تحقيق المطالب بشرح دليل الطالب

أبو المنذر المنياوي

تحقيق المطالب بشرح دليل الطالب للعلامة الفقيه الأصولي زين الدين مرعي بن يُوسُف الكرْمي الحنبلي. (ت: 1033 هـ) رحمه الله تعالى المياه - الآنية تأليف الفقير إلى عفو ربه الغني أبي المنذر: محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي عفا الله - تعالى - عنه

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف الطبعة الأولى 1432 هـ / 2011 م رقم الإيداع بالمكتبة الشاملة 6/ 2011

مقدمة المؤلف

مقدمة المؤلف إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. أما بعد ... فنبدأ بعون الله وتوفيقه في شرح متن "دليل الطالب لنيل المطالب" للعلامة مرعي بن يوسف الكرمي - رحمه الله -. ونرجوا من الله القبول والسداد، وأن يمن علينا بإتمام هذا الشرح، وأن يتقبله وينفع به إنه ولي ذلك وهو القادر عليه. نبدأ بالتعريف بالمؤلف. التعريف بالماتن ترجم له الدكتور: عبد الله بن سليمان الغفيلي في بحث بعنوان "العلامة مرعي بن يوسف الحنبلي آثاره العلمية، وقد نشر في مجلة البحوث الإسلامية العدد: (52/ 337: 365). وأيضا أعد ترجمةَ له الشيخ حسام عفانة. وترجم له في بعض المصادر ومنها: خلاصة الأثر (4/ 358)، الأعلام للزركلي (7/ 203)، معجم المؤلفين لكحالة (12/ 219) اللباب (3/ 246)، ومختصر طبقات الحنابلة (106) السحب الوابلة (467)، وعنوان المجد (1/ 33)، والنعت الأكمل (216)، هدية العارفين 2/ 331، الموسوعة الفلسطينية 4/ 193. وسوف ألخص جملا مما ذكروا في ترجمته.

1 - اسمه ونسبه ولقبه وكنيته:

1 - اسمه ونسبه ولقبه وكنيته: هو الإمام العلامة زين الدين مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر بن يوسف بن أحمد الكرمي المقدسي المصري الأزهري الحنبلي. فالكرمي: بسكون الراء نسبة إلى قرية طور كرم وهي مدينة معروفة في فلسطين حيث ولد ونشأ فيها. المقدسي: بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال والسين، نسبة إلى بيت المقدس، ونسب المؤلف إليه؛ لأن أول طلبه للعلم كان فيه، وقد تتلمذ على بعض علمائه. 2 - ولادته: ولد المصنف رحمه الله تعالى في بلدة طور كرم في فلسطين، ولم تشر كتب التراجم التي ترجمت له إلى تاريخ ولادته ولم تحدد عدد سني عمره عند وفاته حتى يتسنى معرفة تاريخ ولادته. 3 - نشأته وطلبه للعلم وثقافته: نشأ المؤلف رحمه الله تعالى في بلدته طور كرم، وتعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة، وتلقى مبادئ العلوم، وحفظ القرآن الكريم، ساعده على ذلك حافظته الجيدة وموهبته الفذة التي جعلته يسارع إلى تحصيل العلوم بجد واجتهاد حيث رحل إلى بيت المقدس ونهل من معين العلم فيها وجالس العلماء واستفاد من العلوم التي لديهم، ثم رحل بعد ذلك إلى القاهرة التي كانت مركزا للعلم والعلماء يفد إليها طلاب العلم من كل حدب وصوب، فأخذ العلم عن كثير من علمائها ومشايخها في الفقه والحديث والتفسير حتى أصبح يشار إليه بالبنان في مكانته العلمية فتصدر للتدريس والإفتاء، وقد طاب له المقام في القاهرة فآثر البقاء فيها وقد بقي يفيد ويستفيد ويستقي من علوم علمائها ويعلم الناس فيها حتى توفي رحمه الله. قال المحبي: " دخل مصر واستوطنها وأخذ بها عن الشيخ محمد حجازي الواعظ والمحقق أحمد الغنيمي وكثير من مشايخ المصريين وأجازه شيوخه وتصدر للإقراء والتدريس بجامع الأزهر، وكان منهمكا على تحصيل العلوم انهماكا كليا فقطع زمانه بالإفتاء والتدريس والتحقيق والتصنيف فسارت بتآليفه الركبان.

4 - شيوخه:

4 - شيوخه: من أبرز العلماء الذين أخذ عنهم: 1 - الشيخ الإمام محمد بن أحمد المرداوي نزيل القاهرة، شيخ الحنابلة في عصره ومرجعهم، كان جبلا من جبال العلم وبحرا من بحور الإتقان، وشاركه في الأخذ عنه: الشيخ منصور البهوتي، والشيخ عثمان الفتوحي وغيرهما. 2 - الشيخ الإمام محمد حجازي بن محمد بن عبد الله الواعظ الأكراوي الشافعي القلقشندي المعروف بمحمد حجازي. 3 - الشيخ الإمام أحمد بن محمد بن علي شهاب الدين الغنيمي الأنصاري الحنفي الخزرجي، كان شافعي المذهب ولكن بعد تعلمه للمذهب الحنفي انتقل إليه وأصبح بحرا من بحور العلم. 4 - الإمام الفرضي يحيى بن موسى بن أحمد بن موسى بن سالم الحجاوي المقدسي الدمشقي الصالحي القاهري الحنبلي، وهو ابن: شرف الدين موسى الحجاوي. 5 - ثناء العلماء عليه: أثنى على الإمام مرعي الكرمي كل من ترجم له حيث اجتمعت فيه الصفات الحميدة والخصال الحسنة إلى جانب منزلته العلمية وسعة اطلاعه وإلمامه بشتى أنواع العلوم والفنون مما جعل له ذكرا حميدا. قال المحبي في خلاصة الأثر (4/ 358): " أحد أكابر علماء الحنابلة بمصر، وكان محدثا فقيها ذا اطلاع واسع على نقول الفقه ودقائق الحديث، ومعرفة تامة بالعلوم المتداولة ". وقال الغزي في " النعت الأكمل " (190): " شيخ مشايخ الإسلام، أوحد العلماء المحققين الأعلام واحد عصره وأوانه، ووحيد دهره وزمانه، صاحب التآليف العديدة، والفوائد الفريدة، والتحريرات المفيدة، خاتمة أعيان العلماء المتأخرين، من سمت بعلومه سماء المفاخر، فهو العلامة على التحقيق، والفهامة عند أهل التحقيق.

6 - عقيدته:

قال ابن حميد في السحب الوابلة (463): " العالم العلامة، البحر الفهامة، المدقق المحقق، المفسر المحدث، الفقيه، الأصولي، النحوي، أحد أكابر علماء الحنابلة بمصر ". وقال ابن بشر في عنوان المجد (/38): " الشيخ العالم العلامة، كانت له اليد الطولى في معرفة الفقه وغيره، صنف مصنفات عديدة في فنون العلم ". وقال ابن بدران في " المدخل " (442): " العلامة، بقية المجتهدين، أحد أكابر علماء هذا المذهب بمصر ". وقال المؤرخ محمد جميل الشطي في مختصر طبقات الحنابلة (108):" شيخ الإسلام، أوحد العلماء الأعلام فريد عصره وزمانه، ووحيد دهره وأوانه، صاحب التآليف العديدة، والتحريرات المفيدة، العلامة بالتحقيق والفهامة بالتدقيق ". وقال الزركلي في الأعلام (7/ 203): " مؤرخ أديب، من كبار الفقهاء ". وقال عمر كحالة في معجم المؤلفين (12/ 218): " محدث، فقيه، مؤرخ، أديب ". وصفه الشيخ بكر أبو زيد بأنه من مجتهدي المذهب المتأخرين، وقال عنه: [ ... العلامة الفقيه ... ]. 6 - عقيدته: المؤلف رحمه الله تعالى يحب السلف الصالح رحمهم الله تعالى، ويعلن التزامه بمنهجهم وعقيدتهم، ويحث على ذلك، ويكثر النقل من كتبهم وخصوصا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد استفاد منه كثيرا، خاصة فيما يتعلق بآيات الصفات وأخبارها، وقد ألف في ذلك كتابه (أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات)، وقال فيه (ص/45): (ومن السلامة للمرء في دينه اقتضاء طريقة السلف الذين أمر أن يقتدي بهم من جاء بعدهم من الخلف، فمذهب السلف أسلم، ودع ما قيل من أن مذهب الخلف أعلم، فإنه من زخرف الأقاويل وتحسين الأباطيل، فإن أولئك قد شاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم والتنزيل وهم أدرى بما نزل به الأمين جبريل ... ).

إلا أنه مع ذلك قد جانبه الصواب في بعض المسائل، ومن ذلك (¬1): لعل كثيرًا من طلبة العلم قرأ رسالة الشيخ مرعي الكرمي - رحمه الله - " أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات "، التي حققها الشيخ شعيب الأرنؤوط، وطبعتها مؤسسة الرسالة عام 1406هـ. ولقد تبين لي من قراءتها: 1 - أن الشيخ مرعي يخلط بين مذهب السلف في الصفات (تفويض الكيفية)، ومذهب المفوضة (تفويض المعنى)، وهو مذهب كثير من الأشاعرة، ولهذا اضطربت عباراته ونقولاته. مثلا: في ص 61 يقول: (إن مذهب السلف هو عدم الخوض في مثل هذا، والسكوت عنه، وتفويض علمه إلى الله تعالى). وفي ص 65 يقول: (وجمهور أهل السنة، منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى، ولا نُفسرها، مع تنزيهنا له عن حقيقتها)، وفي ص 200 ينقل عن البيهقي قوله: ( .. التفويض أسلم)، ثم يُتبعه بقوله: (قلتُ: وبمذهب السلف أقول، وأدين الله تعالى به، وأسأله سبحانه الموت عليه). وانظر: ص 118و181و197. 2 - أنه - رغم ذلك - يُجيز التأويل! فينقل - مثلا - عن ابن الهمام الحنفي ص 132قوله عن صفة الاستواء: (أما كون الاستواء بمعنى الاستيلاء على العرش مع نفي التشبيه فأمر جائز ... - إلى أن قال - إذا خيف على العامة عدم فهم الاستواء إلا بالاتصال ونحوه من لوازم الجسمية، فلا بأس بصرف فهمهم إلى الاستيلاء)!! 3 - أنه ينقل تأويلات بعض الأشاعرة كابن فورك وغيره دون تعقب. انظر مثلا: ص 141 و 151 و155. 4 - أنه يجعل صفات الله من المتشابه، انظر: ص 149و 173و182. 5 - أنه ينقل كلامًا خطيرًا لابن الجوزي مؤيدًا له. وهو قوله ص 210: (وأكثر الخلق لا يعرفون من الإثبات إلا بما يعلمون من الشاهد، فيُقنع منهم بذلك ¬

_ (¬1) انظر مقال كتبه الشيخ الخراشي في موقع الألوكة.

7 - مذهبه:

إلى أن يفهموا معنى التنزيه)!! والتنزيه عنده هو التأويل. وهذا يُذكرني بمذهب بعض فلاسفة المسلمين، الذين يجعلون للشريعة ظاهرًا للعوام، وباطنًا لأهل الحكمة! 7 - مذهبه: درس المؤلف المذهب الحنبلي وتفقه فيه، ولذا فهو يعد من علماء الحنابلة الكبار، وقد قام بتدريس الفقه الحنبلي بجامع ابن طولون بالقاهرة فترة من الزمن، وألف فيه الكتب والرسائل، مثل: كتاب " دليل الطالب، وكتاب غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى " وقال: لَئِنْ قلَّدَ الناسُ الأئمَّةَ إنني ... لَفي مذهبِ الحَبْر ابن حنبل راغبُ أُقلِّدُ فتواهُ وأعشقُ قولَهُ ... وللناسِ فيما يعشقُونَ مذَاهبُ 8 - تلامذته: منهم: 1 - الشيخ الفقيه ابن أخيه أحمد بن يحيى بن يوسف بن أبي بكر الحنبلي أبو العباس المقدسي، كان أحد العباد الزاهدين والعلماء العاملين، ولد في بيت المقدس سنة 1000 هـ، وتعلم بها وحفظ القرآن الكريم ثم رحل إلى القاهرة وأخذ العلم عن عمه المصنف مرعي الكرمي، والعلامة منصور البهوتي، وغيرهم، وكان حسن السيرة قليل الكلام، توفي بالقاهرة سنة 1091 هـ خلاصة الأثر (1/ 367)، والنعت الأكمل (249)، والسحب الوابلة (117)، ومختصر طبقات الحنابلة (125). . 2 - الشيخ الإمام محمد بن موسى بن محمد الجمازي الحسيني المالكي نسبة إلى مذهب مالك، كان فقيها أديبا شاعرا، تولى القضاء بمصر، وأخذ العلم عن المصنف وغيره من مشايخ عصره، من مصنفاته (التحفة الوفية) و (الحجة) توفي بمصر سنة 1065 هـ خلاصة الأثر (4/ 234)، والأعلام (7/ 119)، وهدية العارفين (2/ 286)، ومعجم المؤلفين (12/ 63).

9 - مؤلفاته

3 - العلامة المفتي عبد الباقي بن عبد الباقي بن عبد القادر بن إبراهيم بن عمر البعلي الحنبلي الأزهري الدمشقي، مفتي الحنابلة في دمشق، تعلم في الأزهر، وكان يعرف ب (ابن فقيه فصه) له مصنفات منها: (رياض أهل الجنة في آثار أهل السنة)، (العين والأثر في عقائد أهل الأثر)، توفي بدمشق سنة 1071 هـ النعت الأكمل (223)، ومختصر طبقات الحنابلة (120)، والأعلام (3/ 272)، وهدية العارفين (1/ 497). 9 - مؤلفاته (¬1): برع في مختلف العلوم الشرعية في الفقه والتفسير والحديث والعقائد وغيرها، وكذا في علوم العربية كالنحو والصرف والبلاغة والأدب والشعر، وعلوم السيرة والتاريخ والسلوك وغيرها. ومؤلفاته كثيرة بلغت حوالي الثمانين تأليفاً ما بين كتاب كبير ورسالة صغيرة ومن أهمها: أولا - المؤلفات المطبوعة، ومنها: - إحكام الأساس في قوله تعالى. (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) حققه الدكتور حسين الدراويش. - إخلاص الوداد في صدق الميعاد) طبع في دار البشائر الاسلامية - بيروت لعام 1422هـ. - إرشاد ذوي الأفهام لنزول عيسى عليه السلام، حققه د. عطية الزهراني. - إرشاد ذوي العرفان لما للعمر من الزيادة والنقصان. نشر دار عمار. الأردن، 1408 هـ تحقيق: مشهور حسن محمود سلمان. - أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات. مؤسسة الرسالة - الطبعة الأولى - بيروت سنة 1406 هـ تحقيق شعيب الأرناؤوط. ¬

_ (¬1) استقصى عد مؤلفات الشيخ مرعي كل من: المحبي في خلاصة الأثر (4/ 358: 360)، والشطي في مختصر طبقات الحنابلة (ص / 98 - 100)، والبغدادي في هدية العارفين (2/ 331 - 332)، وفي إيضاح المكنون أيضاً، وابن حميد في السحب الوابلة (ص/ 464: 466). وبعض محققي كتبهم كالشيخ شعيب في تحقيق تأويل أقاويل الثقات.

- بديع الإنشاء والصفات في المكاتبات والمراسلات، ويعرف بإنشاء مرعي. طبع طبعات كثيرة، ومنها طبعة الشيخ عبد الرزاق بمصر سنة 1299 هـ. - بهجة الناظرين وآيات المستدلين، مطبوع بالآلة الكاتبة، رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية - قسم العقيدة - تقدم به الباحث / خليل إبراهيم أحمد. - تحقيق البرهان في إثبات حقيقة الميزان. مطبعة المدني - الطبعة الأولى - 1409 هـ. تحقيق الدكتور سليمان الخزي. - تحقيق البرهان في شأن الدخان. نشر دار عمار - الطبعة الأولى - تحقيق مشهور حسن. - تحقيق الخلاف في أصحاب الأعراف. نشر دار الصحابة - الطبعة الأولى - تحقيق مشهور حسن. - تحقيق الرجحان في صوم يوم الشك من رمضان. طبع بتحقيق الدكتور / عبد الكريم العمري - مطابع ابن تيمية القاهرة - الطبعة الأولى. - توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين طبع بدار ابن حزم - بيروت، لعام 1419هـ، بتحقيق خليل بن عثمان الجبور السبيعي، وتقديم عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين. - دليل الطالب لنيل المطالب، وهو موضع دراستنا. - دفع الشبهة والغرر عمن يحتج على فعل المعاصي بالقدر، طبع بتحقيق عبد الله بن سليمان الغفيلي. - سلوان المصاب بفرقة الأحباب طبع بدار الحرمين - القاهرة - عام 1420هـ، بعناية ابراهيم عزت المرسي، وابراهيم اسماعيل القاضي. - الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية. نشر مؤسسة الرسالة، بيروت 1404 هـ الطبعة الأولى. تحقيق الدكتور / نجم عبد الرحمن خلف. - غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى - في الفقه الحنبلي ويقع في ثلاثة أجزاء. نشر دار السلامة - دمشق - الطبعة الأولى 1959 م. - غذاء الأرواح في المحادثة والمزاح طبع بدار ابن حزم بتحقيق بسام عبدالوهاب الجابي.

ثانيا: مؤلفاته المخطوطة، ومنها:

- الفوائد الموضوعة في الأحاديث الموضوعة. نشر المكتب الإسلامي سنة 1397 هـ بيروت - الطبعة الثانية- تحقيق الدكتور / محمد الصباغ. - قلائد المرجان في بيان الناسخ والمنسوخ من القرآن، نشر دار القرآن الكريم - الكويت - سنة 1400 هـ. الطبعة الأولى تحقيق سامي عطا حسن. - قلائد العقيان في فضائل بني عثمان طبع بدار غراس. - القول البديع في علم البديع طبع بدار كنوز اشبيليا - الرياض، 1425هـ، تحقيق ودراسة محمد بن علي الصامل. - الكواكب الدرية في مناقب المجتهد ابن تيمية. مطبعة دار الغرب الإسلامي - بيروت 1406 هـ - الطبعة الأولى تحقيق الدكتور / نجم عبد الرحمن خلف. - اللفظ الموطأ في بيان الصلاة الوسطى. نشر وتوزيع دار البخاري - بريدة - المدينة، الطبعة الأولى 1412 هـ، تحقيق الدكتور / عبد العزيز بن مبروك الأحمدي. - ما يفعله الأطباء والداعون لدفع شر الطاعون طبع بدار البشائر الاسلامية، بيروت عام 1421هـ، تقديم خالد بن العربي مدرك. - مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب. نشر دار عمار - الأردن - الطبعة الأولى 1408 هـ، تحقيق / علي حسن علي عبد الحميد. ثانيا: مؤلفاته المخطوطة، ومنها: - الآيات المحكمات والمتشابهات خلاصة الأثر (4/ 358)، وإيضاح المكنون (1/ 7)، والسحب الوابلة (464). . - إتحاف ذوي الألباب في قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) يوجد له نسخة خطية في مكتبة الأوقاف العامة بالموصل برقم (3/ 125)، وأخرى بمكتبة أسعد أفندي بتركيا - استانبول برقم (1300). - الأدلة الوفية بتصويب قول الفقهاء والصوفية السحب الوابلة (465)، وإيضاح المكنون (1/ 52)، ومختصر طبقات الحنابلة (109).

- إرشاد من كان قصده لا إله إلا الله السحب الوابلة (464)، وإيضاح المكنون (2/ 426)، ومختصر طبقات الحنابلة (109). - أرواح الأشباح في الكلام على الأرواح إيضاح المكنون (1/ 64)، والأعلام (7/ 203)، وهدية العارفين (2/ 426). - أزهار الفلاة في آية قصر الصلاة خلاصة الأثر (4/ 359)، وإيضاح المكنون (1/ 66)، وهدية العارفين (2/ 426). - الأسئلة في مسائل مشكلة إيضاح المكنون (1/ 159)، وقد ذكره المؤلف في أقاويل الثقات (75) بهذا الاسم. - إيقاظ العارفين على حكم أوقاف السلاطين. - البرهان في تفسير القرآن، لم يتمه خلاصة الأثر (4/ 359)، والسحب الوابلة (464)، ومختصر طبقات الحنابلة (109). - بشرى ذوي الإحسان لمن يقضي حوائج الإخوان النعت الأكمل (193)، وإيضاح المكنون (1/ 184)، ومختصر طبقات الحنابلة (110). - بشرى من استبصر وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر مختصر طبقات الحنابلة (110)، وهدية العارفين (2/ 426)، والسحب الوابلة (466). - تحسين الطرق والوجوه في قوله عليه السلام اطلبوا الخير عند حسان الوجوه له نسخة خطية في مكتبه المصغرات الفيلمية بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم حفظ (4813). - تحقيق الظنون بأخبار الطاعون يوجد له نسخ خطية في المكتبه المركزيه بالرياض برقم حفظ (1650)، وفي المكتبه الوطنيه بباريس برقم حفظ [2026 (2)]، وفي المكتبة الملكيه (مكتبه الدوله) بالمانيا - برلين - برقم حفظ (6373). - تحقيق المقالة هل الأفضل في حق النبي عليه الصلاة والسلام - الولاية أو النبوة أو الرسالة؟ إيضاح المكنون (1/ 267)، وهدية العارفين (2/ 426)، ومختصر طبقات الحنابلة (110). - تسكين الأشواق بأخبار العشاق إيضاح المكنون (1/ 267)، والنعت الأكمل (193).

- تشويق الأنام إلى حج بيت الله الحرام يوجد له نسخة خطية في خدا بخش (1/ 290)، وعنه صورة بمخطوطات الجامعة الإسلامية برقم (1536 / ف). - تلخيص أوصاف المصطفى وذكر من بعده من الخلفا يوجد له نسخة في مكتبة شهيد علي باشا برقم (1861)، وفي مكتبة الخزانه الملكية بالرباط برقم حفظ (4894)، وفي مكتبة مركز البحث العلمي واحياء التراث الاسلامي بمكه المكرمه برقم حفظ (128) عن مكتبه الحرم النبوي 25/ 219, 57 عن مكتبه الحرم المكي 60 سيره. - تنبيه الماهر على غير ما هو المتبادر من الأحاديث الواردة في الصفات هدية العارفين (2/ 427)، وإيضاح المكنون (1/ 327)، والنعت الأكمل (192). . - تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين له نسخة خطية في بدار الكتب برقم حفظ (7/ 146)، وفي مكتبة شستربيتي بايرلندا - دبلن برقم حفظ (5/ 4324). - تهذيب الكلام في حكم أرض مصر والشام إيضاح المكنون (1/ 342)، ومختصر طبقات الحنابلة (110)، والسحب الوابلة (465). - توضيح البرهان في الفرق بين الإسلام والإيمان يوجد له نسخة خطية في المكتبة التيمورية بالقاهرة برقم (397)، ومكتبة سليم آغا - بتركيا- برقم 657. - جامع الدعاء وورد الأولياء ومناجاة الأصفياء يوجد له نسخة خطية، في دار الكتب المصرية برقم (6/ 190). - الحجج البينة في إبطال اليمين مع البينة. - الحكم الملكية والكلم الأزهرية له نسخة خطية في المكتبه الوطنيه بباريس برقم حفظ [2026 (5)]. - دليل الحكام في الوصول إلى دار السلام إيضاح المكنون (1/ 478)، والنعت الأكمل (193)، ومختصر طبقات الحنابلة (110). - دليل الطالبين لكلام النحويين يوجد له نسخة خطية بجامعة السليمانية بالعراق برقم (186).

- ديوان الكرمي إيضاح المكنون (1/ 526)، وهدية العارفين (2/ 427)، والسحب الوابلة (466). وهو ديوان شعر للمؤلف. - رسالة في السماع يوجد له صورة بمخطوطات الجامعة الإسلامية بالمدينة ضمن مجموع تحت رقم (1551 / ف). - رسالة فيما وقع في كلام الصوفيين من ألفاظ موهمة للتكفير يوجد له نسخة خطية بالقاهرة - فهرس الكتبخانة - (7/ 546). - رفع التلبيس عمن توقف فيما كفر به إبليس يوجد له نسخة بدار الكتب المصرية برقم (216) مجاميع. - روض العارفين وتسليك المريدين إيضاح المكنون (1/ 589)، وخلاصة الأثر (4/ 359)، ومختصر طبقات الحنابلة (110). - الروض النضر في الكلام على الخضر. - رياض الأزهار في حكم السماع والأوتار والغناء والأشعار. - السراج المنير في استعمال الذهب والحرير. - سلوك الطريقة في الجمع بين كلام أهل الشريعة والحقيقة إيضاح المكنون (2/ 25)، والنعت الأكمل (192). - شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور طبع بمطابع الحميضي، بالرياض، عام 1418هـ تحقيق جمال بن حبيب صلاح. - فتح المنان بتفسير آية الامتنان إيضاح المكنون (1/ 174)، والنعت الأكمل (192)، ومختصر طبقات الحنابلة (110). - فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر يوجد له نسخة في دار الكتب المصرية فهرس الكتبخانة (6/ 161). - فم الوكاء في كلام السفيان من ألفاظ المهملات في التكفير. تاريخ الأدب لبروكلمان (2/ 484). - قرة عين الودود بمعرفة المقصور والممدود إيضاح المكنون (2/ 225)، خلاصة الأثر (4/ 358). - قلائد العقيان في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ).

- القول المعروف في فضائل المعروف يوجد له نسخة خطية في المكتبة التيمورية ضمن مجموع رقم (272). - الكلمات البينات في قوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ. يوجد له صورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية برقم (1158 / ف). - لطائف المعارف إيضاح المكنون (2/ 405)، والنعت الأكمل (193). - محرك سواكن الغرام إلى حج بيت الله الحرام يوجد له نسخة خطية في مكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت رقم (2572). - المختصر في علم الصرف يوجد له نسخة خطية في مكتبة طوب كابي سراي باستانبول برقم (180). - مرآة الفكر في المهدي المنتظر إيضاح المكنون (2/ 461)، وخلاصة الأثر (4/ 359). - المسائل اللطيفة في فسخ الحج والعمرة الشريفة خلاصة الأثر (4/ 360)، والنعت الأكمل (193)، وإيضاح المكنون (2/ 427). - المسرة والبشارة في فضل السلطنة والوزارة يوجد له نسخة في مكتبة الكونجرس بواشنطن رقم (65)، فهرس المخطوطات العربية بالكونجرس (49). - مقدمة الخائض في علم الفرائض إيضاح المكنون (2/ 543)، والسحب الوابلة (464). - منية المحبين وبغية العاشقين يوجد له نسخة في مكتبة الإسكندرية تحت رقم (4564). - نزهة المتفكر إيضاح المكنون (2/ 641)، وخلاصة الأثر (4/ 360). - نزهة الناظرين في تاريخ من ولي مصر من الخلفاء والسلاطين له نسخة خطية في دار الكتب المصريه، رقم الحفظ 5/ 389 (2076) , (2269). - نزهة الناظرين في فضائل الغزاة والمجاهدين إيضاح المكنون (2/ 642)، وهدية العارفين (2/ 427)، ومختصر طبقات الحنابلة (110). - نزهة نفوس الأخيار ومطلع مشارق الأنوار يوجد له نسخة في مكتبة الأزهر برقم (2419).

10 - وفاته:

- النادرة الغريبة والواقعة العجيبة إيضاح المكنون (2/ 614)، ومختصر طبقات الحنابلة (110)، والسحب الوابلة (466). - نصيحة يوجد نسخة منه في برلين برقم (5415). 10 - وفاته: توفي الإمام العلامة بعد حياة حافلة بالعلم والتعليم والتدريس والإفتاء في القاهرة في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وألف من الهجرة. وهذا التاريخ ذكره جميع من ترجم له إلا ابن حميد انفرد عنهم وحدد تاريخ وفاته بضحى يوم الأربعاء في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وألف من الهجرة حيث قال: " رأيت في ظهر الغاية بخط شيخ مشايخنا العمدة الضابط الشيخ محمد بن سلوم نقلا أن وفاته ضحوة يوم الأربعاء لخمس بقيت من ذي القعدة سنة 1032 هـ السحب الوابلة (467). . ولا شك أن ما اتفق عليه المترجمون في تاريخ وفاته هو الصحيح. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. التعريف بالمتن التعريف بكتاب " دليل الطالب لنيل المطالب ". دليل الطالب متن مشهور في الفقه الحنبلي اختصره الشيخ مرعي الكرمي من كتاب ابن النجار " منتهى الإرادات في جمع المقنع والتنقيح وزيادات " وقد أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه دليل الطالب حيث قال: [وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ... الفائز بمنتهى الإرادات من ربه ... ] وصرح الشيخ محمد بن مانع في حاشيته على دليل الطالب بأن دليل الطالب اختصره مؤلفه من شرح المنتهى. وكذلك صرح به الشيخ صالح بن حسن البُهوتي في مقدمة شرحه " مسلك الراغب شرح دليل الطالب": لما رأيت مختصر منتهى الإرادات الموسوم بدليل الطالب ... الخ.

ومنتهى الإرادات وهو أصل كتابنا من متون المذهب المعتمدة، قال ابن بدران: [رحل إلى الشام - ابن النجار - فألف بها كتابه المنتهى ثم عاد إلى مصر بعد أن حرر مسائله على الراجح من المذهب واشتغل به عامة الطلبة في عصره واقتصروا عليه]. وقال أيضاً: [عكف الناس عليه وهجروا ما سواه من كتب المتقدمين كسلاً منهم ونسياناً لمقاصد علماء هذا المذهب]. [وهذا الكتاب اعتمده المتأخرون من عصر المؤلف حتى كان والد المؤلف يقرؤه للطلاب ويثني عليه وكاد الكتاب لشهرته ينسي ما قبله من متون المذهب المطولة فعكف الناس عليه شرحاً وتحشيةً واختصاراً وجمعاً له مع غيره وهو والإقناع عليهما مدار الفتيا ومرجع القضاء فإذا اختلفا رجع الأصحاب إلى غاية المنتهى] [فبعد أن وضع أبو محمد موفق الدين ابن قدامة متنه المشهور " المقنع " لقي قبولاً كبيراً داخل المذهب لكونه جاء على قول واحد هو الراجح في المذهب وتميز عن الكتب التي سبقته بأنه أوضح منها إشارة وأسلس عبارة وأجمع تقسيماً وتنويعاً كما أنه حوى غالب أمهات مسائل المذهب على توسط حجمه ومن هنا تناوله الحنابلة بالتآليف كالشروح والتعليقات التي تبيّنه وكتب اللغة التي توضح مصطلحاته وحدوده، وكتب التخريج التي تخرج أدلته وهذا الكتاب - وإن كان يعتبر نقلة علمية في المذهب - إلا أنه كان بحاجة إلى تحرير أكثر وتصحيح، فقد أطلق مؤلفه رحمه الله الخلاف في كثير من مسائله بصيغ متفاوتة أوصلها بعضهم إلى ما يزيد على ثلاثين صيغة ولم يفصح فيها بتقديم حكم. كما أنه قطع بمسائل وقدمها على أنها المذهب وهي غير الراجح في المذهب وأخلّ ببعض القيود والشروط الصحيحة في المذهب إضافة إلى أن عبارته كانت بحاجة إلى إعادة نظر لما فيها من عموم أو إطلاق أو خلل لهذه الأسباب وغيرها كانت الحاجة ماسة لأن يوجد كتاب يتمم ويكمل النقص الذي في هذا المتن الشهير. فجاء مجدد المذهب القاضي علي بن سليمان المرداوي ليسد هذا النقص بكتابه " التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع "

فعالج أغلب ما كان ينتقد على متن المقنع حتى كان كما قال عنه الشويكي رحمه الله: " أجل كتاب اجتهد في جمعه وأتى بالصواب وأراح كل قاض ومفت من الأتعاب وسهّل لهم معرفة المذهب وقرّب لهم المقصد والمطلب " ومن هنا اشتهر هذا الكتاب لدى أعيان المذهب باسم " التصحيح " وسمي مؤلفه " بالمصحح " لأنه صحح المقنع في مسائله وعباراته ومع هذا العمل الجليل الذي قدمه المرداوي للمذهب إلا أنه رحمه الله ترك مسائل كثيرة في كتابه فلم يتناولها في التصحيح، كما أنه أسقط من كلام موفق الدين ابن قدامة أشياء كان يجب المحافظة عليها وبقاؤها مثل الشروط والقيود والاستثناءات الصحيحة في المذهب. كما أنه - رحمه الله - كان يحيل الحكم في بعض الأحيان على المقنع ويطلقه من غير تقييد. فلهذه المقتضيات وغيرها ظهرت الحاجة الشديدة للجمع بين هذين الكتابين حتى يتم المقصود في وجود متن يعتمد القول الصحيح في المذهب بعبارة سليمة واضحة المقصود. فظهرت لهذه المهمة الشاقة - الجمع بين المقنع والتنقيح - فيما أعلم ثلاث محاولات: الأولى: قام بها العلامة أحمد بن عبد الله بن أحمد العسكري الصالحي (توفي910 هـ) تلميذ المصحح المرداوي رحمه الله، في كتابه (المنهج في الجمع بين المقنع والتنقيح) إلا أنه توفي قبل أن يتم كتابه فقد وصل فيه إلى الوصايا، ومع هذا اهتم به العلماء ونقلوا منه وأشاروا إليه. وقد رأيت في بعض التراجم أنه كان يجلس رحمه الله للتدريس في حل الجمع بين المقنع والتنقيح الأمر الذي يشعر بمدى أهمية هذا الأمر وحاجة الحنابلة الشديدة إليه. الثانية: قام بها الشيخ أحمد الشويكي رحمه الله (875 - 939 هـ) في كتابه " التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح " وقد وصف كتابه هذا بوضوح العبارة حتى قيل إنه متن كالشرح. الثالثة: قام بها تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الشهير بـ " ابن النجار " (؟ - 972 هـ) في كتابه " منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات "

أهمية الكتاب وميزاته:

ووصف علماء المذهب هذا الكتاب بأنه معقد العبارة ومع هذا فهو عمدة المتأخرين وقد لقي قبولاً كبيراً وحظي بالشروح والتعليقات]. وبعد ذلك جاء الشيخ مرعي فاختصر منتهى الإرادات في كتابه دليل الطالب لنيل المطالب. أهمية الكتاب وميزاته: يعتبر كتاب دليل الطالب لنيل المطالب من المتون المختصرة المعتمدة عند متأخري علماء المذهب الحنبلي. لا يذكر فيه مؤلفه خلافاً في المسائل، وإنما يقتصر على رواية واحدة وهي ما صححه المحققون من علماء المذهب وما صار عليه مدار الفتوى عند المرجحين المتقنين كأمثال ابن قدامة والمرداوي وابن النجار. وقد أشار الشيخ مرعي في مقدمة كتابه دليل الطالب إلى ذلك فقال: (وبعد فهذا مختصر في الفقه على المذهب الأحمد مذهب الإمام أحمد بالغت في إيضاحه رجاء الغفران وبينت فيه الأحكام أحسن بيان لم أذكر فيه إلا ما جزم بصحته أهل التصحيح والعرفان وعليه الفتوى فيما بين أهل الترجيح والإتقان). وقال ابن بدران: [ ... حرر مسائله على الراجح من المذهب]. وقال د. بكر أبو زيد: [ ... بناه على الراجح من المذهب]. وعليه فمن أهم ميزات كتاب دليل الطالب: 1 - متن مختصر. 2 - مشهور بين أتباع المذهب. 3 - دقيق العبارة. 4 - سهل العبارة يخلو من التعقيد والإلغاز. 5 - يخلو من ذكر الدليل وهذا شأن المختصرات. 6 - اقتصر على رواية واحدة وهي الراجحة في المذهب. 7 - المسائل مرتبة ترتيباً جيداً.

الأعمال العلمية على دليل الطالب:

8 - يفصل بذكر الشروط والأركان والفروض والواجبات والسنن والمحرمات والمكروهات والمبطلات والقيود والاستثناءات. الأعمال العلمية على دليل الطالب: وقد عُني به المتأخرون من الحنابلة دراسةً وشرحاً وتحشيةً ونظماً وذلك لما عرفوه من غزارة علمه وكثرة فوائده ... وما عنوا به إلا لجلالة قدره عندهم ومعرفتهم بما تضمنه من التحقيق كما يلي: 1 - نيل المآرب بشرح دليل الطالب للفقيه الفرضي عبد القادر بن عمر التغلبي الشيباني المتوفى سنة 1135 هـ وهو مطبوع. قال ابن بدران: [وشرحه هذا متداول مطبوع لكنه غير محرر وليس بواف بمقصود المتن]. وقال الشيخ محمد بن مانع: [وهو مطبوع متداول مشهور ولكنه يعوزه التحقيق]. وحقق الشرح المذكور د. محمد سليمان الأشقر وهو مطبوع في مجلدين. 2 - وعلى هذا الشرح حاشية للشيخ مصطفى الدومي المعروف بالدوماني ثم الصالحي المتوفى سنة 1200 هـ، وكان مفتي رواق الحنابلة في مصر. 3 - وعليه حاشية اسمها تيسير المطالب إلى فهم وتحقيق نيل المآرب شرح دليل الطالب، للشيخ عبد الغني بن إسماعيل اللبدي النابلسي المتوفى سنة 1319 هـ. قال الشيخ ابن مانع عنها: [مفيدة جدا]، وأشار د. بكر أبو زيد إلى وجود نسخة خطية لبعضها ضمن مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض. 4 - مسلك الراغب شرح دليل الطالب للشيخ صالح بن حسن البُهوتي المتوفى سنة 1121 هـ. وذكر د. محمد الأشقر أنه اطلع على نسخة منه بدار الكتب المصرية انتهت إلى باب الوكالة. 5 - شرح الدليل للشيخ محمد بن أحمد السفاريني المتوفى سنة 1189 هـ وصل فيه إلى كتاب الحدود ولم يكمله. وقال الشيخ ابن بدران: [ورأيت في ترجمة الشيخ محمد بن أحمد السفاريني أن له شرحاً على دليل الطالب ولم نره ولم نجد من أخبرنا أنه رآه].

6 - شرح دليل الطالب لإسماعيل بن عبد الكريم الجراعي الدمشقي المتوفى سنة 1202 هـ. وقال ابن بدران: [ولم يتمه]. 7 - منار السبيل شرح الدليل للشيخ إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان المتوفى سنة 1353 هـ، مطبوع متداول قال في مقدمته: [ذكرت فيه ما حضرني من الدليل والتعليل ليكون وافياً بالغرض من غير تطويل، وزدت في بعض الأبواب مسائل يحتاج إليها النبيل وربما ذكرت روايةً ثانيةً أو وجهاً ثانياً لقوة الدليل نقلته من كتاب الكافي لموفق الدين عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي ومن شرح المقنع الكبير لشمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر بن قدامة وغالب نقلي من مختصره ومن فروع ابن مفلح وقواعد ابن رجب وغيرها من الكتب]. قال د. بكر أبو زيد: [ويظهر أنه ملخص من الكافي لابن قدامة وهو قليل المسائل ومن مزاياه ذكر الدليل وسياق اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى]. وقد قام الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني محدث هذا العصر بتخريج أحاديث منار السبيل في كتابه القيم إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل وقد ذكر في مقدمته: [ثم إن الباعث على هذا التخريج كان أموراً أذكر أهمها: الأول: إن أصله " منار السبيل " هو من أمهات كتب مذهب الإمام أحمد إمام السنة الذي جمع من الأحاديث مادة غزيرة قلما تتوفر في كتاب فقهي آخر في مثل حجمه - إذ هو جزءان فقط - حتى بلغ عددها ثلاثة آلاف حديث أو زادت جلها مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: أنه لا يوجد بين أيدي أهل العلم وطلابه كتاب مطبوع في تخريج كتاب في الفقه الحنبلي كما للمذاهب الأخرى خذ مثلاً كتاب " نصب الراية لأحاديث الهداية " في الفقه الحنفي للحافظ جمال الدين الزيلعي و" تلخيص ابن حجر العسقلاني " فرأيت أن من واجبي تجاه إمام السنة ومن حقه عليَّ أن أقوم بخدمة متواضعة لمذهبه وفقهه رحمه الله تعالى وذلك بتخريج هذا الكتاب].

ثم قال: [من أجل ذلك فإني قد جريت في هذا التخريج كغيره على بيان مرتبة كل حديث في أول السطر ثم أتبع ذلك بذكر من خرجه ثم بالكلام على إسناده تصحيحاً أو تضعيفاً وهذا إذا لم يكن في مخرجه الشيخان أو أحدهما وإلا استغنيت بذلك عن الكلام]. وإرواء الغليل مطبوع في ثمانية مجلدات مع مجلد تاسع للفهارس. وقد قام الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ بتخريج عدد من الأحاديث والآثار التي جاءت في منار السبيل شرح الدليل مما لم يقف على مخرجها العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني كما ذكر في مقدمة كتابه الذي سماه التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل. والشيخ عبد العزيز الطريفي في كتابه التحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل. 8 - فتح وهاب المآرب على دليل الطالب لنيل المطالب تأليف: أحمد بن أحمد عوض المقدسي الحنبلي تحقيق: فيصل يوسف العلي من إصدارات: وقفية لطائف لنشر الكتب العلمية - دولة الكويت. 9 - حاشية الدليل لأحمد بن محمد بن عوض المرداوي المتوفى سنة 1101 هـ، وتقع هذه الحاشية في نحو ثلاثين كراساً. 10 - حاشية دليل الطالب لنيل المطالب تأليف: مصطفى بن أحمد الدوماني الحنبلي تحقيق: نور الدين طالب من إصدارات: وقفية لطائف لنشر الكتب العلمية - دولة الكويت. 11 - حاشية على دليل الطالب للشيخ صالح بن عثمان القاضي المتوفى سنة 1351 هـ. 12 - حاشية على دليل الطالب للشيخ عثمان بن صالح بن عثمان القاضي المتوفى سنة 1366 هـ. 13 - حاشية على دليل الطالب للشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع المتوفى سنة 1385 هـ مطبوعة مع الدليل.

منظوماته:

14 - نيل المطالب بحاشية ابن جراح على دليل الطالب جمع وترتيب مع ضبط المتن: الدكتور وليد عبد الله المنيس من إصدارات: وقفية لطائف لنشر الكتب العلمية - دولة الكويت. 15 - إدراك المطالب بحاشية ابن عقيل على دليل الطالب حاشية للشيخ عبد الله بن عقيل على دليل الطالب لمرعي الكرمي جمع الدكتور/ وليد بن عبد الله المنيس الطبعة الأولى - 1431هـ دار النوادر. منظوماته: 1 - نظم الدليل لمحمد بن ابراهيم بن عريكان النجدي المتوفى بعد سنة 1271 هـ، يقع في ثلاثة آلاف بيت. 2 - نظم البيوع من الدليل لسليمان بن عطية المزيني المتوفى سنة 1363 هـ ويقع في 160 بيتاً وسماه الحائلية. 3 - نظم دليل الطالب للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي المتوفى سنة 1376 هـ، ويقع في أربعمئة بيت. 4 - منظومة الذهب المنجلي في الفقه الحنبلي لدليل الطالب للشيخ موسى محمد شحادة الرحيبي من المعاصرين. منهجي في الشرح: 1 - أعنون لما ترك المؤلف عنونته من الفصول أو لما يستجد من مسائل في أثناء الشرح. 2 - أبدأ بإذن الله بضبط عبارة المتن وقد وقفت على ثلاث نسخ خطية للكتاب الأولى نسخة المكتبة الأزهرية برقم (341496) وتقع في 88 لوحة وفي كل لوحة صفحتان إلا الأولى. النسخة الثانية: نسخة مكتبة البلدية بالإسكندرية - 2248 ج، وتقع في 142 لوحة في كل لوحة 18 سطر ومكتوبة بخط نسخي جيد. النسخة الثالثة وهي نسخة ملفقة وتقع في مائة وثلاثين لوحة. وأثبت الفروق بين النسخ إن وجدت مشيرا للنسخة الأولى بالحرف (ز) والثانية (ب) والثالثة (م).

تنبيه:

بالإضافة إلى بعض النسخ المطبوعة كـ: النسخة التي حققها الشيخ الفاريابي، والنسخة التي حشى عليها الشيخ ابن مانع، وغير ذلك من الشروحات المطبوعة. 3 - أشرح عبارة المؤلف بما يزيل ما فيها من إبهام إن كانت مستغلقة مؤيدا كلامي بالنقل عن كتب المذهب المعتمدة. 4 - أستخرج من عبارة الماتن المسائل التي يحتملها كلامه منطوقا، ومفهوما مع تضمين ذلك لما أراه ملحا من التطبيقات الفقهية المعاصرة. 5 - أبدأ بنقاش كل مسألة من هذه المسائل بوضع تصور لها إن كانت غامضة بما يجليها - بإذن الله -. 6 - أحرر المذهب وأذكر باقي الروايات، وأعزوها لأصحابها. 7 - أستدل لروايات المذهب وأناقش بين الأدلة - مستخدما القواعد الأصولية والحديثية المتعارف عليها بين أهل الشأن - حتى أصل للرأي الراجح الذي يدل عليه الدليل. 8 - وقد أتطرق في بعض المسائل لرض الخلاف بين المذاهب - إن كانت المسألة خلافية والخلاف فيها معتبر - مع عزو كل قول لأهله وتوثيق ذلك من كتبهم الأصلية ما استطعت إلى ذلك سبيلا. وهذا أوان الشروع في المقصود. والله المستعان وعليه البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. تنبيه: وبعد أن انتهيت من الكلام على المياه، وجزء من باب الآنية شغلت عن إتمام هذا الشرح بشرح آخر مختصر، وهو التحرير شرح الدليل، ولحين الانتهاء من التحرير والعمل مرة أخرى على إنجاز هذا الشرح المطول بإذن الله سوف أكمل باب الآنية من التحرير. المؤلف غفر الله له ولوالديه مصر - المنيا في 12 من شهر ذي القعدة لعام 1431هـ، الموافق 20 من أكتوبر لعام 2010 م.

الطهارة

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطهارة قال الماتن - رحمه الله -: (كتاب الطهارة، وهي: رفع الحدث وزوال الخبث). فيه مسائل: الأولى قوله: (كتاب) قال ابن أبي الفتح في "المطلع" (ص/5): (مصدر سمي به المكتوب كالخلق بمعنى المخلوق ... قال سالم بن دارة: لا تَأْمَنَنَّ فَزارِيَّاً خَلَوْتَ بهِ ... على قَلُوصِك واكْتُبْها بأَسْيارِ ومنه كتبت الكتاب أي جمعت فيه الحروف والمعاني المحتاج إليها. وهو الاصطلاح اسم لجنس من الأحكام ونحوها تشتمل على أنواع مختلفة كالطهارة مشتملة على المياه والوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة وغيرها وهو خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب الطهارة أي الجامع لأحكامها). الثانية - قوله: (الطهارة) وقال ابن أبي الفتح: (هي في اللغة النزاهة والنظافة عن الأقذار يقال طَهُرَت المرأة من الحيض والرجل من الذنوب بفتح الهاء وضمها وكسرها). قال إبراهيم بن مفلح في " المبدع " (1/ 30): (معناها لغة النظافة والنزاهة عن الأقذار ومادة ن ز هـ ترجع إلى البعد وفي الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على مريض قال: (لا بأس طهور إن شاء الله) أي مطهر من الذنوب وهي أقذار معنوية). المسألة الثالثة - تعريف الطهارة اصطلاحا: عرفها الماتن بقوله: (رفع الحدث وزوال الخبث). أولا - شرح التعريف: رفع جنس في التعريف، ويشمل كل رفع، ولكنه قيده بالحدث وسيأتي - بإذن الله - الفرق بين الرفع والارتفاع. الحدث: وهو معنى يقوم بالبدن تمتنع معه الصلاة ونحوها (¬1). ¬

_ (¬1) شرح العمدة (1/ 60)، وانظر: كشاف القناع (1/ 29)، وشرح منتهى الإرادات (1/ 14)، مطالب أولي النهى (1/ 26).

فائدة:

وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 28): (ويطلق الحدث على نفس الخارج). فائدة: وتعريف الحدث متعلق بالتيمم هل هو رافع أم مبيح؟ والمشهور في المذهب أنه مبيح، وفي رواية عند أحمد ورجحها تقي الدين (¬1)، وأبو بكر محمد الجوزي أنه رافع. قال ابن دقيق العيد في "شرح العمدة" (1/ 20 - 21): (الوجه الثاني: في تفسير معنى: " الحدث " فقد يطلق بإزاء معان ثلاثة: أحدها: الخارج المخصوص الذي يذكره الفقهاء في باب نواقض الوضوء. ويقولون: الأحداث كذا وكذا. الثاني: نفس خروج ذلك الخارج. الثالث: المنع المرتب على ذلك الخروج. وبهذا المعنى يصح قولنا " رفعت الحدث " و " نويت رفع الحدث " فإن كل واحد من الخارج والخروج قد وقع ... وأما المنع المرتب على الخروج: فإن الشارع حكم به. ومد غايته إلى استعمال المكلف الطهور , فباستعماله يرتفع المنع. فيصح قولنا " رفعت الحدث " و " ارتفع الحدث " أي ارتفع المنع الذي كان ممدودا إلى استعمال المطهر. وبهذا التحقيق يقوى قول من يرى أن التيمم يرفع الحدث. ; لأنا لما بينا أن المرتفع: هو المنع من الأمور المخصوصة , وذلك المنع مرتفع بالتيمم. فالتيمم يرفع الحدث. غاية ما في الباب: أن رفعه للحدث مخصوص بوقت ما , أو بحالة ما. وهي عدم الماء. وليس ذلك ببدع , فإن الأحكام قد تختلف باختلاف محالها. وقد كان الوضوء في صدر الإسلام واجبا لكل صلاة , على ما حكوه ولا نشك أنه كان رافعا للحدث في وقت مخصوص. وهو وقت الصلاة. ولم يلزم من انتهائه بانتهاء وقت الصلاة في ذلك الزمن: أن لا يكون رافعا للحدث. ثم نسخ ذلك الحكم عند الأكثرين. ونقل عن بعضهم ; أنه مستمر. ولا شك أنه لا يقول: إن الوضوء لا يرفع الحدث. نعم ههنا معنى رابع , يدعيه كثير من الفقهاء , وهو أن الحدث وصف حكمي مقدر قيامه بالأعضاء على مقتضى الأوصاف الحسية. وينزلون ذلك الحكمي منزلة الحسي في قيامه بالأعضاء. فما نقول: إنه يرفع الحدث - ¬

_ (¬1) مع أنه عرفه في "شرح العمدة" (1/ 60) بأنه: (معنى يقوم بالبدن تمتنع معه الصلاة والطواف) ولكنه - رحمه الله - يرى الخلاف لفظي.

كالوضوء والغسل - يزيل ذلك الأمر الحكمي. فيزول المنع المرتب على ذلك الأمر المقدر الحكمي. وما نقول بأنه لا يرفع الحدث , فذلك المعنى المقدر القائم بالأعضاء حكما باق لم يزل. والمنع المرتب عليه زائل. فبهذا الاعتبار نقول: إن التيمم لا يرفع الحدث , بمعنى أنه لم يزل ذلك الوصف الحكمي المقدر وإن كان المنع زائلا. وحاصل هذا: أنهم أبدوا للحدث معنى رابعا , غير ما ذكرناه من الثلاثة المعاني. وجعلوه مقدرا قائما بالأعضاء حكما , كالأوصاف الحسية , وهم مطالبون بدليل شرعي يدل على إثبات هذا المعنى الرابع , الذي ادعوه مقدرا قائما بالأعضاء , فإنه منفي بالحقيقة , والأصل موافقة الشرع لها , ويبعد أن يأتوا بدليل على ذلك. وأقرب ما يذكر فيه: أن الماء المستعمل قد انتقل إليه المانع , كما يقال , والمسألة متنازع فيها. فقد قال جماعة بطهورية الماء المستعمل. ولو قيل بعدم طهوريته أو بنجاسته: لم يلزم منه انتقال مانع إليه. فلا يتم الدليل. والله أعلم). قوله: وزوال، أولى ممن عبر بإزالة؛ وذلك لأن تطهير النجاسة لا يشترط لها النية فإن زالت بنفسها بدون قصد من المكلف طهرت. وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك فقال في " التمهيد" (22/ 101): (الإجماع على إزالة النجاسات من الأبدان والثياب بغير نية). قال ابن مفلح في "الفروع" (1/ 259): (غسالة النجاسة مع النية وعدمها سواء). قال تقي الدين في " شرح العمدة " (1/ 166): (إزالة النجاسة من باب المتروك ولهذا لا يحتاج إلى عمل أصلا). قال البهوتي في " كشاف القناع" (1/ 48): (إزالة النجاسة لا يعتبر لها نية). وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص/20): (وأما الطهارة فالخلاف في اشتراط النية لها مشهور وهو يرجع إلى أن الطهارة للصلاة هل هي عبادة مستقلة أم هي شرط من شروط الصلاة كإزالة النجاسة وستر العورة فمن لم يشترط لها النية جعلها كسائر شروط الصلاة ومن اشترط لها النية جعلها عبادة مستقلة فإذا كانت عبادة في نفسها لم تصح بدون النية وهذا قول جمهور العلماء ويدل على صحة ذلك تكاثر النصوص الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الوضوء يكفر الذنوب والخطايا وأن من توضأ كما أمر كان كفارة لذنوبه وهذا يدل على أن

الخبث، والمقصود به هنا النجاسة الحسية.

الوضوء المأمور به في القرآن عبادة مستقلة بنفسها حيث رتب عليه تكفير الذنوب والوضوء الخالي من النية لا يكفر شيئا من الذنوب بالاتفاق فلا يكون مأمورا به ولا تصح به الصلاة ولهذا لم يرد في شيء من بقية شرائط الصلاة كإزالة النجاسة وستر العورة ما ورد في الوضوء من الثواب). الخبث، والمقصود به هنا النجاسة الحسية. قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (1/ 27): (الخبث عرفا (النجاسة العينية ولا تطهر بحال) فلا يرد نحو الخمرة والماء المتنجس لأنه عين حرم تناولها لما طرأ عليها. تتمة: النجس لغة: ما يستقذره ذو الطبع السليم (¬1) وعرفا كل عين حرم تناولها لذاتها مع إمكان التناول ليخرج مالا يمكن تناوله كالصوان لأن المنع من الممتنع مستحيل لا لحرمتها ليخرج صيد الحرم والإحرام ولا لاستقذارها ليخرج نحو البصاق والمخاط فالمنع منه لاستقذاره لا لنجاسته ولا لضرر بها في بدن أو عقل ليخرج نحو السميات والبنج). ثانيا - مناقشة التعريف: 1 - الأولى أن يقول: (ارتفاع الحدث) بدلا من قوله: (رفع الحدث)، قال البهوتي في كشاف القناع (1/ 23 - 24) تعليقا على قول الحجاوي في الإقناع في تعريف الطهارة شرعا (ارتفاع الحدث): (وعبر بالارتفاع ليطابق بين المفسَّر والمفسِّر (¬2) , ولم يعبر بالرفع - كما عبر به جمع ; لأنه تعريف للتطهير لا الطهارة , ولكن سهله كون الطهارة أثره وناشئة عنه). وقوله: (ولكن سهله كون الطهارة أثره وناشئة عنه) فيه نظر لعدم اطراد هذه الملازمة، بمعنى أنه لا يلزم من كل رفع ارتفاع، فالرفع بدون ارتفاع لا يستلزم تخلص الجسد من الحدث، بعكس الارتفاع فإنه لا يرتفع إلا إذا رفع ففيها إثبات الرفع مع إثبات تخلص الجسد من الحدث، وعلى ذلك فالأولى التعبير بالارتفاع. ¬

_ (¬1) انظر: الإنصاف (1/ 26)، كشاف القناع (1/ 29)، (¬2) قال البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 13): (الارتفاع مصدر ارتفع ففيه المطابقة بين المفسَّر والمفسِّر في اللزوم).

التعريف المختار:

ولا يقال أن الخلاف لفظي فلا فرق عند الحنابلة بين الرفع والارتفاع وذلك لأن الحدث عندهم أمر معنوي وهذا الفرق إنما يكون في المحسوسات، وذلك لقولهم المعروف في سلب الاستعمال لقليل الماء لطهوريته كما يأتي بيانه - إن شاء الله - فهم ينزلون ذلك الحكمي منزلة الحسي في قيامه بالأعضاء وانتقاله عنها. وعكس الشيخ الحمد في "شرح الزاد" فقال: (وعلى هذا فلو أن المؤلف قال: (رفع الحدث) لكان الأولى - أي من قوله ارتفاع -؛ لأن الحدث لابد في رفعه من نية). قلت: بل التعبير بالارتفاع أولى؛ لأن الارتفاع يستلزم الرفع الذي يشترط له النية، كما أن التعريف بالرفع تعريف للتطهير لا الطهارة كما سبق. 2 - حذف الماتن من التعريف ما يحصل به الرفع للحدث أو النجس، وصرح ابن النجار في "المنتهى" (ص/7) حيث عرف الطهارة بقوله: (ارتفاع حدث وما في معناه بماء طهور مباح، وزوال خبث به ولو لم يُبَح، أو مع تراب طهور أو نحوه، أو بنفسه، أو: ارتفاع حكمهما بما يقوم مقامه). ونص عليه ابن قدامة أيضا في "المغني" حيث قال (1/ 21): (رفع ما يمنع الصلاة من حدث أو نجاسة بالماء أو رفع حكمه بالتراب). وتعقب الحجاوي زيادة ذكر الماء والتراب، وما يقوم مقامهما في التعريف بأن ما ذكر من المحدود لا من الحد، فقال في "حواشي التنقيح" (ص/69): (لا حاجة إلى ذكره لأنه من المحدود فما باله يذكر في الحد، وعلى هذا يلزمه أن يقول ارتفاع الحدث بنية من مكلف أو مميز إلى غير ذلك، وأن يقول بماء طهور مباح وزوال الخبث بسبع غسلات أو ثلاث ونحو ذلك وهذا كله من المحدود ولا حاجة إلى ذكر شيء منه). 3 - اعترض على الماتن بأن تعريفه غير جامع فقد ترك أنواعا من الطهارة لم يذكرها وهي الطهارة مما هو في معنى الحدث كتغسيل الميت فإنه لا عن حدث، وكالوضوء والغسل المستحبين، ولم يذكر الطهارة الحكمية كالتيمم والاستجمار. التعريف المختار: أجود الحدود للطهارة أنها: (ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال النجس أو

أقسام الماء

ارتفاع حكم ذلك) (¬1). قال البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 24): ((ارتفاع الحدث) أكبر كان أو أصغر أي زوال الوصف المانع من الصلاة ونحوها باستعمال الماء في جميع البدن أو في الأعضاء الأربعة على وجه مخصوص. (وما في معناه) أي معنى ارتفاع الحدث كالحاصل بغسل الميت لأنه تعبدي لا عن حدث والحاصل بغسل يدي القائم من نوم الليل والوضوء والغسل المستحبين والغسلة الثانية والثالثة ونحو ذلك (وزوال النجس) سواء كانت إزالته بفعل فاعل كغسل المتنجس أو بنفسه كزوال تغير الماء الكثير وانقلاب الخمرة خلا (أو ارتفاع حكم ذلك) أي الحدث وما في معناه والنجس إما بالتراب كالتيمم عن حدث أو نجس ببدن أو عن غسل ميت أو عن وضوء أو غسل مسنون وإما بالأحجار ونحوها في الخارج من سبيل. وأو في كلامه للتنويع). أقسام الماء قوله: (وأقسام الماء ثلاثة- أحدها: طهور ... الثاني: طاهر ... الثالث: نجس ... ). فيه مسائل: الأولى - طرق الحنابلة في تقسيم الماء: جعل القسمة ثلاثية هي طريقة جمهور الأصحاب، ولهم طرق أخرى. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 21 - 22): (اعلم: أن للأصحاب في تقسيم الماء أربع طرق. أحدها وهي طريقة الجمهور: أن الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: طهور , وطاهر , ونجس. الطريق الثاني: أنه ينقسم إلى قسمين: طاهر , ونجس. والطاهر قسمان: طاهر طهور , وطاهر غير طهور. وهي طريقة الخرقي وصاحب التلخيص , والبلغة فيهما. وهي قريبة من الأولى. الطريق الثالث: أنه ينقسم إلى قسمين: طاهر طهور , ونجس. وهي طريقة الشيخ تقي الدين. فإن عنده: أن كل ماء طاهر , تحصل الطهارة به ... الطريق الرابع: أنه أربعة أقسام ¬

_ (¬1) وهذا العريف ذكره الحجاوي في "الإقناع".

الثانية - الفرق بين الطهور والطاهر:

: طهور. وطاهر , ونجس. ومشكوك فيه لاشتباهه بغيره. وهي طريقة ابن رَزِينٍ في شرحه). الثانية - الفرق بين الطهور والطاهر: ظاهر المذهب التفرقة بين الطَّهور - على وزن فعول -، والطاهر - على وزن فاعل - بأن الأول متعد، والثاني لازم (¬1)، وقد ردَّ تقي الدين هذا التفريق من ناحية اللغة، وذكر فروقا بينهما من ناحية اللزوم والتعدية المعنوية الحكمية الفقهية بناء على ظاهر المذهب. قال تقي الدين: (اختلف العلماء في «الطَّهور» هل هو بمعنى «الطاهر» أم لا؟ وهذا النزاع معروف بين المتأخرين من أتباع الأئمة الأربعة. قال كثير من أصحاب مالك وأحمد والشافعي: «الطَّهور» متعد. و «الطاهر» لازم. وقال كثير من أصحاب أبي حنيفة: بل «الطاهر» هو «الطَّهور» وهو قول الخرقي. وفصل الخطاب في المسألة: أن صيغة اللزوم والتعدي لفظ مجمل يراد به اللزوم والتعدي النحوي اللفظي، ويراد به التعدي الفقهي. فالأول أن يراد باللازم ما لم ينصب المفعول به، ويراد بالمتعدي ما نصب المفعول به، فهذا لا تفرق العرب فيه «فاعل» و «فعول» في اللزوم فمن قال: إن فعول هذا بمعنى فاعل، من أن كلاَّ منهما مفعول به كما قال كثير من الحنفية فقد أصاب، ومن اعتقد أن فعول بمعنى فاعل الماضي فقد أخطأ. وأما التعدي الفقهي فيراد به أن الماء الذي يتطهر به في رفع الحدث، بخلاف ما كان كالأدهان والألبان. وعلى هذا فلفظ طاهر في الشرع أعم من لفظ «طهور» فكل طهور طاهر، وليس كل طاهر طهورا. وقد غلط الفريقان في ظنهم أن «طهورًا» معدول عن طاهر، وإنما هو اسم لما ¬

_ (¬1) انظر المغني (1/ 21 - 22).

الثالثة - بيان الراجح من الأقوال في تقسيم الماء:

يتطهر به؛ فإن العرب تقول: طهور، ووجور (¬1) لما يتطهر به، ويوجر به، وبالضم للفعل الذي هو مسمى المصدر فطَّهور صيغة مبينة لما يفعل به، وليس معدولا عن طاهر، ولهذا قال تعالى في إحدى الآيتين: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورً} وقال في الآية الأخرى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}. إذا عرفت هذا فالطاهر يتناول الماء وغيره، وكذلك الطهور؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - «جعل التراب طهورا»، ولكن لفظ «طاهر» يقع على جامدات كثيرة كالثياب والأطعمة وعلى مائعات كثيرة كالأدهان والألبان، وتلك لا يمكن أن يتطهر بها فهي طاهرة ليست بطهور (¬2). قال بعض الناس: لا فائدة في النزاع في المسألة. قال القاضي أبو يعلى: فائدته أنه عندنا لا تجوز إزالة النجاسة بغير الماء لاختصاصه بالتطهير، وعندهم تجوز لمشاركته غير الماء في الطهارة (¬3)، قال أبو العباس: وله فائدة أخرى: وهي أن الماء يدفع النجاسة عن نفسه بكونه مطهرا كما دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الماء طهور لا ينجسه شيء» وغيره ليس بطهور فلا يدفع، وعندهم الجميع سواء (¬4)) (¬5). الثالثة - بيان الراجح من الأقوال في تقسيم الماء: قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (21/ 24): (أما مسألة تغير الماء اليسير أو ¬

_ (¬1) الوَجُور: الدواء يصب في الحلق. (¬2) أي أن الطَّهور اسم لما يتطهر به. وأما اسم طاهر فإنه صفة محضة لازمة لا يدل على ما يتطهر به أصلا. (¬3) وهذا التفريق بناء على ظاهر المذهب، وقد اختار تقي الدين رواية أخرى موافقة للأحناف قال ابن مفلح في "الفروع": (1/ 259): (ولا يجوز إزالة نجاسة إلا بماء طهور (وم ش) وقيل مباح (خ) وقيل أو طاهر , وعنه بكل مائع طاهر مزيل كخل , اختاره ابن عقيل وشيخنا (وهـ)). (¬4) وهو قول تقي الدين أيضا، قال في "مجموع الفتاوى" (21/ 510): (دفع المائعات للنجاسة عن نفسها كدفع الماء لا يختص بالماء). فتحصل مما سبق أن تقي الدين موافق للأحناف ولا يرى فرقا بين الطهور والطاهر لا من جهة اللزوم والتعدية المعنوية الحكمية الفقهية، ولا من جهة اللزوم والتعدية النحوية. (¬5) انظر: المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 5).

الكثير بالطاهرات كالأشنان والصابون والسدر والخَطْمِي (¬1) والتراب والعجين وغير ذلك مما قد يغير الماء، مثل الإناء إذا كان فيه أثر سدر أو خَطْمِي ووضع فيه ماء فتغير به مع بقاء اسم الماء، فهذا فيه قولان معروفان للعلماء: أحدهما أنه لا يجوز التطهير به كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه التي اختارها الخرقي والقاضي وأكثر متأخري أصحابه لأن هذا ليس بماء مطلق فلا يدخل في قوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) ثم إن أصحاب هذا القول استثنوا من هذا أنواعا بعضها متفق عليه بينهم وبعضها مختلف فيه فما كان من التغير حاصلا بأصل الخلقة أو بما يشق صون الماء عنه فهو طهور باتفاقهم وما تغير بالأدهان والكافور ونحو ذلك ففيه قولان معروفان في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما وما كان تغيره يسيرا فهل يعفي عنه أو لا يعفي عنه أو يفرق بين الرائحة وغيرها على ثلاثة أوجه إلى غير ذلك من المسائل. والقول الثاني: أنه لا فرق بين المتغير بأصل الخلقة وغيره ولا بما يشق الاحتراز عنه ولا بما لا يشق الاحتراز عنه فما دام يسمى ماء ولم يغلب عليه أجزاء غيره كان طهورا كما هو مذهب أبى حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه وهى التي نص عليها في أكثر أجوبته وهذا القول هو الصواب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) وقوله: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) نكرة في سياق النفي فيعم كل ما هو ماء لا فرق في ذلك بين نوع ونوع فإن قيل إن المتغير لا يدخل في اسم الماء قيل تناول الاسم لمسماه لا فرق فيه بين التغير الأصلي والطارئ ولا بين التغير الذي يمكن الاحتراز منه والذي لا يمكن الاحتراز منه فإن الفرق بين هذا وهذا إنما هو من جهة القياس لحاجة الناس إلى استعمال هذا المتغير دون هذا فأما من جهة اللغة وعموم الاسم وخصوصه فلا فرق بين هذا وهذا ولهذا لو وكله في شراء ماء أو حلف لا يشرب ماء أو غير ذلك لم يفرق بين هذا وهذا بل إن دخل هذا دخل هذا ¬

_ (¬1) (الخَطْمِي) نبات من الفصيلة الخبازية كثير النفع يدق ورقه يابسا ويجعل غسلا للرأس فينقيه. انظر المعجم الوسيط.

وإن خرج هذا خرج هذا فلما حصل الاتفاق على دخول المتغير تغيرا أصليا أو حادثا بما يشق صونه عنه علم أن هذا النوع داخل في عموم الآية. وقد ثبت بسنة رسول الله أنه قال في البحر هو: (الطهور ماؤه الحل ميتته) والبحر متغير الطعم تغيرا شديدا لشدة ملوحته فإذا كان النبي قد أخبر أن ماءه طهور مع هذا التغير كان ما هو أخف ملوحة منه أولى أن يكون طهورا وإن كان الملح وضع فيه قصدا إذ لا فرق بينهما في الاسم من جهة اللغة وبهذا يظهر ضعف حجة المانعين فإنه لو استقى ماء أو وكله في شراء ماء لم يتناول ذلك ماء البحر ومع هذا فهو داخل في عموم الآية فكذلك ما كان مثله في الصفة. وأيضا فقد ثبت أن النبي أمر بغسل المحرم بماء وسدر وأمر بغسل ابنته بماء وسدر وأمر الذي أسلم أن يغتسل بماء وسدر ومن المعلوم أن السدر لابد أن يغير الماء فلو كان التغير يفسد الماء لم يأمر به وقول القائل إن هذا تغير في محل الاستعمال فلا يؤثر تفريق بوصف غير مؤثر لا في اللغة ولا في الشرع فان المتغير إن كان يسمى ماء مطلقا وهو على البدن فيسمى ماء مطلقا وهو في الإناء وإن لم يسم ماء مطلقا في أحدهما لم يسم مطلقا في الموضع الآخر فانه من المعلوم أن أهل اللغة لا يفرقون في التسمية بين محل ومحل وأما الشرع فان هذا فرق لم يدل عليه دليل شرعي فلا يلتفت إليه ... وأيضا فان النبي توضأ من قصعة فيها أثر العجين ومن المعلوم أنه لابد في العادة من تغير الماء بذلك لا سميا في آخر الأمر إذا قل الماء وانحل العجين فان قيل ذلك التغير كان يسيرا قيل وهذا أيضا دليل في المسألة فانه إن سوى بين التغير اليسير والكثير مطلقا كان مخالفا للنص وإن فرق بينهما لم يكن للفرق بينهما حد منضبط لا بلغة ولا شرع ولا عقل ولا عرف من فرق بين الحلال والحرام بفرق غير معلوم لم يكن قوله صحيحا. وأيضا فان المانعين مضطربون اضطرابا يدل على فساد أصل قولهم منهم من يفرق بين الكافور والدهن وغيره ويقول إن هذا التغير عن مجاورة لا عن مخالطة ومنهم من يقول بل نحن نجد في الماء أثر ذلك ومنهم من يفرق بين الورق الربيعي والخريفي ومنهم من يسوى بينهما ومنه من يسوى بين الملحين الجبلي والمائي

ومنهم من يفرق بينهما وليس على شيء من هذه الأقوال دليل يعتمد عليه لا من نص ولا قياس ولا إجماع إذ لم يكن الأصل الذي تفرعت عليه مأخوذا من جهة الشرع وقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) وهذا بخلاف ما جاء من عند الله فانه محفوظ كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فدل ذلك على ضعف هذا القول. وأيضا فان القول بالجواز موافق للعموم اللفظي والمعنوي مدلول عليه بالظواهر والمعاني فان تناول اسم الماء لمواقع الإجماع كتناوله لموارد النزاع في اللغة وصفات هذا كصفات هذا في الجنس فتجب التسوية بين المتماثلين. وأيضا فانه على قول المانعين يلزم مخالفة الأصل وترك العمل بالدليل الشرعي لمعارض راجح إذ كان يقتضي القياس عندهم أنه لا يجوز استعمال شيء من المتغيرات في طهارتي الحدث والخبث لكن استثنى المتغير بأصل الخلقة وبما يشق صون الماء عنه للحرج والمشقة فكان هذا موضع استحسان ترك له القياس وتعارض الأدلة على خلاف الأصل وعلى القول الأول يكون رخصة ثابتة على وفق القياس من غير تعارض بين أدلة الشرع فيكون هذا أقوى). وقال ابن حزم في المحلى (1/ 199): (مسألة وكل ماء خالطه شيء طاهر مباح فظهر فيه لونه وريحه وطعمه إلا أنه لم يزل عنه اسم الماء فالوضوء به جائز والغسل به للجنابة جائز ... ثم قال مسألة فإن سقط عنه اسم الماء جملة كالنبيذ وغيره، لم يجز الوضوء به ولا الغسل والحكم حينئذ التيمم ... ولما كان اسم الماء لا يقع على ما غلب عليه غير الماء حتى تزول عنه جميع صفات الماء التي منها يؤخذ حده صح أنه ليس ماء ... ) وقال الشوكاني في "السيل الجرار" (1/ 58): (التحقيق أن ذلك الممازج إن خرج به اسم الماء المطلق كما يقال ماء ورد ونحوه فليس هذا الماء هو الماء الذي خلقه الله طهورا وإن لم يخرج عن اسم الماء المطلق فهو طهور وإن تغير بعض أوصافه فإن ذلك ولا يخرجه عن كونه طهورا ولا فرق بين أن يكون ما تغير به مطهرا مطهر - كالتراب - أو بما هو من حيواناته - يشق التحرز منه - أو بمفرده - لا يشق التحرز منه - أو بممره أو بغير ذلك).

القسم الأول: الماء الطهور

القسم الأول: الماء الطهور قوله: (أحدها: طهور وهو الباقي على خلقته) قال البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 15): (الماء الطهور هو الماء الباقي على خلقته أي صفته وهي الطهورية أي هو الماء المطلق الذي لم يقيد بوصف دون آخر وهو ماء البحر والنهر ونبع الأرض من عين أو بئر وما نزل من السماء من مطر وثلج وبرد عذبا كان أو مالحا باردا أو حارا ولو تصاعد الماء ثم قطر كبخار الحمامات لأنه لم يطرأ عليه ما يزيل طهوريته أو استهلك فيه أي الطهور ماء يسير مستعمل أو استهلك فيه مائع طاهر كلبن ولو كان استهلاكه فيه لعدم كفاية الطهور للطهارة قبله ولم يغيره ما استهلك فيه ان كان مخالفا له في الصفة أو الفرض فيجوز استعماله وتصح الطهارة به والخلاف المشار اليه في ذلك لا في سلب الطهورية كما ذكره ابن قندس خلافا للرعايتين والفروع وتبعهم في شرحه فإن غيره سلب الطهورية ويأتي توضيحه أو استعمل الطهور في طهارة لم تجب كتجديد وغسل جمعة أو استعمل في غسل كافر ولو ذميه من حيض أو نفاس لحل وطء لمسلم فلا يسلبه الطهورية لأنه لم يرفع حدثا والكافر ليس من أهل النية أو غسل به أي الطهور ولو يسيرا رأس بدلا عن مسح في وضوء فلا يسلبه الطهورية لعدم وجوب غسله في الوضوء ... ). مناقشة التعريف: وهذا التعريف غير جامع فلا يشمل بعض الأنواع التي مثلَّ بها له كالمتغير بملح مائي أو بما لا يمازجه كتغيره بالعود القَماري (¬1) وقطع الكافور والدهن والمتغير بطول المكث أو بالريح من نحو ميتة أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب وورق شجر. والأولى تعريف الحجاوي حيث قال في "الإقناع" (1/ 25): (هو الباقي على خلقته حقيقة أو حكما) والمقصود بقوله حقيقة: أي الذي لم يتغير شيء من أوصافه، وحكماً: أي المتغير بما لا يسلبه الطهورية فيدخل فيه الأنواع السابقة. ¬

_ (¬1) قال ابن أبي الفتح في " المطلع" (1/ 6): (المراد العود القَماري بفتح القاف منسوب إلى قِمار - بكسر القاف - موضع ببلاد الهند).

قوله: (يرفع الحدث ويزيل الخبث).

قوله: (يرفع الحدث ويزيل الخبث). والمقصود بيان أن هذا الماء الطهور يرفع الحدث الأكبر والأصغر، وأنه يزيل الخبث الطارئ على محل طاهر قبل طرؤه؛ لأن نجس العين لا يطهر فلو أن كلبا غسلناه بالماء مرات عديدة لا يطهر. وعليه فطهارة المحل من الخبث تكون بإزالته عن المكان المراد تطهيره، أو باستحالتها على خلاف في المذهب في الاستحالة وسيأتي - بإذن الله -. فائدة - الأدلة على أن الماء الطهور يرفع الحدث ويزيل الخبث: قال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 15): (لقوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) [الأنفال: 11] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد) متفق عليه وقوله في البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) رواه الخمسة وصححه الترمذي). وكلمة ماء في الآية نكرة في سياق الامتنان فتعم كل ماء نازل من السماء كالثلج والبرد والمطر. والطهارة تشمل الحسية والمعنوية يعني من الحدث والخبث ومن الذنوب والمعاصي. وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث عن ماء البحر (الطهور) يدل بالتنبيه على ما طهورية الماء الغير متغير كالماء العذب، وطهارة الماء الآجن، وهو المتغير بطول المكث وأصل المنبع كما نص عليه - صلى الله عليه وسلم - في حديث بئر بضاعة عندما سألوه عن التوضؤ منها فقال: (الماء طهور لا ينجسه شيء). ومن الأدلة أيضا على تطهير الماء للخبث ما رواه الترمذي وغيره عن أسماء بنت أبي بكر: (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه الدم من الحيضة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه). وما رواه مسلم عن أنس (أن أعرابيا بال في المسجد فقام إليه بعض القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوه ولا تزرموه قال فلما فرغ دعا بدلو من

النوع الأول - ما ليس مباحا

ماء فصبه عليه). وقد أجمع العلماء على التطهر بالماء الذي لم يخالطه نجاسة (¬1). وأجمعت الأمة أن الماء مطهر للنجاسات (¬2). مسألة - الماء يدفع النجاسة عن غيره، ولا يزيلها عن نفسه: قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (21/ 506): (فإن قيل الماء يدفع النجاسة عن غيره فعن نفسه أولى وأحرى. قيل الجواب عن ذلك: أن الماء إنما دفعها عن غيره لأنه يزيلها عن ذلك المحل وتنتقل معه فلا يبقى على المحل نجاسة وأما إذا وقعت فيه فإنما كان طاهرا لاستحالتها فيه لا لكونه أزالها عن نفسه ... وإذا كان كذلك لم يلزم من كون الماء يزيلها إذا زالت معه أن يزيلها إذا كانت فيه ... فدل ذلك على أن استحالة النجاسة بملاقاته لها فيه لا ينجس وإن لم تكن قد زالت كما زالت عن المحل فإن من قال أنه يدفعها عن نفسه كما يزيلها عن غيره فقد خالف المشاهدة ... ). النوع الأول - ما ليس مباحا: قوله: (وهو أربعة أنواع: ماء يحرم استعماله ولا يرفع الحدث ويزيل الخبث وهو ما ليس مباحا). وقوله: (ما ليس مباحا) أي كمغصوب أو مسروق، أو ما أُشتري بمال مغصوب أو مسروق، أو بماء مسبل لشرب، أو ماء آبار ديار ثمود - إلا بئر الناقة - ونحو ذلك. اجتمع في كلام الماتن - رحمه الله - حكمان تكليفيان وحكمان وضعيان (¬3). أما الأولان فهما: حرمة غصب الماء وحرمة استعماله، وأما الوضعيان فإن هذا الماء غير المباح لا يرفع الحدث، ويزيل الخبث. ¬

_ (¬1) انظر: مراتب الإجماع (ص/16)، الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 80). (¬2) انظر التمهيد لابن عبد البر (1/ 330)، بداية المجتهد (1/ 106)، الإفصاح (1/ 160)، الإقناع (1/ 80). (¬3) ومثاله الزنا فهو من جهة كونه سببا للحد خطاب وضعي، ومن جهة كونه حراما خطاب تكليفي.

مسألة - الخلاف في اشتراط إباحة الماء لرفع الحدث:

وفي كونه لا يرفع الحدث ويزيل الخبث خلاف في المذهب كما سيأتي - بإذن الله -. مسألة - الخلاف في اشتراط إباحة الماء لرفع الحدث: قال البهوتي في "المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد" (1/ 134): (لا يصح الوضوء بالماء المغصوب، كالصلاة في الثوب المغصوب، وكالوضوء الغسل ومثل المغصوب: المسروق والمنهوب ونحوه، على قياسه الماء المسبل للشرب وماء آبار ديار ثمود غير بئر الناقة لحديث (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) لكن قياس ما يأتي في الصلاة في المغصوب إذا كان عالما ذاكرا لا جاهلا وناسيا ... ). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 28 - 29): (وأما الوضوء بالماء المغصوب: فالصحيح من المذهب: أن الطهارة لا تصح به. وهو من مفردات المذهب. وعنه: تصح وتكره , واختاره ابن عبدوس في تذكرته). قال ابن رجب في "القواعد" (ص/12): ((القاعدة التاسعة): في العبادات الواقعة على وجه محرم , إن كان التحريم عائدا إلى ذات العبادة على وجه يختص بها لم يصح , وإن كان عائدا إلى شرطها فإن كان على وجه يختص بها فكذلك أيضا , وإن كان - أي الشرط - لا يختص بها ففي الصحة روايتان أشهرهما عدمها , وإن عاد إلى ما ليس بشرط فيها ففي الصحة وجهان واختار أبو بكر عدم الصحة وخالفه الأكثرون فللأول أمثلة كثيرة: (منها) صوم يوم العيد فلا يصح بحال على المذهب ... وللثاني أمثلة كثيرة: (منها) الصلاة بالنجاسة وبغير سترة وأشباه ذلك وللثالث أمثلة كثيرة: (منها) الوضوء بالماء المغصوب (ومنها) الصلاة في الثوب المغصوب والحرير وفي الصحة روايتان , وعلى رواية عدم الصحة فهل المبطل ارتكاب النهي في شرط العبادة , أم ترك الإتيان بالشرط المأمور به. للأصحاب فيه مأخذان ينبني عليهما لو لم يجد إلا ثوبا مغصوبا فصلى فيه فإن عللنا بارتكاب النهي لم تصح صلاته , وإن عللنا بترك المأمور صحت لأنه غير واجد لسترة يؤمر بها , وأما من لم يجد إلا ثوب حرير فتصح صلاته فيه بغير خلاف على أصح الطريقين لإباحة لبسه في هذه الحال ... ).

وقول ابن رجب: (وإن كان - أي الشرط - لا يختص بها ففي الصحة روايتان أشهرهما عدمها) والقول بالبطلان في هذه الحالة هو الصحيح من مذهب أحمد إلا أن الأقوى أنه يقتضي الفساد لا البطلان، وهذا هو ما اختاره الطوفي وغيره، قال الطوفي في مختصره بعد أن استعرض الأقوال في المسألة: (والمختار أن النهي عن الشيء لذاته، أو وصف لازم له مبطل، ولخارج عنه غير مبطل، وفيه لوصف غير لازم تردد، والأولى الصحة). وانتصر لذلك في شرحه فقال (2/ 440): (- وإن كان النهي عن الفعل لوصف له، لكنه غير لازم؛ ففيه تردد، إذ بالنظر إلى كونه وصفًا للفعل يقتضي البطلان، كما لو نهي عنه لذاته، أو لوصف لازم، وبالنظر إلى كونه غير لازم لا يقتضي البطلان، كما لو نهي عنه لأمر خارج، وهو أولى تغليبًا لجانب العرضية على جانب الوصفية، إذ بكونه عارضًا يضعف كونه وصفًا؛ فلا يلحق بالوصف اللازم؛ لأن لزومه يؤكد وصفيته ويقويها. ومما يصلح مثالًا لهذا القسم النهي عن البيع وما في معناه من العقود وقت النداء، وإنما نهي عنه، لكونه بالجملة متصفًا بكونه مفوتًا للجمعة، أو مفضيًا إلى التفويت بالتشاغل بالبيع، لكن هذا الوصف غير لازم للبيع لجواز أن يعقد مائة عقد ما بين النداء إلى الصلاة، ثم يدركها؛ فلا تفوت؛ فالأولى في هذا العقد الصحة لوجوه: أحدها: ضعف المانع لصحته، وهو هذا الوصف الضعيف العرضي. الثاني: معارضته بأن الأصل صحة تصرفات المكلفين، خصوصًا في معاملاتهم التي راعى الشرع مصالحهم فيها؛ فلا يترك هذا الأصل إلا لدليل قوي سالم عن معارض ... الثالث: أن ضعف المانع، وقوة المعارض المذكورين، تعاضدا على تخصيص النص المقتضي للمنع، وهو قوله عز وجل: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، إذ ذلك يدل على أن المنهي عنه بيع خاص، وهو المفوت للصلاة، مثل أن يشرع في مساومة بيع تتطاول مدته عند تكبير الإمام للجمعة، أو قريبًا منه، وصحة البيع عند النداء تكره ولا تفسد عند أبي

مسألة - الخلاف في اشتراط إباحة الماء لإزالة الخبث:

حنيفة وغيره، وهو وجه مخرج عندنا، وهو قوي لما ذكرنا. والصحيح من مذهب أحمد أنه لا يصح لظاهر النهي، وما ذكرناه في تضعيف اقتضائه البطلان وارد عليه، والله تعالى أعلم بالصواب) (¬1). وعليه فالصحيح أن الماء الغير مباح يرفع الحدث. مسألة - الخلاف في اشتراط إباحة الماء لإزالة الخبث: قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 14): (زوال خبث أي نجس حكمي به أي بالماء الطهور ولو لم يبح فتزول النجاسة بنحو مغصوب؛ لأن إزالتها من قسم التروك بخلاف رفع الحدث). وقال في "المنح الشافيات" (1/ 135): (وأما إزالة النجاسة بالماء فلا يشترط فيها إباحته لأنها من قبيل التروك). قال ابن مفلح في "الفروع" (1/ 259): (لا يجوز إزالة نجاسة إلا بماء طهور (وم ش) وقيل مباح (خ)). والمعروف أن ابن مفلح يقدم الرواية الراجحة في المذهب، وأنه إن قال: وقيل كذا فالمُقَّدم خلافه. وعليه فكأنه حكي القول القائل بأنه لا يجوز إزالة النجاسة إلا بماء مباح مضعفا له وبيَّن أن القول المقدم خلافه فيكون المقدم في المذهب أنه يجوز إزالة النجاسة بماء غير مباح وقول الشيخ مرعي موافق لقوله. ولكن قال إبراهيم بن مفلح في "المبدع" (1/ 235): (لأنها طهارة - أي تطهير موارد الأنجاس الحكمية - مشترطة أشبهت طهارة الحدث فعلى هذا لابد من كونه طهورا فلا تزال بطاهر ولا غير مباح على الأصح). فرجح أن الخبث لا يزال بغير مباح على خلاف قول الشيخ مرعي الذي رجح إزالتها بغير المباح. فتحصل عندنا قولين في المذهب قول بأن الخبث يزال بغير المباح وقول أنه لا يزال به. ¬

_ (¬1) انظر أيضا التحبير (5/ 2297).

النوع الثاني - ما خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث:

الترجيح (¬1): والراجح أنه يرتفع الحدث ويزول الخبث بالماء الغير مباح مع الإثم إن كان عالما ذاكرا، والأمر في إزالة الخبث أهون من رفع الحدث به؛ لأنها من باب التروك ولا يلزم فيها نية. النوع الثاني - ما خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث: قوله: (وماء يرفع حدث الأنثى لا الرجل البالغ والخنثى وهو ما خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث). - قوله: (ماء) أطلقه هنا، وقيده غيره بالماء القليل دون الكثير، وهو ما كان دون القلتين، قال في "الكافي" (1/ 62): (وإنما تؤثر خلوتها في الماء اليسير؛ لأن النجاسة لا تؤثر في الكثير). وقال البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 15): (وخصص بالقليل لأن النجاسة لا تؤثر في الكثير فهذا أولى ولأن الغالب على النساء أن يتطهرن من القليل) (¬2). فائدة: خلو المرأة بالتراب لا يؤثر في طهوريته. قال الزركشي في "شرحه على مختصر الخرقي" (1/ 101): (هل خلوة المرأة في التيمم كخلوتها في الوضوء؟ لم أر المسألة منقولة، والقياس ذلك، لكن المسألة المنع فيها تعبد، فليقتصر على مورد النص ثمّ). قال البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 15): (وعلم مما تقدم أنه لا أثر لخلوتها بالتراب) (¬3). - قوله: (لا الرجل البالغ) أي أنه يرفع حدث الصبي ما لم يبلغ. ¬

_ (¬1) وقد عرض الشيخ الدبيان لأقوال العلماء في هاتين المسألتين، وعرض أدلتهم ورجح أنه يرفع الحدث ويزيل الخبث مع الإثم، وانظر موسوعة الطهارة (1/ 95: 103). (¬2) انظر: مطالب أولي النهى (1/ 28)، الروض المريع (1/ 20)، كشاف القناع (1/ 36). (¬3) - انظر: الروض المربع (1/ 21)، مطالب أولي النهى (1/ 28)، كشاف القناع (1/ 36).

- معنى خلوتها بالماء:

- قوله: (والخنثى) رجح جانب الحظر وذلك احتياطا للعبادة لاحتمال أن يكون رجلا، فإن قلت فهلا أثرت خلوة الخنثى به احتياطا لاحتمال أن يكون امرأة قلت لا نمنع بالاحتمال , كما لا ننجس بالشك (¬1). - معنى خلوتها بالماء: - قوله: (ما خلت) ومعنى الخلوة في المذهب يدور على أمرين: الأول وهو الأصح في المذهب اعتبار عدم المشاهدة، وقد اختلفوا فيمن يرفع الخلوة بمشاهدته هل يشترط فيه أن يكون مكلفاً مسلماً؟ أو لا يشترط ذلك فلو كان صبياً أو امرأة أو كافراً زالت الخلوة. قولان في المذهب كما سيأتي. والثاني: اعتبار انفرادها بالاستعمال سواء شوهدت أم لا. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 49): (اعلم أن في معنى الخلوة روايتين إحداهما وهي المذهب أنها عدم المشاهدة عند استعمالها من حيث الجملة قال الزركشي هي المختارة قال في الفروع وتزول الخلوة بالمشاهدة على الأصح وقدمه في المستوعب والمغني والشرح والرعايتين والحاوي الصغير والفائق والرواية الثانية معنى الخلوة انفرادها بالاستعمال سواء شوهدت أم لا اختارها بن عقيل وقدمه بن تميم ومجمع البحرين قال في الحاوي الكبير وهي أصح عندي وأطلقها في الفصول والحاوي الكبير والمُذَّهب ... ) (¬2). قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 137): (اختلف أصحابنا في تفسير الخلوة به , فقال الشريف أبو جعفر قولا يدل على أن الخلوة هي أن لا يحضرها من لا تحصل الخلوة في النكاح بحضوره , سواء كان رجلا , أو امرأة , أو صبيا عاقلا ... وقال القاضي: هي أن لا يشاهدها رجل مسلم , فإن شاهدها صبي أو امرأة أو رجل كافر , لم تخرج بحضورهم عن الخلوة. وذهب بعض الأصحاب إلى أن الخلوة استعمالها للماء من غير مشاركة الرجل في استعماله ; لأن أحمد قال: إذا خلت به فلا يعجبني أن يغتسل هو به. وإذا شرعا فيه جميعا فلا بأس به ; لقول عبد الله بن ¬

_ (¬1) انظر: كشاف القناع (1/ 37). (¬2) انظر: المبدع (1/ 50)، شرح الزركشي (1/ 80)، الشرح الكبير (1/ 22).

الترجيح:

سرجس: اغتسلا جميعا ; هو هكذا , وأنت هكذا - قال عبد الواحد في إشارته: كان الإناء بينهما - وإذا خلت به فلا تقربنه رواه الأثرم). الترجيح: الراجح هو اعتبار انفرادها بالاستعمال سواء شوهدت أم لا؛ وذلك لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال (وليغترفا جميعاً) فدل بمنطوقه على الجواز فيما إن شاركها زوجها، وبمفهومه على عدم الجواز إن لم يكن معها زوجها يعترف معها وسيأتي الكلام تفصيليا على هذا الحديث بإذن الله. - قوله: (لطهارة كاملة عن حدث) قال في "المغني" (1/ 137): (فإن خلت به في بعض أعضائها , أو في تجديد طهارة , أو استنجاء , أو غسل نجاسة , ففيه وجهان: أحدهما المنع ; لأنه طهارة شرعية. والثاني لا يمنع ; لأن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة). فائدة - علة المنع تعبدية: قال في "المغني" (1/ 137): (ومنع الرجل من استعمال فضلة طهور المرأة تعبدي غير معقول المعنى , نص عليه أحمد ولذلك يباح لامرأة سواها التطهر به في طهارة الحدث , وغسل النجاسة , وغيرهما ; لأن النهي اختص الرجل ولم يعقل معناه , فيجب قصره على محل النهي , وهل يجوز للرجل غسل النجاسة به؟ فيه وجهان: أحدهما لا يجوز. وهو قول القاضي ; لأنه مانع لا يرفع حدثه , فلم يزل النجس , كسائر المائعات. والثاني يجوز. وهو الصحيح ; لأنه ماء يطهر المرأة من الحدث والنجاسة , ويزيلها من المحال كلها إذا فعلته , فيزيلها إذا فعله الرجل كسائر المياه ; ولأنه ماء يزيل النجاسة بمباشرة المرأة , فيزيلها إذا فعله الرجل , كسائر المياه , والحديث لا نعقل علته , فيقتصر على ما ورد به لفظه , ونحو هذا يحكى عن ابن أبي موسى والله أعلم) (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الإنصاف للمرداوي - (1/ 48)،

حكم تطهر الرجل بفضل طهور المرأة:

حكم تطهر الرجل بفضل طهور المرأة: روايات المذهب: قال ابن مفلح في " الفروع" (1/ 55): (وإن خلت به وقيل وبكثير امرأة وقيل أو مميزة في غسل أعضائها وقيل أو بعضها عن حدث وقيل أو خبث وطهر مستحب فطهور على الأصح ولا يرفع حدث رجل وقيل ولا صبي وعنه يرفع (و) بلا كراهة كاستعمالهما معا وكإزالته به نجاسة وكامرأة أخرى وكتطهيرها بماء خلا به في الأصح فيهن ونقله الجماعة في الأخيرة وذكره القاضي وغيره (ع) ورواية ثالثة يكره ومعناه اختيار الآجري كرواية في خلوة لشرب، والخنثى كرجل وعند ابن عقيل كامرأة). الأدلة والمناقشة: استدل من ذهب لمنع الرجل أن يتطهر بفضل طهور المرأة بما يأتي: أولاً - رواه أبو داود (1/ 21) (82)، والترمذي (1/ 93) (64) وقال: «حسن»، والنسائي - (1/ 179) (343)، وابن ماجه (1/ 132) (373)، وأحمد (5/ 66)، وابن حبان (4/ 71) (1260)، والدارقطني (1/ 53) (8)، والبيهقي في «الكبرى» (1/ 191) - كلهم - من طريق شعبة عن عاصم الأحول عن أبي حاجب سواده بن عاصم عن الحكم بن عمرو الغفاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة ". وتابع عاصما: سليمان التيمي عند ابن أبي شيبة (1/ 38) (354)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/ 348) (2922)، والطبراني في "الكبير" (3/ 210) (3154)، وغيرهم ولكنه قال عن رجل من أصحاب النبي، وزاد بعضهم: من غفار. وهذا إسناد صحيح. وقال الدارقطني في "سننه" (1/ 53): (أبو حاجب اسمه سوادة بن عاصم واختلف عنه فرواه عمران بن حدير وغزوان بن حجير السدوسي عنه موقوفا من قول الحكم غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم). وغزوان مجهول فلم أجد من ترجمه، وأما عمران بن حدير فهو ثقة، ولكنه مخالف لثقتين وهما: (عاصم الأحول، وسليمان التيمي) روياه عن سواده مرفوعا

كما سبق، فالراجح الرفع. قال الترمذي في علله: (سألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا الحديث، فقال: ليس بصحيح). وتعقه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (1/ 143): (وهذا من الإمام جرح مبهم؛ فلا يقبل، ولعل سوادة لم تثبت عنده عدالته، أو لقاؤه للحكم؛ فقد ثبت ذلك عند غيره كما سبق؛ وإنما يشترط التصريح باللقاء عند الجمهور من المدلس فقط؛ خلافاً البخاري، كما مضى). ثانيا - بما رواه أبو داود (1/ 21) (81)، والنسائي (1/ 130) (238)، وفي «الكبرى» (1/ 117) (240)، وأحمد (4/ 111)، (5/ 369)، والطحاوي في "معاني الآثار" (1/ 24) (79)، والبيهقي (1/ 190) - كلهم- من طريق أبي عوانة عن داود بن عبدالله عن حميد الحميري قال: لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنه أربع سنين قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله أو يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعا) ورواته ثقات. وصحح الحافظ إسناده في "بلوغ المرام"، وقال في "فتح الباري" (1/ 300): (رجاله ثقات ولم أقف لمن أعله على حجة قوية ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة لأن إبهام الصحابي لا يضر وقد صرح التابعي بأنه لقيه ودعوى بن حزم أن داود راويه عن حميد بن عبد الرحمن هو بن يزيد الأودي وهو ضعيف مردودة فإنه بن عبد الله الأودي وهو ثقة وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره). ثالثا - بما رواه ابن ماجه (1/ 133) (374)، وأبو يعلى (3/ 132) (1564)، والطحاوي في "معاني الآثار" (1/ 24) (78)، والطبراني في "الأوسط" (4/ 111) (3741)، والدارقطني (1/ 116) (1) من طريق عبد العزيز بن المختار عن عاصم الأحوال عن عبد الله بن سَرْجِس قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة والمرأة بفضل الرجل، ولكن يشرعان جميعا). ورواته ثقات، ولكن خالف عبد العزيز بن المختار كل من: شعبة عند الدارقطني (1/ 177) (2)، والبيهقي (1/ 192) فرواه موقوفا، ولفظه: (تتوضأ

المرأة وتغتسل من فضل غسل الرجل وطهوره ولا يتوضأ الرجل بفضل غسل المرأة ولا طهورها) وصحح الدارقطني الموقوف. ومعمر عند عبد الرزاق (1/ 107) (385)، وأبي عبيد القاسم في "الطهور" (ص/258) (194) فرواه موقوفا ولفظه: (لا بأس بأن يغتسل الرجل والمرأة من الجنابة من الإناء الواحد، فإن خلت به فلا تقربه). وقال الترمذي في "العلل" نقلا عن البخاري: (وحديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب هو موقوف ومن رفعه فهو خطأ). رابعا - ببعض الآثار عن الصحابة ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 38) (356) من طريق وكيع عن المسعودي عن المهاجر أبي الحسن عن كلثوم بن عامر أن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث - رضي الله عنها وهي عمته - توضأت فأردت أن أتوضأ بفضل وضوئها فنهتني. وروته ثقات غير المسعودي فهو صدوق اختلط وسماع وكيع عنه قديم فالإسناد صحيح. - وما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" من طريق وكيع عن خالد بن دينار عن أبي العالية قال: (كنت عند رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأردت أن أتوضأ من ماء عنده فقال لا توضأ به فإنه فضل امرأة) رواته ثقات وخالد صدوق، وأبو العالية وإن كان يرسل إلا أن قوله كنت عند رجل من أصحاب النبي يؤكد ثبوت اللقيا، فالإسناد صحيح. - وما رواه أبو عبيد في "الطهور" (ص/256) (192) من طريق الهيثم بن جميل عن شَرِيْكُ عن مهاجر الصائغ عن ابن لعبدالرحمن بن عوف أنه دخل على أم المؤمنين: أم سلمة - رضي الله عنها - فذكر نحو حديث جويرية السابق. وشَرِيْكُ قد يكون هو شَرِيْكُ بن أبي نمر، وهو صدوق يخطئ، ويحتمل أن يكون شَرِيْكُ القاضي وهو صدوق يخطئ كثيرا، وكلاهما يروي عن مهاجر الصائغ، ويروي عنه الهيثم بن جميل، وعليه فالأقوى عندي تضعيف هذا الإسناد إلا أنه يتقوى بأثر جويرية السابق - رضي الله عنهما -.

وهذه الأحاديث والآثار معارضة بأدلة تدل على الجواز ومن ذلك: أولاً - ما رواه مسلم في "صحيحه" (1/ 257) (323) عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: (أكبر علمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني أن ابن عباس أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة). قال الحافظ في "الفتح" (1/ 300): (أعله قوم لتردد وقع في رواية عمرو بن دينار حيث قال علمي والذي يخطر على بالى أن أبا الشعثاء أخبرني فذكر الحديث وقد ورد من طريق أخرى بلا تردد لكن راويها غير ضابط وقد خولف والمحفوظ ما أخرجه الشيخان بلفظ (أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد)). وقال النووي في " شرح مسلم" (4/ 7): (وهذا الحديث ذكره مسلم رحمه الله تعالى متابعة لا أنه قصد الاعتماد عليه). والراجح عندي أن ما ذكره ابن حجر ليس بعلة في الحديث وأنه مقبول. ثانياً - بما رواه أبو داود (1/ 18) (68)، والترمذي (1/ 94) (65)، قال: «حسن صحيح»، والنسائي (1/ 173) (325)، وابن ماجه (1/ 132) (370، 371)، وأحمد (1/ 235، 284، 308)، وابن الجارود (ص241) (48)، وابن خزيمة (1/ 48) (91)، (1/ 57) (109)، والطحاوي في «معاني الآثار» (1/ 26) (106)، وابن حبان (4/ 48) (1242)، (4/ 56) (1248)، (4/ 73) (1261)، (4/ 84) (1269)، والطبراني في «الكبير» (11/ 274) (11716)، والحاكم (1/ 262) (565) - كلهم - من طريق ... سِمَاك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من جنابة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فقالت له , فقال: " إن الماء لا ينجسه شيء " ورواية ... سِمَاك عن عكرمة مضطربة، كما أنه قد تغير بآخره فكان ربما تلقن. وقد صحح البعض هذا الحديث لأنه من رواية شعبة والثوري عن ... سِمَاك فقبلوا

النوع الثالث - ماء يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه:

روايتهما عنه مطلقا، والصواب عندي أن قبول روايتهما عنه إنما تنفع في غير روايته عن عكرمة، فروايتهما عنه قديمة ويستفاد منها أنهما سمعا منه قبل التغير. وقوى البعض الحديث بشاهد أبي سعيد رضي الله عنه، وهو لا يشهد لمحل النزاع وإنما يقوي الجزء المرفوع منه فقط دون أصل القصة. الترجيح: وقد سلك العلماء عدة مسالك في الجمع والترجيح بين هذه الأحاديث، وأولاها عندي حمل النهي على للتنزيه وقرينة الصرف أحاديث الجواز، والأحاديث التي ذكرتها في أدلة من قال بالجواز ترد على من جمع بأن النهي محمول على الخلوة. النوع الثالث - ماء يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه: قوله: (يكره استعماله) أي في طهارة أو في أكل وشرب، ونحو ذلك، قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (1/ 33): (ظاهر كلامهم) أي: الأصحاب (كراهة استعمال ماء بئر بمقبرة حتى في نحو أكل وشرب) وغيرهما). قوله: (مع عدم الاحتياج إليه) ومفهوم المخالفة أن الكراهة تزول عند تعينه بالحاجة إليه كأن لا يوجد غيره، قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 16): (فإن لم يجد غيره تعين, وكذا يقال في كل مكروه, إذ لا يترك واجب لشبهة) (¬1). فائدة - الفريق بين ما كره لعارض وما كره لذاته: قال ابن مفلح في " الفروع" (1/ 292): (قد يتوجه (¬2) من صحة نفله - أي صحة نفل من صلى في غصب - إثابته عليه فيثاب على فرضه من الوجه الذي صح وإلا فلا فائدة في صحة نفله ولا ثواب لبراءة ذمته ويلزم منه يثاب على كل عبادة كرهت ويكون المراد بقولهم في الأصول المكروه لا ثواب في فعله ما كره بالذات لا بالعرض، وقد يحمل قولهم في الأصول على ظاهره ولهذا لما احتج من كره صلاة الجنازة بالخبر الضعيف الذي رواه أحمد وغيره من صلى على جنازة في المسجد فليس له من الأجر شيء. ¬

_ (¬1) وانظر: مطالب أولى النهي (1/ 29). (¬2) يعني أنه ذكر هذا القول تخريجا من عنده.

وقد ذكر أنواعا كثيرة لهذا الماء وهي:

لم يقل أحد بالأجر مع الكراهة لا اعتقادا ولا بحثا واحتج في الخلاف لمن لم يمنع قراءة الجنب لقوله عليه السلام من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، وأجاب بأن المراد المتطهر لأن الجنب تكره له القراءة عندهم فلا يدخل تحت الظاهر ويأتي في الباب بعده قول صاحب المحرر إن صلاة من شرب خمرا تصح ولا ثواب فيها. ونقل ابن القاسم لا أجر لمن غزا على فرس غصب، وقاله شيخنا وغيره في حج. وكذا ذكر الشافعية صحة الصلاة الدار المغصوبة ولا ثواب وقال ابن منصور ابن أخي أبي نصر بن الصباغ منهم ذكر شيخنا في الكامل أنه ينبغي أن تصح ويحصل الثواب فيكون مثابا على فعله عاصيا بمقامه، فإذا لم يمنع من صحتها لم يمنع من حصول الثواب، قال أبو منصور وهذا هو القياس) (¬1). وقد سبق ترجيح أن ما نهي عنه إن لم يكن النهي عائدا لذاته، أو لشرط يختص به أنه يصح مع الإثم، وعليه فالراجح هنا أن هذا الماء المكروه لعارض يصح التطهر به سواء أكان لحاجة أو لغير حاجة، ويلزم من صحة الطهارة حصول الأجر المرتب عليها من تكفير الذنوب ونحو ذلك. قال الرحيباني في " مطالب أولي النهى" (1/ 373): (يثاب على ما كره لا لذاته بل لعارض كما مر) من الصلاة إلى أماكن النهي وأرض الخسف وما نزل بها عذاب ومسجد الضرار والمدبغة والرحى والأرض السبخة والمقصورة المحمية (وكوضوء بما كره) استعماله لشدة حره أو برده (بخلاف ما كره لذاته؛ كسواك صائم بعد الزوال. ولا يعد) ما كره لذاته (عبادة) بخلاف ما كره لعارض). وقد ذكر أنواعا كثيرة لهذا الماء وهي: 1 - ماء بئر بمقبرة: قال: (وماء يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه وهو ماء بئر بمقبرة). علة كراهة الطهارة بماء يئر المقبرة: ¬

_ (¬1) وقد نقل عنه كلامه المرداوي في الإنصاف (3/ 1006) وابن النجار في "شرح الكوكب" (1/ 413).

2 - ماء اشتد حره أو برده:

قال ابن مفلح في " الفروع" (6/ 273): (كره ماء بئر بين القبور وشوكها وبقلها قال ابن عقيل كما سمد بنجس والجلالة). الصحيح من المذهب، وهو قول جمهور الأصحاب، أن العلة من المنع من الصلاة في القبور تعبدية وذهب بعض الأصحاب إلى أنها معللة بمظنة النجاسة وهو ظاهر اختيار ابن عقيل هنا حيث ألحق ماء بئر المقبرة بالماء الذي سمد بنجس والجلالة. وابن عقيل لا يحكم بالنجاسة لأن الاستحالة عنده مطهرة كالدم يستحيل في أعضاء الحيوان لحما ويصير لبنا، على خلاف الصحيح من المذهب أن الاستحالة غير مطهرة، وسوف يأتي بإذن الله تحرير هذه المسألة في باب النجاسات. قال الشيخ الدبيان في "موسوعة الطهارة" (1/ 387): (لعل تعليل الكراهة عندهم بكونه مظنة وصول شيء من النجاسة إلى ماء المقبرة. والصحيح عدم الكراهة، والكراهة حكم شرعي يحتاج 'لى دليل شرعي، ولا دليل، وحتى لو كان هذا الإحتمال قائما فإن الشك في نجاسة الماء لا تجعل الطهارة منه مكروهة؛ لن الأصل الطهارة، ولا ننتقل عنها إلا إذا تيقنا تغيره بالنجاسة، والحنابلة يقولون: إذا شك في نجاسة ماء أو غيره أو في طهارته بنى على اليقين، وهنا كرهوا الطهارة من هذا الماء، إلا أن يكون سبب الكراهة عندهم وجود الخلاف في طهوريته، إذا كان ذلك كذلك فهو قول ضعيف أيضا، وقد قدمت أن الخلاف ليس من الأدلة الشرعية حتى يعلل به الكراهة). وعليه فالصحيح جواز التطهر بلا كراهة. 2 - ماء اشتد حره أو برده: قال: (وماء اشتد حره أو برده). قال ابن ضويان في " منار السبيل" (1/ 16): (لأنه يؤذي ويمنع كمال الطهارة). فائدة - هل التكاليف فيها مشقة وهل يجوز تقصدها؟ روى مسلم في "صحيحه" (1/ 129) (251) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا

هل يصح إطلاق لفظ التكاليف على جميع الأحكام الشرعية؟

ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط). وقد فسر ابن الأثير في "النهاية" المكاره بقوله: (هي جمع مَكْره وهو ما يكرهه الإنسان ويشق عليه والكره بالضم والفتح المشقة والمعنى أن يتوضأ مع البرد الشديد والعلل التي يتأذى معها بمس الماء ومع إعوازه والحاجة إلى طلبه والسعي في تحصيله أو ابتياعه بالثمن الغالي وما أشبه ذلك من الأسباب الشاقة). قال ابن القيم في "الوابل الصيب": (ص/12): (لله تعالى على العبد عبودية الضراء، كما أن له عبودية في السراء، وله عبودية عليه فيما يكره كما له عبودية فيما يحب وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون والشأن في إعطاء العبودية في المكاره ففيه تفاوت مراتب العباد وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية ومباشرة زوجته الحسناء التي يحبها عبودية ونفقته عليها وعلى عياله ونفسه عبودية هذا والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية وتركه المعصية التي اشتدت دواعي نفسه إليها من غير خوف من الناس عبودية ونفقته في الضراء عبودية ولكن فرق عظيم بين العبوديتين فمن كان عبدا لله في الحالتين قائما بحقه في المكروه والمحبوب فذلك الذي تناوله قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر: 36] ... ). وليس مقصود ابن القيم من قوله: (والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية) أن العبد يتقصد المشقة بل يحمل قوله على عدم وجود غير هذا الماء، وأن المشقة التي يتعرض لها العبد من التطهر به لا يترتب عليها ضرر بدني، وقد أقر النبي عمرو بن العاص - رضي الله عنه - على أنه يتمم خوفا على نفسه من الهلاك إن اغتسل في البرد الشديد. وقد كنت بحثت مسألة هل في التكاليف مشقة وهل يجوز تقصدها في شرحي لمختصر الأصول، وخلاصة ما قلته هناك. هل يصح إطلاق لفظ التكاليف على جميع الأحكام الشرعية؟ اختلف العلماء في حكم إطلاق لفظ التكاليف على جميع الأحكام الشرعية على قولين، ومن قال بالمنع إنما يتجه قوله لوصف جميع الأحكام الشرعية بأن فيها

بيان أن تقصد المشقة لا يجوز في شرعنا

مشقة وأن ذلك شرط لكي يصح نسبتها للشرع، ومن قال بالإثبات إنما يتجه قوله لكون بعض الأحكام الشرعية فيها نوع مشقة معتادة كمشقة البرد في الوضوء والغسل، ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، ومشقة السفر التي لا انفكاك للحج والجهاد عنها. وقد اتفقا على خروج المشقة العظيمة التي تتجاوز الحدود العادية والطاقة البشرية السوية، كالتي تؤدي إلى هلاك أحد الضرورات الخمس، فنحو هذه المشقات إنما هي مرفوعة عن الأمة، ولم يكلفنا الله بها، بل هي موجبة للرخصة والتخفيف كنحو إباحة التيمم للخوف من الاغتسال للجنابة من شدة البرد، ووجوب الفطر لكن خاف على نفسه التضرر بالصوم، ونحو ذلك مما هو معروف في محله. بيان أن تقصد المشقة لا يجوز في شرعنا (¬1): قال تقي الدين - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى" (10/ 622 - 623): (فأما كونه مشقاً فليس سبباً لفضل العمل ورجحانه، ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقّاً ففضله لمعنى غير مشقته، والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره، فيزداد الثواب بالمشقة ... فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب، هذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال، ولم يجعل علينا فيه حرج، ولا أريد بنا فيه العسر، وأما في شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة، وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوباً مقرباً إلى الله، لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا، وانقطاع القلب عن علاقة الجسد، وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم). وقد ثبت في شريعتنا ما يمنع من التكلف والتنطع في دين الله، لقوله تعالى: ( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص: 86] وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تملوا). ¬

_ (¬1) انظر بحث لسعود الزمانان حول هذه المسألة.

حكم استعمال هذا الماء الذي أشتد حره أو برده:

كما أنه لو قصد الشارع التكليف بالمشقة لما حصل الترخيص، فالرخص الشرعية أمر مقطوع به، ومعلوم من الدين بالضرورة، وهي لرفع الحرج والمشقة الواقعة على المكلفين، كرخص القصر، والفطر والجمع بين الصلاتين. حكم استعمال هذا الماء الذي أشتد حره أو برده: والأمر لا يخلو من تفصيل: إن احتاج لهذا الماء ولم يكن ثمَّ ضرر من استعماله ولم يمنعه من استيعاب محال الوضوء فلا كراهة فيه. وأما إن كان ثمَّ ضرر محقق أو غالب فلا يستعمل ويعدل إلى التيمم كما فعل عمرو وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما إن كان استعماله يؤدي إلى عدم استيعاب المحل بالغسل بأن يترك لمعا فلا يستعمل، وإن قيل بأنه يستعمله حسب قدرته فإن لم يستوعب تيمم لم يبعد. وأما إن خلا من المحاذير السابقة بأن لم يكن ثمَّ ضرر ولم يؤد إلى عدم استيعاب الأعضاء ولكنه استعمله مع وجود غيره فينظر إن كان يقصد المشقة على نفسه فيمنع من استعماله، وأما إن لم يقصد المشقة فلا يخلو الأمر من كراهة نظرا لشدة برده أو حره مما يظن معه تضرره أو عدم إسباغه للوضوء. 3 - ماء سخن بنجاسة: قال: (أو سخن بنجاسة). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 32): (محل الخلاف في المسخن بالنجاسة إذا لم يحتج إليه. فإن احتيج إليه زالت الكراهة , وكذا المشمس إذا قيل بالكراهة. قاله الشيخ تقي الدين) أقسام الماء المسخن بالنجاسة، وبيان مأخذ الكراهة: قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 27 - 28): (الماء المسخن بالنجاسة , فهو على ثلاثة أقسام: أحدها , أن يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء , فينجسه إذا كان يسيرا (¬1). والثاني , أن لا يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة ¬

_ (¬1) وسوف يأتي - بإذن الله - بيان أن الماء القليل لا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة ما لم تغيره.

إلى الماء والحائل غير حصين (¬1) , فالماء على أصل الطهارة , ويكره استعماله. وقال الشافعي: لا يكره ; {لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حماما بالجحفة}. ولنا , أنه ماء تردد بين الطهارة والنجاسة مع وجود سببها , فأقل أحواله الكراهة , والحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يروى عن ابن عباس , ولم يثبت أن الوقود كان نجسا , ولا أن الحائل كان غير حصين , والحديث قضية في عين لا يثبت به نفي الكراهة إلا في مثلها , ولا يثبت به نفي الكراهة على الإطلاق. القسم الثالث , إذا كان الحائل حصينا , فقال القاضي: يكره , واختار الشريف أبو جعفر , وابن عقيل , أنه لا يكره ; لأنه غير متردد في نجاسته , بخلاف التي قبلها. وذكر أبو الخطاب في كراهة المسخن بالنجاسة روايتين , على الإطلاق). قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (21/ 69): (وأما المسخن بالنجاسة فليس بنجس باتفاق الأئمة إذا لم يحصل له ما ينجسه وأما كراهته ففيها نزاع. لا كراهة فيه مذهب الشافعى وأبى حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما وكرهه مالك وأحمد في الرواية الأخرى عنهما وهذه الكراهة لها مأخذان: أحدهما احتمال وصول أجزاء النجاسة إلى الماء فيبقى مشكوكا في طهارته شكا مستندا إلى إمارة ظاهرة فعلى هذا المأخذ متى كان بين الوقود والماء حاجز حصين كمياه الحمامات لم يكره لأنه قد تيقن أن الماء لم تصل إليه النجاسة وهذه طريقة طائفة من أصحاب أحمد كالشريف أبى جعفر وابن عقيل وغيرهما والثاني أن سبب الكراهة كونه سخن بإيقاد النجاسة واستعمال النجاسة مكروه عندهم والحاصل بالمكروه مكروه وهذه طريقة القاضي وغيره فعلى هذا إنما الكراهة إذا كان التسخين حصل بالنجاسة فأما إذا كان غالب الوقود طاهرا أو شك فيه لم تكن هذه المسألة. وأما دخان النجاسة فهذا مبنى على أصل وهو أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة مثل أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحا طيبا كغيرها من الملح أو يصير الوقود رمادا وخرسفا وقصرملا ونحو ذلك ففيه للعلماء قولان أحدهما لا يطهر كقول الشافعى ¬

_ (¬1) غير حصين أي غير محكم وغير منيع.

وهو أحد القولين في مذهب مالك وهو المشهور عن أصحاب أحمد وإحدى الروايتين عنه والرواية الأخرى أنه طاهر وهذا مذهب أبى حنيفة ومالك في أحد القولين وأحدى الروايتين عن أحمد ومذهب أهل الظاهر وغيرهم أنها تطهر وهذا هو الصواب المقطوع به فان هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظا ولا معنى فليست محرمه ولا في معنى المحرم فلا وجه لتحريمها بل تتناولها نصوص الحل فإنها من الطيبات وهى أيضا في معنى ما اتفق على حله فالنص والقياس يقتضى تحليلها وأيضا فقد اتفقوا كلهم على الخمر إذا صارت خلا بفعل الله تعالى صارت حلالا طيبا واستحالة هذه الأعيان أعظم من استحالة الخمر والذين فرقوا بينهما قالوا الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة بخلاف الدم والميتة ولحم الخنزير وهذا الفرق ضعيف فان جميع النجاسات نجست أيضا بالاستحالة فإن الدم مستحيل عن أعيان طاهرة وكذلك العذرة والبول والحيوان النجس مستحيل عن مادة طاهرة مخلوقة وأيضا فإن الله تعالى حرم الخبائث لما قام بها من وصف الخبث كما أنه أباح الطيبات لما قام بها من وصف الطيب وهذه الأعيان المتنازع فيها ليس فيها شيء من وصف الخبث وإنما فيها وصف الطيب فإذا عرف هذا فعلى أصح القولين فالدخان والبخار المستحيل عن النجاسة طاهر لأنه أجزاء هوائية ونارية ومائية وليس فيه شيء من وصف الخبث وعلى القول الآخر فلا بد أن يعفى من ذلك عما يشق الاحتراز منه كما يعفى عما يشق الاحتراز منه على أصح القولين ومن حكم بنجاسة ذلك ولم يعف عما يشق الاحتراز منه فقوله أضعف الأقوال هذا إذا كان الوقود نجسا فأما الطاهر كالخشب والقصب والشوك فلا يؤثر باتفاق العلماء وكذلك أرواث ما يؤكل لحمه من الإبل والبقر والغنم والخيل فإنها طاهرة في أصح قولي العلماء والله أعلم). وعليه فالراجح في الماء المسخن بالنجاسة أنه طهور ولا يكره التطهر به، ما لم يتحقق وصول النجاسة إليه وتغييرها له.

4 - ماء سخن بمغصوب:

4 - ماء سخن بمغصوب: قال: (أو بمغصوب). قال البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 27): ((أو سخن بمغصوب) فطهور؛ لأنه ماء مطلق لم يطرأ عليه ما يسلبه الطهورية مكروه لاستعمال المغصوب فيه). والراجح أن الماء المسخن بالمغصوب طهور، ولا يكره التطهر به، وإنما عليه إثم الغصب. قال الشيخ ابن جبرين في "شفاء العليل شرح منار السبيل" (ص/93): (ولعل الأرجح أن الماء المسخن بالمغصوب لا يكره لعدم الدليل على كراهته - وهذه هي الرواية الثانية عن أحمد - ولكن يأثم الغاصب - كما هو معلوم -. 5 - ماء استعمل في طهارة لم تجب: قال: (أو استعمل في طهارة لم تجب أو في غسل كافر). والمقصود بالماء المستعمل هو الماء المنفصل عن أعضاء المتطهر لا الماء المتبقي الذي يعترف منه. قال ابن قدامة في المغني (1/ 29 - 30): (فصل: وإن استعمل في طهارة مستحبة غير واجبة , كالتجديد , والغسلة الثانية والثالثة في الوضوء , والغسل للجمعة والعيدين وغيرهما , ففيه روايتان: إحداهما أنه كالمستعمل في رفع الحدث ; لأنها طهارة مشروعة , أشبه ما لو اغتسل به من جنابة. والثانية ; لا يمنع ; لأنه لم يزل مانعا من الصلاة , أشبه ما لو تبرد به. فإن لم تكن الطهارة مشروعة لم يؤثر استعمال الماء فيها شيئا , وكان كما لو تبرد به , أو غسل به ثوبه , ولا تختلف الرواية أن ما استعمل في التبرد والتنظيف , أنه باق على إطلاقه , ولا نعلم فيه خلافا). قال الرحيباني في " مطالب أولي النهى" (1/ 29): (ماء (مستعمل في طهر لا يرفع) ذلك الطهر (حدثا) بأن استعمل في طهارة لم تجب (كتجديد وغسلة ثانية وثالثة) في وضوء وغسل (أو) استعمل (في غسل كافر) لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل خبثا (ولو) كان ذلك الكافر (كافرة) ذمية؛ اغتسلت (لحيض أو

6 - ماء تغير بملح مائي:

نفاس) لحل وطء زوجها المسلم لأن هذا الغسل لا يسلب الماء طهوريته لعدم أهليتها للنية). وقد علل ابن ضويان كراهة استعمال الماء المستعمل في غسل كافر بقوله: (أو في غسل كافر خروجا من خلاف من قال يسلبه الطهورية) وقد سبق ذكر أن الخلاف ليس من الأدلة الشرعية حتى تعلل به الكراهة. وقال الشيخ ابن جبرين في "شفاء العليل" (ص/94): (وأما التعليل بالخلاف فهو غير سديد لأنه يندر أن نجد ميألة لم يختلف فيها العلماء أو يخالف فيها بعضهم أو أحدهم، فالواجب النظر في هذا الخلاف فإن كان له حظ من النظر ساغ الخروج منه حينئذ، وأما ما عدا ذلك فلا، ولهذا قالوا: وليس كل خلاف جاء معتبرا ... إلا خلافا له حظ من النظر). ومما يستدل به على طهارة هذا الماء ما رواه أبو داود (1/ 32) (130) عن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها - (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده) حسنه ابن حجر، والماء المتبقي في يده - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أنه يكون بعد الغسلة الأولى لليد، فيكون مسح الرأس بماء استعمل في رفع حدث، فيدل على مسألتنا بالأولى، ويحتمل أن يكون بعد الغسلة الثانية أو الثالثة فيكون على هذا الاحتمال دليلا في مسألتنا. وعليه فالراجح عدم كراهة هذا الماء، قال الشيخ ابن جبرين: (لأنه ماء طاهر قد لاقى محلا طاهرا فبقي طاهرا غير مكروه بوجه من الوجوه، ولا دليل لمن قال بكراهته). 6 - ماء تغير بملح مائي: قال: (أو تغير بملح مائي). الملح المائي هو الملح المنعقد من الماء، ويمكن الحصول عليه من الملاحات البحرية التي تتكون من تبخر الماء. والملح المائي هو الملح المستخدم في الطعام، وهو يمازج الماء ويذوب فيه فيكسبه طعما مالحا.

وقيده بالمائي: احترازاً من الملح المعدني، وهو ما يستخرج من باطن الأرض فهذا يسمى ملحاً معدنياً، أو حجريا، والملح المعدني في المذهب إذا خالط الماء فإن يسلبه الطهورية، ويجعله طاهرا. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 23): (قوله: "أو ما أصله الماء كالملح البحري" صرح بطهوريته مطلقا وهو المذهب وعليه جمهور الأصحاب وجمهورهم جزم به منهم صاحب المذهب والمستوعب والمغني والكافي والشرح والمحرر والرعايتين والنظم وبن تميم وبن رزين وبن منجا في شرحه وبن عبدوس في تذكرته والوجيز والحاويين والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع وقيل يسلبه إذا وضع قصدا وخرجه في الرعايتين على التراب إذا وضع قصدا وصرح أيضا أنه غير مكروه الاستعمال وهو المذهب جزم به بن منجا في شرحه وهو ظاهر ما جزم به في الشرح وبن عبيدان ومجمع البحرين وقيل يكره جزم به في الرعايتين. تنبيه: مفهوم قوله أو ما أصله الماء كالملح البحري أنه إذا تغير بالملح المعدني أنه يسلبه الطهورية وهو الصحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقيل حكمه حكم الملح البحري اختاره الشيخ تقي الدين) (¬1). الترجيح: الشرع لا يفرق بين المتماثلات فهذا الماء الذي وضع فيه ملح مائي هو من ناحية النتيجة كماء البحر، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على طهورية ماء البحر والحكم على الأول بالكراهة دون الثاني وتعليل ذلك بالخلاف لا يصح كما تقدم مرارا، فالراجح أن هذا الماء طهور ولا كراهة في استعماله في رفع الحدث. فائدة: قول المرداوي: (صرح أيضا أنه غير مكروه الاستعمال وهو المذهب جزم به بن منجا في شرحه وهو ظاهر ما جزم به في الشرح وبن عبيدان ومجمع البحرين وقيل يكره جزم به في الرعايتين) يدل على أن المذهب عدم كراهة الماء المتغير بالملح المائي على خلاف ما اختاره الشيخ مرعي، ولعله راعى الخلاف. ¬

_ (¬1) انظر المغني (1/ 25).

7 - ماء متغير بما لا يمازجه:

7 - ماء متغير بما لا يمازجه: وننبه إلى أن الخلاف في الكراهة، وليس في طهوريته: قال: (أو بما لا يمازجه كتغيره بالعود القَماري وقطع الكافور والدُهْن). قال ابن مفلح في "الفروع" (1/ 47): (وإن غيره غير ممازج كدهن وقطع كافور فطهور في الأصح (م)). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 22): (فائدة مراده بالعود العود القَماري منسوب إلى قِمار موضع ببلاد الهند وهو بفتح القاف ومراده بالكافور قطع الكافور بدليل قوله أو لا يخالطه فإنه لو كان غير قطع لخالط وهو واضح. تنبيه: صرح المصنف أن العود والكافور والدهن إذا غير الماء غير مكروه الاستعمال وهو أحد الوجهين جزم به بن منجا في شرحه وهو ظاهر ما جزم به الشارح وبن عبيدان ومجمع البحرين وقيل مكروه جزم به في الرعاية الكبرى قلت وهو الصواب للخلاف في طهوريته). والراجح أنه طهور ولا يكره التطهر به، وطالما أن ما ذكر لا يمازج الماء فإنه لا يخرجه عن إطلاقه، فتشمله الأدلة التي سبق ذكرها عند الانتصار لكون قسمة الماء ثنائية لا ثلاثية، والتعليل بالخلاف عليل كما سبق. ماء زمزم: قوله: (ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث). قال ابن قدامة قال في المغني (1/ 27): (ولا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم ; لأنه ماء طهور , فأشبه سائر المياه. وعنه: يكره لقول العباس لا أحلها لمغتسل , لكن لمحرم حل وبِلّ (¬1) ; ولأنه يزيل به مانعا من الصلاة , أشبه إزالة النجاسة به. والأول أولى , وقول العباس لا يؤخذ بصريحه في التحريم , ففي غيره أولى , وشرفه لا يوجب الكراهة لاستعماله , كالماء الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم كفه , أو اغتسل منه). ¬

_ (¬1) حل وبل مشدد اللام البل المباح بلغة حمير بكسر الباء وقيل هو أتباع وقيل لا يأتي الإتباع بواو العطف وقيل بل شفاء من قولهم بل من مرضه كما قال فيها شفاء سقم. انظر مشارق الأنوار مادة (ب ل ل).

والراجح القول بكراهة الاغتسال منه وإزالة الخبث وجواز الوضوء بلا كراهة: ومن الأدلة على ذلك: حجة من ذهب إلى جواز الوضوء منها ما رواه ما عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/ 76) بإسناد حسن عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مطولا وفيه: (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ). وحجة من ذهب إلى منع الاغتسال منها: ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (5/ 114) (9114) عن معمر قال أخبرني بن طاووس عن أبيه قال أخبرني من سمع عباس بن عبد المطلب يقول وهو قائم عند زمزم وهو يرفع ثيابه بيده وهو يقول: (اللهم إني لا أحلها لمغتسل ولكن هي لشارب أحسبه قال ومتوضئ حل وبل). ورواته ثقات إلا أن فيه جهالة الراوي عن العباس - رضي الله عنه -. ورواه أحمد في "العلل" (2/ 187) (1950) من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر قال سمعت العباس وذكر زمزم فقال: (هي حل وبل لا أحلها لمغتسل) ورواته ثقات غير عاصم، وهو ابن بهدلة قال عنه ابن حجر: "صدوق له أوهام" فمثله حسن الحديث. وروى عبد الرزاق في "مصنفه" (5/ 114) (9115) عن معمر عن بن طاووس عن أبيه أنه سمع بن عباس يقول أيضا وهو قائم عند زمزم بنحو قول العباس السابق، ورواته ثقات ورواه أبو عبيد في "الطهور" (ص/199) (142)، والأزرقي في "أخبار مكة" (2/ 54) من طريق سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس بنحوه، ورواته ثقات. والبعض يخصص قول ابن عباس بأنه نهي عن الاغتسال منها في المسجد، ويعلل النهي بكشف العورة، والإبقاء على عموم اللفظ أولى وخاصة ورودها من طرق أخرى مختلفة المخرج ليس فيها هذا القيد. وأما قول ابن قدامة: (وقول العباس لا يؤخذ بصريحه في التحريم , ففي غيره أولى) وقول العباس عضده قول ابن عباس رضي الله عنهم، ليس لهما مخالف

فائدة - حكم الاغتسال المستحب من ماء زمزم:

من الصحابة فالأخذ بقولهما أولى. وأما قوله: (وشرفه لا يوجب الكراهة لاستعماله , كالماء الذي وضع فيه النبي صلى الله عليه وسلم كفه , أو اغتسل منه) الفرق بينهما أن الماء الذي نبع من بين أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان مباركا فقد أجراه الله معجزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - لحاجتهم إليه فكان من تمام التفضل عدم التضييق عليهم في استعماله بخلاف مسألتنا فالفرض حكم استعمالها في الاغتسال ونحوه عند عدم الحاجة إليه فافترقا. ووجه قياس ابن قدامة عند الحاجة فلا يعدل من لم يجد غيره إلى التيمم بل يغتسل منه، ويزيل به الخبث. قال تقي الدين في "الفتاوى الكبرى" (5/ 74 - 75): (قد كان العباس بن عبد المطلب يقول في ماء زمزم لا أحله لمغتسل ولكن لشارب حل وبل , وروي عنه أنه قال لشارب ومتوضئ. ولهذا اختلف العلماء هل يكره الغسل والوضوء من ماء زمزم , وذكروا فيه روايتين عن أحمد. والشافعي احتج بحديث العباس , والمرخص احتج بحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم {توضأ من ماء زمزم} , والصحابة توضئوا من الماء الذي نبع من بين أصابعه مع بركته , لكن هذا وقت حاجة , والصحيح أن النهي من العباس إنما جاء عن الغسل فقط لا عن الوضوء. والتفريق بين الغسل والوضوء هو لهذا الوجه , فإن الغسل يشبه إزالة النجاسة , ولهذا يجب أن يغسل من الجنابة ما يجب أن يغسل من النجاسة , وحينئذ فصون هذه المياه المباركة من النجاسات متوجه بخلاف صونها من التراب ونحوه من الطاهرات. والله أعلم). فائدة - حكم الاغتسال المستحب من ماء زمزم: ظاهر كلام تقي الدين السابق أنه يخص النهي عن غسل الجنابة ونحوه مما فيه حدث، وقد صرح بذلك ابن ضويان فقال في "منار السبيل" (1/ 16): (وخص الشيخ تقي الدين الكراهة بغسل الجنابة) والراجح الإبقاء على عموم كلام العباس وابن عباس لعدم وجود المخصص فلا يغتسل من ماء زمزم للجمعة ولا للإحرام ولا للعيدين، ونحو ذلك اللهم أن يكون الاغتسال للاستشفاء فيدخل في عموم قوله

النوع الرابع - ماء لا يكره استعماله:

- صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البزار في "مسنده" (9/ 361) (3929)، والطحاوي في "المشكل" (5/ 112) (1863) من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زمزم طعام طعم وشفاء سقم) ورواته ثقات. النوع الرابع - ماء لا يكره استعماله: ومنه - ماء البحر: قال: (وماء لا يكره استعماله كماء البحر) والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته). أخرجه أبو داود (1/ 21) (83)، الترمذي (1/ 100) (69)، وقال: حسن صحيح، والنسائي (1/ 50) (59)، وابن ماجه (1/ 136) (386)، وأحمد (2/ 361)، ومالك، (1/ 22) (41)، والدارمي (1/ 201) (729) والحديث صححه البخاري والحاكم وابن حبان وابن المنذر والطحاوي، وغيرهم. وقد نقل كراهة التوضؤ منه عن ابن عمر وابن عمرو وابن المسيب، وقولهم لا يعارض به المرفوع وخاصة وان هذا الحديث تلقته الأمة بالقبول، وعلله ابن عمرو بقوله: (إن تحت بحركم هذا نارا، وتحت النار بحر، وتحت البحر نار، وتحت النار بحر حتى عد سبعة أبحر وسبعة أنور، لا يجزي منه الوضوء ولا الغسل من الجنابة والتيمم أعجب إلي) كما رواه عنه ابن المنذر في الأوسط (1/ 249) (163) ولا يبعد أن يكون تحمله عن أهل الكتاب، قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 23) بعد أن استدل على طهوريته بالحديث السابق: (وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال من لم يطهره ماء البحر فلا طهره الله ولأنه ماء باق على أصل خلقته فجاز الوضوء به كالعذب وقولهم هو نار إن أريد به أنه نار في الحال فهو خلاف الحس وإن أريد أنه يصير نارا لم يمنع ذلك الوضوء به حال كونه ماء).

- ماء الآبار والعيون والأنهار:

- ماء الآبار والعيون والأنهار: قال: (والآبار والعيون والأنهار) قال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 16): (لحديث أبي سعيد قال قيل يارسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شيء رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحديث أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء (¬1)). - ماء الحمام: قال: (والحمام) الحمام مشدد، وهو مشتق من الحميم، والحميم الماء الساخن، ومن سمى الحمَّام حَمَّامًا لإسخانه من دخله، وقيل للمحموم محمومًا لسخونة جسده بالحرارة، ومنه قوله: (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [الرحمن: 44] يراد به ماء قد أسخن فَأَنَّ حَرُّه، واشتد حتى انتهى إلى غايته (¬2). قال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 17) معللا عدم كراهة استعمال ماء الحمام: (لأن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا فيه (¬3) ومن نقل عنه الكراهة علل بخوف مشاهدة العورة أو قصد التنعم به ذكره في المبدع وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن عمر أنه كان يسخن له ماء في قمقم فيغتسل به (¬4) وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر إنه كان يغتسل بالحميم (¬5)). - الماء المسخن بالشمس: قال: (والمسخن بالشمس) قال المراداوي في "الإنصاف" (1/ 24): (قوله: "أو سخن بالشمس" صرح ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) انظر: تحرير ألفاظ التنبيه (ص/58)، وشرح ابن بطال (/ ... ). (¬3) انظر مصنف ابن أبي شيبة (1/ 103). (¬4) صححه الشيخ الألباني في "الإرواء" (16). (¬5) صححه الشيخ الألباني في المصدر السابق (17).

- الماء المتغير بطول المكث:

بعدم الكراهة مطلقا وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وقطع به أكثرهم منهم القاضي في الجامع الصغير وصاحب الهداية والفصول والمذهب والمستوعب والكافي والمغني والشرح والتلخيص والبلغة والمحرر والخلاصة والوجيز وتذكرة بن عبدوس وتجريد العناية وغيرهم وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين ومجمع البحرين وبن تميم والفائق وغيرهم. وقيل يكره مطلقا قال الآجري في النصيحة يكره المشمس يقال يورث البرص وقاله التميمي قاله في الفائق. وقيل يكره إن قصد تشميسه قاله التميمي أيضا حكاه عنه في الحاوي. وقال بن رجب في الطبقات قرأت بخط الشيخ تقي الدين أن أبا محمد رزق الله التميمي وافق جده أبا الحسن التميمي على كراهة المسخن بالشمس. فائدة: حيث قلنا بالكراهة فمحله إذا كان في آنية واستعمله في جسده ولو في طعام يأكله أما لو سخن بالشمس ماء العيون ونحوها لم يكره قولا واحدا قال في الرعاية اتفاقا. وحيث قلنا يكره لم تزل الكراهة إذا برد على الصحيح جزم به في الرعاية الكبرى وقيل تزول وهما احتمالان مطلقان في الفروع). وما ورد من أن الماء المشمس يورث البرص لا يصح، فقد مرفوعا ورد عن عائشة، وأنس، وموقوفا على عمر - رضي الله عنهم -، ولا يصح شيء منها، وانظر الإرواء (1/ 50) (18) فقد فصل القول في بيان عللهم وحكم على حديث عائشة بالوضع (¬1). - الماء المتغير بطول المكث: قال: (والمتغير بطول المكث) قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 26): (الماء الآجن وهو الذي يتغير بطول مكثه في المكان من غير مخالطة شيء بغيره باق على إطلاقه في قول أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم على الوضوء بالماء ¬

_ (¬1) وانظر المنار المنيف (ص/51)، الموضوعات لابن الجوزي (2/ 6).

- الماء المتغير بالريح من نحو ميتة:

الآجن من غير نجاسة حلت فيه جائز غير ابن سيرين فإنه كره ذلك وقول الجمهور أولى فإنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر كأن ماءه نقاعة الحناء ولأنه تغير من غير مخالطة). قال ابن ضويان (1/ 17): (وكذلك ما تغير في آنية الأدم (¬1) والنحاس لأن الصحابة كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم وهي تغير أوصاف الماء عادة ولم يكونوا يتيممون معها). - الماء المتغير بالريح من نحو ميتة: قال: (أو بالريح من نحو ميتة) وهذه حالة خاصة مما تغير فيه أحد أوصاف الماء - أي الريح - بنجاسة، ومع ذلك لا ينجس الماء بالاتفاق؛ لأن التغير لم يكن عن مخالطة، بل عن مجاورة. قال إبراهيم بن مفلح في " المبدع" (1/ 37): ((أو ما تروح بريح ميتة إلى جانبه) بغير خلاف نعلمه لأنه تغير مجاورة). وقال ابن قاسم في " حاشية الروض المربع" (1/ 67): (لأنه تغير مجاورة، كإن كان إلى جانب الماء جيفة، أو عذرة أو غيرهما، فنقلت الريح رائحة ذلك إلى الماء فتغير ومنه لو سد فم الإناء بشجر أو نحوه فتغير منه الماء من غير مخالطة لشيء منه وينضبط المجاور بما يمكن فصله، والممازج بما لا يمكن فصله، وإن كان مما يسمى مخالطة عند الإطلاق مجاورة في الحقيقة، فالنظر إلى تصرف اللسان، فإن أرباب اللسان قسموا التغير إلى مجاورة ومخالطة). قال الشيخ العثيمين في " الشرح الممتع" (1/ 35): (ولا شكَّ أن الأَوْلَى التنزُّه عنه إن أمكن، فإِذا وُجِدَ ماء لم يتغيَّر فهو أفضل، وأبعد من أن يتلوَّث بماء رائحته خبيثة نجسة، وربما يكون فيه من النَّاحية الطبيَّة ضرر، فقد تحمل هذه الروائح مكروبات تَحُلُّ في هذا الماء). وكلام الشيخ العثيمين له وجه. ¬

_ (¬1) جمع أديم وهو الجلد.

- الماء المتغير بما يشق صون الماء عنه ما لم يوضع:

- الماء المتغير بما يشق صون الماء عنه ما لم يوضع: قال: (أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب وورق شجر ما لم يوضعا). والحكم بعدم الكراهة هنا للمشقة الناتجة عن عدم انفكاكه وصعوبة التحرز منه، والمشقة تجلب التيسير، بعكس ما لو وضع قصدا، أو لم يكن مما يشق التحرز منه كما سيأتي. قال ابن قدامة في " الكافي" (1/ 4): (ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب وسائر ما ينبت في الماء وما يجري عليه الماء من الكبريت والقار وغيرهما وورق الشجر على السواقي والبرك وما تلقيه الريح والسيول في الماء من الحشيش والتبن ونحوهما فلا يمنع لأنه لا يمكن صون الماء عنه). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 22): (قوله: (وما تغير بمكثه أو بطاهر لا يمكن صونه عنه) أي صون الماء عن الساقط قطع المصنف بعدم الكراهة في ذلك وهو المذهب صرح به جماعة من الأصحاب وهو ظاهر كلام أكثرهم وقدمه في الفروع وقال في المحرر لا بأس بما تغير بمقره أو بما يشق صونه عنه وقيل يكره فيهما جزم به في الرعاية الكبرى. تنبيه - مفهوم قوله: (لا يمكن صونه عنه) أنه لو أمكن صونه عنه أو وضع قصدا أنه يؤثر فيه، وليس على إطلاقه على ما يأتي فيما إذا تغير أحد أوصافه أو تغير تغيرا يسيرا) يشير إلى الخلاف فيما يسلب الماء طهوريته هل إذا تغير كثير صفة كتغير صفة كاملة، وهل يعفى عن تغير يسير صفة أم لا؟ واختلفوا هل التغير اليسير في الطعن واللون يسلبه الطهورية، هل يعفى عن يسير التغير في الرائحة دون غيرها على أقوال في المذهب، وسوف يأتي - بإذن الله - الكلام عنها في القسم الثاني وهو الماء الطاهر. لاحظ أن جمهور الحنابلة الذين قسموا الماء قسمة ثلاثية مثلوا للنوع الأول وهو الطهور ببعض المتغيرات وتحكموا في التفريق بين المثماثلات في التغير كأن يتغير عن مخالطة، أو عن مجاورة، وفرقوا بين ما يشق صون الماء عنه وما لا يشق، وبين وضع ما وضع قصدا، وما لم يوضع قصدا، وحكموا على بعضها بالكراهة

القسم الثاني: الماء الطاهر

، وبعضها بعدم الكراهة، وهذا مما يؤكد أن الراجح ما اختاره تقي الدين من أن قسمة الماء ثنائية، وقد سبق كلامه. القسم الثاني: الماء الطاهر: قال: (الثاني: طاهر يجوز استعماله في غير رفع الحدث وزوال الخبث وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر فإن زال تغيره بنفسه عاد إلى طهوريته). بدأ الماتن - رحمه الله - في الكلام على القسم الثاني من أقسام المياه التي ذكرها، وهو الماء الطاهر - أي في نفسه غير مطهر لغيره -. وفي كلامه مسائل: تعريفه: من الأفضل أن نرجئ الكلام على تعريفه حتى ننتهي من الكلام على أقسامه حتى نستطيع أن نحصر جميع فواصله ليكون التعريف جامعا مانعا. استعمالاته: قال: (يجوز استعماله في غير رفع الحدث وزوال الخبث). يعني في الطعام والشراب ونحو ذلك من العادات. وظاهر عبارته أنه يجوز استعماله في طهارة مستحبة وقد ردَّ ذلك اللبدي حيث قال في "حاشيته على نيل المآرب" (ص/12) معقبا على العبارة السابقة: (أي ونحوهما, فلا يصح أن يُغَسل به ميت, ولا غسل يدي قائم من نوم ليل ولا أنثيي من نزل منه مذي, ولا غسل مستحب, كغسل الجمعة, ولا وضوء مسنون, ونحو ذلك, مع أن هذا ليس رفع حدث, ولا إزالة خبث, ففي عبارته قصور). قال البهوتي في " كشاف القناع" (1/ 37): ((وجميع المياه المعتصرة من النباتات الطاهرة وكل طاهر) من الأقسام السابقة وغيرها (يجوز شربه والطبخ به والعجن) به (ونحوه) كالتبرد به لقوله تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ) [الأعراف: 157] ولا يصح استعماله في رفع الحدث ولا في (إزالة النجس ولا في طهارة مندوبة) لأنه غير مطهر).

حكم إزالة الخبث بالماء الطاهر:

وقال ابن قاسم في "حاشيته على الروض" (1/ 80): (وحكمه - أي الماء الطاهر غير المطهر - أنه لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث ولا يستعمل في طهارة مندوبة، وإنما يستعمل في العادات دون العبادات، وجعلوه في الوسط لسلب أحد الوصفين منه، وبقاء الآخر). وبعض أنواعه لا يزال بها الحدث اتفاقا لخروجها عن إطلاق الماء، والبعض الراجح عدم سلب طهوريته بتغيره كما سيأتي بإذن الله في الكلام على أنواعه. حكم إزالة الخبث بالماء الطاهر: قال ابن مفلح في " الفروع" (1/ 223): (لا يجوز إزالة نجاسة إلا بماء طهور (وم ش) وقيل مباح (خ) وقيل أو طاهر وعنه بكل مائع طاهر مزيل كخل اختاره ابن عقيل وشيخنا (وهـ)). الراجح أن الماء الطاهر بكل أنواعه يزيل الخبث سواء أكان تغير الماء بالطبخ حتى يخرج الماء عن إطلاقه ويتحول إلى مائع آخر، أو كان بما لا يخرجه عن إطلاقه كما سيأتي - بإذن الله تفصيل أنواعه -. فرع - يجوز إزالة النجاسة بغير الماء الطهور: قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (21/ 474): (وأما إزالة النجاسة بغير الماء ففيها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد: أحدها: المنع كقول الشافعي وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد. والثاني: الجواز كقول أبي حنيفة وهو القول الثاني في مذهب مالك وأحمد. والقول الثالث: في مذهب أحمد أن ذلك يجوز للحاجة كما في طهارة فم الهرة بريقها وطهارة أفواه الصبيان بأرياقهم ونحو ذلك. والسنة قد جاءت بالأمر بالماء في قوله لأسماء: (حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء) وقوله في آنية المجوس: (إرحضوها ثم اغسلوها بالماء) (¬1) وقوله في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد: (صبوا على بوله ذنوبا من ماء) فأمر بالإزالة بالماء في قضايا معينة ولم يأمر أمرا عاما بأن تزال كل نجاسة بالماء. ¬

_ (¬1) هكذا ساق تقي الدين لفظه، والرحض هو الغسل، ولفظ الحديث عند أحمد وغيره: (إن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء واطبخوا فيها).

وقد أذن في إزالتها بغير الماء في مواضع:

وقد أذن في إزالتها بغير الماء في مواضع: منها: الاستجمار بالحجارة، ومنها: قوله في النعلين: (ثم ليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور)، ومنها: قوله في الذيل: (يطهره ما بعده) ومنها: أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله ثم لم يكونوا يغسلون ذلك، ومنها قوله في الهر: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات) مع أن الهر في العادة يأكل الفأر ولم يكن هناك قناة ترد عليها تطهر بها أفواهها بالماء بل طهورها ريقها، ومنها: أن الخمر المنقلبة بنفسها تطهر باتفاق المسلمين. وإذا كان كذلك فالراجح في هذه المسألة أن النجاسة متى زالت بأي وجه كان زال حكمها فإن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة لما في ذلك من فساد الأموال كما لا يجوز الاستنجاء بها ... ). وطالما أنه يجوز إزالة الخبث بكل مائع فبالأولى بالماء الطاهر. التغير الذي يسلب الماء طهوريته: التغير الذي يسلب الماء الطهورية - على أساس القسمة الثلاثية - يكون بأحد هذه الأمور: أ- العلاج. ب- الطبخ. قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات " (1/ 17): (النوع (الثاني) من المياه (طاهر) غير مطهر (كماء ورد) وكل مستخرج بعلاج لأنه لا يصدق عليه اسم الماء بلا قيد , ولا يلزم من وكل في شراء ماء قبوله. (و) ك (طهور تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه) بمخالط طاهر طبخ فيه , كماء الباقلاء والحمص). ج _ بوضع ما يشق صون الماء عنه كالطحلب. د- بمزج ما لا يشق صون الماء عنه. قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (1/ 36): ((ولو) كان التغير (بوضع ما يشق صونه عنه , كطحلب) فيسلبه الطهورية إن تغير كثير من لونه أو طعمه

قوله: (وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر).

أو ريحه (أو) كان التغير (بخلط ما لا يشق) صون الماء عنه (مطلقا) , أي: سواء كان بصنع عاقل أو غيره: (كخل) وحبر ونحوهما ; لأنه ليس بماء مطلق). قوله: (وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر). لابد من تقييد الطاهر المغير بأن يكون (¬1): 1 - من غير جنس الماء كالملح المعدني، وذلك تحرزا من الملح المائي فإنه طاهر ويغير الماء ولكنه لا يسلبه طهوريته. قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 25): (الملح الذي أصله الماء كالبحري , والملح الذي ينعقد من الماء الذي يرسل على السبخة فيصير ملحا , فلا يسلب الطهورية ; لأن أصله الماء , فهو كالجليد والثلج , وإن كان معدنا ليس أصله الماء فهو كالزعفران وغيره). 2 - أن يكون برضع ما يشق صون الماء عنه، فما يشق صون الماء عنه كالطحلب وورق الشجر إن غيَّر الماء لا يسلبه الطهورية ولكنه إن وضع قصدا سلبه الطهورية. 3 - أن يكون غير موافق للماء في الطهورية كالتراب فإنه لا يسلب الماء طهوريته. قال ابن قدامة في المغني (1/ 25): (ما يوافق الماء في صفتيه الطهارة والطهورية , كالتراب إذا غَيَّر الماء لا يمنع الطهورية ; لأنه طاهر مطهر كالماء , فإن ثخن بحيث لا يجري على الأعضاء لم تجز الطهارة به ; لأنه طين وليس بماء , ولا فرق في التراب بين وقوعه في الماء عن قصد أو غير قصد). 4 - أن يكون مما يمازج الماء كالزعفران والحبر، ونحوهما، وذلك تحرزا مما لا يمازجه كالدهن فإنه لا يسلب الماء طهوريته. 5 - ألا يكون في محل التطهير تحرزا مما لو كان التغير في محل التطهير فإنه لا يسلبه الطهورية. ¬

_ (¬1) وقد نبه ابن أبي تغلب في "نيل المآرب" (ص/10) على الأول والثاني.

قال البهوتي في كشاف القناع (1/ 30 - 31): ((في محله) أي التطهير فهو طهور كما لو تغير الماء بزعفران في محل الوضوء أو الغسل فهو طهور ما دام في محل التطهير لمشقة التحرز). قال ابن تيمية في "شرح العمدة" (1/ 72): (ولا أثر الماء في محل التطهير مثل أن يكون على بدن المغتسل زعفران أو سدر أو خطمي فتغير به لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل المحرم وغسل ابنته بماء وسدر وأمر قيس بن عاصم أن يغتسل بماء وسدر ولأن هذا تدعو إليه الحاجة). 6 - ألا يكون تمرا ويصير نبيذا ويشتد، وهذه حالة خاصة من التغير الكثير لأحد أوصاف الماء بالطاهر وتحوله إلى طاهر أيضا، فالنبيذ إذا اشتد أو أتى عليه ثلاثة أيام فإنه يصير نجسا، وسيأتي الكلام على هذه المسألة - إن شاء الله -. الأقوال في حد التغير الذي يسلب الماء طهوريته: اعتبر الماتن التغير الذي يسلب الماء طهوريته هو ما كان لكثير من أحد صفاته، وفي المذهب أقوال أخر. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 34): (تغير كثير من الصفة كتغير صفة كاملة وأما تغير يسير من الصفة فالصحيح من المذهب أنه يعفى عنه مطلقا اختاره المجد في شرحه وصاحب مجمع البحرين وقدمه في الفروع وقيل هو كتغير صفة كاملة اختاره أبو الخطاب وبن المنى وهو ظاهر ما قدمه في المحرر وصححه شيخنا في تصحيح المحرر ونقل عن القاضي أنه قال في شرح الخرقي اتفق الأصحاب على السلب باليسير في الطعم واللون وقاله بن حامد في الريح أيضا انتهى وقيل الخلاف روايتان وأطلقهما في الرعايتين والحاويين والنظم وبن تميم والفائق والزركشي وقيل يعفى عن يسير الرائحة دون غيرها واختاره الخرقي قال في الرعاية الكبرى وهو أظهر وجزم به في الإفادات). والراجح أنه يعفى مطلقا عن التغير اليسير للصفة. قال تقي الدين في "شرح العمدة" (1/ 71): (في التغير اليسير ثلاثة أوجه أحدها أنه كالكثير والثاني في الفرق بين الرائحة وغيرها والثالث العفو عنه مطلقا وهو أصح).

فائدتان:

وأما إن كان التغير لكثير صفة أو لصفة كاملة من صفات الماء فهنا يختلف الأمر تبعا لاختلاف أنواعه. فائدتان: الفائدة الأولى - حد التغير الكثير: قال تقي الدين في " مجموع الفتاوى" (21/ 28): (إن سوى بين التغير اليسير والكثير مطلقا كان مخالفا للنص وإن فرق بينهما لم يكن للفرق بينهما حد منضبط لا بلغة ولا شرع ولا عقل ولا عرف). وهناك أنواعا من التغير تخرج الماء عن إطلاقه بحيث لا يسمى ماء بإطلاق بل يسمى مضافا كماء طبخ فيه باقلاء فأصبح ماء باقلاء مغلي ونحو ذلك، ومن الماء المضاف ماء الورد وهو الناتج عن معالجة فلا يصدق عليه اسم الماء بلا قيد، ومنه أيضا ما خالطه طاهر فغير اسمه وغلب على أجزائه حتى صار صبغا أو حبرا أو خلا أو مرقا ونحو ذلك، وفرق بين أن نقول ماء وقع فيه حبر أو زعفران وبين أن نقول زعفران أو حبر فيه ماء، فالأول الراجح فيه أن التغيير لم يخرجه عن إطلاقه وأنه لا يزال يتناوله اسم الماء، وأما الثاني فالتغير أخرجه عن اسمه فلا يشمله اسم الماء، ولا يطلب الري بشربه. قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 24): (إن المضاف لا تحصل به الطهارة وهو على ثلاثة أضرب أحدها: ما لا تحصل به الطهارة رواية واحدة وهو على ثلاثة أنواع أحدها ما اعتصر من الطاهرات كماء الورد وماء القرنفل وما ينزل من عروق الشجر إذا قطعت رطبة. الثاني: ما خالطه طاهر فغير اسمه وغلب على أجزائه حتى صار صبغا أو حبرا أو خلا أو مرقا ونحو ذلك. الثالث: ما طبخ فيه طاهر فتغير به كماء الباقلا المغلي فجميع هذه الأنواع لا يجوز الوضوء بها ولا الغسل، لا نعلم فيه خلافا إلا ما حكي عن ابن أبي ليلى والأصم في المياه المعتصرة أنها طهور يرتفع بها الحدث ويزال بها النجس ولأصحاب الشافعي وجه في ماء الباقلا المغلي وسائر من بلغنا قوله من أهل العلم على خلافهم.

الفائدة الثانية - ما يجوز الوضوء به من الماء المضاف:

قال أبو بكر بن المنذر أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم أن الوضوء غير جائز بماء الورد وماء الشجر وماء العصفر ولا تجوز الطهارة إلا بماء مطلق يقع عليه اسم الماء ولأن الطهارة إنما تجوز بالماء وهذا لا يقع عليه اسم الماء بإطلاقه) (¬1). وغير هذه الأنواع مما سبق ذكره لا تخرج الماء عن إطلاقه وتدخل على الراجح في الماء الطهور. الفائدة الثانية - ما يجوز الوضوء به من الماء المضاف: قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 25): (من المضاف ما يجوز الوضوء به رواية واحدة وهو أربعة أنواع: أحدها: ما أضيف إلى محله ومقره كماء النهر والبئر وأشباههما لهذا لا ينفك منه ماء وهي إضافة إلى غير مخالط، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم. الثاني: ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب وسائر ما ينبت في الماء وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء أو تحمله الريح فتلقيه فيه وما تجذبه السيول من العيدان والتبن ونحوه فتلقيه في الماء وما هو في قرار الماء كالكبريت والقار وغيرهما إذا جرى عليه الماء فتغير به أو كان في الأرض التي يقف الماء فيها وهذا كله يعفى عنه؛ لأنه يشق التحرز منه. فإن أخذ شيء من ذلك فألقي في الماء وغيره كان حكمه حكم ما يمكن التحرز منه من الزعفران ونحوه؛ لأن الاحتراز منه ممكن. الثالث: ما يوافق الماء في صفتيه الطهارة والطهورية كالتراب إذا غير الماء لا يمنع الطهورية؛ لأنه طاهر مطهر كالماء فإن ثخن بحيث لا يجري على الأعضاء لم تجز الطهارة به؛ لأنه طين وليس بماء ولا فرق في التراب بين وقوعه في الماء عن قصد أو غير قصد وكذلك الملح الذي أصله الماء كالبحري والملح الذي ينعقد من الماء الذي يرسل على السبخة فيصير ملحا فلا يسلب الطهورية؛ لأن أصله الماء فهو كالجليد والثلج وإن كان معدنيا ليس أصله الماء فهو كالزعفران وغيره. الرابع: ما يتغير به الماء بمجاورته من غير مخالطة كالدهن على اختلاف ¬

_ (¬1) وانظر: " شرح منتهى الإرادات" (1/ 17).

متى يعود الماء الطاهر المتغير لطهوريته:

أنواعه والطاهرات الصلبة كالعود والكافور والعنبر إذا لم يهلك في الماء ولم يمع فيه لا يخرج به عن إطلاقه؛ لأنه تغيير مجاورة أشبه ما لو تروح الماء بريح شيء على جانبه ولا نعلم في هذه الأنواع خلافا. وفي معنى المتغير بالدهن ما تغير بالقطران والزفت والشمع؛ لأن في ذلك دهنية يتغير بها الماء تغير مجاورة فلا يمنع كالدهن). متى يعود الماء الطاهر المتغير لطهوريته: قوله: (فإن زال تغيره بنفسه عاد إلى طهوريته). وتعقب اللبدي قوله (بنفسه) فقال في "حاشيته على نيل المآرب" (ص/12): (ليس بقيد, بل إن زال تغيره بإضافة ونحوها عاد إلى طهوريته). قال البهوتي في " كشاف القناع" (1/ 38): ((ومتى تغير الماء) الطهور قليلا كان أو كثيرا (بطاهر ثم زال تغيره) بنفسه أو ضم شيء إليه (عادت طهوريته) لأن السلب للتغير وقد زال فعاد إلى أصله، وإن زال تغير بعضه عادت طهورية ما زال تغيره (فإن تغير به بعضه فما لم يتغير) منه (طهور) على أصله لعدم ما يزيله عنه). ما كان قليلا واستعمل في رفع حدث: بدأ الماتن في الكلام على الماء الطاهر المتغير تغيرا حكميا لا حقيقيا، فقال: (ومن الطاهر: ما كان قليلا واستعمل في رفع حدث). حد القِلة: قال ابن مفلح في "الفروع" (1/ 52): (وإن استعمل قليل في رفع حدث فطاهر ... ) فقيده بالقليل ثم ذكر باقي الروايات كما سيأتي - بإذن الله -. وحد القِلة هو ما كان دون القلتين وسوف يأتي بإذن الله الكلام على تحديد القُلة. قال ابن قدامة في "الكافي" (1/ 7): (جعلت القلتان حدا بين القليل والكثير). معنى الاستعمال: سبق بيان معنى الاستعمال وأنه هو الماء المنفصل عن أعضاء المتطهر لا الماء المتبقي الذي يعترف منه.

جميع الأحداث سواء:

قال الشيخ العثيمين في " الشرح الممتع" (1/ 36): (الاستعمال: أن يُمَرَّ الماء على العضو، ويتساقط منه، وليس الماء المستعمل هو الذي يُغْتَرفُ منه. بل هو الذي يتساقط بعد الغَسْل به). جميع الأحداث سواء: قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 29): (جميع الأحداث سواء فيما ذكرنا الحدث الأصغر والجنابة والحيض والنفاس وكذلك المنفصل من غسل الميت إذا قلنا بطهارته واختلفت الرواية في المنفصل عن غسل الذمية من الحيض، فروي أنه مطهر لأنه لم يزل مانعا من الصلاة أشبه ماء تبرد به وروي أنه غير مطهر لأنها أزالت به المانع من وطء الزوج أشبه ما لو اغتسلت به مسلمة فإن اغتسلت به من الجنابة كان مطهرا وجها واحدا لأنه لم يزل مانعا من الصلاة ولا استعمل في عبادة أشبه ما لو تبرد به ويحتمل أن يمنع استعماله لأنه استعمل في الغسل من الجنابة أشبه ما لو اغتسلت به مسلمة). وسبق بيان أن الماء الذي تغتسل به الذمية طهور لعدم أهليتها لإحداث نية لرفع الحدث سواء أكان اغتسالها للحيض أم الجنابة. روايات المذهب: اختار الماتن الرواية الصحيحة في المذهب والتي عليها جماهير الأصحاب، وفي المذهب روايات أخرى. قال المرداوي في الإنصاف (1/ 35 - 36): (قوله (أو استعمل في رفع حدث). فهل يسلب طهوريته؟ على روايتين , وأطلقهما في المستوعب , والكافي , والشرح , ونهاية ابن رزين. إحداهما: يسلبه الطهورية. فيصير طاهرا , وهو المذهب. وعليه جماهير الأصحاب , قال في الكافي: أشهرهما زوال الطهورية. قال الزركشي: هذا المشهور من المذهب , وعليه عامة الأصحاب. قال ابن خطيب السلامية في تعليقه: هذه الرواية عليها جادة المذهب , ونصرها غير واحد من أصحابنا. ثم قال: قلت ولم أجد عن أحمد نصا ظاهرا بهذه الرواية. انتهى. والرواية الثانية: أنه طهور. ورجحها ابن عقيل في مفرداته , وصححهما ابن رزين , واختارها أبو البقاء , والشيخ تقي الدين , وابن عبدوس في تذكرته ,

الأدلة والمناقشة

وصاحب الفائق. قلت: وهو أقوى في النظر. وعنه أنه نجس , ونص عليه في ثوب المتطهر. قال في الرعاية الكبرى: وفيه بعد) (¬1). الأدلة والمناقشة (¬2): الأدلة على أنه نجس: الدليل الأول: ما رواه أبو داود (1/ 18) (70)، وأحمد (2/ 433)، وغيرهما من طريق محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبل أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة). ووجه الاستدلال: ووجه الاستدلال أنه - صلى الله عليه وسلم - قرن بين النهي عن البول والاغتسال في الماء الدائم، فكما أن البول ينجسه فكذلك الاغتسال (¬3). المناقشة: أولا - هذا الحديث بهذا اللفظ غير محفوظ، فإسناده وإن كان جيدا ومحمد بن عجلان صدوقا إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، وقد خالف جماعة من الحفاظ من أصحاب أبي هريرة في سياقه للحديث ومنهم: همام بن منبه، محمد بن سيرين، وعبدالرحمن بن هرمز الأعرج، وحميد بن عبدالرحمن الحميري، في لفظه ولفظه عندهم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) متفق عليه وهذا لفظ ابن هرمز عند البخاري. والنهي في هذا الحديث أخص من حديث الباب، وسيأتي الكلام على مفهوم هذا الحديث وبيان حكم الاغتسال من غير أن يبول في الماء الدائم. والكلام ليس في ثبوت النهي عن البول في الماء الدائم بمفرده، أو الاغتسال فيه من الجنابة بمفرده، وإنما الكلام على جمع الحدثين في حديث واحد على نحو ¬

_ (¬1) انظر المغنى (1/ 28). (¬2) انظر موسوعة الطهارة للدبيان (1/ 187) وما بعدها. (¬3) انظر المغني (1/ 29).

الرواية المذكورة وانفراد ابن عجلان بها ومخالفته الثقات فيه يدل على أنه لم يحفظه كما قال البيهقي (¬1). ثانيا - وعلى فرض ثبوته فإنه لا يلزم من اقتران البول مع الاغتسال التسوية بينهما في الحكم وذلك لضعف دلالة الاقتران فقد قال تعالى: (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام: 141] فالأكل غير واجب والإيتاء واجب، وعليه فلا يلزم من اقتران البول والاغتسال التسوية بينهما في الحكم وذلك لأن البول نجس نجاسة حسية بالاتفاق، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (المؤمن لا ينجس) يدل على طهارة بدن المؤمن، وأن الحدث الناتج عن الاغتسال معنويا فافترقا. أضف إلى أنه ليس في الحديث ما يدل على أن النهي عن البول أو الاغتسال في الماء الراكد لتنجيسه، بل قد يكون في البول سدا للذريعة؛ لأن البول ذريعة للتنجيس بتكرره فيتغير بذلك الماء ويصير نجسا، وفي الاغتسال يكون النهي لكي لا يصير مستخبثا بتوارد الاستعمال فيبطل نفعه، وإنما قلنا ذلك إعمالا لما يأتي من الأدلة على طهارته. الدليل الثاني: استدلوا بأنه يسمى طهارة والطهارة لا تكون إلا عن نجاسة إذ تطهير الطاهر لا يعقل (¬2). المناقشة: وأجيب بأن الطهارة المقصودة من التطهر إنما هي طهارة معنوية من الذنوب والمعاصي، وأما الحدث فهو شيء معنوي فكما أنه لا يتنجس به البدن فلا يتنجس به الماء، ولذلك لما اعتبر أبو هريرة حدثه نجاسة بين له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المؤمن لا ينجس. ويجاب أيضا بقطع الملازمة المذكورة من كون الطهارة لا تكون إلا عن نجاسة وذلك بأن تجديد الوضوء والأغسال المستحبة سماها الشرع طهارة وليست عن ¬

_ (¬1) نقله عنه النووي وانظر المجموع (1/ 152). (¬2) انظر لمغني (1/ 29).

نجاسة حسية ولا معنوية. الأدلة على أنه طاهر: الدليل الأول: ما رواه البخاري (1/ 81) (186) من حديث المسور بن مخرمة - رضي الله عنه - قال في صلح الحديبية: (وإذا توضأ النبي صلى الله عليه وسلم كادوا يقتتلون على وضوئه). وجه الاستدلال: وتقاتلهم على وضوء النبي دل على طهارته وبركته، ولو كان نجسا لما تقاتلوا عليه وقد سبق تعريف النجس لغة بأنه ما يستقذره ذو الطبع السليم (¬1). الدليل الثاني: ما رواه البخاري (1/ 82) (191)، ومسلم (3/ 1234) (1616) عن جابر - رضي الله عنه - قال: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب علي من وضوئه فعقلت) الحديث. وجه الاستدلال: صب النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه من هذا الوضوء دليل على عدم نجاسته فمن المقرر أنه لا يجوز التداوي بالنجاسات ولا تلطيخ المسلم بها. فإن قالوا: يحمل هذا على الخصوصية للنبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره. قلنا: بأن الخصوصية لا تثبت بالاحتمال كما أن النظر يدل على مشاركة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته في تطهره من الحدث الأكبر والأصغر، ولو كان الماء المستعمل من النبي - صلى الله عليه وسلم - في طهارته طاهرا دون غيره لكان لا عن حدث، وقد روى البخاري (1/ 106) (186) عن أبي هريرة قال: (أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا: (مكانكم)، ثم رجع فاغتسل ثم خرج ¬

_ (¬1) انظر: الإنصاف (1/ 26)، كشاف القناع (1/ 29)، مطالب أولي النهى (1/ 27).

إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه). الدليل الثالث: ما ثبت من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل وهو وزوجاته من إناء واحد تختلف أيديهما فيه. وجه الاستدلال: أنه هذا الماء لا يسلم غالبا من وقوع رشاش فيه ولو كان نجسا لتنجس الماء به لقلته. الدليل الرابع: ما رواه البخاري (1/ 109) (281)، ومسلم (1/ 282) (371) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: (المؤمن لا ينجس). وجه الاستدلال: نص النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المؤمن لا ينجس فبدنه طاهر والأصل في الماء الطهارة فطاهر لاقى طاهرا فيكون الناتج طاهرا. إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على طهارة الماء المستعمل. الأدلة على أنه ليس بطهور: الدليل الأول: ما رواه مسلم (1/ 236) (283) عن أبي السائب أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب فقال كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال يتناوله تناولا). وجه الاستدلال: قال الزركشي في "شرحه على مختصر الخرقي" (1/ 13): (فلولا أن الغسل فيه لا يجزئ، وأن طهوريته تزول لم ينه عن ذلك). المناقشة: أولا - العلة غير منصوصة والجزم بأنها لخروجه عن الطهورية تحكم بلا دليل، والأولى أن تكون العلة النهي عن الاغتسال فيه لئلا يصير مستخبثا بتوارد الاستعمال فيبطل نفعه.

والدليل على أنه لا يصير مستعملا فهم أبو هريرة للحديث وقوله بأن يجوز أن يتناول منه للاغتسال أو الوضوء كما ورد في بعض طرق الحديث فدل على أن غمسه يده فيه للتناول بنية رفع الحدث لا تخرج الماء عن طهوريته. (¬1) الدليل الثاني: احتجوا بما روي عن السلف بتكميل الطهارة بالتيمم عند قلة الماء لا بما تساقط من طهروهم. وأجيب بما قاله الشوكاني في "النيل" (1/ 28): (أنه لا يكون حجة إلا بعد تصحيح النقل عن جميعهم ولا سبيل إلى ذلك لأن القائلين بطهورية المستعمل منهم كالحسن البصري والزهري والنخعي ومالك والشافعي وأبي حنيفة في إحدى الروايات عن الثلاثة المتأخرين ونسبه بن حزم إلى عطاء وسفيان الثوري وأبي ثور وجميع أهل الظاهر وبأن المتساقط قد فني لأنهم لم يكونوا يتوضؤون إلى إناء والملتصق بالأعضاء حقير لا يكفي بعض عضو من أعضاء الوضوء وبأن سبب الترك بعد تسليم صحته عن السلف وإمكان الانتفاع بالبقية هو الاستقذار وبهذا يتضح عدم خروج المستعمل عن الطهورية وتحتم البقاء على البراءة الأصلية لاسيما بعد اعتضادها بكليات وجزئيات من الأدلة كحديث خلق الماء طهورا وحديث مسحه صلى الله عليه وسلم رأسه بفضل ماء كان بيده وغيرهما). الدليل الثالث: قال البهوتي في " كشاف القناع" (1/ 32): (لأنه أزال به مانعا من الصلاة أشبه ما لو أزال به النجاسة أو استعمل في عبادة على وجه الإتلاف أشبه الرقبة في الكفارة). ¬

_ (¬1) وثمة مناقشات أخرى للحديث لا تخلو من نظر، كقولهم بأن النهي يشمل الماء الكثير والقليل، أو قولهم أن النهي عن الاغتسال وليس فيه ذكر للنية فلو اغتسل لا لرفع الحدث لشمله النهي والمانعين يقولون يجوز له الاغتسال لا لرفع الحدث، والجواب عن هاتين الشبهتين: أما الماء الكثير فقد خرج بحديث القلتين، وأما اشتراط النية فالعموم في قوله (لا يغتسل) يتجه للعهد وهو الاغتسال الشرعي المعروف الذي يشترط له النية.

المناقشة: وهذا استدلال منهم بمحل النزاع، وللمخالف أن يطعن في هذه الأقيسة وإثبات الفرق بين الأصل والفرع. فمثلا لا يصح قياس المانع من الصلاة وهو شيء معنوي على النجاسة وهي حسية، كما أنه لا يصح قياسه على الرقبة؛ لأن الرقبة تصير بالعتق حرة بخلاف الماء المتنازع في سلب طهوريته بالاستعمال كما أن العبد لو رجع على الكفار وغنمه المسلمون لرجع للرق مرة أخرى فلا يصح القياس. الأدلة على أنه طهور: الدليل الأول: الأصل في المياه المطلقة الطهورية ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل يدل على نجاستها أو سلبها الطهورية ولم يثبت عندنا دليل في خروج الماء المستعمل عن طهوريته. الدليل الثاني: ما سبق ذكره من أدلة تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل نسائه من الجنابة، وهذا الماء لا يسلم من تطاير رشاش إليه وتناول ونحو ذلك، وقد علل النبي اغتساله من هذا الماء بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أحمد (6/ 330) من حديث ميمونة - رضي الله عنها - مرفوعا: (الماء ليس عليه جنابة أو لا ينجسه شيء) وله شواهد يصح بها يدل على أنه لا ينتقل إليه الحدث. الدليل الثالث: روى أبو داود (1/ 32) (130) وغيره عن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها - (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده) حسنه ابن حجر (¬1). وجه الاستدلال: أن هذا الماء المتبقي في يده - صلى الله عليه وسلم - ماء مستعمل في إزالة ¬

_ (¬1) وفي الباب أدلة أخرى لا تثبت وفيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل اللمع الباقية في جسده بالبلل الموجود في شعره أو لحيته أو بعصر شعره عليها.

الترجيح:

حدث وطهَّر به - صلى الله عليه وسلم - رأسه فدل على أنه غير مسلوب الطهورية. المناقشة: والاستدلال بأن هذا الماء استخدم في رفع حدث محتمل ويحتمل أيضا أن يكون - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه بعد الغسلة الثانية أو الثالثة لليد وليس فيها رفع حدث. قلت وإن تطرق الاحتمال لهذا الحديث فإنه لا يتطرق لما قاله ابن حزم في " المحلى" (1/ 184): (لا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن كل متوضىء فإنه يأخذ الماء فيغسل به ذراعيه من أطراف أصابعه إلى مرفقه وهكذا كل عضو في الوضوء وفي غسل الجنابة وبالضرورة والحس يدري كل ما مشاهد لذلك أن ذلك الماء قد وضئت به الكف وغسلت ثم غسل به أول الذراع ثم آخره وهذا ماء مستعمل بيقين ثم إنه يرد يده إلى الإناء وهي تقطر من الماء الذي طهر به العضو فيأخذ ماء آخر للعضو الآخر فبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أنه لم يطهر العضو الثاني إلا بماء جديد قد مازجه ماء آخر مستعمل في تطهير عضو آخر وهذا ما لا مخلص منه). ولا وجه لقول من فرق بين الماء الذي يجري على يد المغتسل وعضو المتوضئ على وجه الاتصال وبين الماء المنفصل أو الذي ينتقل من عضو لعضو آخر لا يتصل به، وذلك لأن علة كونه مستعملا عندهم أن الحدث انتقل إليه بعد أن رفعه عن العضو فلا فرق بين أن ينفصل حقيقة عن العضو أو يبقى عليه بعد رفع الحدث عنه. ومن الأدلة أيضا كل ما سبق من أدلة تدل على أن قسمة الماء ثنائية فمفادها عدم وجود هذا القسم وان ما كان من الماء متغيرا تغيرا حكميا باستعماله في رفع حدث بدخل في الماء الطهور؛ لأنه ليس بنجس ولا يكون مسلوب الطهورية. الترجيح: وبعد فالراجح هو كون الماء المستعمل في إزالة حدث طهور، وأن هذا الاستعمال لا يسلبه طهوريته.

الماء الذي انغمست فيه كل يد المسلم المكلف النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا بنية:

الماء الذي انغمست فيه كل يد المسلم المكلف النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا بنية: قال متمما لأنواع الماء الطاهر عنده: (ما كان قليلا وانغمست فيه كل يد المسلم المكلف النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا بنية وتسمية وذلك واجب). تنبيهات: الأول - التقييد بكون الماء دون القلتين: قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 38): (محل الخلاف إذا كان الماء الذي غمس يده فيه دون القلتين أما إن كان قلتين فأكثر فلا يؤثر فيه الغمس شيئا بل هو باق على طهوريته قاله الأصحاب وهو واضح). الثاني - روايات المذهب: المذهب فيه ثلاث روايات وقد اختار الماتن الرواية المصححة في المذهب، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 38): (يسلبه الطهورية. وهو المذهب , قال أبو المعالي في شرح الهداية: عليه أكثر الأصحاب. قال في مجمع البحرين: هذا المنصوص والرواية الثانية: لا يسلبه الطهورية , جزم به في الوجيز , وقدمه في المحرر , والرعايتين , والفائق , والحاوي الصغير , واختاره المصنف , والشارح , وابن رزين , والناظم , والشيخ تقي الدين , وصححه في التصحيح. وعنه أنه نجس , اختارها الخلال. وهي من مفردات المذهب أيضا. فعلى المذهب: لو كان الماء في إناء لا يقدر على الصب منه , بل على الاغتراف , وليس عنده ما يغترف به , ويداه نجستان , فإنه يأخذ الماء بفيه ويصب على يديه. قاله الإمام أحمد , وإن لم يمكنه تيمم وتركه). الثالثة - حكم غسلها قبل الغمس: الخلاف هنا مبني على الخلاف في وجوب غسلها إذا قام من النوم، وقد رجح الماتن وجوب غسلها، ومن قال بالوجوب فإن الغمس عنده يؤثر في الماء ويسلبه طهوريته، ومن قال بالاستحباب فلا يسلبه طهوريته، ويكون كالطهارة المستحبة.

قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 30): (فأما المستعمل في تعبد من غير حدث، كغسل اليدين من نوم الليل، فإن قلنا ليس ذلك بواجب لم يؤثر استعماله في الماء، وإن قلنا بوجوبه، فقال القاضي: هو طاهر غير مطهر. وذكر أبو الخطاب فيه روايتين: إحداهما؛ أنه يخرج عن إطلاقه؛ لأنه مستعمل في طهارة تعبد، أشبه المستعمل في رفع الحدث؛ «ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يغمس القائم من نوم الليل يده في الإناء قبل غسلها.» فدل ذلك على أنه يفيد منعا. والرواية الثانية، أنه باق على إطلاقه؛ لأنه لم يرفع حدثا، أشبه المتبرد به، وعلى قياسه المستعمل في غسل الذكر والأنثيين من المذي، إذا قلنا بوجوبه؛ لأنه في معناه). روى البخاري (1/ 72) (160)، ومسلم (1/ 233) (278) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده) وليس عند البخاري التثليث. وهذا الحديث ظاهر في وجوب غسل اليد ثلاثا قبل أن يغمسها في الإناء، وقد اعتذر الجمهور عن الوجوب بأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب إلى الندب. وقد ردَّ ذلك الشوكاني فقال معقبا في "نيل الأوطار" (1/ 170): (وقد دفع بأن التشكيك في العلة لا يستلزم التشكيك في الحكم وفيه أن قوله: (لا يدري أين باتت يده) ليس تشكيكا في العلة بل تعليلا بالشك وأنه يستلزم ما ذكر). وقال الشيخ أحمد شاكر في "هامش المحلى" (1/ 207): (تعليل وجوب غسل اليد ثلاثا بأن النائم لا يدري أين باتت يده، يشير إلى المعنى الذي من أجله وجب الغسل، وهو احتمال مباشرتها النجاسة، وهذا هو الفرق بينه وبين طهرها بغسلة واحدة عند تيقن النجاسة، فإن النجاسة إذ ذاك يراها المتطهر ويوقن بإزالتها). وعليه فالراجح وجوب غسل اليد قبل غمسها في الإناء ثلاثا.

فائدة - علة النهي:

فائدة - علة النهي: قال تقي الدين في " مجموع الفتاوى" (21/ 44): (وأما الحكمة (¬1) في غسل اليد ففيها ثلاثة أقوال: أحدها أنه خوف نجاسة تكون على اليد مثل مرور يده موضع الإستجمار مع العرق أو على زبلة ونحو ذلك والثاني أنه تعبد ولا يعقل معناه والثالث أنه من مبيت يده ملامسة للشيطان كما في الصحيحين عن أبى هريرة عن النبي أنه قال (إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنشق بمنخريه من الماء فان الشيطان يبيت على خيشومه) فأمر بالغسل معللا بمبيت الشيطان على خيشومه فعلم أن ذلك سبب للغسل عن النجاسة والحديث معروف وقوله (فان أحدكم لا يدري أين باتت يده) يمكن أن يراد به ذلك فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار). وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - علة النهي بقوله: (فإنه لا يدري أين باتت يده). قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 72): (احتمال النجاسة لا ينحصر في مس الفرج فإنه قد يكون في البدن بثرة أو دمل وقد يحك جسده فيخرج منه دم بين أظفاره أو يخرج من أنفه دم وقد تكون نجسة قبل نومه فينسى نجاستها لطول نومه ... ). وقال النووي في " المجموع" (1/ 348): (وقوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه لا يدرى أين باتت يده) سببه ما قاله الشافعي رحمه الله وغيره أن أهل الحجاز كانوا يقتصرون على الاستنجاء بالأحجار وبلادهم حارة فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن ¬

_ (¬1) الحكمة هي المعنى المناسب الذي قصده الشارع من الحكم، فمثلا الخمر محرم لعلة الإسكار، والحكمة من تحريمه: المحافظة على العقل من الاختلال، وفي التعليل بالحكمة خلاف، والراجح القول بالتفصيل، وحاصله: جواز التعليل بالحكمة إذا كانت ظاهرة ومنضبطة بنفسها أو بدليل خارج عنها، وتوافرت فيها الشروط المعتبرة في العلة (وهي: أن تكون مؤثرة، وغير معارضة بنص أو إجماع أو معنى أو علة أقوى منها، وأن تكون مطردة يوجد الحكم بوجودها وينعدم بعدمها، وسالمة من النقض أو الكسر) وعدم جواز التعليل بها إن لم تكن كذلك، وهو اختيار جمع من المحققين ومنهم تقي الدين ابن تيمية.

الرابعة - قوله: (وانغمست فيه)

النائم أن تطوف يده على المحل النجس أو على بثرة أو قملة ونحو ذلك فتنجس). وكل هذه الوجوه لتفسير العلة التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: (فإنه لا يدري أين باتت يده) يحتملها اللفظ، ويحتمل وجوها أخرى. فرع - هل يؤثر كون يده باتت مكتوفة أو في جِراب ونحوه مثلا؟ فيها قولان في المذهب قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 41): (ظاهر كلام المصنف أيضا ولو كانت يده في جراب أو مكتوفة وهو المذهب قطع به المصنف والشارح وبن رزين في شرحه وهو ظاهر ما جزم به في الفروع وبن تميم قال في الرعاية الكبرى فهو كغيره وقيل: على رواية الوجوب وقدمه في الرعاية الصغرى وقال بن عقيل لا يؤثر غمسها وأطلقهما في الحاويين والفائق). والراجح أنها تؤثر؛ لأن الحكم هنا تعلق بمظنة النجاسة وهو لا يدري من أين تأتي هل من ملامسة الشيطان أم نجاسة موجودة قبل النوم، أو من المرور على نجاسة في أي مكان بالجسم، أو غير ذلك، فما كان الحكم متعلق بهذه المظنة لم يؤثر فيه وكون اليد في لفافة أم مطلقة. قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 19): (لا يفرق بين المطلقة والمشدودة بنحو جراب لعموم الخبر ولأنه الحكم إذا علق على المظنة لم يعتبر حقيقة الحكمة كالعدة لاستبراء الرحم من الصغيرة والآيسة). وقال ابن البهاء في "فتح الملك العزيز بشرح الوجيز" (1/ 141): (لا فرق بين كون يد النائم مطلقة أو مشدودة في جراب أو مكتوفا؛ لعموم الأخبار. ولأن الحكم إذا تعلق بالمظنة سقط حكم الحكمة؛ كالعدة الواجبة لاستبراء الرحم في حق الصغيرة والآيسة. ولأنه ربما كانت يده نجسة قبل نومه فينسى نجاستها لطول نومه ... ) (¬1). وعليه فالراجح أنها مؤثرة. الرابعة - قوله: (وانغمست فيه) ومفهوم قوله: (وانغمست فيه) أنه لا يؤثر في طهورية الماء ما يحصل منه في ¬

_ (¬1) انظر: المغني (1/ 72):

الخامسة - هل يؤثر غمس بعض اليد؟

اليد من غير غمس كالصب ونحوه. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 40): (ظاهر قوله: "أو غمس يده" أنه لو حصل في يده من غير غمس أنه لا يؤثر وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو إحدى الروايتين عن أحمد قال في الرعاية الكبرى الأولى أنه طهور والرواية الثانية أنه كغمس يده وهو الصحيح اختاره القاضي وجزم به في الفصول والإفادات والرعاية الصغرى وقدمه في الكبرى والحاوي الصغير وأطلقهما في الفروع وبن تميم ومجمع البحرين والحاوي الكبير وبن عبيدان). والصحيح أنه لا يؤثر في طهورية الماء كما أن الغمس لا يؤثر- كما سيأتي -. الخامسة - هل يؤثر غمس بعض اليد؟ ظاهر قوله: (كل يد) أنه لا يؤثر غمس بعض اليد وهو المذهب. قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 40): (ظاهر قوله يده أنه لا يؤثر إلا غمس جميعها وهو المذهب وهو ظاهر كلامه في المحرر والوجيز وغيرهما وصححه في مجمع البحرين وقدمه في الفروع والرعايتين وبن تميم والحاوي الصغير وقيل غمس بعضها كغمسها كلها اختاره بن حامد وبن رزين في شرحه وقدمه وجزم به في الكافي ... ). قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 71): (وحد اليد المأمور بغسلها من الكوع؛ لأن اليد المطلقة في الشرع تتناول ذلك بدليل قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) [المائدة: 38] وإنما تقطع يد السارق من مفصل الكوع وكذلك في التيمم يكون في اليدين إلى الكوع والدية الواجبة في اليد تجب على من قطعها من مفصل الكوع. وغمس بعضها ولو إصبع أو ظفر منها كغمس جميعها في أحد الوجهين؛ لأن ما تعلق المنع بجميعه تعلق ببعضه كالحدث والنجاسة. والثاني لا يمنع وهو قول الحسن لأن النهي تناول غمس جميعها، ولا يلزم من كون الشيء مانعا كون بعضه مانعا كما يلزم من كون الشيء سببا كون بعضه سببا). والراجح أنه لا فرق بين بعض اليد وجميعها، فغمس البعض كغمس الكل

فائدة: لا يؤثر غمس غير اليد:

فكما أن المنع تعلق بجميعه فهو متعلق ببعضه (¬1). فائدة: لا يؤثر غمس غير اليد: قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 40): (مفهوم قوله يده أنه لو غمس عضوا غير يده أنه لا يؤثر فيه وهو صحيح صرح به بن تميم وبن عبيدان وبن حمدان وصاحب الفائق وغيرهم وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب قال في الرعاية الكبرى وغسلهما تعبد فلا يؤثر فيه غمس غير كفيه شيئا). السادسة - هل يشترط أن يكون مسلما مكلفا: ظاهر قول الماتن - رحمه الله -: (المسلم المكلف) أن غمس الكافر، أو الصبي، والمجنون لا يؤثر في الماء، وهذا الظاهر صححه المرداوي، ومال إليه ابن قدامة في "المغني"، واختاره المجد في "شرح الهداية"، وغيرهم (¬2)، والذي أراه أنه لا فرق بين غمس وغمس - على اعتبار أن الغمس يسلب الماء طهوريته- وذلك لأن الشارع جعل غمس القائم من النوم يده في الإناء سببا لسلب الماء طهوريته، وهذا من الأحكام الوضعية، ومن استدل على التفريق فقد نظر إليه من ناحية الحكم التكليفي على أن الأقوى أن الكفار مخاطبون فروع الشريعة على أصح قولي المذهب بشرط تقدم الإسلام. قال الشيخ الدبيان في "موسوعة الطهارة" (1/ 237): (والثاني: أنه لا تأثير لغمس الصبي والمجنون والكافر. قال صاحب الإنصاف (1/ 41): وهو الصحيح، وغليه مال المصنف في المغني، واختاره المجد في شرح الهداية، وصححه ابن تمبم، قال في مجمع البحرين: لا يؤثر غميهم في أصح الوجهين. واستدلوا: أولا: أن المنع من الغمس إنما يثبت من الخطاب: يعني قوله: صلى الله عليع وسلم: "إذا استيقظ أحدكم ... " الحديث، ولا خطاب في حق هؤلاء. وثانيا: إن وجوب الغسل أمر تعبدي، ولا تعبد في حق هؤلاء. ¬

_ (¬1) انظر الاختيارات الفقهية لابن حامد (ص/85). (¬2) انظر المغنى (1/ 72)، الإنصاف (1/ 40).

السابعة - نوم الغامس:

وثالثا: الغسل المزيل لحكم المنع من شرطه النية، والمجنون والصبي والكافر ليسوا من أهلها. ولكن هذا القول من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله عجيب! كيف إذا غمس الصبي الذي لا يحسن الطهارة، والكافر الذي لا يستنزه من البول، والمجنون الذي لا يعقل إذا غمسوا أيديهم في الماء لا يتأثر الماء، وتصح الطهارة منه، وإذا غمس المسلم العاقل البالغ الذي يحسن الطهارة أصبح الماء غير صالح للطهارة منه. فالصحيح أن العلة في المسلم النائم هي العلة في الكافر النائم، وهي العلة نفسها في الصبي، والمجنون، وليس تأثير الغمس من الأحكام التكليفية، بل هو من الأحكام الوضعية، كما أن الكافر على الصحيح مخاطب بفروع الشريعة، وإن كان يفقد شرط الصحة، وهو الإيمان). السابعة - نوم الغامس: قوله: (النائم ليلا نوما ينقض الوضوء) سوف يأتي بإذن الله الكلام على النوم الناقض للوضوء في بابه. الثامنة - هل يختص النوم بنوم الليل؟ قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 41): (مفهوم قوله من نوم الليل أنه لا يؤثر غمسها إذا كان قائما من نوم النهار وهو المذهب وعليه الأصحاب وجزم به في المغني والشرح وبن عبيدان وصاحب المستوعب والمحرر وغيرهم وقدمه في الفروع والرعايتين وبن تميم والفائق وغيرهم وعنه حكم نوم النهار حكم نوم الليل). وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: (أين باتت يده) يدل على أن النوم المؤثر ما كان ليلا فالبيتوتة هي الدخول في الليل، وهو المذهب. قال الخليل بن أحمد في "العين": (البيتوتة دخولك في الليل تقول بت أصنع كذا إذا كان بالليل وبالنهار ظللت ومن فسر بات على النوم فقد أخطأ ألا ترى أنك تقول بت أراعي النجوم معناه بت أنظر إليها فكيف نام وهو ينظر إليها وتقول أباتهم الله إباتة حسنة فباتوا بيتوتة صالحة وأتاهم الأمر بياتا أي أتاهم في جوف الليل وبات يصلي).

وقد انتصر ابن قدامة لكون النوم هنا خاصا بالليل فقال في "المغني" (1/ 71): (ولا تختلف الرواية في أنه لا يجب غسلهما من نوم النهار وسوى الحسن بين نوم الليل ونوم النهار في الوجوب لعموم قوله إذا قام أحدكم من نومه. ولنا أن في الخبر ما يدل على إرادة نوم الليل لقوله فإنه لا يدري أين باتت يده والمبيت يكون بالليل خاصة ولا يصح قياس غيره عليه لوجهين: أحدهما - أن الحكم ثبت تعبدا فلا يصح تعديته. الثاني - أن الليل مظنة النوم والاستغراق فيه وطول مدته فاحتمال إصابة يده لنجاسة لا يشعر بها أكثر من احتمال ذلك في نوم النهار قال أحمد في رواية الأثرم الحديث في المبيت بالليل فإما النهار فلا بأس به). الترجيح: والذي أراه أن نوم النهار يلحق بنوم الليل، وأنه لا يعمل مفهوم المخالفة للحديث لأن ذكر البيتوتة فيه جريا على الغالب كقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) [النساء: 23] فالربيبة محرمة بالشرط المذكور وإن لم تكن في الحجر. كما أن العلة متحققة في كل نوم. قال النووي في "شرح مسلم" (3/ 180): (مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وهذا مذهب جمهور العلماء وحكى عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى رواية أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم وان قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه عليه داود الظاهري اعتمادا على لفظ المبيت في الحديث وهذا مذهب ضعيف جدا فان النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله صلى الله عليه وسلم فانه لا يدري أين باتت يده ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده وهذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة وذكر الليل أولا لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفا من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده والله أعلم).

التاسعة: حكم غمس اليد قبل غسلها ثلاثا.

وقال ابن حجر في "الفتح" (1/ 263): (التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة). وأما قول ابن قدامة: (أن الحكم ثبت تعبدا فلا يصح تعديته) فقد سبق بيان تعليل الحكم بمظنة النجاسة، وأنه ليس تعبديا. التاسعة: حكم غمس اليد قبل غسلها ثلاثا. ظاهر قوله: (قبل غسلها ثلاثا) أنه لابد من استيعاب الثلاث قبل الغمس، وهو الراجح. قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 42): (ظاهر قوله قبل غسلها ثلاثا أنه يؤثر غمسها بعد غسلها مرة أو مرتين وهو صحيح وهو المذهب وهو ظاهر ما قطع به صاحب الفروع وبن تميم وبن عبيدان والرعاية الصغرى وغيرهم لاقتصارهم عليه وقدمه في الرعاية الكبرى وقال وقيل يكفي غسلهما مرة واحدة فلا يؤثر الغمس بعد ذلك). العاشرة - اشتراط النية: خالف الشيخ مرعي الصحيح من المذهب واشترط النية عند الغمس ليُسلَب الماء طهوريته. وقد ذكر المرداوي في " الإنصاف" (1/ 42): أن المذهب وما عليه جماهير الأصحاب أن الغمس يؤثر سواء كان قبل نية غسلها أو بعده، وقال القاضي ويحتمل أن لا يؤثر إلا بعد النية. وقد استدل ابن ضويان لاشتراط النية بحديث: (إنما الأعمال بالنيات). والصواب عدم اشتراط النية؛ لأن العلة كما بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - هي مظنة النجاسة، وخشية تنجيس الماء، وغسل النجاسة من باب التروك لا يفتقر لنية. قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 72): (وغسل اليدين يفتقر إلى النية عند من أوجبه في أحد الوجهين؛ لأنه طهارة تعبدية فأشبه الوضوء والغسل، والثاني لا يفتقر إلى النية؛ لأنه معلل بوهم النجاسة ولا تعتبر في غسلها النية، ولأن المأمور به الغسل وقد أتي به والأمر بالشيء يقتضي حصول الإجزاء به).

الحادية عشرة - التسمية:

وأما الحديث فالمقصود بالأعمال فيه العبادات، وإزالة النجاسة من باب العادات لا يفتقر لنية، فلا تدخل في الحديث، قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (18/ 257): (قال بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد تشترط - أي النية - لإزالة النجاسة وهذا القول شاذ فإن إزالة النجاسة لا يشترط فيها عمل العبد بل تزول بالمطر النازل والنهر الجارى ونحو ذلك فكيف تشترط لها النية وأيضا فإن إزالة النجاسة من باب التروك لا من باب الأعمال). الحادية عشرة - التسمية: واشترط التسمية أيضا أبو الخطاب قياسا على الوضوء، وهذا القياس مع الفارق للنص على التسمية في الوضوء دون غمس اليدين، وليس هو مثله في أحكامه فافترقا. وقد رجح ابن قدامة في "المغني" (1/ 72) أن غسل اليد لا يفتقر لتسمية، وردَّ قياسه على الوضوء. حكم مسألة الباب: الحديث المذكور ليس فيه أن الماء يصير مستعملا، بل العلة كما هو ظاهر من الحديث هي احتمال وجود نجاسة في اليد، وكان الأولى أن يدور الخلاف بين العلماء على نجاسة الماء من عدمه، ولما كان الأصل في الماء الطهورية ونجاسة اليد مشكوك فيها فإنه لا ينتقل عن هذا الأصل بالشك، وعليه فهذا الماء طهور. وقال ابن البهاء في "فتح الملك العزيز بشرح الوجيز" (1/ 140): (إذا غمس القائم من النوم لا يسلب الماء طهوريته، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد رضي الله عنه، وقدمه في المحرر والرعايتين والفائق، واختاره الشيخ موفق الدين وأبو العباس وابن رزين. وقال الشيخ شمس الدين في الشرح: وهو الصحيح إن شاء الله؛ لأنه لم يُزِل مانعا ولم يلاق نجسا ... . ولأن الماء قبل الغمس كان طهورا فبقي على الأصل. ونهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غمس اليدين كان لوهم النجاسة، فالوهم لا يزيل الطهورية ... ).

تعريف الماء الطاهر:

تعريف الماء الطاهر: عرفه ابن الجوزي في "المذهب الأحمد" (ص/4) بقوله: (هو ما استعمل في رفع حدث أو خالطه طاهر فغير أحد أوصافه أو طبخ فيه). وعرفه ابن أبي السري في "الوجيز" (1/ 154 - فتح الملك العزيز) بقوله: (هو ما اعتصر أو قطر من طاهر وطهور تغير بطبخ أو بطاهر غيره فغير اسمه أو غلب على أجزائه أو قليل رفع به حدث وآخر غسلة زالت بها النجاسة). واستيعاب الأنواع يصعب كما أن مراعاة الخلاف في بعض الأنواع ضروري، فمثلا ابن أبي السري يرى أن الماء الذي غمس المنتبه من النوم فيه يده: طهور، ولذلك لم يذكره في التعريف. والتعرف بذكر الأنواع هو نوع من أنواع الحدود يسمى بالتعريف بالتقسيم، كتعريف الكلمة بأنها: اسم وفعل وحرف، أو تعريف العدد بأنه: زوج وفرد. والتعريف بالحد الحقيقي أولى، ولم أر من ذكر تعريفه بالحد الحقيقي كما فعلوا في الماء الطهور، والأولى عندي في تعريفه بالحد الحقيقي أن يعرف بأنه: (ما طرأ عليه من غير النجاسة ما يخرجه عن خلقته حقيقة أو حكما)، وأو فيه للتنويع لا للتشكيك. شرح التعريف: والطارئ بكسر الراء خلاف الأصلي (¬1)، أو ما كان غريبا (¬2). فقولنا: (ما طرأ عليه) يدخل فيه: ما كان من غير جنس الماء كالملح المعدني، وما يشق صون الماء عنه كالطحلب وورق الشجر إذا وضع قصدا، وما لم يكن موافقا للماء في صفتيه الطهارة والطهورية كالتراب. ويدخل فيه أيضا ما كان في غير محل التطهير؛ لأن كان في محل التطهير يكون الماء هو الذي يطرأ عليه لا العكس. ومعنى قولنا: (ما يخرجه عن خلقته حقيقة) يعني غيَّر أحد أوصافه أو جميعها، ويدخل فيه كل ممازج للماء كالحبر والزعفران سواء أخرجه عن إطلاقه أم غيَّره ¬

_ (¬1) الطارئ: بكسر الراء، الحادث فجأة، خلاف الأصلي. (¬2) انظر: المعجم الوسيط مادة: (ط ر أ).

القسم الثالث - الماء النجس

ولم يخرجه، وأما ما لا يمازج الماء كالدهن ونحوه فلا يُخرج الماء عن خلقته ولا يدخل في تعريفنا. ويدخل فيه أيضا ما طبخ في الماء حتى أخرجه عن حقيقته. وقولنا (أو حكما) يدخل فيه ما كان قليلا واستعمل في رفع حدث أو انغمست فيه يد المسلم القائم من النوم ويدخل فيه آخر غسلة زالت بها النجاسة، فإنها تنفصل طاهرة على الصحيح في المذهب ما لم تتغير (¬1)، فإن انفصلت متغيرة أو قبل إزالتها للنجاسة فنجسة، وأما ما كان كثيرا فلا يتغير حكمه باستعماله في رفع حدث أو بغمس اليد فيه، أو إزالة النجاسة به فلا يدخل في تعريفنا. القسم الثالث - الماء النجس: قال: (الثالث: نجس يحرم استعماله إلا للضرورة ولا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه). وفيه مسائل: - ضبط كلمة نجس: قال الرحيباني في " مطالب أولي النهى" (1/ 39): (نجس: بفتح الجيم وكسرها وضمها وسكونها وهو لغة: المستقذر). - استعمالاته: قوله: (يحرم استعماله إلا للضرورة ولا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث) فيه حكمان تكليفيان، وثلاثة أحكام وضعية. ¬

_ (¬1) قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 53): (رجل يغسل ثوبه من نجاسة فالذي ينفصل من الماء من الغسلة الأولى إِلى السَّادسة نجس؛ لأنه انفصل عن محَلٍّ نجس وهو يسير، فيكون قد لاقى النَّجاسة وهو يسير، وما لاقى النَّجاسة وهو يسير فإِنه ينجس بمجرَّد الملاقاة. أما المنفصل في الغسلة السَّابعة فيكون طاهراً غير مطهِّر؛ لأنَّه آخر غسلة زالت بها النَّجاسة، فهو طاهر؛ لأنه أثَّر شيئاً وهو التطهير، فلما طَهُرَ به المحلُّ صار كالمستعمل في رفع حَدَث، ولم يكن نجساً لأنَّه انفصل عن محلٍ طاهر).

- ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل:

أما الأولان: فحرمة استعمال الماء النجس في غير حالة الضرورة، وجواز استعماله في حالة الضرورة. وأما الأحكام الوضعية فهي: أن استعماله في حالة الضرورة رخصة كإزالة الغصة بها عند خشية الهلاك، أو كبل التراب به كما سيأتي، وأنه لا يرفع الحدث، ولا يزيل الخبث. قال البهوتي في " كشاف القناع" (1/ 38): (والماء النجس لا يجوز استعماله بحال) لقوله تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157] والنجس خبيث (إلا لضرورة لقمة غص بها وليس عنده طهور ولا طاهر) لقوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة: 173] أو لعطش معصوم من آدمي أو بهيمة سواء كانت تؤكل كالإبل والبقر (أو لا) كالحمر والبغال (ولكن لا تحلب) ذات اللبن إذا سقيت النجس (قريبا) قلت: بل بعد أن تسقى طاهرا يستهلك النجس كما في الزرع إذا سمد بنجس (أو لطفي حريق متلف) لدفع ضرورة (ويجوز بل التراب به) أي بالماء النجس (وجعله) أي التراب (طينا يطين به ما لا يصلى عليه) لأنه لا يتعدى تنجيسه ولا يجوز أن يطين به نحو مسجد) (¬1). - ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل: قوله: (وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل) قيد الشيخ مرعي الشق الأول من الحد بقيدين وهما: وقوع النجاسة فيه، وكونه قليلا. والقيد الأول تحرزا من الماء المتغير في محل تطهير النجاسة فهو طهور على الصحيح في المذهب، وذلك لأن الماء في محل التطهير هو الذي يرد على النجاسة لا أن النجاسة تقع فيه. روايات المذهب في تنجس الماء القليل بمجرد ملاقاة النجاسة: الرواية الصحيحة في المذهب هي تنجس الماء القليل بمجرد ملاقاة النجاسة، وإن لم يتغير. ¬

_ (¬1) انظر: الفروع (1/ 60)، الإنصاف (1/ 62).

- حكم تنجس الماء القليل بمجرد ملاقاة النجاسة:

قال السَّامِري في "المستوعب" (1/ 49): (وما دون القلتين ينجس بأي نجاسة أصابته غيرته أو لم تغيره، إلا في حال وروده عليها للتطهير به لأجل الضرورة ... وعنه: أن الماء لا ينجس إلا بالتغير بالنجاسة، قليلا كان أو كثيرا واردا كان أو مورودا). قال الكلوذاني في "الهداية" (ص/47): (ماء نجس وهو ما دون القلتين إذا وقعت فيه نجاسة، وعنه لا ينجس الماء إلا بتغير أحد صفاته بالنجاسة، سواء كان قليلا أو كثيرا). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 55): (فإن لم يتغير، وهو يسير. فهل ينجس؟ على روايتين) إحداهما: ينجس، وهو المذهب: وعليه جماهير الأصحاب قال في الكافي: أظهرهما نجاسته. قال في المغني: هذا المشهور في المذهب، قال ابن منجا: الحكم بالنجاسة أصح، قال في المذهب: ينجس في أصح الروايتين. قال ابن تميم: نجس في أظهر الروايتين، قال ابن رَزِين في شرحه: ينجس مطلقا في الأظهر، قال في الخلاصة: فينجس على الأصح، قال في تجريد العناية: هذا الأظهر عنه. قال الزركشي: هي المشهورة والمختارة للأصحاب. والرواية الثانية: لا ينجس. اختارها ابن عقيل والشيخ تقي الدين، وصاحب الفائق. قال في الحاويين: وهو أصح عندي. قال في مجمع البحرين: ونصر هذه الرواية كثير من أصحابنا). - حكم تنجس الماء القليل بمجرد ملاقاة النجاسة: أدلة من قال بتنجيسه بمجرد الملاقاة: استدل ابن ضويان للرواية الصحيحة في المذهب بقوله في "منار السبيل" (1/ 12): (لحديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينو به من السباع والدواب فقال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث" رواه الخمسة وفي لفظ ابن ماجه وأحمد لم ينجسه شئ يدل على أن ما لم يبلغهما ينجس. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات" متفق عليه يدل على نجاسة من غير تغير، ولأن الماء اليسير يمكن حفظه في الأوعية، فلم يعف عنه. قاله في الكافي. وحمل حديث

بئر بضاعة على الكثير جمعاً بين الكل. قاله في المنتقى). مناقشة وجه الاستدلال بهذه الأدلة: أولا - حديث القلتين: ووجه الاستدلال بحديث القلتين: اعتبار مفهوم المخالفة فيه وذلك بأن الماء القليل، وهو ما دون القلتين تؤثر فيه النجاسة، ولأنه ولقلته قد تبقى النجاسة فيه فيفضي استعماله إلى استعمالها. ويجاب عن ذلك بأن هذا الجواب من النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما جاء جوابا لسؤال، وهذا مانع من اعتبار مفهوم المخالفة، ويكون معنى الحديث أن هذا الماء الذي تسألون عنه قد وصل من الكثرة لحد لا يحمل الخبث بل يستحيل فيه الخبث لكثرته، كما أن الاستدلال بمفهوم العدد هنا غير سديد، قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة" (2/ 771): (تحقيق الكلام في مفهوم العدد: أن الحكم إذا قيد بعدد مخصوص ; فمنه ما يدل على ثبوت الحكم فيما زاد على ذلك العدد بطريق الأولى، ولا يدل على ثبوته فيما نقص عنه: كقوله عليه السلام: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث. دل بطريق الأولى على أن ما زاد على القلتين لا يحمل الخبث، ولم يدل على ذلك فيما دون القلتين). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحمل الخبث) يدل على أنه مدار التنجيس على حمل الماء للخبث. قال تقي الدين في "الفتاوى الكبرى" (1/ 424): (في حديث القلتين: إنه سئل عن الماء يكون بأرض فلاة، وما ينويه من الدواب والسباع، فقال: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» وفي لفظ: «لم ينجسه شيء» وأما مفهومه إذا قلنا بدلالة مفهوم العدد، فإنما يدل على أن الحكم في المسكوت مخالف للحكم في المنطوق بوجه من الوجوه ليظهر فائدة التخصيص بالمقدار، ولا يشترط أن يكون الحكم في كل صورة من صور المسكوت مناقضة للحكم في كل صورة من صور المنطوق. وهذا معنى قولهم: المفهوم لا عموم له، فلا يلزم أن كل ما لم يبلغ القلتين ينجس. بل إذا قيل بالمخالفة في بعض الصور حصل المقصود.

وأيضا: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر هذا التقدير ابتداء، وإنما ذكره في جواب من سأله عن مياه الفلاة التي تردها السباع والدواب، والتخصص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم لم يبق حجة باتفاق، كقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} [الإسراء: 31]. فإنه خص هذه الصورة بالنهي؛ لأنها هي الواقعة لا لأن التحريم يختص بها وكذلك قوله: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة} [البقرة: 283]. فذكر الزمن في هذه الصورة للحاجة، مع أنه قد ثبت «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات ودرعه مرهونة»، فهذا رهن في الحضر، فكذلك قوله: «إذا بلغ الماء قلتين» في جواب سائل معين بيان لما احتاج السائل إلى بيانه، فلما كان حال الماء المسئول عنه كثيرا قد بلغ قلتين، ومن شأن الكثير أنه لا يحمل الخبث، فلا يبقى الخبث فيه محمولا، بل يستحيل الخبث فيه لكثرته، بين لهم أن ما سألتم عنه لا خبث فيه، فلا ينجس، ودل كلامه - صلى الله عليه وسلم -، على أن مناط التنجيس هو كون الخبث محمولا، فحيث كان الخبث محمولا موجودا في الماء كان نجسا، وحيث كان الخبث مستهلكا غير محمول في الماء كان باقيا على طهارته، فصار حديث القلتين موافقا لقوله: «الماء طهور لا ينجسه شيء». والتقدير فيه لبيان صورة السؤال، لا أنه أراد أن كل ما لم يبلغ قلتين فإنه يحمل الخبث، فإن هذا مخالف للحس، إذ ما دون القلتين قد لا يحمل الخبث ولا ينجسه شيء، كقوله: «الماء طهور لا ينجسه شيء» وهو إنما أراد إذا لم يتغير في الموضعين، وأما إذا كان قليلا فقد يحمل الخبث لضعفه). ثانيا - خبر الولوغ: ووجه الاستدلال بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) (¬1) على نجاسة الماء القليل دون تغير قياسه على هذا الماء الذي ولغ فيه الكلب. ويجاب عن هذا الاستدلال بأن هذا القياس مع الفارق لأمرين: ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - واللفظ لمسلم.

الأول - ما ثبت علميا من أن لعاب الكلب فيه جرثومة لا يزيلها إلا التراب. الثاني - طريقة شرب الكلب للماء قال تقي الدين في " الفتاوى الكبرى" (1/ 425): (الكلب يلغ بلسانه شيئا بعد شيء، فلا بد أن يبقى في الماء من ريقه ولعابه ما يبقى وهو لزج، فلا يحيله الماء القليل، بل يبقى، فيكون ذلك الخبث محمولا، والماء يسيرا، فيراق ذلك الماء لأجل كون الخبث محمولا فيه، ويغسل الإناء الذي لاقاه ذلك الخبث). ثالثا - خبر الاستيقاظ: وقد سبق الكلام عنه تفصيليا وبيان أن الماء الذي غمس المستيقظ من النوم فيه يده طهور. رابعا - حديث النهي عن البول في الماء الدائم: وسبق مناقشته وبيان أن النهي ليس من أجل تنجيسه بمجرد البول، وإنما النهي لعلل وهي (¬1): 1 - سد للذريعة؛ لأن الإذن بالبول فيه قد يفضي إلى تنجيسه من كثرة توارد من يبول فيه. 2 - لأن البول فيه يؤدي إلى استقذاره فالنفوس مجبولة على استقذار الماء الراكد الذي يبال فيه فيذهب عنهم نفعه ووجوه استعماله، ومن هنا تفهم علة النهي عن الاغتسال منه أيضا. 3 - النهي لقطع الوساوس التي تطرأ على من يستخدم الماء الذي بيل فيه، وتشكيكه هل استخدم البول باستخدام الماء أم لا؟ خامسا - وأما قول ابن قدامة في "الكافي" (ص/30): (لأن الماء اليسير يمكن حفظه في الأوعية فلم يعف عنه). فلا تصح هذه الملازمة طردا ولا عكسا، فليس كل ما يمكن حفظه لا يعف عنه، كما أنه ليس كل ما لا يمكن حفظه يعف عنه فالماء الكثير لا يمكن حفظه، ولكنه ¬

_ (¬1) انظر موسوعة الدبيان في الطهارة (1/ 362).

إذا تغير بنجاسة تنجس كما سيأتي، كما أنه يمكن أن يقال أن حفظ هذا الماء في الأوعية يحتاج لكلفة ومشقة، والمشقة تجلب التيسير فيعفى عن تغيره للحاجة والمشقة، وأنا وإن لم أكن أقول هذا استدلالا به وإنما أردت بيان قطع الملازمة المذكورة، وأنها تحتاج للاستدلال لها، لا بها. أدلة من قال بعدم تنجيسه ما لم يتغير: أولا - حديث يئر بضاعة: ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري، قال: قيل: يا رسول الله، أتتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها الحيض، ولحوم الكلاب، والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، والحديث صححه الإمام أحمد وغيره، وهو صحيح بطرقه وشواهده. والماء صيغة عموم تشمل القليل والكثير، وكما سبق فإنه ليس مع من ذهب لتخصيصه بالكثير دليل يصح. قال ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 35): (وأجمعوا على أن الماء القليل، والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت للماء طعما، أو لونا، أو ريحًا: أنه نجس ما دام كذلك) فجعل مدار التنجيس التغير لا الكثرة ولا القلة. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (21/ 33): (قال أحمد: حديث بئر بضاعة صحيح. وهو في المسند أيضا عن ابن عباس {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الماء طهور لا ينجسه شيء} وهذا اللفظ عام في القليل والكثير وهو عام في جميع النجاسات. وأما إذا تغير بالنجاسة فإنما حرم استعماله لأن جرم النجاسة باق ففي استعماله استعمالها بخلاف ما إذا استحالت النجاسة فإن الماء طهور وليس هناك نجاسة قائمة. ومما يبين ذلك: أنه لو وقع خمر في ماء واستحالت ثم شربها شارب لم يكن شاربا للخمر؛ ولم يجب عليه حد الخمر؛ إذ لم يبق شيء من طعمها ولونها وريحها ولو صب لبن امرأة في ماء واستحال حتى لم يبق له أثر وشرب طفل ذلك الماء: لم يصر ابنها من الرضاعة بذلك. وأيضا: فإن هذا باق على أوصاف خلقته؛ فيدخل في عموم قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) [النساء: 43] فإن الكلام إنما هو فيما لم يتغير بالنجاسة لا طعمه ولا لونه ولا ريحه).

- ما وقعت فيه نجاسة وهو كثير:

ثانيا - تطهير بول الأعرابي: ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طهر قليل النجاسة بقليل الماء كما في حديث بول الأعرابي، وفيه دليل على أن الماء القليل الذي خالطته نجاسة ولم تغير أحد أوصافه طهور وإلا لما كان لصب الماء فائدة ولما طهر المسجد. ولا يقال أن هذا في محل التطهير لأنه كما سبق أن هذا التفريق لا يصح، والشرع لا يفرق بين المتماثلات، فنتيجة ورود الماء على النجاسة لتطهيرها هي بعينها نتيجة وقوع النجاسة في الماء، فكل منهما ماء قليل فيه نجاسة لم تغيره، فهو باق على إطلاقه. الترجيح: وعليه فالراجح أن الماء القليل الذي وقعت فيه نجاسة ولم تغيره أنه باق على إطلاقه ولا يحكم بنجاسته إلا إذا تغيرت أحد أوصافه. - ما وقعت فيه نجاسة وهو كثير: قوله: (أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه) وأما الماء الكثير فلا ينجس إلا إن تغير وقد دلَّ على ذلك الإجماع، قال ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 35): (وأجمعوا على أن الماء القليل، والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت للماء طعما، أو لونا، أو ريحًا: أنه نجس ما دام كذلك. وأجمعوا على أن الماء الكثير من النيل والبحر، ونحو ذلك إذا وقعت فيه نجاسة، فلم تغير له لوناً ولا طعما ولا ريحا: أنه بحاله، ويتطهر منه). وقال ابن حزم في " مراتب الإجماع" (ص / 17) حيث قال: (واتفقوا أن الماء الراكد إذا كان من الكثرة بحيث إذا حرك وسطه لم يتحرك طرفاه ولا شيء منهما فانه لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته). استثناء البول فيما يمكن نزحه: قال أبو داود في "مسائله للإمام أحمد" (ص:7): (سمعت أحمد، قيل له: البئر يقع فيها الفأرة والسنور؟ فقال: أما مثل هذه الآبار إذا كان الماء كثيرا ما لم يتغير طعما أو ريحا فأرجو، إلا من بول).

فائدة - تحديد الماء الذي لا يمكن نزحه:

وقال في مسائله من رواية ابنه صالح (1/ 301): (الذي سمعنا أن الماء إذا كان قدر قلتين أو ثلاث لم ينجس والقلال قلال هجر فإذا كان الماء خمس قرب ست قرب كلما كان أكثر فهو أحب إلينا لم ينجسه إلا ما كان غير طعمه أو ريحه فإذا تغير طعم أو ريح أو لون لم يقرب إلا البول والعذرة الرطبة التي تقع في الماء فلا يقدر عليها فإن ذلك ينجس إلا أن تكون هذه المصانع التي في طريق مكة فإن ذلك لا ينجسه شيء). قال الخرقي في "مختصره" (ص: 11): (وإذا كان الماء قلتين فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد له طعم ولا رائحة ولا لون فهو طاهر إلا أن تكون النجاسة بولا أو عذرة مائعة فإنه ينجس إلا أن يكون الماء مثل المصانع التي بطريق مكة وما أشبهها من المياه الكثيرة التي لا يمكن نزحها فذلك الذي لا ينجسه شيء). قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 30): (ما يمكن نزحه إذا بلغ قلتين فلا يتنجس بشيء من النجاسات، إلا ببول الآدميين، أو عذرتهم المائعة؛ فإن فيه روايتين عن أحمد، أشهرهما: أنه يتنجس بذلك ... والرواية الثانية، أنه لا يتنجس ما لم يتغير، كسائر النجاسات، اختارها أبو الخطاب، وابن عقيل، وهذا مذهب الشافعي وأكثر أهل العلم لا يفرقون بين البول وغيره من النجاسات) (¬1). فائدة - تحديد الماء الذي لا يمكن نزحه: قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 61): (اختلف الأصحاب في مقدار الذي لا يمكن نزحه، والصحيح من المذهب: أنه مقدر بالمصانع التي بطريق مكة. صرح به الخرقي، وصاحب المستوعب، والفروع، وابن رزين، وغيرهم. قال المصنف في المغني: ولم أجد عن إمامنا ولا عن أحد من أصحابنا تحديد ما لا يمكن نزحه بأكثر من تشبيهه بمصانع مكة. وقال في المبهج: ما لا يمكن نزحه في الزمن اليسير. قال: والمحققون من أصحابنا يقدرونه ببئر بضاعة. وقدره سائر الأصحاب بالمصانع الكبار، كالتي بطريق مكة. وجزم في الرعاية الصغرى، والحاويين: بأنه الذي لا يمكن نزحه عرفا، وقدمه في الرعاية الكبرى. وقال: ¬

_ (¬1) انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/ 132)،المبدع (1/ 38)،الإنصاف (1/ 59).

بيان وجه الرواية المشهورة:

كمصانع طريق مكة). بيان وجه الرواية المشهورة: اعلم أنه تدافع هذه المسألة دليلان، وهما حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)، وحديث (إن الماء إذا كان قلتين لم يحمل الخبث) ووجه الرواية المذكورة هي تخصيص عموم الثاني بالأول. والصواب أن هذين الحديثان بينهما عموم وخصوص وجهي، وتخصيص عموم أحدهم ليس بأولى من العكس، وإيضاح ذلك كالتالي: الحديث الأول عام في الماء القليل والكثير، وخاص بالبول، والحديث الثاني عام في كل الخبث من بول أو غائط، أو حيض أو ميتة، وغير ذلك، خاص بالقلتين، وما فوقه. ولو خصصنا عموم حديث النهي عن البول بحديث القلتين لكانت النتيجة هي أن النهي عن البول أصبح خاصا بالماء القليل دون الكثير عملا بخصوص حديث القلتين، ولو خصصنا عموم حديث القلتين بالنهي عن البول، لكانت النتيجة: أن الماء الذي يبلغ قلتين وأكثر لا يحمل من الخبث إلا البول، وهذه هي الرواية المشهورة عن الإمام أحمد. تنبيه: اعلم أننا لو اخترنا ترجيح التخصيص من أحد الوجهين فقط لكان تخصيص عموم الأول بالثاني أولى من العكس بمعنى أنه يكون الأقرب أن نخصص عموم حديث النهي عن البول في الماء الدائم بالماء الكثير فيكون النهي خاص بما دون القلتين، وذلك لأن الإمام أحمد خصصه بما يشق نزحه وجعل النهي خاصا بما لا يشق نزحه، وهذا تخصيص بالرأي، والأولى منه التخصيص بالحديث. قال ابن قدامة في "المغنى" (1/ 30): (حديث أبي هريرة - أي حديث النهي عن البول في الماء الدائم - لا بد من تخصيصه، بدليل ما لا يمكن نزحه، فيقاس عليه ما بلغ القلتين، أو يخص بخبر القلتين، فإن تخصيصه بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى من تخصيصه بالرأي والتحكم من غير دليل).

تعريف الماء النجس:

الترجيح: والراجح أن لا نقول في مثل هذه المسألة بتخصيص أحد العمومين بالأخر دون العكس بل لابد من حل النزاع بين هذه الأدلة التي بينها وعموم وخصوص وجهي في جهتي الخصوص. فتكون المسألة التي حصل فيها التعارض بين الخاصين هي: هل الماء الكثير لا يحمل من النجاسات إلا البول فقط؟ والجواب أن الإمام أحمد توسع وأدخل مع البول العذرة المائعة، والراجح أن ذكر البول في الحديث جاء تنبيها على غيره مما يشاركه في الاستقذار، وأن غير البول من سائر النجاسات يقاس عليه كما ألحق به العذرة، بل إن بعض النجاسات أسرع تنجيسا للماء من البول. قال ابن قدامة في "المغنى" (1/ 30) مبينا وجه قياس غير البول عليه: (لأن بول الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب، وهو لا ينجس القلتين، فبول الآدمي أولى ... ولأنه لو تساوى الحديثان لوجب العدول إلى القياس على سائر النجاسات). وعليه فالراجح أن النهي غير خاص بالبول وأن مدار التنجيس للماء القليل أو الكثير هو التغير بالنجاسة. تعريف الماء النجس: عرفه الماتن بقوله: (ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه). إلا أن هذا الحد فيه دور لتعريفه الماء النجس بالنجاسة، كما أنه غير جامع فلا يدخل فيه أنواع من ماء النجس على المذهب: - منها ما انفصل عن محل نجاسة متغيرا أو كان غير متغير وانفصل قبل زوالها أو قبل الغسلة السابعة بناء على وجوب السبع الغسلات، وأن النجاسة لا تزول بدونها. وكل هذه الأنواع غير داخلة في التعريف؛ لأن النجاسة لم تقع في الماء بل الماء هو الذي ورد على النجاسة.

- طرق تطهير الماء المتنجس:

قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 43): (ما أزيلت به النجاسة، إن انفصل متغيرا بالنجاسة، أو قبل طهارة المحل، فهو نجس؛ لأنه تغير بالنجاسة أو ماء قليل لاقى محلا نجسا لم يطهره، فكان نجسا، كما لو وردت عليه). قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 18): (فإن انفصل متغير بالنجاسة فنجس (مع زواله) أي الخبث فإن انفصل والخبث باق فنجس مطلقا متغير أو غير متغير (عن محل، طهر) أي صار طاهرا، فإن لم يكن المحل طهر، كما قبل السابعة حيث اعتبر السبع: فنجس مطلقا). وقال في: "الروض المربع" (ص: 13): (أو انفصل عن محل نجاسة) متغيرا أو (قبل زوالها) فنجس، فما انفصل قبل السابعة نجس، وكذا ما انفصل قبل زوال عين النجاسة ولو بعدها أو متغيرا). ومنها - ما كان كثيرا مما لا يشق نزحه ووقع فيه البول أو العذرة المائعة فيتنجس وإن لم يتغير. ويمكن على طريقة التعريف بالتقسيم زيادة الأنواع السابقة، والأولى عندي في تعريفه بالحد الحقيقي أن نقول أنه: (ما تغير حقيقة أو حكما بما ليس طاهرا). فقولنا: (ما تغير حقيقة بما ليس طاهرا) يدخل فيه ما تغير أحد أوصافه بالنجاسة سواء أكان كثيرا، أو انفصل عن محل النجاسة متغيرا بها. وقولنا: (ما تغير حكما بما ليس طاهرا) يدخل فيه ما وقعت فيه النجاسة وهو قليل، وما لاقى البول أو العذرة المائعة وكان كثيرا ولا يشق نزحه. وما انفصل قبل زوال النجاسة أو قبل الغسلة السابعة. - طرق تطهير الماء المتنجس: قوله: (فإن زال تغيره بنفسه أو بإضافة طهور إليه أو بنزح منه ويبقى بعده كثير طهر). ذكر الماتن هنا ثلاث طرق لتطهير الماء المتنجس: الأولى - أن يزول تغيره بنفسه. الثانية - بالمكاثرة وهي إضافة ماء طهور إليه. الثالثة - بالنزح منه ويبقى بعده كثير.

الطريقة الأولى - أن يزول تغيره بنفسه:

ولنتوقف مع كل طريقة من هذه الطرق بشيء من التفصيل: الطريقة الأولى - أن يزول تغيره بنفسه: ويزول تغيره بنفسه أي بمكثه بدون إضافة أو نزح، والمقصود استحالة النجاسة فيه وقد سبق وأن تكلمت عن مسألة إن الماء يدفع النجاسة عن غيره، ولا يزيلها عن نفسه فراجعها. وهنا احتمالات بعضها مرفوض، فالماء هنا قد يكون قليلا، وقد يكون كثيرا، والكثير ينقسم إلى ما يمكن نزحه وما لا يمكن نزحه. والمُغِّير ينقسم إلى بول الآدمي وعذرته وغيرهما، فتحصل عندنا أربعة احتمالات، وهي: الأول - أن يكون الماء قليلا، وهذا ينجس بمجرد الملاقاة ولا سبيل لتطهيره بنفسه بحال على المذهب فهذا الاحتمال غير مقصود عند الماتن. قال إبراهيم بن مفلح في " المبدع" (1/ 39): (النجس القليل لا يطهر بزوال تغيره بنفسه، لأنه علة نجاسته الملاقاة لا التغيير) (¬1). الثاني - أن يكون كثيرا ويمكن نزحه، والمُغِّير بول الآدمي، أو عذرته فهذا بناء على الرواية المشهورة في المذهب من أنه يتنجس وإن لم يتغير فلا سبيل لتطهيره بنفسه. الثالث - أن يكون كثيرا ويمكن نزحه، والمُغِّير له أي نجاسة أخرى غير بول الآدمي، أو عذرته فهنا يمكن زوال تغيره بنفسه بطول مكثه واستحالة النجاسات فيه. قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 64): (وإن كان مما يمكن نزحه ... وإن كان متنجسا بنجاسة غير البول والعذرة، فالصحيح من المذهب: أنه يطهر بزوال تغيره بنفسه. وقطع به جمهور الأصحاب، منهم صاحب الهداية، والمذهب، والمستوعب، والخلاصة، والكافي، والمحرر، والوجيز، والنظم، والفائق، وغيرهم. قال في الفروع والرعايتين، والحاويين: ويطهر الكثير النجس بزوال تغيره بنفسه ¬

_ (¬1) وانظر: المغني (1/ 27) لابن قدامة.

الطريقة الثانية - التطهير بالمكاثرة:

على الأصح. وقال ابن تميم: أظهرهما يطهر. وقال ابن عبيدان: الأولى يطهر، وقدمه في الشرح وغيره. وقال ابن عقيل: هل المكث يكون طريقا إلى التطهير؟ على وجهين. وصحح أنه يكون طريقا إليه. وعنه لا يطهر بمكثه بحال. قال ابن عقيل: يحتمل أن لا يطهر إذا زال تغيره بنفسه، بناء على أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة. وأطلقهما في التلخيص، والبلغة). الرابع - أن يكون الماء كثيرا، ولا يمكن نزحه، ولا بد أن يكون متغيرا فهنا لا فرق بين النجاسات، ويمكن تطهيره بنفسه بطول مكثه واستحالة النجاسات فيه. وعليه فمقصود عبارة الماتن أن ما يطهر بنفسه هو ما كان كثيرا ولا يمكن نزحه، وتغير بأي نجاسة، أو ما كان كثيرا ويمكن نزحه، والمُغِّير له أي نجاسة أخرى غير بول الآدمي، أو عذرته. الطريقة الثانية - التطهير بالمكاثرة: والمكاثرة هي أن يصب فيه أو ينبع فيه ماء طهور. وهنا احتمالات وهي أن يكون الماء قليلا، وينقسم لقسمين وهما أن يكون متغيرا، أو غير متغير وكل منهما ينقسم إلى ما غيره أو خالطه بول أو عذرة، أو غيرهما. وأما الماء الكثير وينقسم إلى ما لا يمكن نزحه، وما يمكن نزحه. والأول ينقسم إلى ما غيَّره أو خالطه بول أو عذرة آدمي، أو غيرهما. وهذا لا ينجس إلا بالتغير. والثاني وهو ما يمكن نزحه، وينقسم إلى ما غيَّره أو خالطه بول أو عذرة آدمي سواء غيره أم لا، وإلى ما غيره غيرهما وهذا لا ينجس إلا بالتغير. فتحصل عندنا ثمانية احتمالات وهي: الأول - أن يكون الماء قليلا وتغير ببول آدمي، أو عذرته، فهذا يطهر بالمكاثرة إما أن يصب فيه، أو ينبع فيه ما لا يمكن نزحه ويزول به التغير. الثاني - أن يكون تغير الماء القليل بغيرهما وهذا يطهر بالمكاثرة، إما أن يصب فيه، أو ينبع فيه قلتين طاهرتين، فيزول بهما تغيره.

الثالث- أن يكون الماء القليل غير متغير، وقد لاقى بول أو عذرة الآدمي، والتطهير يكون بالمكاثرة فهذا يطهر بالمكاثرة إما أن يصب فيه، أو ينبع فيه ما لا يمكن نزحه. الرابع - أن يكون الماء القليل غير متغير، وقد لاقي الماء غيرهما من النجاسات، والتطهير يكون بالمكاثرة إما أن يصب فيه، أو ينبع فيه قلتين طاهرتين، فيزول بهما تنجيسه. قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 27) شارحا الحالة الأولى والرابعة: (ما دون القلتين، فتطهيره بالمكاثرة بقلتين طاهرتين، إما أن يصب فيه، أو ينبع فيه، فيزول بهما تغيره إن كان متغيرا، وإن لم يكن متغيرا طهر بمجرد المكاثرة؛ لأن القلتين لا تحمل الخبث، ولا تنجس إلا بالتغير، ولذلك لو ورد عليها ماء نجس لم ينجسها ما لم تتغير به، فكذلك إذا كانت واردة، ومن ضرورة الحكم بطهارتهما طهارة ما اختلطتا به). الخامس - أن يكون الماء كثيرا، ولا يمكن نزحه، وقد خالطه أي نجاسة فلا فرق هنا بين البول والعذرة، أو غيرهما وهذا الماء لا ينجس إلا بالتغير وتطهيره يكون بالمكاثرة حتى يزول تغيره. السادس - أن يكون كثيرا ويمكن نزحه ويكون تنجيسه بمخالطة بول أو عذرة آدمي وقد تغير بهما فتطهيره يكون بالمكاثرة إما أن يصب فيه، أو ينبع فيه ما لا يمكن نزحه ويزول به التغير. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 64): (إذا كان الماء المتنجس - أي ببول أو عذرة - كثيرا، وكان متغيرا بأحدهما. فإن كان مما يمكن نزحه. فتطهيره بإضافة ما لا يمكن نزحه إليه، جزم به ابن عبيدان وغيره. فإن أضيف إليه ما يمكن نزحه لم يطهره على الصحيح من المذهب. وقيل: يطهره. وأطلقهما في الرعاية الكبرى). السابع - أن يكون كثيرا ويمكن نزحه ويكون تنجيسه بمخالطة بول أو عذرة آدمي ولكنه لم يتغير بها فتطهيره يكون بالمكاثرة إما أن يصب فيه، أو ينبع فيه ما لا يمكن نزحه.

كيفية المكاثرة:

قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 63): (إن كان المتنجس بأحدهما - أي البول أو العذرة - إذا لم يتغير، وقلنا: إنهما ليسا كسائر النجاسات فالصحيح من المذهب: أنه لا يطهر إلا بإضافة ما لا يمكن نزحه. قطع به في المستوعب، والشرح، والفائق، وابن عبيدان، وغيرهم، وقدمه في الفروع، والرعايتين، وغيرهم. وقيل: يطهر إذا بلغ المجموع ما لا يمكن نزحه. وأطلقهما ابن تميم. وقيل: يطهر بإضافة قلتين طهوريتين، وهو ظاهر كلام المصنف هنا. قال ابن تميم: وهو ظاهر كلام القاضي في موضع ... ). الثامن - أن يكون كثيرا ويمكن نزحه ويكون تنجيسه بمخالطة غيرهما وهذا لا ينجس إلا إذا تغير وتطهيره يكون بالمكاثرة حتى يزول التغير. كيفية المكاثرة: سبق وأن ذكرنا أن المكاثرة تكون إما بأن يصب فيه أو ينبع فيه ماء طهور، وهذا الماء المتكاثر به يشترط أن يكون قلتين إذا كان الماء قليلا وتنجس بغير البول أو عذرة الآدمي المائعة. ويشترط أن يكون لا يمكن نزحه إذا كان التغير ببول أو عذرة الآدمي المائعة. هذا القول هو الصحيح في المذهب. وهناك قول آخر ضعيف في المذهب بأن تكون المكاثرة حتى يصير الكل - أي الماء المتنجس والمتكاثر به - قلتين، أو ما لا يمكن نزحه. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 64): (إذا كان الماء المتنجس - أي ببول أو عذرة - كثيرا، وكان متغيرا بأحدهما. فإن كان مما يمكن نزحه. فتطهيره بإضافة ما لا يمكن نزحه إليه، جزم به ابن عبيدان وغيره. فإن أضيف إليه ما يمكن نزحه لم يطهره على الصحيح من المذهب. وقيل: يطهره. وأطلقهما في الرعاية الكبرى .... وإن كان مما يمكن نزحه فتطهيره بإضافة ما لا يمكن نزحه عرفا كمصانع مكة على الصحيح من المذهب. وقيل: كبئر بضاعة، وإن زال تغيره بطهور يمكن نزحه فلم يمكن نزحه: لم يطهر على الصحيح من المذهب. وقيل: يطهر).

الطريقة الثالثة - التطهير بالنزح:

ومن لازم هذا القول أنه يشترط أن يكون الصب أو النبع للماء المتكاثر به متصلا ودفعة واحدة لا على حسب الإمكان. قال الشيخ العثيمين في " الشرح الممتع" (1/ 56): (لا بد أن تكون إضافة الماء متصلة، لأننا إذا أضفنا نصف قلة، ثم أتينا بأخرى يكون الأول قد تنجس، وهكذا فيشترط في المضاف أن يكون طهورا كثيرا). وها مما يجعل هذا القول من الناحية العملية غير ممكن وخاصة مع ما لا يمكن نزحه. ولذلك ترى أن الصحيح في المذهب أنه لا يشترط الاتصال في الصب قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 63): (الإفاضة صب الماء على حسب الإمكان عرفا على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وهو ظاهر المغني، والشرح، وابن تميم، وغيرهم، وجزم به في الكافي، وابن عبيدان، وغيرهم، وقدمه في الفروع، والرعاية الكبرى، وغيرهما. واعتبر الأزجي، وصاحب المستوعب: الاتصال في صبه). قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 28): (ولا يعتبر في المكاثرة صب الماء دفعة واحدة؛ لأن ذلك غير ممكن، لكن يوصل الماء على ما يمكنه من المتابعة، إما من ساقية، وإما دلوا فدلوا، أو يسيل إليه ماء المطر، أو ينبع قليلا قليلا، حتى يبلغ قلتين فيحصل به التطهير). الطريقة الثالثة - التطهير بالنزح: والمقصود بالنزح هو أخذ ماء من البئر ونحوه وتفريغه. وعندنا في التطهير بالنزح احتمالات وبعضها مرفوض: فالماء المتنجس الذي يراد تطهيره بالنزح إما أن يكون قليلا، أو كثيرا، والأول مرفوض، والكثير إما أن يكون لا يمكن نزحه، وإما أن يكون يمكن نزحه، والأول إما أن يكون متغيرا ببول أو عذرة، أو بغيرهما، والثاني وهو ما يمكن نزحه إما أن يكون متغيرا ببول أو عذرة أو غير متغير بأحدهما وكلاهما مرفوض، وإما أن يكون متغيرا بغيرهما. فتحصل عندنا ستة احتمالات، وهي: الأول - وهو القليل فلا ينجس بالنزح أبدا على المذهب، قال ابن قدامة في "

قوله: (والكثير قلتان تقريبا واليسير ما دونهما وهما خمسمائة رطل بالعراقي وثمانون رطلا وسبعان ونصف سبع بالقدسي ومساحتهما أي القلتان ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا).

المغني" (1/ 28): (طهر الكثير بالنزح وطول المكث، ولم يطهر القليل، فإن الكثير لما كانت علة تنجيسه التغير زال تنجيسه بزوال علته، كالخمرة إذا انقلبت خلا، والقليل علة تنجيسه الملاقاة لا التغير، فلم يؤثر زواله في زوال التنجيس). الثاني - أن يكون الماء المتنجس كثيرا، ولا يمكن نزحه وكان تنجسه بالتغير بالبول أو العذرة، فيمكن تطهيره بالنزح منه حتى يزول التغير ويبقى بعده ماءا كثيرا لا يمكن نزحه. الثالث - أن يكون الماء المتنجس كثيرا، ولا يمكن نزحه وتغير بغير البول، أو العذرة فهذا يمكن تطهيره بالنزح منه حتى يزول التغير، ولا يقل المتبقي عن قلتين. الرابع والخامس - أن يكون الماء المتنجس كثيرا، ويمكن نزحه وتنجس بالبول أو العذرة، وهنا له احتمالان أن يتغير بأحدهما، أو لا يتغير وكلاهما لا يمكن تطهيره بالنزح لأنه يمكن نزحه بداية فكيف بعد أن نزح منه. السادس - أن يكون الماء المتنجس كثيرا، ويمكن نزحه، وتغير بغير البول أو العذرة فهذا يمكن تطهيره بالنزح منه حتى يزول تغيره ويبقى بعد النزح قلتان. الترجيح: الراجح عندي كما سبق مرارا عدم التفريق بين القليل والكثير من الماء وعدم التفريق بين بول الآدمي، أو عذرته وبين سائر النجاسات الأخرى، وقد سبق بيان أن الراجح أن الماء لا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة بل لابد من تغير أحد أوصافه. وعلى ذلك فالراجح عندي أن الماء لا يطهر إلا إذا زال تغيره سواء أكان بنفسه، أو بالمكاثرة بالقليل أو الكثير من الماء الطهور، أو بنزح النجاسة منه وزوال أثرها، ولا فرق عندي بين ما بلغ القلتين أم لا، ولا بين ما يشق نزحه أم لا، ولا يشترط أن يكون الصب أو النبع متصلا. قوله: (والكثير قلتان تقريبا واليسير ما دونهما وهما خمسمائة رطل بالعراقي وثمانون رطلا وسبعان ونصف سبع بالقدسي ومساحتهما أي القلتان ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا). فيه مسائل: قوله: (والكثير قلتان تقريبا).

سبب تسميتها قلة:

قال الشيخ اللبدي في "حاشيته" (ص/13): (الأولى أن يأتي بهذه اللفظة - أي قريبا - بعد قوله: "وهما خمسمائة رِّطْل بالعراقي" لأن الكثير قلتان تحديدا, فلو نقص عن القلتين يسيرا صار دونهما ومناط الحكم بلوغ الماء قلتين أو عدمه وأما كون القلتين خمسمائة رِّطْل بالعراقي فتقريب لا تحديد فلو نقص هذا القدر رِّطْلا أو رِّطْلين فلا يضر ويسمى قلتين لأن هذا التقدير بالنص ... ). وكان الأولى بالشيخ اللبدي أن يوجه عبارته بدلا من توهميه. وقد ذكر عصام القلعجي في حاشيته على منار السبيل أنه جاء في النسخة الأصل زيادة لفظ (من قِلاَلِ هَجَرَ) قال: (فحذفتها من هذه النسخة لأنها ليست من المتن) وقد بحثت عن هذه الزيادة في ثلاث نسخ خطية وفي بعض النسخ المطبوعة فلم أجدها، وقد أثبتها أيضا الشيخ ابن جبرين - رحمه الله - في النسخة التي كان يشرحها، ويكون على ذلك مراده بقوله: (تقريبا) أي كونهما من قِلاَلِ هَجَر، ولعله لم يشأ الجزم بكونها من هجر لعدم صحة ما ورد من المرفوع في تعيينها وسوف يأتي الكلام في ذلك قريبا - بإذن الله -. وعلى اعتبار عدم وجود هذه الزيادة فظاهر العبارة مشكل، ويتجه تأويلها لمقدارهما، ووجه صحة هذا التأويل أنه يصح إطلاق الشيء وإرادة ما يحل فيه، كقولنا: الجمرة لأنها المحل الذي يرمى فيه بالجمار، وهكذا، وهو كنحو الوجه الذي أشار إليه الشيخ اللبدي، إلا أنني لم أذهب لتغيير موضع الكلمة في عبارة الشيخ مرعي. وكل من الوجهين في الجواب عن عبارته محتمل والثاني أولى وأوجه في حمل كلامه عليه. سبب تسميتها قلة: قال ابن أبي الفتح في "المطلع" (ص: 18): (القلتان: واحدتهما قلة، وهي الجَرَّة، سميت بذلك؛ لأن الرجل العظيم يقلها بيديه، أي يرفعها، يقال: قل الشيء وأقله: إذا رفعه). قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 19): (القلة: هي الجَرَّة، سميت قلة لأنها تقل

قلال هجر:

بالأيدي، أي تحمل، ومنه قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا) (¬1) [الأعراف: 57] ويقع هذا الاسم على الكبيرة والصغيرة). قِلاَلُ هَجَر: وقال أيضا: (المراد بها هاهنا قلتان من قلال هجر، وإنما خصصنا هذا بقلال هجر لوجهين: أحدهما أنه قد روي في حديث مبينا، رواه الخطابي، في " معالم السنن " بإسناده إلى ابن جريج، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا «إذا كان الماء قلتين بقلال هجر» وذكر الحديث. والثاني أن قلال هجر أكبر ما يكون من القلال، وأشهرها في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره الخطابي قال: وهي مشهورة الصنعة، معلومة المقدار. لا تختلف كما لا تختلف الصيعان والمكاييل؛ ولأن الحد لا يقع بالمجهول). الحديث قد رواه الشافعي في "مسنده" (ص/165) قال: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا» وفي هذا الحديث: بقلال هجر. وهذا إسناد ضعيف فيه علتان الأولى شيخ الشافعي مسلم بن خالد، قال عنه ابن حجر في "التقريب": "صدوق كثير الأوهام"، وابن جريج مدلس وهو ممن عاصر صغار التابعين، فالحديث معضل، وفي بعض الطرق أن القائل ابن جريج. وقد اشتهر ذكر هجر والتمثيل بها؛ لعظم حجمها ففي حديث المعراج عند البخاري في "صحيحه": (وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ المُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلاَلُ هَجَرَ). وهجر هذه بفتح الهاء والجيم وهي قرية بقرب المدينة وليست هجر البحرين: وقد كان ابتداء عمل هذه القلال بها فنسبت إليها ثم عملت في المدينة فبقيت النسبة على ما كانت (¬2). حد القلتين: والمقصود بالقلة هنا: الجَّرة الضخمة. ¬

_ (¬1) والمعنى: حملت الريح سحابا ثقالا بالماء، أي أثقلت بحمله. يقال: أقل فلان الشيء أي حمله. (¬2) انظر المجموع شرح المهذب (1/ 121).

مقدارهما:

مقدارهما: أولا - بالرِّطْل العراقي: قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 67): (وهما خمسمائة رِّطْل بالعراقي)، وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وجزم به الخرقي، والهداية، والإيضاح، والمذهب، والتلخيص، والبلغة، والخلاصة، والوجيز، والمنور، والمنتخب، والمذهب الأحمد، وإدراك الغاية، وغيرهم، وقدمه في الفروع، والمحرر، والرعايتين، والحاويين، والنظم، ومجمع البحرين وقال: إنه أولى وابن رزين وقال: إنه أصح والمستوعب وقال: إنه أظهر واختاره ابن عبدوس في تذكرته. قال الزركشي: هذا المشهور والمختار للأصحاب. ثم قال: الصحيح من المذهب: أن الرِّطْل العراقي: مائة درهم وثمان وعشرون درهما وأربع أسباع درهم). وعليه فحجم القلتان يساوي 500 رِّطْل عراقي أي يساوي 500 × 128 وأربع أسباع درهم. وقد حقق مؤلف كتاب "المكاييل والموازين الشرعية" (ص/18) أن الدرهم عند الحنابلة يساوي 975 ,2 من الجرامات. فيكون أربع أسباع الدرهم يساوي 7 ,1 جرام. 128 درهم يساوي 8 ,380 جرام. 128 وأربع أسباع درهم يساوي 5 ,382 جرام. وعليه فيكون حجم القلتين يساوي 500 رِّطْل × 5 ,382 جرام يساوي 191250 جرام أي 250 ,191 كيلوجرام. ثانيا - بالرِّطْل القدسي: قال: (وثمانون رطلا وسبعان ونصف سبع بالقدسي). قال إبراهيم بن مفلح في "المبدع" (1/ 41): (القلتان بالدمشقي مائة رطل وسبعة أرطال وسبع رطل، ويعبر عنه بأوقية وخمسة أسباع أوقية، وبالقدسي: ثمانون رطلا وسبعا رطل، ونصف سبع، وبالحلبي: تسعة وثمانون رطلا وسبعا رطل، وبالمصري: أربعمائة وستة وأربعون رطلا وثلاثة أسباع رطل).

هل هذا التقدير تحديدا أم تقريبا

وقد ذكر البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 25): أن الرِّطْل القدسي: ثمانمائة درهم. والسبعان والنصف سبع هما خمسة أجزاء من أربعة عشر جزاء من الرطل. ويكون مقدارهما بالدراهم يساوي 800 × 5 مقسوما على 14 يساوي 7 ,285 درهم. والثمانون رطل بالقدسي يساوون 80 × 800 يساوي 64000 درهم. وعليه فالقلتين بالقدسي هما 7 ,64285 درهما. وسبق وأن ذكرنا أن الدرهم عند الحنابلة يساوي 975 ,2 من الجرامات. فينتج أن القلتين بالقدسي هما 7 ,64285 درهما بالقدسي × 975 ,2 جراما فيكون الناتج تقريبا 191250 جرام أي 250 ,191 كيلوجرام وهي نفس النتيجة السابقة. هل هذا التقدير تحديدا أم تقريبا؟ قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 69) بعد أن ذكر تقدير القلتين بالرِّطْل: ((وهل ذلك تقريب، أو تحديد؟ على وجهين) أحدهما: أنه تقريب. وهو المذهب، جزم به في العمدة، والوجيز، والمنور، والتسهيل، وغيرهم، وقدمه في الفروع، وابن تميم، والرعاية الصغرى، وغيرهم، وصححه في المغني، والشرح، ومجمع البحرين، والفائق، وابن عبيدان، وشرح ابن رزين، وغيرهم. قال في الكافي: أظهرهما أنه تقريب. واختاره ابن عبدوس في تذكرته وغيره. والوجه الثاني: أنه تحديد، اختاره أبو الحسن الآمدي. قال ابن عبيدان: وهو اختيار القاضي. قال الشارح: وهو ظاهر قول القاضي ... ). فائدة الخلاف: وقال أيضا: (وفائدة الخلاف في أصل المسألة: أن من اعتبر التحديد لم يعف عن النقص اليسير، والقائلون بالتقريب يعفون عن ذلك). حجمهما: قال: (ومساحتهما أي القلتان ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا). قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 68): (مساحة القلتين إذا قلنا إنهما خمسمائة

الشك والاشتباه في المياه:

رطل ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا. قاله في الرعاية وغيره). والتعبير بالحجم هو الصحيح لا بالمساحة. قال إبراهيم بن مفلح في "المبدع" (1/ 41): (المراد به: ذراع اليد، صرح به بعضهم). وقال البهوتي في " كشاف القناع" (1/ 43): ((والمراد) بالذراع فيما تقدم (ذراع اليد) أي يد الآدمي المعتدل، وهو أربع وعشرون إصبعا معترضة معتدلة. قال القمولي الشافعي وذكر عن الشافعي أنه شبران، وهو تقريب زاد غيره والشبر ثلاث قبضات والقبضة أربع أصابع والإصبع ست شَعِيرات بطون بعضها إلى بعض). وطول الذراع من طرف الْمرْفق إِلَى طرف الإصبع الْوُسْطَى (¬1). وقد ذكر صاحب المكاييل والموازين الشرعية أن الذراع عند الحنابلة يساوي 834 ,61 من السنتيمترات. وعليه فيكون حجم القلتين يساوي ذراع وربع × 834 ,61 سنتيمتر × 3 فينتج 231.9 سم3 تقريبا. أي هو حجم مكعب طول ضلعه 3 ,77 سم تقريبا ناتج من ضرب ذراع وربع × 834 ,61 سنتيمتر. الشك والاشتباه في المياه: قال: (فإذا كان الماء الطهور كثيرا ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور ولو مع بقائها فيه، وإن شك في كثرته فهو نجس. وإن اشتبه ما تجوز به الطهارة بما لا تجوز به الطهارة لم يتحر ويتيمم بلا إراقة. ويلزم من علم بنجاسة شيء إعلام من أراد أن يستعمله). قوله: (فإذا كان الماء الطهور كثيرا ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور ولو مع بقائها فيه) هل يدخل فيه الماء الذي لا يشق نزحه ووقع فيه بول وعذرة الآدمي المائعة؟ ¬

_ (¬1) انظر المطلع (ص/40)، المعجم الوسيط (ص/311).

الماء المشكوك في كثرته:

الجواب: أنه لا يدخل في كلامه، وأن مقصوده بالكثير هنا ما كان قلتين وما فوقهما وذلك لقرائن: منها - تعقيبه بهذه العبارة عقب تحديده لمقدار القلتين. ومنها - قوله: (فهو طهور ولو مع بقائها فيه) والراجح في المذهب أن بول الآدمي وعذرته المائعة تنجس الماء الكثير الذي لا يشق نزحه بمجرد الملاقاة وإن لم تغيره. ومنها - أن الشيخ مرعي لم يتكلم عن مسألة تنجس الماء الذي لا يشق نزحه بالبول والعذرة المائعة للآدمي. وعليه فتكون أل المضمنة في عموم الكثرة المراد هي أل العهدية، فالعام هنا ليس على عمومه بل هو من باب العام الذي أريد به الخصوص. إذن مقصوده بالكثرة في عبارته القلتين وما فوقهما، ومقصوده بالنجاسة غير البول والعذرة المائعة. ولو أخذنا بعموم العبارة وحمل العموم على عمومه فيكون مراده بالكثرة ما يشق نزحه فهو الذي لا يتأثر بأي نجاسة ما لم تغيره. الماء المشكوك في كثرته: قال: (وإن شك في كثرته فهو نجس). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 70): (لو شك في بلوغ الماء قدرا يدفع النجاسة. ففيه وجهان. وأطلقهما في المغني، والشرح، وابن عبيدان، والفروع، والرعايتين، والحاويين. أحدهما: أنه نجس، وهو الصحيح قاله المجد في شرح الهداية. قاله في القواعد الفقهية: هذا المرجح عند صاحب المغني، والمحرر. والثاني: أنه طاهر. قال في القواعد (الفقهية): وهو أظهر). ووجه الرواية المصححة في المذهب والتي اختارها الماتن من الحكم بنجاسة هذا الماء: جعل الأصل في الماء القلة وعدم بلوغه مقدار القلتين، وتيقن حلول النجاسة فيه، والمذهب أن الماء القليل ينجس بمجرد الملاقاة، فلا ينتقل عن الأصل بالشك.

ملاحظة:

ملاحظة: هذا الماء لم تغير النجاسة فيه أحد أوصافه وإلا لما حصل التردد في الحكم بنجاسة مع التغير حتى وإن كان كثيرا. ولا يصح أن يقال أن هذا الماء تردد فيه بين الطهورية والتنجيس فنحكم بالطهورية، بمعنى أن هذا الماء إن كان كثيرا ولم تظهر فيه أثر النجاسة فهو طهور، وإن كان قليلا تنجس بمجرد الملاقاة، وعليه فلما تردد الماء بين الطهورية والتنجيس حكمنا بالطهورية؛ لأنا نقول أن محل هذا الكلام لو كان الشك في التنجيس لا في قلة الماء وكثرته، ومسألتنا أننا تيقنا وقوع النجاسة فلا يصح أن يقال أن الأصل في هذا الماء الطهورية للأخذ في الاعتبار بحلول النجاسة فيه. الترجيح: والراجح عندنا أن الماء لا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وأن هذا الماء الغير المتغير طهور. الاشتباه: قال: (وإن اشتبه ما تجوز به الطهارة بما لا تجوز به الطهارة لم يتحر ويتيمم بلا إراقة). وقوله: (اشتبه) مقصوده بالاشتباه هنا مجرد اختلاط آنية الماء الطهور بآنية الماء النجس (¬1). وقوله: (ما تجوز به الطهارة) أي الماء الطهور. وقوله: (بما لا تجوز به الطهارة) ظاهره أنه يشمل الماء النجس والطاهر حقيقة أو حكما إلا أن ما ذكره من أحكام تخص النجس كما أنه الكلام لا يزال موصولا عن أحكام النجس دون الطاهر، فالماء الطاهر غير مقصود هنا، وسوف أذكر حكم اشتباه الطهور بالطاهر ليتبين الفرق بين الحالتين - بإذن الله -. روايات المذهب: قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 71): (قوله (وإن اشتبه الطاهر بالنجس لم ¬

_ (¬1) انظر المنح الشافيات (ص/147).

هل يكفي مطلق الزيادة عند التحري؟

يتحر فيهما على الصحيح من المذهب). وكذا قال في الهداية وَالْمُذْهَبِ، وهو كما قالوا. وعليه جماهير الأصحاب، وجزم به في الْبُلْغَةِ، والوجيز، وَالْمَذْهَبِ الأحمد، والإفادات، والمنتخب، والتسهيل، وغيرهم ... قال الزركشي: وهو المختار للأكثرين. وهو من مفردات المذهب. وعنه يتحرى إذا كثر عدد الطاهر. اختارها أبو بكر وابن شَاقِلَا، وأبو علي النَّجَّادُ قال ابن رجب في القواعد: وصححه ابن عقيل). هل يكفي مطلق الزيادة عند التحري؟ قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 72): (إذا قلنا يتحرى إذا كثر عدد الطاهر. فهل يكفي مطلق الزيادة ولو بواحد، أو لا بد من الكثرة عرفا، أو لا بد أن تكون تسعة طاهرة وواحد نجس، أو لا بد أن تكون عشرة طاهرة وواحد نجس؟ فيه أربعة أقوال. قدم في الفروع: أنه يكفي مطلق الزيادة. وهو الصحيح. وقدم في الرعايتين والحاوي الكبير: العرف، واختاره القاضي في التعليق، فقال: يجب أن يعتبر بما كثر عادة وعرفا، واختاره النجاد. وقال الزركشي: المشهور عند القائل بالتحري: إذا كان النجس عُشر الطاهر: يتحرى، وجزم به في الْمُذْهَبِ، والتلخيص، وغيرهم. وقال القاضي في جامعه: ظاهر كلام أصحابنا: اعتبار ذلك بعشرة طاهرة وواحد نجس. وأطلقهن ابن تميم وأطلق الأوجه الثلاثة الأول: الزركشي، والفائق). وسوف يأتي قريبا بيان الراجح بأنه لا يتحرى في هذه الحالة مطلقا. هل يشترط إراقتهما، أو خلطهما؟ وقال (1/ 74): (قوله (وهل يشترط إراقتهما، أو خلطهما؟ على روايتين). إحداهما: لا يشترط الإعدام، وهي المذهب، قال في الْمُذْهَبِ: هذا أقوى الروايتين. وهو ظاهر كلام ابن عَبْدُوسٍ في التذكرة، والتسهيل، وجزم به في الوجيز والعمدة والإفادات، وَالْمُنَوِّرِ، والمنتخب، وغيرهم، وقدمه في إدراك الغاية، وابن تَمِيم، واختاره أبو بكر وابن عقيل، والمصنف، والشارح. والرواية الثانية: يشترط، اختاره الخرقي. قال المجد، وتبعه في مجمع البحرين: هذا هو الصحيح وقدمه في الهداية، والخلاصة، وابن رزين، والرعايتين، والحاويين، وغيرهم ... ). الترجيح: والراجح أنه لا يجب عليه إراقتهما قبل التيمم لأمرين:

تقييدات وبيان محل الخلاف:

الأول - لأنه غير قادر على استعمال الطهور، أشبه ما لو كان في بئر لا يمكنه استقاؤه فهو عادم للماء حكما. قال الشيخ الحمد في شرح الزاد: (الأصح أن ذلك ليس بشرط؛ لأن العاجز عن استعمال الماء كعادمه، فهذا الرجل عاجز عن الماء أو جاهل، أيهما الطهور من النجس فهو كالعادم للماء وقد قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، وهذا غير واجد للماء حكماً لا حقيقة، ولا يشترط أن يكون عادماً للماء حقيقة). الثاني - أن هذا الماء قد يحتاج إليه في نحو إزالة غصة عند خشية الهلاك، أو بل التراب، أو طفئ حريق متلف، ونحو ذلك من وجوه الاستعمال التي سبق ذكرها. تقييدات وبيان محل الخلاف: قال الزركشي في " شرحه على مختصر الخرقي" (1/ 149): (صورة هذه المسألة إذا لم يجد طهورا غيرهما، ولم يمكن تطهير أحدهما بالآخر، أما إذا كان ذلك فإنه يجب اعتماده). وقال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 73): (محل الخلاف: إذا لم يكن عنده طهور بيقين. أما إذا كان عنده طهور بيقين. فإنه لا يتحرى، قولا واحدا. ومحل الخلاف أيضا: إذا لم يمكن تطهير أحدهما بالآخر: فإن أمكن تطهير أحدهما بالآخر: امتنع من التيمم. قاله الأصحاب؛ لأنهم إنما أجازوا التيمم هنا بشرط عدم القدرة على استعمال الطهور. وهنا هو قادر على استعماله. مثاله: أن يكون الماء النجس دون القلتين بيسير. والطهور قلتان فأكثر بيسير، أو يكون كل واحد قلتين فأكثر. ويشتبه. ومحل الخلاف أيضا: إذا كان النجس غير بول. فإن كان بولا لم يتحر، وجها واحدا. قاله في الكافي، وابن رزين، وغيرهما). تحرير محل النزاع: لا خلاف في المذهب أنه لا يجوز التحري إن تساوت عدد الآنية، وإنما محل الخلاف في التحري عند كثرة عدد آنية الماء الطهور، وظاهر كلام أحمد أنه لا

الجواب عن هذه الاستدلالات:

يجوز له التحري بحال، وفي رواية الجواز عند كثرة أنية الطهور، واختارها جماعة من الأصحاب كما سبق. الأدلة والمناقشة: استدل من قال بالتحري بأدلة وهي (¬1): 1 - أن الظاهر إصابة الطهور؛ لأن جهة الإباحة قد ترجحت بكثرة آنية الطهور، فجاز التحري. 2 - القياس على ما لو اشتبهت عليه أخته في نساء مصر. 3 - القياس على ما لو اشتبهت عليه القبلة. 4 - قالوا: الطهارة تؤدى باليقين تارة، وبالظن أخرى، ولهذا جاز التوضؤ بالماء القليل المتغير، الذي لا يعلم سبب تغيره. 5 - استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في مسألة الشك في الصلاة: «وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليبن عليه»، فهذا دليل أثري في ثبوت التحري في المشتبهات. الجواب عن هذه الاستدلالات: - وقولهم: "إذا كثر الطاهر ترجحت الإباحة". يبطل بما إذا اشتبهت أخته في مائة أو ميتة بمذكيات، فإنه لا يجوز التحري، وإن كثر المباح. فإن قيل أن الأصل في هذه الأشياء التوقف بخلاف الماء قيل لما كان استخدام الماء في هذه الحالة عند الاشتباه قد يؤدي إلى استعمال النجس كان الأصل فيها التوقف حتى وإن كثر عدد الآنية فالاحتمال لا يزال قائما. - وأما إذا اشتبهت في نساء مصر، فإنه يشق اجتنابهن جميعا، ولذلك يجوز له النكاح من غير تحر. ويوضحه أن مسألتنا في اشتباه أعداد محصورة بخلاف ما لو اشتبهت بعدد غير محصور من الآنية. ¬

_ (¬1) انظر المغنى لابن قدامة (1/ 45)، " الشرح الممتع" (1/ 61).

أدلة من قال لا يجوز التحرى:

- وأما عدم الإعادة في مسألة الشك في القبلة؛ فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بإعادة الصلاة في هذه الحالة وقد رخص في ترك استقبال القبلة في حالة الخوف والنافلة في السفر، بخلاف مسألتنا هذه فالقبلة ما يتوجه إليه بظنه، ولو بان له يقين الخطأ لم يلزمه الإعادة كما دلَّ الدليل على ذلك، بخلاف مسألتنا. - وأما المتغير من غير سبب يعلمه، فيجوز الوضوء به استنادا إلى أصل الطهارة، وإن غلب على ظنه نجاسته، ولا يحتاج إلى تحر. وفي مسألتنا عارض يقين الطهارة يقين النجاسة، فلم يبق له حكم، ولهذا لا يجوز استعماله من غير تحر. - وأما حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - فهو معارض بحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - الذي رواه مسلم وفيه: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ) ويحمل حديث ابن مسعود على وجود قرائن قوية ترجح أحد الاحتمالات بخلاف الترجيح بمجرد كثرة عدد الآنية وعدم التمييز بينها بما يرجح إمكانية استخدام الطهور. أدلة من قال لا يجوز التحرى: - قال بن قدامة في "المغنى" (1/ 45): (ولنا أنه اشتبه المباح بالمحظور، فيما لا تبيحه الضرورة، فلم يجز التحري، كما لو استوى العدد عند أبي حنيفة، وكما لو كان أحدهما بولا عند الشافعي، فإنه قد سلمه، واعتذر أصحابه بأنه لا أصل له في الطهارة. قلنا: وهذا الماء قد زال عنه أصل الطهارة، وصار نجسا، فلم يبق للأصل الزائل أثر، على أن البول قد كان ماء، فله أصل في الطهارة، كهذا الماء النجس). ومما ذكره الشيخ العثيمين - رحمه الله - في " الشرح الممتع" (1/ 61) استدلالا لهذا القول (¬1): (إن اشتبه ماء طهور بماء نجس حرم استعمالهما، لأن اجتناب النجس واجب، ولا يتم إلا باجتنابهما، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا دليل نظري. وربما يستدل عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يرمي صيدا فيقع في الماء: «إن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري، الماء قتله أم ¬

_ (¬1) لاحظ أن الشيخ العثيمين رجح القول بالتحرى.

الترجيح:

سهمك؟». وقال: «إذا وجدت مع كلبك كلبا غيره فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله»؟. فأمر باجتنابه، لأنه لا يدرى هل هو من الحلال أم الحرام؟ الترجيح: والأقوى عندي من الأقوال في المذهب أنه لا يتحر في هذه الحالة ويتيمم بدون إراقة. وأما الراجح بناء على الأدلة فإنه قد سبق وأن رجحت أن الماء لا ينجس إلا بالتغير وفي هذه الحالة لا يمكن اشتباه الطهور بغيره إلا في حالة أن يكون التنجس بلعاب الكلب ففي هذه الحالة إن استطاع التمييز بين المائين ببعض القرائن كوجود شعرات من الكلب داخل الماء مثلا، فإنه يتحرى، فإن لم يترجح له طهورية أحد الآنية فإنه يتيمم بدون إراقة. اشتباه طهور بطاهر: ظاهر المذهب أنه لا يتحر، وفي المذهب روايتان: الأولى - وهي قول أكثر الأصحاب أنه يتوضأ وضوءين من هذا وضوء كامل ومن هذا وضوء كامل. والرواية الثانية - وهي المقدمة في المذهب أنه يتوضأ وضوء واحد من هذا غَرْفَة، ومن هذا غَرْفَة بأن يغسل كل عضو مرتين كاملتين يمر بكل غسلة على كامل العضو مرة أولى من هذا ومرة ثانية من الثاني. قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 75): (وإن اشتبه طاهر بطهور توضأ من كل واحد منهما) أنه يتوضأ وضوءين كاملين، من هذا وضوءا كاملا منفردا، ومن الآخر كذلك، وهو أحد الوجهين. وصرح بذلك، وجزم به في المغني، والكافي، والهادي، والوجيز، وابن رزين، والحاوي الكبير، وابن عَبْدُوسٍ في تذكرته، والمنتخب، وَالْمُنَوِّرِ، والإفادات، وغيرهم، وقدمه في الرعايتين، والحاوي الصغير، والنظم، وهو ظاهر كلامه في الهداية، والمذهب، والمستوعب، والتلخيص، والشرح، والمذهب الأحمد، وإدراك الغاية، والمحرر والخلاصة، وابن مُنَجَّا في

الترجيح:

شرحه، والفائق، وابن عبيدان، وغيرهم. قال في مجمع البحرين: هذا قول أكثر الأصحاب. والوجه الثاني: أنه يتوضأ وضوءا واحدا، من هذا غرفة، ومن هذا غرفة، وهو المذهب قال ابن تميم: هذا أصح الوجهين قال في تجريد العناية: يتوضأ وضوءا واحدا في الأظهر قال في القواعد الأصولية، في القاعدة السادسة عشر: مذهبنا يتوضأ منها وضوءا واحدا، وقدمه في الفروع. ومجمع البحرين. وأطلقهما في القواعد الأصولية في موضع آخر. ظاهر قوله " توضأ " أنه لا يتحرى، وهو صحيح، وهو المذهب. وعليه الأصحاب. وذكر في الرعاية قولا بالتحري، إذا اشتبه الطهور بمائع طاهر غير الماء). الترجيح: الراجح بناء على القسمة الثلاثية أنه يتوضأ وضوءا واحدا منهما. قال ابن قاسم في "حاشيته على الروض المريع" (1/ 96) مرجحا هذا القول: (لأن الوضوء الواحد على الوجه المذكور مجزوم به بنية كونه رافعا، بخلاف الوضوئين فلا يدري أيهما الرافع للحدث؟ قال الخلوتي: ويصح أن يتوضأ وضوءين كاملين بنية واحدة، مع قرب زمنيهما وهذا غير القول الثاني، لأن عليه أن يتوضأ وضوءين بنيتين، فتكون النية الثانية مشكوكا فيها، هل هي بعد الرفع أو لا؟) وأما الراجح بناء على القسمة الثنائية فله أن يتوضأ بأحد الماءين لأنه يصح رفع الحديث بأيهما. الفرق بين الاشتباه في الحالتين السابقتين: قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 46): (وفارق ما إذا كان نجسا؛ لأنه ينجس أعضاءه يقينا، ولا يأمن أن يكون النجس هو الثاني، فيبقى نجسا، ولا تصح صلاته). متى يتحرى: قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 46): فإن احتاج إلى أحد الإناءين للشرب تحرى، فتوضأ بالطهور عنده، وتيمم معه ليحصل له اليقين).

الإعلام بنجاسة الماء:

الإعلام بنجاسة الماء: قال: (ويلزم من علم بنجاسة شيء إعلام من أراد أن يستعمله). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 75): (لو علم أحد النجس فأراد غيره أن يستعمله: لزمه إعلامه، قدمه في الرعاية الكبرى في باب النجاسة. وَفَرَضَهُ في إرادة التطهر به. وقيل: لا يلزمه. وقيل: يلزمه إن قيل إن إزالتها شرط في صحة الصلاة، وهو احتمال لصاحب الرعاية. وأطلقهن في الفروع). قال الشيخ ابن جبرين في "شفاء العليل" (ص/123): (لأن استعمال ما فيه النجاسة في العبادات لا يجوز، فالواجب على من يرى إنسانا يريد استعمال شيء فيه نجاسة من ماء أو ثياب أو نحوهما أن يخبره بذلك ليبتعد عن ما نهى الله عنه وهو من واجب النصيحة للمسلم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الدين النصيحة" وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " المؤمن مرآة المؤمن" أي يكون له كالمرآة فإذا رأى فيه عيبا أو رآه يفعل خطأ نهاه عن ذلك وأرشده إلى الصواب).

باب الآنية

باب الآنية تعريف الباب: سبق وأن ذكرنا تعريف الكتاب بأنه اسم لجنس من الأحكام ونحوها تشتمل على أنواعا مختلفة كالطهارة مشتملة على المياه والوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة وغيرها، وكل نوع من هذه الأنواع يسمى بابا. فالباب معروف، وهو مَدْخَلُ الْبَيْت وَمَا يسد بِهِ الْمَدْخَل من خشب وَنَحْوه وَمن الْكتاب الْقسم يجمع مسَائِل من جنس وَاحِد تسمى فصولا، والجمعُ أَبْوابٌ وبِيبانٌ (¬1). تعريف الآنية: قل البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 50): (الْآنِيَةُ لُغَةً وَعُرْفًا (الْأَوْعِيَةُ) (¬2) وَهِيَ ظُرُوفُ الْمَاءِ وَنَحْوُهَا وَالْآنِيَةُ جَمْعُ إنَاءٍ كَسِقَاءٍ وَأَسْقِيَةٍ، وَوِعَاءٍ وَأَوْعِيَةٍ وَجَمْعُ الْآنِيَةِ: أَوَانٍ وَالْأَصْلُ أَأَنِيٌ أُبْدِلَتْ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ وَاوًا، كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ هَمْزَتَيْنِ كَآدَمَ وَأَوَادِمَ) وقال الشيخ الفوزان في "الملخص الفقهي" (1/ 20): (الآنية هي الأوعية التي يحفظ فيها الماء وغيره، سواء كانت من الحديد أو الخشب أو الجلود أو غير ذلك). إشكال والجواب عنه: الشيخ مرعي ترجم لهذا باب بالآنية ولكنه لم يقتصر فيه على ذكر أحكام الآنية بل زاد عليها في هذا الباب حكم ثياب الكفار وحكم عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبها وجلدها والشعر والصوف والريش. قال اللبدي في "حاشيته" (ص: 14): (ترجم لشيء وزاد عليه وهذا ليس بعيب). قلت: ظاهر كلام اللبدي أنه زاد عليه ما ليس من جنسه، والأولى أن يقال أنه استطرد في الكلام على الظروف وكأنه يسوي بين الظرف والآنية. قال العسكري في " معجم الفروق اللغوية" مبينا الفرق بين الآنية والظرف (ص: 7): (الآنية: تطلق على كل ما يستعمل في الأكل والشرب، وغيرهما كالقدر والمغرفة والصحن، والغضارة. والظرف أعم منه ومن غيره إذ هو ما يشغل ¬

_ (¬1) انظر المعجم الوسيط مادة (ب اب). (¬2) قال ابن قاسم في "حاشيته على الروض" (1/ 100): (هي الأوعية لغة وعرفا، والوعاء الظرف يوعى فيه الشيء، سمي بذلك لأنه يجمع ما فيه).

قال: (يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله ولو ثمينا إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما).

الشيء ويحيط به، فالصندوق والمخزن، وكذا الحوض والدار: ظروف، ولا تطلق عليها الآنية، فبينهما عموم وخصوص، فإن كل آنية ظرف، وليس كل ظرف آنية، وأهل اللغة لم يفرقوا بينهما). الثياب ظروف لجسد من يلبسها، وجلد الميتة ظروف لما بداخلها، وقد ذكر بعض ما يتعلق بثياب الكفار وجلد الميتة من أحكام الطهارة والنجاسة. وجواب آخر أن يقال أنه ذكر القرن والجلد والشعر ونحوها لكونها مادة تصنيع بعض الآنية، ويكون ذكر ثياب الكفار استطرادا لمناسبة ذكر آنيتهم وهذا أولى من الجواب السابق. قال: (يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله ولو ثمينا إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما). ذكر الماتن أنه يباح اتخاذ واستعمال كل الآنية الطاهرة حتى وإن كانت ثمينة أي كثير الثمن، كالمتخذة من جوهر وياقوت وزمرد، ونحو ذلك، واستثنى من ذلك آنية الذهب والفضة وما موه بهما. وفي كلامه مسائل: بعض المباحات لا يجوز استخدامها: ذهب الماتن إلى إباحة اتخاذ واستعمال كل إناء فقال: (يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله)، وهذا العموم متعقب بعظم الآدمي وجلده لحرمته، وقد استثناه الماتن في غاية المنتهي. قال الرحيباني في " مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (1/ 56): (لا يباح اتخاذ، ولا استعمال إناء من (عظم آدمي وجلده)، لحرمته (ولو) كان المُتَّخذ أو المُستعمل (نحو مِيل وقِنديل)، كمِجمرة ومِبخرة، ودواة ومُشط وسكين، وكرسي وسرير، وخفين ونعلين (ولو لأنثى)، لعموم الأخبار، وعدم المخصص. وأما التحلي فأبيح لهن لحاجتهن إليه للزوج وهذا ليس في معناه، (وتصلح طهارة بها) - أي: الآنية المذكورة بأن يغترف الماء بها) (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: شرح منتهى الإرادات (1/ 28)، كشاف القناع (1/ 51)، وغيرهما.

حكم استعمال الآنية النجسة على وجه لا يتعدى:

قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 79): (يستثنى من قوله (كل إناء طاهر يباح اتخاذه واستعماله) عظم الآدمي فإنه لا يباح استعماله). حكم استعمال الآنية النجسة على وجه لا يتعدى: مفهوم قوله: (يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله) أنه لا يباح اتخاذ ولا استعمال الآنية النجسة، وقد تعقب هذا المفهوم الشيخ العثيمين - رحمه الله - فقال في " الشرح الممتع" (1/ 71) ما مختصره: (قوله: «كل إناء طاهر»، هذا احتراز من النجس، فإنه لا يجوز استعماله، وفيما قال المؤلف نظر، لأن النجس يباح استعماله إذا كان على وجه لا يتعدى، مثاله أن يتخذ «زنبيلا» نجسا يحمل به التراب ونحوه، على وجه لا يتعدى). وقد نحا الماتن إلى جواز استعمال جلد حيوان كان طاهرا في الحياة، ثم تنجس بموت، مأكولا كالشاة أو لا كالهر بعد دبغة - مع أن الدبغ غير مطهر - في يابس، وأيضا أجاز استعمال شعر ما لا يؤكل لحمه غير جلد كلب وخنزير في يابس ولبسه في غير الصلاة. قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (1/ 59): ((ولا) يطهر (بدبغ جلدُ) حيوانٍ كان طاهرا في الحياة، ثم (تنجس بموت)، مأكولا كان أو لا: كالشاة والهر، على الصحيح من المذهب ... (فإن دبغ) جلد الميتة الطاهرة في الحياة (حل استعماله لا بيعه في يابس)، لحديث مسلم «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد شاة ميتة أعطتها مولاة لميمونة من الصدقة، فقال: ألا أخذوا إهابها فدبغوه، فانتفعوا به» ولأن الصحابة لما فتحوا فارس انتفعوا بسروجهم وذبائحهم ميتة، ولأن نجاسته لا تمنع الانتفاع به، كالاصطياد بالكلب، وركوب البغل والحمار، وعلم منه أنه لا يجوز استعماله قبل الدبغ مطلقا، ولا بعده في مائع من ماء أو غيره، لأنه يفضي إلى تعدي النجاسة، (كمُنْخُلِ من شعر) حيوان (نجس)، كبغل: فيحل استعماله في يابس، لعدم تعدي النجاسة (¬1)) (¬2). ¬

_ (¬1) وقد نص أحمد على ذلك، وصحح المرداوي في "تصحيح الفروع" (1/ 121) جواز استعمال شعر ما لا يؤكل لحمه غير جلد كلب وخنزير في يابس ولبسه في غير الصلاة. (¬2) انظر: " شرح منتهى الإرادات" (1/ 30).

حكم استخدام الأواني الثمينة من غير النقدين:

وقد يقال أن هذا التعقب لا يلزم الماتن لأن محل الكلام على استعمال الآنية النجسة في المائعات وخاصة الماء لا في اليابس، وقرينة ذلك أنه ذكر باب الآنية عقب باب المياه لبيان أن هذه الآنية إنما هي لحفظ الماء. والصواب صحة التعقب وما ذُكِرَ لا يقوى على التخصيص بالماء فقط، بالإضافة إلى أن هذه المناسبة المذكورة ضعيفة فالماء لا يشترط أن يكون في ظرف بل إن أصله أن يكون في الآبار والعيون. وقد اعتاد بعض الفقهاء ذكر هذا الباب في كتاب الأطعمة والأشربة. والأولى أن يقال في وجه مناسبة ذكره في كتاب الطهارة أن بعض الآنية منهي عن استعمالها لنجاستها كالأوعية من جلود الميتة وآنية الكفار، أو محرمة كآنية الذهب والفضة فاحتاج الأمر إلى بيان حكم التطهر منهما فناسب أن يتكلموا على باب الآنية في كتاب الطهارة (¬1). حكم استخدام الأواني الثمينة من غير النقدين: قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 58): (أما سائر الآنية فمباح اتخاذها واستعمالها , سواء كانت ثمينة , كالياقوت والبِلور وَالْعَقِيقِ وَالصُّفْرِ والمخروط من الزجاج , أو غير ثمينة , كالخشب والخزف والجلود. ولا يكره استعمال شيء منها في قول عامة أهل العلم , إلا أنه روي عن ابن عمر أنه كره الوضوء في الصُّفْر والنُّحَاس والرَّصَاص وما أشبه ذلك. واختار ذلك الشيخ أبو الفرج المقدسي; لأن الماء يتغير فيها , وروي أن الملائكة تكره ريح النحاس (¬2) , وقال الشافعي في أحد قوليه: ما كان ثمينا لنفاسة جوهره فهو محرم; لأن تحريم الأثمان تنبيه على تحريم ما هو أعلى منه ; ولأن فيه سرفا وخيلاء وكسر قلوب الفقراء , فكان محرما كالأثمان. ¬

_ (¬1) انظر أحكام الطهارة للدبيان (1/ 412). (¬2) ضعيف - أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 168) حديث رقم (3882)، وفي "مسند الشاميين" (2/ 55) حديث رقم (910) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - بسند فيه يزيد بن يوسف الرحبي قال عنه الذهبي في "الكاشف" واه، وقال ابن حجر في "التقريب": ضعيف، ورواه الروياني في "مسنده" (1/ 74) حديث رقم (32) من حديث بريدة - رضي الله عنه - وفيه صالح بن حيان قال عنه ابن حجر: ضعيف.

الترجيح:

ولنا ما روي عن عبد الله بن زيد , قال: {أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صُفْر , فتوضأ} متفق عليه , وروى أبو داود في " سننه " , عن عائشة قالت: {كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تور من شَبَه (¬1)} ولأن الأصل الحل , فيبقى عليه , ولا يصح قياسه على الأثمان ; لوجهين: أحدهما أن هذا لا يعرفه إلا خواص الناس , فلا تنكسر قلوب الفقراء باستعماله , بخلاف الأثمان. والثاني أن هذه الجواهر لقلتها لا يحصل اتخاذ الآنية منها إلا نادرا , فلا تفضي إباحتها إلى اتخاذها واستعمالها , وتعلق التحريم بالأثمان التي هي واقعة في مظنة الكثرة , فلم يتجاوزه , كما تعلق حكم التحريم في اللباس بالحرير , وجاز استعمال القصب من الثياب , وإن زادت قيمته على قيمة الحرير ; ولأنه لو جعل فص خاتمه جوهرة ثمينة جاز (¬2) , وخاتم الذهب حرام , ولو جعل فصه ذهبا كان حراما , وإن قلت قيمته) (¬3). الترجيح: الراجح إباحة استخدام الأواني الثمينة من غير النقدين. وهو قول جمهور العلماء إلا أنه لم يصح فيه الإجماع. قال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 23): (اتفقوا أن كل إناء ما لم يكن فضة ولا ذهبا ولا صفرا ولا نحاسا ولا رصاصا ولا مغصوبا ولا إناء كتابي ولا جلد ميتة ولا جلد ما لا يؤكل لحمه وإن ذكي فان الوضوء منه والأكل والشرب جائز) وتعقبه ابن تيمية في "نقد مراتب الإجماع" (ص: 289) فقال: (الآنية الثمينة التي تكون أغلى من الذهب والفضة - كالياقوت ونحوه - فيها قولان للشافعي. وفي مذهب مالك قولان). وقال ابن حجر في "الفتح" (10/ 98): (يجوز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة وغالبها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة ولم يمنعها إلا من شذ وقد نقل ¬

_ (¬1) الحديث صححه الألباني، وقال الجوهري في الصحاح: الشبه: ضرب من النحاس. (¬2) وقد رجح الشيخ الشنقيطي في "أضواء البيان" (2/ 530) تحريم تحلي الرجال وتزينهم بالجواهر الثمينة كالؤلؤ ونحوه لما فيه من التشبه بالنساء. (¬3) انظر شرح العمدة (1/ 118).

آنية الذهب والفضة:

بن الصَّبَّاغِ في الشامل الإجماع على الجواز وتبعه الرَّافِعِي ومن بعده لكن في زوائد الْعُمْرَانِي عن صاحب الفروع نقل وجهين). آنية الذهب والفضة: قوله: (يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله ولو ثمينا إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما). استثنى الشيخ مرعي هنا من إباحة اتخاذ واستعمال الآنية الطاهرة: آنية الذهب أو الفضة أو المموه بهما فلا يحل اتخاذها ولا استعمالها. - الفرق بين الاتخاذ والاستعمال: قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 72): (هناك فرق بين الاتخاذ والاستعمال، فالاتخاذ هو: أن يقتنيه فقط إما للزينة، أو لاستعماله في حالة الضرورة، أو للبيع فيه والشراء، وما أشبه ذلك. أما الاستعمال: فهو التلبس بالانتفاع به، بمعنى أن يستعمله فيما يستعمل فيه). - الملازمة بين الاتخاذ والاستعمال للذهب والفضة: أولا - أن يكون الاتخاذ على هيئة الاستعمال المنهي عنه: قال ابن قدامة في " الكافي" (1/ 45): (ما حرم استعماله، حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال، كالطنبور، ويستوي في ذلك الرجال والنساء، لعموم الخبر) (¬1). والمقصود بهيئة الاستعمال أن تكون على نفس الهيئة المنهي عن استعمالها فيه فمثلا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة فيُتخذ منهما وِعَاء للأكل أو الشرب وإن لم يأكل أو يشرب فيهما، وأما غير هيئة الاستعمال فتكون بأن يتخذ منهما قلما أو نظارة ونحو ذلك من الوجوه الخارجة عن هيئة ما يستعمل في الأكل والشرب. قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 79): ((إلا آنية الذهب والفضة والمضبب بهما فإنه يحرم اتخاذهما). وهذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب. وقطع به أكثرهم. منهم: الخرقي، وصاحب الهداية، والخصال، والمستوعب، والمغني، ¬

_ (¬1) انظر: المبدع (1/ 46)، شرح منتهى الإرادات (1/ 28)، كشاف القناع (1/ 51)، وغيرهم.

ثانيا - ألا يكون الاتخاذ على هيئة الاستعمال المنهي عنه:

والوجيز، والمنور، وابن عبدوس في تذكرته، وابن رزين، وابن منجا في شرحهما، وغيرهم. قال المصنف: لا يختلف المذهب فيما علمنا في تحريم اتخاذ آنية الذهب والفضة، وقدمه في الفروع، والمحرر، والنظم والرعايتين، والفائق، ومجمع البحرين، والشرح وابن عبيدان، وغيرهم. وعنه يجوز اتخاذهما. وذكرها بعض الأصحاب وجها في المذهب. وأطلقهما في الحاويين ... ). وقال تقي الدين في "الفتاوى الكبرى" (1/ 436): (تنازع العلماء في جواز اتخاذ الآنية بدون استعمالها , فرخص فيه أبو حنيفة , والشافعي , وأحمد في قول , وإن كان المشهور عنهما تحريمه , إذ الأصل أن ما حرم استعماله , حرم اتخاذه كآلات الملاهي). قال موفق الدين في "المغني" (1/ 59): (ويحرم اتخاذ آنية الذهب والفضة. وحكي عن الشافعي أن ذلك لا يحرم ; لأن الخبر إنما ورد بتحريم الاستعمال , فلا يحرم الاتخاذ , كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير. ولنا , أن ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال , كالطنبور , وأما ثياب الحرير فإنها لا تحرم مطلقا , فإنها تباح للنساء , وتباح التجارة فيها , ويحرم استعمال الآنية مطلقا في الشرب والأكل وغيرهما ; لأن النص ورد بتحريم الشرب والأكل , وغيرهما في معناهما. ويحرم ذلك على الرجال والنساء ; لعموم النص فيهما , ووجود معنى التحريم في حقهما , وإنما أبيح التحلي في حق المرأة ; لحاجتها إلى التزين للزوج , والتجمل عنده , وهذا يختص الحلي , فتختص الإباحة به). قال تقي الدين في "شرح العمدة" (1/ 115): (وكذلك يحرم اتخاذها في المشهور من الروايتين فلا يجوز صنعتها ولا استصياغها ولا اقتناؤها ولا التجارة فيها لأنه متخذ على الاستعمال فكان كالطنبور وآلات اللهو ولان اتخاذها يدعو إلى استعمالها غالبا فحرم كاقتناء الخمر والخلوة بالأجنبية). والراجح طرد الملازمة هنا وتحريم الاتخاذ على هيئة الاستعمال المنهي عنه؛ لأنه قد يجر إلى استعمالها فيما حرم. ثانيا - ألا يكون الاتخاذ على هيئة الاستعمال المنهي عنه: قال ابن مفلح في " الفروع" (1/ 103): (يحرم في المنصوص استعمال آنية

ذهب وفضة على الذكر والأنثى "و" حتى الْمِيل ونحوه وكذا اتخاذها على الأصح "هـ" وحكى ابن عقيل في الفصول أن أبا الحسن التَّمِيمِيَّ قال: إذا اتخذ مِسْعَطًا، أَوْ قِنْدِيلًا، أَوْ نعلين، أَوْ مِجْمَرَةً، أَوْ مِدْخَنَةً، ذهبا أو فضة كره ولم يحرم ... ). قال الشيخ العثيمين في " الشرح الممتع" (1/ 75): (وعندنا هنا ثلاث حالات: اتخاذ، واستعمال، وأكل وشرب. أما الأكل والشرب فيهما فهو حرام بالنص، وحكى بعضهم الإجماع عليه. وأما الاتخاذ فهو على المذهب حرام، وفي المذهب قول آخر، وهو محكي عن الشافعي رحمه الله أنه ليس بحرام. وأما الاستعمال فهو محرم في المذهب قولا واحدا. والصحيح: أن الاتخاذ والاستعمال في غير الأكل والشرب ليس بحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شيء مخصوص وهو الأكل والشرب، ولو كان المحرم غيرهما لكان النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو أبلغ الناس، وأبينهم في الكلام ـ لا يخص شيئا دون شيء، بل إن تخصيصه الأكل والشرب دليل على أن ما عداهما جائز؛ لأن الناس ينتفعون بهما في غير ذلك. ولو كانت حراما مطلقا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتكسيرها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع شيئا فيه تصاوير إلا كسره أو هتكه، لأنها إذا كانت محرمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة. ويدل لذلك أن أم سلمة ـ وهي راوية الحديث (¬1) ـ كان عندها جُلجُل (¬2) من فضة جعلت فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فكان الناس يستشفون بها، فيُشفون بإذن الله، وهذا في «صحيح البخاري»، وهذا استعمال في غير الأكل والشرب. فإن قال قائل: خص النبي صلى الله عليه وسلم الأكل والشرب لأنه الأغلب استعمالا؛ وما علق به الحكم لكونه أغلب لا يقتضي تخصيصه به كقوله تعالى: ¬

_ (¬1) يشير إلى ما رواه الشيخان من حديثها - رضي الله عنها - مرفوعا: «الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم». (¬2) أي جرس صغير.

مناقشة ما قاله الشيخ العثيمين:

{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23]، فتقييد تحريم الربيبة بكونها في الحجر لا يمنع التحريم، بل تحرم، وإن لم تكن في حجره على قول أكثر أهل العلم؟ قلنا: هذا صحيح، لكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يعلق الحكم بالأكل والشرب؛ لأن مظهر الأمة بالترف في الأكل والشرب أبلغ منه في مظهرها في غير ذلك، وهذه علة تقتضي تخصيص الحكم بالأكل والشرب، لأنه لا شك أن الذي أوانيه في الأكل والشرب ذهب وفضة، ليس كمثل من يستعملها في حاجات تخفى على كثير من الناس). مناقشة ما قاله الشيخ العثيمين: أولا - بيان علل التحريم: 1 - الخيلاء وكسر قلوب الفقراء: وقد سبق ذكرها في كلام الشيخ العثيمين، وقال بهذا جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة. وهذه العلة غير منضبطة فقلوب الفقراء تنكسر بالمراكب الفارهة والملابس الفاخرة والبيوت الواسعة والأطعمة اللذيذة وغير ذلك من المباحات ومع كون هذه الأشياء مما ينكسر بها قلوب الفقراء لم يحرمها الشارع بل هي مباحة - ما لم يكن فيها إسراف -، وعليه فهذه العلة لا يناط بها حكم التحريم. 2 - التشبه بالأعاجم والكفار (¬1): وقد ذكر ابن تيمية أن اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة فيه تشبه بالكفار فقال في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 360): (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» متفق عليه. وعن جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: " إن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسها» رواه مسلم. ¬

_ (¬1) انظر أيضا المجموع للنووي (1/ 246).

علل النهي عن لبسها بأنها: من ثياب الكفار، وسواء أراد أنها مما يستحله الكفار بأنهم يستمتعون بخلاقهم في الدنيا، أو مما يعتاده الكفار لذلك. كما أنه في الحديث قال: إنهم يستمتعون بآنية الذهب والفضة في الدنيا، وهي للمؤمنين في الآخرة، ولهذا كان العلماء يجعلون اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة تشبها بالكفار). قال ابن رشد في "البيان والتحصيل" (18/ 540): (جاء النهي عن الأكل والشرب في آنية الفضة والذهب من جهة التشبه بالأعاجم، وكذلك اللجام والسرج المحليان بالفضة والذهب إنما لم يجز الركوب بهما من أجل ذلك ... ). روى ابن ماجه وغيره من حديث أبي موسى - رضي الله عنه - مرفوعاً: (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) (¬1) وهذا الحديث صريح في أن أهل الجنة يتمتعون بسائر وجوم استعمال الذهب والفضة وليس الشرب فقط. قال الشنقيطي في "أضواء البيان" (3/ 225): (هذه الأربعة المذكورة في هذا الحديث، التي هي: الذهب، والفضة، والحرير، والديباج ـ صرح النَّبي صلى الله عليه وسلم أنها للكفار في الدنيا، وللمسلمين في الآخرة. فدل ذلك على أن من استمتع بها من الدنيا لم يستمع بها في الآخرة). 3 - تضييق النقدين: قال تقي الدين في " شرح عمدة الفقه" (1/ 114): (لأن ذلك مظنة السرف باستعمال النقدين في غير ما خلقا له والله لا يحب المسرفين، ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما، ومظنة الفخر وكسر قلوب الفقراء والله لا يحب كل مختال فخور). قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (1/ 55): ((ولا) يباح اتخاذا ولا استعمالا إناء (من ذهب و) لا من (فضة)، لحديث حذيفة مرفوعا «لا تشربوا في ¬

_ (¬1) - والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه، وصحيح الجامع.

آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة» وعن أم سلمة ترفعه «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» متفق عليهما. والجرجرة: صوت وقوع الماء بانحداره في الجوف. وغير الأكل والشرب في معناهما، لأنهما خرجا مخرج الغالب، ولأن في ذلك سرفا وخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، وتضييق النقدين) (¬1). ولا يقال أن العلة منقوضة بما أذن الشرع في استعماله كالحلي للنساء فالترخيص في ذلك للدليل، وتجويز غيرها وقياسها عليه يؤدي إلى تضييق العلة. والراجح عندي أن العلة مركبة من كل ما سبق، والعلة تعمم معلولها وعليه فالنهي لا يخص الأكل والشرب فقط بل كل وجوه الاستعمال ولا يخرج عن ذلك إلا ما دلّ عليه الدليل كجواز التحلي بالذهب والفضة للنساء. - وأما قوله: (ولو كانت حراماً مطلقاً لأَمَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بتكسيرها، كما كان النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لا يدعُ شيئاً فيه تصاوير إلا كسره أو هتكه) فهو استدلال بقياس محل النزاع على التصاوير والتصاليب وهو قياس مع الفارق لظهور مظاهر الشرك والوثنية في الأصل دون الفرع. - وأما استدلاله بقصة أم سلمة - رضي الله عنها- فلا دلالة فيه لأمور منها: 1 - أن العبرة بما روى الراوي لا بما رأى. 2 - أن هذا اللفظ محل النزاع وهو (فضة) فقد اختلف فيه على اسرائيل الراوي عن عثمان بن عبدالله بن مَوْهَب، فروي عنه مرة بالقاف والمهملة (قصة)، وأخرى بالفاء والموحدة (فضة). وقد ورد هذا الحديث من غير طريق إسرائيل بلفظ: (فأخرجت لنا صُرَّة) رواه الطبراني (23/ 332) حديث رقم (764) من طريق سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ - وهو ثقة صاحب سُنة - عن عثمان بن عبدالله بن مَوْهَب، قال: دخلنا على أم سلمة، فأخرجت لنا صُرَّة فيها شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوب بحناء، فقالت: «هذا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم». ¬

_ (¬1) انظر: كشاف القناع (1/ 282).

الترجيح:

ولم يُختلف على عثمان كما اختلف على إِسْرَائِيل، فتقدم هذه الرواية وتقوي رواية القصة ويكون المعنى أنها أخرجت قصة أو خُصْلَة من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذه الصرة. الترجيح: الراجح تحريم اتخاذ واستعمال آنية الذهب والفضة سواء أكانا على هيئة الاستعمال أم لا، ويكون ذكر الأكل والشرب من باب التنبيه بالبعض على الكل والعلة تعمم معلولها. قال ابن تيمية في "شرح العمدة" (1/ 114): (لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» ". هذا التحريم يستوي فيه الرجال والنساء بخلاف التحلي فإنه يختص بالرجال ويباح لهم منه أشياء مستثناة، وكل ما يلبس فهو من باب الحلية سواء كان سلاحا أو لباسا، وما لم يلبس فهو من باب الآنية مثل المكحلة والمحبرة والمرود والإبريق، والأصل في ذلك ما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «إن الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» ". متفق عليه. وفي لفظ لمسلم " «إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة» " وعن حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» ". متفق عليه. فنهى صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب لأنهما أغلب الأفعال وفي التطهير منها والاستمداد والاكتمال والاستصباح ونحو ذلك لأن ذلك مظنة السرف باستعمال النقدين في غير ما خلقا له والله لا يحب المسرفين، ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما، ومظنة الفخر وكسر قلوب الفقراء والله لا يحب كل مختال فخور. وكذلك يحرم اتخاذها في المشهور من الروايتين، فلا يجوز صنعتها ولا استصياغها ولا اقتناؤها ولا التجارة فيها لأنه متخذ على هيئة محرمة الاستعمال،

حكم استخدام الآنية المموهة بالذهب أو الفضة:

فكان كالطنبور، وآلات اللهو، ولأن اتخاذها يدعو إلى استعمالها غالبا فحرم كاقتناء الخمر والخلوة بالأجنبية). حكم استخدام الآنية المموهة بالذهب أو الفضة: قال: (يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله ولو ثمينا إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما). تعريف المموه وما في معناه: قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 29): (إناء (مموه) وهو إناء من نحو نُحَاس يلقى فيما أذيب من ذهب أو فضة، فيكتسب لونه. (و) إناء (مَطْلِيّ) بذهب أو فضة، بأن يجعلا كَالْوَرَق ويطلى به الإناء من نحو حديد. (و) إناء (مُطَعَّمٌ) بذهب أو فضة، بأن يحفر في الإناء من نحو خشب حفرا، ويوضع فيه قطع ذهب أو فضة بقدرها. (و) إناء (مُكَفَّتٌ) بأن يبرد الإناء حتى يصير فيه شبه المجاري في غاية الدقة، ويوضع فيها شريط دقيق من ذهب أو فضة، ويدق عليه حتى يلصق) (¬1). روايات المذهب: اختار الشيخ مرعي الرواية المصححة في المذهب وهي أنه يُحَرم المُمَوه ونحوه كما يُحَرم المُصمت. قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 81): (حكم الْمُمَوه وَالْمَطْلي الْمُطَعَّم والْمُكَفف ونحوه بأحدهما: كالْمُصمت على الصحيح من المذهب. وقيل: لا. وقيل: إن بقي لون الذهب أو الفضة. وقيل: واجتمع منه شيء إذا حُكَّ حَرُمَ. وإلا فلا) (¬2). الترجيح: الأقوى تحريم اتخاذ واستعمال هذه الآنية المموهة والمطلية - ونحو ذلك - بالذهب أو الفضة لعموم الأدلة السابق ذكرها، ولتحقق علل التحريم في هذه الحالة، بالإضافة إلى أنه لا يوجد حاجة للتمويه والطلاء، بل هو من باب السرف والتزين، ¬

_ (¬1) انظر: مطالب أولي النهي (1/ 56)، كشاف القناع (1/ 51)، وحاشية ابن قاسم (1/ 102). (¬2) انظر: الفروع (1/ 108)، المبدع (1/ 48).

حكم الطهارة منهما ومن الإناء المغصوب:

وسوف يأتي مزيد بيان لهذه المسألة عند الكلام على حكم الآنية المضببة قريبا - بإذن الله -. حكم الطهارة منهما ومن الإناء المغصوب: قال الماتن: (وتصح الطهارة بها (¬1) وبالإناء المغصوب). وقوله: (بها) أي بأن يغترف بها الماء ويصبه على أعضاء وضوئه. وكما أنه يصح بها فيصح منها وفيها وإليها. قال البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 28): ((وتصح الطهارة من إناء من ذلك) - أي من ذهب أو فضة، أو من عظم آدمي وجلده؛ لحرمته. والطهارة منها بأن يغترف منها بيده - (و) من إناء (مغصوب) ونحوه (أو) إناء (ثَمَنُه محرم) لكونه نحو مغصوب، بخلاف الصلاة في غصب أو محرم، والفرق: أن القيام والقعود والركوع والسجود في المحرم محرم لأنه استعمال له، وأفعال نحو الوضوء من الغسل والمسح ليست بمحرمة لأنه استعمال للماء لا للإناء. وأيضا فالنهي عن نحو الوضوء من الإناء المحرم يعود لخارج، إذ الإناء ليس ركنا ولا شرطا فيه، بخلاف البقعة والثوب في الصلاة. (و) تصح الطهارة أيضا (فيه) أي في إناء محرم، كما لو غصب حوضا يسع قلتين فأكثر، فملأه ماء مباحا وانغمس فيه بنية رفع الحدث، فيرتفع حدثه، لما تقدم من أن الإناء ليس شرطا. كما لو صلى وفي يده خاتم ذهب (و) تصح طهارة أيضا (إليه) أي إلى إناء من ذلك. بأن جعله مصبا لماء الوضوء والغسل، كالطَّشْت؛ لأن الماء يقع فيه بعد أن رفع الحدث ... ) (¬2). قال ابن رجب في "القواعد (ص/12): (في العبادات الواقعة على وجه محرم، إن كان التحريم عائدا إلى ما ليس بشرط فيها ففي الصحة وجهان واختار أبو بكر عدم الصحة وخالفه الأكثرون وله أمثلة كثيرة: (منها) الوضوء من الإناء المحرم. ¬

_ (¬1) في الأصل: بهما، وفي النسخ الخطية الثلاث التي عندي: بها. (¬2) انظر كشاف القناع (1/ 52).

التضبيب:

(ومنها) صلاة من عليه عمامة غصب أو حرير أو في يده خاتم ذهب وفي ذلك كله وجهان واختيار أبي بكر عدم الصحة). وقد رجح ابن قدامة في "المغنى" (1/ 56) قول الأكثرين بصحة الطهارة منها فقال: (يفارق هذا الصلاة في الدار المغصوبة؛ لأن أفعال الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود، في الدار المغصوبة؛ محرم؛ لكونه تصرفا في ملك غيره بغير إذنه، وشغلا له، وأفعال الوضوء؛ من الغسل، والمسح، ليس بمحرم، إذ ليس هو استعمالا للإناء، ولا تصرفا فيه، وإنما يقع ذلك بعد رفع الماء من الإناء، وفصله عنه، فأشبه ما لو غرف بآنية الفضة في إناء غيره، ثم توضأ به؛ ولأن المكان شرط للصلاة، إذ لا يمكن وجودها في غير مكان، والإناء ليس بشرط، فأشبه ما لو صلى وفي يده خاتم ذهب). التضبيب: قال الماتن: (ويباح إناء ضبب بضبة يسيرة من الفضة لغير زينة). تعريف المضبب: المقصود بالإناء المضبب هنا هو ما أصابه شَّق أو كسر ونحوه فيذاب في شَّقه شيء من الذهب أو الفضة أو يربط كسره بسلك منهما، أو يوضع عليه صفيحة (¬1) تضمه وتحفظه (¬2). الأدلة والمناقشة: بداية نلاحظ تداخلا بين مسألة الإناء المموه، وما في معناه، وبين الإناء المضبب وهناك قدرا مشتركا بينهما وهو استعمال الفضة إلا أن المضبب فيه أنه استعمله للحاجة إليه في إصلاح الإناء بخلاف المموه ونحوه فاستعماله يكون للزينة. وسوف أسوق الأدلة المشتركة بين المسألتين ثم أتكلم عن التفريق بين الضبة الكثيرة واليسيرة بإذن الله. ¬

_ (¬1) أي لَوح عريض. (¬2) انظر بحث: حكم الأواني الذهبية والفضية لصالح البقمي.

أدلة من قال بالجواز: روى البخاري في "صحيحه" (4/ 83) حديث رقم (3109) من حديث أنس - رضي الله عنه - «أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّة». والضمير في قوله: "فاتخذ" يحتمل أن يعود للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو لأنس- رضي الله عنه - والظاهر من بعض الروايات الأخرى أن الفاعل هو أنس، ولكن الأمر لا يعدو الاحتمال فلا يستدل به على أحد الاحتمالين دون الآخر. ومن ذلك ما رواه البخاري في "صحيحه" (7/ 113) حديث رقم (5638) عن عاصم الأَحْوَل، قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك وكان قد انصدع فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّة، قال: وهو قدح جيد عريض من نُضَار، قال: قال أنس: «لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا» قال: وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه). فقول أبو طلحة مراده الحلقة دون التضبيب لأنه يكون للحفاظ على القدح. وروى البيهقي في "الكبرى" (1/ 47) من طريق عاصم بن سليمان، عن ابن سيرين، عن أنس: (أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انصدع فجعلتُ مكان الشعب سلسلة). قال ابن حجر في "الفتح" (10/ 100): (لم يتعين من هذه الرواية من قال هذا وهو جعلت بضم التاء على أنه ضمير القائل وهو أنس بل يجوز أن يكون جعلت بضم أوله على البناء للمجهول فتساوي الرواية التي في الصحيح). - روى الطبراني في "الكبير" (25/ 68) حديث رقم (167) من طريق عمر بن يحيى الْأُبُلِّيُّ (¬1)، ثنا معاوية بن عبد الكريم الضال، ثنا محمد بن سيرين، عن أخته، ¬

_ (¬1) نسبة (الْأُبُلِّيُّ) إلى (أُبَلَّةَ) بلدة على شاطئ دجلة (البصرة).

عن أم عطية، قالت: «نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الذهب وتفضيض الأقداح، فكلمه النساء في لبس الذهب فأبى علينا، ورخص لنا في تفضيض الأقداح» والإناء المُفَضَّضٌ: هو المُمَوَّه بِالْفِضَّةِ أَو المُرَصَّعٌ بِالْفِضَّةِ. وإسناده ضعيف، قال الهيثمي في "المجمع" (5/ 149): (فيه عمر بن يحيى الْأُبُلِّيُّ ولم أعرفه). - روى ابن أبي شيبة في " مصنفه" (5/ 104) أثر رقم (24145) من طريق عبدالرحمن بن مهدي، عن عمران أبي العوام القطان، عن قتادة، أن عمران بن حصين، وأنس بن مالك: «كانا يشربان في الإناء المفضض» وهذا الأثر حسن عن أنس - فيه عمران قال عنه ابن حجر: "صدوق يهم" فمثله حسن الحديث إلا إذا تبين أن الحديث مما وهم فيه، وقتادة مشهور بالتدليس، وقد سمع من أنس ولم يسمع من عمران بن حصين، فعاد الحديث إلى فعل أنس وحده كما في حديث أنس السابق. أدلة من ذهب إلى التحريم: روى الفاكهي في "فوائد" (ص/270) حديث رقم (100)، وعنه الدارقطني في "سننه" (1/ 55) حديث رقم (96)، وغيره من طريق يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَارِيُّ، عن زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ عن أبيه عن أبيه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا: (من شرب في إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم). وهذا إسناد ضعيف وزيادة (أو إناء فيه شيء من ذلك) زيادة منكرة، والحديث قال عنه الذهبي في "الميزان": "منكر"، وأعله ابن حجر في "الفتح" (10/ 101) بجهالة حال إبراهيم بن عبد الله بن مطيع وولده. - ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 104) أثر رقم (24151) من طريق عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: «أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة، ولا ضَّبَّة فضة» رواته ثقات وإسناده صحيح، وهو فعل صحابي معارض بفعل أنس كما سبق.

معنى الحاجة:

ما رواه مَعْمَر بن راشد في "جامعه" (11/ 72 - مصنف) أثر رقم (19946)، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" (8/ 382) أثر رقم (5967) عن أيوب السِّخْتِيَانِي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة - رضي الله عنها - «أنها كرهت الشراب في الإناء المفضض» ورواته ثقات. الترجيح: أرى أن الراجح التفريق بين التضبيب وغيره؛ لأن الحاجة تدعو للتضبيب بخلاف المموه وما في معناه. معنى الحاجة: قال تقيد الدين في " شرح العمدة" (1/ 116): (معنى الحاجة أن تكون الضبة مما يُحتاج إليها سواء كانت من فضة أو نحاس أو حديد فتباح. فأما إن احتيج إلى نفس الفضة بأن لا يقوم غيرها مقامها فتباح وإن كان كثيرا ولو كان من الذهب). والأولى عندي الحكم بالإباحة إن تعينت الفضة بأن لم يقم غيرها مقامها، ويباح منها ما تسد به الحاجة ولا يتجاوز قدر الحاجة. فإن قام غير الفضة مقامها فلا يباح استخدامها إعمالا لعموم الأدلة وعموم العلل التي سبق ذكرها لبيان تحريم استعمالها واتخاذها. وقد فرق تقي الدين، وموفق الدين (¬1) وغيرهما بين القليل والكثير، وهذا التفريق غير منضبط ولا دليل عليه، وعليه فالراجح أن استعمال ما فيه ذهب أو فضة لغير حاجة محرم لأنه لا يتأتى اجتناب المحرم إلا باجتناب هذه الآنية ونحوها وإنما يباح من ذلك ما تدعوا إليه الحاجة - دون فرق بين قليل أو كثير - لإصلاح ما أصابه شَّق أو كسر من الآنية للحديث الوارد في ذلك. وإيضاح ذلك: أن تحريم استعمال الذهب والفضة ليس لشيء في ذاتهما كالنجاسة مثلا، وإنما هما محرمان لعلل خارجة عن ماهيتهما - كما سبق بيان علل التحريم ومنها: التشبه بالأعاجم والكفار، وتضييق النقدين -، وكما هو مقرر أن ما حرم سدا للذريعة فإنه يباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة. ¬

_ (¬1) انظر شرح العمدة (1/ 116)، المغني (1/ 59).

تتمة - التفريق بين التضبيب بالذهب والفضة:

تتمة - التفريق بين التضبيب بالذهب والفضة: الراجح أن التضبيب يجوز بالفضة دون الذهب وذلك لبعض الوجوه ومنها: أولا - أن معدن الذهب أنفس من معدن الفضة وعلل التحريم تتحقق فيه بجلاء أكثر من الفضة فتحريمه أشد من الفضة. ثانيا - أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في خاتم الفضة للرجال ولم يرخص في خاتم الذهب. ثالثا - الاستئناس بكلام العلماء في التفريق بينهما، وقد ذهب كثير منهم إلى أن الجائز التضبيب بالفضة دون الذهب. رابعا - الاستئناس بما ورد من الأدلة التي سبق ذكرها في أدلة الجواز وكلها في الفضة دون الذهب وهي وإن كانت حوادث أفعال لا تقوى على التخصيص إلا أنني قلت بمقتضاها استئناسا. آنية الكفار وثيابهم. قال الماتن: (وآنية الكفار وثيابهم طاهرة). يعني أن هذا هو الأصل ما لم يعلم نجاستهما أو يغلب على الظن. وهذا القول الذي اختاره الماتن هو الصحيح في المذهب وهو الراجح. قال ابن مفلح في الفروع (1/ 108): (وثياب الكفار وأوانيهم مباحة إن جهل حالها (وهـ) وعنه الكراهة (وم ش) وعنه المنع , وعنه فيما وَلِي عوراتهم , وعنه المنع في الكل ممن تحرم ذبيحته). قال موفق الدين: (وثياب الكفار وأوانيهم، طاهرة مباحة الاستعمال، ما لم تعلم نجاستها). وقال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 85) معلقا على قول الموفق السابق: (هذا المذهب مطلقا وعليه الجمهور ... ). قال الكلوذاني في "الهداية" (ص: 49): (أواني الكفار - ما لم تتيقن نجاستها - طاهرة مباحة الاستعمال، وكذلك ثيابهم).

الأدلة والمناقشة (¬1): استدل من قال بالجواز بالأدلة الآتية: الدليل الأول: استدلوا بما رواه مسلم في "صحيحه" (3/ 1393) حديث رقم (1772) عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قال: أصبت جرابا من شحم، يوم خيبر، قال: فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا، قال: «فالتفت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما». وجه الاستدلال: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز والجراب يدخل ضمن أوانيهم ولو كان نجسا لأمره النبي بغسله وغسل الشحم الذي بداخله. الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]. وجه الاستدلال: أن الله تعالى أباح لنا طعام أهل الكتاب، ومن المعلوم أنهم يأتون به إلينا أحياناً في أوانيهم فدل على جواز الأكل من أوانيهم وأنها لا تنجس ما بها من طعام، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أكل من الشَّاة المسمومة التي أُهديت له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في خيبر. تنبيه: وأما ما رواه أحمد في "المسند" (3/ 133) من طريق أبان، حدثنا قتادة، عن أنس، أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة، فأجابه " فقوله: (يهوديا) قد اختلف في هذا اللفظ على أبان فروى عنه بلفظ أن خياطا، وهذه الرواية هي الموافقة لباقي الروايات في الصحيح وغيره عن أنس، وقد حكم الشيخ الألباني في "الإرواء" (35) على هذا اللفظ بالشذوذ وعلى ذلك فلا ¬

_ (¬1) وانظر موسوعة الطهارة للدبيان (1/ 488).

يستقيم الاستدلال بها على طهارة آنية الكفار. الدليل الثالث: ما قاله ابن عبد الهادي في "المحرر" (1/ 92) حديث رقم (21): (عن عمران بن حصين رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضأوا من مزادة امرأة مشركة " متفق عليه، وهو مختصر من حديث طويل). وجه الاستدلال: ظاهر ما نقله ابن عبد الهادي أن هذا الماء الذي كان في مزادتي المشركة هو ماء طهور؛ لتوضؤ النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم - منه فدل على طهارة أوعيتهم. مناقشة الاستدلال: وفي هذا الاستدلال نظر فالحديث مساق بالمعنى وليس فيه أحد ألفاظه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ من هذا الماء ولكنه فيه أنه أعطى منه الصحابي الذي أصابته جنابة ماء ليغتسل، ويحسن أن أسوق من الحديث موضع الشاهد ليتضح ضعف هذا الاستدلال فقد روى البخاري (1/ 76) حديث رقم (344)، ومسلم (1/ 474) حديث رقم (682) وغيرهما من حديث عمران وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فاستنزلوها - أي المرأة المشركة - عن بعيرها، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء، ففرغ فيه من أفواه المَزَادَتَيْنِ - أو سَطِيحَتَيْنِ - وأوكأ أفواههما وأطلق الْعَزَالِي، ونودي في الناس اسقوا واستقوا، فسقى من شاء واستقى من شاء وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: «اذهب فأفرغه عليك» ... الحديث واللفظ للبخاري. والمقصود بالْعَزَالِي فم المزادة الأسفل وللمعترض أن يقول أن هذا الماء طهر بالمكاثرة التي حدثت ببركة مج النبي - صلى الله عليه وسلم - في المزادتين كما في رواية مسلم. الدليل الرابع: ما رواه أحمد في "مسنده"، والطحاوي في "معاني الآثار" (1/ 473) حديث رقم (2715) وغيرهما من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: «كنا نصيب مع

رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغانمنا من المشركين الأسقية، والأوعية فَنَقْتَسِمُهَا، وَكُلُّهَا ميتة». وجه الاستدلال: وهذا يدل على طهارة أوعيتهم وأسقيتهم. مناقشة الاستدلال: قوله: (وكلها ميتة) أي أن هذه الأوعية نجسة العين لأنها من جلود ميتة إذ لا عبرة بذبح الكافر. وقوله هذا يدل على أن الدباغ لا يطهر، إلا أن اقتسامها يشير إلى جواز استعمالها، وأنها ليست نجسة العين بل طهرت بالدباغ، وإلا لكان الأمر بإتلافها. فهذا الحديث يدل على أن الدبغ يطهر جلد الميتة على خلاف المذهب - وسوف يأتي بإذن الله مناقشة هذه المسألة في محلها - إلا أن الاستدلال به على طهارة أوعية الكفار ففيه نظر من ناحيتين: الأول - أن تكرار وضع الماء فيها يزيل أثر النجاسة منها كالخمر ونحوه حتى وإن كان من كافر لأن إزالة النجاسة من باب التروك فلا تحتاج لنية، فيكون كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ في حق قُدُور وآنية أهل الكتاب: «إن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء». الثاني - إذا ليس في الحديث ما يدل على أنهم كانوا يشربون منها فور قسمتها، فللمعترض أن يقول أنهم أراقوا ما فيها وغسلوها قبل الاستعمال فلا يتم الاستدلال باللفظ المجمل على أحد معانيه إلا بقرينة. الدليل الخامس: ما رواه الدارقطني في "سنه" (1/ 39) حديث رقم (64)، والبيهقي في "السنن الصغرى" (1/ 90) حديث رقم (221، 222)، وغيرهما عن سفيان بن عيينة قال: حدثونا عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر، «توضأ من ماء نصرانية في جَرَّةٍ نصرانية» واللفظ للبيهقي. مناقشة الاستدلال: وهذا الأثر غير صحيح، فالإسناد منقطع فسفيان لم يسمعه من زيد بن أسلم وقد

ذكره ابن حجر في "تغليق التعليق" (2/ 131) فقال: (وهذا إسناد ظاهرة الصحة وهو منقطع رواه سعدان بن نصر عن سفيان بن عيينة قال حدثنا عن زيد بن أسلم ولم أسمعه عن أبيه ... فذكره مطولا بنحوه). أدلة من قال بالمنع: استدلوا بما رواه البخاري في "صحيحه" (7/ 86) حديث رقم (5478)، ومسلم في "صحيحه" (2/ 1532) حديث رقم (1930) من طريق عن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ، قال: قلت: يا نبي الله، إنا بأرض قوم من أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد، أصيد بقَوسي، وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم، فما يصلح لي؟ قال: «أما ما ذكرت من أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقَوسك فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك المعلم، فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته فكل» وجه الاستدلال: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها) صريح في المنع من استعمالها عند توفر غيرها، أو قبل غسلها بالماء، فدل على أن الأصل في آنيتهم المنع وأن العلة هي نجاستها وعدم تحرزهم من شرب الخمر أو أكل الخنزير فيها كما ورد في بعض الروايات والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. مناقشة الاستدلال: وزيادة أنهم يأكلون الخنزير ويشربون الخمر مختلف فيها فقد وردت من بعض الطرق الضعيفة والروايات الصحيحة لم تثبت هذه الزيادة. وعلى فرض ثبوتها أو عدم ثبوتها (¬1) أي سواء أكانت العلة منصوص عليها أو مستنبطة فالنهي يكون معللا ولا يقال أن العبرة بعموم اللفظ بل يقال: العلة تعمم معلولها وقد تخصصه، فمتى تحققت العلة وجد المنع، وإلا فلا منع هذا هو مقتضى إعمال القواعد الأصولية. ¬

_ (¬1) وقد تتبع طرقها الدبيان في "موسوعة الطهارة" (1/ 493) وظاهر صنيعه أنه لا يميل لثبوتها.

حكم ثيابهم:

أدلة من قال بالكراهة: غاية من قال بالكراهة أنه حاول الجمع بين أدلة الجواز والمنع بحمل النهي عن الكراهة، وهذا المسلك غير جيد في هذه المسألة إذ أن مقتضاه أن نقول بجواز الشرب من الإناء الذي علمنا أن أصحابه عُرفوا بمباشرة النَّجاسات من أكل الخنزير وشرب الخمر ونحو ذلك، وأنه يجوز ترك غسل آنيتهم، وهذا قول غير سديد وإن لم يقولوا به ولكنه لازم لترجيحهم الجمع بالكراهة. الترجيح: الراجح عندي هو القول المشهور في المذهب من أن آنية الكفار مباحة الاستعمال إن جهل حالها ولم نتيقن أو يغلب على ظننا تنجسها وإلا فيجب الغسل. قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 84): (وأما حديث أبي ثعلبة الخشني أن الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قال: "لا تأكلوا فيها، إلا ألا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها".فهذا يدلُّ على أن الأَوْلَى التنزُّه، ولكن كثيراً من أهل العلم حملوا هذا الحديث على أناس عُرفوا بمباشرة النَّجاسات من أكل الخنزير، ونحوه، فقالوا: إن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ منع من الأكل في آنيتهم إلا إذا لم نجد غيرها، فإننا نغسلها، ونأكل فيها. وهذا الحمل جيد، وهو مقتضى قواعد الشَّرع). حكم ثيابهم: الراجح هنا أيضا هو نفس القول السابق في الآنية من أن الأصل طهارتها إلا أن نتيقن أو يغلب على الظن نجاستها. قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 84): (وقوله "وثيابهم" أي تُباحُ ثيابُهم وهذا يشمل ما صنعوه وما لبسوه، فثيابهم التي صَنَعوها مباحة، ولا نقول: لعلهم نسجوها بمنْسَج نجس؛ أو صَبغُوها بصبغ نجس؛ لأنَّ الأصل الحِلُّ والطَّهارة، وكذلك ما لبسوه من الثياب فإنه يُباح لنا لُبسه، ولكن من عُرِفَ منه عدم التَّوقِّى من النَّجاسات كالنَّصارى فالأَوْلَى التنزُّه عن ثيابهم بناءً على ما يقتضيه حديث أبي ثعلبة الخُشني رضي الله عنه. وقوله "إن جُهل حالها" هذا له مفهومان: الأول: أن تُعلَمَ طهارتُها.

قال الماتن: (ولا ينجس شيء بالشك ما لم تعلم نجاسته)

الثاني: أن تُعلَمَ نجاستُها، فإن عُلِمتْ نجاستُها فإنها لا تُستعمل حتى تُغسل. وإن عُلمتْ طهارتُها فلا إشكال، ولكن الإشكال فيما إذا جُهل الحال، فهل نقول: إن الأصل أنهم لا يتوقَّون النَّجاسات وإنَّها حرام، أو نقول: إن الأصل الطَّهارة حتى يتبيَّن نجاستها؟ الجواب هو الأخير). قال الماتن: (ولا ينجس شيء بالشك ما لم تعلم نجاسته) (¬1). هذا تأكيد وتعميم وتقعيد للمسألة السابقة من حل ثيابهم وآنيتهم ما لم يعلم نجاستها، والقاعدة العامة التي قررها العلماء لتنتظم بها الفروع الفقهية التي تندرج تحتها هي قاعدة ((اليقين لا يزول بالشك))، وهذه القاعدة هي إحدى القواعد الخمس الكبرى التي ذكر العلماء أنها مبنى الفقه، والدليل عليها ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا». قال الماتن: (وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعَصَبها وجلدها نجس ولا يطهر بالدباغ، والشعر والصوف والريش طاهر إذا كان من ميتة طاهرة في الحياة ولو كانت غير مأكولة كالهر والفأر). حافرها: الحافر من الدواب ما يقابل القدم من الإنسان، والحافر يكون في الخيل، وهو كالخف الذي يكون في الإبل. عَصَبها: بفتحتين أطناب مفاصل الحيوان، المقصود أنها كالخيوط التي تتصل بها مفاصل العظام وتشدها، وبها تكون الحركة والحس من المخ إلى البدن. ويحتمل أنهم كانوا يأخذون عصب بعض الحيوانات الطاهرة فيقطعونه ويجعلونه شبه الْخَرَزِ، فإذا يبس يتخذون منه القلائد. طاهرة في الحياة: الحيوان من ناحية حل أكله قسمان حلال الأكل كبهيمة الأنعام فهذه طاهرة في الحياة وغير حلال الأكل كالخنزير والكلب والحمار الإنسي ¬

_ (¬1) بداية من هنا مأخوذ من كتابي: التحرير شرح الدليل.

فائدة - الحياة نوعان:

فهذه غير طاهرة في الحياة، ولكن استثني منها في المذهب الهر وما دونه في الخلقة مما ليس مأكولا وحكم بطهارتهم في حال الحياة للمشقة (إنها من الطوافين عليكم والطوافات). فائدة - الحياة نوعان: قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (21/ 97): (الحياة نوعان: حياة الحيوان وحياة النبات، فحياة الحيوان خاصتها الحس والحركة الإرادية وحياة النبات خاصتها النمو والاغتذاء. وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إنما هو بما فارقته الحياة الحيوانية دون النباتية؛ فإن الشجر والزرع إذا يبس لم ينجس باتفاق المسلمين وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} وقال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} فموت الأرض لا يوجب نجاستها باتفاق المسلمين وإنما الميتة المحرمة: ما فارقها الحس والحركة الإرادية). مسألة - عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعَصَبها نجس. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (21/ 99): (وأما العظام ونحوها: فإذا قيل: إنها داخلة في الميتة لأنها تحس وتألم. قيل لمن قال ذلك: أنتم لم تأخذوا بعموم اللفظ؛ فإن ما لا نفس له سائلة كالذباب والعقرب والخنفساء لا ينجس عندكم وعند جمهور العلماء مع أنها ميتة موتا حيوانيا. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه؛ فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء} ... وإذا كان كذلك: علم أن علة نجاسة الميتة إنما هو احتباس الدم فيها فما لا نفس له سائلة ليس فيه دم سائل فإذا مات لم يحتبس فيه الدم؛ فلا ينجس. فالعظم ونحوه أولى بعدم التنجيس من هذا؛ فإن العظم ليس فيه دم سائل ولا كان متحركا بالإرادة إلا على وجه التبع. فإذا كان الحيوان الكامل الحساس المتحرك بالإرادة لا ينجس لكونه ليس فيه دم سائل: فكيف ينجس العظم الذي ليس فيه دم سائل؟ ... وإذا كان كذلك فالعظم والقرن والظُّفْر والظلف - أي الظُّفْر المشقوق للبقرة والشاة ونحوهما - وغير ذلك ليس فيه دم مسفوح فلا وجه لتنجيسه وهذا قول جمهور السلف).

مسألة - جلد الميتة نجس لا يطهر بالدباغ.

قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (21/ 101): (الجلد جزء من الميتة فيه الدم كما في سائر أجزائها والنبي صلى الله عليه وسلم جعل دباغه ذكاته؛ لأن الدباغ ينشف رطوباته؛ فدل على أن سبب التنجيس هو الرطوبات والعظم ليس فيه رطوبة سائلة وما كان فيه منها فإنه يجف وييبس وهو يبقى ويحفظ أكثر من الجلد فهو أولى بالطهارة من الجلد). إذن الراجح أن عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعَصَبها طاهر. مسألة - جلد الميتة نجس لا يطهر بالدباغ. هذا هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب، ومن الأدلة عليه ما رواه أبو داود وغيره عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ، قال: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ: «أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ» صححه الشيخ الألباني. وهو معارض بما رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: مَاتَتْ شَاةٌ لِمَيْمُونَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟» فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ: «إِنَّ دِبَاغَ الْأَدِيمِ طُهُورُهُ» واللفظ لأبي داود. وقد اختلف العلماء في الجمع بين الحديثين والأقوى أنه لا تعارض بينهما فإنما نهي النبي عن الإهاب وهو اسم للجلد قبل الدباغ وقرينة ذلك ذكر العصب معه وهو لا يدبغ، وأرشدهم لدبغه ليحل الانتفاع به، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: يُسَمَّى إِهَابًا مَا لَمْ يُدْبَغْ، فَإِذَا دُبِغَ لَا يُقَالُ لَه: إِهَابٌ، إِنَّمَا يُسَمَّى شَنًّا وَقِرْبَةً ". مسألة - الشعر والصوف والريش طاهر إذا كان من ميتة طاهرة في الحياة ولو كانت غير مأكولة كالهر والفأر. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (21/ 98): (الشعر حياته من جنس حياة النبات؛ لا من جنس حياة الحيوان؛ فإنه ينمو ويغتذي ويطول كالزرع وليس فيه حس ولا يتحرك بإرادته فلا تحله الحياة الحيوانية حتى يموت بمفارقتها فلا وجه لتنجيسه ... ). قال الشيخ الحمد في "شرح الزاد": (ومما استدل به أهل العلم على أن هذه الأشياء ـ أي الصوف ـ أنها طاهرة وليست بنجسه، قوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا

قال الماتن: (ويسن تغطية الآنية وإيكاء الأسقية).

وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80]، فذكر الله ـ عز وجل ـ أن مِنْ مِنَنِهِ على عباده أنه منّ عليهم بالأصواف والأوبار والشعور يتمتعون بها في هذه الحياة، وما كان في سياق الامتنان فإنه يدل على العموم ـ كما هو معروف عند أهل العلم ـ فتكون هذه الأصواف وغيرها طاهرة في كل حال لأن الآية تدل على العموم. وهي ـ عند جمهور العلماء طاهرة، وقالوا: يشترط أن تكون من طاهر في الحياة. إذن: إذا جُزّت من بهيمة الأنعام ونحوها مما هو طاهر في الحياة سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول فإنها طاهرة. ـ أما إذا جُزّت من كلب ونحوه مما هو نجس في الحياة فمذهب جمهور أهل العلم أنها لا تكون طاهرة. ـ وذهب شيخ الإسلام إلى أنها طاهرة ـ وهذا على مذهبه ـ في أن المستحيل من النجس ليس بنجس، فإذا استحال شيء من النجاسات إلى شيء آخر فليس بنجس، فالشعر الخارج من الحيوانات النجسة ليس بنجس وهذا القول هو الراجح). وعليه فالشعر والصوف والريش طاهر سواء أكان من حيوان مأكول اللحم أم غير مأكول اللحم. قال الماتن: (ويسن تغطية الآنية وإيكاء الأسقية). قال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 15): (لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوك سقاءك، واذكر اسم الله وخمر إناءك، واذكر اسم الله، ولو أن تعرض عليه عوداً" متفق عليه). وهذا الأمر بالإيكاء والتخمير إرشادي فلا يكون للوجوب. وعلل التغطية هي: 1 - عدم نزول الوباء. فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء».

خاتمة الشرح:

2 - صيانته من الشيطان - فقد روى مسلم عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح بابا، ولا يكشف إناء، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا، ويذكر اسم الله، فليفعل). 3 - صيانة الماء من الهوام والحشرات والمقذرات فربما وقع شيء منها فيه فيتناوله وهو غافل أو يفسد عليه ما في الإناء من طعام أو شراب. خاتمة الشرح: تم شرح هذه القطعة من متن دليل الطالب بحمد الله تعالى وتوفيقه وأسأل الله أن يعين على مراجعته واتمامه، والله المستعان وعليه البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أسأل الله العظيم أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يدخر لي أجره يوم لا ينفع مال ولا بنون أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي عفا الله عنه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

§1/1