تذكرة المحتاج إلى أحاديث المنهاج

ابن الملقن

الأحاديث

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر الْحَمد لله حمد الشَّاكِرِينَ، وصلواته عَلَى سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ. وَبعد فَهَذَا تَعْلِيق نَافِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى عَلَى الْأَحَادِيث والْآثَار الْوَاقِعَة فِي منهاج الْأُصُول للْقَاضِي نَاصِر الدَّين الْبَيْضَاوِيّ، قدس الله روحه، وَنور ضريحه، عَلَى سَبِيل الِاخْتِصَار، وقدمت الْكَلَام عَلَى الْأَحَادِيث عَلَى الْكَلَام عَلَى الْآثَار. 1 - الحَدِيث الأول: قَوْله عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام: «إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ» . أخرجه البُخَارِيّ فِي سَبْعَة مَوَاضِع من صَحِيحه. وَمُسلم فِي الْجِهَاد. وَكَذَا هُوَ فِي بَاقِي السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.

الحديث الثاني

وَلم ينْفَرد بِهِ كَمَا ادَّعَاهُ الْبَزَّار وَابْن السكن. بل رَوَاهُ نَحْو عشْرين من الصَّحَابَة كَمَا ذكرهم ابْن مَنْدَه. و [كَذَا] هُوَ حَدِيث فَرد غَرِيب، وَلَيْسَ بمتواتر كَمَا يظنّ. 2 - الحَدِيث الثَّانِي: قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «وَالله لأغزون قُريْشًا» ثَلَاثًا. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عِكْرِمَة. وَقَالَ: قد أسْندهُ غير وَاحِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ أَبُو حَاتِم: وَالْأول أشبه. وَقَالَ عبد الْحق: إِنَّه الصَّحِيح. وَأما ابْن حبَان فَأخْرجهُ فِي صَحِيحه مُسْندًا.

الحديث الثالث

3 - الحَدِيث الثَّالِث: حَدِيث: «وَمن عصاهما فقد غَوى ... » إِلَى آخِره. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عدي بن حَاتِم مُنْفَردا بِهِ، وَلَفظه أَن رجلا خطب عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد رشد، وَمن يعصهما فقد غَوى، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «بئس الْخَطِيب أَنْت، قل وَمن يعْص الله وَرَسُوله» . زَاد فِي رِوَايَة «فقد غَوى» . وَأما الْحَاكِم فَذكره فِي مُسْتَدْركه، وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَلَا يحسن استدراكه عَلَى مُسلم، لِأَنَّهُ فِيهِ كَمَا علمت. 4 - الحَدِيث الرَّابِع: حَدِيث: «فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة» هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ فِي كتاب أبي بكر الصّديق. وَهَذَا

الحديث الخامس

لَفظه: «وَفِي صَدَقَة الْغنم فِي سائمتها إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى عشْرين ومئة شَاة» الحَدِيث بِطُولِهِ. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «وَفِي سَائِمَة الْغنم إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاة» إِلَى آخر تَفْصِيل النصب. وَفِي صَحِيح ابْن حبَان وَغَيره عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده فِي الْكتاب الَّذِي كتبه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لعَمْرو بن حزم: «فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة سَائِمَة شَاة» . قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: أَحسب أَن قَول الْفُقَهَاء والأصوليين: «فِي سَائِمَة الْغنم الزَّكَاة» اخْتِصَار مِنْهُم للمفصل فِي لفظ الحَدِيث من مقادير الزَّكَاة الْمُخْتَلفَة باخْتلَاف النصب. 5 - الحَدِيث الْخَامِس: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ. [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ] : «مطل الْغَنِيّ ظلم» .

الحديث السادس

هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَانْفَرَدَ ابْن مَاجَه بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث ابْن عمر. 6 - الحَدِيث السَّادِس: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «كل مِمَّا يليك» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من رِوَايَة عمر بن أبي سَلمَة مطولا بِقصَّة، وَهُوَ الْمَقُول لَهُ ذَلِك. وَوَقع فِي الْمُسْتَصْفَى للغزالي أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ ذَلِك لِابْنِ عَبَّاس.

الحديث السابع

وَهُوَ غَرِيب. 7 - الحَدِيث السَّابِع: قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث أبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولَى إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت» . وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه: «آخر مَا كَانَ من كَلَام النُّبُوَّة إِذا لم تَسْتَحي فافعل مَا شِئْت» . 8 - الحَدِيث الثَّامِن: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: «لَا تنْكح الْمَرْأَة الْمَرْأَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد ضَعِيف.

. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .

الحديث التاسع

وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم. وَنقل عبد الْحق عَنهُ تَصْحِيحه. 9 - الحَدِيث التَّاسِع: حَدِيث ذمّ أبي سعيد بن الْمُعَلَّى. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ. وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، وَوَقع فِي الْكتاب الْخُدْرِيّ، وَهُوَ وهم تبع فِيهِ صَاحب «الْحَاصِل» و «الْمَحْصُول» و «الْمُسْتَصْفَى» فاجتنبه. وَوَقع لأبي بن كَعْب مثل مَا وَقع لأبي سعيد كَمَا أوضحته فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب.

الحديث العاشر

10 - الحَدِيث الْعَاشِر: عَن عبد الله بن مُعَاوِيَة رَفعه: «ثَلَاث من فعلهن طعم طعم الْإِيمَان، من أعْطى زَكَاة مَاله طيبَة بهَا نَفسه كل عَام ... » الحَدِيث. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد غير مَوْصُول بِهِ سَنَده [مَوْصُول بِسَنَدِهِ] ، بل قَالَ: قَرَأت فِي كتاب عبد الله بن سَالم بحمص فَذكره. وَوَصله أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيرهمَا. وَهَذَا الحَدِيث لم يذكرهُ المُصَنّف كَذَلِك، وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: لَعَلَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بَين تكْرَار - وجوب الزَّكَاة -. 11 - الحَدِيث الْحَادِي عشر: حَدِيث النَّهْي عَن بيع الْحَصَاة. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة.

الحديث الثاني عشر

وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده. 12 - الحَدِيث الثَّانِي عشر: حَدِيث النَّهْي عَن بيع الملاقيح. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك مُرْسلا عَن سعيد بن الْمسيب [لَا رَبًّا فِي الْحَيَوَان وَإِنَّمَا نهي من الْحَيَوَان عَن ثَلَاثَة: عَن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة] . وَرَوَاهُ مُسْندًا أَبُو هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن وَابْن عَبَّاس. وَقد ذكرت من خرجهم فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ والوسيط، فسارع إِلَيْهِ. 13 - الحَدِيث الثَّالِث عشر: قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.

الحديث الرابع عشر

14 - الحَدِيث الرَّابِع عشر: حَدِيث: «الْأَئِمَّة من قُرَيْش» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أنس. وَفِي سَنَده بكير بن وهب الْجَزرِي. قَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف حَاله. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» : يجهل، وَعنهُ عَلّي أَبُو الْأسود فَقَط.

قلت: عَنهُ غَيره. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته. وَلم ينْفَرد، وتوبع كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ.

الحديث الخامس عشر

15 - الحَدِيث الْخَامِس عشر: حَدِيث: «نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ كَذَلِك فِي سنَنه الْكُبْرَى، بِلَفْظ «إِنَّا» بدل «نَحن» ، وَهُوَ هُوَ، من رِوَايَة عمر وَغَيره من الصَّحَابَة فاستفده.

الحديث السادس عشر

فَإِن بعض من خرج أَحَادِيث ابْن الْحَاجِب قَالَ: إِنَّه بِهَذَا اللَّفْظ غير مَذْكُور فِي الْكتب السِّتَّة، وَقد علمت أَنه فِي النَّسَائِيّ الْكَبِير، وَهُوَ من أجلهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي بكر وَعَائِشَة: «لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة» . وَفِي الْمسند للْإِمَام أَحْمد من حَدِيث أبي بكر مَرْفُوعا: «إِن النَّبِي لَا يُورث، وَإِنَّمَا مِيرَاثه فِي فُقَرَاء الْمُسلمين وَالْمَسَاكِين» . 16 - الحَدِيث السَّادِس عشر: قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل خبثا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

الحديث السابع عشر

من حَدِيث ابْن عمر، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَابْن مَنْدَه والطَّحَاوِي الْحَنَفِيّ وَالْحَاكِم، وَزَاد أَنه عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَابْن حبَان: «فَإِنَّهُ لَا ينجس» . قَالَ يَحْيَى بن معِين: إسنادها جيد. 17 - الحَدِيث السَّابِع عشر: حَدِيث الرُّخْصَة فِي الْعَرَايَا. هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.

الحديث الثامن عشر

18 - الحَدِيث الثَّامِن عشر: حَدِيث «الإثنان فَمَا فَوْقهمَا جمَاعَة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ والعقيلي من رِوَايَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا من رِوَايَة أنس. وَالدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده. وَابْن عدي من رِوَايَة الحكم بن عُمَيْر.

الحديث التاسع عشر

وَكلهَا ضَعِيفَة. وَأما ابْن السكن الْحَافِظ فَأخْرج حَدِيث أبي مُوسَى فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، فَإِن فِي سَنَده الرّبيع بن بدر الْمَعْرُوف بعليلة، وَقد وهنوه. قَالَ الذَّهَبِيّ: ووالد الرّبيع مَجْهُول، وَكَذَا جده. 19 - الحَدِيث التَّاسِع عشر: حَدِيث: «لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة عَائِشَة كَذَلِك وَضَعفه. وَلم يظفر بِهِ بعض من تكلم عَلَى أَحَادِيث ابْن الْحَاجِب بِهَذَا اللَّفْظ، بل تمحل لَهُ وطوّل، وَاعْترض، وَقد توبع عَلَى ذَلِك فاستفده أَنْت. 20 - الحَدِيث الْعشْرُونَ: حَدِيث: «الْقَاتِل لَا يَرث» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة.

وَقَالَ: لَا يَصح. وَضعف الْبَيْهَقِيّ إِسْحَاق بن عبد الله أحد رُوَاته. إِلَّا أَن لَهُ شَوَاهِد تقويه. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: رِجَاله كلهم ثِقَات إِلَّا إِسْحَاق هَذَا. قلت: وَله طرق أُخْرَى مُتَكَلم فِيهَا. نعم ابْن عبد الْبر جود حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده

الحديث الحادي والعشرون

قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لَيْسَ للْقَاتِل من الْمِيرَاث شَيْء» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. لَكِن هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن غير الشاميين، وَهُوَ ضَعِيف فِيهَا عِنْد البُخَارِيّ وَغَيره. وَأما المُصَنّف فغلا فَجعله متواترا. 21 - الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: حَدِيث رجمه الْمُحصن. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي قصَّة مَاعِز. 22 - الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: حَدِيث: «إِذا رُوِيَ عني حَدِيث فاعرضوه عَلَى كتاب الله، فَإِن وَافق فاقبلوه، وَإِن خَالف فَردُّوهُ» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: أَحدهَا: من رِوَايَة عَلّي كرم الله وَجهه، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة جبارَة بن الْمُغلس - وَهُوَ ضَعِيف - عَن أبي بكر بن عَيَّاش، عَن عَاصِم بن أبي النجُود، عَن زر، عَن عَلّي رَفعه: «إِنَّهَا سَيكون بعدِي رُوَاة يروون عني الحَدِيث، فأعرضوا حَدِيثهمْ عَلَى الْقُرْآن، فَمَا وَافق الْقُرْآن فَخُذُوا بِهِ، وَمَا لم يُوَافق الْقُرْآن فَلَا تَأْخُذُوا بِهِ» .

ثمَّ قَالَ: هَذَا وهم، وَالصَّوَاب عَن عَاصِم عَن زيد بن عَلّي مُرْسلا عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. الثَّانِي: من حَدِيث ابْن عمر، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث الْوَضِين بن عَطاء، عَن سَالم، عَن أَبِيه مَرْفُوعا: «مَا أَتَاكُم من حَدِيثي فاقرأوا كتاب الله واعتبروه، فَمَا وَافق كتاب الله فَأَنا قلته، وَمَا لم يُوَافق كتاب الله فَلم أَقَله» . الْوَضِين قَالَ أَحْمد: مَا بِهِ من بَأْس. وَلينه غَيره. الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث ثَوْبَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث يزِيد بن ربيعَة، عَن أبي الْأَشْعَث، عَن ثَوْبَان مَرْفُوعا: «إِن رَحى الإِسلام دَائِرَة» قَالُوا: كَيفَ نصْنَع يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «اعرضوا حَدِيثي عَلَى الْكتاب، فَمَا وَافقه فَهُوَ مني، وَأَنا قلته» . يزِيد هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: أَحَادِيثه مَنَاكِير.

وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، رَوَاهُ الْهَرَوِيّ فِي ذمّ الْكَلَام من حَدِيث صَالح بن مُوسَى، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ عني أَحَادِيث مُخْتَلفَة، فَمَا جَاءَكُم مُوَافقا لكتاب الله وسنتي فَهُوَ مني، وَمَا جَاءَكُم مُخَالفا لكتاب الله وسنتي فَلَيْسَ مني» . وَصَالح هَذَا هُوَ الطلحي الواهي. قَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك.

وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة من حَدِيث أبي جَعْفَر رَفعه: «مَا جَاءَكُم عني فاعرضوه عَلَى كتاب الله فَمَا وَافقه فَأَنا قلته، وَمَا خَالفه فَلم أَقَله» . قَالَ الشَّافِعِي فِي رسَالَته: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ رجل مَجْهُول، وَهُوَ مُنْقَطع، وَلم يروه أحد يثبت حَدِيثه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَجْهُولِ خَالِد بن أبي كَرِيمَة، فَلم يعرف من ذَلِك مَا يثبت بِهِ خَبره. قلت: إِن كَانَ هُوَ الرَّاوِي عَن عِكْرِمَة وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة فقد عرف، رَوَى عَنهُ شُعْبَة ووكيع وَجَمَاعَة، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن معِين: ضَعِيف الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من أوجه أخر كلهَا ضَعِيفَة قد بينتها فِي الْمدْخل. قلت: أخرجه فِي الْمدْخل من حَدِيث الْأَصْبَغ بن مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور بلاغاً بِنَحْوِهِ.

الحديث الثالث والعشرون

ثمَّ قَالَ: رِوَايَة مُنْقَطِعَة عَن رجل مَجْهُول. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ من وَجه آخر ضَعِيف. وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ فِي كتاب الْمدْخل إِلَى دَلَائِل النُّبُوَّة: الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ فِي عرض الحَدِيث عَلَى الْقُرْآن بَاطِل لَا يَصح. قَالَ: وَهُوَ ينعكس عَلَى نَفسه بِالْبُطْلَانِ، فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن دلَالَة عَلَى عرض الحَدِيث عَلَى الْقُرْآن. [قلت: فَهَذَا الحَدِيث لَهُ طرق كَمَا ترَى. وَمن الْأَعَاجِيب قَول بعض شرَّاح هَذَا الْكتاب: إِنَّه غير مَعْرُوف] من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ: تفرد بِهِ صَالح الطلحي، وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ، قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ. 23 - الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: حَدِيث: «خلق الله المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ شَيْء إِلَّا مَا غلب عَلَى رِيحه وطعمه ولونه» .

الحديث الرابع والعشرون

هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة أبي أُمَامَة بِلَفْظ «المَاء طهُور ... » إِلَى آخِره. وَفِي إِسْنَاده رشدين بن سعد، وَقد ضَعَّفُوهُ. لَكِن قَالَ أَحْمد مرّة: أَرْجُو أَنه صَالح الحَدِيث: 24 - الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: حَدِيث: «حكمي عَلَى الْوَاحِد حكمي عَلَى الْجَمَاعَة» . هَذَا الحَدِيث لم أره بِهَذَا اللَّفْظ، وَقد توقف المُصَنّف فِي ثُبُوته. وَأنْكرهُ الحافظان الْمزي والذهبي. لَكِن فِي سنَن النَّسَائِيّ من حَدِيث أُمَيْمَة بنت رقيقَة رفعته: «مَا قولي لإمرأة وَاحِدَة إِلَّا كَقَوْلي لمئة امْرَأَة» .

الحديث الخامس والعشرون

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ «إِنَّمَا قولي لمئة امْرَأَة كَقَوْلي لامْرَأَة وَاحِدَة» . ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده باللفظين. وَقد صَحَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ فِي خطبَته حجَّة الْوَدَاع: «هَل بلغت؟» قَالُوا: نعم، قَالَ: «فليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب، فَرب مبلغ أوعى من سامع» . 25 - الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الْغسْل من ولوغ الْكَلْب سبعا. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَقد خَالفه أَبُو هُرَيْرَة، فَكَانَ يغسل ثَلَاثًا، كَذَا اسْتدلَّ بِهِ المُصَنّف. قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: وَلَيْسَ بِثَابِت عَنهُ، بل نقل ابْن الْمُنْذر عَنهُ وجوب الْغسْل سبعا.

الحديث السادس والعشرون

26 - الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّافِعِي وَالتِّرْمِذِيّ [وَاللَّفْظ لَهُ] وَابْن حبَان من رِوَايَة ابْن عَبَّاس كَذَلِك سَوَاء. قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. وَأخرجه مُسلم فِي صَحِيحه من هَذِه الطَّرِيق بِلَفْظ: «إِذا دبغ الإهاب فقد طهر» . وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، وَوهم صَاحب «التنقيب عَلَى الْمُهَذّب» فَعَزاهُ إِلَى البُخَارِيّ. وَقد بحث الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي شرح الْإِلْمَام عَن السَّبَب الَّذِي لم يُخرجهُ البُخَارِيّ بِمَا أَفْضَى إِلَى أَنه عَلَى شَرطه. 27 - الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ: حَدِيث: «دباغها طهورها» فِي شَاة مَيْمُونَة. هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، وَالْبَزَّار فِي مُسْنده، وَالْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث يَعْقُوب بن عَطاء عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس

الحديث الثامن والعشرون

رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: مَاتَت شَاة لميمونة فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: [أ] فَلَا استمتعتم بإهابها؟ فَإِن دباغ الْأَدِيم طهوره» . ثمَّ قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم رَوَاهُ عَن يَعْقُوب بن عَطاء عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس إِلَّا شُعْبَة. قلت: لَا يضرّهُ ذَلِك، فَإِن شُعْبَة إِمَام، وَتفرد الثِّقَة بِالْحَدِيثِ لَا يضر. نعم الشَّأْن فِي يَعْقُوب بن عَطاء - وَهُوَ ابْن أبي رَبَاح - فقد قَالَ أَحْمد فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة: ضَعِيف. وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي الثِّقَات. 28 - الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «أَلا لَا يقتل مُسلم بِكَافِر، وَلَا ذُو عهد فِي عَهده» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من حَدِيث عَلّي كرم الله وَجهه الْقطعَة الأولَى من هَذَا الحَدِيث.

الحديث التاسع والعشرون

وَوهم بعض العصريين، فَجَعلهَا من الْمُتَّفق عَلَيْهِ، فاجتنبه. 29 - الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ: حَدِيث: «رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ ابْن مَاجَه، لَكِن بِلَفْظ «وضع» بدل «رفع» من حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَقَالَ: عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلَفْظهمَا «تجَاوز الله عَن أمتِي الْخَطَأ ... » إِلَى آخِره. وَاعْلَم أَن لَفظه [لفظ] «رفع» فِي هَذَا الحَدِيث تَعب عَلَيْهَا بعض الْفُقَهَاء الشاميين، وَقَالَ: إِنَّه لم يرهَا، وَسَأَلَ عَنْهَا بعض الحفّاظ فِي ذَلِك، فَكتب ورقة، وَلم يذكرهُ فِيهَا بِهَذَا اللَّفْظ، واستفدت أَنْت أَن ابْن عدي رَوَاهَا من حَدِيث جَعْفَر بن جسر بن فرقد، حَدثنِي أبي، عَن الْحسن، عَن

الحديث الثلاثون

أبي بكرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «رفع الله عَن هَذِه الْأمة ثَلَاثًا الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَالْأَمر يكْرهُونَ عَلَيْهِ» . لَكِن جَعْفَر وجسر ضعيفان. قَالَ ابْن عدي: الْبلَاء من جَعْفَر لَا من جسر. وذكرته فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ من عدَّة طرق أخر، لَكِن لَا بِلَفْظ «رفع» ، بل بنحوها. 30 - الحَدِيث الثَّلَاثُونَ: حَدِيث: «لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب» . هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَفِي رِوَايَة: «لَا تُجزئ صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا الرجل بِفَاتِحَة الْكتاب» . رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح. 31 - الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيث: «لَا صَلَاة لمن لم يقم صلبه من الرُّكُوع وَالسُّجُود» .

الحديث الثاني والثلاثون

هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه من حَدِيث عَلّي بن شَيبَان. وَصَححهُ ابْن حبَان. وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله لم يذكرهما المُصَنّف، وَإِنَّمَا قَالَ: كنفي الصِّحَّة من قَوْله: «لَا صَلَاة» ، فَيحْتَمل أَن يُرِيد هَذَا وَالْأول أَيْضا. وَفِي المعجم الْكَبِير والأوسط من حَدِيث عِيسَى بن سُبْرَة، عَن أَبِيه، عَن جده رَفعه: «لَا صَلَاة إِلَّا بِوضُوء» . 32 - الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيث: «لَا صِيَام لمن لم يبيت الصّيام من اللَّيْل» .

الحديث الثالث والثلاثون

هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث حَفْصَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها باخْتلَاف لفظ. وَصَححهُ الدَّارَقُطْنِيّ والخطابي وَالْبَيْهَقِيّ. وَقَالَ فِي خلافياته: رُوَاته ثِقَات. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقفه أصح. وَفِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَائِشَة رفعته: «من لم يبيت الصّيام قبل الْفجْر فَلَا صِيَام لَهُ» . ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ عبد الله بن عباد عَن الْمفضل بِهَذَا الْإِسْنَاد وَكلهمْ ثِقَات. وَأقرهُ عَلَى ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته. 33 - الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيث: «فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ من رِوَايَة ابْن عمر مطولا. 34 - الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيث: «الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد. وَصَححهُ ابْن حبَان من حَدِيث أبي.

الحديث الخامس والثلاثون

وَفِي روايتهما أَن هَذِه الْآيَة فِي سُورَة الْأَحْزَاب فاستفده. وَكَذَا أخرجه الْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح الإٍسناد. وَفِي المعجم الْكَبِير للطبراني من حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف، عَن خَالَته العجماء، قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: «الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ بِمَا قضيا من اللَّذَّة» . 35 - الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيث عَائِشَة: كَانَ فِيمَا أنزل عشر رَضعَات يحرمن ثمَّ نسخن بِخمْس. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم عَنْهَا. 36 - الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيث: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ رجم ماعزا وَلم يجلده. هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره. 37 - الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيث استدارة أهل قبَاء من الشَّام إِلَى الْكَعْبَة.

الحديث الثامن والثلاثون

هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث ابْن عمر وَغَيره. وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله لم يذكرهما المُصَنّف رَحِمَهُ اللَّهُ هَكَذَا، وَإِنَّمَا قَالَ: كنسخ الْجلد فِي حق الْمُحصن، وَبِالْعَكْسِ كنسخ الْقبْلَة، وَمرَاده بِالْأولِ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ رجم الْمُحصن وَلم يجلده مَعَ أَن آيَة الْجلد شَامِلَة لَهُ، وَهَذَا تَخْصِيص وَلَيْسَ بنسخ، وَقد ذكره المُصَنّف بِعَيْنِه مِثَالا لتخصيص الْكتاب بِالسنةِ فاعلمه. 38 - الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ: النَّهْي عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي. وَانْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس. وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس عِلّة أوضحتها فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ.

الحديث التاسع والثلاثون

39 - الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيث زِيَادَة التَّغْرِيب عَلَى الْجلد. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي قصَّة العسيف. 40 - الحَدِيث الْأَرْبَعُونَ: حَدِيث عَائِشَة رفعته: «إِذا التقَى الختانان فقد وَجب الْغسْل» فعلته أَنا وَرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فاغتسلنا. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ كَذَلِك الشَّافِعِي فِي مُسْنده وَابْن مَاجَه فِي سنَنه بِإِسْنَاد صَحِيح. 41 - الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيث: «خُذُوا عني مَنَاسِككُم» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث جَابر كَذَلِك. وَرَوَاهُ مُسلم بِلَفْظ: «لِتَأْخُذُوا» بدل «خُذُوا» .

الحديث الثاني والأربعون

42 - الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيث صَلَاة الخسوفين بركوعين. اتفقَا عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث عَائِشَة وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. 43 - الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيث مُرَاجعَته عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ الْيَهُود فِي الرَّجْم. هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ من رِوَايَة ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. 44 - الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: ادَّعَت الشِّيعَة - لَا روعوا - أَن النَّص دلّ عَلَى إِمَامَة عَلّي كرم الله وَجهه، وَلم يتواتر، وكذبوا، بل النَّص مَوْضُوع. فَمن ذَلِك حَدِيث ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة فِيهِ، ذكرهمَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته.

بل رَوَى الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَالنَّسَائِيّ فِي مُسْند عَلّي عَنهُ أَنه قَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يعْهَد إِلَيْنَا فِي الْإِمَارَة عهدا نَأْخُذ، وَلكنه رَأْي

الحديث الخامس والسادس والسابع والأربعون

رَأَيْنَاهُ، اسْتخْلف أَبُو بكر، فَأَقَامَ واستقام، ثمَّ اسْتخْلف عمر، فَأَقَامَ واستقام حَتَّى ضرب الدَّين بجرانه. 45 - الحَدِيث الْخَامِس وَالسَّادِس وَالسَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَت الْمُعْتَزلَة: التَّسْمِيَة والإِقامة ومعجزات الرَّسُول غير متواترة انْتَهَى. أما التَّسْمِيَة فَقَالَ مُسلم فِي صَحِيحه: حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم، حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَبدة، أَن عمر كَانَ يجْهر بهؤلاء الْكَلِمَات، يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، تبَارك أسمك، وَتَعَالَى جدك، وَلَا إِلَه غَيْرك. وَعَن قَتَادَة أَنه كتب إِلَيْهِ يُخبرهُ عَن أنس بن مَالك أَنه حدّثه قَالَ: صليت خلف رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان، وَكَانُوا يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين، لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أول قِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا. ثمَّ قَالَ مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن مهْرَان، حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة أَنه سمع أنس بن مَالك، فَذكر ذَلِك انْتَهَى. وَهَذَا حَدِيث مَعْلُول بِوَجْهَيْنِ:

أَحدهمَا: أَن فِي إِسْنَاده كِتَابَة لَا يعلم من كتبهَا وَلَا من حملهَا، وَقَتَادَة ولد أكمه. الثَّانِي: أَنه اشْتَمَل عَلَى عنعنة مُدَلّس، وَهُوَ الْوَلِيد، وَلَا يَنْفَعهُ تصريحه بِالتَّحْدِيثِ، فَإِنَّهُ اشْتهر بتدليس التَّسْوِيَة، وَلَا يُدَلس شيخ نَفسه، وَلَكِن شيخ شَيْخه، سِيمَا وَقد عَارضه أَحَادِيث ثَابِتَة. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن قَتَادَة نَفسه، قَالَ: سُئِلَ أنس: كَيفَ كَانَت قِرَاءَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟ قَالَ: كَانَت مدا، ثمَّ قَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم يمد بِسم الله، ويمد الرَّحْمَن، ويمد الرَّحِيم. وَقد سُئِلَ أنس أَيْضا: أَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يستفتح بِالْحَمْد لله، أَو بالبسملة؟ فَقَالَ: إِنَّك سَأَلتنِي عَن شَيْء مَا أحفظه، وَلَا سَأَلَني عَنهُ أحد قبلك. رَوَاهُ الإِمام أَحْمد، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. لَا جرم قَالَ ابْن عبد الْبر: حَدِيث أنس السالف لَا يحْتَج بِهِ، لتلونه واضطرابه وَاخْتِلَاف أَلْفَاظه مَعَ تغاير مَعَانِيهَا، وَقد سُئِلَ أنس عَن ذَلِك؟ فَقَالَ: كَبرت ونسيت. وَرَوَى جمَاعَة أَحَادِيث فِي إِثْبَات الْبَسْمَلَة لَيْسَ هَذَا مَوضِع بسطها، وموضعه مَا خرجته من أَحَادِيث الرَّافِعِيّ.

وَأما الْإِقَامَة فمراده فِي إفرادها وتثنيتها، وَقد أخرج الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَن أنس قَالَ: أَمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة إِلَّا الْإِقَامَة. والآمر بذلك هُوَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي سنَن النَّسَائِيّ وصحيح ابْن حبَان وَأبي عوَانَة وَالْحَاكِم. وَضعف ابْن خُزَيْمَة تثنيته، وَغَيره تَثْنِيَة الْإِقَامَة. وَأما المعجزات فقد قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه دَلَائِل النُّبُوَّة: رُوِيَ فِي المعجزات أَخْبَار آحَاد فِي ذكر أَسبَابهَا، إِلَّا أَنَّهَا مجتمعة فِي مَعْنَى وَاحِد، وَهُوَ ظُهُور المعجزات عَلَى شخص وَاحِد، وَإِثْبَات فَضِيلَة شخص وَاحِد، وَإِثْبَات فَضِيلَة فَيحصل بمجموعها الْعلم المكتسب، بل إِذا جمع بَينهَا وَبَين الْأَخْبَار المستفيضة فِي المعجزات والآيات الَّتِي ظَهرت عَن [عَلَى يَد] سيدنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دخلت فِي حد التَّوَاتُر الَّذِي يُفِيد الْعلم الضَّرُورِيّ. تَنْبِيه قَول المُصَنّف رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمُعْتَمد دَعْوَاهُ الصدْق وَظُهُور المعجزة عَلَى وَفقه. هَذَا وَقع مِنْهُ غير مرّة عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ. مِنْهَا: حَدِيث الضَّب. فِي دَلَائِل النُّبُوَّة للبيهقي، وَهُوَ مطول، ثمَّ أعله.

الحديث الثامن والأربعون

وَهُوَ فِي أَصْغَر معاجم الطَّبَرَانِيّ أَيْضا. وَمِنْهَا: حَدِيث السلمة حَيْثُ دَعَاهَا وَهِي بشاطئ الْوَادي فَشَهِدت أَنه كَمَا قَالَ. رَوَاهُ الدَّارمِيّ. 48 - الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيث: «سيكذب عَلّي» . هَذَا الحَدِيث لم أره كَذَلِك.

الحديث التاسع والأربعون

نعم فِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «يكون فِي آخر الزَّمَان دجالون كذابون يأتونكم من الْأَحَادِيث مَا لم تسمعوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم، فإياكم وإياهم لَا يضلونكم وَلَا يفتنونكم» . وَفِي رِوَايَة: «سَيكون فِي آخر أمتِي نَاس يحدثونكم مَا لم تسمعوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم، فإياكم وإياهم» . أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِهَذَا اللَّفْظ. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث ذكره مُسلم فِي خطْبَة الْكتاب مَعَ الحكايات، وَلم يخرجَاهُ فِي أَبْوَاب الْكتاب، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرطهمَا جَمِيعًا، وَيحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل، وَلَا أعلم لَهُ عِلّة. 49 - الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: طلبُوا الْعدَد أَي طلبت الصَّحَابَة الْعدَد فِي وقائع كَثِيرَة، وَلم يقتصروا عَلَى خبر الْوَاحِد. مِنْهَا: أَن أَبَا بكر لم يعْمل بِخَبَر الْمُغيرَة فِي تَوْرِيث الْجدّة إِلَى أَن أخبرهُ بذلك مُحَمَّد بن مسلمة كَمَا رَوَاهُ مَالك وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث قبيصَة بن ذُؤَيْب.

الحديث الخمسون

قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَكَذَا صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم. وَقَالَ: إِنَّه عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَأما ابْن حزم فَقَالَ: أَنه لَا يَصح، لِأَنَّهُ مُنْقَطع، لِأَن قبيصَة لم يدْرك أَبَا بكر وَلَا سَمعه من الْمُغيرَة، وَلَا مُحَمَّد بن مسلمة. وَمِنْهَا: أَن عمر رد خبر أبي مُوسَى فِي الاسْتِئْذَان، وَهُوَ قَوْله: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: «إِذا اسْتَأْذن أحدكُم عَلَى صَاحبه ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ فلينصرف» . حَتَّى رَوَاهُ مَعَه أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، كَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَغير ذَلِك. 50 - الحَدِيث الْخَمْسُونَ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاة شَاة» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ فِي حَدِيث أبي بكر الصّديق بِلَفْظ: «وَفِي صَدَقَة الْغنم فِي سائمتها إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى عشْرين ومئة شَاة» . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا بِلَفْظ: «وَفِي الْغنم فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة إِلَى عشْرين ومئة» .

الحديث الحادي والخمسون

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «وَفِي السَّائِمَة [الشَّاء] فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة شَاة» . وَرَوَاهُ الْحَاكِم كَذَلِك، وَأَثْنَى عَلَيْهِ. وَقَالَ البُخَارِيّ: أَرْجُو أَن يكون مَحْفُوظًا. 51 - الحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: «لَا تَجْتَمِع أمتِي عَلَى خطأ» . هَذَا الحَدِيث لم أره بِهَذَا اللَّفْظ. نعم هُوَ مَشْهُور بِلَفْظ: «عَلَى ضَلَالَة» بدل «عَلَى خطأ» وَله طرق: أَحدهَا: من حَدِيث أنس، رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَنهُ مَرْفُوعا: «إِن أمتِي لَا تَجْتَمِع عَلَى ضَلَالَة، فَإِذا رَأَيْتُمْ الِاخْتِلَاف فَعَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم» . فِي سَنَده معَان بن رِفَاعَة وَقد ضعفه ابْن معِين، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ ودحيم. وَفِيه أَيْضا أَبُو خلف الْأَعْمَى، وَهُوَ هَالك. قَالَ يَحْيَى: كَذَّاب.

الثَّانِي: من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْفِتَن من سنَنه من حَدِيثه مَرْفُوعا، وَلم يُضعفهُ: «إِن الله أجاركم من ثَلَاث خلال - فَذكر مِنْهَا - أَن لَا تجتمعوا عَلَى ضَلَالَة» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا من هَذَا الْوَجْه. الثَّالِث: من حَدِيث أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث البحتري بن عبيد، عَن أَبِيه، عَن أبي ذَر مَرْفُوعا: «إثنان خير من وَاحِد، وَثَلَاثَة خير من اثْنَيْنِ، وَأَرْبَعَة خير من ثَلَاثَة، فَعَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة، فَإِن الله لم يجمع أمتِي إِلَّا عَلَى هدى» . البحتري هَذَا واه. وَأَبوهُ مَجْهُول قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ. الرَّابِع: من حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيثه مَرْفُوعا بِلَفْظ: «إِن الله لَا يجمع أمتِي - أَو قَالَ أمة مُحَمَّد - عَلَى ضَلَالَة» . ثمَّ قَالَ: حسن غَرِيب. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، وَلَفظه: «لن تَجْتَمِع أمتِي عَلَى الضَّلَالَة أبدا، فَعَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة، فَإِن يَد الله عَلَى الْجَمَاعَة» .

الْخَامِس: من حَدِيث أبي بصرة الْغِفَارِيّ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث اللَّيْث، عَن أبي هَانِئ الْخَولَانِيّ، عَن جدته، عَن أبي بصرة مَرْفُوعا: «سَأَلت رَبِّي أَرْبعا، فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا، وَمَنَعَنِي وَاحِدَة، سَأَلته أَن لَا يَجْعَل أمتِي عَلَى ضَلَالَة فَأَعْطَانِيهَا ... » الحَدِيث. السَّادِس: من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْمدْخل من حَدِيثه مَرْفُوعا: «لَا تَجْتَمِع أمتِي عَلَى ضَلَالَة أبدا» . ثمَّ قَالَ: لَهُ شَوَاهِد من حَدِيث ابْن عمر وَأبي مَالك الْأَشْعَرِيّ وَأنس. السَّابِع: من حَدِيث أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ، رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي الْفِتَن عَنهُ مَرْفُوعا: «إِن الله لن يجمع جمَاعَة مُحَمَّد عَلَى ضَلَالَة» . ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: وكتبناه مُسْندًا من وَجه لَا يَصح عَلَى شَرط هَذَا الْكتاب، فَذكره من حَدِيث قدامَة بن عبد الله الْكلابِي رَفعه: «إِن الله لن يجمع هَذِه الْأمة عَلَى الضَّلَالَة ... » الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: الْحمل فِيهِ عَلَى الْحصين بن دَاوُد بن معَاذ، فَإِنَّهُ لم يَصح عندنَا بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا حَدِيث وَاحِد. وَهَذَا طَرِيق ثامن. وأوضح الْحَاكِم حَدِيث ابْن عمر، فَذكره فِي كتاب الْعلم من

مُسْتَدْركه من حَدِيث خَالِد بن يزِيد المَقْبُري [الْمُقْرِئ] ، عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «لَا يجمع الله هَذِه الْأمة عَلَى ضَلَالَة أبدا» . وَقَالَ: «يَد الله عَلَى الْجَمَاعَة، فاتبعوا السوَاد الْأَعْظَم، فَإِنَّهُ من شَذَّ شَذَّ فِي النَّار» . ثمَّ قَالَ: خَالِد هَذَا شيخ قديم للبغداديين، وَلَو حفظ هَذَا الحَدِيث حكمنَا لَهُ بِالصِّحَّةِ. ثمَّ أخرجه من حَدِيث يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، عَن الْمُعْتَمِر، عَن أبي سُفْيَان الْمَدِينِيّ، عَن ابْن دِينَار بِهِ، لم يقل «عَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم» . ثمَّ أخرجه من حَدِيث أبي بكر بن نَافِع، عَن الْمُعْتَمِر، عَن سُفْيَان الْمَدِينِيّ، عَن ابْن دِينَار بِلَفْظ: «لَا يجمع الله أمتِي عَلَى ضَلَالَة أبدا» . ثمَّ أخرجه من حَدِيث عَلّي بن الْحُسَيْن الدرهمي، عَن الْمُعْتَمِر، عَن سُفْيَان، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «لن يجمع الله أمتِي عَلَى ضَلَالَة أبدا، وَيَد الله عَلَى الْجَمَاعَة» وَرفع يَدَيْهِ «فَإِنَّهُ من شَذَّ شَذَّ فِي النَّار» . قَالَ ابْن خُزَيْمَة: لست أعرف سُفْيَان أَو أَبَا سُفْيَان هَذَا. ثمَّ أخرجه من حَدِيث خَالِد بن يزِيد، [عَن] الْمُعْتَمِر، عَن سَالم بن أبي الذَّيَّال، عَن عبد الله بن عمر مَرْفُوعا: «لَا يجمع الله هَذِه الْأمة - أَو قَالَ: أمتِي - عَلَى ضَلَالَة أبدا، وَاتبعُوا السوَاد الْأَعْظَم، فَإِنَّهُ من شَذَّ شَذَّ فِي النَّار» . قَالَ الْحَاكِم: وَهَذَا لَو كَانَ مَحْفُوظًا من الرَّاوِي لَكَانَ من شَرط الصَّحِيح.

ثمَّ أخرجه من حَدِيث يَحْيَى بن جُبَير [حبيب] بن عَرَبِيّ، عَن الْمُعْتَمِر، عَن أبي سُفْيَان الْمَدِينِيّ. وَمن حَدِيث أبي بكر بن نَافِع، عَن الْمُعْتَمِر، عَن أبي عبد الله الْمَدِينِيّ، كِلَاهُمَا عَن ابْن دِينَار بِنَحْوِ مَا سلف. ثمَّ قَالَ: فقد اسْتَقر الْخلاف فِي إِسْنَاده عَلَى الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان وَهُوَ أحد أَرْكَان الحَدِيث من سَبْعَة أوجه، لَا يسعنا أَن نحكم أَن كلهَا مَحْمُولَة عَلَى الْخَطَأ أَو الصَّوَاب، وَقد كنت أسمع أَبَا عَلّي الْحَافِظ يحكم بِالصَّوَابِ لقَوْل من قَالَ: عَن الْمُعْتَمِر، عَن سُفْيَان، وَنحن إِذا قُلْنَا هَذَا القَوْل نسبنا الرَّاوِي إِلَى الْجَهَالَة، فوهنا بِهِ الحَدِيث، وَلَكنَّا نقُول: إِن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان أحد أَئِمَّة الحَدِيث، وَقد رُوِيَ عَنهُ هَذَا الحَدِيث بأسانيد يَصح بِمِثْلِهَا الحَدِيث، فَلَا بُد من أَن يكون لَهُ أصل بِأحد هَذِه الْأَسَانِيد. ثمَّ قَالَ [قَالَ: ثمَّ] وجدنَا للْحَدِيث شَوَاهِد من غير حَدِيث الْمُعْتَمِر لَا أَدعِي صِحَّتهَا، وَلَا أحكم بتوهينها، فَذكره من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن إِبْرَاهِيم بن مَيْمُون، عَن عبد الله بن طَاوُوس، أَنه سمع أَبَاهُ، يحدث أَنه سمع ابْن عَبَّاس، يحدث أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا يجمع الله أمتِي - أَو قَالَ: هَذِه الْأمة - عَلَى الضَّلَالَة أبدا، وَيَد الله عَلَى الْجَمَاعَة» . قَالَ الْحَاكِم: وَإِبْرَاهِيم هَذَا هُوَ الْعَدنِي، قد عدله عبد الرَّزَّاق، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَعبد الرَّزَّاق إِمَام أهل الْيمن، وتعديله حجَّة. ثمَّ أخرجه من حَدِيث أنس، وَلَفظه: «أَنه سَأَلَ ربه أَن لَا يجتمعوا عَلَى ضَلَالَة، فَأعْطِي ذَلِك» . وَهُوَ من رِوَايَة مبارك بن سحيم، عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب، عَن أنس مَرْفُوعا.

الحديث الثاني والخمسون

قَالَ الْحَاكِم: ومبارك هَذَا مِمَّن لَا يُسمى فِي هَذَا الْكتاب، لكني اضطررت إِلَيْهِ. وَقَول المُصَنّف بعد إِيرَاد [هَذَا] الحَدِيث: «ونظائره» هُوَ إِشَارَة إِلَى هَذِه الطّرق. 52 - الحَدِيث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إِن الْمَدِينَة لتنفي خبثها» . هَذَا الحَدِيث أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من طرق. أَحدهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مطولا. وَفِيه: «إِلَّا إِن الْمَدِينَة كالكير تخرج الْخبث، لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تَنْفِي الْمَدِينَة شِرَارهَا كَمَا يَنْفِي الْكِير خبثه» . الثَّانِي: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مطولا أَيْضا بِقصَّة، وَفِيه: «إِنَّمَا الْمَدِينَة كالكير تَنْفِي خبثها وينصع طيبها» . الثَّالِث: عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِنَّهَا طيبَة - يَعْنِي الْمَدِينَة - وَإِنَّهَا تَنْفِي الْخبث كَمَا تَنْفِي النَّار خبث الْفضة» . وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ: «تَنْفِي الذُّنُوب» ذكره فِي الْمَغَازِي. وَأخرج الإِمام أَحْمد فِي مُسْنده حَدِيث جَابر مطولا. وَفِيه فَائِدَة، وَلَفظه: أشرف رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَلَى فلق من أفلاق

الحديث الثالث والخمسون

الْحرَّة، وَنحن مَعَه، فَقَالَ: «نعمت الأَرْض الْمَدِينَة، إِذا خرج الدَّجَّال، عَلَى كل نقب من أنقابها ملك لَا يدخلهَا، فَإِذا كَانَ كَذَلِك رجفت الْمَدِينَة بِأَهْلِهَا ثَلَاث رجفات، لَا يَبْقَى مُنَافِق وَلَا منافقة إِلَّا خَرجُوا إِلَيْهِ، وَأكْثر من يخرج إِلَيْهِ النِّسَاء، وَذَلِكَ يَوْم التخليص، وَذَلِكَ يَوْم تَنْفِي الْمَدِينَة الْخبث كَمَا تَنْفِي النَّار خبث الْحَدِيد» . ثمَّ سَاق بَقِيَّة الحَدِيث. 53 - الحَدِيث الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ: أَنه لما نزل قَوْله تَعَالَى: (إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا) لف رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كسَاء عَلَى عَلّي وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن، وَقَالَ: «هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ [الْأَمَام] أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث عبد الْملك بن سُلَيْمَان عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، قَالَ: حَدثنِي من سمع أم سَلمَة تذكر أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ فِي بَيتهَا، فَأَتَتْهُ فَاطِمَة ببرمة فِيهَا خزيرة دخلت بهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: «ادعِي زَوجك وابنيك» قَالَ: [قَالَت:] فجَاء عَلّي وَالْحسن وَالْحُسَيْن، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فجلسوا يَأْكُلُون من تِلْكَ الخزيرة، وَهُوَ عَلَى مناصة لَهُ عَلَى دكان تَحْتَهُ كسَاء خيبري، قَالَت: وَأَنا فِي الْحُجْرَة أُصَلِّي، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة: (إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا) الْآيَة، قَالَت: فاخذ فضل الكساء فغشاهم بِهِ، ثمَّ أخرج يَده فَأَوْمأ بهَا إِلَى السَّمَاء، ثمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي وحامتي، فَأذْهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا» قَالَت: فأدخلت رَأْسِي الْبَيْت، فَقلت: وَأَنا مِنْهُم. قَالَ: «إِنَّك إِلَى خير إِنَّك إِلَى خير» .

الخزيرة لحم يقطع صغَارًا، وَيصب عَلَيْهِ مَاء، ثمَّ يدر عَلَيْهِ دَقِيق إِذا نضج. والحامة الْخَاصَّة. وَأخرجه الإِمَام أَحْمد أَيْضا من حَدِيث عَوْف، عَن أبي الْمعدل عَطِيَّة الظفاري، عَن أَبِيه عَن أم سَلمَة أَنَّهَا حدثته، قَالَت: بَيْنَمَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي بَيْتِي يَوْمًا إِذْ قَالَت الْخَادِم: إِن عليا وَفَاطِمَة بالسدة، قَالَت: فَقَالَ لي: «قومِي فتنحي لي عَن أهل بَيْتِي» قَالَت: فَقُمْت فتنحيت فِي الْبَيْت قَرِيبا، فَدخل عَلّي وَفَاطِمَة ومعهما الْحسن وَالْحُسَيْن، وهما صبيان صغيران، فَأخذ الصَّبِيَّيْنِ فوضعهما فِي حجرَة فقبلهما، واعتنق عليا بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَفَاطِمَة بِالْيَدِ الْأُخْرَى، فَقبل فَاطِمَة وَقبل عليا، وأغدق عَلَيْهِم [عَلَيْهِ] خميصة سَوْدَاء، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِلَيْك لَا إِلَى النَّار أَنا وَأهل بَيْتِي أَنا وَأهل بَيْتِي» قَالَت: فَقلت: وَأَنا يَا رَسُول الله صَلَّى الله [وَسلم] عَلَيْك؟ قَالَ: «وَأَنت» . السدة: الْبَاب. واغدق: أرسل. والخميصة ثوب لَهُ علم. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب من حَدِيث عمر بن أبي سَلمَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة: (إِنَّمَا يريدُ الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا) الْآيَة فِي بَيت أم سَلمَة، فَدَعَا فَاطِمَة وحسنا وَحسَيْنا، فجللهم بكساء، وَعلي خلف ظَهره، فجللهم بكساء، ثمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي فَأذْهب عَنْهُم الرجس وطهرهم

تَطْهِيرا» قَالَت أم سَلمَة: وَأَنا مَعَهم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «أَنْت عَلَى مَكَانك، وَأَنت عَلَى خير» . ثمَّ قَالَ: حَدِيث غَرِيب. ثمَّ أخرج فِي بَاب فضل فَاطِمَة من حَدِيث شهر بن حَوْشَب عَن أم سَلمَة أَنه علية الصَّلَاة وَالسَّلَام جلل عَلَى الْحسن وَالْحُسَيْن وَعلي وَفَاطِمَة كسَاء [بكساء] ثمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي وَأهل حامتي، أذهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا» فَقَالَت أم سَلمَة: وَأَنا مَعَهم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «إِنَّك إِلَى خير» . ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن، وَهُوَ أحسن شَيْء رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب. قلت: وَأخرجه ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن عمر بن أبي سَلمَة وَأنس بن مَالك وَمَعْقِل بن يسَار وَعَائِشَة وَأبي الْحَمْرَاء. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الِاعْتِقَاد من حَدِيث أم سَلمَة. ثمَّ قَالَ: قَالَ الْحَاكِم: حَدِيث صَحِيح بِسَنَد رُوَاته ثِقَات.

ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك فِي الْمُسْتَدْرك، وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ جلس عَلَى فرَاشه، وأجلس فَاطِمَة عَن يَمِينه وعليا عَن يسَاره وحسنا وَحسَيْنا بَين يَدَيْهِ، وَقَالَ: «إِنَّمَا يُرِيد الله ... الْآيَة، اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهلِي» قَالَ وَاثِلَة: فَقلت من نَاحيَة الْبَيْت: وَأَنا يَا رَسُول الله من أهلك؟ قَالَ: «وَأَنت من أَهلِي» قَالَ وَاثِلَة: إِنَّهَا لمن أَرْجَى مَا أرتجي. وَأخرجه الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا. قَالَ الْحَاكِم: عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح. وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قَالَت: خرج رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ذَات غَدَاة وَعَلِيهِ مرط مرجل من شعر أسود، فجَاء الْحسن بن عَلّي فَأدْخلهُ، ثمَّ جَاءَ الْحُسَيْن فَدخل مَعَه، ثمَّ جَاءَت فَاطِمَة

فَأدْخلهَا، ثمَّ جَاءَ عَلّي فَأدْخلهُ، ثمَّ قَالَ: (إِنَّمَا يُرِيد الله ... ) الْآيَة. وَفِيه أَيْضا من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص: لما نزلت هَذِه الْآيَة: (تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم) دَعَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عليا وَفَاطِمَة وحسنا وَحسَيْنا، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهلِي» . وَأخرجه الْحَاكِم من حَدِيث عَامر بن سعد، قَالَ سعد: نزل عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الرَّحْمَة، فَأدْخل عليا وَفَاطِمَة وابنيهما تَحت ثَوْبه، ثمَّ قَالَ: «هَؤُلَاءِ أَهلِي وَأهل بَيْتِي» . وَفِيه عَلّي بن ثَابت وَبُكَيْر بن مِسْمَار، وَقد تكلم فيهمَا. وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن جَعْفَر عَن أَبِيه أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما نظر إِلَى الرَّحْمَة هابطة ألْقَى كساءه عَلَى فَاطِمَة وَعلي وولديهما، ثمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ آلي فصل عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آل مُحَمَّد» . ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح. قلت: فِي سَنَده عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الْمليكِي. قَالَ البُخَارِيّ: ذَاهِب الحَدِيث.

وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من طرق: أَحدهَا: من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، وَهَذَا مُرْسل. ثَانِيهَا: من حَدِيث شهر عَن أم سَلمَة كَمَا تقدم، وَمن حَدِيث أم حَبِيبَة بنت كيسَان، عَن أم سَلمَة، وَمن حَدِيث عَطِيَّة الطفَاوِي، عَن أَبِيه، عَن أم سَلمَة. ثَالِثهَا: من حَدِيث عمر بن أبي سَلمَة كَمَا سَاقه التِّرْمِذِيّ. رَابِعهَا: من حَدِيث وَاثِلَة. خَامِسهَا: من حَدِيث أبي بلج، عَن عَمْرو بن مَيْمُون، عَن ابْن عَبَّاس.

الحديث الرابع والخمسون

54 - الحَدِيث الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا كتاب الله وعترتي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث جَابر بن عبد الله قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله فِي حجَّته يَوْم عَرَفَة، وَهُوَ عَلَى نَاقَته الْقَصْوَاء يخْطب، فَسَمعته يَقُول: «يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي قد تركت فِيكُم مَا إِن أَخَذْتُم بِهِ لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بَيْتِي» . ثمَّ قَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب. قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أبي ذَر وَأبي سعيد وَزيد بن أَرقم وَحُذَيْفَة بن أسيد. ثمَّ أخرجه من حَدِيث زيد بن أَرقم وَأبي سعيد مَرْفُوعا بِلَفْظ المُصَنّف، إِلَّا أَنه زَاد بعد «لن تضلوا» «بعدِي أَحدهمَا أعظم من الآخر كتاب الله حَبل مَمْدُود من السَّمَاء إِلَى الأَرْض، وعترتي أهل بَيْتِي، وَلنْ يفترقا حَتَّى يردا عَلّي الْحَوْض فانظروني كَيفَ تخلفوني فيهمَا» . ثمَّ قَالَ: حسن غَرِيب.

وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله من حَدِيث أبي سعيد بِنَحْوِهِ. ثمَّ قَالَ: لَا يَصح، ووهاه بعطية الْعَوْفِيّ، وَعبد الله بن داهر. . وعطية وَحده فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَزيد بن أَرقم وَجَابِر وَحُذَيْفَة بن أسيد. وَأخرجه الإِمَام أَحْمد من حَدِيث زيد بن أَرقم بِلَفْظ: «إِنِّي تَارِك فِيكُم ثقلين كتاب الله وَأهل بَيْتِي» . وَمن حَدِيث شريك، عَن الركين، عَن الْقَاسِم بن حسان، عَن زيد بن ثَابت رَفعه: «إِنِّي تَارِك فِيكُم خليفتين كتاب الله حَبل مَمْدُود مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، وعترتي أهل بَيْتِي، وإنهما لن يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عَلّي الْحَوْض» .

وَمن حَدِيث عَطِيَّة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ بِنَحْوِ من لفظ التِّرْمِذِيّ السَّابِق. وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث زيد بن أَرقم. وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. قلت: وَهُوَ فِي مُسلم من أَفْرَاده بِلَفْظ إِنَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: «أما بعد أَلا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا أَنا بشر يُوشك أَن يأتيني رَسُول من رَبِّي فَأُجِيب، وَأَنا تَارِك فِيكُم ثقلين أَولهمَا كتاب الله، فِيهِ الْهدى والنور، فَخُذُوا بِكِتَاب الله واستمسكوا بِهِ» فَحَث عَلَى كتاب الله وَرغب فِيهِ، ثمَّ قَالَ: «وَأهل بَيْتِي أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي أذكركم ثَلَاثًا فِي أهل بَيْتِي» . فَقَالَ حُصَيْن بن سُبْرَة لزيد: وَمن أهل بَيته؟ [قَالَ] : ألسن نساؤه من أهل بَيته؟ قَالَ: نساؤه من أهل بَيته، وَلَكِن أهل بَيته من حرم الصَّدَقَة بعده. قَالَ: وَمن هم؟ قَالَ: آل عقيل وَآل جَعْفَر وَآل عَبَّاس. قَالَ: كل هَؤُلَاءِ حرم [حرمُوا] الصَّدَقَة؟ قَالَ: نعم. وَفِي رِوَايَة: «كتاب الله فِيهِ الْهدى والنور من استمسك بِهِ وَأخذ بِهِ كَانَ عَلَى الْهدى، وَمن أخطأه ضل» . وَفِي أُخْرَى: «كتاب الله هُوَ حَبل من الله، من اتبعهُ كَانَ عَلَى الْهدى، وَمن تَركه كَانَ عَلَى ضَلَالَة» .

الحديث الخامس والخمسون

وفيهَا: قُلْنَا: من أهل بَيته؟ نساؤه؟ قَالَ: لَا أيم الله، إِن الْمَرْأَة تكون مَعَ الرجل الْعَصْر من الدَّهْر، ثمَّ يطلقهَا، فترجع إِلَى أَبِيهَا وقومها، أهل بَيته أَهله وعصبته الَّذين حرمُوا الصَّدَقَة بعده. 55 - الحَدِيث الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ: قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان من رِوَايَة الْعِرْبَاض بن سَارِيَة مطولا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: حَدِيث صَحِيح لَيْسَ لَهُ عِلّة. ثمَّ أوضح ذَلِك.

الحديث السادس والخمسون

وَأما ابْن الْقطَّان فأعله بِجَهَالَة بعض رُوَاته، وَقد بَان توثيقه. 56 - الحَدِيث السَّادِس وَالْخَمْسُونَ: قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ من رِوَايَة حُذَيْفَة. وَقَالَ: حسن. وَصَححهُ ابْن حبَان. وَأخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث من أجل مَا رُوِيَ فِي فَضَائِل الشَّيْخَيْنِ، وَثَبت بِمَا ذَكرْنَاهُ صِحَّته وَإِن لم يخرجَاهُ. قَالَ: وَقد وجدنَا لَهُ شَاهدا بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عبد الله بن مَسْعُود، فَذكر بِإِسْنَاد مَرْفُوعا كَمَا تقدم. وَأما ابْن حزم فوهى الحَدِيث. 57 - الحَدِيث السَّابِع وَالْخَمْسُونَ: حَدِيث «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» .

هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عبد بن حميد فِي مُسْنده وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْفَضَائِل من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا كَذَلِك، لكنه قَالَ بدل «اقْتَدَيْتُمْ» «بِأَيِّهِمْ أَخَذْتُم بقوله اهْتَدَيْتُمْ» وَهُوَ هُوَ. وَرُوِيَ أَيْضا من طَرِيق وَالِده عمر بن الْخطاب وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر، وَكلهَا معلولة. قَالَ الْبَزَّار وَقد سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث؟ فَقَالَ: مُنكر، وَلَا يَصح عَن رَسُول الله. وَأما ابْن حزم فَقَالَ فِي رسَالَته الْكُبْرَى فِي الْكَلَام عَلَى إبِْطَال الْقيَاس

الحديث الثامن والخمسون

والتقليد وَغَيرهمَا: هَذَا حَدِيث مَكْذُوب مَوْضُوع بَاطِل، لم يَصح قطّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب «الإعتقاد» بعد أَن ذكر حَدِيث أبي مُوسَى الْمَرْفُوع: «النُّجُوم أَمَنَة السَّمَاء، فَإِذا ذهبت النُّجُوم أَتَى أهل السَّمَاء مَا يوعدون، وَأَنا أَمَنَة لِأَصْحَابِي، فَإِذا ذهبت أَتَى أَصْحَابِي مَا يوعدون، وأصحابي أَمَنَة لأمتي فَإِذا ذهبت أَتَى أمتِي مَا يوعدون» . وَقَالَ: رَوَاهُ مُسلم بِمَعْنَاهُ. رَوَى عَنهُ فِي حَدِيث بِإِسْنَاد غير قوي، وَفِي حَدِيث مُنْقَطع أَنه قَالَ: «مثل أَصْحَابِي كَمثل النُّجُوم فِي السَّمَاء، من أَخذ بِنَجْم مِنْهَا اهْتَدَى» . قَالَ: وَالَّذِي رَوَيْنَاهُ هَهُنَا من الحَدِيث الصَّحِيح يُؤَدِّي بعض مَعْنَاهُ. 58 - الحَدِيث الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ: حَدِيث «عَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم» . هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق. مِنْهَا: عَن أنس وَابْن عمر، وَقد قدمت الْكَلَام عَلَيْهِمَا فِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين. وَمِنْهَا: عَن أبي الدَّرْدَاء وَغَيره. فَفِي المعجم الْكَبِير للطبراني من حَدِيث كثير بن مَرْوَان الفلسطيني عَن عبد الله بن يزِيد بن آدم الدِّمَشْقِي، حَدثنِي أَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو أُمَامَة وواثلة

الحديث التاسع والخمسون، والحديث الستون

وَأنس مَرْفُوعا: «إِن بني إِسْرَائِيل افْتَرَقُوا عَلَى إِحْدَى وَسبعين فرقة، كلهم عَلَى الضَّلَالَة إِلَّا السوَاد الْأَعْظَم» قَالُوا: من السوَاد الْأَعْظَم؟ قَالَ: «مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي» . هَذَا سَنَد واه، كثير هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَعبد الله بن يزِيد بن آدم قَالَ أَحْمد: أَحَادِيثه مَوْضُوعه. 59 - 60 - الحَدِيث التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ، والْحَدِيث السِّتُّونَ: حَدِيث معَاذ وَأبي مُوسَى فِي إِثْبَات الْقيَاس. أما حَدِيث معَاذ فَهُوَ مَشْهُور، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَضَعفه هُوَ وَالْبُخَارِيّ وَابْن حزم. وَقَالَ عبد الْحق: لَا يسند وَلَا يُوجد من وَجه صَحِيح. وَأما حَدِيث أبي مُوسَى فَلم أره الْآن بعد أَن بحثت عَنهُ، [وَلَا يحضرني فِي ذَلِك إِلَّا أَمر عمر إِيَّاه بِالْقِيَاسِ، وَالْمُصَنّف ذكره بعد، وغاير بَينهمَا] . 61 - الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: حَدِيث: «تعْمل هَذِه الْأمة بُرْهَة

الحديث الثاني والستون

بِالْكتاب، وبرهة بِالسنةِ، وبرهة بِالْقِيَاسِ، فَإِذا فعلوا ذَلِك فقد ضلوا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي كتاب «الْعلم» والهروي فِي «ذمّ الْكَلَام» من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلَفظه: «تعْمل هَذِه الْأمة بُرْهَة بِكِتَاب الله، ثمَّ تعْمل بعد ذَلِك بُرْهَة بِسنة رَسُول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ] ، ثمَّ تعْمل بعد ذَلِك بُرْهَة بِالرَّأْيِ، فَإِذا عمِلُوا بِالرَّأْيِ فقد ضلوا» . فِيهِ جبارَة بن الْمُغلس، وَعُثْمَان الوقاصي، وَالْأول مُضْطَرب الحَدِيث كَمَا قَالَ البُخَارِيّ، وَالثَّانِي تَرَكُوهُ، قَالَه البُخَارِيّ أَيْضا. 62 - الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: حَدِيث: «اخْتِلَاف أمتِي رَحْمَة» . هَذَا الحَدِيث لم أر من خرجه مَرْفُوعا بعد الْبَحْث الشَّديد عَنهُ.

الحديث الثالث والستون

وَإِنَّمَا نَقله ابْن الْأَثِير فِي مُقَدّمَة جَامعه من قَول مَالك. وَفِي الْمدْخل للبيهقي عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَنه قَالَ: اخْتِلَاف أمة مُحَمَّد رَحْمَة. وَرَأَيْت بِخَط بَعضهم أَن الْحَلِيمِيّ قَالَ: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ] : «اخْتِلَاف أمتِي رَحْمَة» أَي فِي الْحَرْف والصنائع. 63 - الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتُّونَ: قَالَ المُصَنّف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: احْتَجُّوا أَي احْتج المنكرون للْقِيَاس بأوجه ... السَّادِس: أَن الشَّارِع فضل بَين الْأَزْمِنَة والأمكنة فِي الشّرف، وَالصَّلَاة فِي الْقصر ... إِلَى آخِره. مُرَاده بذلك تَفْضِيل لَيْلَة الْقدر عَلَى غَيرهَا، وَالْأَشْهر الْحرم عَلَى غَيرهَا، وَذَلِكَ بِنَصّ الْقُرْآن، وَكَذَا تَفْضِيل مَكَّة وَالْمَدينَة عَلَى مَا سواهُمَا، فصح فِي مَكَّة: «وَالله إِنَّك أحب أَرض الله إِلَى الله، وَلَوْلَا أَنِّي أخرجت مِنْك مَا خرجت» . كَمَا رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ من حَدِيث عبد الله بن عدي بن الْحَمْرَاء.

الحديث الرابع والستون

وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا. وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من الطَّرِيقَيْنِ. وَصَحَّ فِي الْمَدِينَة عدَّة أَحَادِيث شهيرة. وَأما قصر الرّبَاعِيّة دون غَيرهَا فَهُوَ مَشْهُور من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وأجمعت الْأمة عَلَيْهِ. 64 - الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتُّونَ: حَدِيث: «إِنَّمَا جعل الإستئذان من أجل الْبَصَر» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث سهل بن سعد رَضِي الله [عَنهُ] . 65 - الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتُّونَ: حَدِيث: «إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَن ادخار لُحُوم الْأَضَاحِي لأجل الدأفة» .

الحديث السابع والستون

هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه مُسلم من حَدِيث عَائِشَة. 66 -[الحَدِيث] السَّادِس وَالسِّتُّونَ: قَوْله عَلَيْهِ [الصَّلَاة و] السَّلَام: «لَا تقربوه طيبا» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح أَيْضا، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الْمحرم الَّذِي أوقصته نَاقَته، [بِلَفْظ: «لاتمسوه طيبا» . 67 - الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتُّونَ: حَدِيث: «إِنَّهَا - يَعْنِي الْهِرَّة - من الطوافين عَلَيْكُم أَو الطوافات» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من رِوَايَة أبي قَتَادَة. وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم. وَخَالف ابْن مَنْدَه فأعله بِمَا بيّنت وهنه فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ والمهذب والوسيط.

الحديث الثامن والستون

68 - الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتُّونَ: حَدِيث: زنا مَاعِز فرجم. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَقد تقدم فِي الْكتاب. 69 - الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتُّونَ: حَدِيث: المواقع أَهله فِي رَمَضَان، وَأمره عَلَيْهِ [الصَّلَاة و] السَّلَام بِأَن يعْتق رَقَبَة. هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مطولا [والسياقة فِي الْكتاب لِابْنِ مَاجَه] . 70 - الحَدِيث السبعون: حَدِيث: «تَمْرَة طيبَة وَمَاء طهُور» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث أبي زيد، عَن عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ لَهُ لَيْلَة الْجِنّ: «عنْدك طهُور؟» قَالَ: لاإلا شَيْء من نَبِيذ فِي إداوة، قَالَ: «تَمْرَة طيبَة وَمَاء طهُور» . وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف. قَالَ التِّرْمِذِيّ: لم يروه غير أبي زيد، وَهُوَ مَجْهُول لَا يعرف، لَا يعرف عَنهُ غير هَذَا الحَدِيث.

وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: قَالَ أَبُو زرْعَة: هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح، وَأَبُو زيد مَجْهُول. وَكَذَا قَالَ البُخَارِيّ: إِنَّه مَجْهُول. وَقَالَ ابْن عدي: أَبُو زيد هَذَا مَجْهُول، وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَهُوَ خلاف الْقُرْآن. قلت: وَثَبت فِي الصَّحِيح عَن ابْن مَسْعُود أَنه لم يكن لَيْلَة الْجِنّ مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. قَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَفْسِير سُورَة الْجِنّ: رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود حَدِيث تداوله الْأَئِمَّة الثِّقَات، عَن رجل مَجْهُول، عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لَيْلَة الْجِنّ. وَقَالَ قَاسم بن اصبغ: قَالَ مُوسَى - يَعْنِي ابْن هَارُون - الْحَافِظ: هَذَا عندنَا حَدِيث بَاطِل، وَلَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن ابْن مَسْعُود إِلَّا أَبُو زيد هَذَا، وَهُوَ مَجْهُول، والْحَدِيث عندنَا مَوْضُوع، لِأَن عبد الله لم يكن مَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لَيْلَة الْجِنّ، وَهُوَ رَحْمَة الله يَقُول: لم يَصْحَبهُ منا أحد. وانصف الطَّحَاوِيّ الْحَنَفِيّ حَيْثُ قَالَ: إِنَّمَا ذهب أَو حنيفَة وَمُحَمّد إِلَى الْوضُوء بالنبيذ اعْتِمَادًا عَلَى حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَلَا أصل لَهُ، وَلَا مَعْنَى لتطويل كتابي بِشَيْء فِيهِ.

الحديث الحادي والسبعون

71 - الحَدِيث الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: حَدِيث: «أينقص الرطب إِذا جف؟» قيل: نعم، قَالَ: «فَلَا إِذن» . هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ. وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم. وَخَالف ابْن حزم فأعله بِمَا وهم فِيهِ. 72 - الحَدِيث الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: أَن عمر قَالَ: هششت فَقبلت وَأَنا صَائِم، فَقلت: يَا رَسُول الله صنعت الْيَوْم أمرا عَظِيما، قبلت وَأَنا صَائِم، قَالَ: «أَرَأَيْت لَو تمضمضت من المَاء وَأَنت صَائِم؟» قلت: لَا بَأْس، قَالَ: «فَمه» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث جَابر، فَذكره. وَأعله النَّسَائِيّ. وَأما ابْن حبَان فصححه، وَكَذَا الْحَاكِم، وَقَالَ: عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.

الحديث الثالث والسبعون

وَهُوَ موضح جدا فِيمَا خرجته من أَحَادِيث الْمُهَذّب مَعَ تَبْيِين غلط وَقع لأبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ الْحَافِظ فِيهِ، فسارع إِلَيْهِ. 73 - الحَدِيث الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ: حَدِيث: «إِذا اخْتلفت هَذِه الْأَجْنَاس فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عبَادَة. وَهُوَ من أَفْرَاده. 74 - الحَدِيث الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ: حَدِيث: «الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة ابْن عَبَّاس. 75 - الحَدِيث الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ: حَدِيث: «لَا ضَرَر وَلَا ضرار فِي الْإِسْلَام» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله من حَدِيث وَاسع بن حبَان

الحديث السادس والسبعون

بِلَفْظ: «لَا ضَرَر فِي الْإِسْلَام وَلَا ضرار» وَفِي مُسْند أَحْمد من طَرِيق ابْن عَبَّاس: «لَا ضَرَر وَلَا إِضْرَار» . كَذَا هُوَ بِالْألف، وَكَذَا هُوَ فِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم من طَرِيق أبي سعيد الْخُدْرِيّ. وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم. وَأما ابْن حزم فَإِنَّهُ وَهِي هَذَا الحَدِيث بِمَا أوضحت وهنه فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ والمهذب. 76 - الحَدِيث السَّادِس وَالسَّبْعُونَ: حَدِيث: «نَحن نحكم بِالظَّاهِرِ» .

الحديث السابع والسبعون

هَذَا الحَدِيث لم أره كَذَلِك، وَأنْكرهُ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي. نعم فِي الصَّحِيح من حَدِيث أم سَلمَة: «إِنَّمَا أَنا بشر وَأَنْتُم تختصمون إِلَيّ، وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن من بعض، فأقضي لَهُ عَلَى نَحْو مَا أسمع ... » الحَدِيث. وَقد ترْجم النَّسَائِيّ فِي سنَنه عَلَى هَذَا الحَدِيث «بَاب الحكم بِالظَّاهِرِ» . وَفِي البُخَارِيّ عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: إِنَّمَا نأخذكم الْآن بِمَا ظهر لنا من أَعمالكُم. 77 - الحَدِيث السَّابِع وَالسَّبْعُونَ: حَدِيث: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» . هَذَا الحَدِيث تقدم. 78 - الحَدِيث الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بَعْدَمَا أنشدت ابْنة النَّضر بن الْحَارِث تِلْكَ الأبيات الشهيرة: «لَو سَمِعت مَا [لما] قتلت» .

الحديث التاسع والسبعون

هَذَا ذكره كُله ابْن إِسْحَاق وَغَيره، وَسَمَّى أُخْته قتيله. [لَكِن ذكر أَن المنشدة قتيلة. نعم رَوَى الرَّوْيَانِيّ كَمَا ذكره المُصَنّف. وَقَالَ بعض الْعلمَاء: قَوْله: «لَو سَمِعت مَا قتلت» لم يثبت لنا بِإِسْنَاد صَحِيح. وَقَالَ بعض أهل الْعلم عَلَى مَا حَكَاهُ الزبير فِي كتاب «أَنْسَاب قُرَيْش» أَن شعرهَا مَصْنُوع. وَقَوله: وَنَحْوه أَي كَحَدِيث: «إِلَّا الْإِذْخر» وَحَدِيث: «لَوْلَا أَن أشق عَلَى أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة» . وَحَدِيث: «نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها» ] . 79 - الحَدِيث التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ: حَدِيث سُؤال الْأَقْرَع بن حَابِس فِي الْحَج: أكل عَام هُوَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «لَو قلت: نعم، لوَجَبَ» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ الْحَاكِم، كلهم من حَدِيث ابْن عَبَّاس.

الحديث الثمانون

وَفِي مُسلم نَحوه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَفِيه فَقَامَ رجل. 80 - الحَدِيث الثَّمَانُونَ: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ لأبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «لَا تقضي [لَا تقضين] فِي شَيْء وَاحِد بحكمين مُخْتَلفين» . هَذَا الحَدِيث لم أره الْآن. [ثمَّ رَأَيْته بعد من حَدِيث أبي بكرَة بِالْهَاءِ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «لَا يقْضِي القَاضِي فِي أَمر وَاحِد بقضاءين» . ذكره الْمزي فِي تهذيبه فِي تَرْجَمَة عبد الرَّحْمَن بن جوشن من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن صَدَقَة، عَن سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن أبي بشر جَعْفَر بن أياس، عَن ابْن جوشن، عَن أبي بكرَة بِهِ. ثمَّ قَالَ: وَخَالفهُ مُبشر بن عبد الله عَن رزين، فَرَوَاهُ عَن سُفْيَان هَذَا، عَن جَعْفَر بن أياس، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة، قَالَ: كتب أَبُو بكر [ة] فَذكره] . 81 - الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: حَدِيث: «إِذا التقَى الختانان ... » . [هَذَا] الحَدِيث قد تقدم. 82 - الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: حَدِيث: «إِنَّمَا المَاء من المَاء» .

الحديث الثالث والثمانون

هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي سعيد كَذَلِك. 83 - الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهَدَاء؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ كَذَلِك. 84 - الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «ثمَّ يفشو الْكَذِب، حَتَّى يشْهد الرجل قبل أَن يستشهد» . هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعمْرَان بِنَحْوِهِ. وَاللَّفْظ الْمَذْكُور هُوَ لِابْنِ حبَان من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. 85 - الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ: حَدِيث: «مَا اجْتمع الْحَلَال وَالْحرَام إِلَّا وَغلب الْحَرَام الْحَلَال» .

الحديث السادس والثمانون

هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: رَوَاهُ جَابر الْجعْفِيّ عَن الشّعبِيّ عَن ابْن مَسْعُود. وَجَابِر ضَعِيف، وَالشعْبِيّ عَن ابْن مَسْعُود مُنْقَطع. قلت: وَله معَارض ضَعِيف أَيْضا. فَفِي ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عمر رَفعه: «لَا يحرم الْحَرَام الْحَلَال» . فِيهِ إِسْحَاق الْفَروِي، أخرج لَهُ البُخَارِيّ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: واه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يتْرك. 86 - الحَدِيث السَّادِس وَالثَّمَانُونَ: «ادرأوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ» . ذكره الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث عَلّي مَرْفُوعا كَذَلِك.

الحديث السابع والثمانون

وَهُوَ فِي التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا بِلَفْظ: «ادرأوا الْحُدُود عَن الْمُسلمين مَا اسْتَطَعْتُم» . وَضعف التِّرْمِذِيّ رَفعه. وَأما الْحَاكِم فصححه. 87 - الحَدِيث السَّابِع وَالثَّمَانُونَ: حَدِيث: «من أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَمن أَخطَأ فَلهُ أجر» . هَذَا الحَدِيث اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ. وَفِي رِوَايَة للْحَاكِم: «إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر، وَإِن أصَاب فَلهُ عشرَة أجور» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْكتاب بِحَمْد الله وَمِنْه [وَالْحَمْد لله عَلَى إِتْمَامه] .

88 - وَذكر فِيهِ قصَّة ابْن الزبعْرَى. وَهِي مَشْهُورَة فِي التَّفْسِير والمغازي، وَقد رَوَاهَا الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تواريخ الْأَنْبِيَاء مِنْهُ عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: لما نزلت (إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله) الْآيَة قَالَ الْمُشْركُونَ: الْمَلَائِكَة وَعِيسَى وعزير يعْبدُونَ من دون الله، قَالَ لَو كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذين يعْبدُونَ من دون الله آلِهَة مَا وردوها، قَالَ: فَنزلت (إِن الَّذين سبقت [لَهُم منا الْحُسْنَى) ] الْآيَة، عِيسَى وعزيرا وَالْمَلَائِكَة. قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَرَوَاهَا أَيْضا الْهَرَوِيّ فِي «ذمّ الْكَلَام» فِي أَوَائِل الْجُزْء الْخَامِس مِنْهُ من حَدِيث أبي كُدَيْنَة، - وَهُوَ يَحْيَى بن الْمُهلب الثِّقَة - عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت (إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ) الْآيَة، قَالَ الْمُشْركُونَ: فَإِن عِيسَى وعزيرا وَالشَّمْس وَالْقَمَر يعْبدُونَ، فَأنْزل الله (إِن الَّذين سبقت) الْآيَة.

الآثار

وَذكر ابْن إِسْحَاق فِي مغازيه أَن قَائِل ذَلِك هُوَ عبد الله بن الزبعري. وَوَقع فِي الْمُسْتَصْفَى للغزالي أَن قَائِله بعض الْيَهُود. 89 - وَذكر فِيهِ أَيْضا أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُزَوّج بَنَاته من بنيه كَذَا نقل. وَفِي الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب الْأَمر بذلك. وَأما الْآثَار الَّتِي ذكرهَا المُصَنّف فِي الْكتاب.

فأحدها

90 - فأحدها: عَن ابْن عَبَّاس أَنه لَا يشْتَرط الِاتِّصَال فِي الِاسْتِثْنَاء. وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَنهُ أَنه قَالَ: إِذا حلف الرجل عَلَى يَمِين فَلهُ أَن يَسْتَثْنِي وَلَو إِلَى سنة. وَإِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة (وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت) قَالَ: إِذا ذكر اسْتثْنى. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. 91 - وَثَانِيها: عَن عَلّي كرم الله وَجهه أَنه وَافق الصَّحَابَة فِي منع بيع أم الْوَلَد، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ. هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه. 92 - وَثَالِثهَا: عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ فِي الْكَلَالَة: أَقُول برأيي: الْكَلَالَة مَا عدا الْوَالِد وَالْولد. وَهَذَا الْأَثر لم أره الْآن كَذَلِك. وَفِي آخر كتاب قَاسم بن مُحَمَّد فِي الرَّد عَلَى المقلدين لمَالِك. رَوَى عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، عَن حَمَّاد بن زيد، عَن سعيد بن أبي صَدَقَة، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، قَالَ: لم يكن أحد أهيب لما لَا يعلم بعد

ورابعها

رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من أبي بكر، وَلم يكن أحد أهيب بعد أبي بكر من عمر، وَإِنَّهَا نزلت بِأبي بكر فَرِيضَة فَلم يجد لَهَا فِي كتاب الله أصلا، وَلَا فِي السّنة أثرا، قَالَ: أَقُول فِيهَا برأيي، فَإِن يكن صَوَابا فَمن الله، وَإِن يكن خطأ فمني، واستغفر الله. كَذَا ذكره. وَفِي الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح إِلَيْهِ أَنه فسر الْكَلَالَة بإخوة الْأُم، فَلَمَّا ولي عمر قَالَ: إِنِّي لأستحيي أَن أرد شَيْئا قَالَه أَبُو بكر. 93 - وَرَابِعهَا: عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه أَمر أَبَا مُوسَى فِي عَهده بِالْقِيَاسِ. وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، وَهُوَ طَوِيل تحْتَاج الْقُضَاة إِلَيْهِ. وأسنده ابْن حزم من طَرِيقين لم يصححهما. 94 - وخامسها: عَن عمر أَنه قَالَ: أَقْْضِي فِي الْجد برأيي. 95 - وسادسها: قَول عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: إِن اتبعت رَأْيك فسديد، وَإِن تتبع رَأْي من قبلك فَنعم الرَّأْي. وهما مشهوران عَنْهُمَا.

وسابعها

96 - وسابعها: عَن عَلّي أَنه قَالَ: اجْتمع رَأْيِي ورأي عمر فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد أَن لَا يبعن، وَقد رَأَيْت الْآن بيعهنَّ. وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، وَهُوَ عين الثَّانِي من هَذِه الْآثَار. 97 - وثامنها: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَاس الْجد عَلَى ابْن الإبن فِي الْحجب - يَعْنِي فِي حجب الْأُخوة، فَقَالَ: أَلا يَتَّقِي الله زيد بن ثَابت جعل ابْن الإبن ابْنا. وَلَا يَجْعَل أَبَا الْأَب أَبَا. 98 - وتاسعها: أَن أَبَا بكر نصب زيد بن ثَابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما مَعَ أَنه كَانَ يُخَالِفهُ فِي الْجد وَغَيره. 99 - وعاشرها: قَول عبد الرَّحْمَن لعُثْمَان: أُبَايِعك عَلَى كتاب الله وَسنة رَسُوله وسيرة الشَّيْخَيْنِ. وَهَذَا كُله مَشْهُور عَنْهُم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم، والأخير أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِلَفْظ: أُبَايِعك عَلَى سنة الله وَرَسُوله والخليفتين من بعده، فَبَايعهُ عبد الرَّحْمَن وَبَايَعَهُ النَّاس. 100 - وَذكر فِيهِ عَن الْمُخَالف أَن الصَّحَابَة ذموا الْقيَاس. حَيْثُ قَالَ: قيل: ذموه.

وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير عَن ابْن مَسْعُود: لَا تقيسوا شَيْئا فتزل قدم بعد ثُبُوتهَا. وَعنهُ أَيْضا: أياكم وأريت وأريت، وَلَا تقيسوا شَيْئا فتزل قدم بعد ثُبُوتهَا. وَعَن سهل بن حنيف: اتهموا رَأْيكُمْ. وَعَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: يَا أَيهَا النَّاس اتهموا الرَّأْي عَلَى الدَّين. وَفِي هَذَا مبارك بن فضَالة، وَقد ضعفه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ، وَكَانَ يُدَلس. وَعَن مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن ابْن مَسْعُود أَيْضا: يحدث قوم يقيسون الْأُمُور برأيهم، فينهدم الإٍسلام دينكُمْ. قلت: وَفِي مُسْند أَحْمد وَسنَن أبي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عَلّي كرم الله وَجهه أَنه قَالَ: لَو كَانَ الدَّين بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَل الْخُف أولَى بِالْمَسْحِ من أَعْلَاهُ، لقد رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يمسح عَلَى ظَاهر خفيه.

قَالَ عبد الْغَنِيّ [الْحق] : إِسْنَاده صَحِيح، وَرِجَاله ثِقَات. آخر تَخْرِيج أَحَادِيث الْمِنْهَاج [منهاج] الْأُصُول للْقَاضِي نَاصِر الدَّين الْبَيْضَاوِيّ [رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى] تغمده الله برحمته، وَأَسْكَنَهُ فسيح جنته آمين يَا رب الْعَالمين. وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين عَلَى وَجه الإختصار والعجلة. الْحَمد لله وَحده، وَصَلى الله عَلَى سيدنَا مُحَمَّد وَصَحبه وَسلم وكرم إِلَى يَوْم الدَّين صَلَاة دائمة. وَافق تَعْلِيقه يَوْم الْخَمِيس سادس عشْرين شَوَّال المكرم سنة خمس وَخمسين وَسبع مئة.

الملاحق

الملاحق الملحق الأول حَدِيث معَاذ وَالِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى حجَّة الْقيَاس الملحق الثَّانِي حول حَدِيث إِنَّهَا لَيست بنحس إِنَّهَا من الطوافين أَو الطوافات بقلم حمدي عبد الْمجِيد السلَفِي

الملحق الأول حديث معاذ والاستدلال به على حجية القياس

الملحق الأول حَدِيث معَاذ وَالِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى حجية الْقيَاس - 1 - الْقيَاس حجَّة من حجج الشَّرِيعَة الإسلامية، ولحجية الْقيَاس أَدِلَّة لَا مجَال لذكرها هُنَا، وَلَيْسَ غرضنا فِي هَذَا الْمقَال إِثْبَات حجية الْقيَاس بل غرضنا إِثْبَات ضعف حَدِيث معَاذ عِنْد الْمُحدثين الَّذين هم أَصْحَاب القَوْل والكلمة فِي ذَلِك، والْحَدِيث الضَّعِيف لَا يحْتَج بِهِ عَلَى إِثْبَات فرع من فروع الشَّرِيعَة فَكيف يسْتَدلّ بِهِ عَلَى إِثْبَات أصل من أصُول الشَّرِيعَة؟ وَقد تكلم المحدثون فِي تَخْرِيج هَذَا الحَدِيث وأسهبوا، مِنْهُم الْحَافِظ ابْن كثير والحافظ ابْن الملقن والحافظ الْعِرَاقِيّ والحافظ الزَّرْكَشِيّ والحافظ ابْن حجر وَغَيرهم، وَبَين المحدثون ضعف هَذَا الحَدِيث بل نقل الْحَافِظ ابْن الملقن إِجْمَاع الْمُحدثين عَلَى ضعفه كَمَا سيمر بك آنِفا. وَمَعَ هَذَا حاول بعض الْأُصُولِيِّينَ تقويته وتصحيحه، وَقد أطلق صِحَّته جمَاعَة من الْفُقَهَاء كالباقلاني وَأبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَأبي الْعَبَّاس بن الْقَاص لشهرته وتلقي الْعلمَاء لَهُ بِالْقبُولِ. وَقد كتب الشَّيْخ زاهد الكوثري مقَالا فِي تقويته نشر ضمن مقالاته

(60 - 64) ثمَّ سرق الْمقَالة الْمَذْكُورَة من ألفها إِلَى يائها الْمَدْعُو الشَّيْخ عَلّي عبد الله الداغستاني فنشرها باسمه فِي مجلة التمدن الإسلامي (المجلد 21 ص 173 - 177) فَلم يزدْ وَلم ينقص حرفا وَلم يستحي من فعلته الشنيعة. ورأينا أَن ننقل للقراء الْكِرَام مَا كتبه الْحَافِظ ابْن الملقن فِي الْبَدْر الْمُنِير مَعَ التَّعْلِيق عَلَيْهِ، ودحض شبه الَّذين قووا الحَدِيث الْمَذْكُور، وَقد كُنَّا أسهبنا فِي ذَلِك فِي تعليقنا عَلَى الْمُعْتَبر فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْمِنْهَاج والمختصر. قَالَ الْحَافِظ ابْن الملقن فِي الْبَدْر الْمُنِير (5/ق 214 - 216) : هَذَا الحَدِيث كثيرا مَا يتَكَرَّر فِي كتب الْفُقَهَاء وَالْأُصُول (يين) والمحدثين ويعتمدون عَلَيْهِ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف بِإِجْمَاع أهل النَّقْل فِيمَا أعلم. وَقد أخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْحَارِث بن عَمْرو عَن أنَاس من أهل حمص من أَصْحَاب معَاذ أَن رَسُول الله لما أَرَادَ أَن يبْعَث معَاذًا إِلَى الْيمن فَذكره بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور (أَي فِي الشَّرْح الْكَبِير للرافعي) . ثمَّ رَوَاهُ من رِوَايَة الْحَارِث بن عَمْرو عَن أنَاس من أَصْحَاب معَاذ بن جبل (عَن معَاذ بن جبل) أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما بَعثه إِلَى الْيمن بِمَعْنَاهُ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْحَارِث بن عَمْرو عَن رجل (كَذَا وَالصَّوَاب رجال) من أَصْحَاب معَاذ عَن معَاذ. وَمن حَدِيث الْحَارِث أَيْضا عَن أنَاس من أهل حمص عَن معَاذ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث الْحَارِث بن عَمْرو عَن معَاذ، كَذَا وجدت فِي النُّسْخَة الَّتِي نظرت مِنْهَا.

وَأخرجه أَحْمد كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد ثَانِيًا. قَالَ ابْن عدي فِي كَامِله: قَالَ البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ: الْحَارِث بن عَمْرو ابْن أخي الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ عَن أَصْحَاب معَاذ عَن معَاذ، وَرَوَى عَنهُ أَبُو عون، وَلَا يَصح، وَلَا يعرف إِلَّا بِهَذَا، وَهُوَ مُرْسل. قَالَ ابْن عدي: والْحَارث بن عَمْرو، وَهُوَ مَعْرُوف بِهَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره البُخَارِيّ عَن معَاذ لما وَجهه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى الْيمن. فَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه وَلَيْسَ إِسْنَاده عِنْدِي بِمُتَّصِل. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: رَوَاهُ شُعْبَة عَن أبي عون عَن الْحَارِث بن عَمْرو عَن أَصْحَاب معَاذ عَن معَاذ حدث بِهِ كَذَلِك عَن شُعْبَة يزِيد بن هَارُون وَيَحْيَى الْقطَّان ووكيع وَعَفَّان وَعَاصِم بن عَلّي وغندر. وأرسله

عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَأَبُو الْوَلِيد والرصاصي وَعلي بن الْجَعْد وَعَمْرو بن مَرْزُوق. وَقَالَ أَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة قَالَ مرّة عَن معَاذ وَأكْثر مَا كَانَ يحدثنا عَن أَصْحَاب معَاذ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَرُوِيَ عَن مسعر عَن أبي عون مُرْسلا والمرسل أصح. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي كِتَابه الْمُحَلَّى شرح المجلى: هَذَا حَدِيث لَا يَصح. لِأَنَّهُ لم يروه أحد إِلَّا الْحَارِث بن عَمْرو وَهُوَ

مَجْهُول، لَا نَدْرِي من هُوَ عَن رجال من أهل حمص لم يسمهم عَن معَاذ. وَقَالَ فِي رسَالَته فِي إبِْطَال الْقيَاس: هَذَا الحَدِيث الْمَأْثُور وَهُوَ عمدتهم، وَهُوَ حَدِيث غير صَحِيح، لِأَنَّهُ عَن الْحَارِث بن عَمْرو الْهُذلِيّ ابْن أخي الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ، وَلَا يدْرِي أحد من هُوَ؟ وَلَا يعرف لَهُ غير هَذَا الحَدِيث، ذكر ذَلِك البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْأَوْسَط فِي الطَّبَقَات ثمَّ هُوَ أَيْضا عَن رجال من أهل حمص من أَصْحَاب معَاذ وَلَا يجوز الْأَخْذ بِالدّينِ عَمَّن لَا يدْرِي من هُوَ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ عَن الثِّقَات المعروفين. قَالَ: وَقد اتّفق الْجَمِيع عَلَى أَنه لَا يجوز شَهَادَة من لَا يدْرِي حَاله، وَنقل الحَدِيث شَهَادَة من أعظم الشَّهَادَات، لِأَنَّهَا شَهَادَة عَلَى الله وَعَلَى رَسُوله، فَلَا يحل أَن يتساهل فِي ذَلِك أصلا. قَالَ: وَقد موه قوم لم يبالوا بِالْكَذِبِ فَقَالُوا: إِن هَذَا الْخَبَر مَنْقُول نقل التَّوَاتُر، وَهَذَا كذب ظَاهر، لِأَن نقل التَّوَاتُر هُوَ أَن يكون نَقله فِي عصر متواترا من مبدئه إِلَى مبلغه، وَأما مَا رَجَعَ من مبدئه إِلَى وَاحِد مَجْهُول، فَهَذَا ضد التَّوَاتُر، لم يعرف قطّ قَدِيما، وَلَا ذكره أحد من الصَّحَابَة عَنْهُم وَلَا من التَّابِعين حَتَّى تسلمه عَن أبي عون حَتَّى تعلق بِهِ الْمُتَأَخّرُونَ

فأفشوه إِلَى أتباعهم ومقلديهم فعرفوه، وَمَا احْتج بِهِ قطّ أحد من الْمُتَقَدِّمين، لِأَن مخرجه واه ضَعِيف، وَرَوَاهُ مَعَ ذَلِك عَن ابي عون شُعْبَة وَأَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان بن فَيْرُوز الشَّيْبَانِيّ فَقَط، وَلم يروه غَيرهمَا، وَكِلَاهُمَا ثِقَة حَافظ وَاخْتلفَا فِيهِ، فَرَوَاهُ شُعْبَة عَن أبي عون عَن نَاس من أَصْحَاب معَاذ من أهل حمص أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن عبيد الله الثَّقَفِيّ هُوَ أَبُو عون قَالَ: لما بعث رَسُول الله الحَدِيث. قَالَ: وَأَيْضًا من الْبَاطِل الْمَقْطُوع بِهِ أَن يُضَاف مثل هَذَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وَهُوَ أَن يَقُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لِمعَاذ: «إِن لم تَجِد فِي كتاب الله وَلَا فِي سنة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قد سُئِلَ عَن الْخمر فَقَالَ: «مَا أنزل الله عَلّي فِيهِ شَيْء (كَذَا الصَّوَاب شَيْئا» إِلَّا هَذِه الْآيَة الفاذة (فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره) فَلم يحكم فِيهَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بِحكم الْبَتَّةَ بِغَيْر الْوَحْي، فَكيف ذَلِك لغيره، وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قد أَتَانَا بقوله من ربه الصَّادِق: (مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء) وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: (لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم) فَلَا سَبِيل إِلَى وجود شَرِيعَة

لله تَعَالَى فَرضهَا فِي الْكتاب وَلم يسنها رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. قَالَ: فصح أَن هَذَا اللَّفْظ لَا يجوز أَن يَقُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. هَذَا آخر كَلَام الْحَافِظ أبي مُحَمَّد بن حزم مُلَخصا. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: هَذَا الحَدِيث لَا يسند وَلَا يُوجد من وَجه صَحِيح. وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي كتاب الْوَهم وَالْإِيهَام: الْحَارِث هَذَا لَا يعرف لَهُ حَال وَلَا يدْرِي رَوَى عَنهُ غير ابْن عون مُحَمَّد بن عبيد الله الثَّقَفِيّ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: حَدِيث لَا يَصح، وَإِن كَانَ الْفُقَهَاء كلهم يذكرُونَهُ فِي كتبهمْ ويعتمدون عَلَيْهِ. قَالَ: ولعمري مَعْنَاهُ صَحِيح، إِنَّمَا ثُبُوته لَا يعرف، لِأَن الْحَارِث بن عَمْرو مَجْهُول. وَأَصْحَاب معَاذ من أهل حمص لَا يعْرفُونَ، وَمَا هَذَا طَرِيقه فَلَا وَجه لثُبُوته.

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن طَاهِر فِي المُصَنّف الَّذِي لَهُ عَلَى هَذَا الحَدِيث: اعْلَم أنني فحصت عَن هَذَا الحَدِيث فِي المسانيد الْكِبَار وَالصغَار، وَسَأَلت من لَقيته من أهل الْعلم بِالنَّقْلِ عَنهُ فَلم أجد لَهُ غير طَرِيقين: أَحدهمَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن أبي عون عَن الْحَارِث بن عَمْرو ابْن أخي الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَن أنَاس من أهل حمص من أَصْحَاب معَاذ عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَثَانِيهمَا: عَن مُحَمَّد بن جَابر الْيَمَانِيّ عَن أشعت بن أبي الشعْثَاء عَن رجل من ثَقِيف عَن معَاذ عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَالطَّرِيق الأول مَدَاره عَلَى الْحَارِث بن عَمْرو وَهُوَ مَجْهُول، وأناس من (أهل) حمص لَا يعْرفُونَ، وَلم يبين أَنهم سَمِعُوهُ من معَاذ. قَالَ: وبمثل هَذَا الْإِسْنَاد لَا يعْتَمد فِي أصل الشَّرِيعَة وَيجْعَل ندا للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع. وَالطَّرِيق الثَّانِي رَوَاهُ مُحَمَّد بن جَابر اليمامي عَلَى ضعفه عَن أَشْعَث عَن رجل من ثَقِيف، وَرجل لَا يعرف لَا يعْتَمد عَلَيْهِ. ثمَّ نقل كَلَام ابْن عدي فِي كَامِله الَّذِي قدمْنَاهُ أَولا. ثمَّ قَالَ: وأقبح مَا رَأَيْت عَلَى هَذَا الحَدِيث قَول الْجُوَيْنِيّ فِي كِتَابه أصُول الْفِقْه فِي بَاب إِثْبَات الْقيَاس: والعمدة فِي هَذَا الْبَاب عَلَى حَدِيث معَاذ.

قَالَ: وَهَذِه زلَّة مِنْهُ آفتها التَّقْلِيد، وَلَو كَانَ عَالما بِالنَّقْلِ لم يرتكب هَذِه الْجَهَالَة، لِأَنَّهُ جعل عمدته حَدِيثا بِهَذَا الْوَهم الْوَاضِح. قَالَ: ثمَّ نقُول: قد رَأينَا الْأَحَادِيث الْمُتَّصِلَة المخرجة فِي الْكتب الْمَعْرُوفَة الْمُصَرّح بِخِلَاف هَذَا فَمن ذَلِك حَدِيث أبي مُوسَى أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن وَأَبا مُوسَى قَالَ لَهما «يسرا وَلَا تعسرا وبشرا وَلَا تنفرا وتطاوعا» فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: إِن لنا بسرا أَنا نصْنَع بأرضنا من الْعَسَل يُقَال لَهُ البتع وَمن الشّعير يُقَال (لَهُ) المزر، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «كل مُسكر حرَام» حَدِيث مخرج فِي الصَّحِيح وَغَيرهَا من الْكتب، لم يخْتَلف فِي صِحَّته اثْنَان من أهل الْمعرفَة ينْطق بِخِلَاف مَا ورد فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم الْمَقْطُوع الْمَجْهُول رُوَاته، وَأَن الْوَصِيَّة كَانَت لَهما وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء من ذَلِك. قَالَ وَمِمَّا يدل عَلَى إبِْطَال حَدِيث معَاذ أَيْضا أَنا وجدنَا معَاذًا لما سُئِلَ لما لم يكن عِنْده فِيهِ نَص توقف وَلم يجْتَهد رَأْيه. من ذَلِك مَا رَوَى طَاوُوس عَنهُ قَالَ: أُتِي معَاذ بن جبل بوقص الْبَقر وَالْعَسَل حسبت فَقَالَ: لم يَأْمُرنِي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيهمَا بِشَيْء.

وَرَوَى التِّرْمِذِيّ فِي سنَنه عَن عِيسَى بن طَلْحَة عَن معَاذ أَنه كتب إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يسْأَله عَن الخضراوات، وَهِي الْبُقُول فَقَالَ: «لَيْسَ فِيهَا شَيْء» . مِمَّا يدل عَلَى بُطْلَانه مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم عَن معَاذ قَالَ لما بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا تقضين وَلَا تفصلن إِلَّا بِمَا تعلم، فَإِن أشكل عَلَيْك أَمر فقف حَتَّى تتبينه أَو تكْتب إِلَيّ فِيهِ» .

قَالَ ابْن طَاهِر: فقد صَحَّ عِنْدِي فَسَاد حَدِيث معَاذ الْمَذْكُور لما أوضحته من وَهن إِسْنَاده، وَبِمَا أتبعته من الْأَحَادِيث الْمُتَّصِلَة المخرجة فِي الصَّحِيح، وَوَجَب ترك الِاحْتِجَاج بِهِ. هَذَا ملخص كَلَامه فِي التَّأْلِيف الْمَذْكُور. الحَدِيث الَّذِي أوردهُ من طَرِيق ابْن مَاجَه عَجِيب مِنْهُ سُكُوته عَلَى إِسْنَاده، وَفِيه مُحَمَّد بن سعيد المصلوب وَهُوَ كَذَّاب وَضاع كَمَا أسلفته فِي كتاب الْجِنَايَات. وَقَالَ أَبُو عمر عُثْمَان بن الإِمَام أبي عَلّي حسن بن عَلّي بن دحْيَة (فِي) إرشاد الباغية وَالرَّدّ عَلَى المعتدي مِمَّا وهم فِيهِ الْفَقِيه أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: هَذَا حَدِيث لَا أصل لَهُ وَرِجَاله مَجْهُولُونَ، وَلَا يَصح عِنْد أحد من الْأَئِمَّة النقاد، وَهُوَ حَدِيث مَشْهُور عِنْد ضعفاء أهل الْفِقْه لَا أَصله لَهُ، فَوَجَبَ إطراحه. قَالَ: وَأحسن مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب مَا رَوَاهُ الشّعبِيّ عَن شُرَيْح

القَاضِي أَنه كتب إِلَى عمر بن الْخطاب يسْأَله، فَكتب إِلَيْهِ عمر: أَن اقْضِ بِمَا فِي كتاب الله فَإِن لم يكن فِي كتاب الله فبسنة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فَإِن لم يكن فِي (كتاب الله وَلَا فِي) سنة رَسُول الله فَاقْض بِمَا قَضَى بِهِ الصالحون، فَإِن لم يكن فِي كتاب الله وَلَا فِي سنة رَسُول الله (وَلم يقْض بِهِ الصالحون) فَإِن شِئْت فَتقدم وَإِن شِئْت فَتَأَخر، وَلَا أرَى التَّأْخِير إِلَّا خيرا لَك وَالسَّلَام عَلَيْكُم. فقد اتَّضَح بِحَمْد الله وَمِنْه ضعف هَذَا الحَدِيث وَصَحَّ دعوانا الْإِجْمَاع فِي ذَلِك وَالْحَمْد لله عَلَى ذَلِك وَأَمْثَاله. وَلم يصب بعض العصريين فِيمَا وَضعه عَلَى أَدِلَّة التَّنْبِيه حَيْثُ قَالَ عقب قَول التِّرْمِذِيّ: إِنَّه لَيْسَ بِمُتَّصِل: بل هُوَ حَدِيث مَشْهُور اعْتمد عَلَيْهِ أَئِمَّة الْإِسْلَام فِي إِثْبَات الْقيَاس. وَكَأَنَّهُ جنح إِلَى قَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان: إِن الشَّافِعِي احْتج ابْتِدَاء عَلَى إِثْبَات الْقيَاس بِهِ، ثمَّ وهم الإِمَام فَقَالَ: والْحَدِيث مدون فِي الصِّحَاح مُتَّفق عَلَى صِحَّته لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ تَأْوِيل. هَذَا كَلَامه، وَهُوَ من الْأَعَاجِيب.

فَائِدَة مِمَّا يدل عَلَى إِبَاحَة القياسات فِي الدَّين كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن حبَان فِي صَحِيحه الحَدِيث الصَّحِيح عَن أبي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «مثل الجليس الصَّالح وَمثل جليس السوء كحامل الْمسك ونافخ الْكِير، فحامل الْمسك إِمَّا أَن تبْتَاع مِنْهُ، وَإِمَّا أَن تَجِد ريحًا طيبَة، ونافخ الْكِير أما أَن تحرق ثِيَابك، وَأما أَن تَجِد مِنْهُ ريحًا كريهة» انْتَهَى مَا فِي الْبَدْر الْمُنِير. قَالَ الْحَافِظ ابْن الْقيم فِي إِعْلَام الموقعين (1/202 - 203) وَقد أقرّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ معَاذًا عَلَى اجْتِهَاد رَأْيه فِيمَا لم يجد فِيهِ نصا عَن الله وَرَسُوله، فَقَالَ شُعْبَة حَدثنِي أَبُو عون عَن الْحَارِث بن عَمْرو عَن أنَاس من أَصْحَاب معَاذ عَن معَاذ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما بَعثه إِلَى الْيمن قَالَ: «كَيفَ تصنع إِن عرض لَك قَضَاء؟» قَالَ: أَقْْضِي بِمَا فِي كتاب الله، قَالَ: «فَإِن لم يكن فِي كتاب الله؟» قَالَ: فبسنة رَسُول الله، قَالَ: «فَإِن لم يكن فِي سنة رَسُول الله؟» قَالَ اجْتهد رَأْيِي وَلَا ألو، قَالَ: فَضرب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صَدْرِي ثمَّ قَالَ: «الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُول الله لما يُرْضِي رَسُول الله» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.

فَهَذَا حَدِيث وَإِن كَانَ عَن غير مسمين، فهم أَصْحَاب معَاذ، فَلَا يضرّهُ ذَلِك، لِأَنَّهُ يدل عَلَى شهرة الحَدِيث، وَأَن الَّذِي حدث بِهِ الْحَارِث بن عَمْرو عَن جمَاعَة من أَصْحَاب معَاذ، لَا وَاحِد مِنْهُم، وَهَذَا أبلغ فِي الشُّهْرَة من أَن يكون عَن وَاحِد مِنْهُم لَو سمي، كَيفَ وشهرة أَصْحَاب معَاذ بِالْعلمِ وَالدّين وَالْفضل والصدق بِالْمحل الَّذِي لَا يخفي؟ وَلَا يعرف فِي أَصْحَابه مُتَّهم وَلَا كَذَّاب وَلَا مَجْرُوح، بل أَصْحَابه من أفاضل الْمُسلمين وخيارهم، لَا يشك أهل الْعلم بِالنَّقْلِ فِي ذَلِك، كَيفَ وَشعْبَة حَامِل لِوَاء هَذَا الحَدِيث؟ وَقد قَالَ بعض أَئِمَّة الحَدِيث: إِذا رَأَيْت شُعْبَة فِي إِسْنَاد حَدِيث فاشدد يَديك بِهِ. قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: وَقد قيل: إِن عبَادَة بن نسي رَوَاهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم عَن معَاذ، وَهَذَا إِسْنَاد مُتَّصِل، وَرِجَاله معروفون بالثقة. عَلَى أَن أهل الْعلم قد نقلوه وَاحْتَجُّوا بِهِ، فوقفنا بذلك عَلَى صِحَّته عِنْدهم، كَمَا وقفنا عَلَى صِحَة قَول رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لَا وَصِيَّة لوَارث» وَقَوله فِي الْبَحْر: «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ، الْحل ميتَته» وَقَوله: «إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ فِي الثّمن والسلعة قَائِمَة تحَالفا وترادا البيع) وَقَوله: «الدِّيَة عَلَى الْعَاقِلَة» . وَإِن كَانَت هَذِه الْأَحَادِيث لَا تثبت من جِهَة الْإِسْنَاد، وَلكنهَا لما تلقتها الكافة عَن الكافة غنوا بِصِحَّتِهَا عِنْدهم عَن طلب الْإِسْنَاد لَهَا،

فَكَذَلِك حَدِيث معَاذ لما احْتَجُّوا بِهِ جَمِيعًا غنوا عَن طلب الْإِسْنَاد لَهُ، انْتَهَى كَلَامه هَذَا مَا قَالَه ابْن الْقيم. وَقَالَ الكوثري فِي مقالاته (ص60 - 63) . وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن أَصْحَاب معَاذ الْحَارِث بن عَمْرو الثَّقَفِيّ، وَلَيْسَ هُوَ بِمَجْهُول الْعين، بِالنّظرِ إِلَى أَن شُعْبَة بن الْحجَّاج يَقُول عَنهُ: إِنَّه ابْن أخي الْمُغيرَة بن شُعْبَة، وَلَا بِمَجْهُول الْوَصْف من حَيْثُ أَنه من كبار التَّابِعين فِي طبقَة شُيُوخ أبي عون الثَّقَفِيّ الْمُتَوفَّى سنة 116 هـ، وَلم ينْقل أهل الشَّأْن جرحا مُفَسرًا فِي حَقه، وَلَا حَاجَة فِي الحكم بِصِحَّة خبر التَّابِعِيّ الْكَبِير إِلَى أَن ينْقل توثيقه عَن أهل طبقته، بل يَكْفِي فِي عَدَالَته وَقبُول رِوَايَته أَلا يثبت فِيهِ جرح مُفَسّر مِنْهُم، فَهُوَ مَقْبُول الرِّوَايَة. أما الصَّحَابَة فكلهم عدُول، لَا يُؤثر فِيهِ جرح مُطلقًا عِنْد الْجُمْهُور، والتابعون أَيْضا مشهود لَهُم بالخيرية عدُول مَا لم يثبت فيهم جرح مُؤثر، وَمن بعدهمْ لَا تقبل روايتهم مَا لم تثبت عدالتهم وَهَكَذَا. فَمن جعل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم فِي منزلَة وَاحِدَة فِي هَذَا الحكم لم ينزل النَّاس مَنَازِلهمْ، وَكم فِي صَحِيح البُخَارِيّ من رجال لم ينْقل توثيقهم عَن أحد نصا، إِلَّا أَنه لم يثبت جرحهم، فأدخلت روايتهم فِي الصَّحِيح، كَمَا نَص عَلَى ذَلِك الذَّهَبِيّ فِي مَوَاضِع من الْمِيزَان،

والْحَارث هَذَا ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات، وَإِن جَهله الْعقيلِيّ وَابْن الْجَارُود وَأَبُو الْعَرَب، يعنون الْجَهْل بِحَالهِ من جِهَة أَنهم لم يظفروا بتوثيقه نصا من أحد، وَقد سبق حكم هَذَا الْجَهْل فِي كبار التَّابِعين. ثمَّ قَالَ: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن أبي عون عَن الْحَارِث أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج الْمَعْرُوف بالتشدد فِي الرِّوَايَة والمعترف لَهُ بِزَوَال الْجَهَالَة وَصفا عَن رجال يكونُونَ فِي سَنَد رِوَايَته، فَرَوَاهُ عَن أبي إِسْحَاق أَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير وَعنهُ سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة. ثمَّ قَالَ: وَأما محاولة توهين أَمر هَذَا الحَدِيث حَيْثُ وَقع فِي لفظ الْحَارِث عَن أَصْحَاب معَاذ من أهل حمص عَن معَاذ بِاعْتِبَار أَن أَصْحَاب معَاذ مَجَاهِيل وَرِوَايَة المجاهيل مَرْدُودَة، فمحاولة فَاسِدَة، لِأَن أَصْحَاب معَاذ معرفون بِالدّينِ والثقة، وَلَا يَسْتَطِيع هَذَا المحاول أَن يثبت جرحا فِي أحد أَصْحَاب معَاذ نصا. وَأما ذكر الْحَارِث لأَصْحَاب معَاذ بِدُونِ اكْتِفَاء مِنْهُ بِذكر اسْم مِنْهُم، فَإِنَّمَا هُوَ للدلالة عَلَى مبلغ شهرة هَذَا الحَدِيث من جِهَة الرِّوَايَة، حَتَّى ترَى الْأمة قد تَلَقَّتْهُ بِالْقبُولِ. قَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي الْعَارِضَة: وَلَا أحد من أَصْحَاب معَاذ مَجْهُولا، وَيجوز أَن يكون فِي الْخَبَر إِسْقَاط الْأَسْمَاء عَن جمَاعَة وَلَا يدْخلهُ ذَلِك فِي حيّز الْجَهَالَة، وَإِنَّمَا يدْخل فِي المجهولات إِذا كَانَ وَاحِدًا، فَيُقَال حَدثنِي رجل أَو حَدثنِي إِنْسَان، وَلَا يكون الرجل للرجل صاحبا، حَتَّى يكون لَهُ بِهِ اخْتِصَاص، فَكيف وَقد زيد تعريفا بهم أَن أضيفوا إِلَى بلد، وَقد خرج البُخَارِيّ الَّذِي شَرط الصِّحَّة فِي حَدِيث عُرْوَة الْبَارِقي: سَمِعت الْحَيّ يتحدثون عَن عُرْوَة، وَلم يكن ذَلِك الحَدِيث فِي جملَة المجهولات، وَقَالَ مَالك فِي الْقسَامَة: أَخْبرنِي رجال من كبراء قومه، وَفِي الصَّحِيح:

عَن الزُّهْرِيّ حَدثنِي رجال عَن أبي هُرَيْرَة: «من صَلَّى عَلَى جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط» انْتَهَى. وَكَلَام أبي الْعَرَبِيّ هَذَا يقْضِي عَلَى مَا يرويهِ ابْن زَنْجوَيْه عَن البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ، عَلَى أَن لفظ شُعْبَة فِي رِوَايَة عَلّي بن الْجَعْد قَالَ سَمِعت الْحَارِث بن عَمْرو ابْن أخي الْمُغيرَة بن شُعْبَة يحدث عَن أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن معَاذ بن جبل، كَمَا اخرجه ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه. وَمثله فِي جَامع بَيَان الْعلم لِابْنِ عبد الْبر وَقد صحب معَاذًا كثير من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فَيكون أَصْحَاب معَاذ الَّذين سمع مِنْهُم الْحَارِث هم من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَيْضا، وَمثله لَا يكون من الْجَهَالَة فِي شَيْء عِنْد جُمْهُور أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، وعدهم مَجَاهِيل يكون مجازفة بَارِدَة، وَهَكَذَا أَصْحَاب القرائح الجامدة يجْعَلُونَ من الْقُوَّة ضعفا. انْتَهَى مَا قَالَه الكوثري. فَظهر مِمَّا تقدم أَن الَّذين أَرَادوا تَقْوِيَة الحَدِيث استدلوا بشبه لَهُم لتقويته وَهِي: 1 - عدم جَهَالَة الْحَارِث بن عَمْرو وَأَنه من كبار التَّابِعين وَهُوَ ثِقَة وثقة ابْن حبَان، وَرِوَايَة شُعْبَة عَنهُ تَوْثِيق لَهُ وَتَصْحِيح لحديثه. 2 - عدم جَهَالَة أَصْحَاب معَاذ، وَفِي رِوَايَة هم أَصْحَاب رَسُول الله. 3 - فِي الصَّحِيح رِوَايَة عَن مَجَاهِيل فلتقس هَذِه الرِّوَايَة عَلَيْهِم. 4 - تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ وَهُوَ دَلِيل عَلَى صِحَّته وَله أَمْثِلَة من الْأَحَادِيث الَّتِي لَا تصح سندا وتلقتها بِالْقبُولِ الْأمة وَهِي صَحِيحَة لذَلِك حسب زعمهم.

وننقل فِي الرَّد عَلَى ذَلِك أَولا مَا قَالَه شَيخنَا مُحَمَّد نَاصِر الدَّين الألباني فِي سلسلة الْأَحَادِيث الضعيفة: قَالَ شَيخنَا فِي سلسلة الْأَحَادِيث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء فِي الْأمة (2/277) فِي معرض رده عَلَى الكوثري فِي محاولته تَقْوِيَة الحَدِيث الْمَذْكُور: قلت: وَفِي هَذَا الْكَلَام من الأخطاء الْمُخَالفَة لما عَلَيْهِ عُلَمَاء الحَدِيث، وَمن المغالطات والدعاوى الْبَاطِلَة مَا لَا يعرفهُ إِلَّا من كَانَ مُتَمَكنًا فِي هَذَا الْعلم الشريف، وبيانا لذَلِك أَقُول: 1 - قَوْله: لَيْسَ هُوَ بِمَجْهُول الْعين بِالنّظرِ إِلَى أَن شُعْبَة يَقُول عَنهُ: ابْن أخي الْمُغيرَة. فَأَقُول: بل هُوَ مَجْهُول، وتوضيحه من ثَلَاثَة وُجُوه: الأول: أَن أحدا من عُلَمَاء الحَدِيث - فِيمَا علمت - لم يقل إِن الرَّاوِي الْمَجْهُول إِذا عرف اسْم جده بله اسْم أخي جده خرج بذلك عَن جَهَالَة الْعين إِلَى جَهَالَة الْحَال أَو الْوَصْف. فَهِيَ مُجَرّد دَعْوَى من هَذَا الجامد فِي الْفِقْه، والمجتهد فِي الحَدِيث دون مُرَاعَاة مِنْهُ لقواعد الْأَئِمَّة، وأقوالهم الصَّرِيحَة فِي خلاف مَا يذهب إِلَيْهِ! فَإِنَّهُم أطْلقُوا القَوْل فِي ذَلِك. قَالَ الْخَطِيب: الْمَجْهُول عِنْد أهل الحَدِيث من لم يعرفهُ الْعلمَاء وَلَا يعرف حَدِيثه إِلَّا من جِهَة وَاحِد ... الثَّانِي: أَنه خلاف مَا جَرَى عَلَيْهِ أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِي تراجم المجهولين عينا، فقد عرفت مِمَّا سبق ذكره فِي تَرْجَمَة الْحَارِث هَذَا أَنه مَجْهُول عِنْد الحافظين الذَّهَبِيّ والعسقلاني، وَكَفَى بهما حجَّة، لَا سِيمَا وهما مسبوقان إِلَى ذَلِك من ابْن حزم وَغَيره مِمَّن ذكرهم الكوثري نَفسه كَمَا رَأَيْت.

وَمن الْأَمْثِلَة الْأُخْرَى عَلَى ذَلِك ذهيل بن عَوْف بن شماخ التَّمِيمِي أَشَارَ الذَّهَبِيّ إِلَى جهالته بقولته فِي الْمِيزَان: مَا رَوَى عَنهُ سُوَى سليط بن عبد الله الطهوي، وَصرح بذلك الْحَافِظ فَقَالَ فِي التَّقْرِيب: مَجْهُول من الثَّالِثَة. وَمن ذَلِك أَيْضا زُرَيْق بن سعيد بن عبد الرَّحْمَن الْمدنِي، أَشَارَ الذَّهَبِيّ أَيْضا إِلَى جهالته. وَقَالَ الْحَافِظ: مَجْهُول. والأمثلة عَلَى ذَلِك تكْثر وَفِيمَا ذكرنَا كِفَايَة، فَأَنت ترَى أَن هَؤُلَاءِ قد عرف اسْم جد كل مِنْهُم، وَمَعَ ذَلِك حكمُوا عَلَيْهِم بالجهالة. الثَّالِث: قَوْله: شُعْبَة يَقُول عَنهُ: إِنَّه ابْن أخي الْمُغيرَة بن شُعْبَة، فَأَقُول: لَيْسَ هَذَا من قَول شُعْبَة، وَإِنَّمَا هُوَ من قَول أبي عون كَمَا مر فِي إِسْنَاد الحَدِيث، وَشعْبَة إِنَّمَا هُوَ راو عَنهُ. . وَهُوَ فِي هَذِه الْحَالة لَا ينْسب إِلَيْهِ قَول مَا جَاءَ فِي رِوَايَته، حَتَّى وَلَو صحت عِنْده، لِأَنَّهُ قد يَقُول بِخِلَاف ذَلِك، وَلذَلِك جَاءَ فِي علم المصطلح: وَعمل الْعَالم وفتياه عَلَى وفْق حَدِيث رَوَاهُ لَيْسَ حكما بِصِحَّتِهِ، وَلَا مُخَالفَته قدح فِي صِحَّته وَلَا فِي رُوَاته. كَذَا فِي تقريب النَّوَوِيّ (ص209) بشرح التدريب. وَكَأن الكوثري تعمد هَذَا التحريف وَنسبَة هَذَا القَوْل لشعبة - وَلَيْسَ لَهُ - ليقوي بِهِ دَعْوَى كَون الْحَارِث بن عَمْرو وَهُوَ ابْن أخي الْمُغيرَة لِأَن أَبَا عون - واسْمه مُحَمَّد بن عبيد الله الثَّقَفِيّ الْأَعْوَر - وَإِن كَانَ ثِقَة، فَإِنَّهُ لَا يزِيد عَلَى كَونه رَاوِيا من رُوَاة الحَدِيث، وَأما شُعْبَة فإمام نقاد. عَلَى أننا لَو سلمنَا بِأَنَّهُ من قَوْله، فَذَلِك مِمَّا لَا يُفِيد الكوثري شَيْئا من رفع الْجَهَالَة كَمَا سبق بَيَانه. 2 - قَوْله: وَلَا مَجْهُول الْوَصْف من حَيْثُ أَنه من كبار التَّابِعين فِي طبقَة شُيُوخ أبي عون.

فَأَقُول: الْجَواب من وَجْهَيْن: الأول: بطلَان هَذِه الدَّعْوَى من أَصْلهَا، لِأَن شُيُوخ أبي عون لَيْسُوا جَمِيعًا من كبار التَّابِعين حَتَّى يلْحق بهم الْحَارِث هَذَا، فَإِن من شُيُوخه أَبَا الزبير الْمَكِّيّ وَقد مَاتَ سنة (126) وَلذَلِك جعله الْحَافِظ من الطَّبَقَة الرَّابِعَة، وهم الَّذين جلّ روايتهم عَن كبار التَّابِعين، وَمن شُيُوخه وَالِده عبيد الله بن سعيد، وَلَا تعرف لَهُ وَفَاة، وَلَكِن ذكره ابْن حبَان فِي اتِّبَاع التَّابِعين وَقَالَ: يروي المقاطيع. قَالَ الْحَافِظ: فعلَى هَذَا فَحَدِيثه عَن الْمُغيرَة مُرْسل، يَعْنِي مُنْقَطع، وَلذَلِك جعله فِي التَّقْرِيب من الطَّبَقَة السَّادِسَة، وهم من صغَار التَّابِعين الَّذين لم يثبت لَهُم لِقَاء أحد من الصَّحَابَة كَابْن جريج. إِذا عرفت هَذَا، فادعاء أَن الْحَارِث بن عَمْرو من كبار التَّابِعين افتئات عَلَى الْعلم وتخرص لَا يصدر من مخلص، وَالصَّوَاب أَن يذكر ذَلِك عَلَى طَرِيق الإحتمال، فَيُقَال يحْتَمل أَنه من كبار التَّابِعين كَمَا يحْتَمل أَنه من صغارهم، فَإِن قيل: فإيهما الْأَرْجَح لديك؟ قلت: إِذا كَانَ لَا بُد من اتِّبَاع أهل الِاخْتِصَاص فِي هَذَا الْعلم، وَترك الِاجْتِهَاد فِيمَا لَا سَبِيل لأحد الْيَوْم إِلَيْهِ، فَهُوَ أَنه من صغَار التَّابِعين، فقد أوردهُ الإِمَام البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ الصَّغِير فِي فصل من مَاتَ مَا بَين الْمِائَة إِلَى الْعشْر (ص136 - هِنْد) وَأَشَارَ إِلَى حَدِيثه هَذَا وَقَالَ: وَلَا يعرف الْحَارِث إِلَّا بِهَذَا، وَلَا يَصح. وَلذَلِك جعله الْحَافِظ فِي التَّقْرِيب من الطَّبَقَة السَّادِسَة الَّتِي لم يثبت لأصحابها لِقَاء أحد من الصَّحَابَة فَقَالَ: مَجْهُول، من السَّادِسَة. فَإِن قيل: يُنَافِي هَذَا مَا ذكره الكوثري (ص62) أَن لفظ شُعْبَة فِي

رِوَايَة عَلَى بن الْجَعْد قَالَ سَمِعت الْحَارِث بن عَمْرو ابْن أخي الْمُغيرَة بن شُعْبَة يحدث عَن أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن معَاذ بن جبل كَمَا أخرجه ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه، وَمثله فِي جَامع بَيَان الْعلم لِابْنِ عبد الْبر، فَهَذَا صَرِيح فِي أَنه لَقِي جمعا من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَهُوَ تَابِعِيّ. فَأَقُول: نعم وَالله إِن هَذِه الرِّوَايَة لتنافي ذَلِك أَشد الْمُنَافَاة، وَلَكِن يُقَال للكوثري وَأَمْثَاله أثبت الْعَرْش ثمَّ انقش، فَإِنَّهَا رِوَايَة شَاذَّة، تفرد بهَا عَلّي بن الْجَعْد مُخَالفا فِي ذَلِك لسَائِر الثِّقَات الَّذين لم يذكرُوا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُضَافا إِلَيْهِ الْأَصْحَاب، وَإِنَّمَا قَالُوا: أَصْحَاب معَاذ كَمَا تقدم فِي الْإِسْنَاد عِنْد جَمِيع من عزونا الحَدِيث إِلَيْهِم، إِلَّا فِي رِوَايَة لِابْنِ عبد الْبر وَهِي من رِوَايَته عَن أَحْمد بن زُهَيْر قَالَ حَدثنَا عَلّي بن الْجَعْد، وَأحمد بن زُهَيْر هُوَ ابْن أبي خَيْثَمَة. وَإِلَيْك أَسمَاء الثِّقَات الْمُخَالفين لِابْنِ الْجَعْد فِي رِوَايَته تِلْكَ: الأول: أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ نَفسه فِي مُسْنده وَعنهُ الْبَيْهَقِيّ. الثَّانِي: مُحَمَّد بن جَعْفَر عِنْد أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ. الثَّالِث: عَفَّان بن مُسلم عِنْد أَحْمد أَيْضا. الرَّابِع: يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان عِنْد أبي دَاوُد وَابْن عبد الْبر فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى. الْخَامِس: وَكِيع بن الْجراح عِنْد التِّرْمِذِيّ. السَّادِس: عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عِنْد التِّرْمِذِيّ. السَّابِع: يزِيد بن هَارُون عِنْد ابْن سعد. الثَّامِن: أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ عِنْد ابْن سعد. فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَة من الثِّقَات، وَكلهمْ أَئِمَّة أثبات، لَا سِيمَا وَفِيهِمْ يَحْيَى الْقطَّان الْحَافِظ المتقن، لَو أَن بَعضهم خالفوا ابْن الْجَعْد لَكَانَ كَافِيا فِي

الْجَزْم بوهمه فِي نسبته الْأَصْحَاب إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لَا إِلَى معَاذ، فَكيف بهم مُجْتَمعين؟! وَمثل هَذَا لَا يخْفَى عَلَى الكوثري، وَلكنه يتجاهل ذَلِك عمدا لغاية فِي نَفسه، وَإِلَّا فَإِن لم تكن رِوَايَة ابْن الْجَعْد هَذِه شَاذَّة فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا مَا يُمكن الحكم عَلَيْهِ بالشذوذ، وَلذَلِك لم يعرج عَلَى هَذِه الرِّوَايَة كل من ترْجم لِلْحَارِثِ هَذَا. فَثَبت مِمَّا تقدم أَن الْحَارِث بن عَمْرو هُوَ من صغَار التَّابِعين، وَلَيْسَ من كبارهم، وَقد صرح بِسَمَاعِهِ من جَابر بن سَمُرَة فِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده (216) عَن شُعْبَة عَنهُ. وَالْآخر: هَب أَنه من كبار التَّابِعين، فَذَلِك لَا يَنْفِي عَنهُ جَهَالَة الْعين فضلا عَن جَهَالَة الْوَصْف عِنْد أحد من أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل، بل إِن سيرتهم فِي ترجمتهم للرواة يُؤَيّد مَا ذكرنَا، فَهَذَا مثلا حُرَيْث بن ظهير من الطَّبَقَة الثَّانِيَة عِنْد الْحَافِظ، وَهِي طبقَة كبار التَّابِعين، فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِك أطلق عَلَيْهِ الْحَافِظ بِأَنَّهُ مَجْهُول، وَسَبقه إِلَى ذَلِك الإِمَام الذَّهَبِيّ، فَقَالَ: لَا يعرف. وَمثله حُصَيْن بن نمير الْكِنْدِيّ الْحِمصِي، قَالَ الْحَافِظ: يروي عَن بِلَال، مَجْهُول من الثَّانِيَة. وَنَحْوه خَالِد بن وهبان ابْن خَالَة أبي ذَر، قَالَ الْحَافِظ: مَجْهُول من الثَّالِثَة. 3 - قَوْله: وَلم ينْقل أهل الشَّأْن جرحا مُفَسرًا فِي حَقه. قلت: لَا ضَرُورَة إِلَى هَذَا الْجرْح، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمثلِهِ فَقَط يثبت الْجرْح، بل يَكْفِي أَن يكون جرحا غير مُفَسّر إِذا كَانَ صادرا من إِمَام ذِي معرفَة بِنَقْد الروَاة، وَلم يكن هُنَاكَ تَوْثِيق مُعْتَبر معَارض لَهُ، كَمَا هُوَ مُقَرر فِي علم المصطلح، فَمثل هَذَا الْجرْح مَقْبُول، وَلَا يجوز رفضه، وَمن هَذَا الْقَبِيل وَصفه بالجهالة، لِأَن الْجَهَالَة عِلّة فِي الحَدِيث تَسْتَلْزِم ضعفه، وَقد عرفت أَنه مَجْهُول عِنْد جمع من الْأَئِمَّة النقاد، وَمِنْهُم الإِمَام البُخَارِيّ، فأغنى ذَلِك عَن الْجرْح الْمُفَسّر، وَثَبت ضعف الحَدِيث.

4 - قَوْله: وَلَا حَاجَة فِي الحكم بِصِحَّة خبر التَّابِعِيّ الْكَبِير إِلَى أَن ينْقل تَوْثِيق عَن أهل طبقته. فَأَقُول: فِيهِ أُمُور: أَولا: أَن الْحَارِث هَذَا لم يثبت أَنه تَابِعِيّ كَبِير كَمَا تقدم، فانهار قَوْله من أَصله. وَثَانِيا: أَنه لَا قَائِل بِأَن الرَّاوِي سَوَاء كَانَ تابعيا أَو مِمَّن دونه بحاجة إِلَى أَن ينْقل تَوْثِيق عَن أهل طبقته، بل يَكْفِي فِي ذَلِك أَن يوثقه إِمَام من أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل سَوَاء كَانَ من طبقته أَو مِمَّن دونهَا، فَلَمَّا كَانَ الْحَارِث هَذَا لم يوثقه أحد مِمَّن يوثق بتوثيقه، بل جهلوه فقد سقط حَدِيثه. 5 - قَوْله: بل يَكْفِي فِي عَدَالَته ... إِلَى قَوْله من رجال تِلْكَ الطَّبَقَة. قلت: هَذِه مُجَرّد دَعْوَى، فَهِيَ لذَلِك سَاقِطَة الِاعْتِبَار، فَكيف وَهِي مُخَالفَة للشّرط الأول من شُرُوط الحَدِيث الصَّحِيح: مَا رَوَاهُ عدل ضَابِط ... فَلَو سلمنَا أَن عَدَالَته تثبت بذلك، فَكيف يثبت ضَبطه وَلَيْسَ لَهُ من الحَدِيث إِلَّا الْقَلِيل، بِحَيْثُ لَا يُمكن سبره وَعرضه عَلَى أَحَادِيث الثِّقَات، ليحكم لَهُ بالضبط أَو بِخِلَافِهِ، أَو بِأَنَّهُ وسط بَين ذَلِك، كَمَا هُوَ طَرِيق من طرق الْأَئِمَّة النقاد فِي نقد الروَاة الَّذين لم يرو فيهم جرح أَو تَعْدِيل مِمَّن قبلهم من الْأَئِمَّة. وَيَكْفِي فِي إبِْطَال هَذَا القَوْل مَعَ عدم وُرُوده فِي علم المصطلح أَنه مباين لما جَاءَ فِيهِ: أَن اقل مَا يرفع الْجَهَالَة رِوَايَة اثْنَيْنِ مشهورين كَمَا تقدم عَن الْخَطِيب، وَلما تعقبه بَعضهم بِأَن البُخَارِيّ رَوَى عَن مرداس الْأَسْلَمِيّ، وَمُسلمًا عَن ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ وَلم يرو عَنْهُمَا غير وَاحِد، رده النَّوَوِيّ فِي التَّقْرِيب بقوله (ص211) :

وَالصَّوَاب نقل الْخَطِيب، وَلَا يَصح الرَّد عَلَيْهِ بمرداس وَرَبِيعَة، فَإِنَّهُمَا صحابيان مشهوران، وَالصَّحَابَة كلهم عدُول وأيده السُّيُوطِيّ فِي التدريب فَقَالَ عقبَة: فَلَا يحْتَاج إِلَى رفع الْجَهَالَة عَنْهُم بتعداد الروَاة، قَالَ الْعِرَاقِيّ: هَذَا الَّذِي قَالَه النَّوَوِيّ مُتَّجه، إِذا ثبتَتْ الصُّحْبَة، لَكِن بَقِي الْكَلَام فِي أَنه هَل ثبتَتْ الصُّحْبَة بِرِوَايَة وَاحِد عَنهُ أَو لَا تثبت إِلَّا بِرِوَايَة اثْنَيْنِ عَنهُ، وَهُوَ مَحل نظر وَاخْتِلَاف بَين أهل الْعلم، وَالْحق أَنه إِن كَانَ مَعْرُوفا بِذكرِهِ فِي الْغَزَوَات أَو فِيمَن وَفد من الصَّحَابَة أَو نَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ تثبت صحبته. قلت: فَتَأمل كَلَام الْعِرَاقِيّ هَذَا يتَبَيَّن لَك بطلَان قَول الكوثري، لِأَنَّهُ تساهل فِي إِثْبَات عَدَالَة التَّابِعِيّ الْكَبِير، فَلم يشْتَرط فِيهِ مَا اشْتَرَطَهُ الْعِرَاقِيّ فِي إِثْبَات الصُّحْبَة المستلزمة لثُبُوت الْعَدَالَة! فَإِنَّهُ اشْترط مَعَ رِوَايَة الْوَاحِد عَنهُ أَن يكون مَعْرُوفا بِذكرِهِ فِي الْغَزَوَات والوفود. وَهَذَا مَا لم يشْتَرط مثله فِي التَّابِعِيّ! فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار وَلَعَلَّه قد وضح لَك أَنه لَا فرق بَين التَّابِعِيّ الْكَبِير وَمن دونه فِي أَنه لَا تقبل روايتهم مَا لم تثبت عدالتهم، وَتثبت العادلة بتنصيص عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا أَو بالاستفاضة كَمَا هُوَ مَعْلُوم. 6 - قَالَ: أما من بعدهمْ فَلَا تقبل روايتهم مَا لم تثبت عدالتهم وَهَكَذَا. قلت: بل والتابعي الْكَبِير كَذَلِك كَمَا حققناه فِي الْفَقْرَة السَّابِعَة. 7 - قَالَ: والْحَارث هَذَا ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَإِن جَهله الْعقيلِيّ وَابْن الْجَارُود وَأَبُو الْعَرَب. قلت: فِيهِ أَمْرَانِ: الأول: أَنه تغافل عَن أَئِمَّة آخَرين جهلوه، مِنْهُم الإِمَام البُخَارِيّ والذهبي والعسقلاني وغرضه من ذَلِك وَاضح، وَهُوَ الْحَط من شَأْن هَذَا التجهيل! وَالْآخر: اعتداده بتوثيق ابْن حبَان هُنَا، خلاف مذْهبه الَّذِي يُصَرح

فِي بعض تعليقاته بِأَن ابْن حبَان يذكر فِي الثِّقَات من لم يطلع عَلَى جرح فِيهِ، فَلَا يُخرجهُ ذَلِك عَن حد الْجَهَالَة عِنْد الآخرين، وَقد رد شذوذ ابْن حبَان هَذَا فِي لِسَان الْمِيزَان. وَهَذَا من تلاعبه فِي هَذَا الْعلم الشريف، فتراه يعْتد بتوثيق ابْن حبَان حَيْثُ كَانَ لَهُ هوى فِي ذَلِك كَهَذا الحَدِيث، وَحَدِيث آخر فِي التوسل كنت خرجته فِيمَا تقدم برقم (23) وَلَا يعْتد بِهِ حِين يكون هَوَاهُ عَلَى نقيضه كَحَدِيث الأوعال وَغَيره، وَقد شرحت حَاله هُنَاكَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة. وَلَكِن لَا بُد لي هُنَا أَن أنقل كَلَامه فِي رَاوِي حَدِيث الأوعال وَهُوَ عبد الله بن عميرَة رَاوِيه عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، فَهُوَ تَابِعِيّ كَبِير، لتتأكد من وجود التشابه التَّام بَينه وَبَين الْحَارِث بن عَمْرو الرَّاوِي للْحَدِيث عَن معَاذ، وَمَعَ ذَلِك يوثق هَذَا بِذَاكَ الأسلوب الملتوي، ويجهل ذَاك وَهُوَ فِيهِ عَلَى الصِّرَاط السوي! قَالَ فِي مقالاته (ص309) : وَقَالَ مُسلم فِي الوحدان (ص14) : انْفَرد سماك بن حَرْب بالرواية عَن عبد الله بن عميرَة، فَيكون ابْن عميرَة مَجْهُول الْعين عِنْده يَعْنِي مُسلما - لِأَن جَهَالَة الْعين لَا تَزُول إِلَّا بِرِوَايَة ثقتين (تَأمل) ، وَقَالَ إِبْرَاهِيم الجري - أجل أَصْحَاب أَحْمد - عَن ابْن عميرَة: لَا أعرفهُ. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان عَن عبد الله بن عميرَة: فِيهِ جَهَالَة. قلت: ثمَّ وَصفه الكوثري بِأَنَّهُ شيخ خيالي! وَأَنه مَجْهُول عينا وَصفَة! وَنَحْوه قَوْله فِي النكت الظريفة (ص101) وَقد ذكر حَدِيثا فِي سَنَده عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود: وَهُوَ مَجْهُول. قَالَ الذَّهَبِيّ: لَا يعرف، وَإِن ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات عَلَى قَاعِدَته فِي التوثيق! وَقَالَ فِي قَابُوس: وَإِنَّمَا وَثَّقَهُ ابْن حبَان عَلَى طَرِيقَته فِي تَوْثِيق المجاهيل إِذا لم يبلغهُ عَنْهُم جرح، وَهَذَا غَايَة التساهل! ! (ص48 مِنْهُ) . فقابل كَلَامه هَذَا بالقاعدة الَّتِي وَضعهَا من

عِنْد نَفسه فِي قبُول حَدِيث التَّابِعِيّ الْكَبِير حَتَّى وَلَو نَص الْأَئِمَّة عَلَى جهالته تزداد تأكدا من تلاعبه الْمشَار إِلَيْهِ. نسْأَل الله السَّلامَة. وَلَو كَانَت الْقَاعِدَة الْمَوْضُوعَة صَحِيحَة لَكَانَ قبُول حَدِيث ابْن عميرَة هَذَا أولَى من حَدِيث الْحَارِث، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَن الْعَبَّاس، فَهُوَ تَابِعِيّ كَبِير قطعا، وَلذَلِك جعله ابْن حجر من الطَّبَقَة الثَّانِيَة، بَيْنَمَا الْحَارِث إِنَّمَا يروي عَن بعض التَّابِعين كَمَا سبق، وَلَكِن هَكَذَا يفعل الْهَوَى بِصَاحِبِهِ. نسْأَل الله الْعَافِيَة. 8 - قَالَ أخيرا: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن أبي عون عَن الْحَارِث أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ، وَشعْبَة بن الْحجَّاج الْمَعْرُوف بالتشدد فِي الرِّوَايَة، والمعترف لَهُ بِزَوَال الْجَهَالَة وَصفا عَن رجال يكونُونَ فِي سَنَد رِوَايَته! قلت: فِيهِ مؤاخذتان: الأولَى: أَن كَون شُعْبَة مَعْرُوفا بِالتَّشْدِيدِ فِي الرِّوَايَة لَا يسْتَلْزم أَن يكون كل شيخ من شُيُوخه ثِقَة، بله من فَوْقهم، فقد وجد فِي شُيُوخه جمع من الضُّعَفَاء، وَبَعْضهمْ مِمَّن جزم الكوثري نَفسه بضعفه! وَلَا بَأْس من أَن أسمي هُنَا من تيَسّر لي مِنْهُم ذكره: 1 - إِبْرَاهِيم بن مُسلم الهجري. 2 - اشعت بن سوار. 3 - ثَابت بن هُرْمُز. 4 - ثُوَيْر بن أبي فَاخِتَة. 5 - جَابر الْجعْفِيّ. 6 - دَاوُد بن فَرَاهِيجَ. 7 - دَاوُد بن يزِيد الأودي. 8 - عَاصِم بن عبيد الله (قَالَ الكوثري فِي النكت (ص74) : ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ) .

9 - عَطاء بن أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي. 10 - عَلّي بن زيد بن جدعَان. 11 - لَيْث بن أبي سليم. 12 - مجَالد بن سعيد (قَالَ الكوثري فِي النكت (ص63) ضَعِيف بالإتفاق، وَضعف بِهِ حَدِيث «زَكَاة الْجَنِين زَكَاة أمه» ! ثمَّ ضعف بِهِ فِيهِ (ص95) حَدِيث «لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ» !! فَلم يتَّجه من تَضْعِيفه إِيَّاه أَنه من شُيُوخ شُعْبَة. 13 - مُسلم الْأَعْوَر. 14 - مُوسَى بن عُبَيْدَة. 15 - يزِيد بن أبي زِيَاد. 16 - يزِيد بن عبد الرَّحْمَن الدالاني. 17 - يَعْقُوب بن عَطاء. 18 - يُونُس بن خباب. من أجل ذَلِك قَالُوا فِي علم المصطلح: وَإِذا رَوَى عَمَّن سَمَّاهُ لم يكن تعديلا عِنْد الْأَكْثَرين وَهُوَ الصَّحِيح كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي التَّقْرِيب (ص208) وراجع لَهُ شَرحه التدريب، وَإِذا كَانَ هَذَا فِي شُيُوخه فبالأولى أَن لَا يكون شُيُوخ شُيُوخه عُدُولًا إِذا سموا، فَكيف إِذا لم يسموا. الْأُخْرَى: قَوْله: والمعترف لَهُ بِزَوَال الْجَهَالَة ...

أَقُول إِن كَانَ يَعْنِي أَن ذَلِك معترف بِهِ عِنْد الْمُحدثين، فقد كذب عَلَيْهِم، فقد عرفت مِمَّا سردناه آنِفا طَائِفَة من الضُّعَفَاء من شُيُوخ شُعْبَة مُبَاشرَة، فبالأولى أَن يكون فِي شُيُوخ شُيُوخه من هُوَ ضَعِيف أَو مَجْهُول، وَكم من حَدِيث رَوَاهُ شُعْبَة، وَمَعَ ذَلِك ضعفه الْعلمَاء بِمن فَوْقه من مَجْهُول أَو ضَعِيف. من ذَلِك حَدِيثه عَن أبي التياح: ثني شيخ عَن أبي مُوسَى مَرْفُوعا بِلَفْظ: «إِذا أَرَادَ أحد أَن يَبُول فليرتد لبوله موضعا» فضعفوه بِجَهَالَة شيخ أبي التياح كَمَا سَيَأْتِي برقم (2320) . وَمن ذَلِك حَدِيث «من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان من غير رخصَة ... » الحَدِيث. رَوَاهُ شُعْبَة بِإِسْنَادِهِ عَن أبي المطوس عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا. فضعفه البُخَارِيّ وَغَيره بِجَهَالَة أبي المطوس، فراجع التَّرْغِيب والترهيب (74/7) والمشكاة (2013) وَنقد الكتاني (35) . وَإِن كَانَ يَعْنِي بذلك نَفسه، أَي أَنه هُوَ الْمُعْتَرف بذلك، فَهُوَ كَاذِب أَيْضا - مَعَ مَا فِيهِ من التَّدْلِيس والإبهام - لِأَن طَرِيقَته فِي إعلال الْأَحَادِيث بالجهالة تنَاقض ذَلِك وَإِلَيْك بعض الْأَمْثِلَة: 1 - عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود، صرح فِي النكت الطريفة (ص101) بِأَنَّهُ مَجْهُول مَعَ أَنه من رِوَايَة شُعْبَة عَنهُ بالواسطة. وَقد قُمْت بِالرَّدِّ عَلَيْهِ عِنْد ذكر حَدِيثه الْآتِي (2556) وَبَيَان تناقضه، وَإِن كَانَ الرجل فعلا مَجْهُولا. 2 - عَمْرو بن رَاشد الَّذِي فِي حَدِيث وابصة فِي الْأَمر بِإِعَادَة الصَّلَاة لمن صَلَّى وَرَاء الصَّفّ وَحده، قَالَ الكوثري فِي النكت (ص28) : لَيْسَ مَعْرُوفا بِالْعَدَالَةِ فَلَا يحْتَج بحَديثه. مَعَ أَنه يرويهِ شُعْبَة بِإِسْنَادِهِ عَنهُ، وَهُوَ مخرج فِي صَحِيح أبي دَاوُد (683) وإرواء الغليل (534) وراجع

تَعْلِيق أَحْمد شَاكر عَلَى التِّرْمِذِيّ (448/1 - 449) . 3 - وَكِيع بن حدس الرَّاوِي عَن أبي رزين الْعقيلِيّ حَدِيث «كَانَ فِي عماء مَا فَوْقه هَوَاء وَمَا تَحْتَهُ هَوَاء» قَالَ الكوثري فِي تَعْلِيقه عَلَى الْأَسْمَاء (ص407) : مَجْهُول الصّفة. مَعَ أَنه يعلم أَن شُعْبَة قد رَوَى لَهُ حَدِيثا آخر عِنْد الطَّيَالِسِيّ (1090) وَأحمد (11/4) . فَمَا الَّذِي جعل هَؤُلَاءِ الروَاة مجهولين عِنْد الكوثري، وَجعل الْحَارِث بن عَمْرو مَعْرُوفا عِنْده وَكلهمْ وَقَعُوا فِي إِسْنَاد فِيهِ شُعْبَة؟! إِن هَذَا الرجل يتبع هَوَاهُ انتصارا لمذهبه، فيبرم أمرا أَو قَاعِدَة من عِنْد نَفسه لينقضها فِي مَكَان آخر متجاوبا مَعَ مذْهبه سلبا وإيجابا. وَفِي ذَلِك من التضليل وقلب الْحَقَائِق مَا لَا يخْفَى ضَرَره عَلَى أهل الْعلم، نسْأَل الله الْعِصْمَة من الْهَوَى. وَبعد فَقَط أطلت النَّفس فِي الرَّد عَلَى هَذَا الرجل لبَيَان مَا فِي كَلَامه من الْجَهْل والتضليل نصحا للقراء وتحذيرا، فمعذرة إِلَيْهِم. هَذَا، وَلَا يهولنك اشتهار هَذَا الحَدِيث عِنْد عُلَمَاء الْأُصُول، واحتجاجهم بِهِ فِي إِثْبَات الْقيَاس، فَإِن أَكْثَرهم لَا معرفَة عِنْدهم بِالْحَدِيثِ وَرِجَاله، وَلَا تَمْيِيز لديهم بَين صَحِيحه وسقيمه. شَأْنهمْ فِي ذَلِك شَأْن الْفُقَهَاء بالفروع، إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم، وَقد مر بك كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا الحَدِيث - وَهُوَ من هُوَ فِي الْعلم بالأصول وَالْفُرُوع - فَمَاذَا يُقَال عَن غَيره مِمَّن لَا يسويه فِي ذَلِك بل لَا يدانيه، كَمَا رَأَيْت نقد الْحَافِظ ابْن طَاهِر إِيَّاه، ثمَّ الْحَافِظ ابْن حجر من بعده، مَعَ إِنْكَاره عَلَى ابْن طَاهِر سوء تَعْبِيره فِي نَقده. ثمَّ وجدت لكل مِنْهُمَا مُوَافقا، فقد نقل الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ فِي تَرْجَمَة الإِمَام من طبقاته (187/5 - 188) عَن الذَّهَبِيّ أَنه قَالَ فِيهِ.

وَكَانَ أَبُو الْمَعَالِي مَعَ تبحره فِي الْفِقْه وأصوله لَا يدْرِي الحَدِيث! ذكر فِي كتاب الْبُرْهَان حَدِيث معَاذ فِي الْقيَاس فَقَالَ: هُوَ مدون فِي الصِّحَاح مُتَّفق عَلَى صِحَّته وَكَذَا قَالَ وأنى لَهُ الصِّحَّة ومداره عَلَى الْحَارِث بن عَمْرو وَهُوَ مَجْهُول، عَن رجال من أهل حمص لَا يدْرِي من هم عَن معَاذ. ثمَّ تعقبه السُّبْكِيّ بِنَحْوِ مَا سبق من تعقب الْحَافِظ لِابْنِ طَاهِر وَلكنه دَافع عَنهُ بوازع من التعصب المذهبي، لَا فَائِدَة كبرى فِي نقل كَلَامه وَبَيَان مَا فِيهِ من التعصب، فحسبك أَن تعلم أَنه ذكر أَن الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَالْفُقَهَاء لَا يتحاشون من إِطْلَاق لفظ الصِّحَاح عَلَيْهَا. فَكَأَن السُّبْكِيّ يَقُول: فللإمام أُسْوَة بهؤلاء الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْإِطْلَاق! فَيُقَال لَهُ: أولو كَانَ ذَلِك أمرا مُنْكرا عِنْد الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ؟! وَفِي الْوَقْت نَفسه فقد تجاهل السُّبْكِيّ قَول الإِمَام فِي الحَدِيث: مُتَّفق عَلَى صِحَّته، فَإِنَّهُ خطأ مَحْض لَا سَبِيل إِلَى تبريره أَو الدفاع عَنهُ بِوَجْه من الْوُجُوه، وَلذَلِك لم يدندن السُّبْكِيّ حوله وَلَو بِكَلِمَة، وَلكنه كَانَ منصفا حِين اعْترف بِضعْف الحَدِيث وَأَن الإِمَام صحّح غَيره من الْأَحَادِيث الضعيفة فَقَالَ: وَمَا هَذَا وَحده ادَّعَى الإِمَام صِحَّته وَلَيْسَ بِصَحِيح، بل قد ادَّعَى ذَلِك فِي أَحَادِيث غَيره، وَلم يُوجب ذَلِك عندنَا الغض مِنْهُ. وَأَقُول أخيرا: إِن وصف الرجل بِمَا فِيهِ لَيْسَ من الغض مِنْهُ فِي شَيْء، بل ذَلِك من بَاب النصح للْمُسلمين، وبسبب تجاهل هَذِه الْحَقِيقَة صَار عَامَّة الْمُسلمين لَا يفرقون بَين الْفَقِيه والمحدث، فيتوهمون أَن كل فَقِيه مُحدث، ويستغربون أَشد الإستغراب حِين يُقَال لَهُم: الحَدِيث الْفُلَانِيّ ضَعِيف عِنْد الْمُحدثين وَإِن احْتج بِهِ الْفُقَهَاء، والأمثلة عَلَى ذَلِك كَثِيرَة جدا، تجدها مبثوثة فِي تضاعيف هَذِه السلسلة، وحسبك الْآن هَذَا الحَدِيث الَّذِي بَين يَديك.

وَجُمْلَة القَوْل أَن الحَدِيث لَا يَصح إِسْنَاده لإرساله وجهالة روايه الْحَارِث بن عَمْرو فَمن كَانَ عِنْده من الْمعرفَة بِهَذَا الْعلم الشريف وَتبين لَهُ ذَلِك فبها، وَإِلَّا فحسبه أَن سيحصي أَسمَاء الْأَئِمَّة الَّذين صَرَّحُوا بتضعيفه، فيزول الشَّك من قلبه، وَهَا أَنا ذَا أسردها وَأقر بهَا. الْقُرَّاء الْكِرَام: 1 - البُخَارِيّ. 2 - التِّرْمِذِيّ. 3 - الْعقيلِيّ. 4 - الدَّارَقُطْنِيّ. 5 - ابْن حزم. 6 - ابْن طَاهِر. 7 - ابْن الْجَوْزِيّ. 8 - الذَّهَبِيّ. 9 - السُّبْكِيّ. 10 - ابْن حجر. فَكل هَؤُلَاءِ وَغَيرهم مِمَّن لَا نستحضرهم قد ضعفوا هَذَا الحَدِيث، وَلنْ يضل بِإِذن الله من اهْتَدَى بهديهم، كَيفَ وهم أولَى النَّاس بالْقَوْل الْمَأْثُور: «هم الْقَوْم لَا يشفى جليسهم» انْتَهَى. وَعلمت مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَن شَيخنَا الْجَواب عَن الشبهتين الْأَوليين ونزيد فِي الرَّد عَلَى قَول الْحَافِظ ابْن الْقيم: وَلَا يعرف فِي أَصْحَابه - أَي معَاذ - مُتَّهم وَلَا كَذَّاب وَلَا مَجْرُوح.

فاذكر ثَلَاثَة مِمَّن رووا عَن معَاذ مَعَ حكم الْحَافِظ ابْن حجر عَلَى كل وَاحِد مِنْهُم بِالْإِضَافَة إِلَى أَن هُنَاكَ من رَوَى عَن معَاذ وَلم يُدْرِكهُ. 1- يزِيد بن قطيب مَقْبُول. 2- أَبُو ظَبْيَة أَو طيبَة مَقْبُول. 3- أَبُو سعيد الْحِمْيَرِي شَامي مَجْهُول. وَأما الْجَواب عَن قَوْلهم: إِن فِي الصَّحِيح رِوَايَة عَن مَجَاهِيل الخ فَنَقُول فِي الْجَواب عَن كل حَدِيث مِمَّا ذَكرُوهُ. أما حَدِيث عُرْوَة الْبَارِقي فقد رَوَاهُ البُخَارِيّ (3622) وَأحمد (375/4) والْحميدِي (843) وَأَبُو دَاوُد (3368) وَهَذَا الحَدِيث وَأَن رَوَاهُ البُخَارِيّ فقد طعن فِيهِ أَئِمَّة الحَدِيث، وَهُوَ حَدِيث مُتَّصِل الْإِسْنَاد فِيهِ مِنْهُم، وَهُوَ ضَعِيف بِهَذَا الْإِسْنَاد كَمَا قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح (635/6) للْجَهْل بحالهم، لَكِن لَهُ متابع رَوَاهُ أَحْمد (376/4) وَأَبُو دَاوُد (3369) وَالتِّرْمِذِيّ (1276) وَابْن مَاجَه (2402) وَالدَّارَقُطْنِيّ (10/3) من طَرِيق سعيد بن زيد عَن الزبير بن الخريت عَن أبي لبيد لماز بن زبار قَالَ حَدثنِي عُرْوَة الْبَارِقي فَذكر الحَدِيث بِمَعْنَاهُ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ وَالنَّوَوِيّ: إِسْنَاده حسن صَحِيح لمجيئه من وَجْهَيْن. وَقد رَوَاهُ ابْن مَاجَه قَالَ الْحَافِظ: وَرِوَايَة عَلّي بن عبد الله وَهُوَ ابْن الْمَدِينِيّ شيخ البُخَارِيّ فِيهِ تدل عَلَى أَنه وَقعت فِي هَذِه الرِّوَايَة تَسْوِيَة، وَقد وَافق عليا عَلَى إِدْخَاله الْوَاسِطَة بَين شبيب وَعُرْوَة أَحْمد والْحميدِي فِي مسنديهما وَكَذَا مُسَدّد عِنْد أبي دَاوُد وَابْن أبي عمر وَالْعَبَّاس بن الْوَلِيد عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمد. وَله شَاهد من حَدِيث حَكِيم بن حزَام رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (3370) وَالطَّبَرَانِيّ (3134) وَفِي إِسْنَاده مَجْهُول. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (1275)

وَالطَّبَرَانِيّ (3133) عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن حَكِيم بن حزَام وَهُوَ لم يسمع مِنْهُ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ. فَظهر أَن الحَدِيث صَحِيح لَا بِاعْتِبَار ذَلِك السَّنَد، بل بالمتابع وَالشَّاهِد. وَلذَلِك ضعفه الْحَافِظ بذلك الْإِسْنَاد وَلم تَأْخُذهُ هَيْبَة كَونه فِي الصَّحِيح بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَأما حَدِيث الْقسَامَة: فالقائل: سهل بن أبي حثْمَة وَهُوَ صَحَابِيّ وَكثير من الصَّحَابَة لم يسمعوا الْأَحَادِيث من الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وخاصة صغارهم، وَإِنَّمَا سمعوها من الصَّحَابَة، فنسبوها إِلَى الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ومرسل الصَّحَابِيّ صَحِيح لَا مطْعن فِيهِ: والْحَدِيث رَوَاهُ مَالك (196/2 - 197) وَمن طَرِيقه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير (2630) . وَأما حَدِيث الزُّهْرِيّ: حَدثنِي رجال عَن أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ مُسلم (945) بعد مَا رَوَاهُ من طرق عَن أبي هُرَيْرَة، وَمن طَرِيق ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، فَهُوَ فِي المتابعات، فَلَا حجَّة فِي ذَلِك. وَأما أَن الْأمة تَلَقَّتْهُ بِالْقبُولِ فَهِيَ محاولة فاشلة. إِذْ أَن الْحَافِظ ابْن الملقن نقل إِجْمَاع الْمُحدثين عَلَى ضعفه، وهم أهل الصَّنْعَة وإليهم يرجع القَوْل فِي هَذَا الْمَوْضُوع، فَلَا عِبْرَة بقول الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفَى (254/2) وَغَيره: وَهَذَا حَدِيث تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ وَلم يظْهر أحد فِيهِ طَعنا وَلَا إنكاراً، وَمَا كَانَ كَذَلِك فَلَا يقْدَح فِيهِ كَونه مُرْسلا. فَإِن قَوْلهم هَذَا مُخَالف للْوَاقِع الَّذِي تقدم. وَأما الْأَمْثِلَة الَّتِي ذكروها فَهِيَ أَحَادِيث صَحِيحَة كَمَا يظْهر من تخاريجها:

أما حَدِيث «الدِّيَة عَلَى الْعَاقِلَة» فَرَوَاهُ البُخَارِيّ (6909 و 6910) وَمُسلم (1681) وَأَبُو دَاوُد (4552 و 4553) وَالنَّسَائِيّ (47/8 - 48و49) الْبَيْهَقِيّ (105/8) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ مُسلم (1682) وَأَبُو دَاوُد (4545) وَالنَّسَائِيّ (49/8و50و51 - 52) وَابْن مَاجَه (2633) وَالْبَيْهَقِيّ (105/8 - 106) من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة. أَبُو دَاوُد (4550) وَالنَّسَائِيّ (51/8 - 52) من حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَأَبُو دَاوُد (4551) من حَدِيث جَابر. وَأما حَدِيث «إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ ... » الحَدِيث فَرَوَاهُ أَحْمد (4442 و 4443و 4444و 4445و 4446و 4447) وَالتِّرْمِذِيّ (1288) وَابْن مَاجَه (2186) والدارمي (4552) وَالْبَيْهَقِيّ (331/5 - 332) وَالدَّارَقُطْنِيّ (18/2 - 21) وَالطَّيَالِسِي (399) وَالْحَاكِم (54/2) وَصَححهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ. والْحَدِيث بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة، وَله طرق كَثِيرَة يصل بهَا إِلَى دَرَجَة الصَّحِيح. وَأما حَدِيث «الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته» فقد رَوَاهُ المحدثون من طرق كَثِيرَة: مِنْهَا عَن أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ مَالك (35/1) وَالشَّافِعِيّ (19/1) وَأحمد (237/2 و 361 و 378و 392 و 393) وَأَبُو دَاوُد (83) وَالتِّرْمِذِيّ (69) وَالنَّسَائِيّ (176/1) وَفِي الْكُبْرَى (67) وَابْن مَاجَه (386) وَابْن خُزَيْمَة (111) وَابْن حبَان (1231) وَابْن الْجَارُود (43) وَالدَّارَقُطْنِيّ (36/1) وَالْبَيْهَقِيّ (141/1) وَابْن أبي شيبَة (131/1) وَصَححهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَابْن الْمُنْذر والخطابي والطَّحَاوِي وَابْن مَنْدَه وَابْن حزم وَالْبَيْهَقِيّ وَعبد الْحق وَابْن الملقن والحافظ ابْن حجر وَغَيرهم.

وَمِنْهَا عَن جَابر، رَوَاهُ أَحْمد (373/3) وَابْن مَاجَه (388) وَالدَّارَقُطْنِيّ (34/1) وَالْحَاكِم (143/1) وَابْن حبَان (1232) وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير (1760) . وَمِنْهَا عَن ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (35/1) وَالْحَاكِم (140/1) وَصَححهُ عَلَى شَرط مُسلم وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ وَابْن الملقن. وَمِنْهَا عَن ابْن الخراسي، رَوَاهُ ابْن مَاجَه (387) . وَمِنْهَا عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (142/1 - 143) وَفِي إِسْنَاده من لَا يعرف. وَمِنْهَا عَن ابْن عمر وَأبي بكر وَأنس لَا تصح فَلِذَا لم نذكرها. فَظهر أَن الحَدِيث صَحِيح من طرق. وَأما حَدِيث «لَا وَصِيَّة لوَارث) فقد كتب فِي صِحَّته الكوثري فِي مقالاته (ص65/67) مقَالا. وَله طرق من عدَّة من الصَّحَابَة: مِنْهَا عَن أبي أُمَامَة، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (2853 و 2548) وَالتِّرْمِذِيّ (2253) وَابْن مَاجَه (2713) وَأحمد (5/266) وَالْبَيْهَقِيّ (6/264) وَعبد الرَّزَّاق (16308) وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير (7531و 7615و 7621) وَسَعِيد بن مَنْصُور (427) وَفِي إِسْنَاد إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن شرحيبل بن مُسلم وَهُوَ شَامي فَالْحَدِيث صَحِيح وَحسنه التِّرْمِذِيّ وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة (11/149) . وَمِنْهَا عَن عَمْرو بن خَارِجَة، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (2122) وَالنَّسَائِيّ (6/247) وَابْن مَاجَه (2712) وَعبد الرَّزَّاق (16306 و 16307

و 16376) وَالْبَيْهَقِيّ (6/264) وَأَبُو يعْلى (87/1) وَسَعِيد بن مَنْصُور (428) وَالدَّارَقُطْنِيّ (4/152)) (152 - 153) وَالْبَزَّار والْحَارث بن أبي أُسَامَة وَابْن أبي شيبَة (11/149) . وَمِنْهَا عَن أنس، رَوَاهُ ابْن مَاجَه (2714) وَالْبَيْهَقِيّ (6/264) وَالدَّارَقُطْنِيّ (4/70) . وَمِنْهَا عَن عبد الله بن عَمْرو، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (4/98) . وَمِنْهَا عَن عَلّي رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة (11/149) مَوْقُوفا عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعا. وَمِنْهَا عَن ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (4/97و 98و152) وَالْبَيْهَقِيّ (6/263) . وَمِنْهَا عَن ابْن عمر، رَوَاهُ الْحَارِث بن أبي أُسَامَة. وَمِنْهَا عَن جَابر، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (4/97) وَقَالَ: الصَّوَاب مُرْسل. وَمِنْهَا عَن زيد بن أَرقم، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ (5027) وَابْن عدي. وَمِنْهَا عَن الْبَراء، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ (5027) وَابْن عدي. وَمِنْهَا عَن معقل، رَوَاهُ ابْن عدي. وَمِنْهَا عَن خَارِجَة بن عَمْرو، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ (4201) . أفبعد هَذَا كُله يُقَال إِنَّه صَحِيح من جِهَة الْإِسْنَاد؟!. وَقد ذكر الْغَزالِيّ فِي الْمُسْتَصْفَى حديثين آخَرين أَحدهمَا «لَا تنْكح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا» وَالْأُخْرَى «لَا يتوارث أهل ملتين» . أما حَدِيث «لَا تنْكح الْمَرْأَة عَلَى عَمَّتهَا» فَرَوَاهُ البُخَارِيّ (5109

و 5110) وَمُسلم (1408) وَأَبُو دَاوُد (2051و2052) وَالتِّرْمِذِيّ (1135و1136) وَالنَّسَائِيّ (6/96و96 - 97و97و98) وَابْن مَاجَه (1929) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. وَرَوَاهُ البُخَارِيّ (5108) وَالنَّسَائِيّ (6/98) من حَدِيث جَابر. وَرَوَاهُ أَحْمد (1878 و3530) وَأَبُو دَاوُد (2053) وَالتِّرْمِذِيّ (1134) من حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَابْن مَاجَه (1930) من حَدِيث أبي سعيد. وَابْن مَاجَه أَيْضا (1931) من حَدِيث أبي مُوسَى. وَقد رُوِيَ من حَدِيث غير هَؤُلَاءِ. وَهُوَ حَدِيث صَحِيح لَا شكّ فِيهِ. وَأما حَدِيث «لَا يتوارث أهل ملتين» فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ (2191) عَن جَابر وَالطَّبَرَانِيّ (391) عَن أُسَامَة وَأحمد (6664 و 6844) وَأَبُو دَاوُد (2894) وَابْن مَاجَه (2731) عَن عبد الله بن عَمْرو وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ (6/218) وَالدَّارَقُطْنِيّ (4/72 - 73) . فَثَبت مِمَّا تقدم أَن حَدِيث معَاذ ضَعِيف لعلل: 1 - الِاضْطِرَاب فِي الْإِسْنَاد. 2 - جَهَالَة الْحَارِث بن عَمْرو. 3 - جَهَالَة أَصْحَاب معَاذ. 5 - الْإِرْسَال. وَالله أعلم.

الملحق الثاني حول حديث إنها ليست بنجس إنها من الطوافين أوالطوافات

الملحق الثَّانِي حول حَدِيث إِنَّهَا لَيست بِنَجس إِنَّهَا من الطوافين أوالطوافات من كتاب الْبَدْر الْمُنِير فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الشَّرْح الْكَبِير للمؤلف حَيْثُ أَشَارَ إِلَيْهِ، ولنفاسة كَلَام الْمُؤلف فِي الْبَدْر الْمُنِير ننقله بحرفه، ونعلق عَلَى بعض الْمَوَاضِع مِنْهُ. قَالَ (1/66/1 - 69 - 1) هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَشْهُور رَوَاهُ الْأَئِمَّة الْأَعْلَام حفاظ الْإِسْلَام مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد والدارمي فِي مسانيدهم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحهمَا وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن والمعرفة من رِوَايَة أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَليكن كلامنا عَلَى هَذَا الحَدِيث مُلَخصا فِي ثَلَاثَة فُصُول: الأول: فِيمَن صَححهُ وشبهة من أعله. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهِ: إِنَّه حَدِيث حسن صَحِيح وَإنَّهُ أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب، وَإِن مَالِكًا جود إِسْنَاده عَن إِسْحَاق بن عبد الله، وَإِن أحدا لم يَأْتِ بِهِ أتم مِنْهُ، وَسَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ؟ فَقَالَ: جوده مَالك بن أنس، وَرِوَايَته أصح من رِوَايَة غَيره.

وَقَالَ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، عَلَى أَنَّهُمَا قد استشهدا جَمِيعًا بِمَالك بن أنس، وَأَنه الحكم فِي حَدِيث الْمَدَنِيين، وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا صَححهُ مَالك وَاحْتج بِهِ فِي الْمُوَطَّأ، وَمَعَ هَذَا فَلهُ شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح. حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُوسَى القَاضِي ببخارى ثَنَا مُحَمَّد بن أَيُّوب أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ ثَنَا سُلَيْمَان بن سافع بن شيبَة الحَجبي قَالَ: سَمِعت مَنْصُور بن صَفِيَّة بنت شيبَة يحدث عَن أمه صَفِيَّة عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِنَّهَا لَيست بِنَجس، هِيَ كبعض أهل الْبَيْت» يَعْنِي الْهِرَّة. وَهَذَا الشَّاهِد الَّذِي اسْتشْهد بِهِ الْحَاكِم أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَلَفظه «هِيَ كبعض مَتَاع الْبَيْت» يَعْنِي الْهِرَّة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ سُلَيْمَان بن أبي مسافع. قلت: ذكره الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء، وَقَالَ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر فِي كِتَابه معرفَة السّنَن والْآثَار فِي حَدِيث أبي قَتَادَة: إِسْنَاده صَحِيح، والإعتماد عَلَيْهِ. وَصَححهُ أَيْضا الإمامان أَبُو بكر بن خُزَيْمَة وَأَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُمَا أَخْرجَاهُ فِي صَحِيحَيْهِمَا كَمَا قدمْنَاهُ عَنْهُمَا. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت.

وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله طرقه ثمَّ قَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفا. قَالَ: وَرَفعه صَحِيح. قَالَ: وَلَعَلَّ من وَقفه لم يسْأَل أَبَا قَتَادَة: هَل عِنْده عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِيهِ أثر أم لَا؟ لأَنهم حملُوا فعل أبي قَتَادَة حَيْثُ قَالَ: وأحسنها إِسْنَادًا، وَأما رِوَايَة مَالك عَن إِسْحَاق عَن امْرَأَته عَن أمهَا عَن أبي قَتَادَة وَحفظ أَسمَاء النسْوَة وأنسابهم وجود ذَلِك، وَرَفعه إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وَخَالف الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ بعد أَن أخرجه من رِوَايَة مَالك فِي الْمُوَطَّأ، ثمَّ ذكر اخْتِلَاف رواياته: أم يَحْيَى اسْمهَا حميدة، وخالتها هِيَ كَبْشَة، وَلَا يعرف لَهما رِوَايَة إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث، ومحلهما مَحل الْجَهَالَة، وَلَا يثبت هَذَا الْخَبَر بِوَجْه من الْوُجُوه، وسبيله سَبِيل الْمَعْلُول. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي شرح الْإِلْمَام: جَرَى ابْن مَنْدَه عَلَى مَا اشْتهر عَن أهل الحَدِيث أَنه من لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد فَهُوَ مَجْهُول. قَالَ: وَلَعَلَّ من صَححهُ اعْتمد عَلَى كَون مَالك رَوَاهُ وَأخرجه مَعَ مَا علم من تشدده وتجرئه فِي الرِّجَال، وَأَن كل من رَوَى عَنهُ فَهُوَ ثِقَة كَمَا صَحَّ عَنهُ، ونقلناه فِي مُقَدمَات هَذَا الْكتاب. قَالَ: فَإِن سلكت هَذَا الطَّرِيق فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث أَعنِي عَلَى تَخْرِيج مَالك لَهُ، وَإِلَّا فَالْقَوْل مَا قَالَ ابْن مَنْدَه.

وَقد ترك الشَّيْخَانِ إِخْرَاجه فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَقَالَ فِي الإِمَام: إِذا لم تعرف لحميدة وكبشة رِوَايَة إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث فَلَعَلَّ طَرِيق من صَححهُ أَن يكون اعْتمد عَلَى إِخْرَاج مَالك لروايتهما مَعَ شهرته بالتشدد. وَقَالَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي: بَقِي عَلَى ابْن مَنْدَه أَن يَقُول: وَلم تعرف حَالهمَا من خَارج، فكثير من رُوَاة الْأَحَادِيث مقبولون. قلت: هَذَا لَا بُد مِنْهُ، وَأَنا أستبعد كل الْبعد توارد الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين عَلَى تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث مَعَ جهالتهم بِحَال حميدة وكبشة، فَإِن الْإِقْدَام عَلَى التَّصْحِيح وَالْحَالة هَذِه لَا يحل بِإِجْمَاع الْمُسلمين، فلعلهم اطلعوا عَلَى حَالهمَا وخفي علينا. قَالَ النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد: وَهَذَا الحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد حسن، وَلَيْسَ فِيهِ سَبَب مُحَقّق لضَعْفه. قلت: وَقد ظهر أَن جَمِيع مَا علل بِهِ ابْن مَنْدَه وتوبع عَلَيْهِ فِيهِ نظر. أما قَوْله: إِن حميدة لَا تعرف لَهَا رِوَايَة إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث فخطأ، فلهَا ثَلَاثَة أَحَادِيث: أَحدهَا: هَذَا. وَثَانِيها: حَدِيث تشميت الْعَاطِس، أخرجه أَبُو دَاوُد مُصَرحًا باسمها، وَالتِّرْمِذِيّ مُشِيرا إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: عَن عمر بن إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة عَن أمه عَن أَبِيهَا، وَحسنه التِّرْمِذِيّ عَلَى مَا نَقله ابْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه.

وَالَّذِي رَأَيْته فِيهِ: حَدِيث غَرِيب، وَإِسْنَاده مَجْهُول. وَثَالِثهَا: حَدِيث «رهان الْخَيل طلق» رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة من حَدِيث يَحْيَى بن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أمه عَن أَبِيهَا مَرْفُوعا بِهِ. وَأما قَوْله فِي كَبْشَة فَكَمَا قَالَ: فَلم أر لَهَا حَدِيثا آخر، وَلَا يَضرهَا، فَإِنَّهَا ثِقَة كَمَا سَيَأْتِي. وَأما قَوْله: إِن مَحلهمَا الْجَهَالَة فخطأ، أما حميدة فقد رَوَى عَنْهَا إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة رَاوِي حَدِيث الْهِرَّة، وَابْنه يَحْيَى فِي حَدِيث تشميت الْعَاطِس من طَرِيق أبي دَاوُد، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَفِي طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَن الرَّاوِي عَنْهَا ابْنهَا عمر بن إِسْحَاق، فَإِن لم يكن غَلطا فَهُوَ ثَالِث، وَهُوَ أَخُو يَحْيَى. وَذكرهَا ابْن حبَان فِي ثقاته. فقد زَالَت عَنْهَا الْجَهَالَة العينية والحالية. وَأما كَبْشَة فَلم يعلم رَوَى عَنْهَا غير حميدة، لَكِن ذكرهَا ابْن حبَان فِي الثِّقَات. وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان: إِن الرَّاوِي إِذا وثق زَالَت جهالته وَإِن لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد، وإعلامي هَذَا أَنَّهَا صحابية، كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي ثقاته، وَكَذَا نَقله أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ عَن جَعْفَر.

وَأما قَوْله: وَلَا يثبت هَذَا الْخَبَر بِوَجْه من الْوُجُوه فخطأ. فقد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد فَقَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون، ثَنَا عمر بن الْهَيْثَم بن أَيُّوب الطَّالقَانِي، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن أسيد بن أبي أسيد عَن أَبِيه أَن أَبَا قَتَادَة كَانَ يصغي الإِناء للهرة فَتَشرب مِنْهُ، ثمَّ يتَوَضَّأ بفضلها، فَقيل لَهُ: أتتوضأ بفضلها؟ فَقَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِنَّهَا لَيست بِنَجس، إِنَّمَا هِيَ من الطوافين عَلَيْكُم» . فَهَذِهِ مُتَابعَة لكبشة، وَهَذَا سَنَد لَا أعلم بِهِ بَأْسا. فقد اتَّضَح وَجه تَصْحِيح الْأَئِمَّة لهَذَا الحَدِيث، وَخطأ معلله، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق، فاستفده فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات.

الفصل الثاني في ذكر ألفاظه واختلاف طرقه، فإن الحاجة تشد إلى ذلك

الْفَصْل الثَّانِي فِي ذكر أَلْفَاظه وَاخْتِلَاف طرقه، فَإِن الْحَاجة تشد إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ عُمْدَة مَذْهَبنَا فِي طَهَارَة سُؤْر السبَاع وَسَائِر الْحَيَوَان غير الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَفرع أَحدهمَا فَنَقُول: لفظ رِوَايَة مَالك: عَن إِسْحَاق بن عبد الله عَن حميدة بنت أبي عُبَيْدَة بن فَرْوَة عَن خَالَتهَا كَبْشَة ابْنة كَعْب بن مَالك، وَكَانَت تَحت ابْن أبي قَتَادَة أَنَّهَا أخْبرتهَا أَن أَبَا قَتَادَة دخل عَلَيْهَا، فَسَكَبت لَهُ وضوء، فَجَاءَت هرة لتشرب مِنْهُ، فأصغى لَهَا الْإِنَاء حَتَّى شربت، قَالَت كَبْشَة: فرآني أنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنة أخي؟ قَالَت: قلت: نعم، فَقَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِنَّهَا لَيست بِنَجس، إِنَّمَا هِيَ من الطوافين عَلَيْكُم أَو الطوافات» . هَذَا لفظ رِوَايَة مَالك بحروفها. وَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ مثلهَا سَوَاء إِلَّا أَن رِوَايَة مَالك أَو الطوافات بِأَو «إِنَّمَا هِيَ من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات» بِالْوَاو وبحذف «عَلَيْكُم» .

وَرِوَايَة أَحْمد من طَرِيق مَالك كهذه إِلَّا أَنه أثبت «وَعَلَيْكُم» . وَرِوَايَة ابْن حبَان وَالْحَاكِم كَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ إِلَّا أَن فِي روايتهما إِثْبَات «وَعَلَيْكُم» . وَابْن خُزَيْمَة كَذَلِك. وَفِي روايتي الدَّارمِيّ وَأبي دَاوُد «عَن كَبْشَة بنت كَعْب بن مَالك وَكَانَت تَحت ابْن أبي قَتَادَة» . ثمَّ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد «والطوافات» . وَفِي رِوَايَة الدَّارمِيّ «أَو الطوافات» . كَذَا نَقله النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب عَن مُسْند الدَّارمِيّ. وَالَّذِي رَأَيْته فِيهِ «والطوافات» كَرِوَايَة أبي دَاوُد بِحَذْف الْألف، وَفِيه تَحت «أبي قَتَادَة» بِحَذْف «ابْن» . وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه «كَبْشَة بنت كَعْب وَكَانَت تَحت بعض ولد أبي قَتَادَة» وفيهَا «والطوافات» بِالْوَاو.

وَرِوَايَة الرّبيع عَن الشَّافِعِي عَن مَالك بالإِسناد وَقَالَ فِي كَبْشَة «وَكَانَت تَحت ابْن أبي قَتَادَة أَو أبي قَتَادَة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الشَّك من الرّبيع، وَقَالَ فِيهِ «أَو الطوافات» بِأَو. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الرّبيع فِي مَوضِع آخر عَن الشَّافِعِي ثمَّ قَالَ: وَكَانَت تَحت ابْن أبي قَتَادَة، وَلم يشك. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن الثِّقَة عَن يَحْيَى بن أبي كثير عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِمثلِهِ.

الفصل الثالث: في الكلام على شيء من إسناده ومفرداته

الْفَصْل الثَّالِث: فِي الْكَلَام عَلَى شَيْء من إِسْنَاده ومفرداته قَالَ الإِمام أَبُو عمر بن عبد الْبر: رَوَى هَذَا الحَدِيث يَحْيَى بن يَحْيَى عَن مَالك عَن إِسْحَاق عَن حميدة ابْنة أبي عُبَيْدَة بن فَرْوَة عَن خَالَتهَا كَبْشَة الحَدِيث. هَكَذَا قَالَ يَحْيَى: عَن حميدة بنت أبي عُبَيْدَة [بن فَرْوَة] ، وَلم يُتَابِعه عَلَى قَوْله ذَلِك أحد، وَهُوَ غلط [مِنْهُ] ، وَأما سَائِر رُوَاة الْمُوَطَّأ فَيَقُولُونَ: حميدة ابْنة عبيد بن رِفَاعَة، إِلَّا أَن زيد بن الْحباب قَالَ فِيهِ عَن مَالك: حميدة بنت عُبَيْدَة بن رَافع] رَافع، وَالصَّوَاب رِفَاعَة [وَهُوَ رِفَاعَة] بن رَافع الْأنْصَارِيّ. قلت: وَهُوَ فِي صَحِيح ابْن حبَان من رِوَايَة القعْنبِي عَن مَالك: حميدة بنت عبيد بن رِفَاعَة. ثمَّ قَالَ: وَانْفَرَدَ يَحْيَى بقوله «عَن خَالَتهَا» وَسَائِر رُوَاة الْمُوَطَّأ يَقُولُونَ: «عَن كَبْشَة» لَا يذكرُونَ «خَالَتهَا» . وَاخْتلف فِي رفع الْحَاء ونصبها من «حميدة» وَأَشَارَ إِلَى أَن الْأَكْثَر ضمهَا، وتكنى حميدة أم يَحْيَى، وَهِي امْرَأَة إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، ذكر ذَلِك يَحْيَى الْقطَّان فِي هَذَا الحَدِيث عَن مَالك، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ ابْن الْمُبَارك عَن مَالك إِلَّا أَنه

قَالَ: كَبْشَة امْرَأَة أبي قَتَادَة، وَهَذَا وهم، وَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَة [ابْن] أبي قَتَادَة. وَنقل النَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد أَنه وَقع فِي رِوَايَة مَالك وَالتِّرْمِذِيّ تَحت أبي قَتَادَة. وَقَالَ: هُوَ مجَاز مَحْمُول عَلَى الرِّوَايَة الْمَشْهُور تَحت ابْنه. وَرَأَيْت من وهم النَّوَوِيّ فِي نَقله ذَلِك عَن الْمُوَطَّأ، وَوهم هُوَ فِي ذَلِك، يَكْفِي بالنووي أَن يُوَافق نَقله مَا نَقله ابْن الْمُبَارك، لَكِن الْمَشْهُور من رِوَايَة مَالك فِي الْمُوَطَّأ تَحت ابْن أبي قَتَادَة، وَكَذَلِكَ هُوَ مَوْجُود فِي الملخص للقابسي فَافْهَم ذَلِك. وَأما لَفْظَة «أَو الطوافات» فَقَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ وَصَاحب الْمطَالع: يحْتَمل أَن يكون عَلَى مَعْنَى الشَّك من الرَّاوِي، وَيحْتَمل أَن يكون النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ ذَلِك، قَالَ ذَلِك يُرِيد أَن هَذَا الْحَيَوَان لَا يَخْلُو أَن يكون من جملَة الذُّكُور الطوافين أَو الْإِنَاث. وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب هَذَا عَن صَاحب الْمطَالع وَحده، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَه مُحْتَمل. قَالَ: و [هُوَ] الْأَظْهر، لِأَنَّهُ للنوعين كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَات الْوَاو. قَالَ أهل اللُّغَة: الطوافون الخدم والمماليك، وَقيل: هم الَّذين يخدمون بِرِفْق وعناية، وَإِنَّمَا جمع الْهِرَّة بِالْيَاءِ وَالنُّون مَعَ أَنَّهَا لَا تعقل، لِأَن المُرَاد أَنَّهَا من جنس الطوافين أَو الطوافات. وَمَعْنى الحَدِيث أَن الطوافين من الخدم وَالصغَار الَّذين سقط فِي حَقهم الْحجاب والإستئذان فِي غير الْأَوْقَات الثَّلَاث الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا سقط فِي حَقهم دون غَيرهم للضَّرُورَة وَكَثْرَة مداخلتهم بِخِلَاف

الْأَحْرَار الْبَالِغين، فَإِذا يُعْفَى عَن الْهِرَّة للْحَاجة. فقد أَشَارَ إِلَى نَحْو هَذَا الْمَعْنى أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه «الأحوذي» فِي شرح التِّرْمِذِيّ. وَذكر الْخطابِيّ أَن هَذَا الحَدِيث مؤول عَلَى وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه شبهها بخدم الْبَيْت وَمن يطوف عَلَى أَهله للْحَدِيث. وَالثَّانِي: شبهها بِمن يطوف للْحَاجة. قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا الثَّانِي قد يأباه سِيَاق قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ إِنَّهَا لَيست بِنَجس وَهُوَ كَمَا قَالَ. بل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي شرح الْإِلْمَام: إِنَّه غَرِيب بعيد. فَإِن قلت: فالخدم وَالْعَبِيد لَا يُعْفَى عَن نَجَاسَة أَفْوَاههم. فَالْجَوَاب: أَن نَجَاسَة أفواهها ينْدر، وَلَا يشق الِاحْتِرَاز، وَفِي هَذَا الْخلاف. وَقَوْلها: فَسَكَبت لَهُ وضوء هُوَ بِفَتْح الْوَاو، وَهُوَ اسْم للْمَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ، وَالْوُضُوء بِالضَّمِّ اسْم للْفِعْل. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هَذِه اللُّغَة هِيَ قَول الْأَكْثَرين من أهل اللُّغَة. وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام «إِنَّهَا لَيست بِنَجس» هُوَ بِفَتْح الْجِيم، كَذَا قيد غير وَاحِد مِنْهُم الْمُنْذِرِيّ فِي مُخْتَصر السّنَن، وَالنَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى أبي دَاوُد وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي شرح الإِلمام وَغَيرهم.

قَالَ الله تَعَالَى: (إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس) . وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفَوَائِد المستنبطة مَا لَا يسعنا ذكر بعضه هُنَا لِئَلَّا يطول الْكتاب وَيخرج عَن مَوْضُوعه، وَهَذَا الْقدر كَاف. وَبَقِي أَمر مُهِمّ وَرَاء هَذَا كُله، وَهُوَ أَن الإِمَام الرَّافِعِيّ وَقع لَهُ فِي هَذَا الحَدِيث ثَلَاثَة [أُمُور] غَرِيبَة وَهُوَ أَنه جعل الصِّيَغ للإِناء للهرة هُوَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَتبع فِي ذَلِك الْمُتَوَلِي من أَصْحَابنَا فَإِنَّهُ ذكر ذَلِك فِي تتمته، وَالْمَعْرُوف أَنه أَبُو قَتَادَة. فَقَالَ مَا نَصه: سُؤْر الْهِرَّة طَاهِر، لِأَنَّهَا طَاهِرَة الْعين، وَمَا هُوَ طَاهِر الْعين فَهُوَ طَاهِر السؤر، وَلذَلِك لَا يعْجبُونَ من إصغاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْإِنَاء للهرة، قَالَ: «إِنَّهَا لَيست بنجسة إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم» جعل طَهَارَة الْعين عِلّة طَهَارَة السؤر انْتَهَى. فَذكرت أَنا الحَدِيث بِاللَّفْظِ الْمَعْرُوف، فَافْهَم ذَلِك. نعم فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن أبي قَتَادَة وَقَالَ: كَانَ أَبُو قَتَادَة يصغي الْإِنَاء للهرة فَتَشرب، ثمَّ يتَوَضَّأ بِهِ، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك؟ فَقَالَ: مَا صنعت إِلَّا مَا رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يصنع. فقد يَقْتَضِي ظَاهر هَذَا مُوَافقَة مَا أوردهُ المُصَنّف انْتَهَى.

§1/1