تخريج الفروع على الأصول

الزَّنْجاني، أبو المناقب

الْحَمد لله الَّذِي أودع أسرار الهيبة صُدُور أوليائه وَخص بلطائف حكمته المصطفين من علمائه وَالصَّلَاة على خيرته من خلقه مُحَمَّد سيد أنبيائه صَلَاة دائمة دوَام أرضه وسمائه وَبعد فَإِن الْوَاجِب على كل خائض فِي علم من الْعُلُوم أَن يُحِيط علما كليا بموضوع ذَلِك الْعلم وغايته الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا ليجد من نَفسه باعثا على النّظر فِيهِ وموضوع علم الْفِقْه هُوَ أَفعَال الْعباد وَحَقِيقَته تهذيبات دينية وسياسات شَرْعِيَّة شرعت لمصَالح الْعباد إِمَّا فِي معادهم كأبواب الْعِبَادَات أَو فِي معاشهم كأبواب الْبياعَات والمناكحات وَأَحْكَام الْجِنَايَات وَهُوَ الْمَقْصد الْأَقْصَى فِي إبتعاث

الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَإِنَّهُم لم يبعثوا إِلَّا لتعريف الْعباد أَحْكَام هَذِه الْأَفْعَال من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَالْمَكْرُوه والمباح ليتوصلوا بتهذيبها إِلَى الْعلم بِاللَّه تَعَالَى وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله والأدلة الَّتِي يُسْتَفَاد بهَا هَذِه الْأَحْكَام هِيَ الَّتِي تسمى أصُول الْفِقْه ثمَّ لَا يخفى عَلَيْك أَن الْفُرُوع إِنَّمَا تبنى على الْأُصُول وَأَن من لَا يفهم كَيْفيَّة الاستنباط وَلَا يَهْتَدِي إِلَى وَجه الارتباط بَين أَحْكَام الْفُرُوع وأداتها الَّتِي هِيَ أصُول الْفِقْه لَا يَتَّسِع لَهُ المجال وَلَا يُمكنهُ التَّفْرِيع عَلَيْهَا بِحَال فَإِن الْمسَائِل الفرعية على أتساعها وَبعد غاياتها لَهَا أصُول مَعْلُومَة وأوضاع منظومة وَمن لم يعرف أُصُولهَا لم يحط بهَا علما وَحَيْثُ لم أر أحدا من الْعلمَاء الماضين وَالْفُقَهَاء الْمُتَقَدِّمين تصدى لحيازة هَذَا الْمَقْصُود بل اسْتَقل عُلَمَاء الْأُصُول بِذكر الْأُصُول الْمُجَرَّدَة

وعلماء الْفُرُوع بِنَقْل الْمسَائِل المبددة من غير تَنْبِيه على كَيْفيَّة استنادها إِلَى تِلْكَ الْأُصُول أَحْبَبْت أَن أتحف ذَوي التَّحْقِيق من المناظرين بِمَا يسر الناظرين فحررت هَذَا الْكتاب كاشفا عَن النبأ الْيَقِين فذللت فِيهِ مبَاحث الْمُجْتَهدين وشفيت غليل المسترشدين فَبَدَأت بِالْمَسْأَلَة الْأُصُولِيَّة الَّتِي ترد إِلَيْهَا الْفُرُوع فِي كل قَاعِدَة وضمنتها ذكر الْحجَّة الْأُصُولِيَّة من الْجَانِبَيْنِ ثمَّ رددت الْفُرُوع الناشئة مِنْهَا إِلَيْهَا فَتحَرَّر الْكتاب مَعَ صغر حجمه حاويا لقواعد الْأُصُول جَامعا لقوانين الْفُرُوع واقتصرت على ذكر الْمسَائِل الَّتِي تشْتَمل عَلَيْهَا تعاليق الْخلاف روما للاختصار وَجعلت مَا ذكرته أنموذجا لما لم أذكرهُ ودليلا على الَّذِي لَا ترَاهُ من الَّذِي ترى ووسمته بتخريج الْفُرُوع على الْأُصُول تطبيقا للاسم على الْمَعْنى وَتَقَرَّبت بِهِ إِلَى من

توالت عَليّ نعمه وتواترت لدي مننه افتخارا بولائه واستظلالا بفنائه أَعنِي الْمولى الصاحب الْكَبِير الْعَالم الْعَادِل الْمُؤَيد المظفر الْمَنْصُور ولي النعم مؤيد الدّين مهد الْإِسْلَام اخْتِيَار الإِمَام افتخار الْأَنَام سديد الدولة جلال الْملَّة المعظمة صفي الْإِمَامَة المكرمة تَاج الْمُلُوك والسلاطين شرف الحضرتين ذَا الريا سِتِّينَ أَبَا الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن عبد الْكَرِيم أَمِين أَمِير الْمُؤمنِينَ إحْيَاء لمعالم الدّين وإبقاء لجميل ذكره فِي الْعَالمين وَلست أطمع فِي الْقيام بشكر أياديه وَلَا بعض مَا أولانيه لكنه طوق الْمُجْتَهد ووسع المعتضد ... فَمَا تكلّف نفس فَوق طاقتها ... وَلَا تجود يَد إِلَّا بِمَا تَجِد ... أمتعه الله تَعَالَى بدوام دولة الْمُتَّقِينَ ونائب رب الْعَالمين المتمسك بِحَبل الله المتين سيدنَا ومولانا الإِمَام النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أعز الله بِهِ الدُّنْيَا وَالدّين وَنصر الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين بخلود أَيَّامهَا وَنشر فِي الْآفَاق ألويتها المنشورة وأعلامها وأنفذ فِي الْمَشَارِق والمغارب أوامرها المطاعة وأحكامها وظفرها بالباغي والمطالب

وخلدها تخليد الْكَوَاكِب مَا وخدت قلُوص بِرَاكِب بمنة وجوده وَالله الْمُوفق

مسألة

= كتاب الطَّهَارَة = مَسْأَلَة 1 ذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وجماهير أهل السّنة إِلَى أَن الطَّهَارَة والنجاسة وَسَائِر الْمعَانِي الشَّرْعِيَّة كالرق وَالْملك وَالْعِتْق وَالْحريَّة وَسَائِر الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة ككون الْمحل طَاهِرا أَو نجسا وَكَون الشَّخْص حرا أَو مَمْلُوكا مرقوقا لَيست من صِفَات الْأَعْيَان المنسوبة إِلَيْهَا بل أثبتها الله تحكما وتعبدا غير معللة لَا راد لقضائه وَلَا معقب لحكمه لَا يسال عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون وَلَا تصل آراؤنا الكليلة وعقولنا الضعيفة وأفكارنا القاصرة إِلَى الْوُقُوف على حقائقها وَمَا يتَعَلَّق بهَا من مصَالح الْعباد فَذَلِك حَاصِل ضمنا

وتبعا لَا أصلا ومقصودا إِذْ لَيست الْمصلحَة وَاجِبَة الْحُصُول فِي حكمه وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الله تَعَالَى إِذا جَازَ أَن يُعَاقب الْكَافِر على كفره وَالْفَاسِق على فسقه وَلَا مصلحَة لأحد فِيهِ جَازَ أَن يشرع الشَّرَائِع وَإِن تعلق بهَا مفْسدَة وَلَا يتَعَلَّق بهَا مصلحَة لأحد وَلذَلِك الله تَعَالَى كلف الْإِنْسَان مَا لَيْسَ فِي وَسعه فَقَالَ تَعَالَى {فَأتوا بِعشر سور مثله مفتريات} {فَأتوا بِسُورَة مثله} وَقَالَ للْمَلَائكَة {أنبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين} وكل ذَلِك تَكْلِيف للْإنْسَان مَا لَيْسَ فِي وَسعه وَذَلِكَ ضَرَر لَا مصلحَة فِيهِ وسر هَذِه الْقَاعِدَة أَن الله تَعَالَى مَالك الْملك وخالق الْخلق

يتَصَرَّف فِي عباده كَيفَ يَشَاء وَلَا كَذَلِك الْوَاحِد منا فَإِنَّهُ إِذا أضرّ بِغَيْرِهِ كَانَ متصرفا فِي ملك الْغَيْر بِالضَّرَرِ وَذَلِكَ ظلم وعدوان وَذهب المنتمون إِلَى أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ من عُلَمَاء الْأُصُول إِلَى أَن الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة صِفَات للمحال والأعيان المنسوبة إِلَيْهَا أثبتها الله تَعَالَى وشرعها معللة بمصالح الْعباد لَا غير كَمَا أَن الْحسن والقبح وَالْوُجُوب والحظر وَالنَّدْب وَالْكَرَاهَة وَالْإِبَاحَة من صِفَات الْأَفْعَال الَّتِي تُضَاف إِلَيْهَا غير أَنهم قسموا أَحْكَام الْأَفْعَال إِلَى مَا يعرف بِمُجَرَّد الْعقل والى مَا يعرف بأدلة الشَّرْع على مَا سَيَأْتِي أما أَحْكَام الْأَعْيَان فقد اتَّفقُوا على أَنَّهَا كلهَا تعرف بأدلة شَرْعِيَّة وَلَا تعرف بِمُجَرَّد الْعقل وَأَنَّهَا كلهَا تثبت بِإِثْبَات الله تَعَالَى

وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِقِيَاس الشَّاهِد على الْغَائِب بِنَاء على قَاعِدَة التحسين والتقبيح وَزَعَمُوا أَن شرع الحكم لَا لمصْلحَة عَبث وسفه والعبث قَبِيح عقلا وَهُوَ كإقدام الرجل اللبيب على كيل المَاء من بَحر إِلَى بَحر فَإِنَّهُ يقبح مِنْهُ ذَلِك وَيسْتَحق الذَّم عَلَيْهِ وَإِذا تمهدت هَذِه الْقَاعِدَة فَنَقُول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ رأى أَن التَّعَبُّد فِي الْأَحْكَام هُوَ الأَصْل غلب احْتِمَال التَّعَبُّد وَبني مسَائِله فِي الْفُرُوع عَلَيْهِ وَأَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ رأى أَن التَّعْلِيل هُوَ الأَصْل بنى مسَائِله فِي الْفُرُوع عَلَيْهِ فتفرع عَن الْأَصْلَيْنِ الْمَذْكُورين مسَائِل مِنْهَا أَن المَاء يتَعَيَّن لإِزَالَة النَّجَاسَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَا يلْحق غَيره بِهِ تَغْلِيبًا للتعبد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ يلْحق بِهِ كل مَائِع طَاهِر مزيل للعين والأثر تَغْلِيبًا للتَّعْلِيل

وَمِنْهَا أَن المَاء الْمُتَغَيّر بالطاهرات كالزعفران والأشنان إِذا تفاحش تغيره لم يجز التوضي بِهِ عِنْد الشَّافِعِي رض بِنَاء على الأَصْل الْمَذْكُور فَإِنَّهُ تعبد بِاسْتِعْمَال المَاء بالِاتِّفَاقِ والميع اسْم المَاء وَهَذَا لَا ينْدَرج تَحت اسْم الْمُطلق وَمِنْهَا أَن التوضي بنبيذ التَّمْر عِنْد عدم المَاء فِي السّفر مُمْتَنع عندنَا وَعِنْده جَائِز

وَمِنْهَا أَن جلد الْكَلْب لَا يطهر بالدباغ عِنْد الشَّافِعِي رض تَغْلِيبًا للتعبد بترجيح الاجتناب على الإقتراب وَعِنْدهم يطهر تشوقا إِلَى التَّعْلِيل وَمِنْهَا أَن ذَكَاة مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه لَا يُفِيد طَهَارَة الْجلد عندنَا مُرَاعَاة للتعبد كَمَا فِي ذَكَاة الْمَجُوس ونجاسة اللَّحْم من هَذَا الذَّبِيح وَعِنْدهم يطهر تشوقا إِلَى تَعْلِيل الطَّهَارَة بسفح الدَّم والرطوبات المتعفنة

وَمِنْهَا أَنه يتَعَيَّن لَفْظَة التَّكْبِير فِي افْتِتَاح الصَّلَاة عندنَا وَلَا يقوم مَا فِي مَعْنَاهَا مقَامهَا وَيتَعَيَّن لَفْظَة التَّسْلِيم فِي اختتامها وَلَا يقوم مَا فِي مَعْنَاهَا مقَامهَا وَعِنْده يقوم وَمِنْهَا أَن غير الْفَاتِحَة لَا يقوم مقَامهَا فِي الصَّلَاة عندنَا لاحْتِمَال التَّعَبُّد بالإعجاز اللَّفْظِيّ والمعنوي وَعِنْده يقوم مقَامهَا تعويلا على الْمَعْنى

وَمِنْهَا أَنه يمْتَنع الْإِبْدَال فِي بَاب الزكوات وَلَا يُجزئ إِخْرَاج الْقيم عندنَا لظُهُور احْتِمَال التَّعَبُّد بالتشريك بَين الْفُقَرَاء والأغنياء فِي جنس المَال وَعِنْدهم يُجزئ وَمِنْهَا أَن تَخْلِيل الْخمر حرَام والخل الْحَاصِل مِنْهُ نجس عندنَا تغليضا لِلْأَمْرِ فِيهَا

وَعِنْدهم جَائِز والخل الْحَاصِل مِنْهُ طَاهِر تعليلا بِزَوَال عِلّة النَّجَاسَة كَمَا فِي الدّباغ وَمِنْهَا أَن التغذية والتعشية فِي الْكَفَّارَات لَا تُجزئ عندنَا بل يجب صرف الطَّعَام إِلَى الْمَسَاكِين وَمِنْهَا انه يجب اسْتِيعَاب الْعدَد عندنَا وَصرف الطَّعَام إِلَى الْمَسَاكِين وَعِنْدهم يجوز صرفه إِلَى مِسْكين وَاحِد سِتُّونَ يَوْمًا أَو عشرَة أَيَّام فِي كَفَّارَة الْيَمين

مسألة

مَسْأَلَة 2 الْعلَّة القاصرة صَحِيحَة عندنَا بَاطِلَة عِنْد أبي حنيفَة رض وساعدونا فِي الْعلَّة المنصوصة وَهِي من الْمسَائِل اللفظية فِي علم الْأُصُول فان معنى صِحَّتهَا صلاحيتها لإضافة الحكم إِلَيْهَا وَهَذَا مُسلم عِنْد الْخصم وَمعنى فَسَادهَا عدم اطرادها وَهُوَ مُسلم عندنَا وَقَوْلهمْ لَا فَائِدَة فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تثبت حكما فِي غير مَحل النَّص وَقد استغني عَنْهَا فِي مَحل النَّص بَاطِل لأَنا نقُول كَمَا أَن المتعدية وَسِيلَة إِلَى إِثْبَات الحكم فالقاصرة وَسِيلَة إِلَى نَفْيه وَكِلَاهُمَا مقصودان فان إِثْبَات الحكم فِي مَحل النَّفْي مَحْذُور كَمَا أَن نَفْيه فِي مَحل الْإِثْبَات مَحْذُور ثمَّ تولد من هَذَا النّظر مَسْأَلَة أُخْرَى لفظية فِي الْأُصُول أفردها

الأصوليون بِالنّظرِ وَهِي أَن الحكم فِي مَحل النَّص يُضَاف إِلَى النَّص أَو الْعلَّة قَالَ الشَّافِعِي رض تُضَاف إِلَى النَّص وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تُضَاف إِلَى الْعلَّة يتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْخَارِج من غير السَّبِيلَيْنِ لَا ينْقض الْوضُوء عِنْد الشَّافِعِي رض فَإِن الْعلَّة فِيهِ مَقْصُورَة على مَحل النَّص وَهُوَ خُرُوج الْخَارِج من المسلك الْمُعْتَاد وَعِنْده ينْقض فَإِن الْعلَّة فِي الأَصْل خُرُوج النَّجَاسَة من بدن الْآدَمِيّ وَمِنْهَا الْإِفْطَار بِالْأَكْلِ وَالشرب فِي نَهَار رَمَضَان فَإِنَّهُ لَا

يُوجب الْكَفَّارَة عندنَا لِأَن الْعلَّة فِيهِ خُصُوص الْجِمَاع وَعِنْده عُمُوم الْإِفْسَاد وَمِنْهَا أَن عِلّة تَحْرِيم الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ الثمينة المختصة بهما وَعِنْده الْوَزْن مَعَ الجنسية وَمِنْهَا أَن عِلّة وجوب نَفَقَة الْقَرِيب البعضية المختصة بالوالدين والمولودين وَعِنْده عُمُوم الرَّحِم وفسروا الرَّحِم الْمحرم بِأَن كل شَخْصَيْنِ لَو كَانَ أَحدهمَا ذكرا وَالْآخر أُنْثَى حرم عَلَيْهِ نِكَاحه فَإِنَّهُ يسْتَحق النَّفَقَة

مسألة

مَسْأَلَة 3 الزِّيَادَة على النَّص لَيست نسخا عندنَا وَذهب أَبُو حنيفَة رض إِلَى أَنَّهَا نسخ فَلَا تجوز إِلَّا بِمَا يجوز النّسخ بِهِ وَاعْلَم أَن هَذِه الْمَسْأَلَة أَيْضا من الْمسَائِل اللفظية فِي الْأُصُول فان الْخلاف فِيهَا مَبْنِيّ على الْخلاف فِي حَقِيقَة النّسخ وَمَا هيته فحقيقة النّسخ عندنَا رفع الحكم الثَّابِت وَعِنْدهم هُوَ بَيَان لمُدَّة الحكم فان صَحَّ تَفْسِير النّسخ بِالْبَيَانِ صَحَّ قَوْلهم أَن الزِّيَادَة على النَّص نسخ من حَيْثُ أَنَّهَا بَيَان لكمية الْعِبَادَة أَو كيفيتها وان صَحَّ تَفْسِيره بِالرَّفْع لم تكن الزِّيَادَة نسخا وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل

مِنْهَا أَن النِّيَّة وَاجِبَة فِي الْوضُوء عندنَا لِأَن أشتراطها لَا يُوجب نسخا وَعِنْدهم لَا تجب لِأَن الله تَعَالَى ذكر غسل الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة فِي الْوضُوء وَلم يذكر النِّيَّة فَمن أوجبهَا فقد زَاد على النَّص وَمِنْهَا أَن التَّغْرِيب يشرع مَعَ الْجلد عندنَا وَعِنْدهم لَا يشرع لِأَن الله تَعَالَى ذكر الْجلد وَلم يذكر التَّغْرِيب فَمن أوجبه فقد زَاد على النَّص وَالزِّيَادَة على النَّص

نسخ وَمِنْهَا أَن الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين جَائِز عندنَا للْأَخْبَار والْآثَار الْوَارِدَة فِيهِ وَعِنْدهم لَا يجوز لِأَن الله تَعَالَى ذكر الرجلَيْن وَالرجل والمرأتين وَلم يذكر الشَّاهِد وَالْيَمِين فَمن عمل بهما فقد زَاد على النَّص

مسألة

مَسْأَلَة 4 ذهب أَصْحَاب الشَّافِعِي رض إِلَى إِن حرف الْوَاو الناسقة للتَّرْتِيب وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الْعَرَب من عَادَتهَا أَن تبدأ بالأهم فالأهم وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ابدؤوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ حَيْثُ سُئِلَ عَن الْبِدَايَة فِي قَوْله تَعَالَى {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} وَعَن عمر رض أَنه سمع شَاعِرًا يَقُول كفى الشيب وَالْإِسْلَام

للمرء ناهيا فَقَالَ عمر بن الْخطاب رض لَو قدمت الْإِسْلَام على الشيب لأجزتك وَهَذَا يدل على إِن التَّأْخِير فِي اللَّفْظ يدل على التَّأْخِير فِي الرُّتْبَة قَالُوا وَيدل على التَّرْتِيب مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا لَو قَالَ فِي مرض مَوته سَالم حر وغانم وَكَانَ سَالم مِقْدَار الثُّلُث اقْتصر الْعتْق عَلَيْهِ دون غَانِم وَلَو كَانَت للْجمع لَو حب أَن يعْتق مِقْدَار الثُّلُث مِنْهُمَا جَمِيعًا الثَّانِيَة قَالُوا لَو قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق فَإِنَّهُ لَا يَقع إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة وَلَو كَانَت للْجمع لطلقت ثَلَاثًا كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا أَو طَلْقَتَيْنِ وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رَحِمهم الله إِلَى أَنَّهَا للاشتراك الْمُطلق

من غير تعرض للْجمع وَالتَّرْتِيب وَالْمَشْهُور فِي تعاليق الْفِقْه عَن أبي حنيفَة رض أَنَّهَا للْجمع وَلَيْسَ ذَلِك صَحِيحا فِي النَّقْل عَنهُ وَإِنَّمَا ذهب إِلَيْهِ مَالك رَحمَه الله حَتَّى قضى بِوُقُوع الطَّلَاق الثَّلَاث قبل الدُّخُول فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة وَاحْتج أَبُو حنيفَة رَحمَه الله على اقْتِضَاء الِاشْتِرَاك دون التَّرْتِيب بِدُخُولِهَا فِي بَاب التفاعل تَقول تضارب زيد وَعَمْرو فانه يدل على الْجمع الْمُطلق دون التَّرْتِيب وَلِهَذَا لَا يَصح أَن يُقَال تضارب زيد ثمَّ عَمْرو قَالُوا وَلِأَن قَول الْقَائِل رَأَيْت زيدا وعمرا وَلَا يَقْتَضِي ترتيبا فِي وضع اللِّسَان وَلَا يفهم مِنْهُ ذَلِك وَيدل عَلَيْهِ من طَرِيق النَّقْل قَوْله تَعَالَى {وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة} ثمَّ قَالَ فِي سُورَة

الْأَعْرَاف {وَقُولُوا حطة وادخلوا الْبَاب سجدا} والقصة وَاحِدَة وَلَوْلَا إِن الْوَاو لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيب لما جَازَ ذَلِك وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَا مَرْيَم اقنتي لِرَبِّك واسجدي واركعي مَعَ الراكعين} وَالرُّكُوع مقدم على السُّجُود وَقَالَ الشَّاعِر سقيت الْقَوْم مِنْهُ استقيت والسقي بعد الاستقاء وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن التَّرْتِيب مُسْتَحقّ فِي أَفعَال الْوضُوء عِنْد الشَّافِعِي رض تمسكا بقوله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ} وَلَا يسْتَحق عِنْدهم لما ذكرنَا

الثَّانِيَة أَن الْبِدَايَة بالسعي بالصفا دون الْمَرْوَة وَاجِب عندنَا فَلَو ترك التَّرْتِيب لَا يجْزِيه وَعِنْدهم يُجزئهُ

مسألة

مَسْأَلَة 5 إِذا أَمر الْمُكَلف بِفعل أَجزَأَهُ من ذَلِك مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ وَلَا يجب فعل كل مَا يتَنَاوَلهُ عِنْد الشَّافِعِي رض وأحتج فِي ذَلِك بِأَن الْأَقَل مستيقن وَالزِّيَادَة مَشْكُوك فِيهَا فَلَا يجب من غير دَلِيل وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة وَطَائِفَة من عُلَمَاء الْأُصُول إِلَى أَنه لَا يجْزِيه فعل مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم بل لَا بُد من فعل كل مَا يتَنَاوَلهُ أُسَمِّهِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الِاسْم ينْطَلق على الْكل حَقِيقَة وعَلى الْبَعْض مجَازًا وَالْكَلَام يحمل على الْحَقِيقَة عِنْد الْإِطْلَاق إِلَى أَن يقوم دَلِيل الْمجَاز وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن قَوْله تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} لَا

يُوجب الْمَضْمَضَة والإستنشاق فِي طَهَارَة الْغسْل عندنَا لِأَنَّهُ يُسمى متطهرا بدونهما وَمَا زَاد على مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الطَّهَارَة لَا نوجبه بِالْآيَةِ بل بِدَلِيل آخر وَعِنْدهم يجبان لِأَنَّهُ لايكون متطهرا طَهَارَة كَامِلَة بدونهما وَمِنْهَا مسح الرَّأْس لَا يتَقَدَّر عندنَا بل يكْتَفى بِمَا يُطلق عَلَيْهِ الِاسْم وَهُوَ الْأَقَل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يتَقَدَّر بِمِقْدَار الناصية

وَمِنْهَا أَن الْمحرم إِذا لبس الْمخيط يلْزمه الْفِدْيَة وَإِن لم يستدم وَعِنْدهم لَا يلْزمه مَا لم يستدم يَوْمًا أَو لَيْلَة وَلَا يشترطون جمع الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَمِنْهَا أَنه لَو نذر هَديا مُطلقًا يجْزِيه مَا يُطلق عَلَيْهِ الِاسْم عندنَا وَعِنْدهم لَا يجْزِيه بل يلْزمه من النعم مَا يجوز أَن يكون أضْحِية وَهُوَ الثني من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم والجذع من الضَّأْن فَأن أهْدى

مَا لَا يجوز أضْحِية لم يُجزئهُ وَمِنْهَا أَن الرجل إِذا أقرّ بِمَال عَظِيم قبل تَفْسِيره بِأَقَلّ مَا يتمول وَعِنْده يلْزمه نِصَاب زكوي وَلَا يحط عَنهُ

مسألة

مَسْأَلَة 6 خبر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى مَقْبُول عِنْد الشَّافِعِي رض وأحتج فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم} وَرُجُوع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم إِلَى قَول عَائِشَة رض فِي التقاء الختانين // هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة عَائِشَة مَعَ أَن ذَلِك مِمَّا تعم بِهِ الْبلوى

وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا يقبل وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن قَالَ مَا تعم بِهِ الْبلوى يكثر وُقُوعه فيكثر السُّؤَال عَنهُ وَمَا يكثر السُّؤَال عَنهُ يكثر الْجَواب عَنهُ فَيَقَع التحدث بِهِ

كثيرا وينقل نقلا مستفيضا ذائعا فَإِذا لم ينْقل مثله دلّ ذَلِك على فَسَاد أَصله وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن مس الذّكر ينْقض الْوضُوء عندنَا لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ

وَعِنْدهم لَا ينْقض لِأَن الإعتماد فِيهِ على بسرة بنت صَفْوَان وَلم يتواتر وَمِنْهَا أَن أَحَادِيث الْجَهْر بِالتَّسْمِيَةِ مَقْبُولَة عندنَا

وَعِنْدهم لَا تقبل لعُمُوم الْبلوى بهَا وَمِنْهَا أَن الْمُنْفَرد بِرُؤْيَة الْهلَال إِذا كَانَت السَّمَاء مصحية تقبل شَهَادَته عندنَا وَعِنْدهم لَا تقبل شَهَادَته لعُمُوم الْبلوى وتوافر الدَّوَاعِي على رِوَايَته وَالْجد فِي طلبه وَمِنْهَا أَن خِيَار الْمجْلس يثبت فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات عندنَا تعويلا على حَدِيث عبد الله بن عمر

وَعِنْدهم لَا يثبت لعُمُوم الْبلوى بِهِ

مسألة

مَسْأَلَة 7 إِذا دَار اللَّفْظ بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز جَازَ أَن يكون كِلَاهُمَا مرَادا عِنْد الشَّافِعِي رض وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن كل وَاحِد من الْمَعْنيين جَائِز أَن يكون مرَادا بِاللَّفْظِ حَالَة الِانْفِرَاد فَجَاز أَن يكون مرَادا بِهِ حَالَة الِاجْتِمَاع كَلَفْظِ الجون واللون وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجوز إِرَادَة الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فِي حَالَة وَاحِدَة بل إِذا صَارَت الْحَقِيقَة مُرَادة خرج الْمجَاز عَن كَونه مرَادا وَإِذا صَار الْمجَاز مرَادا خرجت الْحَقِيقَة عَن كَونهَا مُرَادة وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن حد الْحَقِيقَة اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِيمَا وضع لَهُ وَالْمجَاز على الضِّدّ مِنْهُ ويستحيل إِرَادَة الشَّيْء وضده بِلَفْظ وَاحِد

فِي حَالَة وَاحِدَة وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن لمس الْمَرْأَة يُوجب انتفاض الطَّهَارَة عِنْد الشَّافِعِي رض وَعند أبي حنيفَة رض لَا يُوجب لِأَن اللَّمْس مجَاز عَن الْجِمَاع فِي قَوْله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} وَالْجِمَاع مُرَاد بِاتِّفَاق حَتَّى صَار حَدثا فَلَا تبقى الْحَقِيقَة مَعَه مُرَادة وَمِنْهَا أَن شرب النَّبِيذ الْمُسكر مُوجب للحد عِنْد الشَّافِعِي رض كَالْخمرِ وَغير مُوجب عِنْد أبي حنيفَة رض لِأَن النَّص ورد

بِإِيجَاب الْحَد بِشرب الْخمر وَالْخمر اسْم للنيئ من مَاء الْعِنَب حَقِيقَة وَإِنَّمَا سمي سَائِر الْأَشْرِبَة خمرًا مجَازًا لاتصال بَين النيئ من مَاء الْعِنَب وَسَائِر الْأَشْرِبَة فِي الْمَعْنى فقد اتفقنا على أَن الْحَقِيقَة مُرَادة بِالنَّصِّ فَلَا يكون الْمجَاز مرَادا مَعهَا وَمِنْهَا أَنه إِذا قَالَ لأمته أَنْت طَالِق وَنوى بِهِ الْعتْق عتقت عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن لفظ الطَّلَاق حَقِيقَة فِي إِزَالَة قيد النِّكَاح مجَاز فِي إِزَالَة ملك الْيَمين فَيعْتَبر فِي مجازه كَمَا يعْتَبر فِي حَقِيقَته وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يعْتق لِأَن اللَّفْظ عمل بِهِ فِي حَقِيقَته فَلَا يعْمل بِهِ فِي مجازه

مسائل التيمم

مسَائِل التَّيَمُّم مَسْأَلَة 1 كلمة من للتَّبْعِيض عِنْد الشَّافِعِي رض كَقَوْل الْقَائِل أكلت من الطَّعَام وَأخذت من المَال وَيُرِيد بِهِ الْبَعْض وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض هِيَ لابتداء الْغَايَة كَقَوْلِك سرت من الْكُوفَة إِلَى الْبَصْرَة أَي كَانَ ابْتِدَاء مسيري من الْكُوفَة والمعنيان أصليان فِيهَا إِلَّا إِن اسْتِعْمَالهَا للتَّبْعِيض أشهر وَأكْثر وَيتَفَرَّع عَلَيْهِ أَن الْمُتَيَمم يجب عَلَيْهِ نقل الصَّعِيد إِلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن كلمة من اقْتَضَت التَّبْعِيض عِنْده فِي قَوْله

تَعَالَى {فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} وَالظَّاهِر فِي مَظَنَّة التَّعَبُّد نَص فلابد وان ينْقل بعض أَجزَاء الصَّعِيد إِلَى وَجهه وَيَديه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لايجب النَّقْل بل الْوَاجِب أَن يَبْتَدِئ الْمسْح من الأَرْض حَتَّى لَو مسح بيدَيْهِ على صَخْرَة صماء أَو حجر صلد لَا غُبَار عَلَيْهِمَا كَفاهُ لِأَنَّهُ قد بدا من الأَرْض وَلَو مسح على الْحَيَوَان والنبات لَا يَكْفِيهِ

مسألة

مَسْأَلَة 2 اسْتِصْحَاب الْحَال فِي الْإِجْمَاع الْمُتَقَدّم بعد وُقُوع الْخلاف حجَّة عِنْد الشَّافِعِي رض وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْإِجْمَاع يجْزم الْخلاف فيستحيل أَن يَقع الْخلاف وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا حجَّة فِيهِ وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن مَوضِع الْخلاف غير مَوضِع الْوِفَاق لِاسْتِحَالَة أَن يَخْتَلِفُوا فِي الْموضع الَّذِي اتَّفقُوا عَلَيْهِ فَلَا يكون الْإِجْمَاع حجَّة فِي الْمَوْضُوع الَّذِي لَا إِجْمَاع فِيهِ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْمُتَيَمم إِذا رأى المَاء فِي أثْنَاء صلَاته لَا تبطل صلَاته

عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن الْإِجْمَاع قد انْعَقَد على صلَاته حَالَة الشُّرُوع وَالدَّلِيل الدَّال على صِحَة الشُّرُوع دَال على دَوَامه إِلَّا أَن يقوم دَلِيل الإنقطاع وَتبطل عِنْد أبي حنيفَة رض وَلَا اعْتِبَار بِالْإِجْمَاع على صِحَة صلَاته قبل رُؤْيَة المَاء فان الْإِجْمَاع انْعَقَد حَالَة الْعَدَم لَا حَالَة الْوُجُود وَمن أَرَادَ إِلْحَاق الْعَدَم بالوجود فَعَلَيهِ الدَّلِيل

مسألة

مَسْأَلَة 3 ذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن مُطلق الْأَمر يَقْتَضِي التّكْرَار واليه ذهب طَائِفَة من الْعلمَاء

وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن قَول الْقَائِل افْعَل أَمر بإيجاد جنس الْفِعْل فانه لَو صرح بذلك وَقَالَ أوجد الضَّرْب كَانَ ذَلِك صَحِيحا وَاسم الْجِنْس يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاق وَهَذَا الْمَعْنى لَا يثنى وَلَا يجمع فَيتَنَاوَل أعدادا من الْفِعْل لَا نِهَايَة لَهَا فان الْجِنْس متناول للوجود الْكَائِن وَالَّذِي يكَاد إِن سَيكون إِلَى قيام السَّاعَة فَلَا جرم نقُول يجب عَلَيْهِ إتْيَان مَا قدر عَلَيْهِ فان عجز سقط لَا لِأَنَّهُ من مُقْتَضى الصِّيغَة بل لعَجزه وَذهب الْحَنَفِيَّة إِلَى أَنه لَا يَقْتَضِي التّكْرَار وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن التّكْرَار معنى زَائِد على الْفِعْل لِأَن مُقْتَضى قَوْله

افْعَل أَن يفعل مَا يصير بِهِ فَاعِلا وَهُوَ بالمرة الْوَاحِدَة يصير فَاعِلا على الْحَقِيقَة فمدعي للزِّيَادَة يحْتَاج إِلَى دَلِيل وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَنه لَا يجمع بَين فريضتين بِتَيَمُّم وَاحِد عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن مُقْتَضى قَوْله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ} إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا} إِن كل قَائِم إِلَى الصَّلَاة يُؤمر بِالْغسْلِ بِالْمَاءِ إِن قدر وبالمسح بِالتُّرَابِ إِن عجز والمتيمم فِي الْمَكْتُوبَة الثَّانِيَة قَائِم إِلَى الصَّلَاة مَأْمُور بِالْغسْلِ إِن قدر فَلْيَكُن مَأْمُورا بِالْمَسْحِ إِن عجز هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهر اللَّفْظ إِلَى إِن يسْتَثْنى مِنْهُ مَا يقوم الدَّلِيل عَلَيْهِ وعَلى هَذَا لَا يجوز فعل النَّوَافِل إِن تعيّنت على وَجه

وَمِنْهَا أَنه لَا يجوز التَّيَمُّم لفريضة قبل دُخُول وَقتهَا عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَنَّهُ أَمر بِالْغسْلِ وَالْمسح عِنْد الْقيام إِلَى الصَّلَاة وَالْأَمر عَام غير أَنه ترك الْعَمَل بِهِ فِي الْوضُوء لدَلِيل وَهُوَ انه صَار مَقْصُودا فِي نَفسه حَتَّى تعبدنا فِيهِ بالتكرار والتجديد بِخِلَاف التَّيَمُّم فَيبقى على مُقْتَضى الصِّيغَة وَعِنْده يجوز لما ذَكرْنَاهُ وَمِنْهَا أَن السَّارِق يُؤْتى على أَطْرَافه الْأَرْبَعَة عندنَا عملا بقوله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} فانه أَمر مُقْتَضَاهُ التّكْرَار بِتَكَرُّر السّرقَة وَعِنْدهم لَا يَقْتَضِي التّكْرَار فَلَا يقطع فِي الْمرة الثَّانِيَة وَهَكَذَا إِذا تَكَرَّرت السّرقَة فِي الْعين الْوَاحِدَة يتَكَرَّر الْقطع عندنَا وَعِنْدهم لَا يتَكَرَّر

مسألة

= كتاب الصَّلَاة = مَسْأَلَة 1 ذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن الْمُصِيب وَاحِد فِي المجتهدات الفروعية وَالْحق فِيهَا مُتَعَيّن غير أَن الْإِثْم محطوط عَن الْمُخطئ لغموض الدَّلِيل وخفائه وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْجمع بَين النقيضين المتنافيين وهما الْحل وَالْحُرْمَة وَالصِّحَّة وَالْفساد فِي حق شخص وَاحِد فِي مَحل وَاحِد فِي زمن وَاحِد من بَاب التَّنَاقُض وَنسبَة التَّنَاقُض إِلَى الشَّرْع محَال وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الْحق فِي قَوَاعِد العقائد وَاحِد هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي رض وَقد خَالفه فِيهِ مُعظم أَصْحَابه وَذهب الْحَنَفِيَّة والمعتزلة وَطَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين إِلَى أَن كل مُجْتَهد مُصِيب

وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِإِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَهُوَ مَا نقل عَنْهُم نقلا متواترا أَنهم كَانُوا يَجْتَمعُونَ ويشتورون فِي أَحْكَام الوقائع الْوَاقِعَة وَيُرَاجع بَعضهم بَعْضًا وَيُصلي بَعضهم خلف بعض فِي مُخَالفَته إِيَّاه فِي الْمذَاهب وَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم إِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة يرد السَّائِل إِلَى غَيره ويرشده إِلَيْهِ وَذَلِكَ يدل على أَنهم كَانُوا متوافقين على تعدد المطالب وَأَن كل مُجْتَهد مُصِيب وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن من اشتبهت عَلَيْهِ الْقبْلَة واجتهد وَصلى إِلَى جِهَة غلب على ظَنّه أَنَّهَا جِهَة الْقبْلَة ثمَّ بِأَن لَهُ يَقِين الْخَطَأ يلْزمه الْقَضَاء عِنْد الشَّافِعِي رض لفَوَات الْحق الْمُتَعَيّن الْخَطَأ يَنْفِي الْإِثْم دون الْقَضَاء كَمَا يَنْفِي التأثيم دون التَّضْمِين فِي بَاب الغرامات وَعِنْدهم لَا يلْزمه الْقَضَاء لتصويبه فِيمَا مضى وَأَن بِأَن أَنه خطأ

مسألة

مَسْأَلَة 2 اتّفق الْفَرِيقَانِ على أَن الْحق فِي المجتهدات الفروعية وَاحِد معِين عِنْد الله تَعَالَى وَإِنَّمَا مجَال اجْتِهَاد الْمُجْتَهدين فِي طلب الْأَشْبَه بِالْحَقِّ عِنْد كل وَاحِد مِنْهُمَا وَلَيْسَ عِنْد الله أشبه لِأَن الْأَشْبَه إِنَّمَا يكون فِي حق الْجَاهِل ببواطن الْأُمُور بل إِذا تجاذبت الْوَاقِعَة بَين أصلين تلْحق بأقربهما شبها وَإِنَّمَا يَقع النزاع بعده فِي تعْيين الْأَقْرَب وَالْأَشْبَه إِلَى الأَصْل الْمُتَّفق عَلَيْهِ فِي كل وَاحِدَة من الْجِهَتَيْنِ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا التَّحْقِيق مسَائِل مِنْهَا أَن تَارِك الصَّلَاة مُتَعَمدا إِذا امْتنع عَن قَضَائهَا قتل عِنْد الشَّافِعِي رض وَعِنْده لَا يقتل بل يحبس وَيضْرب

ومثار هَذَا الاخلاف تردد الصَّلَاة بَين مشابهة الْإِيمَان وَسَائِر الْأَركان فَوجه شبهها بِالْإِيمَان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قرنها بِهِ فَقَالَ الصَّلَاة عماد الدّين فَمن تَركهَا فقد هدم الدّين وَقَالَ من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا فقد كفر وامتازت عَن سَائِر الْأَركان بِأَن

لَا تدْخلهَا النِّيَابَة كأصل الْإِيمَان وَالزَّكَاة أَدَاؤُهَا قهرا وَالْحج لَا يجب على الْفَوْر عندنَا وَالصَّوْم تدخله النِّيَابَة فِي الْجُمْلَة وَوجه شبهها بِسَائِر الْأَركان أَن الْإِسْلَام يتم بِدُونِهَا إِجْمَاعًا وَمِنْهَا أَن تعْيين النِّيَّة مُعْتَبر فِي صَوْم رَمَضَان عندنَا وَعِنْدهم لَا يعْتَبر لتردد الصَّوْم بَين الصَّلَاة وَالْحج

وَالشَّافِعِيّ رض يَقُول هُوَ بِالصَّلَاةِ أشبه لِأَنَّهُ عبَادَة بدنية لَا تدْخلهَا النِّيَابَة وَأَبُو حنيفَة رض يَقُول هُوَ بِالْحَجِّ أشبه لاشْتِرَاكهمَا فِي وجوب الْكَفَّارَة بالإفساد وَمِنْهَا أَن لعان العَبْد وَالذِّمِّيّ صَحِيح عِنْد الشَّافِعِي تَغْلِيبًا لمشابهة اللّعان بِالْإِيمَان وَلَا يَصح عِنْدهم تَغْلِيبًا لمشابهته بالشهادات وَصِيغَة اللّعان تشْتَمل على اللَّفْظَيْنِ جَمِيعًا وَمِنْهَا أَن حد الْقَذْف يُورث عندنَا وَيسْقط بِإِسْقَاط الْمُسْتَحق لِأَن الْمُغَلب فِيهِ شَائِبَة حق الْآدَمِيّ بِدَلِيل توقف الِاسْتِيفَاء على مُطَالبَة الْمُسْتَحق وَكَونه لَا يسْقط بِالرُّجُوعِ عَن الْإِقْرَار وَلَا يسْقط عِنْد الْخصم بتقادم الْعَهْد وَيَقْضِي فِيهِ القَاضِي بِعِلْمِهِ وَيثبت بِالشَّهَادَةِ على الشَّهَادَة وَكتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي بِخِلَاف حُقُوق الله تَعَالَى

وَعِنْدهم لَا يُورث وَلَا يسْقط بِإِسْقَاط الْمَقْذُوف لِأَن الْمُغَلب فِيهِ حق الله تَعَالَى بِدَلِيل أَنه ينشطر بِالرّقِّ وَالْحريَّة وَلَا يَقع موقعه إِذا اسْتَوْفَاهُ الْمَقْذُوف وَمِنْهَا أَن الْمولي يُوقف بعد أَرْبَعَة أشهر فَإِن فَاء وَإِلَّا كلف بِالطَّلَاق أَو طلق عَلَيْهِ القَاضِي عندنَا لِأَن الْإِيلَاء بِيَمِين على منع حق عندنَا فَأشبه الْيَمين على منع النَّفَقَة وَعِنْدهم إِذا انْقَضتْ الْمدَّة بَانَتْ بِطَلْقَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ يشبه يَمِين الطَّلَاق من حَيْثُ أَن الطَّلَاق يزِيل الْملك فَيحرم الْوَطْء وَالْيَمِين يحرم الْفِعْل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَجَاز أَن يقوم مقَامه

وَيدل عَلَيْهِ قَول ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ الايلاء طَلَاق الْقَوْم فِي الْجَاهِلِيَّة فَزَاد الشَّرْع فِيهِ آجلا وَمِنْهَا إِن العدتين من رجلَيْنِ لَا تتداخلان عندنَا لِأَن الْمُغَلب فِي الْعدة معنى الْعِبَادَة بِدَلِيل وُجُوبهَا مَعَ تقين بَرَاءَة الرَّحِم وَهُوَ مَا إِذا علق طَلاقهَا بِالْولادَةِ وَبِاعْتِبَار الإقراء الثَّلَاثَة مَعَ حُصُول الِاسْتِبْرَاء بِوَاحِد وَلذَا لَو طلق إِحْدَى امرأتيه وَمَات قبل الْبَيَان فانه يجب الْعدة على كل وَاحِدَة مِنْهُمَا والعبادات لَا تتداخل كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاة وَعِنْدهم تتداخلان لِأَن الْمُغَلب فِيهَا معنى الإستبراء وَذَلِكَ حَاصِل بِوَاحِدَة مِنْهُمَا وَمِنْهَا أَن قيمَة العَبْد تجب بَالِغَة مَا بلغت عندنَا

وَعِنْده ترد إِلَى الْألف وَينْقص لتردد العَبْد بَين النُّفُوس وَالْأَمْوَال وازدحام الْمَعْنيين عَلَيْهِ فالشافعي رض يَقُول هُوَ بِالْمَالِ أشبه من حَيْثُ إِنَّه يُبَاع ويشترى ويرهن وَأَبُو حنيفَة رض يَقُول هُوَ بِالْحرِّ أشبه من حَيْثُ إِنَّه يجب الْقصاص على من قَتله إِن كَانَ عبدا وَتجب الْكَفَّارَة بقتْله وتتوجه نَحوه التكاليف وَالْحُدُود وَهُوَ آدَمِيّ فَكَانَ بالآدمي أشبه وَمِنْهَا أَن جَنِين الْأمة يعْتَبر فِي تقويمه بِأُمِّهِ عندنَا فَيجب فِيهِ عشر قيمَة أمه

وَعِنْدهم يعْتَبر بِنَفسِهِ فَيجب فِيهِ نصف عشر قِيمَته إِن كَانَ ذكرا أَو عشر قِيمَته إِن كَانَ أُنْثَى لإستواء النسبتين إِلَى مَحل النَّص وَهُوَ جَنِين الْحرَّة ومثار هَذَا التَّرَدُّد تعَارض الإشتباه وَهُوَ أَن الْجَنِين فِي حكم عُضْو من أَعْضَاء الْأُم من حَيْثُ إِنَّه يتبعهَا فِي البيع وَالْهِبَة وَالْعِتْق وَالتَّدْبِير وَالْوَصِيَّة وَهُوَ مُنْفَرد بِنَفسِهِ من حَيْثُ إِنَّه يَرث وَيُورث وَتصرف غرته إِلَى ورثته وَلَا تخْتَص باستحقاقها الْأُم بِخِلَاف سَائِر أَجْزَائِهَا فالشافعي رض يرجح إِلْحَاقه بالأجزاء لعسر اعْتِبَاره بِنَفسِهِ وَأَبُو حنيفَة رض يرجح إِفْرَاده بِنَفسِهِ لإعتضاده بالحس والمشاهدة قبل الِاسْتِيفَاء

وَمِنْهَا أَن الْجِزْيَة لَا تسْقط بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْت وَلَا بتداخل السنين عندنَا وَعِنْدهم تسْقط ومثار هَذَا النزاع أَن الْجِزْيَة عندنَا وَجَبت عوضا لسكناهم فِي دَارنَا وعصمتنا إيَّاهُم وذبنا عَنْهُم وَعِنْدهم وَجَبت عُقُوبَة على الْكَافِر بِسَبَب الْكفْر وشأن الْعُقُوبَات التَّدَاخُل والسقوط بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَام

مسألة

مَسْأَلَة 3 الْوَاجِب يَنْقَسِم إِلَى مضيق وموسع عِنْد الشَّافِعِي رض وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْوُجُوب مُسْتَفَاد من الْأَمر وَالْأَمر يتَنَاوَل الْوَقْت وَلم يتَعَرَّض لجزء من أَجْزَائِهِ إِذْ لَو دلّ الْأَمر تَخْصِيصه بِبَعْض أَجزَاء الْوَقْت لَكَانَ ذَلِك غير الْمَسْأَلَة الْمُتَنَازع فِيهَا وَإِذ لم يكن فِي الْأَمر دلَالَة على تَخْصِيص الْفِعْل بِجُزْء من أَجزَاء ذَلِك الْوَقْت وَكَانَ كل جُزْء من أَجزَاء ذَلِك الْوَقْت قَابلا لَهُ وَجب أَن يكون ذَلِك الْأَمر هُوَ إِيجَاب إِيقَاع ذَلِك الْفِعْل فِي أَي جُزْء كَانَ من أَجزَاء ذَلِك الْوَقْت وَأنكر أَصْحَاب أبي حنيفَة رَحِمهم الله التَّوَسُّع فِي الْوُجُوب

وَزَعَمُوا أَن الْوُجُوب يخْتَص بآخر الْوَقْت وَلَو أَتَى بِهِ فِي أول الْوَقْت كَانَ جَارِيا مجْرى تَعْجِيل الزَّكَاة قبل وَقتهَا وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الْوَاجِب مَا انحتم فعله وَتعين أَدَاؤُهُ ويلام تَاركه وَهَذَا مَفْقُود فِي مَسْأَلَتنَا فانه فِي الزَّمَان الأول بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ لم يفعل فَلَو كَانَ وَاجِبا فِي هَذِه الْحَالة لما تصور أَن يتَخَيَّر لِأَن التخير يُوجب النفلية دون الْوُجُوب والفرضية وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الصَّلَاة تحب بِأول الْوَقْت عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله

عَنهُ وجوبا موسعا ممتدا من أول الْوَقْت إِلَى آخِره وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا تجب إِلَّا فِي آخر الْوَقْت وَالْأَدَاء فِيهِ يَقع تعجيلا أَو نقلا ثمَّ يَنْقَلِب فرضا وَأَن الصَّبِي إِذا صلى فِي أول الْوَقْت ثمَّ بلغ فِي آخِره لم يلْزمه إِعَادَة الصَّلَاة عندنَا وَعِنْده يلْزمه لِأَن الْوُجُوب يثبت فِي آخر الْوَقْت وَقد صَار فِيهِ أَهلا للْوُجُوب فَبَان أَن مَا أَدَّاهُ لم يكن وَظِيفَة وقته بِخِلَاف الْبَالِغ إِذا صلى فِي أول الْوَقْت فَإِنَّهُ كَانَ أَهلا للْوُجُوب وَمِنْهَا أَن تَعْجِيل الصَّلَوَات فِي أَوَائِل الْأَوْقَات عِنْد الشَّافِعِي رض أفضل لِئَلَّا يتَعَرَّض لخطر الْعقَاب فقد ذهب بعض

أَصْحَابنَا رَحِمهم الله إِلَى من أخر الصَّلَاة عَن أول الْوَقْت مِقْدَارًا يسع الْفَرْض وَمَات لَقِي الله عَاصِيا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض تَأْخِيرهَا إِلَى آخر الْوَقْت أفضل إِذْ لَا وجوب فِي أول الْوَقْت وَإِنَّمَا شرع الْوُجُوب فِي أول الْوَقْت رخصَة من الشَّارِع للْحَاجة وَلَيْسَ الْإِتْيَان بالرخص أفضل من غَيره بل الْأَفْضَل مُرَاعَاة وَقت الْوُجُوب وَمِنْهَا إِن الْمُسَافِر إِذا سَافر فِي أول الْوَقْت أَو حَاضَت الْمَرْأَة بعد دُخُول الْوَقْت وَمضى مِقْدَار الْفِعْل من الزَّمَان يجب الْإِتْمَام على الْمُسَافِر وَالْقَضَاء على الْحَائِض عندنَا لِأَنَّهُمَا أدْركَا وَقت الْوُجُوب وَعِنْده لَا يجب بِنَاء على أَن الْوُجُوب لم يتَحَقَّق فِي أول الْوَقْت وَمِنْهَا إِن قَضَاء الصَّلَوَات والصيامات وَالنُّذُور الْمُطلقَة وَالْكَفَّارَات تجب وجوبا موسعا عندنَا

وَعِنْده تجب مضيقا على الْفَوْر وَمِنْهَا أَن الْحَج يجب عندنَا وجوبا موسعا يسوغ تَأْخِيره مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَعِنْده يجب مضيقا على الْفَوْر وَالله أعلم

مسألة

مَسْأَلَة 4 فعل النَّاسِي والغافل لَا يدْخل تَحت التَّكْلِيف عِنْد الشَّافِعِي رض وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن التَّكَلُّف للْفِعْل إِنَّمَا يُكَلف إِيقَاعه أَو اجتنابه على وَجه التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى بِهِ وَالْقَصْد إِلَى التَّقَرُّب بِفعل بِعَيْنِه أَو اجتنابه مُتَضَمّن للْعلم بِهِ حَتَّى يَصح الْقَصْد إِلَيْهِ دون غَيره وموقع الشَّيْء مَعَ السَّهْو وَعدم الْقَصْد لَا يَصح أَن يكون فِي سَهْوه ونسيانه عَالما وقاصدا إِلَيْهِ بِعَيْنِه فضلا عَن قصد التَّقَرُّب بِهِ وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى إِن على النَّاسِي والغافل تكليفا فِي أَفعاله وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك باستقرار الْعِبَادَات فِي ذمَّته حَال ذُهُوله وغفلته وَكَذَا لُزُوم الغرامات وَأرش الْجِنَايَات وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِن كَلَام النَّاسِي لَا يبطل الصَّلَاة عندنَا لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا كَانَ مُفْسِدا للصَّلَاة كَونه مَنْهِيّا عَنهُ وَالنَّاسِي لَيْسَ مَنْهِيّا عَنهُ

لتعذر تَكْلِيفه فَلَا تفْسد الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض تبطل لِأَن الْكَلَام إِثْمًا كَانَ مَنْهِيّا عَنهُ لكَونه مُفْسِدا والمفسد مُفسد بصورته فَلَا يخْتَلف بالسهو وَالنِّسْيَان إِذْ الْإِفْسَاد فِي الْعِبَادَات كالإتلاف فِي المحسوسات وَاعْتَذَرُوا عَن الْأكل نَاسِيا فِي الصَّوْم بِأَنَّهُ خُولِفَ فِيهِ الْقيَاس اسْتِحْسَانًا وَمِنْهَا انه إِذا تمضمض فَسبق المَاء إِلَى حلقه من غير قصد وَهُوَ ذَاكر للصَّوْم لَا قَضَاء عَلَيْهِ عندنَا وَعِنْدهم يجب الْقَضَاء

وَمِنْهَا إِن النَّائِم إِذا صب المَاء فِي حلقه لَا قَضَاء عَلَيْهِ عندنَا وَعِنْدهم يلْزمه الْقَضَاء وَمِنْهَا إِن الْمحرم إِذا تطيب أَو لبس نَاسِيا لم تلْزمهُ الْفِدْيَة عندنَا خلافًا لَهُ وَكَذَا إِذا تطيب أَو لبس ذَاكِرًا للْإِحْرَام جَاهِلا للتَّحْرِيم لَا فديَة عَلَيْهِ عندنَا وَتلْزَمهُ عِنْدهم

مسألة

مَسْأَلَة 5 الْكفَّار مخاطبون بِفُرُوع الْإِسْلَام عِنْد الشَّافِعِي رض وَإِلَيْهِ ذهب أَكثر الْمُعْتَزلَة وأحتج فِي ذَلِك بعمومات من الْقُرْآن كَقَوْلِه تَعَالَى {مَا سلككم فِي سقر قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين} فَهَذَا يدل على أَنهم معاقبون

بترك الصَّلَاة وَكَقَوْلِه تَعَالَى {لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} إِلَى قَوْله {يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة} وَقَوله تَعَالَى {وويل للْمُشْرِكين الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة} وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض وجماهير أَصْحَابه انهم غير مخاطبين وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن قَالُوا لَو وَجَبت الصَّلَاة على الْكَافِر مثلا لَوَجَبَتْ أما فِي حَال كفره أَو بعده وَالْأول بَاطِل لإمتناع الصَّلَاة من الْكَافِر حَال كفره وَالثَّانِي أَيْضا بَاطِل لاتفاقنا على أَن الْكَافِر إِذا أسلم لايؤمر بِقَضَاء الصَّلَوَات الْفَائِتَة فِي أَيَّام الْكفْر وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِن الْمُرْتَد إِذا أسلم لزمَه قَضَاء الصَّلَوَات الْفَائِتَة فِي أَيَّام

الرِّدَّة وَكَذَا أَيَّام الصّيام الْفَائِت فِي أَيَّام الرِّدَّة عندنَا خلافًا لَهُ فَإِنَّهُ الْحق الْمُرْتَد بالكافر الْأَصْلِيّ فِي أَنه لَا يُخَاطب بِفُرُوع الشَّرْع وَمِنْهَا إِن الْمُسلم إِذا اجْتمع عَلَيْهِ صلوَات وزكوات فَارْتَد ثمَّ أسلم لم تسْقط عَنهُ عندنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يسْقط الْجَمِيع بردته وبرئت ذمَّته وَمِنْهَا إِن ظِهَار الذِّمِّيّ الصَّحِيح عندنَا كطلاقه وَعِنْدهم لَا يَصح لِأَنَّهُ يعقب كَفَّارَة لَيْسَ هُوَ من أَهلهَا وَمِنْهَا أَن الْكفَّار إِذا استولوا على أَمْوَال الْمُسلمين وأحرزوها بدارهم لَا يملكونها عندنَا لِأَنَّهَا معصومة مُحرمَة التَّنَاوُل

وَعِنْدهم يملكونها لِأَن تَحْرِيم التَّنَاوُل من فروع الْإِسْلَام وهم غير مخاطبين بهَا وَلِهَذَا لم يجب عَلَيْهِم الْقصاص بقتل الْمُسلمين وَلَا ضَمَان مَا أتلفوه من أَمْوَالهم

مسألة

مَسْأَلَة 6 مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن كل مصل يُصَلِّي لنَفسِهِ وَلَا شركَة بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم بل كل فِي صَلَاة نَفسه أداءا وَحكما وَإِنَّمَا معنى الْقدْوَة الْمُتَابَعَة فِي أَفعاله الظَّاهِرَة ليَكُون أحوط فِي إبعاد الصَّلَاة عَن السَّهْو والغفلة وَلَا يتَغَيَّر من أَحْكَام الصَّلَاة شَيْء إِلَّا مَا يرجع إِلَى الْمُتَابَعَة فانه الْتزم بنية الإقتداء مُتَابعَة الإِمَام فَلَو أَرَادَ التَّقَدُّم أَو التَّخَلُّف لم يجز لِأَنَّهُ يُخَالف الْوَفَاء بِمَا الْتزم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض صَلَاة الْمَأْمُوم تَابِعَة لصَلَاة الإِمَام صِحَة وَفَسَادًا لَا أداءا وَعَملا وَهِي كالمندرجة فِي ضمن صَلَاة الإِمَام لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الإِمَام ضَامِن والمؤذن مؤتمن وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل

مِنْهَا أَن الْقدْوَة لَا تسْقط قِرَاءَة فَاتِحَة الْكتاب عَن الْمَأْمُوم عندنَا وَعِنْده تسْقط وَمِنْهَا أَن إختلاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم لَا يمْنَع الْقدْوَة مَعَ التَّسَاوِي فِي الْأَفْعَال عندنَا حَتَّى يجوز إقتداء المفترض بالمتنفل وَالْقَاضِي بالمؤدي والمؤدي بِالْقَاضِي والمتم بالقاصر وَمِنْهَا إِذا بِأَن كَون الإِمَام جنبا أَو مُحدثا بعد الصَّلَاة لم تجب الْإِعَادَة على الْمَأْمُوم عندنَا وَعِنْده تجب بِنَاء على قَاعِدَة الإندراج وتنزيل حدث الإِمَام منزلَة حدث الْمَأْمُوم وَمِنْهَا أَن الْمَرْأَة إِذا وقفت بِجنب الإِمَام انْعَقَدت صلَاتهَا

وَعِنْده تَنْعَقِد صلَاتهَا ثمَّ تفْسد صَلَاة الإِمَام ثمَّ تفْسد صلَاتهَا وَصَلَاة المقتدين

مسألة

مَسْأَلَة 7 النِّكَاح يتَنَاوَل الزَّوْج كَمَا يتَنَاوَل الزَّوْجَة وَحكمه مُشْتَرك بَينهمَا وَلذَلِك اشْتَركَا فِي التَّسْمِيَة والحل والإنتهاء بِمَوْت كل وَاحِد مِنْهُمَا وَحكمه عِنْد الشَّافِعِي رض الزَّوْجِيَّة الْمقدرَة بَين الزَّوْجَيْنِ أَو الْحل اللَّازِم من الْجِهَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض النِّكَاح يتَنَاوَل الزَّوْجَة دون الزَّوْج وَحكمه حُدُوث الْملك للزَّوْج على الزَّوْجَة والمالكية مُخْتَصَّة بِهِ دونهَا وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِإِطْلَاق الْآيَة القَوْل بِأَن الْوَطْء لَا يستباح إِلَّا بِملك نِكَاح أَو ملك يَمِين وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام النِّكَاح رق فَلْينْظر أحدكُم أَيْن يضع كريمته قَالَ وَالرّق فِي بني آدم عبارَة

عَمَّا يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْملك وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَنه يجوز للزَّوْج غسل زَوجته عندنَا كَمَا يجوز لَهَا غسله لاشْتِرَاكهمَا فِي حل الْمس وَالنَّظَر وَعِنْدهم لَا يجوز لإنقطاع الْمَالِكِيَّة بِفَوَات مَحل الْملك وَمِنْهَا أَن النِّكَاح لَا ينْعَقد عندنَا إِلَّا بِلَفْظ التَّزْوِيج والإنكاح الدالين على حكمه

وَعِنْدهم ينْعَقد بِلَفْظ البيع وَالْهِبَة وَالتَّمْلِيك وَمِنْهَا أَنه إِذا أضَاف الطَّلَاق إِلَى نَفسه فَقَالَ أَنا مِنْك طَالِق وَنوى الطَّلَاق يَقع وَكَذَا إِذا قَالَ طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت أَنْت مني طَالِق يَقع وَعِنْدهم لَا يَقع وساعدونا فِيمَا إِذا أضَاف إِلَى نَفسه لفظ الْبَيْنُونَة وَالله أعلم

مسألة

= كتاب الزَّكَاة = مَسْأَلَة 1 مَذْهَب الشَّافِعِي رض أَن الْأَمر الْمُطلق الْمُجَرّد عَن الْقَرَائِن يَقْتَضِي الْفَوْر وأحتج فِي ذَلِك بِأَنَّهُ لَو جَازَ التَّأْخِير لجَاز إِمَّا إِلَى غَايَة مُعينَة أَو لَا إِلَى غَايَة مُعينَة وَالْأول بَاطِل لِأَنَّهُ خرق الْإِجْمَاع وَالثَّانِي أَيْضا بَاطِل لِأَن التَّأْخِير لَا إِلَى غَايَة مُعينَة يتَضَمَّن جَوَاز التّرْك لَا إِلَى غَايَة وَذَلِكَ يُنَافِي القَوْل بِوُجُوبِهِ وَذهب كثير من أَصْحَاب أبي حنيفَة رض وَطَائِفَة من عُلَمَاء الْأُصُول إِلَى أَنه على التَّرَاخِي وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الْأَمر لَهُ دلَالَة على استدعاء الْفِعْل وَلَا دلَالَة لَهُ على الزَّمَان بل الْأَزْمِنَة كلهَا بِالْإِضَافَة

إِلَيْهِ سَوَاء فَتعين الزَّمَان بعد ذَلِك اعْتِبَارا وَلَا دلَالَة عَلَيْهِ بل حَظّ الْفِعْل من الْوَقْت الثَّانِي كحظه من الْوَقْت الأول فَكَمَا جَازَ فِي الأول جَازَ فِي الثَّانِي وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل

مِنْهَا أَن الزَّكَاة تجب على الْفَوْر عِنْد الشَّافِعِي رض وَعِنْدهم على التَّرَاخِي وَمِنْهَا أَن المَال إِذا حَال عَلَيْهِ الْحول وَوَجَبَت الزَّكَاة وَتمكن من أَدَائِهَا ثمَّ تلف لم تسْقط الزَّكَاة عندنَا لِأَنَّهُ عصى بِالْمَنْعِ فتنزل منزلَة مَا لَو تلف أَو الْمُودع إِذا أمتنع من ردهَا ثمَّ تلف وَعِنْدهم تسْقط إِذْ لَا عصيان مَعَ جَوَاز التَّأْخِير مَسْأَلَة 2 مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن الزَّكَاة مؤونة مَالِيَّة وَجَبت للْفُقَرَاء على الْأَغْنِيَاء بِقرَابَة الْإِسْلَام على سَبِيل الْمُوَاسَاة

وَمعنى الْعِبَادَة تبع فِيهَا وَإِنَّمَا أثْبته الشَّرْع ترغيبا فِي أَدَائِهَا حَيْثُ كَانَت النُّفُوس مجبولة على الضنة وَالْبخل فَأمر بالتقرب إِلَى الله تَعَالَى بهَا ليطمع فِي الثَّوَاب ويبادر إِلَى تَحْقِيق الْمَقْصُود وأحتج فِي ذَلِك بِحُصُول مقصودها مَعَ الإمتناع قهرا وَجَوَاز التَّوْكِيل فِي أَدَائِهَا وَتحمل الزَّوْج عَن زَوجته وَالسَّيِّد عَن عَبده وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الزَّكَاة وَجَبت عبَادَة لله تَعَالَى ابْتِدَاء وشرعت ارتياضا للنَّفس بتنقيص المَال من حَيْثُ إِن الِاسْتِغْنَاء بِالْمَالِ سَبَب للطغيان ووقوعه فِي الْفساد قَالَ الله تَعَالَى {كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى أَن رَآهُ اسْتغنى} والطغيان أثر فِي اسْتِحْقَاق الْعقَاب فِي الْآخِرَة وبالزكاة يحصل الإرتياض والامتناع من الطغيان قَالَ وَلَا يلْزم وُجُوبهَا على الْأَنْبِيَاء مَعَ إنتفاء اسْتِحْقَاق الْعقَاب فِي حَقهم لكَوْنهم معصومين فَإنَّا لَا نعتبر الْعقَاب بِاعْتِبَار

ذَاته بل بِاعْتِبَار سَببه وَسبب الْعقَاب يَصح مِنْهُم وَلَكِن لَا يُوجد مِنْهُم بِاعْتِبَار الْعِصْمَة وَلِهَذَا صَحَّ نهيهم عَن اسْتِحْقَاق الْعُقُوبَات وَالنَّهْي إِنَّمَا يَصح تعلقه بالممكن دون الْمُمْتَنع وأحتج فِي ذَلِك بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني الْإِسْلَام على خمس وَزعم إِن الْإِسْلَام عبَادَة مَحْضَة وَكَذَا سَائِر أَرْكَانه وَالزَّكَاة من جُمْلَتهَا فَيجب إِن تكون كَذَلِك وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الزَّكَاة تجب على الصَّبِي وَالْمَجْنُون عندنَا كَمَا تجب عَلَيْهِمَا سَائِر الْمُؤَن الْمَالِيَّة وَعِنْدهم لَا تجب إِذْ لَا عِقَاب وَلَا طغيان فِي حَقّهمَا فتتمحض الزَّكَاة إِضْرَارًا وَمِنْهَا أَن الزَّكَاة لَا تسْقط بِمَوْت من هِيَ عَلَيْهِ عندنَا بل تخرج

من رَأس المَال وَعِنْدهم لَا تُؤْخَذ من تركته لإمتناع حُصُول الِابْتِلَاء فِي حَقه وَوُقُوع الْعقَاب وَمِنْهَا إِن الزَّكَاة تجب على الْمَدْيُون عندنَا لاستغنائه بِمَا فِي يَده وَتعلق الدّين بِذِمَّتِهِ وَعِنْدهم لَا تجب لِامْتِنَاع الارتياض فِي حَقه لكَونه مقهورا بِالدّينِ مُمْتَنعا عَن الطغيان وَمِنْهَا إِن الزَّكَاة تجب فِي مَال الضَّمَان والإخراج بعد عود المَال وَعِنْدهم لَا تجب لِأَن هَذَا المَال لَيْسَ سَببا لوُقُوعه فِي الطغيان وَمِنْهَا إِن الزَّكَاة لَا تجب فِي الْحلِيّ الْمُبَاح عندنَا لِأَنَّهُ مُتَعَلق

حَاجَة الْمَالِك وَفِي ايجابها إبِْطَال لِمَعْنى الْمُوَاسَاة وَعِنْدهم تجب لِأَن حَاجَة التحلي لَا تمنع من الْوُقُوع فِي الطغيان فَتجب الزَّكَاة ليحصل الارتياض وَمِنْهَا أَن الْمُسْتَفَاد فِي أثْنَاء الْحول لَا يضم مَا عِنْده بل يسْتَأْنف لَهُ حول عندنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يضم إِلَى مَا عِنْده وَصُورَة الْمَسْأَلَة مَا إِذا ملك نِصَابا وَفِي ملكه نِصَاب قد مَضَت عَلَيْهِ سِتَّة أشهر مثلا فعندنا يفرد مَا يملكهُ ثَانِيًا بحول مُسْتَأْنف تَحْقِيقا لِمَعْنى الرِّفْق بالمالك فِي الْمُؤَن الْمَالِيَّة إِذْ الْوُجُوب فِي بَاب الْمُؤَن والنفقات إِنَّمَا يتَعَلَّق بالفاضل من أَصْنَاف الْحَاجَات وأنواع الْمُهِمَّات على سَبِيل الْيُسْر والسهولة مُقَدرا بِقدر الضَّرُورَة وَفِي تَكْلِيف الْأَدَاء قبل مَظَنَّة الإستنماء عسر وحرج

وَعِنْدهم إِذا تمّ حول الأَصْل زكى الْجَمِيع تَحْقِيقا لِمَعْنى الْعِبَادَة بالابتلاء والامتحان وَمِنْهَا أَن أحد النَّقْدَيْنِ لَا يضم إِلَى الآخر فِي كَمَال النّصاب عندنَا إتباعا لقاعدة الْيُسْر لِأَن الضَّم بِالْقيمَةِ يتَضَمَّن عسرا وحرجا وَعِنْدهم يضم أَحدهمَا للْآخر لاشْتِرَاكهمَا فِي الْمَعْنى الْمَطْلُوب مِنْهُمَا وَهُوَ الإعداد للنماء وَمِنْهَا أَن الْخلطَة مُؤثرَة فِي الزَّكَاة فتجعل الْمَالَيْنِ كَمَال وَاحِد والمالكين كمالك وَاحِد حَتَّى لَو كَانَ لأَحَدهمَا عشرُون من الْغنم وَللْآخر عشرُون وخلطاهما وَاجْتمعت شرائطهما وَجَبت عَلَيْهِمَا الزَّكَاة بعد الْحول فيخرجان شَاة من الْأَرْبَعين بِنَاء على مَا ذكرنَا من كَونهَا مؤونة مَالِيَّة والركن فِيهَا المَال وَلَا نظر إِلَى الْمَالِك بل إِلَى المَال

وَعِنْدهم لَا تجب لِأَنَّهَا عبَادَة والركن فِيهَا الشَّخْص المتعبد فَإِذا لم يكن غَنِيا يملك النّصاب لم يكن من أهل هَذِه الْعِبَادَة وَمِنْهَا أَن الْعشْر لَا يجب فِيمَا عدا الأقوات عندنَا لِأَن شرع الزَّكَاة لدفع الضرورات وسد الجوعات والضرورات تتَعَلَّق بالأقوات دون الْبُقُول والخضروات وَعِنْدهم يجب فِي كل مَا ينبته الآدميون وكل مَا يُؤْكَل قوتا وتحليا وتفكها سوى الْحَشِيش والقصب الْفَارِسِي مُرَاعَاة لِمَعْنى الِابْتِلَاء والامتحان وَالله تَعَالَى أعلم

مسالة

= كتاب الصَّوْم = مسالة 1 النَّفْي الْمُضَاف إِلَى جنس الْفِعْل كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صِيَام لمن لم يجمع الصّيام من اللَّيْل يجب الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ وَلَا يعد من المجملات

عندنَا لِأَن الْمُجْمل هُوَ اللَّفْظ الَّذِي يتَنَاوَل مسميات كل وَاحِد مِنْهَا يجوز أَن يكون مرَادا للمتكلم كَقَوْلِه تَعَالَى {وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} فَأَنَّهُ يَشْمَل الْعشْر وَنصف الْعشْر وَربع الْعشْر فَكل وَاحِد مِنْهَا يجوز أَن يكون مرَادا وَذَلِكَ مَعْدُوم فِي الْمِثَال فَإِن الْإِمْسَاك اللّغَوِيّ الْحَقِيقِيّ لَا يجوز أَن يكون مرَادا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا لم يكن مرَادا بَطل أحد الْقسمَيْنِ وَإِذا بَطل أحد الْقسمَيْنِ

تعين الآخر وَهُوَ نفي الصَّوْم الشَّرْعِيّ وَذهب الْحَنَفِيَّة والقدرية إِلَى امْتنَاع الْعَمَل بِهِ وَدَعوى الْإِجْمَال لتردده بَين نفي الصَّوْم الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ الْإِمْسَاك وَبَين نفي الصَّوْم الشَّرْعِيّ ويتفرغ عَن هَذَا الأَصْل اعْتِبَار التبييت فِي الصَّوْم الْمَفْرُوض عندنَا عملا بِالْحَدِيثِ وَعدم الإعتبار عِنْدهم وَمن هَذَا القَوْل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور

لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب لَا نِكَاح إِلَّا بولِي

مرشد // أخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الشَّافِعِي لَا صَلَاة إِلَّا لفرد خلف الصَّفّ

وَالْقَوْل الْجَامِع فِي هَذَا الْجِنْس أَن اللَّفْظ الْوَاحِد إِذا كَانَ لَهُ عرف فِي اللُّغَة وَثَبت لَهُ عرف فِي الشَّرْع فَعِنْدَ إِطْلَاق الشَّرْع ينْصَرف إِلَى عرف الشَّرْع الَّذِي ثَبت لَهُ وَلَا يحمل على الْحَقِيقِيَّة اللُّغَوِيَّة إِلَّا بِدَلِيل وَتصير الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة كالمجاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعرف الشَّرْعِيّ لِأَن الشَّرْع وعرفه مقدم فِي مَقْصُود خطاب الله تَعَالَى كَمَا أَن الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة مُقَدّمَة على الْمجَاز فِي مَقْصُود الْمُتَكَلّم وَهَكَذَا كل لفظ لَهُ حَقِيقَة فِي اللُّغَة وَثَبت لَهُ عرف غَالب فِي الإستعمال كَلَفْظِ الْفَقِيه والمتكلم وَلَفظ الدَّابَّة ينْصَرف إِلَى عرف الِاسْتِعْمَال وَتصير الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة كالمجاز بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَيخرج عَن حد الْإِجْمَال فان الْمُجْمل هُوَ اللَّفْظ الَّذِي لَا تعين لأحد معنييه فَصَاعِدا لَا بِوَضْع اللُّغَة وَلَا يعرف الِاسْتِعْمَال وَلَا يعرف الشَّرْع

مسألة

مَسْأَلَة 2 إِذا سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَضِيَّة تَتَضَمَّن أحكاما فَبين بَعْضهَا وَسكت عَن الْبَعْض وَكَانَ الْبَعْض الْمَسْكُوت عَنهُ مِمَّا يحْتَاج إِلَى بَيَان من الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ سُكُوته وإعراضه عَنهُ مَعَ الْمعرفَة دَلِيلا على انْتِفَاء وُجُوبه عندنَا إِذْ لَو كَانَ وَاجِبا لبينه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فان الْحَاجة ماسة إِلَى الْبَيَان وَتَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت حَاجَة مُمْتَنع وفَاقا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا يدل على انْتِفَاء الْوُجُوب فان السُّكُوت لَا دلَالَة لَهُ على الْأَحْكَام وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن المطاوعة فِي نَهَار رَمَضَان لَا يلْزمهَا الْكَفَّارَة عندنَا لما رُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَلَكت وأهلكت فَقَالَ

مَاذَا صنعت فَقَالَ واقعت أَهلِي فِي نَهَار رَمَضَان فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أعتق رَقَبَة وَسكت عَن إِيجَابهَا على امْرَأَته الْمَوْطُوءَة مَعَ أَن

الْأَعرَابِي لَا يحسن الِاسْتِدْلَال فَدلَّ على أَنَّهَا لَا تجب عَلَيْهَا وَعِنْده تجب عَلَيْهَا الْكَفَّارَة

مسألة

مَسْأَلَة 3 حَقِيقَة خطاب التَّكْلِيف عندنَا الْمُطَالبَة بِالْفِعْلِ أَو الاجتناب لَهُ لِأَنَّهُ فِي وضع اللِّسَان تحميل لما فِيهِ كلفة ومشقة إِمَّا فِي فعله أَو تَركه وَهُوَ من قَوْلهم كلفتك عَظِيما أَي أمرا شاقا وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن التَّكْلِيف يَنْقَسِم إِلَى وجوب أَدَاء وَهُوَ الْمُطَالبَة بِالْفِعْلِ أَو الاجتناب لَهُ والى وجوب فِي الذِّمَّة سَابق عَلَيْهِ وعنوا بِهَذَا الْقسم من الْوُجُوب اشْتِغَال الذِّمَّة بِالْوَاجِبِ كَالصَّبِيِّ إِذا اتلف مَال إِنْسَان فان ذمَّته تشغل بِالْقيمَةِ اعني قيمَة الْمُتْلف وَلَا يجب عَلَيْهِ الْأَدَاء بل يجب على وليه وَزَعَمُوا إِن الأول يَسْتَدْعِي عقلا وفهما للخطاب وَالْوُجُوب فِي الذِّمَّة لَا يَسْتَدْعِي ذَلِك وان الأول يتلَقَّى من الْخطاب وَالثَّانِي من الْأَسْبَاب وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِوُجُوب الصَّلَاة على النَّائِم فِي وَقت الصَّلَاة مَعَ إِن الْخطاب مَوْضُوع عَنهُ وَكَذَلِكَ النّوم الْمُسْتَغْرق لشهر رَمَضَان

وَالْإِغْمَاء الْمُسْتَغْرق فَإِنَّهُ لَا يمْنَع بهما وجوب الصَّوْم وَلَا خطاب عَلَيْهِمَا بِالْإِجْمَاع وَقد قَالَ الشَّافِعِي رض بِوُجُوب الزَّكَاة على الصَّبِي وَهُوَ غير مُخَاطب وَيجب عَلَيْهِ الْعشْر وَصدقَة الْفطر إِجْمَاعًا وَكَذَا الثّمن يجب فِي ذمَّة المُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ وَالْأَدَاء لَا يجب إِلَّا بعد الْمُطَالبَة بِالْأَدَاءِ وَالدّين مُؤَجل يجب فِي ذمَّة من عَلَيْهِ وَالْأَدَاء لَا يجب إِلَّا بعد الْمُطَالبَة فَعلم بِهَذِهِ الْجُمْلَة أَن الْوُجُوب فِي حَقنا مُضَاف إِلَى أَسبَاب شَرْعِيَّة غير الْخطاب وطردوا ذَلِك فِي جَمِيع الْوَاجِبَات من الْعِبَادَات والعقوبات وَزَعَمُوا أَن سَبَب وجوب الصَّلَوَات الْأَوْقَات لإضافتها إِلَيْهَا بلام التَّعْلِيل وَسبب وجوب الصَّوْم أَيَّام شهر رَمَضَان قَالَ الله تَعَالَى {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} أَي فليصم فِي أَيَّامه فَإِن تَعْلِيق الحكم بالشَّيْء شرعا يدل على أَنه سَببه

وَسبب وجوب الْحَج الْبَيْت وَالْوَقْت شَرط لأدائه وَلِهَذَا لم يتَكَرَّر ويتكرر الْوَقْت فَلم يصلح أَن يكون الْوَقْت فِيهِ سَببا بل الْوَقْت مَحل وَسبب وجوب الزَّكَاة ملك النّصاب النامي فِي نَفسه وَلِهَذَا تزداد بِزِيَادَة النصب ثمَّ زَعَمُوا أَن هَذِه الْأَوْقَات لَيست سَببا لوُجُوب الْعِبَادَات حَقِيقَة نظرا إِلَى ذواتها بل سَبَب الْوُجُوب فِي الْجَمِيع نعم الله تَعَالَى على عباده وَالنعَم تصلح أَن تكون سَببا لوُجُوب الشُّكْر شرعا غير أَن النعم مترادفة فِي جَمِيع الْأَوْقَات فَجعل الْوَقْت الَّذِي هُوَ مَحل لحدوث النعم فِيهِ سَببا للْوُجُوب وأقيم مقَام النعم قَالُوا وَإِذا ثَبت الْوُجُوب بِالسَّبَبِ فالأداء بعده يكون بخطاب الشَّرْع وَأمره وَعِنْدنَا الْكل يتلَقَّى من الْخطاب والأسباب غير مُؤثرَة فِي

الْإِيجَاب بِدَلِيل أَنَّهَا كَانَت مَوْجُودَة قبل وَضعهَا شرعا وَلم توجب شَيْئا وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْمَجْنُون إِذا أَفَاق فِي أثْنَاء الشَّهْر لَا يلْزمه قَضَاء مَا مضى من أَيَّام الْجُنُون إِذْ الْوُجُوب بِالْخِطَابِ وَلَا خطاب وَعِنْدهم يلْزمه لِأَن الْوُجُوب بِالسَّبَبِ وَقد وجد وَكَذَا أَفَاق فِي أثْنَاء النَّهَار لَا يلْزم قَضَاء ذَلِك الْيَوْم عندنَا وَعِنْدهم يلْزمه وَمِنْهَا أَن الصَّوْم غير وَاجِب على الْمَرِيض وَالْمُسَافر وَالْحَائِض عندنَا لِأَن الْوُجُوب يتلَقَّى من الْخطاب وَلَا خطاب وَعِنْدهم يتلَقَّى من السَّبَب وَقد وجد

وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بِوُجُوب الْقَضَاء عِنْد زَوَال هَذِه الْأَعْذَار وَهَذَا على الْحَقِيقَة خلاف اللَّفْظ فانهم يعنون بِالْوُجُوب اسْتِحْقَاق هَذِه الْأَفْعَال فِي ذمم الْمَذْكُورين شرعا بِمَعْنى وجوب الْقَضَاء عِنْد زَوَال الْعذر الْمَائِع من التَّكْلِيف وَهُوَ مُسلم عندنَا وَنحن نعني بِانْتِفَاء الْوُجُوب انْتِفَاء تَكْلِيف الْفِعْل حَال قيام الْعذر وَهُوَ مُسلم عِنْدهم

مسألة

مَسْأَلَة 4 كل حكم شَرْعِي أمكن تَعْلِيله فَالْقِيَاس جَائِز فِيهِ عِنْد الشَّافِعِي رض وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة إِلَى أَن الْقيَاس لَا يجْرِي فِي الْكَفَّارَات وَهَذَا فَاسد فان مُسْتَند القَوْل بِالْقِيَاسِ إِجْمَاع الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَلم يفرقُوا بَين حكم وَحكم فِيمَا يُمكن تَعْلِيله ولأنا نسائلهم ونقول لَا يجوز إِجْرَاء الْقيَاس فِيهَا مَعَ ظُهُور الْمَعْنى وتجليه أم مَعَ عدم ظُهُوره إِن قُلْتُمْ مَعَ ظُهُوره وتجليه فَهُوَ تحكم وَصَارَ بِمَثَابَة قَول الْقَائِل أَنا أجري الْقيَاس فِي مَسْأَلَة وَلَا أجريه فِي مَسْأَلَة مَعَ ظُهُور الْمَعْنى فيهمَا وتجليه وَإِن قُلْتُمْ مَعَ عدم ظُهُور الْمَعْنى فَنحْن وَإِيَّاكُم فِي ذَلِك على وتيرة وَاحِدَة وَاحْتَجُّوا بِأَن قَالُوا إِنَّمَا منعنَا من إِجْرَاء الْقيَاس فِي الْكَفَّارَات

لأَنا رَأينَا الشَّرْع قد أوجب الْكَفَّارَة على الْمظَاهر وَعلل وَقَالَ أَنهم ليقولون قولا مُنْكرا من القَوْل وزورا ثمَّ أَن الْمُرْتَد قَالَ أعظم مِمَّا قَالَ الْمظَاهر وأفحش وَلم يُوجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَلذَلِك وَجب إبدالها على وَجه لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ الرَّأْي وَالْقِيَاس فانه أوجب على الْحَالِف عتق رَقَبَة أَو صِيَام شَهْرَيْن أَو إطْعَام عشرَة مَسَاكِين وَأوجب على الْمظَاهر عتق رَقَبَة أَو صِيَام شَهْرَيْن أَو إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا فَإِن قُلْنَا الْعتْق بدله ثَلَاثَة أَيَّام فَأَي حَاجَة بِنَا إِلَى صِيَام شَهْرَيْن وَإِن قُلْنَا شَهْرَان فَلم نوجب ثَلَاثَة أَيَّام وَكَيف يَتَعَدَّد الْبَدَل والمبدل وَاحِد وَهَذَا ضَعِيف فان امْتنَاع الْقيَاس فِي الْإِبْدَال لَا يمْنَع الْقيَاس فِي الْأَسْبَاب بَعْضهَا على بعض وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَنه إِذا جَامع فِي يَوْمَيْنِ من رَمَضَان وَاحِد يلْزمه

كفارتان عندنَا لتماثل السببين وَعِنْدهم لَا يلْزمه سوى كَفَّارَة وَاحِدَة لتعذر الْإِلْحَاق على مَا سبق وَمِنْهَا أَن الْمُنْفَرد بِرُؤْيَة الْهلَال إِذا رد الْحَاكِم شَهَادَته يلْزمه الْكَفَّارَة إِذا جَامع فِي ذَلِك الْيَوْم عندنَا كَمَا إِذا قبل القَاضِي شَهَادَته وَعِنْدهم لَا يلْزمه لما ذكرنَا من سد بَاب الْإِلْحَاق وَمِنْهَا أَن من تعمد اسْتِدَامَة الْجِمَاع حَتَّى طلع عَلَيْهِ الْفجْر وَلم ينْزع الْتزم الْكَفَّارَة عندنَا قِيَاسا لدفع الِانْعِقَاد على قطع العقد وَعِنْدهم لَا يلْزمه لاعتقادهم أَن لَا مجَال للْقِيَاس فِيهَا

وَمِنْهَا أَن الْقَتْل الْعمد يُوجب الْكَفَّارَة عندنَا قِيَاسا على الْخَطَأ قَالَ الشَّافِعِي رض إِذا وَجَبت الْكَفَّارَة فِي الْخَطَأ فَفِي الْعمد أوجب وَعِنْدهم لَا تجب لما ذَكرْنَاهُ

مسألة

مَسْأَلَة 5 الْمَأْمُور بالشَّيْء يعلم كَونه مَأْمُورا وان لم يمض زمَان الْإِمْكَان عندنَا لانعقاد الْإِجْمَاع على أَن الْوَاحِد منا يجب عَلَيْهِ الشُّرُوع فِي الْعِبَادَة الْمَأْمُور بهَا إِذْ لَو لم يعلم كَونه مَأْمُورا لما وَجب عَلَيْهِ ذَلِك فِي سَائِر الْأَفْعَال فِي الْأكل وَالشرب والذهاب والإياب وَذَهَبت طَائِفَة من الْقَدَرِيَّة وَالْحَنَفِيَّة إِلَى أَنه لَا يعلم كَونه مَأْمُورا فِي أول توجه الْخطاب مَا لم يمض زمَان يسع فعل الْمَأْمُور بِهِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الْإِمْكَان شَرط التَّكْلِيف وَهُوَ غير عَالم بِبَقَاء الْإِمْكَان إِلَى وَقت انْقِرَاض زمَان يسع الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ وَالْجَاهِل بِوُقُوع الشَّرْط جَاهِل بالمشروط لَا محَالة وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَنه إِذا أفطر بِالْجِمَاعِ ثمَّ مرض فِي آخر النَّهَار أَو جن أَو حَاضَت الْمَرْأَة أَو مَاتَ لم تسْقط الْكَفَّارَة عندنَا

وَعِنْدهم تسْقط

مسألة

مَسْأَلَة 6 كَمَا أَن الْمُبَاح لَا يصير وَاجِبا بالتلبس بِهِ خلافًا للكعبي وَأَتْبَاعه كَذَلِك الْمَنْدُوب لَا يصير وَاجِبا بالتلبس لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يجوز تَركه وَالْوَاجِب لَا يجوز تَركه فالجمع بَينه وَبَين جَوَاز التّرْك متناقض وَذَهَبت الْمُعْتَزلَة وَالْحَنَفِيَّة إِلَى أَن الْفِعْل يُوجب اسْتِيعَاب الْأَزْمَان كلهَا بفنون الطَّاعَات وصنوف الْعِبَادَات إِلَّا مَا خص بذلك وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن سَبَب وجوب الْعِبَادَات كَون العَبْد مخلوقا لله قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} أَي ليوحدون ويأتون الْعِبَادَات هَكَذَا قَالَ أهل التَّفْسِير غير أَن

الشَّارِع رحم عباده وَعين لبَعض الْعِبَادَات أوقاتا مُعينَة كَالصَّلَاةِ الْمَعْهُودَة وَالزَّكَاة وَالْحج وفوض تعْيين مَا عَداهَا إِلَى الْعباد تفضلا إِذْ لَو عين الْأَوْقَات كلهَا للعبادات الْوَاجِبَة وكلفهم على التَّضْيِيق لتقاعد النَّاس عَن معاشهم فَرُبمَا أدّى إِلَى التقاعد عَن الْجَمِيع فَإِذا عين العَبْد وقتا لِلْعِبَادَةِ إِمَّا بِالنذرِ أَو بِالشُّرُوعِ عمل الدَّلِيل الْمُوجب عمله إِذْ ذَلِك يدل على فَرَاغه لهَذِهِ الْعِبَادَة وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه إِذا شرع فِي صَوْم التَّطَوُّع أَو صَلَاة التَّطَوُّع لَا يصير وَاجِبا عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ عندنَا وَعِنْدهم يصير وَاجِبا وَيلْزمهُ الْمُضِيّ بِالشُّرُوعِ وَالثَّانيَِة إِن الْمَعْذُور فِي حج النَّفْل يتَحَلَّل وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ عندنَا وَعِنْدهم يلْزمه الْقَضَاء

مسألة

= كتاب الْحَج = مَسْأَلَة 1 لَا يمْنَع دُخُول النِّيَابَة فِي التكاليف والعبادات الْبَدَنِيَّة عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن فعل الْعِبَادَة عِنْده علم أَي عَلامَة على الثَّوَاب وَالثَّوَاب منحة من الله تَعَالَى وَفضل وَالْعِقَاب عدل فَجَاز أَن ينصب فعل غَيره علما عَلَيْهِ وَعِنْدهم لَا تدْخلهَا النِّيَابَة لِأَن الثَّوَاب عِنْدهم مَعْلُول الطَّاعَة

وَالْعِقَاب مَعْلُول الْمعْصِيَة فَلَا يتَعَدَّى فاعليهما استمدادا من رِعَايَة الْأَصْلَح وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن من المستطاع الْحَج بِبدنِهِ فَأخر حَتَّى أصبح زَمنا معضوبا اسْتَأْجر أَجِيرا يحجّ عَنهُ عندنَا وَيَقَع الْحَج عَن المستنيب وَعِنْدهم يَقع عَن الْأَجِير وللمستنيب أجر نَفَقَة توصله إِلَى الْحَج مسهلة طَرِيقه

وَمِنْهَا أَن من اسْتَقر وجوب الْحَج فِي ذمَّته إِذا عجز وَلم يملك مَالا فبذل ابْنه الطَّاعَة لِلْحَجِّ عَنهُ وَجب قبُوله عندنَا وَعِنْده لَا يجب وَمِنْهَا أَن إِحْرَام الْوَلِيّ عَن الصَّبِي صَحِيح عندنَا وَيَقَع الْحَج عَن الصَّبِي وَعِنْدهم لَا يَصح وَمِنْهَا أَن من بلغ معضوبا يلْزمه الْحَج بطرِيق الإستنابة وَعِنْدهم لَا يلْزمه وَمِنْهَا أَن المستطيع إِذا مَاتَ أخرج من مَاله مَا يحجّ بِهِ عَنهُ غَيره واستؤجر عَنهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا يفعل ذَلِك إِلَّا إِذا أوصى

مسألة

= كتاب الْبيُوع = مَسْأَلَة 1 الأَصْل الَّذِي تبنى عَلَيْهِ الْعُقُود الْمَالِيَّة من الْمُعَامَلَات الْجَارِيَة بَين الْعباد إتباع التَّرَاضِي الْمَدْلُول عَلَيْهِ بقول الله تَعَالَى {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} غير أَن حَقِيقَة الرِّضَا لما كَانَت أمرا خفِيا وضميرا قلبيا اقْتَضَت الْحِكْمَة رد الْخلق إِلَى مرد كلي وَضَابِط جلي يسْتَدلّ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِيجَاب وَالْقَبُول الدالان على رضَا الْعَاقِدين ثمَّ طرد الشَّافِعِي رض قَاعِدَته فِي الْمُحَافظَة على حُدُود الشَّرْع وضوابطه وَلم يجوز إِلْحَاق غَيرهمَا بهما وَأَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ ألحق بهما المعاطاة وَزعم أَنَّهَا بيع

لِأَنَّهَا تدل على التَّرَاضِي وَالله يَقُول {أَو أَن نَفْعل فِي أَمْوَالنَا مَا نشَاء} وَهَذَا ضَعِيف فان الْمصير إِلَيْهِ يُؤَدِّي إِلَى انحلال الْقَوَاعِد بأجمعها وأبطال الضوابط بأسرها فَأَنَّهَا وَإِن دلّت على الرِّضَا لَكِن الشَّرْع أعتبر رضَا خَاصّا وَهُوَ الرِّضَا الَّذِي يتضمنه الْإِيجَاب وَالْقَبُول

مسألة

مَسْأَلَة 2 لما كَانَ شرع الْبياعَات من ضرورات الْخلق من حَيْثُ أَن الْإِنْسَان لَا يُمكنهُ أَن يقْتَصر على مَا فِي يَده بل لَا بُد أَن ينْتَفع كل وَاحِد من الْخلق بِمَا فِي يَد صَاحبه اقْتَضَت عاطفة الشَّرْع تَحْقِيق هَذَا الْمَقْصُود بِنَفْي الأغرار والأخطار المؤذنة بالجهالات عَن مصَادر الْعُقُود ومواردها من حَيْثُ أَن فرط الشره إِلَى السَّعْي قد يحمل الْمَرْء على الرضى بِالْعُقُودِ الْمُشْتَملَة على الأغرار الْخفية وإهمال الشُّرُوط المرعية وَكَانَت حريَّة لَهُم بِالْمَنْعِ لتهذب لَهُم تجائرهم وليكونوا على بَصِيرَة من أَمرهم ولأجله حجر على الصّبيان ولقلة بصائرهم إِلَّا أَن ذَلِك حجر عَام وَهَذَا حجر خَاص وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا بطلَان البيع وَالشِّرَاء فِي الْأَعْيَان الغائبة ودفعا للغرر النَّافِي للشره وَاكْتفى أَبُو حنيفَة رض فِي دفع الْغرَر وَتَحْقِيق الرضى

الْمُعْتَبر بشرع الْخِيَار عِنْد الرُّؤْيَة وَلَا يخفى رُجْحَان نظر الشَّافِعِي رض فِي اسْتِقْبَال الْمَحْذُور بِالدفع الثَّانِيَة شرع خِيَار الْمجْلس عِنْد الشَّافِعِي رض فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات ومستنده قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا فَأَنَّهُ من الْأَعْمَال المنصوبة على كَمَال الرضى بِالْعقدِ الْمُبَاشر

على مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تعليقنا الموسوم ب دُرَر الْغرَر ونتائج الْفِكر وَاكْتفى أَبُو حنيفَة رض بِأَصْل الْإِقْدَام الصَّادِر من الْأَهْل فِي الْمحل

مسألة

مَسْأَلَة 3 الشَّرْط إِذا دخل على السَّبَب وَلم يكن مُبْطلًا كَانَ تَأْثِيره فِي تَأْخِير حكم السَّبَب إِلَى حِين وجوده لَا فِي منع السَّبَبِيَّة عِنْد الشَّافِعِي رض وَمِثَال الْمَسْأَلَة قَوْله أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار فالسبب قَوْله أَنْت طَالِق وَالشّرط الدَّاخِل عَلَيْهِ قَوْله إِن دخلت الدَّار وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن قَوْله إِن دخلت الدَّار لَا يُؤثر فِي قَوْله أَنْت طَالِق فانه ثَبت مَعَ الشَّرْط كَمَا كَانَ ثَابتا بِدُونِ الشَّرْط وَإِنَّمَا يمْنَع ثُبُوت حكمه فَكَانَ تَأْثِيره فِي تَأْخِير حكم السَّبَب لَا فِي منع انْعِقَاده سَببا وَلِهَذَا لَو لم يقْتَرن بِهِ الشَّرْط ثَبت حكمه وَذهب أَصْحَاب أَبُو حنيفَة رض إِلَى أَن الشَّرْط إِذا دخل على السَّبَب يمْنَع انْعِقَاده سَببا فِي الْحَال وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بأمرين أَولهمَا أَن الشَّرْط دخل على ذَات السَّبَب لَا على حكمه فان السَّبَب قَوْله أَنْت طَالِق مثلا وَالشّرط دَاخل عَلَيْهِ الثَّانِي أَنه جعل التَّطْلِيق جَزَاء لدُخُول الدَّار وَالشّرط إِذا دخل على الْجَزَاء علقه وَإِذا علقه يمْنَع وُصُوله إِلَى مَحَله وَالْعلَّة

الشَّرْعِيَّة لَا تصير عِلّة إِلَّا بوصولها إِلَى محلهَا فَلَا تصير عِلّة إِذا قصرت عَن محلهَا وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِن البيع بِشَرْط الْخِيَار ينْعَقد سَببا لنقل الْمَالِك فِي الْحَال عِنْد الشَّافِعِي رض وَإِنَّمَا يظْهر تَأْثِير الشَّرْط فِي تَأْخِير حكم السَّبَب وَهُوَ اللَّازِم الَّذِي لَوْلَا دُخُول الشَّرْط لثبت وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا ينْعَقد سَببا لنقل الْملك بل دُخُول الشَّرْط منح سببيته فِي مُدَّة الْخِيَار فَإِذا سقط الْخِيَار وَزَالَ الشَّرْط انْعَقَد حِينَئِذٍ سَببا وَمِنْهَا إِن خِيَار الشَّرْط يُورث عِنْد الشَّافِعِي رض بِنَاء على اعْتِقَاده أَن الْملك انْتقل إِلَى الْوَارِث وَأَن الثَّابِت بِالْخِيَارِ حق الْفَسْخ والإمضاء الراجعين إِلَى نفس العقد وَذَلِكَ حق شَرْعِي أمكن انْتِقَاله إِلَى الْوَارِث كَمَا فِي الرَّد بِالْعَيْبِ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا ينْتَقل لِأَن الثَّابِت لَهُ بِالْخِيَارِ مَشِيئَة نقل الْملك واستبقاؤه ومشيئته صفة من صِفَاته فتفوت بفواته كَسَائِر صِفَاته وَمِنْهَا أَن تَعْلِيق الطَّلَاق بِالْملكِ لَا يَصح عِنْد الشَّافِعِي رض وَكَذَلِكَ تَعْلِيق الْعتاق بِالْملكِ لِأَن التَّطْلِيق الْمُعَلق سَبَب لوُقُوع الطَّلَاق وَدخُول الشَّرْط على السَّبَب تَأْثِيره فِي تَأْخِير حكم السَّبَب لَا فِي انْعِقَاده سَببا وَإِذا كَانَ سَببا كَانَ اتِّصَاله بِالْمحل الْمَمْلُوك شرطا لانعقاده ليَكُون السَّبَب مفضيا إِلَى الحكم عِنْد وجود الشَّرْط وَلِهَذَا لَو قَالَ لأجنبية إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ لَا يَصح لِأَن السَّبَب لَا يُفْضِي إِلَى حكمه وَإِن وجد الشَّرْط وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يَصح لِأَن التَّطْلِيق مُعَلّق بِالشّرطِ فَلم يكن سَببا لوُقُوع الطَّلَاق فَلَا يشْتَرط لَهُ ملك الْمحل بل ينْعَقد التَّطْلِيق يَمِينا لِأَنَّهُ

إِن قصد بِهِ الْمَنْع يتَحَقَّق الْمَنْع فَإِن الْمَانِع مَوْجُود وَهُوَ وُقُوع الطَّلَاق عِنْد وجود الشَّرْط وَإِن قصد بِهِ الطَّلَاق يَقع أَيْضا فَإِنَّهُ أضَاف الطَّلَاق إِلَى الْملك وَكَانَ كَلَامه مُفِيدا فأنعقد صَحِيحا قَالُوا وَلِهَذَا قُلْنَا إِن التَّكْفِير قبل الْحِنْث لَا يجوز بِالْمَالِ وَلَا بِالصَّوْمِ لِأَن الْيَمين الْمُعَلق بِالشّرطِ وَهُوَ الْحِنْث لَا ينْعَقد سَببا فِي حق الْكَفَّارَة وَعند الشَّافِعِي رض ينْعَقد سَببا وَإِن كَانَت معلقَة على مَا سَيَأْتِي فِي مسَائِل الْأَيْمَان

مسائل الربا

مسَائِل الرِّبَا مَسْأَلَة 1 حَقِيقَة الِاسْتِثْنَاء عِنْد الشَّافِعِي رض إِخْرَاج بعض الْجُمْلَة عَن الْجُمْلَة بِحرف إِلَّا أَو مَا يقوم مقَامه فَلفظ الِاسْتِثْنَاء يُوجب انعدام الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فِي الْقدر الْمُسْتَثْنى مَعَ بَقَاء الْعُمُوم بطرِيق الْمُعَارضَة كالتخصيص إِلَّا أَن الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِل بالْكلَام والتخصيص مُنْفَصِل احْتج فِي ذَلِك بأمرين أَحدهمَا إِجْمَاع أهل اللُّغَة أَن كلمة التَّوْحِيد وَهِي قَوْلنَا لَا اله إِلَّا الله مَوْضُوعَة لنفي الإلهية عَن غير الله تَعَالَى وَإِثْبَات إلهيته فَلَو لم يكن الِاسْتِثْنَاء يُفِيد حكم النَّفْي الْمعَارض للإثبات الأول لما كَانَ قَوْلنَا لَا اله إِلَّا الله مُوجبا ثُبُوت الإلهية لله عز وَجل بل كَانَ مَعْنَاهُ نفي الإلهية عَن غير الله تَعَالَى دون إِثْبَات الإلهية لَهُ وَلَو كَانَ كَذَلِك لما تمّ الْإِسْلَام فَلَمَّا تمّ الْإِسْلَام دلّ أَنه يُفِيد الْإِثْبَات الْمعَارض للنَّفْي الْمُسْتَثْنى مِنْهُ

الثَّانِي إِن قَول الْقَائِل لفُلَان عَليّ ألف يَقْتَضِي وجوب الْألف عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَو سكت عَلَيْهِ اسْتمرّ وُجُوبهَا فَإِذا قَالَ إِلَّا مائَة صَار ذَلِك مُعَارضا بِحمْلِهِ مخرجا من اللَّفْظ بعض مَا تنَاوله فَيُوجب الثَّانِي النَّفْي كَمَا يُوجب الأول الْإِثْبَات وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي رض إِن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات وَمن الْإِثْبَات نفي حَتَّى لَو قَالَ لفُلَان عَليّ عشرَة إِلَّا تِسْعَة إِلَّا ثَمَانِيَة إِلَّا سَبْعَة إِلَّا سِتَّة إِلَّا خَمْسَة إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى الْوَاحِد يلْزمه خَمْسَة لِأَنَّك إِذا جمعت عدد الْإِثْبَات مِنْهَا كَانَت ثَلَاثِينَ وَإِذا جمعت عدد النَّفْي مِنْهَا كَانَت خَمْسَة وَعشْرين فَتسقط الْمَنْفِيّ من الْمُثبت فَتبقى خَمْسَة وعَلى هَذَا فقس وَزعم أَبُو حنيفَة رض وَأَصْحَابه أَن الِاسْتِثْنَاء لفظ يدْخل على الْكَلَام الْعَام فيمنعه من اقْتِضَاء الْعُمُوم والاستغراق حَتَّى يصير كَأَنَّهُ لم يتَكَلَّم إِلَّا بِالْقدرِ الْبَاقِي بعد الِاسْتِثْنَاء وَزَعَمُوا أَن الْعَرَب وضعت للتعبير عَن تِسْعمائَة عبارتين إِحْدَاهمَا موجزة وَالْأُخْرَى مُطَوَّلَة وَهِي قَوْله ألف إِلَّا مائَة فتقدير قَول

الْقَائِل لَهُ عَليّ ألف دِرْهَم إِلَّا مائَة عندنَا أَن لَهُ عَليّ ألفا إِلَّا مائَة فَإِنَّهَا لَيست عَليّ إِلَّا أَنه اختصر فِي الْكَلَام وَترك صَرِيح النَّفْي لدلَالَة الْمَنْطُوق على الْمَسْكُوت قَالَ الله تَعَالَى {فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما} وَتَقْدِيره عِنْدهم أَن لَهُ عَليّ تِسْعمائَة وَلم يسلمُوا أَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات بل أَدْعُو أَن بَين الحكم بِالنَّفْيِ وَالْحكم بالإثبات وَاسِطَة وَهِي عدل الحكم فَمُقْتَضى الِاسْتِثْنَاء بَقَاء الْمُسْتَثْنى غير مَحْكُوم عَلَيْهِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بالإثبات كَمَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور وَلَا نِكَاح إِلَّا بولِي فَإِنَّهُمَا يدلان على الْعَدَم لَا على الْوُجُود عِنْد الْوُجُود وَلِهَذَا الْمَعْنى أبطلوا الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس كَمَا إِذْ قَالَ لَهُ عَليّ

ألف دِرْهَم إِلَّا ثوبا فَإِنَّهُم قَالُوا يلْزمه كل الْألف لِأَن الْمُسْتَثْنى لم يَشْمَلهُ عُمُوم الِاسْتِثْنَاء وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن قَالُوا مَا يمْنَع الحكم بطرِيق الْمُعَارضَة أدنى درجاته أَن يسْتَقلّ بِنَفسِهِ مثل دَلِيل الْخُصُوص والإستثناء مِمَّا لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ وَإِنَّمَا يتم بِمَا يذكر قبله فَلَمَّا لم يصلح مُعَارضا لَهُ دلّ على أَنه بَيَان لمراد الْمُتَكَلّم بِالتَّعْلِيقِ بِالشّرطِ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الأَصْل فِي الْأَمْوَال الربوية عِنْد الشَّافِعِي رض تَحْرِيم بيع بَعْضهَا بِبَعْض وَالْجَوَاز يثبت مُسْتَثْنى عَن قَاعِدَة التَّحْرِيم مُقَيّدا بِشَرْط الْمُسَاوَاة والحلول والتقابض عِنْد اتِّحَاد الْجِنْس وبشرط الْحُلُول والتقابض عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْوَرق بالورق وَالْبر بِالْبرِّ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ وَالْملح بالملح إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء يدا بيد عينا بِعَين فَإِذا اخْتلف الجنسان فبيعوا كَيفَ شِئْتُم يدا بيد فَإِنَّهُ

نهي عَن بيع الْأَشْيَاء بَعْضهَا بِبَعْض عَاما ثمَّ اسْتثْنى حَالَة الْمُسَاوَاة فالنهي الأول يتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكثير بِعُمُومِهِ وَالِاسْتِثْنَاء يتَنَاوَل مَا يدْخل تَحت الْكَيْل وَهُوَ مَا يتَحَقَّق فِيهِ الْمُسَاوَاة وَلِهَذَا قُلْنَا لَا يجوز بيع حفْنَة بحفنتين وَلَا بطيخة ببطيختين ونظائرها وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الأَصْل فِيهَا الْإِبَاحَة لقَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} ولقيام الْملك فِيهَا وَادّعى أَن الْمَقْصُود من الحَدِيث آخِره وَإِن كَانَ مصدرا بِالنَّهْي وَهُوَ كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور إِذْ الْمَقْصُود مِنْهُ إِثْبَات

الطّهُور شرطا للإنعقاد لَا نفي الصَّلَاة بِدُونِ طهُور لَكِن انْتِفَاء الصَّلَاة عِنْد انْتِفَاء الطّهُور حَاصِل لضَرُورَة فَوَات شَرط الصِّحَّة فَكَذَلِك الْفضل يحرم لضَرُورَة فَوَات الشَّرْط الَّذِي نيطت بِهِ الْإِبَاحَة وَهُوَ الْمُسَاوَاة بِالْكَيْلِ والحفنة غير مكيلة فَتبقى على أصل الْجَوَاز وَمِنْهَا أَن التَّقَابُض فِي بيع الطَّعَام بِالطَّعَامِ شَرط عِنْد الشَّافِعِي رض سَوَاء أتحد الْجِنْس أَو اخْتلف بِنَاء على أَن الْجَوَاز ثَبت مُسْتَثْنى من قَاعِدَة التَّحْرِيم وفيهَا التَّقَابُض الْمُسْتَفَاد من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدا بيد فانه صَرِيح ثمَّ هُوَ منزل على الْعَادة والتقابض فِي الْمجْلس وَحمل أَبُو حنيفَة رض قَوْله يدا بيد على الْحُلُول الْمنَافِي للنِّسَاء وَقَوله عينا بِعَين على التَّأْكِيد والتكرير وَزعم أَنه مؤيد بِالْقِيَاسِ الْجَلِيّ من حَيْثُ أَن الأَصْل فِي البيع الْجَوَاز والموجب للْفَسَاد الْفضل والتفاوت هَهُنَا لِأَن الْمَقْبُوض فِي مجْلِس العقد كالمقبوض

فِي غير مجْلِس العقد وَمِنْهَا إِن بيع الرطب بِالتَّمْرِ بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي رض وَلَا يسْتَثْنى من قَاعِدَة التَّحْرِيم لِأَن التَّحْرِيم الثَّابِت بِالْحَدِيثِ إِنَّمَا يرْتَفع عِنْد تَحْقِيق شَرط الْإِبَاحَة فمهما علمنَا انْتِفَاء الشَّرْط أَو لم نعلم وجوده حكمنَا بِالْبُطْلَانِ وَلَا فرق فِيهِ بَين مَا يفقد الشَّرْط لنعذره وَبَين مَا يفقد للإمتناع من إجرائه مَعَ تيسيره وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يَصح لتحق الْمُسَاوَاة فِي الْكَيْل وَهُوَ بَاطِل بِبيع الْحِنْطَة بالدقيق والسويق وَبيع الْحِنْطَة النيئة بالمقلية وَمِنْهَا إِذا بَاعَ مد عَجْوَة ودرهما بمدي عَجْوَة ونظائرهما لَا يَصح عندنَا

لِأَن تَحْرِيم رَبًّا الْفضل مَعْلُوم والمماثلة الَّتِي هِيَ طَرِيق الْخَلَاص غير مَعْلُومَة وَالْجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة وَمَا يقدره الْخصم من صرف الْجِنْس إِلَى خِلَافه تحكم لَا يقْضِي الْعقل بِهِ وَلَا تنبىء الصِّيغَة عَنهُ وَمِنْهَا أَن بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ بَاطِل عندنَا للْجَهْل بالمماثلة فِيمَا اعْتبرت فِيهِ الْمُمَاثلَة على مَا ذَكرْنَاهُ ورزانه بيع السمسم بالدهن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يَصح لِأَن تَحْرِيم البيع عندنَا بِانْتِفَاء الشُّرُوط الْمَذْكُورَة ثَبت مُسْتَثْنى من قَاعِدَة الْإِبَاحَة وَالْجَوَاز الثَّابِت بِحكم الأَصْل إِلَّا عِنْد يَقِين انْتِفَاء الشَّرْط فِي المعيار الشَّرْعِيّ حَالَة العقد

مسألة

مَسْأَلَة 2 الْعلَّة الْمُوجبَة لاشْتِرَاط الْقُيُود الْمَذْكُورَة فِي الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا عندنَا هِيَ الطّعْم لَا غير والجنسية مَحل التَّحْرِيم رَبًّا الْفضل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الْعلَّة فِي الْكَيْل تبع الجنسية فالجنسية عِنْده أحد وصفي الْعلَّة وَالْفرق بَين الْعلَّة وَمحل الْعلَّة أَن مَحل الْعلَّة مَا يُؤثر فِي نفس الْعلَّة ويقربها وَيظْهر أَثَرهَا فِيهِ كالإحصان فِي بَاب الزِّنَى فان الْعلَّة الْمُوجبَة للرجم هِيَ الزِّنَا نَفسه لكنه فِي اقْتِضَاء الرَّجْم يَسْتَدْعِي محلا وَهُوَ الْإِحْصَان وَلَيْسَ الْإِحْصَان أحد وصفي عِلّة الرَّجْم فان الْإِحْصَان مَنَاقِب وخصال محمودة ومعظمها لَا يحصل بِاخْتِيَارِهِ كالبلوغ وَالْحريَّة وَالْعقل والكمال لَا يُنَاسب الْعقُوبَة فَلَا يشْعر بهَا أصلا

وَكَذَلِكَ تَعْلِيق الْعتْق عِلّة وَوُجُود الصّفة مَحل لنفوذ التَّعْلِيق فَإِذا قَالَ السَّيِّد لعَبْدِهِ إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر فَدَخلَهَا عتق وَعلة الْعتْق وَمحل نُفُوذ الصّفة إِذا تحققت حَتَّى قَالَ أَبُو حنيفَة رض لَو شهد شُهُود على الزِّنَا وشهود على الْإِحْصَان وَشهد شُهُود على الْعتْق وَآخَرُونَ على الصّفة وَنفذ الْحَاكِم حكمه بِالْعِتْقِ وَالتَّعْلِيق ثمَّ رَجَعَ الشُّهُود فان الْغرم يجب على شُهُود الزِّنَا دون شُهُود الْإِحْصَان وَالصّفة وَهُوَ قَول الشَّافِعِي رض وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَة وَهِي أَن الْجِنْس بِانْفِرَادِهِ لَا يحرم النِّسَاء عِنْد الشَّافِعِي رض حَتَّى يجوز إِسْلَام الثَّوْب فِي جنسه من حَيْثُ إِنَّه لَا تحرم إِلَّا الْعلَّة وَلَا عِلّة للْأَحْكَام الثَّلَاثَة إِلَّا الطّعْم نعم كَانَت الجنسية مُعْتَبرَة محلا لِلْعِلَّةِ فِي رَبًّا الْفضل وَالْمحل بِانْفِرَادِهِ لَا يُؤثر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الجنسية تحرم رَبًّا النِّسَاء لِأَنَّهُ أحد وصفي الْعلَّة كَمَا أَن الْكَيْل أحد وصفي الْعلَّة ثمَّ الْكَيْل يَقْتَضِي تَحْرِيم رَبًّا النِّسَاء فَكَذَلِك الجنسية

مسألة

مَسْأَلَة 3 ذهب الْجُمْهُور من أَصْحَاب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن تَخْصِيص الحكم بِصفة من أَوْصَاف الشَّيْء يدل على نفي الحكم عَمَّا عدا مَحل الصّفة وَهُوَ الملقب بِالْمَفْهُومِ مِثَاله قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَائِمَة الْغنم زَكَاة فَدلَّ على نفي الحكم عَمَّا عَداهَا وتنزل الصّفة منزلَة الْعلَّة وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن عدُول صَاحب الشَّرْع عَن اللَّفْظ الْعَام وَهُوَ قَوْله فِي الْغنم زَكَاة إِلَى اللَّفْظ الْخَاص وَهُوَ قَوْله فِي سَائِمَة الْغنم زَكَاة لَا بُد وَأَن يكون لفائدة وَلَا فَائِدَة إِلَّا نفي الحكم عَمَّا عدا مَحل

الصّفة وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض وَطَائِفَة من أَصْحَابنَا إِلَى منع ذَلِك وَاحْتَجُّوا بَان الصّفة تجْرِي مجْرى الْعلم إِذْ الْمَقْصُود من الصّفة الْإِبَانَة عَن الْمَوْصُوف والتمييز بَينه وَبَين غَيره كَمَا أَن الْمَقْصُود من الِاسْم هُوَ الْإِبَانَة عَن الْمُسَمّى وتمييزه عَن غَيره ثمَّ تَعْلِيق الحكم فَكَذَا تَعْلِيق الحكم بِالصّفةِ

وَيتَفَرَّع من هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِذا بَاعَ نَخْلَة قبل أَن تؤبر فثمرتها تندرج تَحت البيع عندنَا وَلَا تندرج بعد التَّأْبِير لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من بَاعَ نَخْلَة بعد إِن تؤبر فثمرتها للْبَائِع إِلَّا أَن يشترطها الْمُبْتَاع // الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ دلّ مَفْهُومه على أَنَّهَا

إِذا كَانَت غير مؤبرة لَا تكون لبائع ليَكُون التَّخْصِيص مُفِيدا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا تندرج فِي الْحَالين لِأَن تَخْصِيص أحد الْقسمَيْنِ سكُوت عَن الْقسم الآخر وَالسُّكُوت لَا دلَالَة لَهُ وَمِنْهَا أَن الْوَاجِد لطول الْحرَّة لَا يجوز لَهُ نِكَاح الْأمة عندنَا لمَفْهُوم قَوْله تَعَالَى {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} وَمِنْهَا أَن نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة غير جَائِز عندنَا لمَفْهُوم قَوْله تَعَالَى {من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} خص الْأمة المؤمنة بِالذكر

وَعِنْده جَائِز لما ذَكرْنَاهُ وَمِنْهَا أَن المبتوتة لَا نَفَقَة لَهَا إِذا كَانَت حَائِلا لِأَن الله تَعَالَى خص الْحَامِل بِالذكر فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ} وَهَذَا وصف لَهَا فَانْتفى الحكم عَن غَيرهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى حَامِلا كَانَت أَو حَائِلا وَمِنْهَا أَن أَخذ الْجِزْيَة من غير أهل الْكتاب لَا يجوز عندنَا لمَفْهُوم قَوْله تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يحرمُونَ مَا حرم الله وَرَسُوله وَلَا يدينون دين الْحق من الَّذين أُوتُوا الْكتاب}

خص أهل الْكتاب وَعِنْده يجوز أَخذهَا من عَبدة الْأَوْثَان من غير أهل الْكتاب

مسالة

مسالة 4 زعم أَصْحَاب أبي حنيفَة رض أَن التَّصَرُّفَات الحسية تَنْقَسِم إِلَى صَحِيحَة ومشروعة وباطلة وممنوعة وفاسدة ومشروعة بأصلها مَمْنُوعَة بوصفها وعنوا بِالصَّحِيحِ مَا يُفِيد حكمه الْمَوْضُوع لَهُ وبالباطل مَا لَا يُفِيد حكمه الْمَوْضُوع لَهُ وبالفاسد مَا يُفِيد حكمه من وَجه دون وَجه وَذهب أَصْحَاب الشَّافِعِي رض إِلَى إِنْكَار الْقسم الثَّالِث وَلم يفرقُوا بَين الْفَاسِد وَالْبَاطِل وَأعلم أَن هَذَا أصل عظم اخْتِلَاف الفئتين وَطَالَ فِيهِ نظر الْفَرِيقَيْنِ وَهُوَ على التَّحْقِيق نزاع لَفْظِي ومراء جدلي فان مُرَاد الْقَوْم من هَذَا التَّقْسِيم أَن التَّصَرُّفَات تَنْقَسِم إِلَى مَا نهى الشَّرْع عَنْهَا لِمَعْنى يرجع إِلَى ذَاتهَا بِسَبَب اخْتِلَاف ركن من أَرْكَانهَا كَبيع الْحر

وَالْميتَة وَالدَّم إِلَى مَا نهي عَنهُ لَا لذاته بل لأمر يرجع إِلَى شُرُوطهَا وتوابعها وأوصافها وَأُمُور تقارنها كَالْبيع إِلَى أجل مَجْهُول وَالْبيع بِالْخمرِ وَالْخِنْزِير ونظائرها فَإِن الأول مَعْلُوم الْبطلَان بِدلَالَة قَاطِعَة وَالثَّانِي مظنون الْبطلَان بِدلَالَة ظنية اجتهادية وَلِهَذَا أختلف الصَّحَابَة رض الله عَنْهُم فِيهِ وَبدل على الْفرق بَينهمَا أَن الأول لَا يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد لَو حكم الْحَاكِم بنفاذه لم ينفذ حكمه وَالثَّانِي يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد حَتَّى لَو قضى قَاض بِجَوَازِهِ نفذ حكمه وَصَحَّ وَإِن لم يكن صَحِيحا من قبل الْحَاكِم فَخص أَبُو حنيفَة رض أسم الْبَاطِل بِمَا ثَبت إلغائه شرعا بِدلَالَة قَاطِعَة وَاسم الْفَاسِد بِمَا ثَبت إلغاؤه بِدلَالَة ظنية وَهَذَا كمصيرهم إِلَى الْفرق بَين الْوَاجِب وَالْفَرْض وَقَوْلهمْ أَن الْفَرْض مَا ثَبت بِدلَالَة قَاطِعَة وَالْوَاجِب مَا ثَبت بِدلَالَة ظنية فَإنَّا نساعدهم على الانقسام الْمَعْنَوِيّ وَأَن نازعناهم فِي الْعبارَة وَقد نَص الشَّافِعِي رض على جنس هَذَا التَّصَرُّف فانه قَالَ فِي غير مَوضِع إِن كَانَ النَّهْي لأمر يرجع إِلَى عين الْمنْهِي عَنهُ دلّ على فَسَاده وان كَانَ لأمر يرجع إِلَى غَيره لَا يدل على فَسَاده فالتفرقة بَين الْقسمَيْنِ مُتَّفق عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يرجع النزاع إِلَى أَن فَسَاد الْوَصْف الْمُقَارن هَل يلْحق

بِفساد الأَصْل فِي سَائِر أَحْكَامه وآثاره أم لَا فالشافعي رض ألحق فَسَاد الْوَصْف بِفساد الأَصْل وَأَبُو حنيفَة رض فرق بَينهمَا وَعند هَذَا لَا بُد من التَّنْبِيه لدقيقة وَهِي أَن الْوَصْف الْمُقَارن للتَّصَرُّف قد يكون مجاورا لَهُ غير لَازم لذات كَالْبيع فِي وَقت النداء وَحَيْثُ الْحق الشَّافِعِي رض فَسَاد الْوَصْف بِفساد الأَصْل إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْقسم الأول دون الثَّانِي ويفرع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن البيع الْفَاسِد لَا ينْعَقد عندنَا وَلَا يُفِيد الْملك أصلا وَعِنْدهم ينْعَقد ويفيد الْملك إِذْ أتصل بِهِ الْقَبْض وَصورته مَا إِذا بَاعَ درهما بِدِرْهَمَيْنِ أَو شَرط أَََجَلًا مَجْهُولا أَو خيارا زَائِدا أَو الشَّرْط أَن لَا يسلم أَو بَاعَ بِخَمْر أَو خِنْزِير وَإِن كل ذَلِك فَاسد لَيْسَ

بباطل حَتَّى يَتَرَتَّب الْملك عَلَيْهِ عِنْد جَوَاز الْقَبْض وَمِنْهَا أَن الْإِجَارَة الْفَاسِدَة لَا تفِيد ملك الْمَنَافِع عندنَا وَعِنْدهم تَنْعَقِد وتملك الْمَنَافِع بِحكم العقد وَمِنْهَا أَن بيع الْمُكْره وإجارته لَا ينعقدان عندنَا وَعِنْدهم ينْعَقد ويتوقف نُفُوذه على الرضى وَيلْحق هَذَا الأَصْل قَوْلنَا إِن العَاصِي بسفر لَا يترخص ترخص الْمُسَافِرين عندنَا لكَون السّفر مَمْنُوعًا عَنهُ وَعِنْدهم يترخص لِأَن الْمَمْنُوع وَصفه دون أَصله

مسالة

مسالة 5 الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الدَّلِيل على نفي الحكم أَو بَقَاء مَا هُوَ ثَابت بِالدَّلِيلِ وَهُوَ الملقب بالاستصحاب حجَّة على الْخصم عِنْد أَصْحَاب الشَّافِعِي رض وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بَان جاحدي الرُّسُل ونفاة النبوات لَا يكلفون دَلِيلا على النَّفْي بل إِقَامَة الدَّلِيل على صِحَة النُّبُوَّة على الْأَنْبِيَاء وَلَو لم يكن عدم الدَّلِيل حجَّة للنافي لطولبوا بِالدَّلِيلِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم يطعمهُ إِلَّا أَن يكون ميتَة أَو دَمًا مسفوحا أَو لحم خِنْزِير} فَإِنَّهُ احتجاج بِعَدَمِ الدَّلِيل وَلِأَن النَّافِي متمسك بِالْعدمِ والعدم غير مُحْتَاج إِلَى الدَّلِيل فينعدم الحكم لعدم دَلِيله

وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَنه لَيْسَ بِحجَّة على الْخصم مُطلقًا وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن حَاصِل الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الدَّلِيل آيل إِلَى الْجَهْل بِالدَّلِيلِ إِذْ لَا سَبِيل لأحد من الْبشر على حصر الدَّلَائِل أجمع بل يجوز أَن يعلم انسان دَلِيلا يجهله غَيره لتَفَاوت النَّاس فِي الْعلم فَكَانَ الْمُتَعَلّق بِعَدَمِ الدَّلِيل مُتَعَلقا بِالْجَهْلِ وَالْجهل لَا يكون حجَّة على أحد بل يكون عذرا لَهُ فِي الِامْتِنَاع عَن الحكم وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الصُّلْح على الْإِنْكَار بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن الله تَعَالَى خلق الذمم بَريَّة عَن الْحُقُوق فَثَبت بَرَاءَة ذمَّة الْمُنكر بِخلق الله عز وَجل وَلم يقم الدَّلِيل على شغل ذمَّته فَلَا يجوز شغلها بِالدّينِ فَلَا يَصح الصُّلْح

وَعِنْدهم يَصح لِأَن عدم الدَّلِيل لَيْسَ بِحجَّة لإبقاء مَا ثَبت بِالدَّلِيلِ فَيجوز شغل ذمَّته بِالدّينِ فَيصح الصُّلْح وَمِنْهَا أَن الْكَلْب الْمعلم إِذا أكل من فريسته مرّة وَاحِدَة لم تحرم تِلْكَ الفريسة على أحد الْقَوْلَيْنِ عندنَا وَلم يحرم مَا مضى من فريسته قولا وَاحِدًا استصحابا للْحلّ الثَّابِت قبل الْأكل فَإِنَّهُ ثَابت يَقِينا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يحرم الْجَمِيع فَإِن علمه أَمر خَفِي لَا يطلع عَلَيْهِ فَيعْتَبر السَّبَب الظَّاهِر الْمظهر لَهُ وَهُوَ الإمتناع عَن الْأكل إِذْ بِهِ ظهر الْعلم فالإقدام على الْأكل يظْهر ضِدّه وَهُوَ الْجَهْل فَأَنَّهُ السَّبَب الظَّاهِر الْمظهر لَهُ وَمِنْهَا أَنه لَا يقْضى على الناكل بِمُجَرَّد نُكُوله بل يعرض الْيَمين

على الْمُدَّعِي عندنَا لِأَن الأَصْل أَن لَا يحكم إِلَّا بِمَا يعلم أَو يظنّ ظنا يُقَارب الْعلم فَإِذا أعوز بَقينَا على النَّفْي استصحابا للبراءة الْأَصْلِيَّة وَعِنْدهم يقْضى بِهِ تَنْزِيلا للامتناع عَن الْحجَّة مقَام نفس الْحجَّة بِنَاء على الْقَرَائِن المطرحة شرعا فِي إِثْبَات الْحُقُوق ونفيها وَمِنْهَا إِذا تداعى رجلَانِ دَارا فِي يَد ثَالِث وَأقَام كل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة على أَن الْملك فِي جَمِيع الدَّار لَهُ تَعَارَضَت الْبَيِّنَتَانِ وتساقطتا وَصَارَ كَانَ لَا بَيِّنَة عندنَا وتقر الدَّار بيد الثَّالِث تمسكا بالاستصحاب وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض تسْتَعْمل الْبَيِّنَتَانِ وتقسم بَينهمَا وَمِنْهَا أَن التَّدْبِير الْمُطلق لَا يمْنَع البيع عندنَا لِأَن البيع

كَانَ جَائِزا قبل التَّدْبِير وَلَا معنى للتدبير إِلَّا تعلق عتق بِالْمَوْتِ فَهُوَ كَقَوْلِه إِن مت فِي مرضِي هَذَا فَأَنت حر وَعِنْدهم يمْنَع لِأَنَّهُ اسْتِحْقَاق عتق بعد الْمَوْت فَأشبه الِاسْتِيلَاء وَمِنْهَا إِن أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا أعتق نصِيبه من العَبْد الْمُشْتَرك وَكَانَ الْمُعْتق مُعسرا عتق نصِيبه وَبَقِي الْبَاقِي على ملك مَالِكه كَمَا كَانَ وَلَا يستسعى العَبْد فِي أَدَاء قيمَة بَاقِيَة عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَنَّهُ لم يتَحَقَّق مِنْهُ صَنِيع يَسْتَدْعِي وجوب الضَّمَان عَلَيْهِ وَوُجُوب الْقيمَة فَمَا إِذا كَانَ الشَّرِيك الْمُعْتق مُوسِرًا ثَبت نصا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يستسعى العَبْد فِي أَدَاء قيمَة بَاقِيَة لِأَن الْإِعْتَاق لَا يتَجَزَّأ وَقد احْتبسَ حق الشَّرِيك عِنْده فَتجب عَلَيْهِ السّعَايَة وَإِن لم يُوجد مِنْهُ صَنِيع كَالثَّوْبِ إِذا وَقع فِي صبغ

إِنْسَان فانصبغ بِهِ فانه يجب على رب الثَّوْب ضَمَان الصَّبْغ لاحتباس ملكه عِنْده وان لم يُوجد مِنْهُ جِنَايَة وَمِنْهَا أَن الدِّيَة لَا تكمل فِي الشُّعُور الْخمس عندنَا وَهِي شعر الرَّأْس واللحية والحاجبين والأهداب والشاربين بل حُكُومَة عدل لن الأَصْل أَن لَا يجب كَمَال الدِّيَة بِإِتْلَاف الْبَعْض غير أَن الشَّرْع علق كل الدِّيَة بِإِتْلَاف الطّرف لِأَنَّهُ تَفْوِيت مَنْفَعَة الْجِنْس فَيصير الشَّخْص كالهالك فِي حق ملك الْمَنْفَعَة والشعور لَيست من هَذَا الْقَبِيل فَبَقيَ على الأَصْل وَهُوَ امْتنَاع كَمَال الدِّيَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض فِي كل وَاحِد مِنْهَا دِيَة كَامِلَة

إِذا فسد المنبت لِأَنَّهُ فَاتَ بِهِ الْجمال على الْكَمَال فَيجب فِيهِ دِيَة كَامِلَة كَمَا فِي الْأذن ومارن الْأنف

مسألة

مَسْأَلَة 6 لَا حجَّة فِي قَول الصَّحَابِيّ على انْفِرَاده عِنْد الشَّافِعِي رض وَلَا يجب على من بعد تَقْلِيده وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} أَمر بِالِاعْتِبَارِ دون التَّقْلِيد وَلِأَن الصَّحَابِيّ لم تثبت عصمته والسهو والغلط جائزان عَلَيْهِ فَكيف يكون قَوْله حجَّة فِي دين الله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض هُوَ حجَّة تقدم على الْقيَاس إِذا لم يُخَالِفهُ أحد من نظرائه

وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ أهدتيتم // ذكره ابْن عبد الْبر بِإِسْنَاد فِيهِ الْحَارِث بن غصين بَين أَن فِي الإقتداء بهم اهتداء وَلِأَن اجْتِهَاد الصَّحَابِيّ أقرب إِلَى الصَّوَاب من اجْتِهَاد غَيره لما خصوا بِهِ من الدرجَة الزَّائِدَة لمشاهدة الْوَحْي وقربهم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَيف وَأَن الظَّاهِر من حَاله أَن لَا يَقُول مَا قَالَه إِلَّا سَمَاعا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا سِيمَا فِي مَا يُخَالف الْقيَاس وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسالة الْعينَة وَهِي السّلف وَصورتهَا مَا إِذا اشْترى مَا بَاعَ بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ قبل نقد الثّمن فانه صَحِيح عِنْد الشَّافِعِي رض طردا للْقِيَاس الْجَلِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يفْسد العقد الْأَخير لقَوْل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا حَيْثُ أخْبرت أَن زيد بن أَرقم أبتاع عبدا من

امْرَأَة بِأَلف دِرْهَم إِلَى أجل ثمَّ ابتاعته مِنْهُ بِخَمْسِمِائَة حَالَة بئْسَمَا بِعْت وبئسما اشْتريت أَخْبرنِي زيد أَنه أبطل جهاده مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَن يَتُوب فَأخذ بِهِ أَبُو حنيفَة رض وَترك

الْقيَاس

مسالة

مسالة 7 المعدول عَن الْقيَاس يجوز أَن يُقَاس عَلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ عِنْد الشَّافِعِي رض وَاحْتج فِي ذَلِك أَن الْقيَاس يعْتَمد فهم الْمَعْنى وَقد تحقق ذَلِك هُنَا فَإنَّا لَا نجوز التَّعْلِيل والتعدية إِلَّا عِنْد ظُهُور الْمَعْنى فِي الأَصْل الْمُسْتَثْنى عَن الْقيَاس الْعَام فِي الْفَرْع الملحق بِهِ أقْصَى مَا فِي الْبَاب أَن الأَصْل الْمُسْتَثْنى مُخَالف لأصل آخر فَأن خَالف أصلا آخر لَا يمْتَنع تَعْلِيله والحاق غَيره بِهِ والسر فِيهِ هُوَ أَن قَوَاعِد الشَّرْع بأسرها تتلاقى فِي قضايا عَامَّة لَكِن كل قَاعِدَة انْفَرَدت بخاصية تخَالف خاصية الْقَاعِدَة الْأُخْرَى وَتلك الخصائص مبناها على التغاير وَالِاخْتِلَاف إِذْ لَو قُلْنَا إِن الخصائص بأسرها شَيْء وَاحِد لجعلنا الْمُبَاحَات مُبَاحا وَاحِدًا وَذهب الْحَنَفِيَّة إِلَى منع الْقيَاس على الْخَارِج عَن الْقيَاس وَاحْتَجُّوا بِأَن ركن الْقيَاس فهم الْمَعْنى فِي الأَصْل الْمَقِيس عَلَيْهِ والمعدول عَن الْقيَاس لَيْسَ كَذَلِك وَهَذَا فَاسد لما ذكرنَا

وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ والسلعة هالكة فِي يَد المُشْتَرِي أَو خرجت من ملكه أَو صَارَت بِحَال لَا يقدر على ردهَا بِالْعَيْبِ يَتَحَالَفَانِ عِنْد الشَّافِعِي رض ويترادان الْقيمَة لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يَدعِي عقدا غير العقد الَّذِي يَدعِيهِ صَاحبه فَيحلف كل وَاحِد على نفي دَعْوَى صَاحبه كَمَا فِي حَال قيام السّلْعَة وَعِنْدهم لَا يَتَحَالَفَانِ لِأَن التَّحَالُف على الْقَبْض على وفَاق من حَيْثُ إِن البَائِع يَدعِي زِيَادَة على ألف وَالْمُشْتَرِي ينكرها وَالْمُشْتَرِي يَدعِي وجوب التَّسْلِيم عِنْد أَدَاء الْألف وَالْبَائِع يُنكره فيتحالفان أما بعد الْقَبْض فالتحالف على خلاف الْقيَاس فَلَا يلْتَحق بِهِ حَال هَلَاك السّلْعَة وَمِنْهَا أَن مَا دون أرش الْمُوَضّحَة تتحمله الْعَاقِلَة عِنْد الشَّافِعِي

رَضِي الله عَنهُ لبدل النَّفس وَبدل الْجِنَايَة على الْأَطْرَاف لِأَن الْمَقَادِير مُتَسَاوِيَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجِنَايَة وَالنِّسْبَة إِلَى الْعَاقِلَة فَالْحكم بالتخصيص محَال وَعِنْدهم لَا يضْرب على الْعَاقِلَة لِأَن أصل الضَّرْب على الْعَاقِلَة خَارج عَن الْقيَاس إِذْ الأَصْل أَن كل جَان يخْتَص بِمُوجب جِنَايَته وَأَن لَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى فتحميل أرش الْمُوَضّحَة على الْعَاقِلَة خَارج عَن هَذَا الْقيَاس فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ مَا دونه

مسالة

مسالة 8 ذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى إِن الْإِيجَاب وَالْقَبُول لَهُ حكمان أَحدهمَا الِانْعِقَاد وَهُوَ مقترن بهما وَمَعْنَاهُ الارتباط الْحَاصِل من الْخطاب وَالْجَوَاب وَالثَّانِي زَوَال الْملك وَهُوَ حكم مُنْفَصِل عَن الِانْعِقَاد وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بَان الِانْعِقَاد على تجرده مَعْقُول فِي نَفسه مُحَقّق فِي مسَائِل كالعقد فِي مُدَّة الْخِيَار وَالْهِبَة قبل الْقَبْض فَإِنَّهَا منعقدة وَلم يتأثر الْمحل بهَا وَلَا معنى لانعقادهما إِلَّا تعلق الْإِيجَاب وَالْقَبُول على نهج الْخطاب وَالْجَوَاب وإنتهاض ذَلِك سَببا للْملك إِذا وجد شَرطه وَهُوَ الْقَبْض قَالُوا وَإِذا ثَبت انهما حكمان منفصلان فَلَا يعْتَبر فِي الِانْعِقَاد إِلَّا أَهْلِيَّة الْخطاب وَالْجَوَاب فمهما صدر الْإِيجَاب وَالْقَبُول من أهلهما

وصادفا محلا قَابلا لحكمهما ثَبت الِانْعِقَاد أما زَوَال الْملك فينبني على الْولَايَة على الْمحل وَالشَّافِعِيّ رض أنكر هَذَا الانقسام وَلم يثبت للانعقاد معنى سوى كَون العقد مُفِيد الحكم الَّذِي وضع لَهُ وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن قَالَ الْإِيجَاب وَالْقَبُول وضعا سَببا لزوَال الْملك فِي الْمحل الْمَمْلُوك إِذا صدر من الْمَالِك الْوَالِي على الْمحل فَلَا معنى للانعقاد بِدُونِهِ لتوزيع الْأَسْبَاب على الْأَحْكَام وَهَذَا بِخِلَاف الْهِبَة وَالرَّهْن فَإِنَّهَا شرعت على تِلْكَ الْوُجُوه فتلقيت كَمَا شرعت وَوضعت وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْفُضُولِيّ إِذا بَاعَ مَال الْغَيْر لَغَا بَيْعه وَلم ينفذ

بِالْإِجَازَةِ عندنَا وَعِنْدهم ينفذ وَكَذَا إِذا أجر ملك الْغَيْر أَو وهبه أَو زوج موليه الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه لَا ينْعَقد عندنَا وَينْعَقد عِنْده وَينفذ بِالْإِجَازَةِ وَمِنْهَا إِن تَصَرُّفَات الصَّبِي بَاطِلَة عندنَا وَعبارَته لاغية فِيهَا وَعِنْدهم يَصح نفوذها على إجَازَة الْوَلِيّ

مسألة

مَسْأَلَة 9 ذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن جَوَاز بيع الْأَعْيَان يتبع الطَّهَارَة أَي تكون الطَّهَارَة فِيهِ شرطا من جملَة الشُّرُوط فَمَا كَانَ طَاهِرا جَازَ بَيْعه عِنْد وجود الشَّرَائِط وَمَا لَا فَلَا وَاحْتج فِي ذَلِك بَان النَّجس وَاجِب الاجتناب مَنْهِيّ الاقتراب وَالْبيع وَسِيلَة إِلَى الاقتراب وَقَالَ أَبُو حنيفَة جَوَاز البيع يتبع الِانْتِفَاع فَكل مَا كَانَ مُنْتَفعا بِهِ جَازَ بَيْعه وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْأَعْيَان خلقت لمنافع الْآدَمِيّ قَالَ الله تَعَالَى {خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} فَكل مَا كَانَ مُتَعَلق مَنْفَعَة الْآدَمِيّ كَانَ محلا للْبيع قَالَ وَلَا يلْزم على هَذَا الْخمر وَالْخِنْزِير وعذرة الْآدَمِيّ وَالْجَلد قبل

الدّباغ والودك النَّجس فَإِن عندنَا لَا يجوز الِانْتِفَاع بِشَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء فلأجله أمتنع بيعهَا وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْكَلْب الْمعلم لَا يجوز بَيْعه عندنَا وَلَا يضمن بِالْإِتْلَافِ كَسَائِر الْأَمْوَال لِأَنَّهُ نجس وَعِنْدهم يجوز بَيْعه وَيضمن بِالْإِتْلَافِ كَسَائِر الْأَمْوَال وَمِنْهَا أَن بيع لبن الآدميات جَائِز عندنَا لطهارته وَعِنْدهم لَا يجوز لِأَن الِانْتِفَاع بِهِ ضَرُورَة فيتقدر بِقدر الضَّرُورَة وَلَا يقبل نقل الِاخْتِصَاص إِلَى غير مَحَله وَلِهَذَا لَا يضمن بِالْإِتْلَافِ وَمِنْهَا أَن بيع السرقين لَا يجوز عندنَا لنجاسته

وَيجوز عِنْدهم لِأَنَّهُ منتفع بِهِ فِي تسميد الأَرْض وَغَيره وَمِنْهَا أَن بيع خمور أهل الذِّمَّة فِيمَا بَينهم بَاطِل عندنَا لنجاستها وَيصِح عِنْدهم لجَوَاز الِانْتِفَاع بهَا فِيمَا بَينهم وَلذَلِك يضمن بِالْإِتْلَافِ

مسألة

مَسْأَلَة 10 اخْتلف الْعلمَاء فِي مورد عقد النِّكَاح مَا هُوَ فَذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن مورده الْمَنَافِع أَعنِي مَنَافِع الْبضْع وَاحْتج فِي ذَلِك بأمرين أَحدهمَا أَنَّهَا المستوفاة بِحكم العقد والاستحقاق إِنَّمَا يُرَاد للاستيفاء والمستوفى هُوَ الْمَنَافِع فَكَانَ الْمُسْتَحق هُوَ الْمُسْتَوْفى وَالثَّانِي إِن الله تَعَالَى سمى الْعِوَض أجرا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} وَالْأَجْر إِنَّمَا يسْتَحق فِي مُقَابلَة الْمَنْفَعَة كَمَا أَن الثّمن إِنَّمَا يسْتَحق فِي مُقَابلَة الْعين وَذهب أَبُو حنيفَة رض إِلَى أَن مورده الْعين الموصوفة بِالْحلِّ وَحكمه ملك الْعين وَاحْتج فِي ذَلِك بِأُمُور أَرْبَعَة أَحدهَا إِضَافَة الْحل إِلَى ذَات الْمَنْكُوحَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم}

وَثَانِيها أَنه لَو كَانَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ الْمَنَافِع لما صَحَّ نِكَاح الطفلة الرضيعة كَمَا لَا يَصح عقد الْإِجَارَة على نهر صَغِير وَلَا جحش وَلَا أَرض سبخَة وَثَالِثهَا أَن عقد النِّكَاح على التَّأْبِيد وَالْعقد على الْمَنَافِع لايتأبد وَرَابِعهَا أَن الْمهْر يسْتَقرّ بوطأة وَاحِدَة وَلَو كَانَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ الْمَنَافِع لكَانَتْ الْوَطْأَة الْوَاحِدَة بِمَثَابَة سُكْنى لَحْظَة وَاحِدَة فِي عقد الْإِجَارَة فَإِنَّهُ لايستحق بِهِ من الْأُجْرَة إِلَّا بِقدر مَا يَخُصُّهُ وَمِنْهُم من قَالَ مورده الْمَنْفَعَة لَكِن مَنْفَعَة الْبضْع أخذت حكم الْأَجْزَاء والأعيان فَصَارَ حكمهَا حكم أَجزَاء الْآدَمِيّ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن وَطْء السَّيِّد لَا يمْنَع الرَّد بِالْعَيْبِ عندنَا لِأَنَّهُ اسْتِيفَاء مَنْفَعَة وَيمْنَع عِنْدهم لِأَنَّهُ فِي حكم جُزْء حَبسه عِنْده وَامْتنع عَلَيْهِ رد الأَصْل

وَمِنْهَا أَن النِّكَاح لَا ينْعَقد عندنَا إِلَّا بِلَفْظ التَّزْوِيج والإنكاح وَهُوَ اللَّفْظ الْمَوْضُوع شرعا لتمليك هَذَا الْجِنْس من الْمَنْفَعَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض ينْعَقد بِلَفْظ البيع وَالْهِبَة وكل لفظ يدل على ملك الذَّات وَقد تقدم ذكرهَا فِي مسَائِل الْعِبَادَات وَمِنْهَا أَن الْخلْوَة الصَّحِيحَة لَا تقرر الْمهْر عندنَا لِأَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ الْمَنْفَعَة وَضَمان الْمَنَافِع يعْتَمد تلفهَا تَحت يَد من عَلَيْهِ الْبَدَل وَمَنَافع الْبضْع لَا تدخل تَحت الْيَد لِأَنَّهَا لَيست بِمَال وَلَا تقبل وَيَد الْغَاصِب لَا تمنع من التَّزْوِيج وَمَا لَا يدْخل تَحت الْيَد يكون ضَمَانه بِالْإِتْلَافِ كبدل الْحر حَتَّى قَالَ أَصْحَابنَا إِن الْبَدَل لَا يَتَقَرَّر باستئجار الْحر بالتمكين وَإِنَّمَا يَتَقَرَّر بِالِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ الَّذِي أختاره الْقفال وَعِنْدهم يَتَقَرَّر لِأَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ عين الْمَرْأَة وَقد سلمت نَفسهَا

وَمِنْهَا أَن النِّكَاح يَنْفَسِخ بالعيوب الْخَمْسَة عندنَا لِأَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ الْمَنْفَعَة فيدخلها الْفَسْخ كَمَا فِي الْإِجَارَة وَعِنْدهم لَا يَنْفَسِخ لِأَن إِثْبَات الْملك فِي الْعين كَانَ ضَرُورِيًّا إِذْ الْحُرِّيَّة تنَافِي المملوكية فَيقدر بِقدر الضَّرُورَة والضرورة قد اندفعت بِإِثْبَات الطَّلَاق وَالْفَسْخ توسع فِي مَحل الضَّرُورَة فَيمْتَنع وَمِنْهَا أَن الْخلْع فسخ عندنَا على القَوْل الْمَنْصُور فِي الْخلاف وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه طَلَاق وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رض لِأَن مورد عقد النِّكَاح فِي حكم أَجْزَائِهَا وَهِي حرَّة وَملك الْجُزْء الضَّرُورِيّ لَيْسَ بِأَصْل وَالْفَسْخ توسع

وَمِنْهَا أَن السَّيِّد لَا يجْبر عَبده على النِّكَاح عندنَا لِأَن مورد عقد النِّكَاح مَنْفَعَة الْبضْع وَهِي مَمْلُوكَة من الْأمة دون العَبْد وَعِنْدهم يجْبر لِأَن مورد عقد النِّكَاح فِي إِجْبَار أمته ملك الْعين وَهُوَ مَوْجُود فِي العَبْد وَمِنْهَا إِن الْوَطْء فِي الْعتْق الْمُبْهم لَا يكون تعيينا عندنَا لِأَنَّهُ اسْتِيفَاء مَنْفَعَة كالاستخدام وَعِنْدهم يكون تعيينا لِأَنَّهُ فِي حكم اسْتِيفَاء جُزْء على مَا سبق فِي مسَائِل السّلم

مسألة

مَسْأَلَة 11 مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن مُوجب عُقُود الْمُعَاوَضَات التَّسْوِيَة بَين الْعِوَض والمعوض ذاتا ووصفا وَحكما أما ذاتا فبأن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مَالا وَأما وَصفا فبأن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا جَائِز أَن يكون حَالا ومؤجلا ودينا وعينا وَأما حكما فبأن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا ركنا مَقْصُودا بِالْعقدِ وَاحْتج فِي ذَلِك باستواء الْعَاقِدين فِي منَاط اسْتِحْقَاق النّظر لَهما وَوُجُوب رفع الضَّرَر عَنْهُمَا وَكَون العقد مَشْرُوعا لمصلحتهما وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض إِن الْمَبِيع ركن العقد وَالثمن

حكم العقد وعنوا بقَوْلهمْ ركن العقد أَن وجود العقد بِدُونِهِ لَا يتَصَوَّر لِأَنَّهُ مَحل إِضَافَة الصِّيغَة إِلَيْهِ بِخِلَاف الثّمن فانه غير دَاخل فِي حَقِيقَة العقد بل هُوَ حكم العقد وموجبه كَمَا أَن الْمَوْهُوب ركن الْهِبَة وَالثَّوَاب حكمهَا وموجبها وَإِنَّمَا يجب تَسْلِيمه تَحْقِيقا للمساواة بَين الْعِوَضَيْنِ فان ملك المُشْتَرِي مُتَعَيّن فِي البيع فَيجب أَن يتَعَيَّن ملك البَائِع بِالتَّسْلِيمِ وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن قَالَ تساعدنا على أَن الْعَجز عَن تَسْلِيم الثّمن لَا يمْنَع صِحَة العقد حَتَّى يَصح شري الْمُفلس وشري العَبْد الْمَأْذُون وَتَصِح الْكِتَابَة الْحَالة مَعَ تَيَقّن الْعَجز بِخِلَاف الْمَبِيع فَأَنَّهُ ركن العقد وَيشْتَرط الْقُدْرَة على تَسْلِيمه حَتَّى لَو بَاعَ أبقا لَا يَصح وَجوز الْكِتَابَة الْحَالة بِنَاء عَلَيْهِ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِن السّلم فِي الدّين الْحَال صَحِيح عندنَا تَسْوِيَة

بَين الْعِوَض والمعوض وَلَا يَصح عِنْدهم تَفْرِقَة بَينهمَا وَمِنْهَا أَن السّلم فِي الْحَيَوَان صَحِيح عندنَا لِأَنَّهُ جَازَ أَن يكون ثمنا فَجَاز أَن يكون مثمنا وَعِنْدهم لَا يَصح تَفْرِقَة بَين الْمَبِيع وَالثمن وَمِنْهَا أَن السّلم فِي الْمُنْقَطع جنسه لَدَى العقد الْمَعْلُوم وجوده لَدَى الْمحل صَحِيح عندنَا تَسْوِيَة بَين الثّمن والمثمن فَإِنَّهُم يسلمُونَ أَنه لَو بَاعَ بمكيل أَو مَوْزُون وَكَانَ مُنْقَطع الْجِنْس فِي الْحَال مَوْجُودا عِنْد الْمحل صَحَّ وَالسّلم بيع الْمكيل وَالْمَوْزُون إِلَى اجل وَلَا فرق بَين الْمَبِيع بالمكيل وَبَين بيع الْمكيل فَإِذا لم يمْنَع انْقِطَاع الْجِنْس أَحدهمَا لَا يمْنَع الثَّانِي وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا يَصح بِنَاء على الْفرق الَّذِي

قدمْنَاهُ من أَن الثّمن حكم العقد وَالْعجز عَن تَسْلِيمه لَا يمْنَع صِحَة العقد وَنحن نقُول هما ركنان فِي العقد كَمَا تقرر ونمنع شري العَبْد الْمَأْذُون وشري الْمُفلس للعجز عَن التَّسْلِيم وَكَذَلِكَ منعنَا الْكِتَابَة الْحَالة وَمِنْهَا إفلاس المُشْتَرِي بِالثّمن يثبت للْبَائِع حق الْفَسْخ إِذا كَانَ الْمَبِيع قَائِما تَسْوِيَة بَين الْعِوَض والمعوض وَعِنْدهم لَا يثبت لما ذَكرْنَاهُ ووافقوا فَمَا قبل الْقَبْض وَمِنْهَا أَن النُّقُود تتَعَيَّن فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات عندنَا حَتَّى يمْتَنع إبدالها وينفسخ العقد بتلفها لِأَن حكم العقد تعين الثّمن لتعين الْمُثمن وَإِنَّمَا جوز كَون الثّمن فِي الذِّمَّة تيسيرا وتسهيلا وَعِنْدهم لَا يتَعَيَّن الثّمن لِأَن حكم العقد ووجوده

بِوُجُوبِهِ فِي الذِّمَّة بِخِلَاف الْمَبِيع على مَا سبق نعم هَذِه الْمَالِيَّة لَا يُمكن إيصالها إِلَى الْمَالِك إِنَّمَا إيصالها بتعين أشكال الدَّرَاهِم فَكَانَ اشكال الدَّرَاهِم معيارا لماليتها ومكيالا لَهَا وَالْمَطْلُوب مِنْهَا معنى لَا يُنَاسب الِاخْتِصَاص وَكَانَت الْإِشَارَة إِلَيْهَا هِيَ الْإِشَارَة إِلَى المعيار وَالْمِيزَان فانه يجب إلغاؤه وَمن فروع الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة وَهِي مَا إِذا تزوج امْرَأَة على دَرَاهِم أَو دَنَانِير وَدفعهَا إِلَيْهَا فوهبتها لَهُ ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول فَإِنَّهُ لَا يرجع عَلَيْهَا عندنَا لِأَنَّهَا تعيّنت بقبضها وَقد رجعت إِلَى الزَّوْج بِعَينهَا وَعِنْدهم يرجع عَلَيْهَا بِنَاء على أَن الْأَثْمَان لَا تتَعَيَّن بِالْعقدِ فَلَا

تتَعَيَّن بِالْفَسْخِ فَكَانَ الَّذِي يسْتَحقّهُ الزَّوْج مَالا فِي ذمَّتهَا وَذَاكَ لم يرجع إِلَيْهِ إِنَّمَا رَجَعَ مثله فَصَارَ كَمَا لَو وهبت لَهُ دَرَاهِم غير الْمهْر وَمِنْهَا أَن الصَّفْقَة تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد المُشْتَرِي عندنَا كَمَا تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد البَائِع تَسْوِيَة بَين الْإِيجَاب وَالْقَبُول حَتَّى لَو بَاعَ عينا من اثْنَيْنِ وَشرط لَهما الْخِيَار اسْتَقل كل وَاحِد مِنْهُمَا برد نصِيبه دون مُوَافقَة صَاحبه عندنَا وَكَذَا لَو اطلعا على عيب قديم جَازَ لأَحَدهمَا أَن ينْفَرد برد نصِيبه لِأَنَّهُ انْفَرد بعقده فينفرد برده كَمَا لَو بَاعَ اثْنَان من وَاحِد وَعِنْدهم لَا ينْفَرد لِاتِّحَاد الصَّفْقَة فِي صورتهَا وَالله أعلم

مسائل الرهن

مسَائِل الرَّهْن مَسْأَلَة 1 اخْتلف الْعلمَاء فِي مُوجب قَوْله تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم على سفر وَلم تَجدوا كَاتبا فرهان مَقْبُوضَة} الْآيَة فمعتقد الشَّافِعِي رض أَن مُوجب عقد الرَّهْن تعلق الدّين بِالْعينِ شرعا على معنى تعين الْعين الْمَرْهُونَة لأَدَاء حق الْمُرْتَهن مِنْهَا وَمنع الْمَالِك من التَّصَرُّفَات المزيلة لملك الرَّقَبَة كَالْبيع وَالْهِبَة تَغْلِيبًا للمعنى الشَّرْعِيّ على الْمَعْنى الْحسي فِي اللَّفْظ الدائر بَينهمَا على مَا بَيناهُ فِي مسَائِل الصَّوْم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض مُوجبَة ملك الْيَد على سَبِيل الدَّوَام حسا تمسكا بِأَن الرَّهْن فِي وضع اللِّسَان عبارَة عَن

الْحَبْس قَالَ الله تَعَالَى {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} أَي محبوسة وَقَالَ شَاعِرهمْ ... وفارقتك برهن لَا فكاك لَهُ ... يَوْم الرحيل فأمى الرَّهْن قد غلقا ... أَرَادَ بِهِ احتباس قلبه بحبها فهم يحملونه على الْحَبْس الْحسي وَهُوَ دوَام الْيَد وَنحن نحمله على الْحَبْس الشَّرْعِيّ وَهُوَ منع الْمَالِك من التَّصَرُّف وَالْحجر عَلَيْهِ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن رهن الْمشَاع صَحِيح عندنَا لِأَنَّهُ قَابل لحكمه الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَلَا يَصح عِنْدهم لتعذر دوَام الْيَد وَالْحَبْس على الشَّائِع

وَمِنْهَا أَن مَنَافِع الرَّهْن لَا تتعطل على الرَّاهِن عندنَا لِأَن تعلق الدّين بِالْعينِ لَا يفوت بِاسْتِيفَاء الْمَنَافِع وَعِنْدهم تتعطل لِأَن حكمه ملك الْيَد على سَبِيل الدَّوَام وتمكنه من الِانْتِفَاع يُفْضِي إِلَى تغير الْيَد وَمِنْهَا أَن إِعْتَاق الرَّاهِن للْعَبد الْمَرْهُون مَرْدُود عندنَا لتَعلق حق الْمُرْتَهن بِعَين العَبْد على مَا سبق وَالْإِعْتَاق إبِْطَال لذَلِك الْحق قصدا وَلِهَذَا يضمن الرَّاهِن قيمَة العَبْد عندنَا وَلُزُوم حَقه وعصمته يمْنَع إِبْطَاله قصدا وَعِنْدهم يَصح ذَلِك لِأَن الثَّابِت للْمُرْتَهن ملك الْيَد وَالْحَبْس وَهُوَ مُغَاير لملك الْعين فَلَيْسَ مَحل الْإِعْتَاق مَحل حق الْمُرْتَهن وَإِنَّمَا ضمن حق الْمُرْتَهن لِأَنَّهُ تسبب الى فَوَات حَقه والتسبب كالمباشرة فِي التفويت المضمن على مَا عرف

وَمِنْهَا أَن زوايد الْمَرْهُون غير مَرْهُونَة عندنَا بِنَاء على الأَصْل الممهد فَإِن حق الْمُرْتَهن تعلق بِعَين الْمَرْهُون وَعِنْدهم هِيَ مَرْهُونَة لِأَن الْأُم مَمْلُوكَة الرَّاهِن عينا وللمرتهن يدا فَلْيَكُن الْوَلَد كَذَلِك لِأَنَّهُ جُزْء من الْأُم وأجزاء الشَّيْء تتصف بِصفتِهِ وتحدث على نَعته تَحْقِيقا لِمَعْنى الْجُزْئِيَّة وَمِنْهَا أَن الْعين الْمَرْهُونَة أَمَانَة فِي يَد الْمُرْتَهن عندنَا فَإِذا تلفت لم يسْقط من الدّين شَيْء لِأَن حكمه تعلق الدّين بِالْعينِ فَإِذا فَاتَت الْعين يلْزم بطلَان التَّعَلُّق أما فَوَات الْحق من أَصله فَلَا وَجه لَهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض هُوَ مَضْمُون بِأَقَلّ الْأَمريْنِ وَهُوَ الْقيمَة أَو الدّين فَإِن كَانَت الْقيمَة أقل من الدّين سقط من الدّين بِقَدرِهَا وَإِن

كَانَت أَكثر سقط الدّين وَلم تضمن الزِّيَادَة بِنَاء على أَن حكم الرَّهْن ملك الْيَد وَذَلِكَ يُوجب سُقُوط الدّين عِنْد هَلَاك الْمَرْهُون فَإِن الثَّابِت يَد لجِهَة الِاسْتِيفَاء وَالْأَخْذ لجِهَة الشَّيْء نَازل الْمنزلَة الْأَخْذ على حَقِيقَة الضَّمَان كَمَا فِي يَد السّوم فَأَنَّهُ لما كَانَ مأخوذا على جِهَة العقد كَانَ كالمقبوض على حَقِيقَة العقد فِي الضَّمَان كَذَلِك هَهُنَا

مسائل الوكالة

مسَائِل الْوكَالَة مسالة1 الْأَمر الْمُطلق الْكُلِّي لَا يَقْتَضِي الْأَمر بِشَيْء من جزئياته عندنَا إِذْ لَا اخْتِصَاص للْجِنْس بِنَوْع من أَنْوَاعه وَلَا فَرد من أَفْرَاده وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رَحمَه الله إِلَى إِن يَقْتَضِي ذَلِك لاشتمال الْكُلِّي على الجزئي ضَرُورَة وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْوَكِيل بِالْبيعِ الْمُطلق إِذا قَالَ لَهُ مُوكله بِعْ هَذِه الْعين لَا يكون هَذَا أمرا بِبَيْعِهَا بِالْغبنِ الْفَاحِش وَلَا بِثمن الْمثل وَلَا بِدُونِ ثمن الْمثل وَلَا بِالنَّقْدِ وَلَا بِالنَّسِيئَةِ إِذْ لَا اخْتِصَاص للْجِنْس بِنَوْع من أَنْوَاعه وَلَا فَرد من أَفْرَاده وَإِنَّمَا ملك البيع بِثمن

الْمثل لقِيَام الْقَرِينَة الدَّالَّة على الرِّضَا بِسَبَب الْعرف وَمِنْهَا أَن الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ إِذا أقرّ على مُوكله لم يَصح إِقْرَاره لِأَن اللَّفْظ من حَيْثُ إِطْلَاقه لَا يتَنَاوَلهُ والقرينة الْعُرْفِيَّة إِن لم تنفه فَلَا تَقْتَضِيه وَمِنْهَا أَنه إِذا وكل وَكيلا يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَة ذكر جِنْسهَا فأشترى عمياء أَو مَقْطُوعَة الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن بِثمن يُسَاوِي ذَلِك لَا يجوز عندنَا وَعِنْده يجوز وَمِنْهَا أَن الْأَجِير الْمُشْتَرك إِذا أقتصر على الْمُعْتَاد فِي عمله فَتلف الثَّوْب لم يضمن عندنَا فان اللَّفْظ لَا يُوجب تقييدا والقرينة الْعُرْفِيَّة

لَا توجب تعين السَّلامَة كَمَا فِي الْأَجِير الْمُنْفَرد وَهُوَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عينه ليعْمَل بمشهد الْمُسْتَأْجر فَأَنَّهُ لَا يضمن مَا تعيب فِي يَده وَعِنْدهم يضمن لِأَن الْأَجِير الْمُشْتَرك تَابع للْعَمَل الْمُسَمّى فِي ذمَّته فَيحمل على السَّلِيم دون الْمَعِيب كَمَا فِي بيع الْعين فَإِذا أَتَى بِغَيْرِهِ وأتلف ضمن وَأَن لم يكن مقصرا وَدَعوى الْحَرج سَاقِطَة لِأَنَّهُ تعْتَبر فِي التكاليف وَهَهُنَا مُخَيّر والمخير يجوز أَن يشرط عَلَيْهِ سَلامَة الْعَاقِبَة وَهَذَا بِخِلَاف الْأَجِير الْمُنْفَرد فَأن الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي حَقه منافعة الْمقدرَة بِالزَّمَانِ دون نفس الْعَمَل بِدَلِيل أَنه لَو سلم نَفسه حَتَّى تَنْقَضِي مُدَّة الْإِجَارَة اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَة من غير عمل وَلَو استناب غَيره فِي الْعَمَل لم يجز فَإِذا صرف تِلْكَ المنعة إِلَى حَيْثُ أمره الْمُسْتَحق وَلم يقصر فِيهِ لم يضمن

وَمِنْهَا إِن العَبْد الْمَأْذُون لَا يَنْعَزِل بالاباق عندنَا لعُمُوم الْإِذْن واسترساله على الْأَحْوَال والأماكن وَعِنْدهم يَنْعَزِل لقَضَاء الْعرف بِهِ وَمِنْهَا الْمُودع إِذا سَافر بالوديعة من غير ضَرُورَة لم يجز عندنَا وَعِنْدهم يجوز وَمِنْهَا إِن الْوَصِيّ إِذا اشْترى مَال الْيَتِيم لنَفسِهِ بِأَكْثَرَ من قِيمَته أَو بَاعَ مَال نَفسه من الصَّبِي بِأَقَلّ من قِيمَته لَا يجوز عندنَا وَعِنْدهم يجوز وَمِنْهَا أَن السَّيِّد إِذا أذن لعَبْدِهِ فِي النِّكَاح انْصَرف إِلَى الْجَائِز دون الْفسق 3 وَعِنْدهم يَشْمَل الْجَائِز وَالْفَاسِد جَمِيعًا

مسائل الإقرار

مسَائِل الْإِقْرَار مَسْأَلَة 1 الأَصْل عِنْد الشَّافِعِي رض أَن الْفِعْل إِذا وجد مطابقا لظَاهِر الشَّرْع حكم بِصِحَّتِهِ وَلَا تعْتَبر التُّهْمَة فِي الْأَحْكَام لِأَن الْأَحْكَام تتبع الْأَسْبَاب الجلية دون الْمعَانِي الْخفية وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض كل فعل تمكنت التُّهْمَة فِيهِ حكم بفساده لتعارض دَلِيل الصِّحَّة وَالْفساد وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن إِقْرَار الْمَرِيض لغرماء الْمَرَض كإقرار الْغُرَمَاء الصِّحَّة فيتساويان فِي اسْتِحْقَاق التَّرِكَة إِذْ الْإِقْرَار مَشْرُوع فِي حالتي الصِّحَّة وَالْمَرَض

وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض فِي أحد مأخذيه الْإِقْرَار الثَّانِي لَا يَصح لتَعلق حق غُرَمَاء الصِّحَّة بِعَين المَال وَقَالَ فِي المأخذ الثَّانِي يَصح الإقراران غير أَنه يقدم إِقْرَار الصِّحَّة لِأَنَّهُ أقوى من حَيْثُ أَنه صَادف حَال الْإِطْلَاق وَالْإِقْرَار الثَّانِي صَادف حَال الْحجر وَالْمَنْع من التَّبَرُّعَات فَهُوَ مُتَّهم فِيهِ من حَيْثُ إِن الشَّرْع سلبه قدرَة التَّبَرُّع فَلَا يُؤمن عدوله من التَّبَرُّع إِلَى الْإِقْرَار وَمِنْهَا أَن الْإِقْرَار للْوَارِث صَحِيح عندنَا على القَوْل الْمَنْصُور كَمَا فِي حَال الصِّحَّة وَعِنْده لَا يَصح لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهِ من حَيْثُ أَنه رُبمَا أَرَادَ تَخْصِيصه فَعدل إِلَى صِيغَة الْإِقْرَار وَمِنْهَا أَن أَمَان العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ صَحِيح عندنَا كَمَا لَو أذن مَوْلَاهُ

وَعِنْده لَا يَصح إِلَّا إِذا قَاتل مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهِ من حَيْثُ إِن العَبْد لَهُ قرَابَة وَعشرَة فِي دَار الْحَرْب فيؤثرهم على الْمُسلمين فَصَارَ كالذمي قَالُوا وَلَا يلْزم على هَذَا مَا لَو عتق العَبْد ثمَّ أسلم لِأَنَّهُ لما أعتق وَأطلق وزالت يَد الْمولى عَنهُ وأختار الْمقَام فِي دَار الْإِسْلَام مَعَ قدرته على الْعود إِلَى دَار الْحَرْب ارْتَفَعت التُّهْمَة فِي حَقه قَالُوا وَلَا يلْزم أَيْضا مَا إِذا أذن لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْأمان فَإِنَّهُ يَصح لِأَن مَوْلَاهُ لم يَأْذَن لَهُ فِي الْأمان إِلَّا بعد تيقنه أَن العَبْد لايؤثرالكفار على الْمُسلمين

مسالة

= كتاب الْغَصْب = مسالة 1 ذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن المضمونات تملك بِالضَّمَانِ ويستند الْملك فِيهَا إِلَى وَقت وجوب الضَّمَان إِذا كَانَ الْمَضْمُون مِمَّا يجوز تَمْلِيكه بِالتَّرَاضِي احْتِرَازًا عَن الْمُدبر وَذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَنَّهَا لَا تملك بِالضَّمَانِ وَأعلم أَن الْخلاف فِي هَذَا الأَصْل مَبْنِيّ على أصل آخر وَهُوَ الْبَحْث عَن مُقَابل الضَّمَان فالشافعي رض يَدعِي أَنه فِي مُقَابلَة فَوَات الْيَد وَأَبُو حنيفَة رض يَدعِي أَنه فِي مُقَابلَة عين الْمَغْصُوب

لِأَنَّهُ الَّذِي وَجب رده بِالْغَصْبِ فَإِذا تعذر رد الْعين وَجب رد بدل الْعين وقرروا هَذَا بِأَن قَالُوا الْوَاجِب ضَمَان الْجِنْس وَمن غصب دَرَاهِم وبددها فِي حاجاته فالفائت على الْمَالِك الدَّرَاهِم فَيجب على الْغَاصِب بدل الدَّرَاهِم لَا بدل الِاسْتِيلَاء على الدَّرَاهِم فَإِن الِاسْتِيلَاء غير مَقْصُود فِي نَفسه وَإِنَّمَا الْمَقْصُود من الِاسْتِيلَاء عين المَال وَقَالُوا وَإِذا ثَبت أَن الضَّمَان بدل عَن الْعين فالجمع بَين الْبَدَل والمبدل عَنهُ فِي حق شخص وَاحِد متناقض فَكَانَ من ضَرُورَة ملك الْمَالِك الضَّمَان زَوَال ملكه عَن الْمَضْمُون فَوَقع الْملك بالمضمون سَابِقًا عَن ملك الضَّمَان وَاقعا يَقْتَضِي لَهُ وان تقدم عَلَيْهِ وكما إِذا قَالَ اعْتِقْ عَبدك عني فَقَالَ أعتقت فانه يتَضَمَّن ملكا سَابِقًا على الْعتْق يَنْبَنِي عَلَيْهِ صِحَة الْعتْق ثمَّ يَقع مُقْتَضى لَهُ سَابِقًا عَلَيْهِ فَالْحَاصِل أَن التَّضْمِين يَقْتَضِي التَّمْلِيك فِي الْبَدَلَيْنِ جَمِيعًا وَلَكِن بطرِيق الِاقْتِضَاء والضرورة وَالْبيع يَقْتَضِي الْملك بطرِيق التَّنْصِيص

وَلذَلِك افْتقر البيع إِلَى الشَّرَائِط كالقدرة على التَّسْلِيم وَغَيرهَا وَهَذَا الْملك لم يفْتَقر إِلَيْهِ لِأَنَّهُ وَقع بِمُقْتَضى تملك الْبَدَل ضمنيا وَمَا يحصل كَذَلِك لَا تعْتَبر فِيهِ الشَّرَائِط قَالُوا وَخرج على هَذَا الْمُدبر فَإِن التَّمْلِيك فِيهِ مُمْتَنع على مَا عرف من أصلنَا هَذَا غَايَة كَلَامهم وَنحن نقُول الضَّمَان فِي مُقَابلَة الْيَد لِأَنَّهَا هِيَ الْفَائِتَة وَملك الْعين قَائِم فإيجاب الْبَدَل عَنهُ محَال وَإِنَّمَا يجب الضَّمَان بَدَلا عَمَّا فَاتَ وَلم يفت إِلَّا الْيَد فتملك الْغَاصِب وَلم يجر من الْمَالِك رضى وَلَا دعت إِلَيْهِ ضَرُورَة محَال وَيتَفَرَّع عَن هذَيْن الْأَصْلَيْنِ مسَائِل مِنْهَا أَن الْغَاصِب إِذا ضمن قيمَة الْمَغْصُوب ثمَّ ظهر الْمَغْصُوب فَهُوَ لمَالِكه الْمَغْصُوب مِنْهُ يَأْخُذهُ وَيرد الْقيمَة عندنَا لِأَن الْغَاصِب لم يملكهُ حَتَّى إِذا مَاتَ لم يكن عَلَيْهِ مؤونة تَجْهِيزه وَلَو كَانَ قريبَة لم يعْتق عَلَيْهِ

وَعِنْدهم هُوَ للْغَاصِب لِأَنَّهُ ملكه بِالضَّمَانِ واستند ملكه إِلَى وَقت وجوب الضَّمَان وَمِنْهَا إِن الْجِنَايَة الَّتِي توجب كَمَال الْقيمَة فِي العَبْد بِقطع يَدَيْهِ أَو رجلَيْهِ لَا توجب الْملك فِي الجثة عِنْد الضَّمَان عندنَا وَعِنْدهم توجب بِنَاء على أَن كل الْقيمَة بدل الْكل فَلَا يجمع بَين الْبَدَل والمبدل مَا أمكن وَعَلِيهِ خَرجُوا الْمُدبر إِذا قطعت يَدَاهُ فان التَّمْلِيك فِيهِ غير مُمكن عِنْدهم وكلامنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أظهر لِأَن الْمصير إِلَى مُقَابلَة الْوَاجِب بالفائت بِالْجِنَايَةِ أظهر من مُقَابلَة الْقيمَة بِالِاسْتِيلَاءِ الْفَائِت بِالْغَصْبِ ويعتضد هَذَا بِقطع إِحْدَى الْيَدَيْنِ فانه لايوجب الْملك فِي النّصْف

وَمِنْهَا إِذا غصب حِنْطَة فطحنها أَو ثوبا فخاطه أَو شَاة فذبحها وشواها أَو غصنا فغرسه فَصَارَ شَجَرَة أَو نُحَاسا أَو رصاصا فأتخذ مِنْهَا آنِية غرم أرش النُّقْصَان إِن كَانَ وَصفه قَائِما فِي الْعين عندنَا وَعِنْدهم يغرم قيمَة الْمَأْخُوذ وَيملك الْعين فان الضَّمَان فِي مُقَابلَة الْعين وَقد تبدلت الْعين فَإِن مَالِيَّة الْحِنْطَة غير مَالِيَّة الدَّقِيق من حَيْثُ إنَّهُمَا مفترقان اسْما وَصُورَة وَمعنى فان الْحِنْطَة متهيئة لأغراض كالبذر والقلي والهرس والطحن وَهِي قَابِلَة للادخار وَهَذِه الْمعَانِي بأسرها تطلب قَالُوا فنضمنه قيمَة الْحِنْطَة وَمِنْهَا أَن الْقطع وَالضَّمان لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدهم لِأَنَّهُ لَو ضمن لملك الْمَسْرُوق واستند ملكه إِلَى وَقت الْأَخْذ فَيحصل الْقطع فِي ملك

نَفسه وَذَلِكَ لَا يجوز وَعِنْدنَا يَجْتَمِعَانِ لتَعَدد السَّبَب وَعدم إِسْنَاد الضَّمَان ثمَّ يلْحق بِهَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْمَسْرُوق مِنْهُ إِذا وهب الْمَسْرُوق من السَّارِق بعد المرافعة لَا يسْقط عَنهُ الْقطع عندنَا وَعِنْدهم يسْقط لِأَنَّهُ ملكهَا بِالْهبةِ وَأسْندَ ملكه إِلَى وَقت فَلَو قطع لقطع فِي ملك نَفسه قَالُوا وَالْملك هَهُنَا وَإِن حصل بِعقد هبة لَا بِفعل سَرقَة غير أَن الْعَارِض فِيمَا يدْرَأ بِالشُّبُهَاتِ كالموجود ابْتِدَاء وَمِنْهَا أَن الْأَب إِذا استولد جَارِيَة ابْنه يلْزمه الْمهْر وَالْقيمَة عندنَا وَعِنْدهم لَا يلْزمه الْقيمَة لِأَنَّهُ لَو ضمن الْقيمَة اسْتندَ ملكه إِلَى

ابْتِدَاء الْوَطْء فَصَارَ واطئا ملك نَفسه فَلَا يلْزمه الْقيمَة بِخِلَاف الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة لِأَنَّهُ هُنَاكَ ضمن باستحداث الْملك لَا بِالْوَطْءِ لِأَن الْوَطْء تصرف وَالتَّصَرُّف فِي الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة لَا يُوجب الضَّمَان كالاستخدام وَإِن كَانَ لَا يحل كَمَا لَو وطئ جَارِيَته وَهِي حَائِض وَمِنْهَا أَن الْحَد وَالْمهْر يَجْتَمِعَانِ عندنَا فِيمَن زنا بِجَارِيَة الْغَيْر لِأَنَّهُ لَا يملك الْجَارِيَة بِالضَّمَانِ وَعِنْدهم لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُ لَو وَجب الْمهْر فِي ذَلِك لملك الْوَاطِئ مَنْفَعَة الْبضْع فَلَو وَجب الْحَد وَجب فِي وَطْء جَارِيَة نَفسه وَهَذَا مِمَّا لَا يجوز وَمِنْهَا إِذا استكره الرجل امْرَأَة حرَّة على الزِّنَا وَجب عَلَيْهِ الْحَد وَالْمهْر عندنَا وَعِنْدهم لَا يجب الْمهْر لما ذَكرْنَاهُ

مسالة

مسالة 2 الْيَد الناقلة غير مُعْتَبرَة فِي ضَمَان الْعدوان عندنَا بل يَكْفِي إِثْبَات الْيَد بِصفة التَّعَدِّي وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَنه لَا بُد من الْيَد الناقلة لتحَقّق صُورَة التَّعَدِّي ومستند هَذَا التَّعَدِّي اخْتِلَاف الْفَرِيقَيْنِ فِي حد الْغَصْب فَذهب أَصْحَاب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن حد الْغَصْب إِثْبَات الْيَد العادية على مَال الْغَيْر وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن حَده إِثْبَات الْيَد العادية وتفويت الْيَد المحقة أَو قصرهَا وعللوا هَذَا بَان الضَّمَان ضَمَان جبر والجبر فِي مُقَابِله فايت

وَلَا فايت إِلَّا على الْمَالِك فَلَا بُد من اشْتِرَاط فَوَات الِاسْتِيلَاء وفواته بِإِزَالَة الْيَد أَو قصره وَنحن نقُول هَذَا الْحَد بَاطِل فان الْغَاصِب من الْغَاصِب غَاصِب اسْما وَحَقِيقَة وَشرعا وضامن للْمَالِك وَلم يفوت يَد الْمَالِك بل أثبت الْيَد على مَال الْغَيْر وَيبْطل أَيْضا بِمَا إِذا سلب القلنسوة من رَأس الْمَالِك واحتوت يَده عَلَيْهَا فَأَنَّهُ يضمنهَا بالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنه لم يحصل زَوَال يَد الْمَالِك فِي هَذِه الصُّورَة بزعمهم فَأن يَده عبارَة عَن استيلائه عَلَيْهَا وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن زَوَائِد الْمَغْصُوب مَغْصُوبَة مَضْمُونَة عندنَا سَوَاء أَكَانَت مُتَّصِلَة أَو مُنْفَصِلَة مَوْجُودَة كَانَت على الْغَصْب أَو طارئة لوُجُود حَقِيقَة الْغَصْب فِيهَا وَهُوَ إِثْبَات الْيَد فان كَانَ الْوَلَد بصدد أَن يحدث فِي يَد الْمَالِك فَحدث فِي يَد الْغَاصِب بِسَبَب غصبه السَّابِق فَكَانَ منع الْحُصُول فِي يَده كالقطع

وَلذَلِك وَجب الضَّمَان على الْمَغْرُور بِزَوْجَتِهِ إِذا أمتنع حُصُول الرّقّ فِي الْوَلَد كَمَا إِذا قطعه ولأجله ضمن ولد صيد الْحرم إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ حصل فِي يَده بطرِيق ثُبُوت الْيَد على الْأُم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا تضمن زيادات الْغَصْب إِلَّا عِنْد منع الْمَالِك مِنْهَا وَقبل ذَلِك هُوَ أَمَانَة وَمِنْهَا أَن غصب الْعقار مُتَصَوّر مَضْمُون عندنَا فان الْمُعْتَبر قصر يَد الْمَالِك عَن ملكه مَعَ إِثْبَات الْيَد عَلَيْهِ على سَبِيل الْعدوان وَهَذَا مَوْجُود فِي الْعقار إِذا انْتَقَلت الْيَد إِلَى الْغَاصِب حَتَّى امْتنع على الْمَالِك النَّفْع وَثبتت الْيَد للْغَاصِب حَتَّى يبْنى على نقلهَا الْملك وَمِنْهَا أَن الْمُودع إِذا تعدى فِي الْوَدِيعَة ثمَّ ترك التَّعَدِّي لم يبرأ من الضَّمَان عندنَا لثُبُوت يَد الْعدوان

وَعِنْدهم لَا ضَمَان فان المضمن هُوَ الْإِثْبَات والإزالة وَلم تُوجد الْإِزَالَة مُعْتَقد الشَّافِعِي رض إِن مَنَافِع الْأَعْيَان الْقَائِمَة فِي الْمَاهِيّة وحقيقتها عِنْد تهيؤ الْأَعْيَان واستعدادها بهيئتها وشكلها لحُصُول الْإِعْرَاض مِنْهَا مِثَاله إِن الدَّار بسقوفها لتهيأ لدفع الْحر وَالْبرد وبحيطانها لدفع السراق والغصاب عَمَّا فِيهَا وبأرضها لِمَعْنى الْهَوِي بسكانها إِلَى أَسْفَل وَكَذَلِكَ كل عين لَهَا هَيْئَة تتَمَيَّز بهَا عَن الْأُخْرَى وَبهَا تستعد لحُصُول الْغَرَض مِنْهَا فَهِيَ مَنْفَعَتهَا وَهَذِه الهيئات أَعْرَاض متجددة تُوجد وتفنى كَسَائِر الْأَعْرَاض وَهِي أَمْوَال مُتَقَومَة فَإِنَّهَا خلقت لمصَالح الْآدَمِيّ وَهِي غير الْآدَمِيّ وَإِطْلَاق لفظ المَال عَلَيْهَا أَحَق مِنْهُ على الْعين إِذْ التَّضْمِين لَا يُسمى مَالا إِلَّا لاشتمالها على الْمَنَافِع وَلذَلِك لَا يَصح بيعهَا بِدُونِهَا

وَأنكر أَبُو حنيفَة رض كَون الْمَنَافِع فِي أَنْفسهَا أَمْوَالًا قَائِمَة بالأعيان وَزَعَمُوا أَن حاصلها رَاجع إِلَى أَفعَال يحدثها الشَّخْص المنتفع فِي الْأَعْيَان بِحَسب ارتباط الْمَقْصُود بهَا فيستحيل إتلافها فان تِلْكَ الْأَفْعَال كَمَا تُوجد تَنْتفِي والإتلاف عبارَة عَن قطع الْبَقَاء وَمَا لَا بَقَاء لَهُ لَا يتَصَوَّر إِتْلَافه غير أَن الشَّرْع نزلها منزلَة الْأَعْيَان فِي حق جَوَاز العقد عَلَيْهَا رخصَة فَتعين الِاقْتِصَار عَلَيْهَا وَنحن نقُول هَذَا مُسلم إِذا نَظرنَا إِلَى الْحَقَائِق وسلكنا طَرِيق النّظر وَلَكِن الاحكام الشَّرْعِيَّة غير مَبْنِيَّة على الْحَقَائِق الْعَقْلِيَّة بل على الاعتقادات الْعُرْفِيَّة والمعدوم الَّذِي ذَكرُوهُ مَال عرفا وَشرعا وَحكم الشَّرْع وَالْعرْف غَالب فِي الْأَحْكَام وَالشَّرْع قد حكم بِكَوْن الْمَنْفَعَة مَوْجُودَة مُقَابلَة بِالْأُجْرَةِ فِي عقد الْإِجَارَة وأثبتت الْإِجَارَة أَحْكَام الْمُعَاوَضَات المحصنة وأثبتت للمنفعة حكم المَال وَالْعرْف يقْضِي بِأَن من أثبت يَده على دَار وسكنها مُدَّة أَنه يفوق مَنَافِعهَا

وَيتَفَرَّع عَن هذَيْن الْأَصْلَيْنِ مسَائِل مِنْهَا أَن مَنَافِع الْمَغْصُوب تضمن بالفوات تَحت الْيَد العادية وبالتفويت عندنَا وَعِنْدهم لَا تضمن حَتَّى لَو أستولي على حر واستخدمه فِي عمله لم يضمن أجرته وَلَو غصب دَارا وسكنها سِنِين لَا أجر عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَن مَنْفَعَة الْحر وَمَنَافع الدَّار يجوز أَن تكون صَدَاقا عندنَا وَعِنْدهم لَا يجوز لقَوْله تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} شَرط فِي الْإِبَاحَة أَن تبتغى بالأموال وَالْمَنَافِع لَيست بِمَال

وَمِنْهَا أَن الشّقص الممهور يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة عندنَا بِقِيمَة الْبضْع وَكَذَلِكَ إِذا جعل بدل الْخلْع أَو أجره يُؤْخَذ بِقِيمَة الْبضْع وَعِنْدهم لَا يثبت فِيهِ الشُّفْعَة لِأَن مَنَافِع الْبضْع لَيست بِمَال وَمِنْهَا أَن شُهُود الطَّلَاق إِذا رجعُوا غرموا مهر الْمثل بِنَاء على إِن مَنْفَعَة الْبضْع مَال مُتَقَوّم شرعا وَلِهَذَا ضمنت بِالْإِتْلَافِ فِي العقد الصَّحِيح وَالْفَاسِد ويقابل بِالْبَدَلِ فِي الإختلاع سِيمَا إِذا صدر من الْأَجْنَبِيّ وَإِذا كَانَ فِي نَفسه مَالا ذَا قيمَة فإيقاع الْحَيْلُولَة فِي اقْتِضَاء الضَّمَان مُلْحق بِالْإِتْلَافِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا يغرمون لِأَن مَنْفَعَة الْبضْع فِي نَفسهَا لَيست بِمَال غير أَن الشَّرْع أوجب الْقيمَة على متلفها وألحقها بأطراف الْآدَمِيّ وسلك بهَا مَسْلَك الْأَعْيَان تَعْظِيمًا لأمرها وصيانة لَهَا عَن الإهدار على خلاف الْقيَاس وَالشُّهُود لم يتلفوا

أصلا فَلَا يغرمون وَأما وجوب المَال بِالْعقدِ عِنْدهم فلإقامة خطر الْبضْع حَتَّى لَا يستباح من غير عوض إِذْ لَو ثَبت ذَلِك لَكَانَ بَدَلا وصيانة الْبضْع عَن الْبَدَل وَاجِب وَقد مست الْحَاجة إِلَى استباحته فَجعل الشَّرْع المَال وَسِيلَة إِلَى الاستباحة تَعْظِيمًا لَهُ وَلذَلِك قَالُوا يقدر أَقَله بِعشْرَة دَرَاهِم ليَكُون اسْتِبَاحَة بِمَال خطير فِي الشَّرْع

مسائل الإجارة

مسَائِل الْإِجَارَة مَسْأَلَة 1 فرع الشَّافِعِي رض على اعْتِقَاده أَن الْمَنَافِع هَيْئَة قَائِمَة بالمحال تنزيلها منزلَة الْأَعْيَان فِي عقد الْإِجَارَة حَتَّى أثبت لَهَا أَحْكَام الْأَعْيَان وَمن أَلْفَاظه الْمَشْهُورَة أَنه قَالَ الْإِجَارَة صنف من البيع ثمَّ قضى بِأَن الْمَنَافِع الْمَعْقُود عَلَيْهَا تملك مقترنة بِالْعقدِ وَإِن ترتبت فِي الِاسْتِيفَاء شَيْئا فَشَيْئًا وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِجَوَاز العقد وَامْتِنَاع بيع الْمَعْدُوم

وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن الْمَنَافِع الْمَعْقُود عَلَيْهَا لَا تملك مقترنة بِالْعقدِ بل تملك شَيْئا فَشَيْئًا على تَرْتِيب الْوُجُود وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بِأَن الْمَنَافِع مَعْدُومَة لَدَى العقد فَلَا يملكهَا مَالك الدَّار قبل وجودهَا إِذْ يَسْتَحِيل أَن يملك عَلَيْهِ مَا لَا يملكهُ قَالُوا وَهَذَا هُوَ الَّذِي اقْتضى من حَيْثُ الْقيَاس بطلَان الْإِجَارَة إِذْ العقد لَا بُد لَهُ من مَحل مَمْلُوك مَقْدُور على تَسْلِيمه معِين وَهَذِه الْمعَانِي الثَّلَاثَة مَشْهُودَة فِي العقد غير أَنَّهَا سَقَطت إِلَى خلف أقيم مقَامهَا وَهِي تِلْكَ الدَّار الْمَقْدُور على تَسْلِيمهَا وَوجه الخلفية فِيهَا أَن الدَّار سَبَب للمنافع وَهِي سَبَب وجودهَا وَالْأَحْكَام قد تناط بِأَسْبَاب الْمعَانِي فتنزل منزلَة أَعْيَان الْمعَانِي الْمَعْلُومَة وَكَذَلِكَ ارتباط حكم الْكفْر وَالْإِسْلَام بنطق اللِّسَان مَعَ

الْإِعْرَاض عَمَّا فِي الْجنان وارتبطت الرُّخْصَة بِصُورَة السّفر مَعَ الْإِعْرَاض عَن الْمَشَقَّة وارتبطت الْعدة بِسَبَب الشّغل وَهُوَ الْوَطْء مَعَ الْإِعْرَاض عَن الشّغل وأرتبط التَّكْلِيف بِالْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغ مَعَ الْإِعْرَاض عَن الْمَعْنى وَهُوَ الْهِدَايَة وارتبطت الشَّهَادَة على الْملك بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّف إِلَى نَظَائِر لَا تحصى كل ذَلِك لِأَن إتباع الْمعَانِي عسير فنيطت الْأَحْكَام بالأسباب الظَّاهِرَة وألغي اعْتِبَار الْمعَانِي الْخفية وَإِن كَانَت هِيَ الْمَطْلُوبَة فَكَذَلِك اعْتِبَار الْملك وَالْقُدْرَة فِي الْمَنَافِع عرض فَإِنَّهَا لَا تبقى زمانين فالداخل مِنْهَا فِي الْوُجُود لَا بَقَاء لَهُ حَتَّى يعْقد عَلَيْهِ وَالَّذِي لم يخلق مَعْدُوم لَا يتَصَوَّر اعْتِبَار الشَّرَائِط فِيهِ فأقيمت الدَّار الَّتِي هِيَ سَبَب وجود الْمَنَافِع مقَام الْمَنَافِع وربطت الشَّرَائِط بهَا ضَرُورَة تَصْحِيح العقد فليقتصر فِي التَّقْدِير عَلَيْهِ وَيرد مَا عداهُ إِلَى مَا هُوَ الْحَقِيقَة

وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْأُجْرَة تملك بِنَفس العقد فِي الْإِجَارَة الْمُطلقَة عندنَا دفْعَة وَاحِدَة كَالثّمنِ فِي بيع الْأَعْيَان وَعِنْدهم تملك يَوْمًا فيوما سَاعَة فساعة بِحَسب وجود الْمَنَافِع وَمِنْهَا أَن الْإِجَارَة الْمشَاع جَائِزَة عندنَا تَنْزِيلا لبيع الْمَنَافِع منزلَة بيع الْأَعْيَان وَعِنْدهم لَا تجوز لن الْمَنَافِع لَا يُمكن قبضهَا إِلَّا بِالْفِعْلِ وَاسْتِيفَاء مَنْفَعَة شائعة غير مُمكن فَإِن السُّكْنَى فعل لَا يَتَبَعَّض وَكَذَلِكَ اللّبْس بِخِلَاف بيع الشَّائِع

وَمِنْهَا أَن الْإِجَارَة لَا تبطل بِمَوْت الْمُسْتَأْجر عندنَا لِأَنَّهُ ملك الْمَنَافِع بِالْعقدِ دفْعَة وَاحِدَة ملكا لَازِما فيورث عَنهُ وَعِنْدهم تَنْفَسِخ لِأَن ملك الْمَنَافِع مُرَتّب على الْوُجُود وَقد فَاتَ قبل الْملك وَهَذَا يبطل عَلَيْهِم بِمن ينصب شبكة بهَا صيد بعد الْمَوْت فانه يملكهُ وَارثه لجَرَيَان السَّبَب فِي حَال الْحَيَاة وَالسَّبَب هَهُنَا هُوَ العقد وَقد جرى فِي حَال الْحَيَاة وَمِنْهَا أَن الْمُؤَجّر إِذا مَاتَ لم يَنْفَسِخ العقد عندنَا لِأَنَّهُ مَاتَ بعد زَوَال ملكه فَلَا يَنْقَلِب إِلَى وَارثه بِمَوْتِهِ وَعِنْدهم يَنْفَسِخ لِأَنَّهُ عقد يَتَجَدَّد على ملكه وَمَا يَتَجَدَّد بعد مَوته لَا يحدث على ملكه حَتَّى يتَنَاوَلهُ مُطلق عقد الْمُورث

وَمِنْهَا أَن إِضَافَة الْإِجَارَة إِلَى السّنة الْقَابِلَة لَا يَصح عندنَا لتعذر تَسْلِيم الْمَنَافِع الْمَعْقُود عَلَيْهَا وَعِنْدهم يَصح بِنَاء على تجدّد الْعُقُود بِحَسب وجود الْمَنَافِع شَيْئا فَشَيْئًا قَالُوا وَإِذا كَانَت الْإِجَارَة فِي الأَصْل لَا تَنْعَقِد إِلَّا هَكَذَا فالتصريح بِهِ لَا يقْدَح فِيهِ وَمِنْهَا أَن الْمُوصى لَهُ بِالسُّكْنَى إِذا مَاتَ ورث عندنَا وَعِنْدهم لَا يُورث بِنَاء على الْأَصْلَيْنِ

مسائل الشفعة

مسَائِل الشُّفْعَة مَسْأَلَة 1 مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن منَاط الشُّفْعَة اتِّصَال الْملكَيْنِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَهُوَ الِاخْتِلَاط وَالْحكمَة المرعية فِيهِ سوء المداخلة والمخالطة وَلُزُوم مؤونة الْقِسْمَة ثمَّ ضيق الدَّار عِنْد جَرَيَان الْقِسْمَة إِذْ الْغَالِب اتِّحَاد الْمرَافِق فِي الدَّار الْوَاحِدَة كمطرح التُّرَاب ومصعد السَّطْح وبالوعة الدَّار وَمَا يجْرِي مجْرَاه فَهَذِهِ أَنْوَاع من الضَّرَر فِيمَا يتأبد وَلَا سَبِيل إِلَى دَفعهَا إِلَّا بالسلطان وَذهب أَبُو حنيفَة رض إِلَى أَن السَّبَب الْمُوجب لثُبُوته

أصل اتِّصَال الْملكَيْنِ وَالْحكمَة المرعية فِي ثُبُوته مُطلق دفع الضَّرَر الْحَاصِل بِسوء المعاشرة والصحية والتعدي فِي حُدُود الْملك وَيتَفَرَّع عَن العلتين مسَائِل مِنْهَا أَن لَا شُفْعَة للْجَار عِنْد الشَّافِعِي رض مصيرا مِنْهُ إِلَى أَن الشُّفْعَة تملك قهري تأباه الْعِصْمَة غير إِن الشَّرْع ورد بِهِ فِي الشَّرِيك مَقْرُونا بِدفع أَنْوَاع من الضَّرَر فيتقدر بِقدر الضَّرُورَة وضرر الْجَار لَا يُسَاوِيه فِي اللُّزُوم فَإِنَّهُ يُمكن دَفعه بالمرافعة إِلَى السُّلْطَان وَلذَلِك إِذا اجْتمعَا قدم الشَّرِيك على الْجَار وَلَو تَسَاويا فِي الضَّرَر لتساويا فِي الِاسْتِحْقَاق كَمَا فِي الخليطين فَلَا تلْحق بِهِ وَعِنْده تثبت لما ذَكرْنَاهُ

وَمِنْهَا أَن الشُّفْعَة عندنَا توزع على قدر الْأَنْصِبَاء لِأَن منَاط الِاسْتِحْقَاق هُوَ الِاتِّصَال بِجَمِيعِ الْأَجْزَاء واتصال كل جُزْء من أَجزَاء ملكه سَبَب لأخذ مَا يتَّصل بِهِ فَمن ازدادت أَجزَاء ملكه ازْدَادَ مَا يتَّصل بِهِ من الشّقص وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يوزع على عدد رؤوسهم بِالسَّوِيَّةِ لِأَن منَاط الِاسْتِحْقَاق هُوَ أصل الِاتِّصَال وَقد تَسَاويا فِيهِ فيتساويان فِي الِاسْتِحْقَاق

مسائل المأذون

مسَائِل الْمَأْذُون مسالة 1 مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن العَبْد الْمَأْذُون متصرف لسَيِّده بِحكم أذن كَالْوَكِيلِ وَالشَّرِيك الْمضَارب وتصرفه يَقع للسَّيِّد فَينفذ بِمحل الْأذن وأستدل على ذَلِك بِأَن أَعْرَاض الْعُقُود زوالا وحصولا ترجع إِلَى السَّيِّد وَبِأَن الْمَأْذُون فِي فَرد لَا يملك ماعداه والمأذون فِي جنس لَا يملك جِنْسا سواهُ كَالْبيع وَالنِّكَاح وَيكون السَّيِّد يملك إِعَادَة الْحجر عَلَيْهِ مَتى شَاءَ وَلَو كَانَ الْحجر قد انْفَكَّ وارتفع لما ملك إِعَادَته كَالْمكَاتبِ

وَذهب أَبُو حنيفَة رض إِلَى أَن العَبْد يتَصَرَّف لنَفسِهِ بِحكم فك الْحجر عَنهُ كَالْمكَاتبِ وتصرفه يَقع لنَفسِهِ بِمُوجب إنسانيته ثمَّ ينْتَقل إِلَى السَّيِّد فَلَا ينفذ بِنَوْع دون نوع وَاسْتدلَّ على ذَلِك بَان العَبْد سَاوَى الْحر فِي أَهْلِيَّة التَّصَرُّف بل لَا يُفَارق العَبْد السَّيِّد إِلَّا فِي الْمَالِكِيَّة والمملوكية والمملوكية لَيست أمرا حَقِيقِيًّا رَاجعا إِلَى الْآدَمِيَّة أصلا بل معنى ذَلِك أَن غَيره صَار أَحَق بِاسْتِعْمَالِهِ فِي مصلحَة نَفسه لوُجُود الْكفْر من الْمَمْلُوك وَالْإِسْلَام من الْمَالِك جَزَاء بعملهما فَكَانَ الْحجر عَلَيْهِ وسلب تَصَرُّفَاته مَعَ وجود عقله وهدايته وَكَمَال أَهْلِيَّته قَضَاء لحق السَّيِّد واشتغاله بخدمته فَإِذا فك الْحجر عَنهُ فِي نوع ملك جنس الْمَأْذُون فِيهِ لِاتِّحَاد الْمَقْصُود فِيهِ وان مَقْصُود عُقُود البيعات والمعاملات وَاحِد وَهُوَ تَحْصِيل الأرباح والأكساب

بِخِلَاف مَا إِذا اخْتلف الْجِنْس كَالْبيع وَالنِّكَاح وَبِخِلَاف الْأذن فِي الْفَرد فان قرينَة الْعرف تقيده بِالْحَاجةِ إِلَى عينه دون التِّجَارَة ويتأيد ذَلِك بالمرتهن إِذا أذن المراهن أَن يَبِيع من شخص فَإِنَّهُ يملك بَيْعه مُطلقًا وَيَزُول الْحجر وَيتَفَرَّع عَن هذَيْن الْأَصْلَيْنِ مسَائِل مِنْهَا أَن الْمَأْذُون فِي نوع من التِّجَارَة لَا يصير مَأْذُونا فِيمَا عداهُ عندنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الْإِذْن فِي نوع من التِّجَارَة تسلط العَبْد على جَمِيع أَنْوَاع التِّجَارَة وَمِنْهَا أَن الْمَأْذُون فِي التِّجَارَة إِذا استغرقت دُيُون التِّجَارَة إكسابه فَإِن بَقِيَّة الدُّيُون لَا تتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ عندنَا وَلَا يُبَاع فِيهَا بل تتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ يتبع بهَا إِذا عتق لِأَن تصرفه حق السَّيِّد فَيظْهر أَثَره فِي مَحل أُذُنه وَهِي

الإكساب والرقبة لم يَتَنَاوَلهَا الْإِذْن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض تبَاع رقبته فِيهَا بِنَاء على إِن التَّصَرُّف حق العَبْد وَالْإِذْن يَقْتَضِي تعلق الدُّيُون بِحقِّهِ والرقبة حَقه فَيتَعَلَّق بهَا وَمِنْهَا أَن الْمَأْذُون فِي التِّجَارَة لَا يُؤجر نَفسه عندنَا لِأَن مَنَافِعه ملك السَّيِّد وَلم يَأْذَن لَهُ فِي التَّصَرُّف فِيهَا فَلَا يعتاض عَنْهَا كَسَائِر أَمْوَال السَّيِّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يملك الْإِجَارَة لِأَنَّهُ مَأْذُون لَهُ فِي الِاكْتِسَاب وَالْإِجَارَة أحد طرق الِاكْتِسَاب وَمِنْهَا أَن السَّيِّد إِذا رأى عَبده يَبِيع وَيَشْتَرِي فَسكت لم يَصح تصرفه عندنَا لِأَنَّهُ متصرف بالأذن وَالسُّكُوت لَا يكون إِذْنا لِأَنَّهُ

مُتَرَدّد مُحْتَمل لَا دلَالَة لَهُ وسكوت الْبكر مَأْخُوذ من النَّص لَا من الْقيَاس وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض السُّكُوت إِذن لدلالته على الرِّضَا فَإِن العَبْد متصرف لنَفسِهِ لَكِن حق السَّيِّد تعلق بِهِ وَالسُّكُوت كَاف فِي إِسْقَاط الْحق كَمَا فِي الشَّفِيع وَهَذَا يبطل عَلَيْهِم بِالسُّكُوتِ فِي بيع الْحر مَال غَيره وببيع الرَّاهِن عِنْد سكُوت الْمُرْتَهن وَيلْحق بأذيال هَذَا الأَصْل مَسْأَلَة وَهِي أَن الْمُوصى لَهُ فِي نوع من التَّصَرُّف يقْتَصر وَلَا يتَعَدَّى عندنَا لِأَنَّهُ يتَصَرَّف بالتفويض كالمضارب وَالْوَكِيل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يصير وَصِيّا مُطلقًا لِأَن الْوَصِيَّة ولَايَة وَالْولَايَة لَا تتجزأ وَمَا لَا يتَجَزَّأ فإثبات بعضه إِثْبَات كُله

مسائل من النذر والأهلية

مسَائِل من النّذر والأهلية ذهب جَمَاهِير الْعلمَاء إِلَى أَن التحسين والتقبيح راجعان إِلَى الْأَمر وَالنَّهْي فَلَا يقبح شَيْء لعَينه وَلَا يحسن شَيْء لعَينه بل المعني بِكَوْنِهِ قبيحا محرما أَنه مُتَعَلق النَّهْي والمعني بِكَوْنِهِ حسنا وَاجِبا أَنه مُتَعَلق الْأَمر وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن أيجاب الْعقل شَيْئا من ذَلِك لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون ضَرُورِيًّا أَو نظريا وَالْأول محَال فَإِن الضروريات لَا تنَازع فِيهَا كَيفَ وَنحن جم غفير وَعدد كثير لَا نجد أَنْفُسنَا مضطرين إِلَى معرفَة حسن هَذِه الْأَفْعَال وَلَا قبح نقائضها وَالثَّانِي أَيْضا محَال لإفضائه إِلَى التسلسل

وَذهب المنتمون إِلَى أبي حنيفَة رض من عُلَمَاء الْأُصُول إِلَى أَن الْأَفْعَال تقسم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام فَمِنْهَا مَا يسْتَقلّ الْعقل بدرك حسنه وقبحه بديهة كحسن الصدْق الَّذِي لَا ضَرَر فِيهِ وقبح الْكَذِب الَّذِي لَا نفع فِيهِ وَمعنى اسْتِقْلَال الْعقل بدرك ذَلِك عِنْدهم أَنه لَا يتَوَقَّف على إِخْبَار مخبر وَمِنْهَا مَا يدْرك حسنه وقبحه بِنَظَر الْعقل كحسن الصدْق الْمُشْتَمل على الضَّرَر وقبح الْكَذِب الْمُشْتَمل على النَّفْع وَمِنْهَا مَا لَا يسْتَقلّ الْعقل بدرك حسنه وقبحه أصلا دون تَنْبِيه الشَّرْع عَلَيْهِ كحسن الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَالزَّكَاة وقبح تنَاول الْخمر وَالْخِنْزِير وَلُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَزَعَمُوا أَن أَمر الشَّرْع فِي هَذَا الْقسم وَنَهْيه كاشف عَن وَجه حسن هَذِه الْأَفْعَال وقبحها لعلمه بِأَن امْتِثَال أمره فِيهَا يَدْعُو إِلَى المستحسنات الْعَقْلِيَّة وَكَذَلِكَ التّرْك فِي نقيضها من المناهي وَاحْتَجُّوا على كَون الْعقل مدْركا لمعْرِفَة الْحسن والقبح بِأَن

البراهمة يقبحون ويحسنون مَعَ إنكارهم الشَّرَائِع وجحدهم النبوات وَهُوَ فَاسد فَإِنَّهُم يقبحون ويحسنون فِي الْمَنَافِع والمضار الناجزة وَالْخلاف فِيمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ عرض عَاجل وَكَانَ الْمَقْصُود مِنْهُ الثَّوَاب أَو دَرْء الْعقَاب الآجل وهم لَا يحسنون وَلَا يقبحون فِيهِ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِن إِسْلَام الصَّبِي الْمُمَيز لَا يَصح عندنَا لِأَن الْإِسْلَام لَا يعقل إِلَّا بعد تقدم الْإِلْزَام كَمَا لَا يعقل الْجَواب إِلَّا بعد تقدم الْخطاب فَإِنَّهُ من أَسمَاء الشّبَه وَالْإِضَافَة وَالْإِسْلَام عبارَة عَن الاستسلام والإذعان والابتداء بالتبرع لَا يُسمى إسلاما وَلَا انقيادا كَمَا إِن الِابْتِدَاء بالْكلَام لَا يُسمى جَوَابا والإلزام مُنْتَفٍ فِي حق الصَّبِي فَانْتفى الْإِسْلَام وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى صِحَة إِسْلَامه

بِنَاء على أَن اللُّزُوم يثبت عقلا وَالْعقل يُوجب على الصَّبِي والبالغ إِذا كَانَ الصَّبِي عَاقِلا وَمِنْهَا أَنه إِذا نذر صَوْم الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق لَا ينْعَقد نَذره وَلَا يَصح صَوْمه فِيهَا عندنَا للنَّهْي الْوَارِد فِيهِ وَعِنْدهم يَصح بِنَاء على أَن الصَّوْم عبَادَة مَأْمُور بهَا وَالْأَمر بِهِ يدل على كَونه حسنا فيستحيل إِن ينْهَى عَنهُ فَيجب صرف النَّهْي إِلَى معنى وَرَاءه كَتَرْكِ إِجَابَة الدَّاعِي مثلا قَالُوا وَلَا يلْزم على هَذَا الصَّوْم وَالصَّلَاة فِي زمن الْحيض وَالنّفاس فَإِن ذَلِك من بَاب النَّفْي لَا من بَاب النَّهْي وَمعنى النَّفْي

إِخْبَار الشَّرْع بانعدام هَذِه الْعِبَادَات شرعا فِي زمن الْحيض لقِيَام النَّافِي لَهَا وَهُوَ حدث الْحيض وَالنّفاس وَلَا يلْزم على هَذَا الإستحاضة فَإِن ذَلِك مُلْحق بالأمراض لَا بالأحداث وَالْمَرَض لَا ينافيها وَمِنْهَا أَن شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض غير مَقْبُولَة عندنَا لتهمة الْكَذِب وَعِنْدهم تقبل لِأَن قبح الْكَذِب ثَابت عقلا وَكَذَلِكَ حسن الصدْق وكل ذِي دين يجْتَنب مَا هُوَ مَحْظُور دينه وعقله ظَاهرا

قاعدة جامعة

قَاعِدَة جَامِعَة المشروعات اصلها حسن عِنْد أهل الرَّأْي لِأَن الْعِبَادَات إِظْهَار الْعُبُودِيَّة والخضوع لله تَعَالَى وتعظيم الْخَالِق وشكر الْمُنعم والمعاملات سَبَب لإِقَامَة الْمصَالح وَقطع المنازعات والمناكحات سَبَب للتناسل وَالتَّكَاثُر من الْعباد والعباد والعقوبات وَالْحُدُود سَبَب لاستبقاء الْأَنْفس والعقول والأديان والأبضاع وَالْأَمْوَال قَالُوا وَلَا يخفى على كل ذِي عقل حسن هَذِه الْأَشْيَاء فَلَا يتَصَوَّر نسخهَا وَلَا النَّهْي عَنْهَا وَإِنَّمَا كيفياتها وهيأتها وشروطها تعرف بِالشَّرْعِ لَا بِالْعقلِ فَجَائِز أَن يرد النّسخ وَالنَّهْي عَنهُ فَمَتَى ورد النَّهْي مُضَافا إِلَى شَيْء مِنْهَا يجب

صرف النَّهْي إِلَى مجاور لَهُ صِيَانة لأدلة الشَّرْع عَن التَّنَاقُض أما عندنَا فالحسن والقبح تابعان لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي على مَا سبق فيتصور الْأَمر بالشَّيْء وَالنَّهْي عَن عينه وَالله تَعَالَى اعْلَم

= كتاب النِّكَاح = مَذْهَب الشَّافِعِي رض أَن الْأَمر بالشَّيْء لَيْسَ نهيا عَن ضِدّه وَالنَّهْي عَن الشَّيْء لَيْسَ أمرا بضده بِدَلِيل أَن الَّذِي يَأْمر بالشَّيْء قد لَا يخْطر بِبَالِهِ التَّعَرُّض لأضداد الْمَأْمُور بِهِ إِمَّا الذهول أَو إضراب فَكيف يكون آمرا بالشَّيْء أَو ناهيا عَنهُ مَعَ غفلته وذهوله عَنهُ وَذهب الأصوليون من أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن الْأَمر بالشَّيْء يَقْتَضِي النَّهْي عَن أضداده إِن كَانَ لَهُ أضداد وَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا ضد وَاحِد فَالْأَمْر بِهِ يَقْتَضِي النَّهْي عَن ذَلِك الضِّدّ وَكَذَلِكَ النَّهْي عَن الشَّيْء يَقْتَضِي الْأَمر بضده على التَّفْصِيل الَّذِي بَيناهُ

وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن من أَمر غَيره بِالْخرُوجِ من الدَّار فقد كره مِنْهُ سَائِر أضداده من الْقيام وَالْقعُود والاضطجاع لِأَنَّهُ لَا يَأْمر بِالْخرُوجِ مَعَ إِرَادَته لما يُنَافِيهِ لِاسْتِحَالَة الْجمع بَينهمَا فِي الْأَمر الْوَاحِد وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن التخلي لنوافل الْعِبَادَات أولى من الِاشْتِغَال بِالنِّكَاحِ عندنَا لِأَن النِّكَاح إِمَّا مُبَاح أَو مَنْدُوب مشوب بحظ النَّفس وَاتِّبَاع الْهوى والنوافل مَنْدُوب إِلَيْهَا حَقًا لله تَعَالَى على الخلوص وَعِنْدهم الِاشْتِغَال بِالنِّكَاحِ أولى لِأَن الزِّنَى مَنْهِيّ عَنهُ نهي تَحْرِيم وَالنِّكَاح يتَضَمَّن ترك الزِّنَا لما فِيهِ من الِاسْتِغْنَاء بالمباح عَن السفاح فَكَانَ مَأْمُورا بِهِ أَمر أيجاب فلئن قُلْنَا لَو كَانَ وَاجِبا لأثم بِتَرْكِهِ وَمن ترك النِّكَاح لَا يَأْثَم

قَالُوا يمْنَع ونقول من ترك النِّكَاح جَمِيع عمره فَمَاتَ من غير نِكَاح يُعَاقب فِي الدَّار الْآخِرَة وَمِنْهَا أَن إرْسَال الطلقات الثَّلَاث مُبَاح عندنَا لِأَن مُوجبهَا قطع نِكَاح مُبَاح وَعِنْدهم حرَام وبدعة لِأَنَّهُ تضمن قطع مصلحَة وَجَبت إِقَامَتهَا بِالْكُلِّيَّةِ واحترزوا بقَوْلهمْ بِالْكُلِّيَّةِ عَن التَّفْرِيق فلئن قُلْنَا النِّكَاح عِنْد تنَافِي الْأَخْلَاق يصير مفْسدَة فَلم يتَضَمَّن قطع مصلحَة قَالُوا النِّكَاح لَا يصير مفْسدَة لَا بِاعْتِبَار ذَاته وَلَا بِاعْتِبَار مَا يخْتَص بِهِ من الْأَحْكَام إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لامتنعت شَرْعِيَّة النِّكَاح وَلم يحْتَج إِلَى قَاطع

مسألة

مَسْأَلَة 1 رَاوِي الأَصْل إِذا أنكر رِوَايَة الْفَرْع إِنْكَار جَاحد قَاطعا مُكَذبا للراوي لم يعْمل بِهِ وَلم يصر الرَّاوِي مجروحا لِأَنَّهُ مكذب شَيْخه كَمَا أَن شَيْخه مكذب لَهُ وَكِلَاهُمَا عَدْلَانِ كالبينتين إِذا تكاذبتا فَإِنَّهُ لايوجب جرح أَحدهمَا أما إِذا أنكر إِنْكَار مُتَوَقف بِأَن قَالَ لست أذكر أَو لَا اعرفه فَيعْمل بالْخبر عِنْد الشَّافِعِي رض وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَنَّهُ عدل روى وَقد أمكن تَصْدِيقه فِي رِوَايَته فَوَجَبَ أَن يعْمل بروايته كَمَا لَو صدقه رَاوِي الأَصْل وَلِأَن عَدَالَة الْفَرْع ثَابِتَة على الْقطع وَالْيَقِين وَتوقف الأَصْل لَا يدل على التَّكْذِيب إِذْ لم يُنكر إِنْكَار جَاحد فَمن الْجَائِز أَنه حَدثهُ ثمَّ نَسيَه لِأَن الْإِنْسَان عرضة للنسيان وَالْيَقِين لَا يرفع بِالشَّكِّ

وَذهب الْحَنَفِيَّة إِلَى أَنه لايجوز الْعَمَل بِهِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بأمرين أَحدهمَا أَنهم قَالُوا لَو كَانَ الحَدِيث حجَّة فِي حق غير الشَّيْخ لَكَانَ حجَّة فِي حق الشَّيْخ وَوجه ذَلِك أَن الشَّيْخ هُوَ الأَصْل الْمَرْوِيّ عَنهُ وَإِذا بَطل الحَدِيث فِي حق غَيره بطرِيق الأولى الثَّانِي أَنهم قَالُوا لَا خلاف أَن شُهُود الأَصْل لَو وقفُوا وَقَالُوا مَا نذْكر ذَلِك وَلَا نَحْفَظهُ لم يجز للْحَاكِم الْعَمَل بِشَهَادَة الشُّهُود الْفَرْع فَكَذَلِك فِي رِوَايَة الْخَبَر وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل بطلَان النِّكَاح بِلَا ولي عِنْد الشَّافِعِي رض لما روى سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن الزُّهْرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أَيّمَا

امْرَأَة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل بَاطِل بَاطِل فَإِن مَسهَا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا فَإِن اشتجروا فالسلطان ولي من لَا ولي لَهُ // الحَدِيث أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَلَا مبالاة بإنكار الزُّهْرِيّ رِوَايَة سُلَيْمَان عَنهُ لما ذَكرْنَاهُ وَأَبُو حنيفَة رض طرد الْقيَاس وَلم ير الِاحْتِجَاج بِالْحَدِيثِ لقَوْل الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى لَا أعرفهُ

مسالة

مسالة 2 ذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن ولَايَة الْإِجْبَار فِي حق الْبَنَات معللة بالبكارة لَا بالصغر أحتج فِي ذَلِك بِأَن النِّكَاح فِي حق الْبَنَات من جملَة المضار من حَيْثُ إِنَّه إرقاق وإذلال من غير حَاجَة تَدْعُو إِلَيْهِ وَالْولَايَة تثبت للْوَلِيّ على الصَّغِير نظرا لَهُ وَإِقَامَة لما تَدْعُو حَاجته إِلَيْهِ دون مَا يضر بِهِ وَلِهَذَا لَا يملك هبة مَال الصَّغِير وَيملك قبُول الْهِبَة لَهُ وَلَا يملك البيع بِغَبن فَاحش وَلَا يملك الطَّلَاق وَالْعتاق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بهما دفع حَاجَة الصَّغِير وَالنِّكَاح مِمَّا لايتعلق بِهِ دفع حَاجَة الصَّغِير فَلَا يصلح الصغر عِلّة للإجبار وَهَذَا بِخِلَاف إنكاح الصغار فَإِن ذَلِك من جملَة الْمصَالح فِي حَقهم من حَيْثُ إِنَّه يحصل لَهُم ملك النُّفُوس وَلَا يلْزم على هَذَا ثُبُوت ولَايَة الْإِنْكَاح بعد الْبلُوغ لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى النِّكَاح وَلَا تصبر فِي

الْأَعَمّ الْأَغْلَب عَنهُ وَلَا يَتَيَسَّر أَمر معيشتها بِدُونِهِ وَذهب أَبُو حنيفَة رض إِلَى أَن ولَايَة الْإِنْكَاح فِي حق الصغار والإجبار معللة بالصغر وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن النِّكَاح مُتَعَلق الْمصَالح من الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا من حَيْثُ أَن مصلحَة المعاش فِي الْعَادَات الْجَارِيَة إِنَّمَا يقوم بازدواج الرِّجَال وَالنِّسَاء وَلِأَن شَهْوَة الْفرج شَهْوَة أَصْلِيَّة فِي الذّكر وَالْأُنْثَى وَلَا طَرِيق إِلَى الْقَضَاء إِلَّا بطرِيق الازدواج وَكَذَلِكَ مصلحَة بَقَاء النَّسْل وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن الثّيّب الصَّغِيرَة لَا تزوج عندنَا لزوَال عِلّة الْإِجْبَار وَهِي الْبكارَة وَعِنْدهم تجبر لقِيَام عِلّة الْإِجْبَار وَهِي الصغر

الثَّانِيَة أَن الْبكر الْبَالِغ تزوج إجبارا عندنَا وَعِنْدهم لَا تزوج إِلَّا بِرِضَاهَا وَقد تقدم ذكره مستقصى فِي قَاعِدَة الْمَفْهُوم فِي مسَائِل البيع

مسالة

مسالة 3 ذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن قرب الْقَرَابَة مُعْتَبر فِي الِاسْتِقْلَال بِالنِّكَاحِ وَاحْتج فِي ذَلِك بِتَقْدِيم الْأَب على الْجد عِنْد الِاجْتِمَاع وَذهب أَبُو حنيفَة رض إِلَى الِاكْتِفَاء بِأَصْل الْقَرَابَة وأحتج فِي ذَلِك باستقلال الْجد عِنْد عدم الْأَب فَإِنَّهُ لم يسْتَقلّ لعدم الْأَقْرَب بل لمَكَان أَهْلِيَّته وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن غير الْأَب وَالْجد لَا يملك تَزْوِيج الصَّغِير وَالصَّغِيرَة عندنَا وَعِنْده يملك وَمِنْهَا أَن الْوَلِيّ الْأَقْرَب إِذا غَابَ غيبَة متقطعة لَا تبطل ولَايَته وَلَا تنْتَقل إِلَى الْقَرِيب بل الْحَاكِم يُزَوّجهَا نِيَابَة عَن

الْأَقْرَب وَعِنْده يُزَوّجهَا الْأَبْعَد وَمِنْهَا أَن الْمُعْتق وَابْن الْعم لَا يسْتَقلّ بتولي طرفِي العقد وَلَا يُزَوّج من نَفسه عندنَا وَالْجد يسْتَقلّ بتولي طرفِي النِّكَاح على حفيدته وَعِنْدهم يسْتَقلّ كالجد وَلَا خلاف أَن الْأَب يخْتَص بتولي الطَّرفَيْنِ فِي مَال الطِّفْل

مسألة

مَسْأَلَة 4 ذهب أَبُو حنيفَة وَمن تَابعه من الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَن الْمُطلق والمقيد إِذا وردا فِي حَادِثَة وَاحِدَة لَا يحمل كمطلق على الْمُقَيد لِأَن كَلَام الْحَكِيم مَحْمُول على مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضى الْمُطلق الْإِطْلَاق والمقيد التَّقْيِيد وَقَالَ الشَّافِعِي رض يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد لِأَن الْحَكِيم إِنَّمَا يزِيد فِي الْكَلَام لزِيَادَة فِي الْبَيَان فَلم يحسن إِلْغَاء تِلْكَ الزِّيَادَة بل يَجْعَل كَأَنَّهُ قالهما مَعًا وَلِأَن مُوجب الْمُقَيد مُتَيَقن وَمُوجب الْمُطلق مُحْتَمل وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن النِّكَاح لَا ينْعَقد بِحُضُور الْفَاسِقين عِنْد الشَّافِعِي رض لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل

فَإِنَّهُ تَقْيِيد للشَّهَادَة بِالْعَدَالَةِ وَعِنْدهم ينْعَقد لمُطلق قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشهود وَالشَّافِعِيّ رض نزل هَذَا الْمُطلق على الْمُقَيد لِاتِّحَاد الْوَاقِعَة وَأَبُو حنيفَة قدم الْمُطلق على الْمُقَيد وَمِنْهَا أَن الْفَاسِق لَا يَلِي التَّزْوِيج بِالْقَرَابَةِ عندنَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل

وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يَلِيهِ لمُطلق قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشهود وَمِنْهَا أَن إِعْتَاق الرَّقَبَة الْكَافِرَة لَا يَجْزِي فِي كَفَّارَة الظِّهَار عندنَا حملا لمُطلق قَوْله تَعَالَى فِيهِ {فَتَحْرِير رَقَبَة} على قَوْله تَعَالَى فِي كَفَّارَة الْقَتْل {فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} وَقد مضى ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي صدر الْكتاب وَمِنْهَا أَن السَّيِّد إِذا كَانَ لَهُ عبد كَافِر لَا تجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر عَنهُ عندنَا لِأَنَّهُ روى نَافِع عَن مَالك عَن ابْن عمر رض أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَدّوا صَدَقَة الْفطر عَن كل حر

وَعبد نصف صَاع من بر وَرُوِيَ عَنهُ أَدّوا عَن كل حر وَعبد من الْمُسلمين نصف صَاع من الْحِنْطَة فالشافعي رض يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد وَيشْتَرط الْإِيمَان وَأَبُو حنيفَة رض لَا يحمل وَلَا يشْتَرط الْإِيمَان

مسألة

مَسْأَلَة 5 مَذْهَب الشَّافِعِي رض أَن شَهَادَة النِّسَاء شَهَادَة ضَرُورِيَّة غير أَصْلِيَّة وأحتج فِي ذَلِك بأمرين أَحدهمَا أَن الشَّهَادَة ولَايَة دينية وَأَمَانَة شَرْعِيَّة لَا تنَال إِلَّا بِكَمَال الْحَال لما فِيهَا من تَنْفِيذ قَول الْغَيْر على الْغَيْر وتنزيل قَول الْمَعْصُوم فِي إِفَادَة الصدْق فِي الْخَبَر النِّسَاء ناقصات عقل وَدين وَلِهَذَا لم تقبل شَهَادَتهنَّ فِي كثير من القضايا لما خصصن بِهِ من الْغَفْلَة والذهول ونقصان الْعقل وَحَيْثُ قبلت أُقِيمَت شَهَادَة اثْنَتَيْنِ مقَام رجل وَاحِد الثَّانِي أَن الشَّهَادَة تُقَام فِي منصب الْقَضَاء على رُؤُوس الأشهاد ويتصل الْأَمر فِيهَا بالتزكية وَالتَّعْدِيل والبحث عَن البواطن وَذَلِكَ نِهَايَة فِي التبرج والتكشف الْمنَافِي لحالهن فاصل قبُول الشَّهَادَة من

النِّسَاء مُشكل فَإِن النَّقْص الَّذِي يمْنَع قبُول الشَّهَادَة فِي مَوضِع يجب فِي حكم الْقيام أَن يمْنَع فِي كل مَوضِع كالرق فَكَانَ أصل قبُول الشَّهَادَة من النِّسَاء خَارِجا عَن الْقيَاس وَمَا هَذَا شانه يجب الِاقْتِصَار فِيهِ على مورد النَّص وَالنَّص لم يرد إِلَّا فِي المَال وَمَا يقْصد بِهِ المَال من بيع أَو رهن وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض شَهَادَة النِّسَاء شَهَادَة أَصْلِيَّة بِدَلِيل وجوب الْعَمَل بهَا مَعَ الْقُدْرَة على شَهَادَة الرِّجَال وَلَو كَانَت ضَرُورِيَّة لما سَمِعت مَعَ الْقُدْرَة على شَهَادَة الرِّجَال وقصورها عَن كَمَال الْحَال وَمَا جبلن عَلَيْهِ من الْغَفْلَة وَالنِّسْيَان فقد جبر بِالْعدَدِ وَقد نبه الشَّرْع عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى {أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى}

وَيتَفَرَّع عَن هَذَا مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن النِّكَاح لَا ينْعَقد بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ لما ذَكرْنَاهُ وَعِنْدهم ينْعَقد وَلذَلِك لَا يثبت الطَّلَاق وَالْعتاق وَالْوَصِيَّة وَالْوكَالَة وكل حق لَيْسَ بِمَال وَلَا يقْصد مِنْهُ المَال الثَّانِيَة أَن شَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا لَا يقبل وَعِنْده تقبل حَتَّى يثبت بِهِ النّسَب وَالْمِيرَاث وَالطَّلَاق الْمُعَلق بِالْولادَةِ

مسألة

مَسْأَلَة 6 ذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن حكم الشَّيْء يَدُور مَعَ أَثَره وجودا وعدما فَينزل وجود أثر الشَّيْء منزلَة وجوده وَعَدَمه منزلَة عَدمه اسْتِدْلَالا بِوُجُود الْأَثر على وجود الْمُؤثر وبانتفائه على انتفائه وَالشَّافِعِيّ رض منع ذَلِك محتجا فِيهِ بحقية الأَصْل فان الْأَحْكَام والْآثَار تَابِعَة للحقائق حسا وَحَقِيقَة وَفِي تَنْزِيل أثر الشَّيْء منزلَة ذَلِك الشَّيْء فِي وجوده وَعَدَمه جعل الْمَتْبُوع تَابعا وَذَلِكَ قلب الْحَقَائِق وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن المصابة بِالْفُجُورِ إِذا زَالَت بَكَارَتهَا بِالزِّنَا الْمَحْض فَإِنَّهَا تستنطق عندنَا لوُجُود حَقِيقَة الثيابة وَعِنْدهم تزوج كَمَا تزوج الْأَبْكَار ويكتفى بسكوتها لِأَنَّهُ وَطْء غير مُتَعَلق بِهِ حكم من أَحْكَام الْملك وَلَا خاصية من

خَصَائِصه فَأشبه الوثبة والطفرة وَلَا يَزُول حكم الْبكارَة وَمِنْهَا أَن نِكَاح الْأُخْت فِي عدَّة الْأُخْت البائنة جَائِز عندنَا لِأَن الْمحرم هُوَ الْجمع فِي السَّبَب المثمر للْوَطْء أَو فِي الْوَطْء الْمَقْصُود بِهَذَا السَّبَب وَقد أنعدم ذَلِك حَقِيقَة وَعِنْدهم لَا يجوز لِأَن الْعدة من خَصَائِص أَحْكَام النِّكَاح فَجعل بَقَاؤُهُ بِمَنْزِلَة بَقَاء اصلها فِي تَحْرِيم الْجمع وَمِنْهَا إِذْ طلق الْحرَّة ثَلَاثًا ثمَّ تزوج أمة فِي عدتهَا جَازَ عندنَا وَعِنْده لَا يجوز وَمِنْهَا أَن المختلعة لَا يلْحقهَا صَرِيح الطَّلَاق لزوَال حَقِيقَة النِّكَاح

وَعِنْدهم يلْحقهَا مَا دَامَت فِي الْعدة كَمَا ذَكرْنَاهُ وَمِنْهَا أَن المبتوتة فِي مرض الْمَوْت لَا تَرث عندنَا وَعِنْدهم تَرث مَا دَامَت الْعدة قَائِمَة

مسالة

مسالة 7 إِذا دَار اللَّفْظ بَين مَعْنَاهُ الشَّرْعِيّ وَمَعْنَاهُ اللّغَوِيّ ترجح حمله على الْمَعْنى الشَّرْعِيّ دون الْوَضع اللّغَوِيّ عندنَا لما ذَكرْنَاهُ فِي تبييت النِّيَّة وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَنه يتَرَجَّح حمله على الْمَوْضُوع اللّغَوِيّ مجَاز فِيمَا عداهُ وَالْكَلَام بحقيقته إِلَى إِن يدل الدَّلِيل على الْمجَاز ويفرع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِن الزِّنَا لَا يُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة عندنَا وَعِنْدهم يُوجِبهَا

ومدار نظر الْفَرِيقَيْنِ على تَفْسِير اسْم النِّكَاح فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء إِلَّا مَا قد سلف} أَبُو حنيفَة رض يَقُول مَعْنَاهُ الْوَطْء لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من الضَّم وَالْجمع قَالَ تَعَالَى {حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح} يَعْنِي الْوَطْء وَحَيْثُ ورد النِّكَاح فِي الشَّرْع بِمَعْنى العقد فلأجل أَنه سَبَب للْوَطْء فَعبر بِالسَّبَبِ عَن الْمُسَبّب وَقَالَ الشَّافِعِي رض مَعْنَاهُ العقد لِأَنَّهُ لم يرد فِي الشَّرْع مُطلقًا إِلَّا وَأُرِيد بِهِ العقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشهود وَيُقَال حَضَرنَا نِكَاح فلَان وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ العقد فَيصْرف عِنْد الْإِطْلَاق إِلَيْهِ كَمَا فِي لفظ الصَّلَاة وَالصَّوْم فَإِنَّهُمَا عِنْد الْإِطْلَاق يحْملَانِ على الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة وَالصَّوْم الشَّرْعِيّ دون اللّغَوِيّ وَأما قَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح} وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام ناكح الْيَد مَلْعُون // حَدِيث ضَعِيف // فَإِنَّمَا حمل على الْوَطْء لِأَنَّهُ

لَا يحْتَمل العقد وَمِنْهَا أَن الْمحرم لَا يجوز لَهُ إِن يتَزَوَّج وَأَن يُزَوّج عندنَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا ينْكح الْمحرم وَلَا ينْكح وَعِنْدهم يجوز لَهُ ذَلِك وحملوا لفظ النِّكَاح على الْوَطْء دون العقد وَعَلِيهِ حمل أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لفظ النِّكَاح فِي قَوْله تَعَالَى {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات فَمن مَا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات} حَتَّى جوز للْحرّ نِكَاح الْأمة بِدُونِ خوف الْعَنَت

مسائل الصداق

مسَائِل الصَدَاق مَسْأَلَة 1 الصَدَاق عِنْد الشَّافِعِي رض تمحض حَقًا للْمَرْأَة ثبوتا وَاسْتِيفَاء وأحتج فِي ذَلِك باستقلالها وبإسقاطه وَبِأَن فَوَائده عَائِدَة إِلَيْهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الصَدَاق حق لله تَعَالَى ابْتِدَاء وَرُبمَا قَالَ الْوُجُوب لله تَعَالَى وَالْوَاجِب لَهَا وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْمهْر يجب لابإيجابها بل بِإِيجَاب الشَّرْع حَتَّى لَو اتّفق الزَّوْجَانِ على إِسْقَاطه وَجب وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِن مفوضة الْبضْع لَا تسْتَحقّ الْمهْر عندنَا بِنَفس العقد وَعِنْدهم تسْتَحقّ ذَلِك وان رضيت بَان لَا يجب لَهَا

وَمِنْهَا أَن الصَدَاق لَا يتَقَدَّر عندنَا بل يجوز قَلِيله وَكَثِيره وَعِنْدهم يقدر أَقَله بِعشْرَة دَرَاهِم حَتَّى لَو ذكر خَمْسَة وَجب عشرَة وعللوا ذَلِك بِأَنَّهُ أقل مَال لَهُ خطر فِي الشَّرْع حَتَّى يقطع بِهِ السَّارِق فَلَا يستباح الْبضْع بِدُونِهِ وَمِنْهَا أَن الْمَرْأَة إِذا خطبهَا كُفْء بِدُونِ مهر الْمثل ورضيت بِهِ يجب على الْأَوْلِيَاء تَزْوِيجهَا عندنَا فَإِن أَبَوا زَوجهَا القَاضِي وَعِنْدهم لَا تلزمهم الْإِجَابَة كَمَا لَو دعت إِلَى غير كفؤ

مسائل إختلاف الدارين

مسَائِل إختلاف الدَّاريْنِ اخْتِلَاف الدَّاريْنِ أَعنِي دَار الْإِسْلَام وَدَار الْحَرْب لَا يُوجب تبَاين الْأَحْكَام عِنْد الشَّافِعِي رض وأحتج فِي ذَلِك بِأَن الدّور والأماكن والرباع لَا حكم لَهَا لدار الْبَغي وَدَار الْعدْل وَإِنَّمَا الحكم لله تَعَالَى ودعوة الْإِسْلَام عَامَّة على الْكفَّار سَوَاء أكانوا فِي أماكنهم أَو فِي غَيرهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض إختلاف الدَّاريْنِ يُوجب تبَاين الْأَحْكَام وَاحْتج فِي ذَلِك أَن تبَاين الدَّاريْنِ حَقِيقَة وَحكما نَازل منزلَة الْمَوْت وَالْمَوْت قَاطع للأملاك فَكَذَا تبَاين الدَّاريْنِ

قَالَ وَهَذَا لِأَن الْملك فِي الأَصْل إِنَّمَا يثبت بِالِاسْتِيلَاءِ على الْمَمْلُوك والاستيلاء يَنْقَطِع بتباين الدَّار حَقِيقَة وَحكما أما الْحَقِيقَة فبالخروج عَن يَد الْمَالِك وَأما الحكم فبانقطاع يَده من الولايات والتصرفات وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا مَا إِذا هَاجر أحد الزَّوْجَيْنِ إِلَيْنَا مُسلما أَو ذِمِّيا وتخلف الآخر فِي دَار الْحَرْب لَا يَنْقَطِع النِّكَاح عندنَا بِنَفس الْخُرُوج وَيَنْقَطِع عِنْدهم لتباين الدَّار وَمِنْهَا إِذا أسلم الْحَرْبِيّ وَخرج إِلَيْنَا وَترك مَاله فِي دَار الْحَرْب ثمَّ ظهر الْمُسلمُونَ على دَارهم فَإِن مَاله لَا يملك عندنَا وَعِنْدهم يملك وَيكون من جملَة الْغَنَائِم وَمِنْهَا من أسلم فِي دَار الْحَرْب وَلم يُهَاجر إِلَى دَار الْإِسْلَام فَهُوَ مَعْصُوم يجب على قَاتله الدِّيَة وَالْقصاص وعَلى من أتلف مَاله الضَّمَان كَمَا فِي دَار الْإِسْلَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يحرم قَتله وَأخذ مَاله وَلَكِن لَا يجب الضَّمَان فَإِن الْعِصْمَة المقومة تثبت بِالدَّار وَالْحُرْمَة تثبت بِالْإِسْلَامِ

مسائل الطلاق

مسَائِل الطَّلَاق وَقد خرجنَا قسما مِنْهَا على أصُول مُقَدّمَة فنأتي على سائرها مسالة 1 الْمُقْتَضى لَا عُمُوم لَهُ عِنْد أبي حنيفَة رض وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْمُقْتَضى مَا يضمر فِي الْكَلَام ضَرُورَة تَصْحِيحه صِيَانة لَهُ عَن الْخلف كَقَوْلِه تَعَالَى {واسأل الْقرْيَة} وَمَا هَذَا شَأْنه يتَقَدَّر بِقدر الضَّرُورَة وَذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَنه يعم

وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْمُقْتَضى هُوَ مَطْلُوب النَّص وَمرَاده فَصَارَ كالمذكور نصا وَلَو كَانَ مَذْكُورا كَانَ لَهُ عُمُوم وخصوص فَكَذَا وَقع إِذا وَقع مُقْتَضى النَّص وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَنه إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق ونوي بِهِ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَصح مِنْهُ وَيَقَع الثَّلَاث عندنَا من حَيْثُ إِن قَوْله أَنْت طَالِق يَقْتَضِي طَلَاقا لامحالة فَصَارَ الطَّلَاق كالمذكور نصا وَلَو كَانَ مَذْكُور بِأَن قَالَ أَنْت طَالِق الطَّلَاق أَو ثَلَاثًا وَنوى بِهِ الثَّلَاث صَحَّ إِجْمَاعًا فَكَذَلِك هَذَا وَعِنْدهم لَا يَقع أَكثر من وَاحِدَة

مسألة

مَسْأَلَة 2 مَذْهَب الشَّافِعِي رض أَن الرّجْعَة فِي الطَّلَاق لَا تقبل الإنقطاع بِالشّرطِ وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الطَّلَاق سَبَب مُؤثر فِي النِّكَاح وَلَيْسَ إِلَى الْعباد تَغْيِير الأوضاع بل الَّذِي إِلَيْنَا اسْتِعْمَال الْأَسْبَاب كَمَا شرعت وَالطَّلَاق بعد الدُّخُول لم يشرع مزيلا فَمن أَرَادَ أَن يَجعله مزيلا كَانَ مغيرا وضع الشَّرْع نازلا منزلَة من يُرِيد جعل الْهِبَة مزيلا من غير قبض وقاطعة للرُّجُوع حَيْثُ ثَبت الرُّجُوع وَأَبُو حنيفَة رض يَدعِي أَنَّهَا تقبل الإنقطاع بِالشّرطِ وأحتج فِي ذَلِك أَن الطَّلَاق شرع مزيلا فِي أَصله بِدَلِيل أَنه يزِيل قبل الدُّخُول وَعند ذكر الْعِوَض وَلَو لم يضع مزيلا لما أختلف بهَا بعد الدُّخُول وَمَا قبله وَلما تصور تَأْثِير الْعِوَض فِي الْإِزَالَة وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الدُّخُول يُؤَكد الْملك فيكسبه استقرارا وَالطَّلَاق فِي الْملك المستقر لم يشرع مزيلا والعوض يلْحق الطَّلَاق

بِبَقِيَّة الْمُعَاوَضَات فِي اللُّزُوم فَينزل منزلَة التَّمْلِيك بعوض بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّمْلِيك بِغَيْر عوض وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن كنايات الطَّلَاق كلهَا رواجع عندنَا كَالصَّرِيحِ وَعِنْده بوائن إِلَّا ثَلَاثَة أَلْفَاظ وَهِي اعْتدي واستبرئي رَحِمك وَأَنت وَاحِدَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ لزوجته الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق طَلْقَة بائنه لَا رَجْعَة لي فِيهَا وَقعت رَجْعِيَّة عندنَا وَعِنْدهم تقع بَائِنَة

مسألة

مَسْأَلَة 3 الْحل فِي النِّكَاح عِنْد الشَّافِعِي رض يتَنَاوَل الذَّات الْمُشْتَملَة على الْأَجْزَاء الْمُتَّصِلَة فِيهَا اتِّصَال خلفة أصلا ومقصودا وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {فانكحوهن بِإِذن أهلهن} أضَاف الْإِنْكَاح إِلَى ذواتهن والذوات عبارَة عَن مَجْمُوع الْأَجْزَاء والأعضاء الْمَوْجُودَة لَدَى العقد وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن مورد الْحل إنسانية الْمَرْأَة دون الْأَجْزَاء والأعضاء الْمعينَة وَزَعَمُوا أَن الْأَعْضَاء الْمعينَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مورد الْحل كالمعدومة وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الْأَجْزَاء الْمَوْجُودَة لَدَى العقد تتحلل وتتجدد جَمِيعًا وَيبعد كل الْبعد أَن يُقَال ورد النِّكَاح على شعورها وكل شَعْرَة نَبتَت بعد النِّكَاح يتَعَلَّق بهَا نِكَاح حَتَّى تتجدد فِي كل يَوْم مَنْكُوحَة لم تُوجد حَال العقد قَالُوا وَعَن هَذَا قضى الشَّرْع بِأَن من أشترى عبدا فَخرج نصفه مُسْتَحقّا سقط قسطه من الثّمن

وَلَو سَقَطت يَده لم يسْقط قسطه من الثّمن لِأَن مورد العقد إنسانية العَبْد وَبهَا مُقَابلَة الثّمن وَذَلِكَ لَا يُنَاسب الْأَعْضَاء الْمعينَة فَتبين أَن الْأَعْضَاء الْمعينَة كالمعدومة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مورد الْعُقُود وَلَو كَانَ اسْتِيفَاء الْمَقَاصِد من حَيْثُ الْعقل لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا لضَرُورَة الْوُجُود وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل إِضَافَة الطَّلَاق إِلَى الْجُزْء الْمعِين فَإِنَّهُ يَصح عندنَا من حَيْثُ إِنَّه مَحل لحل النِّكَاح فَكَانَ محلا لحل الطَّلَاق ثمَّ الْمُضَاف إِلَى بعض الْأَجْزَاء يلْحق بالمضاف إِلَى الْكل إِمَّا سرَايَة أَو عبارَة كَمَا فِي الْجُزْء الْمشَاع والأعضاء الرئيسية فَكَذَا الْمُضَاف إِلَى سَائِر الْأَجْزَاء وَعِنْدهم لَا تصح هَذِه الْإِضَافَة لما ذَكرْنَاهُ وَهَذَا الْخلاف جَار فِي إِضَافَة الْعتْق إِلَى عُضْو معِين على مَا سبق

مسألة

مَسْأَلَة 4 وَذهب الْقَدَرِيَّة وَالْحَنَفِيَّة إِلَى أَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ مُجمل لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ لتردده بَين نفي الصُّورَة وَالْحكم وَهَذَا فَاسد فَإِن نفي الصُّورَة لَا يُمكن أَن يكون مرَادا لما فِيهِ من نِسْبَة كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْخلف فَكَانَ المُرَاد رفع حكمه على مَا قَرَّرْنَاهُ فِي مسَائِل الصَّوْم

وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن طَلَاق الْمُكْره وعتاقه وَبيعه وإجارته ونكاحه ورجعته وَغَيرهَا من التَّصَرُّفَات لَا يَصح عندنَا لِأَن رفع حكم الْإِكْرَاه إِنَّمَا يكون بانعدام الحكم الْمُتَعَلّق بِهِ كوقوع الطَّلَاق وَالْعتاق وَصِحَّة البيع وَالنِّكَاح أما وجوب الْقصاص بقتْله فيستثنى من عُمُوم الصِّيغَة تَعْظِيمًا لأمر الدَّم فَإِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى استباحته لخاصة حرمته كَمَا شرع قتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ مُسْتَثْنى عَن قَاعِدَة الْقيَاس وَلِهَذَا لم نحكم بارتفاع الْإِثْم مَعَ أَن الصِّيغَة تنفيه بِحكم الْوَضع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض التَّصَرُّفَات تَنْقَسِم إِلَى لَازِمَة لَا تقبل الرَّد وَلَا يشْتَرط فِيهَا الرِّضَا كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَالنِّكَاح فَيصح مِنْهُ وَيلْزم

والى جَائِزَة تقبل الرَّد وَيشْتَرط فِيهَا الرِّضَا كَالْبيع وَالْهِبَة وَالْإِجَارَة فَتَصِح مِنْهُ وَلَا تلْزم وَرُبمَا قَالُوا تَنْعَقِد وَلَا تلْزم بِنَاء على أَن الرِّضَا فِي الْعُقُود من بَاب الشُّرُوط وَفَسَاد الشَّرْط عِنْده يُوجب فَسَاد الْوَصْف دون الأَصْل على مَا قَرَّرْنَاهُ فِي مَسْأَلَة البيع الْفَاسِد

مسألة

مَسْأَلَة 5 كلمة حَتَّى للغاية فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} عِنْد الشَّافِعِي رض تَقول سرت حَتَّى أتيت الْبَصْرَة وَمَعْنَاهَا عِنْده تأقيت التَّحْرِيم الثَّابِت بِالطَّلَاق الثَّلَاث وانتهاؤه بِوَطْء الزَّوْج الثَّانِي وَاحْتج فِي ذَلِك أَن الْمَرْأَة خلقت محللة من كَونهَا من بَنَات آدم وَتَحْرِيم نِكَاحهَا بِالطَّلَاق عَارض فَإِذا أنْتَهى التَّحْرِيم الْعَارِض بِوَطْء الزَّوْج الثَّانِي حلت بِالْمَعْنَى الأول لَا بِالزَّوْجِ الثَّانِي كمنافع المَال عِنْد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة فَإِنَّهَا تصير للْمَالِك بِالْمَعْنَى الأول لَا بِانْقِضَاء الْمدَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض هِيَ للرفع وَالْقطع كَمَا فِي قَوْله

تَعَالَى {وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل حَتَّى تغتسلوا} حَتَّى تَرفعُوا الْجَنَابَة عبر عَن ارْتِفَاع الْجَنَابَة بالاغتسال بِكَلِمَة حَتَّى وأحتج فِي ذَلِك بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ // رَوَاهُ الامام احْمَد فِي مُسْنده سمى الزَّوْج الثَّانِي محللا والمحلل من يثبت حلا فِي الْمُحَلّل وينشئه كَمَا أَن المسود من يثبت السوَاد فِي الْمحل والمبيض من يثبت الْبيَاض وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَة الْهدم وَهِي مَا إِذا طلق امْرَأَته طَلْقَة أَو طَلْقَتَيْنِ فنكحت زوجا آخر ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بِنِكَاح جَدِيد فَإِنَّهُ لَا يملك عَلَيْهَا

إِلَّا بَقِيَّة الطَّلَاق عندنَا لِأَن وَطْء الزَّوْج الثَّانِي شرع إِمَارَة على انْتِهَاء تَحْرِيم العقد وَإِنَّمَا يعقل الإنتهاء بعد ثُبُوت المنتهي وَهُوَ التَّحْرِيم فَإِذا لم يثبت لم يعقل انْتِهَاء والطلقة الْوَاحِدَة والطلقات لَا توجب تَحْرِيم العقد حَتَّى نحتاج إِلَى وَطْء مُنْتَهى عِنْده فَكَانَ الْوَطْء مُسْتَغْنى عَنهُ فِي هَذِه الْحَالة وَعِنْدهم وَطْء الزَّوْج الثَّانِي يهدم مَا سبق من الطَّلَاق وَيَرْفَعهُ لِأَنَّهُ إِذا رفع أثر الطَّلَاق الثَّلَاث فَلِأَن يرفع أثر الْوَاحِدَة والاثنتين كَانَ أولى

مسألة

مَسْأَلَة 6 ذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن الْحل الثَّابِت بِالنِّكَاحِ فِي حق الْأمة كالحل الثَّابِت فِي حق الْحرَّة وأحتج فِي ذَلِك أَن الزَّوْج يسْتَحق من زَوجته الْأمة مَا يسْتَحقّهُ من زَوجته الْحرَّة غير أَن حَقه فِيهَا قد يكون مزحوما بِحَق السَّيِّد وَلَو ترك السَّيِّد حَقه من الْخدمَة تسلط الزَّوْج بِحكم النِّكَاح على زَوجته الْأمة تسلطه على زَوجته الْحرَّة فَهِيَ بِمَثَابَة الْحرَّة المحبوسة فِي حق إِذا نَكَحَهَا ناكح ومعتقد أبي حنيفَة رض أَن الْحل الثَّابِت بِالنِّكَاحِ فِي حق الْأمة دون الْحل الثَّابِت فِي حق الْحرَّة وأحتج فِي ذَلِك بأمرين أَحدهمَا أَن حق السَّيِّد فِيهَا مقدم على حق الزَّوْج فَإِنَّهُ لَا يُسَلِّمهَا إِلَى الزَّوْج فِي زمَان الِانْتِفَاع والاستخدام الثَّانِي أَن أمد الرّجْعَة نَاقص فِيهَا بِسَبَب نُقْصَان عدتهَا وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل

مَسْأَلَة وَهِي أَن طَلَاق الْأمة كَطَلَاق الْحرَّة عندنَا إِذا كَانَ الزَّوْج حرا من حَيْثُ أَن النِّكَاح اقْتضى لزوج الْأمة مَا اقْتَضَاهُ لزوج الْحرَّة وَعِنْدهم تطلق الْأمة طَلْقَتَيْنِ سَوَاء أَكَانَ الزَّوْج حرا أم عبدا لنُقْصَان حق الزَّوْج فِيهَا على مَا سبق

مسائل الرجعة

مسَائِل الرّجْعَة مَسْأَلَة 1 مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن الطَّلَاق الرَّجْعِيّ يزِيل ملك النِّكَاح من وَجه وأحتج فِي ذَلِك بِوُجُوب الْعدة عَلَيْهَا حَتَّى تحتسب إقراؤها من الْعدة بِالْإِجْمَاع وبانتقاص الْعدَد بِهِ وَبِأَن مُوجب الطَّلَاق يضاد مُوجب النِّكَاح وَإِذا اجْتمعَا وَجب

الْجمع بَينهمَا بِقدر الْإِمْكَان فَيحكم بِزَوَال النِّكَاح بِالْإِضَافَة إِلَى حل الإستمتاع وبقائه بِالْإِضَافَة إِلَى مَا عداهُ من الْأَحْكَام وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الطَّلَاق الرَّجْعِيّ لَا يزِيل ملك النِّكَاح بِوَجْه وَإِنَّمَا تَأْثِيره فِي نُقْصَان الْعدَد وَتَحْرِيم الْخلْوَة والمسافرة بهَا وأحتج فِي ذَلِك باستقلال الزَّوْج بالرجعة وَتفرد الطَّلَاق وَالْخلْع والايلاء وَالظِّهَار وَاللّعان وجريان التَّوَارُث والانتقال إِلَى عدَّة الْوَفَاة وَوُقُوع الطَّلَاق عَلَيْهَا بقوله زوجاتي طَوَالِق واستمرار جَمِيع أَحْكَام النِّكَاح فيتفرع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْمُطلقَة الرَّجْعِيَّة مُحرمَة الْوَطْء عندنَا لزوَال الْملك الْمُفِيد للْحلّ من وَجه وَعِنْدهم لَا يحرم لِأَن الْملك إِذا بَقِي كَانَ الْحل من ضَرُورَته إِذْ لَا يعقل ملك للنِّكَاح غير مُفِيد للْحلّ

وَمِنْهَا أَن الرّجْعَة لَا تحصل عندنَا إِلَّا بالْقَوْل لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَة بضع محرم فيفتقر إِلَى القَوْل كابتداء النِّكَاح وَعِنْدهم يحصل بِنَفس الْوَطْء حَتَّى قَالُوا لَو نزلت الْمَرْأَة على زَوجهَا حصلت الرّجْعَة وَكَذَا كل فعل مُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة كاللمس وَالنَّظَر وَمعنى حُصُول الرّجْعَة عِنْدهم ارْتِفَاع تَحْرِيم الْخلْوَة بِالْمَرْأَةِ والمسافرة بهَا وَمِنْهَا أَن وَطْء الرّجْعَة يُوجب الْمهْر عندنَا وَعِنْدهم لَا يُوجب وَمِنْهَا أَن الأشهاد على الرّجْعَة وَاجِب عندنَا على قَول

وَعِنْدهم لَا يجب

مسائل النفقات

مسَائِل النَّفَقَات مَسْأَلَة 1 مَذْهَب الشَّافِعِي رض أَن نَفَقَة الزَّوْجَات وَاجِبَة بطرِيق الْمُعَاوضَة عَن الْحَبْس كَمَا وَجب الصَدَاق فِي مُقَابلَة مَا ثَبت لَهُ من ملك الطَّلَاق وَاحْتج فِي ذَلِك بِسُقُوط نَفَقَتهَا عِنْد خُرُوجهَا وبروزها حَيْثُ فَاتَ المعوض وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَة بطرِيق الصِّلَة لنفقة الْقَرِيب وَزَعَمُوا أَن النَّفَقَة تَابِعَة فِي النِّكَاح إِذْ لَيْسَ النِّكَاح من عُقُود اكْتِسَاب المَال وَأما الْقَيْد وَالْحَبْس فمشروع لمصلحتها فان الْأَحْسَن بهَا لُزُوم قَعْر الْبَيْت والتحرز والتستر صِيَانة لعرضها مَعَ مَا للنَّاس عَلَيْهِ من دواعي الْفساد وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ يثبت للْمَرْأَة حق الْفَسْخ عندنَا

تَحْقِيقا للعوضية وَعِنْدهم لَا يثبت بِهِ إِلَّا الْقُدْرَة على مُفَارقَة الْمنزل وَالْخُرُوج للاكتساب وَمِنْهَا أَن نَفَقَة الزَّوْجَات مَعْلُومَة مقدرَة كَسَائِر الأعواض عندنَا على الْمُوسر مدان وعَلى الْمُعسر مد وعَلى الْمُتَوَسّط مد وَنصف وَعِنْدهم لَا تتقدر بل الْوَاجِب مِقْدَار الْكِفَايَة كَمَا فِي نَفَقَة الْقَرِيب وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف حَالهَا وسنها وصحتها وسقمها وتفاوت حالاتها وَمِنْهَا أَن نَفَقَة الزَّوْجَة تتقرر فِي الذِّمَّة وَلَا تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان كَسَائِر الدُّيُون والأعواض وَعِنْدهم تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان كَنَفَقَة الْقَرِيب

مسألة

مَسْأَلَة 2 ذهبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَن صور الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة هِيَ المرعية الْمُعْتَبرَة فِي الْأَحْكَام دون مَعَانِيهَا وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الْمعَانِي لَو كَانَت مرعية فِي ربط الْأَحْكَام بهَا لبطلت فَائِدَة نصب الْأَسْبَاب إِذْ لَا فَائِدَة فِي نصب الْأَسْبَاب سوى إدارة الحكم عَلَيْهَا دفعا للعسر والحرج عَن النَّاس ونفيا للتخبط والالتباس فان الْمعَانِي مِمَّا يخْتَلف كمية فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَكَيْفِيَّة فِي الظُّهُور والخفاء قَالُوا وَلِهَذَا تعلّقت رخص السّفر بِصُورَة السّفر دون مضمونه حَتَّى إِن الْملك الَّذِي يتهادى فِي مهوره ويسري فِي سراياه وَجُنُوده ثَبت لَهُ من الرُّخص مَا ثَبت للساعي على قدمه نظرا منا إِلَى صُورَة السّفر دون مضمونه وَمَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ النّوم لما كَانَ سَببا لانتفاض الْوضُوء اعْتبرت صورته من غير نظر إِلَى نفس الْحَدث وَذهب الشَّافِعِي رض إِلَى إِن لَا عِبْرَة بِصُورَة الْأَسْبَاب الشَّرْعِيَّة الخالية عَن الْمعَانِي الشَّرْعِيَّة الَّتِي تتضمنها

وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن صور الْأَسْبَاب لَا تناسب الْأَحْكَام وَإِنَّمَا الْمُنَاسب مَا تتضمنه صور الْأَسْبَاب وَحَيْثُ اعْتبرنَا صور الْأَسْبَاب دون مضمونها فَذَلِك لتعذر الْوُقُوف والإطلاع على مضمونها وَإِلَّا فَمَتَى أمكن الإطلاع على مَضْمُون السَّبَب فَهُوَ الْمُعْتَبر لَا صُورَة السَّبَب وَعَلِيهِ يجْرِي مَا اسْتشْهدُوا بِهِ من السّفر فَإنَّا إِنَّمَا أحلنا على صُورَة السّفر لِأَن مِقْدَار الْمَشَقَّة لَا إطلاع لنا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي فعل النّوم لما تعذر الْوُقُوف على مضمونه من حَيْثُ إِن الْخَارِج لطيف يُمكن خُرُوجه من غير أَن يعلم أدرنا الحكم على صُورَة السَّبَب دون مضمونه وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن المشرقي إِذا تزوج بمغربية ثمَّ أَتَت بِولد لسِتَّة أشهر فَصَاعِدا قَالَ الشَّافِعِي رض لَا أحكم بِأَنَّهُ لحق بِهِ لِأَن مَضْمُون السَّبَب أمكن الإطلاع عَلَيْهِ إِذْ قد علمنَا قطعا أَن من هُوَ بالمشرق لَا يحبل من هِيَ بالمغرب فألغينا صُورَة السَّبَب وعلقنا الحكم على

مَضْمُونَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يلْحق بِهِ لوُجُود صُورَة السَّبَب وَهُوَ الْفراش وَنحن نقُول صُورَة الْفراش إِنَّمَا كَانَ سَببا فِي غير هَذِه الْحَالة لِأَنَّهُ تعذر علينا الْوُقُوف على مضمونه فانا إِذا رَأينَا انسانا يدْخل على زَوجته وَيروح وَيَغْدُو إِلَيْهَا تعذر علينا الْعلم هَل وَطئهَا أَو لَا فَإِذا أَتَت بِولد أدخلنا الحكم على صُورَة الْفراش لتعذر الإطلاع على الْمَضْمُون أما المشرقي مَعَ المغربية فقد أمكننا الْوُقُوف على مَضْمُون السَّبَب وَقد علمنَا قطعا إِن الْوَلَد لَيْسَ مِنْهُ فَلم نعتبر صُورَة السَّبَب وَمِنْهَا انه إِذا تزوج امْرَأَة حَاضِرَة وَطَلقهَا من سَاعَته فِي مجْلِس العقد من غير دُخُول ثمَّ جَاءَت بِولد لَا يثبت نسبه مِنْهُ عندنَا وَعِنْدهم يثبت إِذا جَاءَت بِهِ لسنة فَصَاعِدا

وَمِنْهَا إِذا نكح أمه أَو أُخْته أَو محرما من مَحَارمه أَو الْمُطلقَة ثَلَاثًا أَو الْمَجُوسِيَّة ثمَّ وَطئهَا فِي هَذَا العقد فَإِنَّهُ يحد عندنَا وَلَا تصير صُورَة العقد الْخَالِي عَن مضمونه شُبْهَة فِي دَرْء الْحَد وَعِنْدهم لَا يحد بِنَاء على أَن صُورَة العقد هِيَ السَّبَب الْمُبِيح فِي مَوضِع الْوِفَاق فَيصير شُبْهَة هَهُنَا وَإِن لم يبح وَمِنْهَا إِذا أستأجر امْرَأَة ليزني بهَا فزنى فَإِنَّهُ يحد عندنَا وَعِنْدهم لَا يحد لوُجُود صُورَة السَّبَب وَالله أعلم

كتاب الجراح

كتاب الْجراح مَسْأَلَة 1 نفي الْمُسَاوَاة بَين شَيْئَيْنِ يَقْتَضِي الْعُمُوم عِنْد الشَّافِعِي رض حَتَّى تنفى الْمُسَاوَاة من كل وَجه فِي كل حكم وَاحْتج بِأَن النَّفْي لَا يَقْتَضِي الِاخْتِصَاص بِوَجْه من وُجُوه الْمُسَاوَاة دون وَجه فَيعم ضَرُورَة إِذْ لَيْسَ تَخْصِيصه بِبَعْض الْوُجُوه دون الْبَعْض أولى من الْعَكْس وَلِهَذَا قُلْنَا إِن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم وَقَالَ الْحَنَفِيَّة لَا يَقْتَضِي الْعُمُوم لَان الْمُسَاوَاة الْمُطلقَة تَقْتَضِي الْمُسَاوَاة من كل الْوُجُوه إِذْ لَوْلَا ذَلِك لوَجَبَ إِطْلَاق لفظ المتساويين على جَمِيع الْأَشْيَاء إِذْ لَوْلَا ذَلِك لوَجَبَ إِطْلَاق لفظ المتساويين على جَمِيع الْأَشْيَاء إِذْ كل شَيْئَيْنِ لَا بُد أَن يستويا فِي بعض الْأُمُور من كَونهمَا معلومين ومذكورين وموجودين وَفِي سلب مَا عداهما عَنْهُمَا

وَإِذا ثَبت أَن الْمُعْتَبر فِي طرف الْإِثْبَات الْمُسَاوَاة من كل الْوُجُوه كفى فِي طرف النَّفْي نفي الاسْتوَاء من بعض الْوُجُوه لِأَن نقيض الْكُلِّي هُوَ الجزئي وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِن الْمُسلم لَا يقتل بالكافر عندنَا لِأَن جَرَيَان الْقصاص بَينهمَا يَقْتَضِي الاسْتوَاء وَالله تَعَالَى قد نَفَاهُ بقوله {لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجنَّة} وَعِنْدهم يقتل لِأَن نفي الْمُسَاوَاة قد حصل بِحكم آخر فالتسوية بَينهمَا فِي هَذَا الحكم لَا تمنع مَدْلُول النَّص وَمِنْهَا أَن دِيَة الذِّمِّيّ والمستأمن لَا تبلغ دِيَة الْمُسلم عندنَا وَعِنْدهم تَسَاوِي دِيَة الْمُسلم

ثمَّ يتَفَرَّع عَن نفي الْمُسَاوَاة الْعَامَّة بَين الْمُسلم وَالْكَافِر أَن لَا يقتل حر بِعَبْد عندنَا لقِيَام شُبْهَة مَا أوجب نفي الْمُسَاوَاة بَين الْمُسلم وَالْكَافِر وَهُوَ الْكفْر فَإِن الرّقّ من آثَار الْمُبِيح فَيعْمل فِي الشُّبْهَة عمل أَصله وَعِنْدهم يقتل بِهِ لإنكارهم عُمُوم نفي الْمُسَاوَاة

مسألة

مَسْأَلَة 2 ذهب أَصْحَابنَا إِلَى أَن مَقْدُورًا وَاحِدًا بَين قَادِرين غير قديمين مُتَصَوّر وعنوا بِالْوَاحِدِ مَا لَا يتَجَزَّأ وَلَا يَتَبَعَّض تفريغا على إِثْبَات الْجَوْهَر الْفَرد وَذَهَبت الْقَدَرِيَّة وَالْحَنَفِيَّة إِلَى أَن ذَلِك مَا لَا يتَصَوَّر وَأعلم أَن الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يَنْبَنِي على أصل عَظِيم الشَّأْن فِي أصُول الديانَات وَهُوَ أَن الْقُدْرَة الْحَادِثَة لَا تَأْثِير لَهَا فِي إِيجَاد الْمَقْدُور عِنْد عُلَمَائِنَا بل المقدورات الْحَادِثَة بأسرها وَاقعَة بقدرة الله تَعَالَى عِنْد تعلق قدرَة العَبْد بهَا وَعِنْدهم أَن مقدورات الْعباد بأسرها وَاقعَة بقدرتهم حَتَّى قَالُوا بِخلق الْأَعْمَال وَانْقِطَاع قدرَة الله تَعَالَى عَن مقدورات الْعباد وَاحْتج عُلَمَاؤُنَا بِأَن قَالُوا أجمعنا على أَن المرادات مُشْتَركَة بَين المريدين وَكَذَلِكَ المكروهات مُشْتَركَة بَين الكارهين والمظنونات بَين الظانين والمعتقدات بَين المعتقدين والمعلومات بَين الْعَالمين فَكَذَلِك المقدورات بَين القادرين وَجب أَن تكون مُشْتَركَة

وَاحْتج المخالفون بِأَن قَالُوا كَون مَقْدُورًا وَاحِد بَين قَادِرين يُفْضِي إِلَى محَال وَمَا أفْضى إِلَى الْمحَال كَانَ محالا أما إفضاؤه إِلَى الْمحَال فَلِأَن كل وَاحِد مِنْهُم لَو بَاشر فعل مقدوره فِي مَحل آخر أَو فِي جِهَة أُخْرَى لزم أَن يكون شَيْء وَاحِد مَوْجُودا فِي محلين أَو جِهَتَيْنِ مختلفتين وَهَذَا محَال وَمن شكّ فِي استحالته دلّ على نُقْصَان فِي عقله وَأما إِن يُفْضِي إِلَى الْمحَال كَانَ محالا فَلِأَن إفضاء المفضيات وتأثير المؤثرات من الْأُمُور اللَّازِمَة وَالصِّفَات الذاتية للْفِعْل والمؤثر ويستحيل إِن يُوجد الْمُؤثر وَلَا يكون لَهُ تَأْثِير وإفضاء إِلَى حكمه وَإِذا اسْتَحَالَ وجود حكمه اسْتَحَالَ وجوده لَا محَالة وَيظْهر ذَلِك بالحركة مَعَ السّكُون فَإِنَّهُ لما اسْتَحَالَ إِن يكون الْمحل الْوَاحِد سَاكِنا متحركا وأسود أَبيض فِي حَالَة وَاحِدَة اسْتَحَالَ وجود الْحَرَكَة مَعَ السّكُون والسواد مَعَ الْبيَاض فِي مَحل وَاحِد فِي وَقت وَاحِد لِأَن الْحَرَكَة عِلّة للتحركية والسكون عِلّة للساكنية كَذَلِك فِيمَا نَحن فِيهِ إِذا اسْتَحَالَ وجود مَقْدُور وَاحِد فِي جِهَتَيْنِ مُخْتَلفين اسْتَحَالَ كَونه مَقْدُورًا لقادرين لِأَنَّهُ هُوَ المفضي إِلَى ذَلِك

وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن الْأَيْدِي تقطع بيد وَاحِدَة عندنَا لِأَن قطعات الْأَجْزَاء من الْيَد الْمُشْتَركَة بَين الْكل فَيكون كل وَاحِد مِنْهُم قَاطعا على سَبِيل الْكَلَام لِأَنَّهُ مَا من جُزْء من الْفِعْل إِلَّا وكل وَاحِد مِنْهُم فَاعله وَعِنْدهم لَا تقطع لِأَن كل وَاحِد من الفاعلين فَاعل مَقْدُور نَفسه فَيخْتَص كل مِنْهُم بِالْقطعِ الَّذِي مَقْدُور نَفسه دون مَقْدُور صَاحبه وَكَانَ قطع كل جُزْء قطعا على سَبِيل الِانْفِرَاد

مسألة

مَسْأَلَة 3 لَا مَانع من إِجْرَاء الْقيَاس فِي أَسبَاب الحكم عِنْد الشَّافِعِي رض وَذهب الْحَنَفِيَّة وَطَائِفَة من أَصْحَاب الشَّافِعِي إِلَى منع ذَلِك وَدَلِيل الْجَوَاز وشبهة الْخُصُوم مَا أسلفناه فِي مسَائِل الصّيام وَالَّذِي يخص هَذِه الْمَسْأَلَة الْقيَاس فِي الْأَسْبَاب مَا يُؤَدِّي إثْبَاته إِلَى نَفْيه كَانَ سَاقِطا وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لأَنا إِذا قسنا اللواط على الزِّنَا فِي إِيجَاب الْحَد مثلا فإمَّا أَن نقُول الزِّنَا كَانَ سَببا لأجل وصف مُشْتَرك فِيهِ بَينه وَبَين اللواط أَو لَا نقُول ذَلِك فَإِن كَانَ الْمُوجب هُوَ الْمُشْتَرك خرج الزِّنَا واللواط عَن كَونهمَا سببين موجبين للحد لِأَن التَّعْلِيل بِالْقدرِ الْمُشْتَرك يمْنَع التَّعْلِيل بِخُصُوص كل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن قُلْنَا لَيْسَ الْمُوجب هُوَ الْقدر الْمُشْتَرك بَينه وَبَين اللواط أمتنع الْقيَاس عَلَيْهِ إِذْ لَا بُد من الْقيَاس من جَامع

وَهَذَا بِخِلَاف الْقيَاس فِي الْأَحْكَام فَإِن ثُبُوت الحكم فِي الأَصْل لَا يُنَافِي كَونه مُعَللا بِالْقدرِ الْمُشْتَرك بَينه وَبَين الْفَرْع وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن هَذَا يبطل عَلَيْهِم قياسهم الْأكل على الْجِمَاع فِي كَفَّارَة الْفطر مَعَ أَن الْأكل لَا يُسمى وقاعا فان قَالُوا لَيْسَ ذَلِك قِيَاسا بل عرفنَا بالبحث والتنقيح أَن الْكَفَّارَة لَيست كَفَّارَة الْجِمَاع بل كَفَّارَة الْإِفْطَار قُلْنَا وَنحن أَيْضا عرفنَا بالبحث والتنقيح أَن الْحَد لَيْسَ هُوَ حد الزِّنَا بل حد الْقدر الْمُشْتَرك بَينه وَبَين اللواط وَالثَّانِي أَنا نستدل على جَوَاز ذَلِك بِإِجْمَاع الصَّحَابَة رضوَان الله

عَلَيْهِم حَيْثُ ألْحقُوا الشّرْب بِالْقَذْفِ فِي أيجاب الثَّمَانِينَ وهما سببان مُخْتَلِفَانِ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن السَّيِّد يملك إِقَامَة الْحَد على مَمْلُوكه إِلْحَاقًا لولاية السِّيَادَة الْخَاصَّة بِولَايَة الْإِمَامَة الْعَامَّة نظرا إِلَى إِيجَاد الْمَقْصُود وان اخْتلف السببان صُورَة

الثَّانِيَة أَن شُهُود الْقصاص إِذا رجعُوا وَقَالُوا تعمدنا وَقتل الْمَشْهُود عَلَيْهِ يجب الْقصاص عندنَا قِيَاسا للشَّهَادَة الْبَاطِلَة على الْإِكْرَاه بِجَامِع السَّبَب وَعِنْدهم لَا يجب لِأَنَّهُمَا سببان مُخْتَلِفَانِ وَفِي إِلْحَاق أَحدهمَا بِالْآخرِ إبِْطَال خُصُوص كل وَاحِد مِنْهُمَا على مَا سبق

مسألة

مَسْأَلَة 4 ذهب الشَّافِعِي رض وَمن تَابعه من عُلَمَاء الْأُصُول إِلَى أَن اللَّفْظ الْمُشْتَرك يحمل على جَمِيع مَعَانِيه وأحتج فِي ذَلِك بأمرين أَحدهمَا أَن اللَّفْظ اسْتَوَت نسبته إِلَى كل وَاحِد من المسميات فَلَيْسَ تعين الْبَعْض مِنْهَا بِأولى من الْبَعْض فَيحمل على الْجَمِيع احْتِيَاطًا الثَّانِي أَنه دلّ على جَوَازه وُقُوعه قَالَ الله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} وَالصَّلَاة من الله رَحْمَة وَمن الْمَلَائِكَة اسْتِغْفَار وَأَرَادَ الله تَعَالَى بِاللَّفْظِ الْوَاحِد الْمَعْنيين جَمِيعًا وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء}

فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحيض وَالطُّهْر فَمن أدّى اجْتِهَاده إِلَى الْحيض أَخذ بِهِ وَمن أُدي اجْتِهَاده إِلَى الطُّهْر أَخذ بِهِ وَذهب الْقَدَرِيَّة وَالْحَنَفِيَّة إِلَى منع ذَلِك وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن أَرْبَاب الْوَضع إِنَّمَا وضعُوا هَذَا الِاسْم لكل وَاحِد من المسميات على سَبِيل الْبَدَل لَا على سَبِيل الْجمع فَإِذا حمل على الْجَمِيع كَانَ اسْتِعْمَالا لَهُ فِي ضد مَا وضع لَهُ وَعكس مَا قصد بِهِ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن مُوجب الْعمد التَّخْيِير بَين الْقصاص وَالدية عِنْد الشَّافِعِي رض مستفادا من قَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مَظْلُوما فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا}

فَإِن السُّلْطَان يحْتَمل الدِّيَة وَالْقصاص فَلَا جرم خير الشَّافِعِي رض بَينهمَا وَأثبت وصف الْوُجُوب لكل وَاحِد مِنْهُمَا وَعِنْدهم لَا يُخَيّر بل يحمل على الْقصاص عينا

مسالة

مسالة 5 مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن معنى الْقصاص مُقَابلَة مَحل الْجِنَايَة بِالْمحل الْفَائِت بِالْجِنَايَةِ جبرا أَي من الْجَانِي بِالْمحل الْفَائِت من الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} أَي أَن النَّفس فِي مُقَابلَة النَّفس وَلِأَنَّهُ ثَبت حَقًا لوَلِيّ الْقَتِيل وَأَن يكون لفائدة يخْتَص بهَا حَتَّى يظْهر معنى الِاسْتِحْقَاق فِي حَقه وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَن معنى الْقصاص مُقَابلَة الْفِعْل بِالْفِعْلِ جُزْءا وزجرا وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} قَالُوا مَعْنَاهُ أَن الزّجر يحصل بِهِ فَيبقى الْجَانِي والمجني عَلَيْهِ فِي الْأَحْيَاء

وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْوَاحِد إِذا قتل جمَاعَة يقتل بِوَاحِد عندنَا وللباقين الدِّيَة لتعذر الِاسْتِحْقَاق بِاعْتِبَار تعذر الْمحَال عِنْدهم يقتل بهم اكْتِفَاء بِمُقَابلَة الْفِعْل بِالْفِعْلِ وَمِنْهَا أَنه إِذا قطع يَمِيني رجلَيْنِ قطع بِالْأولِ وَللْآخر الدِّيَة بَدَلا عَن الْمحل الْفَائِت وَعِنْدهم يقطع بهما اكْتِفَاء وَمِنْهَا أَن شريك الْأَب يلْزمه الْقصاص عندنَا تَحْقِيقا لمقابلة

الْمحل بِالْمحل كَمَا فِي شريك الْأَجْنَبِيّ وَعِنْدهم لَا قصاص عَلَيْهِ لِأَن الْقصاص مُقَابلَة الْفِعْل بِالْفِعْلِ وَفعل الشَّرِيك مِنْهَا قَاصِر من حَيْثُ إِنَّه شَارك من لَا قَود عَلَيْهِ كشريك الخاطيء وَمِنْهَا أَنه إِذا مَاتَ من وَجب عَلَيْهِ الْقصاص أخذت الدِّيَة من مَاله عندنَا بَدَلا عَن الْمحل وَعِنْدهم لَا تُؤْخَذ لِأَن الْمُسْتَحق لَهُ فعل الْقَتْل وَقد فَاتَ وَمِنْهَا أَنه إِذا قتل إِنْسَان فوارثه الْكَبِير لَا ينْفَرد ياستيفاء الْقصاص عندنَا بل ينْتَظر بُلُوغ الصَّبِي لِأَن الثَّابِت للْوَرَثَة اسْتِحْقَاق الْمحل وَالْوَرَثَة يستحقونه إِرْثا وَالصَّبِيّ لَا يَتَأَتَّى اسْتِحْقَاقه بِدَلِيل مَا لَو كَانَ مُنْفَردا

وَعِنْدهم يستبد الْكَبِير باستيفائه فِي الْمحل لِأَن الْقصاص اسْتِحْقَاق فعل الْقَتْل جَزَاء وَالصَّغِير لَيْسَ أَهلا لاستحقاقه وَمِنْهَا أَن مُسْتَحقّ الْقصاص فِي النَّفس إِذا قطع الْيَد وَعَفا عَن النَّفس لم يلْزمه أرش الْيَد عندنَا سَوَاء وقف الْقطع أَو سرى لِأَن اسْتِحْقَاق الْمحل أَعنِي جملَة نفس الْقَاتِل يُوجب إهدار الْأَطْرَاف فِي حق الْمُسْتَحق من حَيْثُ أَنه وَسِيلَة إِلَى اسْتِيفَاء حَقه إِذْ لَا يُمكنهُ الِاسْتِيفَاء إِلَّا بِقطع جُزْء من أَجزَاء البنية وتضمينه مِمَّا يمْنَع الِاسْتِيفَاء فَوَجَبَ إهداره كَمَا قُلْنَا فِي سرَايَة الْقُيُود وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض إِن وقف ضمن وَإِن سرى لم يضمن لِأَن الثَّابِت لَهُ اسْتِحْقَاق فعل الْقَتْل وَهُوَ تَفْوِيت الرّوح دون الْأَطْرَاف

مسألة

مَسْأَلَة 6 ذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن التَّمَسُّك بالمصالح المستندة إِلَى كلي الشَّرْع وان لم تكن مستندة إِلَى الجزئيات الْخَاصَّة الْمعينَة جَائِز مِثَال ذَلِك مَا ثَبت وتقرر من إِجْمَاع الْأمة إِن الْعَمَل الْقَلِيل لَا يبطل الصَّلَاة وَالْعَمَل الْكثير يُبْطِلهَا قَالَ الشَّافِعِي رض حد الْعَمَل الْكثير مَا إِذا فعله الْمُصَلِّي اعتقده النَّاظر إِلَيْهِ متحللا عَن الصَّلَاة وخارجا عَنْهَا كَمَا لَو اشْتغل بالخياطة وَالْكِتَابَة وَغير ذَلِك وَالْعَمَل الْقَلِيل مَا لَا يعْتَقد النَّاظر مرتكبه خَارِجا عَن الصَّلَاة كتسوية رِدَائه وَمسح شعره وَلَيْسَ لهَذَا التَّقْدِير أصل خَاص يسْتَند إِلَيْهِ وَإِنَّمَا اسْتندَ إِلَى أصل كلي وَهُوَ أَنه قد تقرر فِي كليات الشَّرْع أَن الصَّلَاة مَشْرُوعَة للخشوع

والخضوع فَمَا دَامَ الْإِنْسَان على هَيْئَة الْخُشُوع يعد مُصَليا وَإِذا انخرم ذَلِك لَا يعد مُصَليا وَقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ من هَذَا الْقَبِيل عِنْد الشَّافِعِي رض فَإِنَّهُ عدوان وحيف فِي صورته من حَيْثُ إِن الله تَعَالَى قيد الْجَزَاء بِالْمثلِ فَقَالَ {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ثمَّ عدل أهل الْإِجْمَاع عَن الأَصْل الْمُتَّفق عَلَيْهِ لحكمة كُلية ومصلحة معقولة وَذَاكَ أَن الْمُمَاثلَة لَو روعيت هَهُنَا لأفضى الْأَمر إِلَى سفك الدِّمَاء المفضي إِلَى الفناء إِذْ الْغَالِب وُقُوع الْقَتْل بِصفة الشّركَة فَإِن الْوَاحِد يُقَاوم الْوَاحِد غَالِبا

فَعِنْدَ ذَلِك يصير الحيف فِي هَذَا الْقَتْل عدلا عِنْد مُلَاحظَة الْعدْل المتوقع مِنْهُ وَالْعدْل فِيهِ جور عِنْد النّظر إِلَى الْجور المتوقع مِنْهُ فَقُلْنَا بِوُجُوب الْقَتْل دفعا لأعظم الظلمين بأيسرهما وَهَذِه مصلحَة لم يشْهد لَهَا أصل معِين فِي الشَّرْع وَلَا دلّ عَلَيْهَا نَص كتاب وَلَا سنة بل هِيَ مستندة إِلَى كلي الشَّرْع وَهُوَ حفظ قانونه فِي حقن الدِّمَاء مُبَالغَة فِي حسم مواد الْقَتْل واستبقاء جنس الْإِنْس وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الوقائع الْجُزْئِيَّة لَا نِهَايَة لَهَا وَكَذَلِكَ أَحْكَام الوقائع لَا حصر لَهَا وَالْأُصُول الْجُزْئِيَّة الَّتِي تقتبس مِنْهَا الْمعَانِي والعلل محصورة متناهية المتناهي لَا يَفِي بِغَيْر المتناهي فَلَا بُد إِذا من طَرِيق آخر يتَوَصَّل بهَا إِلَى إِثْبَات الْأَحْكَام الْجُزْئِيَّة وَهِي التَّمَسُّك بالمصالح المستندة إِلَى أوضاع الشَّرْع ومقاصده على نَحْو كلي وَإِن لم يسْتَند إِلَى أصل جزئي

وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة وَالْقَاضِي من أَصْحَابنَا إِلَى منع الِاسْتِدْلَال بِجِنْس هَذِه الْمصلحَة

وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الأَصْل أَن لَا يعْمل بِالظَّنِّ لما فِيهِ من خطر فَوَات الْحق إِذْ الْإِنْسَان قد يظنّ الشَّيْء مفْسدَة وَهُوَ مصلحَة وَقد يَظُنّهُ مصلحَة وَهُوَ مفْسدَة غير أَنا صرنا إِلَى الْعَمَل بِهِ عِنْد الِاسْتِنَاد إِلَى أصل خَاص وَهُوَ الْإِجْمَاع وَبَقينَا فِيمَا عدا ذَلِك على مُقْتَضى الأَصْل فتفرع عَن هَذَا الأَصْل أَن الْقَتْل بالمثقل يُوجب الْقصاص عِنْد الشَّافِعِي رض فَإِنَّهُ بَاب لَو فتح لأتخذ طَرِيقا إِلَى سفك الدِّمَاء وَقد رَأينَا الشَّرْع قتل الْألف بِوَاحِد حسما لمواد الْقَتْل فَوَجَبَ أَن يقتل بالمثقل

حسما لمواد الْقَتْل ولهذه الْحِكْمَة وَجب الْقصاص على الْمُكْره المتسبب فِي الْقَتْل فَجعل الشَّافِعِي رض قتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ أصلا ثمَّ ألحق بِهِ المثقل ثمَّ ألحق بِهِ الْمُكْره على الْقَتْل ثمَّ تدرج من الْإِكْرَاه إِلَى شُهُود الْقصاص كل ذَلِك مُبَالغَة فِي حقن الدِّمَاء

مسألة

مَسْأَلَة 7 ذهب الشَّافِعِي رَحمَه الله إِلَى أَن للْعُمُوم صِيغَة ولفظا يدل عَلَيْهِ لَكِن مَعَ الِاحْتِمَال لَا قطعا ويقينا فَيُوجب الْعَمَل دون الْعلم وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن من قَالَ مَا من صِيغَة من صِيغ الْعُمُوم إِلَّا وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده الْمُتَكَلّم مِنْهَا الْخُصُوص فَيمكن فِيهِ شُبْهَة عدم الْعُمُوم مُقَارنًا لوروده وَإِذا تطرق الِاحْتِمَال ذهب الْيَقِين وَدَلِيل الِاحْتِمَال أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن اللَّفْظ الْعَام قَابل للتَّأْكِيد كَقَوْلِه جَاءَنِي الرِّجَال كلهم أَجْمَعُونَ وَلَوْلَا أَن فِيهِ احْتِمَالا لَكَانَ التَّأْكِيد زِيَادَة عريه عَن الْفَائِدَة الثَّانِي أَن قَول الْقَائِل جَاءَنَا الرِّجَال كلهم يَقِين فِي الثَّلَاثَة

مَشْكُوك فِي الزِّيَادَة فَلَا يحمل على الْمَشْكُوك فِيهِ قطعا ويقينا وَإِنَّمَا يحمل عَلَيْهِ مَعَ الِاحْتِمَال ثمَّ دَلِيل الْجَوَاز من كتاب الله تَعَالَى قَالَ الله تَعَالَى {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ} وَأَرَادَ بِهِ الْبَعْض وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَن الْعُمُوم ألفاظا شَرْعِيَّة وأوضاعا مَعْلُومَة لَا يدخلهَا التَّخْصِيص قطعا ويقينا احْتَجُّوا فِي ذَلِك بِإِجْمَاع الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن عمر رض أَنه قَالَ لأبي بكر رض لما هم بِقِتَال مانعي الزَّكَاة أَلَيْسَ قَالَ ر سَوَّلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فاحتج بِعُمُوم لفظ النَّاس على أبي بكر وَلم يُنكر عَلَيْهِ أَبُو بكر وَلَا غَيره هَذَا الِاحْتِجَاج بل عدل أَبُو بكر إِلَى الِاسْتِثْنَاء وَقَالَ

ألم يقل إِلَّا بِحَقِّهَا وَكَذَلِكَ عُثْمَان رض لما سمع قَول الشَّاعِر ... وكل نعيم لَا محَالة زائل ... قَالَ كذب الشَّاعِر فَإِن نعيم أهل الْجنَّة لَا يَزُول فلولا أَن كلمة كل للْعُمُوم لما أنكر عُثْمَان ذَلِك وَأعلم أَن الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاع من إِثْبَات هَذَا الْمَقْصُود مِمَّا لَا سَبِيل لَهَا فان إِنَّمَا عرفنَا كَون الْإِجْمَاع حجَّة الْأَلْفَاظ عَامَّة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى} الْآيَة وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَجْتَمِع أمتِي على الضَّلَالَة وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا استحسنه الْمُسلمُونَ فَهُوَ

عِنْد الله حسن وَمن منع الأَصْل منع الْفَرْع وَإِذا عرفت هَذَا الأَصْل فَأعْلم أَنه مَبْنِيّ على هَذَا الْخلاف

مسألة

مَسْأَلَة 8 تَخْصِيص عُمُوم الْكتاب بِالْقِيَاسِ جَائِز عِنْد الشَّافِعِي رض وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْقيَاس دَلِيل شَرْعِي مَعْمُول بِهِ فَوَجَبَ أَن يجوز التَّخْصِيص قِيَاسا على خبر الْوَاحِد وَالْكتاب ولأنا إِذا خصصنا الْعُمُوم بِالْقِيَاسِ فقد عَملنَا بالدليلين جَمِيعًا أما إِذا عرضنَا عَن الْقيَاس وجرينا على مُقْتَضى عُمُوم الْكتاب وَالسّنة أدّى ذَلِك إِلَى الْعَمَل بِأحد الدَّلِيلَيْنِ وتعطيل الآخر وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى إِنْكَار ذَلِك وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِأَن التَّخْصِيص نَازل منزلَة النّسخ من حَيْثُ إِن كل وَاحِد مِنْهُمَا إِسْقَاط لموجب

اللَّفْظ غير إِن النّسخ إِسْقَاط مُوجب اللَّفْظ الْعَام فِي بعض الْأَزْمَان والتخصيص إِسْقَاط لموجب اللَّفْظ فِي بعض الْأَعْيَان وَهَذَا ضَعِيف فَإِن النّسخ إِسْقَاط والتخصيص بَيَان وإيضاح وَلِهَذَا لَا يجوز اقتران النَّاسِخ بالمنسوخ وَيجوز اقتران الدَّلِيل الْمُخَصّص بِاللَّفْظِ الْعَام وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن مُبَاح الدَّم إِذا التجأ إِلَى الْحرم لَا يعصمه الالتجاء عِنْد الشَّافِعِي رض طردا للْقِيَاس الْجَلِيّ وَعِنْدهم يعصمه ذَلِك لعُمُوم قَول الله تَعَالَى {وَمن دخله كَانَ آمنا} فالشافعي رض خصص عُمُوم هَذَا النَّص بِالْقِيَاسِ لقِيَام مُوجب الِاسْتِيفَاء وَبعد احْتِمَال الْمَانِع

إِذْ لَا مُنَاسبَة بَين اللياذ إِلَى الْحرم وَإِسْقَاط حُقُوق الْآدَمِيّين المبنية على الشُّح والضنة والمضايقة كَيفَ وَقد ظهر إلغاؤه فِيمَا إِذا أنشأ الْقَتْل فِي الْحرم وَفِي قطع الطّرق وَأَبُو حنيفَة رض لم يجوز تَخْصِيص هَذَا الْعُمُوم بِالْقِيَاسِ وان كَانَ جليا

مسألة

مَسْأَلَة 9 مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن الْحَاصِل مَفْعُولا بِإِذن الشَّرْع كالحاصل بِإِذن من لَهُ الْحق من الْعباد وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الله تَعَالَى خَالق الْخلق ومالكهم على الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا تثبت الْحُقُوق المضافة إِلَى الْعباد بِإِثْبَات الله تَعَالَى إِيَّاهَا لَهُم {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر} فَكَانَ الْمَأْذُون فِي فعله من قبل الله تَعَالَى كالمأذون فِي فعله بِإِذن الْمُسْتَحق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الْمَفْعُول بِإِذن الشَّرْع يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ إِلَى مَا يُكَلف الْمُسْتَوْفى فعله وَيُؤمر بِهِ والى مَا يُخَيّر فِيهِ بَين فعله وَتَركه فَمَا كلف المستوفي فعله ينزل منزلَة المستوفي بِإِذن حق الْمُسْتَحق حَتَّى لَا يشْتَرط فِيهِ سَلامَة الْعَاقِبَة كَالْإِمَامِ إِذا قطع يَد السَّارِق

وَمَا خير فِيهِ المستوفي بَين فعله وَتَركه لَا ينزل منزلَة الْمَأْذُون من قبل الْمُسْتَحق وَالْفرق بَينهمَا إِن تَكْلِيف الْفِعْل يَنْفِي اشْتِرَاط السَّلامَة فِيمَا يتَوَلَّد مِنْهُ لِأَن الِاحْتِرَاز عَنهُ غير مُمكن وَأما التَّخْيِير بَين فعل الشَّيْء وَتَركه لَا يَنْفِي اشْتِرَاط السَّلامَة لِأَن الِاحْتِرَاز عَنهُ مُمكن وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن سرَايَة الْقصاص غير مَضْمُونَة عِنْد الشَّافِعِي رض وَصورتهَا مَا إِذا وَجب الْقصاص على رجل فِي يَده أَو رجله فَقطعت قصاصا فَمَاتَ الْمُقْتَص مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يضمن عندنَا لِأَن الشَّرْع أذن لَهُ فِي قطع يَده من غير قَضَاء القَاضِي فَصَارَ كَأَن الْجَانِي أذن لَهُ بِنَفسِهِ وَلَو أذن لَهُ فِي الْقطع ثمَّ سرى إِلَى النَّفس فَإِنَّهُ لَا يضمن وفَاقا

وَعند أبي حنيفَة رض يضمن لِأَن الشَّرْع أذن لَهُ فِي الْقطع بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَهُوَ مُخَيّر فِيهِ بِخِلَاف الإِمَام إِذا قطع يَد السَّارِق فسرى إِلَى نَفسه فَإِنَّهُ لَا يضمن لكَونه مُكَلّفا فعله

مسألة

مَسْأَلَة 10 كلمة من إِذا وَقعت شرطا عَمت الذُّكُور وَالْإِنَاث عِنْد الشَّافِعِي رض وَاحْتج فِي ذَلِك بإشعارها بِالْعُمُومِ عِنْد الْإِبْهَام فِي بَاب الشَّرْط واتفاق الشَّرْع والوضع على الْقَضَاء بذلك فَإِن من قَالَ من أَتَانِي أكرمته لم يخْتَص وجوب إكرامه بالذكور دون الْإِنَاث وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ من دخل دَاري من أرقائي فَهُوَ حر اندرج فِي حكم التَّعْلِيق العبيد وَالْإِمَاء وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَنَّهَا تخص الذُّكُور دون الْإِنَاث وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن من قَالَ بالتسوية بَينهمَا فقد أبطل تَقْسِيم الْعَرَب فِيمَا ورد فِي لغتها فَإِنَّهُم قَالُوا فِي الذُّكُور من ومنان ومنون وَفِي الْإِنَاث مِنْهُ ومنتان ومنات قَالَ شَاعِرهمْ

.. أَتَوا نَارِي فَقلت منون أَنْتُم ... فَقَالُوا الْجِنّ قلت عموا ظلاما ... غير أَن هَذَا ضَعِيف فَإِنَّهُ من شواذ اللُّغَة والقانون الْأَصْلِيّ فِي بَابهَا التَّعْمِيم كَمَا ذكرنَا وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن الْمُرْتَدَّة تقتل عِنْد الشَّافِعِي رض تمسكا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بدل دينه فأقتلوه وَعِنْدهم لَا تقتل لقُصُور اللَّفْظ عَن تنَاولهَا

ومسائل حد الزنا

= كتاب الْحُدُود = ومسائل حد الزِّنَا مَسْأَلَة 1 الْكَافِر يدْخل تَحت الْخطاب الْعَام الصَّالح لتنَاوله وَتَنَاول غَيره عِنْد الشَّافِعِي رض لما بَينا من أَن خطابه بِفُرُوع الْإِسْلَام مُمكن وَإِنَّمَا يخرج عَن بَعْضهَا بِدَلِيل كخروج الْحَائِض وَالنُّفَسَاء وَالْمُسَافر وَالْمَرِيض عَن بعض العمومات بِدَلِيل وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَنه لَا يدْخل تَفْرِيعا على أَنهم غير مخاطبين بالفروع

وَهَذَا بَاطِل لما قَرَّرْنَاهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن الذِّمِّيّ الثّيّب إِذا زنا يرْجم عندنَا ولعموم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثّيّب بِالثَّيِّبِ رجما بِالْحِجَارَةِ وَعِنْدهم لَا يرْجم لما ذَكرْنَاهُ

مسألة

مَسْأَلَة 2 لَا يُمكن دَعْوَى الْعُمُوم فِي وَاقعَة لشخص معِين قضى فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحكم وَذكر علته أَيْضا إِذا أمكن اخْتِصَاص الْعلَّة بِصَاحِب الْوَاقِعَة عِنْد الشَّافِعِي رض وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الصِّيغَة عرية عَن أَوْقَات الْعُمُوم فَالْحكم بِالْعُمُومِ مَعَ انْتِفَاء مَا يدل على الْعُمُوم حكم بوهم الْعُمُوم لَا بِلَفْظِهِ وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى وجوب تعميمه إِذا كَانَ من عداهُ فِي مَعْنَاهُ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل سُقُوط اعْتِبَار التّكْرَار فِي الْإِقْرَار بِالزِّنَا عِنْد الشَّافِعِي رض سلوكا لجادة الْقيَاس كَمَا فِي سَائِر الأقارير وَأَشْتَرِط التّكْرَار أَربع مَرَّات فِي أَرْبَعَة مجَالِس عِنْد أبي حنيفَة

رَضِي الله عَنهُ تمسكا بقضية مَاعِز أَنه حَيْثُ جَاءَ وَأقر أَرْبعا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآن حِين أَقرَرت أَرْبعا فبمن وَهَذَا تَعْلِيل وَالشَّافِعِيّ رض يَقُول لَا بل كَانَ توقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَونه شكّ فِي سَلامَة عقله إِذْ قَالَ أبك جُنُون ثمَّ قَالَ أَتَدْرِي مَا الزِّنَا فَقَالَ نعم أتيت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرجل من امْرَأَته حَلَالا فَأمر برجمه وَهَذَا يخص وَلَا يعم إِذْ لَا صِيغَة لعمومه

مسألة

مَسْأَلَة 3 أسم الزِّنَى حَقِيقَة فِي الزَّانِي والزانية عندنَا ومسمى اللَّفْظ مُتحد والتعدد فِي محاله بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا} واتحاد الِاسْم يدل على اتِّحَاد الْمُسَمّى ظَاهرا وغالبا وَلذَلِك اسْتَويَا فِي اسْتِحْقَاق الْعقُوبَة وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَن الِاسْم يُطلق على الرجل حَقِيقَة وعَلى الْمَرْأَة مجَازًا وَوجه الْمجَاز أَنَّهَا نسبت إِلَى فعل الزِّنَا فسميت زَانِيَة وَلِأَن الزِّنَا عبارَة عَن فعل وَلَا فعل لَهَا وَإِنَّمَا هِيَ مَحل الْفِعْل وممكنة مِنْهُ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن الْعَاقِلَة الْبَالِغَة إِذا مكنت صَبيا أَو مَجْنُونا أَو نزلت على رجل مكره مربوط فِي شَجَرَة واستدخلت فرجه لَزِمَهَا الْحَد عندنَا لِأَنَّهَا زَانِيَة لفعلها وتمكينها

وَعِنْدهم لَا يلْزمهَا لِأَن الزِّنَا عبارَة عَن فعل محرم وَالْفِعْل من الواطيء وَهِي مَحل لَا فعل لَهَا

مسالة

مسالة 4 لَا مَانع من إِجْرَاء الْقيَاس فِي الْأَسْمَاء اللُّغَوِيَّة المشتقة من الْمعَانِي كَلَفْظِ الْخمْرَة الْمُشْتَقّ من التخمير وَالسَّرِقَة المشتقة من استراق الْأَعْين عِنْد أَصْحَاب الشَّافِعِي رض الله عَنْهُم وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَنا رَأينَا الْعَرَب وضعت أسامي لمسميات مَخْصُوصَة ثمَّ انقرضت تِلْكَ المسميات وانعدمت وَحدثت أَعْيَان أخر تضاهي تِلْكَ الْأَعْيَان الَّتِي وضعت تِلْكَ الْأَسَامِي بازائها فِي الشكل وَالصُّورَة والهيئة فنقلت تِلْكَ الْأَسَامِي إِلَيْهَا وَلم يكن ذَلِك إِلَّا بطرِيق الْقيَاس والإلحاق وَذهب أَصْحَاب أَبُو حنيفَة رض والمتكلون إِلَى منع ذَلِك وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن قَالُوا ركن الْقيَاس فهم الْمَعْنى وَالْمعْنَى غير مَفْهُوم من اللُّغَة وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن الْعَرَب يحْتَمل أَنَّهَا وضعت اللُّغَة وضعا

يحْتَمل الْقيَاس وَيحْتَمل أَنَّهَا وضعت صيغا لَا تحْتَمل الْقيَاس وَمَعَ تعَارض الِاحْتِمَال يمْتَنع الْمصير إِلَى الْقيَاس وَهَذَا بِخِلَاف الْقيَاس فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَإِنَّهُ مُسْتَند إِلَى الْقَاطِع السمعي وَهُوَ إِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم على الْعَمَل بِالْقِيَاسِ أما فِي مَسْأَلَتنَا فَلَيْسَ من الْمُمكن أَن ينْقل عَن وَاضع اللُّغَة كيعرب وقحطان ومعد وعدنان أَن الْقيَاس يجْرِي فِي اللُّغَات وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن اللواط يُوجب حد الزِّنَا عندنَا لوُجُود معنى

الزِّنَى فِيهَا وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج إِذا سُئِلَ عَن هَذِه المسالة يَقُول أَنا أستدل على أَن اللواط زنا فَإِذا ثَبت ذَلِك الحكم فَحكم الزِّنَا ثَابت بِنَصّ الْكتاب وَهَكَذَا كَانَ إِذا سُئِلَ عَن مسالة النَّبِيذ يَقُول أَنا أستدل على أَن النَّبِيذ خمر فَإِذا ثَبت ذَلِك فَحكم الْخمر مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي كتاب الله تَعَالَى وَعِنْدهم لَا توجب الْحَد لِامْتِنَاع الْقيَاس فِي هَذَا الْبَاب على مَا سبق

وَمِنْهَا أَن النباش يقطع عندنَا إِلْحَاقًا لَهُ بسارق مَال الْحَيّ وَعِنْدهم لَا يقطع لما ذَكرْنَاهُ

مسائل السرقة

مسَائِل السّرقَة مسالة 1 اسْتِصْحَاب حكم الْعُمُوم إِذا لم يقم دَلِيل الْخُصُوص مُتَعَيّن عِنْد الْقَائِلين بِالْعُمُومِ وَعَلِيهِ بني الشَّافِعِي رض مُعظم مسَائِل السّرقَة والخصم يدعى فِي كل مَسْأَلَة مِنْهَا قيام شُبْهَة مخصصة لَا تقوى على دفع الْعُمُوم على مَا بَيناهُ فِي تعليقنا الْمُسَمّى ب دُرَر الْغرَر مِنْهَا أَن الْقطع يتَعَلَّق بِسَرِقَة مَا أَصله على الْإِبَاحَة عِنْد الشَّافِعِي رض كالخطب والحشيش والصبور والمعادن تمسكا بِعُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} وَعُمُوم الْآيَة يَقْتَضِي إِيجَاب الْقطع فِي كل مَا يُسمى آخذه سَارِقا

فَكل من يُطلق عَلَيْهِ اسْم السَّارِق مَقْطُوع بِحكم الْعُمُوم إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا قطع فِي جَمِيعهَا إِلَّا فِي الساج والآبنوس لشُبْهَة الِاشْتِرَاك فِيهَا بِأَصْل التَّعَلُّق وَمِنْهَا أَنه يجب الْقطع بِسَرِقَة الْأَشْيَاء الرّطبَة كالطعام والفواكه والمائعات عندنَا والمتعلق عُمُوم الْآيَة والخصم يَدعِي شُبْهَة بِاعْتِبَار نُقْصَان ماليتها من حَيْثُ أَنَّهَا مَال فِي الْحَال دون الْمَآل وَمِنْهَا أَنه يجب الْقطع على الزَّوْج بِسَرِقَة مَال زَوجته لعُمُوم الْآيَة

وَعِنْده لَا يجب لشُبْهَة جَرَيَان التَّوَارُث الَّذِي لَا يدْخلهُ حجب كَمَا فِي الْأَب وَالِابْن

مسالة في بيان حقيقة السبب

مسالة فِي بَيَان حَقِيقَة السَّبَب إعلم إِن السَّبَب فِي وضع اللِّسَان عبارَة عَمَّا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى مَقْصُود كالطريق الْموصل إِلَى الْمَكَان الْمَقْصُود وَالْحَبل الَّذِي بِهِ ينْزح المَاء فَإِن الْوُصُول إِلَى الْمَكَان الْمَقْصُود بالسير لَا بِالطَّرِيقِ لَكِن لَا بُد من الطَّرِيق ونزح المَاء بالاستقاء لَا بالحبل لَكِن لَا بُد من الاحبل وَأَسْبَاب السَّمَوَات طراقئها قَالَ الشَّاعِر ... وَمن هاب أَسبَاب المنايا ينلنه ... وَلَو نَالَ أَسبَاب السَّمَاء بسلم ... وَحده مَا يحصل الشَّيْء عِنْده لَا بِهِ وَبِه يُفَارق الْعلَّة فَإِن الْعلَّة مَا يحصل الشَّيْء بهَا وهما فِي أيجاب الحكم سَوَاء غير أَن الْعلَّة مَا اقْتَضَت الحكم من

غير وَاسِطَة وَلَا شَرط يتَوَقَّف الحكم على وجوده كَقَوْل الْقَائِل أَنْت طَالِق فَإِنَّهُ يستعقب الطَّلَاق من غير توقف على شَرط فَسمى عِلّة وَأما السَّبَب فَمَا أفْضى إِلَى الحكم بِوَاسِطَة أَو وسائط كَقَوْلِه إِذا دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق سمي سَببا لتوقف الحكم على وَاسِطَة دُخُول الدَّار وَإِذا عرفت ذَلِك فَأعْلم أَن الوسائط بَين الْأَسْبَاب وَالْأَحْكَام منقسمة إِلَى مُسْتَقلَّة والى غير مُسْتَقلَّة فمهما كَانَت الْوَاسِطَة مُسْتَقلَّة أضيف الحكم أليها دون السَّبَب لكَونهَا أقرب السببين مِثَاله البيع وَالْهِبَة وَالْإِرْث وَالْوَصِيَّة فَإِنَّهَا أَسبَاب مَوْضُوعَة للْملك ثمَّ التَّصَرُّفَات الْمَقْصُودَة من الْأَعْيَان تستفاد بِالْملكِ لَا بِهَذِهِ الْأَسْبَاب لِأَن الْملك وَاسِطَة مُسْتَقلَّة تصلح لإضافة الحكم إِلَيْهَا فَأَما إِذا كَانَت الْوَاسِطَة غير مُسْتَقلَّة أما لعدم مناسبتها أَو لخفائها فَإِن الحكم يُضَاف إِلَى السَّبَب الأول دون الْوَاسِطَة كمن رمى

إِلَى إِنْسَان فَأَصَابَهُ فَقتله فان الْقَتْل يُحَال على السَّبَب الأول وَهُوَ الرَّمْي وَلَا يُحَال على الوسائط من خُرُوج السّلم وَقطع الْهَوَاء لِأَن هَذِه الوسائط غير صَالِحَة فَلَا يُضَاف الحكم إِلَيْهَا وَلذَا إِذا كَانَ الْوَصْف الْقَرِيب خفِيا والبعيد جليا كالحدث مَعَ النّوم وَالْمَشَقَّة مَعَ السّفر فَإِن الحكم مُضَاف إِلَى الْبعيد الَّذِي لَيْسَ بمقصود لعسر الْوُقُوف على الْقَرِيب الْمَقْصُود وَالْقَوْل الْجَامِع من هَذَا الْجِنْس أَنه مهما اجْتمع فِي مَحل الحكم وصفان ظاهران متعاقبان يصلح كل وَاحِد مِنْهُمَا لإضافة الحكم إِلَيْهِ على تَقْدِير الِانْفِرَاد فَإِن الحكم أبدا يُضَاف إِلَى الْوَصْف الْقَرِيب دون الْبعيد فَإِن الْوَصْف الْقَرِيب حِينَئِذٍ يكون هُوَ عِلّة الحكم وَالْوَصْف الْبعيد هُوَ عِلّة الْعلَّة وَالْحكم يُضَاف إِلَى الْعلَّة دون عِلّة الْعلَّة ومثاله حفر الْبِئْر مَعَ التردية والتلقي بِالسَّيْفِ مَعَ الرَّمْي من شَاهِق وَالْقطع مَعَ الحز وَنصب حجر فِي مَحل عدوان مَعَ حفر الْبِئْر إِذا تعثر بِالْحجرِ فَوَقع فِي الْبِئْر وَهَذِه الْجُمْلَة لَا نزاع فِيهَا وَإِنَّمَا يَقع النزاع بعْدهَا فِي تَحْقِيق

الْوَاسِطَة المستقلة وَعدمهَا فِي الْمسَائِل إِمَّا فِي مناسبتها أَو فِي ظُهُورهَا وصلا حيتها لإضافة الحكم إِلَيْهَا وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا إِذا أشترى أَبَاهُ بنيه بالتكفير لَا يَقع عتقه عَن كَفَّارَته عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ التَّحْرِير والتحرير هُوَ إِيجَاد سَبَب الْحُرِّيَّة وَالْحريَّة هَهُنَا تحصل قهرا وسببها الْقَرَابَة السَّابِقَة الْوَاسِطَة المتحللة وَهِي الشِّرَاء لَا تصلح سَببا بل هُوَ شَرط ممهد لمحل الْمُعْتق وَهُوَ الْملك والمحال من قبيل الشَّرْط كالجنسية مَعَ الطّعْم والإحصان مَعَ الزِّنَا فاقترنت نِيَّة الْكَفَّارَة بِشَرْط التَّحْرِير دون سَببه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يَقع عَن كَفَّارَته لِأَن الشِّرَاء سَبَب للْملك وَالْملك سَببا لِلْعِتْقِ بِوَاسِطَة الْملك مُضَافا إِلَى الشِّرَاء فَكَانَ الشِّرَاء هُوَ السَّبَب الْمُوجب لِلْعِتْقِ لحدوث الْعتْق عَقِيبه والقرابة شرطا

الثَّانِيَة أَن الْبَهِيمَة إِذا صالت على إِنْسَان فَقَتلهَا دفعا عَن نَفسه لم يضمنهَا عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن السَّبَب الدَّاعِي إِلَى قَتلهَا صيالها فَهِيَ قتيلة نَفسهَا فَلَا يجب الدَّافِع ضَمَانهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض يجب ضَمَانهَا لِأَن الدَّاعِي إِلَى قَتلهَا خَوفه على نَفسه ووجوده وَإِن كُنَّا نعلم أَن السَّبَب المولد لذَلِك الْخَوْف هُوَ الصيال غير أَن الْخَوْف لما كَانَ وَاسِطَة مُسْتَقلَّة بِإِيجَاب الضَّمَان كَمَا فِي حق الْمُضْطَر أضيف الحكم إِلَيْهِ دون السَّبَب الأول وَالله أعلم

مسألة

= كتاب السّير = وَقد خرجنَا مُعظم مسَائِله على أُصُولهَا فِي موَاضعهَا فنأتي على تَمامهَا مَسْأَلَة 1 ملك الْغَنَائِم لَا يتَوَقَّف على الْإِحْرَاز بدار الْإِسْلَام بل يحصل بِمُجَرَّد الِاسْتِيلَاء عِنْد الشَّافِعِي رض وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه} وَيكون المَال غنيمَة اسْما وكوننا غَانِمِينَ لَا يقف على دَار الْإِسْلَام فَيُوجب مُطلق الْكَلَام إِثْبَات حق الْخمس لله تَعَالَى وَثُبُوت الْخمس لله يدل على ثُبُوت الْملك فِي الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة لِأَنَّهُ فِي مُقَابلَته

وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الْحق فِي الْغَنِيمَة يتَعَلَّق بِالْأَخْذِ وَيملك بالإحراز وَاحْتج فِي ذَلِك بِجَوَاز الْبسط فِي الطَّعَام من غير ضَمَان وَلَا ضَرُورَة وبعدم نُفُوذ الْعتْق والاستيلاء من الْآحَاد وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن قسْمَة الْغَنَائِم فِي دَار الْحَرْب جَائِزَة عندنَا وَعِنْدهم لَا يجوز مَا لم تحرز بِدَارِنَا وَمِنْهَا إِن المدد إِذا لحق الْغَانِمين قبل إِحْرَاز الْغَنِيمَة بدار الْإِسْلَام لَا يشاركونها عندنَا

وَعِنْدهم يشاركون وَمِنْهَا إِن الْغَازِي إِذا جَاوز الدَّرْب فَارِسًا وَكَانَ وَقت الْقِتَال رَاجِلا فَلهُ سهم راجل عندنَا وَهَكَذَا بِالْعَكْسِ لَان الْملك يحصل عندنَا بِالْأَخْذِ فَيعْتَبر وَقت الْأَخْذ وَعِنْدهم إِذا جَاوز الدَّرْب فَارِسًا فَلهُ سهم فَارس وان كَانَ رَاجِلا فَلهُ سهم راجل وَمِنْهَا إِن الجندي إِذا مَاتَ قبل الْقِسْمَة يُورث نصِيبه عندنَا وَعِنْدهم لَا يُورث وَمِنْهَا إِن الإِمَام إِذا فتح مَدِينَة لم يجز لَهُ إِن يمن عَلَيْهِم لِأَن الْغَانِمين ملكوا بِنَفس الْأَخْذ فَلَيْسَ لَهُ أَن يبطل عَلَيْهِم ملكهم وَعِنْدهم يجوز لَهُ ذَلِك لأَنهم لم يملكوها بعد

مسألة

مَسْأَلَة 2 اللَّفْظ الْعَام إِذا ورد على سَبَب خَاص يخْتَص بِهِ عِنْد الشَّافِعِي رض واليه ذهب مَالك وَأَبُو ثَوْر والمزني والقفال الشَّاشِي

وَأَبُو بكر الدقاق من أَصْحَابنَا رَضِي الله عَنْهُم وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن قَالُوا اللَّفْظ نَص فِي حق السَّبَب إِجْمَاعًا حَتَّى لَا يجوز تَخْصِيصه بِدَلِيل وَكَون اللَّفْظ نصا فِي مَحل السَّبَب دَلِيل على أَنه لم يتَنَاوَل غَيره إِذْ لَو تنَاول غَيره لتنَاوله على وَجه الظُّهُور حَتَّى يجوز تَخْصِيصه وإخراجه بِالدَّلِيلِ الْمُخَصّص وَلَو تنَاول غَيره على وَجه الظُّهُور وَجب أَن لَا يتَنَاوَل مَحل السَّبَب على وَجه النَّص لِأَن اللَّفْظ الْعَام إِذا كَانَ مُسْتَغْرقا متناولا مسميات لَا يكون متناولا للْبَعْض على سَبِيل الظُّهُور وَالْبَعْض على وَجه النَّص لِأَن نِسْبَة اللَّفْظ الْعَام إِلَى جَمِيع المسميات نِسْبَة وَاحِدَة وَلما اتفقنا على تنَاوله لمحل السَّبَب على وَجه كَانَ نصا فِيهِ وَلم يجز تَخْصِيصه دلّ ذَلِك على أَنه اخْتصَّ بِهِ وَاقْتصر عَلَيْهِ وَصَارَ ذَلِك بِمَنْزِلَة مَا لَو سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شَيْء فَأجَاب ب لَا أَو نعم فَإِنَّهُ يخْتَص

بالسائل وفَاقا وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة فِي طوائف من عُلَمَاء الْأُصُول إِلَى إِن ذَلِك لَا يمْنَع التَّعْلِيق بِعُمُوم اللَّفْظ وَاحْتَجُّوا بِأَن قَالُوا الدَّلِيل الْمُخَصّص مَا يمْنَع الْجمع بَين مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضى اللَّفْظ الْعَام وَذَلِكَ مَقْصُود فِيمَا نَحن فِيهِ إِذْ لَيْسَ فِي خُصُوص السَّبَب مَا يمْنَع التَّعْلِيق بِعُمُوم اللَّفْظ وَلَا تنَاقض فِي الْجمع بَينهمَا فَيحمل على كل مَا يتَنَاوَلهُ ويقتضيه بفحواه وَمَعْنَاهُ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل إِن قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وَإنَّهُ لفسق} وَلَا يمْنَع حل مَتْرُوك التَّسْمِيَة عِنْد الشَّافِعِي رض سَوَاء تَركهَا عَامِدًا أَو نَاسِيا تَخْصِيصًا لِلْآيَةِ بِمحل السَّبَب وَهُوَ الْميتَة فان الْعَرَب كَانُوا يأكلونها ويجادلون بهَا الْمُسلم بأكلهم مِمَّا أماتوه

وامتناعهم مِمَّا أَمَاتَهُ الله تَعَالَى فَسمى الذّبْح باسم الله إِذْ الْعَرَب كَانَت تسمي الذّبْح بَسْمَلَة وَيدل على ذَلِك سِيَاق الْآيَة وَمَا بعْدهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا يحل إِذا تَركهَا عَامِدًا إتباعا لظَاهِر الْعُمُوم وَإِخْرَاج النَّاسِي مِنْهُ كَانَ لدَلِيل مُخَصص كَمَا فِي سَائِر العمومات

مسألة

مَسْأَلَة 3 خبر الْوَاحِد إِذا خَالف قِيَاس الْأُصُول يقدم على الْقيَاس عِنْد الشَّافِعِي رض وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْخَبَر أقوى من الْقيَاس فَوَجَبَ أَن يقدم عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن الْخَبَر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقِيَاس قَول القائس الْمُجْتَهد وَقَول النَّبِي مَعْصُوم عَن الْخَطَأ وَقَول الْقيَاس لَيْسَ بمعصوم عَن الْخَطَأ وَلَا يخفى أَن قَول الْمَعْصُوم أقوى من قَول غير الْمَعْصُوم وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى تَقْدِيم الْقيَاس عَلَيْهِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن قَالُوا الْقيَاس أقوى من الْخَبَر فَوَجَبَ أَن يقدم عَلَيْهِ قَالُوا وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن القائس الْمُجْتَهد على يَقِين

من اجْتِهَاد نَفسه وَلَيْسَ على يَقِين من الْخَبَر لأَنا لَا نقطع بِصِحَّة خبر الْوَاحِد وَلِهَذَا لَا يُوجب الْعلم وَإِنَّمَا نظن كَونه حَدِيثا ويستحيل أَن يقدم مَا ثَبت ظنا على مَا علم يَقِينا وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن الْجَنِين يتذكى بِذَكَاة أمه عِنْد الشَّافِعِي رض لحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رض إِن جمَاعَة أَتَوا الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا إِنَّا نَنْحَر الْإِبِل ونذبح الشَّاة ونجد فِي بَطنهَا جَنِينا مَيتا أفنلقيه أَو نأكله فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كلوه فَإِن ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه وَعِنْدهم لَا يتذكى بِذَكَاة أمه تَقْدِيمًا لقياس الْأُصُول على الْخَبَر

الْمَذْكُور وَوجه كَونه فِي مُعَارضَة قِيَاس الْأُصُول إِن الأَصْل فِي الشَّرْع إِن كَانَ مستخبثا كَانَ حَرَامًا وكل مَا يحتقن فِيهِ الدَّم المستخبث يكون حَرَامًا والجنين فِي بطن الْأُم كَذَلِك

مسائل الإيمان

مسَائِل الْإِيمَان مسالة 1 مُعْتَقد الشَّافِعِي رض أَن الْكَفَّارَات كلهَا شرعت ضمانا للمتلف من حُقُوق الله تَعَالَى جبرا كالدية الْمَشْرُوعَة ضمانا لنَفس الْآدَمِيّ فَلَا نظر إِلَى صفة الْعَمَل سَوَاء تمحض عُدْوانًا أَو كَانَ دائرا بَين الْحَظْر وَالْإِبَاحَة لِأَن فَوَات حق الله لَا يخْتَلف باخْتلَاف صفة الْفِعْل وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَن الْكَفَّارَات كلهَا شرعت جَزَاء للْفِعْل فيراعى فِيهَا صفة الْعَمَل وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن قَالُوا تأملنا الْكَفَّارَة نَفسهَا وجدناها مركبة من وصفين وصف الْعِبَادَة وَوصف الْعقُوبَة

فاستدللنا بالحكم على إِن سَببه وَجب إِن يكون دائرا بَين الْحَظْر وَالْإِبَاحَة ليصير معنى الْعِبَادَة مُضَافا إِلَى وصف الْإِبَاحَة وَمعنى الْعقُوبَة مُضَافا إِلَى وصف الْحَظْر قَالُوا وَلَا يلْزمنَا المثقل الصَّغِير لِأَنَّهُ دائر بَين التَّأْدِيب الْمُبَاح وَبَين صَيْرُورَته قتلا بتقصير من جِهَته وَفِي المثقل الْكَبِير قَالُوا هُوَ غير مَوْضُوع للْقَتْل بل لأمور أُخْرَى غير الْقَتْل قَالُوا وَلَا يلْزم قتل الْمُسْتَأْمن حَيْثُ لَا توجب الْكَفَّارَة وَإِن وجدت فِيهِ شُبْهَة الْإِبَاحَة لِأَن شُبْهَة الْإِبَاحَة هُنَاكَ فِي الْمحل لَا فِي فعل الْقَتْل وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا أَن الْيَمين الْغمُوس توجب الْكَفَّارَة عندنَا لتفويت حق الله تَعَالَى بالمخالفة وَعِنْدهم لَا توجب لِأَن السَّبَب لم يَتَّصِف بِشَيْء من الْإِبَاحَة

بل هُوَ عدوان مَحْض وَلِهَذَا قَالُوا إِن الْقَتْل الْعمد لَا يُوجب الْكَفَّارَة عندنَا لتمحض فعله عُدْوانًا كَمَا فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَمِنْهَا إِن تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث جَائِز عندنَا لتحَقّق السَّبَب الْمُوجب وَهُوَ الْيَمين وَعِنْدهم لَا يجوز لِأَن سَبَب الْوُجُوب مَا يتركب من وصفي الْإِبَاحَة والحظر وَالْيَمِين فِي نَفسهَا مُبَاحَة والمحظور هُوَ الْحِنْث فَكَانَت الْيَمين إِحْدَى جزئي السَّبَب الْمُوجب لَهَا وَإِنَّمَا تَنْعَقِد سَببا بِالْحِنْثِ الْمحرم بِمُوجب الْيَمين

مسألة

مَسْأَلَة 2 شرع من قبلنَا لَيْسَ شرعا لنا عِنْد الشَّافِعِي رض لقَوْله تَعَالَى {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجا} والبرهان الْقَاطِع فِيهِ أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يَتَرَدَّدُونَ فِي الْحَوَادِث بَين الْكتاب وَالسّنة وَالِاجْتِهَاد وَكَانُوا لَا يرجعُونَ إِلَى الْكتب الْمنزلَة على الْأَنْبِيَاء الْمُتَقَدِّمين وَنقل عَن أبي حنيفَة رض أَنه قَالَ مَا حَكَاهُ الله تَعَالَى فِي كِتَابه من شرائع الماضين فَهُوَ شرع لنا إِذْ لَا فَائِدَة من ذكره إِلَّا الِاحْتِجَاج بِهِ وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ثمَّ أَوْحَينَا إِلَيْك أَن اتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا}

وَقَوله تَعَالَى {إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا} وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِذا نذر ذبح وَلَده لم ينْعَقد نَذره عندنَا إِذْ لَا أصل لَهُ فِي شرعنا وَينْعَقد عِنْدهم تمسكا بقضية الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمِنْهَا أَن الْأُضْحِية غير وَاجِبَة عندنَا لانْتِفَاء مدارك الْوُجُوب فِيهَا وَعِنْدهم تجب لقَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام

{قل إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت} وَالْأَمر فِي شَرعه أَمر فِي شرعنا

مسائل الأقضية

مسَائِل الْأَقْضِيَة مَسْأَلَة 1 مُعْتَقد الشَّافِعِي رض إِن حَقِيقَة الْقَضَاء إِظْهَار لحكم الله تَعَالَى وإخبار عَنهُ وَلَيْسَ هُوَ إِثْبَات حق على سَبِيل الِابْتِدَاء وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْمُدَّعِي إِنَّمَا يطْلب حَقًا ثَابتا لَهُ من قبل وَلَا يَدعِي التَّمَلُّك ابْتِدَاء إِذْ لَو ادّعى التَّمَلُّك ابْتِدَاء لَكَانَ معترفا بِأَنَّهُ مُبْطل فِي دَعْوَاهُ الْملك وَالْبَيِّنَة مصدقة لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ حسب مَا ادَّعَاهُ وَالْقَضَاء إِمْضَاء لما شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة فَإِذا أعطيناه حَقًا أَثْبَتْنَاهُ وأنشأناه كَانَ غير الْمُدعى بِهِ وَغير الْمَشْهُود بِهِ وَذهب أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِلَى إِن حَقِيقَة الْقَضَاء إِثْبَات الحكم الْمُدعى وإنشاء لَهُ وَاحْتج فِي ذَلِك بأمرين أَحدهمَا أَن قَوْله قضيت وحكمت إِنَّمَا يصدق إِذا كَانَ

الحكم مستفادا مِنْهُ كَقَوْل الْقَائِل سودت وبيضت وَكَذَا قَوْله ألزمتك المَال إِنَّمَا يكون صَحِيحا وصدقا إِذا كَانَ اللُّزُوم مستفادا مِنْهُ الثَّانِي أَن الظُّهُور حَاصِل بتعديل الشُّهُود وَلَا يزْدَاد إِظْهَار الْبَيِّنَة بقوله قضيت فَمَا بَال الحكم يتَوَقَّف على الْقُضَاة لَوْلَا أَنه مُثبت فَكيف وَلَو قَالَ أظهرت وأمضيت لم يكن قَضَاء وَأعلم أَن مَا ذَكرُوهُ من الْوَجْهَيْنِ ضَعِيف أما الأول فَلِأَن قَول القَاضِي قضيت وحكمت لَا يجْرِي على ظَاهره عِنْد كل فريق فَإِن ظَاهره إِثْبَات الحكم وَهُوَ صنع الرب عز وَجل لَا غير إِلَّا أَنكُمْ تجوزتم وقلتم هُوَ حَاكم على معنى أَنه أَتَى بِسَبَب أثبت الله عَقِيبه حكما وأضيف إِلَيْهِ لتسببه وَنحن تجوزنا وَقُلْنَا هُوَ حَاكم على معنى أَنه مظهر حكم الله تَعَالَى فِينَا فَإِن المختفي الَّذِي لَا دَلِيل عَلَيْهِ كَالْمَعْدُومِ فِي نَفسه بِالْإِضَافَة إِلَيْنَا فصح أَن يُسمى مظهره مثبتا مجَازًا أما توقف الحكم بعد التَّعْدِيل على الْقَضَاء فَلِأَن حَال الشُّهُود فِي مَحل الِاجْتِهَاد إِذْ يتَصَوَّر الْجرْح بعد التَّعْدِيل فَجعل الشَّرْع قَوْله قضيت مرَادا لخُرُوج الْأَمر عَن مَحل الِاجْتِهَاد حَتَّى جَازَ الْعَمَل وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَتَانِ

إِحْدَاهمَا أَن الْقَضَاء على الْغَائِب نَافِذ عندنَا لظُهُور حق الْمُدَّعِي عِنْده بِالْبَيِّنَةِ العادلة المسموعة إِجْمَاعًا وَلَا ينفذ عِنْدهم لِأَنَّهُ إِثْبَات وَالْإِثْبَات لَا يعقل إِلَّا عَن ناف فَصَارَ الْإِنْكَار شرطا للْقَضَاء أما الْإِقْرَار فَهُوَ حجَّة دون عمل القَاضِي وَلِهَذَا لَا يخْتَص بِمَجْلِس الحكم وَلَا يتَوَقَّف على قَول القَاضِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة الزُّور لَا يُبِيح الْمَحْظُور عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن الفضاء إِخْبَار وَإِظْهَار والإخبار يتَعَلَّق بالمخبر عَنهُ على مَا هُوَ بِهِ إِن صدقا فصدقا وان كذبا فكذب كَالْعلمِ يتَعَلَّق بالمعلوم على مَا هُوَ بِهِ وَالْكذب كَيفَ يُبِيح الْمَحْظُور إِذْ لَو أَبَاحَ لاستوى الصدْق وَالْكذب وَهُوَ محَال وَعِنْدهم يُبِيح ذَلِك لِأَن الْقَضَاء إنْشَاء وَإِثْبَات للْحكم من

حَيْثُ إِن القَاضِي قضى بِأَمْر الله عَن الله غير منتسب إِلَى التَّقْصِير وَهُوَ نَائِب الله وَقَول النَّائِب قَول المنوب عَنهُ فَكَأَن المنوب عَنهُ قَالَ ملك فلَان وقرروا هَذَا بِأَن قَالُوا للْقَاضِي ولَايَة إنْشَاء الْعُقُود والفسوخ حَتَّى لَو بَاعَ ملك الْغَيْر من أجل الْمصلحَة جَازَ فقدرنا هَهُنَا إنْشَاء العقد ضمنا وضرورة صِيَانة للْقَضَاء الْمُسْتَند إِلَى أَمر الله عز وَجل عَن الْأَبْطَال قَالُوا وَخرجت عَلَيْهِ الْأَمْلَاك الْمُرْسلَة لِأَن هُنَاكَ تَعَارَضَت الإحتمالات لتَعَدد أَسبَاب الْملك وَالله أعلم

مسائل الشهادات

مسَائِل الشَّهَادَات مَسْأَلَة 1 مَذْهَب الشَّافِعِي رض حُصُول التَّرْجِيح بِكَثْرَة الْأَدِلَّة وانضمام عِلّة إِلَى عِلّة وان صلحت كل وَاحِدَة أَن تكون مُسْتَقلَّة وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَنا إِذا فَرضنَا دَلِيلين متعارضين متساويين فِي الْقُوَّة فِي ظننا ثمَّ وجدنَا دَلِيلا آخر يُسَاوِي أَحدهمَا فمجموعهما لَا بُد وَأَن يكون زَائِدا على ذَلِك الآخر لِأَن مجموعهما أعظم من كل وَاحِد مِنْهُمَا وكل وَاحِد مِنْهُمَا مسَاوٍ لذَلِك الآخر والأعظم من الْمسَاوِي أعظم وأرجح وَذَهَبت الْحَنَفِيَّة إِلَى أَن التَّرْجِيح إِنَّمَا يحصل بوضوح زِيَادَة تنشأ

من عين أحد الدَّلِيلَيْنِ على الآخر صفة ناشئة مِنْهُ كَقَوْلِهِم هَذِه الدَّرَاهِم راجحة إِذا مَالَتْ كفة الدَّرَاهِم على كفة الصنج بِصفة الثّقل أما انضمام دَلِيل إِلَى دَلِيل أَو عِلّة إِلَى عِلّة أُخْرَى فَلَا يُوجب رُجْحَان تِلْكَ الْعلَّة وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَنا أجمعنا على أَن الشَّهَادَة وَالْفَتْوَى لَا تتقوى بِكَثْرَة الْعدَد فَإِن شَهَادَة شَاهِدين وَشَهَادَة أَرْبَعَة فِيمَا يثبت بِشَاهِدين سَوَاء وَشَهَادَة عشرَة وَشَهَادَة أَرْبَعَة فِيمَا يثبت بأَرْبعَة سَوَاء وَأَيْضًا أجمعنا على أَن الْخَبَر الْوَاحِد لَو عَارضه ألف قِيَاس يكون راجحا على الْكل وَذَلِكَ يدل على أَن التَّرْجِيح لَا يحصل بانضمام دَلِيل إِلَى دَلِيل وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن بَيِّنَة ذِي الْيَد مسموعة وَتقدم على بَيِّنَة الْخَارِج عندنَا لاعتضاد بَينته بِالْيَدِ

وَعِنْدهم لَا تسمع لِأَن الْيَد دَلِيل مُسْتَقل بِإِثْبَات الحكم فَلَا يصلح لترجيح بَيِّنَة لِأَنَّهَا مُنْفَصِلَة عَن الْبَيِّنَة

مسألة

مَسْأَلَة 2 الِاسْتِثْنَاء إِذا تعقب جملا نسق بَعْضهَا على بعض رَجَعَ إِلَى جَمِيع الْجمل عِنْد الشَّافِعِي رض وَأَصْحَابه وَلَا يخْتَص بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَة مِثَاله أَن يَقُول وقفت دَاري هَذِه على بني فلَان وخاني هَذَا على بني فلَان إِلَّا الْفُسَّاق مِنْهُم وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأُمُور ثَلَاثَة أَحدهَا أَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على الْإِنْسَان إِذْ قَالَ لفُلَان عَليّ خَمْسَة وَخَمْسَة إِلَّا سَبْعَة أَنه يكون مقرا بِثَلَاثَة وَلَو كَانَ الِاسْتِثْنَاء يخْتَص بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَة لَكَانَ مقرا بِعشْرَة لِأَن الِاسْتِثْنَاء حِينَئِذٍ يخْتَص بالخمسة الثَّانِيَة وَيكون اسْتثِْنَاء مُسْتَغْرقا بل زَائِد عَلَيْهِ والإستثناء الْمُسْتَغْرق بَاطِل وَحَيْثُ اتفقنا على أَنه يكون إِقْرَارا بِثَلَاثَة دلّ أَنه انعطف على جَمِيع الْجمل

الثَّانِي أَنا أجمعنا على أَن الِاسْتِثْنَاء الْمُعَلق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى والمقيد بِالشّرطِ يرجع إِلَى جَمِيع الْجمل كَقَوْل الْقَائِل نساؤه طَوَالِق وعبيده أَحْرَار وأمواله صَدَقَة إِن شَاءَ الله فَإِنَّهُ يرجع إِلَى الْجَمِيع حَتَّى لَا يَقع شَيْء من الْأَحْكَام وَكَذَا إِذا قَالَ عبيده أَحْرَار ونساؤه طَوَالِق إِن دخلُوا الدَّار فَإِن هَذَا الشَّرْط يرجع إِلَى الْجَمِيع وَلَا يقْتَصر على وَاحِدَة من الجملتين الثَّالِث أَن الْجمل الَّتِي سبقت الْجُمْلَة الْأَخِيرَة لَا يَخْلُو أما أَن يُقَال إِنَّهَا مُنْقَطِعَة عَن الْجُمْلَة الْأَخِيرَة كالمسكوت عَنْهَا أَو هِيَ مرتبطة بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَة إِن قيل إِنَّهَا كالمنقطعة الْمَسْكُوت عَنْهَا فالاستثناء إِذا تعقب كلَاما مُنْقَطِعًا مسكوتا عَنهُ كَانَ لَغوا مُنْقَطِعًا فَإِنَّهُ لَو قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة وَسكت ثمَّ قَالَ إِلَّا خَمْسَة لم يعد ذَلِك اسْتثِْنَاء وَلَا عِبْرَة بِهِ وَفِي مَسْأَلَتنَا بِحسن أَن نعيد الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْجمل السَّابِقَة وَلَا نعد ذَلِك لَغوا وَلَا اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا وَلَو كَانَت كالمسكوت عَنْهَا لما حسن

إِعَادَة الِاسْتِثْنَاء إِلَيْهَا وَذهب أَبُو حنيفَة رض وَأَصْحَابه إِلَى أَن الِاسْتِثْنَاء يخْتَص بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَة دون مَا قبلهَا من الْجمل وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأُمُور ثَلَاثَة أَحدهمَا أَن الِاسْتِثْنَاء لَو كَانَ يرجع إِلَى جَمِيع الْجمل وَجب أَن يكون الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء رَاجعا إِلَى الجملتين جَمِيعًا الِاسْتِثْنَاء والمستثنى مِنْهُ وَقد اتفقنا على أَنه لَو قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا خَمْسَة إِلَّا درهما كَانَ هَذَا الِاسْتِثْنَاء رَاجعا إِلَى الِاسْتِثْنَاء الَّذِي تقدمه لَا إِلَى الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فَلْيَكُن فِي مَسْأَلَتنَا مثله الثَّانِي أَنهم قَالُوا رُجُوع الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْجُمْلَة الْأَخِيرَة مستيقن ورجوعه إِلَى مَا قبلهَا من الْجمل مُحْتَمل مَشْكُوك فِيهِ فَلَا يثبت بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَال الثَّالِث أَنا لَو قُلْنَا يرجع الِاسْتِثْنَاء إِلَى جَمِيع الْجمل أدّى

ذَلِك إِلَى اجْتِمَاع عاملين فِي مَعْمُول وَاحِد والعاملان لَا يجوز اجْتِمَاعهمَا على مَعْمُول وَاحِد أما الدَّلِيل على أَنه لَا يجوز اجْتِمَاع عاملين فِي مَعْمُول وَاحِد هُوَ انا لَو قَدرنَا اجْتِمَاع ناصبين لمنصوب وَاحِد فَلَو قدر انعدام أَحدهمَا فَإِنَّمَا يَنْعَدِم بضده وَهُوَ الرّفْع أَو الْجَرّ أدّى ذَلِك إِلَى أَن يصير الشَّيْء الْوَاحِد مَنْصُوبًا مَرْفُوعا فِي حَالَة وَاحِدَة وَذَلِكَ محَال وَهَذَا ينْزع إِلَى قَاعِدَة عقلية وَذَلِكَ أَن الْمُتَكَلِّمين قَالُوا لَا يجوز اجْتِمَاع سوادين أَو بياضين فِي مَحل وَاحِد لأَنا لَو قَدرنَا اجْتِمَاعهمَا وقدرنا انعدام أَحدهمَا فَإِنَّمَا يَنْعَدِم أحد الضدين بطريان الآخر فيفضي ذَلِك إِلَى اجْتِمَاع السوادين والبياضين فِي الْمحل الْوَاحِد وَذَلِكَ محَال وَأما الدَّلِيل على إفضائه إِلَى اجْتِمَاع عاملين فِي مَعْمُول وَاحِد هُوَ أَن الْعَامِل فِيمَا بعد إِلَّا هُوَ مَا قبل إِلَّا بِوَاسِطَة إِلَّا لِأَنَّهَا قوت الْفِعْل فأوصلته إِلَى مَا بعْدهَا فَإِذا قُلْنَا إِن الِاسْتِثْنَاء يرجع إِلَى الْجمل كلهَا احتجنا أَن نعمل

كل وَاحِدَة فِيمَا بعد إِلَّا فيجتمع فِي مَعْمُول وَاحِد عاملان ثمَّ قد يكون أَحدهمَا نصبا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} وَقَوله {أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} رفع فَيمْتَنع الرّفْع وَالنّصب فِي الْمحل الْوَاحِد وَهَذَا مَا ذَكرُوهُ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَقد ذهب أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد إِلَى أَن الْعَامِل فِي الِاسْتِثْنَاء هُوَ إِلَّا بِتَقْدِير أستثني زيدا فعلى هَذَا لَا يُؤَدِّي إِلَى اجْتِمَاع عاملين وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَن الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا نَاب قبلت شَهَادَته عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذين تَابُوا}

يرجع إِلَى جَمِيع الْجمل فيرتفع رد الشَّهَادَة كَمَا أرتفع الْفسق فَإِن قيل لَو عَاد إِلَى جَمِيع الْجمل لسقط الْحَد بِالتَّوْبَةِ فَإِنَّهُ مِنْهَا قُلْنَا سقط على أحد قولي الشَّافِعِي رض وعَلى التَّسْلِيم إِنَّمَا لم يسْقط الْحَد بِالتَّوْبَةِ لِأَن الْمُغَلب فِيهِ حق الْآدَمِيّ فَلَا يسْقط إِلَّا باستيفائه لَا لخلل فِي اقْتِضَاء الصِّيغَة

أبدا وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذين تَابُوا يرجع إِلَى جَمِيع الْجمل فيرتفع رد الشَّهَادَة كَمَا أرتفع الْفسق فَإِن قيل لَو عَاد إِلَى جَمِيع الْجمل لسقط الْحَد بِالتَّوْبَةِ فَإِنَّهُ مِنْهَا قُلْنَا سقط على أحد قولي الشَّافِعِي رض وعَلى التَّسْلِيم إِنَّمَا لم يسْقط الْحَد بِالتَّوْبَةِ لِأَن الْمُغَلب فِيهِ حق الْآدَمِيّ فَلَا يسْقط إِلَّا باستيفائه لَا لخلل فِي اقْتِضَاء الصِّيغَة

وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا تقبل شَهَادَته أبدا لاخْتِصَاص الِاسْتِثْنَاء بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَة

مسائل العتق وقد مضى معظمها فنأتي على سائرها

مسَائِل الْعتْق وَقد مضى معظمها فنأتي على سائرها مَسْأَلَة 1 الْمجَاز عِنْد الشَّافِعِي رض خلف عَن الْحَقِيقَة فِي الحكم كَمَا أَنه خلف عَنهُ فِي التَّكَلُّم على معنى أَن إِثْبَات الحكم بِهِ يَنْبَنِي على تصور الْحَقِيقَة وإمكانها فِي نَفسهَا وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الأَصْل بِنَاء الْأَحْكَام على الْحَقَائِق اللُّغَوِيَّة دون الْأَلْفَاظ المجازية غير أَن الْمجَاز أقيم مقَام الْحَقِيقَة لقُرْبه مِنْهَا أتساعا فِي النُّطْق وَشرط ثُبُوت الحكم فِي الْخلف إِمْكَان ثُبُوته فِي الأَصْل

وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الْمجَاز خلف عَن الْحَقِيقَة فِي التَّكَلُّم والنطق لَا فِي الحكم بل الْمجَاز فِي الحكم أصل نَفسه فاللفظ إِذا وجد وَتعذر الْعَمَل بحقيقته وَله مجَاز مُتَعَيّن صَار مستعارا لحكمه بِغَيْر نِيَّة كَمَا قَالَ فِي النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن هَذَا تصرف فِي التَّكَلُّم فَلَا يتَوَقَّف على احْتِمَال الحكم كالاستثناء فَإِن من قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق ألفا إِلَّا تِسْعمائَة وتسع وَتِسْعين يَقع عَلَيْهَا طَلْقَة وَإِن كُنَّا نعلم أَن إِيقَاع مَا زَاد على الثَّلَاث من طَرِيق الحكم غير مُمكن لَكِن لما كَانَ من حَيْثُ التَّكَلُّم صَحِيحا صَحَّ وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل أَنه إِذا قَالَ لعَبْدِهِ الَّذِي هُوَ أكبر سنا مِنْهُ هَذَا أبني وَلمن هُوَ أَصْغَر سنا مِنْهُ هَذَا أبي لَا يعْتق عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن حَقِيقَة هَذَا الْكَلَام غير متصورة فَكَانَ مجازه لَغوا لِأَنَّهُ خلف عَنهُ فِي إِثْبَات الحكم

وَعِنْده يعْتق لِأَنَّهُ أصل بِنَفسِهِ فِي الحكم فَلَا يتَوَقَّف على إِمْكَان الْحَقِيقَة

مسائل الكتابة

مسَائِل الْكِتَابَة مسالة 1 ذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي عقد الْكِتَابَة رَقَبَة الْمكَاتب وَاحْتج فِي ذَلِك بِإِضَافَة العقد إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقُول كاتبتك وَمحل العقد ومورده فِيمَا يُضَاف العقد إِلَيْهِ وَيَزُول الْملك عَنْهَا بأَدَاء النُّجُوم وبالرجوع إِلَى قيمتهَا عِنْد فَسَاد الْعتْق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي الْكِتَابَة هُوَ إكتساب العَبْد وَفك الْحجر عَنهُ وَاحْتج فِي ذَلِك بِاسْتِحْقَاق النُّجُوم فِي الْحَال وَتمكن السَّيِّد من الْمُطَالبَة بهَا وَلَو كَانَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ نَفسه وذاته لما طُولِبَ بالنجوم فِي

الْحَال لِأَن الْعِوَض إِنَّمَا يسْتَحق على من سلم لَهُ الْعِوَض وَالْمكَاتب لم يسلم لَهُ نَفسه فِي الْحَال فَكيف يسْتَحق عَلَيْهِ الْعِوَض فِي الْحَال وَحَيْثُ اسْتحق عَلَيْهِ الْعِوَض فِي الْحَال وطولب بِهِ دلّ أَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ الِاكْتِسَاب وَفك الْحجر عَنهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يسلم لَهُ فَكَانَ الْعِوَض فِي مُقَابلَته وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل مِنْهَا إِذا مَاتَ الْمكَاتب عَن غير وَفَاء انْفَسَخت الْكِتَابَة عِنْد الشَّافِعِي رض وَمَات رَقِيقا لِأَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ الرَّقَبَة وَقد فَاتَت قبل تَسْلِيمهَا إِلَى العَبْد ونعني بِالرَّقَبَةِ عتق العَبْد فَينزل منزلَة فَوَات الْمَبِيع قبل الْقَبْض وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض إِذا مَاتَ وَخلف وَفَاء مَاتَ حرا فِي آخر جُزْء من أَجزَاء حَيَاته وَإِن لم يخلف وَفَاء وَله ولد يستسعى الْوَلَد حَتَّى يُؤَدِّي النُّجُوم فَيحكم بحريَّته

وَإِن لم يخلف وَفَاء وَلَا ولدا مَاتَ رَقِيقا وَمِنْهَا أَن الْكِتَابَة الْحَالة بَاطِلَة عِنْد الشَّافِعِي رض لِأَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ الرَّقَبَة وعتقها غير مُسْتَحقّ فِي الْحَال بل عِنْد أَدَاء النُّجُوم وَعِنْدهم يَصح لِأَن الْعِوَض فِي مُقَابلَة فك الْحجر وَالْقُدْرَة على الِاكْتِسَاب وَقد تحقق فِي الْحَال وَمِنْهَا إِذا زوج ابْنَته من مكَاتبه ثمَّ مَاتَ أَي السَّيِّد انْفَسَخ النِّكَاح عندنَا وانتقل الْملك فِي الرَّقَبَة إِلَيْهَا وَعِنْدهم لَا يَنْفَسِخ بل يُؤَدِّي نجومه فَيعتق على مَا ذَكرْنَاهُ وَهَذَا آخر الْكتاب وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ

تمّ الْكتاب بِحَمْد الله تَعَالَى وعونه وَحسن توفيقه وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم وَذَلِكَ فِي الثَّامِن عشر من ذِي الْحجَّة الْحَرَام عَام ثَلَاثَة وَعشْرين وَثَمَانمِائَة حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل

§1/1