تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد

جمال الدين ابن هشام

[مقدمة المصنف]

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم. بحمدك نستفتح يا من تفرد بالقدم، ومن فيض فضلك نستمنح، يا من اخترع الموجودات من العدم، وإليك نرغب في أن تهدي أشرف صلواتك، وأزكى تحياتك، إلى من أرسلته على فترة من الرسل، وابتعثته على انقطاع من السبل، فجاء مجيء الصبح والليل مظلم، وحلَّ محل الغيث والقفر ممحل، وأن توفقنا إلى اقتباس أنواره، واقتفاء آثاره، وأن تجعلنا خداماً لكتابك المبين، وأعواناً للمستمسكين بحبلك المتين، وأن توضح السبل الموصلة إليه، وترشدنا إلى حقائق الشواهد الدالة عليه، وأن تجعله أنيسنا في اللحود، ودليلنا إلى دار كرامتك في اليوم المشهود بمنك وكرمك، وبعد: فقد شكا إلي جماعة من الطلاب، الراغبين في تحقيق علم الاعراب، ما يجدونه من نكد الشواهد الشعرية المستشهد بها في «شرح الخلاصة الألفية»، وأنهم لم يجدوا من يحسن إيرادها، ولا من يسعف بمطلوبه مرتادها، ولا من يفتح بسعة علمه مقفلها ولا من يوضح بلطف

إدراكه مشكلها، وأنهم عطشى الأكباد إلى تأليفٍ يجمع ذلك، وتصنيف يهتدون به إلى تلك المسالك، فأنشأت لهم هذا المختصر المسمى بـ «تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد»، محتوياً على تفسير لفظها، وتحرير ضبطها، وبيان الشاهد منها، وإيراد بعض ما تقدمها من الأبيات وما تأخر عنها، أو نسيباً مستلذاً أو غزلاً، وفصلت ذلك كله مسألة مسألة، /3/ وتخيرت لها العبارة الموجزة والإشارة المستسهلة، ثم أنني رأيت أن من إتمام الفائدة، وإكمال العائدة، ألا أقتصر على شرح شواهد الشرح، ولا على مسائل تلك الشواهد، فأردفتها بشواهد كثيرة لم يشتمل عليها، ووشحتها بمسائل عديدة لم يتضمن التصريح بها، ولا الإشارة إليها، ومن الله سبحانه أستمد، وإلى ركنه الحصين أستند، على جوده العميم أعتمد، ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم.

شواهد باب الكلام وما يتألف منه

شواهد باب الكلام وما يتألف منه مسألة [1] قد يقصد بالكلمة الكلام كقوله عليه السلام: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد، ألا كل شيء ما خلا الله باطل". وهذا الحديث في الصحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، ومن ألفاظه، أن أصدق كلمة، ومنها: أن أصدق بيت قاله الشاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، ومنها: أصدق

بيت قالته الشعراء، والثلاثة في صحيح مسلم، ومنها: أشعر وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم، ومنها: أصدق بيت قالته الشعراء، والثلاثة في صحيح مسلم، ومنها: اشعر كلمة تكلمت بها العرب، أورده ابن مالك في باب الضمير من شرح التسهيل، ولبيد هو ابن ربيعة العامري، صحابي شاعر مجيد، هجر الشعر حين أسلم، واستنشده عمر، فقال: أبدلني الله خيراً منه، سورتي البقرة وآل عمران، فزاد في عطائه، قيل: وليس له في الإسلام سوى قوله: [البسيط]. (الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى اكتسيت من الإسلام سربالاً) وقوله: (ما عاتب الحر الكريم كنفسه ... والمرء ينفعه القرين الصالح) وهذه الكلمة مما قاله قبل الإسلام، ولما أنشد الشطر الأول قال له

/4/ عثمان بن مظعون رضي الله عنه: صدقت، فلما أنشد الثاني قال له: كذبت، إن نعيم الآخرة لا يزول. والباطل في الأصل غير الحق، والمراد به هنا الهالك، والبيت من معنى قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: 88]، ولكن الشاعر عبّر عن الهالك بالباطل، لقصد التصريع، وهو تصريع في أثناء القصيدة. وذكر النحويون أنه اعترض بالاستثناء بين المبتدأ والخبر، و (ما) عندهم في نحو: قام القوم ما خلا زيدا، مصدرية، ومحلها مع صلتها نصب على الحال، أي خالين عن زيد، أو على الظرف، على حذف مضاف، أي وقت خلوهم عن زيد. وفي النهاية لابن الخباز قال شيخنا: ليس هذا باستثناء، بل (ما) زائدة، وخلا الله صفة لكل أو لشيء، والمعنى: كل شيء غير [بالرفع] أو غير [بالجر] باطل. انتهى. وليس الشاهد في البيت، بل في الحديث مع البيت، لاشتمال الحديث

على تسمية البيت كلمة، وأول الكلمة: [الطويل]. (ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلالٌ وباطل) (أرى الناس لا يدرون ما قدرُ أمرهم ... بلى كل ذي لُب إلى الله واسل) وبعد البيت: (وكل أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفر منها الأنامل) (وكل امرئ يوماً سيعلم غيبه ... إذا حصلت عند الإله المحاصل) (إذا المرء أسرى ليلة خال أنه ... قضى عملاً والمرء ما دام عامل) (فقولا له ان كان يقسم أمره ... ألما يعظم الدهر أمك هابل) (فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب ... لعلك تهديك القرون الأوائل) (فإن لم تجد من دون عدنان والدا ... ودون معد فلتزعك العواذل) /5/ والبيت الأول يأتي عليه الكلام إن شاء الله تعالى في باب الموصول، ومعنى البيت الثاني: أن الناس لا يدرون ما هم فيه من خطر الدنيا وسرعة فنائها، وأن كل ذي عقل متوسل إلى الله سبحانه بصالح عمله، وقوله: واسل، معناه ذو وسيلة، مثل: لابن وتامر. وقوله: سوف تدخل، دليل على جواز وقوع (سيفعل) خبراً، وذلك جائزاً اتفاقاً إذا كان المخبر عنه مبتدأ عاماً كما في البيت، أو اسماً لأن، نحو: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

سيجعل لهم الرحمن ودا} ويمتنع عند ابن الطراوة وتلميذه السهيلي في غير ذلك، نحو: زيد سيقوم، والأكثرون على الجواز، بدليل قوله: [الطويل]. (فلما رأته أمنا هان وجدها ... وقالت أبونا هكذا سوف يفعل) وقوله: دويهية، استدل به الكوفيون على ثبوت تصغير التعظيم؛ إذ المعنى: داهية عظيمة، وأجيب بأنها إنما صغرت لدقتها وخفائها، فهو راجع إلى معنى التقليل، وفي (المحكم) أنه يروى: خويخية، بمعجمتين، بمعنى دويهية. وقوله: فإن أنت، أصله: فإن إياك، ثم أناب المرفوع عن المنصوب كقراءة الحسن: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [سورة الفاتحة: 5]، = إياك (يعبد)، وفيه أوجه آخر.

مسألة [2] /6/ تسميتهم الكلام كلمة مجاز من باب تسمية الشيء باسم بعضه كتسمية القصيدة قافية

ومعنى البيتين الأخيرين: أن غايةالإنسان الموت، فينبغي له أن يتعظ بأن ينسب نفسه إلى عدنان أو معد، فإن لم يجد من بينه وبينهما من الأباء باقياً فليعلم أنه يصير إلى مصيرهم، فينبغي له أن ينزع عما هو عليه. ويقال: وزعه يزعه إذا كفه، والعواذل هنا حوادث الدهر وزواجره، وإسناد العذل إليها مجاز، ونصب (دون) بالعطف على محل (من دون)؛ لأن معنى: إن لم تجد من دون عدنان، وإن لم تجد دون عدنان، واحد. مسألة [2] /6/ تسميتهم الكلام كلمة مجاز من باب تسمية الشيء باسم بعضه كتسمية القصيدة قافية، قال: [الوافر]. (وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني) وقبله: (أعلمه الرماية كل يوم ... فلما استد ساعده رماني) و (استد) بالسين المهملة، من السداد، ومن أعجمها فقد صحف و (كم) خبرية بمعنى كثير، وتمييزها محذوف، وإعرابها بحسبه، فإن قدّرت: وكم وقت، فهي ظرف، أو كم تعليم، فهي مفعول مطلق، و (نظم) مفعول ثان؛ لأن (علّم) منقول بالتضعيف من (علم) بمعنى عرف.

مسألة [3] تنوين الترنم

مسألة [3] تنوين الترنم هو المبدل من حرف الإطلاق، كقوله: [الزجر]. (يا صاح ما هاج العيوم الذرفن ... من طلل كالأتحميٌ انهجنْ) كذا قال الشارح، وقد وقع له ولغيره في هذا الموضع وهمان، أحدهما: تسمية هذا التنوين تنوين الترنم، والصواب: تنوين ترك الترنم، إذ الترنم إنما هو في أحرف الإطلاق، قال سيبويه: أما إذا ترنموا فإنهم يلحقون الألف والواو والياء؛ لأنهم أرادوا مدّ الصوت، وإذا أنشدوا ولم يترنموا، فأهل الحجاز يدعون القوافي على حالها في الترنم، وناس كثير من بني تميم يبذلون مكان المدة النون. انتهى، وكذا قال ابن السراج وغيرهما. والوهم الثاني اعتقاد أن المصراعين من ارجوزة واحدة، وذلك غير متأت، لاختلاف رويهما بالفاء والجيم، ويتضح لك ذلك إذا استعملتها بحرف الإطلاق، والصواب أنهما من ارجوزتين، والأول صدر الأرجوزة، وبعده:

(من طلل أمسى يحاكي المصحفا) والثاني ثاني شطري الأخرى، وقبله: (ما هاج أحزاناً وشجواً قد شجا) وكلاهما /7/ للعجاج، وهو عبد الله بن رؤبة التميمي الراجز، ولقب العجاج لقوله: (حتى يعج عندها من عجعجا) روى عن أبي هريرة أحاديث، وقال له سليمان بن عبد الملك: أنك لا تحسن الهجاء، فقال: إن لنا أعلاماً تمنعنا أن نظلم وأحساباً تمنعنا أن نظلم وهل رأيت بانياً لا يحسن أن يهدم؟ و (صاح) منادى مرخم على لغة من ينتظر، ولم يسمع ترخيمه على لغة التمام، وأصله صاحب، وترخيمه شاد؛ لأنه ليس بعلم، ولا ذي تأنيث، وقيل: أصله صاحبي، فرخم بحذف المضاف إليه، ثم رخم بحذف آخر المضاف، وليس بشيء. و (ما) استفهام مبتدأ، وفاعل (هاج) ضمير ما، وهاج يتعدى ولا يتعدى، تقول: هاج الحزن، وهاجه التذكار، والمعنى:

مسألة [4] /8/ التنوين الغالي اللاحق للروي المقيد

أي شيء هيّج الدموع، والجملة خبر ما، والذرف، بالذال المعجمة، جمع ذارف، اسم فاعل من ذرف الدمع، كضرب، بمعنى سال، وإسناد الذروف إلى ضمير العيون مجاز عقلي، مثل: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [سورة البقرة: 25]، ويروي الدموع بدل العيون، فالاسناد حقيقة، و (من) للابتداء، وتعلقها بهاج. و (الطلل) ما شخص من آثار الديار، وجمعه أطلال، وطلول، و (الأتحمي) بهمزة مفتوحة فتاء مثناة فحاء مهملة مفتوحة: برد يمنّي، وتشبه به الأطلال من أجل الخطوط التي فيه كما تشبه بالمصحف، لذلك، وانهج الثوب، بالنون والجيم: أخذ في البلى، قال: [الطويل]. (فما زال بردي طيباً من ثيابها ... إلى الحول حتى انهج البرد باليا) والظرف صفة لطلل، وأنهج حال من الأتحمي، أو صفة له؛ لأن تعريفه جنسي. مسألة [4] /8/ التنوين الغالي اللاحق للروي المقيد. أي الذي ليس ألفاً ولا واواً ولا ياءً، كقوله: [الرجز].

وقاتم الأعماق خاوى المخترقن. وإنما سمي غالياً لأنه زيادة على الوزن، والغلو في اللغة الزيادة، والأخفش يسمي الحركة التي قبله غلواً، وهي الكسرة؛ لأنها الأصل في حركة التقاء الساكنين، وكقوله: يومئذٍ، وصه، فكسروا ما قبل التنوين. وزعم ابن الحاجب أنه إنما سمى التنوين غالباً لقلته، وأن الأولى أن تكون الحركة قبله فتحة كما في نحو: أضربا، وأن هذا أولى من أن يقاس على يومئذٍ؛ لأن ذاك له أصل في المعنى، وهو العوض من المضاف إليه، ولنا أنه لا يعرف غلا الشيء بمعنى قلّ، ولكن غلو قيمة الشيء لازمة عن قلة وجوده، وأما غلا بمعنى زاد فثابت، فتفسيرنا أولى، وكذلك قياس التنوين على التنوين أولى لاتحاد جنسهما ولأنهما يكونان في الاسم، والنون لا تكون إلا في الفعل، ثم إن فتحة (أضربا) للتركيب كما في خمسة عشر لا لالتقاء الساكنين بدليل لتضربن، وبدليل ردهم حرف العلة في نحو: قومن وأقعدن بخلاف نحو: {قُمِ اللَّيْلَ} [سورة المزمل: 2]، قال: [الطويل]. (فلا تقبلن ضيماً مخافة ميتة ... وموتاً بها حراً وجلدك أملس)

وفائدة هذا التنوين التطريب والتغني عند ابن يعيش، وجعله ضرباً من تنوين الترنم، وزعم أن تنوين الترنم يراد به ذلك، وقد مضى أن ذلك وهم. وقال عبد القاهر: فائدته الإيذان بأن المتكلم واقف؛ لأنه إذا أنشد عجلاً والقوافي ساكنة لم يعلم أواصل هو أم واقف؟ وأنكر هذا التنوين الزجاج والسيرافي، وزعما أن رؤبية كان يزيد في أواخر الأبيات (أن)، فلما ضعف صوته بالهمزة لسرعة الإيراد ظن السامع أنه نون.

قال الناظم: "وهذا تقرير صحيح مخلص من زيادة ساكن /9/ على ساكن بعد تمام الوزن"، قلت: لكن فيه توهيم الرواة الضابطين بمجرد الاحتمال المرجوح، وليس هذا التنوين في أواخر الأبيات بأبعد من الخزم في أوائلها. وهذا البيت أول أرجوزة شهيرة لرؤبة بن العجاج المتقدم ذكره، وبعده: (مشتبه الأعلام لمّاع الخفق ... يكل وفد الريح من حيث انخرق) و (القاتم) بالقاف والتاء المثناة: المغبر، والقتام، بالفتح: الغبار، وهو صفة لمحذوف، وجره برب محذوفة، والأصل: ورب بلد قاتم، والواو عاطفة على شيء قدره في نفسه؛ إذ لا شيء قبله في اللفظ فيعطف عليه. واستدل بظاهره من زعم أن الواو هي الخافضة، وليست عاطفة، وأنها المفيدة لمعنى رب. واحتج الجماعة بأن العاطف لا يدخل عليه بخلاف واو القسم، نحو {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ} [سورة الحجر: 92]. (والأعماق) بالمهلة: جمع عمق، بضم العين وفتحها: ما بعد من أطراف المفاوز، مستعار من عمق البئر وعمقها. و (الخاوي) بالمعجمة: الخالي. و (المخترق)، بضم الميم وبالمعجمة والمثناة والراء المفتوحة: الممر؛ لأن المار يخترقه.

شواهد باب المعرب والمبني

و (الأعلام)، جمع علم بفتحتين: وهي الجبال وكل ما يهتدي به، يريد أن اعلامه يشبه بعضها بعضاً، فلا يحصل الاهتداء بها للسالكين. و (الخفق): الاضطراب، وهي في الأصل بسكون الفاء، وإنما حرك للضرورة، يريد أنه يلمع فيه السراب ويضطرب، و (وفد الريح): أولها: مثل وفد القوم، وهذا تمثيل، وإذا اتسع الموضع فترت فيه الريح، وإذا ضاق اشتدت، ومنها أيضاً: (فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنه في الجلة توليع البهق) و (التوليع): ألوان شتى. و (البهق): بياض يخرج في عنق الإنسان وصدره، قال أبو عبيدة /10/ معمر: قلت لرؤبة، إن أردت بقولك كأنه كان الخطوط فقل: كأنها، أو كأن السواد والبلق فقل: كأنهما، فقال: أردت كأن ذلك، ومنها: لواحق الأقراب فيها كالمقق ويأتي شرحه إن شاء الله تعالى في باب حروف الجر. شواهد باب المعرب والمبني. مسألة [5] ذو على وجهين. بمعنى صاحب فتستعمل بالواو والألف والياء، وبمعنى الذي، والأعرف فيها البناء، كقوله: [الطويل].

(فأما كرام موسرون لقيتهم ... فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا) وحكى ابن درستويه في "الإرشاد" وابن جني في "المحتسب": أن بعض طيء يقول: جاءني ذو قام، ورأيت ذا قام، ومررت بذي قام. وزعم ابن الضايع أنها إنما تعرب في حالة الجر كهذا البيت، فإنه روي بالوجهين، ولم يطلع المرزوقي على هذه اللغة البتة، فزعم أن (ذي) في البيت بمعنى صاحب، كقوله: هذا ذو زيد، أي صاحب هذا الاسم،

وليس بشيء؛ لأن المشهور في البيت (ذو) بالواو، وذلك لا يجوز في التي بمعنى صاحب، لاستلزامه أن يخفض (عند) بالإضافة؛ إذ لا تدخل التي بمعنى صاحب إلا على اسم مخفوض، أو (تسلم) في قولهم: اذهب بذي تسلم، ولم يسمع خفض (عند) بغير من، وهذا البيت لمنظور بن سحيم الفقعسي، وقبله: (ولست بهاج في القرى أهل منزل ... على زادهم أبكي وأبكّي البواكيا) (فأما كرام موسدون أتيتهم ... البيت) وبعده: (وأما كرام معسرون عذرتهم ... وأما لئام فادّخرت حيائيا) (وعرضي أبقى ما ادخرت ذخيرة ... وبطني أطويه كطي ردائيا) ومعنى هذا الشعر التمدح بالقناعة، والكف عن أعراض الناس، يقول: الناس ثلاثة أنواع: موسرون كرام فاكتفي منهم بمقدار كفايتي، /11/ ومعسرون كرام فاعذرهم، وموسرون لئام فاكف عن ذمهم حياء. وقوله: في القرى، هو بكسر القاف، طعام الضيف، و (في) للسببية، مثلها في قوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وربما توهم متوهم أنها للظرفية، فضم القاف على أنه جمع لقرية، وقوله: (على زادهم ... إلخ) صورته الإثبات، ومعناه النفي؛ لأنه تفسير لخبر ليس، وإن قدر خبراً ثانياً فلا أشكال، وذكر البكاء تمثيل، والمعنى: أنه لا يأسف لما يرى من الحرمان أسف من يبكي ويبكّي غيره.

مسألة [6] في (الأب) مضافا إلى غير الياء ثلاث لغات

وقوله: (فأما) هو بكسر الهمزة، كذا ثبت في نسخ (الحماسة) وغيرها، وعليه (شرح التبريزي)، إلا أنه قدرها كلمتين أن الشرطية وما الزائدة، وقدر الاسم معمولاً لفعل محذوف بعدها مبني للمفعول، أي فأما يقصد كرام، كما قدروا في قوله: [الكامل] لا تجزعي. إن منفس أهلكته [وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي] إن أهلك فنفس. والصواب أنها إما التي في قولك: جاءني إما زيد وإما عمرو، وأن الاسم بعدها خبر لمبتدأ مقدر قبلها، أي: فالناس إما كرام، بدليل قوله: وإما لئام، وليس بعده فعل يفسر المحذوف الذي زعمه، والجملتان من قوله: أتيتهم وعذرتهم صفتان، وقوله: فحسبي ... البيت، أي فكافي من عطائهم ما يكفيني لحاجتي، أي لا أبتغي منهم زيادة على الحاجة، ولولا هذا التأويل لفسد، لاتحاد المبتدأ والخبر. مسألة [6] في (الأب) مضافاً إلى غير الياء ثلاث لغات، أكثرها كونه بالواو

والألف والياء، وأقلها كونه منقوصاً، أي على حرفين كما كان في الإفراد على حد يدٍ ودمٍ وحرٍ وغدٍ وبينهما كونه مقصوراً، أي بالألف دائماً، وهي مقتضى الأصل إذ أصله أبو، بفتحتين، بدليل (أبوان)، وشاهد النقص /12/ قول بعضهم: أبان، وقول راجز: (بأبه اقتدى عديّ في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم) إذ لم يقل بأبيه، ولا ومن يشابه أباه، وقدّم (بأبه) ليفيد الاختصاص، مثل: {لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [سورة آل عمران: 158]، وعديّ هذا كأنه الصحابي ابن حاتم الطائي، ومعنى (ما ظلم): ما وضع الشبه في غير موضعه، وفيه رد على اللحياني؛ إذ زعم أن الصواب في المثل "ومن أشبه أباه فما ظلمت" أي أمه، أي أنها لم تزن، ومما يرده أيضاً أن اسم الشرط على تأويله لم يعد إليه ضمير من خبره، وبهذا يرد على الميداني في قوله: "إن الضمير في ظلم في المثل راجع إلى الأب، أي فما ظلم الأب إذ زرع في موضع أدى إليه الشبه. وشاهد القصر ما" ثبت في صحيح البخاري من قوله: حدثنا يعقوب الرقي، حدثنا ابن عُلية، حدثنا سليمان التيمي حدثنا أنس قال: قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ما صنع أبو جهل، فانطلق ابن مسعود، فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، فقال له: أنت أبا جهل، قال ابن علية، قال سليمان: هكذا قالها أنس، قال: أنت أبا جهل، قلت: فهذا من أوضح الأدلة، وهو مما روي بلفظه لا بمعناه. واستدل ابن مالك وغيره بقوله: [الزجر]. (أن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها) والشاهد في (أبا) الثالث، فإنه مضاف إليه ولم يجيء بالياء، فأما الأولان فمنصوبان، فكان الظاهر، لولا مجيء الثالث بالألف، أن الألف فيها علامة النصب، وفيه أيضاً إقامة الظاهر مقام المضمر، والأصل أن أباها وأباه. وفي قوله: (غايتاها) استعمال المثنى بالألف مطلقاً، ونسبها الكسائي لبلحارث وزبيد وخثعم وهمدان، وأبو الخطاب لكنانة

وبعضهم لبلعنبر وبلهجيم وبطون من ربيعه، وأنكر المبرد جواز ذلك في كلام أو شعر، وهو محجوج بنقل الأئمة، كأبي زيد وأبي الخطاب وأبي الحسن /13/ والكسائي. ومما سمع: ضربت يداه، ولو استطعت لأتيتك على يداي. نعم في الاستشهاد بقوله (غايتاها) نظر من وجهين، أحدهما: أنه يحتمل وهو الظاهر أن الأصل (غايتها) بالأفراد، ثم أشبع الفتحة كقوله: [الوافر]. (وأنت من الغوائل حين تُرمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح) وقوله: [الزجر]. (أعوذ بالله من القراب ... الشائلات عُقد الأذناب) والثاني: أن أبا زيد الأنصاري قال في نوادره: قال المفضل: أنشدني أبو الغول لبعض أهل اليمن:

(أي قلوص راكب تراها ... شالوا علاهن فشل علاها) (واشدد بمثنى حقب حقواها ... ناجية وناجيا أباها) إن أباها ... البيت. ثم قال: قال أبو حاتم: سألت عن هذه الأبيات أبا عبيدة فقال: انقط عليه، هذا من صنعة المفضل، وفي بعض نسخ النوادر اسقط منها بيت الاستشهاد. يقال شال الشيء يشول إذا ارتفع، فالأمر شُل بالضم، ويتعدى بالهمزة وبالياء، يقال: أشلته وشلت به، وقول العامة شلته بالكسر لحن من وجهين/ الأول كسر الشين والثاني تعديته بنفسه، والمفعول محذوف، أي حالهم وبرحلك. وقوله (علاهن وعلاها) قال أبو زيد: أصله الياء، ولكن بلحارث يقلبون الياء الساكنة المفتوح منا قبلها ألفا فيقولون: أخذت الدرهمان واشتريت الثوبان والسلام علاكم انتهى. وكذا قال غيره، الصواب أن يقال أنهم يلتزمون ألف المثنى وألف على وإلى ولدى، وأنه ليس عندهم ياء ثم قلبت. والمعنى: أن الركب قد رفعوا رحالهم على قُلُصهم فارفع رحلك على قلوصك، وأشدد حقوبها، بمثنى حقب، وهو حبل تشد به الرحل إلى

مسألة [7] في الأخ مضافا لغير الياء اللغات الثلاث

بطن البعير. والناجية: السريعة، وانتصابها بـ (امدح) محذوفاً، وأباها فاعل بـ "ناج"، وجاء (أبا) هنا على لغة القصر أيضاً، أو هو مثنى على لغة النقص، وحذفت نونه للإضافة، ولا يمكن ذلك في قوله (إن أباها)، لقوله (قد بلغا) ولم يقل: بلغن. ولم يطلع ابن عبد ربه /14/ على لغة القصر في الأب مع شهرتها، فلحن بعض الأئمة في قوله: ولو ضربه بابا قبيس. مسألة [7] في الأخ مضافاً لغير الياء اللغات الثلاث. وشاهد النقص قول بعضهم (أخان)، وأنكر الفراء القصر وأثبته هشام، لقولهم في المثل (8): "مكره أخاك لا بطل" إذ أخاك مبتدأ

مسألة [8] في الهن مضافا لغير الياء اللغات الثلاث

مؤخر، وفاعل عند أبي الحسن، والمشهور مكره أخوك، وقيل وأول من قاله عمرو بن العاص إذ عزم عليه معاوية ليخرجن إلى مبارزة علي رضي الله عنهم، فلما التقيا قال ذلك، فأعرض عنه. وذكر الأخ للاستعطاف، ومثله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ} [سورة الحجرات: 12]، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} [سورة البقرة: 178]، واستدل ابن مالك بقوله: [الطويل]. (أخاك الذي ان تدعه لملمةٍ ... يجبك بما تبغي ويكفيك من يبغي) (وأن تجفه يوماً فليس مكافئاً ... فيُطمع ذا التزوير والوشي أن يصغي) وهذا محتمل للمفعولية بتقدير (الزم) كما قال الآخر: [الطويل]. (أخاك أخاك ان من لا أخاً له ... كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح) مسألة [8] في الهن مضافاً لغير الياء اللغات الثلاث. وأغربها القص، ولم أر من حكاه غير أبي البقاء في اللباب، والأندلسي في شرح المفصل، ولم يذكرا له شاهداً، ولا دليل في قولهم: هنوان؛ لأنه

قد يكون على لغة من يستعمله بالأحرف الثلاثة. وقد جزم بذلك سيبويه فقال في باب النسب، فقال ومن العرب من يقول هنوك وهناك ومررت بهنيك. وهنوان فيجر به مجرى الأب انتهى، ولم يطلع الفراء والزجاجي وجماعة على أنه يستعمل بالأحرف الثلاثة فلذلك يقولون الأسماء الخمسة، فيسقطونه من بينها. وأما النقص فهو اللغة المشهورة وعليه قوله: [السريع]. (وأنتِ لو باكرتِ مشمولة ... صفرا كلون الفرس الأشقر /15/) (رُحت في رجليك ما فيهما ... وقد بدا هنك من المئزر) إذ أصله هناك بالضم، تم سكنه تشبيهاً له بعضد، والمبرد يرويه: وقد بدا ذاك، ولا يرى أن علامة الإعراب تذهب في نثر ولا شعر، وقصد

(صفراً) للضرورة، وفيه رد على الفراء؛ لأن فعلاء أفعل مما مده قياسي. وهو يقول: إنما يقصر للضرورة، ما مده سماعي لا قياسي، ويروي: صفراء لون، بالمد وإسقاط الكاف، وفي الحديث: (9) "من تعزّى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن أبيه، ولا تكنوا"، ولم يقل بهني أبيه، وتعزّى: انتمى وانتسب، وعزاء الجاهلية بفتح العين، والمد: وهو أن يقول يا لفلان. وفي رسالة الغفران أن رجلاً صاح بالبصرة: يا لقيس، فجاءه النابغة الجعدي بعصبة له، فأخذه شرط إلى أبي موسى الأشعري فجلدوه؛ إذ أجاب دعوى الجاهلية. وقوله عليه السلام: (فأعضّوه) بهمزة مفتوحة وعين

مسألة [9] كلا وكلتا عند البصريين مفردان لفظا مثنيان معنى

مهملة مكسورة: أي قولوا له استهزاءً به اعضض بكذا من أبيك، ولا تكنوا بالهن تأدباً معه، بل اذكروا له صريح اسم الفرج تنكيلاً له، وقد جمع الحديث إيضاح المراد مع حسن الأدب؛ إذ لا حاجة إلى ذكر اللفظ الفاحش الآن، وتكنوا، بفتح التاء وسكون الكاف. مسألة [9] كلا وكلتا عند البصريين مفردان لفظاً مثنيان معنى فلذلك يعود الضمير عليهما مفرداً، وهو الأكثر، نحو: (1) {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا} [سورة الكهف: 33]، وقوله: [الطويل]. (كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانياً) ومثنى كقوله: (كلاهما لا يطيعان الكحيا) والكيح، بكاف مكسورة، وياء منقلبة عن الواو، وحاء مهملة: عرض الجبل، وجمعه أكواح، وقد اجتمعا في قول الفرزدق: [البسيط].

(ما بال لومكها وجئت تجتلها ... حتى اقتحمت بها اسكفّه الباب) ((11) /16/ كلاهما حين جد الجري بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي) يقال: عتله إذا حمله حملاً عنيفاً، ابن دريد: إذا جذبه جذباً عنيفاً، ابن سيدة: جذيه جذباً عنيفاً فحمله صاحب العين: إذا أخذ بتلبيبه فجرّه وذهب به إلى بليّة، ومنه {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ}. ويقال: اقتحم المنزل، إذا هجمه، وإلا سكفه، بضم الهمزة وتشديد الفاء: العتبة السفلى، وهي عند ثعلب من استكف أي اجتمع، وهو

فاسد، لأن سين استكف زائدة، ووزنه استفعل، وأسكفة أفعلة لا أسفعلة لأنه بناء مفقود. والألف في كلاهما علاقة الرفع، وأما (وكلا انفيهما ...) فالرفع فيه بضمة مقدرة، لاضافته إلى الظاهر، وفي قوله (كلاهما) التفات، والأصل كلاهما. و (حين) ظرف للخبر وهو (قد اقلعا) لا خبر؛ لأن الزمان لا يخبر به عن الجثة، وإسناد (جد) إلى (الجرى) مجاز، والأصل: جدا في الجرى، ومثله: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ} [سورة محمد: 21]. والإقلاع عن الشيء الكف عنه، والواو في (وكلا) واو الحال، والتثنية في (أنفيهما) واجبة، وإن كان الأرجح جدعت أنافهما، مثل: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [سورة التحريم: 4]؛ لأن كلا لا تضاف إلا لمفهم اثنين. وراب اسم فاعل من ربا يربو، وأصله رابو، فقلبت الواو ياء، لتطرفها بعد الكسرة، كغاز واعٍ، وربو الأنف ارتفاعه، وذلك يحصل عند التعب من الجري ونحوه، ويقال: ربا الفرس، إذا انتفخ من عدو أو فزع. والشاهد في قوله (اقلعا) بالتثنية، وقوله (رابٍ) بالانفراد.

مسألة [10] مما جمع الواو والنون غير مستوف لشروط ذلك أهل ووابل

مسألة [10] مما جمع الواو والنون غير مستوفٍ لشروط ذلك أهل ووابل فإنهما ليسا علمين ولا صفتين، ويزيد (وابل) بأنه لما لا يعقل وهو المطر الغزير، ولكن سهلة أنه شبه في عموم نفعه بالعاقل، وأنه في الأصل صفة من وبلت السماء الأرض تبلُها فهي وابلة، والأرض موبولة، ولهذا كسر على وبل كصوّم. /17/ وقال ابن عصفور: ليس إلا هلون خارجاً عن القياس؛ لأن الأهل صفة بدليل قولهم: الحمد لله أهل الحمد، وقال ابن مالك: الذي سهل قولهم: أهلون، أنهم يقولون فلان أهل لكذا فيضفون به انتهى. وفي كلاهما نظر؛ لأن البحث في الأهل بمعنى ذي القرابة ونحوه، لا الأهل بمعنى المستحق للشيء، قال الله تعالى: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [سورة الفتح: 11]، {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [سورة المائدة: 89]، {إِلَى أَهْلِيهِمْ} [سورة الفتح: 12]، وشاهد (الوابلون) قول أبي صخر الهذلي يصف وادياً: [البسيط]. ((12) تلاعب الريح بالعصرين قسطله ... والوابلون وتهتان التجاويد)

وتلاعب بالتأنيث والتذكير؛ لأن تأنيث الفاعل وهو الريح مجازي والتأنيث أولى، ولا يمنع ذلك عطف (الوابلون)؛ لأنه ليس كـ (الزيدون) إذ هو جمع ما لا يعقل فيجوز تأنيث فعله، ونظيره أن من أوجب التأنيث في (قامت الهندات) لا يوجبه في (انهدمت الاسطبلات) على أنه لو قيل: تلاعب الريح والزيدون، لم يمتنع التأنيث أيضاً، وذلك على أن ينوي للزيدين فعل مذكر، ويكون من عطف الجمل كما قيل في قوله تعالى: {لَا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [سورة البقرة: 255]، والباء ظرفية مثلها في {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [سورة القمر: 34]، ونحو: {مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} [سورة الصافات: 137 - 138]. والعصران هما، إما الغداة والعشي، ومنه قيل صلاة العصر أي صلاة العشاء، وأما الليل والنهار كقول حميد بن ثور. [الطويل]. (ولن يلبث العصران يوم وليلة ... إذا طلبا أن يدركا ما تيمما) وأما قوله: [الطويل]. (وامطله العصرين حتى يُملني ... ويرضى بنصف الدين والأنف راغم) فحمله الجوهري على أول النهار وآخره، ولا يتعين بل يصح حمله على الليل والنهار. و (القسطل) بالسين والصاد: الغبار، ويقال فيه القسطال كقوله:

مسألة [11] يجوز إجراء باب السنين مجرى غسلين

[الكامل] [ولنعم مأوى المستضيف إذا دعا] والخيل قد خرجت من القسطال. والتحقيق أن الفه أشباع، لأن فعلا لا /18/ يختص بالمضعف كالسلسال. والتهتان مصدر كالتجوال والترداد، وأصله: الهتن والهتون مصدران لهتن المطر والدمع يهتن بالكسر بمعنى قطر، فصيغ على التفعال للمبالغة. و (التجاويد) جماعة الجود بالفتح، وهو المطر الذي يروي كل شيء، وقيل الذي مطر فوقه، ويشكل عليه حكاية سيبويه: أخذتنا، أي السماء، بالجود وفوقه. وقد يجاب بأنه مبالغة، وهو كالتعاجيب والتباشير والمعاذير في أنه جمع لا واحد له. وقال ابن سيدة: جمع تجواد، ويعني مقدراً، ومعنى: (تلاعبهن) إن الريح تثيره وترفعه والأمطار تسكنه وتضعه. مسألة [11] يجوز إجراء باب السنين مجرى غسلين وهذا أولى من أن يقال مجرى حين كما في النظم والشرح؛ لأن نون حين أصل ونون غسلين زائدة؛ لأنه من الغسل، فسنين له أشبه.

وأجراؤه مجراه في أربعة أمور، أنه يلزمه الباء، ويعرب بالحركات، وبنون، ولا تحذف نونه للإضافة، وهذه اللغة قليلة الاستعمال، ولكنها على مقتضى القياس؛ لأنه جمع تكسير وشاهدها قوله: [الوافر]. (ألم نسق الحجيج سلي معداً ... سنيناً ما تعد لها حساباً) الهمزة للتقرير، و (سلي معدا) معترضة، وسنيناً ظرف لـ (نسق) وعلامة نصبه الفتحة لا الياء، بدليل ثبوت تنوينه وما بعده صفة مراد به التكثير، وقول الصمة بن عبد الله القشيري: [الطويل]. ((13) دعاني من نجد فإن (سنينه) ... لعبن بنا شيباً وشيبننا مرداً) (دعاني) أمر للاثنين بمعنى اتركاني، لا ماض للواحد من الدعاء، ويروي ذراني. و (من نجد) أي من ذكره، وإثبات النون مع الإضافة دليل أن نصبه بالفتحة. و (شيبا ومردا) حالان من المجرور والمنصوب /19/، ووزنهما واحد؛ لأن مفردهما أفعل كأحمر وأسود، إلا أن ضمة (شيبا) أبدلت كسرة، لتسلم الياء، ومثله عيس وبيض. وبعده: (لحى الله نجداً كيف يترك ذا الندى ... بخيلاً وحر القوم يتركه عبداً)

مسألة [12] نون الجمع وما حمل عليه مفتوحة للتخفيف وقد تكسر على أصل الساكنين، وذلك في الشعر لا في النثر، وبعد الياء لا بعد الواو، وهذا الشرط أهملوه

(على أنه قد كان للعين قر ... ة، وللبيض والفتيان منزلة حمداً) (سقى الله نجداً من ربيع وصيـ ... فٍ وجودٍ وتسكاب سقى مزنة نجداً) وكان من خبره أنه خطب ابنة عمه فاشتط عليه في المهر وضن أبوه باكماله، فزوجت من غيره، فغضب من عمه وأبيه وخرج إلى طبرستان، وهي مقر الديلم، فأقام بها حياته، فلهذا تارة يحن إلى نجد فيدعو له، وتارة يذمه. وأما قول ابن الأعرابي: أنه ذم نجداً لكثرة الشقاء به فمزدود. مسألة [12] نون الجمع وما حمل عليه مفتوحة للتخفيف وقد تكسر على أصل الساكنين، وذلك في الشعر لا في النثر، وبعد الياء لا بعد الواو، وهذا الشرط أهملوه، والأول أهمله الناظم في منظومتيه دون التسهيل وشاهد ذلك في الجمع قوله: [الوافر]. (عرين من عرينه ليس منا ... بريت إلى عرينه من عرين) (عرفنا جعفراً وبني أبيه ... وانكرنا رعانف آخرين)

والشعر لجرير بن عطية بن حذيفة، ولقب حذيفة الخطفي، بثلاث فتحات، وهو تميمي عدناني من بني كليب أخي ثعلبة بن يربوع. و (عرين) مبتدأ، هو بوزن تميم، وهو عرين ابن ثعلبة بن يربوع، وقول علي بن سليمان الأخفش: عرين ابن يربوع وهم و (عرينه) مصغر: بطن من بجيلة، والشعر يهجو به فضالة العريني، يقول أنه ليس تميماً، وإنما هو من عرينه، فهو قحطاني، والجار والمجرور خبر و (ليس منا) /20/ خبر ثان، أو مستأنفة، ويروي (مني). و (بريت وتبرّأت) بمعنى، والأصل بريت إليه منه، فأناب المظهرين عن المضمرين، لاتضاح المتبرأ إليه من المتبرأ منه؛ ولأن إيقاع البراءة على صريح اسم عرين أبلغ، ولتصحيح الوزن والتقفية؛ ولأن ذلك جائز في الجملتين، ويروي: وبني عبيد، وبني رياح، وهو بكسر الراء بعدها آخر الحروف: حيّ وجعفر وجمهور وتمرين وعبيد أولاد ثعلبة بن يربوع من يربوع، و (الزعانف) بفتح الزاي وبالعين المهملة جمع زعنفة، بكسر الزاي والنون: أطراف الناس،

وأصله أطراف الأديم وأكارعه، والشاهد في البيت الثاني، وإنما أنشد البيت الأول ليعلم أن القوافي مكسورة، وقبلهما. (أتوعدني وراء بني رياح ... كذبت لتقصرن يداك دوني) وشاهد ذلك في المحمول على الجمع قوله: [الوافر]. (أكل الدهر حل وارتحال ... أما يبقي علي ولا يقيني) (وماذا تدري الشعراء مني ... وقد جاوزت حد الأربعين) والشاهد في الثاني كما في البيتين السابقين، والهمزة للإنكار و (كل) ظرف و (حل) فاعل به، ويجوز أن يكون مبتدأ والظرف خبره، وهو بفتح الحاء، مصدر (حللت) بالمكان، بالفتح، أحل، بالضم، ويأتي مصدراً لحلة ضد عقده، وهو القياس و (ما) نافية جاء بعدها (ولا تدري)، يفتح المثناة والمهملة المشددة يقال: دريت الصيد، وأدريته وتدّريته، بمعنى ختلته وخدعته. وهنا تنبيهان، الأول: أن البيت لا دليل فيه، لجواز أن يكون الشاعر لما أضطر جره بالكسر على القياس في أسماء الجموع، وعلى ذلك أنشده المبرد في كامله، وانشد أيضاً بيت الفرزدق /21/ [البسيط].

(ما سد حي ولا ميت مدهما ... إلا الخلائف من بعد النبيين) فسوى في إجازة ذلك بين الجمع وغيره، وفي (البسيط) إن ذلك لغة خاصة بما يكون إعرابه بالواو والياء تعويضاً. كأرضون وسنون وقلون، وأنشد البيت وقول الآخر: [الكامل]. (ولقد ولدت بنين صدقٍ سادةً ... ولأنت بعد الله كنت السيدا) وجوّز بعضهم ذلك في الباب كله، وحمل عليه قوله: [الخفيف]. (رب حي عرندس ذي طلال ... لا يزالون ضاربين القباب) والثاني: إن هذين البيتين من كلمتين لشاعرين، وغلط الشارح والناظم في ذلك كما غلط الشارح وحده في بيتي التنوين السابقين، فأما البيت الأول فإنه من كلمة للمثقب العبدي، أولها: (أفاطم قبل بينك نبئني ... ومتعك ما سألت كأن تبيني)

(ولا تعدي مواعد كاذبات ... تمر بها رياح الصيف دوني) (فإني لو تخالفني شمالي ... لما اتبعتها أبداً يميني) (إذاً لقطعتها ولقلت بيني ... كذلك اجتوى من يجتويني) إلى أن يقول وذكر ناقته: (إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوّه أهة الرجل الحزين) تقول إذا درأت لها وضيني ... أهذا دينه أبداً وديني) أكل الدهر ... البيت. ومعنى البيت الأول: أخبريني قبل فراقك على أن منعك ما أطلبه منك بمنزلة فراقك، ومعنى (اجتوي) أكره، وأرحلها، بفتح الهمزة: أشد عليها الرحل، وأصل (تأوّه) تتأوّه، (آهة) بالمد، ويروى بالقصر والتشديد /21/، وهما نائبان عن التأوّه، و (درأ) بالمهلة: دفع، و (الوضين) بالمعجمة: وهو للهودج كالبطان للقتب، والتصدير للرحل والحزام للسرج، وجمعه وضُنٌ، بضمتين، و (الدين) العادة، والاستفهام للتعجب، و (يُبقي علي) يرحمني، والمصدر الإبقاء، والاسم البُقيا، بالضم، والبَقوى، بالفتح، و (يقيني) يصونني، ومنها قوله: (فإما أن تكون أخي بصدق ... فأعرف منك غثي من سميني) (وإلا فاطرحني واتخذني ... عدواً أتّقيك وتتّقيني) وسيأتي الكلام عليهما إن شاء الله في باب العطف، وبعدهما:

(فلو أنا على حجر ذُبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين) (زعمت العرب أن دم المتباغضين ... إذا جريا لا يختلطان) قال [الطويل]: (أحارث إنا لو تُساط دماؤنا ... تزايلن حتى لا يمس دم دماً) والدميان تثنية دم برد االلام شذوذاً، أو تثنية دما على لغة القصر، قال: [الطويل] (فلسنا على الأعقاب تدمي كلومنا ... ولكن على أقدامنا يقطر الدما) وقال: [الرمل]. (غفلت ثم أتت تطلبه ... فإذا هي معظام ودما) وأما البيت الثاني فإنه لسحيم بن وئيل الرياحي الذي فاخر غالب بن صعصعة أبا الفرزدق بالكوفة أيام علي رضي الله عنه. فعقر غالب مئة ناقة، وعقر سحيم ثلاث مئة، وقال للناس: دونكم، وأفتى علي رضي الله عنه

مسألة [13] نون المثنى

بتحريمها؛ لأنها لم تُذبح إلا للمفاخرة والمضارة، فتركت للكلاب والعقبان، وقبله: (أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني) وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله في باب ما لا ينصرف، وبعده، /23/ (أخو خمسين مجتمع أشدي ... ونجذني مداورة الشؤون) وهذه الأبيات الثلاثة تمثل بها الحجاج على منبر الكوفة يوم دخلها، والأشد: القوة، وهو مفرد كالأنُك للرصاص، ولا ثالث لهما، وقيل جمع لا واحد له، وقيل جمع شدة كنعمة وأنعم، و (نجذني) بالذال المعجمة، هذبني واحكمني، و (مداورة) معالجة، و (الشؤون) الأمور جمع شأن. مسألة [13] نون المثنى نون المثنى وما حمل عليه مكسورة على أصل الساكنين، ولم يحفظ البصريون فيها غير ذلك، وقال غيرهم: قد تفتح للتخفيف، وذلك لغة بعض بني أسد في نقل الفراء، ولبني زياد بن فقعس في نقل الكسائي، ثم قال

ابن كيسان: لا نعلم أحداُ من الحذّاق يجيزه مع الألف، وقال أبو الفتح: تفتح مع الألف أيضاً، وتابعه الناظم، وقال بعضهم: لا تفتح مع الألف إلا في حالة النصب، وذلك في لغة من يقول: رأيت الزيدان. حجة الأكثرين أمران أحدهما: أن الياء ثقيلة فاحتيج إلى التخفيف معها ففتحت النون، كما في أين وكيف، وأما الألف فإنها خفيفة فالتزم معها الأصل. والثاني: إن الفتح إنما صح به السماع مع الياء خاصةً، كقول بعض الأسديين يصف قطاة: [الطويل]. (على أحوذيين استقلت عشية ... فما هي إلا لمحة وتغيب) والأحوذي، بالحاء المهملة والذال المعجمة: السريع في كل ما أخذ فيه، قال ابن سيدة: أو الخفيف في الشيء لحذقه فيه، حكاه الجوهري عن أبي عمرو، والمراد بالأحوذيين الجناحان، وليس فتح نونه ضرورة؛ لأنه في حشو البيت، واستقل الطائر ارتفع في الهواء، ويروى (عليهما) بدل (عشية) /24/، فإعادة (على) توكيد، ولزم من إعادتها أن توصل بالمجرور، وقوله (فما هي) أصله فما مسافة رؤيتها ثم حذف المضاف الأول، وأناب عنه الثاني، ثم الثاني أناب عنه الثالث، فارتفع وانفصل،

ومثله في حذف مضافين: أنت مني فرسخان، أي ذو مسافة فرسخين، إلا أن هذا حذف من الخبر، وقد يقدر بعدك مني فرسخان، فالمحذوف واحد من المبتدأن وقوله (وتغيب) مستأنف، أي وهي تغيب بعد ذلك، وحجة أبي الفتح أن أبا زيد أنشده في نوادره: [الرجز]. (أعرف منها الأنف والعينانا ... ومنخرين أشبها ظبيانا) قال: وذلك حمل لحالة على حالتين، وزعم الأولون أن هذا البيت مصنوع، وحجة المذهب الثالث الاعتداد بالبيت المذكور والوقوف مع ظاهره. فإن (العينان) في محل النصب وقد جاء الفتح معه، وكذلك (الظبيانا) وفيه حذف مضاف أي منخرا ظبيانا.

شواهد باب النكرة والمعرفة

شواهد باب النكرة والمعرفة مسألة [14] لا يلي (إلا) من الضمائر إلا المنفصل، نحو: {وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [سورة هود: 14]، {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [سورة يوسف: 40]، وقد يليها المتصل بشرطين: كونه بلفظ المنصوب لا المرفوع، وكونه ذلك في الشعر، كقوله: [البسيط]. (وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... ألا يجاورنا إلاك ديار) وكان حقه إلا إياك، وإنما استحق النصب؛ لأنه استثناء مقدّم على المستنثنى منه، وهو ديّار، فهو كقول الكميت: [الطويل]

(وما لي إلا آل أحمد شيعة ... وما لي إلا مشعب الحق مشعب) وإنما استحق الفصل مع أنه معمول لإلاّ على الصحيح؛ لأن المستثنى في التفريغ واجب الفصل، نحو: ما أكرمت إلا إياك، لأنه معموك للفعل بالاتفاق، فلا يصح اتصاله بغير عامله، ثم حمل عليه غير المفرغ، ليجريا على سنن واحد، وإنما سهّل وصله في الضرورة لثلاثة أمور، أحدهما: إن الأصل في الضمير الاتصال /25/، الثاني: أن الأصل في الحرف الناصب للضمير أن يتصل به، نحو: إنك ولعلك، والثالث: إجراء (إلا) مجرى أختها (غير)، كما أجريت مجراها في الوصف بها، وزعم الناظم في شرح التسهيل: أن الفصل في البيت ليس بضرورة، لتمكن الشاعر من أن يقول: (أن لا يكون لنا خِلٌّ ولا جار) وإذا فتح هذا الباب لم يبق في الوجود ضرورة، وإنما الضرورة عبارة عما أتى في الشعر على خلاف ما عليه النثر، وزعم أبو الفتح أن الذي سوّغ لهم أن يرتكبوا في الشعر ما لهم عنه مندوحة إرادة أن يسهل عليهم ارتكابه عند الاضطرار وجعل من ذلك قوله: [مجزؤ الكامل]. (فزججتها متمكّناً ... زجّ القلوص أبي مزاده)

مسألة [15]

فإنه فصل بين المتضايفين بمفعول المضاف مع تمكنه من أن يضيف المصدر إلى المفعول، ثم يرفع الفاعل. وظهر لي وجهان غير ما ذكر، أحدهما: أن أكثر أشعارهم كانت تقع من غير روية، فقد لا يتمكنون من تخير الوجه الذي لا ضرورة فيه. والثاني: أن الشعر كان مظنّة الضرورة استباحوا فيه ما لم يضطروا إليه، كما أبيح القصر في السفر، لكونه مظنة المشقة مع أنها قد تنتفي مع بقاء الرخصة. ويقال: باليته وبه ويحتملان هنا، لأن الجار يحذف من (أنّ وأنْ) قياساً، والمحمل على الأول نصب، وعلى الثاني نصب أو جر على الخلاف المشهور، و (إذا) ظرف لـ (نبالي) أن قدّر تجرده من معنى الشرط، وإلا فناصبه فعل الجواب المحذوف، أو فعل الشرط إذا لم تقدّر (إذا) مضافة، و (ديّار) من ألفاظ العموم، ولا تستعمل في الإيجاب، وأصلها (ديْوارٌ). مسألة [15] كما جاز إيقاع المتصل موقع المنفصل يجوز العكس، وذلك بشرطين أحدهما: الضرورة كما في المسألة التي قبلها /26/، والثاني: كون الضمير مرفوعاً أو منصوباً لا مجروراً، وهذا الشرط أهملوه لوضوحه وشاهد فصل المرفوع قوله: [البسيط]. (وما أصاحب من قوم فاذكرهم ... إلا يزيدهم حبا إلي هم)

وقائله رجل من بني عديّ، وهو زياد بن حمل عذابي تمام، وزياد بن منقذ عند الجوهري، والمرزباني، والمرّار بن منقذ عند القتبي. ومعناه: أنه ما يصاحب من بعد قومه قوماً فيذكر قومه إلا يزيد أولئك القوم قومه حباً إليه، أما لما يرى من تقاصرهم عن قومه، أو لما يسمع منهم من الثناء عليهم، والذكر على الأول بالقلب، وعلى الثاني باللسان، ويشهد للأول أنه يروي: فأخبرهم. ومحل الشاهد قوله (هم) فإنه فاعل (يزيد) فكان حقه أن يتصل به، فيقال: ألا يزيدونهم. وزعم بعض من فسر الضرورة بما ليس للشاعر عند مندوحة، أن هذا ليس بضرورة، لتمكن قائله من أن يقول: (ألا يزيدونهم حباً إلى هم) ويكون الضمير المنفصل توكيداً للفاعل، ورده الناظم بأنه يتقضي كون الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمسمى واحد، وإنما يجوز ذلك في باب ظن، نحو: {أَنْ رَأَىَهُ اسْتَغْنَى} [سورة العلق: 7]، وهذا سهو؛ لأن مسمى الضميرين مختلفان؛ إذ ضمير الفاعل راجع لقوم، وضمير المفعول لقومه الممدوحين، ويحتمل عندي أن يكون فاعل (يزيد) ضمير المذكر، ويكون (هم)

المنفصل توكيداً لـ (هم) المتصل، فلا يكون في البيت شاهد لأنه يجوز أن يؤكد بالمرفوع المنفصل كل متصل، ويجوز في (فاذكرهم) و (فاخبرهم) الرفع عطاً على (اصاحب)، والنصب في جواب النفي؛ لأن انتقاض النفي إنما هو بالنسبة إلى لمعمول، ونظيره: ما تأتينا فتحدثنا إلا في الدار. وزعم أبو حيان أن الناظم حرّف صدر هذا البيت، وأن صوابه: لم ألف بعدهم /27/ حياً فأخبرهم. ولا مستند له في ذلك إلا أنه وجده في "حماسة أبي تمام" هكذا، والذي أورده الناظم هو رواية ابن قتيبة في "طبقات الشعراء"، ورواه المبرد أيضاً كذلك، إلا أنه أورده بالفاء في أوله، فقال: إذا اضطر الشاعل فصل الضمير، كقوله: [الرجز]. (أتتك عنس تقطع الأراكا ... إليك حتى بلغت إياكا)

وقوله: [الكامل]. (أصرحت حبل القوم أم صرموا ... يا صاح بل صرم الحبال هم) وقوله: فما أصاحب ... البيت. (لا حبذا أنت يا صنعاءُ من بلدٍ ... ولا شعوب هوى منى ولا نُقُم) (إذا سقى الله أرضاً صوب غادية ... فلا سقاهن إلا النار تضطرم) (وحبذا حين تمسي الريح باردةً ... وادي أشي وفتيانٌ به هُضُمُ) ومنها: (هم البحور عطاء حين تسألهم ... وفي اللقاء إذا تلقى بِهم بُهم) (مخدّمون كرام في مجالسهم ... وفي الرجال إذا لاقيتهم خدم) و (شعوب) بضم الشين المعجمة، والعين المهملة، و (نقم) بضم النون والقاف، وهما وصنعاء بلاد كرهها هذا الشاعر حين أتى اليمين، وحنّ إلى وطنه.

و (الغادية) السحابة التي تمطر بالغداة، و (أشي) بضم الهمزة وفتح الشين المعجمة، أكمة ببلاد تميم، يصرف ولا يصرف، و (هضم) بضمتين جمع هضوم، وهو الطاوي الكشح، و (البهم) بضم الموحدة وفتح الهاء، جمع بهمة، بضمة فسكون: الفارس الذي لا يدري من أين يؤتى من شدة بأسه. وشاهد فصل المنصوب قول الفرزدق، وقيل: أمية بن أبي الصلت، ولم أجده في ديوانه: [البسيط]. (بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهم الدّهارير) وقبله: (وإني حلفت ولم أحلف على فندٍ ... فِناءَ بيتٍ من /28/ السارين معمور) الفند، بفتحتين: الكذب، وفناء: ظرف لحلفت، وما بينهما اعتراض، ومعمور: صفة لبيت تقدم عليه الظرف المتعلق به، والبيت: الكعبة المشرفة، والباء متعلقة بحلفت، والأموات: إما منصوب بالوارث على أن الوصفين تنازعاه، وأعمل الثاني، وإلا لا ضمير فيه، وإما مخفوض بإضافة الأول أو الثاني على حد قولهم: [البسيط]. (يا من رأى عارضاً أرقت له ... بين ذراعي وجبهة الأسد)

وسيأتي في باب الإضافة إن شاء الله تعالى. ومعنى (الوارث): الذي ترجع إليه الأملاك بعد فناء المُلاّك، و (ضمنت): أما بمعنى تضمنت، أي اشتملت عليهم، أو بمعنى كفلت، كأنها تكفّلت بأبدانهم، و (إياهم) مفعوله، وكان حقه: قد ضمنتهم، بالاتصال، وهذا محل الشاهد، والدهر والزمان واحد، قال [الخفيف]. (إن دهراً يلف شملي بسُعدى ... لزمان يهم بالاحسان) و (دهر الدهارير) الزمن السالف، وقيل: أول الأزمنة السالفة، فهو من باب التنبيه مثل: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}؛ لأنه إذا بعث من تقادم زمانه، وتطاول عهده فما قرب أولى، وإذا قيل: دهر دهارير، بالصفة، فمعناه شديد، كما يقال: ليلة ليلاء، يوم أيوم، وساعة سوعاء، أنشد سيبويه لرجل من أهل نجد: [البسيط]. (حتى كأن لم يكن إلا تذكره ... والدهر أيتما حال دهارير) والدهر شديد في كل وقت، وقبل هذا البيت: (استقدر الله خيراً وأرضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير) (وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير)

مسألة [16] إذا اجتمع ضميران، أولهما أعرف، وليس مرفوعا، بغير كان وأخواتها، فالثاني منهما على ثلاثة أقسام

(يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسر) المياسير: جمع ميسور بمعنى اليُسْر، والرَّمس القبر، ومغتبط: مسرور، وتعفوه: تزيل أثره، والأعاصير: جمع إعصار، وهي الريح الشديدة فيها /29/ غبار وتراب. مسألة [16] إذا اجتمع ضميران، أولهما أعرف، وليس مرفوعًا، بغير كان وأخواتها، فالثاني منهما على ثلاثة أقسام، أحدها: ما اتّفق على أن فصله أرجح، وضابطه أن يكون الضمير الذي تقدّمه مخفوضًا، نحو: عجبت من ضربك إياه، وذلك لأن العامل حينئذٍ اسم، فهو ضعيف عن الاتصال بضميرين، ومن شواهد الوصل قوله: [الوافر]. (فلا تطمْع أبيتَ اللعنَ فيها ... ومنعُكَها بشيءٍ يُستطاعُ) وهذا البيت لرجل من تميم، قاله وقد سأله بعض الملوك فرسًا يُقالُ لها سَكابِ، وقبله: (أبيتَ اللعنَ إنَّ سكابِ عِلْقٌ ... نَفيسٌ لا تعارُ ولا تُباعُ) (مُفداةٌ مكرّمةٌ علينا ... تُجاع لها العيالُ ولا تُجاعُ)

(سليلةُ سابقين تناجلاها ... إذا نُسبا يضمّهما الكُراعُ) أبيت: فعلتَ من الآباء، وهو الامتناع، واللعن: الطرد، أي أنه أبى أسباب اللعن، والجملة كانت تحية الملوك، وسكاب: علمُ وفرس، واشتقاقه من السّكب، وهو الصّبّ، ويقال: فرس سكبٌ وبحرٌ، على الصَفة، والمحفوظ في البيت كسره، والصواب فتحه، لأن الشاعر تميمي، وتميم توجب منع صرف فَعالِ علمًا لمؤنث، كخَذامِ، ولا يكسرون إلا ما آخره راء، نحو: وبارِ. والعلق: النفيس، فالجمع بينهما للتوكيد، كقوله تعالى {فِجَاجًا سُبُلًا}. و (تعار وتباع) بالتأنيث والتذكير، باعتبار الفرس، وباعتبار علق نفيس، والإضافة في (ومنعكها) لأول المفعولين والتناجل: التناسل، و (الكراع) علم لفحل مشهور، والواو واو الحال، ويروى بالفاء للتسبب عن النهي، و (بشيء) إما متعلق بما قبله، أو بما بعده، وعليهما فالمعنى: بشيء ما، و (يستطاع خبر /30/ وأمّا خبر، فـ (يستطاع) صفة، والباء زائدة مثلها في {جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا} عند الأخفش. والقسم الثاني: ما اختلف فيه أو صله واجب أم راجح، وضابطه أن يكون الأول منصوبًا بفعل غير قلبي، فمذهب سيبويه أن وصله واجب، نحو: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا}، {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا}، {فَسَيَكْفِيكَهُمُ

الله}، ومذهب جماعة، منهم الزمحشري، والناظم، أنه راجح، واستدل الناظم بالحديث الوارد في العبيد والإماء «إن الله ملككم إياهم»، ولو كنا على ثقة من أنه روي بلفظه لم يكن فيه دليل، لأن يعده: ولو شاء لملكهم إياكم، والفضل فيه واجب، لأن الضمير المقدم غير أعرف، فلعل الفصل في الأول للتناسب، وعن الشلوبين أن فصله راجح على وصله، وتكلف لتأويل كلام سيبويه على ذلك، وليس بشيء. والقسم الثالث: ما اختلف فيه، أوصلهُ راجح أم مرجوح؟ وضابطه أن يكون العامل فيه فعلاً ناسخًا، نحو: كان وظنّ، فالجمهور يختارون الفصل، لأن الثاني خبر في الأصل، فأصله وجوب الفصل، كقولك: أنا هو وأنت هو، والرّماني وابن الطراوة وتلميذه السهيلي وابن مالك يختارون الوصل، لشبه

كنته بضربته، وهو واجب الوصل، وشبه ظننتكه باعطيتكه، وهو واجب الوصل، أو راجحه على الخلاف السابق، ومن شواهده في (كان) قول أبي الأسود الدؤلي: [الطويل] (فإن لا يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها أغذته أمه بلبانها) وسبب قوله ذلك أنه كان له مولى يختلف إلى الأهواز في تجارة له، فكان يصيب من الخمر، فاضطرب أمر التجارة، فلامه فزعم أنه إنما بشربها لحرارتها لا للسكر، فأمره بأكل الزبيب، فإنه أخوها /31/ ارتضع معها من ثدي واحد، أي أنه يشرب من عروق الكرامة كما يشرب العنب الذي هو أصلها، وقبله. (دَعِ الخمَر تشربْها الغُواةُ فإنني ... رأيتُ أخاها مُغنيًا بمكانها) يقال: هو أخوه بلبان أمه، ولا يقال: بلبن أمه، وذكر اللبان هنا بعد ذكر الأخوة ترشيح للاستعارة. ومن شواهد الفصل قول حميد الأرقط: [الرجز] (أتتك عُنْسٌ تقطع الأراكا ... إليك حتى بلغت إياكا)

وزعم الزجّاج أنه لا ضرورة فيه، لإمكان أن يكون الأصل بلغتك إياك، وهذا مبني على جواز حذف المؤكد وبقاء التأكيد، وفيه خلاف، وقول عمر بن أبي ربيعة: [الطويل]. (لئن كان إياه لقد حال بعدنا ... عن العهد والإنسان قد يتغير) وفي الكامل للمبرّد أن ابن عباس سمع الكلمة التي منها هذا البيت، وعدد أبياتها ثمانون، فحفظها من مرة، وأن نافعًا قال له: ما رأيت أروى منك، فقال: ما رأيت أروى من عمر، ولا أعلم من علي رضي الله عنهم أجمعين، وأولها: (آم آل ليلى أنت غادٍ فمبكر ... غداة غد أو رائح مُتَهجِّر) (تهيم إلى نُعم فلا الشَّمْلَ جامع ... ولا الحبلُ موصول ولا القلب مقصرُ) ومنها قبله: (قفي فانظري يا اسم هل تعرفينه ... أهذا المغيري الذي كان يُذْكَرُ) (أهذا الذي أطريت نعتًا فلم أكن ... وعيشكِ أنساه إلى يوم أُقبَرُ) (فقالت: نعم لا شك غير لونَهُ ... سُرى الليلِ حتى نَصُّهُ والتهجُّرُ) وبعده: (رأت رجلاً أمّا إذا الشمسُ عارضَتْ ... فيُضحي وأما بالعَشي فَيَخْصرُ)

مسألة [17]

(أخا سَفَر جواب أرض تقاذفَتْ ... بهِ فلوتٌ فهو اشْعَتُ أغبرُ) (قليلاً على ظهرِ المطيَّةِ ظِلُهُ ... سِوى ما يقي عنه الرداء المحبرُ) مسألة [17] إذا اتحدت ربتة ضميرين وأولهما غير مرفوع فصل الثاني، كملّكني إياي، ملكتك إياك، وملكته إياه، وقد يتصل إن كان الاتحاد في الغيبة واختلف لفظ الضميرين، ولذلك شواهد، أحدها قوله: /32/ [الطويل]. (وقد جعلتْ نفسي تَطيبُ لِضَغْمةٍ ... لِضَغْمهاها يَقْرعُ العظمَ نابُها) وهذا البيت لمغلّس بن لقيط السعدي الأسدي، وكان له ثلاثة أخوة. مرة ومدرك وأظبطه، وكان أبرهم به فمات، وأظهر الإخوان عدواته وآذياه فقال يرثيه ويشتكي من أخويه، قيل هما ابنا أخيه الذكور، وقيل أجنبيان: (وأبقتْ ليّ الأيامُ بعدَكَ مُدْركَا ... ومُرَّة والدنيا قليلٌ عتابُها) (قرينين كالذئبين يقتسمانني .. وشَرُّ صَحَاباتِ الرجالِ ذئابُها) (إذا رأُيا لي فُرصَةً آسدا بها ... أعادي والأعداء كَلْبَى كِلابُها) (وإن رأياني قد خدرت تبغيًا ... لرجليَّ مهواةً هَبَاءً ترابها)

(فلولا رجائي أنا تثوبا ولا أرى ... عقولكما إلا شديدًا ذهابُها) (سقيتكما قبل التفرق شربةً ... يمرُّ على باغي الظلام شرابها) قوله (جعلت) أي شرعت، و (الضغمة) العَضَّة، ومنه قيل للأسد ضيغم، و (القَرع) هنا وصول الناب إلى العظم، وأصله الضرب بشيء صلب في مثله، و (الناب) السن التي خلف الرباعية، وذكر الضغم والقرع والناب استعارة. وفي معنى البيت وتوجيهه خمسة أوجه، أحدها: أن الضغمة الأولى له، والثانية لهما، أي أن نفسه طابت لأن توقع بهما مصيبة عظيمة لأجل ضغمهما إياه مثلها، فاللام من (لضغمة) تتعلق ب (تطيب)، وهي لام التعدية، واللام من (لضغمهما) متعلقة بضغمة، أو بجعلت، أو بتطيب، وهي لام العلة، وضمير التثنية فاعل، وضمير المؤنث مفعول مطلق، والمعنى: لضغمهما إياي ضغمة مثلها، فحذف المفعول به والموصوف، وأناب عنه صفته، ثم حذف المضاف، وأناب عنه المضاف إليه ووصله شذوذًا. الثاني: /33/ أن يكون المعنى كذلك، ولكن لا يقدر مثل، بل يكون ضميرًا لمؤنث عائدًا على الضغمة المتقدمة في اللفظ والمراد غيرها على حد قولهم: عندي درهم ونصفه. الثالث: أن الضغمتين كلتيهما من فعل المتكلم، أي جعلت نفسي لأجل ايذائهما لي تطيب لايقاع ضغمة بهما يقرع العظم نابها، لشدة ضغميهما إياها، فحذف مضافين، الشدة المضافة إلى الضغمتين، وياء

المتكلم المضاف إليها الضغمتان، وهي فاعل المصدر، فاللام الأولى متعلقة بتطيب، والثانية متعلقة (بيقرع). الرابع: أن الضغمتين للمتكلم، وأن الثانية على تقدير ياء المتكلم كما تقدم، ولكن الثانية بدل من الأولى بإعادة الجار. فاللامان للتعدية، والتقدير لأن أضغهمهما ضغمة يقرع العظمَ نابُها. والخامس: أن الضغمة الأولى لأجنبي، والثانية لهما، أي: تطيب لأن يضغمني ضاغمٌ ضغمةٌ يقرع العظمَ نابُها لضغمهما إياي مثلها، كما تقول: طابت نفسي بالموت لما نالني من أذى فلان. واللام الأولى للتعدية والثانية للتعليل، وأرجح الأوجه الثالث؛ لأن السيرافي روى: تهمّ بضغمة علي على غيظٍ، ولأنّ بعضهم روى: لغضمة أَعضُّهُماها. وضمير نابها راجع للضغمة إما على أنه جعل لها نابًا على الاتساع، والمراد صاحبها، أو على أن التقدير: ناب صاحبها ثم حذف المضاف. والشاهد في وصله (ها) مع اتحاد الرتبة، ومع كون العامل اسمًا، فهو ضعيف الطلب، وقد مرّ شرح قوله: (ومنعكها)، والعتاب: إما بمعنى الاعتاب، فهو مضاف إلى الفاعل، أو بمعنى المعاتبة، فهو مضاف إلى المفعول، أي: قليل نفع معاتبتها، أي: أنها لا تنفع معاتبتها. و (آسادا) اغريا، و (كلبى) بوزن سكرى جمع كلب، بكسر

العين، وهو /34/ الذي به الكلب، بفتحتين: وهو داء لا يُبْرَأ منه، ولذلك استعاره. و (المَهواة) حفرة الصائد. و (الظلام) بالكسر مصدر ظالمته، وجميع ظلم كرماح ودهان، ويروى بالضم اسم جنس لظُلامة، أو اسم جمع لظلم كظؤر وتوأم. الشاهد الثاني قوله: [الطويل]. (لوجهِكَ في الإحسانِ بَسْطٌ وبَهْجَةٌ ... أنا لَهُماه قَفْوُ أكرم والد) وقوله (في الإحسان) أي في وقته، و (القفو) الاتباع، وسائر البيت واضح لفظًا ومعنى، والاتصال فيه أحسن منه في الذي قبله، لأن العامل فعل وفيه من البديع الاستطراد، كما في قوله تعالى: {أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَن كَمَا بَعِدَتْ ثَمُود}، وقول الشاعر: [الطويل]. (فتَى شَقِيَتْ أموالهُ بنوالهِ ... كما شقيتْ بكرٌ بأرماحِ تَغْلِبِ) وقول آخر: [الطويل] (وأنا لقومُ لا نرى القتلَ سُبَّةَ ... إذا ما رأته بمامرٌ وَسلولُ) الشاهد الثالث: قو بعضهم في النثر: هم أحسن الناس وجوهًا وأنضرهموها

وهذا أشد من قوله: لضغمهماها، لأن اسم التفضيل أضعف في العمل من المصدر، ولهذا لا يعمل في المفعول مطلقًا، ولا في الظاهر، أي الملفوظ به إلا في مسألة الكحل، فهو أبعد من احتمال الاتصال، ولأن عمله في الثاني خارج عن القياس، /35/ لأنه نصبه على التشبيه بالمفعول به كما حكى الكسائي: لا عهد لي بألأم قفًا منه، ولا أوضعه، بفتح العين، لتقدير الضمير منصوبًا على التشبيه لا مجرورًا بالإضافة، وإنما حقا لصفة المشبهة أن تكون صالحة للتثنية والجمع والتأنيث بالتاء، وقد يقال: إن انتصاب الضمير الثاني ليس على التشبيه، بل على التمييز، لأنه عائد على (وجوهًا)، ووقوعه بعد (أنضر) كوقوع (وجوها) بعد (أحسن الناس)، وهذا لا يتأتى إلا على قول من زعم أن التمييز يجوز مجيئه معرفة، ويستدل عليه بمثل حكاية الكسائي: هو أحسن الناس هاتين، يشير إلى عينيه، أو على قول من يزعم أن ضمير النكرة نكرة مطلقًا، أو على قول من يقول أنه نكرة إذا عاد على واجب التنكير كالحال والتمييز ومجرور رب، والأولى في (هاتين) أن يكون مشبهًا بالمفعول به شذوذًا لا تمييزًا، وفي (وجوهًا) أن يكون كذلك ليناسب إعرابه إعراب الضمير الراجع إليه، و (أنضر) من النضارة، والنضرة أي الرونق، وفعلها كـ (دخل) فيتعدى ولا يتعدى، وكـ (ظرف وفرح)، فلا يتعدى، ومن الأول قوله: [الخفيف]. (نضر الله أعظمَا دفنونها ... بسجستان طلحةَ الطلحاتِ) والمشهور في روايته: رحم الله، وفي الحديث:

مسألة [18] إذا نصبت ياء المتكلم بفعل وجبت نون الوقاية ولو جامدا

«نضر الله امرأً سمع مقالتي»، ومعناه نعمه، وكذا حيث عُلِّقَ بغير الوجه. /36/. مسألة [18] إذا نصبت ياء المتكلم بفعل وجبت نون الوقاية ولو جامدًا، نحو: قاموا ما خلاني، أو ما عداني، عساني أن أفعل. فأما قوله: [الرجز]. (إذا ذهب القوم الكرام ليسي) فضرورة وقبله: (عددت قومي كعديد الطيس) و (الطيس) الشيء الكثير من الرمل وغيره، ويقال فيه: طيسل، بزيادة اللام، والذي سهل ذلك مع الاضطرار أمور أحدها: إن الفعل الجامد يشبه الأسماء فجاز (ليسي) كما يجوز (غلامي وأخي)، ومن ثم جاز: إن زيدًا لعسى يقوم، كما جاز لقائم، ولا يجوز: إن زيدًا لقام، وجاز أيضًا نحو: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، كما جاز: علمت أن زيدًا قائم، ولا يجوز: علمت أن قام، ولا أن يقوم.

مسألة [19] إذا نصبت الياء ب "ليت" وجبت النون

والثاني. أن (ليس) هنا للاستثناء فحق الضمير بعدها الانفصال، وإنما وصله للضرورة كقول الآخر: [البسيط]. (وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... أن لا يجاورنا إلاك ديار) والنون ممتنعة مع الفصل، فتركها مع الوصل التفاتًا إلى الأصل. الثالث: أن (ليسي) وغيري بمعنى ولا نون مع غير. مسألة [19] إذا نصبت الياء ب "ليت" وجبت النون، نحو: {يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ} لشبه (ليت) بالفعل مع أنه لا ثقل بلحقها بسبب النون، وقد تترك في الضرورة، كقوله: [الوافر]. (كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه وأفقد بعض مالي) وقوله: [الوافر]. (فيا ليتي إذا ما كان ذاكم ... ولجتُ وكنتُ أولهم ولوجا)

والبيت الأول لزيد الخيل بن مهلهل الطائي، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد طيء، فأسلم وسماه عليه السلام زيد الخير، وقال له: ما وصف لي أحد في الجاهلية إلا ورأيته دون ما وصف غيرك، ويروى ليسك، وقبله: (تمنى مَزْيَدٌ زيدًا فلاقَى ... أخا ثقة إذا اختلفَ العوالي) ومزيد رجل من بني أسد، كان يتمنى لقاء زيد، فلما لقيه طعنه زيد فهرب، وكذلك جابر، وعدل عن أن يقول تمناني حكاية لما كان المتمني بقوله، ولأن زيدًا اشتهر بالشجاعة، فكأنه قال: تمنى الشجاع المشهور، ولحُسْن اللفظ بتجانس مزيد وزيد. و (العوالي) الرماح، والكاف ومجرورها نعت مصدر، و (المُنية) بضم الميم التمني، كالغرفة والأكلة. و (جابر) مرفوع المحل، و (إذ) ظرف للمنية، والواو للجمع، والفعل نصب بأن مضمرة في جواب التمني. ويروى أيضًا بالرفع خبرًا لأنا محذوفًا، والواو حينئذ واو الحال ولا يكون الرفع بالعطف على (أصادف)، لئلا يصير الفعل متمنى، ويروى (أتلف)

مكان (أفقد)، ويروى (أغرم). وروى الجوهري: جل مالي، وهو أحسن، ومن زعم أن بعضًا يرد بمعنى كل، وخرج عليه قوله تعالى: {يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} وقول الأعشى: [البسيط]. (وقد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل) صح عنده حمل رواية الجماعة على ذلك، فيكون أبلغ من رواية الجوهري، إلا أن هذا القول مردود. وأما البيت الثاني فهو لورقة بن نوفل ابن عم خديجة بنت خويلد، أم المؤمنين، قاله لما ذكرت له عن غلامها ميسرة ما رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره، وما قاله بَحيرَي الراهب في شأنه، وقبله: (لججتُ وكنتُ في الذكرى لجوجًا ... لهَم طال ما بعث النشيجا)

(ووصف من خديجة بعد وصفٍ ... فقد طال انتظاري يا خديجا) (ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجًا) (/38/ بما خبرتِنا من قولِ قُس ... من البرهان أكره أن تعوجا) (بأن محمدًا سيسود قومًا ... ويخصم من يكون له حجيجًا) (ويُظهر في البلاد ضياء نور ... يُقيمُ به البرية أن تموجا) (فيلقى من يحاربهُ خسارًا ... ويلقى من يسالمه فلوجًا) فيا ليتني ... البيت، وبعده: (وُلوجًا في الذي كرِهَتْ قريش ... ولو عَجتْ بمكتها عَجيجًا) (أرجى بالذي كرهوا جميعًا ... إلى ذي العرش أن سفلو عروجًا) (فإن يبقوا وأبق تَكُنْ أمورٌ ... تَضِجُّ الكافرون لها ضجيجًا) (وإن أهلك فكل فتىً سيلقى ... من الأقدارُ مُتلِفةً خروجًا) (النشيج) مصدر نشج، كضرب، ونشيجًا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير الانتحاب، والباء من قوله: (ببطن) متعلقة بانتظاري، ويسمى كلاً من جانبي مكة، أو كلاً من أعلاها وأسفلها مكة، فلذلك ثناها، ونظيره قولهم: صدنا يقنوين. وإنما هو (قنا) اسم جبل، وشربت بماء الدَّحرضين، ودار لها بالرقمتين، وسال المربدان، وإنما هو مِرْبد البصرة، وهو أحد القولين في

قوله: {جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ}، بدليل {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ}، وفي {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}، بدليل {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} .... الآية، وعلى رجائي حال من فاعل الانتظار، وهو الياء، وحديثك مفعوله، وإن وصلتها بدل اشتمال عنه، ومنه متعلق بـ (خروجا) وإن كان مصدرًا للاتساع في الظرف، ومثله: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}، {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا}، {لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا}، اللهم اجعل لنا من أمرنا فرجًا ومخرجًا، وقوله /39/ ضياء نور بدل، لقول السهيلي إن الضياء والنور غير إن قال: والنور هو الأصل والضوء منتشر عنه بدليل: {فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ}، فعلق الأذهاب بالنور، لينتفي الضياء بانتفائه بخلاف العكس {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا}، وفي الحديث: «الصلاة نور والصبر ضياء»، لأن الصلاة عماد الدين وتنهى عن الفحشاء والمنكر، فالصبر عن المنكرات وعلى الطاعات ضياء صادر عنها، وفي أسمائه سبحانه وتعالى النور لا الضياء.

مسألة [20] إذا انتصب الياء بـ "لعل" فالغالب ترك النون

والفلوج على الخصم: الظفر به، ونكر مكة باعتقاد الشياع فيها، فأضافها إلى ضمير قريش. مسألة [20] إذا انتصب الياء بـ "لعل" فالغالب ترك النون، نحو: {لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} لقرب مخرج اللام من مخرجها ولهذا قالوا: لعنّ بمعنى لعل، وقد تلحق لشبهها بالفعل، وفي (شرح التسهيل) إن ليتي ضرورة، ولعلني قليل، وفي شرح الخلاصة عكسه، وهو سهو، ومن إلحاق النون قوله: [الطويل]. (وأخرج من بين الجلوس لعلني ... أحدث عنكِ النفس في السر خاليًا). وقوله: [الطويل]. (أريني جوادًا مات هَزْلاً لعلني ... أرى ما ترين أو بخيلاً مُخلدًا) (هزلاً) بفتح الهاء على وزن الهَزْل ضد الجد بكسر الجيم، وأريني بمعنى أعلميني، فهو متعد إلا ثلاثة، وقوله: [الطويل]. (فقلت أعيراني القَدومَ للعلني ... أخُطُّ بها قبرًا لأبيض ماجدٍ)

مسألة [21] إذا جرت الياء بمن أو عن وجبت النون حفظا للسكون

القدوم، بوزن العمود، الآلة المعروفة، وجمعها قدم، بضمتين، كعمد، وجمع الجمع قدائم، كقلوص وقُلُص وقلائص وقوله /40/ لها دليل على التأنيث، وماجد: صفة فيمن روى لابيض، ومضاف إليه فيمن روى لاكرم، فأبيض مفتوح واكرم مكسور. مسألة [21] إذا جُرَّتِ الياء بمن أو عن وجبتِ النون حفظًا للسكون، لأنه الأصل فيما يبنون، وقد تُتركُ في الضرورة. قال: [الرمل] (أيها السائلُ عَنْهم وعني ... لستُ قيسٍ ولا قيسٌ مني) وفي النفس من هذا البيت شيء، لأنا لم نعرف له قائلاً ولا نظيرًا ولاجتماع الحذف في الحرفين فيه، ولذلك نسبه ابن الناظم إلى انشاد النحويين، ولم ينسبه إلى العرب، وفي (التحفة) لم يجيء الحذف إلا في بيت لا يعرف قائله انتهى. ووقع فيه (قيس) في موضع الضمير مرتين، وارتفاع الثاني بالابتداء، لأن لا إنما تعمل في النكرات. مسألة [22] إذا جرت الياء بلَدُن أو قد أو قط فالغالب إثبات النون، حفظًا للسكون،

وقد تترك، دليله في لدن قوله تعالى: {قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا}، قرئ مخففًا ومشددًا. وأما قول سيبويه: إن ترك النون مع لدن ضرورة فمردود بالقراءة، ولا يقال إنها جاءت على من يقول: (لد)، وتكون النون للوقاية، لأنه لا وجه حينئذ لدخول النون؛ إذ لا سكون فيحفظ، ولأن الذي يقول: لَدُ، يقول: لدنك ولدنه، لأن الضمائر ترد الأشياء إلى أصلها، كما أن من قال: لم يَكُ يقول: لم يكنه. ودليله في (قد) قوله: [الرجز] (قدني من نصر الخُبيين قدي) وقوله: [الطويل]. (إذا قال قدني قلت بالله حلفة ... لتْغنِنّ عني ذا إناءكَ اجمعًا) والبيت الأول لحُميد الارقط يصف فيه لعبد الملك بن مروان تقاعده عن نصرة عبد الله بن الزبير وأصحابه رضي الله عنهم، ويقال: قدني من /41/

كذا وحسبي منه، ويجوز أن يكون النصر هنا بمعنى العطية، كقول بعض السؤال: من ينصرني ينصره الله، وقد خرج عليه قوله سبحانه: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ}، وعلى هذا فالإضافة للفاعل، ويرجح، الأول: أنه لم يفرده بالذكر، وإنما يكون العطاء غالبًا من ولي الأمر. والثاني: إن بعده [الرجز]. (ليس الإمام بالشحيح الملحد) والمراد بالملحد: الظالم في الحرم، ومن يرد فيه بإلحاد بظلمٍ وخبيب أحد أبناء عبد الله وبه يكنى، ويروى: الخُبَيْيَنَ مثنى، على إرادة عبد الله وأخيه مصعب، والخبين على الجمع، على إرادة عبد الله ومن على رأيه، وكلاهما تغليب. ويحتمل على الجمع أن يريد مجرد أصحاب عبد الله، على أن الأصل الخبيين، ثم حذفت الياء، كقولهم: الأشعريين، وقوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ}، فإنه ليس جمعًا لأعجم، لأنه لا تلحقه الياء، لأنه أفعل فعلى، كأحمر وأسود، ورد ابن السيد في (شرح الكامل) رواية التنية، بأن حُميدًا قال هذا الشعر عند حصار طارق، ومُصْعَب مات قبل ذلك بسنين. والشاهد في قوله: قدني، بإلحاق النون، وأما قوله: قدي، فقال

الشارح وغيره: إنه شاهد على ترك النون، وليس كما قالوا: الجواز أن يكون أصله قد، ثم أُلحِقَ ياء القافية، وكسر الدال، للساكنين، وإنما شاهد الحذف: [الطويل]. (فآليت لا آسى على إثْر هالك ... قدي لآن من وَجْدِ على هالك قدي) والشاهد في (قدي) الأولى، أما الثانية فمحتملة لما ذكرنا، وأما البيت الثاني فإنه لأبي غياث الكلابي يصف ضيفًا قدم له إناء فيه لبنٌ، فشرب منه، ثم قال: يكفيني، فحلف عليه ليشربَن جميعهٌ، وقوله: بالله /42/، متعلق (بأحلف) محذوفًا، وحَلْفةً: مصدر لذلك المحذوف، وقوله: لتغني عني، من قولهم: أغْنِ عني وجهك، أي اجعله بحيث يكون غنيًا عني، أي لا يحتاج إلى رؤيتي، و (ذا إنائك) صاحبه، وهو اللبن. وفي البيت شواهد، أحدها: قوله (قدني) بالنون، وذلك إما لحفظ السكون، وهو قول البصريين، ومعناها عندهم يكفيني. والثاني: قوله: إنائك، بإضافة إناء المضيف إلى الضيف، لا لأنه ملكه، بل لأنه ملابسه، كما يقول كل من حاملي الخشبة للآخر: خذ طرفك، وحسنه هنا أن ضيف الكريم يتنزل عنده منزلة المالك. الثالث: قوله (لتغني عني) بلام مكسورة للتعليل، وياء مفتوحة للناصب المضمر، وهي رواية أبي الحسن، واستدل بها على جواز إجابة القسم بلام كي، والجماعة يمنعون ذلك، لأن الجواب لا يكون إلا جملة، ولام كي وما بعدها جار ومجرور، والبيت محمول على حذف الجواب وبقاء

معموله: أي لتشرَبنَّ، لتغني عني، كما في قوله تعالى: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا}، ثم قال سبحانه: {يَوْمَ تَرْجُفُ}، أي: لنِعيدن يوم ترجف. والرابع: لتُغنِنَّ عنِّي، بلام مفتوحة للتوكيد، ونون مكسورة هي عين الفعل، بعدها نون مشددة مفتوحة للتوكيد، وهي رواية ثعلب، وهي دليل على أن الياء التي هي لام الفعل المؤكد بالنون قد تُحذف وتبقى الكسرة دليلاً عليها، وهي لغة قزارة، يقولون: ارمِنَّ يا زيد، وابكن يا عمرو، قال: [البسيط]. (وابكَّن عيشًا تقضي بعد جِدتهِ ... طابتْ أوائله في ذلك البلد) ولغة الأكثرين: ارمين وابكيّن ولتغنيّن، بإثبات الياء مفتوحة. والخامس: في قوله: (أجمعا) فأكد به وإن لم يسبقه كلُّ وأورد /43/ الشارح وجماعة البيت: إذا قال قدني قال بالله ... فيكون الشاعر لا ضيفًا ولا مضيفًا بل حاكيًا عن شخصين غيره، وليس كذلك، وأورده بعضهم: إذا قلت: قدني، قال: بالله.

فيكون الشاعر هو الضيف، والصواب العكس، بدليل أن قبله: (فناولتهُ من رسل كوماء جَلْدَةِ ... وأغضيْتُ عنه الطرفَ حتى تَضَلَّعا) وشاهد (قطني) قوله: [الرجز] (امتلأ الحوض وقال قطني ... مهلاً رويدًا قد ملأت بطني) فيه شواهد، أحدها: إطلاق القول على ما شهد به لسان الحال، فإن الحوض لما امتلأ فلم يبق فيه سعة كان قائلاً بلسان الحال: حسبي، ونظيره قولهم: (قال الجدار للوتد لم تشقني ... فقال: سل من يدقني) وقولهم: قالت النخلة للنخلة أبعدي ظلك عن ظلي، أحمل حملك وحملي. وللقول خمسة معان، أحدها: اللفظ الدال على معنى مفيدًا كان أو غيرمفيد. والثاني: ما في النفس، بدليل {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ}. والثالث: الحركة والإمالة، يقولون: قال برأسه كذا فنطحه، وقالت النخلة كذا فمالت. والرابع: ما يشهد به لسان الحال كهذا البيت، وهو أحد

القولين في قوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}. والخامس: الاعتقاد، كقولك: هذا قول الخوارج. الثاني: إلحاق النون قبل الياء الداخلة عليها قط، وفي ذلك من التوجيه والخلاف ما قدمنا في (قد). ووهم يعقوب في الإصلاح، فزعم أنه يقال: قطن، بمعنى حسب، بنون هي من نفس الكلمة، وأنها كسرت لأجل الياء وأورد البيت على ذلك، ورد عليه أبو محمد الأعرابي في كتابه المسمى: زلات العلماء. والثالث: أنه يجوز التعبير عن المعنى الواحد بثلاث كلمات مترادفة مجتمعة على سبيل التوكيد، ومثله {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} وروى يعقوب وغيره: (سلا) بدل (مهلا) وهو يفتح السين المهملة، أي: سل الماء مني سلا رفيقًا، وقيل: إنه بالمعجمة، وهو مصدر (شللت الإبل) إذا طردتها، وشاهد قطي قوله: [الطويل]. (قطي أبدًا من كل ما ليس نافعي ... ومن طلبي ما ليس منه بنصيبِ)

أنشده مبرمان في أماليه، وقال: جاز لما كان بمعنى حسبي /44/ انتهى. وروي في حديث النار، أعاذنا الله منها، قَطْني قَطْني، بالنون، وقَطِي، بتركها وقَطِ قَطِ، بحذف الياء وبقاء الكسرة، وقَطْ قَطْ، بالسكون، على أن الياء لم تذكر البتة، وقطٍ قطٍ، بتنوين التنكير؛ مثل: صهٍ ومهٍ.

شواهد باب العلم

شواهد باب العلم مسألة [23] من العلم المنقول ما نقل عن جملة فعلية مستتر فاعلها، والحكاية في ذلك واجبة مثلها في المنقول عن جملة صرح بفاعلها، ومثاله أن تسمى بيقوم، من قولك زيد يقوم، وشاهده قول الشاعر: [الوافر]. (نُبئّتُ أخوالي بَني يزيدُ ... ظُلْمًا علينا لهمُ فَديدُ) فقال: يزيد بالضم، لأنه قدره منقولاً من قولك: المال يزيد، ولو قدر منقولاً من قولك: يزيد المال لإعرابه، فقال: بني يزيد، بالفتح.

وزعم ابن يعيش أن الرواية تزيد، بالتاء من فوق، قال: وهو تزيد بن حلوان، أبو قبيلة، وإليه تنسب البرود التزيدية، ورده ابن الحاجب بأن الرواية إنما صحت بالياء، آخر الحروف، وبأن (تزيد) بالتاء من فوق، لم يسمع في كلامهم. إلا مفردًا، كقوله: [الكامل]. (يعثرن في حد الظبات كأنما ... كسيت برود تزيد الأذرع) قوله: (في حد الظبات) حال لا متعلق بـ (يعثرن)، والفديد: الصوت، وأسماء الأصوات تأتي على الفعيل كثيرًا، كالصهيل والهدير والشهيق والنهيق والزفير والأزيز، و (بني) بدل أو صفة، ويرجح الثاني، أن البدل حقه أن يكون بالأسماء الموضوعة للذات، باعتبار أنفسها كزيد وعمرو، وأن الصفة حقها أن تكون بالأسماء الموضوعة لها باعتبار معنى هو /45/ المقصود، كالعالم ونحوه وابن كذلك قيل: ويجوز أن يكون مفعولاً ثالثًا، وفيه نظر، لأنه يكون حينئذ قد نُبِّئ بأن أخواله بنو يزيد، ومثل هذا لا يحتاج

إلى أن يخبره به غيره، وإنما المفعول الثالث (ظلما) بمعنى ذوي ظلم، أو بمعنى ظالمين، أو عليهما فقوله (لهم فديد) مفسر لظلمهم، وقيل: يجوز أن يكون (ظلمًا حالاً، أو مفعولاً لأجله، وفيه نظر، أما الحال فلأن صاحبها إما ضمير لهم فيؤدي إلى تقديم الحال على عاملها المعنوي، والأكثرون يمنعونه مطلقًا، وأما (أخوالي) فيؤدي إلى تقييد المبتدأ من حيث هو مبتدأ، وذلك ممتنع، لا يقال: زيد ضاحكًا يقوم، على أن (ضاحكًا) حال من زيد، بل على أنه حال من ضمير (يقوم)، وأما المفعول له فلأنه إما تعليل لـ (نبئت) وهو لم ينبأ بذلك لأجل ظلمهم، أو للاستقرار، فيلزم تقديم المفعول له على عامله المعنوي، وهذا ممتنع في الحال مع شبهها بالظرف، فما الظن بالمفعول له، أو الفديد، فيلزم تقديم معمول المصدر عليه، والأكثرون يمنعونه في الظرف، فما الظن بغيره، ونظير هذا البيت في الاستشهاد قول رؤبة في ابنته: (سميتها إذْ وُلِدَتْ تموتُ ... والقبرُ صِهْرٌ ضامنٌ زَميتُ) (ليس لمن ضُمِنه تَربْيتُ) (الزميت) بالزاي المفتوحة: الوقور، و (التربيت) التربية، وقول حسان رضي الله عنه: (عاري الأشاجع من ثقيف أصله ... عَبْدٌ ويَزْعُمُ أنهُ مِنْ يَقْدُمُ)

مسألة [24] يؤخر اللقب عن الاسم غالبا

(الأشاجع) أصول الأصابع. مسألة [24] يؤخر اللقب عن الاسم غالبًا، وقد يقدم عليه، ذكره ابن الخباز في النهاية، وأنشد عليه: [الوافر] (أنا ابن مزيقيا عمرو وجدِّي ... أبوُه عامرٌ ماءُ السماءِ) وذكره ابن مالك في شرح التسهيل، وأنشد عليه: [البسيط]. (أبلغ هذيلاً وأبلغْ من يُبلِّغُها عنِّي حديثًا وبعضُ القول تجريبُ) (بأن ذا الكلبِ عمرًا خيرَهَم حسبًا ... ببَطْنِ شَرْيانَ يعوي حولهُ الذيبُ) فأما البيت الأول فهو لبعض الأنصار، والأصل فيه: أنا بن عمرو مزيقيا، وعمرو هذا هو: ابن عامر بن حارثة الأزدي، كان من ملوك اليمن، وكان يلبس كل يوم حلتين، فإذا أصبح مزقهما كراهية أن يلبسهما ثانيًا، وأن يلبسهما غيره، فلقّب بذلك، وأبوه عامر، وهو الذي خرج من اليمن لما أحس بسيل العرم، وكان قومه إذا أجدبوا مانَهُمْ حتى يُخْصِبوا، فلقب ماء السماء، لأنه ينوب عنه، وهذا البيت اشتمل على تقديم اللقب وتأخيره. وقوله (وجدي أبوه) مبتدأ وخبر، والهاء عائدة على عمرو.

وأما البيت الثاني فإنه لجنوب أخت عمرو ذي الكلب، ترثيه، وأول القصيد: (كل امرئ بطوال العيش مكذوب ... وكل مَنْ غالب الأيام مغلوب) (بينا الفتى ناعمٌ راضٍ بعيشته ... سِيقَ لَهُ من نوازي الشرِّ شؤبوب) (يلوي به كل يوم لَيّةً قَذَفًا ... فالمنسمان معًا دامٍ ومنكوبُ) وبعد البيتين: (الطاعنُ الطعنةَ النجلاءَ يَتْبَعُها ... مُثْعَجِزٌ من نَجيعِ الجَوْف أُثعوبُ) (تمشي النسور إليه وهي لاهيةٌ ... مَشْيَ العذاري عليهنَّ الجَلابيبُ) (المخرجُ الكاعبَ الحسناء مُذْعِنَةً ... للسبي يَنْفَحُ من أردانِها الطيبُ) (طَوال) بالفتح: جمع طُول بالضم، وأما الطُّوال بالضمَ، فالطويل، وأما الطوال بالكسر، فجمع طويل، و (النوازي) جمع (نازية) من نزا ينزو، إذا علا ووثب، و (الشؤبوب) الدُّفعة من المطر وغيره، و (القَذَف) البعيد، و (المنسم) بفتحة فكسرة: خفٌ البعير، وأستعير هنا لقدم الإنسان و (نكبته) الحجارة بالتخفيف، إذا لثمته، و (النجلاء) /47/ الواسعة، وآثعنجر: انصب مطاوع ثَعْجَرَةُ، و (النجيع) الدم، و (الأثعوب) كالأسكوب وزنًا ومعنى، وشريان بفتح الشين المعجمة، اسم وادٍ، وكأنه منقول من واحد الشرايين وهي العروق النابضة، وقد يقال في واحد الشرايين، شريان بكسر الشين.

شواهد باب الإشارة

شواهد باب الإشارة مسألة [25] من الأسماء المشار بها إلى المفرد المؤنث تا، كقوله: [الوافر]. (وليس لعيشنا هذا مهاهٌ ... وليستْ دارنا هاتا بدارِ) هذا البيت لعمران بن حطان الخارجي السدَوسي، و (مهاٌه) فعال، عينه ولامه هاء، أي صفاء ورونق، يقال: وجهٌ له مهاهٌ، هذا قول النحويين، وقال الأصمعي: مهاةٌ، بالتاء فوزنها فعلة كحصاةٍ، وإنما

المهاة: البلورة، والبقرة الوحشية، هذا المعروف، وذكر بعضهم أنها أيضًا تكون بمعنى الصفاء والرونق، وأن أصلها مَوَهةٌ، من مادة الماهِ قلبوا العين إلى موطن اللام على أن هذا القلب قد استعمل في فعل الماء، قال الكندي، يصف سهمًا: [المديد]. (راشَهُ من ريشِ ناهضةٍ ... ثم أمهاهُ على حَجَرِهُ) أي حدّده، وسقَاه الماء، والأصل أماهه، ثم قلب، فوزنه أفلعه، ووزن مهاة فَلَعَةٌ،/ وإذا سقطت التاء من مهاة، الذي بالتاء صار للجماعة/، وإذا سقطت الألف من مهاه، الذي بالهاء فمعناه الشيء اليسير السهل، قالت العرب: كل شيء مَهَةٌ ما النساء وذكرهن، والأصل: ماعدا النساء، فحذف الصلة وبقي معمولها: لا أكلمه وما أن في السماء نجمًا، أي ما ثبت، وقيل: استعمل ما النافية للاستثناء، كما استعملت ليس كذلك، ويروى: (وليست دارنا الدنيا بدار) وبعد البيت

مسألة [26] الغالب في أولاء أن يكون للعقلاء، وقد يأتي لغيرهم

(وما أموالنا إلا عوارٍ ... سيأخذها المعير من المعار) مسألة [26] الغالب في أولاء أن يكون للعقلاء، وقد يأتي لغيرهم، كقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وقول الشاعر: [الكامل] (ذُمَّ المنازلَ بعدَ منزلةِ اللوى ... والعَيْشُ بعد أولئكَ الأيامِ) هذا البيت لجرير، وهو مما حسن للفظه لا لمعناه، وهو أحسن /48/ بيت ذكر فيه اللوي، ولأولئك فيه موقع بديعٌ، وأول القصيد: (سَرَتِ الهمومُ فبِتْنَ غيرَ نيامِ ... وأخو الهمومِ يرومُ كلَّ مَرامِ) ومنها: (وإذا وقفْتُ على المنازل باللوى .. فاضتْ دموعي غيرَ ذاتِ نظامِ) (طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيادة فارجعي بسلامَ) وقد عيب عليه إذ طرد خيال محبوبته، وأُجيبَ بأنه طرقَه في حال السفر، فأشفق عليه من الخطر.

مسألة [27] دخول حرف التنبية على المجرد من الكاف كثير

والأرجح في قوله (ذمّ) كسر الميم الذي هو واجبٌ إذا فكّ الادغام على لغة الحجاز، ودونه الفتح للتخفيف، وهو لغة بني أسد، والضم ضعيف، ووجهه إرادة الإتباع، و (المنازل) جمع منزل أو منزلة، فهو كالمساجد أو كالمحامد، وهو أولى، لقوله: منزلة اللوى، و (بعد) إما حال من المنازل، أو ظرف للأمر، وفيه حذف، أي بعد مفارقة منزلة اللوي، و (العيش) عطف على (المنازل)، و (الأيام) صفة للإشارة، أو عطف بيان. ويروى (الأقوام) بدل (الأيام)، فلا شاهد فيه. وزعم ابن عطية أن هذه الرواية هي الصواب، وأن الطبري غلط إذ أنشده (الأيام)، وأن الزجاج تبعه في هذا الغلط. مسألة [27] دخول حرف التنبية على المجرد من الكاف كثير، نحو: هذان وعلى المقرون بها دون اللام قليل، نحو: هذاك، وعلى المقرون بهما ممتنع، ومن القليل قوله: [الطويل].

(رأيتُ بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهلُ هذاك الطِّرافِ الممددِ) وهذا البيت لطرفة بن العبد، من معلقته، وأولها: /49/. (لخولة أطلالٌ ببرقةِ ثَهْمَدِ ... ظللتُ بها أبكي وأُبكي إلى الغَدِ) (وقوفًا بها صحبي علي مطيَّهم ... يقولون لا تهلكْ أسى وتجلدَ) ومن محاسنها قوله: (ووجه كأن الشمس ألقت رداءها ... عليه نقي اللون لم يتخدَّدِ) وقوله: (إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني ... عنيت فلم أكسل ولم أتبلدِ) ولست بحلال التلاع مخافةً ... ولكن متى يسترفد القومُ أرفدِ) وقيل البيت: (ومازال تَشرابي الخمور ولذتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي) (إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردت أفراد البعير المعبَّدِ) وبعده: (ألا أيهذا الزاجري احضُرَ الوغي ... وأن أشهد اللذاتِ هل أنت مُخلدي) (فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي ... فدعني أبادرها بما ملكت يدي) ويأتي شرح هذا، إن شاء الله تعالى، في باب إعراب الفعل، ومنها:

(ستُبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزودِ) (ويأتيك بالأنباء من لم تَبِعْ له ... بتاتًا ولم تضرِبْ له وقتَ موعدِ) ومنها: (وظلم ذوي القُربى أشَدُّ مضاضةً ... على المرء من وقع الحسامِ المهنَّدِ) و (خولة) امرأة من كلب، و (البُرقة) بضم الباء، رابية فيها رمل وطينَ، أو طين وحجارة يختلطان، و (ثَهْمَد)، بالثاء المثلثة: موضع. والبيت الثاني توارد فيه مع امرئ القيس إلا في شطر كلمة، وهما: وتجلد وتجمل، وكان أبو هلال صاحب الصناعتين ينكر المواردة حتى /50/ وارد غيره في قوله: [الطويل]. (سفرن بدورًا وانتقبن أهلَّةً ... ومَسْنَ غصونًا والْتَفَتْنَ جآذرا) فاعترف بها. قال المتنبي: الشعر ميدان والشعراء فرسان، فربما اتفق توارد الخواطر كما قد يقع الحافر على الحافر، وطرفة أول من ذم سرقة الشعر فقال: [البسيط] (ولا أغير على الأشعار أسرقها ... عنها غنيت وشر الناس من سرقا)

مسألة [28] هنا للمكان

وقال الأعشى: [المتقارب]. (فكيف أنا وانتحال القوافي ... بعد المشيب كفى ذاك عارا) فاعترف بها. والتخدُّد والتغضُّن: اضطراب الجلد واسترخاء اللحم، والتشراب، بفتح التاء: كثرة الشرب، والطريف: ما استحدثته، والتالد والتليد: ما كان عندك قديمًا، والبعير المعبد: الأجرب الذي ذلله الجرب، فإنه يفرد عن الإبل، لئلا يعديها، و (بنو غبراء) الفقراء الغرباء والسؤال، و (الطّراف) بكسر الطاء المهملة: بيتٌ من أَدَم، وأهله الأغنياء، أي أنه يعرفه الفقراء، لأنه يرفدهم، والأغنياء، لأنه ينادمهم. وأهل مرفوع بالعطف على فاعل (ينكرونني)، للفصل بينهما بالمفعول، و (تبع) تشتر، والبتات: المتاع. مسألة [28] هنا للمكان، نحو: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} وقد تأتي للزمان،

وقد حمل عليه، {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ}. {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا}، وقال الأفوه الأودي: [الكامل]. (وإذ الأمور تعاظمت وتشابهت ... فهناك تعترفون أين المَفْزَعُ) وقال بعض الخوارج: [الطويل] (أرى أم عمرو ما تزالُ تفجَّعُ ... تلومُ وما أدري علامَ توجَّعُ) (تلوم على أنْ أمنحَ الوَرْدَ لِقْحَةً ... وما تستوي والوَرْدَ ساعةَ تَفْزِعُ) (إذا هي قامتْ حاسرًا مشمعِلةً ... نخيبَ الفؤادِ رأسُها ما يُقنّعُ)

(وقمتُ إليهِ باللجام مُيّسرا ... هنالك يّجزيني الذي كنتُ أصنعُ) يقول: إنها تلومه على إيثاره عليها فرسه الوَرْد بشرب اللبن، ومعنى قوله: وما أدري أنه لا يدري لذلك وحبها صحيحًا وإلا /51/ فقد ذكر سبب توجُّعها بعده. و (اللِقحة) بكسر اللام: الناقة ذاتُ اللبن، فالتقدير: لبن لقحة، و (الوَرْد) صفة أو علم، وهو/ في من نصبه/ مفعول معه، ومن رفعه عطف على المستتر في (تستوي)، من غير فصل بينهما، وإذا ما يدل من ساعة فليس فيها معنى الشرط، أو أول كلام مستأنف ففيها معناه، وجملة (هنالك تجزيني) جواب على الثاني، مستأنف على الأول، وقوله (حاسرًا) أي غير مقنعة، و (مشمعلة) يا لمعجمة ثم المهملة: مسرعة، و (نخيب) بالنون المفتوحة فالمعجمة المكسورة، أي منخوبة القلب، أي طائرته من شدة الفزع، و (رأسها) مبتدأ، وحذف الراجع من الخبر، أي ما تقنعه، مثل {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}، ومن نصبه فظاهره حجة للكوفيين غير الفراء، على أن ما النافية ليس لها الصدر، ونظيره قوله: [الرمل]. (لم يكن غيرها لي خلة ... ولها ما كان غيري خليلا)

وقوله: [الرجز]. ونحن عن فضلك ما استغنينا. وذلك مستسهل في البيتين للضرورة، ولأن المتقدم ظرف ولا ضرورة فيه، وأما بيت الشاهد فلا ظرف ولا ضرورة فيه، لإمكان الرفع، نعم من يقول في (زيد ضربت) أنه خاص بالضرورة فهو ضرورة رفع أو نصب، وقال الآخر. [الكامل]. (حنّت نَوارُ ولاتَ هَنَّا حنّت ... وبدا الذي كانتْ نَوارُ أَجنَّتِ) (نوار) بالنون، علم امرأة، مكسورة عند الحجازيين، وتميم تمنعه الصرف، والواو للحال، وكذا وجدتها حيث وقعت قبل لات، ولات عند الفارسي معملة، و (هنا) خبر، و (حنّت) مبتدأ بإضمار أن، مثل:

مسألة [29] يقال: هنا بوزن هدى: للقريب، فإذا زدت الكاف صار للبعيد

{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا}، وعند ابن عصفور معملة، و (حنت) بتقدير: /52/ وقد حنت، وهو الخبر، ويلزمه التصرف في (هنا)، والجمع بين اسم لات وخبرها وأعمالها في معرفة ظاهرة وحذف ما أضيف إلى الجملة، وفي النهاية لابن الخباز أنها معملة مضافة إلى (حنت)، ويرده إن اسم الإشارة لا يضاف، و (بدا) بمعنى ظهر، و (أجنت) بالجميم: سترت. مسألة [29] يقال: هُنا بوزن هُدى: للقريب، فإذا زدت الكاف صار للبعيد، وهَنَّا، بتشديد النون وفتح الهاء وكسرها، وكلاهما للبعيد، قال أبو الحارث غيلان بن عقبة الملقب ذا الرّمة: [البسيط]. (هنَّا وهنَّا ومن هنّا لهُنَّ بها ... ذاتَ الشمائلِ والأيمانِ هَيْنُوم) وهذا من كلمته التي أولها:

(إن ترسّمْتَ من خرقاء منزلةً ... ماءُ الصّبابةِ من عَيْنيك مسجومُ) (تلك التي يتّمَتْ قلبي فصارَ لها ... من حُبِّه ظاهرٌ بادٍ ومكتومُ) وقبله في صفة فلاة: (للجِنِّ بالليلِ في حافاتِهَا زَجَلٌ ... كما تجاوب يومَ الريحِ عَيْشومُ) (زجل) بالزاي والجيم مفتوحتين، صوت رفيع. و (عيشوم) بالمهملة فآخر الحروف المعجمة، ما هاج من الحماض، الواحد (عيشومة) وشجره مما يشتد صوت الريح فيه، و (هَنّا) في البيت بفتح الهاء وتشديد النون فيهن وهي أضعف اللغات، لأنها إن كانت فعّل فليس من أوزان الأسماء، فأما شلّم ويُقَّمً فأعجميان، وإن كان فَعْلى فقد خرجت عن مادة هنا، لأن ألفه لام. و (هنَّا) الأول ظرف لزجل في البيت قبله، و (لهن هينوم) مبتدأ وخبر، و (بها) متعلق بالاستقرار و (ذات) ظرف له، أو لهينوم، وهو من /53/ الهَيْنَمة، وهي الصوت الخفي، والضمير (لهن) راجع إلى العيشوم أو للجنّ، والأول أظهر في اللفظ، والثاني أظهر في المعنى، وهو على حد قوله: [الوافر]. (وقد نظرت طوالعكم إلينا ... بأعينهم وحقَّقنَ الظنونا) يريد طوالع العسكر فأعاد عليهم ضمير جماعة المؤنث (والإيمان) بتقدير وذات الإيمان، ومن أبيات هذه القصيدة بيت يستدلون به على مجيء (قد) من المضارع للتكثير، لأن فيه افتخارًا ولا يفتخر بما يقل، وهو: [البسيط].

(قد أعسف النازح المجهول مَعْسِفهُ ... في ظلِّ أخضر يدعو هامَهُ البومُ) والعَسْف والتعسُّف والاعتساف: المشي على غير بصيرة بالطريق، والنازح: البعيد، والمجهول: الذي لا يكاد يسلكه الناس، والظل: الستر، والأخضر: المراد به الليل الأسود لأن الخضرة إذا اشتدت صارت سوادًا. ومنها بيت استدلوا به على إطلاق الاسم وإرادة المسمى، وهو قوله يصف غزالاً: [البسيط]. (لا يَنْعَشُ الطرفَ إلا ما تخوَّنَهُ ... داعٍ يُناديه باسم الماءِ مَبْغُومُ) نَعَشه ينعُشه، بالفتح فيهما: رفعه، والعامة تقول: أنعشه والطرف: العين، والأصل طرفه، فأناب أل عن الضمير، وماك فاعل واقع على أمه، وتخونه: تعهده، وفي الحديث: «كان يتخوّننا بالموعظة»، وداع: بدل من (ما)، والأصل بالصوت المسمى (ما)، وذلك الصوت هو نفس (ما)، ومبغوم: بمعنى باغم، لأنه صفة لداع، والبُغام: صوت الظبية، وهو هنا للأم لا للولد.

شواهد باب الموصول

شواهد باب الموصول ومسألة [30] قد يقال اللذون رفعًا، قال: [الرجز]. (نحن اللذون صبّحوا صباحًا يومَ النُّخيلِ غارةً مِلْحاحا) هذا الشعر أنشده أبو زيد في نوادره، وابن الأعرابي، وهو لرجل جاهلي من بني عقيل، واختلفا في اسمه، وبعده: (نحنُ قتلنا الملك الجحجاحا ... ولم نَدَعْ لسارحٍ مراحا) (نحن بنو خُويلدٍ صُراحا ... لا كذِب اليومَ ولا مُزاحا) صبّحوا، بالتشديد: أتوا في الصباح، وصباحا: مصدر محذوف

الزوائد، مثل كلمته كلامًا، لا ظرف كما في: جئتك صباحًا، لأن الظرف لا يكون مؤكدًا. ومن ثم قال أبو علي في قوله سبحانه: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ}: إن (وراءكم) اسم فعل مؤكد لـ"ارجعوا". ويروي (الصباحا) أي /54/ الصباح الذي عُرِفَ واشتهر، فيكون مصدرًا نوعيًا، ولا يمنع ظرفية (صباحا) مع ما قدمناه قوله (يوم النخيل)، لأنه يكون حينئذ بدلاً لا ظرفًا ثانيًا، ولا يمنع ذلك أنه لا يبدل الكل من البعض، لأن اليوم قد يأتي للقطعة من الزمان لا لجميع النهار. والنُّخيل، بضم النون وفتح المعجمة، وكثير يقولونه بفتحة فكسرة وهو تحريف، وهو اسم موضع، واستدلّ على ذلك صاحب المحكم بقوله: [الكامل]. (قَدَرُ أحلَّكَ ذا النُّخيلِ وقد أرى ... وأَبيَّ مالكَ ذو النُّخيل بدارِ) والذي نحفظه في هذا البيت (ذا المجاز)، ومالكَ ذو المجاز، وهو سوق مشهورة في الجاهلية مثل عكاظ ومَجنَّة، وعلى ما رواه تكون إضافة ذي النخيل من باب إضافة المسمى إلى الاسم، كقوله: [الطويل]. (إليكم ذوي آلِ النبيِّ تطلَّعَتْ ... نوازعُ مِنْ قلبي ظِماءٌ وأَلبُبُ)

مسألة [31] الغالب استعمال اللائي لجمع المؤنث

وأما ذو المجاز فمجموع الأسمين هو العلم، وقوله (أبّي) بالتشديد، إما على ردّ لام أب في الإضافة للياء، أو على أنه جمع (أبًا) على أبين، ثم إضافة. والملحاح: الكثير الالحاح، والصفة التي على مفعال لا تؤنث، والمزاح، بكسر الميم عند أبي حاتم وبضمها عند غيره، لأنه أزيح عن طريق الجد، أي نُحيِّ عنها. مسألة [31] الغالب استعمال اللائي لجمع المؤنث، نحو: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ} الآية، وقد يستعمل لجمع المذكر كقوله: [الوافر]. (فما آباؤنا بأمَنِّ مِنهُ ... علينا اللائي قَدْ مَهدوا الحجورا) هذا البيت أنشده الفراء لرجل من بني سليم، ولكنه أتى قبوله (هم) مكان (قد). والمعنى: أن آباءهم الذين جعلوا حجورهم لهم كالمهد ليسوا بأكثر امتنانًا عليهم من هذا الممدوح.

مسألة [32] الغالب استعمال الألى لجمع المذكر، وقد يستعمل لجمع المؤنث

فاللائي صفة لـ (آباؤنا)، ولهذا أعاد عليها ضمير المذكرين. وفيه فصل بين الموصوف وصفته بخبر الموصوف، وقد أجيز في قوله تعالى: /55/ {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} كون الحي صفةً لاسمه تعالى. و (مهدوا) يحتمل تخفيف/ الهاء، وهو الأصل، فلأنفسهم يمهدون، والتثقيل للمبالغة، و (الحجور) جمع حجر، وفتح حاء المفرد أفصح من كسرها. مسألة [32] الغالب استعمال الألى لجمع المذكر، وقد يستعمل لجمع المؤنث كقوله: [الطويل]. (فأما الأُلى يَسْكُنَّ غَوْرَ تِهامةِ ... فكلُّ فتاةِ تَتْرُكُ الحِجْلَ أقصما) قوله: (غور تهامة) إما من إضافة البعض إلى الكل، كقولك: أسفل الدار، فالمراد المطمئن من أرض تهامة، وإما من إضافة أحد المتردفين إلى الآخر، لأن تهامة تسمى الغور، فيكون كقوله: [البسيط]. (لم يَبْقَ مِن زَغَب طارَ الشتاءُ به ... على قَرى ظَهْرِهِ إلا شماليلُ) فإن (القَرى) ألظهر، والأول أولى، لأن في الثاني دعوى سلب المعرفة

تعريفها وإضافة الشيء إلى نفسه. و (الحجل) بفتح الحاء المهملة، وقد تكسر القيد، ثم نُقِل إلى الخلخال، بفتح الخاء المعجمة، وهو المقصود هنا، و (الأقصم) بالقاف فالمهملة، أي أن ساقها لضخامته يكسر خلخالها، وقد اجتمع إطلاق الأولى على المذكرين والمؤنثات في قوله [الطويل]. (فتلك خطوبٌ قد تملّت شبابنا ... قديمًا فتبلينا المنون وما نبلى) (وتفني الأُلى يستلئمون على الأُلى ... تراهن يوم الروع كالحداء القُبْلِ) وهذا الشعر لأبي ذؤيب الهذلي من القصيدة التي أولها: (ألا زعمْت أسماءُ أن لا أحبَّها ... فقلتُ لها: لولا يُنازعني شغلي) (جزيتُك ضِعْفَ الوُدِّ لما اشتكيتهِ ... وما إنْ جزاك الضّعفّ من أحدٍ قبلي) (فإن تُزعميني كنتُ أجهل فيكم ... فإني شريْت الحِلْمَ بعدَكِ بالجَهْلِ) (وقال صحابي قد غُبِنْتَ وخلتني ... غَبَنْتُ فما أدري أشكلهم شَكْلي /56/) (على أنها قالت رأيتُ خُويلدًا ... تنكّر حتى عاد أسودَ كالجِذْلِ) فتلك خطوب ... البيتين قوله (ينازعني) مبتدأ بتقدير أن. و (لولا) كلمتان بمعنى لو لم، وجواب (لولا) أو جواب (لو) محذوف، و (تزعميني) تظنيني كنت أجهل في إتباعي إياك، و (شريتُ) بمعنى اشتريت وتأتي بمعنى: بعتُ، وإنما

قالوا له أنه مغبون في بيعه الجهل بالحلم، لأنهم كانوا معه على الجهل، فقال هو: بل أنا الغابن، ولا أدري أهم على ما أنا عليه أم لا، والمعنى: أطريقهم طريقي أم غيرها؟ فحذف (أم) ومعطوفها كقوله: [الطويل]. (دعاني إليها القلب أني لأمره سميع ... فما أدري أَرشدٌ طِلابُها) أي: أم غي. و (خويلد) هو ابن ذؤيب، و (تنكر) تغير، و (الجِذْل) بكسر الجيم، وبالذال المعجمة، أصل الشجرة، الأخفش: العود اليابس، و (المنون) الدهر، لأنه يَمُنُّ قوى الإنسان، أي ينقصها، ويكون بمعنى الموت، لأنه يقطع الحياة، من قوله تعالى {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}، يقول: إن حوادث الدهر أكلت شبابنا قديمًا، وتمتعت به، وأنها تُبلينا وما نبليها، وأنها تُبلي القوم الذين يلبسون لأمة الحرب، ويركبون الخيل التي تراها في يوم الفزع لخفتها في السير وشدة عدوها كأنها حِداء، وهو الطير المعروف، والمفرد حدأة كعنبة وعنب، و (القُبُل) بضم القاف والباء الموحدة، التي في عينها قَبَل بفتحتين، أي حَوَلٌ، وهو إقبال سواد كل من العينين على الآخر، وذلك لتقلب أعينهن من شدة طيرانهن وفزعهن. والشاهد في البيت الثاني حيث أطلق الأُلى، أولاً على المذكرين، وثانيًا على المؤنثات بدليل ما عاد على كل منهما من ضميره، ولا أدري لِم أورد /57/ الشارح والناظم البيت الأول.

مسألة [33] قد تطلق (من) على ما لا يعقل، إذا عومل معاملة العاقل

مسألة [33] قد تطلق (مَنْ) على ما لا يعقل، إذا عومل معاملة العاقل، كقوله: [الطويل]. (بكيتُ إلى سرب القطا إذ مررن بي ... فقلتُ ومثلي بالبكاءِ جدير) (أسربَ القطا هل من يُعير جناحَهَ ... لعلي إلى مَنْ قد هَويتُ أطيرُ) وهذا الشعر للعباس بن الأحنف، وبعد البيتين: (فجاوبني من فوق غُصْن أراكة ... ألا كلُّنا يا مستعيرُ مُعيرُ) (وأي قطاةِ لم تُعْرِكَ جناحَهَا ... فعادَتْ ببؤسٍ والجناحُ كسيرُ) (الشرب) بالكسر: القطيع من القطا والظباء والشاء والحمر والبقر والجماعة من النساء، ابن الأعرابي: يقع على الماشية كلها، ومثله السرية، والعوام يقولونها بالصاد. والشاهد في قوله: هل من يعير، فإنه أطلق (مَنْ) على جماعة القطا لما نزلها منزلة العقلاء، إذ ناداها، ويروى: (هل من معين جناحه فلا شاهد فيه).

مسألة [34]

مسألة [34] يجوز في من وما وأي، وذو الطائية وذا في نحو، ماذا صنعتَ؟، إذا أطلقت على غير المفرد المذكر أن تعيد الضمائر عليها مفردة مذكرة باعتبار لفظها، وأن تُعيدَها على حسب معناها، وأن تجمع بين الأمرين، قال: [الطويل]. (تعشّ فإنْ عاهدتَني لا تَخونُني ... نكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذئبُ يصطحبانِ) وهذا البيت للفرزدق من شعر يزعم فيه أن الذئب رأى ناره فأتاه وعاهدَه أنه يصاحبه، وأوله: (وأطلسَ عَسّال وما كانَ صاحبَا ... دعوت لناري مَوْهِنًا فأتاني) (فلما أتى قلت ادنَ دونَك إِنني ... وإياكَ في زادي لمشتركان /58/) (وبت أُقدُّ الزادَ بيني وبينَهُ ... على ضَوْءِ نارٍ مرةً ودُخانِ) (وقلت له لما تكشَّرَ ضاحكًا ... وقائمُ سيفي من يَدي بمكانِ) (تعش ................) البيت وبعده: (وأنتَ امرءً يا ذئب والغدرُ كنتما .... أُخيينِ كانا أُرضعا بِلبانِ) (ولو غيرنَا نبّهتَ تلتمِس القِرى ... رماكَ بسهَمٍ أو شَباةِ سنانِ) قوله: وأطلس، أي وربَّ ذئب أغبر اللون. عسّال: أي مضطرب في مشيه. دفعت، ويروى رفعت، فهو من المقلوب: أي رفعت له ناري.

مسألة [35] طيئ تستعمل ذو بمعنى الذي

فأتاني: أي فرآها فأتاني. ادْنُ: أي أقرب. ودونك: خُذْ، أي كُلْ. وأقُدُّ: اقطع. وتكشر: تكشفت أسنانه. ولا تخونني: جواب القسم الذي تضمنه (عاهدتني). وسَمّى الذِئب أمرًا تنزيلاً له منزلة العاقل، لخطابه إياه. والشَّباة، بالمعجمة المفتوحة فالموحدة: الحَدُّ. والشاهد في قوله: من يصطحبان. وفي البيت أيضًا الفصل بين الموصول وصلته بالنداء. مسألة [35] طيئ تستعمل ذو بمعنى الذي، قال: [المنسرح] (ذاكَ خليلي وذو يُواصلني ... يَرمي ورائي بأمْسَهْمِ وامسِلَمهُ) وبمعنى التي، قال: [الوافر]. (فإن الماءَ ماء أبي وجَدّي ... وبئري ذو حَفَرْتُ وذو طَوَيْتُ) ولمثناهما وجمعهما. وبعضهم يستعمل ذات للمؤنث، سمع: الفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله به. وذوات لجمع المؤنث، قال: [الرجز].

(جَمَعْتُها من أَيْنُق موارق ... ذواتُ يَنْهَضْنَ بغير سائق /59/) والأشهر في (ذو) البناء، وبعضهم يعربها، وقيد ابنَ الضائع ذلك بحالة الجر، لأنه محل السماع. كقوله: [الطويل]. (وإمّا كرامٌ موسرون أثْبتَهمْ .... فحَسْبي من ذي عندَهُمْ ما كفانيا) فأما البيت الأول فروي الجوهري (يعاتبني) بدل (يواصلني)، وزعم أن الواو زائدة، وكان ذلك لأنه رأى أن قوله (يرمي) محطّ الفائدة، فقدره خبرًا، وقدر (خليلي) تابعًا للإشارة. و (ذو) صفة لخليلي، فلا تعطف عليه، وتبعية (خليلي) للإشارة بأنه بدل منها لا نعت، بَلْ ولا بيان، لأن البيان بالجامد كالنعت بالمشتق، ونعت الإشارة بما ليست فيه أل ممتنعة. وبهذا أبطل أبو الفتح كون (بعلي) فيمن رفع (شيخًا) بيانًا. ولك أن تعرب (خليلي) خبرًا و (ذو) عطفًا عليه و (يرمي) حالاً منه وأن توقف المعنى عليه، مثل: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا}.

و (السلمه) بكسر اللام: واحدة السلام، وهي الحجارة. وفي البيت مع استعمال (ذو) بمعنى الذي، استعمال (أم) مكان (أل)، وهي لغة طييء. وأما البيت الثاني فإنه لسنان بن الفحل من قطعة أولها: (وقالوا: قد جُننْتُ، فقلت: كلا ... ورَبّي ما جُنِنْتُ ولا انتَشَيْتُ) (ولكني ظُلِمْتُ فكدت أبكي ... من السَّقْمِ المبَّرح أو بَكيتُ) فإن الماء .... البيت ووجه الشاهد أنه أطلق (ذو) على البئر، وهي مؤنثة، بدليل: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} والأصل: وقالوا قد جننْتَ أو سكرْتَ بدليل ما بعده، ونظيره: [الوافر]. (وما أدري إذا يَمَّمْتُ أرضًا ... أُريدُ الخيرَ أيّهما يليني /60/) أي: وأحذر الشر. بدليل قوله: (الخير الذي أَنا أبتغيهِ ... أم الشُّرُّ الذي هو يَبْتَغيني) إلا أن توسعهم في الواو ومعطوفها أكثر من توسعهم في (أو) ومعطوفها.

والبيت الثاني لا يناسب شهامتهم ووصفهم أنفسهم بالقسوة والغلط كقول مهلهل: [البسيط]. (يُبكَي علينا ولا نبكي على أحد ... لَنَحْنُ أغلظُ أَكبادَا من الإبلِ) على أنه قد قال بعد ذلك: (وقبلك رُبَّ خَصْمٍ قد تمالَوا ... عليَّ فما هَلِعْتُ ولا دَعَوْتُ) فذكر أنه بُليَ قبله بقوم خصمين اعتونوا عليه فلم يجزع، ولا دعا أحدًا لينصره، وليس تناقضًا، لأنه على اختلاف وقتين، أي أنه ذل جانبه بعد أن كان عزيزًا، ونظيره أبيات فاطمة بنت الأحجم حين ضعف جانبها لموت من كان ينصرها، وهي أبيات حسنة تمثلت بها سيدتنا فاطمة رضي الله عنها حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الكامل].

(لقد كنتَ لي جبلاً ألوذُ بظلّهِ ... فتركتَني أمشي بأجرد ضاحي) (قد كنت ذاتَ حميةٍ ما عشتَ لي ... أمشي البَرازَ وكنتَ أنتَ جناحي) (فاليوم أخضع للذليل وأتقي ... منه وأدفعُ ظالمي بالراحِ) (وإذا دَعَتْ قُمريةٌ شجنًا لها ... ليلاً على فَنَنٍ دعوتُ صباحَي) وطويت البئر: بنيتها بالحجارة، وزعم ابن عصفور أن (ذو) خاصة بالمذكر، وأن المؤنث يختص بذات، وأنّ البئر في البيت ذكرت على معنى القليب، كما قال الفارسي في قوله: /61/ [الرجز]. (يا بئرُ يا بئرَ بني عَدِي ... لا نَزَحَنْ قَعْرَكِ بالدُّليّ) (حتى تعودي أقطع الولي) إن التقدير: حتى تعودي قليبًا أقطع، فحذف الموصوف. وفرق ابن الضائع بينهما، بأن (أقطع) صفة فتحمل على الفعل بخلاف (ذو)، قال: ألا ترى أن من قال: نفع الموعظة لا يقول مشيرًا إليها: هذا الموعظة، ولهذا قال الخليل في {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي}: أنه إشارة إلى القطر لا إلى الرحمة، أيضًا فلم يذكر (ذات) كل من ذكر (ذو)، ولو كانا بمنزلة الذي والتي لم يكن أحدهما أشهر، قلت: وإذا قيل بأنه تأول البئر بالقليب لم يرد الاعتراض الأول، إذ لا يتوقف ذلك على الوصف، ألا ترى أن من

قال في عكسه: [البسيط]. (يا أيُّها الراكبُ المزجي مطيَّتهُ ... سائل بني أسدِ ما هذه الصوتُ) أنَت الإشارة إلى الصوت لمّا أوله بالصرخة، وإن كان غير صفة. وأما الحكاية فروى الفراء أنه سمع بعض السؤال بالمسجد الجامع يقول ذلك، والتقدير: أسألكم بالفضل، وكأنه يشير إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} وقوله: (به) أصله (بها)، فحذف الألف، ونقل فتحة الهاء إلى الباء، وذلك أيضًا لغة طيء. هذا هو المعروف، وقال الناظم في شرح كافيته، في باب الوقف: إن ذلك لغة لخم، وأنشد: [الوافر]. (وإني قد سئمت بأرض قومي ... أمورًا كنت في لخم أخافُه) انتهى. والبيت ظاهر في أن قائله غير لخمي، ومما خرّج على هذه اللغة قوله [الطويل]. (فلم أرَ مثلها خُباسةَ واجدٍ ... ونَهْنَهْتُ نفسي بعدَ ما كِدتُ أفعلَهُ)

قيل: أصله أفعلها، وسيأتي هذا البيت، إن شاء الله تعالى، في باب إعراب الفعل. وأما البيت الثالث فمضى شرحه، وأن فيه روايتي الإعراب والبناء. وأما البيت الأخير: (جمعتها لأنيق تقدّمت). وأصل أينق أنوق، لأن ألف ناقة /62/ عن واو، لقولهم: استنوق الجمل، وقولهم في العدد الكثير: نوق، ولو كانت ياء لكسروا الأول لتسلم الياء كما في (بيض وعيس) ثم قيل: حذفوا العين وعوضوا الياء، فوزنه أيْفل، وقيل: قدموا العين، لتسلم من الضم، ثم أبدلوها مبالغة في التخفيف، فوزنه أعفل، وقيل: قدموا اللام على العين، فاصر (أنقو)، ثم أبدلوا الواو ياء كما في أدلٍ، ثم قدموا الياء على الفاء، فوزنه (أفْعُل)، ثم (أقلع) ثم (أعفل). وموارق: جمع مارقة، مستعار للسرعة في خرق الفلوات من: مرق السهم من الرمية. وذوات: بدل لا صفة، لأنها معرفة، وأينق نكرة، ونظيره: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}.

مسألة [36] زعم الكوفيون أن (ذا) تستعمل موصولة وإن لم تسبقها (من) ولا (ما)

مسألة [36] زعم الكوفيون أن (ذا) تستعمل موصولة وإن لم تسبقها (من) ولا (ما)، وجوزوا ذلك في سائر الإشارات، محتجين بقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}، وقول الشاعر: [الطويل]. (عَدَسْ ما لعبَّادٍ عليكِ إمارةٌ ... أمنتِ وهذا تحملينَ طليقُ) قالوا: التقدير، وما التي بيمينك، والذي تحملينه، إذ لم يرد الإخبار عن هذا بإنه محمول، ولأن حذف العائد المنصوب بالفعل ضعيف في باب الخبر، ولا يكون هذا مفعولاً لتحملين، لأنه لا ارتباط حينئذ لـ (طليق) ولا المعنى عليه. والجواب: أن (بيمينك) و (تحملين) حالان، وحذف الضمير من الحال خير من حذفه من الخبر، وأما القول بأن (تحملين) و (طليق) خبران، فالأولى أولى، لأنه لم يرد الإخبار بأنه محمولٌ، ولأن أبا علي ذكر أن الخبر لا يتعدد مختلفًا بالإفراد والجملة، وجوز ابن عصفور كون (بيمينك) بيانًا متعلقًا باعني محذوفة، ورده ابن الضائع، بأن أعني لا يتعدى بالباء، وذو الحال في

البيت إما ضمير طليق فطليق هو الناصب /63/ للحال، وأما طليق نفسه، على أن الجملة كانت صفة له فقدمت عليه، فناصبها معنى التنبيه أو الإشارة. وهذا البيت ليزيد بن ربيعة بن مفرغ، بالفاء والغين المعجمة، لأنه كان راهن على شرب سقاء كبير ففرغه، وكان يزيد هجاء، فهجا عباد بن زياد ابن أبيه، وملأ البلاد من هجوه، وكتبه على الحيطان، فلما ظفر به ألزمه محوه بأظفاره، ففسدت أنامله، ثم أطال سجنه، فكلموا فيه معاوية، فوجه بريدًا يقال له حمحام، فأخرجه وقُدّمَتْ له فرس من خيل البريد، فنفرت فقال: (عدس ............. البيت) وبعده: (وإن الذي نجَّى من الكرب بعدما ... تلاحم بي كَرْب عليك مضيق) (أتاك بحمحام فأنجاك فألحقي ... بأرضك لا تُحْبَسْ عليك طريق) (لعمري لقد أنجاك من هُوَّةِ الردى ... إمامٌ وَحَبْلٌ للإمام وثيق) (سأشكرُ ما أوليتُ من حُسْنِ نِعمةِ ... ومثلي بشكر المنعمين حقيقُ) عَدَسْ، بالمهملات مفتوحتين فساكنة: صوت يزجر به البغل، وربما سموا به البغل، قال: [الرجز].

(إذ أحملْتُ بَزَّتي على عَدَسْ ... على التي بين الحمار والفَرَسْ) (فلا أبالي من غدا ومن جلسْ) وهو محتمل في البيت السابق على إضمار حرف النداء، وبُني لأنه حكاية صوت، ويحتمل كونه في البيت الثاني اسم صوت، أي: على التي يقال لها إذا زجرت "عدس"، ونظير عدس غاق، فإنه حكاية صوت الغراب، وربما سموا به الغراب. كقوله: [الرجز]. (إذا لمتي مثل جناح غاق) وإنما قيل: "أصدق من القطا"، لأن اسمها وَفْقُ صوتها. وعن الخليل: إن عدس /64/ رجل كان يَعْنُف على البغال أيام سليمان، وأنها كانت إذا سمعت باسمه طارت فرقًا منه، فلهج الناس باسمه حتى سموا البغل عَدَسْ. قال ابن سيدة: وهذا لا يعرف في اللغة.

مسألة [37]

مسألة [37] ماذا صنعت؟ يحتمل كون (ماذا مفعولاً مقدمًا على تركيب (ذا) مع (ما)، ويحتمل كونهما مبتدأ وخبرًا، فتكون (ذا) موصولة، فإذا أبدلت قلت على الأول: أخيرًا أم شرًا، بالنصب، وعلى الثاني: أخيرٌ أم شرٌ بالرفع، وعليه قوله: [الطويل]. (ألا تسألان المرءَ ماذا يحاولُ ... أنْحَبٌ فيُقضَى أم ضَلالٌ وباطلُ) وهو للبيد، وقد مضى ذكر ذلك في أول الكتاب. و (ما) استفهامية معلقة لفعل السؤال، إجراءً له مجرى مسببه وهو العلم، ومثله {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ}، وهي مبتدأ، و (ذا)، خبر، وبالعكس على الخلاف، و (نَحْبٌ) بدل من (ما) بدل تفصيل، وهو الذي دل على أن (ما) مرفوعة المحل، وثبوت الرفع لـ"ما" هو الذي أوجب كون (ذا) موصولة، و (يحاول) صِلةٌ حذف عائدها، وفي ألف (يُقضى) فتحة مقدرة، لأنه جواب الاستفهام. مسألة [38] قد توصل (أل) بالمضارع في الضرورة، كقوله: [البسيط].

ما أنتَ بالحكم التُّرضى حكومته .... ولا الأصيل ولا ذو الرأي والجدل) وقوله: [البسيط]. (ما كاليروح ويغدو لاهيًا فرحًا ... مشمِّرٌ مستديمُ الحزمِ ذو رَشَدِ) وقوله: [الطويل]. (وليس اليرى للخِلِّ دون الذي يَرى ... له الخِلُّ أهلاً أن يَعُدُّ خليلاً) وقوله: [الطويل]. (أتانا كلامُ التغلبي ابنُ دَيْسَق ... ففي أيِّ هذا ويلَهُ يتنزَّعُ) (يقول الخَنا وأبغضُ العُجْمِ ناطقًا ... إلى رَبِّنا صوتُ الحمار اليُجدَّعُ) (ويَستخرج اليربوع من نافقائه ... ومن جُحْرِهِ بالشيحة الينقصَّعُ /65/) وذلك من الضرائر غير المستحسنة، وقال ابن السراج: وهو من أقبح الضرورات وقال الجرجاني: استعمال مثل هذا خطأ بإجماع. يعني في النثر. وقال الناظم: لا يختص بالشعر، إذ كان يمكن أن يقول الأول: المُرضي حكومتُهُ، فيصلها باسم الفاعل، والثاني: ما مَن يَروح، والثالث:

وما من يرى، فيأتيان بموصولٍ غير أل، والرابع: صوتُ حمارٍ يُجدعُ، فيترك أل، فإذ لم يقولوا ذلك مع تمكنهم منه دل على أنهم مختارون، قال: ومما يُشعرُ بأنهم فعلوه اختيارًا أنهم خصوه بالمضارع لشبهه باسم الفاعل. قلتُ: ما ذكره أولاً مبني على اختياره في تفسير الضرورة بأنها ما لا يمكن الشاعر العدول عنه، وقد مضى رده، ثم لا نسلم ما ذكر في البيت الثاني لجواز أن يكون المراد به مدح شخص وذم آخر، فلا يستفاد ذلك إلا بذكر التشبيه. وأما ما ذكره ثانيًا فيرده قول سيبويه «وليس شيء مما يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهًا»، فلا تنافي بين كون الشيء ضرورة وكونه ذا وجه يسوغه، بل لا تكون الضرورة إلا كذلك بشهادة إمام النحو. وفي الصحاح: إن الأخفش قال في قوله (اليُجدَّع: يريد الذي يُجَدع كما تقول: هو اليَضْربُك، تريد الذي يضربك. انتهى. وظاهره أن الأخفش يجيزه في الكلام كما قال الناظم، وفي ذلك رد على مَنْ قال إِنّ الناظم استأثر بهذا المذهب. واللام في قوله الأول: (الترضي) مدغمة في التاء وجوبًا، والناس قد لهجوا بإظهارها، والذي أوقعهم ذلك أنّ المعلمين إذا أنشدوه أظهروا، ليُسمعوا الطالب لفظة (أل) فتوهموا أن ذلك وجه الانشاد.

والبيت كأنه هجاء في قاضٍ /66/، وكأن قائله إنما استسهل ذكر الفعل، لأن فيه محافظة على تأنيث المسند لتأنيث المستند إليه، مع ما فيه من التنبيه على الأصل في صلة الألف واللام. والبيت الرابع الذي الخرق الطهوي، شاعر جاهلي، سُمي بذلك لقوله: [البسيط]. (لما رأت إبلي جاءت حمولتها ... جاءت عجافًا عليها الريشُ والخرقُ) وهو من أبيات نوادر أبي زيد. ووهم الجوهري فقال: إنه من أبيات الكتاب. و (ديسق) بفتح الدال المهملة بعدها آخر الحروف ثم المهملة، علم منقول من الدَيْسَق، وهو بياض السراب وترقرقه، ويقال يتنزع إليه بالشر، وتسرع بمعنى، ورويا في البيت. وقوله: (وأبغض العُجْم) تقدير: وأبغض أصوات العجم، بدليل الإخبار عنه بصوت الحمار، وأفعل بعض ما يضاف إليه، و (ناطقًا) حال من العجم، ويصح الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف عاملاً في الحال، أو كان بعض المضاف إليه، وكلاهما موجود هنا، فإن في (أفعل) أحرف

الفعل، وهو أبدأ بعض ما يضاف إليه، وكان حقه أن يقول: ناطقةً أو ناطقاتٍ، إلا أنه ناب المفرد عن الجمع للضرورة، كقوله: [الوافر]. (كلوا في بعض بطنكم تَعِفوا ... فإن زمانكم زمن خميص) لا يقال: أجمله حالاً من (أبغض)، لتخلص من مجيء الحال من المضاف إليه، ومن إنابة المفرد عن الجمع، لأن الابتداء لا يعمل في الحال. وشبه صوته، غير تلك الحالة، فما الظن به فيها، ووصفه أخيرًا بالخديعة والمكر. والشيحة واحدة الشيح، وهو النبات المعروف، ويظهر أن المقتضي لعدوله عن المُجدع والمتقصع كراهيةُ الإقواءِ، فإن قافية الأول مرفوعة، وهو يتنزع أو يتسرع. وقافية الأخيرين مخفوضتان، إذ هما صفة /67/ للحمار، وصفة لجحره، أي ومن جحره الذي يتقصع فيه، أي يدخل، وإن قدر (اليتقصع) صفة لليربوع فاللازم على المجيء بالوصف اختلاف القوافي بالرفع والجر والنصب.

مسألة [39] لا يحذف العائد المرفوع بالابتداء إذا لم تطل الصلة

والنافقاء والقاصعاء من جحرة اليربوع، والفرق بينهما أن النافقاء يكتمها، والقاصعاء يظهرها، فإذا أتى من قبل القاصعاء ضرب برأسه النافقاء، فانتفق، أي خرج، ومنه اشتقاق اسم المنافق، لأنه أظهر الإيمان وكتم الكفر. مسألة [39] لا يحذف العائد المرفوع بالابتداء إذا لم تطل الصلة، كقوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}، إلا إن كان الموصول أيًا كقوله: [المتقارب]. (إذا ما لقيتَ بني مالكِ ... فَسلم على أيُّهم أفضلُ) التقدير: على أيهم هو أفضل. وهذا البيت أنشده أبو عمرو الشيباني في حرف العين من كتاب الحرف لرجل من غسان، وفيه روايتان، إعراب أي وبناؤها على الضم،

وفيه حجة لسيبويه على من زعم أن (أيًا) لا تبني وإن أضيفت وحذف عائدها المرفوع بالابتداء، وأجابوا عن قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ}، بأن أيًا استفهامية مبتدأ وأشد خبره، ثم اختلفوا في مفعول (ننزع)، فقال يونس: جملة الاستفهام على أن ننزع علق عن العمل. وقال الكوفيون والأخفش: كل شيعة على زيادة من في الإيجاب وجملة الاستفهام مستأنفة، وقال الخليل: محذوف، أي: الذين يقال فيهم (أيهد أشد). ولا يمكن شيء من هذه التكلفات هنا، لأن الجار لا يُعَلَّقُ، ولا يحذف مجروره، ثم إن طلحة بن مصرف ومعاذ بن مسلم، وهرون قرأوا، (أيهم) بالنصب، ولا يعمل في الاستفهام ما قبله، والأصل توافقُ القراءتين،

وسُمِعَ حذف العائد على غير (أي) مع عدم طول الصلة، وهو قياس عند الكوفيين، وشاذ عند البصريين، وأنشدوا /68/ ذلك قوله: [البسيط]. (مَنْ يُعنَ بالحمد لم يَنطق بِما سَفَهٌ ... ولا يَحْدْ عَنْ سبيل الحِلم والكرم) يُعنَ: بضم الياء وفتح النون، مضارع عني بكذا بضم أوله وكسر ثانيه أي اعتنى به، و (بالحمد) أي بحصول الحمد، أي من رغب في حمد الناس له فلا يتكلم بالذي هو سفه، وهذا محل الاستشهاد، ويجوز أن يكون التقدير: بشيء هو سفهٌ، فتكون (ما) نكرة موصوفة، ويكون الحذف من الصفة لا من الصلة، ونظيره قوله [الكامل]. (أن يقتلوك فإن قتلَكَ لم يَكُنْ ... عارًا عليك ورب قتلٍ عارُ) أي هو عار، بل معنى النكرة هنا أحسن، والأجود أن يستشهد بقراءة يحيى بن يعمر {تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ}، برفع أحسن، وأما قراءة رؤبة {مَا بَعُوضَةً} بالرفع، فجوز فيها الزمخشري، بل رجح أن تكون

مسألة [40] يحذف العائد المتصل المنصوب كثيرا إن كان بالفعل

ما استفهامية، وبعوضة الخبر، و (يحد) بكسر الحاء المهملة مضارع حاد من كذا يحيد حُيُودا وحَيْدةً، وحَيْدودَةً إذا مال وعدل. مسألة [40] يحذف العائد المتصل المنصوب كثيرًا إن كان بالفعل، نحو {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} وقليلاً إن كان نصبه بوصف غير صلة لأل، كقوله: [البسيط]. (ما الله موليكَ فضلٌ فاحمدَنْهُ بهِ ... فما الذي غيره نفعٌ ولا ضررُ) وضرورة إن كان الوصفُ صِلةً لها، كقوله: [البسيط]. (ما المستفُز الهوى محمودَ عاقبةٍ ... ولو أُتيحَ لهُ صَفْوٌ بلا كَدَرِ) وقوله: [مخلع البسيط]. (في المُعْقب البغُي أهل البَغْى ما ... ينهى أمرًا حازمًا أن يسأما) فأما البيت الأول فما فيه موصول مبتدأ، و (الله موليك) جملة اسمية صلته، والعائد محذوف، أي: موليكه، وهو في محل نصب على أنه مفعول ثان لاسم الفاعل وهو مول، لأنه بمنزلة (معط) والمفعول الأول الكاف /69/ المخفوضة بالإضافة، و (فَصْلٌ) خبر عن الموصول.

مسألة [41] يجوز حذف العائد المجرور بالإضافة

وقد عدل الشارح عن هذا البيت الواضح واستدل بالبيت الثالث مع أنه لا يحسن مثالاً لما في النظم، لأن كلام الناظم في الحذف المقيس في النثر، ومتى كان الموصول الألف واللام كان الحذف ضرورة كما قدمنا. وإعرابه (في المعقب) خبر مقدم، وما مبتدأ مؤخر، وهي موصولة أو موصوفة و (ينهَى) صلة أو صفة و (أل) في المعقب موصولة، و (معقب) صلة، وهو اسم فاعل من أعقب، وهو مما يتعدى إلى مفعولين، {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا}، و (البغي) فاعل: باسم الفاعل، و (أهل البغي) مفعول أول والمفعول الثاني هو العائد المحذوف، والأصل في المعقبةِ، ومعنى البيت في الذي أعقبه البغي أهل البغي من النكال وسؤ المال ما ينهي الرجل الحازم عن أن يسأم من سلوك طريق العدل والسداد، وتقدير الشارح ظلم أهل البغي مستغنى عنه، ويقال: سئمه وسئم منه {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ}، وقال: [الطويل]. (سئمت تكاليف الحياة ومَنْ يعش ... ثمانين حولاً لا أبا لك يسأمِ) والبيت الثاني واضح، وأتيح بمعنى قَدِّرَ. مسألة [41] يجوز حذف العائد المجرور بالإضافة إن كان المضاف وصفًا بمعنى

الحال والاستقبال، لأنه حينئذ مفعولٌ في المعنى ومحله النصب، كقوله عز وجل: {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ}، أي قاضيه، وقول الشاعر: [الطويل]. (يَصْغُرُ في عيني تلادي إذا انثنتْ ... يميني بإدراكِ الذي كُنْتُ طالبا) أي طالبه، وهذا البيت لسعد بن ناشب من أبيات أولها: (سأغسل عني العار بالسيفِ جالبًا ... علي قضاءُ الله ما كان جالبا) (وأَذْهَلُ عن داري وأجعلُ هَدْمَها ... لِعرضي من باقي المدينة حاجبا) وبعده: (فإن تهدموا بالغدر داري فإنها ... تراثُ كريمٍ لا يخَاف العواقبا /70) (أخي غَمَراتٍ لا يزيد على الذي ... يَهْمُّ بهِ مِنْ مُفظعِ الأمر صاحبا) (إذا هَمَّ لم يَرْدَعْ عزيمةَ أمرهِ ... ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا) (فيا لرزام راشحوا بي مقدمًا ... إلى الموت خَواضًا إليه الكتائبا) (إذا هم ألقى بينَ عينيهِ عزمَهُ ... ونكّبَ عن ذكر العواقب جانبا) (ولم يستشرْ في رأيه غير نفسه ... ولم يَرْضَ إلا قائمَ السيفِ صاحبا) (فلا توعدوني بالأمير فأنّ لي ... جنانًا لأكناف المخاوِفِ راكبا) (وقلبًا أبيًا لا يُروه جأشه ... إذا الشرُّ أبدى بالنهار كواكبا)

مسألة [42] قد يحذف للضرورة العائد المجرور بالحرف وإن لم يكن الموصول مخفوضا بمثل ذلك الحرف

وفي قوله (جالبًا) شاهد أيضًا، أي جالبه، إلا أن ما تحتمل النكرة الموصوفة. والمراد بقوله: وتصغر صغر القَدْر، والمراد أنه يسهُل عليه بذل مالِه القديم إذا كان فيه إذ ذاك مطلوبه، وخص القديم لأن النفس به أبخلُ. وقوله: وأذهل .... البيت. يقال أن الحجاج كان هدم داره بالبصرة وحرقها، ويقال أنه قُتِل له حميم، وأنه أوعد بهدمِ داره إن طالب بثأره. و (الغَمَرات) معظمَ الماء ومجتمعه، ويُروى (عزمات)، و (مفظع الأمر) بالظاء: معضلة بالضاد. والردع: الكفُّ و (رزام) قبيلته، و (هم) قصد، ويروى عزمه، بإضافة العزم إلى الضمير، وعزمة، بالتأنيث. وأما قوله: (غير عزمه) فبالإضافة لا غير، ويروى: غير نفسه. و (صاحبا) إما مفعول (يرضى) فالمستثنى مقدم، وأما حال من المستثنى، فالاستثناء مفرغ. مسألة [42] قد يحذف للضرورة العائد المجرور بالحرف وإن لم يكن الموصول مخفوضًا بمثل ذلك الحرف، أو كان مخفوضًا به، ولكن اختلف متعلق الحرفين، فالأول كقول حاتم الطائي: [الوافر]. (ومِنْ حَسَد يجورُ عليَّ قومي ... وأيُّ الدهر ذو لم يحسدوني)

أي الذي لم يحسدوني فيه، وفيه أيضًا استعمال ذو موصولة، واستعمال أي الاستفهامية في معنى /71/ النفي، وقول الآخر: [الخفيف]. (أبلغ الحارثَ بنَ نضلةَ ... والمرءُ معنى بلومِ مَنْ يَثِقُ) أي به، والثاني كقوله: [الطويل]. (وأن لساني شُهْدةٌ يُشْتفَى بها ... وهُوَّ على مَنْ صَبَّه اللهُ عَلْقَمُ) وهذا البيت أورده الفارسي في التذكرة عن قطرب والبغداديين وفيه أربع شواهد، أحدها: تشديد واو (هو) وذلك لغة هَمْدان بإسكان الميم وبالدال المهملة، وكذا يفعلون في الياء من (هي)، كقوله: [البسيط]. (والنفسُ ما أمِرَتْ بالعُنْفِ أبيةً ... وهيّ إن أُمِرتْ باللطفِ تأتمرُ) الثاني: تعليق الجَار بالجامدَ لتأوله بالمشتق، وذلك لأن قوله (هو علقم) مبتدأ وخبر، والعلقم نبت كريه الطعم، وليس المراد هنا، بل المراد

شديد أو صعبٌ، فلذلك علق به على المذكورة، ونظيره قوله: [مجزؤ البسيط]. (ما اُمّك اجتاحَتِ المنايا ... كلُّ فؤادٍ عليكَ أُمُّ) فعلق (على) بأم، لتأوله إياها بمشتق، وعلى هذا ففي علقم ضميرٌ، كما في قولك: زيد أسد، وإذا أولته بقولك شجاع، لا إذا أردت التشبيه. ومن تعلق بالظرف الجامد لما فيه من معنى الفعل قوله: [الطويل]. (تركتِ بنا لَوْحًا ولو شئتِ جادنا ... بُعَيْدَ الكَرى ثَلْجٌ بكرمانَ ناصحُ) (منعت شفاء النفس ممن تركتهِ ... به كالجوى مما تُجِنُّ الجوانحُ) (لوحًا) بفتح أوله أي عطشا، يقال: لاح يلوح أي عطش، و (بعيد) متعلق بثلج لما فيه من معنى بارد، وإذا كان ريقها باردًا في وقت تقرب من نومها فما ظنك به في غير ذلك، و (كرمان) بفتح الكاف مدينة معروفة، و (ناصح) خالص. الثالث: جواز تقدم معمول الجامد المؤول بالمشتق إذا كان ظرفًا، ونظيره في ذلك أيضًا، وفي تحمل الضمير قوله: (كلُّ فؤادٍ /72/ عليكَ أُمُّ) الرابع: جواز حذف العائد المجرور بالحرف مع اختلاف المتعلق، إذ التقدير: هو علقم على من صبه الله عليه، فعلى المذكورة متعلقة بعلقم، والمحذوفة متعلقة بـ "صبه".

شواهد باب المعرف بالأداة

شواهد باب المعرف بالأداة مسألة [43] قد تزاد ألْ للضرورة في اسم مستغنٍ عنها، إما بكونه معرفة بدونها، أو بكونه، واجب التنكير، فالأول كقوله: [الكامل]. (ولقد جنيتُك اكموءً وعساقلاً ... ولقد نهيتُكَ عن بناتِ الأوبرِ) وقوله: [الطويل]. (أما ودماءٍ مائراتٍ تخالُها ... على قُنة العزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدما)

والثاني كقوله: [الطويل]. (رأيتُكَ لما أن عرفت وجوهنا ... صددتَ وطبْتَ النفسَ يا قيسُ عن عَمْرِو) وقوله: [البسيط]. (دمتَ الحميَد فما تنفك منتصرًا ... على العِدى في سبيل المجدِ والكرمِ) فأما البيت الأول فأصل (جنتيك) جنيت لك، أي تناولت لك، فحذف الجار توسعًا، ومثله {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ} و {تَبْغُونَهَا عِوَجًا} و {?وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل}. أي: كالوا لهم، ووزنوا لهم، وتبغون لها، وقدرنا له. والأكمؤ جمع كمء كأفلس جمع فلس، والكمؤ واحدة الكماة، على العكس من باب تمر وتمرة. هذا قول منتجع بن نبهان وعكس ذلك أبو خيرة، فتحاكما إلى العجاج، فقضى لمنتجع. و (العَساقل) ضَرْبٌ من الكمأةِ أيضًا، وأصلُها عساقيل، لأن واحدها عُسْقُول كعُصْفُور، فحذف المدة للضرورة، كما زادها في الصيارف من قال: [البسيط].

(تنفي يداها الحصى في كل هاجرةٍ ... نفىَ الدارهيمِ تِنقادُ الصياريف) فأما الدراهيم فقد يكون جمع دِرْهام. و (بنات أوبر) كمأة صغار على لون التراب، يضرب بها المثل في الرداءة وقلة الخير، فيقال: إن بني فلان بنات أوبر، أي يظن بهم خير فلا يوجد، وهو علم جنس ممنوع الصرف /73/ للعلمية والوزن، كابن آوى، فالألف واللام فيه زائدة، إذ لا يجتمع تعريف العلمية وأل، هذا قول سيبويه والأصمعي، وعليه بني الناظم والشارح. وزعم المبرد أنه اسم جنس بمنزلة ابن لبون، فهو مصروف، وأل فيه للتعريف، ويرده أنه لم يسمع بالألف واللام إلا في الشعر، وقول الآخر: [البسيط]. (ومن جنى الأرض ما تأتي الرِّعاءُ به ... من ابن أوْبَرٍ والمقرود والنِّقعة) وهذه الثلاثة أنواع من الكمأة، فمنعه من الصرف، وأيضًا فليس من نظم

الكلام أن يأتي بأحدها نكرة وبالآخر معرفة مع تمكنه من أن يقول: من ابن الأوبر، بالنقل. زعم ابن خروف أن (أل) في بنات الأوبر للمح الصفة مثلها في الحسن، لأن أوبر صفة في الأصل. ويردّه ما قدمناه من أنّ ذلك لم يستعمل في النثر. وأما البيت الثاني فإنه لرجل جاهلي مجهول الاسم، وأورده الجوهري في بابي الهمزة والراء هكذا، وذكره الزجاجي في كتاب اللامات، وعبد الدائم القيرواني في حُلى العُلى: فأبدلا (لا تزال كأنها)، مكان قوله: (ما برأت تخالها) ومحل الشاهد قوله: وبالنَّسْر، فإنه علم على الصنم، ووضع بغير ألف ولام، ولكنها زيدت هنا للضرورة، وأما بمنزلة ألا في التنبيه والاستفتاح، ويغلب عليها أن تُردفَ بالقسم كهذا البيت، وكقوله: [الطويل]. (أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمرهُ الأمرُ)

أو بما يجاب به القسم، كقولهم: أما إن جزاك الله خيرًا. ومار الشيء يمور مورًا فهو مائر، إذا اضطرب وجاء وذهب، ومنه {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا}، و (تخالها) تحسبها، وقنه الشيء: أعلاه، والعُزَّى: في الأصل: تأنيث أعز، ثم نقل بالألف واللام إلى سمرة كانت غطفان تعبدها، وبعث /74/ عليه الصلاة والسلام إليها خالد بن الوليد فقطعها، فخرجت منها شيطانةٌ واضعةٌ يدها على رأسها، ناشرةً شعرها، داعيةً بثبورها، فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها، وهو يقول: [الرجز]. (يا عَزَّ كفرانك لا سبحانك ... إني رأيتُ الله قد أهانَكِ) وقال عليه الصلاة والسلام: «تلك العزّى لن تعبد أبدًا». والنَّسْر: في الأصل اسم الطائر المعروف، ثم نقله قوم نوح عليه السلام لصنم صنعوه على هيئة النسر وعبدوه، ثم انتقل منهم إلى العرب، فكان لذي الكلاع بأرض حمير، وكان يغوث لمذحج، بذال معجمة وحاء مهملة مكسورة ثم جيم. ويعوق: لهَمْدان بميم ساكنة ودال مهملة، وقيل:

إن هذه أسماء قوم صالحين من أولاد آدم عليه السلام، ماتوا، فقال الشيطان لمن بعدهم لو صوّرتموهم فكنتم تنظرون إليهم، ففعلوا، فلما مات أولئك قال لمن بعدهم: إنهم كانوا يعبدونهم، ففعلوا. أقسم هذا الشاعر بالدماء التي تذبح للأصنام، وذلك أنه كان لهم أحجار تُسمَّى الأنصاب، يذبحون عليها الذبائح، ويشرحون اللحم، ويتقربون بذلك لأصنامهم، وهي اللحوم التي حرم الله سبحانه بقوله عز وجل: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}، ونظيره قول النابغة: [البسيط]. (فلا العمرُ الذي مسّحتُ كعبتَهُ ... وما أريقَ على الأنصابِ من جسدِ) و (تخالها) تحسبها، و (عَنْدَما) مفعول ثانٍ، وهو دم الأخوين، و (على قُنَّةِ العُزى) حال من المفعول الأول فيتعلق بمحذوف، أي تحسبها في حالة كونها على رأس العُزَّى عَنْدَما، وذلك لأنهم كان يُصيبون الصنم بذلك الدم. وأما من روى (لا تزال كأنها) فكان الظاهر أن يرفع (عَنْدَما) خبرًا لكأن، فقد يكون نصب بها الجزأين، كقول الآخر: [الرجز].

(كأنّ أُذْنَيه إذا تشوفا ... قادمةً أو قلمًا محرَّفا) ويروى هذا البيت /75/ أيضًا: تخال أذنيه، فلا يكون فيه شاهد. وفي انتصاب الخبر في باب إن أقوال، ثالثها الجواز في ثلاثة منها: ليت ولعل وكأنّ، ورابعها الجواز في (ليت) خاصةً. وحيث قيل بمنع ذلك في (كأن) فيجوز أن يُقَدَّر خبر لكأن ناصب لعندم، أي كأنها تُرى عَنْدَمًا، كما قدّر في قراءة علي رضي الله عنه: {وَنَحْنُ عُصْبَة} بالنصب، وأن يجعل (عَنْدَمًا) خبر تزال، وخبر كأن محذوف، واعترض بها وبمعمولها بين زال وخبرها، أي لا تزال مثل عندم كأنها كذلك، وبعد هذا البيت: (وما سبّحَ الرهبانُ في كلّ بِيعةٍ ... أبيلٍ إلا بيلينَ المسيح بن مريما) (لقد ذاق منا عامرٌ يومَ لَعْلَعٍ ... حُسامًا إذا ما هزَّ بالكفّ صممّا) وما مصدرية، وهي وصلتها عطف على دماء، أقسم بالدماء المذكورة، وتسبيح الرهبان، وبيعة بكسر أولها كجمعها، وهو متعبد النصارى، وأبيل، بفتح

الهمزة وبالباء الموحدة المكسورة ثم آخر الحروف: الراهب، قال عدي بن زيد: (بأبيل كلما صلى جأر) وهو فارسي معرب، فمعنى أبيل الابيلين: راهب الرهبان، أي أفضلهم، وكانوا يطلقون ذلك على المسيح، والأصل: الابيلين، بياء النسب فحذف، كما قالوا الأشعرين والأعجمين. والمسيح: عطف بيان، والبيت الثالث جواب القسم، وأما البيت الثالث فإنه لراشد بن شهاب اليشكري، ورواه المفضل الضبي: (لمّا عرفتَ جِلادَنا رضيتَ ... وطِبْتَ النفسَ يا بكرُ عن عَمْرِو) وكذا أنشده ابن السيد في شرح شعر المعري: ومعناه واضح بخلاف ما أنشده الشارح، وبعده:

مسألة [44] إذا غلب اسم بالألف واللام على بعض من هوله لم يجز نزعها منه إلا في نداء

(رأيت دماءً أشعلتُها رماحنا ... شابيب مثل الأرجوان على النَحْرِ) ووجه الشاهد: أن النفس تمييز محوَّلٌ عن فاعل (طِبت)، والتمييز واجب التنكير، فالألف واللام زائدة لا مُعرِّفة. وزعم الكوفيون وابن عصفور: أن (ألْ) في البيت للتعريف، فأما الكوفيون فأعربوه تمييزًا، لأن التمييز عندهم يكون معرفة، وأما ابن عصفور مشبهًا بالمفعول به، قال: وذلك جائز مع الفعل قليلاً، كما جاء في الحديث: إن امرأة كانت تهرق الدماء، قال: فالنفس هنا كـ"نفسًا" في رواية الكسائي: خذه مطيوبةً به نفسٌ. إذ التمييز لا ينوب عن الفاعل. وأما البيت الرابع، فالحميد حال لا خبر، لأن دام تامة، لأنها لم تسبق بما الظرفية، والحال كالتمييز في وجوب التنكير، وزعم يونس أن الحال جائزة التعريف، فعلى قول أل للتعريف. مسألة [44] إذا غلب اسم بالألف واللام على بعض من هوله لم يجز نزعها منه إلا في نداء، نحو: يا نابغة، يا أخطل. أو إضافة، نحو: نابغة بني ذبيان.

وقوله: [الوافر]. (1) (ألا أبلغ بني خلف رسولاً ... أحقًا أن أخطلكم هجاني) أو في ضرورة: [الطويل]. (2) (إذا دبرانا يومًا لِقَيتهُ ... أؤمل أنّ ألقاك غَدْوًا بأسْعَدِ) فأما البيت الأول فإنه للنابغة الجعدي رضي الله عنه من كلمة يهجو فيها الأخطل النصراني حين هجاه بنو خلف رهط الأخطل، وهم من تغلب. و (رسولاً) حال الفاعل، أو اسم للمصدر بمعنى الرسالة، مثلها في قوله: [الطويل]. (لقد كذب الواشون ما بُحَتُ عندهم ... بليلى ولا أرسلتهم برسول) فيكون مفعولاً ثانيًا، ولو منع مانع مجيء رسول بمعنى الرسالة محتجًا بأنهم لم يستندوا في ذلك إلا إلى هذا البيت، وهو محتمل للوصفية على أنه حال لم يُحسن، لأنه يلزم منه كون الحال مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنى.

ومجيء فَعول للجماعة، وزيادة الباء في الحال، وهذه وإن كانت /77/ أمورًا ثابتة، نحو: {وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً}، ونحو: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي} ونحو قوله: [الوافر]. (فما رجَعَتْ بخائبةٍ ركابٌ ... حكيمُ بنُ المسيبِ مُنتهاها) إلا أن اجتماعنا بعيد. و (حقًا) ظرف عند سيبويه، ومصدر نائب عن فعله عند المبرد، ويشهد لسيبويه تصريحهم بفي معه، قال: [الطويل]. (أفي الحق أني مغرمٌ بك هائمَّ ... وإنك لا خل لديكِ ولا خَمْرُ) فإن وصلتها على قول سيبويه فاعل، أما بـ (ثبت) محذوفًا، أو بالظرف نفسه على الخلاف، في نحو: أعندك زيد؟ إذا أعرب فاعلاً، وأما مبتدأ خبره الظرف، وعلى قول المبّرد تتعين الفاعلية إما بالمصدر أو بالفعل قدّر في الأخطل الشياع أضافه إلى قبيلته، ليعرفه بهم، ونزع منه أل، لأنها لا تجامع الإضافة، ومن أبيات القصيدة: (فظلّ لنسوةِ النعمان منّا ... على سَفَوانَ يومٌ أرْوَنَاني) وهو مما يسأل عنه، فيقال: كيف خفض صفة المرفوع؟ فقيل إنه

بالرفع على الأقواء، وقيل: أصله أروناني، بياء النسب للمبالغة، كأحمري ودواري، ثم خُفِّف، وفي أرونان، غلطة لابن الأعرابي، فإنه اشتقه من الرُّنَّة، وهي الصوت، لأنها إنما تكون مع البلاء والشدة، وبُردّه إنه ليس في العربية أفوعال، وإنما هو من الرّونة، وهي الشدة، ونظير هذا قول ثعلب في (أسْكُفّهُ) إنها من استكفَّ أي اجتمع، وليس في العربية أُسْفُعْله، وإنما هي من سكفَ، ووزنها أُفْعُلّه، وقوله: إنَّ تَنّورًا من النار، ولو صح لكان تَنْوور كما تقول في بناء مثله من القول تقوول، وإنما هو فعول من (تَنَرَ) /78/، وهذا أصلٌ لم يستعمل إلا في هذا الحرف وبالزيادة، ومثله حوشبٌ وكوكبٌ. وأما البيت الثاني: فالدبران علم على الذي يَدْبرُ الثُّريا، وهو خمسة كواكب في الثور، ويقال: إنها شامةٌ، وحَقه أن يصدق على كل مُدْبِرٍ، ولكنه غلب على هذه الكواكب من بين ما أدبر، قال سيبويه: ولا يقال لكل شيء صار خلف شيء دبران، قال: وهذا بمنزلة العِدْل والعديل فالعديل ما عاد لك من الناس، والعدل لا يكون إلا للمتاع. انتهى. وإنما غلب بالألف واللام، ولكن الضرورة اقتضت حذفها في البيت

كما اقتضت زيادتها في الأبيات السابقة. وزعم ابن الأعرابي أن ذلك جائز قياسًا في أسماء النجوم خاصة، وحكى: هذا عيّوقٌ طالعًا. وهنا تنبيه: وهو أن انتزاع أل من العلم الذي غلب بها تارة يكون مع بقاء عمليته، كما في قولهم: هذا عيوق طالعًا، وهذا يوم اثنين مباركًا، ألا ترى إلى مجيء الحال منهما، وإن مفهومهما لم يتغير، وتارةًً مع زوال العلمية كما في هذا البيت، فإن دبرانًا فيه بمنزلة هيثم في قوله: [الرجز] (لا هَيْثَمَ الليلة للمَطيِّ) وعلى هذا فالشذوذ راجع في الحقيقة إلى تنكيره، وانتزاع أل منه بعد ذلك واجبٌ، وعلى هذا فصرفه في البيت واجبٌ لا ضرورةٌ، وانتصابه بفعل محذوف على شريطة التفسير. ومن رواة بالرفع قدّر فعل المفعول، أي: إذا لُقِيّ دبرانٌ. ومثله في الرواية بالوجهين قوله يخاطب ناقته: [الطويل]. (إذا ابن موسى بِلالاً بلغْتِهِ ... فقام بفَأسٍ بينَ وِصْلَيْك جازرُ) الوصْلان، بكسر الواو: تثنية الوصْل، واحد الأَوصال والأخفش

والكوفيون يجيزون تقدير المرفوع بعد أداة الشرط مبتدأ، وقوله: أؤمل، بهمزة بعدها واو مبدلة من همزة، وتجوز قراءته بهمزتين وإن كانا في كلمة /79/، تنزيلاً لهمزة المضارعة منزلة همزة الاستفهام، لدلالتها على معنى وهو التكلم، ولعدم لزومها، إذ تخلفها أخواتها الثلاثة. و (الغَدْو) أصل الغد، ومثله في المجيء على الأصل قوله: [الرجز] (لا تَقْلُوهَا وادلُواها دَلْوا ... إن معَ اليومِ أخاهُ غَدْوا) وهو اسم لتالي يومك، ويستعمل أيضًا للزمن المتأخر مطلقًا، ومنه: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ}، أي يوم القيامة، أو يوم الفتح، وهو ظاهر في البيت. و (أسعدُ) بضم العين: جمع سعد، وسعود النجوم وأسعدها عشرة، وهي والدبران في البيت كنايتان. والمعنى: إذا رأيت منك يومًا سيئًا أكرهه فلا أقطع رجائي منك، ولكني أؤمل حصول خيرك بعد ذلك.

شواهد باب المبتدأ والخبر

شواهد باب المبتدأ والخبر مسألة [45] المبتدأ نوعان: مفتقرٌ إلى الخبر كزيد قائم، ومستغنٍ عنه، وهو الوصف الرافع لمنفصل مغنٍ، وشرطه عند غير الأخفش من البصريين أن يعتمد على استفهام، كقوله: [البسيط]. (أقاطنٌ قومُ سلمى أم نَووا ظَعنا ... إنْ يَظعنوا فعجيبٌ عَيْشُ مَنْ قَطَنا) أو نفي، كقوله: [الطويل]. (خليليَّ ما وافٍ بعهدي أنتما ... إذا لم تكونا لي على مَنْ أقاطعُ)

وأجازه الأخفش والكوفيون بدونهما، واستدل لهم بقوله: [الطويل]. (خبيرٌ بنو لِهْبٍ فلا تكُ مُلْغيًا ... مقالةَ لهبي إذا الطيرُ مرتِ) وقول الآخر: [الوافر]. (فخيرٌ نحنُ عند الناسِ منكمُ ... إذا الداعي المثوَّبُ قالَ يا لا) فأما البيت الأول: فقاطن اسم فاعل من قطن بالمكان، أي أقام به وتوطنه، وجمعه قُطَّان وقَطينٌ، وقد جاء في بيت /80/ تنازعه فيه ثلاثة عوامل، وهو: [م. الرمل]. (علموني كيف أبكيـ ..... هم إذا خفَّ القطينُ) فأعمل فيه (خف)، ومعناه: قل واضمر في الأول على القياس، وفي الثاني على غير القياس، لأنه فصله وقوم فاعل مغنٍ عن الخبر، لأنه مع الوصف في قوة الفعل وفاعله حَسُنَ عطف الفعل وفاعله عليهما، بأم المعادلة و (عجيب) خبر مقدم لا مبتدأ، وإن كان وقوع النكرة بعد فاء الجزاء مسوِّغًا للابتداء، نحو:

(إن مضى عَيْرٌ فعير في الرباط) لأن المعنى على الإخبار عن (عيش) من أقام بعد أولئك، بأنه عيش عجيب، لا عن العكس. وأما البيت الثاني ففيه شاهد على ما ذكرنا وعلى إبطال قول الكوفيين، ومن تبعهم كابن الحاجب والسهيلي أنه يجب في نحو: أقائم أنت؟ كون أنت مبتدأ مؤخرًا وكأنَّ الزمخشري يوافقهم أيضًا، لأنه جزم في: {أَراغِبٌ أَنْتَ} بذلك، وشُبْهَتُهم أن الفعل لا يليه فاعله منفصلاً، لا يقال: قام أنت. فكذا الوصف. والجواب: أن الفعل أقوى في العمل، فلما قوي عمله امتنع فصله، وإنا أجمعنا على أن فاعل الوصف ينفصل إذا جرى على غير صاحبه، وألبس، فكما فُصِل لهذا الغرض يُفصل لغرض آخر صحيح، وهو كونه في اللفظ سادًا مسد الخبر، وهو وَاجب الفصل. ثم كيف يصنعون بهذا البيت، فإنهم إذا قدّروا الضمير فيه مبتدأ لزم الإخبار عن الاثنين بالمفرد، وأمّا استدلال بعضهم بقول الآخر: [الطويل]. (فما باسطٌ خيرًا ولا دافعٌ أذى ... من الناس إلا أنتمُ آل دارم)

فباطل، لأن الحصر يصحح الفصل في مرفوع الفعل كقوله: [السَريع]. (قد عَلِمتْ سَلْمى وجاراتُها ... ما قطرَ الفارس َ إلا أنا) فهذا لا يمنعه أحد في وصف ولا غيره، وإطلاقهم مقيد بما عدا ذلك ونحوه، وأولى ما يردّ به عليهم /81/ قوله تعالى {أَراغِبٌ أَنْتَ}، لأن الوصف قد تعلق به عن ومجرورها فلو كان خبرًا يقتضيه مذهبهم وكما ذكرهُ الزمخشري لزم الفصل بين العامل ومعموله بالأجنبي، وقد تبين بهذا أيضًا فساد قول من يجوز في الآية الوجهين اللذين في: أقائمٌ زيد. أما البيت الثالث فإنه لبعض الطائيين، وتوجيه الاستدلال به أن (خبير) لو كان خبرًا مقدمًا لزم الإخبار عن الجمع بالواحد، فلما بطل هذا تعيَّن كونه مبتدأ، و (بنو) فاعل به، ويُردّ هذا أن فعيلاً قد يأتي للجماعة، كقوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}، وقول الشاعر: [الطويل]. (نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا ... بأوجهٍ أعداءٍ وهنَّ صديقُ) وقول رؤبة: [الرجز] (رؤبةُ دَعْها فما النجوى من صديقها)

لأنه يقال: ما فلان من الناس، ولا يقال: ما هو من الرجل وقد ظفرت بذلك في لفظه خبير نفسها، قال: [الوافر]. (إذا لاقيتِ قومي فاسأليهمْ ... كفى قومًا بصاحبهم خبيرًا) وفاعل (كفى) ضمير السؤال المفهوم من سأل، و (قَومًا) مفعول، و (خبيرًا) صفة له، و (بصاحبهم) متعلق به. و (لِهب) بكسر اللام، وهي أحذق الناس بالعيافة والزجر، ولهذا وصفهم الشاعر بالخبرة، ونهى عن إلغاء قولهم إذا مرّت الطير، وقال الآخر: [الطويل]. (سألت أخا لهب ليزجر زجره ... وقد صار زجر العالمين إلى لِهبِ) وأما البيت الرابع فهو لزهير بن مسعود الضبي، و (خيرٌ) فيه مبتدأ، و (نحن) فاعل، وفيه شذوذان، أعمال الوصف غير معتمدٍ، ورفع اسم التفضيل للظاهر في غير مسألة الكحل، ولا يكون (خيرٌ) خبرًا مقدمًا لئلا يلزم الفصل بين اسم التفضيل و (من) بالأجنبي، وهو المبتدأ /82/، وقد يؤول هذا البيت على تقدير (خير) خبرًا لنحن محذوفة، وجعل (نحن) المذكورة مؤكدة للضمير المستتر في (خير) العائد على (نحن) المحذوفة، والمثوب الذي يدعو الناس يستنصر بهم دعاء يكرره، ومنه التثويب في الصبح.

مسألة [46] إذا أخبر بصفة عن اسم وهي في المعنى لغيره، ورفعت ضميره، وخشي الإلباس وجب إبراز ذلك الضمير إجماعا

قوله: (يا لا) أراد، يا لَفُلانٍ، فحكى صوت الصارخ المستغيب، وخلط اللام بيا، وجعلها كالكلمة، حتى أن الفارسي زعم أن الألف الآن يقدر انقلابها عن الواو، وعلى القياس في الألف المتوسطة المجهولة، وبعده: (ولم تَثِق العواتقُ من غَيورٍ ... بغَيْرتِه وخَلَّيْنَ الحِجالا) (العواتق) اللاتي لم يتزوجن، وتخليتهن الحجال من الفزع وعدم وثوقهن بأن آباءهن وحُماتهن يمنعونهن. مسألة [46] إذا أُخبر بصفةٍ عن اسم وهي في المعنى لغيره، ورفعت ضميره، وخُشِيَ الإلباس وجب إبراز ذلك الضمير إجماعًا. نحو: غلامُ زيد ضاربه هو، إذا كان الضارب زيدًا فإن أُمِنَ الإلباس نحو: غلامُ هند ضاربتُه. فالبصريون يلتزمون الإبراز أيضًا فيقولون: ضاربته هي، طردًا للباب، وخالفهم الكوفيون وتمسكوا على ذلك بشواهد الأول قوله: [البسيط]. (قومي ذُرَى المجد بانوها وقد علمتْ ... بكُنْهِ ذلك عدنانٌ وقحطانُ) ووجهه أنهم قدروا: (قومي وذرى) مبتدأين، و (بانوها) خبر الثاني،

والجملة خبر الأول، فأخبروا ب (بانوها) عن (الذُّرى) وإنما هو في المعنى للقوم، لأنهم البانون، والذرى مبنية، ولم يقل: بانيها هم، لأنه قد أمِنَ الإلباس وفي الشرح: أنه لو أبرز لقال: بانوها هم، وهذا سهوٌ، لأن إفراد الوصف حين الإبراز واجب إلا في لغة: أكلوني البراغيث. والجواب: إنا نمنع كون (ذرى) مبتدأ، بل مفعول لوصف حذف على /83/ شريطة التفسير، وذلك الوصف هو الخبر، وهو جارٍ على من هو له، والوصف المذكور بدلٌ منه، ونظيره قولك: زيد الخبز أكلَهُ، إن نصبت الخبز استتر الضمير، وإن رفعته أبرزت، و (الذُّرَى) بالضم جمع ذُروة بالضم أيضًا، كمُدية ومُدى، وذُروة الشيء أعلاه، ومن قال: ذِروة بالكسر فقياسه ذِرى بالكسر، مثل مِرية ومِرى، ومن قال: ذروة بالفتح فقياسهِ ذراء، كَركوة وركاء، وظَبية وظِباء، وشذّ قَرية وقُرى. و (كَنُهْ) الشيء نهايتُه، يقال: أعرفه كنه المعرفة، ولا فعل من هذه المادة، وقولهم: لا يكتنه كنه كذا، مولدٌ وصاحب الكشاف يستعمله. ويروي: بصدق ذلك، وهو أظهر. وعدنان: ابن أدّ أبو معدّ، أطلق على القبيلة المتشعبة منه، ولهذا أنت فعله في قوله: [البسيط]. (وكم أبٍ قد علا بابْنٍ ذُرَى حَسَبٍ ... كما عَلَتْ برسولِ اللهِ عدنانُ) وهو المراد في بيت الشاهد، وقحطان أبو اليمن.

الشاهد الثاني: [الطويل]. (وإنّ أمرًا أسرى إليك ودونَهُ ... من الأرضِ مَوْماةٌ ويبداءُ سَمْلَقُ) (لمحقوقةٌ أن تستجيبي لصوتِهِ ... وأن تعلمي أنَّ المُعافَ مُوفَّقُ) وهذا الشعر للأعشى، ووجه الشاهد أن (محقوقة) خبر عن اسم أن، وهو في المعنى للمرأة المخاطبة ولم يقل (لمحقوقة أنت) بل ترك الضمير مستترًا. والجواب: أن (محقوقة) ليست مسندة إلى ضمير المرأة البتة، بل إلى (أن تستجيبي) أي: لمحقوقة استجابتك، والتأنيث للاستجابة لا للمرأة، حتى أنه لو قال: لمحقوق، بالتذكير لكان جائزًا في الكلام، لأن تأنيث الاستجابة غير حقيقي. و (الموماة) الأرض التي ليس فيها ماء، والبهماء التي لا طريق بها، و (السملق) المستوية. الشاهد الثالث /84/، وقوله: [الكامل]. (إن الذي لهواكِ آسف رَهْطَهُ ... لجديرةٌ أن تصطفيهِ خليلا) (آسف) اغضب، ومنه {فَلَمَّا آسَفُونَا}، وتأوله بعضهم على أن (جديرة) خبر لمحذوف، آي: لأنت جديرة، والجملة خبر لأن، وفيه تكلف.

الشاهد الرابع، قوله: [الوافر]. (ترى ارباقَهُمْ متقلديها ... إذا حمي الحديدُ على الكُماةِ) وذلك أن (متقلديها) مفعول ثانٍ، فإن كانت (ترى) علمية فهو خبر في الأصل، وحالٌ إن كانت بصرية، والخبر والحال والنعت سواء في هذا الحكم. و (متقلديها) جارٍ في اللفظ على الارباق، وهو لأصحابها. ولم يقل: متقلدها هم. وقد أجيب بأن أصلَهُ: ترى أصحاب أرباقهم، ثم حذف المضاف، فمتقلديها جارٍ على الأصحاب لا الارباق. و (الارباق) جمع رِبْق بالكسر: حبل فيه عُرى تشدّ فيه صغار الضأن، وكل من تلك العرى يسمى ربقة. و (الكمُاة) جمع الكمي، وهو الشجاع المتكمي في سلاحه، لأنه كَمىَّ نفسه أي سترها بالدرع والبيضة. يهجوهم بأن شهودَ الحرب ليس من شأنِهم، وأن الشجعان إذا حمي عليهم لباس الحرب كانوا مشغولين برعي صِغار الضأن، ولهذا قال يتمدَّح: [الرجز]. (قد لفها الليل بسوّاقٍ حطم ... ليس براعي إبل ولا غنم) ومما استدل به الكوفيون أيضًا قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ لَهَا خَاضِعِينَ}.

وحكاية الفراء: كل ذي عين ناظرة إليك، برفع ناظرة على الخبرية، وحكاية غيره: يدك بالخير باسطها. وأجيب عن الآية بأن الأصل: فظلوا، ثم أُقحمت الأعناق لبيان محل/85/ الخضوع، ثم ترك الكلام على أصله، وبأنّ الأصل (خاضعةٌ)، ولكنْ لما وصفت بالخضوع، وهو من شأن العقلاء، قيل: خاضعين، كـ {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}، وبأن المراد بالأعناق الرؤساء، كما يقال لهم: الرؤوس والنواصي والصدور، بأن المراد الجماعات، لأنه يقال: جاءنا عنق من الناس، أي فوج منهم، وعن الحكايتين بأن التقدير: إلحاظ كل ذي عين، وأنت باسطها، فحذف المضاف من الأول، والمبتدأ من الثاني. واعلم أن إيراد جماعة من النحويين الآية الكريمة، والحكاية على البصريين لخصوصيتهم سهوٌ، بل تأويلهما لازم لأهل البلدين جميعًا، لأن الخبر المشتق لم يرجع منه فيهما ضميرٌ للمخبر عنه في الظاهر إلا بالتأويل. وأما الحكاية الأخيرة فيتأتى إيرادها، لأن مع الخبر ضميرين بارزًا يرجع للمبتدأ، ومستترًا يرجع للمخاطب، فكان حقّه أن يبرزه فيقول: باسطها أنت.

مسألة [47] قد يخبر باسم الزمان عن الجثة إذا كان اسم الجثة على حذف مضاف

مسألة [47] قد يخبر باسم الزمان عن الجُثَّة إذا كان اسم الجُثَّة على حذف مضاف، كقولهم: اليوم خمرٌ، أي: شرب خمر، والليلة الهلال، أي ظهوره أو رؤيته وقوله: [الرجز]. (أكلَّ عام نَعَمٌ تَحْوُونَهُ ... يُلْقِحُهُ قَوْمٌ وتَنْتَجونَهُ) وهذا الرجز لبعض صبيان العرب يخاطب به من أغار على إبل لقومه، وبعده: (أربابه نوكى فلا يحمونه ... ولا يُلاقون طِعانًا دونَهُ) (أنعم الأبناء تحسبونه ... هيهاتَ هيهاتَ لما ترجونَهُ) الهمزة للاستفهام الإنكاري، و (كل) ظرف زمان خبر مقدمٌ، و (نَعَمٌ) مبتدأ مؤخر، وتقدير: نهب نعم، أو: إحراز نعم والأحسن أن يكون (نَعَمٌ) فاعلاً بالظرف لاعتماده، فلا مبتدأ ولا خبر، ومع هذا فلابد من التقدير أيضًا، لأنه لأجل /86/ المعنى لا لأجل المبتدأ، إذ الذي يحكم له بالاستقرار هو الأفعال لا الذوات. وأكثر ما يطلق (النعم) على الإبل، ويطلق أيضًا على ما ينطلق عليه الأنعام، وهو الإبل والبقر والغنم، ومنه: {فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}، وهو مذكر بدليل (يحكم به) في الآية، و (تحوونه) في البيت وما بعده في الأبيات، ويجوز تأنيثه.

مسألة [48] يجب تأخير ما حصر من مبتدأ

ويقال: ألقح الفحل الناقة، والريح السحاب، ونتج أهل النوق نوقهم، بفتحتين، ينتجونها، بكسر العين، ونتجت هي، بضم أوله وكسر ثانيه، وأنوك نوكى كأحمق حمقى وزنًا ومعنى. ومن النوادر ما حكاه ابن خالويه في كتاب "ليس" من أن رجلاً قال للآخر: أنت أنوك، فقال: أنت انيك وأنيك فحقق نوكه بذلك. مسألة [48] يجب تأخير ما حصر من مبتدأ، نحو: إنما في الدار زيدٌ، وما في الدار إلا زيدٌ، أو خبرًا نحو: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ}، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُول}. وقد يقدم الخبر المحصور بإلا في الشعر كقوله: [الطويل]. (فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى ... عليهم وهل إلا عليك المعول) وهذا البيت للكميت والاستفهام فيه أولاً وثانيًا مراد به. و (النصر يرتجى) جملة اسمية و (بك) متعلق ب (يرتجى)، وقد للضرورة، وليس محل الاستشهاد، ولأنه ليس الخبر، نعم قد يقال: إن

مسألة [49] قد يبتدأ بالنكرة في غير المسائل المذكورة في الخلاصة

تقديم معمول الخبر إذا كان ذلك المعمول محصورًا يستلزم جواز تقديم الخبر إذا كان محصورًا، فيكون دليلاً بهذه الطريق، و (عليهم) تبين وهو متعلق في المعنى بالنصر، ولكن الصناعة تأباه، إذ لا يخبر عن المصدر قبل تمامه بمعموله، لئلا يلزم الفصل بالأجنبي، و (المعول) مبتدأ مؤخر، و (عليك) خبر مقدم، وهو محل الاستشهاد صريحًا، وليس لك هنا /87/ أن تجيز في المعمول الفاعلية، وإن كان الظرف معتمدًا، لأن الظرف على هذا التقدير في محل لأنه خلف عن الفعل، وكما لا يجوز: ما إلا قام زيد، كذلك لا يجوز: ما إلا في الدار زيدٌ. مسألة [49] قد يبتدأ بالنكرة في غير المسائل المذكورة في الخلاصة، كقوله: [المتقارب] (فيومٌ علينا ويوم لنا ... ويومٌ نُساءُ ويومٌ نُسَرُّ) وقوله: [الطويل]. (سَرَيْنا ونَجْمٌ قَدْ أضاءَ فَمْذْ بدا ... محيّاك أخْفَى ضوءهُ كل شارق)

فأما البيت الأول فإنه للنمرين تولب العكلي رضي الله عنه، وفيه الابتداء بالنكرة أربع مرات، ولم يذكر الناظم ولا الشارح ضابطًا لذلك. وضابطه أن تستعمل النكرة في التقسيم، وفيه أيضًا حذف رابط الجملة ... المخبر بها، إذ الأصل: نساء فيه ونسر فيه. ثم اختلف: فعن سيبويه أن الجار والمجرور حذفا دفعة، وعن الأخفش أنه حذف الجار، فانتصب الضمير، واتصل بالفعل، كما في قوله: في ساعة يحبها الطعام. إذ الأصل: يُحَبُّ فيها، ثم حذف الضمير كما حذف في قوله تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا}. وفي أمالي ابن الشجري: أن الأول قول الكسائي، وأنه أقيس، وأن الثاني قول نحوي آخر، وأن أكثر أهل العربية منهم سيبويه والأخفش يجوزن الأمرين جميعًا. انتهى.

وهو غريب، ويأتي الخلاف في نظائر ذلك، نحو قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ ... الآية]، و {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}. ولا يجوز نصب اليومين الأولين لعدم الناصب، ولا يحسن نصب الأخيرين. وروى ابن الأعرابي نصبهما، وهو ضعيفٌ، لأن الكلام الأول في تقسيم الأيام لا في تقسيم الأحوال والأفعال، وإن كان كل من المعنيين لازمًا عن الآخر، ولكن انتظام الكلام مطلوب، وروى ابن الأعرابي نصبهما، وهو ضعيف. وقبله: [المتقارب]. (سلام الآله وريحانُهُ ... ورحمتُه وسماءٌ دِرَرْ) (غمامٌ يُنَزِلُ رزقَ العبادِ ... فأحيا البلاد وطاب الشّجَرْ) (أرى الناس قد أحدثوا شيمةً ... وفي كُلِّ حادثةٍ يُؤْتَمَرْ) (يُهينُون مَنْ حَقَروا شَيْئَه ... وإن كانَ فيهم يفيء أو يُبَدر) (ويعجُبَهم مَنْ رأوا عِنْدَهْ ... سَوَامًا وإنْ كان فيه الغَمَرْ) (ألا يا لذا الناس لو يَعْملونَ ... للخَيْرِ خَيْرٌ وللشرِ شرّث) (دِرَرَ) جمع درة، مثل عِدّة وعِدَد، أي تَدُرُّ بالمطردِرَّة بعد أخرى، و (رَيْحانُه) رزقه، و (غَمامٌ) بدل من (سماءٌ) و (شيمة) خُلُقًا. يقول: صاروا يأتمرون في كل حقٍ، كصلة الرحم، وقِرى الضيف بالتركِ له لا يُمضونَه على ما كان يكون، فمِما أحدثوا إهانة من قلَّ ماله وإنْ كان بَرًا

وفيًا. و (الغَمَر) بفتحتين وبالمعجمة: الدنس أي الخلق المكروه. واللام في البيت الأخير بالكسر، أي يا قوم لهذا الناس لو كان للناس علمٌ لوضعوا بإزاء كل شيء ما يناسبه. ويروى: لا الخير خير ولا الشر شر، أي إن الأوضاع تغيرت، وهو راجع لمعنى الرواية الأخرى. وأما البيت الثاني: فقوله (سَرَيْنا) من السُّرى، وربّما صحف بشربنا من الشرب، والواو من قوله (ونجم) واو الحال، وهي ضابط جواز الابتداء بالنكرة في هذا النوع. وفي الحديث: «دخل وبُرْمَةٌ على النار»، ويحتمل أن منه {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} أو أن المسوغ التفصيل، إذ المعنى: طائفة غشيتهم وطائفة لم يغشَهُمْ، أو صفة مقدرة، أي: وطائفة من غيركم، ويحتمل أن الجمل الثلاث بعده صفاتٌ والخبر محذوف، أي: ومنكم طائفة هذه صفتهم، أو أن الجملة الأولى صفة، والثالثة خبر، والثانية /89/ إما خبرٌ أول، أو صفة ثانية. تنبيه: ليس الشرط في مسألة الحال وقوع النكرة بعد الواو كما صرحوا به بدليل قول الحماسي: [البسيط]. (تركت ضاني تود الذئبَ راعيها ... وأنها لا تراني آخر الأبدِ) (الذئب يطرُقُها في الدهر واحدةَ ... وكل يومٍ تَراني مُدْيَةٌ بيدي)

مسألة [50] الصفة المقدرة في تسويغ الابتداء بالنكرة كالصفة المذكورة

فيمن يروي (مُدْيَةٌ) بالرفع، وأما من نصبها فهي مفعول لمحذوف، أي حاملاً أو آخذًا، أو بدلٌ من الياء، وهو ضعيف. مسألة [50] الصفة المقدرة في تسويغ الابتداء بالنكرة كالصفة المذكورة نحو: السَّمنُ مَنَوان بدرهم، أي منه، ونحو: (وطائفة) في الآية على أحد الأوجه، وقوله: [البسيط]. (إني لأكثرُ مما سُمْتَني عجبًا ... يد تَشجُّ وأخرى منك تأسوني) أي: يد منك، ويجوز أن يكون المسوغ التفصيل، وقوله: (سمْتَني) بفتح التاء، يقال: سامه كذا، أي أنزله به، وأسَوْتُ الجُرْحَ، بالقصر آسُوه، بالمد. وقبله: (قل للذي لستُ أدري من تَلِّونهِ ... أناصحٌ أم على غش يُداجيني) وبعده: (تغتابُني عند أقوامٍ وتَمُدَحني ... في آخرين فكُلُّ عنك يأتيني) مسألة [51] يجب تأخير الخبر إذا استوى الجزءان تعريفًا وتنكيرًا إلا إن عينت

القرينةُ ابتدائية أحدِهما كقوله [الطويل]. (بنونا بنو أبنائنا وبناتُنا ... بَنُوهُنَّ أبناءُ الرجالِ الأباعدِ) أصله: بنو أبنائنا مثل بنينا، فقدّم وأخر وترك كلمة مثل للعلم بقصد التشبيه، وبأن المراد تشبيه أبناء الأبناء بالأبناء لا العكس. وقد يقال: أن هذا البيت لا تقديم فيه ولا تأخير، وأنه جاء على عكس التشبيه للمبالغة، كقول ذي الرمة: /90/ [الطويل]. (ورَمْلٍ كأوراكِ العذارى قَطَعْته ... إذا جللته المظلمات الحنادس) فكان ينبغي للشارح أن يستدل بما أنشده والده في شرح التسهيل في قوله: [البسيط]. (قبيلة الأمُ الأحياءِ أكرمها ... وأغدرُ الناس بالجيرانِ وافيها) إذ المراد الأخبار عن أكرمها بأنه ألام الأحياء، وعن وافيها بأنه أغدر

الناس لا العكس، وفيه شاهدان، وهذا البيت لحسان رضي الله عنه، وقبله: (أبلغ هوازن أعلاها وأسفلَها ... أنْ لَسْتُ هاجيَها إلا بما فيها) وبعده: (وشرّ من يحضر الأمصار حاضرهم ... شر باديةِ الأعرابِ باديها) (تَبْلَى عِظامُهم إما هٌمٌ دُفِنوا ... تحت التراب ولا تَبلى مَخازيها) وفي الأول من هذين البيتين شاهدان أيضًا على ذلك، وأنشد الناظم أيضًا: [الكامل]. (جانيكَ مَنْ يَجني عليكَ وقَدْ ... يُعدِي الصحاحَ مباركَ الجُرْبُ) (جانبك) خبر و (من) مبتدأ، ومعناه: أن الذي تعود جنايته عليك من العاقلة هو الذي يُكسبك، و (الصحاح) مفعول، و (مبارك) تمييز عن الفاعل، و (الجُرب) فاعل (تُعدِي)، والمعنى: وقد تعدى الإبل الجُرْبُ الإبل التي صحّت مباركها. وزعموا أن من خفض (الجرب) مخطئ، وذكر بعضهم أن ذلك رواية. وهذا عندي جيد، ويكون الشاعر أقوى في بيت آخر في القصيدة

مسألة [52] إذا لابس المبتدأ ضميرا عائدا على بعض الخبر لزم تقدم الخبر

سنورده والمعنى على ذلك حسن. والشعر لذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم، وهو أول من أطال الشعر بعد مهلهل، وقبله: (يا كَعْبُ إنَّ أخاكَ مُنْحَمِقٌ ... فاشدُدْ إزارَ أخيك يا كَعْبُ) وبعده: (والحربُ قد يُضْطَرُ جانيها ... نحو المضيق ودونَهُ الرَّحْبُ) (ولرُبَّ مأخوذٍ بذنب عشيرةٍ ... ونجا المقارفُ صاحبُ الذنبِ) ورأيت في أخبار السليك أنه وفد على الحجاج، فقال: يا أيها الأمير عَصَى عاصٍ من عشيرتي فهُدِمَ منزلي، وحُرِمْتًُ عطائي، فقال: ألم تسمع /91/ إلى قول الشاعر: (جانيك ......... البيت) فقال: يا أيها الأمير إنما قال الله تعالى: {أَنْ نَاخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُْ}. فأمر أن يعاد منزله، وأن يصرف إليه عطاؤه، وأن يُنادَى: صدق الله وكذِبَ الشاعر. مسألة [52] إذا لابس المبتدأ ضميرًا عائدًا على بعض الخبر لزم تقدم الخبر،

نحو: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه»، على التمرة مثلها زيدًا، وقوله: [الطويل]. (أهابك إجلالاً وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها) وهذا البيت لنصيب الذي قال فيه عمر رضي الله عنه: نصيب أشعر أهل جلدته. ومعناه: أهابك لا لاقتدارك علي، ولكن إعظامًا لقدرك، لأن العين تمتلئ بمن تحبه، فتحصُل المهابة. و (إجلالاً) مفعول لأجله، و (مِلء) خبر، و (حبيب) مبتدأ، وإنما يتم هذا الاستشهاد على ما هو المشهور من أنه إذا اجتمعت نكرة ومعرفة كانت المعرفة هي المبتدأ مطلقًا. وأما على ما يراه سيبويه من أن النكرة إذا كانت مقدمة، وكان لها مسوغ كانت هي المبتدأ فلا. ولهذا قال في: كم جريبًا أرضك؟ بأن (كم)

مسألة [53] يجوز حذف المبتدأ لدليل

مبتدأ. وبقوله قال أبو الفتح في البيت، فأعرب (ملء) مبتدأ و (حبيب) خبرًا. وبعده: (وما هجرتْكِ النفسُ أنكِ عندها ... قليلٌ ولكن قل منك نصيبُها) مسألة [53] يجوز حذف المبتدأ لدليل كقوله: [الطويل]. (أضاءتْ لهم أحسابُهم ووجوههم ... دُجَى الليل حتى نظَّم الجَزْع ثاقبهُ) (نجومُ سماءٍ كل ما انقضَّ كوكبٌ ... بد كوكبٌ تأوى إليه كواكبهُ) أي هم نجوم، وهذا الشعر لأبي الطحان، بفتحتين، واسمه حنظلة /92/ جاهلي معمر من بَلْقَين، وقبل البيتين: (وأني من القوم الذين همُ همُ .... إذا مات منهم سَيدٌ قام صاحبُه) وبعدهما: (وما زال حيث كانوا مُسَودٌ .... تسير المنايا حيث سارتْ ركائبُهْ)

كذا روى جماعة منهم المرزباني، وأورد أبو تمام في حماسته: (إذا قيل أيُّ الناس خيرٌ قبيلة ... وأصبرُ يومًا لا تُوارَى كواكُبه) (فإن بني لام ابن عمروٍ أرومةٌ ... سَمَتْ فوق صَعِبٍ لا تُنال مَراقبُه) (أضاءت لهم .... البيت) ولم يَزدْ عليهن. وقوله (أضاءت ........ البيت) قيل: أمدح بيت قيل في الجاهلية، وقيل: أكذب بيت. ويقال: ضاءت النار. غير متعد، وأضاءت، وأضاءها الله. ويحتمل في البيت التعدي والقصور، (فدجى) مفعول أو ظرف. و (الأحساب) جمع حَسَب، بفتحتين، ما تحسبه من مفاخرك. و (دجى) جمع دُجية: ظلمة الليل. و (الجَزْع) بالفتح: الخَرَز اليماني الذي فيه سَوَادٌ وبياضٌ. وقوله: (حتى نظم) زعم المرزوقي أن المعنى: حتى نظم ثاقبُ حَسَبهم الجزع لثاقب الجزع، أي حتى مكنه من أن ينظمه، فالهاء على هذا للإحساب على حد قوله: [الراجز]. (مثل الفراخ تنقبت حواصله)

و (الثاقب) المضيء من قولهم: نجم ثاقب، أي يثقب الظلام بضوئه. والظاهر أن الهاء للجزع، وأن الثاقب من ثقب الدر بالمثقب، وأن (نظم) بمعنى نظم بالتخفيف، ولكن شدد للتكثير والمبالغة في الوصف بالإضاءة، وفيه جعل المعقول كالمحسوس، وعدل عن ناظمه إلى ثاقبه، ليشير إلى حصولهما. ولام (لهم) لتأكيد إضافة الإحساب والوجوه إليهم، والمعنى: أضاءت أنوار أحسابهم وأنوار وجوههم ظلمات الليل، أو في ظلماته حتى نظم الجَزْعَ في السلكِ /93/ مَنْ يثقبه، وهذا تمثيل، ثم شبههم بالنجوم في الرفعة والاشتهار، وتزين الدنيا بهم، واهتداء أهلها بهم، والهاء في (كواكبه) للكوكب أو للسماء على حَدِّ السماء منفطرٌ به. وانقض النجم: هوى للمغيب. و (نجومُ سماءٍ) تشبيهٌ بليغٍ لا استعارة على الأصح، لأن المشبه المطوى ذكرُه صالح لأن يذكر بخلاف قولك: رأيت أسدًا. و (كل) ظرف ل (بدا)، وما مصدرية نائبة هي وصلتها عن الزمان، ووصفهم بصلاحية، كل منهم للاقتداء به، فكلما مات منهم واحد خلفه آخر، وانقاد إليه الباقون.

مسألة [54] يجوز حذف الخبر لدليل

مسألة [54] يجوز حذف الخبر لدليل كقوله: [المنسرح]. (نحن بما عندنا وأنتَ بما ... عندك راضٍ والرأيُ مختلفُ) أي: نحن راضون بما عندنا. والبيت لقيس بن الخطيم، بالخاء المعجمة المفتوحة والطاء المهملة المكسورة، وفيه شذوذ، لأنه حذف من الأول لدلالة الثاني. وتحيّل ابن كيسان لإزالة ذلك، فقدّر (نحن) للواحد المعظم نفسه، و (راضٍ) خبرًا عنه، والمحذوف خبر أنت، وفيه نظرٌ، لأن الإخبار بالمفرد عن (نحن) ممتنع، وإنْ كان للواحد. مسألة [55] إذا أُخبر بمصدر مُبْدلٍ من اللفظ بفعله وجب حذف المبتدأ كقوله: [الطويل].

(فقالت حَنانٌ ما أتى بك ها هُنَا ... أذو نَسَبٍ أم أنتَ بالحي عارفُ) أي: أمري حنانٌ عليك، أي رحمة لك، والأصل: اتحننُ عليك تحننًا. وقد نطق الحطيئة بهذا الفعل فقال يخاطب عمر رضي الله عنه: [الخفيف]. (تحننْ على هداك المليك فإن لكل مقام مقالا) ثم حُذف الفعل وزوائد المصدر، فصار حنانًا، كما قال الله تعالى: {وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا}، وأنيب المصدر عن الفعل، ثم رفع، ليفيدَ الكلامُ ثبوتَ التحنُّن، وإنما رَحِمَتْه خشية عليه من قومها، ثم سألته عن عِلة مجيئه، هل هو /94/ لنسب بينه وبين قومها، أو لمعرفة بينه وبينهم كقوله: [الرجز]. (شكى إليّ جملي طولَ السُّرَى ... صَبْرٌ جميلٌ فكلانا مُبْتَلَى) والأصل في هذا أيضًا: أصبر، ثم صبرًا، ثم صبرٌ، بتقدير: شأنك

مسألة [56]

صبرٌ، ويُروى (صبرًا) بالنصب، و (قليلاً) بدل (جميلاً) وبين هذين البيتين أبيات أوردها العسكري في جمهرة الأمثال وغيره. (يشكو إليّ جملي طول السرى ... يا جملي ليس إليّ المشتكى) (الدرهمان كلفاني ما ترى ... شد الجواليق وجَذْبًا بالبُرَى) (صبرًا قليلاً فكلانا مُبْتَلَى مسألة [56] ذكر الفارسي أنهم التزموا حذف المبتدأ في قولهم: في ذمتي لأفعلن، يريدون: في ذمتي يمين، قال: [الطويل]. (تُساور سوارًا إلى المجدِ والعُلَى ... وفي ذِمتي لئن فَعَلْتَ ليفعلا) وهذا البيت لليلي الأخيلية من شعر تهجو فيه النابعة الجعدي، وتفضل عليه سوار ابن أوفى القشيري، وذلك لأن النابغة كان قد هجاها بقصيدة أولها: (ألا حييا ليلى وقولا لها هَلا ... فقد ركبَتْ أمرًا أغرَّ محجَّلا) وأول شعرها: (أنابغَ لم تَنْبَغ ولم تَكُ أولا) و (تُساور) بضم التاء وإهمال السين، والمساورة المواثبة والمغالبة.

مسألة [57]

وفي نسخ من الشرح: تَسَور سَوارٌ وهو تحريف. وألف (ليفعلا) مُبْدَلَةٌ من النون الخفيفة، والجملة جواب القسم. مسألة [57] من ذكر الخبر بعد لولا قول الزبير: [الطويل]. (ولولا بنوها حولها لخبطتها) وقول المعري: [الوافر]. (يذيبُ الرعبُ منه كل عَضبٍ ... فلولا الغمد يمسكه لسالا) فأما البيت الأول فوقع محرفًا في شرحي الكافية والخلاصة، والصواب فيه (لخبطتُها) من الخبط لا من الخِطْبة، لأن تمامه: (/95/ كخَبْطةِ عُصْفورٍ ولَمْ أتلعْثَمِ) والزبير هو ابن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي ناصره، وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، ويلتقي معه في قُصي، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر فيهم الخلافة، وأخبر أنه عليه السلام تُوفي وهو عنهم راضٍ. قتل بوادي السباع بناحية البصرة سنة ست وثلاثين، وقد نَيفَ عن الستين بستٍ أو سبعٍ أو أربع. والضمير في (بنوها)

لزوجته أسماء بنت الصديق رضي الله عنهم أجمعين، وهي ذات النطاقين، وكان الزبير ضرابًا للنساء، وكانت أسماء رابعة أربع نسوة عنده، فإذا غضب على إحداهن ضربها بعود المشجب حتى يكسره، وكان أولاد أسماء يحولون بينه وبين ضربها ولاسيما ولدها عبد الله. ويقال: خبطتُ الشجرةَ، إذا ضربتَها بالعصا، ليسقط ورقها، و (تلعثم) في الأمر: تمكث وتأنى. والشاهد في قوله: (حَوْلَها). وأما البيت الثاني فإنه في صفة السيف، ومعناه: أن سيف هذا الممدوح تهابه السيوف، كما أن هذا الممدوح تهابه الرجال، حتى أن السيوف يذوب حديدها، فلولا أن أَغمادها تمسكُها لسالت، ومنه متعلق بالرعب، ومفعول (يُذيب)، والخبر قوله (يمسكه) وليس ذكر هذا البيت للاستشهاد، بل للتمثيل، لأن المعَرّى لا يحتج بشعره، وقد لحنه في هذا البيت القائلون بوجوب حذف بعد لولا مطلقًا. ويمكن تخريجه على غير الخبر، وهو أن يكون الأصل: أنْ يمسكَه، وتكون أن وصلتها بدل اشتمال من (الغمد)، ثم حُذِفَ (أن) ورُفِعَ الفعلًُ. وأما تخريج بعضهم له على أنه حال والخبر محذوف، أي لولا الغمد موجود ممسكًا له، فمردود بما ذكره الأخفش من /96/ أنهم لا يذكرون الحال بعد لولا كما يذكرون الخبر.

مسألة [58] يجب حذف الخبر إذا كان المبتدأ قد عطف عليه اسم بواو هي نص في المعية

أما حكاية بعضهم: لولا رأسك مدهونًا، فشاذة لا يعول عليها، والبيت من القصيدة التي أولها: (أعَنْ وَخْدِ القلاصَ كَشْفْتِ حالاً ... ومن عند الظلامِ طَلَبْتِ مَالا) (ودُرًا خِلْتِ أنْجمه عليه ... فهلا خِلْتِهِنَّ بِهِ ذُبالا) (وقُلْتِ الشمسُ بالبيداءِ تِبْرٌ ... ومثلكِ من تخيل ثم خالا) (وفي ذَوْبِ اللُجَينِ طمعْتِ لمّا ... رأيتِ سرابهَا يَغْشَى الرِّمالا) والاستفهام إنكاري والتاءات مكسورة، لأنه يخاطب نفسه، أي أتكشفين حال مسير النوق السريع بسؤالك عنه. وتطلبين مالاً من عند الظلام، أي ليس ينبغي لكم ذلك، وذلك أنها حثته على سُرى الليل، وتأويب النهار، طلبًا للغنى، وظنًا أن نجوم الليل در، وإن شمس النهار تبر، وإن لمعان السرب ذوب الفضة، والذبال: جمع ذبالة، وهي الفتيلة، أي: هلا ظننت النجوم فتلا فائدتها الإضاءة. وللبيت الثالث حكاية لطيفة أوردها إن شاء الله تعالى في باب ظَنَّ. مسألة [58] يجب حذف الخبر إذا كان المبتدأ قد عُطِفَ عليه اسم بواو هي نصّ في المعيّة، نحو: كلُّ رجل وضيعته، أي حرفته وصناعته، وسميت بذلك، لأنه يضيعُ بتضييعه إياها، وكل عمل وجزاؤه. وكل ثوب وقيمته، أي مقرونان. فإن قلت: زيد وعمرو مجتمعان، كنت في الحذف والإثبات بالخيار، لأن الواو ليست نصًا في المعية، ومن ذكره قوله: [الطويل].

مسألة [59] منع الفراء وقوع الجملة الحالية السادة مسد خبر المبتدأ فعلية

(تمنوا لي الموتَ الذي يَشْعَبُ الفَتَى ... كل امرئ والموتُ يلتقيان) يقال: شَعَبَه، بالتخفيف، إذا فرقه، وفي الحديث: «ما هذه الفتيا التي /97/ شعبت بها الناس» ومنه قيل للمنية: شَعُوب، وهو بفتح الشين. وهذا البيت في معناه نظير قول الشافعي رضي الله عنه: [الطويل]. (تمنى رجالٌ أن أموت فإن أَمُتْ ... فتلك سبيلٌ لستُ فيها بأَوْحَدِ) مسألة [59] منع الفراء وقوع الجملة الحالية السادة مسد خبر المبتدأ فعليةً، نحو: ضربي زيدًا يقوم. ويرده قولهم: سَمْعُ أذني زيدًا يقول كذا. وبصر عَيْني فلانًا كذا. وقوله: [الرجز].

مسألة [60] المبتدأ نوعان، أحدهما أن يكون متعددا مخبرا عن أجزائه، فيجب في خبره أمران: التعدد والعطف بالواو

(ورأيُ عيني الفتى أباكا ... يُعطي الجزيل فعليك ذاكا) الرأي: مصدر مشترك بين الاعتقاد، كقولك: هذا رأي أبي حنيفة، والرؤية، كقوله سبحانه: {رَايَ الْعَيْنِ}، وكهذا البيت. و (رأيُ) مبتدأ، و (عيني) مضاف إليه في محلّ رفع، و (الفتى) مفعول، و (أباك) عطف بيان، و (يُعطي) جملة حالية، و (عليك) اسم فعل بمعنى إلزَمْ، و (ذاك) مفعوله. والمعنى: رؤية عيني أباك حصلَتْ إذ كان يُعطي العطاءَ الجزيلَ، فإلزم طريقته. مسألة [60] المبتدأ نوعان، أحدهما أن يكون متعددًا مُخْبَرًا عن أجزائه، فيجب في خبره أمران: التعدد والعَطْفُ بالواو، نحو: أخواك فقيهٌ وكاتبٌ. وهذا ليس تعددًا في الحقيقة، بل الكلام في قوة مبتدأين لكل منهما خبر، وشاهده قوله: [المتقارب]. (يداك يدٌ خَيْرُها يُرْتَجَى ... وأُخرى لأعدائها غائظة) ومن هذا قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ... الآية}.

وقول الشاعر: [البسيط]. (والمرءُ ساع لأمرٍ ليس يُدركه ... والعَيْشُ شُحُّ وإشفاقٌ وتأميلُ) لأن الحياة والعيش متعددان في المعنى، وإن كانا مفردين في اللفظ والنوع. الثاني: أن يكون متعددًا مُخْبَرًا عن جملته أو غير متعدد، /98/ فيجوز بالإجماع أنْ يُخْبَرَ عنهما بخبرين، أو إخبار في معنى خَبَرٍ واحد من غير عطف، نحو قولك: هذا الرمان حلو حامض، إذا أردت أن كُلاً من أفراده فيه حلاوة وحموضة. وهذه الرمّانةُ حلوة حامضة، ومعنى ذلك: مُزّ ومُزَّةٌ، ومثله قولهم: فلان أعسرُ يَسَرُ، وهو الذي يعمل بيساره كما يعمل بيمينه، وبعض العرب يقول: أعسرُ أيسرُ، بالألف فيهما، والأول أفصح. ويجمع الخبرين قولك: أضبط، والأُنثى ضَبْطاء، ولا يقال: عسرًا ولا يسرًا، حكى ذلك كله أبو عمرو الزاهد في شرح الفصيح عن ابن الأعرابي. ولا يَسُوغُ العطف في هذا النوع من الأخبار، كما لا يسوغ في أجزاء الكلمة الواحدة، وعن أبي علي إجازته احتجاجًا بقوله: [المتقارب]. (لقيمُ بنُ لُقْمان من أُخته ... فكانَ ابنَ أختٍ وإبنمَا)

وإن لم يكن الخبران أو الأخبار في معنى خبر واحد جاز بالإجماع التعدد في اللفظ على وجهين، أحدهما: أن يكون بالعطف، نحو: زيد شاعر وكاتب. والزيدون شعراء وكُتاب، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ}. والثاني: أن يكون بغير العطف، لا على أنها أخبارٌ تعددت بالحقيقة، بل على أن تقدر لغير الخبر الأول مبتدآت محذوفة. وهل يجوز على وجه ثالث، وهو قصد التعدد الحقيقي، وهو أن تكون محمولة على مخبر عنه، وأحد كما هو ظاهر اللفظ فيه خلاف، والمختار عند الناظم وابنه الجواز فعلى هذا الخلاف في التأويل لا في التركيب، ومن أدلة التركيب قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ. ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ. فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}، وقول الشاعر: [الطويل]. (ينامُ بإحدى مُقْلَتَيْهِ وَيَتقي ... بأُخْرَى الأعادي فهو يَقْظَانُ هاجعُ) /99/ وقول الراجز: (مَنْ كانَ ذا بَت فهذا بَتّى ... مُضَيَّفٌ مقيظٌ مُشَتي).

وقد اشتملت هذه المسألة على خمسة أبيات، فأما البيت الأول ففيه الوصف بالكرم والشجاعة، وقلما يفترقان وقال لي بعض العصريين: كان هذا مما حرّفه الناس، ولعل الشاعر إنما قال: غائضة، بالضاد، أي: منتقصة، وإنه من باب المقابلة، خيرها يرتجى دالُّ على أنها تعطي الزيادة. فقلت: بقية القوافي تأبى ذلك، فإن بعده: (فأما التي خيرها يرتجى ... فأجودُ جَودًا من اللافظهُ) (وأما التي شرها يُتَّقَى ... فنفس العدو بها فائظه) و (اللافظه) البحر، والهاء فيه للمبالغة، مثلها في رواية، وفي المثل: "أسمح من لافظه"، وذلك لأنه يلفظ بالعبر والجوهر، قالأ: (تَجُودُ فَتُجْزِلُ قبل السؤالِ ... وكَفكَ أسمحُ من لافظهْ) وقوله: (أجود جودًا) من باب قولهم: جدّ جِدُّه، إذ التمييز التالي لأفعل التفضيل لابد أن يكون فاعلاً في المعنى. وقوله: (فائظه) بمنزلة تابعه أو قائمه، فإنه يقال: فاظت نفسه تفيظ فيظًا، وفاظت تفوظ فوظًا، والثانية نادرة. وفي قوله: (فنفس العدو بها فائظة) رَدٌّ على أبي عمرو بن العلاء، إذ زعم أنه إنما يقال: فاظ الرجل، كما قال رؤبة: [الرجز].

(لا يدفنون منهمُ مَنْ فَاظا) ولا يقال: فاظتْ نفسه. وعلى من قال: إنما يقال: فِعْلُ النفس، بالضاد. وبعضهم يخصّ الضاد بلغة تميم، واتفقوا في: فاظ الرجل أنه بالظاء. وحكى أبو محمد ابن حزم أنّ الوزير أبا الحسن المُصحَفي كتبَ إلى صاحب الشُّرطة أبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي /100/ اللغوي كتابًا فيه: فاضت نفسه، بالضاد، فكتب له معرِّضًا: (قل للوزيرِ السنّي مَحتدِهُ ... لي ذِمّةٌ منك أنتَ حافظُها) (إنْ لم تحافِظْ عصابةً نُسِبَتْ ... إليك قِدمًا فمَنْ يُحافظُها) (لا تَدَعًا حاجتي مطرحةً ... فإن نفسي قد فاظ فائظُها)

فأجابه: (خَفْضْ قليلاً فأنت أوحدُها ... عِلْمًا ونقابُها وحافظُها) (كيف تضيعُ العلومُ في بلدٍ ... أبناؤها كلهُمْ تُحافظُها) (ألفاظهم كلها معطلةٌ ... ما لم يعوّل عليك لافظها) (وقد أتتني- فُدِيتَ- شاغلةٌ ... للنفس إن قلتُ فاظ فائظها) (فأوضحنَهْا تَفُز بنادرةٍ ... قد بَهَظَ الأولين باهظُها) (الباهظ) المعجز. فأجابه وضمن شعره الشاهد على ذلك: (أتاني كتابٌ من كريم مكرمٍ ... فنفّس عن نفسٍ تكادُ تفيظُ) (فسرَّ جميع الأولياء وروده ... وسِئ رجالٌ آخرون وغيظوا) (لقد حَفِظ العهدَ الذي قَدْ أضاعَهُ ... لدي سِواهُ والكريمُ حفيظُ) (وباحثٍ عن فاظتْ وقبلُ أفادَها ... رجالٌ لديهم في العلوم حُظوظُ) (رواه ابنُ كيسانٍ وسَهْلٌ وأنشدا ... مقال أبي الفياض وهو يفيظُ) (وسُميت غياظًا ولستّ بغائظٍ ... عدوًا ولكنَّ الصديقَ تَغِيظُ) (فلا حَفِظَ الرحمنُ روحَكَ حيّةً ... ولا وهي في الأرواحِ حين تفيظُ) نقلت هذه الحكاية من كتاب: مرج البحرين فوائد المشرقين/ 101 / والمغربين، لابن دِحْية ذي النسبين، واختصرت منها أبياتًا.

وأما البيت الثاني فإنه لَعبْدةَ بن الطبيب من كلمة أولها: (هَلْ حَبلُ خولةَ بعد الهجرِ موصولُ ... أم أنت عنها بَعيدُ الدارِ مشغولُ) (وللأحبةِ أيامٌ تذكرها ... وللنَّوى قَبْلَ يومِ البينِ تأويلُ) (إن التي ضَرَبَتَ بيتَا مُهاجرةَ ... بِكوفِة الجُندِ غَالتْ وُدِّها غُولُ) (فَعَدِّ عنها ولا تشغلْك عن عَمَلٍ ... إن الصبابةَ بعدَ الشَّيْبِ تَضْليلُ) ومنها: (لما وَردنا رَفَعْنا ظِلَّ أَخْبيةٍ ... وفارَ باللحم للقَوْمِ المراجيلُ) (ثمت قمنا إلى جُردٍ مسوّمةٍ ... أعرافهُن لأيدينا مناديلُ) ومنها: نرجو فواضلَ رَبَّ سَيْبَه دِيَمٌ ... وكُلُّ خَيْرٍ لَدَيْهِ فهو مأمولُ) (رب حبانا بأموالٍ مُخَوَّلةٍ ... وكُل شيءٍ حواهُ المرءُ تَخْويلُ) (والمرء ساع ........ البيت) وكان عمر رضي الله عنهُ تُعجبه القسْمة التي فيه، والتي في قول زهير: [الوافر]. (فإنَّ الحقَّ مَقْطَعَهُ ثلاثٌ ... يَمينٌ أو نِفارٌ أو جَلاءُ)

ويقول: لو أدركته لوليته القضاء، لمعرفته به. ومن بديع أبيات التقسيم قول نُصَيْب: [الطويل]. (فقال فريقُ القوم لا، وفريقُهُم ... نَعَمْ وفريقٌ لَيُمْنَ الله ما نَدْرِي) فإنه استوفى أقسام ما يقع به الجواب. ومعنى: (ضربتْ بيتًا) بنتْهُ وسكنته، و (هل) استفهام تلهف وتحسُّر، و (أم) للإضراب، وأصل (تذكّرها) أي تذكيرك الأحبة. ويروي بثلاث فتحات وضم الراء، أي: تتذكرها. و (للنوى تأويلٌ) أي علاماتٍ تُبيّنُ لك أنه سيقع. يقول: إن التي نزلت بالأمصار مهاجرةٌ للإعراب ذهب بودِّها ذاهبٌ، فانصرِف /102/ عنها، ولا تشتغل بها عن ضَيعتِكَ، وأضاف الكوفة إلى الجند لمقامهم فيها، و (المراجيل) جمع مرجل: وهو القدر من النحاس، والياء إشباع مثلها في الصياريف، و (الجرد) الخيل القصار الشعر، و (المسومة) المعلمة، وعن عبد الملك أنه قال لجلسائه: أي المناديل أفضل؟ فوقعوا في أنواع المناديل يُعَدّدونها، فقال: أفضلها التي ذكرها امرؤ القيس: [الطويل]. (تَمَشُّ بأعرافِ الجيادِ أكفنا ... إذا نحنُ قُمْنا عنِ شواءٍ مُضَهّبِ)

يقال: مششتُ يدي، بفتح الشين المعجمة، أي مسحتها بشي لِتُنظِّفَها، و (المضهب) بالضاد المعجمة، المشوى الذي لم يبالغ في نُضجِه، ومثله في المعنى بيت عبدةَ بن الطبيب هذا. و (السَّيْبُ) العطاء. وفي البيت دليل على دخول الفاء في خبر (كل) المضافة لنكرة موصوفة بالظرف، و (مُخَوَّلة) مملكة لنا. ومعنى بيت الشاهد: أنَّ الإنسان لا يزال حليف البخل بما معه، والخوف من أن لا يعود عليه مثله وتأميل ما لا يدركه. وأما البيت الثالث: فإنه للنمر بن تولب من كلمة أولها: (سَلا تذكره تكتما ... وكان رهينًا بها مُغْرمًا) (وأقصرَ عنها وآياتُها ... يذكَرنَهُ داءَهُ الأَقدما) (فأُوصى الفتى بابتناءِ العَلاءِ ... وأنْ لا يخونَ ولا يأثما) (ويَلْبَسَ للدهر إجلالهُ ... فلن يبتنى الناسُ ما هَدما) (/103/ وإنْ أنتَ لاقيتّ في نَجْدَةٍ ... فلا تَتَهيّبْك أن تُقْدما) (فإن المنِيةَ مَنْ يَخشَها ... فسوف تصادفُهُ أيْنَما) (ولَنْ تتخطاك أسبابُها .. فإن قُصاراك أن تَهْرَمَا) (ولو أن من حتفهِ ناجيًا ... لألفيتَه الصدَعَ الأعْصَما) (باسِبيل ألقَتْ به أُمهْ ... على رأس ذي حُبُكٍ أيهما) (إذا شاءَ طالعَ مَسجورةً ... ترى حولَها النبعَ والسأسما) (تكون لأعدائه مَجْهَلاً ... مضلاً وكانَتْ له مَعْلَما)

(سقَتْها رواعدُ مِن صَيِّفٍ ... وإنْ مِنْ خَريفٍ فلَنْ تَعْدما) (أتاحَ له الدهرُ ذا وَفْضَةِ ... يُقلِّبَ فِي كفِّهِ أسْهُما) (فأرسلَ سَهْمًا على غِرُّةٍ ... وما كانَ يَرْهَبُ أَنْ يُكْلمَا) (فأدركهُ ما أتى تُبّعًا ... وأبْرَهَةَ المَلِكَ الأَعْظَما) (لُقَيْمُ .... البيت) (لياليَ حُمِّق فاسْتَحْصَنَتْ ... إليه فَغُرَّ بها مُظْلَما) (فأحْبَلَها رجلٌ نابِهٌ ... فجاءتْ به رجلاً مُحْكما) وتركت منها أبياتًا. (تكتم) مثنى التاءين مضموم أولاهما، علم لامرأة، و (الآيات) الآثار والعلامات. ومعنى عجز البيت الرابع: إنه إذا ضيَّع مجده لم يبنه له الناس. و (النجدة) القتال. ومعنى (لا تتهيبك) لا تتهيبها، فقلب الكلام. ومثله بيت ابن مقبل: [البسيط]. (ولا تهيّيبْني الْموماةُ أركبُها ... إذا تجاوبتِ الأصداءُ بالسَّحَرِ) و (قصاراك) غايتك. و (الصَّدَع) /104/ مهمل الحروف مفتوحها، الوعل الذي بين الجسيم والضئيل، وأيضًا الوسط من كل شيء،

يقال: فرس صَدَع ورجل صَدَع. و (العُصْمة) بياض في يده. و (إسبيل) بوزن قنديل، بلد، قال: لا أرض إلا إسبيل وكل أرض تضليل. و (أيهم) بالياء آخر الحروف، ولا يهتدي لطريقه. و (مسجورة) بالجيم، مملوءة. و (السأسم) بالهمزة وفتح المهملتين، الأَبنوس. و (أعداء الوعل) الناس. و (مَجْهَل) بفتح ثالثه، و (مضل) بكسره، وميماهما مفتوحتان. و (مَعلَم) بفتح الميم واللام، أي هي مَجْهل لأعدائه ومعلمٌ له. وقوله: سقته ... البيت، يأتي شرحه إن شاء الله تعالى في باب العطف. و (أتاح) قدر. و (الوفضة) والكِنانة والجفير: ظرف السهام و (أبْرهة) ملك الحبش، و (تُبَّع) ملك اليمن. ولبيت الشاهد حكاية: وهي أن أخت لُقمان بن عادٍ، كانت تحت رجل ضعيف أحمق، فولدت له فأحمقَتْ، فأحبّت أن يكون لها ولد كأخيها، فرغبت إلى امرأة أخيها أن تتركها تنام في مرقدها، ليقع عليها، فعسى أن تلد ولدًا نجيبًا، فأجابتْها، وأسكرتاهُ، وضاجعته فغشيها فأتت منه بولد، فسمَّته لُقَيْمًا، وكان من أحزم الناس، ولذلك يقول النمر: (فكان ابن أختٍ له وابنما) وكل من هذين الخبرين مستقل بمعناه كما في قولك: زيد صديقي وابن عمي، وليس من: حلو حامض.

و (حُمِّق) غُيِّبَ عقله بالسكر، والمفضل يرويه حَمَّق بفتحتين، وزعم أنه يقال: حمَّق إذا شرِب الخمرَ، والخمر يقال لها: الحُمُق، ولهذا قال أكثم ابن صيفي: لا تجالسوا السفهاء على الحُمُق. و (اسْتَحْصَنَتْ) كما تأتي المرأة الحَصَان زَوْجَها. وأما البيت الرابع فإنه لحميد، وهو في صفة الذئب /105/، تَزْعَمَ العربَ أنه ينام بعين ويحرسُ بأُخرى. وقال الرشيد للمفضَّل الضَّبيّ: ما أحسن ما قيل في الذئب ولك هذا الخاتم؟ فأنشده، فقال: ما ألقى هذا على لسانك إلا لذهاب الخاتم، فاشترته منه أم جعفر بألف وست مئة دينار، وأرسلت به إليه، وقالت: كنت أراك معجبًا به، فقال للمفضل: خذه وخذ الدنانير، فما كنا لنرجع فيما وهبنا. وقبله: (ترى طرفيهِ يَعْسلان كلاهما ... كما اهتزَّ عود النبعةِ المتتابعُ) وأما البيت الخامس، فالبتُّ بلفظ البتِّ الذي هو القطع: كساء غليظ من وبر وصوف، وقيل: طيلسان من خز وصوف، وجمعه بتوت، وبائعه بتات وبتي، وكذا صانعه. و (المقيّظ) بالظاء المشالة، من القيظ: شدة الحر. وفي البيت أشكال، لأن كون ذلك البت بته لا يتسبب عن كون غيره ذا بَت، فكيف صحّ الشرط والجزاء؟.

والجواب: أن المعنى: من كان ذات بت فأنا مثله، لأنّ هذا البتّ بتّي، فحذف المسبب وأناب عنه السبب. أو المعنى: فلا يفخر عليّ فإني ذوبَت مثله. وبعده: (تَخِذْتُهُ من نعجات سِتِّ ... سُود نِعاج من نعاجِ الدَّشتِ) والدشت، بمهملة فمعجمة: الصحراء، فارسي معرب.

شواهد باب كان وأخواتها

شواهد باب كان وأخواتها مسألة [61] اختلف في (ليس)، فقال الجزولي: هي للنفي مطلقًا، وقال الجمهور: هي لنفي الحال. قال الزمخشري في المفصل: فلا تقول: ليس قائمًا غدًا. وقال الشلوبين، وتبعه الناظم وابنه: وهو الصواب، إذا لم يكن للخبر زمن مخصوص تقيَّد نفيها بالحال، كما يحمل عليه الإيجاب المطلق. وإن كان له زمن مخصوص تقيّد نفيها به فمما

نَفَتْ /106/ فيه الماضي قولهم: ليس خلقّ الله مثلهُ. وعلى ذلك أجاز سيبويه: ما زيد ضربته. بالرفع، على أن تكون ما حجازية، ولو لم يصح لليس نفي الماضي لم يَجُزْ ذلك في (ما) المحمولة عليها. ومما نفت فيه المستقبل قوله تعالى: {أَلا يَوْمَ يَاتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ}، {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ}. وقول الشاعر: [البسيط]. (إني على العَهْدِ لستُ أَنقُضُهُ ... ما أخضرَّ في رأسِ نخلةٍ سَعَفُ) [الطويل]. (وما مثلهُ فيهم ولا كان قبلَهُ ... وليسَ يكون الدهرَ مادامَ يَذْبُلُ) أي: ما مثل هذا الممدوح في هذا العصر، ولا كان فيما مضى، ولا يكون فيما يأتي. وكان ويكون ودام تامات بمعنى وجد ويوجد وبقي. واسم ليس ضمير شان. و (الدهْرَ) نَصْبٌ على الظرف. و (يَذْبُل) بالياء آخر الحروف فذال معجمة فباء موحدة: جبل معروف.

والممدوح الزبير بن العوام رضي الله عنه. والشاعر أبو المنذر حسان ابن ثابت بن المنذر بن حزام، وكل من هؤلاء الأربعة عاش مئة وعشرين سنة، وكان عمر حسان نصفين، ستين في الجاهلية وستين في الإسلام، ومثله حكيم بن حزام، وكان حسان وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة يهجون المشركين ويذبّون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسّانُ أشعرهم، توفي سنة أربع وخمسين بالمدينة. وقال آخر يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الطويل]. (له نافلاتٌ ما يُغِبُّ نوالُها ... وليس عطاءُ اليوم مانعَه غدا) تقول: أغبَّني الشيءُ إذا أتاك غِبًّا، ونسب الناظم هذا البيت في نسخة من شرح التسهيل للنابغة الجعدي، وفي نسخة أخرى للأعشى الباهلي.

ونقل أبو حيان هذا الثاني عنه، وأقره عليه وكلاهما خطأ /107/، وإنما هو للأعشى الكبير أعشى بني قيس بن ثعلبة، وهو المعروف بصناجة العرب. قصده عليه السلام ليسلم وامتدحه بالقصيدة التي منها هذا البيت، فلما كان قريبًا من مكة اعترضه بعض المشركين فسألوه عما أقدمه، فأخبرهم، فقالوا: إنه يحرم الزنا يا أبا بصير، فقال: والله مالي فيه من أرب، فقالوا: إنه يحرّم الخمر، فقال: أمّا هذه ففي النفس منها علالات وإني ذاهبٌ، فمترو منها عامي هذا، ثم آتيه، فانصرف فمات من عامه كافرًا والقصيد: [الطويل]. (ألم تغتمِضْ عيناك ليلةَ أرْمَدا ... وبت كما باتَ السَّليمَ مُسَهدا) (وما ذاك من عشقِ النساء وإنما ... تنَاسيْتَ قبل اليوم خُلةَ مَهْددا) (ولكن أرى الدهر الذي هو خائنٌ ... إذا أصلَحَتْ كِفّاهُ عادَ فأفسدا) (شبابٌ وشَيْبٌ وافتقارٌ وثَرْوَةٌ ... فللهِ هذا الدهرُ كيف تَرددا) (ومازلتُ أبغي المال مُذْ أنا يافعٌ ... وليدًا وكَهْلاً حين شِبْتُ وأََمْردا) (ألا أيها ذا السائلي أينَ يممتْ ... فإن لها في أهلِ يَثْرِبَ مَوْعِدا) (وآليتُ لا أرثي لها مِنْ كَلالةِ ... ولا من خَفى حتى تُلاقي محمدا) (متى ما تُناخي عندنا ابن هاشم ... تُراحى وتَلقَى من فواضلهِ ندى) (نبي يَرَى ما لا يَروْنَ وذِكْرُهُ ... أغارَ لعَمْري في البلادِ وأَنْجَدَا) (له نافلات ............ البيت)

ويروى: له صدقات ما تُغِبُّ ونائلٌ. (أجِدكَ لم تَسْمَعْ وصاةَ محمدٍ ... نبي الإلهِ حينَ أوصىَ وأشهدا) ) إذا أنتَ لم تَرْحَلْ بزادِ من التُّقى ... ولاقيتَ بعدَ الموتِ مَنْ قد تزوَّدا) (نَدِمْتَ على أن لا تكون كمثلهِ .... وإنك ترصد لما كانَ أرْصِدا) (فإياك والميتاتِ لا تَقْرَبنّها ... ولا تأخذًا سَهْمَا حَديدَا لتَفْصِدا) (وَسبِّحْ على حين العشيات والضُّحَى ... ولا تَعْبِدِ الشيّطانَ والله فَاعبدا) (ولا تسخَرا من بَائسٍ ذي ضرارةٍ ... ولا تحسبَنَّ المالَ للمرءِ مُخْلِدا) وتركت منها أبياتًا. وانتصاب قوله (أرمدا) على المصدر، أي: اغتماض ليلة رجل أرمد. كذا قال النحويون. ويُروى: (ليلك أرمدا) فأرمد حال. وفي كتاب "مأدبة الأدباء" أنه يروي: ليلة ارمُدا، بضم الميم، وأنه اسم. والسليم: اللديغ. و (مَهْدَد) علم امرأة. وفي قوله: (مذ أنا يافع) إضافة (مذ) إلى الجملة الاسمية، وهو قليل. وفي قوله: (وأمردا) دليل على أن الواو لا توجب الترتيب. وإسكان الياء في (تلاقي) ضرورة، أو الياء للمخاطبة، والأصل: تُلاقين، فيكون التفاتًا إلى الخطاب. والكاف في (كمثله) زائدة، مثل في {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}

مسألة [62] إنما تستعمل زال وأخواتها ناقصة بعد نفي أو نهي أو دعاء

مسألة [62] إنما تستعمل زال وأخواتها ناقصة بعد نفي أو نهي أو دعاء، فشاهد النفي قوله: [الخفيف]. (ليس ينفك ذا غِنى واعتزازٍ ... كل ذي عِفَّةِ مُقِل قَنوعِ) تنازع ليس وينفك في قوله: (كلُّ ذي عِفَّةٍ)، والأرجح أعمال الثاني لقربه، وليتخلص به من فصل العامل من معموله بجملة، وهو مخلص هنا من تقدم خبر ليس على اسمها، ومن ترجيح الجامد على المتصرف. ويترجح عند الكوفي إعمال الأول لسبقه، وليتخلص به من الإضمار قبل الذكر، ولك أن تقول: لا تنازع بينهما، إمّا على أن في ليس ضمير الشأن، أو على أنها مهملة، حملاً على ما، والوجهان مذكوران في قولهم: ليس خلق الله مثله، وقول الشاعر: [البسيط]. (هي الشفاء لدائي لو ظفرتُ بها ... وليسّ منها شِفاءُ النفسِ مَبْذولُ) وليس لك تقدير ضمير الشأن في (ينفك)، لأن خبره مفرد و"مقل وقنوع" صفتان لذي. وشاهد النهيُ قوله: [الخفيف] /109/. (صاحِ شَمِّرْ ولا تَزَلْ ذاكرَ المو .... تِ فنسيانُهُ ضلالٌ مُبينُ) وشاهد الدعاء قوله: [الطويل]

(ولا زالَ مُنْهَلاً بجرعائك القَطْرُ) وقبله: (ألا يا اسلمي يا دارَمي على البِلَى) والمعنى: ألا يا هذه سلمك الله على أنك قد بَليتِ، وتغيّرتِ. فحذف المنادي، ولا يحسن تقدير (يا) هنا للتنبيه، لدخول (ألا) عليها. و (الجرعاء) أرض لينة لا يبلغ ترابها أن يكون رملاً. وقال أبو عمرو: هو رمل مستوٍ، والمنهل السائل. وقد عيب عليه عجز البيت، وقيل: أراد أن يدعو لها، فدعا عليها بالخراب، وقُدِّمَ عليه بيت طرقة: [الكامل]. (فسقى ديارَكِ غيرَ مُفْسدِها ... صَوْبُ الربيعِ وَدِيْمَةُ تَهْمِي) والجواب: أنه قدم الاحتراس بقوله: (أسلمي)، وأنه إذا قيل: لم يزل فلان يؤذن، فمعناه في أوقات الاحتياج إلى ذلك. وعن إبراهيم الموصلي، قال: عملت لحنًا مطربًا، فلم أجد شعرًا يناسبه، فأتاني في النوم شيخ أشوة الخلق، فقال: أين أنت عن بيت ذي الرمة:

مسألة [63] قد يكون النافي مقدرا

(ألا يا أسلمى ....... ثم غناه بذلك اللحن حتى انتبهْتُ وأنا أتقنه. ومن أبيات هذه القصيدة: (لها بَشَرٌ مثلُ الحريرِ ومنطقٌ ... رخيم الحواشي لا هراءٌ ولا نَزْرُ) (وعينان قال الله كونا فكاتنا ... فَعولين بالألباب ما تفعل الخمرُ) (ووجْهٌ له دِيباجةٌ عربيةٌ ... به تُكْشَفُ البَلْوى ويُسْتَنْزَلُ القَطْرُ) (البشر) جمع بشرة، وهو ما ولي الثياب من الجسد، و (الرخيم) الناعم اللين. و (الهراء والهذر) بالذال المعجمة: الكثير والمعنى: كونا فعولين فكانتا كذلك، فحذف خبر الثاني، ويروى: فعولان. وفي مجالس النحويين: أن الأصمعي حدّث أن عَنْبَسة النحوي قال: قلتُ لذي الرُّمة هلا /110 قُلْتُ فَعولان، أي عينان فعولان، فقال ذو الرمة: لو قلت سبحان الله، الحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر لكان خيرًا لك، إنك أردتَ القَدَر. والبيت الثالث غير مشهور ولست على ثقة منه. مسألة [63] قد يكون النافي مقدرًا، كقوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي لا تزال ذاكرًا له.

مسألة [64] ما تصرف من كان وأخواتها فحكمه حكمها

وقوله: [مجزؤ الكامل] (تنفكُّ تسمَعُ ما حَييتَ بها لكِ حتى تكونَه) أي: لا تزال تسمع مات فلان حتى تكون الهالك، والخطاب لغير مُعين، مثله في النثر: يشر مال البخيل بحادث أو وارث. و (تسمع) خبر، والباء وحتى متعلقان به، و (ما) ظرف له، والهاء من (تكونه) راجعة للهالك، باعتبار لفظه دون معناه، لأن السامع غير المسموع. ومثله، مسألة التنازع: ظنني وظننتُ زيدًا قائمًا إياه. وقد غمض هذا المعنى على ابن الطراوة، فمنع المسألة وخالف الأئمة. وبعده: (والمرء قد يَرجو الرجاء مُغَيبًا والموتُ دونَه) وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه كثيرًا ما يتمثلُ بهما. مسألة [64] ما تصرف من كان وأخواتها فحكمه حكمها، كقوله: [الطويل]. (ببَذْلٍ وحِلْم سادَ في قومهِ الفتى ... وكونُك إيّاهُ عليكَ يَسيرُ) وقوله: [الطويل].

(وما كلُّ مَنْ يُبْدي البَشاشةَ كائنًا ... أخاك إذا لم تُلْفهِ لَكَ مُنْجِدا) وقوله: [الطويل]. (قضَى اللهُ يا أسماءُ أَنْ لستُ زائلاً ... أُحبُّكِ حتَّى يُغْمِضَ العَيْنَ مُغْمِضُ) فأما البيت الأول فشاهد على أعمال مصدر كان، وقوله: (ببذلٍ) متعلق بـ (ساد)، وقُدم للاختصاص أو الاهتمام، وعاد الضمير من (قومه) للفتى، مع تأخُّره لفظًا، لتقدّمه رتبة، ونظيره: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى}، والكاف مرفوعةُ المحل، لأنها اسم الكون، و (إياه) الخبر، جاء منفصلاً لأنه في الأصل خبر المبتدأ، مع أن العامل ضعيف عن أنْ يتَّصلَ به مضمران، وضعفه بكونه اسمًا، فاجتمع هنا ما افترق في قوله: [الطويل]. (لئن كان إيّاهُ لقد حال بَعْدَنا ... عن العهد والإنسان قد يتغير) وفي قولك: عجبت من ضربك إياه، ولو وصل لكان ذلك أضعف منه في قوله: [الوافر]. (وَمَنْعَكِها بشيء يُستطاع) وفي البيت رد على من زعم أنَّ الكون مصدر لكان التامة، وأن المنصوب

في نحو: عجبتُ كن كونه فاضًلا، حالٌ لا خبر، إذ لا يمكن دعوى الحالية في الضمير. نعم، قد يجوز على أن يكون الأصل، وكونُك مِثْلَهُ، ثم أقيم الضمير مقام مثل، فتكون حاليّة على سبيل النهاية. كما أجاز الخليل: مررْتُ بزيد زُهيرًا، على الحالية، وبرجلٍ زُهيرٍ، على نعت النكرة. وكما قال جماعة في: (قضية ولا أبا حَسَنٍ لها). وقوله: [الرجز]. (لا هَيْثَمَ الليلةَ لِلْمَطِيِّ) إن العلمَ وقع اسمًا لـ (لا)، باقيًا على علميته، لكونه على إضمار (مثل)، وعلى ذلك خرج ابن الحاجب قولهم: فإذا هو إياها، وقال: الأصل فإذا هو موجود مثلها. وأما البيت الثاني فشاهد على أعمال اسم فاعل كان، ومثله ما جاء في الحديث: «إن هذا القرآن كائن لكم أجرًا». وفيه أيضًا أعمال ما النافية عمل ليس، وذكر السيرافي أنه لا يحفظ عليه شاهدًا شعريًا إلا بيتًا واحدًا، وقد جاءت أبيات هذا أحدها. و (البَشاشة) بفتح الفاء، مصدر (بَشِشْتُ) بكسر العين أَبشُ بفتحها، وهي طلاقة الوجه.

مسألة [65] يجوز توسط خبر ليس، خلافا لابن درستويه

وثبت صدر هذا البيت في شرح التسهيل هكذا: (وما المدّعي صِدْقَ المؤاخاةِ كائنًا) وأما البيت الثالث فشاهد على أعمال اسم فاعل (زال)، وهذا البيت أنشده ثعلبٌ في أماليه للحسن بن مُطَير الأسدي، وبعده: (أُحِبُّك بَلْوى غَيْرَ أنْ لا يَسُرُّني ... وإنْ كان بَلْوى أنني لكِ مُبْغِضُ) (فيا ليتني أقْرَضْتُ جَلْدًا صبَابةً ... وأقرضني صَبْرًا عن الشَّوْقِ مُقْرِضُ) وفيها أبيات أخر تركتها. وقد تداخل في البيت ثلاثة نواسخ، فإن قوله: (أحبك) خبرُ (زائلاً) و (زائلاً) بما اتصل به خبر ليس، وليس بما اتصل به خبر أنْ المخففة من الثقيلة، لا الناصبة، لأنها لا توصل بالجامد. مسألة [65] يجوز توسُّط خبر ليس، خلافًا لابن درستويه، ولنا قوله تعالى:

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا} في قراءة حمزة وحفص، بنصب (البرّ)، وقول الشاعر: [الطويل]. (أليسَ عظيمًا أن تُلِم مُلمِّةٌ ... وليس علينا في الخطوب مُعولُ) وقول الآخر: [الطويل]. (سَلي إنْ جَهَلْتِ الناسَ عنا وعنهم ... فليس سواءً عالمٌ وجَهولُ) وهذا البيت من قصيدة للجلاج الحارثي، وقيل للسموأل بن عادياء اليهودي. والشرط معترض بين (سلي) ومفعوله. و (سلي الناس) دليل الجواب لا نفسه على الأصح، لأن الشرط له الصدر فلا يتقدمه شيء مما في خبره، ومفعول (جهلت) محذوف، أي: سيرتَنا، وإن كان المعنى: إن كنت ذاتَ جَهْلٍ فلا مفعول، وصح الإخبار بـ (سواء) عن اثنين لأنه في الأصل مصدر (ستوى) فحذف زائدًا، ومثله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ

تُنذِرْهُمْ}، وقد أخبر به عن الجماعة في {لَيْسُوا سَوَاء}. أما قول الناظم: أنهم لم يثنوا (سواء) استغناء بتثنية (سي) فلو صحّ لم يستعملوه للاثنين، بل كانوا يأتون في موضعه بسببين، ثم ماذا يقول في استغنائهم عن جمعه، وقد سُمِعَتْ تثنيته كقوله: [الطويل]. (فيا رَب إنْ لم تقسِم الحب بيننا ... سواءين فاجعلني على حُبها جَلْدأ) والقصيد: /113/ (إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل) (وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل) (تعيرنا أنا قليل عديدنا .... فقلت لها إن الكرام قليل) (وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل) (وإنا لقوم ما نرى القتل سبه ... إذا ما رأته عامر وسلول) (يقرب حب الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول) (وما مات منا سيد حتف أنفه ... ولا طل منا حيث كان قتيل) (تسيل على حد الظبات نفوسنا ... وليس على غير السيوف تسيل) (إذا سيد منا خلا قام سيد ... قؤول لما قال الكرام فعول) (وما أخمدت نار لنا دون طارق ... ولا ذمنا في النازلين نزيل) (وأيامنا مشهورةٌ في عدونا ... لها غرر معلومة وحجول)

(أسيافنا في كل شرق ومغرب ... بها من قراع الدارعين فلول) (سلي ........... البيت) وتركت منها أبياتًا. يقول: إذ برئ عرض الإنسان من اللؤم فلا يبالي بعد ذلك. وعامر بن صعصعة من قيس عيلان، وسلول: حيُّ من عامر، وهو ابنه لصلبه. ويقال: سلول أخو عامر بن صعصعة، وهو حي منسوب إلى اللؤم. ومن ثم قال عامر بن الطفيل حين أصابته الغدة بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أغدة /114/ كغدة البعير، وموتًا في بيت سلولية». و (حتف) مصدر لمات، لأن الموت والحتف واحد، ونسب هُلْكَهُ إلى أنفه، لأن الأنف مخرج النَّفْس، وأول من قال: (مات حتف أنفه)، رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا رجحوا أن القصيدة ليست للسموأل، والذين أثبتوها رووا (في فراشه) بدل (حتف أنفه). و (طُلّ) بالضم، أُهْدِرَ فلم يُدرَك بثأره، و (ظُبَة السيف) حده ومَضْربه، و (النفوس) هنا الدماء، و (خلا) ذهب، و (أخمدت النار) سكن لهبها وبقي جمرها، فإن أطفئت البتة، قيل: هَمَدَتْ، و (الأيام) أيام الحروب، وضرب بالغرر والحجول مثلاً لشهرتها، لأن أشهر الخيل ما كان أغر محجلاً، و (الحجال) جمع حجل، بكسر فسكون، وهو القيد شُبِّه به بياض التحجيل لأنه يحل في اليد والرجل محل القيد، و (الدارعون) لابسو الدروع، و (الفلول) التكسُّر وأحدها: فل.

مسألة [66] يجوز توسط خبر (دام) خلافا لابن معط

مسألة [66] يجوز توسط خبر (دام) خلافًا لابن معطٍ، ورد عليه الناظم بثلاثة شواهد، الأول قوله: [البسيط]. (ما دام حافظَ سِري مَنْ وثِقْتُ بهِ ... فهو الذي لَسْتُ عنهُ راغبًا أبدًا) و (ما) هذه شرطية منصوبة المحل بـ (دام)، وهي واقعة على الزمان، وهو قليل، أعني مجيء ما الشرطية ظرفًا. والناظم ممن أثبته، ولا تكون هنا مفعولاً مطلقًا بمعنى أي دوام، لأن شرط إعمال (دام) أن تقع بعد ما الظرفية، ولا أن تكون مصدرية ظرفية مثلها في {مَا دُمْتُ حَيًّا} إذ ليس لها حينئذ ما ينصبها، لأن ما بعدها حينئذ صلة، أو معمول الصلة، وأما على تقديرها شرطية فلا صلة ولا موصول، فيصح لدام أن تعمل فيها. والشاهد الثاني: (يعيشُ الندى ما عاشَ حاتمُ طيء ... وإن مات قامت للسخاء مآتم) (ينادين مات الجود معك فلا نرى ... مجيبًا ما دام للسيف قائم) ولا شاهد فيه لصحة تقديرها تامة، بمعنى بقي مثلها في {مَا دَامَتِ

السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} والظرف متعلقًا بها. و (المآتم) بالتاء المثناة جمع مَاتَم، وهو جماعةُ نساءٍ حضرن لخير أو شر، والمراد هنا الثاني، و (مَعْك) بالإسكان، لغةٌ في (مَعَك) لا ضرورة خلافًا لسيبويه. والشاهد الثالث، عليه اقتصر الشارح: [البسيط]. (لا طِيبَ للعيشِ مادامَتْ مُنْغَّصة ... لذاتُهُ بادّكارِ المَوْتِ والهرَمِ) وقد يُقال فيه وفي الشاهد الأول: إنه لا دليل فيهما، لاحتمالهما لأن يكون الفعل الناسخ وخبره قد تنازعا الاسم، ويكون أعمل الخبر وأضمر في الفعل، فيكون كل من الاسم والخبر في محله. وقد يجاب: بأنه لولا جواز التوسُّط ما جاز التنازع، إذ شرط جوازه أن يصح لكل من العاملين أن يعمل في المتأخر، وهذا الجواب صحيح، ولكنّه لا يمكن أن يجاب به عن المصنف لأنه أجاز أن يتنازع فعلاً تعجب بشرط إعمال الثاني، نحو: ما أحسنَ وأجملَ زيدًا.

مسألة [67] من استعمال (كان) تامة

مسألة [67] من استعمال (كان) تامة قوله: [الوافر] (إذا كانَ الشتاءُ فأدْفئوني ... فإن الشيخَ يَهْدِمُهُ الشتاءُ) وهذا البيت للربيع بن ضَبْع الفرازي، أحد المعمرين يمدح فيه بينه وكنائنه، ويذكر برهم به، وقبله. (ألا أبلغ بَنَّي بني ربيعٍ ... فأنذال البنين لكم فداءُ) (بأني قد كبرتُ ورّقَّ عظمي ... فلا تَشْغَلْكُمُ عنّي النساءُ) (وإن كنائني لنساءُ صِدْقِ ... وما ألُّة بِنَيَّ ولا أساؤوا) وبعده: (وأمّا حينَ يَذْهبُ كلُّ قُرٍّ ... فسربالٌ رقيقٌ أو رِداءُ /116/) (إذا عاشَ الفتى مائتين عامًا ... فَقَدْ ذَهَبَ المسرَّةُ والفَتَاءُ) حذف (ألْ) من الربيع كما تحذف من الحسن والحسين. و (الأنذال) بالنون فالمعجمة، جمد نَذْل ونذيل من النذالة، وهي الخساسة، وفعلهما كظرفُ، فأما (النَّذْل) بالمهملة، فهو النقل والاختلاس، وفعله كدخل. و (تَشغلكم) بفتح التاء من شغل، {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا}، و (أشغل) رديئة وعليها بنى الناسُ قولهم الإشغال بالعلم، و (أَلى) بتشديد اللام، بمعنى

مسألة [68] من استعمال (بات) تامة

قصر، أي: ما قصروا في بري، والأكثر (ألا) مخففًا يألو، كغزا ودعا. وزعم ابن السيد أن التشديد للتكثير، ولو صح لم يكن مدحًا. وأما: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ} فمؤول، و (كان) بمعنى حصل وحضر، وقولهم: وجد غير حسن لتفسيرهم فعل الفاعل بفعل المفعول. ويروى: يُهرمه ويُهلكه، و (القُرّ) البرد، و (الفَتَاء) بالمد، حِدّة الشباب، وأما المقصور فواحد الفتيان. وهذا البيت يأتي إن شاء الله في باب العدد. مسألة [68] من استعمال (بات) تامة قوله: [المتقارب]. (بات وباتَتْ له ليلةٌ) وتمامه: (كليلةِ ذي الغائر الأرتمدِ) وهو لامرئ القيس بن حجر، هذا هو الثابت في كتاب أشعار الشعراء

الستة، وقال ابن دريد: إنما هو لامرئ القيس بن عابس، أدرك الإسلام. وقبله: (تطاول ليلك بالأثْمُدِ ... ونامَ الخَليُّ ولم تَرقُدِ) وبعده: (وذلك من نبأٍ جاءني ... وخُبرته عن أبي الأسودِ) وقوله (ليلك) خطاب لنفسه، والأصلي (ليلي)، ومثله قول الأعشى: [البسيط]. (وَدِّع هريرةَ إنّ الركبَ مرتحِلُ ... وهل تُطيقُ وَداعًا أيُّها الرجلُ) وهو كثير. و (الأَثْمُد) بفتح الهمزة وضم الميم: موضع، و (الخَلِيّ) الخالي من الهموم. والضمير في (بات) وفي (له) مُلْتَفَتُ بهما عن الخطاب إلى الغيبة /117/، والواو في (وباتَ) للعطف، و (باتَتْ لَهُ ليلةً) للعطف والحال، وهو أولى، أي: وبِتُّ والحال أن بيتوتتي كانت شديدة، ودلّ على شدتها بالتشبيه المذكور، وإسناد البيتوتة إليها مجازي. و (بات) فيهما تامة، وهو محل الاستشهاد، فالجار والمجرور متعلق بالثانية لا باستقرار محذوف هو خبر، فإن ذلك لا يحسن لزوال التطابق، ولأنه لو قيل: باتت ليلته، كان كافيًا.

مسألة [69] لا يلي كان أو إحدى أخواتها ما ليس بظرف أو مجرور من معمول خبرها

واشتاق (العائر) من العُوار، بضم العين وتشديد الواو: قذى العين، فذو العائر: ذو قذى العين. وقيل العائر: الرمد. والأولى أولى، ليكون أشق للجمع بينهما، ويحصل التَّرقِّي أيضًا، لأن الرمد أبلغ من قذى العين، ولعدم تكرره. و (من) لابتداء الغاية، مثلها في {مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} وذلك إشارة إلى المذكور كله. وقوله: (من نبأ جاءني وخبرته) قد يقتضي أن النبأ والخبر غيران. قال الراغب: النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن ما ذكر. و (أبي الأسود) كنية، وقيل: بل (أبي) مضاف ومضاف إليه، و (الأسود) صفة للأب، وهو أفعل من السؤدد، أو من السواد. مسألة [69] لا يلي كان أو إحدى أخواتها ما ليس بظرف أو مجرور من معمول خبرها، نحو: كان طعامك زيد آكلاً. خلافًا للكوفيين، وذكر الشارح أنهم احتجوا ببيتين أحدهما: [الطويل]. (قنافِذُ هدّاجون حول بيوتهم ... بما كانَ إيّاهم عطيةُ عَوَّدا)

والثاني: [البسيط]. (فأصبحوا والنوى عالي مُعرَّسِهمْ ... وليس كلَّ النوى تُلْقِي المساكينُ) وإن ذلك عند البصريين محمول على إسناد وكان وليس وإلى ضمير الشأن كما إذا وقع المبتدأ والخبر بعد الفعل الناسخ مرفوعين كقوله: [الطويل] (إذا مِتُّ كان الناسُ صِنفانِ شامِتٌ ... وآخرُ مُئْنٍ بالذي كنتُ أصْنَعُ) /118/ فأما البيت الأول فإنه للفرزدق يهجو جريرًا، و (قنافذ) بالذال المعجمة، جمع قنفذ: دويبة شَوِكة يضرب بها المثل في سري الليل، فقال: "أسْرَى من قنفذ"، والأنثى قنفذة، ويقال للذكر أيضًا: شَيْهَمٌ بالمعجمة المفتوحة فآخر الحروف ساكنة. و (هدّاجون) فعالون من الهَدْج بالإسكان، والهدجان بالتحريك وهو السير السريع، وفعله كضرب، ويروى: دّراجون، من درج الشيخ بالإسكان، وفعله كدخل، ومعناه: تقارب الخطو بمنزلة مشى الصبي. ودرّامون أي مشّاؤون مشيًا متقاربًا في سرعة. و (حول خبائهم) وحول خيامهم، و (عطية) أبو جرير.

يقول: أن رهط جرير كالقنافذ لمشيهم في الليل للسرقة والفجور، وأن أبا جرير هو الذي عودهم ذلك. وللأخطل شعر يهجو به جريرًا وقومه يشبه هذا، وهو: [البسيط]. (أمّا كليبُ بنُ يربوع فليس لها ... عِنْدَ التفاخُر إيرادٌ ولا صَدَرُ) (مُخلفون ويقضي الناس أمرهُمُ ... وهم بغيبٍ وفي عمياء ما شعروا) (مثلُ القنافذِ هدّاجون قد بَلَغَتْ ... نجرانَ أو بَلَغَتْ سواتِهم هَجَرُ) وفي هذا البيت دليل على قلب الإعراب لأمن الإلباس، إذ الأصل أن يرفع السوءات وينصب (هجر) ووجه الدليل من البيت أن (عطية) اسم كان و (عوّد) خبرها، و (إياهم) مفعول (عوّد)، وقد ولي كان. والجواب: إنا لا نسلم أن (كان) ناقصة، بل زائدة لا اسم لها ولا خبر. سلمنا أنها ناقصة لكن لا نسلم أن (عطية) اسمها، بل اسمها مستتر فيها، راجع إما إلى (ما)، لأنها اسم موصول، أي بسبب الأمر الذي كان هو عطية عودهم إياه، أو إلى الجملة بعدها على أنه ضمير الشأنِ والحديثِ. وعلى الأوجه الثلاثة، فعطية عودَ مبتدأ وخبرٌ، واعترض بأن الخبر الفعلي لا يسبق المبتدأ فكذا معموله.

والجواب: أن المانع /119/ من تقدُّم الفعل خشية التباس الاسمية بالفعلية، وذلك مأمون مع تقدم المعمول، سلمنا أنها ناقصة، و (عطية) اسمها ولكن الضرورة تبيح تقديم ما يستحق التأخير، وهذا الجواب عندي أولى لاطراده في نحو قوله: [البسيط]. (باتت فواديَ ذاتُ الخالِ سالبةٌ ... فالعيش إن حُمَّ لي عَيْشٌ من العَجَبِ) إذ الأصل: باتت ذات الخال سالبة فؤادي، ولا يجوز تقدير (ذات) مبتدأ، لنصب سالبة. وأما البيت الثاني فإنه لحُميد الأرقط التميمي. والرُّقْطة: سواد في بياض أو بالعكس، لقب بذلك لإثار كانت بوجهه. وحُميد وأبو الأسرد والحطيئة شعراء مجيدون بخلاء، ولحميد أشعار في هجاء الضيفان، ووصفهم بالأكل، كقوله: [الطويل] (أتانا وما داناه سحبانُ وائل ... بيانًا وعلمًا بالذي هو قائل) (فما زال عنه اللَقْمُ حتى كأنّهُ ... من العِيّ لما أن تكلّم باقلُ) سحبانُ خطيب بليغ باهلي، وهو القائل: [الطويل]. (لقد عَلِمَ الحيُّ اليمانونَ أنني ... إذا قلتُ أما بَعْدُ أنّي خطيبُها) وباقل عيي أياديٌ، وبهما يضرب المثل، ومن عِيّ باقل أنه رؤي وفي

يديه ظبي، فقيل له: بكم. فأراد أن يقول: بأحد عشر، ففرق أصابعه العشر، وأدلع لسانه، فأفلت الظبي. ونزل بحميد أضياف، فقدم لهم تمرًا، فلما أصبح استكثر نواه، فقال: (باتوا وجُلتنا الصهباء بينهم ... كأنّ أنيابَهم فيها السكاكينُ) (فأصبحوا ....... البيت). والجُلَّة، بضم الجيم: قُفة التمر تتخذ من سَعَف النخل، وفيها صُهُوبةٌ، والمعوّس، بضم ففتحتين: مكان التعريس، أي النزول ليلاً. ووصفهم بأكل بعض النوى، لشدة أكلهم /1202/، و (المسكين) الذي لا شيء له، وهو من السكون لانقطاع حركته، والمساكين نائب عن الضمير. وقول الشارح: إن الكوفيين استدلوا بهذا البيت، كما استدلوا بقوله: (بما كان إياهم عطية عوّدا) وإن البصريين يحملونها على ضمير الشأن سهوٌ، بل هذا البيت محمول عند الجميع على إضمار الشأن لئلا تدخل (ليس) إن لم يضمر فيها

الشأن على (يُلْقى) وهو فعل، ولا يدخل فعل على فعلى، فإن جوزت ذلك في (ليس) حملاً لها على (ما) كما حمل الحجازيون (ما) على (ليس)، فليس حينئذ مهملة لا اسم لها ولا خبر، وخرج البيت عما نحن فيه البتة، فإن قيل: قدّر (المساكين) اسمها، قلنا: ففاعل (يلقى) حينئذ ضميرهم، فكان يجب أن يقال: (يلقون)، أو (تلقى) بالتأنيث. وأما البيت الثالث فإنه للعُجَير بن عبد الله السَّلوليّ، شاعر إسلامي أموي مُقِلٌ، يُكنى أبا الفرزدق وأبا الفيل، ويقال: مُتّ تموت، كقُمت تقوم، ومِتّ تَماتُ، كخفت تخاف. وروى البيت بالضم والكسر، واسم كان ضمير الشأن، لا الناس، لارتفاع (صنفان أو نصفان)، وهذا محل الاستشهاد، إنه لما خرَّج البيتين السابقين على إضمار الشأن استدل على صحة رفع ضمير الشأن بالفعل الناسخ بهذا البيت، لا يقال: جاء على حد {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}، لأن الشاعر سلولي وليس ذلك لغة لبني سلول، ونون (النصف مثلثة، وصاد (الصنف) مكسورة أو مفتوحة، ومعناه القسم والنوع، والشامت: الفَرِح

مسألة [70] لا يزاد من الأفعال بقياس إلا (كان) بشرط كونها بلفظ الماضي، ووقوعها بين (ما) التعجبية وخبرها

بالمصائب، وأراد: شامتٌ بي ومثن عليّ، وشامتٌ، إما مقطوع على أنه خبرًا أو مبتدأ، أي أحدهما: شامت، أو منهما شامت، وأما بدل من الخبر ويرجح القطع لزومُهِ فيمَنْ روَى (نصفين أو صنفين) ويروى: شامِتٌ ومُثْنٍ /121/، بما قد كنت أُولى وأصنعُ، ويُروى: أسدى وأصنع، وبعده: (ولكن ستبكيني خِطوبٌ ومجلسٌ ... شُعْثٌ أُهينوا في المجالس جُوّعُ) (ومُسْتَلْجِمٌ قد صحكه القومُ صَكة ... بَعيدُ الموالي نيلَ ما كانَ يَجْمَعَ) (وما ذاك أن كان ابن عمي ولا أخي ... ولكن مَتَى ما أملك الضُّرَّ أنفعُ) وهذا البيت الأخير شاهد على جواز: أن تقم أقوم، بالرفع، وهو ضرورة، ومثله: [الرجز]. (يا أقرعُ بنُ حابسٍ يا أقرعُ ... إنَّك إنْ يُضْرَعْ أخوك تُضْرَعُ) مسألة [70] لا يزاد من الأفعال بقياس إلا (كان) بشرط كونها بلفظ الماضي، ووقوعها بين (ما) التعجبية وخبرها، نحو: ما كان أحسن زيدًا، ولم تكثر زيادتها في غير ذلك، فيقاس عليه، وندرت زيادتها بين على ومجرورها، كقوله: [الوافر].

(سَراةُ بني أبي بكرٍ تَسَامى ... على كانَ المُسومةِ العِرابِ) ومُسْنَدةٌ إلى الفاعل كقوله: [الوافر]. (فكيفَ إذا مررت بدار قوم ... وجيران لنا كانوا كرامِ) وبلفظ المضارع نحو: [الرجز]. (أنتَ تكونُ ماجدٌ نبيلٌ ... إذا تهُبُّ شَمْالٌ بليلُ) وزيادة (أصبح وأمسى) في قولهم: ما أصبح أبردها، وما أمسى أدفاها، يعنون الدنيا، وجوزه الفارسي في قوله: [السريع]. (عَدُوُّ عَيْنَيْكَ وشأنئهما ... أصبحَ مشغولٌ بمشغولِ) وقوله: [الطويل]. أعاذل قولي ما هويتِ فإنني ... كثيرًا أرى أمسى لديك ذُنوبي) فأما البيت الأول، فالسراة، بالفتح: اسم جمع للسرى، وهو ذو السخاء والمرؤة، ويروى مكانه (جياد) فإن كان جميع جيّد، فهما متقاربان،

أو: جواد، فالممدوح خيلُّهم، والمعنى حينئذٍ /122/ على المسومة العراب من جياد غيرهم، وهذه الرواية وهذا التفسير أظهر، إذ ليس بمعروفٍ تفضيل الناس على الخيل. و (تسامى) إما مضارع، أي: تتسامى: أو ماضٍ على حد قولهم: الركبُ سارَ، ويؤيده أنه يروى: تَسَامَوا. و (العراب من الخيل خلاف البراذين، ومن الإبل خلاف اليخاتى، وروى الفراء: المطهمة الصلاب. والمُطهم، بالمهملة: التام الخلق من الخيل وغيرها. و (الصلاب) ذوات الصلابة أي الشدة. تنبيه: ذكر ابن يعيش أن (كان) الزائدة إما لمجرد توكيد الكلام، كالتي في هذا البيت، وكما في قولهم: إن من أفضلهم ما كان زيدًا، إذ لا مدح في إثبات ذلك له فيما مضى دون الحال، وإما لإفادة الانقطاع نحو: ما كان أحسن زيدًا. وأما البيت الثاني فإنه للفرزدق في كلمة يمدح فيها هِشامًا. و (كرام) صفة لجيران. و (لنا) قيل: خبر مقدم، ثم اختلف على قولين، أحدهما: أنه خبر مبتدأ، والأصل (لناهم)، ثم زيدت (كان)

بينهما، فصار (كان هم)، ثم وصل الضمير إصلاحًا للفظ، لقبح وقوعه منفصلاً إلى جانب فعل غير مشتغل بمعمول، والثاني: إنه خبر لكان وأنها ناقصة، وهي قول المبرّد، وجماعةٍ وعليه فالجملة صفة لجيران وتقدّمت على الصفة المفردة، والأكثر في الكلام تقديم المفردة. وقيل: (لنا) صفة لجيران. ثم اختلف على قولين أيضًا، أحدهما: إن (كان) تامة، والضمير فاعل، أي: وجدوا، ولا فائدة في الكلام على هذا القول، والثاني: إنها زائدة، ثم اختلفوا في الاعتذار عن الضمير على قولين، أحدهما: إن الزيادة لا تمنع العمل في الضمير، كما لم يمنع /123/ إلغاء عملها في الفاعل مطلقًا. قاله ابن السيد والناظم، وفيه نظرٌ، لأن الفعل الملغى لم ينزل منزلة الحروف الزائدة حتى لا يليق به الإسناد إلى الفاعل، وإنما هو فعل صحيح وُضِعَ لقَصْد الإسناد. والثاني: أن الأصل (كان هم) على أن الضمير توكيد للضمير المستتر في (لنا)، ثم زيدت (كان) بينهما ووصل الضمير للإصلاح.

ويُروى أن الحسن البصري لما سمع البيت قال له: قل كانوا كرامًا، فقال: إذن ماما ولدتني إلا ميسانية يا أبا سعيد. و (مَيْسان) من قرى العراق، أي لم أدْنُ من العرب، ويروى: (وكنت إذا رأيتُ ديارَ أهلي) وقبل البيت: (هَلْ أنتم عائجون بنا لَعَنا ... نَرَى العَرَصاتِ أوْ أَثَرَ الخيامِ) (فقالوا إنْ فَعَلْتَ فُاغْن عنّا ... دُموعًا غيرَ راقيةِ السِّجام) وبعده: (أكفكفُ عبرةَ العينين منّى ... وما بَعْدَ المدامعِ من مَلامِ) و (لعنّا) لغة في لعلنا، وكيف ظرف لا كفكف، ومن أبيات القصيد: (سيبلغهُنَّ وحيُ القول عَنِّي ... ويُدْخِلُ رأسَهُ تحت القِرامِ) (أُسَيدُ ذو خُرَيطةٍ نهارًا ... من المتلقِّطي قُرَدَ القُمام) (القرام) بكسر القاف، السِّتر، أي سأرسل إليهن غُلامًا أسودَ حقيرًا

لا يؤبه له، يلتقط الكناسة، وفيه عيب التضمين، لأن الثاني مشتمل على فاعل فعل في الأول، وفي الثاني منهما أعلال الواو في (أسيود)، وهو أقيس من التصحيح، وإضافة ما فيه الألف واللام، لكون المضاف صفة معربة بالحروف، على أن المضاف إليه مضافٌ /123/ لما فيه الألف واللام، وذلك مصحح أيضًا لو انفرد. وأما البيت الثالث فإنه لأم عقيل بن أبي طالب، تقوله وهي تُرَقصُهُ. و (الماجد) الشريف والنبيل. و (تَهُب) بضم الهاء وجوبًا، وهو شاذ قياسًا، لأن قياس مضارع فعل المضعف القاصر (يفعل) بالكسر، نحو: حنَّ يحِنّ، وأنّ يئنّ. و (شَمْألٌ) بهمزة زائدة بعد الميم، وقد تجعل قبلها، والأكثر شمأل، بألف: اسم الريح الآتية من تلك الجهة، وفيها لغات أخر. ولم يؤنث (بليل، لأنه بمعنى مبلول، كما يقال: امرأة جريح، وكف خضيب.

أي: أنت كريم في الشتاء، أي حينّ يَقِلُّ الطعام ويكثر الأكل، ومثله قول أمية: [الوافر]. تُباري الريح مكرمة وجَودًا ... إذا ما الكَلْبُ أجْحَرَهُ الشتاءُ) والفراء يقيس زيادة (كان) بلفظ المضارع، لكن بعد ما التعجبية، نحو: ما يكون أطولَ هذا الكلام، وقولُ رجل من طَيّي: [الكامل]. (صَدقْتَ قائلَ ما يكونُ أحقَّ ذا ... طِفْلاً ببذِّ أولى السيادة يافعًا) (البذّ) بالموحدة فالمعجمة: الغلبة، و (اليافع) الغلام إذا ارتفع، أُخِذَ من اليفاع للمرتفع من الأرض، وقياسه موفع ولقولهم أيفع الغلام. وأما البيت الرابع فالشاني: المبغض، وأصله الهمز، ولكن أبد له للضرورة، والمعنى: بمشغول عنه. و (أصبح) زائدة بين المبتدأ والخبر، ويمكن أن تكون ناقصة حذف خبرها، أي أصبح كذلك، أو أصبحه. فعلى الأول (مشغول) خبر المبتدأ، وفي (أصبح) ضمير المبتدأ وجملة أصبح كذلك مستأنفة. وعلى الثاني (مشغول) اسم أصبح والجملة خبر المبتدأ، والأول أولى، لأن في الثاني قلب الإعراب إذ الأصل: أصبح مشغولاً /125/ على الأخبار، بالنكرة عن المعرفة، ثم قلب، فقيل: أصبحه مشغول، ثم حذف الخبر، وإنما لم يثنِ ضمير المبتدأ لأن العدوّ هو الثاني.

وأما البيت الخامس فإنه للنمر بن تولب. والمعنى: يا عاذلة قولي ما أحببت فرجعي لَوْمَكِ إياي، فإني أرى ذنوبي عندك كثيرةً. وفيه إعمال (أرى) مع التوسط بين المفعولين، وزيادة (أمسى)، والإخبار بفعيل عن الجمع، إلا أن قدّر أن الأصل شيئًَا كثيرًا. وبعده: (فلن تنطقي حقًا ولستِ بأهله ... فقبّحتِ مما قائل وخطيبِ) (وحثت على جَمْع ومَنْع ونفسها ... لها في صروف الدهْرِ حَق كذوبِ) (وكأينْ رأيتُ من كريم مُرَزَّأ ... أخي ثقةٍ طلقِ اليدينِ وهوبِ) (شَهِدْتِ وفاتوني وكنت حسبتني ... فقيرًا إلى أن يشهدوا وتغيبي) (أعاذل إن يُصبحْ صداي بقَفْزَةٍ ... بعيدًا جفاني ناصري وقريبي) (تَرَى أن ما أبقيتُ لم أكُ ربَّهُ ... وإن الذي أمضيْتُ كان نصيبي) (وذي إبل يَسْعَى ويحسِبُها له ... أخي نَصَبٍ في جَمْعِها لدؤوب) (غَدَتْ وعدا ربُّ سواه يَسُوقُها ... ويُدِّلَ أحجارًا وحالَ قليبِ) قوله (مما قائل) من لبيان الجنس، وما زائدة كزيادتها في {مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ}، وفي قوله: (وحثت) التفات، وقوله: (فلن تَنْطفي) متصل بقوله: (قولي وقوله حق كذوب) صفة لمحذوف، أي: كذوب حق كذوب، وفعول بمعنى فاعل، يستوي فيه الذكر والأنثى، و (كأين) بمعنى كثير لغة في (كأي) وبها قرأ ابن كثير. و (من كريم) تمييز لكأين،

مسألة [71] يكثر حذف كان واسمهما وبقاء خبرها بعد (أن ولو) الشرطيتين، ويقل مع غيرها، ويجب حذفها وحدها بعد أما بفتح الهمزة

وناصب كأين معترض بينهما. و (مرزإ) ........ /126/ و (شهدت) حضرت، أي بقيت وعشت، و (فاتوني) أي: ماتوا، ثم أخبر أنه كان مفتقرًا إلى عكس ذلك. وجمع ضمير الفاعل حملاً على معنى (كأين)، وأعمل (حسبتُني) في ضميرين متصلين، مرفوع ومنصوب لمسمى واحد، وهو قياس في أفعال القلوب، (كنت فقيرًا) مفعول ثان. و (الشِّفُّ) بكسر المعجمة: التثمير والزيادة، ويأتي أيضًا بمعنى النقص، و (حال) البئر بالمهملة نواحيها، وإنما يريد القبر. مسألة [71] يكثر حذف كان واسمهما وبقاء خبرها بعد (أن ولو) الشرطيتين، ويقل مع غيرها، ويجب حذفها وحدها بعد أما بفتح الهمزة، فالأول كقوله: [الكامل]. (حَدِبَت عليَّ بطونُ ضِبَّةً كُلها ... إنْ ظالمًا فيهمْ وإنْ مظلوما) وقوله: [البسيط].

(لا يأمَنِ الدّهر ذو بَغْيٍ ولو مَلِكا ... جُنُودُهُ ضاقَ عنها السَّهْلُ والجَبَلُ) والثاني كقوله: [الرجز]. (مِنْ لَدُ شَوْلا فإلى إتْلائها) والثالث كقوله: [البسيط] (أبا خُراشةَ أمّا أنتَ ذا نَفَرٍ ... فإنَّ قومي لم تأكلهم الضَّبُعُ) فأما البيت الأول فإنه للنابغة الذبياني يخاطب به يزيد بن سنان المزني. و (حدبت) بالمهملتين مفتوحة فمكسورة بمعنى: عطفت, و (ضِنة) بمعجمة مكسورة فنون، ومن قاله بالفتح وبالباء فقد حرّف، قاله ابن السيد والأعلم، وهو ضبة بن كثير ابن عذرة، وكان النابغة وأهله ينسبون إليها، وينفون عن بني ذبيان، فحقق هذا الشعر انتسابه إلى عذرة، وذكر أنهم عطفوا عليه ونصروه، لأنه منهم. وفي البيت شاهدان، إذ الأصل: إن كنت وإن كنت، وحذف جوابيَ

الشرطين للدلالة عليهما ب (حدبت)، وجملتا الشرط والجزاء حال والمعنى: عطفوا على (كائنًا ما كنتُ)، وإذا شرط شيء ونقيضه صح الشرط أن يقع حالاً، مثل /127/ لأضرِبَنَّهُ إن ذهب وإن مكث، ومنه قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث}. أي فمثله كمثل الكلب لاهثًا على كل حال. وأول الكلمة: (اجْمَعْ جموعَكَ يا زيدُ فإنني ... أعَدْدتُ يَرْبُوعًا لكُمْ وتميمًا) (ولحِقْتُ بالنسبِ الذي عَيْرتَني ... ووجَدْتُ نَصْرَكَ يا يزيدُ ذميمًا) (لولا بنو نَهدِ بنَ عَوْفٍ أصبحَتْ ... بالنَّعْفِ أمكَ يا يزيدُ عقيًما) وأما البيت الثاني، فلا ناهية، و (الدهر) مفعول به، أي حوادث الدهر، أو ظرف، أي لا يأمن في الدهر الحوادث، أو لا يمكن ذا أمن في الدهر، فلا حاجة لمفعول، و (لو) بمعنى أن، وما قبلها دليل على الجواب والجملة الاسمية صفة (ملكًا). وأما البيت الثالث، فالإتلاء، بكسر الهمزة وبالمثناة من فوق، مصدر (اتلت) الناقة، إذا تبعها ولدها، فهي متلية، تِلْوٌ، والأنثى تِلْوة، والجمع أتْلاَء، بفتح الهمزة.

وأما (الشَول) بفتح المعجمة، ومادّته تدل على الارتفاع، واختلف في المراد به هنا، فقيل: مصدر (شالت) الناقة بذنبها، أي رفعته للضراب، فهي شائل، بغير تاء، والجمع شُوَّل، مثل: راكع وُركع، والتقدير: من لدن شالت شولا، فالبيت من حذف عامل المصدر المؤكد، وقيل: اسم جمع شايلة، بالتاء، وهي الناقة التي ارتفع لبنها وضرعها، وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية. والتقدير: من لدن كانت شولا. فالبيت من حذف كان واسمها، وبقاء خبرها، وقد يُرجح الأول بأنه يروى من لدشول، بالخفض، ولا يقال من لدن النوق فإلى اتلائها. /128/ ويجاب: بأن التقرير: من لا شَولانِ شَول، أو زمان شول، ولكن يحتاج على هذا لتقدير الخبر، موجودًا، فإن قدر الكون مصدر كان التامة لم يحتج إلى ذلك، ولكن لا يقع التوفيق بين الروايتين في التقدير. وقد يرجح الثاني برواية الجرمي، من لد شولا، بغير تنوين، على أن أصله شولا، بالمد فقصره للضرورة، ولكن هذه الرواية تقتضي أن المحدث عنه ناقة واحدة، لا نوق. ومن الغريب أن بعضهم زعم أن انتصاب (شولاًَ) بعد لَدُن على التمييز أو التشبيه بالمفعول به كانتصاب (غدوة) بعدها في قولهم: لَدن غُدْوَةً.

وأنه لا تقدير في البيت. وهذا مردود باتفاقهم على اختصاص هذا الحكم بـ (غدوة)، ولأنه لم يسمع في غدوة مع حذف النون، بل مع ثبوتها. واعلم أن سيبويه قدّر (من لد إن كانت). ورُدَّ بأنّ فيه حذف الموصول وصلته وبقاء معمولها من غير ضرورة. وأُجِيبَ: بأنه تقدير معنى لا إعراب. وقال ابن الدهان: الحامل له على هذا التقدير أنّ لدن لا تضاف عنده إلى الجمل، ويلزم من هذا التأويل الذي ذكره أن يُقدّر سيبويه أن في قوله: [الطويل]. (صريغ غوانٍ راقهن ورقنه ... لَدُنْ شَب حتى شاب سُود الذوائبِ) ونحوه وهو كثير، وذلك بعيدٌ. وأما البيت الرابع فهو للعباس بن مرداس السُّلمي رضي الله عنه.

وأبا خُراشة أيضًا شاعر صحابي، وهو بضم الخاء، وأما أبو خِراش الهذلي فبكسرها. واسم أبي خراشة خُفاف، بالضم، ابن عمرو، واسم أم خفاف نَدْبَة، وهو مشهور بها، والنون مفتوحة في /129/ الأشهر، أو مضمومة، أو النون والدال مفتوحتان، وهو ابن عم خنساء وصخر ومعاوية أولاد عمرو بن الشريد، وكان أسود حالكًا، قال أبو عبيدة: وهو أحد أغربة العرب. انتهى. وهو القائل، وقد قتل مالك بن حمار قاتل معاوية المذكور: [الطويل]. (فإن تكُ خيلي قد أُصيبَ صميمُها ... فعَمدًا على عيني تيممتُ مالكا) (وقفْتُ لهُ عُلْوًا وقد نام صحبتي ... لابني مجدًا أو لأثأر هالكًا) (أقولُ لهُ والرمحُ يأطِرُ مَتْنَهُ ... تأملْ خُفافًا إنني أنا ذلكا) (خُفاف) مفعول قائم مقام ياء المتكلم، ولم خَشِىَ الإلباس أردفه بقول: (إنني أنا ذلكا)، أي ولا تتوهم أنه غيري. و (أما) بالفتح، وليست التي في قولك: أما بعد، بل هي كلمتان بالاتفاق، الثانية منهما عوض من كان محذوفة، والأولى (أنْ) المصدرية

عند البصريين، والشرطية عند الكوفيين، وزعموا (أن) المفتوحة قد يُجازيَ بها، ويؤيده أمورٌ منها: (أنّ ابن دريد روى في جمهرته: إما كُنْتَ، بالكسر، ويذكر كان، وعلى هذا فما لتأكيد الشرط مثلها في: (فإمّا تَرَيّن). ومنها: مجيء ألفاء بعدها، واستغناء الكلام عن تقدير على قول البصريين، فالأصل: أَلأنْ كُنْتَ ذا نَفَرٍ فَخَرْتَ. فحذف همزة الإنكار ولام التعليل، وهو فخرت، إذ لا تتعلق بما بعد الفاء، لأن الفاء وأن المعنى ما بين ذلك. والفاء على هذا قيل: زائدة. والصواب أنّها رابطة لما بعدها بالأمر المستفاد من النداء السابق، أي تنبه فإن قومي ........ و (النفر) في الأصل اسم لما دون العشرة، قاله في الكشاف عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ}. وجمعه أنفار، والتنكير /130/ في نفر للتكثير. و (الضَّبع) السنة المجدبة، استعيدت من اسم الحيوان، لأنه متبالغ الفساد.

والمعنى: أن افتخرت بكثرة قومك، ففي قومي كثرة، إذ لم تُهلكهم السنون. وقال ابن الأعرابي: إنما الضبع الحيوان، ولكنهم إذا أجدبوا ضَعفُوا، فعاثت فيهم الضِّباع. والمعنى: فإن قومي ليسوا ضِعافًا عن الانبعاث، فتعيث فيهم الضباع. ومن دعائهم: اللهم ضَبُعًا وذئبًا، أي اللهم اجمَعْ على الغنم ذلك، حتى يستأصلاها. فتحتمل الضبع هنا المعنيين. وقال الخطّابي: إنما هو دعاءٌ لها، لأن الضبع والذئب إذا اجتمعا منع كلُّ منهما الآخر، فسلمت الغنم كما قال: [الطويل]. (وكان لها جارانِ لا يخفرانِها ... أبو جعدةَ العاوي وعَرْفاء جَيْألُ) (أبو جعدة) كنية الذئب، ويقال: عوى الكلب، وعوى الذئب، قال: [الطويل]. (عوى الذئبُ فاستأنستُ للذئب إذْ عوى ... وصوْتَ إنسانٌ فكدت أطيرُ)

مسألة [72] يختص مضارع كان ناقصة وتامة بجواز حذف نونه تخفيفا، إن كان مجزوما ولم يتصل به ضمير نصب ولا ساكن

و (عرفاء) بالمهملتين بالفاء: الضبع، و (جيأل) علمٌ عليها، فهو بدلٌ لا بيانٌ، لأنه لا يخالف متبوعه تعريفًا وتنكيرًا، ولا نعت، لأن الأعلام تُنْعَتُ ولا يُنْعَتْ بها. واعلم: أن سيبويه لا يجيز ذكر كان بعد (أمّا)، لما فيه من الجمع بين المعوض والمعوّض منه. وأجاز ذلك المبرد لا على أن (ما) عوض بل على أنّها مزيدة لمجرّد التوكيد مثلها في: {فَبِمَا رَحْمَةٍ}. مسألة [72] يختص مضارع كان ناقصةً وتامة بجواز حذف نونه تخفيفًا، إن كان مجزومًا ولم يتصل به ضمير نصب ولا ساكن، نحو: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}، ونحو: {وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} قرئ بنصب (حسنة) ورفعها، على نقصان (كان) وتمامها بخلاف نحو: أن يكنه وأن لا يكنه، لأن الضمائر

تَرُدّ الأشياء إلى أصولها، ونحو: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}، لأنها تتحرك للساكنين /831، فتقوى بحركتها، وتتعاصى على الحذف، ويزول شَبهها بحرف اللين، وجوّز الكوفيون ويونس الحذف قبل الساكن، واحتُجَّ لهم بقوله: [الطويل]. (فإنْ لم تَكُ المرآةُ أَبْدَتْ وَسَامةً ... فَقَدْ أبدتِ المرآةُ جَبْهَةَ ضَيْغَمِ) وقوله: [الطويل]. (إذا لم تكُ الحاجاتُ من همة الفتى ... فليس بمُغْن عنه عقدُ الرَّتائم) وقوله: [الخفيف]. (لم يكُ الحقُّّّّّّّّّّّّّّ سِوَى أن هَاجه ... رَسْمُ دارٍ قد تَعَفَّى فالطلَلْ) وقد استعمله المتنبي، فقال: [الكامل] (حِللاً كما بي فليكُ التبريحُ ... أغذاءُ ذا الرشِأ الأغنِّ الشِيحُ)

وأجيب: بأن حذف النون الساكنة للضرورة ثابت بدليل قوله: [الطويل]. (فلستٌ بآتيةِ ولا أستطيعُه ... ولَكِ أسقني إنْ ماؤكَ ذا فَضْلِ) وقال ابن مالك: لا ضرورة في ذلك، إذ كان يمكن أن يُقال في الأول: (فإن تكن المرآة أخفَتْ وَسَامةً) وفي الثاني: (إذا لم يكن من همة المرء ما نوى) وفي الثالث: (لم يكن حق سوى) وهذا مبني على تفسيره للضرورة، وقد مضى ردّه. و (الوَسامة) بالفتح: الحُسْنُ. و (الرتائم) بفتح الراء وبالمثناة من فوق، جمع (رتيمة) كصيحفة: خيط يشد في الأصبع ليتذكرّ به الحاجة. وأنشد الجوهري البيت: (إذا لم تكن حاجاتنا في نُفوسكُم ... فليسَ بمُغْن عنك عقد الرتائم) وفيه التفات من التكلم إلى الخطاب، ورجوع عن الجمع إلى الإفراد، على أنه لم يرد بالجمع، وبالخطاب إلا نفسه.

مسألة [73] زال وأخواتها لانتفاء ما بعدها، ويدخل عليها النفي، فيصير الكلام إيجابيا، فيمتنع اقتران كل من معموليها بألا، إذ شرط الاستثناء المفرغ أن لا يكون الكلام إيجابيا

وأما بيتُ المتنبي فإنّما ذكر تمثيلاً لا استشهادًا، إذ لا يقوم حجةً لكلامِه /132/. مسألة [73] زال وأخواتها لانتفاء ما بَعْدَها، ويدخل عليها النفي، فيصيرُ الكلام إيجابيًا، فيمتنع اقتران كل من معموليها بألا، إذ شرط الاستثناء المفرغ أن لا يكون الكلام إيجابيًا، فلا يُقال: مازال عالمًا إلا زيدٌ، ولا مازال زيد إلا عالمًا. فأما قول ذي الرُّمَّة: [الطويل]. (حراجيحُ لا تنفكُ إلا مُنَاخَةً ... على الخَسْفِ أو نَرمي بها بلدًا قَفْرًا) فمنهم من غلطهُ، ومنهم من غلط الرواة، وقال: الصوابٌ (إلا) بالتنوين، والإلُّ يُطلق على الشخص، والنَّسمَةِ، فهو الخبر، و (مُنَاخةٌ) صفة، وروي أنه أنشده على الاستثناء، فأُنكر عليه، فتفطن

لغلطِه، فقال: إنما قلت: (إلا). ومنهم من تأوّله فقال جماعة منهم ابن مالك: إنما الخبر (على الخسف)، و (مُناخةٌ) حال. أي: ما تنفك على الخَسْف في حالة من الأحوال إلا في الاناخة، فإن لها فيها راحةً وليس بشيء لأن المانع من استثناء المفرَّغ في الخَبر مانع منه في الحال. وقيل: (مُناخة) حال، و (تنفك) تامةٌ، أي ما تنفصل عن التَّعَب، إلا في حال إناخة على الخَسْفِ إلى أن نرمي بها، أو لا نرمي بها، وهذا أجودُ ما قيل، لأن الكلام مع التامة نفي لا إيجابٌ، وقيل: (إلا) زائدة مثلها في قوله: [الطويل]. (أرى الدهر إلا منجنونًا بأهْلهِ ... وما صاحب الحاجات إلا معذبًا) كذا رواه المازني، ولم يُثبت أكثر النحويين زيادة (إلا).

مسألة [74] إذا اجتمعت نكرة ومعرفة، فالمعرفة الاسم والنكرة الخبر

والمشهور في البيت: (وما الدهر ......) وإن ثبتت تلك الرواية، فيجوز أن يكون التقدير: (لا أرى)، فحذف لا النافية، لدلالة (إلا) عليها، كما حذفت في {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} لدلالة وقوع "تفتأ" جوابًا للقسم من غير توكيد، وعلى هذا فلا يلزم أن يجوز (أقوم) بتقدير: (لا أقوم) لعدم الدليل [فراغ]، و (حراجيجُ) جمع حُرْجُوج: وهي الناقة الضامر، /133/ و (الخَسْفُ) النقصان، يُقال: رَضيَ بالخَسْفِ، أي النقيصَة، وبات على الخسف، أي جائعًا، وربطت الدابة على الخسف، أي: على غير علف. مسألة [74] إذا اجتمعت نكرة ومَعْرفة، فالمعرفةُ الاسم والنكرة الخبر، نحو: كانَ زيدٌ قائمًا، وقد يعكس في الضرورة كقول خداش بن زهر: [الوافر]. (فإنّكَ لا تُبالي بَعْدَ حَوْلٍ ... أظبيٌ كان أُمَّكَ أمْ حِمارُ)

أنشدهُ سيبويه على ذلك، وأشكل على كثيرين، فقالوا: إنما أخبر عن معرفةٍ بمعرفةٍ، إذا اسم كان ضمير: وأجِيبَ: بأوجهٍ أحدها أن ضمير النكرة نكرة، وردّ بأنهم اختلفوا في ضمير النكرة أمعرفةٌ هو أم نكرةٌ؟ فلم يختلفوا في صحة وقوعه في محل المعرفة، وإنما الخلاف في المعرفة، هل هي عبارة عمّا يتعين مدلوله وجودًا، أو على أي وجه كان، ولهذا يقال: ضربت رجلاً وهو راكبٌ، وجاءني رجلاً وكان راكبًا. ولولا أن الضمير في حكم المعرفة لم يقع مبتدأ، واسمًا لكان، قاله ابن الحاجب. ويُرُدّ قوله في المثال الأول بأن النكرة يُبتدأ بها بعد واو الحال كما مر. وأما المثال الثاني فقد يُرَدّ بأن الخبر فيه نكرة وليس بمستقيم، لأنه كما يمتنع أن يخبر بمعرفة عن نكرة كذا يمتنع أن يخبر بنكرة عن نكرة من غير مصحح، نحو: كان رجل قائمًا، مصحح ثم لو قُدِّر ضاربٌ معهود لصح أن يقال: جاءني اليوم رجل وكان الضاربَ. وهذا نظيرُ مسألتِنا.

والوجهُ الثاني: أنه لا ضميرَ في (كان)، بل (ظبي) اسمُها تقدّم للضرورة. وقد يُعْتَرضُ هذا بأنّ ابن السِّيد نقل في كتابه الاقتضاب: أنّ البصريين لا يُجيزُون تقديمَ الفاعل في نَثْر ولا شِعْر /134/، فالمشبه بالفاعل أولى: ويُجابُ بأنّ الأصل (أظبيًا) كانَ أمُّك، بنصب الظبي، ورفع (الأم) ثم عكس الإعراب، وتُرك (الظبي) في موضعهِ، لأنه خبرٌ في المعنى وإن كان مرفوعًا، ورفع (حمار)، لأنه تابع، فإن اعترض بأنه كان يجب ثبوت التاء في كان، لأن المسند إليه بالحقيقة (أمّك). أُجيب: بأن التاء إذا حذفت في النثر في قول بعضهم. قال فلانة، مع ظهور الإسناد إلى المؤنث، فحَذْفُها في الشعر مع الإسناد في اللفظ إلى المذكر أولى. والثالث: أنّ (ظبي) ليسَ اسمًا لكان المذكورة لما ذكرنا، ولا مبتدأ، لأنّ الاستفهام بالجمل الفعلية أولى، بل هو اسم لكان محذوفةُ تفسرها المذكورة، والتقدير: أكان ظبي أمّك، وهذا محل الاستشهاد، لا كان المذكورة ومعمولاها. ورُدَّ بأن الهمزة التي قبل أم المتصلة يليها أحد المستويين، نحو: أزيد عندَك أم عمرو؟ وعلى هذا التقدير إنّما وَلَيَها (كان) فهو نظيرُ: أقام زيد أم

عمرو. ولا تعادل في ذلك بين الهمزة وأم، لاختلاف ما وليهما. والجوابُ: أنها لما كانت محذوفة وجوبًا كانت كأنّها لا وُجودَ لها، وكأنّ التعادل موجودٌ في اللفظ فاكتفى بذلك، بل لو ظهرت كان لم يضر، لأنها غير مقصودة، وإنّما العِبْرةُ بما يذكر مقصودًا. ومعنى البيت: إن الإنسان إذا استعنى بنفسهِ لا يبالي بمن انتسب إليه من شريف أو وضيع، وضربَ (الظبي والحمار) لهُما مثلاً، وذكر الحَولَ، لأن هذين يستغنيان بأنفسهما بعده، ثم أشار إلى أنّ الزمانَ لعَدم جريه على مقتضى القياس، وقد التحق فيه الوضيع بالشريف، فقال: [الوافر]. (فقْد لَحِقَ إلا سافلُ بالأعالي ... وصارَ مَعَ المُغَلهَجَةِ العِشارُ /135/) (المغلهج) الهجين.

شواهد الفصل المعقود لما ولات وأن المشبهات بـ"ليس"

شواهد الفصل المعقود لما ولات وأن المشبهَّات بـ"ليس" مسألة [75] يبطل عملُ ما الحجازية إنْ تقدَّمَ خبرُها، كقولهم: ما مُسِيءٌ مَنْ أعتَبَ)، أيْ مَنْ رَجَعَ عن الإساءة، وإنْ اقترنَ خبرُها بإلا، نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ}، أو اسمُها بإنْ الزائدة، كقوله: [البسيط]. (بَني غُدانةَ ما إنْ أنتم ذَهَبٌ ... ولا صريفٌ ولكِنْ أنتُم الخَزَفُ)

وقوله: [الوافر]. (فما إنْ طِبُّنا جُبُنٌ ولكِنْ ... مَنايانا ودَوْلَةُ آخرينا) أو بمعمول الخبر وليس ظرفًا ولا مجرورًا، كقوله: [الطويل]. (وقالوا تَعَرَّفْهَا المنازلَ مِنْ مِنًى ... وما كلُّ مَنْ وافَى مِنًى أنا عارفُ) فأما البيت الأولُ فغُدانةُ بالمعجمة المضمومة والدال المهملة: حي من يَربوع، و (ما) نافية، و (أن) زائدة كافة لما عن العمل. وزعم الكوفيون أنّها نافية مؤكدة، ويَلزمهم أن لا يبطل عمل (ما) كما لا يَبْطُلُ عملُها إذا تكررت على الصحيح. بدليل قوله: [الكامل]. (لا يُنسِك الأسَى تأسيًا فما ... من حِمامٍ أحدٌ معتصِمًا) نعم، رَوى يعقوبُ: ذَهبًا وصَريفًا، بالنصب، فعلى هذا هي نافية مؤكدة لما.

ومعنى هذا البيت: لا ينسك ما أصابك من الحُزْنِ /136/ علَى مَنْ فَقَدْتَهُ، أنْ تتأسى بِمَنْ سَبقك مِمنَ فَقَدَ أحبابَهُ، فليسَ أحدٌ ممنوعًا من الموت. ومَنْ زَعَمَ أن (ما) إذا تكررت بطل عملُها جعل مَنْفِي (ما) الأولى محذوفًا، أي فما ينفعك الحزن، وهو تَكلُّف. و (الصَّريف) الفِضّة. و (الخَزَفُ) الجَرُّ جَمْعَ جَرَّةٍ. وأما البيت الثاني فإنّه للكميت، أو لفروة بن مُسَيْكٍ، بضم الميم وفتح السين. والشاهد فيه كالشاهد في الذي قبله. و (الطِبُّ) العادة. و (الجُبُن) بضم الباء وبإسكانها: ضد الشجاعة، والذي يؤكل أيضًا، وفي المأكول لغةٌ ثالثة، وهي تشديد النون. يقول: إنْ كنا قد حصل لنا أسر وقتل فليس ذلك، لأنّ عادتنا الجبن، ولكن الله تعالى قدّر منايانا وحصول دَولةٍ لغيرنا فلا مَفَرَّ من ذلك. ويُروى (وطعمة) بدل (ودولة). وقبلَهُ:

(فإن نَغْلِبْ فغلابُون قِدمًا ... وإنْ نُغلَبْ فغيرٌ مُغَلَّبينا) وبعده: (كذاك الدهرُ دَولتهُ سِجالٌ ... تكرُّ صُروفُهُ حينًا فحينا) (فبينا ما تُسَرُّ به وتَرَضَي ... ولو لُبِسَتْ غضّارتُه سنينا) (إذا انقلبت به كرّاتُ دَهْرٍ ... فألفيتَ الأُولى غُطبطُوا طَحينا) (ولو خَلَد الملوكُ إذًا خَلَدْنَا ... لو بَقي الكرامُ إذًا بَقِينا) وأما البيت الثالث فإنَّهُ لمزاحم العُقيليّ يذكرُ امرأةً يَهْواها، فإنه سأل عنها، فقيل له: تَسلْ عَنْها في منازل الحاجّ بمنى، فقال: أنا لا أعرفُ كلّ مَنْ وافَى مِنى. قال النّحاسُ: قلتُ لأبي إسحاق: الإنسانُ يسألُ مَنْ يَعْرِفُهُ ومَنْ لا يَعْرِفُهُ، فقال: إنّما يسأَلُ عَنْها مَنْ يَعْرِفُه، ويَعْرِفُها. وانتصابُ المنازلِ على إسقاط (في) توسعًا لا على الظرْفِ، لأنهُ مختصٌ. وكل منصوب بعارف وأوقعه /137/ إلى جانب (ما) وليس بظرفٍ، فلذلك قال: (عارفُ) بالرفع. ويُروَى: (كُلُّ) بالرفع على أنَّه اسم (ما)، والجملةُ من قوله: (أنا عارفُ) خبرها، والعائد محذوف، أي: عارفهُ، وذلك مستسهل إذا كانَ

مسألة [76] زعم ابن مالك وابنه أن (ما) قد تعمل مع تقدم خبرها

المخبَرُ عنه (كُلاُّ) كقراءة ابن عامر: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى}، وكقوله: [الوافر]. (ثلاثٌ كلُّهنَّ قتلتُ عمدًا ... فأخزى اللهُ رابعةً تعودُ) وقول أبي النجم: [الرجز]. (قد أصبحْت أمُّ الخيارِ تدَّعي ... عليَّ ذنبًا كلُّهُ لَمْ أَصْنَعِ) مسألة [76] زَعَمَ ابن مالك وابنُه أنّ (ما) قد تُعمَلُ مَعَ تقدُّم خبرها، كقوله: [البسيط]. (فأصبَحُوا قد أعادَ اللهُ نِعمتَهُم ... إذْ هُمْ قريشٌ وإذْ ما مِثْلَهُمْ بَشَرُ)

ومع انتقاض نفي الخبر بإلا كقوله: [الوافر]. (وما حَقُّ الذي يَعتو نَهَارًا ... ويَسْرِقُ ليلَهُ إلا نَكَالا) وقال آخر: [الطويل]. (وما الدّهرُ إلا منجنونًا بأهْلهِ ... وما صاحبُ الحاجات إلا مُعَذَّبا) فأما البيت الأول فإنه للفرزدق يمدحُ به بني أميّةَ، يقول: إنّ مُلْكَ العرب كان في الجاهلية لغير قريش وسائر مَضُر، وكانوا أحق به لفضلِهم على جميع البشر، فلما جاء الإسلام رجعَ إليهم الملكُ الذي كانوا أحقّ الناسِ به. وهذا البيتُ حملَهُ سيبويه على ما ذكرنا من أعمال (ما) مع تقدّم خبرِها، وهو مُشكل؛ لأن الفرزدق تميمي، وبنو تميم لا يعملون (ما) مع تأخُّرِ خبرها، فكيف مع تقدّمه. وقد أُجيب: بأنّه أرادَ أنْ بتشبه بالحجازيين فلم يَدْرِ ما شرطُ إعمالِها عندهم، وبأنَّهُ أرادَ أنْ يُخَلِّصَ الكلامَ للمدح، لأنَّك إذا قُلْتَ: ما مثلُكَ أحدًا، فنفيت الأحدية، احتمل المدح والذمَّ، فإن نصبتَ المثل ورفعتَ (أحدًا) تعيَّنَ للمدح.

وفي الجوابين نظرٌ، لأن الشاعرَ إذا جازَ أنْ يَغْلطَ في لغةٍ غيره جازَ أنْ يَغْلَطَ في لغةِ نفسهِ /138/، وزالتِ الثّقةُ بكلامهِ، ولأنّ السياقَ يعيّن الكلامَ للمدحِ. وقال غيرُ سيبويه: لا إعمال في البيت، ثم قيل: مثلَهُم، مبتدأ، وفتحتُه، بناء، لا بهامهِ ولإضافتِه لمبني مثل: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} فيمن قرأه بالفتح، وقيل حالٌ من (بشر) وحُذِفَ الخبرُ، والأصل: ما في الوجود بَشرٌ مثلُهُم، برفع (مثل) على الصفة للنكرة، ورُدَّ بأن معاني الأفعال لا تعمل مضمرة، وقيل ظرف. والمعنى: ما بَشَرٌ في مكان مثل مكانِهم، ثم أنيبَتِ الصفةُ عن الموصوف، والمضافُ إليه عن المضاف. ورُدَّ بأنّ الصفة إنّما تخلف الموصوف إذا اختصَّتْ بجنسهِ، ولهذا جازَ: رأيتُ كاتبًا، وامتنع: رأيتُ طويلاً. وأما البيت الثاني فهو لمغلِّس بن لقيط. و (يَعْتُو) بالمهملة، أي: يستكبر أشدَّ الاستكبار، ويتجاوزُ الحدَّ. قاله الزُّبَيْديُّ، ويشهد له {فَعَتَوْا

عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ}، وقال الزمخشري: يتجاوزُ الحد في الظلم، وشهدُ له: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً} والعطفُ يؤذِنُ بالمُغابرة. وقوله: (إلا نَكالا) وهو محل الاستشهاد، ولا دليلَ فيه لوجهين، أحدُهما: لاحتمالهِ انّ الأصل (بألا نكالان) أي نكالٌ لعُتْوِّه، ونَكالٌ لسرقته، ثم حَذَفَ النونَ للضرورة، فهو حينئذِ مرفوعٌ لا منصوبٌ. والثاني: أن يكون أصله (إلا ينكل نكالاً) فالنصبُ على المصدريّةِ لا على الخبرية، ونظيرهُ: ما زيدٌ إلا سَبْرًا، أي إلا يَسيرُ، ولكن هذا ضعيف من وجهين، أحدُهما: أن فيه إضمار أن المصدرية وصلتِها، وإبقاء معمولِ الصلةِ، وذلك نظير حَذْفِ الاسم وابقاءِ بعضه، والثاني: أنّ المخبرَ عنه ليس اسم عَيْن كما هو في المثال، فالقياسُ فيهِ أنْ يرفعَ عبى الخبريةِ /139/ نحو: ما شأنُك إلا سَيْرٌ. وأما البيتُ الثالثُ، فالمنجنونُ: الدُّولاب، ولا دليل فيه أيضًا، لاحتمالهِ لأنْ يكونَ من باب "ما زيد إلا سَيْرًا" على أنّ الأصل: إلا يَدورُ دورانَ مَنْجَنُونٍ، وألا يُعَذَّبُ مُعَذَّبًا، أيْ تعذيبًا. كما قال تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ}، أي تمزيق، ثم حُذِفَ الفعلان وما أُضيف إلى منجنون، وأقيمَ المنجنون مقامَهُ.

مسألة [77] قد تدخل الباء الزائدة على خبر كان المنفية

وجوز ابن با بشاذ أن يكون الأصل: إلا كنجنون، ثم حُذِفَ الجار، فانتصب المجرور. ومَنْ زَعَمَ أن كافَ التشبيه لا تَتَعلَّقُ بشيء فَهَذَا التخريج عندَهُ باطلٌ، إذْ كانَ حَقُّه أنْ يرفعَ المجرورَ بَعْدَ حَذْفِها، لأنَّهُ كانَ في محلِّ رفع على الخبرية لا في موضعِ نَصْبٍ باستقرار مقدر، فإذا ذهبَ الجارُّ ظهرَ ما كان للمحلِّ. مسألة [77] قد تدخلُ الباءُ الزائدةُ على خبر كان المنفية كقوله: [الطويل]. (وإنْ مدت الأيدي إلى الزادِ لَمْ أكُنْ ... بأعجلهِم إذْ أجْشَعُ القَومِ أعْجَلُ) وعلى المفعول الذي أصله خبر المبتدأ إذا نفي عاملهُ كقوله: [الطويل].

(دعاني أخي والخيل بيني وبينه ... فلما دعاني لم يجدني بقُعْدَدِ) وعلى خبر مبتدأ مسبوق بهل كقوله: [الطويل]. (ويقول إذا أقلولي عليها وأقْرَرَتْ ... ألا هَلْ أخو عيشٍ لذيذٍ بدائمِ) وعلى خبر أن كقوله: [الطويل]. (فإن تنأ عنها حقيةً لا تُلاقِها ... فإنّك مِما أحدَثَتْ بالمجربِ) فأما البيت الأول فإنه للشَّنْفَري الأزديّ، واسمه ثابت بن جابر، وهو أحد خُرَّاب العرب، أي لصوصهم، والواحد حَارِبٌ. و (الزاد) في الأصل الطعام الذي يتخذ للسفر، ثم أطلق على /140/ كل طعام. و (الجَشَع) بالجيم فالمعجمة فالمهملة: أشد الحرص على الأكل، ويُقال منه: جَشِعَ، بالكسرِ، فهو جَشِعٌ ومِجْشَاعٌ، قال: [الطويل]. (ولستُ بِمْجْشَاعٍ وإنْ كُنْتُ أخمصًا ... ولا هَلِعٌ عند الصريخِ المُثوِّبِ) و (أعجلُ) في البيت بمعنى: عجِل، لا للتفضيل.

والبيت من كلمة شهيرة تسمى لامية العرب، وكان أهل الأدب يقولون: أولى ما تراض به الأبناء لاميةُ العرب، أو السّبْعُ الطِّوال، فإنّها تفتق الألسنَ بالفصاحة، وتهذّب الأخلاقَ، وتزيد في العقل. وأولها: (أقيموا بني أُمّي صدورَ مطيُكم ... فإني إلى قومٍ سواكم لا ميلُ) (فقد حُمَّتِ الحاجاتُ والليلُ مقمرٌ ... وشُدَّت لطيّاتٍ مَطايا وأرحلُ) (وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلى مُتحولُ) (لعَمْرُكَ ما في الأرض ضيق على امرئٍ ... سَرَى راغبًا أو راهبًا وهو يَعقِلُ) (ولي دونَكم أهلون سِيد عملسٌ ... وأرقطَ زهلولٌ وعَرفاءَ جَيْألُ) (هُم الأهل، لا مستودعُ السرِ شائعٌ ... لديهم ولا الجاني بما جَرِّ يُخْذَلُ) (وكلُّ أبيُّ باسِلٌ غيرَ أنني ... إذا عرضت أولى الطرائدِ أبْسَلُ) (وإن مُدَّتِ الأيدي ........... البيت) (وما ذاك إلا بَسْطَةٌ عن تفضُّلٍ ... عليهم وكانَ الأفضلَ المتفضِّلُ) ومنها: (أُديمُ مطالَ الجوعِ حتى أُميتَهُ ... واضرب عنه الذكرَ صَفْحًا فأذْهَلُ) (وأسْتفُّ تُرْبَ الأرض كيلا يُرى له ... عليَّ من الطَّوْلِ امروءٌ مُتَطَولُ) (ولولا اجتناب الذامِ لَمْ يُلْفَ مَشْرَبٌ ... يُعابُ بِهِ إلا لَدي ومأكل) (ولكن نفسًا حرة لا تقيم بي ... على الخَسْفِ إلا رَيْثَما أتحوَّلُ)

ومن أبياتها بيت يأتي شرحه- إن شاء الله تعالى- في حروف الجر. يقال: أقام /141/ صدر مطيّتهِ، إذا سار. و (حُمَّتْ) بالمهملة المضمومة: قُدِّرتْ. و (مُقْمِرٌ) واضح. والطِّيَّة، بكسر المهملة: الحاجة. و (مَنْأَى) مَبْعَدٌ. و (سِيدٌ) ذئبٌ، وجمعه سيدانٌ. و (عملَّس) خفيف. و (أرقط) نمرٌ. و (زُهلول) خفيف اللحم. و (عَرفاء) ضَبُعٌ. و (جيأل) علمٌ عليها، فهو بدل من ضبع، لا عطف بيان، لأن عرفاء نكرة، ولا صفة لأن العلم لا يوصف به و (الباء) في (بما) باء السببية، وهي متعلقة بجر، و (جرَّ) من (الجريرة)، وهي الجناية. و (أبيُّ) حميُّ ممتنعٌ، و (باسل) شديد الإقدام، وأَبْسَل: أشدّ بسالةً. وأما البيت الثاني فإنه لدريد بمن الصِّمة الجُشَمي. و (القُعْدَد) بضم الدال وفتحها، قال في المحكم: الجبان: اللئيم القاعد عن الحرب والمكارم. وقال ابن السيد في شرح الكامل: الجبان وأيضًا أقعد القرابة في النسب أي أحطهم فيه. وقال الجوهري: القريب الأباء إلى الجد الأكبر، وأنشد عليه البيت. قال: ووجه الذَّمِّ به أنه من أولاد الهَرْمَى، فيكون ضعيفًا، ويمدح به أيضًا، لأن الولاء للكُبْر. وكان من خبر هذا الشعر أن عبد الله أخا دريد غزا بقومه غطفان، فغنم وانصرف ونزل بمنقطع اللوى، فقال له دريد: ليس هذا بمنزل لك والقوم تابعوك لأجل ما غنمت منهم، فلم يسمع منه، فطلع دريد

على رابية وأنذرهم مجئ الخيل، ووصف من عليها، فقال عبد الله: هذه فزارة، ولا بأس علينا، ثم أنذرهم آخرين ووصفهم، فقال: هذه أشجع ولا بأس، ثم أنذرهم بآخرين ووصفهم، فقال: هذه عبس، وقد جاءكم الموت، فأدركتهم الخيل، وقاتلوهم قتالاً شديداً، وطعن ذؤاب ابن أسماء عبد الله، فسقط إلى الأرض واستغاث بدريد، فأقبل يدفع عنه الخيل ساعة، ثم صرع دريد وقتل عبد الله، وانهزم أصحابه، واستنقذت الغنيمة، ويسمى ذلك يوم / 142/ اللوى، فقال دريد: (نصحت لعارض وأبناء عارض ... ورهط بني السوداء والقوم شهدي) (وقلت لهم إن الأحاليف كلها ... قعود على ماء الشليل فثهمد) (وقلت لهم: ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم بالفارسي المسرد) (أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد) (فلما عصوني كنت منهم وقد أرى ... غوايتهم وأنني غير مهتد) (وهل أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد) (تنادوا وقالوا أردت الخيل فارساً ... فقلت أعبد الله ذلكم الردى) (دعاني أخي .......... البيت)

(فطاعنت عنه الخيل حتى تبددت ... وحتى علاني حالك اللون اسود) (طعان امرئ آسى أخاه بنفسه ... ويعلم أن المرء غير مخلد) (فإن يك عبد الله خلى مكانه ... فما كان وقافاً ولا طائش اليد) (كميش الازار خارج نصف ساقه ... صبور على اللأواء طلاع أنجد) (قليل التشكي للمصيبات حافظ ... من اليوم أعقاب المصيبات في غد) (وهون وجدي أنني لم أقل له ... كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي) (فإن تعقب الأيام والدهر تعلموا ... بني قارب أنا غضاب بمعبد) (الشهد) جمع شاهد، بمعنى حاضر. و (الأحاليف) الأصحاب، والواحد حليف، كحديث وأحاديث. (والمدجج) بالفتح والكسر: الكامل السلاح، وقيل: لابس السلاح، وإن لم يكمل وقيل: هو بالكسر للفارس، وبالفتح للفرس، وإنهم كانوا يدرعون الخيل. و (الفارسي) دروع تصنع بفارس. و (المسرد) المنسوج بالحلق المحكم. وقيل: الدقيق محل السرد. و (سراتهم) أشرافهم، والواحد سري. و (منعرج / 143 / اللوى) ما انعطف من الرمل. وقوله (اسودى) أصله (أسودي) بياء مشددة

للمبالغة في معنى الصفة، كما يقال: احمري، ثم خفف فينبغي كتابته بالياء. و (كميش) مرتفع. وأما البيت الثالث فإنه للفرزدق يهجو كليباً، ويرميهم بإتيان الأتن، كما أن بني فزارة يرمون بإتيان الابل. قال: [البسيط]. (لا تأمنن فزارياً خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار) وقبل البيت: (وليس كليبي إذا جن ليله ... إذا لم يذق طعم الأتان بنائم) وقد وهم أبو علي في (التذكرة)، فقال في قول الفرزدق يرمي كليباً بذلك: [الوافر] كأن فوارساً لبني كليب ... ضفادع سبحت بمغير بان وما تنفك تبصر في طريق ... كليبياً عليه مزادتان أنه يريد أنهم حمارة، وأن زجرهم للحمير عند سيرهم بها كصوت الضفادع. والصواب أنه إنما أراد ما قدمنا، وأنه يريد أنهم أولاد الحمير. و (آقلولي) بالقاف: ارتفع. و (اقرد) بالقاف: لصق بالأرض من ذلة أو فزع.

وإذا قدّرت (هل) بمعنى ما مثلها في {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}، فلا دليل فيه. ويروى: ألا ليت ذا العيش اللذيذ. فيكون دليلاً على أن الباء قد تدخل على خبر ليت، وقد دخلت بعدها على أن السادة هي وصلتها مسد اسمها وخبرها في قول الحطيئة: [الوافر] (ندمت على لسان كان مني ... فليت بأنه في جوف عكم) و (اللسان) هنا الكلام لا الجارحة، لأن الندم لا يكون على الأعيان / 144 /، واستعمله مذكراً، وهو لغة التنزيل لجمعه فيه على ألسنة. و (العكم) هنا باطن الجنب، أتى به على المثل. وأما البيت الرابع فإنه لامرئ القيس. ومعنى (تنأى) تبعد. و (حقبة) مدة و (لا تلاقيها) بدل من (تنأى)، لأن النأي مشتمل على عدم اللقي. و (المجرب) ويروى بكسر الراء. وعليه يأتي الاستشهاد، أي: فإنك المجرب، ويكون فما أحدثت، إما (تبييناً) بتقدير (أعني) أو متعلقاً بالمجرب وباؤه للتعليل، أي بسبب ما أحدثته قبل ذلك في حال غيبتك. ويروي بفتحها، فالمجرب، قال أبو علي الجرجاني: اسم مكان، والباء ظرفية مثلها في {فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ} أي بحيث يفوزون

مسألة [78] إعمال لا النافية عمل ليس قليل وكثير

منه، وبحيث جربت، وقال غيره: صدر كالممزق في الآية، والباء بمعنى على، أي فإنك ستراها على التجربة التي عهدت وأول القصيدة. (خليلي مرا بي على أم جندب ... تقضي لبانات الفؤاد المعذب) (فإنكما أن تنظراني ساعة ... من الدهر ينفعني لدى أم جندب) (ألا ليت شعري كيف حادث وصلها ... وكيف تراعي وصلة المتغيب) (أدامت على ما بيننا من مودة ... أميمة أم صارت لقول المخبب) (اللبانات) الحاجات. وقال: نظره بمعنى انتظره. و (المخبب) بالخاء المعجمة والباء الموحدة المكسورة: المفسد / 145 /. مسألة [78] إعمال لا النافية عمل ليس قليل وكثير، فالقليل حيث لا تقترن بها التاء. وتختص هذه بالنكرات كالعاملة عمل أن المؤكدة ويغلب ترك خبرها كقوله: [مجزؤ الكامل]. (من صد عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح) ومن ذكره قوله: [الطويل]

(تعز فلا شيء على الأرض باقيا ... ولا وزر مما قضى الله واقيا) قيل: وقد تعمل في اسم معرفة كقوله: [الطويل]. (وحلت سواد القلب لا أنا باغيا ... سواها ولا في حبها متراخيا) والكثير حيث تقترن بالتاء، وتختص هذه بأسماء الزمان ويجب حذف أحد معموليها. والغالب كونه الاسم وكون معمولها لفظة (الحين) كقوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} وقرئ شاذاً برفع الحين وقال: [كامل] (ندم البغاة ولات ساعة مندم ... والبغي مرتع مبتغيه وخيم) فاعملها في (الساعة) وقال: [الخفيف].

(طلبوا صلحنا ولات اوان ... فأجبنا أن ليس حين بقاء) فاعملها في الأوان، وإنما كسره ونونه لما سيأتي. فأما البيت الأول فهو لسعد بن مالك القيسي، جد طرفه بن العبد. ومعناه: من أعرض عن اصطلاء نار الحرب فإنا مخالف له، لأني الفتى الأصيل المعروف المستغني بشهرته عن إطالة نسبته. وقوله (لا براح) تقرير للجملة السابقة، أي لا براح لي عنها. و (البراح) مشترك بين المكان والزمان. تقول: ما برحت من مكاني براحاً وبروحاً. وما برحت افعل كذا براحاً. وقيل: لا شاهد فيه، لجواز كون (براح) مبتدأ. ورد بأن / لا / الداخلة على الجمل الاسمية يجب إما اعمالها، أو تكرارها، فلما لم تتكرر / 146 / عُلِمَ أنها عاملة. فأجيب بأن هذا شعر، والشعر يجوز فيه أن ترد غير عاملة، ولا

مكررة. فرد بأن الأصل كون الكلام على غير الضرورة، وأول القصيد: (يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا) (والحرب لا يبقى لجا ... حمها النخيل والمراح) (إلا الفتى الصبار في الـ ... نجدات والفرس الوقاح) وبعد البيت: (صبراً بني قيس لها ... حتى تريحوا أو تراحوا) (إن الموائل خوفها ... يعتاقه الأجل المتاح) قوله (يا بؤس للحرب) نداء في معنى التعجب، أي: ما ابأسها وأشدها. واللام الجارة مقحمة لتوكيد معنى الإضافة، ويختص ذلك في النداء بهذه اللفظة ولا تقع في غير النداء إلا في باب (لا) يقولون لا أبا لزيد ولا أخا لعمرو، ولا غلامي لك، ولولا قصد الإضافة لم تحذف نون المثنى. ولم تثبت ألفاً (أب وأخ) فإن ذلك يقوله من ليس من لغته القصر، ولقيل: يا بؤساً، بالنصب، أو يا بؤس، بالضم. و (الوضع) ضد الرفع، أي أنها اسقطت شرفهم، إذ تركوها لعجزهم فاستراحوا من تحمل المشاق في ابتغاء الحمد.

وقال رجل للأخنف: ما أبالي أمدحت أم هجيت، فقال: استرحت من حيث تعب الكرام. و (أراهط) جمع أرهط، قال: [رجز]. وفاضح مفتضح في أرهطه [من أرفع الوادي ولا من يعتطه] و (أرهط) جمع (رهط)، وهذا أولى من قول سيبويه: إن أراهط جمع رهط على غير القياس. و (جاحم الحرب) معظم شدتها. و (التخيل) الخيلاء. أي: صاحب التخيل. و (المراح) / 147 / المرح واللعب، أي أنها تشغله عن خيلائه ومرحه. و (الفتى) بدل من صاحب التخيل على لغة تميم في إبدال المنقطع. و (النجدات) الشدائد. و (الوقاح) الصلب الجلد والحافر. ثم أمر إخوانه من بني قيس أن يصبروا للحرب حتى يظفروا بعدوهم، فيريحوا قومهم منه، أو يقتلهم عدوهم، فيريحوهم، و (الموائل) مفاعل من (وأل) منه إذا خلص، أي أن الذي يطلب الخلاص من الحرب لخوفه منهلا لا بد له من الموت. و (المتاح) المقدر. وما أحسن قول قطري بن الفجاءة، يخبر عن مخاطبته نفسه. واسم الفجاءة مازن، وسمي فجاءة

لأن أباه جاء به من اليمن فُجأة بعد ما صار رجلاً: [البسيط]. (أقول لها وقد طارت شعاعاً ... من الأبطال ويحك لا تراعي) (فإنك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاعي) (فصبراً في مجال الموت صبراً ... فما نيل الخلود بمستطاع) (سبيل الموت غاية كل حي ... وداعيه لأهل الأرض داع) (ومن لا يعتبط يسأم ويهرم ... وتسلمه المنون إلى انقطاع) (وما للمرء حير في حياة ... إذا ما عد من سقط المتاع) (الشعاع) بالفتح: المتفرقة. و (من الأبطال) إما متعلق بـ (تراعي) أو بـ (طارت). (يعتبط) بالعين والطاء المهملتين، يمت شاباً طرياً. وأما البيت الثاني فظاهر. و (التعزي) التصبر، مطاوع عزيته و (الوزر) الملجأ، وأصله الجبل، والجاران متعلقان باخبرين بعدهما، أو الأول صفة لما قبله. وأما البيت الثالث فإنه للنابغة الجعدي رضي الله عنه. وحمله بعضهم / 148 / على ظاهره، فأجاز عملها في اسم معرفة وهو قول أبي الفتح في كتاب (التمام)، وابن الشجري، وعلى ذلك يتخرج قول المتنبي: [الطويل].

(وإذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى ... فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا) والأولى في بيت النابغة أن يؤول على أن الأصل: لا أوجد باغيا. ثم حذف الفعل وحده، فبرز الضمير وأنفصل أولا أنا أوجد باغيا، ثم حذف الخبر، وبقي معموله كقراءة علي - رضي الله عنه - (ونحن عصبة) أي نوجد عصبة. ويروى: (لا أنا مبتغ سواها .. ولا عن حبها متراخيا) وعلى هذه الرواية أيضا معملة، ولكنه سكن ياء مبتغ للضرورة كقوله: (الوافر). كفى بالنأي من أسماء كاف ... (وليس لحبها ما عشت شاف) وقول الفرزدق في هشام: (الطويل). (يقلب رأسا لم يكن رأس سيد .. وعينا له حولاء باد عيوبها) وكان الأصل (كافيا) على التمييز، و (باديا) صفة لـ (عينا). و (عيوبها) فاعل بـ (باد)، ولو كان (باد) خبرا عن (عيوبها) لوجب أن

يقول: بادية. و (متراخيا) معطوف على (مبتغ). وجوز ابن الشجري كون (لا) مهملة فـ (مبتغ) مرفوع، قال: ويكون أعمل (لا) الثانية، وحذف اسمها، أي: ولا أنا متراخيا عن حبها، وحسن حذفه تقدم ذكره انتهى. ولم يثبت أن اسم لا هذه يحذف، والقياس يأباه، لأن اسم ليس لا يحذف، فالمحمول عليها أحرى بذلك. وقبله: (دنت فعل ذى ود فلما تبعتها ... تولت وخلت حاجتي في فؤاديا) وبعده: (أتيحت له وآلهم يحتضر المفتى ... ومن حاجة الإنسان ما ليس لاقيا) (فلا هي ترضى دون أمرد ناشئ ... ولا أستطيع أن أعيد شبابيا/ 149 /) (وقد طال عهدي بالشباب وطيبه ... ولاقيت أياما تشيب النواصيا) (ولو دام منها وصلها ما قليتها ... ولكن كفى بالهجر للحب شافيا) (وما رابها من ريبة غير أنها ... رأت لمتي شابت وشاب لداتيا) (ولكن أخو العلياء والجود مالك ... أقام على عهد النوى والتصافيا) (فتى كملت خيراته غير أنه ... جواد فما يبقي من المال باقيا) (فتى ثم فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعاديا) وهذان البيتان بديعان، ولم يورد أبو تمام في حماسته سواهما.

وانتصاب (غير) على الاستئناء المنقطع، ولولا أن القوافي منصوبة لكان يصح له أن يقول في بيت الشاهد: ولا في حبها متراخي على أن يكون من الضرب الثالث من أضرب الطويل، وهو فعولن كقوله: (الطويل). (أقيموا بني النعمان عنا صدوركم ... وإلا تقيموا صاغرين الرؤوسا) وأما قوله تعالى: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}، فالواو واو الحال، وقلما تستعمل (لات) إلا بعدها. و (لات) هي لا النافية زيدت عليها التاء لتأنيث اللفظة، أو للمبالغة في معناها، وإنما حركت لالتقاء الساكنين، وكانت الحركة فتحة لمناسبة الألف، لأنها أخف. والمعنى: وليس ذلك الحين حين فرار، فحذف اسمها، وبقي خبرها. هذا قول الجمهور. وقال الأخفش: هي لا العاملة عمل إن، وحين مناص اسمها، والمحذوف خبرها، قال: أو التقدير: لا أرى حين مناص، فانتصاب الحين على المفعولية. وقرئ برفع (الحين)، فقال الجمهور: هي على حذف الخبر،

فهي أفصح قياسا لا استعمالا. وقال أبو الحسن: مبتدأ حذف خبره. وقرئ بجر (الحين) فقال الفراء: هي حرف جر، وقال بعضهم: على اضمار (من)، وقال الزمخشري: الأصل مناصهم، ثم حذف الضمير. وشبه (مناص) / / بـ (إذ) في قوله: وأنت إذ صحيح. فبناه على الكسر، وعوضه التنوين، وصح فيه ذلك وإن لم يكن زمانا، لأنه مخفوض بإضافة الزمان، والمتضايقان كالشئ الواحد، ثم بنى (الحين) لاضافته إلى المبني. وأما البيت الرابع فواضح أيضا. و (البغاة) جمع باغ، والواو للحال مثلها في الآية. و (مندم) مصدر ميمي كمناص. و (المبتغي) الطالب. و (الوخيم) كالوبئ وزنا ومعنى. وأما البيت الخامس فإنه لأبي زبيد الطائي.

وروى أبو عمرو الشيباني وآبن الأعرابي أن رجلا من بني شيبان نزل برجل من طئ، فاضافة وسقاه، فلما سكر قام إليه بالسيف فقلته وهرب، فافتخرت بنو شيبان بذلك، فقال أبو زبيد: (الخفيف). (خبرتنا الركبان أن قد فرحتم ... وفخرتم بضربة المكاء) (ولعمري لعارها كان أدنى ... لكم من تقى وحسن وفاء) (ظل ضيفا أخوكم لأخينا ... في صبوح ونعمة وشواء) (لم يهب حرمة النديم ولكن ... يا لقوم للسوءة السواء) (فآصدقوني وقد خبرتم وقد ثا ... بت إليكم جوائب الانباء) (هل علمتم من معشر سافهونا ... ثم عاشوا صفحا ذوى غلواء) (كم أزالت رماحنا من قتيل ... قاتلونا بنكبة وشقاء) (بعثوا حربنا عليهم وكانوا ... في مقام لو أبصروا ورخاء) (ثم لما تشذرت وأنافت ... وتصلوا منها كريه الصلاء)

طلبوا صلحنا ... البيت (ولعمري لقد لقوا أهل بأس ... يصدقون الطعان عند اللقاء) (إننا معشر شمائلنا الصبر ... ودفع الأسى بحسن العزاء) (ولنا فوق كل مجد لواء ... فاضل في التمام كل لواء) (فإذا ما استطعتم فاقتلونا ... من يصب يرتهن بغير فداء) (المكاء) اسم للرجل الذي قتل و (جوائب) جمع جائبة، يقال: هل عندكم من جائبة خبر - وهو ما يجوب البلاد أي يقطعها. و (تشذرت) رفعت ذنبها، وأنافت: رفعت رأسها. وفي توجيه قوله: (ولات أو ان) أقوال، أحدها للفراء: أن لات تستعمل حرف جر. الثاني: لابن جني: أن الأصل ولات حين أوان صلح، ثم حذف خافض الأوان، وبقي عمله، وحذف محفوضه ورجع بالتنوين. والثالث للزمخشري: إن الأصل: أوان صلح، فحذف ثم أنه شبه أوانا بـ (إذ) في قوله: وأنت إذ صحيح. في أنه زمان قطع عن الاضافة، فبناه على الكسر، وعوض التنوين. وفيه نظر في موضعين، أحدهما: أن (إذ) لم تبن على الكسر بل على

مسألة [79] يقل إعمال (إن) النافية عمل ليس، وذكر أنه لغة أهل العالية

السكون، ثم لما جاء التنوين كسرت لالتفاء الساكنين، ولا يمكن هنا أن يقال: بنى (أوان) على السكون لأن ما قبل آخره ساكن. والثاني: أن العوض يسد مسد المعوض منه، ولو صرح بالمضاف اليه وجب الاعراب، فكذلك يجب مع عوضه. والرابع ذكره ابن الناظم، وهو أن الأصل (أوان صلح) ثم حذف المضاف إليه وبنى المضاف، كما في (قبل وبعد)، ولكن جعل بناءه على الكسر، تشبيها له بـ (نزال) في الوزن، ثم نونه للضرورة. مسألة [79] يقل إعمال (إن) النافية عمل ليس، وذكر أنه لغة أهل العالية، وعليه قراءة سعيد بن جبير: (إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم) بنون خفيفة مكسورة، ونصب {عِبادًا أمثالَكُمْ}، وقول الشاعر/ /: (المنسرح).

(إن هو مستوليا على أحد ... إلا على أضعف المجانين) فأما القراءة فخرجها على ذلك أبو الفتح، وتبعه الناظم وابنه، وظن أبو حيان أن تخريجها على ذلك يوقع في تناقض القراءتين فإن الجماعة يقرأون بتشديد النون وفتحها، ورفع (عباد وأمثالكم)، وذلك إثبات، وقراءة سعيد على هذا التخريج نفي، فخرجها على أنها إن المؤكدة خففت ونصب الجزأين، كقوله: إن حراسنا أسدا. (إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافا إن حراسنا أسدا) ولم يثبت الاكثرون إعمال (ان) النصب في الجزأين، وتاولوا ما أوهم ذلك، ثم القائلون به لم يذكروه إلا مع التشديد، لا مع التخفيف، ثم التناقض الذي توهمه مدفوع، لأنهم أمثالهم في أنهم مخلوقون، وليسوا

أمثالهم في الحياة والنطق، وقراءة سعيد على هذا التخريج أقوى في التشنيع عليهم من قراءة الجماعة، ويؤيدها ما بعدها من قوله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا} ... الآيات). وأما البيت فواضح، وهو من إنشاء الكسائي، ويروى: إلا على جذبه الملاعين وفيه على الروايتين شاهد على مسألة أخرى، وهي أن انتقاض النفي بعد الخبر لا يقدح في العمل، ومثله في ذلك قول الآخر: (الطويل). (إن المرء ميتا بانقضاء حياته ... ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا)

شواهد باب أفعال المقاربة

شواهد باب أفعال المقاربة مسألة [80] ربما جاء خبر (عسى وكاد) اسما مفردا، فالأول كقولهم في المثل: "عسى العوير ابؤسا"، وقوله: (الرجز). (اكثرت في العدل ملحا دائما ... لأتكثرن أني عسيت صائما) والثاني كقوله: (الطويل). (فأبت إلى فهم وما كدت آبيا) ... (وكم مثلها فارقتها وهي تصفر).

فأما/153 / المثل فعسى للاشفاق، و (الغوير) ماء لكلب معروف، قاله ابن الكلبي، وهو في الأصل تصغير غور أو غار. و (الا بؤس) جمع بؤس، وهو الشدة، واصل المثل: إن الزباء لما قتلت جذيمة جاء قصير إلى عمرو بن عدي، فقال: ألا تأخذ بثأر خالك؟ فقال: كيف السبيل إلى ذلك، فعمد قصير إلى أنفه فجدعها. فقالت العرب: (لا مر ما جدع قصير أنفه) وأتى الزباء، وزعم أنه فر إليها، وأنهم آذوه بسببها، وأقام في خدمتها مدة يتجر لها، ثم أنه أبطأ عنها في سفره، فسألت عنه، فقيل: أخذ طريق الغوير، فقالت، "عسى الغوير أبؤسا"، ثم لم يلبث أن جاء بالجمال عليها صناديق في جوفها الرجال، فلما دخلوا البلد خرجوا من الصناديق، وانضاف إليهم الرجال الموكلون بالصناديق والجمالون، فقتلوا في الناس قتلا ذريعا، وقتلوا أهل الزباء وأسروها، وفقأوا عينيها، وأتوا بها عمرا، فقتلها، وقيل: أنها امتصت خاتما كان معها مسموما.

ومعنى المثل: لعل الشر يأتي من قبل الغوير، يضرب للرجل يتوقع الشر من جهة بعينها. وجاء رجل إلى عمر - رضي الله عنه - يحمل لقيطا، فقال له عمر: هسى الغوير أبؤسا. قال ابن الأعرابي: عرض به، أي لعلك صاحب اللقيط. ووهم ابن الخباز في أصل المثل، فقال: قالته الزباء حين الجأها قصير إلى غارها. انتهى. وفي الصحاح قال الأصمعي: اصله أنه كان غار فيه ناس، فإنهار عليهم، أو أتاهم فيه عدو فقتلوهم، فصار مثلا لكل شئ يخاف أن يأتي منه شر. قلت: وتكون الزباء تكلمت به تمثلا، وهذا أحسن، لأن الزباء فيما زعموا رومية / 154 /، فكيف يحتج بكلامها، وقد يقال: وجه الحجة أن العرب تمثلت به بعدها. واختلف في ناصب (أبؤسا)، فعند سيبويه وأبي علي: أنه (عسلا)، وأن ذلك من مراجعة الأصول. وقال ابن الأعرابي: بـ (صير) محذوفة. وقال الكوفيون: التقدير: أن يكون (أبؤسا)، ومنع سيبويه إضمار أن يكون في قوله: (الوافر).

(وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان) لأن فيه اضمار الموصول، وقدر إلا صفة، وقيل: التقدير يكون أبؤسا. وفيه مجئ الفعل بعد (عسى) بغير (أن)، واضمار (كان) غير واقعة بعد أداة تطلب الفعل. وقيل: التقدير، عسى الغوير يأتي بأبوس. وفيه ترك (أن) واسقاط الجار توسعا ولكن يشهد له قول الكميت: (البسيط). (قالوا أساء بنو كرز فقلت لهم ... عسى الغوير بإباس وإغوار) وتلخص أن (أبؤسا) خبر لعسى، أو لكان، أو لصار، أو مفعول به. وأحسن من ذلك كله أن يقدر: ييأس أبؤسا، فيكون مفعولا مطلقا، ويكون مثل قوله تعالى: {فَطَفِقَ مَسْحاً} أي يمسح مسحا، وقول أبي دهبل الجمحي: (الطويل). (لأوشك صرف الدهر تفريق بيننا ... ولا يستقيم الدهر والدهر أعوج)

أي لأوشك يفرق بيننا تفريقا، ثم حذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه، وأضيف إلى ظرفه، وهذا شعر رقيق، وصدر قصيدته: (تطاول هذا الليل ما يتبلج ... وأعيت غواشي الهم ما يتفرج) (وبت كئيبا ما أنام كأنما ... جلال ضلوعي جمرة تتوهج) (فطورا أمني النفس من غمرة المنى ... وطورا إذا ما لج بي الحب أنشج) (لقد قطع الواشون ما كان بيننا ... ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج) (أخطط في ظهر الحصير كأنني ... أسير يخاف القتل ولهان محرج) / 155 / والحذف في الآية خير منه في البيتين، لأن مجئ الفعل بعد عسى وأوشك بغير أن ضرورة. وفي الوجز على التأويل المذكور مجاز، وهو إسناد الفعل إلى المكان على حد قوله تعالى: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، وهو لازم لمن قدر: يكون أو يصير. وأما البيت الأول فمشهور، وطعن فيه عبد الواحد الطواح في كتاب

(بغية الأمل ومنية السائل)، فقال: هو بيت مجهول لم ينسبه الشراح إلى أحد، فسقط الاحتجاج به، ولو صح ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتا من كتاب سيبويه، فإن فيه ألف بيت قد عرف قائلوها وخمسين مجهولة القائلين. وحرف ابن الشجري هذا الرجز فأنشده. (قم قائما قم قائما ... إني عسيت صائما) وإنما "قم قائما" صدر رجز آخر يأتي شرحه - إن شاء الله تعالى - في باب الحال. ولا يتركب قوله: (إني عسيت صائما) عليه، بل على ما قدمنا فإن معناه: أيها العادل الملح في عدله أنه لا يمكن مقابلة كلامك بما يناسبه من السب، فإنني صائم. وهو مقتبس من الحديث: "فليقل إني صائم"، ويروى (لا تلحني) مكان (لا تكثرن)، وهو بفتح الحاء، يقال: لحيته، بالفتح، الحاه لحيا إذا لمته. والشاهد في قوله: "صائما"، فإنه اسم مفرد جئ به خبرا لعسى كذا قالوا، والحق خلافه، وأن (عسى) هنا فعل تام خبري، لا فعل ناقص إنشائي. يدلك على أنه خبري، لا فعل ناقص إنشائي. يدلك على أنه

خبري وقوعه خبرا لأن، ولا يجوز بالاتفاق، أن زيدا هل قام، وأن هذا الكلام يقبل التصديق والتكذيب، وعلى هذا فالمعنى: إني رجوت أن أكون صائما. فصائما خبر لكان، وأن والفعل مفعول لعسى. وسيبويه يجيز حذف أن والفعل إذا قويت الدلالة على المحذوف. ألا ترى أنه قدر في قوله: / / "من لد شولا" من لد أن كانت شولا. ومن وقوع عسى فعلا خبريا قوله تعالى: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا}، ألا ترى أن الاستفهام طلب فلا يدخل على الجملة الانشائية، وأن المعنى: هل طمعتم ألا تقاتلوا، إن كتب عليكم القتال؟ ومما يحتاج إلى النظر قول القائل: عسى زيد أن يقوم. فإنك إن قدرت (عسى) فيه فعلا إنشائيا، كما قال النحويون، أسكل، إذ لا يسند فعل الإنشاء إلا إلى منشئه، وهو المتكلم، كبعت واشتريت واقسمت وقبلت وحررتك. وأيضا فمن المعلوم أن زيدا لم يترج، وإنما المترجي المتكلم. وإن قدرته خبرا، كما في البيت والآية، فليس المعنى على الأخبار، ولهذا لا يصح تصديق قائله ولا تكذيبه. فإن قلت: يخلص من هذا الأشكال أنهم نصوا على أن كان وما أشبهها أفعال جارية مجرى الادوات فلا يلزم فيها حكم سائر الأفعال.

قلت: قد اعترفوا مع ذلك أنها مسندة، إذ لا ينفك الفعلا المركب عن الاسناد، إلا إن كان زائدا أو مؤكدا، على خلاف في هذين أيضا. وقالوا: إن كان مسندة إلى مضمون الجملة، فمعنى: كان زيد أخوك، نسبة الكون والحصول إلى (أخوة) زيد، وقد بينا أن الفعل الإنشائي لا يمكن إسناده لغير المتكلم، وإنما الذي يخلص من الأشكال أن ندعي أنها هنا حرف بمنزلة لعل، كما قال سيبويه والسيرافي بحرفيتها في نحو: عساي وعساك وعساه. وقد ذهب أبو بكر وجماعة إلى أنها حرف دائما، وإذا حملناها على الحرفية زال الاشكال، إذ الجملة الإنشائية حينئذ اسمية لا فعلية، كما تقول: لعل/ 157 / زيدا يقوم. فاعرف الحق ودع التقليد، وآستفت نفسك وإن افتاك الناس، وميز بين وقوعها خبرا وإنشاء، ووقوعها فعلا وحرفا. وأما البيت الثاني فإنه لتأبط شرا، واسمه ثابت بن جابر، ووافقه في أسمه واسم أبيه الشنفري، وإنما لقب بذلك، لأن أمه قالت له يوما: إن الغلمان يجنون لا هلهم الكمأة، فهلا فعلت كفعلهم؟ فأخذ جرابه ومضى،

فملأه أفاعي، وأتى متأبطا به، أي جاعلا له تحت إبطه، فألقاه بين يديها، فخرجت الأفاعي منه تسعى، فولت هاربة. فقال لها نساء الحي: ما الذي كان ابنك متأبطا له؟ فقالت: تأبط شرا. فلزمه هذا اللقب. ومعنى: (أبت) رجعت. و (فهم) قبيلته. ويروى: وما كنت آيبا، ولم اك آيبا. وضعفهما ابن جني في كتاب (التنبيه). وقال: إنما المعنى: فأبت وما كدت آوب، لقولك سلمت وما كدت اسلم. ولا معنى لأن يقول: وما كنت، أو لم أكن. انتهى. وقال الأعلم: معناهما ما كان حالي حال من يؤوب حين أحيط بي لولا تحيلي. وعلى هاتين الروايتين فلا شاهد فيه. وتمامه: وكم مثلها فارقتها وهي تصفر أي: وكم خطة مثل هذه لاقيتها وتخلصت منها وهي تصفر ندما حين فتها. وأراد بالصغير النفخ عند الندم. ومن ألفاظ هذا الشعر. إذا سد منها منخر جاش منخر

كما سيأتي. ومن محاسن أهل الأدب أن محيي الدين بن قرناص الأديب قال بحضرة شرف الدين الحلي ملغزا في الشبابة: / 158 / (الطويل). (وناطقة خرساء باد شحويها ... تكنفها عشر وعنهن تخبر) (يلذ إلى الأسماع رجع حديثها ... إذا سد منها منخر جاش منخر) فأجابه في الحال: (الطويل). (نهاني النهى والشيب عن وصل مثلها ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر) وأول الشعر: (إذا المرء لم يحتل وقد جد جده ... أضاع وقاسى أمره وهو مدبر) (ولكن أخو الحزم الذي ليس نازلا ... به الخطب إلا وهو للخطب مبصر) (فذاك قريع الدهر ما عاش حول ... إذا سد منه منخر جاش منخر) (أقول للحيان وقد صفرت لهم ... وطابي ويومي ضيق الباع معور) (هما خطتا إما إسار ومنة ... وإما دم والقتل بالحر أجدر) (وأخرى أصادي النفس عنها وإنها ... لمورد حزم إن فعلت ومصدر) (فرشت لها صدري فزل عن الصفا ... به جؤجؤ عبل ومتن مخصر) (فخالط سهل الأرض لم يكدح الصفا ... به كدحة والموت خزيان ينظر) (فأبت إلى فهم ....... البيت)

وكان من خبره أنه تدلى من قنة إلى سفحة، ليشتار عسلا، وتحته صخرة ملساء تنتهي إلى الحضيض. وعرفت لحيان بمكانه، وكان يغير عليهم كل وقت، فأتوه وحركوا له الخيل، فسألهم أن يرقى إليهم، ويفدي نفسه فأبوا عليه، فصب العسل على الصفا، وجعل عليه صدره، فنزل قليلا حتى بلغ الحضيض، وهم ينظرون، وكان بين الموضع الذي تدلى منه والذي انتهى إليه ثلاثة أيام لمن سار في أسفل الجبل. و (القريع) الداهية. و (الحول) المتحول من حال إلى حال. و (جاش) فار/ 159/ وغلا، وهذا تمثيل. والمعنى: إذا ضاق عليه مذهب احتال فاتسع له مذهب آخر. و (لحيان) قبيلة من هذيل. و (صفرت) خلت من الشراب. و (الوطاب) زقاق اللبن، ضربة مثلا لإشرافه على الموت حين أحيط به، فجعل نفسه كمن مات فخلا جسمه من روحه، كما تخلو الوطاب من اللبن، ونظيره قول ارئ القيس: وأفلتن علباء جريضا ... ولو أدركته صفر الوطاب أي: هلك. و (معور) بادي العورة للعدو، وإنما ضيق الباع والإعوار لنفسه لا لليوم، ومثله: (والليل إذا يسر) و (الخطتان) الخصلتان، وحذف النون للضرورة. ومما عزت العرب للبهائم أن الحجلة تقول للقطاة: بيضك ثنتا وبيضي مئتا

مسألة [81] ندر ورود خبر (جعل) جملة اسمية

ومن خفض (اسارا ومنة) فالضرورة في الفصل بين المتضايقين بإما. و (الدم) هنا كناية عن القتل. و (المصاداة) المداراة والمعالجة. والخصلة الأخرى الهبوط على الصفا. و (الجؤجؤ) وسط الصدر. و (العبل) الغليظ. و (المتن) الظهر. و (المخصر) الرقيق الخصر. و (الكدح) التأثير والخدش. مسألة [81] ندر ورود خبر (جعل) جملة اسمية كقوله: (الوافر). (وقد جعلت قلوص ابني سهيل ... من الأكوار مرتعا قريب) وهو من إقامة الجملة الإسمية مقام الفعلية، كما قيل في (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير)، إن الجملة الاسمية وقعت جوابا ل (لو) على ذلك، وفي قوله: (الطويل). (ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إلي فهلا نفس ليلى شفيعها) أنه وقع الجملة الإسمية بعد حرف التحضيض، وسيأتي البحث فيه عند الكلام على أدوات التحضيض/ 160/ إن شاء الله تعالى.

و (القلوص) الشابة من النوق. والمعنى: طفقت يقرب مرتعا من الأكوار. أي أنها لما أعيت حط عنها رحلها. فزعت قريبا ولم تبعد. وذكر الشلوبين فيما كتبه على الحماسة أن بعض الناس أجاز أن يكون (جعل) بمعنى (صير) وحذف منم (جعلت) ضمير الشأن. والتقدير: وقد جعلته، أي جعلت الأمر والشأن مرتعها قريب من الكوار. وإن آخر أجاز أن يكون على الغاء (جعلت) مع تقدمها على جد اجازة أبي الحسن: طننت عبد الله منطلق. انتهى. قلت: إنما يجوز إلغاء أفعال القلوب لا أفعال التصيير ويؤيد القول الأول، وهذا القول، لو صح أنه يروى بنصب (القلوص) على أنه مفعول أول، والجملة الاسمية مفعول ثان، وفاعل (جعلت) على هذه الرواية، وعلى رواية الرفع على التوجيهيين المذكورين آنفا ضمير المرأة السابق ذكرها في قوله: فلست بنازل إلا ألمت ... برحلي أو خيالتها الكذوب

مسألة [82] الغالب اقتران الفعل بعد عسى وأوشك بأن

ويقال: خيال وخيالة، كما يقال: حال وحالة، ومكان ومكانة. وبعده: (كأن لها برحل القوم بوا ... وما إن طبها إلا اللغوب) أي لم يكن داؤها إلا الكلال، فهي لا تبرح. و (البو) جلد الحوار يحشى ويقرب إلى أمه، لتعطف عليه ويدر لبنها، وذلك إذا فقدت ولدها بذبح أو غيره. مسألة [82] الغالب اقتران الفعل بعد عسى وأوشك بأن، نحو: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ}، وقوله: (الطويل). (إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت ... حبال الهوينا بالفتى أن تقطعا) وربما تجرد منها كقوله: [الوافر]: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب

وقوله: (المنسرح). (يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها) فأما البيت الأول فأنشده ثعلب في أماليه، قال: أنشدنا ابن الاعرابي، وذكره، ومعناه واضح. وفيه رد على الأصمعي إذ زعم أنه يقال: يوشك، ولا يستعمل له ماض، وقبله: (أبا مالك لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك فضل الله فالله فالله واسع) وأما البيت الثاني فإنه للكلحبة، بفتحة فسكون ففتح الحاء المهملة وباء موحدة، واسمه عبد الله بن هبيرة. ومعناه: من لم يركب الهول تقطع أمره، وكانوا يقولون: من أشعر نفسه الجرأة والغلبة ظفر، ومن تذكر الذحول أقدم. و (الذحول) بالذال المعجمة: جمع ذحل، وهو العداوة.

والشاهد في قوله: (أن تقطعا)، فاستعمل الفعل بعد أوشك بأن. وفيه شاهد آخر، وهو الاستغناء بالظاهر عن المضمر، وذلك في قوله: (بالفتى)، وكان الأصل (به)، فلما اضطر أتى بالظاهر، ولم يأت بذلك الظاهر المتقدم، بل بمرادفه، وهو أحسن، دفعا للتكرار، ولنه نسبة الضمير في مخالفته للفظ ما سبق. وفيه استعارة الحبال للهوينا، تنزيلا للمعقول منزلة المحسوس، وترشيح الاستعارة بذكر التقطع، وقبله: (أمرتهم أمرى بمنعرج اللوى ... ولا رأى للمغضي إلا تصنعا /162/) وانتصاب (تصنع)، أما لأنه حال من الرأي وإن كان نكرة، لنه في سياق النفيض، أو من ضميره المستتر في صفته، وهي للمغضي، أو لأنه مستثنى على أنه صفة للرأي، وذلك على قول الأخفش: إن إلا تعترض بين الموصوف وصفته. والفارسي يمنع من ذلك. ومن أبيات القصيد قوله: (وقد جعلتني من خزيمة إصبعا) وأما البيت الثالث فإنه لهدبة بن خشرم. والهدبة: طرف الثوب. والخشرم: جماعة النحل.

وكان من خبره أنه قتل زيادة بن زيد الحارثي، فحمله أخوه عبد الرحمن إلى معاوية رضي الله عنه، فأدعى عليه، فقال له معاوية: ما تقول؟ فقال: أأجيبك شعرا أم نثرا؟ فقال: بل شعرا. فقال مرتجلا: (الطويل). (ألا با لقومي للنوائب والدهر ... وللمرء يردي نفسه وهو لا يدري) (وللأرض كم من صالح قد تلمات ... عليه فوارته بلماعة قفر) (فلا ذا جلال هبنة لجلاله ... ولا ذا ضياع هن يتركن للفقر) إلى أن قال: (رمينا فرامينا فصادق سهمنا ... منية نفس في كتاب وفي قدر) (وأنت أمير المؤمنين فما لنا ... وراءك من مغزى ولا عنك من قصر) (فإن تك في أموالنا لا نضق بها ... ذراعا وإن صبرا فنصبر للصبر) فقال له معاوية: قد اعترفت. فقال: هو ذاك. فقال أخو المقتول: أقدني منه، فنظر معاوية فإذا للمقتول ولد صغير، فقال يحمل إلى المدينة فيحبس بها إلى أن يبلغ الصبي. فلبث في السجن /163/ سبع سنين، وكان معه رجل مسجون يقال له أبو نمير فجالسه يوما، وأظهر له التألم، فقال: (يؤرقني اكتئاب أبي نمير ... فقلبي من كآبته كئيب) (فقلت له هداك الله مهلا ... وخير القول ذو اللب المصيب)

(فإنا قد حللنا دار بلوى ... فتخطئنا المنايا أو تصيب) (عسى الكرب ...... البيت) يروى بفتح التاء من (أمسيت). وبعده: (فيأمن خائف ويفك عان ... ويأتي أهله الرجل الغريب) قوله (دار بلوى) يعني السجن. قوله (ذو اللب) أي قول ذي اللب. فلما بلغ الصبي عرضت عليه عشر ديات فأبى إلا القود، فدفع إليه، فقتله صبرا، وهو أول مصبور بالمدينة بعد غهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن المسيب. ورأيت في بعض الكتب أنه جيء به مقيدا فقال: (الطويل). (إذا العرش إني مسلم بك عائذ ... من النار ذوبث إليك فقير) و (عسى) في البيت للترجي. و (الكرب) الهم لأنه قريب من الإنسان، قال: (الطويل).

(سبقت إليك الموت والهم كاربي) و (وراء) ظرف مؤنث، لتصغيره على (وريشة)، وظهور الهمزة في تصغيره دليل على أنه ليس من (وأريت)، كما قال بعضهم. والظاهر أنه بمعنى: أمامه، كقوله تعالى: {مِّن وَرَأَىئِهِ جَهَنَّمُ}، و {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَاخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}. و (الفرج) انكشاف الهم. و (فرج) مبتدأ، وقريب صفة والظرف خبر /164/، والجملة خبر يكون، واسمها ضمير الكرب، ويكون وما بعده خبر (عسى). ويجوز تقدير (يكون) تامة، ويكون فاعلها ضمير الكرب، والجملة الاسمية حالا. ويجوز على الوجهين أن يكون (فرج) فاعلا بالظرف، على أنه خبر الناقصة، وحال من فاعل التامة، وهذا أرجح من تقديره مبتدأ. وإنما لم أقدر (فرج) اسم يكون على أنها التامة، و (وراءه) متعلق ب (يكون) كما فعل بعضهم، لأن فاعل الفعل الواقع في باب (كاد) لا يكون إلا ضميرا راجعا للاسم السابق، فلا يجوز (كاد زيد يموت أبوه)، وما خرج عن ذلك نادر فلا يحمل عليه مع وجود مندوحة عنه. وكذلك لا يكون اسم يكون ضمير الشأن كما قدره جماعة، لما ذكرنا.

وأما البيت الرابع فالمشهور أنه لأمية بن أبي الصلت، وقال صاعد: لرجل خارجي قتله الحجاج. ومعناه واضح. و (في) متعلقة ب (يوافق)، أو حال من فاعله. و (الغرات) بكسر الغين، جمع غرة، فعلة من الاغترار، أي يوافقها في بعض أوقات غرته، أو كائنا في بعض حالات غرته، أي ذهوله عن التحرز، وقبله: (ما رغبة النفس في الحياة وإن ... عاشت قليلا فالموت لاحقها) وبعده: (من لم يمت عبطة يمت هرما ... الموت كأس والمرء ذائقها) يقال: مات عبطة، بفتح العين المهملة، إذا مات شابا طريا قويا، والدم العبيط: الطري. وفيه شاهد على أن الكأس مؤنث، وعلى أنها تطلق على نفس الشيء المشروب، وإنما هي في /165/ الأصل اسم للظرف المعروف ما دام فيه

مسألة [83] الغالب تجرد خبر كاد وكرب من أن، وربما اقترنا بها ولم يحفظ سيبويه في خبر كرب إلا التجرد

الشراب وإلا فهو قدح. وفي التنزيل: {بِكَاسٍ مِن مَّعِينٍ بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ}. و (عبطة، وهرما) حالان من فاعلي الشرط والجزاء، وبهما صح الكلام، فهما من الأحوال اللازمة. مسألة [83] الغالب تجرد خبر كاد وكرب من أن، وربما اقترنا بها ولم يحفظ سيبويه في خبر كرب إلا التجرد، فمن تجرد كاد (وما كادوا يفعلون)، ومن اقترانه بها قول عمر رضي الله عنه: "ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب". وقول الشاعر: (الرجز). (قد كاد من طول البلى أن يمصحا) وقول الآخر: (الطويل).

(أبيتم قبول السلم منا فكدتم ... لدى الحرب أذن تغنوا السيوف عن السل) ومن تجرد خبر كرب قوله: (الخفيف). (كرب القلب من جواه يذوب ... حين قال الوشاة هند غضوب) ومن اقترانه بها قوله: (الطويل). (سقاها ذوو الحلام سجلا على الظما ... وقد كربت أعناقها أن تقطعا) وقوله: (الرجز). (قد برت أو كربت أن تبورا ... لما رأيت بهنسا مثبورا) فأما الحديث ففي صحيح البخاري بهذا اللفظ، وفي البخاري أيضا وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم وأما قوله: «قد كاد ... إلى آخره»، فهو لرؤبة يصف ربعا لا طريقا، كما قال المطرز و (البلى) بالكسر والقصر، مصدر بلى الثوب يبلى، إذا خلق،

والمنزل إذا درس، فإن فتحت الباء مددته، قال: (الطويل). (وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى ... بلين بلى لم تبلهن ربوع) أي مثل بلائهن. و (البلاء أيضا، الاختبار والإنعام، وقد فسر بهما (إن /166/ هذا لهو البلاء المبين)، أي إن الفداء بالذبح العظيم لهو الإنعام البين، أو إن المر بذبح الولد لهو الاختبار البين. و (مصح) ذهب، وامصحته: أذهبته. فالمعنى: قد كاد يعفو أثره، قال: (قفا تسأل الدمث الماحجة ... وهل هي ان سئلت بائحة) و (من) تعليلية، وتعلقها بكاد لا بيمصح، لأنه صلة لأن، وقبله: ربع عفاه الدهر دابا فامتحى وأما قوله: (أبيتم قبول السلم) فمعناه: إنا عرضنا عليكم الصلح، فلم تقبلوه، فلما التقينا جبنتم وعجزتم عن مقاومتنا حتى كدتم تغنونا عن سل السيوف لعدم احتفالنا بكم. و (السلم) ضد الحرب، ونظيرها في التأنيث {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}، {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} وفي سينها الفتح والكسر وقرئ بهما. وأما قوله: (كرب القلب ....... البيت)

فـ (كرب) بفتح الراء، و (من) للتعليل متعلقة به، أو ب (يذوب) و (الجوي) شدة الوجد، وفعول بمعنى فاعل، كصبور وشكور، يستوي فيه الذكر والنثى. وأما قوله: (وقد كربت أعناقها ..... البيت) فصدره: (سقاها ذوو الأرحام سجلا على الظمأ) فالشعر لأبي زيد الأسلمي، وكان من خبره أنه شخص إلى المدينة قاصدا أميرها إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي! خال هشام بن عبد الملك، وقصد أبو وجزة السلمي آل الزبير بالمدينة أيضا، فجمعتهما الطريق، فأعلم كل منهما صاحبه بما قصد إليه، فقال أبو وجزة: هلم فلنشترك فيما نصيبه، فقال أبو زيد: كلا، أنا أمدح الملوك، وأنت تمدح السوق، فلما /167/ دخل أبو زيد على إبراهيم أنشده: (يا بن هشام يا أخا الكرام)

فقال: ويحك لم تجعلني منهم، ثم أمر به فضرب بالسياط. وامتدح أبو وجزة آل الزبير فكتبوا له بستين وسقا من تمر، وقالوا: هي لك في كل سنة، فانصرفا، فقال أبو زيد يهجوه، ويصفه بأنه لم يزل في ضر وبؤس حتى أنقذه ذو رحمه يعني هشاما فجعله ملكا بعد أن كان سوقة، وأنه كلما تذكر ما كان فيه تشدد وبخل: (مدحت عروقا للندى مصت الثوى ... حديثا فلم تهمم بأن تتزعزعا) (نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى ... وحلبت الأيام والدهر أضرعا) (سقاها ....... البيت) (بفضل سجال لو سقوا من مشى بها ... على الأرض أرواهم جميعا وأشبعا) (فضمت بأيديها على فضل مائها ... من الري لما أوشكت أن تضلعا) (وزهدها أن تفعل الخير في الغتى ... مقاساتها من قبله الفقر جوعا) قوله (للندى) اللام للتعليل، وتعلقها ب (مدحت)، ولكنه فصل للضرورة بها وبمجرورها، بين (عروقا) وصفتها. و (التزعزع) التحرك، والمراد به هنا التحرك لفعل الخير، قال متمم: (الطويل). تراه كنصل السيف يهتز للندى ... إذا لم تجد عند امريء السوء مطعما و (نقائذ) جمع نقيذه، أي أنقذت مما كانت فيه من البؤس، ويقال:

نقيدة للذكر والنثى بالتاء، فالتاء للمبالغة، لا للتأنيث. و (أضرع) جمع ضرع، وهو بدل بعض، يقال: (حلب الدهر أشطره). أي قاسى شدته ورخاءه، وجربهما. والدلو خاصة مؤنث، والغرب مختص بالكبير من الدلاء. والواو من (وقد) واو الحال. و (تقطع أعناقها) إما لشدة العطش، أو للذل الذي هي فيه. وقال أبو وجزة: (راحت رواحا قلوصي وهي حامدة ... آل الزبير ولم تعدل بهم أحدا) (راحت بستين وسقا في حقيبتها ... ما حملت حملها الأدنى ولا السددا) (ما إن رأيت قلوصا قيلها حملت ... ستين وسقا ولا جابت به بلدا) (ذاك القرى لا قرى قوم رأيتهم ... يقرون ضيفهم الملوية الجددا) يريد أن ناقته حملت الكتاب الذي كتب له بتلك الأوسق، لا أنها حملت الوسق أنفسها. و (الملوية الجدد) السياط، وفعيل يجمع على فعل إذا كان آسما، كرغيف وقضيب، أو وصفا كالاسم، ومنه: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث». الخبث جمع خبيث، وهو ذكر الشياطين. والخبائث جمع خبيثة، وهي إناثهم.

مسألة [84]

ويجوز في المضعف نحو: جدد وسرر، فتح عينه تخفيفا. وقد قريء: (على سرر موضوعة). وأما قوله: (قد برت) فمعناه قد هلكت، {وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا}، أي هلكى، جمع بائر كحائل وحول. و (بيهس) بالباء الموحدة بعدها آخر الحروف والسين مهملة. وفي نسخ الشرح: بهنس، بنون بعد الهاء عوضا عن الباء التي قبلها، وهو تحريف. و (المبثور) المهلك. مسألة [84] أفعال هذا الباب لا تتصرف إلا أربعة فاستعمل لها مضارع، وهي: كاد كقوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ}. وأوشك، كقوله عليه الصلاة والسلام: «من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه». وقوله: (يوشك من فر من منيته .... البيت) وهو أكثر استعمالا من ماضيها، حتى أن /169/ الأصمعي أنكر استعمال الماضي كما مر.

وطفق، حكى الأخفش: طفق يطفق كضرب يضرب، وطفق يطفق كعلم يعلم. وجعل، حكى الكسائي: إن البعير ليهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مجه. واستعمل اسم فاعل لثلاثة، وهي أوشك، كقوله (الوافر). (فإنك موشك أن لا تراها ... وتعد دون غاضرة العوادي) وقوله: (المتقارب). (فموشكة أرضنا أن تعود ... خلاف الأنيس وحوشا يبابا) و (كاد) كقوله: (الطويل). (أموت أسى يوم الرجام وإنني ... يقينا لرهن بالذي أنا كائد) قاله الناظم في شرح الكافية. و (كرب) كقوله: (الكامل). (أبني إن أباك كارب يومه ... فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل)

فأما الحديث فمتفق عليه. وأما قوله: (يوشك من فر ... البيت) فقد مضى شرحه وأما قوله: (فإنك موشك ... البيت) فإنه لكثير يشبب بغاضرة، بالغين والضاد المعجمتين، وهي جارية أم البنين بنت عبد العزيز بم مروان، وذلك أن أم البنين استأذنت الوليد بن عبد الملك في الحج، وهو يومئذ خليفة، وهي زوجته، فأذن لها، فققدمت مكة ومعها من الجواري ما لم ير مثله حسنا، وكتب الوليد يتوعد الشعراء جميعا أن يذكرها أو من معها أحد منهم، فبعثت إلى كثير وإلى وضاح اليمن أن أنسباني. فأما وضاح فصرح بها فقتله، وأما كثير فأعرض عنها، وشبب بجاريتها غاضرة فقال: (شجا أضعفان غاضرة العوادي ... بغير مشورة غرضا فؤادي) و (تعدو العوادي) بالعين المهملة، أي تعوق عوائق الدهر، وقبله: /170/.

(وقال الناصحون تحل منها ... ببذل قبل شيمتها الجماد) (تحل) بالحاء المهملة: أصب منها، يقال: ما حليت منه بشيء، ومنه حلوان الراقي. وفي شرح الكافية: تخل بالخاء المعجمة. و (عنها) بدل (منها). ولا معنى لهما هنا. وبعده: (فأسررت الندامة يوم نادى ... برد جمال غاضرة المنادي) (تمادى البعد دونهم فأمست ... دموع العين لج بها التمادي) ومنها: (أغاضر لو شهدت غداه بنتم ... جنوء العائدات على وسادي) أويت لعاشق لم تشكميه ... نوافذه تلدغ بالزناد يقال: جنا على كذا، بالجيم والنون والهمزة يجنأ، بالفتح فيهما، جنوءا، إذا أكب. ومنه الحديث: «فرأيت الرجل يجنأ على المرأة، يقيها الحجارة». و (أويت) رئيت ورقعت. و (تشكميه) تجازيه. وإذا كان العطاء في نقابلة شيء فهو شكم، بالضم، وإن كان ابتداء فهو شكد، بالدال

المهملة، فإن أردت المصدر منهما فتحت الشين. و (نوافذه) ما نفذ إلى قلبه. (تلذع بالزناد) كأنه يقدح فيها بالنار. وأما قوله: (فموشكة .... البيت) فهو لأبي سهم الهذلي وقوله: (خلاف الأنبيس) أي بعده، ومنه: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله)، أي بعده. (وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا)، أي بعدك. ويروى (الخليط) بدل (الأنيس). وقوله (وحوشاً) يوجد في النسخ بضم الواو، وذلك جمع (وحش) كوجه ووجوه. ووحش هذا بمعنى قفر. يقال. / 171 / بلد وحش، كما يقال: بلد قفر، فهما متوازنان مترادفان. ويوجد في بعضها بفتح الواو، صفة على فعول كصبور. ولم يؤنث لأن هذا النوع من الصفات يستوي فيه الذكر والأنثى وقوله (يباباً) هو بالياء آخر الحروف بعدها باءان موحدتان بينهما الف، يُقال: أرض يباب أي خراب، ويقال أيضاً: خراب يباب، على سبيل التوكيد مثل:

{فِجَاجًا سُبُلًا}، لا على سبيل الاتباع. مثل جائع نائع. وأنشد الأصمعي على ذلك: [الرجز]. (قد صبحت وحوضها يباب ... كأنها ليس لها أرباب ( والعامة تحرف هذا الحرف فتقول: نباب، بالنون، وبعده: (وتوحش في الأرض بعد الكلام ... ولا تبصر العين فيها كلابا) (ولم يدعوا بين عرض الوتير ... وبين المناقب إلا الذئابا) (الوتير والمناقب) موضعان. وأما قوله: (أموت أسي ....... البيت) فإنه الكثير. وقوله: (يوم الرجام) ثبت في النسخ المعتمدة من (شرح الكافية) بالزاي والحاء المهملة، وهو تحريف، وإنما هو الرجام، بكسر الراء المهملة وبالجيم: اسم موضع. وقوله: (كائد) أنشده الناظم بالهمزة المبدلة عن عين كاد، كما تقول: قام فهو قائم. وإنما أنشده يعقوب بن اسحق السكيت في شرح ديوان كثير، بالباء الموحدة، وقال: الكابد، العامل، أي إنني لرهن بعملي.

قلت: وهو من المكابدة أي الاجتهاد في العمل، وليس بجارٍ على الفعل، قال ابن سيدة: كابده مكابدة وكباداً: قاساه، والاسم كابد كالكاهل والغارب انتهى. ومما يشهد لقول يعقوب أنه لم يأتِ بعد اسم الفاعل / 172 / بما يكون خبراً له، وكأن الناظم ارتاب بعد ذلك في البيت، ولهذا لم يذكر في (التسهيل) مجئ كائد، ولا في (الخلاصة)، بل غير فيها قوله في الكافية: "وكاد واحفظ كائداً وموشكا" إلى قوله: "وكاد لا غير وزاد واموشكا". وبعد، فالظاهر ما أنشده الناظم، وكنت أقمت مدة على مخالفته، وذكرت ذلك في (توضيح الخلاصة)، ثم اتضح لي أن الحق معه، لأن الشاعر قال: (وكدت وقد جالت من العين عبرة ... سما عائد منها وأسبل عائد) (قذيت بها والعين سهو دموعها ... وعوارها في جانب الجفن زائد) (فإن تركت للكحل لم تترك البكا ... وتشري إذا ما حثحثتها المراود) (أموت أسى ..... البيت) فقوله (وكدت) خبره قوله (أموت) وما بينهما اعتراض، وكأنه قال: كدت أموت ولا بد لي يقيناً من هذا الأمر الذي أنا كائد ألابسه الآن، و

(عاند) الأول بمعنى مخالف. يُقال: عند، بالفتح، يعند، بالكسر، عنوداً، إذا خالف. والثاني من قولهم: عند العرق، إذا سال ولم يرق، فهو عرق عاند، والسهو: السكون، وللجمع: سهاء، كدلاء، قال: [الوافر]. (تناوحت الرياح لفقد عمرو ... وكانت قبل مهلكه سهاء) أي ساكنة. و (العوار) قذى العين. و (تشرى) بالشين المعجمة: تلج في الدمع. و (الحثحثة) بالحاء المهملة: التحريك. (وأما قوله: أبني ..... البيت) فإنه لعبد الله بن خُفاف. ويروى (أحبيل) مكان (أبني). وبعده: (أوصيك إيصاء امريء لك ناصحٍ ... طب بريب الدهر غير مغفل) والحق أن (كرب) في البيت من كرب التامة المستعملة في قولهم: كرب الشتاء إذا قرب، وبهذا جزم الجوهري، ولهذا لا تجد / 173 / له في اللفظ خبراً. والمعنى تام بدون تقدير، فلا شاهد فيه على هذا.

شواهد باب إن وأخواتها

شواهد باب إن وأخواتها مسألة [85] يجب استدامة كسر إن إذا وقعت في أول خبر اسم عين، نحو: زيد إنه قائم. وقوله: [البسيط]. (منا الأناة وبعض القوم يحسبنا ... إنا بطاء وفي إبطائنا سرع) أو بعد عامل علق باللام، نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} وقول الشاعر: [ابطويل]. (ألم تر إني وابن أسود ليلة ... لنسري إلى نارين يعلو سناهما) أو في أول الجملة الحالية، كقوله: [المنسرح].

(ما أعطياني ولا سألتهما ... إلا وإني لحاجزي كرمي) فأما قوله: منا الأناه ... البيت، فهو لوضاح بن إسماعيل، و (الأناة) بفتح الهمزة: التأني في الأمر، أي التمهل في الأمور خلق منهم. وقال الله تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} وهذا أيضاً على المبالغة، إلا أن في البيت جعل المعنى مخلوقاً من الذات، وفي الآية بالعكس. والمعنى: هناك الإناة وهنا عكسها، وهو العجل، وأما من قال: العجل الطين، والإنسان آدم وأنشد: [البسيط]. [النبع في الصخرة السماء منبته] والنخل ينبت بين الماء والعجل. فلم يثبت، ويأباه قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}.

و (الأناة) محمودة، والبطء مذموم، وهو تأخير الفعل عن الوقت المناسب له، ولهذا قال: وبعض القوم ...... البيت. أي ليس وصفنا البطء، بل التاني، وبعض الناس يغلط فيتوهم أنا بطاء، وفي الحديث: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة»، وقال سعيد بن جبير: إنما خلق الله / 174 / سبحانه السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام تعليماً لعباده الرفق والتثبت. وقوله: (سرع) بكسر السين وفتح الراء: مصدر سرع بالضم، كصغر صغراً. أي: وفيما زعموه من إبطائنا إسراع. ووجه الشاهد أن قوله (إنا بطاء) خبر في المعنى عن ضمير المتكلم، فلو فتحت إن كانت في تأويل المصدر، ولا يخبر بالمصدر عن اسم الذات، فلا يقال: زيد قيام أو قعود، وكذا لا يقال: زيد بطء ولا نحن بطء. وفي (خاطريات أبي الفتح): منع سيبويه الفتح في وجدتك إنك تفعل، وأجازه أبو بكر على حد: فإنما هي

إقبال وإدبار. وإنما منع سيبويه ذلك على المعنى الأصلي. انتهى. ويجب الفتح بعد اسم المعنى نحو: اعتقادي أنك فاضل. وقبل البيت: (لا يحمل العبد فينا فوق طاقته ... ونحن نحمل ما لا تحمل القلع) وأما قوله: (ألم تر أني ....... البيت) فالشاهد فيه كسر (إن) لأجل اللام التي في الخبر المعلقة للفعل القلبي عن العمل، وأوجب ذلك الجمهور. وأسقط الحجاج اللام في (والعاديات)، حين سبقه لسانه إلى فتح الهمزة. وعن المازني أنه أجاز الفتح مطلقاً. وعن الفراء أنه أجازه بشرط طول الكلام، وأنه احتج بقراءة بعضهم في (والعاديات) بالفتح في ثبوت اللام. وبقوله: [الوافر]. (وأعلم علماً ليس بالظن أنه ... إذا ذل مولى المرء فهو ذليل.) (وأن لسان المرء ما لم يكن له ... حصاة على عوراته لدليل) والحق تخريج ذلك على تقدير اللام زائدة. و (السنا) الضوء مقصور.

وأما قوله: (ما أعطياني ....... البيت) فإنه لكثير عزة، والشاهد فيه كسر إن، لوقوع جملتها حالاً. ولا يتقيد وجوب الكسر بدليل واو الحال خلافاً لبعضهم بدليل {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَاكُلُونَ الطَّعَامَ ...} الآية. فأما قراءة بعضهم بالفتح فعلى تقدير حذف لام العلة وزيادة اللام. أي إلا لأنهم يأكلون، أي إلا لمناسبتهم للمرسل إليهم في البشرية. ورد المبرد على سيبويه في إنشاده (إلا) بكسر الهمزة وتشديد اللام، وقال: الصواب (ألا) بكسر الهمزة وتشديد اللام، وقال: الصواب (ألا) بالفتح والتحفيف. فإن مكسورة لوقوعها بعد حرف الاستفتاح، فهي في ابتداء الكلام، لا لوقوعها في أول الحال، والصواب رواية سيبويه، لأن سؤال كثير لعبد الملك وعبد العزيز ابني مروان ابن الحكم، واعطاءهما إياه، أمر به. وإنما يريد أن كرمه يحجزه عن الالحاق، أو عن كفر النعمة. وقيل / 175 / البيت. دع عنك سلمى إذا فات مطلبها واذكر خليليك من بني الحكم

مسألة [86] يجوز فتح (أن) وكسرها إذا وقعت بعد إذا الفجائية، أو بعد فعل قسم ولا لام بعدها

مسألة [86] يجوز فتح (أن) وكسرها إذا وقعت بعد إذا الفجائية، أو بعد فعل قسم ولا لام بعدها. فالأول قوله: [الطويل]. (وكنت أرى زيداً كما قيل سيداً ... إذا أنه عبد القفا واللهازم) والثاني كقوله: [الرجز]. (لتقعدن مقعد القصي ... مني ذي القاذورة المقلي) (أو تحلفي بربك العلي ... إني أبو ذيالك الصبي) رويا بالوجهين. وقول الأول (قاري) بضم الهمزة. أي أظن. وقوله: أنه من فتح، فالتقدير: إذا العبودية، فإن قيل: إن إذا ظرف صح تقديرها خبراً، ولم يقدر حذف أي: فبالحضرة العبودية. وصح تقديرها متعلقة بخبر محذوف، أي فبالحضرة العبودية / موجودة /. وإن قيل: إنها حرف وجب دعوى الحذف ومن كسر، فالمعنى: فإذا هو عبد القفا، فالكلام بعد إذا تام، ومعنى البيت: أنه ظن سيادته فلما نظر إلى قفاه ولها زمه تبين عبوديته ولؤمه. وخص هذين، لأن القفا موضع الصفع،

واللهازم موضع اللكز، واللهزمة: قطعة لحمة الحنك في الأسفل. وأما الثاني فزعموا أن رجلاً غاب عن زوجته مدة، ثم حضر، فوجدها قد أتت بولد فأنكره، وكانا أحمقين. فقال لها ذلك: فأجابته: (ما مسني بعدك من إنسي ... غير غلام واحد جعفي) (وخمسة كانوا على الطوي ... وستة مرواً لذي العشي). وأنه قام ليضربها، فقيل له في ذلك، فقال: متى تركتها عدت ربيعة ومضر. ودال (لتقعدن) مكسورة، وهي دليل الياء المحذوفة للساكنين، بعد حذف نون الرفع لاجتماع الأمثال. و (مقعد) ظرف مكان. و (القصي) كالبعيد وزناً ومعنى. و (ذي) صفة له. و (القاذورة) بالذال المعجمة. و (المقلي) المبغض. و (أو) بمعنى إلى، و (أن) مضمرة بعدها، و (تحلفي) منصوب بها. و (إني) بالكسر جواب، وبالفتح باضمار على، لأن الإخبار عن الحلف يجوز أن يجاب، مثل: (وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى)، وأن لا

مسألة [87] إذا وقعت (إن) بعد (أما) الخفيفة، فإن قدرت حرفا للاستفتاح، كسرت إن كما تكسر بعد (ألا)

يجاب، مثل: "من حلف على عين، فرأى خيراً منها .. الحديث". وعن البصريين منع الفتح، ولا وجه له. ويجب الكسر إن لم / 176 / يذكر فعل القسم، نحو: والله إن زيداً قائم، لأنه لا يحذف إلا عند إنشاء القسم، فلا بد من الجواب، وكذا إذا ذكرت اللام، نحو: أحلف بالله إن زيداً لقائم، لأنها لا تدخل في خبر المكسورة، فأما قوله: ألم تكن حلفت بالله العلي ... أن مطاياك لمن خير المطي فعلى تقدير زيادة اللام، وذلك شاذ لا يعمل عليه، وقوله (ذيا) تصغير (ذا)، لأنه أطلقها على الصغير. واللام للبعيد، أو لتوكيده. والكاف مكسورة، لخطابه المرأة. (والصبي) صفة أو عطف بيان. مسألة [87] إذا وقعت (إن) بعد (أما) الخفيفة، فإن قدرت حرفاً للاستفتاح، كسرت إن كما تكسر بعد (ألا)، نحو: (ألا إنهم هم المفسدون).

وإن قدرت كلمتين: حرف الاستفهام و (ما) التي أريد بها معنى حقاً، فتحت أن كالفتح بعد قولك: أحقاً، قال: [البسيط]. (أحقاً أن جيرتنا استقلوا ... فنيتنا ونيتهم فريق) وهذا البيت لرجل من عبد القيس، وقيل: هو للمفضل بن معشر البكري، وإنه إنما سمي مفضلاً لهذه القصيدة والبيت أولها وبعده: (فدمعي لؤلؤ سلس عراه ... يخر على المهاوي ما يليق) (فودعها وإن كانت أناة ... مبتلة لها خلق أنيق) (استقلوا) نهضوا مرتفعين مرتحلين. و (النية) الجهة التي ينوونها. يصف افتراقهم عند انقضاء المرتبع ورجوعهم إلى محاضرهم. قال الأعلم في شرح هذا البيت: والفريق يقع للواحد المذكر وغيره كصديق وعدو انتهى. وإنما فريق هنا بمعنى متفرقة. و (عراه) خروقه. و (يخر) يسقط. و (المهاوى) ما بين العين إلى الصدر، مفرده مهواة. و (ما يليق) ما يثبت ولا يستمسك. وأنشد سيبويه: [الطويل].

(تقول إذا أنفقت مالاً للسدة ... فكيهة / هشيء / بكفيك لائق) يريد: هل شيء. وبعده: (فقلت لها إن الملامة نفعها ... قليل وليست تستطاع الخلائق) وأصله: ليس يستطاع تغير الخلائق، فحذف المضاف، وأسند إلى المضاف إليه، فأنث الفعلين. وانتصاب (حقاً) عند سيبويه والجمهور على الظرفية، وهو ظرف مجازي. والأصل: أفي حق هذا الأمر؟ أي أهذا الأمر معدود في الحق وثابت فيه، ويؤيده أنهم ربما نطقوا بفي داخلة عليه / 177 /، قال: [الطويل]. (أفي الحق أني مغرم بك هائم) وإن وما بعدها محتمل الوجهين، أحدها أن يكون مبتدأ خبره الطرف، والتقدير: أفي الحق استقلال جيرتنا؟

مسألة [88] يجب فتح (أن) إذا حلت محل المفرد، كما إذا جرت بحرف أو إضافة

ولا يجوز كسرها، لأن الظرف لا يتقدم على (إن) المكسورة لانقطاعها عما قبلها. والثاني: وهو الأوجه أن يكون فاعلاً بالظرف، لاعتماده كما في قوله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}. وقال المبرد: انتصاب (حقاً) على المصدرية، والتقدير: أحق حقاً، أنيب المصدر عن الفعل، وارتفاع أن وما بعدها عنده على الفاعلية. ولم يطلع ابن الناظم على هذا النقل عن المبرد، فقال: جوز شيخنا - يعني الناظم - أن يكون (حقاً) مصدراً بدلاً من اللفظ بالفعل. مسألة [88] يجب فتح (أن) إذا حلت محل المفرد، كما إذا جرت بحرف أو إضافة. فالأول نحو: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقّ}، والثاني كقوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}، وكقول الشاعر: [الوافر]. تظل الشمس كاسفة عليه كآبة أنها فقدت عقيلاً. والتقدير في الآية الأولى: ذلك ثابت بسبب حقيقة أنه، أو بسبب كون الله هو الحق. والتقدير في / 178 / الثانية: أنه لحق مثل نطقكم.

مسألة [89] تدخل لام الابتداء على خبر إن المكسورة، مفردا كان أو جملة فعلية أو اسمية

وأما البيت فتظل، بفتح الظاء، تصبر، وعلى متعلقة بكاسفة، ومعناها السببية، مثلها في "ولتكبروا الله على ما هداكم"، والكآبة بوزن الفصاحة: الاكتئاب، وهو الانكسار من الحزن، وفعلها كئب بوزن فرح. وهي إما على حقيقتها من المصدرية، فهي بدل من محل الهاء في (عليه)، بدل اشتمال. ويجوز الجر على اللفظ، ومثله قولك: زيد ألمت له لحزن فقده، وعقيل هو صاحب الهاء في (عليه)، فهو ظاهر في موضع المضمر. والمعنى: تصير الشمس كاسفة لأجل فقد عقيل، وأما مؤولة بالوصف، أي كئيبة، فهي إما بدل من كاسفة، بدل كل من كل، وإما حال من ضمير كاسفة، والإضافة حينئذٍ مثلها في قولك: مثل السيف، وهي على ما تقدم مثلها في قولك: بكاء الجزع. مسألة [89] تدخل لام الابتداء على خبر إن المكسورة، مفرداً كان أو جملة فعلية أو اسمية. فالأول، نحو: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيع الدُّعَاء}. والثاني: نحو: {وَإِنَّ

مسألة [90] لا تدخل اللام على الخبر المنفي

رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ}. والثالث، كقوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ}، إذ لا يكون (نحن) توكيداً ولا بدلاً، لأن اللام لا تدخل عليهما باتفاق، ولا فصلاً، لأنه لا يكون إلا بين اسمين خلافاً للجرجاني في تنزيله المضارع منزلة الاسم، فتعين كونه مبتدأ / 179 /، ومثله قول الشاعر: [البسيط]. (إن الكريم لمن يرجوه ذو جدة ... ولو تعذر إيسار تنويل) (من) موصول مبتدأ، و (ذو) خبره، والجملة خبر إن، و (الجدة) الغنى. و (لو) بمعنى أن. و (الايسار والنويل) مصدر أيسر، إذا وجد الحال، ونول، إذا أعطى النوال. جعل مجرد رجاء الكريم محصلاً للغنى، ولو كان الكريم المرجو غير موسر ولا منيل، ولقد بالغ حتى أحال. مسألة [90] لا تدخل اللام على الخبر المنفي، نحو: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِم النَّاسَ شَيْئًا} لئلا يجتمع لأمان، إن كان النافي لا، أو لم، أو لما، أو

لن، أو ليس. وحملت ما وإن عليهن، وندر دخولها على (لا) في قوله: [الوافر]. واعلم إن تسليماً وتركاً ... للا متشابهان ولا سواء (إن) بالكسر، لدخول اللام في الخبر، ومثله: (والله يعلم أنك لرسوله)، وتكرار (لا) هنا واجب، لكون الخبر الأول مفرداً، وأفراد (سواء) واجب، وإن ان خبراً عن متعدد، لأنه في الأصل مصدر بمعنى الاستواء، فحذف زائده، ونقل إلى معنى الوصف، ومثله قول السموأل: / 180 / [الطويل]. سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم ... وليس سواء عالم وجهول وربما ثني، كقول قيس بن معاذ: [الطويل] (فيا رب إن لم تقسم الحب بيننا ... سواءين فاجعلني على حبها جلدا) وجمع، كقوله: (ليس الرجال وإن سووا بأسواء)

مسألة [91] ندر دخول اللام الزائدة في خبر أن المفتوحة

وإنما كان حقه الأفراد أيضاً، كما قال سبحانه: {لَيْسُوا سَوَاء}. ومعنى البيت: أن التسليم على الناس وعدمه ليسا مستويين، ولا قريبين من السواء. وكان حقه - لولا الضرورة - أن يقول: لا سواء ولا متشابهان. مسألة [91] ندر دخول اللام الزائدة في خبر أن المفتوحة كقراءة بعضهم: {إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَاكُلُونَ الطَّعَامَ}. وخبر لكن كقوله: [الطويل]. ([يلومونني في حب ليلى عواذلي] ... ولكنني من حبها لعميد) وخبر زال كقوله: [الطويل]. (وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها ... لكا لهائم المقصي بكل مراد) وخبر المبتدأ المؤخر، وأنشد على ذلك ثلاثة أبيات، وهي قوله: / 181 / [الرجز].

(أم الحليس لعجوز شهر به ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة) وقوله: [الكامل]. (إن الخلافة بعدهم لدميمة ... وخلائف ظرف لمما أحقر) وقوله: [الطويل]. (فإنك من حاربته لمحارب ... شقى ومن سالمته لسعيد) وزيادتها في الأخيرين خير من زيادتها في الأول، لعدم تقدم (أن) فيه البتة. وأما زيادتها فيهما فقد تكون في الثاني خيراً منها في الثال، لأنها في الثاني أحد جزأي خبر (أن)، وقد تكون بالعكس، لأن المبتدأ والخبر فيه كأنهما معطوفان على اسم أن وخبرها، حتى أن بعضهم يجيز ذلك، على أن يكون معطوفاً على المحل فأشبه: لام زيداً لقائم، وعمرو لذاهب /. وعن المبرد أنه ينقاس دخول لام الابتداء في خبر أن المفتوحة. وعن الكوفيين أنه ينقاس في خبر لكن، وليس ذلك بمرضي، لأن المبرد قاس على نادر قابل للتأويل على الزيادة، والكوفيون قاسوا على بيت لا يعرف قائله، ولا تتمته، ولا نظيره، مع احتماله للتأويل على الزيادة، أو على أن

الأصل: لكن أنى، ثم حذفت الهمزة تخفيفاً، ونون لكن لالتقاء الساكنين، أو لاجتماع الأمثال، فاللام إنما هي داخلة في خبر (أن). و (العميد) والمعمود الذي هده العشق. ويروى: لكميد، وهو الحزن. ويقال أيضاً: كمد كفرح، والفعل منهما بكسر العين. و (المقصى) بضم الميم / 182 / وفتح الصاد المهملة: المبعد، و (المراد) بفتح الميم: الموضع الذي يذهب فيه، ويجاء منه. ولكثير عزة بيت يشبه هذا في معناه وغالب لفظه، فلا أدري من الآخذ من صاحبه، وقد يكونان توارداً، وهو: [الطويل]. (وما زلت من ليلى لدن طر شاربي ... إلى اليوم كالمقصي بكل سبيل) وهي من غرر قصائده، وأولها: (ألا حييا ليلى جد رحيلي ... وآذن أصحابي غداً بقفول) (أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل) (وكم من خليل قال لي لو سألتها ... فقلت له: ليلى أضن بخيل)

(لقد كذب الواشون ما بحتُ عندهم ... بليلى ولا أرسلتهم برسول) (فإن جاءك الواشون عني بكذبة ... فروها ولم يأتوا لها بحويل) وفيه استعمال (لدن) بغير (من)، ولم تأت في التنزيل إلا مقرونة بها، و (الهائم). / 183 /. و (الحُليس) بضم الحاء المهملة والسين المهملة، و (الشهرية) بالشين المعجمة، ويقال أيضاً: شهيرة، بتقديم الباء الموحدة على الراء، ومعناها: الكبيرة السن جداً من النساء. و"من" بمعنى البدل مثلها في {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ}، ولو لم تحمل على ذلك لفسد المعنى، لأن العظم ليس من اللحم، ويجوز أن يكون التقدير: لهي عجوز، فتكون اللام للابتداء، ويكون دخولها في التقدير على المبتدأ لا على الخبر المؤخر. وقول الآخر: لدميمة، هو بالدال المهملة من الدمامة، وهي الحقارة، لا بالمعجمة، مأخوذاً من الذم ضد المدح، يدلك على ذلك المعنى، وذكر الحقارة في آخر البيت، ومثله قول الآخر، [الكامل]. (كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسداً وبغياً أنه لدميم) و (خلائف) جمع خليفة، كصحيفة وصحائف. و (ظُرُف) بضمتين،

والظاء معجمة، جمع ظريف، ومثله نذير ونذر، قال الله تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى}. وجمع فعيل صفة على فُعُل قليل، وإنما يكثر في الصفات كرغف وقضب. ومعنى البيت: / 184 / إن الخلافة بعد أولئك الخلفاء الذين سلفوا محتقرة، مع إن بعض الخلفاء الذين بعدهم خلائف ظرفاء، ولكنهم بالنسبة إلى أولئك محتقرون. وأما البيت الآخر فإنما أوله: (وإنك ...) بالواو لا بالفاء. وهو لأبي عزة الشاعر، أسره المسلمون يوم بدر، وأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال، قد علمت ما لي من مال، وأنا ذو عيال فامنن علي، فمن عليه، وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحداً، فقال: (ومن مبلغ عني الرسول محمداً ... فإنك حق والمليك حميد) (وأنت امروء تدعو إلى الحق والهدى ... عليك من الله العظيم شهيد) (وأنت امروء بوئت فينا مباءة ... لها درجات ضخمة وصعود) (وإنك من حاربته ..... البيت) (ولكن إذا ذكرت بدراً وأهله ... تأوب ما بي حسرة وفُقود)

مسألة [92] يجوز في (ليتما) الإعمال لبقاء اختصاصها بالجمل الاسمية

فدعوه إلى الإسلام، فقال: لا والله حتى أحرزت في الخزرجية بالسيف يوماً إلى الليل. / 185 / ثم أنه قال بعد ذلك في وقعة أحد شعراً يحث فيه على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظفر به، فأمر بقتله، فقال: اقلني، فقال: «لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين»، والله لا تقول لمكة خدعت محمداً مرتين، فضربت عنقه. وقيل: إنما أسره وقتله حين خرج إلى حمراء الأسد. مسألة [92] يجوز في (ليتما) الإعمال لبقاء اختصاصها بالجمل الاسمية، إذ لا يجوز: ليتما قام زيد، كما يجوز: إنما قام زيد. والإهمال، قال ابن الناظم: نظراً إلى الكف بما. وقال غيره: حملاً على أخواتها. وهو الصواب، لأن الكف ناشئ عن زوال الاختصاص ولم يزل فيها، وقدروا بالوجهين قوله: [البسيط]. (قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد) والبيت لزياد بن معاوية، وهو النابغة الذبياني، من كلمته المشهورة التي يعتذرُ فيها إلى النعمان.

وقوله: (ونصفه) تابع لقوله: (هذا)، فمن قدره منصوباً ونصب الحمام نصبه، ومن قدر فيه الرفع رفعه. وقد يجوز الرفع من نصب (الحمام)، وذلك على أن يجعله معطوفاً / 186 / على المستتر في (لنا)، وحسن ذلك لأجل الفصل. ويروى: (أو) بدل (الواو). و (قد) بمعنى حسب، وهو مبتدأ حذف خبره، أي: فحسبي ذلك. وضمير (قالت) لزرقاء اليمامة على المشهور، وهي امرأة من بقية طسم وجديس، توصف بحدة النظر. قيل: كانت ترى من مسافة ثلاثة أيام. وكان من خبر هذه القصة أنه كان لها قطاة، فمر بها سرب من قطَّا بين جبلين، فقالت: [الرجز] ". (ليت الحمام ليه ... إليه حما متيه) (ونصفه قديه ... ثم الحمام ميه) فنظروا فإذا هي ست وستون. وإلى هذا الخبر أشار النابغة. و (الحمام) بيان أو بدل. وأكثرهم يقول صفة وإن كان جامداً. و

(ما) على رواية النصب زائدة مثلها في: (عما قليل)، (فيما رحمة)، (إيما الأجلين)، والحمام اسمها و (لنا) خبرها. وأما على الرفع فتحتمل (ما) وجهين، أحدهما: أن تكون كافة، مثلها في (ربما يود الذين كفروا)، وقوله (الحمام لنا) مبتدأ وخبر. والثاني: أن تكون (ما) موصولة فتكون اسم ليت، و (هذا) خبر لمحذوف، أي: ليت الذي هو هذا الحمام، والجملة صلة حذف عائدها. كما حذف في قول بعضهم. ما أنا (187) بالذي قائل لك سوءاً و (لنا) خبر ليت. ومع قيام هذا الاحتمال فلا دليل فيه على الإهمال، وأول القصيد: (يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد) (وقفت بها أصيلانا أسائلها ... عيت جواباً وما بالربع من أحد) (أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبد)

ومنها بعد أن فرغ من وصف الناقة: (فتلك تبلغني النعمان أن له ... فضلاً على الناس في الأدنى وفي البعد) (ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحد) (إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاحددها عن الفند) (وخيس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد) (فمن اطاعك فانفعه بطاعته ... كما أطاعك وأدلله على الرشد / 188 /) (ومن عصاك فعاقبه معاقبة ... تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمد) ومنها: (احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ... إلى حمام شراع وارد الثمد) (قالت ألا ليتما هذا ... البيت) وبعده: (فحسبوه فألفوه كما حسبت ... تسعأً وتسعين لم تنقص ولم تزد) (فكملت مئة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العدد) (فلا لعمر الذي مسحت كعبته ... وما هريق على الأنصاب من جسد)

ومنها: (والمؤمن العائذات الطير يمسحها ... ركبان مكة بين الغيل والسند) (ما قلت من سيء ما أتيت به ... إذاً فعلا رفعت سوطي إلى يدي) (هذا الثناء فإن تسمع به حسناً ... فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد) (ها إن ذي غدرة إن لا تكن نفعت ... فإن صاحبها مشارك النكد) الشرح: (العلياء) ما ارتفع من الأرض. و (السند) سند الجبل، وهو ارتفاعه، لأنه يستد منه، أي يرتفع ويصعد، وإنما يجعل الدور بالعلياء والسند لأن التراب لا يعفي عليها. / 189 / و (أقوت) خلت من الناس، واقفرت، وفي قوله: (أقوت) التفات من الخطاب إلى الغيبة. و (السالف) الماضي. و (الأبد) الدهر. و (أصيلانا) عشياً، وهو تصغير (أصيل)، ليدل على قصر الوقت الذي وقف فيه بالدار وسؤاله إياها توجع منه وتأسف. وانتصاب (جواباً) على نزع الباء. و (خلاء) لآ معناه خالية من أهلها. و (أخنى) أفسد. و (الذي) واقع على الدهر. و (لبد) أخر نسور لقمان بن عاد، وهو السابع من نسوره، كان عمر أربع مئة سنة، وقيل: سبع مئة، وضرب بنسره هذا المثل، فيقال: أتى أبد على لبد. و (أرى) أعلم. و (لا أحاشي) لا استثني أحدأً بحاشي. فأقول حاشي فلان فهو يشبهه في فعل الخير. و (سليمان) بدل من موضع أحداً، ومنصوب على

الاستثناء. و (أحددها) بالحاء المهملة، أمنعها. و (الفند) الخطأ. و (في البرية) أي في مصلحتها. و (خيس) بالخاء المعجمة بعدها آخر الحروف وبالسين المهملة، أي خللهم، ومنه تسمية السجن مخيساً. و (الصفاح) حجارة، فالصفائح عراض و (تدمر) مدينة بالشام. و (العمد) أساطين الرخام. و (الضمد) بالضاد معجمة والدال، الغيظ والحقد. و (أحكم) معناه: كن حكيماً مصيب الرأي في / 190 / امري، ولا تقبل ممن سعى بي إليك، وكن كفتاة الحي إذ أصابت ووضعت الأمر موضعه، ولم يرد الحكم في القضاء. وقوله: (وارد) صفة للحمام. و (الثمد) الماء القليل، وقوله (فحسبوه) أي: فحسبوا القطا، وضموا إليه نصفه، فوجدوه تسعاً وتسعين. و (تمسح الكعبة المشرفة) الطواف بها. و (الانصاب) حجارة كانوا يذبحون عليها لأصنامهم. و (الجسد) الدم اللابس وما خفض على أنها مقسم بها. و (المؤمن) هو الله سبحانه وتعالى و (العائذات) بالذال المعجمة، المستجيرات، أراد به حالاً منها، أن تهاج أو تصاد في الحرم. وانتصاب (الطير) على البدل من العائذات، لأنها مفعولة بالمؤمن. و (الغيل) الشجر الملتف وكذلك (السفد) وهو بفتح المهملة فالمعجمة. و (يمسحها) يمرون بها لا يهيجونها.

مسألة [93] يجوز نصب المعطوف على أسماء هذه الحروف/ 191 / قبل مجئ الخبر، وبعده

و (الصفد) العطاء المجازي به. ثم قال: إن هذه معذرة إليك وتبرء مما رميت به عندك. و (النكد) الغش. فلما وقف النعمان على ذلك عفا عنه، وأمنه وأكرمه. و (الحمام) في هذا الشعر القطا، و (شراع) قاصدة إلى الماء. مسألة [93] يجوز نصب المعطوف على أسماء هذه الحروف/ 191 / قبل مجئ الخبر، وبعده، وقد اجتمعا في قوله: (الرجز). إن الربيع الجود والخريفا ... يدا أبي العباس والصيوفا)) وهذا الشعر لأبي الجحاف رؤبة بن عبد الله العجاج، أحد رجاز الاسلام وفصحائهم، وهو من مخضرمي الدولتين. مدح بني العباس وبني أمية، ومات في أيام المنصور. وهذا الشعر مدح فيه أبا العباس السفاح. والمراد بالربيع والخريف والصيف أمطارهن. و (الجود) بفتح الجيم، أغزر المطر، ويروى الجون بالنون، ومحمله على أن المراد الجون سحابه؛ لأن سواد السحاب دليل كثرة حمله الماء، ثم حذف المضاف وخلفه المضاف إليه، فارتفع واستتر.

مسألة [94] إذا استكملت أن وإن ولكن أسماءهن وأخبارهن، ثم جئ باسم هو في المعنى معطوف على أسمائهن

وفي البيت قلب أو عكس؛ وذلك أنه كان الأصل: إن ندى العباس الربيع والخريف والصيوف، فقلب اللفظ والاعرب حين اضطر، أو عكس النسبة مبالغة كقول ذي الرمة: (الطويل). ورمل كأوراك العذارى قطعته/ 192 / ... (إذا جللته المظلمات الحنادس). مسألة [94] إذا استكملت أن وإن ولكن أسماءهن وأخبارهن، ثم جئ باسم هو في المعنى معطوف على أسمائهن، نحو: إن زيدا قائم وعمرا، جاز رفعه أنه مبتدأ حذف خبره، أو بالعطف على ضمير الخبر، وإنما يجوز ذلك أو يحسن، إن كان بينهما فصل، وأجاز قوم وجها ثالثا، وهو أن يكون معطوفا على محل اسم (أن) قبل دخولها. والمحققون على منع ذلك، لأن شرط العطف على المحل وجود الطالب لذلك المحل، كما في قولك: زيد ليس بقائم ولا قاعدا. ألا ترى أن الطالب للناصب موجود، وهو ليس، وأما هنا فالطالب للرفع الابتداء وقد زال بوجود العامل اللفظي، فلم يجز اعتباره بعد زواله لعدم وجود المجوز له. والمجيزون لذلك يحتجون بأن معنى الابتداء باق مكانه لم يزل، ولهذا لا يجيزونه مع ليت ولعل وكأن، لتغييرهن معنى الابتدائية - ومن شواهد الرفع بعد إن المكسورة قوله: (الكامل). (إن النبوة والخلافة فيهم ... والمكرمات وسادة أطهار)

وقوله: / 193 / (الطويل). (فمن يك لم ينجب أبوه وأمه ... فإن لنا الأم النجيبة والأب ( وبعد (أن) المفتوحة قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}، وبعد لكن قوله: (الطويل). (وما زلت سباقا إلى كل غاية ... بها مبتغى في الناس مجد واجلال) (وما قصرت بي في التسامي خؤولة ... ولكن عمي الطيب الأصل والخال) فأما البيت الأول فإنه لجرير يمدح بني أمية، ويصفهم بالفضائل والخصائل المحمودة. ويروى: أن الخلافة والمروءة. والمراد بالمروءة الخصال المحمودة التي يكمل المرء بها، وهي في الأصل من: مروء الرجل مروءة، ويجوز تخفيفها بالابدال والادغام. و (النبوءة) فعولة، من النبأ وهو الخبر، والأكثر ترك الهمزة. وطاهر

وأطهار كصاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد، وأمثلته قليلة. والشاهد في قوله: والكرمات، فالرفع إما بتقدير مبتدأ، ومنهم المكرمات، فحذف الخبر، كما قال: "وسادة اطهالا"، فحذف المبتدأ، أي: وهم سادة. وأما معطوفا على المستتر في الظرف أي استقرت فيهم هما والمكرمات. وفي هذا ضعف، لعدم الفصل. وأما معطوفا على محل اسم (أن) / / عند من جوز ذلك، وعلى ذلك فيكون ثم خبر آخر محذوف معطوف على الخبر، تقديره: كائنة فيهم. ولا يكون خبر (أن) خبرا عن المتعاطفين معا، لئلا يتوارد عاملان أن والمبتدأ على معمول واحد. وأما البيت الثاني، فقوله: ينجب، بضم أوله، من أنجب الرجل إذا ولد ولدا نجيبا. وقوله: النجيبة مشكل، لأنه إنما يقال للمرأة التي تلد النجباء منجبة ومنجاب، فأما أن يكون هذا على حذف الزائد للضرورة، أو يكون الأصل: النجيبة أبناؤها، ثم حذف المضاف وأناب عنه المضاف إليه فارتفع واستتر.

مسألة [95] لا يجيز بصري أن ترفع الاسم بعد العاطف قبل مجئ الخبر

وأما الآية الكريمة فـ (رسوله) أما عطف على المستتر في (برئ) وهو حسن للفصل بالظرف، أو مبتدأ حذف خبره، أي: ورسوله كذلك، أو معطوف على محل اسم (أن) المفتوحة، وأكثرهم لا يجيز ذلك وإن أجازه مع (إن) المكسورة، ويحتج بأن المفتوحة غيرت الكلام عن التمام إلى النقصان، إذ صار في حكم المفرد بعدما كان جملة بخلاف المكسورة، فإن الكلام معها باق على معناه. وقرئ شاذا: (ورسوله)، بالنصب، عطفا على اللفظ، (ورسوله) بالجر، على القسم لا عطفا على المشركين، فإنه كفر. وأما البيت الثالث فمعناه أنه حصل له السؤود/ 195 / من وجهين، أحدها: من قبل نفسه، وعو أنه حاز لكثير السبق إلى جميع الغايات التي يطلب بها الشرف في الناس. والثاني: من قبل نسبه من جهتي أبيه وأمه، وإلى الثاني أشار بقوله: (خؤولة). وأما الأول فلأن في البيت حذفا تقديره: ولا عمومة، يدل على ذلك عجزه، وإنما أنشد هذا البيت لبيتين أن القوافي مرفوعة. مسألة [95] لا يجيز بصري أن ترفع الاسم بعد العاطف قبل مجئ الخبر، نحو:

إن زيدًا وعمرو قائمان، لئلا يتوارد عاملان، وهما إن والابتداء، على معمول واحد، وهو الخبر. وأجاز ذلك الكوفيون، لأنهم يرون الخبر مرفوعا بما كان مرفوعا به قبل دخول أن وأخواتها، ثم اختلفوا، فقال الكسائي: يجوز مطلقا، وقال الفراء: يجوز بشرط كون الاسم مبنيا، وحجتهما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ .. الآية}، وقول الشاعر: (الوافر). (وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق) فعند الكسائي أن بقاء الاسم فيها بطريق الاتفاق، وقال الفراء: لولا بناؤه لما جاز الرفع. / 196 / وأجاب البصريون عنهما بجوابين، أحدهما: أنهما محمولان على التقديم والتأخير، والأصل: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله إلى آخره، والصابئون كذلك. وكذلك التقدير: فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك، بجملة الابتداء والخبر، ثم حذف الخبر. والثاني: أن خبر الحرف محذوف، وأن الخبر المذكور

للمبتدأ، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا آمنون، والصابئون من آمن إلى آخره. وقد يستبعد كل من التأويلين، أما الأول فمن وجهين، أحدهما: إن فيه تقديم الجملة المعطوفة على بعض الجملة المعطوف عليها، وإنما يتقدم المعطوف على المعطوف عليه في الشعر، فكذا ينبغي أن يكون تقديمه على بعض المعطوف عليه. ويجاب بأن الواو للاستئناف كسائر الواوات المقترنة بالجملة المعترضة، كقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ} ... والثاني: أن الاعتراض إنما يكون لغرض، ولم يظهر هنا. وقد أجيب بأن الصابئين لما كانوا أشد غيا، لخروجهم عن الأديان، قدم الاخبار بأنهم يتاب عليهم إن آمنوا وأصلحوا ليثبت ذلك لمن هو أقل غيا منهم من باب أولى، ولما كان المخاطبون أو غل/ 197 / من قوم هذا الشاعر في البغي قدمهم، لينسب البغي إليهم أولا. وأما الثاني فلان فيه حذفا من الأول لدلالة الثاني، ويجاب بأنه واقع، وإن كان عكسه أكثر، والدليل على صحته قوله: (الطويل). (خليلي هل طب فإني وأنتما ... وإن لم تبوحا بالهوى دنفان)

وقوله: (المنسرح). (نحن بما عندنا وأنت بما عندك ... راض والرأي مختلف) ومن الحذف من الثاني قوله: (الطويل). (فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب) فأما البيت الأول فإنه لبشر بن أبي خازم، بالخاء والزأي المعجمتين وقبله: (إذا جزت نواصي آل بدر ... فأدوها وأسرى في الوثاق) وسبب قوله ذلك أن قوما من آل بدر جاوروا الفزاريين من بني لام من طيئ فجزوا نواصيهم، وقالوا: متنا عليكم ولم نقتلكم، فغضب بنو فزارة لذلك، فقال بشر ذلك ومعناه: إذ قد/ 198 / جززتم نواصيهم فاحملوها لنا، واحملوا الأسرى معهم وإلافإنا متعادون أبدا. و (البغاة) جمع باغ، وهو الظالم، لأنه بغى الظلم، أي طلبه. و (ما) مصدرية ظرفية. و (الشقاق) التعادي، لأن كلا من المتعاديين

يحرص على ما يشق على الآخر، أو من (الشق) بالكسر، وهو الجانب، لأن كلا منهما في شق غير شق الآخر، ومن هنا أشتق التعادي، لأن كلا منهما في عدوة، يقول: نحن مرتكبون الظلم والباطل ما دمنا متعاديين. وأما البيت الثاني، فالطب، مثلث الطاء، والدنف، بكسر النون، الذي لازمه المرض، وهو صفة تثنى وتجمع، فإن فتحت النون، فهو المرض الملازم نفسه، فلا تثنى ولا تجمع. والمعنى: هل لي ولكما دواء من مرض الحب فإنا شركاء فيه، وإن افترقنا في أن أبوح وأنتما تكتمان. والحذف في هذا البيت من الأول قطعا، أي: فإني دنف وأنتما دنفان، إذ لا يكون خبرا عن (دنفان) الأول. وأما البيت الذي قبله فمحتمل، لأن الخبر جمع وكل من اسم أن والمبتدأ جمع. وأما البيت الثالث فواضح، وقد رام بعضهم أن يجعله من الحذف من الثاني لدلالة الأول، فقدر (نحن) ضمير المعظم نفسه، و (راض) خبرا عنه. وهو خطأ، لا يقال نحن قائم، ولو أريد الواحد./ 199 /. وأما البيت الرابع فإنه لضابئ، بالضاد المعجمة والباء الموحدة بعدها

همزة، ابن الحارث البرجمي بالجيم. ويروى: من يك ... ، بإسقاط الفاء على الحرم. وقوله: (أمسى بالمدينة رحله) كناية عن السكنى بالمدينة واستيطانها. و (قيار) اسم فرسه، عن الخليل. وقال أبو زيد: اسم جمله. وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه حبس ضابئا هذا بالمدينة حين استعدى عليه، ولذلك قال هذا الشعرض، أي أنه ومركونه غريبان من المدينة مقيمان بها. وهذا البيت عكس البيت الثاني، فإن الحذف فيه من الثاني، لأن (غريب) خبر لأن، لا للمبتدأ، لاقترانه باللام، فالتقدير: فإني بها لغريب وقيار كذلك. وقيل: هو خبر عن الاسمين جميعا، لأن فعيلا يخبر به عن الواحد فما فوقه نحو: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}.

مسألة [96] إذا خففت إن المسكورة فأهملت، وهو القياس، وجبت اللام

ورده الخلخالي بأنه لا يكون للاثنين، وإن جاز كونه للجمع، وكذلك قال في فعول: لا يقال رجلان صبور، وإن صح في الجمع. انتهى. وقد قيل في قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}: إن المراد قعيدان، ثم كلامه يوهم أن ذلك يقال بالقياس، وليس كذلك، وإنما المانع في البيت من أن يكون (غريب) خبرا عن الاسمين ما قدمنا من لزوم توارد عاملين على الخبر، وانما/ يصح هذا على رأي الكوفيين، لقولهم إن الخبر على ما كان عليه. مسألة [96] إذا خففت إن المسكورة فأهملت، وهو القياس، وجبت اللام نحو: أنا زيد لمنطلق، فرقا بينها وبين إن النافية، فإن ظهر الاثبات جاز ذكرها، نحو: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}، وتركها، نحو قوله: (الطويل). (أنا ابن أباة الضيم من آل مالك ... وإن مالك كانت كرام المعادن)

مسألة [97] إذا دخلت إن المكسورة المخففة على فعل فحقه أن يكون ناسخا، وقد يكون غير ناسخ

أباة: جمع أب، كقضاة جمع قاض. والضيم، بالضاد: الظلم: بالظاء، وفعله ضامه واستضامه فهو مضيم ومستضام، ومالك الاول: اسم أبي القبيلة، والثاني: اسم لها منقول منه، ولهذا أنئه، فصرف الثاني للضرورة، إلا أن قدر اسما للأب كالأول، لا للقبيلة، واضمرت القبيلة قبله. وإن مخففة من الثقيلة، وتركت اللام الفارقة لأمن اللبس بالنافية، إذ الكلام تمدح، والنفي يقتضي الذم، فالحمل عليه يقتضي تناقض الكلام. مسألة [97] إذا دخلت إن المكسورة المخففة على فعل فحقه أن يكون ناسخا، وقد يكون غير ناسخ، كقوله: (الكامل). (شلت يمينك إن قتلت لمسلما ... وجبت عليك عقوبة المتعمد) ولا يقاس على ذلك، فيقال: إن قام لزيد، وإن اكرمت لعمرا، خلافا للأخفش. وهذا الشعر لصفية ترثي زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه،

مسألة [98] إذا خففت أن المفتوحة وجب بقاء عملها، وحذف اسمها، وكونه ضميرا وكون خبرها جملة، وقد يذكر اسمها في الضرورة، فيجوز حينئذ كون خبرها مفردا وكونه جملة

إذ قتله عمرو بن جرموز المجاشعي. وقبله: (غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... عند اللقاء وكان غير معرد) (يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشا رعش الجنان ولا اليد) البهمة: هنا الجيش، ويكون في غير ذلك الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتي من شدة بأسه. والتعريد، بالعين المهملة: الفرار. وشلت، بفتح الشين، وأصله: شللت، بكسر، في المضارع يشل، بالفتح. مسألة [98] إذا خففت أن المفتوحة وجب بقاء عملها، وحذف اسمها، وكونه ضميرا وكون خبرها جملة، وقد يذكر اسمها في الضرورة، فيجوز حينئذ كون خبرها مفردا وكونه جملة، وقد اجتمعا في قوله: (المتقارب). (لقد علم الضيف والمرملون ... إذا اغبر أفق وهبت شمالا) (وصدت عن أولادها المرضعات ... ولم ترعين لمزن بلالا) (بأنك ربيع وغيث مريع ... وأنك هناك تكون الثمالا) / 202 / وهذا الشعر لكعب بن زهير رضي الله عنه. والمرملون:

الذين لا زاد معهم. والمريع، بفتح الميم وكسر الراء وبعدها آخر الحروف ثم عين مهملة: الكثير النبات، يقال: غيث مريع ومكان مريع، وقد مرع، بالضم، وأمرع. قال (الرجز). (أمرعت الأرض لو أن ما لا ... (لو أن نوقا لك أو جمالا أو ثلة من غنم إمالا). أي ليت لنا مالا، أي إبلا فترعى من ذلك النبات. وعلى مرع جاء قولهم: مريع: كشوف فهو شريف، وفاعل (هبت) ضمير الريح، وإن لم يجر لها ذكر، و (شمالا) حال. و (المزن) السحاب الأبيض، واحده مزنة. و (البلال) بكسر الموحدة، الماء، يقال: ما في سقائه بلال. وبلال الأول علم لرجل، ومنه بلال بن حمام مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: الماء، ويقال لما يبل الحلق من ماء أو لبن بلال، وأما بلال، بفتح أوله وكسر آخره، فعلم على البلة، كالفجار علم للفجرة، يقال: لا تبلل عندي بلال.

مسألة [99] خبر أن المفتوحة المخففة أما جملة اسمية قدم مبتدؤها

و (هناك) ظرف زمان، واصله للمكان، ولكن اتسع فيه، ومثله في التنزيل: {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ} {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ}. وعامل الظرف الشمال، أو قوله: (تكون) إن قيل بدلالتها على الحدث. و (الثمالا) بكسر المثلثة، على وزن الغياث وبمعناه. مسألة [99] خبر أن المفتوحة المخففة أما جملة اسمية قدم مبتدؤها، نحو {أَنْ الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ}، أو أخر كقوله: / 203 / (البسيط). في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل أو فعلية تشبه الاسمية، وهي التي فعلها جامد كقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}. أو فعلية فعلها طلبي، كقوله: اما أن جزاك الله خيرا، وكقوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} فيمن قرأ (غضب)

بفتحتين بينهما كسر، ورفع اسم الله تعالى، وأما {نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ} فيحتمل ذلك وكون (أن) مفسرة، أو خبري مفصول منها غالبا بقد أو بتنفيس أو نفي أو لو. نحو {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا}. {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى}، {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجع إلَيْهمْ قَوْلًا}، {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}. ومن غير الغالب قوله: (الخفيف). (علموا أن يؤملون فجازوا ... قبل أن يسألوا باعظم سؤل) وقوله: (مجزؤ الكامل). (اني زعيم يا نويقة ... أن أمنت من الرزاح) (ونجوت من عرض المنون ... من الغدو إلى الرواح) أن تهبطين بلاد قوم ... يرتعون من الطلاح)) فاما البيت الأول فانه للاعشى ميمون بن قيس، والنحويون: سيبويه

وغيره أوردوه/ 204 / على ما ذكر الشارح، والذي ثبت في ديوانه في عجز البيت: ان ليس يدع عن ذي الحيلة الحيل وهو شاهد على مسألة الفعل الجامد. واما العجز الذي اوردوه فليس فيه من كلام الأعشى إلا قوله: (يحفى وينتعل)، فإنه وقع عجز بيت آخر من القصيدة، وهو: أما ترينا حفاة لا نعال لنا ... أنا كذلك ما نحفى وننتعل)) ومعنى البيت: إنهم في مضائهم وحدتهم كالسيوف الهندية، وإنهم موطنون أنفسهم على الموت موقنون له، وأول القصيدة: (ودع هريرة إن الركب مرتجل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل) (غراء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل) ومنها: (صدت هريرة عنا ما تكلمنا ... جهلا بأم خليد حبل من يصل) (أان رأت رجلا أعشى أضر به ... ريب المنون ودهر مبتل خبل) ومنها:

(ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل) (يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزر بعميم النبت مكتهل) يوما بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل)) (علقتها عرضا وعلقت رجلا ... غيرى ويحلق أخرى غيرها الرجل) (فكلنا مغرم يهدى لصاحبه ... ناء ودان ومخبول ومختبل) (قالت هريرة لما جئت زائرها ... ويلي عليك وويلي منك يا رجل) ومنها: (ألست منتهيا عن نحت اثلتنا ... ولست ضائرها ما أطت الإبل) ومنها: (كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل) قد نطعن العير في مكنون قائله ... وقد يشيط على ارماحنا البطل)) ومنها: (أئنتهون ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن يذهب فيه الزيت والقتل) ومنها: لئن منيت بنا عن غيب معرفة ... لا تلفنا عن دماء القوم نتنفل)) / 206 / قالوا الركوب فقلنا تلك عاونتا ... أو النزول فانا معشر نزل/ عادتنا قوله: (ودع وايها) خطاب ونداء لنفسه. قوله: (غراء) أي بيضاء.

قوله: (فرعاء) أي كثيرة الشعر. قوله: (عوارضها) أي جوانب اسنانها. قوله: (الوجي) بكسر الجيم، الفرس الذي وجد في حافره وجعا، والانثى وجية ووجياء، وذك الوجع الوجا. قوله: (الوجل) بكسر المهملة، الذي وقع في الوحل. قوله: (صدت ... البيت) والذي يليه من أحمق شعر قالته العرب، فان النساء لا يكرهن من الرجال شيئا اكثر مما ذكره، فما وجه هذا الانكار والتعجب؟ (آان) اصله الأن، فحذف لام التعليل، ويروى: من أن. قوله: (ريب) أي حدث. قوله: (المنون) أي الدهر، ويأتي بمعنى المنية. قوله: (متبل) أي مغن، وقيل هو الذي يذهب بالمال وبالولد. قوله، (جبل) بفتح المعجمة وكسر الموحدة، أي يذهب بالعقل، قوله: (الحزن) بفتح المهملة بعدها زاي، اسم موضع، وهو في الاصل ضد السهل. قوله: أي سابل. قوله: (هطل) أي متتابع. قوله: (يضاحك) أي يميل معها حيث مالت. قوله: (عميم) أي طويل. قوله: (مكتهل) أي تام الطول ظاهر النور، يقال منه اكتهل النبات. وقوله: (قالت ... البيت) اخنث بيت قالته العرب. وقوله: (نحت/ 207 / اثلتنا) اي الطعن فينا. قوله: (اطت) اي حنت، ومصدره الأطيط. قوله: (كناطح) اي كوعل ناطح. وهذا البيت يأتي إن شاء الله تعالى في باب اسم الفاعل. قوله: (العير) أي السيد. قوله: (مكنون فائله) الفائل: الدم، والمكنون المستور، فالأصل فائله المكنون، والصواب في البيت

(قد يخضب) مكان (يطعن)، و (من) مكان (في)، وإلا فلا معنى لقوله: انه يطعن في الدم. وقوله: (يشيط) اي يهلك، ومنه اشتق قوم الشيطان، لأنه هالك، فوزنه فعلان، ومن اشتقه من (شطن) إذا بعد، لبعده عن الرحمة، فوزنه فيعال. قوله (كالطعن) الكاف بمعنى مثل، مرفوع على أنه فاعل ينهي. قوله (يذهب منه الزيت والفتل) أي أنه يعالج بذلك. والفتل: جمع فتيلة. وقوله: (منيت) أي ابتليت، اي قدرت لنا وقدرنا لك. وقوله: (عن) بمعنى بعد، مثلها في قوله تعالى: {طَبَقًا عَن طَبَقٍ}. و (ننتفل) نأخذ النفل، وكثير يقرؤه بالقاف، وهو تصحيف، وهذا البيت يأتي في باب حروف الجر. وأما البيت الثاني: فالباء في (باعظم) متعلقة بـ (جادوا) وإلا بما جاوزه من قوله: يسألوا، والسؤال بمعنى المسؤول، ومثله: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ}، ونظيره الخير. بمعنى المخبور. والمعنى: أنهم علموا أن الناس يأملون معروفهم فلم يخيبوا رجاءهم، ولا أحوجوهم إلى المسألة، بل ابتداؤ بالعطاء، وجادوا عليهم قبل أن/ 208 / يسألوا، وبذلوا لهم أعظم ما يسأل السائلون.

وكان الأصل: علموا أن سيؤملون، بالفصل بالتنفيس، فترك الفاصل للضرورة. وأما الشعر الثالث: فأنشده الفراء للقاسم بن معن، يقول لناقته: إن سلمت وقضيت سيرك هذا صرت إلى الخصب. و (الزعيم) الكفيل. وفي الحديث: (الزعيم غارم). و (الرزاح) بضم الراء، مصدر رزحت الناقة ترزح، بالفتح فيها، رزحا ورزاحا، سقطت من الاعياء، والابل رزحى بوزن سكرى، ورزاحى بالفتح، ومرازح، ورزح. وأورد ثعلب مكان هذه الكلمة في شرح أبيات معاني الفراء، الزواح، بفتح الزاي بعدها واو، وقال ما نصه: "الزواح من انزاحت العلة، أي زالت، وانزاح عني، أي تباعد". انتهى. ولا شك أن العرب قالت: زاح عن مكانه يزوح، وزاح يزيح، إذا نحى، وأزحته، ولكن لا معنى للذي ذكره ثعلب في البيت المحفوظ فيه خلاف ما أورده. وقوله: (عرض) بالمهملتين فالمعجمة، و (المنون). و (من) لابتداء الغاية في الزمان، إذ

مسألة [100] تخفف كأن فيبقى عملها وجوبا كما في أن، ويغلب فيها ما يجب في أن من حذف اسمها، وكون خبرها جملة

التقدير: من وقت الغدو، فهو من حجج الأخفش والكوفي. وقوله: (أن تهبطين) أي أنك تهبطين/ /، فخذها وحذف اسمها على القياس، وأولاها الفعل المتصرف الخبري، وهذا موضع الشاهد، وليس بنص، إذ يحتمل أن يكون أن هذه الناصبة، ولكنه اهملها حملا على اختها ما المصدرية، كقوله: (البسيط). أن تقرآن على أسماء ويحكما ... منى السلام وأن لا تشعرا أحدا فيكون من شذوذ اهمال أن. و (الطلاح) بكسر الطاء، جمع طلحة، بفتحها، وهي شجر عظام من شجر العضاة، ويقال: ابل طلاحية إذا كانت ترعى الطلاح. وفيه شذوذ النسب إلى الجمع، ويقال: طلاحية، بالضم، فيكون فيه شذوذ ثان. مسألة [100] تخفف كأن فيبقى عملها وجوبا كما في أن، ويغلب فيها ما يجب في أن من حذف اسمها، وكون خبرها جملة، كقوله: (الهزج). ووجه مشرق النحر ... كأن ثدياه حقان

أي: كأنه. ونقل أعمالها في اسم مذكور, ويسهل حينئذ كون خبرها مفرداً, كقوله: [الرجز]. ([غضنفرٌ تلقاه عند الغضب] ... كأن وريديه رشا آخلب) ويضعف مجيء خبرها مفرداً مع حذف اسمها كقوله: [الطويل]. /210/ (ويوماً تُوافينا بوَجْهٍ مُقَسَّمٍ ... كأنْ طبيةٌ تعطو إلى وارقِ السَّلمْ) فأمّا البيت الأول فروي سيبوية أوله: (ووجه) كما أورده الشارح, وعلى هذا فالهاء من قوله (ثدياه) للوجه وللنحر, ولا بد من تقدير مضاف, ثد يا صاحبة, وروي عن سيبوية أوله وصدره, فالهاء راجعة إليه, ولا تقدير. وأول البيت مرفوع على الابتداء, أي: ولها وجه أو صدر. وقوله: (كأن) أصله كأنَّهُ, والضمير للوجه, أو للصدر, أو الشأن. والجملة الاسمية خبر, ويروى: كأن ثدييه, على أعمالها في اسم مذكور, وعلى هذا فحقان الخبر.

وأما البيت الثاني ففيه أيضاً روايتان, أحدهما: وريديه, على أعمالها في اسم مذكور, ووقوع الخبر مفرداً, والثانية: وريداه, على أعمالها في اسم محذوف, ووقوع الخبر جملة. فالروايتان في كتاب الصحاح. و (الوريدان) عرقان يكتنفان صفحتي العنق, في مقدمها متصلان بالوتين, يردان من الرأس إليه, وقيل وريد لأن الروح ترده. و (الرشاء) بالمد والكسر, الحبل, وجمعه أرشية, وهو في البيت مثنى فهو بالفين, لأن المشبه شيئان, ويوجد في النسخ بالأفراد. و (الخُلُب) بضم المعجمية واللام, الليف, ويجوز تسكين اللام للتخفيف, وقد روى كذلك /211/, ويقال لليفة خُلًبة, بضمتين, وخُلْية, بالاسكان, وذلك قياس في نظائره. وأما البيت الثالث فإنه لباغت اليشكري, وباغت منقول من بَغتْه بالأمر, إذا فاجأه به, ويشكر منقول من مضارع شكر. و (تُوافينا) بضم حرف المضارعة وفاعله ضمير المرأة الموصوفة. و (مقسم) محسن, وأصله من القسِمات, بكسر السين, والواحد قِسمة, بالكسر, وقيل: هي أعلى

الوجه, وقيل: هي وسط الأنف, ومن كلامهم (الجمال في الأنف). وقيل: القسمات مجاري الدموع في أعالي الوجه. ويقال: رجل قسيم الوجه أي جميله, لأن الجمال يظهر هناك, ورجال قُسُم, بضمتين. وقوله: (تعطو) أي تتناول, وكأنه ضمنه معنى تميل, أي تميل في مرعاها إلى هذا, فلهذا عداه بالي, وقوله: (وارق) أي مورق, وهو من النوادر, إذ فعله أورق, ومثله ايفع فهو يافع. وقوله: (السَّلَم) بفتحتين, وهو شجر من العضاة نبته كثير الشوك, واحد سَلَمة. وبه سمي بعض الناس. شبه هذه المرأة بظبية مخصبة المرَعى, تتناول أطراف الشجر, وترتعيها. وروي قوله (ظبية) بالرفع, والنصب /212/ والجر, فأما الرفع فعلى حذف الاسم, وبقاء الخبر, وفيه شذوذ, لكون الخبر مفرداً مع حذف الاسم, والتقدير: كأنها طيبةُ. وأما النصب فعلى حذف الخبر وبقاء الاسم, واختلف في تقديره فقال الشارح: كأن مكانها ظبيةً, وهو واضح, وقدَّرهُ غيرُه: كأن ظبية هذه

المرأة, وهذا إنّما يصحّ على جعل المشبّه مشبّهاً به وبالعكس, لقصد المبالغة. وأما الجر فعلى أن الأصل: كظبية, ثم زيدت (أنْ) بين الجار والمجرور شذوذاً. والجملة من قوله: (تعطو) في موضوع رفع أو نصب أو جر بحسب الظبية, لأنها صفتها.

شواهد باب لا التي لنفي الجنس

شواهد باب لا التي لنفي الجنس مسألة [101] إذا ولي لا النافية للجنس نكرةً مفردةٌ, أي غير مضافة, ولا مشبهة بالمضاف, بُنيت على ما تنتصبُ به لو كانتْ معربةً, فنقول: لا رجلَ ولا رجالَ, بالفتح, ولا رجلين ولا قائمين, بالياء, ولا مسلماتِ, بالكسر. وكان الظاهر وجوبه, ولكن الأرجح الفتح للتركيب, قال: [الطويل]. (تعزَّ فلا إلفين بالعيش مُتَّعا ... ولكنْ لورّادِ المنَوُنِ تتابعُ)

قال/213/: [الطويل]. (أرى الربعَ لا أهلين في عرصاتهِ ... ومن قبلُ عَنْ أهليه كانَ يضيقُ) وقال: [الخفيف]. (يُحشَرُ الناسُ لا بنينَ ولا آ ... باءَ إلّا وَقَدْ عَنَتْهم شؤونُ) وقال: [البسيط]. (لا سابغاتِ ولا جاواءَ باسلة ... تقي المنونَ لدى أستيفاءِ آجالِ) وإنَّما بني الاسم في ذلك كله لتركيبه مع لا تركيب خمسةَ عشرَ, ولتضمن الاسم معنى (مِنْ) الاستغراقية بدليلِ ظهورِها في قوله: [الطويل]. (فقامَ يذودُ الناسَ عَنْها بسيفهِ ... وقالتْ ألا لا مِنْ سبيلِ إلى هندِ) فأما البيت الأول فمعنى (تعزَّ) تسلَّ وتصبرَّ. وإلْف أليف, بوزن خِلً وخليل, ونِدّ ونَديد, وشِبه وشَبيه. والف بوزن قائم, ثلاثتَها بمعنىً. والباء

متعلقة بـ (مُتّعا). و (وُرّاد) جمع وارد, كصُوّام وقُوّام في جمع صائم وقائم. والمعنى: إنه لا يبقى أحدٌ بعد مَنْ مضى, ولكن يتبع بعضهم /214/ بعضاً. والشاهد بناء المثنى على الياء, لأن نصبَهُ بها. وأما البيت الثاني فالعَرَصات, بفتحتين, جمع عَرْصة, بفتح فسكون, وهي المكان الواسع بين الدور. وجملة (لا) التَّبرئة مفعول ثانٍ, إنْ كانت الرؤية علمية, وإلّا فهي حالُ المفعول, وإنْ تجردَتْ من الواو كما جاءت من الواو كما جاءت في {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] حالا من الفاعل. ومن اقترانها بالواو: {فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص:3] وهو الغالب. و (في عرصاته) خبر (لا) , والياء في (اهلين) نائبة عن فتحة البناء. وفي (اهليه) نائبة عن كسرة الأعراب. و (مِنْ, وعَنْ) متعلقات بخبر كان. وصف ربعاً خلال من سُكَّانِه بعد كان يضيقُ عنهم لكثرتِهم. وأما البيت الثالث فالشاهد فيه كالذي قبله, وجملة (لا) التبرئة فيه حال

النائب عن الفاعل, واجتمع فيه البناء على الياء في جمع تصحيح المذكر, وعلى الفتح في جمع التكسير. وفي بعض النسخ (ولا أبناء) وهو تحريفٌ وتكرار لقوله: (لا بنين). و (إلّا) استثناء مفرغ, والمستثنى حال, والحالان متداخلتان لا مترادفتان. و (عنتهم) اهمَّتهم, ومنه الحديث: «مِنْ حُسْنِ إسلام المرءِ تركُه ما لا يعنيهِ». وقرأ ابن محيصن /215/ والزهري {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأنٌ يَعْنِيهِ} [عبس:37]. بفتح الياء وبالمهملة. و (الشؤون جمع شَان, كالفلوس جمع فَلْس, والبيت مأخوذ من معنى القراءة. وأما قراءة الجماعة فمعناها يغنيه عن النظر في شأن غيره. وأما البيت الرابع فالسابغات الدروع الواسعة الطويلة, المفرد: سابغة, لأن الدرع مؤنث. و (جَاواء) بجيم مفتوحة فهمزة ساكنة فواو فألف ممدودة, الكتيبة يعلوها سوادٌ لكثرة الدروع فيها, وفي الأساس: كتيبة جأواء: كَدْراء اللون في حُمْرة, وهولون صدأ الحديد انتهى. وقال الحماسي: [البسيط].

(غشّيتُه وهو في جَاواء باسلةٍ ... عَضْباً أصاب سواءَ فانفلقا) (بضربةٍ لم تكن منّي مُخَالسةً ... ولا تعَجلتُها جُبْناً ولا فَرَقَا) (الغضب) السيف. و (السواء) الوسط, ومثله: {فَرَأَىهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصاقات:55]. وقوله: (باسلة) أصله باسلاً أربابها فحذف المضاف وخلفه المضاف إليه, فاستتر وأنّث الوصف حينئذ وجوباً بعد أن كانوا مذكراً أو مؤنثاً جوازاً. وقد بسُل, بالضم, شجُع وزناً ومعنىً, والبسالة كالشجاعة, ومجيء الباسل /216/ من (بَسُل) كمجيء الحامض من (حمض) , وهو قليل, وإنما الغالب فعل فهو فعيل, كظُرف وشُرف وعظُم. و (لدى) ظرف لـ (تقى) , أي أن القوم إذا استوفوا آجالهم لم يحِمهم من المتونِ حماةٌ شجعانٌ ذوو عَدَدِ وعُدَدٍ. والشاهد فيه: جوازُ الفتحِ والكسرِ في نحو: لا مسلماتِ, فإن البيت يروي بهما. وذهب الأكثرون إلى وجوب الكسر, وقوم /من/ المتقدمين وابن خروف إلى وجوبِه ووجوب التنوين. والمازني والفارسي والرماني إلى وجوب الفتح, ولو ظفر هؤلاء بالسماع لم يختلفوا.

وأنشد الناظم على جواز الوجهين قوله: [البسيط]. (أودى الشباب الذي مَجْدُ عواقبُه ... فيدِ نَلَذُّ ولا لذاتِ للشيْب) وهذا البيت لسلامة بن جندل, ولا دليل فيه, ووقع فيه تحريف. أما الأول فلان العرب قالوا: لا أبا لزيد, ولا غلامَيّ لعَمْرو, أما على إضافة الاسم لما بعد اللام, وجعل اللام مقحمة بينهما, أو على تقدير الظرف صفة وتنزيل الموصوف بمنزلة المضاف والأول قول سيبوية والثاني /217/ قول بعضهم, واختاره الناظم, وأجاز على قياس هذا أن تكون الفتحة في: لا مالَ لزيد, فتحه أعراب على تقدير الإضافة أو شبهها, وأن يكون بناء على تقدير الظرف خبراً, فعلى هذا يجوز أن تكون الكسرة في (لذاتِ) لكونه معرباً مضافاً أو شبهه, فلا يلزم منه جواز (لا مسلماتِ) بالكسر. وإما التحريف فلانً الصواب في أوله: إن الشباب. وقوله: (فيه نلذ) خبر لأنَّ, وعلى ما أورده لا يكون له ما يرتبط به, والذي أوله (أودى) بيت آخر, وهو أول القصيد, وهو: (أودى الشباب حميداً ذو التعاجيبِ ... أودى وذلك شأوُ غيرُ مطلوب)

مسألة [102] قد يتناول العلم بواحد من المسميين به فيصير نكرة, فيدخل عليه لا التبرئة

وبعده: (ولَّى حثيثاً وهذا الشيبُ يطلبهُ ... لو كانَ يُدركُه ركضُ اليعاقيبِ) (إنّ الشبابَ .......) البيت ومنها: (يومان يومٌ مقاماتٍ وتَنْديةٍ ... ويومُ سيْرٍ إلى الأعداءِ تأويبِ) ومنها: /218/ (كنا إذا ما أتانا صارخُ فزعٌ ... كان الصراخُ له قرعَ الظنابيبِ) (التعاجيب) جمع لا واحد له. و (اليعاقيب) جمع يعقوب, وهو ذكر الحجل. و (لو) في البيت للتمني, أو شرطية حذف جوابها, أي لطلبناه. و (الظنبوب) بالظاء المعجمة, عظم الساق. قيل عني بهذا سرعة الإجابة, وجعل قرعَ السوط في زجرِ الفرس زجراً للظانبيب, ويقال: قرع ظنبوبه لهذا الأمر, إذا عزم عليه واهتم به. و (المقامات) المجالس. و (الأندية) الأفنية. و (التأويب) سير يومٍ كامل. مسألة [102] قد يتناول العلم بواحد من المسميين به فيصير نكرة, فيدخل عليه لا التبرئة, كقولهم: «قضية ولا أبا حسن لها» وقوله: [الطويل].

(تبِكّي على زيد ولا زيدَ مثلهُ ... برىٌ من الحمَّى سليم الجوانجِ) وهذا البيت لجرير, والمعنى: ولا واحد ممن سمى بزيد مثل زيد هذا. وبعضهم يقدّر الأصل ولا مثلَ أبي حسن. ثم حذفت مثل, وخلفها أبو حسن في التنكير, وكذا يقدر في الباقي. وردَّه الناظم بالبيت /219/ المذكور, فإن الخبر كلمة مثل, فيصير المعنى: ولا مثلَ زيدٍ. وهو متناقضٌ, ولهذا قال ابن عصفور: يقدّر مثل, إلّا إنْ كان الخبرُ كما في البيت, فيؤول بقولك: لا واحدَ مِمَّن يُسمَّى بكذا. وما قالاه مردودٌ, لأنه إذا قيلَ: لا مثلَ زيدِ في اسمهِ أو شكلهِ, أو نحو ذلك مثله في الصفاتِ لم يكن فيه تناقضً. ونظير هذا الوهم قول أبي حيانٍ في تخريج أبي الفتح قراءة سعيد بن جبير. {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَاداً

أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف:194] , على أن النافية عمل ليس, إن ذلك يُؤدي إلى تناقض هذه القراءة مع قراءة السبعة (أنّ) بالتشديد, فإن المعنى في قراءتهم على الإثبات. قال: فالواجب تقدير (إنْ) في قراءة سعيد مخففة من الثقيلة ناصبة للجزأين على حد قوله: إنْ حراسَنا أسداً انتهى. ولم يُسْمَعْ نصبَ المخففةِ للجزأين, ولا ثبتَ ذلك في المشدَّدة, والبيتُ ونحو محمولٌ على إضمار (نحسبهم) ونحوه, والمماثلة المثبتة في قراءة الجماعة المماثلة في المخلوقية, أي أنهم مثلكم في أنهم /220/ مخلوقون مربوبون فكيف تعبدونهم. والمنفية في قراءة سعيد مماثلتهم إياهم في الحواس والأعضاء, ولهذا اتبع بقوله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ... الآية} [الأعراف:195] , وإذا كان المنفي والمثبت غيرين فلا تناقض. وقوله: «برئ وسليم» مرفوعان, ولا يجوز النصب لأنه لم يرد: لا زيد مثله في حال الصحة, وإنما أراد أنَّه لم يرَ مثلّه أحداً, ثم استأنف, فقال: هو يرى. وكان السبب في قول جرير هذا الشعر أنه اشترى جاريةً من رجلِ من أهلِ اليمامة يقال له: زيد بن النجار, فكرهته وكرهت خشونة عيشهِ, فقال: (اعزيك من زيد لتسْلى وقد أرى ... لعينيكِ من زيدِ قذّى غير بارحِ) (فإن تقصد فالقصد منه سجيةٌ ... وإنْ تحجمي تَلْقَىْ لجامَ الجوامحِ)

(تبكي على زيد ..... ... .......... البيت) ويروي: ولم يرَ مثله. و (لجام الجوامح) يريد به سوطاً يضربها به شبهه باللجام حين شبهها إذا تركت القصد, وهو العدل بالفرس الجموح. وأما البيت الخامس فقوله: (يذود) بمجمعة فواو فمهملة, أي يكفّ ويمنع, وفي التنزيل: {امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص:23] , وأكثر ما يُستعمل الذيادُ في الغنمِ والإبلِ, ومنه في غيرها الحديث: «ليذادن أناس عن حوضي». وجملة (يذود) حال الفاعل, أو خبر (قام) إن فسرت بشرع, كقوله: [الوافر]. (على ما قامَ يشتمنُي ليئمُ ... [كخنزير تَمَرَّغَ في رمادِ]) وليست لا مهملة لنقلها من النكرة بمن, لأن المهملة يجب تكرارها, وإنما منع الفصل التركيب, على هذا فيقال في أي موضع أعراب اسم لا المفرد, وليست (هند) نائبة عن الضمير, لأن هذا حكاية قول الذائد.

مسألة [103]

مسألة [103] يجوز في نحو: (لا حول ولا قوة إلّا بالله) خمسة أوجه, أحدها: فتح الاسمين, وهو أشهرُها, وعليه {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة:197] , فمن قرأ كذلك وهو الذي التزَمهُ الناسُ في المثالِ, فلو قِيلَ بوجوبه فيه إنْ لَمْ يكنْ سُمِعَ فيه غيرهُ لم يمتنعْ لجريانِه مجرى الأمثال لكثرة الاستعمال. والثاني: رفعهما كما في الآية فيمن قرأ كذلك, وقال: [البسيط]. (وما هجرتُك حتَّى قُلْتِ معلنةً ... لا ناقةً لي في هذا ولا جملُ) والثالث: فتح الأول ونصب الثاني, كقوله: /222/ [السريع]. (لا نَسَبَ اليوم ولا خُلَّةً ... اتَّسعَ الخرقُ على الراقعِ) والرابع: فتح الأول ورفع الثاني, كقوله: [الكامل]. (هذا لعمُرُكُمُ الصَّغارُ بعينهِ ... لا أمَّ إنْ كانَ ذاك ولا أبُ)

الخامس: عكسه, كقوله: [الوافر]. (فلا لغوٌ ولا تأثيمَ فيها ... وما فاهوا به أبداً مُقيمُ) فأما البيت الأول فإنَّهُ للراعي, ويُروي (وما صَرمتُك) , أي: ما قطعت حبلَ ودَّكِ حتى تبرأتِ منّي معلنةً بذلك, وضرب قوله: لا ناقةً لي ... البيت, مثلاً لبراءتِها منه, وهو مثلٌ مشهورٌ في هذا المعنى. و (لي) صفة. و (في هذا) خبر. وحذف مثلها من الثاني. وموضع الخبر نصبٌ أو رفعٌ على تقدير (لا) عاملةً عمل ليس, أو ملغاةً لتكرِّرها, وكون الرفع في النكرة بالابتداء أقيس من كونه بلا, لأن الكلامَ جوابٌ لمَنْ قالَ: ألَكَ ناقةً أو جملٌ؟ والرفع في ذلك على الابتداء والخبر واجبٌ, والأصل تناسب الجوابِ والمُجابِ. وأول القصيدة: /223/. (قالت سُلَيَّمَى أتثوى أنت أم تَغِلُ ... وقد ينسّيك بعضَ الحاجةِ الكسلُ)

فقلن ما أنا مَمَّنْ لا يوافقني ... ولا ثوائي ألّا رَيْثَ ارتحلُ) (أمّلتُ خيرَك هل تأتي مواعدةً ... واليوم قصّر عن تلقائك الأملُ) (وما صَرَمْتُكِ ........ ........ البيت) يقال: وغل في السير وأوغل إذا جدَّ فيه. ومعنى البيت الثاني: من لا يوافقني فليس مني, ولا أنا منه, وليس ثوائي عنده إلّا قدر ما ارتحل عنه. و (التَّلقاء) بمعنى اللقاء, وكل مصدر هكذا فهو مفتوح التاء, كالتَّجوال والتَّطواف إلّا التَّلقاء والتَّبيان. وإمّا التَّلقاء في قوله: {تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ} [الأعراف:47] فظرفٌ لا مصدرٌ. أما البيت الثاني فإنه لأنس بنَ العباس بن مرداس السُّلَميّ, وروي القالي عجزه: الفتق على الراتق, وهو الصواب, لأنَّ قبلَهُ: (لا صلح بيني فاعملوه ولا ... بينكم ما حملت عاتقي) (سيفي وما منا بنجد وما ... قَرْقَرَ قُمْر الواد بالشاهق /224/) وفي البيتين فصل المتعاطفين بالجملة الاعتراضية, وتأنيث العاتق, والأفصحَ تذكيره, وفيه التضمين, وهو من العيوب, فإن قوله: سيفي معمول لـ «حملت» وحذف ياء المنقوص غير المنوّن للضرورة. و (الراتق) الذي يلحم الفتقَ, يقول إنَّهُ أصابتْهُ شِدَّةٌ تبرَّأ منه فيها الولي والصديق, وضرب اتساع الخرق مثلاً لتفاقُمِ الأمْرِ. والشاهد فيه: نصب المعطوف على إلغاء لا الثانية وزيادتها لتوكيد

الأولى, وجاز العطف على لفظ المبنى تنزيلاَ لحركة البناء العارضة بسبب داخل دخل منزلة حركة الأعراب. ومثله: يا زيدٌ الفاضلُ, برفع الصفة. هذا قول النحويين, قال الناظم: وهو عطف على محل اسم (لا) بعد دخولها, فإنَّ له محلين, محلاً قيل دخولها وهو الرفع بالابتداء, ومحلاً بعد دخولها وهو النصب بلا, فإنها عاملةٌ عملَ إنَّ. وقال يونس في (خُلةً): أنه مبني, ولكنه نون للضرورة. وليس بشيء. وفي البيت قطع ألف الوصل في الدرج للضرورة, وحسَّنَهُ هنا أنَّها في أول الشطر الثاني من البيت, وهو محل ابتداء. وأما البيت الثالث فقال سيبوية: لرجلٍ من مَدْحج, وأبو رياش: لهمام أخي /225/ جساس ابني مرة, والأصفهاني: لضمرة بن ضمرة, ويشكل عليه ندلؤه ضمرة في أول بيت من القصيدة, وسيأتي, وقد يكون نادي آخر اسمه كأسمه, والحاتمي: لابن احمر, وابن

الأعرافي: لرجل من بني عبد مناف قبل الإسلام بخمس مئة سنة, وروى: وجدكم بدل لعمركم. و (الصَّغار) كالهَوان وزناً ومعنىً. خاطب بهذا البيت أمَّهُ, وأهْلَهُ كانوا يؤثرون عليه أخاه جُنْدُباً, وقبلَهُ: (أضمرُ أخبرْني ولستَ بكاذبٍ ... وأخوك نافعُكَ الذي لا يكْذبُ) (أمِنَ السويَّةِ أنْ إذا استغنيْتُم ... وسعدتُّم فأنا البعيدُ الأخيبُ) (وإذا الشدائدُ بالشدائدِ مرةً ... أشجَتْكُم فأنا الحبيبُ الأقربُ) (ولجُنْدَّبٍ سَهْلُ البلادِ وغَدْبُها ... ولي المِلاحُ وحَزْنُهن المُجْدِبُ) (وإذا تكونُ كريهةً أدْعَى لها ... وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدْعىً جُنْدُبُ) وبعده: /226/. (عجبٌ لتِلْكَ قَضيّةٌ وإقامتي ... فيكم على تلكَ القضية أعْجَبُ) يقول: إذا كانت شدة دعوني لعلمهم أنَّي أغْنَي عنهم, وإذا كان رخاءٌ دعوا جُنْدُباً, وهذا عين الهوان, فإن رضيت به فليس لي أمُّ ولا أبٌ معروفان. بل أنا حينئذ لقيطٌ. وفيه الاعتراض بين المبتدأ والخبر بالقسم, وبين المتعاطفين بالشرط, وزيادة الباء في كلمة العين المؤكدة بها, كما يقال: جاءَ زيدٌ بعينهِ. وقيل: إنَّ (بعينه) في البيت في موضع الحال, أي هذا الصَّغارُ حقاً.

وقوله: (إن كان ذاك) أي احتمال ذاك وإلّا فذاك كابن. والشاهد فه: رفع الاسم الثاني مع فتح الأول, وذلك إما على إلغاء (لا) الثانية, ورفع تاليها بالعطف على محل الأول مع اسمها, وعلى هذا فخبرُها واحدٌ. وأما على تقدير (لا) الثانية مقيداً بها عاملة عمل ليس, فيكون لكل من الأولى والثانية خبرٌ يخصُّها, لأنَّ خبرَ الأولى مرفوعٌ, والثانيةِ منصوبً. و (ضمرٌ) مرخَّم ضمرة. وجملة (وليست /227/ بكاذب) حاليةٌ أو مستأنفةٌ, فهي توصيةً له بالصِّدْقِ على الأول وثناءٌ عليه به على الثاني. والأظهرُ الأول. لكن يُروي: ولستَ بصادقي. و (السَّوِيَّة) العدل. و (الاجنب) بالجيم والنون, من الجنابة وهي البعد. ويروي بالخاء المعجمة والياء, من الخيبة. و (الكريهة) القصة المكروهة, وأنَّثَتْ بالثاء لغلبة الاسمية كالنطيحة. و (الحيس) طعام فاضل عندهم, يتخذ من سمن وأقط. و (جُنْدُبِ) بضم الدال وفتحها. (الثماد) جمع ثمد, وهو الماء القليل. و (المِلاح) بكسر الميم, جمع مَليح, وهو الماء المالح. و (عجباً) مصدر نائب عن (أعجب) , ويُروي بالرفع على الابتداء, وإن كان نكرةَ, لتضمُّنِه معنى التعجب, أو لأنَّه مصدرٌ في الأصل, وإنما عُدِلَ إلى رفعةِ لإفادةِ معنَى الثبوت. وأما البيت الرابع فإنه لأمية بن أبي الصَّلْت من كلمةٍ أولها: (سلامَك رَّبنا في كلَّ فَجْرٍ ... بريئاً ما تليق بك الذمومُ) (عبادُك يخطئون وأنت رَبَّ ... بكفيّك المنايا والحتومُ)

ومنها يذكر القيامة وأهل الموقف والجنة والنار. (غداة يقول بعضُهم لبعضٍ ... ألا يا ليت أمُّكُمُ عَقيمُ) (فلا تدنو جهنمُ مِنْ بَرِئٍ ... ولا عدنً يحلُّ بها الأثيمُ) (ونخلَّ ساقطً القِنوانِ فيه ... خلال أصول رطب قميم) (وتفاحٌ ورمّانٌ وتينٌ ... وماءٌ باردٌ عذبً سليمُ) (وحورً لا يريْنَ الشمسَ فيها ... على صور الدُّمَى فيها سهومُ) (نواعم في الأرائك قاصرتٌ ... فهُنَّ عقائل وهم قُرومُ) (على سررٍ تُرَى متقابلاتٍ ... ألا ثَمَّ النضارةُ والنعيمُ) (عليهم سندسٌ وجيادُ رَبْط ... وديباجُ يُرَى فيهم قتومُ) (وتحتهم نمارق من دِمَقسٍ ... ولا أحد يَرى فيهم سئيم) (ولا لغوّ ولا تأثيمٌ فيها ... ولا حَيْنٌ ولا فيها مُليم) (وفيها لحم ساهرةٍ وبَحْرٍ ... وما فاهوا به لهم مقيم) كذا ثبت هذا البيتان في ديوانه الذي رواه علماء اللغة والشعر. ويتبين بذلك أن النحويين حرّفوه, فركبوا صدر بيت على عجز آخر. وأورد المفسرون البيت على /229/ الصواب عندما تكلموا على تفسير قوله تعالى {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:14] , فقالوا: الساهرة, وجه الأرض, وأنشدوا. والمعنى: وفيها لحم بَرٍّ وبَحْرٍ, ورواه بعضُهم: وفيها لحمُ ساهرةٍ وطيرٌ. ومن الغريب قولُ قتادة: الساهرةُ جهنم, لأنها لا نوم فيها.

مسألة [104] إذا عطفت على اسم (لا) , ولم تكررها جاز في المعطوف الرفع

وقوله: (سلامَك) بالنصب, أي: سلمتٌ يا ربَّنا. و (بريئاً) حال مؤكدة لعاملها, مثل: ولَّي مدبراً. وروى النحويون بدل (ما تليق به) ما تَغَنَّتُك, بثلاث فتحات على تاء المضارعة وعين معجمة ونون مشددة بعدهن ثاء مثلثة مضمومة, أي: ما يلتصق بك, والأصل: تتغنثك, فحذف التاء الثانية. و (الذموم) بالضم, جمع ذم. و (القيم) المجموع المكنوس, كما تقم القمامة. و (السِهوم) الضمور وقلة لحم الوجه, و (الأرائك) السرر عليها الحِجال. و (العقائل) الخيار. و (القُروم) الفحول. و (القتوم) من القُتمة, بالضم, لون فيه غبرة وحمرة. و (الدمقس) الابرسيم. (الذي سئم) الذي يصرُّ لا روح له, و (المليم) الآتي بما يلام عليه. وأميّة هذا كان قد قرأ الكتبَ فعلم منها أنّه أظلَّه زمانُ نبي فترجَّي أنْ يكونَ هو. فضمَّنَ أشعارَه المواعظَ والحِكَمَ, وذكر الحشر, فلما بعث اللهُ محمداً صلى الله عليه وسلم /230/ حَسَدهُ, فكذَّبَهُ, فيُقال إنَّ فيه نَزَلَ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا .....} [الأعراف:175]. مسألة [104] إذا عطفت على اسم (لا) , ولم تكررها جاز في المعطوف الرفعُ

والنصبُ دون الفتح, وشاهد النصب قوله: [الطويل]. (فلا أبَ وابناً مثلُ مروانَ وابنهِ ... إذا هو بالفضلِ ارتدى وتأزَّرَا) وهو لرجلٍ من بني عبد مناة يمدح مروان بن الحكم وابنه عبد الملك وجعلهما لشهرة مجدهما كلابسين له متردين به, ويحتمل مثل الصفة والخبر, فعلى الخبر هو مرفوع لا غير. ولا حذف, وعلى الصفة يجب تقدير الخبر, ويحتمل (مثل) النصب على اللفظ, والرفع على المحل, واستقبحَهُ الفارسيّ, قال: لأنَّك عطفتَ بالنصب فلا يحكم برفعه بعدما حكمت بنصبه, قال: وإنّما جاز أنْ يرجعَ إلى مراعاةِ (من) ونحوها بعدما حملت على معناها, ولكن ذاك أسهل, لأن الاسم كما يُعْلَمُ منه الأفرادُ يُعْلَمُ منه الجمعُ, ولا يُعْلَمُ النصبُ من الرفعِ, ولا العكس. ولا يكون مثل صفةً للمعطوف فقط, لإضافته إلى مروان وابنه المتعاطفين بالواو التي هي للجمع, وإنّما يصحُّ له أن يكون َ خبراً عن الاثنين, أو صفةً لهما مع أفراد /231/, لفظه, كما صحَّ مجيئهُ للجماعة في

مسألة [105] تدخل الهمزة على لا التبرئة فيبقى أحكام اسمها وخبرها وأحكام توابع اسمها, وأكثر ذلك والاستفهام للتوبيخ

قولهِ تعالى: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:140] وإذاً منتصبة بها في مثل من معنى المماثلة سواء قدرت مثلاً صفة, أو خبراً أو منتصباً بالخبر الذي تضمره إذا قدرت مثلاً صفة, وأفراد ضمير (ارتدى وتأزرا) بمنزلة الإفراد في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة:11]. وروى ابن الأنباري: (إذا ما ارتدَى بالمجدِ ثُمَّ تأزَّرا) رواية سيبوية أولى, لأن الائتزار قبل الارتداء, والواو تأتي لغير الترتيب بخلاف ثُمّ. مسألة [105] تدخل الهمزة على لا التبرئة فيبقى أحكام اسمها وخبرها وأحكام توابع اسمها, وأكثر ذلك والاستفهام للتوبيخ, كقوله: [البسيط]. (ألا طِعانَ ولا فرسانَ عاديةً ... إلّا تجشُّؤُكم حَوْلَ التنانير) أو إنكار, كقوله [البسيط]. (إلَا ارعواء لِمَنْ ولّتُ شَبيبتهُ ... وآذنَتْ بمشيبٍ بعدَهُ هَرمُ)

ويأتي الاستفهام على حقيقةِ كقولهِ: [البسيط]. (ألا اصطبار لسلمى أم لها جَلَدً ... إذا ألاقي ما لاقاه أمثالي) ولقلتِه لم يطلعْ عليهِ الجزولي فانكرَ وجودَهُ. وقد ترد (الا) بجملتها لأحد ثلاثة معانٍ /232/, أحدها: التمني, فتخصُّ أيضاً بالجملةِ الاسمية, وتعمل عمل لا, لكن تعطي حكم ليت في أنَها لا تُلْغَي وإنّ تكررَتْ, وأنّه لا يجوزُ مراعاةُ محلِ اسمِها من الابتداءِ, ومن ذلك قوله: [الطويل]. (الا عُمْرَ وَلَّي مستطاعٌ رجوعهُ ... فيرأبَ ما أثأتْ يدُ الغَفَلاتِ) وقول قوم منهم الشارح: إنَّ المفيدَ للتمنِّي سهوٌ, ويلزم منه كون التمنِّي جملةَ النفي, فيكون معنى قولك: ألا ما أتمنَّى عدم الماء, وهو عكس المراد. الثاني: العرض, فتختص بالجملة الفعلية, نحو: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة:13] , وقد يكون الفعل مقدَّراً كقوله: [الوافر]. (ألا رجلاً جزاهُ اللهُ خيراً ... يَدُلُّ على مُحصِّلةٍ تَبيتُ)

أي: ألا تروني رجلاً؟ والثالث: التنبيه والاستفتاح, فيدخل على الجملتين, نحو: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] , {أَلا يَوْمَ يَاتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود:8]. أما البيت الأول فإنه لحسان بن ثابت الأنصاري من كلمة يهجو فيها, الحارث بن كعب النجاشي, وقبلَهُ: (حار بن كعب الا أحلام تزجُركم ... عنَّا وأنتم من الجُوفِ الجماخيرِ) (لا بأسَ بالقومِ من طولٍ ومن عظمٍ ... جسم البغالِ وأحلام العصافيرِ) وبعده: /233/. (كأنَّكم خُشُبً جُوفً اسافلُه ... مثقبٌ نفخت فيه الأعاصير) (لا ينفع الطول من نوكِ الرجال ولا .... يهدي الالهُ سبيلَ المعشرِ البورِ) حذف حرف النداء من حارث, ورخَّمه, وجمع الحلم, وهو العقل. وقوله: (عنّا) أي عن هجائنا, وذلك إنَّ النجاشي الشاعر هجا بني النجار من الأنصار, فشكو ذلك لحسان فقال هذه الأبيات, ثم قال: القوها على صبيان المكاتب, ففعلوا, فبلغ ذلك بني عبد المدان, فأوثقوا النجاشي, وأتوا به إلى حسان, وحكَّموه فيه, فأمر الناس فحضروا, وجلسَ على

سريرهِ, واحقره موثقاً, فنظر إليه ملياً ثم قال لابنه عبدِ الرحمن: هاتِ الدراهمَ التي بقيتْ من صِلَةِ معاوية, وائتني ببغلةٍ, ففعلَ, ففلّ وثاقَهُ وأعطاه الدراهمَ, واركبَهُ البغلةَ, فشكرَهُ الناسُ. و (الجُوف) جمع أجوف, كالسُود جمع أسود, وهو الواسع الجوف. و (الجماخير (جمع جمخور, وهو العظيم الجسم, القليل العقل والقوة. وأفرد في البيت الثاني الجسم, وجمع الحلم, وكان القياس العكس, لأن وضع الجسم للواحد, والحلم للجنس, ويجمع كل منهما على أفعال وفعول, قال الله تعالى: {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون:4] , {أَمْ تَامُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ} [الطور:32] , وقال الشاعر: /234 (204) / [البسيط]. (هل من حلومٍ لأقوامٍ فتنذرهم ... ما جَرَّبَ الدهرُ مَنْ عضِّي وتضريسي) وقال الآخر: [الوافر]. (ولكني بُليتُ بوصلِ قومٍ ... لهم لحمٌ ومنكرةً جُسومُ) (وروي أنَّ بني عبد المدان ... كانوا يفتخرون بعظم أجسامهم) حتى قال فيهم حسان هذا الشعر, فتركوا ذلك, ثم إنهم قالوا لما

رضي عنهم: أفسدت علينا أجسادنا, فقال: [الوافر]. (وقد كنَّا تقولُ إذا أتيْنَا ... لذي حسبٍ يُعَدُّ وذي بيانِ) (كأنَّك أيه المُعطَى بيانً ... وجسماً من بني عبدِ المدانِ) فعادوا إلى الافتخار بذلك. ويروي: ولا فرسانَ. و (عادية) بالمهملة من العدوان, وبالمعجمة من الغدو مقابل الرواح. و (تجشؤكم) بالجيم, من الجشأ: نفس المعدة, وبالحاء المهملة, من الانحشاء. والاستثناء منقطعُ. والمعنى: ألا طعان عندكم, ولا فرسان فيكم يعدون على أعدائهم, أي لستم بأهلِ حرب, وإنّما أنتم أهلُ أكلٍ وشربٍ, كما قال الآخر: [الكامل]. (إنّي رأيتُ من المكارم حسبكم ... أنْ تلبسوا خزَّ الثيابِ وتشبحوا) وقوله: /235 (205) / [البسيط]. (دَعِ المكارم لا ترحلْ لبُغْيَتها ... وأقعد فإنَّكَ أنتَ الطاعمُ الكاسي) و (الأعاصير) بالرفع على الأقواء, و (البور) جمع بائر, وهو الهالك. وأما البيت الثاني: فالارعواء: الانكفاف, مصدر ارعوى عن الشيء,

أي: الانكفاف عن القبيح. و (لمن) خبر. و (أذنت) عطف على (ولَّت) فلا موضع له. ومعناه: أنذرت. وجملة (بعده هرم) صفة لشيب. وأما البيت الثالث فأمْ فيه متصلةً معادلةً للهمزة, عاطفة اسمية مثبته على مثلها منفية. والمعنى: ليت شعري إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت, أينبغي الصبرُ عن هذه المرأة أم يثبت لها. وكنَّى عن الموت بما ذكر تسليةً لها. وأما البيت الرابع فقوله: (الا) كلمة واحدة للتمني, كما قدمنا, و (عمر) اسمها, و (ولَّى) صفته, و (مستطاع رجوعه) اسمية قدم خبرها, والاسمية كالفعلية في الوصفية, وموضوعهما النصب. فإن قلت: أما يجوز أن يكونَ محلهُما الرفعُ. أو كون الاسمية خبراً, أو كون (مستطاع) صفة على الموضع, أو خبراً, و (رجوعه) مرفوع به على الوجهين. قلتُ: أمَّا عند سيبوية فلا, لأنَّه لا يُجيزَ مراعاةَ محلِ اسمِها اجراءً /236 (206) / لها مجرى ليت, وليس لها عنده خبر لا لفظاً ولا تقديراً, وأن نحو: الا. ما, كلام تام محمول على معناه, وهو: أتتمنى ما, وعلى هذا فهو كلام مركب من اسم وحرف كما في: يا زيد, عند أبي علي. وأما عند المازني والمبرّد فيجوز, لأنَّهما يجريانهما مجرى (الا) التي للإنكار والتوبيخ سواء.

وقوله: (فيرأب) منصوب في جواب التمنّي, مثل: فأفور. يقال: رأبه يرأبه, بالفتح فيهما, إذا أصلحه, وأصله من: رَأَيْتُ الإناء إذا شَعبته, والمحفوظ في البيت: يرأب, مبنياً للفاعل, ويحسن بناؤه للمفعول. و (أثأت) بالمثلثة: أفسدت منقول بالهمزة من (ثأى, يثأى) بالفتح, فسد. واستعار للغفلات يدا كما استعارها زهير للشمال في قوله: [الكامل]. ([وغداةَ ريحٍ قد وزعْتُ وقِرَّةٍ] ... إذا أصبحْت بيد الشَّمالِ زِمامُها) وأما البيت الخامس ففي (رجلاً) ثلاث روايات, أحدها: الرفع, وبه جَزَمَ الجوهري, ووجهه أن يكون فاعلاً بفعلٍ محذوف يفسِّرُهُ (يدل). والثانية: الجر على إضمار (من) وفيه ضعف, لأعمال الجار محذوفاً, ويزيده ضعفاً كونهُ زائداً, ونظيره في الضعيف قوله: ([فلم أرَ مِثْلَها خُباسةَ واحِدٍ] ... ونَهْنَهْتُ نفسي بعدَما كِدتُ أفْعَلَهُ)

على قول سيبويه: إنَّ التقدير: أن أفعلَهُ, لأن (أن) , وإن كانت غير زائدة, لكنَّ دخولَها في خبرِ (كاد) قليلٌ. والثالثة /237 (207) /: النصب وهي المشهورة, فقال الخليل وسيبوية: (ألا) للعرض والفعل مقدَّر, أي: ألا تروني رجلاً. وقال يونس: (ألا) للتمني, و (رجلاً) اسمها, ونُوَّنَ للضرورة وقال بعضهم: منصوب بمضمره يفسره (جزى) , وعلى هذا فألا للاستفتاح لا للعرض, إذ لا يدخل حرف العرض على فعل طلبي. وقوله: (محصِلة) بكسر الصاد, أي امرأة تحصل الذهب من تراب المعدن, وتخلصه منه. وقوله: (تبيت) قال الأعلم: تبيت تفعل ذلك, أو للفاحشة. وقال السيرافي: إنما الرواية (تبيث) بالثاء المثلثة, من الاستباثة, وهي الاستخراج, أي: تستخرج الذهب من ترابه انتهى. وكلامهُما كلامُ مَنْ لم يقفْ على ما بعد البيت, وهو: (تُرجِّل لمّتى وتَقُّمُ بيتي ... وأعطيها الإتاوةَ إنْ رضيَّتُ) فالقافية تاه مثناة. و (ترجل ... إلى آخره) خبر بات, والبيت متعلق بما قبله, وفي الشعر تضمين, وهو من العيوب كما مرَّ. والبيتوتة للترجيل, والقم كما ذكر لا لشيء آخر وأيضاً فالمعروف في الفعل الثلاثي المعبَّر به عن البحث عن الشيء. وباث عنه يبوث بوثاً, بالواو, لا باث يبيث, بالياء. و

مسألة [106] يجب ذكر الخبر إذا كان غير معلوم

(الإتاوة) الخّراج. /238 (208) /. مسألة [106] يجبُ ذكرُ الخبرِ إذا كانَ غيرَ معلومٍ, نحو: (لا أحد أغير من الله عز وجل). وقوله: [البسيط]. (ورّدَّ جازرّهم حرفاً مصرَّمةً ... ولا كريمَ من الولدان مصبوحُ) فإن كان معلوماً التزم حذفه التميميون والنجديون, وأجازَ الوجهين الحجازيون. وهذا البيت ممّا رُكِبَ فيه صدرُ بيتٍ على عَجز آخر. وقد أوردَهُ سيبوية والجرمي في كتاب (الفرج) , وأبو بكر في (أصوله) , وأبو علي في (إيضاحه) , وتبعهم على ذلك خلق كثير, كالشارح, ولم يورد الزمخشري في مفصّله إلا عجزَهُ, فسلم من ذلك الغلط, ولكنَّهُ وقعَ في غبطٍ آخر, وهو

أنَّهُ نسبَه لحاتم الطائي, كما غلط الجرمي, إذ نسب البيتَ كلَّه لأبي ذؤيب, والصواب أنَّه لرجلٍ جاهلي من بني النبيت, اجتمع هو وحاتم والنابغة الذبياني عند ماويَة بنت عَفْزَر خاطبين لها, فقدَّمتْ حاتماً عليهم وتزوَّجَتْهُ, فقال هذا الرجل: (هلّا سألت النبيتين ما حَسَبي ... عندَ الشتاءِ إذا ما هبْتِ الريحُ) (وَرَدّ جازرُهم حرفاً مصرمةً ... في الرأسِ منها وفي الأصلاءِ تمليحُ) 239 (209) (إذا اللقاحُ غَدَتْ مُلقىً أصَرتُها ... ولا كريمَ من الولدانِ مصبوحُ) ويروى: هلا سألتِ هداكِ الله. و (الجازر) هنا للجنس, إذ لا يكون في العادة للحيّ جازر واحد. و (الحرف) قال أبو عمرو: الناقة المُسنَّة البازل, أبو زيد: النجيبة التي انضتها الأسفار, لانحرافها عن السمن إلى الهزال, صاحب العين وابن الأنباري: الصُّلْبة, شُبِّهتْ بحرف الجبل, وقيل: بحرف السيف, لمضائها. و (المصرّمة) المقطوعة اللبن, لعدم الرعي. و (الكريم) الشريف الحسب. و (المصبوح) الذي يُسْقَى اللبنَ في الصباح, أي أنهم في جَدْب, واللبن عندهم متعذر, ولا يسقاه الوليد الكريم النسب فَضْلاً عن غيره لعدمِه. فجازرهم يرد عليهم من المرعى ما ينحرون للضيف, إذ لا لبنَ عندهم.

وجزم سيبويه بأن (مصبوحاً) خبر كما جزم به الشارح, وأجازه الجرمي والفارسي, وأجاز أن يكون صفة لكريم على الموضع, والخبر محذوف, وتبعُهما الزمخشري فقال بانياً على توهُّمهِ أنَّهُ لحاتم: يُحْتَمل أنَّهُ تركِ طَائيتَه إلى اللغة الحجازية, ويُحْتَمل أنَّهُ قدَّرَهُ صفة. قال ابن معزوز: وهذا جهلٌ بما قال سيبوية, فإنَّهُ جزمَ بأنَّه خبرٌ, وهو الصواب /240 (210) /, فإن المراد أنَّهُ لا كريمَ يُصبحُ, ولم يرد أنْ ينفيَ وجودَ الولدان المصبوحين, وإذا قدّر خبراً لم يقع النفي على وجودِهم, بل يقع على المصبوحِ, لأنَّ الخبرَ محطُ النفي. و (الاصلاء) جمع صلأ, وهو ما حول الذنب. و (التلميح) شيءٌ من ملح, أي شحم. و (الأصرّة) جمع صرار, ما شُدَّ به الطبي, لئلا يرتضعَه الفصيلُ, وإنما أُلقيَتْ حيثُ لم يكنْ ثَمَّ لبنً.

شواهد باب ظن وأخواتها

شواهد باب ظنّ وأخواتها مسألة [107] مِنْ تعدِّي (رأى) بمعنى (علم) قولهُ: [الوافر]. (رأيتُ اللهَ أكبرَ كلَّ شيءٍ ... محاولةً وأكثرهَم جنودا) قال الشارح: أنشده أبو زيد, وإنّما أنشده أبو زيد على أن عجزه: (وأكثر عديدا) , وأمّا (وأكثره جنوداً). فرواية أبي حاتم, وروى: (وجدت الله) , وقبله: (تَقُوةُ أيُّها الفتيانَ إنِّي ... رأيتُ اللهَ قد غلبَ الجدودا) مسألة [108] لـ «درى» استعمالان, أغلبهما أن يتعدى بالباء, نحو: دريت بكذا,

مسألة [109] لـ «تعلم» التي بمعنى (اعلم) استعمالان أغلبهما أن تتعدى إلى أن وصلتها

ومنه قوله تعالى: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يونس:16] , وإنما تعدى إلى الضمير بسبب دخول همزة النقل عليه /241 (211) /, واندرهما أنْ يَتَعَدَّى إلى اثنين بنفسه, كقولِه: [الطويل]. دُرِيت الوفيَّ العهد يا عُرْفَ فاغتبطُ فإنَّ اغتباطاً بالوفاءِ حَميدُ فالتاء مفعول أول نائب عن الفاعل. و (الوفي) مفعول ثانٍ, ولا يكون حالاً لتعريفه, ويجوز في العهد الخفض بالإضافة, والنصب على التشبيه بالمفعول به, والرفع على الفاعلية, وتقدير الضمير, أي العهد منه, أو إنابة اللام عنه, أي عهده, وأرجحها الخفض, وأضعفها الرفع. و (الاغتباط) بالخير محمود مطلوب, لأنه يحثُّ على الازدياد منه, لأن رؤية النعمة أدعى إلى الشكر عليها, قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس:58]. ولا شكَّ أنَّ الوفاء بالعهد من فضل الله سبحانه, ورحمته لعبده, فالاغتباط به واجب أو مندوب, لورود الأمر به, وأما الفرح المنهي عنه فهو الفرح بالدنيا وما يتعلق بها. مسألة [109] لـ «تعلَّم» التي بمعنى (اعلم) استعمالان أغلبهما أن تتعدى إلى أن وصلتها, كقوله: [الوافر].

مسألة [110] لـ «زعم» استعمالان

(تعلّم أنّه لا طير إلّا ... على متطير وهو الثبور) /242 (212) وأقلهما أنْ تتعدى إلى المفعول, كقوله: [الطويل]. (تعلَّم شفاءَ النفسِ قَهْرَ عدوِها ... فبالغ بلطفٍ في التحيَّل والمكرِ) والبيت الأول للنابغة, وذلك أنه خرج هو وزياد بن سيار يريدان الغزو, فرأى زياد جرادة, فقال: جَرْد وذات ألوان, فرجع, ومضى النابغة, ولما رجع غانماً قال: (يلاحظ طيرَه أبداً زياد ... لتخبرَه وما فيها خَبيرُ) (أقامَ كأنَّ لقمانَ بنَ عادٍ ... أشارَ لَهُ بحكمته مشيرُ) (تعلَّم أنَّهُ ..... ........ البيت) (بلى شيءُ يوافقُ بعضَ شيء ... احاييناً وباطلُهُ كشيرٌ) ومن أنكر الطير من العرب المرقِّشُ الأكبر وقال: [الكامل]. (إنَّي غدوت وكنتُ لا ... أغدو على واقٍ وجاثمِ) (فإذا الاشائمُ كالأيامنِ ... والأيامنُ كالأشائم) (وكذاك لا خيرٌ ولا شرَ ... على أحدٍ بدائمِ) مسألة [110] لـ «زعم» استعمالان, استعمال (تعلّم) فمن وقوعها على أنْ وصلتها

قول الله عزّ وجلَّ: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:8] , وقول الشاعر: /343 (213) / [الطويل]. (وقد زعَمْت أنَّي تغيَّرتُ بعدَها ... ومَنْ ذا الذي ياعَزُّ لا يتغَّيرُ) وقد يدخل عليها الباء الزائدة, كقوله: [الطويل]. (وقد زَعَمَتْ بأنَّي فاجرٌ ... لنفسي تُقاها أو عليها فجورُها) ومن نصبها المفعولين قوله: [الخفيف]. (زعمتني شيخاً ولستُ بشيخٍ ... إنَّما الشيخُ مَنْ يّذُّبُ دبيبا) وقوله: [الطويل]. (فإنْ تَزْعُميني كنت أجهلُ فيكُمُ ... فإنَّي شَرَيْتُ الحِلْمَ بعدَكِ بالجَهْلِ) فأما البيت الأول فإنه لكُثَيِّر صاحب عزة, وبعده: (تغَيَّر حسمي والخليقةُ كالتي ... عهدت ولم يُخْبِرْ بسرِّكِ مُخْبِرُ)

وأما البيت الثاني فإنه لتوبة, بلفظ المَرَّة, مِنْ تَابَ إذا رجع, الحُمَيَّر, بلفظِ تصغيرِ الحمار, وليلى, هذه, الاخيلية. والمعنى: إنَّ عملَ الإنسانِ لا يتجاوزُ نفعُه ولا ضرُّه إلى غيرِه, وأو بمعنى الواو, أو للإبهام. وأما البيت الثالث فواضح, و (يدِبُّ) بكسر الدال. وأما البيت الرابع فإنه لأبي ذؤيب خويلد /244 (214) / الهُذَلّي, إسلامي مُخَضْرمُ. والزعم: قول يقترن به اعتقاد. ومذهب الأكثر أن يكون باطلاً, نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:8]. وقد يكون صحيحاً, كقول أبي طالب يخاطب النبي صلة الله عليه وسلم: [الكامل]. (ودعوتني وزعمت أنَّك ناصحً ... ولقد صدقتَ وكنت ثَمَّ أمينا) و (شريت) بمعنى اشتريت, ويأتي بمعنى بعت, ومنه: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف:20] , {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ} [البقرة:207] , وقول بعضهم,

مسألة [111] اختلف في تعدي (ألفي) إلى اثنين, فمنعه قوم

وندم على بيع غلامٍ له اسمه برد : [مجزوء الكامل]. (وشريتُ بُرْداً ليتني ... من بعد بُرْدٍ كنتُ هامَة) و (فيكم) أصله في وقت حبكم, فحُذِفَ المضافان على التدريج, أو (في) بمعنى (مع) , والظرف حال, أي: كائناً معكم, أي: حينِ كنتُ بينكم. وقوله: (بعدك) أي بعد فراقك, ولا ينبغي في قوله: (فيكم) أن يكون الضمير للمرأة, وأنه جمع للتعظيم, لجواز أنَّ يريدَ به المرأة وقومَها. يقول: أنه رجع عن الصبا الذي كانتْ تعهدُه منه لما وعظه من الشيب, أو نحوه. و (الحِلْم) العقل, و (الجهل) ضد العلم. وموضع (اجهل) نصب خبراً لكان. وموضع كان ومعمولها نصب مفعولاً ثانياً لزعم. وموضع (شريت) رفع خبراً لأنَّ, فاجتمع في البيت وقوع كل من خبر كان /245 (215) / وخبر أن, والمفعول الثاني من باب ظن جملة, وذلك لأن أصْلَهُنَّ خبر المبتدأ, وهو يقع جملة. مسألة [111] اختلف في تعدَّي (ألفي) إلى اثنين, فمنعَهُ قومٌ, وزعموا في قوله

مسألة [112] اختلف في تعدي (عد) بمعنى اعتقد إلى مفعولين فمنعه قوم

تعالى: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} [الصافات:69] , أن (ضالين) حال, واثبته آخرون, مستدلِّين بقوله: [البسيط]. (قد جرّبوه فألفوه المغُيثَ إذا ... ما الروع عمَّ فلا يلوي على أحدٍ) والفاءان عاطفتان, وجواب (إذا) محذوف مدلولٌ عليه بالمُغيث, و (على أحد) نائب الفاعل, ولا يكون (المغيث) حالا لأنه معرفة. مسألة [112] اخْتلِفَ في تعدِّي (عدَّ) بمعنى اعتقد إلى مفعولين فمنعه قومً, وزعموا في قوله: [الخفيف]. (لا أعُدُّ الاقتارَ عُدْماً ولكنْ ... فَقْدُ مَنْ قد فقدتَهُ الاعدامُ) أن (عُدْماً) حال, وليس المعنى عليه, وأثبته آخرون مستدلِّين بقوله: [الطويل]. (فلا تعدُدِ المولَى شريكَكَ في الغِنى ... ولكنَّما المولى شريكُكَ في العُدْمِ) وقوله: [الطويل]. (تعدَّون عقرَ النَّيبِ افضلَ مجدِكُمُ ... بني ضَوْطَري لولا الكمِيَّ المقنَّعا)

/246 (216) / فأما البيت الأول فإنه لأبي دؤاد الأيادي, وقد روي أنَّ سعيد بن العاصي, والى المدينة, بينما هو عشاء والناس, إذا شيخٌ سيءُ الهيئةِ, فزجره الناس, فهابهم فجلس فيهم, وأفاضوا في حديث الشعر, فقال الشيخ: ما أصبتُم أشعرَ العربِ. فقال له سعيدُ: فمَنْ هو؟ قالَ: الذي يقولُ: (لا أعدُّ الاقتارَ ....................) البيت. ثم أنشد الكلمة. قال: فمَنْ الذي يقولُها؟ قال: أبو دؤاد. قال: ثم مَنْ قال: الذي يقول: [مخلع البسيط]. (أفلح بما شئت فقد تدرك ... بالضعفِ وقد يُخدَعُ الأريبُ) حتى أتى عليها. قال: فمَنْ الذي يقولُها؟ قال: عَبيدُ بنُ الأبرص. قال: ثم من قال: والله بحسبكم بي عند رغبة أو رهبة, إذا رفعت إحدى

رجلي على الأخرى, ثم عويت في أثر القوافي كما يعوي الفصيل وراء الإبل الصادرة. قال: فمَنْ أنْتَ؟ قال: الحطيئة. فرحّب به سعيدٌ, وأحسنَ صِلَتَه, فقال يمدحه: [الطويل]. (لعَمْري لقد أمسَى على الأمرِ /سائسٌ/ ... بصيرً بما ضَرً العدوَ أريبُ) ومنها: /247 (217) / (إذا غابَ عنا غابَ عنا ربيعُنا ... ونُسْقَي الغُرَّ حينَ يؤوبُ) (فنِعْمَ الفتى تعشو إلى ضوءِ نارهِ ... إذا الريحُ هبَّتْ والمكانُ جديبُ) وأما البيت الثاني فإنه للنعمان بن بشير الصحابي, وهو أول مولود بعد الهجرة سنة اثنين, وأمُّه عَمْرةُ بنتُ رواحة أخت عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم أجمعين. وقبله: [الطويل]. (وإنّي لأعطي المالَ مَنْ ليس سائلاً ... واغفر للمولى المجاهرِ بالظلمِ) (وإنَّي متى ما يلقني صارماً له ... فما بيننا عند الشدائدِ من صُرْمِ) و (العُدْمِ) ما جاء على فُعْل, بضم فسكون, وعلى فَعَل, بفتحتين, ومثَله الحُزْن والبُخْل والرُّشْد, وجاء في البخلِ أيضاً ضمتان وفتحتان.

و (الإقتارِ) تضييق النفقةِ, يقال: أقترَ اللهُ عليه إقتاراً, وقَتَر يقتر, مثل قَتَل وضَرَب, قتراً وقتوراً, وقتَّر, بالتشديد, تَقْتيراً. ويروى: (رُزْئِتُه) بدل (فقدته) وهو بهمزة بعد الزاي, ويجوز إبدالها. وأما البيت الثالث فإنه لجرير بن عطية بن الخَطَفَي حذيفة بن بدر يهجو الفرزدق. و (العَقْر) الذبح. و (النيب) جمع ناب, وهو المسنّة من النوق /248 (218) /, وهي أفضلها, لكثرة رسلِها وتتابعِ نسلها. ووزنه (فُعُل) بضمتين, فسكّن للتخفيف كما في (أُسُد) , ثم حُوَّلت ضمتُه كسرةً, ليسلمَ الياءُ من الانقلاب واواً كما في (بيض). و (بني) منادي. و (الضَّوْطَرَي) المرأة الحمقاء, وهي فوعل, كالخَوزلَي. و (لولا) توبيخ, والفعل بعدها مضمر, أي: هلَّا عددتم عقر الكمي. وفيه أيضاَ حذف مضافِ. و (الكمي) الشجاع الذي لا يخيم. قال أبو عبيدة: وهو أمدحُ من الباطل, والبهمة أمدح منه, لأنه لا يُدْرَى كيف يُؤتى, وهو فعيل أو فعول. و (المقنَّع) الذي على رأسه مغفر أو بيضة. رُوي أنَّ تميماً أصابتَّهم سَنَةً, فصنع غالب أبو الفرزدق طعاماً.

مسألة [113] تستعمل (حسب) القلبية متعدية إلى اثنين بمعنى (ظن)

وقسمه على أهل المزايا, فَكَفَأ بنً وَثيل الجَفْنَة المرسلة إليه, فتداعيا إلى المُعاقرةِ, فَعَقَر غالب مئتين من الإبل, وعقرَ سُحَيْم بعد ذلك بالكوفة, ويقال: إنَّ علياً, رضي الله عنه, طردَ الناسَ عنها, وقال: هي مما أُهِلَّ به لغير الله. وإنّما تقومُ الحجةُ بالبيت إذا قيلَ: إنَّ إضافة اسم التفضيل محضةً, وهو الصحيحُ. مسألة [113] تُستعمل (حسب) القلبيةُ متعديةً إلى اثنين بمعنى (ظَنَّ) كقوله: /249 (219) / [الطويل]. (وكنَّا حسِبْنا كلَّ بيضاء شحمةً ... عشيةَ لاقينا أُذامَ وحميرا) وبمعنى (علَم) كقوله: [الطويل]. (حَسِبْتُ التقُّى والجُودَ خيرَ تجارةٍ ... رَباحاً إذا ما المَرْء أصبحَ ثاقِلا) وأما البيت الأول فإنه لزُفَر بنِ الحارثِ الكلابي, وهو أول

القصيد, وبعده: (ولمّا قرعّنا النبعَ بالنبعِ بعضَه ... ببعضٍ أبت عيدانُه أنْ تكسَّرا) (ولمَّا لقينا عصبةً ثعلبيةً ... يقودون جُرْداً للمنيّةِ ضُمَّرا) (سقيناهُمُ كأساً سَقونا بمثلِها ... ولكنهم كانوا على الموتِ أصْبَرا) وهذه القصيدة من المُنْصِفات, فإنه جعلَ أعداءهُ شركاءهم في الشجاعة, وفضَّلَهم بالصَّبْر. ويقال لكلَ من أخطأ في القياس: (ما كلُّ سوداء تمرة, ولا كلّ بيضاء شحمة). أي: كانَ ظنُّنا أنْ نظهرَ عليهم, فوجدناهم صُبراً على حربنا, فساوونا في الشدَّةِ والصبر, فلم يكسرْ واحدٌ مِنَّا صاحبَهُ. و (الجُرْد) قصار الشعر /250 (220) / من الخيل. وفي البيت الثاني ردّ الزجّاج في منعهِ أنْ يتعدَّدَ البدل, فيقال: ضرب رجل امرأة زيد هندَ, فإن قوله: بعضَه ببعضٍ, بدلان من النبع بالنبع. وأما البيت الثاني فالرَّباح, بفتح الراء, والرَّبح بكسرها, واحد, وهو تمييز منتصب باسم التفضيل, و (أصبح) بمعنى صار, مثلها في: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103].

مسألة [114] تستعمل (خال) بالوجهين

ويقال: ثقُل, بالضم, فهو ثقيل إذا ماتَ, لأن الجَسومَ تثقل بالموت كما تخفُّ بالأرواحِ, وتحوَّل ثقيل إلى ثاقل, لإفادة الحدوث في المستقبل, كما يقال: هو الآن ميت, وهو مائت عما قريب. وإما {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] فعلى تنزيل ما سيكون لا محالة منزلة ما هو كائن في الحال. مسألة [114] تستعمل (خال) بالوجهين, فمن مجيئتها بمعنى الظنّ قوله: [الطويل]. (وحَلَّتْ بيُوتي في يفاع ممنَّعٍ ... يخال به راعي الحَمولةِ طائرا) وبمعنى العلم قوله: [الطويل]. (دعاني الغواني عمهن وخلتني ... لي اسم فلا أُدْعَي به وهو أوَّلُ) /251 (221) / فأما البيت الأول فإنه للنابغة الذبياني. و (اليفاع) الموضع المرتفع. والإضافة في (راعي الحمولة) مثلها

في: خاتم فضة, أي الراعي من الحَمولة, وهي بفتح الحاء, التي أطاقت الحمل من الإبل, أي تحسب به الإبل التي كبرت, واستحقت أن يحمل عليها, طائراً, لارتفاعه. وروى: (يُخال) مبنياً للمفعول, وهو الراعي, فاسكانهُ واجبٌ, ومبنياً للفاعل المخاطب, فالإسكان ضرورة, وهذا البيت من كلمة يخاطب بها النعمان بن المنذر حين مرض, وأولها: (كتمتُك ليلاً بالجُمومَين ساهراً ... وهَمّين هَمّاً مستكنَّاً وظاهراً) (أحاديثَ نفسٍ تشتكي ما يَربُّها ... ووِرْدَ هُموم لم يَجدْنَ مصادرا) (تكلّفني أنْ يغفل الدهرُ هَمَّها ... وهل وَجَدَتْ قبلي على الدهر صابرا) (ألم تَر خَيرَ الناس أصبحَ نَعْشُهُ ... على قبّب قد جاوز الحيَّ سائرا) (ونحنُ لديهِ نسألُ الله خُلْدَهُ ... يَرُدّ لنا ملكاً وللأرضِ عامرا) ومنها: (فآليتُ لا آتيكَ إنْ كنتَ محرما ... ولا ابتغي جاراً سِواكَ مجاورا) 252 (222) / (سأربط كلبي أنْ يريبُكَ نبحُهُ ... وإنْ كنتُ أرعى مُسحَلانَ فعامرا) وبعد البيت: (تَزِلَ الوعولُ العُصْمُ عن قَذَفتهِ ... وتضحى ذراه بالسحاب كوافرا)

(حِذاراً على أن لا تُنالَ مقادتي ... ولا نِسْوتِي حتَّى يَمُتّنَ حرائرا) (والفيتُهُ دهراً يبيرُ عدوَّةُ ... وبحر عطاءٍ يستخفُّ المعابرا) (فَربَّ عليهِ اللهُ أحسنَ فضله ... وكانَ له على البَريّةِ ناصرا) الشرح: يقول: كتمتك أحاديث نفسي وهمين, فقدم المعطوف وجعل الليل ساهراً, كما قال الآخر: [الطويل]. ([لقد لُمِتنا يا أُمَّ غَيْلانَ في السُّرى ... ونِمْتِ] وما لَيْلُ المَطيَّ بنائمِ) والذي يربها النعمان, فاعل تكلفني ضمير النفس و (تغفل) تترك, و (عامر) أي من يعمرها, وإنّما جاز الدعاء للمحمول على النعش بالبقاء لأنَّه لم يكن مات, بل كان يحمل على النعش من قصرٍ إلى آخر .. و (كلبه) لسانه. و (مسحلان وعامر) واديان, أي: وإن كنت بعيداً عنك. و (العُصْم) التي في يديها بياض. ويسمى الليل كافراً, لأنه يغطى كلَّ شيء. و (يبير) يهلك. و (المعابر) السفن, يقول: لكثرة الماء في هذا البحر يستخف السفن, فيذهب هنا وهنا. /253 (223) / و (ربّ) أتمَّ, ويقال: أربَّ معروفَكَ عند فلان: اتمِمْهُ. و (المقادة) الانقياد بذلِّ.

مسألة [115] من تعدى (حجا) إلى مفعولين

وأما البيت الثاني فإنه للنمر بن تولب رضي الله عنه. والشاهد فيه بَيَّنّ, فإنه لا يظنّ أنَّ له أسماً, بل يتيقن ذلك. و (دعا) بمعنى سمَّى, ومثله قول الآخر: [الطويل]. (دعتني أخاها أمَّ بكرٍ ولَمْ أكنْ ... أخاها ولم أرضَعْ لها بِلبَانِ) (دعتني أخاها بعد ما كان بيننا ... من الأمر ما لا يفعل الإخوانِ) ويُروَى: دعاء العذارى, مصدر منصوب مضاف إلى الفاعل, وحذف المفعول الأول أي: دعاءهن إياي. ويروى: دعائي, بإضافة المصدر إلى المفعول الأول أي: فالعذارى مرفوع. و (الغانية) التي غنت بحسنها عن الزينة. وفي (خلتني) اتحاد الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمسمّى واحد, وهو من خصائص أفعال القلوب, وقوله لي اسم, أي غير ذلك. مسألة [115] مِنْ تَعَدَّى (حجا) إلى مفعولين قولهُ: [البسيط]. (قد كنت أحجو أبا عَمْرو أخا ثقةٍ ... حتى ألمَّتْ بنا يوماً مُلِمَّاتُ)

مسألة [116] من تعدي (هب) بمعنى (اعتقد) إلى مفعولين

/254 (224) / هذا البيت أنشده الأزهري. ولا يعرف غير ابن مالك من النحويين عَدَّ (حجا) من أفعال هذا الباب. والبيت لابن مُقْبِل, ويعده: (فقلتُ والمرُ قَدْ تُخْطِئهُ منيتَهُ ... أدْنَى عطيتِه إياي ميئاتُ) (فكان ما جاد لي لا جاد من سعةٍ ... دراهم زائفات ضَرْبجيّاتُ) الشرح: (فقلت) أي: في نفسي, واعترض بينه وبين القول بجملة. و (المنية) واحدة المُنَى. (ومئات) بياء ساكنة بعدها همزة, جمع مئة, بردّ لامها, ولكنه قدمّها على العين, والمستعمل في الكلام حذفها كما في المفرد. وفي البيت الثالث الأخبار عن النكرة بالمعرفة, فإنْ قدَّرت (ما) نكرة بمعنى شيء, لا موصولة فواضح. واعترض بجملة الدعاء بين الخبر والمخبر عنه. و (الضربجيّ) بالضاد المعجمة والباء الموحدة والجيم, فيكون صفة مؤكدة, وصفة ما لا يعقل تجمع بالألف والتاء, نحو: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]. مسألة [116] مِنْ تَعَدي (هَبْ) بمعنى (اعتقد) إلى مفعولين قوله: [المتقارب].

(فقلتُ أجِرني أبا خالدٍ ... وإلّا فهَبْني أمرأً هالِكا) وقوله: /255 (225) / [الطويل]. (هبوني أمراً منكم أضلَّ بعيرَهُ ... له ذمّةٌ إنَّ الذمامَ كبيرُ) فأما البيت الأول فإنه لابن همام السلولي. و (امرءاً) مفعول ثانٍ موطَّئ لقوله: هالكا. و (هالكا) صفة له, وهو المقصود بالمفعولية, ونظيره في باب الخبر: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل:55] , وفي باب الحال: أقبلَ زيدٌ رجلاً راكباً. وفعل الشرط محذوف, أي وإن لا تُجزني. ودخلت الفاء في الجواب لأنَّه إنشاء, ولأنه جامد, وقد اجتمعا أيضاً في قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة:271] , {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} [النساء:38].

مسألة [117] مما يتعدى إلى اثنين الأفعال الدالة على التصيير والتحويل

وأما البيت الثاني فإنه /لعروة بن أذنية الليثي/. مسألة [117] مما يتعدَّى إلى اثنين الأفعالُ الدالَّة على التصيير والتحويل, كردَّ وتركَ جعلَ واتخذ, كقوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:125] , {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة:109] , {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23] , وقال: [الوافر]. (رمى الحدثانِ نسوةَ آل حربٍ ... بمقار سَمَدْنَ له سمودا) (فردَّ شعورَهُنَّ السودَ بيضاً ... وردَّ وجوهَهُنَّ البيضَ سودا) وقال آخر: /256 (226) / [الطويل]. (ورَّبْيتُهُ حتى إذا ما تركتُهُ .. أخا القومِ واستغْنَى عن المَسْحِ شاربُه) وقال آخر: [الكامل]. (إنْ يفعلا فَلَقَدْ تركتُ أباهما ... جزرَ السّباعِ وكلّ نسرٍ قَشْعَمٍ)

فأما البيتان الأولان فإنهما لعبد الله بن الزَّبير, بفتح الزاي, الأسدى. وأما البيت الثالث فإنه لعنترة بن شداد العبسي, وهو آخر بيت من معلقته المشهورة, وقبله: [الكامل]. (وقد خشيتُ بأنْ أموتَ ولم يكنْ ... للحرب دائرةٌ على ابْنَي ضَمْضَمِ) (الشاتمي عرضي ولم اشتمْهُما ... والناذرين إذا لم القَهُما دمَي) الباء في (بأن أموت) زائدة, وجملة (لم يكن) حالية. و (ضمضم) هذا رجل من مزينة, وابناه: هرم وحصين. و (دوائر الزمان) آفاته, وقيل في قوله تعالى: {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} [التوبة:98] الموت أو القتل. و (عِرضي) يحتمل النصب والجر, وهو أولى. وأمَّا (دمي) فمنصوبٌ لا غير, وفيه شاهد على إعمال اسم الفاعل مثنىً, وعلى إعماله بمعنى /257 (227) / الماضي إذا كان بالألف واللام. و (يفعلا) كناية عن نذرهما دمه, أي: أن ينذروا دمي فلقد قتلتُ

مسألة [118] يجوز إلغاء الفعل القلبي المتصرف بمساواة أن توسط

أباهما, وتركته قطعّاً. و (الجرز) اللحم. و (القَشْعَمَ) الكبير من النسور, ويروى: خرز, بخاء معجمة, وهو بالخاء المعجمة, الضبع العرجاء. ونظير هذا البيت في هذا القصد: [الكامل]. (فتركتُهُ جزرَ السباعِ ينشْنَهُ ... ما بين قُلّلةِ رأسِه والمعصمِ) (ينشنه) يتناولنه. و (القُلَّة) الأعلى. و (المعصم) موضع السوار. مسألة [118] يجوزُ إلغاء الفعلِ القلبي المتصرف بمساواة أن توسط, كقوله: [البسيط]. (أبالاً راجيز يا ابنَ اللؤمِ توعِدُني ... وفي الأراجيزِ خِلْتَ اللؤمُ والخورُ) وقوله: [الكامل]. ('نَّ المحبَّ علمت مصطبرً ... ولديه ذنب الحبَّ مُغْتَفَرُ) ويرجحان أن تأخر, كقوله: [الوافر]. (آتٍ الموت تعلمون فلا يرهبكم ... من لظى الحروب اضطرام)

/258 (228) / وقوله: [الطويل]. (هما سيدانا يزعمان وإنّما ... يسوداننا أنَ يسَّرت غنماهما) ومن إعمال المتوسط قوله: [الوافر]. (شجاكَ أظنُّ ربعَ الظاعنينا ... ولم تَعْبَا بعَدْلِ العاذلينا) فأما البيت الأول فإنه للعين المنقري يخاطب به رؤية بن العجاج, وقد تهدّده بإنشاء الأراجيز في ذمّةِ, والهمزة للتوبيخ والإنكار. صلى الله عليه وسلم, الأراجيز جمع أرجوزة أفعولة, من الرجز, سمَّي بذلك لتقارب أجزائه. والجار والمجرور الأول متعلق بـ (توعدني). والنداء بينهما اعتراض. والثاني خبرٌ مقدَّمٌ متحمل للضمير. و (اللؤم والخور) مبتدأ مؤخر ومعطوف. و (خلت) بينهما اعتراض, ولو نصبهما على المفعولية لجاز, وكان الظرف حينئذٍ في محل النصب مفعولاً ثانياً. و (خلت) بمعنى علمت. و (اللؤم) بالضم والهمز, أن يجتمع في الإنسان الشحُّ ومهانةً النفس ورناءةُ الأباء فهو من أذمْ ما يُّهْجَى له, وقد بالغ بجعل المهجو ابناً له, إشارة

إلى أن ذلك غريزةٌ فيه. و (الخَوَر) بفتحتين وخاء معجمة, الرخاوة والضعف. يقول: إنَّك راجزٌ /259 (229) / لا تحسن للقصائد والتصرُّف في أنواع الشعر, فجعل ذلك دلالة على لؤمِ طبعهِ وضعفِ نفسهِ, وزعم الجاحظُ في كتاب الحيوان أن النحويين وُهَمُوا في هذا البيت. وأن القافية لامية لا رائية, وأن الكلمة الأخيرة الفشل لا الخور, وأن القوافي مجرورة, ولكن الشاعر أقوى, إذ رفع وأنشدَ قبله: [البسيط]. (إنّي أنا ابنُ جلا إنْ كُنْتَ تعرِفِّني ... يا رؤب والحيّة الصماء في الجيلِ) وأما البيت الثاني فأصله: (علمتُ المحبَّ مصطبرا) ثم توسط العامل فصار: المحبّ علمتُ مصطبرا, ثم ألغى العامل, وحينئذ اتجه دخول (إن) على الجملة. و (لدى) ظرف لمغتفر, والجملة عطف على خبر إن. و (الحِبّ) بالكسر, المحبوب, كالذبح والطحن. وأما البيت الثالث فقوله: (إن الموت) مبتدأ وخبر على التقديم والتأخير.

مسألة [119] إذا تقدم الفعل القلبي على مفعوليه لم يجز إلغاؤه, وموهم ذلك محمول على جعل المفعول الأول ضمير شأن محذوفا, والجملة المذكورة مفعولا ثانيا, أو على أن الفعل معلق بلام ابتداء مقدرة, كما تعلق بها مظهره

وأما البيت الرابع فإنه لأبي أسيدة الدبيري, وقبله: (إنَّ لنا شيخين لا ينفعاننا ... غنيين لا يُجدي علينا غناهما) وقوله: (إن) بتقدير لأن, وقوله: (يَسَّرت) بياء مفتوحة وسين مهملة مفتوحة, معناه: كثرت ألبانها, ونسلها, ورجل مُيسِر, بكسر السنين خلاف /260 (230) / المجنِب, بكسر النون, من قولهم: جُنَّب القوم, إذا قلَّت ألبانُ إبلهم. وثنى (الغنم) كما جاء في الحديث: «مثل المنافقِ كمثلِ الشاةِ العائرة بين الغنمين». و (العائرة) بالمهملتين, التي تخرج من غنم إلى أخرى, ليضربَها الفحل. وأما البيت الخامس فإنه يروى برفعِ (ربع) ونصبه, فمَنْ رفعَ جعله فاعل (شجاك) , و (أظن) ملغاة, ومَنْ نصبَ جعلَه مفعولاً أولاً لا ظنّ. وجملة (شجاك مفعولاً ثانياً مقدَّماً, وفاعله ضمير مستتر راجع إلى الربع, لأنه مؤخر لفظاً مقدَّم تقديراً, إذ أصله التقدم على (شجاك). مسألة [119] إذا تقدَّم الفعل القلبي على مفعوليه لم يَجُزَّ إلغاؤه, وموهم ذلك محمول على جعل المفعول الأول ضميرَ شأنٍ محذوفاً, والجملة المذكورة مفعولاً ثانياً, أو على أنَّ الفعلَ معلَّقٌ بلام ابتداء مقدَّرة, كما تعلْق بها مظهره, ومثال ذلك قوله: [الكامل] (فعبرتُ بعدَهُمُ بعيشٍ ناصبٍ ... وإخالُ إنّي لاحِقٌ مستتبَعُ)

وأنشد الشارح على ذلك قوله: [البسيط] (أرجو وآملُ أنْ تدنو مودتُها .. وما إخالُ لدينا منكِ تنويلُ) /261 (231) / وقوله: [البسيط] (كذاك أُدْبتُ حتَّى صارَ من خُلُقِي ... إنّي رأيتُ مِلاكُ الشيمةِ الأدبُ) وقدّر في الأول ضمير الشأن, أي: وما إخاله. وفي الثاني اللام, أي: لملاك. وعليه اعتراض من وجهين, أحدهما: أنه لا يظهر وجه تخصيص الأول بالضمير, والثاني باللام, بل لو حُمِل كلاً منهما على إضمار اللام أو الضمير لصحَّ, والثاني: إنَّ الناظم وغيره نصّوا على أن العامل المتقدَّم على مفعوليه متى تقدم عليه ما يتعلق به ثاني المفعولين, أو بالكلام يسهَّل الإلغاء, فالأول, نحو: متى ظننت زيد قائم, فإن متى متعلقة بقائم, والثاني كما في البيتين, لتقدم ما في البيت الأول, وإن في الثاني. وصرَّحَ الناظم بذلك في شرح الكافية وغيرها, وذَهَل عنه ابنُه فحمل قوله في الخلاصة:

(وانوِ ضمير الشأن أو لام ابتداء ... في موهم إلغاء ما تقدما) على إرادة هذين البيتين ونحوها. والصواب أنه إما أراد ما سمع من نحو: ظننت زيد قائم, وعليه البيت الذي أنشدته, وذلك فيمَنْ رواه: (إني) بكسر الهمزة, وأنها إنما تكسر بعد الفعل القلبي إذا عُلِّقَ باللام, نحو: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون:1] , فالتقدير على هذا, إني للاحق, وناصب, ذو نصب, ولو كان /261 (231) / اسم فاعل لكان منتصباً, لأنك تقولُ: انصبَهُ الأمرُ, وإخال, بكسر الهمزة في لغة جميع العرب إلّا بني أسد, فإنَّهم يفتحونها وهو القياس. ومعناها هنا اليقين. و (مستتبَع) بفتح الباء, جعلهم كأنَّهم سألوه أنْ يتبعَهم. والبيت لأبي ذؤيب الهذلي, من مرثيته المشهورة, وأولها: (أمنِ المنون وريبهِ تتوجُعُ ... والدهرُ ليس بمعتبٍ مَنْ يَجْزَعُ) ومنها: (أودىَ بَنيّ واعقبوني حسرةً ... بعد الرقاد وعبرةً ما تقلِعُ) (فالعينُ بعدَهُم كأنَّ حداقَها ... سُلِمَتْ بشوكٍ فهي عُورٌ تدمعُ)

(سبقوا هُوي وأعنقوا لهواهم ... فتُخُرِّموا ولكلِّ جنبٍ مصرعُ) ومنها: (فليس بهم فجع الزمان وريبه ... إني باهل مودتي لمفجعُ) (ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... فإذا المنيّةُ اقبلتْ لا تُدْفَعُ) (وإذا المنيّةُ أتشبَتْ أظفارَها ... ألفيتُ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ) /263 (233) (وتجلّدي للشامتين أريهُمُ ... إني لريْبِ الدهرِ لا اتضعضعُ) (والنفسُ راغبةٌ إذا رغْبْتَها ... وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تقنعُ) (كَمْ مِنْ جميعِ الشَّملِ ملتئمِ الهوى ... كانوا جميعاً قبلنا فتصدَّعوا) أودى الشباب: ذهبَ. و (العين) نائب عن العينين. و (الحداق) نائب عن الحدقتين. و (السَّمْل): الفَقْء. وبني قوله: (فهي عور) على لفظ قول (حداقها) , ولو راعى المعنى لقال: فهما عوراوان, أو على العين في أول البيت لقال: فهي عوراء. وشرح البيت الرابع يأتي -إن شاء الله- في باب كيفية التثنية والجمع. و (التميمية) والعاذة والعوذة بمعنى. وأما البيت الثاني فإنه لكعب بن زهير رضي الله عنه من لاميته المشهورة التي صدرها: (بانتْ سعادُ فقلبي اليوم متبول) وفيه شواهد, أحدها, أن يقال: أمَل, بالتخفيف, يأمُل, كقتل

يقتل. وقد وهم بعض المتأخرين فزعم أنّه إنّما يقال: أمّل, بالتشديد. وقد ذكرت حكاية ظريفة في ذلك في شرح القصيدة المذكورة, وفي قوله أيضاً في القصيدة: (والعفو عند رسول الله مأمول) دليل أيضاً على ذلك. الثاني: عطف الشيء على نفسه لاختلاف اللفظ. فإنَّ /264 (234) / الرجاءَ والأملَ بمعنىً, ومثله قوله تعالى: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا} [آل عمران:146] , وهذا العطف من خصائص الواو. والثالث: تسكين المنصوب المعتل بالواو للضرورة, أو إهمال أنْ المصدرية حملاً على أختها (ما). الرابع: جواز إلغاء الفعل القلبي المتقدِّم على مفعولية إذا تقدَّم عليه شيءٌ يتعلّق بالكلام. والخامس: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب. وأما البيت الثالث فهو حماسي, وقبله: (أكنِّيةِ حينَ أناديهِ لأكرمَهُ ... ولا الّقبه والسوءةُ اللقبُ) وقد روى هذا الشعر مرفوع القافية كما أورده الشارح ومنصوبه وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على قوله: (أكنيه .... البيت) في باب المفعول معه.

مسألة [120] من معلقات الفعل القلبي لام الابتداء

مسألة [120] من معلّقات الفعل القلبي لام الابتداء نحو: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:102]. ولام القسم كقوله: [الكامل] (ولقد علمتُ لَتَاتِيَنَّ مَنيَّتي ... إنَّ المنايا لا تَطيشَ سِهامُها) وهذا البيت نسب /للبيد/, ولم أجدْهُ في ديوانهِ. و (علمت) فيه محتمله لوجهين, أحدهما: أنْ تكونَ معلَّقةً كما ذكر الشارح فيكون «لتأتين» جواباً لقسمٍ محذوف وجملتا القسم والجواب /265 (235) / في موضع نصب بالفعل المعلق. والثاني أن يكون أجريت لأفادتها تحقيق الشيء وتوكيده مجرى القسم فتخرج حينئذ عن طلب المفعولين وتتلقى بما يتلقى به القسم, وعلى هذا فلا قسم مقدّر, والجملة لا محل لها كسائر الجمل التي يُجاب بها القسم, ويخرج البيت عن الدليل, ويأتي الوجهان في الآية الكريمة أيضاً. و (طاش السهم) إذا عدل عن الرمية, أي أنها لا تخطئ من حضر

مسألة [121]

أجله, وجاء بيت يشبه هذا فالتبس به على الواحدي, فقال في تفسير البسيط: أنشده سيبوية: [الكامل] (ولقد علمتُ لتأتين منيّةُ ... لا بعدها خَوْفٌ عليَّ ولا عَدْم) وإنما الذي في كتاب سيبوية البيت الذي قدّمناه. مسألة [121] قد علق «نسى» كقوله: [الطويل] (ومَنْ أنتُم إنّا نَسِينا مَنْ أنتُم ... وريحكم من أيّ ريحِ الأعاصرِ) قالوا: وإنّما جاز ذلك حملاً على نقيضه «علم» , ولا حاجة إلى هذا, بل كلّ فعل قلبي يجوز تعليقُه بالاستفهام, نحو: {فَانظُرِي مَاذَا تَامُرِينَ} [النمل:33] , {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} [الأعراف:184] , {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [يونس:101].

مسألة [122]

ثم البيت لا دليل فيه /266 (236) / لاحتمال تقدير تمام الكلام عند قوله: «نسينا» ثم يبتدئ: من أنتم, توكيداً لمثله في أول البيت, وأنشدوا أيضاً: [المنسرح] (لم أرَ مثْلَ الفِتيانِ في غَيرَ ... الأيَّامِ يَنْسَوْنَ ما عواقبُها) ولا قاطع فيه أيضاً لاحتمال كون (ما) موصولةً حُذِفَ العائدُ الذي هو صدرُ صلتها مع عدم طول الصَّلة, أي: الذي هو عواقبها, مثل: (تماماً على الذي أحسنُ) , فيمن رفع (أحسن) مسألة [122] ربما عدَّى العربُ «رأى» الحليمة إلى المفعولين حملاً لها على (رأى) القبيلة إذا كانت مثلها في كونها إدراكاً بالحسِّ الناظرِ, قال: [الوافر] (أبو قيسٍ يُؤرقُنا وطَلْقُ ... وَعمّارٌ وآوِنةً أُثالا) (أراهم رفقتي حتى إذا ما ... تجافى الليلُ وانخزلَ انخزالاً) (إذا أنا كالذي أجرى لوردٍ ... إلى آلٍ فلم يدركْ بلالا) ولا يكون «رفقتي» حالاً, لأنَّه معرفةٌ, وهذا الشعر لابن أحمر يذكر جماعةً من قومِه لحقوا بالشام صار يراهم إذا أتى أول الليل, وقبل الأبيات.

مسألة [123] أجرت سليم القول مجرى الظن مطلقا

(وأية ليلةِ تأتيك سهواً ... فتصبح لا ترى فيها خيالا) /267 (237) / وبعده: (غَطارفُ لا يُصَدّ الضيفُ عنهم ... إذا ما طلّق البَرَم العيالا) (أُثالا) بضم الهمزة, والمثلثة, قال سيبوية: ترخيم إثالة, وزعمت الرواة أن الاسم (أثال) , ولكنه نصبه بإضمار أتذكر, وأوان وأونة كزمان وأزمنة وزناً ومعنىً, وفيه اعتراض بين المتعاطفين بالظرف. و (انخزل) بالخاء المعجمة وبالزاي: انقطع. مسألة [123] أجرتْ سليمُ القولَ مجرى الظنِّ مطلقاً, فقالوا: قلتُ زيداً منطلقاً, وقل عَمْراً مشفقاً, قال الراجز: (قالت وكنت رجلاً فطينا ... هذا لعَمْرُ اللهِ اسرائينا) وأما أكثر العرب فيشترطون كون القول فعلاً مضارعاً مراداً به الحال مسنداً للمخاطب بالتاء, لاستفهام متصل كقوله: [الرجز] (متى تقول القُلُصَ الرَّواسما ... يحملن أمَّ قاسمٍ وقاسِما)

وقوله: [الكامل] (أما الرحيلُ فدوَن بَعْدِ غَدٍ ... فمتى تقولُ الدارَ تجمعُنا) /268 (238) / أو متصل بمفعول كقوله: [الوافر] (أجُهّالاً تقولُ بني لُؤَيٍ ... لَعَمْرً أبيك أم متجاهلينا) أو ظرف كقوله: [البسيط] (أبعدَ بُعدٍ تقولُ الدارَ جامعةً ... شملي بهم أم دوام البعدِ محتوما) فأما البيت الأول رواه يعقوب في كتاب القلب والإبدال كذلك, وقال أنشده الفراء, وقبله: (قد جرت الطير أيا منينا) وقال أبو منصور موهوب ابن الجواليقي في مُعَرَّبة: يجوز في

إسماعيل اسمعين, بالنون, كقوله: [الرجز] (قالت جواري الحيَّ لمَّا جينا ... هذا وربَّ البيتِ اسماعينا) ويجوز في إسرائيل اسرال واسراين بالنون. وقال أعرابي صاد ظبّا فجاء به إلى أهله, وأنشد: [الرجز] (يقول أهل السوق لما جينا ... هذا ورب البيت اسرائينا) /269 (239) / أنشده الجرمي, وقال: أراد إسرائيل, أي: ما مَسَخَ من بني إسرائيل انتهى. وأنشده القالي في نوادره كإنشاد الجرمي إلّا أنه قال: هذا لعمر الله. ووجه الشاهد فيه على روايتهما. وإن كان مضارعاً أنه مسند إلى الظاهر لا إلى الضمير المخاطب. وزعم بعضُهم أنَّه لا شاهدَ في قوله: «اسراينا» على النصب لاحتمال أن أصله إسرائينيا, بالإضافة والرفع, ثم حذف النون الأولى تخفيفاً لاجتماع

المثلين, وبقيت نون (نا) وهي مفتوحة, وهذا نظير قول بعضهم في قراءة بعض السبعة: {وَكَذَلِكَ نجّي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88] بتشديد الجيم, أن الأصل ننجي, ثم حذف النون الثانية مع أن حركتها مخالفة لحركة النون الباقية, وفيه على الرواية الأولى اعتراضان اعتراض بين القول والمقول, واعتراض بين هذا واسرائينا, والشاهد الجيد في قوله: [الطويل]. (إذا قلت أنَّي آيب أهل بلدة ... وضعت بها عند أولية بالهَجْر) ووجهه أنَّهُ فتح الهمزة من «أنّي» وإنما تفتح الهمزة بعد القول إذا جرى مجرى الظنّ, وهذا البيت للخطيئة مدح جملاً له. و «الوليّة» كالقضيّة وزناً: البرذعة, و «الهَجْر» /270 (240) / وزن الهَجْر مقابل الوصل, معناه الهاجرة. و «آيب» جاء مع الليل, أي إذا قدَّرتُ في نفسي أنَّي أصلُ إلى بلدةٍ مع الليل وضعتُ البرذعةَ في تلك البلدة عن ذلك الجمل الهاجرة لسرعته. ومن غريب الحكايات ما حكاه ابن ميمون العبدري حكاية في شرحه

على جمل أبي القاسم, وهو أن بعض الأدباء قال: كنت حريصاً على قول الشعر, وكان ذلك يتعذّر عليّ, فأتاني آتٍ في النوم فقال: أتريد أنْ تقولَ الشعرَ؟ فقلتُ: نعم. فقال: عليك بحفظ ديوان أحمد الأعمى, فاستيقظتُ وأنا لا أعرفُ مَنْ هو أحمد الأعمى, ثم أنني حضرتُ حلقةً كتب فنودي على (سقط الزند) فرأيت فيه اسم المعرى أحمد بن سليمان, وكنت أعلم أنه أعمى, ولم أكنْ أعلم أن اسمه أحمد, فغلب على ظنّي أنّه المقصود فاشتريته ودرسته درس سُراقة للقرآن, فحفظته, وقلت الشعر, ومضى على ذلك سنةٌ فأتاني ذلك الآتي في النوم, فقال: حفظتَ شعَرٍ أحمد؟ قلت: نعم. وقال: وقلتَ الشعرَ؟ قلت: نعم. فقال: أنشدني شيئاً من شعره, فأنشدته قوله: [الوافر] (أعن وخد القلاص كشفت حالا .....) إلى أن انتهيت إلى قوله:

(وقلتِ الشمسُ بالبيداء تبر) فرده عليّ وقال: الشمس بالبيداء تبرا, بالنصب, فإن (القول) هنا بمعنى /271 (241) / الظن. ألا ترى أنَّهُ قالَ في بقيةِ البيت: (ومثلك مَنْ تخيَّلَ ثُمَّ خالا) وهذا كلام حسن, وهو ماشٍ على اللغة السليميّة, وقد مضى شرح طائفة من هذه القصيدة في باب المبتدأ. وأما البيت الثاني: فإنه لهُدْبة بن خَشْرَم بفتح الخاء المعجمة, بعدها شين معجمة: شاعر مجيد حجازي عذري, وهو رواية الحطيئة وجميل روايته, وكثيّر راوية جميل, وكُثَيِّر آخر فحلِ اجتمعت له الرواية والشعر, والذي رواه النحويون: متى تقول ..... وهي رواية الخطابي, وروى غيرهم: متى تظن .... و «القلص» جمع قلوص, وهو الناقة الشابة. و «رسَمت» بالفتح, ترسِم, بالكسر, رسماً, فهي راسمة, والنوق رواسم إذا سارت فوق الذَّميل. وكذلك البعير. ويروى: «يدنين» بدل «يحملن». و «أم القاسم» وهي أخت زيادة بن زيد العذري, قاله فيها حين قال زيادة في فاطمة أخت هُدْية: [الرجز].

(عوجي علينا واربعي يا فاطما ... أما تَرين الدمعَ منّي ساجما) فبيَّت زيادة هدية فضربه على ساعده, وشجّ أباه خَشّرَماً, وقال: [الوافر]. (شَجَجْنا حَشّرَماً في الرأسِ عشرا ... ووقفنا هُدَيْبَة إذْ آتانا) /272 (242) /, وقفنا من التوقيف: وهو سواد وبياض يكون في اليدين والرجلين. فبيّت هدبة زيادة, فقتله, فأخذه سعيد بن العاصي, فأرسله إلى معاوية فقال له: ما تقول؟ فارتجل: [الطويل]. (ألا يا لقومي للنوائب والدهر ... وللمرء يردى نفسه ولا يدري) (وللأرض كم من صالحِ قد تلمّأت ... عليه فوارته بلمّاعةِ قفرَ) (فلا ذا جلالٍ هيْنَةً لجلالهِ ... ولا ذا ضياعٍ هُنَّ يتركْنَ للفَقْرِ) (ومينا فرامينا فصادف سهمنا ... منّيةَ نفس في كتابِ وفي قَدّرِ) (وأنت أمير المؤمنين فما لنا ... وراءك منه معدِي ولا عنك من قَصْرِ) (فإن تكُ في أموالِنا لا نضيق بها ... ذراعاً وإن صبراً فنصبر للصَّبْرِ) فقال: قد اقررْتَ ثم أمرَ به فسجن حتى بلغَ ابنهُ فحبس بالمدينة ثلاث سنين.

تلمأت عليه الأرض والمأت: وارَتْهُ. «ذا جلال» منصوب بمضمر على شريطة, ونصبه أرجح من رفعه لوقوعه بعد حرف النفي الذي هو بالفعل أولى, ولمناسبة الجملة الفعلية المعطوفة عليها بعد, ولمناسبة «ذا» لذا الثانية. واسم يكن ضميراً لديه, لأنها معلومة. و «الصبر» الحبس. ولما دنا قتله, قال لامرأته: /273 (243) / [الطويل]. (اقلّي عليّ اللوم يا أم بَوْزَعَا ... ولا تجزعي مما أصاب فاوجعا) (ولا تنكحي إنْ فرّقَ الدهرُ بيننا ... أغمَّ القفا والوجهِ ليس بأنزَعَا) (ضروباً بَلْحييه على عظم زَوْرهِ ... إذا القومُ هشوا للفِعال تقنّعا) قال المبرد: لم يأمْرها أن تتزوجَ الأنزع القليل شعر القفا, وإنما ذكَّرَها جمالَ نفسِه, ليزهّدَها في غيرهِ انتهى. و «الغمم» أن يسيل الشعر حتى يضيق الجبهة والقفا, يقال: رجل أغم, وجبهة غماء, وذلك مكروه في نواصي الخيل. و «الأنزع» الذي انحسر الشعر على جانبي جَبْهته. وقيل: لا يوصف بالأنزاع إلّا الكريم. ويقال: إنَّه لمّا قال هذا الشعرَ لزوجتِه جَدَعَتْ أنفَها, وقالت: أتخافُ بعدها نكاحاً؟ قال: الآن طابَ الموتُ. ثم أنّها تزوجّتْ بعدَهُ, وولد لها, وقال هُدْبَة لأبويه: [الرمل]. (ابلياني ليوم صبراً منكما ... إنَّ حزناً منكما اليومَ لشرّ)

(ما أظن الموت إلّا هيناً ... إن بعد الموت دار المستقر) (اصبر اليوم فإني صابر ... كل شيء بقضاءٍ وقدر) /274 (244) / ولما جيء به ليقتل قال: [الطويل]. (ألا عللاني قبل نوح النوائح ... وقبل ارتقاء النفس فوق الجوانحِ) (وقبل غَدٍ يا لهفَ نفسيَ من غدٍ ... إذا راح أصحابي ولستُ برائحِ) (إذا راح أصحابي تفيض دموعهم ... وغودرتُ في لَحْدٍ عليَّ صفحائي) (يقولون هل أصلحتم لأخيكم ... وما الرَّمْسُ في الأرضِ القواءِ بصالحِ) /محل إذا في (إذا رح) خفض بدلاً من (غد) , وإذا الثانية بدل من الأولى./ ثم قدم للقتل وهو مقيد, فقال: [الطويل]. (إنْ تقتلوني في الحديد فأنّني ... قتلتُ أباكم مطلقاً لم يقيّدِ) فأطلقوه, وتولى قتله عبد الرحمن أخو المقتول, وقيل: المسور بن المقتول, وقيل: إنَّ هُدْبَة أولُ مقتولِ أقيد به في الإسلام. وأما البيت الثالث فإنه لعمر بن أبي ربيعة المخزومي, كنيتهُ أبو الخطاب, وُلِدَ ليلةَ قُتِلَ (رضي الله عنه) وعاش ثمانين سنة, فاتكاً أربعين سنة, وناسكاً أربعين. والشاهد فيه: أجراء (تقول) مجرى (تظنّ) كما في البيت قبله, ومعناه: قد حان رحيلنا, ومفارقتنا لمَنْ نحبّ في غدٍ, فمتى تجمعنا الدارُ

بعد ذلك, وعبّر عن الغد بعبارة بعيدة, وهي قوله: دون بعد غد, أي في اليوم الذي هو قيل بعد غد /272 (245) /, وذلك اليوم هو الغد. ويروى: بعدَ, بالنصب والخفض, فمن نصبه فالتقدير: فدون ما بعد غد, فما موصولة و (صلتها) , ومن جرَّةُ فبإضافة دون. وأما البيت الرابع فهو للمكيت بن زيد, شاعر مقدم عالم بلغات العرب, خبير بأيامها, فصيح من شعراء مضر, إسلامي, أدرك الدولة الأموية دون العباسية, وكنيته أبو المستهل, وكان أصلخ, بالخاء المعجمة, أي أصم. والأصمعي لا يحتجُّ به. والبيت من كلمة يمدح فيها مضر على أهل اليمن. والمعنى: أتظنّ قريشاً جاهلين أم متجاهلين حين استعملوا أهل اليمن على أعمالهم, وآثروهم على المضربين مع فضلهم عليهم. والمتجاهل: المظهر للجهل ولا جهلَ عنده. والبيت شاهد على أن الفصل بالمفعول بين الاستفهام والقول لا يمنع إجراءه مجرى الظنَّ, وذلك لأن (بني) مفعول أول, و (جهالا) مفعول ثانٍ, و (أمْ) معادلة للهمزة, كأنه قال: أجُهّالاً تظنّ بني لؤي؟ واعترض بالقسم بين المعطوف والمعطوف عليه.

وأما البيت الخامس فشاهد على إلغاء الفصل بالظرف وهو متعلق بجامعة. والأصل أنْ يقالَ: الدار جامعة شملي بَعْدَ بُعْدٍ تقول أم داوم البعد محتوماً, فإن (أم) في البيت عاطفة اسمين /276 (246) / على اسمين, والأصل أن يلي الهمزة ما عطف عليه بأم, وأن يتوسط بين المتعاطفين ما لا يسأل عنه.

شواهد أعلم وأرى

شواهد أعلم وأرى مسألة [124] مما يتعدَّى إلى ثلاثة: نبأ, وأنبأ, وخبر, وأخبر, وحدث, شاهد نبأ قوله: [الكامل]. (نبئّتُ زرعه والسفاهةُ كآسمها ... يُهدي إليّ غرائب الأشعارِ) وشاهد أنبأ قوله: [المتقارب]. (وأنبئْتُ قيساً ولم آبْلهُ ... كما زعموا خيرَ أهْلِ اليَمَنْ) وشاهد خبر قوله: [الطويل]. (وخُبِّرت سوداء الغميمِ مريضةٌ ... فأقبلْتُ مِنْ أهليِ بِمْصَر أعودُها)

وشاهد أخبر قوله: [البسيط]. (وما عليك إذا أخْبرتني دَنِقَا ... وغابَ بعلُك يوماً أنْ تعوديني) /277 (247) / وشاهد حدث قوله: [الخفيف]. (أو منعتم ما تسألون فمَنْ ... حدثتموه له علينا العلاء) وأما البيت الأول فإنه للنابغة الذبياني. والنا مفعول أول قائم مقام الفاعل. و «زَرعة» مفعول ثانٍ. و «يهدي» مفعول ثالث. و «السفاهة كاسمها» جملة اعتراض. وأما البيت الثاني فإنه للأعشى ميمون بن قيس يمدح قيس بن معد يكرب الكندي. و «بلوته أبلوه» اختبرته. وقبله: (لعَمَرَكَ ما طولَ هذا الزمنِ ... على المرءِ الإعناءُ معنً) (بظل رجيماً لريب المنون ... وللسقم في أهلهِ والحزنُ) (فهي يمنعني ارتيادي البلاد ... من حذر الموت أن تأتينْ) ومنه يذكر ناقته: (تيم قيساً وكم دونه ... من الأرض مَهْمَة دي شَزنْ) (ومن سأني كاسف وجهه ... إذا ما انتسبت له انكرنْ)

ولما قال: وانبئت قيساً ... البيت, غضب قيس وقال له: أو تشك في ذلك وأمر بحبسه /278 (248) / فزاد فيها: (رفيع العماد طويل النجاد ... ضخم الدسيعة رحب العطنْ) (فجئتك مرتادَ ما خبّروا ... ولولا الذي خبّروا لم ترن) (فلا تحرمني نداك الجزيل ... فأنّي أمرؤٌ قبلكم لم اهنْ) فأمر بإخراجه, ووصله. وأما البيت الثالث فوقع فيه, اضطراب, فقوله: «سوادء العَميم» ففي كتب النحو كذلك. و «العميم» اسم نوضع بالحجاز, ويناسب بقية البيت, وقوله بعده: (فوالله ما أدري إذا أنا جئْتُها ... أأُبرئها من دائها أو أزيدها) ووقع في بعض كتب اللغة: سوداء القلوب, ومن ذلك ما رأيته من مجموع بخط الإمام أبي جعفر أحمد بن الأستاذ أبي الحسن ابن الباذش (رحمهما الله تعالى) قال: اختلفوا, هل يقال: سوداء القلب مكبّراً, أو لا يُقال ذلك إلّا بالتصغير, فذكر أبو علي القالي: أن صاحب العين أنكر ذلك, إنما يُقال قلبهِ مكبّراً, وسويداء قلبهِ مصغَّرا مؤنثاً, وأمّا سوداء قلبه بالتأنيث والتكبير فلا, وأجازه 279 (249) / بعضهم واستدلَّ بقوله:

وخبرت سوداء القلوب من بقية البيت, ولا حجَّة فيه لاحتماله لأن يكون سوداء علماً للمرأة وأضيفت إلى القلوب, أو صفة لها, على معنى أنَّها قاسية القلب, وجمع القلب بما حَوْله وإنّما الدليل على الجواز قول قيس بن الخطيم: [الطويل]. (يكونُ لهُ عندي إذا ما ضممْتُه ... مكانً بسوداء الفؤادِ كنينُ) وإذا ثبت ذلك بهذا البيت أمكن توجيه البيتِ الأولِ عليه, ويكون المعنى: أنَّها تحلُّ من القلوبِ محلَّ السويداء كأنَّ القلوبَ على اختلافها تميلُ إليها, ويمكن أنْ يكونَ الأمرُ على ما قال صاحبُ العين, ويكون تكبيره من ضرورة الشعر, قال أُبَي (رضي الله عنه) وفي كثير من نسخ الإصلاح: اجعل ذلك في سويداء قلبك, وأسود قلبك, وفي سواد قلبك, ومن حبة قلبك. وقال ابن درستويه: سواد القلب وسويداؤه دمه الذي فيه انتهى. وقس

كتاب المخصص، بكسر الصاد، قال ثابت: سويداء القلب، علقة سوداء إذا شُقَّ القلبُ دت كأنَّها قطعةُ كبد، قال الفارسيّ: وتستعمل مكبَّرةً، ولفظ التحقير أكثر، وأنشد: (يكون له عندي إذا ما ضمنتهُ ... مكانٌ بسوداء الفؤادِ كنينُ) /280 (250) / وأما البيت الرابع فما استفهام مبتدأ وعليك خبر، وأن متعلقة به. وكذا (أن تعوديني)، لأن أصله (في أن تعوديني)، أي ما عليك في هذا الوقت في عيادتي، وتعلقت (إذا) و (أن تعوديني) بعامل واحد مع أنَّهما على معنى في، لأنَّ إذا للزمان، وأن تعوديني للمكان المجازي. و «الدنف» الذي لازمه المرض، وقد يقال له دَنف، بفتح النون، وهو من باب اطلاق المصدر على الذات، ولذلك لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث بخلافِ المكسورها، ويقال: دنف المرض، إذا صار دنفًا، وأدنف أيضًا، وأدنفه المرضُ، يتعدَّى ولا يتعدَّى، ومن ثم جاء مدنِف، بالكسر، ومدنَف، بالفتح. وأما البيت الخامس فقيل لم يسمع تعهدي (حدّث) إلى ثلاثةٍ في غيرهِ،

وهو للحارث بن حِلِّزة البشكري. قيل: وليس في العربيةِ فعِّل بكسرتين مع تشديد العين إلاّ في جِلِّق اسم دمشق، وحِمِّص، وحِلِّز، وهو بالحاء المهملة وبالزاي، أي القصير، أو البخيل، والأنثى حلّزة. ومعنى البيت: إنكم إذا منعتمونا ما نسألكم من الانصاف فأنا نقهركم على فعل الحق معنا، إذ ليس لأحد من الناس اعتلاء علينا. فقوله: منعتم، مبني للفاعل، وقوله: تسألون، مبني للمفعول، و (من) استفهام في معنى النفي مثله في {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135]. و (له علينا العلاء) جملة في موضع /281 (251) / المفعول الثالث. وهذا البيت من معلقته المشهورة، وأولها: (آذنتْنا ببَيْتِها أسماءُ ... رُبِّ ثاوٍ يُمَلُّ منهُ الثَّواءُ) (آنتنا ببيتها ثم ولّت ... ليت شعري متى يكون اللقاءُ) أذنتنا: اعلمتنا، ومنه {آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنبياء: 109]: والثاوي، بالمثلثة، المقيم، {وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا} [القصص: 45]، وقد يُقال: مُثْوٍ، لأنَّه قد يُقالُ: أثُوَى.

شواهد باب الفاعل

شواهد باب الفاعل مسألة [125] مِنَ العربِ مَنْ يلحقُ الفعلَ المسندَ إلى الاثنين، أو الجماعة ألفاً، وواوًا، ونونًا دالة على حال الفاعل الآتي ذكره، فيقولون: قاما اخواك، وقاموا أخوتك، وقمن نسوتك، كما يلحق الجميع تاء ساكنة يدلون بها على حاله في التأنيث، فيقولون: قامت هند، والصحيح أنها حرف كالتاء لا اسمًا مضمرة مبدل منها ما بعدها، أو مخبر بها، أو بفعلها عنه على التقديم والتأخير، وشاهد الالف وقوله: [الطويل]. (تولَّى قتالَ المارقين بنفسهِ ... وقد أسلماهُ مُبْعِدٌ وحميمُ)

/282 (252) / وقوله: [السريع]. (ألفيتا عيناك عند القفا ... أولى فأولى لك ذا واقيه) وشاهد الواو قوله: [الطويل]. (بني الأرض قد كانوا بنيّ ... فعزَّني عليهم لا جال المنايا كتابها) وشاهد النون قوله: [الطويل]. (ولكنْ ديا فِيَّ أبوه وأمُّهُ ... بحورانَ يَعْصِرْنَ السَّليطَ أقاربهُ) وقوله: [الطويل]. (رأيْنَ الغواني الشيبَ لاح بعارضي ... فاعرضْنَ عني بالخدودِ النواضِر) فأما البيت الأول فإنه لابن قيس الرقيات يرثى به مصعب بن الزبير، وقبله:

(لقد أورث المصرين حزنًا وذلةً ... قتيلٌ بديرِ الجاثليقِ مقيمُ) وأما البيت الثاني فإنه لعمرو بن ملقط، جاهلي، وقبله: (مهما لي الليلة مهما ليه ... أودى بنعلي وسر باليه) (يا أوس لو نالتك أرماحُنا ... كنتَ كمَنْ تهوى بهِ الهاويه) /283 (253) / وأما البيت الثالث فإنه للفرزدق. و (بني الأرض) خبر لكان مقدَّمٌ عليها، و (بنيَّ)، اسمها أصله بنوى، والواو في كانوا علامة الجمع. وعزَّني، بالعين المهملة، وبالزاي: غلبني، ومنه قوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص:23]. وأما البيت الرابع فإنه للفرزدق يهجو به عمرو بن عفراء الضَّبيّ، جعله من أهل القرى المتعلمين لاقامة عيشتهم ونفى عنه أن يكون على ما عليه العرب من الاشجاع والحرب. ودياف: قرية بالشام. والسليط: الزيت، وقيل: دهن السمسم.

وحوران: من قرى الشام. والكثير بالشام الزيت. وإنَّما قالَ: يعصرْنَ، بالنون، لأن شبَّههم، لأنَّهم لا شجاعة فيهم، بالنساء، لأنَّ الخدمةَ والتبذّلَ في العرب إنّما هو للنساء، فأمَّا الرجال فشغلهم بالحروب، ولهذا جعل المتنبي الرجال كالنساء، لمّا لَمْ يصونوا الحريم، فقال: [الوافر]. (ومَنْ في كَفِّهِ مِنْهُمْ سِنانٌ ... كمَنْ في كفِّه مِنْهُمْ خِضابُ) وقيل: شبّههم ببعير ديافيّ، ثم أقبل يصف أقارب البعير، وأقاربه جمال، فلذلك جاء بالنون. وقبل هذا البيت: (ستعلم يا عمرو بن عفرا مَنْ الذي ... يُلامُ إذا ما الأمرُ غبَّت عواقبهُ) (فلو كنتَ ظبيًا صفحتُ ولو سرتْ ... على قدمي حيّاتهُ وعقاربُهُ) (ولو قطعوا يُمْنَى يديّ غفرتُها ... لهم والذي يُحصي السرائرَ كاتبهُ) وبعده: (وإنَّ امرأً يغتابُني لم أطألهُ ... حريمًا ولا تنهاهُ عنّي أقاربُهُ) (كمحتطبٍ ليلاً أساودَ هَضْبةٍ ... أتاهُ بها في ظُلمةِ الليلِ حاطبُهُ) وأما البيت الخامس فإنه لمحمد العتبي الشاعر، وبعده:

مسألة [126] يجوز اضمار الفعل وحده إذا استلزمه ما قبله، أو أجيب به نفي أو استفهام، ظاهر أو مقدر

(وكُنَّ إذا ابصَرْنَني أو سمعْنَ بي ... سعين فسددن الكوى بالمحاجرِ) (فإن عَطفتْ عني أعنّه أعيُنٍ ... نظرن باحداقِ المهى والجآذرِ) (فإنّي مِنْ قومٍ كرامٍ ثناؤهم ... لأقدامِهم صيغتْ رؤوسُ المنابرِ) ويروي: مفرقي بدل لعارضي. والنواضر: جمع ناضر، بالضاد، وهو الناعم. والكوى: النقب في الحائط، وفتح كافها أفصح من ضمها، وجمع المفتوحها كِواء، بالكسر والمد، وكِوى بالكسر والقصر، وجمع المضمومها كُوى، بالضم والقصر لا غير. /285 (255) / والمحاجر: جمع محجر العين، بفتح الميم والجيم، ما يبدو من النقاب. والجآذر، بالجيم واعجام الذال: جمع جُؤْذُر، بضم أوله وثالثه، وفتح ثالثه: البقرة الوحشية. مسألة [126] يجوزُ اضمارُ الفعلِ وحدَهُ إذا استلزمه ما قبله، أو أجيب به نفي أو استفهام، ظاهر أو مقدر، فالأول كقوله: [الرجز]. (أسْقَى الإلهُ عُدُواتِ الوادي ... وجَوْفَه كلَّ مُلِثَّ غادِ) (كلُّ أجشَّ حالكِ السَّوادِ)

والثاني كقوله: [الطويل]. (تجلدْتَ حتَّى قيلَ لَمْ يَعْرُ قلبَهُ ... من الوجد شيء قلت بل أعظم الوجدِ) والثالث كقوله: [الطويل]. (ألا هل أتى أم الحويرث مرسِلي ... نعم خالد أن لم تعقْهُ العوائقُ) والرابع كقوله: [الطويل]. (ليُبكَ يَزيدُ ضارعٌ لخصومة ... ومختبطٌ ممّا تطيحُ الطوائحُ) فأما البيت الأول فقوله: اسقى خبر لفظًا، دعاء معنىً أي جعل له شيئًا مما يسقيه. وقوله: عدوات معناه جنبات، وإنّما رواه سيبويه جنبات، ومفردها

عِدُوة، بكسر الدال وضمه، ومن قرى بها فإن كسرت فتحت الدال ولم يجز كسرها، ولولا الضرورة لجاز اسكانها، وإن ضمنت فتحت الدال تخفيفا، أو ضممتها اتباعًا، ويجوز في /89 ب/ الكلام اسكانها تخفيفًا. و «جوفَة» بالنصب عطفًا على عدوات، دعا لجوانبه وبطنه. و «المُلِثّ» بضم الميم وكسر اللام وتشديد الثاء المثلثة: المطر الملازم، من ألثَّ بالمكان إذا اقام به، ومثله ألبَّ، بالموحدة. و «الغادي» الآتي في الغداة، لأنّه يُكون باردًا. و «كلّ» الثانية فاعل اسقى محذوفة دلّ عليها اسقى لا قوله اسقى الاله سحابًا سقى ذلك فكأنَّه قيل: سقاها كلُّ أجش، وهذا محل الشاهد. و «الأجش» بالجيم وبالمعجمة، الشديد صوت الرعد. و «الحالك» الشديد السَّوادِ، وذلك لكثرةِ ما يحملُ من المطرِ، والأحسن خفضه، لأنَّ كّلاً إنّما يُجاءُ بها لا فادةِ الاستغراق، كما أن لام الاستغراق كذلك، والمقصود بالاسناد إليه إنَّما هو المضاف إليه. وأما البيت الثاني فمعناه: تصبَّرتُ حتَّى قيلَ فيّ لم يَعْرُ قلبَهُ شيءٌ من الوجدِ، ثم قدَّر أنَّهُ سُئِلَ: فما قلتَ أنتَ؟ فقال: قلتُ بل عارني أعظمُ الوجدِ. فلأجل تقديرِ السؤالِ استأنفَ جملةَ القولِ، ولأجل تقدّم ذكر فعل

(يَعْرُ) في جملة النفي استغنى عن اعادته في جملة الجواب والهاء في قلبه للحكاية، وإلّا لقال قلبي. و «من الوجد» حال من شيء. وأما البيت الثالث فقوله: مرسَل، بفتح السين، و (نعم خالد) جواب الاستفهام، والعجيب هو المستفهم، والتقدير: نعم أتاها خالد، وجواب الشرط يحذف إذا كانت الأداة إنْ، وكان فعل الشرط ماضيًا وضعًا، أو لكونِه مجزومًا بلَمْ. وأما البيت الرابع فإنه للبيد. والضارع الذليل الخاضع، والمختبط: الطالب للمعروف، واصل الاختباط ضرب الشجر للابل ليسقطَ ورقُها فتعلفَهُ الابلُ، و (مِنْ) للابتداء أو التعليل، وهي متعلقة بمختبط، وما مصدرية، أو موصول اسمي، أو نكرة موصوفة. ويطيح: يذهب ويهلك، يقال اطاحته السنون إذا ذهبت به في طلب الرزق وأهلكته، والعائد محذوف، وهو مفعول (تطيح)، إلّا إنْ قدرت ما مصدرية فلا حاجة إلى عائد. والطوائح على غير قياس، وكان حقّه مطاوح أو مطيحات، لأنّهُ جمع مطيحة، ولكنه جمع على حذف الزيادة وفي التنزيل: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] والواحدة ملقحة، وكان الأصل ملاقح أو ملقحات، ولا يكون جمع طائحة، لأن معنى طاح يطيح أو يطوح هلك وسقط. ولو فسر الطوائح في البيت بالهالكات لفسد معناه. والشاهد فيه رفع مضارع باضمار فعل يدل عليه ما قبله، فإنه لما قال: ليُبْكَ يَزيدُ، ببناء الفعل للمفعول عُلِمَ أنّ ثَمَّ باكيًا لم يبينه، فشوقت نفس

مسألة [127] يجوز في الكلام حذف تاء التأنيث من الفعل الماضي المسند إلى مؤنث حقيقي

السامع إلى معرفته، فقدَّرَ أنَّهُ سأل فقال: من يبكيه؟ /90 آ/ فقال مجيبًا: له ضارع أي يبكيه ضارع ومختبط يقول: إنَّهُ كان لنصره للمظلوم ولمواساته للفقراء يقصده هذان النوعان من الناس، فينبغي أن يبكي عليه الآن كلُّ ذليلٍ لا ناصر له، وكلُّ محتاجٍ قد أهلكته حوادثُ الزمان، وتركته لا معينَ له. وزعم بعضُهم أنَّهُ لا دليلَ في البيت، لجواز أنْ يكونَ يزيدُ منادىَّ، وضارع مفعول يبكي، أي: يا يزيدُ يجبُ بعدَك أنْ يبكي الذليلُ والمحتاجُ فإنَّهما قد هلكا بهلاكك. والتوجيه الأول أولى، لأنَّه رُوى: ليَبْكِ يزيدَ، بفتح ياء «يبك» وكسر كافة، ونصب يزيد، فلما ظهر (ضارعٌ) فاعلاً في هذه الرواية استحق أن يقدَّرَ فاعلاً في الأخرى ليستويا. مسألة [127] يجوز في الكلام حذفُ تاءِ التأنيث من الفعلِ الماضي المسندِ إلى مؤنثٍ حقيقي إذا فُصِلَ بينهما يغير إلاً، كقوله: [البسيط]. (إنَّ أمرأً غرَّهُ منكن واحدةٌ ... بعدي وبعدَكِ في الدنيا لمغرورُ) فإن كان الفاصل إلّا فالحذفُ قليلٌ كقولِه: [الطويل] ([طَوى النَّحْرُ والأجرازُ ما في غُرُوضِها] ... وما بَقَيْت إلّا الضُّلوعُ الجَراشِعُ)

وأكثرُهم يخصُّهُ بالشعر، ويجوز في الشعر حذف التاء من الماضي المسند إلى ضميره متصل مجازى التأنيث، كقوله: [المتقارب] (فلا مُزْنَةٌ ودَقَتْ وَدْقَها ... ولا أرضَ أبقلَ إِبقالها) فأما البيت الأول فـ (غَرَّه) صفه لـ (امرأ)، وواحدة فاعل، وهو صفة لمحذوف، وقد إختلف في تقديره، فقال سيبويه والجمهور: امرأة واحدة مؤنث حقيقي، وترك التاء من الفعل، إذ لم يقل غرته للفصل بالمفعول، وهو الهاء، وبالجار والمجرور، وهو (منكن). وقال المبرِّد: التقدير: خصلة واحدة، فلا دليلَ في البيتِ حينئذٍ، لأنَّ التأنيثَ مجازيٌّ، والتقدير الأول أظهر، لأنَّه إلى الذهن أسبق، ويؤيدُ صحتَهُ حكايةُ سيبويهِ: حضر القاضي امرأة. وأما البيت الثاني فإنَّه لذى الرُّمة، صدره: (طوى النحز والاجراز ما في غروضها) والنَّحْز، بفتح النون والحاء المهملة والزاي: النخس والاستحثاث الشديد. والاجراز، بالجيم والراء وآخرها زاي، جمع جُرُز، بضمتين، وهي الأرضُ التي لا نبتَ بها، والغُرُوض، بضمتين، أولاهما معجمة، جمع غرض، هو حزام الرجل. والجراشع جمع جُرشع، بضم الجيم والراء [و] المعجمة، المنتفخة الجنوب والبطون، يصفُ ناقَتُه بقول: طوى وهزل

ما أصابها من شدة الاستحثاث والركض ومن السير في الأرض التي لا نبات بها. «ما في حزامها» وهو حشاها، فما بقيت من كثرة سبرها إلَّا أضلاع منتفخة عظيمة، يريد ذهب لحمها فلم يبق إلَا ضلوع مشرفة /90 ب/ مرتفعة. وأما البيت الثالث فإنه لرجل طائي، وهو عامر بن جُوَيْن، بلفظ تصغير الجون، للأسود والأبيض. و (مزنة) مبتدأ، أو اسم لا، على إلغائها أو أعمالها عمل ليس، وهي واحدة المزن، وهو السحاب الأبيض، ويقال للمطر حبّ المزن. ووهم ابن يسعون فقال: المطر نفسه، ويرده قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [الواقعة: 69]، والودق، بالدال المهملة، المطر، وودقت تدق: مطرت، والجملة خبر المبتدأ، أو خبر لا، أو نعت لمزنة والخبر محذوف، أي موجود. وودقها وإبقالها مصدران يشتبهان. و (أرض) اسم لا التبرئة، وأيقل خبرها فمحله الرفع، أو نعت لاسمها فمحله النصب، أو الرفع. ويقال للمكان أول ما ينبت فيه البقل أبقل، وقد يقال بقل بقلاً

وبقولاً، ولوجهِ الغلامِ أول ما نبت فيه الشعر (بقل) لا غير. وأنكر جماعة منهم الأصمعي: بقل في المكان، ولهذا ادعوا أنَّ باقلاً من الشواذ كأعشب، فهو عاشب. والشاهد في قوله أبقل بإسقاط التاء مع كون الفاعل المؤنث مضمرًا متصلاً، وذلك لوجود شَرْطَيْهِ: كون التأنيث مجازيًا لا حقيقيًا، وكونه في الشعر لا في النثر، وكأنّه لما أُضطُّر حمل الأرض على الموضع أو السهل. وعن ابن كيسان أنَّ ذلك جائزٌ في النثر، وإن البيت ليس بضرورة لتمكُّنِ قائلِه مِنْ أنْ يقولَ: أبقلت، وأنْ ينقلَ كسرةَ الهمزةِ إلى التاء، ثم يحذف الهمزة. وأجاب السيرافي بأنَّهُ يجوزُ إِنْ يكونَ الشاعرُ ليس من لغتِه تخفيفُ الهمزة، وحينئذٍ لا يمكنه ما ذكره. وذكر ابن يسعون أنَّ بعضَ الرواةِ رواه بالتاء، وبالنقل المذكور فإن صحَّتِ الروايةُ وصحَّ أنَّ القائلَ ذلك هو الذي قال: ولا أرض أبقل، بالتذكير، صح لابن كيسان مُدّعاهُ، وإلّا فقد كانت العرب ينشد بعضُهم شعرَ بعضٍ، ولا

مسألة [128] اتفقوا على وجوب تأخير المحصور فيه بإنما، مرفوعا كان أو منصوبا، ليتضح بذلك المحصور فيه من غيره، واختلفوا في المحصور فيه بإلا

يتكلم على مقتضى، وكل يتكلم على مقتضى سجيته التي فطر عليها، ومن هنا تكثَّرتِ الرواياتُ في بعضِ الأبيات. وذكر القَواسُ في شرح الدُّرَّة أنَّهُ روى ابقالُها، بالرفع، فلا شاهد فيه حينئذٍ. وزعم بعضُهم أنَّهُ لا شاهدَ فيه على رواية النصب أيضًا، وذلك على أنْ يكونَ الأصلُ لا مكان أرض، ثم حذف المضاف، وقال: ابقل، على اعتبار المحذوف، وقال: ابقالها، على اعتبار المذكور. مسألة [128] اتفقوا على وجوب تأخير المحصور فيه بإنَّما، مرفوعًا كان أو منصوبًا، ليتَّضحَ بذلك المحصور فيه من غيره، واختلفوا في المحصور فيه بإلَّا، فقال المتأخرون: وهو كذلك حملاً لأحد الحصرين على الآخر، ولأنَّ المحصورَ في نحو: ما ضربَ زيدٌ إلاً عمرًا، ضرب وقع من زيد لا مطلق الضرب، وفي: ما ضرب عمرًا إلاً زيدٌ، ضرب وقع على عمرو لا مطلق الضرب، فلو قدمت المحصور فيه /90 آ/ في المثالين لحصرت الصفة قبل تمامها. وقال الكسائي: يجوز تقديمُه لأمْنِ الالتباس. وقال البصريون والفراء وابن الأنباري من الكوفيين: إنْ كان مفعولاً جاز

تقديمه، لأنَّهُ في حالة التقديم في نية التأخير فتقديمه كلا تقديم، وإنْ كان فاعلاً وجب تأخيرُه، لأنَّه في حالة التقدم حال في محله، فلا يجوز أن يُقوي به غير ذلك المحل، وحينئذٍ فيكون تقديمه من جهتي اللفظ والتقدير، وذلك غير لائق بالمحصور فيه، لما قدَّمنا، وبعض النحويين كالناظم يتجوَّز في العبارة فيسمى المحصور فيه محصورًا. ووهم الناظم وتبعه ابنه فنسب القول بالتفصيل لابن الانباري وحدَهُ. واحتجَّ مجيز تقدم المحصور فيه بإلاً إذا كان فاعلاً بقول: [الطويل] (تَزَوَّوْتُ من ليلى بتكليمِ ساعةٍ ... فما زاد إلاً ضِعْفَ ما بي كلامُها) وهذا يصحُّ أنْ يحتجَّ به من يقول بالجواز مطلقًا بأنْ يقولَ هو دليلٌ على أنّ كونَ الشيءِ محصورًا فيه وكونه مقدّمًا لا يتنافيان، ووقع ذلك هنا في الفاعل بطريق الاتفاق، إلَا أنَّ الجواز مقَّيدٌ بذلك، ويقوى ذلك بأن يعود ما يشهد لتقدُّم المحصور فيه، وهو مفعول كقوله: [البسيط]

(ما عابَ إلَّا لئيمٌ فعلَ ذي كرم ... ولا جَفَا قَطُّ إلَا جَبَّأٌ بطلا) وقوله: [الطويل] (فلم يدرِ إلَا الله ما هيَّجَتْ لنا ... عشيّةً آناءُ الديار وشامُها) فأما البيت الأول فقد قيل لا دليل فيه لجواز أنْ يكونَ فاعل (زَاد) ليس قوله: (كلامها)، بل ضميرًا مستترًا في (زاد) راجعًا إلى (تكليم ساعة)، وحينئذٍ يبقى (كلامها) لا رافع له في اللفظ، فيحتاجون إلى تقدير عاملٍ له، فيقدّرون زاد في كلامها، وهذا التأويل قد يستبعد، لأنَّ مثلَ هذا إنّما يحسن إذا كان في الكلام السابق إيهام فيستأنف. حينئذٍ له جملة توضحُهُ، ويقدْر تلك الجملة جوابًا لسؤال كما مرّ في قولك: ليُبْكَ يزيدُ ضارع لخصومه. ويُجاب بأنَّ الفاعل لمّا لم يكنْ ظاهرًا بل ضميرًا مستترًا حصل إيهام سوِّغ السؤال والجواب، وبعدُ فالصواب الحكم بجواز التقديم قليلاً، أو في الضرورة. وأما البيتان الآخران فقيل فيهما أيضًا بأنَّ المؤخَّر معمول لمحذوف،

مسألة [129] أجاز الأخفش وابن جني وأبو عبد الله الطوال أن يعود ضمير من الفاعل المقدم على المفعول المؤخر

أي: غاب فعل ذي كرم وجبّأ بطلا ودرى ما هيجت لنا، وهذا واضح، لأنَّه إذا قدّر تمام الكلام قبل المفعول حسب السؤال. وإناءًا جمع نأى وهو البعد، وهو مما جمع فيه فعلى الصحيح العين على أفعال كفرح وأفراح وندر ورأد وارآد. والديار على حذف مضاف، أي: أهل الديار، أو سمى أهل الديار ديارًا تسمية للحال باسم المحل، وعلى الاحتمالين قوله: [الطويل] /91 ب/ (لئن نزحتْ دارٌ لليلى لربَّما ... غنينا بخير والديار جميعُ) وقد يكون جميع بمعنى جامعه فلا يحتاج إلى واحد من التأويلين، وقوله: وِشامها، بكسر الواو وإعجام الشين، جمع وشم، وهو. مسألة [129] أجاز الأخفش وابن جني وأبو عبد الله الطوال أن يعود ضمير من الفاعل المقدّم على المفعول المؤخّر، نحو: ضرب غلامه زيدًا، لأن استلزام الفعل للمفعول يقوم مقام تقدّمه، ومنعه الجمهور، لعود الضمير على متأخر لفظًا ورتبةً، وللاتفاق على المنع في قولك: صاحبُها في الدار، ويشهد للأول قوله: [الطويل]

(جزى ربُّه عنّي عديَّ بنَ حاتمٍ ... جزاءَ الكلابِ العاوياتِ وَقَدْ فَعَلْ) وقوله: [البسيط] (جزى بنوه أبا الغيلانِ عن كبرٍ ... وحسن فعل كما يجزى سنمارُ) وقوله: [الطويل] (ولو أنَّ مجدًا خلّدَ الدهرّ واحدًا ... مِنَ الناسِ أبقَى مَجْدُهُ الدهرَ مُطْعِما) وقوله: [الطويل]

(كسى حلمه ذا الحلم أثوابَ سؤددٍ ... ورقى نداء ذا الندى في ذرى المجدِ) وقال بعضُهم: هو جائز في الضرورة ممتنعٌ في الكلام، وأجازه ابن الناظم. فأمّا البيت الأول فإنه لأبي الأسود الدؤلي يهجو عدى بن حاتم. والجزاء يستعمل في الخير والشر، والجملة خبرية اللفظ دعائية، واختلف في المراد بجزاء الكلاب العاويات، فقيل: هو الضرب والرمي بالحجارة. وقال الأعلم: ليس هذا بشيء، وإنَّما دعا عليه بالأبنة، إذ الكلام تتعاوى عند طلب السفاد، قال: وهذا من ألطف الهجو. ومن قال المراد الضرب فليس بشيء، ثم حقّق المدعو به بقوله وقد فعل، ومن هنا اتّجه الأعلم أن سماه هجاء، وإلاً فالدعاء لا هجاء فيه، ونظيره في تحقيق المدعو به قوله سبحانه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]، وقد حققت الجملة المدعو بها في الآية على وجه أكمل، إذ لم يقل: وتبت يداه، بل بأنَّه كلُّه قد خسر، يداه وغيرها.

وأجاب المانعون بأن الضمير في (ربه) ليس عائدًا إلى (عَدِيّ) بل إلى الجزاء المفهوم من قوله: جزى، وكأنَّه قيل جزاء مالِك الجزاءِ، أي الذي بيده أمرُ الجزاء، ويشهد لهم قول النابغة: [الطويل] (جزى الله عبسًا والجزاءُ يكفه ... جزاء الكلاب العاويات وقد فَعَلْ) وقوله علي (رضي الله عنه): [الطويل] (جزى الله عني والجزاء بفضله ... ربيعة خيرًا ما أعف وأكرما) وعلى هذا فإذافة كلمة الرب إلى ضمير الجزاء أعطى المعنى الذي تعطيه الجملتان المعترضتان في البيتين. وفي كتاب النوادر لابي عمر الزاهد غلام ثعلب أن ابن كيسان تسمع ثعلبا يقول: لا يتقدم المكني على الظاهر، فاعترض عليه بهذا البيت، فأجاب بأنَّهُ شاذٌ، وبأنَّه يجوز أن تكون الكناية لغير (عديّ) وكأنّه وصف رجلاً

أحسن اليه، ثم قال جزاه ربُّه خيرًا، وجزى عني عديّ بنَ حاتم شرًّا، فلا شذوذ في البيت، ولا خفاء بما في هذا التأويل من السقوط لكثرة تكلّفه، وادعاء حذف ما لا دليل عليه. واما البيت الثاني فلا [يحتم] من الضمير ما قدّمنا /95 ب/ من التأويل، و (عن) فيه بمعنى بعد مثلها في «لتركبن طبقًا عن طبق»، وقوله: وحسن فعل، أي لهم، وقوله: يجزي أي جزى، فأتى به على صيغة المضارع لاستحضار الحال الماضي لغرابته، وسِنِمَّار بوزنِ طِرَّماح اسم الرجل من البناة، وهو في الأصل علم للقمر، وهذا الرجل بنى الحورنق، وهو قصر عظيم لم يرَ العربُ مثله، بناه للنعمان الأكبر ملك الحيرة ليكون فيه ولده ونساؤه، ولما بناه رماه من أعلاه، فهلك، فصار يضرب به المثل في سوء المكفأة، فقيل: (جزاني جزاء سنمار)، وكان بناؤه في عشرين سنة، وذكر الجاحظ في كتاب الحيوان لبعض العرب: [الطويل]. (جزاني جزاه الله شرّ جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنبِ) (بنى ذلك البنيان عشرين حجة ... يُعَلَّى عليه بالقراميد والسكبِ) (فلما انتهى البنيانُ يومَ تمامِه ... وآضَ وكمثِل الطود واللدع الصعبِ)

(رمى سنمار على حقّ رأسه ... وذاك لعمر الله من اعظمِ الخطبِ) واختلف في سبب ما فعل به ذلك فقيل: لأنه. واما البيت الثالث فإنه لحسان بن ثابت الانصاري (رضي الله عنه) يمدح المطعم بن عدي. والدهر هنا جميع الزمان، وهو منصوب بأخلد وبأبقى. واما البيت الرابع فواضح، وفيه شاهد على هذه المسألة، فهو من أنفع الأبيات.

شواهد باب النائب عن المفعول

شواهد باب النائب عن المفعول مسألة [130] يقال في نحو: قال وباع، مبنيين للمفعول في لغة فقعس ودبير، وهما من فصحاء بني أسد، قول وبوع، لأن الأصل فُعِل، بضم الأول وكسر الثاني، فقصدوا تخفيفه بحذف حركة العين، فسلمت من نحو قال وبعد الضمة لتجانسهما، وانقلبت الياء من نحو: بيع واواً، لتجانسها، وشاهده قوله: [الرجز]. (حكيت على نولين إذ تُحاك ... تختبطُ الشوكَ ولا تُشاكُ) وشاهد الثاني قوله: [الرجز]. (لَيْتَ وهَلْ ينفعُ شيئًا ليتُ ... ليتَ شبابًا بُوعَ فاشتريت)

فأمّا البيت الأول فيروى فيه نولين ونيرين، والنول والمنوال/ عودة إلى 91 ب/ ولحمتِه الخشبة التي يلفُّ عليها الحائكُ الثوبَ والنّيِر، بكسر النون، علم الثوب ولحمته أيضا، وهو المراد هنا، وإذا نسج الثوب على لحمتين كان أصفقَ له وأقوى وأبقى، ويقال في الفعل منه انرت الثوب، وربما قبل: هنرته، كما يقال في أرقته: هرقته، وقد تجوز فقالوا: رجل ذو نيرين، إذا كان له من القوة والشدة ضعف ما لصاحبه. وقوله: (على نيرين) معناه قائمة على نيرين فهو حال من الضمير المستتر الراجع إلى الجملة، وهو عبارة عن ازار ورداءٍ معًا. وتُحاك بمعنى حيكت، ومثله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ} [الأحزاب: 37]، {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} [آل عمران: 153]. ووصفها بغاية الصفاقة حتى أنها تختبط الشوك ولا تتأثر بها. وأما البيت الثاني فمن شعر أنشده الكسائي في صفة (دَلْوٍ)، وقبله: (ما لي إذا اجذبها صائت ... أكبر قد غالني أم بيت) إلا أنه انشده: وما ينفع مكان هل ينفع. والاستفهام في تلك الرواية بمعنى النفي مثله في: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60] فاتحدت الروايتان.

مسألة [131] أجاز الكوفيون والأخفش إسناد فعل المفعول إلى غير المفعول به مع وجوده

وقوله: اجذبها، يروي مكانه انزعها. وقوله: صائت، بالصاد المهملة، معناه صحت، وفي المثل: (جاء بها صائي). و (صمت) إذا جاء بالماء الكثير، أي بالناطق /92 أ، والصامت. وقد يقال: جاء بما ضاء على القلب، مثل ناء، والمراد بالبيت المرأة، وجملة الاستفهام أو النفي معارضة بين ليت الأولى وليت الثالثة المؤكدة لها، وهما حرفان، وليت الثانية اسم مرفوع بـ (ينفع)، والمراد بها اللفظة. مسألة [131] أجاز الكوفيون والأخفش إسناد فعل المفعول إلى غير المفعول به مع وجوده محتجبين بقراءة أبي جعفر: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14]، وقوله: [الرجز]. (لم يعن بالعلياء إلّا سيدا ... ولا شجى ذا الغي إلّا ذو هدى) وقوله: (وإنما يرضي المنيب ربه ... ما دام معنيًا بذكر قلبه)

فأما القراءة فقالوا: أسند (يجزَى) إلى الجار والمجرور وترك المفعول به، ولا دليل لهم فيها لجواز أن يكون الأصل ليجزي الله الغفران قومًا بما كانوا يكسبون، ثم حذف الفاعل للعلم، وأضمر الغفران لتقدّم ذكر ما يدل عليه، وهو قوله سبحانه: {يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: 14] فارتفع واستتر في الفعل، فإنما النائب المفعول به لا الجار والمجرور، وانابة المفعول الثاني في باب كسى جائزة عند أمن الالتباس، وهذا منه. وأما البيتان قد يحملان على الضرورة، وأصل الكلام في الأول: لم يعن الله بالعلياء إلّا سيدًا، أي لم يجعل الله أحدًا يعني بها إلّا من له سيادة، فحذف الفاعل وانيب قوله بالعلياء، واستثنى السيد على جهة التفريغ، فترك الأمر العام الذي هو أحد، وقدر السيد مفعولاً، وقد كان في الأصل بدلاً من الاحد، أو منصوبًا على الاستثناء، ويقال: شجى، وأصله في الثاني ما دام عانيًا هو بذكر الله في قلبه أي ما دام يجعل قلبه معتنيًا بذكر الله ثم حذف الفاعل، وهو ضمير المنيب الذي كان مستترا في اسم الفاعل، وأناب عنه الجار والمجرور، وحوَّل صيغة بناء الفاعل إلى صيغة بناء المفعول، والمنيب وقبله: (ليس منيبًا امرؤ منبه ... للصالحات متناسٍ ذنبه) وما مصدرية ظرفية، وفيه تقديم خبر ليس على اسمها.

شواهد باب الاشتغال

شواهد باب الاشتغال مسألة [132] إذا كان الاسم السابق على الفعل الناصب لضميره واقعًا بعد أداة مختصة بالفعل وجب نصبه، نحو: هلّا زيدًا لقيته، وإنْ زيدًا لقيتَهُ فاكرمْهُ، وربَّما رفع كقوله: [الكامل]. (لا تجزعي إنْ منفسٌ اهلكتُهُ ... وإذا هلكتُ فعندَ ذلكِ فاجْزَعِي) يروى بنصب (منفس)، وهي رواية سيبويه، وهي بتقدير اهلكت، فلا إشكال، وبرفعه، وهي رواية الأخفش، فقيل بتقدير فعل مطاوع لاهلكت، أي أن هلك منفس، وهو رأي الناظم وابنه، وذلك لأن اهلك مستلزم لهلك، ونظيره مع كل ما مّر في قوله: /92 ب/

مسألة [133]

أسقى الإله عدواتِ الوادي ... البيت وقد مرّ. وقيل: هو بتقدير مثل الفعل المذكور، ولكن مبنيًا للمفعول أي إنْ اهلك منفس، وقيل: بل هو مبتدأ على أنه يجوز وقوع المبتدأ بعد أداة الشرط بشرط أن يخبر عنه بفعل، وهو رأي الأخفش والكوفيين ولا يعوَّل عليه. وهذا البيت للنمر بن تولب رضي الله عنه، ومعناه: لا تجزعي على ما اتلفُهُ من المالِ، ولكن اجزعي إذا هلكت فإنَّك لا تجدين مَنْ يخلفني عليك مثلي. و (المُنْفِس) بضم الميم وكسر الفاء، النفيس من المال، وذلكِ بكسر الكاف. وكان النمر قد نزل به، وهو في جاهليته اخوان، فعقر لهم اربع قلائص، وسفا لهم خمرًا كثيرًا، فلامته على ذلك. مسألة [133] يجوز عند الجمهور نحو: زيدًا ضربته، باضمار مثل المذكور، ومَنَعَهُ بعضهم لعدم تقدّم ما يطلب الفعل، مع أنَّ الأصل عدم التقدير، وردَّ بقراءة بعضهم: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [الرعد: 23]، وبقوله: [الرمل].

(فارسًا ما غادروه مُلْحَمًا ... غَيْرَ زُمَّيْلٍ ولا نِكْسٍ وكَلْ)

شواهد باب تعدي الفعل ولزومه

شواهد باب تعدي الفعل ولزومه مسألة [134] إذا كان في العامل المتعدّي بالحرف. ثم حذف الجار توسعًا نصب المجرور، كقولك في: شكرت لزيد، ونصحت لعمرو، شكرت زيدًا ونصحت عَمْرًا، وقوله: [الكامل]. (لَدْنُ بهزِ الكَفِ يَعْسِل مَتْنُهُ ... في كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ) وقوله: [الوافر]. (تمرّون الديارَ ولم تعوجوا ... كلامكم عليَّ إذن حرامُ)

وقوله: [البسيط]. (استغفِرُ الله ذنبًا لستُ مُحْصِيَهُ ... ربَّ العِبادِ اليه الوَجْهُ والعَمَلُ) وقوله [البسيط] (آليت حب العراق الدهر اطعمه ... والحب يأكله في القرية السوس) وقوله: [الطويل]. (تَحِنُّ فتُبدي ما بها مِنْ صَبابةٍ ... وأُخفي الذي لولا الأسَى لقضاني) وقد يحذف الجار ويبقى عمله، كقوله: [الطويل]. (إذا قيل أيُّ الناسِ شَرُّ قبيلةٍ؟ ... اشارتْ كليبٍ بالاكفِ الاصابعُ) فاما البيت الأول فإنه لساعدة بن جؤية الهذلي، وجؤيّة، بضم الجيم ففتح الهمزة فتشديد الياء.

واللِّدن، بفتح اللام، الناعم اللين، ويُروى: لذّ، أيْ مُسْتَلَذٌ عند الهز للينه. والباء متعلقة بـ (يعسل)، والعسلان: الاضطراب، وهو في الأصل سيرٌ سريعٌ في اضطراب. وقال: (متنه) لأنَّهُ إذا اضطرب المتن فما ظنُّك بالطرفين. والهاء المجرورة بفي للدن، أو للهزّ، يصف رمحًا لين المهز، فشبَّهَ اضطرابه في نفسه، أو في حال هزّه يعسلان الثعلب في سيره. والشاهد فيه نصب /93 آ/ الطريق بعد نزع الخافظ، وهو (في)، ولا يُقالُ الطريق ظرف مكان، ولا منصوب على التوسُّع، لأنَّهُ اسم خاص للموضع المستطرق، وإنّما ينتصب على ظرفية المكان مبهمًا، ونحوه في التوسَّع قولهم: ذهبت الشام، إلى أن الطريق أقرب إلى الابهام من الشام، لأن الطريق مكان في كل موضع يسار إليه فيه، وليس الشام كذلك. وزعم أبو الحسين ابن الطراوة: أنَّ الطريق آسمٌ لما يمكن استطراقه لهم وعلى هذا (مبهمًا). وردّ على سيبويه إذ جعل انتصابه على التوسع. قال الشلوبين: وهذا كذب، وإنّما الطريق ما يُسْتَطْرَقُ، ولا يُسمَّى نحو: المسجد والدار طريقًا، لا مكان استطراقه. وقال ابن أبي الربيع: زعم ابن الطراوة أنَّ الطريقَ مبهمٌ، واستدل

بغير دليل، ولجأ إلى غير سبيل، فنسأل الله أنْ يُسَدِّدَ أذهانَنا، وأنْ يُزيلَ عنَّا التبجُّحَ بالرِّد على علمائنا، فإنه أكبر داء وأعظم حجاب. وأما البيت الثاني فأنشده الكوفيون لجرير هكذا، ورواه بعضهم: اتمضون الرسوم ولا تحيا. وفي هذا أيضًا شاهد، إذ التقدير: أتمضون عن الرسوم. وقال النحّاس: سمعت على بن سليمان الأخفش الأصغر يقول: حدَّثني محمد بن يزيد، يعني المبرِّد، قال: حدَّثني عمارة بن بلال بن جرير قال: إنَّما قال جدِّي: مررتم بالديار. وعلى هذا فلا شاهد، وأول القصيدة: (متى كان الخيام بذي طلوح ... سقيت الغيث أيتُّها الخيامُ) (تنكر من معالمها ومالت ... دعائمها وقد يلي الشمام) (أقول لصحبتي وقد ارتحلنا ... ودمع العين منهمل سجام) تمرون .............. ... .................. البيت) (أقيموا إنما يوم كيوم ... ولكن الرفق له ذمام) (بنفسي من تجنيه عزيز على ... ومن زيارته لمام) (ومن أمسى واصبح ولا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام) قوله: أقيموا ... البيت. يقول: أقيموا يومكم هذا فإنكم تدركون ما تطلبون، وأقضوا ذمامي بالمقام. وأما البيت الثالث فاصله من ذنب، فالذنب للجنس ولهذا صحَّ وصفه بقوله: (لستُ مُحْصِيَهُ).

والوجه والتوجّه: القصد، والمراد: أي إليه التوجّه في الدعاء والطلب والمسألة، وله العمل، أي هو المستحق للعبادة. وأما البيت الرابع فإنه للمتلمّس، واسمه جرير بن عبد المسيح الضُّبَعي، بضم الضاد المعجمة، وفتح الباء الموحدة، واختلف الرواة في أول البيت، فمقتضى كلام العسكري في كتابه جمهرة الأمثال أنه بضم التاء، لأنَّ المتلكِّس /93 ب/ لما ألقى الصحيفة في الماء مضى إلى الشام، وقال يخاطب ناقته: (أميّ شآمية إذ لا عراق لنا ... قومًا نودهم إذا قومنا شوسُ) (آليت حب العراق .... ................ البيت) وصرَّحَ غيرهُ من العلماء بالشعر واللغة: أنه بالفتح، وكذا ضبطوه في كتاب سيبويه، وقالوا: أنه يُخاطب بذلك عمرو بن هند ملك الحيرة. وكان المتلمِّس قد بلغه عنه أنَّه هُجاه، وبلغ ذلك المتلمس فخافه على نفسه، ففرّ إلى الشام، ومدح ملوكها، فحلف عمرو لا طعم المتلمس بعدها حب العراق، أي أنَّه لا يقدر بعدها على المقام بالعراق، فلا سبيلَ له إلى أكل حبِّها، فقال المتلمس ذلك، أي حلفت لا تتركني أقيم بالعراق، وتطردني عنها، والطعام لا يبقى أن استبقيته، بل يسرع إليه الفساد، ويأكله السوس، فالبخل به قبيح، وبعده:

(لم تدرِ بُصْرَى بما آليتُ مِنْ قسمٍ ... ولا دمشقُ إذا دِيسَ المكاديسُ) أي أن (بصري) لم تدر أنَّكَ حلفْتَ، فأنا أكل من طعامها، وكذلك وأنا في خصب وخير. وبُصرى، بضم الباء الموحدة، وأخرها ألف، مدينة بالشام أضاءت لأهل مكة قصورها ليلة مولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذا دمشق لم تدرِ. والمكاديس: أكداس الطعام، ولا واحد لها من لفظها، قال النّحاس. وفي الصحاح: والكُدس، بالضم، واحد أكداس الطعام. والشاهد في قوله: حبّ العراق، فإنه منصوب بآليت بعد نزع الخافض، وهو (على). فإنْ قلتَ لا يتعيّن ذلك لجواز أن يكون انتصابُه بمضمر يفسّره (اطعمه)، قلت: هذا قول المازنّي نقله عنه ميرمان في حواشيه، ويأبى ذلك إن أطعمه بتقدير: لا أطعمه، مثل: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف 85]، وهذا لأن المعنى على ذلك لوجود التوكيد في الاثبات، نحو: {تَاللَّهِ

لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] وما لا يعمل لا يفسّر عاملاً. فإنْ قلتَ: ألم يأتِ نحو قوله: [المتقارب]. (إلا إنّ قُرطًا على آلةٍ ... ألَا إنّني كيدَهُ لا أكيدُ) قلت: إنّما يكون لـ (لا) الصدر في جواب القسم خاصة، وذلك لحلولها محل الأحرف الواقعة في الأبيات، وكلها لها الصدر، وأما في غير ذلك فلا، ألا ترى أنَّها قد اعترضت بين العامل ومجروره، وفي نحو: جئت بلا زاد، ومنصوبه في نحو: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150]، ومجزومه نحو: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} [الأنفال: 73]. وأما البيت الخامس فإنه لرجل من بني حلاف، وضمير (تَحِنُّ) لناقته، لأن قبله: (فمَنْ يكُ لم يغرض فإنّي وناقتي ... بحَجر إلى أهل الحمى غرضان) قال المبرِّد في الكامل: وهذا الشعر مما يستحسن لفظه ويستعذب معناه. انتهى. يقال: غَرِضَ /94 آ/ لكذا، بمعجمتين بينهما مهملة مكسورة، يَغَرَضُ، بالفتح: إذا اشتاق. وحَجْر، بالمهملة: اسم موضع.

وقوله: فتبدى، رواه أبو علي في العشريات وتبدى، بالواو. وقوله: (الأُسى)، هو بضم الهمزة: جمع أُسوة، بضمها، أو بكسر الهمزة جمع إسوة، بكسرها: وهي ما يتأسَّى به الحزين، يتعزَّى به، ويُسمَّى الصبر أُسى، بالضم، وهو محتمل هنا. وسمعت كثيرًا ينشدون البيت بفتح الهمزة، وهو خطأ، لأن المفتوح بمعنى الحزن، ويفسد المعنى ذلك. وقوله: لقضاني، أي لقضى عليَّ الموت، وهذا محل الاستشهاد. وقد يكون مضمنًا معنى قتل أو أهلك فيتعَّدى لذلك بنفسه ولا يكون على اسقاط على. وأما البيت السادس فإنَّه للفرزدق يخاطب جريرًا، والأصل: اشارت إلى كليب الاكف بالأصابع. فاسقط الجار وقلب الكلام، فجعل الفاعل مفعوله عكس. ومن أبيات هذه القصيدة: (أخذْنا بأطرافِ السماءِ عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع) وقوله: (فوا عجبًا حتَّى كليب تسبّني ... كأنَّ أباها نهشلٌ أو مجاشعُ) وقوله: (ومنّا الذي اختيرَ الرجالَ سماحةً ... وجودًا إذا هبَّ الرياحُ الزعازُع) وهذا البيت أسقط فيه أيضًا الخافض، لكن نصب الاسم بعد ذلك، والأصل: أُخْتِير من الرجال.

مسألة [135] يجوز اسقاط الجار قياسا من أن وأن

يصف قومَهُ بالجود والكرم عند اشتداد الزمان، وذلك في الشتاء وقت الجدب وهبوب الرياح الشديدة، والواحد منها زعزع، ويقال أيضًا زعزوع وزعزاع، والجمع زعازع. وبعده: (ومنّا الذي قادَ الجيادَ على الوَجَى ... لنجرانَ حتَّى صبحتها النزائعُ) و (سماحةً وجودا) مصدران انتصبا على التمييز، أو المفعول له، أو الحال من الرجال. والوجَىَ: الحفا، أي أنه يَعدُ الغزاة بهما حرست. والنزائع: الخيل الكرام، قيل هي التي تنزع إلى أوطانها. مسألة [135] يجوز اسقاط الجار قياسًا من أنْ وأَنَّ، نحو: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} [البقرة: 25]، ونحو: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة: 26] الآية أي بأنَّ لهم، ومن أنْ يضرب. وفي محله بها بعد الحذف قولان، فمذهب الخليل أنّه نُصبّ، ومذهب [الكسائي] أنَّهُ جَرَّ، ومذهب سيبويه احتمال الأمرين، وقد استدل المدعي الجر بقوله: [الطويل]. (وما زرتُ ليلى أنْ تكونَ حبيبةً ... إلىَّ ولا دَيْنٍ بها أنا طالبُهُ)

يجر المعطوف على أن يكون /معلم أنه في محل جر/ وقيل لا دليل في ذلك لجواز أن يكون عطفًا على توهم دخول اللام كما قال زهير: [الطويل]. (بدا ليَ أنّي لستُ مُدْرِكَ ما مضَى ... ولا سابقٍ شيئًا إذا كانَ جائيا) /94 ب/ فجّر سابقًا بالعطف على مدرك على توهم دخول الباء عليه، وقوله تكون بمعنى كانت، كما قال: [الكامل]. (وآنضحْ جوانبَ قبرهِ بدمائها ... فلقد يكون أخَادَمٍ وذبائحِ) وقوله: بها متعلّق بـ (طالبه)، والباء بمعنى من، وجملة (أنا طالبه)، صفة لدين. وهذا البيت للفرزدق من كلمة يمدح فيها المطلّب بن عبد الله المخزومي، أولها: (تقول ابنة الغوشي مالك ها هنا ... أنت تميمي مع الشرق جانبه) (فقلت لها الحاجات يطرحن بالفتى ... وهم تعناني معنى ركائبه) وبعده: (ولكن أتينا حندفيًا كأنَّه ... هلالُ غيومٍ زالَ عنهُ سحائبهُ)

شواهد باب التنازع

شواهد باب التنازع مسألة [136] كما يتنازع الفعلان نحو: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف:96]، يتنازع الاسمان كقوله: [الطويل]. (عهدتُ مغيثًا مغنيًا مَنْ أجرتَهُ ... فلم نجدْ إلّا فناءَك موئلا) والاسم والفعل، نحو: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19]. ولا يتنازع عاملان ثانيهما مؤكد لأولهما، كقوله: [الطويل]. (فأينَ إلى أينَ النَّجاهُ ببغلتي ... أتاكِ أتاكِ اللاحقونَ احبسِ أحبسِ) فاللاحقون فاعل بالأول، والثاني لا فاعل له، لأنه لم يؤت به للإسناد،

مسألة [137]

بل لمجرد التوكيد. وقيل بل هو من التنازع. وقيل: اللاحقون فاعل بالاثنين، لا تحادهما لفظًا ومعنىّ كأنَّهما عاملٌ واحدٌ، والصواب الأول. ويرّد الثاني أنَّهُ لم يقل: أتوك أتاك، ولا أتاك أتوك. ولو كان من التنازع لأعمل أحدهما فيه، والآخر في ضميره. ويردّ الثاني أنَّ الحكمَ الثابتَ للأول باستقلاله، فكيف يجعل جزء عامل بعد ما استقرَّ له أنَّهُ عاملٌ تامٌّ، وقوله: و (أين) متعلق بمحذوف، أي: فأين تذهب؟ وهو استفهام انكار، أي لا مذهب لك. ومثله: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير:26]. وإلى أين خبر مقدم. والنَّجاه: الإسراع، وهو مبتدأ، وبغلتي متعلق به و [...]. مسألة [137] إذا أعمل الثاني، واحتاج الأول إلى منصوب، فإن كان متصلاً وجب اسقاطه، كضربتُ وضرَبني زيدٌ. ولا يجوز ضربته إلّا في الضرورة، كقوله: [الطويل]. (إذا كنتَ تُرضيهِ ويُرضيكَ صاحبٌ ... جهارًا فكُنْ في الغيبِ أحفظَ للسرِّ)

وإن كان عمدة وجب اضماره كظنَّني وظّنْنتُ زيدًا قائمًا أنا، وإن احتاج إلى مرفوع، فقال الكسائي: يجبُ حذفُه. وقال البصريون: يجبُ اضمارُه في محلّهِ. وقال الفراء: إنْ كان العاملان /95 آ/ طالبين لمرفوع وتعاطفا بالواو فالعمل لهما جميعًا كقام وقعد أخواك، وإلّا أضمر المرفوع مؤخرًا عن المتنازع، كقامَ وضربتُ أخويك هما، والصحيح قول البصريين إنَّهُ يضمر في محله بدليل قوله: [الطويل]. (وكُمْتًا مدمّاة كأنَّ متونَها ... جرى فوقَها واستثعرْت لونُ مُذْهبِ) وقوله: [الطويل]. (جَفوني ولم أجفُ الأخلاءَ إنَّني ... لغيرِ جميلٍ مِنْ خليليَّ مُهْمِلُ) وقوله: [البسيط]. (هوْيَننِي وهويتْ الغانيات ... إلى أنْ ثبتُ فانصرفتْ عَنْهُنَّ آمالي)

§1/1