، الذي فسرناه، غير مفصول منه، ولكنه داخل في جملة المصادر، التي ذكرها وقد فصله ابن الحارث عن ابن الأعرابي، وجعله باباً على حدته؛ فلذلك أفردنا تفسيره. [وكان يجب] ألا يذكر فيه إلا ما وافق ترجمته، أو كان يدخله في المصادر المتقدمة المختلطة، ولا ينظم الأبواب، على غير ترتيب. وقد ذكر "ابن السكيت" مثله في "إصلاح المنطق"، وذلك عظيم من أمثالهم. ونحن مفسرون ذلك على ما رسمه، إن شاء الله. فنقول: أما قوله: هو أب بين الأبوة، وأخ بين الأخوة، وابن بين البنوة، وعم بين العمومة، وخال بين الخئولة، وأم بينة الأمومة؛ فليس أب ولا أخ، ولا خال ولا أم، ولا أمة، على وزن فعل، بسكون العين، كما ذكر، وترجم به الباب. بل أكثرها على فعل، بفتح العين من الفعل، ولاماتها محذوفة، والأم أيضاً مضمومة الأول مع ذلك فهي على وزن فعل، مع الحذف، ولكن الأبوة والأخوة والبنوة، والعمومة والخئولة والأموة، على الفعولة كما ذكر؛ لأن الحروف المحذوفة منها قد ردت إليها، في هذه المصادر. فأما الأمومة في مصدر الألم، فمخالفة للقياس، شاذة عن نظائرها؛ لأن الأم تقديرها: أمهة، على وزن: فعلة، بتشديد العين، ولكن قد حذفت منها الهاء الأصلية، التي هي

لام الفعل منها، والدليل على ذلك: أن جمعها أمهات كما قال الله عز وجل: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) وقال [تعالى]: (وأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ). فكان يجب أن ترد الهاء المحذوفة منها/ في مصدرها، كما ترد في جمعها فيقال في الفعولة منها: أموهة. فأما الأمومة فإنما هو شاذ، أخرج على لفظ الأمر وليست الميم الثانية منها بلام الفعل، وإنما اللام منها الهاء المحذوفة، والميمان عين الفعل قد كررت، فلم يدر أن الفعولة يجب أن تكون لامها لام الفعل، وأتى بعين الفعل المكررة في موضع اللام، لما وجدها في الأم في موضع اللام في الواحد، وفي قول من جعل الأم على اللفظ دون المعنى، وهي لغة ضعيفة، غير فصيحة، كأنها مشتقة في المعنى بما أخذ في الإمامة والإمام، وإنما يستعمل، ويجوز مثلها في ضرورات الشعر، كما قال الشاعر: إذا الأمهات كسفن الوجوه فرجت الظلام أماتكا فجاء في الأولى على القياس والصحة، وأتى في الثانية على لفظ الأم، دون المعنى للضرورة إلى الوزن والقافية. وإنما المصدر الصحيح في الأم على الفعولة منها: الأمومة؛ لأن الكلام لا ضرورة فيه؛ ولأن القياس أولى من الشذوذ. وكان يجب عليه إذ حكى المسموع الشاذ، أن يبين الصواب المقيس، ولا يختار إلا الأجود. وأما العم والابن فأصلهما فعل، كما ترجم الباب. وزعم بعض النحويين أن الهاء في أمهات زائدة، وأن الأصل أمات، ويجب عليه أن يزعم أن الأمهات: فعلهات، والواحدة: فعلهة، وهذا بناء ليس له في كلام العرب نظير، ولا يجوز أيضا أن تكون أمهة فعلهة؛ لأن أمهة ثانيها مضعف، وفعلهة ليس ثانيها مضعفا، فإن ضعف عين فعلهة صارت على وزن: فعلهة، وهذا أقبح من الأول؛ لأنه ليس في كلام العرب هذا المثال، مع ثقله،

فجعل / الأمات، التي لا يتكلم بها أحد من الفصحاء، ولا توجد في القرآن ولا في الشعر إلا ضرورة، هي الأصل، وجعل الأمهات، التي أطبقت العرب على الكلام بها، ولم يجئ في القرآن إلا كذلك، شاذا رديئا. ووزن أمهة عند هؤلاي: فعلهة، والأمهات عندهم على فعلهات؛ وهو مثال لم يجئ عليه شيء من كلام العرب، ولم يذكر "الخليل" ولا "سيبويه" ولا أحد من مقدمي أصحابهما هذا البناء في أبنية الأسماء، ولا ذكروا أن الهاء تزاد إلا في موضعين أحدهما بعد ألف الندبة، والآخر لبيان الحركة في مثل قول الله عز وجل: (ومَا أَدْرَاكَ مَاهِيَهْ) وفي مقل: ارمه وعه. وليس يجوز أن تكون أمهة إلا كما ذكره "الخليل" فإنه قال: جمع الأم أمهات، ويقال فيه: قد تأمه الرجل أما، إذا اتخذ لنفسه أما، وقال: تصريف الأم وتفسيرها في كل معانيها: أمه يأمه أمها، في كتاب المؤلفات الصحاح؛ لن تأسيسها من حرفين صحيحين وهمزة، والهاء في أصلية، ولكن العرب حذفت تلك الهاء؛ إذ أمنوا اللبس، قال: ويقول بعضهم في تصغير أم: أميهة والصواب: أميمهة. وبعض يصغرها: أميمة، على لفظها، وهم الذين يقولون أمات في الجمع. ومن العرب من يحذف ألف أم، في مواضع كثيرة بمنزلة ألفات الوصل، كما قال عدي بن زيد: أيها العائب عندي أم زيد أنت تفدي من أراك تعيب وقال "سيبويه" وجميع أصحابه: إن الهاء إنما تزاد لبيان الحركة في مثل: ارمه وعه، و (ومَا أَدْرَاكَ مَاهِيَهْ) وفي الندبة بعد الألف كقولك: وافلاناه. ولم يجعلوها/ زائدة في غير ذلك، والصواب ما فسرنا، وإنما الأمهات بمنزلة الأبهات، والأبهة: الكبر. وبمنزلة الترهات، وهي الأباطيل، واحدتها: ترهة. ومثل فوهة الطريق على مثال العلفة، وهي ثمرة الطلح ووزنها: فعلة، بتشديد العين، وليست الهاء في الأبهة والترهة، والفوهة بزائدة عند

أحد من النحويين ولا اللغويين. وأما من حذف الهمزة من الأم كما تحذف ألفات الوصل فهو مخطئ، وإنما جاء في الشعر للضرورة، كقول امرئ القيس: ويل أمها في هواء الجو طالبة ولا كهذا في الأرض مطلوب واستعملوا "ويل أمه" في الكلام محذوفا؛ لكثرته في الكلام، ولا يجوز أن تكون فاء الفعل وعينه حرفا واحدا في شيء من كلام العرب، إلا أن يفصل بينهما فاصل، مثل: كوكب، وقبقب، فأما "ببة" فلقب كأنها حكاية. وزعم "الخليل" أن "دداً" حكاية لصوت اللعب واللهو. وإنما ذكر "الخليل" الأم في باب اللفيف من كتاب الميم، وحقها أن تكون في كتاب الهاء في المعتل؛ لأن المعتل عنده ما كان فيه حرفان صحيحان والثالث منه حرف علة، واللفيف عنده ما كان حرف واحد صحيح، وحرفان منه حرفا علة، فبين أنه إنما وضع الأم في اللفيف؛ لأن لفظها اللفيف؛ إذ لم يكن فيها من الحروف الصحاح، إلا الميم؛ فأما الهمزة فإنها عنده من حروف العلل، ثم بين لما صار لفظها: أم، فقال: تأسيسها من حرفين صحيحين، يعني الميم والهاء، وبين أن الهاء في الأمهات أصلية، فإنها قد حذفت من الواحدة، ثم بين تصريفها بقول العرب: /تأمهت أما. وبقوله: إن تصريفها وتفسيرها في جميع الوجوه: أمه يأمه أمها، فأثبت الهاء في الوجوه كلها. وقد قرأت القراء: (وادكر بعد أمْهٍ" بإثبات الهاء، وفسره المفسرون، وأهل اللغة، فقالوا: هو النسيان. وروينا من وجوه أن أبي زيد الأنصاري أنه قال: الأَمَه جدري الجمل، يقال: قد أمه يأمه أمها، فإن توهم متوهم، لضعف قريحته أن معنى النسيان والجدري بعيد من معنى الأم، فليعليم أن الأم تنسى كل شيء، سوى حبلها وولادتها وولدها، وأن

للجدري أثرا لا يكاد يمحي، ولا يفارق صاحبه أبدا، كما لا تفارق الأم ذكر الولد وحبه، ولا تنساه، وإلى هذا ذهب " الخليل" بقوله: إن تفسير الأم وتصريفه في كل الوجوه: أمه يأمه. والصواب عندنا ما قال "الخليل" في الأم، والهاء فيها أصلية محذوفة من الواحدة، يستدل عليها برجوعها في الجميع والتصغير، وتصريف الفعل، وبما هذه الهاء ثابتة مما ذكرناه، كما يستدل بالتثنية والتصغير والتصريف على المحذوف من: أب وأخ وابن ودم، وهن وحر واست. وما أشبه ذلك، ويستدل أيضاً على ذلك بنظائر الأمهة، نحو الأبهة، وهي الكبر ونحو الترهة واحدة الترهات، وهي الأباطيل والحماقات، والتاء فيها مبدلة من واو أصلها ورهة، ونحو الفوهة؛ وفي فوهة الطريق، ونحو السمة جمع السامه، وهو الذي لا يعييه السير من الأبل والخيل. وكل هذا عند النحويين واللغويين على وزن فعلة، والهاء أصلية غير زائدة، عند أحد منهم، فكذلك الأمهة. ومما يستدل به أيضا على أن هذه الهاء غير زائدة في الأمهات، أن الحرف المزيد في الكلمة لا يخلو عند حذاق النحويين، وعلماء اللغويين من أن يكون زيد بمعنى من معاني/ الحروف الزائدة في الكلمة، فتجب زيادته لذلك المعنى بعينه في كل كلمة، كما تزاد التاء في قولنا: احتمل في كل فعل غير احتمل، نحو احتبس من الحبس، واعتبر من العبرة، واتخذ من الأخذ في ماضيها ومستقبلها، واسم فاعلها ومفعولها. وإن ذلك يجب أن يطرد ولا ينكسر، وكما تزاد النون التي في انطلق في كل فعل معناه المطاوعة، نحو انكسر وانستر وانجبر وانجذب في ماضيها ومستقبلها، والاسم المتصرف منها، وألا ينكسر ذلك بل يطرد، أو يكون الحرف الزائد إنما زيد لإلحاق الثلاثي بالرباعي، أو الرباعي بالخماسي فإن كانت هذه الهاء زيدت في الأم، التي هي عند مدعي ذلك لإلحاق، الأم التي هي عنده ثلاثية بالرباعي، فإنه يجب أن يصرف الأمهة تصريف الملحقات بالرباعي، وذلك أن الملحق بالرباعي لا يخالف الرباعي الذي لا زيادة فيه في التصرف في ماضيه ومستقبله واسم فاعله ومفعوله ومصدره، ألا ترى أنك تقول: يبيطر يبطر بيطرة، وجوهر يجوهر جوهرة، وهما فيعل من البطر وفوعل من

الجهر، وكذلك: عنسل يعنسل عنسلة؛ لأنهن ملحقات بدحرج يدحرج دحرجة، فتصرفهن كتصريف دحرج، فمن زعم أن أمهة هاؤها ملحقة وجب عليه أن يقول في فعلها: أمه يؤمه أمهة، ولا يصرفها محذوفة كما لا يصرف بيطر ولا جوهر، بحذف الياء والواو الملحقتين؛ لئلا يلتبس الملحق بغير الملحق، ولا الرباعي بالثلاثي، وهذا من أقوى الأدلة على أن من صرف الأم على الحذف إنما صرفها غلطا على اللفظ، وترك المعنى؛ إما لأنه خفى عليه الحق والصواب، وإما لأنه تعمد الحذف تخفيفا، كما قال "الخليل"./ وكان مما جلب الالتباس على مصرف ذلك على الحذف أنه وجد الميم مشددة وهما مع الهمزة في صورة ما وزنه من الأبنية على فعل، وأنه وجد هذه اللفظة تتصرف على وجوه كثيرة من غير هذا الأصل، مثل الإمامة والأم والإمة والأمة، وغير ذلك مما له أصل غير أصل الأم، ولم يعلم أنهما من أصلين مختلفين لما بين اللفظين من التشابه، فحملها على فعل، ولم يفطن للأمهة أنها على فعلة ولم يقسها بنظائرها، التي لا تحصى كثرة؛ لأن فعلة وفعلا في الأسماء مثل الجلب وهو نبت، والخلب وهو البرق الكاذب، والعلف وهو ثمرة الطلح، والسلم وهو معروف، والحمرة وهي طائر، وفي الصفات مثل الحول والقلب والصلب، وفي الجمع مثل: العذل والعزب والخدم، والقوم والصوم، فترك مدعو هذا القول الطريق المستقيم والحمل على النظائر، واخترعوا مثالا ليس له نظير في العربية كلها، وأتوا بمثال لم يذكره "الخليل" ولا "سيبويه"، ولا الموثوق بعلمهم من البصريين، وإنما هو شيء طرأ عن الكوفيين، وذكره ابن كيسان، إما عن الفراء وأصحابه، أو عن ابن نجدة، فإنه زعم أن الهاء في هجرع زائدة؛ لأن الجرع مستعمل، والهاء في هبلع زائدة؛ لأن البلع مستعمل، وأن الهاء في هركولة زائدة؛ لأن الركل مستعمل، فصير في الكلام أمثلة لا يعرفها الحذاق من النحويين، وهي هفعل وهفعولة وفعلهة، ولولا أن هذا شيء مسطر في الكتب، مدون عندهم، لكان حكمه أن يهزأ من قائله، ولا يحكى ولا يحتج عليه

ولو كان ما ذهبوا إليه في الأمهة صحيحا لوجب أن تكون العلقة على مثال فعلفه والفاء زائدة، وأن تكون الحمرة على فعلرة والراء زائدة، ويكون/ السلم على فعلم والميم زائدة، وأن يكون الجلب والخلب على وزن فعلب واباء زائدة من أجل أن ما قبل هذه الزوائد يخرج على وزن فعل بمنزلة الأم ويتصرف في وجوه كثيرة ومعان، كما يتصرف لفظ الأم. فمن علم أن جميع ما ألزمناهم مما ينفرون منه، ولا يقولون به، فليعلم أن دعواهم في أمهة أيضا باطل، يجب أن ينفر منه؛ لأنها نظيرة جميع ذلك. وقد ذكر "الخليل" أن من العرب من يحذف ألف أم أيضاً في مواضع كثيرة، بمنزلة ألفات الوصل، كما قال عدي بن زيد: أيها العائب عندي أم عمرو أنت تفدي من أراك تعيب أراد أم عمرو، والعرب تقول في كلامها: ويلمة، وقد قال امرؤ القيس: ويلمها في هواء الجو طالبة ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب وليست الهمزة بزائدة، ولا هي ألف واصل، وإنما حذفت في الكلام تخفيفا لكثرة استعمالها في الشعر ضرورة، ولو كانت زائدة لوجب أن تكون فاء الفعل وعينه الميمان، وهذا لا يجوز في كلام العرب، إلا أن يفصل بين الحرفين بفاصلة مثل قولهم: كوكب وقبقب، غلا في حكاية صوت مثل رجل يلقب: ببة. وقال "الخليل": الدد حكاية صوت اللهو واللعب؛ فلذلك جاز فيها دالان. وأما قوله: عبد بين العبودة والعبودية، فالعبودية الطاعة والرق والخدمة وليست العبودية بفعولة، كما صدر به الباب وترجمه. ولكنها فعولية، وهي منسوبة إلى العبودة بياء النسب، كما قيل في الرب عز وجل: الربوبية؛ فنسبت بالياء إلى المصدر، الذي هو فعول أو فعولة. وأنثت العبودية / والربوبية للمبالغة والتوكيد في المعنى، وكما قيل في الديمومة: الديمومية، وقد تلحق هذه العلامة لتأنيث المرة الواحدة والخصلة الواحدة. وأما قوله: غلام بين الغلومة والغلومية، فليس الغلام على مثال فعل أيضا، كما صدر به الباب، ولا الغلومية بالياء بفعوله، ولكنها فعولية منسوبة، وكذلك قوله: رجل بين

الرجولية والرجولة، في أنه ليس رجل على بناء فعل كما ترجم به الباب، ولا الرجولية بفعولة، ولكنها فعولية منسوبة، وليس معنى الرجولية والرجولة من معنى الرجل الذي هو ضد المرأة في شيء، وإنما يراد بهما الجلادة والنفاذ والفضل الذي يمدح به الرجال. وكذلك العبودية والعبودة، إنما يراد بهما الرق لا غير ذلك؛ لأنه لا يقال لعبد من عباد الله: بين العبودية؛ لأن ذلك لا يشك فيه، وليس أحد لا تصح لله عبوديته، فلا يحتاج إلى تثبيته بعلامة، وإنما يشك في عبودة أرقاء الناس. وكذلك يراد في الأبوة والأخوة: الرقة والرحمة والبر والصلة والشفقة، أو الشبه في الأخلاق والخلق. وكذلك العم والخال، فأما الأمة فبمنزلة العبد والغلام أيضا، إنما يراد بالغلومية فيه تمام القوة والشباب والخدمة والجلادة والنفاذ فيها. وأما قوله: جارية بينة الجراء ووصيفة بينة الوصافة والإيصاف، ووليدة بينة الولادة والوليدية فليس واحد منهما على الترجمة، التي عقد بها الباب وترجمه، وإنما هي أسماء مختلفة الأمثلة؛ لأن الجارية على وزن فاعلة، والوصيفة على مثال فعيلة، وكذلك الوليدة، وليس المصادر منها أيضا على/ فعولة؛ لأن الجراء على فعال، والوصافة على فعالة، والإيصاف إفعال، والولادة أيضا فعالة، والوليدية فعيلية منسوبة إلى الوليدة، وليست الوليدة بمصدر. وقد حكي عن ثعلب أنه قال: الجراء، بكسر الجيم مع المد، وبفتحها مع القصر، وأصحابنا البصريون يأبون ذلك ويقولون: هو الجراء، مفتوح لا غير ممدود، وينشدون قول الأعشى في ذلك كذلك رواية عن العرب: والبيض قد عنست وطال جراؤها ومعنى الجراء ههنا العذرة؛ لأنهم يسمون المرأة ما لم تتزوج: جارية، يقول: قد بقين أبكارا، دهرا طويلا، أي لم يزوجن، ولم يرد الشباب ولا الحداثة؛ لأن ذلك لا يطول ولا يبقى لأحد، والدليل على ذلك: قد عنست. وقد تكون الجارية بمعنى الشابة الحديثة السن، وقد تسمى المملوكة أيضا والخادمة والحرة: جارية، كما يسمى الحر والعبد غلاما، ولم يسمع الفعل في شيء من هذا كله مستعملا عند العرب. وكان يجب عليه أن

يقيس هذه المصادر، ويذكر أفعالها المقدرة عليها؛ ليفيد الناس غير المسموع في الباب كله، ويبين للمتعلمين أصلا يعتمدون عليه، ولا يكلهم إلى الحفظ دون المعرفة؛ فإن الاسم إذا كان على فعيلة كالوصيفة والوليدة، وكان مصدره على فعالة، كالوصافة والولادة، وجب أن يكون تقدير فعله على فعل يفعل، بضم العين من الماضي والمستقبل، مثل قولهم: كرمَت تكرم كرامة، فهو كريم وهي كريمة، وظرفت تظرف فهي ظريفة، فيكون على وصفت توصف وصافة، فهي وصيفة، وولدت تولد ولادة فهي وليدة؛ لأن هذا وزن/ أفعال الانتقال من حال إلى حال، مثل قولهم: ما كان ظريفا ولقد ظرف وما كان قاضيا، ولقد قضو. وقد يجيء بعضه على مثال فعل يفعل، بكسر عين الماضي وفتحها من المستقبل؛ لأنه أيضا من أبنية ما لا يتعدى، وما يكون انفعالا وما يكون للمبالغة أيضا .. ويجيء اسم الفاعل منه على فعيل كعليم ورحيم، وهذا الفعل يشترك في مصدره فعالة وفعولة؛ لأنهما بوزن واحد في الحركات والسكون وعدد الحروف والتأنيث، وعلى حذو واحد، وربما جاء مذكرا مثل الجراء؛ لأنه ليس بتأنيث حقيقي، وإنما هو مصدر مؤكد. فأما فعيلة فاسم الفاعلة وليست بمصدر كالفعولة والفعولية، فتصير الفعيلة بالنسبة مصدرا، وتصير الفعولة بياء النسبة مؤكدة للمبالغة في المصدر. فأما الإيصاف فمصدر فعل غير الوصيفة، ولكنه فعل الله عز وجل بها، أو فعل من جعلها وصيفة، كقولك: أوصفها يوصفها إيصافا، ويجوز فيه فعّلها بالتشديد كقولك: وصّفها يوصفها توصيفا، ونحو ذلك، وقد جعل ثعلب الإيصاف مثل الوصافة وذلك خطأ. وأما الوليدية فمنسوبة إلى الوليدة نفسها بالياء على ما فسرنا، وكل اسم أو صفة نسب بالياء وأنث بالهاء، صار مصدر الفعل مقدرا، وإن لم يكن منه فعل، ويكون كالفعولة نفسها وكالفعالة، وجاء في فعلها أن يتصرف، على مثال نظائره من أفعال أمثال هذه المصادر، وإن كان غير مسموع، أو كان المسموع من العرب مخالفا له؛ لأنهم قد يستعملون الشيء على غير بابه وقياسه، الذي أجمعوا عليه؛ لأسباب كثيرة، ويستغنون عن/ الشيء، الذي هو صواب بغيره. ولو لم يؤت في ذلك بالفعالة ولا الفعولة ولا بالنسبة إليهما، ونسبت إلى الاسم بعينه، فقيل للرجل بين الرجلية، وفي الغلام بين الغلامية، وفي الفرس بين الفرسية

وفي الحمار بين الحمارية، وفي الكلب بين الكلبية لكانت مصادر غير جارية على أفعال مستعملة، بل على أفعال مقدرة. وقد حكى في الأب والأخ: كنت أبا، ولقد أبوت، وما كنت أخا، ولقد أخوت، على فعلت، بفتح العين، أخبرنا بذلك "علي ابن عبد العزيز" عن أخي "إبراهيم" عن "سلمة بن عاصم" عن " الفراء". وحكاه لنا أيضا ثعلب عن سلمة عن الفراء، وهذا خلاف قياس المصدر منهما، وهو: الأبوة والأخوة، وخلاف أبنية الفعل الموضوع للانتقال من حال إلى حال، وكان قياسه أن يقال: أبُوت وأخُوت، على فَعُلْت، بضم العين من الماضي والمستقبل كقولك: هو يأبو وأخو، على مثال: كرم يكرم، وظرف يظرف، وكما تقول: ما كان قاضيا ولقد قضو يا هذا. ويقول بعضهم: أبيت من الأب، على فعلت، بكسر العين من الماضي، وحكى ذلك لنا "علي بن عبد العزيز" عن "أبي عبيد" عن "اليزيدي" وهذا أقيس مما حُكي عن الفراء؛ لأن فعل تدخل على فعل؛ لأنها أيضا من أمثلة ما لا يتعدى، وما هو انفعال وللمبالغة، فتنقلب الواو ياء لذلك، والذاهب من أب وأخ واو؛ ولذلك يقال في التثنية: أبوان وأخوان فترد كما ترد في التصغير والجمع، فيقال: إخوان وإخوة، وأخي وأبي وآباء، فتصير ياء، من وقوع ياء التصغير قبلها، وهي ساكنة، ويقال: آباء؛ فتصير همزة، لوقوع الألف قبلها في آباء. والأب معروف المعنى، وهو الوالد، وقد يستعمل في معنى: الصاحب والمالك والرب في أشياء، على الاستعارة/ والتشبيه؛ لأن الأب مالك لولده؛ لأنه من كسبه؛ ولذلك قالوا: هذا أبو منزلي؛ أي صاحب منزلي، ويسمى الجد أيضا: أبا كما قيل لآدم: أبو البشر؛ لأنه الذي كسب البشر وولدهم، ويقال لكل شيخ: أب ولكل قيم على قوم: أب. ويروى أنه كان يقرأ: (وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم). وكانت بنو إسرائيل تسمى أنبياءها

وملوكها: آباء. كما قلنا، ولذلك كني الرجال بأبي فلان، وإن لم يكن لهم أولاد على التعظيم. والأخ الشقيق، ويسمى به الصديق والرفيق والصاحب على التقريب حتى إنه ليقال في السلع ونحوها، إذا اشتبهت في الصورة، أو الجودة، أو الرداءة أو في القيمة: هذا أخو هذا؛ ولذلك سمي النحويون الواو والياء: أخوين، وأختين، كذلك الضمة والكسرة: أختين. وقد سمي أبو الأسود الدؤلي نبيذ الزبيب: أخا، فقال: فإلا يكنهاأو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها وتقول العرب: يا أخا الخير، ويا أخر الجود، ونحو ذلك، يعني صاحبه. ومنه قول الله عز وجل: (واذْكُرْ أَخَا عَادٍ إذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ). وعلى هذا قالوا لمكة: أم القرى، ولسورة الحمد: أم الكتاب. قال الراجز: ما فيهم من أم الكتاب أم ولا لهم من حسب يلم وقالوا لصاحبة المنزل: هي أم مثواه. وقيل للحمى: أم ملدم، وللداهية العظيمة: أم الدهيم؛ لأن الأم أصل الولد، وأصل كل شيء مشبه بأصل الولد؛ ولذلك قيل للمرضعة: أم. قال الله عز وجل: (وأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ).

والأمة/ أيضا ليست بفعل، بسكون العين ولكنها على وزن فعلة، بتحريك العين، مثل: أب وأخ، والذاهب منها لام الفعل، وهي واو، وهي: المملوكة من النساء، وواوها ترد فيها، إذا جمعت أو صغرت، فيقال: إموان، بكسر الهمزة، على فعلان وبضهما على فعلان، كما قال القتال الكلابي، أنشدناه ثعلب والمبرد على الوجهين: أما الإماء فلا يدعونني ولدا إذا ترامى بنو الإموان بالعار وتجمع على الإماء أيضا، فترد فيها الواو، ولكنها قد وقعت، بعد ألف طرفا، فصارت همزة لاعتلالها. وإذا صغرت قيل: أمية، فتقلب واوها ياء؛ لوقوع ياء التصغير قبلها؛ لأنها ساكنة. ويقال لما دون العشر من الإماء: آم، على وزن أفعل. كما يقال: أكلب، ولكن الواو تقلب ياء ويكسر ما قبلها من أجلها، قال الشاعر: كما تهدى إلى العرسات آم ويقال: قد تأميت أمة؛ أي اتخذت أو اشتريت أمة. ويقال: قد أميت فلانة أي اعتبدتها وجعلتها أمة، وتأمت هي؛ أي أقرت بالأموة، ورضيت بها وقال الراجز: يرضون بالتعبيد والتأمي والأموة مصدر منه على فعولة، كما ذكر ثعلب، وقياس فعله: ما كانت أمة، ولقد

أموت تأمو، مثل: كرمت تكرم على ما قلنا. وقد حكي فيها نحو ما حكي في الأب والأخ أيضا. وأما البنوة من الابن، فأصلها الياء من بنيت؛ لأن الابن مبنى من الأبوين، ولكن انقلبت الياء المحذوفة في المصدر واوا، لما جاء على فعولة، بضمتين بينهما واو كما يقال: الفتوة بالواو، /وأصلها الياء، كما قال الله عز وجل: (ودَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ). فثنى الفتى بالياء. وقياس الفعل من الابن أن يقال: ما كان ابنا، ولقد بنو، فتقلب الياء واوا للضمة قبلها. وأما قولهم: تبنيته، إذا اتخذته أبنا، فهو تفعلته؛ فلذلك جاء بالياء على القياس والأصل. والابن يستعار أيضا في كل شيء صغير أو مستصغر، فيقول الشيخ للشاب الأجنبي منه: يا بني، ويسمى الملك رعيته بالأبناء، وكذلك الأنبياء في بني إسرائيل، كانوا يسمون أممهم: أبناءهم، والحكماء والعلماء يسمون المتعلمين: أبناءهم. ويقال أيضا: لطالبي العلم: أبناء العلم، ونحو ذلك كذلك. وقد يكنى بالابن كما يكنى بالأب وفي بعض الأشياء بمعنى الصاحب ونحوه، كقولهم: ابن عِرْس، وابن نمرة، وابن ماء، وبنت وردان، وبنات نعش، على الاستعارة والتشبيه. والعم أخو الأب، سمي بذلك من العموم؛ وهو القوة والكثرة؛ ولذلك قيل للنخل الطوال: عم، والواحدة: عميمة. وقال النبي صلى الله عليه وآله: "أكرموا عمتكم النخلة"، ويقال لكل شيخ: عم، على الاستعارة، وفي ذلك يقول الأخطل: وإذا دعونك عمهن فإنه نسب يزيدك عندهن خبالا وتقول: تعممت عما، وما كان عما، ولقد عم يعم. وإنما خص بالعم أخو الأب، دون أخي الأم؛ لأنه أعلى من الخال نسبا؛ لأنه أخو الأب. وسمي الخال خالاً من الخَوَل، وهم: الأتباع والخدم والمتعهدون؛ لأنه أخو الأم، والأم من خول الزوج؛ لأنها فراشه.

وأصل الخال من الواو. وقياس فعله أن يقال: ما كان خالا، ولقد خال يخول،/ ويقال: تخولت خالا، وتقول الشابة للشيخ: يا خال، كما يقال: يا عم. وأما قوله: شيخ بين الشيخوخة، والشيخوخية، والشيخ والتشييخ؛ فالشيخ معروف، وهو الكبير السن من الناس، وقد يستعار لغيرهم، والأنثى شيخة وهي العجوز، كما قال عبد يغوث الحارثي: وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا وأهل اليمن يسمون القرد الكبير شيخا، والفعل منه: شاخ يشيخ شيخوخة مثل: كان كينونة، وصار صيرورة، وتقديرها: فيعولة. وقد شيخ تشييخا وهو يشيخ، بالتشديد، إذا بلغ الغاية في الكبر. وأما الشيخ فاسم موضوع موضع المصدر، بفتح الياء، وإن قدرت له فعلا، كان على فعل يفعل، بكسر الماضي وفتح المستقبل، حتى يصير مصدرا، فأما الشيخوخية فمنسوبة إلى الشيخوخة، بالياء المشددة، على ما فسرنا. والعرب تسمي الشاب: شيخا، إذا عظمته وبجلته، وتسمي الشيخ: فتى على التفاؤل له بالقوة ونحوها، وجمع الشيخ شيوخ وأشياخ ومشيوخاء، ممدود، ومشيخة ومشايخ وشيخان. وأما قوله: أيم بين الأيومة، فليس مما ترجم به الباب أيضا؛ لأنه ليس على فعل ولا مصدره كذلك؛ لأن الأيم، على فيعل، مثل: ميت وسيد، وهي المرأة التي لا زوج لها؛ إما أن يكون مات عنها زوجها، وإما أن تكون لم تتزوج بعد، كما قال الشماخ: أيم لم تزوج

والفعل منها مستعمل يقال منه: آمت المرأة وهي ت ئيم مثل عامت تعيم، قال الشاعر: كل النساء يئيم/ وربما قيل للرجل إذا بقي بغير زوجة: أيم أيضا، ويقولون في الدعاء على الرجل: ماله عام وآم، أي بقي بغير لبن ولا زوجة. ومنه قولهم: عيمان أيمان. وجمع أيم: أيامى، كما قال الله عز وجل: (وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ). وقال النبي صلى الله عليه وآله: "الأيم أحق بنفسها من وليها". والأيمة مصدر للمرة الواحدة من قولك: آمت تئيم أيمة، والأيوم أيضا مصدر، مثل الخروج والدخول والقعود والجلوس، وليست هذه الكلمة التي ذكرها ثعلب، ولا مصدرها من هذا الباب، الذي ترجمه بفعل بين الفعولة. وأما قوله: عنين بين العنينة، والتعنين، والعنين على بناء فعيل مثل: شريب وخمير وسكير، وليس كما ترجم به الباب أيضا. وأما العنينة فمنسوبة بالياء إلى العنين نفسه، فلذلك صارت مصدرا. وأما التعنين فمصدر قولك: عنن الرجل وعننه الله. والعنين: هو الذي لا ينتشر عليه قضيبه، ولا يقدر على اللجماع وهو الذي يقال له السريس، وإنما هو مشتق من العنن؛ وهو: الاعتراض، يقال: عن الشيء أي عرض، وعن له، إذا عرض له؛ وذلك أنه يتعرض للجماع، ولا يقدر عليه. ويقال عن عننا، كما قال ابن حلزة: عنناً باطلا وظلما كما تعـ ـتر عن حجرة الربيض الظباء وأما قوله: لص بين اللصوصية، بفتح اللام، فمخالف أيضا للباب الذي عقده؛ لأن اللص ليس بوزن فعل، واللصوصية ليست بفعولة، ولا فعولية منسوبة إلى فعولة؛ لأنها

مفتوحة الأول، ولكنها منسوبة إلى لصوص، بالفتح، وهو اسم يوضع في موضع/ المصدر، قليل النظر في الكلام كالوقود، وهو اسم ما يوقد به وكالوضوء اسم ما يتوضأ به، وإن كانا يوضعان في موضع الوقود والوضوء وأكثر ما يجيء هذا الباب إنما هو أسماء تجعل في مواضع المصادر، فكأن اللصوص اسم لما يتلصص به، من أداة أو حيلة. واللص معروف، وهو السارق، قالت الشاعرة: ما لقي البيض من الحرقوص من فاجر، لص من اللصوص تعني دويبة، تندس من الرمل في ثوب المرأة، فتدخل في فرجها، وكذلك اللص من الناس، وهو الذي يلج عليهم في المنازل، ويتخبأ لهم حتى يسرق، وهو مشتق من اللصص؛ وهو: تداخل الأسنان، بعضها في بعض وتزاحمها، يقال: رجل ألص وكذلك الكلاب، قال امرؤ القيس: ألص الضروس حتى الضلوع طلوب تبوع نشيط أشر والفعل المستعمل من اللص: تلصص تلصصا، هكذا مصدره، والاسم من هذا الفعل: المتلصص، وهم المتلصصة، وإنما عدل الفصحاء في اللصوصية من الضم إلى الفتح؛ لأن المضمومة منسوبة إلى الجمع، وهو اللصوص، والجماعة لا ينسب إليها، فاستغنوا عن ذلك بما هو أمثل منه على قلته في الكلام. ونظيره قوله: وكذلك: خصصته بالشيء خصوصية، ليس قوله خصصته من الترجمة ولا الخصوصية من الفعولة؛ لأنها مفتوحة الأول، منسوبة بالياء، وقصة الخصوصية قصة اللصوصية، والمصدر المطرد المستعمل المعتاد المعروف منه: الخصوص، وهو ضد العموم، وفعله مستعمل مشهور، ومعناه/ واضح، وهو أن يجعل له وحده شيئا،

أو معنى لا يشركه فيه غيره، تقول: خصه يخصه خصوصا وفاعله: خاص، والمفعول: مخصوص. وفعله: خصته أخصه خصوصا. وقد يقال: اختصصته بالشيء اختصاصا، فأنا مختلص، والمفعول أيضا كذلك. والخصوصية منسوبة، بضم الأول هو الجيد؛ لأنه نسب إلى الخصوص، وهو المصدر الصحيح، وليس بجمع، والفتح فيها شاذ، ولكن ربما كثر استعمال الشاذ لخفته، وترك استعمال المنقاد لثقله. وأما قوله: حر بين الحرورية، بالفتح أيضا، فبمنزلة ما قبله في الفتح، وقلة النظير والضم فيها أقيس؛ لأن مصدر ففعله قد يخرج على الفعولة بالضم؛ لأن معناه كمعنى كرم يكرم، والمصدر من مثل هذا على الفعالة، وهي نظيرة الفعولة، كما بينا، وتقدير الفعل منه: حر يحر حرورة، وإن كان المستعمل منه: الحرورية. والحر ضد العبد، وضد اللئيم؛ لأنه أيضا الكريم من كل شيء، ومنه قيل للأرض الكريمة: حرة، وحر الخد أفضله، ونبات حر، وهو الطيب، ورجل حر، أي كريم الأخلاق والحر من الناس ضد العبد. والجميع: الأحرار. والحرية منسوبة إلى الحر نفسه، وزعم ثعلب أن الحرورية بالفتح أفصح في هذه الثلاثة الأحرف، وأن الضم فيها جائز. وكان يجب أن يقول: الضم أفصح؛ لأنه أقيس على ما بينا، ولكنه نظر إلى استعمال المتشادقين، وإنما القياس في ذلك على ما ذكرنا؛ من أنه على تقدير فعل؛ فكأن اللصوص اسم لما يتلصص به، والخصوص اسم لما يتخصص به، فعل لم يستعمل، ولو استعمل لقيل: ما كان حرا ولقد حر يحر، بضم الحاء في المستقبل، والمصدر: الحرورة بالضم، أو بفتح الحاء، على ما قبل في الكلام من الوقود وأشباهه،/ فيكون اسما موضوعا موضع المصدر، كالوقود والوضوء والحرور، اسم لما ستحرر به، ثم ينسب إليه. وأما قوله: وفارس على الخيل، بين الفروسية والفروسة، وإذا كان يتفرس في الأشياء وينظر فيها قلت: بين الفراسة، فهو كما قال. ومعناهما جميعا من البصر والحذق وحدة الفهم؛ لأن الفارس إنما هو الحاذق بركوب الخيل، وإجرائها، والحرب عليها، والمتفرس أيضا البصير اللطيف الفهم والمعرفة بالأشياء وآثارها، وفي الحديث: "اتقوا فراسة المؤمن،

فإنه ينظر بنور الله عز وجل". وليس للفارس فعل مستعمل، وإن كان له مصدر، ولكنه على تقدير ما له فعل. وإنما قيل له: فارس، على معنى قولهم: ذو فرس، أو ذو فروسية وكذلك صاحب الفراسة، وليس له فعل متصرف على الفراسة، وإنما يقال فيه: تفرس تفرسا، وليس واحد منهما مما عقد عليه ترجمة هذا الباب. والفراسة بوزن الإمارة والوكالة والصناعة، وعلى معناها، وهو اسم، وبالفتح مصدر صحيح كالوكالة والولاية ونحوها، وقد روي في الحديث: "اتقوا فراسة المؤمن" بكسر الفاء. فهذا آخر هذا الباب. * * *

تصحيح الباب الثاني عشر وهو المترجم بباب آخر من المصادر

تصحيح الباب الثاني عشر وهو المترجم بباب آخر من المصادر اعلموا أن هذا الباب في كتاب ثعلب فصل من الباب العاشر أيضا، بمنزلة الذي قبله وهو في خط: "ابن الحارث" باب مفرد، بمنزلة الحادي عشر، وهو أيضا مما كثر به الأبواب، بلا نظام ولا ترتيب ولا تبويب، وكان يجب أن يخلط المصادر كلها في موضع واحد؛ إذ كان يضيق عليها تصنيفها صنفا صنفا، أو كان يجعل كل صنف، على نظام، إن كان يقدر / على ذلك، فلم يفعل ذلك. ونحن مفسروه على ما وضع: أما قوله: حلمت أحلم حلْما وحلُما في النوم، وحلمت عن الرجل حلما وأنا حليم، فليس الحلم ولا الحلم بمصدر، ولكنها اسمان يوضعان في موضع المصدر، وذلك أن حق فعلت، بفتح العين أن يكون مصدره إذا لم يكن متعديا: الفعول مثل القعود والجلوس، في قعدت وجلست، وإن كان متعديا، فعلى مثال فعل مثل الضرب في ضربت، والقتل في قتلت. وقد يدخل مصدر أحد البابين على الآخر؛ لشركة تقع في معنى، أو تشابه من جهة بينهما، على ما كنا فسرناه. وقد توضع الأسماء مواضع المصادر؛ إما للفرق بين الشيئين، اللذين على لفظ واحد، وإما لتشبيه شيء بمثله. وإنما المصدر من حلمت في النوم المطرد على قياس بابه: الحلوم بالضم والواو، مثل السكون والسكوت، والهمود والهجود والهجوع، ولكنه لم يستعمل واستغني عنه بغيره، وإنما الحلم: اسم لما يرى في المنام، واسم لما يصيب الإنسان من الجنابة، ولذلك قيل للغلام البالغ: حالم وقيل له: قد بلغ الحلم، كما قال الله عز وجل: (وإذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الحُلُمَ) ولذلك جمعه [تعالى] فقال: (أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ومَا نَحْنُ بِتَاوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ) والمصادر حكمها لا تجمع، فهذا يدل على أنه اسم لما يرى، وليس بنفس الرؤية، ومن أسكن

اللام فإنما خففه كما قيل: عضد وكبد ونحو ذلك. ويقال أيضا: احتلم الغلام يحتلم، فهو محتلم، إذا بلغ الحلم. وأما حلمت عن الرجل فمصدره الجاري على مثال نظيره: الفعالة؛ لأنه من باب المبالغة في النعت كقولك: صلب يصلب صلابة وظرف يظرف ظرافة، وكرم يكرم كرامة، ونحو ذلك، ولكنه لم يستعمل، واستغني /عنه بغيره، فوضع الحلم في موضع مصدره، طلبا للتخفيف لكثرة استعماله، أو للفرق بينه وبين ما يلتبس به، وهو اسم للعقل أو شبهه، ولذلك يجمع على: الأحلام، وعلى: الحلوم، كما تجمع الألباب والعقول، قال الشاعر: يا حار لا تجهل على أشياخنا إنا ذوو السورات والأحلام وأما قوله: حلم الأديم يحلم حلما، فهو مصدر صحيح، جار على القياس؛ لأن ما كان على فعل يفعل، فحقه أن يكون مصدره على: فعل، بفتحتين، وإن كان قد يدخل على الشيء ما ليس من بابه، كما دخلت المصادر المختلفة في باب: وجدت، كما فسرنا من المعاني المختلفة، فتصير كأنها مصادر لذلك الشيء، وحقيقته ما فسرنا، وأهل اللغة لا يعرفون ذلك. وقوله: حلم الأديم، إذا تثقب خطأ، وإنما معنى حلم: أنه وقع في الحلم، وهو: دود لتولد في جلد الشاة في الشتاء، من الهزال، فإذا دبغ تثقب مواضع الحلم، ولو لم يقع فيه الحلم لم يتثقب من شيء آخر، لما قيل: قد حلم؛ لأنه فعل مشتق من الحلم، واسم واحدته: حلمة، وإذا حلم الأديم لم يدبغ؛ لأنه لا ينتفع به، ولذلك قال الشاعر: فإنك والكتاب إلى علي كدابغة وقد حلم الأديم وأما قوله: قذت عينه تقذى قذيا، إذا ألقت القذى، وقذيت تقذى قذى، إذا صار فيها القذى، وأقذيتها إقذاء، إذا ألقيت فيها القذى، وقذيتها تقذية إذا أخرجت منها القذى؛ فإن القذى: كل ما وقع في العين من شيء يؤذيها كالتراب والعود، وكالرمص السائر من موقع المجتمع فيها كما/ قال الشاعر:

كأن قذى في العين قد مرحت به وما حاجة الأخرى إلى المرحان وقال جميل بن معمر: رمى الله في عين بثينة بالقذى وفي الغر من أنيابها بالقوادح يريد: عمرها الله حتى تهرم، ولم يدع عليها، كما يقول أهل اللغة. وإنما قيل: قذت عينه تقذى قذيا، فهي قاذية، إذا ألقت القذى، كما يقال: سالت تسيل سيلا، ودمعت تدمع دمعا. وقيل: قذيت تقذى قذى، فهي قذِية وقذْية، بكسر الذال وسكونها، على فعلت تفعل فعلا، فهي فعلة مثل: وجعت توجع وجعا فهي وجعة، ورمدت ترمد رمدا، فهي رمدة؛ لنه فعل غير مجاوز، بمعنى الانفعال. وقيل: أقذيتها فأنا مقذ، إذا ألقيت فيها ما تقذى به، وتتأذى، بألف لنقل الفعل منها إليك. وقيل: قذيها، بالتشديد تقذية، فأنا مقذ، بالتشديد، على مثال نظفتها وسكنتها. وكان حق المصدر أن يكون على التفعيل في المشدد، مثل: التنظيف والتسكين، ولكن كره ذلك؛ لاجتماع الياء بعد كسرة، فحذفت منه ياء واحدة تخفيفا، وعوض منها علامة التأنيث فقيل: تقذية، وكذلك يفعل في كل فعل معتل الآخر، فأصل هذا الفعل من لفظ واحد، ومعنى واحد، والأمثلة والمصادر مختلفة، لما دخلها من الفروق، واختلاف المعاني. وإنما قيل: قذية، بسكون الذال كراهية ثقل الكسرة فيها مع الياء التي بعدها، كما قيل: كبد وعضد، وكما قيل: قد ضجر/ وقد عصر قال الشاعر: وإن تلقه يضجر كما ضجر بارك من الأدم دبرت صفحتاه وكاهله وقال الراجز: لو عصر منه المسك والبان انعصر وجمع القذى: الأقذاء، وواحدته: قذاة. وقد يستعار ذلك في الماء والشراب إذا كان كدرا، أو كان فيه شيء فيقال له: القذى، كما قال الأعشى:

تريك القذى من فوقها وهي دونه إذا ذاقها ذواقها يتمطق وأما قوله: وتقول رجل بطال بين البطالة. وقد بطل، ورجل بطل، أي شجاع بين البطولة. وقد بطل وبطل الشيء يبطل بطلا وبطولة، فإن البطال: الفارغ، الذي لا شغل له ولا عمل يعمله. والبطالة مصدر منه، على فعل، غير مستعمل ولو استعمل لكان قياسه أن يقال: بطل مثل سمح يسمح سماحة، ولكن المستعمل منه: تبطل يتبطل تبطلا. يقال ذلك للغلام الذي يدع الصناعة والكتاب ويفر منهما، وللرجل يدع حرفته ومعيشته، ويشتغل باللهو واللعب والجهالة، ولا يسعى فيما يحتاج إليه. ويقال: بطلته أنا فتبطل، وهو مأخوذ من الباطل، وهو ضد الحق، يقال: قد بطل الحق، إذا زهق، وبطل الشيء، إذا فسد، فهو يبطل مثل قولك: فسد يفسد، وهو فاسد، ومصدره: البطول، كما قال: والبطلان أيضا. والبطل، بضم الباء وسكون الطاء، كما قال الشاعر: لعمري وما عمري علي بهين لقد نطقت بطلا على الأقاوع وقال الله عز وجل: (وقُلْ جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ) وقال [تعالى]: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ) وقال [تعالى]: (فَوَقَعَ الحَقُّ وبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون). وتقول للرجل: أبطلت؛ أي قلت الباطل، وبطلت حجتك. وأما الشجاع البطل فإنه المجاوز للمقدار في الشجاعة، الذي لا يبالي، على أي شيء أقدم، لجسارته؛ كأنه يغرر بنفسه، ويعرضها للتلف والبطلان. وفعله مبني على فعل يفعل بضم الماضي والمستقبل للمبالغة، مثل: صعب يصعب، فقيل فيه: بطل يبطل بطولا، فهو بطل مثل: حسن فهو حسن، ففرقوا بفعولة وفعالة بين مصدر البطال والبطل، كما فرقوا باختلاف الأمثلة في الأفعال. وقال عنترة في البطل: بطل كأن ثيابه في سرحة يحذي نعال السبت ليس بتوءم

وأما قوله: خزي الرجل [يخزى] خزيا من الهوان، وخزي يخزى خزاية من الاستحياء، ورجل خزيان، وامرأة خزيى، فإن الخزي هو الإفاقة على السوء والقبح والمكروه، بكسر الخاء، كما قال الله عز وجل: (إنَّ الخِزْيَ اليَوْمَ والسُّوءَ عَلَى الكَافِرِينَ) وفعله على فعل يفعل، بكسر الماضي وفتح المستقبل، وإذا استحيا الرجل من سوء أو قبيح فعله، أوفعل به، قيل أيضا فيه: قد خزي يخزى لأنهما في معنى واحد، ولكن فرق بين المصدرين، فقيل في الاستحياء: الخزاية على فعالة، بالفتح، يقال: ما يأنف ولا يخزى، ورجل خزيان، أي مستحي من قبيح وسوء، وامرأة خزيى، والجميع: الخزايا، وقد أقمته على خزية بوزن فعلة، مفتوح الأول، وعلى مخزاة، على مفعلة، إذا وبخته، وبينت له سوء فعله. وأما قوله: طلقت المرأة وطلقت طلاقا، وقط طلقت/طلقا، عند الولادة، وطلق وجه الرجل طلاقة، وقد طلق يده بخير، وأطلقها. ويروى هذا البيت: أطلق يديك تنفعاك يا رجل ورجل طلق الوجه، وطليق الوجه، ويوم طلق وليلة طلقة، إذا لم يكن فيها قر ولا شيء يؤذي؛ فإن معنى هذا كله من السهولة والانحلال والاسترسال في كل شيء تطلقه، من جبس أو من يدك، أو تحله من وثاق، فيتصرف كيف شاء، أو تحلله بعد تحريمه، أو تبيحه بعد المنع، فتقول: أطلقته لك، فهو طلق وطليق، ومنه سمي الأسير إذا أطلق: طليقا، ولكن قد فرق بين الأمثلة والمصادر منه، لما قد دخل في كل واحد منها من المعاني المختلفة، على ما نحن مبينوه، فقيل في المرأة المطلقة: طلقت بفتح اللام، وطلقت، وهي تطلق، بالضم فيهما طلاقا، وهي طالق، إذا كان طلاقها قد وقع، وطالقة فيما تستقبل، كما قال الأعشى: أيا جارتي بيني فإنك طالقه كذاك أمور الناس غاد وطارقة

وقد طلقها زوجها، بالتشديد، فهو يطلقها تطليقا، كما قال الله عز وجل: (وإن طَلَّقْتُمُوهُنَّ) وقال عز وجل: (والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ). وأجود اللغتين في فعلها: طلقت بالفتح؛ لأن الفاعل فيه لم يستعمل على طليق، ولا المصدر على فعالة ولا فعولة، وإنما قيل لها هذا؛ لأنها كانت كالأسيرة والمأمورة في يد الزوج، فخرجت عن ذلك وصار أمرها بيدها؛ ولهذا قيل للناقة إذا أرسلت من عقال أو نحوه لترعى كيف شاءت: ناقة طالق وطالقة، وقد طلقت تطلق، وطلقها صاحبها من وثاقها، وأطلقها، ونحو ذلك كذلك، فإذا كان الرجل كثير التطليق للنساء، قيل له: مطلاق ومطليق./ وكذلك المرأة إذا كانت تنفس، قيل لها: طلقت تطلق طلقا على مثال ما لم يسم فاعله؛ لأن ذلك الفعل ليس من كسبها، وإنما هو وجع نزل بها، إلا أنه من الانحلال والاسترسال لها، مما بها من الحمل. ومصدره مفتوح الأول، ساكن الثاني، للفرق بينه وبين غيره؛ ولأنه مصدر فعل قد تعدى إليها مثل قولك: ضربت ضربا، وامرأة مطلوقة أي بها طلق، ولم نسمع فعل فاعلها. وكذلك قوله: طلق وجه الرجل، بفتح الأول وضم الثاني طلاقة، على بناء صبح يصبح صباحة، وملح يملح ملاحة، كأنه قد انحل عنه العبوس وحسن وهو بخير، مخففا مفتوح الثاني. وأطلقها، وقد جاء في هذا بلغتين: فعل وأفعل، بمعنى واحد، ثم استشهد على ذلك بقول الشاعر: أطلق يديك تنفعاك يا رجل على لغة من قال: طلق يده؛ فكسر الألف من قوله: أطلق. ولو فتحها على اللغة الأخرى، لكان أجود، ولم يكن يتغير وزن الشعر، ولعل هذه الرواية التي رواها مما غلطت فيه الرواة؛ لأن أطلق، بالفتح، هو المعروف المشهور والقياس المطرد، ولم يجيء طلقته متعديا خفيفا إلا في قولهم: طلقت المرأة عند الولادة خاصة مع المفعول دون الفاعل، فإن صحت هذه اللغة في اليد، فهي بمعنى: طلقت المرأة وهي مطلوقة طلقا؛ لأن تخليص اليد من البخل والإمساك، كتخليص المرأة من الحمل، وكان في مستقبله الكسر والضم جائزين.

وإنما قياس هذا أن يقال: أطلق يده بخير فطلقت، فيكون فعل فعلا لليد، غير متعد فأما الذي حكاه فشاذ رديء. وقوله رجل طلق الوجه، بسكون/ اللام، وطليق الوجه، صفتان له بمعنى فعله، يوصف بهما الوجه والرجل جميعا، ورجل طلق اليدين أيضا، وطلق الرداء، إذا كان سمحا سهلا، كما قال ربيعة بن مكدم: نفرت قلوصي من حجارة حرة بنيت على طلق اليدين وهوب وقال الآخر: طلق الرداء إذا ابتسم ضاحكا غلقت لضحكته رقاب المال يعني بالرداء: الخلق: ويقال: الطليق في اللسان أيضا الفصيح. وإنه لطليق ذليق، وطليق ذليق على فعل، بكسر العين، وطلق ذلق، بسكون اللام أيضا؛ لأنه من السلاسة والسرعة في المنطق، الذي لا حبسة فيه ولا ثقل. ومثله قولهم: تطلق وجهه، وتطلقت نفسي لكذا وكذا؛ أي انشرحت، واستمرت. وتطلق الظبي، إذا خلى عن قوائمه وأسرع المشي، وتطلقت يد الرجل أو رجله أو لسانه، إذا تحللت من عقلة أو حبسة كانت بها، أو خدر؛ ومنه قيل: انطلق الرجل في حاجته، إذا أسرع، ولم يحبسه عنها شيء، وتطلق من مرضه، إذا خف عنه، وأمكنته الحركة، وكذلك يوم طلق وليلة طلقة، بسكون اللام، على وزن: نحس ونحسة؛ لأنه ضده، وهو الذي لا شر فيه ولا أذى، من برد أو حر ولا مكروه، بل هو ساكن طيب. وأما قوله: وتقول قد قر يومنا يقر، ويوم قار، وقر، وليلة قارة وقرة، والقر والقرة: البرد، فإن هذا كله من البرد، وهو القر وقد كنا فسرنا بعض ذلك في قوله: قرت عينه، وقوله: قر يقر اليوم على مثال فعل يفعل، بكسر عين الماضي وفتح المستقبل، إلا أنه مدغم للتضعيف. ويوم قار اسم/ الفاعل منه، ولكنه مدغم. ويوم قر وليلة قرة أيضا: اسم مأخوذ من المصدر للمؤنث والمذكر. وقال امرؤ القيس:

إذا ركبوا الخيل واستلأموا تحرقت الأرض واليوم قر وقال عبد بني الحسحاس: وهبت شمالا آخر الليل قرة ولا ثوب إلا درعها وردائيا فالقرة في هذا البيت وصفت بمعنى: قارة. فأما القرة، بالكسر، فاسم البرد، وليس بوصف. وتقول: قر فلان، بضم القاف، فهو مقرور، إذا أصابه البرد، كما يقال: حر فلان، إذا أصابه الحر فهو محرور، ويقال: طعام قار وهو البارد. وفي أمثالهم: "ول حارها، من تولى قارها". وأما قوله: وتقول: حر يومنا يحر حرا، ومن الحرية: حر المملوك يحر؛ فإن الأول من الحرارة والسخونة، فجاء على مثال فعله، بفتح الماضي وكسر المستقبل. والمصدر، على فعل، ويقال فيه أيضا: حرارة، كما يقال: سخن يسخن سخونة. ويستعار في حرقة القلب والكبد والحلق والجراحة وكل شيء فيقال: وقعت بهم الحرة، ووجد حرارة السيف والموت ونحو ذلك. وأما الثاني في الحرية، وهو ضد العبودية، فجاء لذلك على مثال: فعل يفعل، بكسر الماضي وفتح المستقبل ومصدره على فعلية، منسوبة إلى الحر، تقول: حررته فتحرر وجر جميعا، والمحرر: العبد المعتق. ومنه قول الله عز وجل: (إنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا) وقوله [تعالى]: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ). وقد يقال في مصدر الحر: الحرار والحرارة أيضا، / وقد مضى شرح ذلك.

وأما قوله: رجل ذليل، بين الذل والذلة والمذلة، ودابة ذلول، بينة الذل فإن الأصل منهما معنى واحد، ولكن فرق بين أمثلة مصادرهما واسمائهما؛ للفرق بين الذليل من الناس، والذلول من الدواب؛ فالذل: الهوان، بالضم، ومصدره: الذلة، بالكسر، والمذلة، والذل، بضم الأول، ولكل واحد منهما وجه؛ فأما الضم فمثل الضعف والجهد والفقر. وأما الذلة، بالكسر فمثل: الجلسة والمشية. وأما المذلة فمثل: المذمة والمحبة. وأما الذلول؛ فالمروض السهل الملين من كل شيء، ومصدره: الذل، بالكسر، فرق بينه وبين مصدره الأول، كما فرق بين الأسماء بفعيل وفعول، والفعل منهما على مثال واحد: ذلك يذل، بفتح الماضي، وكسر المستقبل. وإذا نقل فعلهما إلى غيرهما قيل في الذليل: أذللته إذلالاً، بالألف فذل، وفي الذلول: ذللته تذليلا فتذلل، بالتشديد. ومنه قول الله عز وجل: (وذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً) وأنشد الليث بن المظهر عن أبي الثروان في مصدر الذلول: على جلال مثل ركن التل أغلب يعطي رأسه، للذل وأما قوله: رجل نشوان من الشراب، بين النشوة، ورجل نشيان للخبر، بين النشوة، إذا كان يتخير الأخبار. وأصله الواو بزعمه؛ فإن النشوة، بفتح النون: السكرة من الشراب وغيره؛ يقال: نشي ينشى، مثل: سكر يسكر كما يقال: رضي يرضى، وانتشى ينتشي، فهو نشوان، والمرأة: نشوى، والجميع: نشاوى. وقال يزيد: ألا يا صاح للعجب دعوتك ثم لم تجب إلى اللذات والنشوا ت والقينات واللعب/

فالنشوة بالفتح مثل السكرة، وهي المرة الواحدة، والنشوة، بالكسر، الهيئة والنوع منه، مثل الركبة والجلسة والمشية. وأما قوله نشيان للخبر؛ فإنما هو من قولهم: النشا، مقصور، من تنسم الرائحة الطيبة، يقال: نشى وهو ينشى الرائحة، إذا تنسمها، وأنشد "الخليل" في ذلك: وينشى نشى المسك في فارة وريح الخزامى على الأجرع وكذلك هو في الخبر، يقال: هو ينشي الأخبار، كما يقال: يتنسم الأخبار والروائح فأصله الياء، وليس من الواو، كما زعم ثعلب، ولو كان من الواو لكان شاذا رديئا، لا يجب اختياره في فصيح الكلام؛ لأن الواو إذا قلبت ياء لغير علة فقد شذت عن الكلام. والفصيح على مذهب ثعلب أن يقال: نشوان للأخبار. والمصدر من هذا: النشية بالياء أيضا على فعلة، فإن قاله بالواو فهو شاذ، لأنه تحويل للواو ياء بلا علة توجب ذلك، ولا بد له من الفساد في أحد الوجهين، إما في النشيان وإما في النشوة. وأما قوله: قريت الضيف أقريه قرى، وكذلك قريت الماء في الحوض، وقروت الأرض والشيء قروا، إذا تتبعته، فإن قريت الضيف والماء أصلهما واحد وفعلهما على مثال واحد، وهما بمعنى جمعت وصنت، إلا أنه فرق بينهما، بتعدية القرى إلى مفعولين بغير حرف جر، كقول الراعي: طرقا فتلك هماهمي أقريهما قلصا لواقح كالقسي وحولا وجعل مصدره القرى على وزن فعل، بكسر الأول، وفتح الثاني. وأما الآخر فعدي إلى مفعول واحد هو الماء، وإلى الآخر بحرف جر، وجعل مصدره على فعل، بسكون الثاني وفتح الأول: قريا، ومنه قيل: قرت الحياة سمها؛ أي جمعته، كما قال الشاعر:

قَرَى السَّمَّ حتى انماز فروةُ رأسه من الرُّقْش صِلٌّ فاتك اللسع ماردُهْ ومنه سمي حوض البئر: المقراة، وجمعها: المقاري، والمقري: الجفنة التي يقرى فيها الضيوف، والجمع: المقاري أيضا. وأما قروت بالواو فليس من هذين، وهو بمعنى تتبعت أثر الشيء وطلبته. ويقال: فلان يقرو الكمأة؛ أي يطلبها، ويتتبع منابتها، ويتقرها أيضا، ويقرو آثار الأشياء. ومنه قيل: استقريت الحجة، إذا تطلبتها بالقياس، ومنه قيل للظهر: القرى، مقصور، لطوله باتصال فقاره، بعضها في أثر بعض، ويقال منه: أتان قرواء، أي طويلة الظهر. والفاعل من قروت: قار. ومفعوله: مقرو، ومن الأول: مقري. وأما قوله: قد شفه المرض وغيره، يشفه، بضم المستقبل شفا، وشف الثوب يشف شفوفا، فإن قوله: شفه المرض والسفر والبرد والحر والوجد والهم، بمعنى نهكه وبلغ مجهوده. وقال الشاعر: فأرسلت إلى سلمى بأن النفس مشفوفة فما جادت لنا سلمى بزنجير ولا فوفة والشَّف: النقصان، والشِّف: الستر الرقيق، ويقال: بقي منه شفافة وهي: البقية القليلة، وهو مثل: نقص المرض ينفصه نقصا. وأما شف الثوب يشف، بكسر الثاني من المستقبل شفوفا، فمعناه تبيين ما وراءه لسخافته ورقته وضيائه، ولذلك قيل للبلورة/ وما أشبهها: هو يشف وللغضار الصيني: هو يشف، والزجاجة تشف، وليس فيها متخلخل ولا رقيق، ولكن لصفائها، وهو أيضا من الأول، ولكن فرق بين حركتي المستقبل منهما وبين مصدريهما، وبأن عدي أحدهما، ولم يعد الآخر، والفعول مصدر ما لا يتعدى،

على ما قدمنا تفسيره، ومن هذا قيل: استشف الثوب إذا نشره في الضوء وفتشه؛ ليطلب خرقا أو عيبا، إن كان فيه. وأما قوله: زبده يزبده زبدا، إذا أعطاه، وزبده يزبده، إذا أطعمه الزبد، فإن أراد بالأول العطية، يقال: زبدت فلانا زبدا، بمعنى منحته منحا، والعامة تسمي العطية: الزبد، بفتح الباء، وهو من كلام الصيارفة وليس بخطأ. ومنه الحديث المروي: "أن رجلا من المشركين أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فردها وقال: إنا لا نقبل زبد المشركين". هكذا يروى بسكون الباء على المصدر، ولو جعله اسما لجاز فتحه. والماضي منهما جميعا بفتح العين، والمستقبل من الأول مكسور العين، ومن الثاني مضمومها، كأن ذلك استعمل على هذا للفرق بين الهدية والعطية، وبين إطعام الزبد، وأصلهما واحد؛ لأنهما جميعا هبة ومنحة وبر وصلة، والكسر والضم فيهما جميعا جائزان، على ما تقدم من شرحنا. والمصدر منهما على الأصل بسكون العين. وأما قوله: نسب الرجل ينسبه نسبة، ونسب الشاعر بالمرأة بنسب بها نسيبا فإن الأصل فيهما واحد، ولكن خولف بين المستقبلين منهما، بضم العين من النسب وبكسرها من النسيب للفرق، وكل واحد منهما جائز فيه ما قد استعمل في الآخر على ما قدمنا شرحه في أول الكتاب،/ وفرق بين مصدريهما أيضا، فاستعمل في الأول المصدر على مثال الفعلة، بكسر الأول مثل الجلسة والركبة، وما كان على هيئة واستعمل في الثاني على مثال فعيل، مثل النئيم والنهيم والنشيد، والمصدر الأصلي في الأول إنما هو على: فعل: بفتح الأول وسكون الثاني، لأنه فعل يتعدى مثل ضربه ضربا، وفي الثاني على فعول؛ لأنه غير متعد، بمنزلة الدخول والخروج والمرور، وأما تفسيرهما جميعا فمن الوصف؛ لأن من نسب رجلا فقد وصف بأبيه وببلده وبنحو ذلك، ومن نسب امرأة فقد وصفها بالجمال والصبا والمودة ونحو ذلك، والفاعل منهما: ناسب، والمفعول: منسوب، ومنسوب بها. ومن النسبة قولهم: رجل نسابة، مثل علامة.

وأما قوله: شب الصبي يشب شبابا وشبيبة، وشب الفرس يشب شبابا وشبيبا، وشب الرجل الحرب والنار شبوبا وشبا، فإن معنى جميع ذلك يرجع إلى أصل واحد، وهو ارتفاع الشيء ونموه، ولكن فرق بين تصاريف أفعاله للتفرقة بين الفاعلين منها وبين المفعولين أيضا فقيل في السبي: شب يشب بكسر العين من المستقبل؛ لأنه بمعنى نمى ينمى. وجعل مصدره: الشباب، مثل النماء، على فعال كالذهاب والمضاء؛ لأنه يذهب طولا، إذا نمى وارتفع تقول العرب: ذهب طولا، وذهب عرضا؛ إذا جسم وعظم، كما قال الشاعر: إذا أكلت سمكا وفرضا ذهبت طولا وذهبت عرضا وقد يستعمل الشباب أيضا جميعا للشاب، كأنهم وصفوه بالمصدر مثل قولهم: عدل ورضي، وقوم عدى. وأما الشبيبة فاسم يستعمل في موضع المصدر بمعنى الحداثة والطراءة،/ على وزن فعيلة مثل: الغريزة والنحيزة والطبيعة وأما شب الفرس يشب فمعناه أنه يقوم على رجليه، ويدفع يديه فرحا، أو صعوبة، وقيل في مصدره: شبابا، بكسر الأول؛ لأنه عيب فيه فأخرج مصدره على مثال العيوب في الدواب كالحران والجماح. وقد قيل أيضا: شبيبا على فعيل مثل النبيب من التيس، والهبيب وأشباه ذلك. فأما شب الحرب والنار يشب، فضم العين من مستقبلهما للفرق بين الحرب والنار، وبين ما تقدم، وإن كان الكسر والضم جائزين في الجميع على ما فسرنا, ولو قيل في مصدر هذا: شبا بفتح الأول وسكون الثاني على الأصل في الفعل المتعدي، مثل: قدحت قدحا لكان جيدا، وربما قيل فيه: شبوبا، على فعول، لأنه في معنى الوُقود، فخرج على مثاله، والشبوب في النار هو: التذكية والإضاءة؛ ولذلك قال امرؤ القيس: سموت إليها والنجوم كأنها قناديل رهبان تشب لقفال

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: شبت الحرب فأعددت لها مشرف الحارك محبوك الثبج وأما قوله: شاة ساح، وقد سحت تسح سحوحة، وسح المطر إذا صب، يسح؛ فالأصل في كل ذلك واحد، لأن المعنى فيهما الانصباب والكثيرة، من الشحم والماء وغيرهما. وإنما قيل: شاة ساح، لأنها شديدة السمن، كأنها يسيل دسمها، وقيل في فعلها: سحت، وهو على فعل، بكسر العين من الماضي، بوزن: سمن، ولكن حذفت الكسرة، لتدغم العين في اللام، ومستقبله: يسح، بفتح العين على القياس، وهو فعل لا يتعدى، وهذا المثال من/أبنيته؛ ولذلك جاء مصدره على فعولة، فقيل: سحوحة، كما شرحنا في باب الفعولة؛ لأنها نظيرة للفعالة، وزعم "الخليل" أنه لا يقال ساحة بالهاء في ذلك؛ لأنها إنما تمدح بالحال التي هي عليها من السمن؛ لا أنها سوف يكون فيها. وأما سح المطر، فهو في الأصل مفتوح العين من الماضي، ومكسورها من المستقبل، وقد يضم أيضا على ما شرحنا من قياس نظائره، وهو فعل متعد، يقال: سح السحاب المطر، أي صبه، وسح المطر الأودية، أي أسالها، وليس معنى انصب، وقد قال امرؤ القيس في بيان ذلك: فأضحى يسح الماء من كل [فيقة] يكب على الأذقان دوح الكنهبل

ومنه قيل: سح الفرس إذا عرق، أي سال عرقه من الجري، وقيل له: مسح، كما قال امرؤ القيس: مسح إذا ما السابحان على الونى أثرن الغبار بالكديد المركل ولذلك جاء مصدره على: السح، مثل الصب. وجاء من هذا فعل وفعلته على لفظ واحد متعديا وغير متعد، مثل جبر هو وجبرته أنا، كأنهما لغتان، والقياس أن يقال: أسحه الله فسح. وأما قوله: وتقول أعرضت عن الرجل والشيء إعراضا، وأعرض لك الشيء، إذا بدا، وأعرض الكتاب والجند عرضا، وعرض الرجل عرضا. وتقول: ما يعرضك لهذا الأمر. والعرض خلاف الطول، والعرض: الوادي، والعرض: ريح الرجل الطيبة والخبيثة. يقال: هو نقي العرض؛ أي بريء من أن يشتم/ ويعاب. والعرض طمع الدنيا وما يعرض منها. وعرض الشيء: ناحيته. والعود معروض على الإناء وكذلك السيف معروض على فخذه، فإن معاني ذلك كله متقاربة، تعود إلى أصل واحد، وإن اختلفت الأمثلة، لاختلاف الفاعلين والمفعولين منها؛ وذلك أن الأصل من الجميع إنما هو من العرض الذي هو خلاف الطول، وهو مشهور معروف في كل ثوب وحائط وأرض وخشبة وذهب وفضة، وجوهر وماء وسماء وإنسان، وبهيمة، ولكل جسم وشخص عرض وطول، وأكثر الأشياء عرضه اقل من طوله، وقد يكون منها ما يتساوى فيه العرض والطول، وهو مثل المستدير، والمربع المتساوي الجوانب، ومنها ما يزيد عرضه على طوله. فأما قوله: تقول أعرضت عن الرجل والشيء إعراضا فإنما معناه حولت عرضي عنه، فلما بنى أفعل من العرض اجتمع بناء الفعل مع حروف العرض، فاستغنى بهما عن ذكر العرض معهما، فوضع في موضعه وجهه وقلبه ونحو ذلك تبيينا للشيء الذي كني عنه، وعدي الفعل بعن؛ لأنه في معنى حول عنه وأضرب عنه، وقد يستغنى معه عن ذكر الوجه والقلب ونحوهما اختصارا، وأمانا من اللبس، ومنه قول الله عز وجل: (وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) وقوله [تعالى]: (أَعْرَضَ ونَأَى بِجَانِبِهِ)

وأما قوله: أعرض لك الشيء إذا بدا فمعناه أبدى لك عرضه؛ أي عرض بدنه وشخصه، فكنى عن ذلك بالعرض وحده، وبنى على مثال أفعل، إلا أنه عدي باللام؛ لأنه مقبل إليك، وباد لك، والأول منصرف عنك؛ ليفرق بين الفعلين، باختلاف تعديتهما/ بحرفي الجر. ومنه قول التغلبي: وأعرضت اليمامة واشمخرت كأسياف بأيدي مصلتينا وأنشد "الخليل": أعرضت فلاح لها عارضان كالبرد وأما قوله: عرض الكتاب والجند عرضا، فإنهما بمعنى نشر الكتاب وتلاه وقرأه، وعد الجند ومر بهم عليه، فأبرز له من عرضهما ما كان محجوبا، فكنى عن ذلك بقوله عرض؛ لأنه جمع حروف العرض، وبناء الفعل. وعرض الشيء بعد شخصه، فأقيم مقامه، كما يقال ظفرت يداه، وقرت عيناه، فيخص بعضه بذلك، وإنما الظفر والقرة لجميع البدن والنفس، وبنى هذا على فعل يفعل فعلا، وعدى بنفسه للفرق بينه وبين الأولين، ومنه قولهم: عرضت المتاع والرقيق وكل سلعة على البيع، وعلى المبتاع إنما هو إبداء الشيء لطالبه. وأما قوله: عرض الرجل عرضا، فهو من باب الانتقال من حال إلى حال، كأنه أراد معنى ما كان عريضا، ولقد عرض، أي صار عريضا، فهذا المعنى لا يكون بضم الثاني من الماضي والمستقبل، ولا يكون اسم فاعله إلا على فعيل، كما قدمنا شرحه. ومصدره: العرض، بكسر الأول وفتح الثاني؛ ليخالف ما تقدم؛ ولأنه في معنى غلظ يغلظ غلظا. ومصادر هذا النحو تجيء على ضروب مختلفة منها: فعل كالسمن والغلظ، ومنها فعل كالسرع، ونحو ذلك؛ لأنها أمثلة تجيء بمعنى الانفعال ومعنى المبالغة.

وأما قوله: ما يعرضك لهذا الأمر فمعناه ما ينصب عرضك له، أي عرضك/ وشخصك، وما جعلك عرضة له، كما قال الله عز وجل: (ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ) فبنى من العرض الفعل، واستغنى عن ذكر ذلك، وأقيم صاحب العرض مقام مفعوله، وعدي إلى مفعول آخر باللام. وأما قوله: والعرض الوادي، فإنما معناه العريض؛ لأن الفعل، بكسر الفاء وسكون العين، بناء يجيء بمعنى الفعيل كثيرا، كقولهم: خليل وخل، وحبيب وحب، وقرين وقرن، فهو راجع إلى معنى العرض الذي هو ضد الطول. وأما قوله: والعرض ريح الرجل الطيبة والخبيثة، وأنه يقال هو نقي العرض، أي بريء من أن يشتم أو يعاب فإن أهل اللغة مختلفون في هذه الكلمة، فزعم "الخليل" أن عرض الرجل حسبه يقال: لا تعرض عرض فلان، أي لا تذكره بسوء. وقال الأصمعي: عرض الإنسان: ما يمدح منه ويذم. وقال أبو عبيدة: عرضه: حسبه. والأصل عندنا في هذا كله: جسد الإنسان، الذي فيه عرضه وطوله، ولكنه اشتق له من عرضه اسم على فعل، بكسر أوله للجسد، ثم كني به عن الحسب في المدح والذم، فسمي عرضا، ويدل على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن أهل الجنة "لا يبولون ولا يتغوطون، ولكن يخرج من أعراضهم عرق مثل ريح المسك" فالأعراض؛ هي الأبدان، وواحدها عرض، والعرق لا يخرج من الحسب ولا من الريح الطيبة والخبيثة، ولكن يخرج من الأبدان، ولذلك قيل فلان يشتم أعراض الناس، ويقع في أعراضهم. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" أي أجسادكم./ وقد يستعار للحسب والدين والعقل يضا؛ لأنها كلها من الأبدان، كما قال الله عز وجل: (وثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) يريد القلب والنية، وقال امرؤ القيس:

ثياب بني عوف طهارى نقية وأوجههم بيض المسافر غران فمعنى قولهم يشتم أعراض الناس، ويشتم الناس جميعا واحد. وقولهم: يقع في أعراض الناس ويقع فيهم واحد في المعنى. وإذا قيل هو طيب العرض، وخبيث العرض فإنما يعنون به البدن الطاهر من الخبثة البين الرشدة لا رائحة البدن، وإن أراد مريد ذلك أيضا فإنما كنى بالعرض الذي هو البدن عن رائحة البدن، واختصر فحذف. ومن هذا قول حسان بن ثابت: فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء ومعناه أبي وجدي وأنا وقاء للنبي صلى الله عليه وسلم، من أشعار الكفار الذين هجوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأجابهم حسان وهاجاهم، ليقبلوا بالهجاء عليه وعلى أبويه؛ فيقي رسول الله بهم، والبيت الذي قبله يدل على ما قلناه ويوضحه، وهو: هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء فقوله عرضي معناه يريد أقي ببدني بدنه، وبحسبي حسبه، يعني أبويه. وزعم قوم من أهل اللغة المتأخرين أن العرض في هذا البيت النفس، وأن "حسان" إنما أراد: فإن أبي ووالده ونفسي، فإن كان عنى بنفسي أي أنا، فهو له مجاز ووجه وإن عنى النفس التي بها حياة البدن، فليس ذلك بشيء؛ فإن العرب لا تسمي النفس/ والروح بالعرض، ولا يوجد ذلك في شعر لهم، ولا سجع، ولا خطبة، ولا كلام، بل يسمون البدن بالنفس أيضاً، ولو كان ذلك على ما ظنوا لجاز أن يقال: فلان يشتم نفس فلان، كما يقال: يشتم عرضه، ولكان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: عرق يخرج من أعراضهم؛ معناه من نفوسهم، والعرق لا يخرج من النفس ولا من الروح، وإنما يخرج من البدن، والعرب تقول: تلقت نفسه، ولا يقولون تلف عرضه، ويقولون: بنفسي أنت، ولا يقولون بعرضي أنت. وأما قوله: والعرض طمع الدنيا وما يعرض منها فخطأ؛ لأن العرض ليس بالطمع

وإنما هو الشيء المطموع فيه من عرض الدنيا الذي يعرض للناس من مال وولد وأهل وزينة وغير ذلك، كما قال الله عز وجل: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا واللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ) وليس للدنيا طمع، وإنما الطمع للناس في الدنيا، وكل ما عرض للناس فاسمه: عرض، بفتح الراء؛ للفرق بينه وبين ما تقدم، فأما فعله فمثل الأول على بناء ضرب يضرب، وإنما سمي عرضا؛ لأنه يجيء ويذهب ولا يدوم، كما يسمى العرض في الجسد مثل اللون والصحة والمرض، والغم والفرح، والحركة والسكون؛ لأنها تعرض في البدن مرة وتزول أخرى. واستعير هذا الاسم كالكناية من العرض الذي هو خلاف الطول؛ لأن ذلك عرض في العريض يأتي ويذهب؛ ولذلك قال الشاعر: ما المال إلا عرض زائل يأخذ منه البر والفاجر وأما قوله: والعرض من ناحية الشيء، فهو اسم على بناء فعل، بضم الأول وسكون العين للفرق بينه وبين سائر ما تقدم، ومعناه معنى السقع، وهو الناحية من الشيء ومن/كل بلد، وهو مأخوذ أيضا من العرض الذي هو ضد الطول؛ لأن ذلك أيضا ناحية من الشيء العريض، والسقع منه. وأما قوله: والعود معروض على الإناء، وكذلك السيف معروض على فخذه، فإنه أيضا من العرض الذي يضاد الطول؛ لأن العود إنما يوضع على رأس الإناء عرضا، أي بالعرض والإضجاع، ولا ينصب نصبا مع الإناء قائما منتصبا مع طول الإناء. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أتي بإناء فيه لبن وهو مكشوف، فقال: "هلا خمرته ولو بعود تعرضه عليه" يجوز ذلك بضم الراء وكسرها في المستقبل. وفي حديث آخر: "أنه كان يستاك عرضا". أي يجيل السواك في عرض فيه على أسنانه، ولا يسوكها طولا. وكذلك السيف إنما يضجعه الرجل على فخذيه، من يمينه إلى شماله، فهو على عرض الرجل الذي يضاد الطول، ولو وضعه على فخذه طولا، لما كان معروضا على فخذه.

وأما قوله: لحم الرجل لحامة، وشحم شحامة، إذا كان ضخما، والرجل شحيم لحيم، وقد شحم يشحم، ولحم يلحم إذا كان قرما إلى اللحم والشحم، وهو شحم لحم، وقد شحم أصحابه يشحمهم، ولحمهم يلحمهم إذا أطعمهم ذاك، وهو شاحم لاحم، وقد أشحم وألحم إذا كثر عنده ذاك، وهو مشحم ملحم، فإن هذا كله أفعال مشتقة من اللحم والشحم، وهما معروفان، فإذا كثر لحم الشيء وشحمه قيل له: قد شحم ولحم، بضم الثاني من الماضي والمستقبل؛ يشحم ويلحم، على مثال ظرف يظرف، وكرم يكرم. وكان مصدره: اللحامة والشحامة، بفتح الأول على فعالة، مثل الكرامة والظرافة. وكان اسم فاعله على فعيل؛ شحيم لحيم، مثل كريم وظريف، وقد بينا تصريف/ هذا الفصل والمثال ومعناه؛ وأنه للمبالغة، وأن قياسه هكذا. فأما قوله إذا كان ضخما فهو خطأ؛ لأن الشيء قد يكون ضخما ولا يكون له شحم ولا لحم؛ ألا ترى أن الخشبة قد تكون ضخمة والحجر قد يكون ضخما والبعير قد يكون ضخما، وهو مع ذلك مهزول، وكذلك الفيل، وإنما كان يجب أن يقول إذا كان كثير اللحم والشحم. وأما قوله في القرم: شحم، بكسر الثاني أيضا من الماضي، ويشحم بفتحه من المستقبل، وفي الاسم: شحم بكسر الثاني أيضا، فهو القياس الذي بيناه في أول الكتاب، من باب فعل يفعل فعلا، ويجب أن يكون مصدره هذا على فعل، بفتح العين، شحما ولحما، فلم يذكر المصدر، وإنما وضع الباب على المصادر، لا على الفعل، وإنما بني هذا الفعل على هذا البناء؛ لأنه في معنى قرم يقرم قرما، إذا اشتهى اللحم، وشره إليه يشره شرها وطمع فيه يطمع طمعا؛ لأنه في المعنى مثل قرم وشره، وهو فعل لازم بمعنى الانفعال؛ لأنه بلاء نزل به، ليس من كسبه، فإذا اشتهى اللحم فهو لحم وإذا اشتهى الشحم فهو شحم، وإذا اشتهاهما جميعا فهو شحم لحم. وقد كان فيما مضى من تفسير باب فعل يفعل لو جاء بالعلل فيه ما يغني عن ذكر جميع ما يجيء من هذا الباب. وأما قوله في إطعام الشحم واللحم: شحمهم ولحمهم ويشحمهم ويلحمهم بالفتح في المستقبل والماضي جميعا، فإنما ذلك لما قدمنا شرحه من وقوع الحرف الحلقي فيه، ولولا ذلك لم يكن المستقبل إلا مضموم الثاني أو مكسوره، نحو قولك من التمر: تمرته أتمرته، ومن اللبن: لبنته ألبنه، بالكسر، وإن شئت ضممت. والمصدر من هذا الباب على: فعل،

بسكون / العين؛ لأنه فعل متعد؛ شحما ولحما وتمرا ولبنا. والمفعول: ملحوم ومشحوم ومتمور وملبون، شاحم ولاحم وتامر ولابن كما قال الحطيئة للزبرقان: أغررتني وزعمت أنـ ـك لابن بالصيف تامر وأما قوله في كثرة اللحم والشحم عنده: قد أشحم وألحم فمعناه صار ذا لحم وشحم كثير، كما يقال قد أيسر الرجل، وقد أكثر، وقد أترب، إذا صار له مال كثير. وفاعل هذا: ملحم ومشحم كما ذكر، ومصدره: الإلحام والإشحام، ولم يذكرها، وإنما الباب موضوع للمصادر. وأما قوله: أحددت السكين إحدادا، وسكين حديد وحداد، وأحددت النظر إليك إحدادا، وحددت حدود الدار حدا، وحدت المرأة على زوجها تحِد وتحُد حدادا، إذا تركت الزينة، وهي حاد. ويقال أيضا: أحدت، وهي محد، وقد حدت على الرجل أحد حدة وحدا؛ فإن أصل ذلك كله من شيء واحد؛ وهو الحد، وهو: طرف كل شيء وحرفه. فقوله: أحددت السكين أحدادا، معناه جعلت لها حرفا وطرفا، وهو ما يرقق منهان وبني الفعل على أفعل؛ لأنه منقول من السكين إلى غيرها، وقد يقال: حددتها، بالتشديد تحديدا، إذا أكثرت وبالغت. والإحداد هو مصدر أحددت والتحديد مصدر المشدد. والفاعل بها: محد ومحدد. وأما قوله: سكين حديد وحداد، فإنما هو وصف للسكين على فعيل وفعال للمبالغة مثل طويل وطوال، وعجيب وعجاب، وكريم وكرام، وهما جميعا للمبالغة، وهما صفتان من فعل السكين، لا من أحدها، ولم يذكر ذلك، وهو قولك: حدت السكين على فعلت،/ بضم الثاني، إلا أنه أسكن وأدغم ومستقبله أيضا بضم الحاء على تفعل، إلا أن الأصل سكونها، وضم الدال الأولى، ولكن الادغام لحق الدال لاجتماع الدالين، فنقلت حركتها إلى الحاء. ومصدر هذا الفعل: الحدادة؛ ولذلك جاء الاسم منه على: فعيل فقيل:

حديد، وفعال؛ لأن فعالا نظير فعيل. ومن قال: سكين حادة، كان الفعل منه: حدت السكين تحد، بفتح الماضي وكسر المستقبل ومصدره: الحدة. وإنما سمي طرف السكين وحرفها الرقيق حدا؛ لأنه يحد عنها اللمس، أي يمنع؛ ولهذا قيل للبواب: حداد؛ لأنه يمنع. ومنه قول الأعشى: فقمنا ولما يصح ديكنا إلى جونة عند حدادها ولمثل هذا المعنى قيل: أحددت النظر إحدادا؛ لأنه نظر شديد له حدة كحدة السكين فيه غضب. وقد يقال في هذا أيضا: حددت النظر بالتشديد، إذا أردت المبالغة. وقوله: حددت حدود الدار حدا راجع إلى هذا المعنى بعينه؛ لأن حد الدار منتهاها وطرفها المانع غيرها من الدخول فيها، والفاصل لها مما سواها. وبني فعله على فتح الثاني من ماضيه وضمه من مستقبله؛ لأن المعنى فيه مثل معنى ذرعت وشبرت وبحثت وعرفت وما أشبه ذلك، والضمة والكسرة مطردتان في مستقبله، وإن كان المستعمل الضم وحده؛ للفرق بينه وبين غيره. والفاعل: حاد والدار محدودة. وقوله: حدت المرأة على زوجها تحِد وتحُد حدادا، فهي حاد، فإن المعنى فيه أنها منعت الزينة ونحو ذلك نفسها،/ والطيب بدنها، ومنعت بذلك الخطاب خطبتها، والطمع فيها، كما منع حد السكين وحد الدار ما منعا. وجعل مصدر فعلها على فعال فرقا بينه وبين فعل غيرها، ولأن فعالا مثال لما كان من اثنين كالعناد والقتال، كأنها قد مانعت الخطاب والزينة والطيب وحادتهم، فهي تحداهم محادة وحدادا، كما قال الله عز وجل (إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ) وإن كان قد استعمل في مستقبله الكسر والضم على غير فعل الاثنين، بل على القياس في فعل الواحد والكسر فيه أكثر للفرق بينه وبين غيره. وأما قوله: ويقال أحدت بالألف فهي محد، فلا يجوز أن يجيء بمعن حدت،

ولكنه بمعنى دخلت في الحداد، إلا أن يكونا من لغتين مختلفتين. وقد بينا ذلك في كتاب "فعل وأفعل" وفي مواضع من هذا الكتاب. وقوله: حددت على الرجل أحد حدة وحدا ايضا، وقولهم: أحد الرجل، افتعل من حد، إذا غضب، واحتدت السكين وغيرها أيضا، بمعنى الانفعال ففي كل شيء، مثل حد السكين المانع من نفسه، لأن الحدة: الغضبة والسلاطة، فهما مشبهان بالسلاح المانع. وقد بينا في مواضع أن الفعلة، بكسر الفاء: الهيئة من الفعل والنوع كالجلسة والركبة والحدة، والحد، مفتوح: مصدر عام في الأفعال المختلفة على ما كنا شرحنا، ولم يستعمل المستقبل من هذا إلا بالكسر؛ للفرق بينه وبين ما تقدم، والضم فيه غير ممتنع. فأما قوله: أحال الرجل في المكان، إذا أقام حولا، وأحال المنزل: أتى عليه حول، إحالة، وحال بيني وبين الشيء حولا، وحال الحول، وحال عن العهد حئولا، وحالت الناقة والنخلة، إذا لم تحمل: حيالا، وأحلت فلانا على فلان بالدين إحالة، وحال في ظهر دابته إذا ركبها حئولا، فإن ذلك كله مرجعه إلى معنى واحد وهو: زوال الشيء من مكان إلى مكان، وتحوله من حال إلى حال، ونحو ذلك، ولكن شارك هذا المعنى من كل واحد منها معنى آخر، فاختلفت لذلك، وخولف بين تصاريف أفعالها ومصادرها؛ للفرق بين ما زاد فيها من المعاني المختلفة، فمن ذلك أن قوله: أحال الرجل في المكان، إذا أقام حولا إنما معناه أقام عنه حول، وصار في حول آخر، وسمي الحول نفسه حولا لمضي السنة ومجيء أخرى؛ فلكل واحدة منهما حول، لأنها تحول لا محالة، وتأتي أخرى، وكذلك قوله: أخال المنزل إذا أتى عليه حول؛ لأنه قد مضى له حول وأتى عليه آخر. وجمع الحول: أحوال. والرجل المقيم حولا: محيل، والمنزل كذلك محيل وهذا الفعل غير متعد، ولكنه بمعنى دخل في الشيء وصار فيه، فلذلك جاء بالألف على أفعل، كما يقال ايسر وأترب، ونحو ذلك. ومصدر ذلك: الإحالة في الوجهين وأصله الإحوال [فاعتلت الواو بالقلب]، كما اعتلت في: أحال، وفي: يحيل ومحيل؛ فاجتمع ساكنان، فحذف الزائد منهما، وعوض علامة التأنيث التي تجيء للمرة الواحدة من الألف المحذوفة، فقيل: الإحالة. وقد جاء في كلام العرب: محول على الأصل غير معتل، قال الشاعر:

ماذا وقوفي على رسم عفا مخلولق محول مستعجم وقال لبيد في الحول: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر يريد: ثم السلام عليكما، وإنما أزاد في البيت اسما، مع الاضطرار إليه، من أجل أنه يرثي ميتين بهذا الكلام. والعرب إذا حيت موتاها قالت: عليك السلام؛ فقدمت عليك وأخرت السلام، وإذا حيت أحياءها قدمت السلام وأخرت عليك، فقالت: السلام عليك، فلما احتاج إلى تأخير ما حقه التقديم أدخل الاسم لئلا يكون كتحية الأحياء، ومعنى قوله: السلام عليكم، واسم السلام عليك واحد؛ لأن اسم السلام إنما يراد به السلام، ولولا المسمى ما احتيج إلى اسمه. وقوم من أهل اللغة يزعمون أن الاسم يزاد في الكلام لغير معنى، وكذلك غير الاسم، وهذا القول مردود معيب. وقال امرؤ القيس في جمع الحول: وله ينعمن من كان أقرب عهده ثلاثون شهرا أو ثلاثة أحوال وقوله: حال بيني وبين الشيء حئولا معناه أيضا أزالني عنه وأزاله عني بدخوله بيننا وتفريقه، وهو أيضا غير متعد؛ لأن البين ليس مفعولا، وإنما هو ظرف، والظروف يتعدى إليها جميع الأفعال، فكأن معناه زال في هذا المكان، فبذلك فرق بينهما وجاء مصدره على: فعل للفرق. ولا يمتنع من الفعول؛ لأنه غير متعد، كما جاز الحئول في حال الحول، وحال الرجل عن العهد، أي زال عنه. وجاء بناء الفعل منهما على بناء زال يزول؛ لأنهما في معناه. وأما قوله: حالت الناقة والنخلة حيالا فإنه يتصرف على بناء ما قبله أيضا، ومعناه كمعناه؛ لأنها زالت عن الحمل حولا، أي في حولها، وتحولت عن حالها، ولكن مصدره

جاء/ على فعال؛ للفرق بين هذا وبين ما تقدم فحولت الواو منه ياء من أجل انكسار الحاء قبلها، فقيل: حيالا، كما يقال: قام يقوم قياما، وصام يصوم صياما، ومع ذلك إن الفعل بناء عيوب الدواب كالعضاض والشماس والحران والجماح، وكذلك الحيال من عيوب الناقة والنخلة. ومنه قول الأعشى: ولقد شبت الحروب فما غـ ـمرت فيها إذ قلصت عن حيال يعني أن الحرب حالت، كما أحالت الناقة، ثم وقعت بعد الحيال، كما تحمل الناقة والنخلة بعد الحيال، فيكون أشد لها وأقوى، ويقال: ناقة حائل، إذا لم تحمل، وحولل أيضا، ونخلة حائل، وجمعها: الحول. وقوله: أحلت فلانا على فلان بالدين إحالة أيضا، بمنزلة الأول في التصريف والمعنى؛ لأنه أزال عن نفسه الدين إلى غيره وحوله تحويلا، فهو محيل، والمفعول: محال، والذي حول عليه الدين: محال عليه، فنقل هذا الفعل بالألف، كما نقل بالتشديد فيقال: حول تحويلا؛ ولهذا قيل للكلام المزال عن الاستقامة والصحة: محال، وقد أحاله يحيله إحالة. وكذلك قوله: حال في ظهر دابته، إذا ركبها، حئولا أيضا، معناه: زال من مكانه وتحول إلى ظهر دابته. وقد مضى شرح تصريف فعله. وأما قوله: أوهمت الشيء إذا تركته كله، أوهم، ووهمت في الحساب وغيره إذا غلطت فيه، أوهم. ووهمت إلى الشيء، إذا ذهب قلبك إليه، وأنت تريد غيره، أهم وهماً؛ فإنه ذكر ثلاثة أوجه في هذه اللفظة، ولم يذكر إإلا مصدر الثالث منها، وكان حقه ألا يخل بذكر المصادر منها جميعا؛ لأن الباب مترجم بالمصادر لا بالأفعال،/ فقوله: أوهمت الشيء، إذا تركته كله مصدره أو يقال: إيهاما؛ لأن فعله على أفعلت، وهذا الفعل يتعدى إلى مفعول واحد ومعناه أسقطت الشيء من وهمي أي نسيته وليس معناه تركته كما زعم. وإنما يكون هذا تركا إذا كان الترك عن نسيان وإضاعة ونحو ذلك، فهو سقوطه من الوهم. ولو تركه عامدا لم يكن موهما ولا مسقطا له عن وهمه، بل كان مثبتا له في وهمه تاركا له على عمد، وهذا بين لمن عقل. وقد تأتي هذه اللفظة بعينها متعدية إلى اثنين، وذلك قوله: أوهمت زيدا أمراً، وأوهمتك كذا وكذا، أي ألقيته في وهمه، فهذا ضد ذلك؛

لأن هذا إثبات شيء في الوهم، وذلك إسقاطه من الوهم، ولذلك عدي إلى اثنين؛ ليفرق بينهما؛ لأن تصريف الفعلين والمصدر منهما على مثال واحد، وطريقة واحدة. وأما قوله: وهمت في الحساب وغيره، فمعناه ذهب عني وضل عن وهمي. وإنما بني فعله على كسر الماضي وفتح المستقبل، فقيل: وهم يوهم؛ لأنه بمعنى غلطت أغلط، وخطئت أخطأ، ونسيت أنسى، ومصدر هذا الوهم، بفتح الهاء على مثال الغلط والخطأ ومثال ضده وهو الفهم. وأما قوله: وهمت إلى الشيء إذا ذهب قلبك إليه فهو ضد الذي قبله؛ لأن معناه: وقع الشيء في وهمي، وماضيه بالفتح ومستقبله بالكسر، وحذف الواو مثل وزنت أزن ووعدت أعد، وقد مضى شرح ذلك. ومصدره: الوهم، بسكون الهاء مثل الوزن والوعد. ولو قيل فيه: الهمة، خفيفة، مثل الزنة والعدة لكان صوابا، وإن لم يسمع ذلك. وأما قوله: أحذيت الرجل من العطية، وهي الحذيا، وحذوت النعل بالنعل حذوا، وحذوته جلست بحذائه. وحذى/ النبيذ اللسان يحذى حذيا؛ فإن هذا الكلام من اصلين مختلفين؛ أحدهما من ذوات الواو، والآخر من ذوات الياء، فأما ذوات الواو فمعناه: تعبت أثر الشيء، وقابلته بمثل فعله، ونحو ذلك. وأصل ذلك من حذو النعل بالنعل، وهو أن يقدر نعل على أخرى، فتقطع على مثالها، وليس يحذي شيء من النعال إلى على مثال. والماضي من هذا مفتوح، ومستقبله مضموم، من أجل الواو. وتقول: يحذو، ولا يجوز فيه الكسر، لئلا تنقلب الواو إلى الياء. وفاعله: الحاذي والحذاء، على فعال. ومثل من أمثال العرب: "من يكن الحذاء أباه تجد نعلاه". والنعل محذوه. والمصدر: الحذو، بفتح الأول وسكون الثاني. وقال الأعشى: هؤلا ثم هؤلى كلا أعطيـ ـت نعالا محذوة بمثال وقال الآخر في المصدر، وهو عمر بن أبي ربيعة: فلما تلاقينا عرفت الذي بها كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل

وقد يقال لغير النعل: حذوت، إذا كان شبيها بمعناها، كقولهم: فلان يحذو حذو فلان، اي يقتدي بهديه وشكله وفعله، ويتشبه به. ويقال أيضا: هو يحتذي طريقة فلان، على يفتعل. فأما قوله: أحذيت فلانا من العطية، وهي الحذيا، فإنما جاء بالألف، لنقل الفعل أو تعديته إلى مفعولين؛ أحدهما الرجل والآخر العطية؛ لأنه في معنى أعطيته مالا، وكذلك أحذيته ثوبا ومالا ونحو ذلك. وقد يجوز أن يقتصر على مفعول واحد، للاختصار. وإنما تحولت الواو في أحذيت إلى الياء؛ لأنها وقعت رابعة، وكل واو صارت رابعة تبدل منها الياء استثقالا للواو فيما طال وكثرت حروفه./ وأما الحذيا فاسم للعطية، وليست بمصدر، وإن كانت قد توضع موضع المصدر، والواو فيها قد أبدلت منها الياء، لضم أولها، وللفرق بينها وبين الصفات، وللحوق ألف التأنيث في آخرها؛ لئلا يجتمع فيها ضروب من الثقل واللبس، وأصلها: حذوى، ولو كان أولها مفتوحا، لأقرت الواو مكانها، كما تقر في مثل شكوى وبلوى. ومصدر أحذيت: الإحذاء، ممدود على إفعال. وفاعله: محذ، بكسر الذال، ومفعوله: محذى بفتحها، على قياس الإعطاء والمعطي والمعطى، وإنما قيل أحذيته بمعنى أعطيته؛ لأن المعطى يحذو بالعطية حذو المعطي، ومعناه جعلت له الحذو. وقوله: حذوته، أي جلست بحذائه أيضا كذلك؛ لأنك إذا جلست بحذائه فقد حذوت جلوسك على جلوسه، وقابلت فعلك بفعله، كما تحذو النعل على المثال. ويقال في هذا الوجه: حاذيته محاذاة وحذاء ممدودا على فاعلت؛ لأنه فعل من اثنين، فأما الحذاء، فاسم للمكان الذي يقعد فيه المحاذي، وهو ظرف مثل الإزاء والشمال ونحو ذلك، ويحتمل أن يكون أخذ ذلك من نفس المصدر، وهو الحذاء. وأما ذات الياء فقوله: حذى الشراب لساني يحذيه، ومعناه قرص وقبض وأمض ونحو ذلك، وهو على فعل يفعل، بفتح الماضي وكسر المستقبل ولا يجوز فيه الضم، لئلا تنقلب الواو ياء، على مثال برى يبري، وفي معناه. وقد يقال: حذى السيف يحذي حذيا، أي قطع. وبعضهم يجيز: حذا يحذو الشراب، بالواو ايضا.

وأما قوله للرجل؛ إيهٍ، حدثنا، إذا استزدته، /وإيهاً، كف عنها، إذا أمرته أن يقطعه، وويها، إذا زجرته عن الشيء وأغريته به، وواهاً له، إذا تعجبت منه؛ فليس شيء من هذه الكلمات بمصدر، ولا هو داخل في باب المصادر، ولكنها أسماء للأمر والنهي ونحوهما، يستغنى بها عن الأفعال، وتجري مجرى حروف المعاني، لا حظ لها في شيء من الإعراب؛ لأنها غير متمكنة في الاسمية، وهي بمنزلة صه ومه وليست لها أفعال، تتصرف منها، ولكنها حكايات لأصوات وزجر. فأما إيهٍ، بكسر الهمزة والهاء، فموضوعة للاستزادة والاستدعاء، وأصلها ألا تنون؛ لأنها غير متمكنة، وأنها لاستزادة المعرفة كالأعلام من الأسماء المبينة، مثل: دراك ونزال وهي مبنية على الكسر، لئلا يجتمع في آخرها ساكنان، ومنه قول ذي الرمة: وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم وما بال تكليم الديار البلاقع كأنه قال: وقفنا على الديار، فقلنا: أخبرينا عن أم سالم. فصار قوله أيه اسما لأخبرينا بمنزلة الإخبار، كأنه قال لها: الإخبار عن أم سالم. ومن العرب من نونها، فيقول: إيه، وذلك إذا لم يقصد بالإخبار شيئا معروفا، ولكن إذا أراد استزادة من الاستزدادات وخبرا من الأخبار؛ لأن التنوين من علامات التنكير؛ لأن النكرات أمكن من المعارف، وأنشدنا أبو العباس المبرد: إيه فداء لك يا فضاله أجره الرمح ولا تهاله وأما إيه، بفتح الهاء فموضوعة لضد معنى المكسورة، ومعناها الزجر عن/ الشيء والنهي عن الزيادة فيه؛ ولذلك فتحت؛ ليفرق بين الأمر والنهي، وسبيلها في التنوين سبيل المكسورة، وأنشد "الخليل" في تنوين هذه لحاتم:

إيهاً فدى لكم أمي وما ولدت حاموا على مجدكم، واكفوا الذي اتكلا وقد يبدلون من الهمزة الهاء في أولها جميعا، فيقولون: هِيهِ وهِيهَ، استثقالا للهمزة، كما يقال: هياك وإياك، ونحو ذلك. وأما وَيهَ بالواو فمفتوحة الأول؛ لأن الكسرة تستثقل في الواو، وهي موضوعة للإغراء والتحريض على الشيء، والهاء مبنية على الفتح لا غير، إلا أنها تستعمل منونة وغير منونة، على ما بينا فيما قبلها، من المعرفة والنكرة، وقال الشاعر: ويهاً يزيد وويهاً أنت يا زُفر وقد ينشد في ذلك قول الأول: ويهاً فداء لك يا فضاله أجره الرمح ولا تهاله ولا تكون "ويه" زجرا، كما قال. وإنما هي حض لا غير. وأما قوله: واها فإنما يقال بالواو كما ذكر، ويقال بهمزة: آها وواها. وقد يبنى على الكسر فيقال آه، وتكون منونة لا غير، وهي موضوعة لحكاية التلذذ للشيء واستطابته والتلهف عليه عند فوته، وليست للتوجع على ما ذكر. قال أبو النجم: واهاً لريا ثم واها واها وأنشد الخليل: آه من تياي آها تركت قلبي متاها وليست هذه من أسماء الأمر والنهي في شيء، ولكنها حكاية صوت المتلهف والمتفجع والحكايات كلها كحروف المعانب مبنية غير معربة.

وأما قوله: ثلثت الرجلين أثلثهما إذا صرتم ثلاثة، وكذلك إلى العشرة، إلا أنك تفتح: أربعهم وأسبعهم وأتسعهم؛ فقد كنا ذكرنا في أول الكتاب أن كل فعل ماضيه مفتوح الثاني من الثلاثي، فإن مستقبله يكون بالكسر أو الضم، وهذا داخل في ذلك فإنما قيل: أثلثهم وأخمسهم وأسدسهم وأثمنهم وأعشرهم لذلك بالكسر، ولو قيل بالضم، لكان جيدا غير خطأ. وأما الفتح في قوله: أربتهم وأسبتهم وأتسعم فمن أجل أن الحرف الثالث منها من حروف الحلق، على ما كنا فسرنا. ولو تكلم في هذا أيضا بالكسر أو الضم لم يكن خطأ؛ لأن الفتح عارض فيه، والأصل غير الفتح. وأما قوله: وإذا أخذت منهم العشر قلت: أعشرهم، بالضم كذلك إلى الثلث، إلا أنك تفتح أيضا أربعهم وأسبعهم وأتسعهم، فهو أيضا على قياس ما قبله، وعلى ما قدمنا شرحه، إلا أن الثاني من ماضيه مفتوح، والضم والكسر في مستقبله مطردان جائزان، وإن كانوا قد لزموا الضم في هذه اللغة؛ فرقا بينه وبين ما قبله؛ لأن هذا في معنى أخذ العشر، ونحوه منهم. والأول في تصيير الاثنين ثلاثة، ونحو ذلك، فلولا ما اختير فيهما من الفرق، لكان الكسر والضم فيهما جميعا صوابا. وما فتح مستقبله من هذا ايضا بمنزلة ما فتح في الذي قبله، من أجل أن لام الفعل منه منحروف الحلق، وهو عارض فيه، كما قلنا. واسم الفاعل/ من الفعلين على بناء فاعل. واسم المفعول منهما على مفعول، كقولك: عاشر ومعشور، وثالث ومثلوث، وإذا أضفت اسم الفاعل منهذا إلى مفعوله فقلت: هذا ثالث ثلاثة، فإنما يعنى به؛ هذا أحد ثلاثة، وإن عنيت أنك صيرت اثنين ثلاثة، فاسم الفاعل إنما يضاف إلى اثنين لا إلى ثلاثة فيقال: ثالث اثنين، أو يقال ثاني اثنين، كما قال الله عز وجل: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الغَارِ) وكما قال [تعالى]: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ويَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ). والمصدر فيهما جميعا: على فعل كقولك: الثلث والعشر والربع ونحو ذلك. وقوله: وقد أثلثوهم، إذا صاروا ثلاثة، وكذلك إلى العشرة. وقد أمأيت الدراهم، وآلفتها، وأمأت هي وآلفت؛ فإن أفعلت بالألف فعل غير منقول في باب أثلثوا وأعشروا. وأمأت وآلفت، وأمأوا وآلفوا، على معنى دخلوا في الشيء، كما يقال: أحصد الزرع، أي دعا إلى حصاده، وأرطب البسر، إذا ظهر نضجه، ونحو ذلك، والألف فيه كأنه للمبالغة؛ لأن معناه كمعنى فعل الشيء، بضم ثاني الماضي، إذا كان للمبالغة، مثل: كثر ونحوه.

وإذا أمأيت أنا الدراهم وآلفتها، ففعل متعد منك إلى الدراهم مخالف للأول؛ لأن الأول غير متعد، وإن اشتركا في مثال أفعل؛ لأن الهمزة دخلت في الأول لمعنى، وفي هذا لمعنى آخر، وهو نقله من فاعل إلى غيره، وهذه الأفعال مشتقة من أسماء العدد، ووضعت للاختصار، فصار ثلثت الرجل بدلا من قولك: صيرت رجلين بي أو معي ثلاثة رجال، وبدلا من قولك: أخذت من مال القوم الثلث ونحوه، فصار ما اشتق من العدد على بناء الأفعال، مغنيا عنها، ومثل هذا كثير/ في الكلام، منقاس مطرد، وليس هذا الفصل أيضا من باب المصادر في شيء، ولا كان لإدخاله فيها معنى ولا وجه. بل كان يجب أن يكون له باب على حدته؛ إذ لم يذكر معه مصادره التي ذكرناها. وأما قوله: والطول الفضل، وقد طال عليهم يطول، والطول خلاف العرض ولا أكلمك طوال الدهر، ويروى هذا البيت:- وإن طالت بك الطول- والطيل، والطول الحبل، ورجل طويل وطوال، وقوم طوال؛ فإن الطول، بفتح الطاء مصدر قولك: طال عليهم، فهو يطول طولا، إذا أفضل عليهم، وتطول أيضا تطولا، وهو كما قال. والفاعل منه: طائل. والمفعول: مطول عليه. ومن هذا قيل للشيء الخسيس الدون: إنه غير طائل. وأما الطول، بضم الطاء فاسم بمنزلة الحسن والقبح، يوضع موضع المصدر من فعله، وليس بمصدر؛ لأن مصدره غير مستعمل، وفعله: طال يطول أيضا، على الأول، إلا أن أصل بنائه على فعل يفعل، بضم العين من الماضي والمستقبل، مثل قولك: قصر يقصر؛ لأنه ضده، ومثل: عظم يعظم. وقد يجيء منه متعد، كقولهم: طاولني فطلته، وقال الهذلي في غزال: تحت بقرنيها برير أراكة وتعطو بظلفيها إذا الغصن طالها وهو مما لا يتعدى، وهو بمعنى الانفعال، وفيه معنى المبالغة، ولكن اعتلت الواو في طال، فتحولت ألفا؛ لانفتاح ما قبلها، واعتلت في بطول، فسكنت، لانضمام ما قبلها،

ولذلك كان اسم الفاعل منه على فعيل، وهو: طويل، مثل القصير، ومثل عريض من قولك: عرض يعرض، وهو خلاف العرض. وأما قوله: لا أكلمك طوال الدهر، فإن الطوال/ بفتح الطاء على مثال فعال هو: مدى الدهر، يال: لا أتيك طوال الدهر، أي أبد الدهر، ومدى الدهر ودوام الدهر، وهو مما لا يثنى ولا يجمع، وهو أبدا منصور على تأويل الظروف، وليس بمصدر، ولا وهو من هذا الباب. وأما ما ذكر من أنه يروى في بيت القطامى: وإن بليت وإن طالت بك الطيل والطول، فإن الطول ههنا: العصور والدهور ولذلك أنثها بقوله: وإن طالت. وأصل الطول: الحبل، سمي بذلك لطوله وامتداده، وأصله من الواو، وفيه يقول طرفع: لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد هو رسن الدابة الطويل. ويستعار في غير الحبل أيضا، إذا كان طويلا، فيقال للرجل: لقد طال طوالك، أي تماديك في الأمر، وتراخيك عنه، وقد طال عليه اطول، أي العمر والدهر. ومن العرب من يبدل الياء من الواو فيقول: الطيل، من أجل الكسرة التي قبل الواو، طلبا للتخفيف، وكثرة الاستعمال، لهذه الكلمة، وهو مثل قراءة من قرأ: (دِينًا قِيَمًا) بكسر القاف، وفتح الياء، على قياس قياما. وكما قالوا في الطوال جمع الطويل: طيال، وأنشدنا محمد بن يزيد: تبين لي أن القماءة ذلة وأن أشداء الرجال طيالها وأما قوله: رجل طويل وطوال، بضم الطاء، فإن الطوال، بضم الطاء صفة الطويل الأهوج الطول المضطربه. وأما الطوال، بكسر الطاء، فجمع للطويل وللطوال كليهما؛ لأنهما بوزن واحد في عدد الحركات والسكون، وإن اختلف المثالان./

وأما قوله: تقول شرعت لكم شريعة في الدين، وأشرعت بابا إلى الطريق إشراعا، وشرعت الرمح قبله، وشرعت الدواب في الماء تشرع شروعا، وأنتم في هذا الأمر شرع: سواء وشرعك من رجل زيد، أي حسبك، وشاعر شرعك أي حسبك؛ فإن قوله: شرعت لكم شريعة في الدين معناه: نصبت لكم وأوضحت وأظهرت؛ وهو من الطريق الشارع، وهو البارز الظاهر، ومنه مشارع الماء جمع المشرعة، وهو فعل يتعدى، قال الله عز وجل: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وصَّى بِهِ نُوحًا)، ويقال معنى شرع لكم من الدين: أي مثل لكم، وماضي هذا الفعل ومستقبله مفتوحان من أجل حروف الحلق. وفاعله: شارع، ومفعوله: مشروع، ومصدره: الشرع، بسكون الراء، على فعل. فأما الشريعة فاسم لما يوضع من الدين، وليس بمصدر، وكان يجب أن يذكر هذا. وأما قوله: أشرعت بابا إلى الطريق، على أفعلت بالألف، فمعناه: أخرجت بابا وأبرزت بابا اشرعه إشراعا، وشرع الباب نفسه فهو شارع، وهو فعل منقول، وكذلك قوله: أشرعت الرمح قبله، إذا أملئه إليه، ويجوز نحوه وقد شرع الرمح نفسه فهو شارع، وقد جاء في لغة أخرى: شرعت الرمح نحوه والسيف، بغير ألف، وانشد الخليل: أناخوا من رماح الحظ لما رأونا قد شرعناها نهالا وقال آخر: غداة تعاورته ثم بيض شرعن إليه في الرهج المكن وكذلك أشرعت الدواب في الماء إشراعا، بالألف؛ لأنه فعل منقول، وقد شرعت/ الدواب أنفسها، إذا تناولت الماء بأفواهها من المشرعة فهي شارعة وشروع، كما قال الشماخ: يسد به نوائب تعتريه من الأيام، كالنهل الشروع

ومصدر هذا الفعل خاصة: الشروع أيضا على فعول؛ لأنه فعل لا يتعدى ومستقبله مفتوح كماضيه، لأن حرف الحلق آخره. وأما قوله: أنتم في هذا الأمر شرع واحد، بفتحتين؛ فإن معناه: أنتم فيه سواء، وكأنه جمع شارع، مثل خادم وخدم، أي كلهم يشرع فيه شروعا أي يقول فيه. وأما قوله: شرعك من رجل زيد؛ فمعناه: حسبك من رجل زيد، يقال: مررت برجل شرعك من رجل، أي كفاك، أي يشرع لك في الأمور كما ينبغي، وهو مثل حسبك وهدك، وليس شرع بنعت، ولكنه اسم قد وصف به، أو مصدر أقيم مقام النعت. فهذا آخر تفسير هذا الباب. * * *

تصحيح الباب الثالث عشر وهو المترجم بباب ما جاء وصفا من المصادر

تصحيح الباب الثالث عشر وهو المترجم بباب ما جاء وصفا من المصادر اعلموا أن الصفات إنما هي الأسماء المشتقة للموصوف من أفعال فعلها هو، أو فعلت به، أو من أسماء ما فيه، من حلية أو نسب أو عيب، أو ما ضارع ذلك في المعنى كقولك: ضارب ومضروب. وتاجر وخشاب ونجار، وأعرج وأعور وأحمر وأبيض، وبصري وكوفي وتميمي وبكري، وشديد وظريف. فأما خصم ودنف وصعب وخدل/ ونحو ذلك مما وضع موضع الصفات، فهي الأسماء والمصادر كقولهم: رجل عدل، يريدون: عادل، ورجل رضي، يريدون: مرضي: فإنما فعل ذلك لما كان أصل الصفة من المصدر. وكان تأويل الفاعل والمفعول وسائر الصفات تأويل ذي الفعل، فإذا قلت عادل فمعناه ذو عدل. ومرضي معناه ذو رضي، فوضع اسم واحد موضع اسمين اختصارا. [و] من كلامهم أن يحذف المضاف إيجازا، أو يقام المضاف إليه مقامه، إذا كان مما لا يلبس، كما قال الله عز وجل: (واسْأَلِ القَرْيَةَ) أي أهل القرية، وكما تقول العرب: اجتمعت اليمامة، يريدون: اجتمع أهل اليمامة؛ وذلك أنه قد علم أن القرية لا تسأل، واليمامة لا تجتمع، وإنما الاجتماع والمسألة لأهلهما، فلم يلبس، وكذلك إذا قلت رجل عدل فمعناه ذو عدل، وامرأة رضي معناه ذات رضي. فكما وضعت الفاعل والمفعول موضع الصفة، كذلك وضعت المصدر الذي هو أصل جميع ذلك؛ إذ لم يلبس؛ لأنه قد علم أن الرجل جسم، وأن العدل عرض، فلا يجوز أن يكون الرجل هو العدل فيشك فيه. وإنما معناه ذو عدل، فعلى هذا المضهب جاءت المصادر صفات طلبا للإيجاز والاختصار، فإذا جعلت المصادر صفات، فالوجه فيها الأجود، ألا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث؛ لأن المصادر أنفسها قبل أن يوصف بها لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث. وربما ثنوا منها وجمعوا وأنثوا الشيء، إذا كثر استعماله في الوصف، ودام الاستماع له وألف واعتيد، حتى يزول عن شبه المصادر ويدخل ف باب الأسماء والصفات/ بطول العادة، وذلك في الكلام قليل، وليس من المصادر شيء إلا ووضعه موضع الصفات جائز فيه مطرد منقاس غير منكسر، وإنما ذكر ثعلب أحرفا قليلة يتوهم من نظر فيها أن الوصف بغيرها من المصادر لا يجوز؛ فلذلك بينا ما بينا.

ونحن مفسرون ما ذكره إن شاء الله. أما قوله: تقول هو خصم وهي خصم وهم خصم، للواحد والاثنين والجميع، على حال واحدة، فليس ذلك بلازم فيه كما قال. بل يجوز تثنيته وجمعه وتأنيه على ما شرطناه. ومن الدليل على ذلك قول الله عز وجل: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ)، وقوله [تعالى]: (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) فثنى الخصم، وذلك من الدليل على أن الخصم يقع على الجماعة قوله عز وجل: (اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) بالواو، وقد ثنى الاسم فقال: (هَذَانِ خَصْمَانِ) لأن كل خصم من الخصمين كان جماعة وطائفة. وكذلك قوله: (وهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ (21) إذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ) فبدأ بالخصم على لفظ واحد، فأوقعه على طائفتين، ثم بين ذلك في الفعل حين قال (تَسَوَّرُوا) فأتى بواو الجميع، وقال: (دَخَلُوا) فأتى بالواو أيضا، وقال: (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) فأتى بالهاء والميم، وهما علامة الجمع، وقال أيضا: (قَالُوا لا تَخَفْ) فأتى بالواو، فهذا كله يدل على أنه يجوز التثنية والجمع والتأنيث في مثل هذا، وأنه لا يلزم لزوم لفظ الواحد فيه كما ذكر ثعلب. فأما قوله [تعالى]: (إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً) فإنما حكى عن الرجلين أو الملكين المتقدمين إلى داود خاصة، دون الطائفتين، فإن أردت أن تأتي بالصفة الصحيحة/ بدل المصدر ههنا، جئت بالمخاصم والخصيم؛ لأن الفعل من اثنين، فهو على المفاعل والفعيل، وقد يجيء منه بعضه على الفعل، بالكسر أيضا نحو: قرن وخل وخدن، فعلى هذا يجوز أن يقال: خصم، بكسر الأول وهو قول العامة. وإلى رد هذا أومأ ثعلب، والفعل من هذا: خاصم الرجل أخاه، يخاصمه مخاصمة وخصاما وخصومة، وقد اختصما وهما يختصمان اختصاما، وهم خصوم وخصماء؛ فالخصوم جمع الخصم، والخصماء جمع الخصيم، وهم المتنازعون في الدعاوى والمطالبات بالحقوق وغيرها. وإنما سموا بذلك؛ لأن كل خصم مقابل لخصمه، وفاعل مثل فعله، وقائل مثل قوله: فاشتق ذلك من خصمي الرواية، والإداوة ونحوهما، وهو الطرف الذي بحيال العزلاء في الرواية، والذي عند

الكُلْية من المزادة، كل واحد مقابل لما في الناحية الأخرى. وجمعه: الأخصام، والواحد: خصم، بضم الخاء وسكون الصاد، فإن قلت: خاصمته فخصمته فاسم الفاعل من خصمته: خاصم. والمفعول: مخصوم، مثل غالبته فغلبته فأنا غالب، وهو مغلوب. وأما قوله: وكذلك رجل دنف، وقوم ونسوة دنف، فإن قلت: دنف ثنيت وجمعت، فإن قوله دنف، بفتح النون مصدر موضوع موضع الوصف ودنف، بكسر النون هو الصفة نفسها، فليس في جواز تثنية الصفة الخاصلة وجمعها اختلاف. وإنما الكلام في المصدر، وهو على ما بينا في الخصم، إلا أن الدنف، بفتح النون أقل استعمالا في باب الوصف من الخصم، ولا يكاد يتكلم به إلا فصحاء العرب الخطباء والشعراء، كقول العجاج:/ والشمس قد كادت تكون دنفا وعامتهم إنما يستعملون الوصف بعينه، بكسر النون، ولذلك قل استعمال التثنية والجمع في الدنف، وهو جائز في القياس، على الشرط الذي قدمنا؛ من كثرة الاستعمال والدخول في باب الأسماء والصفات. والفعل من هذا: دنف يدنف دنفا، على وزن: عمل يعمل عملا، ومرض يمرض مرضا. واسم الفاعل: دنف، بكسر النون. ومصدره: دنف، بفتح النون، على قياس نظائره. وقد يقال: أدنف الرجل يدنف إدنافا، وهو مدنف؛ فالمدنف اسم المفعول، كأن المعنى؛ أدنفه الله، فدنف. والمعنى فيه شدة المرض، وبلوغ الغاية في الضعف، وتغير اللون، حتى يشرف على الموت. وقد يستعار في غير المرض، كما قال العجاج في اصفرار الشمس للمغيب وقلة ضوئها. وأما قوله: وكذلك أنت حرى من ذلك، وفمن، لا يثنى ولا يجمع، فإن قلت: حر أو حري، أو قمن أو قمين، ثنيت وجمعت؛ فإن حري، بفتح الراء والقصر وقمناً، بفتح الميم مصدران وصف بهما، فالوجه فيهما ترك التثنية والجمع، إلا أن يدخلهما كثرة الاستعمال في باب الأسماء والصفات الخالصة. وأما حر، بكسر الراء، وقمن، بكسر الميم فصفتان خالصتان بمنزلة: دنف، وتقدير فعلهما كتقدير فعل دنف، كأن المعنى حري يحرى حرى،

فهو حَرٍ، وقمن يقمن قمنا، فهو قمن. وكذلك حري بتشديد الياء وقمين بالياء هما صفتان على فعيل؛ ولذلك كانت التثنية والجمع فيها. ومعنى ذلك كله كمعنى خليق وجدير وحقيق. وقال الشاعر:/ من كان يسأل عنا أين منزلنا فالأقحوانة منا منزل قمن يروى هذا بفتح الميم وكسرها. وقال الآخر: إذا جاوز الاثنين سر فإنه بنث وتكثير الوشاة قمين واشتقاق هذا من مقاربة الشيء، والدنو منه، حتى يرجى تحققه؛ ولذلك قيل: خبز قمن، وقد قمن الخبز، إذا بدأ فيه التكرج؛ لأنه قد دنا من الفساد والتكرج؛ وهي القمنة. وأهل ديار ربيعة يسمون "الفوذج" الذي يتخذ منه الكواميخ: القمن. وأما الحري؛ فمأوى الشيء وكانه، الذي يستوطنه؛ ولذلك قيل لمأوى الطير: حراه، ولموضع بيضه: الحرى. وإذا توخى الإنسان أمراً وطلبه قيل: قد تحرى الأمر، وهو يتحرى مسرة فلان. وقال الشاعر: فإن نتجت مهرا كريما فبالحري وإن يك إقراف فمن قبل الفحل وقال الأعشى أو غيره: إن تقل هن من بني عبد شمس فحري أن يكون ذاك وكانا

ومن هذا قولهم: أحر به أن يفعل كذا وكذا، أي أخلق به. ومنه قول الشاعر: لئن كانت توعدنا بالهجاء فأحر بمن رامنا أن يخيبا وأما قوله: وكذلك رجل زور وفطر وصوم وعدل ورضى، لا يثنى ولا يجمع؛ لأنه فعل. ورجل ضيف وامرأة ضيف، وقوم ضيف، وإن شئت ثنيت وجمعت، فقد قالوا: أضياف وضيوف وضيفان. وما أتى من هذا الباب/ فهو مثله؛ فإن الزور مصدر قولك: زار يزور زورا فهو زائر، من الزيارة والإلمام، والوصف منه: زائر ومزور، ولكن قد وضع المصدر منه موضع الفاعل للإيجاز. وقد يسمى الزائر: زيرا، على فعل، بكسر الأول، مثل: خل وخدن، يقال: إنه لزير نساء، إذا كان يزورهن كثيرا. وقال الشاعر: من يك في السواد والدد والإغـ ـرام زيرا فإنني غير زير والفطر اسم يوضع موضع المصدر، ويستغنى به عن المصدر، ثم يوصف به، ويوضع موضع المفطر، والفعل منه: أفطر يفطر إفطارا. والدليل على أن الفطر ليس بمصدر أنه لا يقال منه: فعل يفعل بغير ألف، وهو أيضا مكسور الأول، مخالف لبناء المصدر الثلاثي، ومعناه الرجوع إلى ابتداء العادة من الأكل والشرب والجماع ولذلك كان معنى فاطر السموات: مبتدئ السموات، ولذلك قيل للعجين، إذا بقي على الحالة الأولى، ولم يختمر: الفطير. والصوم: مصدر قولك: صام يصوم صوما. واسم فاعله: صائم، ومعناه: الإمساك عن الطعام والشراب والجماع، وعن كل شيء. وكذلك العدل هو مصدر قولهم: عدل يعدل عدلا، وهو ضد جار يجور جورا. ورضا: اسم يوضع موضع المصدر أيضا، وهو اسم على فعل، بكسر الأول، ولو كان مصدرا لكان مفتوح الأول؛ لأن فعله رضي يرضي مثل عمي يعمى، وإنما وضع موضع الصفة، كما وضع قولهم: قوم عدى، فوضع موضع الوصف، وليس بوصف. وليس قوله إن هذه الأشياء لا تثني ولا تجمع بصحيح، وإنما يجوز ذلك فيها ويمتنع، على الشروط/ التي قدمنا؛ من كثرة الاستعملا وقلته، وإدخاله في باب الأسماء وتركه، ألا ترى أنهم يقولون: رجلان عدلان، وقوم عدول، وقد ذكر هو في ضبف أنك إذا شئت

ثنيت وجمعت فجعل جواز ذلك وامتناعه بمشيئة المتكلم، وليس كذلك، ولكن الضيف مما كثر استعمال الوصف به، وغلب عليه شبه الاسم، حتى استغني معه عن ذكر الموصوف فجاز فيه ما يجوز في الأسماء، من التثنية والجمع والتأنيث، وتوحيده في كل ذلك هو الأصل، كما قال الله عز وجل: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ) وقوله عز وجل: (إنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ). وقد جاء في الشعر التأنيث في قول البعيث: لقي حملته أمه وهي ضيفة فجاءت بنز للنزالة أرشما والفعل منه: ضاف يضيف، ضيفا، إذا زار القوم، ونزل بهم للضيافة. وأضاف يضيف إضافة، إذا أنزلهم وأطعمهم. والفاعلان منهما: ضائف ومضيف، والضيافة: اسم بمنزلة الإمارة والسيادة. وقد استعمل الضيف في موضع الضائف والمضيف والمضاف، فقيل لجميعهم: ضيف، وإنما هو مأخوذ من الميل والإمالة، يقال: أضفت الشيء، إذا أملته إلى غيره، وأسندته إليه. وضاف الشيء، إذا مال إلى الشيء واستند إليه، كما قال امرؤ القيس: فلما نزلناه أضفنا ظهورنا إلى كل حاري حديد مشطب وقد تقدم من شرح هذا قبل هذا مستقصى في غير هذا الباب. وأما قوله:/ تقول ماء رواء، بفتح الراء ومد الألف، على بناء فعال، فهو وصف، مأخوذ من الري، وهو صفة الماء الطيب المروي شاربه، جاء على هذا المثال كما قيل جارية رداح، وأرض براح، ومكان فساح وبساط، ومثل قولهم: الجماد والموات، وليس يتبين أنه مصدر كما زعم ثعلب؛ لأن فعله إن كان للشارب، فإنما هو: روي يروي ريا، ولا يقال فيه: رواء، وإن كان منه للساقي، فإنما هو: أروى يروي إرواء، ولا يدخل في هذين

الفعلين مصدر على فعال، وكذلك قوله: روى، بكسر الراء وقصر الألف؛ لأن المصادر لا تجيء على هذا المثال في فعل يفعل، ولو جاء على قياس هذا الفعل لقيل: روى، بفتح الراء مع قصر الألف، ولكن لم يسمع هذا فيه، ولكنه وصف. وأما قوله: قوم رواء، بكسر الراء ومد الألف، فهو وصف للجماعة، ووحدهم: رو على بناء فعل أو ريان على فعلان، أو راو على بناء فاعل مثل قولك: ظماء وعطاش ونهال. وهذا الجمع يدل على أن هذين الوصفين ليسا في الأصل بمصدرين؛ لأن المصادر لا تجمع. ويقال في الإناء: كأس روية على فعيلة، وجمعها رواء على فال وروايا على فعائل، وهي المتأقة المروية، وأصل ذلك كله من راء وواو وياء وليس في شيء منه همزة أصلية. وقال الشاعر في الممدود: من يك في شكل فهذا فلج ماء رواء وطريق نهج وقال العجاج في المقصور: تذكرا عينا روى وفلجا وأما قوله في هذا الفصل: رجل له رواء بضم الراء، فهو بهمز عين الفعل وليس من الري في شيء، ولكنه من الرؤية،/ واصله من رأيت مبني، ولكنه يقع موقع المصادر، وكذلك قوله: قوم رياء، أي يقابل بعضهم بعضا، هو من رأيت، مهموز؛ لأنه إذا قابل بعضهم بعضا تراءوا؛ أي رأى بعضهم بعضا، فهذا يحتمل أن يكون مصدرا لقولك: تراءوا مراءاة ورياء، بالهمز، وكذلك قوله: بيوتهم رياء، يعني أنها تتراءى مراءاة ورياء بالهمز. ومنه قولهم: فعل ذلك رياء الناس؛ لأن معناه فعله ليراه الناس، فهو يرائيهم بفعله مراءاة ورياء، كالمنافق الذي يصلي ليراه الناس، لا لله عز وجل. ومنه قوله: الرؤى جمع الرؤيا؛ لأنها أيضا من الهمز، تقول: رأيته في المنام رؤيا، وهو على فعلى، وجمعها فعل، مثل البشرى والبشر، وأما ما يروى بالبصر، فإنه بالهاء: الرؤية، وأصلها واحد. وأما قوله: تقول: دلع فلان لسانه، أي أخرجه، ودلع لسانه، أي خرج فليس من باب المصادر، ولا باب الوصف، وكان يجب ألا يذكره في هذا الباب أو يذكر مصدره واسم

فاعله ومفعوله. وإنما هو من باب الفعل الذي يستوي فيه تصريف المتعدي وغير المتعدي كقولهم: جبر الرجل وجبرته، وكسب وكسبته وما أشبه ذلك، مما قد شرحه في غير هذا الباب، وأنه جاء مخالفا للباب، والأصل والقياس؛ لأن حق هذا أن يكون في المتعدي منه همزة النقل في أوله أو باء الإضافة بعده، كقولك: أذهبته وذهبت به، فكان أصله أن يقال: دفع اللسان إذا خرج، وأدلعه صاحبه أو دلع به، كما يقال: خرج اللسان وأخرجه صاحبه أو خرج به، ولكنه شيء كثر استعماله، وعرف معناه، فحذف منه حرف التعدية والنقل تخفيفا، واستغني عنه بالتعارف / لمعناه. ومصدر هذا الفعل: الدلوع، إذا لم يكن متعديا، والدلع، إذا كان متعديا، هكذا القياس، ووجوب الفرق بين المختلفين. وقال بعضهم: هما لغتان؛ فمن قال: دلع سلانه، فجعل الفعل للسان قال: أدلعت لسانه بالألف، إذا جعله مفعولا ومن قال: دلعت لسانه، قال: فاندلع لسانه، إذا جعل اللسان فاعلا. وكذلك قوله: شحا فاه، يعني فتحه، وشحا فوه، يعنى انفتح، وكذلك قوله: فغر فاه، وفغر فوه، بمعنى شحا، والتفسير والقياس واحد، وإن اختلف ذلك في الاشتقاق. والمصدر في المتعدي: الشحو والفغر، على فعل، وفي غير المتعدي الشحو والفغور، على فعول. وأما قوله: ذر ذا ودعه، ولا تقل: وذرته ولا ودعته؛ فليس هذا أيضا من باب المصادر ولا الصفات، ولكنه من باب ما قد أهمل استعمال ماضيه واسم فاعله ومصدره، واستغني عنه بغيره، مما هو في معناه، وليس فيه ثقل لفظه، وذلك أن الماضي من هذين الفعلين إنما هو: وذرته وودعته واسم فاعلهما: واذر ووادع، ففي أولهما واو، وهو حرف مستثقل، واستعمل في موضع لك: ترك وتارك؛ لأنهما في ذلك المعنى بعينه، وليس في أوله حرف [مستثقل]. واستعمال ما أهملوا جائز صواب، وهو الأصل، وقد جاء في الشعر منه، كقول أبي الأسود: ليت شعري عن خليلي ما الذي غاله في الود حتى ودعه وقرأت القراء: (مَا ودَّعَكَ رَبُّكَ ومَا قَلَى) بالتخفيف والتشديد، ولم يستعمل المصدر من هذين الفعلين أيضا، واستعمل في موضعه الترك؛ لأنه في معناهما، وهو أخف /

منهما، واستعمال ما لم تستعمله العرب من ذلك غير خطأ. بل هو في القياس الوجه، وهو في الشعر أحسن منه في الكلام؛ لقلة اعتياده؛ لأن الشعر أيضا اقل استعمالا من الكلام. وأما المستقبل من هذين الفعلين فإنما استعملا؛ لأن الواو تسقط منهما؛ لوقوعها بين ياء وكسرة فيخفان، وذلك قولهم: يذر ويدع وتفتح الدال من يدع؛ لأن بعدها حرفان من حروف الحلق، وأصله يودع. وقد أجرى يذر مجرى يدع، في فتح الثاني منه، وليس فيه شيء من حروف الحلق، ولكن لما كان في معنى يدع وماضيه غير مستعمل، فتح اتباعا ليدع فقيل: يذر، وإنما حقه أن يكسر مثل وزن يزن، وهذا بمنزلة قولهم: يأبى، حين فتحوه وليس ثانيه ولا ثالثه من حروف الحلق، وكان حقه أن يقال: يأبي، بكسر الباء، كما يقال يأتي؛ لأن ماضيه على فعل أيضا، فزعم "سيبويه" أنهم فتحوه من أجل أن فاء الفعل من حروف الحلق، كأنهم غلطوا في ذلك، وهذا بعيد. وزعم أبو العباس "المبرد" إنما فتح "يأبى" لأنه إذا فتح صار لام الفعل منه من حروف الحلق، يعني الألف، وإن كان لا يكون في الكلام إلا زيادة أو بدلا ولا يعتمد به اللسان على راد، ولكنه هاو. وهذا القول خطأ، وقياسه فاسد؛ لأنه ليس من حروف العلة، إلا وهو إذا انفتح ما قبله، وتحول هو صار ألفا، فلم خص بالفتح من ذوات العلة هذه الكلمة وحدها ومع ذلك فإنه تصير العلة بعد المعلول، إذا كان إنما يفتح من أجل شيء يحدث فيه بعد انفتاحه، وهذا فاسد. وقد قالوا: يذر بالفتح وليست لامه بحرف علة، ولا فيه شيء من حروف الحلق. والعلة عندنا/ في "يأبى" وفتحه أنهم حملوه على ما هو في معناه وفيه حرف حلقي، وهو قولهم: يمنع، كما حمل يذر على يدع، ولو استعمل المصدر من يذر لكان قياسه أن يقال وذرته وذرا وذرة، وكذلك ودعته ودعا ودعة مثل وعدته وعدا وععدة ووزنته وزنا وزنة. وليس هذا من باب المصادر أيضا، ولا ذكر مصدره، ولا من باب الوصف به أيضا. ولكنا شرحناه لذكره إياه. وهذا آخر تفسير هذا الباب.

تصحيح الباب الرابع عشر وهو المترجم بباب المفتوح أوله من الأسماء

تصحيح الباب الرابع عشر وهو المترجم بباب المفتوح أوله من الأسماء هذا باب قد خلط فيه أبوابا مختلفة، كان حقها أن يصنفها على مراتبها، فلم يفعل ذلك وجمعها في باب ما يفتح أوله، مما تلحن العامة فيه، فتكسره أو تضمه، والفتح الصواب. ومنه ما يجوز كسره، وإن كان الفتح أجود. ونحن نبين من كل ذلك ما يجب تبيينه: فمن ذلك قولهم: هو الفقر، بالفتح، يريد أن العامة تضمه، وليس الضم فيه بخطأ. ولكنه اسم مثل العسر والجهد والضعف. والمصادر منها؛ الجهد والضعف والفقر وإن كان لم يجر على هذه المصادر فعل، كقولهم: فقر يفقر، وإنما يقال: افتقر ويجوز أن يكون الفتح والضم فيها على لغتين بمعنى واحد. ومن العرب من يفتح أوائل جميع هذا، إذا كان إعرابها في آخرها النصب، ويضمها إذا كان إعرابها الرفع، ويكسرها إذا كان إعرابها الجر، على الاتباع. وينبغي لمن قال بالمعرب من مكانين أن يجعل هذا الضرب منه. وزعم بعضهم أن فتح أوائل هذا الضرب/ لمعنى، وضمها لمعنى آخر، وكسرها لآخر، وهو أقيس القولين أو الأقوال فقالوا: الضعف بالضم في الجسد. ومنه قول الله عز وجل: (الله الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ) والضعف بالفتح في الرأي والعقل، ونحو ذلك. وكذلك جميع نظائره. وهذا مذهب حسن، وكذلك الفَقر والفُقر. وأول ما ذكره في الشَّعْر والشَّعَر، والشَّمْع والشَّمَع، والنَّهْر والنهَر، من سكون

الثاني وفتحه فغلط منه في هذا الباب؛ لأنه مترجم بما انفتح أوله لا ثانيه. وكثير من أهل اللغة يقولون: كل ما كان الحرف الثاني منه من حروف الحلق، جاء فيه التسكين والفتح. وليس ذلك عند أهل النظر والقياس منهم صحيحا. وإنما ذلك لغات جاءت في أحرف قليلة على غير قياس، فيما كان ثانيه حلقيا أو غير حلقي، ولا يطرد هذا في حروف الحلق. وإنما التسكين فيها لغة، والفتح آخرى، سماعا من العرب، كأن من قال من اللغويين بهذا نظر إلى الأفعال المضارعة، التي تفتح لما فيها من حروف الحلق فظنوا أن ذلك في الأسماء كذلك، وهو غلط منهم؛ لأن الحرف الذي يحرك بالفتح في الفعل من أجل حروف الحلق، أصله التحرك بغير الفتح، فليس بنقل عن الحركة إلى سكون ولا عن سكون إلى حركة، وإنما تجعل حركته من جنس حرف الحلق للمقاربة بين الحرف والحركة، وهذه الأسماء إن كانت في الأصل ساكنة الأوسط لم يجز تثقيلها بالفتح؛ لأن الساكن أخف من المتحرك، وإن كانت في الأصل مفتوحة فليس يجب أن تسكن؛ لأن الفتحة لا تستثقل، وإنما يسكن المضموم والمكسور خاصة لثقل الضم والكسر، في مثل كتف وعضد. وقوله: / دخل هذا في القبض، بفتح الباء، ليس القبض بمصدر، ولكنه اسم المال المقبوض. وإنما مصدره: القبض، بسكون الباء تقول: قبضته قبضا، وهو: الأخذ بجمع الكف من كل شيء، وإنما الفتحة في الثاني من القبض، فليس هذا بابه، لأنه ترجم الباب بما أوله مفتوح. وقوله: العربون، هو الذي تسميه العامة: "الربون"، وهو كلمة فارسية معربة، أصله: أرمون، وهرمون. ويقال في تعريبها أيضا: العربون على مثال: العصفور. ويقال: العربان على مثال: القربان. وليس شيء من ذلك بمصدر، وإنما هو اسم لما يسلف في ثمن السلعة، أو من أجرة الصنعة، ولكنه إذا صرف منه الفعل أقيم مقام المصدر، فقيل: عربنته عربونا، ونحو ذلك. وقوله: الحرب خَدعة، وأنه أفصح اللغات؛ لأنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد غلط فيها؛

لأن الخَدْعة ليست بلغة قوم دون قوم، بل هي كلام الجميع. وإنما هي المرة الواحدة؛ فلذلك فتحت. وأما الخدعة، بالضم: فالحيلة التي يخدع بها، كما يقال لعبة، لما يلعب به، وهزأة، لمن يهزأ به. وليست بلغة بل هي كلام الجميع. وقد افتتح هذا الباب بقوله: هو فكاك الرهن، يعني بفتح الفاء، وكان يجب أني يفرد ما كان على مثال فعال، بفتح الفاء، مما تلحن فيه العامة في باب واحد، كما بدأ في أول الكتاب بالأمثلة، ولكنطال عليه ذلك. وكذلك قوله: هو حب المحلب، بفتح الميم، كان يجب أن يرفد بابا لكل ما كان على وزن مفعل، بفتح الميم، مما تلحن فيه العامة، لا يخلطه بغيره، مما ليس مثله، وكذلك قوله: عرق النسا، يعني بفتح النون، كان حقه أن يذكره في باب ما كان من المقصور/ على فعل، بفتح الفاء، مما تلحن فيه العامة. وكان يجب أولا عليه أن يبين أن "النسا" هو العرق نفسه بعينه، وليس بشيء ينسب العرق إليه؛ فإن عرق النسا من غلط العامة، كما تخطئ في قولها: عرق الأكحل، وعرق القيفال، ونحو ذلك؛ فتضيف العرق إلى اسم العرق، ولا يجوز ذلك؛ لأنه إضافة الشيء إلى نفسه. وإنما الصواب أن يقال: هو القيفال، وهو الأكحل، وهو النسا؛ لأن النسا اسم العرق الذي يمتد من الورك إلى الساق. وقال في ذلك امرؤ القيس: فأنشب أظفاره في النسا فقلت هبلت ألا تنتصر فقال في النسا، ولم يقل في عرق النسا. والعامة تكسر النون من النسا، وهو خطأ. وقال أبو داود: وقصرى شنج الأنساء نباج من الشعب وأما الملحب فأصله مصدر من قولك: حلب يحلب محلبا، كما يقال: ذهب يذهب مذهبا، وأخذ يأخذ مأخذا، فأضيف الحب الذي يفعل به هذا الفعل إلى مصدره، فقيل:

حب المحلب، وشجر المحلب، أي حب الحلب، وشجرة الحلب، ففتحت الميم في المصدر. وإنما تكسر الميمات إذا كانت أوائل الأدوات المنقولة المستعملة؛ كالمرجل والمنجل والمصدعة والمثقب، ولذلك لم يجز الكسر في حب المحلب، فأما الإناء الذي يحلب فيه، فمسكور الميم وهو المحلب لا غير. و"المحلبية" بفتح الميم: ضرب من الطيب، يتخذ من حب المحلب وكذلك؛ اسم منزل في طريق مكة: "المحلبية" بالفتح./ والفكاك أيضا مصدر على بناء فعال، مثل: الذهاب والسراح والبراح، يقال: فككت الرهن فكا وفكاكا، بمعنى حللته حلا؛ لأنه كالشيء المغلق المشدود، حتى يفك. وقد انفك الرهن، أي انحل، كما ينفك الشيء من الشيء، الذي قد نشب فيه وتعلق به. وقد أجاز بعض أهل اللغة في الفكاك: الكسر أيضا؛ كأنه جعله اسما موضوعا موضع المصدر، وهو اسم لما يفك به الرهن، على قياس: إزار ورداء ولحاف وعطاف وغطاء ووطاء. وأجود ذلك إذا كان بمعنى المفاعلة من اثنين، كالمفاكة مثل حاسبته حسابا، وخاصمته خصاما، وقد كتبت كتابا، وحسبت حسابا، بالكسر وبيت زهير لا ينضد إلا بالفتح: وفارقتك ببرهن لا فكاك له يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا وأما قوله: هي الرحا، فهي التي يطحن بها، وهي تؤنث، وبها شبهت معركة الحرب فسميت رحى ومرحى، وهي مقصورة، وأولها مفتوح. والعامة تكسر أولها، وهو خطأ. وجمعها: الأرحاء، على أفعال. والعامة تقول: أرحية، وهوخطأ. وهو من بنات الياء، يقال في تثنيتها: رحيان، كما قال الشاعر:

كأنا غدوة وبنى أبينا غداة عنيزة رحيا مدير وأما قوله الرخاء من العيش، فهو ممدود، وهو: السعة والخصب والخفض والين. ومنه قولهم: عيش رخي وبال رخى. وأصله من الشيء الرخو ومنه: المسترخي، وهو اللين على وزن مستفعل من الرخو. وأول الرخاء مفتوح وهو على/ بناء فعال. والعامة تكسر أوله، وهو خطأ. ومنه سميت الريح اللينة، الطيبة: رخاء، بضم الراء، كما قال الله عز وجل: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ).ومنه إرخاء الفرس في عدوه، قال امرؤ القيس: له أيطلا ظبي وساقا نعامة وإرخاء سرحان وتقريب تتفل ومنه قولهم: أرخيت الثوب والستر والحبل، إذا أرسلته وأسبلته، إرخاء. وأما قولهم: هو الرصاص، فإن الرصاص اسم أعجمي معرب، والعامة تكسر الراء من أوله، والعرب تفتحه. واسمه بالعربية: الصرفان. وبالعجمية: إرزرز؛ فأبدلت الصاد من الزاي، والألف من الراء الثانية، وحذفت الهمزة من أوله، وفتحت الراء من أوله فصار على وزن: فعال. ويقال للقطعة منه: رصاصة. ويشتق منه الفعل، فيقال: رصصت الشيء ترصيص، إذا طليته به، وقد ترصص هو إذا قبله والتصق به. وأهل الاشتقاق يجعلونه مشتقا من قوله [تعالى]: (بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ). ويقال قد رص بعضه إلى بعض، أي ألصق؛ لأنه في معناه وحروفه، وإن كان عجميا. وأما قوله: هو صداق المرأة، يعني مهرها، قال: وإن شئت: صدقة؛ فقد حكى فيها أبو عبيد عن الكسائي أربعة أوجه: صداق، وصداق، بفتح الصاد وكسرها، وصدُقة وصدْقة، بضم الدال وسكونها. ولكل واحدة منهن وجه. وكان ثعلب يختار الصداق

بالفتح؛ يذهب به مذهب المصادر. والبصريون يختارون كسر الصاد؛ لأنه اسم للمهر وليس باسم للفعل. إنما يقال في المصدر منه: الإصداق، بالألف على إفعال؛/ لأنه من أصدقتها. وأما الصدقة، بضم الدال، فهو لفظ القرآن، قال الله عز وجل: (وآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) ويجب أن يكون ذلك المختار، فأما من أسكن الدال من الصدقة فإنما خففها، كما يخفف عضد وكبد ونحوهما بالتسكين. وقد يجوز فيها وجه خامس، وهو: الصدْقة، بضم الصاد، وتسكين الدال؛ وذلك أنه لما أسكن الدال تخفيفا حول ضمتها إلى الصاد، كما يحولون ضمة الضاد من عضد إلى العين فيقولون: عضد، كما يحولون كسرة التاء من كتف إلى الكاف، فيقولون: كِتف. وأما قوله: هو الشنف والأنف، فإن العامة تضم أولهما، والعرب تفتحه، وجمعها يدل على فتح الواحد منها؛ لنه الشنوف والأنوف، على فعول، ولو كانا مضمومين لكان قياس جمعها: أشناف وآناف، على أفعال، مثل: قفل وأقفال؛ فالشنف ما يجعل في أعلى أذن الغلام، أو الجارية من الحلي. وأما قوله: ويأتيك بالأمر من فصه، أي من مفصله، وهو فص الخاتم، فإن فص كل عظم طرفه، وهو مفصله، وهو مفتوح الأول لا غير، والعامة تكسره، والعرب تجمعه على الفصوص، وذلك دليل على فتح أول واحده. ومنه قيل في المثل: "يأتيك بالأمر من فصه"، وبه سمي فص الخاتم ايضا بالفتح. وجمعه: فصوص. والعامة تكسره. وقد حكي عن بعض العرب فيه الكسر، وهو لغة رديئة. ومن كسر قال في الجميع: الفصصة، على فعلة مثل قرد وقردة. وأما قوله: الخسم، فإنه اسم للواحد والاثنين والجميع المتخاصمين من الناس؛ لأن كل واحد منهم خصم/ لآخر، ولا يكون الاختصام من واحد، بل من اثنين فصاعدا، ومنه قول الله عز وجل: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) فثنى الجماعتين تثنية

الواحد فجعل المؤمنين خصما، والكافرين خصما، ثم جمعهما فقال: اختصموا في ربهم. وقال [تعالى] أيضا في شأن داود: (وهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ) فسمى الفرقتين جميعا خصما باسم الواحد ثم قال: (إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ) بالواو، فبين أنهم جماعة، ثم ثنى بعد ذلك بقوله [تعالى]: (قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) فجعل كل فرقة خصما، وإنما كان هذا كذلك؛ لأن الخصم مصدر لقولهم: خصمهم يخصمهم خصما، بمنزلة العدل الذي هو مصدر: عدل يعدل عدلا؛ فإن أجريته مجرى المصدر على أصله، وجب ألا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، بل يوحد ويذكر في كل موضع، كما يقال: رجل عدل وامرأة عدل. وإن سمي به وجعل كالصفات الجارية على أفعالها، جاز فيه التأنيث والتثنية والجمع، كما يقال في: قمن ودنف ورضي وعدل وما أشبهه. وقد فسرناه في مواضع كثيرة. والخاء من الخصم مفتوحة؛ لأنه مصدر، والعامة تكسره. وللكسر وجه؛ وهو: ألا يجعل مصدرا، ولكن يكون بمعنى مخاصم وخصيم، كما يقال: خدن في معنى مخادن وخدين وخل في معنى مخال، وهو أقيس من تصيير المصدر صفة. وأما قوله: ثدي المرأة، يعني ما يكون في اللبن كالضرع من الشاة، فإنه مفتوح الأول، والعامة تكسره، وهو خطأ. ويدل على أن الفتح فيه هو الصواب أنه يجمع على فعول، فيقال: ثدي، كما يقال في/ الضرع: ضروع. ولو كان مكسورا كما تقول العامة، لقيل في جمعه: أثداء. والعامة تكسر أول الضرع أيضا، وهو خطأ. وقد حكي عن بعضهم: الأثداء على أفعال؛ من أجل أن آخره حرف علة، وهو في معنى الطبي، فجمع على ما جمعت الأطباء. وفعول في الثدي أجود وأعرف. وإنما قيل: ثدي بالياء، وهو على فعول؛ لأن واو فعول قلبت ياء من أجل الياء التي بعدها، وادغمت فيها، ثم كسرت الدال؛ لوقوع الياء المشددة بعدها. ومن العرب من يقول في الجمع: ثدي، بكسر الثاء للاتباع. وأما قوله: خاصمت فلانا، وكان ضلعك علي، أي ميلك؛ فإن العامة تقول فيه: كان ضلعك علي، بكسر الضاد، وهو خطأ، لأن الضلع بالكسر اسم العظم. وإنما الضلع هنا مصدر قولك: ضلع يضلع ضلعا، أي يميل ميلا، وهو ضالع أي جائر ظالم، فلذلك كان مفتوحا.

وأما قوله: جيء به من حَسك وبَسك، يعني بفتح أوائلهما؛ فإنما ذلك لأنهما مصدران، والعامة تكسرهما، وذلك خطأ؛ لأنه ليس المعنى أن يجيء به حسه الذي تحس به الأشياء. وإنما الحس مصدر قولك: حسستهم حسا، وهو المبالغة في الحرب والقتل ونحو ذلك، والاستقصاء في الشيء. وأما البس فهو الرفق في حلب الناقة وغيرها. ومنه قولهم: "الإيناس قبل الإبساس" فإنما معنى جيء به من حسك وبسك، أي جيء به من كدك وراحتك وشدتك ورفقك ومن حيث أمكنك، تقول: حسه حسا، وبسه بسا. وأما قوله: ثوب معافري؛ فإنما تقوله العامة بضم الميم، وهو خطأ؛ لأن المعافر بالضم ليس بشيء تنسب إليه الثياب. وإنما المعافر، / بفتح الميم اسم لقرى اليمن، وواحدها غير مستعمل على لفظها، بمنزلة محاسن وملامح والثياب التي تعمل بها وتجلب منها منسوبة إليها، ولو كان واحدها مستعملا لنسبت الثياب إليه، ولم تنسب إلى الجمع. وأما قوله: هي الأسنان، فإنها جمع السن، التي تكون في الفم، والسن: اسم مفتوح الأول، على أفعال، وبها سميت السنون، فقيل: فلان على سن فلان. وهؤلاء ذوو أسنان واحدة. والعامة تكسر أول أسنان، على كسر السن، وهو خطأ. وأما قوله: هي اليسار لليد، فإن اليسار شيئان؛ أحدهما: اليد اليسرى والعامة تكسر الياء في أوله، كما تكسر أول الشمال؛ لأنهما لمعنى واحد، والآخر: اليسار، من الغنى، والعامة تكسر الياء منه أيضا؛ لأنه بمعنى الغنى، وهو خطأ. والعرب تفتح الياء فيهما كليهما؛ لأن الكسرة تثقل في الياء، ولو كانت مما يكسر، لجاز فيها إبدال الهمزة من الياء، كما يقال: إسادة وإشاح، في وسادة ووشاح. وأما قولهم: هو السميدع، بالفتح، قال: ولا تضمن السين؛ فالسميدع من الرجال:

السيد السخي، الموطأ الأكناف، وهو مفتوح الأول، والعامة تضمه، وهو خطأ؛ لأنه ليس في كلام العرب اسم على مثال فعلل بالضم، ولكن فيه مثل: خفيدد وعميدد. وأما قوله: هو الجدي، وثلاثة أجد، والكثير: الجداء، وكذلك ثلاثة أظب وثلاثة أجر، تعني الظباء والجراء؛ فإن الواحد من الظباء: ظبي، بفتح الأول وسكون الثاني، على فعل: وكذلك الجدي؛ ولذلك صار أدنى العدد/ فيهما على أعل، مثل أكلب وأفرخ، والكثير منهما على فعال، مثل: جداء وظباء ممدودين. والأصل في أدنى العدد: أظبي وأجدي، بضم الباء والدال، ولكنهما كسرا من أجل الياء التي بعدهما لئلا تصير واوا. والعامة تقول: جدي، بكسر الجيم ومنهم من يكسر الجيم والدال. ومنهم من يفتح الجيم ويكسر الدال، وكل ذلك خطأ. والأجرى جمع الجرو، وهو ولد الكلب والسنور، وكل ذي ناب في أدنى العدد والكثير منه: الجراء على فعال أيضا؛ لأن الواحد منه مكسور الأول. وأما قوله: هو الكتان، يعني بفتح الكاف، وهو نبات تنسج منه الثياب الدبيقية والقضب ونحوهما. والعامة تكسر الكاف منه؛ وهو مشتق من: الكتن، وهو: سواد الدخان ولطخه في البيت، وسواد الشفة، من أكل الجوز الرطب والباذنجان ونحو ذلك، وكذلك لون الكتان، وقال الأعشى: هو الواهب المسمعات الشرو ب بين الحرير وبين الكتن وأما قوله: رمح خطى، ورماح خطية؛ فإن الخط: اسم قرية بناحية البحرين ترفأ إليها الرماح، ثم تحمل منها إلى سائر البلدان؛ لذلك نسب إليها الرماح فقيل لها: الخطية،

ورمح خطي. وذكر "الخليل" أنهم إذا جعلوا الخطية اسما للرماح لازما، ولم يصفوا به كسروا الخاء، فقالوا: الخطية، كما قالوا: ثياب قبطية بالكسر، فإذا جعلوها اسما قالوا قبطية، بالضم؛ فغيروا الاسم، وهذا حسن. وأما العامة فتكسر: الخطية في كل حال، وهو خطأ. وقال الشاعر:/ وهل ينبت الخطي إلا وشيجه وتنبت إلا في مغارسها النخل وقال عمرو بن كلثوم: بسمر من قنا الخطي لدن ذوابل أو ببيض يختلينا وأما قوله: ما أكلت أكالا، ولا ذقت غماضا؛ فإن الأكال مثل الذواق، يقال: ما ذقت ذواقا، وما طعمت طعاما، وما شربت شرابا؛ فالذواق اسم ما يذاق، والطعام ما يطعم، والشراب اسم ما يشرب، والأكال اسم ما يؤكل، وكذلك الغماض في العين، مثل الذواق في الفم، وهو النوم القليل، مقدار ما تغمض عليه العين، ويسمى غمض العين من ذلك. وكذلك يقال: ما ذقت لماجا ولا شماجا ولا لماقا، وكل هذا مفتوح الأول، ولا يجوز كسر شيء منه ولا ضمه. وأسامي هذه المعاني كثيرة، على هذا المثال وغيره. وأما قوله: ما جعلت في عين حثاثا، بالكسر عن الفراء. وقال غيره: هو مفتوح؛ فإن الحثاث: النوم الحثيث، أي الخفيف؛ فمن كسر الراء شبهه بالغرار، وهو: القليل من النوم. وفيه يقول الشاعر: ما أذوق النوم إلا غرارا مثل حسو الطير ماء الثماد

وقال النابغة أو غيره: ما تطعم النوم عيني من تذكركم إلا غرارا كنوم الطائر الساري ومن فتحه شبهه بالغماض واللماج والذواق؛ لأنها أسماء القليل من: الأكل والشرب والنوم أيضا. وروي عن ابن الأعرابي أيضا أنه قال: الحثاث: القليل من الكحل، وهو/ عند غيره: القليل من النوم. وأما قوله: هو الجورب والكوسج، تضم أولهما أو تحركهما بحركة بين الضم والفتح، وتجعل آخرها بالهاء بدل الجيم. والعامة تتبع العجمة في ضم أولهما؛ فالجورب اسم ما يلف على القدم ليقيها، من الخف. والكوسج صفة الرجل السناط. وأما قوله: وبالصبي لوى؛ فإنه يعنى وجع البطن، الذي يأخذه من الجلوس على الندى، أو من كل شيء له ريح، أو برد، وهو: داء يصيب الرجال والنساء ولا يخص الصبيان، وهو مفتوح الأول، مقصور، على مثال فعل، يقال منه: لوى يلوي لوى شديدا؛ فاللوى: مصدر، قد سمي به الوجع، وهو مشتق من الالتواء، ويعالج بالرقي. واسم الذي يرقي منه: اللواء، ممدود مشدد على فعال. والمرأة: لواءة. ولو استعمل فعل الراقي لقيل: لوى يلوي ليا، إذا فعل ذلك مرة، فإن أكثر منه قيل: لوى يلوي، بالتشديد، تلوية، كما قال الراجز في الخاتن: تلوية الخاتن زب المعذر

وأما قوله: الفقر، يريد بالفتح فإن العامة تقوله بالضم والفتح جميعا؛ وليس الضم فيه بخطأ، ولكنه بمنزلة ما فيه الفتح والضم، كالضَّر والضُّر، والجَهد والجُهد، والضَعف والضُعف، والشَّرب والشُّرب، وهو في معنى البؤس والعدم والعسر أيضا. وضده مضموم، وهو: الوجد والوسع. وقد قدمنا شرح فَعْل وفُعْل. وأما قوله: تقول هذا طعام في نزل؛ فإن النزل: البركة والفضل والكثرة. والعامة تقول: النزل بضم النون، وسكون الزاي، وليس ذلك بخطأ. وقد رواه "الخليل" وهو في معنى قولهم: طعام له ريع. ومن هذا سميت/ الأنزال التي تقام للجند وغيرهم. وواحدها: نزل، بالضم، لا يفتحه أحد. وأما في الخط فإنه لا يقال؛ إلا بفتحتين: نزل. يقال: خط له نزل، وهو نزل. وفعله: نزل ينزل نزلا، وقد نزله كاتبه تنزيلا؛ أي قارب بين حروفه وجمعها، وهو مأخوذ من هذا؛ لكثرة ما يدخل فيه من الكلام. وأما قوله: هو أبين من فلق الصبح، وفرق الصبح، فإنه يعني بهما عمود الصبح، الذي ينفلق وينفرق في ظلمة الفجر، فيلفلق الليل ويفرقه، كما فرق الله عز وجل البحر لموسى [عليه السلام]، وقال عز وجل: (وإذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البَحْرَ) ومنه قوله [تعالى]: (فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ). وفلق الصبح وفرقه، بفتح الثاني جميعا، وهما اسمان للعمود جميعا، وليسا بمصدرين، ولو كانا مصدرين لكان ثانيهما ساكنا، كما يقال: فلقت الشيء فلقا، وفرقته فرقا. وأما قوله: هو الشمع والشعر والنهر وإن شئت أسكنت ثانيه، فإن العامة تسكن ثاني هذا كله. والفصحاء من العرب، وأهل اللغة، وأكثر النحويين يزعمون أن الفتح والإسكان إنما جاز فيه من أجل حروف الحلق؛ لأنها حروف مستعلية، ففتحها أبين لاستعلائها. وقال الحذاق منهم: ليس ذلك من أجل حروف الحلق، ولكن هذه كلمات فيها لغتان؛

فمن سكن من العرب لا يفتح، ومن فتح لا يسكن، إلا في ضرورة شعر. والدليل على ذلك: أنه قد جاء عنهم مثل ذلك في كلام كثير، ليس فيه شيء من حروف الحلق مثل: القبض، والنفض؛ فإنه جاء فيهما الفتح والإسكان، ولذلك قال "ثعلب" ههنا: قد دخل هذا في القبض والنفض. والنفض: ما نفضت من الورق. والمصدر منهما ساكن: القبض/ والنفض. والقبض بالفتح: المقبوض من المال وغيره. وقالوا: خبط الورق يخبط خبطا، بالسكون. والخبط بالفتح: ما عجن من الورق مع النوى أو غيره، وليس حرف الحلق إلا في أوله. وقد بين "ثعلب" العلة في هذين في الفتح والتسكين فجعل التسكين علامة المصدر، والفتح علامة اسم الشيء المقبوض. وكذلك ما ذكرنا من الخَبْط والخَبَط. وليس الساكن والمتحرك في شيء منها من الحلق. وكل كلمة مثل ذلك، يجوز في مصدرها واسم مفعولها من التسكين والفتح ما جاز في هذه من غير أن يكون فيها حرف حلق، ومما يدل على بطلان ما ذهبوا إليه أنه قد جاء في "النطع" أربع لغات؛ فلو كان ذلك من أجل حرف الحلق، لجازت هذه الوجوه الأربعة في الشعر والنهر، وفي كل ما كان فيه شيء من حروف الحلق. وأما قوله: هو قليل الدخل، فهو بمنزلة قولهم: قليل الدغل، يقال: هذا أمر فيه دخل ودغل، واختار "ثعلب" فيه فتح الخاء في الدخل. وأجاز "الخليل" فيه السكون والفتح جميعا. ومن أجاز في مثل "النهَر والشعَر" السكون والفتح، لزمه إجازتهما في "الدخل" أيضا، لما تعلق به من علة حروف الحلق. وقال "الخليل": الدخل: عيب في الحسب، وأنشد في ذلك: رفدت ذوي الأحساب منهم مرافدي وذا الدخل حتى عاد حرا سنيدها والدخل: كل ما انستر عن الناس من الإنسان. وقالت ابنة الخس: ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما "الدخل" وأما قوله: لا أكلمك إلى عشر من ذي قبل، حكاه بفتح القاف. والعامة تقوله بكسر القاف. وقد/ حكى "الخليل" ذلك بالكسر، وزعم أن القبل يكون بمعنى

الطاقة من قول الله عز وجل: (فَلَنَاتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهَُم بِهَا) ويكون بمعنى التلقاء والمواجهة. وقال معنى قولك: افعل ذلك من ذي قبل، أي ذي استقبال وقال: إذا شربت الإبل ما في الحوض فاستقي لها على رءوسها؛ لتشرب فذلك "القبل" وفتحه وأنشد: قرب لها سقاتها يا بن خدب لقبل بعد قراها المنتهب فمعنى قول "ثعلب": لا أكلمك إلى عشر من ذي قبل، أي لا أكلمك إلى عشر ليال، مما يستقبل. وأما قوله: هي طرسوس، وهو قربوس السرج، وهو العربون والعربان في قول الفراء؛ فإن طرسوس اسم بلدة أعجمية من بلدان الروم معرب، على بناء فعلول. وقد جاء في كلام العرب على هذا المثال، مثل قولهم: قاع قرسوس، وقولهم للأسود: الحلكوك، وقربوس السرج: هو الشخص الذي بين يديه. والعامة تقول: طرسوس، بسكون الراء، وقربوس بسكون الراء، وهما خطأ؛ لأن فعلولا ليس من أبنية كلام العرب، إلا كلمة واحدة أعجمية معربة في قول العجاج: من آل صعفوق وأتباع أخر وهو اسم معرفة، بمنزلة إسماعيل وإبراهمي ونحوهما من الأعجمية، التي ليست على أبنية العربية. وأما قوله: العربون والعربان، فقد فسرناهما فيما مضى.

وأما قوله: هي الجبروت، وقوم فيهم جبرية، أي كبر؛ فإن الجبروت على بناء فعلوت، والتاء فيه زائدة، للإلحاق بقربوس ونحوه. والجبرية، بفتح الجيم والياء مصدر منه منسوب/ إليه، بحذف الواو والتاء. والجبروت أيضا يجري مجرى المصادر، ومعناه معنى التجبر. ومثله ملكوت من الملك، ورهبوت من الرهبة ورغبوت من الرغبة، ورحموت من الرحمة. وفيها لغات، تقول العرب: "رهبوت خير من رحموت" أي أن ترهب خير من أن ترحم، و"رهبوتي خير من رحموتي"، و"رهبوتي خير من رحموتي" على نسبة. وبعضهم يقول: الجبروة مثل الجبرية، والجبروت. وأما قوله: قوم جبرية، خلاف القدرية، فإنه يعني بالجبرية، ساكنة الباء: الذين يقولون: إن العباد مجبورون على المعاصي والطاعات جبرا، فنسبوا إلى الجبر لذلك، فهذا ساكن الباء؛ لأنه ليس مثل الأول. وأما القدرية؛ فهم الذين ينكرون أن الله قدر على المعاصي والطاعات والأعمال ويدعون أنهم هم الذين قدروها وفعلوها، كما أحبوا، فأضافوا القدر إلى أنفسهم، فنسبوا إليه؛ فلذلك حركت الدال؛ لأنه منسوب لى القدر، وهو المستعمل في كلام العرب. وأما قوله: تقول هي فلكة المغزل؛ فإن العامة تقول: فلكة، بكسر الفاء وهو خطأ والصواب فتحه. والعامة تفتح الميم أيضا من المغزل، والصواب كسرها. والفلكة: الهنة المستديرة المثقوبة، التي تجعل على رأس المغزل، لتثقله وتكون من العظام أو الحجارة أو غير ذلك. وهي مشتقة من الفلك، وهو: اسم لكل شيء مستدير من السماء والأرض. وأما قوله: هي ترقوة الإنسان، وعرقوة الدلو، فهما على وزن: فعلوة، بفتح الفاء وضم اللام وسكون العين. والعامة تضم أولهما، وهو خطأ. والترقوة: وصل عظم بين/ ثغرة النحر والعاتق من الجانبين، أعلى صدر الإنسان. وجمعها تراق، ووزنها: فعلوة. والعرقوة من الدلو: الموضع الذي يقع عليه صليب الدلو، ويقال: الصليب نفسه يسمى عرقوة. وقد يكون للدلو عرقوتان وجمعها: العراقي. وقال الشاعر في الدلو:

رحب الفروغ مكرب العراقي ويقال: ملأت الدلو إلى عرقوتها، وإلى عراقيها. والداهية العظيمة تسمى: "ذات العراقي" أي هي لعظمها وثقلها تحتاج إلى عراق عدة، وقال عدي: وخلا علي ذات العراقي وقد يسمى طرف الخشبة نفسها: عرقوة. وللقتب أيضا عرقوتان، وهما خشبتان على عضديه، من جانبين. والعرقوة أيضا: أكمة منقادة في الأرض مستطيلة وهي العراقي. وتكون للمزادة أيضا: عرقوة. ومنه قول سطيح الكاهن في سجعه: "خبأتم لي عين جرادة في عرقوة مزادة، بين عنق سوار والقلادة". وأما قوله: قرأت سورة السجدة، بفتح السين؛ فإن من فتح السين ذهب إلى المرة الواحدة من السجود، يقال: سجدت سجدة واحدة وسجدتين وسجدات. ومن كسرها ذهب إلى نوع السجود، يقال: سجد سجدة حسنة، وسجد سجدة سوء، كما يقال: جلس جلسة سوء وجلسة حسنة، وجلسة قبيحة. والعامة تقولها بالكسر، وليس ذلك بخطأ، وإن كان الفتح أكثر وأعرف، وأصل السجود الخضوع، يقال: سجد يسجد سجودا. والسجود في كلام العرب: الخضوع والتذلل. وقال الشاعر: بجيش تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافز

وأما قوله: هي الجفنة، فإنه يعني التي يعجن فيها من الخشب. والعرب تثرد فيها للأضياف، كالقصعة من الخشب. والكرمة أيضا تسمى: جفنة، بالفتح على فعلة والعامة تكسر الجيم، وهو خطأ؛ لأنها ليست من المصادر، فيجوز فيها الوجهان وجمع الجفنة: الجفان والجفنات. وقال الله عز وجل: (وَجِفَانٍ كَالْجَوابِ). وقال حسان: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحا وأسيا فنا يقطرن من نجدة دما ومثله جفن السيف، بالفتح. والعامة تقوله بالكسر أيضا. وكذلك جفن العين وقال "الخليل": الجفن أيضا: نوع من العنب، بلغة اليمن. ويقال: بل الجفن والجفنة: قضيب من قضبان الكرم. ويقال: بل هو ورقة. وجفنة: قبيلة من غسان، كانوا ملوكا بالشام؛ وفيهم يقول حسان بن ثابت: أولاد جفنة عند قبر أبيهم قبر ابن مارية الكريم المفضل وأما قوله: هي ألية الكبش، وتجمع على: أليات، وكبش أليان، ونعجة أليانة، ورجل آلي، وامرأة عجزاء؛ كذا كلام العرب والقياس: ألياء؛ فإن العامة تقول: هي إلية الشاة، بكسر أولها وإثبات الهمزة، وهم المتفاصحون منهم، وسائرهم يقولون: لية، بحذف الهمزة وتشديد الياء، وكلتاهما خطأ. والصواب فتح الهمزة وتسكين اللام وتخفيف الياء على وزن فعلة، وجمعها: أليات، بفتح اللام والهمزة مثل: تمرات، فإذا وصف الكبش بعظم الألية كانت صفته على فعلان، بفتح الفاء والعين جميعا على مثال الغليان والنزوان كما قال الشاعر:/

ألا أبلغا هاروت عني رسالة وماروت أن قد جاء ما تريان وأن عتاق الطير يسقط نورها على علبة الهلباجة الأليان فوصف الرجل بصفة الكبش، على فعلان، كما يقال رجل زفيان وصميان، على الاستعارة، ولم يقولوا في الكبش أليان، بسكون اللام على فعلان؛ ولذلك قالوا في النعجة أيضا أليانة، بفتح اللام على فعلانة، ولو قيل في الكبش أليان، بسكون اللام، لقيل في النعجة أليا، مقصورة الألف على وزن فعلان وفعلى مثل سكران وسكرى، وكان قياسا ولكن قد قيل في صفة الرجل آلي على مثال أعمى، ولم يقولوا في المرأة ألياء على فعلاء مثل عمياء، واستغنوا عن ذلك بقولهم: عجزاء، ولم يقولوا رجل أعجز؛ لأن الرجل لا ينعت بكبر العجز كما لا تنعت المرأة بالألية، وإنما ينعت بها الكبش. وأما قوله: الحرب خَدعة، هذا أفصح اللات، ذكر لي أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أكثر الكلام في هذا ضم الخاء، وقد روي فتحها عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن ليس ذلك لأنه كما ذكر ثعلب أنه أفصح اللغات، ولا أنها لغة النبي عليه السلام ولكن الفتح علامة للمرة الواحدة في هذا، وفي كل مصدر مثله، يقال: خرجت خرجة ودخلت دخلة، وركعت ركعة وأكلت أكلة، أي مرة واحدة، فإذا ضموا جعلوه اسم ما يخدع به، كما يقال للتي يلعب بها: لعبة، ولما يؤكل: أكلة، والخدعة أيضاً من الناس الذي لا يزال يخدع. والخدعة، بفتح الدال: الرجل الخداع، والخدعة بفتحتين جمع الخادع. وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الخدعة: المرة الواحدة من الخداع، وليس فيها/ شيء من اللغات، بل كل العرب لغتهم النطق بجميع ما وصفنا في مواضعها. وأما قوله: هي الأنملة، لواحدة الأنامل، وقد يجوز بالضم، وموضع يقال له: أسنمة؛ فإن النملة فيها لغتان، حكاهما "الخليل" و"سيبويه" فتح الميم وضمها. وأما أسنمة اسم موضع بعينه فلم يرو فيها عن العرب غير الضم. وقد جعلها "ثعلب" مثل الأنملة يجوز فيها الفتح، ولم يرو أحد بيت زهير الذي فيه ذكرها بغير الضم، وهو قوله: ضحوا قليلاً، على كثبان أسنمة ومنهم بالقسوميات، معترك

وقال "الخليل": الأنملة: المفصل الأعلى من الإصبع الذي فيه الظفر. وجمعها: الأنامل. وقال الله عز وجل: (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ) ورجل مؤنمل الأصابع، أي غليظها في قصر. وقد يقال: رجل نمل أيضا. وأما قوله: هي الدجاجة فإنه يعني أنثى الديك، وقد يسمى الديك دجاجة أيضا، وهي مفتوحة الأول، والعامة تكسره. وذكر "الخليل" أن الكسر فيه لغة للعرب، إلا أن الفتح أعرف وأكثر. وكذلك دجاجة الغزل مثلها. وقال "الخليل": جستقة الغزل، يعني الكبة، وما يخرج عن المغزل، وأنشد في ذلك لأبي المقدام الخزاعي: وعجوز أتت تبيع دجاجا لم يفرخن قد رأيت عضالا ثم عاد الدجاج من عجب الدهـ ـر فراريج صبية أطفالا يعني بالفراريج: الأقبية. وأما قوله: هي الشتوة والصيفة والكثرة، يعني الشتاء والصيف؛ فإن العامة تكسر الشين والشتوة، والكاف من الكثرة، / والعرب لا تتكلم بذلك. وهي بالفتح على بناء المرة الواحدة. ويقال: شتا الشتاء فهو شات، إذا برد، وصاف الصيف، إذا اشتد الحر، فهو صائف. والمشتى: موضع الشتاء. والمصيف: موضع الصيف. وأما الكثيرة: فهي النماء والعدد. وأما قوله تقول: سفود وكلوب وسمور وشبوط وتنور، وكل اسم على فعول، فهو مفتوح الأول، إلا السبوح والقدوس، فإن الضم فيهما أكثر، وقد يفتحان. وكذلك

الذروح واحد الذراريح، بالضم، وقد يفتح. فإن العامة تضم أول سفود وكلوب وسمور وشبوط، ولم يجئ عن العرب في شيء من ذلك الضم، ولا في كلامهم غير الضم للثلاثة، التي ذكرناها خاصة. وسائر نظائرها مفتوح، وقد يفتحون هذه الثلاثة أيضا. والواحدة من الذرارايح: ذروحة، وهي دويبة طيارة، تشبه الزنبور، وهي من السموم القاتلة. ويقال لها أيضا: ذرنوحة، كأنهم أبدلوا النون من الراء الأولى؛ استثقالا للتشديد في الراء، فإذا فصلوا في تصغير أو جمع بين الراءين حذفوا هذه النون فقالوا: ذريرحة وذراريح. ومنهم من يسميها: ذرحرحة، وجمعها: ذرارح وذرارايح، كما قال الشماخ: سقته على لوح دماء الذرارح والسفود: حديدة طويلة لها شعب معقفة، يشك فيها اللحم، فيشوى بها. ومنه قول النابغة: كأنه خارجا من جنب صفحته سفود شرب نسوه عند مفتاد ومنه قيل للكلب: سفد أنثاه، إذا نكحها، وهو يسفدها، وقد تسافدا. وكذلك/ كل ما سفد، مما يعلق بالأنثى بمخالبه، والكلوب حديدة مثل المنجل، طويلة لها مقبض خشب، لها عقفة يجر بها الأشياء من النار وغيرها. والكلاب أيضا: حديدة أعظم منها. وجمعها: كلاليب. وكلاليب البازي: مخاليبه. والسمور: دابة برية مثل السنور، تتخذ منجلودها الفراء للينها وخفتها ودفائها وحسنها، وهو أعجمي معرب. والشبوط: ضرب من السمك، لين الجلد أبيض، يضرب على الطول، طيب الطعم. والجميع: الشبابيط. وأما قوله: وقعوا في صعود وهبوط وحدور، وهي الجزور، وهو الوقود، والطهور والوضوء، تعني الاسم، والمصدر بالضم، وهو السحور والفطور والبرود ونحو ذلك،

وهو حسن القبول، وهو الولوع؛ فإن العامة تضم أول هذه الأسماء ولا تفرق بين المصدر وغيره. وإنما الصعود والهبوط والحدور بالفتح: اسم المكان، الذي يصعد فيه من الجبل أو الوادي، وما أشبهه، وما يهبط وينحدر فيه من ذلك. فأما مصدر الفعل منها فمضموم الأول من الدخول والخروج، يقال: هو كثير الصعود والهبوط، وكذلك الوقود بالفتح: اسم ما يوقد به من حطب وغيره. وبالضم مصدر قولك: وقد يقد وقودا. وكذلك الطهور: اسم لما يتطهر به بالفتح والمصدر بالضم، وكذلك الوَضوء والوُضوء. والسحور والفطور بالفتح: اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب، وما يفطر عليه. والبرود بالفتح: اسم لما يكتحل به، لتبرد به العين. والقبول: اسم بالفتح. وبالضم مصدر. وقد يوضع الاسم موضع المصدر. وكذلك/ الولوع، بالفتح: اسم لما يولع به، وبالضم المصدر. والجزور: الناقة التي تجزر وتنحر خاصة، وإن كانت لم تنحر ولم تجزر بعد، ولا يسمى الجمل جزورا، هكذا يقول أهل الغة. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، [قال]: "مثل الذي يسمع الحكمة، ويحفظ شرها، كمثل رجل أتى راعيا، فقال له: أجزرني شاة من غنمك، فقال له: خذ بأذن أيها شئت، فعمد إلى كلب بالغنم فأخذ بأذنه وترك الغنم ومضى"؛ فسمى الشاة جزورا. وفي حديث آخر عن رجل من الصحابة أنه قال: "أجزرني رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة" ومعنى أجزرني دفعها إلي لأجزرها. وأما قوله: تقول هي الكبد والفخذ واللكرش والفحث، وهي القبة، وهو اللعب والضحك، والحلف والكذب، الحبق والضرط، وهو الصبر؛ لهذا المر، وهي المعدة، وهم السفلة، وهي اللبنة، والكلمة، والقطنة، وهي الرمانة تكون في جوف البقرة، وبعتك بيعا بأخرة ونظرة؛ فن كل اسم أو فعل على ثلاثة أحرف، وثانيه مضموم أو مكسور، فحذف الضمة والكسرة منه جائز للتخفيف كقولهم في: كَبِد: كَبْد، وفي عضد: عضد، وفي ضجر: ضجر، وفي حسن: حسن، وتحريك الحركة المحذوفة إلى أول

الكلمة، للدلالة على أصلها جائز أيضا، كقولهم في كبد: كبد، وفي كتف: كتف، وفي عضد: عضد وما أشبه ذلك. والعامة كلها على التخفيف، وأكثر العرب على ذلك. وأما أهل التفاصح والبلاغة فيلزمون الأصل، ويحتملون الثقل؛ طلبا للفخامة وهو الذي اختاره "ثعلب". وليس التخفيف بخطأ. وقد قرئ القرآن بالتخفيف. واللعب والضحك، والحلف والكذب، / والحبق والضرط كلها تستعمل في موضع المصدر، وليست على أبنية المصادر من أفعالها. وإنما هي أسماء. والصبر: نبات مر، وليس يجري مجرى المصادر. فأما مصدر قولهم: صبرت، فهو ساكن الأوسط لا غير. والمعدة: اسم عضو: ويجوز فيها: المعدة، بسكون العين، والمعدة بكسر الميم مع سكون العين على ما فسرنا، وهو قول العامة. والسفلة: اسم جماعة رذال الناس. والعامة تقول: السفلة، بكسر السين وتسكين الفاء على ما شرحنا. واللبنة واحدة اللبن، الذي يبنى به، وكذلك لبنة القميص. والعامة تقول: لبنة، وكذلك يقولون: الكلمة، بكسر الكاف والتسكين في الكلمة، وكذلك يقولون: القطنة، بكسر الأول وتسكين الثاني. وكذلك يقولون: بعته بأخرة، بسكون الثاني ولا يكسر أولها. وكذلك النظرة مثلها، وهو قياس التخفيف، على ما شرحنا. وأما قوله: ما عرفته إلا بأخرة فبفتح الأول والثاني لا غير. والعامة تسكن ثانيه على قياس الشعر والنهر. وقال "الخليل": جاءوا بأخرة، بفتح الخاء والألف، أي أخيرا، وبعته بأخرة كذلك، أي بتأخير، وهو مأخوذ من قولهم: الأول والآخر، وهو الثاني على وزن فاعل، وعندي ثوب وهذا آخر، على وزن أفعل، أي غيره. ومنه قولهم: الدنيا والآخرة، على فاعلة؛ لأنها متأخرة. ومنه قولهم: تأخر، واستأخر، إذا تباعد. وأخرته، إذا أبعدته. وقال: الآخر؛ الأبعد. فهذا آخر تفسير هذا الباب.

تصحيح الباب الخاسم عشر وهو المترجم بباب المكسور أوله

تصحيح الباب الخاسم عشر وهو المترجم بباب المكسور أوله/ اعلموا أن هذا الباب مثل الذي قبله؛ في أن العامة تلحن فيه، فتفتح أوائل أشياء منه، حقها الكسر، ومنها ما يجوز فتحه، وإن كان كسره أصوب. فوضع الباب على ذلك، وخلط فيه، كما خلط في الأول، ولم يميز صنفا من صنف. ونحن مفسرون على ما شرحنا الذي قبله إن شاء الله: أما قوله: تقول الشيء رخو، فهو صفة لكل مسترخ. وذكر أحمد بن يحيى، رضي الله عنه؛ أنه مكسور الأول، والعامة تفتحه. وقد ذكر "الخليل" أن الفتح لغة فيه. وقد شرحنا اشتقاقه في غير هذا الباب. وكذلك قوله: هو الجرو، بكسر أوله، يعني ولد الكلب والسنور وكل ذي ناب. والأنثى: جروة والجمع: الجراء والأجراء، على فعال وأفعال، وأدنى العدد: أجر، على أفعل وتقول العامة: جرو، بفتح الجيم، وهو خطأ. وأما قوله: هو الرطل الذي يوزن به؛ فإنه يعني الصنجة، وهي نصف المنا وهو اسم له، حجرا كان أو حديدا أو غير ذلك. وإنما هو زنة رطل، أو مقدار رطل، ولكنه حذف المضاف منه، وأقيم المضاف إليه مقامه؛ طلبا للإيجاز والاختصار؛ فإذا قلت: اشتريت رطل لحم، أو رطل خبز، فمعناه اشتريت وزن رطل من لحم أو من خبز، ولكنه قد اختصر. وهذه مسألة محمد بن يزيد على أحمد بن يحيى عند ابن طاهر.

وليس الرطل ههنا بصفة لشيء؛ ولذلك كسر أوله، ليفرق بينه وبين الرطل الذي هو صفة، فإن ذلك مفتوح. والرطل الذي يوزن به يختلف في البلدان؛ وهو عند قوم وزن مائة وبضعة وعشرين درهما وعند آخرين مائة وخمسون درهما وعند آخرين ثلاثة أرطال، وعند آخرين خمسة أرطال، فأول هذا كله مكسور، كما قال أحمد بن يحيى، إلا أنه قد حكي فيه الفتح أيضا،/ وهي لغة العامة، وأكثر أهل اللغة والنحو لا يجيزون فتحه. فأما الرطل المفتوح الأول فصفة للناعم الرطب من كل شيء، يقال: غلام رطل، وجارية رطلة، وقوم رطلون، ونساء رطلات، ولا يجوز كسر شيء من هذا. وهو مأخوذ من قولهم: رطلت شعره ترطيلا، وشعر مرطل، أي مرطب مرجل. وأصل جميع الكلام الفتح في أوله؛ لأن أول الكلمة إنما يحرك ضرورة؛ يوصل بالحركة إلى النطق بها، إذ لم يكن من كلامهم الابتداء بالساكن، وليست الحركة في الأوائل دليلة لمعنى كالإعراب ونحوه، فوجب أن يختار أخف الحركات، ولا يتكلف حركة ثقيلة من غير معنى، فإذا وقع في الكلام لبس يوجب الفرق، أو عرض عارض غير ذلك، مما يوجب الانتقال عن الفتح إلى الكسر أو الضم، فعند ذلك يترك الفتح، ويتكلم بما هو أولى من الفتح، كما كسر أول الرطل الذي يوزن به، وترك الذي هو صفة مفتوحا، لشلا يكون الاسم كالوصف، وكان إبقاء الفتحة في الوصف أولى منه في الاسم، لثقل الوصف. وأما قوله: استعمل فلان على الشام، وما أخذ إخذه، يعني العامل الذي ولي تلك الناحية وهي الإخذ؛ فإن الأخذ ليس بمصدر، وإنما هو اسم للناحية من المكان، ولما اتصل به، ودخل في حيزه وحده. وذكر "الخليل" أن الإخاذ والأخذ ما اتخذه الرجل

لنفسه كالحوض، يجتمع فيه الماء، وإنما كسر أول الإخذ، ليفرق بينه وبين مصدر فعله؛ لأن المصدر مفتوح الأول، وهو الأخذ، وهذا اسم لناحية الشيء، وهو المأخذ الذي يؤخذ فيه أو منه، فمعنى قولك: سار إلى الشام وما أخذ إخذها، أي وما أخذ مأخذها الذي يؤخذ فيه أو/ منه إلى الشام، كما تقول: سقعها وحيزتها. وقد تكون الفعلة بكسر الأول والتأنيث اسما للهيئة والنوع من الفعل كالركبة والجلسة، والمصدر الصحيح بالفتح، تقول: أخذ أخذا وأخذة واحدة، وفي النوع: أخذ إخذة حسنة، والأخذ بالضم: ما يؤخذ به من سحر أو حيلة أوغير ذلك. وأما قوله: هو النسيان، فإنه مصدر قولهم: نسي الشيء ينساه نسيانا بكسر الأول وسكون الثاني، وهو ناس للفاعل، والمفعول: منسي، كما قال الله عز ذكره: (وكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًا). والنسي على وزن فعل اسم لما ينسى ويترك والعامة تقول: النسيان، بفتح الأول والثاني، وإنما هو بكسر النون وسكون السين على فعلان، مثل الخذلان والنشدان والوجدان. فأما الفعلان بفتحتين، فإنما يجيء في المصادر التي فيها معنى التحرك والعجلة، كالغليان والقفزان والنزوان، وليس في النسيان شيء من هذا المعنى، ولكنه بمعنى الغشيان والحسبان والوشكان والرئمان، على وزن فعلان، بكسر الأول وسكون الثاني. وأما قوله: الديوان والديباج، فإنه يريد أنهما مكسورا الأول. وقد يروى فيهما الفتح أيضا. والصحيح عند البصريين أن الياء منقلبة في الديوان من واو، وأصله: الدوان

بالتشديد، فاستثقل ذلك في الواو بعد الكسرة، لكثرة الاستعمال وانكسار أولها، فأبدلت الياء من الواو، وكذلك الديباج، يقال إن اصله: الدباج بتشديد الباء، على فعال، فاستثقل التشديد بعد الكسرة، فأبدل من الباء الأولى الياء، إتباعا للكسرة التي قبلها، وكذلك الدينار. وإنما الأصل فيه: دنار، بتشديد النون، فأبدل من النون الأولى ياء، إتباعا للكسرة قبلها،/ واستثقالا للتشديد معهما. والدليل على ذلك أنهم إذا صغروا ذلك أو كسروه للجمع عاد إلى الأصل فظهرت الحروف التي أبدل منها غيرها، فقيل: دواوين، ودويوين، ودبابيج ودبيبيج ودنانير ودنينير؛ لأن الثقل قد زال ههنا؛ لدخول حرف التصغير وحرف التكسير بين الحرفين المضعفين وتفرقهما، لما فصل بينهما، وكذلك إذا استعملوا فيها الفعل أو الوصف ردوه إلى الأصل فقالوا: دونت الدواوين ودنرت الدنانير، ودبجت الدبابيج، وهو مدون ومدنر ومدبج؛ لزوال الكسرة التي كانت قبل الحرف. وليس واحد من ذلك بمصدر، ولا الباب باب مصدر. وأما قوله: كسرى، فيجوز فيه الفتح والكسر، وهو اسم أعجمي، أصله: خسرو بالخاء والضم، فبني على فَعلى في لغة، وعلى فِعلى في لغة أخرى؛ لأنه ليس في كلام العرب اسم آخره واو وما قبلها مضموم. وأبدلت الكاف فيه من الخاء؛ علامة لتعريبه، وشبه بالأسماء المؤنثة بالألفات المقصورة، ويجمع على: الأكاسرة، على غير

الواحد، وغير القياس. وقال "الخليل" أيضا عنهم: كساسرة، على غير قياسه. وإنما قياسه: كسرون، مثل: عيسون، وموسون، أو كسارى مثل سكارى. وأما قوله: سداد منعوز، فإن الكسر هو الصواب في السين، وهو كلام العرب. والعامة تفتحه، وهو خطأ؛ لأنه اسم لما يسد به الشيء، كالصمام والبلغة من المال، يسد بها الحاجة والخلة. ومنه قول الشاعر: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر فأما السداد بالفتح فمصدر كالصواب في القول والفعل، كما قال رؤبة بن العجاج: قلت وقولي صائب سديد وكذلك العوز هو بفتحتين. والعامة تخطئ فيه فتكسر أوله. والعوز: الخلة

والحاجة والعدم والفقر ونحو ذلك. ومنه قولهم: قد أعوزني الشيء، وهو معوز إذا لم تجده وأنت تطلبه. ويقال قد أعوز الرجل، إذا دخل عليه الفقر وساءت حاله. وأما قوله: هو الخوان، يعني المائدة التي يؤكل عليها، فإنه اسم أعجمي معرب بكسر الخاء وضمها. والعامة تكلم فيه بالضم من أجل الواو التي بعدها. والعرب تختار الكسر؛ ليكون على مثال [ما] تستعمل من الأشياء، كالرداء واللحاف والسلاح. والعجم تبتدئ بهذه الخاء ساكنة. ومنهم من يضمها ويحذف واوها، ويجمع الخوان، على خون، وأدنى العدد فيه: أخونة. وأنشد بعضهم: خوانهم فلكة لمغزلهم يحار فيه لحسنه البصر وأما قوله: هو في جواري، بكسر الجيم، فإنه مصدر من المجاورة، كقولهم في المخاصمة: الخصام، وفي المطاعنه: الطعان، وكذلك كل مفاعلة من المصادر، يجوز فيها: الفعال، بالكسر. والعامة تقوله بالضم: هو في جواري. ويجوز أن يكون ذلك اسماً لا مصدرا، وليس بخطأ. ويقال: هو جاري، أي مجاوري. وجمعه: الجيرة، على فعلة، والأجوار على: أفعال، وجيران على: فعلان، وأنشد "الخليل" في الأجوار: ورسم دار [دارس الـ] أجوار وقال: الجار: من جاورك في المسكن، ومن استجار بك في الأمر، وهو جارك، وأنت جار؛ لأن الجار بمعنى المجاور. ومن هذا قيل للزوجة:/ جارة؛ لأنها تجاور زوجها في البيت، كما قال الأعشى: أيا جارتي بيتي فإنك طالقه كذاك أمور الناس غاد وطارقه

وزعم الشافعي: أن الجار هو الشريك، واحتاج بهذا البيت، وهو غلط منه. والعرب لا تسمي الشريك ولا الصديق جارا، إلا إذا جاورها في المنزل، أو استجار بها. وزوجة الرجل لا تكون جارة، إلا إذا ساكنته ببلدته، أو محلته أو داره. وأما قوله: هذا قوام الأمر وملاكه، فإنهما بمنزلة السداد والزمام والصمام والمساك. وهو: اسم ما يقوم به الشيء، أو يملك به. وقوام العيش: ما يقيمك ويعينك على العيش. وقال العجاج أو رؤبة: رأس قوام الدين وابن رأس مثل قولهم: عماد الشيء؛ لما يعند به. وإياده: ما يؤيد به. والعامة تقول: قوام الأمر بالفتح، وهو خطأ. وإنما القوام: قامة المرأة والرجل. والعامة تقول أيضا: هذا ملاك الأمر؛ بالفتح وهو خطأ. وأما قوله: تقول: المال في الرعي، بكسر الراء، فإن الرعي بالكسر هو المرعى بعينه، والنبت والكلأ. والعامة تفتحه، وهوخطأ؛ لأن الرعي بالفتح إنما هو مصدر رعيت، وهو اسم فعل الراعي والإبل أنفسهما؛ فمن فتح هذا على فعل الراعي بها، أو فعلها بأنفسها، ولم يرد الكلأ، فإنه صواب أيضا، يقال: هو يرعاها رعيا، وهي ترعى رعيا، مثل قولهم: جبر وجبرته. وأما قوله: كم سقى أرضك، يعني بكسر السين، وهو المقدار الذي يكفي أرضك مثل الشرب، إذا سقيتها. والعامة تفتحها، وهو غلط. وإنما السقي مصدر سقيته سقيا؛ ولذلك قال أحمد بن يحيى: فإن أردت المصدر فتحت أولهما، يعني السقي/ والرعي.

وأما قوله: وزرع سقي ودذي، يعني بكسر أولهما. والعامة تفتحها وهو خطأ. وإنما يجيء الفتح في المصدر. فأما هذا فاسم الزرع: السقي والعذي؛ فالسقي: ما سقاه أهله. والعذي: ما سقته السماء، لا الناس. ومنه قولهم: أرض عذية وعذاة، كما قال الشاعر: بأرض عذاة النبت طيبة الثرى يمج الندى جثجاثها وعرارها وأما قوله: فلان ينزل العلو والسفل، وإن شئت ضممت، فإنه يجوز فيهما الكثر والضم، على ما ذكره. ويجوز أيضا الفتح في العلو؛ لكثرة استعماله مع ثقل الواو وإن كان أقل من الكسر والضم. ويجوز فيه لغات أخرى، غير ذلك. وأما السفل فلا يجوز فيه الفتح؛ لأنه ليس في آخره واو. وقال "الخليل": يقال: ذهب في السماء علوا، وفي الأرض سفلا، بالضم. وقال: السفل أسفل كل شيء، والعلو أعلى كل شيء، يعني بالكسر. وأما قوله: هو الجص، فإنه يجوز فيه الفتح أيضا، وهو فارسي معرب، قد أبدلت فيه الجيم من كاف أعجمية، لا تشبه كاف العربية، والصاد من جيم أعجمية. وبعضهم يقول: القص، بالفتح، وهو أفصح؛ وهو لغة أهل الحجاز. ويقال للموضع الذي يطبخ فيه الجص: الجصاصة؛ وهي: الأتون، الذي يطبخ فيه الطين والحجارة، فيصير جصا، إذا تكلس. وأما قوله: وهو الزئبر، وثوب مزأبر، وهو الزئبق، ودرهم مزأبق؛ فإن الزئبر مهموز، بكسر الباء: ما يظهر على وجه الثوب بعد النسج والغسل كالزغب من غزله،

نحو ما يكون على الخز وأكسية المرعزي والصوف، والثياب الكردوانية/ والهمزة في الزئبر أصلية، وهي كلمة رباعية، فلذلك كان فعله مصرفا على تصريف الرباعي، تقول: زئبر الثوب يزأبر، زأبرة، وهو مزأبر، مثل دحرج الشيء، وهو مدحرج دحرجة. وصاحبه: مزأبر، بكسر الباء. والزئبر على زنة، فعلل مثل: زهلق، وخذعل. والعامة لا تهمزه وتفتح االباء منه، وهو خطأ عند جماعة النحويين. وزعم بعضهم أن الهمزة فيه للإلحاق، بمعنى همزة شأمل وشمأل، إلا أنها ملحقة ببناء فعلل بالكسر. وإن الدليل على ذلك: أخذت الشيء بزوبره، فالهمزة مثل هذه الواو. وإن قول العامة: زيبر، ليس بخطأ؛ لأن الواو إنما صارت ياء، لانكسار ما قبلها، أو لينت الهمزة، فصارت ياء، وليس في الكلام فيعل. وكذلك الزئبق، إلا أن باء الزئبق مفتوحة بعد الهمزة على مثال هجرع ودرهم، وفعله يصرف تصريف الربااعي فيقال: قد زؤبق الدرهم يزأبق، فهو مزأبق، مثل قولك: درهم الرجل، فهو يدرهم درهمة وهو مدرهم. وفاعله: مدرهم. والعامة لا تهمز الزئبق، ولكن تقوله بالياء وتصرف فعله بحذف الياء لذلك، وقد حكى "الخليل" أن تليين الهمزة فيه لغة، وفعله التزبيق، وقد زبق يزبق، وهو موافق لقول العامة والصحاء العرب، على ما قاله أحمد بن يحيى- رضي الله عنه- والأخرى جائزة مقاربة للفظها بالفارسية؛ لأن اسمها بالفارسية: جيفة، بجيم عجمية، وفاء عجمية، ولا همز فيها بالعجمة.

وأما قوله: القرقس، هو لهذا البعوض، يعني صغار اللبق. واسمه بالعربية: البعوض. وأما القرقس فأعجمي معرب. ويقال أيضا: الجرجس، بالجيم. والعرب تكسر أوله وثالثه. والعامة/ تفتح أوله خاصة. قال الشاعر: فليت الأفاعي يعضضننا مكان البراغيث والقرقس ويجوز أن يكون هذا عربيا من قول العرب قاع قرقوس، وهو الذي لا نبات فيه. وقد فسرناه في موضعه. وأما قوله: ليس لي فيه فكر، فلا نعلم أن أحدا من الناس، فتح أول هذا ولا ضمه ولكنهم قد يؤنثونه، وهو مكسور كما ذكره، ساكن الكاف، وهو اسم فعل من أفعال النفس، كالعلم والحفظ والذكر، وليس بمصدر يجري عليه فعلة، لأن الفعل ثلاثي من الفكر لا يستعمل، وإنما يستعمل منه الإفعال أو التفعيل كقولهم: أفكر يفكر تفكيرا، أو تفعل كقولهم: تفكر يتفكر تفكرا، فلما لم يستعمل منه فعل ثلاثي لم يؤت بالمصدر على قياس الفعل، ووضع بدله اسم على مثال نظائره، وهي: الذكر والحفظ والعلم، وعلى بناء الفعل الذي هو عبارة عن كل فعل. ويجمع الفكر على: الأفكار. ويقال للمرة الواحدة منه: فكرة، وليس على طريقة المصادر، ولكن مثل: تمرة وتمر، وبسرة وبسر، وقشرة وقشر. وقد تكسر الفكر [ة] كما تكسر الكسرة، والربقة، فيقال: الفكر. وأما قوله: أوطأتني عشوة، فإن العرب تقول: عشوة وعُشوة، بالكسر والصم في أولها.

وذكر "الخليل" أن الفتح لغة فيها على ما تقوله العامة. وإنما الفتح فيهما بمعنى المرة الواحدة صحيح بمنزلة: رشوة رُشوة، وللمرة الواحدة: رشوة. وأما الكسر فعلى غير المصدر، وهو: اسم لتلبيس الأمر والتغرير، وذلك أن تكذب/ الرجل حتى تضلل رأيه وتدبيره، فتوقعه فيما يكره. والعشوق مشتقة من قولهم: يعشو إلى كذا وكذا، أي يسير وهو ينظر في ظلمة العشاء إلى نار أو ضوء على غير بيان، وبغير دليل. وقال "الخليل": العشوة من أول الليل إلى ثلثه، ومنها العشاء، بالكسر، والعشاء بالفتح، وعشو الليل: ظلمته. ومنه قول الحطيئة: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد فمعنى أوطأته عشوة، أي تركته يطأ "العشوة". ومنه قولهم: فلان يركب العشواء، أي يركب الغرر. والعاشية: الإبل التي تعشو إلى ضوء نار. وكل شيء يعشو بالليل إلى ضوء نار من أصناف الخلق. وأما قوله: هي الحدأة، وجمعها: حدأ، بالهمز وكسر الحاء وفتح الدال؛ فإنها ضرب من الطير الجوارح، تصيد الجرذان ونحوها. وفيها لغات: فمنهم من يسكن الدال في الواحد خاصة. ومنهم من يقول: الحدو، بالواو وفتح الدال. والعامة تقوله: الحدأة، بفتح الحاء وإبدال الألف من الهمزة، على مثال فعلة مثل القطاة. والجميع: الحدا, وذلك خطأ. والحدأة، بفتح الحاء والدال والهمزة: اسم الفأس والمعول. والجميع: الحدأ، بغير تأنيث. وقال الشماخ يصف أنياب الإبل:

يباكرن العضاه بمقنعات نواجذهن كالحدأ الوقيع وأما قوله: هي الجنازة، يعني بكسر الجيم. قال "الخليل": الجنازة، بكسر الجيم: خشب الشرجع، يعني سرير الميت، وقال: العرب تقول: رمي في جنازة فلان فمات، بالكسر،/ وقد وقع في أفواه الناس بالفتح. قال: والجنازة، بالفتح: الإنسان الميت، وكل شيء ثقل على قوم واغتموا به: جنازة. وأنشد في ذلك للهذلي، بقوله لامرأته، و [قد] رأى منها تبرما بمرضه، وأمه صابرة عليه أرى أم صخر ما تمل عيادتي وملت سليمى مضجعي ومكاني فأي امرئ سواى بأم حليلة فلا عاش إلا في شقاً وهوان وما كنت أخشى أن أكون جنازة عليك ومن يغتر بالحدثان أهم بأمر الحزم لو أستطيعه وقد حيل بين العير والنزوان وأما قوله: هي الغسلة، يعني بكسر الغين، للآس اليابس المطيب، الذي يجعله النساء في رؤوسهن. والعامة تفتح أولها، وهو خلاف قول العرب؛ لأن الفتح إنما هو في اسم

المرة الواحدة، من الغسل، تقول: غسلته غسلة واحدة وإنما الغسلة اسم لما يغسل به الرأس؛ ولذلك سمي السدر والخطمي: غسلا بالكسر، فرقا بينه وبين المصدر. وجمع الغسلة: الغسل. وأما قوله: هي كفة الميزان، يعني بالكسر، وهي المستدير المعلق بالخيوط، الذي يوزن به. وحكاه "الخليل": كفة، بالضم. وكذلك كفة الصياد ونحوه: ما يجعله كالطوق. وأما كفة، بالكسر فحكاها في كفة اللثة، وهي: ما انحدر منها على أصول الثغر. وكذلك كفة السحاب، بالكسر. وكفافه: أي نواحيه. والعامة تفتح أول كفة الميزان. وإنما الفتح في المرة الواحدة من الفعل، كقولك: كففته كفة واحدة. فأما الجنس والهيئة فبالكسر/ قال الشاعر: كل عجوز رأسها كالكفه قاعدة في يدها هرشفه وكذلك كل ما يكف من دارات النسج والوشم على اليد بالكسر. وجمعها كفف. قال لبيد: أو رجع واشمة أسف نئورها كففا تعرض فوقهن وشامها

والكفة بالضم: ما يكف به الشيء، ككفة الصياد، الذي كأنه طوق، لاستدارته. وأما قوله: صنارة المغزل، فهي: حديدة دقيقة معقفة الرأس، تجعل في رأس المغزل، الذي يغزل به. وهي فارسية معربة. والعامة تفتح أولها، والصواب كسره، كما قال الشاعر: فليت سنانك صنارة وليت رميحك من مغزل والصنارة بلغة اليمن: الأذنان، أي ليتك كنت امرأة تغزل في البيت، ولم تشهد الحرب فتفتضح. وأما قوله: لي في بني فلان بغية، فإن يعني به طلبة أو حاجة. ويقال: عندك بغيتي، وأنت بغيتي، وهي مكسورة الأول، على مثال: همة ونية. وجمعها: بغى، مقصورة، على وزن فعل. وبعضهم يضم ألها. وقد يمد مكسورا أو مضموما قال الراجز: آليت لا آلوا بغائي مقسما آليت لا أسأم حتى تسأما والبغية من الابتغاء: اسم على بناء فعلة للهيئة والنوع. وبالضم: اسم لما يبغى به الشيء. والبغية، بالكسر أيضا، الزنية. يقال: هو ولد بغية، وولد زنية، أي هو ابن /بغية وبغي، وهي الزانية. وهو من قول الله تعالى: (ولا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ).

وأما قوله: هو لرشدة وزنية، بعني بالكسر وهو لغية بالفتح؛ فإن الرشدة: الحلال، وهو من الرشاد والرشد. والزنية الفجور، وهو من الزنا. يقال: فلان ولد رشدة وفلان ولد زنية. ومنه قولهم: لم يهد فلان لرشده، أي للصواب. وتستعمل الرشدة، بكسر الأول وفتحه. والفتح للمرة الواحدة من الرشد. وأما الزنية، فبالكسر لا غير. وفي ذلك يقول الشاعر: ألا رب من يغتابني ود أنني أبوه الذي يدعى إليه وينسب على رشدة من أمه أو لغية فيغلبها فحل على النسل منجب وأنشد الخليل في ذلك: وكائن ترى من شردة في كريهة ومن غية تلقى عليها الشراشر وأما الغية فلم تستعمل مكسورة الأول؛ لاستثقال الكسرة مع الياء. واقتصروا فيها على اسم المرة الواحدة. واستعملوا في الرشدة الكسرة، على معنى الهيئة والنوع، والفتحة على المرة الواحدة. وأما قوله: يقال بينهما إحنة؛ فإنها العدواة والحقد، وأولها همزة مكسورة أصلية. يقال منها: قد أحن عليه يأحن، إذا حقد عليه. وجمعها: الإحن. قال الشاعر: ذوي البغضاء والإحن

وقال الآخر: إذا كان في صدر ابن عمك إحنة فلا تستثرها سوف يبد دفينها وقال ذو الرمة: إذا ما امرؤ، حاولن أن يقتتلنه بلا إحنة بين النفوس، ولا ذحل والعامة تقول: بينهما حنة، بحذف الهمزة، وكسر الحاء، على مثال: عدة وزنة وهو خطأ. إنما يجوز ذلك فيما كانت أوله واوا في الأصل. وقد جاء في بعض الشعر: ذوي العداوة والحنات وهو رديء في الكلام، ولكن للشاعر إذا اضطر، أن يفعل مثل ذلك. وقد/ زعم "الخليل": أنها لغة. وأما قوله: أجد إبردة، يعني بالكسر الأول والثالث. والعامة تفتح أولها، وهو خطأ؛ لأن أفعلة إنما تكون جمعا لفعال أو فعيل أو نحوهما. وإنما إلإبردة إفعلة مثل إسحلة من البرد، والهمزة فيها زائدة، وهي: وجع يصيب المشايخ كالخام ونحوه. وأما قوله: هي الإصبع، بفتح الباء مع كسر الهمزة؛ فإن بعض العامة يكسر الباء منها. وبعضهم يضم أولها، وفيها لغات، وأفصحهن ما ذكره أحمد بن يحيى. وفي الحديث

عن النبي صلى الله عليه أنه قال: "قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف شاء" وقال يوم الخندق: هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت فكسر الهمزة وفتح الباء، وأنث الإصبع. والإصبع معروفة، وربما استعيرت في أشياء غيرها. وأما قوله: هي الأشفى، وجمعه: الأشافي فإنه يعني المثقب، الذي يخرز به الخراز والإسكاف. وهو مكسور الأول مقصور الآخر، على وزن الإصبع، والهمزة فيه زائدة. والعامة تحذف الهمزة من أوله وتقول: الشفي، وهو خطأ. واشتقاقه من "الشفا" بالفتح والقصر، وهو: حرف/ كل شيء. ومنه قولهم: أشفى المريض على الموت، أي أشرف. وإليه يئول معنى الشفاء من المرض، وهو التخلف من الشفي. وأما قوله: هي أنفحة الجدي، ويخفف، وهي: التي تخرج من بطن الجدي، وفيها لبن متعقد يسمى: اللبأ، ويعقد به اللبن الحليب، فيصير جبنا. والعرب تهمز أولها وبعضهم يفتح الهمزة، وبضعهم يكسرها، ومنهم من يشدد الحاء، ومنهم من يخففها، والتخفيف أكثر. والعامة تفتح الهمزة في أولها وتخفف الحاء، ومنهم من يجعل بدل الهمزة التي في أولها ميما، فيقول: منفحة. والجيد ما ذكره، والميم خطأ. وتجمع الإنفحة على الأنافح، قال الشماخ يخاطب امرأة: وإني لمن قوم على أن ذممتهم إذا أولموا لم يولموا بالأنافح

وأنشد "الخليل" في تخفيفها: كم قد تمششت من قس وإنفحة جاءت بهن إليك الأضئون السود وأما قوله: هو الإكاف والأُكاف، يعني بهمز أوله وكسره وضمه؛ فإنما جاء أوله بالهمز؛ لأن أصلها الواو، وهو فعال أو فِعال، من الوكف، فأبدلت الهمزة من الواو، لانكسارها وضمها، وقال فيه الشاعر: إن لنا أحمرة عجافا يأكلن كل ليلة إكافا وقال الآخر: حتى إذا ما آض ذا أعراف كالكودن الموكف بالإكاف وقد يستعملون الفعل منه بالهمز والواو، كما يفعل ذلك في الاسم منه فيقال:/ آكفته وأوكفته وأكفته ووكفته مثل أكدت ووكدت. وأما قوله: هي إضبارة من كتب، وإضمامة، تعني كتبا مجتمعة مضمومة مشدودة، وهي على زنة إفعالة، وهي مصدر قولهم: أضبرت إضبارة واحدة، وأضممت إضمامة واحدة، فسميت بالمصدر. وأصل الإضبارة الضبر وهو شدة تلزز العظام، واكتناز اللحم، ويقال جمل مضبور الظهر مضبر. وكل حزمة من الصحف والسهام أو نحو ذلك؛ فإنها إضبارة. والجمع: الأضابير. وجمع الإضمامة: الأضاميم. والعامة

تحذف الهمزة من أولها، وتكسر الضاد فتقول: ضبارة، ومنهم من يفتح الضاد فيقول: ضبارة، وهما خطأ. وأما قوله: السوار لليد والإسوار من أساورة الفرس، ويقال بالضم؛ فإن السوار بكسر السين لا غير، هذا الذي يجعل في اليد، ويجمع على أسورة فأما قول الله تعالى: (وحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ) فإنه جمع الجمع، يقال: أسورة وأساور، وهو عربي. والعامة تضم أوله فتقول: سوار. وقد يجمع على السور، كما قال الراجز: وفي الأكف اللامعات سور وهمزوا "سؤر" لانضمامها. وأما الإسوار من أساورة؛ فإنه بالفارسية اسم الفارس خاصة، ومعناه: الحاذق بالفروسية، مفتوح الأول، ولكن لما عرب كسر، ليكون على أمثلة أسماء العرب. قال الشاعر: كما ازدهرت قينة بالشراع لإسوارها [عل منه اصطباحا]

ومنهم من يضم أوله؛ فيقول: أسوار، والعامة تفتحه على لفظ العجم، وهو خطأ،/ والأسوارة جمعه، وإنما أدخلت فيه الهاء عوضا مما حذف من آخره؛ لأنه كان قياسه: الأساوير. وقد حكي الإسوار أيضا على إفعال، في سوار المرأة، كأنه سمي بالمصدر من قولهم: أسورتها إسوارا. وأما قوله: رمان إمليسي، يعني يهمز أوله وكسره، وهو الرمان الذي لا عجم له في حيه، إنما هو ماء منعقد أملس. والهمزة زائدة فيه للإلحاق. والعامة تحذف الهمزة، وتفتح الميم، تشدد اللام، فتقول: مليسي، وهوخطأ، وهو منسوب بالياء إلى الإمليس. والإمليس من كل شيء: الناعم اللين، وهو مأخوذ من الملوسة مصدر الأملس والملساء. ويقال: أرض ملساء. والجمع: الأماليس. وقال بعضهم: يقال للأرض: إمليس، واحد الأماليس. وقال جرير: لا يستطيع امتناعا، فقع قرقرة بين الطريقين، بالبيد الأماليس وأما قوله: هو الإهليلج، فهو دواء معروف، يتخذ منه الطريفل وغيره. وهو اسم هندي معرب. والعامة تحذف الهمزة من أوله وتفتح الهاء، على لفظ العجمة فتقول: هليلج. والواحدة: الإهليلجة. وأما قولهم: هي الإوزة فإنها الواحد من الإوز، وهو ضرب من البط، وفي أولها همزة مكسورة، زعم "المازني" أنها زائدة، وأن مثالها إفعلة، وأن الدليل على ذلك قولهم: وزة ووز بغير همز. وزعم "الخليل" أن الإوز طير من طيور الماء, والواحدة إوزة. قال:

وينبغي أن تكون المفعلة منها: مأوزة، ولكن العرب؛ منهم من يحذف الألف منها فتصير وزة على فعلة: وزة من الإوز، وهي قبيحة. وتقول في المفعلة منها في هذه اللغة أرض موزة. قال: ويقال هو البط. وأنشد للأعشى في جمعها:/ ترى الإوزين في أكناف دارهم فوضى وبين يديها التين منثور فقال الإوزين، كما قالوا: الإحرون لجمع الحرة. وهذا يؤيد قول المازني وقول من يحذف الهمزة من العرب. وقال "الخليل" أيضا: رجل إوز، وامرأة إوزة أي عظيمة لحيمة في غير طول، ولا يحذف ألفها، يعني لا يقال في الوصف: وز ولا وزة، وهذا يؤيد قول من يجعلها فعلة مثل هجف وخدب، كأنها ملحقة بالتضعيف بسبطر وقمطر. وأما قوله: هي الإرزبة، وهي التي تسميها العامة: مرزبة، وهي على وزن إفعلة مثل الإنفحة، ملحقة بالهمزة بجر دحل وقرطعبة، وهي خشبة عليها حديد شبه عصية من حديد. والعامة تجعل بدل الهزة التي في أولها ميما مفتوحة، وهو خطأ. وأما قوله: هي الإبهام للإصبع، فأما البهام فجمع البهم، وإنما أراد أن العامة تسمي هذه الإصبع، وهي الأولى من اليد والرجل المنفردة: بهاما، بغير همزة وهوخطأ. والعرب تسميها: الإبهام على وزن إفال مكسورة الهمزة ويذكرونها كأنها من مصدر قولهم: أبهمت الشيء إبهاما؛ وذلك أنه قد أبهم عن سائر الأصابع فلم يختلط بها، حتى كأنه ليس منها. وقد أنثه "أحمد بن يحيى" فقال: الإبهام. والأبهام: ترك الشيء

بغير علامة ولا دليل، ومنه قيل للفرس: بهيم، إذا لم يكن فيه شية، أي هو على لون واحد. ومنه سميت الآية المبهمة في القرآن. والآية المحكمة ضدها؛ وهي التي بين حكمها. ومنقول ابن عباس عن قول الله [تعالى]: (وحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) هل هي من المدخول بها أم غير المدخول، فقال: أبهموا ما أبهم الله. ومنه قيل للباب المغلق الذي لا يهتدى لوجهه: مبهم. وقوله:/ فأما البهام فجمع البهم، وهي صغار الغنم. ومنه قول الشاعر: وعهدي بليلى وهي ذات موصد ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم وأما قوله: شهدنا إملاك فلان؛ فإن الملاك: عقد النكاح والتزويج، على مثال إفعال وهو مصدر قولك: أملكت إملاكا، وهو من قولهم: ملكت العجين؛ إذا أحكمت عجنه. والعامة تقول: شهدنا ملاك فلان، بحذف الهمزة، وهو خطأ. وأما قوله: هو الإذخر، للشجرة التي تجعل في الأشنان، فإنها شجرة صغيرة، لها أصل مندفن، يحشى في مخاد الأدم وبراذع الدواب، ويسد بها أخصاص البيت، وتوقد بها الصاغة، ولها رائحة طيبة، إذا طحنت خلطت مع الأشنان، لطيب رائحتها وهي مكسورة الأول والثالث. والعامة تفتح أوله، وهو خطأ؛ لأنه ليس في كلام العرب اسم على مثال أفعل.

وأما قوله: ومنه كل اسم أوله ميم، مما ينقل ويعمل به، فهو مكسور الأول كقولك: ملحفة وملحف، ومطرقة ومطرق، ومروحة ومروح، ويجمع ثلاث مراوح. ومرآة وتجمع ثلاث مراء، ومئزر ومحلب، للذي يحلب فيه، ومقطع ومخيط؛ فإنه إنما يريد الأدوات، وليس الميم في أولها من أجل أنها أداة تنقل، ولكن لما كان الاسم في معنى المفعول به، ومما يعمل به على كل حال، جعل في أوله الحرف الذي يجعل في أوائل الأسماء المفعولة من الثلاثي والرباعي، وفي الزمان والمكان؛ كقولهم: هو مفعول، ومُفعَل ومُفعَّل، ومستفعل، ومَفعَل، ونحو ذلك؛ إلا أنه فرق بين ما ينقل ويستعمل منها، وبين تلك / الأشياء بالكسر في الميم والفتح والضم؛ لأن تلك لا تكون إلا مضمومة أو مفتوحة، وهذه مكسورة. وقد يكون هذا في الكثير الفعل، للمبالغة في الفعل به، وذلك مثل قولهم: رجل مرجم ومقول، ومذكار ومئناث ومحرب ونحو ذلك. وكذلك المخيط والمقراض والمقطع والمسورة والمخدة؛ لأنها يكثر بها الخياطة والقرض والقطع ونحو ذلك. وألزمت هذه الميم الكسرة لما بينا، من الفرق. والعامة تفتحها طلبا للخفة، وتخطئ في إبطال الفرق؛ فالملحفة إزار, رداء أو كساء، يلتحف به، ومن ذلك قيل للحاف: لحاف؛ لأنه يتغطى به. ومنه قول طرفة: ثم راحوا عبق المسك بهم يلحفون الأرض هداب الأزر وجمع الملحفة: الملاحف، والملحف بغير تأنيث مثلها؛ يعني طرفة: أنهم يجرون ذيولهم، ويسحبونها على الأرض. والمطرقة: مطرقة الحداد، التي يطرق بها الحديد على العلاة، وهي أيضاً عصا، يطرق بها الصوف ونحوه من الوبر وغيره، أي يضرب بها.

والطرق: الضرب، وجمع ذلك: المطارق ومنه الطرق بالحصا، للزجر والفأل، وهو أن يجمع الحصى في الكف ثم يضرب بها الأرض. وينظر إلى مواقعها، فيؤجر. قال لبيد: لعمرك ما تدري الطوارق بالحصا ولا زاجرات الطير ما لله صانع والمطرق بغير تأنيث: العصا أيضا، مثل المطرقة. والمروحة: كل ما يروح به؛ أي اجتلب به الريح. وجمعها: مراوح؛ وهي أداة من خوص مسفوف، لها مقبض من خشب أو عاج أو خيزران، معروفة؛ فإن فتحت الميم فهو اسم المكان الذي يكثر / فيه هبوب الريح. قال القطامي في ناقة ركبها: كأن راكبها غصن بمروحة إذا تسنمها أو شارب ثمل والمرآة أداة من حديد مجلوة، يتراءى الإنسان فيه وجهه، وهي مفعلة من الرؤية، على حذو مرعاة من الرعي، وجمعها: مراء، على مثال مفاعل مثل قولك: مراع. وآخر المرائي ياء ساكنة في الرفع والجر، ومفتوحة في النصب، مثل ياء القاضي والرامي، فإذا نون الاسم سقطت الياء لاجتماع الساكنين، فلذلك قيل: مراء. والعامة تقول في الواحدة: مراة، بحذف الهمزة منها، ونقل حركتها إلى التاء، وهو صواب؛ لأن العرب هكذا تخفف الهمزة المتحركة، الساكن ما قبلها. ويقولون في جمعها: مرايا، فيبدلون الياء من همزتها، والألف من يائها، كما يقال في مطية: مطايا وفي خطية: خطايا، ونحو ذلك، طلبا للتخفيف، وقال الراجز في تخفيف الهمزة:

إذا الفتى لم يركب الأهوالا فابغ له المراة والمحكالا واسع له وعده عيالا والمئزر كالمنديل، يؤتزر به في الحمام، وعند العمل ونحو ذلك، وهو على مثال مفعل من الإزار مهموز. وجمعه: مآزر، بالهمز أيضا. والعامة تفتح الميم من الواحد، وتبدل من الهمزة الياء، فتقول: ميزر، فأما فتح الميم فخطأ، وأما إبدال الياء من الهمزة فجائز مع كسر الميم، ولكنهم يقولون في الجمع أيضا: ميارز، بالياء، أثبتوها في الجمع، كما أثبتوها في الواحد. وأصل الميزر والإزار: الأزر، وهو الظهر. ومنه قوله تعالى: (أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي). والمحلب / بكسر الميم ما يحلب فيه، وهو: العس. وقد كنا فسرناه، وفسرنا المحلب بالفتح أيضا. والمحيط: الإبرة التي يخاط بها، وهو مفعل منا الخيط والخياطة، وهي صناعة الخياط. والخياط أيضا: اسم للإبرة. ومنه قول الله عز ذكره: (حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ). وتقول: خاط الرجل ثوبه يخيطه خياطة، وفي الحديث: "ردوا الخيط والمخيط". والمقطع: كل ما قطع به الشيء كالمنجل التي تقطع به الرطبة والقت للدواب. والعامة تقول: مقطع بالفتح، وهو خطأ. وإنما المقطع: الموضع الذي يقطع فيه، من طريق مخوف، أو غيره، وهو معروف. وأما قوله: إلا أحرفا قليلة نوادر، جاءت بالضم، وهن: مدهن ومنخل ومسعط ومدق ومكحلة؛ فإن هذه الأسماء المضمومة الميمات ليست من باب المكسور في شيء،

ولا هي كالمفعول، وهي كلمات عند النحويين لما كثر استعمالها، أخرجت عن باب المكسور أوله، وبنيت بناء آخر، على غير معنى المكسور الأول، ولو ذهب بها ذلك المذهب لم يضم ثالثها، وترك على فتحته كمافعل بالمفعول به. وإنما بنيت هذه الأسماء كبناء الملحق بالرباعي الذي على وزن فعلل مثل البرجد، فضمت عين الفعل منها على إتبااع ضمها في الفعل المضارع منها، ثم أتبعت حركة العين الميم، لكثرة الاستعمال استثقالا للتحول من الكسر إلى الضم، فجعلوا اللفظ من وجه واحد، وهم مسموعة تروى رواية، ولا يقاس عليها؛ لشذوذها عن بابها، ولكن تحكى عن العرب حكاية. وردها إلى القياس جائز صواب، مثل نظائرها، وهو قولك: مدهن ومنجل ومغزل ومسعط ومدق ومكحل. وقد يجيء قبل أواخر هذه الأسماء ألف زائدة للمبالغة،/ ولا يكون حينئذ في ميمها إلا الكسر، كقولهم: المكحال في المكحلة، مثل المفتاح والميزان والمثقال والمسمار ونحو ذلك. والعامة تضم ميم المفتاح، وهو خطأ. وقد شذت عن باب المكسور أحرف؛ ففتح بعض العرب أوائلها مثل: المرمة والمقمة والمثقب، وأنكر ذلك فصحاء العرب والعلماء باللغة، فلم يجيزوه وعدوه فيما أخطأت فيه العامة؛ لأنها تفتح الميمات المكسورة كلها. وأما المرمة فمصدر رممت، أو اسم الموضع الذي فيه الرمة. والمقمة مصدر قممت، أو اسم موضع القمامة. والمنقب مصدر نقبت، أو اسم موضع النقب، ولذلك قيل للطريق في الجبل: المنقب، فأما الذي يثقب به الشيء لهو بالكسر لا غير، وكذلك المقمة والمرمة. فأما المدهن مما يجعل فيه الدهن من زجاج أو غيره. وجمعه: المداهن، وكذلك المدهن من الأرض والحجارة: الموضع الذي يقف فيه ماء المطر. والجمع: المداهن. ويقال من الدهن: دهنته أدهنه دهنا ودُهنا بالضم، إذا وضعت الاسم موضع المصدر، وادهنت أنا أدهن ادهانا بالدهن. والدهان: بائع الدهن. وصناعته: الدهانة. وأما المنخل فما ينخل به كل شيء، أي ينقى من النخالة. والنخل: الانتقاء يقال: نخلته وانتخلته. وخيار ما ينتخل: النخيلة. وفقايته: النخالة. والجميع: المناخل. والنخال: الذي صناعته النخل. وأنشد محمد بن يزيد في النخيلة وقال هي النصيحة:

نخلت نصيحة مني ليحيى ويحيى طاهر الأثواب بر وأنشدنا أيضا: ولن يلبث التخشين أن نخيلة نفس كان نصحا ضميرها والمسعط: ما يجعل فيه السعوط، من دواء أو دهن، ويسعط به العليل في منخره/ وفعله: أسعطته فأنا أسعطه إسعاطا، كما قال الراجز: أريد جوا ويريد برا كأنما أسعط شيئا مرا ويقال: أسعطته إسعاطة واحدة، وسعطة واحدة، وقد استعطه. وأسعطته الرمح، أي طعنت أنفه. وهن المساعط. وأما المدق: فما يدق به الشيء، كفهر العطار، ويد الهاون، وهو اسم فإذا أردت الوصف، فهو المدق، بكسر الميم، كما قال رؤبة: يرمى الجلاميد بجلمود مدق وفعله: دق يدق دقا. وهو داق. والمفعول: مدقوق ودقيق. وأما المكحلة: فما يجعل فيه الكحل من زجاجة أوحديدة، أو غير ذلك. وفعله:

كحلته أكحله كحلا وكُحلا، بالفتح والضم. واكتحل هو نفسه اكتحالا. ويقال: ما أكحلت عيني بغمض، أي ما نمت، على الاستعارة. وهن المكاحل. وأما قوله: تقول هو الدهليز والسرجين والمنديل والقنديل، وتمر شهريز وسهريز، وهو السكين ورجل سكير وخمير ونحو ذلك، وهو الطبيخ والبطيخ؛ فإن العامة تفتح أول دهليز وسرجين، وهو خطأ؛ لأنه ليس في كلام العرب اسم على بناء فعلين ولا فعيل ولا فعليل، بفتح الفاء. وإنما هذه أسماء أعجمية، عربتها العرب، فجعلتها على أبنية كلامها، فكسرت أوائلها؛ لتكون على مثال فعليل، نحو عربيد وشمليل، وكانت في لسان العجم مفتوحة، فغيرت ولزمت العامة لفظ العجمية فيها، والصواب كسرها. والدهليز بالعجمية: اسم الممر الذي يكون بين باب الدار ووسطها، وقرية بين بلدين تسمى: "دهليزان". وأما السرجين: فهو الروث بالفارسية، وكل رجيع. وليست/ فيها بلسان العجم جيم، وإنما هو حرف يشبه الكاف، فأبدلت منها العرب الجيم، وبعضهم يبدلها قافا. وأما السهريز من التمر فصفة لون من النخل، بسره أحمر. والحمرة بلسان الفرس: سهر، وسرخ، وثهر، مضمومات الأوائل، فجعلته العرب بالسين وكسرته. والعامة تضم السين على عجمتها. وأما المنديل، فعربي محض، غير أنه مما جاء على غير قياس ما يستعمل، مما في أوله ميم، وهو مبني على مفعيل من الندل، كما قال الشاعر:

ثمت قمنا إلى جرد مسومة أعرافهن لأيدينا مناديل والمناديل جمع المنديل ويقال تندلت للمنديل وعلى لفظه: تمندلت على مثال الرباعي؛ لأن الميم ألحقته بالرباعي، وأصله ثلاثي، قال الشاعر: على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلاً زريق المال ندل الثعالب والمنديل معروف؛ وهو الذي يتمسح به من الماء بعد الغسل وبعد الوضوء ونحوه. وأما السكين فعلى بناء فعيل من السكون، مشدد العين، وهو اسم المدية التي يقطع بها اللحم، وتذبح الذبيحة. وجمعها: السكاكين، تذكر وتؤنث. وقال حميد ابن ثور: باتوا وجلتنا البرني بينهم كأن أظفارهم فيها السكاكين والسكير وصف الكثير السكر من الشراب، وهو على بناء فعيل من السكر، بتشديد العين، وهو على مثال من أمثلة المبالغة. والخمير مثله، فعيل مثله من الخمار، ومثله: رجل عميت، بتشديد الميم، إذا كان حاذاق بعمل "العميتة" أو غزلها، وهي حلقة ملفوفة من/ الصوف، يصنعها الراعي على ذراعه، كالسوار ويغزل منها. وقد غلط بعض الشعراء، فسمى الأعمى: عميتا في قوله:

ربع الصبا أخرس عميت مسلب المنطق سكيت يريد أن الربع لا يسمى ولا يبصر ولا يجيب، ولم يعلم أن التاء التي في عميت ليست من بناء العمى، ولا يجوز أن يكون فعيل من العمى بالتاء، وإنما فعيل من العمى بتشديد الميم والياء جميعا بغير تاء، فإن أراد بناء فعليت بزيادة التاء من العمى، فإنه يجب أن يقال: عمييت، بياءين إحداهما لام الفعل من عمي، والثانية مثل ياء فعليت الزائدة، ولا تكون الميم مشددة. وأما البطيخ ففاكهة معروفة، وهي بكسر الأول، وتشديد الثاني على بناء فعيل وهي عربية محضة، وفيها لغة أخرى، وهي الطبيخ، بتقديم الطاء، وليس عندنا على القلب كما يزعم اللغويون. وقد بينا الحجة في ذلك في "إبطال القلب". وفي الحديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الطبيخ بالرطب" كأنه مشتق من الطبخ والبطخ من معنى آخر؛ وذلك أنه يقال لمكانه، الذي يزرع فيه: المبطخة. وجمعها: المباطخ، مثل المقاثي والمقثاة. وأما قوله: ومنه الماء شديد الجرية، وهو حسن الركبة والمشية والجلسة، يعني الحال التي يكون عليها، وكذلك ما أشبهه؛ فقد شرحنا الفرق بين فعلة، بالفتح وفعلة بالكسر، في مواضع مما تقدم. والكسر علامة الهيئة والنوع، وليست للحال كما ذكر أحمد بن يحيى، ولا معنى للحال ههنا. والفتح غير ممتنع على معنى المرة الواحدة. والعامة لا تستعمل في الماء،/ ولا في غيره إلا الجرية بالفتح، ولا يميزون بين المرة والنوع منه، وكذلك هذه الأبنية كلها. هذا آخر تفسير هذا الباب.

تصحيح الباب السادس عشر وهو المترجم بباب المكسور أوله، والمفتوح باختلاف المعنى

تصحيح الباب السادس عشر وهو المترجم بباب المكسور أوله، والمفتوح باختلاف المعنى وهذا ايضا باب مخلط، لم يميزه على الأمثلة، كما بدأ به كتابه، ولا على المعنى المتفقة ولكن قصد فيه الفرق بين المفتوح والمكسور أوله من أي صنف كان، وعلى أي مثال وقع؛ لأن العامة ربما وضعت أحدهما موضع الآخر غلطا. ونحن مفسرون ما أهمل من غريبه، ومنبهون على سهو منه، إن وجدنا فيه: فمن ذلك قوله: امرأة بكر، ومولود بكر، أول ولد أبويه، وأمه بكر، وأبوه بكر. قال وأنشد ابن الأعرابي: يا بكر بكرين ويا خلب الكبد أصبحت مني كذراع من عضد وهذا كله مكسور الأول، والبكر مشتق من البكرة والمباكرة، وهي التقدم في أول الوقت في كل أمر. والعرب تسمي الرجل الذي لم يتزوج بعد بكرا. وكذلك المرأة التي لم تتزوج، ولا يقال لها بكرة بالهاء، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام". وإنما قيل لهما بكر؛ لأن جماعهما كان أول جماع منهما. وقيل للرجل الذي قد تزوج، والمرأة التي قد تزوجت: ثيب؛ لأنه مشتق من قولهم: ثاب يثوب إلى الشيء، أي رجع؛ وذلك لأنهما قد عاودا النكاح. وثيب بمعنى ثائب، مثل: سيد وميت. وسمي أولاد الرجل البكر، والمرأة البكر: بكرا؛ لما شرحنا. ولكن/ قوله: مولود بكر لا تتكلم به العرب مطلقا بغير إضافة، إنما يقال للولد: هو بكر أبويه، بإضافته إليهما.

ومعناه: هذا أول ولد أبويه. ويجوز أن يراد: هذا بكر أبواه، كما يقال: هذا قائم أبواه، ثم يضاف تخفيفا، فيقال: هذا قائم أبويه، وهذه حسنة وجهها؛ لأنهم لا يعنون أن الغلام بكر، وإنما يعنون أن أبويه بكران، واجتماع العرب على هذا المثل حجة لـ "سيبويه" في إجازته: حسنة وجهها. والجمع من هذا كله: أبكار للمذكر والمؤنث، كما قال الله تعالى: (إنَّا أَنشَانَاهُنَّ إنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا) وهذا أيضا حجة لكسر أول الواحد منها. وأما قول الشاعر: يا بكر بكرين ويا خلب الكبد فزعم "الخليل" أنه يقال: "أشد الناس بكر بن بكرين" وزعم أن هذا الشعر قيل في قيس بن زهير البكر. وقال "الخليل": البكر من كل أمر: أوله وأنشد: وتلكم غير ماثني ولا بكر قال "الخليل": الثني: ما يكون بعد البكر، يقال: ما هذا الأمر منك ببكر ولا ثني. وأما قوله: والبكر من الإبل الفتى، والأنثى بكرة، فإنما سميا أيضا بذلك، وإن كانا مفتوحين الأول من البكور؛ لأن البكر والبكرة من الإبل: هما أول ما يحمل عليه، وهما فتيان بشبابهم وقوتهما، ولكن فتح أول هذا، وكسر أول الأول؛ للفرق بين الصنفين. وجمع هذا: البكارة، والأنثى خاصة: البكرات، وفي أدنى العدد: أبكر. وقال الشاعر: يا رب شيخ من بني فزارة يرمي سواد الليل بالحجارة يغضب أن يعتلج البكارة أي يغار من اجتماع الذكران والإناث؛ لأن بني فزارة يرمون بنكاح القرص/.

كما قال الشاعر: لا تأمنن فزاريا خلوت به بعد الذي امتل أير العير في النار وإن خلوت به في الأرض وحدكما فاحفظ قلوصك واكتبها بأسيار وقال الراجز: قد وردت إلادهيدهينا قليصات وأبيكرينا فصغر أدنى العدد وجمعه بالواو والنون. وأنشدنا محمد بن يزيد: أتتـ[ـك] منها البكرات النيب أكلن حمضا فالوجوه شيب شربن حتى نزح القليب وأما قوله: والخيط من الخيوط، بفتح الخاء، وخيط من النعام للقطعة منها، يعني بكسر الخاء؛ فإن الخيط بالفتح معروف، وهو السلك الذي يخاط به، وكل ما دق وطال، جاز أن يسمى خيطا، على التشبيه به، كما قال الله تعالى: (وكُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ) يعني ما امتد وطال من بياض الفجر في سواد الليل، وليس يعني أن ينظر إلى الخيط الأبيض والخيط الأسود في وقت الفجر، حتى يعرفا. وقد روي أن "عدي بن حاتم الطائي" أخذ حبلا أسود وآخر أبيض فجعلهما تحت وسادة؛ لينظر إليهما عند الفجر، ثم جاء فوصف ذلك لرسول الله صلى الله عليه، فقال

له النبي صلى الله عليه: "إنك لعريض القفا، ليس المعنى ذلك، ولكنه بياض الفجر من سواد الليل"؛ ولهذا سمي ما ينظم من الجوهر والخرز خيطا، وإن كان منظوما بغير سلك، ولهذا قيل للقطعة من النعام: خيط؛ لأنها تمتد كالخيط في الرعي/ وغيره. وكل ما اصطف من الطير في الطيران أو من الوحش في الرعي ونحوه جاز أن يقال له: خيط على الاستعارة. وجمع الخيط: خيوط وخيوطة. وفعله: خاط يخيط خيطا وخياطة. والخياطة أيضا اسم صناعة من يخيط، وهو الخياط. والثوب مخيط. والخياط: اسم الإبرة التي يخاط بها الثوب. وقال "الخليل"، يقال: خاط فلان خيطة واحدة، إذا سار، ولم ينقطع سيره. قال: والخيطة: السير مرة بعد مرة، حتى ينتهي إلى حيث يبتغي. والمخيط: طريقه الذي سار فيه، وأنشد الخليل: وبينهما ملقى زمام كأنه مخيط شجاع آخر الليل ثائر ومن هذا قول العرب: خاطت عينه تخيط، وإن عينه لتخيط، إذا نعس. ومن هذا قيل: خيط رأسه بالشيب، وقال: حتى تخيط بالمشيب قروني وأما خيط النعام فكسر؛ للفرق بينه وبين خيط الخياطة، وبني على بناء السرب؛ لأنه في معناه من جنسه. وجمع الخيط من النعام: الخيطان والأخياط. والنعامة الواحدة تسمى:

خيطاء، على فعلاء ممدود. وقال "الخليل": إنما خيطها طول قصبتها وعنقها، قال: ويقال: بل خيطها ما فيها من اختلاط السواد والبياض اللازم لها كالعيس في الإبل العراب، وهما خيطان: وأنشد "الخليل" في الخيط لشبيل: وخيطا من خواضب مؤلفات كأن رئالها ورق الإفال وأما قوله: والحبر: العالم، يعني بالفتح، والحبر: المداد، يعني بالكسر، فهما جميعا من الحبار، وهو الأثر، يعني بالشيء؛ ولذلك قيل للوشى: محبر الألوان والنقوش التي فيه. وقيل/ للشعر الكثير المعاني: المحبر. والتحبير: التحسين؛ ولذلك سمي العالم: حبرا، لما عنده من العلوم، وتحسينه القول في ذلك، وسمي المداد وما يكتب به أو ينقش: حبرا، بالكسر؛ ففرق بالفترح والكسر بين العالم وبين المداد. وقد اختلف فيه فقيل للعالم أيضا: الحبر، بالكسر، ورووا أنه يقال: كعب الحبر، بالكسر؛ فمن جعله وصفا له نون كعبا، ومن جعله المداد لم ينون وأضافه إلى الحبر. وجمع الحبر: الأحبار، يستوي فيه العالم والمداد. قال الله تعالى: (الأَحْبَارِ والرُّهْبَانِ) وهذا يقوي قول من كسر الحاء في الحبر في العالم؛ لأن الأفعال ليس بقياس في جمع الفعل مفتوحا، وإن كان قد جاء في مثل: فرخ وأفراخ، وزند وأزناد. ومن هذا سميت الحبر من البرود.

وأما قوله: والقسم: النصيب، يعني بالكسر، والقسم: المصدر، يعني بالفتح؛ فإن الاشتقاق والأصل فيهما واحد، إلا أنهم فرقوا بين اسم النصيب منه وبين اسم الفعل بالفتح والكسر، وكان الفتح بالمصدر أولى. والعامة تضع أحدهما في موضع الآخر. وأما قوله: والصدق: الصلب، والصدق: خلاف الكذب؛ فليس الصدق من الصلابة في شيء، لا في معنى ولا في لفظ، ولكن أهل اللغة أخذوا ذلك من نعت وجدوه في بيت شعر، فظنوا أنه من الصلابة في كل شيء، وفي كل موضع وهو في قول الشاعر في نعت رمح: في حالك اللون صدق غير ذي أود والرمح قد ينعت بالتقويم، كما ينعت بالصلابة، وينعت بالتمام والطول وبغير ذلك فإنما معنى قول الشاعر في الرمح: الجامع للأوصاف المحمودة الكامل، ولم يرد الصلابة دون غيرها./ والصدق لا يدل على الصلابة، وهو مما ينعت به غير الرمح من الأشياء التي لا صلابة لها، كقول رؤبة في صفة عيون الكلاب: مقذوذة الآذان صدقات الحدق وإنما يعني حدة البصر، وقوله أيضا في الفرس: والمرئي الصدق يبلى صدقا ولذلك قال "الخليل": الصدق: هو الكامل من كل شيء، وقال: يقول: هو الرجل الصدق، والمرأة الصدقة، وقوم صدقون، ونساء صدقات، وليس يراد في واحد من

هؤلاء شيء من الصلابة، ولكنه على وصف الكمال. وقال "الخليل" أيضا: إذا أضفت الرجل أو المرأة أوغيرهما إلى الصدق المكسور، فإنما يريد به: نعم الشيء هو، كقولك: رجل صدق، وامرأة صدق، وثوب صدق. وإنما الصدق، بالفتح، من الصدق، بالكسر بعينه. والمعنى: أنه يصدق في نعته من صلابة أو قوة أو جودة أو لين، أو غير ذلك، ونظيره قول العرب: هذا تمر صادق الحلاوة، وخل صادق الحموضة، وليس الصدق من الحلاوة ولا الحموضة في شيء. ولكنها إذا تمت في الشيء فكأنها صادقة، وإنما الصدق واصفها بالكمال، وكذلك رجل صادق المودة، أي كامل المودة، ولذلك قيل: هو رجل صدق، وثوب صدق، وليس هناك صدق، وإنما يعني: نعم الرجل، ونعم الثوب، أي لا يكذب في فضله وكماله وجودته، ولكنه خالص صادق الفضل والجودة. وإنما جعل النعت للأشياء من هذا مفتوحا، فقيل: رمح صدق، وكسر المضاف ليه، فقيل: صدق، للفرق بينهما؛ ولأن الكذب ضد الصدق ويقال فيه: كذب بالكسر والسكون، /وليس يستعمل الصدق في كل شيء صلب، فيكون كما قال ثعلب، ولا يقال: حجر صدق ولا حديد صدق، ولا يقولون: صدق القناة كما يقولون: صلب القناة، ولو كان الصدق الصلب، كما ذكر، لقيل ذلك. وأما قوله: خل سربه، بالفتح، وهو آمن في سربه، أي في نفسه؛ وليس معنى في سربه: في نفسه، ولا يقال: هو آمن في سربه، إلا لمن أمن في ماله وأهله وولده فأما من أمن في نفسه وحدها، وخيف على كل شيء له، فلا يقال له: هو آمن في سربه. وقد قال "الخليل": رأيت فلانا منساح السرب، كأنه يريد سعة الرزق والبلد. وربما قالوا: هو آمن السرب، يريدون القلب. وهذا يدل على أنه لا يسكن قلبه، إذا خاف على أهله أو ماله وولده، فهذا معنى قوله في نفسه. وإنما السرب ههنا ما للرجل من أهل ومال، ولذلك يسمى قطيع الإبل والظباء والنساء ونحوه: السرب، فكأن الأصل في

ذلك أن يكون الراعي آمنا في سربه، أو الفحل آمنا في سربه، فاستعمل في ذلك الأشياء من غير الرعاة اتساعا، واستعارة لكل ما شبه به؛ ولهذا كسرت السين. وفي حديث النبي صلي الله عليه: "من أصبح آمنا في سربه، غاديا عليه قوت يومه، معافي في بدنه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذفيرها" فهذا الحديث يقوي ما شرحناه من معنى سربه. وقد روى هذا الحديث قوم بالفتح، فإن صحت لهم الرواية، فإنما معناه: المال خاصة؛ لأن "الخليل" قد ذكر أن السرب مال القوم. والجمع: السروب، على الفعول. والفعول يدل في الجمع على فتح السرب. وقال أيضا: فلان آمن السرب، أي: لا يغزى نعمه من عزه. وأما قوله: خل سربه، بالفتح؛ فإنما معناه: خل سبيله، أو طريقه أو ماله أو نحو ذلك؛/ وهو من قولهم: سرب الماء يسرب سربا وسروبا، إذا جرى. وأما قوله: وجزع الوادي جانبه. وقال ابن الأعرابي: معظمه؛ يعني بكسر الجيم. والجزع: الخرز، يعني بالفتح؛ فإن كان أصل ذلك كله واحد، وهو: القطع، يقال: جزعت الوادي والقارة، إذا قطعتها عرضا وسلكتها. وإنما سمي منعطفه وجانبه جزعا؛ لأنه حيث ينقطع الوادي. والجمع: الأجزاع وهذا دليل على كسر أول الجزع، الواحد منه. وأما الخرز، فليس كل الخرز يسمى جزعا. وإنما الجزع منها: المجزع، أي المقطع بالألوان المختلفة، وقد قطع سواده ببياضه، أو بنحو ذلك؛ ولذلك قيل: لحم مجزع، إذا كثر فيه الشحم؛ لأنه يقطع حمرة اللحم ببياضه. وفتح أول جزع الخرز؛ للفرق بينه وبين الأول، وهو جمع. وواحدته: جزعة؛ كأنها سميت بالمرة الواحدة من قولك: جزعته جزعة، قال الشاعر: كأنها جزعة يمانية وقال امرؤ القيس يشبه عيون الخيل المذبحة بالجزع:

كأن عيون الوحش، حول خبائنا وأرحلنا الجزع، الذي لم يثقب والجزع بالفتح أيضا مصدر قولك: جزعت الوادي والقارة جزعا، أي قطعته. وأما قوله: والشف؛ الستر الرقيق، والثوب أيضا، والشف: الفضل؛ فإن المفتوح والمكسور منهما يرجعان إلى معنى واحد، ولكن قد فرق باختلاف الحركتين بينهما، فسمي المفتوح منهما بالمصدر، وسمي المكسور بغير المصدر. وقد قدمنا شرح معنى الشف قبل هذا الموضع، وهو: بلوغ الغاية في كل شيء، وأخذ الفضل منه. ومن ذلك قولهم: "إذا شرب اشتف"، أي لم يبق من الشراب شيئا في الإناء، وشرب شفافته. وفي الحديث: "الذهب بالذهب،/ والفضة بالفضة، مثل بمثل لا تشفوا بعضها على بعض". والشفوف: نحول الجسم. وإنما قيل للثوب الرقيق: شف؛ لفضله على الغليظ في الضوء، الذي يرى من ورائه. وليس يقال ذلك إلا لكل ثوب نفيس مع رقته؛ ويدل على ذلك قول عدي بن زيد: زانهن الشفوف ينفحن بالمسـ ـك وعيش مفانق وحرير وقال " الخليل": الشف، بالفتح من المهنأ، يقال: شف لك يا فلان، إذا غبطته بشيء قلت ذلك له. وأما قوله: والدعوة في النسب، والدعوى إلى الطعام وغيره؛ فإن الأصل في ذلك واحد، وإن كانت الدعوة في النسب مكسورة الأول، وفي الدعوى إلى الطعام مفتوحة الأول؛

لأنهما من قولك: دعوت أدعو، ولكن تكلم في النسب على مثال فعلة، بمعنى الهيئة والنوع، ولذلك كسرت، وفتحت الأخرى؛ لأنها سميت بالمرة الواحدة، من قولك: دعوت دعوة واحدة، وكل واحدة منهما يجوز فيها ما جاز في الأخرى، إذا أريد بها ذلك المعنى، غير أن الاستعمال جرى على ما ذكر؛ للفرق بينهما. ومنهم من يجعل بدل الواو في المكسورة ياء للفرق، ولاتباع الكسرة، فيقول: دعية، وذلك لمن انتسب إلى غير أبيه، وليست بالجيدة. وأما قوله: والحمل: ما كان على الظهر، والحمل: حمل المرأة، وحمل النخلة، والشجرة، يفتح ويكسر، فإن أصلهما واحد. وإنما المفتوح مصدر سمي به على الاتساع والاستعارة وإرادة الفعل، ولو عني هذا المعنى فيما كان على [الظهر] أيضا، لجاز فتحه. والدليل على ذلك أنك إذا استعملت فعلهما حال المصدر منهما كليهما بالفتح تقول: حمل يحمل حملا، ولكن جرى الاستعمال في المحمول على الظهر ونحوه بإلزام اسمه الكسر، على معنى النوع/ والهيئة وللفرق بينه وبين غيره، فاعتيد ذلك؛ ولذلك سمي المال المحمول حملا، وجمع على: الحمول ولم يكسر، وليس ذلك من أجل الظهر والبطن، ألا ترى أن ثمرة النخلة والشجرة ظاهرة فوقهما، غير باطنة، وهي تسمى حملا بالكسر أيضا. وإنك تقول لمن يحمل على ظهره: إنه لقوي، على الحمل، وضعيف عن الحمل، فتفتح. وقد حكي "الخليل" أن قوما يقولون: ما كان مفارقا للشيء وهو حمل بالكسر، وما كان متصلا أو باطنا وهو حمل بالفتح، كحمل الإناث في بطونها أولادها. وأما قوله: المسك: الجلد، والمسك: الطيب؛ فإن المسك بالفتح عربي محض، وجمعه: مسوك: وهو: الإهاب. ولكن أصله مأخوذ من مصدر غير مستعمل الفعل إلا أن منه الإمساك؛ وذلك أن الجلد هو الذي يمسك الجسد وجميع ما فيه. وقال "الخليل": يقال: سقاء مسيك، أي كثير الأخذ للماء. ويقال في فلان إمساك

ومساك، أي بخل ومسكة، والمسكة من الطعام والشراب: ما يمسك الرمق. والمسكة: ضرب من حلي الأعراب، يجعل في اليدين؛ إما من القرن، وإما من العاج، ونحو ذلك. وأما المسك، بالكسر، وهو الطيب، فإنه فارسي معرب، وهو بالعجمية بالشين المعجمة وبضم الميم، فلما عرب غيرت حركته إلى الكسر، وشينه إلى السن وشبه بالمسك الذي هو جلد؛ لأنه جلدة قد قرت فيها الدم، واستحال طيبا، فوافق في اشتقاقه "المسك". وإنما المشك بالعجمة، اسم الفأر، وهو ضرب من الظباء، أو أمثال الظباء، تقطع سراتها، وتدفن مدة، حتى يستحيل ما فيها من الدم طيبا. والمسك: اسم الجنس منه، وواحدة: مسكة. وتسمى حلدته، النافجة، وهو تعريب النافة، وهي بالفارسية السرة. وأما/ قرن زيد في القتال، وهو قرنه أي على سنه؛ فإنما كسر القرن في القتال؛ لأنه بمعنى القرين والمقارن، والشكل والمشاكل، والخدن والمخادن ونحو ذلك، وهذا المعنى لا يكون إلا بالكسر. وقد قدمنا سرح هذا في أبواب. وجمع القرن: أقران، مثل أشكال وأخدان وأمثال. ومعنى القرن: الذي يساويه ويوازيه ويعدل به. وأما القرن، بالفتح، فإنما هو في الأصل اسم لأهل كل عصر، وجمعه: القرون على فعول، كما قال الله تعالى: (وقَدْ خَلَتِ القُرُونُ مِن قَبْلِي). ويقال إن القرن اسم من أسماء الأزمنة. وكل قرن: سبعون سنة. وأصله من الأول؛ وذلك أن أهل كل عصر أشكال ونظراء وذوو أسنان متقاربة، وكل واحد منهم قرن للآخر، ولكن فتح أول هذا للفرق بينه وبين الأول؛ لأن ذلك الاسم اسم للواحد لزمه، وهذا اسم لأمة. فكأنك إذا قلت هو قرنه عنيت أنه على سنه، فإنما معناه أنه من أهل قرنه، أو من أسنان قرنه، ولكن حذف واختصر تخفيفا. وأما "الخليل": فذكر أن القرن، بالكسر، الذي هو في السن مثلك، أو لدتك. وهو القياس الصحيح، بمنزلة الترب.

وأما قوله: هو شكله، أي مثله، والشكل: الدل؛ فإن الشكل بالفتح إنما سمي بالمصدر، كما قيل رجل عدل، أي عادل؛ ولذلك وضع الشكل موضع مشاكل يقال: هذا شكل هذا، وهذا ضرب هذا. ويجمع على: الأشكال، كما يقال للمثل: أمثال؛ لأنه في معناه، وقياسه: الشكول، ولو استعمل هذا بالكسر لكان صوابا؛ لأنه بمعنى فعيل ومفاعل، ولكنه فتح للفرق بينه وبين الدل كما قيل للدل: شكل بالكسر. وروى "الخليل" الشكل، بالفتح، في الدل على بناء البل، وهما من أصل واحد،/ وهو اختلاط الشيء بالشيء؛ لأن الشكلة: حمرة مخالطة للبياض. وكذلك الشكل مخالط لشكله في الأخلاق، أو غير ذلك. والدل أيضا فنون مختلطة من الأخلاق المستحسنة. وأما قوله: ما بها آرم، أي أحد على وزن عارم، والإرم: العلم، فإن قوله آرم، على وزن فاعل، كلام لا يستعمل إلا في النفي خاصة، يقال: ما في الدار آرم وآرمي، بمعنى ما بها أحد. وأما الإرم، على بناء فعل، بكسر الأول وفتح الثاني، فإنه مما ينصب في الطريق والمفازة، من الحجارة، ليهتدى بها، وهي أعلام، وبها سميت "إرم ذات العماد" وأصلهما واحد؛ لأن الآرم على بناء الفاعل، إنما هو اسم للذي ينصب الإرم، وهو العلم، فمعنى قولهم ما بها آرم، أي ما بها ناصب علم؛ لذلك قيل: معناه ما بها أحد. وقد حكى "الخليل" أنه يقال: ما بها إرم بكسر الأول وفتح الثاني، فكأن المعنى ما بها علم. قال: ويقال: ما بها إرمي، بالياء المشددة، فكأنه يقول: ما بها أحد، ونسبه إلى العلم، أي ذو إرم. وأما قوله: والجد في النسب، والجد: الحظ، مفتوحان. ويروى: ما أتاك في الشعر من قوله: أجدك بالكسر، وإذا أتاك، وجدك مفتوح، فإن الجد بالفتح في النسب

أب الأب، فمن فوقه، وهو أصل الرجل الذي يعرف به، ومنه وإليه. والجد: الحظ أيضاً/ مفتوح مثل الحظ، وهو بخت الإنسان الذي يسعد به، وينال الخير، وهما مصدران قد سمي بهما من قولهم: جد الرجل جدا، وهو مجدود، أي أخذ به في السعادة والرزق، أو قصد به في النسب إلى أصله الصحيح. فأما قوله: يروي ما أتاك في الشعر من قوله: أجدك، بالكسر، فكان الواجب عليه تبيين ذلك؛ لأن المتعلم لا يقف على ما أشار له إليه./ وإنما معناه أن كل ما كان في أوله ألف الاستفهام، فإنه مكسور الأول؛ لأنه يراد به الجد في الأمر، والمضي فيه، والانكماش وترك السهو والتواني؛ لأن الجد ضد الهزل، يقال: أبجد هذا القول منك، وأجدك، هذا كله مكسور لأن معناه الحقيقة والمضي في العزم، وهو أيضا اسم موضوع موضع المصدر وتقول: قد جد في أمره يجد جداً، فكان الفتح بالمصدر أولى، ولكن فرق بالكسر بين هذا وبين الأول. ومنه قول الأعشى: أجدك ودعت الصبا والولائدا وقوله: أجدك لم تسمع وصاة محمد نبي الإله، حين أوصى وأشهدا وإنما قوله: وإذا أتاك وجدك، فهو مفتوح، فإنما معناه إذا جاء في الشعر بعد الواو فتحت الجيم، وذلك لأن الجد ههنا هو أب الأب، والحظ لا غير. والكلام في موضع القسم واليمين، وهذه الواو التي قبل جدك، إنما هي واو القسم المبدلة من باء الإضافة، ولذلك كان الجد بعدها مجرورا، كما تقول للرجل: وجدك وحياتك، فلذلك كانت الجيم مفتوحة.

وأما قوله: والوقر: الحمل، والوقر: الثقل في الأذن، فإن الوجهين جميعا يرجعان إلى معنى واحد، وهو الثقل، إلا أنهم فرقوا بين الثقل على الظهر والثقل في السمع، بالفتح والكسر على نحو ما شرحنا، في سائر ما قدمنا. وقد مضى لنا شرح كثير من هذا الباب، فمن ثقل السمع قول الله عز ذكره: (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وقْرًا). يقال: وقرت أذنه تقر وقرا. وقال الشاعر: كم كلام سيء قد وقرت أذني عنه وما بي من صمم والوقر، بالكسر: حمل بغل أو حمار أو جمل. وجمعه: الأوقار. وقد أوقرت الحمار إيقارا، أي حملت/ عليه وقرا تاما، وهو على وزن الحمل. وأما قوله: واللحى، بفتح اللام، وثلاثة ألح، واللحية مكسور اللام. وجمعها: لحى، فإن أصلهما واحد. فأما اللحى، بالفتح بغير تأنيث، وهو عظم الفك الذي فيه الأضراس والأنسان، بلحمه وجلده، أو على الانفراد أيضا. وأما اللحية، بالكسر مع التأنيث، فاسم ما ينبت على الفك من الشعر على اللحيين جميعا. وجمعهما: لحى، بكسر اللام، على وزن فعل، مثل كسرة وكسر، على اللفظ. وفي لغة بعضهم: لحى، بضم اللام، كما قيل في جمع قرية: قرى؛ لأن الكسر والضم أخوان في الثقل، والاعتلال. وفي الحديث: "أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى". وأما الألحى جمع اللحى، المفتوح، فهو مثال أدنى العدد على أفعل، بضم العين، ولكن كسرت الحاء للياء التي بعدها، فإذا كثر فهي اللحاء، ممدود بكسر اللام، على فعال، والألحاء على أفعال، ولحي على مثال فعول، وتقلب واو فعول إلى الياء التي بعدها. وفي لغة: لحي بكسر اللام

أيضا. والعامة تكسر اللام من اللحى واللحية كلاهما، ولا تعرف الفرق بين العظم واللحم وبين الشعر. فأما قوله: والفل: الأرض التي لا نبات بها، وقوم فل، أي منهزمون فإن أصل هذين أصل واحد، ومعناهما شيء واحد، وهو من قولهم: فللت السيف أو السكين، وانفل هو إذا ثني حده وتكسر؛ ولهذا قيل: فللنا القوم فلا، أي هزمناهم، وقد انفوا، أي انهزموا. وإنما سموا فلا بالمصدر، كما قيل هم عدل. والأصل فيه أن يقال: مفلولون. ومنه قيل: سيف أفل. ومنه قول أبي كبير الهذلي: فعلوته بأفل يحسب أثره نهجا أقام بذي قريع مخرف والفلول مصدر منه ايضا. وقد يكون الفلول جمعا للفل أيضا. قال النابغة:/ ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب ولهذا المعنى قيل للأرض التي لا نبات فيها ولا شجر: الفل. وجمعه: أفلال. ولكن فرق بفتح الفاء وكسرها بين نعت القوم ونعت الأرض، وبين الفل على بناء القي، وهو القواء من الأرض، الذي لا شيء فيه. والعامة تفتح أول كل هذا، ولا تفرق بين الأرض والقوم. وأما قوله: ومرفق الإنسان، مفتوح الميم، وإن شئت كسرت. والمرفق ما ارتفقت به، فإن أصل هاتين ايضا اصل واحد. ومعناهما جميعا من الرفق والارتفاق، إلا أن الميم إذا زيدت في أولل مكان أو زمان أو مصدر فتحت، فقيل: مرفق، كما يقال منزل ومجلس ومذهب ومدخل ومخرج. وإذا زيدت في أول أداة تستعمل أو آلة يرتفق بها وينقل كسرت فقيل مرفق، مثل مخيط ومكتل ومسورة ومرفقة، ونحو ذلك. وإنما أجاز الفتح والكسر في مرفق اليد من الإنسان؛ لأنه يصلح أن يكون موضع الارتفاق فيفتح لذلك،

وأن يصلح أن يكون أداة وآلة، يرتفق بها، فيكسر لذلك. فأما ما ارتفقت به ولم يكن مكانا ولا زمانا ولا مصدرا، فلزمه الكسر؛ لأنه آلة تستعمل. ولو عني به الموضع ونحوه لجاز فتحه أيضا. وقد حكى ذلك أبو زيد عن العرب بالفتح. وأما "الخليل" فذكر أن المرفق مكسور في كل شيء، من المتكأ واليد والأمر كقوله تعالى: (ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا) أي رفقا بكم وصلاحا لكم في أمركم. وإن المرفق، بفتح الميم مرفق الدار كالمغتسل والكنيف ونحو ذلك. وقد قدمنا شرح هذا قبل هذا الباب. وإنما ذكر هذا؛ لأن العامة تفتح جميع ذلك، ولا تعرف الفرق بين المعنيين واختلاف اللفظين./ وأما قوله: والنعمة: التنعم، والنعمة: اليد وما أنعم به عليك، فإنهما جميعا من أصل واحد، وهو النعيم والتنعم والإنعام، ولكن خولف بين الأبنية، فوضعت النعمة بالفتح اسما للمرة الواحدة من التنعم، فلذلك فتحت مثل قولهم: ضربته ضربة وشربت شربة، وأكلت أكلة، ونحو ذلك. ووضعت النعمة، بالكسر اسما للنوع من التنعيم والهيئة منه مثل قولك: سار سيرة حسنة، ومات ميتة سوء، ونحو ذلك. والعامة تكسر ذلك جميعا، ولا تعرف الفرق بينهما، ولونوت النوع من الوجهين لكان ذلك صوابا. والفعل من هذا على نعم ينعم، بكسر الماضي وفتح المستقبل وفي لغة بكسر الماضي والمستقبل نعم ينعم، على غير القياس، مثل قولهم: ولي يلي. وينشد قول امرئ القيس: ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي وهل ينعمن من كان في العصر الخالي على الوجهين جميعا. ومن هذا قولهم: نعم الرجل زيد، واصله: نعم، على فعل بفتح الأول وكسر الثاني؛ لأنه فعل ماض، ولكن خفف، بتسكين العين، وتحول كسرتها

إلى النون، كما قد شرحناه، في كتاب "الإرشاد"، وكتاب "الهداية" وغيرهما من كتب النحو. وأما قوله: والجنة: الجن، والجنون أيضا، والجنة: البستان، والجنة: السلاح؛ فإن أصل ذلك كله من الاجتنان، وهو الاستتار بالشيء، ولذلك قيل لظلام الليل: جنان الليل، وإنما سميت الجن جنا، لاستتارها عن الناس. والجنة اسم لها، كالغلمة والصبية. وقال: "الخليل": الجن جماعة ولد الجان، والجنة جميعهم. والجان: أبو الجن. ومنه قول الله عز ذكره: (ولَقَدْ عَلِمَتِ الجِنَّةُ إنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ). وأما قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) فيصلح/ أن يكون معناه الجنون، بمنزلة اللمة من اللمم، وأن يكون معناه الجن. وإنما جاءت الجنة اسما للجنون، كما قيل به: علة، على فعلة اسما للاعتلال، وكما جاءت الريبة ونحوها. وقال "الخليل": المجنة: الجنون، بالميم، وفيه يقول الشاعر: وإني من القوم الذين دماؤهم شفاء من الداء المجنة والخبل وأما الجنة بالفتح اسم البستان، فإنما سمي البستان بمصدر المرة الواحدة، على فعلة، وسمي جنة؛ لاجتنان كل شيء منه من الأشجار والأنبات. وأما الجنة بضم الجيم اسم السلاح واسم لما يستتر به من السلاح، كما قيل لما يلعب به: لعبة، ولما يخدع به: خدعة على مثال فعلة. يقال: قد اجتن واستجن، أي أستتر؛ ولذلك سمي الترس: المجن، وجمع: المجان. وفي الحديث: "كأن وجوههم المجان المطرقة" يعني الترك.

وأما قوله: والعلاقة: علاقة السوط ونحوه، وعلاقة الحب، بالفتح، فإن المعنى فيهما يرجع إلى أصل واحد، وهو ما يعلق بالشيء، ويعلق به الشيء إلا أنه قد فرق بينهما، بالكسر والفتح، فجعل الكسر في أول ما كان آلة تستعمل مثل الغلالة والعمامة والقلادة، على وزن فعالة، وهي: خيط أو سير يكون في طرف السوط، يعلق به. وجعل الفتح في كل ما كان من هذا مصدرا، كقولك: علقت فلانة علاقة، أي أحببتها محبة شديدة؛ لأن مصادر أمثال هذا تجيء على الفعالة؛ كالشماتة والسماحة والصباحة والملاحة. والعامة تكسرهما جميعا، ولا تفرق بين المصادر وغيره، قال المرار: أعلاقة أم الوليد بعدما أفنان رأسك كالثغام المخلس/ وقال "الخليل": يقال: علقت بقلبي علاقة حبتي، وفي نفسي منها علاقة بالفتح، وجمعها: العلائق، وأنشد لجرير: أو ليتنا لم تعلقنا علائقها ولم يكن داخل الحب الذي كانا قال: وتقول: علق فلان بفلانة إذا أحبها علاقا وعلاقة، وعلقها تعليقا كما قال الأعشى: علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعلق أخرى عيرها الرجل

وأنشد في العلق لجميل: ألا أيها الحب المبرح هل ترى ذا علق يفري بحب، كما أفري وقال أيضا: وهما العشق. ومن أمثال اللعرب: "نظرة من ذي علق" وقال ذو الرمة: وقد علقت مي بقلبي علاقة بطيئا على مر الليالي انحلالها وقال "الخليل": العلاقة، بالكسر: ما تعلق به الرجل من صناعة أو ضيعة أو معيشة تقيمه، أو ما ضرب إليه يده من الأمور، التي يحاولها، ومن الخصومات ونحوها. ومن هذا قول الراجز: أرسلها عليقة وقد علم أن العليقات توافين الرقم وأما قوله: وحمالة السيف بالكسر، والحمالة بالفتح: ما لزمك من غرم في دية؛ فإن معناهما يرجع إلى أصل واحد، وهو من حمل الشيء واحتماله، ولكن فرق بالكسر والفتح بين ما كان منه آلة تستعمل، وبين ما كان مصدرا، كقولك: حمالة السيف بالكسر، وهو سيره الذي يعلق به، ويسمى المحمل أيضا، بكسر الميم، كما قال الهذلي:/ ما إن يمس الأرض إلا منكب منه وحرف الساق طي المحمل وأما ما يلزم من الغرم في دية أو غيرها؛ ففتح؛ لأنه مصدر، فقيل: حمالة، وجمعها: حمالات. وجمع الأول: حمائل. والعامة لا تفرق بينهما وتفتحهما جميعا.

وأما قوله: والإمارة: الولاية، والأمارة: العلامة؛ فإن الإمارة بكسر الأول اسم للصناعة، على وزن الصياغة. وكذلك اسم كل صناعة، نحو الولاية والوكالة والحياكة والنساجة. وأما الإمارة بالفتح، فاسم العلم المنصوب في الطريق؛ ليهتدي به. وكل علامة أو آية تدل على شيء، فهو أمارة له، بالفتح، على وزن العلامة، وكل ذلك من الأمر؛ لأن الإمارة، بالكسر اسم للأمر والنهي، وبالفتح اسم ما يستدل به؛ فكأنه يأمر وينهى بدلالته. والعامة لا تفرق بينهما فتكسرهما جميعا. وأما قوله: ولك علي أمرة مطاعة، والإمرة: الإمارة؛ فإن الأمرة المطاعة إنما هي المرة الواحدة من الأمر؛ ولذلك فتحت وبنيت على فعلة، بمعنى: أنا أطيعك في أمر واحد، لا أكثر منه. وأما الإمرة من الإمارة، فكسرت؛ لأنها بمعنى النوع من الأنواع، مثل: الركبة والجلسة، وقد شرحنا ذلك، في مواضع كثيرة. والعامة تكسرهماجميعا، ولا تفرق بينهما، ولو عرفت الفرق وكسرتهما على معنى إرادة النوع، لما كانت مخطئة. وأما قوله: وهي بضعة من لحم، وهم بضعة عشر رجلا، فإن البضعة اسم للمرة الواحدة، والقطعة الواحدة من الشيء، ولذلك فتحت كما تقول: قطعته قطعة واحدة. قال "الخليل": يقال: بضعت اللحم أبضعه بضعا، وبضعته تبضيعا، إذا جعلته قطعا. والبضعة: / القطعة الواحدة، وهي: الهبرة. وإن فلانا لشديد البضع والبضعة وحسنها، إذا كان ذا جسم حسن وسمن. وأما قوله: بضعة عشر رجلا؛ فاسم كني عن بعض العدد الذي هو دون العقد والعشر، كالستة والسبعة؛ فصارت اسم الصنف والجنس. والعامة تكسر الجميع، ولا تفصل بينهما. والبضع والبضعة من العدد مبهم، غير محدود ولا مؤقت وهو ما بين الثلاثة إلى السبعة، قال "الخليل": وبهذا يفسر قول الله عز ذكره: (فِي بِضْعِ سِنِينَ)

أي سبع سنين. قال: ويقال: هو ما بين الثلاثة إلى العشرة. وإنما صار مبهما؛ لأنه بمعنى القطعة، والقطعة ليست بمحدودة. وأما قوله: وفي الدين والأمر عوج، وفي العصا عوج؛ فإن يعني أن الدين والأمر معنيان، موهومان، غير معاينين، كأنهما لا شخص لهما. والعصا شخص معاين، كالحائط والجسد، وما أشبه ذلك؛ ففرق بكسر الأول وفتحه بين هذين المعنيين. وليس السبب فيهما ما قيل، ولكن العوج بفتحتين مصدر، ففتح؛ لأن الفعل من هذا إنما هو على: فعل يفعل، بكسر الماضي وفتح المستقبل، يقال: عوج يعوج عوجا، فهو أعوج، والأنثى عوجاء، والجميع عوج. وأما العوج مكسور الأول، فاسم موضوع على غير الفعل لهذا المعنى، واستعمل المصدر بمعناه وكذلك المعنى. ومنه قول الله تعالى: (ولَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا). وقوله: [تعالى]: (وتَبْغُونَهَا عِوَجًا). وقد قال [تعالى] في الأرض- وهي معاينة لها شخص: (لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ولا أَمْتًا) بالكسر أيضا. وأما قوله: والثفال: جلد أو كساء، يوضع تحت الرحىِ، يقع عليه الدقيق، والثفال: البعير البطيء، فإنهما يئولان إلى معنى واحد في الاشتقاق؛ لأن ثفل كل شيء ما وزن منه وسفل/ ونزل لثقله، والدقيق ينزل من الرحى إلى ما في أسفل الرحى. والجمل الثفال: هو الذي يبطئ في السير لثقله، والدقيق ينزل من الرحى إلى ما تحتها لثقله؛ ولكن فرق بالفتح والكسر بين جلد الرحى وبين الجمل؛ لأن الثفال بالكسر مثال ما كان أداة تستعمل، كالإزار والرداء والبساط والفراش. والفعال صفة للشيء العظيم، كالرداح والعقام واللقاح ونحو ذلك. وفي جلد الرحى يقول عمرو بن كلثوم:

يكون ثفالها شرقي نجد ولهوتها قضاعة أجمعينا وأما قوله: واللقاح مصدر لقحت الأنثى لقاحا، وحي لقاح، إذا لم يدينوا للملوك، ولم يصبهم سباء في الجاهلية. واللقاح؛ جمع لقحة، وإن شئت لقوح وهي التي نتجت فهي لقوح شهرين أو ثلاثة، ثم هي لبون بعد ذلك، فإن اللقاح بالفتح مصدر على فعال مثل الذهاب، ويكون وصفا كالثفال والرداح واللقاح، ويجوز أن يكون سمي الحي اللقاح بهذا المصدر، على التشبيه بالناقة التي لقحت، كأنهم لقحوا ولم ينتجوا، إذا لم يسبوا ولم يدانوا. وأما اللقاح بالكسر على فعال فجمع الناقة اللقوح، وهي التي لقحت، أي حملت، بنيت على فعول للمبالغة، وقد تسمى لقحة أيضا، وجمعها لقح. وقد يجمع اللقوح على لقائح. والعامة لا تعرف الحي اللقاح، لا بالفتح ولا بالكسر، وتعرف ألبان اللقاح. وأما قوله: والخرق من الرجال: السخي والجواد، والخرق من الأرض: التي تخرق في الفلاة؛ فإن معناهما جميعا يرجع إلى أصل واحد، هو الاتساع. وذلك أن الخرق من الرجال: السخي الذي يتسع بالعطية، والخرق من الأرض بالفتح: اسم لما استع من الفلوات، فكسر/ أحدهما وفتح الآخر؛ للفرق بينهما. والمفتوح في الأصل مصدر سمي به. والعامة لا تفصل بينهما، بل تكسرهما جميعا. وأما قوله: وعدل الشيء مثله، والعدل القيمة، فإن عدل الشيء بالكسر بمنزلة مثل الشيء ونظيره، ومعناه معنى عديل الشيء، وهو وصف صحيح من باب المفاعلة، فلذلك جاء مكسورا. ومن ذلك قولهم في الدعاء: لا عدل لك، أي لا مثل لك، ومنه قيل لعدلى

الجمل [عدلان] بالكسر؛ لأنه قد سوي أحدهما بالآخر ومنه: جعلت فلانا عدلا لفلان. قال "الخليل": العدل: مثل الشيء سواء بعينه، لا يخالفه في قليل ولا كثير، وهما معتدلان. وأما العدل الذي هو قيمة الشيء فسمي بالمصدر من قولك: عدلته أعدله عدلا، إذا ساويته به؛ لأنه من قولك: عدل في الحكم عدلا، وهو ضد الجور، وبه سمي الرجل: عدلا. والعدل: الحكم بالحق. ومنه قوله تعالى: (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) أي يكون مثله في العدل والحق، ولكن خص بالمصدر، ليكون مفتوحا فلا يلتبس بالعدل وقيمة كل شيء مثله في المعنى؛ ولذلك قلنا إنهما يرجعان إلى معنى واحد. ومن القيمة قول الله تعالى: (وإن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا) أي إن تفتد كل فداء لا يقبل منها. والفداء قيمة كل شيء. وقال "الخليل": ومنه قولهم: قد عدلت الشيء، أي أقمته؛ لئلا يميل عدلا، حتى اعتدل. وأنشد قول الشاعر: صبحت بها القوم حتى امتسكـ ـت بالأرض أعدلها أن تميلا ومنه قولهم: عدلت فلانا عن طريقة، وعدلت الدابة إلى مكان كذا وكذا، عدلا، أي عطفته وصرفته فانعدل، فهو لهذه المعاني، ليس للقيمة وحدها كما/ قال أحمد ابن يحيى. فهذا تفسير جميع هذا الباب.

تصحيح الباب السابع عشر وهو المترجم بباب المضموم أوله

تصحيح الباب السابع عشر وهو المترجم بباب المضموم أوله وهذا أيضاً مما قد خلط فيه ضروبا مختلفة، مما ينضم أوله، ولم يميز كل صنف منها على حدته. ونحن مفسروه على ما رتب، على سبيل ما شرحنا غيره: فمن ذلك قوله: تقول لمن اللعبة، وهذا باب فعلة، بضم الفاء، ويشترك فيها أشياء مختلفة؛ لتقارب ما بينها على اختلافها؛ فمنها: ما يكون لمقدار الشيء، كالغرفة والأكلة والجرعة، أي مقدار ما يغرف ويؤكل ويجرع. ومنها ما يكون لما يفعل به؛ كاللعبة، التي يلعب [بها]، والهزأة، لمن يهزأ به، والسخرة، لمن يسخر به. ومنها ما يكون اسما للون، يجري مجرى المصادر، كالحمرة والشقرة، والصفرة والخضرة، والكلفة والحوة. ومنها ما يكون كالآلة، يستعد [بها]، كالأهبة والعدة والسفرة. ومنها ما يكون للفضلة من الشيء والزيادة فيه، كالغرلة والقلفة والجلدة. ومنها ما يكون جمعا لفاعل في الوصف، كقولهم: روقة وفرهة وسوقة، ونحو ذلك، وهو كثير، وإنما اشتركت فيه الأشياء في هذه البنية من الفعل؛ لتقارب معانيها. واللعبة فعلة من اللعب، واللعب ضرب من الهزل والعبث واللهو، يقال: لعب الرجل يلعب لهبا، فهو لاعب، كثير اللعب. ولعبة بسكون العين، يلعب به، لعبة

كالشطرنج والنرد والصورة المتخذة للنساء من العاج والخشب وغير ذلك لعبة؛ لأنها يلعب بها؛ ولذلك قيل للنساء: هن لعب الرجال. وملعب/ الصبيان والجواري، وغيرهن: المكان الذي يلعبون فيه، وهي الملاعب، كما قال ذو الرمة: كأنه دملج من فضة نبه في ملعب من جواري الحي مقصوم والملعبة: ثوب للصبي يلعب فيه. واللعاب: الذي صناعته وعمله اللعب. وليس قوله: لمن اللعبة، بالضم، صوابا كما زعم؛ لأن ذلك ليس يقال عند السؤال عن الشطرنج، لمن هي؟. وإنما يقال هذا عند المسألة، عمن وجب له اللعب، وأن يعلب. وإنما الصواب أن يقال فيه: لمن اللعبة، بالفتح؛ لأن اللعبة ههنا اسم للمرة الواحدة، وهي لعبة لك، وملعبة لملاعبك، ولو كنت تسأل عن الشيء الذي يعلب به، لكان الضم صوابا، وكان معناه: لمن الشطرنج. والعامة تقول: لمن اللعبة بالكسر، كأنهم أرادوا النوع من اللعب، وأرادوا تخفيف اللعبة، بتسكين العين وتحويل الكسر منها للى اللام، وهذان الوجهان أصوب مما اختاره ثعلب. وأما قوله: وهي القلفة والجلدة، فإن القلفة هي الجلدة بعينها، وهي ما فضل من جلد "المختون" عن القضيب، فيقطع قبل أن يختن، أو بقي بعد الختان. وجلد كل شيء وقشره: قلف، كقلف الرمان. وجمعه: القلوف، مثل الجلود. وإنما كني بالجلدة عن القلفة، فبنيت على الضم أيضا، وهي الغرلة أيضا. والعامة تقول: القلفة، بالفتح، وإنما ذلك اسم المرة الواحدة، تقول: قلفته قلفة واحدة وقلفا. والقلف، بفتح القاف وسكون اللام: اقتلاع الظفر من أصله، والقلفة من أصلها، وأنشد "الخليل": يقتلف الأظفار عن بنانه

والقلف، بفتح اللام مصدر الأقلف، وهو الذي لم يختن. والعامة تقول: الجلدة بالكسر على الجلد، وليس هذا موضع الكسر لما/ بينا، إلا أن يراد به القطعة من الجلد على وزن تمرة وتمر. وأما قوله: اللهم ارفع عنا هذه الضغطة، وهي اسم لما ضغطهم به من قحط أو غلاء أو وباء، أو ضيقة أو جور ونحوه. وقال "الخليل": الضغطة: غمز الحلق. والضغاط: تضاغط الناس في الزحام ونحوه، وقال الراجز: إن الندى حيث ترى الضغاطا ويقال: فعل ذلك ضغطة، أي ضرورة. وضغطته ضغطة، بالفتح. وفي الحديث: "إن للقبر ضغطة، حين يوضع فيه الميت، تتزايل منها أوصاله". وأما قوله: وأنا على طمأنينة، وأجد قشعريرة، فليس هذان من باب فعلة في شيء، ولكنهما مصدران، على بناء فعليلة، يجريان مجرى فعيعال، كقولك: اطمأن يطمئن اطمئنانا وطمأنينة، واقشعر اقشعرارا وقشعريرة؛ فالطمأنينة: السكون والهدوء والاستيناس، للأمر وغيره. ومنه قيل للأرض المنخفضة: المطمأن. ومنه المتطأمنة، بتقديم الهمزة. قال الله عز ذكره: (فَإذَا اطْمَانَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) والقشعريرة: ما يصيب جلد الإنسان، من نفضة أو فزعة، أو برد أو خوف. وقال "الخليل": كل شيء تغير فهو

مقشعر، واقشعرت السنة من شدة الشتاء والمحل واقشعر النبات، إذا لم يجد ريا فذبل أو جف. وأنشد "الخليل": أصبح البيت بيت آل بيان مقشعرا والحي حي خلوف وقال الشاعر: فأضحى الأرض بعدك مقشعرا كأن الأرض ليس بها هشام ومنه الاشمئزاز، والشمأزيزة، وهما ضد الطمأنينة. ومنه قوله تعالى: (وإذَا ذُكِرَ اللَّهُ/ وحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ). وأما قوله: وعود أسر، والأسر: احتباس البول، والحصر: احتباس البطن؛ فهذا أيضا ضرب آخر من المضموم ثالث، ليس مما تقدم، ولكنه من الأسماء الجارية مجرى المصادر، نحو الجهد والرعب والضعف والشكر، والكفر والوجد والوسع، والعسر واليسر. وقد مضى شرح ذلك في الأبواب المتقدمة؛ فالأسر: اسم لاحتباس البول، مأخوذ من الأسر، بالفتح، تقول: أسرت الشيء أسرا؛ أي شددته وعقدته؛ ولذلك سمي الأسير أسيرا ومأسورا؛ لأنه يشد بالإسار، وهو الرباط، إما بحبل أو قد أو قيد. ويقال: اسرت الإكاف والسرج، إذا شددته بالقد أو السير ومنه قول الأعشى: وقيدني الشعر في بيته كما قيد الآسرات الحمارا يعني حمار الإكاف. ويقال: إنه لشديد الأسر، أي القوة. ومنه قول الله عز ذكره: (وشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ). فأما الحصر، فاحتباس البطن، مأخوذ من الحصار، ومن

حصر الشيء بالفتح. يقال: حصرته أحصره حصرا، ولكن ضم الحصر في البطن؛ للفرق بينه وبين غير البطن، كما ضم الأسر، فرقا بينه وبين الأسر، ونحوه. وعود الأسر: قضيب إذا أمسكه الذي به الأسر، سري عنه فبال. والعامة تقول: عود يسر، بالياء، يريدون به أنه يحدث اليسر على العليل. وأما قوله: واجعله منك على ذكر، فإنه اسم من التذكر، بني بضم الأول على فعل، كالحب والود. كما بني منه الذكر، بالكسر، على بناء الحفظ والذهب والفكر؛ لتقارب المعنى. وقد يستعمل كل واحد منهما في موضع الآخر، وليس فيهما إلا / فصيح صحيح المعنى، وإن لزموا في الاستعمال أحدهما دون الآخر. وهذا كله ضرب واحد، من المضموم، ومثال واحد. وقال "الخليل": الذكر: الحفظ للشيء تذكره، تقول: هو مني على ذكر. والذكر: جري الشيء على اللسان، يقال: جرى له ذكر. والذكر: الشرف والصيت، كما قال الله تعالى: (وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ ولِقَوْمِكَ). والذكر: الكتاب الذي فيه تفصيل الدين، من كتب الأنبياء. والذكر: الصلاة والدعاء، وذكر الحق: الصك. فكأن الذكر، بالكسر يصلح للمعاني الكثيرة، وهو عام؛ إلا أن بينهما شركة. فأما الذكر بالضم، فلا يكون إلا بالقلب وحده. وأما قوله: وثياب جدد؛ فإن العامة تقولها بفتح الدال، وهو خطأ؛ لأن الجدد ههنا جمع جديد، فلا يكون إلا مضموم الثاني، مثل رغيف ورغف، وعقير وعقر. وأما فتح الثاني على جدد؛ فإنما ذلك في جمع الجدة؛ وهي الطريقة من طرائق الجبل، على غير لون سائره، وكالخطة السوداء على ظهر الحمار. ومنه قول الله تعالى: (ومِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ). واللفظان يئولان إلى معنى واحد؛ لأن الجد: القطع؛ فإنما الجديد

من الثياب: المقطوع من النساجة، وكذلك الطريقة في الجبل وغيره: ما انقطع من سائره. ومن ذلك قولهم: جديد الأرض، وهو: الواضح البائن عن سائلها. وقال الأعشى: فعض جديد الأرض إن كنت ساخطا بفيك وأجحار الكلاب الرواهصا ومن قول الحطيئة: لكل جديد لذة غير أنني رأيت جديد الموت غير لذيذ وهذا صنف آخر من المضموم، غير ما تقدم قبل هذا. وأما قوله: وهو الفلفل/ فضرب آخر غير ما قبله من الضروب، وليس هذا من لحن العامة وخطئهم في شيء؛ فإن من العرب من يكسر الفاء من الفلفل على ما تقوله العامة، وإن كان الضم أكثر وأعرف، كأنهما لغتان، والضم أحسن للعادة. وليس لهذا الضرب مثال يقاس عليه ما كان مثله؛ لأن الرباعي قد يأتي على فعلل بضمتين، مثل برجد وبرقع، وقد يأتي على فعلل، بكسرتين، مثل فرسن وقرمز. وقد يأتي على فعلل، بكسرة وفتحة، مثل: درهم وهجرع. وكل ذلك جيد جائز، ومع ذلك إن "الفلفل" أعجمي معرب. وأما قوله: أتى أهله طروقا، أي أتاهم ليلا، فليس من هذه الأصناف في شيء، وإن كان مضموم الأول. ولكنه مصدر على فعول، مثل دخل دخولا، وخرج خروجا، وذهب ذهوبا. والمعنى: طرق أهله طروقا، فذكر أتى بدلا من قوله طرق. وهذا البناء مطرد في مصادر الفعل الذي لا يتعدى، ويكثر أيضا في المتعدي. وإنما ذكره؛ لأن العامة تقول: طروقا، بفتح الطاء، وهو خطأ. وإنما الطروق: اسم الفاعل الذي يكثر الطروق، وهو الإتيان بالليل.

وأنشدنا محمد بن يزيد المبرد، للشماخ: ورب ضيف طرق الحي سرى صادف زادا وحديثا ما اشتهى إن الحديث جانب من القرى وإنما سمي النجم: الطارق؛ لأنه يطلع بالليل. قال الله تعالى: (وَالسَّمَاءِ والطَّارِقِ (1) ومَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ). وقال بعضهم: قد يكون الطروق بالنهار أيضا، وهو: المجيء بغتة على غفلة، أي وقت كان، واحتج بدعاء يروى عن النبي صلى الله عليه: "وأعوذ بك من طوارق الليل والنهار، إلا طارقا يطرق بخير". وأما قوله: وهي العنق؛ فصنف آخر أيضا،/ ليس مما قبله. ولكن العامة تقول: عنق، بفتح النون، وتسكنها، فتقول: عنق. وعنق هو: اسم ما بين الرأس والبدن، ولجماعة الناس وغيرهم، يقال: رأيت عنقا من الناس ومن الدخان والغبار، وجاء القوم عنقا عنقا، ورسلا رسلا، وفوجا فوجا وجمعه: الأعناق. ومنه قول الله تعالى: (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) والعنق من البدن يذكر ويؤنث. وأما من غير ذلك، فإنه يذكر لا غير. والأعناق من الناس: أشرافهم وكبرائهم أيضا، يقال: هم أعناق البلاد ووجوهها، ورجل أعنق: طويل العنق. وامرأة عنقاء كذلك. ومنه قيل لبعض الطير: عنقاء مغرب. وأما قوله: وهو عنوان الكتاب، وقد عنونته؛ فإنما أراد أن العامة تقول: علوان باللام، وقد علونته، وهي لغة قليلة. وعنوان كل شيء ظاهره، الدال على باطنه، قال أبو الأسود:

نظرت إلى عنوانه فنبذته ... كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا وقال عمران بن حطان: ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وقد حكي: علونت، باللام، أبو زيد الأنصاري، عن العرب؛ فيحتمل أن يكون على مثال فعلان من العلو، بمنزلة السلوان من السلو، وأن يكون على فعلوال من العلن والإعلان. وكذلك عنوان بالنون، يكون إما فعلانا من يعنو، وإما فعوالا من عن الشيء يعن. وعنونت: فعولت، ولا يكون من عنيت الشيء بالياء. وأما قوله: وطفت بالبيت أسبوعا، وثلاثة أسابيع؛ فإن الأسبوع ههنا سبع مرات، أي سبع طوفات، ولذلك سميت أيام/ الجمعة أسبوعا؛ لأنها سبعة، وكل سبعة: أسبوع. والجميع: أسابيع. والعامة تقول للأسبوع: سبوع، على فعول، وهو خطأ ههنا. وهذا من باب ما يجيء بإثبات الهمز، على بناء أفعول، إلا أنه يضم أوله، وهو صنف آخر، غير ما تقدم. وأما قوله: عقدت العقد بأنشوطة؛ فإن الأنشوطة: عقدة رخوة مسهلة الانحلال، كما تعقد التكة في السراويل. يقال: نشطت الحبل والخيط بأنشوطة وأنشوطتين ونشط كثيرة، وهكذا استعماله. وقياسه: بأناشيط؛ أي أوثقت. وأنشطت الحبل؛ إذا مددت أنشوطته فانحلت. وأنشطت عقال البعير، وأنشطت البعير من عقاله. وفي الحديث: "أن النبي صلى الله عليه صح من وجع، كان به، فقام يمشي كأنما نشط من عقال".

وكأنها لغتان. وأصلهما من النشط، وهو: مد الحبل من البئر، ومد الدابة قوائمها في العدو. ويقال: ثور ناشط، وهو: الخارج من أرض إلى أخرى. وطريق ناشط وهو: الذي يتشعب منه طرق كثيرة، يمينا وشمالا. ومنه قول الله تعالى: (والنَّاشِطَاتِ نَشْطًا). والعامة تقول: عقدت العقد بنشوطة، على فعولة، وهوخطأ. وإنما النشوط ضرب من السمك، ممقور بماء وملح. وأحسبها نبطية. وأما قوله: قدح نضار، وإن شئت أضفت؛ فإن النضار، ضرب من الخشب أصفر، يكون بالغور، كالأثل، يتخذ منه الأقداح وغيرها. والنضار أيضا: الذهب الخالص، فإذا أضفت القدح إلى النضار، فهو الأصل، ون نونت القدح، وجعلت النضار وصفاً له، فهو جائز على التوسع، والاختصار، والإضافة أجود، إلا أن يجعل النضار مأخوذا من النضرة والشيء النضير، وهو الحسن وقال الله تعالى: (تَعْرِفُ فِي /وجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ). وقال النبي صلى الله عليه: " نضر الله امرأ، سمع مقالتي، فأداها". وقد نضر الشيء ينضر نضارة ونضورا. وقد يكون النضار صفة كالنضير، مثل قولهم: طويل وطوال. والعامة تقول: النضار، بكسر النون، وهو خطأ. وأما قوله: وهو الجبن للذي يؤكل، والجبن من الجبان، فإن الذي يؤكل فيه لغات، يقال: الجبن، بضم الجيم والباء بلا تشديد، والجبن بالتشديد، مع الضمتين، والجبن بسكون الباء، وهي لغات معروفة، لا خطأ فيها، ولكن التثقيل والضم فيه؛ فرق بين

فعل الجبان وبين المأكول. والأصل في المأكول الضمتان والتشديد، وفرعهما التخفيف والتسكين. وأما قوله: كنا في رفقة عظيمة؛ فمن الباب الأول الذي على بناء فعلة، مما هو لمقدار الشيء، كأنها المقدار الذي يترافق به؛ لأن المرافقة لا تكون إلا من جماعة، يرتفق بعضها ببعض، في السفر والحضر. والعامة تقول: الرفقة، بالكسر وهو خطأ في هذه. وقال "الخليل": الرفقة: اسم للجماعة المنضمين في مجلس واحد، أو سير واحد، ما داموا كذلك. فإذا تفرقوا زال عنهم اسم الرفقة، ولم يزل عن كل واحد منهم اسم الرفيق؛ وهو: الذي يرافقك في السفر. وأما قوله: كبش عوسي؛ فإن العامة تفتح أوله، وهو منسوب بالياء المشددة إلى العوسة، على فعلة مثل القوة والهوة، وهو الضخم الكبير مأخوذ من قولهم للحامل من الخنافس: عواساء، وللمتزين بما ليس فيه: أعوس، كما قال الفرزدق: تصف السيوف وغيركم يعصي بها يا ابن القيون وذاك فعل الأعوس والأعوس: الصيقل ههنا. وأما قوله: نعم ونعمة عين، ونعمى عين، فإن العامة / تقولها بكسر النون وهو خطأ. وإنما هو بمنزلة قولهم: قرة عين، وسخنة عين. والمعنى وما تنعم به عينك، وذلك إذا سألت الرجل حاجة، فقال لك: وكرامة ومسرة وأنعم عينك بها، أو أنعمك بها عينا.

والنعمة ههنا: المسرة، وفيها لغات، يقال: نعمة ونعم ونعمى، مضمومات الأول، ونعام عين، بالفتح. وأما قوله: وأعط العامل أجرته، فهي أجر عمله وما يستحقه. قال الله تعالى: (فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ) فهذا من الباب الأول، وهو المقدار الذي يعمل به مثل اللعبة والغرفة. وقد تقدم شرح ذلك. وأما قوله: وهي الذؤابة، فهذا صنف آخر، غير ما تقدم، وهو من باب ما يجيء من الأسماء على فالة، وهو اسم لجانبي الرأس إلى العنق، واسم لما عليها من الشعر المرسل والمضفر. والعامة تقولها: ذوابة، بالواو وفتح الأول، وهو خطأ، أخذوه من الجمع؛ لأن جمعها: ذوائب، بالفتح والواو وتخفيف الهمزة التي هي عين الفعل؛ لئلا تجتمع همزتان. ومن هذا قيل: تذأبت الريح إذا هبت من كل جانب. والذئب كلب البر سمي ذئبا؛ لأنه يتذأب من ههنا وههنا، فتراه مرة عن يمينك، ومرة عن شمالك، ومرة من خلفك؛ لخبثه. ومن هذا سميت ذئبة السرج والإكاف والقتب، وهو: ما تحت ملتقى الحنوين على منسج الدابة. وأما قوله: وليس عليك طلاوة؛ فإن العامة تقولها طلاوة، بالفتح، وهو خطأ، وهي اسم للبهجة والحسن، يقال: هذا كلام عليه طلاوة، وعلى وجه فلان طلاوة، وعلى شعره وخطبته طلاوة. وأما قوله: حجزة السراويل، وهي التي تقولها العامة: حزة، وذلك خطأ، وهي مأخوذة من قولهم: حجزت بين الشيئين، / والحاجز بينهما، وهي على بناء فعلة من أول الباب، وقد [قيل]: اللعبة، لما يلعب به؛ لأنه يحجز بها أيضا. وقال "الخليل": الحجزة حيث يثنى طرف الإزار في لوث الإزار. وقال النابغة:

رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب قال: والحجز، بسكون الجيم: أصل الرجل ومنبته، وهو أيضا: ما بين فخذه والفخذ الأخرى من عشريته، وأنشد في ذلك: وامدح كريم المنتمى والحجز وأما قوله: وهي نفاية المتاع لرديئه؛ فإنها من باب فعالة، كالطلاوة وهو ما تنفيه من كل شيء، من دراهم أو ثياب، أو طعام أو غير ذلك. والعامة تفتح أولها، وهو خطأ. والنفي على فعيل: المنفي من كل شيء. وقد نفى الرجل من أبيه. وكذلك النقاوة لكل شيء: ما تنقيه وتختاره، بضم أوله. وكذلك قوارة الجيب والأديم ونحوهما، هي: ما يقور منه، مضموم الأول خفيف. والعامة تفتح ذلك أجمع، وتشدد القوارة. وكذلك نشارة الخشب: ما ينشر منه. ونحاتته: ما ينحت منه. ونخالة كل شيء: ما ينخل من دقيق أو غيره، ما ينفى منه إذا نخل. والعامة أيضا تضم هذه الأشياء. وأما قوله: ووقعنا في أفرة، أي اختلاط. وهي الأبلة؛ فهذا مثال آخر سوى ما تقدم، وهو على فعلة، بضم الأول والثاني وتشديد الثالث، وهمزته أصلية. والعامة تفتح أولهما، وليس هذا المثال بالفتح في كلام العرب. فأما الأفرة فمأخوذة من الأفر، وهو الوثوب والعجلة في العدو. ويقال: أفرت القدر/ تأفر أفرا، إذاجاش غليانها، كأنها تنزو نزوا، قال رؤبة: ناخوا قدور القوم تغلي أفرا والأفر أيضا: الخدش بالأظافير، يقال للأسد والذئب والكلب والسنور: قد أفر يأفر أفرا. وقال "الخليل": يقال جاء فلان في أفرة من قومه، أي في جماعة لهم جلبة

وضجة. وأفرة الشتاء: أشده. وزعم بعضهم أن أفرة، على مثال أفعلة، مثل الأنملة، الهمزة زائدة فيها، وأنها مشتقة من فررت الشيء، وفر القوم، ولو كان كما ذكر، لجاز فتح أولها عند العرب، على مثال الأنملة والأرنبة ونحوهما. ولم تكن العامة مخطئة فيه. وأما الأبلة، فاسم بلد بالبصرة. والأبلة من اللبن أيضا: ما اجتمع في وعاء أو إناء، كالقعب. ويقال: الأبلة مخففة، على وزن فعلة، مثل اللقمة والغرفة. ويجوز أبلة واحدة أيضا؛ من قولك: أبلته أبلة، وأنشدونا عن ابن خناسة: منحته أمه أبلته/ فهو يروي الكفل منها والظهر وأما الولى فوزنها فعلة، من الأبل والإبال، ونحوهما، وهي مثل الأفرة سواء. وهما من الأبول، والأبول: الإقامة بالمكان، والتجزي به عن غيره، كما تابل الإبل عن الماء بالأبل. وهو: الرطب، والإبال: الحزمة من الحطب. قال الراجز: في كل يوم من ذؤاله ضغث يزيد إلى إباله وأما قوله: هي التخمة، وعليك بالتؤدة، وهي التكأة، وهي اللقطة؛ فهذه كلها بناء آخر سوى ما تقدم، والعرب تضم أولها وتفتح الثاني، على مثال فعلة؛ لأنها بناء ما كثر منه الفعل، كالضحكة؛ للكثير الضحك. والهزأة للكثير الهزء. والعامة تسكن الثاني، وكان يجب أن يذكر هذا في باب ما/ تسكنه العامة، وهو مفتوح، لا في هذا الباب

فأما التخمة فأصلها الوخمة، بالواو من الوخامة. وقد وخم يوخم، ولكن أبدل من الواو التاء كراهية ثقل الضمة والواو. وهو اسم لثقل الطعام الذي لا يستمرئه آكله. ومنه قيل: مكان وخيم؛ أي لا ينجع كلؤه، كما قال زهير: إلى كلأ مستوبل متوخم وفعله أيضا بإبدال الواو تاء، إذا كان على الافتعال، يقال منه: اتخم يتخم فهو متخم، على افتعل يفتعل فهو مفتعل. وكذلك التكأة، أصلها وكأة بالواو، من قول الله تعالى: (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا) أي أتحامل عليها. ومنه الوكاء، الذي تسد به القربة ونحوها، وهو رباطها. وجمعه: الأوكية، مهموزة، والتاء بدل من الواو كما قلنا. وفعله أيضا على الافتعال، يقال: اتكأ يتكئ. والتكأة على فعلة: اسم لما يتكأ عليه. ومنه قول الله عز ذكره: (وأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكًا). ويقال: قد اتكأته إتكاء، إذا نصبت له متكأ. أو رفعه حين وقع على جنبه كالمتكئ. ويقال: ضربه حتى أتكأه. والأصل أوكأه. وكذلك اللقطة، على وزن فعلة، بفتح الثاني، والعامة تسكنه. وهو عند عامة اللغويين اسم لما يلقط من الطريق فجاءة، من غير طلب، لكل ما سقط وضل من صاحبه، فيلقط كما يلقط الطائر الحب من الأرض. ومن أمثالهم: "لكل ساقطة لاقطة". وفعله

على افتعل يفتعل افتعالا. أيضا، فيقال: التقطته التقاطا. ومنه قول الله تعالى: (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ). وقال الشاعر: ومنهل وردته التقاطا لم ألق إذ وردته فراطا إلا القطا الجوني والغطاطا وهن يلغطن به إلغاطا يعني فاجأته مفاجأة. ومنه سمي ولد الزنا المنبوذ: لقطة وملقوطا. وأما "الخليل" فذكر أن اللقطة، ساكنة القاف: اسم لما يوجد ملقى فيؤخذ من صبي أو غير ذلك، وأن اللقطة، بفتح القاف: هو الرجل اللقاطة للأشياء، البياع للقاطات لملتقطها. والقياس ما قال "الخليل"، وهو الصواب؛ لأن فُعْله ساكنة العين هو اسم ما يفعل به كاللعبة، لما يلعب به، والسخرة لما يسخر به، والضحكة لما يضحك منه. فأما فعلته، بفتح العين، فبناء من يكثر منه الفعل، مثل قولك: اللعبة، للكثير اللعب، والضحكة للكثير الضحك. والعامة على الصواب في تسكين القاف من اللقطة؛ لأنه الذي يلقط. وما اختاره ثعلب وغيره خطأ؛ لأن هذا الباب كله على ما شرحنا، من فتح من كثر منه الفعل، وتسكين ما فعل به، ولم يكثر منه فعل. وذلك بإجماع النحويين واللغويين؛ ولأن القياس يوجب تحريك ما فيه مبالغة للدلالة على كثرة الفعل، والفرق بينه وبين ما خالفه.

وكذلك قوله: ورجل لُعَنة إذا كان يلعن الناس، ولعنة، إذا كان يُلعن. والذي يكثر اللعن مفتوح الثاني للمبالغة والذي يلعن الناس مسكن الثاني للفرق، وهو مثل اللعنة واللعبة. وكذلك قوله: ضُحْكة وضُحَكة، وهزْأة وهزَأة ونحو ذلك، يعني الذي يهزأ بالناس، ويهزأ به الناس. والمثالان على ما شرحنا. واللعن: الشتم والذم والإبعاد. وكانت تحية الملك في الجاهلية: "أبيت اللعن" أي: لا أتيت ما تلعن عليه، أي يدعى عليك وتذم به. ومنه: الملاعنة واللعان بين الزوجين والرجل اللعين: الملعون. وكان يعد في الجاهلية الرجل اللعين بمثال من طين ويركب على فرس من طين، وينصب في ناحية عن الطريق للناس يلعنونه؛/ ولذلك قال الشماخ: وماء قد وردت لوصل أروى عليه الطين كالورق اللجين ذكرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين وتفسير هذا على وجوه. وأما قوله: ومنه تقول: عصفور وثؤلول. وجمعه: ثآليل. وبهلول وزنبور وكل اسم على فُعلول، فهو مضموم الأول؛ فإن العامة تفتح أوائل هذا الضرب وهو خطأ؛ لأنه ليس في كلام العرب فعلول، بفتح الفاء في شيء من الأشياء، إلا كلمة واحدة أعجمية معربة، وهي: "صعفوق" وكذلك ما ألحق بفعلول مثل فنعول وأفعول، فهو كله مضموم الأول، ولا يجوز فيه الفتح؛ فعصفور وثؤلول وبهلول على مثال فعلول، ومثلها زنبور، وليست النون فيه زائدة للإلحاق. والعصفور من الطير معروف، وهو: الذي يأوي الدور ويفرخ فيها، وهو مأخوذ من العصفر، والواو فيه زائدة، وجثة خلقته أشبه شيء بحمل العصفر في منبته. والعصفور أيضا من الدابة: الشمراخ السائل من غرة الفرص، لا يبلغ

الخطم، وهو أيضا قطعة من الدماغ بائنة، بينها وبين الدماغ حاجز، وهو أيضا خشبة تجمع خشبات الهودج، وهو الإكاف أيض كذلك، عند مقدمه. والجميع من كل ذلك: عصافيره .. وأما الثؤلول فما يخرج على أصابع اليدين والرجلين وغيرهما، كالمسامير، وهو مهموز. وجمعه: ثآليل، على وزن فعاليل. ويقال منه: رجل مثألل، وقد ثؤلل، وهو يثألل وقد تثألل جسده، بغير همز كأنه بوزن فعلول من الواو، وكأن أصله: ثولول من الثول، فانقلبت/ الواو ألفا، فصار على وزن فاعول من الثل والعرب لا تقول ذلك. وأما قوله: ومنه تقول: صار فلان أحدوثه، وهي الأرجوحة التي يلعب عليها الصبيان، وهي الأضحية. والجميع: الأضاحي. ومثله أمنية وأماني، وأوقية وأواقي، وكذلك ما أشبهه؛ فإن هذا كله على بناء أفعول وأفعولة ملحقة بفعلول، بزيادة الهمزة في أوله. والعامة تقول في الأحدوثة: حدوثة بفتح الحاء وتشديد الدال بغيرر همزة، على بناء فعول مثل سفود وكلوب وما أشبههما. والجمع يدل على خطأ العامة؛ لأن جمعه: أحاديث، بهمزة ثابتة، وإن كان من الحديث. وكذلك الأرجوحة أفعولة من الرجحان؛ لأنه يترجح فيعلو تارة ويسفل تارة. وجمعها: أراجيح، وهو حبل يشد طرفاه في سقف، أو على شيء عال، ويرخى وسطه، ثم يجلس عليه الغلام ويدفعه آخر، حتى يترجح، وكذلك الخشبة، إذا بطحت وجعل وسطها على شيء عال، وجلس على طرفيها نفسان، ثم دفع طرفها إنسان ترجحت أيض من كل طرف. والعامة تسميها: مرجوحة، على مفعولة، وهو خطأ.

وكذلك الأضحية أفعولة، من الضحوة، واهو اسم لما يذبح أو ينحر من النعم في الأضحى. والفعل منها: ضحى يضحى؛ وذلك أن ذبحها إنما يكون في ضحوة النهار، وبذلك سمي يوم الأضحى. وكان أصل الأضحية: أضحوية، فأبدت من الواو الساكنة ياء، وأدغمت في التي بعدها، فقيل: أضحية. والأضحى على مثال أفعل. والعامة تقول: هي الضحية، على فعيلة. ويجمعونها على: الضحايا، ولها في العربية وجه صحيح. وكذلك الأمنية أفعولة من التمني، والجمع يدل على ذلك، وهو الأماني. وأما أوقية فليست عندنا من باب أفعولة،/ ولا الهمزة فيها بزائدة؛ لأنها من الأوق، وهو الثقل، ولو كانت الهمزة فيها زائدة، لكانت من وقيت، وليس في الأوقية معنى وقيت، ولكنها على فعلية، منسوبة إلى الأوقة، وهي هبطة في الأرض، يجتمع فيها الماء. وجمعها: الأوق، كما قال رؤبة: واغتمس الرامي لها بين الأوق وقال بعضهم: إنما هي الأوقية، بفتح الهمزة على فعلية، منسوبة إلى الأوق وهو الثقل، وهو أصح الأقوال. والعامة تقول فيها: وقية، على فعيلة من وقيت، وهو خطأ في المعنى واللفظ جميعا.

تصحيح الباب الثامن عشر وهو المترجم بباب المفتوح أوله، والمضمون، باختلاف المعنى

تصحيح الباب الثامن عشر وهو المترجم بباب المفتوح أوله، والمضمون، باختلاف المعنى اعلموا أنه ليست كلمة تأتي بحركتين مختلفتين؛ إلا لاختلاف معنيهما، ولا يجوز أن تختلف الحركتان والمعنى فيهما واحد؛ لأن كل حركة موضوعة لمعنى، كما أن كل حرف لمعنى، وإن كان كثير من اللغويين يتوهمون أن الكلمة قد تفتح وتضم بمعنى واحد؛ لخفاء الفرق بينهما عليهم، واشتباه المعنيين عندهم. وهذا الباب كثير جدا نحو قولهم: الجهد والجُهد، والضعف والضعف والخبر والخبر، والخراج والخُراج، والجناح والجناح، وما أشبه ذلك. وإنما كان غرض ثعلب أو أكثر قصده: ما كان على فُعلة وفَعلة، فلم يقيد الباب على ما قصد بالمثال فيزول عنه الشبهة، وترجمه بما يلبس. فما كان من هذا الباب على فعلة، بالفتح، فهو على المصدر للمرة الواحدة، وما كان على فعلة بالضم فهو لمقدار الشيء، كقولنا: أكلت أكلة واحدة، وهي أكلة طيبة، ولقمت لقمة واحدة، وهي لقمة، وغرفت/ غرفة واحدة، وهي الغرفة. وما لم يكن من المصادر فهو اسم موضوع للشيء على هيئته، وتختلف حركات أوله، لفروق غير هذا؛ كاللَّحمة واللُّحمة. ونحن مفسرون ما ذكر في هذا الباب، مما قصده، ومما خلط فيه، على سبيل ما فسرنا به ما قبله، إن شاء الله [تعالى]. أما قوله: لحمة الثوب، بالفتح، ولحمة النسب، ولحمة البازي والصقر: ما أطعمته إذا صاد؛ فقد شرحنا في عدة أبواب متقدمة أن الفعلة بالفتح اسم المرة الواحدة، وأن الفعلة، بالضم، لمعان غير ذلك؛ كالمضغة والمضغة، والأكلة والأُكلة، وكذلك الفرق بين اللَّحمة واللُّحمة. أما المفتوحة فتكون اسما للفعلة الواحدة، كقولك: لحمته لحمة واحدة، إذا

اللحم مرة واحدة، أو أعطيته. وتكون أيض اسما للقطعة من اللحم كما يقال: تمرة وتمر، فتكون لحمة الثوب على هذا؛ اسم ما يجعل في الثوب على التشبيه، بما يطعم الرجل من اللحم، أو يعطاه؛ لأن اللحمة للسدي، كاللحم للأكل؛ لأنه يحشى بها سداه. ومنه قولهم: ثوب ملحم، إذا كان سداه من لون، ولحمته من لو آخر. وفعله: ألحمته مثل أعطيته وأطعمته. وأما لحمة النسب وضمها، فالشيء الذي يوصل به النسب، وهي مأخوذ من اللحام، على بناء الفوفة والوصلة والشبكة والخلة. وأما لحمة البازي، فبمنزلة الأكلة والطعمة وهو: مقدار ما يأكله ويطعمه من اللحم الذي يصيده، مثل الغرفة واللقمة، ونحو ذلك، مما قدمنا شرحه. وأما قوله: والأكلة: الغداء والعشاء، والأكلة واللقمة، فإن الغداء والعشاء مما لا يوجد ضمة ولا غيرها. وإنما الأكلة، بالفتح مقدار ما يأكله الآكل في مقعد واحد، في أي وقت كان، من غدو أو عشي أو/ غيرهما، كالغرفة. وأما الأكلة التي هي لقمة فمستعارة للقمة؛ لأن اللقمة ليست مقدار ما يأكله الآكل في مقعد واحد، ولكنها مقدار ما يلقمه الآكل، أي يدخله في فيه؛ لأن القم: اللقم وكذلك قيل لفوهة الطريق: لقم الطريق. وقد شرحنا فيما تقدم الفعلة ووجوهها. والعامة تقول: الأكلة بالفتح. وأيضا الأكلة: المرة الواحدة. ومنه قول العرب: "رب أكلة تمنع أكلات". وأما قوله: وجلة الماء بالضم: معظمه. وسمعت لجة الناس، تعني أصواتهم فإن اللجة بالضم اسم أكثر مواضع البحر ماء، وهو من المقدار الذي بني على فعلة. وقال "الخليل": هو أكثر الماء وأوسعه وأبعده من الأرض، لا يرى فيه إلا الماء والسماء، كأنه يعني وسط البحر، وهو مبني على فعلة كالغرفة والفرقة. وقد مضى شرح ذلك. وقال الله تعالى:

(أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ) معناه في بحر واسع، وهو منسوب إلى اللجة. وأما اللجة بالفتح على فعلة؛ فاسم للمرة الواحدة، وهما من أصل واحد؛ لأن اللجة: كثرة الأصوات وغلبتها أيضا، إلا أنها المصدر للمرة الواحدة كقولك: قد لج يلج لجة واحدة. ومنهما أخذ اللجاج واللجاجة في كل شيء. وكل فعلة في هذا الباب، فهو من الباب المقدم المضموم أوله، وكان حقه أن يضمه إلى ذلك الباب. وأما قوله: والحمولة والأحمال، والحمولة: الإبل التي يحمل عليها. وتكون من غير الإبل، فإن الأحمال ضم أول الفعولة منها؛ لأنها بمعنى الجمع الذي على فعول كما قال النابغة: أصاح ترى وأنت إذن بصير حمول الحي يرفعها الوجين وقال "الخليل": الحمول بالضم الإبل بأثقالها، وإنما علم التأنيث في آخر حمولة لمبالغة معنى/ الجمع، وللفرق بين الأثقال وحدها، وبينها على الإبل وغيرها، مما يحمل عليه ففتح أول الفعولة منها؛ لأنها صفة بمعنى فعول، نحو ضروب وقتول وحمول، وأدخل فيها علم التأنيث أيضا للمبالغة، والفرق بين الواحد والجمع، ومعناها معنى الحاملة. ومنها قول الله تعالى: (ومِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وفَرْشًا) وكلا الوجهين اسم، وليس بوصف. وقال عنترة في الحمولة: ما راعني إلا حمولة أهلها وسط الديار تسف حب الخمخم وأما قوله: والمقامة: الجماعة من الناس، والمقامة: الإقامة؛ فإن المقامة بالضم

موضع الإقامة هكذا قاله "الخليل بن أحمد"، وأنشد فيه لسلامة بن جندل: يومان يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تأويب والإقامة مصدر قولك: أقمت إقامة. وكل فعل على أفعل؛ فإن مصدره يكون على إفعال، وعلى مفعل مضمومة الميم بغير تأنيث. ويكون اسم الزمان والمكان منه كذلك. ويجوز أن تأتي علامة التأنيث فيه للمبالغة، فيقال فيه: مفعلة وربما جاءت فيما اعتلت عينه عوضا عن ألف إفعال، فلذلك قيل: المقامة. ومن ذلك قول الله عز ذكره: (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ المُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ) يريد دار المقام، ودار الإقامة، فدخلت الهاء فيه، كما دخلت في الإقامة، وترك الهاء في مفعل أكثر في الكلام، ولكن الميم مضمومة فيه، فإذا كان الفعل بغير ألف فمصدره على مفعل، بفتح الميم كقولك: قام مقاما، وإن شئت أدخلت الهاء للمبالغة، فقلت: مقامة. وكذلك اسم المكان والزمان منه: المقام وإن شئت ألحقت علم التأنيث. ومنه قول الله تعالى: (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مُّحْمُودًا)، فهذا يحتمل/ أن يكون معناه المصدر، كأنه قال: عسى أن يبعثك بعثا محمودا، أي يبعثك من القبر. ويجوز أن يكون اسما للمكان. وقال "الخليل": المقام: موضع القدمين من القائم، ولذلك قيل: مقام إبراهيم، موضع قدميه. فأما الجماعة من الناء، فلا تكون المقامة اسما لها، على ما ذكر ثعلب وإنما يسمى بها الجماعة التي تقوم في المقامات والخطب خاصة وتتكلم، فيقال لها؛ على التوسع والمجاز: مقامة، كما قال الله تعالى: (واسْأَلِ القَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا والْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا) كما قيل اجتمعت اليمامة، ومن ذلك قول زهير: وفيهم مقامات حسان وجوهها وأندية ينتابها القول والفعل يريد: وفيهم ذوو مقامات حسان وجوهها، فاستعمل الاختصار والمجاز؛ لمعرفته بجوهر الكلام والفصاحة وجودة طبعه. وحملته الرواة على مثل قول ثعلب، لخفاء العلة والسبب

فيه عليهم. وليست "المقامة" ههنا بالموضع الذي يقام فيه قياما على الأقدام، ولا القوم القائمين على أرجلهم، ولكن لما كانت الخطباء من شأنها القيام عن الخطابة، سمي موضع الخطبة: مقاما، وإن خطبوا فيه قعودا، فقد تسمى الخطبة نفسها: مقامة على ما وصفنا. ويسمى كل محفل فيه خطابة، أو ذكر أو دعاء أو مناضلة أو مفاخلة أو مثاقفة: مقاما، ولذلك قال لبيد: ومقام ضيق فرجته بلساني وبياني وجدل لو يقام الفيل أو فياله زل عن مثل مقامي وزحل والفيل لا يخطب، ولكنه يزل ويزلق في موضع الزلق من الأرض، ولبيد عنه نفسه لا يزل في خطبته، وليس بقائم مثل الفيل، وإنما خص الفيل لأنه قائم أبدا لا يبرك ولا يربض. ومن هذا قيل: فلان قائم بالحق، إذا نصر الحق، وإن كان جالسا، وقائم بأمر أهله، وقائم بما أسند إليه، ولا يراد في شيء من ذلك القيام على القدمين، وإنما يعني به: حسن العهد له والحفظ. ويقال: هو حسن القيام بالضيعة، ولا يعني به القيام على القدمين؛ ولذلك قيل: دينار قائم، أي وازن. وقيل للزوال: قد قام قائم الظهيرة. وقيل للملك: هو قائم بالملك، أي حافظ له، وهذا كثير لا يحصى. ومن ذلك قولهم: أقمت بالمكان، أي لبثت فيه، وأطلت المكث، وليس يراد به القيام على الأرجل، ولكن للاستعارات والتشبيهات التي بها تكمل الفصاحة والبلاغة، وللاختصار والاكتفاء بالمجاز والإشارة فعل ذلك. وأما قوله: أخذت فلانا الموتة؛ ضرب من الجنون، والموتة من الموت فإن الموتة، بالضم، بنيت على فعلة، بضم الأول، بمنزلة اللوثة، التي تكون بالإنسان المعتوه، على مثال أسماء العيوب، التي تأتي مثل العرجة والسدة والغمة واللثغة والرتة، وما أشبه ذلك، وهي داء يأخذ المجنون، بمنزلة النعاس والاسترخاء كأنه يقارب الموت من الغشى. وأما الموتة بالفتح؛ فاسم للمرة الواحدة من الموت بمعنى الميتة، وإن كانت الميتة لا تكون إلا مرة واحدة. ولكن قد قيل في الشدائد التي تصيب الإنسان: إنه قد مات موتات. وفي

القرآن: (إلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى ومَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ) وفيه: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ). وقد تدخل علامة التأنيث في الأسماء أيضا للتعظيم والمبالغة فيما لا يكون إلا مرة واحدة، وقد يراد الموتة الواحدة، من أجل أن كل ضرب من الموت/ مرة واحدة، وموتة كل واحد من الناس واحدة من سائر الموت. وأما قوله: والخلة: المودة، والخلة أيضا: ما كان حلوا من المرعى، والخلة: الخصلة والخلة: الحاجة؛ فإن الخلة بالضم مصدر بمعنى المودة، بنيت من الخليل والمخالة على فعلة، بالضم، لأنها قربة ووصلة، وهي الحب والود أيضا. وقد تسمى المرأة: خلة، بمعنى الصديق والخليل، كما قال الراجز: [شبعت من نوم] وزاحت علتي وطرقتني في المنام خلتي وكذلك الخلة من المرعى، وهي النبات الذي تحبه الإبل، وهي مثل البلغة والعلقة ونحو ذلك. وقال "الخليل": كل ما لم يكن بحمض فهو خلة. ويقال: الخلة خبز الإبل، والحمض فاكهتها. ويقال أيضا: كل شجر سقي في الشتاء فهو الخلة. والعرب تسميها: العلقة؛ لأنهم يتعلقون بها في الشتاء. وأما الخلة بالفتح التي يراد بها الخصلة الواحدة فمصدر على مثال الخصلة، وهي الواحدة من الخلال الكثيرة؛ فلذلك جاءت على فعلة. وكذلك التي هي الحاجة؛ لأنها واحدة من الخلات الكثيرة من قولك: اختل اختلالا، وقد خل الرجل إذا هزل وساءت حاله ورق ماله ورجل خل، أي مهزول [وقوم] خلون، ومنه قول الشماخ: لنا صاحب قد خل من أجل نظرة دفئ الفؤاد حب كلبة قاتله

والمعنيان يرجعان إلى أصل واحد في الاشتقاق؛ لأن خلة المودة والنبات يورثان الهم والهزال عند فقدهما. وأما قوله: الجمة من الشعر، والجمة أيض: القوم يسألون في الدية، وجمة الماء اجتماعه؛ فإن معاني ذلك كله من أصل واحد، وهو الكثرة والاجتماع، من قولهم: له مال جم، أي كثير؛ فجمة الشعر، بالضم: ما/ كثف واجتمع، ولم يطل والجميع: الجمم. والجمة أيضا من الناس: العصبة الكبيرة الجتمعة، على أي حال كانوا من الخصومة والقتال أو النجدة أو غير ذلك، وإن لم يسألوا في دية ولا في غيرها. ولا معنى لتخصيصه من يسأل في الدية بذلك. وكذلك المفتوحة؛ وهي جمة الماء، أي ما يجتمع منه في العين أو البئر أو يكثر، وفتحت للدلالة على المرة الواحدة من قولهم: جمت البئ جمة، وضمت الأوليان لما بينا؛ من معاني الفعلة كالعصبة والغرفة ونحوهما، وللفرق بينهما. وأما قوله: ما بها شفر، أي أحد، وشفر العين بالضم؛ فإن الشفر، بالفتح في قول "الخليل": جمع الشفرة، وهي السكين العريضة، كما يقال تمرة وتمر؛ فكأن المعنى، ما بها حديد، ويحتمل أن يكون المعنى: ما بها ذو شفر، أي صاحب شفر، أي ما بها ذابح أو قاطع. وإنما الشفرة الواحد، فلذلك فتحت، فأما الشفر، بالضم فهو حرف الجفن من العين الذي ينبت عليه الهدب، وضم أوله؛ لأنه كالعضو والسقع، وما أشبههما في المعنى. والكلمتان جميعا من أصل واحد، وهو الحرف والحد من كل شيء. ومنه شفر المرأة، وشفر المشفر، وهوحرفه. ولا ينكر أن يقال: ما بها شفر، بالفتح أيضا، على معنى ما بها عين تطرف، فيكون الشفر هو الشفر بعينه؛ لأنه حد الجفن وحرفه، ولكنه غير مستعمل. وأما قوله: وجئت في عقب الشهر، إذا جئت بعد ما مضى، وجئت في عقبه، إذا جئت وقد بقيت منه بقية؛ فإن عقب الشهر، بالضم، إنما يقال إذا مضى الشهر كله،

ولم يبق منه شيء. وهو بمنزلة قولهم: دبر الشيء وقبله وقدمه وآخره، وهن متقاربة المعنى. وهي تجيء بضمتين، وبضمة واحد. وإذا كان الشيء دبر الشيء، فهو/ بعده لا محالة، وهو في أثره. ومن هذا قولهم: أعقب الرجل إذا خلف ولدا، ولم يعقب، إذا لم يخلف. ومن هذا قول الله تعالى: (وخَيْرٌ عُقْبًا) أي عاقبة؛ لأن عاقبة الشيء بعده، وقال الراجز: حتى أروح عقب الإصدار محيرا مسترخي الأزار وأما عقب الشهر، فإنما يقال إذا بقيت منه بقية، وقد يكسر ثانيه، وهو الأصل ويسكن تخفيفا في لغة تميم، وجمعه الأعقاب أيضا، وهو مأخوذ من عقب الإنسان وهو: مؤخر قدميه، قال ذلك "الخليل". وقال أيضا: عقب الرجل: ولده، وولد ولده الباقون من بعده. وفلان لا عقب له؛ أي لا ولد له من بعد موته. وعقب يجمع على: الأعقاب. وقال حسان: فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما وفي حديث ابن عمر: "أنه سافر في عقب رمضان، فقال: إن الشهر قد تسعسع، فلو صمناه، أو صمنا بقيته". والعامة تفتح ذلك كله، وتسكن ثانيه. وأما قوله: والدف: الجنب، والدف الذي يلعب به؛ فإن الدف بالفتح بوزن الجنب وهو الجنب، وهما جنبان ودفان. ويقال لهما: الدفتان أيض من كل حيوان. ومنه أخذت دفتا المصحف وغيره. قال الراعي: ما بال دفك بالفراش مذيلا

وأما الذي يلعب به فمضموم في لغة أهل الحجاز، ومفتوح في سائر اللغات. وإنما سمي دفا؛ لأن الأصابع تدف عليه دفيفا. وجمعها جميعا: الدفوف مثل الجنوب. وقياس جمع المضموم: دفاف ودففة./ وأما قوله: وقع في الناس موات، وأرض موات؛ فإن الموات بالضم: كثرة الموت والوباء، وهو الموتان أيضا بالضم، على فعلان، مثل الطوفان. والموات مثل الهزال والهلاس والعطاس ونحوها من الأمراض والأدواء. وأما الموات بالفتح فكل شيء غير الحيوان؛ من الحجارة والنبات، بوزن الجماد والنبات، وهما جميعا من أصل واحد، مأخوذان من الموت. فالمضموم على مثال الأدواء التي ذكرناها، وهو مصدر، وأما المفتوح: فاسم لكل ما لا روح فيه، من الأجساد على ما وصفنا. وكذلك الموتان بفتحتين، على بناء الحيوان. ويقال لكل ما لم يعمر من الأرض؛ لأن عمارة الأرض حياتها؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه: "من أحيا أرضا ميتة فهي له". فهذا أخر تفسير هذا الباب.

تصحيح الباب التاسع عشر وهو المترجم بباب المكسور أوله، والمضموم، باختلاف المعنى

تصحيح الباب التاسع عشر وهو المترجم بباب المكسور أوله، والمضموم، باختلاف المعنى اعلموا أن هذا الباب أيضا من فساد الترتيب، وسوء التبويب، على حال ما قبله. ونحن مفسرون ما فيه، على نحو ما فسرنا غيره: فمن ذلك قوله: الإمة: النعمة، والأمة: القامة، والأمة: القرن من الناس والجماعة، والأمة: الحين. وليست الإمة بالكسر النعمة، كما يفسرونها. ولكنها أشياء ترجع إلى معنى واحد؛ فمنها: إمامة الإمام في الصلاة، أو في المسجد، يقال: فلان أحق بإمامة هذا المسجد، أي بأن يؤم الناس ويصلي بهم. ومنها: الدين يقال: فلان حسن الإمة، أي حسن الدين. ومنه قول النابغة: خلفت فلم أترك لنفسك ريبة وله يأثمن ذو إمة وهوطائع/ فأما من كسر الإمة في معنى النعمة، فعلى اتباع بناء النعمة، وهي النعمة أيضا بالفتح إلا أنها تفتح للمرة الواحدة، وتكسر لغير ذلك. وأما الأمة بالضم فأشياء كثيرة. وأصلهما جميعا أصل واحد. وهي: كل جماعة من الناس، كانوا قرنا أو لم يكونوا قرنا. ومنه قول الله تعالى: (ولَمَّا ورَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ)، أي جماعة، ولم يرد قرنا. وإنما سمي القرن من الناس أمة؛ لأنهم جماعة، فكل جماعة كانوا فمضوا، فهم أمة؛ لنهم قدوة لمن بعدهم من القرون وسلف يتبعونهم، كما يؤتم بالرجل الصالح، وتسمى أمة واحدة، كما قال الله [تعالى]: (إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ) لأن إبراهيم- عليه السلام- خالف قومه بالإسلام والحنيفية، وائتم به الأنبياء

بعده، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في "قس بن ساعدة": "يبعث يوم القيامة أمة وحده". وليس ذلك من أجل أنه قرن. وكذلك قوله: الأمة الحين، ليس كما قال. وإنما يقال للحين أمة، على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، كما قال الله تعالى: (وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ). أي بعد حين؛ فتوهم المفسرون أن الأمة هي الحين نفسه. وقال بعضهم: الأمة ههنا النسيان، ففسروه على الظن والتوهم وعلى معنى الكلام، لا حقيقة اللغة. وأما قول الأعشى: وإن معاوية الأكرمين حسان الوجوه طوال الأمم فأراد بالأمم القامات، هكذا يفسر، وهو استعارة؛ لأن الأمة: الجماعة في كل شيء وكل جنس من الحيوان، وقامة الإنسان، تجمع كل أعضائه، فجائز أن يقال لها/ أمة، ويحتمل أن تكون الأمم في هذا البيت: النعم، وأن تكون الرياسة والملك. ويقال للطير: أمة وللإبل أمة، وللبعوض أمة. وقد روي عن النبي صلى الله عليه أنه قال: "لولا ان الكلاب أمة لأمرت بقتلها". وأما قوله: والخطبة المصدر، والخطبة: اسم المخطوب به، فليس واحد من هذين بمصدر لقولك خطب يخطب، ولكنهما اسمان يوضعان موضع المصدر، لأن مصدر هذا الفعل غير مستعمل، ولكنه مستغنى عنه بغيره. فأما الخطبة بالكسر، فاسم ما يخطب به في النكاح وغيره. كما أن الخطبة بالضم: ما يخطب به في كل شيء، ودليل ذلك ما روي عن النبي- صلى الله عليه- قالوا: (كان رسول الله- صلى الله عليه-

يعلمنا خطبة النكاح والحاجة" بضم الخاء؛ فهو اسم لما يخطب به في كل شيء، كما قلنا. إن الخطابة: اسم لصناعة الخطباء. ولو استعمل مصدر فعله على قياس العربية لخرج ما لا يتعدى فعله على فعول، كقولك: خطب خطوبا، ولكان مصدر المتعدي منه على الفعل كقولك: خطبت المرأة خطبا، ولكن ترك استعمال ذلك؛ لئلا يلتبس بغيره، ووضع موضعه ما يغني عنه، ولا يلتبس بشيء. والعامة تقول في الوجهين: الخطبة بالضم، وليس بخطأ؛ لأن المضموم اسم لكل ما يخطب به وإن كان المكسور للنكاح خاصة، ولولا طلب الفرق لمخالفة الحركات، لكان الكسر يجوز في كل ذلك، بمعنى الهيئة والنوع، والضم فيها لغير ذلك، على ما قدمنا شرحه. وأما قوله: بعير ذو رحلة، إذا كان قويا على السفر، والرحلة: الارتحال؛ فإن الرُحلة بالضم، هي: القوة على الرحيل، فجعلت على بنائها، وكان يجب أن يذكر هذا مع باب فعلة/ في موضعها. وأما الرحلة، بالكسر، فاسم الهيئة والنوع من الرحيل، وهو المسير على ما قدمنا شرحه: كالركبة والجلسة. وجمعها: الرحل. والعامة تكسر كل ذلك؛ فلذلك ذكرهما، وهما جميعا مأخوذان من الرحل، وهو: أداة البعير، التي يركب فوقها الراكب في السفر، وهي خشب. وشبه ذلك برحل الرجل، وهو: منزله وخيمته في السفر وغيره. وإذا وضع ذلك على البعير قيل: رحلته، وأنا أرحله. ويقال للذي تركبه المرأة: الرحالة. ويقال للمسافر إذا خرج من بيته ومضى: قد رحل وهو يرحل. أي سار في رحلته وقد ارتحل ارتحالا والرحيل مصدر قولك رحل يرحل. والرحال: الكثير الرحلة. وكل منزل ينزله الرجل يسمى: مرحلة. وجمعها: المراحل. والمرحل من البرود والوشى: ما عمل فيه صور الرحالة. وقد ترحل القوم وارتحلوا، وهم مرتحلون في غد، ونحو ذلك، أي ظاعنون.

وأما قوله: حمل الله رجلتك. والرجلة: مطمئن من الأرض، وبقلة أيضا يقال لها: رجلة؛ فإن العامة تقول كل ذلك بالكسر، فلذلك ذكر المضموم، وهو: اسم المشي في السفر ونحوه، لعدم المركوب، وهو من باب الفعلة، وقد شرحنا ذلك. فأما البقلة التي تسمى رجلة، فهي الحمقاء، وهي الفرفين. وأصلها: رجلة، بفتح الراء وكسر الجيم؛ لأنها مثل الشعر الرجل، وذلك للينها، وأنها ليست بجعدة. ولكن قد أسكنت الجيم ونقلت كسرتها إلى الراء تخفيف، كما قيل في كتف: كتف، وفي كبد: كبد. وليس ببعيد أن تكون الرجلة من الأرض كذلك. وقال/"الخليل": الرجلة منبت العرف الكثيرة في روضة واحدة. وجمعها: رجل كقول لبيد: في رياض ورجل وقال أيض: التراجيل: الكرفس، وقال أيضا: الحرة الرجلاء: المستوية بالأرض الكثيرة الحجارة، لا يتجاوزها الراكب حتى يترجل. ومنه قولهم: ترجلت البئر، إذا نزلتها من غير أن تدلى منها. وأما قوله: والحبوة من العطاء، والحبوة من الاحتباء، فإن المضمومة اسم ما يحبى به، وهو العطية، كما أن اللعبة اسم ما يعلب به، وكان يجب أن يذكر هذا في ذلك الباب. وأما الحبوة بالكسر، فهي الهيئة من الاحتباء، كاللبسة والعمة والجلسة، فلذلك كسرت. وقد ذكرنا أصل هذا في أول الكتاب، يقال: حبوته أحبوه حبوة، بالضم، وإذ أردت مرة

واحدة قلت: حبوة بالفتح، إذا أعطيته ووصلته. واحتبيت إذا أردت الإزار والرداء على ظهرك وركبتك، والاحتباء من الواو أيضا، ولذلك قيل فيه: الحبوة بالواو، ولكن الواو أبدلت في احتبيت ياء؛ لأنها صارت رابعة. وقد يقال: حل حبيته بالياء، وإنما ذلك لاتباع كسرة الحاء. ولو أردت الإزار الذي يحتبى به، لجاز أن يقول فيه: حبوة، بالضم أيضا. فأما المكسور فالنوع من الفعل نفسه. والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق، من قولك: حبا الشيء من الشيء، إذا دنا منه. والعامة تقول في جميع ذلك: الحبوة، بالفتح وهي اسم المرة الواحدة منهما. وأما قوله: ومنه الصفر: النحاس، بالضم، والصفر: الخالي من الآنية وغيرها فليس الصفر النحاس بعينه؛ لأن النحاس: ما جاء من المعدن، وهو أحمر مظلم، كالنار والدخان المختلطين؛ ولذلك قيل للدخان والنار: نحاس. وأما الصفر؛ فما يصنعه الناس من النحاس، بعد أخذه من المعدن بالتوت أو يذيبونه بها حتى يصفر ويشبه الذهب. ويسمى صفرا؛ لصفرته،/ وشبها؛ لاشتباهه بالذهب، وضمت الصاد منه؛ للفرق بينه وبين الصفر الذي هو نعت للشيء الخالي الفارغ، يقال: صفر الشيء يصفر صفرا، فهو صفر، ثم تسكن الفاء وتنقل كسرتها إلى الصاد، فيقال: هو صفر. ومنه قول الأعشى: ملء الأزار وصفر الدرع بهكنة إذا تقوم بكاد الخصر ينخرل وقال امرؤ القيس: وأدركهن علباء جريضاً ولو أدركنه صفر الوطاب والعامة تكسر الجميع، وهو خطأ. وأما قوله: وعشر الدرهم، بالضم يثقل ويخفف إلى الثلث، وفي إظماء الإبل بالكسر: العشر، والتسع كذلك إلى الثلث؛ فإنما ضم عشر الدرهم وتسعه وثلثه على معنى الجزء؛

لأنهن أجزاء الشيء، فالعشر جزء من عشرة أجزاء وهو أيضاً: العشير والمعشار. وجمع العشر: أعشار، كما قال امرؤ القيس: وما ذرفت عيناك إلا لتضربني بسهميك [في] أعشار قلب مقتل وأما التثقيل والتخفيف فيهن، فيجوز أن يكون الأصل التثقيل، ولكن يخفف طالبا للخفة. والدليل على أن الأصل التثقيل، أنه في القرآن كله متحرك الأوسط: الثلث والربع، والثمن والسدس، وخالفهما النصف، لعلة غير ذلك. ولا يجوز أن يكون التخفيف الأصل؛ لأن التخفيف لا يثقل إلا في ضرورة الشعر، والشعراء تحرك هذه السواكن للضرورات، وذلك جائز لهم خاصة. وأما عشر الإظماء، / فإنما كسرت إلى الثلث كله؛ لأنها أظماء وأوراد، فكسرت على كسر الورد والظمء، وجمع المكسور أيضا على أفعال بناء الأظماء والأوراد ولا يجوز في العشر من الأظماء إلا السكون. وأما قوله: وخلف الناقة، بالكسر، وليس لوعده خلف؛ فإن خلف الناقة إنما كسر كما كسر خل وخدن وعدل وحمل ومثل؛ لأنهما خلفان، كل واحد منهما خليف للآخر، وهما: ما تأخر من أطباء الناقة، ومنه قول الراجز: كأن خلفيها إذا ما درأ جروا خراش خورشا فهرا ولذلك قيل للضلعين القصيرين: خلفان. وفرق بين جمعيهما باختلاف الأمثلة فقيل في الأطباء: أخلاف. وفي الضلوع: خلوف، كقول طرفة: وطي محال كالحنى خلوفه وأجرنه لزت بدأي منضد وقد مضى شرح ذلك.

وأما خلف الموعد فعلى بناء الهجر والزور، كأنه بمعناهما، وللفرق بينهما، وهو أن تعد بخير فلا تفعله، فإن وعدت بشر فلم تفعله فليس ذلك بخلف عند العرب، بل هو كرم وفضل تتباهى به. وكذلك يجب أن يكون في المعقول. وفصل بالكسر والضم بين هذين، كما فصل بينهما وبين غيرهما بالفتح فقيل لوراء الشيء: خلف، ولحرف الفأس: خلف، وللأشرار: خلف وللعي في الكلام ونحوه: خلف. وجميع ذلك يرجع في الاشتقاق إلى أصل واحد. وأما قوله: والحوار: ولد الناقة، والرجل حسن الحوار، تريد المحاورة فإن العامة لا تعرف المحاورة، ولا اسم ولد الناقة، على مثال غلام وغراب، وفيه لغة أخرى بالكسر، حكاهما "الخليل"/ وقال: هو الفصيل أو ما ينتج. وجمعه كجمعها: حيران، مثل غربان وغلمان. وأما المكسور الآخر الذي حكاه "ثعلب" فمصدر كالطعان من المطاعنة، والقتال من المقاتلة، يقال: حاورته حوارا ومحاورة أي خاطبته خطابا وخطابة، وقال "الخليل": المحاورة: الحوار والحوير والمحورة، على مفعلة كالمشورة من المشاورة، وأنشد في ذلك: بحاجة ذي بث له ومحورة كفى رجعها من قصة المتكلم وهو مأخوذ من قولهم: حار يحور أي رجع؛ لأنه ما يرجع من كلام المتكلم إلى مخاطبه. وأما قوله: وعندي جمام القدح ماء، وجمام المكوك دقيقا، لا فرق بين القدح وبين المكوك، ولا بين الماء والدقيق، في الكيل والملي، وليس أحدهما بالكسر أولى من الآخر، ولا بالضم، ولكنهما لغتان في معنى واحد. وإنما جمام المكيال كطفافه؛ لأنه

ضده، وكذلك قرابة، فهذا المثال، موضوع لمثل هذا المعنى. وقد حكى أبو عبيدة الكسر والضم في الجمام, وليس واحد منهما مما تلحن فيه العامة، إلا أن يفتحوا أوله، ولم يذكر "الخليل" إلا الجمام، بالضم في الكيل وقال: هو الكيل إلى الرأس، يقال: جممت المكيال جما، وهو منجمة البئر وكثرة الماء فيها. وروى "الخليل": الجمام بالكسر في غير المكيال، بل في جموم الدواب وكل شيء، كأنه جمع الجمة، وهي مجتمع الشيء، وجمعه: جم يجم، وأجممته أنا إجماما، أي أرحته من المد، وتركته لترجع قوته إليه وجمومه. وكأن الجمام مثل الغراف والجراف والجحاف، وهو من أبنية المبالغة، مث الطوال والكرام ونحو ذلك. وأما قوله: قعد في علاوة الريح وسفالتها، وضربت علاوته، أي رأسه والعلاوة أيضا:/ ما علق على البعير بعد حمله، وجمعها: العلاوى؛ فإن العلاوة والسفالة بالضم: ناحيتان، على وزن فعالة، مثل القبالة، من العلو والسفل، ومن هذا: عالية الرمح وسافلته على بناء فاعلة وهي أيضا أعلاه وأسفله علوه وسفله بالضم، وعلوه وسفله بالكسر، وهل لغات أصلها واحد مع اختلاف أمثلتها، ومعاني الأمثلة شتى. وأما العلاوة بالكسر فاسم على فعالة من العلو أيضا، لأعلى الجسد وهو الرأس والعنق، ولذلك سمي ما زاد على الحمل علاوة، وهو بمنزلة الإداوة في المثال والوزن، والرحالة والعمامة، ويقال: أعطيته ألفا ودينارا علاوة، أي زيادة، ويقولون في رد السلام على المسلم: "وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، والزاكيات علاوة" أي زيادة. وجمع علاوة

على علاوي، كما جمع إداوة على أدواي كما ذكر، وكان حقها أن تجمع على فعائل، فتصير ألف فعالة في الجمع همزة مكسورة بعد ألف الجمع، والواو التي هي لام الفعل بعد الهمزة، فاستثقلت الواو بأبدلت ألفا، ثم كرهت الهمزة بين الألفين، فأبدلت منها واو، وفتحت من أجل الألف التي بعدها. فهذا آخر تفسير هذا الباب. * * *

تصحيح الباب العشرين وهو المترجم بباب ما يثقل ويخفف باختلاف المعنى

تصحيح الباب العشرين وهو المترجم بباب ما يثقل ويخفف باختلاف المعنى اعلموا أنه إنما يعنى بالمثقل [المتحرك] وبالمخفف الساكن ههنا. وقد يقال للمشدد من الحروف الثقيل، ولغير المشدد: الخفيف في غير هذا. ونحن مفسرون هذا الباب، كما فسرنا ما قبله: أما قوله: تقول اعمل على حسب ما أمرتك مثقل، وحسبك ما أعطيتك، فالأصل فيهما جميعا واحد، وإن اختلفت فيهما الحركة والسكون، فأما المفتوح السين منهما فبمعنى القدر والمثال، كما يقال: اعمل على قدر ذلك، وعلى مثال ذلك. وقال "الأصمعي": الحسب بفتح السين اسم الشيء المحسوب، والحسب بالسكون مصدره. وقال "الخليل": الحسب بالفتح الشرف في الآباء، يقال: رجل حسيب وكريم الحسب. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه: "الحسب المال، والكرم التقوى" فكأنه اسم وضع للشرف والغنى، على وزن الشرف والكرم، والنشب والنسب. وأما الساكن السين، فإنه اسم جعل من أسماء الأمر والنهي في حال، ووصفا للنكرة في حال، وهو في الأمر موضوع في موضع الفعل المأمور به، بمعنى: قدك وقطك، إلا أنه مرفوع بالابتداء معرب؛ لتمكنه، مضاف إلى ضمير المخاطب، أو اسم ظاهر أبدا. وإنما تريد

بقولك: حسبك ما أعطيتك ما تريد بقول:: كفيتك ما أعطيتك، أي ليحسبك ذذلك وليكفيك، كما يقال: رحمة الله على فلان وصلوات الله عليه، على لفظ الابتداء والخبر، ومعناه: ليرحم الله، وليصل الله، وهو دعاء، والدعاء كالأمر والنهي، يقال: أحسبني الشيء، أي كفاني. وأما وضعه وصفا للنكرة فقولك: مررت برجل حسبك من رجل، مثل قولك: مررت برجل كفئك وهذك. ويقال أيضا: حسبك به فارسا، أي اكتف به فارسا، وذلك في الأمر. وقد يستعمل اسما مضافا، متضمنا فاعلا ومفعولا ومبتدأ مخبرا به كقولك: حسبي الله، وقولك: حسب زيد ما عنده. وقد يحذف منه الإضافة فيبنى على الضم، بمنزلة قبل وبعد، كقولك: افعل ذلك حسب لا تراد به الإضافة، فهو معرف من غير/ جهة التعريف. ومن هذا قولك: احتسبه عند الله. وفعلت ذلك حسبة واحتسابا. وأما قوله: جلس وسط القوم، يعني بينهم، وجلس وسط الدار، واحتجم وسط رأسه فإن وسط القوم بسكون السين مصدر قولك: وسطت القوم وسطا وسطة، مثل وعدتهم وعدا وعدة، كما قال الراجز: وقد وسطت مالكا وحنظلا جمهورها والعدد المؤبلا فأسكن ثانيه، كأنه مثله، كما أسكن "بين" لأنه في المعنى مثله، وهو منصوب الآخر كنصب بين" أو مجرور بحرف الجر مثل "بين" سواء. وأما وسط الدار، بفتح السين فاسم لكل واسطة من جميع الأشياء، ولذلك فرق بينهما بالسكون والفتح وليس بمصدر، وما بين طرفي كل شيء وسطه بالفتح وواسطته. وقال "الخليل": إنما سمي

واسط الرحل؛ لأنه بين القادمة والآخرة، وكذلك واسط القلادة وواسطتها، وهي الجوهرة التي تكون في وسط الكرس المنظوم. ومنه قول الله عز وجل: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطًا)، أي أعدل الأمم وأفضلهم. وهذا معنى الوسط في كل شيء، بين الغالي والمقصر. وجمعه: الأوساط. ومنه قولهم: فلان من أوساط الناس. وأما قوله: والعجم: حب الزبيب والنوى، والعجم: العض؛ فإن أصل هذين واحد، إلا أن النوى من الزبيب وغيره، فتح ثانيه على مثال النوى؛ لأنه في معناه وواحدته: عجمة، كالنواة، وهو اسم ما صلب من حب التمر كله. وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال لعمرو بن العاص، أو غيره: "يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب" وهو شيء يشتم به الإماء. وأما الساكن فمصدر قولك: عجمت العود والسهم وغيرهما أعجمه/عجما، إذا عضضته؛ لتعرف صلابته ولينه، كما قال "الحجاج": "إن أمير المؤمنين نثر كنانته، فجعمها عودا عودا، فوجدني أصلبها". ويقال: "إن فلانا لصلب المعجم" أي لا يطمع فيه. وفلان لين المعجم، وهو مثل الغمز. ويقال للرجل إذا كان مجربا: قد عجمته الأمور، أي عضته وضرسته ونجذته أي أحكمته. وأما قوله: وهو يوم عرفة، وخرجت على يده عرفة، وهي قرحة؛ فإن "عرفة" بفتح الراء اسم علم لجبل أو لمكان، خلف "منى" وهو موقف الحجاج، يوم الحج الأكبر

ويسمى أيض: عرفات، على لفظ الجمع، ولا يدخل عليهما الألف واللام، للتعريف؛ لأنهما معرفتان. ويقال: إنما سميت "عرفة" لعلوها، وهي مأخوذة من العرف. ويقال من معرفتها وشهرتها. والوجهان أصل واحد. وأما الساكنة الراء فواحده مثل القرحة في المعنى والوزن، وهي أيضا مأخوذة من الأصل الأول إلا أنها نكرة تدخل عليها الألف واللام للتعريف. والعامة تقول: يوم العرفة وهو خطأ. وعرفة هذه لا تنصرف. وفي عرفات وجهان؛ الصرف وتركه. وأما قوله: وحطب يبس، كأنه خلقة، ومكان يبس، إذا كان فيه ماء فذهب، فإنه لا يكون حطب خلقته اليبس، وإنما ييبس بعد رطوبته وأصله كسر الباء، وهو من قولك: يبس الشيء ييبس يبسا، على القياس؛ لأنه على فعل يفعل، فلا يكون مصدره إلا فعلا، بفتح العين، وهو يبس، ويابس، على فعل وفاعل، ولكن قد أسكن ثانيه استثقالا للكسرة، فقيل: يبس، كما يقال: كتف، كما قال الشاعر: كما خشخشت يبس الحصاد جنوب وأما قوله: مكان يبس،/ بفتح الثاني، إذا كان فيه ماء فذهب، فإنما ذهب إلى قوله تعالى: (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي البَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا ولا تَخْشَى) ولم يؤمر موسى صلى الله عليه أن يضرب لهم طريقا في موضع كان فيه ماء فذهب ويبس. وإنما أمر أن يحدث طريقا يبسا في البحر الذي فيه الماء، فتوهم "ثعلب"- رحمه الله- أن

اليبس لا يوصف به إلا الطريق الذي كان فيه ماء ثم ذهب، وليس كذلك لأن كل طريق يابس فهو يبس، وإن كان فيه قبل يبوسته ماء أو لم يكن قط فيه ماء. وإنما فتح هذا؛ لأنه وصف بمصدره الذي قدمنا ذكره فيما قبله، فترك على الفتح الذي كان عليه، لخفة الفتح، كما يقال: رجل دنف. وقال "الخليل": طريق يبس، أي لا ندوة فيه، ولا بلل. وفسر به الآية، وقال أيضا: اليبس: الكلأ الكثير اليابس. وأما قوله: وفلان خلف صدق من أبيه، وخلف سوء، والخلف: من يجيء بعد، والخلف: الخطأ من الكلام، يقال: "سكت ألفا ونطق خلفا"؛ فإن الخلف بفتح اللام، إذا نطق به بغير إضافة ولا صفة، فهو الصالح والطالح من كل شيء خلف شيئا، فإذا خص به الصالح أضيف إلى الصلاح، فقيل: خلف صدق وإن خص به الطالح أضيف إلى ذلك فقيل: خلف سوء. وقدم قبله نعم أو بئس فقيل: نعم الخلف، وبئس الخلف. والصفة مثل قولك: خلف صالح. وخلف طالح. وقال بعض الرجاز: إنا وجدنا خلفا بئس الخلف عبدا إذا ما ناء بالحمل خضف والسوء مصدر ساء يسوء سوءا. وأما الخلف بسكون اللام فاسم لكل مذموم من المتخلفين، قال الله عز ذكره: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ). ويقال:/ هذا خلف من الكلام، إذا كان لحنا أوخطأ، أو كذبا أو فاسدا، قال لبيد: ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب

وقال بعضهم: الخلف: اسم لكل قرن مستخلف. وجمعه: الخلوف. وإنما فتح الخلف على بناء ضده، وهو السلف والقدم. وأسكن ثاني الخلف، على بناء القرن، أو على أن أصله مصدر، سمي به، من قولك: خلفه يخلفه خلفا. وأما الخلوف فيصلح أن يكون جمع خلف أو خالف، وأن يكون مصدرا، سمي به جمع الخلف. فهذا تفسير هذا الباب. * * *

تصحيح الباب الواحد والعشرين وهو المترجم بباب المشدد

تصحيح الباب الواحد والعشرين وهو المترجم بباب المشدد اعلم أن هذا الباب تخففه العامة، كله أو أكثره، والنحويون واللغويون يشددونه. ومنه ما يستوي فيه لغة العرب والعامة. ونحن مبينون ذلك كله، إن شاء الله [تعالى]: فأول ذلك قوله: يقال فيه: زعارة، وحمارة القيظ: شدته، فهذا المثال لم يجئ في كلام العرب إلا قليلا، في كلمات يسيرة، منها الزعارة؛ وهي: شدة الخلق وسوء فيه وشراسة، وهي مبنية من الزعر، والألف وتضعيف الراء [و] علامة التأنيث، زوائد فيها، لما دخلها من معنى المبالغة. والأصل في هذا المثال التخفيف على فعالة، وهي مصدر فعل يفعل، بضم عين الماضي والمستقبل. ولكن الفصحاء من العرب شددوا لام الفعل منها للزيادة في معنى المبالغة، ولم يكثر ذلك في كلامهم، ولا جاء في الباب كله. وإنما خصوا هذه الكلمات دون غيرها، فالتخفيف فيها جائز، على أصل الباب وقياسه، وليس بخطأ. وقال "الخيلي": كلمتان لا نظير لهما، جاءتا في / العربية على فعالة؛ بتشديد اللام، وهما: زعارة الرجل وحمارة القيظ. قال: ولم يشتقوا لهما فعلا، ولا فاعلا، ولا مفعولا، ولا مصرفا في الوجوه. ولكنه يقال: إنه لزعر الخلق، وفي خلقه زعارة، أي شدة، يريد أنهم لم يصرفوهما مع التشديد في الوجوه. وهذا دليل على ما قلنا. وقولهم:

إنه لزَعِر الخلق أيضا دليل على أنه إنما أخذ من فعل يفعل، بضم الماضي والمستقبل؛ لأن فعل بكسر العين، وفتح مستقبله قد يأتي في معنى ما ضم الماضي والمستقبل منه أيضا. وقال "الخليل" أيضا في الحمارة: هي الحمرة أيضا والحمر قال: وحمر الغيث: معظمه، وأنشد في ذلك: حمر غيث زمزم جاجار فدل بهذا القول على أن تشديد الحمر، وأن المراد بالتشديد: معظم الشيء وأكثره وأن الفعل بناء لتعظيم الشيء، والتشديد علامة المبالغة، وأن الأصل فيه ما وصفنا من فعل يفعل، بضم الماضي والمستقبل، أو فعل بكسر العين، وأن التشديد زيادة على الأصل، لمعنى المبالغة وتعظيم الأمر. وقد حكى غير الخليل في هذا النحو، كلمات: صبارة الشتاء، لشدة البرد، وهي مأخوذة من الصبير والصنبر. وقوله: ألقى عليه عبالته، وهي ثقله، وهي مأخوذة من قوله: عبل الشيء يعبل عبالة، أي ضخم وغلظ. وقولهم لبعض الشجر: الحماطة، بتشديد الطاء. والعامة تخفف هذا كله. وأما قوله: وهو سام أبرص، وساما أبرص، وسوام أبرص؛ فإن سام أبرص اسم جنس من الحشرات، معرفة تعريف الجنس، وهو الوزغ. وإنما قيل: سام، على بناء فاعل؛ لأنه من السموم، إذا عضت أو وقعت في مأكول أو مشروب. وأضيف إلى أبرص؛ وهو اسم للونه، أو صفة قد أقيمت اسماً؛ لأنه لون شبيه بالبرص والبهق، وهو غير مصروف/؛ لأن على بناء الفعل وهومعرفة. وإن جعل أبرص وصفا، لم يجز أن يصرف في معرفة ولا نكرة وكان وصفا لشيء غير السام نفسه؛ لأن الشيء لا يضاف إلى وصفه. وهما اسم واحد، يقع على كل واحد من جنسه، فإذا ثنى، ثنى الأول منهما مضافا إلى

الثاني موحدا، فقيل: سوام أبرص. ومن العرب من يجمع الثاني دون الأول اختصارا، فيقول: الأبارص، على وزن الأساود والأداهم والأراقم، والبرصة مثل القردة ونحوها. وقال الراجز: والله لو كنت لهذا خالصا لكنت عبدا يأكل الأبارصا والعامة تقول: سم أبرص في الواحد، ولا تعرف التثنية والجمع. وأما قوله: وسكران ملتخ وملطخ، أي مختلط، يقال: التخ عليهم أمرهم؛ فإن هذين مثالهما مفعل بتشديد اللام من اللتخ واللطخ، مثل مصفر ومحمر. وفعلهما قد التخ والطخ التخاخا والطخاخا. فأما اللطخ فمعناه معروف ظاهر. وأما اللتخ فقريب منه؛ لن لفظه قريب من لفظه، والتاء والطاء من مخرج واحد. والسكران في عقله وفهمه ودماغه وقلبه لطخ السكر، وليس يصح أن يجعل مثالهما على مفتعل من اللخ؛ لأن الطاء لا يجيء في موضع التاء ههنا. وأما قوله: شربت مشوا ومشيا، يعنى الدواء، فإنه دواء المشي المسهل. والمشو على بناء فعول، مثل الوجور واللدود والسعوط. وإنما المشي ههنا كناية عن الحدث، ولذلك سمته العرب: دواء المشي، وليس ذلك بخطأ. وأصل المشو: مشوي بالياء، ولكن الياء قلبت إلى الواو، من أجل الضمة والواو اللتين قبلهما، ثم أدغما. ومن قال المشي، فإنه أبدل من الواو التي قبل الياء ياء، ثم أدغمهما وكسر السين من أجلهما. ووزنه فعول في التقدم، وهو في اللفظ يشبه الفعيل. ويقال: قد مشاه الدواء

فهو يمشيه تمشية، وقد أمشاه يمشيه إمشاء. ومشى الرجل من الدواء يمشي مشيا. وبعض الناس يهمز؛ المشوء، وهو خطأ. وأما قوله: وهو الحسو، للذي يحسى، والحساء أيضا، فإن هذا أيضا على فعول كالوجور والسعوط واللدود والمشو، إلا أن لام الفعل منه واو فلم يجز فيه الحسي، كما جاز المشي. وأما الحساء بالفتح والمد فبمنزلة الطعام والشراب في الوزن، وبمنزلة الذواق والمتاع والدواء. وكذلك يقال في المشو: المشاء؛ لأنه أيضا دواء، وهو على مثاله وجمع الحساء والمشاء: أحسية وأمشية. والعامة تسمي الحساء: الحسو، بسكون السين، وهو مصدر مسمى به، وليس ذلك بخطأ. وأما قوله: وهي الإجانة والإجاص؛ فإن العامة تقول فيهما: إنجانة وإنجاس فتبدل النون من الجيم الأولى، لثقل الإدغام كما أبدلت الياء في قيراط ودينار وديوان، وإنما هما على وزن فعالة؛ فالإجانة مأخوذة من: أجن الماء يأجن، لأن الماء ينقع فيها فيتغير، أو غير الماء. والجمع يدل على ذلك في قول الخاصة والعامة لأنه على أجاجين، وهو فعاعيل، مثل قراريط ودنانير ودواوين، وكذلك قياس إجاص، وهو جمع، وواحدته: إجاصة، ومثلها الإجار، في لغة أهل الشام، وهو السطح. والجمع: الأجاجير. والعامة تسميه: الإنجار، ولو كانت الإنجانة على فنعالة لكان الجمع أيضا على فناعيل، فكان يقال في إنجانة أناجين وهذا خطأ، لا يقوله أحد. ولم نسمع للإجاص فعلا مستعملا، فنستدل به على أصله، ولكن مثاله يدل على أنه من ثلاثة أحرف، وهي: الهمزة والجيم والصاد/ لا غير، وسائره زائد فيه، وهو فاكهة معروفة، وهي أصناف، منها: الأحمر والأصفر والأسود.

وأما قوله: والأترج، فهو ريحان؛ لطيب رائحته، وفاكهة لطيب طعمه، وهو ثمرة صفراء، حسنة اللون مشهورة معروفة، وواحدته: أترجة، بتشديد الجيم، والجميع: أترج. وأصلها عندي- فارسية معربة، وليس في لسان العجم في أولها همزة، ولا فيها جيم، ولكن لماعربت حولت عن العجمة. وإنما هي بالفارسية: "ترش رنك" اسمان قد جعلا اسما واحدا، فالأول: ترش، وهو الحامض، والثاني: رنك، وهو اللون أو الصبغ؛ وذلك لحموضة داخلها، وصفرة ظاهرها فحذفت الشين منها، وأبدلت الجيم من الكاف، وجعل تشديد الجيم عوضا من نونها وما حذف منها، وزيدت في أولها همزة، وهي في التقدير ترجع إلى ترج؛ لأنها أفعلة، فالهمزة فيها زائدة، ألحقت بالرباعي بها، وقال "الخليل": يقال: أترج وترنج، وإن ترنجا لغة من يقول في الأرز: الرنز، فكأنها ملحقة بزيادة النون بالرباعي أيضا، مثل قولهم: عرند. وأما قوله: جاء بالضح والريح؛ فإن الضح مشدد الحاء، وهو الشمس، ويقال: ما طلعت عليه الشمس. وقال "الخليل": هو ضوء الشمس، إذا استمكن من الأرض. قال: ويقال: الضيح أيضا بالياء، كأنها لغة. والعامة عليها، فكأنها تبدل من إحدى الحاءين في الضح الياء، فتقول الضيح إتباعا للريح، وليس هذا بخطأ؛ لأن

الإتباع في كلام العرب كثير، كقول النبي صلى الله عليه: "ارجعن مأزورات" من الوزر، فأبدل من الواو الهمزة، والألف لإتباع مأجورات، وإبدال حروف اللين من التضعيف كثير في كلامهم. وإنما هذا مثل، يضرب للرجل يأتي من سفر أو تجارة أو غزو، ومعه غنائم كثيرة، أو مال كثير، فيقال: "جاء بالضح والريح". وأما قوله: قعد على فوهة/ الطريق والنهر؛ فإن العامة تقوله: فوهة، بتسكين الواو. والفصحاء من العرب يشددون الواو ويفتحونها، على وزن: فعلة مثل الأبهة، والأمهة واحدة الأمهات. وأصلها من الفوه واحد الأفواه وهو الفم من كل شيء. ويقال: الفوهة: جانب الطريق. وقال "الخليل": الفوهة: فم الطريق والنهر والوادي، وجمعها على فوه بوزن فعل. وأما قوله: وغلام ضاوي، وجارية ضاوية. والعامة تخفف الياء، والعرب تشددها، وهو على وزن فاعول، من ضوى يضوي ضوى، بوزن عمي يعمى عمى، على فعل يفعل؛ أي هزل وضعف. وأنشد "الخليل" لذي الرمة في صفة زند: أبوها أخوها والضوى لا يضيرها بساق أبيها أمها عقرت عقرا

وأنشد أيضا في تشديد الضاوي للراجز: من نسب الضاوي ضاوي غني فكان أصله: ضاؤوي، على مثال فاعول، فأبدلت الياء من واو فاعول وأدغمت في الياء فقيل: ضاوي، بكسر الواو من أجل الياء التي بعدها. ويجوز تخفيف الياء على بناء فاعل، مثل قولك: ضويت النخلة تضوي، فهي ضاوية. وليس قول العامة فيه بخطأ. ويقال الضاوي المهزول المقرقم من كل شيء. ويقال: هو السيء الغذاء. ويقال: هو الدعي. ويقال: هو ولد القرابة القريبة، كأولاد ذات المحرم، مثل ولد الأخت والبنت، وما أشبه ذلك. والعرب تقول: تزوجوا في الغرائب؛ لئلا تضووا. وقال: ولد الغرائب أنجب، وولد القرائب أضوى. وقال "الخليل": يقال: أضويت الأمر، إذا أفسدته وهو من الضواة، وهي ورم يخرج في رأس البعير، أو في عنقه، يغلب علي عينيه ويصفر لذلك خطمه. وأما قوله: هي العارية؛ فإن العامة تقول: عارية، مخففة / الياء على مثال فاعلة من قولهم: عراه يعروه، والعرب تشدد الياء، وهي على وزن فعلية من التعاور، والياء فيها للنسب؛ لأنهم يقولون في فعلها: استعرنا على استفعلنا وتعاورنا بيننا على تفاعلنا، وأعرنا على أفعلنا. وإنما كانت على فعيلة، ولفظها عارية، بالألف؛ لأن الواو التي هي عين الفعل منها اعتلت لانفتاحها وانفتاح ما قبلها، فانقلبت ألفا فصارت: عارية، وأصلها: عورية، قال الشاعر:

وجدنا في كتاب بني تميم أحق الخيل بالركض المعار وتفسير هذا البيت على وجوه. وقال الآخر: وردوا ما استعاروه كذاك العيش عارية والعرب تسمى "العارية": عارة أيضا. بغير ياء، كأنها في الأصل: عورة فصارت الواو ألفا، كما شرحنا، وهذا دليل على ما قلنا. وقال الشاعر: فأتلف وأخلف إنما المال عارة وكله مع الدهر الذي هو آكله وقال "الخليل": اختلف الناس في اشتقاق العارية من الفعل، فقيل: إنما سميت عارية؛ لأنها عار على من طلبها، وهذا قول فاسد؛ لأن العار ألفه في الأصل ياء؛ ولذلك قيل: عيرته تعييرا، ولا يقال في العارية: يتعايرون بالياء، إنما يقال: يتعاورون، قال وقيل: إنما هو من المعاورة، أي المناولة يأخذون ويعطون، وأنشد لذي الرمة: وسقط كعين الديك عورت صاحبي أباها وهيأنا لموضعها وكرا وأنشد لغيره: إذا لدد المعاور ما استعارا

وأما قوله: وتقول للمهر: فلو/؛ فإن العامة تقول: فلو، بسكون اللام وتخفيف الواو. وأكثر العرب يقولونه بضم اللام، مع تشديد الواو، ويجمعونه على: الأفلاء، بوزن أفعال، وهذا يقوي قول العامة. وقال "الخليل": هو الجحش والمهر، يقال: أفلينا الفلو، أي اتخذناه لأنفسنا. ويقولون: فلوناه، أي فصلناه، وقال الراجز في التشديد: كان لنا وهو فلو نرببه مجثعن الخلق يطير زغبه وإنما يقال له "فلو" إذا فصل عن أمه، وقد يكون ذلك بالنكاح وبالفطام ومنه قول الأعشى: ملمع لاعة الفؤاد إلى جحـ ـش فلاه عنها فنعم الفالي وقد يستعار ذلك في الناس أيضا، فيقال: افتلينا غلاما، كما قال الشاعر: ولم يمت قط منا سيد أبدا إلا افتلينا غلاما سيدا فينا وأما قوله: وهو الحواري: للدقيق؛ فإن العامة تفتح الحاء وتكسر الراء، وهو خطأ، والعرب تضم الحاء وتفتح الواو وتشدد الواو، على وزن فعالى مثل الخضارى والسوادى والزبادى والخبازى، وهو الدقيق الأبيض الذي تغسل حنطته قبل الطحن حتى يبيض. والحور: البياض. وقال "الخليل": الحوارى أجود الدقيق وأخلصه. ويقال فيه:

قد حورت الدقيق تحويرا، إذا بيضته. ويقال لكل شيء بيضته؛ فقد حورته. وقال أيضا: المحور: الخشبة التي يبسط بها العجين تحويرا، يعني التي تسميها العامة: الصوبج، كأنها التي يخبز بها الحواري لأنه لا يبسط باليد. وأما قوله: هو الأرز، بضم الهمزة، فإن العامة تقوله بالفتح، فتفتح الهمزة. وبضعهم يحذف الهمزة، ويقول: الرز. وبضعهم يبدل من الزاي الأولى نونا، فيقول: الرنز. وكل ذلك لغات، قد حكيت عن العرب، أفصحها ما/ذكره "ثعلب". وهو مأخوذ من الأرز، وهو الصلابة والشدة. ومنه قول رؤبة: أروز الأرز وقال الشاعر، وهو زهير: بآرزة الفقارة لم يخنها قطاع في الركاب ولا خلاء ووزن الأرز على هذا: فعل، مثل: حزق، وقمد وصمل وعتل. ومن فتح الهمزة لم يجز أن يجعله من الأرز؛ لأنه يصير على مثال فعل، وليس هذا البناء من كلامهم، ولكن تكون همزته زائدة وتصير على وزن: أفعل من الرز والإرزيز ويقوي ذلك قول من حذف الهمزة فقال: رز. وأما من قال: رنز، بالنون فإنها كلمة غير مشتقة في العربية. وأما قوله: هو الباقلي، مشدد مقصور، وإذا خففت مددت، فقلت: الباقلاء؛ فإن هذا اسم أعجمي، ذكر "الخليل": أنه اسم سوادي. والعامة لا تعرف المخفف الممدود، ولكن تشدد اللام وتقصر الألف، وهما لغتان معروفتان، وهي من الحبوب،

واسمها: القول. وقال بعضهم: الفوم. قال الله تعالى: (مِنْ بَقْلِهَا وقِثَّائِهَا وفُومِهَا وعَدَسِهَا). وأما قوله: وكذلك المرعزي، والمرعزاء، بكسر الميم، وإن شئت فتحتها؛ فإن العامة تقتح ميمها وتشدد الزاي وتقصر الألف. وللعرب فيها لغات، منها: القصر مع التشديد، والمد مع التخفيف، وكسر الميم، وفتحها. وقال "الخليل": هو فعللي على تقدير ولكنها مفعلي مثل شفعلي وهو اسم الباطل وليس في كلام العرب اسم على فعللي، بفتح أوله، وكسر حشوه، إلا مثقلا مؤنثا بالألف المرسلة، يعني المقصورة، نحو: المرعزي والشفصلى. وإنما قال: على تقدير مفعلى، يريد أن في أول مرعزي ميما تشبه ميم مفعلى/ الزائدة، وهي أصيلة عنده. والمرعزى اسم ما لان من صوف المعز، الذي يكون تحت الشعر. وأما قوله: ومن الفعل تقول: فلان يتعهد ضيعته، يعني بتشديد الهاء، على مثال يتفعل، أي يجدد بها عهده ويتفقد مصلحتها، وأنه لا يجوز فيه يتعاهد؛ لأنه على يتفاعل، وهو عند أصابه فعل، لا يكون إلا بين اثنين، ولا يكون متعديا مثل قولهم: تعاملا وتقاتلا. ومثل: تغافل وتماسك، وهذا غلط؛ لأنه قد يكون تفاعل أيضا من واحد؛ ويكون متعديا، كقول امرئ القيس: تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا علي حراصا لو يسرون مقتلي وقال "الخليل": التعاهد والتعهد، في الاحتفاظ بالشيء، وإحداث العهد به، واحد، يعني قول الناس: هو يتعاهد إخوانه ويتعهد، ويتعاهد القرآن والمسجد، ويتعهد بالتشديد؛ فأجاز لغة العامة. وأما قوله في أول هذا الفصل: ومن الفعل؛ فإن هذا الفعل يجري عليه اسم الفاعل

والمفعول، والمصدر على قياسه ووزنه، فلم تكن به حاجة إلى ذكر الفعل؛ لأن التعاهد والمتعاهد أسماء كلها تجري على قولك: تعاهد ويتعاهد، بالألف كله. وكذلك التعهد والمتعهِّد والمتعهَّد أسماء كلها، وهي تجري على تعهد ويتعهد بالتشديد. وأما قوله: عظم الله أجرك، يعني بتشديد الظاء، فإن العامة تقوله بتخفيفها وهو خطأ. وذلك إنما يقال في تعزية المصاب بمصيبته، وهو من تعظيم الأجر وتكثيره. ويقال أيضا: أعظم الله أجرك، بالألف على أفعل، تعظمه إعظاما أي جعله عظيما، وهما مثالان بمعنيين. وأما قوله: / وأوعزت، فإن معناهما تقدمت إليه في الأمر وبعثته عليه، والمشدد على فعلت تفعيلا، وهو للمبالغة والتكثير. وأوعزت بالألف على أفعلت، بمعنى النقل الذي كنا فسرناه في مواضع، وأفعلت فيه أكثر وأعرف وأخف من فعلت بالتشديد؛ ولأن مصدر أفعلت بالألف هو المستعمل على الإفعال دون التفعيل، وهو الإيعاز، وبه جرت العادة والعرف، ولا يكاد يستعمل التوعيز. والعامة تقول: وعزت إليه بالتخفيف، بغير ألف. وذلك خطأ جائز؛ لأن المصدر منه لا يستعمل على الوعز بوزن فعل، ولا على الوعوز بوزن فعول، ولا يقال في فاعله: واعز، ولا في مفعوله: موعوز إليه. وأنشد "الخليل" في التشديد، وهو من كلام الشعراء: قد كنت وعزت إلى العلاء في السر والإعلان والنجاء بأن يحق ودم الدلاء

تصحيح الباب الثاني والعشرين وهو المترجم بباب المخفف

تصحيح الباب الثاني والعشرين وهو المترجم بباب المخفف اعلموا أن عامة هذا الباب تشدده العامة، والعرب تخففه؛ فلذلك ذكره. ومن كلام العامة ما هو خطأ، ومنه ما هو جائز. ونحن مبينون ذلك كله، إن شاء الله [تعالى]. أما قوله: فلان من علية الناس، يعني بكسر الأول وسكون الثاني. والعامة تقول: من علية الناس، بكسر اللام وتشديدها، وهو خطأ؛ لأن العلية جمع وليس بواحد، وهم رؤساء الناس وأعلاهم قدرا أو منزلة، وهو على فعلة جمع فعيل كالصبية/ جمع صبي، والولدة جمع وليد، والواحد منهم، علي، على وزن فعيل، فلو كان قول العامة مقدرا على فعيل مثل سكير وخمير لكان واحدا ولم يكن جمعا، وكان ذلك الواحد مؤنثا، فخالف المعنى، وقد زعم قوم أن الياء في علية، مخفف، وفي صبية، مبدلة من واو، لأنهما من علوت وصبوت، لكراهة الواو بعد الكسرة. وزعم آخرون أنها أصلية من الياء، من قولك: علي يعلى، كما قال الراجز: لما علا كعبك لي عليت وقيل أيضا: هو من علاوة الحداد، وهو السندان وأصلها الياء؛ ولذلك قيل للبعير الضخم: عليان، وللضبعان عليان، وهو ذكر الضباع، وليس إبدال الياء من الواو ولزوم الياء بعجب في كلامهم؛ لأنهم قد يفعلون ذلك.

وأما قوله: وهو المكاري، وهم المكارون؛ فإن العامة تقول: المكاري بتشديد الياء في الواحد، وفي الجماعة، مثل المكاريين، وهو خطأ، إلا أن يكون شيئا منسوبا إلى المكارى؛ لأن المكارى وزنه المفاعل، من: كاريته كراء ومكاراة مثل المجاري: من جاريته مجاراة وجراء، ومثل المنادي من ناديته مناداة ونداء، فهو مخفف، والجميع كذلك: مكارون ومجارون ومنادون؛ لأن الياء التي في المكاري تسقط في الجمع لسكونها، وسكون واو الجمع. ويقال للمكاري: الكري أيضا، مشدد الياء على فعيل، وهو الأجير والمستأجر جميعا، قال الراجز: إن الكري والأجير والجمل مشتركون في العناء والعمل ومعنى كاريته فاعلته من الكراء والاكتراء. وكان الأصل في الجمع: المكاريون، بضم/ الياء وكسر الراء، فأسقطت الضمة التي قبل واو الجمع في الياء، فحذفت فاجتمع ساكنان، فلما حذفت الياء، ضمت الراء من أجل واو الجمع التي بعدها. وأصل المكاري يحتمل أن يكون مأخوذا من الياء، من قولهم: كريت النهر، وأكريت الشيء إذا أخرته، وأن يكون من الواو لقولهم: أعط الأجير كروته، ومن قوله: امرأة كرواء، للطويلة الساق، ومنها قيل الكروان والكراء، يمد ويقصر، والوجه المد؛ لأنه مصدر، فاعلته فعالا. وأما قوله: عنب ملاحي مخفف اللام، فإن العامة تشدد اللام، وتخفف الياء المشددة، وهو خطأ. إنما منسوب إلى ملاحة، أو ملاح، أو ملحة، وهو عنب ليس في حبه طول، غليظ القشر. وهو مأخوذ من الملحة، وهي البياض، ولكن نسب إليها على فعالي مثل السداسي والرؤاسي للمبالغة، وقال الشاعر: ومن تعاجيب خلق الله غاطية يعصر منها ملاحي وغربيب

ويقال: كبش أملح، ونعجة ملحاء، فيهما بياض. وفي الحديث: "ضحى النبي- صلى الله عليه- أو عق، عن الحسن والحسين، بكبشين أملحين". وأما قوله: وأنا في رفاهية، وعرفت الكراهية في وجهه، وهو حسن الطواعية لك وهي الرباعية؛ فإن هذه الأسماء والمصادر على وزن فعالية، بتخفيف الياء الزائدة في كلام العرب، وهي أسماء قليلة جدا. والعامة تشدد الياء منها تشبيها بياء النسبة، وليست بها ولا مثلها. فأما الرفاهية فإنه يقال فيها الرفاهة أيضا، بغير ياء، وهو الأصل المطرد، على بناء فعالة، ومعناها: السعة والخصب في المعيشة، وهي مأخوذة من الرفه، وهو: ورد الإبل الماء كل يوم، كما/ قال "لبيد" في وصف النخل: يشربن رفها رواء غير صادرة فكلها كارع في الماء مغتمر وقال "الخليل": لا يقال أرفهنا الإبل، ولكن يقال: القوم مرفعون، وقد أرفهنا إرفاها. وفي الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الإرفاه". وفسر ذلك على التدهن كل يوم. وإذا كان الرجل في ضيق وشدة فنفست عنه قلت: رفهت عنه ترفيها، على وزن فعلت بالتشديد تفعيلا. والرفاغية أيضا والرفاغة، بالياء وغير الياء، مثل الرفاهية في لفظه ومعناه، لا في الاشتقاق، ولم يذكرها "ثعلب" ومثلهما: الكراهية، وهما مصدران من قولهم: كرهته أكرهه.

وأما الطواعية فهي المطاوعة والطاعة، ولا يقال في هذا: الطواعة، بغير ياء، استغناء عن ذلك بالطاعة؛ لأن فعله إنما هو على أفعل بزيادة الألف فأما الرباعية، فاسم لسن من أسنان الناس والدواب، وهي التي بجنب الناب وليست بمصدر، ولا يجوز فيها الرباعة، بغير ياء. ويوصف بها الدواب، يقال: فرس رباع، وجمل رباع، والأنثى: رباعية، بالتخفيف، وهي مأخود من العدد وهو الأربعة. والعامة تشدد الياء في جميع هذا، وهو خطأ. وأما قوله: وأرض ندية، فإن العامة تشدد الياء منها، ولا يجوز فيها إلا التخفيف؛ لأنها اسم الفاعل من قول: نديت تندى ندى، على فعل، بكسر عين الماضي، وفتح عين المستقبل، فلا يكون اسم الفاعل منه إلا على فعل بكسر العين بغير ألف، مثل عمي يعمى فهو عم، والنثى عمية. والأرض الندية هي التي / أصابها المطر فترطبت قليلا، أو التي فيها من نفسها رطوبة، لقربها من الماء. والندى هو: الرطوبة، ومنه قيل: يد فلان ندية، أي رطبة بالعطية، إذا كان سخيا، وكل سحابة فيها مطر فهي أيضا ندية، خفيفة. وأما قوله: وهي مستوية؛ فإن العامة تشدد الياء في مثل هذا أيضا، وهي خفيفة علتها كعلة ندية؛ لأنها اسم الفاعل من قولك: استوت، على افتعت، وهي مستوية على مفتعلة. وكل فعل كانت لامه ياء أو واوا، فانكسر ما قبلها، فإنها تكون ياء خفيفة، نحو رامية وغازية، وعمية وندية ومستوية ومعتدية ومتعرية، ومستغرية ومغرية ومتغرية، يستوي في ذلك فاعلة وفعلة ومستفعلة. والاستواء معروف المعنى، وهو مأخذو من السواء. والعامة تخطئ في تشديد جميع هذا.

وأما قوله: رماه بقلاعة؛ فإن العامة تشدد اللام منها وهي عين الفعل. والعرب تخففها على قياس جرادة ونشارة ونخالة، وهو اسم لما يقع من حائط أو جبل أو تل أو أرض، فيرمى به سبع أو طائر أو إنسان أو نحو ذلك. وقد يكنى بها عن الداهية والحيلة أيضا. وأما قوله: هو أب لك، وأخ لك، وهو الدم؛ فاعلم فإن هذه الأسماء تشدد آخرها العامة، والعرب قد تشدد بعضها، وذلك خطأ؛ لأن الأب أصلها: أبو بالواو على وزن فعل، وكذلك الأخ. الدليل على ذلك ظاهر في تثنيتها، وهو قولك: أبوان وأخوان، ولكن الواو حذفت منهما في توحيدهما، وفي إفرادهما؛ لأنها كانت في موضع تلحقه حركات الإعراب، وهي في اسم مضمر بالإضافة، فأسقطت فيهما الواو، فحذفت، فبقيا على حرفين خفيفين، كما كانا في التثنية. وهما أب وأخ، بغير تشديد، وإذا أضيفا أو ثنيا، ردت الواو/ المحذوفة فيهما فقيل: أخوك وأبوك، بغير تشديد أيضا. وأما الدم فحذفت من آخره الياء في الإفراد والتوحيد، كما حذفت الواو من أب وأخ؛ فإذا ثني فمن العرب من يرد فيه الياء، فيقول: دميان. ومنهم من لا يردها، ولكن يقول: دمان. وكلهم لا يردونها في الإضافة ولكن يقولون: دمك، ودم زيد، وقال الشاعر في التثنية: فلو أنا على حجر ذبحنا جرى الدميان بالخبر اليقين ولكن إذا صرف منه الفعل، أو من أب وأخ، رد فيه المحذوف فقيل: دمى يدمى دمي. وكذلك إذا جمع قيل: الدماء. وقد أبوته آبوه، وآخيته فأنا أواخيه. وهم الآباء والإخوة. وكذلك ترد في التصغير، فيقال: دمي وأبي وأخي. ومن العرب من يقول:

الدم بالتشديد، على لفظ العامةم، وهو كلام سوء، ولغة رديئة. والعامة تفعل مثل هذا في "الفم" أيضا. ومن العرب من يشدد الفم ايضا، وهو في الشعر محتمل للضرورة، كما قال الراجز: يا ليتها قد خرجت من فمه وأما قوله: وهو السمانى: الطير، والواحدة: سماناة؛ فإن العامة تشدد الميم منه، ولا تأتي في آخر بألف، فتقول: هو السمان، والواحدة: سمانة. والعرب لا تقول ذلك إلا بالألف والتخفيف. وهو طير يشبه الذراح في لونه، إلا أنه أصغر منه بكثير. ويقال: إنها السلوى، والألف التي في السمانى المقصورة ليست للتأنيث. ولذلك قيل في الواحدة: سماناة، فأتى بها مع علامة التأنيث. وقد قال غير ثعلب: لا واحد للسمانى، إلا بلفظ الجميع بعينه، يقال: هذه سمانى واحدة، وسمانى كثيرة. وأما قوله؛ هي حمة العقرب، تعني السم؛ فإن العامة تشدد الميم منها، وهي خفيفة؛ لأنها/ في الأصل على فعلة، من قولك: حمي الشيء يحمى، ولكن قد حذف من آخرها حرف العلة، فبقيت الميم على أصلها خفيفة. وتصغيرها: حمية، ترك الياء فيها، وحميا أيضا. والحمة من العقرب عند العامة: إبرتها التي تلدغ بها، وإنما هي سمها الذي في الإبرة. وأما قوله: وهي اللثة، وهي مخففة كما قال. وهي: ما انحدر من اللحم على الأسنان. والعامة تشدد الثاء منها، وهو خطأ؛ لأنها من الأسماء المنقوصة. وهي في الأصل على فعلة، ولكن قد حذفت لام الفعل منها، كما حذفت من الحمة، فإذا صغرت أو نسب إليها، ردت فيها المحذوفة فقيل: لثية، ولثوية، ولا ترد في الجمع. قال الشاعر:

[و] مها يرف كأنه برد حمش اللثات مفلج الثغر والمحذوفة من اللثة ياء؛ لأنها مأخوذة من اللثا، وهو ما يخرج من الشجر خاثرا، أبيض، كالماء، يسقط ويقطر. يقال: قد ألثت الشجرة ما حولها. ويقال: أمة لثياء، إذا قبلها يعرق. وما قوله: هو الدخان، فإن العامة تشدد الخاء منه، وهي خفيفة، ووزنه على فعال، مأخوذ من: الدخنة، ولا يجوز تشديدها إلا في تكثير الفعل، إذا قيل: دخنت تدخلنا. ويقال: قد دخن الدخان، إذا سطع وارتفع، وكذلك يقال: دخن الغبار. والدخنة مثل الغبرة والكدرة والدكنة، وهي لون مثلها. والأدخن: ما كان على لون الدخان من الثياب أغبر، وذكلك من الكباش وغيرها. وقال "الخليل": ويقال: يوم دخنان، إذا [غشيه الدخا] ن، على فعلان، وليلة دخنانة سخنانة، كأنما يغشاها الدخان من شدة الحر والغم. وقول العامة: دخان، بالتشديد [إن] أريد به جمع الداخن، على فعال فهو جائز، وإلا فهو خطأ. وأما قوله: ومن الفعل: قد أرتج على القارئ فإن/ العامة تقوله بتشديد الجيم وضم التاء، وهو خطأ؛ لأنه أفعل، من الرتاج، وهو: الباب المغلق، يقال منه: أرتجت الباب، أي أغلقته وأوثقته، فمعنى أرتج عليه فهو مرتج عليه، أي مغلق عليه. وإنما يصح قول العامة من الرجة، وهي الأصوات. وقولهم: ارتج عليه بالتشديد، على وزن افتعل، والصواب ما قاله "ثعلب"- رحمة الله عليه-؛ لأنه يراد أن القارئ قد أغلق عليه ما كان يقرؤه، وذلك إذا انقطع عليه كلام أو قراءة أو شعر يقرضه، فلم يدر ما تمامه. وقال "الخليل": يقال: في كلامه رتج، على وزن فعل، أي تتعتع، وهو رتج.

وأما قوله: وغمرت حين بقل وجهه؛ فإن العامة تثقل القاف من بقل، وهو خطأ؛ لأن معناه: حين نبت الشعر في عارضيه وشاربه، فبنى على وزن نبت البقل، على التشبيه لشعره بالبقل، في قلته ولينه، فهو باقل، هكذا تقوله االعرب. ولا يقال: بقل بالتشديد، ولا أبقل بالألف، إلا في الأرض إذا أنبتت، يقال: أنبتت وأبقلت، قال الشاعر: فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها وقال "الخليل": الباقل: ما يخرج في أعراض الشجر، إذا دنا أيام الربيع، وجرى فيها الماء، فرأيت في أعراضها شبه أعين الجراد، قبل أن يستبين ورقه، فذلك الباقل. وينبغي أن يكون قولهم للأمرد، إذا خرج وجهه، قد بقل وجهه، مأخوذا من هذا. فهذا آخر تفسير هذا الباب. * * *

تصحيح الباب الثالث والعشرين وهو المترجم بباب المهموز

تصحيح الباب الثالث والعشرين وهو المترجم بباب المهموز اعلموا أنه قد كان قدم بابا آخر في الهمز، ولو أضاف هذا إليه، أو وضعه إلى جنبه/ كان أصوب من التفرقة بين بابي همز، ومن ذكر بابين، إلا أن هذا الباب مما تشدده العامة مع ترك الهمز، ومنه ما لا تهمزه ولا تشدده؛ وقد ذكره لذلك. ونحن مفسرون منه مثل ما فسرنا في غيره: أما قوله: استأصل الله شأفته، فهموز مخفف، والعامة تقول: شافته؛ بتشديد الفاء وترك الهمز، فتصير كأنها فاعلة من شفه المرض يشفه شفا. وليس هذا مراد العرب بهذه الكلمة، ولو أرادت ذلك، لكان دعاء للمريض وغيره، وإنما أرادوا الدعاء عليه، لا له. وذلك أن الشأفة خفيفة الفاء مهموزة على وزن فعلة. وإنما هي بثرة تكون في أسفل القدم، أو قرحة أو داء ينقشر منه جلدها. وقد يسمى باطن القدم نفسه: الشأفه، فلذلك قيل لقرحتها أو بثرتها: شأفة، فكأنه دعي عليه بأن يؤتى على جميعه، حتى يذهب أسفل قدمه، وإذا اشتكى الرجل شأفته قيل: قد شئف الرجل يشألف شأفا، بفتح الهمزة من المصدر، وشأفة، على المرة الواحدة. ويقال أيضا لمن صار في قلبه عداوة أو بعض قد ارتجن فيه: قد شئف يشأف شأفا، على فعل، وشآفة ممدود، على وزن فعالة، بوزن العداوة، كما يقال: شمت يشمت شماتة، وهو قلب شئف، ورجل شئف، بكسر الهمزة على فعل، كما قال الراجز:

ولم تُداوِ غُلةَ القلب الشَّئِف وأنشدنا محمد بن يزيد: فما لشآفة في غير ذنب إذا ولى صديقك من طبيب وأما قوله: أسكت الله نأمته؛ فإن العامة تشدد الميم منها ولا تهمز، فيصير / على وزن فاعلة من النميمة، كأنها تذهب إلى اللسان، وليس هذا مراد العرب، وإنما مرادهم: فعلة من النئيم، وهو الصوت الضعيف، يقال: نئم ينئم نئيما، يقال ذلك للطائر والسنور والمريض، كما قال الأعشى: لا يسمع المرء فيها ما يؤنسه بالليل إلا نئيم البوم والضوعا وقال المرار في العير: صخب التعشير نئام الضحا والنئيم أيضا من صوت الأسد، دون الزئير. وأما قوله: ربطت لذلك الأمر جأشا، إذا تحزمت له، فلا معنى لقوله إذا تحزمت له. وإنما لمراد به إذا امطأننت له ولم تهيبه وتشددت له، كما يقال ربط الله على قلبه، إذا عزي. والجأش كالقلب. ومنه قيل للصدر: جؤشوش، على فعلول. وإنما يراد أنه أمسك نفسه، وشدد قلبه، وإن لم يتحزم لشيء، ولم يتأهل له. ووالعامة تقول ذلك بغير همز، كأنه على تليين الهمز، مثل قول العرب الذين يخففون الهمزة، وأصله التحقيق، ولكن لغة

قريش التخفيف. والعامة غير مخطئة في ترك الهمز ههنا. وليس هذا من قولهم: جاش صدري، وجاش المرجل، إذا غلى، وفار، يجيش جيشا، بغير همز كما قال امرؤ القيس: على الذبل جياش كأن اهتزامه ولا هو من قولهم: جشأت نفسي في شيء؛ لأن جشأت همزتها متأخرة. والجأش همزته متوسطة. ومعنى جشأت نفسه وجاشت، أي خبثت وخافت، وقال ابن الإطنابة: وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي وأما قوله: واجعلها بأجا واحدا، زعم أنه مهموز. والعامة لا تهمزه، وليس/ بمخطئة فيه، بل هي على الصواب. وإنما هي كلمة فارسية، يؤتى بها في أواخر أسماء الطبيخ، كما يؤتى باللون الغريب في أوائلها، فيقولون: سكباج، ونارباج، ودوغباج، وزيرباج، ونحو ذلك. وليست مما يتكلم به العرب، وذلك بين في ألفاظ هذه الأسماء ومعانيها؛ لأن قولهم: "سك" اسم الخل. وقولهم: "نار" اسم الرمان. وقولهم: "دوغ" اسم المخيض من اللبن. وقولهم: "زير" اسم الكمون. وقولهم: "غور" اسم الحصرم. وأما "باج" التي في أواخرها، فبمنزلة النسب في أواخر الأسماء العربية، ومعناه: اللون- وروي- الطعام، فمعنى "سكباج": الخلية أو لون الخل. ومعنى "نارباج": الرمانية، أو لون الرمان. وكذلك سائرها. ومما يبين ذلك حديث يروى عن "عمر بن الخطاب"- رضي الله عنه-: أنا ألوانا من الطبيخ، قدمت إليه على مائدته، من عند بعض الدهاقين، فسأل عنها، فقال: ما هذه؟ فقيل له: هذا سكباج، وهذا زيرباج، وهذا اسفيدباج، ونحو ذلك. فأمر بالقصاع كلها ففرغت في جفنة أو قصعة واحدة، وقال:

اجعلوها باجا واحدا. ثم خرج "الباج" في كلام العرب على الباج [الذي] هو لون واحد، كما فسرنا، فاستعمل في كل شيء، غير الطبيخ أيضا، وليست بعربية. وأما قول العرب: تبوج البرق في السحاب، وقولهم: بجتهم بشر، وقد باجتهم بائجة، أي غشيتهم، كما يقال باقتهم بائقة، وليس من هذا في شيء، ولا فيه همزة أيضا. فالباج الواحد غير مهموز في الأصل، وفي رده إلى العربية أيضا. وأما قوله: وهو اللبأ، وهو اللبؤة؛ فإن اللبأ أول اللبن من البقرة، والشاة وغيرهما، وهو معروف، وهو مهموز عند العرب، يقال: لبأت اللبأ؛ فأنا ألبؤه، أي اتخذته من اللبن، وتليين/ همزته جائز في كلامهم، كما تقول العامة: اللبا. وأما اللبؤة: فاسم الأنثى من الأسد، على بناء فعلة، بوزن السمرة، بالهمز وضم الثاني. والعامة تسكن ثانيها ولا تهمزها، وتبدل الواو من همزتها، فتقول: اللبوة، على فعلة. ومن العرب من يقول: اللبأة، بتسكين الثاني أيضا، مع إثبات الهمز، على فعلة، كما يسكنون ثاني: عضد وكبد، وهو جائز. وتحويل الهمزة إلى الواو على ما تقوله العامة أيضا جائز عند بعض العرب، وهي لغة من لغاتهم غير جيدة. وأما قوله: كلب زئني، وهو القصير، بالزاي وهمزة بعدها؛ فإن العامة تقوله بالصاد بغير همز، وتذهب إلى أن يجلب من الصين. وليس هذا مراد العرب فيه. وإنما تريد قصر قوائمه وقصره. ومن هذا سمي الحب الدقاق الذي يكون في الحنطة والشعيرك الزؤان.

وأما قوله: ملح ذرآني، وذراني، فإن العامة تقول: أندراني، كأنه منسوب إلى "أندران" وهو اسم موضع، أو إلى "أندر". وإنما تريد العرب بياضه؛ لأن البياض. يقال له: الذرأة، مهموز على فعلة. والذرأة شيب يبدو في فودي الرأس قبل سائره، يقال: قد ذرئ فلان يذرأ ذرأة وذرأ فهو أذرأ، على أفعل، أي أبيض. والأنثى: ذرآء على فعلاء. ويقال للشاة التي ابيض مقدم رأسها أيضا: ذرآء. فمن هذا قيل: ملح ذرآني، زاد فيه ألفا ونونا؛ للمبالغة، كما قيل: لحياني ونجراني، ونحو ذلك. وأنشدنا محمد بن يزيد: رأته شيخا ذرئت مجاليه يقلي الغواني والغواني تقليه وقال أبو النجم: وقد علتني ذرأة بادي بدى ورثية تنهض في تشدد بعد التصابي والشباب الأملد وأما قوله: غلام توأم، للذي ولد معه/ آخر، وهما توءمان، والأنثى: توأمة وتوءمتان؛ فإن العامة تقول ذلك، بحذف الهمزة: توم، ويجعلونه اسم الولدين معا، كما يقولون: زوج من حمام، للذكر مع الأنثى. وليس قول العامة ههنا تخفيفا للهمزة؛ لأن

من أراد ذلك فإنما يجوز له أن يحذف الهمزة وينقل حركتها إلى الواو التي قبلها فيقولون: توم، بفتحتين، لا على ما تقول العامة، وهذه التاء توءم بدل من واو والواو التي بعدها زائدة غير أصلية؛ لأنه على فوعل فلو لم تبدل الأولى بالتاء لقيل: ووءم، بواوين، وذلك مستثقل، وهو مأخوذ من الشيء الموائم، أي الموافق، يقال: واءمني يوائمني. ومنه قولهم في المثل: "لولا الوئام، لهلك اللئام" وبعضهم يقول: "لهلك الأنام" أي لولا المواساة والتأسي والتشاكل والموافقة. فمعنى التوءم: أنه قد واءم غيره، فكل واحد منهما توءم للآخر، والأنثى: توءمة بالهاء. والجميع: التؤام، بدل من الواو التي هي فاء الفعل أيضا، أبدلت منها، لانضمامها، كما أبدلت في تراث وتكأة ونحو ذلك. يقال: نظمت الدر تؤاما، إذا جعل كل حبتين في مكان واحد. والشعراء تشبه الثنيتين بالدر التؤام لذلك. وفعال في الجمع قليل جدا، يقال: هي رخل والجميع: رخال. وزعم "الخليل" أنه يقال: هما توءم كلاهما، ولا يجوز أن يقال: هما توءمان، ولا للواحد هو توءم، وهذا خلاف ما قال "ثعلب" وزعم بعضهم أن" التوءم" يقع على كل واحد منهما، على الانفراد وعليهما مجتمعين، بلفظ واحد، بمنزلة قولهم: كلاهما يقول ذلك، وكلاهما يقولان ذلك. وقال عنترة: بدل كأن ثيابه في سرحة يحذى نعال السبت ليس بتوءم/ وإلى هذا ذهب "ثعلب" وتعلق به، وليس في هذا البيت دليل على أنه يثني لفظه في الاثنين.

وأما قوله: رؤبة بن العجاج مهموز؛ فلأنه من قولهم: رأبت الصدع، أي شعبته، فأنا أرأبه رأبا، أي أصلحته. والرؤبة: القطعة التي يشعب بها الإناء المشعوب، من قدر أو قعب أو غير ذلك. والعامة لا تهمزه، طلبا للتخفيف وليست في ذلك بمخطئة، بل ذلك جائز. وقد تكون الرؤبة في أشياء غير هذا، مهموزة مثل رؤبة اللبن الرائب، من قولهم: راب اللبن يروب روبا، وراب النائم في نومه؛ إذا استثقل فيه، وقد نام حتى راب، فهو روبان، وقال بشر بن أبي خازم: فأما تميم تميم بن مر فألفاهم القوم روبى نياما وأما قوله: ومرئ الجزور، يهمز ولا يهمز؛ فإن المريء من جميع الحيوان: ما ينزل فيه الطعام والشراب من الحلق، وهو االأحمر الملتصق بالحلقوم وهو فم المعدة وبابها. وفيه لغتان؛ لمن همز فاشتقاقها من المروءة ونحوها، ومن لم يهمز أخذه من المري؛ وهو المسح بالكف. يقال: مريت ضرع الشاة وذلك عند الحلب، وهو على فعيل في الوجهين جميعا. وقد يجوز أن يكون أصله الهمز، وترك الهمز فيه تخفيفا لها، وذلك لغة للعامة. وأما قوله: السموءل اسم رجل؛ فهو السمول بن عادياء، الذي يضرب به المثل في الوفاء، وله حديث معروف. والعامة تشدد الواو منه ولا تهمز، كأنها تبدل من الهمزة واوا، وتدغم التي قبلها فيها. والعرب إذا خففت هذا، حذفت الهمزة ونقلت حركتها إلى الواو فقالت: السمول، بثلاث فتحات، وتقديره فعولل من قول الشاعر: إذا اسمأل التبع/

لأن الواو زائدة مثل حبوكري. وأهل الاشتقاق يأخذونه من السمل، وهو الإصلاح بين القوم، أو من السمل، وهو الماء القليل، ولا يصح ذلك إلا من لغة العامة؛ لأنه يكون على فعول، بتشديد الواو. وأما على إثبات الهمزة، ملحقة فإنه يجوز على فعوءل، وهو مثال ليس في أبنية العرب. أما قوله: والصؤاب في الرأس، مهموز؛ فإنه يعني صغار القمل، وواحدتها: صؤابة. والجميع: الصؤاب. وجمع الصؤاب: صئبان، وقد سمي صغار الذهب الذي يستخرج من تراب المعدن: صؤابا، وهو مهموز الثاني. والواحدة صؤابة على فعالة. والعامة لا تهمز الصئبان، ولا الصؤابة. وأما قوله: والمهنأ: اسم رجل مهموز؛ فإنه اسم مأخوذ من قولهم: "هنأه الله" مبني على مفعل، بالتشديد للمبالغة. والعامة تقول: المهنى، بغير همز، وإبدال الألف من هذه الهمزة للتخفيف جائز، وليس بخطأ، والهمز أجوده. وأما قوله: ورئاب اسم رجل مهموز، فإنه اسم مبني على فعال من قولك: رأبت الشيء، أي أصلحته، فإما أن يكون جمع رؤبة، وإما أن يكون مصدر فعل الاثنين، مثل الخطاب والخصام. وأما قوله: هي كلاب الحوءب، مهموز، وهو موضع في طريق البصرة من مكة وأنشد:

ما هي إلا شربة بالحوءب فصعدي من بعدها أو صوبي وقال الآخر: يا قاتل الله كلاب الحوءب تنبحنا الأكلب بعد الأكلب فإن الحوءب اسم مبني على فوعل، ومعناه الواسع، يقال: جرة جوءبة، ودلو حوءبة، أي. واسعة وهذا الشعر قول بعض من كان يسوق جمل "عائشة"- رضي الله عنها- ويحدو بها،/ وله حديث، والعامة تقول: الحوب، بضم الحاء وإبدال الواو من الهمزة مشددا، على وزن فعل، كأنه جمع الحائب. وأما قوله: وجئت جيئة، والجية: الماء المستنقع في الموضع غير مهموز؛ فإن المهموز مصدر بمعنى المجيء، على فعلة، مفتوح الأول؛ لأنها المرة الواحدة، وتكون مكسورة الأول، بمعنى الهيئة والنوع أيضا، من المجيء. والعامة تلين الهمزة وتشدد الياء وهو جائز، وإن كان الهمز أجود. وأما المستنقع في الموضع، فهو كماء الحمام. والجوية: المتغير وما أشبهه. فإن أخذ من المجيء فأصله الهمز، وإن ترك ذلك، وإن أخذ من الجوى، وهو الداء؛ لأنه يجتوي، أي يكره ويجتنب، فإنه يكون مشددا، على بناء فعلة أيضا، واصله جوية، بسكون الواو، ولكن الواو تقلب ياء؛ لسكونها ووقوع الياء المتحركة بعدها، وللكسرة قبلها، فتدغم في الياء الأخيرة، فتصير جية.

وأما قوله: والسؤر: ما بقي من الشراب وغيره في الإناء، مهموز، وسور المدينة غير مهموز؛ فإن البقية من الشيء يهمز؛ لأنه من قولهم: أسأرته، فأنا أسئره إسئارا، أي أبقيته. والباقي من كل شيء يسمى: السائر، وهو من قولهم: أعطني بعضه وخذ السائر، أو خذ سائره. والعامة لا تهمزه، وتركها الهمز فيه ليس بخطأ، ولكن الهمز أفصح وأعرف في السؤر. وأما سور المدينة فمن الارتفاع. تقول: سار الغبار سورة، وسار الشراب في رأسه سورة، وسار الغضب سورة، وسر الحب في قلبه. وأنشدنا محمد بن يزيد: أحبه حبا له سواري كما تحب فرخها الحباري وأنشدنا أيضا في سور المدينة لجرير:/ لما أتى خبر الزبير توضعت سور المدينة والجبال الخشع فزعم "سيبويه" أنه إنما قال: "تواضعت سور المدينة" لأن السور بعض المدينة فلما أضافه إلى مؤنث هو منه أنثه، كما قالوا: ذهبت بعض أصابعه، وهذا حسن كثير في العربية، ولكن يجوز أيضا أن يكون إنما قال تواضعت؛ لأنه جمع السور إلى الجبال وخبر عنها معا، وهي جماعة فأنث لذلك. فأما قوله: "الخشع" فمثل قول الله تعالى: (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ) يعني أنها مغبرة يابسة لا نبات فيها ولا شجر. وزعم "الخليل": أن الخضع المرتفعة، وأن الخشعة: ما ارتفع من الأرض ومن السور، من قولهم: تسور اللص الحائط، أي صعد عليه وتسلق. ومنه قول الله تعالى: (وهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ). وقال الأخطل في سورة الشراب والغضب:

وصاحب مربح في الكأس نادمني لا بالحصور ولا فيها بسوار ويروى:" ولا فيها بسئار مهموزا من الإسآر في الإناء. والسور يجمع على الأسوار والسيران. وأما قوله: هو الأرقان واليرقان؛ فإن العامة لا تعرف الهمزة فيه. وإنما تقوله بالياء. وللعرب فيها لغتان؛ فمن همزه فإنما أخذه من الأرق، وهو السهر. والأرقان: وجع يصيب الإنسان في كبده أو مرارته، فتصفر منه حدقتاه، وجميع بدنه، وليس مما يسهر، فلا معنى للهمز فيه، وإن كانت العرب تهمزه؛ لأنهم قد يهمزون ما ليس بمهموز، على تشبيه الشيء بغيره، حتى قالوا في الزرع أيضا إذا اصفر من داء أصابه: قد أرق، فهو مأروق. ومنهم من يقول: يرق فهو ميروق، على قولهم: اليرقان. والعامة لا تقول/ إلا اليرقان بالياء، وليس ذلك بخطأ. وأما قوله: الأرندج واليرندج، فإن العامة لا تقول هذا بهمز ولا ياء، ولكنها تقول بحذفها: الرندج، وهي كلمة أعجمية، لا همزة في أصلها ولا ياء. وإنما هي: رندج، وهو اسم ضرب من الجلود، يتخذ منه الخفاف، فزادت العرب في أولها- لما أعربته- الهمزة والياء، على لغتين. وقال فيه الشماخ، يصف ثيران الوحش: كمشي النصارى في خفاف الأرندج وهو على تقدير أفنعل، مثل الألندد، واليلندد يفنعل، وهما صفة الرجل الشديد

الخصومة، مثل الألد في المعنى. وزيادة هذين الحرفين في الأعجمي المعرب، قد صيرته عربيا غير أصلي الهمزة والياءن وصارت النون التي هي أصلية في العجمة زيادة في تعريبها. والجيم في الأرندج بدل من هاء كانت فيها بلسان العجم، لأنها زائدة في لسانهم. * * *

تصحيح الباب الرابع والعشرين وهو باب ما يقال للمؤنث بغير هاء

تصحيح الباب الرابع والعشرين وهو باب ما يقال للمؤنث بغير هاء اعلموا أن قوله: ما يقال للمؤنث بغير هاء، كلام غير صحيح؛ لأن المؤنث لا يقال: فعله بالهاء أصلا، وإنما يقال بالتاء، نحو قامت وقعدت. وأما اسمه فعلامة التأنيث فيه التاء التي لا تظهر في الإدراج والإضافة، مثل قولك: رحمتك، ورأفتك، وجارية فلان، ونعمة الملوك. وإنما الهاء بدل من هذه التاء في حال الوقف خاصة؛ ليفصلوا بذلك بين التاء الأصلية، وبين التي للتأنيث. ومما يدل على ذلك أن علامة التأنيث في الفعل التاء وحدها، ولا يبدل منها في الفعل الهاء الانفصال الفعل من الاسم بالبناء وغيره، فهذا حقيقة/ المعنى في هذه الهاء التي يسمونها "هاء التأنيث" على المسامحة، وليس الهاء في شيء من الكلام علامة للتأنيث، وإنما هي بدل كما قلنا من تاء التأنيث في حال الوقف على الكلمة خاصة، وهي زائدة. وقد تزاد أيضا لبيان الحركة عند الوقوف على المتحرك، ولا تكون بدلا، وتزاد في مواضع غير ذلك؛ ولذلك زعم النحويون أن الهاءات ثمانية، منها "هاء الأصل" التي في مثل: وجه وشبه. و"هاء التأنيث" التي في مثل: نخلة ودابة وقائمة، وقد بينا أنها ليست بعلامة التأنيث. و"هاء التنبيه" التي في أول: هذا وهذه وهؤلاء، وهذا خطأ؛ لأن حرف التنبيه ههنا إنما هو حرفان: الهاء مع الألف، وهي كلمة منفصلة تامة، بمنزلة "يا" التي في النداء، وإنما تحذف الألف منها في الخط خاصة، لا في اللفظ، ولو حذفت للتخفيف منها الألف لكانت ثابتة في النية، وذلك في قولهم:

"هلم" و"هاء المبالغة" التي في مثل قولهم: علامة ونسابة، وإنما هذه الهاء بدل تاء التأنيث على ما فسرنا، وإن كان الاسم مذكرا قد أنث للمبالغة. وأما [هاء] "الاعتماد" التي في مثل قول الله [تعالى]: (إنَّهُ أَنَا اللَّهُ) و (إنَّهَا لَظَى) و (إنَّهُ مَن يَاتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا) فليست هذه بهاء التأنيث، ولا بدل ولا وقف، وإنما هي علامات الأسماء المضمرة، وهي على حرفين؛ فعلامة المذكر هاء وواو، وللمؤنث هاء وألف، ولكن لا تكتب الواو في الخط، وهي ثابتة في اللفظ. ولا معنى لقولهم: "اعتماد" وإنما جاءت بعد إن وأخواتها، اسما لها مضمرا، على شريطة التفسير، والتفسير هو الجملة التي تأتي بعدها، وتنوب عن خبر إن وأخواتها. و"هاء ضمير الغائب" التي في مثل قولهم: أخذته وضربته وهذه الهاء هي التي سموها هاء الاعتماد بعينها، وهي علامة الاسم المضمر المنصوب/ المتصل بالغائب في جميع المواضع، ومعها واو تحذف من الخط، ولا تحذف من اللفظ والنية. و"هاء استراحة" وهي التي في مثل قولهم: ماليه وغلاميه، وليس هذه للاستراحة، ولا نال المتكلم قبل أن يبلغ إليها تعب فيستريح، وإنما هي لبيان الحركة كما قلنا، زيدت لما احتاجوا، وأحبوا الوقوف على الحرف المتحرك؛ لأنهم لا يقفون إلا على ساك، فزيدت الهاء ليوقف عليها، وتثبت قبلها الحركة. و"هاء الندبة"- زعموا- وهي في مثل قولهم: وازيداه، وليس هذه الهاء للندبة، وإنما حرف الندبة الألف، و [الهاء] لبيان الألف، وتبعيد الصوت

بالألف، فإذا وصل الكلام سقطت الهاء، كما تسقط بعد الحركة في الإدراج، وهي تلك الهاء بعينها. و"هاء التوفيق"- زعموا- وهي في مثل قول ابن قيس بن الرقيات: تبكيهم أسماء معولة وتقول سلمى وارزيتيه وإنما هذه تلك التي سموها هاء الندبة، يريد وارزيتاه، فحذف الألف للضرورة، وزاد الهاء؛ لبيان الحركة التي قبلها، وللدلالة على الألف المحذوفة، وحرف الندبة التي في أول قوله: وارزيتيه دليل على ذلك؛ لأنها مثل الذي في قولك: وازيداه. وهي مثل التي للنداء على حرفين. والقول في مواضع هذه الهاءات وغيرها طويل، قد استقصيناها في كتاب "التركيب". فأما قوله: تقول امرأة طالق، وحائض وطاهر وطامث، بغير هاء، وقوله في آخر هذا الباب: فهكذا جميع ما كان للإناث خاصة، فلا تدخلن فيه الهاء، فليس كما قال. ولكن إذا أريد بوصف المؤنث الجاري على فعلها، ما يراد بالفعل المضارع أو غيره من معنى الحال والاستقبال والمضي، فلا بد من إلحاق علامة/ التأنيث في الصفة، كما تلحق العلامة بفعلها، كقولك: مررت بضاربة الرجل، أي بالتالي ضربت الرجل، وهذه حائضة غطا، وطالقة الليلة، أي تحيض وتطلق؛ لأن هذا وصف قد جرى للمؤنث على فعل لها فيه علامة تأنيث. فإن لم ترد معنى الفعل في الوقت وأردت النسب كقولك: هي ذات مال وذات دار، لم تحتج إلى علامة التأنيث ولا غيره، وإنما تعني: الملك والاستحقاق الثابت لها، كما يثبت للمذكر، فهذا يستوي فيه لفظ صفة المذكر والمؤنث، كما استوى فيهما ثبات الملك والنسب، فتقول على هذا: هي حائض، وهي طالق؛ لأن المعنى: أن بها حيضا، ونحو ذلك؛ ولذلك قال الأعشى:

يا جارتي بيني فإنك طالقة كذاك أمور الناس غاد وطارقة لأنه أراد تطلقين، ولم يكن أوقع بعد طلاقها، وإنما أوعدها، ولو كانت قد طلقت لما قال لها بيني؛ لأن البائن لا يؤمر بأن يبين. ومما يدل على صحة ما شرحنا: أن قوله: طاهر من صفات الرجال والنساء، ولا يخص المؤنث كحائض، قد جاء بغير الهاء للمؤنث. وهذا يبطل قوله الذي أصله. وكذلك طامث، يقال للرجال والنساء، كما قال الله تعالى: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنسٌ قَبْلَهُمْ ولا جَانٌّ). وقال النبي- صلى الله عليه-: "أيما امرأة ماتت [بجمع] فلم تطمث دخلت الجنة" فجعل الطمث للرجال، وهو الافتضاض، ولا يقال الطمث لكل نكاح، ولكن للذي تكون منه التدمية والعقر؛ ولذلك قيل للحائض: طامث، وقد طمثت، إذا رأت الدم وقد قالت العرب في خطابها، في وصف البعير الفتى، الذي لم يحمل عليه بعد: ما طمثه حبل قط. فهذا كله دليل أن الطامث لا يخص المؤنث، وقد جاء بغير الهاء كما قال: طاهر. وقد قالت العرب: امرأة حائضة بالهاء،/ والحائض لا يوصف به المذكر وأنشد أهل اللغة في ذلك قول الشاعر: رأيت ختون العام والعام قبله كحائضة يزني بها غير طاهر وهذا أيضا مما يفسد ما شرطه. وإنما تؤنث هذه الأشياء وتذكر، لما قلناه. وقد قالوا: حاضت الشجرة، إذا قشر عنها قشرها، فظهرت فيه حمرة كالدم. وكذلك دم الحائض، أحمر، يقال: حاضت تحيض حيضا، وهي حائض وحائضة، على ما شرطنا. والحيضة بالفتح اسم المرة الواحدة، تقول: ما حاضت الجارية إلا حيضة واحدة. وفي الفقه: أن تستبرأ الجارية بحيضتين. والجميع: الحيض؛ بالفتح. فأما الحيضة، بكسر الحاء، فالهيئة والنوع من الحيض. وجمعها: الحيض، بكسر الحاء وفتح الياء. والمحيض يكون

مصدرا كالحيض، ويكون اسما لمكان الحيض، ولوقت الحيض. ومن ذلك قول الله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ). ويقال: قد تحيضت المرأة، إذا تفقدت ذلك منها. والطالق: اسم الفاعل الجاري على فعله، تقول: طلقت المرأة، وهي تطلق طلاقا، بفتح اللام من الماضي، وضمها من المستقبل، وهو فعل لازم لا يتعدى إلى مفعول، مثل الحيض. والموقع للطلاق عليها غيرها، يقال: طلقها زوجها وهو يطلقها تطليقا، بتشديد اللام من الفعل، فهو مطلق، وهو فعل متعد إلى المرأة. وقد مضى تفسير هذه الكلمة فيما تقدم. والطاهر أيضا فعله غير متعد تقول: طهرت المرأة، وهي تطهر طهرا، بضم الهاء، وتطهرت فهي تتطهر تطهرا وطهارة. فأما قولك: طهرت على فعلت، فبمعنى نقيت من الحيض، وانقطع عنها. وأما قولك: تطهرت، بالتشديد والتاء بفمعنى تغسلت بالماء، ومن ذلك قول الله تعالى: (ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ) كأنه أراد فلا تقربوهن حتى يطهرن من الحيض، ويتطهرن بالماء، والتطهر: التنظف بالماء الذي لا نجاسة فيه، ولا خلط ولا مزاج. ويقال: ماء طاهر لذلك. وقد طهر الماء إذا برئ من النجس. ومنه قول الله تعالى: (وأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا). وقد يستعار ذلك لأشياء كثيرة، فيقال: طاهر العرض، وطاهر الخلق، كما يقال: طاهر الثوب، وطاهر البدن، وإن كان مما لا يمسه الماء ولا يغسل، ولكنه يكون نقيا من العيب، بعيدا من الأذى، ويشبه بما قد طهر بالماء وغسل؛ فالمرأة الطاهر ضد الحائض والمحدث. والرجل الطاهر ضد الجنب والمحدث وغيرهما، مستعارة له ذلك على التوسع والتشبيه. وأما قوله: وكذلك تقول: كف خضيب، وامرأة قتيل، وعين كحيل، ولحية دهين يعني بغير تأنيث، كأنها لم تدخل فيها الهاء؛ لأنها على وزن فعيل بمعنى المفعول وهي منقولة من اسمها الجاري على الفعل، إلى ما يجري عليه، وذلك أن اسم الفاعل على فعله

بوزن فاعل. واسم المفعول الجاري على فعله بوزن مفعول. فأما فعيل فإنما هو موضوع للفاعلين، بمعنى المبالغة، وليست المبالغة في فعل الفاعل، وهو موضوع للمفعول أيضا بمثل ذلك المعنى، ولم يجز فعيل للمفعول بمعنى هو في فعله، ولكنهما مثل قولك في باب النسب الذي لا يجري على الفعل: ذو فعل، وذت فعال، إذا أضفتهما إلى فعلهما، وثبته لهما، إما بالتمليك، وإما بالاستحقاق، فلما كان فعيل على هذا المعنى جاء ألا يلحق به علم التأنيث؛ لأنه ليس بجار على فعل قد لحقه أيضا علم تأنيث، فاشترك في ذلك المذكر والمؤنث، كما اشترك الفاعل والمفعول في المثال؛ فإن جاء فعيل في المؤنث بمعنى الفاعل جاز دخول التأنيث فيه؛ لأنه حينئذ للمبالغة، وليس/ بمنقول عن باب الفاعل إلى باب المفعول، بل هو على الأصل، كقولك: امرأة رحيمة وكريمة وعليمة لأنك تريد المبالغة في الفعل لا الفعل وحده، بغير مبالغة، كما تريد ذلك بعالم وراحم فهذه حجة وصف المؤنث الحقيقي. فأما ما كان تأنيثه مستعارا، ولم يكن من الحيوان، فحذف الهاء منه أسهل جدا من حذفه من المؤنث الحقيق؛ وذلك مثل الكف واللحية والعين. وإنما كانت امرأة قتيل منقولة من باب مفعول؛ لأن حقها أن يقال: قتلت فهي مقتولة، تلحق بهاء التأنيث في وصفها، كما ألحقته بفعلها، وتصفها بصفتها على وزنه الذي هو لها. فوضعت قتيلا موضع مقتولة، كما يفعل ذلك بالمذكر فتقول: رجل قتيل، ولا تريد إجراء الصفتين على فعليهما. فأما قوله: وإن قلت رأيت قتيلة، ولم تذكر امرأة أدخلت فيها الهاء، فالعلة في قتيلة، إذا لم تذكر قبلها اسم الموصوف بها، أنه إنما أدخلت فيها الهاء؛ لئلا يلتبس المذكر [بالمؤنث] إذا انفردت الصفة دون الموصوف، كما قال الله تعالى: (والْمُنْخَنِقَةُ والْمَوْقُوذَةُ والْمُتَرَدِّيَةُ والنَّطِيحَةُ) فأتى بالهاء في النطيحة، لما لم يذكر قبلها الميتة.

وأما الميتة للذكر والأنثى، فأراد كل ميتة، ولم يخصص بالنطيحة الأنثى دون الذكر بالتحريم، ولكن عملهما، وأتت الصفة على إرادة النفس التي ماتت بغير تذكية. وقد قالت العرب: "بئس الرمية الأرنب" ولم يخصوا بذلك الأنثى دون الذكر، بل عموهما، ولكن الأرنب اسم يقع على الأنثى والذكر، مثل العقرب والشاة. وقد تسمى الشاة ذبيحة قبل أن تذبح، إذا كانت معدة لذلك أو مقدرة له، كما يقال للناقة: جزور قبل أن تجزر. وكذلك يقال: أكيلة السبع وفريسة الأسد، إذا عرض/ لذلك. ويقال: ذبيحة العيد، وضحية العيد، ألا ترى أنه قد حرم الميتة التي لم تمت بعد علينا. والمنخنقة التي لم تنخنق، والمتردية التي لم تترد، والنطيحة التي لم تنطح. وإنما بين لنا أنها إذا كانت فهي محرمة. وأما إذا كانت الصفة بعد الموصوف فإنه يستغنى عن العلامة، لا يلتبس بالمذكر؛ لأن الموصوف يدل على تأنيث الصفة. وقوله: كف خضيب، معناه: ذات خضاب. والكف قد يذكره قوم ويؤنثه آخرون؛ لأنها يد، فخضيب فعيل منقول من مفعولة؛ لأنها خضبت، وهي تخضب وهي مخضوبة خضبا وخضابا. والخضب مصدر فعل الخاضب؛ لأنه متعد، والخضاب اسم ما يخضب به من الحناء أو غيره، ويوضع موضع المصدر أيضا، فإن جعلت الفعل للمرأة قلت: اختضبت تختضب اختضابا، وهي مختضب. ومنه قولهم: خضبته بالدم تخضيبا، وتخضب به تخضبا، وامرأة خاضبة وخاضب، على ما فسرنا، وهي التي تخضب النساء، ولحية خضيب، بمعنى كف خضيب في جميع الوجوه. ودهين أيضا فعيل منقول عن مفعولة؛ لأنها دهنت تدهن دهنا ودهنا. والدهن: اسم لما يدهن به، وقد يوضع موضع المصدر، قال الله تعالى: (وشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ) ومعنى لحية دهين: ذات دهن على ما شرحنا في خضيب.

وكذلك عين كحيل، أي [ذات] كحل أي فيها كحل، وهو فعيل منقولة من مفعولة؛ لأنها كحلت تحكل كحلا وكحلا، وهي مكحولة ومنه قولهم لما يجعل فيه الكحل: مكحلة، على مفعلة، بضم الميم والحاء. والأصل المكحلة والمكحال. وإذا كان خلقة العين السواد، فهي كحلاء، والمرأة كحلى، والرجل أكحل. والفعل منه: كحل يكحل كحلا. وكحلت المرأة والعين تكحل كحلا. وأما قوله: وكذلك امرأة صبور/ وشكرو ونحو ذلك؛ فإنما استوى فيه لفظ المذكر والمؤنث؛ لأنه بناء وضع للمبالغة والمدح والذم، وليس بجار ايضا على فعل، وهو وصف للفاعل أيض، وليس بمنقول من مفعول، ولكن صار بمنزلة النسب والإضافة لا بمعنى الفعل، فلذلك اشترك فيه المذكر والمؤنث على لفظ واحد بغير تأنيث. وإنما اسمه الجاري على الفعل: فاعل، مثل قولك: صابر وصابرة، وشاكر وشاكرة لغير المبالغة، على ما شرحنا. فإذا أردت المبالغة جئت بفعول، فقلت: صبور وشكور وقد تجري الصفة التي للمبالغة على الفعل، وذلك مثل: فعل يفعل وهو مفعل، بتشديد العين، كقولك: ضرب يضرب، فهو مضرب، وقتل يقتل وهو مقتل. وربما جاء منه شيء على فعال نحو قتال وضراب. وليس هذا بجار على قتل وضرب، ولكنه بناء وضع للمبالغة على غير فعل، ألا ترى أنه يقال: صبار وشكار وحماد ونحو ذلك. ولا يستعمل منها فعل مشدد، ولكن هذا يلحقه الهاء للتأنيث. ويقال: صبارة وشكارة لأنه يشبه ما جرى على الفعل المشدد كقولك: مقتل وقتال، ومضرب وضراب، ومتصبر ومتشكر، فيقال فيهما: متصبرة ومتشكرة، ونحو ذلك. وهذا متفعل من صابر وشاكر. والصبر: احتمال المكروه، ونفى الجزع منه. وفعله: صبر يصبر صبرا فهو صابر. ويقال في المبالغة: صبور، ولا يستعمل فيه فعيل، خوف الالتباس. وكذلك يستعمل في شارك "فعول" في المبالغة،

ولا يستعمل فعيل؛ يقال: شكر يشكر شكرا، بضم الشين من المصدر. والشكرك اسم الثناء الذي يقع مكافأة ومجازاة، على إحسان، فلا يكون إلا جزاء، وليس مثل الحمد الذي يقع جزاء وغير جزاء. وأما/ قوله: وكذلك امرأة معطار ومذكار ومئناث ومرضع ومطفل، فإن هذين مثالان مختلفان. أما مفعال فبناء وضع للمبالغة، غير جاء على فعل، وهو لمن كثر منه الفعل وتتابع. والميم والألف فيه زائدتان يدلان على ذلك، فلما كان كذلك شورك بين المذكر والمؤنث فيه بلفظ واحد، بغير علامة تأنيث، إذ لم يكن له فعل يلحقه علامة التأنيث، فيجري عليه. والمعطار: التي تكثر من استعمال الطيب والعطر ولو جرى على الفعل لقيل: متعطر ومتعطرة، كما يقال في الفعل: تعطر وتعطرت. والمذكار التي تكثر ولادة الذكور، وكذلك هو من الرجال، ولو جرى على الفعل لقيل فيه: مذكر كما يقال في الفعل: أذكر يذكر إذكارا. وقيل في المؤنث: مذكرة، كما يقال في فعلها: أذكرت بعلامة التأنيث. والمئناث: التي تكثر ولادة الإناث، وكذلك هو من الرجال، ولو جاء على الفعل لقيل: أنث الرجل يؤنث إيناثا. ولقيل للمؤنث: آنثت، وفي صفتيهما مؤنث ومؤنثة، والذكر من كل شيء: الصلب الشديد. والأنثى: اللين المسترخي ولذلك قيل للفولاذ: ذكر، وللنرماهن أنيث، وقالوا للحسام: ذكر. وأما مرضع ومطفل، فلم يوضع للمبالغة على غير فعل يقول: أرضعت ترضع وهي مرضعة ومرضع، وأطفلت تطفل وهي مطفلة ومطفل؛ لأنه من أسماء الفاعلين قال الله عز ذكره: (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا) وقال لبيد:

رزقت مرابيع النجوم وصابها وقد الرواعد جودها فرهامها فعلا فروع الأيهقان وأطفلت بالجهلتين ظباؤها ونعامها فهو بمنزلة فاعل في بابه، فإذا أريد به النسب استوى لفظ المذكر والمؤنث. منه تقول: هي مرضعة غدا، ومطفلة بعد أيام ونحو ذلك. ومعنى مرضع ترضع ولدها، أي تسقيه لبنها. ومعنى مطفل: أن تسوق ولدها أو تحمله، إذا أردت الفعل، وإلا فإن معناهما ذات رضاع، وذات طفل. والطفل بسكر الطاء: الولد أول ما يرضع، وليس ترك التأنيث فيهما من أجل أنه لا يوصف به المذكر؛ لأنا قد بينا في أول الباب أن ذلك لا يصح. وإنما هو على ما شرطنا. وأما قوله: امرأة حامل، إذا أردت حبى، وإذا كانت تحمل شيئا ظاهرا قلت حاملة، فليس كما قال. فإن الحبلى بمنزلة غير الحبلى، وقد تحمل الحبلى القرآن، كما تحمله غير الحبلى، فيقال فيهما: حامل كتاب الله للذكر، وحاملة للأنثى، وإنما تحذف علامة التأنيث منه إذا أردت النسب، فإن أردت أنها ستحبل لم يكن إلا بالتأنيث، ولا يجوز أن يقال: هي حامل غدا، من الحبل، ولكن تقول: حاملة غدا- إن شاء الله- وقوله: فإن أردت أنها

تحمل شيئا ظاهرا، قلت: حاملة، فليس كما زعم؛ لأن الظاهر والباطن في هذا شيء واحد، ألا تراه يحمل المصحف ظاهرا، كما يحمله في قلبه باطنا، ويحمل الشيء تحت ثيابه كما يحمله مكشوفا، ولا يتغير لذلك الوصف، ألا ترى أن النخلة حملها ظاهر، والشجرة كذلك، وحذف الهاء من صفتهما جائز على الشرط الذي بينا. وإنما العلة فيه إرادة الفعل أو النسب، لا غير ذلك. وأما قوله: وامرأة خود، وضناك، وامرأة سرح ونحو ذلك؛ فإن هذه صفات كالأسماء، لم تؤخذ من أفعال مستعملة، ولكنها موضوعة للإناث خاصة، لا يوصف بها المذكر، لا يقال: رجل خود ولا ضناك، ولا يقال للجمل: رسح؛ فلما لم يشاركها بها المذكر، استغنى فيها/ عن علامة التأنيث بإلقاء تأنيثها. ولا يتصرف شيء من ذلك على الفعل أيضا. وليست هذه من باب: طالق وطاهر، ولا من باب: قتيل وحكيل، ولا من باب معطار ومذكار في شيء، ولكنها بمنزلة رجل وامرأة وكبش ونعجة وتيس وغير ذلك، [وهي] من النساء الشابة ما لم تصر نصفا. والضناك: المكتنزة اللحم من النساء. وقد يقال من الرجال، وقد تهمز ألفها وهي ساكنة، فيكون بمعنى الصلب المعصوب اللحم من الرجال والنساء، وهو مأخوذ من الضنك، وهو الضيق. ومنه قول الله تعالى: (فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا). والسرح من النوق: السريعة السير المنسرحة، وهو مأخوذ من السراح، والأمر السريح، والأمر السرح: السهل، وقال الأعشى: بجلالة سرح كأن بغرزها هرا إذا انتعل المطي ظلالها وهي مثل قولهم: امرأة فنق، وشعر حبك، وناقة أجد.

وأما قوله: ملحفة جديدة وخلف، فهما مما يوصف به المذكر والمؤنث، وهما من بابين مختلفين لأن الجديد منقول من مفعول إلى فعيل؛ لأن الجديد إنما هو بمعنى المجدود، أي المقطوع من قولهم: جددته إذا قطعته. ومنه قيل: جددت النخل، إذا صرمتها. وهذا وقت الجداد. وقال أبو ذؤيب: وما هي إلا صحفة بارقية جديد حديث نحتها وصقالها وإنما سبيل هذا كسبيل ما فسرناه، ولا تكاد العرب تقوله إلا بالهاء، إلا نادرا قليلا، وإن كان لمؤنث؛ لأن الموصوف يدل على الصفة. وربما قال بعضهم: جديدة وخلقة، على ذلك. قال "سيبويه": وليس بالجيد عندهم. وأما الخلق ففي معنى الفاعل ولكن قد سمي الوصف فيه بالمصدر. وبابه أن يقال: قد أخلق الشيء فهو مخلق إخلاقا. وقد يقال في لغة أخرى: خلق / يخلق خلوقة، وهما لغتان؛ فلذلك قال أبو الأسود: نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا وقال الشاعر: لقد علمت ربيعة أن ن حبلك واهن خلق

وأما قوله: عجوز وأتان، وثلاث آتن، والكثيرة أتن؛ فإن هذين اسمان، لا يسمى بهما الذكورة، لا يقال للرجل: عجوز، وإنما يقال له: شيخ، كما لا يقال للمرأة: شيخة. ولا يقال للعير: أتان؛ فلذلك استغني فيهما عن الهاء. وليس للأتان فعل من لفظه يجري عليه، وكذلك قوله: رخل للأنثى من ولد الضأن، لا يجري على فعل. والذكر يسمى حملا. وقد يسمى الشعراء العجوز: شيخة على الضرورة، كما قال عبد يغوث الحارثي: وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا وأما قوله: هذه فرس؛ فإن الفرس يسمى به الذكر والأنثى، بحذف علامة التأنيث ويستغنى عنها. فإذا صغرت الأنثى، قيل: فريسة بالهاء، كأنهم استغنوا في التكثير بما يتقدم الاسم، أو يصحبه، من خطاب أو إشارة أو حال، أو بما يتأخر عنه من الوصف وليس من الأسماء الجارية على الفعل أيضا. وأما قوله: وهكذا جميع ماكان من الإناث خاصة، فلا تدخلن فيه الهاء، وهو كثير فقس عليه، فقد بينا الصواب والسقيم. فأما ما وصفه فتقليد لا يجوز العمل به، ولا القياس عليه، وليس قوله بحجة على العرب، ولا على النحويين، ولا على القياس. وهذا آخر تفسير هذا الباب. * * *

تصحيح الباب الخامس والعشرين وهو باب ما أدخلت فيه الهاء من وصف المذكر

تصحيح الباب الخامس والعشرين وهو باب ما أدخلت فيه الهاء من وصف المذكر/ أما قوله في ترجمة هذا الباب: "ما أدخلت فيه الهاء من وصف المذكر" فغلط فيه؛ لأن الهاء ليست وصفا لشيء من الأسماء في شيء من الكلام، لا لمذكر ولا لمؤنث وإنما تدخل في الاسم والصفة بدلا من علامة التأنيث فيهما. وإنما هي حرف معنى، تزاد في الوقف. وقد شرحنا ذلك في مواضع. ونحن نفسر جميع ما ذكر في هذا الباب، كما فسرنا ما سواه: أما قوله: تقول رجل راوية للشعر، ورجل علامة، ونسابة، ومجذامة، ومطرابة ومعزابة؛ وذلك إذا ما مدحوه، كأنهم أرادوا به داهية. وكذلك إذا ذموه فقالوا: رجل هلباجة، ورجل فقاقة وجخابة، في حروف كثيرة، كأنهم أرادوا به: بهمية؛ فإن الراوية: اسم من أسماء الفاعلين الجارية على أفعاليها، على غير معنى المبالغة، تقول: روى الحديث والشعر وغير ذلك، يرويها فهو راو، ولكن أدخلت فيه الهاء، علامة التأنيث للبالغة في النعت، لا لغير ذلك؛ ولهذا اشترك المذكر والمؤنث فيه، وليس هذا للمذكر خاصة دون المؤنث كما زعم. بل هو لهما جميعا؛ لأن المرأة قد تكون رواية، لما يروي الرجل، وتكون أيضا أروى منه، إلا أنه في المؤنث على ضربين: أحدهما على معنى المبالغة في النعت، كالمذكر. والآخر على تأنيث المرأة لا على المبالغة في الرواية كقولك: روت تروي فهي رواية، والأصل في هذا من الري من الماء، يقال: روى فلان من الماء ونحوه، يروي ريا، وأرويته أنا أرويه. وقيل للجمل: راوية؛ لما يحمل عليه من الماء، ويروى به الناس وغيرهم. وشبه راوية الأخبار والشعر براوية الماء فيقال: روى فلان الشعر، ورويته إياه. فأما علامة ونسابة؛ فمن أسماء أبنية المبالغة في النعت، التي لم تجر على أفعالها وإن كان لها في/ الاشتقاق أصل منها، وزيدت عليها علامة التأنيث للزيادة في المبالغة، والمذكر والمؤنث

يشتركان فيهما، على ما فسرنا في الرواية. والعلامة الكثير العلم، والنسابة: العالم بالأنساب، واسمهما الجاري على الأفعال: عالم وناسب؛ لأنك تقول فيهما: علم يعلم، ونسب ينسب. وأما قوله: مجذامة ومطرابة ومعزابة فإن مفعالا من أبنية المبالغة، بغير هاء. وذكر "الخليل" أن هذا البناء لا يدخله علامة التأنيث؛ لأنه للمبالغة، وأنه لم يجئ عن العرب منه غلا معزابة. وقد زاد "ثعلب" معه: مجذامة ومطرابة، والذي أراد "الخليل" في هذا؛ أنه يجب أن يكون لفظ المؤنث في هذا المثال كلفظ المذكر، مثل المرأة: مذكار ومئناث. ولا تلحق به تاء التأنيث للأنثى. وهذا الذي روي عن العرب في هؤلاء الكلمات إنما زيدت فيه الهاء توكيدا للمبالغة، لا فرقا بين الأنثى والذكر؛ ألا ترى أنهم قالوا: رجل مجذامة، ورجل معزابة، فجاء وصفا للاسم المذكر خاصة. والمجذام: هو الشديد السير القطاع للسفر. والجذم: القطع، يقال: جذمته أجذمه جذما. والمعزابة: الرجل الذي يطيل العزوب عن أهله، أي يغيب عنهم في الرعي أو غيره. وقد عزب يعزب عزوبا، وهو عازب، كما قال النابغة: وصدر أراح الليل عازب همه تضاعف في الحزن من كل جانب ولا توصف النساء أيضا بالعزوب، ولا القطع للسير. والمطراب: الذي يكثر الطرب يقال: طرب يطرب طربا، وهو طرب، وللمبالغة: طروب ومطراب.

فأما قوله: وذلك إذا مدحوه، فليس كما قال؛ لأنه قد يذم الرجل بكثرة السير وسرعة السفر،/ ويذم بالعزوب عن أهله، ويذم بالطرب، إذا كان على غير جهته. ولكن إذا أرادوا المبالغة في فعله، والتكثير، مدحا كان ذلك أو ذما بني على هذا المثل، وشورك بين المؤنث والمذكر فيه. وأما قولهم: كأنهم أرادوا به الداهية فإن الداهية نفسها لم توضع للمدح خاصة، ولكن يسمى بها الخير والشر جميعا، إذا جاوز الحد والمقدار في الدهى، كما قال الله تعالى: (والسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) وقال الشاعر: لكل أخي عيش وإن طال عمره دويهية تصفر منها الأنامل يعني الموت، وهو مكروه إلى كل نفس، مذموم عندها. وإنما الداهية بمنزلة الرواية اسم من أسماء الفاعلين، الجارية على الفعل، يقال: دهاه الشيء يدهاه فهو داه. والأنثى: داهية. ثم تلحق هاء التأنيث، على ما يراد به المبالغة، فيستوي الذكر والأنثى، مثل الراوية، فيقال للرجل: داهية، وللمرأة: داهية. وأما قوله: وكذلك إذا ذموه، فقالوا: رجل لحانة، ورجل هلباجة، ورجل فقاقة وجخابة في حروف كثيرة، كأنهم أرادوا به بهيمة. فليس في قولهم: رجل لحانة شيء من شبه البهيمة؛ لأن البهيمة لا تلحن، وإنما يلحن من ينطق، والبهيمة لا تنطق. وأما الهلباجة [فـ] الكسلان النوام الثقيل، ويقال: الأحمق المائق. وليس شيء من ذلك بوصف البهيمة. والفقاقة: الأحمق، وهي تخفف وتشدد. فأما الجخابة أيضا، بالتخفيف والتشديد، فهو الأحمق، وليس مما يوصف به البهيمة، وقال الشعر في الهلباجة:

ألا أبلغا هاروت عني رسالة وماروت أن قد جاء ما تريان وأن عتاق الطير يسقط نورها على علبة الهلباجة الأليان/ فهؤلاء وإن أشبهوا البهيمة في أخلاقهم، أو خلقهم؛ فإن سبيلهم في دخول الهاء على أسمائهم سبيل البهيمة نفسها في دخول الهاء فيها للمبالغة؛ وذلك لأن البهيمة من الحيوان ما أبيهم عن العقل والمعرفة والمنطق، ولم يعرف إلا الأكل والنكاح والنوم. والبهيمة بالهاء إنما لحقها الهاء لما ذكرنا، أو علامة للواحدة، كأنها بهيمة من بهيم، مثل تمرة وتمر، أو كما وصفنا من المبالغة؛ فالذكر والأنثى فيها سواء. قال الله عز ذكره: (لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) فعم بذلك الذكران والإناث. وكذلك دخول الهاء في هذه الأسماء؛ إنما هي للمبالغة في نعوتهم، لا على التشبيه بالبهيمة، ولو كان على التشبيه بها، لاشتق لها أوصاف من لفظ البهيمة. واللحانة مثل النسابة سواء. وقد مضى شرح ذلك. وإنما ذكرنا في هذا الباب؛ لأن العامة تغلط فيه؛ فتتوهم أن الهاء للمؤنث، وحذفها للمذكر في كل شيء. وهذا آخر هذا الباب. * * *

تصحيح الباب السادس والعشرين وهو باب ما يقال للمذكر وللمونث بالهاء

تصحيح الباب السادس والعشرين وهو باب ما يقال للمذكر وللمونث بالهاء اعلموا أن المذكر والمؤنث إنما يشتركان في الهاء، إذا لم تكن الهاء للتأنيث المحض، ولكن للمبالغة والعوض، أو الفرق بين الواحد والجمع، أو للمرة من المصدر، أو كان مصدرا قد وصف به، أو لمعنى من ذلك. فمن ذلك قوله: رجل ربعة، وامرأة ربعة، والتاء فيها للمبالغة، مثل الهلباجة والجخابة والداهية والبهيمة، فهذا بمنزلة الباب الذي قبله، ولولا ذلك لما اشترك فيه المذكر والمؤنث وقد كان يجب أن يدخل هذا الباب في الأول، ففصله/ منه؛ ليكثر أبوابه، أو من أجل ذكره الربعة؛ لأنه ليس مما جرى على الفعل، ولا مما بني مثاله للمبالغة، وإن كانت التاء فيه للمبالغة. والربعة من الرجال: من كانت قامته بين القصير والطويل. ويروى في حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان فوق الربعة". وأنشدنا المبرد عن المازني لبعض الأعراب يقول لجار له، عيرته القصر، تسمى جعفرا: يا جعفر يا جعفر يا جعفر أراك ربعة وأنت أقصر وقد يقال للربعة: الربع، بغير هاء، والمربوع على معنى ربع يربع، وهو مربوع ومنه قولهم للحبل، إذا فتل على أربع قوى: مربوع، ورمح مربوع، أي غير طويل وقال لبيد:

رابط الجأش على فرجهم أعطف الجون بمربوع متل وسميت ربعة الطيب أيضا: ربعة؛ لأنها فوق اللاطية، ودون المرتفعة. وأما قوله: رجل ملولة وامرأة ملولة، ورجل فروقة، وامرأة فروقة، فهذا ليس من هذا الباب؛ لأن فعولا من أبنية المبالغة بغير تأنيث، مثل صبور وشكور. وإنما لحقها التأنيث زيادة في المبالغة وتوكيدا لها، فاشترك المذكر والمؤنث في هائها، كما اشتركا في بنائها. وليس فعول بجار على فعل؛ لأن فعله إنما هو على فعل يفعل، فهو فعل، كقولك: مل يمل مللا وملا، وملالا وملالة، فهو مال. ويقال: رجل مل وملة بالهاء على المبالغة، كما قال الشاعر: إنك ما أعرف ذو ملة يقطعك الأدنى عن الأبعد وفرق يفرق فرقا، فهو فرق، مثل سئم يسأم سأما، وهو سئم وسائم، وضجر/ يضجر وهو ضجر، وفي المبالغة سئوم وضجور، ولا تقول: هو ملل على مثال فرق وضجر وسئم كراهية إظهار التضعيف مع الكسر، قال الشاعر: أبوا أن يملونا ولو أن أمنا ترقي الذين يلقون منا لملت وقد جاء فروق في المؤنث، بغير هاء، قال الشاعر:

أنورا سَرْعَ ماذا يا فروقُ وحبلُ الوصل منتكث حذيق وأما قوله: رجل صرورة، وامرأة صرورة للذي لم يحج، فهو أيضا على فعول، وهو من أبنية المبالغة، وليس يستعمل منه في هذا المعنى فعل ولا اسم فاعل، جار على فعل ولكن يقال للذي لم يحج الفريضة: صرورة بالهاء للزيادة في معنى المبالغة، وللذي لم يتزوج، ولا يريد النساء، وللمرأة التي لا تريد التزوج: صرورة أيضا، كما قال النابغة في الراهب: ولو أنها عرضت لأشمط راهب عبد الإله صرورة متعبد كأنه في المعنى من صر خلف الناقة، ومنع لبنها من الحلب والرضاع، مثل الشاة المصراة وهي المحفلة. وأما قوله: رجل هذرة، للكثير الكلام، وامرأة هذرة للكثيرة الكلام؛ فمن أبنية المبالغة على غير مثال فعول، ولكن على فعل، مثل قولهم: رجل حطم، أي شديد الحطم ودليل ختع، أي جيد الدلالة، ولكن قد ألحقت فيه علامة التأنيث أيضا؛ لتوكيد المبالغة، فقيل: هذرة، واصله: هذر، كما قال الراجز: قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ومثل هذا قولهم: رجل ضحكة، أي كثير الضحك، وهزأة، أي كثير الهزء، ولعنة للكثير اللعن./ وقد مضى بعض هذا قبل هذا الموضع.

والهذر: الإسقاط في الكلام، وليس الهذر كثرة الكلام، حتى يكون معه سقط، فإذا كان فيه سقط فهو الهذر، قل أو كثر، يقال: هذر يهذر هذرا، وهو هاذر، هذور، هذار، مهذار، هذارة، هذر، هذرة أيضا. وأما قوله: ورجل همزة لمزة، وامرأة كذلك، وهو الذي يعيب الناس في حروف كثيرة، فإنهما مثل ما فسرنا، ولهما فعل متصرف، وفاعل يجري عليهن يقال: همزه يهمزه همزا، فهو هامز، إذا غمز فيه، بالمغيب. ويقال إن اللمز في المواجهة، يقال: لمزه يلمزه فهو لامز، كما قال الله تعالى: (ومِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ) أي غمزه فهو غامز. وقال [تعالى]: (هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) وقال [تعالى]: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ)، وقال الشاعر: تدلي بود إذا عاينتني كذبا وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه ومنه فيه للعصا، التي في رأسها حديدة كالمسمار ينخس بها الدواب: المهمزة. وجمعها: المهامز، وهي أيضا حديدة يشدها الرائض في عقب خفه، فيركض بها جنب الدابة إذا شمست، ومنه قول الشماخ: أقام الثقاف والوليدان درأها كما قومت ضغن الشموس المهامز ومن هذا سميت "الهمزة" من الحروف؛ لأنها تهمز بالحلق، أي تغمر. والسنورة تهمز الفأرة بأنيابها، أي تعمزها. وقيل لأعرابي: أتهمز الفأرة؟ قال: الهرة تهمزها.

تصحيح الباب السابع والعشرين وهو باب ما الهاء فيه أصلية

تصحيح الباب السابع والعشرين وهو باب ما الهاء فيه أصلية/ اعلموا أن هذه الباب ليس من باب المذكر والمؤنث في شيء، وإن كانت العامة تخطئ فيه. ونحن مفسروه على نحو ما فسرنا غيره، إن شاء الله [تعالى]: أما قوله: يقال: جمع الماء: مياه، والقليلة: أمواه؛ فلأن الماء قد أبدلت من الهاء التي في آخره همزة. وأصله: ماه، بإظهار الهاء، فأما الألف فيه فمنقلبة من واو مفتوحة. وكان في الأصل موه، على وزن فعل؛ ولذلك كان أدنى العدد منه على أمواه؛ وزن أفعال، كما قال الشاعر: سقى الله أمواها عرفت مكانها جرابا وملكوما وبذر والغمرا والجميع الكثير منه على مياه، بوزن فعال، وصارت الواو في مياه ياء، من أجل كسرة الميم. والعامة تجمع الماء على الأمياء، تتبع لفظ الماء بغير هاء، وتأتي بالياء بدلا من الواو، كما يقال في مياه. والماء: اسم للمطر وغيره مما يغتسل به ويتطهر، وتطهر به الأشياء، ويشرب ويحيا به الحيوان والنبات وكل شيء، كما قال الله تعالى: (وجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ). وماء الوجه: حياؤه وجاهه وحسنه وطرأته، ويقال له: الموهة على فعلة. يقال: ما أحسن موهة وجهه، ويقال: رجل ماه القلب بالهاء، أي ليس بذكي القلب وتصغير الماء: مويه. ويقال: سيف مموه، وسكين مموهة، أي مطلي بالذهب

أو الفضة، ولهذا قيل لكل مدلس: مموه؛ لأنه حمل على ظاهر أمره موهة. وصناعته التمويه. وتصغير الموهة: مويهة. والمموه بمعنى الموهة، قال العجاج: لما رأتني خلق المموه براق أصلاد الجبين الأجله والنسب إلى الماء: ماهي. ويقال للماء: ماه على تأنيث البئر والعين. ويقال: قد ماهت السفينة إذا دخل فيها الماء، وهي تموه موها. وفي لغة: أماهت، وهي تميه، إماهة. وأماهت الأرض، إذا ظهر فيها/ النز والندى. وأماه الزرع، إذا غرقه الماء. وأما قوله: وجمع الشفة: شفاه؛ فلأن الشفة اسم ناقص قد حذفت منه لام الفعل وهي هاء، فهذه الهاء التي فيها بدل من تاء التأنيث. وأصلها: شفهة، فإذا صغرت أو جمعت عادت فيها الهاء المحذوفة، فظهرت في اللفظ، مثل قولك: شفيهة وشفاه وكذلك إذا صرف فيها الفعل، يقال: شافهته مشافهة وشفاها، أي خاطبته بشفتي وواجهته بخطابي. ومنه قولهم: المال مشفوه، أي مطلوب بالشفاه. وهذا ماء مشفوه؛ أي يكثر الشراب أو السقاة على شربه؛ وذلك إذا قل من كثرة من يرده. وطعام مشفوه مثله. ويقال في أدنى عدد الشفة: شفهات وشفوات، كما يقال سنوات بالواو، وهي من الهاء. وأما قوله: وجمع الشاة شياه، فلأن الشاة وزنها: شاه على وزن فعلة، ولكن حذفت منها الهاء الأصلية فصارت شاه، فإذا صغرت أو جمعت عادت الهاء فيها، فقيل: شويهة وشياه، والألف التي في شياه مبدلة من الواو، لانكسار الشين. وقد يقولون في الجميع: الشاء؛ ممدودا على مذهب تمرة وتمر، ولكن الهمزة في الشاء بدل من الهاء ولو لم تبدل لقيل في الجمع: الشياه بالهاء، على تقدير: شوهة وشوه مثل تمرة وتمر.

ومن العرب يقول في الجمع: الشوي، على فعيل مثل معين وضئين، فتبدل من الهاء ياء في فعيل، كما أبدل منها همزة في فعل. والشوي جمع مثل الشاء. وأما قوله: والعضاه سجر، والواحدة عضة؛ فلأن العضة أيضا اسم منقوص منه الهاء، وأصلها: عضهة بهائين، فلما حذفت الأصلية بقيت الزائدة، فإذا صغرت أو جمعت عادت هاؤه المحذوفة فيها، فقيل: عضيهة وعضاه، بإظهار الهاء في الوصل/ والقطع. والعضة: كل شجر له شوك من أشجار أم غيلان كالطلح والسمر والعرفط. ويقال: بعير عاضه وعضه، إذا أكل العضة، قال الراجز: وقربوا كل جمالي عضه أبقى السناف أشرا بأنهضه ومن العرب من يقول في جمعها: عضوات بالواو بدل الهاء، كما قال الراجز: هذا طريق، يأزم المآزما وعضوات تقطع اللهازما وتصغيرها: عضية بالياء. وأما قوله: وجمع الاست: أستاه، بفتح الألف؛ فإن الاست من الأسماء الناقصة قد ذهبت منها هاء أصلية، وأسكن أولها وأدخل فيها ألف الوصل، وأصلها: سته، بفتح السين وآخرها هاء، فإذا صغرت أو جمعت عادت الهاء المحذوفة فيها فقيل: ستيهة وأستاه، على أفعال. والعامة تقول: استاه، بكسر الألف، على نحو كسر ألف الوصل في واحدها، وهو خطأ. ويقال للرجل العظيم الاست: أسته، كما يقال للمرأة: عجزاء، ولا يقال لها: ستهاء، إلا في الشتم. وربما قالوا: ستهم، بزيادة الميم عوضا من حذف ألف، أفعل وفعلاء، كما يقال: زرقم للأزرق والزرقاء. والسته على فعل

بتحريك الثاني مصدر الأسته. وفعله: سته يسته ستها، ولا نعلم فعلا آخر ولا اسما مشتقا منه مستعملا، فنرده إليه. ومن العرب من يقول للاست: السه بالهاء على حذف الهاء. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العين وكاء السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء ... ". وهذا حجة الطهارة من النوم، وقال الراجز: ادع بحيحا باسمه لا تنسه إن بحيحا هي صئبان السه/ وقال الشاعر: شأتك قعي نغثها وسمينها وأنت السه السفلى إذا دعيت نصر فأما قول: وينشد هذا البيت: وليس لعيشنا هذا مهاه وليست دارنا الدنيا بدار يعني: أن المهاه ههنا بالهاء، وليست كهاء التأنيث، التي تصير في الوصل تاء. وقال "المبرد": المه: الرفق واللين بالإبل في الرعي، يقال: سرت سيرا مهها، أي رفيقا، ويقال: مههت يا رجل، أي لنت. ومنه قول الشاعر: وليس لعيشنا هذا مهاه أي: لا لين فيه ولا خفض. والعامة وأكثر اللغويين يروونه بالتأنيث.

وأما قوله في آخر هذا الباب: إن الهاء في كل هذا صحيحة، فخطأ؛ لأن الهاءات كلها في المؤنث وغير المؤنث كلها صحيحة، أصليها وزائدها، وليس فيها شيء معتل وإنما كان يجب أن يقول: هي أصلية؛ لأن الهاء التي هب بدل من تاء التأنيث أيضا صحيحة، إلا أنها غير أصلية. * * *

تصحيح الباب الثامن والعشرين وهو المترجم بباب آخر، مما تلحن فيه العامة

تصحيح الباب الثامن والعشرين وهو المترجم بباب آخر، مما تلحن فيه العامة اعلموا أن هذا باب لا معنى لإفراده؛ لأنه مما كان يجب أن يرفق في سائر الأبواب المتقدمة فتجعل كل كلمة منه في بابها. ونحن مفسروه على ما فسرنا غيره، إن شاء الله [تعالى]: أما قوله: في صدره عليه غمر، أي حقد، بكسر الأول وسكون الثاني، فإنما كسر لمضارعته الحقد في المعنى، وهو اسم ما يغشى القلب من العدواة، ويغمره، أي يغطيه،/ ولا يعرف له فعل مستعمل، إلا أن يقاس، فيقال: قد عمر قلبه يغمر غمرا، فيكون الغمر اسما في موضع مصدره. ولا أعلم العامة تلحن في هذه الكلمة، بل تقولها كما يقولها الخاصة. وأما قوله: هو منديل الغمر؛ فإنه يعني بالمنديل الذي يبسط على المائدة، أو تحتها، ليتمسح به الآكل. والغمر ما يغشاه من زهومة ووسخ من الأيدي والطعام. وقد غمر المنديل يغمر غمرا. ويقال لليد الزهمة أيضا: غمرة. وقد غمرت تغمر غمرا. وأما قوله: والغمر من الرجال: الذي لم يجرب الأمور، وهو المغمر، فإن الغمر بضم الأول وسكون الثاني. وجمعه: الأغماء. ومعناه: الذي تغمره الأمور، ويغرق فيها، ولا يهتدي لوجهها. وإنما قيل له: مغمر؛ لأن الناس غمروه، أي وصفوه بأنه غمر، يغمرونه تغميرا، أو أو الله خلقه غمرا، فهو الذي غمره. وقال الشاعر: فطعنة لاغس ولا بمغمر

وقال الآخر: دع المعمر لا تسأل بمصرعه واسأل بمصقلة البكري ما فعلا والعامة لا تلحن في هذا الحرف ايضا، وإنما يسمونه: الغمر. وأما قوله: الغمر من الماء: الكثير، يعني بفتح الأول وسكون الثاني. قال: ومن الرجال: الكثير العطاء، فإن الماء الكثير إنما سمى غمرا بمصدر فعله؛ لأنه يغمر الأشياء غمرا، أي يغطيها. يقال: غمره الماء يغمره، وهو غامره، كما قال الأعشى في الغواص في البحر: نصف النهار الماء غامره وشريكه بالغيب ما يدري وشبه الرجل الكثير العطاء به، لأنه يغمر السؤال بعطائه. ويقال: إنه لغمر النائل،/ وغمر الخلق، وغمر الرداء، كما قال الشاعر: غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا غلقت لضحكته رقاب المال وهذا أيضا لا تلحن فيه العامة، بل يسمونه الرجل الغمر. ويسمون الكثير من المال: الغمر، ويقولون: طبخته بغمرة من الماء، ويعرفون تفسيره. وأما قوله: والغمر: القدح الكبير، فإن يعني أنه مضموم الأول مفتوح الثاني وفيه يقول أعشى باهلة: تكفيه حزة فلذ إن ألم بها من الشواء ويروي شربه الغمر

وكانوا إذا عز بهم الماء في سفر تقاسموا ما معهم من الماء بالغمر، ليكفيهم. ويروى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في بعض أسفاره: "أطلقوا لي غمري" وإنما سمي هذا غمرا؛ لأن القليل من الماء يغمره. وبنى على فعل للمبالغة. والعامة لا تعرف هذه الكلمة، ولا تستعمله صواب ولا لحنا. وأما قوله: والغمرات: الشدائد؛ فإن الغمرات جمع غمرة، بسكون الميم، وهي مما يغمر ويغطى، وهي مبنية على فعلة، بسكون، المرة الواحدة، كغمرة الموت وغمرة النوم وغمرة السكر، وغمرة الدنيا. ومنه قول الله تعالى: (فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ) ومن أمثال العرب: "غمرات ثم ينجلين" والحروب والفتن والخصومات وما أشبه ذلك تسمى: الغمرات. والعامة تستعمل هذه الكلمة على هذا بعينه بغير لحن ولا خطأ. وأما قوله: رجل مغامر، إذا كان يلقي نفسه في المهالك، فإنما معناه أنه يداخل الغمرات من الحروب والفتن والشدائد؛ لجرأته ولا يحيد عنها. ومن هذا قيل: دخل في غمار الناس، أي في زحمتهم/ وجماعتهم. وكان يجب أن يسمى هذا الباب: باب مما لا تلحن فيه العامة؛ إذ كانت مصيبة في جميعه. وهذا آخر تفسير هذا الباب. * * *

تصحيح الباب التاسع والعشرين وهو المترجم بباب ما جرى مثلا أو كالمثل

تصحيح الباب التاسع والعشرين وهو المترجم بباب ما جرى مثلا أو كالمثل هذا الباب مما كان يجب تفريقه في الأبواب المتقدمة، التي تلحن فيها العامة، مع ما تشبه كل كلمة منه، ويستغنى بذلك عن إفراده هذا الباب لغير معنى. ونحن مفسرون ذلك، على حسب ما فسره، إن شاء الله [تعالى]: أما قوله: تقول: "إذا عز أخوك فهن" فإنه مثل للعرب تضربه على وجوه، وتضعه على مواضع كثيرة، وتفسيره أيضا يتصرف على معان، يقال: إن معنى قولهم: "فهن" من الهوان، مأخوذ على الاستعارة لا على الحقيقة؛ لأنه ليس يراد به: كن هينا، ولكن يراد به: إذا اشتد أخوك فلن له، أي إذا صعب وتعسر، فتسهل له؛ لتدوم الأخوة بينكما. ويجوز أن يكون معناه: إذا صار عزيزا، أي ملكا غالبا قويا عليك فأطعه وتذلل عليه، تسلم عليه، ولا يطلمك بعزه. ويجوز أن يكون من العون، وهو السكون والهدو، من قول الله تعالى: (وعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا) أي يمشون على هينتهم وسكونهم، يقول: إذا تجبر أخوك عليك وتكبر فتواضع أنت: لتكون أفضل منه، ولا يكون هذا من الوهن والضعف؛ لأن فعل الوه: وهن يهن، بكسر الهاء من المستقبل، والأمر منه: فهن، بكسر الهاء مثل: عد وزن. وهذا إنما هو: فهن، بضم الهاء، أي إذا أساء أخوك خلقه فحسن أنت خلقك والعامة تقول: إذا/ عز أخوك فأهنه، وهو خطأ وضد المعنى./

وأما قوله: "وعند حفينة الخبر اليقين" فإن أكثر الناس يقولون والعامة: جهينة بالهاء، قال "أبو العباس"- رحمه الله-: وقال "أبو عبد الله- يعني ابن الأعرابي-: حفينة، وأما جهينة فاسم قبيلة، والنسبة إليها: جهني، وأما "جفينة" فاسم رجل قتل رجلا كان سافر معه، فانصرف جفينة ولم ينصرف رفيه، فكانت أخته تتلقى الركبان، تسألهم عن أخيها واسمه "خصيل"، فقال بعض الشعراء: تسائل عن خصيل كل راكب وعند جفينة الخبر اليقين فضرب به المثل. وقبيلة من اليمن كان يقال لها: بنو جفنة الغسانيون، وفيهم يقول حسان ابن ثابت: أولاد جفنة حول قبر أبيهم قبر ابن مارية الكريم المفضل وأما قوله: "افعل ذاك وخلاك ذم" فمعناه: خلا منك دم، أي ولا تكون مذموما، ولكن حذف الجار، وعدي الفعل بنفسه إلى الكاف، كما قال الله تعالى: (وإذَا كَالُوهُمْ أَو وزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) يعني: كالوا لهم ووزنوا لهم. والعامة تقول: وخلاك ذنب، ومعناه صحيح غير فاسد؛ لأنه في معنى خلا منك ذم. ولكن العرب إنما تضربه مثلا بالذم لا بالذنب.

وأما قوله: "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها" أي: لا تكون ظئرا لقوم، فليس معنى الحرة ههنا ضد الأمة، ولكن الحرة الكريمة الحسيبة، أي الكريمة تصبر على الجوع والضر ولا تلتمس المكاسب الدنية، ولا ترضع بالأجرة، فتأكل ببيع لبنها، فكأنها إنما باعت ثدييها. والعامة تقول: ولا تأكل ثدييها، وهو جائز على المبالغة في المعنى، ولكن المثل ليس هكذا. والظئر: المرضعة غير ولدها من الناس والإبل. وأما قوله: "تحسبها حمقاء وهي باخس"/ هكذا جرى المثل وإن شئت قلت بالهاء، فإنما يعني: أن العرب تقول: باخس، بغير هاء، وأن الهاء جائز فيها، كما تقول العرب: باخسة، وحذفها أجود؛ لأن المثل يحذف منه للتخفيف. ومعنى باخس، أي ذات بخس، ومعنى باخسة، أنها تبخس. وهو مثل يضرب لمن تظنه أبله أو غمرا مغفلا، فتجده خبيثا في المعاملة، يبخسك أي ينقسك. قال الله تعالى: (ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) وقال [تعالى]: (وشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) أي ناقص عن قيمته. وأما قوله: وتقول: "الكلاب على البقر" فتنصبها وترفعها، فإنه يعني أن النصب والرفع جائزان في الكلاب، فالرفع فيها على الابتداء، وما بعدها خبر المبتدأ. وأما النصب، وهو الأكثر فعلى إضمار فعل، كأنك قلت: دع الكلاب على البقر. وقال غيره: إنما المثل أن يقال: الكراب على البقر، وتنصب إن شئت الكراب، وإن شئت ترفعه. والكراب: شق

الأرض للزراعة، أي دع الحرث على البقر، إذا نصبت وإن رفعت فهو أيضا مثل "الكلاب" وهو على المبتدأ والخبر. وأما قوله: وتقول: "أحمق من رجلة" والأحمق: الضعيف الرأي والعقل. والرجلة بقلة لينة القصب والورق، وفضيبها يتثنى إلى الأرض، ويتمحق، أي يسقط؛ ولذلك سميت رجلة، والمعنى: رجلة، بفتح الراء وكسر الجيم، على فعلة، ولكن قد خفف فأسكن الثاني منه، ونقلت حركة الثاني منه إلى الأول. وإنما قيل له رجلة؛ لسقوطها وسقوط ورقها، كما يقال: شعر رجل، إذا لم يكن جعدا. والعامة تسميها الحمقاء لذلك. وأما قولهم: "أحشفا وسوء كيلة" أي تطفف في الكيف. والحشف: ما يبس من ثمرة النخل قبل أن تدرك ففسد، والكيلة: النوع من الكيل. والعامة تقول: حشفا وسوء كيل، بفتح الكاف/بغير تأنيث، والصواب كيلة، بالكسر والتأنيث؛ لأنه ليس المعنى ههناجمع الكيل، ولا يجوز الواحدة. وإنما أنكروا نوعا من الكيل سيئا، ونصبوا حشفا بفعل مضمر، يريد: أتجمع حشفا. وعطف الكيلة عليه. وأما قوله: "ما اسمك اذكر" برفع الاسم، وجزم اذكر، فإنما معناه: عرفني ما اسمك، لأذكره، ولكن الاستفهام كلام غير واجب، مضارع للأمر والنهي، كأنك قلت: أعلمني ما اسمك، والأمر في موضع جزم. وقوله: اذكر، جزم؛ لأنه جواب الاستفهام، كأنه قال: افعل أفعل، أو إن تفعل أفعل. وأما قوله: همك ما أهمك، وأهمني الشيء: حزنني، وهمني: أذابني، فهمك اسم

مرفوع بالابتداء، وخبره قولك: ما أهمك وأهمك فعل ماض وهو صلة لما، ومعنى ما: معنى الذي كأنه قال همك الذي أهمك والذي أهمك، هو الذي عناك من الأمر، تقول: عناني الشيء يعنيني، وأهمني يهمني، وهو لي مهم، أي: محزن. وأما قوله: همني؛ أذابني فهو فعل ماض من قولك: هممت الألية والشحم، أي أذبتها، فانهمت هي، أي: ذابت، ومنه قول الراجز: وانهم هاموم السديف الواري والهاموم: ما انهم من الشحم الكثير الدسم. وأما قوله: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"؛ فإن العامة تقول: يسمع بالمعيدي خير من أن تراه، ومعناه صحيح، ولكن ليس هذا اللفظ بالمثل المضروب. إنما هو رجل من معد نسب إليهم بالياء، وصغر فقيل: المعيدي. والأصل فيه تشديد الدال؛ لأنه في تقدير المعيدي، فكره إظهار التضعيف فأدغم الدال الأولى في الثانية، ثم استثقل تشديد الدال وتشديدها الياء بعدها، فخففت الدال فقيل: المعيدي، وبقيت الياء / مشددة. وأصل هذا المثل للنعمان بن المنذر وكان وصف له رجل ببأس ونجدة. وعارضة وغير ذلك، ثم رآه فوجده قصيرا حقيرا، فازدراه فقال: "تسمع بالمعيدي لا أن تراه" يعني: السماع بالمعيدي غير رؤيته، أي مخبره أكبر من منظره، كما يقال: ليس الخبر كالمعاينة، فقوله: أن والفعل مصدر، وهما في موضع رفع بخبر المبتدأ فجرى هذاا لكلام مثلا، فقيل: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه". ويقال: إن هذا الرجل، ضمرة بن ضمرة.

وأما قوله: "الصيف ضيعت اللبن" مثل يضرب لمن فرط في طلب ما يحتاج إليه، حتى فاته ثم يطلبه: وأصله: أن امرأة شابة كانت عند رجل شيخ مكثر، فسألته طلاقها، فأشار عليها أن تصبر معه ولا تسله ذلك، فأبت فطلقها، وكان ذلك في الصيف، فتزوجت شابا مقترا، فلما حضر الشتاء، وقلت الألبان، سألت الشيخ لبنا، فقال لها: "الصيف ضيعت اللبن"، أي: في الصيف، ولكن حذف "في" ونصب "الصيف"، على الظرف بضيعت، ونصب اللبن بضيعت، على المفعول يريد أنك سألتني الطلاق في الصيف، فضيعت ما كان لك من اللبن. والعامة تقول: "في الصيف ضيعت اللبن" وهو خطأ. وأهنأ الضياح من اللبن: الخاثر، الذي يمزج بالماء حتى يرق، ومنه قول الراجز: حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بضيح هل رأيت الذئب قط يقول: ضيحت اللبن فهو مضيح. وأما قوله: "تقول فعل ذاك عودا وبدءا" و"رجع عوده" على بدئه، إذا رجع في الطريق الذي جاء منه، فإن العود تثنية الأمر، وهو مصدر عاد يعود عودا وعودة واحدة. والبدء مصدر بدأ يبدأ بدءا وبدوءا، وبدأة واحدة،/ فإذا بدأ الرجل بمجيء أو ذهاب أوعمل، ثم عاد له، فقد فعله عودا على بدء، أي جاء بالعود في أثر البدء، وتابع المجيء وثناه. وإذا جاء ثم رجع على المكان من حيث جاء، فقد رجع عوده على بدئه،

وأضاف الفاعل إلى ضمير فاعله. ومن هذا قول الله عز ذكره: (والَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ولكنه كلام فيه إيجاز واختصار وحذف، والمعنى: ثم يعودون إلى ما ظاهروا؛ لأن الذي قالوا إنما هو الظهار والتحريم، فكأنهم حرموا النساء على أنفسهم ثم عادوا إلى ما حرموا، وليس معناه أنهم يعودون إلى اللقول؛ لأن العود إلى ما قالوا أن يقوله ثانية، وهو إذا قال ذلك ثانية، فإنما ظاهر مرة أخرى، وليس في ذلك كفارة. وقد بين الله تعالى ذلك في قوله: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا) أي من قبل أن يتماسا، أي من قبل العود إلى المسيس، وليس المسيس بالظهار ثانية. وأما قوله: شتان زيد وعمرو، وشتان ما هما، نون "شتان" مفتوحة وقال: قد قال الفراء بخفض النون، وإن شئت: قلت شتان ما بينهما؛ فإن "شتان" مصدر على فعلان، من قولك: شت القوم يشتون شتاتا. وشت شعبهم، إذا تفرقوا، وتشتتوا يتشتتون. ومنه قول الطرماح: شت شعب الحي بعد التئام وشجاك الربع ربع المقام وقال الراجز: من يك ذابت فهذا بتي مقيظ مصيف مشتي جمعتها من نعجات شت وجمع الشت: أشتات. وإنما يجمع إذا نقل عن المصدر إلى الاسم أو الوصف، كما قال

الله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا) ويقال: أمور شتى للجماعة. وقال الله تعالى: (إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) على وزن فعلى، أي مختلف، فمنه السعي في الخير، ومنه السعي في الباطل. ومن هذا قيل للثغر/ المفلج: الشتيت. فإذا قلت: شتان زيد وعمرو، فكأنك قلت: شت زيد وعمرو، أي اختلفا، فأقمت المصدر مقام الفعل، وأضمرت الفعل، ورفعت زيدا وعمرا بذلك المضمر. ومن قال: شتان ما زيد وعمرو؛ فإنه جعل قوله: "ما" توكيدا والمعنى واحد، كما قال الأعشى: شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر وكذلك قولك: شتان ما هما. والعامة تقول: شتان ما بينهما، وقد أجازه "ثعلب"- حمه الله- وكثير من النحويين يخطئون ربيعة الرقي في قوله: لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد سليم والأغر بن حاتم وإنما اضطره الشعر إلى قوله: "بين اليزيدين" وكذلك: شتان ما بين فلان وما بين فلان لأن "ما" ههنا اسم بمعنى الذي، و"بين" صلته، وموضعه رفع. وشتان لا يكون إلا لاثنين أوجماعة، ولا يقال: شتان الرجل؛ لأن الواحد لا يتشتت، وقال الشاعر:

شتان هذا والعناق والنوم والمشرب البارد والظل الدوم وقول "الفراء" في كسر نون شتان، إنما ذهب إلى المعنى، لما كان للاثنين، ظن أن "شتان" مثنى، فكسره، والعرب كلها تفتحه، ولم يسمع بمصدر مثنى، إلا إذا اختلف، فصار جنسين، وذلك أيضا قليل في كلامهم. ويلزم الفراء إن كان اثنين أن يقول فيه في موضع النصب والجر: شتين بالياء، وهذا لا يجيزه عربي ولا نحوي. وأما قوله: قول: ما هو بضربة لازب، وبالميم إن شئت؛ فإن العامة تقوله بالميم. ومعناه: ليس بفرض لازم، ولا حق واجب. ومن قاله بالباء، فمعناه اللازق بالشيء اليابس، كما قال الله عز ذكره: (إنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ) وهو اللازق الشديد، الذي فيه غراوة ولزوجة. ومنه سميت اللزبة، وهي الشدة والجدب، والسنة القحطة وضيق العيش. وليس هذا بمثل، ولكنه كلام معناه كقول النابغة: ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب والضربة ههنا ليس يراد بها الضرب، ولكن وجوب الحق، وهي مضافة إلى صفة قد أقيمت مقام الموصوف، كأن معناه: بضربة حق لازب. وأما قوله: "هو أخوه بلبان أمه" فمعناه أنه رضع لبن أمه، يقال: لبن ولبان. ويجوز أن يكون اللبان جمع لبن، وأن يكون مصدر لابنته ملابنة ولبانا، إذا شاركته في الرضاع. وقال أبو الأسود الدؤلي يصف الخمر والنبيذ: فإلا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها

وأما قوله: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، وما رابك من بني فلان، وما أربك إلى هذا، أي ما حاجتك. وقد أراب الرجل إذا جاء بريبة؛ فإن قوله: ما يريبك، من الريبة، ومعناه: دع ما فيه ريبة، وما ترتاب به، أي لا ظنة فيه ولاشبهة. وهو كلام مختصر، يقول: رابني الشيء فهو يريبني، على فعل يفعل. والمصدر: الريبة: وكذلك قوله: ما رابك من بني فلان، معناه: أي شيء رابك، من الريبة أيضا، أي ما هذا الذي كرهته منهم. وأما قوله: وما أربك إلى هذا، فليس من هذا الباب ولا هو من الريب، ولكنه مهموز الأول، بهمزة أصلية. والأرب: الحاجة، يقول: لي فيه أرب، ولا أرب لي فيه. ومنه قول الله عز ذكره: (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ). وليس هذا موضع ذكر هذه الكلمة. فأما قوله: قد أراب الرجل، إذا جاء بريبة، وهو على/ أفعل، من راب يريب غيره، وأراب هو، أي دخل في الريبة. وقال الشاعر: أخوك الذي إن ربته قال إنما أربت وإن لاينته لان جانبه أنشدناه أبو العباس "المبرد" وقال: روى البصريون عن "شبيل بن عزرة الضبعي"- وكان عالما بشعر المتلمس الضبعي- أنه روى هذا البيت للمتلمس، وزعم "بشار الأعمى" أنه قاله، وأن "شبيلا" كذب عليه. وقد حكى أربته، متعديا إلى الهاء، بمعنى ربته، وهو لغة رديئة، ويروى لأبي ذؤيب الهذلي:

يمس رأسي ويجس ثوبي كأنما أربته بريب ويروى: كأنني قد ربته بريب. وأما قوله: ألام الرجل، إذا جاء بما يلام عليه، وهو مثل قوله: أراب الرجل، إذا جاء بريبة، وهو أفعل من اللوم، تقول: لامني يلومني لوما، فتعديه إلى مفعول وألام هو غير متعد إذا دخل فيما يلام عليه، فهو مليم، كما قال الله تعالى: (فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليَمِّ وهُوَ مُلِيمٌ). وأما قوله: "ويل للشجي من الخلي" ياء الشجي خفيفة، وياء الخلي مشددة، فإن هذا المثل جرى كما ذكره. ويقال: كانوا يسمون الزوج الشجي بالتخفيف، والخلم وهو الصديق: الخلي بالتشديد. والأصل في فعل هذا قولهم: شجي يشجى شجي إذا نشب في خلقه عود أو عظم أن نحوهما، ويسمونه: الشجي، وعود الشجى، كما قال الشاعر: كعود الشجا أعيا الطبيب المداويا وقال سويد بن أبي كاهل: ويراني كالشجى في حلقه عسيرا مخرجه ما ينتزع

وهو شج، بالتخفيف مثل عم، ونظيره من الصحيح: شرق يشرق شرقا، وهو شرق. وليس الشجي بالتشديد بخطأ./ ولكنه من قولك: شجاه الهم يشجوه شجوا، فهو مشجو وشجي، على فعيل بمعنى مفعول. وأما قوله: "هو أحر من القرع"، وهو جدري الفصال، فإن القرع مصدر لقولهم: قرع يقرع قرعا، وهو بثر يخرج بالفصال، فيسقط منه وبرها، ولا يبرأ حتى يجر على سبخة، أو مكان مالح، وفصيل أقرع وقرعى. ومن أمثالهم: "استنت الفصال حتى القرعى"، والفصال: أولاد الإبل. والعامة تقول: هو أحر من القرع بسكون الراء، وهو خطأ. وأما قوله: "افعل ذاك آثرا ما"أي: أول كل شيء، من قولهم: آثرت أن أفعل كذا وكذا، أي: اخترت، فأنا آثر، على بناء فاعل. وآثرا منصوب على الحال منون و"ما" توكيد وعوض من الكلام المحذوف؛ لأن المعنى: اختره على كل شيء وقدمه وافعل هذا إن لم تفعل غيره. ويقال أيضا: فعلته آثر ذي أثير، وأثر ذي يدين، وقال الشاعر: وقالوا ما تشاء فقلت ألهو إلى الإصباح آثر ذي أثير والاسم منه وهو المصدر: الأثرة، بفتح الثاني. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم

للأنصار: "إنكم سترون بعدي أثرة" أي سيؤثر عليكم غيركم. ومنه قولهم: آثرت الشيء أوثره إيثارا، مثل: اخترته اختيارا، وقدمته على غيره. وأما قوله: ما يحلى وما يمر، فإنه من الحلو والمر، تقول: حلا الشيء نفسه وأحره غيره إحلاء، أي: جعله جلو. وحلاه يحليه أيضا. وقد مر الشيء نفسه وأمره غيره إمرارا، أي صيره مرا. ومرره أيضا يمرره تمريرا. قال زهير: وقد كنت من سلمى سنين ثمانيا على صير أمر ما يمر وما يحلو فقال "يحلو" لأنه جعل الفعل لازما، ولم يعده ضرورة، ويستعار هذا في غير الحلو/ والمر. ويقال: كلمته، فما أمر وما أحلى، أي ما أجابني بحلوة ولا مرة. وأما قوله: خذ ما صفا ودع ما كدر، فإن يريد بكسر الدال من الماضي. والعامة تقول ذلك بفتح الدال، كأنه إتباع، وهو خطأ؛ لأن فعله على فعل يفعل فعلا ومصدره مفتوح الدال، يقال: كدر عليه عيشه يكدر كدرا وكدورة على فعولة أيضا والشيء كدر وأكدر. وكذلك الماء واللون وغيرهما. والكدرة في اللون خاصة على فعلة، كالصفرة والحمرة. وأما قوله: ما هم عندنا إلا أكلة رأس؛ فإن هذا يقال عند استقلال عدد القوم, والأكلة جمع: الآكل؛ فإن هذا يقال، مثل كاتب وكتبة، وفاعل وفعلة. والرأس أكثر ما يجمع على أكله ثلاثة، وقد يأكله الاثنان والواحد، والعامة تقول: أكلة رأس، بسكون الكاف، وهو خطأ؛ لأن الأكلة: الأكل نفسه مرة واحدة.

وأما قوله: "أساء سمعا، فأساء إجابة"؛ فإن الجابة اسم للجواب، كالطاعة والطاقة، وليس واحد منهما بمصدر. وإنما المصدر من ذلك كله: الإجابة والإطاعة والإطاقة. والجواب أيض اسم يوضع موضع الإجابة. وينشد في ذلك قول الشاعر: وما من تعتفين له بنصر بأسرع جابة لك من هديل والعامة تقول: أسرع إجابة، وهو صواب أيضا. وأصل هذا من قولهم: جاب يجوب البلاد، أي: قطعها طوافا، وذلك أن الجواب، هو ما يرجع من المجيب إلى السائل. ومنه: جوائب الأخبار. ويقال: هل عندك من جائبة خبر؛ وهي الواحدة من الجوائب التي تئوب وترجع. وقال أبو زبيد الطائي:/ واصدقوني وقد خبرتم وقد ثا بت إليكم جوائب الأخبار وهذا آخر تفسير هذا الباب. * * *

تصحيح الباب الثلاثين وهو المترجم بباب ما جاء بلغتين

تصحيح الباب الثلاثين وهو المترجم بباب ما جاء بلغتين هذا باب كثر به أبواب الكتاب، ولم تكن به إلى إفراده حاجة؛ لأن عامة ما في كتابه قد جاء بلغتين أيضا، وأكثر من لغتين، وقد فرق الكثير منه في سائر الأبواب. وكان من حق التأليف، أن يلحق ما في هذا الباب بما فرقه هناك أو يجمع ما فرقه إلى هذا الباب؛ ليكون الجميع على منهاج واحد ونحو مصحح من ذلك ما يجب تصحيحه. ونفسره على نحو ما سلف إن شاء الله [تعالى]: أما قوله: تقول: هي بغداد وبغدان، ويذكر ويؤنث؛ فإنه يعني اسم البلدة المشهورة بمدينة السلام. وهو اسم أعجمي، عربته العرب، فغيرت حروفه العجمية، على ألفاظ مختلفة، لتقارب ِأسماء العرب. فقال بعضهم: بغداد، بدالين غير معجمتين، على وزن فعلال، بفتح أوله. وليس هذا البناء بمعروف في أبنية كلام العرب، ولكن جعلت الذال المعجمة التي في آخره "دالا" لتشبه كلام العرب. وقال بعضهم: بغدان؛ فأبدل من الدال النون، ليكون على مثال فعلان، فتوافق حروف العرب، وأمثلة أسمائها، فهذان الوجهان اللذان حكاهما "ثعلب"- رحمه الله- فيه. وقد حكى لنا فيه "محمد بن يزيد" أيضا: "مغدان" بإبدال الباء ميما، وهو أيضا على فعلان، وهو أشبه هذه الحروف بكلام العرب؛ لن "المغد" معروف في كلامهم، و"البغد" غير معروف. والعامة/ على خلاف هذا كله، ولكنها تابعت العجم في الحروف فقالت: "بغداد" بالباء في أوله، والذال المعجمة في آخره. وتفسير هذا الاسم في لسان العجم، أنهم يسمون البستان: "باغ" و"داذ" اسم رجل، كأنهم أرادوا بستان هذا الرجل، ونسبوه

إليه، فلما عرب حذفت الألف من "باغ" فبقي "بغداذ" وهو اسمان جعلا اسما واحدا. والعرب لا تصرفه؛ لأنه أعجمي ومعرفة. وروى أصحابنا عن الأصمعي أنه لم يكن يقول: "بغداذ"، وكان يسميها: مدينة السلام"، وأنه زعم أن "بغ" اسم صنم، وأن "داذ" بالفارسية: العطية فمعنى "بغداذ" عطية الصنم، فتورع عن هذه اللفظة، وهذا قبيح من الأصمعي؛ لأنه يتكلم بعبد يغوث، وعبد العزى، وعبدود، ونحو ذلك من أصنام العرب، وليس يتورع عن هذا أحد، وقد غلط أيضا؛ لأن الفرس ما عبدت الأصنام قد، وهم يدعون أن لهم كتابا ونبيا، وإنما "مدينة السلام" مدينة بأبي جعفر، الذي بناها خاصة. وبغداذ اسم لخارج المدينةكله، وقد تكلمت العرب في بالذال المعجمة، فقال شاعرهم: لما رأيت أنه الإغذاذ وأنه السير إلى بغداذ وقد آخر في النون، أنشدناه "ثعلب"- رحمه اللهك وأضحت ببغدان في منزل له شرفات ديون السماء وأما قوله: هم صحابي بالكسر، وصحابتي بالفتح، فهذان حكاهما "ثعلب" ويقال أيضا: صحبي، وأصحابي، وصحبتي، وصحابي، بالضم والتشديد، ولكل واحد من ذلك معنى غير معنى سائره، مع اشتراكهما في الأصل، وهو الصاحب، الواحد منهم. وأما الصحب، فجمع الصاحب، مثل: راكب وركب، وتاجر وتجر، وساكن وسكن، وأما الصحبة فمثل: الرفقة والصحبة. وأما الصحاب فجمع الصحبة،/ مثل: الرفاق جمع الرفقة، وإن شئت فجمع الصحب وجمع الصاحب أيضا. وأما الصحابة بالفتح والتأنيث، فمثل الجماعة والزرافة. وأما الصحاب فجمع للصاحب، مثل راكب وركاب. وقد يجمع الصاحب أيضا على: الصحبان، مثل: راكب وركبان. وقد تكون الصحابة

بالفتح مصدرا. ومنه قولهم: أحسن الله صحابتك. وكذلك الصحبة مصدر. والصحابة، بالكسر أيضا مثل الإمارة والوكالة. وكل ذلك قد جاء في الأشعار، وفي القرآن، وغير ذلك. قال الله تعالى: (وأَصْحَابُ اليَمِينِ مَا أَصْحَابُ اليَمِينِ). وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "دعوا لي أصحابي". وأجمعت العرب على تسمية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصحابة. وليس شيء من هذا بلغات مختلفة، على ما وضعه "ثعلب" في الباب، ولكنها وجوه صحيحة المعاني، يتكلم كل العرب بها، وهي على قياس مطرد في كل شيء. وليست مما يدخل في هذا الباب. وأما قوله: هو صفو الشيء، وصفوته؛ فإن الصفو من كل شيء مصدر، مثل الكدر، وهو ضده، يسمى به الصافي اختصارا. والصفوة على بناء فعلة: خالص كل شيء، من الدنيا والآخرة، وإن كان من معنى الصفو، كما أن الخُبْر خلاف الخِبَر، وإن كانا من أصل واحد. وقد بينا معنى الفعلة في غير هذا الباب. ألا ترون أن محمد- صلى الله عليه وسلم- صفوة الله من خلقه، ولا يقال: هو صفو الله، وهذا يدلك على أنهما ليستا بلغتين كما ذكره، ولو كانا لغتين بمعنى واحد لقيل ذلك، ولكان لا يتكلم بكل واحد منهما إلا قبيلة دون أخرى. ومن هذا أيضا: الصفاء وليس بلغة أخرى ولكنه مصدر الشيء الصافي. ومعنى قولهم: صفا الشيء يصفو أي تميز من الكدر والخبث والغش، وغير ذلك، فهو صاف، وقد صفاه المصفى، أي ميزه وأخلصه. ومنه قولك: /اصطفيت كذا وكذا. ومنه سمي النبي- صلى الله عليه وسلم: "المصطفى" وقال الله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلاً). وقال تعالى: (إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ ونُوحًا) أي: تخيرهم. ومنه قوله: استصفيت الشيء، إذا أخذت جميع صفوه.

وأما قوله: هو الصيدلاني، والصيدلاني، فإنهما لغتان كما قال، يتكلم بكل واحدة منهما قوم من العرب، دون غيرهم، باللام والنون، وهما على: "فيعلاني" وأصله من "الصيدل والصيدن" وهما: حجارة الفضة، واحدتها: صيدانة، وشبه حجارة العقاقير [بها]، فنسب إليها الصيدناني. والصيداء أيضا: أرض حجارتها صغار، وفيها يقول الشماخ: كساها من "الصيداء" نعلا طراقها طراق الحوامي والكراع العشاوز والصيدن أيضا: الملك والرئيس. ومنه قول رؤبة: أبي إذا استغلق باب الصيدن والصيدن أيضا: الثعلب، وهو على بناء فعلن، من الأصيد، والنون زائدة، والألف والنون في الصيد لان والصيدنان زائدتان، للمبالغة ونحوها. وأما قوله: هي الطِّنفِسة والطَّنفَسة يعني بكسر الطاء وفتحها، فهما بناءان، قد تكلمت بهما العرب، ملحقان من الثلاثي بالرباعي، فالنون فيهما زائدة، والمفتوح ملحق

بحرملة وخردلة ونحوهما، وهو على فعيلة، وهما ضرب من البسط والفرش وثير، كثير الخمل في أسفله وأعلاه، من صوف أو خز، يصبغ ألوانا. وهما لغتان كما ذكر معروفتان. والعامة تقول: طنفسة، بالفتح؛ لأنها أخف، والكسر أعرف. وأما قوله: هي القلنسوة، بفتح القاف وبالواو، والقلنسية، بضم القاف وبالياء؛ فإنهما/ أيضا لغتان، على بناءين مختلفين؛ فمن قال قلنسوة، جمعها على: القلانس، وصغرها على: قلينسة، وحذف الواو من الجمع والتصغير. ومن قال قلنسية، قال في الجمع: قلاس وقلاسي، بالتشديد، وفي التصغير: قليسية وحذف النون من الجمع والتصغير. وقال بعضهم في جمع قلنسوة: قلنس؛ وذلك أنه حذف الهاء التي كانت في الواحدة، كما يقولون في تمرة: تمر، فبقيت قلنسو بأبدل من الواو الياء؛ لأن الأسماء لا تكون في آخرها واو ساكنة قبلها حركة، كما قيل في جمع دلو: أدل، والأصل: أدلو. قال الشاعر: لا عيش حتى تلحقي بعبس أهل الرياط البيض والقلنسي وقال يزيد بن الجون: وكنا نرجي من إمام زيادة فزاد الإمام المرتضى في القلانس وقال آخر: إذا ما القلاسي والعمائم أخلست ففيهن عن صلع الرجال حسور

والعامة تقول: قلنسوة وقلانس، وهو أحد الوجهين، والتقلس: لبس القلنسوة، بحذف الزيادة، وهو أيضا: التقلنس، بالنون، والتقلس، بالياء. وبائع القلانس وصانعها: القلاس، والمقلنس، والمقلسي. والعامة تقول: القلانسي، وهو خطأ؛ لأن الجمع لا ينسب إليه. وأما قوله: هو بسر قريثاء، وكريثاء، فإنهما اسمان أعجميان معربان، على وزن فعيلاء. وقد قيل أيضا: كراثاء، وقراثاء، بالألف وفتح القاف والكاف، على بناء فعالاء، مثل طباقاء، وعياياء. وهو ضرب من النخل، يشبه الشهريز في اللون والقدر أحمر يغلى بسره ويجفف. والعامة تقول: قريثا. وأما قوله: هو ابن عمه دِنيا ودُينا، بضم الدال غير منون؛ فإنه يريد أن دنيا على بناء فعلى، وألفها للتأنيث، بمنزلة عليا وقصيا. وأصلها: دنوى؛ لأنها/ من دنوت، أي قربت، ولكن الواو قلبت ياء للفرق بين الاسم والصفة. وكذلك دنيا، بالكسرن ولكن الدال كسرت للياء التي بعدها، وهما بمعنى قربى، أي قربه. وقال "الخليل": سميت الدنيا دنيا؛ لأنها دنت، وللآخرة آخرة. وأما قوله: هو شُطُب السيف، وشُطَبه، فليسا بلغتين، ولكنهما جمعان؛ فالشطب، بضم الطاء جمع: الشطيبة؛ وهي ما يقد من السنام طولا، وبه شبهت طريقة السيف في متنه. وأما الشطب، بفتح الطاء فجمع: السطبة؛ وهي الطريقة تكون على متن السيف. وسيف مشطب، ومنه قول امرئ القيس:

إلى كل حاري حديد مشطب وهو من الشواطب؛ وهن اللواتي يقددن الأديم طولا والسعف، ويتخذن منها الحصر. قال الشاعر: عقب الرذاذ خلالها وكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا والواحدة: شاطبة، والسعفة المشقوقة تسمى: شطية. وكذلك الشقة من القنا. وأما قوله: تقول امرؤ وامرآن، وقوم وامرأة وامرأتان ونسوة؛ فإنما يعني أن امرأ وامرأة لا يجمعان بلظهما، ولكن يستغنى عن ذلك بقوم ونسوة، وأن هذا استعمال العرب، وهو خلاف القياس؛ لأن امرأ وامرأة اسمان بمنزلة ابن وابنة، واسم، وأن أولها مسكن، وألف الوصل داخل عليها؛ وهي مع ذلك تجمع على لفظها فيقال: أبناء وبنون وأسماء. ولكن قد ترك القياس فيهما. وقد روي عن "الحسن البصري" أنه قال في بعض كلامه: "أيها المرءون"، فجمع المرء على لفظه. ومن قال هذا قال في المرأة أيضا: مرءات، ولكنه حذف ألف الوصل، وفتح الميم على الأصل. وأما قوله: فإن أدخلت الألف واللام قلت: المرء والمرأة؛ فإنما/ يعني أن الف الوصل إنما تدخل في امرئ وامرأة، إذا كانا نكرتين وأسكن أولهما من أجل حركة الإتباع عند اجتماع الساكنين، فإذا عرفا بالألف واللام ردا إلى أصلهما؛ فحرك أنلهما، واستغني عن ألف الوصل فيهما، وسقطت حركة الإتباع من وسطهما؛ لذهاب الساكنين، كما يفعل بالبنين

والبنات، هكذا الاستعمال في المرأة والمرء؛ لأنهما اسمان صحيحان؛ فأما سائر الأسماء التي في أولها ألف الوصل كاسم واست وابن واثنين؛ فإن التعريف يدخل عليها مع تسكين أولها؛ لأنها معتلة محذوفة الأواخر. وأما قوله: أتانا بجفان رذم، ورذم، ولا تقل رذم؛ أي مملوءة تسيل فإن الرذم بكسر الراء وفتح الذال لفظ العامة وهو خطأ فأما الرذم؛ بضم الراء والذال فجمع: الرذوم، يقال: جفنة رذوم؛ أي كثيرة المرق واللحم، تكاد تنصب من امتلائها. وقال "الخليل": الفعل منه: رذمت ترذم رذما, وقل ما يستعمل إلا بفعل مجاوز نحو أرذمت، وأنشد: لا يملأ الدلو صبابات الوذم إلا سجال رذم على رذم قال: والرذم ههنا: الامتلاء، والرذم: الاسم، والرذم: المصدر. وأما رذم، بفتح الراء والذال فجمع: رذام، مثل خادم وخدم، وليس بجمع رذوم. وزعم قوم أن فعلها: رذمت ترذم رذما، وهي رذمة وراذمة. وأما قوله: ولد المولود لتمام، وتمام، وليل التمام، مكسور لا غير؛ فإن العامة تقول هذا بالفتح لا غيرن والعرب تكسر التمام مع الليل خاصة تقول: ليل التمام، كما قال امرؤ القيس: فبت أكابد ليل التما م والقلب من خشية مقشعر وأما قولهم: ولد/ الغلام للتمام؛ فمنهم من يكسره، ومنهم من يفتحه؛ فمن فتحه ذهب به إلى المصدر؛ لأنه يقال: تم الأمر تمام، وهذا تمام حقك، أي وفاء حقك، وكل شيء يراد في المصدر، فالتمام فيه مفتوح كالوفاء. وأما ليل التمام فإنما يعني طول الليل لا تمامه؛ وذلك أن كل ليلة تامة على حدتها، بمقدارها في وقتها، وإنما بعض الليل أطول من بعض، وكذلك الولد الذي يطول حمله في بطن أمه، ولم تنقص شهوره فقد ولد

لتمام. وقال "الخليل": ليلة التمام أطول ليلة في السنة. قال: ويقال: بل ليل التمام ثلاث ليال، لا يستبان منها نقصانها من زيادتها، يعني البيض. قال: ويقال: بل ليلة أربع عشرة وهي التي يتم فيها القمر فيصير بدرا. قال: ويقال: حملته أمه لتمام وللتمام. وقال: والتمام في لغة تميم هو التمام، كقول رؤبة: جرت تماما لم تحنق جهضا وأما قوله: تقول هما الخصيان، فإذا أفردت الواحدة أدخلت الهاء فقلت: خصية، كما قال الراجز: كأن خصييه من التدلل ظرف جراب فيه ثنتا حنظل فإن العامة تقول: الخصوة والخصوتان، بالواو، وهو خطأ. وأما قوله: إذا أفردت الواحدة أدخلت الهاء، وإذا ثنيت أخرجت منها لهاء، فغلط منه؛ لأن الخصي بغير تأنيث، إنما هو جلد الخصية. فأما الخصية بالهاء فليس يراد بها الجلد دون البيضة. وإنما غلط لقول الراجز: كأن خصييه من التدلدل ولم يتأمل البيت الثاني حيث يقول: ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل

وإنما شبه الراجز جلد الخصيتين بجراب فيه حنظلتان، ولم يشبه البيضتين بالجراب؛ لأن هذا محال من التشبيه، وخطأ. / وقد أنشد "سلمان بن يزيد السدوسي" عن "المازني" لبعض الرجاز: يا بأبي أنت ويا فوق البيب يا بأبي خصياك من خصى وزب فحذف الهاء من خصي، ولم يثنه؛ لنه أراد جلد الخصية، وغلط أيضا لقول الراجز: وما أبالي أن أكون محمقه إذا رأيت خصية معلقه فظن أن التأنيث إنما يدخل في الانفراد، وليس كذلك إذا عنيت البيضتين دون جلودهما قلت: خصيان فأنثت لا غير؛ وذلك أن جلد الواحدة لا ينفرد من جلد الأخرى، كما تنفرد البيضة من البيضة، ولا تمتنع الواحدة أيضا في القياس من التذكير، إذا عني جلدها. وقال "الخليل": "إذا ثنيت فذكر إن شئت، وإن شئت فأنث". وهو عنده على نية البيضتين أو الجلد. ويجوز أن يكون الخصي جمع: الخصية أيضا بالتكسير: الخصي، بفتح الصاد مقصور، مثل ربوة وربا، وعروة وعرى. وأما قوله: عندي غلام يخبز الغليظ والرقيق، فإذا قلت: الجردق، قلت: والرقاق، لأنهما اسمان، فخطأ؛ لأن الرقاق قد تكون صفة كالرقيق كما يقال: طويل وطوال، وكبير وكبار، فهذا صفة، ولا يكون اسما، وإن كثر استعماله حتى استغني به عن ذكر موصوفه، فأشبه الأسماء فقيل للواحد منه: رقاقة، وهذا أدخل في باب الأسماء؛ لأنه ليس مع الرقاقة

موصوف مؤنث يوصف برقاقة، كما يوصف الخبز بالرقيق والرقاق. ولا يقال: خبز رقاقة، إلا أن تقول: خبزة أو قرصة ثم تصفها برقاقة، مثل طوال وطوالة، وهو قليل في الكلام. وقد يقال: خبز مرقق أيضا، كما قال جرير: تكلفني معيشة آل زيد ومن لي بالمرقق والصناب وأما الجردق/ فاسم فارسي معرب، وهو في الأصل كرده، وتأويله: المدور الغليظ، وهوجمع، وواحدته: جردقة، وتكسيره: جرادق وهو بالفارسية صفة لما جمع ولم يبسط، ولكنه لما عرب استعمل اسما. وأما قوله: رجل حدث؛ فإذا قلت السن قلت: حديث؛ فإن العامة تقول: هو حدث السن، كما تقول: حديث السن، وهو خطأ؛ لأن الحديث صفة الرجل نفسه، وكان في الأصل مصدرا فوصف به. ولا يقال للسن: حدث، ولا للضرس، ولا للناب، ولا يحتاج معه إلى ذكر السن. وإنما يقال للغلام نفسه: هوحدث لا غير. وأما الحديث فصفة يوصف بها كل شيء قريب المدة والعهد. وبه سمي الحديث الذي يتحدث به، لقرب عهده ويقال: هذا بر حديث، وتمر حديث. وكذلك السن الحديثة القريبة النبات. والحديث السن من الناس: القريب السن والمولد، كما قال الشاعر: ما تنقم الحرب العوان مني بازل عامين حديث سني ومن هذا قولهم: هو حديث عهد بالوجع، وحديث عهد بالنعمة، ونحو ذلك. وأما قوله: هو نقاوة المتاع، تعني خياره ونقاوته؛ فإن العامة تقول: نقاوة، بالفتح. وقد أجازه "ثعلب"، والاختيار الضم. وإنما كانت النقاوة بالضم؛ لأنها من

من قولهم: نقوت الشيء، وهو مأخوذ من النقا، نقا الرمل. ويقال ايضا: انتقيت. وأما النقاية من قولهم نقيت، ومن النقاوة أيضا: النقو؛ وهو: كل عظم من قصب اليدين والرجلين. ذكر ذلك "الخليل". والجميع: الأنقاء. ويقال: رجل أنقى، وامرأة نقواء، أي دقيق عظم اليدين والرجلين والفخذ. وفخذ نقواء إذا كانت دقيقة القصب، ظاهرة العصب نحيفة الجسم، قليلة اللحم، كأن المعنى أنها في دقة النقو، وهو القصب؛/ لأن النقو من الأضداد، على ما يذهب إليه اللغويون. وقال "الخليل": النقاوة أفضل ما انتقيت من الشيء، يعني بالضم، والنقاوة يعني بالفتح مصدر الشيء النقي، يقال: نقي ينقى الشيء نقاوة، وأنقيته إنقاء. والانتقاء أن تجوده. والنقاء ممدود يجري مجرى النقاوة. ومرجعه إلى الصفاء. وأما قوله: أنا على أوفاز، ووفاز، والواحد: وفز، إذا لم تكن على طمأنينة، وأنشد: أسوق عيرا مائل الجهاز صعبا ينزيني على أوفاز فإن العامة تقوله: على وفاز، بفتح الواو، أي على عجلة. ويقول: هو مستوفز أي مستعجل متهيئ للقيام أو المضي، كأنهم يرونه مصدرا. وجعله "ثعلب" جمعين للوفز، على أفعال وفعال، وليس الوفز بمستعمل ولا معروف عند "أصحابنا" ولكن أصحابنا يرون الأوفاز والوفاز اسمين غير مجموعين. فما أوفاز فهو بمنزلة قولهم: برمة أعشاء، وحبل أرمام، قد استقل على رجله للقيام، ولم يستو قائما، وقد تهيأ للوفز والوثوب.

وأما قوله: هو أس الحائط، وأساس الحائط، يعني واحدا، والجمع: الإساس وآساس؛ فإن العامة تقول: أساس الحائط، مفتوح الهمزة، غير ممدود؛ يعني واحدا، فأما الأس فقد تستعمله العامة أيضا، وجمعه: آساس، ممدود الهمزة، على ما وصف "ثعلب". وأما الإساس، بكسر الهمزة على فعال، فهو جائز على القياس في جمع الأس أيضا، وليس بمعروف. وأما الأساس، بالفتح غير ممدود فجمعه: آئيسة، على مثال أفعلى، وأسس، على فعل، هكذا قياسه. وقال "الخليل": الأس لغة في الاسمين، يعني بفتح الثاني أيضا. وأس الرماد: ما بقي منه في المستوقد/. قال: ويقال: أسست الدار، إذا بنيت حدودها، أو رفعت من قواعدها. وتقول: هذا تأسيس حسن، وهو يستعمل في كل شيء، وكذلك استعمله أصحاب القوافي في تأسيس الشعر. وأما قوله: وإذا دعا الرجل قلت: أمين، رب العالمين، بقصر الألف، كما قال الشاعر: تباعد مني فطحل إذ سألته أمين فزاد الله ما بيننا بعدا وإن شئت طولت الألف، فقلت: آمين، قال الشاعر: يا رب لا تسلبني حبها أبدا ويرحم الله عبداً قال آمينا ولا تشدد الميم؛ فإنه خطأ؛ فإن العامة تشدد الميم، وتمد الهمزة. وليس "أمين" بقصر الهمزة معروفا في الاستعمال. وإنما قصره الشاعر ضرورة، إن كان قصره. وقد يروى هذا البيت على غير ما رواه "ثعلب" وهو: فآمين زاد الله ما [بيننا] بعدا

وهذا ممدود، لا ضرورة فيه، وهو المعروف. وروي [عن] رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قال الإمام: "ولا الضالين" فقولوا: "آمين" ولم يروه واحد منهم بالقصر، ولكن ممدودا، وهو الأصل الصحيح. وللشاعر أن يقصر الممدود في الشعر خاصة إذا اضطر إلى تقويم وزن أو قافية، وليس للمتكلم في غير الشعر ذلك. ومعنى آمين: اسمع واستجب. ويقال: اللهم افعل ذلك. وهي كلمة عبرانية معربة، مبنية على الفتح للياء التي قبل نونها. وقد شرحنا أمرها وزوال تمكنها في كتابنا "في القرآن". وأما قول: تقول: تلك المرأة، ولا تقل ذيك المرأة، فإنه خطأ، فليس كما قال، وإن كانت العامة تستعمله، والعرب تجتنبه؛ لأن "ذي وتي/ وتا" كلها إشارات إلى ما قرب ودنا، والكاف تلحقها؛ للإشارة إلى ما بعد وتراخى. وهي مع الكاف بمنزلتها بغير كاف، يقال: هاتي، وهذي. ولكن لما قل استعمال العرب "ذيك" توهم أنه خطأ. ولم يتأمل القياس. وقد تترك العرب استعمال الكثير من الصواب المنقاس الصحيح، للاستغناء عنه بغير لا لأنه خطأ، كتركهم استعمال الماضي واسم الفعل والمصدر من يذر ويدع استغناء بترك تركا فهو تارك، وليس واحد من ذلك خطأ. وأما قوله: قال ابن الأعرابي: الظل: ما نسخته الشمس والفيء: ما نسخ الشمس؛ فإنما الفيء ما رجع، من قولهم: فاء يفيء، أي رجع يرجع. ويقال:

قد فاء الفيء، وفاء الظل. ومنه سمي الفيء في الغزو، وهو: ما أفاءه الله على المسلمين من أموال المشركين، أي رده عليهم، بعد أن كان في أيد الكفار. ومنه قول الله تعالى: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ) أي ترجع. وأما الظل فما أقام وثبت. ومنه قولهم: ظل يفعل كذا وكذا، أي مكث وقام ودام. ومنه قول الله تعالى: (الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا) وقوله [تعالى]: (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ). وقال "الخليل": الظل ضد الصبح ونقيضه، وسواد الليل يسمى ظلا. ومنه قول الله عز ذكره: (أَلَمْ تَرَ إلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) إنما هو الليل، لقوله [تعالى]: (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) وجاء في التفسير أن الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. والمكان الظليل الدائم الظل. وهذا يشبه ما حكاه "ثعلب" عن ابن الأعرابي. وقال "الخليل": "تقول: فاء الفيء إذا تحول عن جهة الغداة. والفيء: الظل". وأما قوله: ولا تقل لقاة مقصورة، فإنه خطأ؛ فليس كما قال. ولكنه مما قل استعمال العرب إياه فظن لذلك أنه خطأ وليس كل ما قل استعمالهم إياه، أو تركوه خطأ. والصحيح في مصدر: "لقيته"/ في القياس أن يقال: ألقاه لقى، مفتوح مقصور، مثل قولك: عمي يعمى عمى. فأما اللقاء، ممدود مكسور الأول فليس بمصدر لقيت الجاري عليه فعله. بل هو مخالف للباب، وهو اسم. والعرب قد تضع الأسماء مواضع المصادر، فقولهم: لقاة إنما هي كاللقية، بسكون القاف للمرة الواحدة من اللقى، كأنه خرج مخرج قذيت عينه قذى وقذاة، وهي اسم في موضع المصدر، ولم يجيء على فعلة بسكون العين وإن كان ذلك الأصل في المرة الواحدة. ومن هذا قولهم للملقى: لقى ولقاة.

واللَّقَى: ما طُرح في الطريق منخرقة أو غيرها، مما لا يحتاج إليه. واللقا أيضا: المنبوذ من الولدان في الطريق. وقال الشاعر: لقى حملته أمه وهي ضيفة فجاءت بيتن للضيافة أرشما وقال الآخر: كفى حزنا كرى عليه كأنه لقى بين أيدي الطائفين حريم أي ملقى. وإنما قيل للملقى: لقى؛ لأنه يلقاه كل من مر به؛ فالمنبوذ لقى، والمنبوذة لقاة, وإن شئت بغير هاء، إذا سميتها بالمصدر. وأما قوله: امرأة عزبة فليس من فصيح الكلام، وإن كان قد قيل. وإنما الفصيح أن يقال للذكر والأنثى: عزب بغير هاء؛ لأنه مصدر قد وصف به، مثل دنف وقمن، وعدل ورضى، ويروى لعمرة بنت الحمارس: هل عزب أدله على عزب على فتاة مثل تمثال الذهب على ابنة الحمارس الشيخ الأزب والعزب من الرجل؛ الذي لا زوجة له. ومن النساء؛ التي لا بعل بها. وإنما هو مأخوذ من عزوب الشيء عن الشيء، وهو غيبته. وأما قوله: هي الثندؤة، بضم أولها والهمز، والثندوة بفتح أولها وترك الهمز في آخرها،/ وليس ترك الهمز فيها بخطأ؛ لأن ترك الهمز لغة من لغات العرب معروفة.

ومثلها في الكلام: العنصوة والحنذوة. فأما الثندوة بالفتح فمثل: القرنوة، وهي: نبت. وقال "الخليل": "الثندوة من الرجال كالثدي من المرأة، وذكر الهمز مع الضم كما حكاه "ثعلب". وأما قوله: جئت على إثره، وعلى أثره، وهو أثر السيف وإثره؛ فإن العامة تقول في كل هذا: أثر، بفتحتين. وقال: "الخليل": الأثر: بقية ما يرى من كل شيء، وما لا يرى، بعد أن يبقى منه علقة، ومن هذا قولهم: ما بها عين ولا أثر. قال: والأثر أيضا: الاستقفاء والإتباع، هذان بفتحتين قال: وهو بلغتين: الأثر والإثر. قال: ولا يشتق من حروفهما فعل في هذا المعنى، ويجمعان كلاهما على: الآثار، يقال: تبعت آثاره ولكن يقال: ذهب في إثر فلان وكان هذا في إثر ذاك، إذا أوقعت عليه الفعل ولم تفصله بصلة أو نحوها قلت: اتبعت أثره ونحوه، وقد يقع عليه النعت إذا كان معناه بعد، يقول: أقبل فلان إثر فلان، وأنشد: متيم إثر من لم يجز مكبول وقال: أثر السيف: وشيه الذي يقال له فرند. ويسمى السيف مأثورا. وأثر السيف ضربته. ويقال: أثرت الحديث آثره أثرا، أي يحدث به قوم عن قوم في آثارهم من بعدهم. ومصدره: الأثارة بفتح أوله، كما قال الله تعالى: (أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ).

وأما قوله: وتقول: القوم أعداء، وعدى، بكسر العين، فإذا أدخلت الهاء قلت: عداة، بالضم؛ فإن الأعداء جمع وليس واحده عدو، على فعول؛ لأن فعولا ليس بابه وقياسه أن يجمع على أفعال، ولكن يجمع الأعداء على الأعادي وكذلك عدى بكسر العين ليس على القياس والباب؛ لأنه اسم واحد موضوع للجمع/ كما وضع قوم لجماعة الرجال، وإبل لجماعة الأباعر، وهو اسم واحد؛ ولذلك ذكر "سيبويه" أنه لم يجئ فعل وصفا إلا في المعتل في حرف واحد، يعني قولهم: عدى، وعدى أيضا ليس على القياس؛ لأن عدى لو كان وصفا صحيحا لم يوصف به إلا واحد؛ لأنه واحد. ولا يجوز أن يقال عدى. ولا يكون عدى أيضا جمعا لعدو؛ لأن فعولا لا يجمع على فعل. وقد يكون عدو جميعا بهذا اللفظ كما قال الله تعالى: (فَإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ). والعامة تقول: عدى، بضم العين، وهو أيضا على غير بابه في التكسير. وإنما يجيء فعل في نعت الواحد للمبالغة، نحو الحطم والزفر، ولكن يكون فعل جمعا لفعلة، نحو قوله تعالى: (إذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وهُم بِالْعُدْوَةِ القُصْوَى) ونحو العروة والعرى. وقد يقال للعدوة: عدوة، بالكسر. وقال قوم: العدى، بالكسر: الأعداء، والعدا بالضم: الأباعد، فقيل لهم الأعداء كلهم أباعد، إما في النسب، وإما في القلوب. فأما العداة بالهاء فجمع عاد، لا جمع عدو، مثل غاز وغزاة، وقاض وقضاة، ولكن العدو في معنى الفاعل، إلا أنه قد بني على مثال المبالغة، فكأنه جمع عداة، على المعنى.

وأما قوله: بأسنانه حفر وحفر، يعني بفتح الفاء وسكونها، فإنهما لغتان مثل شعْر وشعَر، ونهْر ونهَر، وليس ثانيه ولا ثالثه من حروف الحلق، كما بيناه في المتقدم. والمعنى في الحفر والحفر مختلف؛ لأن الحفر بسكون الفاء مصدر فعل متعد، وهوحفره يحفره حفرا، فكأن الذي حفر أسنانه إنما هو كبر السن أو دوام القلح، أو آفة لحقتها. وأما الحفر، بالفتح، فمصدر قولهم: حفرت سنه تحفر حفرا، وهذا الفعل غير متعد، والأول متعد،/ كأن الثانب بمعنى الانفعال، وكل واحد منهما جيد في معناه. وأما قوله: تقول درهم زيف، وزائف؛ فإن العامة تقول: زيف بغير ألف طلبا للخفة وإنما الزيف مصدر قولك: زاف يزيف زيفا من الياء. وقد يقال: زاف يزوف زوفا، بالواو. فالزيف على هذا الوجه مخفف من الزيف بتشديد الياء، كما قيل ميّت وميْت، وهين وهين. ويروى في حديث عن عمر- رضي الله عنه- أنه قال: "من زافت عليه دراهمه، فليأت بها السوق وليقل: من يبغني بها كذا وكذا، ولا يحالف الناس عليها". فهذا دليل على الزائف بالألف، وليس الزيف بخطأ. ومعنى قول عمر- رضي الله عنه-: زافت عليه؛ أي بقيت عليه ورجعت إليه، وهو من قولهم: زاف الطائر على أنثاه، إذا دار، وزاف الرجل على تل أو دكان، إذا وضع يده على قرنته ثم قفز فوقه فدار حتى تعود رجله إلى مكانها، وكذلك الدراهم يصرفها صاحبها في حوائجه فتطوف وتؤخذ، ثم ترد فترجع إلى صاحبها. وأما قوله: وتقول دانِق ودانَق، وخاتِم وخاتَم، وطابِع وطابَع، وطابِق وطابَق كل هذا صحيح جائز، فإن العامة تفتح هذا كله لخفة الفتح، والعرب تكسره وتفتحه. فأما الدانق ففارسي أو نبطي معرب، والنون منه ساكنة، وقافها شبيهة بالكاف فعربتها العرب

بتصحيح القاف، وتحريك النون، لتصير على منهاج كلامها، فصاارت بوزن فاعل وفاعل، ثم صغرت وكسرت، وصرف منها الفعل فقيل: دوانيق ودوينيق، وقد دنق الرجل، إذا كان شحيحا ينظر في الدوانيق ويعامل بها، وأنشد "الخليل" شعرا لبشار: يا قوم من يعذر من عجرد القاتل المرء على الدانق/ وأما الخاتم فعربي محض من قولهم: ختمت الكيس والكتاب أختمه ختما، فأنا خاتم، والمفعول مختوم. وإنما سمي ما يختم به خاتما، على بناء اسم الفاعل، كأنه فاعل؛ لأنه يؤثر في الطين وغيره، وإنما هو مختوم به، ومثل هذا كثير في كلامهم، كما قال الأعشى: لو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابر حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر وإنما يعني المنشور والمقبور، ولكنه بناهما، على الفاعل، على جهة النسب، لا على إرادة الفعل، ي ذي نشر، وذي قبر. ويقال: الخاتم. ومن فتح التاء من الخاتم، أراد الفرق بين المختوم به وبين المختوم، وجعله اسما ليس بجار على الفعل كالفاعل. ومن كسر التاء فعلى ما قدمنا. والختم آخر الأمر، وآخر كل شيء خاتمته، وختم الكتاب أيضا آخر أعماله، وكذلك ختم الكيس. ومنه قيل: ختم القرآن، إذا فرغ من تعلمه أو درسه. ومنه قول الله تعالى في شراب أهل الجنة: (خِتَامُهُ مِسْكٌ). أي آخر طعمه.

والخاتم بالكسر اسم ما يتختم به الإنسان في خنصره. والخاتم، بالفتح اسم الطابع المختوم بالخاتم، وقد يسمى به المختوم على التوسع. ويقال أيضا له: خاتام، بزيادة ألف، كما قال الراجز: يا هند ذات الجورب المنشق أخذت خاتامي بغير حق ويقولون أيضا: خيتام، بالياء على مثال فيعال. وليس يجوز خاتم، بفتح التاء، إلا فيما يلبس، ويختم به المال خاصة، ولا يفتح في خاتم القرآن، ولا خاتم الأنبياء، ولا خاتمة الأمر ونحو ذلك. وأما الطابع فقريب المعنى من الخاتم، من قوله [تعالى]: (طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ) / ويقال: طبعت الكتاب طبعا، كما يقال: ختمته ختما، فالطابع، بكسر الباء: اسم لما يطبع به، أو يرسم. الطابع، بالفتح: اسم المطبوع من طينة أو نحوها، كطابع الحاكم إلى الخصوم. ولا يفتح إلا في هذا خاصة. وتقول: طبعته فانطبع، وقد تطبع الرجل. إذا قبل أخلاق الناس، وتخلق بها. وإنما سمي العيب والدنس طبعا، بفتح الباء؛ لأنه يلزق بالشيء وينطبع فيه. وفي الدعاء: "نعوذ بالله من طمع يؤدي إلى طبع". وأما الطابق فكلمة أعجمية معربة، يقولون لها: تابه، بالتاء والباء والهاء، وباؤها مفتوحة بالعجمية، وهو اسم ما يخبز عليه من الحديد، واسم لما عرض ورق من الآجر.

فمن قال: طابق، بفتح الباء فإنما تركها على فتحها في العجمية، ومن كسر الباء أجراها مجرى: خاتم وطابع، كأنه جعلها من قولهم: أطبقت الشيء، وهذا طبق هذا؛ لأن لفظه من حروفه، ومعناه كمعناه، قال الله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ). وقال امرؤ القيس: ديمة هطلاء فيها وطف طبق الأرض تحرى وتدر وأما قوله: هي الخنفساء، والخنفسة، يعني بضم الخاء والفاء؛ فإن العامة تفتح الفاء، وتقوله بالألف، على مثال فنعلاء، والهاء والألف من علامات المؤنث، وهما بوزن الفنعلاء والفنعلة، وأصلهما ثلاثي ملحق بالرباعي بزيادة النون، وهي من الدبيب سوداء، صلبة الجلد، منتنة الرائحة، شديدة اللجاج، كلما رمى بها عادت إلى حيث رمي بها منه. ويقال في المثل؛ للجوج: "إنه لألج من خنفساء". وأنشدوا لخلف الأحمر في أبي عبيدة: لنا صاحب مولع بالمراء كثير الخطاء قليل الصواب/ ألج لجاجا من الخنفساء وأزهى إذا مشى من غراب وقال بعضهم: الخنفس بغير تأنيث، مفتوح الفاء، هو ذكر الخنافس، وأنشد فيه: إذا غمسنا جلدها في المغمس جاءت بدمن وحشي خنفس وذكر "الخليل": الخنفساء، بفتح الفاء، وأن جمعها الخنافس، والخنفس، وفي لغة: خنفساة واحدة، وثلاث خنفساوات، وفي اللغة الأولى: ثلاث خنفسات.

وأما قوله: وهي الطس، والطسة؛ فإن العامة تقولها بالتاء طست، كأنها لغة من يبدل التاء من السين المدغم فيها، كرايهة التضعيف فإذا جمعوا وصغروا ردوا السين التي أبدلوا منها التاء فقالوا: طسيسة وطساس، كما فعلوا مثله في دينار وقيراط؛ لأن حرف التصغير والتكسير قد فرق بين السينين. وقال "الخليل": الطست في الأصل: الطسة بالتأنيث والتضعيف، ولكن حذفت السين الثانية للتخفيف، فأظهروا تاء التأنيث لسكون ما قبلها؛ لأن الهاء إنما تبدل من تاء التأنيث إذا كان ما قبلها متحركا، ولو لم يظهروا التاء ويعربوها لاجتمع ساكنان: السين والهاء، فصرات طست بمنزلة بنت وأخت، كأن تاء التأنيث أصلية في الكلمة، فإذا جمعوا قالوا: طساس فعادوا إلى التضعيف، وحذفوا التاء، وقد قالوا في الجمع: أطساس، على أفعال، قال الشاعر: كأن الحميم على متنها إذا اغترفته بأطساسها جمان يجول على فضة جلته مذواد دواسها وصانع الطساس: الطساس، بالتشديد، وصناعته: الطساسة. وقد زعم غيره أن/ الطست اسم أعجمي، التاء فيه أصلية في لسان العجم، لغير التأنيث وأن العرب لما عربتها أبدلت من التاء سينا؛ لقرب المخرجين، فقالوا: طس وطسة، وأنها ليست بعربية محضة؛ لأن التاء مع الطاء لا يدخلن في كلمة واحدة أصليتين في تأليف كلام العرب، وقال الراجز في الطس: وهامة كالطس علطميسا

ويجمع الطس على الطسوس أيضا، ولا يجمع على الطسوت، ولا على الطسات، ولا على الأطسات، ولا يصغر على الطسيت، ولا على الطسيتة؛ لأن هذه الحروف تخالف تأليف العربية مجتمعة في كلمة. أو قوله: بفيه الأثلب، والإثلب، والفتح أكثر؛ فإنه التراب، ويقال: هو دقاق الحجارة، وإذا دعي على الرجل قيل: بفيك الأثلب. وفي الحديث: "الولد للفراش وللعاهر الأثلب". وهذا يدل على الحجارة، ومثل هذا قول الأعشى: فعض جديد الأرض إن كنت ساخطا بفيك وأحجار الكلاب الرواهصا وأصحابنا يعرفون الأثلب بالفتح، ولا يعرفونه بالكسر، وهو على مثال أفعل من الثلب، وهو عيب الناس وقصبهم وثلبهم، يقال: ثلبهم يثلبهم ثلبا، والمثلبة ضد المنقبة، وجمعها المثالب. وأما أسود حالك وحانك، وهو أشد سوادا من حلك الغراب، وحنك الغراب واللام أكثر، فإن النون لغة العامة، واللام هو الصحيح، وعليه كلام فصحاء العرب. والحلك والحلكة: شدة السواد. ولا يقال في المصدر والفعل منه بالنون. ويقال: هو أسود حلوك، وفعله على لغتين، يقال: حلك يحلك حلوكا وحلكة، والأخرى: حلك يحلك حلكا. وسواد الغراب شديد؛ فلذلك خص بالتشبيه به. فأما /حنكه فإنما هو أسفل منقاره الأسفل والأعلى، وهما عظمان ليس عليهما ريش، ولا هما أشد سوادا من ريشه، ولا قريبا منه وإنما النون في حانك وحنك بدل من اللام ههنا، ولا معنى لحنك الغراب في هذا الوصف.

وأما قوله: هو الجدري والجدري؛ فإن العامة تقوله بفتحتين، والعرب الفصحاء بضم الجيم وفتح الدال، وهو قروح تخرج على الصبيان خاصة وينقط. وواحدتها: جدرية، كأنها منسوبة إلى جدرة أو جدرة. ويقال: جدر الجلد، إذا نتأ وارتفع. ومنه سمي الحائط جدارا. والعامة تقول: قد جدر الغلام، بالتشديد، وهو مجدر، والعرب تقول: جدر، بالتخفيف وهو مجدور، ولا يكاد يسمع منهم مشددا؛ لأنه داء لا يتكرر في واحد، ولا يصيب الإنسان إلا مرة واحدة في جميع عمره، ولو قيل بالتشديد لكثرته على الجلد في تلك المرة الواحد لجاز. وقال "الخليل": الجدر: انبتار في عنق الحمار من آثار الكدم أو غيره، فجائز أن يكون الجدري منسوبا إلى ذلك. وأما قوله: تعلمت العلم قبل أن يقطع سرك وسررك، والسرة التي تبقى؛ فإن العامة تقول: قبل أن تقطع سرتك، وليس ذلك بخطأ؛ لأن الذي يبقى، والذي يسقط كلاهما مقطوع من الآخر. فأما قولهم: السر والسرة والسرر، فإنما خولف بين أبنيتها، للفرق بين معانيها، وأن يكون اسم ما يبقى على غير بناء ما يسقط. ومعنى الكلام: أنى تعلمت العلم قبل أن تولد؛ لأن المولود تقطع سرته ساعة يولد. وبنيت السرة على فعلة؛ لأنها مثال ما يفعل به القطع، وهو السر، يقول: سررت الصبي، أي قطعت سرته. وأما السرر على فعل فما يقطع من السرة. وقد قال "ثعلب"- رحمه الله: السر/ السرة أيضا، وليس بين السر والسرة فرق، غير إدخال حرف التأنيث وإخراجه ويقال أيضا للكسور التي

تكون في الجبهة: سرر؛ لأنها بمنزلة الخطوط التي تبقى في السرة المقطوعة يقال: القطع. ويكون مثل ذلك في وجه الإنسان وفي راحته. وفي الحديث: "أن النبي- صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحك تبدو أسارير وجهه". وهي جمع أسرار. والأسرار: جمع السرر، والسر أيض، وهو خطوط الراحة. وقال الأعشى: انظر إلى كف وأسرارها هل أنت إن وعدتني ضائري ومن السرة قولهم لوسط الوادي: السرارة والسر، وكذلك سر كل شيء أوسطه وأكرمه. ومنه أخذ السرير، كأنه أكرم المجالس وأجلها. وأما قوله: ما يسرني بهذا الأمر منفس ونفيس، ومفرح ومفروح [به]، فإن المنفس على وزن مفعل من النفاسة، وهو الشيء النفيس الكريم الذي تنافس فيه الناس، كما قال الله عز ذكره: (وفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ) أي: كل واحد منهم ينفس به على الآخر، أي يبخل به عليه، ويؤثر نفسه به، يقال: نفست به نفاسة. وقيل: إنه لمنفس، أي: صار ذا نفاسة، فكأنه قد أنفس، وهو منفس، وفي يقول المتلمس: لا تجزعي إن منفسا أهلكته وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي يقول: لا تلوموني إن أهلكت نفيس مالي، وأنفقته، ولا تجزعي من ذلك ما دمت حيا غيرها لك. وأما النفيس فعلى وزن فعيل، وفعله، نفس ينفس نفاسة فهو نفيس، بمنزلة كرم يكرم كرامة وهو كريم، وإنما سميت النفس نفسا، لنفاستها وفضلها/ على جميع البدن. وأما المفرح فما أفرحك من شيء، وفرحت به. والمفروح معناه: المفروح به، ولكن حذفت "به" من الكلام اختصارا تقول: فرحت به فهو مفروح به.

وأما قوله: ماء شروب وشريب، للذي بين الملح والعذب، فإن الشروب فعول من الشرب بمعنى المشرب، أي الممكن للشرب غير المانع منع على مرارته وملوحته. وأما الشريب ففعيل بمعنى مفعول، أي هو مشروب غير ممتنع من شربه. وقال "أبو زيد الأنصاري": الشروب دون الشريب في العذوبة. والعامة تقول: ماء شروب للعذب الطيب، الذي يلتذه شاربه. وأما قوله فلان يأكل خلله وخلالته، يعني مايخرج من أسنانه، إذا تخلل فإن الخلل جمع الخلة، وهو ما يبقى في خلل الأسنان، وهي الفرج التي يبقى فيها الطعام، يقال لها: خلل، ويجمع على الخلال، قال الله تعالى: (فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) ويقرأ: من خلله. وأما قوله: أمليت الكتاب أملي، وأمللت لغتان جيدتان، جاء بهما القرآن، فإن العامة تقول: أمليت بالياء لا غير، وهو من الإملاء، أي التمهل، قال الله تعالى: (إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْمًا) وقال تعالى: (اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وأَصِيلاً) وذلك أن المملي على الكاتب لا بد له من أن يتمهل عليه ويمهله حتى يكتب، ولا يقدر أن يقرأ بغير تمهل، وإلا لم يلحقه الكاتب. وأما أمللت بلامين، فمن الملل والملال، لأن الممل يطيل قوله على الكاتب ويكرره حتى يفهمه ويكتبه، وفي ذلك إملاله. ومنه قول الله [تعالى]: (ولْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ ولْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ولا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ ولِيُّهُ بِالْعَدْلِ) فهاتان كلمتان مختلفتان في اللفظ والمعنى، وليستا/ بلغتين في معنى واحد، كما ذكر "ثعلب"- رحمه الله.

تصحيح الباب الواحد والثلاثين وهو المترجم بباب حروف منفردة

تصحيح الباب الواحد والثلاثين وهو المترجم بباب حروف منفردة هذا الباب مما تقدم لكل كلمة منها نظائر، وقد كان يجب أن يضم بعضها إلى بعض في أبوابها، ولا يفرد لها بابا، ويسميها حروفا منفردة. ونحن مبينون ما يجب تبيينه، كما بينا ما قبله: أما قوله: أخذت لهذا الأمر أهبته؛ فإن الأهبة على بناء الفعلة، وهي ما يتأهب به للسفر، أو للحرب، أو لغير ذلك، أي يستعد له، وكذلك الفعلة في كل شيء بناء ما يفعل به، وقد تقدم تفسير ذلك. والألف في الأهبة همزة أصلية. وقولهم: تأهبت للأمر، على بناء تفعلت له، مثل تحزمت له، واستعددت له؛ فأنا متأهب تأهبا. وكأنه مأخوذ من الإهاب، وهو الجلد، لأنه مثل قولهم: لبست له جلد النمر، ونحوه. والعامة تقول: أخذت للأمر هبته؛ فتحذف الهمزة، وترد ضمتها على الهاء، وهي لغة رديئة، بمنزلة قولهم: الحنة للعداوة والحقد، وإنما هي الأحنة، بالهمز. وقد أجازهما الخليل وغيره، وجاءا في الشعر. وأما قوله: أبعد الله الأخر، قصيرة الألف، فمعناه الغائب؛ أي المتاخر، هكذا فسره "الخليل". وهو كلام ينزه به المخاطب، ويكنى فيه عن اسمه، وذلك أن يقول الرجل للرجل: رأيت فلانا، وقد قتل أو صلب، فقلت له: أبعد الله الآخر، أي قلت له: أبعدك الله، فكره اللفظ بالكاف، فتصير كأنه يعني المخاطب بها، فوضع قوله الآخر

بدل الكاف، أي أبعد الله الغائب. وقد يكون بين الرجلين كلام فيقول: إن كنت/ كاذبا، فأبعد الله الآخر. وهو يريد أبعدك الله، ولكنه كره مواجهته بالكاف فكنى عنها بالآخر، وقد مضى تفسيرها في قوله: بعته بأخره. وأما قوله: والشيء منتن؛ فإن للعرب فيه لغتين؛ إحداهما هذه التي ذكرها على وزن مفعل، وهو اسم الفاعل من قولك: أنتن الشيء وهو منتن، فهذا بناؤه الجاري على فعله في القياس، ومستقبله: ينتن، ومصدره الإنتان، على الإفعال، بمنزلة قولهم: أكرم يكرم إكراما، وهو مكرم. واللغة الأخرى مغيرة عن الأصل، جارية على غير قياس، وهي قولهم: منتن، بكسر الميم، وهي لغة العامة وهي أكثر في الكلام لخفتها، كأنهم كرهوا ضمة قبل كسرة، ليس بينهما حاجز حصين، فأتبعوا الميم التاء في الكسرة، ليكون الثقل من وجه واحد. وقد حكى "الأخفش" أن من العرب من يقول: منتن، بضم التاء على ضمة الميم لمثل ذلك، كما قالوا: منخل ومسعوط. وبين قولهم: منتن وبين منخل ومسعط فرق بين، وبون بعيد؛ وذلك أن المنتن إنما هو اسم فاعل من أنتن الشيء، من النتن، وأصله نتن ينتن ينتنا، والمنخل والمسعط مما ينقل ويستعمل من الآلات، التي تكون الميمات في أولها مكسورة، والعين مفتوحة كالمنجل والمثقب وما أشبه ذلك، فحمل المنتن في الضم على قياس المسعط والمنخل بعيد من القياس. ويقال في جمع المنتن: مناتن، وأنتان أيضا، كأن واحدها مسمى بالمصدر، وهو النتن. وأما قوله: هي الحلقة من الناس والحديد، بسكون اللام؛ فإن الحلقة ليست بواحدة، ولكنها اسم موضوع للجمع على لفظ الواحد، مثل العصبة والجفة ألا ترى أن الحلقة من الناس اسم جماعة مختلفين، وإن حلقة الحديد اسم للدرع وهي حلقات/ كثيرة مجموعة، وسمي السلاح كله حلقة أيضا. وزعم "الخليل" أنها تجمع على الحلق، بفتح اللام،

وأن الحلقة بالتخفيف والتثقيل جائزان مقولان، وأدنى العدد حلقات. وزعم بعضهم أنه لا يجوز في هذه إلا سكون اللام. ومنهم "ثعلب"- رحمه الله وقالوا: لا تفتح اللام إلا في شيئين: أحدهما دروع لامرئ القيس، كانت عند السموأل، يقال لها: الحلقة، بالفتح. والحلقة جمع: الحالق، الذي يحلق الشعر من الرأس أو الجلود مثل قولهم: عامل وعملة، وكاتب وكتبة، وليس بين امرئ القيس وغيره فرق في هذا، فإنه، وإن كانت الحلقة، بالفتح اسم سلاحه، فإنها أيضا اسم لسلاح غيره بالفتح. وزعم "الخليل" أن الخاتم، الذي لا فص له، يقال له: الحلق، بكسر الحاء، وسكون اللام، وأنشد في ذلك "للمخبل" في رجل أعطاه النعمان خاتمه: وناول منا الحلق أبيض ماجدا رديف ملوك ما تغب نوافله وأما قوله: درهم بهرج؛ فإن العامة تقول: نبهرج؛ لأنه فارسي معرب وفي أوله بالفارسية نون، كما تقوله العامة، وبعد النون حرف يضارع الباء، والفاء مخرجه بين مخرجيهما، كأنه نفهره، والعرب قد حذفت النون من أوله، وجعلته رباعيا، على وزن خردل ونحوه، وليس إثبات النون فيه خطأ؛ لأنه يصير على وزن سفرجل وهمرجل ونحوهما من الخماسي. وتفسير البهرج بالفارسية: المزور من كل شيء، وقد صرف من البهرج فعل مثل دحرج فقيل قد بهرج يبهرج، فهو مبهرج، بكسر الراء، والمفعول مبرهج،

فيوصف باسم المفعول الجاري على فعله، أو يوصف بالمصدر منه، وهي البهرجة، فأما البهرج فليس بواحد منهما. وأما قوله: نظرت يمنة وشامة، ولا تقل شملة، إن اليمنة/ من اليمين، وهي من اليمن والبركة، وهم يتفاءلون بما يسنح لهم من جانب اليمين لذلك، والشامة من الشؤم، وهي اليسار، وهم يتطيرون بما يأتيهم من جانبه، ويسمونه البارح وهما أيضا الأيمن والأشأم، واليمنى والشؤمى، قال الله تعالى: (فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ (8) وأَصْحَابُ المَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ) يعني أصحاب اليمين وأصحاب الشمال. ومن هذا سميت اليمن والشام؛ لأنها عن يمين القبلة وشأمتها. ومن هذا قول الله عز ذكره: (وأَصْحَابُ اليَمِينِ مَا أَصْحَابُ اليَمِينِ) (وأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ) لأن الشمال كاليسار، ولا يقال منه: مشملة ولا شملة ولا أشمل ولا شملى؛ لأنه ليس فيه ما في اليمنى والشؤمى من معنى اليمن والبركة ومعنى الشؤم، وإنما هو من الشمول والعموم، ولكن يقال من اليسار ذلك كله وهو اليسرة والأيسر واليسرى والميسرة. وإنما اليمين واليسار: الجانبان من كل شيء، مأخوذان من اليمن واليسر، على التفاؤل. وأما قوله: تقول الثوب طوله سبع في ثمانية؛ لأن الذراع أنثى، والشبر مذكر، فليس واحد منهما مذكرا ولا أنثى، ولكن العرب تؤنث الذراع وتذكر الشبر، وهما عضوان لا يحبلان ولا يلدان، وربما كانا من حديد أو خشب، وإنما هما مقدران يقدر بهما كل مذروع ومشبور. وقد ذكرنا علة تذكير الشبر وتأنيث الذراع في كتب النحو. وإنما أراد أن الثوب طوله سبع أذرع، وعرضه ثمانية أشبار، فلم تدخل علامة التأنيث في سبع؛ لأن المؤنث علامته فيما دون العشرة سقوط علم التأنيث، وأدخل العلامة في الثمانية لأن المذكر يدخل فيما دون العشرة منه علم التأنيث، وتذكير كل مؤنث ليس بأنثى جائز،

كقول الله عز وجل:/ (فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ) وقوله [تعالى]: (إنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ) إلا أن المعتاد أحسن. وأما قوله: ودرع الحديد مؤنثة، ودرع المرأة مذكر، فإنما أنث درع الحديث؛ لأنها حلقة، ولذلك تسمى السابغة والشكة والفضفاضة واللأمة ونحو ذلك. وأما درع المرأة فذكر؛ لأنه قميص، والقميص مذكر. وكان يجب أن يذكر هذا في باب ما يذكر ويؤنث. وقال "الخليل" كان بعضهم يذكر درع الحديد أيضا، وذا صغروهما لم يؤنثوا واحدا منهما رواية عن العرب، يقولون فيهما: دريع، وأنشد في تذكير درع الحديد، لأوس بن حجر: وأبيض صوليا كنهي قرارة أحس بقاع نفح ريح فأجفلا وأما قوله: يقال لهذا الطائر: قارية، والجميع: قوار، ولا تقل قارور؛ فإنه يعني الذي يسمى الشقراق. والعامة تسميه: القارور، كأنها تحكي صوته كما قال الراجز: كأن صوت جرعهن المنحدر صوت الشقراق إذا قال قرر وإنما سميت قارية؛ لأنها تقري في حواصلها الماء والعلف. وقال بعضهم: سميت قواري؛ لأن ألوانها كألوان الجرار الخضر، لأنهما تسمى القواري؛ واحدتها؛ قارية، وإنما سميت

هذه الجرار قارية؛ لما يقرى فيها من الطعام والشراب أيضا. وزعم "الخليل" أن بضعهم يقول: هي طير سود، كأنها السودانيات، سميت قارية لسوادها، وأن بعضهم قال: هي خضر، وأنشد لدريد في خضرتها: سوابقها يخرجن من متنصب خروج القواري الخضر من سبل الرعد وقال: أكثر ما يأكل هذا الطير العنب والزيتون، وهذا دليل على أنها سميت قواري؛ لما يقرى في حواصلها. وأما قوله: عندي زوجان من الحمام، يعني ذكرا وأنثى، وكذلك كل اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر؛ فإن العامة تقول: عندي زوج من حمام، أي ذكر وأنثى، ولا تثني الزوج، وكذلك كل شيء بهذا المعنى، كقولهم: المقراض والجلم والنعل. ويزعم قوم من اللغويين أنه لا يجوز إلا مقراضان وجلمان ونعلان؛ لأن الواحد منهما لا يستغني عن الآخر. وقد أجاز بعضهم قول العامة في هذه الأشياء. وتقول العامة أيضا للولدين يولدان في بطن واحد: توأم، ولا تقول: توأمان، على ما اختاره "ثعلب". وقال الله تعالى: (فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) ويفسر هذا: لونان ويحتمل أن يكون معنى زوجين أربعة. وقوله [تعالى]: (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) يحتمل أن يكون معناه: احمل اثنين، وأن يكون بمعنى: احمل

أربعة. ومن هذا النحو قولهم: ضعف الشيء، يقال هو واحد، ويقال هو اثنان؛ لأنه بمعنى مثل، وسي، مما لا يستغني أحدهما عن الآخر. وقد أجاز "الخليل" أن يقال: هما توأمان، للوالدين. والعرب تعني بالحلة ثوبين، لا تقول حلتان، وهذا مما كان حقه أن يذكر في باب ما يثنى. وأما قوله: هم المسودة والمبيضة والمحمرة والمطوعة؛ فإن المسودة هم الذين يلبسون السواد من الجند وأعوان الشرط؛ لأنهم قد سودوا ثيابهم تسويدا. والمبيضة الذين يلبسون البياض؛ لأنهم بيضوا ثيابين فصاروا مبيضين، ولكن أنثوا؛ لأنهم جماعة، وكل جماعة مؤنثة، وصار علم التأنيث عوضا من الواو والنون. وكذلك المحمرة الذين يلبسون الحمرة. وكذلك يقال للأمراء الذين يسودون أعلامهم وراياتهم، أو يبيضونها. والعامة تقول كل ذلك، بفتح /عين الفعل، كأنهم مفعولون، قد سودهم غيرهم. وأما المطوعة، فقوم يخرجون إلى المرابطات، يتطوعون بالجهاد، وقد طوعوا كما قال الله عز ذكره: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) وتطوعوا بفعلهم من ذات أنفسهم، أي تبرعوا بما لا يلزمهم. والعامة تفتح الواو في المطوعة، وهو خطأ. وقد يقال لهم: المطوعة، بتشديد الطاء أيضا؛ لأن الأصل: المتطوعة، فأدغمت التاء في الطاء؛ لتقارب مخرجيهما. وكان يجب أن يذكر هذا في باب ما يكسر. وأما قوله: يقول: كان ذاك عاماً أول يا فتى، وعام الأول إن شئت، فإن قولهم عاماً أول هو الأصل الجيد؛ لأن عاما نكرة، وأول وصف له نكرة مثله، والنكرة يوصف بالنكرة، وهما منصوبان على الظرف بكان، والمعنى كان ذلك في عام أول.

وأما قوله: عام الأول فخطأ في القياس؛ لأن الأول إنما هو صفة العام، وقد أضاف الموصوف إلى صفته، وهذا لا يجوز في شيء من الكلام؛ لأن الإضافة إنما تعرف المضاف بالمضاف إليه، والصفة لا تعرف موصوفها بالإضافة إليها. ولا يقول أحد من العرب هذا ثوب الجيد، ولا هذا فرس الفاره، ولا هذا حمار الأسود، ولا رجل البزاز ولا عبد الرومي، على إضافة الأول إلى الثاني، إلا أن تجعل هذه الصفة المضاف إليها صفة لاسم مضمر غير العام، كأنك تريد: فعل ذلك عام الحديث الأول وعام الخصب الأول، وعام الحديث الأول أو نحو ذلك، وهو مع ذلك رديء؛ لأن الموصوف لم يتقدم له ذكر، فتعرف به صفته. وليس يجوز أن يكون الأول صفة لعام، لأن عاما نكرة، والأول معرفة، ولا توصف النكرة بالمعرفة. والعامة لا تقول إلا "عام الأول"/ ولا تعرفه، ولا تعرف الإضافة ولا غيرها والوجه والصواب في هذا أن يدخل في عام الألف واللام أيضا، ثم يوصف بالأول فيقال: كان ذلك العام الأول، منصوبين على الظرف، أي في العام الأول، حتى يصح الكلام. وقد أجاز "ثعلب" قول العامة كما ترون. وقد كان يجب أن يذكر هذا في باب ما يضاف. وأما قوله: هو المعسكر، بفتح الكاف، فإن العامة تكسر الكاف، وهو خطأ؛ لأنهم يريدون العسكر نفسه، أو موضع العسكر، وليس يعنون صاحب العسكر فيكون فاعلا مكسور الكاف. وإنما المعكسر بالفتح اسم المفعول، وهو العسكر، الذي قد عسكر صاحبه عسكرة، ومعسكرا. واسم فاعله: معسكر بالكسر، كما تقول: دحرجته دحرجة ومدحرجا وأنا مدحرج، والعسكر المجتمع الذي فيه السلاح والرجال والخيل، وكل مجتمع من شيء كثير فهو عسكره. ومنه قول طرفة: بات في عسكرة من حبها وأما قوله: أطعمنا خبز ملة، وخبزة مليلا، ولا تقل أطعمنا ملة؛ لأن الملة: الرمادة والتراب الحار؛ فإنه خبز يدفن في رماد حار أو في رمل حار حتى ينضج؛ وذلك الرماد

والرمل سمي الملة، وهو مصدر المرة الواحدة، وقد سمي به، وكان القياس أن يقال له: الممل أو المملة على مثال مفعل ومفعلة، فاستغنى عن ذلك باسم المرة الواحدة، على المجاز والتخفيف. فأما الخبزة المليل فهي المملولة، ولكنه عدل من المفعول إلى فعيل، وهو مثال يشترك فيه المذكر والمؤنث على لفظ واحد. ويقال فيه: قد امتل الرجل، إذا خبز خبز ملة، وقال الراجز: يا صاحبي اشتويا وامتلا لا خير في اللحم إذا [ما] صلا /وتقول: مللت اللحم والخبز أملهما ملا، والخبز مملول، وكل شيء يمل في النار مملول، قال الشاعر: كأن ضاحيه بالنار مملول والعامة تقول: أكلنا ملة. و"ثعلب" قد أنكر ذلك، وله في العربية مخرج صحيح؛ لأنه يجوز تسمية الممل بالملة على الاتساع. ويجوز أن يحذف المضاف ويقوم المضاف إليه مقامه، فيقال: أكلنا ملة، أي خبز ملة، كما قال الله تعالى: (واسْأَلِ القَرْيَةَ). وكان الواجب أن يذكر هذا في باب المشدد، وما لا يقال إلا بالإضافة. وأما قوله: رجل آدر مثل آدم؛ فإن العامة تشدد الراء منه، وتقصر الألف، وهو خطأ؛ لأنه من الأدرة، على وزن فعلة، فآدر، على وزن أفعل منه، وهو الذي تنتفخ خصيته. ويقال: الذي له بيضة واحدة. ويقال: قد أدر أدرا وأدرة. واسم الخصية المنتفخة: الأدرة، بفتحتين. وأما قوله: هي القازوزة، والقاقوزة، ولا تقل: قاقزة فإنه يعني القدح الطويل

الضيق الأسفل، الذي يسميه الزجاجون: البازنج. والقاقوزة بالفارسية يقال لها: كاكزة، بكافين وزاي خفيفة. والعامة تقول: القاقزة، بتشديد الزاي، على مثال فاعلة، كأنها تتبع ذلك مثالها في العجمية، والجميع: القواقيز، والقوازيز. وقال "الخليل": هي مشربة دون القرقارة وهي أعجمية، ولا تكون في العربية كلمة يفصل بالألف بين حرفين مثلين منها ترجع إلى بناء مثل ققز، إلا "بابل" وهي بلدة لا يجري مجرى سائر الأسماء. وقول العامة قاقزة، مثل قولهم: آجرة في البناء، إلا اجتماع المثلين في صدره. وكان يجب أن يذكر هذا في باب ما لا يقال بالتشديد. وأما قوله: نظر إلي بمؤخر عينه، فإنه العامة تقول: بمؤخر العين ومقدمها بالتشديد وضم الميم، على ما يقال في كل شيء، وليس بخطأ./ وأما العرب فيقولون في العين خاصة: مؤخر العين ومقدمها خفيفتين، على بناء مفعل، ولا يقولون ذلك في غير العين، ومؤخرها: ما تأخر منها، ومقدمها: ما تقدم. وكان يجب أن يذكر هذا في باب ما تشدده العامة وتخففه العرب. وأما قوله: بينهما بون بعيد، فإن البون: المسافة والمقدار من الأرض وغيره ومنه سمي العمود الذي يكون عند باب الخباء: بوانا، ويجمع على الأبونة، والبوائن، وليس من البين في شيء، وكان يجب أن يكون هذا في باب فعل بسكون العين، أو ما يكون بالواو.

وأما قوله: الحب ملآن، والجرة ملأى، وكذلك ما أشبههما؛ فإن العامة تقول: الحب ملا، بألف مقصورة، على مثال عصا وقفا، وتقول: جرة ملا مثل ذلك، وملانة، فأما "ملا" فله قياس من العربية- وإن كان العرب لا تعرفه- وهو: أن يحذف همزة "ملأى" وتلقى فتحتها على اللام، فهذا جائز في نعت الجرة، ولا يكون في نعت الحب؛ لأن الحب مذكر، ولكن لو قالت في الحب على هذا ملان، بحذف الهمزة لجاز. فأما الجرة فلا يجوز فيها ملانه؛ لأن النون في فعلان إنما هو للمذكر، والنثى على فعلى، مثل عطشان وعطشى، وريان وريا. والفعل منه: ملأت الشيء أملؤه ملأ. والاسم منه الملء، بكسر الميم فهو مملوء، وأنا مالئ، وامتلأ الشيء، فهو يمتلئ امتلاء، واسمه: ممتلئ، كل ذلك مهموز. وكان يجب أن يذكر هذا في باب المهموز. وأما قوله: وتقول هي الكرة؛ فإن العامة تسميها أكرة، بالهمز على مثال فعلة، وهي المدورة المخيطة، أو المحروزة التي تضرب الصوالجة بها. وإنما الكرة: الحفرة التي تحفر في الأرض للنار، أو للعبة بالجوز ونحوه. وجمعها: أكر على فعل ومنها أخذ اسم الأكار؛ لأنه يحفر الأرض/ بمسحاته للزراعة. وأما كرة الصولجان فهي فعلة من كروت مثل البرة والظبة، والمحذوف من آخرها واو. ويجمع على الكرين، مثل البرين والظبين، أو الكرات مثل البرات والظبات. وكان يجب أن يذكر هذا في باب ما لا يمهز فمنه قيل: أمة كرواء، وهي التي تصطك ركبتاها، كأنهما كرتان. وأما قوله: هو الصولجان والطيلسان والسيلحون، لهذه القرية. كل هذا بفتح اللام؛ فإن هذه الثلاثة أسماء أعجمية معربة، وفيها لغتان. فالفصحاء من العرب يفتحون لاماتها؛ ليكون ما قبل الألف والنون، على بناء الأسماء العربية: الصولج، والطيلس، والسيلح، مثل الكوثر والحيدر ونحو ذلك. ومن العرب من يترك هذه اللامات فيها مكسورة على ما كانت

عليه في العجمة. لأن الأعجمي من الأسماء، التي على غير أبنية العرب في كلامهم كثير جدا؛ فيكتفون بما غير من حروفها وأبنيتها وحركاتها، عما كانت عليه. وزعم "أبو العياس المبرد" أنه إذا سمى رجلا بطيلسان، على لغة من يكسر اللام، ثم رخمه، وجعل ما بقي منه اسما على حياله، لم يجز فيه إلا فتح اللام؛ لأن مثال فيعل لا يكون في أسماء العرب، وقد أخطأ، وبينا خطأه في كتبنا في النحو. فأما الصولجان فالعصا المعقفة الرأس، التي تضرب بها الكرة. وأما الطيلسان فالملاء المقورة وهو مشهور. وأما السيلحون فقرية من قرى النبط، وفيها يقول الأعشى: وتجبى إليه السيلحون وعنده صريفين في أنهارها والخورنق وكان يجب أن يذكر هذا في باب الأسماء الأعجمية، أو باب ما يفتح أوله. وأما قوله: هو التوت؛ فإنه أيضا اسم أعجمي معرب، وهو بلسان العجم: توث، بالثاء المعجمة،/ بثلاث نقط، كما تتكلم به العامة. ومن العجم من يقول: توذ، بالذال، فأبدلت العرب التاء منهما، فقال توت؛ لأن التوث والتوذ مهملان في كلامهما، لا في كلامها، فردته إلى لفظ يكون مثله في العربية، وإن قل، مثل الطوط والسوس والقوق، واسم التوث عند العرب: الفرصاد، وفيه يقول الشاعر: ... ... فكأنما قنأت أناملها من الفرصاد

وأما قوله: هو يوم الأربعاء، بفتح الألف وكسر الباء؛ فإن هذه لغة قد أجروها مجرى الجميع، مثل قولهم: سعيد وأسعداء، كأنها جمع ربيع، و"سيبويه" لا يجيزها إلا في الجمع خاصة. وقد حكى "الخليل" فيها فتح الباء، فقال: أربعاء وأربعاوات، بفتح الباء في جميع هذا، كأنه اسم واحد مؤنث مثل قصباء، وهو يشبه الأربعة من العدد، كما أن الثلاثاء يشبه الثلاثة. وقد حكى بعضهم أيضا كسر الهمزة مع الباء فقال: الاربعاء، على مثال قولهم: إرمداء، وهو أقل هذه اللغات. والعامة على فتح الباء والهمزة. وأما قوله: ماء ملح، ولا يقال: مالح، وسمك مملوح ومليح، ولا تقل مالح؛ فإن العامة تقول في كل هذا: مالح، على فاعل، ولا تعرف غيره. وكان القياس في الماء أن يقال فيه: مليح، على فعيل، لأن فعله على فعل يفعل، بضم العين من الماضي والمستقبل مثل قولهم: عذب يعذب، ولكن اجتنب فعيل فيه؛ لئلا يلتبس بفعيل الذي في موضع مفعول في قولهم: سمك مليح، وطعام مليح، وبالشيء المستملح كقولهم للوجه مليح من المرحة، فوصفوه باسم الفعل نفسه لذلك، ولخفته، كما وصف بالعذب لخفته في موضع العذيب، والشيء إذا كثر استعماله وجب تخفيفه. وقال الله تعالى في ماء البحر: (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ). وقول العامة ليس بخطأ في القياس؛ لأن ما كان/ فعله على فعل يفعل قد يجيء نعته على فاعل، مثل ماكث وحامض، إذا أريد به النسب، ولم يعن به الفعل. وكان يجب أن يذكر هذا في باب قوله: ملحت القدر، وأملحتها، وملحتها. وأما قوله: تقول: رجل يمان من أهل اليمن، وشآم من أهل الشام، وتهام من تهامة؛ فإن العامة تشدد الياء من جميع هذا، وهو خطأ في الكلام، ولكنه في الشعر

جائز، للضرورة خاصة. وإنما يجوز التشديد في الياء من مثل هذه الأسماء، إذا كانت الأسماء في أنفسها على أصولها غير مغيرة على أبنيتها، فتكون الياء فيها ياء النسب. فأما اليماني فإنما هو منسوب إلى اليمن لا إلى يمان وكان حق من نسب إلى اليمن أن يقال في يمني، بغير ألف، ولكنه لما كثر في الكلام وبج تخفيفه، فحذفت إحدى ياءي النسب، وعوضت الألف منها قبل النون، فصار يمان، بياء خفيفة تسقط من أجل دخول التنوين عليها، لئلا يجتمع ساكنان، ولذلك لا يجوز تشديد الياء، إلا أن تحذف الألف، لئلا يجمع بين العوض والمعوض منه. وكذلك رجل شآم، إنما هو منسوب إلى الشأم، والشأم ساكن الهمزة على وزن فعل، فكان يجب أن يقال شأمي، بتسكين الهمزة وإدخال ياء النسب المشددة بعد الميم، ولكنه لما كثر في الكلام فعل به كما فعل باليمني، من حذف إحدى اليائين، وتعنويض الألف منها قبل الميم فقيل: شآم، بفتح الهمزة وألف بعدها، فبقيت الياء خفيفة، فلا يجوز تثقيلها، إلا مع حذف هذه الألف وكذلك رجل تهام، بفتح التاء [على وزن فعال، فكان يجب أن يقال تهامي بإدخال ياء النسب المشددة بعد الميم]، فلو تركت على كسرتها لقيل: تهامي، بياء مشددة، ولكن لما حذفت إحدى ياءي النسبة منه لم يمكن تعويض الألف منها لأن في مكانها ألفا، ولو زدتها لاجتمع الساكنان، فاضطررت إلى حذف أحدهما، ففتحت/ التاء فقيل تهام ونابت هذه الفتحة عن ألف التعويض، فصار على لفظ يمان وشآم، كما فعل بثمان في العدد، وكان أصلها ثمانية، بياء مشددة منسوبة إلى الثمن، فخففت ياء النسب وعوضت منها ألف فقيل ثمان، مثل ما وصفنا. وكذلك ثمانية. وكان يجب أن يذكر هذا في باب المخفف. وأما قوله: فعلت ذلك من أجلك ومن جراك؛ فإن العامة تقول من إجلك، بكسر الهمزة، ومجراك، بحذف نون "من" وتخفيف الراء من "جراك"، وذلك خطأ.

قال الله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ). وقال عدي بن زيد: أجل أن الله قد فضلكم فوق ما أحكأ صلبا بإزار وأنشد سيبويه: من اجلك يا التي تيمت قلبي وأنت بخيلة بالود عني وهو اسم غير مصرف منه فعل، ولكن أصله من قولهم: أجل عليهم شرا، أي جلبه وجناه، فكأنه قيل: من جنايتك، ومن سببك، وقد تحذف منه "من" كما قال عدي، فيقال: أجل إنك. وللعرب فيه لغة أخرى: كانت بعدها أن، حذفوا همزة أن ولام أجل، وجعلوا الكلمتين كالكلمة الواحدة، تخفيفا وأمانا من اللبس، فقالوا: أجنك فعلت كذا، يريدون: أجل أنك، ففتحوا الجيم بفتحة الهمزة المحذوفة. وقال "الخليل": هو بمنزلة قول الله عز ذكره: (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) أي لكن أنا. ويروى في الحديث: "أجنك من أصحاب محمد" أي أجل أنك. وأما قوله: من جراك، فإن جرى على وزن فعلى، وهي بمعنى جريرتك، أي من جريرتك وكسبك. قال أبو النجم: فاضت دموع العين من جراها ولغة أخرى للعرب تقول: فعلت ذلك من جللك، ومن جلالك، وأنشدنا لجميل ابن معمر:

رسم دار وقفت في طلله/ كدت أقضي الحياة من جلله ومعناه: من جلاله وعظمه عندي. وكان يجب أن يذكر هذا مع نظائره في باب المفتوح والمشدد. وأما قوله: جئنا من رأس عين، وعبرت دجلة، بغير ألف ولام، فإنما يعني أن العامة تدخل الألف واللام في "دجلة" وفي "عين" وهما موضعان معرفتان، والأعلام لا يجوز تعريفها بالألف واللام، ولا سيما ما لا يكون له ثان يتنكر به كزيد وعمرو. وقال الشاعر في "رأس عين" قرية فوق نصيبين: نصيبين بها إخوان صدق ولم أنس الذين برأس عين وأما دجلة فالنهر العظيم المشهور بالعراق. ومن هذا الباب "عرفة وعرفات" والعامة تقول: العرفة والعرفات. وكان يجب أن يذكر هذا كله في باب ما لا يدخله حرف التعريف. وأما قوله: وتقول: أسود سالخ ولا تضيف، والأنثى أسودة، ولا توصف بسالخة؛ فإن أسود إنما هو من صفة السواد، غلب على الموصوف، حتى صار كالاسم في الاستغناء به عن ذكر الموصوف، بمنزلة قولهم: أبطح وأجرع وأبرق. والأصل: مكان أبطح، ومكان أجرع، ومكان أبرق. والمؤنث فيها: بطحاء وجرعاء وبرقاء، فيغلب عليها نعتها حتى يصير كالاسم بمنزلة مذكرها، إجماعا من العرب. ولا يقول أحد للمؤنث:

أبطحة ولا أجرعة ولا أبرقة، كما ذكر "ثعلب" في الحية الأنثى: أسودة، والذي قاله غلط. وإنما سمعوا اسم بئر بالبادية تسمى "أسودة" لأنها بجنب جبل أسود، وليس ذلك يوصف، وإنما هو اسم سميت به، وهذا نعت خالص، وقياسه أن يقال للأنثى: سوادا سالخ، إن عرفت من الذكر، وألا يقال أسودة؛ لأن/ الأسود ههنا، وإن استغنى به عن المنعوت، فقد جرى مجرى النعوت، بمنزلة أحمر وأصفر ونحوهما، مما لا يجوز في مؤنثه أحمرة وأصفرة. وقد قيل للعجم: الحمراء، ولم يقل فيهم أحمرة. وقيل للجماعة: الدهماء، ولم يقل فيهم أدهمة. وقيل للقيد: أدهم، ولا يجوز فيه: أدهمة، إذا عنيت الحلقة. فأما سالخ فنعت ثان تبع النعت الأول، ولم يجر مجرى الاسم، وهو من قولهم: سلخ يسلخ؛ وذلك أن الحية تخرج من جلدها في كل سنة، فتسلخ جلدها، وتخرج منه، كما يخرج الرجل ثوبه عنه، فتبرق عند ذلك ويشتد سوادها، ويسمى جلدها الذي تسلخه: سلخ الحية. ويقال للنبات أيضا إذا سلخ ثم عاد واخضر كله وحسن: سالخ. وسالح إذا أريد به الذكر والأنثى صلح للمؤنث بغير تأنيث، وإن كان على بناء فاعل. وأما ما ذكره من إضافة أسود إلى سالخ فخطأ، كما ذكره؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نعته، وقد أجاز هو إضافة عام إلى الأول، وهو نعته، وإن كان معرفا بالألف واللام. وامتنع ههنا من مثل ما أجازه. والحية مما لا يعرف ذكره من أنثاه. وإنما الحية اسم مؤنث يقع على الذكر، كما يقع على الأنثى، فكما غلب التأنيث على الاسم كذلك غلب التذكير على النعت لهما جميعا، واستغنى بالنعت عن الاسم فيهماجميعا، وإن عرفت الأنثى فقياسها ما قدمنا، وإن لم تعرف لم يجز فيها إلا أسود سالخ. وأما قوله: ما رأيته مذ أول من أمس، فإن أردت يومين قبل ذلك قلت: ما رأيته مذ أول من أول من أمس، ولم تجاوز ذلك؛ فإن قوله: ما رأيته مذ أول من أمس معناه:

مذ يوم واحد، ولكن "من" دخلت على أمس، كما تدخل في قولك: هو أعلم من زيد؛ لأن أول بمنزلة أفعل التي تضاف بمن في/ كل شيء كقولك: هو أكبر من هذا، فأفعل ههنا أبدا مضاف إلى ما بعده، ولكنه قد فتح "أول" والأجود فيه الرفع، وإنمايختار الجر بعد "منذ" والرفع بعد "مذ" كما تقول: ما رأيته مذ يومان، ومنذ يومين، وفتحه في موضع الجر لأنه لا ينصرف وهو عنده مجرور بمنذ. وكذلك قوله: مذ أول من أول من أمس، يجب أن يكون أول بعد مذ مرفوعا، والذي بعد "من" مفتوحا في موضع جر بمن لأنه لا ينصرف. ولا يجوز أن ينصب "أول" بعد "مذ" على الظرف؛ لأنه لا يقع بعد "مذ أو منذ" شيء ينتصب على الظرف، وإنما يكون ما بعدهما مرفوعا على الابتداء أو مجرورا بمنذ ومذ؛ لأنهما حرفا جر في الزمان بمزلة "من" في كل شيء، والجر في منذ هو الوجه الجيد، والرفع في "مذ" هو الوجه، وإن كانا قد يشتركان في الرفع والجر. وأما قوله: ولا تجاوز ذلك؛ فإنه يعني أنك لا تقول هذا إذا كان قبل أمس ثلاثة أيام، مثل قولك: ما رأيته مذ أول من أول من أمس؛ لأن العرب لا تتكلم به في أكثر من يومين، لطوب الكلام وقبحه وثقله وإشكاله. وأما قوله: والظل للشجرة وغيرها بالغداة، والفيء بالعشي، كما قال الشاعر: فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق وقال أبو عبيدة: قال رؤبة: كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه، فهو: فيء وظل؛ فإن الأصل في هذا أن الظل مأخوذ من قولهم: ظل يفعل كذا وكذا، إذا ثبت

وأقام يومه أو ساعته، فهو يظل ظلولا، أي ثبت ثبوتا. والعرب تقول: ظللنا يومنا في سرور، وبتنا ليلتنا في هموم، أي مكثنا ولبثنا، فقولهم: ظل للنهار كقولهم: بات لليل، قال الشاعر: / ظللنا نخبط الظلماء ظهرا هنالك والمطي له أوام وقال الله عز ذكره: (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) أي مكثتم. وقال [تعالى]: (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) أي مكثوا؛ ولذلك قال رؤبة: ما لم تكن عليه الشمس فهو ظل؛ لأن المكان الذي لا تقع عليه الشمس فهو فيء وظل؛ لنه إذا عدم الشمس صار ظلا ثابتا ماكثا أيضا. فأما الفيء فلا يكون إلا من الشمس؛ وذلك أنه يفيء ويرجع بعدما ذهبت به الشمس، والفيء: الرجوع من كل شيء. وقد كنا شرحنا ذلك والأصل في الفيء للظل الذي يفيء من الشمس، أي يرجع عند زوالها، فيسمى لذلك فيئا وهو ظل، وقال امرؤ القيس: تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الظل عرمضها طامي ولذلك قيل: إن الظل ما نسخته الشمس، أي جاء بعدها. وقال الشاعر: سبوب تتبع أفياء الظلال عشية على طرق كأنهن سبائب وإنما قيل: ظل الشجرة، ولم يقل: فيء الشجرة؛ لأن كن الشجرة ثابت دائم من أجل أغصانها وورقها، التي تمنع الشمس من الانبساط تحتها. وأما ما خص "ثعلب" به الغداة من الظل والعشي من الفيء، فإنما أخذه من قول الشاعر الذي أنشده، ولم يرد الشاعر

أن الظل لا يكون إلا بالغداة، ولكنه ذكر أنه هو يعدم الظل بالغداة قبل طلوع الشمس على الأرض، أو المكان، ويعدم بالعشي ما فاء عن الشمس من الكن، فلا ينال واحداً منهما، وهذا راجع إلى ما شرحناه، وغلط هو في تأويله. وقال "الخليل": الظل ضد الصبح ونقضيه، وواد الليل يسمي ظلاً، والجميع: الظلال. قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) إنما هو/ الليل. والظل في كلام العرب: الليل. والحكماء يقولون: الليل ظل الأرض؛ يعنون: أن الأرض تستر الشمس. قال: والمكان الظليل: الدائم الظل. ويقال: قد أظلني الشيء، أي ألقى على ظله. وهذا كله دليل على ما شرحنا. وأما قوله: وتقول للأمة، إذا شتمها: يا لكاع، يا غدار، يا خباث، يا فجار بفتح أوله وكسر آخره. وتقول للرجل: يا غدر ويا لكع ويا فسق؛ فإن العامة لا تفرق بين مذكر هذا وبين مؤنثه، ولا بين الأمثلة والإعراب، فهى تخطىء فيه. وأصل اللكع واللكاع ما ذكره "الخليل" [من] أن اللكع وسخ القلفة، ومنه قيل للعي في الكلام: اللكع. ويقال: قد لكع لكعاً، وهو الكع ولكع ولكيع، وهو: اللئيم. وللعبد: اللكع، على فعل، وقد لكع يلكع لكاعة، وهو لكيع، ولكع، وإمرأة لكيعة، أي حمقاء مائقة. ويقال للحمار والجحش أيضاً: لكع، وللجاهل: لكع. وقال "الحسن" لرجل يستجهله: يا لكع. ويقال: اللكع: الصغير من كل شيء، وفي كل شيء. ويروى أن النبي- صلى الله عليه – قال للحسن أو الحسين: "يا لكع". وفي الحديث: "لا تقوم الساعة حتى يملكها لكع بن لكع". وفي حديث آخر: يأتي على الناس زمان، يكون اسعد الناس فيه، لكع بن لكع". ورجل ألكع وإمرأة لكعاء، والرجل ملعكان والمرأة ملعكانة. وقال بعضهم، لا تقل ملعكان إلا في النداء. وقال آخرون: يقال في النداء وغيره، إلا أنه معدول معرفة لا ينصرف. فهذا أصل لكع ولكاع. فأما لكع في النداء فيجري

مجرى حطم وزفر؛ فيبنى على الضم؛ لأنه معرفة. وأما لكاع فبنى على الكسر؛ لأنه على بناء نزال ودراك وما أشبههما، من أسماء الأمر والنهي، التي لا تتمكن في غير النداء؛ لأنها على وزنها، وهي مؤنث مثلها، ومعرفة كذلك، وهو في / غير النداء أيضاً مكسور كقول الحطيئة: أطوف ما أطوف ثم آتي إلى بيت قعيدته لكاع وأما قوله: إذا قيل: ادن فتغد، فقل: ما بي تغد، وفي العشاء: ما بي تعش، ولا تقل: غداء ولا عشاء؛ لأنه الطعام بعينه. وإذا قيل لك: ادن فاطعم فقل: ما بي طعم، ومن الشراب: ما بي شرب. وإذا قيل لك: ادن فكل، فقل: ما بي أكل؛ بالفتح؛ فإنما يعني أنك تأتي في هذا الموضع بمصادر الفعل الذي دعيت إليه لا غير، وهو الأصل كما قال. والعامة تقول: ما بي عشاء، وما بي غذاء، ولا تعلم أن الغداء والعشاء اسمان للطعام الذي يتغدى به ويتعشى، بل تظن أنه اسم الفعل الذي هو المصدر، وتستعمله في كلامها كذلك. وهو مما يجوز على الاتساع والاستعارة، وعلى حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. والمعنى ما بي حاجة إلى غداء، وما بي حاجة إلى عشاء، وما بي شهوة ونحو ذلك لكان جيداً، ولم يكن فيه لفظ التغدي والتعشي بعد أن يكون مصدراً في ذلك المعنى. والغداء اسم الطعام الذي يتغدى به، والعشاء اسم الطعام الذي يتعشى به. وأما الطعم والشرب والأكل فأسماء الفعل. والعامة تستعملها كما تستعملها الخاصة. وفي حديث النبي – صلى الله عليه – أنه قال:"ماء زمزم طعام طعم، وشراب شرب". وأما قوله: وتقول هذه عصا معوجة؛ فإنه يعني بتسكين العين، وتشديد الجيم؛ لأن

فعلها: اعوجت تعوج، مثل احمرت تحمر، وهي معوجة مثل قولك محمرة، كما قال الراجز: إذا اعوججن، قلت: صاحب قوم والعامة تقول: معوجة، بفتح العين وتشديد الواو. وإنما هذا إذا كانت مفعولة لا فاعلة، تقول: عوجتها أعوجها فاعوجت فهي معوجة،/ فإذا أردت أنها مفعولة لم يج، إلا قول العامة. وإذا أردت أنها فاعلة لم يجز إلا قول "أحمد" – رحمه الله – ومصدر فعلها نفسها: الاعوجاج. ومصدر فعل صاحبها: التعويج وكان يجب عليه أن يبين الوجهين. وأما قوله: تقول: رجل صنع اليد واللسان، وإمرأة صناع اليد؛ فإن الصنع من الرجال: الجيد الصنعة الحاذق. والقياس فيه أن يقال: الصانع والصنع بكسر النون، من قولك: صنع يصنع صنعاً، وللمرأة صانعة وصنعة، كما قال الفرزدق: قال ابن صانعة الزروب لقومه لا أستطيع رواسي الأعلام ولكن وصف الرجل بصنع، وهو مصدر صنع يصنع، كما قالوا: دنف وقمن، وقال الراجز: مثل أشافي الصنع الحراز وقيل للمرأة: صناع، على فعال، وإنا هي صانعة وصنعة، كما قيل لها رداح وكعاب ووساع، قال الراجز: وهي صناع باللسان واليد

وقال النمر بن تولب: كأن محطا في يدى حارثية صناع علت مني به الجلد من عل وجمع الصنع: صنعون، وتكسيره: أصناع. وجمع صناع: صناعات، وتكسيرها: صنع، مثل إمرأة حصان وحصن. وأما قوله: سير مضفور، وللمرأة ضفيرتان، وقد ضفرت رأسها؛ فإن الضفر مثل سف الخوص على ثلاث قوى، أو أكثر. وكذلك تضفر المرأة ضفيرتها. والعامة تقول: حبل مظفور، بالظاء، وظفيرتان، وهما خطأ. والجميع: الضفار، وكل جانب من شعر المرأة: ضفيرة؛ لأنها مضفورة. وأما قوله: تقول: لقيته لقية، ولقاءه، ولا تقل لقاه؛ فإنه خطأ، وكان ابن الأعرابي يجيزها؛ فإن اللقية صحيحة، على وزن / فعله، للمرة الواحدة من لقيت. واللقاءة أيضاً الواحدة من اللقاء. وليس اللقاء على القياس؛ لأن لقيته من باب فعلت بكسر العين في الماضي، ومستقبله ألقى، مفتوح العين، فمصدره المنقاس؛ على فعل، وهي لقى، مقصور، وقد مدوه وكسروا أوله فقالوا: لقاء. والعامة تقوله: لقاه، بفتح اللام وقصر الألف، وهي الواحدة من اللقى المقصور على القياس، مثل قذيت عينه قذى وقذاة واحدة، وهو قول ابن الأعرابي وقد فسرناه فيما تقدم أيضاً. وقوله: عائشة بألف؛ فإن العامة تقوله: عيشة، بغير ألف، والذي تسمي به العرب نساءها بألف على فاعله. وكذلك اسم عائشة – زوج النبي صلى الله عليه -

قال لها: "إنما سميت عائشة؛ لتعيشي، وتنعمي". وقوله العامة له مخرج في العربية، وذلك أنها تعني به العيشة الواحدة، على ما قدمنا تفسيره. وأما قوله: هو الحاير لهذا الذي تسميه العامة الحير، وجمعه: حوران؛ فإن الحاير اسم المكان الواسع الذي تسيل إليه الأمطار، كالحوض العظيم، حتى يتحير فيه الماء، كما قال لبيد: حتى تحيرت الدبار كأنها زلف وألقى قتبها المحزوم وإنما قيل حوران في الجميع بالواو؛ لأنه جمع على فعلان فانقلبت الياء واواً، لانضمام الحاء قبلها. ومن جمعه على الحيران لم يقلب الياء إلى الواو؛ لأن قبلها كسرة، وهى على فعلان، وربما ذهب ماء الحاير ويبس، وبقى اسم الحاير عليه، كما بقى على حاير الحجاج بالبصرة، وقد يبس وذهب ماؤه. وذكر "الخليل" أن الحير بغير ألف تخفيف وحذف، وأنه لغة فيه، وفي عيشة ونحوهما، و "يسر من رأى" حاير للمتوكل، يسمى الحير، لا ماء فيه. وبناحية الكوفة مكان يسمى الحير، فيه قبر الحسين / رضوان الله عليه – والأصل في جميع ذلك الحاير، قال العجاج: سقاه ريا حاير روي والماء يتحير في السحابة، والرجل يتحير في أمره، أي يضل فيه، فلا يهتدي فيه لوجهه.

وأما قوله: وتقول: الحائط، ولا تقل: الحيط، فإنه من كلام العامة، وهو مثل ما قبله كحير وعيشة، قد حذفت منه الألف. والحائط على مثال فاعل من قولهم: حاط يحوط حوطا، أي حفظ، وهو الجدار. وجمعه: الحيطان، على فعلان؛ ولذلك انقلبت الواو ياء؛ لانكسار الحاء. ويقال منه: قد أحاط بالمكان، أي حازه كله. ومنه قول الله تعالى: (ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ). ومنه قولهم: حطت الرجل والشيء حياطة. وأما قوله: ورجل عزب، وامرأة عزبة؛ فإن العامة تقول في هذا: أعزب، بألف، على أفعل، وهو خطأ، ولو كان صوابا لقيل للمرأة: عزباء، على فعلاء، وليس هذا من باب العيوب والألوان، وإنما هو الذي لا زوجة له وهومصدر قد وصف به، مثل دنف وقمن، والمرأة أيضا: عزب مثله؛ لأن المصادر إذا وصف بها استوى فيها المذكر والمؤنث، والتثنية والجمع على لفظ الواحد. والعامة تقول: امرأة عزبة، وهذا لا يجوز في المصادر، إذا غلبت على الصفة، حتى جرت مجرى الأسماء، وليس بالمختار، وأنشدنا "ثعلب والمبرد" لعمرة بنت الحمارس: هل عزب أدله على عزب على فتاة مثل تمثال الذهب على ابنة الحنارس الشيخ الأزب وأما قوله: وهو أعسر يسر؛ فإن العامة تقول: أعسر أيسر، بإثبات الألف في أيسر، على مثال أعسر للإتباع. والعرب لا تقول فيه أيسر؛ لأنه من اليسر والياسر، وهما يتبرك بهما، وليسا من العيوب. بل هو الذي يعمل بيديه /كلتيهما. والعامة تجعله من اليسار، وهو الشمال، ولو كان كذلك لكان معناه أعسر أعسر؛ لأن معنى الأيسر من اليسار معنى الأعسى بعينه.

وأما قوله: هي "ريطة" اسم امرأة، بمنزلة الريطة من الثياب؛ فإن العامة تزيد فيه الألف، تقول: رايطة، وهو خطأ؛ لأن الريطة: الثوب الأبيض المشرق. والجميع: الريط، والرياط. وأما قوله: هي "فيد" لهذه القرية؛ فإنه يعني منزلا، فوق الكوفة من طريق الحاج، يقول: لا يدخل فيه حرف التعريف، ولاتقول: فايد، وهو اسم معرفة. وأما قوله: تقول: قرط، وثلاثة قرطة، فإن العامة تقول: أقرطة في الجمع، بألف، على أفعلة، وهو خطأ، إنما أفعلة جمع فعال، وهو مثل قولهم: باب وأبوبة، ورحى وأرحية، وقفا وأقفية. ولا يكون الجمع إلا لما كان واحده على فعال، أو فعيل، أو فعول، إلا أن يجعل جمعا للجمع، فأما فعل مثل القرط فجمعه لأدنى العدد، القرطة، على فعلة. والقرط: ما يعلق من الحلي في شحمة الأذن، قال ذو الرمة: والقرط في حرة الذفرى معلقة تباعد الحبل منه فهو مضطرب وأما قوله: جحر، وثلاثة جحرة، وجرز وثلاثة جرزة؛ فإنهما مثل قرط وعلى وزنه، وجمعهما كجمعه. والعامة تقول فيه: أجحرة وأجرزة، بألف، وهو خطأ، كما بينا. والجحر معروف، كجحر الفأر، والجرز: عمود من حديد. وأما قوله: وتقول: ناقة شائلة، إذا ارتفع لبنها، وجمعها: شول، وناقة شائل، إذا شالت بذنبها، وجمعها: شول، فإن الفعل منهما واحد، وتصريفه واحد، وهو قولك: شالت تشول، أي رفعت ترفع، إلا أن فعل الشول/ للبن غير متعد، وفعل الشول لأذنابها يتعدى بحرف الجر. وقال "الخليل": تقول: شولت الأبل، إذا لزقت بطونها بظهورها، وهي الشول والشوَّل، بضم الشين وتشديد الواو. إنما هو جمع للشائل والشائلة

مثل: صائم وصوم، وقائم وقوم. وإنما الشول، بفتح الشين وسكون الواو بمنزلة صحب وركب، جمع صاحب وراكب. وكلا الجمعين جائز في الوجهين جميعا، غير أنه قد فرق بين الجمعين؛ للفرق بين المعنيين؛ فاستعمل في جمع الرافعة لذنبها فعلا، وفي المرتفعة الألبان: فعلا، وهو أخفها؛ لكثرة الاستعمال والحاجة إليه، وزال اللبس به، كما فرقوا في الواحد منهما بإثبات علامة التأنيث في التي ارتفع لبنها، وحذفها من الرافعة لذنبها، والقياس فيهما واحد، لإشراكهما في اللفظ والبناء والمعنى، وإرادة الفعل والنسب فيهما وهما جميعا، أنثيان لا ذكر فيهما. وربما تركوا استعمال القياس؛ للاستغناء عنه. وأما قوله: هي أكيلة السبع، وأكولة الراعي التي يسمنها، ويكره للمصدق أن يأخذها، فإن قوله أكيلة السبع إنما تدخلها علامة التأنيث؛ لأنها اسم، وليست بصفة بمعنى المأكولة، ولو كانت صفة لكانت على بناء فعيل، بغير هاء؛ لأنها منقولة من مفعولة إلى غير بابها، فكان يستوي فيه نعت الذكر والأنثى وقد تقدم شرح هذا. وكذا أكولة الراعي اسم، وليس بنعت، وهي التي تعد للأكل، وهي فعولة بمعنى مفعولة؛ مثل الحلوبة للتي تحلب، والركوبة للتي تركب، والقتوبة للتي تقتب. ومنه قول الله تعالى: (ومِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وفَرْشًا) وقوله [تعالى]: (فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ ومِنْهَا يَاكُلُونَ) وهي التي تقتنى ليحمل عليها. ولا توصف بشيء من ذلك، لا يقال ناقة حمولة، ولا شاة/ حلوبة ولا شيء منذلك. فإن أدرت النعت كان بغير تأنيث إن كان مما ينعت به الذكر والأنثى، مثل امرأة صبور وشكور، وقد مر تفسيره، أو كان للذكر

دون الأنثى. ولا يوصف بأكولة الراعي، لا يقال: شاة أكولة، إلا أن يجعلها فاعلة مؤنثة في اللفظ. ولا تقول: كبش أكولة، ولكن أكول؛ لأنه نعت حنيئذ. وأما قوله: ويقال لهذا الذي يوزن به: منا ومنوان وأمناء؛ فإن العامة تقول بتشديد النون، على وزن فعل، من ومنان وأمنان، وهي لغة مستعملة، واللغة الأخرى أكثر في كلامهم، وهو على وزن فعل، مثل عصاً وعصوان؛ لأن أصله من الواو؛ ولذلك تظهر في التثنية. وكان يجب أن يذكر هذا في باب ماجاء بلغتين. وأما قوله: هو قص الشاة وقصصها؛ فإن العامة تقول هذا بالسين وهو الزور، أي وسط الصدر، موضع المشاش والشحم من الشاة وغيرها وهو بالصاد. وأما قوله: صقر للطائر، وهو الصندوق؛ فإن العامة تقولهما بالسين جميعا: سقر وسندوق، وتفتح سين سندوق أيضا، وهو خطأ. فأما السين فلغة للعرب في مثل هذن الكلمات التي يجتمع فيها حروف الإطباق وحروف الصفير، والزاي أيضا لغة فيها تقول العرب: صقر وزقر وسقر. والأصل فيها الصاد. وأما السين والزاي فتخفيف وتقريب للمخرج من نظيره ومجاوره. وجمع الصقر: صقورة، وصقور. وجمع الصندوق: صناديق وهو على وزن فنعول، بضم الأول. ويقال: نونه زائدة للإلحاق بفعلول مثل عصفور. وأما قوله: ما حك الأمر في صدري، فإن العامة تقول: ما حاك، بألف وتخفيف الكاف. وإنما هذا من الحكة والاحتكاك والحكاكات، وهي التي تقع في قلب الإنسان وتؤثر فيه من غير غم أو عدواة/ أو ظلم أو إثم أو رداءة نية، ونحو ذلك، تقول: حك في صدر يحك حكا، وذلك الشيء الذي يحك فيه الحكاكة؛ ولذلك قيل: ما حك في صدري، بتشديد الكاف، أي عمل في قلبي. وأما قول العامة: ما حاك فغلط.

وإنما يقال ذلك في المشي، يقال: حاك في مشيه، يحيك، أي تبختر، وأحاك السيف في الضريبة، يحيك، إذا مضى وأثر فيها. وما أحاك فيه السيف؛ أي لم يؤثر. وأما قوله: تقول: مررت على رجل يسأل، ولا تقل يتصدق؛ فإنما المتصدق: المعطي؛ فإن العامة تسمى السائل المتصدق، وتقول: تصدق وهو يتصدق إذا سأل الصدقة، وتسمى معطى الصدقة مصدقا. وتقول: قد صدق الرجل وهو يصدق، أي يعطي الصدقة، وهذا خطأ. وإنما يقال: تصدق، لمن أعطى الصدقة، وهو المتصدق، كما قال الله [تعالى]: (إنَّ اللَّهَ يَجْزِي المُتَصَدِّقِينَ) وهو متفعل من الصدقة. والصدقة: ما يخرجه الرجل من زكاة ماله، أو يتنفل به متطوعا من غير الزكاة، أو يدفعه عن إبله وغنمه، منحق الله، ومن النخل والزرع الواجب. والمصدق على مثال المفعل: العامل الذي يجبي الصدقات من أربابها، وهو الذي يصدقها، أي يأخذ صدقاتها. والعامة تجعل المصدق الذي يدفع الصدقة إلى السؤال، وهو خطأ. وزعم "الخليل" أنه يقال للسائل والمعطي الصدقة جميعا: متصدق، على لفظ واحد، وهو قول العامة. وأما قوله: أشليت الكلب وغيره، إذا دعوته إليك، وقول الناس: أشليته على الصيد خطأ؛ فإن أردت ذلك قلت: آسدته على الصيد وأوسدته، فإن أشليت إنما هو أفعلت من الشلو. والشلو من كل شيء من الحيوان: جلده وجسده، إذا مات. وأعضاؤه: أشلاؤه. وكذلك يقال إذا هزل أو بلي من الكبر ونحوه، يقال منه: ما/بقي منه إلا شلو، وإلا أشلاء؛ ولذلك تسمى سيور اللجام أشلاء اللجام، وهو جمع الشلو، ومنه قول الفرزدق: تنازعني جسما تمزق لحمه فلم يبق إلا شلوه وأكارعه

وقال "الخليل": تقول: أشليت الكلب، واستشليته، إذا دعوته. وكل من دعوته حتى تنجيه من الضيق أو الهلاك فقد استشليته، وهذا يدل على أن العامة تخطئ إذا زادت في كلامها "عليه أو إليه" فأما إذا قالت: أشليت الكلب، ولم تذكر "عليه ولا إليه" فليس ذلك بخطأ، ولكنه قد يدعى ليطعم أو ليرسل على الصيد، فإرساله على الصيد هو إنجاؤه من الضيق أو الهلاك وهو الجوع؛ فمن قال أشليته على الصيد فإنما معناه دعوته فأرسلته على الصيد، ولكن حذف قوله: "فأرسلته" تخفيفا واختصارا. وليس حذف مثل هذا للاختصار بخطأأ. ونفس لفظ "أشليت" إنما هو أفعلت من الشلو، فهو يقتضي الدعاء إلى الشلو ضرورة. وقد قال "الشافعي": دعوت الكلب فأجاب وأرسلته فاستشلى. واستشلى استفعل من الشلو، أي طاوع المشلي، وهو يعني الانفعال، لا يتعدى في هذا، ولكن إذا قلت: استشليت فلانا، إذا دعوته إلى أن ينجو من ضيق أو هلكة، وهو متعد، أي سألته أن يستجيب لإشلائي. وأما آسدته فهو أفعلت من قولك: أسد يأسد، إذا صار جريئا، وقد آسده غيره، أي جرأه على فعله، أي صيره مثل الأسد. ومنه قول إحدى النسوة في حديث أم زرع: "زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد". وليس حقيقة آسدته دعوته إلى السيد ولا أرسلته، ولكن معناه جرأته. فأما قول "ثعلب": أوسدته بمعنى آسدته فخطأ بالواو؛ لأن الواو في أوسدته إنما هو على أفعلته من الوساد والتوسد لا غير، فأما من الأسد لا يكون إلا على لغة من قال: واخيته وواكلته في/ آكلته وآخيته، بتحويل الهمزة الثانية واوا،

وهي لغة رديئة؛ لأن هذه الهمزة إنما تجعل ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها. وإنما تتكلم بهذا العامة، كما يقولون في: أذنت وذنت. وأما قوله: تقولك استخفيت منك، أي تواريت، ولا يقال: اختفيت، فإن العامة تقول: اختفيت في موضع اختبأت، وتخطئ في ذلك؛ لأن معنى اختفيت استخرجت، وهو فعل متعد إلى ما يستخرج، وهو الشيء الخفي، أو المندفن، أي أظهرته، كما قال امرؤ القيس: وإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد ولذلك سمي النباش: مختلفيا. وأما قوله: تواريت فإنما يقال فيه: استخفيت على مثال استفعلت من الخفاء والخفية، قال الله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ ولا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وهُوَ مَعَهُمْ). وإذا سترت الشيء قلت: أخفيته إخفاء وقد خفي الشيء نفسه يخفى، إذا انستر فهو خاف؛ ولذلك قيل للجن: الخافي. ومنه قولهم: ربح الخفاء، أي زال الشك، ممدود. والخفى مقصور: الشيء الخفي، والموضع الخفي، وقال أمية: تسبحه الطير الكوامن في الخفى وإذ هي في جو السماء تصعد ومنه خوافي الريش من الطائر، وهو ما لم يظهر من الجناح وخفي تحته، وواحدته: خافية. والخافية من الأمور ضد العلانية، وجمعها: خافيات. والخفاء على فعال: رداء تلبسه المرأة، وجمعه: الأخفية، كما قال الراجز: جر العروس جانبي خفائها

وكل ما غطي به شيء من كساء أو ثوب أو غير ذلك فهو خفاء، على فعال. والخفية على فعيلة: غيضة ملتفة يتخذ الأسد فيها عريشه، وقال الشاعر:/ أسود شرى، لاقت أسود خفية تساقت على لوح دماء الأساود والشرى: ما ظهر وبرز. ويقال: بل الشرى والخفية موضعان خاصان. وأما قوله: دابة لا ترادف، إذا لم تحمل رديفا؛ فإن العامة تقوله: لا تردف، كما تقول للراكب نفسه: لا يردف، وهوخطأ عند "ثعلب". وقد أجازه "الخليل" فقال: يقول هذا البرذون لا يردف ولا يرادف، أي لا يدع رديفا يركبه. وقال: الرداف: موضع مركب الرديف، يعني الكفل، وهو من الإنسان الردف. ومؤخر كل شيء ردفه، ورديفك: الذي تردفه خلفك، أي تركبه، وكل شيء يتبع شيئا فهو ردفه. وإذا تتابع القوم بعضهم خلف بعض قلت: قد ترادفوا ترادفا. والجميع: المترادف. والذي تركبه خلفك يرتدفك ويردفك، وفعله: أردف يردف. وقال "الخليل": يقال للقوم إذا نزل بهم أمر قد ردف لهم أعظم منه. وهذا الفعل على فعل يفعل مثل سهر يسهر، وهو غير متعد؛ ولذلك عدي باللام فقيل: ردف لهم، والذي قبله فعل يفعل، مثل ضرب يضرب؛ ولذلك عدي فقيل: درفته أردفه بغير لام. وقال الله تعالى: (أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم).

وأرداف النجوم: ما يتلوها من النجوم كما قال الشاعر: وردت وأرداف النجوم كأنها قناديل فيهن المصابيح تزهر وأما قوله: لا ترادف، على يفاعل، فلأنه جعل الفعل منه ومن الدابة؛ لأنها لا تواتي الرادف عليها. وأما قوله: هذا يساوي ألفا، فإن العامة تقول فيه: يسوى، وماضيه: قد سوي، وهو خطأ؛ ويدل على ذلك أن الفاعل منه لا يجيء على فعل ولا فاعل، ولكنه على مفاعل، وهو مساو. والمصدر منه: المساواة أيضا، أي لا يعادله من هذا قولهم: ساوى الماء الخشبة، وساوى/ فلان فلانا، أي عادله وماثله. وكذلك الثوب أو البعد أو الفرس، يساوي الألف، أي يعادله ويماثله في القدر والقيمة فهما متساويان، كل واحد منهمامعادل للآخر، وهو فعل من اثنين لا يكون كل واحد منهما معادلا للآخر، كقولهم: يوازي، أي كل واحد بإزاء صاحبه ويوازن مثله، أي كل واحد بوزن الآخر، أو بعدد، وأصله من السي، وهو المثل، وهما يسان، أي مثلان. وأما قوله: فلان يتندى على أصحابه، كقولك يتسخى؛ فإنه يتعفل من الندى وهو العطاء؛ لأنه مشبه بندى المطر، ويقال: ما أندى كفه، أي ما أسخاه، وفلان أندى يدا من فلان، أي أسمح يدا، وقد ندي يندى ندى أيضا منه. وقال أيضا: قد أندى علينا فلان ندى كثيرا، وإن يده لندية، خفيفة، على فعلة، أي سخية بالمعروف. وقال "الخليل": الندى له وجوه، منها: ندى الماء وندى الخير، وندى الشر، وندى الصوت، وندى الحضر، وندى الدخنة، تقول من ندى الماء: أصابه ندى من طل،

ويوم ند، وأرض ندية، ومصدر هذا: الندوة، يعني على فعولة، ولذلك انقلبت ياؤه واوا كما قيل الفتوة، وهذا كله عندنا من بعد المذهب، مشبه بالمطر، لبعد مذهبه من السماء إلى الأرض. وكذلك المعروف، ينال القريب والبعيد، فيبعهد مذهبه، وكذلك ندى الأرض يبعد مذهبه، وهكذا الخير والشر، وكذلك الصوت قيل له ندى؛ لبعد مذهبه، وكذلك البخور. وأما النداء، ممدودا فمصدر: ناديته نداء، وقال الشاعر في الصوت: بعيد ندى التغريد أرفع صوته سحيل، وأدناه شحيج محشرج ومن الشر قول العرب: أصابته المنديات، وهي المخزيات، التي يبعد بها الصوت وتسيرم في الآفاق وواحدتها: مندية. وأما قوله: أصابه ما قدم وما حدث، فإنهما من القدم والحدثا، وفعلهما: فعل يفعل، بضم العين من الماضي والغابر. واسم فاعلهما على فعيل، لما فيها من معنى المبالغة، وهو قديم وحديث، مثل ظريف وكريم، ومصدرهما على: القدم والحدثان. ومعنى الكلام: أخذني ما تقدم وما تأخر، يعني من الغم أو الغيظ أو الخير أو الخوف ونحو ذلك. وأما قوله: تقول: كسفت الشمس، وخسف القمر، هذا أجود الكلام؛ فإن فيه لغتان، هذه أجودهما، يقال: كسفت الشمس تكسف كسوفا، فهي كاسفة، الفعل للشمس، وهو غير متعد إلى مفعول، وماضيه مفتوح، ومستقبله مكسور، ومصدره على فعول، ومعناه: أظلمت الشمس أو اسودت، وعلى هذا يوجه قول جرير:

فالشمس كاسفة، ليست بطالعة تبكي عليك نجوم الليل والقمر فتكون "نجوم الليل والقمر" منصوبين على الظرف؛ لأنه بمعنى ما طلع نجم، أو قمر، أي الليل كله، وهو تفسير "الخليل". ويروى على هذا: فالشمس طالعة ليست بكاسفة تبكي عليك نجوم الليل والقمرا والمعنى: ليست بكاسفة نجوم الليل والقمر، يعني أنه لا ضوء لها، فهي لا تذهب بطلوعها ضوء النجوم والقمر، وهذا على اللغة الأخرى، على أن "كسفت" فعل يتعدى، مثل ضربت تضرب، ومثل هذا الكسف على هذه اللغة، تقول العامة: كسفت الشمس، بضم الكاف، كأنها مفعولة لم يسم فاعلها، كأن شيئا كسفها، فانكسفت هي، أي طاوعت. وزعم قوم أنها لغة معروفة جيدة، وكلام صحيح، وذكر "الخليل" أنها خطأ. وأما قوله: خسف/ القمر، فمن قوله: خسفت عينه، إذا غارت، وقال الله تعالى: (فَإذَا بَرِقَ البَصَرُ (7) وخَسَفَ القَمَرُ) وقد يقال: خسف القمر، على ما لم يسم فاعله، كأن غيره خسفه، فانخسف هو، كما يقال: انخسفت البئر، وخسفها غيرها. وفي الحديث: "يلون الخسف والقذف" يعني أن الأرض تخسف بهم، أو يقذفون بالحجارة، أي يخسف الله الأرض بهم خسفا ويقذفهم بالحجارة قذفا.

وأما قوله: شويت الشواء حتى انشوى، ولا يقال: اشتوى، إنما المشتوي الرجل؛ فإن العامة تقول: قد اشتوى الشواء، فيجعل الفعل للحم بتاء، بمعنى: قد نضج وهو خطأ. إنما يقال منه قد انشوى على بناء انفعل، إذا نضج وشواه صاحبه إذا تولى إنضاجه يشويه شيا، وهو شاو، كما قال الأعشى: وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني شاو نشول مشل شلشل شول وأما اشتويت ففعل صاحب اللحم، إذا استعمل غيره أن يشوي له، يقال: اشتويت شواء، أي اتخذته. وأما قوله: قليت السويق واللحم وغيره، فهو مقلي، وقد يقال في البسر: مقلو، وقلوته؛ فإن "أصحابنا" يقولون: قلوت السويق والبسر ونحوهما قلوا فهو مقلو، بالواو لا غير، وهو مأخوذ من قول العرب: قلوت الحمار أقلوه قلوا، إذا حثثته على السير واستعجلته، وهو من شدة الحركة، وكذلك البسر ونحوه، إنما يحرك في المقلي ويستعجل، وقال الراجز: لا تقلواها وادلواها دلوا إن مع اليوم أخاه غدوا والدلو: السير الرفيق. ومنه أخذ: دلوت الحبل والدلو في البئر. وأما قليته أقليه/ فهو مقلي، فمن الهجران والبغض. والفاعل منهما جميعا: القالي. هذا مذهب البصريين، فأما الكوفيون فقلوته قليا من البغض ومن البسر ونحوه. وكذلك قولته من السويق، والقلي جميعا. والقلى، بكسر القاف وفتح اللام هو مصدر البغض، على غير قياس، وقال الشاعر:

هجرتك حتى قيل ما يعرف القلى وزرتك حتى قيل ليس له صبر فهذا الكلام يحتمل أن يكون "ما" فيه بمعنى الذي، وما بعده صلته له، ويكون الضمير العائد الذي مجرورا؛ لأن المعنى: الذي يعرفه القلي، ويحتمل أن يكون "ما" نفيا، ويكون المعنى أنه ليس يعرف ما في القلى، من الشدة والعذاب أي هو هين عليه، لا يهتم منه ولا يبالي به؛ فلذلك يقلي، وسمعناه على وجه آخر، وهو: وصلتك حتى قيل لا يعرف القلى وزرتك حتى قيل ليس له صبر والوصل غير الزيارة. وأما قوله: قال "الفراء": كلام العرب، إذا عرض عليك الشيء أن تقول: توفر، بالفاء، ولا تقل: توثر؛ فإن معنى "توفر" بالفاء من الوفور، أي نفر عليك مالك، ونحمدك من غير أن نرزأك. ومعنى "توثر" بالثاء، أي نؤثرك بما عرضت علينا، على أنفسنا، ونحمدك مع إيثارنا إياك. وكلاهما صحيح المعنى، ليس فيهما خطأ. وليس يلزم أحدا ألا ينطق إلا بما تكلمت به العرب، بل واجب أن يتكلم بكل صواب، وإن لم يتكلموا به. وأما قوله: إن فعلت كذا وكذا فبها ونعمت، بالتاء؛ فإن العامة تقول: نعمة، وتقف بالهاء، وينبغي أن يكون ذلك عند "ثعلب" هو الصواب، وأن تكون التاء خطأ؛ لأن/ الكوفيين يزعمون أن "نعم وبئس" اسمان، والأسماء تدخل فيها هذه الهاء بدل تاء التأنيث وأما البصريون فيقولون: هما فعلان ماضيان، وأصلهما: نعمت وبئست، والأفعال تلحقها تاء التأنيث، ولا تلحقها الهاء. واختياره التاء في نعمت وبئست رد لمذهب "أصحابه". وهو كما ذكر، وهو قول البصريين ومعنى الكلام إن فعلت هذه الفعلة

فبالسنة فعلت، أو بالوثيقة، ونعمت الفعلة هي، أو ونعمت الخصلة ونحو ذلك. إلا أنه كلام مختصر محذوف؛ للإيجاز معلوم غير ملبس. وأما قوله: أرعني سمعك، أي اسمع مني؛ فإن العامة تقول: أعرني سمعك، من العارية، وليس ذلك بخطأ في العربية، وإن كان غير ما تستعمله العرب، وله معنى صحيح. فأما قولهم: أرعني سمعك، فمأخوذ من الرعي والرعاية، أي أبحني، أي أرعى سمعك، وهو كلام مستعار أيضا حسن المعنى، والفعل منه: أرعاه يرعيه إرعاء، وهو مرعيك وأنت مرعيه. والأول معناه: اجعل سمعك إلي، واستمع مني. وأما قوله: بخصت عين الرجل، وبخسته حقه، فإن العامة تقولهما جميعا بالسين. والصاد والسين تتداخلان، إذا كانتا مع الخاء ونحوها من الحروف المستعلية والمطبقة، كالقاف والطاء. والأصل غير ذلك؛ لأن كل حرف منهما غير الآخر، ولكل واحد منهما معنى غير معنى الآخر، فقالوا: بخصت عينه، بالصاد، أي فقأتها، وهو مأخذو من بخص القدم وهو لحم باطنها، يعني أنه جعل عينه مع وجهه بخصة واحدة. يقال: بخص يبخص بخصا، وهو باخص، وهي مبخوصة. وأما بخسته حقه فمن قول الله [تعالى]: (ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) أي لا تنقصوهم حقوقهم. ومنه قيل للزرع: /بخس، إذا لم يسقه زراعه، ولكنه ينبت بالمطر، يقال: بخسته يبخسه بخسا، وهو باخس، والمفعول: مبخوس. والعامة لا تفرق بينهما. وقال "الخليل": البخص: ما ولي الأرض من تحت أصابع الرجلين، وتحت مناسم البعير والنعامة، وربما أصاب الدابة داء في بخصها، يقال: هي مبخوصة، تظلع من ذلك. قال: وبخص اليد: لحم أصول الأصابع مما يلي الراحة. والبخص في العين عند الجفن الأسفل مثل اللخص عند الجفن الأعلى.

والبخص: لحم الذراع أيضا. قال: وتقول: بخصت عين فلان أبخصها بخصا، إذا أدخلت يدك فيها. وأما قوله: بسق الرجل، وهو البصاق، وبسق النخل، أي طال؛ فإنهما مما ذكرنا أنه يتداخل فيه الصاد والسين والزاي، لتقارب مخارجها وتجانسها؛ فمن ذلك: أن البصاق فيه ثلاث لغات؛ البصاق بالصاد، والبزاق بالزاي، والبساق بالسين. والأصل الصاد. وهو ما يبصقه الإنسان من فيه ومن ريقه، يقال: بصق يبصق بصقا وبصاقا، وهو باصق، وتبصق يتبصق تبصقا، فهو متبصق. والبصق مصدر، والمرة الواحدة منه البصقة. وأما البصاق فهو اسم على فعال، كاللعاب والمخاط، وما أشبه ذلك من العيوب والأدواء. وبصاق الجراد: ما يسيل من فيه كالدبس، وقال فيه الشااعر: بصاق الدبا محموميا والجنادب وكل هذا يقال بالزاي، والزاي فيه أكثر من السين. والمبصقة: ما يبصق فيه. والعامة تقول: مبزقة. وأما السين فهو في النخل وفي كل شيء طويل من الشجر والناس، تقول: بسقت النخلة تبسق بسوقا، فهي باسقة، والجميع: بواسق وباسقات، كما قال الله عز ذكره: (والنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ) / ولا يجوز في هذا الصاد ولا الزاي. وإنما جاز في الأول؛ لأن أصله الصاد. وتقول: جبل باسق، وجبال بواسق، ومجد باسق أيضا. وأما قوله: لصقت به، وصفقت الباب، وهو صفيق الوجه؛ فإن العامة تقولها بالسين، وبعضها بالزاي، والزاي في قولهم: لزقت به أكثر من الصادر؛ لما ذكرنا من

العلة. والأصل الصاد. ويقال في تصريف فعله: يلصق لصوقا، ويلزق لزوقا لهو لاصق ولازق، والتصق الشيء والتزق، يلتصق ويلتزق التصاقا والتزاقا، وهو ملتصق وملتزق، وبيته ملاصق بيتي وملازق بيتي، وهو لصيقي ولزيقي، أي بجنبي، واللصوق واللزوق: الصمغ والغراء وكل ما ألصق به الشيء، فأكثر الكلام به بالزاي، والعامة عليه. وأما صفقت الباب فمعناه: رددته بشدة حتى صوت، فأنا أصفقه صفقا، وكذلك صفقت يدي على الأخرى، وأكثر ما يقال بالتشديد: صفقت بيدي أصفق تصفيقا، كما تفعل المرأة في العرسات والولاءم وعند الطرب وغيره. ومنه قول النبي- صلى الله عليه-: "التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء" يعني في الصلاة. وقد صفق البائع على يد المشتري يصفق صفقا، أي يضرب عند وجوب البيع. ومنه قيل: صفقة البيع، وصفقة البيعة. والطائر يصفق بجناحية تصفيقا، إذا طار، وإذا طرب وغرد، والديك إذا صاح يفعل ذلك. ويقال: أصفق الأمير على القوم، أي أتى عليهم بالحبس أو الضرب أو القتل، يصفق إصفاقا. وقد أصفق القوم على أمر، إذا أجمعوا عليه. والعامة تقول هذا بالسين. وكذلك إنه لصفيق الوجه، ومعناه: قليل الحياء، وهو ضد الرقيق. وقد صفق وجهه يصفق صفاقة، وصفقه صاحبه تصفيقا كأنه أضاف إليه وجها آخر، أو جلدا/ آخر. وكذلك ثوب صفيق، وقد صفق صفاقة. وصفقه ناسجه يصفقه تصفيقا، وهو ضد الرقيق السخيف النسج والعامة تقوله بالسين. وأما قوله: والبرد قارس، واللبن قارص، فإن البرد أصله السين، واللبن أصله الصاد، فإن كانت العامة تقولهما جميعا بالسين، تقول: قرس البرد يقرس قرسا، بفتح الراء، وهو قارس، إذا اشتد. ومنه قيل: قرس الماء ومنه القريس من الطبيخ، الذي يجمد من البرد.

والعامة تقول: قريص بالصاد. وأما اللبن القارص فبالصاد، وهو الحامض الذي يقرص اللسان وقد قرص يقرص قرصا. ومنه قيل للنبيذ الحديث، إذا حذى اللسان: قارص، وذلك قبل أن يشتد ويسكر. وهو مأخوذ من قرص الأسنان بالأصابع والظفر، تقول: قرصته بيدي أقرصه قرصا. ويستعار فيقال: قرصته بلساني قرصا، أي تناولته بغيبة أو شتيمة أو وقيعة. ومنه قيل: قرصت العجين، أي قطعته قرصة قرصة، وهي التي يبسط منها الرغيف. وقد قرص العطار العطر، أي قطعه قطعة مثل الند، والبرمكية، والسك، وما أشبهها. والقرض: الرغيف، وهو أيض من الأدوية، ما يشبه الرغيف في بسطه، وتدويره، وإن كان صغيرا. ويجمعان على: الأفراص، والقرصة، وضرب من النبات، يقال له: القراص، والقريص. فهذا آخر تفسير هذا الباب. * * *

تصحيح الباب الثاني والثلاثين وهو المترجم بباب من الفرق

تصحيح الباب الثاني والثلاثين وهو المترجم بباب من الفرق هذا باب قد صنف فيه متقدمو أهل اللغة والنحو كتبا كثيرة، وتبع "أحمد بن يحيى" آثارهم/ في إفراده له بابا. وقد كان يجوز أن يضيف كل كلمة إلى نظيرتها في بابها من الكتاب، فلم يفعل. وفي هذا الباب تلبيس من أهل اللغة وإيهام لما لا حقيقة له، وحظر لما أباحه قياس اللغة. فمن ذلك قوله: هي الشفة من الإنسان، ومن ذوات الخف: المشفر، ومن ذوات الحافر: الجحفلة، ومن ذوات الظلف: المقمة والمرمة، ومن السباع: الخطم والخرطوم، ومن الخنزير: الفنطيسة، ومن ذي الجناح غير الصائد: المنقار، ومن الصائد: المنسر. فهذه عشرة أسماء مختلفة الحروف والحركات والأمثلة لعشرة أعضاء مختلفة الصور والمنافع وأكثر المعاني، وقد أوهمونا أنه عضو واحد؛ جعلت له عشرة أسماء مختلفة للفرق، بين ذوات هذه الأعضاء من الحيوان، ولبسوا عليه بذلك، وليس الأمر على ما قالوا؛ لأن الشفة لا تكون لغير الإنسان؛ لأنها عضو رطب رقيق، ينقبض ويتبسم ويومأ به ويشار إلى المعاني، ويقبل به ويلثم به ويمص وينفخ ويصفر وينطق بحروف من حروف المعجم، متحركة وساكنة، ومشددة ومخففة، ويحسو ويتمطق ويبصق وليس لسائر الحيوانات التي ذكروها مثل هذا العضو، ولا فيما سموا لها من الأعضاء شيء من هذه المعاني والأفعال، التي وصفناها، فمن الواجب ألا يكون اسمها كأسماء تلك التي شبهوها بها، وأن يسمى كل عضو منها بالاسم الموافق لمعناها وفعلها، وهو القياس، وما يوافق العقل؛ ولذلك قيل للإنسان: ذو شفة؛ لأنه يشافه بها مخاطبيه بما أراد من الخطاب، الذي هو خاص في

الإنسان، وقد فضله الله به على غيره من الحيوان. وقد قدمنا في أول الكتاب من تفسير الشفة واشتقاقها ما يغني عن إعادته ههنا. ثم قد أباحت اللغة استعارة هذا/ الاسم لسائر الحيوان، والموات من الأواني، لأبوابها حروف، وللصور المصورة والأمثلة الممثلة في الثياب والحيطان، والأصنام والأوثان واللعب، التي لا تعقل شيئا، فتقول لحرف الكوز والجرة والحب والقدر والقدح والجراب والزق ونحو ذلك، شفته، فكيف باستعارة ذلك للبهيمة التي هي من جنس الإنسان في الحيوانية، وليس ذلك بمنكر في اللغة وإن كان الأصل في الإنسان؛ لن أكثر اللغة على التشبيه والاستعارة والاختصار والمجاز، ولو حظر ذلك فيها لضاق الكلام علينا، وعسر البيان عما في نفوسنا. وقد زعم أهل اللغة أن "الشفة" لا تكون إلا للإنسان، ولو عنوا أن هذا العضو لا يكون إلا له لصدقوا، ولكنهم ذهبوا إلى أنه لا يسمى بالشفة أول الفم، من غيره. وذلك خطأ، لأنهم يحظرون بذلك الاستعارة والتشبيه والاشتقاق ومعاني كثيرة مباحة في اللغة، لو شئنا أن نأتي من الشعر والكلام الذي قد سمي فيه بالشفة، غير عضو الإنسان، لأتينا منه بالكثير؛ لأنه ذائع فاش مشهور. وسمي المشفر من ذوات الخف مشفرا، وهي الإبل خاصة، وليس فيه من معاني الشفة وأفعالها، التي عددناها شيء، وإن كان يشاركهما في أنهما عضوان من أعضاء الحيوان، وأنهما مقدما الأفواه، وحجابا للأسنان مع اختلاف صورهما وتباين خلقيهما، في الغلظ

والرقة والصلابة واللين وغير ذلك؛ فلذلك سمي باسم آخر الشفة، لا للفرق بين البعير والإنسان كما توهموا. والمشفر مفعل من الشفر، أو من الشفير، على مثال ما في أول الميم الزائدة من الأدوات المستعملة والأصل من شفر العين، وشفر الفرج، وشفير الوادي والبئر، وخصت الإبل بذلك مع جواز استعارته للإنسان الغليظ الشفة، أو المشقوقها،/ كقولهم: إنه لعظيم المشافر، وإنه لمشفراني، وقيل للأذن الكبيرة: الشفارية، وقيل لضرب من اليرابيع: الشفاري. ويقال: ما بالدار شفاري، أي ما بها أحد وقال الفرزدق: فلو كنت ظبيا عرفت قرابتي ولكن زنجيا عظيما المشافر فجعل للإنسان مشفرا، لما غلظت شفته، وجمعه أيضا للمبالغة. وقد فرق بين الإبل وذوات الحافر مع اشتراكهما في البهيمية، وفي أكثر الخلقة فقيل لذوات الحافر: الجحفلة؛ لعدمها النعو والعلم اللذين يكونان في مشفري البعير، ولسبوغ خلق الجحفلة واستوائها وغلظها، لا للفرق بين الخف والحافر، كما لم يقل: مشفر البعير من أجل خفة. واشتقت الجحفلة من الجيش الكثير، فإنه يسمى جحفلا. وقد تستعار الجحفلة للإنسان وغيره على التشبيه. ويوضح ذلك تسميتهم الجيش بالجحفل. وخولف بين ذوات

الأظلاف، وهي البقر والغنم وأما أشبههما، وبين ذوات الخف والحافر أيضا؛ لاختلاف صور ذلك منها، وتباين الخلق والأفعال، فقيل له: مقمة، على مثال مفعلة من القمام؛ لأنها تقتم وتقمم، لا لأنها ذات ظلف، ومن هذا قيل قمة الرأس، وكذلك المرمة مفعلة من الرمة، لأنها ترم، أي تجمع وتلف ما قد رم من حشيش ونحوه بفيها، والرميم منه، وهو البالي من كل شيء فتأكله. ولو فعل إنسان مثل فعل البقرة والشاة بالقمام والرمة لقيل: قد ارتم واقتم وتقمم، كما يقال للبهيمة. ولو أشبه فم إنسان مرمة الشاة ومقمته لجاز أن تسمى مقمة ومرمة، وهو لا يقم ولا يرم، وإنما هو مشبه بما يرتم ويقتم. وزعم أن الخطم والخرطوم من السباع، وليس كما قال؛ لأن الخطم يقال لكل شيء من الحيوان،/ ولذلك قيل لخطام البعير خطام؛ لأنه يجعل في خطمه، وهو المخطم أيضا، بذلك أخبرنا "علي بن عبد العزيز" عن "أبي عبيد" أنه قال في أول كتاب "الغريب المصنف": الأنوف يقال لها: المخاطم، واحدها: مخطم. وفي حديث النبي- صلى الله عليه- أن الدابة تخرج في آخر الزمان، فتسم المؤمن، وتخطم الكافر". وفي صفة الحشر يوم القيامة في العرق: "إنه يلجمهم ثم يخطمهم" أي يبلغ إلى خطم الناس. وذكر "الخليل" أن الخطم من البازي، ومنكل طائر: منقاره، ومن كل دابة: مقدم أنفه، وفيه، نحو الكلب والبعير وقال: يقال: إبل مخطمة، أي موسومة على أنوفها. والسمة على الأنف تسمى: الخطام. وإذا طعن الرجل في أنفه، أو ضرب بالسيف قيل: قد خطم، أي أصيب خطمه، أو قطع خطمه؛ ولذلك سميت خطم الإبل خطما، وواحدها: خطام؛ لأنها

تجعل في أنوفها، فأي فرق ههنا. والخرطوم أيضا اسم يقع على أنف الإنسان وشفته فيقال للغضبان: قد دلى خرطومه، وعلق خرطومه، وقد تخرطم. وقال "الخليل" يقال: خرطمت، إذا ضربت خرطومه فعوجته. وقال: المخرنطم: الغضبان، ويقال لأول كل شيء خرطوم، حتى الخمر أول ما ينزل منها خرطوم. وكل متقدم في كل شيء خرطوم. ومنه قيل للسادات: الخراطيم، وليس الأمر على ما وصف "ثعلب". وأما الفنطيسة من الخنزير فليست بمقدم فمه، ولا هي كالشفة من الإنسان ولكنها فنعيلة من الفطس، وهي الفطسة أيضا. وذلك قصر الأنف وانخفاض قصبته. والفطسة تكون في البقر والغنم، وفي الزنج والترك، وكثير من غيرهم؛ ولذلك تسمى البقرة الخنساء؛ لأن الخنس قصر النف. ويقال للرجل وكل ذكر بأنفه فطس، والأنثى: فطساء، والجميع: فطس، والزنج فطس والترك/ فطس. ومن هذا سميت مطرقة الحداد الغليظة: الفنطيس. ويقال لحب الآس: الفطس، والواحدة فطسة؛ لقصرها، والانخفاض الذي بين طرفيها ووسطها. ويقال للرجل إذا مات من غير داء ظاهر: قد فطس فطوسا. فإنما الفنطيسة والفطسة من الخنزير أنفه، لا ما وصف "ثعلب" وهي اسم مشترك يسمى به كل ما كان مثل أنف الخنزيرة. وأما المنقار من الطائر غير الصائد فمباين لسائر ما تقدم من هذه الأعضاء في الخلقة والمعنى والعمل به؛ لأنه عظم يابس، وليس وراءه شيء من الأسنان، بل هو نفسه كالسن، ولم يسم منقارا من أجل أنه للطائر، ولكنه سمي بذلك من النقر؛ لأنه ينقر به الحب، الذي يأكله يقال: نقر ينقر نقرا، فهو ناقر، والحب منقور؛ ولأنه ينقر به الطائر أيضا، ويقاتل

به وينقر صائده. وإنما المنقار مفعال من النقر؛ لأنه كالأداة التي تنقل وتستعمل، مثل المفتاح من الفتح، والمغلاق من الغلق، والمقراض من القرض ويسمى أيضا منقادا، بالدال، لأنه ينقد به الحب وغيره، وإن كان النقد خلاف النقر، وهما جميعا يستعملان في كل شيء ناقر وناقد، من الناس وغيرهم فيقال لحديدة النجار، التي ينقر بها الخشب منقار، وللمعول الذي يستعمله الحفار منقار، ولفأس الرحى ونحوها من الحجارة: المنقار، وللحديدة التي ينقش بها السراج اللجم، والركب، منقار، ويسمى الرجل المفتش للعلم: منقارا. ولو طالت شفة الرجل العيا ودقت، لجاز أن يقال لها منقار. وقد قال "علي" – رضوان الله عليه- لشريح: "أيها العبد الأبظر". ولا يكون للرجل بظر. ويقال منه: نقرت بالخيل، إذا زجرته بلسانك، ونقرت بالطائر، إذا فعلت ذلك. وقال الشاعر: أنا ابن ماوية إذ جد النقر /فحول الرفع من الراء إلى القاف؛ لئلا يقف على المتحرك، وإنما يريد "النقر" ومنه قول الله تعالى: (فَإذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) يريد نفخ في الصور، والتنقير عن الأمور: التفتيش. والنقرة: مكان يحتبس فيه ماء المطر. والنقرة في القفا أيضا. والنقير: النقرة الصغيرة في ظهر النواة. والنقير أيض: جذع منقور ينتبذ فيه. والنقري: دعوة القوم متفرقين فمنه قول طرفة:

نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر ويقال: نقرت الدرهم بإصبعي، ونقرت أنفه. والمغني ينقر الدف بإصبعه. والرجلان يتناقران، أي يتخاصمان. والقوم يتناقرون أيضا، أخذ ذلك من نقار الطائرين بمناقيرهما في قتالهما، وهكذا يتصرف النقد في وجوه كثيرة منها النقد في البيع، وذلك لا يكون بنسيئة. والناقد: الصيرفي الذي ينقد الدراهم بإصبعه وينتقدها. ومنه قولهم للحية، إذا لسعت، والعقرب والزنبور، وقد نقدته الحية، وكل هذا دليل لما قلنا. وأما المنسر في الصائد من الطير كالصقر والبازي، وما أشبههما، فمخالف أيضا للمنقار في جميع معانيه، وفي صورته وفعله؛ لأنه أصلب من المنقار، وهو أعقف معوج منكس الطرف حاد كالفأس ولا ينقر الحب ولا يلتقطه. وإنما سمي منسرا؛ لأنه ينسر به اللحم نسرا، أي ينتفه نتفا، وينثره نثرا، ويقلعه؛ ولهذا سمي النسر من النسور نسرا؛ لقوته وشدة نسره، وبه سمي اللحم الصلب الذي يكون في باطن الحفر نسرا؛ لصلابته ويبسه، ويسمى كوكبان بالنسرين: أحدهما يقال له الطائر تشبيها بالطائر، والآخر الواقع تشبيها بالواقع، فهذا كله مما يدل على أن هذه الأسماء/ لم تقع على مسمياتها؛ ليفرق بها بين بعضها وبعض، ولكن سميت بها مسميات مختلفة الخلق والصور والمعاني والأفعال، كاختلاف أسمائها المستقة لها من أفعالها، وليست هذه الأسماء لشيء واحد من الأعضاء كما يتوهم "أهل اللغة". بل على ما يوجبه العقل والقياس في التسميات ويصح به المعنى والاشتقاق. وهذا دليل على سائر ما ذكروا من الفروق في كتب "الفرق" في سائر أعضاء الحيوان وغيرها. وأما قوله بعد ذلك: وهو الظفر من الإنسان، ومن ذي الخف المنسم، ومن ذي الحافر: الحافر، ومن ذي الظلف: الظلف، ومن السباع والصائد من الطير: المخلب،

ومن الطائر غير الصائد والكلاب ونحوها: البرثن، ويجوز في السباع كلها، فإن "الخليل" ذكر أن "الظفر" ظفر الإصبع، وظفر الطائر. وزعم "أحمد بن يحيى" أن "الظفر" للإنسان خاصة، وقد جعله امرؤ القيس للكلب في قوله: فأنشب أظفاره في النسا فقلت هبلت ألا تنتصر وقد يسمى منسم البعير أيضا ظفرا. ويقال للظفر: الأظفور أيضا في غير الإنسان فلذلك جمع على: الأظافر. وقد يجوز أن تكون الأظافير جمع الأظفار، والأظفار جمع الظفر، ويقال لضرب من العطر: الأظافر، وهو نبات يشبه ثمره أظافير الناس، ولا يفرد لها واحد. وقال بعضهم: يقال لواحدتها: إظفارة وإظفار أيضا. والظفرة: داء يغشي حدقة الإنسان، شبيهة بالظفر، تنبت من ناحية موق العين، وتزداد حتى تغطي الناظر، وتعالج بالقطع. ويقال منه: ظفرت العين وهي منظفورة. والظفر: الفوز والغلبة في القتال والخصام، وغير ذلك، يقال: ظفر فلان يظفر، وظفرت يده تظفر، وأظفره الله، وإنه لمظفر، إذا كثر ظفره. وضرب من الوشى يسمى: المظفر؛ لأنه معمول/ على صورة الظفر. وإنما سمي ظفر الإصبع. وظفر الطائر والكلب؛ لظفره بما يحاول؛ ولذلك قيل: ظفرت يداه والظفر من اليد. وأما قوله: ومن ذي الخف المنسم، فإنه وإن لم يستعمل إلا في الإبل لهو مأخذو مما هو مستعمل في غير الإبل. وقد ذكر "الخليل" أن المنسم من الفيل أيض، وأنشد في ذلك: من كل جانب لهن منسم

وحكى بعضهم: المنسم في النعامة أيضا، وهو مأخوذ من النسم والنسيم. أما النسم فالأرواح، وواحدتها: نسمة، وهي النفوس. ويقال في الدعاء: يا بارئ النسم. وفي الحديث "في العتق نسمة مؤمنة". ويقال لنفس الإنسان: نسمة. وهو يتنسم النسيم، أي يتنشق الأرواح تنسما. وقال: تنسمت الريح نفسها إذا تضوعت. ومنه قول الشاعر: فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت على كبد محزون تجلت غمومها والمنسم إنما اشتق له من هذه الأشياء، لسرعة سيره وتفرقه في البلاد. وليس المنسم من البعير بمنزلة الظفر من الإنسان في شيء من المعاني، بل هو بمنزلة الأصابع، وخفه بمنزلة القدم. وإنما الحافر من ذي الحافر كالفرس والبغل والحمار، فسمي بذلك؛ لأنه يحفر الأرض بحده وصلابته، وكل ما حفر الأرض من حديد أو خشب أو حجارة أو عظم أو يد أو رجل، فهو حافر، وإذا كثر منه الحفر لهو حفار؛ ولذلك سمي حفار الآبار والقبور وغير ذلك حفارا، ويسمى ما يحفر به: محفارا، وتسمى كل جوبة أو وقبة حفرة وحفيرة. وإن لم يحفرها أحد؛ لأنها تشبه ما قد حفر. ومن هذا قولهم: "النقد عن الحافر" أي أذا اشتريت السلعة لم تبرح حتى تنقد ثمنها، والخيل والبغال والحمير تسمى أنفسها: الحافر، فيقال:/ الحافر خير من ذوات الأظلاف. والحفر والحفر: ما يلصق بالأسنان من ظاهر وباطن، ويؤثر فيها، يقال: حفرت أسنانه تحفر حفرا، وحفرت تحفر حفرا؛ فإنما سمي الحافر حافرا؛ لأنه يحفر، فهو اسم له، ولكل ما حفر، وليس الحافر أيضا من الظفر، ولكن ما طال منه، ويأخذه عنه البيطار مثل الظفر والظلف أيضا سمي من ذوات

الظلف لشدته وصلابته، وهو في الشدة والصلابة مثل الحافر، إلا أنه لا يطول ولا يصير له حد، ولا يحفر كما يفعل ذلك الحافر، وهو أيضا مخالف للحافر في الصورة؛ لأنه قد افترق فرقين، والحافر مجتمع، ولكنه شبه بما صلب من الأرض، وهي الظلفة على فعلة، والأظلوفة على أفعولة، وهي: الأرض الصلبة التي فيها حجارة حداد خشنة. والجميع: الأظاليف. ويقال: مكان ظلف، أي خشن فيه رمل كثير؛ ولذلك سمي طرف حنو القتب، وحنو الإكاف، وأشباه ذلك: الظلفة؛ لأنه يقع على جانبي الحمار والبعير، فيؤثر فيه بشدته وصلابته، حتى يذهب منه الشعر والوبر، ويبيض كما قال فيه الشاعر: كأن مواقع الظلفات منه مواقع مضرحيات بقار ويقال: قد ظلفت نفسي عنه. فهي تظلف ظلفا، أي أنفت وكرهته. ولو اجتمع أصابع قدمي الإنسان فصارت فرقتين، أو كانت قدمه كذلك من خلقة، أو داء لجاز أن يسمى بذلك ظلفا؛ لأن ظلف الشاة والبقرة لم يسم بالظلف، من أجل أنه في بقرة أو شاة، ولكن لما وصفنا من الشدة والصلابة، وإذا اشتد رجل الإنسان جاز أن تسمى بذلك وبالحافر أيضا. وأما المخالب من السباع. والصائد من الطير على ما ذكره "أحمد بن يحيى" فلم تسم به للفرق بين السبع/ وغير السبع، ولا بين الصائد وغيره من الطير. وإنما سمي به لمعناه وفعله، وأخذ من لفظ يستعمل في كل شيء. قال "الخليل": الخلب: مزق الجلد بالناب وهذا لغير المخلب أيضا، وهو الدليل على أنه المخلب إنما سمي مخلبا؛ لأنه يخلب به الجلد واللحم. قال: والسبع يخلب الفريسة

إذا شق جلده بناب أو مخلب، ولكل طائر من الجوارح مخلب، ولكل سبع [مخلب] وهو أظافير. قال: والمخلب: المنجل. وقال النابغة: قد أفناهم الدهر قبل الوفاة كهد الإشاءة بالمخلب وقال بعضهم: هو المنجل الذي لا أسنان له، يقطع به سعف النخل وما أشبهه. وقال "الخليل": ورق الكرم والعرمض ونحوه، والخلب: حبل دقيق شديد الفتل من ليف أو قنب أو شيء صلب. وقال الراجز: كالمسد اللدن أمر خلبه ويقال لغشاء القلب: الخلب، بالكسر، قال الشاعر: بين خلب وكبد قال: والمخالبة: المخادعة في كل شيء، وهي الخلابة أيضا، ورجل خلاب، وامرأة خلاب وخلوب، أي خدوع. وفي حديث أن النبي – صلى الله عليه- قال لرجل كان يخدع في تجارته: "قل لا خلابة إذا بعت". ومنه: برق خلب، وهو الذي يومض ولا يمطر. والخباء: المرأة الحمقاء، وهي الخلبن أيضا بزيادة النون. وقال رؤبة: وخلطت كل دلاث علجن تخليط خرقاء اليدين خلبن

والمخلب من الثياب: الكثير الوشي، كما قال لبيد: كوشي العبقري المخلب فكل هذا بعضه مشتق من بعض؛ لأن في كل واحد منه لفظ سائره ومعناه وإنما اشتق مخلب السبع والطائر من الخلب./ ولو طالت أظافير الإنسان حتى تخلب وتخدش، لجاز أن يقال لها: مخالب أيضا. وأما البرثن الذي ذكر أنه من السباع كلها، فإن السباع تدخل فيها: الذئاب والضباع، والكلاب والسنانير، والفأر واليرابيع، وهذه كلها ذوات مخالب وبراثن. وليس "البرثن" من المخلب في شيء، ولكن البرثن مثل نصاب السكين والموسى للمخلب، يدخل فيه المخلب عامته، فإذا أراد السبع الوثبة على فريسة أو الصيد ونحو ذلك تمطى فأخرج مخالبه من براثنها، وكذلك السنور إذا أراد الصيد أو القتال. وقال الشاعر: فقلت يا قوم إن الليث منقبض على براثنه لوثبة الضاري فأما قول الآخر: كأن براثنه الأشافي فإنه جعل البرثن كأنه المخلب؛ لأنه أصله، وهما شيئان مختلفان. ويجوز أن يكون البرثن ثلاثيا، قد ألحق بالرباعي، بزيادة النون، كما ألحق زرقم، وستهم بزيادة الميم. وكما قيل: ناقة علجن من العنج، وامرأة خلبن من الخلب فيكون أصله من البرث، وهو الأرض السهلة اللينة الحسنة، وهو أيضا جبل من رمل، وفي تربه صلابة، وجمعه:

البروث، والبراث، لأن البرثن لين، وهو جلد كالغلاف للمخلب، فلو كان لإنسان مثله خلقة، أو من داء وكأن ظفره يدخل فيها لجاز أن يسمى ذلك برثنا. وأما قوله بعد ذلك: هو الثدي من الإنسان، ومن ذوات الخف: الخلف، ومن ذوات الحافر والسباع: الأطباء، واحدها: طبي، ويقال: طبي، ومن ذوات الظلف: الضرع، فإن العامة تقول: ثدي، بكسر الثاء، وتضيفه إلى جميع الحيوان، وهو من المرأة خاصة. فأما الرجل فلا ثدي له، ولكن له ثنودة بدل الثدي، / هكذا قال "الخليل"، وهو مفتوح الأول، ساكن الأوسط، وجمعه: الثدي، على فعول، ولكن انقلب واو فعول فيه ياء من أجل سكونها، والياء التي بعدها، وصارت مدغمة فيها، وانكسر الدال للياء التي بعدها وأدنى العدد فيه: أثد، على أفعل، كما يقال في دلو: أدل؛ لأن الدال تنكسر للياء التي بعدها. ويقال: امرأة ثدياء، أي عظيمة الثديين. والعامة تكسر أول ثدي، وهو خطأ، وتجمعه على: الأثداء. وقال الأعشى: رضيعي لبان ثدي أم تقاسما بأسحم داج عوض لا نتفرق ولو أشبهت ثندوة الرجل ثدي المرأة جاز أن تسمى ثديا، وكذلك لو كان ضرع شاة أو خلف ناقة على خلقة الثدي وصورتها لجاز ذلك فيهما. والدليل على ذلك تسمية العرب جميعا: ذا الثدية من أجل أن يده كانت منقبضة مجتمعة لا عظم لها، كثدي المرأة، وفي الحديث عن النبي- صلى الله عليه- حين وصف الخوارج، فقال: "فيهم رجل مثدن اليد" فشبهها بالثندوة، هكذا رواه الرواة. وقياسه: مثند اليد، فكأنه مقلوب. وإنما قالوا الثدية، بالتأنيث والثدي مذكر، من أجل أنها يد، وإن كانت تشبه الثدي.

وأما الخلف من ذوات الخف فنظير الثدي من المرأة؛ لأنهما اللذان يحلب منهما ويرتضع. وفيه اختلاف. ذكر "الخليل" أنه المؤخر من الأطباء، وأن القادم هو المقدم. وعند بعضهم: الخلف هو الشرع نفسه، وقادماه المتقدمان والمتأخران. والجميع: الأخلاف. والدليل على أن الخلفين هما المتأخران من الضرع قول الراجز: كأن خلفيها إذا ما درا جروا خراش خورشا فهرا ونفس الخلف يدل بحروفه على أنه المتأخر؛ لأنه مشتق من الخلف والمتخلف، وهو المتأخر. والعامة تسمى الخلف:/ الضرع، ولا تعرف غير ذلك، ولكنهم يكسرون الضاد وهو خطأ. وقد تسمى المرأة العظيمة الثديين: الضرعاء. ويقال: هي عظيمة الضرعين؛ فقد ظهر أن الخلف إنما سمي خلقا لتخلفه، لا لأنه لذوات الخف. وإنما الطبي من السباع والكلاب وكل ما ليس له ضرع فهو بمنزلة الحلمة من ثدي المرأة. يقال: أطباء الكلبة، وأطباء اللبؤة، وأطباء الرمكة والأتان أيضا، وهي جماعة الطبي، بضم الطاء، وبعضهم يكسر الطاء، وهو مأخوذ من قولهم: طباه يطبيه عن رأيه، إذا صرفه عنه، ودعاه إلى غيره ويقال: أطباه يطبيه، وذلك أن الذكر كلما قرع طبيا طباه طبي آخر عنه إلى نفسه. وأما الضرع فهو مفتوح الأول. والعامة تكسره. وفيه اختلاف. ذكر "الخليل"

أنه للشاة والبقرة ونحوهما من ذوات الأظلاف، وأن منهم من يجعل للدواب كلها الضرع؛ ولذلك قيل: ما له زرع ولا ضرع. وتفسيره: ما له ذوات ضرع تحلب، يعني الإبل والبقر والغنم. ومن كلامهم أيضا: مطرنا الزرع والضرع، وهو مثل الأول، حكى ذلك "سيبويه" ومعناه: أنه كثر من المطر زرعهم ولبنهم. وقال "الخليل" يقال: أضرعت الناقة فهي مضرع عند اللبن، لقرب النتاج. وهذا حجة لمن جعل الضرع في اللبن. قال: وشاة ضريع أي حسنة الضرع؛ ولذلك قيل للمرأة العظيمة الثدي ضرعاء. وإما الضارع فإنما اشتق من ضارع لأنه الخاضع الذليل المنقاد لما التمس منه، كما أن الضرع معرض لحالبه، والشارب منه. ومنه التضرع في المسألة والطلب والدعاء وغيره. والمضارعة مفاعلة منه، وهي المخالطة والمشاركة والمشابهة ونحو ذلك، يقال: هذا الشراب حلو، يضارع الحموضة، أي يخالطها، وكذلك الضريع الذي ذكره الله تعالى في القرآن إنما هو طعام رذل خسيس وضيع، لا منفعة فيه لآكله كما وصف الله/ تعالى: (لا يُسْمِنُ ولا يُغْنِي مِن جُوعٍ) وإن كان يضارع الطعام، فقد تبين أن الضرع لم يسم ضرعا من أجل أنه لظلف ولا لخف ولا لفرق بين شيئين، ولكن لما فيه من التأتي للحلب، والتمسح به، كما قلنا. وأما قوله بعد ذلك: وإذا أرادت الناقة الفحل قيل ضبعت ضبعة شديدة وهي ضبعة، وتقول لذوات الحافر: استودقت وأودقت، وأتان وديق وودوق وبها وداق، وقد استحرمت الماعزة، وهي ماعزة حرمى، وبها حرام، وقد حنت النعجة، وهي حان، وبها حناء، وصرفت الكلبة، وهي صارف وأجعلت أيضا، وهي مجعل، وكذلك السباع كلها، ويقال للظبية إذا أرادت الذكر، كما يقال للماعزة، ويقال للبقرة من الوحش، كما يقال للضائنة. والظبية عند العرب: ماعزة، والبقرة عندهم نعجة. فإنما قيل للناقة: ضبعت ضبعة شديدة من قولك: ضبعت في سيرها تضبع، أي سارت سيرا شديدا، وذلك بمد ضبعيها والضبع

وسط العضد. ومنه قولهم: أخذت بضبعى فلان، وشددت بضبعه، إذا قبضت على وسط عضديه. والمضبعة: اللحمة التي تحت الإبط من قدم. وفي الحديث: "مد رسول الله- صلى الله عليه- ضبعيه إلى السماء" أي في الدعاء، وذلك أنها إذا أرادت الفحل تمطت وتمددت بضبعيها وجميع بدنها، فيقال: ضبعت ضبعة شديدة، بسكون الباء وبفتحها على نية المرة الواحدة، وعلى اسم الداء، وإن بها لضبعة وضباعا، على وزن لعال كأوزان العيوب من الحران والجماح والحلاء، وكذلك الهياج والوداق ونحو ذلك. والعامة تقول: ضبعة مخففة. وأما قوله: استودقت لذوات الحافر، وأودقت، فهما استفعلت وأفعلت من الوداق، وهو الهياج. والعامة تقول: ودقت الأتان وغيره توديقا على فعلت بالتشديد/ تفعيلا. وقوله: هي وديق وودوق من أبنية المبالغة، على فعيل وفعلول، والوداق على فعال مثل سائر أسماء العيوب وهو مأخوذ من الودق، وهو المطر، قال الله تعالى في السحاب: (فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) وذلك أن الأتان إذا استوقدت مجت الماء من فرجها. ويقال: سحابة ذات ودقين، وحرب ذات ودقين. ويروى لعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه: تلكم قريش تمناني لتقتلني فلا وربك ما بروا ولا ظفروا فإن بقيت فرهن ذمتي لكم بذات ودقين لا يعفو لها أثر ولا يكاد يستعمل الفعل من الدوق، وقياسه إن استعمل أن يقال: ودق يدق ودقا، ودقة، مثل وزن يزن وزنا وزنة، وهو وداق، ومنه الوديقة، وهي شدة الحر في نصف النهار، مثل الهجيرة. وجمعها: الودائق.

قال الشاعر: تكلف إدلاج السرى والودائق والمودق: معول الشر؛ فهذا معنى أتان وديق. ومنه قيل: استودقت. وأما قوله: استحرمت الماعزة، وهي ماعزة حرمى، وبها حرام، فإن "الخليل" قال: الحرمى من الشاء والبقر هي المستحرمة، يقال: استحرمت حرمة، أي أرادت السفاد، وهن حرامى ومستحرمات، فجعل ذلك في الشاء والبقر، ولم يخص الماعزة. وقال أيضا: تقول: حرم الرجل، إذا لج في الشيء ومحك. فكأن هذا مأخوذ منه؛ لأنه كاللجاج والمحك. وقال: يقال: قد حرم الشيء، إذا وجب. ومنه قراءة من قرأ: (وحِرم على قرية" أي واجب. والحرمة والحرام بمنزلة الوداق والضبعة، إلا أنه من هذا. وأما قوله: قد حنت النعجة، وهي حان، وبها حناء؛ فقال "الخليل": إذا أمكنت النعجة الكبش يقال: قد حنت، وهي حانية؛ وذلك من شدة صرافها، فجعل الصراف في النعجة بمنزلة الوداق/ والحرام، وجعل الحناء مطاوعة الصارف فحلها، كأنه اشتق من الحنو، يقال: حنت الأم على ولدها وحنت إليه تحنو إذا برته وأشفقت عليه.

وفي حديث أن النبي- صلى الله عليه- قال: "إني والسفعاء الحزين الحانية على ولدها كهاتين يوم القيامة- وأشار بإصبعيه". وبين "الخليل" أن الحنو غير الصراف بقوله: إمكان النعجة، فهذا معنى النعجة الحانية. وقال "أحمد بن يحيى"- رحمه الله: نعجة حان، بغير هاء، وقد بينا دخول التأنيث وسقوطه في مثل هذا. وأما قوله: صرفت الكلمة، وهي صارف وأجعلت أيضا وهي مجعل، وكذلك السباع كلها؛ فإنه قد روي عن "الأصمعي" أنه قال: قولهم: صرفت الكلبة ليس من كلام العرب، ولكنه من توليد أهل الأمصار. وقد قال "الخليل"- وهو أقدم من الأصمعي في اللغة وأعلم وأثبت رواية عن العرب: إن الصراف: حرمة الشاء والبقر والكلاب، وقد صرفت تصرف صروفا، فهي صارف، وجعل ذلك في الشاء والبقر أيضا، ولم يخص السباع. وذكر "الخليل" أيضا: أن صرف الدهر: حدته، وهذا يدل على أن صراف الشاء والسباع وغيرها مأخوذ من الحدة. ومنه قولهم: صرف البعير بنابه يصرف صريفا؛ وذلك حين يحرق أحدهما بالآخر، والصرف: الزيادة أيضا في قيمة الذهب والفضة، ونحو ذلك لكل واحد منهما على الآخر. وقال "الخليل" أيضا: كلبة مجعل، وقد أجعلت، إذا أرادت السفاد وهي تجعل إجعالا، فالجعال فيها بمنزلة الصراف، ويم يذكر السباع، وهي في معنى الكلاب، وقال: يقول أهل الحجاز: ماء مجعل وماء جعل إذا ماتت في الجعلان والخنافس. والجعلان ضرب من الخنافس تولع بالروث، وتلتزق به وتدحرجه في الطريق. وواحدها:

جعل فكأن/ الكلاب إذا طلبت السفاد صارت كالماء المجعل في قذره ونتنه وصارت كالجعلان في لهجها ولزومها للروث ولججها في دحرجته. وأما قوله بعد ذلك: قالوا: مات الإنسان، ونفقت الدابة، وتنبل البعير والنبيلة: الجيفة. وقال "ابن الأعرابي": وتنبل الإنسان أيضا وغيره، ومات يصلح في ذلك كله؛ فإنه قد خص الإنسان بالموت، وهو عام في كل شيء كما قاله ابن الأعرابي. ويقال ذلك في الحيوان والنبات والحجارة. وهو في وجه خروج الروح والنفس من البدن، وفي وجه الكفر من الكافر، وفي وجه الجهل من الجاهل، وفي وجه شدة الهم والغم في القلب، وفي وجه عمى القلب، وبلادة صاحبه وفي وجه تعطل الدار من سكانها، وفي وجه خراب الأرض، وفي وجه يبس الشجر والنبات، وفي وجه كساد السلعة، وفي وجه انطفاء الناء والمصباح ونحوه، وهو متصرف في وجوه كثيرة؛ لقلة التباسه واعتياده. وزعموا أن "الأصمعي" أنكر قولهم: ماتت النخلة. وقال: العرب لا تقول هذا في النخل، ولا في شيء من الشجر، وليس كما قال. وقد أجاء "الخليل" ذلك، ورواه عن العرب، وذكر من وجوه الموت أشياء كثيرة، واحتج فيها بالقرآن، وكلام رسول الله- صلى الله عليه- وقال: الموت خلق من خلق الله، لقوله [تعالى]: (الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والْحَيَاةَ) فالحياة ضد الموت في كل شيء، والفعل من الموت يتصرف على فعل يفعل، بفتح الماضي وضم المستقبل، يقال: مات يموت موتا، فهو مائت وميت، فالميت [أصله] ميوت، على وزن فيعل، بكسر العين، وأصله الفتح، ولكن قلبت الواو من أجل الياء التي قبلها، وأدغمت مع الياء، ثم كسرت؛ ليخالف بينها وبين فعيل من الصحيح، نحو صيقل وجيدر، وقد يخفف بحذف الياء المبدلة، لثقل التشديد والكسرة، فيقال: ميت في ميت،/ وهين في هين، ونحو ذلك؛ فهذا مذهب البصريين. وزعم غيرهم أنه كان أصل

ميت: مويت، على زون فعيل، وسيد: سويد كذلك، فأدغمت الواو في الياء، ونقل فعيل إلى فيعل، وهذا قول ضعيف، لا يقاس عليه، ولا يقال إلا بالحدس والظن، ومن التخفيف الميتة، كقول الله عز ذكره: (إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ والدَّمَ) وهي ما خرجت روحه من غير أن يذكى، وميمها مفتوحة. فأما الميتة، بكسر الميم فهي الموت نفسه، ولكنها نوع منه؛ ولذلك بنيت على فعلة، مثل الجلسة والمشية، يقال: ماتت ميتة سواء، والموتة بالواو: المرة الواحدة، كما قال تعالى (إنْ هِيَ إلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى) والموتان: كثرة الموت، وهو الوباء، يقال: وقع في الناس موتان كثير، وفي المال يعني الإبل والبقر ونحوهما، والموتان من ارض الخراب التي لم تعمر بعد. وكذلك الموات من الأرض. والموات: اسم يقع على الجماد كله كالحجارة والنبات. وهذا يبطل ما قاله "الأصمعي" وحكاه عن العرب في الشجر ويقال: مات فلان، وأماته الله، وقوله- عز ذكره: (يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ) معناه المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن. وقال أيضا: (وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) أي يعمرها بعد الخراب بالزرع والنبات والخصب وقوله [تعالى]: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وجَعَلْنَا لَهُ نُورًا) معناه كان كافرا فهديناه، ويقال: قلب ميت، أي بليد، وفلان ميت، أي جاهل. ويسمى الحرف المتحرك حيا، والساكن ميتا. وهذا دليل عموم الموت في كل شيء. وأما قوله: نفقت الدابة، إذا ماتت فلا يقال في شيء غيرها، إلا أن يستعار لإنسان محله في الإنسانية محل الدابة، وفعله: نفق ينفق نفوقا، وهو أيضا خروج روحها من بدنها، وهو مأخوذ من النافقاء، وهو جحر من جحرة اليربوع/ ينتفق منها إذا طلب،

وهو أيضا النفق، ومن النفق أيضا: السرب في الأرض، يخرج منه الهارب إلى غيره. ومنه قول الله- تعالى ذكره-: (فَإنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ). وسمي المنافق منافقا؛ لإظهاره الإسلام وخروجه منه سرا. وكل من فعل ذلك في معاملة أو غيرها فهو منافق. ومن هذا نفاق السلعة، وهو خروجها إلى البيع، ونفاق السوق: كثرة المبايعة فيها وسرعتها ومن هذا سميت نفقة الإنسان، وهي ما يخرج عنه من المال في الحوائج ويفنى. يقال: قد أنفق ينفق إنفاقا، وكذلك ما يخرجه في سبيل الله ومرضاته، كما قال [تعالى]: (أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ). وقال [تعالى]: (ولا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً) وكذلك خروج الروح من بدن الدابة: نفوق. وأما قوله: تنبل البعير، فخص به "أحمد بن يحيى" البعير، ثم قال: والنبيلة الجيفة. والجيفة تكون من الإبل وغيرها. ثم حكى عن "ابن الأعرابي": تنبل الإنسان وغيره إذا مات، وهو مأخوذ من النبل، وهي الحجارة. وفي الحديث: "أعدوا النبل" يعني حجارة الاستنجاء، وهي العظام منها عندنا. ووحدتها نبيلة. وبعضهم يروي: "أعدوا النبل" بضم النون، ويجعل واحدتها: نبلة. والدليل على أنها العظام أن الجيفة تسمى باسمها؛ لانتفاخ الجيفة وعظم بدنه، وأن البعير عظيم. وقد خص بالتنبل. ويجوز أن تكون الجيفة النبيلة لخروج الروح عنها، وأنها صارت مواتا، بمنزلة الحجارة. وقولهم: تنبل إنما هو تفعل من النبيلة ومن النبل. وزعم "أبو عبيد" أن "النبل" في حديث الاستنجاء: الحجارة الصغار وأنه من الأضداد أيضا، واحتج بقول الشاعر:

أفرح أن أرزأ الكرام وأن أورث ذودا شصائصا نبلا / وهذا غلط من كل من قال به؛ لأن الحجارة الصغار لا يمكن الاستنجاء بها؛ لأن الصغير يعجز عن القبض على بعضها، والاستنجاء ببعضها، وأصغر ما يستنجى به أن يكون مقداره ما يتمكن القابض عليه بثلاث أصابع، ويستنجى منه ثلاث مرات بثلاث قرن، وإلا لطخ يده وجسده، وإذا كان هكذا لم يجز أن يكون صغيرا، وإن كان في الحجارة أكبر منه. والبيت الذي احتج به "أبو عبيد" شاهد للعظم لا للصغر. وذلك أنه إنما عنى بالنبل فيه المسان من الأبل الكبار الأجسام المهازيل؛ وذلك أن الشصائص جمع الشصوص، وهي المهزولة، التي لا لبن لها، لا أولاد الإبل ولا صغارها، ولا تسمى صغار الإبل ولا أولدها: شصائص، والإبل المهازيل، وإن قل لحمها فألواحها وخلقها عظام. وقد بينا من تفسير هذا الشعر وغيره في كتاب "إبطال الأضداد" ما لا يصلح ذكره ههنا. وأما قوله بعد ذلك: وجلد بيضة الإنسان الصفن، ووعاء قضيب البعير الثيل، ووعاء قضيب الفرص وغيره من ذوات الحافز: القنب؛ فإن الصفن بفتح الصاد والفاء كما قال جلد بيضتي الإنسان. وقد حكى "الخليل" فيه لغة أخرى، وهي الصفن، بضم الصاد، وسكون الفاء، وهو مأخوذ من الصفنة، وهي جلدة كالسفرة الصغيرة، تجمعها حلقة واحدة، يستقى بها الماء في السفر، فإذا كانت كبيرة فهي الصفن بغير تأنيث. وقد قال "الخليل": الصفن: ما تنضده ونحوها من حشيش أو غيره، ثم تبني في وسطه بيوتها. وفعله: التصفين. ومنه صفن الخيل، وهو نصبها سنابكها وقيامها. يقال: صفنت

صفونا، وهي صافنة وصوافن. ومنه قول الله تعالى: (إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الجِيَادُ). وكذلك النوق تصفن عند الحلب. وإنما قيل الصفن/ لجلد البيضتين؛ لأنه قد غثي به البيضتان وهما منتصبتان في جوفه، وهي كالسفرة التي يجمع أطرافها الحلقة، وليس الصفن بوعاء لقضيب الرجل فيأتي به مع الثيل والقنب، ألا ترى أن خصيتي البعير والفرس ظاهرتان غير داخلتين مع القضيب في الثيل والقنب، وقضيب الرجل ظاهر لا وعاء له إلا جلده. وأما الثيل فليس بوعاء للقضيب كما ذكر، ولا هو وعاء للبيضتين؛ لأن الثيل الجلدة فارغة من القضيب. وإنما يكون القضيب فوق الخصية منقبضا متشمرا حتى ينتشر، فيخرج من الثيل، وينقلب من داخل إلى خارج. وقال "الخليل": الثيل جراب قنب البعير، ويقال: بل هو قضيبه، ولا يكون القنب إلا للفرس. والثيل مأخوذ من الثيل، وهو نبات يشك الأرض ولا ينفصل منها. وكذلك الثيل من البعير متعلق بالقضيب. وأما القنب فذكر "الخليل" أنه جراب قضيب الدابة، وأنه إذا كنى عما يخفض من المرأة قيل: قنبها. والقنب شراع ضخم للسفينة، وهو أعظم ما يكون من الشرع، ومنه المقنب، وهو الجيش زهاء ثلاثمائة. والقنب: ضرب من الكتان غليظ، تعمل منه الحبال وغيرها. فكأن القنب مأخوذ من هذه الأشياء لغلظه واجتماعه؛ لأنه أصل قضيب الفرس ونحوه. وليس في الإبل ولا في الناس وغيرهم شيء أعظم قضيبا منه. وليس بجراب ولا وعاء ولكنه أصله، والقضيب طرفه، فإذا انتشر ظهر منه وتبين أنه أصله، وإذا

انشمر قصر فغاب وخفي أصله، فيتوهم أنه جرابه. وإنما هو كالشيء المقلوب مرة ينقلب إلى داخل، ومرة إلى خارج. /وأما قوله بعد ذلك: ويقال لما يخرج من بطن المولود من الناس قبل أن يأكل: العقى، ويقال: "أحرص من كلب على عقى صبي" ويقال له من ذوات الحافر: الردج، ومن ذوات الخف: السخت؛ فإن العقى على وزن فعل: ما يخرج من بطن الصبي حين يولد، أسود لزج كالغراء، يسقي الصبي شيئا من العسل ونحوه، ليلين طبيعته فيخرج عقيه، وهو ما كان يغتذيه في بطن أمه، من دم الحيض؛ ولذلك يحرص الكلب على أكله. ويقال: قد عقينا الصبي تعقيه، إذا سقي العسل أو نحوه ليعقى، يقال: قد عقي يعقي عقيا، بفتح العين، واسمه العقي، بالكسر. وأما الردج، فقد ذكر "الخليل" أنه ما يخرج من بطن السخلة أو ما توضع، والسخلة تكون للغنم، وإنما سموا المهرة سخلة، فقد جعله عاما، ولم يخصص ذوات الحافر. وقال أيضاً: وهو للصبي أيضا، فجعله في الناس، واستشهد بقول "ثابت قطنة" في ابنه الذي تركه بالفلاة: بحيث يستودع الكدري أفرخه والكب يلحس عن حرف استه الردجا ولم يذكر منه فعلا.

وأما السخت ففارسية معربة، وهي السختة؛ أي المحترق من كل شيء وإن جعل من قولهم: السختيت أيضا، فهو فارسي معرب، ومعناه: الصلب الشديد ولعله أراد السخذ، بالذال؛ لأن السخذ: الماء الذي يكون فيه الولد من المرأة. وهو ماء السلا، الذي يكون فيه. ويقال: هو ماء ثم غليظ، فكأن ما يخرج من ذوات الخف عند الولادة شبه به، كما يقال للثقيل الكسلان بعد قيامه من نومه: مشخذ. وأما قوله بعد الفراغ من الكتاب: اختصرناه وأقللناه لتخف المئونة فيه على متعلمه، الصغير والكبير، وليعرف به فصيح الكلام، ولم نكثره بالتوسعة وغريب الكلام. ولكنا/ ألفناه على نحو ما ألف الناس، ونسبوه إلى ما تلحن فيه العوام، فتأملنا ذلك فوجدناه خلاف ما ضمنه هذا الكتاب؛ لأن المتعلم لا يتعلم شيئا مما ذكره، إلا بمثل الشرح والبيان الذي شرحناه. ولو أنه ألفه على نحو ما ألف الناس من لحن العوام، ولم يبوبه أبوابا، ولم يذكر الأمثلة كما لم يفعلوا ذلك. فكيف يعرف فصيح الكلام الذي ذكره من غير الفصيح من لم يقف على معانيه، ولا جححه ولا قياسه، وإنما يحصل الناظر فيه على التقليد لا غير، وحفظ ألفاظ لا يعرف تفسيرها، إلا بما شرحنا. وقد كنا شرطنا في آخر "كتاب الكتاب" أن نتبعه بكتاب مشتمل على جملة مما يحتاج إليه الكتاب، من تثقيف الألفاظ وتبيين المعاني، فضمنا ذلك هذا

الكتاب، وأودعناه من التنبيه على جزل الكلام وفصيحه ومعرفة جيدة من رديئه جملا تغنيهم عن الكتب المصنفة في لحن العامة، وغلط الخاصة، وتدلهم على إصلاح المنطق، وتجسير المعاني، وتبين للناظر فيه فضله على جميع ما ألف في هذا المذهب، ويهدي إلى حسن المطلب، مع شرح ما أبهمه صاحب "الفصيح" وغيره، وإيضاح ما أهملوا وإصلاح ما أفسدوا، محصورا كل ذلك بأبواب مرتبة، وأبنية ممثلة، وفصول مفصلة تقيم على المحجة، وتمنع من المضلة. وبالله الحول والقوة، وله الطول والمنة. تم الكتاب بحمد الله ومنه، وحسن توفيقه وعونه، وكان الفراغ منه لعشر خلون من شهر الله الأصم "رجب" من سنة إحدى وستين وخمسمائة. حامدا لله تعالى، ومصليا على رسوله، محمد النبي وآله ومسلما. * * *

§1/1